الإمام الدكتور عبد العليم محمود
دَلَائِل النُّبُوَّة
ومعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
wwwMuhammadcom
دلائل النبوة ومعجزات محـمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
للإمام الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر
ترجمة تلميذه أحمد بن الدرويش خادم الحافظ عبد الله بن الصديق الغماري الحسني
عليك بتجديد دينك وجهاد ومقاطعة الصهيونية بكتب ويوتوب الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل وموسوعة الحافظ عبد الله الغماري وكتب الإمام الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر عن الأولياء والتربية والقرآن والحديث والنبي صلى الله عليه وآله وسلم
الإمام
الدكتور عبد الحليم محمود
دلائل النبوة
ومعجزات الرسول
صلى الله عليه وسلم
A
دار المعارف
بِسْمِ الله الرحمنِ الرَّحِ
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله
وصحبه والداعين بدعوته إلى يوم الدين
يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرا ونذيرا ٤٥ وداعيًا إلى
الله
بإذنه وسراجا
منيرا ٤٦ وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرًا ٤٧ ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ٤٨١
1 الأحزاب ٤٥ ٤٨
صدق الله العظيم ]
مقدمة المؤلف
إن مسألة إثبات وجود الله سبحانه وتعالى ليست مشكلة دينية لأن وجود الله سبحانه مركوز في الفطر الإنسانية إنه سبحانه سمى نفسه الظاهر إنه ظاهر أينما وجه الإنسان بصره في الآفاق وهو ظاهر إذا وجه الإنسان بصره فى نفسه ففي كل شيء له آية
سنُريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم فصلت ٥٣
وفى أنفسكم أفلا تبصرون ه الذاريات ٥١
ولا بن عطاء الله السكندرى فى ذلك جمل رائعة ولأبي الحسن الشاذلي وأبي العباس المرسى فى ذلك أيضا آراء فى غاية النفاسة يعبر عن زاوية منها قول ابن عطاء الله
السكندرى إلهى كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك فيكون هو المظهر لك
متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك
ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك أهـ والواقع أن محاولة الاستدلال على وجود الله إنما هي انحراف في الفطرة
الطبائع
وشذوذ في
أما المسألة الأساسية للدين
فهى البرهنة على صدق النبي
ومن أجل ذلك كتب أسلافنا رضوان الله عليهم في هذا الموضوع كثيرا من الكتب تحت عنوان دلائل النبوة أو أعلام النبوة أو الشمائل
والواقع أن كل كتاب صحيح فى رسول الله إنما هو كتاب في دلائل النبوة لأنه يصور حياة فاضلة لشخصية كاملة لا يمكن أن تتطرق إليها رذيلة الكذب بأي حال وإن من أجمل الكتب فى دلائل النبوة كتب الصحاح أمثال صحيح البخارى وصحيح مسلم إن فيها من السيرة الطاهرة ومن المعجزات الحسية ومن أحاديث الأخلاق
الكريمة ما يدل - فى وضوح لا شائبة للشك فيه - على صدق سيدنا محمد ال فإذا قرأت أي كتاب من كتب الإمام البخاري في صحيحه فستجد ما يرضيك من ناحية الاطمئنان إلى صدق نبوة محمد ولقد قسم الإمام البخارى رضى الله عنه صحيحه إلى كتب يتعلق واحد منها بالعلم وثان بالإيمان وثالث بالصلاة ورابع بالزكاة
تعددت الكتب بحسب الموضوعات التى دار عليها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث وهى تحدد صلة الإنسان بربه وصلته بأخيه المسلم إنها تتعلق بالعبادات وبالمعاملات وبالمجتمع على وجه العموم فى صورته التي رسمها الله سبحانه على لسان رسوله وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى النجم ٣ ٤
فإذا ما تدبر الإنسان أي كتاب من هذه الكتب وكان صافي البصيرة لا يغشى قلبه شيء من الران ولا يتمذهب بمذهب يطمس فطرته ولا يقول كما قال بعض من سلف إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون الزخرف ۳
فإنه
- لا شك - سيؤمن بأن محمدًا له من لدن الحق سبحانه
000
ونحن لا نعالج الكتابة عن الرسول الله لأول مرة كلا فقد سبق أن اشتركنا في ترجمة كتاب محمد رسول الله واضطررنا في أثناء الترجمة إلى الرجوع باستمرار إلى السيرة في مختلف كتبها لنقل النصوص عن أصولها ثم ألفنا كتاب الرسول لمحات من حياته وأضواء من هديه وهو لمحات موجزة وأقباس يسيرة من
سيرته المشرقة صلوات الله وسلامه عليه وألفنا فى الإسراء والمعراج وكانت قراءتنا في السنين الأخيرة تتجه في كثير منها إلى سيرة رسول الله وهذا الكتاب - الذي بين يديك - أشبه بثمرة لفترات طويلة قضيتها سعيدًا بين كتب الأحاديث وكتب السيرة ولما كان الموضوع من السعة بحيث لا يستقل به مثلى فإني أعلن هنا أني أشركت معى آخرين فى هذا المؤلف لقد أشركت معى الإمام البخارى والإمام مسلم والإمام البيهقى وأشركت معى ما كان بين يدى من كتب السيرة وكتب الشمائل أو الدلائل وذلك أنى قد اغترفت من أسلافنا رضوان الله عليهم وأخذت في التنسيق والاستنتاج أو بيان العظمة والعبرة وفى كثير من الأحيان تركت هؤلاء الأعلام يعبرون بأقلامهم عما رأيت أنه الحق وأنه يعبر في وضوح لا لبس فيه أو في إشارة لا تخفى
على لبيب عن زاوية من زوايا دلائل النبوة
كان
من
ولقد كان لبعض من لم يوفقهم الله إلى الإسلام من القدماء لمحات دقيقة في سيرته الممكن أن تؤدى بهم إلى الإيمان هذه اللمحات ذكرت بعضا منها ولقد كتب بعض الغربيين عن الرسول له آراء قامت على أساس من الأنصاف واستندت إلى أصول من الوثائق الصحيحة وقد ذكرت بعض ذلك أيضا ولقد طوف معى هذا الكتاب وطوفت مراجعه معى في بلاد كثيرة كنت فيها أتأمل فيه وأفكر في موضوعاته تعمدت أن أقلب فى مراجعه وفى صفحاته وأخط بعض سطوره بجوار الكعبة الشريفة رجاء أن ينال بعض أنوارها وتعمدت أن أحمله إلى الروضة الشريفة بجوار حضرة المصطفى
رجاء أن
وإني
الله
يفتح ببعض فتوحاته !
أحمد الله على ما من به من توفيق
وأحمده على منحه التي توالت أثناء تأليف هذا الكتاب وأحب أن أنبه إلى أن فصول هذا الكتاب يعتبر كتاباً مستقلاً فى دلائل النبوة وذلك أني تركت بعض يأخذ مجراه في الاستفاضة دون الحد منها
ولقد
بعض
الأبحاث
ولم أشأ أن أقف مع القارئ في ختام كل فصل فأنبه على دلائل النبوة في هذا الفصل وكل ما أرجوه من القارئ أن يقف وقفة المتدبر عند نهاية الفصل ليرى بنفسه دلائل خلاله وارجو الله فى ختام هذه المقدمة أن يكون قد كتب لى التوفيق في الكتاب وأن يشرح له صدورًا وأن يهدى به قلوبًا وأن يجعل نفعه عاما إنه سميع قريب
النبوة
من
هذا
مجيب
الدكتور عبد الحليم محمود
ولكن
الله
يشهد بما أنزل
إليك أنزله بعلمه والملائكة
يشهدون وكفى بالله شهيدا
الفصل الأول عن
[ صدق الله العظيم ]
سورة النساء الآية ١٦٦
صورة رسول الله
い
-1-
يتحدث القرآن الكريم عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في كثير من سوره يقول سبحانه
يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيران ۱
ويقول سبحانه
ومَنْ يُطع الرسول فقد أطاعَ الله ومَن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظان ٢
ويقول سبحانه
قل إن كنتم تُحبون الله فاتبعوني يُحْيِيكُمُ اللهُ ويغفر لكم ذنوبكم ۳ لقد كان رسول الله له متصلا بربه صلة عبودية وحب وكان الله - سبحانه وتعالى - متصلاً بالرسول صلة عناية ورعاية وتوفيق ومن أجل هذه الصلة أرشدنا الله - سبحانه وتعالى - إلى اتخاذ الرسول أسوة فقال
سبحانه
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حَسَنَةٌ لِمَنْ كان الله واليومَ الآخِرَ وذَكَرَ الله
كثير انه 4
يرجو
بل أمرنا سبحانه أن نأخذ منه ما آتانا وأن ننتهى عما نهانا عنه وهددنا إذا لم نلتزم
ذلك فقال سبحانه
فروما آتاكم الرسولُ فَخُذُوهُ وما نَهَاكم
العقاب 0
عنه
فانتهوا واتقوا
الله
إن الله شديد
-Y-
أما السر في ذلك فهو
1 الأحزاب ٤٥ ٤٦
النساء آية ۸۰ ۳ آل عمران آية ۳۱ ٤ الأحزاب آية ٢١ ٥ الحشر آية ٧
1 - أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه لا ينطق عن الهوى ولا ينحرف عن صراط الله المستقيم ولقد أقسم الله تعالى على ذلك فقال سبحانه
والنجم إذا هوى ما ضل صاحِبُكُم وما غَوَى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وَحْيٌ يُوحَى 1
٢ - كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه فى جميع أحواله – حركة وسكونا إشارة ونطقا قلبا وقالبا – يمثل القرآن الكريم
وقد كان صلوات الله وسلامه عليه تطبيقا للقرآن لقد لبس القرآن ظاهرا وباطنا لقد
كان قرآنا
ولقد وصفته السيدة عائشة - رضي الله عنها - وصفا دقيقا حينما سئلت عن فقالت كان خُلُقُهُ القرآن
ومن
كان خلقه القرآن كان أسوة وكان قدوة وكان على خلق عظيم
ومن هنا وصف
الله
سبحانه وتعالى له بقوله
وإنك لعلى خلق عظيم
--
خلقه
والحق أننا حينما نريد أن نكون صورة واضحة عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه فإن الطريق الوحيد لذلك إنما هو الإحاطة بالقرآن إحاطة واضحة
والإحاطة بالقرآن على هذا النسق ليست من السهولة بمكان
فالقرآن في كل يوم يفتح عن معان جديدة للإنسانية ويتفتح عن معان جديدة للشخص المتأمل فيه المتدبر له وهذه المعانى الجديدة - إنسانية عامة أو فردية شخصية – إنما هي إيضاح وتفسير للصورة النبوية الكريمة والمقابل
أيضا فإن المتدبر المتأمل فى الصورة النبوية الكريمة – عن طريق السيرة صحيح الصحيحة والأحاديث المعتمدة - يفهم عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه كل يوم جديدا وهذا الفهم إنما هو تفسير وإيضاح لجوانب من القرآن الكريم
النجم
آية ۱ ۳ ٤
القلم آية ٤
۱
لقد امتزج الرسول صلوات الله وسلامه عليه بالقرآن - كما قدمنا - روحًا وقلبا وجسما وامتزج القرآن به عقيدة وأخلاقا وتشريعا فكان صلوات الله وسلامه عليه قرآنًا يسير في الناس وكان القرآن روحا ينتقل وكان قلبا ينبض وكان لسانا ينطق بالهداية والإرشاد
ولقد كان صلوات الله وسلامه عليه حريصا كل الحرص على أن يكون خلق الأمة الإسلامية القرآن
لقد عمل لذلك طيلة بعثته
ويحدثنا القرآن الكريم عن موقف الرسول صلوات الله وسلامه عليه من الأمة فيقول
سبحانه
ولقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف
رحیم 1
صلوات الله
وسلامه عليك يا سيدى يارسول الله
ويتحدث صلوات الله وسلامه عليه عن حرصه الشديد على هداية أمته فيقول مثلى ومثلكُم كمثل رجل أوقد نارًا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدى
هذه
هی
صلة الرسول بربه وهذه هي صلته بأمته لقد ارتفع صلوات الله وسلامه عليه إلى السماء بل وتجاوزها إلى سدرة المنتهى ورأى من آيات ربه الكبرى ولقد تجاوز سدرة المنتهى إلى مقام قاب قوسين ثم إلى مقام أو أدْنَى النجم ٩ لقد ارتفع إلى الأفق الأعلى وتجاوز بذلك النهاية الكونية لقد كان فعلاً أدنى من قاب قوسين فانغمس في الأفق الأعلى وتلقى عن الله مباشرة كيفية الصلة به وهى أشرق في الأرض سراجًا منيرا رءوفًا رحيما هاديًا يدعو إلى الله
الصلاة ثم
ثم
على بصيرة هو ومن اتبعه يقول أحد الصالحين
۱ التوبة ۱۸ رواه أحمد
صعد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه إلى السماء ثم عاد إلى الأرض أقسم بالله لو صعدت إلى السماء ما حاولت العودة إلى الأرض مرة أخرى بيد أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه نبی ورسول فهو متصل بالله دائما إنه في السماء على الدوام
إنه نبى وهو متصل بالبشر يؤدى رسالة السماء كاملة غير منقوصة إنه رسول ثم إنه على حد تعبير القرآن بشرًا رسولاً ۱ فهو ببشريته مع الناس وهو بسره مع إنه مع الناس بإرادة الله وتوجيهه وأمره إنه مع الناس بكلمة الله
ورسالته
الله
إنه مع الناس رسول من قبل الله
وبهذه المعاني كلها يمكننا أن نقول إنه دائما معا - منذ اللحظة الأولى للبعثة كان دائماً
إنه
ربه يقول
است كهيئتكم إنني أبيت عند ربي
مع
الله ويمكننا أن نقول
الله سبحانه وتعالى حتى إنه ليبيت عند
يقول تعالى
--
بشر رسول
وقل إنما أنا بشر مثلكُم يُوحَى إلى ٢ إنه صلوات الله وسلامه عليه بشر وما يجول في خلد مسلم قط أن يخرجه عن
البشرية ولكنه صلوات الله وسلامه عليه
بشر يوحى إليه
وما يتأتى قط أن يوحى الله إلى بشر إلا إذا أصبح وكأنه قطعة من النور صفاء نفس
وطهارة قلب وتزكية روح
فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير
101
خلق
الله
كلهم
وبعض الناس حينما يقرأ القرآن فتمر عليه الآية الكريمة
1 الإسراء ٩٤
الكهف ۱۱۰
١٤
الهوجاء
وقل إنما أنا بشر مثلكم يُوحَى إلى 1
يقف عند كلمة بشر فيحاول التركيز عليها وتوجيه الانتباه كله إليها وتحويل الأنظار كلها نحوها فيتحدث عن خصائص البشرية العادية ويبرزها ويندفع في هذا الاتجاه المنحرف اندفاعا لا يتناسب قط مع قوله تعالى يوحى إلى بل إنه – في اندفاعته - ينسى يوحى إلى ويهملها إهمالا إنه ليس بنادر فى العصر الحاضر أن يجرؤ بعض الناس فيتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن خطئه - معاذ الله فى الرأى وعن إصابته فيه ويسير هذا البعض – في حديثه - أو كتابته - مستنتجا ومستنبطاً وحاكما وينسى في كل ذلك
رسوله
وما ينطق عن الهوى ٢
وينسى في كل ذلك
يوحى إلى الله وينسى لست كهيئتكم وينسى
طولا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كَدُعَاء بعضكم بعضا ۳
أن وینسی
بعض المسائل يمكن أن تكون لها حلول مختلفة كلها صحيحة بعضها
رفيق رحيم وبعضها عادل حاسم وأن الله سبحانه وتعالى قد بين للأمة الإسلامية أن - وهو على صواب دائما - إنما يتخذ الحل الذى يتناسب ما حلاه الله به مع وما فطره عليه سبحانه من الرحمة وهو الحل الذى يتناسب مع طابع الرسالة
الرأفة من
الإسلامية العام
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين 4
والله - سبحانه - ببيانه ذلك فى هذه المواضع التي كان من الممكن أن يقف فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مع الحسم الشديد فعدل عن ذلك إلى الرأفة الرحيمة – إن الله سبحانه وتعالى ببيانه ذلك - إنما يمدح الرسول ع عل الله ويبين أن منزع الرحمة إنما هو الغالب عليه فإنه بالمؤمنين رءوف رحيم ٥
۱ الكهف ١١١
النجم ٣
۳ النور ٦٣ ٤ الأنبياء آية ١٠٧
٥ التوبة ۱۸
ولم يلغ
الله سبحانه اتجاها عاما سار فيه الرسول ولم ينقض قضية كلية أقرها
ولم ينف مبدأ أثبته رسوله فما كان صلوات الله وسلامه عليه يسير إلا على هدى من ربه
وعلى بصيرة من أمره وقد شهد الله له بذلك حيث قال
وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم صراط الله
وما فعل الله في كل ما تمسك به المنحرفون وتمحك فيه المتمحكون إلا بيان رحمة الرسول ا وأنه كما وصفه سبحانه - على خلق عظيم
عن خطاً وصواب
والبون شاسع بين هذه التوجيهات الربانية وبين التحدث وأوضاع بشرية يركز عليها ولا يلتفت لسواها - ولنضرب لذلك مثلا إن الذين ديدنهم الجدل يتحدثون كثيرا عن قوله تعالى و عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم ٢ ويقذفون بضلالهم مباشرة فيقولون
إن العفو لا يكون إلا عن
ولهؤلاء نقول
إن الأساليب العربية فيها من أمثال هذا الكثير ومنها قولهم مثلاً غفر الله لك لماذا
تشق على نفسك كل هذه المشقة
عفا الله عنك لِمَ تُعنى نفسك فى سبيل هؤلاء وكأن القائل يقول
رضی
الله عنك لم ترهق نفسك كل هذا الإرهاق
إن الآية القرآنية من هذا الوادى
وضم هذه الآية الكريمة إلى أختها التي في سورة النور فإذا استأذنوكَ لبعض شأنِهِم فَأذَنْ لِمَنْ شئت منهم ۳
تجد المعنى واضحًا جليا وهو أن الله سبحانه فوض الأمر لنبيه ل في أن يأذن أو لا يأذن ليس النبي إذن معاتبا بهذه الآية – وحاشاه - بل كان مخيرًا فلما أذن لهم أعلمه
۱ الشورى آية ٥٢ ٥٣
٢ التوبة ٤٣ ۳ النور آية ٦٢
الله أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا ولتخلفوا بسبب نفاقهم وأنه – مع ذلك – لا حرج عليه
في الإذن لهم إنها آية مدح للرسول غاية في الرقة
ومن غير شك قد صدر الإذن لهم عن قلب رحيم
وعن هذا القلب الرحيم وعن هذه الرحمة الفياضة كان الرسول يصدر في أحكامه وما كان في ذلك إلا متناسقاً مع قوله تعالى
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ۱
وهكذا الأمر في كل ما يمارى فيه الممارون
--
ذلك فإننا نريد أن نزيد الأمر وضوحا فى الفرق بين من يركز على بشر ومن ومع يركز على يُوحَى إلى لأهميته الكبرى فنقص القصة التالية ذات المغزى العميق
والقصة يرويها ابن عطاء الله السكندرى رضى
الله
عنه يقول
الله
عنه في شرحه لقصيدة ولى الله
أبو مدين رضى ا زار بعض السلاطين ضريح أبي يزيد رضى الله عنه - وقال
هل هنا أحد ممن اجتمع بأبي يزيد
فأشير إلى شيخ كبير في السن كان حاضرا هناك فقال له هل سمعت شيئًا من كلام أبي يزيد
فقال نعم سمعته قال من رأني لا تحرقه النار
فاستغرب السلطان ذلك الكلام فقال
كيف يقول أبو يزيد ذلك وأبو جهل رأى النبي وتحرقه النار
فقال ذلك الشيخ للسلطان أبو جهل لم ير النبي إنما رأى يتيم أبي طالب
ولو رآه - - لم تحرقه النار
ففهم
السلطان كلامه وأعجبه هذا الجواب منه أي أنه لم يره بالتعظيم والإكرام واعتقاد أنه رسول الله ولو رآه بهذا المعنى لم تحرقه النار لكنه رآه باستخفاف واعتقاد أنه يتيم أبى طالب فلم تنفعه تلك الرؤية
والأسوة
۱ الأنبياء آية ١٠٧
عن
كلمة
ولسنا هنا بصدد الحديث عن أبي يزيد رضى الله عنه وإنما نريد أن نتحدث الشيخ للسلطان من أن أبا جهل لم ير النبي وإنما رأى يتيم أبي طالب هذه النظرة نظرة أبي جهل هى التى نريد أن يتنزه المؤمنون عنها والمؤمنون - بحمد الله لا يقعون فى الإثم متعمدين وإنما يتسلل هذا الإثم إلى بعض النفوس في صورة لا شعورية عندما يركز بعضهم على بشرية الرسول وكأنه لا شيء
فيه غير البشرية
ومن الغريب أنهم حينما يتحدثون عن البشرية ويركزون عليها – يعتبرون أنفسهم تقدميين متطورين وفاتهم أن هذه النظرة إنما هى النظرة التي يتبناها المستشرقون والمبشرون في العصر الحاضر ليقللوا من شأن الرسول في نظر مواطنيهم وما كان المستشرقون فى تركيزهم على بشرية الرسول إلا متابعين في ذلك زعيمهم الأكبر في هذه النزعة – وهو أبو جهل
وكل من يركز على بشرية الرسول من الكتاب المسلمين إنما هو بذلك يتابع المستشرقين والمبشرين في هذه النزعة أو يتابع أبا جهل
وهم فى كل ذلك - ليسوا تقدميين ولا متطورين وإنما هم من الرجعيين حيث ترجع فكرتهم إلى ما قبل ثلاثة عشر قرناً مضت يتزعمهم فيها أبو الجهل كله وأبو الظلمة القلبية كلها !! ! أبو جهل ليس هناك إذن اجتهاد وخطأ وصواب وإنما هناك تصرفات تصدر عن الكرم والرحمة فيتحدث الله مبينا طبيعة رسوله الكريمة وفطرته الرحيمة ورأفته الواضحة ويبين في الوقت نفسه
إن بعض هؤلاء الذين فاضت عليهم هذه الرحمة ليسوا جديرين بها وليسوا أهلاً لها لفساد فطرهم وسوء نواياهم ومن الحقائق المعروفة أن الإنسان يميل إلى التركيز على بشر أو على يوحى إلى حسب قوة شعوره الديني وضعفه فالذى لا إيمان له لا يرى إلا البشرية ومن ضعف إيمانه يركز على البشرية ويخف التركيز على البشرية كلما قوى الإيمان ويزداد التركيز على يوحى إلى كلما ازداد الإيمان حتى يصل الإنسان إلى ألا يرى – أو لا يكاد يرى - إلا يُوحَى إلى
صلوات الله وسلامه عليك يا سیدی یا رسول الله
وهناك إذن طرفان يمثلان فريقين من الناس طرف يتمثل بشرًا أو قل إنما أنا بشر مثلكم
وطرف يتمثل يوحى إلى أو رَسُولا وبين الطرفين يتأرجح إيمان المسلمين نزولاً
وارتفاعًا انخفاضا وسموا
فإن مقياس الإيمان قوة وضعفا - مقياس درجة الإيمان الذي لا يخطئ – إنما هو ما وقر في القلب أو غلب عليه من البشرية أو من يُوحى إلى إنهما يمثلان ما يوضع فی گفتی میزان دع ما ادعته النصــــــاري في نبيهم واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
-Y-
ولعلك تتساءل الآن عن هذا الذى لا يرى - أو لا يكاد يرى – إلا يوحى إلى ماذا
يرى وكيف يرى
عنه
هی
النظرة التي تنأى بنا عن يتيم أبي طالب لتقربنا من الأسوة
كيف ينبغي أن تكون نظرة المؤمن لرسول الله
والواقع أن الصورة الكاملة عن رسول يلزم لها أن يصل الإنسان إلى مستواه أو إلى ما يقرب من مستواه وذلك لا يتأتى
يبد أنه إذا استحال ذلك - فإنه من الميسور أن نورد بعض الصور عنها منها صُورَتانِ إحداهما جاهلية والأخرى إسلامية وكلتاهما لسيدنا عمر رضى الله
الله
أما الصورة الأولى فإنها يتيم أبي طالب كان سيدنا عمر يراها قبل أن يهديها للإسلام وأراد عمر أن يقتل يتيم أبي طالب حتى لا تتفرق كلمة القرشيين بسببه ولكن دعاء رسول الله له
اللهم أعِزَّ الإسلام بأحَبَّ هذين الرجلين إليك بعمرو بن هشام أو بعمر بن
الخطاب كانت قد استجيبت لخير سيدنا عمر فهداه الله للإسلام ولازم الرسول ع عليه فناله من بركاته ومن خيره ما هيأه لأن يكون الخليفة الثاني للأمة الإسلامية أجمع وأن يعز الله الإسلام به فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته
۱۹
إن سيدنا عمر هذا الذي لم يكن للشيطان عليه من سبيل والذي كان إذا سلك طريقاً
سلك الشيطان طريقاً آخر خشية منه ورهبة والذى نزل القرآن أحيانا مصدقا لما رآه - إن سيدنا عمر صاحب يا سارية الجبل صورة إسلامية لسيده وحبيبه وصديقه ونبيه ورسوله
-
لنا
يرسم
ولكن هذه الصورة هى صورة سيدنا عمر إنها تتناسب مع مستوى سيدنا عمر وهو
من غير شك عظيم ماذا كان يمكن أن يقول سيدنا أبو بكر رضوان الله عليه وماذا كان يمكن أن يقول عنه وماذا كان يمكن أن يكون وصف سيدنا جبريل لو وصفه
سيدنا على رضى
الله
إن الله سبحانه وتعالى يقول عن نبيه وإنك لعلى خلق عظيم الله ۱
وما كانت كلمة السيدة عائشة رضوان الله عليها كان خلقه القرآن إلا تفسيرًا
لما أشارت إليه الآية القرآنية الكريمة أيمكنك أن تتصور المدى الذي تبلغه الآية الكريمة
وتفسير السيدة عائشة لها
أيتأتى لك أن تحيط بالقرآن أستغفر الله وأتوب إليه
ولنعد إلى الصورة التي رسمها صاحب يا سارية الجبل لنعد إليها لنثبتها شارحين لبعض حوادثها موضحين لبعض أنبائها وسنجعل الإيضاح بين أقواس
D
بعد موت رسول الله الله شمع سيدنا عمر يبكى ويقول
بأبي أنت وأمى يا رسول الله لقد كان جذع تخطب الناس عليه فلما كثر الناس اتخذت منبرا لتسمعهم فَحَنَّ الجذع لفراقك حتى جعلت يدك عليه فسكن فأمتك كانت أولى بالحنين إليك لما فارقتها
يروى البخارى ومسلم وكتب السنة كلها تقريبا وكتب السيرة حادث حنين بعدة روايات - وننقل هنا إحدى روايات البخاري
الجذع
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال كان النبى الله يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه فَحَنَّ الجذع فأتاه فمسح يده عليه
٢٠
١ القلم آية ٤
بأبي أنت وأمى يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أ أن جعل طاعتك طاعته
فقال عز وجل من يطع الرسول فقد أطاع الله ۱
بأبي أنت وأمى يا رسول الله !! لقد بلغ من فضيلتك عنده أن بعثك آخر الأنبياء وذكرك في أولهم فقال عز وجل
وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم ٢
بأبي أنت وأمى يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون أن يكونوا قد أطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون
يقولون يا ليتنا أطَعْنَا الله وأطعنا الرسولان ۳
بأبي أنت وأمى يا رسول الله لئن كان موسى بن عمران أعطاه الله حجرا تتفجر منه الأنهار فماذا أى فليس ذلك - بأعجب من أصابعك حين نبع الماء منها
صلى الله عليك يا سيدى يا رسول الله
إن نبع الماء من بين أصابعه الشريفة الله لم يحدث مرة واحدة وإنما حدث عدة مرات كما روى البخارى ومسلم وغيرهما من كتب السنة وروته كتب السيرة بروايات عدة في ظروف مختلفة مما يدل على كثرة حدوثه
وننقل هنا إحدى روايات البخاري
عن جابر بن عبد
الله
الله
رضی
عنهما عطش الناس يوم الحديبية والنبي بين
يديه ركوة فتوضأ فجهش الناس فأسرعوا وتكاثروا نحوه فقال ما لكم قالوا ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده فى الركوة فجعل الماء يثور بين
أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قلت كم كنتم
قال لو كنا مائة ألف لكفانا !! كنا خمس عشرة مائة
بأبي أنت وأمى يا رسول الله !! لئن كان سليمان بن داود أعطاه الله الريح غُدُوها شهر
۱ النساء آية ۸۰ الأحزاب ٧ ۳ الأحزاب آية ٦٦
ورواحها شهر فماذا بأعجب من البراق حين سَرّيت عليه إلى السماء السابعة ثم صليت
الصبح من ليلتك بالأبطح !!
صلی
عليك
سنتحدث في فصل خاص عن الإسراء والمعراج إن شاء الله تعالى بأبي أنت وأمى يا رسول الله !! لئن كان عيسى بن مريم قد أعطاه الله إحياء الموتى فماذا بأعجب من الشاة المسمومة حين كلمتك وهي مشوية فقالت لك الذراع لا تأكلنى فإني مسمومة
يروى ابن سعد في طبقاته
أخبر سعيد بن محمد الثقفي عن محمد بن عمر عن أبي سلمة قال كان رسول الله لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية فأهدت إليه يهودية شاة مَصْلِيَّة ١ فأكل رسول الله الله منها هو وأصحابه فقالت إنى مسمومة فقال لأصحابه ارفعوا أيديكم فإنها قد أخبرت أنها مسمومة
قال فرفعوا أيديهم قال فمات بشر بن البراء فأرسل إليها الرسول صلى الله عليه وسلم فقال ما حملك على ما صنعت
فقالت أردت أن أعلم إن كنت نبيا لم يضرك وإن كنت ملكا أرحتُ الناس منك قال فأمر بها فقتلت اهـ
من
بأبي أنت وأمى يا رسول الله !! لقد دعا نوح على قومه فقال رب لا تذر على الأرض الكافرين ديارا
ولو دعوت علينا بمثلها لهلكنا كلنا فلقد وطىء ظهرُك ۳ وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيرا فقلت
اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون
لقد دمى وجهه وكسرت رباعيته في غزوة أحد روى ذلك البخاري ومسلم
۱ مصلية مشوية
نوح ٢٦
۳ تروى كتب السيرة أن عقبة بن أبي معيط وطيء على رقبته الشريفة وهو ساجد عند الكعبة حتى
كادت عيناه تبرزان
معه
إلا القليل
أما حديث اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون فقد رواه البيهقى فى دلائل النبوة بأبي أنت وأمى يا رسول الله !! لقد اتبعك في قلة سنك وقصر عمرك ما لم يتبع نوحًا في كثرة سنه وطول عمره ولقد آمن بك الكثير وما آمن بأبي أنت وأمى يا رسول الله لو لم تجالس إلا كفئًا لك ما جالستنا ولو لم تنكح إلا كفئًا لك ما نكحت إلينا ولو لم تواكل إلا كفئًا لك ما آكلتنا فقد والله جالستنا ونكحت إلينا وآكلتنا ولبست الصوف وركبت الحمار وأردفت خلفك ووضعت طعامك على الأرض تواضعا منك لله
هذه صورة !
000
ومن الطريف أن نذكر صورة أخرى استنتاجية استنتجها رجل لم يكن يعرف الرسول ولكنه رجل واسع الأفق رحب الخيال دقيق التفكير
وقد اتخذ الاحتياط اللازم حتى لا يشوب الصورة أى مطعن هذا الرجل هو
هرقل أتاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام فلم يهمل الكتاب ولم يمزقه وإنما قرأه في عناية وانتباه ثم أراد أن يُكَوِّنَ صورة صحيحة عن صاحب الخطاب فسأل عما إذا
أمور
مكة يعرفون
كان بالمدينة بعض العرب الذين يعرفون الرسول فقيل له إن بالمدينة تجارًا من محمداً باعتباره من مواطنيهم فأمر بإحضارهم وكان منهم أبو سفيان وسأل هرقل عن أقربهم نسبا إلى الرسول فكان أبا سفيان فقربه منه وأدناه وقال لهم إني سائله عن فإن كَذبَني فكذبوه يقول أبو سفيان فوالله لولا الحياء من أن يأثروا على كذبا لكذبت عليه وسنترك المقدمات والأسئلة الأولى لأنها واضحة من النتائج التي انتهى إليها هرقل ! الأسئلة - بدأ عن طريق الترجمان يقول لأبي سفيان
إن هرقل بعه انتهى من على مشهد من الملأ الحاضر من أصحاب هرقل ومن أصحاب أبي سفيان
سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب
وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها
وسألتك
هل قال أحد منكم هذا القول
فذكرت أن لا
فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسى بقول قيل قبله
فذكرت أن لا
قلت لو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه -
وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا
فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله ! وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم
فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه
وهم أتباع الرسل
وسألتك أيزيدون أم ينقصون
فذكرت أنهم يزيدون
وكذلك أمر الإيمان حتى يتم
وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه
فذكرت أن لا
وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب
وسألتك هل يغدر
فذكرت أن لا
وكذلك الرسل لا تغدر
وسألتك بم يأمركم
فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وينهاكم عن عبادة الأوثان
ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف
فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمى هاتين
وقد كنتُ أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه
٢٤
هذه الصورة التي كونها هرقل بمنطقه يمكن أن يكونها أو يكون مثيلات لها كل إنسان اتسع أفقه ورحب تفكيره
وكل إنسان يصدق الله والحق لابد أن ينتهى إلى ما انتهى إليه هرقل من قوله
لو كنت عنده لغسلت عن قدميه
وإنما يغسل عن قدميه من أجل يوحَى إلى
إذ أن من اصطفاه الله لرسالته جدير بأن يكون أهلا لذلك
بيد أن هذه النهاية التى انتهى إليها هرقل إنما هى الشعار الدائم الذي لا ينتهي بانتقال الرسول إلى الملأ الأعلى فالرسول حي بيننا الآن برسالته وهديه وتعاليمه والغَسلُ عن قدميه الآن – أو بتعبير آخر احترامه - إنما هو باتباع هديه والتزام رسالته وتقديره تقديرا يتناسب مع
الله له
ولقد ركز هرقل نوعا ما على الصدق والإخلاص
الله
اصطفاء
والواقع أن صورة الصدق والإخلاص كان يراهما كل من عرف الرسول ولم تعمه عصبية أو حسد أو هوى على أن صورة الصدق والإخلاص كانت سمةً من السمات التي اتصف بها الرسول قبل بعثته وبعد بعثته - صلوات الله وسلامه عليه - لقد لازمته طيلة حياته ولقد كان مجرد الخبر يُلقيه صلوات الله وسلامه عليه يأخذه أعدى أعدائه على أنه واقع لا محالة فهذا أمية بن خلف - عدو لدود - يتلاحى مع سعد عنه يريد أن بن معاذ رضی يمنعه من الطواف بالكعبة فيقول له سعد بن معاذ في حدة المناقشة لقد سمعت رسول الله الله يقول إنه قاتلك ويضطرب قلب أمية بن خلف ويسأل في لهفة وضعف وتخاذل أهو قال ذلك حقا فلما أكد له سعد بن معاذ الخبر سُقِطَ في يده وقال لئن كان قال ذلك لقد صدق وقتل أمية بن خلف يوم بدر على أن هذه الصورة تتمثل فى وضوح بَين حينما أعلن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه إلى قريش نبوته فقال لهم
أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً وراء هذا الوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم
تصدقوننی
لقد كانت إجابتهم عن هذا السؤال تعبر عن الحقيقة التي لمسوها فيه لقد قالوا
نعم أنت عندنا غير متهم وما جربنا عليك كذبا قط
وصورة أخرى
صورة لم يرتب لها ترتيب مُرَوَّى ولم يؤد إليها منطق مُحْكم صورة لم تكن نتيجة عشرة طويلة ولا رفقة قريبة وإنما جاءت على البديهة وأوحت بها الملاحظة السليمة إنها الصورة التي كونتها عنه صلوات الله وسلامه عليه أم معبد الخزاعية وهي صورة لا تخص الجانب المعنوى منه وإنما تتصل - على الأخص - بالجانب الظاهر وأردنا أن نثبتها هنا لنثبت بها هيئة وظاهرًا بعد أن أثبتنا زوايا من المعنويات وجوانب من التقدير
وأجلال
إن الصورة التي نثبتها الآن مجرد وصف
ملاحظة إنها تعبير عن هاجر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه من مكة إلى المدينة يرافقه أبو بكر رضى وعامر بن فهيرة مولى أبى بكر ودليلهم عبد الله بن أريقط
الله عنه
مروا بخيمة أم معبد الخزاعية وكانت امرأة قوية الأخلاق عفيفة تقابل الرجال فتتحدث إليهم وتستضيفهم وسألها الركب عن تمر أو لحم يشترونه فلم يصيبوا عندها ذلك فقد كانت سَنَةً من السنين العجاف فقالت لهم من
شيئًا
والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى فنظر رسول الله إلى شاة في ركن
الخيمة فقال ما هذه الشاة يا أم معبد
قالت هذه شاة خلفها التعب عن الغنم
فقال صلوات الله وسلامه عليه هل بها من لبن فقالت هي أجهد من ذلك
قال أتأذنين أن أحْلُبَهَا
قالت نعم بأبي أنت وأمى إن رأيت بها حَلَبًا
فدعا رسول الله الله بالشاة فمسح ضرعها وذكر اسم الله وقال
اللهم بارك لها في شاتها
4
٢٦
فامتلا
ملأه فسقى أم
ضرع الشاة ودَر لبنها فدعا بإناء لها كبير فحلب فيه حتى معبد فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رَوُوا وشرب آخرهم وقال
ساقي القوم آخرهم فشربوا جميعا مرة بعد مرة
ثم حلب فيه ثانية عودا على بدء فغادروه عندها وارتحلوا عنها فما لبثت أن جاء زوجها يسوق أعتزاً عجافًا هَزَلَى فلما رأى اللبن عجب واستغرب وقال من أين لكم هذا ولا حَلُوبة في البيت
قالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت
قال والله إنى لأراه صاحب قريش الذى يُطلب صفيه لى يا أم معبد ! قالت رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة متبلج مشرق الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ضخامة البطن ولم تزر به صعلة لم يشنه صغر الرأس وسيم قسيم في عينيه دعج وفى أشفاره وطف طويل شعر الأجفان وفى صوته صحل رخيم الصوت أحور أكحل أزج أقرن ۱ شديد سواد الشعر في عنقه سطح ارتفاع وطول وفى لحيته كثافة إذا صَمَت فعليه الوقار وإذا تكلم سما وعلاه البهاء وكأن منطقه خزرات نظم يتحدرن حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر لا عَى فيه ولا ثرثرة في كلامه أجهر الناس وأجملهم من بعيد وأحلاهم وأحسنهم من قريب ربعة وسط ما بين الطول والقصر لا تشنؤه لا تبغضه من طول ولا تقتحمه عين لا تحتقره من قصر غصن بين غصنين أنضر الثلاثة منظرًا وأحسنهم قدرًا له رفقاء يحفون به إذا قال استمعوا لقوله وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود يسرع أصحابه في طاعته محشود يحتشد الناس حوله لا عابث ولا مفتد غير مخرف فى الكلام
قال أبو معبد
هذا والله صاحب قريش الذى ذكر لنا من أمره ما ذكر ولو كنت وافقته يا أم معبد لتلمست أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت لذلك سبيلا
هذه هي الصورة التي حاولت أم معبد رسمها
وتكملة لهذه الصورة - صورة أم مـ معيد - نذكر أن كتب السيرة تذكر أنه
۱ زج الحاجب دق فى طول فهو أزج والأقرن من التقى طرفا حاجبيه
أصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت ولا يرون من هو صاحبه يقول رفيقين حَلاً خيمتى أُمِّ معبد رب الناس خير جزائه جزي
الله
هما نزلاها بالهدى واهتدت بــه فقد فاز من أمسى رفيق محمد فيا لقريش ما زوى الله عنكم به من فَخارٍ لا يُبَارَى وسَوَّدَدِ ليهن بني كعب مقام فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحليت له بصريح درة الشاة مزيد
ووصل الخبر إلى حسان فقال يجاوب الهاتف فغادرها رهنا لديها لحالب يرددها في مصدر ثم مورد نبيهم وقُدس من يسرى إليهـ م ويغتدى
لقد خاب قوم غاب عنهم ترحل عن قــوم فضلت عقولهم
ربهم
على قوم
مجدد
هداهم به بعد الضلالة وأرشدهم من يتبع الحق يرشد وهل يستوى ضلال قوم تسفهوا عمى وهــداة يهتدون بمهتد لقد نزلت منه على أهل يثرب ركاب هدى حلت عليهم بأسعد نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله کل مسجد وإن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد ليهن أبا بكر سعادة جده بصحبت سعد الله يسعد من وصورة أخرى أما سيدنا عمرو بن العاص فإنه يقول - فى صراحة وصدق - عندما حضرته الوفاة وعندما تذكر الماضى فخنقته العبرات وتحدث مع ابنه عن أشياء عدة في صورة مؤثرة ما كان أحد أحب إلى من رسول الله ولا أجل فى عينى منه وما كنت أطيق أن أملاً إجلالاً له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عينى منه عيني وإذا كانت هذه صورة عن رسول الله لعل الله فى الماضى فإنه لا يخلو من الفائدة الهامة أن نذكر صورة لشخص غربی منصف مشهور هو صاحب كتاب سوانح وخواطر وهو الكونت هنری دی کاسترو
قال الكونت
لسنا نحتاج في إثبات صدق النبي محمد إلى أكثر من إثبات أنه كان موقنا في نفسه بصدق رسالته وما الغرض من رسالته إلا إقامة عبادة إله واحد مقام عبادة الأوثان التي
كانت عليها قبيلته فى ابتداء ظهوره
لما كانت نفس ذلك النبي مفطورة على التشبع بالدين تكيف هذا المذهب في وجدانه حتى صار عقيدة لم تصل إليها نفس قبله وهو ذلك الاعتقاد المتين الذي أحدث انقلابا كليا في النوع البشرى !! كان محمد - عليه الصلاة والسلام - لا يقرأ ولا يكتب بل كان كما وصف نفسه مرارا نبيا أميًا وهو وصف لم يعارضه فيه أحد من معاصريه
فلم
يقرأ كتابا ولم يسترشد في دينه بمرشد متقدم عليه
لقد نعلم أنه
مرت به متاعب كثيرة وقاسى آلاما نفسية كبرى لأن الله خلقه ذا نفس
تمحضت للدين من أجل ذلك احتاج للعزلة عن الناس لكى يهرب من الأوثان ومن مذهب تعدد الآلهة وكان هذان المذهبان أشبه بإبرة تَخِرُهُ فى جسمه صلوات الله وسلامه عليه ولكي ينفرد بما أنزل عليه من توحيد الله اعتكف في غار حراء العقل يحار كيف يتأتى أن تصدر تلك الآيات القرآن عن رجل أمى آیات وهى يعجز فكر بني الإنسان عن الإتيان بمثلها لفظا ومعنى آيات لما سمعها عتبة بن ربيعة حار في جمالها وفاضت عين نجاشى الحبشة بالدموع لَمَّا تلا عليه جعفر بن أبي طالب سورة مريم وما جاء في يحيى فلما كان اليوم الثاني أشار عليه بتلاوة ما في القرآن عن المسيح ففعل واستغرب أن المسيح عبد الله ورسوله وروح منه ثم تناول قضيباً دقيقاً كان أمامه وقال إن الفرق بين ما سمعنا به منك الآن وبين ما تقوله ديانتنا عنه لا يزيد عن سمك هذا
الملك لما سمع
لجعفر
القضيب
وأقول قد قوى ذلك القضيب فمنع الحبشة من الإسلام وجعلها مسيحية إلى
الآن من الصعب أن يظن الإنسان الفصاحة الإنسانية تؤثر ذلك التأثير كيف وهى فصاحة تصدر بغير ضعف أبدا ! وتتجدد رفيعة معجزة أبدًا يقصر دون تمثيلها رجال الأرض وملائكة السماء فهى أبدا أبدا فصاحة إلهية
أتى محمد بالقرآن دليلاً على صدق رسالته وهذا القرآن لا يزال – إلى يومنا هذا - سرا من الأسرار التي لا يقدر أحد على فك طلاسمها ولن يسبر سرها المكنون إلا من صدق سواء توصلنا إلى معرفة الوحى وحقيقته أم لا
بأنه منزل من عند
الله
لا ينكر أحد أن مظهر محمد كان مظهر نبوة بالفعل لأن النبوة – من حيث هي – عبارة
عن قيام رجل من الناس بأمر ربه وأن يعتقد أن ما يقوله من عند ربه حق فمحمد الله روحا من الله استولت على لبه فلم يعتقد أن له فكرًا خاصا بل إنه أُوتِيَهُ من عند
يعتقد
ربه واختفت في نظره ذاتيته
ومن الصعب أن تقف على معرفة سماعه للصوت الإلهى هل كان في الحلم أو في غيبته
عن عالم التصورات
والصدق حاصل على كل حال
كانت الانفعالات تظهر على وجهه بادية فظن بعض الوثنيين أن به جنة وهو ظن باطل لأنه بدأ رسالته بعد الأربعين ولم يشاهد عليه قبل ذلك أي اختلال في الجسم ولا أدنى ضعف في القوة المادية
محمد
وليس في الناس من عرف الناس جميع أحواله - في حياته كلها – مثل النبي فقد وصل المحدثون عنه إلى أنهم كانوا يعدون الشعر الأبيض في لحيته ولو أنه كان مريضا لما خفى مرضه أمكن أن تكون له تلك الآثار الباهرة فليست حالة محمد - في انفعالاته وتأثيراته – حالة ذى جنة
إذن ليس محمد من المبتدعين ولا من المنتحلين للكتاب
نعم نرى تشابها بين القرآن والتوراة فى بعض مواضع إلا أن سببه ميسور المعرفة إذ لا عجب إذا تشابهت تلك الكتب فى بعض المواضع وبخاصة إذا لاحظنا أن القرآن جاء متمما كما جاء النبي خاتما ولاسيما أن نفس محمد كانت متأثرة بما تأثرت به نفوس الأنبياء من بني إسرائيل وكان يعبد الله الذى يعبدونه فلا عجب إذا تشابهت ألفاظ التصرفات وتجانست أصوات الدعاة
ما كان محمد يميل إلى الزخارف ولم يكن مستكبرًا ولا شحيحاً بل كان يستدر اللبن من نعاجه بنفسه ويجلس على التراب
وكان قنوعا خرج من هذه الدار ولم يشبع من خبز الشعير مرة في عمره ولم تكن له حاشية ولم يتخذ وزيراً ولا حشماً قد احتقر المال وهو بالغ من السلطان منتهاه ولم يكن له من علامة الملك سوى قضيب
أتى محمد - - فهدم الوثنية بعزم واحد طوال الحياة ولم يتردد لحظة واحدة بينها
وبين عبادة الواحد الأحد وإيمانه كان حقاً ثابتاً على الدوام لم تفتر حميته فقد انتهى كما بدأ لم يرغب طوال حياته في المال بل كان كلما إليه شيء منه أنفقه في جمع
الصدقات
ولقد أعطى عائشة زوجته مالاً يسيرًا لتحفظه فلما حضره المرض أمر بإنفاقه على المعوزين لساعته فلما وزع عليهم قال الآن استراح قلبى لأني كنت أخشى أن ألاقي
ربی
وأنا أملك هذا المال ولقد خطب في أمته قائلا
أيها الذين يسمعون قولى إن كنت ضربت أحدكم على ظهره فدونه ظهرى وإن كنت أسأت سمعة أحد فلينتقم من سمعتى وإن كنت سلبت أحدًا ماله فدونه مالى وهو في حل من غضبي فإن الغِل بعيد عن قلبي ا هـ
000
وحينما أورد المرحوم الشيخ الدجوى هذه الصورة التي ذكرناها في مجلة الأزهر قال في نهايتها انتهى كلام هذا المنصف الكبير
وإذا كنا قد ذكرنا بعض آراء المستشرقين في العصر الحديث فإن للدكتور زكي مبارك رحمه الله كلمة هي من باب الإجمال الموجز فى موضوع إعجاز القرآن وهي كلمة رائعة
جزی
الله
كاتبها خيرًا
إذ يقول
وأى أنس أعظم من شغل النفس بتلك الأقباس الروحانية التي بثها نبي الإسلام في
أرجاء الوجود
إن ذلك الروح القهار روح الرجل الذي اتهمه معاصروه بالشعر والسحر
والجنون
إن ذلك الروح هو شعلة أبدية ستظل - ما بقيت الأرض والسماء - فتنة للعقول
والقلوب
وسيأتي زمان يرتاب فيه الناس فى مكانة محمد بن عبد الله من التاريخ وسيقول قوم إن شمائل ذلك الرجل أقوى وأخطر من أن يسمح بمثلها الوجود
وسيقولون
إنه لم يكن إلا رمزاً تمثل به الناس كيف تكون مكارم الأخلاق !
إى والله سيقولون ذلك فلنسبقهم نحن بهذا القول مع الاعتراف بأنه عرف هذه الدنيا وشهد هذا الوجود
وأى غرابة في أن يخلق الله رجالاً يمثلون العظمة الروحانية ويظلون على الدهر مضرب
الأمثال
وقد كان حظ النبي محمد أوفى الحظوظ بين الرسل والأنبياء فكل نبي قامت من حوله وصورت شمائله بألوان صيغ أكثرها من الخيال
الأساطير
أما النبي محمد فحجته الباقية هى القرآن وهو كتاب لم يُضف إليه سطر واحد بعد موت ذلك الرسول
فهو من الوثائق التاريخية التي يستحيل أن يكون لها مثيل
وإلى من نوجه هذا القول
أتروننا ندافع عن ذلك الكتاب المجيد
أن يكون أعداء ذلك الكتاب ومن عسى
وهل كان الملحدون إلا ناسا سخفاء طاشت حلومهم وظنوا الزيغ من البراقع التي
تستر الغباوة والجهل !!
ومن
العجب أن نرى بين أعداء القرآن من يُعجب بشعر أبي نواس ويراه صالحا لأن
يوضع في الميزان مع أكبر شعراء اليونان !! فأين شعر أبي نواس - - کله - ه - من آية واحدة ستظل أعجوبة البيان في جميع الأزمان ! وما أدرى - والله - كيف يعقل من يهذى بمثل هذا القول إلا أن يكون السخف صار من علائم التفوق في هذا الزمن الرقيع ! إن أعداء القرآن لا يعادونه عن عقل وكيف يعقل من يعادى البدر المشرق والجبل
الركين
إنها نزوات تطوف برءوس الممرورين الجبناء الذين توهموا أنه لم يبق للإسلام أوس ولا خزرج وأن الوادى خلا من الأسد الغضاب ألا ساء ما يتوهمون
ومع
ذلك سيذهب الملحدون مع الذاهبين وإن بقيت لهم ذكرى فستكون صورة من صور إبليس فإن تعللوا بأن الشهرة مغنم عظيم فليتذكروا أن إبليس سيظل أشهر منهم وإن قضوا طوال الأعمار في خدمة الإفك والضلال
سيقول السفهاء من الناس وما دخل هذا الكلام فى مقدمة كتاب المدائح النبوية
ونجيب بأننا نصور حالة من أحوال هذا الزمان فنحن لم نخلق أعداء نحاربهم وإنما نحارب أعداء نراهم رأى العين وهم - والله - أحقر من أن نعرض لهم بنقد أو ملام ولكن حقارتهم لا تمنع من وخز صدورهم بلواذع النقد والهجاء فقديما كان الشيطان الرجيم ملعونا بألسنة المؤمنين
وما الذي يمنع من حرب الزور والبهتان
إن التورع عن لحوم الآثمين ليس إلا ضربا من الجبن وبفضله استنسر البغاث وصار للأثمين أشياع وأحزاب ومن العجب في مصر بلد العجائب أن تحيا الغيرة على الأطلال وتموت الغيرة على
الحقائق
أما
فلو انتهب حجر من أحجار الكرنك لكان انتهابه نكبة وطنية وكان الصراخ لضياعه عملاً يثاب عليه من يحسن البكاء والعويل زعزعة الإيمان في هذا البلد فهى أقل خطرًا من سقوط حجر أثرى تحرسه وزارة الأشغال لأن رعاية الآثار بدعة عصرية يعرفها الأوربيون والأمريكان أما رعاية العقائد فسنة قديمة سحب عليها الدهر ذيل النسيان وما أقول هذا تعصبا للدين - وهو تعصب شريف - وإنما أقوله تعصباً لحقيقة أدبية تغار عليها الأذواق فليس الثقافة أن نعرف أوهام المشرق والمغرب وإنما الثقافة أن ما يجب أن يُعرف
نعرف
وقد آن أن يفهم الغافلون أن الأمة التى يحفظ أطفالها القرآن - هي أهدى من أمثال الأمة التي يحفظ أطفالها أقاصيص لافونتين وما أقول هذه الحقيقة وحدى وإنما يعرفها خلق كثير لا يصدهم عن الجهر بها إلا الخوف من الاتهام بالتعصب والرجعية وهو اتهام لا أقيم له أى وزن لأن حزب الشيطان أضعف من يحسب له حساب
وقرائى من غير المسلمين لا يسيئهم هذا القول فليس القرآن ملكا للمسلمين وإنما
هو ملك للإنسانية جمعاء ا هـ
والآن نريد أن نتساءل ما هى الصورة التي نريد - بعون من الله - أن نرسمها في هذا
الكتاب
نحب أن نقول إن هذه الصورة التي نحاول رسمها ليست صورة مبتدعة ولا مخترعة إنها صورة نحاول - جاهدين - أن تكون مستمدة من التاريخ الصحيح
رسم
بيد أننا نعود فنقول إننا لا نرسم صورة كاملة فالصورة الكاملة لا يتأتى لمثلنا أن يرسمها ونحن هنا إنما نحاول جملة من الزوايا شاعرين بتقصيرنا معترفين بعجزنا ولكن أملنا كبير في أ أن تكون هذه الصورة باعثة لتصحيح بعض الأوضاع وأن تكون - على ما فيها من عجز وقصور - ممثلة لبعض ما نكنه لسيد ولد آدم من حب وإيمان وأن تكون بذلك شفيعة لنا عند الله الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم الشعراء ۸۹ هذه الزوايا التي نحاول رسمها فإنه لا يعزب قط عن بالنا قول إمامنا البوصيرى
ومع
D
رضي الله عنه عن الرسول صلوات وسلامه عليه هذه الأبيات التي تعبر عن الحقيقة تعبيرا
صادقا
أعيا الورى فهم معناه فليس يُرى للقرب والبعد فيه غير منفحم كالشمس تظهر للعينين من بعد صغيرة وتكلُّ الطرف من أمم وكيف يدرك في الدنيا حقيقته قوم نيام تسلوا عنه بالحل
فمبلغ العلم فيـــه
أنــــــه
بشر وأنه خير
الله كلهم
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا
الفضل الثاني عن
[ صدق الله العظيم ]
سورة النساء الآية ١٦٦
دلائل النبوة في نسبه
دلائل النبوة
في النسب الشريف
يقول ابن خلدون في حديثه عن علامات الأنبياء ومن علاماتهم أيضا أن يكونوا ذوى حسب في قومهم
وفي الصحيح
ما بعث الله نبيًّا إلا في مَنَعَةٍ من قومه
وفي رواية أخرى في ثروة من قومه
وفي مساءلة هرقل لأبي سفيان كما هو في الصحيح قال
كيف هو فيكم
قال أبو سفيان هو فينا ذو حسب
فقال هرقل فكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها
ومعناه أن تكون له عصبية وشوكة تمنعه من أذى الكفار حتى يبلغ رسالة ربه ويتم
مراد الله من إكمال دينه وملته
جمع
ولا يتأتى أن نتحدث عن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم - منذ آدم أو منذ إسماعيل – عليهما السلام - فالحديث فى هذا لا يتصل بالتاريخ الموثوق به كل الثقة وإذا أردنا أن نتبين – عن قرب - نسب رسول الله - فإنه يمكننا أن نبدأ بقصى لقد كان قصى - كما يقول ابن كثير - في قومه سيدا رئيسا مطاعا معظماً قريشا ۱ من متفرقات مواضعهم من جزيرة العرب أطاعه من أحياء العرب على حرب خزاعة وإجلائهم عن البيت وتسليمه إلى قصى فكان بينهم قتال كثير ودماء غزيرة ثم تداعوا إلى التحكيم فتحاكموا إلى يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة فحكم بأن قصيا أولى بالبيت من خزاعة وأن كل دم أ أصابه
۱ التقرش التجمع وبه سميت قريش ليجمعها حول قصى
واستعان بمن
قصى من خزاعة وبنى بكر موضوع يَشدخه تحت قدميه وأن ما أصابته خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدية مؤداه وأن يخلَّى بين قصى وبين مكة والكعبة ومما يروى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال
كان قصى بن كلاب أول ولد كعب بن لؤى أصاب ملكا انقاد له به قومه فكان شريف أهل مكة لا ينازع فيها فابتنى دار الندوة وجعل بابها إلى البيت ففيها يكون أمر قريش كله وما أرادوا من نكاح أو حرب أو مشورة فيما ينوبهم حتى إن كانت الجارية تبلغ أن تُدرّع فما يُشق درعها إلا فيها ۱ ثم يُنطَلَقُ بها إلى أهلها ولا يعقدون لواء حرب لهم ولا فى قوم غيرهم إلا فى دار الندوة يعقده لهم قصى ولا يُعذر يختن غلام إلا في دار الندوة ولا تخرج عير من قريش فيرحلون إلا منها ولا يقدمون - إلا نزلوا فيها تشريفاً له وتيمنا برأيه ومعرفة بفضله ويتبعون أمره كالدين المتبع لا يعمل بغيره فى حياته وبعد موته وكانت إليه الحجابة ٢ والسقاية ۳ والرفادة 4 واللواء والندوة ٢ وحكم مكة كله وكان يعشر ٧ مَنْ دخل مكة
أهلها
سوی
قال وإنما سميت دار الندوة لأن قريشا كانوا ينتدون فيها – أي يجتمعون للخير والشر والندى مجمع القوم إذا اجتمعوا۸
وقسم قصى
مكة أحياء
وخصص كل قوم من قريش بحى وضاقت مكة بأهلها وكانت كثيرة الشجر في الحرم وكانت قريش تهاب قطع الشجر بالحرم فأمرهم قصى بقطعه وقال إنما تقطعونه لمنازلكم ولخططكم بَهْلُه ۹ الله على مَنْ أراد فسادا وقطع هو بيده وأعوانه فقطعت – حينئذ - قريش وسمته مجمعا لما جمع من أمرها و تیمنت به وبأمره
۱ تدرع تلبس القميص والمراد لشق الدرع أن تزف إلى زوجها
سدانة البيت
۳ سقيا الحجيج
٤ إطعام الحجيج
٥ راية الحرب
1 مكان الشورى ومجلسها
۷ يأخذ منهم العشر الصرفه في المصالح العامة
۸ طبقات ابن سعد ج ۱ ص ۵۰
۹ أي لعنة
۳۸
وزوار
وفرض قصى على قريش السقاية والرفادة فقال
يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وأهل الحرم وإن الحاج ضيفان الله بيته وهم أحق الضيف بالكرامة فاجعلوا لهم طعاماً وشرابًا أيام الحج حتى يصدروا عنكم ففعلوا فكانوا يخرجون ذلك كل عام من أموالهم خرجاً يترافدون۱ ذلك فيدفعونه إليه فيصنع الطعام للناس أيام منى وبمكة ويصنع حياضًا للماء من أدم٢ فيسقى فيها بمكة ومنى وعرفة فجرى ذلك من أمره في الجاهلية على قومه حتى قام الإسلام ثم جروا في الإسلام على ذلك
وحينما مات قصى قالت ابنته تخمر في رثائه
4
طرق النعى بعيد نــــوم
المجد
فنعي قصيا ذا الندى والسؤدد
فتعی
المهذب من
لوى كلها
فانهل دمعي
كالجمان ۳
المفرد
فارقت من حزن وهم داخل
أرق السليم
لوجده المتفقد 0
عبد مناف
روی هشام بن محمد قال
لما هلك قصي بن كلاب قام عبد مناف بن قصى على أمر قصى بعده ومما يذكر بالنسبة لآل عبد مناف أن رسول الله - عه اقتصر عليهم حين أنزل الله تعالى وأنذر عشيرتكَ الأقربين الشعراء ٢١٤
فإنه حينما نزلت هذه الآية الكريمة واجتمعت عليه بنو مناف تلبية لندائه قال لهم إن الله قد أمرني أن أُنذِرَ عشيرتى الأقربين وأنتم الأقربون من قريش وإني لا أملك لكم الله حظا ولا من الآخرة نصيباً إلا أن تقولوا لا إله إلا الله فأشهد بها لكم عند ربكم وتدين لكم بها العرب وتذل لكم بها العجم
من
هاشم
وولد عبد مناف بن قصى ستة نفر وست نسوة كان من بينهم هاشم بن عبد مناف
1 يترافدون ذلك يخرجون ويتعاونون عليه
آدم جلد
۳ الجمان اللؤلؤ
٤ السليم اللديغ
٥ طبقات ابن سعد ج ١ ص ٥٣
۳۹
واسمه عمرو وهو الذي عقد الحلف لقريش مع هرقل من أجل أن تختلف إلى الشام آمنة
مطمئنة
وهاشم هو صاحب إيلاف قريش
وإيلاف قريش هو دأبها وعادتها
لقد كان هو أول من سن الرحلتين لقريش يرحل إحداهما في الشتاء إلى اليمن وإلى الحبشة إلى النجاشي فيكرمه ويهديه الهدايا ورحلة الصيف إلى الشام وإلى غزة وربما بلغ أنقرة فيدخل على قيصر فيكرمه ويهديه الهدايا
ثم أصابت قريشا سنوات جدب عجاف ذهبن بالأموال فخرج هاشم إلى الشام فأتى منها بدقيق كثير فخبز له بمكة فهشم ذلك الخبز - یعنی کسره وثرده – ونحر تلك الإبل ثم أمر الطهاة فطبخوا وقدم الطعام لأهل مكة فأشبعهم وكان ذلك الحيا بعد السنة التي أصابتهم فسمى بذلك هاشم ۱ وفى ذلك يقول عبد الله بن الزبعرى عمرو العُلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة منتون عجاف ۳
وقال وهب بن عبد قصى في ذلك
تحمل هاشم ما ضاق عنه وأعيا أن يقوم بــه ابن بيض أتاهم بالغرائر متاقات ٤ من أرض الشام بالبرِّ النقيض فأوسع أهل مكة من هشيم وشاب الخبز باللحم الغريض
°
V
وكان هاشم رجلاً شريفاً طموحا ذكيًا ولم يكن يرضيه قط أن يستأثر بنو عبد الدار بمناصب الشرف فى مكة من الحجابة واللواء والرفادة والسقاية والندوة - فحمل اللواء ضد بني عبد الدار وتهيأ الفريقان وأخلاقهم للقتال وعبأت كل قبيلة لقبيلة ثم سعى الناس بينهم للصلح واصلحوا يومئذ على أن يُولى هاشم بن عبد مناف السقاية والرفادة وكان هاشم رجلا عريض الثراء وكان إذا حضر الحج قام في قريش فقال
1 من طبقات ابن سعد
مجدبون
۳ نحاف
٤ متاقات مملوءات
٥ هكذا بالأصل
٦ البر النقيض المنقى
۷ شابه باللحم الغريض خلطه باللحم الطرى - طبقات ابن سعد جـ ۱
يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وإنه يأتيكم فى هذا الموسم زوّار الله يعظمون حرمة بيته فهم ضيف الله وأحق الضيف بالكرامة ضيفه وقد خصكم الله بذلك وأكرمكم به به وحفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره فأكرموا ضيفه
وزواره
التي
بمكة
وكان هاشم يأمر بحياض من أدم فتجعل في موضع زمزم ثم يستقى فيها الماء من البئار فيشربه الحاج وكان يطعمهم - أول ما يطعم - قبل التروية بيوم مكة وبمنى وجمع وعرفة وكان يثرد لهم الخبز واللحم والسمن والسويق والتمر ويَحْمِلُ لهم الماء فيسقون بمنى - والماء يومئذ قليل - فى حياض الأدم إلى أن يصدروا من منى فتقطع الضيافة ويتفرق الناس إلى بلادهم وتكملة للصورة عن هاشم نذكر ملخصا لما أورده الماوردى في أعلام النبوة
عنه قال
D
وكان اسمه عمرو فسمى هاشماً لأنه أوّل من هشم الثريد لقومه بمكة في سنة الزبة محلة رحل فيها إلى فلسطين فاشترى منها الدقيق وقدم به إلى مكة ونحر الجزر وجعل من ذلك ثريدًا قدمه لأهل مكة
و هاشم أول من سن الرحلتين لقريش رحلة الشتاء ورحلة الصيف كما ذكرنا وأراد أمية بن عبد شمس أن يتشبه بهاشم في ضيفه فعجز عنه فشمت به ناس كثير من قريش ونشبت العداوة بين أمية وهاشم وأراد أمية منافرته فكره هاشم ذلك لنسبه وقدره فلم تدعه قريش حتى نافره إلى الكاهن الخزاعي في خمسين ناقة سود الحدق ينحرها ببطن مكة والجلاء من مكة عشرة سنين فنفر الخزاعي هاشما وقال لأمية تنافر رجلاً هو أطول منك قامة وأعظم منك هامة وأحسن منك وَسَامة وأقل منك لامة وأكثر منك ولدا وأجزل منك صفدًا ! فقال أمية انتكات الزمان أن جعلناك حكماً من
فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعمها من حضره وخرج أمية إلى الشام فأقام بها۱
عشر سنين
فكانت هذه أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية وملك هاشم الرفادة والسقاية واستقرت له الرياسة وصارت قريش له تابعة تنقاد لأمره وتعمل برأيه وتنافرت قريش وخزاعة إليه فخطبهم بما أذعن له الفريقان بالطاعة فقال في خطبته
1 أعلام النبوة لأبي الحسن الماوردى ص ١٢٤
٤١
أيها الناس نحن آل إبراهيم وذرية إسماعيل وبنو النضر بن كنانة وبنو قصى بن كلاب وأرباب مكة وسكان الحرم
لنا ذروة الحسب ومعدن المجد ولكل في كل حلف يجب عليه نصرته وإجابة دعوته إلا ما دعا إلى عقوق عشيرة وقطع رحم يا بنى قصى أنتم كغصنى شجرة أيهما كسر أو حش صاحبه والسيف لا يصان
إلا بغمده ورامى العشيرة يصيبه سهمه ومن أمحكه اللجاج أخرجه إلى البغى أيها الناس الحلم شرف والصبر ظفر والمعروف كنز والجود سؤدد والجهل سفه والأيام دول والدهر غير والمرء منسوب إلى فعله ومأخوذ بعمله فاصنعوا المعروف تكسبوا الحمد ودعوا الفضول تجانبكم السفهاء وأكرموا الجليس يعمر ناديكم وحاموا الخليط يرغب في جواركم وأنصفوا من أنفسكم يوثق بكم وعليكم بمكارم الأخلاق فإنها رفعة وإياكم والأخلاق الدنيئة فإنها تضع الشرف وتهدم المجد
ألا
وإن نهنهة الجاهل أهون من جريرته ورأس العشيرة يحمل أثقالها ومقام الحليم
عظة لمن انتفع به
فقالت قريش رضينا بك أبا نضلة وهي کنیته
فانظروا إلى ما أمر به من شريف الأخلاق ونهى عنه من مساوئ الأفعال
هل صدر إلا من غزارة فضل وجلالة قدر وعلو همة وما ذاك إلا لاصطفاء يراد
وذكر يشاد لأن توالى ذلك في الآباء يوجب تناهيه في الأبناء
ومات هاشم بغزة من أرض الشام۱
عبد المطلب
ولم
وولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر كان منهم شيبة الحمد وهو عبد المطلب يولد عبد المطلب بمكة وإنما ولد بالمدينة وذلك أنَّ هاشما خرج في عير لقريش فيها
تجارات وكان طريقهم على المدينة فنزلوا بسوق النبط فصادفوا سوقا تقوم بها في السنة يحشدون لها فباعوا واشتروا ونظروا إلى امرأة على موضع مشرف من السوق فإذا هي امرأة تأمر بما يشترى ويباع لها فرأى هاشم فيها امرأة حاذقة جلدة جمال فسأل مع
1 أعلام النبوة لأبي الحسن الماوردى ص ١٢٤ - ١٢٥
٤٢
عنها أأيم هي أم ذات زوج فقيل له أيمٌ كانت تحت أحيحة بن الجُلاح فولدت له عمر ومعبداً ثم فارقها وكانت لا تنكح الرجال - لشرفها في قومها - حتى يشرطوا لها أن أمرها بيدها إذا كرهت رجلاً فارقته وهى سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد خداش بن
عامر بن غنم بن عدى بن النجار فخطبها هاشم فعرفت شرفه ونسبه فزوجته نفسها
من
ودخل بها وصنع طعاما ودعا من هناك أصحاب العير الذين كانوا معه وكانوا أربعين رجلاً من قريش فيهم رجال من بني عبد مناف ومخزوم وسهم ودعا من الخزرج رجالاً وأقام بأصحابه أياما وعلقت سلمى بعبد المطلب فولدته وفي رأسه شيبة فسمى
شيبة
وخرج هاشم في أصحابه إلى الشام حتى غزة فاشتكى فأقاموا عليه حتى مات فدفنوه بغزة ورجعوا بتركته إلى ولده ۱
وقدم ثابت بن المنذر بن حرام - وهو أبو حسان بن ثابت الشاعر – مكة معتمرا فلقى
المطلب وكان له خليلا فقال له لو رأيت ابن أخيك شيبة فينا لرأيت جمالا وهيبة وشرفاً لقد نظرت إليه وهو يناضل أخواله فيدخل مرماتيه ۳ جميعًا في مثل راحتى هذه ويقول كلما حَسَق٤ أنا
فتيانا من
ابن عمرو العُلاه
فقال المطلب لا أمسى حتى أخرج إليه فأقدم با به فقال ثابت ما أرى سلمى تدفعه إليك ولا أخواله هم أضن به من ذلك وما عليك أن تدعه فيكون في كفالتهم حتى يكون هو الذى بقدم عليك إلى ها هنا راغبا فيك فقال المطلب يا أبا أوس ما كنت لأدعه هناك ويترك ماثر قومه وسيطته 1 ونسبه وشرفه في قومه ما قد علمت فخرج المطلب فورد المدينة فنزل في ناحية وجعل يسأل عنه حتى وجده يرمى فى فتيان من أخواله فلما رآه عرف شبه أبيه فيه ففاضت عيناه
وضمه إليه وكساه حلة يمانية٧
۱ الطبقات لابن سعد ج ۱ ص ٥٨ - ٥٩
يناضل فتيانا يباريهم في رمي السهام
۳ مرماتية مثنى والمفرد مرماة وهو سهم صغير ضعيف
٤ خسق أصاب الهدف
٥ يقول ذلك من التيه على إخوانه ومن الفخر بعد أن يصيب المرمى
٦ سطته مكانته الوسطى بين قومه ۷ الطبقات لابن سعد ج ١ ص ٦٢
٤٣
وقومه
فأرسلت سلمى إلى المطلب فدعته إلى النزول عليها
فقال شأنى أخف من ذلك ما أريد أن أحل عقدة حتى أقبض ابن أخي وألحقه ببلده
فقالت لست بُمْرسِلَتِهِ وغَلُظَت عليه
فقال المطلب لا تفعلى فإنى غير منصرف حتى أخرج به معى ابن أخي قد بلغ وهو غريب في قومه ونحن أهل بيت شرف والمقام ببلده خير له من المقام ها هنا وهو ابنك حيث كان فلما رأت أنه غير مقصر حتى يخرج به استنظرته ثلاثة أيام وتحول إليهم فنزل عندهم فأقام ثلاثا ثم احتمله وانطلقا جميعًا ودخل به عبد المطلب مكة
ظهرًا فقالت قريش هذا عبد المطلب
فقال ويحكم إنما هو ابن أخى شيبة بن عمرو فلما رأوه قالوا ابنه لعمرى فلم يزل عبد المطلب مقيما بمكة حتى أدرك وخرج المطلب بن عبد مناف تاجراً إلى أرض اليمن فهلك بردمان من أرض اليمن فَوُلّى عبد المطلب بن هاشم بعد الرفادة والسقاية فلم يزل ذلك بيده يطعم الحاج ويسقيهم فى حياض من أدم بمكة فلما سقى زمزم ترك السقى فى الحياض بمكة وسقاهم من زمزم حين حَفَرَها
له
وكان يحمل الماء من زمزم إلى عرفة فيسقيهم
وكانت زمزم سقيا من الله
1
لقد أتى عبد المطلب آيات فى المنام مرات فأمره بحفرها ووصف له موضعها فقال
أحفر طيبة قال وما طيبة
فلما كان الغد أتاه فقال احفر برة قال وما برة
فلما كان الغد أتاه -
وهو نائم في مضجعه ذلك فقال احفر المضنونة قال وما
المضنونة أين لى ما نقول
فلما كان الغد أتاه فقال احفر زمزم
قال وما زمزم
1 الطبقات لا بن سعد
قال لا تنزح ولا تزم تسقى الحجيج الأعظم وهى بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم فلما عين موضعها غدا عبد المطلب بمعوله ومسحاته وحفر هو وابنه الحارث حتى وصل إلى الماء فكانت زمزم وكان عبد المطلب من حكماء العرب ومن حكام قريش وتؤثر عنه سنن جاء القرآن بأكثرها كالمنع من نكاح المحارم وقطع يد السارق والنهي عن قتل الموءودة۱ ويصف المؤرخون عبد المطلب فيقولون
كان أحسن قريش وجها وأمده جسما وأحلمه حلما وأجوده كفا وأبعد الناس من كل موبقة تفسد الرجال لم يره ملك قط إلا أكرمه وشفعه وكان سيد قريش حتى
مات
أما
عبد
الله
عبد الله
والد الرسول صلوات الله وسلامه عليه فقد كان صورة طبق الأصل من جده ولو أمهله الزمن لتولى مناصب الشرف التي كانت بيد عبد المطلب وكان شعاره الذي التزمه طيلة حياته ما عبر عنه هو بقوله أما الحرام فالممات دونه
وتقول له فاطمة الخثعمية إنى لأعرف فيك نسك أبيك
ومن ناحية والدته
وإذا نظرنا – إذن – إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية والده وأسلافه وأخواله فإننا نجدهم - خلقا وعراقة أصل - ب - من أشرف بيوت العرب وأكرمها وأسماها بشهادة المؤرخين جميعا - فكان صلوات الله وسلامه عليه – كما يقول ابن هشام - أوسط قومه نسبا وأعظمهم شرفًا من قبل ابيه وأمه
ويقول إمامنا البوصيرى رضى الله عنه في همزيته
لم تزل في ضمائر الكون تختا رلك الأمهات والآباء
ويقول في بردته
أبان مولده عن طيب عنصره يا طيب مبتدإ منه منه ومختتم
۱ التمهيد للشيخ مصطفى عبد الرازق طبقات ابن سعد
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
بعثت من خير قرون بنی آدم قرنا بعد قرن حتى كنت من القرن الذي كنت فيه ويقول فيما رواه الإمام مسلم
إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بنى هاشم
ولقد روى أبو هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم
وعن حذيفة أنه ذكر مضر في كلام له فقال
إن منكم سيد ولد آدم يعنى النبي الله
وكل هذه الأخبار في كونه خير الناس صحيحة إذا نظرنا إلى نسبه
وهي صحيحة إذا نظرنا إلى مكانته وسنرى ذلك في الفصول التالية وهو صلوات الله وسلامه عليه محمد بن عبد ا
بن قصی
الله
بن عبد المطلب بن هاشم بن عبدمناف
أما ختام هذا الفصل فهو هذه الكلمات الرائعة الجميلة التي وردت في كتاب
أعلام النبوة
فكانت إلهاما مشرقا وحكمة عميقة فى تفسير نهاية هذا النسب الكريم إلى النبي المصطفى
لم يشركه في ولادته من أبويه أخٌ ولا أخت لانتهاء صفوتهما وقصور نسبهما عليه ليكون مختصا بنسب جعله الله تعالى للنبوة غايةٌ ولتفرده بها آية فيزول عنه أن يشارك فيه ويُمَاثَلَ بـ به فلذلك مات أبواه عنه في صغره !!
فأما أبوه عبد الله فمات عنه وهو حمل
وأما آمنة فماتت عنه وهو ابن ست سنين ۱
٤٦
1 أعلام النبوة لأبي الحسن الماوردى ص ۱۳۳
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا
[ صدق الله العظيم ]
سورة النساء الآية ١٦٦
الفصل الثالث عن
دلائل النبوة قبل البعثة
شق الصدر
دلائل النبوة في أخلاقه قبل البعثة
هذا الحادث وقع لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه منذ الطفولة المبكرة لقد كان صلوات الله وسلامه عليه - إذ ذاك - في بادية بني سعد عند مرضعته وبينما هو يلعب مع الغلمان - على ما يروى الإمام مسلم - أتاه جبريل فأخذه فأضجعه فشق عن قلبه فاستخرجه فاستخرج منه علقة فقال
هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم
أعاده إلى مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعنى مرضعته - إن محمدًا قد قتل فاستقبلوه وهو ممتقع اللون وكان ذلك وهو ابن أربع سنوات تقريباً
فلما كان ابن عشر سنين تكرر حادث شق الصدر
فقد روى الإمام أحمد
أبا هريرة رضى
الله
عنها غيره فقال
وابن حبان والحاكم وابن عساكر عن أبي بن كعب أن عنه كان جريئاً على أن يسأل رسول الله له عن أشياء لا يسأله
يا رسول الله ما أوَّلُ ما رأيت في أمر النبوة
فاستوى رسول الله جالسا وقال
لقد سألت أبا هريرة
إني لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر وإذا بكلام فوق رأسى وإذا رجل يقول
لرجل
أهو هو
قال نعم
فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط وأرواح لم أجدها من خلق قط وثياب لم أرها
على أحد قط فأقبلا إلى يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدى لا أجد لأحدهما
ها مسا
فقال أحدهما لصاحبه أضجعه فأضجعاني بلا قسر ۱ ولا هصر
وقال أحدهما لصاحبه افلق صدره
فهوى أحدهما إلى صدرى ففلقه فيما أرى بدون دم ولا وجع فقال له أدخل الرأفة والرحمة فإذا مثل الذى أدخل يشبه الفضة ثم هز إبهام رجلى اليمني فقال
اعد واسلم
فرجعت بها أغدو رقة على الصغير ورحمة للكبير فلما جاوز صلوات الله وسلامه عليه الخمسين شق عن صدره في ليلة الإسراء
والمعراج
فعن أبي بن كعب - فيما رواه الإمام أحمد والإمام مسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرج سقف بيتى وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدرى ثم غسله من ماء زمزم ثم
جاء بطست من ذهب ممتلى حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ثم أطبقه ولا يعنينا هنا – لا في قليل ولا في كثير - أن تُجارِىَ الماديين في جدلهم فيما يتعلق بشق الصدر فالأمر أسمى بكثير من المماراة فى الشكل والكيف والزمان والمكان والمغزى أعمق من أن نتجاوزه إلى المماحكات التي تشعر بضعف الإيمان أكثر مما تشعر بنور اليقين
لقد روت كتب السنة بالأسانيد الصحيحة وروت كتب السيرة هذه الحادثة التي توجه النظر إلى عناية الله سبحانه وتعالى برسوله منذ طفولته المبكرة وإن من مظاهر هذه العناية الله حظ الشيطان من قلبه منذ سنيه الأولى حتى لا يكون للشيطان عليه من
يستخرج
أن
سبيل
إن
الله
سبحانه وتعالى - وقد شاءت إرادته - منذ الأزل - أن يكون محمد خاتم الأنبياء والمرسلين - أراد سبحانه أن يجعل منه المثل الكامل للإنسان الكامل
أو
نحو
والإنسان يبدأ السير الكمال بطهارة القلب وتصفية النفس والتوبة والإخلاص بتعبير آخر - بشق الصدر واستخراج حظ الشيطان منه وأرسل الله ملائكته فشقوا عن
1 القسر الإجبار
المصر الجذب والإمالة من رأسه والمعنى لم يثنيا ظهرى ولم يكرهاني
صدر الرسول الله واستخرجوا حظ الشيطان منه وأرسلهم فشقوا عن صدره وملموه
سكينة
استخرج جبريل حظ الشيطان من قلب رسول الله الله في سن مبكرة فكان -
كما تقول السيدة آمنة -
والله ما للشيطان عليه من سبيل
وحقيقة أنه لم يكن للشيطان عليه من سبيل فقد عصمه الله عصمة تامة عن الرجس
حياته كلها
الرسول
وحياة اللهو في مكة
لقد كانت مكة - حينما كان رسول الله الله شابا فتيًّا قويا تعج بمختلف الملاذ الشهوانية الدنسة
لقد كانت حانات الخمر منتشرة فيها وكذلك البيوت المريبة وفى هذه وتلك المغنيات والراقصات والماجنات وكان الشباب يتهالك على كل ذلك ويتهافت عليه وأراد الله أن
يكون رسوله بمنأى عن كل ذلك
ذكر البخاري عنه أنه قال
ما همَمْتُ بشيء من أمر الجاهلية إلا مرتين
أما هاتان المرتان فإن سيدنا عليا رضى الله عنه يتحدث عنهما – على ما يروى ابن
كثير - فيقول
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
الله
ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به إلا ليلتين كلتاهما عصمنى ! وجل فيهما قلت ليلة لبعض فتيان مكة - ونحن في رعاء غنم أهلها – فقلت لصاحبي ألا تبصر لي غنمى حتى أدخل مكة أسمر فيها كما يسمر الفتيان
فقال بلی
عز
قال فدخلت حتى جئت أول دار من دور مكة فسمعت عزفًا بالغرابيل والمزامير
فقلت ما هذا
قالوا تزوج فلان فلانة
۵۱
فجلست أنظر وضرب الله على أذنى فوالله ما أيقظنى إلا مس الشمس
فرجعت إلى صاحبي فقال ماذا فعلت
فقلت ما فعلت شيئا ثم أخبرته بالذي رأيت
ثم قلت له ليلة أخرى أبصر لى غنمى حتى أسمر ففعل فدخلت فلما جئت مكة
سمعت الذي سمعته تلك الليلة فسألت فقيل
نكح فلان فلانة
فجلست أنظر فضرب الله على أذنى فوالله ما أيقظنى إلا
مس
الشمس
فرجعت إلى صاحبي فقال ما فعلت فقلت لا شيء ثم أخبرته الخبر فوالله ما هممت ولا عدت بعدها لشيء من ذلك حتى أكرمنى الله عز وجل بنبوته
هذا ما كان من أمر عبث الفتيان
عبادة الأصنام
أما ما كان من أمر عبادة الأصنام فإن القصة التالية توضح
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال
حدثتني أم أيمن قالت كان بوانة صنما تحضره قريش لتعظمه
تنسك له النسائك ويحلقون رءوسهم عنده ويعكفون عنده يوما إلى الليل وذلك يوما فى السنة وكان أبو طالب يحضره مع قومه وكان يكلم رسول الله له أن يحضر ذلك العيد مع قومه فيأبى رسول الله الا الله ذلك حتى رأيت أبا طالب غضب عليه ورأيت عماته غضبن عليه يومئذ أشد الغضب وجعلن يقلن
ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيد ولا تكثر لهم جمعا !
قالت فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع إلينا مرعوبا فزعا
فقالت له عماته ما دهاك قال
إني أخشى أن يكون بي لمم 1
فقلن ما كان الله ليبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك فما الذي رأيت
قال
۵
۱ مس من الجنون
إلى كلما دنوت من صنم منها تمثل لى رجل أبيض يصيح بي وراءك ۱ يا محمد
لا تمسه قالت
فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبأ
لقد كانت حياته شرحًا مستفيضاً وتوضيحاً كاملاً وتعبيرا تاما لما ذكره ابن خلدون وما يتفق عليه العقلاء ويجمع عليه أصحاب البصائر المستنيرة من أ أن ذلك علامات الأنبياء
من
إنه يوجد لهم قبل الوحي خلق الخير والزكاة ومجانبة المذمومات والرجس أجمع وهذا هو معنى العصمة وكأنه مفطور على التنزه على المذمومات والمنافرة لها وكأنها منافية
الجملته
ويضرب ابن خلدون بعض الأمثلة من حياة الرسول ع مبينة لهذه القاعدة فيقول وفي الصحيح أنه حمل الحجارة وهو غلام مع عمه العباس لبناء الكعبة فجعلها في إزاره فانكشف فسقط مغشيا عليه حتى استتر بإزاره
ودعى إلى مجتمع وليمة فيها عرس ولعب فأصابه غشى النوم إلى أن طلعت الشمس ولم يحضر شيئًا من شأنهم
ومضت فترة الشباب برسول الله وهو طاهر زكى طاهر من الآثام التي تدنس الشباب فى مجتمعاتهم وزكي لأنه بعيد عن الشرك لم يسجد لصنم قط لاحيت
وأحسنهم
وشب رسول الله مع أبي طالب يكلوه الله ويحفظه ويحوطه من أمور الجاهلية ومعايبها لما يريد به من كرامته حتى صار أفضل قومه مروءة خلقا وأكرمهم مخالطة وأحسنهم جوارًا وأعظمهم حلمًا وأمانة وأصدقهم حديثا وأبعدهم من الفحش والأذى وما رؤى ملاحي ٢ ولا تماريا ۳ أحدًا حتى سماه قومه الأمين لما جمع الله له من الأمور الصالحة فيه فلقد كان الغالب عليه بمكة الأمين ٤ عن نفيسة بنت منبه أخت يعلى بن منبه قالت
۱ ارجع وراءك
ملاحيا منازعا ومخاصما يقال لاحيت الرجل ملاحاة ولحاه إذا نازعته
۳ مماريا مجادلا
٤ ابن سعد جـ ۱ ص ۱۰ ۱۰۳
بلغ رسول الله خمسا وعشرين سنة وليس له بمكة اسم إلا الأمين لما تكاملت فيه من خصال الخير
1
وعن منذر قال قال الربيع يعنى ابن خيثم كان يُتَحَاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قبل الإسلام ثم اختص في الإسلام
ولقد اختاره الله للرسالة ولكنه تعالى اصطنعه لنفسه قبل أن يمنحه النبوة أجل ! وهذه الفترة من حياته التي سبقت البعثة كانت فترة جهاد وصراع روحى
هادئ بكل معنى الهدوء عنيف أشد العنف مستمر لا ينقطع فيه الحزن وفيه الرجاء وفيه الكثير من الأمل الوثاب الذى يشحذ العزيمة ويسد على اليأس القانط كل منفذ
إن هذه الفترة من حياته كانت - على حد تعبير الجنيد فى تعريف التصوف - عنوة لا صلح فيها كان صلوات الله عليه يتوج - كل عام - جهاده الروحى المتصل بشهر يقضيه في غار حراء حيث الخلوة التامة وحيث التجرد المطلق عن كل ما سوى الله وهناك في سجوة الليل أو فى رائعة النهار يحاول محمد أن يحطم الحجب وأن يخترق المساتير وأن ينفذ ببصيرته إلى عالم الغيب فيصل إلى سدرة المنتهى وإلى قاب قوسين أو حتى يشاهد الجمال فى سنائه والجلال في عظمته وكبريائه هاهو ذا الرسول ه يبذل مجهوداً جباراً لا يكاد الإنسان يتصوره فضلاً عن
أدنى
أن يأتي بمثله
وهاهو ذا يرى الهدف بعيدا لا يكاد الإنسان أن يفهمه فضلاً عن أن يصل إليه هاهو ذا يرى الطريق وعثاء صعبة المرتقى بيد أن ذلك كله لم يكن إلا ليزيده عزما على عزم وإرادة على إرادة ونشاطاً مضاعفاً
إنه الجهاد الأكبر على حد تعبير الأثر المشهور عن جهاد النفس لتتزكى
وتمضى السنون بطيئة سريعة في آن واحد وجهاد الرسول - - لا يفتر حتى أصبح – أو كاد - روحًا خالصة أو قبسا من نور الله وانتهى به الأمر إلى قرب يقول
الإمام الغزالي إنه
1 ابن سعد ج ۱ ص ۱۳۷ ابن سعد ج ۱ ص ۱۳۹
٥٤
أول حال رسول الله له حين أقبل على جبل حراء حيث تبتل حين كان يخلو
بربه ويتعبد حتى قالت العرب
إن محمدا عشق ربه !
ثم كانت الرسالة وكانت المعجزة التي غيرت مجرى التاريخ
اقرأ باسم ربك الذي خَلَقَ خَلَقَ الإنسانَ مِن عَلَقٍ اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم 1
ويقول الدكتور هيكل
وتأمل
وجد محمد فيه - في التحنث - خير ما يمكنه من الإمعان فيما شغلت نفسه من تفكير كما وجد فيه طمأنية نفسه وشفاء شغفه بالوحدة يلتمس أثناءها الوسيلة إلى
ما لم يبرح شوقه يشتد إليه من نشدان المعرفة واستلهام ما في الكون من أسبابها وكان بأعلى جبل حراء - على فرسخين من شمالى مكة – غار هو خير ما يصلح للانقطاع والتحنث فكان يذهب إليه طوال شهر رمضان من كل سنة يقيم به مكتفيا بالقليل من الزاد يحمل إليه ممعنا فى التأمل والعبادة بعيدًا عن ضجة الناس وضوضاء الحياة متلمسا الحق والحق وحده
ینسی
ولقد كان يشتد به التأمل ابتغاء الحقيقة حتى لقد كان الحياة لأن هذا الذى يرى فى حياة الناس مما حوله ليس حقا
طعامه وينسى كل ما في
وشارف محمد الأربعين وذهب إلى حراء يتحنث وقد امتلأت نفسه إيمانا بما رأى في رؤاه الصادقة وقد خلصت نفسه وقد أدبه ربه فأحسن تأديبه وقد اتجه بقلبه إلى الصراط المستقيم وإلى الحقيقة الخالدة وقد اتجه إلى الله بكل روحه أن يهدى قومه بعد أن ضربوا في تيهاء الضلال
وهو في توجهه هذا يقوم الليل ويرهف ذهنه وقلبه ويطيل الصوم والتأمل في آلاء ربه فينحدر من الغار إلى طريق الصحراء ثم يعود إلى خلوته ليعود فيمتحن ما يدور بذهنه وما يتبين له في رؤاه ولقد طالت به الحال ستة أشهر حتى خشى على نفسه عاقبة أمره فأسر بمخاوفه إلى
۱ سورة العلق ١ ٥
خديجة وأظهرها على ما يرى وأنه يخاف عبث الجن ب فطمأنته الروح المخلصة الوفية وجعلت تحدثه بأنه الأمين وبأن الجنَّ لا يمكن أن تقترب منه وإن لم يدر بخاطرها ولا بخاطره أن الله يهيئ مصطفاه بهذه الرياضة الروحية إلى اليوم العظيم وإلى النبأ العظيم يوم الوحى الأول ويهيئه بها إلى البعث والرسالة
وفيما هو نائم بالغار يوما جاءه الملك وفى يده صحيفة فقال له اقرأ ۱ كانت اقرأ مفتتح عهد جديد في حياة الرسول فمنذ تلك الآونة لم يترك رسول الله الدعوة إلى الله قط كان يدعو ليلاً وكان يدعو نهارًا وكان يدعو في كل لحظة
لحظاته
من
٥٦
۱ من حياة محمد للدكتور هيكل
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا
[ صدق الله العظيم ]
سورة النساء الآية ١٦٦
الفصل الرابع عن
الرسالة أسباب وبواعث
وأهداف وغايات
البعثة العامة
جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بُعِثَ الأنبياء قبلى إلى أممهم خاصة وبعثت إلى الأمم كلها عامَّةٌ ۱
المأدبة
عن جابر بن عبد الله قال جاءت ملائكة إلى نبى ا الله وهو نائم فقال بعضهم لبعض إنه نائم وقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقظان فقالوا إن مَثَله كمثل رجل بنى دارا فجعل فيها مأدبة وبعث داعيًا من أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعَى لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فقالوا
أولوها له يَفْقَهها فقال بعضهم إنه نائم وقال بعضهم إن العين نائمة والقلب
الله
ومن
يقظان قالوا فالدار الجنة والداعي محمد فمن أطاع محمدًا فقد أطاع ا ومحمد فرق بين الناس رواه البخاري في الصحيح
عضی
محمدا فقد عصى
الله
مثله
عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلى ومثل الأنبياء قبلى كمثل رجل ابتنى دارًا فأحسنها وأكملها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون لولا موضع هذه اللبنة ! قال رسول الله ل فأنا موضع تلك اللبنة جئت فختمتُ الأنبياء رواه البخارى فى الصحيح عن محمد بن سنان عن سليمان بن حيان ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب عن عفان ۳
مثل ما بعثه الله به من الهدى والعلم عن أبي موسى قال قال رسول الله الله إن مَثَلَ ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلا والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا
۱ الرسالة المحمدية ص ۱۸ دلائل النبوة ج ١ ص ٢٧٦ ۳ دلائل النبوة ج ۱ ص ۷۳
۵۹
وأصاب منها طائفةٌ أخرى إنما هى قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلا فذلك مثل من
فقه في دين
الله تعالى
به
فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا
الله ونفعه ما بعثنى ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت به
به
وبهذا الإسناد عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إِنَّ مَثَلَى ومَثَلَ ما بعثنى ا كمثل رجل أتى قومه فقال يا قوم إنى رأيت الجيش بعينى وأنا النذير العريان فالنجاء فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فَنَجَوا وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به من الحق ومثل من عصاني وكذَّب ما جئت به من الحق
رواهما البخارى ومسلم في الصحيح عن أبي كريب مثل الأمة الإسلامية
عن ابن عمر أن رسول الله قال مثلكم ومَثَل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً فقال من يعمل من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط ألا فعملت اليهود ثم قال من يعمل لى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ألا فعملت النصارى ثم قال من يعمل لى من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين ألا فأنتم الذين عملتم فغضب اليهود والنصارى فقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء ۱
قال فهل ظلمتكم من حقكم شيئًا قالوا لا
قال فإنما هو فضلى أوتيه من أشاء ٢
أخرجه الإمام البخارى۳
إن ربي رحيم ودود
بواعث وأهداف
الإسلام علام تدل هذه الكلمة الإلهية ما مفهومها
لقد تحدث القرآن عن مفهومها في تفصيل كثير بل يمكنك أن تقول إن القرآن الكريم
كله إنما هو شرح لمفهومها
1 الأصل نحن أقل عملا وأكثر عطاء وهو تحريف ورواية البخارى مثلنا أكثر عملا وأقل عطاء رواية البخارى مخالفة لما هنا صحيح البخارى كتاب الإجارة
۳ الوفا جـ ١ ص ٣٧٦ - ۳۷۷ دار الكتب
أيضا
وتحدث الرسول - متناسقاً مع القرآن وشارحا له – عن هذا المفهوم ولم يكن رسول الله له يشرح المفهوم بقوله فحسب وإنما كان يشرحه بسلوكه
لقد حقق رسول الله الإسلام في صورة واقعية
ولقد سئلت السيدة عائشة – رضوان الله عليها
كان خُلُقه القرآن
عن خلق رسول الله فقالت
ونعود فنقول ما هو المفهوم
هذا المفهوم هو الذى نبدأ فى تفصيله بعون الله وتوفيقه هل نبدأ في ذلك بالأهداف
أو نبدأ في ذلك بالبواعث قد تكون الأهداف والغايات - هي نفسها - العِلَلَ والأسباب
وهذا هو الواقع بالنسبة للإسلام
ونحن - إذن - نتحدث في هذه الكلمة وفى كلمات تالية عن العلل والأسباب وعن الغايات والأهداف
إن الله سبحانه وتعالى يقول الرسوله الكريم له وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين الأنبياء ١٠٧
وانظر التعبير القرآني هو رحمة للعالمين !!
إنه سبحانه لم يقل رحمة لقطر معين ولم يقل رحمة للإنسانية وإنما قال رحمةً
للعالمين
إنه سبحانه عمم الرحمة فجعلها للعالمين
وفي حديثنا عن الرحمة نبتدئ بالحديث عنها صفة من صفات الله تعالى كما تحدث عنها في القرآن الكريم وكما تحدثت عنها السنة الشريفة
إن من أسماء الله تعالى اسم الرحمن ولقد بلغت منزلة هذا الاسم في الأسماء الكريمة أنه يذكر مضارعا لاسم الجلالة
المطلق الله
يقول سبحانه
وقل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فَلَهُ الأسماء الحسنى الإسراء ۱۱۰
٦١
أسماء الله ومن
سبحانه الرحيم
ورحمة الله سبحانه وتعالى تامة عامة شاملة
والرحمة التامة - كما يقول الإمام الغزالى - إفاضة الخير على المحتاجين وإرادته لهم
وعنايته بهم والرحمة العامة هى التى تتناول المستحق وغير المستحق
ورحمة الله تامة عامة
أما تمامها فمن حيث أراد قضاء حاجات المحتاجين وقضاها
وأما عمومها فمن حيث شمولها المستحق وغير المستحق وتناول الضرورات والحاجات والمزايا الخارجة عنهما فهو الرحمن الرحيم المطلق حقا على أن الوصف القرآني لله - سبحانه وتعالى - في جانب الرحمة يبين أن الله سبحانه
وتعالى
أرحم الراحمين ۱
وأنه سبحانه
خير الراحمين
ومن أروع الأحاديث القدسية الرمزية التي تتحدث عن رحمة الله سبحانه والتي لا نجد لها ما يماثلها في سموها وجلالها شرقاً أو غربا قديما أو حديثا لا في مذاهب الفلاسفة ولا فى الملل والنحل بل ولا فى كلام الشعراء - ما رواه الإمام مسلم - رضى الله عنه - بسنده عن رسول الله فيما رواه عن ربه
إن الله عز وجل يقول يوم القيامة
يا ابن آدم مرضتُ فلم تعدنى
قال يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين
قال أما علمت أن عبدی
فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لوعدته لوجدتني
عنده
1 الأعراف ١٥١ والأنبياء ۸۳
المؤمنون ۱۱۸
يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمنى
قال يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين
قال أما علمت أنه استطعَمَكَ عبدى فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته
لوجدت ذلك عندى يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني !
قال يارب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استقاك عبدى فلان فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندى وهذا الذى رواه الرسول - - عن ربه يساير ويتناسق مع الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة إن الله سبحانه هو الذى
يتزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولى الحميد 1 وإن أسلافنا الذين تأملوا في هذه الآية الكريمة يلجأون إلى الله ويتجهون إليه بصفتى الولى الحميد - في الشدائد حينما تلم بهم فيجدون في التجائهم إليه سبحانه بصفتى الولى الحميد بَرْدَ الرضا وراحة النفس والخروج من ضيق الكرب إلى سعة الرحمة
إنه سبحانه الولى الحميد
أما رحمة الله في كل لحظات الحياة فإنها
قريب من المحسنين ٢
إنها تحيط بهم وتتنزل عليهم وتقودهم وتتبعهم في كل مجالات الحياة ومن أوائل المحسنين الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أمثلة رحمة الله سبحانه بأنبيائه ورسله ما ذكره القرآن عن نوح عليه السلام
ومن
قال تعالى
ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فَنَجيناه وأهله من الكَرْبِ العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قَوْمَ سَوْءٍ فأغرقناهم أجمعين ۳
وعن أيوب - عليه السلام - قال تعالى
۱ الشورى ۸ ٢ الأعراف ٥٦
۳ الأنبياء ٧٦
٦٣
وأيوب إذ نادى ربَّهُ أنى مسنى الضُّرُّ وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به
من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين ۱
وعن يونس - عليه السلام - قال تعالى وَذَا النون إذ ذهب مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لن نَقْدِرَ عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستَجَبْنَا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين وعن زكريا - عليه السلام - قال تعالى
وزكريا إذ نادى ربه ربِّ لا تذرني فردا وأنت خير الوراثين فاستجبنا له ووهبنا له يَحْيَى وأصْلَحْنَا له زوجه إنهم كانوا يُسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا
خاشعین ۳
ونعود فنقول مع القرآن الكريم
وإن رحمة الله قريب من المحسنين 4
الأمثلة ومن
ذلك قوله
ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا
سورة هود ٥٨
وقوله
فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منارة
سورة هود ٦٦
وقوله
ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة مناكم
سورة هود ٩٤
ونعود فنقول مع القرآن الكريم
وإن رحمة
الله
قريب من المحسنين
1 الأنبياء ٨٣ ٨٤ الأنبياء ۸۷ ۸۸ 3 الأنبياء ۸۹ ۹۰ ٤ الأعراف ٥٦
وهى ليست قريبة من الأنبياء والرسل فحسب ولكنها قريبة من كل محسن إنها قريبة ممن آمن وعمل صالحا فتكون السعادة
ومَنْ عَمِلَ صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولَنَجْزِيَنَّهم أجرهم
بأحسن ما كانوا يعملون الله
سورة النحل ۹۷
وهي قريبة من المتقين فتكون تفريجا للكرب وإزالة للهم وَسَعةً في الرزق يقول سبحانه
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب
سورة الطلاق ٢ ٣
إن الله سبحانه برحمته يجعل له مخرجًا من كل هم ومن كل ضيق ويرزقه من حيث
لا يحتسب
والله سبحانه يدعو الإنسان دائما ألا ييأس من رحمة الله
يقول سبحانه
ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون
سورة الحجر ٥٦
ويأخذ سبحانه على الإنسان بخله وشحه ويذكر سبحانه أنه لو ملك خزائن رحمة الله لحمله شحه على الإمساك خشية الإنفاق
يقول سبحانه
وقل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربى إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا سورة الإسراء ١٠٠
وحينما ينظر الإنسان إلى الكون يجد رحمة الله بالإنسان سارية في جميع أرجائه
يقول تعالى
6
ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم
تشكرون سورة القصص ٧٣
ويقول تعالى
50
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمةً
إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون
سورة الروم ٢١
وبعد
فإن من القوانين الإلهية في الرحمة
۱ - الراحمون يرحمهم الرحمن
٢ - ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء - الشاة إن رحمتها رحمك الله
٤ - من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته
من فرج -
عن
عنه
مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله كربة من كرب يوم القيامة
٦ - من ستر مسلما ستره الله
يوم
القيامة
الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
يتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن وضعه في هذا العالم فيقول
إنما أنا رحمة مهداة
إنها
رحمة أهداها الله إلى الإنسانية ليرحمها به
ليرحمها بالتعاليم التي
الإنساني كما أحبه الله
أنزلها عليه
ليرحمها به كقدوة ليرحمها به باعتباره صورة للكمال
ويروى الإمام مسلم في صحيحه أنه قيل
يا رسول الله ادع على المشركين فقال إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمةً
ولقد كان رسول الله يذكر المسلمين بالرحمة كلما كانت هناك مناسبة
ففى يوم من الأيام بينما كان المسلمون عائدين من غزوة ذات الرقاع جاء رجل بفرخ طائر فأقبل أحد أبوى الفرخ حتى طَرَح نفسه بين يدى الذى أخذ فرخه فعجب الناس من ذلك !! فانتهز رسول الله له الفرصة - كعادته - لبعظهم ويُذكرهم
فيه فقال
بالله ويحببهم
D
أتعجبون من هذا الطائر أخذتم فرخه فطرح نفسه رحمة لفرخه و والله لربكم
أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه !! وفى مرة أخرى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تضم طفلها إلى صدرها في حنان بالغ وحب عميق فالتفت إلى أصحابه وقال لهم
أترون هذه طارحةً ولدها في النار
قالوا لا يا رسول الله
فقال
والله
الله أرحم بعباده من هذه بولدها !!
وفي يوم من الأيام رأى أحد الأعراب رسول الله لا يقبل أحد أسباطه فقال
مندهشاً
قط
أتقبلون أبناء كم إن لى عشرة من الأولاد ما قبلت واحدا منهم فعرفه - - في نوع من الاستهجان - أن الله قد نزع الرحمة من قلبه
ولقد تعدت رحمته الإنسان إلى الحيوان
وكتب السيرة تروى أنه مر ذات يوم على بستان رجل من الأنصار فدخله فإذا جمل يئن وتذرف عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح عليه فسكت
ثم قال مَنْ رَب هذا الجمل
فجاء فتى من الأنصار فقال هذا لي يا رسول الله فقال له ألا تتقى الله عز وجل فى هذه البهيمة التي ملكك الله
إنك تجيعه وتدئبه أى تتعبه وتجهده
فخجل الشاب الأنصارى وتغير سلوكه مع الجمل ومن المعانى ذات المغزى أن رسول الله الله كان يتحدث عن الرحمة ويحث عليها
يدعو إليها ويعرف منزلتها من الدين فقال بعض الصحابة - رضوان الله عليهم -
إننا نرحم أزواجنا وأولادنا وأهلينا فلم يرض هذا القول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه فهم قاصر محدود لما ينبغي أن يكون عاما شاملاً ولذلك رد عليه رسول الله - - بقوله
٦٧
ما هذا أريد إنما أريد الرحمة العامة
وما من شك في أن من الرحمة رحمة الأزواج والأولاد والأهل وقد حث على ذلك رسول الله
بيد أن ما أراده الرسول عل إنما هو أن تتغلغل الرحمة فى الكيان الإنساني كله حتى تصبح وكأنها من فطرته وطبيعته وجبلته فيكون الإنسان وكأنه قبس من الرحمة الإلهية ينثرها إذا سار وينثرها أينما كان وينثرها حينما حل
يغمره
وإذا كان كذلك فإنه يكون قد حقق الطابع العام للرسالة الإسلامية واستحق أن
برحمته
إن رسول الله الله
مفهومه إلى رحمة الحيوان
وهو الذى أفهم الصحابة أنه إنما يريد الرحمة العامة
تجاوز
ومن أجل ذلك تتضمن الرحمة فى الجو الإسلامي الرحمة بالحيوانات أيضا
عن ابن عمرو - رضى الله عنهما - قال قال رسول الله
دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش
الأرض
وفي رواية
عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض رواه البخارى وغيره
وعن سهل بن الحنظلية - رضي الله عنه - قال
مر رسول الله - - ببعير لصق ظهره ببطنه فقال
اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - عن رسول الله قال
دنا رجل إلى بئر فنزل فشرب منها وعلى البئر كلب يلهث فرحمه فنزع إحدى
خفيه فسقاه فشكر الله له فأدخله الجنة
رواه البخاري ومسلم وغيرهما
وهذه جملة من الأحاديث للرسول في الرحمة تبين عن روحه ع الفياضة بهذه
الصفة التي جعلها الله سبحانه وتعالى شعار هذه الأمة
الله
عن جرير بن عبد
رضی
الله
عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من لا يَرْحَم النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ الله
وعن أبي موسى - رضى الله عنه - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول
لن تُؤْمِنوا حتى تَرَاحموا قالوا يا رسول الله كلنا رحيم قال إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمةُ العَامَّة
إنما
وعن ابن مسعود رضی | الله عنه قال سمعت رسول الله يقول من لم يَرْحَم الناس لم يَرْحمهُ الله
وعن جرير رضى الله عنه قال سمعت رسول الله يقول من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء
أنا رحمة مهداة
إن الله سبحانه وتعالى يقول لرسوله الكريم
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ۱
إنه سبحانه لم يقل رحمة لقطر معين ولم يقل رحمة للإنسانية فحسب وإنما قال
و رحمة للعالمين كمية
إنه سبحانه عمم الرحمة فجعلها للعالمين
وفي حديثنا عن الرحمة ابتدأنا بها صفة من صفات الله تعالى كما تحدث عنها سبحانه في القرآن الكريم وكما تحدثت عنها السنة
والآن نتحدث عن الرحمة صفةٌ من صفات رسول الله الله لقد التقى رسول الله بالملك فى غار حراء وبدأت رسالة الإسلام باهرة رائعة وكان هذا الابتداء متمثلاً في قوله تعالى
اقرأ باسم
ربك الذي خلق خَلَق الإنسان من عَلَق اقرأ وربُّك الأكرم الذى علم
بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ٢
۱ الأنبياء ١٠٧
العلق ١ - ٥
9
الله
يقول الإمام البخارى - فيما رواه عن السيدة عائشة رضى الله عنهما
فرجع بها رسول الله - - يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد – رضى عنها - فقال زملونى زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة - وأخبرها الخبر - لقد خشيت على نفسى فقالت خديجة
كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب الْمُعْدِم وتَقْرِى الضيف وتعين على نوائب الحق
كانت السيدة خديجة - رضوان الله عليها - تعرف رسول الله حق المعرفة كانت تعرفه عن سماع وكانت تعرفه عن معاشرة وحينما قال لها لقد خشيت على نفسى - أقسمت مباشرة - دون تردد ودون إبطاء – على أن الله لا يخزيه أبدا ثم عللت ذلك بمجموعة من الصفات تتبلور كلها فى صفةٍ واحدة هى الرحمة لقد أدركت السيدة خديجة ببصيرتها الصافية أن من القوانين الإلهية أن رحمة الله قريب من الرحماء وأنه سبحانه لا يخزى الرحيم ولقد وصفت رسول الله لا بالصورة التي انفرد بها في حياته الرحمة
وبدأت السيدة خديجة - رضوان الله عليها - بقولها
إنك لتصل الرحم والرحم - فى الجو الإسلامي - يبتدئ بالأب والأم وللأب والأم مكانتهما في
الإسلام
ولقد ذكرهما الله سبحانه وتعالى في القرآن كثيرًا في أعقاب ذكره للعقيدة الأساسية في
القرآن وهي عقيدة التوحيد مباشرة
ومن ذلك ما يقوله سبحانه في سورة الإسراء
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح ا الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ۱
ويقارن الله سبحانه وتعالى في معاملة الوالدين وفى الصلاح والتقوى بين طائفتين
1 الإسراء ۳ ٢٤
أما إحداهما فيتقبل منهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم
ويقول سبحانه في هؤلاء
وَوَصَّيْنَا الإنسان بوالديه إحسانًا حَمَلَتْهُ أُمُّه كَرْهاً ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشُدَّه وَبَلَغَ أربعين سنة قال ربِّ أَوْزِعْنى أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذُريَّتي إني تبت إليك وإني من المسلمين أولئك الذين تتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ۱
وأما الطائفة الثانية فإن الله سبحانه وتعالى يصفها بالخسران إنها الطائفة التي عقت
والديها يقول سبحانه
والذي قال لوالديه أف لكما أتعداننى أن أخْرَجَ وقد خلت القرون من قبلى وهما يستغيثان الله ويلك آمِنْ إِنَّ وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين أولئك الذين حَقَّ عليهم القَوْلُ في أم قد خَلَتْ من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ٢ وأما أحاديث رسول الله بالنسبة لصلة الرحم فإنها كثيرة
قال
منها الحديث المشهور عن أبى هريرة رضى ا الله عنه - فيما رواه البخارى عن النبي -
إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم أما تَرْضَينَ أن أصلَ مَن وَصَلك وأقطع من قطعك !
قالت بلی یا رب
قال فهو لك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقرأوا إن شئتم
فهل عسيتم إن توليتم أن تُفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم
الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ۳
1 الأحقاف ١٥ ١٦ الأحقاف ۱۷ ۱۸
۳ محمد ۳
۷۱
وتقول السيدة خديجة رضوان الله عليها
وتحمل الكل
والكل هو الذى لا يستقل بأمره لأنه في حاجة إلى من يأخذ بيده إلى من يحمله وكان رسول الله يحمل الكل وكان يكسب المعدم
والمعدم هو الذى لا تصرف له ولا كسب
وكان رسول الله لا يفيده ويعاونه
وتقول السيدة خديجة
وتقرى الضيف
وكان رسول الله كريما وكان جوادا
ويصفه ابن عباس في كرمه فيقول
كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقا في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله اللهم أجود بالخير من الريح المرسلة
وتقول السيدة خديجة وتعين على نوائب الحق
ولقد كان رسول الله يسارع بتقديم المعونة لكل من نابته نائبة وقد يكون تقدي المعونة بالمال وقد يكون بالرأى وقد يكون بالمواساة وبالكلمة الطيبة وبالتشجيع وبغرس التفاؤل في نفس المصاب
9
ويقول الإمام ابن حجر عن هذه الكلمة
كلمة جامعة لأفراد ما تقدم ولما لم يتقدم وقولها وتعين على نوائب الحق هي
وذلك فهم عميق لهذه الكلمة الجامعة
وكان استنتاج السيدة خديجة - رضوان الله عليها - أن الله سبحانه وتعالى من أجل هذ
الصفات الرحيمة أو من أجل هذه الرحمة الشاملة لا يخزيه ولن يخزيه وكان هذا أول قانون أعلنته السيدة خديجة - رضوان الله عليها - في الجو الإسلامي إن من كان رحيما لا يخزيه الله فى الدنيا والآخرة
وهو قانون عام شامل في الجو الإسلامي ليس خاصا برسول الله ومن أحب أر لا يخزيه الله فى الدنيا والآخرة فليلتزم الرحمة يقول
۷
رحيم
ارحَمُوا تُرْحَمُوا واغفروا يُغْفَر لكم ۱
الله ويبين
سبحانه مدى ما بلغت إليه رحمة الرسول فيقول
ولقد جَاءَكم رسول من
أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف
ويسجل القرآن الكريم حرص الرسول الله على هداية قومه وخوفه عليهم من
الهلاك إلى درجة كادت تودي بحياته فيقول
لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ۳
ويقول
و فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ٤ ويصف الله سبحانه رسوله ويصف رسالته فيقول
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ٥
يقوم الإمام الرازي
إنه - - كان رحمة في الدين وفي الدنيا
أما في الدين فلأنه بعث والناس فى جاهلية وضلالة وأهل الكتابين كانوا في حيرة
أمر من
دينهم لطول مكثهم وانقطاع تواترهم ووقوع الاختلاف في كتبهم فبعث الله تعالى محمدا لله حين لم يكن لطالب الحق سبيل إلى الفوز والثواب فدعاهم إلى الحق وبين لهم سبيل الثواب وشرع لهم الأحكام وميز الحلال من الحرام ثم إنما ينتفع بهذه كانت همته طلب الحق فلا يركن إلى التقليد ولا إلى العناد والاستكبار وكان
الرحمة من التوفيق قرينا له قال الله تعالى
وقل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم
عمى 1
۱ رواه البخارى فى الأدب وأحمد في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان
التوبة ۱۸
۳ الشعراء ٣
٤ الكهف ٦
٥ الأنبياء ١٠٧ ٦ فصلت ٤٤
وأما في الدنيا فلأنهم تخلصوا بسببه من كثير من الذل والقتال والحروب ونصروا
ببركة دينه
وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال
قيل يا رسول اذع على المشركين
قال إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمةً
وروى الحاكم بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله قال
إنما أنا رحمةً مُهْدَاةٌ
وروى البخاري في تاريخه عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما بعثت رحمةً ولم أبعث عذابًا
صلوات الله عليك يا سيدى يا رسول الله
يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم
لقد تحدثنا بتوفيق الله تعالى عن الحكمة في إرسال خاتم النبيين ممثلة في قوله تعالى يو وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين الله
والآن نبدأ رسماً مجملاً لصورة الأمة الإسلامية كما أحبها الله ورسوله ما هي الصورة التي أحبها الله ورسوله للأمة الإسلامية
إنها الصورة الواقعية لتعاليم الرسول علي
ما هو الموضوع - في إجمال مجمل - الذي دارت حول تحقيقه جهود الرسول صلى الله عليه وسلم إن الله سبحانه وتعالى أجمله في عدة آيات من القرآن الكريم منها قوله تعالى ولقد مَنَّ الله على المؤمنينَ إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ۱ وهو الذي بعث في الأمين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين
۱ آل عمران آية ١٦٤
الجمعة ٢
والر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلماتِ إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد 1
وإذا أردنا - برعاية الله - أن نلخص صورة الأمة الإسلامية في تعاليم الله سبحانه وفي تعاليم رسول الله فإننا نقول إنها الأمة العالمة والتي تزكت بالمبادئ الإلهية وجهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان لإخراج هذه الأمة من الظلمات إلى النور من ظلمات الجهل إلى نور العلم ومن ظلمات السفه إلى نور الهداية
لأنه ما لا يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ونبدأ في شرح ذلك بما بدأ الله سبحانه وتعالى به في أول آية نزلت في دستور ا
الإسلامية أعنى القرآن الكريم
هي اقرأ
إن أول كلمة وردت فى الوحى الإسلامي والآيات الأولى التي نزلت في الليلة المباركة هي
الأمة
اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علقٍ اقرأ وربُّك الأكرم الذى عَلَّمَ
بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم
إن هذه الآيات الأولى تذكر الأمر بالقراءة مرتين وتذكر مادة العلم ثلاث مرات وتذكر القلم باعتباره إحدى وسائل العلم وحينما فسر المرحوم الشيخ محمد عبده هذه الآيات عقب عليها قائلا يوجد بيان أبرع ولا دليل أقطع على فضل القراءة والكتابة والعلم بجميع من افتتاح الله كتابه وابتدائه الوحى بهذه الآيات الباهرات ا هـ لقد افتتح الله الوحى في الدين الإسلامي بهذه الآيات المعجزة الخالدة التي تذكر القراءة والكتابة والقلم والتي ترددت فيها مادة العلم أكثر من مرة
لا
أن وبعد
نزلت هذه الآيات الكريمة نزل قوله تعالى
ون والقلم وما يسطرون٣
أنواعه
۱ إبراهيم ١
العلق ١ - ٥
۳ القلم ١
Yo
وفي هذه المرة الثانية من الوحى بدأ الله سبحانه بحرف من حروف الهجاء وأقسم بالقلم والكتابة فكان أول قسم فى هذا القرآن هو القسم بالقلم وبما يسطر بالقلم
أما
اسم
الكتاب الموحى به فإنه القرآن
يقول الراغب الأصفهاني
قال بعض العلماء تسمية هذا الكتاب قرآنا من بين كتب ا كتبه بل لجمعه ثمرة جميع العلوم كما أشار تعالى إليه بقوله
الله
لا لكونه جامعا لثمرة
وتفصيل كل شيء ۱
وقوله
تبيانا لكل شيء ٢ اهـ
والقرآن - بتسميته وبأول آيات نزلت منه وبأول قسم فيه - يوجه الإنسان - بطريق مباشر وبطريق إيحائى - إلى الاتجاه نحو المعرفة قراءة وكتابة وعلما
ما هي منزلة العلم في الإسلام
نفسه
إن الله سبحانه يقول
وإنما يخشى الله من عباده العلماء ۳
وخشية
الله
التي هي ثمرة العلم أساس من أهم أسس إسلام الوجه الله ومن هنا كانت ضرورة العلم فى الإسلام إنه ضرورة وليس ترفًا فهو من أسس الإسلام
ومن أجل ذلك كان من مقومات شخصية المسلم العلم العلم بالله العلم بالكون وبالإنسان وبالنفس وبكل ما تتسع له الكلمة من معنى كريم ولقد أورد الإمام البخاري في صحيحه كتابا سماه كتاب العلم قسمه إلى أبواب منها باب العلم قبل القول والعمل
لقول الله تعالى فاعلم أنه لا إله إلا الله كى ٤ فبدأ بالعلم وأن العلماء
1 يوسف ۱۱۱
النحل ٨٩ ۳ فاطر ۸ ٤ محمد ۱۹
هم
ورثة
الأنبياء ويرثون العلم من أخذه أخذ بحظ وافر ومن سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وقال جل ذكره وإنما يخشى الله من عباده العلماء ۱ وقال روما يعقلها إلا العالمون ويقول لو وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ۳ وقال وهَلْ يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ٤
وقال النبي - - من يرد الله به خيرًا يُفقهه وإنما العلم بالتعلم
وقال أبو ذر لو وضعتم الصمصامة على هذه - وأشار إلى قفاه – ثم ظننت أبي أنفذ كلمة سمعتها من النبي - - قبل أن تجيزوا على لأنفذتها
وقال ابن عباس كونوا ربانيين حلماء فقهاء
ويقال الربانى الذى يربّى الناس بصغار العلم قبل كباره
خ
**
عن عبد الله بن مسعود قال قال النبي -
لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلط على هلكته في الحق ورجل آتاه الله
الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها
خ
والآن نتساءل إلام تؤدى خشية الله التي هي ثمرة العلم
إلام ينتهى العلماء الصادقون المؤمنون
يقول الله تعالى
وشهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز
الحكيم لي 0
۱ فاطر ۸ ٢ العنكبوت ٤٣
۳ الملك ١٠
٤ الزمر ٩
۵ آل عمران ۱۸
VV
إنهم يصلون عن طريق العلم الذى يثمر الخشية إلى التوحيد التوحيد الذي هو سمة الدين الإسلامي - كما يرى البيروني – والذى هو - في حقيقة الأمر – سمة التدين الصادق
ويشهد العلماء التوحيد مع الله سبحانه الملائكة الأطهار ومع
إن الله سبحانه قرن العلماء به وبملائكته في شهادة التوحيد
وهذا أسمى ما يمكن أن يصل إليه تكريم العلماء مكانة من و شهادة التوحيد التي هي قمة الركن الأول للإسلام وهو أ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسولُ الله لا يشهدها إلا العلماء المؤمنون
إن شهادة التوحيد هذه قد
وجه
الله الأنظار إليها بأساليب شتى
ومن هذه الأساليب مالا يقدره - فى وقته وروعته الرائعة – إلا العلماء قل الحمد لله وسلامٌ على عباده الذين اصْطَفَى الله خير أم ما يشركون كله
النمل ٥٩
ذات بهجة
أمَّنْ خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات ما كان لكم أن تُنبِتُوا شَجَرَها أإله معَ الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا وجعل لها رواسي وجعل بين البَحْرِينِ
حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون الله أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون
أمن يهديكم في ظلماتِ البر والبحرِ ومَن يرسل الرياح بُشْرًا بين يَدَى رحمتِهِ أَإله مَعَ الله تعالى الله عما يشركون النمل ٦٣ أمَّن يَبْدو الخلق ثم يُعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قُل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ۱ ثم يعقب الله سبحانه على هذه الآيات بأنه مهما بلغ العلماء بعلمهم فإن المجهول كثير وإنه لا يعلم هذا المجهول المغيب إلا الله سبحانه والتعقيب الكريم معناه أن العلم
١ النمل ٥٩ - ٦٤
VA
لا ينتهى إلى غاية وأن كشف المجهول رسالة لا تنتهى ما دامت السماوات والأرض فيقول سبحانه
وقُل لا يَعْلَم مَن في السمواتِ والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيَّانَ يبعثون ۱ ومن أجل شهادة التوحيد أو من أجل وصول الإنسانية إلى أقصى ما ينتهى إليه بالنسبة للإنسانية – كل بحسب استطاعته - فى معارج القدس - حث الإسلام على العلم موجه إليه وجعله من أسس الدين نفسه
لقد حث عليه في صور بلغت من الروعة حدا لا يجارى
والآيات والأحاديث التي وجهت الأمة الإسلامية إلى العلم كثيرة مستفيضة وإذا كان العلماء يشهدون التوحيد مع الله ومع الملائكة فإن منزلتهم بالمكان السامي ودرجاتهم سامية في الرفعة والعلو
يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات
ولهذه الجوانب من فضل العلم والعلماء أمر الله سبحانه وتعالى رسوله - وهو قدوة
المسلمين وأسوتهم أن يقول
رَبِّ زِدْنى عِلما ۳
رب زدني علمًا في كل يوم بل في كل لحظة
ذلك ما يجب أن يكون شعار المسلم
وإذا ما ازداد المسلم علمه ازداد خشية وإذا ما ازداد خشية تحقق فيه إسلام الوجه الله
على صورة أكمل ومن الملاحظات التي يجب أن تكون دائما فى الذاكرة أن الكلمة الأولى التي نزل بها الوحى على المصطفى الله مبشرة بعهد من النور جديد هي كلمة اقرأ ورضيت لكم الإسلام دينا
ونعود فنتساءل من جديد ما هو مفهوم الإسلام
1 النمل ٦٥
المجادلة ۱۱ ۳ طه ١١٤
وقد
تحدثنا عن جانب من ذلك فيما مضى ونستمر فى الحديث عن ذلك الآن من زوايا أخرى منطلقين في ذلك عن القاعدة التي تشير إلى أن صدق الرسالة دليل على صدق
الرسول
إن الله سبحانه وتعالى بين لنا - أمة الإسلام- أنه سبحانه وتعالى رضى لنا الإسلام دينا ولكنه سبحانه وتعالى بين أيضا أن الدين عنده إنما هو الإسلام
يقول سبحانه وتعالى
إن الدينَ عِندَ اللهِ الإسلام آل عمران ۱۹
إنه إذا
الدين الذي أخذ سمة العموم والشمول
ومن أجل ذلك فإن الكلمة نفسها إسلام لا تشير إلى شخص معين فليس مثلها
مثل البوذية التي تشير إلى بوذا ولا الكنفوشيوسية التي تشير إلى كونفشيوس ولا تشير الكلمة إلى جنس كما تشير اليهودية
ولا تشير إلى مكان ولا تشير إلى زمن إنها كلمة لا يحدها شخص ولا جنس ولا زمان ولا مكان
إنها تضعنا - بمجرد سماعها وفهم معناها - مباشرة في محيط الإطلاق والعموم
والشمول
أما معناها فقد بين القرآن الكريم الكثير من زواياه فى غير آية من آياته الكريمة وبين الرسول كثيرا من زواياه والمعنى الكامل لها هو القرآن الكريم كله وأحاديث الرسول الصحيحة الورود عنه وعمله إن رسول الله الله قد طبق الإسلام في مجتمع مثالى فأخرجه بذلك من نظريات ومبادئ إلى واقع محسوس
ولعل القارئ الكريم يذكر أن أفلاطون قد أتيحت له الفرصة أن يطبق نظرياته التي رسمها في جمهوريته لقد فوض إليه الأمر فى أن يحقق جمهوريته بحيث يخرج بها من خيال إلى واقع فأخفق إخفاقاً كاملاً وبعد سنوات أتيحت له الفرصة مرة أخرى فأخفق للمرة الثانية إخفاقاً تاماً وكان ذلك برهانا كافيًا على يسبح بجمهوريته في عالم الخيال
والوهم
A
أما رسول الله فإنه خرج بالإسلام عن المبادئ المكتوبة إلى الواقع المنظور وكون بذلك وبتوفيق الله مجتمعاً إلهيا يسير على النسق الذي أحبه الله سبحانه وتعالى لقد غير المجتمع وخرج به من جاهلية إلى إسلام ومن وثنية إلى توحيد وكان التغيير جذريا في المجتمع وفى الأفراد فى السلوك والعقيدة والتشريع وانظر - إن شئت - إلى المجتمع الجاهلى فى صورته السابقة للإسلام ثم في صورته
الإسلامية
واقرأ تاريخ هذه النخبة من الأفراد أمثال عمر رضى الله عنه وخالد بن الوليد وغيرهما من صفوة المسلمين من الرعيل الأول اقرأ تاريخهم قبل الإسلام وبعده فسترى الفرق
الواضح بين عهدين عهد الجاهلية وعهد الإسلام ولقد بدأ الإسلام بقوة بعقيدة التوحيد هذه العقيدة التي تعتبر الأساس الأول والأصيل في الدين الإسلامي
إن البيروني - العالم المسلم الذى يقول عنه المستشرق ساخاو إنه أكبر عقلية ظهرت على وجه التاريخ قد أخذ يشرح في دقة مستنيرة طابع كل دين فلما وصل إلى الإسلام
قال
إن طابعه يتركز في كلمة واحدة هي التوحيد
يقول تعالى
وقل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابًا من دون الله فإن توَلَّوْا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ۱
--
ورضيت لكم الإسلام دينا المائدة ٣
ونعود إلى هذه الكلمة القرآنية الكريمة لنرى بعض نتائجها
صدق الله العظيم
من هذه النتائج قوله تعالى
1 آل عمران ٦٤
۸۱
فَمَنْ يُرِدِ الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومَن يرد أن يُضله يجعل صدرَه ضَيِّقًا حرَجًا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ۱ ومنها قوله تعالى
أفَمَن شرح الله صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربِّه
ومنها قوله تعالى
ويأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إِلا وأنتم مسلمون ۳ والكلمة القرآنية الكريمة التي اتخذناها عنوانا هي تكملة لكتابة نورانية مباركة وقد وردت هذه الكلمات على النسق التالي
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام
دینا 4
عنهما قوله اليوم أكملت لكم دينكم
عن على بن طلحة عن ابن عباس رضى ا الله وهو الإسلام - أخبر الله نبيه لله والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدًا وقد رضيه الله فلا يسخط أبدا
عن عنوان كلمتنا هذه فإن الإمام الأكبر ابن كثير رضي الله عنه يقول فيه ورضيت لكم الإسلام دينار أى فارضوه أنتم لأنفسكم فإنه الدين الذي أحبه الله ورضيه وبعث به أفضل الرسل الكرام وأنزل به أشرف كتبه
ولقد رويت فى هذه الكلماتِ المباركة روايات بأسانيد مختلفة عن كثير من الصحابة
روى بعضها الإمام البخارى والإمام مسلم وَرَوَى بعضها غيرهما
نذكر منها روايتان أما أولاهما فعن طارق بن شهاب قال
جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال
۱ الأنعام ١٢٥
الزمر ٢٢
۳ آل عمران ۱۰
٤ المائدة ٣
۸
يا أمير المؤمنين إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا - معشر اليهود – نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا قال وأى آية قال
قوله اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا - فقال عمر والله إني لأعلم اليوم الذى نزلت على رسول الله الله والساعة التي نزلت فيها على رسول الله عشية عرفة في يوم جمعة ۱ وأما ثانيتهما فعن عمار - مولى بنى هاشم - أن ابن عباس - رضي الله عنهما - قرأ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناك
فقال يهودى لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا يومها عيدا
فقال ابن عباس فإنها تركت فى يوم عيدين اثنين يوم عيد وعرفة عيد ويوم
جمعه
وكما يعتبر نزول اقرأ باسم ربك الذى خلق مفتتح الوحى وتعتبر عيدا بالنسبة للمسلمين فإن نزول
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا آخر
نزول الوحى وعيدا بالنسبة للمسلمين وبعد فقد روى البغوى - بسنده - عن جابر بن عبد الله قال
سمعت رسول الله الله يقول قال جبريل قال الله عز وجل
هذا دين ارتضيته لنفسى ۳ ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما
ما صحبتموه
ورضيت لكم الإسلام دينا
إن طابع الإسلام الأصيل إنما هو التوحيد كما قلنا التوحيد في العقيدة والتوحيد في
العبادة والتوحيد في الأخلاق
1 رواه أحمد والشيخان بنحوه والترمذي والنسائي
رواه ابن جرير
3 أى لا أقبل غيره كما قال تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
والتوحيد في العقيدة تعبر عنه كلمة الصدق والإخلاص أشهد أن لا إله إلا الله وعقيدة التوحيد كانت أساس الرسالة الإسلامية في مكة واستمرت كذلك في المدينة يروى الإمام أحمد عن ربيعة بن عباد - وكان جاهليا أسلم - قال رأيتُ رسول الله بَصَرَ عَيْني بسوق ذى المجاز يقول
يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تُفْلِحُوا ويدخل فجاجها والناس متقصفون عليه – أي مجتمعون حوله - فما رأيت أحدًا يقول شيئًا وهو لا يسكت يقول يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تُفْلِحُوا
وفي ذلك يقول
جددوا إيمانكم قيل يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا
قال أكثروا من قول لا إله إلا الله ۱
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما قال عبد قط لا إله إلا الله مخلصاً إلا فُتحت له أبواب السماء
العرش ما اجتنبت الكبائر
وعن جابر رضی الله عنه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
أفضلُ الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله ۳
وإن من الكلمات التي تعبر عن التوحيد قول المؤمنين
حتى
يُقْضَى إلى
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء
قدير
سامية
ولأن هذه الكلمة تعبر عن التوحيد الخالص وكان ثوابها عند الله عظيما وكانت مكانتها
أما عن مكانتها فعن يعقوب بن عاصم رضى الله عنه عن رجلين من أصحاب رسول الله أنهما سمعا رسول الله يقول
۱ رواه أحمد والطبراني وإسناد أحمد حسن
رواه النسائي
۳ رواه ابن ماجة والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم
٨٤
ما قال عبد قط لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مخلصا بها روحه مصدقًا بها قلبه ناطقا بها لسانه إلا فتق الله عز وجل له السماء فتقا حتى ينظر إلى قائلها من الأرض وحق لعبد نظر الله إليه أن يُعْطِيهِ سُؤلَه وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى الله عنه أن رسول الله قال خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله وحده
لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ۱ وأما عن ثوابها فقد أخرج الإمامان البخارى ومسلم - رضى ا أبي هريرة – نضر الله وجهه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
الله
عنهما - من حديث
من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة كانت له عِدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك
ومن
الكلمات التي تعبر عن التوحيد تعبيرا قويًا
لا حول ولا قوة إلا بالله
وهى كنز من كنوز الجنة فعن أبي موسى - رضى الله عنه - أن رسول الله - -
قال له
قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة ٢
وعن أبي هريرة رضى !
الله
عنه قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فإنها من كنز الجنة ۳ وروى الحاكم - وقال صحيح لا علة له - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة ألا أعلمك أو ألا أدلك - على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة تقول لا حول ولا قوة إلا بالله فيقول الله أَسْلَمَ عبدى واستسلم
۱ رواه الترمذى وقال حسن غريب
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه
۳ رواه النسائى والبزار مطولا ورواته ثقات محتج بهم
٨٥
وعن أبي أيوب الأنصارى رضى الله عنه أن رسول الله لا ليلة أسرى به مر على سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال مَن معك يا جبرائيل قال هذا محمد - فقال له إبراهيم عليه الصلاة والسلام
يا محمد مُرُ أمَّتَكَ فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة
قال وما غراس الجنة قال لا حول ولا قوة إلا بالله كل ذلك لأن هذه الأذكار تعبر عن التوحيد الخالص
000
٨٦
ولكن
الله
يشهد بما أنزل
إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا
الفصل الخامس عن
[ صدق الله العظيم ]
سورة النساء الآية ١٦٦
البيعة
٠٠٠
البيعة
وصلة البيعة بمفهوم الرسالة واضح كل الوضوح إن البيعة تحمل الرسالة وهذا الفصل إذن شديد الارتباط بما قبله إنه شرح لمفهوم الرسالة فى صورة ثانية ونحن به نشرح
مفهوم الرسالة مرة أخرى
روى الإمام البخاري
رضی
الله
عنه – من حديث عبادة بن
الصامت رضی
عنه
وكان عبادة قد شهد بدرًا وهو أحد النقباء ليلة العقبة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - وحوله
جماعة
أصحابه من
بايعونى على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا فى معروف فَمَن وَفَى منكم فأجره علي الله ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب فى الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئًا ستره ه الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك وروى الإمام أحمد من حديث سلمى بنت قيس - وكانت إحدى خالات رسول الله وقد صلت معه إلى القبلتين وكانت إحدى نساء بني عدي بن النجاري - قالت
ثم
جئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم نبايعه فى نسوة من الأنصار فلما شرط علينا أن لا نشرك بالله شيئًا ولا نسرق ولا نزنّى ولا نقتل أولادنا ولا نأتى ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف قال ولا تَغْشُشُنَ أزواجكن قالت فبايعناه ثم انصرفنا فقلت لا منهن ارجعي فسلى رسول الله له ما غش أزواجنا فسألته فقال تأخذ ماله فتحابى به
غیره
مرأة
ولقد وردت بيعة النساء فى القرآن الكريم يقول تعالى يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يُشركن بالله شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتينَ يبهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في
معروف فبايعهن واستغفر لهن
۱ الممتحنة ١٢
الله
إن الله غفور رحيم
1
وروى البخاري بسنده عن جوير بن عبد الله قال أتيت النبي فقلت أبايعك على
الإسلام فشرط على والنصح لكل مسلم فبايعته على هذا
ومما يفصل هذه البيعة قوله تعالى
النفس
التي
قل تعالوا أَتْلُ ما حَرَّمَ ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإيَّاهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي أحسن حتى يبلغ أشُدَّهُ وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قُرْبَى وبعهدِ الله أوْفُوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون وأن هذا صراطی مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فَتَفَرَّقَ بكم عن سبيله ذلكم وصاكم
هی
تتقون ۱
وإذا أردنا إجمالا للتعاليم الإسلامية من القرآن الكريم فهو قوله تعالى
به
لعلكم
وإن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تَذَكَّرُون وهذه الآية الكريمة ألف فيها الإمام العز بن عبد السلام – كما يقول صاحب كتاب النصيحة العلوية - كتابا بين فيه أن هذه الآية اشتملت على جميع الأحكام الشرعية وبين ذلك في سائر الأبواب الفقهية وسمى ذلك كتاب الشجرة
ويقول تعالى
وليس البر أن تُوَلُّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولَكنَّ البِرِّ مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتي المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عَاهَدُوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صَدَقُوا وأولئك هم المتقون ۳ ويقول سبحانه
وقد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشِعُون والذين هم عن اللغو معرضون
1 الأنعام ١٥١ - ١٥٢
النحل ٩٠ ۳ البقرة ۱۷۷
والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانُهُمْ فإنهم غَيْرُ مَلُومِين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأمَانَاتِهِمْ وعَهْدَهم راعون والذين هم على صلواتهم يُحافظون أولئك هم الوارثون الذين يَرثُونَ الفردوس هم فيها خالدون ۱
والقصص التالية تلقى بعض الضوء على مفهوم الرسالة الإسلامية لما ظهر النبي بمكة ودعا إلى الإسلام بعث أكثم بن صيفى ابنه حبيشان فأتاه بخبره فجمع بني تميم وقال لهم – فيما قال -
إن ابني شافة هذا الرجل مشافهة وأتانى بخبره وكتابه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويأخذ فيه بمحاسن الأخلاق ويدعو إلى توحيد الله تعالى وخلع الأوثان وترك الحلف بالنيران وقد حلف – عرف - ذوو الرأى منكم أن الفضل فيما يدعو إليه وأن الرأى تَرْكُ ما ينهى عنه
ثم يقول هذه الكلمات الرائعة
إن الذي يدعو إليه محمد لو لم يكن دينا لكان في أخلاق الناس حسنًا وسبيل الله كما رآه أكثم هو توحيد الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ بمحاسن الأخلاق
وكلمة الأخذ بمحاسن الأخلاق كلمة جميلة جمعت فاستغرقت
فعمت
وشملت
أما كلمته الرائعة حقا السامية حقاً العجيبة فى صدقها وإيجازها وفصاحتها فهي
قوله
إن الذي يدعو إليه محمد لو لم يكن دينا لكان في أخلاق الناس حسنا ولما هاجر المسلمون إلى أرض الحبشة شرح جعفر بن أبي طالب للنجاشي مفهوم الرسالة الإسلامية قائلاً
رضی
الله
عنه
أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسىء الجوار ويأكل القوى منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث
1 المؤمنون ۱ - ۱۱
۹۱
ة إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان أمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم
والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن الله نعبد وحده لا نشرك به شيئاً وأمر بالصلاة والصيام وعدد له أمور الإسلام ثم
قال فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من
الله
فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئًا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان عبادة الله
تعالى وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث من
فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك ولما قرأ عليه صدرًا من سورة مريم بكى النجاشي ثم قال
إن هذا والذي جاء به عيسى لَيخْرُجُ من مشكاة واحدة لقد قرر النجاشي فور سماعه المبادئ الإسلامية
إن هذه المبادئ حق وإنها آيات بينات لا يخفى صدقها على أصحاب الفطر السليمة أن ما أتى به محمد - صلوات الله عليه وسلامه – إنما يصدر من المنبع الذي كانت تصدر عنه رسالة عيسى عليه السلام
وعلم
وسبيل
اللہ کا
صوره سيدنا جعفر توحيد الله وعبادته وحده وصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء وإقام الصلاة وأداء الزكاة والصيام والابتعاد عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة
أول عقد من عقود البيعة
وأول عقد من عقود البيعة عدم الإشراك بالله
وحينما
يسمع الناس الحديث عن الإشراك بالله يتجه ذهنهم في الأغلب الأعم منهم
إلى نفى تعدد الآلهة إن الذهن يتجه إلى أن هذه العقيدة التي كانت عند اليونان – في عهودهم القديمة من تعدد الآلهة وعند العرب فى جاهليتهم من عبادة الأصنام – عقيدة باطلة لقد جعل اليونان إلها لكل ظاهرة من ظواهر الكون الكبرى وكذلك فعل قدماء المصريين في عامتهم وشعبهم وكذلك فعل وثنيو العرب
۹
بل إن الإنسانية – وقد بدأت بالتوحيد الخالص على لسان آدم عليه السلام - قد انحرفت سريعا إلى التعدد فأخذت الأنبياء والرسل تنزل تباعا مبشرة بالتوحيد مجاهدةً في سبيل التعدد وفى سبيل القضاء على الوثنية المنتشرة منع ولقد كان عدد الأنبياء والرسل كثيرًا كثرة تتناسب والانحراف المتوالى من الإنسانية منذ ظهورها لقد نزل الأنبياء جميعا يبشرون بالتوحيد وكان كل نبي يدعو أمته إلى مثل ما دعا سيدنا محمد - الإنسانية جمعاء
1
ألا تعبدوا إلا الله إننى لكم منه نذير وبشير 1
وسورة يونس وسورة هود والكثير من سور القرآن - على وجه العموم - تتحدث عن دعوة الرسل قومهم إلى التوحيد
يقول سبحانه
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين أ أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم
عذاب يوم أليم
ويقول سبحانه
وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إن أنتم إلا
مفترون ۳
ويقول سبحانه
وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو أَنشَاكُمْ من الأرض واستعمركم فيها فاستغفرُوهُ ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب ٤ وهكذا نرى كل نبي يدعو إلى عدم الشرك بالله إنه يدعو إلى عبادة الله وحده فإذا اتجه الذهن إلى عدم تعدد الآلهة وإلى الوحدانية فإن هذا الاتجاه طبيعي وهو اتجاه
وهذا النوع من الشرك هو الذى يقول الله سبحانه وتعالى عنه وإن الله لا يغفرُ أَن يُشْرَكَ به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ٥
۱ هود
هود ٢٥ - ٢٦
۳ هود ٥٠
٤ هود ٦١
٥ النساء ١١٦
حق
وهو الذي ينفيه الله منطقيا بقوله
ولو كان فيهما آلهة إلا اللهُ لَفَسَدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ۱
وبقوله
وما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إِذَنْ لَذَهَبَ كل إله بما خلق وَلَعَلا بعضُهم على بعض سبحان الله عما يصفون
ولكن التوحيد ليس معناه عدم التعدد فحسب كلا وهو - وإن كان من معانيه عدم التعدد – فإن دائرته تتسع فتشمل أمورًا أخرى
يقول أبو سعيد الخراز
عز وجل بجميع أعماله وأفعاله
فمن شرح ذلك أن يكون العبد يريد ا الله وحركاته كلها ظاهرها وباطنها لايريد بها إلا الله وحده قائما بعقله وعلمه على نفسه وقلبه راعيًا لهمه قاصدًا إلى الله تعالى أمره بجميع
وهذا الذى يقوله الإمام أبو سعيد الخراز - رضى الله عنه - هو تصوير لبعض معانى
التوحيد الخالص
والتوحيد الخالص لا رياء فيه والله سبحانه وتعالى يقول
الا لله الدين الخالص ۳
وإن المادة الأولى من البيعة الإسلامية تعنى
فيما تعنى من معان – تجريد القصد الله
تعالى في كل عمل وإلا فلا ثواب ولا قبول للعمل
فَمَن كان لقاء ربه فَلْيَعْمَلْ عملاً صالحاً ولا يُشْرِكْ بعبادة ربه أحدا ٤
يرجو
ولقد تحدث القرآن الكريم عن الإخلاص والصدق وتحدث عنها رسول الله فيما لا يكاد يُحصى من النصوص والأحاديث
والتوحيد الخالص والشرك يبدأن بالنية
يقول رسول الله مبينا أن قيمة الفعل فى الخير والثواب والقبول تتبع النية إنما
۱ الأنبياء ٢٢ المؤمنون ۹۱
۳ الزمر ۳ ٤ الكهف ١١٠
الأعمال بالنية وفى رواية بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه 1
فإذا صدقت النية استقام أمر المسلم فيما بعد وإذا هفا الإنسان هفوة فعليه أن يتدارك الأمر بالتوبة وصدق النية من جديد
وصدق النية شرط من الشروط التى يترتب عليها قبول العمل
الضحاك عن
بن قيس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الله تبارك وتعالى - يقول أنا خير شريك فمن أشْرَكَ معى شريكا فهو لشريكي يا أيها الناس أخلصوا أعمالكم فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له ولا تقولوا هذه الله وللرحم فإنها للرحم وليس الله فيها شيء ولا تقولوا هذه الله ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس الله منها شيء
وعن أبي أمامة قال
جاء رجل إلى رسول الله الله فقال أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شيء له فأعادها ثلاث مرات ويقول رسول الله الله لا شيء له ثم قال إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه ۳ والواقع أن الإسلام يعلق أهمية كبيرة على إخلاص النية الله سبحانه وتعالى فإن في إخلاصها الله صدق السريرة وطهارة القلب وفيها انتفاء التملق والزلفي وبها تنتفى الزلة وينتفى الزيف والرياء ومن أجل ذلك حذر رسول الله الله من الرياء تحذيرًا شديدا وحث على الصدق والإخلاص في صور شتى
ولقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيدا فريدا يدعو إلى التوحيد بكل معانيه ويعلن الحق في وجه الباطل ويدعو إلى الله فى وسط كله شرك ويدعو إلى تحطيم الأصنام في بيئة ودعوته له ورسالته إلى العالم أجمع إنما كان أساسها التوحيد والإسلام
تعبد
الأصنام
۱ رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي
رواه البزار باسناد لا بأس به والبيهقي
۳ رواه أبو داود والنسائي بسند جيد
۹۵
إنما هو دين التوحيد
والتوحيد هو الإيمان الصادق اليقينى بأن المهيمن على الكون والمتصرف فيه إنما هو الله سبحانه وأنه لو اجتمع أهل السموات والأرض على أن ينفعوا أي إنسان بشيء ما نفعوه إلا بشيء قد قدَّره الله له ولو اجتمعوا على أن يضروا أي إنسان بشيء ما ضَرُّوه إلا بشيء قد قدره الله عليه
وإذا كان الأمر كذلك - وهو كذلك لا محالة - فإنه لا يجتمع الإيمان الصادق والخوف
من
غير الله تعالى في قلب المؤمن
والتوحيد صراط الله
وأول عقد من عقود البيعة إنما هو عدم الإشراك بالله إنه التوحيد
ونحن لا نمل الحديث عن التوحيد حتى ولو اتسمنا من أجل ذلك بشيء من التكرار فإنه تكرار لتمكين الفكرة وتثبيتها
يقول
الله تعالى
وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم
وصاكم به لعلكم تتقون ۱
وصراط الله أساسه
وجوهره إنما هو التوحيد
إن التوحيد هو أساس صراط الله الذى لا يقيده زمان ولا يحده مكان ومن أجل ذلك كان الأساس فى دعوة جميع الأنبياء والرسل
يقول تعالى
وإلى عادٍ أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره
ويقول سبحانه
وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا ا مالَكُمْ من إله غيره ۳ الله سبحانه وتعالى الحكم تعميماً ويجعله شاملاً شمولاً مطلقا فيقول رسول إلا نُوحى إليهِ أَنَّهُ لا إلهَ إلا أنا فاعبدون
ويعمم
وما أرسلنا
من قبلك من
1 الأنعام ١٥٣
هود ٥٠
۳ هود ٦١ ٤ الأنبياء ٢٥
4
وهكذا كان التوحيد دعوة جميع الأنبياء والرسل
والتوحيد الذي هو جوهر الرسالات إنما هو التوحيد الشامل العام أى توحيد الله سبحانه بالإلهية وتوحيده بالربوبية وتوحيده بالسيطرة والهيمنة على كل صغيرة وكبيرة قل اللهم مالك الملك تُؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتُعِزُّ مَن
تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ۱ ولا يتأتى - والله مالك الملك - أن يسأل الإنسانُ غير الله أو أن يستعين بغيره وشعار المؤمنين الصادقين هو إياك نعبد وإياك نستعين
إن شعارهم وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا شىء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه
الله
عليك
ويوضح هذا الإمام القشيرى فيقول إن الله تعالى معن عباده بعضهم عن بعض لأن الحوائج - على الحقيقة - لا تكون إلا إليه فالمخلوق لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف
يملك ذلك لغيره
ولهذا قيل تعلُق الخلق بالخلق تعلق المسجون بالمسجون وقيل من رفع حاجته إلى الله تعالى ثم رجع عن حاجته إليه إلى غيره ابتلاه الله بالحاجة إلى الخلق ثم نزع رحمته من قلوبهم ومعنى التوحيد الحقيقى فى النهاية أن يُلْقى الإنسان بقياده – في استسلام مطلق – إلى الله سبحانه وتعالى وأن يخلص له وجهه إخلاصا لا رياء فيه
D
ولقد سئل رسول الله له عن الإيمان فقال
إنه الإخلاص
٤
ويقول سبحانه ألا الله الدين الخالص
فكل ما ليس خالصاً لوجه لا يثيب عليه ولا يتقبله
۱ آل عمران ٢٦
٢ الفاتحة ٥
۳ من حديث رواه الترمذى وقال فيه حسن صحيح وهو حديث أوصى فيه النبي له ابن عمه عبد الله بن
عباس أوله يا غلام أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك
٤ الزمر ٣
ولقد بين رسول الله أن الرياء - على اختلاف صوره - شرك يحبط العمل
يقول رسول الله - فيما رواه الإمام أحمد -
إن أخوف ما أخافُ على أمتى الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله قال الرياء يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم إذهبوا إلى الذين كنتم تراءون فى الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء
والرياء مجموعة من الآثام تنزل بالإنسان إلى مستوى من الأخلاق غير كريم
ولقد حذر رسول الله منه في مختلف صوره
من ذلك ما قاله - فيما رواه البيهقي
أشرك
من صام يُراثى فقد أشرك ومن صلى يراثى فقد أشرك تصدق يراثى فقد
وبعد
ومن
فإن كل عمل لا يراد به وجه الله شرك يتنافى مع التوحيد لا يتقبله ولا يثيب عليه والفيصل في هذا هو ما حدث به رسول الله في الحديث الشريف الذي يُعتبرُ مبدأ هاما من مبادئ الإسلام
روى البخاري - رضي الله عنه - بسنده عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن رسول الله قال إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نَوَى فَمَنْ كانت هجرته إلى ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومَنْ كانت هجرته لدُنْيا يصيبها أو امرأة يَنكِحُها
الله
فهجرته إلى ما هاجر إليه
اهدنا الصراط المستقيم
يقول تعالى في سورة الفاتحة
واهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت
عليهم
غیر المغضوب عليهم ولا الضالين ۱ والصراط المستقيم هو صراط الله الذي رسمه سبحانه في كتابه العزيز
وعلى لسان نبيه الكريم
لقد
رسمه الله سبحانه منهجًا ووسيلةً ورسمه مبادئ وقواعد ورسمه غايات وأهدافا
١ الفاتحة ٦ ٧٠
۹۸
ونحن بهذه الآية الكريمة نتجه إلى الله سبحانه ندعوه أن يَهْدِيَنَا إلى صراطه المستقيم وذلك أنه لا يهدى إليه إلا هو يقول سبحانه في حديث قدسي يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهْدِكُمْ
إن الهداية من الله سبحانه وأن مَن يهدى الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وإذا هدى الإنسان إلى الصراط المستقيم فقد فاز بالخير الذى أحبه الله للإنسان كاملا غير
منقوص
والصراط المستقيم هو الإيمان الصادق الإيمان الاتباعي الإيمان الذي تتحكم فيه التعاليم الإلهية تحكماً تاماً ويسير في إطارها راضيا
مستسلما مسلما
ر فلا وَرَبَّكَ لا يؤمنون حتى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بينهم ثم لا يَجِدُوا في أنفسهم حَرَجًا مما قضيت ويُسلموا تسليما ٢ إن المؤمن لا يؤمن حتى يحكم رسول الله في أمور عقيدته وفي أمور أخلاقه وفي أمور تشريعه وحتى يتقبل ذلك في سكينة واطمئنان وغبطة
ويصف
الله سبحانه المؤمنين الصادقين فيقول وإنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ۳ وهذا الوصف للمؤمنين يتناول وصف الأساس القلبي إنه إيمان لا ريب فيه ويتناول الأثر والمظهر إنه الجهاد في سبيل من آمن به جهاد النفس وجهاد المال جهاد بجميع أقطار النفس وجهاد بكل ما تملك وهذه الآية الكريمة تعتبر مقياسًا صادقًا لكل من أراد أن يتبين حقيقة إيمانه
والطريق المستقيم غايته ونهايته التى يؤدى إليها إنما هي ا
الله سبحانه وتعالى
وقد حددها سبحانه بقوله هو وأنَّ إلى رَبِّكَ الْمُنتهى ٤ وليس دون
لممؤمن
۱ من حديث قدسي طويل أوله يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسى
الله
منتهى
٢ النساء ٦٥
۳ الحجرات ١٥ ٤ النجم ٤٢
۹۹
وغاية المؤمن - كل غايته - إنما هي الله سبحانه وتعالى
ويبتدئ السير إلى الله بالتوبة الخالصة النصوح
والتوبة الخالصة النصوح هى أول خطوة على الطريق المستقيم
والله سبحانه وتعالى يقول وتُوبُوا إلى الله جميعًا أَيُّهَا المؤمنون لعلكم تفلحون ۱ ويقول سبحانه في حديث قدسي يا عبادي إنكم تُخطِئُون بالليل والنهار وأنا أغف الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ورسول الله الله يقول - فيما رواه البخاري عن أبى هريرة رضى ا إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة
الله
عنه - والله
منتهى
ويقول فيما رواه الإمام مسلم عن الأغر بن يسار رضى الله عنه يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإنى أتوب في اليوم مائة مرة والصراط المستقيم إذن يبدأ بالتوبة الخالصة النصوح وليس له دون الله والله سبحانه وتعالى يصف المؤمنين - مبينا خطواتهم في الطريق إلى الله أو مبين الطريق نفسه في تساميه وتدرجه - فيقول سبحانه في وصفهم التائبون العابدون الحامدور السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُون الأمرون بالمعروفِ والنَّاهون عن المنكر والحَافِظُونَ لِحدو
الله
ثم يختتم !
وبعد
الله سبحانه وتعالى هذا الوصف بقوله سبحانه وبشر المؤمنين ۳
فإن قول الله سبحانه وتعالى
وَبَشِّرِ المؤمنين
لا يحده حدود ولا يقيده قيود فالبشرى مطلقة إنها بشرى الله لهم بالنجاة وبالفوز فى الدنيا والآخرة
إجمال في معنى التوحيد أو إياك نعبد وإياك نستعين
يقول الله تعالى في سورة الفاتحة
۱ النور ۳۱
من الحديث القدسي السابق الذى رواه مسلم وأوله يا عبادي إلى حرمت الظلم على نفسى
۳ التوبة ۱۱
وإياك نعبد وإياك نستعين ۱
روى الإمام ابن كثير عن بعض السلف قوله
إِنَّ الفاتحة سير القرآن وسرُّها هذه الكلمة
وإياكَ نَعْبُدُ وإياك نستعين
فالأول أى قوله تعالى وإِيَّاكَ نَعْبُدُ تبرؤ من الشرك الثاني أي قوله تعالى ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ تبرؤ من الحول والقوة وتفويض الأمر
إلى الله عز وجل وهذا المعنى ورد في كثير من آيات القرآن منها قوله تعالى فاعْبُدُهُ وتَوَكَّلْ
عليها
هود ۱۳
وهذه الكلمة القرآنية قد قدم الله سبحانه وتعالى لها بما يعتبر أساسا ومبررا بقوله سبحانه وتعالى والله غيب السموات والأرض وإليه يُرْجَعُ الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون ٢
والله سبحانه وتعالى يخاطب رسوله قائلاً له وقُلْ هُوَ الرحمن آمنا به وعليه تَوَكَّلْنان ۳
ويقول سبحانه ﴿ رَبُّ الْمَشْرِق والمغرب لا إله إلا هو فاتَّخِذه وكيلا ٤ وما من شك فى أن الآية الكريمة إياك نعبد وإياك نستعين لا تعنى - عناية واضحة وجوب إخلاص العبادة الله وحده ووجوب قصر الاستعانة على الله وحده والقرآن يوضح – بما لا مزيد عليه - أن الله سبحانه وتعالى هو وحده المتصرف في الكون إنه المتصرف في اليسير من أمر الكون وفي العظيم منه قل اللهم مالك الملك تُؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ٥ وهو سبحانه كما يملك السموات والأرض وكما يمسكها أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ٦ - فإنه يملك كل جزئية من جزئيات العالم
۱ الفاتحة ٥
هود ۱۳
۳ الملك ۹
٤ المزمل ۹
٥ آل عمران ٢٦
٦ فاطر ٤١
۱۰۱
إنه يملك البصر في العين ويملك السمع في الأذن كما يملك العين والأذن ويملك الصحة في الجسم الصحيح ويملك الجاه عند ذوى الجاه ولو شاء سبحانه لأزال ذلك
کله
له
استمراره ومنع
إن قوله تعالى ﴿ وإليه يُرجعُ الأمر كله هود ۱۳ عام شامل ومن أجل ذلك فإن العبادة يجب أن تكون خالصة له وإن الاستعانة يجب أن تتمحص
ولقد رسم سبحانه الوسيلة الصحيحة للاستعانة به المثمرة
إنها إخلاص العبادة له فمن أحب أن يكون الله سبحانه وتعالى معه بالتوفيق والتيسير والعون من أحب أن يستجيب الله له - فليحقق العبودية له سبحانه فإياك نعبد وسيلة لتحقيق وإياك نستعين الله
به
وفي حديث قدسي رواه الإمام البخارى توضيح لذلك يقول رسول الله الله فيما رواه عن ربه مَنْ عَادى لى وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى من أداء ما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحبيْتُهُ كنتُ سمعه الذى يسمع به وبصره الذي يُنصر به وَيَدَهُ التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألني أعطيته ولئن استعاذ بي لأعيذنه وهذا الحديث الشريف يبين - في وضوح - أن أحب شيء يتقرب به الإنسان إلى الله عليه وأن الإكثار من النوافل - مع أداء الفرائض – وسيلة إلى
الله
إنما هو أداء ما افترضها الله سبحانه وتعالى لعبده
حب
وإذا أحب الله إنسانا كان معه بالتوفيق والهداية والتيسير واستجاب له إذا سأل
وأعاذه إذا استعاذ
وبعد
هی
فإن إياك نعبد وإياك نستعين أنها الصورة الواقعية لأولياء الله سبحانه ۱
والله تعالى يقول
1
تحقيق للإيمان الصحيح والتقوى الصادقة أى
ألف ابن قيم الجوزية كتابا قيما في ثلاثة أجزاء كبيرة سماه مدارك السالكين بين منازل و إياك نعبد وإياك
نستعين
١٠٢
وألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يَحْزَنُون الذين آمنوا وكانوا يَتَّقون لَهُمُ البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ۱
ومن معانى التوحيد الالتجاء إلى الله في اليسير من الأمور والعظيم منها
يقول الله تعالى
يأيها الناسُ أَنتُمُ الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد ٢
الله
إن من أجمل ما يفسر هذه الآية الكريمة الحديث القدسي الصحيح الذي رواه الإمام مسلم والذي كان أبو إدريس الخولاني – رضى عنه - يرويه كثيرا وكان حينما - على ركبتيه احتراما وتقديسًا للحديث ثم يبدأ في ذكره
برويه يجثو – رضى
كم
عنه -
عن رسول الله له فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنه قال
يا عبادي إني حَرَّمتُ الظلم على نفسى وجعلته بينكم مُحَرَّمًا فلا تظالموا
يا عبادي كلكم ضال إلا مَن هديته فَاستَهْدُونِى أَهْدِكُمْ
يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكُمْ
يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكُمْ
يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر
يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرِّى فتضرونى ولن تبلغوا نفعى فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد نكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحدٍ منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئًا يا عبادي لو أن أوّلَكُمْ وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني أعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر
١٠٣
1 سورة يونس ٦٢
سورة فاطر ١٥
يا عبادي إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فَمَنْ وجد خيرًا
الله وَمَن وَجَد غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسه
وما من شك فى أن الإنسان - فى كل أحواله - فقير إلى الله
إنه فقير إلى الله فقرًا مطلقاً في الناحية المادية على اختلاف أنواعها
فلينظر الإنسان إلى طَعَامِهِ أنا حبيبنا الماءَ صَبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غُلُبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم ۱ أفرأيتم ما تَحْرُثُون أأنتم تَزْرَعُونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حُطَامًا ٢ أفرأيتم الماء الذى تشربون أنتم أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمَزْنِ أم نحن المنزلون لَوْ نشاء
جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ٣
والإنسان فقير إلى الله في هدايته الروحية
وإننا لنردد كل يوم مرات عدة
واهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا
الضالين والذين أنعم الله عليهم هم الذين اتبعوا هديه وعملوا به والتزموه وهدى سبحانه وتعالى يتضمنه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة
الله
في الجانب المادى فقرا مطلقا فإن فقره إلى الله - في
وإذا كان فقر الإنسان إلى الجانب الروحي - فقر مطلق أيضا
وبعد
فيقول صاحب كتاب التحبير
وإغناء الله عباده على قسمين
فمنهم من يغنيه بتنمية أمواله وهم العوام وهو غنى مجازى
ومنهم من يغنيه بتصفية أحواله وهم الخواص وهو الغني الحقيقي لأن احتياج الخلق إلى همة صاحب الحال أكثر من احتياجهم إلى لقمة صاحب المال
۱ عبس ٢٤ - ٣٢
الواقعة ٦٣ - ٦٥
۳ الواقعة ٦٨ - ٧٠
١٠٤
الرسول والتوحيد
ونعود فنقول
إن أول عقد من عقود البيعة قد حققه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحب الله ورسوله ويقول في ذلك فضيلة المرحوم الشيخ الدجوى هذه الكلمات النفيسة التي تصور بعض الحقيقة عن توحيد رسول التوحيد
الله
وبعد فَمَن نظر في أحواله الله وجده غريقًا في بحر التوحيد قد امتزج خوفه من ومراقبته إياه بلحمه ودمه مما يستحيل أن يكون من رجل تلعب به الشهوات أو تحيط به الظلمات فإذا صادفك الرشد وبحثت فى أحواله عليه السلام وجدته رجاعا إلى الله في كل شيء شأن الأنبياء والمرسلين فكان يقول إذا جاءه أمر يُحبه الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وإذا جاءه أمر يكرهه قال الحمد لله على كل حال
وإذا أراد أمراً قال اللهم خِرْ لى۱ واختر لى
وإن أراد سفرًا إلى قوم قال اللهم بك أصول وبك أجول وإن أراد نوما قال اللهم باسمك وضعت جنبي وباسمك أرفعه وإن استيقظ قال الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور
وإن لبس ثوبا جديدا قال الحمد لله الذي رزقنى ما أتجمل به في حياتي وإن أكل قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين وإن شرب قال الحمد لله الذى جعل الماء عذبا فرانا برحمته ولم يجعله ملحا أجاجًا
بذُنُوبِنَا
وإذا أفطر قال الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت وإذا انقلب من الليل في فراشه قال لا إله إلا الله الواحد القهار رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار
وإذا هب من نومه ليلاً قال ربِّ اغفر وارحم واهدِ للسبيل الأقوم وإذا خاف قوما قال اللهم إنا نَجْعَلُكَ في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم
۱ خار له في الأمر يخير جعل له الخير فيه
١٠٥
وإذا
خرج من بيته قال بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أذِلَّ أو أذَلَّ أو أظلِمَ أو أظلم أو أجْهَل أو يُجْهَل على
وإذا رأى الهلال قال هلال خير ورشد آمنت بالذي خلقك
وإذا رفع بصره إلى السماء قال يا مُصَرِّفَ القلوب ثبت قلبي على طاعتك وإذا حلف قال والذي نفس محمد بيده
وإذا عصف الريح قال اللهم إني أسألُكَ خَيْرَهَا وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به
وهكذا في شأنه كله كان غريقًا فى النظر إلى الله والاستمداد من ! الله والالتجاء إلى الله لا يرى - لنفسه ولا لغيره - حولاً ولا قوة ولذلك كان يقول إذا أصابه هم حَسْبِى الخالق من المخلوقين حسبى الرازق من المرزوقين حسبى الذى هو حسبى
ونعم الوكيل
التوحيد والشجاعة الأدبية
الله
حسبی
والتوحيد – إذن – هو الأساس الأول الأصيل للشجاعة الأدبية كما أنه الأساس الحافز
لكثير من الفضائل أو لكل الفضائل
وتثبيتاً للشجاعة الأدبية وحفاظا على استمرارها بيَّن الله تعالى الأسباب التي تجعل
الشخص يجبن عن قول الحق ويتراجع في إعلان الصواب
وترجع هذه الأسباب إلى أمرين
الأمر الأول هو ما يمكن أن يعبر عنه بهم الرزق أو خوف الفقر
وقد بين الله تعالى أن الرزق مقسوم وأنه محدود وأنه ما كان لك سوف يأتيك وما كان لغيرك فلن تناله وفى السماء رزقُكُمْ وما تُوعَدون فَوَرَبِّ السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ۱ روما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين
ومن الحق أن الإسلام يحث على العمل ويشجع الأخذ بالأسباب وأن السماء لا تمطر
1 الذاريات ۳
هود ٦
ذهبا ولا فضة ولأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس ۱ واليَدُ العُليا خيرٌ من اليد السفلى ٢
ومع
ذلك فإن الرزق في يد الله والله غالب على أمره وهو - سبحانه – القوى العزيز القهار أما الأمر الثاني الذي يخذل بعض الناس عن الشجاعة الأدبية فإنه خوف الموت وهو له فالله قد حدد الآجال ولو كان الناس في بروج مشيدة لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم التي يقتلون فيها فإذا جَاءَ أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ۳
ولن يمنع الرزق مانع مهما كان جبروته وسلطانه
خوف لا
موضع
الآجال والأرزاق بيد الله وكل فكرة أو رأى أو همس خافت في النفس يخالف ذلك فإنما هو شرك
وانظر إلى هذه الصورة الكريمة للشجاعة الأدبية التي ربتها التعاليم القرآنية وهى أن
عنه
يقوم رجل بين يدى سليمان بن عبد الملك فيقول له سأطلق لساني بما خرست الألسن تأدية لحق الله تعالى إنه قد اكتنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم وابتاعوا دنياك بدينهم ورضاك بسخط ربهم وخافوك في الله ولم يخافوا الله فيك فهم حرب للآخرة وسلم للدنيا فَلا تَأْمَنْهُم على ما ائتمنك الله عليه فإنهم لم يألوا الأمانة تضييعا والأمة كسفا وخسفاً وأنت مسئول عما اجْتَرَموا وليسوا مسئولين عما اجترمت فلا تصلح
دنياهم بفساد آخرتك فإن أعظم الناس عند الله غبنا من باع آخرته بدنيا غيره وإن من الصور الكريمة للشجاعة الأدبية أن يتقبل الإنسان الحق وكما تكون الشجاعة الأدبية قول الحق تكون – كذلك – قبول الحق
وإذا صدقت النية كان الإخلاص وكانت الثقة فى الله وكان الاتجاه الدائم نحوه
فكانت العزة به
وللإخلاص أهمية كبرى في الإسلام حتى لقد نادى رجل مرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
يا رسول الله ما الإيمان قال الإخلاص
۱ رواه الشيخان والنسائي
رواه أحمد والطبراني في الكبير
۳ الأعراف ٣٤
۱۰۷
وعن معاذ
بن جبل أنه قال - حين بُعِثَ إلى اليمن - يا رسول الله أوصني قال
أخلص دينك يَكْفِكَ الْعَمَلُ القليل ١
وإذا ما صدقت النية وتوافر الإخلاص تقبل الله العمل ومنح صاحبه الثواب وكان عمله وسيلة له في النجاة في الدنيا والآخرة
عن ابن عمر رضی الله عنهما - قال سمعت رسول الله الله يقول انطلق ثلاث نَفَرٍ ممن كانوا قبلكم حتى أواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فقال رجل منهم اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنتُ لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي طلب شجر يوما فلم أرح ۳ عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً فلبثت - والقدح على يدى - أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر زاد الرواة والصبية يتضاغون عند قدمى فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منها
بی
قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الآخر اللهم كانت لى ابنة عم كانت أحب الناس إلى فأردتها عن نفسها فامتنعت منى حتى ألمت ٤ بها سَنَةٌ من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلى بينى وبين نفسها ففعلت حتى إذا قَدَرْتُ عليها قالت لا يَحِلُّ لك أن تَفُض الخاتم إلا بحقه ٥ فتحرجت ٦ من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلى وتركت الذهب الذى أعطيتها اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها قال النبي وقال الثالث اللهم إنى استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرتهم غير رجل واحد ترك الذى له وذهب فَثَمَّرْتُ أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال لى يا عبد الله أد إلى أجرى فقلت كُلُّ ما تَرَى من أجرك من الإبل والبقر والغنم
۱ رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد لا أقدم في الشرب أحدا قبلهما مساء ۳ أي لم أرجع إليهما
٤ نزلت بها سنة من السنين الجدباء
٥ فض البكارة
1 خفت أن أقع في الذنب
۱۰۸
والرقيق فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فساقه فلم يترك منه شيئًا اللهم إنى كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون۱
والعمل الذي يتقبله الله ويشترط النية الصادقة فيه إنما هو العمل الذي يكون في الإطار الرباني إنه العمل الذى يقوم به الإنسان تلبية لتربية المربى الله تلبية واعية شاعرة بأنها استجابة للأمر الإلهى فيما يتعلق بالإيجاب أو النهى الإلهى فيما يتعلق بالسلب أي أنها تحقيق في جانبي السلب والإيجاب من العمل لقوله تعالى واقرأ باسم ربك الذي خلق وهذا العمل – في اليسير منه والعظيم - إنما هو ما أتى به الوحى في القرآن وما فصلته السنة النبوية الكريمة العملية منها والنظرية فإذا ما خرج الأمر عن هذا الإطار - في النية أو في العمل - فقد خرج عن أن يكون قراءة باسم ربك والبيعة إنما هي بيعة الرسول
والله سبحانه وتعالى يقول
D
وإن الذين يُبايِعُونَكَ إنما يبايعون الله له ۳
ويقول ومَن يُطع الرسول فقد أطاع الله له ٤
والقرآن الكريم - إذن - وقول الرسول الله وعمله كل ذلك يمثل وَحْدَةً واحدة
هي الإسلام
ومن مواد البيعة التي صيغت في أسلوب رقيق وفى إيجاز جميل ولا يعصينك في معروف ٥
قوله تعالى
والمعروف هو الخير الذي انطوى فى ثنايا التعاليم الإلهية وهو يتضمن كل خير وبتحقيقه تتحقق الفضيلة في أجمل صورها
1 رواه الشيخان
سورة العلق ١
۳ سورة الفتح ١٠
٤ النساء ٨٠ 5 الممتحنة ١٢
19
ويتصل بالبيعة - أو بمفهوم الرسالة - توضيحا وتفسيرًا - نصوص | لا تحصى من الكتاب
والسنة
عن
منها على سبيل المثال ما يلى
عن مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرنى عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت أبيه عن جده وقال
بايعنا رسول الله له على السمع والطاعة فى اليُسر والعسر والمنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لَوْمَةَ لائم ۱ وروى الإمام - بسنده – عن جابر قال
مكث رسول الله بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم عكاظ ومجنَّة في
2,
المواسم يقول من يُؤوِينى من ينصرنى حتى أبلغ رسالة ربى وله الجنة فَلا يَجِدُ أحدًا يُؤويه ولا ينصره حتى إن الرجل ليخرجُ من اليمن أو من مصر كذا قال فيه فيأتيه قومه وذوو رحمه فيقولون احذر غلامَ قريش لا يفتنك ويمضى بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالإصابع حتى بعثنا الله إليه من يثرب فاويناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن ينقلب إلى أهله فيُسلِمُون بإسلامه حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام
ثم ائتمروا جميعا فقلنا حتى متى نترك رسول الله الله يطوف ويُطْرَدُ في جبال مكة
ويخاف
فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه فى الموسم فواعدناه شعب العقبة
فاجتمعنا عندها من رجل ورجلين حتى توافينا فقلنا يا رسول الله علام نبايعك قال تبايعونى على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة لائم وعلى أن تنصرونى فتمنعوني - إذا قدمت عليكم - مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبنائكم ولكم الجنة فقمنا إليه - فبايعناه - وأخذ بيده أسعد بن زرارة و وهو من أصغرهم وفي رواية البيهقي - أصغر السبعين إلا أنا فقال رويدا يا أهل يثرب فإنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وإن إخراجه اليوم مناوأة للعرب كافة وقتل
1 أخرجه البخاري ومسلم
خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفةً فذروه فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله قالوا أمط عنا يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة ولا نَسْلُبَها أبدًا
قال فقمنا إليه فبايعناه وأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة
وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصارى أخو بني سالم بن عوف يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل قالوا نعم
قال إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فإن كنتم ترون أنه إذا أنهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلاً أسلمتموه فمن الآن فهو والله – إن فعلتم – خزى الدنيا والآخرة وإن كنتم ترون أنكم وَافُونَ له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة
الأشراف
قالوا فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف فلما لنا بذلك يا رسول الله إن
نحن وفينا
قال الجنة
قالوا أبسط يدك فبسط يده فبايعوه
عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذاق طعم الإيمانِ مَنْ رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً
عن أبي هريرة رضى ! الله عنه قال
كان النبي - - بارزًا يوما للناس فأتاه جبريل فقال ما الإيمان۱ قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث
قال ما الإسلام
قال الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به وتقيم الصلاة وتؤدى الزكاة المفروضة
وتصوم رمضان
قال ما الإحسان
۱ رواه مسلم وأحمد والترمذى
قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
قال متى الساعة
قال ما المسئول عنها بأعْلَم من السائل وسأخبرك عن أشراطها
لا يعلمهن
إذا ولدت الأمة ربها وإذا تطاول رعاة الإبل إليهم في البنيان في خمس إلا الله ثم تلا النبي - - إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام
وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت ۱
أدبر
فقال ردوه فلم يروا شيئًا فقال هذا جبريل جاء يُعلم الناس دينهم
قال أبو عبد الله جعل ذلك كله
الإيمان من
عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي قال
الإيمان بضع وستون شعبةً والحياء شعبة من الإيمان ۳
عن أبي هريرة قال قال رسول الله الله الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا له إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من
الإيمان ٤
عن الزهري عن سالم عن أبيه سمع النبى الله رجلاً يعظ أخاه في الحياء فقال
الحياء من الإيمان 2
عن سفيان بن عبد الله الثقفي
قال قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا بعدك وفي حديث أبي أسامة غَيْرَكَ قال قل آمنت بالله ثم استقم قال تعالى لو قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابًا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشْهَدُوا بِأَنا
مسلمون ۷
۱ لقمان ٣٤
روى عمر بن الخطاب رضی الله عن النبي حديثا بهذا المعنى أورده مسلم في صحي
۳ رواه البخاري وفى رواية لمسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة بضع وسبعون شعبة
4 رواه الأربعة السابقون
۵ رواه مسلم والترمذي
1 رواه مسلم وأحمد والترمذى والنسائي وابن ماجة
۷ آل عمران ٦٤
۱۱
عن
أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنون حتى تحابوا أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي
قال أبو هريرة إن رسول الله قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ۱ قال ابن شهاب فأخبرنى عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن أن أبا بكر كان يحدثهم هؤلاء عن أبي هريرة ثم يقول وكان أبو هريرة يلحق معه ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن
عن أبي هريرة أن النبي قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن والتوبة معروضة بعد
عن أبي هريرة رضى الله عنه
<
عن النبي ه - قال اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم
D
سیسمیه سوی
قالوا يا رسول الله وما هن - قال الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولّى يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ۳ عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ذكر النبي - - قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه - أو بزمامه - قال أى يوم هذا فسكتنا ظننا أنه اسمه قال أليس هذا يوم النحر قلنا بلى قال فأى شهر هذا فسكتنا ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس بذى الحجة قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإنّ الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه ٤
حتى
حتى
۱ رواه الشيخان وأحمد والنسائي رواه مسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي ۳ رواه الشيخان وأبو داود والنسائي ٤ رواه مسلم وأبو داود والنسائي
ولكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا
الفصل السادس عن
[ صدق الله العظيم ]
سورة النساء الآية ١٦٦
الهجرة
الهجرة
يا لجلال الإيمان وثباته وقوته !!
إن التاريخ نادرًا ما يحدثنا عن هجرة خالصة مخلصة لله ولرسوله هجرة إلى مكان مجهول هجرة لا يسأل المهاجر عما إذا كان مهجره سيستقبله مرحبا ويُؤويه في ألفة أم
www
أنه سيقابله بالجفوة والعداوة هجرة لم يُمَهَّدْ لها الجو من قبل ولم يُعبَّد لها المكان إن التاريخ لا يكاد يحدثنا عن الهجرة بالإيمان من أجل الإيمان ولكن التاريخ الإسلامي حافل بهذه الأنواع من الهجرة
فإنه لما كثر المسلمون بمكة وظهر الإيمان وكثر الحديث عنه ثار ناس كثيرون من المشركين من كفار قريش بمن آمن من قبائلهم فعذبوهم وسجنوهم وأرادوا فتنتهم عن دينهم وتحمل المؤمنون العذاب ألوانا في سبيل الله
D
ولما استمر الأمر دون فتور قال لهم رسول الله شفقة عليهم ورحمة بهم
تفرقوا في الأرض
اهله
فقالوا أين تذهب يا رسول الله فأشار إليهم إلى الحبشة فهاجر إليها - في بادئ الأمر - طائفة من المسلمين منهم من هاجر مع ومنهم من هاجر منفردًا وأخذوا يعبدون الله مطمئنين آمنين على دينهم من الفتنة ثم قدم بعضهم إلى مكة معتقدا أن الأمور قد هدأت فيما بين رسول الله والمشركين فلما قدموا إلى مكة اشتد عليهم قومهم وسَطَت بهم عشائرهم ولَقُوا منهم أذًى شديدا فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى أرض الحبشة مرة ثانية فكانت هجرتهم الثانية أعظمها مشقةً ولقُوا من قريش تعنيفًا شديدًا ونالوهم بالأذى وقال سيدنا عثمان رضى عنه مخاطبًا رسول الله الله يا رسول الله فهجرتنا الأولى وهذه الآخرة إلى النجاشي
ولست معنا
فقال رسول الله هذه الكلمة المؤثرة
أنتم مهاجرون إلى الله وإلى لكم هاتان الهجرتان جميعا
قال سيدنا عثمان حسبُنَا يا رسول الله
وكان عدد هؤلاء المهاجرين من الرجال ثلاثةً وثمانين رجلاً وكان عدد النساء ثماني
عشرة امرأة
ولم يرق لقريش أن يعبد الله هؤلاء القومُ آمنين مطمئنين لم يرقها أنهم تخلصوا من التعذيب والفتنة فأرسلت وفدا من ساسة العرب الدهاة مزودا بالهدايا إلى النجاشي ليعيدوا هؤلاء الموحدين إلى مكة لينزلوا عليهم العذاب من جديد
تماما
ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ۱
ولم يفلح الوفد وعاد إلى مكة حنين
ولما علمت قريش بذلك ثارت ثائرتها وزاد غضبها وأقدمت على عمل يتنافي تنافيًا الإنسانية فقد كتبوا كتابا تعاهدوا فيه على ألا ينكاحوا بني هاشم ولا يبايعوهم مع ولا يخالطوهم وكان الكاتب للصحيفة هو منصور بن عكرمة العبدرى وكان من تقدير الله تعالى أن شلَّت يَدُه وبهذه الصحيفة وهذا العهد حصروا بنى هاشم في شعب أبي طالب
وكان ذلك في أول المحرم سنة سبع من نبوته
واستمر بنو هاشم منعزلين محصورين لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم حتى بلغ الجهد مبلغاً خطيرا وكانت قريش تسمع أصوات صبيانهم يبكون جوعا ومسعية بهم فلا ترق قلوبهم ولا يتأثرون واستمر ذلك سنوات ثلاثا وبينما هذه الأمور - من الشدة والقسوة - تجرى تحت سمع الرسول وبصره قريش ترسل له الله من يعرض عليه المال والغنى والسلطان والجاه ألوانها والملاذ بجميع على أن يترك دعوته فلا يجدون إلى غايتهم سبيلاً
كانت
وما ترك رسول الله له الدعوة قط كان يدعو ليلاً وكان يدعو نهارا وكان يدعو
من
لحظاته
في كل لحظة ويروى الإمام أحمد عن ربيعة بن عباد وكان جاهليًّا أسلم يقول رأيت رسول الله - بَصَرَ عيني - بسوق ذي المجاز يقول يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ويدخل فجاجَها والناس متقصفون عليه فما رأيت أحدًا يقول شيئاً وهو لا يسكت يقول يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تُفْلِحُوا
۱ سورة آل عمران ٥٤
يجتمعون ويزدحمون
۱۱۸
فأخذ
أقام رسول الله بمكة ثلاث سنين من أول نبوته مستخفيًا ثم أعلن في الرابعة يدعو الناس إلى الإسلام عشر سنين يوافي المواسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم في المواسم بعكاظ ومجنة وذى المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ولهم الجنة فلا يجد قبيلة تنصره ا ه أو تجيبه حتى إنه ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة ويقول يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تُفلحوا وتملكوا بها العرب وتذل لكم العجم وإذا آمنتم كنتم ملوكا في الجنة
واستمر الأمر كذلك لا يكُفَّ رسول الله الله عن الدعوة إلى الله ولا يكف المشركون عن المعارضة والإيذاء حتى كانت السنة الحادية عشرة من نبوته ع وكان الإسراء والمعراج وارتدّ من ارتدَّ وثبت من ثبت وكان حادث الإسراء والمعراج هو حادث التصفية الكاملة وكان الفيصل بين طائفتين طائفة مؤمنة ثابتة على إيمانها لا تزعزعها الأعاصير تميد الجبال ولا تميد وطائفة مشركة قد أحكمت أمرها ورتبت شئونها وجزمت العزم على أن تقضى على الإسلام وإن طال الزمن
ولم يكد يعتنق الإسلام في هذه الفترة
مشرك
من
فترة السنوات الثلاث التي سبقت الهجرة -
أهل مكة وفيها ثبت المسلمون على إيمانهم ثبات أولى العزم كانت هذه الفترة
فترة تربية للمؤمنين وصقل لهم وهى - وإن كان الرسول - - لم يكف فيها عن الدعوة لحظة من اللحظات – فإنها مع ذلك كانت تربية قرآنية لرجال يؤهلهم الله ورسوله لحمل راية الإسلام ونشر دعوته
وإذا كانت المعسكرات قد تحددت فى مكة وإذا كانت الفترة من الإسراء إلى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم فترة تربية وصقل وتعليم وتهذيب - فإن الإسلام في هذه الفترة لم يكن قد وقف راكدا بل بالعكس قد هيا الله له وسيلة الانتشار خارج مكة لقد ضم الرسول معسكره المكى كل عناصر الخير بمكة ولم يبق فيها - فى الطرف المقابل - إلا من أمره عن طريق الدعوة وإنما عن طريق آخر ينحسم وما كان هناك مناص من مغادرة مكة للعودة إليها من جديد في ظروف مهيأة وبوسائل غلابة لقد هيا الله الأمر لانتشار الإسلام خارج مكة
لا
ويقول ابن سعد في الطبقات
وأقام رسول الله بمكة ما أقام يدعو القبائل إلى الله ويعرض نفسه عليهم كل سنة بمجنة وعكاظ ومنى أن يأووه حتى يبلغ رسالة ربه ولهم الجنة فلم تستجب
۱۱۹
له قبيلة من العرب ويؤذى ويُشتَم حتى أراد الله إظهار دينه ونصر نبيه وإنجاز ما وعد
فساق إليه هذا الحى من الأنصار لما أراد الله
بهم من الكرامة
وكانوا ستة نفر فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن فأسلموا ووعدوه أن يلتقوا به العام القادم
ولما عادوا إلى المدينة بشروا بالإسلام في قومهم فأسلم من أسلم وكثر في المدينة الحديث عن الإسلام فلما كان العام الذي يليه حضر اثنا عشر رجلاً فبايعوا الرسول عل - كما تحدثوا على ألا نشرك بالله شيئًا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا
بذلك عن أنفسهم - ولا نأتى ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف
قال فإن وفيتم فلكم الجنة ومن غَشى من ذلك شيئًا كان أمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه إن هذه البيعة بيعة فضيلة وخير إنها بيعة على العمل بالمثل الأخلاقية العليا ونشرها وانظر إلى الدقة في قوله ولا نعصيه فى معروف إنه لم يقل ولا نعصيه ويسكت وإنما قيد ذلك بقوله في معروف وحاول أن تتأمل وثيقة البيعة هذه فستقر - لا مناص - بأنها وثيقة إلهية وعاد المسلمون إلى المدينة بأخلاق أخرى ووجوه عليها نور الإسلام وبقلوب انغمست
<
في محيط الرحمة وأخذوا يدعون إلى الله مبشرين ومنذرين ثم عادوا في العام التالى وهم سبعون أو يزيدون رجلاً أو رجلين ومعهم امرأتان والتقوا برسول الله الله ومعه العباس بن عبد المطلب ليس أحد غَيْرَه
معه
قال أسعد بن زرارة فكان أول من تكلم العباس بن عبد المطلب فقال يا معشر الخزرج إنكم قد دعوتم محمدًا إلى ما دعوتموه إليه ومحمد من أعز الناس في عشيرته يمنعه والله منا من كان على قوله ومن لم يكن منا على قوله يمنعه للحسب والشرف وقد أبي محمدا الناس كلهم غيركم فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة ترميكم عن قوس واحدة فارتاوا رأيكم وأتمروا أمركم ولا تفترقوا إلا عن ملا منكم واجتماع فإن أحسن الحديث الصدق
۱۰
غير ما ننطق به
فقال البراء بن معرور قد سمعنا ما قلت وأنا والله لو كان في أنفسنا لقلناه ولكننا نريد الوفاء والصدق وبذل مهج أنفسنا دون رسول الله الله قال وتلا رسول الله الله عليهم القرآن ثم دعاهم إلى الله ورغبهم في الإسلام وذكر الذي اجتمعوا له
فأجابه البراء بن معرور بالإيمان والتصديق ثم قال يا رسول الله بايعنا فنحن أهل الحلقة 1 ورثناها كابرا عن كابر
فقال العباس بن عبد المطلب - وهو آخذ بيد رسول الله - اخفوا جرسكم فإن علينا عيونا وقدموا ذوى أسنانكم فيكونوا هم الذين يلون كلامنا منكم فإنا نخاف قومكم عليكم ثم إذا بايعتم فتفرقوا إلى محالكم
لقد تكلم البراء بن معرور فأجاب العباس بن عبد المطلب ثم قال ابسط يدك یا رسول الله فكأن أول من ضرب على يد رسول الله - فيما يقال – البراء بن معرور ثم ضرب السبعون كلهم على يده وبايعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى أخذ من بني إسرائيل اثنى عشر نقيباً فلا يجدن أحدٌ منكم فى نفسه أن يؤخذ غيره فإنما يختار لى جبريل فلما تخيَّرهم قال للنقباء أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومى
قالوا
فقال رسول الله انفضوا إلى رحالكم
فقال العباس بن عبادة بن نضلة يا رسول الله والذي بعثك بالحق لئن أحبت لنميلن بأسيافنا وما أحدٌ عليه سيف تلك الليلة غيره
منی
على أهل فقال رسول الله إننا لم نؤمر بذلك فانفضوا إلى رحالكم ولما صدر السبعون من عند رسول الله طابت نفسه وقد جعل الله له مَنَعَةً وقوما أهل حرب وعدة ونجدة
وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين فلما ضاقوا بالأمر ذرعا شكوا إلى
1 أهل السلاح
كلامكم وصوتكم
۱۱
رسول الله واستأذنوه في الهجرة فقال لهم قد أخبرت بدار هجرتكم وهى يثرب فمن أراد الخروج فليخرج إليها
وأخذ المسلمون يهاجرون سرا بادية عليهم آثار تربية الرسول من الثقة بالله والصبر وتحمل المشاق في سبيل دينهم وتوطين النفس على أن يكونوا – في جميع أحوالهم - من جُنْدِ الله مهاجرين إليه للعمل على إعلاء كلمته ونشر دينه ولو كره
الكافرون
وما كانت الهجرة قط – في نظر الرسول ولا في نظر أصحابه – ركونا إلى الدعة والهدوء أو ميلاً إلى الراحة والسكون
الله
وإنما كانت محاولة مصممة على قيادة المعركة في سبيل جبهة أخرى وأخذ من المسلمون يهاجرون إلى الله ورسوله سرًا جماعات أو فرادى حتى لم يبق بمكة منهم إلا رسول الله الله وأبو بكر وعلى رضى الله عنهما أو مريض أو عاجز عن الخروج
وعندئذ آن لرسول الله أن يهاجر
ها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشارف مكة مهاجرًا ينظر إليها على أمل واثق من أنه سيعود إليها مبشرا بدين الله عاملاً أن يعم كل بيت فيها
ولما أوشكت أن تغيب عن بصره ودعها بهذه الكلمات المؤثرة والله إنكِ لأحبُّ البلادِ إلى نفسى ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت
ثم مضى هو والصديق إلى غار ثور فاختفيا فيه
ولما علم المشركون بالأمر ثارت ثائرتهم ووطنوا العزم على ألا يُفْلِت المهاجران إلى الله من تنكيلهم
فقد كانوا دبروا قتل الرسول الله وما كانوا يبالون قط بقتل رجل يقول ربي الله وقد كانوا أحكموا التدبير لقتله قبل أن يخرج ووضع مشروع المؤامرة أبو جهل
وعرضها على الوضع التالى أرى أن تأخذ من كل قبيلة من قريش غلامًا نهدًا جَلِدًا ثم نعطيه سيفا صارمًا فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه فى القبائل فلا يستطيع بنو عبد مناف الوقوف
في وجه القبائل جميعها فيقبلوا الدية فنعطيهم إياها و ومَكَرُوا ومكر الله والله خير الماكرين به ۱
دخل رسول الله هو وأبو بكر الغار مختفيين وكان سيدنا أبو بكر حزينا خوفًا الرسول فجاء النداء الإلهى على لسان الرسول الله يملؤه ثقة وتفاؤلاً يقول له و لا تحزن إن الله معنا
ولما سمع سيدنا أبو بكر خفق نعال المشركين أمام الغار وأصواتهم الصاخبة التي تُعلن عن سخطهم وغيظهم المكبوت قال لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا ويبتسم رسول الله ويقول ما ظنك باثنين الله ثالثهما ولما انتهى الطلب وعاد المشركون من حيث أتوا خرج رسول الله هو ورفيقه
وكان خروجهما من الغار ليلة الاثنين لأربع ليال خلون من شهر ربيع الأول وبينما هما في الطريق لحق بهما سراقة بن مالك مدججا بالسلاح على فرس تسابق الريح ليأسرهما حتى يفوز بالجائزة التي وعد بها المشركون من يأتي بالرسول صلى الله عليه وسلم قتيلاً
أو أسيرًا فلما دنا منهما دعا عليه رسول الله الله فرسخت قوائم فرسه في الأرض فقال يا محمد ادع الله أن يطلق فرسى وأرجع عنك وأردَّ من ورائي ففعل فأطلق ورجع فوجد الناس يلتمسون رسول الله الله فقال ارجعوا فقد استبرأت لكم ما هاهنا وقد عرفتم بصرى بالأثر فرجعوا عنه
وسار الركب تحفه رعاية الله وعنايته حتى وصل المدينة حيث استقبل أروع
استقبال
وكان من أوائل الأعمال التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة 1 - بناء المسجد الذى أسس على التقوى من أول يوم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار تحقيقاً لمبدأ من مبادئ الدين الإسلامي يتمثل
في قوله تعالى إنما المؤمنون إخوة ۳
۱ آل عمران ٥٤
٢ التوبة ٤٠
۳ سورة الحجرات ۱۰
۱۳
ولله در البوصيرى حيث ويح قوم جَفَوا نبيا بأرض ألفته ضبابها والظبــاءُ وسلوه وحنَّ جذع إليه ! وقلوه ورده الغرباء ! أخرجوه منها وآواه غار وحَمَته حمامة ورقاءُ و كفته بنسجها عنكبوت ما كفته الحمامة الحصداء واختفى منهم على قرب مرآ ه ومن شدة الظهور الخفاء ونحا المصطفى المدينة واشتا قت إليه من مكة الأنحاء
الهجرة من زاوية أخرى الهجرة حقيقة تاريخية ورمز روحي جميل يعبر خير تعبير عما يجب أن يكون عليه المسلم في كل فترة من فترات حياته بل في كل نفس من أنفاسه ونريد أن نتحدث الآن عن الهجرة كرمز عن الهجرة الروحية عن الهجرة التي لا ترتبط بزمان ولا بمكان
في
من
والهجرة - بهذا المعنى الذى يتجاوز الواقع التاريخى ويتجاوز الزمان والمكان – قد وردت الأحاديث النبوية الشريفة وفي القرآن الكريم يقول رسول الله - فيما رواه البخارى رضى ! ا نهى عنه "
لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نه
الله
الله
عنه - المسلم من سلم المسلمون
وهذا المعنى الروحي نتبينه - في وضوح سافر - فيما يلى
يقول الله تعالى
و إلا تنصروه فقد نَصَرَهُ الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثْنَيْنِ إِذْ هما في الغار إِذْ يَقولُ لصاحبه لا تَحْزَنْ إِنَّ الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيَّدَه بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ۱
في الآية الكريمة يصوّر الله تعالى إخراج الكفار للرسول من مكة وهجرته مستخفيًا في جنح من الليل مفارقًا البلدة التي ولد بها والتي بها عشيرته وقومه إلى بلدة يجد فيها حرية الدعوة إلى الله
يصور
الله - تعالى - ذلك بأنه انتصار
ومن الطريف أن الله سبحانه وتعالى يصوره بأنه انتصار في الوقت الذي كان فيه
۱ سورة التوبة ٤٠
الرسول مختباً في الغار هو والصديق رضوان الله عليه والمشركون - بخيلهم ورجلهم وعدتهم وعتادهم - منتشرون في كل مكان يبحثون عنهما جاهدين للتنكيل
بهما
وما من شك فى أن الهجرة كانت انتصارا مبينا لأنها فرار إلى الله
والفرار إلى الله انتصار حتى ولو انتهى بالموت أو القتل
والذين هاجروا في سبيل الله ثم قُتِلُوا أو ماتوا ليَرْزُقَنَّهُمُ الله رزقًا حَسَنًا وإن الله لهو خير الرازقين ۱
ونحن مأمورون بالفرار إلى الله أى بالهجرة إليه فَفِرُّوا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ٢ وسيدنا لوط عليه السلام قال إنى مهاجر إلى ربى إِنَّهُ هو العزيز الحكيم ۳ وسيدنا إبراهيم عليه السلام قال إني ذاهب إلى ربي سيهدين 4 والفرار إلى الله والهجرة إليه والذهابُ إليه من صفات المؤمنين الصادقين إنهم يفرون إلى الله ويهاجرون إليه كل يوم وكل وقت فهو هدفهم وغايتهم في جميع أعمالهم وإذا كانت هجرة بعض الناس إنما هى إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرة المؤمن الصادق خالصة لله وحده متمحضة لوجهه الكريم
وإذا ما كانت كذلك كان الله معه
يقول للصديق - رضى ا
الله
عنه
وأرضاه - ولا تحزن إن الله معنا ٥ ذلك أن
هجرتهما كانت الله رب العالمين لا شريك له ومن كان كذلك فإن الله يُنَزِّلُ عليه السكينة أى طمأنينة النفس والرضا ويؤيده بجنود لا تراها الأعين فيدخله في نطاق رعايته ويشمله بجميل عنايته ويُضفى عليه - من توفيقه ورضاه - ما يجعله قرير النفس هادئ البال سعيدًا ولو ألقى فى النار لأنه لن ولا يشعر بها إلا بردا وسلاما
وقد نظم الله للمؤمنين أمر الهجرة إليه سبحانه وتعالى
وأول مرحلة في سبيل الهجرة إليه سبحانه إنما هي النية الخالصة لوجهه الكريم يقول له إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نَوَى فَمَنْ كانت هجرته إلى
۱ سورة الحج ٥٨ سورة الذاريات ٥٠ ۳ سورة العنكبوت ٢٦ ٤ سورة الصافات ۹۹
٥ سورة التوبة ٤٠
١٢٥
الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه
فإذا ما توجهت النية بالأعمال إلى الله تعالى كانت تلك الأعمال هجرة إليه أما إذا لم تتوجه النية إليه فإن الأعمال - ولو كانت خيرًا فى ظاهرها - تكون هباءً منثوراً
الديني
ومن هنا يتبين المؤمنون حقاً فساد الأفكار التي يروجها الحائدون عن النهج الصحيح من أمثال قولهم إن العلم للعلم أو الفن للفن أو الخير للخير أو الخير لإرضاء الضمير فإن كُلَّ ذلك يدل على عدم الفهم السليم للروح الدينية الصحيحة وهو - أيضا - خطر على المجتمع لأن العلم والفن إذا لم يتجه بهما أصحابهما إلى الله – أسا وغايات – انحرفت بهما الإرادات والنيات إلى الشر والإفساد فشقيت بهما الإنسانية بدل أن تسعد
أما الخير فإن معرفته معرفة حقيقية لا تتأتى إلا عن طريق الدين وقد حاولت العقول - مستقلة عن الدين - تحديده فتعارضت وتضاربت ولم تصل
إلى نتائج والمؤمن إذا يهاجر إلى الله بعلمه ويهاجر إليه بفنه ويهاجر إليه بعلمه الخير سأل الصحابي الجليل عمرو بن عنبسة – رضي الله عنه - رسول الله - - قائلاً أى الإيمان أفضل
فقال رسول الله - - الهجرة
فقال الصحابي وما الهجرة
فقال رسول الله - - أن تهجر السوء
وعن أم أنس - رضى الله عنهما - فيما رواه الطبراني بإسناد جيد
-6
فكان مما أوصاها به رسول الله - أن قال لها
أنها قالت يا رسول الله أوصنى اهجرى المعاصي فإنها أفضل الهجرة
الأنواع
على أن العبادات الإسلامية - على تعددها واختلافها - إنما هي تنسيق وتنظيم ا وألوان من الهجرة إلى الله تسمو بالمؤمن صُعُدًا إلى الصلة بالله وإلى النعيم في رضوانه
وإلى السعادة في رحابه
١٢٦
فالصلاة فرار من البيئة والجو والمادة إلى الوقوف بين يدى الزمن فهى هجرة إلى الله
ومناجاته لحظة
من
والزكاة انفصال عن جزء من المادة تقرباً إلى الله فهى ذهاب إليه تعالى
والصوم ابتعاد عن المادة فترةً من الزمن تزكيةً للنفس وقربي إلى الله فهو ذَهاب إليه
عز وجل
أما مناسك الحج فإنها صُورٌ من التجرد الله بلغت الدروة والسنام وتبلورت في النداء الروحى الكريم لبيك اللهم لبيك وأكرم بها من هجرة !!
وختاما فإن الصورة التامة الكاملة للهجرة الإسلامية الكبرى إنما تتمثل – في أروع مظاهرها – في قوله تعالى قُلْ إن صلاتي ونسكى ومحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ ربِّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ۱
يقول لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيَّة جهاد في كل ميادين الجهاد ونية خالصة طاهرة متمحضة الله ورسوله
فإلى الهجرة الكبرى أيها الإخوة المؤمنون فإن فيها الخير كله وبالله التوفيق
النصوص
حاولنا في هذه النصوص أن نعطى صورة واضحة عن الهجرة في مقدماتها وفي كيفيتها وفي دلالتها بالنسبة للرسول الا الله وبالنسبة لأصحابه وأنصاره على عمق الإيمان وبالرسول وعلى اليقين التام بالصدق وبالحق فى أقوال الرسول وفى
بالرسالة
أعماله
وفي قيادته وفى تبليغه عن ربه سبحانه
جهاد في سبيل الدعوة
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث سنين من أول نبوته مستخفيًا ثم أعلن في الرابعة فدعا الناس إلى الإسلام عشر سنين يوافى المواسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم في المواسم بعكاظ ومجنة وذى المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ولهم الجنة ܐܕ يجيبه حتى إنه ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة ويقول
فلا يجد
أحدا ينصره
١ الأنعام ١٦٢ ١٦٣
۱۷
يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب وتذل لكم العجم وإذا آمنتم كنتم ملوكاً في الجنة
وأبو لهب وراءه يقول لا تطيعوه فإنه صابى ١ كاذب فيردون عليه لا أقبح الرد ويؤذونه ويقولون أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك ويكلمونه
ويجادلونه ويكلمهم ويدعوهم إلى الله ويقول اللهم لو شئت لم يكونوا هكذا
--
قلنا إن رسول الله كان يقف فى الموسم على القبائل فيقول يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا فكان يمشى خلفه أبو لهب ويقول لا تطيعوه
وأتى رسول الله كندة في منازلهم فلم يقبلوا منه وأتى بنى حنيفة في منازلهم فردوا عليه أقبح ردّ
وأتى عامر بن صعصعة
وكان لا يدع من العرب من كان له اسم وشرف إلا دعاه وعرض عليه ما عنده ۳
3 - أشار إلى الحبشة
6
فلما كثر المسلمون وظهر الإيمان وتُحدث به ثار ناس كثير من المشركين من كفار قريش بمن آمن من قبائلهم - وهم بادئ ذي بدء فى الأغلب من ضعفائهم - فعذبوهم وسجنوهم وأرادوا فتنتهم عن دينهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأرض فقالوا أين نذهب يا رسول الله قال ها هنا وأشار إلى الحبشة – وكانت أحب الأرض إليه - أن يُهَاجَرَ قِبلَها فهاجر ناس ذوو عَددٍ من المسلمين منهم من هاجر معه بأهله ومنهم من هاجر بنفسه حتى قدموا أرض الحبشة ٤
۱ صابي يقال صباً فلان إذا خرج من دين إلى دين غيره من قولهم صبأت ناب البعير إذا طلعت وصبأت النجوم إذا خرجت من مطالعها وكانت العرب تسمى النبي صلى الله عليه وسلم الصابئ لأنه خرج من دين قريش إلى دين الإسلام ويسمون المسلمين الصبأة
الطبقات لابن سعد جـ ١ ص ۰۰ - ۰۱
۳ الوفا بأحوال المصطفى ج ۱ ص ٢١٥
٤ الطبقات لابن سعد ج ۱ ص ۱۸۸
۱۸
عن قتادة قال
٤ - أول من هاجر
إن أول من هاجر إلى الله عزّ وجل بأهله عثمان بن عفان ومعه رقية بنت رسول الله - إلى أرض الحبشة فأبطأ على رسول الله خبر هم فقدمت امرأة من قريش فقالت يا محمد قد رأيتُ ختنك ومعه امرأته قال على أى حال رأيتهما قالت رأيته قد حمل امرأته على حمار من هذه الدبابة وهو يسوقها فقال رسول الله صحبهما الله إن عثمان لأول من هاجر بأهله بعد لوط ۱
0-
المهاجرون إلى الحبشة والنجاشي
فلما دخلوا على النجاشي كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب فقال له النجاشي ما هذا الدين الذى أنتم عليه فارقتم دين قومكم ولم تدخلوا في يهودية ولا نصرانية فما هذا الدين فقال جعفر أيها الملك كنا قومًا على الشرك نعبد الأوثان ونأكل الميتة ونسبى الجوار ونستحل المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها لا تُحل شيئًا ولا تُحرمه فبعث الله إلينا نبيا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته فدعانا أن نعبد الله وحده لا شريك له ونصل الرحم ونحسن الجوار ونصلى الله ونصوم له ولا نعبد غيره فقال فهل معك شيء مما جاء به وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله فقال له جعفر نعم فقال هلم فاتْلُ على ما جاء به فقرأ عليه صدرًا من كهيعص فبكى - والله - النجاشى حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ۳ ثم قال إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى انطلقوا راشدين لا والله لا أردهم عليكم ولا أنعمكم عينًا ٤
إلى
لما قدم
٢
العودة إلى الحبشة
م أصحاب النبي مكة من الهجرة الأولى اشتدَّ عليهم قومهم وسَطَت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذًى كثيرًا فأذن لهم رسول الله الله في الخروج إلى أرض الحبشة
۱ دلائل النبوة جـ ٢ ص ٦٦
سورة مريم ١
۳ المقصود صحفهم وهي الأناجيل
٤ دلائل النبوة جـ ٢ ص ٧٢
۱۹
بالأذى
مرة ثانية فكانت خرجتهم الآخرةُ أعظمها مشقةً ولقُوا من قريش تعنيفا شديدا ونالوهم واشتد عليهم ما بلغهم عن النجاشى من حُسن جواره لهم فقال عثمان بن عفان يا رسول الله فهجرتنا الأولى - وهذه الآخرة - إلى النجاشي ولست معنا فقال رسول الله أنتم مهاجرون إلى الله وإلى لكم هاتان الهجرتان جميعًا قال عثمان فحسبنا يا رسول الله ۱
۷ - من مقدمات الهجرة إلى المدينة
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ما أقام يدعو القبائل إلى الله ويعرض نفسه عليهم كل سنة بمجنة وعكاظ ومنى أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه ولهم الجنة فلم يجد قبيلة من العرب تستجيب له ويُؤذَى ويُشْتَم حتى أرادَ الله إظهار دينه ونصر نبيه وإنجاز ما وعده فساقه إلى هذا الحى من الأنصار لما أراد الله بهم من الكرامة فانتهى إلى نفر منهم – وهم يحلقون رءوسهم - فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فاستجابوا لله ولرسوله فأسرعوا وآمنوا وصدقوا واووا ونصروا وواسوا وكانوا والله أطول الناس السنة وأحدهم سيوفا وذكروا أن أول من أسلم الأنصار أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس خرجا إلى مكة يتنافران إلى عتبة بن ربيعة فقال لهما قد شغلنا هذا المصلى عن كل شيء - يزعم أنه رسول الله - قال وكان أسعد بن زرارة وأبو الهيثم بن التيهان متكلمين بالتوحيد بيثرب فقال ذكوان بن عبد قيس لأسعد بن زرارة – حين سمع كلام عتبة – دونك هذا دينك فقاما إلى رسول الله فعرض عليهما الإسلام فأسلما ثم رجعا إلى المدينة فلقى أسعد أبا الهيثم بن التيهان فأخبره بإسلامه وذكر قول رسول
الله وما دعا إليه
من
4
فقال أبو الهيثم فأنا أشهد معك أنه رسول الله وأسلم ٢ فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن فأسلموا وهم من بنى النجار بن زرارة وعوف بن الحارث بن عفراء ومن بني زريق رافع بن مالك ومن بنى سلمة قطبة بن عامر بن حَديدة ومن بنى حرام ابن كعب عقبة بن عامر بن نابيء ومن بني عبيد بن عدي بن سلمة جابر بن عبد الله بن رئاب لم يكن قبلهم أ أحد
أسعد
۱ الطبقات لابن سعد جـ ۱ ص ۱۹۱ - ۱۹ الطبقات لابن سعد جـ ١ ص ۰۱ - ۰
۱۳۰
قال محمد بن عمران هذا عندنا أثبت ما سمعنا فيهم وهو المجتمع عليه ثم قدموا إلى دينة فدعوا قومهم إلى الإسلام فأسلم من أسلم ولم تبق دار من دور الأنصار إلا فيها ذكر ن رسول الله كثير ١
- A -
عن عبادة بن الصامت قالوا لما كان العام المقبل من العام الذي لقي فيه رسول الله مر الستة لقيه اثنا عشر رجلا بعد ذلك بعام وهى العقبة الأولى من بني النجار أسعد بن ارة وعوف ومُعاذ وهما ابنا الحارث وهما ابنا عفراء ومن بني زريق ذكوان بن مد قيس ورافع بن مالك ومن بني عوف بن الخزرج عبادة بن الصامت ويزيد بن لبة أبو عبد الرحمن ومن بني عامر بن عوف عباس بن عبادة بن نضلة ومن بني سلمة نبة بن عامر بن نابيء ومن بنى سواد قطبة بن عامر بن حديدة فهؤلاء عشرة من خزرج ومن الأوس رجلان أبو الهيثم بن التيهان من ملى حليف في بني عبد الأشهل من بني عمرو بن عوف عُويم بن ساعدة فأسلموا وبايعوا على بيعة النساء على أن نشرك بالله شيئًا ولا نسرق ولا نزنى ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا رجلنا ولا نعصيه في معروف قال فإن وفيتم فلكم الجنة ومن غشى من ذلك شيئًا كان ه إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه
ولم يفرض يومئذ القتال
ثم انصرفوا إلى المدينة فأظهر الله الإسلام وكان أسعد بن زرارة يُجمع بالمدينة بمن لم وكتبت الأوس والخزرج إلى رسول الله الا الله ابعث إلينا مقرئًا يقرئنا القرآن فبعث هم مصعب بن عمير العبدرى فنزل على أسعد بن زرارة فكان يقرئهم القرآن فروى أن مصعبا كان يُجمع بهم ثم خرج مع السبعين حتى وافوا الموسم مع رسول الله
نهم
عن الزهرى قال لما اشتد المشركون على رسول الله قال لعمه العباس بن المطلب يا عم إن الله عز وجل ناصر دينه بقوم يهون عليهم الموت - رغم قريش -
1 الطبقات لابن سعد ج ۱ ص ۰۳ الطبقات لابن سعد
6
۱۳۱
عزا
في ذات
زرارة
الله
بر
الله تعالى فامض بي إلى عكاظ فأرنى منازل أحياء العرب حتى أدعوهم إلى الله عز وجل وأن يمنعونى ويُؤوونى حتى أبلغ عن الله عز وجل ما أرسلنى به قال فقال العباس يا ابن أخي امض إلى عكاظ فأنا ماض معك حتى أ ن أدلك على منازل الأحياء فبدأ رسول الله الله بثقيف ثم استقرأ القبائل في سنته فلما كان العام المقبل - وذلك حين أمر الله تعالى أن يعلن الدعاء - لقى الستة نفر الخزرجيين والأوسيين أسعد بـ وأبو الهيثم بن التيهان وعبد بن رواحة وسعد بن الربيع والنعمان بن حارثة وعبادة بن الصامت فلقيهم النبي الله في أيام منى عند جمرة العقبة ليلا فجلس إليه فدعاهم إلى الله عز وجل وإلى عبادته والموازرة على دينه الذي بعث به أنبياءه ورسله فسألوه أن يُعرض عليهم ما أوحى إليه فقرأ رسول الله الله سورة إبراهيم وإذ قال إبراهي رب اجعل هذا البلد آمنا إلى آخر السورة فرّق القوم وأخبتوا حين سمعوا وأجابوه فمرَّ العباس بن عبد المطلب وهو يكلمهم ويكلمونه فعرف صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ابن أخي من هؤلاء الذين عندك قال يا عم سكان يثرب الأوس والخزرج قد دعوتهم إلى ما دعوتُ إليه من قبلهم من الأحياء فأجابوني وصدقوني وذكروا أنه
به
يخرجونني إلى بلادهم فنزل العباس بن عبد المطلب وعقل راحلته ثم قال لهم يا معشر الأوس والخزرج هذا ابن أخى وهو أحب الناس إلى فإن كنتم صدقتموه وآمنتم ! وأردتم إخراجه معكم فإنى أريد أن آخذ عليكم موثقاً تطمئن به نفسى ولا تخذلوه ولا تغروه فإن جيرانكم اليهود واليهود له عدو ولا آمَنُ مكرهم عليه فقال أسعد بن زرارة - وشق عليه قول العباس حين اتهم عليه سعدا وأصحابه – قال يا رسول الله ائذن لنا فلنجبه غير مخشنين بصدرك ولا متعرضين لشيء مما تكره
إلا تصديقا لإجابتنا إياك وإيمانا بك فقال رسول الله أجيبوه غير متهمين فقال أسعد بن زرارة – وأقبل على رسول بوجهه - فقال يا رسول الله إن لكا دعوة سبيلاً إن لين وإن شدة وقد دعوت اليوم إلى دعوة متجهمة للناس متوعرة عليهم دعوتنا إلى ترك ديننا واتباعك على دينك وتلك رتبة صعبة فأجبناك إلى ذلك ودعوتنا إلى قطع ما بيننا وبين الناس من الجوار والأرحام القريب والبعيد وتلك رتب صعبة فأجبناك إلى ذلك ودعوتنا – ونحن جماعة في دار عز ومنعة لا يطمع فيها أحد – أن يرأس علينا رجل مر غيرنا قد أفرده قومه وأسلمه أعمامه وتلك رتبة صعبة فأجبناك إلى ذلك وكل هؤلاء الرتب
۱۳
مكروهة عند الناس إلا من عزم ا على رشده والتمس الخير في عواقبها وقد أجبناك إلى ذلك بألسنتنا وصدورنا وأيدينا إيمانا بما جئت به وتصديقًا بمعرفة ثبتت في قلوبنا نبايعك على ذلك ونبايع ربنا وربك يد الله فوق أيدينا ودماؤنا دون دمك وأيدينا دون منه أنفسنا وأبناءنا ونساءنا فإن نف بذلك فبالله نفى وإن نغدر
يدك نمنعك مما نمنع فبالله نغدر ونحن به أشقياء هذا الصدق منا يا رسول الله والله المستعان
ثم أقبل على العباس بن عبد المطلب بوجهه فقال وأما أنت أيها المعترض لنا بالقول - دون النبي له والله أعلم ما أردت بذلك ذكرت أنه ابن أخيك وأحب الناس إليك - فنحن قد قطعنا القريب والبعيد وذا الرحم ونشهد أنه رسول الله أرسله من عنده ليس بكذاب وإن ما جاء به لا يشبه كلام البشر
وأما ذكرت أنك لا تطمئن إلينا فى أمره حتى تأخذ مواثيقنا فهذه خصلة لا نردها على أحد أرادها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ ما شئت ثم التفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله خذ لنفسك ما شئت واشترط لربك ما شئت فقال النبي أشترط لربي عز وجل أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا ولنفسى أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأبناءكم قالوا فذلك لك يا رسول الله
فقال العباس عليكم بذلكم عهد الله مع عهودكم وذمة الله مع ذمتكم في هذا الشهر الحرام والبلد الحرام تبايعونه وتبايعون الله ربكم يد الله فوق أيديكم لَتَجِدُّنَّ في نصره ولَتَشتُنَّ له من أزره بدفع أيديكم ولتوفُنَّ له بعهده وصرح ألسنتكم ونصح صدوركم لا يمنعكم من ذلك رغبة أشرفتم عليها ولا رهبة أشرفت عليكم ولا يؤتى من
قبلكم
اللهم
قالوا جميعا نعم
قال الله عليكم بذلك راع ووكيل قالوا نعم
قال اللهم إنك سامع شاهد وإن هذا ابن أخي قد استرعاهم ذمته واستحفظهم نفسه
لابن أخي عليهم شهيدًا
فرضى القوم بما أعطاهم رسول الله الله من نفسه ورضى النبي بما أعطوه من
أنفسهم
وقد كانوا قالوا له يا رسول الله إذا أعطيناك ذلك فمالنا
قال رضوان الله والجنة
قالوا قد رضينا وقبلنا
فأقبل أبو الهيثم بن التيهان على أصحابه فقال ألستم أنتم تعلمون أن هذا رسول الله إليكم وقد آمنتم به وصدقتموه قالوا بلى قال أولستم تعلمون أنه في بلد الله الحرام ومسقط رأسه ومولده وعشيرته قالوا بلى قال فإن كنتم خاذليه أو مسلميه – يوما من الدهر - البلاء ينزل بكم فالآن فإن العرب سترميكم فيه عن قوس واحدة فإن طابت أنفسكم عن الأنفس والأموال والأولاد فى ذات الله عز وجل فما لكم عند الله عز وجل من الثواب خير من أنفسكم وأموالكم وأولادكم فأجاب القوم جميعا لا بل نحن معه بالوفاء والصدق ثم أقبل على النبي فقال يا رسول الله لعلك إذا حاربنا الناس فيك وقطعنا ما بيننا وبينهم من الجوار والحلف والأرحام وحملتنا الحرب على سيسائها ۱ فكشفت لنا عن قناعها - لحقت ببلدك وتركتنا وقد حاربنا الناس فيك فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال الدم الدم والهدم الهدم قال الله بن رواحة خل بيننا يا أبا الهيثم حتى نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقهم أبو الهيثم إلى بيعته فقال أبايعك يا رسول الله على ما بايع الاثنا عشر نقيبا من بني إسرائيل موسى بن بن رواحة أبايعك يا رسول الله على ما بايع عليه الاثنا عشر من
عبد
عمران فقال عبد
الله
الحواريين عيسى بن مريم وقال أسعد بن زرارة أبايع الله وأبايع رسول الله له على أتم عهدى بوفائي وأصدق قولى بفعلي ونصرتك وقال النعمان بن حارثة أبايع الله يا رسول الله وأبايعك على الإقدام فى أمر الله لا أراقب فيه القريب والبعيد فإن شئت والله يا رسول الله ملنا بأسيافنا هذه على أهل منى فقال النبي لم أومر بذلك وقال عبادة بن الصامت أبايعك يا رسول الله على ألا تأخذني في الله لومة لائم وقال سعد بن الربيع أبايع الله يا رسول الله وأبايعك على أن لا أعصيكما ولا أكذبكما حديثاً فانصرف القوم إلى بلادهم راضين مسرورين فسروا بما أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى حتى وافوه من العام القابل وهم سبعون رجلاً
- 9
لما حضر الحج مشى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا بعضهم إلى بعض يتواعدون المسير إلى الحج وموافاة رسول الله الله والإسلام يومئذ فاش بالمدينة فخرجوا
۱ سيساء الظهر من الدواب موضع الركوب أى حملتنا على ظهر الحرب - مجمع البحار
١٣٤
منی
معه
معه
أحد
حتى
وهم سبعون يزيدون رجلاً أو رجلين فى خمر خمسمائة 1 الأوس والخزرج وهم قدموا على رسول الله الله مكة فسلّموا على رسول الله ثم وعدهم منى وسط أيام التشريق ليلة النفر الأول إذا هدأت الرّجل أن يوافوه فى الشعب الأيمن إذا انحدروا من بأسفل العقبة حيث المسجد اليوم وأمرهم أن لا ينهبوا نائما ولا ينتظروا غائبا قال فخرج القوم بعد هدأة يتسللون الرجل والرجلان وقد سبقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العباس بن عبد المطلب ليس ذلك الموضع غيره فكان أول من طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن مالك الزرقى ثم توافى السبعون ومعهم امرأتان قال أسعد بن زرارة فكان أول من تكلم العباس بن عبد المطلب فقال يا معشر الخزرج إنكم قد دعوتم محمدا إلى ما دعوتموه إليه ومحمد من أعز الناس فى عشيرته يمنعه والله منا من كان على قوله ومن لم يكن منا على قوله يمنعه للحسب والشرف وقد أبي محمدا الناسُ كلهم غيركم فإن كنتم أهل قوة وجلد وبَصَر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة ترمیكم عن قوس واحدة - فارتاوا رأيكم وأتمروا أمركم ولا تفرقوا إلا عن ملا منكم واجتماع فإن الحديث أصدقه
فقال البراء بن معرور قد سمعنا ما قلت وإنا والله لو كان في أنفسنا غيرُ ما ننطق به لقلناه ولكنا نريد الوفاء والصدق ۳ وبذل مهج أنفسنا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وتلا رسول الله عليهم القرآن ورغبهم في الإسلام وذكر الذي اجتمعوا له فأجابه البراء بن معرور بالإيمان والتصديق ثم قال يا رسول الله بايعنا فنحن أهل الحلقة٤ ورثناها كابرا
عن كابر
ويقال إن أبا الهيثم بن التيهان كان أول من تكلم وأجاب إلى ما دعا إليه رسول الله الله وصدقه وقالوا نقبله على مصيبة الأموال وقتل الأشراف ولغطوا فقال العباس بن عبد المطلب - وهو آخذ بيد رسول الله - اخفوا جرسكم ٦ فإن علينا عيونا وقدموا ذوى أسنانكم فيكونوا هم الذين يلون كلامنا منكم فإنا نخاف قومكم عليكم ثم إذا بايعتم فتفرقوا إلى محالكم
۱ حمر جماعة
يتسللون ينصرفون في خفاء
۳ الطبقات لابن سعد جـ ١ ص ٢٠٥ - ٢٠٦ ٤ الحلقة السلاح عامة وقيلى هي الدروع خاصة ٥ لغطوا من اللفظ وهو صوت وضجة لا يفهم معناه ٦ جرمكم صوتكم
١٣٥
فتكلم البراء بن معرور فأجاب العباس بن عبد المطلب ثم قال أبسط يدك يا رسول فكان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البَرَاءُ بن معرور ويقال أول من ضرب على يده أبو الهيثم بن التيهان ويقال أسعد بن زرارة ثم ضرب السبعون كلهم على يده وبايعوه فقال رسول صلى الله عليه وسلم إن موسى أخذ من بنى إسرائيل اثني عشر نقيباً فلا يجدن 1 أحد منكم في نفسه أن يُؤخذ غيره فإنما يختار لى جبريل فيما تخيرهم قال للنقباء أنتم كفلاء على غيركم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومى قالوا نعم فلما بايع القوم وكلمو ٢ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انفَضُّوا إلى رحالكم ۳ فقال العباس ابن عبادة بن نضلة يا رسول الله والذي بعثك بالحق لكن أحببت لنميلن على أهل بأسيافنا وما أحد عليه سيف تلك الليلة غيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لم نؤمَرُ بذلك فانفَضُّوا إلى رحالكم ٤ لما صدر السبعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طابت نفسه وقد جعل الله له مَنَعَةٌ ه وقوما أهل حرب وعُدَّة ونجدة
منی
وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج فضيقوا على أصحابه وتعبثوا ٦ به ونالوا منه ما لم يكونوا ينالون من الشتم والأذى فشكا ذلك أصحاب رسول الله واستأذنوه في الهجرة فقال قد أريتُ دار هجرتكم أريتُ سَنْجَةً ذات نخل بين لابتين وهما الحَرتان ولو كانت السراة أرض نخل وسباخ لقلت هى هى ثم مكث أياما ثم خرج إلى أصحابه مسرورا فقال قد أخبرت بدار هجرتكم وهى يثرب فمن أراد الخروج فليخرج إليها فجعل القوم يتجهزون ويتوافقون ويتواسون ويخرجون ويخفون ذلك فكان أول من قدم المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو سلمة ابن عبد الأسد ثم قدم بعده عامر بن ربيعة معه امرأته ليلى بنت أبي حشمة فهى أول ظعينة قدمت المدينة ثم قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالاً فنزلوا على الأنصار في دورهم فاروهم ونصروهم وواسوهم وكان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين بقباء قبل أن يقدم رسول الله ۸ فلما
۱ يجدن يغضبن من وجد عليه يجد وجدا وموجدة الطبقات لابن سعد جـ ١ ص ۰٦ - ۰۷ ۳ رحالكم منازلكم يقال لمنزل الإنسان وسكنه رحله ٤ الطبقات لابن سعد ج ۱ ص ۰۷
٥ منعة قوة تمنع من يريدهم بسوء
٦ تعبثوا عبثوا وهزءوا
۷ السراة البطحاء
۸ الطبقات لابن سعد ج ۱ ص ۱۰ - ۱۱
١٣٦
خرج
المسلمون في هجرتهم إلى المدينة كلبت ۱ قريش وجربوا واغتاظوا على من خرج
من فتيانهم
وكان نفر من الأنصار بايعوا رسول الله الله في العقبة الآخرة ثم رجعوا إلى المدينة أول من هاجر إلى قباء خرجوا إلى رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حتى قدموا مع
فلما قدم
أصحابه في الهجرة
هجرة أبي سلمة وزوجه وحديثهما عَمَّا لقيا
-1-
الله بن عبد بن عمر بن
فكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله له من المهاجرين من قريش - من بني مخزوم - أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال مخزوم واسمه عبد الله هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة وكان قدم على رسول الله مكة من أرض الحبشة فلما آذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار خرج إلى المدينة مهاجرًا
قال ابن إسحاق فحدثني أبي إسحاق بن يسار عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة عن جدته أم سلمة زوج النبي قالت لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لى بعيره ثم حملني عليه وحمل معى ابني سلمة بن أبي سلمة في حجرى ثم خرج بي يقود بي بعيره فلما رأته رجال بنى المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه فقالوا هذه نفسك غلبتنا عليها أرأيت صاحبتك هذه علام نتركك تسير بها في البلاد قالت فنزعوا خِطَامَ البعير من يده فأخذوني منه قالت وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة فقالوا لا والله لا نترك ابننا عندها إذا نزعتموها من صاحبنا قالت فتجاذبوا بنى سلمة بينهم حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد وحبسنى بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجى أبو سلمة إلى المدينة قالت ففرق بينى وبين زوجي وابني قالت فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح فما أزال أبكى حتى أمسى سنة أو قريبا منها حتى مربى رجل من بنى عمى أحدُ بنى المغيرة فرأى ما بی فرحمنی فقال لبنى المغيرة ألا تخرجون هذه المسكينة فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها قالت فقالوا لي الحقى زوجك إن شئت
1 كلبت اشتدت
اشتد غضبهم
۱۳۷
قالت ورد بنو عبد الأسد إلى عند ذلك ابني قالت فارتحلت بعيرى ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ثم خرجت أريد زوجى بالمدينة قالت وما معى أحد من خلق الله قالت فقلت أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار فقال لى إلى أين يا بنت يا بنت أبي أمية قالت فقلت أريد زوجى بالمدينة قال أو ما معك أحد قالت فقلت لا والله إلا الله وبنى هذا قال والله مالك من مترك فأخذ بخطام البعير فانطلق معى يهوى بي فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عنى حتى إذا نزلت استأخر ببعيرى فحط عنه قيده في الشجرة ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها فإذا دنا الرواح قام إلى بعيرى فقدمه فرحله ثم استأخر عنى وقال اركبي فإذا ركبتُ واستويت على بعيرى أتى فأخذ بخطامه بی فلم يزل يصنع بي حتى أقدمنى المدينة فلما نظر إلى قرية بنى عمرو بن عوف بقباء قال زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلاً - فادخليها على ثم انصرف راجعا إلى مكة قال فكانت تقول والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة وما رأيت صاحبًا قط كان أكرم من عثمان بن
فقاده
بركة
حتى
طلحة ۱
ينزل
يقول البراء
ذلك
أول من قدم المدينة من المهاجرين
أول من قدم علينا من أصحاب رسول الله مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرئان الناس القرآن قال ثم جاء عمّار وبلال وسعد قال ثم جاء عمر بن الخطاب فى عشرين قال ثم جاء رسول الله قال فما رأيت الناس فرحوا بشيء قط فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله قد جاء فما قدم حتى قرأت وسبح اسم ربك الأعلى وسورًا من المفصل وهاجر المؤمنون
خرج المسلمون جميعًا إلى المدينة فلم يبق بمكة منهم إلا رسول الله الله وأبو بكر وعلى أو مفتون ۳ محبوس أو مريض أو ضعيف عن الخروج
1 الروض الأنف جـ ۱ ص ١٤٨ - ١٥٠ ط دار الكتب الحديثة
الطبقات لابن سعد جـ ۱ ص ۱
۳ مفتون معذب
۱۳۸
وعندئذ آن لرسول الله أن يهاجر
1
هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقدماتها
نعطيه
لما رأى المشركون أصحاب رسول الله الله قد حملوا الذراري والأطفال إلى الأوس والخزرج عرفوا أنها دارٌ مَنَعةِ وقوم أهلُ حلقة وبأس فخافوا خروج رسول الله فاجتمعوا في دار الندوة ولم يتخلف أحد من أهل الرأى والحجا منهم ليتشاوروا في أمره قال أبو جهل أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلاما نهدا جلدا ثم سيفا صارما فيضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل فلا يدرى بنو عبد مناف بعد ذلك ما تصنع فتفرقوا على ذلك وأجمعوا عليه وأتى جبريل رسول الله الله فأخبره الخبر وأمره أن لا ينام فى مضجعه تلك الليلة وجاء رسول الله الله إلى أبي بكر فقال
D
إن الله عز وجل قد أذن لى فى الخروج فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم
قال أبو بكر فخذ – بأبي أنت وأمى - إحدى راحلتى هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالثمن
وكان أبو بكر اشتراهما بثمانمائة درهم من نَعمَ فى تُشير وعلفهما وأعدهما ارتقابًا للهجرة في صحبة النبي كما كان يشتهى فأخذ الرسول - إحداهما وهى القصواء وأمر عليا أن يبيت فى مضجعه تلك الليلة فبات فيه على وتغشى بُرْدًا أحمر حضرميا كان رسول الله لا ينام فيه واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من صير الباب٣ ويرصدونه ٤٥
فلما أصبحوا قام على عن الفراش فسألوه عن رسول الله له فقال لا علم لى به وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزل أبي بكر فكان فيه إلى الليل ثم خرج هو وأبو بكر فمضيا إلى غار ثور فدخلاه 1
۱ الطبقات لابن سعد ج ۱ ص ۱۱
نهدا قويًا ضخماً
۳ صبر الباب خرقه
٤ يرصدونه يترقبون خروجه
٥ الطبقات لابن سعد جـ ١ ص ۱ - ۱۳
٦ الطبقات لابن سعد ج ۱ ص ۱۳
۱۳۹
وكان لأبي بكر منيحة غنم يرعاها عامر بن فهيرة وكان يأتيهم بها ليلاً فيحتلبون فإذا كان سحر سَرّح مع الناس قالت عائشة وجهزناهما أحب الجهاز وصنعا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت ١ به الجراب وقطعت أخرى فصيرته عصاماً لفم القربة فبذلك سميت ذات النطاقين
ومكث رسول الله وأبو بكر فى الغار ثلاث ليال يبيت عندها عبد الله بن أبى بكر واستأجر أبو بكر رجلاً من بنى الديل هاديًا خريتا ۳ يقال له عبد الله بن أريقط وهو على دين الكفر ولكنهما أمناه فارتحلا ومعهما عامر بن فهيرة فأخذ أريقط بهم این
يرتجز ٤ فما شعرت قريش أين وجه رسول الله ٥
لما
أبو جهل يضرب أسماء بنت أبي بكر
قال ابن إسحاق فحدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت وأبو بكر رضى الله عنه أتانا نفر من قريش فيهم أبو رسول خرج جهل بن هشام فوقفوا على باب أبى بكر فخرجتُ إليهم فقالوا أين أبوك يا بنت أبى بكر قالت قلت لا أدرى والله أين أبي قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشا
خبيثا فلطم خدى لطمة طرح منها قُرطى٦
أبو بكر رضى الله عنه يتحدث عن الهجرة عن البراء بن عازب يقول جاء أبو بكر رضى الله عنه إلى أبي في منزله فاشترى منه رحلاً فقال لعازب ابعث ابنك يحمله معنى قال فحملته معه فقال له أبى يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما حين سريت مع رسول الله قال نعم أسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق لا يمرُّ فيه أحد فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه الشمس فنزلناه عنده وسويت للنبي مكانا بيدى ينام عليه وبسطت فيه فروة وقلت نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك فنام وخرجت
1 أوكت ربطت
عصاما رباطا
۳ خريتا الماهر الذى يهتدى لأخرات المغارة وهى طرقها الخفية ومضايقها وقيل إنه يهتدى إلى خرت
ثقب الإبرة من الطريق
٤ يرتجز ينشد
٥ الطبقات لابن سعد ج ۱ ص ٢١٤
٦ الروض الأنف جـ ٤ ص ١٨٤ ط دار الكتب الحديثة
١٤٠
أسفله
من
أنفُضُ ما حوله فإذا أنا براع مُقبل بغنمه إلى الصخرة يريد منها مثل الذي أردنا فقلت لمن أنت يا غلام فقال لرجل من أهل المدينة أو مكة قلت أفي غنمك لبن قال نعم قلت أفتحلب قال نعم فأخذ شاة فقلت انقض الضرع من التراب والشعر والقذى قال فرأيت الراعي يضرب إحدى يديه على الأخرى ينفض فَحلب في قعب كتبه لبن ومعى إدارة حملتها للنبي يرتوى منها يشرب ويتوضأ فأتيت النبي فكرهت أن أوقظه فوافقته حين استيقظ فصببت من الماء على اللبن حتى برد فقلت اشرب يا رسول الله قال فشرب حتى رضيت ثم قال ألم يأن للرحيل قلت بلى قال فارتحلنا بعد ما قالت الشمس واتبعنا سراقة بن مالك فقلت أتينا يا رسول الله فقال لا تحزن إن الله معنا فدعا عليه النبى فارتطمت به فرسه إلى بطنها أرى جلد من الأرض – شك زهير خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغار
في
يوم
وكان خروج رسول الله لهم من الغار ليلة الاثنين لأربع ليال خلوان من شهر ربيع الأول فَقَالَ ۱ الثلاثاء بقديد فلما راحوا منها عرض لهم سراقة بن مالك بن جعشم وهو على فرس له فدعا عليه رسول الله فرسَخت قوائم فرسه فقال يا محمد ادع الله أن يطلق فرسى وأرجع عنك وأرد من ورائي ففعل فأطلق ورجع
الوصول إلى قباء وكان المهاجرون قد استبطأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوم عليهم فكانوا يفدون مع الأنصار إلى ظهر حرّة العقبة فيتحينون قدومه فى أول النهار فإذا أحرقتهم الشمس رجعوا إلى منازلهم
فلما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله الله - وهو يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول ويقال لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول – جلسوا كما كانوا يجلسون فلما أحرقهم الشمس رجعوا إلى بيوتهم فإذا رجل من اليهود يصيح على أطم٣ بأعلى صوته يا بنى قيلة هذا صاحبكم قد جاء فخرجوا فإذا رسول الله وأصحابه الثلاثة فسمعت الرجة في بني عمرو بن عوف والتكبير وتلبس المسلمون السلاح
۱ فقال من القيلولة الطبقات لابن سعد جـ ١ ص ۱۹ مطبعة لجنة النشر للثقافة الإسلامية ۳ أطم بالضم بناء مرتفع
١٤١
فلما انتهى رسول الله الله إلى قباء وجلس رسول الله الله وقام أبو بكر يذكر الناس
وجاء المسلمون يسلمون على رسول الله ۱
الوصول إلى المدينة
-1-
عن
زرارة بن أوفى قال قال عبد الله بن سلام لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه وقيل قدم رسول الله الله قال فجئت في الناس لأنظر إليه قال فلما رأيت وجه رسول الله إذا وجهه ليس بوجه كذاب
به أن قال يأيها الناس أفشوا السلام وأطعموا
قال فكان أول شيء سمعته يتكلم الطعام وصلوا الأرحام وَصَلُّوا والناس نيام وادخلوا الجنة بسلام۳
--
فنزل نبي الله له جانب الصخرة وبعث إلى الأنصار فجاءوا نبي الله فسلموا عليهما وقالوا اركبا آمنين مطاعين قال فركب نبي الله وأبو بكر وحفوا حولهما بالسلاح قال فقيل في المدينة جاء نبي الله جاء فاستشرفوا نبي الله ينظرون ويقولون
جاء نبی
الله ٤ فلما كان
يوم الجمعة ارتفاع النهار دعا راحلته وحشد المسلمون وتلبسوا بالسلاح وركب رسول الله ناقته القصواء والناس معه عن يمينه وشماله فاعترضته الأنصار لا يمر بدار من دورهم إلا قالوا هِلمَّ يا نبي الله إلى القوة والمنعة والثروة فيقولُ لهم خيرا ويدعو لهم ويقول إنها مأمورة فخلوا سبيلها فلما أتى مسجد بني سالم جمع
بمن
كان معه من
المسلمين وهم
مائة ٥
لما أراد رسول الله أن ينتقل من قباء اعترضت له بنو سالم فقالوا يا رسول الله
وأخذوا بخطام راحلته هلم إلى العدد والعُدةِ والسلاح والمتعة فقال خلوا سبيلها فإنها
۱ الطبقات لابن سعد ج ۱ ص ۰
انجفل الناس إليه ذهبوا مسرعين نحوه ۳ الطبقات لابن سعد جـ ۱ ص ۱ -
٤ المرجع السابق
٥ الطبقات لابن سعد ج ۱ ص ۳
١٤٢
مأمورة ثم اعترضت له بنو الحارث بن الخزرج فقالوا له مثل ذلك فقال لهم مثل ذلك ثم اعترضت له بنو عدى له مثل ذلك فقال لهم مثل ذلك حتى بركت حيث أمرها الله ۱ عن أنس قال قدم رسول الله المدينة فنزل فى حى يقال لهم بنو عمرو بن
عوف
بنی
فأقام النبي الله أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى النجار فجاءوا بالسيوف وكأني أنظر إلى النبي على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بنى النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب وكان يحب أن يصلى حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم وإنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى بنى النجار ۳ فقال يا بنى النجار ثامنوني بحائطكم هذا قدروا ثمن بستانكم لأشتريه
قالوا لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله
قال أنس فكان فيه ما أقول لكم كان فيه قبور المشركين وخَرِب٤ وفيه نخل فأمر النبي بقبور المشركين فنبشت ثم بالخرب فسويت وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبى الله معهم وهو يقول اللهم لا خير إلا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة ٥ و٦
--
عن أنس قال لما قدم رسول الله الله المدينة لعبت الحبشة بحرابها فرحًا بذلك عن عائشة قالت لما قدم رسول الله الله المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وَجَبَ الشكر علينا ما دعا الله داع ۷
۱ الطبقات لابن سعد ج ۱ ص ۳ من البخارى
۳ البخاري إلى ملأ من بني النجار
٤ الخرب بفتح المعجمة وكسر الراء جمع خربة ككلمة وكلم وجوز الخطابي أنه خرب بضم المهملة وسكون الراء وهى الخروق المستديرة في الأرض
٥ الحديث أخرجه البخارى فى كتاب الصلاة باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ٦٦/١ ٦ الوفا جـ ١ ص ٢٥٤ - ٢٥٥
٧ الوفا ج ١ ص ٢٥٢ - وذكر ابن قيم في كتابه القيم زاد المعاد جـ ٣ ص ١٠ أن هذا النشيد حدث في استقبال النبي حينما دنا من المدينة, عند قفوله من غزوة تبوك ويقول * وبهم يتوهم بعض الرواة في هذا ويقول إنما كان ذلك عند مقدمه المدينة من مكة وهو وهم ظاهر لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام
١٤٣
- E-
عن
أنس بن مالك قال لما كان اليوم الذى دخل فيه رسول الله له المدينة أضاء منها
كل شيء ۱
191
عن البراء قال جاء النبي الله - يعنى إلى المدينة في الهجرة - فما رأيت أشدَّ فَرَحًا منهم بشيء من النبى الله حتى سمعت النساء والصبيان والإماء يقولون
ويقبل
هذا رسول الله قد جاء قد جاء
إليهم سنة
عن يحيى بن يعلى قال قال على بن أبي طالب يوما وهو يذكر الأنصار وفضلهم وسابقتهم ثم قال إنه ليس بمؤمن من لم يحب الأنصار ويعرف لهم حقوقهم هم والله ربوا الإسلام كما يُربى الفيلو ۱ فى فنائهم بأسيافهم وطول ألسنتهم وسخاء أنفسهم لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج فى المواسم فيدعو القبائل ما أحد من الناس يستجيب له منه دعاءه فقد كان يأتى القبائل بمجنة وعكاظ وبمنى حتى يستقبل القبائل يعود بعد سنة حتى إن القبائل منهم من قال أما لك أن تيئس منا من طول ما يعرض نفسه عليهم حتى أراد الله عز وجل ما أراد بهذا الحى من الأنصار فعرض عليهم الإسلام فاستجابوا وأسرعوا واووا ونصروا وواسوا فجزاهم الله خيرا قدمنا عليهم فنزلنا معهم فى منازلهم ولقد تشاحوا فينا حتى إن كانوا ليقترعون علينا ثم كنا في أموالهم أحق بها منهم طيبةً بذلك أنفسهم ثم بذلوا مهج أنفسهم دون نبيهم وعليهم أجمعين
عن عائشة قالت لبث رسول الله الله في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذى أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله لها ثم ركب راحلته وسار معه الناس حتى بَرَكَت عند مسجد رسول الله له بالمدينة وهو يصلى فيه رجال من المسلمين وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة فقال رسول الله حين بركت به هذا المنزل إن شاء الله ثم دعا الغلامين فساومهما
يمشى
بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا بل نهبه لك يا رسول الله
۱ انظر الطبقات لابن سعد
الفلو بكسر الفاء وسكون اللام الجحش أو المهر يفطم أو يبلغ السنة
١٤٤
بناه مسجدا وطفق ينقل معهم اللين في بنائه ويقول هذا الجمال لا حمال خيبر هذا أبرَّ ربنا وأطهر
اللهم إن الخير خير الآخرة
فارحم
الأنصار والمهاجرة۱
عن أبي سعيد قال تمارى رجلان في المسجد الذى أسس على التقوى من أول يوم
فقال رجل هو مسجد قباء وقال الآخر هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجدى أخرجه مسلم
4
عن المسجد الذي أسس على
عن أبي سعيد قال دخلت على النبي فسألته التقوى قال فقبض قبضة من الحصباء ثم ضرب بها الأرض ثم قال هذا
المدينة
رواه مسلم في الصحيح ۳
یعنی
مسجد
حدثنا نافع أن عبد الله ب ه بن عمر أخبره أن المسجد كان على رسول الله مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئًا وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله باللين والجريد وأعاد عمده خشبا وغيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج رواه البخاري في الصحيح
عن ابن عمر رضى عنهما أن مسجد النبي كانت سواريه – على عهد رسول الله - من جذوع النخل وأعلاه مُظَلّل بجريد النخل ثم إنها نخرت في خلافة عنه فبناها بجذوع النخل وبجريد النخل ثم إنها نخزت في خلافة
أبي بكر رضى
عثمان فبناها بالآخر فلم تزل ثابتة
عنه
عن عبد
الله
الجنة أخرجاه
حتى
الآن ٤ أى إلى عهد عبد الله
بن عمر رضی
الله
بن زيد أن رسول الله الله قال ما بين بيتى ومنبري روضة من رياض
1 الوفا ج ١ ص ٢٥٤
الوفا ج ١ ص ٢٥٦
۳ دلائل النبوة جـ ٢ ص ٢٦٣ - ٢٦٤ ٤ دلائل النبوة جـ ٢ ص ٢٦١ - ٢٦٢
١٤٥
عن أبى هريرة وأبى سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بين بيتي ومنبرى روضة من
رياض الجنة ومنبرى هلى حوضى أخرجه الشيخان۱
المسجد النبوى عن ابن عمر قال كان المسجد على عهد رسول الله له مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده الخشب من النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئًا وزاد فيه عمر وبناه على بنائه في عهد رسول الله باللبن والجريد وأعاد عمده خشبا ثم غيره عثمان وزاد فيه زيادة كبيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة وجعل عمده من حجارة منقوشة بالساج انفرد بإخراجه البخارى۳
أهله
الخطبة الأولى وكانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر أبو سلمة بن عبد الرحمن ونعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل - أنه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو ثم قال أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم تَعْلَمُنَّ والله ليُصْعَفَنَّ أحدُكم ثم ليَدَعَنْ غَنَمَه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه ألم يأتك رسولى فبلغك وأتيتك مالاً وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك فلينظُرَنَّ يمينا وشمالاً فلا يري تم لينظرنَّ قُدامه فلا يرى غير جهنم فمن استطاع أن يقى وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمةٍ طيبة فإنَّ بها تُجرى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسلام عليكم ورحمة الله
شيئًا
الخطبة الثانية
وبركاته ٤
والخطبة الثانية لرسول الله الله في مسجده المبارك هي
إنَّ الحمد لله أحمده وأستعينه نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدِهِ الله فلا مضل له ومن يُضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إِنَّ أَحْسَنَ الحديث كتاب الله قد أفلح من زينه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر
۱ الوفا جـ ١ ص ٢٥٦ - ٢٥٧
القصة الجصد الجيد
۳ الوفا ج ١ ص ٢٢٥
٤ الروض الأنف جـ ٤ ص ۳۹ ط دار الكتب الحديثة
١٤٦
عنه
واختاره على ما سواه من أحاديث الناس إنه أحسنُ الحديث وأبلغه أحبوا مَنْ أحبُّ الـ أحبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا كلام الله تعالى وذكره ولا تَقْسُ قلوبكم فإنه من كل يختار ويصطفى فقد سماه خيرته من الأعمال ومصطفاه من العباد والصالح
من
الحديث ومن
كل ما أتى الناس من الحلال والحرام فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا واتقوه حق تقاته واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم وتحابوا بروح الله بينكم إن الله يغضب أن يُنكث عهده والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ۱
المدينة
عن أبي هريرة ة أن رسول الله الله قال اللهم إنك أخرجتني من أحب البلاد إلى فأسكنى أحب البلاد إليك فأسكنه الله المدينة
عن سعيد بن يسار يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله الله أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهى المدينة تنفى الناس كما ينفى الكير خبث الحديد رواه البخاري في الصحيح
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الإيمان ليأرِزُ إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها رواه مسلم في الصحيح
عن ابن عمر قال قال رسول الله له إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ
وهو يأرز بين المسجدين ۳ كما تأرز الحية إلى جحرها رواه مسلم في الصحيح ٤ عن أبي عبد الله القراظ قال سمعت أبا هريرة وسعدًا يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لأمتى فى مدهمه وبارك لهم في صاعهم ٦ وبارك لهم في مدينتهم اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك وإني عبدك ورسولك وإن إبراهيم سألك لمكة وإني للمدينة مثل ما سألك إبراهيم لمكة ومثله معه إن المدينة مشبكة بالملائكة على كل نقب
۱ دلائل النبوة جـ ٢ ص ٢٤٧
يأرز ينضم ويجتمع بعض إلى بعض
۳ المسجد الحرام والمسجد النبوى ٤ دلائل النبوة جـ ٢ ص ٢٤٣ - ٢٤٤
٥ المد مكيال وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز ورطلان عند أهل العراق
٦ الصاع مكيال يساوى أربعة أمداد
أسألك
١٤٧
منها ملائكة يحرسونها لا يدخلها الطاعون ولا الدجال من أراد أهلها وجل كما يذوب الملح في الماء رواه مسلم في الصحيح ۱
عن
بسوء
أذابه الله عز
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأوتهم الأنصار - رمتهم أبي بن كعب قال
العرب عن قوس واحدة وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه فقالوا ترون أنا نعيش حتى نبيت مطمئنين لا نخاف إلا الله عز وجل فنزلت وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنوا منكم وعملوا الصالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأَرْضِ كما استخلفَ الذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وليمكنَنَّ لهم دينَهُمُ الذي ارتضى لهم وليبدلنهمْ مِنْ بَعدِ خَوْفِهِمْ أمنًا يَعبدونَنى لا يشركون بى شيئًا كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ﴾ ٢
١٤٨
۱ دلائل النبوة جـ ٢ ص ۸۶ - ۸۷ النور ٥٥ - دلائل النبوة ج ص ۹۹
ولكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا
الفضل السابع من
[ صدق الله العظيم ]
سورة النساء الآية ١٦٦
المعجزات
المعجزات
إن القرآن الكريم تحدث عن معجزات حسية كثيرة تحققت على أيدى الرسل وفي أقوالهم صلوات الله وسلامه عليهم
والمثال الخصب في ذلك هو جو سيدنا عيسى - عليه السلام - كله
ناحية أمه قبل الحمل ۱ - جوه من كلما دَخَلَ عليها زكريا المحراب وَجَدَ عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا - قالت هوَ مِن عندِ الله إن الله يرزقُ مَن يشاء بغير حساب ۱
- وجوه من ناحية الحمل
واذكر في الكتاب مريمَ إذ انتبذت من أهلِهَا مكانا شرقيًّا فاتخذت من دونهم حجابًا فأرسلنا إليههَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لها بَشَرًا سَوِيًّا
قالت إني أعوذُ بالرحمن غلاما زكيا ٢
منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسولُ رَبِّكِ لأهَبَ لك
وفوجئت مريم بهذا الخبر الغريب الذي لم تكن تتوقعه
ويصوّر القرآن الكريم مفاجأتها فيقول
قالت أنى يكون لي غلامٌ ولم يَمْسَسني بشَر ولم أ بغيار ۳
وجاءها الرد الحاسم
قال كذلك قال ربك هو علَيَّ هَيِّنٌ ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرًا
مقضيا 4
ويتابع القرآن الإخبار بما حدث فيقول
۱ آل عمران ۳۷
مريم ١٦ - ١٩
۳ مریم ۰ ٤ مريم ٢١
١٥١
فَحَمَلَتْهُ فانتبذت به مكانا قصبا فَأَجَاءَها المخاض إلى جذع النخلة ۱ وتصورت مريم ما سيتمخض عنه الوضع من مفاجأة الناس ومن اتهامهم لها فقالت يا ليتني مت قبل هذا وكنتُ نَسيا منسيا
وهنا نصل إلى جو ثالث في حياة عيسى – عليه السلام – هو
٣ - جو حديثه في اللحظات الأولى لميلاده
فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريان ۳
والقراءات تعين أن المنادى عيسى عليه السلام وذلك أن إحدى القراءات هي
فناداها مَنْ تَحْتها بفتح الميم
وكان ما توقعته مريم من اتهامها
ويصور القرآن ذلك في قوله تعالى
و فاتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئتِ شيئا فَرِيَّا يا أخت هارون ما كان
أبوك أمراً سَوءٍ وما كانت أمك بغيان ٤
وهنا أشارت
مريم
عليها السلام إلى عيسى ليخاطبوه وليرد عليهم
فقالوا - في دهشة - كيف نكلم من كان في المهد صبيا ٥
ورد عليهم عيسى – وهو في المهد - قائلا
إني عبد الله آناني الكتاب وجعلنى نبيًّا وجعلنى مباركا أينما كنتُ وأوصانى بالصلاة
والزكاةِ مادمت حيًّا وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارًا شقيًّا والسلام على يوم ولدت ويوم
أموتُ ويوم أبعث حيات
عليه السلام - وترعرع وأصبح رجلاً مكتملاً وعلمه الله الكتاب
ونشأ عيسى والحكمة والتوراة والإنجيل وآتاه النبوة وأرسله إلى بني إسرائيل
ويسلمنا هذا إلى الحديث عن
١٥٢
۱ مریم ۳
مریم ۳
۳ مريم ٢٤
٤ مریم ۷ ۸
۵ مريم ۹ ٦ مريم ۳۰ - ۳۳
معجزاته
- 2
أما
معجزته أو معجزاته فقد بينها القرآن في قوله تعالى
من
ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلقُ لكم كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله وأبْرِئ الأكمة والأبرص وأخى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ۱
لقد كان جو عيسى – عليه السلام - كله خارقا للعادة وكانت خوارق العادات كثيرة بالنسبة لأمه مع أنها لم تكن نبية ولا رسولة ونحن نؤمن بذلك كله
ونؤمن
بأن عيسى – عليه السلام - ما كان في استطاعته الذاتية أن يخلق ذبابا هو
ولا أمه الصديقة ولو اجتمعا له وإن يسلبهما الذباب شيئًا لا يستنقذانه منه إنهما بذاتهما لا يخرقان عادة ولا يأتيان بمعجزة إنهما بشر وإنما كل ذلك
بإذن الله
ومن أجل ذلك كان عيسى - عليه السلام - يقول عقب ذكر المعجزات بإذن الله
وقدرة الله فوق كل ذلك وهو سبحانه القائل الله كَمَثَل آدمَ خَلَقَه من تُراب عیسی
وإن مثل عند
فإذا كان
- عليه السلام - نشأ من غير أب فإنه قد حمل في الوعاء العادي الذي عیسی يحمل فيه الجنين عادة أما آدم فإن أمره في خرق العادة أغرب إنه من غير أب يحمل في رحم أم !!
إننا نؤمن بعيسى ونؤمن بجميع أجوائه ونؤمن بجو آدم ونؤمن بإلقاء إبراهيم في النار فلم تحرقه ونؤمن بناقة صالح وبعصا موسى ونؤمن بهؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم هدى وأنهم لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا
وزادهم
الله
ونؤمن بهذا الذى مَرَّ على قرية وهى خاوية على عروشها قال
۱ آل عمران ٤٩
آل عمران ٥٩
١٥٣
نى يُحى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يَتَسَنَّة وانظر إلى حمارك ولنجعلكَ آيةً للناس وانظر إلى العظام كيف تنشيرها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ۱
ونؤمن أيضا بمعجزات محمد - ه - التي وردت عن طريق صحيح
نؤمن بها على تنوعها واختلافها ما دامت قد وردت في القرآن الكريم أو في صحاح الأحاديث
وقد تحدث القرآن عن معجزة الإسراء والمعراج
سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا
حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصيرة ٢
وتحدث عن معجزة عصمته - الناس ۳
幾
من أعدائه طيلة حياته والله يعصمك من
وآية انتصار الروم تحدث القرآن عنها إنباءً بالغيب آية للرسول ٤ إننا نؤمن بخرق الله للعادة بالنسبة للأنبياء وبالنسبة للأولياء
وتفرقة العلماء بين المعجزة والولاية معروفة والمسألة - فى هذا - أهون من أن يتناقش
فيها الناس
أن نؤمن بالمعجزات لرسول الله - - حينما ترد عن طريقه أو عن ولا مناص من طرق صحيحة – أى حينما تثبتها السنة الصحيحة - ولا شبهة قط في قوله تعالى ومَا مَنَعَنَا أَنْ تُرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ٥
وذلك أن سنة الله
سبحانه وتعالى – قاضية بأنه إذا طلب قوم آية فأذن الله بها
و تحققت لهم ثم لم يؤمنوا بها - وهم الذين طلبوها - فإن الله - سبحانه يدمرهم تدميرا ولقد دمر الله قوم صالح الذين طلبوا الآية فلما تحققت كفروا بها
۱ البقرة ٢٥٩
الإسراء ۱
٣ المائدة ٦٧ ٤ أول سورة الروم
٥ الإسراء ٥٩
١٥٤
ودمر
في كفرهم
الله كل قوم طلبوا المعجزات والحوا في طلبها فأنزل الله عليهم الآيات استمروا
وما من شك في أن الله دمر أمّماً لأسباب أخرى ترجع عادة إلى الظلم والكبر والطغيان وقص علينا قَصَصَهُم فى القرآن الكريم كما قص علينا قصة قوم صالح
تلك سنة الله
ولقد طلب أهل مكة - في تبجح وعناد - بعض الآيات المعينة ولم يطلبوها من أجل
الإيمان وإنما طلبوها تعنتا
حتى
يقول سبحانه
وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرْض يَنْبُوعًا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تُسْقِطَ السماء كما زعمت علينا كِسَفًا أو تأتى بالله والملائكة قبيلاً أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمنَ لِرُقِيِّكَ تنزل علينا كتابا نقروه قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولاً ۱ ولقد شرح القرآن موقفهم الذى لا إخلاص فيه وكله تعنت وجحود فقال ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يَعْرُجُون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون إنهم ما كانوا ليؤمنوا مهما آتاهم الله من آيات
و من
ولقد كان في مقادير الله - سبحانه - أن يُبقى هؤلاء المكيين ليكونوا من أنصار الإسلام
حماته
لقد كان في مقادير الله أن أن يبقى أمثال خالد بن الوليد حتى يكونوا سيوفًا لله دفاعًا
عن دينه وسيرا في نور نبيه
ومن أجل ذلك لم يُنزل عليهم المعجزات التي طلبوها
أما الآيات التى أتت عفوًا فأثبتتها السنة الصحيحة فإنها كثيرة
والصفحات التالية بيان لبعض معجزات الرسول - - مبتدئة بالقرآن الكريم وإننا في هذا الباب لم نثبت كل المعجزات وإلا لطال بنا القول كثيرًا
1 الإسراء ۹۰ - ۹۳
الحجر ١٤ ١٥
١٥٥
والبعض الذي أثبتناه كان مرجعنا فيه أصحُ الكتب وأوثق المصادر والله المستعان وله الحمد والمنة
وما من شك في أن أشق مرحلة يصادفها كل رسول من الرسل إنما هي إقناع الناس برسالته
وقد اختلفت وسائل هذا الإقناع واختلفت أساليبه
وقد بدأ الرسول - - كأسلافه بتقرير أنه رسول وأنه متصل بالسماء وأن الوحى ينزل عليه تباعا وقد أرسله الله تعالى لحكمة سامية ردّدها القرآن في غير ما موضع هي تزكية النفوس وتطهيرها
وتزكيتها وتطهيرها خلقيًا واجتماعيًا مؤسسا ذلك على تطهيرها وتزكيتها من ناحية
العقيدة
ولقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين 1
وربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ٢
ومن أجل ذلك كان إرساله رحمة للعالمين
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ۳
"
فكانت
ولكن العرب سخروا من دعوته وكان لابد من أن يفحمهم بآية من آيات الله هذه الآية هي القرآن لقد تحداهم به في عُنف وتحداهم - مُتَدَرِّجًا بهم - من أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا إلى أن يأتوا بعشر سور مثله ثم انتهى بهم أخيرا إلى أن يأتوا بسورة من
مثله قال تعالى
قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان
بعضهم لبعض ظهيرا ٤
۱ آل عمران ١٦٤
البقرة ۱۹ ۳ الأنبياء ١٠٧
٤ الإسراء ٨٨
١٥٦
أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ۱
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وَقُودُهَا الناس والحجارة
أعدت للكافرين إن الكثيرين من أسلافنا - نا رضوان الله عليهم - قد جردوا أنفسهم تجريدا كاملاً أو شبه كامل لخدمة سيرة رسول الله - - فلم يدعوا شأنا من شئونه إلا حققوه ۳ وزاف
ما زاف وبقى الصحيح الطيب وإن عملهم في نخل الأخبار وتنقيتها وتصفيتها - بحيث وضح من أمر الرسول - - كل شيء - لَعَمَل جليل رائع دقيق كل الدقة
وقد ورد في سيرته الشريفة ذكر من المعجزات الحسية وثبتت هذه المعجزات عن طرق
عدة كلها صحيح ولا مناص للمنصف من الإيمان بها فهى ثابتة عن طرق توافر لها كل شروط الصحة وهى ليست بأشد غرابة مما كان للأنبياء من قبل
۱ هود ۱۳
البقرة ٢٣ ٢٤
**
وفي هذه الآيات كرر القرآن لفظ مثل والمثلية لا تختص بجانب دون جانب وإنما تعم جميع المناحي والواقع أن النقاش في أن القرآن معجز بأسلوبه أو بمعانيه أو بقصصه أو بإخباره عن المغيبات أو بغير ذلك من وجوه الإعجاز - إنما هو نقاش لا يتمشى مع الفكرة القرآنية التى هى فى التماثل من جميع النواحي قال صاحب البحر المحيط
والمثلية في حسن النظم وبديع الوصف وغرابة الأسلوب والأخبار بالغيب مما كان وما يكون وما احتوى عليه من الأمر والنهي والوعد والوعيد والقصص والحكم والمواعظ والأمثال والصدقة والأمن من التحريف والتبديل جـ 1 ص ١٠٤ - ١٠٥ ومنشأ الاختلاف في تحديد وجوه الإعجاز في القرآن راجع إلى اختلاف درجة الاستعدادات الفطرية والاتجاهات الفكرية لإدراكها ومعرفتها فمثلا من وجد القرآن مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل وأخبار السابقين والغيبيات التي لا تحيط بها البشرية علما حصر وجوه الإعجاز فيما أدرك ومن نظر إلى القرآن من ناحية اللفظ وحسن السبك وجزالة الأسلوب وماله من روعه تملك على السامع شعوره ووجدانه - حصر الإعجاز فى ذلك ومن أجال فكره فيما حواه القرآن من الأسرار الكونية التي تكشف عنها العلوم والبحوث أيا ما كانت - فهو مصدق لما في الطبيعة والفطر ستربهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم - سورة فصلت ٥٣ - اتجه هذا الاتجاه الخ ۳ يقول أحد المستشرقين عن المحدثين إنهم عرفوا كل شيء في حياة نبيهم حتى عدوا الشعرات البيض في
رأسه
١٥٧
ثم إنها لا تناقض العقل
وما من شك في أن معجزة الرسول الكبرى هي القرآن
وإذا كان القرآن هو المعجزة الكبرى فإن معجزات أخرى كثيرة بجوار القرآن مؤيدة
له فقد ثبتت لنبينا
القرآن أعظم معجزة
يقول ابن خلدون في علامات الأنبياء
البشر
ومن علاماتهم أيضاً وقوع الخوارق لهم شاهدة بصدقهم وهى أفعال يعجز عن مثلها فسميت بذلك معجزة وليست من جنس مقدور العباد وإنما تقع في غير
محل قدرتهم
وإذا تقرر ذلك فاعلم أن أعظم المعجزات وأشرفها وأوضحها دلالة القرآن الكريم المنزل على نبينا محمد - فإن الخوارق - فى الغالب - تقع مغايرة للوحي الذي يتلقاه النبي ويأتى بالمعجزة شاهدة مصدقة
والقرآن هو بنفسه الوحى المدعى وهو الخارق المعجز فشاهده في عينه ولا يفتقر إلى دليل مغاير له كسائر المعجزات مع الوحى فهو أوضح دلالة لاتحاد الدليل والمدلول فيه
وهذا معنى قوله - -
ما من نبي إلا وقد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أُوتيته وحيًا أوحاه الله إلى فأرجو أن أكون اكثَرَهم تابعًا القيامة ١ يوم
يشير إلى أن المعجزة متى كانت بهذه المثابة فى الوضوح وقوة الدلالة وهو كونها نفس الوحى كان التصديق لها أكثير لوضوحها فكثر المصدق المؤمن وهو التابع والأمة ويقول صاحب الشفاء
وعن أبي هريرة عنه قال ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذى أُوتِيتُ وحيًا أوحى الله إلى فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا القيامة ٢ هذا عند المحققين بقاء معجزته ما بقيت الدنيا وسائر معجزات الأنبياء ذهبت
معنی
۱ رواه الشيخان وأحمد
رواه الشيخان وأحمد
يوم
١٥٨
للحين ولم يشاهدها إلا الحاضر لها ومعجزة القرآن يقف عليها قرن بعد قرن إلى يوم
القيامة
عن إعجاز القرآن
لقد كتب الكاتبون من زمن بعيد عن إعجاز القرآن كتب بعضهم كتبا كاملة في إعجازه كما فعل الإمام الباقلاني قديما وكما فعل مصطفى صادق الرافعي حديثا وكانوا في ذلك متابعين للقرآن الكريم الذى تحدى العرب بل تحدى الإنس والجن أن يأتوا بمثله أو يأتوا بمثل جزء منه وفى ذلك يقول صاحب كتاب الوفا لما غَلَبَ السحر فى زمن موسى عليه السلام جاءهم بجنسه في معجزاته ففلق البحر وألقى العصا ولما غلب الطب في زمن عيسى عليه السلام جاءهم بجنسه فأحيا الموتى وأبرأ الأكمه ولما غلبت الفصاحة وقول الشعر والنظم والنثر في زمن نبينا - ا - جاءهم القرآن وهو معجز من أوجه أحدها ما يشتمل عليه من الفصاحة والبلاغة فى الإيجاز والإطالة فتارة يأتى بالقصة باللفظ الطويل ثم يعيدها باللفظ الوجيز فلا يخل بمقصود الأولى
والثاني مقارنته لأساليب الكلام وأوزان الأشعار
وبهذين المعنيين تحدثت العرب فعجزوا وتحيروا وأقروا بفضله والثالث في معجز القرآن ما تضمن من أخبار الأمم السالفة وسير الأنبياء التي عرفها أهل الكتاب مع كون الآتى بها أميا لا يكتب ولا يقرأ لا علم له بمجالسة الأحبار ولا الكهان ومن كان من العرب يكتب ويقرأ ويجالس علماء الأحبار لم يدرك ما أخبر به القرآن والرابع إخباره عن الغيوب المستقبلة الدالة على صدقه قطعا لوقوعها على ما أخبر كقوله فَتَمَنَّوا الموت ثم قال ولن يَتَمَنَّوه أبدا ۱ وقوله فأتوا بسورة من مثله ثم قال ولن تفعلوا فما فعلوا وقوله قل للذين كفروا ستغلبون ۳ وغلبوا وقوله والتدخلُنَّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ٤
۱ سورة البقرة ٩٤ ٩٥ سورة البقرة ٢٣ ٢٤ ۳ آل عمران ۱ ٤ الفتح ٢٧
١٥٩
ودخلوا وقوله في أبي لهب وسَيَصْلَى نارًا ذاتَ لَهَب وامرأته ۱ وهذا دليل
على
أنهما يموتان على الكفر وكذلك كان٢
والخامس أنه محفوظ من الاختلاف والتناقض
ولَوْ كان من عند غيرِ اللهِ لَوَجَدوا فيه اختلافام ٣ وقال تعالى إنا نحن نزلنا
الذكر وإنا له لحافظون ٤
قال ابن عقيل حُفِظَ جميعهُ وآياته وسوَرُه التي لا يدخل عليها تبديل من حيث عجز الخلائق عن مثلها فكان القرآن حافظ نفسه من حيث عجز الخلائق عن مثله قال أبو الوفا على بن عقيل إذا أردت أن تعلم أن القرآن ليس من قول رسول الله - - وإنما هو ملقى إليه فانظر إلى كلامه كيف هو إلى القرآن وتلمح ما بين الكلامين والأسلوبين - ومعلوم أ أن
كلام الإنسان يتشابه وما للنبي - - كلمة تشاكل نمط القرآن
يستخرج منه آية قد أخذ
قال ابن عقيل ومن إعجاز القرآن أنه لا يمكن لأحد أن معناها من كلام قد سبق فإنه مازال الناس يكشف بعضهم عن بعض فيقال
أخذ
من البحتري
ويقول صاحب الوفا عن إعجاز القرآن
وقد استخرجت معنيين عجيبين
المتنبي
أحدهما أن معجزات الأنبياء ذهبت بموتهم فلو قال ملحد اليوم أي دليل على صدق
محمد وموسى
فقيل له محمد شق له القمر وموسى شق له البحر لقال هذا محال فجعل الله سبحانه هذا القرآن معجزا لمحمد - - يبقى أبدا ليظهر دليل صدقه بعد وفاته وجعله دليلا على صدق الأنبياء إذ هو مصدق لهم ومخبر عن حالهم والثاني أنه أخبر أهل الكتاب بأن صفة محمد - - مكتوبة عندهم في التوراة والإنجيل وشهد الخاطب بالإيمان ولعائشة بالبراءة وهذه شهادات على غيب فلو لم
1 المسد ٣ ٤
راجع الوفا جـ ١ ص ٢٢٦٩ النساء ۸
٤ الحجر ٩
1
يكن في التوراة والإنجيل صفته كان ذلك منفرا لهم عن الإيمان به - ولو علم حاطب وعائشة من أنفسهما خلاف ما شهد لهما به نفرا عن الإيمان ۱
وعن إعجاز القرآن يقول الأستاذ اتيين دينيه الكاتب الفرنسي الذي أسلم وحج إلى بيت الله الحرام وكتب الكثير فى فضل الإسلام وفي بيان مبادئه السامية إن معنى آيات العلامات المعجزة
إن معجزات الأنبياء الذين سبقوا محمدا كانت فى الواقع معجزات وقتية وبالتالى معرضة للنسيان السريع بينما نستطيع أن نسمى معجزة الآية القرآنية المعجزة الخالدة ذلك أن تأثيرها دائم ومفعولها مستمر ومن اليسير على المؤمن في كل زمان وفي كل مكان أن يرى هذه المعجزة بمجرد تلاوة كتاب
الله
"
وفى هذه المعجزة نجد التعليل الشافى للانتشار الذى أحرزه الإسلام ذلك الانتشار الذي لا يدرك سببه الأوربيون لأنهم يجهلون القرآن أو لأنهم لا يعرفونه إلا من خلال ترجمات لا تنبض بالحياة فضلاً عن أنها غير دقيقة
إن الجاذبية الساحرة التى يمتاز بها هذا الكتاب الفريد بين أمهات الكتب العالمية لا تحتاج منا - نحن المسلمين - إلى تعليل - ذلك أننا نؤمن بأنه كلام الله أنزله على رسوله ولكننا نرى من الطريف أن نورد هنا رأيين لمستشرقيين ذاعت شهرتهما عن جدارة يقول سفرى - وهو أول من ترجم القرآن إلى الفرنسية كان محمد عليمًا بلغته وهي لغة لا نجد على ظهر البسيطة ما يضارعها غنى وانسجاما - إنها بتركيب أفعالها يمكنها أن تتابع الفكر فى طيرانه البعيد وتصفه في دقة دقيقة وهى بما فيها من نغم موسيقى تحاكي
أصوات الحيوانات المختلفة وخرير المياه المنسابة وهزيم الرعد وقصف الرياح كان محمد عليما - كما قلت - بتلك اللغة الأزلية التي تزينت بروائع كثير من الشعراء فاجتهد محمد أن يحلى تعاليمه بكل ما فى البلاغة من جمال وسحر
ولقد كان الشعراء في الجزيرة العربية يتمتعون من التقدير بأسمى مكانة ولقد علق لبيد بن ربيعة الشاعر المشهور إحدى قصائده على باب الكعبة وحالت شهرته وقدرته الشاعرية دون أن ينبرى له المنافسون ولم يتقدم أحد لينازعه الجائزة
۱ راجع الوفا ج ۱ ص ۷۰ - ۷
انظر في ذلك كتاب محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذى ترجمناه عن الفرنسية ونشرته
دار المعارف
١٦١
وذات يوم علق بجانب قصيدته السورة الثانية من القرآن ۱ وقيل السورة الخامسة والخمسين فأعجب بها لبيد أيما إعجاب رغم أنه مشرك واعترف بمجرد قراءة الآيات الأولى بأنه قد هزم ولم يلبث أن أسلم
D
وفي ذات سأله المعجبون به عن أشعاره يريدون جمعها في ديوان فأجاب
يوم
لم أعد أتذكر شيئًا من شعرى إذ أن روعة الآيات المنزلة لم تترك لغيرها مكانا في
ذاکرتی
ويقول استانلى لين بول
إن أسلوب القرآن في كل سورة من سوره الأسلوب أبي يفيض عاطفة وحياة إن الألفاظ الفاظ رجل مخلص للدعوة وإنها لاتزال حتى الآن تحمل طابع الحماسة والقوة وفي ثناياها تلك الجذوة التي ألقيت بها ۳ إنها ألفاظ قُدَّت من قلب إنسان يستحيل معها أن يكون منافقا وهذا القلب هو قلب رجل كان له أخطر الشأن في تاريخ الإنسانية
إن كان سحر أسلوب القرآن وجمال معانيه يحدث مثل هذا التأثير في نفوس مثل هؤلاء العلماء الذين لا يمتون إلى العرب ولا إلى المسلمين بصلة فماذا ترى أن يكون له من سحر يستهوى عرب الحجاز وهم الذين نزلت عليهم الآيات بلغتهم الشعرية
الجميلة
لا يستطيع أن يكون لنفسه عن ذلك فكرة مقاربة وإن كان مصغرة إلا أنتم أيها المسافرون حينما تتاح لكم الفرصة لمشاهدة التأثر الذي يمتلك قلوب قوم ينصتون إلى الإمام وهو يرتل الآيات المقدسة
لقد شاهدتم أقل الأعراب شأنا - فور وصولهم من أسفارهم المجهدة وقد كستهم رمال الصحراء حيث ذاقوا من المتاعب أشقها يتسابقون إلى المسجد يجذبهم إليه كالمغناطيس - صوت الإمام فيفضلون الاستماع إلى ترتيله على الاستسلام إلى نوم هادئ
۱ سورة البقرة
سورة الرحمن
۳ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
١٦٢
مريح وفى شهر رمضان يقضون الليل فى الإنصات - الإنصات المستغرق – لآيات الله بعد يوم شاق لم يذوقوا فيه طعاما ولا شرابا
حقا إن أعراب عصرنا الذين لم ينالوا أدنى قسط من العلم لا يدركون دائما المعنى الحرفي للألفاظ التي يقرؤها الإمام بيد أن الموسيقى العذبة والتوقيع اللطيف والجرس المنسجم كل هاتيك الأشياء التي تلزم الآيات العجيبة تجد صداها في قلوبهم فتحمل إليهم شرحًا قد يكون غير دقيق ولكنه على كل حال يثير الخيال في قوة خصبة وإليه تطمئن القلوب بجوار هذه الآيات التي ترتل صادرة عن تأثر عاطفى يبدو معه شرح النحويين والمنطقيين
جثة لا حياة فيها
أما
عرب
الحجاز الذين يدركون أدق معانى اللغة القرآنية التى هي لغتهم الخاصة والذين
خذوا السور عن مواطنهم الرسول العبقرى فكانوا لا يسمعون القرآن إلا وتتملك نفوسهم انفعالات هائلة مباغتة فيظلون في مكانهم وكأنهم قد سحروا فيه – أهذه الآيات الخارقة تأتي من محمد ذلك الأمى الذى لم ينل حظاً من المعرفة اللهم إلا ما حبته به الطبيعة
وما امتاز به من رقة الشعور
"
كلا إن هذا القرآن المستحيل أن يصدر عن محمد وإنه لا مناص من الاعتراف بأن الله لعلى القدير هو الذي أملى تلك الآيات البينات إن الرسول لم يكن مخادعاً حين قال إن الله هو الذى أنزل القرآن لقد كان ومن كل الإيمان بمصدره الإلهى فالنوبات الهائلة التي كانت تنتابه عند مجيء الوحى حاملاً ليه ما لم يكن يعلمه في لغة جديدة كل الجدة بالنسبة له تختلف كثيرا عن لغته المألوفة - هذا الوحى الذى يعاتبه إن أخطاً ويلزمه بحفظ تلك الآيات دون أن يقدر على المقاومة - هذا الوحى خلال تلك النوبات لم يكن ليترك لديه أدنى شك في هذا المصدر الإلهى
لقرآن
لهذا كله كان إعجاب الرسول - ع - بالقرآن أى بكلام الله لا حد له وقد
حى الله إليه
قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم
ما دقین ۱
۱ هود ۱۳
١٦٣
ولا عجب في أن نرى النبي الأمي يتحدى الشعراء لهم بحق نعته بالكذب إن
أتوا بعشر سور من مثله فقد آمن بعجزهم عن ذلك۱
لقد حاول بعض المؤرخين المعاصرين أن يدعوا إلى الشك في ذلك الإخلاص العظيم المؤثر الذي امتاز به محمد وحاولوا أن يصوروه في صورة رجل لا مؤهلات لديه للعظمة إلا الطمع المؤسس على المهارة ورأيهم هذا لا يصدر إلا عن شخص أعماه التعصب ولا يصدر إلا في زمن يشبه الزمن الذى كانت تقوم فيه محاكم التفتيش ولقد قضى كارلايل في كتابه الأبطال على ذلك التعصب الذميم وتلك الحماقة العمياء إذ يقول متحدثاً عن محمد
أن
أيستطيع رجل مخادع أن يؤسس دينا - كلا وربي إن رجلاً مخادعاً لا يستطيع يقيم بيتا من آجر
إنه لو لم يكن عليماً بخواص الطوب والمونة وسائر المواد البنائية الأخرى لما استطاع أن يقيم بيتا ولن يقيم - إذا أقام - إلا أكواما منقضة لا يمكن أن تقوم اثنى عشر قرنا تضم بين جدرانها ما يربو على مائة وثمانين مليونا من الناس
إن بناء المخادع بنهار لا شك لساعته ٢
ولقد كان للعرب مواقف في شأن القرآن نبدؤها بموقف الوليد بن المغيرة ونذكر في ذلك روايتين تكمل إحداهما الأخرى
۱ لغة القرآن
لقد حقق القرآن معجزة لا تستطيع أعظم المجامع العلمية أن تقوم بها ذلك أنه مكن للغة العربية في الأرض بحيث لو عاد أحد أصحاب الرسول - صلى عليه وسلم - إلينا اليوم لكان ميسوراً له أن يتفاهم تمام التفاهم مع المتعلمين من أهل اللغة العربية بل لما وجد صعوبة تذكر مع الشعوب الناطقة بالضاد وهذا عكس ما يجده - مثلا - أحد معاصرى رابليه من أهل القرن الخامس عشر الذى هو أقرب إلينا من عصر القرآن من الصعوبة في مخاطبة العديد الأكبر من فرنسيى اليوم
وإن لغة القرآن وإن كانت تمت - فى أصولها - إلى عصور بعيدة قديمة فهى مرنة طيعة تسع التعبير عن كل ما يجد من المستكشفات والمخترعات الحديثة دون أن تفقد شيئًا من رونقها وسلامتها وأما ما نراه من المولدات التي تستعملها الصحف العربية بنفس أصولها الأجنبية فليس ذلك عن ضرورة وإنما هو نوع من التكامل والتهاون والتساهل الذي نجد مثله عندنا نحن الفرنسيين في استعارتنا الاصطلاحات الخاصة بالألعاب الرياضية عن أصولها الأنجلو سكسونية
المؤلف إنيين دينيه
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
١٦٤
الرواية الأولى
عن سعيد بن جبير أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش وكان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم فقال لهم
يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأيا واحدًا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ويرد قولكم بعضه بعضا
قالوا فأنت يا عبد شمس فقل وأقم لنا م لنا رأيا نقل به
قال بل أنتم فقولوا وأستمع
قالوا نقول كاهن
قال ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمتهم ولا سجعهم
قالوا نقول إنه مجنون
قال ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه
ولا وسوسته قالوا فنقول إنه شاعر
قال ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه ومقبوضه ومبسوطه
فما هو بالشاعر قالوا فنقول ساحر
قال ما هو بساحر لقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثه ولا عقده
قالوا فما نقول
قال والله إن لقوله حلاوة وإن أصله لعذق ۱ وإن فرعه لجناة٢ وما أنتم بقائلين هذا شيئًا إلا عرف أنه باطل وإن أقرب القول فيه أن تقولوا هذا ساحر يفرق بين من
المرء وابنه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته – فتفرقوا عنه
بذلك
هذا
عن عمرو أن الوليد بن المغيرة قال سمعت الشعر هزجه وقريضه فما سمعت مثل
یعنی
ن - ما هو بشعر إن عليه لطلاوة وإن له لنورا وإنه يعلو وما يعلى
القرآن -
1 العدة النخلة جدة ثمر النخل
١٦٥
الرواية الثانية عن عكرمة أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي - - فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال أ أي ! إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً
قال ولم -
عم
قال ليعطوكه فإنك أتيت محمدا تتعرض لما يقوله
قال قد علمت قريش أنى من أكثرها مالاً
قال فقل له قولاً يبلغ قومك أنك منكر لما قال وأنك كاره له
قال وماذا أقول فيه فوالله ما منكم أعلم بالأشعار منى والله ما يشبه الذي يقول شيئًا - والله إن لقوله الحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه
من هذا -
ليحطم ما تحته وإنه ليعلو وما يُعلى
فقال والله ما يرضى قومك حتى تقول فيه
قال فدعني حتى أنظر إليه
قال فلما فكر قال هذا سحر يؤثر – أى يؤثر عن غيره فنزل فيه وذرني ومن
خلقت وحيدا ۱
موقف عتبة
كان عتبة بن ربيعة سيدا في قومه وكان جبارًا طاغياً وكان مشركاً واستمر على شركه إلى أن هلك وإذا ذكرنا قصته هنا فإننا نذكر حادثة لها مغزاها ولها قيمتها وهو يؤمن فإن قصته تعبر عما كان ينبغي أن يكون لقد قال يوما وهو جالس فى نادى قريش ورسول الله - ع - جالس في المسجد
وإن
وحده
يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها
فنعطيه أيها شاء
وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله - - يزيدون ويكثرون
فقالوا بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه
١٦٦
1 المدثر ۱۱
من
فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله - - فقال يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت السطة ١ العشيرة والكمال في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر في عظیم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم وكفرت من مضى من ابائهم فاسمع أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منى بعضها
منی
فقال رسول الله - - قل يا أبا الوليد أسمع
قال يا ابن أخى إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً
وإن كنت إنما تريد به شرفاً سوَّدناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك
وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا
وإن كان هذا الذى يأتيك رئيًّا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله - - يستمع منه قال لقد فرغت يا أبا الوليد
قال نعم -
قال فاسمع مني قال افعل
قال بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربياً لقوم يعلمون بشيرًا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفى آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون قل إنما بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر
أنا
الذين
غير ممنون ۳
ثم مضى رسول الله - - يقرؤها عليه فلما سمعها منه عتبة أنصت إليها وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يسمع منه
1 السطة المتوسط والمنزلة الوسطى والوسط خير الجنى الذى يوحى إلى البشر بعض الأمور الغربية ۳ سورة فصلت ۱ - ۸
الأمور
١٦٧
ثم انتهى رسول الله - ع - إلى السجدة ۱ فسجد ثم قال قد سمعت يا أبا
الوليد ما سمعت فأنت وذاك
فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهما
لبعض
نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بوجه غير الذي ذهب به
فلما جلس إليهم قالوا
ما وراءك يا أبا الوليد
قال وراثى أني سمعت قولا - والله ما سمعت مثله - والله ما هو بالشعر ولا بالسحر
ولا بالكهانة
يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذى سمعت منه نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزّكم وكنتم أسعد الناس به
قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه
قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم
القرآن والطفيل بن عمرو
قال محمد بن إسحاق
وكان رسول الله -
على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة ويدعوهم إلى
النجاة مما
هم
العرب منه
فيه وجعلت قريش حين منعه الله منهم يحذرون الناس ومن قدم عليهم من
وكان الطفيل بن عمرو الدوسى يحدث أنه قدم مكة ورسول الله - بها فمشى إليه رجال من قريش – وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيبا فقالوا له يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل بين أظهرنا قد أعضل بنا وفرق جماعتنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين وبين الرجل وبين أخيه وبين الرجل وزوجته وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فلا تكلمه ولا تسمع منه
أبيه
۱ سورة فصلت ۳۷ ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا
الله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون
١٦٨
قال فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت على ألا أسمع منه شيئًا ولا أكلمه حتى حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا ۱ فرقا من أن يبلغنى شيء من قوله وأنا لا أريد
أن أسمعه
قال فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلى عند الكعبة – قال فقمت قريبا منه فأبى الله إلا أن يسمعنى بعض قوله قال فسمعت كلاما حسنًا فقلت في نفسي وأثكل أمى – والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفي على الحَسَنُ من القبيح فما يمنعنى من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبلته وإن كان قبيحا تركته
قال فمكثت حتى انصرف رسول الله - - إلى بيته فاتبعته حتى دخلت عليه فقلت يا محمد - إن قومك قالوا لى كذا وكذا للذى قالوا فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف قطن لئلا أسمع قولك ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه فسمعت قولا حسنًا فأعرض على أمرك
قال فعرض على الإسلام وتلا على القرآن فوالله ما سمعت قولاً قط أحسن منه ولا
منه
أمرًا أعدل قال فأسلمت وشهدت شهادة الحق وقلت يا نبي الله إني أمرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام فادع الله أن يجعل لى آية لتكون لى عونا عليهم فيما أدعوهم إليه
قال فقال اللهم اجعل له آية
قال فخرجت إلى قومى حتى إذا كنت بثنية تطلعنى على الحاضر وقع نور بين عيني
مثل المصباح قال فقلت اللهم اجعله فى غير وجهى فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم
قال فتحول فوقع في رأسى سوطى فجعل الحاضرون يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق وأنا أنهبط إليهم من الثنية قال حتى جئتهم فأصبحت فيهم فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخا كبيرًا قال فقلت إليك عنى يا أبت فلست منك ولست منى
۱ الكرسف القطن
١٦٩
قال ولم أى بنى
قال قلت أسلمت وبايعت محمدا
قال أي بني فديني دينك
قال فقلت اذهب فاغتسل وطهر ثيابك ثم تعال حتى
أعلمك
قال فذهب فاغتسل وطهر ثيابه فعرضت عليه الإسلام فأسلم
قال ثم اتتنى صاحبتى فقلت لها إليك عنى فلست منك ولست منى قالت ولم بأبي أنت وأمى
قال قلت فرّق بيني وبينك الإسلام فأسلمت
ثم دعوت دوساً إلى الإسلام فأبطئوا على ثم جئت رسول الله - ع - بمكة الله إنه قد غلبتني دوس فادع الله عليهم - قال اللهم اهد دوسا – ارجع
فقلت یا نبی إلى قومك فادعهم وارفق بهم
قال فرجعت فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله إلى المدينة وقضى بدرًا وأحدًا والخندق ثم قدمت على رسول - - بمن أسلم معى من قومی ورسول الله - - بخيبر حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس - ثم لحقنا برسول الله - - بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين ولم أزل مع رسول - ه حتى إذا فتح الله عليه مكة قال قلت يارسول الله ! ابعثني إلى ذى الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه
قال ابن إسحاق فخرج إليه فجعل الطفيل يوقد عليه النار ويقول ياذا الكفين لست من عبادكا ميلادنــــــا أقدم من ميلادكا
إنى حشوت النار في فؤادكا
الله
رسوله - -
قال ثم رجع إلى رسول الله - - فكان معه بالمدينة حتى قبض ا فلما ارتدت العرب خرج مع المسلمين فسار معهم حتى فرغوا من طليحة ومن أرض نجد كلها - ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ومعه ابنه عمرو بن الطفيل فرأى رؤيا وهو متوجه إلى اليمامة فقال لأصحابه إني رأيت رؤيا فاعبروها لي رأيت أن رأسى حلقٍ وأنه خرج من فمى طائر وأنه لقيتنى امرأة فأدخلتنى فى فرجها وأرى ابنى يطلبني طلبا حثيثاً ثم رأيته حبس عنى
۱۷۰
قالوا خيرا
قال أما أنا - والله فقد أولتها
قالوا ماذا
قال أما حلق رأسى فوضعه وأما الطائر الذي خرج من فمي فروحي وأما المرأة التي أدخلتنى فرجها فالأرض تحفر لى فأغيب فيها وأما طلب ابني إياى ثم حبسه عنى
فإني أراه سیجهد أن يصيبه ما أصابني
فقتل رحمه الله شهيدًا باليمامة وجرح ابنه جراحة شديدة ثم استبل ۱ منها ثم قتل عام اليرموك - في زمن عمر رضى الله عنه - - شهيدا
ومما يتصل بإعجاز القرآن ما يلى
روى أنه لما سمع الوليد بن المغيرة من النبي - -
-
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي
يعظكم لعلكم تذكرون الله قال والله إن له الحلاوة وإن عليه لطلاوةً وإن أسفله لَمُغدق وإن أعلاه لَمُثْمِر
وما يقول هذا بشر
وذكر أبو عبيد أن أعرابيا سمع رجلاً يقرأ فاصدع بما تؤمر فقال سجدتُ الفصاحته
وسمع آخر رجلاً يقرأ
فلما استَيْقَسُوا
منه
خلصوا نجيا
فقال أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا الكلام
الله
عنه -
وحكى أن عمر بن الخطاب - رضى كان يوما نائما في المسجد فإذا هو بقائم على رأسه يتشهد شهادة الحق فاستخبره فأعلمه أنه من بطارقة الروم وممن يحسن
كلام العرب وغيرها وأنه سمع رجلاً من أسرى المسلمين يقرأ آية من كتابكم فتأملها فإذا قد جمع فيها ما أُنزِلَ على عيسى بن مريم من أحوال الدنيا والآخرة وهي قوله تعالى ومن يُطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون
۱ شفی
النور ٥٢ - راجع الشفاء ص ۰ - ۱
۱۷۱
وحكى الأصمعي أنه سمع كلام جارية فقال لها قاتلك الله ما أَفْصَحَك !
فقالت أو فصاحة بعد قول الله تعالى
وأوحينا إلى أم أن أرضِعِيهِ فإذا خِفْتِ عليه فَالْقِيهِ في اليم ولا تخافي ولا تحزني
موسی
إِنا رَادُّوهُ إِلَيكِ وَجَاعِلُوه من المرسلين 26 1
فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وبشارتين
ومن وصف القرآن للقرآن قوله تعالى
وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم
حمیدی
وقوله إنه القرآن كريم فى كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين ۳
وقوله وإن هذا لهو القصص الحق ٤
وقوله وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ٥ وقوله إنها تذكرة فمن شاء ذَكَرَه فى صحف مكرَّمة مرفوعة مطهرة بأيدى سفرة كرام بررة 1
القرآن أعظم معجزة
يقول ابن خلدون في علامات الأنبياء ومن علاماتهم أيضا وقوع الخوارق لهم شاهدة بصدقهم وهى أفعال يعجز البشر عن مثلها فسميت بذلك معجزة وليست من جنس مقدور العباد وإنما تقع في غير محل قدرتهم وإذا تقرر ذلك فاعلم أن أعظم المعجزات وأشرفها وأوضحها دلالة القرآن الكريم المنزل على نبينا محمد
۱ القصص ٧ فصلت ٤١ - ٤٢ ۳ الواقعة ۷۷ - ۸۰ ٤ آل عمران ٦٢
٥ الأنعام ١٥٥ ٦ عبس ١١ - ١٦
۱۷
فإن الخوارق فى الغالب تقع مغايرة للوحى الذى يتلقاه النبي ويأتى بالمعجزة شاهدة
بصدقه
والقرآن هو بنفسه الوحى المدعى وهو الخارق المعجز فشاهده في عينه ولا يفتقر إلى دليل مغاير له كسائر المعجزات مع الوحى فهو أوضح دلالة لاتحاد الدليل والمدلول فيه وهذا معنى قوله - ما من نبى من الأنبياء إلا وأوتى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذى أوتيته وحيا أوحى إلى فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم
القيامة
يشير إلى أن المعجزة متى كانت بهذه المثابة فى الوضوح وقوة الدلالة وهو كونها نفس الوحي كان المصدق لها أكثر لوضوحها فكثر المصدق المؤمن وهو التابع والأمة الكندي يتحدث عن إعجاز القرآن
يقول الكندى عن الرسل
وهؤلاء الذين اصطفاهم الله فلعلمهم خصائص تبعده عن العلم الكسيى إنه بلا طلب ولا تكلف ولا بحث ولا بحيلة بشرية ولا زمان إنه بلا طلب ولا تكلف ولا بحث ولا بحيلة الرياضيات والمنطق ولا بزمان
بل مع إرادته جل وتعالى بتطهير أنفسهم وإنارتها للحق بتأييده وتسديده وإلهامه ورسالاته فإن هذا العلم خاصة للرسل صلوات الله عليهم دون البشر وأحد خوالجهم العجيبة أعنى آياتهم الفاصلة لهم من غير البشر
تستيقن العقول أن ذلك من عند الله جل وتعالى إذ هو موجود عندما عجزت البشرية – بطبعها – عن مثله فإن ذلك فوق طبعها وجبلها فتخضع له بالطاعة والانقياد وتنعقد فطَرُها فيه على التصديق بما أتت به الرسل عليهم السلام
ويستمر الكندى في توضيح الفروق بين العلم الكسبى والعلم الإلهي فيقول فإنه إن تدبر متدبر جوابات الرسل فيما سئلوا عنه من الأمور الخفية الحقية التي إذا قصد الفيلسوف الجواب فيها بجهد حيلته التي أكسبته علمها لطول الدعوب في البحث والتروى - ما نجده أتى بمثلها فى الوجازة والبيان وقرب السبيل والإحاطة بالمطلوب ثم يضرب الكندى مثالاً تطبيقاً جزئيا لما يقول وذلك كجواب النبي فيما سأله المشركون عنه مما علمه الله إذ هو بكل شيء عليم
۱۷۳
لا أولية له ولا تقضياً بل سرمدًا أبدا إذ تقول له وهى طاعته ظانة أنه لا يأتى بجواب
فيما قصد به السؤال عنه صلوات الله عليك يا محمد
مَنْ يُحْيِي الْعِظَامِ وَهَيَ رَمِيم أنْ كان ذلك عند السائلين أمرا مستحيلاً فأوحى
إليه الواحد الحق
الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مِرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عليمٌ الَّذِى جَعَلَ لَكُمْ مِن
الأخضرِ نَارًا فَإِذا أَنتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أو لَيْس الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرِ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقِ العَلِيمُ إنما أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فيكون 1
ثم يأخذ الكندى في شرح الآيات الكريمة توضيحا لفكرته عن العلم الإلهى
فيقول
بالفعل
فأى دليل في العقول النيرة الصافية أبينُ وأوجز من أنه إذا كانت العظام قد وجدت
بعد أن لم تكن فإنه من الممكن – إذا بطلت وصارت رميما - أن توجد من جديد فإن جمع المتفرق أسهل من صنعه من العدم وإن كان الأمر بالنسبة الله لا يوصف بكونه أشدَّ أو أضعف ! وإن القوة التي أبدعت ممكن أن تنشئ ما أدثرت
أما كون العظام موجودةً بعد أن لم تكن فذلك ظاهر للحس فضلاً عن العقل وإن السائل عن هذه المسألة الكافر بقدرة الله جل وتعالى مقر أنه هو – نفسه إذن وجد بعد أن لم يكن فإعادته وإحياؤه أمر
كان بعد لم يكن فَعَظمه أن
ممكن ولا سبيل إلى القول بخلاف ذلك
ثم يبين سبحانه أن كون الشيء من نقيضه موجود فيقول الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون فجعل من لا نار نارًا ومن لا حار حارا
فإذا كان الشيء يحدث من نقيضه من باب أولى - يحدث من ذاته
دقة
وقال
سبحانه
1 بس ۷۸ - ۸
سنحاول هنا الأخذ من كلام الكندى كلما كان واضحا للقارئ فإذا ما كان فيه خفاء ذكرنا معناه في
١٧٤
أو ليس الذى خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم
ثم قال لما وجب من ذلك
وبلى وهو ا الخلاق العليم الله
والأمر في القضية واضح بديهي
ثم قال - لما في قلوب الكافرين من الإنكار من خلق السموات لما ظنوا من مدة زمان خلقها قياسًا على أفعال البشر إذ كان عندهم عمل الأعظم يحتاج إلى مدة أطول في عمل البشر فكان عندهم أعظم الحساب أطولها زمانًا في العمل - إنه جل ثناؤه لا يحتاج إلى مدة للخلق والإبداع لأنه جعل هو من لا هو فإن من بلغت قدرته أن يعمل أجراما من لا أجرام ويخرج الوجود من العدم فإنه لا يحتاج أن يعمل في زمان
وإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كُنْ فيكون الله
أي إنما يريد فيكون مع إرادته ما أراد جل ثناؤه وتعالت أسماؤه عن ظنون الكافرين ! إذا ليس هناك مخاطب فإن هذا - فى لغة العرب المخاطبين بهذا القول - بين مستعمل فإنما خوطبوا بعادتهم فى القول فإن العرب تستعمل للشيء في الوصف ما ليس في الطبع كقول أمرئ القيس بن حجر الكندى فقلت له لما تمطى بصلبه وأردف أعجازا وناء بكلكل ألا أيها الليل الطويل ألا أنجلى
بصبح وما الإصباح منك بأمثل والليل لا يقال له ولا يخاطب ولا صلب له ولا أعجاز ولا كلكل ولا نهوض وإنما معناه أنه أحب أن يصبح ويختم الكندى شرحه للآيات الكريمة بهذه الكلمة القوية التي تؤكد فكرته فيقول فأى بشر يقدر بفلسفة البشر أن يجمع في قول بقدر حروف هذه الآيات ما جمع الله جل وتعالى إلى رسوله فيها من إيضاح أن العظام تحيى بعد أن تصير رميمًا وأن قدرته تخلق مثل السموات والأرض وأن الشيء يكون من نقيضه كلت عن مثل ذلك الألسن المنطقية المتحيلة وقصرت عن مثله نهايات البشر وحجبت عنه العقول الجزئية
هذا النمط من العلم - كما وضحه الكندى - ليس مصدره حسا ولا عقلاً
إن مصدره الوحى إنه علم الهى خاص بمن يصطفيهم الله تعالى
۱۷۵
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا
الفصل الثامن من
صدق الله العظيم ]
سورة النساء الآية ١٦٦
المعجزات الأخرى
عناية الله
يقول سبحانه
والله يعصمك من الناس ۱
ويروى صاحب الروض الأنف ما يلى
خرج رسول الله -
إلى بني النضير يستعينهم في أداء دية فلما خلا بعضهم
ببعض قالوا لن تجدوا محمدًا أقرب منه الآن فَمَن رجل يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه فقال عمرو بن جحاش بن كعب
فأتى رسول الله - -
وفيما أراده بنو النضير
أنا
الخبر فانصرف عنهم فأنزل الله تعالى فيه وفى صحبه
ويأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هَمَّ قومٌ أَن يَبْسُطُوا إليكم أيديهم فكفَّ أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ۳
استجابة الدعاء
إن رسول الله - - قد رسم لأمته الطريق الذى إذا سار فيه أفرادها استجاب الله دعاءهم وذلك في حديث صحيح رواه البخارى - رضى الله عنه - فقد قال - فيما يرويه عن ربه قال الله تعالى من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى من أداء ما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحبته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويَدَهُ التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألني أعطيته ولئن استعاذ بي لأعيذنه ٤ وإذا كان هذا بالنسبة لأفراد الأمة فإنه - من باب أولى - بالنسبة لأكرم الخلق على
۱ المائدة آية ٦٧
راجع الروض الأنف جـ ٤ ص ٣٦٨ ط دار الكتب الحديثة
۳ المائدة آية ۱۱
٤ رواه البخاري
۱۷۹
الله -
المال
ومن استجابة دعاء الرسول - - ما يلى
عن أنس بن مالك قال أصابت الناس سنة على عهد رسول الله - - فَبَيْنَا رسولُ يخطب على المنبر يوم الجمعة إذ قام أعرابي فقال يا رسول الله هلك
وجاع العيالُ فادْعُ الله أن يسقينا
فرفع رسول الله - - يديه وما فى السماء قزعة ١ فثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر على لحيته
قال فمطرنا يومنا ومن الغد وبعد الغد والذى يليه إلى الجمعة الأخرى فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا
فرفع رسول الله - - يده وقال اللهم حَوَالَيْنَا ولا علينا قال فما جعل يشير بيديه إلى ناحية من السماء إلا وانفرجت حتى صارت المدينة في مثل الحوبة ٢ حتى سار الوادى قناة شهراً
قال ولم يجئ أحد إلا حدّث بالجَوْد أخرجه الشيخان ۳
عن عبد الله
بن عمرو
رضی
الله
عنهما - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - خرج يوم بدر في
ثلثمائة وخمسة عشر قال اللهم إنهم حُفَاةٌ فاحملهم اللهم إنهم عراة فاكسهم اللهم إنهم جياع فأشبعهم ففتح الله له فانقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا ٤
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال
كنتُ أدعو أمى إلى الإسلام وهى مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله - - ما أكره فأتيت رسول الله الله وأنا أبكى قلت يا رسول الله ادع الله أن يهدى أم أبى هريرة فقال اللهم اهد أم أبي هريرة فخرجت مستبشراً بدعوة النبي - - فلما صرت
۱ القزعة القطعة من السحاب الحوبة الحفرة والمراد أن السحاب صار محيطاً بجرها الذي صفا وصحا
۳ راجع الوفا ج ١ ص ٣٤٦
٤ رواه أبو داود
۱۸۰
إلى الباب فإذا هو مجاف فسمعت أمي خشف قدمى فقالت مكانك يا أبا هريرة ! وسمعت خضخضة الماء فاغتسلت فلبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت يا أبا هريرة ! أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فرجعت إلى رسول الله - - وأنا أبكى من الفرح فحمد الله وقال خيرا ۱
الانباء بالغيب
يَقُصُّ الله سبحانه ما خاطب به سيدنا عيسى – عليه السلام - قومه من قوله وأنبتكم بما تأكلُونَ ومَا تدَّخِرُونَ في بُيُوتِكُمْ
والإنباء بالغيب – الماضي أو بالغيب الحاضر أى بالغيب الذي وقع بالفعل في الزمن الماضي والغيب الذى وقع بالفعل فى الزمن الحاضر في مكان بعيد عن مكان المتنبىء - أمر مألوف أما الغيب المستقبل فهو معجزة أو كرامة يمنحها الله شاء من عباده
الصالحين
وقد ذكر القرآن بعضاً من ذلك معجزةً للرسول - - في قوله تعالى
لله
ألم غلبت الروم فى أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبِهِم سَيَغْلِبون في بِضْعِ سنين الأمر من قبل ومن بَعْدُ ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعْدَ الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا
وهم عن الآخرة هم غافلون ٢
ومن
الأحاديث الواردة في
رسول الله - -
قال قال ذلك ما يأتي عن أبي ذَر - رضى الله عنه -
إنكم ستفتحون مصر وهى أرض فيها القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها
فإن لهم ذمة ورحماً أو قال ذمة وصهرا ۳
وعن أبي بكر – رضى الله
عنه - قال
۱ رواه مسلم
الروم ١ - ٧ ۳ رواه مسلم وأحمد
۱۸۱
أخرج النبي ذات يوم الحسن فَصَعَدَ به على المنبر فقال ابنى هذا سيد ولعل
الله أن يُصلح به بين فئتين من المسلمين ۱
خبره
وعن أنس بن مالك - رضى الله عنه – أن النبي - - نعى جعفر وزيدا قبل أن يجيء
هما
وعيناه تذرفان ٢
وعن جابر - رضى الله عنه - قال قال رسول الله - -
هل لكم من أنماط ۳ قلت وأنى يكون لنا الأنماط قال
أما
إنه سيكون لكم الأنماط فأنا أقول لها - يعنى امرأته – أخرى عنى أنماطك فتقول ألم يقل النبي - - إنها ستكون لكم الأنماط فأدعُها ٤ يريد أن تبعد وسائل الترف عنه فتذكره امرأته ببشارة الرسول فيسكت
جابر
وعن أبي هريرة أن رسول الله - ه - قال
بينما أنا نائم رأيتُ فى يدى سوارين من ذهب فأهمنى شأنهما فأوحى إلى في المنام أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهم كذا بين يخرجان بعدى فكان أحدهما العنسي والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة ٥
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت
أقبلت فاطمة تمشى كأن مشيتها مشى النبي - - فقال النبي - - مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها لم تبكين ثم أسر إليها حديثاً فضحكت فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عما قال فقالت ما كنت لأفشى سرَّ رسول الله - لا - حتى قبض النبى - - فسألتها فقالت أسرَّ إلى أن جبريل كان يعارضنى القرآن كل سنة مرة وإنه بی فبكيت
ر أجلى
وإنك أول أهل بيتى
ՄԱ
عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر فقال أما ترضين أن تكونى سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين فضحكت
لذلك 1
۱۸
۱ رواه البخاري نفس المرجع السابق ۳ الأنماط البسط
٤ رواه البخاري
٥ نفس المرجع السابق
٦ رواهما البخاري
وعن أبي هريرة -
- رضی
الله عنه - أنه قال رسول الله - -
إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله ۱
وعن
الله عنه -
موسی
أبي أنه كان مع رسول الله - - فى حائط من حيطان المدينة فجاء رجل يستفتح فقال النبي - ه - افتح له وبشره بالجنة فإذا هو بكر - رضی ثم استفتح برجل آخر فقال افتح له وبشره بالجنة فإذا هو عمر ففتحت له وبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر وكان متكناً فجلس فقال افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه فإذا عثمان ففتحت له وبشرته بالجنة فأخبرته بالذي قال فقال الله المستعان
وعن أبي سعيد الخدري قال أخبرني أبو قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العمار تقتلك
الفئة الباغية ٣
وعن أبي حميد الساعدي قال
خرجنا مع رسول الله - - عام تبوك فقال إنها ستهب عليكم ريح شديدة فلا يقومن فيها رجل ومن له بعير فليوثق عقاله قال أبو حميد فعقلناها فلما كان الليل هبت علينا روح شديدة فقام فيها رجل فألقته في جبل طيء ٤
عن أنس - رضی
الله
عنه - قال
كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال وكنت رجلاً حديد البصر فرأيته وليس أحد يزعم أنه رآه غيرى فجعلت أقول لعمر أما تراه فجعل لا يراه قال يقول عمر سأراه وأنا مستلق على فراشى ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر قال إن رسول الله - - كان يُرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول هذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله وهذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله قال عمر والذي بعثه بالحق ما خطئوا الحدود التي حدها رسول الله - - قال فَجعلوا في بئر بعضهم على بعض فانطلق رسول الله -
۱ نفس المرجع السابق
الوفا وقال أخرجاه جـ ١ ص ٣١١
۳ رواه مسلم
٤ أخرجاه
۱۸۳
حتى
انتهى إليهم فقال يا فلان ابن فلان و یا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعد
ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني
فقال عمر
الله حقا
يا رسول الله ! كيف تكلم أجسادًا لا أرواح فيها
فقال
ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا على شيئًا ۱
عن أنس بن مالك
رضى الله عنه - قال
خطب النبي - - فقال
بن رواحة
أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله فأصيب ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة ففتح له وقال ما يسرنا أنهم عندنا
قال أيوب أو قال ما يسرهم أنهم عندنا وعيناه تذرفان
عن أبي عبد الرحمن السلمى عن على - رضى |
فارس
الله
عنه - قال
بعثني رسول الله - ه - وأبا مرثد الغنوى والزبير بن العوام والمقداد وكلنا فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأةً من المشركين معها كتاب من حاطب إلى المشركين قال فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله فقلنا الكتاب فقالت ما معى كتاب قال فأنحنا بها والتمسناه في رحلها فلم نَرَ كتابا فقلنا ما كذب رسول الله - - لتخرجن الكتاب أو
لَنَجُردنك قال
فلما رأت الجد أهوت حجزتها وهى محتجزة بكساء فأخرجته فانطلقنا بها إلى رسول الله - - فقال عمر يا رسول الله ! قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعنى فلأضرب عنقه فقال النبي لحاطب ما حملك على ما صنعت قال حاطب والله ما بى أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله - أردت أن يكون لي عند القوم يَدٌ يدفَعُ الله بها عن أهلى ومالى وليس أحدٌ من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من وماله فقال صدق ولا تقولوا له إلا خيراً
يدفع الله
به عن
أهله
۱ رواه مسلم
١٨٤
البخاري
فقال عمر إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعنى فلأضرب عنقه
فقال أليس من أهل بدر فقال لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله
أعلم وفيه نزلت الآية الكريمة يأيها الذين آمنوا لا تَتَّخِذُوا عدوى وعدوكم أولياء تُلْقُون إليهم بالمودة 1 فالآية تثبت أنه من المؤمنين وهو -
كذلك
وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في إخبار القرآن بالغيب
عن سهل بن سعد - رضى الله عنه - أن رسول الله - - قال يوم خيبر لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه يُحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فلما أصبح الناس غدوا إلى رسول الله - - كلهم يرجو أن يُعْطَاهَا فقال أين على بن أبي طالب فقالوا يا رسول الله هو يشتكى عينيه
قال فأرسلوا إليه فأتى به فبصق رسول الله - - في عينيه فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال على
يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا
قال
أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدى الله بك رجلاً واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم ۳
عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت نام النبي يوما قريبا منى ثم استيقظ يبتسم فقلت ما أضحكك قال ناس من أمتى عُرضوا على غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة قالت فادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ثم نام الثانية ففعل مثلها فقالت مثل قولها مثلها فقالت ادعُ الله أن يجعلنى منهم فقال أنتِ من الأولين فخرجت مع زوجها
۱ رواه البخاري ومسلم
الممتحنة ١ ۳ رواه البخاري ومسلم
فأجابها
١٨٥
عبادة بن الصامت غازيًا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية فلما انصرفوا من غزوهم ۱ قافلين فنزلوا الشام فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت
إبراء المرض
يقص الله سبحانه وتعالى ما جرى بين سيدنا عيسى عليه السلام وقومه من قوله لهم وأبرِئ الأكمة والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله الله
ونحن جميعا نؤمن بأنه لا يقع شيءٌ من ذلك إلا بإذن الله وقد وقع من نبينا الله
ما يلي
عن محمد بن حاطب - رضی ا الله عنهما - عن أمه أم جميل بنت المحلل قالت أقبلت من أرض الحبشة حتى إذا كنتُ من المدينة على ليلة أو ليلتين طَبَخْتُ لى طبحًا فَفَنِّى الحطب فخرجت أطلبه فتناولتُ القدر فانكفأت على ذراعك فأتيت بك النبي - ع - فقلت بأبي أنت وأمى يا رسول الله هذا محمد بن حاطب فتفل في فيك ومسح على رأسك ودعا لك وجعل يتفل على يديك ويقول أذهب الباس ربَّ الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاءك شفاءً لا يغادر سقما قالت فما قمت من عنده حتى
برئت يدك ۳
وعن على - رضى الله عنه وكرم وجهه - قال
ما رَمِدْتُ منذ تفل النبي - صلى الله عليه وسلم - في عيني
وعن البراء – رضى الله عنه - قال
٤
انتهيت إلى درجة فوضعت رجلى فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة فانطلقت إلى أصحابي فانتهيت إلى النبي - - فحدثته فقال ابسط رجلك فبسطت رجلى فمسحها فكأنما لم أشتكها قط ٥
وعن يزيد بن أبي عبيد قال
١٨٦
۱ غزوتهم
التجريد الصريح جـ ٢ ص ١٦٦ كتاب التعبير
۳ رواه أحمد
٤ رواه أحمد
٥ رواه البخاري
رأيتُ أثر ضربة في ساق سلمة بن الأكوع – رضى الله فقلت يا أبا
مسلم ما هذه الضربة
عنه -
قال ضربة أصابتنى يوم خيبر فقال الناس أصيب سلمة فأتيتُ النبي - فَنَفَتْ فيه ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة ۱
تكثير الماء
و معجزات تكثير الماء متواترة في جملتها وجوهرها
لقد رواها غير واحد من الصحابة وروى كل حادثة منها عدة من الصحابة - رضوان الله عليهم - ولقد رُوِيَتْ في أصح الكتب وفى أوثق المصادر ونحن لا نشك في أمرها عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال
كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفاً كنا مع رسول الله - - في سفر فقل الماء فقال اطلبوا فضلةً من ماء فجاءوا بإناء فيه ماء قليل فَأَدْخَلَ يَدَه في الإناء
ثم قال
حي على الطهور المبارك والبركةُ من الله ولقد رأيتُ الماء ينبع من بين أصابع
رسول الله -
قال
حدثنا هاشم بن القاسم أخبرنا سليمان عن ثابت قال قلت لأنس يا أبا حمزة ! حدثنا عن هذه الأعاجيب شيئًا شهدته ولا تحدثه عن غيرك
كان
صلى رسول الله - - صلاة الظهر يوما ثم انطلق حتى قعد على المقاعد التي يأتيه عليها جبريل فجاء بلال فنادى بالعصر فقام كل من مكان له بالمدينة أهل يقضى الحاجة ويصب من الوضوء وبقى رجال من المهاجرين ليس لهم أهل بالمدينة فأتى رسول الله - بقدح أروح ۳ فيه ماء فوضع رسول الله - - كفه في الإناء فما وسع الإناء كف رسول الله - - كلها فقال بهؤلاء الأربع في الإناء ثم قال
1 رواه البخاري
رواه البخاري ۳ أروح متسع مبطوح
۱۸۷
قال
ادنوا فتوضأوا - ويده في الإناء - فتوضأوا حتى ما بقى منهم أحد إلا توضاً
فقلت يا أبا حمد حمزة كم تراهم
فقال ما بين السبعين والثمانين۱
عن عبد الله قال
كنا مع رسول الله - - في سفر فلم يجدوا ماء فأتى بتور٢ من ماء فوضع النبي - - فيه يده وفرج بين أصابعه قال فرأيت الماء ينفجر من بين أصابع رسول الله - - فقال حى على الوضوء والبركة من الله تعالى
قال الأعمش فأخبرنى سالم بن أبي الجعد قال
قلت لجابر بن عبد الله كم كان الناس يومئذ
قال كنا ألفا وخمسمائة ۳
عن عبد الله قال بينما نحن مع رسول الله - - وليس معنا ماء فقال لنا رسول
الله -
اطلبوا من معه ماء ففعلنا فأتى بماء فَصَبّه في إناء ثم وضع كفّه فيه فجعل الماء يخرج من بين من بين أصابعه ثم قال
حتى على الظهور المبارك والبركة من الله
فملأت بطنى منه واستقى الناس ٤
عن
أنس بن مالك أن نبي الله - - كان بالزوراء فأتى بإناء فيه ماء لا يغمر صاحبه فأمر أصحابه أن يتوضأوا فوضع كفه فى الماء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه حتى توضأ القوم فقلت لأنس كم كنتم
قال كنا ثلاثمائة ٥
1 الطبقات لابن سعد التور إناء للشرب
۳ أخرجه البخارى
٤ رواه البخاري 5 أخر جاه
۱۸۸
وعن عمران بن حصين قال
كنا في سفر مع رسول الله - ه - وإنا أسرينا حتى إ ا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها فما أيقظنا إلا حر الشمس فكان أول من استيقظ فلان ثم فلان كان يسميهم أبو رجاء ونسيهم عوف ثم عمر بن الخطاب الرابع - وكان رسول الله - - إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ لأنا لا ندرى ما يحدث له في نومه فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس وكان رجلاً أجوف جليدا قال فكير ورفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته رسولُ الله - - فلما استيقظ رسول الله - ع - شكوا إليه الذى أصابهم فقال لا ضير أو لا تَضَيَّرَ ارتحلوا فارتحلوا فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودى بالصلاة فصلي بالناس فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم قال ما منعك يا فلان أن تصلى القوم فقال يا رسول أصابتنى جنابة ولا ماء قال عليك بالصعيد
مع
ثم سار رسول الله - - وشكا إليه الناس العطش فنزل فدعا فلاناً كان يسميه أبو رجاء ونسيه عوف ودعا عليا فقال اذهبا فابغيا لنا الماء قال فانطلقا فلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين ١ ماء على بعير فقالا لها أين الماء فقالت عهدى بالماء من أمس هذه الساعة ونفرنا خُلوف فقالا لها انطلقي إذن
قالت إلى أين قالا إلى رسول الله الله
قالت هذا الذى يقال له الصابئ قالا هو الذى تعنين فانطلقى فجاءا بها ! رسول الله - - فحدثاه الحديث فاستنزلوها عن بعيرها ودعا رسول الله - - منه من أفواه المزادتين أو السطيحتين وأوكاً أفواههما وأطلق العَزَالى ۳
بإناء فأفرغ ونودِيَ في الناس أن اسقُوا واستقُوا فسَقَى من شاء واستقى من شاء وكان آخر ذلك أن أعطى الذى أصابته الجنابة إناءً من ماء فقال إذهب فأفرغه عليك قال وهي قائمة تنظر ما يفعل بمائها قال وأيم الله لقد أقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشدُّ مِلأُةٌ منها حين ابتدأ فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجمعوا لها فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى
۱ السطيحة تشبه المزادة أو وعاء من جلدين مسطح أحدهما على الآخر
٢ أي طلبوا منها النزول
۳ جمع عزلى وهى مصب الماء من الراوية
۱۸۹
جمعوا لها طعامًا كثيرًا وجعلوه في ثوب وحملوها على بعيرها ووضعوا الثوب بين يديها فقال لها رسول الله - -
تعلمين والله ما رزئنا ۱ من مالك شيئًا ولكن الله عز وجل هو الذي سقانا
قال فأتت أهلها وقد احتبست عنهم فقالوا ما حبسك يا فلانة قالت العجب لقينى رجلان فذهبا بي إلى هذا الذى يقال له الصابئ ففعل بمائي كذا وكذا فوالله إنه لأَسْحَرُ مَنْ بين هذه وهذه - وقالت بإصبعيها السبابة والوسطى فرفعتهما إلى السماء - تعنى السماء والأرض - أو إنه لرسول الله حقا فكان المسلمون يُغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذى هى منه فقالت يوما لقومها ما أرى أن هؤلاء القوم يدعُونَكم عَمْدًا فهل لكم فى الإسلام فأطاعوها فدخلوا في الإسلام ۳
الله
عن عمران بن حصين - رضی عنهما - قال كنا في سفر مع النبي - - فاشتكى إليه الناس من العطش فنزل فَدَعَا فلانا - كان يسميه أبو رجاء - ونسيه عوف ودعا عليا فقال
اذهبا فابتغيا الماء فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء فجاءا بها إلى النبي - فاستنزلوها عن بعيرها ودعا النبي - - بإناء ففرغ فيه من أفواه ونودى في الناس اسقوا واستقوا قال فشربنا عطاشا أربعين رجلا حتى روينا فملأنا كل قربة معنا وإداوة وأيم الله لقد أقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملاةً منها حين ابتدأ ٤
المزادتين
وعن جابر -
رضی
الله عنه - قال
عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله - - بين يديه ركوة فتوضاً منها ثم أقبل الناس نحوه قالوا ليس عندنا ماء نتوضأ به ونشرب إلا ما في ركوتك فوضع - يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون
النبي
قال فشربنا وتوضأنا قيل لجابر كم كنتم
۱ رزئنا نقصنا
الوفا ج ١ ص ٢٨٤ - ٢٨٧
۳ أخرجاه
4 أخرجه البخاري ومسلم
۱۹۰
قال
لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة ۱
البركة في الطعام
وأحاديث البركة في الطعام كثيرة صحيحة مشهورة وهي متواترة أيضا في جوهرها ومن ذلك بالنسبة لرسول الله - - ما يلى
روى هاشم بن القاسم أخبرنا سليمان عن ثابت قال
جعلت امرأة من الأنصار طعيما لها ثم قالت لزوجها اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فادعه وأسره إلى رسول الله - - قال فجاء فقال يا رسول الله إن فلانة قد صنعت طعيما وإنى أحب أن تأتينا فقال رسول الله - عالم للناس أجيبوا أبا فلان قال فجئت وما تكاد تتبعنى رجلاي لما تركت عند أهلى ورسول الله - - قد جاء بالناس قال فقلت لامرأتى قد افتضحنا هذا رسول - - قد جاء بالناس معه قالت أو ما أمرتك أن تُسير ذلك إليه قال قد فعلت قالت فرسول الله - - أعلم فجاءوا حتى ملأوا البيت وملأوا الحجرة وكانوا في الدار وجيء بمثل الكف فوضعت فجعل رسول الله - - يبسطها في الإناء ويقول ما شاء الله أن يقول ثم قال ادنوا فكلوا فإذا شبع أحدكم فليخل لصاحبه قال فجعل الرجل يقوم والآخر يقعد حتى ما بقى من أهل البيت أحد إلا شبع ثم قال ادع لى أهل الحجرة فجعل يقعد قاعد ويقوم قائم حتى شبعوا ثم قال ادع لي أهل الدار فصنعوا مثل ذلك قال وبقى مثل ما كان في الإناء قال فقال رسول الله - ع - كلوا وأطعموا جيرانكم ۳
وعن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصارى قال حدثني أبي قال
كنا مع رسول الله - - فى غزاة فأصاب الناس مخمصة ٤ فاستأذن الناس رسول الله - ع - في نحر بعض ظهرهم ٥ وقالوا يبلغنا ٦ الله به فلما رأى عمر بن
۱ رواه البخاري ومسلم
ادعه في الستر لقلة الطعام
۳ الطبقات لابن سعد ج ۱ ص ١٦٠
٤ مخمصة مجاعة
ه ظهرهم الإبل التي يحمل عليها وتركب وتجمع على ظهران بضم الظاء
٦ يبلغنا يوصلنا
۱۹۱
الخطاب أن رسول الله - - قد همّ أن يأذن لهم في بعض ظهرهم قال يا رسول الله كيف بنا إذا نحر لقينا القوم غدًا جياعًا رجالاً ۱ ولكن إن رأيت أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم فتجمعها ثم تدعو الله فيها بالبركة فإن الله سيبلغنا بدعوتك أو سيبارك لنا في دعوتك فدعا رسول الله - ا - ببقايا أزوادهم فجعل الناس يجيئون بالحثية ٣ من الطعام وفوق ذلك وكان من أعلاهم من جاء بصاع من تمر فجمعها رسول الله ثم قام فدعا ما شاء الله أن يدعو ثم دعا بالجيش بأوعيتهم وأمرهم أن يحثوا فما بقى في الجيش وعاء إلا ملئوه وبقى منه فضحك رسول الله - - حتى بدت نواجذه
فقال
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنى رسول الله لا يلقى الله عبد يؤمن بهما إلى حجبت
عند النار يوم القيامة ٤
أن
وعن عبد الرحمن بن أبي بكر أنه قال
كنا مع النبي
يشوى
ثلاثين ومائة فقال النبي - ا
-
هل مع أحد منكم طعام فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن ثم جاء رجل مشرك مشعان٥ طويل بغنم يسوقها فقال النبي - - أبيعا أم عطية أو قال هبة قال بل بيع فاشترى منه شاةً فصنعت وأمر النبي - - بسواد البطن قال وأيم الله ما من الثلاثين والمائة إلا قد حز رسول الله - - حزة من سواد بطنها إن كان شاهدا أعطاه إياه وإن كان غائبا خباً له قال وجعل منها قصعتين قال فأكلنا أجمعون وشبعنا وفضل فى القصعتين ۱ فحملناه على بعير أو كما قال ۷ وعن جابر أن أم مالك الفهرية كانت تهدى فى عكة لها سمنا إلى رسول الله - - فبينا بنوها يسألونها الإدام - وليس عندها شيء - عَمَدَت إلى عكتها التي كانت تهدى فيها إلى رسول الله -- - فوجدت فيها سمنا فمازال يأدم لها أدم بنيها حتى عصرته فأتت النبي - - قال أعصرته قالت نعم قال لو تركته مازال ذلك لك مقيما ۸
۱ رجالا لبس لهم ظهر يركبونه ٢ أزوادهم جمع زاد
۳ الحثية القبضة أو الغرفة باليد
٤ طبقات ابن سعد جـ ١ ص ١٦٣ ورواه مسلم بنحوه - حدث هذا في غزوة تبوك
°
أي ثائر الرأس
٦ في رواية ففاضت القصعتان
۷ الوفا جـ ۱ ص ۷۹ وفيه أخرجه الشيخان
۸ الوفا ج ۱ ص ۸۱ - ۸ وفيه انفرد بإخراجه مسلم
۱۹
D
وعن أبي إياس قال
خرجنا مع رسول الله - ع - في غزاة فأصابنا جهد حتى هممنا ننحر بعض ظهرنا فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم فجمعنا مزاودنا فبسط له نطعا فاجتمع زاد القوم على النطع فتطاولت لأحرزه فإذا هو كريضة العنز ونحن أربع عشر مائة قال فأكلنا شبعنا جميعا ثم حشونا جربنا ۱
وعن جابر بن عبد قال
عملنا
حتى
ا مع رسول الله - - في الخندق وكانت عندى شويهة عنز جذعة سمينة فقلت لو صنعناها لرسول الله - - فأمرت امرأتى فطحنت لنا شيئاً من شعير وصنعت خبزا وذبحت تلك الشاة فشويناها الرسول الله - - قال فلما أمسينا
لنا منه
وأراد رسول الله - ع- الانصراف عن الخندق قال وكنا نعمل فيه نهارًا فإذا أمسينا رجعنا إلى أهلنا قال قلت يا رسول الله إنى صنعت لك شويهة كانت عندنا وصنعنا معها شيئًا من خبز الشعير فأحب أن ينصرف معى رسول الله - ه - إلى منزلى وإنما أريد أن ينصرف معى رسول الله - - وحده
فلما قلت له ذلك قال نعم ثم أمر صارخاً فصرخ أن انصرفوا مع رسول الله - إلى بيت جابر قال قلت إنا لله وإنا إليه راجعون فأقبل رسول الله - - وأقبل الناس معه فجلس فأخرجناها إليه قال فبارك وسمى ثم أكل وتواردها الناس
كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس حتى صدر أهل الخندق عنها
وعن
الله أنس -
عنه - رضی قال قال أبو طلحة لأم سليم
لقد سمعت صوت رسول الله - - ضعيفًا أعرف فيه الجوع فهل عندك من
شيء
فقالت نعم فأخرجت أقراصاً من شعير ثم أخرجت خماراً لها لفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدى ولا تتنى ببعضه ثم أرسلتنى إلى رسول الله - - فذهبت به فوجدت رسول الله - - فى المسجد ومعه الناس فسلمت عليهم فقال لى رسول الله - - أرسلك أبو طلحة قلت نعم قال بطعام قلت نعم
۱ انفرد بإخراجه مسلم ٢ أخرجاه
فقال
۱۹۳
رسول الله -
لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله - - بالناس وليس عندنا ما نطعمهم قالت الله ورسوله أعلم فانطلق أبو طلحة حتى لقى رسول الله فأقبل رسول الله وأبو طلحة معه فقال رسول الله - -
هلمى يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله - - فقت وعصرت أم سليم عكة قادمته ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة ثم لعشرة فأكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا ۱
وعن جابر – رضى الله عنه – أن رسول الله - جاءه رجل ليستطعمه فأطعمه
منه
شطر وسق شعير فمازال الرجل يأكل فأتى النبي - فقال لو لم تكله لأكلتم
وامرأته وضيفهما حتى
کاله ففنی
ولقام لكم ٢
وعن أبي هريرة – رضى الله
عنه - قال
منه
لما كان يوم غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة فقال عمر يا رسول الله ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع الله لهم بالبركة فقال نعم فدعا بنطع فبسط ثم دعا بفضل أزوادهم فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ويجيء الآخر بكف تمر ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع شيء يسير فدعا رسول الله - ع - بالبركة ثم قال خذوا في أوعيتكم فأخذوا فى أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملاوه قال فأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال رسول الله - - أشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة ۳
X
وعن جابر رضی
الله
عنه قال
توفى أبى وعليه دين فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التمر بما عليه فأبوا فأتيت
النبي فقلت
قد علمت أن والدى استشهد يوم أحد وترك دينا كثيرًا وإني أحب أن يراك الغرماء
فقال لى
۱ رواه البخاري ومسلم
رواه مسلم ۳ رواه مسلم
١٩٤
اذهب فبيدر كل تمر على ناحية ففعلت ثم دعوته فلما نظروا إليه كأنهم أغروا بي تلك الساعة فلما رأى ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه
ثم قال
ادع إلى أصحابك
6
فمازال يكيل لهم حتى أدى الله عن والدى أمانته وأنا أرضى أن يؤدِّيَ الله أمانة والدى ولا أرجع إلى أخواتى بتمرة فسلم الله البيادر كلها حتى أنى أنظر إلى البيدرا الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم كأنما لم تنقص ثمرة واحدة 1
حنين الجذع
عن جابر بن عبد الله رضی الله عنهما أن النبى الله كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة من الأنصار أو رجل يا رسول الله ألا نجعل لك منبرًا
قال إن شئتم فجعلوا له منبرًا فلما كان يوم الجمعة رفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبى الله فضمها إليه تَعِينُ أنين الصبى الذى يُسكّن قال كانت تبكى على ما كانت تسمع من الذكر عندها ٢
وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما يقول
كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي إذ خطب يقوم إلى جذع منها صُنع له المنبر فكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي فوضع يده عليها فسكنت۳ يقول صاحب الشفا عن حنين الجذع إنه فى نفسه مشهور منتشر والخبر به متواتر قد خرجه أهل الصحيح ورواه من الصحابة بضعة عشر منهم أبي بن كعب وجابر بن
الله
بن عمر وعبد
الله
بن عباس وسهل بن سعد
وأبو
عبد الله وأنس بن مالك وعبد سعيد الخدرى وبريدة وأم سلمة والمطلب بن أبى وداعة كلهم يحدث بمعنى هذا الحديث قال الترمذى وحديث أنس صحيح قال جابر بن عبد الله كان المسجد مسقوفا على جذوع نخل فكان النبي إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك
۱ رواه البخارى انظر جامع كرامات الأولياء للشيخ يوسف النبهانى ج ۱ ص ١١٦ – ١١٧
صحيح البخارى جـ ٨ ص ۳۸ ط الشعب ۳ صحيح البخارى جـ ٨ ص ۳۷ ط الشعب
۱۹۵
الجذع صوتا كصوت العشار وفي رواية أنس حتى ارتج المسجد بجواره وفي رواية سهل وكثر بكاء الناس لما رأوا به وفى رواية المطّلب وأبى حتى تصدع وانشق حتى جاء النبي الله فوضع يده عليه فسكت زاد غيره فقال النبى الله إن هذا بكى لما فقد من
الذكر 1
أراكم من وراء ظهرى
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
هل ترون قبلتي ها هنا
فوالله ما يخفى على خشوعكم ولا ركوعكم إنى لأراكم من من وراء ظهرى عن أنس قال كان رسول الله الله يُقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول تراصوا
واعتدلوا فإني أراكم من وراء ظهرى ۳
١٩٦
1 الشفاء ص ٢٥٧
الحديث فى الصحيحين انظر الوفا جـ ١ ص ٣٤٤
۳ الحديث في الصحيحين انظر الوفا جـ ١ ص ٣٤٣ ط دار الكتب الحديثة
ولكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا
[ صدق الله العظيم ]
سورة النساء الآية ١٦٦
الفضل التاسع عن
دلائل النبوة في
معجزة الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج 1
إن الناس - عادة - حينما يتحدثون عن معجزة الإسراء والمعراج يتحدثون عن جانبها الذي يتصل بقطع المسافات وطى المكان والمروج من سماء إلى سماء في لحظات لا تُعادل بالأيام والشهور وإنما بالساعات والدقائق
وما من شك في أن الإسراء والمعراج معجزة من هذه الزاوية ومعجزة كبرى ولكنها أيضا آيات ودلالات على صدق الرسول من زوايا أخرى تتجه نحو الجانب الأخلاقي فى تزكية النفس واستقامة الأسرة وإصلاح المجتمع
وكما تعبر حياة الشخص عن صدقه أو زيفه فإن تعاليمه كذلك تعبر عن صدقه أو زيفه وإن أصحاب الآفاق المستنيرة - كما ينظرون إلى سلوك الشخص وحياته أيضا إلى تعاليمه ورسالته حتى يكونوا على بينة من الحكم عليه
فإنهم ينظرون
ومن أجل ذلك تحدثنا عن الإسراء والمعراج من هذه الجوانب جميعا واستفضنا في الزاوية التي تتصل بالجانب الأخلاقى والجانب الروحى لنزيل ما علق بالنفوس من قصر الحديث – في الإسراء والمعراج - على الجانب الذى يتصل بطى الأرض والعروج إلى
السماوات
والحديث عن الإسراء والمعراج - من هذه الجوانب جميعًا - إنما هو واجب من حيث إثبات الدلائل الحسية والمعنوية فيما يتعلق بصدق النبوة
ونحن من
الآن
نعتذر عن هذه الاستفاضة التي اتسم بها البحث في الإسراء والمعراج
ولقد استفضنا متعمدين وذلك أن من دلائل النبوة أن تكون آثار النبي وأن يكون
موضع رسالته متسما بالأخلاق الكريمة والروحانية العالية وأن يحتل المنهج – للسير بالحياة الاجتماعية إلى السمو - مكانة كبرى فى رسالته إننا من أجل ذلك استفضنا
۱ إن ترتيب الإسراء والمعراج الزمنى يسبق الهجرة ولكنا أتينا بها هنا لأننا جمعنا المعجزات في فصل متخصص وترتبط معجزة الإسراء والمعراج ارتباطا محكما بالفصل الذى تحدثنا فيه عن مفهوم الرسالة وذلك أن منهج الحياة الذي ترسمه حادثة الإسراء والمعراج إنما هو توضيح من زاوية أخرى لمفهوم الرسالة الإسلامية في صدقها وفي كمالها
۱۹۹
رسم
إن قصة الإسراء لا ينبغي تؤخذ على أنها رحلة شديدة الغرابة في أعراف الناس وإنما على أنها - مع ذلك - للكثير من جوانب حياة المسلم في معراجه إلى الله إنها رحلة لم تنته - ولن تنتهى - من حيث توجيه المسلم إلى الله سبحانه إنها دلالة على النبوة من حيث هى معجزة وهى دلالة على النبوة من حيث هي أخلاق
يقول سبحانه وتعالى وسبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير۱
ويقول سبحانه
والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غَوَى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وَحْى يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كَذَبَ الفؤادُ ما رأى أَفَتمَارونه على ما يرى ولقد رآه نزلةٌ أخرى خرى عند سدرة المنتهى عندها جنَّهُ المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى ٢
هذه
هی الآيات القرآنية عن الإسراء والمعراج أما الأحاديث النبوية فإنها كثيرة مستفيضة ولقد رويت عن أكثر من ستة وعشرين صحابيا يكمل بعضها بعضاً رواها الكثير من المحدثين واستفاض فى ذكرها الإمام السيوطي - طيب الله ثراه – في كتابه الخصائص الكبرى
ونحن هنا لا يعنينا أن نذكر الموضوع بكل تفصيلاته فإنه معروف عادة للمسلمين وإنما الذي يعنينا أن نذكر - على الخصوص - الجانب الأخلاقي فيه وجانب المغزى منه ومجمل الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما كان نائما أتاه جبريل فأيقظه وخرج معه فإذا أمامهما دابة بيضاء هي البراق وركبها رسول الله - - وسارت الدابة على حد تعبيره - - لا يفوتنى ولا أفوته – حتى انتهى إلى بيت فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى - عليهم السلام - في نفر من الأنبياء
وجبريل
المقدس
معه
۱ الإسراء آية ١ النجم آية ۱ - ۱۸
فأمَّهم رسول الله - وصلى بهم ثم أتى بإناءين بأحدهما خ فأخذ رسول الله - ع - إناءَ اللبن وشرب منه وترك إناء الخمر
فقال له جبريل
خمر وبالآخر لبن
هديت للفطرة وهديت أمتك وحُرمت عليكم الخمر وتروى كتب السيرة أن رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه – أتاه ليلة الإسراء
آتِ فَفَرَجَ صدره ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلى حكمةً وإيمانًا
فأفرغه في صدره الشريف ثم أطبقه
ثم كان الإسراء إلى بيت المقدس
ولما انتهى - - من بيت المقدس عُرج به إلى السماء وأخذ يرتقى سماء ثم تجاوزها جميعها إلى سدرة المنتهى وإلى قاب قوسين أو أدنى
وهناك حيا الرسول - ه - ربَّه التحيات لله والصلوات والطيبات
وحياه الله سبحانه وتعالى
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
وقال الرسول
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وفي هذه اللحظات الخالدة التي لا يتأتى أن توصف فرض الله – سبحانه وتعالى – الصلوات على الأمة الإسلامية -
وبلغ رسول الله الخبر وتحدث بنعمة الله تعالى عليه فأنكر المشركون ذلك وعارضوه وبلغ المشركون الخبر إلى أبي بكر رضى الله عنه مستنكرين له متعجبين منه فقال لهم والله لئن كان ما قاله لقد صدق فما يعجبكم من ذلك فوالله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه فهذا أبعد
مما يعجبون منه
فقال رسول الله - - لأبي بكر
وأنت يا أبا بكر الصديق فيومئذ سماه الصديق
هذا هو الموجز لما ترويه السنة مؤيدة للقرآن عن هذا النبأ الجليل
۰۱
ولقد حاول ابن إسحاق أن يبين الحكمة فى هذا الحادث فقدم – حسبما يروى ابن هشام - لحديث الإسراء بكلمة نفيسة يقول فيها
وكان في مسراه وما ذكر منه بلاء وتمحيص وأمر من أمر الله فى قدرته وسلطانه فيه عبرة لأولى الألباب وهدى ورحمة وثبات لمن آمن بالله وصدق وكان من أمر الله على يقين - فأسرى به كيف شاء وكما شاء ليريه من آياته الكبرى ما أراد حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم وقدرته التي يصنع بها ما يريد
أما الإمام البوصيرى فإنه يقول في همزيته المباركة
فطوى الأرض سائرا والسموا ت العلا فوقها له إسراء فصف الليلة التي كان للمخ تار فيها على البراق استواء وترقى به إلى قاب قوسي ن وتلك السيادة القعساء رتب تسقط الأماني حسرى دونها ما وراء هن وراء ثم وافى يحدث الناس شكرًا إذ أتته من ربــه النعمـاءُ وتحدى فارتاب كل مريب أو يبقى مع السيول الغشاء
هذا النبأ الجليل يسمعه قوم فلا يصل إلا إلى الجوانب الظاهرية منهم فيأخذون في الجدل الشكلي أكان ذلك فى اليقظة أم كان ذلك في النوم
أكان ذلك بالروح والجسد أم كان بالروح فقط
أكان ليلا أم كان نهارًا
وهذه كلها صور من
الجدل الذي يثور حينما يخف وزن الإيمان في النفوس۱
هذا النبأ قوم فيصل إلى أعماق قلوبهم فيتجهون – في صورة طبيعية – إلى ويسمع
1 يقول شوقى - رحمه الله - في قصيدته التي عارض فيها الإمام البوصيري - هذه الأبيات الجميلة يتساءلون وأنت أطهر هيكل بالروح أم بالهيكل الإسراء
بهما سموت مطهراً وكلا هما نور وروحانية وبهاء فضل عليك لذي الجلال ومنة والله يفعل ما يرى ويشاءُ تغشى الغيوب من العوالم كلما طويت سماء قلدتك سماء الله هيأ من حظيرة قدسه نزلا لذاتك لم يجزه علاء العرش تحتك سدة وقوا ثم ومناكب الروح الأمين وطاء والرسل دون العرش لم يؤذن لهم حاشا لغيرك موعد ولقاء
٢٠٢
مغزاه العميق وإلى روحانيته السامية ويرون أن هذا النبأ ينطوى على توجيهات لا ينبغى من هذه التوجيهات عليها الناس مر الكرام يمر
أن
۱ - لقد كان رسول الله - - خاتمة سلسلة من الأنوار التي يرسلها الله إلى العالم بين الفينة والفينة ليهدى إلى الرشاد ولتقود إلى الله ولتسمو بالمؤمنين درجات في معارج القدس لتصل بالجديرين منهم إلى الكمال المرجو عن الإرشاد الإلهى
وكان الكتاب الذي أنزل عليه – ا - وهو القرآن - خاتم الكتب وأكملها ومهيمنا
عليها
ولأن رسول الله - -
رسول - -
تخلق بأخلاق أكمل كتاب رباني فهو – إذن – أكمل
ومن هنا كانت إمامته - - للرسل والأنبياء في بيت المقدس ولأنه - - أكمل رسول كان من أجل ذلك - أقرَبَ المقربين إلى الله سبحانه
وتعالى
لقد تخطى الأرضين والسموات وتجاوز الكَوْنَ كلَّه ووصل إلى ما لم يصل إليه بشر بل إلى ما لم يصل إليه جبريل نفسه عليه السلام
ولقد وصل - - إلى قاب قوسين أو أدنى
وكما أن المعنى الذى يدل عليه نبأ المعراج من وجود الأنبياء والرسل في السموات أن الرسول - ه - أخذ يتجاوز هذه السموات الواحدة بعد الأخرى ويتجاوز ومن الأنبياء واحدا بعد الآخر
من
نقول كما أن المعنى الذي يدل عليه النبأ معنى مكاني - فإنه – أيضا بل وبطريق أولى - معنی روحی أي أن الرسول - - في تساميه الروحى في كل لحظة اللحظات - قد بلغ في معراجه إلى درجات تجاوزت – في روحانيتها – آدم في سمائه الأولى ثم تجاوزت عيسى وموسى و وهكذا - حتى تجاوزت روحيا إبراهيم - عليه السلام - في سمائه السابعة
ولقد تجاوز رسول الله - - كل ذلك وتجاوز الكون كله إلى سدرة المنتهى إلى شجرة النهاية ثم إلى حيث لا يبلغ ملك مقرَّب ولا نبي مرسل إلى قاب قوسين
أو أدنى
۰۳
لقد رأى من آيات ربه الكبرى - هذا هو مقام الرسول - ولكن بعض الناس ينزلُ بنا من هذه الآفاق العليا والسموات السامية ومن الرحاب۱ الإلهية ينزل بنا منحدراً فيجادل في الإسراء والمعراج أكان رؤيا أم كان يقظة أستغفر الله وأتوب إليه
إن ذلك الجدل إذا دلَّ على شيء فإنما يدل على ضعف الإيمان في قلب المجادل
المخازى
ومن الشعر الديني الحديث في ذلك قول الشاعر الأستاذ إبراهيم عبد الفتاح من قصيدة في الإسراء والمعراج والنجم حين هوى لقد صعد الهدى كالنجم يسبح في السماء مُضَاءً ما ضل صاحبكم ولم ينطق لكم إلا بما يوحى لــــه ايحاء صدق الفؤاد فلا تُمارِ فقد رأى الـ آيات كبرى تملأ الأرجاء قالوا أيصعد في السماء وهل بها يجد الهواء الا يشم هواء قاسوا الأمور بما رأوه أمامه والمعجزات ألا تكون وراء لا تجعلوا أمر الرسول كأمركم أرض تنافس في العلو سمــــــاء نسم من الفردوس حف ركابه أيحس ضيقا أو يحس عنـــــــاء ووراء هذا الكون قوة خالق فوق الظنون جلالة وعلاء الله أكبر أن نحدد فضله جل الإله على العباد عطاء
أيصغرون جلال رب قادر ملكت يداه الموت والأحياء
C
وإذا كانت التوجيهات السابقة إنما كانت لتدلنا على مقام رسول الله - ع - فنزداد بذلك تقديرًا وحبا واتباعًا فإن من هدى الله سبحانه وتعالى وتوجيهاته في الإسراء والمعراج - هذه الرمزيات الأخلاقية التى تربط ربطا محكما بين الدين والأخلاق والواقع أن الأخلاق – في جو الإسلام - مرتبطة بالدين ارتباطاً لا ينفصل منه تنبع وعلى أساسه تقوم وعنه تصدر إنها جزء من الدين الإسلامي لا يتجزأ مصدرها هو مصدره إلهي رباني وبعض الناس - في العصر الحديث - يريد أن يجعل للأخلاق مصادر أخرى يريد بعضهم أن يجعل أساس الأخلاق الضمير بيد أن ذلك خطاً بين فالضمير يربى ويكون وتربيته وتكوينه هما شكله ونزعته واتجاهه الذى يتكيف بحسب الثقافة والبيئة والعصر
والوسط
۱ الرحاب جمع رحبة المكان الواسع
٢٠٤
وبعض
إن الضمير يصنع كما تصنع المزيفات وهو - إذن - مقياس للأخلاق خاطى بالأخلاق إلى المصلحة العامة ولكن المصلحة العامة كلمة غير محددة
الناس يريد أن يرجع وكل من يتحدث بأسم المصلحة العامة إنما يتحدث باسم فكرته هو منحرفة كانت هذه الفكرة أو غير منحرفة
والمصلحة العامة – إذن - كأساس للأخلاق أساس غير مضمون وبعض الناس يريد بالأخلاق إلى المصلحة الشخصية أو إلى اللذة أو إلى المنفعة وكل هذا وارد يرجع الغرب الأوروبي أو الغرب الأمريكي عندما انحرف هذا الغرب والْحَدَ ودخل في إغماء
أن
أخلاقي
أما وارد الشرق الإسلامى أو بتعبير أ أدق وارد الإسلام الإلهي فإن مقياس الأخلاق
فيه إنما هو المبادئ الدينية إنما هو آيات القرآن وإنما هو الفضائل التي أوحاها الله - سبحانه وتعالى - هذه الفضائل التي حددها القرآن فى أسلوب عربي مبين وتحدث عنها نبأ الإسراء والمعراج - تكون منهج حياة مؤسسة على الإيمان بالله ورسوله وهذا المنهج هو الذي نريد رسمه الآن بتوفيق الله
منهج الحياة الذي رسمته أنباء الإسراء والمعراج
ونعود من جديد إلى أسانيد حادث الإسراء والمعراج في السنة الشريفة فنقول إن حادث الإسراء والمعراج ورد فى روايات عدة منها الصحيح ومنها الحسن أخرجها أئمة الحديث - رضوان الله عليهم - يذكر بعضها ما لم يذكره البعض الآخر تتفق في جوهرها ولا تتعارض فى جزئياتها يرويها بعضهم مختصرة ويرويها بعضهم متوسطة ويرويها بعضهم مطولة وكل صورة منها يتعدد سندها أي يختلف الرواة الذين ذلك تكون الصورة واحدة في جوهرها
رووها ومع
الجوهر - إذن - متواتر
وإذا
أخذنا برأي الإمام ابن حزم فى أن المتواتر ما روى بروايتين فإن التفاصيل – في
أغلبها – تكون أيضا متواترة
كل هذا مع ثبوت الأمر - في جوهره – بالكتاب العزيز
ونحن – إذن – حينما نبدأ في الحديث عن الإسراء والمعراج على أنه منهج الحياة
٢٠٥
ونستمد الصور أحيانًا من الجزئيات والتفاصيل فإنما تقف في ذلك على أرض صلبة ونسير في الرسم على أساس من المروى
التوبة
وتبدأ قصة الإسراء والمعراج - فى بعض روايات البخاري وفى بعض روايات غيره - بشق الصدر
ذلك ما يرويه الإمام أحمد - بسنده - عن أنس بن مالك قال كان أبي بن كعب من يحدث أن رسول الله - - قال فُرج سقف بيتى وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدرى ثم غسله من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلى حكمة وإيمانًا فأفرغها في صدري ثم أطبقه
هذا الحادث هو -
بالنسبة لنا - التوبة فإن تطهير القلب الذي حدث لرسول الله -
عدة مرات فى حياته إنما هو بالنسبة لأتباعه بمثابة التوبة والواقع أن حياة المسلم - في طريقه إلى الله - إنما تبدأ بالتوبة وليس قبل التوبة من درجة تسبقها والتوبة التي نتحدث عنها إنما هي التوبة الخالصة النصوح فإن الله تعالى
يقول ويأيها الذين آمنوا تُوبُوا إلى الله توبةً نَصُو حال ۱
فارشد - سبحانه - إلى أن التوبة المطلوبة إنما هي التوبة النصوح
ولأجل أن تكون التوبة خالصةً نصوحا فإنه لابد من توفر شروط
ويتحدث الإمام النووى عن شروطها - فى كتابه المبارك - رياض الصالحين -
فيقول
التوبة واجبة من كل ذنب فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق
آدمى فلها ثلاثة شروط أحدها أن يقلع عن المعصية
والثاني أن يندم على فعلها
والثالث أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدا
1 التحريم
٢٠٦
فإن فقد أحد الثلاثة فلا تصح التوبة وإن كانت المعصية تتعلق بأدمى فشروطها أربعة
هذه الثلاثة
وأن يبرأ من حق صاحبها فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه
وإن كان حد قذف أو نحوه مكنه منه أو طلب عفوه
وإن كانت غيبةً استحله منها
ولأن التوبة أول سلَّم في معراج السالكين إلى الله ولأنها واجبة من كل ذنب ولأنها تجب ۱ ما قبلها ولأنها تضع الإنسان - فور تحققه بها – في مرتبة البراءة والطهارة والنقاء - فإن الإسلام حث عليها كثيرا
يقول الله تعالى آمرا بها وتُوبُوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ٢ وقد فتح الله بابها - خالصة نصوحا - على مصراعيه فقال في أسلوب يسيل رحمةً
ورأفة
قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ ۳ إنه – سبحانه – يغفرها بالتوبة لأنه سبحانه - يقول بعد ذلك موجها المسلمين إلى
الطريق
وأنيبُوا إلى ربكم وأسْلِمُوا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تُنصَرُون واتَّبِعُوا أَحسَنَ
ما أُنزِلَ إليكم من ربِّكم من قبل أن يأتِيكُمُ العذاب بغتةً وأنتم لا تَشْعُرُون ٤ ويتابع القرآن في التوجيه إلى التوبة - في أسلوب كله رحمة ورأفة – ما جاء في حديث قدسي طويل رائع يقول الله تعالى فيه يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا
أغفر لكم
۱ تجب تمحو وتزيل
النور آية ۳۱
۳ الزمر آية ٥٣
٤ الزمر آية ٥٤ - ٥٥
فاستغفروني
٢٠٧
ويتابع ذلك كله الأحاديث النبوية
إنَّ اللهَ يَسُطُ يَدَهُ بالليل ليتوبَ مُسىءُ النهار ويبسُطُ يَدَهُ بالنهار ليتوب مسيء
الليل ورسولُ الله - - يعترف بالخطيئة كواقع لا يتأتى إنكاره فيقول
كل ابنِ آدم خطاء
ولكنه يرشد إلى الوسيلة التي تفضل بعض الخطائين وتجعل لهم منزلة في الخير
فيقول
وخير الخطائين التوابونَ
يقول الإمام القشيري
ومن
لطائف المعراج ما خص به أول حاله في تلك الليلة بالطهارة على ما ذكرنا وقد شق قلب النبي - - مرتين ۱ مرة في حالة صباه وهو بعد في حجر حليمة والمرة الثانية ليلة المعراج
وفى تخصيص قلبه بالغسل - دون غيره من البدن - إشارات
منها أن القلب محل العرفان وهو المضغة التي بصلاحها صلاح البدن وهو محل المشاهدة ومركز الشعور ومصدر الإشعاع
عند
ولكى لا يكون لغير الحق نصيب في قلبه
ولتنبيه الأمة على طهارة القلب
وإذا كان شق الصدر الذي سبق هذا الحادث الخطير - حادث الإسراء والمعراج - هو - بالنسبة لنا - التوبة فإنه أيضاً توجيه واضح لنا إلى أن نلجأ إلى الله تعالى تائبين الشروع في أي أمر له قيمته إنه توجيه لنا أن نلجأ إلى الله تعالى تائبين عند الشروع في شراء وفي بيع في ارتباط بزواج فى بناء بيت في الشروع في سفر وليست التوبة في مثل هذا توبةً من ذنب وإنما هى التجاء إلى الله وتشفع إليه -
۱ ولقد روى أيضا في حديث أخرجه الإمام أحمد أنه قد شق صدره وهو في سن العاشرة فهى ثلاث مرات راجع ص ۷۰ دلائل النبوة
۰۸
سبحانه – بتأكيد صفاء النفس وطهارة القلب من أجل أن يُسَدّد الخُطا ويمنح التوفيق
ويحفظ معه الأخطاء
إنها توسل إلى الله بعمل صالح هو التوبة
الغاية في منهج الحياة
ويمكن للإنسان أن يتعجل السؤال عن الغاية فيقول
إذا كان بدء الرحلة الإسلامية إنما هو التوبة فما نهايتها ونقول دون تردد ولا شك ليس دون ا
وذلك
منتهى
الله سبحانه وتعالى هو الغاية الأخيرة للمؤمن المتبصر
ولقد أعلن الله صراحةً أنه سبحانه إليه المنتهى فقال
وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المنتهى ۱
ويقول أبو سعيد الخراز - رضى الله عنه - معبرا عن شعور المؤمن بالنسبة الله سبحانه
كل ما فاتك من الله سوی الله يسير
وكل حظ لك سوى الله قليل
إن هجرة المؤمن إليه سبحانه وذهابه إليه
إني مهاجر إلى ربى ٢
وقال إني ذاهب إلى ربى سَيَهْدِين ۳
وفِرارُ المؤمن إلى الله ولقد أمر الله بالفرار إليه فقال
فروا إلى الله ٤
ولقد كانت نهاية الرحلة التي نحن بصددها - رحلة الإسراء والمعراج - الانتهاء إلى الله سبحانه وتعالى فهى رحلة انتهت إلى غايتها الحقيقية التي هي الله فحققت
وأن إلى ربك المنتهى له
١ النجم ٤٢ ٢ العنكبوت ٢٦
۳ الصافات ٩٩ ٤ الذاريات ٥٠
وأنه
إذا تحدثنا عن ثمرة السلوك ! هذا المنتهى - فإنه بمقدار قرب السالك المنتهى تكون رعاية الله له وعنايته به
من
على أن هذه الرعاية وهذه العناية تبدأ منذ الخطوة الأولى التي تتمثل في الاستغفار
هذا
والله - سبحانه وتعالى - يأمرُ بالاستغفار ويبين ما يترتب عليه من آثار وهي آثار ليست بالهينة أو التافهة إنها آثار ضخمه
يقول سبحانه
استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين
ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا
ويقول سبحانه
استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يُرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم 1 وكلما ازداد الإنسان استغراقًا فى السلوك إلى الله بالتوبة والاستغفار كلما فعل ذلك ازدادت رعاية الله له وعنايته به حتى إذا ما انتهى إليه سبحانه كانت العناية المناسبة والرعاية الكافية في الدنيا وفي الآخرة
ألا إِنَّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يَتَّقُون لهم
٢
البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم وليس معنى الوصول إلى المنتهى وهو ا الله سبحانه - الاستقرار والسكون الروحي فحسب - وإنما معناه من جانب زوال القلق والاضطراب النفسى وزوال هم الرزق وخوف الموت وزوال كل ما يصرف الإنسان عن الله أن يشغل بؤرة التفكير ويحل في
أعماق النفس معناه – من جانب آخر – الرقى الروحى الدائم الفيوضات الإلهية المستمرة المعرفة وصلوات الله وسلامه على من وصل إلى هذا المنتهى
اللدنية المتتالية
وأمر – مع ذلك – أن يقول
و رب زدني علما ۳ أي فيضا
۱ هود ٥٢
یونس ٦٢ - ٦٤
۳ طه ١١٤
٢١٠
فزيادة العلم - فى عرف أولياء الله - إنما هو زيادة الفيض بالسعادة
ومن أجل ذلك يقول أحد العارفين
نحن في سعادة لو عرفها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف وتتلون السعادة بلون المعرفة ولكل باب من أبواب المعرفة مذاق خاص فله – إذن –
لذة خاصة – إذا أمكن التعبير بكلمة اللذة في هذا المقام
وهو يسلم إلى ما يليه وما يليه له مذاقه الخاص فله أيضا لذته !
إنها
الدنيا في سموها وجمالها وجلالها
ولا يحجب أولياء الله عن الله مال وقد يكونون فى ثراء عريض فلا يصرفهم ذلك
عن الله
من
وما صرف سليمان عليه السلام ملكه عن الله
وقد يعرض عليهم الثراء العريض فلا يعيرونه أهمية
ولقد قال رسول الله - -
خيرت بين أن أكون ملكًا رسولاً أو عبدا رسولاً فاخترت أن أكون عبداً رسولاً ويتحدث الإمام أبو سعيد الخراز عن ذلك - بالنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيقول وهذا النبي - - بينما جبريل عليه السلام عنده إذ تغير جبريل فإذا ملك قد نزل السماء لم ينزل قط فقال جبريل عليه السلام خشيت أنه نزل في بأمر فجاء إلى - بالسلام من عند الله عز وجل وقال له هذه مفاتيح خزائن الأرض تسير معك ذهبًا وفضة مع البقاء فيها إلى يوم القيامة ولا تنقصك مما لك عند الله شيئا فلم يختر النبي - - ذلك وقال أجوعُ مرة وأشبع مرة ولا يحجب أولياء الله عن الله لذة حسية فهم في لذة دائمة مستمرة أسمى وأنفس
النبي
ولا يحجبهم عنه متاع دنيوى أيا كان فاستبشار قلوبهم بقرب الله تعالى
به وهدووها فى سكونها إليه وأمنها
معه
وسرورها
ما بين البدء والغاية
١ - الجهاد
كيف الوصول إلى هذا المنتهى الذى فيه الرضا وفيه زيادة الأنوار وتلاحقها على الدوام وفيه السعادة التى لا تتقطع وفيه مرضاة الله - سبحانه وتعالى - وحفظه وعنايته
ومحبته
هذا ما ترسمه الرحلة المباركة - فيما بين شق الصدر أو التوبة وبين
وثم دَنَا فَتَدَلَّى فكانَ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنى ١
أن تبدأ الرحلة المباركة يرى رسول الله - - أمرًا عجيبا إنه يرى قوما وبمجرد يزرعون ويحصدون في يوم كما حصدوا عاد كما كان فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل - عليه السلام - ما هذا قال هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله تُضاعَفُ لهم الحسنة إلى سبعمائة ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين
وتنقلنا هذه الرؤية من التوبة مباشرة إلى الجهاد وهذا انتقال طبيعي فإنه إذا كانت التوبة حقاً خالصةً نصوحًا استتبعت - لا محالة - الجهاد وللجهاد في الدين الإسلامي مكانة عظمى فقد روى الشيخان - بسندهما - عن أبي ذر - رضى الله قلت يا رسول الله أى الأعمال أفضل
قال الإيمان بالله والجهاد في سبيله
الفرائض
عنه - قال
والجهاد في سبيل الله أوسع وأعم من أن يقتصر على الجهاد الحربي إن من أنواع الجهاد في سبيل الله جهاد النفس حتى تستقيم على التوبة وجهادها حتى تقيم على وجهادها حتى تقيم الفرائض وجهادها حتى تلتزم بالفضائل وجهادها - دائما - حتى تتزكى من بعد التوبة وقد أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ٢ ومن تزكَّى فإنما يتركي لنفسه ٣ وجهاد الأسرة
1 النجم ٨ ٩
الشمس ٩ ۳ فاطر ۱۸
۱
حتى تستقيم على أمر الله والله سبحانه وتعالى يقول يأيها الذين آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُم وأهليكم نارا وَقُودُها الناسُ والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يَعْصُون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ۱ وكان سيدنا إسماعيل - عليه السلام - يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا
ولا يُغنى جهاد النفس وجهاد الأسرة عن جهاد المجتمع
وكل ذلك أنواع متناسقة من ميدان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو
أساسي في الدين الإسلامي ولأجل أن الله - يبين
مبدأ
سبحانه وتعالى - أهميته الكبرى ذكره قبل الإيمان بالله مبينا
أنه مناط خيرية الأمة الإسلامية فقال سبحانه
كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون
بالله
وعلى العكس من ذلك اليهود فقد لُعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عَصَوْا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ۳
ولقد بين الإسلام وسائل الجهاد بحسب الظروف والملابسات وبحسب الإمكانات
والاحتمالات
قال
عن ابن مسعود - الله رضی
عنه -
فيما رواه الإمام مسلم - أن رسول الله - -
ما من نبي بعثه الله في أمةٍ قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمَرُون فَمَنْ جاهدهم بيده فهو مؤمن وَمَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن - ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل وعن أبي سعيد الخدري - رضی الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول
1 التحريم ٦ آل عمران ۱۱۰
۳ المائدة ۷۸
۱۳
من رأى منكم منكرا فيغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان
الهلاك
وصور رسول الله - - المجتمع ووجوب الأخذ على يد المفسد فيه حتى لا يكون بالصورة الرائعة التالية التي رواها الإمام البخارى عن النعمان بن بشير عن رسول الله - - قال مَثَلُ القائم على حدود الله والواقع فيها كَمَثَل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خَرَقْنا فى نصيبنا خرقًا ولم نَوذِ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا - هلكوا جميعًا وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا ونَجَوْا جميعًا
D
وروى الترمذي عن حذيفة – رضي الله عنه - عن النبي - - قال والذي نفسي بيده لتأمُرُونَ بالمعروف ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر أو لَيُوشَكَنَّ الله أن يبعث
عليكم عقابًا منه ثم تَدعونَهُ فلا يُستجاب لكم
وعن أبي سعيد الخدرى عن الني - ه - قال أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر
وإن
الله
سبحانه وتعالى لا يخلى الأرض من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر فقد
جاء في الصحيحين
حتى
لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يَضُرُّهم مَن خَذَلُهم ولا من خالفهم
كذلك يأتي أمر الله وهم أما الجهاد الحربي فيكفى - لبيان أنه من طبيعة الإسلام – أن نذكر فيه حديثين أو ثلاثة وأن نذكر فيه آيتين من القرآن أو ثلاثاً
ونبدأ - في ذلك - بما رواه الإمام مسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه – قال قال رسول الله - - من مات ولم يَغْرُ ولم يُحَدِّثُ نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه – فيما رواه الترمذى – قال مرَّ رجل من أصحاب رسول الله - - بشعب فيه عينة من ماء عذبة فأعجبته
فقال
لو اعتزلتُ الناس فأقمت فى هذا الشعب ولن أفعل -
حتى
أستاذن رسول الله - ع
فذكر ذلك لرسول الله - ع - فقال لا تفعل فإن مقامَ أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا في سبيل الله مَنْ قاتل فى سبيل الله - فواق ناقة - وجبت له الجنة
وروى أبو داود بإسناد جيد عن أبي أمامة - رضى الله عنه – أن رجلا قال يا رسول الله ! ائذن لي في السياحة فقال النبي - - إن سياحة أمتى الجهاد في سبيل
والقرآن يربط بين الجهاد بالإيمان بحيث لا يتأتى أن يوجد الإيمان الصادق إلا والجهاد من عناصره لقد اشترى الله - في عقد الإيمان - من المؤمنين أنفسهم وأموالهم
إن الله اشترى من المؤمنين أنفُسَهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنة يُقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعدًا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوْفَى بعهده من ! الله فاستبشيروا يبيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ۱
والجهاد تجارة مع الله ويأيها الذين آمنوا هَلْ أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم ٢
في
والجهاد داخل في صدق الإيمان
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسولِهِ ثم لَمْ يَرْتَابوا وجاهَدُوا بأموالهم وأنفسهم
سبيل الله أولئك هم الصادقون ۳
إن الجهاد - بأوسع معانيه - إنما هو الخطوة الأولى بعد التوبة
فبعد التطهير يكون لقاء الله تعالى
۱ التوبة ١١١
الصف ۱۰ -۱
۳ الحجرات ١٥
٢١٥
حياة الأنبياء والشهداء بعد الموت
إن الصلاة في ترتيب الرحلة المباركة يأتى رمزها بعد الجهاد مباشرة ولكننا مراعاة لما بين هذا الموضوع وما قبله نذكره هنا ثم نعود للترتيب الطبيعي في الرحلة المباركة روى الإمام مسلم - بسنده - عن أنس بن مالك أن رسول الله - - قال أتيت - وفى رواية هداب مررت - على موسى ليلة أسرى بي عند الكثيب الأحمر
وهو قائم يصلى في قبره
وأخرج الإمام مسلم - أيضا - بعدة طرق عن أنس – رضى الله - قال مررت على موسى وهو يصلى في قبره
الله
عنه – أن رسول
وقد أخرج الإمام مسلم في الصحيح من حديث عبد العزيز أن رسول الله - - قال وقد رأيتنى فى جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلى فإذا رجل ضَرْب ۱ جعد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى بن مريم قائم يصلى أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي وإذا إبراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم – یعنی نفسه فحانت الصلاة فأممتهم والأنبياء أحياء في قبورهم
فقد أخرج الإمام أحمد - بإسناده - عن أوس بن أوس قال قال رسول الله - أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خُلق آدم وفيه قبض وفيه النفخةُ وفيها فأكثروا على من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة على
30
قالوا وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت - يريدون بليت - فقال
إن الله حَرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء - عليهم السلام هذا الحديث أخرجه أيضا الحاكم وصححه النووى ويقول البيهقي عنه
أخرجه أبو داود والسجستانى فى كتاب السنن وله وشواهد
1 الضرب من الرجال هو الخفيف اللحم
شنوءة قبيلة من قبائل العرب
الصعقة
٢١٦
عن
ثم يروى - من هذه الشواهد - بإسناده - عن أبي مسعود الأنصارى أن رسول الله - - قال أكثروا من الصلاة على فى يوم الجمعة فإنه ليس أحد يصلى على يوم الجمعة إلا عُرضت على صلاته وروى البيهقي - من هذه الشواهد – أيضا – بإسناده أبي أمامة قال رسول الله - - أكثروا على من الصلاة في كل يوم جمعة فإن صلاة أمتى تُعرض على فى كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم على صلاةً كان أقربهم منى منزلة وسواء أكان الإنسان بجوار الضريح الشريف أم كان بعيدًا تبلغ رسول الله - - فلقد أخرج البيهقى فى شعب الإيمان والأصبهاني في الترغيب ن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال رسول الله -
من صلى على
ومن
يقول
هذا القبيل
عند قبرى سمعته ومَن صلَّى على غائبًا بلغته
عنه فإن صلاته
ما أخرجه الإمام البخارى فى تاريخه عن عمار سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
إن الله تعالى ملكًا أعطاه أسماع الخلائق قائمٌ على قبرى فما من أحدٍ يصلى على صلاة
إلا بلغتها
ولقد اثبت الإمام القشيري حياة الأنبياء بعدة طرق وأورد أحاديث في ذلك تذكر منها حديث عبد الله بن مسعود عن النبي -
-
إن الله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتى السلام
ويقول الإمام القشيرى تعليقا على الحديث ولا يبلغ السلام إلا ويكون حيًّا وعن أبي الدرداء - رضى الله عنه - فيما رواه ابن ماجه بإسناد جيد قال قال رسول
الله -
أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة فإنه مشهودٌ تشهده الملائكة وإن أحدا لن يصلى على إلا عُرضت على صلاته حتى يفرغ منها قال ابو الدرداء قلت وبعد الموت قال إن الله حَرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إن الأنبياء أحياء في قبورهم بشهادة رسول الله له لموسى عليه السلام وبرؤيته الأنبياء وحديثه معهم وصلاته بهم أما الصلاة التي كانوا يصلونها فإنها لم تكن فرضاً وتكليفا وإنما كانت شكرًا وحمدا لله على نعمه فليس فى الآخرة تكليف وإن كان فيها أيضا تَرَقِّ لا ينتهى لأن المدد الإلهى لا ينتهى ولكلِّ درجة من درجات هذا المدد شعور بالحمد والثناء على الله
روحی
۱۷
والله سبحانه يقول
دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلامٌ وآخر دعواهم أن الحمد لله ربِّ
العالمين ۱
وقد يتسائل إنسان عن هذه الحياة بعد الموت وأهى خاصة بالأنبياء
ونقول إن القرآن الكريم يثبتها - في يقين جازم - للشهداء
يقول تعالى
بما اتاهم
الله
ولاهم يحزنون
فضله
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين من ويستبشيرون بالذين لم يلحقوا بهم من خَلْفِهِمْ ألا خوف عليهم وبمناسبة هذه الآية رَوَى الترمذي وحسنه وابن ماجة – بإسناد حسن أيضا - والحاكم د - أن رسول الله - - لما رأى جابر بن عبد الله مهتما لاستشهاد صحيح الإسناد - أبيه في غزوة أحد قال له مطمئنا مبشرًا - ألا أخبرك ما قاله الله لأبيك
وقال
فقال جابر بلى
قال
المواجهة
ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كفاحا - والكفاح
- قال سلنى أعْطِكَ
قال أسألك أن أرد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية
فقال الرب عز وجل إنه قد سبق منى القول بأنهم إليها لا يرجعون قال أي رب فأبلغ من ورائى أى أبلغهم هذه النعمة الكبرى في الجنة التي يتقلب فيها الشهيد فأنزل الله تعالى
ولا تَحْسَبَنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون وقال تعالى ولا تقولُوا لِمَن يُقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ۳ فأخبر - سبحانه - أن الشهداء أحياء عند ربهم فالأنبياء أولى
ويقول الإمام القشيري
1 يونس ۱۰ آل عمران ١٦٩ – ۱۷۰ ۳ آل عمران ۱٦٩ - ۱۷۰
۱۸
بذلك لتقاصر رتبة الكافةِ عن درجة النبوة قال الله تعالى فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ۱ فرتبة الشهداء هي الدرجة الثالثة بعد النبوة ولقد وردت الأخبار الصحيحة والآثار المروية بما يدل على هذه الجملة وبمناسبة الآيات القرآنية الشريفة عن الشهداء يقول ابن قيم الجوزية إن الله تعالى عَزَّى نبيه وأولياءه عمن قتل منهم في سبيله أحسن تعزية وألطفها وأدعاها إلى الرضا بما قضاه لهم بقوله ولا تَحْسَبَنَّ الآيات
فجمع لهم - إلى الحياة الدائمة – منزلة القرب منه وأنهم عنده وجَرَيَانُ الرزق المستمر عليهم وفَرَحهم بما آتاهم من فضله فوق الرضا بل هو كمال الرضا واستبشارهم بإخوانهم الذين باجتماعهم بهم يتمُّ سرورهم ونعيمهم واستبشارهم بما يجدد لهم كل وقت من نعمته وكرامته
ولقد أخرج أحمد في مسنده والطبراني بسند حسن عن محمود بن لبيد عن عباس مرفوعا الشهداء على بارقِ نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة غُدوة وعشيَّةً وفى حياة الأنبياء والشهداء يقول القرطبي
الموت ليس بعدم محض وإنما هو انتقال من حال إلى حال
ويدل على ذلك أن الشهداء - بعد قتلهم وموتهم أحياء – يرزقون فرحين مستبشرين وهذه صفة الأحياء في الدنيا
ورأى
موسی
وإذا كان هذا في الشهداء فالأنبياء أحق بذلك وأولى وقد صح أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء وأنه - - اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء فى بيت المقدس وفي السماء - عليه السلام - قائما يصلى في قبره وأخبر الله بأنه يردّ السلام على كل من يسلم عليه إلى ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أنهم غيبوا عنا بحيث لا نُدركهم وإن كانوا موجودين أحياء وذلك كالحال في الملائكة فإنهم موجودون أحياء ولا يراهم أحد - من نوعنا - إلا مَنْ خصه الله بكرامته من أوليائه أ هـ والفقهاء يتحدثون عن الشهداء فى استفاضة ومما أثاروه بهذه المناسبة مسألة سؤال القبر
بالنسبة للشهيد
ولقد أفتى الإمام السيوطى بأن سؤال القبر ليس عاما للخلق بل يُستثنى منه
١ النساء ٦٩
۱۹
الشهيد ففي الحديث أنه - سئل أيفتن الشهيد في قبره فقال كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة
قال القرطبي في التذكرة نقلاً عن الحكيم الترمذى معناه أنه لو كان عنده نفاق لَفَرَّ عند التقاء الزحفين وبريق السيوف لأن من شأن المنافق الفرار عند ذلك وشأن المؤمن البذل والتسليم لله فلما ظهر صدق ضميره حيث برز للحرب والقتل لم يعد عليه السؤال في القبر الموضوع لامتحان المسلم الخالص من المنافق
قال القرطبي وإذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق من باب أولى لأنه أجل قدرًا وممن يستثنى المرابط فقد وردت فيه أحاديث والمطعون والصابر في بلد الطعن
محتسباً وإن مات بغير الطاعون صرح به الحافظ بن حجر في كتاب بذل الماعون وليست هذه الحياة البرزخية للأنبياء والشهداء فحسب وإنما هي لجميع الناس حتى
الكفار منهم
على أن القرآن والسنة يشيران إلى حياة الكفار بعد الموت قبل القيامة يقول تعالى عن آل فرعون
النار يعرضون عليها غُدوا وعشيبيا ويوم تقوم الساعة أدْخِلُوا آلَ فرعونَ أَشَدَّ العذاب ولا ريب في أن النار التي يعرضون عليها ليست نار يوم القيامة فما في
القيامة عُدوّ وعَشى وما فيها شروق وغروب
ثم إن العطف يقتضى المغايرة ومنطوق الآية أن آل فرعون يعرضون على النار في الصباح وفي المساء يرون مكانهم فيها ومصيرهم الذى سيصيرون إليه حتى إذا كان يوم القيامة نادى مناد آمرا
أدخلوا آل فرعون أشد العذاب أدخلوهم بعد أن كانوا يعرضون غدوا وعشيا
أدخلوهم إلى إقامة مستمرة
على
حادثة أصحاب القليب معروفة مشهورة رواها الإمام البخارى بعدة
روايات ورواها غيره بعدة روايات أيضا
هذه الروايات الرواية الآتية عن البخاري من
الله حدثنا عبد
١ غافر ٤٦
بن محمد سمع روح بن عبادة حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
٢٢٠
قال ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة أن رسول الله - - أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش فقذفوا فى طوى من أطواء بدر خبيث مخبث وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى وتبعه أصحابه وقالوا ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يافلان بن فلان ويافلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فقال عمر يارسول الله مَنْ تُكلّم مِن أجساد لا أرواح فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم
هذه الروايات كلها تتكاتف وتتساند مع الأحاديث التي رويت في عذاب القبر ونعيمه والتي تخبر أن القبر إما روضةً من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار فتدل - على أن كل إنسان إذا فارق الدنيا فإنما انتقل من طور إلى طور وإنه إذا كان الجسم سيبلى فإن الروح - مركز الشعور والإحساس والفكر - باقية تحس وتشعر
بمجموعها
وتفكر
وعن المؤمنين عامة يحسن أن نورد القصة التالية
أخرج البيهقي في البعث والطبراني - بسند حسن – عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال لما حضرت كعبا الوفاةُ أنته أم بشر بنت البراء فقالت يا أبا عبد الرحمن
إن لقيت بشرًا فأقرئه منى السلام فقال لها يغفر الله لكِ يا أم بشر نحن أشغل من ذلك
فقالت
أما سمعت رسول الله - ع - يقول إن نسمة المؤمن تسرح في الجنة حيث شاءت ونسمة الكافر فى سجين قال بلى قالت فهو ذاك أما الحديث الذي صححه أبو محمد عبد الحق فهو ما رواه ابن عبد البر في الاستذكار والتمهيد من حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحدٍ يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه إلا عَرَفَه وردَّ عليه السلام لعل السؤال الملح فيما نحن بصدده هو ما نوع هذه الحياة التي يحياها الأنبياء والشهداء وغيرهم ومن أجل الإجابة على هذا السؤال نورد ما ذكره ابن قيم بهذا الصدد في كتابه النفيس الروح إن الله سبحانه وتعالى جعل الدور ثلاثة دار الدنيا ودار البرزخ ودار
۱
القرار وجعل لكل دار أحكاما تختص بها وركب هذا الإنسان من بدن ونفس وجعل أحكام دار الدنيا على الأبدان والأرواح تبع لها ولهذا جعل أحكامه الشرعية مرتبة على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح وإن اضمرت النفوس خلافه وجعل أحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبع لها فكما تبعت الأرواح الأبدان في أحكام الدنيا فتألمت بألمها والتذت براحتها وكانت هى التى باشرت أسباب النعيم والعذاب – تبعت الأبدان الأرواح في أحكام دار البرزخ في نعيمها وعذابها والأرواح – حينئذ – هي التي تباشر
العذاب والنعيم فالأبدان هنا۱ ظاهرة والأرواح خفية والأبدان كالقبور لها والأرواح هناك ٢ ظاهرة والأبدان خفية في قبورها فتجرى أحكام البرزخ على الأرواح فترى إلى أبدانها نعيماً وعذابًا كما تجرى أحكام الدنيا على الأبدان فترى إلى أرواحها نعيما وعذابًا فأحط بهذا الموضوع علما واعرفه كما ينبغى يزل عنك كل إشكال يورد عليك من داخل وخارج
وقد أرانا الله - سبحانه – بلطفه ورحمته وهدايته من ذلك أنموذجا في الدنيا من حال النائم فإنَّ ما ينعم به أو يُعذَّب في نومه يجرى على روحه أصلاً والبدن تبع له وقد يقوى حتى يؤثر في البدن تأثيرا مشاهدًا قيرى النائم أنه في نومه ضرب فيصبح وآثار الضرب في جسمه ويرى أنه قد أكل وشرب فيستيقظ وهو يجد أثر الطعام والشرب في فيه ويذهب عنه الجوع والظماً
وأعجب ذلك أنك من ترى النائم قد يقوم من نومه ويضرب ويبطش ويدافع كأنه يقظان وهو نائم لا شعور له بشيء من ذلك لأن الحكم لما جرى على الروح استعانت بالبدن من خارجه ولو دَخَلَتْ فيه لاستيقظ وأحس
فإذا كانت الروح تتألم وتتنعم ويصلُ ذلك إلى بدنها بطريق الاستتباع فهكذا في البرزخ بل أعظم فإن تجرُّدَ الروح هناك أكمل واقوى وهي متعلقة ببدنها لم تنقطع
عنه
كل الانقطاع
فإذا
كان
يوم حشر
الأجساد
وقيام الناس من قبورهم صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد ظاهرا باديًا ومتى أعطيت هذا الموضع حقه تبين لك أن ما أخبر به الرسول - من عذاب القبر ونعيمه وضيقه وسعته وضمه للأجسام وكونه حفرة من
1 في الدنيا في البرزخ
حفر النار أو روضة من رياض الجنة - مطابق للعقل وأنه حق لا مرية فيه وأن مَنْ
أشكل عليه ذلك فمن سوء فهمه وقلة علمه أ هـ
أما
بعد فإنا نختم هذا البحث بكلمة يقولها حجة الإسلام الإمام الغزالي عن تجربة شخصية يؤيد ما هو واضح من بدهيات الجو الإسلامي في هذا الموضوع وهى كلمة تعبر عن رأى جميع الصوفية وجميع فلاسفة الإشراق
ومن أول الطريق تبتدئ المكاشفات والمشاهدات حتى إنهم - في يقظتهم - يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق من
الحال
٢ - الصلاة
ونعود إلى رحلة الإسراء ماذا بعد رمز الجهاد
ثم أتى رسول الله - الله - على قوم تُرضخ رءوسهم بالصخر وكلما رضخت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء فقال ما هذا يا جبريل قال هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة المكتوبة
أتى دور الفروض الدينية وبدأت هذه الفروض بالصلاة والصلاة هي الركن الثاني في الإسلام منزلتها تأتى بعد الإيمان بالله وبرسوله إن الرحلة المباركة ترسم الماضى والحاضر والمستقبل إنها ترسم الحياة الإسلامية في جميع أدوارها الزمنية في جانب العقيدة والأخلاق منها والصلاة – في الوضع الإسلامي - عماد الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين ومثلها في حياة المسلم كمثل نهرٍ جارٍ غمر على باب أحدكم كل يوم خمس مرات وعن عبد الله
يغتسل
منه
1
على حد تعبير رسول الله - ا - رضی الله عنه - قال قال
بن قرط -
رسول الله - أوَّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله
وعن ابن عمر - رضى الله عنهما - قال قال رسول الله - - لا إيمانَ لِمَنْ لا أمانة له ولا صلاة لمن لا طَهُورَ له ولا دين لمن لا صلاة له إنما موضع الصلاة من
۱ الغمر الكثير الماء
رواه الطبراني في الأوسط لا بأس بإسناده إن شاء الله
۳
الدين كموضع الرأس من الجسد ۱ إن الرسول - - رأى يوما - فيما يراه النائم - تمثيلاً لتارك الصلاة يشبه التمثيل الذى تقدم يقول صلوات الله وسلامه عليه فانطلقت فمررتُ على مَلَك وأمامه آدمى وبيد الملكِ صخرة يضرب بها هامة الآدمى فيقع دِمَاغه جانبًا وتقع الصخرة جانبا ولما سأل - عن ذلك قيل له أولئك الذين كانوا ينامون عن صلاة العشاء الآخِرَة ويُصلُّون الصلاة لغير مواقيتها فهم يُعَذَّبون بها حتى يصيروا إلى النار يقول الإمام القشيرى سمعتُ الأستاذ أبا على الدقاق – رضي الله عنه – يقول إن نبينا عليه السلام - أتى للأمة بالمعراج على التحقيق فإن الصلاة لنا بمنزلة المعراج وقد كان المعراج له عليه السلام ثلاث منازل
من الحرم إلى المسجد الأقصى ثم من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى ثم منها إلى
قاب قوسين أو أدنى
فكذلك الصلاة ثلاث منازل
القيام ثم الركوع ثم السجود – قال الله تعالى
وَاسْجُدْ واقترب
٣ - الزكاة
وتأتى الزكاة بعد الصلاة في ترتيب منهج الحياة الذي نحن بصدده لقد أتى رسول الله - على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام يأكلون الضريع والزقومَ ورضف جهنهم فقال ما هؤلاء فقال جبريل عليه السلام هؤلاء الذين لا يؤدون زكاة أموالهم وما ظلمهم الله وما ربك بظلام للعبيد
۱ رواه الطبراني في الأوسط والصغير وقال تفرد به الحسين بن الحكم الحجرى
العلق ۱۹
من شعر الأستاذ إبراهيم عبد الفتاح في هذه المعاني
فرض الصلاة عليه خمسا قدرها خمسون إن أحسنتهن أداء فرضت علينا في السماء لحكمة هل نستطيع لكنهها استجلاء کی نتذكر المعراج في صلواتنا ونرى بها شرفاً لنا وعلاء وتطير في أجوائها أرواحنا صعدًا لتدرك في السماء رجاء کی نهجر الأكوان حين نقيمها ونعد أنفسنا بها سعداء وتجد فيها في السرى حتى نرى صبح النجاة فنحمد الإسراء
٢٢٤
رضی
الله
عنه -
الله
وسنستمر نؤدى
والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام ولقد حارب عليها سيدنا أبو بكر - - وذلك أنه حينما انتقل الرسول - إلى الرفيق الأعلى قال بعض القبائل من الأعراب إنا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول ا الصلاة ونصوم رمضان ونحج أما الزكاة فإنها مادة ومال ولا شأن للدين بذلك وأعلنوا الامتناع عن أدائها وكان هذا أول تفكير منحرف من بعض المسلمين – في الإسلام يهدف إلى فصل الدين عن الدنيا أو المادة أو بالتعبير الحديث - يهدف إلى فصل الدين عن الدولة
فقال سيدنا أبو بكر سأحاربكم إنه سيحارب من أراد فَصْلَ الدين عن الدولة
کفر
من
فقيل له كيف تحارب من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فكانت إجابته إن الشهادتين لهما حقوق إذا امتنع إنسان عن أدائها فإنه يحارب عليها وإن من حقوق الشهادتين أداء الزكاة روى الإمام البخاري - رضى الله عنه - عن أبي هريرة – نضر الله وجهة – قال لما توفى رسول الله - ه - وكان أبو بكر - رضي الله عنه - وكفر من - بسبب عدم إخراجهم الزكاة وامتناعهم عن تأديتها - فقال عمر - رضى عنه - كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - - أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عَصَمَ منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله فقال واللهِ لأقاتَلَنَّ مَن فَرَّق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال - والله لو
العرب
الله
منعونى عناق 1 كانوا يؤدونها إلى رسول الله - ع - لقاتلتهم على منعها قال عمر - رضي الله عنه - فوالله ما هو إلا أن شرح الله صدر أبي بكر – رضى الله عنه - للقتال فعرفت أنه الحق من هذا الحديث الشريف نعلم أن مانع الزكاة - بهذا الوضع وعلى هذه الصورة – كافر وأنه يحارب حتى يؤديها وإلا قتل وقد حارب سيدنا أبو بكر – رضى الله عنه – ما نعى الزكاة لأنه رأى أنَّ الامتناع عن الزكاة - إنكارا لها - ارتداد عن الإسلام ولم ينفعهم - فيما رأى سيدنا أبو بكر وفيما رأى الصحابة معه - صلاة أو صيام أو غير ذلك من الشعائر الإسلامية
1 أى شاة صغيرة وفي رواية أخرى عقالا والمقصود أي شيء ولو كان يسيرا
٢٢٥
ذلك أن الزكاة ركن من أركان الإسلام والامتناع عن أدائها إنما هو هدم لركن من
أركان الدين إنها الركن الثالث يدفعها من تجب عليه لمستحقها ليحيى بها نفوسا ويُشبع بها
بطونا ويمسح بها دموعاً ويُزيل بها آلاماً وينال بها ثوابا وأجرًا من الله وما من شك في أن الزكاة رابطة بين الإنسان وربه إنها رابطة رضوان من الله وأجرٍ وثواب ونماء وبركة
ورابطة شكر من الإنسان الله تعالى على ما أنعم به وتفضل وأحْسَنَ وأكرم
وهي – من ناحية أخرى - رابطة بين الإنسان وأفراد المجتمع الذي يعيش فيه مودة وتعاطف وتراحم
وقد أنذر الله تعالى الممتنع عن أدائها وتوعده بعذاب أليم
رابطة
أما الذي يؤديها فقد ذكره الله سبحانه وتعالى فيمن رضى عنهم وأجزل لهم ثوابه
يقول سبحانه
فأنذرتكم نارًا تَلَظَّى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتَوَلَّى وسَيُجنبها الأتقى الذي يؤتي مَالَه يَتَزكى وما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تُجْزَى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى
ولسوف يرضى 1
ويقول سبحانه
ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبیر
ޑ
الصدقة
وبجوار الزكاة يحسن الحديث عن الصدقة سواء كنا بصدد الزكاة أو بصدد الصدقة فإن الله سبحانه وتعالى يقول
مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كَمَثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة
1 الليل ١٤ - ٢١ آل عمران ۱۸۱
٢٢٦
مائة حبة والله يضاعف لِمَن يشاء والله واسع عليم ۱ ويقول سبحانه فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغنى عنه ما له إذا تردى ٢
ويقول سبحانه وما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه وهو خير الرازقين ۳
لقد رأى رسول الله - ل - صورة الممتنعين عن الزكاة ورأى – أيضا – فيما يراه صورة أكلى الربا ورأينا أن نتحدث عن الربا بعد الحديث عن الزكاة والصدقة مباشرة لما بينهما من فرق هو الفرق بين الخير والشر
فالزكاة والصدقة منح وعطاء والربا أخذ وسلب
ه - الربا
فقد رأى رسول الله - - نهراً من الدم يفور كفوران المرجل وعلى حافتي النهر ملائكة بأيديهم نار كلما طلع طالع قذفوه بها فيقع في فيه فيشتعل إلى أسفل ذلك النهر فلما سأل رسول الله - - عنهم قيل له أولئك الذين أكلوا الربا فهم يعذبون بها حتى يصيروا إلى النار
أما في رحلة الإسراء والمعراج فإنه - - مرَّ بقوم بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر على الأرض فلما سأل عنهم جبريل قال هم أ أكلة الربا وللصورة البشعة للربا آذن الله سبحانه المتعاملين به بالحرب لقد آذن الله بالحرب
صنفين
من الناس ١ - أكلة الربا
المعادين
الأولياء الله أعلن الحرب على أكلة الربا في القرآن الكريم فأذنوا بحرب
من الله ورسوله ٤ وأعلن الحرب على من عادى الأولياء في الحديث القدسي الذي
رواه الإمام البخاري
من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب
١ البقرة ٢٦١ الليل ٥ - ۱۱ ۳ سباً ۳۹
٤ البقرة ۷۹
۷
ورمز المرابي في ليلة الإسراء رجل يسبح فى بحرٍ من الدم ويلقى في فمه قطع من
النار يبتلعها
إنه يسبح في الدماء التي امتصها ممن تعامل معهم وما أخذ من قطع النقود تلتهب نارا تصير في جوفه تحترق وتشتعل فيها
ولا
ريب
أن الطرف المعارض للصدقة وللزكاة - الطرف الذي يبغضه
الله
ويبغض
المتعاملين به - هو الربا
ولقد حارب الإسلام الربا حرباً لا هوادة فيها حاربه لأنه مبدأ ليس بإنساني واستعمل محاربته من التعبير أقساه
لقد حاربه في جملته وتفصيله يقول الله تعالى
الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يَقُومُ الذى يتخبطه الشيطان من المس۱ والمتعاملون بالربا أولئك اصحاب النار هم فيها خالدون والله سبحانه وتعالى يقول يمحق الله الربا ويُربى الصدقاتِ والله لا يُحبُّ كُلَّ كفار أثيم ۳ ولكنه سبحانه وتعالى يفتح للمتعاملين بالربا ابواب توبته يقول تعالى ﴿ يأيها الذين آمنوا اتَّقُوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تَظْلِمُون ولا تُظلمون
ومما لا شك فيه أن الربا - على أية صورة من صوره - يتعارض مع الروح الدينية العامة التي هي الرحمة والتعاون ونذكر فى نهاية الحديث عن الصدقة والربا والزكاة قوله تعالى وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب
المحسنين 0
الله
وفي هذه الآية الكريمة يشير الله سبحانه إلى أن الشح والبخل وعدم الإنفاق في سبيل
إنما هو إلقاء بالنفس إلى التهلكة
۱ البقرة ٢٧٥ ختام الآية السابقة
۳ البقرة ٢٧٦
٤ البقرة ۷۸ - ۸۱
٥ البقرة ١٩٥
۸
ويقول سبحانه آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جَعَلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا
منكم وأنفقوا لهم أجر كبير 1
·
وفي هذه الآية الكريمة يرشد الله سبحانه وتعالى إلى أن أصحاب الأموال قد الله - سبحانه وتعالى - فى ماله هو وأنهم مجرد مستخلفين وهذا يشير إلى
استخلفهم أنهم إذا أساءوا فإنه يرفع استخلافهم على المال فيصبحوا ولا مَالَ لهم ويقول سبحانه ومن ذا الذى يقرض الله قرضا حسنًا فيضاعفه له وله أجر کریم
إنه سبحانه وتعالى يضاعفه له فى الحياة الدنيا ثم يجزل له الأجر يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم ۳
تجرى من
الثبات على العقيدة
نقلتنا هذه الرحلة المباركة من التوبة إلى الجهاد مباشرة ثم كانت الصلاة والزكاة ممثلتين لبقية فروض العبادة
وقد تحدثت الرحلة عن أنواع من الآثام باعتبارها ممثلة لما عداها وأن الله سبحانه
يحاسب عليها وعلى غيرها من المعاصى إذا لم يبادر الإنسان بالتوبة الخالصة النصوح وقبل أن نبدأ في ذكر هذه الآثام نتحدث عن قوة الإيمان وثبات المؤمنين والتمسك بالعقيدة حتى ولو أدّى ذلك إلى الموت على أى كيفية إن الشهداء - من أجل عقيدتهم - لهم رائحة زكية تستمر حتى يوم القيامة وإن الرائحة الزكية التي تنبعث من الأماكن التي استشهدوا فيها والأماكن التي وقفوا فيها لتدل دلالة واضحة على أنهم في رياض الجنة محاطين بروح من نسمائه ومن رحمته
لقد شم رسول الله - - في مسراه رائحة طيبة
فقال ما هذا يا جبريل قال هذه رائحة ماشطة بنتِ فرعون وأولادها
۱ الحديد ۷
الحديد ۱۱
۳ الآية الكريمة ١٢ من سورة الحديد
أما قصتهم فهي كما يلى لقد شم رسول الله - - الرائحة الطيبة وسأل عنها جبريل فأخبره أنها رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها
نعم
وبينما تمشط بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها
فقالت باسم الله تَعِس فرعون فقالت ابنة فرعون أَوَلَكِ رب غير أبي قالت
قالت فأخبر بذلك أبي قالت نعم فأخبرته فدعاها فقال أو لك رب
غیری
قالت نعم ربي وربك الله وكان للمرأة زوج وثلاثة أولاد أصغرهم رضيع فأرسل إليهم فراود المرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما فأبيا - فقال إني قاتلكما قالت إحسانًا منك إلينا - إن قتلتنا - أن تجعلنا في مكان واحد فتدفتنا فيه جميعا فقال ذاك لك بما لك علينا من الحق فأمر ببقرة من نحاس فأحميت بزيت ثم أمَرَ فألقوا فيها واحدا واحدا حتى بلغ الرضيع - وكانت أمه تحمله - ولشفقتها عليه تلكات بهم وكادت ترجع لموافقة فرعون فقال يا أمه قَعى ولا تَقاعَسى فأنكِ على الحق فكان هذا الرضيع ممن تكلموا في المهد خرقاً للعادة
وإنا لنا في تاريخنا الإسلامي مواقف مشهورةً مشهودة وقف فيها الصحابة - رضوان الله عليهم - مواقف من لا يُبالى على أى جنب كان في ا
الله
مصرعه
ففى غزوة بدر استشار رسول الله - ع - الصحابة في الجهاد فقام المقداد بن عمرو - رضي الله عنه - وكان من المهاجرين فقال يا رسول الله أمض لما أراك فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى إذْ هَب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكن اذْهَبَ أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك دونه حتى تبلغه
وقام سعد بن معاذ -
رضی الله
عنه - وكان من الأنصار فسأل رسول الله - - عما إذا كان يعنى الأنصار باستشارته هذه فلما أجاب رسول الله - ع - بالإيجاب
قال
لقد آمنا وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد
٢٣٠
وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا إنا لصبر فى الحروب صدق عند اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله
الرموز الخاصة باللسان
يقول العرب مقتل الرجل بين فكيه
ومن المعروف أنه مما يكب الناس على وجوههم فى جهنم إنما هى حصائد السنتهم ولقد حذر الله سبحانه – في كثير من آي القرآن - من آثام اللسان وحذر رسوله
- في كثير من الأحاديث النبوية - عن آثام اللسان يقول الله سبحانه وتعالى يأيها الذين آمنوا لا يَسْخَر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء أن يكُنَّ خيرًا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لَمْ يَتُبْ فأولئك هم الظالمون ۱
عسى
ويصور القرآن مثل المغتاب في صورة بالغة الشناعة يقول تعالى ولا يغتب بعضكم بعضاً أيجب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم مثل الله سبحانه الاغتياب بأكل لحم الإنسان وجعل المأكول أخا وجعل الأخ ميتا وعقب على ذلك بقوله فكرهتموه
فقد
ولقد نالت آثام اللسان في رحلة الإسراء قدرًا موفورا من التشبيه والتمثيل ۱ - لقد أتى رسول الله - - على قوم تُقرَضَ ألسنتهم وشِفَاهُهم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء فقال ما هذا يا جبريل
قال هؤلاء خطباء الفتنة خطباء أمتك يقولون ما لا يفعلون
- وأتى على حجر صغير يخرج منه ثور عظيم فجعل الثور يريد أن أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع فقال ما هذا يا جبريل قال هذا مَثَلُ الرجل يتكلم بالكلمة الطيبة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها ورأى قوماً أظفارهم من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم
1 الحجرات ۱۱
الحجرات ۱
۳۱
فقال من هؤلاء يا جبريل
قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في
٤ - ورأى قوما تُقطع لحومهم من جنوبهم وتُطعم لهم كرها فقال من هؤلاء
يا جبريل قال هؤلاء مثل الغمازين والهمازين والأمازين
ه - وفى إحدى رؤاه - - رأى ملكا وبين يديه آدمى وبيد الملك كلوب من حديد فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه حت ينتهى إلى أذنه ثم يأخذ في الأيسر فيلتئم الأيمن فلما سأل جبريل عنه قال له أولئك الذين كانوا يمشون بين المؤمنين بالنميمة ليفرقوا بينهم فهم يعذبون بها حتى
يصيروا إلى النار
- آثام الجوارح
والجريمة الكبرى الجريمة الأساس إنما هي الإلحاد يقول سبحانه قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة
وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتَّخذوا آياتى ورسلى هزوا ۱
وقد وضع
الله سبحانه وتعالى للملحدين تمثيلاً فى القرآن الكريم بين فيه العلل والأسباب وأوضح فيه النتائج وأسفر عن الصورة صارخة لا يحجبها قناع يقول
سبحانه
من
الغاوين
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسَلَخَ منها فأتبعه الشيطان فكان ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخْلَدَ إلى الأرض واتَّبع هواه فَمَثَله كَمَثَل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا
وجرائم الجوارح ذكر الله سبحانه وتعالى كثيرا منها في قوله تعالى قل تعالوا أقل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانا
۳
۱ الكهف
1 -1
الأعراف ١٧٥ - ١٧٦
ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرَّمَ الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون
ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعَهْدِ الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون
وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فَتَفَرَّقَ بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ۱ ولقد ذكرت الرحلة المباركة بعض الرموز التي تمثل آثام الجوارح ذكرت البعض ولم تذكر الكل وذلك أنها ما كانت بصدد الإحصاء والاستقصاء
۱ - من ذلك مثلا أن رسول الله - - أتى على قوم بين أيديهم لحم نضج في قدر ولحم نيء خبيث فجعلوا يأكلون من النيء الخبيث ويدعون النضيج فقال ما هؤلاء يا جبريل
قال هذا الرجل من أمتك تكون عند المرأة الحلال الطيبة فيأتى امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح والمرأة تقوم من زوجها حلالاً طيبا فتأتى رجلا خبيثا فتبيت عنده حتى تصبح والله سبحانه وتعالى يقول
والزانية والزاني فاجلدواكل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في إن كنتم تؤمنون بالله واليوم ا الآخرة وَلْيَشْهَدْ عذابهما طائفة من المؤمنين
دین
الله
٢ - ثم أتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد
عليها فقال ما هذا يا جبريل
قال هذا الرجل من أمتك تكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد
أن يحمل عليها
ورسول الله - ع - يقول لا إيمان لمن لا أمانة له
1 الأنعام ١٥١ - ١٥٣ النور ٢
وفي حديث أبي سعيد أنه رأى أخونة الحم طيب ليس عليها أحد وأخرى
عليها لحم نتن عليها ناس يأكلون
- {
قال جبريل هؤلاء الذين يتركون الحلال ويأكلون الحرام وأنه مر بقوم مشافرهم كالإبل يلتقمون جمرا فيخرج من أسفلهم وأن جبريل قال عنهم هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما
ألوانا
أما جزاء أصحاب الآثام إذا لم يتوبوا فهو دخولهم في جهنم حيث العذاب
وعن جهنم نقول إن رسول الله - ع - أتى على وادٍ فسمع صوتا منكرًا ووجد
ريحا منتنة
فقال ما هذا يا جبريل قال هذا صوت جهنم تقول
رب آتنی ما وعدتني فقد كثرت سلاسلى وأغلالي وسعيرى وحميمي وضريعي وغساقي وعذابي وقد بعد قعرى واشتد حرى فأتني ما وعدتني قال لك كل مشرك ومشركة وكافر وكافرة وكل جبار لا يؤمن بيوم
الحساب
قالت قد رضيت
- 4
الوصول إلى بيت المقدس
ووصل رسول الله - - إلى بيت المقدس وفى رواية أنس عند مسلم ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن
فقال جبريل اخترت الفطرة أى اخترت اللبن الذي عليه بنيت الخلقة
وقال النووى المراد بالفطرة هنا الإسلام والاستقامة
والخمر - في التعبير الإسلامي - هى أم الخبائث وأخبر الله سبحانه وتعالى أنها رجس
من عمل الشيطان
وقد لعن الله شاربها وبائعها وحاملها والمحمولة إليه ولعن عاصرها والمتجر فيها على أى وضع كان
والبيرة من أنواع الخمور وكل ما أسكر كثيره فقليله حرام
٢٣٤
وفي رواية ابن مسعود نحوه - أى نحو رواية أنس السابقة - دخلت المسجد فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد ثم أذن مؤذن فأقيمت الصلاة فقمنا صفوفا ننظر من يؤمنا فأخذ بيدى جبريل فقدمني فصليت بهم وفي رواية أبي أمامة
محمدام
الله
عن الطبراني ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا
١٠ - عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى
ثم عرج به - ه - إلى السموات العلا فتجاوزها سماء سماء حتى تجاوز الكون كله وكان عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى الجنة التي يأوى إليها المتقون من عباد وشم رسول الله - - ريحا طيبة باردة كريح المسك وسمع صوتاً فقال ما هذا يا جبريل قال هذا صوت الجنة تقول ربِّ آتِني ما وعدتني ! به فقد كثر غرفي واستبرقى وحريري وسندسى وعبقرى ولؤلؤى ومرجاني وفضتى وذهبي وأكوابي وصحافي وأباريقى ومراكبى وعسلى ومائى ولبنى وخمري فاتنى بما وعدتني
قال لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحا ولم يشرك بي شيئًا ولم يتخذ من دونى أندادًا ومن خشينى ومن سألني فقد أعطيته ومن أقرضنى جازيته ومن توكل على كفيته إننى أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد قد أفلح المؤمنون وتبارك الله أحسن الخالقين
قالت قد رضيت
١١ - إذ يغشى السدرة ما يغشى
في إبهام ما يغشى من التفخيم ما لا يخفى
فكأن الغاشى أمر لا يحيط به نطاق البيان ولا تسعه أردان الأذهان
وصيغة المضارع الحكاية الحال الماضية استحضار لصورتها البديعة وجوز أن يكون
للإيذان باستمرار الغشيان بطريق التجدد
وورد في بعض الأخبار تعيين هذا الغاشي
فعن الحسن
غشيها نور رب العزة جل جلاله
٢٣٥
ونحوه ما روى عن أبى هريرة يغشاها نور الحق سبحانه ۱
يقول الله تعالى
المشاهدة
سلمة
وثم دَنَا فَتَدلَّى فكان قابَ قَوْسَين أو أدنى ٢
ويقول الإمام ابن حجر
أبي
وقد أخرج الأموى فى مغازيه عن طريق البيهقي عن محمد بن عمرو وعن
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى ولقد رآه نَزلَةً أخرى ٣ قال دنا منه ربه
يقول الإمام ابن حجر وهذا سند حسن وهو شاهد قوى لرواية شريك ويكون المعنى على غرار يَنزِل ربنا
ثم نسأل هل رأى محمد - - ربه هل شاهد الجلال والجمال
نقول أولا إن الإمام الصاوى ذكر بمناسبة تفسير قوله تعالى
و وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون 4 إن هذه الآيات حكاية عن اعتراف الملائكة بالعبودية ردا على عبدتهم والمعنى
ليس منا أحد إلا له مقام معلوم فى المعرفة والعبادة وامتثال ما يأمرنا الله تعالى به قال ابن عباس ما فى السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلى ويسبح ثم يقول الإمام الصاوى قيل إن هذه الآيات الثلاث نزلت ورسول الله - جبريل فقال النبي -
عند سدرة المنتهى فتأخر
٢٣٦
أهنا تفارقني
۱ عن الألوسي
النجم ٩ ۳ النجم ۱۳
٤ الصافات ١٦٤ - ١٦٦
فقال جبريل ما أستطيع أن أتقدم من مكانى هذا
وأنزل الله تعالى حكاية عن الملائكة روما منا إلا له مقام معلوم الله
ووقف جبريل واقترب محمد
لقد ذهب غير واحد في قوله تعالى
ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ۱ إلى أنه في 1 إلى أنه فى العروج إلى الجناب الأقدس ودنوه سبحانه منه -
ثم علا فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى فأوحى الله إليه فيما أوحى خمسين صلاة الحديث فإنه ظاهر فيما ذكر
يقول العلامة الطيبي بما يرويه الإمام الألوسي
ولا يخفى على كل ذي لب إباء مقام فأوحى الحمل على أن جبريل أوحى إلى عبد الله ما أوحى إذ لا يذوق منه أرباب القلوب إلا معنى المناغاة بين المتسارين مما يضيق عنه بساط الوهم ولا يطيقه نطاق الفهم
وكلمة ثم على هذا للتراخي الرتبي
والفرق بين الوجهين أن أحدهما وحى بواسطة وتعليم والآخر بغير واسطة بجهة
التكريم وعن جعفر الصادق - عليه الرضا - أنه قال لما قرب الحبيب غاية القرب نالته غاية الهيبة فلاطفه الحق سبحانه بغاية اللطف لأنه لا تتحمل غاية الهيبة إلا بغاية اللطف وذلك مثل قوله تعالى
فَأَوْحَى إلى عبدِهِ ما أَوْحَى
أي كان ما كان وجرى ما جرى قال الحبيب للحبيب ما يقوله الحبيب لحبيبه به الطاف الحبيب بحبيبه وأسر إليه ما يُسير الحبيب إلى حبيبه فأخفيا ولم يطلعا على
وألطف
سرهما أحدًا
وإلى نحو هذا يشير ابن الفارض بقوله
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا سر أرق من النسيم إذا سَرَى
۱ النجم ٩ ١٠
۳۷
ومعظم الصوفية على هذا فيقول يدنو الله عز وجل من النبي - - ودنوه سبحانه
على الوجه اللائق
وقال بعضهم في قوله تعالى ما زَاغَ البَصَرُ وَمَا طغى ۱ أى ما زاغ بصر النبي - - وما التفت إلى الجنة ومزخرفاتها ولا إلى الجحيم وزفراتها بل كان شاخصاً إلى الحق وما طغى عن الصراط المستقيم
وقال أبو حفص السهروردى ما زاغ البصر حيث لم يتخلف عن البصيرة ولم يتقاصر وما طغى لم يسبق البصيرة ويتعد مقامه
"
وما من شك في أن المشاهدة أنواع وألوان والمشاهدة هنا على الوجه اللائق أما كيفيتها
فلا يعلمها إلا الله ورسوله
۳۸
۱ النجم ١٧
ولكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا
الفضل التاشر عن
[ صدق الله العظيم ]
سورة النساء الآية ١٦٦
طرق في إثبات النبوة
طرق في إثبات النبوة
يتفاوت الناس فى طاقاتهم التي يثبتون بها النبوة وعندنا عدة طرق تعبر – بمجرد ذكرها – عن نفاستها في الاستدلال
ولسنا – من أجل تعبيرها الواضح - في حاجة إلى شيء كثير من التعليق عليها بل إنه ليكفي مجرد ذكرها
ونحن نذكر هنا بعضها دون ترتيب معين
وهذا الذى نذكره هنا هو في غاية النفاسة
وسيرى القارئ منازع مختلفة من المنطق ومن الحكمة أجمل ما يكون المنطق وأحكم ما تكون الحكمة
سيرى القارئ الأدلة العقلية في ألوان شتى منها ما يرجع إلى السيرة الشخصية للرسول ومنها ما يرجع إلى تعاليمه العظيمة ومنها ما يرجع إلى ثقة أصحابه فيه ومنها ما يرجع إلى التزامه هو - عليه السلام - ومنها ما يرجع إلى الآثار الحميدة التي ترتبت على الرسالة ومنها ما يمزج بين بعض هذه الأدلة ومنها ما يجمع بينها وبعض الذين عاشروه - قبل البعثة - آمنوا به دون استدلال إنهم ليعرفون فيه
الصدق والأمانة والحكمة فماذا يعوزهم بعد ذلك
لقد عرفوه غلاما مباركًا وشابا أمينًا ورجلا ناضجاً فأمنوا بمجرد سماع الخبر وإن في ذكر هذه الألوان البديعة من منطق النابهين لمتعة عقلية وروحية للقارئ الكريم وإننا نتبع منهج القرآن في إثبات النبوة وهذا المنهج اتبعه الإمام الغزالي واتبعه عالم الاجتماع الكبير ابن خلدون ولأجل أن يكون منهجنا - من أول الأمر - واضحا فإننا نورد هنا لمحة خاطفة عن القرآن تتلوها فكرة الإمام الغزالى ومنهج الإمام ابن خلدون في ذلك وكلها مناهج عامة تثبت النبوة من زوايا كثيرة ثم نتبع ذلك بطرق شبه خاصة والطريقة القرآنية في إثبات النبوة هى إيراد أدلة كثيرة تتكاتف لتؤدى إلى اليقين
منهج
٢٤١
إن القرآن الكريم تحدى العرب والعجم والإنس والجن أن يأتوا بمثله أو بسورة
من مثله وكان القرآن - ولا يزال - معجزة الرسول لله ولقد كتبنا عن ذلك في مكان آخر
ذلك فإن القرآن والرسول الله يأتيان بأدلة كثيرة أخرى لإثبات النبوة ومع ولم الشك في أمر الرسول مع أنه لو أخبرهم
على
أن خيلاً وراء الوادى ستغير عليهم لصدقوه لأنهم لم يعهدوا عليه كذبا أنه قد لبث فيهم - من قبل ذلك - أربعين عاما فلم يحدثهم بنبوة ولا برسالة ! ذلك أن هذا الأمر إنما يرجع إلى مشيئة الله فحسب وقل لو شاء الله ما تَكوتُه عليكم ولا أَدْرَاكُمْ به فقد لبثْتُ فيكم عمرًا من قبله أفلا تعقلون ۱
ويطلب إليهم القرآن أن يتفكروا في أمر صاحبهم هذا الذي نشأ بينهم وترعرع على مرأى ومسمع منهم بل كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم بالصدق والأمانة ورجاحة
العقل قال تعالى
وقل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا الله مَثْنَى وفُرادَي ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنَّة إن هو إلا نذير لكم بين يدى عذاب شديد ولم الشك في أمره مع أنه قد تجرد من كل مطمع دنيوى٣
۱ سورة يونس آية ٦١
سورة سبأ آية ٤٦ والمعنى على ما ورد في الزمخشري ملخصا
إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهى أن تقوموا لوجه الله خالصا متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا ثم تتفكروا فى أمر محمد صلى عليه وسلم وما جاء به أما الاثنان فيتفكران ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه وينظران فيه متصادقين متناصفين لا يميل بهما اتباع هوى ولا ينفر لهما عرق عصبية لا يهجم بهما الفكر الصالح والنظر الصحيح على جادة الحق وسنته وكذلك الفرد يفكر في نفسه بعدل ونصفه غير أن يكابر ويعرض فكره على عقله وذهنه وما استقر عنده من عادات العقلاء ومجاري أحوالهم والذي أوجب تفرقهم مثنى وفرادى أن الاجتماع مما يشوش الخواطر ويمنع من الرؤية ومع ذلك يقل الإنصاف ويكثر الاعتساف
وقد علمتم أن محمدا صلى الله عليه وسلم ما به من جنة بل علمتموه أرجح قريش عقلا وأصابهم رأيا وأصدقهم قولاً وأنزههم نفسًا فكان مظنة لأن تظنوا به خير وإذا فعلتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بأن يأتيكم بآية ۳ التفكير الفلسفي ص ٥٨
٢٤٢
قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى إلا على الله وهو على كل شيء شهيد۱
ولم التشكك في أمره وهو أمى لا يقرأ ولا يكتب ! ومن كانت حاله هذه لا يمكنه أن يستمد ما يقول من كتاب قال تعالى
وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون ٢ هذه الظروف وهذه الملابسات - فضلاً عن القرآن الكريم - ترشد إلى أن محمدا لله كان صادقًا في دعواه ۳
الإمام الغزالى وإثبات النبوة
هذه الطريقة تأسى بها الإمام الغزالى
أن الإمام الغزالي يرى أن القطع فيما يتعلق بدلائل النبوة لا يستفاد من طريق واحد
وإنما تتكاتف عدة دلائل فتفيد اليقين بمجموعها إنه يرى أن المعجزة نفسها - إذا استقلت - لا تؤدي عند بعض الناس إلى اليقين
التام
إنها لم تؤد إلى ذلك عند فرعون ومن تبعه بالنسبة لمعجزات سيدنا وقالوا ساحر كذاب
موسی عليه السلام
ولم تؤد إلى ذلك عند من بشَّرَ لديهم عيسى عليه السلام وإلا لأمنوا كلهم وما آمن به إلا القليل الذي لا يكاد يذكر
وهؤلاء الرسل الذين دمر الله قومهم تدميراً ألم يأتوا بمعجزات لقد كان التدمير لأنهم طلبوا المعجزات فلما أتتهم كذبوا بها وأعرضوا عنها ولم
يستجيبوا لنداء الهداية
ما هي الطريقة الصحيحة فيما يرى الإمام الغزالي - متابعا في ذلك القرآن الكريم –
لإثبات النبوة
إنا نتركه يتحدث عن ذلك بنفسه إنه يقول
۱ سورة سبأ آية ٤٧
سورة العنكبوت آية ٤٨ ۳ التفكير الفلسفي ص ٥٩
٢٤٣
>>
أحواله
فإن وقع لك شك في شخص معين أنه نبى أم لا فلا يحصل اليقين إلا بمعرفة
إما بالمشاهدة أو بالتواتر والتسامع فإنك إذا عرفت الطب والفقه يمكنك أن تعرف الفقهاء والأطباء بمشاهدة أحوالهم وسماع أقوالهم وإن لم تشاهدهم
ولا تعجز أيضا عن معرفة كون الشافعى رحمه الله - فقيها وكون جالينوس طبيبا معرفة بالحقيقة لا بالتقليد عن الغير بل بأن تتعلم شيئًا من الفقه والطب وتطالع كتبهما وتصانيفهما فيحصل لك علم ضرورى بحالها فكذلك إذا فهمت معنى النبوة فأكثرت النظر في القرآن والأخبار يحصل لك العلم الضروري بكونه على أعلى درجات النبوة وأعضد ذلك بتجربة ما قاله في العبادات وتأثيرها في تصفية القلوب وكيف صدق في قوله
من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم
وكيف صدق في قوله
من أعان ظالما سلطه الله عليه !
وكيف صدق في قوله
من أصبَح وهمومه هم واحد هو التقوى ۱ كفاه الله تعالى هموم الدنيا
والآخرة !!
فإذا جربت ذلك في ألف وألفين وآلاف - حصل لك علم ضرورى لا تتمارى فيه فمن هذا الطريق اطلب اليقين بالنبوة لا من قلب العصا ثعبانا وشق القمر فإن ذلك إذا نظرت إليه وحده ولم تنضم إليه القرائن الكثيرة الخارجة عن الحصر - ربما ظننت سحر وتخييل وأنه من الله إضلال فإنه تعالى يُضل من يشاء ويهدى من يشاء وترد عليك أسئلة المعجزات فإن كان مُسْتَئِدًا إيمانك إلى كلام منظوم في وجه دلالة المعجزة فينخرم إيمانك بكلام مرتب فى وجوه الشكال والشبهة عليها فليكن مثل الخوارق إحدى الدلائل والقرائن فى مجلة نظرك حتى يحصل لك علم
۱ ما بين القوسين زيادة عن الجامع الصغير وضعناها لبيان المعنى
وفى سنن ابن ماجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جعل الهموم هما واحدًا هم المعاد كفاه الله هم الدنيا ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم
يال الله في أى أوديته هلك
٢٤٤
ضرورى لا يمكنك ذكر مستنده على التعيين كالذى يخبره جماعة بخبر متواتر لا يمكنه أن يذكر أن اليقين مستفاد من قول واحد معين بل من حيث لا يدرى ولا يخرج عن جملة ذلك ولا بتعيين الآحاد فهذا هو الإيمان القوى العملى
وأما الذوق فهو كالمشاهدة والأخذ باليد ولا يوجد إلا في طريق الصوفية فهذا القدر - من حقيقة النبوة - كاف فى الغرض الذي أقصده الآن
D
وسأذكر وجه الحاجة إليه ۱ ا هـ
ابن خلدون وإثبات النبوة
يقول ابن خلدون في المقدمة السادسة
كتابه النفيس المقدمة
من
اعلم أن الله سبحانه اصطفى من البشر أشخاصاً فضلهم بخطابه وفطرهم على معرفته وجعلهم وسائل بينه وبين عباده يعرفونهم بمصالحهم ويحرضونهم على هدايتهم ويأخذون بحجزاتهم عن النار ويدلونهم على طريق النجاة
وكان - فيما يلقيه إليهم من المعارف ويظهره على ألسنتهم من الخوارق والأخبار - الكائنات المغيبة عن البشر التى لا سبيل إلى معرفتها إلا من الله بوساطتهم ولا يعلمونها
إلا بتعليم الله إياهم قال
ألا
واعلم
وإني لا أعلم إلا ما علمنى الله
حقيقة النبوة
معهم مع
خبرهم في ذلك من خاصيته وضرورته الصدق لما يتبين لك عند بيان
وعلامة هذا الصنف من البشر أن توجد لهم - في حال الوحى - غيبة عن الحاضرين غطيط كأنها غَشى أو إغماء فى رأى العين وليست منهما في شيء وإنما هي - الحقيقة - استغراق فى لقاء الملك الروحانى بإدراكهم المناسب لهم الخارج عن مدارك البشر بالكلية ثم يتنزل إلى المدارك البشرية إما بسماع دوى من الكلام فيتفهمه أو يتمثل
له صورة شخص يخاطبه بما جاء به من عند الله
VI
ثم تنجلى عنه تلك الحال وقد وعى ما ألقى عليه
۱ راجع المنقذ من الضلال تحقيقنا - الطبعة السابعة
٢٤٥
قال وقد سئل عن الوحى
أحيانا يأتيني مثل صَلْصَلَةِ الجَرَس وهو أشدُّه على فيفصم عنى وقد وعيت ما قال وأحيانا يتمثل إلى الملك رجلاً فيكلمني فأعى ما يقول
وبدر
که
أثناء ذلك الشدة والغَط ما لا يُعبر عنه ففى الحديث من
كان مما يعالج من التنزيل شدة
وقالت عائشة
كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا وقال تعالى إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا ۱
ولأجل هذه الحالة في تنزل الوحى كان المشركون يرمون الأنبياء بالجنون ويقولون له رئى أو تابع من الجن وإنما لبس عليهم بما شاهدوه من مظاهر تلك الأحوال ومن يُضْلِلِ الله فَمَاله هادی من
ومن علاماتهم أيضا أنه
المذمومات والرجس أجمع
يوجد لهم - قبل الوحى - خلق الخير والزكاة ومجانبة
وهذا هو معنى العصمة وكأنه مفطور على التنزه عن المذمومات والمنافرة لها وكأنها
منافية لجبلته
عمه العباس لبناء الكعبة فجعلها في
وفي الصحيح أنه حمل الحجارة وهو غلام مع إزاره فانكشف فسقط مغشيا عليه حتى استتر بازاره ودعى إلى مجتمع وليمة فيها عُرس ولعب فأصابه غَشى النوم إلى أن طلعت الشمس ولم يحضره شيئًا من شأنهم بل عن ذلك كله حتى إنه – بجبلته – يتنزه عن المطعومات المستكرهة فقد كان لا يقرب البصل والثوم فقيل له فى ذلك فقال إنى أناجي من لا تناجون لما أخبر النبي خديجة رضى الله عنها بحال الوحى أول ما فجأه وأراد
نزهه
الله
وانظر
اختباره
فقالت اجعلني بينك وبين ثوبك
فلما فعل ذلك ذهب عنه فقالت إنه ملك وليس بشيطان
ومعناه أنه لا يقرب النساء
1 المزمل ٥ الرعد ۳۳
٢٤٦
وكذلك
سألته أحب الثياب إليه أن يأتيه فيها
عن
فقال البياض والخضرة
فقالت إنه الملك
يعنى أن البياض والخضرة من ألوان الخير والملائكة والسواد من ألوان الشر والشياطين وأمثال ذلك
ومن علاماتهم أيضا دعاؤهم إلى الدين والعبادة من الصلاة والصدقة والعفاف
وقد استدلت السيدة خديجة
رضی
الله
عنها على صدقه له بذلك وكذلك أبو
بكر ولم يحتاجًا في أمره إلى دليل خارج عن حاله وخلقه
وفى الصحيح أن هرقل – حين جاءه كتاب النبي يدعوه إلى الإسلام - أحضر من وجد ببلده من قريش وفيهم ابو سفيان ليسألهم عن حاله فكان – فيما سأل - أن قال بم يأمركم فقال أبو سفيان بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف إلى آخر ما سأل
فأجابه فقال إن يكن ما تقول حقا فهو نبي وسيملك ما تحت قدمي هاتين
والعفاف الذي أشار إليه أبو سفيان هو العصمة
فانظر كيف أخذ العصمة من والداء إلى الدين والعبادة دليلاً على صحة نبوته ولم يحتج
إلى معجزة فدل على أن ذلك من علامات النبوة !! ومن علاماتهم أيضا أن يكونوا ذوى حسب في قومهم وفي الصحيح ما بعث الله نبيا إلا في مَنَعَةٍ من قومه وفي رواية أخرى في ثروة من قومه
استدركه الحاكم على الصحيحين
وفي مساءلة هرقل لأبي سفيان كما هو في الصحيح قال
كيف هو فيكم
قال أبو سفيان
هو فينا ذو حسب
فقال هرقل
والرسل تُبْعَثُ في أحساب قومها
٢٤٧
ومعناه أن تكون له عصبة وشوكة تمنعه عن أذى الكفار حتى يبلغ رسالة ربه ويتم
مراد الله من إكمال دينه وملته
إسلام خديجة رضي الله عنها
يتحدث ابن خلدون – طيب الله ثراه - عن السيدة خديجة رضي الله عنها وعن أبى بكر رضى الله عنه فى إسلامهما فيقول إنهما
لم يحتاجا في أمره الا الله إلى دليل خارج عن حاله وخلقه ا هـ
كيف اسلمت خديجة رضى الله عنها
لقد
رسول رجع
الله من الغار إلى بيته بعد أن فجأه الوحى في غار حراء رجع
يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال
-
زملونی زملونی
فزملوه حتى ذهب عنه الروع
فقال لخديجة - أخبرها - لقد خشيت على نفسي
فقالت خديجة
كلاً والله لا يخزيك الله أبدًا إنك لتصل الرّحم وتقرى الضيف وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق
وبذلك أسلمت خديجة رضى الله عنها وذلك أنها صدقت وآمنت وأقسمت على أن الله سبحانه وتعالى متوّل رسول الله برعايته وعنايته وعللت ذلك بما تعرفه عنه من الرحمة والخلق الكريم
وكانت بذلك أول من اعتنق الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهى - وإن كانت قد ذهبت إلى ورقة وإلى غيره - فإنما كان ذلك لتكون الرؤية واضحة
في ذهنها وفي ذهنه
ولقد سبق إيمانها سؤالها !!
والسيدة خديجة رضوان الله عليها
أوسع وتفصيلا أكثر
٢٤٨
في صلتها برسول الله - تستحق دراسة
D
ومن أجل ذلك كتبنا الآتى
رضى الله عنها لقد كانت تسمى وزيرة صدق
وكانت تسمى الطاهرة
وكانت تسمى سيدة نساء قريش
قال المؤرخ الكبير ابن إسحاق عن السيدة خديجة رضى الله عنها
وكانت خديجة وزيرة صدق
وبقول السهيلي صاحب الروض
الأنف
وخديجة بنت خويلد تسمى الطاهرة في الجاهلية والإسلام وفي سيرة التيمي أنها كانت تسمى سيدة نساء قريش
وقالت عائشة رضى الله عنها
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها فذكرها يوما فحملتني الغيرة فقلت
لقد عوّضك الله من كبيرة السن قالت فرأيته غضب غضبا فأسقط في يدى وقلت في نفسي
D
اللهم إن أذهبت غضبَ رسولك عنى لم أعد أذكرها بسوء
فلما رأى النبي لما قلت قال كيف قلت والله آمنت بي إذ كذبني الناس وواستني إذ رفضني الناس ورزقت منها الولد وحرمته منى قالت فَغَدا وراح على بها شهرا
ولسنا هنا بصدد التأريخ لحياة وزيرة الصدق الطاهرة سيدة نساء قريش وإنما نريد أن نرسم بعض لوحات من حياتها لنرى منها الدرجة السامية التي كانت عليها روية وعقلا وفطرة طاهرة وذكاء وفطنة وصلتها بالرسول صلى الله عليه وسلم تبدأ فى صورة وثيقة بعمله لها في مالها متاجرا به ولقد عرفته بسبب ذلك بصورة طبيعية عن قرب ولاحظت - متعمدة وغير متعمدة - الكثير من الخلال الجميلة التي تحلى بها وحدثها غير واحد عن وكيلها في التجارة وحدثها ميسرة حديثاً مثيراً يبعث في النفس العجب والإعجاب وبدأت فكرة الزواج بمحمد تتبلور فى نفسها الطاهرة شيئًا فشيئًا ولكنها ما كانت تتعجل الأمور
٢٤٩
وها هي ذى تذهب إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وتذكر له ما لاحظته من صفات محمد وأحواله وتذكر له ما قاله ميسرة مما رآه ومما سمعه فيقول ورقة
لئن كان هذا حقا يا خديجة إن محمدًا لنبى هذه الأمة وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر هذا زمانه اهـ وعادت خديجة من عند ابن عمها وقد أصبحت فكرة الزواج بمحمد أكثر تبلورا
وأكثر جاذبية وما كانت الجاذبية – في أساسها أو في أهدافها - تتمثل في الجانب الجسماني وإن كان محمد من أحسن الناس خَلْقًا
وما كانت تتمثل فى جانب الثروة فما كان محمد صاحب ثراء عريض وإن كان عنده من الذكاء ما يمكنه - لو أراد أن يكون من أصحاب الثروات وإنما كان منطلق الجاذبية هذه السمات الخلقية الكريمة وهذه الروحانية البادية الشفافية وهذه الإشراقات التي ثم تخفت ثم تعود إلى لألائها من جديد نفاذةً أخاذة ماذا يكون من الأمر !! وذات يوم بدأت الطاهرة في الأخذ في المقدمات
تتلالاً
ولم تكن المقدمات مقدمة واحدة
أما أولاها - فيما نرى - فهو ما رواه الفاكهى في كتاب مكة قال عن أنس أن النبي كان عند أبي طالب فاستأذنه أن يتوجه إلى خديجة فأذن له وبعث بعده جارية له يقال لها نبعة فقال
انظری ما تقوله له خديجة
قالت نبعة فرأيتُ عجبا ما هو إلا أن سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب وكان مما قالت أرجو أن تكون أنتَ النبى الذى ستبعث فإن تكن هو فاعرف حقى ومنزلتي وادع الإله الذي يبعثك لى
قالت فقال لها
والله لئن كنت أنا هو قد اصطنعتِ عندى ما لا أضيعه أبدًا وإن يكن غيرى فإن الإله الذى تصنعين هذا لأجله لا يضيعك أبدًا
وقد روى القصة الفاكهى ورواها الإمام ابن حجر ولم يضعفها
وما من شك في أن هدف الطاهرة هدف نبيل
٢٥٠
ولقد لاحظ محمد كل ذلك حين قال لها فإن الإله الذى تصنعين هذا لأجله أى أنها لم تصنع هذا إلا من أجل الإله الحق الذي تعتقد أن محمدا سيكون رسوله !! وأما المقدمة الثانية فهى ما حدثت به نفيسة بنت منبه قالت كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير وهى – يومئذ أوسط قريش نسبا وأعظمهم شرفًا وأكثرهم مالاً وكل قومها كان حريصاً على الزواج منها لو قدر على ذلك ولقد طلبوها وبذلوا لها الأموال فأرسلتني دسيسا إلى محمد بعد أن رجع عيرها من الشام
فقلت يا محمد ما يمنعك
أن تتزوج
فقال ما بيدى ما أتزوج به
قلت فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب
قال فمن هي
قلت خديجة
قال وكيف لي بذلك
قلت على
قال فأنا أفعل
فذهبت فأخبرتها
وأصبحت المسألة واضحة في ذهن محمد
أما المقدمة الثالثة فهي المقدمة المباشرة
يقول السهيلي
كانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من كرامته فلما أخبرها ميسرة بما أخبرها به بعثت إلى رسول الله له فقالت له فيما يزعمون
يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك في قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك ثم عرضت عليه نفسها
وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبًا وأعظمهن شرفًا وأكثرهن مالاً كل قومها كان حريصاً على ذلك منها لو يقدر عليه وتم الاتفاق على كل شيء وجاء آل عبد المطلب وعلى رأسهم حمزة رضى ا الله عنه وأبو طالب – إلى بيت
٢٥١
خديجة وكان في استقبالهم عم خديجة عمرو بن أسد وابن عمها ورقة بن نوفل وقام أبو طالب خطيبًا فكان مما قال
أما بعد فإن محمدا ممن لا يوزَنُ به فتى من قريش إلا رجَحَ به شرفا ونبلاً وفضلاً وعقلاً وإن كان فى المال قُل فإنما المال ظل زائل وعاريَّة مسترجعة وله في خديجة
بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك
ورضى عمرو وقال
وهو الفحل لا يُقدَعُ أنْفُه
ورضى ورقة
وتم الزواج
هذه
للأمور
النادر
هی اللوحة الأولى وهى دليل واضح على الروية والنضج والذكاء وحسن
التأني
وحسن الاختيار واللوحة الثانية جميلة حقا رائعة حقا وإنه ليتمثل فيها وضوح العبقرية والنضج
فلقد سارت الحياة رخاء فى عش الزوجية لقد كان محمد - بالنسبة لخديجة – الأخ والابن والزوج وكانت خديجة - بالنسبة له - الأخت والابنة والزوجة لقد كان بينهما حنان وعطف وحب وكان بينهما - من قبل ذلك ومن بعده
متبادل
وذات يوم
تقدير
رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضى الله عنها
فقال زملونی زملونی فزملوه حتى ذهب عنه الروع 1
لم يكن هذا شأن محمد صلى الله عليه وسلم فيما مضى وقد لاحظت وزيرة الصدق تغيرا محسوساً في شأن محمد فجلست تنتظر أن يحدثها الحديث جلست يسرح بها الخيال ويملؤها واحترمت إرادته لقد أراد الخلوة بنفسه في غرفته منفردًا فلم تقتحم عليه الغرفة ومع حبها الشديد له ولهفتها عليه - آثرت هواه وانتظرت وكان الانتظار طويلاً وفى النهاية ها هو ذا يتحرك ويأتى نحو خديجة فيحدثها بما يذهللها ويسعدها من خبر
الإشفاق
الوحى والملك ومجيء الحق وهو في غار حراء ثم قال لها
٢٥٢
۱ صحيح الإمام البخاري
لقد خشيت على نفسى
وتسارع الوزيرة - دون فتور ودون تباطؤ أو تلكؤ - فتقول بـ ما تقول - كلاً والله ما يخزيك الله أبدًا
لماذا لقد عللت ذلك قائلة
مقسمة على
إنك لتصل الرحم وتحملُ الكلَّ وتكسب المُعْدِمَ وتقرى الضيف وتعين على نوائب
الحق !!
هذا قانون سنة رب العزة وأعلنته الوزيرة إنه قانون له مقدماته وله نتائجه أما المقدمات فهي كلها تتبلور فى كلمة الرحمة
أما النتائج فإنها تتبلور في عدم الخزى
وكان هذا أول قانون تعلنه الوزيرة بعد الوحى ويؤيده الإسلام ويؤكده ويبينه
من زوايا متعددة
الراحمون يَرْحَمُهُمُ الرحمن
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء
لا تنزع الرحمة إلا من قلب شقى
إلى غير ذلك من المبادئ الإسلامية التي تتعلق بالرحمة ونشيطت خديجة نشاطا عظيمًا
"
لقد دخل فى هذه الحياة الهادئة الوديعة عنصر جديد مفاجئ مذهل سعید عذب وغمر خديجة شعور قوى بالمسئولية الملقاة على عاتقها وكانت رضوان الله عليها في المستوى الجدير بهذه المسئولية وكان أول شيء في نظرها هو أن تصبح صورة ما حدث واضحةً في ذهنها وفى ذهن زوجها واضحة أسبابا وواضحة موضوعا وواضحة غاية وهدفًا وأرادت أن تنطلق لتسعد بالحديث في هذا مع من يعرفون هذه الأمور في بصيرة وفي استنارة وقبل أن تنطلق اتجهت إلى زوجها في حنان وأخذت تمسح عن وجهه وتقول أبشر فوالله لقد كنتُ أعلم أن الله لن يفعل بك إلا خيرًا وأشهد أنك نبي هذه الأمة
الذي تنتظره اليهود قد أخبرني به ناصح غلامي وبحيرى الراهب
فلم تزل برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طعم وشرب وضحك
٢٥٣
فلما ضحك رسول الله الا الله قامت فجمعت عليها ثيابها ثم انطلقت من مكانها فأتت غلامًا لقيه ربيعة بن عبد شمس نصرانيا من أهل نينوى يقال له عداس فقالت له
يا عداس اذكرك بالله ألا ما أخبرتني هل عندك علم من جبريل ! فقال
قدوس !! قدوس !! ما شأن جبريل يذكر بهذه الأرض التي أ أهلها أهل الأوثان فقالت أخبرني بعلمك فيه قال فإنه أمين الله بينه وبين النبين وهو صاحب موسى وعيسى عليهما السلام ثم ركبت إلى الراهب وكان قريباً من مكة فلما دنت منه وعرفها قال مالك يا سيدة نساء قريش
فقالت أقبلت إليك لتخبرني عن جبريل فقال
سبحان الله ربنا القدوس ما بال جبريل يذكر في هذه البلاد التي يعبد أهلها الأوثان جبريل أمين الله ورسوله إلى أنبيائه ورسله وهو صاحب موسى وعيسى
ثم
فعرفت كرامة الله لمحمد
وكانت خاتمة المطاف أن أتت ورقة بن نوفل فسألته عن جبريل فقال لها مثل ذلك
سألها ما الخبر فأحلفته أن يكتم ما تقول له فحلف لها فقالت له إن ابن عبدالله ذكر لي - وهو صادق - أحلف بالله ما كذب ولا كذب أنه نزل عليه جبريل بحراء وأنه أخبره أنه نبى هذه الأمة وأقرأه آيات أرسل بها
لئن
قال فَذعِر ورقة لذلك وقال كان جبريل قد استقرت قدماه على الأرض لقد نزل على خير أهل الأرض وما نزل إلا على نبي وهو صاحب الأنبياء والرسل يرسله الله إليهم وقد أفدتك عنه فارسلی إلى ابن عبد الله أسأله وأسمع من قوله وأحدثه فإني أخاف أن يكون غير جبريل فإن بعض الشياطين يتشبه به ليضل به بعض بنى آدم ويفسدهم حتى يصير الرجل - بعد العقل الرضى - مدلها مجنونا فقامت من عنده وهى واثقة بالله أن لا يفعل بصاحبها إلا خيرًا وانطلقت خديجة بمحمد الله إلى ورقة فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك
٢٥٤
فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى
فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة
هذا الناموس الذي نَزَّلَ الله على موسى ياليتني فيها جَذَعا ليتنى أكون حيًا إذ
يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أو مخرجي هم
قال نعم لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِيَ وإن يدركني يومك أنصُرْكَ
نصرًا مؤزرا
وتنفست خديجة ملء رئتيها ونظرت إلى محمد نظرة فيها ما لا يوصف من المعاني ودخل في صلتها به عنصر جديد إنها زوجة رسول يوحى إليه !! وكما حملتها السعادة التي يحب السعيد نشرها وإذاعتها والعمل على أن يحظى بمثلها أو بنصيب منها الآخرون على أن تطوف وأن تتحدث إلى هذا وذاك - فقد حملتها على أن تُجرى التجارب على جبريل
نفسه
لقد أحبت السيدة الذكية أن تضع جبريل عليه السلام موضع الاختبار والملاحظة وأن تجرى عليه بعض التجارب لتتبين أمره فى وضوح أوضح وفي تأكيد أكد وما كان يتأتى أن يدور إلا بذهن خديجة
نظرا لفطنتها ونباهتها
يقول ابن خلدون معتمداً على الأحاديث الصحيحة
وانظر لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم خديجة رضى الله عنها بحال الوحى أول ما فجأه وأرادت
اختباره
فقالت اجعلني بينك وبين ثوبك
فلما فعل ذلك ذهب عنه
فقالت إنه ملك وليس بشيطان
ومعناه أنه لا يقرب النساء
وروى البيهقى هذه القصة في شيء من التفصيل وذلك أن خديجة رضي الله عنها قالت لرسول الله فيما بينه مما أكرمه الله به من نبوته
يا ابن عم تستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك
٢٥٥
فقال نعم فقالت إذا جاءك فأخبرني
فبينما رسول الله له عندها إذ جاءه جبريل فرآه رسول الله الله فقال يا خديجة
هذا جبريل
فقالت أتراه الآن
قال نعم
قالت فاجلس إلى شقى الأيمن فتحوَّلَ فجلس فقالت أتراه الآن
قال نعم
قالت فتحول فاجلس في حجرى فتحول فجلس في حجرها فقالت هل أتراه
الآن
قال نعم
فحسرت رأسها فشالت خمارها ورسول الله جالس في حجرها فقالت
هل تراه الآن قال لا
قالت ما هذا بشيطان إن هذا الملك يا ابن عم فاثبت وأبشير ثم آمنت به وشهدت أن ما جاء به هو الحق
لقد آمنت به منذ اللحظة الأولى لحديثه معها عن الوحى
قال ابن إسحاق فحدثت عبدالله الحسن هذا الحديث فقال قد سمعت أمى فاطمة بنت الحسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة إلا أني سمعتها تقول أدخلت رسول الله بينها وبين دِرْعِها فذهب عند ذلك جبريل عليه السلام قال البيهقى وهذا شيء كان من خديجة تصنعه تستثبت به الأمر احتياطا لدينها
وتصديقاً
ويقول ابن خلدون أيضا
وكذلك سألته عن أحب الثياب إليه أن يأتيه فيها فقال
البياض والخضرة
فقالت إنه ملك
أن یعنی وأمثال ذلك
البياض والخضرة من ألوان الخير والملائكة والسواد من ألوان الشر والشياطين
٢٥٦
الجنة
هذه هي خديجة سيدة نساء قريش الظاهرة التي يصفها الذهبي فيقول
وهى ممن كمل من النساء كانت عاقلةً جليلةً دينةٌ مصونةً كريمة من أهل
وكان النبي يثنى عليها ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين ويبالغ في تعظيمها
لقد كانت حقا وزيرة صدق
وبعد فإن ما قلناه هنا يلخصه الإمام البوصيرى فيقول في همزيته المباركة ورأته خديجة والتقـى والـ زهد فيـــه سجية والحياء وأناها أنَّ الغمامة السر ح أظلتـــــه أفياء وأحاديث أن وعد رسول الله بالبعث حان منه الوفاء فدعته إلى الزواج وما أخ سن ما يبلغ المني الأذكياء وأتاه في بيتها جبرئيل ولذى اللب في الأمور ارتياء فأماطت عنها الخمار لتدرى أهو الوحى أم هو الإغماء فاختفى عند كشفها الرأس جبري ل فما عاد أو أعيد الغطاء فاستبانت خديجة أنه الكن ز الذى حاولته والكيمياء بعد فإنا نختم الكلام عن خديجة رضى الله عنها بالحديثين التاليين
أما
عن
عائشة رضی الله عنها قالت ما غيرت على امرأة لرسول الله ما غرت على خديجة مما كنت أسمع من ذكره لها وما تزوجنى إلا بعد موتها بثلاث سنين ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب ۱ لا نصب فيه ولا صخب أخرجاه في الصحيح من أوجه أخر
عن أبي زرعة قال سمعت أبا هريرة قال أتى جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام طعام أو شراب فإذا هي أ أتتك فاقراً عليها السلام من ربها ومنى وبشرها ببيت فى الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب
رواه البخارى فى الصحيح عن قتيبة ورواه مسلم عن ابن أبي شيبة
1 يقول صاحب مختار الصحاح والقصب أيضا أنابيب من جوهر وفى الحديث بشر خديجة بيت في الجنة من قصب
٢٥٧
ورقة بن نوفل
لقد كان ورقة عربيا
أصيلاً
من ذروة بيوتات قريش وهو - كما يروى صاحب
الأغانى -
-
أحد من اعتزل عبادة الأوثان فى الجاهلية وَطَلَبَ الدين وقرأ الكتب وامتنع من
أكل ذبائح الأوثان
طلب ورقة الدين ولم يكتف فى طلبه باللغة العربية بل لعل اللغة العربية إذ ذاك لم تكن تسعفه بما يريد من معرفة فتعلم العبرانية
يقول الإمام البخاري عنه
وكان امراً تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل
بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب
وهو القائل هذه الأبيات الشائقة في الأوساط المؤمنة
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته يبقى الإله ويُرْدَى المال والولد
والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
لم تغن عن هرمز يوما خزائنه ولا سليمان إذ دان الشعوب له والجن والإنس تجرى بينها البرد ۱ ولقد سئل عنه رسول الله فيما بعد فقال قد رأيته في المنام كأن عليه ثياباً بيضا فقد أظن أن لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض
وقد كان ورقة معروفا بالعقل الناضج والمعرفة الواسعة والإخلاص المخلص وقد كان في فترة بدء الوحى هذه شيخًا كبيرًا قد عَمى أى أنه مرَّ بالتجارب الكثيرة في
الله
الدين والدنيا فأصبح لا يرجو إلا حُسن الخاتمة والعمل - ما استطاع - في سبيل ا من أجل كل ذلك انطلقت السيدة خديجة بالرسول الله إليه وقالت له يا ابن عم اسمع من ابن أخيك
فلما أخبره رسول الله له خبر ما رأى قال ورقة دون تردد ولا تلعثم ولا انتظار
۱ البرد جمع بريد وهو الرسول
٢٥٨
هذا هو الناموس الذي نزل الله على موسى
قال ذلك في يقين جازم وفى إيمان مؤمن
أما الأسباب التي دعت ورقة إلى هذا القول فإن منها - الاشك – معرفته بحياة الرسول عازفا عن طلب المجلد الزائف والجاه المفتعل وكان – وهو الأهم – بعيدا عن أن يكون عبدا للدنيا ولقد سمع ورقة حديثا يحدد معالم صورة صحيحة مخلصة للصدق الصادق وسمع هذا التعبير البرىء عن عنصر المفاجأة في الموضوع
إن الحديث لا بمنطق مروى ولا بتفكير مدير ولا بمحاولة - أيا كانت - يتسم للتلبيس والزيف إنها البراءة المطلقة
لقد فاجأه الملك على غير انتظار وعلى غير توقع وفاجأه في خلوة يرجو فيها رحمة الله ويأمل فيها رضاءه وفاجأه بأمر لم يكن له على بال
D
اقرأ
ما أنا بقارئ
ففاجأه الملك بأمر غريب آخر لقد أخذه فغَطَّه حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله وقال
له من جديد اقرأ وتكرر ذلك
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده قال
زملونی زملونی
فلما ذهب الروع قص على السيدة خديجة رضى الله عنها ما أرى ثم قال
لقد خشيت على نفسي
إن كل ذلك برهان واضح على الصدق وعلى الإخلاص فإذا ما أضيف ذلك إلى ما يعرفه ورقة من حياة الرسول مع الله فإن ثمرة ذلك التصديق والايمان بيد أن النور الذي
غمر ورقة إنما كان إشعاع قوله تعالى
1
اقرأ باسم ربك الذي خلق
۱ العلق آية ١
٢٥٩
حينما سمع ورقة أول آية من القرآن
اقرأ باسم ربك الذي خلق الله
لم يملك أن آمن هذا أن الذي يُتلى – إنما هو وحى من السماء
إن واقرأ باسم ربك كم تنص على أن القراءة لا تكون باسم وزير ولا أمير ولا باسم
منفعة شخصية ولا باسم مصلحة إقليمية ولا باسم غاية مادية أيا كانت ولا باسم
وطن أو بيئة وإنما هي باسم الله
الله
وإذا كانت باسم ! فإنها تفيد الشخص باعتباره فردا وتفيد المجتمع الخاص الذي نسميه وطنًا وتفيد المجتمع الاسلامى العام بل وتفيد الإنسانية جمعاء وإذا ما تجردت القراءة لله تعالى وكان هدفها الأول والأخير هو الله مصدر الخير والنور كانت خيرا وكانت نورا في جميع الأرجاء وفي جميع وما كان يقصد القرآن قط بهذه الكلمة الأولى القراءة وحسب وإنما كانت القراءة رمزاً لكل ما يأتيه الإنسان فى الجانب الإيجابي وكل ما يَدَعُه الإنسان في الجانب
السلبي
إن هذه الكلمة الأولى تريد أن تقول
الأزمان
اقرأ باسم ربك تحرك باسم ربك تكلم باسم ربك اعمل باسم ربك أما إذا امتنعت عن حركة أو فعل فينبغى أن يكون ذلك أيضا باسم ربك ويكون معنى الآية في
النهاية جرد حياتك كلها وكيانك كله أسبابًا وغايات إلى الله سبحانه وتعالى
وإذا كانت الآية الكريمة واضحة المعنى في الجانب الإيجابي الذي يحث على القراءة والذى يحث على أن تكون القراءة باسم الله - فإن الجانب السلبي قد نزلت فيه – فيما بعد – آيات صريحة الدلالة واضحة المعنى يقول الله تعالى
ولا تأكلوا مما لم يُذكر اسم ال الله عليه وإنه لفسق ۱
وأما ما ذبح على النصب فهو لم يُرَدْ به وجه الله تعالى وهو أيضا فسق لأنه لم يُذكرِ
اسم الله عليه كله حرام
۱ الأنعام آية ۱۱
٢٦٠
الله
اقرأ والإخلاص
وحينما سمع ورقة هذه الكلمة الأولى لم يملك أن آمن وماذا يمكن أن تقول لشخص ويدعوك أن تتجرد إليه سبحانه شخص لم يطلب مالاً ولا جاها ولا زعامة ولا ملكا إنه يريد أن تقرأ الإنسانية كلها باسم ربها وأن تقوم - في كيانها
تجرد إلى
كله – على أساس من تربية ربها
ماذا يمكن أن تقول له
أيمكن أن تقول له إنك كذاب فما هو الصدق إذن
أيمكن أن تقول له إنك منافق فأين هو الإخلاص
إن هذه الكلمة الأولى قادت ورقة - فور سماعها - إلى الإيمان
وأسلم ورقة ورآه رسول الله الا الله في المنام كأن عليه ثيابا بيضا وقال له تعليقا
على الرؤيا
مال
فقد أظن أن لو كان من أهل النار لم أرَ عليه البياض رضى
أبو بكر رضى الله عنه
عنه
كان أبو بكر - كما يقول ابن كثير - صدرًا معظما ورئيساً في قريش مكرما وصاحب
ويقول ابن إسحاق
وكان أبو بكر رجلاً متألفا لقومه مُحَيَّبًا سهلاً وكان أنسب قريش لقريش وأعلم
قريش بما كان فيها من خير وشر وكان رجلاً تاجرًا ذا خلق ومعروف وكان رجل قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجاربه وحسن
مجالسته
ويقول رسول الله الله - فيما رواه ابن اسحاق ما دعوتُ أحدًا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عكم
تلبث عنه حين ذكرته ولا تردد فيه
٢٦١
كيف أسلم
يقول ابن اسحاق
ثم إن أبا بكر الصديق لقى رسول الله له فقال
أحق ما تقول قريش يا محمد من ترككَ الهتنا وتسفيه عقولنا وتكفيرك آباءنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى إني رسول الله بعثنى لأبلغ رسالته وأدعوك إلى الله بالحق فوالله إنه ونبيه للحق أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له ولا تعبد غيره الموالاة على
طاعته
فأسلم وكفر بالأصنام وخلع الأنداد وأقر بحق الإسلام ورجع أبو بكر وهو مؤمن
مصدق
أن أبا بكر رضى
وكل هذا الذي ذكرناه إنما هو تصديق لقول ابن خلدون من الله عنه لم يحتج في أمر رسول الله إلى دليل خارج عن حاله وخلقه
ولعل القارئ قد لاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع السيدة خديجة رضى
إلى الإسلام وإنما قص عليها الخبر فقط فأسلمت بمجرد سماعها الخبر وكذلك كان أمر ورقة
أبو ذر الغفاري رضى الله عنه
الله
عنها
ولقد كانت هناك نماذج كريمة رائعة لتغلغل الدعوة إلى أعماق سرائر المؤمنين والأمثلة
لذلك كثيرة منها إسلام أبي ذر الذي يقول كنت ربع الإسلام وأسلم قبلي ثلاثة نفر و وأنا الرابع أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت السلام عليك يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فرأيتُ الاستبشار في وجه رسول الله الله
وحديث إسلام أبي ذر رضى ا الله عنه الموثوق بها أمثال البخارى ومسلم وغيرهما
حديث مستفيض جليل روته كتب السنة
ولقد روته هذه الكتب في زواياه المختلفة الثرية بالعبر والمواعظ وذلك أنه لما بلغ أبا ذر مبعث رسول الله الله قال لأخيه أنيس
٢٦٢
من
اركب إلى هذا الوادى فاعْلَم لى علم هذا الرجل الذي
أنه يزعم يأتيه الخبر
السماء فاسمع من قوله ثم ائتنى فانطلق أنيس إلى مكة وسمع من كلام الرسول علاه الله ثم رجع إلى أبي ذر فقال له رأيته يأمر بمكارم الأخلاق فقال له أبو ذر ما يقول الناس له قال يقولون إنه شاعر وساحر - وكان أنيس شاعرًا - وتابع أنيس حديثه قال لقد سمعتُ الكهان فما يقول بقولهم وقد وضعت قوله على أنواع الشعر فوالله ما يلتئم لسان أحد أنه شعر ووالله إنه لصادق وإنهم لكاذبون
فقال أبو ذر لأخيه هل أنت كافى - حتى أنطلق قال نعم وكن من أهل مكة على حذر فإنهم قد شنعوا له وتجمعوا له
فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة فأتى المسجد فالتمس رسول الله وهو لا يعرفه واتبع نصيحة أخيه فى أن لا يسأل عنه وأن يحذر أهل مكة حتى أدركه بعض الليل فاضطجع لينام فرآه سيدنا على فعرف أنه غريب فدعاه إلى المبيت عنده فتبعه ولم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد وظل ذلك اليوم فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى فعاد إلى مضجعه فمر به على فقال أما آن للرجل أن يعرف منزله وسار به إلى المنزل لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء ومرّ اليوم الثالث على هذه الكيفية
فلما كان في البيت سأله على رضى الله عنه قائلا
ألا تحدثني بالذي أقدمك
قال إن أعطيتني تعهدًا وميثاقاً لترشدننى فعلت ففعل فأخبره وفي الصباح ذهبا – على حذر – إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمه وأخذ أبو ذر يستمع إلى القرآن الكريم فأسلم في جلسته فقال له النبي
ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمرى فقال
والذي بعثك بالحق لأصرحَنَّ بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقام إليه الحاضرون فاشتبكوا معه في معركة حامية واستمروا به حتى رمَوْه أرضًا فأتى العباس وأنقذه منهم ولكنه عاد في
٢٦٣
الغد إلى مثلها وعادوا إلى مثل ما فعلوا وأنقذه من جديد العباس وعاد أبو ذر إلى أخيه وأعلن إسلامه فأسلم أخوه وذهبا إلى أمهما فأعلنت إسلامها وأخذ أبو ذر يبشر بالإسلام الله عنه في قومه رضى
قصة ضماد
كان ضماد رجلاً من أزد شنوءه تخصص في معالجة الأمراض العقلية كان يعالج بالرقى ويعالج بالايحاء ويعالج باللمس والدعاء وكانت مكانته في ذلك الزمن مكانة من نسميهم نحن في العصر الحاضر بالأطباء النفسيين
ويذكر الإمام مسلم والإمام البيهقى قصته لقد قدم ضماد مكة وكان يرقى من هذه الرياح فسمع سفهاء مكة يقولون إن محمدا مجنون سمع هذا الخبر هنا وسمعه هناك وعلم من الجو الاجتماعي ومن الأخبار الكثيرة – أهمية محمد القصوى في هذه المدينة
وصدق ضماد الخبر واهتم به اهتمامًا كبيرًا وخُيِّلَ إليه أنه إذا عالجه فقد اكتسب شهرة واكتسب مثوبة فقال أين هذا الرجل ثم يقول لعل الله يشفيه على يدى فلقيت محمدا فقلت إني أرقى من هذه الرياح وإن الله يشفى على يدى من شاء فهلم
أى أنه يدعوه إلى أن يستسلم له ليعالجه فقال له رسول الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يُهدِهِ الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا رسول الله وتعلقت عينا ضماد برسول الله وأنصتت أذناه وكان كيانه كله مرهفا مبهورًا
ثم قال
والله لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل هذه الكلمات ثم طلب من رسول الله ل إعادتها وكان يسمع بجميع أقطاره ولم تكفه الإعادة فطلب من جديد أن يسمعها للمرة الثالثة ثم قال فور الانتهاء من
سماعها
هلم يدك أبايعك على الإسلام فقد بلغت كلماتك هؤلاء قاموس البحر أنها بلغت قاموس البحر أنها تغلغلت إلى أعمق أعماق نفسه وامتزجت ببطانه امتزاجاً كليًّا وذلك أن قاموس البحر هو أعمق مكان فيه
ومعنى
٢٦٤
ولم ينس المسلمون – فيما بعد - موقف ضماد هذا فكانوا إذا مرت جيوشهم على قوم ضماد أحسنوا إليهم وقالوا فى مودة إنهم قوم ضماد
وكثيرا ما كانت تبلغ الدعوة إلى التوحيد قاموس البحر - على حد تعبير ضماد – فلا يبالي من آمن بإيذاء المشركين له في نفسه أو ماله ۱
وها هي ذى رواية أخرى عن إسلام ضماد تكمل ما سبق وتوضحه
عن عبد الرحمن العدوى قال قال ضماد قدمت مكة معتمرًا فجلست مجلسا فيه أبو جهل وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف فقال أبو جهل هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وسفه أحلامنا وأضل من مات منا وعاب آلهتنا فقال أمية الرجل مجنون من غير شك
ذلك
قال ضماد فوقعت في نفسي كلمته وقلت إنى رجل أعالج من الريح فقمت من المجلس أطلب رسول الله فلم أصادفه ذلك اليوم حتى كان الغد فجئته فوجدته
جالسا خلف المقام يصلى فجلست حتى فرغ ثم جلست إليه فقلت يا ابن عبد المطلب فأقبل على فقال ما تشاء فقلت إنى أعالج من من الريح فإن أحببت عالجتك ولا تكبرن ما بك فقد عالجت من كان به أشد مما بك فبرأ وسمعت قومك يذكرون فيك خصالاً سيئة من تسفيه أحلامهم وتفريق جماعتهم وتضليل من مات منهم وعيب آلهتهم فقلت ما فعل هذا إلا رجل به جنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به
۱ عن ابن عباس قال قدم ضماد مكة وهو رجل من أزد شنوءه وكان يرقى من هذه الرياح فسمع سفهاء الناس يقولون
إن محمدا مجنون فقال أتى هذا الرجل لعل الله أن يشفيه على يدى قال فلقيت محمدا فقلت إنى أرقى من هذه الرياح وإن الله يشفى على يدى من شاء فهلم فقال محمد إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له أشهد أن لا إلى إله إلا الله
وحده
لا شريك له ثلاث مرات فقال والله لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات فهلم يدك أبايعك على الإسلام قبایعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له وعلى قومك فقال وعلى قومى فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فمروا بقوم ضماد فقال صاحب الجيش للسرية هل أصبتم من هؤلاء شيئًا فقال رجل منهم أصبت منهم مطهرة فقال ردوها عليهم فإنهم قوم ضماد رواه الإمام مسلم في
صحيحه
وعن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى زاد فيه ابن المثنى وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد وزاد أيضا ولقد بلغن قاموس البحر يريد كلماته أنبأنا أبو عبدالله الحافظ قال حدثنا أبو عبدالله بن يعقوب بن يونس قال حدثني أبو محمد بن المثنى قال حدثني عبد الأعلى فذكره بزيادته ومعناه وروى عن يزيد بن زريع عن داود بن هند بزيادته وزيد أيضا و نؤمن بالله ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
٢٦٥
وأتوكل عليه مَنْ يهدِهِ الله أفلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
قال ضماد فسمعت كلاما لم أسمع كلاما قط أحسن منه فاستعدته الكلام فأعاد على فقلت الام تدعو قال إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له وتخلع الأوثان من رقبتك وتشهد أنى رسول الله فقلت فماذا لى إن فعلت قال لك الجنة قلت فإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأخلع الأوثان من رقبتى وأبرأ منها وأشهد أنك عبدالله ورسوله فأقمت مع رسول الله حتى علمتُ سوَرًا كثيرة من القرآن ثم رجعت إلى قومى قال عبد الله بن عبد الرحمن العدوى فبعث رسول الله له على بن أبي طالب عنه في سرية وأصابوا عشرين بعيرًا بموضع واستاقوها وبلغ على بن أبى
رضی
الله
طالب أنهم قوم ضماد فقال ردوها إليهم فَرُدَّت
النجاشي
قال ابن إسحاق حدثني محمد بن مسلم الزهرى عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أم سلمة بنت أبى أمية بن المغيرة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي أمنًا على ديننا وعبدنا الله تعالى لا نُؤذَى ولا نسمع شيئًا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منهم جلدين وأن يهدوا للنجاشى هدايا مما يُسْتَطْرَفُ من متاع مكة وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم فجمعوا له أدما كثيرًا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص وأمروهما بأمرهم وقالوا لهما ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشى فيهم ثم قدما إلى النجاشي هداياه ثم اسألاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم قالت فخرجا حتى قدما على
قبل
النجاشي ونحن عنده بخير دار عند خير جار فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته أن يكلما النجاشي وقالا لكل بطريق منهم إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم فإذا كلَّمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فقالوا لهما نعم ثم إنهما قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما ثم
له
كلماه فقالا
٢٦٦
أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا
في دينك وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه قالت ولم يكن شيء أبغض إلى عبدالله بن ربيعة وعمرو بن ان العاص من يسمع النجاشی فقالت بطارقته حوله صدقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهُم إليهما فليردوهم إلى بلادهم وقومهم قالت فغضب النجاشي ثم قال الله
كلامهم
!! إذن لا أسلمهم إليهما ولا يكادُ قوم جاورونى ونزلوا بلادى واختارونى على من سواى حتى أَدْعُوهُم فأسألهم عما يقول هذان فى أمرهم فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم
ما جاورونی
D
أساقفته فنشروا
حوار بين النجاشى وبين المهاجرين قالت ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله الله فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا نقول والله ما عِلْمَنا وما أمَرْنَا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن فلما جاءوا - وقد دعا النجاشي مصاحفهم حوله - سألهم فقال لهم ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل قالت فكان الذى كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسىء الجوار ويأكل القوى منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحدَه ونعبده ونخلعَ ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات وحده لا نشرك به شيئًا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام
الله
وأمرنا أن نعبد ا
الله
الله
فعبدنا
قالت فعدد أمور الإسلام - فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من وحده فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحلنا ما أحل لنا فعدا علينا
٢٦٧
قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان عن عبادة الله تعالى وأن نستحل
ما كنا عليه من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك قالت فقال النجاشي هل معك مما جاء به عن الله شيء قالت فقال له جعفر نعم فقال النجاشي فاقرأه على قالت فقرأ عليه صدرًا من كهيعص قالت فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ثم قال النجاشي إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يكادون
قالت فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص والله لآتينه غدًا عنهم بما استأصل به خضراءهم
أرحاما
قالت فقال له عبد الله بن أبي ربيعة - وكان أنقى الرجلين فينا – لا تفعل فإن لهم وإن كانوا قد خالفونا قال
والله لأخبرته أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد الله قالت
ثم غدا عليه من الغد فقال له أيها الملك ! إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيمًا فأرسل إليهم فَسَلْهُم عما يقولون فيه قالت فأرسل إليهم ليسألهم عنه فقالت
ولم ينزل بنا مثلها قط فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم عنه قالوا
نقول - والله - فيه ما قال الله وما جاءنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن قالت فلما دخلوا عليه قال لهم ماذا تقولون في عيسى بن مريم قالت فقال له جعفر بن أبي طالب نقول فيه الذي جاءنا به نبينا الله هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول قالت
فضرب النجاشى بيده إلى الأرض فأخذ منها عودًا ثم قال
والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود قالت
٢٦٨
فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال
وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم شيوم بأرضى - والشيوم الآمنون – من سبكم غرم
ثم قال
من سبكم غرم ثم قال من سبكم غَرِم ما أحِبُّ أنَّ لى دبرا من ذهب وأنى آذيت
رجلاً منكم قال ابن هشام
ويقال دبرى من ذهب ويقال فأنتم شيَوم والدبر بلسان الحبشة الجبل - ردوا
عليهما هداياهما فلا حاجة لى بها قالت
جار
فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير
المهاجرون وانتصار النجاشي
قالت فوالله إنا على ذلك إذ نزل به رجلٌ من الحبشة ينازعه في ملكه قالت فوالله ما علمتنا حَزِنا حُزنًا قط كان أشدَّ علينا من حُزْنٍ حَزِنًاه عند ذلك تخوفا أن يظهر وذلك الرجل على النجاشي فيأتى رجلٌ لا يعرفُ من حقنا ما كان النجاشي يعرف
منه قالت
وسار إليه النجاشي وبينهما عرض النيل النيل الأزرق
قالت فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا بالخبر قالت فقال الزبير بن العوام أنا
قالوا فأنت - وكان من أحدث القوم سنا - قالت فنفخواله قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التى بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم قالت فدعونا الله تعالى للنجاشى بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده قالت فوالله إنا لَعَلَى ذلك متوقعون لما هو كائن إذ طلع الزبير وهو يسعى فلمع بثوبه وهو يقول ألا أبشروا فقد ظَفِرَ النجاشي وأهلَكَ الله عدوه ومكَّن له في بلاده
قالت فوالله ما علمتنا فَرِحنا فرحةً قط مثلها
٢٦٩
قالت ورجع النجاشي وقد أهلك الله عدوه ومكن له في بلاده واستوثق عليه أمر الحبشة فكنا عنده فى خير منزل حتى قدمنا على رسول الله الله وهو في مكة ١
كان عبد
الله
عمر بن الخطاب رضی
الله
عنه
بن مسعود يقول ما كنا نقدر على أن نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر بن الخطاب فلما أسلم قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله إلى الحبشة قال عبد الله بن مسعود
عدى
بن
إن إسلام عمر كان فتحا وإن هجرته كانت نصرًا وإن إمارته كانت رحمة ولقد كنا ما نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه قال ابن إسحاق وكان إسلام عمر - فيما بلغنى - أن أخته فاطمة بنت الخطاب وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وكانت قد أسلمت وأسلم بعلها سعيد بن زيد وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر وكان نعيم بن عبد الله النَّحام من مكة رجل من بنى كعب قد أسلم وكان أيضا يستخفى بإسلامه فرقًا من قومه وكان خباب بن يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله ورهطا من أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء ومع رسول الله الله عمه حمزة بن عبد المطلب وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلى بن أبى طالب في رجال من المسلمين عنهم ممن كان أقام مع رسول الله بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له
رضی
الله
الأرت
أين تريد يا عمر فقال أريد محمدًا هذا الصابئ الذى فرّق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها
نعيم
وسب آلهتها فأقتله فقال له والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشى على
الأرض وقد قتلت محمدًا أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم قال وأى أهل بيتي
1 الروض الأنف جـ ٣ ص ٢٤٤ – ٢٤٩
٢٧٠
قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو وأختك فاطمة بنت الخطاب فقد
والله أسلما وتابعا محمدا على دينه فعليك بهما قال فرجع عمر عامدا إلى أخته وختنه وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها طه يقرئهما إياها فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم - أو فى بعض البيت - وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما فلما دخل قال ما هذه الهينمة ۱ التي سمعت
قال ما سمعت شيئًا
قال بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدًا على دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفَّه عن زوجها فضربها فشجها فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه
نغم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى وقال لأخته أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفًا انظر ما هذا الذي جاء به محمد وكان عمر كاتباً فلما قال ذلك قالت له أخته
إنا نخشاك عليها
قال لا تخافى وحلف لها بالهته ليردنها إذا قرأها إليها فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت له
يا أخى إنك نجس على شركك وإن لا يمسها إلا الطاهر فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها طه فقرأها فلما قرأ منها صدرًا
قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه !! فلما سمع ذلك خباب خرج إليه فقال له یا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خَصَّك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس وهو يقول اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو يا عمر فقال له عند ذلك عمر
بعمر بن الخطاب
فدلني يا خبَّابُ على محمد حتى آتيه فأسلم فقال له خباب هو في بيت عند الصفا معه فيه نفر من أصحابه
1 الهينمة الصوت الخفى
فالله الله
۷۱
فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عَمَدَ إلى رسول الله الله وأصحابه فضرب عليهم الباب فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله فنظر من خلال الباب فرآه متوشحا السيف فرجع إلى رسول الله الله وهو فزع فقال يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف فقال حمزة بن عبد المطلب فأذن له فإن كان يريد خيرًا بذلناه له وإن كان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذن له فأذن له الرجل ونهض إليه رسول الله حتى لقيه في الحجرة فأخذ بحجزته أو بمجمع ردائه ثم جبذه ۱ به جبذة شديدة وقال ما جاء بك يا ابن الخطاب فوالله ما أرى أن تنتهى حتى ينزل الله بك قارعة فقال
عمر
یا رسول
الله
جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء عند من الله قال فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله أن
أسلم
قد عمر
وحديث إسلام عمر وإن كان من أحاديث السير فقد خرجه الدارقطني في سننه
غير أنه خرج أيضا من طريق أنس أن أخت قالت له عمر
إنك رِجْسٌ ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضاً فقام فتوضأ ثم أخذ
الصحيفة وفيها سورة طه
ففى
هذه الرواية أنه كان وضوءا ولم يكن اغتسالا
وفي رواية يونس أن عمر حين قرأ فى الصحيفة سورة طه انتهى منها إلى قوله
التجرى كل نفس بما تسعى می
فقال ما أطيب هذا الكلام وأحسنه ! وذكر هذا الحديث بطوله وفيه أن الصحيفة كان فيها مع سورة طه وإذا الشمس كورت وأن عمر انتهى في قراءتها إلى قوله علمت نفس ما أَحْضَرَت ۳
۱ جيده جذبه
طه آية ١٥
۳ انظر الروض الأنف جـ ٣ ص ٢٦٤ ٦٧ ۷۶ ۷۷
۷
عن عمر
D
عن عبد الله بن هشام قال
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إلى من كل شيء إلا نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من
قال عمر فأنت الآن - والله - أحب إلى من نفسى
فقال النبي صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر
قال عبد
الله
1
بن مسعود ما زلنا أعزةً منذ أسلم عمر
وصدق أمير المؤمنين عمر بن
الله
نفسك
الخطاب رضى عنه إذ قال لأصحابه العرب في
الشام - وهم كبار الصحابة وقادة الفتح الإسلامي وقد عابوه ببعض صنيعه – تواضعه - الذي لا يتفق مع رئيس حكومة كبيرة - إنكم كنتم أذل الناس فأعزكم الله بالإسلام فمتى تطلبوا العز بغيره يذلكم الله
وكان عمر صاحب فراسة
عن عبد الله بن عمر قال
ما سمعت عمر بن الخطاب رضى
إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن وعن عبد بن عمر قال
الله
عنه
يقول لشيء قط إني لأظن كذا وكذا
ما سمعت عمر رضى الله عنه يقول لشيءٍ قط إنى لأظنه كذا إلا كان كما يظن بينما كان عمر جالسًا إذ مر به رجل جميل فقال لقد أخطأ ظني أو أن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم على الرجل فدعى له فقال له عمر لقد أخطأ ظنى أو إنك على دينك في الجاهلية أو لقد كنت كاهنهم فقال ما رأيتُ كاليوم استقبِلَ بـ رجل مسلم قال فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني قال كنت كاهنهم في الجاهلية ۳
1 الوفا ج ۱ ص ۳۸ البخاري في الصحيح
۳ دلائل النبوة جـ ٢ ص ٢٥ تحقيق عبد الرحمن عثمان ط المكتبة السلفية بالمدينة المنورة
به
۷۳
وعن ابن عمر قال
الله
عنه بينما عمر رضى جالس إذ رأى رجلا فقال قد كنت مرة ذا فراسة وليس لى رأى إن لم يكن قد كان هذا الرجل ينظر ويقول فى الكهانة ادعوه لى فدعوه فقال من أين قدمت قال من الشام قال فأين تريد قال أردت هذا البيت ولم أكن أخرج حتى آتيك فقال عمر ألا تخبرني عن شيء أسألك عنه قال بلى قال هل كنت تنظر في الكهانة شيئاً قال نعم
عبد
الله
بن سلام
عن يحيى بن عبد الله عن رجل من آل عبد الله بن سلام قال
كان من حديث عبد الله بن سلام حين أسلم وكان حبرًا عالما قال
وعمتي
لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت صفته واسمه وهيئته والذي كنا نتوقف له فكنت مسرا لذلك صامتاً عليه حتى قدم رسول الله له المدينة فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف فأقبل رجل منى حتى أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لى أعمل فيها خالدة بنت الحارث تحتى جالسة فلما سمعتُ الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت فقالت لى عمتى حين سمعت تكبيرى لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زاد قال قلت لها أى عمة هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به قال فقالت يا ابن أخي أهو النبي الذى كنا نُخبر به أنه يُبْعَثُ مع بعث الساعة قال قلت لها نعم قالت فذاك إذا قال ثم خرجتُ إلى رسول الله فأسلمت ثم رجعت إلى أهل بيتى فأمرتهم فأسلموا وكتمت إسلامى من اليهود ثم جئتُ رسول الله
فقلت
إن اليهود قوم بهت وإنى أحب أن تُدخلنى فى بعض بيوتك تغيبني عنهم ثم تسألهم عنى فيخبرونك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامي فإنهم إن علموا بذلك بهتونى وعابوني قال فأدخلنى بعض بيوته فدخلوا عليه فكلموه وسألوه قال لهم أى رجل عبد الله بن سلام فيكم قالوا سيدنا وابن سيدنا وحَبْرُنا وعالمنا
قال فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم فقلت لهم يا معشر يهود اتقول الله واقبلوا ما جاءكم به فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة
1 ٢٧٤
اسمه وصفته فإني أشهد أنه رسول الله وأؤمن به وأصدقه وأعرفه قالوا كذبت
ثم وقعوا في
قال فقلت يا رسول الله ألم أخبرك أنهم قوم بُهت أهل غدر وكذب وفجور قال فأظهرت إسلامى وإسلام أهل بيتى وأسلمت عمتى ابنة الحارث فحسن إسلامها ۱
000
وهذه رواية أخرى عن إسلام عبد الله بن سلام لا تناقض الأولى وإنما تؤيدها وتفسرها
سمع به برسول الله صلى الله عليه وسلم عبد ا
الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم٢ منه الله ثم رجع الله أى بيوت أهلنا أقرب قال فقال أبو أيوب أنا يا نبي الله
فعجل أن يضع التي يخترف ۳ فيها فجاء وهى معه فسمع من نبى
إلى
أهله فقال
نبی
هذه دارى وهذا بابي فقال اذهب فهيئ لنا مقيلا فذهب فهياً لهما مقيلا ثم جاء قد هيأت لكما مقيلاً قوما على بركة الله فقيلا
الله
فقال یا نبی قال فلما جاء نبي الله له جاء عبد الله بن سلام رضی الله عنه فقال
أشهد أنك رسول الله حقا وإنك جئت بحق ولقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فسلهم عنى قبل أن يعلموا أني قد أسلمت فإنهم إن يعلموا أنى قد أسلمت قالوا فى ما ليس فى فأرسل نبي الله الله إليهم فدخلوا عليه فقال لهم نبی الله يا معشر يهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو
إنكم لتعلمون أنى رسول الله حقا وإني جئتكم بحق أسلموا !!
قالوا ما نعلمه فأعاد ذلك عليهم ثلاثاً ثم قال فأى رجل فيكم عبد الم بن سلام قالوا ذلك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا
اتقوا
قال أفرأيتم إن أسلم قالوا حاش لله ما كان ليسلم
قال يا ابن سلام أخرج عليهم ! فخرج عليهم فقال يا معشر يهود ويلكم الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقا وأنه جاء بحق فقالوا كذبت فأخرجهم رسول الله ٤
1 انظر دلائل النبوة جـ ٢ ص ٢٥١ ٢٥٣
اخترف التمر جناه
۳ الآنية التي يجنى فيها الثمر
٤ دلائل النبوة جـ ٢ ص ٤٩ ۵۰
٢٧٥
وعن الترمذي وابن نافع وغيرهما بأسانيدهم أن عبد الله بن سلام قال لما قدم رسول الله المدينة جئته لأنظر إليه فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ۱
معلوما من
حائط
000
زيد بن سعنة وعلامات النبوة
تبیعنی
قال عبد الله بن سلام إن الله عز وجل لما أراد هدى زيد بن سعنة قال زيد بن سعنة إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا فكنت أتلطف له لأن أخالطه فاعرف حلمه وجهله قال فخرج رسول الله له يوما من الحجرات ومعه على بن أبي طالب فأتاه رجل على راحلته كالبدوى فقال يا رسول الله إن قرية بنى فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام فكنتُ حدثتهم أنهم - إن أسلموا - أتاهم الرزق رغدا وقد أصابتهم سنة وشدة وقحط من الغيث وإني أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعا ما دخلوا فيه طمعا فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تعينهم به قال فنظر رسول الله الله إلى رجل إلى جانبه أراه عليا فقال ما بقى منه شيء يا رسول الله قال زيد بن سعنة فدنوت إليه فقلت له يا محمد هل لك أن تمرا فلان إلى أجل كذا بنی وكذا فقال لا يا يهودى ولكن أبيعك تمراً معلوما إلى أجل كذا وكذا ولا أسمى حائط بنى فلان قال فقلت نعم فبايعني فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا فأعطى الرجل وقال اعجل عليهم وأغثهم بمال زيد بن سعنة فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في أصحابه فلما صلى على الجنازة ودنا من جدار ليجلس إليه أتيته فأخذت بجوامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ وقلت ألا تقضينى يا محمد حقى فوالله ما علمتكم يا بنى عبد المطلب إلا لمطل وقد كان لى بخالطتكم علم قال فنظر إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ثم رمانی بطرفه وقال يا عدو الله اتقول الرسول الله ما أسمع وتفعل به ما أرى فوالذي بعثه بحق لولا ما أحاذر قوته لضربت بسيفي رأسك ورسول الله لا ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم ثم قال أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر وهو التقاضی اذهب به یا عمر فاقضه حقه وزده عشرين صاعا مكان ما رعته
نفر في
أنا
٢٧٦
۱ الشفاء ص ۰۷
قال زيد فذهـ ابی عمر فقضانی حقی وزادنى صاعًا من تمر فقلت ما هذه الزيادة فقال أمرنى رسول الله أن أزيدك مكان ما رعتك فقلت أتعرفني يا عمر قال لا فمن أنت فقلت أنا زيد بن سعنة قال الخبر قلت الحبر قال فما دعاك أن تقول الرسول الله ما قلت وتفعل به ما فعلت قلت يا عمر كل علامات النبوة قد عرفت في وجه رسول الله حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا فقد اخبرتهما فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد نبيا وأشهدك أن شطر مالي - فإني أكثرها مالاً صدقة على أمة محمد الله فقال عمر أو على بعضهم فإنك لا تسعهم كلهم قلت أو على بعضهم قال فرجع عمر وزيد إلى رسول الله له فقال زيد أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فآمن به وصدقه وتابعه وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة ثم قتل فى غزاة تبوك شهيدًا مقبلاً غير مدبر رحمه الله
سلمان الفارسی رضی
الله
عنه
عن محمد بن إسحاق قال حدثنى عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن ابن عباس قال حدثني سلمان الفارسي قال كنت رجلاً من أهل فارس من أهل أصبهان من قرية يقال لها جي وكان أبي دهقان أرضه ۱ وكان يحبنى حبا شديدًا لم يحبه شيئًا من ماله ولا ولده فمازال به حبه إياى حتى حبسنى فى بيت كما تحبس الجارية واجتهدت فى المجوسية حتى كنت قاطن النار الذي يوقدها ولا يتركها تخبو ساعة فكنت كذلك لا أعلم من أمر الناس شيئًا إلا ما أنا فيه حتى بنى أبي بنيانا له وكانت له ضيعة فيها بعض العمل فدعاني فقال أى بني إنه قد شغلني ما ترى من بنيانى عن ضيعتي هذه ولابد من اطلاعها فانطلق إليها فمرهم بكذا وكذا ولا تحتبس عنى فإنك إن احتبست عنى شغلتني عن كل شيء فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة النصارى فسمعت أصواتهم فيها فقلت ما هذا فقالوا هؤلاء النصارى يصلون فدخلت أنظر فأعجبنى ما رأيت من حولهم فوالله مازلت جالسًا عندهم حتى غربت الشمس وبعث أبي في طلبي في كل وجه حتى جئته حين أمسيت ولم أذهب إلى ضيعته فقال أبي أين كنت ألم أكن قلت لك لا تحتبس
عنى فقلت
1 أي سيد أهل بلده ص ٣٥٨ دلائل النبوة
۷۷
يا أبتاه ! مررت بناس يقال لهم النصارى فأعجبنى صلاتهم ودعاؤهم فجلست أنظر
كيف يفعلون
الله
ويدعونه ويصلون
فقال أي بني دينك ودين آبائك خير من دينهم فقلت لا والله ما هو بخير من دينهم هؤلاء قوم يعبدون ا له ونحن إنما نعبد نارًا نوقدها بأيدينا إذا تركناها ماتت فخافنى فجعل في رجلي حديدا وحبسنى فى بيت عنده فبعثت إلى النصارى فقلت لهم أين أصل هذا الدين الذى أراكم عليه فقالوا بالشام فقلت فإذا قدم عليكم من هناك ناس فأذنونى فقالوا نفعل فقدم عليهم ناس من تجارهم فبعثوا إلى أنه قد قدم علينا تجار من تجارنا فبعثت إليهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا فأذنونى بالخروج فقالوا نفعل فلما قضوا حوائجهم وأرادوا الرحيل بعثوا إلى بذلك فطرحت الحديد الذي في رجلي ولحقت بهم فانطلقت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها سألت من أفضل أهل هذا الدين فقالوا الأسقف صاحب الكنيسة فجئته فقلت له إني أحببت أن أكون معك في كنيستك وأعبد الله فيها معك وأتعلم منك الخير قال فكن معى قال فكنت معه وكان رجل سوء كان يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعها إليه اكتنزها ولم يعطها المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق فأبغضته بغضا شديدا لما رأيت حاله فلم ينشب أن مات فلما جاءوا ليدفنوه قلت لهم إن هذا رجل سوء وكان يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها حتى إذا جمعتموها إليه اكتنزها ولم يعطها المساكين فقالوا وما علامة ذلك فقلت أنا أخرج لكم كنزها فقالوا فهاته فأخرجت لهم سبع قلال مملوءة ذهبًا وَوَرَقًا فلما رأوا ذلك قالوا والله لا يدفن أبدا فصلبوه على خشبة ورموه بالحجارة وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه فلا والله - يا ابن عباس - ما رأيت رجلاً قط لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه وأشد اجتهادًا ولا زهادة في الدنيا ولا أدأب ليلاً ونهارا منه ما أعلمني أحببت شيئاً قط قبله حبه فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة فقلت يا فلان قد حضرك ما ترى من أمر الله وإنى والله ما أحببت شيئا قط حبك فماذا تأمرني وإلى من توصينى فقال لي أى بنى والله ما أعلمه إلا رجلاً بالموصل فأته فإنك ستجده على مثل حالى فلما مات وغيب لحقت بالموصل فأتيت صاحبها فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهادة فى الدنيا فقلت له إن فلانا أوصى بى إليك أن آتيك وأكون معك قال فأقم أى بني فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة فقلت له إن فلاناً أوصى بى إليك وقد حضر لك من أمر الله ما ترى فإلى من توصينى
من
4
۷۸
قال والله ما أعلمه أى بنى إلا رجلاً بنصيبين وهو على مثل ما نحن عليه فألحق به فلما دفناه لحقت بالآخر فقلت له يافلان إن فلاناً أو بي إلى فلان وفلان أوصا بي إليك قال فأقم يا بنى فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضرته الوفاة فقلت له يافلان إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى وقد كان فلان أوصى بى إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إليك فقال أى بنى والله ما أعلم أ أحدا اعلى مثل ما نحن عليه إلا رجلاً بعمورية من أرض الروم فأته فإنك ستجده على مثل ما كنا عليه فلما واريته خرجت حتى قدمت على صاحب عمورية فوجدته على مثل حالهم فأقمت عنده واكتسبت حتى كانت لي غنيمة وبقرات ثم حضرته الوفاة فقلت يافلان إن فلاناً كان أوصى بي إلى فلان وفلان إلى فلان وفلان إليك وقد حضرك ما ترى من أمر الله تعالى فإلى من توصينى قال أى بنى والله ما أعلمه بقى أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمانه نبى يُبْعَثُ من الحرم مهاجره بين حراثين إلى أرض سبخة ذات نخيل وإن فيه علامات لا تخفى بين كتفيه خاتم النبوة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل فإنه قد أظلك زمانه
فلما واريناه أقمت حتى مر بي رجال من تجار العرب من كلب فقلت لهم تحملونني معكم إلى أرض العرب وأعطيكم غنيمتى هذه وبقراتي قالوا نعم فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا جاءوا بى وادى القرى ظلمونى فباعونى عبدا من رجل من يهود بوادي القرى فوالله لقد رأيت النخل وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي من صاحبي وما حقت عندى حتى قدم رجل من بنى قريظة من وادى القرى فابتاعنى من صاحبي الذي كنت عنده فخرج بي حتى قدم بي المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفت نعتها فأقمت في رقى مع صاحبي وبعث الله رسوله بمكة لا يذكر لي شيء من أمره مع ما أنا فيه من الرق حتى قدم رسول الله الله قباء وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له فوالله إني لفيها إذ جاء ابن عم له فقال يافلان قاتل ا الله بنی قيلة ۱ والله إنهم - الآن - قباء مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبى فوالله ما هو إلا أن سمعتهما فأخذتنى العرواء - يقول الرعدة - حتى ظننت لأسقطن على صاحبي ونزلت أقول ما هذا الخبر ما هو فرفع مولاى يده فلكمنى لكمة شديدة وقال مالك ولهذا أقبل على عملك فقلت لا شيء إنما سمعت خبرًا فأحببت أن أعلمه فلما أمسيت -
۱ هم الأوس والخزرج ص ۳۱ دلائل النبوة
لفي
۷۹
وكان عندى شيء من طعام - فحملته وذهبت إلى رسول الله الله وهو بقباء فقلت إنه قد بلغني أنك رجلٍ صالح وأن معك أصحابًا لك غرباء – وقد كان عندى شيء من الصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد به فها هو ذا فكل منه فأمسك رسول الله يده وقال لأصحابه كلوا ولم يأكل فقلت - في نفسي - هذه خلة مما وصف لى صاحبي ثم رجعت وتحول رسول الله له إلى المدينة فجمعت شيئا كان عندى جئته به فقلت إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية وكرامة ليست بالصدقة فأكل رسول الله وأكل أصحابه فقلت هذه خلتان ثم جئت رسول الله وهو يتبع جنازة وعلى شملتان لى وهو في أصحابه فاستدرت به لأنظر إلى الخاتم في ظهره فلما رآنی رسول الله استدبرته عرف أنى استثبت شيئا قد وصف لى فوضع رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لى صاحبي فأكببت عليه أقبله وأبكى فقال لي تحول يا سلمان هكذا فتحولت فجلست بين يديه وأحب أن يسمع أصحابه حديثي عنه فحدثته يا ابن عباس كما حدثتك فلما فرغت قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب یا سلمان صاحبى على ثلثمائة نخلة أحيبها وأربعين أوقية وأعانني أصحاب رسول الله بالنخل الرجل بثلاثين ودية ۱ وعشرين ودية وعشر كل رجل منهم على قدر ما عنده فقال لى رسول الله فقر لهما فإذا فرغت فأذنى حتى أكون أنا الذى أضعها بيدى ففقرتها وأعاننى أصحابي - يقول حفرت لها حيث توضع – حتى فرغنا منها ثم جئت رسول الله فقلت يا رسول الله قد فرغنا منها فخرج معى حتى جاءها وكنا نحمل إليه الودى ويضعه بيده ويسوى عليها فوالذي بعثه بالحق ما ماتت منها ودية واحدة فأديت النخل وبقيت على الدراهم فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل من الذهب فقال رسول الله الله أين الفارسي المسلم المكاتب فَدُعيت له فقال هذه يا سلمان فأدها مما عليك فقلت يا رسول الله وأين تقع هذه مما على قال فإن الله تعالى سيؤدى بها عنك فوالذي نفس سلمان بيده لَوَزَنتُ لهم منها أربعين أوقية فأديتها إليهم وكان الرق قد حبسنى حتى فاتنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بَدْرٌ و أحدٌ ثم عتقت فشهدت الخندق ثم لم يفتنى معه مشهد ۳۱ هـ
البيضة
وقال النضر بن الحرث لقريش قد كان محمد فيكم غلامًا حَدَثًا أرضاكم فيكم
1 الودية بكسر الدال وتشديد الياء الفسيلة الصغيرة
فقر بتشديد القاف حفر لزرع مسائل النخل ۳ راجع النص فى دلائل النبوة جـ ١ من ص ٣٥٨ إلى ٣٦٤
۸۰
وأصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صُدْغَيه الشيب وجاءكم بما جاءكم
به قلتم ساحر لا والله ما هو بساحر ۱
أخرج الواحدى عن مقاتل قال
كان الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف يكذب النبي الله في العلانية فإذا خلا مع أهل بيته قال ما محمد الله من أهل الكذب ولا أحسبه إلا صادقا فأنزل الله تعالى قد نعلم إنه ليحزنك الذى يقولون فإنهم لا يكذبونك ٢
عن أنس بن مالك قال
بينما نحن جلوس مع النبي - - في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال لهم أيكم محمد والنبي المتكى بين ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ فقال له الرجل ابن عبد المطلب فقال النبي - ه - قد أجبتك فقال الرجل للنبي - - إنى سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد على في نفسك فقال سل عما بدا لك فقال أسألك بربك ورب من قبلك الله أرسلك إلى الناس كلهم فقال اللهم نعم
قال أنشدك بالله الله أمرك أن تصلى الصلوات الخمس في اليوم والليلة قال
اللهم نعم
قال أنشدك بالله الله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا فقال النبي - - اللهم نعم
فقال الرجل آمنتُ بما جئت به وأنا رسول من ورائى قومى وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر
000
1 الشفاء ص ۱۰٥ وروى هذا بصورة أكثر استفاضة وإن كان الجوهر واحدا
الأنعام آية ٣٣
۸۱
ولكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا
[ صدق الله العظيم ]
سورة النساء الآية ١٦٦
الفصل الحادي عشر
مواقف
مواقف ۱
-1-
الجهر بالدعوة عن ابن عباس قال لما أنزلت وأنذر عشيرتك الأقربين صعد رسول الله على الصفا فقال يا معشر قريش فقالت قريش محمد على الصفا يهتف فأقبلوا واجتمعوا فقالوا ما لك يا محمد قال
أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل أكنتم تصدقونى قالوا نعم
أنت عندنا غير متهم وما جربنا عليك كذبا قط قال
فإني نذير لكم بين يدى عذاب شديد يا بنى عبد المطلب يا بني عبد مناف يا
بنى زهرة حتى عدد الأفخاذ من قريش
إن الله أمرنى أن أُنذِرَ عشيرتى الأقربين وإنى لا أملك لكم من الدنيا منفعةً ولا من الآخرة نصيبا إلا أن تقولوا لا إله إلا الله ۳
الله
عنه
قال قام رسول الله الله حين أنزل الله عز وجل
عن أبي هريرة رضى وأنذر عشيرتك الأقربين قال يا معشر قريش أو كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا أغنى عنكم من ا الله شيئاً يا بني عبد مناف لا أغنى عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغنى عنك
من الله شيئًا ويا صفية عمة رسول الله ويا فاطمة بنت محمد ٤
سليني ما شئت من مالي لا أغنى عنك الله شيئًا ٥ اهـ
من
۱ هذه المواقف التي نذكرها هنا تبين اليقين المطلق عند الرسول صلى الله عليه وسلم برسالته وتبين قوة ثقة
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسول وقوة إيمانهم بالرسالة وهى إجابة عن سؤال هرقل هل يرتد
أحد
منهم سخطة لدينه الشعراء آية ٢١٤
٣ الطبقات ١٨٤
٤ صلى الله عليه وسلم كذا فى اليونانية من غير رقم لا تصحيح
٥ صحيح البخارى جـ ٧ ص ۷ - ۸ جـ ١ الشعب
٢٨٥
الاستمرار في الدعوة
تتحدث كتب السيرة عن سعى قريش إلى أبي طالب لينهي محمدا ع عن الاستمرار
في الدعوة
ولما التقى القريشون به قالوا يا ابا طالب إن ابن أخيك قد سب الهنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فإما أن تكفّه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه – فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه - فنكفيكه قال لهم أبو طالب قولاً رفيقاً وردهم ردا جميلاً فانصرفوا عنه
الله
ومضى رسول الله على ما هو عليه يظهر دينا ويدعو إليه ثم شرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا وأكثرت قريش ذكر رسول الله له بينها فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضاً عليه ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا له يا أبا طالب إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا آلهتنا وعيب حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين أو كما قالوا له ثم انصرفوا فعظم على بن أبي طالب فراقُ قومه وعداوتهم ولم يطب نفساً بإسلام رسول الله الله لهم ولا خذلانه
عنه
םםם
فبعث إلى رسول الله فقال له يا ابن أخى إن قومك قد جاءني فقالوا لى كذا وكذا للذى كانوا قالوا لـه فأبي على وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فظن رسول الله ل أنه قد بدا لعمه فيه بُدُو وأنه خاذله ومسلمه وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه قال رسول يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يسارى على أن أترك هذا الأمر - حتى يظهره الله أو أهلك فيه – ما
تركته
قال ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام فلما ولى ناداه أبو طالب فقال أقبل يا ابن أخى قال فأقبل عليه رسول الله فقال اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيءٍ أبدا
٢٨٦
---
الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف
منه
فخرج إلى الطائف
لما تُوفَى أبو طالب اجترأت قريش على رسول الله ونالت ومعه زيد بن حارثة وذلك فى ليال بقية من شوال سنة عشر من حين نبيء رسول الله فأقام بالطائف عشرة أيام لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه ومحمد دعاهم إلى الإسلام أخوة ثلاثة وهم سادة ثقيف وأشرافهم وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير بن عوف فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وكلمهم لما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه فقال أحدهم نفسه - هو - یعنی بمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك وقال الآخر أما وجد الله أحدا أرسله غيرك وقال الثالث والله لا أكلمك أبدًا لئن كنت رسولا من الله – كما تقول – لأنت أعظم
خطرًا من أن أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى لى أن أكلمك فقام رسول الله من عندهم وقد يئس من خير ثقيف وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحونه به حتى اجتمع عليه الناس والجئوه إلى حائط العتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه
فَعَمَد إلى ظل حبلة ۱ من عنب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما يلقى من سفهاء أهل الطائف فلما اطمأن قال فيما ذكر اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمنى أم إلى عدو ملكته أمرى إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لى أعوذ بنور وجهك الذى اشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزلَ بي غضبك أو يحل على سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك ٢
فلما رأى ابنا ربيعة عتبة وشيبةُ ما لَقى دعوا غلامًا لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له خذ قطفًا من هذا العنب فضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل
۱ الحبلة الكرمة
السيرة النبوية لابن هشام جـ ٢ ص ۱٤٩ ۱٥۰ ط الحلبي
۸۷
له يأكل منه ففعل ثم أقبل به حتى وضعه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وضع رسول الله
يده قال بسم ا الله ثم أكل
فنظر عداس إلى وجهه ثم قال والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذا البلد فقال له رسول الله الله ومن أى البلاد أنت وما دينك
قال أنا نصراني وأنا رجل من أهل نينوى
فقال له رسوله الله من قرية الرجل الصالح يونس بن متى
قال ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي
فأكب عداس على رسول الله الله فقبل رأسه ويديه ورجليه
قال يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه
أما غلامك فقد أَفْسَدَهُ عليك
فلما جاءهما عداس قالا له ويلك ياعداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه قال ياسيدى ما في الأرض خيرٌ من هذا الرجل لقد أخبرني بأمر لا يعلمه
إلا نبي 1
أشجع الناس
- {-
الله
عن أنس رضي ا عنه قال كان النبى الله أحسن الناس وأشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت فاستقبلهم النبي وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عُري وفي عُنقه السيف وهو يقول لم تراعوا لم تراعوا
ثم قال وجدناه بحراً أو قال إنه لبحر
فاطمة
الله رضی عنها
أخبر على أن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن فبلغها أن فأتته تسأله خادمًا فلم توافقه فذكرت لعائشة فجاء النبي
رسول الله أتى
يسبي
1 الوفا بأحوال المصطفى ج ۱ ص ۱۳ ٢١٤
صحيح البخاری ج ۷ ص ٤٧
۸۸
فذكرت ذلك عائشة له فأتانا وقد دخلنا ۱ مضاجَعَنَا فذهبنا لنقوم فقال
مكانكما حتى وجدت برد قدميه على صدرى فقال
ألا أدلكما على
خير
مما سألتماه إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعا وثلاثين
وأحمداه ثلاثا وثلاثين وسبحاه ثلاثا وثلاثين فإن ذلك خير لكما مما سألتماه
في حفر الخندق عن أنس
رضی
-4-
الله عنه قال جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم ظهورهم ويقولون
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ۳ ما بقينا أبدا
والنبي الله يجيبهم ويقول اللهم إنه لا خير إلا الآخرة فبارك في الأنصار
والمهاجرة ٤
عن البراء رضى ا
000
الله عنه قال رأيت رسول الله الله يوم الأحزاب ينقل التراب
وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول اللهم لو لا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن٥ سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بَغَوْا علينا إذا أرادوا فتنةً أبينا ٦
الله المانع
-V-
عن جابر بن عبد الله قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فلما قفل رسول الله قفلت فأدركته القائلة في وادٍ كثير العضاه ۷ فنزل أصحاب رسول الله
معهم
تحت الشجرة ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة فعلق بها سيفه
1 أخذنا
صحيح البخارى جـ ۷ ص ۱۰ ط ۳ وفي رواية على الإسلام
٤ صحيح البخارى جـ ٧ ص ۳۱ ط الشعب 5 فأنزل السكينة
٦ صحيح البخارى جـ ٧ ص ۳۱ ط الشعب ۷ العضاه شجر عظيم له شوك
۸۹
قال جابر فنمنا نومة ثم إذا رسول الله لا يدعونا فجئناه فإذا أعرابي جالس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
عنده
إن هذا اخترط سيفى وأنا نائم فاستيقظتُ وهو فى يده صَلْتا ۱ فقال لى من يمنعك منى قلت الله وها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه رسول الله
-A-
ابن مظعون يؤثر جوار الله
لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله له من البلاء وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة قال والله إن غدوى ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك - وأصحابي وأهل دينى يلقون من البلاء والذى في الله مالا يصيبني – لنقص كبير في نفسي فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له يا ابا عبد شمس وقت ذمتك قد رددت إليك جوارك فقال له لِمَ يا ابن أخى لعله آذاك أحد من قومي قال لا ولكني أرضى بجوار الله ولا اريد أن أستجير بغيره
قال فانطلق إلى المسجد فارددْ على جوارى علانية كما أجرتك علانية قال فانطلقا فخرجا حتى أتيا المسجد فقال الوليد هذا عثمان قد جاء يرد على جوارى قال صدق قد وجدتُه وفيًّا كريم الجوار ولكنى قد أحببت أن لا أستجير بغير الله فقد رددت عليه جواره ثم انصرف عثمان ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب في مجلس من قريش يُنشدهم فجلس معهم عثمان فقال لبيد ألا كل شيء ما خلا
الله باطل
قال عثمان صدقت قال
وكل نعيم ! لا محالة زائل
قال عثمان كذبت نعيم الجنة لا يزول
قال لبيد بن ربيعة يا معشر قريش والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث هذا
فيكم فقال رجل من القوم إن هذا سفية في سفهاء معه قد فارقوا ديننا فلا تجدن في
۱ صلنا مجردًا من غمده بمعنى مصلت
الوفا بأحوال المصطفى جـ ١ ص ٣٢٦ والحديث أخرجه البخاري ومسلم
۹۰
نفسك من قوله فرد عليه عثمان حتى شَرِى أمرهما فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه
فخضرها والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان فقال
أما والله يا ابن أخى إن كانت عينك عما أصابها لغنية لقد كنت في ذمة منيعة قال يقول عثمان بل والله إن عينى الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما اصاب اختها في الله وإني لفى جوار هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس فقال له الوليد هلم يا ابن أخي إن شئت فعد إلى جواری فقال لا ۱
-9-
أبو بكر رضى عنه وابن الدغنة التقى ابن الدغنة بأبي بكر في الطريق خارج مكة فقال ابن الدغنة أين يا ابا بكر قال أخرجنى قومى وآذونى وضيقوا على
معه
قال ولم فوالله إنك لتزين العشيرة وتعين على النوائب وتفعل المعروف وتكسب المعدم ارجع وأنت في جوارى فرجع حتى إذا دخل مكة قام ابن الدغنة فقال يا معشر قريش إني قد اجرت ابن أبي قحافة فلا يعرض له أحد إلا بخير فكفوا عنه وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره فى بنى جُمح فكان يصلى فيه وكان رجلاً رقيقا إذا قرأ القرآن استبكى قالت فيقف عليه الصبيان والعبيد والناس يعجبون لما يرون من هيئته فمشى رجال من قريش إلى ابن الدغنة فقالوا له
يا ابن الدغنة إنك لم تجر هذا الرجل ليؤذينا إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمد يرق ويبكى وكانت له هيئة ونخو مظهر كريم فنحن نتخوف على صبياننا ونسائنا
وضعفتنا أن فأتِه فُمره أن يدخل ! بيته فليصنع فيه ما شاء
يفتنهم
فمشى ابن الدغنة إليه فقال له يا أبا بكر إني لم أجرك لتؤذي قومك إنهم قد كرهوا مكانك الذى أنت فيه وتأذوا بذلك منك فادخل بيتك فاصنع فيه ما أحببت قال أو أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله قال فاردُد على جوارى قال قد رددته عليك قالت فقام ابن الدغنة فقال يا معشر قريش إن ابن أبي قحافة قد ردّ على جوارى فشأنكم بصاحبكم قال ابن اسحاق وحدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه
1 الروض الأنف ج ۳ ص ۳۳۳ ٣٣٤
۹۱
القاسم بن محمد قال لقيه سفيه من سفهاء قريش وهو عامد إلى الكعبة فحثا على رأسه ترابا قال فمرّ بأبي بكر الوليد بن المغيرة أو العاص بن وائل قال فقال أبو بكر ألا ترى إلى ما مع هذا السفيه !
قال أنت فعلت ذلك بنفسك قال وهو يقول
أى رب !!! ما أحلَمَكَ أى رب !!! ما أحلمك أي رب !! ! ما أحلمك ۱
بلال رضی عنه
- ۱۰ -
هل أتاك حديث أمية بن خلف وقد علم بإسلام عبده بلال فلم يكن له من هم إلا التفنن المخجل في إذاقته العذاب ألواناً
لقد أحاط عنقه بحبل من ليف النخيل الخشين وأسلمه إلى أيدى الصبيان الذين لا سبيل للرحمة إلى قلوبهم فأخذوا يعبثون بجره كحيوان يجرونه إلى الإمام ويجرونه إلى الوراء يجرونه يمنا ويجرونه شمالاً والحبل يَحُرُ فى عنقه حتى حَفَرَ فيه مجرى داميا غير أن بلالاً رغم كل ذلك لم يبد عليه التأثر فما كان من أمية إلا أن منع عنه الطعام والشراب وكان يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره فى بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضعُ على صدره علة هذا الرمل الذى جعلته حرارة الشمس كالجمر كان يلقى أمية بلالاً ويقول له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى
أحد
تجاه كل هذا كان بلال الصبور يكتفى برفع سبابته إلى السماء مكررا أحدٌ يظهر بذلك احتقاره لسيده الذى بلغت به الجُرْأةُ أن جعل الله شركاء بزعمه من خشب أو حجارة وكان تأكيد الأحدية الله تعالى يثير في روعه أنه شهيد الإيمان ويبعث في نفسه عذوبةً فائقة الوصف فلا يشعر معها بأليم العذاب
فلا يفتر عن قوله أحد أحدٌ فيقول ورقة
وكان ورقة بن نوفل يمر به وهو يُعذِّب أحد أحدٌ والله يا بلال ثم يقبل على أمية بن خلف ومن يصنع فيقول أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانًا
ذلك به من بنى جمح
وشاءت الأقدار أن يمرّ أبو بكر بالرمضاء حيث كان يُعذِّبُ بلال ويشهد هذا المنظر
۹
۱ الروض الأنف ج ص ٣٣٦ ٣٣٧
البشع فقال في اشمئزاز ألا تخشى عقاب الله يا أمية حينما تذيق هذا المسكين العذاب ألوانا فأجاب في برودٍ صارخ إنك أنت الذي أفسدته فأنقذه بما ترى قال أبو بكر عندى غلام أسود أقوى منه وأجلَدُ وهو على دينك أعطيكه به قال قبلت هو لك
فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك وأخذ بلالا فأعتقه ۱
أول صحابی جهر بالقرآن
11-
الله
قال ابن اسحاق وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه قال كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عبد بن مسعود رضی الله عنه قال اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا والله ما سمعت قريش هذا القرآن يُجهَرُ لها به قط فمَن رجل يُسمعهموه فقال عبد الله بن مسعود أنا
قالوا إنا نخشاهم عليك إنما نريد رجلاً له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه قال دونى فإن الله سيمنعني قال فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى وقريش حتى قام عند المقام ثم قرأ
في أنديتها
بسم
الله الرحمن الرحيم رافعاً بها صوته الرحمن علم القرآن قال ثم استقبلها يقرؤها قال فتأملوه فجعلوا يقولون ماذا قال ابن أم عبد قال ثم قالوا إنه يتلو بعض ما جاء به محمد فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا فى وجهه فقالوا له هذا الذى الآن ولئن شئتم لأغادينهم يمثلها
شاء الله أن يبلغ خشينا عليك فقال ما كان أعداء الله أهون على منهم ا غدا قالوا لا حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون
إسلام عمرو بن عبسة
-1-
وهو بمكة
وهو
عن عمرو بن عبسة قال أتيت رسول الله فى أول ما بعث مستخف فقلت ما أنت فقال أنا نبي فقلت وما النبى قال رسول الله قلت الله أرسلك قال نعم قلت بم أرسلك قال بأن نعبد الله ونكسير الأوثان ونصل الأرحام
۱ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
٢٩٣
قلت نعم ما أرسلك به فمَنْ تبعك على هذا قال حر وعبد يعنى أبا بكر وبلالاً قال وكان عمرو يقول لقد رأيتني - وأنا رابع أسلام قال فأسلمت قلت فأتبعك يا رسول الله قال لا ولكن الحق بقومك فإذا أخبرت أني قد خرجت فاتبعني هذا حديث رواه جماعة عن أبي أمامة وأخرجه مسلم من حديث شداد بن عمار ۱
إسلام خالد بن سعيد
رضی ا
- 1 -
الله عنه
عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال كان إسلام خالد – يعني ابن سعيد بن العاص - قديما وكان أول إخوته أسلم وكان بُدُو إسلامه أنه رأى فى النوم أنه وقف به على شفير النار فذكر من سعتها ما الله تعالى أعلم به ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها ويرى رسول الله له أخذ بحقويه لا يقع ففزع من نومه وقال أحلف بالله إن هذه لرؤيا حق فلقى أبا بكر بن أبي قحافة فذكر ذلك له فقال أبو بكر أريد بك خير هذا رسول الله فاتبعه فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام إنه يأخذ بحجزك أن تدخل فيها وأبوك فليقع فيها فلقى رسول الله - وهو بأجياد – فقال يا محمد إلام تدعو فقال أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ولا يدرى مَن عَبَده مِمَّن لم يعبده قال خالد فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فسر رسول الله له بإسلامه وتغيب خالد وعلم أبوه بإسلامه فأرسل في طلبه فأتى به فأنبه وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه وقال والله لأمنعنَّكَ القوت فقال خالد إن منعتنى فإن الله يرزقني ما أعيش به وانصرف إلى رسول الله له وكان يلزمه ويكون معه ٢
حمزة بن عبد المطلب
-12-
عن محمد بن إسحاق قال حدثنى رجل من أسلم - وكان داعية - أن أبا جهل اعترض رسول الله عند الصفا فأذاه وشتمه ونال منه ما يكره من العيب لدينه فذكر ذلك لحمزة بن عبد المطلب فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها ضربة
1 راجع ص ٤٢١ ٤٢٢ جـ ١ دلائل النبوة ٢ ص ٤٢٣ ٤٢٤ دلائل النبوة
٢٩٤
شجه منها شجةً منكرة وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه فقالوا ما نراك يا حمزة إلا قد صبأت
فقال حمزة وما يمنعنى وقد استبان لى منه أنا أشهد أنه رسول الله وأن الذى يقول حق فوالله لا أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين
فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة فإني والله لقد سببت ابن أخيه سبا قبيحا فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله الله قد عزّ وامتنع فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولونه منه وقال حمزة في ذلك شعراً قال ابن إسحاق ثم رجع حمزة إلى بيته فأتاه الشيطان فقال أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابئ وتركت دين آبائك للموت خير لك مما صنعت فأقبل على حمزة بيثه فقال ما صنعت اللهم إن كان رشدًا فاجعل تصديقه في قلبي وإلا فاجعل لى مما وقعت فيه مخرجاً فبات بليلة لم ييت بمثلها من وسوسة الشيطان حتى أصبح فغدا على رسول الله الله فقال يا ابن أخي إني قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه وإقامة مثلى على ما لا أدرى أرشد هو أم فى شديد فحدثني حديثا فقد اشتهيت يا ابن أخي أن
تحدثني
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ووعظه وبشره فألقى الله في نفسه الإيمان بما قال رسول الله فقال أشهد أنك لَصَادقٌ شهادة الصدق فأظهر يا ابن أخى دينك فوالله ما أحب أن لى ما أظلته السماء وأنى على ديني
فكان حمزة رضى الله عنه ممن أعز الله به الدين
الأول
هجرة صهيب
-10-
عن صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرة فإما أن تكون هجر وإما أن تكون يثرب قال وخرج رسول الله إلى المدينة وخرج وكنت قد هممت بالخروج معه فصدني فتيان من قريش فجعلت
معه أبو بكر رضى !
الله
عنه
۱ انظر ص ٤٥٩ ٤٦٠ من كتاب دلائل النبوة للبيهقى
٢٩٥
ليلتي تلك أقوم لا أقعد فقالوا قد شغله الله عنكم ببطنه ولم أكن شاكيا فناموا فخرجت
فلحقني منهم ناس بعد ما سرت بريدا ليردوني فقلت لهم
هل
لكم
أن أعطيكم أواقى من ذهب وتخلُوا سبيلى وتوثقوا لى الله ففعلوا فسقتهم
واذهبوا إلى فلانة فخذوا
إلى مكة فقلت احفروا تحت اسكفة الباب فإن تحتها الأواقى الحليين وخرجت حتى قدمت على رسول الله له في قباء قبل أن يتحول منها فلما رآني قال يا أبا يحيى ربح البيع ثلاثاً فقلت يا رسول الله ! ما سبقني إليك أحد وما أخبرك إلا جبريل عليه السلام ۱
هجرة عمر وقصة عياش معه
-1-
خرج عمر بن الخطاب وعيّاش بن أبي ربيعة المخزومي حتى قدما المدينة فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعيَّاش بن ربيعة واسمه عمرو ويُلَقَّبُ ذا الرمحين وهشام بن العاص بن وائل السهمى التناضبَ من أضاة بنى غفار فوق سرِف وقلنا
حتى
قدما
أينا لم يُصبح عندها فقد حبس فَلْيَمْض صاحباه قال فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب وحبس عنا هشام وفتن فافتتن فلما قدمنا المدينة نزلنا فى بنى عمرو بن عوف بقباء وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما علينا المدينة ورسول الله الله بمكة فكلماه وقالا إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مُشط حتى تراك ولا تستظل من شمس حتى تراك فرق لها فقلت له يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم فوالله لو أذى أُمَّك القمل لا متشطت ولو قد اشتد عليها مكة لاستظلت قال فقال أَبَر قَسَمَ أُمِّى ولى حر هنالك مال فاخذه قال فقلت والله إنك لتعلم أنى لمن أكثر قريش مالاً فلك نصف مالى ولا تذهب معهما
قال فأبى على إلا أن يخرج معهما فلما أبى إلا ذلك قال قلت له أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتى هذه فإنها ناقة نَجيبة ذلول فالزم ظهرها فإن رابك من القوم ريب
۱ دلائل النبوة جـ ٢ ص ٢٤٥ ٢٤٦
٢٩٦
فانج عليها فخرج عليها معهما حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل يا ابن أخى والله لقد استغلظت بعيرى هذا أفلا تعقبنى على ناقتك هذه
وربطاه
ثم
قال بلى قال فأناخ وأناخا ليتحول عليها فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه دخلا به مكة وفتناه فافتتن قال ابن اسحاق فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهارًا موثقاً ثم قالا يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا
هذا ١
-18-
الوليد بن الوليد وعياش وهشام قال ابن هشام حدثني من أثق به أن رسول الله له قال وهو بالمدينة من له بعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة أنا لك يا رسول الله بهما فخرج إلى مكة فقدمها مستخفيًا فلقى امرأة تحمل طعامًا فقال لها أين تريدين يا أمة الله ! قالت أريد هذين المحبوسين تعينهما - فتبعها حتى عَرَفَ موضعهما وكانا محبوسين في بيت لا سقف له فلما أمسى تسور عليهما ثم أخذ مَرْوة فوضعها تحت قيديهما ثم ضربهما بسيفه فقطعهما فكان يقال لسيفه ذو المروة لذلك ثم حملهما على بعيره وساق بهما فعثر فدميت أصبعه فقال
هل أنت إلا أصبع دميت في سبيل الله ما لقيت
ثم قدم بهما على رسول الله ٢ ولقد كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في فترة من الفترات في صلاته أن يقول اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين
آل یاسر
- 14-
عن هشام بن أبي عبد الله عن خالد أن رسول الله مر بعمار وأهله وهم يعذبون فقال أبشروا آل عمار أو آل ياسر فإن موعدكم الجنة
۱ الروض الأنف ج ٤ ص ۱۷۰ ۱۷۱ الروض الأنف جـ ٤ ص ۱۷۰ ۱۷
۹۷
عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال أول شهيد فى الإسلام استشهد أم عمار سمية طعنها أبو جهل بحربة في قلبها
الزبيرة
-19-
فتابی
عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر أعتق ممن كان يعذب في الله سبعة نذكر منهم الزبيرة قال فذهب بصرها وكانت ممن يعذِّبُ في الله على الإسلام إلا الإسلام فقال المشركون ما أصاب بصرَها إلا اللات والعزى فقالت كلا والله ما هو كذلك فرد الله عليها بصرها
النضر بن الحارث
- ۰-
كلدة بن
علقمة بن
عن عكرمة عن ابن عباس قال قام النضر بن الحارث بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى فقال يا معشر قريش إنه والله لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله لقد كان محمد فيكم غلامًا حَدئًا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم فى صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم قلتم ساحر لا والله ما هو بساحر قد رأينا السحرة ونفثهم وعقدَهم وقلتم كاهن لا والله ما هو بكاهن قد رأينا الكهنة وحالهم وسمعنا سجعهم وقلتم شاعر لا والله ما هو بشاعر لقد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه وقريضه وقلتم مجنون
ولا والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه يا معشر قريش انظروا في شأنكم فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم
وكان النضر من شياطين قريش وكان ممن يؤذى رسول الله وينب له
العداوة 1
يسمعون القرآن مستخفين
عن ابن إسحاق قال حدثنى الزهرى قال حدثتُ أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى بالليل في بيته
1 ص ٤٤٨ ٤٤٩ جـ ١ دلائل النبوة
۹۸
يعلم
بمكان صاحبه فباتوا يستمعون
وأخذ كل رجل منهم مجلسًا ليستمع فيه وكل لا له حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تَفرَّقوا فجمعتهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض لا تعودوا فلو راكم بعض سفهائكم لأوقعتم فى نفسه شيئًا ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا فلما كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق فقالوا لا نبرح حتى نتعاهد لا نعد فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أبا سفيان في بيته فقال أخبرنى يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد فقال يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها فقال الأخنس وأنا والذى حلفت به ثم خرج من عنده حتى أبى أبا جهل فدخل عليه فقال ماذا سمعت قال تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطْعَمُوا فأطعمنا وحَمَلوا فحملنا وأعطَوْا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفَرَسَى رِهان قالوا منا نبي يأتيه الوحى من السماء فمتى ندرك هذه والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه فقام عنه الأخنس بن شريق ۱ اهـ
سيتم
الله
أمر دينه
أتى
عن بيان بن بشر وإسماعيل بن أبي خالد قالا سمعنا قيسًا يقول سمعت خبابا يقول أتيت رسول الله الله وهو متوسد برده فى ظل الكعبة ولقد لقينا من المشركين شدةً شديدة فقلت يا رسول الله !! ألا تدعو الله لنا فقعد وهو مخمر وجهه فقال إن من كان قبلكم لَيُمَشَطُ أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فَيُشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله عز وجل زاد بیان والذئب على غنمه
هجرة مصعب بن عمير
يقول صاحب الروض الأنف
ذكر هجرة مصعب بن عمير وهو المقرئ وهو أول من
۱ ص ٤٥٢ ٤٥٣ جـ ١ دلائل النبوة
سمی
بهذا - أعنى المقرئ
۹۹
أمه
شديدة
يكني أبا عبد الله كان قبل إسلامه من أنْعَم قريش عيشا وأعطرهم وكانت " الكلف به وكان يبيت وقعب الحيسى ۱ عند رأسه يستيقظ فيأكل فلما أسلم أصابه من الشدة ما غير لونه وأذهب لحمه ونهكت جسمه حتى كان رسول الله ل ينظر إليه وعليه فروة قد رفعها فيبكي لما كان يعرف من نعته وحلفت أمه حين أسلم وهاجر ألا تأكل ولا تشرب ولا تستظل بظل حتى يرجع إليها فكانت تقف للشمس حتى مغشيا عليها وكان بنوها يحشون فاها بشجار وهو عود فيصبون فيه الحساء لئلا تموت وكان رسول الله يذكره فيقول ما رأيتُ بمكة أحسَن لمةٌ ولا أَرَقَ حُلَّةٌ
تسقط
ولا أنعم نعمةٌ من مصعب بن عمير ذكره الواقدى وذكر أيضا بإسناد له قال كان مصعب بن عمير فتى مكة شباباً وجمالاً وسينا وكان أبواه يحبانه وكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وكان أعطرَ أهل مكة يلبس الحضرمي من
النعال ۳
وذكر أن منزله كان على أسعد بن زراره منزل بفتح الزاي وكذلك كل ما وقع في هذا الباب من منزل فلان على فلان فهو بالفتح لأنه أراد المصدر ولم يرد المكان 4 فقد روى الدارقطني عن عثمان بن أحمد بـ بن السماك بسنده عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال أذن النبي الله بالجمعة قبل أن يهاجر ولم يستطع رسول الله أن بمكة يجمع ولا يبدى لهم فكتب إلى مصعب بن عمير فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله بركعتين مصعب بن عمير حتى قدم رسول الله له المدينة فجمع عند
قال فأول من
جمع الزوال من الظهر وأظهر ذلك ٥
إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير
قال ابن اسحاق وحدثني عبيد الله بن المغيرة مُعيقب وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن سعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بنی الأشهل
۱ القعب القدح الضخم الجافي والحيس تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا ثم يندر منه نواه
وربما جعل فيه سويق
T
أصله عود يجعل في فم الجدى لئلا يرضع وحديث بكاء الرسول حين كان يرى مصعبا رواه
الترمذي بسند ضعيف
۳ نسبة إلى حضر موت وهى نعال غالبة الثمن ٤ انظر الروض الأنف جـ ٤ ص ۹۷ - ۹۸ ٥ انظر الروض الأنف جـ ٤ ص ۱۰۱ - ۱۰
٣٠٠
ودار بنى ظفر وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن الأشهل بن خالد بن زرارة فدخل به حائطا من حوائط بنى ظفر
أسعد
قال ابن هشام واسم ظفر كعب الحارث بن الخزرج بن عميرو بن مالك بن الأوس قالا على بئر يقال لها بئر مرق فجلسا في الحائط واجتمع إليهما رجال ممن أسلم وأسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما من بني الأشهل وكلاهما مشرك
وسعد بن
معاذ
على دين قومه فلما سمعا به قال سعد بن معاذ الأسيد بن حضير لا أبا لك انطلق إلى هذين الرجلين قد دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانهَهما على أن يأتيا دارينا فإنه لولا أن سعد بن زرارة من حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدما قال فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه۱
قال مصعب إن يجلس أكلمه قال فوقف عليهما متشتما ٢ فقال ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلانا إن كانت لكما بأنفكما حاجة فقال له مصعب أو تجلس فتسمع فإن رضيت أمرًا قبلته وإن كرهته كف عنك ما تكره قال أنصفت ثم رَكَزَ حَرْبته وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فقالا فيما يذكر عنهما والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله ثم قال ما أحسن هذا الكلام وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين قالا له تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلى فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما إن وراثى رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما الآن سعد بن معاذ ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس فى ناديهم فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً قال
أحلف بالله لقد جاءكم أسيدٌ بغير الوجه الذى ذهب به من عندكم فلما وقف على
النادى قال له سعد ما فعلت
قال كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسًا وقد نهيتهما فقالا نفعل ما أحببت
۱ انظر الروض الأنف جـ ص ٧٥ - ٧٦ کاشر الوجه
۳۰۱
وقد
حدثت أن
بنی
حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه وذلك أنهم قد عرفوا أنه
منی
ابن خالتك ليخفروك قال فقام سعد مُغضبا مبادرا تخوفا للذي ذكر له من بني حارثة فأخذ الحربة من يده ثم قال والله ما أراك أغنيت شيئًا ثم خرج إليهما فلما رآهما سعد مطمئنين عرف سعد أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما فوقف عليهما متشمتاً ثم قال لأسعد بن زرارة يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة مارمت هذا أتغشانا في دارينا بما نكره - وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير أى مصعب جاءك والله سيد من وراءه من قومه إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان - قال فقال له مصعب أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته وإن كرهته عَزَلْنا عنك ما تكره قال سعد ۱ أنصفت ثم ركز الحربة وجلس فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن قائلا عرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقه وتسهله ثم قال لهما قال كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين
C
قالا تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي ركعتين قال فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم ركع ركعتين ثم أخذ حربته فأقبل عامدًا إلى نادى قومه ومعه أسيد بن حضير
قال فلما رآه قومه مقبلاً قالوا نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذى ذهب به من عندكم فلما وقف عليهم قال يا بنى عبد الأشهل كيف تعلمون أمرى فيكم قالوا سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبةً
قال فإن كلام رجالكم ونسائكم على حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله قالا فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجلٌ ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة ورجع أسعد و مصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام٢
الله
عنه
إسلام عمرو بن العاص رضی عن عمرو بن العاص رضى الله عنه قال لما انصرفنا مع الأحزاب في الخندق جمعتُ رجالاً من قريش كانوا يرون مكاني ويسمعون مني فقلت لهم تعلمون والله إني لأرى محمد يعلو الأمور علوا كبيرًا وإنى قد رأيت رأيا فما ترون فيه قالوا وما رأيت
۱ انظر الروض الأنف جـ ٤ ص ٧٦ - ٧٧ انظر الروض الأنف جـ ٤ ص ۷۷ - ۷۸
٣٠٢
قال رأيت أن نلحق بالنجاشى فنكون عنده فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدى محمد وإن ظهر وقومنا فنحن من قد عرفوا فلن يأتينا منهم إلا خير فقالوا إن هذا الرأى قال فقلت لهم فاجمعوا لنا ما نهدى له وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم فجمعنا له أدما كثيرة ثم خرجنا حتى قدمنا عليه فوالله إنا لعنده إذ جاء عمرو بن أمية الضمرى وكان رسول الله قد بعثه إليه فى شأن جعفر وأصحابه قال فدخل عليه ثم خرج من عنده فقلت لأصحابي هذا عمرو بن أمية لو قد دخلت على النجاشي فسألته إياه فأعطانيه فضربت عنقه فإذا فعلت ذلك رأت قريش أنى قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد قال فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع فقال مرحبا بصديقى أهديت من بلادك شيئاً قال قلت نعم أيها الملك أهديت لك أدما كثيرا قال ثم قدمته إليه فأعجبه واشتهاه ثم قلت له أيها الملك إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا قال فغضب ثم مد يديه فضرب بهما أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره فلو انشقت لى الأرض لدخلت فيها فرقًا منه ثم قلت أيها الملك ! والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتك فقال أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذى كان يأتى موسى لنقتله قلت أيها الملك !
أكذاك هو قال ويحك يا عمرو أطعنى واتَّبعه فإنه والله لعلى الحق وليظهَرنَّ على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده قال قلت فتبا یعنی له على الإسلام قال نعم فبسط يده وبايعته على الإسلام ثم خرجت إلى أصحابي وقد حال رأبي عما كان عليه وكتمت أصحابى إسلامى ثم خرجت عامدا لرسول الله الا الله فلقيت خالد بن الوليد - وذلك قبيل الفتح - وهو مقبل من مكة فقلت إلى أين يا أبا سليمان قال والله لقد استقام الميسم وإن الرجل لنبى أذهب والله أسْلِمُ قلت والله ما جئتُ إلا أسلم على رسول الله فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع ثم دنوت فقلت يا رسول الله إنى أبايعك على أن يُغفر لى ما تقدم من ذنبى ولا أذكر ما تأخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمرو بايع فإن الإسلام يجب ما كان قبله وإن الهجرة تجب ما كان قبلها فبايعته ثم انصرفت رواه الإمام أحمد ۱
۱ جامع كرامات الأولياء الشيخ يوسف النبهاني ج ۱ ص ۹۸ ۹۹
فقدمنا
٣٠٣
ومن حكماء العرب أكثم بن صيفى بن رباح
وكان من حديثه - كما ذكر الألوسى - أنه لما ظهر النبي بمكة ودعا إلى الإسلام بعث أكثم ابنه حبيشا فأتاه بخبره فجمع بنی تمیم وقال يا بني تميم لا تحضرونی سفيها فإنه مَنْ يسمع يخل ۱ إن السفيه يوهن من فوقه ويثبط من دونه لا خير فيمن لا عقل له كبرت سنى ودخلتنى ذلة فإذا رأيتم منى فقبلوه وإن رأيتم منى غير ذلك فقومونى أستقم إن ابني شافه هذا الرجل مشافهة وأتانى بخبره وكتابه يأمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر ويأخذ فيه بمحاسن الأخلاق ويدعو إلى توحيد | تعالى وخلع الأوثان وترك الحلف بالنيران وقد حلف عَرَفَ ذوو الرأى منكم أن الفضل فيما يدعو إليه وأن الرأى ترك ما ينهى عنه إن أحق الناس بمعونة محمد ومساعدته على أمره أنتم فإن يكن الذي يدعو إليه حقا فهو لكم دون الناس وإن يكن باطلاً كنتم أحق الناس بالكف عنه والستر عليه وقد كان أسقف نجران يحدث بصفته وكان سفيان بن مجاشع يحدث به قبله وسمى ابنه محمدا
الله
فكونوا في أمره أولاً ولا تكونوا آخرًا ائتوا طائعين قبل أن تأتوا كارهين إن الذي يدعو إليه محمد لو لم يكن دينًا لكان فى أخلاق الناس حسنا أطيعوني واتبعوا أمرى أسأل لكم أشياء لا تنزع منكم أبدًا وأصبحتم أعز حي في العرب وأكثرهم عددا وأوسعهم دارا فإني أرى أمرًا لا يجتنبه عزيز إلا ذل ولا يلزمه ذليل إلا عز إن الأول لم يدع للآخر شيئًا وهذا أمر له ما بعده ومن سبق إليه عمر المعالى اقتدى به التالي والعزيمة حزم والاختلاف عجز
فقال مالك بن نويرة قد حرف شيخكم
فقال أكثم ويل الشجى من الخلى ولهفى على أمر لم أشهده ولم يسبقني فذهب مثلاً ثم قال لمالك ما آسى عليك على العامة يا مالك إن الحق إذا قام رفع الباطل
۱ من يسمع أخبار الناس ومعايبهم يقع فى نفسه عليهم المكروه عن جمع مجمع الأمثال للميدان التفكير الفلسفي للدكتور عبد الحليم محمود ج ۱ ص ۳۰ ۳۱
٣٠٤
فتبعه مائة نفس وخرج إلى رسول الله فلما كان في بعض الطريق عمد حبيش إلى رواحلهم فنحرها وشق ما كان معهم من مزاده وهرب فجهر أكثم العطش فمات وأوصى من معه باتباع رسول الله له وأشهَدَهم أنه أسلم فأنزل فيه ومَن يخرج من
بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموتُ فقد وقع أجره على الله ۱ و أرسلت قريش عروة بن مسعود الثقفى ليقنع رسول الله الله بالعودة إلى المدينة حينما جاء مكة معتمرًا فلما عاد عروة خاطب قريشا قائلاً يا معشر قريش إني قد جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشى فى ملكه وإني والله ما رأيت ملكا قط يعظمه قومه كما يعظم أصحاب محمد محمدًا ولقد رأيت حوله قوما لن يسلموه لسوء أبدا فانظروا رأيكم اهـ إنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وانظر إن شئت في التاريخ فستجد الكثير من
أصحاب
الأنبياء والرسل كان موقفهم على النقيض من ذلك
۱ سورة النساء آية ١٠٠ الوقا بأحوال المصطفى ج ۱ ص ۹۳
٣٠٥
ولكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا
[ صدق الله العظيم ]
سورة النساء الآية ١٦٦
الفصل الثاني عشر عن
مواقف لبعض الغربيين
كان من الممكن أن نذكر الكثير من آراء الغربيين فى الرسالة الإسلامية ورسولها ولكننا سبق أن كتبنا في ذلك بشيء من الاستفاضة فى كتابنا أوربا والإسلام ونكتفى في
ذلك بما يلى
برنارد شو
يكرم نبي الإسلام
يقول الأستاذ عز الدين فرج فى كتابه نبي الإسلام لا نعد برنارد شو كاتبًا وفيلسوفاً إنجليزيا عظيما فحسب بل هو في طليعة المفكرين والفلاسفة في العالم أجمع
ومن أخص خصائص هذا الفيلسوف الكبير أنه جرىء إلى أبعد حد وصريح إلى أبعد حدود الصراحة فإذا أبدى رأيا في يوم من الأيام فهو رأى يؤمن به كل الإيمان ويعتقد
بصحته وصوابه إلى حد
كبير
وفي أثناء سياحته في بمباى بالهند كتب رسالة أوضح فيها رأيه في صلاحية الدين المحمدى لجميع الأمم في كل زمان ومكان وأشاد بفضل هذا الرسول وعظمته وعبقريته
قائلاً
لقد وضعت دائما دين محمد موضع الاعتبار السامى بسبب حيويته العظيمة فهو الدين الوحيد الذى يلوح في أنه حائز أهلية العيش لأطوار الحياة المختلفة بحيث يستطيع أن يكون جذابًا لكل زمان ومكان
بسبب
ثم استطرد يقول لا مشاحة فى أن العالم يعلق أهمية كبيرة على نبوءات كبار الرجال لقد تنبأت بأن دين محمد سيكون مقبولاً لدى أوربا فى الغد القريب وقد بدأ يكون مقبولاً لديها اليوم ولقد صور أكليروس القرون الوسطى الإسلام بأحلك الألوان أما الجهل أو بسبب التعصب الذميم ولقد كانوا - فى الواقع - يمرنون على كراهية محمد وكراهية دينه وكانوا يعتبرونه
خصما للمسيح
ولقد درسته - باعتباره رجلاً عظيمًا - فرأيته بعيدا عن مخاصمة المسيح بل يجب أ
يُدعى منقذ الإنسانية
وإني لأعتقد أنه لو تولى رجل مثله حكم العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته بطريقة تجلب إلى العالم السلام والسعادة اللذين هو فى أشد الحاجة إليهما ولقد أدرك في
6
۳۰۹
القرن التاسع عشر مفكرين مخلصون أمثال كارلايل وجوته وجيبون القيمة الذاتية لدين
محمد
وهكذا وُجِدَ تحول حَسَنٌ فى موقف أوربا من الإسلام ولكن أوربا – في القرن الراهن - تقدمت فى هذا السبيل كثيرًا فبدأت تعشق عقيدة محمد وفي القرون القادمة قد تذهب أوربا إلى أبعد ذلك من فتعترف بفائدة هذه العقيدة فى حل مشاكلها بهذه الروح يجب أن تفهموا نبوءتي
وفي الوقت الحاضر دخل كثير من أبناء قومي من أهل أوربا في دين محمد حتى ليمكن أن يقال إن تحول أوربا إلى الإسلام قد بدأ هكذا وصف أكبر كاتب إنجليزى الإسلام ونبيه الكريم
وهكذا شهد له أكبر فلاسفة أوربا
لقد سجل برنارد شو كلماته هذه بعد بحث وتفكير وروية وبعد أن عرف أن دين هذا النبي وضع لكل مشكلة - اجتماعية واقتصادية - الحل المناسب لها الذي يصلح لكل زمان ومكان لقد سجل هذا الكاتب الكبير كلماته بعد دراسة عميقة لقواعد هذا الدين وما فيه من
آيات بينات ولولا أنه درس هذا الموضوع دراسة عميقة وافية لما قال لقد بدأت أوربا الآن تتعشق الإسلام ولن يمضى القرن الحادى والعشرون حتى
تكون أوربا قد بدأت تستعين به في حل مشاكلها لقد نظر برنارد شو إلى العرب قبل الدعوة المحمدية فوجدهم في فساد وفوضى ووحشية وهمجية وحرب وقتال دائم يقتلون البنات وينظرون إلى النساء نظرة احتقار وسخرية ورآهم أشد الأمم تباهيًا بالأنساب وتساميا بالآباء فكانت كل قبيلة تزعم أنها الفريد فى مفاخرها وقد غَلوا فى هذا الاتجاه حتى جعلوا لإبلهم وخيولهم أنسابا يرفعونها بها على سائر الخيول والإبل فما بالك بمن بَعُدَ عنهم من القبائل والشعوب واختلف معهم فى اللغة والتقاليد ثم نظر إليهم بعد دعوة هذا النبي الكريم فوجدهم خلقا جديدا لا فرق بين عربي وعجمى إلا بالتقوى والعمل الصالح ووجدهم فى تقدم ورقى وحضارة تمتد أطرافها في الشرق والغرب ورأى كيف دانت لهم الممالك والأمصار في سهولة ويسر وكيف رضيت به الشعوب على اختلاف أجناسها وكيف ازدهرت العلوم وانتعشت الفنون على أيديهم ورأى كيف أضحت المرأة إنسانًا محترما له ما للرجال من احترام وحقوق
٣١٠
لقد درس برنارد شو أمة محمد ع فوجدها قائمة على الأصول والمبادئ الأخلاقية لا على الأمور المعيشية والمطالب المادية كما هو الحال في المدينة الأوربية فرأى بذلك أول أمة في تاريخ العالم قامت على مبادئ عالية وقواعد سامية و أسس روحانية لقد رآها أمة ديمقراطية بأوسع معانى الكلمة رآها ديمقراطية لأنها لم تعترف بالفروق الطائفية والامتيازات الاستقراطية رآها لا تفرق بين ذكر وأنثى وبين سيد ومولى إلا بالخير والعمل الصالح المنتج رآها أمة تؤمن بتكافؤ الفرص وتفتح الباب أمام العاملين
من كل بيئة وجنس ولون لكى ينال قصب السبق كل من سمت همته وعلت كفايته لقد درس برنارد شو أمة هذا النبي فوجدها دستورية لأن الحكومة قيدت فيها بكتاب إلهى لا يأتيها الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهذه أعظم صفات الأمم الدستورية وقد حقق هذا الكتاب كل أغراض الحكومة الدستورية فجعل الحكم سوريا وحذف الامتيازات الفردية والطائفية والجنسية ومحا الفوارق فى الحقوق والواجبات بين مختلف الطبقات وأخضع الجميع لمبادئ واحدة لا فرق بين حاكم ومحكوم وأبيض وأسود وذكر وأثنى هی الأمة التي قامت على الدعوة المحمدية ألا يحق لبرناردشو أن يصف هذا النبى الكريم بأنه منقذ الإنسانية
هذه
ألا
يحق له بعد هذا كله أن يقول
إنني
أعتقد أن رجلاً كمحمد لو سلم زمام الحكم فى العالم بأجمعه لتم له النجاح
في حكمه ولقاده إلى الخير وحل مشكلاته على وجه يكفل السلام والطمأنينة والسعادة
المنشودة
درس برنارد شو الحياة الإسلامية وأدرك أنها قائمة على التكافل والتضامن والتعاون بين الأفراد والشعوب ورأى في ذلك سر النجاح فالمرأة والرجل متكافلان فى الحياة الدنيا من نفس واحدة بعضهما من بعض يتمم كل منهما الآخر وأساس الصلة بينهما المودة والرحمة والرجال أنصاف تلتمس أنصافها الأخرى في كنف النساء ومن تزوج فقد عصم نصف دينه وفى كل هذه المعاني يقول القرآن الكريم ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً
ورحمة ۱
۱ الروم ۱
۳۱۱
وفى موضع آخر
ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظْلَمون نَقِيران ۱
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمِنٌ فَلَنُحْيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ٢ والغنى والفقير والعامل والمعمول متكافلون فى هذه الحياة الدنيا يشد بعضهم أزر بعض ويتعاونون على البر والتقوى فللفقير حق معلوم فى مال الغنى وفى ذلك دعم للمجتمع أولا والأسرة ثانيا والدولة ثالثا وأكبر الكبائر في الإسلام أن يبيت الرجل شبعان وجاره جائع وأجر العامل حق مكفول ومن ظلمه إياه أو آخره عنه فقد أتم إثمًا عظيما وتعرض لعقاب الدنيا وخزى الآخرة وعلى الفقير والعامل أن يصدقا وينصحا ويؤديا عملهما كاملاً فإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه والحاكم والمحكوم متكافلان على الحاكم العدل والمساواة والرعاية وعلى المحكوم الطاعة
والنصيحة والمعاونة
و إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ۳
ويأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ٤
هكذا كان التكافل وحسن التعامل قوام الحياة الاجتماعية التي جاء بها الإسلام الحنيف فماذا فعلت المطامع والأهواء والنظم الأرضية المادية التي طلعت بها أوربا على الناس يوم أن انتهت إليها قيادة البشرية بدلت نعمة الله كفرًا وأحلت التنافر والتخاصم محل هذا التكافل والتعاون وفشلت في تحقيق العدالة والإخاء والسلام على وجه الأرض يحق بعد هذا كله أن يسجل برنارد شو كلمته الخالدة وقوله وإني لأعتقد بأنه لو تولى رجل مثله حكم العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته بطريقة تجلب إلى العالم السلام والسعادة والطمأنينة التي هو في أشد الحاجة إليها
ألا
١ النساء ١٢٤
النحل ۹۷ ۳ النساء ٥٨ ٤ النساء ٥٩
۳۱
وهذه الصيحة التي أطلقها برنارد شو عن الإسلام ونبيه تتفق إلى حد كبير مع خطبة المستر كان تلر التي ألقاها في حفل كبير جامع قال يمتد الدين الإسلامي الآن من مراكش إلى أنقرة ة ومن زنجبار إلى الصين ويخطو - في داخل أفريقيا – خطوات كبيرة وتعتنقه أمم كثيرة وقد خطا بنفسه وثبتت قدمه فى الكونغو التي صارت بلدا إسلاميا وبخاصة السودان وهى أشد بلاد الكونغو بأسا
أما في الهند فإنَّ التمدن الغربي - الذى كان يهدم أركان الوثنية – يمهد الطريق للدين الإسلامي لا غير فأهلُ الهند البالغ قدرهم ٢٥٥ مليون نسمة ١ الآن ٥٠ مليون مسلم وسكان أفريقيا بأجمعهم أكثر من النصف منهم مسلمون وهذا يدل على أن
الإسلام فى تزايد وانتشار
ثم استطرد يقول
نذكرها
منهم
لقد أفاد الإسلام التمدن أكثر من النصرانية ونشر راية المساواة والأخوة وهذه الأدلة نقلاً عن تقارير الموظفين الإنجليز وعما كتبه أغلب السياح من النتائج الحسنة التي نتجت من الدين الإسلامي وظهرت آياتها منه فإنه عندما تتدين به أمة من الأمم السودانية تختفى بينها - في الحال عبادة الأوثان واتباع الشيطان والإشراك بالعزيز الرحمن وتحرم أكل لحم الإنسان وقتل الرجال ووأد الأطفال وتضرب عن الكهانة ويأخذ أهلها بأسباب الإصلاح وحب الطهارة واجتناب الخبائث والرجس والسعي نحو إحراز المعاني
وشرف النفس
ويصبح عندهم قرى الضيف من الواجبات الدينية وشرب الخمر من الأمور البغيضة ولعب الميسر والأزلام محرما والرقص القبيح ومخالطة النساء – اختلاطاً دون تميز – بغيضا ويحسبون عفة المرأة من الفضائل ويتمسكون بحسن الشمائل
أما الغلو فى الحرية والتهتك وراء الشهوات البهيمية - فلا تجيزه الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي هو الدين الذى يعمِّم النظام بين الورى ويقمع النفس عن الهوى ويحرم إراقة الدماء والقسوة فى معاملة الحيوان والأرقام ويوصى بالإنسانية ويحض على الخيرات والأخوة
ويقول بالاعتدال فى تعدد الزوجات وكبح جماح الشهوات
۱ حسب تعداد ذلك الوقت
۳۱۳
ويذكر الأستاذ الندوى رأى جين ويعلق عليه
ويقول جين لم ينجح فى الإمتحان العسير رسول من الرسل الأولين - من بداية أمره كما نجح محمد عمال حين عرض نفسه - بادئ ذي بدء - بصفته رسولاً يوحى إليه على الذين عرفوا ضعفه البشرى وعرفوه أكثر مما يعرفه غيرهم فعرض رسالته على زوجه وعبده العتيد وابن عمه وصديقه القديم الذى لم يتحول عنه ولم يخذله وهؤلاء هم الذين سبقوا الناس إلى الإيمان بنبوته إن نصيب الأتقياء انقلب في حق محمد وتغير عما كان عليه فيمن مضى من الرسل فلم يكن محمد غير محبوب إلا من الذين لم يعرفوه فهذه الشهادات على أن من كان أعرف الناس برسول الله الله وأقربهم إليه كان أشدهم إيمانا برسالته وأما الرسل الآخرون فكان الأجانب والغرباء الذين لم يعرفوهم إلا قليلا وهم الذين سبقوا إلى الإيمان بهم وتأخر عن الإيمان بهم وتلكاً ذووهم وأهل بيوتهم والذين كانوا أكثر معرفة بهم وهكذا كان المؤمنون برسالة محمد الله هم أعرف الناس بحقيقته وأكثرهم إطلاعًا على أخلاقه وسننه وهديه وقد لقى كل منهم - في سبيل هذا الإيمان - بلاء عظيما وامتحن امتحانا شديدًا حتى إن خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قضت معه ثلاث سنوات
محصورة في شعب أبي طالب تقاسى معه الجوع والظمأ والفاقة المهلكة وأبو بكر صحب النبي يوم ضاقت به أرض مكة فخرج معه مرتديًا ظلام الليل خائفا يترقب والعدو في أثرهما يتعقب مواطئ أقدامهما فقام أبو بكر بحق الصحبة وكان الوفي بعهد الصداقة
أما على فبات على فراش الرسول الذى كان المشركون قد بيتوا الفتك به وعبده زيد حل من النبى الكريم محل الولد بعطفه عليه ورأفته به فلما جاء أبوه الذي وُلِدَ من صلبه يطلب رد ابنه عليه خيره رسول الله له بين أن أباه أو أن يصحب يبقى تحت جناحين من عطف الرسول ورأفته فاختار صحبة النبي الله على الرجوع مع أبيه إلى قبيلته
ويقول الأستاذ عز الدين فرج
تولستوی
لقد كان هذا الفيلسوف الروسى كاتبًا منصفًا فعندما رأى تحامل أهل الأديان الأخرى على الدين الإسلامي هزته الغيرة على الحق إلى وضع عجالة عن نبي الإسلام وبعض تاريخ
حياته فقال فيها
٣١٤
راعيا
ولد نبي الإسلام فى بلاد العرب من أبوين فقيرين وكان – في حداثة سنه – يميل إلى العزلة والانفراد في البراري والصحارى متأملاً في الله خالق الكون لقد عبد العرب المعاصرون له أربابًا كثيرة وبالغوا في التقرب إليها واسترضائها واقاموا
لها العبادات قدموا لها الضحايا المختلفة وكان - كلما تقدم به العمر - ازداد اعتقادًا بفساد تلك الأرباب وأن هناك إلها واحدا حقيقيا لجميع الناس والشعوب وقد ازداد إيمان محمد بهذه الفكرة فقام يدعو أمته وأهله إلى فكرته معلنا أن الله اصطفاه لهدايتهم وعهد إليه إنارة بصائرهم وهدم دياناتهم الباطلة وراح يعلن عن عقيدته
و ديانته
بعضهم بعضاً ومحبة
الله
وخلاصة هذه الديانة التي نادى بها هذا الرسول هو أن الله واحد - لا إله إلا هو - ولذلك لا يجوز عبادة غيره وأن الله عادل ورحيم بعباده وأن مصير الإنسان النهائي متوقف عليه وحده فمن آمن با به فإن الله يؤجره أجرًا حسناً وإذا ما خالف شريعة الله وسار على هواه فإنه يعاقب فى الآخرة عقابًا أليما وأن الله تعالى يأمر الناس بمحبته ومحبة تكون بالصلاة ومحبة الناس تكون بمشاركتهم في السراء والضراء وإن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ينبغى عليهم أن يبذلوا وسعهم لإبعاد كل ما من شأنه إثارة الشهوات النفسية والابتعاد عن الملذات الدنيوية وإنه يتحتم عليهم ألا يخدموا الجسد ويعبدوه بل عليهم أن يخدموا الروح ويهذبوها ومحمد لم يقل عن نفسه إنه نبي الله الوحيد بل اعتقد أيضا بنبوة موسى وعيسى وقال إن اليهود والنصارى لا يكرهون على ترك دينهم وفى سنى دعوته الأولى احتمل كثيرًا من اضهطادات أصحاب الديانات القديمة شأن كل نبي قبله نادى أمته إلى الحق ولكن هذه الاضطهادات لم تثن من عزمه بل ثابر على دعوة أمته
وقد امتاز المؤمنون كثيرًا عن العرب بتواضعهم وزهدهم فى الدنيا وحب العمل
والقناعة وبذلوا جهدهم فى مساعدة إخوانهم فى الدين عند حلول المصائب بهم ولم يمض على جماعة المؤمنين زمن طويل حتى أصبح الناس المحيطون بهم يحترمونهم احتراما عظيما ويعظمون قدرهم وراح عدد المؤمنين يتزايد يوما بعد يوم !! ومن فضائل الدين الإسلامي أنه أوصى خيرًا بالمسيحيين واليهود ورجال دينهم فقد
٣١٥
أهل
أمر بحسن معاملتهم وقد بلغ من حسن معاملته لهم أنه سمح لأتباعه بالتزوج من * الديانات الأخرى ولا يخفى على أصحاب البصائر العالية ما في هذا من التسامح العظيم
ثم ختم
لا
كلمته قائلا
ريب
أن هذا النبي من كبار الرجال المصلحين الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة ويكفيه فخرًا أنه هَدَى أمته برمتها إلى نور الحق وجعلها تجنح ! للسلام وتكف عن سفك الدماء وتقديم الضحايا ويكفيه فخرًا أنه فتح لها طريق الرقي والتقدم وهذا عمل عظيم لا يفوز به إلا شخص أوتى قوةً وحكمةٌ وعلما ورجل مثله جدير
بالإجلال والاحترام
محمد عبده وتولستوی
ولقد كانت آراء هذا الفيلسوف الروسى موضع تقدير الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده فكتب لهذا الفيلسوف يقول
أيها الحكيم الجليل مسيو تولستوى
لم نحظ بمعرفة شخصك ولكنا لم يُحرم التعارف مع روحك سطع علينا نور من أفكارك وأشرقت في آفاقنا شموس من آرائك ألفَتْ بين نفوس العقلاء ونفسك هداك إلى معرفة سر الفطرة التي فطر الناس عليها ووفقك إلى الغاية التي هدى البشر إليها فأدركت أن الإنسان جاء هذا الوجود لينبت بالعلم ويثمر بالعمل ولأن تكون ثمرته تعبا ترتاح به نفسه وسعيًا يبقى ويربي جنسه وشعرت بالشقاء الذي نزل بالناس لما انحرفوا عن سنة الفطرة ولما استعملوا قواهم التي لم يمنحوها إلا ليسعدوا بها فيما كدر راحتهم وزعزع طمأنينتهم
ونظرت نظرةً في الدين مزقت حجب التقاليد ووصلت بها إلى حقيقة التوحيد ورفعت صوتك تدعو الناس إلى ما هداك الله إليه وتقدمت أمامهم بالعمل لتحمل نفوسهم عليه فكما كنت بقولك هاديًا للعقول كنت بعملك حانًا للعزائم والهمم وكما كانت آراؤك ضياءً يهتدى بها الضالون كان مثالك فى العمل إمامًا يقتدى به المسترشدون وكما كان جودك توبيخا من الله للأغنياء كان مددًا من عنايته للضعفاء الفقراء
وإن أرفع مجد بلغته وأكبر جزاء نلته - على متاعبك فى النصح والإرشاد – هو هذا الذي سماه الغافلون بالحرمان والإبعاد فليس ما حصل لك من رؤساء الدين سوى اعتراف
٣١٦
منهم
أنك لست من القوم الضالين فاحمد الله على أن فارقوك في أقوالهم
أعلنوه للناس كما كنت فارقتهم في عقائدهم
هذا وإن نفوسنا لشيّقة إلى ما يتجدد من آثار قلمك فيما تستقبل من أيام عمرك وإنا نسأل الله أن يمد في حياتك ويحفظ عليك قواك ويفتح أبواب القلوب لفهم قولك ويسوق النفوس إلى التأسى بك في عملك
والسلام
عن كتاب نبي الإسلام في مرآة الفكر الغربي
ويقول بعض سادتنا الأفاضل
إخواني أريد أن ألفت أنظاركم إلى أمر آخر إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمض حياته كلها بين أحبابه واصحابه بل قضى أربعين سنة من عمره في مكة قبل أن يبعث فكان بين أهلها من مشركي قريش وكان يتعاطى فيهم التجارة ويعاملهم في أمور الحياة ليل نهار وهى الحياة اليومية وما تنطوى عليه من أخذ وعطاء ومن شأنها أن تكشف عن أخلاق المرء فيتبين للناس فسادها وصلاحها وهى عيشة طويل طريقها كثيرة منعطفاتها وعرة مسالكها تعترضها وهدات مما قد يصدر عن المرء من خيانة وإخفار عهد وأكل مال بالباطل وعقبات من الخديعة والخيانة وتطفيف الكيل وبخس الحقوق وإخلاف
الوعد
وإن الرسول اجتاز هذه السبيل الشائكة الوعرة وخلص منها سالما نقيا لم يصبه شيء مما يصيب عامة الناس حتى لقد دعوه الأمين
وإن قريشا بعد بعثته وإعلانه النبوة كانوا يودعون عنده ودائعهم وأموالهم العظيم ثقتهم به وقد علمتم أنه - - لما هاجر من مكة خلف فيها عليا ليرد ما كان لديه من الودائع إلى أهلها فقريش خالفته أشد الخلاف في دعوته ولم يتركوا سبيلاً إلى ذلك إلا سلكوه فقاطعوه وعاندوه وصدوا عن سبيله وألقوا عليه سلى أحشاء جذور وهو يصلي ورموه بالحجارة وأرادوا قتله وكادوا له كيدهم وسموه ساحرًا ودعوه شاعرا وفَنَّدوا آراءه وسخفوا حلمه لكنهم لم يجرؤ أحد منهم على أن يقول شيئًا في أخلاقه ولا أن يرميه بالخيانة أو ينسب غليه الكذب فى القول أو إخلاف الوعد أو إخفار الذمة أو
نقض العهد
۳۱۷
وإن من ادعى النبوة وقال إن الله يوحى إليه فكأنه أدعى العصمة والبراءة من جميع المفاسد ومساوئ الأعمال
ألم يكن يكفى قريشا - ردهم على الرسول - أن يذكروا أمورًا عمل فيها الرسول بغير الحق وأن يشهدوا عليه بأن أخلفهم وعدًا أو خانهم فى أموالهم أو كذبهم في شيء مما
قاله لهم
إن قريشا أنفقوا أموالهم وبذلوا نفوسهم فى عداوة الرسول وضحوا بفلذات أكبادهم في قتاله حتى قتل منهم وجرح كثيرون لكنهم لم يستطيعوا أن يدنسوا ذيله الطاهر ولا أن يصموه بشيء في عظيم أخلاقه وكانت أحوال الرسول وشئونه وهديه ظاهرة لجميع الناس معلومة لهم استوى في ذلك أحبابه وأعداؤه ولم يخف عليهم شيء من أمره كان عظماء قريش مجتمعين ذات يوم فى ناديهم فجرى ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وفيهم النضر بن الحارث وكان رجلاً داهية محنكا وعالماً بالأخبار فقال لهم يا معشر قريش لقد أعياكم أمر محمد وعجزتم عن أن تدبروا فيه رأيا لما اصابكم به إن محمدا قد نشأ فيكم حتى بلع مبلغ الرجال وكان أحب الناس إليكم وأصدقهم فيكم واتخذتموه أمينًا فلما وخطه الشيب وعرض عليكم هذا الأمر قلتم ساحر وكاهن وشاعر لقد سمعت كلامه فليس فيه شيء مما ذكرتم وأبو جهل كان أشد الناس عداوة للرسول وقد قال له ذات يوم يا محمد إني لا أقول إنك كاذب لكنى أجحد الذى جئت به وما تدعوا إليه فأنزل الله هذه الآية وقد تعلم إنه ليحزنك الذى يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ۱ ويقول الأستاذ الكبير أبو الحسن الندوى
ومجنون تالله
وقد أحسن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تصوير البعثة المحمدية وفضلها وإنتاجها
في كتابه الجواب الصحيح يقول رحمه الله وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من آياته وأخلاقه واقواله وأفعاله وشريعته من آياته وأمته من آياته وعلم أمته ودينهم من آياته وكرامات صالحى أمته آياته من ولم يزل قائما بأمر الله على أكمل طريقة وأتمها من الصدق والعدل والوفاء لا يحفظ
۱ سورة الأنعام ٣٣ - تراجع ص ٧٦ في سبب نزول هذه الآية
۳۱۸
وقلة
له كذبة واحدة ولا ظلم لأحد ولا عذر بأحد بل كان أصدق الناس وأعدلهم وأوفاهم بالعهد مع اختلاف الأحوال عليه من حرب وسلم وأمن وخوف وغنى وفقر وكثرة وظهوره على العدو تارة وظهور العدو عليه تارة وهو - على ذلك كله - ملازم لأكمل الطرق وأتمها حتى ظهرت الدعوة فى جميع أرض العرب التي كانت مملوءة من عبادة الأوثان ومن أخبار الكهان وطاعة المخلوق فى الكفر بالخالق وسفك الدماء المحرمة وقطيعة الأرحام ولا يعرفون آخرة ولا معادًا فصاروا أعلم أهل الأرض وأدينُهم وأعدلهم وأفضلهم حتى إن النصارى لما رأوهم - من حين قدموا الشام – قالوا ما كان الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلاء وهذه آثار علمهم وعملهم في الأرض وآثار غيرهم يعرف العقلاء فرق ما بين الأمرين
ولما تلقى الرسول أمر ربه بأن يدعو ذوى قرباه إلى الإسلام وينذر عشيرته الأقربين صعد الجبل ونادى يا معشر قريش فلما اجتمعوا قال هل كنتم مصدقى إن قلت إن جيشا قد بلغ سفح هذا الجبل قالوا ما جربنا عليك كذبا قط
صحيح البخاري سورة تبت ۱
يقول صاحب الرسالة المحمدية
كان الواعظ الذائع الصيت الأستاذ حسن على رحمه الله يصدر في بتنه قبل خمسين عاما مجلة نور الإسلام وقد قال فى جزء منها إن صديقا له من البراهمة قال له إنى أرى رسول الإسلام أعظم رجال العالم وأكملهم فقال له الأستاذ حسن على وبماذا كان رسول الإسلام عندك أكمل رجال العالم فأجاب لأني أجد في رسول الإسلام خلالاً مختلفة وأخلاقاً جمة وخصالا كثيرة لم أراها اجتمعت في تاريخ العالم لإنسان واحد في آن واحد فقد كان ملكًا دانت له أوطانه كلها يصرف الأمر فيها كما يشاء وهو – مع ذلك – متواضع في نفسه يرى أنه لا يملك من الأمر شيئًا وأن الأمر كله بيد ربه وتراه في غنى عظيم تأتيه الإبل موقرة بالخزائن إلى عاصمته ويبقى ذلك محتاجًا ولا توقد فى بيته نار لطعام الأيام الطوال وكثيرا ما يطوى على الجوع ونراه قائدا عظيما يقود الجند القليل العدد الضعيف العدد فيقاتل بهم ألوفًا من الجند المدجج بالأسلحة الكاملة ثم يهزمهم شر هزيمة ونجده مُحباً للسلام مؤثرًا للصلح
مع
۱ الرسالة المحمدية للسيد سليمان الندوى ص ۷ - ۷۳
۳۱۹
ويوقع شروط الهدنة على القرطاس بقلب مطمئن وجاش هادئ ومعه ألوف من أصحابه من كل شجاع باسل وصاحب حماسة وحميته تملاً جوانحه ونشاهده بطلاً شجاعاً يصمد وحده لآلاف من أعدائه غير مكترث بكثرتهم
الله
الله
وهو مع ذلك رقيق القلب رحيم رءوف متعفف عن سفك قطرة دم وتراه مشغول الفكر بجزيرة العرب كلها بينما هو لا يفوته أمر من أمور بيته وأزواجه وأولاده ولا من أمور الفقراء المسلمين ومساكينهم ويهتم بأمر الناس الذين نسوا خالقهم وصدوا عنه فيحرص على إصلاحهم وبالجملة إنه إنسان يهمه أمر العالم كله وهو مع ذلك متبتل إلى الله منقطع عن الدنيا فهو فى الدنيا وليس فيها لأن قلبه لا يتعلق إلا بالله وبما يرضى لم ينتقم من أحد قط لذات نفسه وكان يدعو لعدوه بالخير ويريد لهم الخير لكنه لا يعفو عن أعداء الله ولا يتركهم ولا يزال ينذر الذين قد صدروا عن سبيل ا ويوعدهم عذاب جهنم تراه زاهدًا فى الدنيا عابدا يقوم الليل لذكر الله ومناجاته كما تتصور من شمائله أنه الجندى الباسل المقاتل بالسيف وتراه رسولاً حصيفًا ونبيًا معصوماً في الساعة التي تتصوره فيها فاتحا للبلاد ظافرا بالأمم وإنه ليضطجع على حصير له من خوض ويتكئ على وسادة حشوها من ليف حينما يخطر على بالنا أن ندعوه بسلطان العرب و ننادی به ملكا على بلاد العرب ويكون أهل بيته في فاقة وشدة عقب استقباله الأموال العظيمة آتية إليه من أنحاء الجزيرة العربية فتكون فى فناء مسجده أكواماً وتأتيه بنته وفلذة كبده فاطمة تشكو إليه ما تكابده من حمل القربة والطحن بالرحى حتى مجلت يدها وأثرت القربة في جسمها والرسول - يومئذ - يقسم بين المسلمين ما أفاء الله عليهم من عبيد الحرب وإمائها فلا تنال بنته من ذلك إلا دعاءه لها بكلمات يعلمها كيف تدعو بها ربها
وجاءه ذات يوم صاحبه عمر فأجال بصره في الحجرة فلم يجد إلا حصيرا من خوص قد اضطحع الرسول عليه وأثر في جنبه كل ما في البيت صاع من شعير في وعاء وعلى مقربة منه شن معلق على وتد هذا كل ما كان يملك رسول الله يوم دان له نصف العرب فلما رأى ذلك عمر لم يتمالك نفسه من دموع تذرفها عيناه فسأله رسول الله ما يبكيك يا عمر فقال مالى لا أبكى إن قيصر وكسرى يتمتعان بالدنيا وينعمان بنعيمها وإن رسول الله الله لا يملك إلا ما أرى فقال له الرسول - أما ياعمر أن يكون ذلك نصيب كسرى وقيصر من نعيم الدنيا وتكون لنا الآخرة خالصةً
من دون الناس
ترضی
٣٢٠
وعندما
ومن
أحدق النبي صلى الله عليه وسلم بجيوشه ليفتح مكة قام أبو سفيان إلى جانب العباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ينظران إلى المجاهدين من المسلمين تقدمهم الأعلام الكثيرة وكان أبو سفيان لا يزال على ما كان عليه من المخالفة للإسلام فراعه ما أرى من كثرة جموع ا المسلمين انضوى إليهم من القبائل المسلمة وأنهم يزحفون على بطحاء مكة كالسيل الجارف لا يصده صاد ولا يمنعه شيء فقال لصاحبه يا عباس إن ابن أخيك أصبح ملكا عظيما فأجابه العباس - وهو يرى غير الذى يراه أبو سفيان – ليس هذا من الملك في شيء يا أبا
سفیان هذه نبوة ورسالة
والسخاء
وعدى الطائي - وهو ابن حاتم الذائع الصيت الذى تضرب به الأمثال في الجود - كان سيد طييء وحضر مجلس الرسول الله ذات يوم وهو لا يزال على المسيحية فشاهد إعظام الصحابة للرسول وعليهم عدة الجهاد من الأسلحة والأسلحة للدفاع فاشتبه عليه أمر النبوة بأمر السلطان تساءل في نفسه أهذا ملك من الملوك أم
رسول من رسل الله وفيما هو كذلك جاءت إلى النبي عل امرأة فقيرة من إماء المدينة وقالت له أريد يا رسول الله أن أسير إليك شيئًا فقال لها أنظرى في أي سكك المدينة شئت أخلو لك ثم نهض معها وقضى لها حاجتها فلما رأى ابن حاتم الطائي هذا التواضع العظيم من الرسول العظيم - وهو بين أصحابه فى مثل عظمة الملك – انجلى عنه ظلام الباطل وتبين له الحق واضحًا وأيقن أن هذا الأمر من رسالات الله فَعَمد إلى صليبه فنزعه عنه ودخل مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في نور الإسلام
وفي الجملة إن كل ما ذكرته آنفًا ليس من الإغراق في الثناء ولا من المبالغة في المدح بل هو من حقائق الواقع التي سجلها التاريخ بأصح ما استطاع أن يسجل به
حقائقه ۱
۱ الرسالة المحمدية للسيد سليمان الندوى ص ٧٦ - ٨٩
۳۱
الفضل الثالث عشر
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا
[ صدق الله العظيم ]
سورة النساء الآية ١٦٦
محمد صلى الله عليه وسلم
بشرا
رسولا
محمد الرسول البشر
وهذه مجموعة من النصوص والأبحاث تنتهى بإعطاء صورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الجانب الجسماني والروحى
روى الإمام أحمد بسنده - عن أبي أمامة - - قال
قلت يا رسول الله ما كان أول بدء أمرك
ww
قال دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى بي ورأت أمى أنه خرج منها نور أضاءت
به قصور الشام
يفسر ذلك قول الله سبحانه وتعالى - فيما ذكر عن إبراهيم عليه السلام – في سورة
البقرة الآية ۱۹
ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم
إنك أنت العزيز الحكيم الله
وقوله سبحانه وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إلى رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يدى من التوراة ومبشرًا برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا مبين سورة الصف الآية ٦
هذا سحر
وعن أبي موسی - فيما رواه البيهقى - قال كان رسول الله له يسمى لنا نفسه أسماء فقال أنا أحمد ومحمد والحاشر والمقفى ونبي التوبة والملحمة
وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال سمعت رسول الله الله يقول لى أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحى الذى يمحو الله به الكفر وأنا الحاشر الذي يُحْشَرُ الناس على قدمه وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد رواه البخارى في الصحيح عن أبي اليمان ورواه مسلم عن عبد بن حميد عن أبي اليمان وأخرجه مسلم من حديث ابن عيينة وعقيل عن الزهرى والبخارى من حديث مالك بن أنس عن الزهري
من
صفاته
عن البراء رضى
الله
عنه قال كان رسول الله أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير أخرجاه في الصحيح
٣٢٥
يقول البراء بن عازب قال كان رسول الله الا الله مربوعاً بعيد ما بين المنكبين يبلغ شعره شحمة أذنيه عليه حلة حمراء ما رأيت شيئاً أحسن منه رواه البخاري
في الصحيح عن أبي عمر حفص بن عمر وأخرجه مسلم من حديث غندر عن
شعبة 1
ويقول كان رسول الله المربوعاً بعيد ما بين المنكبين أعظم الناس وأحسن الناس جُمته إلى أذنيه عليه حلة حمراء ما رأيتُ شيئاً قط أحسن منه أخرجه في الصحيح
من حديث شعبة
أما كلامه فهو فصل لا فضول ولا تقصير وكان دمنا ليس بالجافي
ولا المهيمن يعظم النعمة وإن دقت لا يذم منها شيئًا وعن أبي هريرة قال ما رأيتُ شيئًا أحسن من النبى لا كأن الشمس تجرى في وجهه وما رأيت أحدا أسرع في مشيه منه كأن الأرض تُطوى له إنا لنجتهد وإنه غير
مكترث ۳ عجلت لهم طيباتهم
عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب فى القصة ٤ قال فجلست فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت فيه شيئًا يرد البصر إلا أهب ثلاثة فقلت ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله فاستوى فقال أفى شك أنت يا بن الخطاب أولئك قومٌ عجلت لهم طيباتهم فى الحياة الدنيا فقلت استغفر
الله يا رسول الله ٥
لم يكن فاحشا
عبد الله عن عبد بن عمر يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشا ولا متفحشا وإنه كان يقول إن خياركم أحسنكم أخلاقا - رواه مسلم في الصحيح ٦
۱ دلائل النبوة ص ١٦٧ دلائل النبوة ص ۱۷۸
۳ دلائل النبوة ص ١٥٩
٤ قصة زيارته الرسول وتألمه لقلة ما رآه عنده من متاع الدنيا
٥ دلائل النبوة ج ١ ص ٢٤٩
٦ دلائل النبوة ج ١ ص ٢٣٥
٣٢٦
لا يجابه
لا
عن عائشة قالت كان رسول الله الله يقول مال بال أقوام يقولون كذا ۱ فكان
يسميهم بأسمائهم
حتى لا
يسبب لهم حرجًا
من وصف أبي هريرة له
عن أبي هريرة قال ما عاب رسول الله له طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه أخرجه البخارى فى الصحيح من حديث سفيان الثورى وشعبه وأخرجه البخاري ومسلم من حديث الثورى
يتسم
عن عائشة رضى الله عنها قالت ما رأيت رسول الله قط مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم رحيم بالأطفال عن أنس بن مالك قال ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر
الحديث
عن أنس بن مالك قال كان رسول الله الله من أفكه الناس
لم يكن فاحشا
روى الترمذى بسنده عن عائشة
رضی
الله
صبى
عنها إنها قالت خلق عن رسول الله في الأسواق ولا يجزى السيئة بالسيئة
لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابًا ٤ ولكن يعفو ويصفح أو قال يعفو ويغفر - شك أبو داود – ورواه الترمذي من حديث
شعبة وقال حسن صحيح وعن مسروق عن عبد الله بن عمر و ٥ قال لم يكن النبي ع الفاحشا ولا متفحشا وكان يقول إن خياركم أحسنكم أخلاقا ورواه مسلم من حديث الأعمش به ٦
۱ دلائل النبوة جـ ۱ ص ۳۷
رواه مسلم في الصحيح ۳ دلائل النبوة ج ١ ص ٢٤٦
٤ السخاب الذي يرفع صوته لسوء خلقه
٥ الحديث في صحيح البخارى ١٣٢/٣ جـ ١ الأميرية حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش ل حدثنى شفيق عن مسروق قال كنا جلوسا مع عبد الله بن عمرو يحدثنا إذ قال إلخ ٦ شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم لابن كثير ص ۰ - ۱ ط الحلبي
۳۷
أنس ووصف الرسول صلى الله عليه وسلم
عن
أنس قال كان الرسول صلى الله عليه وسلم من أجمل الناس ومن أجود الناس ومن أشجع الناس رواه البخارى فى الصحيح عن سليمان بن حرب ورواه مسلم عن سعيد بن
منصور
وقال لم يكن رسول الله سبابًا ولا فحاشا ولا لعانا كان يقول لأحدنا عند المعتبة ما له تربت جبينه رواه البخارى فى الصحيح عن محمد بن سنان
بعثت داعيًا ورحمة
عن عائشة رضى الله عنها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إنما فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى فينتقم بها وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كسرت رباعيته وشجّ وجهه يوم أحدٍ شق ذلك على أصحابه شديدا وقالوا لو دعوت عليهم فقال إنى لم أبعث لعَانًا ولكنى بعثت داعيًا ورحمة اللهم اهدِ قومى فإنهم لا يعلمون
"
وروى عن عمر رضى الله عنه أنه قال في بعض كلامه بأبي أنت وأمى يا رسول الله لقد دعا نوح على قومه قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياران ولو دعوت علينا مثلها هلكنا أخرنا وطىء ظهرك وأدمى وجهك وكسرت من رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيرا فقلت اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون
عند
قال القاضي أبو الفضل - وفقه الله - انظر ما في هذا القول من جماع الفضل ودرجات الإحسان وحسن الخلق وكرم النفس وغاية الصبر والحلم إذ لم يقتصر على السكوت عنهم حتى عفا عنهم ثم أشفق عليهم ورحمهم ودعا وشفع لهم فقال الشفقة والرحمة بقوله لقومى ثم اعتذر عنهم بجهلهم
اغفر أو اهد ثم أظهر
فقال فإنهم لا يعلمون
سبب
من وصف السيدة عائشة
عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله الله ضرب خادما له قط ولا ضرب امرأة له قط ولا ضرب بيده شيئًا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن يكون الله فإذا كان الله انتقم له ولا عُرض عليه أمران إلا أخذ الذى
۳۸
هو أيسر إلا أن يكون إثما فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه رواه في الصحيح عن
أبي كريب عن أبي معاوية 1
ينتصر
للحق
لا تغضبه الدنيا وما كان لها فإذا تُعُوطى الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها
أبلغوني حاجة الضعفاء
قال وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغى حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه - ثبت الله قدميه يوم القيامة
عمله ديمة
عن علقمة قال
سألت عائشة رضى
الله
عنها كيف كان عمل رسول الله هل
كان يخص شيئًا من الأيام قالت لا كان عمله ديمة وأيكم يستطيع ما كان رسول الله يستطيع رواه مسلم في الصحيح
ويقول صاحب دلائل النبوة
وجمع له الحلم والصبر فكان لا يغضبه شيء ولا يستنفره وجمع له الحذر في أربع أخذه بالحسنى - قال سعيد والعلوى - بالحسنى ليُقتدى به وتركه القبيح لينتهى عنه وفي رواية العلوى ليتناهى عنه واجتهاده الرأى فيما أصلح أمته والقيام فيما جمع الدنيا والآخرة وفى وراية العلوى والقيام لهم فيما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة
هم
۳
قال ابن إسحاق كان يسمى الأمين بما جمع الله فيه من الأخلاق الصالحة ٤
أدب القرآن عن عطية العوفي في قوله تعالى وإنك لَعَلَى خُلُقٍ عظيم انه قال أدب
القرآن ٥
۱ دلائل النبوة جـ ۱ ص ۳۳ دلائل النبوة جـ ١ ص ٢١٤ دلائل النبوة جـ ۱ ۳۱۷
٤ الشفاء ص ١٠٤
٥ دلائل النبوة ج ۱ ص ۳
٣٢٩
أجود الناس عن ابن عباس قال كان رسول الله لهم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل عليه السلام يلقاه في ليلة من رمضان فيدارسه القرآن قال فَلَرَسُول الله أجود بالخير من الريح المرسلة رواه البخاري في الصحيح ۱
عن
أنس بن مالك الله رضی عنه قال كنت أمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه جذبةٌ شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال مرلى من مال الله الذى
عندك
فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء في جـ ٧ ص ١١٥
وروی
من
ذلك
أن أعرابيا جاءه يطلب منه شيئًا فأعطاه ثم قال أحسنت إليك قال الأعرابي لا ولا أجملت فغضب المسلمون وقاموا إليه فأشار إليهم أن كفوا ثم قام ودخل منزله وأرسل إليه وزاده شيئًا ثم قال أحسنت إليك قال نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنك قلت ما قلت وفى نفس أصحابي شيء فإن أصبت فقل - بين أيديهم - ما قلت بين يدى حتى يذهب ما في صدورهم عليك إن هذا الأعرابي قال نعم فلما كان الغداة أو العشي جاء فقال إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه فزعم أنه رضى أكذلك قال نعم جزاك الله من أهل وعشيرة خيرا فقال له مثلى ومَثَل هذا مثل رَجُلٍ له ناقة شردت عليه فأتبعها الناسُ فلم يزيدوها إلا نفورا فناداهم صاحبها خلّوا بيني وبين ناقتي فإني أرفق بها منكم وأعلم فتوجه لها بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها وإنى لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال
دخل النار ٢
شجاع
عن شعبة عن أبي إسحاق قال رجل للبراء بن عازب رضى
رسول الله
淼
الله
فقتلتموه
عنهما أفررتم عن
يوم حنين قال لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر إن هوازن كانوا
قوما رماة وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا فأقبل المسلمون على الغنائم واستقبلونا
۱ دلائل النبوة
الشفاء ص ٩٦ ۹۷
٣٣٠
بالسهام
فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر فلقد رأيته وإنه لعلي بغلته البيضاء وإن أبا سفيان ابن الحارث أخذ بلجامها والنبي يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن
عبد المطلب خ عن البراء رضى الله عنه قال له رجل يا أبا عمارة وليتم يوم حنين قال لا والله ما ولى النبي صلى الله عليه وسلم لكن ولّى سرعان الناس فلقيهم هوازن بالنبل والنبي على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها والنبى الله يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
جوهر خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومع كل ما سبق فإننا نحب - بتوفيق الله - نحدد الصفة التي تحلى بها رسول الله فكانت الأساس والمصدر لكل خلق كريم
لقد سئلت السيدة عائشة رضوان الله عليها عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان
خلقه القرآن
ومع أن هذا الوصف - من أم المؤمنين - واضح وضوحًا لا لبس فيه فإننا - مع ذلك - تحاول له تحديدا نراه ضروريًا وبيانا نراه حتما ذلك أن الأخلاق القرآنية تحدد الخلق الكريم فى حده الأدنى وترسم الفضيلة في درجاتها الأولى ثم لا يقتصر القرآن على ذلك وإنما يرسم القمم من مكارم الأخلاق ويوجه إلى السنام منها ويقود إلى المشارف العليا من درجات المقربين
إنه يتحدث عن المقتصد وعن السابق بالخيرات إنه يتحدث عن أصحاب اليمين ويتحدث عن المقربين ويبين أن المقربين أقل عددًا من أصحاب اليمين فهم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين أما أصحاب اليمين فإنهم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين على حد التعبير – عن أصحاب اليمين وعن المقربين - في سورة الواقعة
ولنضرب لذلك مثلاً
إن مقابلة السيئة بالسيئة عدل
يقول الله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها ١
١ الشورى ٤٠
ولكن القرآن – مع بيان عدالة هذا – يذكر درجة أعلى من الخلق الكريم تلك هي درجة كظم الغيظ
وهذا الذى – مع مقدرته على مقابلة السيئة بالسيئة - بكظم غيظه أسمى في ميزان الأخلاق الكريمة من الذي يقابل السيئة بالسيئة
ولا يقف القرآن عند هذا الحد ذلك أنه يرسم درجة ثالثة من الخلق الكريم وذلك
أنه يتجاوز مقابلة السيئة بالسيئة وكظم الغيظ إلى العفو
والعفو - مع
المقدرة - أسمى من مقابلة السيئة بالسيئة وأسمى من كظم الغيظ ثم يتجاوز القرآن كل ذلك إلى الدرجة العليا درجة المقربين وهى الإحسان يقول تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله
ويقول سبحانه وتعالى والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين إنها درجات من الخلق الكريم كلها كريمة بيد أنها تتفاوت فيما بينها من كريم إلى أكرم كتفاوت الناس فى الشرف من شريف إلى أشرف
ويحق لنا الآن أن نتساءل
أتريد السيدة عائشة رضى !
الله
عنها حينما تصفه له بأن خلقه القرآن تريد الخلق
القرآني الكريم في حده الأدنى أم تريده في حده الأوسط أم هل تريده فى حدها ه الأسمى
ويحل لنا القرآن هذه المسألة فيحدد - بصورة عامة وبطريقة مجملة – الدرجة التي وصل إليها الرسول ه من الخلق القرآني فيقول سبحانه الرسول الله وإنَّكَ لعلى خلق عظيم له يقول صاحب الشفاء أثنى عليه بما منحه من هباته وهداه إليه وأكد ذلك تتميما للتمجيد بِحَرْفَي التأكيد فقال تعالى وإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عظيم
قيل القرآن وقيل الإسلام وقيل الطبع الكريم وقيل ليس له همة إلا الله اهـ قال الواسطى أثنى عليه بحسن قبوله لما أسداه إليه من نعمه وفضله بذلك على غيره لأنه جبله على ذلك الخلق اهـ
وقد تحدث الصحابة والتابعون عن هذه الآية الكريمة
۳۳
قال ابن عباس رضي الله عنهما معناه لا دين أحبُّ إلى الله ولا أرضى وهو دين الإسلام
عنه منه
وقال قتادة هو ما كان يأتمر به من أوامر الله وينتهى عنه من نهى الله تعالى والمعنى إنك على الخلق الذى أمَرَك الله به في القرآن اهـ
ذلك ومع
ومع كل ما قيل في هذه الآية الكريمة من أنها تكريم وتمجيد ومدح وثناء ومع إيماننا بأنها تتضمن كل المعانى الكريمة التي قيلت والمعانى الشريفة التي فإننا نرى أن الأمر ما زال بحاجة إلى بيان الدرجة بيانا تاما
ستقال
فقد يتساءل بعض الناس عن هذا الخلق العظيم أكان يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه نبي مكرم أكان يشاركه فيه رسول مجتبى أكان يشاركه فيه ملك مقرب ألم يكن سيدنا إبراهيم على خلق عظيم وهو الحليم الأواه المنيب
ألم يكن سيدنا إسماعيل على خلق عظيم وكان عند ربه مرضيا ألم يكن سيدنا عيسى على خلق عظيم وقد جعله الله مباركًا أينما كان على نبينا وعليهم جميعا الصلاة وأزكى التسليم والملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ومنهم جبريل وميكائيل
وحملة العرش – أليسوا على خلق عظيم
أيشارك أحد من هؤلاء رسول الله الله في درجته
إيما يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلق العظيم
ويسعفنا القرآن الكريم بهذا التحديد إسعافًا يرضى التطلع إلى المعرفة ويشرح صدور
المحبين لرسول الله
إن القرآن يحسم الأمر حسما لا يدع فيه مجالاً للبس ويسفر عنه إسفارًا لا يَدَعُ
مجالاً لريب يقول الله تعالى لرسوله الكريم
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت
وأنا أول المسلمين ۱
١٦٢ ١٦٣
1 الأنعام
۳۳۳
هذه الآية القرآنية الكريمة تحدد درجة الأخلاق القرآنية التى وصل إليها الرسول صلى الله عليه وسلم
إنها ذروتها وسَنامها
ولقد بعث ليتمم مكارم الأخلاق
إنه بعث ليتمم المكارم الأخلاقية
ليتممها بذاته بسلوكه وليتممها بقوله برسالته
إنه لم يبعث لينشر الأخلاق الكريمة فحسب وإنما بعث ليتمم مكارمها ومكارم
الأخلاق لم تكن – قبل الرسول صلوات الله وسلامه عليه – قد تمت إن أول المسلمين لم يكن قد وجد بعد وكانت بذلك مكارم الأخلاق ناقصةً كان ينقصها أكمل صفة لمكارم الأخلاق وهى إسلام الوجه الله إسلاما تاما إن الكائنات لم تكن قد وصلت - لا فى نبي مرسل ولا فى ملك مقرب – إلى الذروة من إسلام الوجه الله والذورة من إسلام الوجه الله أو أول المسلمين – والتعبيران سواء – إنما هو الذروة من مكارم الأخلاق
إن الكائن الرباني إن أول المسلمين أولهم بإطلاق أولهم بالنسبة للملائكة وأولهم بالنسبة لبنى آدم - أولهم قديماً وأولهم حديثًا وأولهم إلى الأبد إن أول المسلمين لم يكن
قد وجد بعد
وكانت الإنسانية بذلك ناقصة وكانت الكائنات كلها بذلك ناقصة كان الكون ناقصا مادة ومعنى كان ينقصه أن تتعطر أرضه بأزكى الأجساد وأن يتعطر جوه بأزكى الأرواح وكان لابد من وجود كائن بهذه المثابة يكمل الله به الدين ويتم به النعمة ويرضى رسالته دينا عاما خالدًا للإنسانية جمعاء هو إسلام الوجه الله وينزل القرآن محددًا إسلام الوجه الله وسائل ومحددًا إسلام الوجه الله غايات محددًا إسلام الوجه الله طرقًا وأساليب ومحددًا له بواعث وأهدافًا
ومن أجل أن الإسلام هو إسلام الوجه الله والتسليم له والاستسلام لما يحبه ويرضاه
كان من يبتغى غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
وكيف يقبل منه ما يتنافى مع إسلام الوجه الله
إن إسلام الوجه الله هو جوهر التدين إنه دين القيمة إنه الدين الوحيد
٣٣٤
والنص الوحيد النص الإلهى الفريد فى العالم كله الذى يبين كيفية إسلام الوجه الله - إنما هو القرآن
وإذا ما وصل الإنسان إلى إسلام الوجه الله كان بذلك في ذروة الإنسانية وفي الذروة من مكارم الأخلاق
ويتفاوت الناس في إسلام وجوههم الله لابد من أن يكون أحدهم الأول فكان رسول
الله أولهم بإطلاق مطلق قل إنَّ صلاتي ونسكي ومحيايَ ومماتي لله ربِّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين الأنعام ١٦٢
ولم يصف القرآن بأول المسلمين شخصا آخر غير الرسول صلى الله عليه وسلم ولو لم يوجد أول المسلمين المتمم لمكارم الأخلاق ذلك الذي كانت صلاته ونسكه ومحياه ومماته الله رب العالمين – لو لم يوجد هذا الكائن الرباني - لظل العالم مستشرفا إليه ليكمل به ولظل العالم
ناقصا مادةً وروحا
www
فلما وجد ل انتهت حكمة الله بوجوده وبرسالته إلى ما بينه الله تعالى بقوله اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ۱ وسلامه عليك يا سيدى يا رسول الله
صلوات الله
وما من شك في أن الأخلاق الكريمة التي حث عليها القرآن الكريم وتابعها الرسول متناسقاً مع الحث عليها - لا تكاد تحصى منها مايلي
منه -
عن أنس عن النبي قال ثلاث من كن فيه وَجَدَ بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يجب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله كما يكره أن يقذف في النار عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين عن عبد الله بن عمرو - و رضى الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه خ
۱ المائدة ٣
**
٣٣٥
عن
أنس
عن النبي
قال لا يؤمن أحدكم حتى يحب
ما يحب
لنفسه خ
حدث شعبة عن زبيد قال سألت أبا وائل عن المرجئة فقال حدثني عبدالله - قال سباب المسلم فسوق وقتاله كفر خ
أن النبي
عن أبي هريرة رضى ! الله عنه عن النبي قال كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل على دابته ليحمل عليها أو ترفع له عليها صدقه خ جـ ٧ ص ٤٣
عن أبي مسعود عن النبي - - قال إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له
صدقة خ حدثنا الحكم بن نافع قال أخبرنا شعيب عن الزهرى قال حدثني عامر بن سعد عن سعد بن أبي وقاص أنه أخبره أن رسول الله الله قال إنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك خ
4
عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله الله أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا
وعد
أخلف وإذا ائتمن خان
المسئولية
فجر
عن ابن عمرو رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول كلكم راع ومسئول عن رعيته والإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة فى بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع ومسئول عن رعيته – قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه خ وكان الصحابة لا يرفعون صوتهم فوق صوته
عن أنس بن مالك, رضی الله عنه أن النبي افتقد ثابت بن قيس فقال رجل يا رسول الله أنا أعلم لك علمه فأتاه فوجده جالسًا في بيته منكَسًا رأسه فقال ما شأنك فقال
٣٣٦
شر كان يرفع صوته فوق صوت النبي فقد حبط عمله وهو من أهل الأرض فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا فقال موسى بن أنس فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة ۱
موقف الصحابة من الرسول
يقول صاحب الرسالة المحمدية
تأثير عاطفة الحب وسر تفانى الصحابة فى طاعة الرسول لأن الطاعة الكاملة المخلصة والتخلق بأخلاق الرسول والانصباغ بصبغته وإيثار شريعته ورضاه على هوى النفس والعادات والأعراف وبذل المهجة والنفس والنفيس في سبيل دعوته – لا يتأتى إلا بهذا الإجلال المنبعث من أعماق القلب والحب العميق الذى يملك على الإنسان مشاعره ويستولى على قلبه ولذلك قال تعالى وقل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقْتَرَفْتُمُوها وتجارة تخشَوْنَ كَسَادها ومساكن ترضونها أحب إليكم الله ورسوله وجهاد في سبيله فَتَرَبَّصُوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم من الفاسقين
الله
ولذلك كان الصحابة رضى عنهم من أحرص الناس على طاعته وأسرعهم إليها وأنشطهم فيها وأصبرهم عليها ولهم فى ذلك القدح المعلى والنصيب الأوفر إلى يوم
القيامة
ومنهم
تیم
أبو بكر الصديق الذى كان رسول الله الله أكرم عليه وأحب إليه من نفسه وحياته وصحته أعز عليه من حياته وصحته وقد ضَرَبه عتيبة بن ربيعة بنعلين مخصوفتين أنفه وبحرفهما لوجهه ونزا على بطنه حتى ما يعرف وجهه من وحملت بنو أبا بكر في ثوب لا يشكون فى موته ولما تكلم آخر النهار قال ما فعل رسول الله ولما قيل له إنه سالم صالح قال إن الله على ألا أذوق طعامًا ولا أشرب شرابا أو أتى رسول الله
۳
ومنهم
المرأة الأنصارية التي كان الناس يخبرونها بشهادة استشهاد أعز أقاربها أبيها
۱ صحيح البخارى جـ ٨ ص ٢٥٤ - ٢٥٥ ط الشعب
سورة التوبة ٢٤
۳ البداية والنهاية جـ ٣ ص ٣٠
۳۳۷
وأخيها وزوجها يوم أحد فقالت ما فعل رسول الله قالوا خيرا هو بحمد الله كما
تحبين فلما رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل ۱
خصائص هذه الحضارة وسماتها
من
إن هذه الحضارة الإبراهيمية المحمدية لا تعرف الوثنية والشرك ولا تسمح به في لون الألوان فى أى مكان وزمان فكل دعاء إبراهيم وأكبر همه
واجنبني وبنى أن نعبد الأصنام
وكان أكبر وصيته ودعوته للأمم والأفراد جميعًا فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء الله غير مشركين به ۳
إنها لا تعرف التهالك على الشهوات والتكالب على حطام الدنيا والتناحر على جيف المادة والتقاتل في سبيل الحكومات والمناصب
إنها دعوة لم تزل عقيدتها تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُلُوا في الأرض
ولا فسادًا والعاقبة للمتقين 4 إنها حضارة لا تعرف الفصل بين الإنسان والإنسان والتمييز بين الألوان والأوطان فالناس كلهم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمى ولا لعجمي على عربي
إلا بالتقوى
يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارَفُوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ٥ وقد قال خاتم الرسل له ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية ٦ وقال لمن هتف بالأنصار ومن هتف بالمهاجرين دعوها فإنها فتنة ۷ إنها حضارة تُعْرَفُ فى العقيدة بالتوحيد وفى الاجتماع باحترام الإنسانية والمساواة بين أفرادها وفى دائرة الأخلاق والمنهج بتقوى الله والحياء والتواضع وفى ميدان الكفاح بالسعى للآخرة والجهاد الله وفى ساحة الحرب بالرحمة والعاطفة
۱ ابن اسحاق والبيهقي
سورة ابراهيم ٣٥ ۳ سورة الحج ۳۰ ۳۱ ٤ سورة القصص ۸۳ ٥ سورة الحجرات ۱۳
٦ رواه ابن داود ۷ رواه البخاري
۳۳۸
الإنسانية وفى أنواع الحكومات بترجيح جانب الهداية على جانب الجباية والخدمة على الاستخدام وتعرف فى التاريخ بخدمة الإنسانية المخلصة وإنقاذها من براثن الجاهلية
والدعوات الطاغية وفى العالم بآثارها الزاهرة الزاهية وخيراتها المنتشرة الباقية إنها حضارة عجنت مع اسم الله ومراقبته وصبغت بصبغة الله وقامت على أساس ۱ و الإيمان فلا يمكن تجريدها عن الطابع الديني واللون الرباني والروح الإيماني
أدب الغلمان الغلمان
حتى
النبي
عن سلمة بن الأكوع رضى الله عنه قال مرَّ النبى الله على نفر ممن أسلم ينتضلون فقال ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع فلان قال فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم مالكم لا ترمون قالوا كيف نرمى وأنت معهم قال النبي ارموا فأنا معكم كلكم
ويقول صاحب كتاب الشفاء
وكانت شعرات من شعره في قلنسوة خالد بن الوليد فلم يشهد بها قتالاً إلا رزق النصر وكانوا متبركين بحمل شيء من آثاره
كانت في قلنسوة خالد بن الوليد شعرات من شعر الرسول صلى الله عليه وسلم فسقطت قلنسوته في بعض حروبه فشد عليها شدة أنكر عليه أصحاب النبي مع كثرة من قتل بها فقال لم أفعلها بسبب القلنسوة بل لما تضمنته من شعره لئلا أَسْلَبَ بركتها وتقع في أيدى المشركين ورؤى عمر واضعا يده على مقعد النبى الله من المنبر ثم وضعها على وجهه - كان مالك رحمه الله لا يركب بالمدينة دابة وكان يقول أستحيى من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله له بحافر دابة ٤
ولهذا
وفي الصحيح عن أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنها أنها أخرجت جبة طيالة وقالت كان رسول الله الله يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها وأخبر القاضي أبو على
۱ رسالة ملة ابراهيم وحضارة الإسلام للمؤلف بتغيير يسير ص ۱۳ ١٤ ١٥
النبوة والأنبياء في ضوء القرآن ص ٧٦ - ٧٨
۳ صحيح البخارى جـ ٧ ص ٤٥ - ٤٦
٤ الشفاء ص ٤٨ ق ٢
۳۳۹
عن شيخه أبي القاسم بن المأمون قال كانت عندنا قصعة من قصاع النبي فكنا نجعل
فيها الماء للمرضى فيستشفون بها ۱
وعن ابن سيرين قال قلت لعبيدة عندنا شعر النبي الله أصبناه من قبل أنس أو من قبل أهل أنس فقال لأن تكون عندى شعرة منه أحب إلى من الدنيا وما فيها خ
وعن ابن سيرين عن أنس أن رسول الله الله لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول
أخذ من شعره خ
ازدادت المحبة في الآثار النبوية
من
ووصل الأمر فى حب التبرك بالرسول صل إلى هذه الصورة التالية عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال رأيت رسول الله له في قبو حمراء من أدَمَ ورأيت بلالاً أخذ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت الناس يبتدرون ذاك الوضوء فَمَن أصاب منه شيئًا تمسح به ومن لم يصب منه
شيئًا أخذ من بلل يد صاحبه
ويأتون إليه بآنياتهم
عن أنس بن مالك قال
كان رسول الله الله - إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بانياتهم فيها الماء يؤتى بإناء إلا غمس يده فيه فربما جاءوه فى الغداة الباردة فيغمس يده فيها
رواه مسلم في الصحيح
وبعد فقد روى الإمام البخاري بسنده
عن
أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم
لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين خ
وهل
أتاك حديث جلجل أم سلمة
عن عثمان بن موهب قال
كان عند
أم سلمة جلجل من فضة ضخم فيه شعر الرسول صلى الله عليه وسلم وكان فكان إذا أصاب إنسانًا الحُمَّى بعث إليه فخضضته فيه ثم ينضحه الرجل على وجهه قال بعثنى
٣٤٠
۱ الشفاء ص ۷۸
أهلى إليها فأخرته فإذا هو هكذا وأشار إسرائيل - للراوى - بثلاثة أصابع وكان فيه شعراء
حمر رواه البخارى فى الصحيح عن مالك بن إسماعيل عن إسرائيل1
وفيما روى البخاري عن الوضوء
عن أبي جحيفة قال
خرج علينا رسول الله الله بالهاجرة فأتى بوضوء فتوضأ فجعل الناس يأخذون فضل وضوئه فيتسمون به خ
وقال عروة عن المسور وغيره يصدق كل واحد منهما صاحبه وإذا توضاً النبي
كادوا يقتتلون على وضوئه خ
روى البخاري بسنده
من
عن عقبة بن عامر أن النبى الخرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فَرَطُكُم وأنا شهيد عليكم إني والله لأنظر إلى حوضى الآن وإني قد أعطيت خزائن مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف بعدى أن تشركوا ولكن أخاف أن تنافسوا
عليها
عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لا يقتسم ورثتى دينارًا ماتركت - بعد نفقة نسائى ومؤنة عاملى
صدقة خ
فهو
عن عمرو بن الحارث ختن رسول الله الله - أخى جويرية بنت الحارث فقال ما ترك رسول الله - عند موته درهما ولا دينارًا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئًا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة خ عن أبي بردة قال أخرجت لنا عائشة رضى الله عنها كساء ملبدا وقالت في هذا نزع روح النبي وزاد سليمان عن حميد عن أبي بردة قال أخرجت إلينا عائشة إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساءً من هذه التي يدعونها ٣ الملبدة ٤
۱ دلائل النبوة ص ١٧٦ أى متقدمكم لأهبي لكم
۳ تدعونها
٤ صحيح البخاری ج ۷ ص ۱۰۱
٣٤١
قال رسول الله
أنا أول الناس خروجًا إذا بعثوا وأنا خطيبهم إذا وفدوا وأنا مبشرهم إذا أيسوا لواء الحمد بيدى وأنا أكرم ولد آدم على ربى ولا فخر ۱
عن أنس بن مالك قال كان النبي أحسن الناس وجها وأجود الناس وأشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ليلة فركب فرساً لأبي طلحة عريان فخرج الناس فإذا هم برسول الله صلى الله عليه وسلم قد سبقهم إلى الصوت قد أستبرأ الخبر وهو يقول لن تراعوا وقال النبي لقد وجدناه بحرا أو إنه لبحر قال حماد وحدثني ثابت – أو بلغنى عنه - قال فما سُبقَ ذلك الفرس بعد ذلك قال وكان فرسًا يبطأ رواه البخاري في
الصحيح
وقال على رضى الله عنه إنا كنا إذا حمى البأس ويروى – اشتد البأس – واحمرت الحدق اتقينا برسول الله فما يكون أقرب إلى العدو منه ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي - وهو أقربنا إلى العدو - وكان من أشد الناس يومئذ بأسا وقيل كان الشجاع هو الذى يقرب منه الله إذا دنا العدو لقربه منه ۳
ويقول الإمام ابن كثير وذكرت في التفسير عن بعض السلف أنه استنبط من قوله تعالى فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحَرِّض المؤمنين ٤ أن رسول الله له كان مأمورا ألا يفر من المشركين إذا واجهوه ولو كان وحده من قوله لا تُكَلِّفُ إلا نفسك وقد كان من أشجع الناس وأصبر الناس وأجلدهم ما فَرَّقط من مُصافٍ ولو
تولى
عنه أصحابه
قال بعض أصحابه كنا إذا اشتد الحرب وحمى الناس نتقى برسول الله الله ففى يوم بدر رمى ألف مشرك بقبضة من حصى فنالتهم أجمعين حين قال شاهت وكذلك يوم حنين كما تقدم وفر أكثر أصحابه يوم أحد وهو ثابت في مقام منه ولم يبق معه إلا اثنا عشر قتل منهم سبعة وبقى الخمسة وفي هذا الوقت قتل بن خلف لعنه الله فعجله الله إلى النار
الوجوه
لم يبرح
1 الشفاء ص ١٦٨
دلائل النبوة ط ص ٢٤٢
۳ الشفاء ص ۸۹
٤ النساء ٨٤
٣٤٢
ويوم حنين ولى الناس كلهم وكانوا يومئذ اثنى عشر ألفاً وثبت هو في نحو من مائة
من الصحابة وهو راكب يومئذ بغلته وهو يركض بها إلى نحو العدو وهو ينوه باسمه ويعلن
بذلك قائلاً أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب حتى جعل العباس وعلى
وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يتعلقون في تلك البغلة ليبطئوا سيرها خوفا عليه من أن يصل أحد من الأعداء إليه
وما زال كذلك حتى نصره الله وأيده في مقامه ذلك
وما تراجع الناس إلا والأشلاء مجندلة بين يديه
وعند النوم
النصوص لا تعدل
عن البراء بن عازب قال قال النبي إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم
اضطجع على شقك الأيمن ثم قل
D
اللهم
أسلمت
وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهرى إليك رغبةً
ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذى أرسلت فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم به قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت ورسولك قال لا ونبيك الذي أرسلت
وكان من دعائه
اللهم إني أسألك رحمة تهدى بها قلبى وتجمع بها أمرى وتلم بها شعثى وتصلح بها غايتي وترفع بها شاهدى وتزكى بها عملى وتلهمنى بها رشدي وترد بها الفتى وتعصمنى بها من كل سوء اللهم إنى أسألك الفوز فى القضاء ونزل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء ۱
النبي العابد
ألف النسك والعبادة والخل
وة
طفلاً وهكذا النجباء
وإذا حلت الهداية قلبا نشطت في العدة الأعضاء
إن أول آية نزلت من القرآن الكريم إنما هي
١ الشفاء ص ٦١
٣٤٣
اقرأ باسم ربك الذي خلق ۱ ولقد كانت هذه الآية الكريمة بوضعها ومفهومها وجوها - شعارا عاما وتوجيهاً شاملاً فما كنت تعنى بروحها القراءة فحسب وإنما كانت تعنى أنه - منذ هذه اللحظة - يجب أن يكون كل أمر باسم الله فعلاً كان هذا الأمر أو تركا
ولقد تأكد هذا الاتجاه وأصبح سافرًا فيما بعد بل لقد أصبح من الأوامر المفوضة على المسلم يقول الله تعالى لرسوله قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ٢
على أن المسألة أشمل من ذلك وأعم إذا كان يتأتى الشمول والعموم بعد هذا إن الله سبحانه قد أخبر في قرآنه الكريم أنه ما خلق الجن والإنس إلا للعبادة يقول
سبحانه
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ۳ فغاية الخلق العبادة وسبب الخلق العبادة والثمرة التي يجب أن يعمل الإنسان على تحقيقها إذن إنما هي العبادة هنا كانت التوجيهات المتوالية للعبادة ومن أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودًا وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجنى مُخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا ٤
واسجد واقترب ٥
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ٦
واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه
وإدبار النجوم ۷
۱ العلق 1
الأنعام ١٦٢ ١٦٣
٣ الذاريات ٥٦
٤ الإسراء ۷۸ ۷۹ ۰۸۰
٥ العلق ۱۹
٦ الحجر ۹۹ ۷ الطور ٤٨ ٤٩
٣٤٤
وما من شك في أن الله سبحانه لا تضره معصية ولا تنفعه طاعة إنه سبحانه الغنى المطلق والمعطى المطلق إنه سبحانه الوهاب الرزاق المغنى إنه القائم بنفسه وغيره هو
المحتاج
وما كانت العبادة إلا لأجل تكميل الإنسان فمن فضل الله على عباده أن فتح لهم باب
الكمال على مصراعيه عن طريق العبادة ففائدة العبادة راجعة إلى العابد نفسه فضلاً من ورحمة إنها راجعة إليه فى الدنيا وراجعة إليه فى الآخرة ويشمل الوجهين قوله
الله
تعالى
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون 1
ومن
عناية الله بالأمة الإسلامية وبرسوله الكريم أن أول كلمات الوحى من الوحى كانت توجيها للرسول وللمسلمين بأن تكون أعمالهم كلها عبادة لأن ما كان باسم ا كان عبادة ولو كان أكلاً أو شرباً مثلاً
واستجاب الرسول لهذا لتوجيه السامى الذى توالى منذ الأيام الأولى للرسالة
واستمر طيلة الوحى
إن الرسول الله حينما فاجأه الوحى فعاد يرجف فؤاده إلى منزله الطاهر وقال زملوني
زملونی
ونزل عليه قوله تعالى
ويأيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ورتل القرآن
ترتیلا
وكذلك الشأن في كل ما يعترض المسلم من ضيق أو كرب أمر بالعبادة مثل فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ٣
وهنا علق سبحانه الرضى وطمأنينة النفس وسكينة الفؤاد على التسبيح والذكر
والعبادة
ويشير إلى ذلك أيضا فيقول
۱ النحل ۹۷
المزمل ٤٣٢١
۳ طه ۱۳۰
٣٤٥
فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن
الليل فسبحه وأدبار السجود ۱
واستجاب الرسول الاستجابة كاملة للتوجيه الإلهى فجعل من كل أعمال الحياة عبادة إذ أنه كان يعملها بسم ا الله لقد جعل صلاته ونسكه وجعل حياته بأكملها بل ومماته أيضًا الله رب العالمين لقد جعل كلامه وصمته وجعل حركته وسكونه وجعل نومه ويقظته بل جعل أنفاسه عبادة الله سبحانه فكان ذلك توجها به إلى الله فكان عبادة له وهذه الاستجابة الكاملة هى التى جعلت من رسول الله صلوات الله وسلامه عليه
أول المسلمين أولهم منذ خلق ! منذ الأزل إلى الأبد إنما هو الإسلام
الله
العالم إلى أن يطوى الله الأرض وما عليها باعتبار أن الدين عند الله -
لقد صير الرسول الحياة كلها عبادة لا تفتر وإذا ما استحالت إلى عبادة فقد استحالت إلى قوة أرأيت حينما تجعل من الجهاد عبادة ومن العمل عبادة ومن العلم عبادة ومن الكفاح عبادة ومن السعى على المعاش عبادة ومن ومن هل يضعف المجتمع أم يقوى وهل يأمن أهله أم يخافون وهل يسعدون أم يشقون ومهما يكن من شيء فقد استجاب الرسول الاستجابة تامة لما أراد الله سبحانه وتعالى ولقد تحدث الله عن هذه الاستجابة ذكرًا لها فقال سبحانه
وإن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه
ونذكر الآن
بعض
الأحاديث التي تصور
إيضاح هذا الجانب من حياته أهداف تأسى المسلمين به قدر الاستطاعة
هذا الجانب من حياة الرسول ومن وراء
٢ - رضاء النفوس وطمأنينة الأفئدة من الناحية النفسية فليس هناك علاج للشك والحيرة والتردد يعادل فى نفاسته العبادة والنصيحة المجربة التى تسدى للشاك إنما هي
صل
٣٤٦
فالصلاة خير علاج للاضطراب الدينى بل للاضطراب النفسى أيا كان
۱ ق ٣٩ ٤٠ المزمل ۰
ومتى وجدت النفس المطمئنة – والنفس المطمئنة لا وسيلة لوجودها إلا بالعبادة - فإن الأمراض الجسمية نفسها يزول بإقرار أطباء الأجسام أنفسهم ثم إنه – بإقرار أطباء الأجسام أيضا - لا يكون الإنسان المطمئن عرضة لما يتعرض له غير المطمئن من أمراض
الكثير
من
جسمية
٣ - وهذه الأسوة بالرسول صلى الله عليه وسلم التي نرجوها ستكون سببا في تفريج الضيق المادى ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم برك كات من السماء والأرض 1 من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ٢ وهذه الأحاديث التي نذكرها لا يوجد فيها حديث ضعيف ومع أن الأحاديث الضعيفة يعمل بها في فضائل الأعمال فإنا قد تحرينا تحريًا كاملاً ألا نذكر فيما يلى – إلى آخر
الكتاب - حديثاً ضعيفاً
الصلاة
عن السيدة عائشة
رضی
الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى
تنفطر
قدماه
فقلت له لماذا تصنع هذا يارسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر !
أما
الله
قال أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا ! عبد بن مسعود رضی الله عنه فقد قال صليت مع النبي ليلة فأطال القيام حتى هممت بأمر سوء
قيل وما هممت به قال أجلس وأدعه
ولعل لابن مسعود عذره فقد كان الا الله يقرأ الركعة الأولى مثلاً سورة البقرة وفى الثانية آل عمران وفى الثالثة سورة النساء وكان يطيل القيام ويطيل الركوع ويطيل السجود كان يطيل كل ذلك حينما كان يفعله منفردًا في جوف الليل أما إذا كان مع
الناس فإنه يخفف
1 الأعراف ٩٦
النحل ۹۷
٣٤٧
وقد ورد فى السنة الصحيحة إطالة الرسول الله القراءة في الركعات التي يصليها
الليل وبسبب هذه الإطالة كانت هذه الركعات لا تتجاوز إحدى عشرة ركعة عن عائشة الله عنها أن النبي يصلى من الليل إحدى عشرة ركعة فإذا
رضی
طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يجيء المؤذن
فيؤذنه
وكان الرسول يستغرق في صلاته الليلة ويبكي
ويقص مطرف بن عبد الله عن أبيه قال
أتيت النبي الله وهو يصلى ولجوفه أزيز المرجل يعني يبكي
وللصلاة أهمية كبرى يوضحها الرسول بقوله
إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة
وكان يتوضأ لكل صلاة
عن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة قيل له - كنتم تصنعون قال يجزى أحدنا الوضوء ما لم يحدث والأحاديث التالية تبين بعض أحوال الرسول الله الله في الصلاة كان عند الإقامة يقول أقامها الله وأدامها وكان له إذ قام إلى الصلاة طأطأ رأسه
قالت عائشة رضى الله عنها لم يكن له الا الله على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر سماك بن حرب قال قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله قال عن كثيرًا كان لا يقوم من مصلاه الذى يصلى منه الصبح حتى تطلع الشمس فإذا طلعت
نعم
قام
وكان يدخل في الصلاة فيريد أطالتها فيسمع بكاء الصبي فيتجوز في صلاته مخافة أن يشق على أمه
وكان يقرأ بسورة الجمعة في الركعة الأولى وبـ إذا جاءك المنافقون في الثانية عن جبير بن مطعم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بسورة الطور وكان لا يقرأ فى المغرب بسورة والمرسلات عرفا وإنها لآخر ما سمعته من رسول
الله الا الله
٣٤٨
وعن أم هاشم بنت حارثة بن النعمان قالت ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا عن
لسان رسول الله يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس
كان يقرأ في صبح الجمعة
حين من الدهر رواه الشيخان
هل
ألم
تنزيل
السجدة و هل أتى على الإنسان
من حديث أبي هريرة وإنما كان يقرؤهما كاملتين وقراءة بعضهما خلاف السنة كان يقرأ في العيدين وفى الجمعة بسورة سبح اسم ربك الأعلى وسورة أتاك حديث الغاشية وكان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم
اغفر لى
وكان يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به منى أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت
وفي السجود يقول له اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من
عقوبتك وأعوذ بك منك ولا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وعن حذيفة كان يقول الله في ركوعه سبحان ربي العظيم وفى سجوده
سبحان
الأعلى ربی
ه وعن
عائشة
الله
رضی عنها كان لا يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لى يتأول القرآن رواه مسلم ومعنى يتأول القرآن يعمل بما أمر به كما في قوله تعالى فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ۱ فكان يقول هذا الكلام البديع فى الجزالة المستوفى ما أمر به في الآية
الصيام
أما إذا جئنا إلى رمضان وإلى الصيام على وجه العموم فالأحاديث التالية توضح بعض الأمر كما أن أحاديث الصلاة التي رويناها إنما بينت إشارات ولمحات فقط فكذلك الأمر في أحاديث الصيام فرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة فتوفى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام
تسعة رمضانات
۱ النصر ٣
٣٤٩
عائشة
عن
رضی
الله عنها كان رسول الله إذا دخل العشر الأواخر من رمضان
أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر وعنها قالت كان يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره وفي العشر الأخير ما لا يجتهد في غيرها
كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف فى كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما
إذا دخل العشر الأخير طوى فراشه واعتزل النساء واغتسل بين الأذانين وجعل العشاء سحورًا
روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه الله واصل فواصل الناس فشق ذلك عليهم فنهاهم رسول الله الله أن يواصلوا قالوا إنك تواصل قال لست كهيئتكم إنى أظل أطعم وأسقى
عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان النبي عل الله لا يفطر الأيام البيض في حضر ولا
سفر وهي ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة
وعن حفصة رضى
الله
عنها أربع لم يكن النبي عل الله يدعهن صيام عاشوراء
والعشر - أي تسع ذى الحجة - والأيام البيض من كل شهر وركعتا الفجر كان صلوات الله عليه وسلامه يتحرى صيام يوم الأثنين والخميس كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر
ومن العبادة الذكر
روى مسلم وأحمد عن النبي الله لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم
وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده
أحيانه
وعن عائشة الله رضی
القرآن
الملائكة
عنها قالت كان صلوات الله وسلامه عليه يذكر الله على كل
مثل الذي يذكر ربه والذى لا يذكره مثل الحى والميت وأفضل الذكر قراءة
٣٥٠
ه ومن قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف
إن الذى ليس فى جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب
ه اقرءوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه
وبينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبى الله سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال هذا باب من السماء فتح اليوم ولم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال هذا ملك نزل إلى الأرض ولم ينزل قط إلا اليوم فسلم وقال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي
قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته ولأن لا إله إلا الله أساس التوحيد وتعبير عن التوحيد وقد ذكرت بلفظها وبمعناها في القرآن على أنحاء شتى قال صلوات الله وسلامه عليه
أفضل الذكر لا إله إلا الله
عن أبي موسى رضى الله عنه قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلك على كنز من كنوز
الجنة
فقلت بلى يا رسول الله
قال لا حول ولا قوة إلا بالله
ه قال رسول الله لقيت إبراهيم الله ليلة أسرى بي فقال يا محمد أقرئ أمتك منى السلام وأخبرهم أن الجنة طبيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غرسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
a
وكان يقول بأعلى صوته لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن الجميل لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون وقال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فى يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر
٣٥١
وقال من قال سبحان الله وبحمده فى يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل
زبد البحر
وقال إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم ولا عشاء فإذا دخل فلم يذكر الله تعالى دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء
عند
وقال الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها
وقال إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده
وقال لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلى مما طلعت عليه الشمس
الله
وقال کلمتان خفيفتان اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان وبحمده سبحان الله العظيم
000
الدعاء
وقال صلوات الله عليه وسلامه الدعاء العبادة هو
أما أحسن أوقات الدعاء فإن الأحاديث التالية تذكر بعضها
أقرب ما ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء فقمن أن يستجاب لكم قيل لرسول الله أى الدعاء أسمع قال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات
المكتوبة دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة وعند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل يا رسول الله ما الاستعجال قال يقول قد دعوت الدعاء فلم أره يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويترك الدعاء
ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء فقال رجل من القوم إذن نكثر قال الله أكثر
مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم
٣٥٢
يلى
كان
يحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك ومن جوامع دعائه ما
أسأل
ربی
أتاه رجل فقال يا رسول الله كيف أقول حين قال قل اللهم اغفر لي وارحمنى وعافنى وارزقنى فإن هؤلاء تجمع لك دنياك
وآخرتك
ومن جوامعه
اللهم إني أسالك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار
عن أبي أمامة رضی الله عنه قال دعا رسول الله بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئاً
قلت يا رسول الله دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئًا
فقال ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كله تقول اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه نبيك محمد الله وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بك ا هـ اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء
اللهم
ألهمني رشدى وأعذني من شر نفسي
عن شهر بن حوشب قال قلت لأم سلمة رضى الله عنها يا أم المؤمنين ما كان أكثر
دعاء رسول إذ كان عندك
قالت كان أكثر دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك اهـ
اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمرى وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادى واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لى من كل شر
اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك
اللهم اجعل في قلبي نوراً وفى بصرى نوراً وفى سمعى نورا وعن يميني نوراً وعن يسارى نورا وتحتى نورًا وأمامى نوراً وخلفى نورًا واجعل لى نوراً ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
ومن
أدعيته صلوات الله وسلامه عليه الصلاة
٣٥٣
عن أبي بكر الصديق رضي ! الله عنه أنه قال لرسول الله علمنى دعاء أدعو به في صلاتي قال قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لى مغفرة من عندك وارحمنى إنك أنت الغفور الرحيم وكان صلوات الله وسلامه عليه يقول بين السجدتين اللهم اغفر لى وارحمني واهدني وعافني وارزقني
عن
معاذ رضی
الله عنه أن الرسول الله أخذ بيده وقال يا معاذ والله إنى لأحبك ثم أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعنى على
ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
وعند الإفطار في الصوم
الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت
اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل مني إنك أنت السميع
العليم عند الكرب
يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث وعند الكرب أيضا
لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش
الكريم أما إذا كان الكرب شديدا فيحسن أن يكرر الإنسان دعاء الرسول عند عودته من الطائف وهو من روائع بيانه ودقيق مناجاته اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهوانى على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمنى أم إلى عدو ملكته أمرى إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى ولكن عافتيك هي أوسع لى أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل على سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول
ولا قوة إلا بك
وإذا خاف قوما قال اللهم إنا نجعلك في نحورهم
ونعوذ بك من
شرورهم
٣٥٤
لسداد الدين ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله لو كان عليك مثل جبل دينا أداه الله
عنك قل اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك وعند الخروج من البيت
عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله الله من قال – إذا خرج من بيته – بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله يقال له هديت وكفيت ووقيت وتنحى
عنه الشيطان عند النوم واليقظة
إذا أخذ أحدكم مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول اللهم باسمك أموت وأحيا وإذا استيقظ قال الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور
عند الأكل الحمد لله الذي أطعمنى هذا ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة
عند الملبس الجديد
اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره
وشر ما صنع له
وإذا رأى الهلال
اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلام والإسلام ربي وربك الله هلال رشد
وخير
وعندما ينتهى المجلس ويتفرق الحاضرون يقول
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
وعندما يودع شخصا كان رسول الله يودعنا فيقول استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ويقول السيد سليمان الندوي
ومن أفضل سيرته وأعلاها أنه - بعد ما أوحى إليه – لم يأمر أتباعه وأصحابه بأمر إلا وقد سبقهم إلى العمل به فدعا الناس إلى ذكر الله ومحبته ولو راقبت حياته نفسها
٣٥٥
لرأيتها ملائمة لهذه الدعوة لأنه لم تكن تمضى عليه ساعة من نهار أو ليل إلا ويذكر الله بقلبه ويحمده بلسانه فكان لسانه رطبا بذكر الله لا يفتر عنه طرفة عين فإذا أكل أو شرب ذكر اسم الله وإذا فرغ من ذلك حمد الله وإذا أخذ مضجعه أو استيقظ من نومه ذكر الله وإذا نهض أو جلس سبح ا الله أو حمده وإذا لبس جديدا شكر الله في مختلف الأحوال حتى إن أذكاره ودعواته التي حفظها الناس عنه – شغلت فراغا واسعا من كتب الحديث وجمعت في كتاب الحصن الحصين الذي يبلغ مائتي صفحة ومن قرأ هذه الأدعية يقضى العجب ويوقن بأنه الا الله كان يحب الله ويخشاه ويهاب جلاله في القرآن عباده الصالحين الذين يذكرون الله قياما وقعودًا وعلى
الله
فكان كما وصف جنوبهم ۱ وكما شهدت عائشة بأنه كان يذكر الله ولا يغفل عن ذكره أبدا
4
وأمر الناس بالصلاة وحضهم على إقامتها والمحافظة عليها أشد المحافظة
فماذا تحسبون الرسول كان يعمل فى نفسه بما كان يأمر به غيره إنه كان يقيم الصلاة ويحافظ عليها أكثر من غيره كان المسلمون يقيمون الصلوات المفروضة خمسا وكان الهلال يتطوع بالزيادة على ذلك في صلاة الضحى وصلاة الإشراق وصلاة التهجد وكان عامة المسلمين يصلون سبع عشرة ركعة المكتوبة عليهم
تلقى
العناء
وكان هو الله يصلى فى اليوم والليلة خمسين إلى إلى ستين ركعة من المكتوبة والنوافل لقد سقطت عن عامة المسلمين فريضة التهجد بعدما فرضت عليهم الصلوات الخمس لكن الرسول كان يقوم الليل ويصلى صلوات لا تقل عن حسنهن وطولهن حتى كانت قدماه تتورمان من طول القيام فقالت له عائشة يوما - وقد رأت ما يعاني في قيام الليل - إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأجر فما بالك يا رسول الله وتتعب هذا التعب الشديد فأجابها الا الله أفلا أكون عبدًا شكورا وكان في هذه الصلوات معنى محبة الله أغلب عليه الا الله من معنى الخوف فكان يطيل الركوع حتى يخيل إلى من يراقبه أنه ربما قد نسى السجود وكان يقيم صلاته من بدء الوحي في فناء بيت الله أمام المشركين الذين كانوا يعادونه ويؤذونه إيذاءً شديدًا وقد هجم عليه بعض المشركين وهو في الصلاة - فلم يترك صلاته خوفًا منهم
وكان جنباه يتجافيان عن المضجع وكان قليلاً من الليل ما يهجع ويبيت ساجدًا أو قائما والناس نيام وأشد ما يكون إقام الصلاة حين يلتقى الجمعان في ساحة الحرب
۱ آل عمران ۱۹۱
٣٥٦
والسيوف مصلتة والرماح مشرعة والقلوب واجفة ومع ذلك فإنه إذا حان وقت الصلاة والحرب كما وصفنا اصطف المسلمون للصلاة ونبيهم إمامهم فيتناوب بعضهم الصلاة وبعضهم الحرب وإمامهم ثابت - فى الحالين - إلى أن يؤدوا فريضة الله لا
مانع ۱
يمنعهم
عنها
وأمر المسلمين بالصوم وليس على المسلمين إلا صوم رمضان ولكن ما ظنكم بالرسول
وصومه
إنه قلما كان يمر به شهر أو أسبوع من شهر إلا كان يصوم فيه
تقول عائشة
صوم
كان يصوم حتى يظن أنه لن يفطر ونهى المسلمين عن صوم الوصال لكنه يواصل الصوم يومين بل ثلاثة أيام متوالية لا يأكل فيهن ولا يشرب وذلك الذي يقال له الوصال وكان بعض الصحابة يحب أن يقتدى به في ذلك فيقول لست كأحدكم أيكم مثلى إن ربي يطعمني ويسقيني وربما كان يصوم شهرين متواليين شعبان ورمضان وكثيرا ما يصوم الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر وكان يصوم ستة من شوال ويوم عاشوراء من المحرم وكثيرا ما كان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس من كل أسبوع كذلك كان دأبه وهديه في الصوم وأمر المسلمين بإيتاء الزكاة وإنفاق المال فى الخير لكنه بدأ ذلك بنفسه وقد علمت شهادة أم المؤمنين خديجة له فى ذلك يوم قالت له إنك تحمل الكل وتعين على نوائب الحق وتكسب المعدم إنه لم يأمر الناس أن يتبعوه فى ترك الدنيا ولم يقل لهم ضحوا بكل ما في أيديكم من أموال ولم يخبرهم بأن ملكوت السموات موصدة أبوابها في وجوه الأغنياء وإنما الذى أوصاهم به أن يتصدقوا ببعض أموالهم كما قال عز وجل ومما رزقناهم
ينفقون هذا بينما رسول الله نفسه لم يكن يدخر من المال شيئًا في بيته كان ينفق في سبيل الله ما كان يملكه ولم يكن قليلاً ما كان يأتيه من خمس الغنائم من ذهب وفضة ومتاع
جميع
وغيره من عرض الدنيا فكان يخرج عنه كله لغيره من الفقراء والمساكين
۱ الرسالة المحمدية للسيد سليمان الندوى ص ۱۰۷ - ۱۰۹ السجدة ١٦
٣٥٧
ولم يكن يتمتع هو ولا أهل بيته بمتع الحياة الدنيا فكان حظه وحظ أهل بيته من الدنيا
الفقر والتعفف
وكان
سننه بعد أن فتحت أرض
أن خیبر يوزع على أزواجه من الطعام والحبوب
ما يكفيهم عاما لكنه قبل أن ينقضى العام كان ينفد ما وزعه على أزواجه فيمسهم الجوع والسعب لأنه كان ينفق على المحتاجين وعلى الضيوف مما يجده في بيوت أزواجه
الله
وهو أسخى
وحده
يقول عبد بن عباس إن رسول الله كان أسخانا وأجودنا ما يكون في شهر رمضان ولم يقل لسائل لا قط طول حياته ولم يأكل شيئًا مهما كان قليلا بل يشرك فيه أصحابه وقد آذن الناس أن من مات وعليه دين فدينه على أقضيه عنه وما ترك من ميراث فميراثه لورثته
جاءه يوما أعرابي فقال يا محمد إن هذا المال ليس لك ولا لأبيك فأوقر منه جملى فحمله رسول الله له من الشعير والتمر ولم يسخط عليه ما أغلظه من القول ثم قال إنما أنا قاسم وخازن والله هو المعطى يقول أبو ذر كنت يوما أمشى مع رسول الله له فى حرة المدينة فاستقبلنا جبل فقال أبا ذر قلت لبيك يا رسول الله قال ما يسرني أن عندى مثل أحد ذهبا تمضى على ثلاث ليال وعندى منه دينار إلا شيء أرصده لدين ۱
أحد
النبي المجاهد
إن رسول الله الا الله الذى كان يقوم الليل حتى تنفطر قدماه والذي كان في كثير من الأحيان يواصل في الصيام هو الذى يقول والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل
وهو القائل من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق إن النبى العابد هو النبى المكافح وإن نبي الرحمة هو نبى الجهاد وما كان الجهاد قط في الإسلام إلا في سبيل الله فإذا ما خرج عن سبيل الله لم يكن إسلاميا وكل ما في
سبيل الله إنما هو رحمة
۱ الرسالة المحمدية ۱۰۹ - ۱۱۱
٣٥٨
وليس من شأننا أن نتحدث عن الغزوات سردًا وترتيباً وتفصيلاً وإنما نذكر منها عبرا حتى تنتهى إلى فتح مكة
وأول ملاحظة هي أن الرسول العابد لم يتراجع فى غزوة قط وكان الأبطال يتراجعون والصناديد من المهاجرين والأنصار يفرون أحيانًا ولكنه صلوات الله وسلامه عليه يثبت ثبات الجبال الراسيات لا يتزحزح عن موقفه ولا يزول عن مكانه وقد ثبت في مكانه فى غزوة أحد التي غلب فيها المسلمون وكان المشركون فيها يودون بكل ما استطاعوا أن يقضوا عليه صلوات الله وسلامه عليه
ووقف ثابتا في غزوة حنين وقد فر المسلمون على كثرتهم إذ ذاك وكيف يمكن لأكمل رجل في الوجود أن يفر وأن يتراجع وهو أوثق الناس بالله وبرسالته
ولقد كان واضحا فيه صلوات الله وسلامه عليه ما يقوله سيدنا على وهو من هو – بطولة كنا إذا حمى الوطيس - أى الحرب اتقينا برسول الله أي احتمينا به
وفروسية
وفيه فيكون أقربنا إلى العدو
متفائلاً
وكان صلوات الله وسلامه عليه مع التجائه إلى الله تعالى يدعوه ويستغيث به ويستنجزه وعده بالنصر يحكم الأمر إحكامًا بحيث لا يدع فيه ثغرة هكذا كان أمره في جميع أموره لقد نظم الجيش في غزوة بدر تنظيماً محكماً ثم اتجه إلى الله يدعوه وكان دائماً كان متفائلاً حتى ولو كان العدو عشرة أمثال المسلمين لقد كان المشركون في غزوة بدر ثلاثة أمثال المسلمين فهزمهم المسلمون بإذن الله وكان انهزام المسلمين في غزوة أحد شذوذا في القاعدة وما كان ذلك إلا لأنهم خالفوا - متأولين - أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم غير أن تفاؤله صلوات الله عليه وسلامه لم يفارقه لحظة إذ أنه بعد أن انهزم المسلمون فى غزوة أحد مباشرة أمرهم صلوات الله وسلامه عليه بلم شعثهم وتضميد جراحهم والاستعداد فوراً لخوض المعركة من جديد ومن مظاهر تفاؤله صلوات الله وسلامه عليه أنه فى غزوة الأحزاب وقد تجمع الشرك أرجاء الجزيرة يسانده اليهود والغادرون ليقضوا على الإسلام في المدينة ليقضوا عليه دينا وليقضوا عليه دولة ليقضوا عليه عقيدة وليقضوا عليه رجالاً وقد كان المسلمون يعملون فى حفر الخندق حماية لهم ومنعا من وصول العدو إليهم في اللحظة الحرجة يروى البراء بن عازب رضی الله القصة التالية حسبما رواها الإمام أحمد
من جميع
عنه
أمرنا رسول الله له بحفر الخندق فعرضت لنا صخرة فى مكان من الخندق لا تأخذ
٣٥٩
بسم
الله
فيها المعاول فشكونا إلى رسول الله الله فجاء ثم هبط إلى الصخرة فأخذ المعول وقال الله فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكانى هذا ثم قال بسم ا وضرب أخرى فكسر ثلث الحجر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكانى هذا ثم قال بسم الله وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إلى الأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا وأشاع هذا التفاؤل الثقة والاطمئنان في المسلمين وإن كان قد دعا إلى السخرية في وسط المشركين والوثنيين الذين قالوا إن محمدا يعدهم ويمنيهم وهم لا يأمنون على أنفسهم
الآن
هذا التفاؤل وهذه الثقة فى الله لم تفارق الرسول قط فى كفاحه الطويل الدائب الذي استمر إلى نهاية حياته الشريفة
أمثلته البينة ما قاله صلوات الله وسلامه عليه لأبى بكر وهما في الغار عند هجرتهما ومن إلى المدينة لقد كان سيدنا أبو بكر حزيناً خوفًا على الرسول صلوات الله وسلامه عليه فجاء النداء الإلهى على لسان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يملؤه ثقة وتفاؤلاً لا تحزن إن الله معنا ولما سمع سيدنا أبو بكر خفق نعال المشركين أمام الغار وأصواتهم الصاخبة التي تعلن عن سخطهم وغيظهم المكبوت قال لو نظر أحدهم إلى موقع قدميه وييسم رسول الله الله ويقول ما ظنك باثنين الله ثالثهما
لأبصرنا
الجهاد
ويقول صاحب كتاب الروض الأنف
نزول الأمر الرسول الله في القتال
بسم
الله الرحمن الرحيم قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطبى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له فى الحرب ولم تحلل له الدماء إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل
وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم وتفوهم من بلادهم فهم من بين مفتون في دينه ومن بين مُعذِّب فى أيديهم وبين هارب في البلاد
فرارًا منهم منهم مَنْ بأرض الحبشة ومنهم مَنْ بالمدينة وفى كل وجه فلما عَتَت ق على الله عز وجل وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة وكذبوا نبيه ا وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه - أذن الله عز وجل لرسوله في القتال والانتصار للمسلمين ممن ظلمهم وبغى عليهم فكانت أول آية أنزلت في إذنه له في الحرب وإحلاله له الدماء والقتال لمن بغى عليهم فيما بلغنى عن عُروة بن الزبير وغيره من العلماء قول الله تبارك وتعالى أذِنَ للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجدُ يُذكَرُ فيها اسم ا الله كثيرا ولينصرن الله من إن الله لقوى عزيز الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونَهَوا عن المنكر والله عاقبة الأمور ۱ أي أنى إنما أحللت لهم القتال لأنهم ظلموا ولم يكن لهم ذنب فيما بينهم وبين الناس إلا أن يعبدوا الله وأنهم إذا ظهروا أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر يعنى النبي - - وأصحابه رضى
الله
ينصره
أجمعين عنهم ثم أنزل الله تبارك وتعالى عليه وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أي حتى لا يفتن
T,
مؤمن عن دينه ويكون الدين الله له أى حتى يُعْبَدَ الله لا يعبدون غيره ۳ وبعد فقد كان رسول الله الله وهو من كبار المجاهدين لا يجلس ولا يقوم إلا على
ومن أحاديثه في الجهاد
عن
أبي هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله الله يقول والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيبُ أنفسهم أن يتخلفوا عنى ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفتُ عن سَريَّة تغزو في سبيل الله والذي نفسي بيده لوددت أنني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتلُ ثم أحيا ثم أقتل ٤
عن سهل بن سعد الساعدي رضى
1 الحج ٣٩ - ٤١ البقرة ۱۹۳
الله
۳ الروض الأنف جـ ٤ ص ١٤٦ - ١٤٧ ٤ صحيح البخارى جـ ٧ ص ۱ ط الشعب
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رباط
يوم في
٣٦١
سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد فى سبيل أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها ۱ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انتدب الله لمن خرج فى سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلى أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو أدخله الجنة ولولا أن أشق على أمتى ما قعدت خلف سرية أبدا ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل خ سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله - وكان كاتبا له - قال كتب إليه عبد ا ابن أبي أوفى رضى ا عنهما فقرأته أن رسول الله في بعض أيامه التي لقى فيها انتظر حتى مالت الشمس ثم قام فى الناس خطيبا قال أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ثم
عن
قال
عليهم
اللهم منزل الكتاب ومُجْرِئَ السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا
٣٦٢
۱ صحيح البخارى جـ ٧ ص ٤٣ ط الشعب صحيح البخاري جـ ٧ ص ٦٢
١ - رؤيا عاتكة
00
مواقف في غزوة بدر
كانت عاتكة بنت عبد المطلب ساكنة بمكة وهى عمة رسول الله وكانت مع أخيها العباس بن عبد المطلب فرأت رؤيا قبل بدر وقبل قدوم ضمضم عليهم ففزعت منها فأرسلت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب من ليلتها فجاءها العباس فقالت رأيت الليلة رؤيا قد أشفقت منها وخشيت على قومك الهلكة قال وماذا رأيت ۱
قالت لن أحدثك
حتى تعاهدني أنك لا تذكرها فإنهم إن سمعوها آذونا وأسمعونا ما
لا نحب فعاهدها العباس فقالت رأيت راكبًا أقبل من أعلى مكة على راحلته يصيح بأعلى صوته يا آل غُدَر اخرجوا في ليلتين أو ثلاث فأقبل يصيحُ حتى دخل المسجد على راحلته فصاح ثلاث صيحات ومال عليه الرجال والنساء والصبيان وفزع له الناس أشد الفزع قالت ثـ ثم أراه مَثَلَ على ظهر الكعبة على راحلته فصاح ثلاث صيحات فقال يا آل غدر ويا آل فجر اخرجوا في ليلتين ثلاث ثم أراه مثل على ظهر أبي قبيس كذلك يقول يا آل غُدَر ويا آل فجر حتى حتى أسمعَ مَنْ بين الأخشبين من أهل مكة ثم عمد إلى صخرة عظيمة فنزعها من أصلها ثم أرسلها على أهل مكة فأقبلت الصخرة لها حس شديد حتى إذا كانت عند أصل الجبل ارفضت فلا أعلم بمكة دارًا ولا بيتا إلا قد دخلتها فلقة من تلك الصخرة فقد خشيت على قومك ففزع العباس من رؤياها ثم خرج من عندها فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة من آخر تلك الليلة وكان الوليد خليلاً للعباس فقص عليه رؤيا عاتكة وأمره ألا يذكرها لأحد فذكرها الوليد لأبيه عتبة وذكرها عتبة لأخيه شيبة فارتفع الحديث حتى بلغ أبا جهل بن هشام واستفاض في أهل مكة
فلما أصبحوا غدا العباس يطوف بالبيت فوجد في المسجد أبا جهل وعتبة وشيبة ابني ربيعة وأمية وأبي بن خلف وزمعة بن الأسود وأبا البحتري في نفر من قريش يتحدثون فلما نظروا إلى العباس ناداه أبو جهل يا أبا الفضل إذا قضيت طوافك فهلم
إلينا
۱ رواه البخارى فى الصحيح عن الحميدى وأخرجاه من أوجه أخر انظر دلائل جـ ٢ ص ٥٦ ٥٧
٣٦٣
فلما قضى طوافه جاء فجلس إليهم فقال أبو جهل ما رؤيا رأتها عاتكة فقال
ما رأت من شيء
فقال أبو جهل أما رضيتم يا بنى هاشم بكذب الرجال حتى جئتمونا بكذب النساء إنا كنا وإياكم كفرسى رهان فاستبقنا المجد فلما تحاكت الركب قلتم منا نبي فما بقى إلا أن تقولوا منا نبية فما أعلم فى قريش أهل بيت أكذب امرأة ولا رجلاً منكم وآذاه أشد الأذى
وقال أبو جهل زعمت عاتكة أن الراكب قال اخرجوا في ليلتين أو ثلاث فلو قد مضت هذه الثلاث تبينت قريش كذبكم وكتبنا سجلاً إنكم أكذب أهل بيت في العرب رجلاً وامرأة !!
أما
رضيتم يا بني قصى أن ذهبتم بالحجابة والندوة والسقاية واللواء والرفادة حتى جئتمونا بنبي منكم !
فقال العباس هل أنت منته فإن الكذب فيك وفي أهل بيتك
فقال من حضرها ما كنت يا أبا الفضل جهولاً ولا خرقاً
ولقى العباس من عاتكة فيما أفشى عليها رؤياها أذى شديد ١
فلما كان مساء الليلة الثالثة من الليلة التي رأت عاتكة فيها الرؤيا جاءهم الراكب الذي
بعث به أبو سفيان وهو ضمضم بن عمرو الغفارى فصاح فقال يا آل غالب بن فهر محمد وأهل يثرب يعترضون لأبي سفيان فاحرزوا عيركم ففزعت قريش
انفروا فقد خرج أشد الفزع وأشفقوا من رؤيا عاتكة
- امض يا رسول الله لما أردت
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار رسول الله ل الناس فقال أبو بكر فأحسن ثم قام عمر فقال فأحسن
ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أمرت به فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه
فقال له رسول الله الله خيرا ودعا له به ثم قال أشيروا على أيها الناس وإنما يريد
۱ دلائل النبوة جـ ٢ ص ۳۷۳ ۳۷۵
٣٦٤
عليها
الأنصار وذلك أنهم عدد الناس وكانوا حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله !! إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا تمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونساءنا فكان رسول الله لا يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى أ أن نصرته إلا بالمدينة وأنه ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو بغير بلادهم فلما قال ذلك رسول الله قال سعد بن معاذ والله لكأنك يا رسول الله تريدنا قال أجل
قال سعد بن معاذ لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن
معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا واحد وما نكره أن نلقى عدونا غدًا إنا لصبر عند الحرب صدق عند الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله فسر بذلك رسول الله ثم قال سيروا وأبشروا فإن الله عز وجل قد وعدنى إحدى الطائفتين والله
اللقاء
ولعل
لكأني أنظر الآن إلى مصارع القوم أشرت بالرأى
نزل الرسول بدرًا فسبق قريشًا إليه فلما جاء أدنى ماء من بدر نزل عليه فقال له الحباب بن المنذر يا رسول الله أهذا منزل أنزَلَكَهُ الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصر أم هو الرأي والحرب والمكيدة
عنه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو الرأى والحرب والمكيدة
فقال الحباب يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل ولكن انهض حتى تجعل القُلبَ الآبار كلها من وراء ظهرك ثم غور كل قليب بها إلا قليبًا واحدا ثم احفر عليه حوضاً فنقاتل القوم فنشرب ولا يشربون حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال قد أشرت بالرأى ففعل ذلك فغورت القلب وبَنَى حوضاً على القليب الذى نزل عليه فملىء ماء ثم قذفوا
فيه الآنية وأقبلت قريش حين أصبحت يقدمها عتبة بن ربيعة على جمل له أحمر فلما رآهم رسول الله لا ينحطون من الكتب قال اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فأحنهم ۱ الغداة
1 أى أصبهم بالإحن وهى المصائب والهزائم انظر دلائل النبوة جـ ٢ ص ۳۱۹ ۳۱
٣٦٥
من عواطف الشباب
عن عبد الرحمن بن عوف قال إنى لواقف يوم بدر في الصف فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم أتعرف أبا جهل فقلت نعم وما حاجتك إليه قال أخبرت إنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبى جهل يجول فى الناس فقلت ألا تريان !! هذا صاحبكما الذي عنه فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى النبي فأخبراه فقال أيكما قتله قال كل واحد منهما أنا قتلته قال مسحتما سيفيكما قالا لا قال فنظر في السيفين فقال كلا كما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمر والآخر معاذ بن عفراء ۱
تسألان
ه - سواد
أخذ رسول الله يعدل جيشه كتفاً بكتف في صفوف متلاصقة كالبنيان المرصوص وأخذ يكبح شكيمة هؤلاء المتهورين الذين يريدون أن يتقدموا الجمع إلى
القتال فيلاقوا بلا شك مصرعهم دون فائدة تعود على المسلمين من ذلك
من هؤلاء سواد بن غزية فقد برز من صفه فضربه رسول الله بقدح ٢ كان بيده وقال استو يا سواد فقال يا رسول الله أوجعتنى وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني۳ فقال رسول الله اقتص منى فقال سواد كيف وقد ضربتني على بطنى العريان فكشف له رسول الله عن بطنه وقال استَقِدْ يا سواد فاعتنقه سواد فقبل بطنه فقال ما حملك على هذا يا سواد
فقال يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدى جلدك فدعا له رسول الله بخير
٤
۱ رواه البخارى فى الصحيح رواه مسلم عن يحيى بن يحيى انظر دلائل النبوة ج ص ٣٥٨ ٣٥٩
القدح السهم
۳ اقتص من نفسك
٤ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤلف
٣٦٦
٦ - إلى جنة وجاء المشركون لملاقاة المسلمين يوم بدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض قال يقول عمر بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض قال نعم
أنا
قال بخ بخ فقال رسول الله ما يحملك على قولك بخ بخ
قال لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها
قال فإنك من أهلها فأخرج ثمرات من قرنه ۱ فجعل يأكل منهن ثم قال لئن حييت حتى أكل ثمراتي هذه إنها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمر ثم
قاتلهم حتى قتل ٢
ابن عمر وغزوة بدر
مواقف
عرضت على رسول الله له يوم بدر فاستصغرني فلم يقبلني فما أتت على ليلة قط مثلها من السهر والحزن والبكاء إذ لم يقبلنى رسول الله الله فلما كان في العام المقبل عرضت عليه فقبلني فحمدت الله على ذلك
لو كان غير الجنة
عن سليمان
الله
بن بلال رضی عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى بدر أراد
معه
يخرج
سعد بن خيثمة وأبوه – جميعا – الخروج فذكر ذلك للنبي فأمر أن أحدهما فاستهما فقال خيثمة بن الحارث لابنه سعد رضى الله عنهما إنه لابد لأحدنا
من أن يقيم فأقِمْ مع نسائك فقال سعد لو كان غير الجنّة لآثرتك به إنى أرجو الشهادة في وجهى هذا فاستهما فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فاستشهد
1 أي جعبة النشاب
رواه مسلم في الصحيح انظر دلائل النبوة جـ ٢ ص ۳۰۷
٣٦٧
من آثار غزوة بدر
جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش في الحجر بيسير وكان عمير بن وهب شيطانا من شياطين قريش وممن كان يؤذى رسول الله وأصحابه ويلقون منه عناءً وهو بمكة وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى
بدر
قال ابن هشام أسره رفاعة بن رافع أحد بني زريق
قال ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان والله ما في العيش بعدهم خير قال له عمير صدقت والله أما والله لولا دين على ليس له عندى قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة لركبت إلى محمد حتى أقتله فإنّ لى قِبَلَهم علةً ابنى أسير في أيديهم قال فاغتنمها صفوان وقال على دينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالى أواسيهم ما بقوا
بعدی
لا
يسعنى شيء ويعجز عنهم
فبينا عمر بن
الخطاب فى نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله به وما أراهم من عدوهم إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب – حين أناخ على باب المسجد متوشحا السيف - فقال هذا الكلب عدو ا الله عمير بن وهب والله ما جاء إلا بشر وهو الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر
الله
هذا عدو عمير بن وهب
ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال یا نبی ا قد جاء متوشحا سيفه ! قال فأدخله على قال فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فليبه بها وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا واحذروا عليه من هذا الخبيث فإنه غير مأمون ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم
عنده
اذن
فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال أرسله يا عمر ا يا عمير فدنا ثم قال أنعموا صباحًا وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم فقال رسول الله
قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير السلام تحية أهل الجنة فقال أما والله
يا محمد إن كنتُ بها لحديث عهد قال فما جاء بك يا عمير
قال جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه
قال فما بال السيف في عنقك
٣٦٨
قال قبحها الله من سيوف ! وهل أغنت عنا شيئًا
قال أصدقني ما الذي جئت له
قال ما جئت إلا لذلك
قال بل قعدت أنت وصفوان بن أمية فى الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين على وعيال عندى لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلنى له والله حائل بينك وبين ذلك
قال عمير أشهد أنك رسول الله الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به السماء وما ينزل عليك من الوحى وهذا أمرٌ لم يحضره إلا أنا وصفوان فوالله من ما أتاك به إلا الله فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق ثم
إني
خبر
الأعلم
شهد شهادة الحق
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقهوا أخاكم فى دينه وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره ففعلوا ثم قال يا رسول الله إنى كنت جاهدًا على إطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دينا عز وجل وأنا أحب أن تأذن لى فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله تعالى وإلى رسوله وإلى
الإسلام لعل الله يهديهم وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذى أصحابك في دينهم قال فأذن له رسول الله فلحق بمكة وكان صفوان بن أمية حين خرج عمير بن وهب يقول أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر وكان صفوان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه فحلف ألا يكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع أبدا قال ابن إسحاق فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعو إلى الإسلام ويؤذى من خالقه أذى شديدا فأسلم على يديه ناس كثير
الشباب في المعركة تدافع الشباب في سن الخمس عشرة سنةً فأكثر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد كل منهم أن يظفر بالإذن له في المساهمة فى شرف العمل في سبيل الله
عشرة
لقد جاء إليه سمرة بن جندب وجاء إليه رافع بن خديج وهما ابنا خمس سنة فردهما فقيل يا رسول الله إن رافعا رام فأجازه فلما أجاز رافعا قيل له يا رسول الله إن سمرة يصرع رافعا فأجازه ولكنه الا الله ارد أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت أحد بنی مالك النجار ورد البراء بن عازب أحد بني حارثة
بن
٣٦٩
وعمرو بن حزم وأسيد بن ظهير رد جميع هؤلاء لصغر سنهم على الرغم من أنهم كانوا في شوق شديد لخوض المعركة معركة الشرف في سبيل الله
ولقد بلغت فرحتهم أقصاها حينما أجازهم شرف المساهمة في غزوة الخندق كان أكثر من خمس عشرة سنةٌ وكان فى حالة تمكنه من الحرب فقد أجازه
أما
من
رسول الله
الشيوخ في المعركة
وإنما
أ لما خرج رسول الله إلى أحد رفع حسيل بن جابر وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش في الآطام مع النساء والصبيان قال أحدهما لصاحبه وهما شيخان كبيران لا أبا لك ما تنتظر فوالله ما بقى لواحد منا من عمر إلا ظم۱ حمار نحن هامة اليوم أو غد أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله لعل رسول الله !! فأخذ أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم مع
شهادة
بهما
الله
يرزقنا
فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون وأما حسيل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه فقال حذيفة أبى فقالوا والله إن عرفناه ۳ وصدقوا قال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فأراد رسول الله له أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله الله خيرًا ب كان عمرو بن الجموح رجلاً أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد فلما كان
إن الله عز وجل قد عذرك
يوم
أحد
أرادوا حبسه وقالوا له
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بَنى يريدون أن يحبسونى عن هذا الوجه والخروج
معك فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة
فقال رسول الله أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك
۱ الظمء مقدار ما يكون بين الشربتين وأقصر الأظماء ظمء الحمار لأنه لا يصبر عن الماء فضرب مثلا
لقرب الأجل
الهامة طائر يخرج من رأس القتيل - فيما تزعم أساطير العرب - إذا قتل فلا يزال يصيح اسقونى اسقونى حتى يؤخذ بثأره فضربته العرب مثلا للموت ۳ أي ما عرفناه
٣٧٠
أحد
وقال لبنيه ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة فخرج
فدائيون في المعركة
معه فقتل يوم
كان كل هم المشركين أن يقتلوا رسول الله الله فلما انكشف المسلمون في المعركة - معركة أحد - حاول المشركون أن ينتهزوها فرصة فتدافعوا نحو الرسول في كثرة كثيرة
تريد قتله
فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً ثم رجلاً يُقتلون دونه حتى كان آخرهم زياد فقاتل حتى أ أثبتته الجراح وترمى دون رسول الله الله أبو دجانة بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحن عليـه حتى كثر فيه
النبل وقاتلت دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أم عمارة وهى نسيبة بنت كعب تقول أم سعد بنت سعد بن الربيع دخلت على أم عمارة فقلت لها يا خالة أخبرينى خبرك فقالت خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس ومعى سيقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح ۱ للمسلمين
فلما انهزم المسلمون انحزتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمى عن القوس حتى خلصت الجراح إلى
قالت أم
سعد
فرأيت على عاتقها جرحًا أجوف له غَوْرٌ فقلت من أصابك بهذا
قالت ابن قمئة أقماه الله
ثم تابعت حديثها قائلة لما ولى الناس عن رسول الله الله أقبل ابن قمئة يقول دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت رسول الله الله فضربنى هذه الضربة ولكن لقد ضربته على ذلك ضربات لكن عدو الله كانت عليه درعان ثم جاء المسلمون فأجلوا المشركين عن رسول الله ولقد قال رسول الله عنها ما التفت يمينا ولا شمالاً إلا وأراها تقاتل دونى
1 أى أن النصر لهم
۳۷۱
كله لطلحة
يوم
عن عائشة رضى
الله
أحد قال
عنها قالت كان أبو بكر رضى الله عنه إذا ذكر يوم أ ذلك يوم كله لطلحة رضى الله عنه ثم أنشأ يحدث فذكر الحديث وفيه فانتهينا إلى رسول الله الله وقد كسرت رباعيتُه وشُجَّ في وجهه وقد دخل في وجنته حَلْقَتان من حَلَقِ
المغفر
قال رسول الله عليكما صاحبكما
رضی
الله
يريد طلحة رضى الله عنه وقد نزف فذكر الحديث وفيه ثم أتينا طلحة و عنه في بعض تلك الحفار فإذا بضع وسبعون بين طعنة ورمية وضربة وإذا قد قطعت
أصبعه فأصلحنا شأنه
ریح
الجنة
عن زيد بن ثابت
رضی
الله
الربيع رضى الله عنه
كيف تجدك
عنه قال بعثني رسول الله له يوم أحد لطلب سعد بن وقال إن رأيته فأقرئه منى السلام وقل له يقول لك رسول الله
قال فجعلت أطوف بين القتلى فوجدته وهو فى آخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم فقلت له يا سعد إن رسول الله يقرأ عليك السلام ويقول لك أخبرني كيف تجدك
قال على رسول الله السلام وعليك السلام قل له يا رسول الله أجدني أجد ريح الجنة وقل لقومى الأنصار لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى رسول الله شيء يكرهه
وفيكم عين تطرف
غسلته الملائكة
دخل حنظلة بن أبي عامر على زوجته أول ما دخل بها فنودى بالجهاد في غزوة أحد
من ليلته
مفاجئ
فخرج مسرعا إلى المعركة وأظهر ضروبًا من البسالة والشجاعة حتى أ أتاه سهم فاستشهد وبعد المعركة قال الرسول الله لقد رأيت حنظلة بن أبي عامر تُغسله الملائكة بماء المزن في صحائف الفضة بين السماء والأرض
فذهب الصحابة إليه وهو فى القتلى فوجدوا شعره يقطر ماء فقالوا لرسول الله
۳۷
فقال اذهبوا إلى زوجته فاسألوها فذهبوا إليها فقالت إنه أعرس بي أول ليلة فقط ولما سمع الداعي إلى الجهاد خرج مسرعًا وهو جنب فرجعوا إلى النبي فأخبروه فقال من أجل ذلك غسلته الملائكة
كل مصيبة بعدك هيئة
عن سعد بن أبي وقاص قال مَر رسول الله الله بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأبوها وأخوها مع رسول الله الا الله بأحد فلما نُعُوا لها قالت فما فعل رسول الله قالوا خيرًا يا أم فلان وهو بحمد الله كما تحبين قالت أرونيه حتى أنظر إليه قال فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل ! تريد صغيرة
غزوة أحد والثقة في نصر
حتى
عاد
الله
عليه
شاءت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يُغلَبَ المسلمون في أحد حكمة الله في كل ما يحدث وهو سبحانه - يبتلى بالسراء كما يبتلى بالضراء وكل شيء عنده بمقدار وما إن انتهت المعركة وأصاب المشركون من المسلمين ما أصابوا أعداء الله راجعين وظن المسلمون أنهم إنما رجعوا قاصدين المدينة ليدمروها ويُنكلوا بمن فيها من الرجال ويأسروا النساء والأولاد فشق على المسلمين ذلك فلم توهن الهزيمة من عزيمتهم ولم تفت في عضدهم وكان إيمانهم الذى لا يتزعزع وثقتهم في نصر وتوكلهم سبحانه وتعالى - كان ذلك - دافعا لهم أن يوطنوا أنفسهم على أن يسبقوهم إلى المدينة لينازلوهم فيها فقال رسول الله العلی رضی الله عنه اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وما يريدون فإن هم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم ثم لأنا جزنهم فيها قال على فخرجت في آثارهم انظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل وواجهوا مكة ولكن المشركين بعد أن ساروا في طريق مكة تلاوموا فيما بينهم فقال بعضهم لم تصنعوا شيئا ! أصبتم شوكتهم وحدهم ثم تركتموه وقد بقى منهم رءوس يجمعون لكم فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم
وقال البعض الآخر لا محمدًا قتلتم ولا الكواعب أردفتم بسما صنعتم
ارجعوا وبلغ ذلك رسول الله الله فندب المسلمين إلى الذهاب لملاقاتهم والسير
۳۷۳
وراءهم ليرعبهم ويريهم أن بالمسلمين قوة وجلدًا وبلغت ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نصر الله أن لم يأذن بالذهاب لملاقاة العدو إلا لمن حضر الموقعة فقط اللهم إلا جابر بن عبد
الذي قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم
الله
یا رسول الله إنى أحب ألا تشهد مشهدًا إلا كنتُ معك وأجاب المسلمون دعوة رسول الله له ولبوا نداءه وساروا في طريق القوم حتى بلغوا حمراء الأسد
ولما علم المشركون بذلك قالوا نرجع من قابل وساروا في طريقهم إلى مكة وأنزل الله سبحانه يَسْتَبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين الذين استجابوا لله والرسول من بَعْدِ ما أصابهم القَرْحُ للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظیم 1
مر بأبي سفيان - وكان حينئذ قائد المشركين - ركب من عبد القيس فقال لهم سفيان أين تريدون قالوا نريد المدينة قال ولم قالوا نريد الميرة قال فهل أنتم محمدا مبلغون عنى رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكل - في مقابل ذلك زبيبا بعكاظ إذا وافيتمونا قالوا نعم قال إذا وافيتم محمدًا فأخبروه أنا قد جمعنا المسير إليه وإلى
أصحابه لنستأصل بقيتهم ومر الركب برسول الله وهو بحمراء الأسد - فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه فكان رد الفعل عند رسول الله وأصحابه ما صوره الله تعالى بقوله الذين قال لهم النَّاسُ إِن الناس قد جَمَعُوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله وفضل لم يَمْسَسهم سوء واتَّبَعُوا رضوان الله والله
ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من
ذو فضل عظيم
الله
بعض من أصابهم القرح عن أبي السائب رضى ! الله عنه أن رجلاً من بنى عبد الأشهل قال شهدت أحدًا وأخ لى فرجعنا جريحين فلما أذن مؤذن رسول الله له بالخروج في طلب العدو قلت لأخى أو قال لى أتفوتنا غزوة مع رسول الله والله ما لنا من دابة نركبها وما منا
۱ آل عمران ۱۷۱ ۱۷ آل عمران ۱۷۳ ١٧٤
٣٧٤
إلا جريح ثقيل فخرجنا مع رسول الله وكنت أيسر جُرْحًا منه فكان إذا طُلب
حملته مرة ومشى مرة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون
أجد ريح الجنة عن أنس رضي الله عنه قال غاب عمى أ أنس بن النضر عن قتال بدر فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لكن الله أشهَدَنى قتال المشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال اللهم إنى أعتذر إليك عما صنع هؤلاء وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعنى المشركين ثم تقدم فاستقبله سعد بن
یعنی
أصحابه
معاذ فقال يا سعد بن معاذ الجنةَ وربِّ النضر إنى أجد ريحها من دون أحد قال سعد فما استطعت يا رسول الله ما نصنع قال أنس فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رميةً بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال أنس كما نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفى أشباهه مِنَ المؤمنين رجال صدقوا ما عَاهَدُوا اللهَ عليه إلى آخر الآية ۱
لله العزة ولرسوله
الله
سمع عبد ا بن عبد الله بن أبى أن والده قال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرِجَنَّ الأعر منها الأذل فلما قدموا المدينة قام عبد الله على بابها بالسيف لأبيه ثم قال أنت القائل لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل أما والله لتعرفن العزة لك أو لرسول الله والله لا يأويك ظلها ولا تأويه أبدًا إلا بإذن من ! ورسوله ولم يسمح بالدخول حتى أرسل إليه رسول الله ل يأمره بأن يخلى سبيله
الله
له
يقول صاحب كتاب النبوة والأنبياء معلقا على ذلك باعتباره شعوراً عاما عند الذين أخلصوا وجوههم الله من الصحابة أنصارًا ومهاجرين ولذلك كله استطاعوا أن يضعوا رءوسهم ومهجهم على أكفهم وراحاتهم وهانت عليهم الحياة وطابت لهم هجرة الأوطان وهجر الإخوان والشهادة في سبيل ا الله ولذلك استطاعوا أن يقولوا عند وقعة بدر إن أمرنا تبع لأمرك فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك والله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ۳
۱ صحيح البخارى جـ ٧ ص ۳ ط الشعب
تفسير الطبري
۳ قاله سعد بن معاذ ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين انظر النبوة والأنبياء في ضوء القرآن
ص ۸
۳۷۵
ولم يجد
بين الأبوة والنبوة
سفيان - رغم دهائه ولباقته - عونًا من أحد حتى ولا من ابنته أم حبيبة زوجة رسول الله التى بلغ بها النفور من الشرك أن طوت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلسن عليه أبوها فلما سألها مستفسراً أرغبت به عن الفراش أم رغبت بالفراش عنه قالت هو فراش رسول الله وأنت مشرِك نجس فانصرف مغضباً قائلا والله لقد أصابك من بعدى شَر وأخطأ أبو سفيان فما أصابها شر ولكنها كراهية
حتى
الشرك ولكنها المحبة القوية العميقة لرسول الله
عز الدين وعز الملك
وعسكر الجيش في مر الظهران ولما مر الجيش بأبي سفيان بعد أن أمنه العباس رضى
الله عنه قال بعقليته الجاهلية للعباس
يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أ أخيك عظيما
فقال العباس بعقليته الإسلامية ويحك إنه ليس بملك ولكنها نبوة
قال أبو سفيان نعم
عفو القادر
وحينما اجتمعت قريش إليه نظر إليهم وقال يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم
فقالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم !
فقال
وهو يبكي - اذهبوا فأنتم الطلقاء أقول لكم ما قاله أخى يوسف
لإخوته ولا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ۱
التبرع بالمال بعد النفس
وحض رسول الله أهل الغنى على النفقة فى سبيل الله وأعلن رسول الله أن
۱ يوسف ۹
٣٧٦
مَنْ جهز جيش العسرة فله الجنة فتسابق المسلمون رجالاً ونساء في التبرع النساء بحليهن وبمالهن والرجال بما يستطيعون
ها
هو ذا أبو بكر الصديق يأتى بكل ماله وكان أربعة آلاف درهم ويسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أبقيت لأهلك شيئًا فيقول رضى الله عنه أبقيت لهم الله ورسوله ويجيء عبد الرحمن بن عوف بمائة أوقية من الذهب الخالص
ويجيء سيدنا عثمان بثلاثمائة بعير وبألف دينار ويضع الدنانير في حجر رسول الله فيُسَرُّ الرسول بها ويدخل يده فيها يقلبها ويقول اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض ويقول ما على عثمان ما عمل بعد اليوم قال ابن إسحاق فبلغني أن ابن ياسين بن عمير بن كعب النضرى لقى أبا ليلى وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان فقال ما يبكيكما
قالا جئنا رسول الله ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه فأعطاهما ناضحا له فارتحلاه وزوّدهما شيئًا من تمر فخرجا مع النبي زاد يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال
وأما علية بن زيد فخرج من الليل فصلى من ليلته ما شاء الله ثم بكى وقال اللهم إنك أمرت بالجهاد ورغبت فيه ثم لم تجعل عندى ما أتقوّى به ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه وإنى أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها مال أو جسد أو
عرض
ثم أصبح مع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأين المتصدق هذه الليلة فلم يقم أحد ثم قال أين المتصدق فليقم فقام إليه فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبشير فوالذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة
وإن كان عمرًا
عن كعب بن مالك الأنصارى
رضی
الله
عنه قال لما كان يوم الخندق خرج عمرو
ابن
عبد
ود معلماً ليرى مشهده وهو مقنع بالحديد فنادى من يبارز
فقام على بن أبى طالب رضى ا
الله
عنه فقال أنا لَهَا يا نبي الله الله
فقال إنه عمرو - اجلس
۳۷۷
ثم نادى عمرو ألا رجل يبارز فجعل يؤنبهم ويقول أين جنتكم التي تزعمون أن
من قتل منكم دَخلَها أفلا تبرزون إلى رجلاً
فقام على رضى الله عنه قال أنا يا رسول الله
فقال إنه عمرو اجلس
ثم نادى الثالثة
الله فقام على رضى عنه فقال يا رسول الله أنا
فقال إنه عمرو
فقال وإن كان عمرًا فأذن له رسول الله فمشى إليه وهو يقول إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز
فقال له عمرو من ن أنت
قال أنا على
قال ابن عبد مناف
قال أنا على بن أبي طالب
فقال يا ابن أخي أعمامك من هو أسنُ منك فإني أكره أن أهريق دمك من ولكنى والله لا أكره أن أهريق دمك فغضب فنزل وسل
الله قال على رضى عنه سيفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو على رضى الله
عنه
مغضبا واستقبله على بحربته فضربه
عمرو في بيضته فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه وضربه على رضى ا عنه على حبل عاتقه فسقط وسمع رسول الله التكبير ثم أقبل على رضى الله عنه نحو رسول الله ووجهه يتهلل فقال له عمر بن الخطاب
درعه فإنه ليس للعرب درع خير منها قال ضربته فاتقانى بسوءته فاستحييت أن أسلبه
رضی
الله
عنه هلا استلبت
إنها عمة الرسول صلى الله عليه وسلم
عن عباد قال كانت صفية بنت عبد المطلب فى حصن قالت فمر رجل من اليهود فجعل يطوف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة المسلمين وقطعت ما بينها وبين الرسول
۳۷۸
عدوهم
أحد
يدفع عنا ورسول الله وأصحابه في نحور
من عهود وليس بيننا وبينهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آت
فلما رأت اليهودى يطوف بالحصن قالت إني والله ما آمَنُه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود وقد شغل عنا رسول الله وأصحابه
قالت فأخذت عمودًا ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته فلما فرغت منه عادت إلى الحصن ولم تأخذ من سَلَبه شيئًا وقالت لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل اللهم أخبر عنا نبيك
يقول الإمام البخارى
الله
باب هل يستأسير الرجل ومن لم يستأسر ومن ركع ركعتين عند القتل حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهرى قال أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفى وهو حليف لبنى زهرة وكان من أصحاب أبى هريرة أن أبا هريرة رضى ا عنه قال بعث رسول الله له عشرة رهط سرية عينًا ۱ وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصارى جد عاصم بن عمر فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة – وهو بين عسفان ومكة – ذُكِرُوا لحى من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا آثارهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى فَدفد وأحاط بهم القوم فقالوا لهم انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا قال عاصم بن ثابت أمير السرية أما أنا فوالله لا أنزل اليوم فى ذمة كافر اللهم أخبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصماً في سبعة فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم خبيب الأنصارى وابن دثنه ورجل آخر فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن هؤلاء لأسوة يريد القتلى فجروه وعالجوه على أن فأبى فقتلوه فانطلقوا بخبيب وابن دثنه حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف وكان خبيب هو الذي قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث حبيب عندهم أسيرًا فأخبرنى عبيد الله الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته فأخذا ابنا لى
يصحبهم
1 يستطلعون أخبار العدو
بن عياض
أن بنت
۳۷۹
وأنا غافلة حين أتاه قالت فوجدته يجلسه على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي فقال تخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك والله ما رأيت أسيرًا قط خيرا من حبيب والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر وكانت تقول إنه لرزق من الله رزقه حبيبا فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال خبيب ذَرونى أركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين ثم قال لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها اللهم أحصيهم عددًا ولست أبالى حين أقتل مسلما على أي شق كان
في مصرعی
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
فقتله ابن الحارث فكان خبيب هو الذى سَن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرا فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النبي الله أصحابه خبرهم وما أصيبوا وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم - حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف الظلة به وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر فبعث على عاصم مثل من الدبر - - فحمته من رسولهم فلم يقدر على أن يقطع من لحمه شيئًا
النحل
خ ج ۷ ص ۸ ۸۳
٣٨٠
ولكن
الله يشهد بما أنزل
إليك أنزله بعلمه والملائكة
يشهدون وكفى بالله شهيدا
[ صدق الله العظيم ]
سورة النساء الآية ١٦٦
الفصل الرابع عشر
الخاتمة
من توجيهات القرآن
-1-
أ يقول الله تعالى في كتابه العزيز ولقد مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين ۱
وآيات القرآن كثيرة في هذا المعنى تؤكد كلها أن بعثة الرسول ع كانت نعمة عظمى من الله – سبحانه – على جميع المؤمنين وأن هذا الفضل من الله سبحانه وتعالى إنما هو منة كريمة من لدن رب كريم ذلك أن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو لسان صدق في تبليغ آيات الله فهو يتلوها على
المؤمنين
إنه يتلوها عليهم بعد أن تلاها على نفسه ووعاها وتشربتها روحه فانطبع بها وعاشها ومن أجل ذلك كان هذا الرسول الله مصدر تزكية لهم إنه وقد أصبح طابعه آيات
الله أصبح - من أجل ذلك - مصدر تزكية بالمثال والقدوة والتأسى للمؤمنين لقد تزكى بآيات الله وقد زكته آيات الله وإنه يتلوها ويحياها فهو يبشر بها بقوله
أو بتلاوتها ويبشر بها بمسلكه فهو بقوله يتلوها وهو بمسلكه يرسمها ويعلمهم الكتاب إنه لا يتلو فحسب وإنما يعلم أيضاً إنه يشرح ويفسر ويطبق
ويقوم تطبيق الآخرين إذا انحرفوا وإنه يعلم القرآن
وهو يعلم القرآن بعد أن انطبع به وبعد أن أصبح هو قرآنا
لقد أصبح فكره قرآنا وأصبحت عواطفه قرآنا وأصبحت إرادته قرآنا ولقد عبرت عن ذلك السيدة عائشة رضوان الله عليها خير تعبير وأخصره حينما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت رضوان الله عليها كان خلقه القرآن وما كان يتأتّى أن يكون غير ذلك وكلمة السيدة عائشة رضوان الله عليها إنما هي
1 آل عمران ١٦٤
۳۸۳
كلمة بدهية عند كل متبصر فالقرآن كان يظل مبادئ يعتقد الناس أنها مجرد مبادئ نظرية يستحيل تحقيقها في الخارج - لو لم تطبق فعلاً ولو لم تتحقق واقعيا وكان لابد من أن تتحقق بالفعل وكان لابد من صورة حية تتمثل فيها هذه المبادئ تتمثل فيها ذاتيا وتتمثل فيها جهة تطبيقها على الغير وقيادة الغير إلى الأخذ بها في صورة تقترب منها بقدر
الاستطاعة
ولو لم يكن الأمر كذلك لظل الناس يؤمنون بأنها مجرد مبادئ ب بيد أن هذه الصورة الخالدة للأخلاق - كما يحب الله سبحانه لبنى الإنسان – قد تحققت بالفعل حققها رسوله الكريم وحققها فى ذاته وحققها في مجتمعه حققها سلوكا وحققها واقعيا - هو فى نفسه - على أكمل ما يكون التحقيق تطبيقا مجتمعه على الصورة التي استطاعها هذا المجتمع ونقول على الصورة التي استطاعها هذا المجتمع لأن لكل نظام من النظم حدا أدنى لا يتأتى أن يكون النظام بدونه وحدا أسمى يتسامى نحوه المخلصون ولقد تحققت الصورة الإسلامية - في حدها الأسمى - فى الرسول صلى الله عليه وسلم وكان بذلك -
بنص القرآن أول المسلمين
وترسم
الآيات القرآنية
كيف ولم كان الرسول الأول المسلمين يقول الله تعالى
قل إن صلاتي ونسكي ومحيَايَ ومماتي لله ربِّ العالمينَ لا شريك له وبذلك أُمِرْتُ وأنا أول المسلمين ۱ لقد كانت أعماله وحياته كلها - بل ومماته - لقد كان كيانه كله – حركة وسكونا حياة وموتا - الله رب العالمين فكان بذلك أول المسلمين
ولقد تحققت الصورة على تفاوت لا ينزل عن حدها الأدنى في آلاف من الصحابة
رضوان
الله
عليهم
لقد وجد المجتمع الإسلامي بالفعل
ولقد انتفت بذلك فكرة هؤلاء الذين رأوا فى الماضى - أو يرون في الحاضر – أن الإسلام
مبادئ لا تطبق مبادى نظرية مبادئ خيالية يستحيل تطبيقها
٣٨٤
1 الأنعام ١٦٣ ١٦٤
لقد تحقق الإسلام بالفعل فأصبح مجتمعاً أسلم نفسه الله وإن مجتمعا يسلم نفسه الله لا يتأتى أن تتمخض الإنسانية عن خير منه هذا المجتمع الذى وجد إنما كان ثمرة من ثمار جهاد الرسول وكفاحه في أن يخرج بالفعل الصورة التى أوحاها الله إليه لقد كان أثرًا لتلاوة الرسول صلى الله عليه وسلم آيات الله ولتزكية الرسول الا الله لمن حوله بمثله القرآنى ولتعليمه صلوات الله وسلامه عليه القرآن لمن
حوله
وتشربت روح رسول الله الله القرآن وامتلأت به وصفت بصفائه وتزكت بزكائه واستنارت بنوره ففاضت بالحكمة أثرًا من آثار الهداية التامة ونتيجة للنور يغمر القلب وللسناء يتلألأ فى الفؤاد فكان الرسول الله يعلم الكتاب ويعلم الحكمة وما الحكمة إلا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ينير بها قلوباً ويرشد بها عقولاً ويقرب بها عباد الله إلى الله وكما أن الكتاب من عند الله الحكمة أيضا من فإن وأَنزَلَ الله عَليكَ الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكَانَ فَضْلُ الله عليك
عند من
الله
يقول الله تعالى
عظيما ۱ وما كان رسول الله لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فآيات الله يتلوها وكتاب الله يعلمه والحكمة التي أنزلها على قلبه يعظ بها
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه فذكر الله الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول الحكمة سنة رسول الله وهذا يشبه ما قال والله أعلم لأن القرآن ذكر أتبعته الحكمة وذكر الله منته على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة فلم يجز - والله أعلم - أن يقال الحكمة ها هنا إلا سنة رسول الله وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله وأن الله افترض طاعة رسوله وحتم على الناس اتباع أمره فلا يجوز أن يقال لقول فرض إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله لما وصفنا من أن جعل الإيمان برسوله مقرونا بالإيمان به وسنة رسول الله مبينة عن الله معنى ما أراد دليلا على خاصة وعامة ثم قرن الحكمة بها بكتابه فأتبعها إياه ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله جـ هذه الصورة التي ترسمها الآية الكريمة التي صدرنا بها هذا المقال - هي الصورة
الله
۱ النساء ۱۱۳
٣٨٥
التي تمناها سيدنا إبراهيم ودعا الله سبحانه بها حينما كان يرفع القواعد من البيت وإسماعيل
فقال عليه السلام
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم
إنك أنت العزيز الحكيم ۱ ولقد صادفت دعوة سيدنا إبراهيم ماقدره الله أزلاً لقد وافقت التقدير الإلهي الأزلى الذي أراد سبحانه به أن يكمل الدين ويتم النعمة على المؤمنين وأن يكون خاتم ا الأديان هو الدين الأزلي الخالد الذي لا دين سواه والذى يرضاه الله ولا يرضى غيره وهو
الإسلام واليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينار إن الدين عند الله الإسلام ۳
ولا يتأتى في عرف المنطق وفى منطق الحق وفى بداهة العقول أن يكون الدين الخالد شيئًا آخر غير إسلام الوجه الله
الله
وما دام الرسول أول المسلمين وما دام الدين عند ا هو الإسلام فالرسول إذن أول المتدينين على الإطلاق إنه وصل إلى الدرجة التى سبق بها جميع من مضى وسبق أبناء عصره وسبق بها من سيأتى بعده إنه أول المسلمين في الماضي البعيد
وسلامه
بها جميع والماضي الذي يبتدئ منذ بدء الإنسانية وما من شك في أن آدم عليه السلام كان مسلماً ولكنه لم يكن أول المسلمين ولقد كان نوح مسلما ولكنه لم يكن أول المسلمين وهكذا كان الأنبياء جميعا صلوات الله عليهم من المسلمين ولكن لم يكن أحد منهم أول المسلمين وما كان يتأتى أن يكون أحدهم أول المسلمين لأن الدين الذى جاءوا به صلوات الله عليهم وسلامه – وإن كان إسلاما - فإن الصورة الكاملة التامة للإسلام إنما هي القرآن وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه 4 يقول سبحانه واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم 9
۱ البقرة ۱۹
المائدة ٣
۳ جزء من آية ۱۹ آل عمران
٤ المائدة ٤٨
٥ الزمر ٥٥
٣٨٦
وهو أول المسلمين فى الحاضر وهو أولهم في المستقبل إلى أن تتبدل الأرض والسموات وإلى ما بعد ذلك من آيات الله السرمدية صلوات الله وسلامه عليك يا سيدى يا رسول الله
--
يقول الله تعالى عن طابع الرسالة الإسلامية وعن طابع الرسول وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين كي 1 لقد كان إرسال الرسول الله رحمة إذا نظرنا إلى الرسالة الإسلامية وكان إرساله رحمة إذا نظرنا إلى شخصيته يقول صلوات الله وسلامه عليه إنما أنا رحمة مهداة
لقد كان رحمة مهداة من حيث الرسالة وكان رحمة مهداة من حيث الذات لقد كان ينتسب صلوات الله وسلامه عليه إلى الرحمن رسالة وينتسب إلى الرحمن صفات وكان ينتسب إلى الرحيم رسالة وينتسب إلى الرحيم صفات إنه رسالة وصفات يسير في حياته باسم الله الرحمن الرحيم مبشراً باسم الله الرحمن الرحيم إنه نبي الرحمة وإنها رسالة الرحمة والله سبحانه وتعالى قد ربَّى رسوله على عينه واصطنعه لنفسه فنشأه على الرحمة فهو صلوات الله عليه وسلامه رحمة منذ ميلاده وإننا إذا أردنا تعبيرا مجملاً جامعاً لمعانى الرحمة التي اتصف بها نبي الرحمة فإننا نجده في وصف السيدة خديجة رضوان الله عليها للرسول حينما فاجأه الوحى وحدثها به وقال لها لقد خشيت على نفسی
فقال رضى الله عنها فورًا كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق إن هذا الوصف الصادق للرسول الله إنما يعبر فى كل جملة من جمله عن الرحمة وهو وصف اتسم به الرسول له طيلة حياته والآية القرآنية ﴿ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين كله لا تخصيص فيها لا من ناحية نوع الرحمة ولا من ناحية موضوع الرحمة ويشرح هذه الآية في شمولها وعمومها يشرحها فى دقة وفى عمق موقف كريم من مواقف التوجيه النبوى لقد كان الرسول الله يتحدث عن الرحمة ويدعو إليها ويعرف بمنزلتها من الدين فقال بعض الصحابة رضوان الله عليهم إنا نرحم أزواجنا وأولادنا وأهلينا
۱ سورة الأنبياء ۱۰۷
۳۸۷
شاملاً
فلم يرض هذا القول رسول الله الا الله لأنه فهم قاصر محدود لما ينبغي أن يكون عاما إنه تقييد المطلق ولذلك رد عليه الرسول بقوله ما هذا أريد إنما أريد الرحمة العامة وما من شك فى أن من الرحمة الأزواج والأولاد والأهل وقد حث على ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بيد أن ما أراده الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو أن تتغلغل الرحمة فى الكيان الإنساني كله حتى تصبح وكأنها من فطرته وطبيعته وجبلته فيكون الإنسان وكأنه قبس من الرحمة الإلهية
ينثرها إذا سار وينثرها إذا جلس وينثرها أينما كان وينثرها حيثما حل وإذا كان كذلك فإنه يكون قد حقق الطابع العام للرسالة الإسلامية رحمة للعالمين ولقد حقق الرسول هذا الطابع بقوله وحققه بفعله ولقد كانت الرحمة – وهى طابع للرسالة الإسلامية - هي الطابع لتصرفاته وانظر إلى الحادثة التالية الحادثة التي نزل فيها قوله تعالى وما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض
منهم
يهديهم
الدنيا والله يريد الآخرة ١ وهي لما الله هزم المشركين يوم بدر وقتل منهم سبعون وأسر سبعون استشار النبي أبا بكر وعمر وعليا فقال أبو بكر يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني أرى أن تأحذ الفدية فيكون ما أخذناه منهم قوة لنا على الكفار وعسى أ آن الله فيكونوا لنا عضدًا فقال رسول الله الله ما ترى يا ابن الخطاب قال والله ما أرى ما أرى أبو بكر ولكنى أرى أن تمكننى من فلان قريب لعمر فاضرب عنقه وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان أخيه يعنى العباس فيضرب عنقه حتى يعلم الله أنه ليس فى قلوبنا هوادة أى ميل للمشركين أما رأى الرسول الله فقد كان معروفًا يعرفه كل من عرف رسول الله وعرف طابعه وعرف له هذا بطابع الرسالة الإسلامية أنه أخذ الفدية ولقد كان أبو بكر رضى الله ع أمثل الناس في الاقتداء برسول الله فكان اتجاهه من اتجاه رسول الله وهذا الاتجاه لرفيق الغار أيده الله سبحانه بل زاده عليه حيثما خير رسوله فيما بعد بأنه
إذا وضعت الحرب أوزارها فله أن يمن وله أن يأخذ الفداء فإما منا بعد وإما فداء ٢
عنه
وقبل بدر أخذ الرسول الفداء فقد فادى فى سرية عبد الله بن جحش قبل بدر بنحو
1 الأنفال ٦٧ محمد آية ٤
۳۸۸
فلما كانت بدر سار رسول الله على سنته وتصرف مستلهما طابع الرسالة التي أرسله الله بها ولكن بعض الصحابة رضوان الله عليهم نظر إلى موضوع الفداء نظرة مادية وأخذ فى تقديره وزنا وكيلاً وقيمة ومقدارًا وكما وكيفا وأخذ في تكييف الفدية بحسب الغنى والفقر إن بعض الصحابة نظر إلى المسالة نظرة مادية فنزل قول الله سبحانه وتعالى مصححا الوضع لهؤلاء الذين لم يضعوا الأمور فى وضعها الصحيح ولم يزنوها بميزان التوجيه
الإلهي
يقول الخطيب القسطلاني في كتابه المواهب اللدنية فى ذلك فيه بيان ما خص به وفضل من بين سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فكأنه قال ما كان لنبي
غيرك ا هـ
ويقول القاضي بكر بن العلاء أخبر الله تعالى نبيه فى هذه الآية أن تأويله وافق ماكتب له من إحلال الغنائم والفداء أ هـ
والتوجيه الإلهي في خاتمة رسالات السماء أنها رسالة ولرسالة الرحمة ميزات و خصوصيات تفيض عن الرحمة نفسها وما كان لنبي من قبل نبي الرحمة أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض فلما كانت رسالة الرحمة ولما كان نبي الرحمة أباح الله له التصرف بحسب الرحمة وهو الفداء ثم زاده تكريما على تكريم حيث زاده رحمة فجعل له الخيار بين المن والفداء
وإن كل نظرة تفيض عن هذه النظرة وتصدر عنها لا ترى ولا تحس ولا تشعر بالجانب المادى ولكنكم يا هؤلاء الذين نظرتم النظرة المادية تريدون عرض الدنيا وتتخذونه مقياساً إنه ليس بمقياس إن المادة ليست في موازين الله مقياسا فإن الله يريد الآخرة ويريد للذين آمنوا به وبرسوله أن تكون مقاييسهم مستمدة كتاب الله من ومن توجيهات رسوله لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة كم ۱ وإنه لمن أفضال الله على رسوله أنه سبحانه لم يقل أسوة وحسب وإنما قال أسوة حسنة وقال سبحانه أسوة حسنة لمن واليوم الآخر وذكر الله كثيرا يرجو
كان
الله
الله سبحانه
ثم إن الله سبحانه لم يأمر المسلمين برد الفدية وما كان أيسر ذلك ولم ينقض ا ما أبرمه رسوله المبراً عن أن يسير إلا على بصيرة والمنزه عن أن يهدى إلا إلى الصراط
المستقيم صراط الله
۱ الأحزاب ۱
٣٨٩
هذه الفطرة الرحيمة حملت الرسول على يكافح طيلة حياته في غير فتور ولا هوادة لبداية الإنسانية وإسعادها لقد كان يشق على نفسه في سبيل ذلك ويحملها من الأمور ما لا تطيق حتى لقد قال الله له فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ۱
وقال سبحانه فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفار
ولقد رسم الرسول صلوات الله وسلامه عليه موقفه من الناس ومثله بموقف رجل يحاول ما استطاع أن يمنع الناس عن التردى فى نار يتهافتون على الاحتراق فيها ولعل الحادثة التالية تصور بعض جوانب التربية الرحيمة التي يستعملها الرسول له في سلوكه مع الناس وهى إن كانت خاصة برجل معين فإنها ليست بمقصورة عليه بل لها صفة
العموم
منه
جاءه أعرابي يوما يطلب شيئًا فأعطاه ثم قال له مستفسرا متوددا أحسنت إليك فقال الأعرابي لا ولا أجملت فغضب المسلمون وقاموا إليه فأشار إليهم الرسول أن كفوا ثم قام ودخل منزله وأرسل إلى الأعرابي وزاده ثم قال أحسنت
إليك
فقال الأعرابي نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا فقال النبي له إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي شيء من ذلك فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدى حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك
وتحدث الأعرابي إليهم وطابت أنفس أصحاب رسول الله بقول الأعرابي فقال
صلوات
الله
وسلامه عليه هذا التعقيب الرائع وإن مثلى ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة شردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا فناداهم صاحب الناقة أن خلوا بينى وبين ناقتي فإني أرفق بها وأعلم فتوجه إليها صاحب الناقة بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها هونا هونا حتى
جاءت واستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها
۱ فاطر ۸ ٢ الكهف ٦
۳۹۰
وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار ا
الأعداء
لقد كانت نفس رسول الله رحيمة حتى مع ا لقد قيل له يوم أحد وهو في أشد المواقف حرجا لو لعنتهم يارسول فقال صلوات الله وسلامه عليه إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا
وكان إذا مثل أن يدعو على أحد عدل عن الدعاء عليه إلى الدعاء له بالهداية والصلاح وكان يريد باستمرار أن يشعر المسلمون بل الناس على وجه العموم بالتعاطف فيما بينهم سئل مرة أى الناس أحب إليك فقال أنفع الناس للناس وسئل أى الأعمال أفضل إدخال السرور على المؤمن وقال أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم
فقال
بأهله
وكانت رحمته صلوات الله وسلامه عليه عامة شاملة حتى لقد تناولت الحيوان الأعجم لقد قال - يحث على الشفقة بالحيوان - بينما رجل يمشى فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج منها فإذا هو بكلب يلهث الثرى يأكل الثرى من شدة العطش فقال لقد بلغ بهذا الكلب مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يارسول الله وإن لنا في البهائم أجرًا قال نعم لكم في كل ذات كبد رطبة أجر
وقال دخلت النار امرأة في هرة حبستها فلاهي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها
تأكل من خشاش الأرض
لقد كان رحمة وكان رحمة للعاملين
---
يقول تعالى مخاطبًا المؤمنين لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً
إن الإنسان الذي خصه الله بالوحى واجتباه لرسالته واصطفاه ليكون - باسمه سبحانه - بشيرا ونذيرا إن هذا الإنسان الذى فضله ! الله العاملين يجب أن نعرف له مكانته وننزله في الشرف الذى أنزله الله فيه
على
إن هذا السراج المنير إن هذا الرءوف الرحيم ينبغى ألا يُدعى كما يدعى زيد وعمر بمعنى لاتنادوه باسمه فتقولوا يا محمد ولا بكنيته فتقولوا يا أبا القاسم بل نادوه
۳۹۱
وخاطبوه بالتعظيم والتكريم والتوقير بأن تقولوا يارسول الله يانبي الله يا إمام المرسلين
يارسول رب العالمين ياخاتم النبيين وغير ذلك
واستفيد من هذه الآية - كما يقول الشيخ الصاوى فى حاشيته على تفسير الجلالالين من أنه لا يجوز نداء النبي بغير ما يفيد التعظيم لا في حياته ولا بعد وفاته
فبهذا يعلم من استخف بجنابه - ع - فهو كافر ملعون في الدنيا والآخرة ا هـ ويقول الله سبحانه في أوائل سورة الحجرات ﴿ يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله له أى لا تتقدموا بأمر من الأمور قولا كان أو فعلا إلا إذا أذن الله ورسوله وكل أمر - قولا كان أو فعلا - أتاه الإنسان بدون إذن الله ورسوله فإنه لا يقع على السنن
المستقيم يقول الضحاك هو عام في القتال وشرائع الدين أى لا تقطعوا أمرًا دون الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر
بعضكم لبعض
فإنكم إذا فعلتم ذلك يخشى عليكم أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم
مغفرة وأجر عظيم الله
أما هؤلاء الذين أساءوا الأدب فأخذوا ينادونك من وراء الحجرات مناداة الأغراب الأجلاف في غلظة وفي جفاء فإنهم ناقصو العقول إن الذين يُنادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم الله على أن مجرد الرغبة في الحديث إلى رسول الله لا يحتاج تنفيذها إلى تقديم صدقة يقول تعالى في سورة المجادلة ﴿ يأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى
نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم وتدل الآية الكريمة على أن ترك تقديم الصدقة إثم لأن من لم يجد الصدقة فإن موقف الله سبحانه منه – لعدم قدرته - المغفرة والرحمة ولا تكون المغفرة والرحمة إلا على إثم أتاه وكان عدم توفر الاستطاعة سببا في مغفرة الله سبحانه و الشفقتم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات الله وحملكم خوف الفقر على ألا تفعلوا ثم ندمتم واستغفرتم
الإنسان
۳۹
فتداركوه حتى يتوب الله عليكم وأثبتوا حسن نيتكم وصفاء سريرتكم بأن تقيموا الصلاة على الوجه الأكمل وتؤتوا الزكاة طيبة بها نفوسكم وتطيعوا الله ورسوله في الصغير والكبير وما من ريب فى أن الله سبحانه خبير بكل ما تعملون يقول تعالى ا شفقتم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون دا
ويقول الله تعالى ﴿ يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرا ونذيرا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرا وبشر المؤمنين بأَنَّ لَهُمْ من الله فضلاً كبيرًا
- E-
سميع
قال تعالى ويأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله واتقوا الله إنَّ الله عليم يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجَهْرِ بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون إنَّ الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صَبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله
غفور رحيم
رحیم
ليست هذه الآيات الكريمة إلا أنموذجا لآيات كثيرة ذكرت في القرآن الكريم لتبين قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإذا أردنا أن نتحدث في لمحات خاطفة عن قطرات من بحر فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا نقول في إجمال مجمل وفى شمول شامل إن جماع الفضائل فيه – صلوات الله وسلامه عليه – أنه كان ربانيا لقد أسلم وجهه الله تعالى إسلاما كليا يتمثل في الآية الكريمة التى يأمر الله رسوله فيها قائلا قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمِرْتُ وأنا أول المسلمين لقد خلصت حياة رسول الله فكان كل ما يأتيه إنما هو الله وكل ما يدعه إنما هو الله لقد الله فناء كاملا فكانت إرادته من إرادته سبحانه وكان حبه من
الله صلى الله عليه وسلم كان إلهيا بمعنى أنه فني في ا حبه سبحانه وكان بغضه من بغضه سبحانه فما أراد إلا الله وما أحب إلا الله وما أبغض
إلا الله - كما ذكرنا فيما سبق
وكان مظهر هذا الإسلام الكلى الله سبحانه أن كانت حياته كلها جهادًا في سبيله
۳۹۳
والفناء في ا الله ليس سلبيةً لا ولا قلامة ظفر إن الفناء فى الله جهاد كله وقد جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله بكل خلية فى جسمه وبكل فكرة في نفسه لقد جاهد أخلاقيا مبتدئًا بنفسه ووصل فى ذلك إلى أن لم يكن للشيطان إليه من سبيل وإلى أن كان صفاء صافيًا عبر ا الله عنه في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم بالنور لقد وصل رسول الله صلى الله عليه في الصفاء إلى درجة استأهل أن سماه الله نورا
وسماه سراجًا منيرا
لقد وصل من شفافية النفس وصفاء السريرة وطهارة الروح إلى درجة من القرب عبر الله سبحانه وتعالى عنها بقوله قاب قوسين أو أدنى
لقد تخطى - صلوات الله وسلامه عليه - درجة سدرة المنتهى
بين
لقد تجاوز سدرة المنتهى أى الحدود الأخيرة التي بين عالم الكون والملأ الأعلى عالم الدنيا وعالم الآخرة لقد تجاوز عالم الدنيا قبل انتهائه من عالم الدنيا وارتفع عن عالم البشر الذي تحده سدرة المنتهى إلى عالم النور الذى يعبر عنه بقاب قوسين أو أدنى
سبيل
لقد انغمس في عالم النور الذى لم ينغمس فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل
كيف ترقى رقيك الأنبياء يا سماء ما طاولتها سماء !
منه
هی
ولقد جاهد اجتماعيا أمرًا بالمعروف ناهيا عن المنكر فأوجد مجتمعا باع نفسه في الله مجتمعا متاخيا مجتمعاً سادت فيه الفضيلة وكانت فيه كلمة الله العليا ولقد جاهد حربيا كما يقول البطل الكبير الإمام على كنا إذا خمى الوطيس نتقى برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب للأعداء لقد ثبت في موقعة أحد لم يتزحزح عن موضعه وفي موقعة حنين أ أخذ يتقدم حين تراجع الأبطال وهو القائل والذي نفس محمد بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل !!
صلوات الله وسلامه عليك يا سيدى يا رسول الله كلما أشرق النور وصلوات الله وسلامه عليك وعلى أتباعك الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكرأ هـ
وصلوات الله
وسلامه عليك وعلى أتباعك الذين استشهدوا في سبيل الله
٣٩٤
يقول الله تعالى قُل إِنْ كَانَ آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وَأَزْواجُكُم وَعَشيرتكم وأمْوَال اقترفتموها وتجارة تخشونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَونها أحب إليكم مِنَ الله ورسوله وجهاد في سبيله فتَرَبصُوا حَتَّى يأتى الله بأمره والله لا يهْدِى القَوْمَ الفاسقين لله
الله
عنه
عن عبد
الله
بن هشام
الله عليه
وفى معنى الآية الكريمة يروى الإمام البخارى رضى ا قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ا آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال والله يا رسول الله لأنت أحب إلى من كل شيء إلا من نفسي فقال رسول الله وسلم لا يؤمن أحدكم أكون أحب إليه من نفسه فقال عمر فأنت الآن والله أحب حتى إلى من نفسى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر
صلی
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر أى الآن – وقد صار الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليك من نفسك - فقد استقامت أمور الإيمان عندك وصرت إلى ما أحب الله ورسوله
صلى ا
ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تتضمن - كشرط أساسي جوهري – اتخاذه عليه وسلم قُدْوَةً فى السلوك والعمل
الله
والدرجة الجوهرية في القدوة به صلى الله عليه وسلم إنما هي متابعته في إسلام وجهه
فاستبشيروا
الله سبحانه لقد باع رسول الله الله نفسه وماله الله سبحانه وكان أول البائعين وكـ وكان أمثل البائعين وحقق بذلك وحقق أصحابه ومن اتبع هديه متأسين به - - قول الله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومَن أَوْفَى بعهدِهِ مِنا الله ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم كه ۱ لقد اشترى الله في عقد الإيمان النفس والمال بثمن هو الجنة فإذا بخل المؤمن بنفسه في سبيل الله فقد أخل بعقد الإيمان وإذا بخل بماله فى سبيل الله فقد أخل بعقد الإيمان وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن إنما هو إيثار ما يحب واتباع هديه والعمل بسنته في الإيجاب والسلب وإيثار كل ذلك على الآباء والأبناء وغيرهم مما يحبه الإنسان من أشخاص أو من أشياء وفى هذا يقول رسول الله الله فيما رواه البخارى رضى !
۱ الثورة آية ١١١
عنه
٣٩٥
D
والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم
حتى
أكون أحب إليه من والده وولده والناس
أجمعين
فحب رسول الله مرجعه إلى صفات كريمة سامية عليا تمثلت فيه طيلة حياته والآية الكريمة والأحاديث الشريفة التي رويناها تدل كلها دلالة صريحة على أنه إذا تعارضت أمور الدين مع المصلحة الشخصية أو مع أمور الدنيا فإنه على المؤمن أن يؤثر أمور الدين على غيرها يقول الإمام الرازى إذا وقع التعارض بين مصلحة واحدة من مصالح الدين وبين جميع مهمات الدنيا وجب على المسلم ترجيح الدين على الدنيا
أما
بعد فيقول صاحب الكشاف عن الآية التى صدرنا بها هذا الحديث ما معناه وهذه آية شديدة لا ترى أشد منها كأنها تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين واضطراب حبل اليقين فلينصف أورع الناس وأتقاهم من نفسه هل يجد عنه من التصلب في ذات الله والثبات على دين الله ما يجعله يؤثر دينه على الآباء والأبناء والأخوات والعشائر والمال والمساكن وجميع حظوظ الدنيا ويتجرد منها لأجله أم أن الشيطان يغويه عن أجل من حظوظ الدين فلا يبالي أنفه ذباب فطيره ثم أما بعد فإن الحب الصادق له يتمثل في حقيقته فى التزام صفاته له والعمل على سيادتها في
حظ
كأنما
وقع
على
المجتمع
--
يقول الله تعالى النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفًا كان ذلك في الكتاب مسطورًا
هذا هو البيان الإلهي في ما يتعلق بصلة المؤمنين برسول الله الله أنه أحق بهم من أنفسهم سواء وجدوا في زمنه أم وجدوا بعد زمنه
فمن واجبهم المفروض عليهم أن يُفدوه - في شخصه وفي تعاليمه سواء كانت أقوالاً أم أحوالا أثرت عنه أم أفعالا بين بها الدين - بأنفسهم وبكل ما يملكون وطاعته مقدمة طاعة أنفسهم في كل أمر من أمور الدين والدنيا
على
هذا هو الإعلان الإلهى والبيان الرباني يتبعه من أضاء الله قلبه بنور الإيمان وينحرف
عنه من ليس له في الهداية نصيب
٣٩٦
من
ولقد بين الله هذا المعنى في القرآن في غير موضع فلقد جعل سبحانه طاعة الرسول طاعته فقال هو من يطع الرسول فقد أطاع الله علي ولقد نفى سبحانه الإيمان عمن لا يُسلم إلى الرسول تسليما لا حرج فيه ولا تردد في كل ما يهجس بنفسه من أمر وفى كل ما يثور بينه وبين غيره من خلاف فلا وَرَبِّكَ لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليما ك والتحكيم إذا كان للرسول في حال حياته فإنه لسنته وتعاليمه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى
ولقد حفظت هذه السنة وهذه التعاليم بصورة لا ريب فيها حتى إنه ليمكن أن يقال
إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمت وإنما هو بين أظهرنا يعطر أريجه الزكي الأرجاء إنه حي في أقواله وأفعاله وأحواله يقود من اتبع هديه والتزم سنته إلى فراديس
الخلود
والله سبحانه وتعالى يذهب فى هذه الأولوية إلى أبعد الحدود فيعلن أنه ا أحق بهم من أنفسهم ومن كل ما يمت إليهم بصلة حتى في الحب
والذي يعلن ذلك ويسجله هو الله سبحانه وتعالى الذي قرنه بنفسه في هذه الأولوية فقال تعالى وقل إن كان أباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره كه
-V-
ورسول الله هو القدوة الحسنة إنه الأسوة الحسنة في أقواله وأفعاله وأحواله يقول الله تعالى ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو ا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ١
ويقول الشيخ الصاوى فى شرحه على تفسير الجلالين الاقتداء برسول الله صلى الله
۱ الأحزاب آية ۱
٣٩٧
عليه وسلم واجب فى الأقوال والأفعال والأحوال لأنه لا ينطق ولا يفعل عن هوى بل أفعاله وأقواله وأحواله عن ربه ولذا قال العارف جميع
وخصك بالهـــــدى في كل أمر فلست تشاء إلا ما يشاء الله ا هـ
والله سبحانه وتعالى يقول في سورة النجم مؤكدا ما يقول بل ومقسما عليه والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى
وحى
وإذا كان الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم واجبا فإن له شروطاً لا يتأتى الاقتداء الصحيح إلا بتحقيقها وقد ذكرت الآية الكريمة هذه الشروط
والشروط الأولى منها أن يرجو الإنسان الله سبحانه وتعالى ورجاء الله تعالى قد حدده الله سبحانه في القرآن الكريم بقوله لو فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يُشرك بعبادة ربه أحدا كله
إن العمل الصالح وعدم الشرك فى العبادة أمران لازمان لمن كان لقاء الله يرجو
بصدق
الله
ويقول الإمام ابن كثير في ذلك وهذان ركنا العمل المتقبل لابد أن يكون خالصاً صوابا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الله
وعن طاوس قال قال رجل يارسول إني أقف المواقف أريد وجه الله وأحب أن يرى موطني فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية فمن لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ورجاء اليوم الآخر يرجو للتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم - إنما يتمثل في العمل لهذا
كان
هو الشرط الثاني -
اليوم حتى يلقى الله فيه وهو عنه راض
ويصف الله سبحانه الذين لا يرجون لقاءه ولا يرجون اليوم الآخر فيقول إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون الله
وبعد فإن الشرط الأخير فى الوصول إلى التأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو الذكر الكثير ولقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا أن شرائع الإسلام كثرت على فأخبرني بشيء أتشبث به فقال صلى الله عليه وسلم لا يزل فوك رطبا من
كر الله
۳۹۸
والله سبحانه وتعالى يقول لو واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون
-λ-
في مقام الرسول صلى الله عليه وسلم في الآخرة ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر
وعن رسول الله
صلى
الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم رضى الله عنهما – قال
أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون مم ذاك ! يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فينظرهم الناظر ويسمعهم الداعى وتدنو منهم الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون ما أنتم فيه إلام بلغكم ! ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ! فيقول بعض الناس لبعض أبوكم آدم فيأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك ! ألا ترى إلا ما نحن فيه وما بلغنا فقال إن ربي غضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت نفسی نفسى نفسى اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى
نبی
الله
ربی
نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى الأرض وقد سماك الله عبدا شكورًا ألا ترى ما نحن فيه ! ألا ترى ما بلغنا ! ألا تشفع لنا إلى ربك فيقول إن ربى غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كانت لى دعوة دعوت بها على قومى نفسی نفسی نفسی اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه فيقول لهم ألا إن قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني كذبت ثلاث كذبات نفسی نفسى نفسى اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى موسى فيأتون فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك برسالاته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنى قد قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها نفسى نفسى نفسى اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها مريم وروح منه وكلمت الناس فى المهد اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه فيقول عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم
موسی
إلى
۳۹۹
يذكر ذنبا نفسي نفسى نفسى اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم وفي رواية فيأتونى فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر ا الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه فأنطلق فاتى تحت العرش فأقع ساجدًا لربى ثم يفتح الله على من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبل ثم يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعط واشفع تشفع فأرفع رأسى فأقول أمتى يا رب أمتى يا رب أمتى يارب فيقال يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك الأبواب من
ثم قال والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة
وهجر
مكة
أو كما بين وبصرى وبعد فإنا نختتم هذا الكتاب بالآيات القرآنية الشريفة التالية
هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم
آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين واخرين منهم يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ۱
تم بحمد الله تعالى
{
۱ سورة الجمعة الآيات ٢ ٣ ٤
الموضوع
مقدمة المؤلف
فهرس الكتاب
الفصل الأول صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الفصل الثاني دلائل النبوة في نسبه
الصفحة
V-0
٩-٣٤
٣٥ - ٤٦
٤٧ - ٥٦
0-29
٥٧ - ٨٦
الفصل الثالث دلائل النبوة قبل البعثة
دلائل النبوة في أخلاقه قبل البعثة
الفصل الرابع الرسالة أسباب وبواعث وأهداف وغايات
البعثة العامة
بواعث وأهداف - وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين -
إنما أنا رحمة مهداة - يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم – منزلة
العلم في الإسلام
الفصل الخامس البيعة
ورضيت لكم الإسلام دينا
البيعة - أول عقد من عقود البيعة اهدنا الصراط المستقيم
الرسول والتوحيد - التوحيد والشجاعة الأدبية
الفصل السادس الهجرة
الهجرة - في الغار
الهجرة من زاوية أخرى
الهجرة إلى الله -
جهاد في سبيل الدعوة إشارة إلى الجنة - أول من هاجر
المهاجرون إلى الحبشة والنجاشي - العودة إلى الحبشة - من مقدمات
الهجرة إلى المدينة
—
الرعيل الأول - الرعيل الثاني - هجرة أبي
سلمة وزوجه - أول من قدم المدينة من المهاجرين – هجرة الرسول ومقدماتها - أبو جهل يضرب أسماء بنت أبي بكر – أبو بكر
رضى الله عنه يتحدث عن الهجرة
الغار - الوصول إلى المدينة
الخطبة الثانية - المدينة
خروج الرسول من
المسجد النبوى الخطبة الأولى -
۱۱۳ - ۸۷
١١٥ - ١٤٨
٤٠١
الصفحة
15 - 149
۱۹۶ - ۱۷۷
۳۸ - ۱۹۷
۸۱-۳۹
۳۰۵ - ۸۳
الموضوع
الفصل السابع المعجزات
المعجزات - القرآن أعظم معجزة - إعجاز القرآن – موقف عتبة - القرآن والطفيل ابن عمر - القرآن أعظم معجزة
الفصل الثامن المعجزات الأخرى
عناية الله
استجابة الدعاء - الإنباء بالغيب
إبراء المرضى
تكثير الماء - البركة في الطعام حنين الجذع
الفصل التاسع دلائل النبوة فى معجزة الإسراء والمعراج الإسراء والمعراج - منهج الحياة الذي رسمته أنباء الإسراء والمعراج التوبة - الغاية فى منهج الحياة - ما بين البدء والغاية – الجهاد - حياة الأنبياء والشهداء بعد الموت - الصلاة – الزكاة – الصدقة - الرموز الخاصة باللسان - آثام
الربا
الثبات على العقيدة -
الجوارح - الوصول إلى بيت المقدس - عند سدرة المنتهى - إذ يغشى السدرة ما يغشى - المشاهدة
الفصل العاشر طرق في إثبات النبوة طرق في إثبات النبوة - الإمام الغزالى وإثبات النبوة - ابن خلدون وإثبات النبوة - إسلام خديجة رضى الله عنها - ورقة بن نوفل - أبو ذر الغفاري - قصة
اقرأ الإخلاص – أبو بكر رضى |
الله
عنه -
ضماد - النجاشي - عمر بن الخطاب - عبد
زيد بن سعثة وعلامات النبوة - سلمان الفارسي
الفصل الحادي عشر مواقف
الله
بن سلام -
الجهر بالدعوة - الاستمرار فى الدعوة - الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف فاطمة رضى الله عنها - في حفر الخندق - الله المانع – ابن مظعون يؤثر جوار الله - أبو بكر رضى الله عنه وابن الدغنة - بلال الله - أول صحابى جهر بالقرآن - إسلام عمرو بن عبسة - إسلام خالد بن سعيد - حمزة بن عبد المطلب - هجرة صهيب - الوليد بن الوليد وعياش وهشام -
رضی
هجرة عمر وقصة عياش
معه -
٤٠٢
الصفحة
يسمعون القرآن
۳۱-۳۰۷
۳۸۰ - ۳۳
٤٠٠ - ۳۸۱
٤٠٣
---
الزبيرة - النضر بن الحارث ياسر -
مستخفين - سيتم الله أمر دينه - هجرة مصعب بن عمير - إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير - إسلام عمرو بن العاص رضى عنه - من حكماء العرب أكثم بن صيفى
الفصل الثاني عشر مواقف لبعض الغربيين
الله
برناردشو يكرم نبى الإسلام - تولستوى- يقول بعض الأفاضل -
يقول الأستاذ الندوى
يقول صاحب الرسالة المحمدية
الفصل الثالث عشر محمد بشرًا رسولاً
محمد الرسول البشر - من صفاته - المسئولية - مواقف الصحابة من الرسول - أدب الغلمان - ازدادت المحبة في الآثار النبوية النصوص لا تعدل النبي العابد - الصلاة - الصيام - ومن
العبادة الذكر - يقول الأستاذ الندوى - النبي المجاهد - الجهاد - مواقف في غزوة بدر - مواقف ابن عمر - الشيوخ في المعركة -
الله
غزوة أحد والثقة في نصر ا الله - بعض من أصابهم القرح أجد ريح العزة ولرسوله - بين الأبوة والبنوة – عفو القادر التبرع بالمال بعد النفس - وإن كان عمرا – إنها عمة الرسول صلى الله عليه وسلم
الجنة
اللهم أخبر عنا نبيك
الفصل الرابع عشر الخاتمة
من توجيهات القرآن - يوم كله لطلحة - الجنة - غسلته الملائكة -
تكريم
مقام
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
خطاب الرسول
للرسول
- حب الرسول - ولاء الرسول - القدوة الحسنة -
الرسول
يُعد الإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم
محمود صاحب ورائد مدرسة الفكر الإسلامي والتصوف في العصر الحديث ولقب بأبي التصوف في العصر الراهن فقد أثرى المكتبة العربية بأمهات الكتب بين تحقيق وتأليف وترجمة فمنها دراساته القيمة عن الإمام الغزالي وكتابه من الضلال و دلائل
المنقذ
النبوة و القرآن في شهر القرآن إلى جانب ما كتبه عن رواد التصوف على مر العصور الإسلامية المختلفة
والإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود له عمق وغزارة الآراء الفقهية ودقة الاجتهادات مما جعله يكسب صفوف المعارضين قبل المؤيدين إلى جانب اللباقة والدراية الكاملة في عرض أي موضوع أو مسألة تتعلق بأمور الدين وأيضا يمتاز بقوة ورصانة الأسلوب والعبارات مما يدل على المهارة الفائقة والملكة اللغوية فلهذا اكتسب هذا العالم الجليل احترام كل الفرق والمذاهب الإسلامية في شتى بقاع
العالم وسيبقى هذا العالم وتراثه في قلوبنا على مر العصور
دار المعارف
٣١٦٨٤/٠١
تصميم الغلاف محمد أبو طالب
دار المعارف