Go Back





الدكتور عبد الحليم محمود
كتاب الجهاد
الطبعة الثانية
I
دار المعارف

الله الحالي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المجاهدين وأشجع المقاتلين وخير الخلق أجمعين ا سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه
ومن تبع هديه إلى
الدين
يوم

الفصل الأول
الجهاد الإسلامي جهاد من أجل المبادئ
يقول الله سبحانه وتعالى
وما لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ في سَبيل الله وَالْمُسْتَضْعَفِينِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِم أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصيراً الَّذينَ ءامَنُوا يُقاتلون في سبيل الله وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ في سَبيل الطَّاغُوت فقاتلُوا أولياء الشَّيْطَانِ إنَّ كَيْدَ الشَّيْطَان كَانَ ضعيفًا
ويقول عز وجل
النساء ٧٥ ٧٦]
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ اللَّه فَإِنِ انْتَهَوا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى
الظَّالِمِينَ
[ البقرة ١٩٣ ]
ويقول سبحانه
وقاتلوا في سبيل الله واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
[ البقرة ٢٤٤]
من هذه النصوص القرآنية الكريمة تتبين أن الجهاد في الإسلام إنما هو جهاد
من أجل فكرة هذه الفكرة هى ما عبر عنه سبحانه بسبيل الله وسبيل الله
هو الخير والعدل والحق فالقتال في الإسلام إنما كان من أجل

1 - أن يكون الدين كله الله
٢ - وألا تكون فتنة
- ومن أجل المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا حول لهم
ولا قوة الذين ينالون من عسف الطغاة وبغيهم الشر الكثير فيضرعون إلى الله سبحانه أن ينقذهم من الظلم
- ثم من أجل هؤلاء الذين أخرجوا من ديارهم ومن أموالهم بغير حق إلا أن
يقولوا ربنا الله وقد يتساءل إنسان
ما هو سبيل الله
وكيف يكون الدين كله الله
ومن أجل بيان سبيل الله نذكر بعض المبادئ الإسلامية متضمنة في قصص واقعية تصور طريق الرشاد وطريق البغى تصور أولياء الله وأولياء
الشيطان
1 من أولى هذه القصص قصة هؤلاء الذين هاجروا بدينهم إلى الحبشة لم تكن هجرتهم هجرة سياحة يستمتعون فيها بشهواتهم ملبين داعي الأهواء ولم تكن هجرتهم هجرة لدنيا يصيبونها أو امرأة ينكحونها وإنما هاجروا بدينهم ولدينهم لقد هاجروا حتى لا يفتنهم الطغاة الظالمون لقد هاجروا الله وللخلق الكريم وللمثل العليا
إنهم أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله فلما سافروا بدينهم إلى الحبشة أرسل القرشيون وفدا إلى النجاشي فيه عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص لرد المهاجرين إلى مكة ليعذبوهم من جديد ولما التقى الوفد بالنجاشي قال له عمرو بن العاص

إنه قد لجأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في
دينك وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم عليهم فهم أعلى بهم عينا - أي أبصر بهم - وأعلم بما عابوا عليهم
فلما سمع النجاشى كلامهم رأى أن من الحكمة ألا يسلم إليهم المهاجرين دون أن يسمع كلامهم وحجتهم فأرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم فلما جاءوا قال لهم ما هذا الدين الذى قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين أحد من هذه الملل
فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له
أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوى منا الضعيف
الفواحش

فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ماكنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان أمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام وعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه وآمنا به وتبعناه على ما جاء به من الله فعبدنا الله وحده ولم
نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا
فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من

Λ
عبادة الله تعالى وأن نستحل ماكنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك ولما قرأ عليه صدراً من سورة مريم بكى النجاشي ثم قال إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة
ثم التفت إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص فقال لهما انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما
لقد علم النجاشي فور سماعه المبادئ الإسلامية
أن هذه المبادئ حق وأنها آيات بينات لا يخفى صدقها على أصحاب الفطرة السليمة وعلم أن ما أتى به محمد صلوات الله عليه وسلامه إنما يصدر من المنبع الذى كانت تصدر عنه رسالة عيسى عليه السلام وسبيل الله - كما صوره سيدنا جعفر - توحيد الله وعبادته وحده وصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء وإقامة الصلاة وأداء الزكاة والصيام والابتعاد عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة
6
أما سبيل الشيطان فهو عبادة الأصنام عبادة الشهوة والسيطرة والاستعلاء واستعباد الآخرين وإخراج الآمنين من ديارهم بغير حق وسبيل الشيطان إتيان الفواحش وقطع الأرحام وإساءة الجوار وأن يأكل القوى الضعيف
وسبيل الشيطان أيضًا قول الزور وإشاعة الأكاذيب والغش بكل طرقه
وأساليبه وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات

ب وإذا أردنا تصويراً آخر لسبيل الله - في إجماله وعمومه - حسبما رآه أحد حكماء العرب - ولم يكن قد أسلم - وهو أكثم بن صيفى فإننا – تصويرا للأمر في

واقعه - نذكر القصة التالية
لما ظهر النبي - - بمكة ودعا إلى الإسلام بعث أكثم بن صيفى ابنه
وحبيباً فأتاه بخبره فجمع بني تميم وقال لهم - فيما قال -
إن ابني شافه هذا الرجل مشافهة وأتانى بخيره وكتابه يأمر بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ويأخذ فيه بمحاسن الأخلاق ويدعو إلى توحيد الله
الأوثان
4
4
وترك الحلف بالنيران وقد حلف عرف ذوو الرأى
تعالى وخلع منكم أن الفضل فيما يدعو إليه وأن الرأي ترك ما ينهى عنه
ثم يقول هذه الكلمات الرائعة
ه إن الذي يدعو إليه محمد لو لم يكن دينا لكان في أخلاق الناس
وسبيل الله كما رآه أكثم
توحيد الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ بمحاسن
الأخلاق
وكلمة الأخذ بمحاسن الأخلاق كلمة جميلة جمعت فاستغرقت
وشملت فعمت
أما كلمته الرائعة حقا
وفصاحتها فهي قوله
السامية حقا العجيبة في صدقها وإيجازها
إن الذي يدعو إليه محمد لو لم يكن دينا لكان في أخلاق الناس
حسنا

حـ على أن أبا سفيان قبل إسلامه وقد كان عدوا لدودا للإسلام لم يستطع أن ينكر أن محمدا إنما يدعو إلى الصلاة والزكاة والصلة صلة الأرحام وصلة المؤمنين ومودتهم والعفاف لقد أعلن أبو سفيان ذلك في ملأ من الأشهاد ردًّا على سؤال هرقل كما رواه الإمام
البخارى رضى الله عنه
قرآنا
د وسبيل الله
وكان سنة
هو ما رسمه الله سبحانه وأنزل على رسوله ع فكان
وسبيل الله بحسب القرآن الكريم والسنة الشريفة يتبلور ويتمركز في
١ - التوحيد في مجال العقيدة
٢ - الرحمة فى المجال الأخلاقي
- العدل في مجال التشريع ويقول سبحانه وتعالى في العقيدة
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُون
ويذكر سبحانه من شواهد ذلك على لسان سيدنا هود
الأنبياء
[٢٥
وإلى عاد أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْم اعْبُدُوا اللَّه مَالَكُم مِّنْ إِلَهِ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ يَا قَوْم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِى إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَني أَفَلا تَعْقِلُونَ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءِ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ويزدكم قوة إلى قوتِكُمْ ولا تتولوا مُجْرِمِينَ
[ هود ٥٠-٥٢]


وعلى لسان سيدنا صالح
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَالَكُم مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ هُوَ
أَنْشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفَرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَريبٌ
مجيب
وعلى لسان سيدنا شعيب

[ هود ٦١]
وإلى مدينَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّه مَا لَكُم مِّنْ إِلَى غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا المِكْيالَ وَالْمِيزَانَ إِنّى أَرَاكُمْ بخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ
محيط
ويقول عز وجل موضحا سبيله أمرا ونهيا
[ هود ٨٤]
إنَّ الله يأمرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ
والبغي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
ويقول تعالى
[ النحل ٩٠]
يَأَيُّهَا النَّبيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبا يعنك عَلَى أَلَّا يُشْرِكُنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانِ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفِ فَبَايِعُهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
ويقول سبحانه
الممتحنة - ١٢]
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

۱
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِّنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ منْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتى الله إلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تعقلونَ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ اليتيم إِلَّا بِالَّتى هى أحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ والميزانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبي وَبِعَهْدِ الله أوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَكُمْ تَتَّقُونَ
ونحمل رسول الله رسالته في قوله
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
الأنعام ١٥١ - ١٥٣ ]
وما من شك في أن
مکارم
الأخلاق في
الاعتقاد التوحيد
وفى التشريع العدل وفي الأخلاق الرحمة
وحينما يتحدث الرحمن الرحيم الودود القريب المجيب عن بواعث الرسالة الإسلامية عن حكمتها عن طابعها عن سماتها العامة عن سماتها
الخاصة
فإنه سبحانه يعلنها رحمة
يقول سبحانه وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةٌ لِّلْعَالمينَ
[ الأنبياء ١٠٧]
هذا هو سبيل الله وهذه هي الرسالة التي كلفت الأمة الإسلامية بالإيمان

بها والتبشير بها والقيام عليها وتدعيمها في الأنفس والآفاق ولو فتحت الأقطار أبوابها للدعوة بها والتبشير بمبادئها وهى توحيد وعدل
ورحمة
ولو آمنت بها الجماعات والشعوب وهي حق وخير
ولو اعتنقها الأفراد والأمم وفيها خيرهم وسعادتهم لما احتاجت الأمة الإسلامية إلى الجهاد بالسيف ولما كان قتال في سبيل الدعوة
ولكن الرسول
6
أخذ
يدعو قومه ليلا ونهاراً فلم يزدهم دعاؤه
إلا إعراضا وكان كلما دعاهم إلى سبيل الله جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا لقد دعاهم الرسول ه جهاراً بعد سرا قبل أن يؤمر بالدعوة جهراً
أن دعاهم لم يستجب المشركون إلى التوحيد والعدل لم يستجيبوا إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق ولم يأخذوا الموقف السلبي من الدعوة فحسب وإنما استمروا في ظلمهم وطغيانهم وجبروتهم فعذبوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم فنزلت الآية الكريمة أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وإِنَّ الله عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا من دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ
[ الحج ٣٩ ٤٠]
لقد بغى المشركون وأخرجوا النبي ل من بين أظهرهم وهموا بقتله وشردوا أصحابه شذر مذر فذهب منهم طائفة إلى الحبشة وآخرون إلى المدينة 1
۱ ابن كثير في تفسير آية الإذن بالقتال

١٤
وأسباب الإذن بالقتال أسباب عامة إنها أسباب الجهاد الإسلامي في سبيل
صوره
الله في كل زمن وفى كل بيئة وهى منع الظلم على وجه العموم الظلم فى البشعة المتعددة التي منها إخراج الأبرياء الآمنين من ديارهم ومن أموالهم
أو إبقاؤهم فيها على حالة من الذل ومن الاستعباد ولا ترضى إنسانية ولا خلقاً
كريما
وهي
أيضا الانحراف عن الحق والخير وعن التوحيد والعدل
وجاء الإذن بالقتال
وجاء الأمر بالجهاد
وجاء التشجيع على الجهاد مع الأمر به
وكان التشجيع على الجهاد يتجه إلى الناحية النفسية البحتة أحيانًا وأحيانا أخرى كان يتجه إلى الناحية الاجتماعية ومكانة الأمة الإسلامية في
الكون وكان يتجه في بعض الأحيان إلى بيان الأسباب والبواعث ويتجه أيضًا مع كل هذا إلى بيان الثواب والأجر من الله سبحانه وتعالى

يقول الله تعالى
الفصل الثاني
الجهاد في السلم والحرب
كتب عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كَرَهُ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وهو خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وهو شَرَ لَكُمْ وَالله يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
وروى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
قال رسول الله
[ البقرة ٢١٦ ]
من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق والآية الكريمة تؤيدها آيات كثيرة في معناها والحديث الشريف تعضده أحاديث لا تكاد تعد كلها توجب الجهاد في سبيل الله وتفرضه فرضًا في صوره
المختلفة المتعددة
إنه فرض يتسع مداه ويختلف بحسب الظروف والملابسات وهو فرض تختلف صوره باختلاف الحاجة إليه في السلم والحرب والجهاد في حالة السلم استعداد لا يفتر إنه استعداد معنوى بقوى الإيمان ويثبت الاعتماد على الله وهو استعداد مادى لا يقتصر على زاوية من الزوايا
المطلوبة للقوة
10

1
لقد كان رسول الله يشجع على الرماية ويسر حينما يرى شباب
الإسلام
يتعلمها
روى البخاري عن سلمة بن الأكوع رضى الله عنه قال مر النبي له
على نفر ينتضلون فقال
ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا
وكان صلوات الله عليه يكره أن يرى الرجل قد تعلم الرمي ثم تركه
وأهمله
روى الإمام مسلم عن أبى حماد رضى الله عنه أنه قال قال رسول الله
من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو فقد عصبى "
ولم ينس صلوات الله عليه صناعة الأسهم وأجر صانعها وأن جزاءه الجنة ما دامت في سبيل الله فعن أبي داود رضى الله عنه عن رسول الله
قال
إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير
6
والرامي به ومنتبله وارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلى من أن تركبوا ومن ترك الرمي بعد
ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها أو قال كفرها
وحث رسول الله الله الله على تعلم ركوب الخيل فروسية وجهادا وعلى اقتنائها وعلى الإنفاق عليها وقد كان صلوات الله عليه يحبها ويركبها
ويدللها
فعن ابن يسار رضى الله عنه فيما رواه الإمام أحمد والنسائى أنه لم يكن

شيء أحب إلى رسول الله ل من الخيل وهو صلوات الله وسلامه عليه
القائل فيما رواه البخارى ومسلم الخيل معقود فى نواصيها الخير والأجر والمغنم إلى يوم القيامة وعن هذا الاستعداد المادى والمعنوى يقول الله تعالى آمرًا موجبا
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
الأنفال ٦٠]
سواء كانت هذه القوة مادية أو معنوية والاستطاعة في واقع الأمر
لا حدود لها وهذا الإعداد إذن لا ينتهى ولا يفتر فى أى يوم من الأيام على أن الله سبحانه قد ربط الإيمان بالجهاد وفى صورة محكمة متماسكة
لا انفصام لها لقد ربط الله سبحانه الجهاد بالإيمان ربطا بحيث يزول الإيمان عند الفرار من الجهاد وعند النكوص عنه
الجنة
L
إن عقد الإيمان الذي بيننا وبين الله سبحانه وتعالى من أهم شروطه أن نبيع بمقتضى هذا العقد أنفسنا وأموالنا مجاهدين بذلك فى سبيل الله وثمن ذلك إنما هو ويصور الله تعالى ذلك في هذه الآية الصريحة إن الله اشترى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيل الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُون وعدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أوفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فَاسْتَبْشِرُوا بيعكُمُ الَّذِى بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ العظيم
[ التوبة ١١١]
وحينما نزلت هذه الآية قال الصحابة رضوان الله عليهم ربح البيع
لا نقبل ولا نستقبل والمؤمن إذن مجاهد في سبيل الله في كل أوقاته إنه مجاهد بماله ومجاهد

بنفسه ومجاهد بوقته ومجاهد بعمله ومجاهد بلسانه إن الكيان الإنسانى كله يجب أن يكون جهادًا فى كل فترات الحياة ومن أجل ذلك كان المسلمون الأول يتسابقون إلى الجهاد والله سبحانه يصور شأنهم فيقول لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِم والله عَلِيمٌ بِالْمُتقين
[ التوبة ٤٤]
أما المنافقون وأما الذين لا إيمان لهم فإنهم يتمحلون المعاذير فراراً من الجهاد ويستأذنون في النكوص عنه ويلجئون إلى الاستنامة عنه والفتور والله سبحانه يفضحهم مصوراً ظاهرهم وباطنهم إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر وارتابَتْ قُلُوبُهُم فَهُمْ في
ريبهم يترددون
[ التوبة ٤٥]
وبعد فإنه من أجل إرضاء الله سبحانه وتعالى ومن أجل دخول الجنة حيث
النظر إلى وجهه الكريم يتسابق المسلمون في الجهاد روى الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه قال
انطلق رسول الله الا الله وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء
المشركون فقال رسول الله الله
عنه
لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه
فدنا المشركون فقال رسول الله قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض فقال عمير الأنصاري رضي الله

۱۹
يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض
قال نعم
قال بخ بخ
فقال رسول الله
ما يحملك على قول بخ بخ
قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال فإنك من أهلها
فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال
لن أنا حييت حتى آكل تمراتى هذه إنها الحياة طويلة
فرمی بما كان معه من الثمرات ثم قاتلهم حتى قتله رواه مسلم وأما بعد فإن رسول الله الله وهو المعبر الصادق دائماً عن موقف المؤمن
6
يقول فيما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل
L
وما ذلك من رسول الله الا الله إلا لمعرفته بما ينال الشهيد من رضوان الله لقد فرض الله سبحانه وتعالى الجهاد على المسلمين في أسلوب لا لبس فيه ولا غموض فقال تعالى
كتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كَرَهُ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ
[ البقرة ٢١٦ ]
ومن المعروف أن هذه الفرضية إنما هي فرضية كفاية إذا لم يكن العدو في داخل

بلاد الإسلام أما إذا كان العدو في داخل بلاد الإسلام فإن الجهاد يصبح فرض عين على كل مسلم أينما كان إذا كان العدو مثلا بفلسطين كما هو الآن فإن الجهاد واجب على مسلمى الباكستان وعلى مسلمي الهند والجزائر وتونس إنه واجب على كل مسلم
على ظهر المعمورة
وليس معنى ذلك أن كل شخص مهما كان عمله يجب عليه أن يترك عمله وتحمل السلاح ليذهب إلى الميدان وإنما معنى ذلك أن الدولة كلها يجب أن تعباً تعبئة كاملة للحرب وأن ينسق العمل بحيث يصبح الجهاد هدفا تسخر كل القوى من أجله وبذلك يكون العامل والصانع مجاهداً وإن كان في معمله أو فى مصنعه الدول الإسلامية الآن أن تعبى قواها لتؤدى فريضة الجهاد في جميع هذه البقعة التي اغتصبت من أرض الإسلام والعروبة وإلا أثم كل فرد وأئمت
وعلى
كل دولة
مسلم
والموقف الإسلامي الذى لا موقف غيره بالنسبة للجهاد إنما هو أن يستعد كل
لأن
جنديا في سبيل الله بنفسه وبماله يصبح لقد مر رجل من أصحاب رسول الله ل ذات يوم بعين من ماء عذبة فأعجبته فأراد أن يقيم بجوارها يعبد الله ويعتزل الناس أراد أن يعتكف في الجبل بجوار العين يشرب من مائها ويأكل من النباتات التي تنبت حولها ويمكث راضى النفس هادئ البال ثم قال لنفسه لن أفعل حتى أستأذن رسول الله وذكر لرسول الله ما دار بخلده فقال له لا تفعل فإن مقام أحدكم فى سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة أعزوا في سبيل الله من قاتل في

سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة
إنه فرض على كل مسلم أن يعد نفسه باستمرار على أن يكون جندياً في سبيل الله وفرض عليه أن يتعهد نفسه دائما حتى لا تزول هذه الصفة عنه فإن من تعلم شيئًا من الفنون الحربية ثم أهملها غير مبال بالدفاع عن الوطن فإن إثمه عند الله كبير

ومع ذلك فإنه لا بأس من أن ننبه ثانيا إلى أن الجهاد شرع في الإسلام دفاعا عن النفس ورداً للظلم وتحطيما للطغيان وتحريراً للشعوب وفتحا لأبواب الدعوة إلى الحق والهداية والخير هذه الأبواب التي يحاول دائماً غلقها الطغاة من الملوك والجبابرة من الأمراء وإن أول آية قرآنية نزلت فى الجهاد تبين عن سبب مشروعيته يقول تعالى أُذِنَ الَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ الله عَلَى نَصْرِهِم لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أَخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ
[ الحج ٣٩ ٤٠] وفيما يلي بعض الآيات وبعض الأحاديث التي تصور تصويراً واضحاً
موقف الإسلام من الجهاد
يقول تعالى
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حتى إِذَا أَنْخَتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فإما منا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حتى تَضَعَ الحربُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لأَنتَصَرَ ولكن ليَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ والَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أعمَالَهُمْ سَيَهْدِيهم ويُصْلِحُ بَالَهُمْ ويُدْخِلُهُمُ الجنَّةَ عَرَفَهَا لَهُمْ
منهم

[ محمد ٤-٦]

وقال تعالى
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بأَيْدِيكُمْ وَيُخْرِهمْ ويَنصُرُكُم عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ مومنين وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ الله عَلَى مَنْ يَشَاءُ واللَّهُ عَلِيمٌ
حكيم
[ التوبة ١٤ ١٥ ]
وقال تعالى
أمْ حَسِيتُم أَن تَتَرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَم اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دونِ اللهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَليجَةٌ والله خبير بِمَا تَعْمَلُونَ
[ التوبة ١٦ ]
وقال تعالى
ر

أمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعلم الله الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ
الصابرين
وقال تعالى
[آل عمران ١٤٢]
وَلَنَبْلُونَكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ونَبْلُوَ أَحْبَارَكُمْ
وقال تعالى
فَلْيُقَاتِل في سبيل اللهِ الَّذِينَ يَشرُونَ الحياة الدنيا بالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
[ النساء ٧٤]

وقال تعالى

انفرُوا خِفَافًا وثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ
لَّكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
وقال تعالى
[ التوبة ٤١]
وقاتِلُوا في سَبِيلِ الله الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُوا إن الله لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُم حيث ثَقِفتموهم وأخرجوهم من حيث اخرجوكم والفتنه
M
أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ
وقال تعالى
البقرة ۱۹۰ ۱۹۱ ]
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ اللَّهِ فَإِنِ انْتَهَوا فَلَا عُدُوانَ
إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ
[ البقرة ١٩٣ ]
وقال تعالى
يأيها النبى حرض المؤمنين على القتال إِنْ يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ
قَوْمُ
يَغْلِبُوا مائتين وإن يكن مِّنكُمْ مَائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بأنهم قم لَّا يَفْقَهُونَ الآنَ خَفَّفَ الله عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُن مِّنكُمْ مَائَةٌ صابرة يغلِبُوا مِائتين وَإِنْ يَكُن مِّنكُمْ أَلفَ يَعْلَبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ
الصابرين
الأنفال ٦٥ ٦٦ ]

٢٤
وقال تعالى
قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبُّ إِلَيْكُمْ من الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ والله لَا يَهْدِى
الْقَوْمَ الفَاسِقِين
حرج
وقال تعالى
[ التوبة ٢٤]
وَجَاهِدُوا فى اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِن ملة أبيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ واعْتَصِمُوا بِاللَّه هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير
وقال تعالى
الحج ۷۸]
والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ
1 العنكبوت ٦٩]
أما أحاديثه صلى الله عليه وسلم فإنها كثيرة مستفيضة نذكر منها ما يلى عن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الأعمال
أفضل
قال الإيمان بالله والجهاد في سبيله ۱
۱ رواه البخاري ومسلم

قال
وعن أبي داود بإسناد صحيح عن أنس رضي الله عنه
جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم
أن النبي
عن أبي هريرة رضى الله عنه - فيما رواه الإمام مسلم - قال قال رسول الله
6
ه من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق عن أبي الدرداء رضى الله عنه أن النبي الله قال من اغبرت قدماه - في الجهاد - في سبيل الله الله سائر جسده على النار ۳
حرم
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله يقول
عينان لا تمسها النار
عين بكت من خشية الله تعالى
وعين باتت تحرس فى سبيل الله تعالى
E
وعن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه قال ه قيل يا رسول الله أى الناس أفضل
قال و مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله ٥
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله - ع - قال
ه رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد - في
الجهاد - في سبيل الله والغدوة خير من الدنيا وما عليها 1
٢ أخرجه النسائي
۳ أخرجه الطبراني في الأوسط ٤ أخرجه الترمذي

ه أخرجه البخاري ٦ أخرجه الشيخان

٢٦
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال مر رجل من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فأعجبته فقال لو اعتزلت الناس فأقمت فى هذا الشعب ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله
6
فذكر ذلك لرسول الله قال
لا تفعل فإن مقام أحدكم فى سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة
رواه الترمذى وقال حديث حسن و الفواق ما بين الحلبتين
وروى أبو داود بإسناد جيد عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رجلا قال
يا رسول الله ائذن لى فى السياحة فقال النبي
عن
إن سياحة أمتى الجهاد في سبيل الله عز وجل ٧
أبي أمامة
رضي الله عنه أن عليه الصلاة والسلام قال
النبي
من لم يغز ولم يجهز غازياً أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله تعالى بقارعة قبل يوم القيامة ۸
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله وإذا تركتم الجهاد سلط عليكم ذلا لا يتزعه عنكم حتى ترجعوا إلى
دينكم ۹
0
۷ رواه أبو دواد
۸ أخرجه أبو داود
۹ أخرجه أبو داود

عن أبي هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله يقول لغدوة أو روحة فى سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ١٠
عن جابر بن عبد الله قال
جابر
ه لما قتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد قال رسول الله الله
ه يا جابر ألا أخبرك ما قال الله عز وجل لأبيك
قلت بلى قال ما كلم
الله أحدا إلا من وراء حجاب وكلم أباك كفاحاً
فقال يا عبدى تمن على أعطك
قال يارب تحييني فأقتل فيك ثانية قال إنه سبق منى أنهم إليها لا يرجعون
قال يارب فأبلغ من ورائى فأنزل الله عز وجل هذه الآية وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُلُوا في سَبِيل الله أمواتا بل أحياة عند ربهم
يرزقون ۱۱
عنه
4
ويقول رسول الله فيما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضى الله
ا تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلى فهو ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى منزله الذى خرج منه
بما نال من أجر أو غنيمة
۱۰ اخرجه البخاري
۱۱ أخرجه البخاري

والذي نفس محمد بيده ما من كلّم يُكلم فى سبيل الله إلا جاء يوم القيامة
کهیئته يوم
كلم
لونه لون دم وريحه ريح مسك والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق
عليهم
أن يتخلفوا عنى
والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل
١٢ ثم أغزو فأقتل ۱ والكلّمُ الجرح
القادر على الجهاد المتخلف عنه غير مؤمن

إذا تخلف شخص عن أداء واجبه بالنسبة للجهاد فقد خرج على المبدأ الإسلامي الإلهى فقد أمر الله بالجهاد وحذر من التخلف ولقد قال الله تعالى في من تثاقل عن الجهاد
بأيهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَالَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ انَّا قَلْتُمْ إِلى الأرض أرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قلِيلٌ إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا واللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
[ التوبة ٣٨ ٣٩]
ويبين الله تعالى أن هؤلاء الذين يتأخرون عن القتال لا إيمان لهم بالله ولا باليوم
الآخر فيقول سبحانه
۱ رواه مسلم وروى البخارى بعضه

لا يستأْذِنُكَ الَّذينَ يُؤْمِنُون بالله واليوم الآخر أن يُجَاهِدُوا بأموالهم وأنفسهم واللهُ عَلِيمٌ بالمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَستَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم فى ريبهم يترددون
[ التوبة ٤٤ ٤٥]
وهذا الذى يتخلف إنما يتخلف معتقدا أنه بذلك يبتعد عن مظان القتل وقد بينا فما سبق أن الآجال محدودة
وهذا سيدنا خالد بن الوليد رضى الله عنه حينما أوشك على الموت كان جسمه كله ضربات بسيوف أو طعنات بخناجر ثم هو يموت على فراشه آسفا لأنه
كان يتمنى أن يموت فى ساحة الحرب شهيداً

فالجين لا يطيل الأجل ولا نامت أعين الجبناء والشجاعة لا تقتصر الآجال والله يجزى الشجعان عن الإنسانية وعن الدين كل خير
بيانات إلهية للمؤمنين من أجل النصر
1 - حتى لايكون المسلم
جبانا

إن الإنسانية الساذجة - منذ أن وجدت الإنسانية - تخاف الموت وتخشاه
خشية لا تكاد تعدلها خشية
i
وكان لذلك نتائج سلوكية كثيرة من هذه النتائج الجبن
وقد أحب الله سبحانه وتعالى ألا تقع الأمة الإسلامية فيما يقع فيه غيرها من الجبن خشية الموت فبين سبحانه الأمر فى القرآن وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة بيانا لا لبس فيه

إن مالك الملك إنما هو وحده الذى يملك الموت والحياة
إنه يملك إماتة الطغاة أو تركهم لحكمة يعلمها سبحانه وهو الذي قرر الآجال وحددها فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون والحرص على الحياة أو الجبن ليس من أسباب إطالة الأجل والشجاعة والإقدام ليسا من أسباب تقصير الأجل وقد بين الله ذلك فى كتابه الكريم إبانة تامة وكما أنه لكل أجل كتاب فإنه لكل أمة أجل
أما هؤلاء الذين قالوا
لَوْ كَانَ لَنا منَ الأمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنَا هَاهُنَا
فإن الله سبحانه وتعالى يرد عليهم
قُلْ لَو كُنتُمْ في بُيُوتِكُمْ لبرزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضَاجِعِهِمْ
وهؤلاء الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطَاعُونَا مَا قُتِلُوا
آل عمران ١٥٤]
فإن الله سبحانه وتعالى يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يرد عليهم
قائلا
فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ
أما الذين يفرون أمام أعداء الله فهؤلاء إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا
[آل عمران ١٦٨]
[آل عمران ١٥٥]
إذن المؤمن الصادق الإيمان لا يعرف الجبن ولا يستزله الشيطان موسوساً له
بالخوف من غير الله تعالى

- وحتى لايكون المسلم جبانا

وإذا كان خوف الموت هو السبب الأول فى الجبن فإن السبب الثاني ما يوسوسه الشيطان للإنسان من جانب الرزق وكيف يتوافر للأولاد والذرية من
بنين وبنات وزوجة إذا ذهب للحرب وإذا قدر له الشهادة فيها وكما استفاض الله ورسوله فى البيان عن تحديد الآجال فقد استفاض الله ورسوله في بيان أن الرزق مقسوم
وكما حرر الإسلام المجتمع الإسلامي من خوف الموت فقد حرره أيضًا من هم الرزق بالنسبة للإنسان نفسه الذى يكفل الأسرة وبالنسبة للأسرة نفسها فرداً

فردا يستوى في ذلك حالة السلم وحالة الحرب ذلك أن الله الرزق بيد وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُستودعها
[ هود ٦]
ما يفتح اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فلا مُمْسكَ لها وَمَا يُمْسِكَ فَلَا مُرْسِلَ له مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
خاطر ٢]
وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الرزق فى السماء محدد مقسوم وأقسم سبحانه على أن ذلك حق واقع لقد أقسم سبحانه لما يعلمه من ضعف الطبيعة البشرية وإشفاقها وقلقها بالنسبة لأمر الرزق يقول سبحانه
وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَورَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقِّ مثل ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ
الداريات
[ ۳

على أن صاحب الثراء العريض الذى يعتمد على ثرائه غير ناظر إلى الله تعالى واهب الرزق والثراء قد يخسف الله به وبداره الأرض كما صنع بقارون أو يطوف ببساتينه ومزارعه طائف منه سبحانه فتصبح خاوية على عروشها كما فعل سبحانه بأصحاب الجنة التى قص علينا أمرهم في القرآن الكريم في سورة القلم وما من شك في أن السعى على الرزق مطلوب وأن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا السعى على الرزق وأن العمل الجاد الكادح إنما هو من سمات الإسلام كل ذلك حق وإذا كان الرزق بيد الله وإذا كان العمل مطلوباً فإن ما ينهى عنه الإسلام إنما هو هذه الصورة الجشعة القلقة التي تحاول اقتناص المال من السبل غير المشروعة أو التي ترى أن عبداً من عباد الله بيده الرزق إعطاء ومنعاً وبيده الرزق زيادة ونقصا أو أخذا وتركا
وقد حرر الإسلام بموقفه هذا المجتمع الإسلامي من أن يكون هم الرزق سببا في ضعفه أو ذلته
ومن عوامل النصر وحدة الأمة
يقول الله تعالى
إِنَّ هَذِهِ أَمَّنكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعِبدُونَ
الأنبياء ٩٢]
ومما لاشك فيه أن الدعوة إلى وحدة الأمة هي من طبيعة الإسلام ومن
مبادئه ذلك أنها وحدة قائمة على مبادئ ومثل كريمة فالإسلام لم يجعل أساس الوحدة لونا من الألوان فيفرق بين الأبيض

۳۳
والزنجي أو الأصفر والأحمر وينكل بأحدهما دون مبرر ويسلبه حقه ظلماً
وعدوانا
إن أقطارًا على وجه الأرض تزعم لنفسها حضارة وتدعى أنها بلغت في الإنسانية والفكر والثقافة شأوا بعيدا لايزال يستعبدها اللون مجرد اللون فتنكل بالأبرياء لالمثل عليا ولا لمبادئ أخلاقية فعملها مناف للمثل العليا وللمبادئ
الأخلاقية
وما الباعث على الظلم والتنكيل وعلى الخسف والعدوان سوى مجرد التعصب للون مجرد اللون ولنا في مقابل ذلك أن نفخر بالإسلام الذي يؤسس الوحدة بين الأشخاص على مبادئ من الخير ومن الحق وفى عصرنا الراهن أقطار لاتزال تفرق فى المجتمع الواحد بين طبقات لا مجال للتفرقة بينها لأنها نشأت فى مكان واحد شربت من مائه وتغذت من خيراته واستنشقت في جوه نسيما واحدا وكان الوضع الطبيعي ألا يكون هناك تفرقة بين أبنائه ومع ذلك فإن هذه التفرقة موجودة فعلا في بعض الأقطار لم يثرها مبدأ أخلاقى أو هدف سام وإنما هى التقاليد والوراثة ولنا أن نفخر في مقابل ذلك بالإسلام الذى لافضل فيه العربي على عجمى
ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
الحجرات آية رقم ١٣ ]
ووحدة المبادئ إذن تنتج فى الإسلام وحدة الأمة وتضامنها وتكافلها
فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض

والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا
والمسلم
أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله
إن المسلم مرتبط بالسلم أينما كان ونجدته واجبة أينما وجد ويذكرنا الله سبحانه وتعالى برابطة المبادئ هذه وبأنها نعمة من الله تعالى في مقابل ماصنعه البشر من عبث وأهواء تجعل الارتباط يقوم على أساس من اللون أو من الجغرافية أو من غير ذلك مما يخجل الإنسانية حينما تتخلص من أهوائها أن تكون قد جعلت منه أساساً للارتباط وتحديد الأوطان وبحثنا الله تعالى على أن نستمسك بالوحدة على أساس من مبادئه السامية واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تفرقُوا واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذ كُنتُمْ أعداء فألف بين قلوبِكُمْ
[آل عمران ١٠٣]
ورابطة المبادئ في الآفاق السامية وفى الأنظار العليا أقوى من أية رابطة أخرى وأشد تماسكاً من أى ارتباط أيا كان وبعد فإن وحدة الأمة لابد لها - لتستمر - من التعاون المخلص بين أفراد
المجتمع ولابد من النصيحة والموعظة والضرب على أيدى المفرقين للوحدة

- حكم الله في موالاة الأعداء إن الأعداء محاربون الله ورسوله وكل من والاهم إنما هو محارب الله ورسوله
لأنه ينصر أعداء الله على أولياء الله فهو من الأعداء
ومعهم محارب الله ومحارب لرسول الله وقد قال الله تعالى
إنه بعمله ذلك

۳۵

إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَونَ فِي و يسعُونَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يقتلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تُقطَّعَ أيديهم وأرجلُهُم مِّنْ خِلافٍ أو ينفوا مِنَ الأرض ذلِكَ لَهُمْ خِزْى فى الدُّنْيا ولهُمْ فى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ

المائدة ٣٣ ]
وقد أراد الإسلام أن يضمن سلامة الداخل وأن يقاوم ما استطاع أعداء الخارج ولو كانوا ينتسبون للإسلام فكان لابد من عقاب رادع لهؤلاء وأولئك يتمثل فيما يراه الحاكم الإسلامي مما ذكرته الآية الكريمة من القتل أو الصلب أو قطع الأيدى والأرجل من خلاف أو النفى ولقد بين الله سبحانه بالنسبة لهؤلاء وأولئك أنهم خارجون على الإسلام وأن الإيمان قد انتفى من قلوبهم
يقول سبحانه
لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّه وَرَسُولَهُ ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخْوَانَهُمْ أو عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإيمَانَ وأَيَّدَهُم بروح منه ويدخلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خالدين فيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
المجادلة ٢٢ ]
وكل من يوالى الأعداء إذن إنما هو كائن انتفى من قلبه الإيمان والموقف الإسلامي إذن هو أن يجد المحاربون الله ورسوله فى المؤمنين غلظة بذلك يأمر الله
تعالى فيقول
وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غلظةٌ ولقد اتخذ المسلمون الأول - حكاماً ورعية - هذه المواقف الإسلامية بالنسبة

٣٦
للأعداء فها هو المؤمن الصادق عبد الله بن عبد الله بن أبي يعرض على رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي له برأس أبيه إذا شاء صلى الله عليه وسلم ذلك فيقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم
يارسول الله إنه بلغنى أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه فإن
كنت فاعلا فمرنى به وأنا أحمل إليك رأسه
وهذا هو الموقف الإسلامي الصحيح ألا يوالى المسلم من يحارب المسلمين ولو كانوا آباء أو أبناء أو إخوة أو عشيرة وإلا فقد باء بغضب من الله والرسول واستحق العذاب الأليم في الدنيا قبل
الآخرة

الفصل الثالث
القرآن
برسم
طريق النصر
يقول الله تعالى
إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُم وَأَمْوَاهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقتلونَ وَعْدًا عَليهِ حقًّا فِى التَّوْرَاةِ والإنجيل والقرآنِ وَمَنْ أوفى بعَهْدِهِ

من الله فاستبشروا سيعكم الَّذِى بايعتم به وذلِكَ هو الفوز الْعَظِيم

[ التوبة ١١١ ]
هذا العهد والتعاقد بين الله والمؤمنين إنما هو عهد الإيمان يبيع فيه المؤمن
نفسه وماله
يقدمها إلى الله فلا يبخل بالمال فى سبيله سبحانه ولا يبخل بالنفس حينما تقتضى الظروف البذل والتضحية والفدائية
والإيمان إذن - ومن شرائطه الجود بالمال والنفس - هو أول خطوة أساسية جوهرية في طريق النصر بل هو خطوة بدونها لا يكون هناك قط أساس مستقيم تعتمد عليه الأمم ويعتمد عليه القادة في سبيل اتخاذ مكان كريم بين الدول على أن القرآن لا يعد المؤمن مؤمناً صادقًا إلا إذا كان مجاهدا بماله وبنفسه في
سبيل الله
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ

۳۸
وأنفسهم في سبيل اللهِ أُولئك هم الصادِقُونَ
[ الحجرات ١٥]
أما إذا كان الإيمان ضعيفًا مزعزعاً متأرجحاً فإن نتيجة ذلك تكون تباطوا عن الخروج إلى الجهاد بل وتخلفاً عنه
لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِم والله عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ في ريبهم يترددون
فهم
بهم
التوبة ٤٤ ٤٥]
بل إن وجود العناصر التي لا يملأ الإيمان أفئدتها في صفوف المجاهدين ضار
تو خرجوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً ولأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفتنة وفِيكُمْ سَمَّاعُون لهم
[التوبة ٤٧]
وضعفاء الإيمان ومن لا إيمان عندهم يستخفون حين يبدأ النضال
ويتخلفون عن الجهاد فرحين بذلك
فرح المخَلَّفُونَ بِمقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا فى الحرّ قُلْ نَارِ جَهَنَّمَ أَشَدَّ حَرًا لَوْ كَانُوا
يفقهون
[التوبة ٨١]
ويأمر القرآن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعزل هذه العناصر عن معسكر المؤمنين وألا يأذن لهم بالمشاركة في الجهاد

۳۹
فإن رَجَعَك الله إلى طَائِفَةٍ مِّنْهُم فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُوا مَعَى أَبَدًا ولن تُقاتِلُوا معى علوا إِنَّكُم رضِيتُمْ بالقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدوا مع
المخالفين
التوبة ٤٨٣
هذا الإيمان إنما هو إيمان إيجابي يستعد ويهيئ للأمر عدته ولا يدع صغيرة ولا كبيرة من أمر التعبئة للجهاد إلا ويحكمها ومن هنا كانت الخطوة الثانية في
طريق النصر ممثلة في قوله تعالى
وأعدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قوة
الأنفال ٦٠]
وهذه القوة لا تقتصر على القوة المادية وإنما تتضمنها وتتسع دائرتها فتشمل
التعبئة الروحية
ومما لا شك فيه أن التعبئة الروحية هي قوة واقعة نحو الثبات في لقاء العدو والإقدام في شجاعة نحو تحقيق النصر ريأَيُّها الذين آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةٌ فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم [ الأنفال ٤٥] والتعبئة الروحية إنما تثبت دعائمها وتؤتى ثمارها حينما يكون الهدف من الجهاد
تفلحون
واضحاً سافراً
ومن هنا كانت الخطوة الثالثة التى رسمها القرآن في طريق النصر وهى وضوح الهدف والهدف القرآنى من الجهاد - ولا بأس من ذكره مرة ثانية – ليس عرضا ماديًا أو حظا دنيوياً وما كانت هجرة المجاهد لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها

وإنما هجرته إلى الله ورسوله ومعنى ذلك أن هدف الجهاد إنما هو إعلاء كلمة الله وكلمة الله هي الحق وهى العدالة وهى الرحمة وهى
الأخوة وهى
السلام العالمى بالنسبة للفرد فى نفسه ودمه وماله وعرضه وبالنسبة للأمة
في كرامتها وعزتها وكل مقدساتها
الذينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ في سَبيل الله
[النساء ٧٦]
والتعبئة الروحية كفيلة بأن تجعل الأمة في جهادها كالبنيان المرصوص ومن
هنا كانت الخطوة الرابعة التى رسمها القرآن في سبيل النصر

إنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِه صَفًّا كَأَنَّهُم بنيان مرصوص
[ الصف ٤]
ولا تنازعوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ واصْبِرُوا إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ
واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا
[ الأنفال ٤٦]
آل عمران ١٠٣
فإذا ما وسوس الشيطان بنزاع أو خلاف وإذا ما تحدثت النفس بفرقة وشقاق فإن طريقة تسوية ذلك مرسومة واضحة
فإن تَنَازَعْتُم فى شىء فَرُدُّوه إلى الله والرَّسُول إِن كُنتُمْ تؤمنون بالله واليوم ذَلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
الآخر
النساء ٥٩]
إن الأمة التي تنصر الله باتباعها للدين الخالص قد ضمن الله لها النصر
ووعدها به ووعد الله لا يتخلف

٤١
إن تنصروا الله يَنصُرْكُم ويثبت أقدامكم
[محمد ۷]
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن ينصره إن الله لقوى عزيز [ الحاج ٤٠]
والأعتماد
أما الموقف الأخير فهو التفويض الله سبحانه والثقة فيه وحده عليه لا على النفس أو القوة المادية أو أي شيء آخر وقد أعطى الله المسلمين درساً قاسياً حينما اعتمدوا على قوتهم وكثرتهم وعلى أنفسهم وعدتهم وعتادهم وقالوا
لن نغلب اليوم من قلة كان ذلك في غزوة حنين ولقد صور الله الموقف تصويراً قوياً فقال سبحانه
الرمية
لقد نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيوم حنين إذ أعجبتكُم كثرتكُم ف فلم عَنْكُمْ شيئاً وضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بما رحبت ثم وليتم مديرينَ
ثُمَّ أَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وعَلَى المُؤمِنِينَ وأَنزِلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
[ التوبة ٢٥ - ٢٧ ]

الفصل الرابع
دروس حربية وأخلاقية من غزوات الرسول الله
ليس من قصدنا أن نؤرخ للغزوات وأن نسير معها سيرا يفصل جزئياتها يبدأ مع ابتدائها وينتهي بنهايتها وإنما هدفنا في هذه الكلمات عن الغزوات أن نستخرج منها بعض العظات وبعض العبر وأن نوضح بعض الجوانب التي قد تمر
دون انتباه جدير بها
غزوة بدر
۱ - غزوة بدر ووحدة الصف وراء القائد
أتى الخبر إلى رسول الله لا أن قريشاً تكتلت وبدأت السير لحرب المسلمين فجمع رسول الله الله الناس وأخبرهم عن قريش وسيرها لحرب المسلمين وأخذ يستشيرهم فيا ينبغى أن يتخذه المسلمون من موقف فأخذ المهاجرون
رضی
الله
عنهم
يبدون آراءهم
ولما جاء دور الصحابي الجليل المقداد بن عمرو في الحديث قال يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب

أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - وبرك الغماد مكان بأقصى اليمن - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه
هذا الموقف من المقداد بن عمرو تمنى ابن مسعود رضي الله عنه أن
يكون صاحبه
روى عنه
ه أبو نعيم أنه قال فى ذلك شهدت من المقداد بن عمرو مشهدا
لأن أكون صاحبه أحب إلى مما عدل به
ولما قال المقداد ذلك قال له رسول الله الله خيرا ودعا له به ولم يكن الأنصار قد أبدوا رأيهم بعد فقال رسول الله له أشيروا على أيها الناس وإنما يريد الأنصار وذلك لأنهم هم الأكثر عددا ولأنهم من جانب
آخر حين بايعوه بالعقبة قالوا
يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دورنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا
فكان رسول الله الله يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو خارج
بلاده
فلما قال ذلك رسول الله قال له سعد بن معاذ
والله لكأنك تريدنا يا رسول الله
قال رسول الله أجل
قال سعد رضي الله عنه
ه قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على

معك
ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن نلقى عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسير بنا على بركة الله وقال سعد أيضًا حسما رواه ابن كثير
ولعل أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله غيره فانظر الذى أحدث الله إليك فامض فَصِل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وعاد من شئت وسالم من شئت وخذ من أموالنا ما شئت
فسر رسول الله له بقول سعد كما سر من قبل بقول المقداد رضى الله عنهم
أجمعين وبعد فما قول المقداد وما قول سعد إلا شرحاً للموقف الذى يجب أن يكون عليه المؤمنون جميعاً وهو الموقف الذى صوره رسول الله بالبنيان المتماسك إذ يقول صلوات الله وسلامه عليه
المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا
ومثله
صلوات الله وسلامه عليه بالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر
يقول رسول الله الله

مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد
الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر

٤٦
- مشاورة القائد لأعوانه ونزوله على رأيهم إذا تبين أرجحيته لما نزل رسول الله لا في بدر قال له الحباب بن المنذر يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمتزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أم هو الرأي والحرب والمكيدة
عنه
ولا نتأخر قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة
فقال يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتى أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبنى عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله لا و لقد أشرت بالرأى
فنهض رسول الله الله هو ومن معه من الناس فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ثم أمر بالقلب فغورت وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فیلی ماه ثم قذفوا فيه الآنية
- الإعداد الكامل والالتجاء إلى الله
عدل رسول الله الا الله الصفوف ورجع إلى العريش فدخله ومعه فيه أبو بكر الصديق ليس معه فيه غيره ورسول الله يناشد ۱ ربه ما وعده من النصر ويقول فيما يقول
ه اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد
1 يناشد ربه يسأله ويرغب إليه

٤٧
وأبو بكر يقول يا نبي الله بعد مناشدتك ربك فإن الله منجز لك
ما وعدك
وقد خفق رسول الله الله خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على
ه أبشر يا أبا بكر
ثناياه النقع ٣
دور الإيمان في المعركة
خرج رسول الله علل إلى الناس فحرضهم وقال والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسباً مقبلا غير مدبر إلا أدخله
الله الجنة
فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن بخ بخ أنهما بينى وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلنى هؤلاء ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل قال عوف بن الحارث وهو ابن عفراء
یا رسول الله ما يضحك الرب من عبده
قال غمسه يده في العدو حاسرًا فنزع درعا كانت عليه فقذفها ثم أخذ
سيفه فقاتل القوم حتى قتل

وقد ذكر ابن جرير أن عميرا قاتل وهو يقول إلا التقى ركضاً إلى الله بغير زاد
المعاد وعمل
خفق نام نوماً يسيرا
۳ النقع الغيار

٤٨
والصبر في الله على الجهاد وكل زاد عرضة عير التقى والبر والرشاد
ه ابن عمر وغزوة بدر
النفاد
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال
عرضت على رسول الله اليوم بدر فاستصغرني فلم يقبلني فما أتت على ليلة قط مثلها من السهر والحزن والبكاء إذ لم يقبلني رسول الله الله فلما كان من العام المقبل عرضت عليه فقبلنى فحمدت الله على ذلك
- لو كان غير الجنة
عن سليمان بن بلال رضى الله عنه أن رسول الله له لما خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعاً الخروج معه فذكر ذلك للنبي الله فأمر أن يخرج أحدهما فاستهما فقال
خيثمة بن الحارث لابنه سعد رضي الله عنهما
إنه لا بد لأحدنا
من أن

يقيم فأقم مع نسائك

فقال سعد لو كان غير الجنة لآثرتك به إنى أرجو الشهادة في وجهى هذا
فاستهما فخرج سهم سعد فخرج مع رسول الله إلى بدر فاستشهد

الشباب في المعركة
عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال
إلى لواقف يوم بدر فى الصف فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين

غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني
أحدهما فقال
يا عماه أتعرف أبا جهل
فقلت نعم وما حاجتك إليه
قال أخبرت أنه يسب رسول الله والذي نفسي بيده لأن رأيته لا يفارق وجهى وجهه حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال لى أيضًا مثلها فلم يطل الوقت حتى نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس
فقلت
ألا تريان هذا صاحبكم الذي تسألاني عنه
فابتدراه بسيفيها فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى النبي فأخبراه
فقال أيكما قتله
قال كل منهما أنا قتلته
قال هل مسحتما سيفيكما
قالا لا
قال فنظر النبي الله في السيفين فقال كلاهما قتله وقضى بسلبه
لمعاذ بن عمرو بن الجموح

والآخر معاذ بن عفراء رضي الله عنهما
وفى هذه الغزوة نزلت سورة الأنفال
ويصور

الله سبحانه وتعالى فى أوائل هذه السورة المؤمنين الذين يتولاهم
الله سبحانه وتعالى بعنايته ورعايته ونصره فيقول

ری اگر
ރ
إنما المؤمنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ الله وجِلَتْ قُلُوبُهُم وإذا تُلِيَتْ عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى رَبِّهِم يتوكلون الذين يُقيمون الصلوة ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُون حقًّا لَهُمْ درجات عند رَبِّهِمْ ومَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كريم
الأنفال ٢ - ٤]
ثم يذكر الله سبحانه وتعالى رعايته لهؤلاء المؤمنين حينما لجئوا إليه فيقول إذ تستغيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لكم أني ميدكُم بألفي مِنَ الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطْمَئِنَّ به قُلُوبُكُمْ وما النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْد الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النَّعَاسَ أَمَنَةٌ مِّنْهُ ويُرلُ عَلَيْكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ ماء ليطهركم به ويُذهب عنكم رِجْزَ الشَّيْطَانِ وليربط على قُلُوبِكُمْ ويثبت الأَقْدَامَ إذ يُوحى رَبُّكَ إِلى المَلائِكَة أنّى مَعَكمْ قَبتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَألْقِى في قلوب الذينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فاضْرِبُوا فَوْقَ الأعناق واضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُوا الله ورَسُولَهُ ومن يُشَاقِقِ الله ورسوله فإن الله شديد العقاب
الأنفال ٩ - ١٣ ] ويأمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين في هذه السورة الكريمة ألا يفروا يوم الزحف ريايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَنْ يولهم يومئذٍ دبره إِلَّا متحرفًا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد بآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ الله ومأواه جهنم وبئس جهنم وبِئْسَ الْمَصِيرُ
فرار کر
الأنفال ١٥ ١٦ ]
ويقول الله سبحانه وتعالى للمؤمنين في هذه السورة يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا الله والرَّسُول إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا


أن الله يحول بين المرء وقَلْبِهِ وَأَنَّه إليه تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةٌ لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةٌ واعْلَمُوا أَنَّ الله شَديد العقاب واذْكُرُوا إِذْ أَنتُم قليل
مسْتَضْعَفُونَ في الأرض تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وأَيَّدَكُمْ
بنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تشكرون يَأْيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخونوا الله والرسول وتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون
الأنفال ٢٤ - ٢٧]
کا
ويقول سبحانه آمرًا المؤمنين بالثبات والصبر والاتحاد وعدم التنازع يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةٌ فاثبتوا واذْكُرُوا الله كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُون وأطيعوا الله ورسولَهُ ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذهَب ريحُكُمْ واصْبَرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصابرين ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَرًا ورثاء الناس ويَصُدُّون عن سبيل الله والله بما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
الأنفال
[٤٥ - ٤٧
ويأمرهم سبحانه في هذه السورة بالإعداد الكامل والاستعداد التام
للمعركة
وأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مَنْ قَوةٍ ومِنْ رَبَاطِ الخَيْل تُرهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دُونِهِم لا تعلَمُونَهُم اللَّهُ يَعْلَهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيءٍ في سبيل الله يُوفُ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لا تظلمون
الأنفال ٦٠]
ثم يوجه القول إلى الرسول في أسلوب رائع جميل وإن يُريدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسَبَكَ الله هو الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِه وبالمؤمنين وألف بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لو أنفقت ما في الأرضِ جَمِيعًا مَّا أَلفت بين

المهم
ولكنَّ الله أَلفَ بينهم إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يَأَيُّهَا النبي حَسبُكَ الله ومَن اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَأَيُّهَا النبيُّ حَرَّضِ الْمُؤْمِنِينَ على القِتال إِنْ يَكُن مِّنكُمْ عشرون صابرون يَغْلِبُوا مِاتنين وإنْ يَكُن مِّنكُمْ مَائَةٌ يغلبوا أَلْفًا مِّنَ الذِينَ كَفَرُوا بأنهم قوم لا يَفْقَهُونَ الآنَ خَفَّفَ الله عنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُن منكم مائة صابَرَةٌ يَعْلُبُوا ماشين وَإِنْ يَكُن منكم أَلْفَ يَغْلِبُوا الْفَيْن بِإِذْنِ الله والله مع الصابرين
- من آثار غزوة بدر
الأنفال ٦٢ - ٦٦]
جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش في الحجر بيسير وكان عمير بن وهب شيطانا من شياطين قريش وممن كان يؤذي رسول الله الا الله وأصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر
قال
قال ابن هشام أسره رفاعة بن رافع أحد بني زريق قال ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير
فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان
ه والله إن في العيش بعد هم خير قال له عمير صدقتا والله أما والله لولا دين على ليس له عندى قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدى لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لى قبلهم علة ابنى أسير في أيديهم قال فاغتنمها
صفوان وقال

ه على دينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالى أواسيهم ما بقوا
لا يسعنى شيء ويعجز عنهم
فقال له عمير
ل فاكتم شأني وشأنك قال أفعل
قال ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسم ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينا عمر بن الخطاب فى نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون
ما أكرمهم الله به وما أراهم من عدوهم إذ نظر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف فقال هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب
والله ما جاء إلا لشر وهو الذى حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر ثم دخل عمر على رسول الله فقال يا نبي الله هذا عدو الله عمير ابن وهب قد جاء متوشحاً سيفه قال
فأدخله على قال فأقبل عمر حتى أخذ بجمالة سيفه في عنقه فلبيه بها
6
وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار ادخلوه على رسول الله فأجلسوه عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث فإنه غير مأمون ثم دخل به على رسول الله فلما رآه رسول الله الله وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه
قال
ه أرسله يا عمر ادن يا عمير فدنا ثم قال أنعموا صباحاً وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم فقال رسول الله قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة
فقال
ه أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد قال

٥٤
و فما جاء بك يا عمير
قال جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه
قال فما بال السيف في عنقك
قال قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئاً قال أصدقني ما الذي جئت له
قال ما جئت إلا لذلك
قال بل قعدت أنت وصفوان بن أمية فى الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين على وعيال عندى لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلنى له والله حائل بينك
وبين ذلك
قال عمير أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحى وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فوالله إنى لا أعلم ما أتاك به إلا الله فالحمد الله الذي هداني للإسلام
وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق
فقال رسول الله
فقهوا أخاكم فى دينه وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره ففعلوا ثم قال يا رسول الله إنى كنت جاهداً على إطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله تعالى وإلى رسوله الله وإلى الإسلام لعل الله يهديهم وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذى أصحابك في دينهم قال فأذن له رسول الله الا الله فلحق بمكة وكان صفوان بن أمية حين

خرج عمير بن وهب يقول
۵۵
أبشروا بوقعة تأتيكم الآن فى أيام تنسيكم وقعة بدر
وكان صفوان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه فحلف ألا يكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع أبدا
قال ابن إسحاق
فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعو إلى الإسلام ويؤذى من خالفه أذى
شديدا فأسلم على يديه ناس كثير
- مخالفة الأوامر وعاقبتها
غزوة أحد
مضى رسول الله الله حتى نزل الشعب من أحد فجعل ظهره وعسكره
إلى أحد وقال
لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال
وأخذ رسول الله ع يعبى للقتال
فأمر على الرماة عبد الله بن جبير وكان يومئذ معلما بثياب بيض وكان
الرماة خمسين رجلا
وقال له رسول الله

انضح 4 الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا
فاثبت في مكانك لا نؤتين من قبلك
٤ ادفع الخيل عنا بالنبل

لقد كان أمر رسول الله صريحًا لعبد الله بن جبير أن يثبت في مكانه على أى وضع كان المسلمون
وبدأت الحرب وحمى وطيسها وخاض رجال الله المعركة بقلب ثابت وبشجاعة نادرة ومع أنهم كانوا ربع عدد عدوهم تقريباً فقد أنزل الله نصره على المسلمين وصدقهم وعده فحسوهم ٥ بالسيوف - كما يقول ابن هشام - حتى کشفوهم عن العسكر وكانت الهزيمة لا شك فيها
يقول الزبير رضى الله عنه
ه والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير
فلما حصل ذلك مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه
وخلوا
ظهورنا للخيل
فأوتينا
من
خلفنا
وانكشف المسلمون
فأصاب فيهم العدو
يقول ابن هشام
وكان يوم بلاء وتمحيص أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة
حتى خلص العدو إلى رسول الله الله فدث 1 بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته وشج في وجهه وكلمت شفته
4
عن
أنس بن مالك قال
کسرت رباعية النبي يوم أحد وشج في وجهه فجعل الدم يسيل
٥ قتلوهم
٦ فدث فرمى بالحجارة حتى النوى بعض جسمه

على وجهه وجعل يمسح دمه ويقول
كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله عز وجل في ذلك لَيْسَ لَكَ من الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عليهم أو يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهم ظالمون
[آل عمران ١٢٨ ]
لقد كان النصر للمسلمين ثم لما خالف الرماة أمر القائد الأعلى رسول الله وتركوا أماكنهم مع أمره الصريح لهم بأن يثبتوا في أماكنهم مهما كانت
الظروف
لما خالفوا أمر القائد أتى المسلمون من خلفهم وانكشفوا
- الشباب في المعركة
تدافع الشباب في سن الخمس عشرة سنة فأكثر على رسول الله يريد
كل منهم
C
أن يظفر بالإذن له فى المساهمة فى شرف العمل في سبيل الله
لقد جاء إليه سمرة بن جندب وجاء إليه رافع بن خديج وهما ابنا خمس عشرة سنة فردهما
فقيل له يا رسول الله إن رافعاً رام فأجازه
فلما أجاز رافعا قيل له
يا رسول الله إن سمرة يصرع رافعاً فأجازه
ولكنه رد رد أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت
أحد بني مالك بن النجار
6
ورد البراء بن عازب
و عمرو بن حزم وأسيد بن ظهير
"
أحد بني حارثة

۵۸
رد جميع هؤلاء لصغر سهم على الرغم من أنهم كانوا في شوق شديد لخوض المعركة معركة الشرف في سبيل الله
ولقد بلغت فرحتهم أقصاها حينما أجازهم ل شرف المساهمة في غزوة
الخندق
أما من كان أكثر من خمس عشرة سنة وكان في حالة تمكنه من الحرب فقد
أجازه رسول الله الله
٣- الشيوخ في المعركة
لما خرج رسول الله الله إلى أحد رفع حسيل بن جابر وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش فى الأطام مع النساء والصبيان فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان كبيران لا أبالك ما تنتظر فوالله ما بقى لواحد
منا من عمره إلا ظم ۷ حمار وإنما نحن هامة ٨ اليوم أو غد أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله ل لعل الله يرزقنا شهادة مع رسول الله فأخذا أسيافها ثم خرجا حتى دخلا فى الناس ولم يعلم بهما فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون وأما حسيل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه فقال حذيفة أبى فقالوا والله إن عرفناه ۹ وصدقوا قال
۷ الظمء مقدار ما يكون بين الشربتين وأقصر الأظماء ظم الحمار لأنه لا يقصر عن الماء فضرب
مثلا لقرب الأجل
۸ الهامة طائر يخرج من رأس القتيل فيا تزعم أساطير العرب - إذا قتل فلا يزال يصيح حتى يؤخذ بثأره فضربته العرب مثلا للموت
۹ ما عرفناه
اسقونى

۵۹
حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فأراد رسول الله له أن يديه

فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله الله خيراً
كان عمرو بن الجموح رجلا أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله له المشاهد فلما كان يوم أحد أرادوا -
وقالوا له
حبسه
إن الله عز وجل قد عذرك فأتى رسول الله الله فقال إن بني يريدون أن يحبسونى عن هذا الوجه والخروج معك فيه فوالله إلى لأرجو أن أطأ بعرجتي
هذه في الجنة
فقال رسول الله
أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك
وقال لبنيه ما عليكم ألا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة فخرج معه
فقتل يوم أحد
- فدائيون في المعركة
كان كل هم المشركين أن يقتلوا رسول الله الله فلما انكشف المسلمون في المعركة حاول المشركون أن ينتهزوها فرصة فتدافعوا نحو الرسول الله في كثرة كثيرة تريد قتله فقام زياد بن السكن فى نفر خمسة من الأنصار فقاتلوا دون رسول الله رجلا ثم رجلا يقتلون دونه حتى كان آخرهم زياد فقاتل حتى أثبتته الجراح
وترس دون رسول الله الله أبو دجامة بنفسه يقع النبل في ظهره وهو

منحن عليه حتى كثر فيه النبل

وقاتلت دون رسول الله الا الله أم عمارة وهى نسيبة بنت كعب
تقول أم سعد بنت سعد بن الربيع
دخلت على أم عمارة فقلت لها
و يا خالة أخبرينى خبرك
فقالت خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله وهو فى أصحابه والدولة والريح ١٠ للمسلمين فلما انهزم المسلمون المحزت إلى رسول الله ل فقمت أباشر القتال
وأذب عنه بالسيف وأرمى عن القوس حتى خلصت الجراح إلى قالت أم سعد فرأيت على عاتقها جرحًا أجوف له غور فقلت من أصابك
بهذا
قالت ابن قمئة أقماه الله
ثم تابعت حديثها قائلة لما ولى الناس عن رسول الله أقبل ابن قمئة يقول دلونى على محمد فلا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب ابن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله فضربني هذه الضربة ولكن قد ضربته على ذلك ضربات لكن عدو الله كانت عليه درعان ثم جاء المسلمون فأجلوا المشركين عن رسول الله ولقد قال رسول الله عنها
ه ما التفت يمينا ولا شمالا إلا وأراها تقاتل دونى
١٠ أي أن النصر لهم

٦١
ه - يوم كله لطلحة
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم
أحد قال
ذاك يوم كله لطلحة رضي الله عنه ثم أنشأ يحدث فذكر الحديث وفيه فانتهينا إلى رسول الله الله وقد كسرت رباعيته وشج في وجهه وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر قال رسول الله عليكما صاحبكما
6
يريد طلحة رضي الله عنه وقد نزف فذكر الحديث وفيه ثم أتينا طلحة الله عنه في بعض تلك الحفار فإذا به بضع وسبعون بين طعنة ورمية وضربة وإذا قد قطعت أصبعه فأصلحنا شأنه
رضی
٦ - رجال صدقوا
عن أنس رضي الله عنه قال
عمي
وقال
سمیت به ولم يشهد مع رسول الله يوم بدر قال فشق عليه
أول مشهد شهده رسول الله غبت عنه والله لمن أرانى الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله الا الله ليرين الله ما أصنع قال فهاب أن يقول غيرها فشهد مع رسول الله يوم أحد قال فاستقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه

فقال له أنس رضي الله عنه يا أبا عمرو واها لريح الجنة أجده دون أحد قال فقاتلهم حتى

قتل فوجد في جسمه بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية قال فقالت أخته عمتي الربيع بنت النضر
فيما عرفت أخي إلا بينانه
ونزلت هذه الآية
مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهدوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مِّن قَضَى نَحْبَه
ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً - ريح الجنة
الأحزاب
[٢٤
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال
بعثني رسول الله الله يوم أحد لطلب سعد بن ربيع رضى الله عنه
وقال
إن رأيته فأقرئه منى السلام وقل له يقول لك رسول الله كيف
تجدك
قال فجعلت أطوف بين القتلى فوجدته وهو في آخر رمق وبه سبعون
ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية
يسهم
فقلت له
يا سعد إن رسول الله الله يقرأ عليك السلام ويقول لك أخبرني كيف
تجدك
قال على رسول الله السلام وعليك السلام قل له يا رسول الله أجدني أجد ريح الجنة وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله أن
يخلص إلى رسول الله

شيء يكرهه وفيكم عين تطرف

غسلته الملائكة
٦٣
دخل حنظلة بن أبي عامر على زوجته أول ما دخل بها فنودى بالجهاد في غزوة أحد من ليلته
فخرج مسرعا إلى المعركة وأظهر ضروباً من البسالة والشجاعة حتى أتاه سهم مفاجئ فاستشهد وبعد المعركة قال الرسول
لقد رأيت حنظلة بن أبي عامر تغسله الملائكة بماء المزن في صحاف الفضة بين السماء والأرض
فذهب الصحابة إليه وهو فى القتلى فوجدوا شعره يقطر ماء فقالوا لرسول
الله ذلك فقال اذهبوا إلى زوجته فاسألوها
فذهبوا إليها فقالت
إنه أعرس بي أول ليلة فقط ولما سمع الداعي إلى الجهاد خرج مسرعاً وهو جنب فرجعوا إلى النبي فأخبروه فقال
من أجل ذلك غسلته الملائكة
دخل الجنة ولم يصل قط
4
عن أبي هريرة قال كان يقول حدثوني عن رجل دخل الجنة ولم يصل قط فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو فيقول أصيرم من بنى عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقش قال الحصين فقلت لمحمد بن أسد كيف كان شأن
الأصبرم

قال كان يأبى الإسلام على قومه فلما كان يوم خرج رسول الله الله إلى أحد بدا له فى الإسلام فأسلم ثم أخذ سيفه فعدا حتى دخل في عرض فقاتل حتى أثبتته الجراحة قال فبينا رجال من بني عبد الأشهل
الناس
"
يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به فقالوا والله إن هذا للأصيرم ما جاء به لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث فسألوه ما جاء به فقالوا ما جاء بك يا عمرو أحَدَب على قومك أم رغبة في
الإسلام قال بل رغبة في الإسلام آمنت بالله وبرسوله وأسلمت ثم أخذت سيفى فغدوت مع رسول الله الا الله ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني ثم لم يلبث أن مات في أيديهم فذكروه لرسول الله الله فقال
إنه لمن أهل الجنة
۱۰ - كل مصيبة بعدك هيئة
عن
سعد بن
أبي وقاص قال
مر رسول الله الله بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأبوها وأخوها رسول الله الله بأحد فلما نعوا لها قالت فما فعل رسول الله
مع
قالوا
خيرا يا أم فلان وهو بحمد الله كما تحبين قالت
أرونيه حتى أنظر إليه
قال فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت
كل مصيبة بعدك جلل تريد صغيرة

۱۱ - غزوة أحد والثقة في نصر الله
شاءت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يُغلب المسلمون في أحد ولله حكمة في كل ما يحدث وهو سبحانه يبتلى بالسراء كما يبتلى بالضراء وكل شيء عنده
بمقدار
وما إن انتهت المعركة وأصاب المشركون من المسلمين ما أصابوا حتى كر أعداء الله راجعين وظن المسلمون أنهم إنما رجعوا قاصدين المدينة ليدمروها وينكلوا بمن فيها من الرجال ويأسروا النساء والأولاد وشق على المسلمين ذلك فلم توهن الهزيمة من عزيمتهم ولم تفت في عضدهم وكان إيمانهم الذى لا يتزعزع وثقتهم في نصر الله وتوكلهم عليه سبحانه وتعالى كان كل ذلك دافعا لهم إلى أن وطنوا أنفسهم على أن يسبقوهم إلى المدينة لينازلوهم فيها فقال رسول الله الله العلى رضى الله عنه

اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون فإن هم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الايل فإنهم يريدون المدينة فوالذي نفسي بيده لأن أرادوها لأسيرن إليهم ثم لأناجزهم
فيها
الايل
بينهم
قال على فخرجت فى آثارهم أنظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا وواجهوا مكة ولكن المشركين بعد أن ساروا في طريق مكة تلاوموا فيها
فقال بعضهم لم تصنعوا شيئًا أصبتم شوكتهم وحدهم ثم تركتوهم وقد بقى منهم رءوس يجمعون لكم فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم

وقال البعض الآخر لا محمداً قتلتم ولا الكواعب أردفتم بشما صنعتم
ارجعوا
وبلغ ذلك رسول الله الله فندب المسلمين إلى الذهاب لملاقاتهم والسير وراءهم ليرعبهم ويريهم أن بالمسلمين قوة وجلداً
وبلغت ثقة رسول الله الا الله في نصر الله أن لم يأذن بالذهاب لملاقاة العدو إلا لمن حضر الموقعة فقط اللهم إلا لجابر بن عبد الله الذي قال الرسول الله ه يا رسول الله إنى أحب ألا تشهد مشهدا إلا كنت معك
وأجاب المسلمون دعوة رسول الله ولبوا نداءه وساروا في طريق القوم حتى بلغوا حمراء الأسد ولما علم المشركون بذلك قالوا نرجع من قابل وساروا في طريقهم إلى مكة وأنزل الله سبحانه يستبْشِرُون بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وفَضلٍ وأَنَّ الله لا يُضِيعُ أَجْرَ المؤمنين الذين استجابوا الله والرسول من بعدِ ما أصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهم وَاتَّقَوْا أَجْرٌ
عظيم
آل عمران ۱۷۱ ۱۷ ]
وبعد
فإنه إذا كان الإيمان بالله والثقة فيه قد دفعت المسلمين في أحد إلى هذه المواقف الخالدة فإن مما يزيد ذلك وضوحاً ما رواه ابن هشام بخصوص موقف المسلمين في أحد بعد المعركة ثانی فيها قال
يوم
مر بأبي سفيان - وكان حينئذ قائد المشركين - ركب من عبد القيس فقال
لهم أبو سفيان أين تريدون قالوا نريد المدينة قال ولم قالوا نريد

الميرة قال فهل أنتم مبلغون عنى محمدا رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكل في مقابل ذلك زبيباً بعكاظ إذا وافيتمونا قالوا نعم
محمداً قال إذا وافيتم فأخبروه إنا قد جمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم ومر الركب برسول الله الله وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه فكان رد الفعل عند رسول الله وأصحابه صوره الله تعالى بقوله
ما
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُم فَزَادَهُم إيمَانًا وَقَالُوا حَسبنا الله ونِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ يَمْسَهُمْ سُودٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ الله والله ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ
۱ - بعض من أصابهم القرح
6
آل عمران ۱۷۳ ١٧٤ ]
عن أبي السائب رضى الله عنه أن رجلا من بني عبد الأشهل قال شهدت أحدا أنا وأخ لى فرجعنا جريحين فلما أذن مؤذن رسول الله


بالخروج في طلب العدو قلت لأخي أو قال لى
6
أتفوتنا غزوة مع رسول الله الا الله والله ما لنا من دابة نركيها وما منا
إلا جريح ثقيل فخرجنا مع رسول الله الله وكنت أيسر جرحاً منه فكان إذا
طلب حملته مرة ومشى مرة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون

۱۳ - آيات نزلت في غزوة أحد
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبوى الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالَ وَاللَّهُ
سميع
عليم
همت طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاً وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
1G NG JOE
آل عمران - ۱۱ - ۱۳ ]
وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُتُمْ مُّؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَكُمْ فرح فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ فَرحٌ مَثْلُهُ وَتِلكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاء وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمنوا وَيَسْحَقَ الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ
آل عمران ١٣٩ - ١٤٢]
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُوجَلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا تُوتِهِ مِنْهَا وَمَن يُردْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُوتِهِ مِنْهَا وَسَتَجزى الشَّاكِرِينَ وَكَأَيِّنْ مِّن نَّبِى قائل مَعَهُ رِيبُونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا في أمرنا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا ال وحُسْنَ ثَوَاب الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
آل عمران ١٤٥ - ١٤٨]

9
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحسُّونَهم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْر وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْ بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنْكُم مِنكُم مِّنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مِّن يُرِيدُ الآخرة ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَتَليكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أَخَرَاكُمْ فأنا بكُمْ غَمَّا بِغَمْ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةٌ نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةٌ مِنكُمْ وَطَائِفَةٌ قد أهمتهم أنفسهم يظنونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمر كله لله يُخْفُونَ فِى أَنفُسِهِمْ مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَو كَانَ لَنَا مِنَ الْأمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَتَلى الله مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ واللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا استرلهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضٍ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
آل عمران ١٥٢ - ١٥٥ ]
إن ينصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وإِنْ يَخْذُلُكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنصُرُكُمْ مِّن بعده وعلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
[آل عمران ١٦٠]
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أمواتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِّنْ خَلْفِهِم إِلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ

لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا الله وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوا أجْرٌ عَظِيمٌ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ فَاحْشُوهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهَ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا
بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَهُمْ سُودٌ واتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْل
عظيم
آل عمران ١٦٩ - ١٧٤ ]
غزوة الأحزاب
١ - التفاؤل والثقة بالله
يقول الله تعالى
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ
وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا
[ الأحزاب ٢٢]
قال المسلمون ذلك فى غزوة الأحزاب وسبب هذه الغزوة أن اليهود لما رأوا انتشار الإسلام فى المدينة بصورة سريعة رأوا أن قوة المسلمين تزداد كل يوم وأن إخاءهم وتعاونهم يقوى على مر الزمان أرادوا الكيد للإسلام والقضاء عليه فذهب وفد من يهود بني النضير ويهود بني وائل إلى القبائل في الجزيرة العربية وعلى رأس هذا الوفد اليهودى سلام بن أبي الحقيق النضرى وحيي بن أخطب وكنانة بن أبى الحقيق وهودة الوائلي
L
L

۷۱
وهذا الوفد هو الذى حزب الأحزاب ضد رسول الله والمسلمين خرج هؤلاء اليهود حتى قدموا على قريش في مكة فأخذوا يزينون لهم إثارة الحرب ضد المسلمين والقيام بعمل جماعى يقضى عليهم وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله فقالت لهم قريش يا معشر يهود أديننا خير أم دين محمد ولم يتورع اليهود عن القول بأن دين الأصنام والشرك خير من دين التوحيد والعدل فقالوا لهم بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه فأنزل الله في ذلك قوله تعالى ألم تر إلى الذين أُوتُوا نَصِيباً من الكِتاب يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ والطَّاغُوتِ ويقولُون للذين كفَرُوا هؤلاء أهدى مِنَ الَّذِينَ آمَنوا سَبِيلاً أُولَئِكَ الذين لَعْنَهُمُ الله ومن يلعن الله فَلَنْ تَجدَ له نصيرًا
النساء ٥٢٠٥١]
لقد لعن الله اليهود بسبب كدبهم وكم لعنهم الله لأسباب شتى من الخبث والبهتان وسر قريش قول اليهود ونشطوا للحرب والقتال ثم خرج الوفد اليهودى إلى قبيلة غطفان فدعوهم إلى ما دعوا قريشاً إليه وأعطوهم العهد والمواثيق أنهم سيكونون معهم وأخبروهم أن قريشاً قد تابعوهم
على ذلك
مهمته
6
وأخذ هذا الوفد يحزب الأحزاب ويجمع القبائل على حرب رسول الله واستعمل في سبيل ذلك كل ما استطاع من وسائل خسيسة فلما انتهى من
رجع
إلى المدينة يظهر المودة للمسلمين وخرجت قبيلة أشجع وخرج غير هؤلاء في جيوش جرارة

۷
وخرجت قريش وخرجت غطفان وخرج بنو مرة
وعلم المسلمون بالأمر فلم يفت ذلك في عضدهم ولم يوهن من قوتهم فقد جمعهم رسول الله الله وشاورهم في الأمر واستقر رأيهم على ما أشار به سيدنا سلمان الفارسي رضى الله عنه من حفر الخندق وأخذ المسلمون يعملون والرسول صلوات الله وسلامه عليه يعمل بينهم كأحدهم وكان الجو مليئًا بالشعور الواضح السافر بأن قوى الجزيرة العربية قد تجمعت لتضرب الضربة الحاسمة ولتقتل رجالا أن يقولوا ربنا الله
وبينما المسلمون يعملون فى هذا الجو إذ بصخرة اشتدت عليهم فلم تعمل فيها معاولهم ولجئوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستنجدين به في تفتيت الصخرة فأخذ صلوات الله وسلامه عليه المعول وقال

باسم الله وضرب ضربة فكسر جزءا من الصخرة فكبر صلوات الله عليه وسلامه وقال أعطيت مفاتيح اليمن والله إنى لأبصر أبواب صنعاء من مكاني
هذا

ثم قال باسم الله وضرب ضربة ثانية فكسر جزء آخر فكبر صلوات الله عليه وسلامه وقال أعطيت مفاتيح الشام والله إلى لأبصر قصورها الحمر
من مكانى هذا
مفاتيح
ثم قال باسم الله وضرب الثالثة ثم كبر وقال أعطيت فارس والله إنى لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن ثم قال صلوات الله
وسلامه عليه لسلمان الفارسي
هذه فتوح يفتحها الله بعدى يا سلمان
وسرت بشريات رسول الله صلوات الله عليه وسلامه هذه بين المسلمين

فازدادوا إيمانا على إيمانهم وتفاؤلا على تفاؤلهم وثقة بالله عز وجل على ثقتهم به
سبحانه
أنه
وحينما سمع المنافقون ذلك ورأوا استبشار المسلمين وتفاؤلهم ونظرتهم الباسمة إلى المستقبل المليء بالفوز والنصر أخذوا ينفثون سمومهم ويقولون ألا تعجبون من محمد بمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم يبصر قصور الشام واليمن وفارس وأنتم إنما تحفرون الخندق من شدة الخوف واستعمل اليهود أسلوب الدعاية الكاذبة الرخيصة متحدثين عن ثورة المشركين يريدون نشر الرعب في قلوب المسلمين وتوهين عزائمهم ولم تجد دعايتهم إلا آذانا صما وقلوباً قد أشربت الإيمان واليقين والثقة كل الثقة فى الله تعالى وجاء الرد من قبل الله القوى العزيز على هؤلاء المنافقين قوياً حاسماً

قُلِ اللَّهُمَّ مالك الملكِ تُؤتى المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَتْرعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ من تشاءُ وتُذِل مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخير إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران ٢٦]
هذا الموقف المتفائل الواثق بالله سبحانه وتعالى كل الثقة كان شعار رسول الله صلوات الله عليه وسلامه طيلة حياته
إنه شعار يتمثل في جميع مواقفه الله ولكنه شعار يتزايد قوة ووضوحا كلما ازدادت المواقف حرجاً وشدة ومن أمثلته البيئة ما قاله صلوات الله وسلامه عليه لأبي بكر وهما في الغار عند هجرتهما إلى المدينة لقد كان سيدنا أبو بكر حزيناً خوفًا على الرسول صلوات الله وسلامه عليه

فجاء النداء الإلهى على لسان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يملؤه ثقة وتفاؤلا لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
ولما سمع سيدنا أبو بكر خفق نعال المشركين أمام الغار وأصواتهم الصاخبة
التي تعلن عن سخطهم وغيظهم المكبوت قال
لو نظر أحدهم إلى موقع قدميه لأبصرنا
و يبتسم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ويقول
ما ظنك باثنين الله ثالثهما
0
هذا الروح المحمدى فى التفاؤل والثقة بالله تعالى سرى إلى أصحابه رضوان
الله عليهم
فكان سيدنا أبو بكر مثلا عالياً من أمثلة التفاؤل والثقة فبعد أن انتقل الرسول الله إلى الرفيق الأعلى أشار كثيرون عليه ألا ينفذ بعث أسامة ذلك الجيش الذي كان رسول الله قد أمر بإرساله للجهاد في سبيل الله لقد أشاروا عليه بذلك لأنهم كانوا يخشون أن تثور الجزيرة العربية بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه وأن ينقض من لم يتمكن الإيمان من قلوبهم عهودهم ومواثيقهم فإذا ما فعلوا ذلك كان الجيش حاضرًا على أهبة الاستعداد لصدهم وتأديبهم ولكن سيدنا أبا بكر رضى الله عنه أبى إلا أن يتم ما أراد صلوات الله عليه وما أمر به ثقة بالله وطاعة لرسوله
وموقف سيدنا أبي بكر من أمر المرتدين معروف مشهور
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال فيما رواه البخارى ومسلم ه لما توفى رسول الله الله وكان أبو بكر رضى الله عنه وكفر من كفر من
العرب فقال عمر رضى الله عنه كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله له أمرت أن أقاتل الناس حتى

Vo
يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم منى ما له ونفسه إلا بحقه وحسابه على
الله
فقال أبو بكر رضي الله عنه والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله الله لقاتلتهم على منعه قال عمر رضي الله عنه " فو الله ما هو الا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق
وبعد فإنه مما لا مرية فيه أن هذا التفاؤل وهذه الثقة كان يصحبها الاستقرار الكامل والتدبير المحكم والملاحظة الدقيقة لكل صغيرة وكبيرة حتى إذا ما انتهت التدابير إلى غايتها وأعدت العدة على أكملها فوض المؤمن من بعد ذلك الأمر إلى الله سبحانه وتعالى واعتمد عليه
٢ - وإن كان عمرًا
عن كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه قال
لما كان يوم
بالحديد
الخندق خرج عمرو بن عبدود معلما ليرى مشهده وهو مقنع
فنادى من يبارز
فقام على بن أبي طالب رضي الله عنه فقال أنا لها يا نبي الله
فقال إنه عمرو اجلس
ثم نادى عمرو ألا رجل يبارز فجعل يؤنبهم


ويقول أين جنتكم التي
تزعمون أن من قتل منكم دخلها أفلا لا تُبرزون إلى رجلا فقام على رضي الله عنه فقال أنا يا رسول الله

فقال إنه عمرو اجلس ثم نادى الثالثة
فقام
على رضى الله عنه فقال يا رسول الله أنا
فقال إنه عمرو
فقال وإن كان عمراً
فأذن له رسول الله فمشى إليه وهو يقول إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز فقال له عمرو من أنت
قال أنا على
قال ابن عبد مناف
قال أنا على بن أبي طالب
فقال يا ابن أخي من أعمامك من هو أسن منك فإني أكره أن أهريق
دمك
4
فقال على رضى الله عنه ولكن والله لا أكره أن أهريق دمك فغضب فتزل وسل سيفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو على رضى الله عنه مغضباً واستقبله على بحربته فضربه عمرو في حربته فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه وضربه على رضى الله عنه على حبل عاتقه
فسقط وسمع رسول الله معالم التكبير ثم أقبل على رضى الله عنه نحو رسول الله
ووجهه يتهلل
6
فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه هلا استلبت درعه فإنه ليس

۷۷
للعرب درع خير منها
قال ضربته فاتقانى بسوءته فاستحييت أن أسلبه
- إنها عمة الرسول
عن عباد قال
كانت صفية بنت عبد المطلب في حصن قالت فمر رجل من اليهود فجعل يطوف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين الرسول من عهود وليس بيننا وبينهم أحد عنا يدفع ورسول الله وأصحابه في نحو عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آت فلما رأت
اليهودي يطوف بالحصن قالت إنى والله ما آمنة أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود وقد شغل عنا
رسول الله وأصحابه
قالت فأخذت عموداً ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته فلما فرغت منه عادت إلى الحصن ولم تأخذ من سلبه شيئاً وقالت
لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل
- آيات نزلت في غزوة الأحزاب
يأيها الذين آمَنُوا اذكرُوا نِعْمَةَ الله عليكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودُ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ ريحاً وجنوداً لم تروهَا وَكَانَ اللهُ بمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا
إِذْ جَاءُوكُم مِن فَوْقِكُم ومِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ رَاغَتَ الأَبصارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحناجر وتَظُنُّون بالله الظنونا

۷۸
هنالك ابتلى المؤمِنُونَ وزُلزلوا زِلْزَالاً شديداً
وإذ يقولُ المُنَافِقُونَ والذين في قُلُوبهم مرضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُه إِلَّا غُرُوراً وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِّنْهم يأهْلَ يثرب لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فريقٌ منهم النبى يقولونَ إِنَّ بيوتنا عَورَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً ولو دخلَتْ عليهم مِّنْ أَقْطَارِها ثُمَّ سُئلوا الفتنة لأتُوهَا وَمَا تَلبثوا بها
إِلَّا بَسِيراً وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا الله من قَبْلُ لَا يُولُون الأدبار وكان عَهْدُ الله مسئولاً قُل لَّن يَنْفَعَكُمُ الفِرَارُ إِنْ فَرَرتُم مِّنَ الموت أو القتل وإِذًا لَّا تُمَتَّعُون إِلَّا قَلِيلاً قلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّن الله إِنْ أَرَادَ بِكُم سُوا أَو أَرَادَ بِكُم رَحْمَةٌ ولا يجدون لهم مِّن دُونِ الله وليا ولا نصيراً قد يعلم الله المعوقينَ مِنكُم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فإذَا جَاء الخَوفُ رأيتهم ينظرُونَ إِلَيْكَ تَدور أعينهم كالَّذِى عليهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةِ حِدَادٍ أَشِحَّةً على الخير أُولَئِكَ لم يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُم وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً يحسبون الأحزاب لَمْ يَذْهَبُوا وإِنْ يَأْتِ الأحزاب يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهم بادون في
الأعراب يَسْتَلُون عن أَنْبَائِكُم وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ ما قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول الله أسْوَةٌ حَسَنَة لِمَنْ كَانَ يَرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ولما رأى الْمُؤْمِنُون الأحزاب قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله ورسوله وَمَا زَادَهُم إلا إيماناً وتسليماً

مِنَ الْمُؤْمِنِين رجال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عليه فَمِنْهُم مِّن قَضَى نَحْبَه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً
ليجزى اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهم ويُعَذِّبَ المنافقين إن شاء أو يَتُوبَ عليهم
إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رحيماً
ورد الله الذين كَفَرُوا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى الله المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وكان الله قوياً عزيزاً
[ الأحزاب ٩ - ٢٥ ]
فتح مكة
إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مبيناً لَيَغْفِر لَكَ الله ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبَكَ وما تأخر ويتم نعمته عليك ويَهْدِيَكَ صِراطًا مستقيماً وينصرك الله نَصْرًا عزيزا
[ الفتح ١ - ٣]
إن آيات الفتح هذه نزلت في أثناء عودة رسول الله إلى المدينة بعد
عهد الحديبية
نزلت تسلية للمسلمين وقد حزنوا على عدم دخول مكة حاجين ومعتمرين مع أنهم كانوا على أبوابها ومع أنهم كانوا في قوة ومنعة تمكنهم من دخولها عنوة
محاربين
قال
وقد نزلت تشير إلى فتح وتبشر به ولقد أوحاها الله إلى رسوله ليلا فلما أصبح صلوات الله وسلامه عليه

لقد نزلت على الليلة سورة هي أحب إلى مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ قوله تعالى إنا فَتَحْنَا لَكَ فتحاً مبينا وهذه الآيات الكريمة لا تكاد تبين عن فتح مادى حربى وإنما هي تشير على الخصوص إلى الآفاق العليا من الرضوان الإلهى إنها وثيقة تسجل الثقة المطلقة التي شملت الماضى والحاضر والمستقبل والتى سمت بالرسول صلوات الله وسلامه عليه إلى مستوى الرضا عن كل ما يأتى وما يدع
وقيادة
إنها بشرى من الله بفتح مبين وغفران شامل وإتمام كامل للنعمة وهداية دائمة مستمرة ونصر عزيز وهذه منح إلهية عامة لا تفسر بالماديات وحسب وإنما تفسر أيضًا ومن باب أولى بالمعانى الروحية في أسمى صور التجليات الإلهية اللهم لك الحمد والشكر ولذلك فإننا حينما نتحدث عن فتح مكة لا تحتل المسائل الحربية المكانة الأولى من الموضوع وإنما يحتل ذلك المثل العليا من الصور الأخلاقية النبوية - باعتبارها نتيجة وأهدافا لفترة من الجهاد طويلة - ويحتل ذلك السمو النفسانى الممثل فى الرحمة المهداة – باعتبارها ثمرة حان قطافها - من الله إلى الإنسانية أى فى سيدنا رسول الله صلوات الله عليه
وسلامه
ومهما يكن من شيء فإن قريشاً نقضت عهد الحديبية الذي كان بين رسول الله وبينها والذى كان يفرض الهدنة بينها وبين رسول الله صلوات
الله وسلامه عليه وخلاصة الأمر أنه كان فى مواد هذا العهد أنه من شاء أن يدخل في عهد محمد وعقده دخل ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فسارعت قبيلة خزاعة وأعلنت أنها تدخل في عقد محمد وعهده وسارع

۸۱
بنو بكر وقالوا نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم ومكث الفريقان في هدنة تامة نحو الثمانية عشر شهراً
ثم إن بني بكر - حلفاء قريش - وثبوا ليلا على خزاعة حلفاء رسول الله
على غفلة منهم خارجين بذلك على العهد وعلى العقد
لقد وثبوا على خزاعة دون ما سبب ووثبوا عليها في جنح من الليل غدراً وخيانة وساعدت قريش حلفاءها سرًّا فأعانوهم بالسلاح والرقيق بل وحاربوا
معهم مستخفين على اعتقاد أن الرسول سوف لا يعلم بذلك وكانت هذه الموقعة عند ماء الخزاعة بالوثير فأسرع خزاعي هو عمرو بن سالم وركب حتى قدم على رسول الله الله يخبره الخبر وقال قصيدة من الشعر
يصف بها الأمر وفى نهايتها
هم بيتونا بالوثير هجدا
وقتلونا ركعا وسُجدا
فقال له رسول الله نصرت يا عمرو
ثم أمر رسول الله الله الناس بالجهاد دفاعاً عن الحق ونصرا للضعفاء وضربًا على أيدى الخونة وعقاباً على موقف الغدر
وكانت مناسبة مواتية لأن يركز الله تفكير رسوله في أمر قريش أما آن لقريش أن تسلم وجهها الله وأن توحده ولا تشرك به شيئاً إِنَّ الشَّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
أما آن لقلوبهم أن تخشع لذكر الله وما نزل من الحق
لقمان ١٣ ]
لقد دعا سيدنا إبراهيم - فى رحاب مكة - ربه مبتهلا ضارعا قائلا

۸
ربنا وابعث فيهم رسُولاً مِّنْهم يتلو عليهم آياتِك ويُعلمهم الكتاب والحكمة ويُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم [ البقرة ١٢٩ ]
وها هو ذا الرسول قد بعثه الله إليهم بالهدى السماوي فهلا استجابت قريش
لهدى السماء
وهذا البيت العتيق الذى رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل – عليهما وعلى
رسولنا أفضل الصلاة وأزكى السلام - قائلين د رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العليم
[ البقرة ١٢٧ ]
هذا البيت الذي عهد الله لإبراهيم وإسماعيل أن يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود
معلنة
هذا البيت لقد احتلته الأصنام والتفت حوله وارتفعت على جوانبه
في وقاحة سافرة - الشرك بالله
لابد من تحطيم الأصنام وتطهير البيت لابد من أن تسلم قريش وجهها
إلى الله
وصمم رسول الله فى عزم لا يلين أن يزلزل قواعد الشرك في معقله الحصين أعنى مكة وأن يطهر البيت من جديد للطائفين والعاكفين والركع السجود وعبثا حاول أبو سفيان الذى أرسلته قريش سفيرا بينها وبين الرسول - أن يجدد العهد الذى نقضته قريش ولم يجد أبو سفيان – برغم دهائه ولباقته – عونا أحد حتى ولو من ابنته أم حبيبة زوجة رسول الله التي بلغ بها النفور من الشرك أن طوت فراش رسول الله الله حتى لا يجلس عليه أبوها فلما سألها
من
مستفسراً

أرغبت به عن الفراش أم رغبت بالفراش عنه قالت هو فراش رسول الله وأنت مشرك نجس
فانصرف مغضباً قائلا
ه والله لقد أصابك من بعدى شره
وأخطأ أبو سفيان فما أصابها شر ولكنها كراهية الشرك ولكنها المحبة القوية
العميقة لرسول الله صلوات الله عليه وسلامه
وخرج رسول الله الا الله يوم الأربعاء بعد العصر لعشر ليال خلون من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة حتى إذا كان بالكديد واجتمع الناس إليه
أخذ إناء فشرب منه ثم قال
أيها الناس من قبل الرخصة فإن رسول الله اللي قبلها ومن صام فإن
رسول الله قد صام حتى إذا بلغ صلوات الله عليه مرَّ الظهران - وهو مكان بالقرب من مكة - أمر الجيش بالإفطار لأنه فيما يبدو يوشك أن يخوض المعركة الفاصلة بين الشرك
والإيمان
وعسكر الجيش فى مر الظهران ولما مر الجيش بأبي سفيان بعد أن أمنه العباس رضي الله عنه قال بعقليته الجاهلية للعباس يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً
فقال العباس بعقليته الإسلامية
ويحك إنه ليس بملك ولكنها نبوة
قال أبو سفيان نعم
وتوجه رسول الله الا الله نحو مكة محذراً من إراقة الدماء ولما قال سعد بن

Λε
عبادة وهو أحد قادة الجيش حينئذ
اليوم
الملحمة
يوم
6
اليوم تستحل الحرمة
عزله النبي ل فقد كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يريد
أن يكون اليوم يوم المرحمة
ودخل رسول الله صلوات الله عليه وسلامه مكة دون مشقة وكان أول ما فعل أن طاف بالبيت سبعاً ولما دخل البيت فرأى فيه صور الملائكة بهيئة النساء ورأى إبراهيم عليه السلام مصوراً في يده الأزلام يستقسم بها قال قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ما شأن إبراهيم والأزلام
ما كان إبراهيمُ يَهُودِيًّا ولا نَصْرَانِيا وَلكِن كَانَ حَنِيفًا مُسلِماً وَمَا كَان من المُشْرِكِينَ
[آل عمران ٦٧]
وأمر بطمس الصور كلها واتجه إلى الأصنام فحطمها مردداً قوله تعالى جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كان زهوقاً [الإسراء ٨١]
وإذا كان رسول الله الا الله و قد حطم الأصنام المادية فإنه من قبل ذلك ومن بعد ذلك قد حطم كل صنم يعبد من دون الله وبين أن الرياء شبرك والهوى شرك والخضوع للشهوات شرك وكل عمل لا يقصد الإنسان به وجه الله فإنما هو من أعمال الشرك
وحينما اجتمعت قريش إليه نظر إليهم وقال يا معشر قريش ما ترون أنى فاعل بكم فقالوا خيراً أخ كريم وابن أخ كريم

فقال وهو يبكي اذهبوا فأنتم الطلقاء أقول لكم ما قاله أخى يوسف لإخوته
لا تَثْريبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
- الإنفاق في سبيل الله
غزوة تبوك
٨٥
[ يوسف ۹ ]
أمر رسول الله الا الليل أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم وذلك في زمان عسرة الناس وشدة من الحر وجدب من البلاد وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذى هم
عليه
وكان رسول الله الا الله وقلما يخرج في غزوة الاكنى عنها وأخبر أنه يريد غير الوجه الذى يضمد له إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بينها للناس لبعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذى يصمد له ليتأهب الناس لذلك أهبته فأمر الناس بالجهاز أنه وأخبرهم يريد الروم ١ ولأن هذا كان من جدب من البلاد ولم يكن – ذلك – من السهل تجهيز
الجيش سمى هذا الجيش جيش العسرة
وحض رسول الله الا اللهم أهل الغنى على النفقة في سبيل الله وأعلن رسول الله أن من جهز جيش العسرة فله الجنة فتسابق المسلمون رجالا ونساء في
۱۱ ابن هشام

٨٦
التبرع بحليهن وبمالهن والرجال بما يستطيعون ها هو ذا أبو بكر الصديق يأتى بكل ماله وكان أربعة آلاف درهم ويسأله رسول الله له هل أبقيت لأهلك
شيئاً فيقول رضي الله عنه
أبقيت لهم الله ورسوله
ويجي عبد الله بن عوف بمائة أوقية من الذهب الخالص ويجيء سيدنا عثمان بثلاثمائة بعير وبألف دينار ويضع الدنانير في حجر رسول الله ع فيسر الرسول بها ويدخل يده فيها يقلبها ويقول اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض ويقول ما على عثمان ما عمل بعد اليوم وتتوالى التبرعات من الرجال والنساء حتى تنتهى بتجهيز الجيش وقيامه بالمهمة التي أرادها الله ورسوله
وللإنفاق في سبيل الله منزلة كبيرة في الإسلام
يقول الله تعالى في الإنفاق في سبيله مثلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلةٍ مَائةُ حَبَّة واللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ والله وَاسِعٌ عليهم
[البقرة ٢٦١]
وحينما فسر مكحول رضى الله عنه هذه الآية الكريمة قال يعنى بها الإنفاق في الجهاد من رباط الخيل وإعداد السلاح وغير ذلك
ومما روى عن رسول الله له في ذلك قوله من أرسل بنفقة فى سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم يوم القيامة وقوله عل الله وأقام في بيته أي لعذر كالمرض مثلا ثم يكمل رسول الله الله فيقول

ومن غزا في سبيل الله وأنفق في جهة ذلك فله بكل درهم سبعمائة ألف
درهم
ثم تلا صلوات الله وسلامه عليه هذه الآية
واللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ
وذات يوم جاء رجل بناقة مخطومة فقال يا رسول الله هذه في سبيل
الله
ناقة
فقال رسول الله صل الله على ما رواه الإمام مسلم لك بها يوم القيامة سبعمائة
فالإسلام يحث ويشجع على الإنفاق في سبيل الله في الحالات التي لا يكون فيها العدو داخل حدود الإسلام أما إذا اقتحم العدو الحدود فإن الإسلام كما يوجب الجهاد بالنفس إيجاباً فإنه يوجب البذل والإنفاق إيجاباً أيضاً كل
بقدر ما يستطيع
- يبكون شوقاً إلى الجهاد
قال ابن إسحاق فبلغني أن ابن ياسين بن عمير بن كعب النصري لقي
أبا ليلي وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان فقال ما يبكيكما قالا جئنا رسول الله الا الله ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج فأعطاهما ناضجاً له فارتحلاه وزودهما شيئاً من تمر فخرجا مع النبي الله
معه
زاد يونس بن بكير عن ابن إسحق قال
وأما علبة بن زيد فخرج من الليل فصلى من ليلته ما شاء الله ثم بكى وقال

۸۸
اللهم إنك أمرت بالجهاد ورغبت فيه ثم لم تجعل عندى ما أتقوى به ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه وإنى أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها مال أو جسد أو عرض

ثم أصبح مع الناس فقال رسول الله الله وأين المتصدق هذه الليلة فلم يقم أحد ثم قال أين المتصدق فليقم فقام إليه فأخبره فقال رسول الله
أبشر فوالذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة

توبة عن التخلف
إنها لوحة فنية دقيقة صادقة رائعة تصور ما دار في نفس كعب بن مالك عندما تخلف عن رسول الله فى غزوة تبوك

عن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب رضى الله عنه من بنيه حين عمى قال
سمعت كعب بن مالك رضى الله عنه يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله في غزوة تبوك
قال كعب لم أتخلف عن رسول الله الله في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك غير أني قد تخلفت في غزوة بدر ولم يُعاتب أحد تخلف عنه إنما خرج رسول الله والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لى بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس
منها

وكان من خبرى حين تخلفت عن رسول الله هلال في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنه في تلك الغزوة والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما فى تلك الغزوة ولم يكن رسول الله لا يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرًا بعيدًا ومغازًا واستقبل عدداً كثيرًا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجههم الذى يريد المسلمون مع رسول الله الله كثيرا لا يجمعهم كتاب حافظ يريد بذلك الديوان قال كعب فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى به ما لم ينزل فيه وحى من الله وغزا رسول الله مع تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال فأنا إليها أصغر فتجهز رسول الله والمسلمون معه وطفقت أغدو لكى أتجهز معه فأرجع ولم أفض شيئاً وأقول في نفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت فلم يزل يتمادى بى حتى استمر بالناس الجد فأصبح رسول الله ما عاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازى شيئًا ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً فلم يزل ذلك يتمادى لى حتى أسرعوا وتفارط الغزو فهممت أن أرتحل فأدركهم فياليتني فعلت ثم لم يقدر
ذلك لي
فطفقت إذا خرجت فى الناس بعد خروج رسول الله لا يحزني أنى لا أرى لى أسوة إلا رجلا مغموصاً عليه فى النفاق أو رجلا ممن عذر الله تعالى من الضعفاء ولم يذكرنى رسول الله الا الله حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب بن مالك
فقال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه فقال له معاذ بن جبل رضى الله عنه بئس ما قلت والله يا رسول الله

ما علمنا عليه إلا خيراً
فسكت رسول الله له فبينا هو على ذلك رأى رجلا مبيضاً يزول به السراب فقال رسول الله كن أبا خيثمة فإذا هو أبو خيثمة الأنصارى وهو الذي تصدق بصاع العمر حين لمزه المنافقون قال كعب فلما بلغنى أن رسول الله الله قد توجه قافلا من تبوك حضرنى بنى فطفقت أتذكر الكذب وأقول بم أخرج من سخطه غداً وأستعين على ذلك بكل ذى رأى من أهلى فلما قيل إن رسول الله لقد أظل قادما زاح عنى الباطل حتى عرفت أنى لم أنج منه بشيء أبداً فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله قادما وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعاً وثمانين رجلا فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى حتى جئت فلما سلمت تبسم تبسم المغضب ثم قال
تعال فجئت أمشى إليه حتى جلست بين يديه فقال لى ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك
قال قلت يا رسول الله إنى والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا رأيت أنى سأخرج من سخطه بعذر لقد أعطيت جدلا ولكنى والله لقد علمت لأن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنى ليوشكن الله يسخطك على وإن حدثتك حديث صدق تجد على فيه أني لأرجو فيه عقبى الله عز وجل والله ما كان لى من عذر والله ماكنت قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنك فقال رسول الله
أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضى الله فيك

۹۱
وسار رجال من بني سلمة فاتبعونى فقالوا لي والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل
هذا لقد عجزت فى ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله بما اعتذر به المخلفون فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله لعل لك قال فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله الله فأكذب نفسى
ثم قلت لهم
هل لقى هذا
أحد معى من
قالوا نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت وقيل لهما مثل ما قيل لك قال قلت من هما
قالوا مرارة بن ربيعة العامرى وهلال بن أمية الواقفى
قال فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً فيها أسوة قال فمضيت حين ذكروهما لي ونهى رسول الله صلي الله عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه قال فاجتنبنا الناس أو قال تغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسى الأرض فما هي بالأرض التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباى فاستكانا وقعدا في بيوتها يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف فى الأسواق ولا يكلمني أحد وآنى رسول الله فأسلم عليه وهو فى مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ثم أصلى قريباً منه وأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي نظر وإذا التفت نحوه أعرض عنى حتى إذا طال ذلك على من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمى وأحب الناس إلى فسلمت عليه فوالله مارد على السلام فقلت له
إلى
يا أبا قتادة أناشدك الله

هل تعلمنى أحب الله ورسوله الله

۹
فسكت فعدت فناشدته فسكت فعدت فناشدته فقال الله ورسوله
أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار فبينا أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطى من نبط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له إلى حتى جاءنى فدفع إلى كتاباً من ملك غسان وكنت كاتباً فقرأته فإذا فيه أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت حين قرأتها وهذه أيضاً من البلاء فيممت بها التنور فسجرتها حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحى إذا
رسول رسول الله لا يأتيني فقال
إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك
فقلت أطلقها أم ماذا أفعل
فقال لا اعتزلها فلا تقربنها
وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك فقلت لامرأتي الحقى بأهلك فكونى عندهم حتى يقضى الله من هذا الأمر فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت
له
يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه قال لا ولكن لا يقربنك فقالت
إنه والله ما به من حركة إلى شيء ووالله مازال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا فقال لى بعض أهلى لو استأذنت رسول الله لا في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت لا أستأذن فيها رسول الله وما يدرينى ماذا يقول رسول الله الله إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب فلبثت

بذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين سهى عن كلامنا ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا قد ضاقت على نفسى وضاقت على الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجدًا عرفت أنه قد جاء فرج
C
فأذن
رسول الله للناس بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا فذهب قبل صاحبي مبشرون وركض إلى رجل فرساً وسعى ساع من أسلم قبلى وأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءنى الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبى فكسوتهما إياه ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستها وانطلقت أتأمم رسول الله لا يتلقاني الناس فوجاً فوجا يهنئونى بالتوبة ويقولون لى لتهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله الله جالس حوله الناس فقام طلحة بن عبيد رضى الله عنه يهرول حتى صافحنى وهنأنى والله ما قام رجل من المهاجرين غيره فكان كعب لا ينساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله الله قال وهو
يبرق وجهه من السرور
أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك
فقلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله
قال لا بل من عند الله عز وجل
وكان رسول الله إذا سر استنار وجهه حتى كان وجهه قطعة قمر وكنا
تعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت
يا رسول الله إن من توبتى أن أخلع من مالى صدقة إلى الله وإلى رسوله

فقال رسول الله الله أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك فقلت إلى أمسك سهمی الذي بخيبر وقلت يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق وإن من توبتى ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيت فوالله ما علمت أحدا من المسلمين أبلاه الله تعالى فى صدق الحديث منذ ذكرت ذلك الرسول الله أحسن مما أبلانى الله تعالى والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك الرسول الله إلى يومى هذا وإلى لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقى قال فأنزل
الله تعالى
لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِى وَالْمُهَاجرينَ والأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في سَاعَةِ العسرة حتى بلغ إِنَّهُ بهم رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
[ التوبة ١١٧]
وعلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خَلَّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ مَا رَحُبَتْ حتى بلغ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
التوبة ۱۱۸ ۱۱۹ ]
قال كعب والله ما أنعم الله على من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدق رسول الله ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا إن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد
فقال الله تعالى
سَيَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيهِم لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون يَحْلِفُونَ لَكُم تَرْضَوْا فَإِنْ تَرْضَوا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ
C
[ التوبة ٩٥ ٩٦ ]

٩٥
قال كعب كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله له أمرنا حتى قضى الله
تعالى فيه بذلك قال الله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا وليس الذى ذكر مما خلفنا تخلفنا عن الغزو وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه
أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه متفق عليه وفي رواية أن النبي للمخرج فى غزوة تبوك يوم الخميس وكان يحب أن يخرج يوم الخميس
وفي رواية وكان لا يقدم من سفر إلا نهاراً فى الضحى فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه اهـ

۱ - اليهود لعنوا
الفضل است امس اليهود
لقد لعنوا على لسان داود ولعنوا على لسان عيسى يقول تعالى لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَان دَاودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وكَانُوا يَعْتَدُونَ

كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ترى كثيراً منهم يتولونَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سخط الله عليهم وفى الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله وَالنَّبِى وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيراً منْهُمْ فَاسِقُونَ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ
اشركوا
المائدة ۷۸ - ۸]
ولعنوا لأن في فطرتهم الخبيثة نقض المواثيق يقول تعالى فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةٌ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً
مواضِعِهِ وَنَسُوا حَقًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا

6
المائدة ١٣]

۹۸
٢ - عودة إلى حكمة الجهاد
يقول الله تعالى
فليقَاتِل في سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيا بالآخِرَةِ ومَن يُقَاتِل في سبيل اللهِ فَيُقتل أو يغلب فَسَوْفَ نُوتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخرجنا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لنا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً
النساء ٧٤ ٧٥]
إن هذه الآيات الكريمة من سورة النساء كأنها نزلت اليوم تصف حالة إخوان لنا من المؤمنين المستضعفين رجالا ونساء وولداناً في فلسطين يلجئون إلى الله ويضرعون إليه قائلين
ربنا أخرجنا من هذه القرية التي ظلمنا فيها اليهود يذيقوننا من الذل ألواناً ومن العذاب أصنافاً ربنا واجعل لنا من لدنك وليا ينقذنا من هؤلاء بإخراجهم
5
من الأماكن التي اغتصبوها واجعل لنا من لدنك نصيراً ينصرنا على من ظلمنا وكما بدأ الله سبحانه هذه الآيات بالأمر الجازم الذي يبين أن الذين يقاتلون في سبيل الله إنما هم الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومعنى ذلك أن من لم يقاتل في سبيل الله إنما هو الذى لا يشرى الحياة الدنيا بالآخرة أي الذي ليس له في الإيمان نصيب نقول إنه كما بدأ الله هذه الآيات بذلك فإنه سبحانه بين أن الذين آمنوا لهم في حربهم هدف هو الحق والعدل ورد الظلم والعدوان فهم يقاتلون في سبيل

۹۹
الله أما الذين يحاربونهم فإنهم يحاربون الحق والعدل ونشر الظلم والعدوان فهم يقاتلون في سبيل الشيطان ويأمر الله المسلمين بأن يقاتلوا أولياء الشيطان أينما
وجدوا
ومن أولياء الشيطان بل على رأس أولياء الشيطان في عصرنا الحاضر اليهود لقد وضعوا منهجاً لإفساد الإنسانية من حيث الدين
ولإفساد الإنسانية من حيث الخلق

وأخذوا يعملون على تنفيذه بمالهم وصحافتهم ودعايتهم لقد زيفوا العلم وسخروا الأقلام واستأجروا الضمائر في سبيل إفساد
الإنسانية وتحللها
وذلك من أجل أن يصلوا عن طريق ذلك إلى السيطرة والاستعلاء والتملك
والتحكم ولكن الله سبحانه سيحطم بنيانهم الذى بنوا وسيذهب كيدهم ومكرهم لأن الله سبحانه يتولى دائماً الصالحين من عباده الذين يعملون على سيادة الحق والعدل
من مؤامراتهم ضد الوحدة العربية
مر شاس بن قيس بالأوس والخزرج في مجلس جمعهم فغاظه صلاح ذات بينهم وقال في نفسه
قد
اجتمع ملأ بني قيلة في هذه البلاد وما لنا معهم إذا اجتمع ملأهم بها
من قرار
وأمر فتى شاباً من اليهود كان معهم أن ينتهز فرصة يذكرهم فيها بيوم

بعاث ذلك اليوم الذى انتصر فيه الأوس على الخزرج وتكلم الغلام وأنشدهم ما قيل فى ذلك اليوم من أشعار فذكر القوم ذلك
اليوم وتنازعوا وتفاخروا واختصموا وقال بعضهم لبعض إن شئتم عدنا إلى مثلها
وبلغ رسول الله لعل الله ذلك الأمر فخرج إليهم فيمن معه من الأنصار والمهاجرين فدكرهم بما ألف الإسلام بين قلوبهم وجعلهم إخواناً متحابين وكان مما قال أدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية
ومازال بهم حتى بكى القوم وعانق بعضهم بعضاً واستغفروا الله لما رلى يوم أقبح أولاً وأحسن آخراً من ذلك اليوم
جميعهم

وما كانت هذه هي المؤامرة الأولى أو الأخيرة من مؤامرات اليهود ضد
الوحدة العربية
ولقد تغلب عليها العرب بمبدإ الوحدة التي غرسها الإسلام فيهم وإذا كان هذا المبدأ - مبدأ الوحدة - قد نجح في الماضي فهو لا محالة ناجح
في العصر الحاضر
ومما لا شك فيه أن الصهيونية تعمل جاهدة على غرس بذور العداوة بين الدول العربية في العصر الحاضر حتى يفشلوا وتذهب ريحهم ولكن السلاح الوحيد الذي يجب أن دائماً نتحصن به لرد باطلهم الخبيث إنما هو التمسك بالوحدة
على أن الوحدة إنما تنشأ وتثبت وتستمر إذا اتحدت المثل والأهداف وكانت

11
هناك العوامل التي تحفظ هذه الوحدة وتشدها برباط محكم وثيق وكل ذلك قد نظمه الإسلام وأحكمه
وأحب هنا أن أشير إلى عامل واحد فقط من العوامل التي تخلق الوحدة وتنميها وتقوى فى المجتمع أواصرها المقدسة وذلك هو عامل اللغة وهو من الأهمية بحيث جعله الرسول علا الله مناط التميز بين العربي وغيره فقال تلك الكلمات العميقة الملهمة من تكلم بالعربية فهو عربي وكان من توفيق الله أن نزول القرآن بلسان عربي مبين قد حفظ على اللغة العربية وحدتها وثباتها فلم تتشعب إلى لغات كما حدث للغة اللاتينية أو اللغة اليونانية وبقيت إذن اللغة العربية مصدر تقريب وتفاهم وأخوة بين الناطقين بها ومن أجل ذلك فإن كل دعوة للعامية إنما هي دعوة للتفرق والتفكك والانفصال وهى إذن دعوة خبيثة يجب أن تقاوم كما يقاوم الميكروب الخبيث
يجب علينا أن نتبه لكل مؤامرات الصهيونية التي تحيكها من أجل إيجاد التفرقة في الوحدة العربية وأن نتمسك بالأمر الإلهى الكريم وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
الأنفال ٤٦]
٤ - ومن مؤامراتهم للقضاء على الإسلام أن أول من فكر فى جمع المشركين وتوحيد كلمتهم ضد الإسلام إنما هو اليهود فقد روى الزهري وعبد الله بن كعب بن مالك وغيرهم أن نفرا من اليهود من بني النضير وغيرهم خرجوا حتى قدموا على قريش مكة فدعوهم إلى

۱۰
حرب رسول الله له وقالوا لهم إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله وسأل المشركون اليهود قائلين أديننا خير أم دين محمد فقال اليهود بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه
فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوا إليه من حرب رسول الله الله ثم سار اليهود حتى جاءوا إلى غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله الله وأخبروهم أنهم سيكونون معهم وأن قريشاً قد تابعوهم على ذلك وهكذا أخذوا يؤلبون الجزيرة العربية حتى كانت النتيجة غزوة الأحزاب
التي رد الله فيها الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً
ه - الرسول ويهود بني قينقاع
جمعهم رسول الله الله في سوقهم بالمدينة ثم قال يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا فإنكم قد عرفتم أنى نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم
فقالوا يا محمد إنك ترى أنا قومك لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت ۱ منهم فرصة أما والله لأن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس ونزل بمناسبة قولهم هذا ما أوحاه الله تعالى في سورة آل عمران من قوله قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتَعْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ
في فِينِ التقتا
۱ يعنى غزوة بدر

يعنى أصحاب بدر من أصحاب رسول الله وقريش ر فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافِرَةٌ يرونهم مثلَيْهم رأى العين والله يؤيد بنَصْرِه من يشاءُ إِنَّ في ذلك لعبرة لأولى الأبصار
وكان من أمرهم أيضًا - كما يذكر ابن إسحاق أنهم كانوا أول يهود نقضوا العهد وحاربوا فيما بين بدر وأحد
على أن الذي أثار حمية المسلمين هو ما ذكره عبد الله بن جعفر بن المسور بن
محرقة عن أبي عول قال كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت يجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ هناك منهم فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً فشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فأغضب المسلمين فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع تحدى الرسول ونقض العهود والاعتداء على
فلما كان كل ذلك
منهم
العرض - حاصرهم رسول الله الا الله حتى نزلوا على حكمه فلما أمكن الله تعالى رسول الله الا الله منهم قام إليه عبد الله بن أبي بن سلول المنافق الأكبر يشفع فيهم ويشير من طرف خفى إلى فتنة تحدث في المدينة لو لم يشفعه رسول الله
فيهم
أما عبادة بن الصامت رضى الله عنه فقد اتخذ موقفا يناقض موقف عبد الله بن
السيرة النبوية لابن كثير

12
أبي بن سلول وخشي رسول الله الا الله أن يجر الأمر إلى فتنة فقال لعبد الله ابن أبي هم لك وانتهى الأمر بأن خرجوا من المدينة فلم يصبحوا شوكة في ظهر
المسلمين
وفى عبد الله بن أبي لعنه الله وفى عبادة بن الصامت رضى الله عنه نزلت الآيات التالية من سورة المائدة
يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ والنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن
يتولَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فترى الَّذِينَ في قُلُوبهم مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى الله أن يَأْتِيَ بِالْفَتح أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ
نادِمِين
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أهولاء الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ
حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ
بأيها الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسوفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحبهم ويحبونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
لائم
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ
راكِعُونَ
ومَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ
[المائدة ٥١ - ٥٦]

10
-9
بنو النضير يتآمرون على قتل رسول الله وغزوة بني النضير هى الغزوة التي أنزل الله تعالى فيها سورة الحشر وكان ابن عباس رضى الله عنهما يسمى سورة الحشر - كما يقول البخاري في صحيحه - سورة بني النضير
لقد كان بين بني النضير وبين بني عامر عهد وحلف وذهب رسول الله
إلى بني النضير يستعينهم في دية قتيلين من بني عامر فلما أتاهم قالوا
نعم
يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت
ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا
إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله لا إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقى عليه صخرة ويريحنا منه فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فقال
أنا لذلك
فصعد ليلقى عليه صخرة كما قال رسول الله الهلال في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلى فأتى رسول الله الله الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وخرج راجعا إلى المدينة
فلما استلبث النبي علا الله وأصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه فقال رأيته داخلا المدينة فأقبل أصحاب رسول الله الا الله حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به

١٠٦
قال الواقدي فبعث رسول الله الا الله محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من
جواره وبلده
فبعث إليهم أهل النفاق يثبتونهم ويحرضونهم على المقام ويعدونهم النصر فقويت عند ذلك نفوسهم وبعثوا إلى رسول الله له أنهم لا يخرجون ونابذوه بنقض
العهود فعند ذلك أمر الناس بالخروج إليهم
وحاصرهم المسلمون خمس عشرة ليلة
وانتهت المحاصرة بأن طلبوا إلى رسول الله الا الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح
وفيهم يقول الله تعالى في سورة الحشر
سبح
بسم
الله الرحمن الرحيم
الله ما في السموات وما في الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأُولِ الْحَشْرِ ا ظَنَتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَّا نِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُحْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِم وَأَيْدِي المؤمنينَ فَاعْتَبِرُوا يأولى الْأَبْصَار
ولولا أن كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الجَلَاء لَعَذَبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ
النار ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُوا الله وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ويقول الله تعالى فيها مبينا موقف المنافقين منهم في أسلوب لاذع عنيف

۱۰۷
والله
ألم تر إلى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإخوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أخرجتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا تُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِن أَخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَصَرُوهُمْ لَيُولَنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ
لأتُمْ أَشَدَّ رَهْبَةٌ فى صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذَلِك بأنهُمْ قَومُ لا يَفْقَهُون لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرى مُحَصَّنَة أَو من وَرَاء جُدْر بأسهم بينهم
شَديدٌ تَحْسَبُهُم جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمُ لا يَعْقِلُون

كمثل الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ
فكَانَ عَاقِبَتْهُما أَنَّهُمَا في النار خَالِدين فيها وذلِكَ جَزَاءُ الظَّالمين وتنتهى سورة الحشر بنصيحة سامية للمؤمنين من الله العزيز الحكيم وبأمر كريم من رب كريم وبوصف الله سبحانه وتعالى يتضمن الجمال والجلال يأيها الذين آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلَتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّه خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
4
ولَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فأنساهم أنفسهم أولئكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ لا يستوى أصْحَابُ النَّار وأَصْحَابُ الْجَنَّةَ أَصحَابُ الْجَنَّةَ هُمُ الفَائرُونَ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرآنَ عَلى جبل لرأيته خاشعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَة الله وَتِلْكَ الأمثَالُ نَضْرِبُها للنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ هوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْب وَالشَّهَادَة هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ

۱۰۸
الْمُؤْمِنُ
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدوس السَّلام المهيمن الْعَزيزُ الْجَبَّارُ المُتكَبَرُ سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ الله الْخَالِقُ الْبَارِيُّ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
۷ - بنو قريظة
نقض بنو قريظة اليهود عهدهم مع رسول الله الله حينما قدمت جنود الأحزاب ونزلوا على المدينة وانضم بنو قريظة إلى الأحزاب ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقويت بهم شوكة الأحزاب وزاد الخطر بالنسبة للمسلمين زيادة قوية وبلغ ذلك رسول الله فساءه وشق عليه وعلى المسلمين جدا فلما رد الله الذين كفروا بغيظهم وضع الناس السلاح فبينما رسول الله يغتسل من وعثاء تلك المرابطة في بيت أم سلمة رضي الله عنها إذا بجبريل عليه السلام تراءى له فقال
أو قد وضعت السلاح يا رسول الله
قال نعم
قال لكن الملائكة لم تضع أسلحتها انهض إلى هؤلاء
قال من
قال عليه السلام بنو قريظة
فنهض رسول الله الله من فوره وأمر الناس بالمسير إلى بني قريظة
وكانت على أميال من المدينة وذلك بعد صلاة الظهر وقال لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة

14
يقول ابن كثير
خمساً
فسار الناس فأدركتهم الصلاة في الطريق فصلى بعضهم في الطريق وقالوا لم يرد منا رسول الله إلا تعجيل المسير وقال آخرون لا نصليها إلا في بني قريظة فلم يعنف واحدا من الفريقين وتبعهم رسول الله وقد استخلف على المدينة ابن أم مكتوم رضى الله عنه وأعطى الراية لعلى بن أبي طالب رضي الله عنه ثم نازلهم رسول الله وحاصرهم وعشرين ليلة فلما طال عليهم الحال نزلوا على حكم سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنه لأنهم كانوا حلفاءهم في الجاهلية واعتقدوا أنه يحسب إليهم في ذلك كما فعل عبد الله بن أبي بن سلول فى مواليه بني قينقاع حين استطلقهم من رسول الله الله فظن هؤلاء أن سعدا سيفعل فيهم كما فعل ابن أبي في أولئك ولم يعلموا أن سعداً رضي الله عنه كان قد أصابه في أكحله أيام الخندق فكواه رسول الله في أكحله وأنزله في قبة المسجد ليعوده من قريب وقال سعد رضي الله عنه فيما دعا به اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا فابقى لها وإن كنت وضعت
سهم
C
الحرب بيننا وبينهم فافجرها ولا تمتنى حتى تقر عينى من بني قريظة واستجاب
الله تعالى دعاءه وقدر عليهم أن
أنفسهم فعند ذلك استدعاه
w
نزلوا على حكمه
باختيارهم طلبا
من
تلقاء
C
رسول الله من المدينة ليحكم فيهم فلما
أقبل وهو راكب على حمار قد وطئوا له عليه جعل الأوس يلوذون ويقولون
يا سعد إنهم مواليك فأحسن فيهم ويرققونه عليهم ويعطفونه وهو
ساكت لا يرد عليهم فلما أكثروا عليه قال رضى الله عنه

لقد آن لسعد ألا تأخده في الله لومة لائم فعرفوا أنه غير مستبقيهم فلما دنا
من الخيمة التي فيها رسول الله الله قال صلوات الله عليه وسلامه
قوموا إلى سيدكم "
L
فقام إليه المسلمون فأنزلوه إعظاماً وإكراماً واحتراما له محل ولايته ليكون
أنفذ الحكمه فيهم فلما جلس قال له رسول الله
إن هؤلاء - وأشار إليهم - قد نزلوا على حكمك فاحكم فيهم بما شئت فقال رضي الله عنه وحكمى عليهم نافذ
قال نعم
قال وعلى من في هذه الخيمة
قال نعم
قال رضي الله عنه وعلى من ههنا وأشار إلى الجانب الذي فيه رسول الله وهو معرض بوجهه عن رسول الله صلوات الله عليه وسلامه إجلالا وإكراماً وإعظامًا فقال له رسول الله نعم فقال رضي الله عنه إنى أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذريتهم وأموالهم فقال له لقد حكمت بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة وفى رواية لقد حكمت بحكم الملك
ولهذا قال سبحانه وتعالى وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهِرُوهُمْ أى عاونوا الأحزاب وساعدوهم على حرب رسول الله الله مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
يعني بني قريظة من اليهود من بعض أسباط بنى إسرائيل كان قد نزل آباؤهم

۱۱۱
الحجاز قديماً طمعا في اتباع النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة
والإنجيل فلما جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِه
فعليهم لعنة الله وقوله تعالى مِنْ صَيَاصِيهِمْ يعنى حصونهم وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ
وهو الخوف لأنهم كانوا قد مالئوا المشركين على حرب النبي الله وليس من يعلم كمن لا يعلم وأخافوا المسلمين وراموا ليغزوهم في الدنيا فانعكس عليهم الحال وانقلب إليهم القال وانشمر المشركون ففازوا بصفة المغبون فكما راموا العز ذلوا وأرادوا استئصال المسلمين فاستئصلوا وأضيف إلى ذلك شقاوة الآخرة فصارت الجملة أن هذه هى الصفقة الخاسرة ولهذا قال الله تعالى فريقًا تقتلُونَ وتأسرونَ فريقًا
فالذين قتلوا المقاتلة والأسراء الأصغر
هم
هم
والنساء
-A
غزوة خيبر
لئن كانت المدينة قد تطهرت من اليهود وغدرهم فها هي خيبر ۳ لا تزال حصنا حصينا لليهود من أهلها ومن نزح إليها من يهود بني النضير الذين يحملون الحقد والضغن على الإسلام والمسلمين وغير بعيد عنا ما قام به زعماء بني النضير الذين اتخذوا خيبر مقاماً لهم من تأليب العرب على المسلمين في الخندق وحملهم بني قريظة على نقض العهود التي كانت بينهم وبين الرسول
۳ قرية في شمال المدينة بينها وبين الشام

۱۱
ومن ثم نجد أن خيبر أصبحت مركزا لتجمعات اليهود يقومون منها بما يريدون من غدر ومكايد ولئن كان المسلمون بعد صلح الحديبية قد أمنوا قريشاً والجنوب لكنهم لم يأمنوا ناحية الشمال ولا سيما أهل خيبر الذين لا ينسون ما فعل بإخوانهم اليهود وليس ببعيد أن يستعين بهم هرقل أو كسرى في النيل من المسلمين وما كان رسول الله وهو السياسي المحنك ليخفى عليه شيء من هذا لذلك لم يكد يرجع من الحديبية ويستريح بالمدينة شهرًا أو نحوه حتى أمر بالتجهيز للخروج إلى خيبر ٤ اهـ
وبقضاء الرسول الله على يهود خيبر قضى على أخطر جرثومة من جراثيم الشر وعلى أكبر وكر من أوكار الخطر وانتهى أمر اليهود كقوة من القوى التي
تعارض الإسلام في الجزيرة العربية
۹ - آيات من القرآن في اليهود

لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِم رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ
بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ
وحسبوا الا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وصَمُوا ثُمَّ تَابَ الله عَلَيْهِم ثُمَّ عَمُوا
وصَمُوا كَثِيرٌ مِّنْهُم وَاللهُ بصِيرُ بِمَا يَعْمَلُونَ
ويقوال تعالى
سورة المائدة ۷۰ ۷۱]
وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غلت أيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ
٤ من كتاب السيرة لفصيلة الدكتور محمد أبو شهبة

مبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ من رَبَّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ والْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ كَلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أطفاها الله وَيَسْعَونَ فى الْأَرْضِ فَسَادًا والله لا يُحِبَ المُفْسِدِينَ
وقال تعالى
سورة المائدة ٦٤]
يَأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنُكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بأقوامِهِمْ وَلَمْ تُومِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لقوم آخرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وإِن لَّمْ تُوتَوهُ فاحْذَرُوا وَمَن يُرد اللهُ فِتْتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أولئك الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أنْ يُطَهُرَ قُلُوبَهُم لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ
عذاب عظيم سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّخت
وقال تعالى
[ سورة المائدة ٤١ ٠ ٤٢]
لَن يَضُرُوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُولُوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ ضُرِبَت عَلَيْهِمُ الدَّلَّهُ أَيْنَ مَا تُقفُوا إِلَّا بِحَبْل مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا يغضب من الله وَضُرَبَتْ عَلَيْهِمُ المَسكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٌّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ
وقال تعالى
سری اگر
آل عمران ۱۱۱ ۱۱ ]
فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَالَهُمْ كُونُوا قَرَدَةً خَاسِئِينَ

١١٤
وإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَبعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُم سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وإِنه لَغَفُور رحيم
وقال تعالى

الأعراف ١٦٦ ١٦٧ ]
قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وإِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخُلُونَ
قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عليهما ادْخُلُوا عَلَيْهِم الباب فإذا
دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُم مُّؤْمِنِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إنَّا لَن نَّدْخِلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا
إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ
وحدیث نبوى يبشر المسلمين
المائدة ٢٢ ٢٣ ٢٤]
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله
يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودى من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر للمسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفى تعال
فاقتله
0
0 أخرجه البخاري ومسلم

مكانة الشهيد عند الله
الفصل السادس
الشهيد
إن مكانة الشهيد عند الله عظيمة جدا تصورها الأحاديث والآيات القرآنية
الكثيرة
فمن ذلك أن حارثة بن سراقة قد استشهد في غزوة بدر فأتت أمه وهى بنت البراء - رسول الله فقالت یا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة فإن كان فى الجنة صبرت وإن كان غير
ذلك اجتهدت عليه في البكاء
0
فقال
ا يا أم حارثة إنها جنان فى الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى وروى الإمام مسلم والإمام البخارى عن أنس رضي الله عنه أن النبي
قال
ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة
وفي رواية لما يرى من فضل الشهادة
۱۱۵

١١٦
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال
جيء بأبي إلى رسول الله الله قد مثل به فوضع بين يديه فذهبت أكشف عن وجهه فنهانى قومى فسمع صوت صائحة فقيل ابنه عمرو -
أو أخت عمرو - فقال لم تبكى أولا تبكي ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها
رواه البخاري ومسلم
وروى مسلم عن جابر رضى الله عنه قال قال رجل أين أنا يا رسول
الله إن قتلت
قال فى الجنة فألقى بتمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل ويقول الله تعالى فَلْيُقَاتِلُ في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخرة ومن يُقاتِل فى سَبِيلِ اللهِ فَيُقتل أو يغلب فَسَوْفَ نُوتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا
ويقول سبحانه
[النساء ٧٤]
وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لَّا تَشْعُرُونَ
الشهيد سعيد باستشهاده
[ البقرة ١٥٤ ]
يحدث ابن كثير أن رسول الله لما رأى جابر بن عبد الله مهتماً لاستشهاد أبيه في غزوة أحد قال له مطمئنا ومبشرا ألا أخبرك ما قال الله لأبيك

فقال جابر بلى
قال
ه ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب وأنه كلم أباك
كفاحاً والكفاح المواجهة
قال سلني أعطك
قال أسألك أن أرد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية
فقال الرب عز وجل
إنه قد سبق منى القول بأنهم إليها لا يرجعون
قال أي رب فأبلغ من وراثى أى أبلغهم بهذه النعمة الكبرى في الجنة
التي يتقلب فيها الشهيد
فأنزل الله تعالى وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتلوا في سبيل الله أموانًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَستَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَم يَلْحَقُوا بِهِم مِن خَلْفِهِم خوفٌ عَليهِم وَلَا هُم يحزنونَ يستبشيرونَ بِنِعْمَة مِنَ اللَّهِ وَفَضل وان الله لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ

آل عمران ١٦٩ - ١٧١]
رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه بإسناد حسن أيضًا والحاكم وقال صحيح الإسناد فالشهيد سعيد باستشهاده ويتمنى أن لو أعيد إلى الدنيا مرة أخرى ليكون شهيدا من جديد

الفضل المتابع
دعاء
كان رسول الله الله يحكم أمر الجهاد من الناحية المادية إحكاما دقيقاً ثم يأخذ هو والمحاربون فى الدعاء والتضرع واستنجاز الله وعده ونحن هنا نثبت بعض ما كان يدعو به ويعلمه للصحابة فيدعون به قبل القتال وفي أثنائه ونحن في هذا الفصل إنما نرجع إلى ما ذكره الإمام النووى من ذلك في
كتابه المبارك و الأذكار
قال الله عز وجل
يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةٌ فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وأطيعوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصابرينَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِيَّاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ
سبيل الله
الأنفال
[٤٥ - ٤٧
قال العلماء هذه الآية الكريمة أجمع شيء في آداب القتال عن ابن عباس قال قال النبي البخاري ومسلم
وروينا في
صحيح
وهو في قبته
114

۱۰
اللهم إنى أنشدك عهدك ووعدك إن شئت لم تعبد بعد اليوم فأخذ أبو بكر رضى الله عنه بيده فقال حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك فخرج وهو يقول سيهزم الْجَمْعُ وَيُولُونَ الدبر بَل السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمُّ
مرگ هم از
القمر ٤٥ - ٤٦]
وفى رواية كان ذلك يوم بدر هذا لفظ رواية البخارى وأما لفظ مسلم فقد استقبل نبي الله الا الله القبلة ثم مد يده فجعل يهتف بربه ويقول ه اللهم أنجز لى ما وعدتني اللهم آت ما وعدتنى
C
اللهم إن تهلك هذه
العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بر به مادا يديه حتى سقط رداؤه قلت يهتف بفتح أوله وكسر ثالثه ومعناه يرفع صوته بالدعاء وروينا في صحيحيهما عن عبد الله بن أبي أوفى رضى الله عنهما أن رسول الله في بعض أيامه التي لقى فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في
الناس قال
يأيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم
فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ثم قال اللهم منزل الكتاب ومجرى السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا وفى رواية اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزمهم وزلزلهم
عليهم
وروينا في صحيحيهما عن أنس رضى الله عنهم قال صبح النبي الله

خيبر فلما رأوه قالوا محمد والخميس فلجئوا إلى الحصن فرفع النبي يده فقال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة القوم فساء صباح المنذرين

۱۱
وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود عن سهل بن سعد رضى الله
عنه قال قال رسول الله
اثنتان لا تردان أو قلما تردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضا قلت في بعض النسخ المعتمدة يلحم بالحاء وفى بعضها بالجيم
بعضهم
وكلاهما ظاهر
قال
وروينا في سنن أبي داود والترمذى والنسائى عن أنس رضي الله عنه
كان رسول الله الا الله إذا غزا قال اللهم أنت عضدى ونصيري بك أحول وبك أصول وبك أقاتل قال الترمذى حديث حسن قلت معنی عضدی عونى قال الخطابي معنى أحول أحتال قال وفيه وجه آخر وهو أن يكون معناه المنع والدفع من قولهم حال بين الشيئين إذا منع أحدهم الآخر فمعناه لا أمنع ولا أدفع إلا بك وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبى داود والنسائى عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي الله كان إذا خاف قوما قال
10
اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم وروينا في كتاب ابن السني عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قال رسول الله الله يوم حنين لا تتمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون ما تبتلون به منهم فإذا لقيتموهم فقولوا اللهم أنت ربنا وقلوبنا وقلوبهم بيدك وإنما يغلبهم أنت
قال
وربهم
وروينا في الحديث الذي قدمناه عن كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه

يوم
الدين
كنا مع النبي الله في غزوة فلقى العدو فسمعته يقول يا مالك إياك نعبد وإياك نستعين فلقد رأيت الرجال تصرع تضربها الملائكة من بين أيديها ومن خلفها وروى الإمام الشافعي رحمه الله فى الأم بإسناد مرسل عن النبي ع قال ه اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول
الغيث
قلت ويستحب استحباباً متأكداً أن يقرأ ما تيسر له من القرآن وأن يقول دعاء الكرب الذي قدمنا ذكره وأنه فى الصحيحين لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم
ويقول ما قدمناه هناك في الحديث الآخر
الوكيل
ه لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم لا إله إلا أنت عز جارك وجل ثناؤك ويقول ما قدمناه في الحديث الآخر حسبنا الله ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم ما شاء الله ولا قوة إلا بالله اعتصمنا بالله استعنا بالله توكلنا على الله
ونعم
ويقول حصتنا كلنا أجمعين بالحى القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنا السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
ويقول اللهم يا قديم الإحسان يا من إحسانه فوق كل إحسان يا مالك الدنيا والآخرة يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا من لا يعجزه شيء

۱۳
ولا يتعاظمه انصرنا على أعدائنا هؤلاء وغيرهم وأظهرنا عليهم في عافية وسلامة
عامة عاجلا فكل هذه المذكورات جاء فيها حث أكيد وهى مجربة
ولقد صور
الله سبحانه الجهاد في سبيل الحق والعدل أي الجهاد في سبيل الله بأنه تجارة رابحة مع الله سبحانه فقال
يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تَجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُم ذَلِكُم رَبَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ويُدْخِلُكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ الأَنْهَارُ وَمَسَاكِن
طيبة في جنات عَدْنٍ ذَلِكَ الفوز العظيم وأخرى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
يشرح صاحب الكشاف هذه الآية الكريمة فيقول ولا ترى ترعيباً في الجهاد أحسن ولا أبلغ من هذه الآية لأنه أبرزه في صورة عقد عاقده رب العزة
الصف ۱۰ - ۱۳ ]
وثمنه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط بل إذا كانوا قاتلين أيضًا لإعلاء
كلمته ونصر دينه وجعله مسجلا في الكتب السماوية وناهيك به من صدقه وجعل وعده حقًّا ولا أحد أوفى من وعده فنسيئه أقوى من نقد غيره وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم وهو استعارة تمثيلية صور المؤمنين وبذل أموالهم وأنفسهم فيه وإثابة الله لهم على ذلك الجنة بالبيع والشراء
جهاد

وأتى بقوله يقاتلون إلخ بيانًا لمكان التسليم وهو المعركة وإليه الإشارة
بقوله ۱ الجنة تحت ظلال السيوف
ثم أمضاه بقوله ذلك هو الفوز العظيم
هذا وبالله التوفيق
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
1 أخرجه البخاري

بسم
الفصل الثامين
النصر
۱ - موقف الإسلام من الجهاد أيها الإخوة المؤمنون الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين الجهاد - في الجو الإسلامي - جزء من الإيمان إنه شعبة من شعب الإيمان وحينما فسر أسلافنا رضوان الله عليهم الحديث الشريف - الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان وأخذوا في عد هذه الشعب فإن الجهاد أخذ مكانه في أوائلها وذلك أن
الله سبحانه وتعالى قال
انْفِرُوا خِفَافاً وثِقَالاً وجَاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله
[ ٤١ التوبة ]
وهذه الآية الكريمة لم تدع عذراً لمعتذر لأن الإنسان إما خفيف وإما ثقيل ولا تخرج حالاته عن ذلك وقد أمر الله هذا وذاك بالجهاد في سبيله
١٢٥

١٢٦
وهذا الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمه إذا كان العدو في أية أرض
إسلامية
وإن القتال الذي يدور الآن إنما هو قتال من أجل القدس الذي بارك الله فيه إنه ليس من أجل أرض إسلامية فحسب وإنما هو من أجل أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله ومكان صلاة الرسول بالأنبياء والرسل ومن قبل ذلك ومن بعده أرض إسلامية مغتصبة
وقد بين الله سبحانه وتعالى الحكم فى المجاهدين وفى المتخلفين فقال سبحانه لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ باللهِ واليوم الآخر أن يُجَاهِدُوا بأموالهمْ وَأَنفُسِهِمْ والله عليم بالمتقين إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر وارثابت قلوبهم فهم فى ربِّيهم يترددونَ
[ التوبة ٤٤ ٤٥]
وبهذا أصبح واضحاً أن الإيمان انتفى عن المتخلف وأن المتخلف خرج بتخلفه عن الإسلام وهذا الحكم الصريح ينطبق على الدول كما ينطبق على الأفراد بل إنه في هذا العصر موجه إلى الدول أولا وبالذات وإذا كان موجهاً إلى الأفراد فإن الدول الآن بنفس القوة الموجه بها إلى الدول التي تملك الطائرات هی
والصواريخ والمدافع والدبابات أى تملك ما أمر الله بإعداده في مواجهة العدو
الله
عن بقوله وعبر
وأعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّنْ قوة
الأنفال ٦٠ ]
فمسئوليتها الآن مسئولية كبرى وهذه المسئولية تقع على الدول الإسلامية

۱۷
إنها تقع على كل الدول الإسلامية البعيدة عن ميدان القتال والقريبة منه فالجهاد الحالى هو جهاد يعنى كل الدول الإسلامية مهما نأت بها الدار فإن الطائرات لا تقف في سبيلها مسافات ويجب أن يتأمل الأفراد وأن تتأمل الدول الإسلامية النصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة الخاصة بالجهاد إنه تجارة مع الله سبحانه وتعالى ولقد أعلن الله سبحانه وتعالى عن هذه التجارة ليتقدم من يريد البيع

إنه سبحانه وتعالى أعلن عنها مرغباً فيها مشوقاً إليها مبيناً أنها تجارة رابحة فقال سبحانه
يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تَجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بالله ورَسُولِهِ وتُجاهِدُونَ فى سَبِيلِ الله بأموالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُتُم تعلمون يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ويُدْخِلُكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبةٌ في جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفُورُ العظيم وأخرى تحبُّونَها نَصْرٌ من الله وفَتح قَريبٌ وبَشِّرِ المومنين الصف ١٠ - ١٣ ]
أما سبب هذا الإعلان عن هذه التجارة فهو أن الصحابي الجليل عثمان بن مظعون قال الرسول الله ل لو أذنت لى فطلقت خولة وترهبت واختصيت وحرمت اللحم ولا أنام بليل أبداً ولا أفطر بنهار أبداً فقال
رسول الله
ه إن من سنتى النكاح ولا رهبانية فى الإسلام إنما رهبانية أمتى الجهاد في سبيل الله وخصاء أمتى الصوم ولا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ومن

۱۸
سنتى أنام وأقوم وأفطر وأصوم فمن رغب عن سنتي فليس مني فقال عثمان والله لوددت يا نبي الله أى التجارات أحب إلى الله فأنجر فيها
فنزلت الآيات وظهر الإعلان
وختم سبحانه هذه الآيات بقوله
وبشر المؤمنين
وإذا كان سبحانه وتعالى قد فصل بعض التفصيل في ثمار التجارة أو – بتعبير آخر - فى الثمن الذى عرضه سبحانه - في مقابلة الإيمان والجهاد فإنه -
سبحانه -

عمم
البشرى للمؤمنين
وكلمة الله سبحانه وبشر المؤمنين تعنى بشرهم بالفوز بشرهم بالنصر
بشرهم بمرضاة الله
بشرهم
بشرهم بكل خير
بالأمن
بشرهم بالتوفيق بشرهم بسعة الرزق
وحينما أعلن الله سبحانه وتعالى عن هذه التجارة تقدم المؤمنون الصادقون
يتاجرون مع
الله سبحانه وتعالى ويقول الله سبحانه عن ذلك إنَّ الله اشترى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وأمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سبيل الله فيقتُلُونَ ويُقْتُلُونَ وَعْدًا عَلَيه حَقًّا فى التّوراة والإنجيل والقُرآنِ ومَنْ أَوْفَى بعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبشِرُوا ببيعِكُمُ الَّذِى بايعتُم به وذَلِكَ هُوَ الْفوز العظيم
[ التوبة ١١١ ]
إن المؤمن في عقد الإيمان باع نفسه وماله الله وهذا العقد بينه وبين الله
فالمؤمن هو البائع
والشارى هو
الله
والمبيع
هو
النفس والمال

۱۹
والثمن هو الجنة أى هذا النوع من النعيم الذى بلغ من النفاسة إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
أما مكان التسليم فإنه المعركة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الجنة تحت ظلال السيوف
وليس من شروط هذا العقد أن يستشهد المقاتل كلا فمن قاتل وانتصر وعاد سالما فله الجنة إن الجنة للمقاتل - سواء استشهد أو انتصر وعاد إلى بيته ولقد روى الحسن رضى الله عنه أن رسول الله قال فيما يتعلق ببيع
النفس
إن فوق كل بربر حتى يبدل العبد دمه فإذا فعل ذلك فلا بر فوق ذلك وقال الشاعر عن بيع النفس
الجود بالمال جود فيه مكرمة والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وقال الحسن
مر أعرابي على النبي الله وهو يقرأ هذه الآية إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم
فقال كلام من هذا
قال كلام الله
قال بيع

والله مربح لا نقيله ولا نستقيله فخرج إلى الغزو واستشهد
ولقد سجل الله هذا العقد فى التوراة والإنجيل فقال
فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به
ولأجل ذلك حينما سمع الصحابة هذه الآية الكريمة قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل

۱۳۰
أما التقدير الصادق لهذا العقد فإنه الذى قرره الله سبحانه وتعالى بقوله
وذلك هو الفوز العظيم
أيها الإخوة المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها
ماذا يخشى المؤمنوان دولا كانوا أو أفرادا من الاستجابة لله ولرسوله
أهو الموت حقا
إن الإنسانية منذ أن وجدت تخاف الموت وتخشاه خشية لا تعدلها خشية وكان لذلك نتائج سلوكية كثيرة من هذه النتائج الجبن وقد أحب الله سبحانه وتعالى ألا تقع الأمة الإسلامية فيما يقع فيه غيرها من الجبن خشية فبين سبحانه الأمر فى القرآن وبينه رسول الله الله في السنة بيانا لا لبس
الموت
فيه
إن مالك الملك إنما هو وحده الذى يملك الموت والحياة وهو الذي قرر الآجال وحددها
فَإِذَا جَاء أجلهم لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةٌ ولا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف ٣٤
والحرص على الحياة أو الجبن ليس من أسباب إطالة الأجل والشجاعة والإقدام ليسا من أسباب تقصير الأجل وقد بين الله ذلك في كتابه الكريم إبانة
تامة وكما أنه لكل أجل كتاب
فإنه لكل أمة أجل أما هؤلاء الذين قالوا لو كَانَ لَنا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا
فإن الله سبحانه وتعالى يرد عليهم
[ آل عمران ١٥٤]

۱۳۱
قُل لَّوْ كُتُم فِي بُيُوتِكُمْ لَبرزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتْلُ إلى مَضَاجِعِهِمْ
وهؤلاء الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لَو أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا
فإن الله سبحانه وتعالى يرد عليهم قائلا
فَادْرُءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الموتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
أما الذين يفرون أمام الأعداء فهم إنما استرلهم الشَّيْطَانُ بِبَعْض مَا كَسَبُوا
[آل عمران ١٦٨]
[آل عمران ١٥٥ ]
إذن المؤمن الصادق الإيمان لا يعرف الجبن ولا يستنزله الشيطان موسوساً له
بالخوف من غير الله تعالى والله سبحانه وتعالى يؤكد ومَا كَانَ لِنفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ
ونعود فنقول ماذا يخشى المؤمن دولة كانوا أو أفراداً أهو هم الرزق
[ آل عمران ١٤٥]
إن الإسلام كما حرر المجتمع الإسلامي من خوف الموت فقد حرره أيضًا من هم الرزق يستوى فى ذلك حالة السلم وحالة الحرب ذلك أن الرزق بيد الله وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ الأَ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا
[هود ٦]
وقد أخبر سبحانه أن الرزق في السماء محدود ومقسوم وأقسم سبحانه على
ذلك

۱۳
لقد أقسم سبحانه لما يعلم من ضعف الطبيعة البشرية وإشفاقها وقلقها بالنسبة لأمر الرزق يقول سبحانه
وَفي السَّمَاءِ رِزْقَكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَورَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّه لحق
الذاريات ۳]
وبعد فلقد فرض الله سبحانه على المسلمين الجهاد في أسلوب حاسم فقال
تعالى
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وهُوَ كُرْهُ لَكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحبوا شيئًا وهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ والله يعلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ
[ البقرة ٢١٦ ]
ومن المعروف أن هذه الفرضية إنما هى فريضة كفاية إذا لم يكن العدو في داخل بلاد الإسلام إنما إذا كان العدو في داخل بلاد الإسلام كما هو الأمر الآن فإن الجهاد يصبح فرض عين على كل مسلم أينما كان
وعلى جميع الدول الإسلامية الآن أن تعبئ قواها لتؤدى فريضة الجهاد في هذه البقعة التي اغتصبت من أرض الإسلام والعروبة وإلا أثم كل فرد وأئمت
كل دولة
٢ - النفير العام
يقول الله تعالى
انفِرُوا خِفَافًا وَثَقَالاً وَجَاهَدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ
لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
قال وعن مسلم بن صبيح

۱۳۳
أول ما نزل من براءة انْفِرُوا خِفَافًا وثقالاً
لقد
فهم
أسلافنا رضوان الله عليهم هذه الآية على وضعها كما أحب الله
ورسوله وكما يدل عليه التعبير القرآني الكريم
یروی صاحب محاسن التأويل أنه لما كانت البعوث إلى الشام قرأ أبو طلحة رضي الله عنه سورة براءة حتى أتى على هذه الآية فقال أرى ربنا استنفرنا شيوخاً وشباباً جهزونى يا بني
فقال بنوه يرحمك الله قد غزوت مع رسول الله حتى مات ومع أبي بكر حتى مات ومع عمر حتى مات فنحن نغزو عنك
4
فقال ما سمع الله عذر أحد
ثم خرج
إلى الشام للجهاد اهـ
أما فارس رسول الله الله الصحابي الجليل المقداد بن الأسود فإن مواقفه
في الجهاد في سبيل الله معروفة مشهورة ومن مواقفه الخالدة أنه كان من أروع أن استشار الرسول الله المهاجرين والأنصار في أمر الحرب لقد
المتحدثين يوم
قال يومئذ
ه يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - موضع بأقصى اليمن - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه إن فارس رسول الله هذا رآه رجل بحمص وقد كبر فى السن ونالت منه الشيخوخة ما نالت ومع ذلك فقد كان متجهزًا للغزو فقال له قد أعذر الله
إليك

١٣٤
فقال أبت علينا سورة البعوث التوبة انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً
[ التوبة ٤١]
والمسلمون يعرفون أبا أيوب الأنصارى ويعرفون فضله وإخلاصه لله ولرسوله
إنه كان يقرأ هذه الآية الكريمة ثم يقول
فلا أجدنى إلا خفيفا أو ثقيلا
ويروى الإمام الطبرى - بسنده - عن حبان بن زيد قال
نفرنا مع صفوان بن عمرو - وكان والياً على حمص فلقيت شيخا كبيرًا هما - أي بلغ من الكبر عتيا قد سقط حاجباه على عينيه من أهل دمشق على
راحلته فيمن أغار فأقبلت عليه فقلت
يا عم
لقد أعذر الله إليك فرفع حاجبيه فقال
يا ابن أخي استنفرنا الله خفافاً وثقالا من يحبه الله يبتليه ثم يعيده فيبتليه إنما يبتلى الله من عباده من شكر وصبر وذكر ولم يعبد إلا الله
ومن الحق أن نقول إن كلمة الله تعالى خفافاً وثقالا كلمة جامعة فهى تعنى شباباً وشيوخاً أغنياء وفقراء مشاغيل وغير مشاغيل نشاطا وغير نشاط ركبانًا ومشاة إنها تعنى انفروا على كل حال أنتم عليه من يسر أو عسر ومن غنى أو فقير ومن عيال أو عدم عيال ومن سمين أو هزيل
أما سبب نزول هذه الآية الكريمة الجامعة فإن أنا سا
قالوا
إن فينا الثقيل وذا الحاجة والصنعة والشغل والمنتشر به أمره فأنزل الله تعالى انفروا خفافاً وثقالا وأبى أن يعذرهم - دون أن ينفروا خفافاً وثقالا - على ما كان منهم

۱۳۵
ويقول الإمام الطبرى
ه إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين بالنفير لجهاد أعدائه في سبيله خفافاً وثقالا وقد
يدخل الخفاف كل من كان سهلا عليه النفر لقوة بدنه على ذلك وصحة جسمه وشبابه ومن كان ذا پسر بمال وفراغ من الاشتغال وقادرا على الظهر والركاب ويدخل في الثقال كل من كان بخلاف ذلك من ضعيف الجسم وعليله وسقيمه ومن معسر من المال ومشتغل بضيعة ومعاش ومن كان لا ظهر له ولا ركاب والشيخ ذو السن والعيال
فإذا كان قد يدخل فى الخفاف و الثقال من وصفنا من أهل الصفا التي
C
ذكرنا ولم يكن الله جل ثناؤه خص من ذلك صنفاً دون صنف فى الكتاب ولا على لسان الرسول ع ا ولا نصب على خصوصه دليلا وجب أن يقال إن الله جل ثناؤه أمر المؤمنين من أصحاب رسوله بالنفر للجهاد في سبيله خفافاً وثقالا مع رسوله صلى الله عليه وسلم على كل حال من أحوال الخفة والثقل
وإذا كان الله سبحانه وتعالى يقول
ليس على الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلى المرضى ولا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ
حرج
فإنه سبحانه قيد ذلك بقوله إِذَا نَصَحُوا الله ورسوله
[ التوبة ٩١]
ونصحهم الله ورسوله شرط فى رفع الحرج عنهم ونصحهم الله ورسوله كل بحسب حالته وهذا النصح هو نوع من النفير فهم داخلون في النفير بالمعنى
العام

١٣٦

بيد أن قوله تعالى انْفِرُوا خفافاً وَثِقَالاً ليس خاصا بالأفراد والله سبحانه وتعالى إذا لم يدع عذرا لمعتذر بالنسبة للأفراد فإنه سبحانه وتعالى بهذه الآية نفسها لم يدع عذرا المعتذر بالنسبة للدول وما من شك فى أن الله سبحانه خاطب بهذه الآية الكريمة المجتمع الإسلامي كله نساء ورجالا شباباً وكهولا دولا وأفراداً بيد أن التركيز في الماضي كان يتجه إلى الأفراد وذلك أنهم كانوا أفراداً في دولة واحدة حتى الدولة الإسلامية المترامية الأطراف أما الآن وقد فرق الاستعمار وفرقت الأهواء وفرق حب الرئاسة الأمة الإسلامية فجعلها أمماً دولا ودويلات وإمارات ولكل منها حدود وفواصل ونظام خاص فإن التركيز الآن على الدول إن العدو حينما يكون فى أرض الإسلام فإن الجهاد يصبح فرض عين على كل
مسلم ومسلمة ويصبح فرض عين على كل دولة
إنه يصبح فرض عين بالكيان كله للفرد والكيان كله للدولة والآيات القرآنية الكريمة الخاصة بالجهاد والأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن الجهاد كما تتضمن الدعوة إلى الأفراد فإنها تتضمن الدعوة إلى
الجماعات
وإذا خرج الفرد على الجهاد فإنه يكون قد خرج على الإيمان وإذا لم تشارك دولة في الجهاد بكيانها كله - حينما يكون العدو في أرض الإسلام - فإنها بذلك تكون قد أفسدت إيمانها وعارضت بذلك القرآن والسنة
إن الله سبحانه وتعالى يقول
لا يستأذنكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ باللهِ واليوم الآخر أن يُجَاهِدُوا بأموالهم وأَنفُسِهِمْ

۱۳۷
والله عليم بالمتقين إنَّما يَسْتَنذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليوم الآخر وارثابت
قلوبهم فَهُم في ربهم يترددونَ
التوبة ٤٤ و ٤٥]
6
وأخرج الله سبحانه بهذه الآية الكريمة كل من تشكر للجهاد فردا كان أو دولة وتنكر الدول للجهاد إنما هو فى حقيقة الأمر تنكر من رؤسائها له وإذا كانوا يبوء ون بالاثم قبل أن يبوه به شخص آخر فإن على شعوبهم أن تثور في وجوههم ثورة تضطرهم إلى الدخول فى الجهاد بكل ما تملك الدولة من إمكانيات فإذا لم يفعلوا فهم شركاء في الإثم والخسران
ونعود إلى الآية الكريمة وإذا كان الله سبحانه وتعالى قال فيها انْفِرُوا حَفَافاً
وثقالاً
فإنه سبحانه أتبع ذلك بقوله
وجَاهِدُوا بأمْوالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبيل الله
[ التوبة ٤١]
وكما نفر سلفنا الصالح خفافًا وثقالا فإنهم جاهدوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله بل تسابقوا بالجهاد بالنفس والمال في سبيل الله وضربوا بذلك أروع الأمثلة
للفداء والتضحية والبذل
أمثلة ومن
نظرتهم للجهاد هذه الأمثلة التي نأخذها من غزوة بدر
1 دور الإيمان في المعركة
خرج رسول الله إلى الناس فحرضهم وقال
والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسباً مقبلا
غير مدبر إلا أدخله الله الجنة

۱۳۸
فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة وفي يده ثمرات يأكلهن بخ بخ أنها بينى وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلنى هؤلاء ثم قذف
الثمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل وقد ذكر ابن جرير أن عميرا قاتل وهو يقول

وعمل
المعاد
وكل
زاد
عرضة
النفاد
ركضا إلى الله بغير زاد إلا التقى
والصبر في الله على الجهاد
غير التقى والبر والرشاد
ب قال عوف بن الحارث وهو ابن عفراء یا رسول الله ما يضحك الرب من عبده
قال غمسة يده في العدو حاسرا
فترع درعا كانت عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل
جـ ابن عمر وغزوة بدر
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال
عرضت على رسول الله يوم بدر فاستصغرنى فلم يقبلني فما أنت على ليلة قط مثلها من السهر والحزن والبكاء إذ لم يقبلني رسول الله الله فلما كان من العام المقبل عُرضت عليه فقبلني فحمدت الله على ذلك
د لو كان غير الجنة عن سليمان بن بلال رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى بدر

۱۳۹
أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعا الخروج معه فذكر ذلك للنبي فأمر أن يخرج أحدهما فاستهما فقال خيثمة بن الحارث لابنه سعد رضى الله عنهما
إنه لابد لأحدنا أن يقيم فأقم مع نسائك من
فقال سعد لو كان غير الجنة لأثرتك به به إلى لأرجو الشهادة في وجهى
هذا
فاستهما فخرج سهم سعد فخرج مع رسول الله إلى بدر فاستشهد

أما الجهاد بالمال فإنه من المعروف المشهور ما فعله أبو بكر وما فعله عمر وما فعله عثمان وما فعله عبد الرحمن بن عوف وفعلته نساء الأنصار والمهاجرين من التبرخ رضى الله عنهم أجمعين
وبعد
فإن المؤمن الصادق فردا عاديا أو رئيس دولة - وصفته الآية القرآنية -
حاصرة أو صافه محددة سماته

فقال تعالى
إِنَّا المؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِم وَأَنفُسِهِمْ في سبيل الله أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
-p
العاشر من رمضان
[ الحجرات ١٥]
خطبة الجمعة التي ألقيت بالأزهر يوم ١٦ من رمضان سنة ١٣٩٣ هـ ١٢ من
أكتوبر سنة ١٩٧٣ م
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من

١٤٠
شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى
اله
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده
الأحزاب وحده

وأعز جنده وهزم وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله إمام المجاهدين الذي كان إذا حمى الوطيس واشتد الحرب اتقى الأبطال وترسوا به وكانوا من خلفه وكان أقربهم
إلى المعركة
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار وعلى أصحابه ومن اتبع هديهم

وبعد
إلى يوم الدين أيها الإخوة المؤمنون في مثل هذا الشهر من السنة الثانية للهجرة كان أول اشتباك مسلح بين المسلمين وأعداء الله على أرض بدر وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أسباب تلك المعركة فقال سبحانه أَذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير الَّذِينَ أُخْرِجُوا

من ديارهم بغير حق إلا أن يَقُولُوا رَبَّنا الله

[ الحج ٣٩ و ٤٠]
والأسباب التي ذكرها القرآن المجيد تتمثل في ثلاثة أسباب أن المسلمين ظلموا وقوتلوا وأخرجوا من ديارهم بغير حق
هی
وهى نفس الأسباب لمعركتنا التي تخوض غمارها
لقد قوتلنا وظلمنا وأخرجنا من ديارنا بغير حق فالأسباب هي الأسباب والظروف هى الظروف والملابسات هى الملابسات فاللهم انتصر لنا كما انتصرت لأهل بدر اللهم بدرًا أخرى تنصر فيها أولياءك وتذل فيها أعداءك اللهم

121
نصرا لنا فنحن أولياؤك كما نصرت أجدادنا من قبل أيها الإخوة المؤمنون
في يوم بدر كان التفاف المسلمين حول القائد الأعلى ووقوفهم صفا واحدا دعامة النصر وتبدو هذه الوحدة الجامعة الواضحة مشرقة في ذلك التصميم على الوحدة خلف القيادة حينما استشار الرسول ع جماعة المسلمين وأخبرهم بخروج أعداء الإسلام لقتال المسلمين إذ قام أبو بكر فقال وأحسن القول وقام عمر فقال وأحسن القول ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك ولا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد الجالدنا معك من دونه حتى تبلغه 1 - 1 وبرك الغماد مكان بأقصى اليمن فقال له الرسول خيرًا ودعا له ثم قال له أشيروا على أيها الناس
D
يريد الأنصار - فقال سعد بن معاذ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله فقال الرسول أجل
فقال سعد لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته الخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق فى اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينيك فسرينا
8
على بركة الله
فسر رسول الله بقول سعد وقال

١٤٢
سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدنى إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم "
ونحن بحمد الله على طريق أهل بدر نلتف حول القائد الأعلى ونستمسك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون هنات وهنات - أى ستكون أمور وأمور أى ستكون فتن - فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهو جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان ونحن نقضى على كل من يكون عاملا من عوامل التفرقة أو من
حاول أن يكون عاملا من عوامل التفرقة تنفيذا لسنة رسول الله الله ومن منطق الوحدة حول الرسول كان أهل بدر في رعاية الله وفى موقع عنايته كانوا في رعاية الله الشاملة وفى موقع عنايته التامة فهيأ لهم من آيات قدرته عجبا وألقى الثبات والسكينة في قلوبهم
تأملوا هذه المشاهد لتدركوا مدى قدرة الله حين يريد الانتصار لأوليائه
وجنده
معي
إن الأرض التي كان يتحرك عليها جند الله صحراوية رملية تغوص فيها أقدام المشاة فتعوق سيرهم وحركتهم وكان المسلمون من الإرهاق في مسيس الحاجة إلى شيء من الراحة يستعيدون به نشاطهم وقدرتهم على خوض المعركة وهنا أدركتهم عناية الله ورعايته فأمطرت السماء لتذلل السير الجند الحق وغشيهم شيء من
النعاس استعادوا به - بحول الله - موفور النشاط والقدرة على المواجهة وفى ذلك
يقول الله القادر على كل شيء مذكرًا إياهم والمسلمين عبر الأجيال بهذه النعمة التي تحمل جوهر القدرة الإلهية إِذْ يُغَشِّيكُمُ النَّعَاسَ أمنةٌ مِنْهُ ويُترلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّيطَهِرِكُم بِهِ

١٤٣
ويُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَان وليربط على قُلُوبِكُمْ ويُثبت بِهِ الأَقْدَامَ
الأنفال ١١ ]
وقد أكرم الله جند الحق أيضًا بأن أرى أعداء الله لأعين المؤمنين قلة لينبعث
فيهم كا من العزم وأرى أعداء الله جيش المسلمين قلة ليفعل بهم الغزو أفاعيله
ويقضى أمرًا كان مفعولا وفى ذلك يقول الحق جل جلاله تذكيرا بهذا الفضل إذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلاً ولو أراكَهُمْ كَثِيرًا لَّفْشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ في الأمر ولكن الله سلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ وَإِذْ يُرِيكُوهُمْ إذ التقيتُم في أعْيُنِكُمْ قَلِيلاً ويُقللكُمْ فى أَعْينهِمْ ليقضى الله أمرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى الله تُرجع
الأنفال ٤٣ ٠ ٤٤]
الأمور وكان من آيات الله فى هذا اليوم الجليل مدده من الملائكة لأهل بدر
أيضًا تضرب معهم فتثبت على هذا الضرب قلوب المؤمنين كما تخلع عليه قلوب الكافرين رعبا ورهباً وفى ذلك يقول القرآن المجيد مذكرًا بهذه النعمة إذ يُوحى رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنَّى مَعَكُمْ فَتَبتُوا الَّذِينَ آمَنوا سألقى في قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ فَاضْرِبوا فوق الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذَلِكَ
الأنفال ١٢ - ١٤ ]
بأنهم شاقوا الله ورَسُوله وَمَنْ يُشاقِقِ الله ورَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ذَلِكُمْ فذُوقُوهُ وأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ وهكذا كانت عناية الله بأهل بدر ونحن أيها الإخوة المؤمنون نشعر بعناية الله سبحانه وتعالى ترعانا في هذه المعركة وأول ما نلمحه من تلك العناية أنه كان مقدرا أن يستشهد في العبور آلاف فكم استشهد من أبطالنا في عبور القناة إن الذين استشهدوا فى العبور أعداد لا تكاد تذكر وهو ما سجله الواقع في
كتاب التاريخ

١٤٤
وطائرات العدو التي كانت تهوى كما تهوى أوراق الشجر أصابتها رياح الخريف وما حملته إلينا أنباء المعركة يضاعف من شكرنا الله إذ كان في التحام واحد يُسقط جند الله ثلاثا وعشرين طائرة مقاتلة للعدو بين التهليل والتكبير إنها
عناية تكلونا وترعانا أيها الإخوة المؤمنون
إن ظروف غزوة بدر هي الظروف التي نعيشها والملابسات هي الملابسات بل إن الأسباب هي الأسباب والغايات هي الغايات فنحن نخوض معركة إسلامية بكل ما تحتمله الكلمة من معنى الحرب الإسلامية ولا يحتمل معنى الحرب الإسلامية غير الجهاد المقدس أفضل الأعمال وأجلها عند الله ولقد سئل رسول الله له عن أفضل الأعمال فقال الإيمان بالله والجهاد في سبيله وسئل عن أفضل الناس فقال
مؤمن يجاهد بنفسه وماله فى سبيل الله وقال مبينا ثواب هذا الجهاد لا يجتمع غبار الحرب في سبيل الله ودخان نار جهنم في جوف عبد مؤمن " فالمجاهد ناج من نار جهنهم كما قال
عينان لا تمسها النار عين بكت من خشية الله وعين سهرت تحرس في
سبيل الله
أيها الإخوة المؤمنون
إن رسول الله الا الله يوازن بين ألوان التطوع من العبادات وبين الجهاد فيرجع جانب الجهاد في ذلك المشهد الذى عاش واقعه أحد الصحابة إذ مر فى الصحراء بعين من ماء عذبة فقال في نفسه سأمكث بجوار هذه العين أشرب من مائها وأكل من نباتات الصحراء وأظل أصوم النهار وأقوم الليل تقرباً إلى الله

١٤٥
ثم ذهب إلى رسول الله لا يستشيره فقال له رسول الله لا و لا تفعل فإن
مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من عبادته في بيته سبعين عاما اغزوا في سبيل الله من غزا فى سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة والله سبحانه وتعالى يربط الإيمان بالجهاد برباط وثيق فيجعل سبحانه الجهاد جزة من الإيمان يقول سبحانه
إنَّ الله اشترى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجنةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتُلُونَ وعْدًا عَلَيهِ حقا في التَّوراةِ والإنجيل والقُرآنِ ومَنْ أوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فَاسْتبْشِرُوا بِبَيعِكُمُ الَّذِي بَايعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفوز
[ التوبة ١١١ ]
العظيم ! إن الله سبحانه وتعالى هو المشترى والمؤمن هو البائع وموضوع العقد هو الجهاد ومكان التسليم هو المعركة والثمن هو الجنة إذ الجنة تحت ظلال
السيوف
الإيمان
اربح
وقد سجل هذا العقد فى التوراة والإنجيل والقرآن فالجهاد إذن جزء من وينتفى الإيمان عن الشخص وعن الدولة وعن الأمة إذا توانت عن الجهاد حين يدعوا الداعي إليه فالجهاد ركن من أركان الإيمان ينتفى الإيمان بانتفائه ومن أجل ذلك حينما سمع الصحابة هذه الآية الكريمة بعد نزولها قالوا البيع ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل وكانوا يتطلعون إلى الميدان حين يدعو الداعي إليه بشوق وهشاشة كأنما ذاهبون إلى عرس أو مهرجان أيها الإخوة المؤمنون من فوق هذا المنبر - منبر الأزهر الخالد - الذى كانت تلجأ إليه الأمة المصرية دائماً عند الأزمات ترجو الله سبحانه وتعالى أن ينصر وأن يوفق وأن يهدى ومن
هم

١٤٦
فوق منبر الأزهر الخالد نعلنها باسم علماء الإسلام حربا مقدسة ونعلنها جهاداً في سبيل الله ومن فوق هذا المنبر أيها الإخوة المؤمنون نرسل تحيتنا إلى القائد الأعلى وإلى جنودنا الأبطال الذين حققوا ما يشبه المعجزات – إن لم تكن معجزات - ببطولتهم وبسالتهم التي ستظل تاريخا يروى
أيها الإخوة المؤمنون
الأعداء
لقد بلغني أن أحد الضباط لف نفسه بالديناميت وأقدم ففجره فى وجها فدمر دباباته العاتية وهيأ لجند الله من حوله طريقا إلى الأمام كما هيا لنفسه عند الله الأجر وفى كتاب التاريخ جليل البطولة وشرف الفداء
المكانة وعظيم
رفیع والتضحية
أيها الإخوة المؤمنون
لقد رأى أحد الصالحين رسول الله الا الله وكثيرا ما كان يراه رأى رسول الله ذاهباً إلى المعركة مع بعض علماء الإسلام وكان مع هذا الرجل الصالح أحد الأصدقاء حين الرؤية فقال له أعلنها للملأ بلغها للسيد الرئيس وأعلنها
لكل المسلمين أيها الإخوة المؤمنون
باسم علماء الإسلام بعامة نعلن أن الحرب التى نخوضها فريضة عينية على جميع المسلمين في جميع أقطار الأرض على كل مسلم وعلى كل مسلمة وعلى كل دولة وعلى كل جماعة وعلى كل قطر وأنه إذا قصرت دولة من الدول في هذه الحرب فقد خرجت على الله ورسوله خرجت على تعاليم الله وتعاليم رسوله إننا ندعو باسم الأزهر وباسم علماء الإسلام جميع الدول الإسلامية في أى موقع من أرض الله أن تبذل أقصى ما تستطيع تبذل أقصى ما تستطيع من المال

١٤٧
تبذل أقصى ما تستطيع من السلاح تبذل أقصى ما تستطيع من الرجال وهذا البذل فرض محتم وواجب مقدس وقد آن الأوان أن تنفق أموال المسلمين المكدسة في البنوك الأجنبية في سبيل الله
أيها الإخوة المؤمنون إنه ما دامت هذه الحرب الإسلامية بكل ما تحتمله من أبعاد فإن منطق الإيمان لا يرضى بالاكتفاء من بعض الدول الإسلامية بكلمات التشجيع أو بكلمات الثناء وإنما يرضى هذا المنطق بالعمل الجاد

وحيا الله الملوك والرؤساء الذين بذلوا الكثير من المال والنفس والسلاح ولهم الجزاء عند الله سبحانه وتعالى وعنده وحده الجزاء الأوفى وسيبقى لهم ما قدموه سطورا معطرة في سجل التاريخ تتناقله الأجيال بالشكر الجزيل والثناء
المستطاب أيها الإخوة المؤمنون
إن مصر معقل الإسلام إنها حصن الإسلام الحصين إن الثقافة الإسلامية في كل جانب من جوانبها وبعد من أبعادها تتركز في مصر فمصر إذن قلب الإسلام النابض وعلى كل مسلم أن يسهم في معركتها بقدر ما يستطيع لا يستصغر ما يبذل في سبيل الله لا يستصغره ولا يستعظمه أيضًا وكل بذل في سبيل الله في هذه المعركة هين وله قيمته في طاقة الدفع أيها الإخوة المؤمنون
ولا يتأتى أن يكون أبطالنا في المعركة يجاهدون بأنفسهم ويبذلون دماءهم رخيصة في سبيل الوطن لا يتأتى أن يكون ذلك ونحن الجبهة الداخلية نسعى في تكديس المواد الاستهلاكية إن الإيمان له مقتضيات ومن مقتضيات الإيمان أن

١٤٨
نوفر لأبنائنا وإخوتنا فى الميدان مقتضيات الإيمان أن نوفر لأبنائنا وإخوتنا في الميدان كل ما يحتاجون إليه بل إنه يجب أن نجوع من أجل هذه الغاية الشريفة يجب أن نرقى إلى مستوى الأبطال وأن نكون على مستوى المسئولية في المعركة وقد ظلت الإنسانية دهوراً لا تشرب الشاى وهناك الكثيرون الذين لا يأكلون اللحوم ولم يضرهم عدم أكلها
إننا من هذا المكان الطاهر توجه نداءنا إلى كل ربات البيوت وإلى كل رب أسرة أن تكون القناعة وأن يكون التقشف رائدنا فى هذه الفترة الحاسمة التي نخطو فيها إلى استرداد أرضنا وكرامتنا
ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفق قائدنا الأعلى إلى خير ما يصبو ونصبو إليه في حكمة وسداد كما هو شأنه دائماً وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم
تفلحون
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين أيها الإخوة المؤمنون
إننا نخوض حربًا مقدسة والذين يخوضون حربا مقدسة لا يسرفون ولا يبذرون فإن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وها هو العيد مقبل وقد تعودنا عادات ليست من الإسلام وليست من الدين في شيء فعلينا أن نتدبر ذلك وأن ترقى إلى مستوى المسئولية فلا ينبغي أن يكون الأبطال هناك على أرض المعركة يبذلون الدماء والأرواح ونحن هنا لا هم لنا ليل نهار إلا أن نشبع البطون ونمتع الأنفس إن ذلك فوق أنه إثم كبير فهو عمل

124
يجب أن تترفع عنه من ناحية ومن ناحية أخرى نشغل أنفسنا بما تحتاجه المعركة من وعى وعطاء
وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يهبنا الاستعلاء على أنفسنا الأمارة بالسوء وأن يهدينا سواء السبيل وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه وأن ينصر جنودنا الأبطال وأن يدعم النصر لهم وأن يوفق قائدنا المظفر الرئيس محمد أنور السادات الذي تقدم نحو الهدف المطهر لا يحيد عنه ولا يحول ليرفع الخزي والعار عن عرض العرب وجميع المسلمين وأرضهم وفقه الله ونصره وهدانا سبحانه وتعالى إلى ما فيه خير ديننا ودنيانا كما نسأله عز وجل أن يعز ملوك ورؤساء العرب والمسلمين وأن يوفقهم دائماً إلى ما يحب ويرضى إنه سبحانه وتعالى سميع قريب مجيب الدعاء
جميع
- نداء إلى قواتنا المسلحة
يا جنودنا البواسل
يا أمل الأمة ورجاءها
يا حماة كرامتها وشرفها
إليكم تتطلع أنظارنا وأنظار العالم فى مشرق الأرض ومغربها يشدها جلادكم ويثيرها صمودكم فقد ضربتم أروع الأمثال بما سجلتم من خالد البطولة وما بذلتم وتبذلون من أغلى التضحيات وهيأتم لأمتنا على طريق النصر
أكرم مجال
يا جنودنا البواسل
يا أمل الأمة ورجاءها

۱۵۰
يا حماة كرامتها وشرفها
إِنَّ الله اشْتَرى مِنَ المؤمنينَ أَنفُسَهُمْ وأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيهِ حَقًّا فِي التَّوراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ

مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعظيم ولقد تمنى رسول الله الله أن يجاهد في سبيل الله فيقتل ثم يعود إلى الحياة ويجاهد فيقتل ثم يعود إلى الحياة ونجاهد فيقتل
وذلك لما للجهاد عند الله من أسمى المنازل وأشرفها وكل إنسان إذا انتهت حياته ولقى الله لا يحب أن يرجع إلى الحياة إلا المجاهد فإنه إذا لقي ربه أحب أن يعود إلى الحياة مرة أخرى ليجاهد وذلك لما يرى منزلة المجاهدين عند الله وفضله
عليهم يا جنودنا البواسل
يا أمل الأمة ورجاءها
يا حماة كرامتها وشرفها
إن الجهاد في سبيل الله شرف لا يدانيه شرف فوق أنه واجب مقدس يفرضه الدين ويحث عليه ومنزلته عند الله لا تدانيها منزلة بالإضافة إلى أن ثوابه عند الله
موفور
حرم
اسمعوا معى
قول رسول الله من اغبرت قدماه للجهاد في سبيل الله
الله سائر جسده على النار
وتأملوا معى قوله أيضًا مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت
بآيات الله لا يفتر من صيام ولا قيام
يا جنودنا البواسل

151
يا أمل الأمة ورجاءها
يا حماة كرامتها وشرفها
أرأيتم كيف هيأ الله لكم أكرم المواقع من رضاه وفضله إنها لمنزلة يتطلع إليها بشوق عظيم كل فرد فينا ويغبطكم عليها
بارك الله خطاكم وأنجح مسعاكم فأنتم في سبيل الله تقاتلون ولرايته راية الحق تنصرون فأنتم أولياء الله وعدوكم حليف الشيطان وصدق الحق جل
جلاله
الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أولياء الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا
يا جنودنا البواسل يا أمل الأمة ورجاءها
يا حماة كرامتها وشرفها
[النساء ٧٦]
أنتم لا تواجهون العدو وحدكم ولا تقاتلونه وحدكم إنما يقاتل معكم ملائكة الله لأنكم تقاتلون في سبيله وتنصرون دينه وتردون المقدسات إلى أهلها وكما قاتلت الملائكة مع صفوف المؤمنين يوم بدر فإنها اليوم تقاتل معكم وتضرب أعداء الله معكم وما يعلم جنود ربك إلا هو وحده سبحانه وتعالى فإلى الأمام دائما والله معكم موفقا ونصيرا

١٥٢
-0
قاتلوهم يقول الله تعالى
آباء هم أو أ
ا لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ واليوم الآخرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا أو أَبْنَاءَهُمْ أوْ إِخْوانَهُمْ أو عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وأَيدَهُم بروحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ ألا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ
أيها الإخوة المؤمنون
[المجادلة ٢٢ ]
إن في أول قائمة الذين يحادون الله ورسوله هؤلاء المحاربين الذين يغزون أرض الإسلام
ولقد فرض الإسلام جهادهم بكل وسيلة من الوسائل بالقلب واللسان والمدفع وإنفاق المال فى سبيل التغلب عليهم وبذل النفس رخيصة في سبيل
النصر
وفي القرآن الكريم وفى السنة النبوية الشريفة آيات كريمة وأحاديث سامية هي بيانات حربية من أقوى ما يكون إنها بيانات حربية تختلف أساليبها وتتنوع فتكون في صورة وعد كما يقول
سبحانه
يأيها الذينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيم تُؤْمِنُونَ باللهِ وَرَسُولِهِ وتُجَاهِدُونَ فِي سَبيلِ اللَّهِ بِأمْوالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُتُمْ تَعلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ويُدْخِلُكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ

١٥٣
طيبة فى جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفوز العظيم وأُخرى تُحِبُونَها نَصْرُ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ
قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ
أو في صورة وعيد كما يقول رسول الله
الصف ١٠ - ١٣ ]
من لم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق وكما يقول الحق تبارك وتعالى
إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ
أو فى صورة أمر كما يقول سبحانه
[ التوبة ٣٩]
انفرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وجَاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهُ ذَلِكُمْ خَيْر
[ التوبة - ٤١]
لَّكُمْ إِنْ كُتُمْ تَعْلَمُونَ ولقد استفاض القرآن الكريم واستفاضت السنة النبوية الشريفة في هذه البيانات المختلفة وبذلك أحاط الله ورسوله أمر الجهاد بكل ما يكفل للمسلمين النصر بإذن الله ابتداء من الجانب المادى وأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُمْ مِن قوة إلى

الجانب الروحي الذي استفاض فيه كثيرًا وتحدث عن مبادئ اجتماعية وأخلاقية منه هي أسباب ووسائل للنصر ولقد تحدث عن وحدة الأمة والثبات عند اللقاء وذكر الله والطاعة وعدم التنازع - يقول سبحانه
يأيها الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةٌ فاثبتوا واذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وأطيعوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الأنفال ٤٥ ٤٦٠]
الصابرين

١٥٤
٦ - معركة بدر ومعركة العاشر من رمضان
إنني كلما فكرت في معركتنا هذه تذكرت معركة بدر في زاوية من زواياها
هي عناية الله بجيش المسلمين فى كل منهما وكما وضحت عناية الله في بدر وضوحاً سافرا فإنها وضحت وضوحًا لا لبس فيه فى معركتنا الحالية لقد تجلت عناية الله فى معركتنا الحالية فى العبور بصورة أذهلت كل العالم إنها أذهلت إسرائيل أولا وأذهلت الدنيا لما يعلمه الجميع من أمر الملايين التي أنفقت على خط برليف ولما يعلمونه من أمر الطيران الإسرائيلي ولما يعلمونه
من
أسلحة الجيش الإسرائيلي
ولفد صدق في هذا العبور قول الله تعالى
وظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهمْ حُصُونهم مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتِيبُوا وقدف في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُحْرِبُونَ بُيوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى المؤمِنينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولى
وَقَذَفَ
الأبْصَارِ
[الحشر ٢]
وبدت عناية الله واضحة فى هذه الروح المعنوية القوية التي تملكت جيش مصر
وهو يعبر
إن جيش الإسلام هذا كان شعاره فى العاشر من رمضان - ولا يزال - هو الله أكبر
وهذا الشعار جعل جنودنا لا يبالون بما أشاعه اليهود من دعاية تقول باستحالة العبور فأقدموا في ثبات المؤمن وفى قوة الموقن يعبرون مؤمنين بقوله تعالى هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحَسَنَيَيْنِ

١٥٥
والحسنيان هما
۱ - النصر
٢ - الاستشهاد وتجلت عناية الله فما بعد العبور ومن عناية الله فيما بعد العبور حادثا شاهدنا آثاره نحن علماء الأزهر بأنفسنا حينما ذهبنا إلى الجبهة وعبرنا القناة إلى الضفة الشرقية وأقمنا صلاة الشكر على أرض سيناء الطاهرة وصلينا على أرواح
الشهداء
لقد رأينا موقعاً كانت قيادة إحدى الفرق الباسلة تخندق فيه وعرف اليهود بوسائلهم الاستكشافية أن هذا المكان به قيادة الفرقة فأخذت طائرتهم تضرب فيه القنابل ثلاث عشرة ساعة متوالية وكانت زنة بعض القنابل ألف كيلو وكانت تلقى صواريخ يخرج من كل منها ثمانية وستون قنبلة صغيرة تنتشر في المكان ماذا كانت النتيجة ما هو حصاد ثلاث عشرة ساعة من الضرب المتواصل
لم يستشهد من أفراد القيادة أحد لقد أحاطت عناية الله فكانت القنابل
مهم
تسقط يميناً أو يسارًا وكان مفعولها ينتهى على بعد متر أو مترين من خنادق القيادة واستشهد أربعة من الجنود
سبحانك ربي لك الحمد ولك الشكر
ومن عناية الله هذا الماء الذى تفجر حينما اشتدت حاجة الجيش الثالث إلى تفجرت عين بالسويس وتفجرت عين فى سيناء بالقرب من عيون موسى عليه السلام ويذكرنا هذا بما فعله الله فى بدر والذى يقول عنه
الماء
سبحانه

10
ويُتَرلُ عَلَيْكُم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ليطهركُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُم رِجْزَ الشَّيْطَانِ وليربط عَلَى قُلُوبِكُمْ ويُثبت بِهِ الأَقْدَامُ
[الأنفال ١١ ]
وإن من عناية الله تعالى برفع الروح المعنوية فى الجيش أن أراهم شهداء المعركة وقد مر عليهم ثلاثة أيام أو أربعة فلم يتغير لهم جسد وكانت تلوح على وجوههم
صورة البراءة والرضا
وكما قال الله لأهل بدر
ولقدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ
فإنه يمكن أن نقول
[آل عمران ۱۳ ]
لقد نصرنا الله فى العاشر من رمضان بعد أن كان المصرى في مصر وفى خارج مصر يطأطئ رأسه كلما ذكرت معركة ٦٧ والناس لا يرحمون ودعاية اليهود لا تهدأ بالسخرية بمصر ويجيش مصر

وبدلت موازين
جاءت معركة العاشر من رمضان فغيرت الأوضاع التقدير لقد حطم الجيش المصرى الحصون وحطم الدعاية وحطم كبرياء العدو وجعل صوت النصر والعزة والكرامة يدوى عاليا في جميع أرجاء الدنيا وتجلت عناية الله فى هذا التضامن الرائع الذى ظهر في أكرم مظهر موحد بين الإخوة العرب وجزى الله هؤلاء القادة خير الجزاء لقد بذلوا كل شيء في سبيل
النصر
لقد بذلوا المال وبذلوا العتاد وأرسلوا الجيوش في سرعة لا بطء فيها وفى إخلاص لا يشوبه نفاق إنه الإيمان تجلى الله به فى ساعة الاختبار لقد نجح -

١٥٧
بتوفيق الله - العرب فى الاختبار وكانوا على مستوى مسئولية المؤمنين وبدا واضحا في هذا التضامن آية من آيات الله تحدث الله عنها في سورة الأنفال التي نزلت بمناسبة غزوة بدر إذ يقول سبحانه
وألف بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لو أنفقت ما في الأَرْضِ جَمِيعًا ما ألفت بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
ولَكِنَّ اللهَ أَلفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وإنه لمن الواضح أن الكلمة القرآنية الكريمة
وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ماثلة في أذهان قادتنا العرب بصورة واحدة
الأنفال ٦٣]
[الأنفال ٤٦ ]
ومها حاول الاستعمار والصهيونية العالمية وإسرائيل أن يفرقوا بين العرب ومهما بدا لبعض الناس أن هذه التفرقة أصبحت طابعاً فإن العرب لبوا نداء الله سبحانه في التضامن وظهر فيما بينهم المبدأ الإسلامي
إِنَّا المؤمِنُونَ إخوة
وقوله تعالى
[ الحجرات ١٠ ]
إِنَّ هَذه أمتكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونَ الأنبياء ٩٢ ]
وقوله تعالى
وَإِنَّ هَذِهِ أمتكُمْ أُمةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبِّكُمْ فَاتَّقُونِ
[المؤمنون ٥٢]
وشكر الله لملوك الشعوب الإسلامية ورؤساء جمهورياتها على ما قدموا في سبيل

الله من جهاد بالنفس والمال
تشابهت المعركتان في أنها حدثنا في شهر رمضان تشابهت المعركتان في أن عناية الله حفت بهما
وتشابهت المعركتان في الأسباب
ولقد كانت أسباب معركة بدر ما عبر الله سبحانه وتعالى عنها بقوله أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنهمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا من ديارهم بغير حيّ إلا أن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ
ونحن لقد قوتلنا
[ الحج ٣٩ ٤٠]

ظلمنا
٣- أخرجنا من ديارنا
وأسباب بدر هى أسباب معركة العاشر من رمضان ومعركة العاشر من رمضان معركة إسلامية أصيلة ولهذا يصدق عليها ما قاله رسول الله وقد
سئل عن أفضل الناس فقال
مؤمن يجاهد بماله ونفسه في سبيل الله
وصدق فيها قول رسول الله الله وقد سئل عن أفضل الأعمال فقال
الإيمان بالله والجهاد في سبيله
وكل جندى فى معركة العاشر من رمضان يشمله قول رسول الله عينان لا تمسها النار عين بكت من خشية الله وعين سهرت تحرس في
سبيل الله

١٥٩
أما الشهداء فإن الله سبحانه وتعالى يقول عنهم
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
ولقد جاءت أم حارثة إلى رسول الله
بدر فقالت
آل عمران ١٦٩
بعد أن استشهد حارثة في غزوة
يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة فإن كان فى الجنة صبرت وإن كان غير
ذلك اجتهدت عليه في البكاء
فقال
يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس
الأعلى
ومن
سمات الجهاد الإسلامى أنه فرض على كل الدول الإسلامية إذ كان العدو في أرض الوطن ومن أجل ذلك فإنه لا يختلف فقهاء المسلمين وعلماؤهم في أن هذه الحرب فرض على كل مسلم ومسلمة والآيات القرآنية ترشد إلى أمور - إذا كان العدو في أرض الإسلام - منها

النفير العام استجابة لأمره تعالى انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وهذه الآية الكريمة لم تدع عدرا لمعتذر فالإنسان في جميع حالاته إما أن يكون خفيفًا أو ثقيلا ومن أجل ذلك يقول علماء الأمة الإسلامية القدامى
منهم والمحدثون إن هذه الآية الكريمة لم تدع رخصة لمترخص
- ومنها الجهاد بالنفس والمال استجابة لقوله تعالى
وَجَاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

١٦٠
٣- ومنها أن يلتزم القاصي والدانى من أفراد المسلمين وشعوبهم بعدم مودة أعداء الله فإذا لم يكن ذلك انتفى الإيمان
ا لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قُلُوبِهِمُ الإيمان وأيدَهُم منه ويُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِها الأنهارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ رَضُوا عَنْهُ أولئكَ حِزْبُ الله أَلا إِنَّ حزب الله هُم المُفْلِحُونَ
بروح
فورية النهوض بالواجب
[ المحادلة
عنهم
[٢٢٠
ا لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِين يُؤْمِنُونَ بِالله واليوم الآخر أن يُجَاهِدُوا بأموالهمْ وَأَنفُسِهِم والله عليم بالمتقين إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخر وارثابت
قلوبهم فهم فى رَبِّهِمْ يَتَرددُونَ
الصمود
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
[ التوبة ٤٤ ٤٤٥٠
يأيها الذينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةٌ فاثبتوا واذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
[ الأنفال ٤٥]
٦ - ألا تضع الحرب أوزارها حتى يخرج العدو من كل شبر من أرض
الإسلام - الثقة الكاملة فى الله تعالى والثقة فى الله تعالى هى استعداد كامل من جميع الزوايا التي تؤدى إلى النصر مع الإيمان المطلق بأن النصر بيد الله وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ الله
[آل عمران ١٢٦ ]

11
وأما ما نختم به مقالنا هذا فهو ما بينه الله تعالى عن ضريبة النصر وقد بين
الله تعالى هذه الضريبة في غزوة بدر بقوله وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْر وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
إن ضريبة النصر الشكر
والشكر مظهره التقوى
والتقوى التزام ما أمر الله تعالى والانتهاء عما نهى الله تعالى ويقول الله سبحانه عن ضريبة التمكين فى الأرض
[ آل عمران ۱۳ ]
الَّذِينَ إِن مَّكَّنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وأَمروا بالمعروف ونَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ
۷ - الله أكبر
[ الحج ٤١]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المجاهدين الذي قام بالدعوة إلى الله قولا فى سبيل الله وقام بالدعوة إلى الله سلوكاً في سبيل الله وقام بالدعوة إلى الله مناضلا فى سبيل الحق المعصوم وفى سبيل الله إسعادا
للإنسانية
وبعد
فقد بدأنا معركتنا بسم الله والله أكبر ! وكان شعارنا فيها الله أكبر وكان نداء و الله أكبر - وما زال - يدوى فى سيناء أينما اتجه الإنسان فيها ولقد أرانا الله - سبحانه - من آياته الكثير فى هذه المعركة لقد وفقنا في التوقيت وكان

١٦٢
التوقيت آية من لدنه ! ولقد وفقنا فى العبور وكان العبور آية ضخمة تفضل الله
تعالى بها علينا !
لقد كانت آية العبور آية عجيبة فاق توفيق الله فيها كل تقدير ! لقد كان تقدير العقلاء الحاسبين فيما يتعلق بالاستشهاد فى العبور أن الاستشهاد يبلغ حوالى ستين ألفاً وأننا لو عبرنا - مع هذه الآلاف من الشهداء - نكون قد نجحنا نجاحاً
عظيماً
وكان تقدير المتفائلين أن الاستشهاد حوالى أربعين ألفا وأننا لو عبرنا بهذا العدد من الشهداء كان ذلك نجاحاً لا شك فيه ! وكان تقدير الواهمين يقدر له خمسة عشر ألف شهيد وكان هذا التقدير فى رأى الآخرين وهما من الأوهام وهؤلاء وأولئك يرون بمنطقهم الحسابي أن العبور ضرورة ولو استشهد نصف
الجيش !
إنها معركة مصيرية ولابد أن نضحى فيها بكل ما تتطلبه من أجل العبور
والعبور نجاح على أى وضع من أوضاع الاستشهاد !
إن خط و برليف أحكمه مهندسو الأمريكان !
لقد أحكم صنعه عباقرة اليهود الأمريكان الذين تربوا في أرقى الأوضاع العالمية وفى أرقى البيئات حضارة ومدنية ولم يبخل اليهود عليه بمال ولم يدعوا صغيرة ولا كبيرة إلا وتدبروها إنهم لم يتركوا شيئًا للمصادفة وسلحوا الخط ! سلحوه بالعتاد وسلحوه بالنابالم وسلحوه بالرجال وظنوا - كعادتهم - أنهم ما نَعتُهم حُصُونُهم مِنَ الله ! وأعلنوا ذلك لقد أعلنوا أن حصنهم خالد وأنهم من ورائه لا يقهرون وأن كل تفكير لمهاجمته - مجرد التفكير - ضرب من

١٦٣

الجنون وأعلن الغرب معهم ذلك وظن ذلك - معهم – الشرقيون والعرب
بل أيقنوا معهم بذلك ! ثم فأتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا

وكان توفيق الله سبحانه مكذبا لتقدير العقلاء المحاسبين !
وكان توفيق الله تعالى مكدبًا لتقدير أصحاب الخيال المتفائلين !
وكان توفيق الله - سبحانه وتعالى - مكذبا لوهم الواهمين ! وعبرنا بتوفيق الله وكان العبور آية من آيات الله وكان عدد الشهداء أقل من
مائتين !
أهى كرامة ! كرامة المؤمنين على الله أهى معجزة إنها آية من آيات الله ! ولو كنا قد انتصرنا فى معركة ٦٧ لما كان نصرنا آية وذلك أن اليهود من طبيعتهم الجبن ولو كنا حاربناهم لكان النصر حليفنا ولفر جنودهم هاربين ! ولكن جيشنا لم يحارب سنة ٦٧ إنه لم يؤمر بالحرب 1 وإنما أمر بالانسحاب قبل أن يحارب ! وإنما أحكمت المؤامرة بحيث دمر وهو على الأرض ! لقد كنا فريسة مؤامرة صهيونية أمريكية يهودية ولم نحارب ! ولو حاربنا وانتصرنا لما كانت آية ! وأحب الله سبحانه أن تسمع الدنيا وأن ترى آيته فكان خط و برليف وكان التسليح بالنابالم وكانت العدة وكان العتاد وكان النصر في وجه ذلك كله ورغم ذلك كله وكانت آية !! وآية

أخرى إنه بمجرد أن حدث العبور فى ست ساعات ألف الله سبحانه بين قلوب العرب والله سبحانه هو الذى ألف بين قلوبهم ولو لم يكن توفيق الله في ذلك لما تألفت قلوبهم مهما كان الإنفاق في سبيل ذلك !

١٦٤
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إذ كُنتُمْ أَعْداءِ فَأَلفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فأصبحتم بنعمته إخواناً
[ آل عمران ١٠٣]
وَأَلْفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلفتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
وَلَكِنَّ الله أَلفَ بَيْنَهُمْ
B
الأنفال ٦٣ ]
ولقد حدث العبور وفجأة شعر العرب بأنهم إخوة فهبوا في شهامة المؤمنين يعاونون ويساندون وكانوا كالبنيان يشد بعضه بعضا وكانوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى وأبانوا واقعيا أن المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله وكانوا أمة على من عاداهم وشكر
الله للجميع
شكر الله لفيصل لقد ألقى بكل ثقل المملكة السعودية رجالا ومالا وبترولا وتأييدا معنويا فى سبيل الله ودخل المعركة في أسلوب المؤمنين الحكماء ودخل المعركة ومعه قدسية الحرمين ومعه ماض طويل مفعم بالبطولات التي أضاءت في أرض الجزيرة العربية منذ أن أشرق عليها فجر الإسلام وعمر قلوب أهلها بنور الإيمان !
لقد دخل المعركة بروح عشرات من الأمجاد من أسلافه الذين أرضوا الله سبحانه في الجهاد بالنفس والجهاد بالمال جزاه الله خير ما يجزى المؤمنين المجاهدين في سبيل الله
وشكر الله لأبي مدين زعيم القطر الذى قدم في سبيل دينه وحريته مليوناً من
الشهداء !

١٦٥
زعيم
القطر الذى لم يبال في سبيل دينه وعروبته ببذل وتضحية والذي قدم
النفس رخيصة في سبيل الله والوطن فكان خالدا على التاريخ ! شكر الله لأبي مدين الذى أوقف نفقات التنمية في قطره ليقدمها في سبيل معركة العاشر من رمضان شكر الله لأبي مدين الذى أرسل العون المادى والعون الإنساني الذي أسل المال والسلاح والرجال فى سبيل الله إلى أرض معركة العاشر من
رمضان
شكر الله لأبي مدين الدى مكث أياما لا ينام ولا يهدأ متنقلا من قطر إلى قطر مؤلفًا للقلوب جامعاً للكلمة مديرًا للأمور في حكمة متزنة وفى اتزان
حكيم ! وشكر الله لزعيمنا المؤمن الذى دبر للمعركة - بتوفيق الله - منذ زمن بعيد وأعد العدة في رعاية من الله منذ أن تولى زمام الحكم وتغلب على كل ضعيف وقاوم كل تثبيط شكر الله له فى تأنيه وفى حكمته وفى تدبيره المحكم ! إنه هو الذي صمم على خوض المعركة وكان كلما عارضه المعارضون وكلما تحدث المتحدثون عن خط برليف واستحالة العبور ازداد تصميما وازداد إيماناً وثقة في الله وكان مثله كمثل المؤمنين الّذينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جمعوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ !
[ آل عمران ١٧٣]

ودخل المعركة بفضل الله – بروح خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح وبطل القادسية سعد بن أبي وقاص شكر الله له وشكر الله لكل من ساهم من قرب أو من بعد في معركة العاشر من رمضان

1
وهذا الشعور الانبعاثى بالتكاليف ساعة العسرة والذي تفجر فجأة آية
من آيات الله
وآيات أخرى !
لقد ذهبنا إلى الجبهة وعبرنا القناة وصلينا على أرض سيناء الحبيبة وكان هتاف الله أكبر !
كان يصادفنا أينما سرنا ورأينا روح جنودنا المعنوية قوية مؤمنة بالله والنصر وكان من آيات الله التي شاهدناها موقعاً من المواقع كان به قيادة فرقة من الفرق وقد علم الأعداء أن هذا موقع به قيادة الفرقة فأخذت طائراتهم تدك الموقع ثلاث عشرة ساعة بقنابل زنة بعضها ألف كيلو جرام وصواريخ يحتوى كل منها على ثمان وستين قنبلة من الأحجام الصغيرة تنتشر في المكان وماذا كانت النتيجة لم يستشهد أحد من أفراد القيادة !

إنها من آيات الله !
ثم أرأيت إلى الماء يتفجر بالقرب من عيون موسى ويتفجر أيضا بمدينة السويس حينما اشتدت حاجة الجيش الثالث إلى الماء ! إنها من آيات الله ! ثم ألم يبلغك النبأ نبأ شهدائنا ونبأ قتلى اليهود
لقد كانت تلوح على وجوه شهدائنا سمات البراءة والطهر والرضا ! ولم تتعفن جثهم برغم مرور أيام عليها ! أما قتلاهم فقد أخلدوا إلى الأرض تتمسك أيديهم بها وعلى وجوههم ذلة
ترهقهم قترة وإن التعفن والفساد ليسرع إلى جثهم ! وأخذت آيات الله تتوالى ولطف الله سبحانه في كل الظروف حتى في هذا
الجيب الذي كان فتحه لحكمة والذي تجلى فيه لطف الله في صورة واضحة

١٦٧
والذى لم يؤثر - لا ولا قلامة ظفر - فى قيمة النصر الذي أحرزنا في عبورنا القناة
وفي استلاثنا على خط و برليف
0
ولكن ! ماذا بعد ذلك
إن الله سبحانه وتعالى يقول للمسلمين بعد النصر في بدر
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

[آل عمران ١٢٣ ]
إن الله سبحانه وتعالى يقتضينا ثمنا للنصر وهذا الثمن هو شكره سبحانه وتعالى ولا يتمثل شكر الله - سبحانه - إلا فى التقوى ! والتقوى كلمة جامعة وهي في إجمال الاستجابة الله تعالى فيما أمر فنلتزمه والاستجابة لله – تعالى – فيما نهى فننتهى عنه ! ولقد سئل أحد الصحابة عن التقوى فقال للسائل أما سرت يوما في طريق به شوك
فأجاب نعم سرت
فقال له ماذا فعلت
فقال شعرت واجتهدت
فقال له فذلك هو التقوى !
إنها تشمير عن المعاصي واجتهاد في الطاعات !
الطاعات - في الدرجة الأولى - الجهاد في سبيل الله ومن
ومن الطاعات فى الجهاد الاستعداد المادى فى العتاد والعدة وفي التدريب
المحكم وفى التدبير المتبصر لكل أمر بل ولكل احتمال أو شبيهة احتمال
ولكن التقوى - وهى مظهر الشكر على النصر - إذا كانت تتمثل في الجهاد
4

١٦٨
فإنها تتمثل خير تمثيل أيضًا في العمل على إقامة شرع الله في النفس وفى المجتمع ولابد من إلقاء بعض الضوء على هذا الموضوع
إن العمل بالتشريع الوضعى في بلاد الإسلام ابتدأ مع ابتداء الاستعمار فإنه حينما احتل المستعمرون أرض الإسلام بدعوا يهدمون كل ما يقوى الشعور الإسلامي في النفوس ومن أجل ذلك غيروا القوانين الإسلامية وأتوا بقوانين أوربية الزموا بها أهل الأوطان المحتلة وأتوا بقضاة من بلادهم يحكمون بقوانينهم وينشرون تشريعهم ولم يكتفوا بذلك وإنما أنشئوا مدارس لتعليم القوانين الأوربية وأصبحت هذه المدارس كليات حينما أنشئت الجامعات وهى كلية الحقوق وهذه الكليات تدرس القوانين الأوربية وتنفق عليها الدولة لتخرج قضاة ووكلاء نيابة ومحامين تخصصوا في التشريع الأوربى واستمر الأمر كذلك سنين طوالا فبدا على مر الزمن وكأنه أمر طبيعي وأصبح انفصال المسلمين عن شريعتهم وإحلال شريعة أوربا محلها أمراً عادياً ولا يجدون غضاضة في إنفاق الأموال الطائلة على كليات تفصلهم عن تشريعهم الإسلامي وما من شك في أنهم كانوا مغلوبين على أمرهم أيام أن كان الاستعمار جائماً على صدور الأمم الإسلامية يأمر فيها وينهى ولكن الاستعمار قد خذله الله وانهزم ورجع المستعمرون إلى بلادهم
وكان من الطبيعى أن يزيل المسلمون آثار الاستعمار في
أمة
التعليم الذى وضع المستعمر برامجه لتخرج مجرد موظفين وأن يزيلوا آثاره في اللغة التى كان يحاول أن يقضى عليها كما فعل في الجزائر وأن يزيلوا آثاره في الأخلاق التي حاول أن ينزل بها إلى مستوى لا تنهض معه
وأن يزيلوا آثاره في التشريع الذى جعله أوربيا وأحله محل شريعة الإسلام

19
ومهما تكن مقاومة آثار الاستعمار في ميادين مختلفة مما أفسده فإن مقاومة هذه الآثار وإزالتها في مجال التشريع لا نجد لها أثراً في وزارات العدل في مختلف الأقطار الإسلامية ولا نجد لها أثراً فى دوائر القضاء
به
ومن سخرية الأقدار أن يقول قائل وأين هو القانون الإسلامي الذي نحكم
إن القانون الإسلامي في كتب الفقه الإسلامي وكتب الفقه هذه كتب عربية ألفاظها عربية وجملها عربية وخطها عربي
ولقد وصل الأمر بالاستعمار أن صاغ خريجي كليات الحقوق بحيث لا يفهمون - بعد الليسانس - كتاباً عربياً فى المواد التشريعية وليس الأمر بغريب !! أندرى أيها القارئ الكريم أن جدول التدريس في كليات الحقوق يخصص عشرين محاضرة فى الأسبوع للقوانين الأوربية ومحاضرتين فقط للشريعة
الإسلامية أترى لو أنشئت هذه الكليات فى فرنسا أو فى إنجلترا أكانت تفعل أكثر من ذلك وهذه الكليات هى السر فى تخلفنا فى مجال التشريع وذلك أنها دمغتنا بالتبعية للمشرعين الغربيين ندور في فلكهم ونسير على خطواتهم والتشريع الإسلامى من مفاخر الحضارة الإسلامية ورجاله من نوابغ المفكرين فى العالم لكننا الآن بعد ذلك النبوغ وتلك العبقرية قد أصبحنا أتباعاً
مقلدين
وهذا الموضوع أطرحه أمام القادة ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فيما يتعلق
بهذه الكليات
ولكن السؤال الملح الذي يطرح نفسه بعد ذلك هو ما حدث في غيبة التشريع

۱۷۰
عن
الإسلامي ماذا حدث شركله وإننى حينما أتحدث عن فترة غيبة التشريع الإسلامى التي مازالت مستمرة لا أتحدث عن مصر وحدها وإنما أتحدث كل الدول التى غاب عنها التشريع الإسلامى ومازال غائباً أتحدث عن كل من الدول التى تنتسب إلى الإسلام وقد ألغت شريعة الله فيها ماذا حدث في غيبة التشريع الإسلامي
1 - حدث كل هذا الرجس الذى نراه ونشاهده أينما سرنا في المعاملات وفى السلوك في العقيدة وفى الاستهتار بالقيم الدينية استهتاراً بلغ من شأنه أن أصبح الإلحاد في دين الله من الأمور التي تمر فلا تسترعى الانتباه الإلحاد في كفراً وارتدادا والإلحاد في دین الله استهتاراً ٢ - والإلحاد في دين ! الله جدلا في الحدود القاطعة التي فرضها الله عقاباً على
الجرائم
بالقيم
الدينية
الله دین
وإذا أخذنا الآن بعض الأمثلة فإننا نقول إن قطع يد السارق أمر فرضه الله لا خلاف فيه وهو علاج ناجع ضد السرقة ويكفى أن يرى الناس الجد في التنفيذ يكفى أن تقطع يد سارق أو اثنين أو عدد لا يصل إلى أن يعد على أصابع اليد فتمتنع السرقة نهائيا وقد تمر أعوام لا تقطع فيها يد وذلك أن طابع الجد يجعل كل من تسول له نفسه السرقة ينظر إلى يده فيتخيلها مقطوعة فيرهب ويهرب من مجرد التفكير في
الأمر
ولكن ذوى التفكير المنحرف يهرجون بأن الأيدى سيقطع كثير منها فتكون البطالة وتقل الأيدى العاملة ويقل الإنتاج ويستمرون في هذا التهريج كلما دعا داع إلى كتاب الله

۱۷۱
وفى غيبة التشريع الإسلامى أنشأت الدول المستعمرة في بعض الأقطار الإسلامية مزارع ومصانع لإنتاج الخمور والخمر على حد الوصف في القرآن رجس مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
قليلها حرام وكثيرها حرام واتخاذها كدواء حرام فما جعل الله دواء أمتى - كما قال رسول الله الا الله - فيما حرم عليها وقد ذهب الاستعمار إلى غير رجعة وكان الواجب على هذه الدول أن تغير الوضع الاقتصادي فيها فتقضى على المزارع والمصانع التي أعدت من قبل لإنتاج الخمر
فلابد من تحريم ما وصفه الله بأنه رجس من عمل الشيطان في كل الدول
الإسلامية
٣ - وفى غيبة التشريع الإسلامى كان هذا الطوفان من العرى ومن كتب ومن هذه الأفلام التي تثير الغرائز وتفسد الشباب والتي تنفق عليها الدول أموالا طائلة وتخسر الملايين في سبيل ذلك
الجنس
ومن المصائب التي تبكى أن يفكر فى إنشاء مسرح في ميدان سيدنا الحسين والأزهر وهو ميدان له قدسيته الدينية وفى شهر رمضان شهر الطهر والتقوى كان إنشاء مسرح للمطربين والمطربات و و من صميم الدين وقيل إن الإذاعة ستذيع ما يقال وما يعرض فى هذا المسرح وكان الأولى أن يقام سرادق للقرآن أو للدعوة الإسلامية والله الهادى إلى طريق الرشاد
٤ - وفى غيبة التشريع الإسلامى كان الربا وكثرت الرشوة والاختلاسات وكان كل هذا الرجس الذي تعيش فيه بعض الأقطار
يا قومنا قد أعلنت دولة العلم والإيمان وتنفس الصالحون الصعداء وأعلنوا

۱۷
حمدهم الله وأعلنوا شكرهم لصاحب دولة العلم والإيمان – حفظه الله ووفقه إلى ما يرضيه
ولكن كثيرا ممن بيدهم الأمر لم يتعمقوا فى فهم هذا التوجيه الكريم وكان الواجب عليهم منذ إعلان دولة الإيمان أن يطهروا مباشرة كل المرافق والمؤسسات مما لا يتناسب مع الإيمان فى السينما وفى المسارح وفى التليفزيون وفى الشارع وأن يزيلوا دور النساء من كل حي
هذا ما نرجو ! ! إن إعلان دولة العلم والإيمان موجه لكل فرد ولكل مؤسسة إنه موجه لمجلس الشعب ولكل وزارة ولكل وزير ولكل محافظ فعليهم جميعاً - وهو إعلان صادر من الرئيس الموجه - عليهم أن يستجيبوا له استجابة فورية لا تقبل التسويف وفى همة لا تقبل الفتور
ومن أوائل ما يستجاب العودة إلى التشريع الإسلامي
ولننظر إلى كلمات الله تعالى
L
فنجده سبحانه يقول
وَمَن لَمْ يَحكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئكَ هُمُ الظَّالِمون
ويقول ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئكَ هُمُ الفَاسِقُون ويقول ومَنْ لَم يَحكُم بما أنزل الله فأولئكَ هُمُ الْكَافِرُون ويقول فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنونَ حَتَّى يُحكموكَ فِيمَا شَجَرَ بَينهم ثم لا يَجِدُوا
في أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضيت ويُسلموا تَسْلِيماً
والواقع أن الحكم بما أنزل الله هو إقامة حدود الله والله سبحانه وتعالى يقول في الصفات الإيمانية عن المؤمنين والحافظون الحدود الله

۱۷۳
وحفظ حدود الله وإقامة حدود الله إنما هي لكل إنسان بحسب موقعه في
المجتمع
فإذا ما طبق المجتمع حدود الله والتزمها فإن الله سبحانه يمده بنصر دائم وهو سبحانه يمد بهذا النصر الفرد إذا التزم حدود الله ويمد به المجتمع إذا طبق حدود الله وقد أبان الله سبحانه وتعالى ذلك أنه سبحانه يقول وَلِينْصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنَّ مَكَّنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أقامُوا الصَّلاة وآتُوا الزَّكَاةَ وأمرُوا بالمعروفِ ونَهُوا عَنِ المُنكَرِ وَالله عَاقِبَةً
الأمور
أما دوام النصر فإن الله سبحانه وتعالى يقول عنه
[ الحج ٤٠ و ٤١]
وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلهم ويمكنن لهمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُمْ وليبدلهم مِن
بعد خوفهم أمناً
وما من شك في أن النصر من عند الله وحده ر مَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ الله
وما من شك فى أنه إذا نصر الله فلا غالب لمن نصره إن ينصركُمُ الله فَلَا غَالِبَ لَكُمْ
الور ٥٥]
ولقد وضع سبحانه قوانين للنصر ووضع قوانين لدوام النصر وكلها تتركز في
طاعته فيما أمر وفى الانتهاء عما نهى

١٧٤
أيها الإخوة المؤمنون إن قوله تعالى
وَلَقَدْ نَصَرَكُم الله يبدْرٍ وأَنتم أذِلَّةٌ فاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ يجب أن يدوى دائماً في آذاننا وأن يكون دائما على الستنا وأن تمتلى به قلوبنا وأن نحقق التقوى وإن الذين يحبون أن يكونوا في عداد من رضى الله عنهم ورضوا عنه لن يصلوا إلى هذا الرضوان إلا إذا عملوا على نشر كلمة الله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً والطريق أمامهم مفتوح للعمل والنشاط
رضی

ويكفى إرادة الخير ونية الخير ليصلوا إلى مرضاة الله وليكونوا في زمرة من
الله
عنهم ورضوا عنه ويكونوا من حزب الله !
ألاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ
وبعد

فلا ريب في أن جهادنا المقدس للنهوض بالمجتمع
المجادلة ٢٢ |
كل ذلك لم ينته بعد ومن أجل الوصول بجهادنا إلى غاياته التي نرجوه لها
وضعت هذا الكتاب !
والله أرجو أن يهدى به وأن يهدى له إنه سميع قريب مجيب

الفصل التاسع
ما بعد النصر
۱ - خصائص الجهاد الإسلامي
بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين إن إمام المقربين على الإطلاق هو رسول الله الله والمقربون في الجو الإسلامي يراعون في سلوكهم كل ما يصدر عن رسول الله الله من قول أو حركة أو سكون أو حال من أحواله أعلن
عنه

وكان المقربون حريصين كل الحرص على العناية بكل أمر من أمور رسول الله فيما يتعلق بالجانب الروحى وفيما يتعلق بالجانب المادي أو الجانب الشكلي وما من شك أن فى الجانب الديني من حياة الرسول عل كان مركز اهتمامهم ولكن الجانب المادى والشكلى من حياته ل نال من عنايتهم حظا كبيرا ولقد وصل الأمر بالمقربين - فيما يتعلق بملاحظة شئون رسول الله إلى درجة أنهم كانوا يعرفون كم شعرة بيضاء في رأسه الشريف الله والمجتمع الإسلامي الصادق يقوم على أسس من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ورسول الله هل هو الصورة التطبيقية للمبادئ القرآنية وهو صلوات الله
۱۷۰

١٧٦
وسلامه عليه في قوله وفعله شرح للقرآن
وكما يتبع الصوفية كتاب الله سبحانه فإنهم يتخذون رسول الله عله أسوة متبعين في ذلك قول الله تعالى
لقدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ لَمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَومَ الآخِرَ وَذَكَر

الله كثيرا ولقد كان رسول الله له الا الله إمام المجاهدين لأنه إمام المقربين وأقرب المقربين عند الله - في الجو الإسلامي - هو أقربهم من سلوك رسول الله له في الجهاد وفى غير الجهاد من المبادئ الإسلامية
ولقد كان الجهاد رسول الله الله سمات منها أنه
۱ جهاد وليس بحرب أى أنه جهاد من أجل مبادئ لا من أجل استعلاء أو غلبة أو استعمار وهذه المبادئ هى الحق والخير بأشمل وأوسع معانى الحق
والخير ومن أجل ذلك وصف هذا الجهاد بأنه مقدس ونحن في حربنا الحالية نعلنها باسم الله وعلى بركة الله جهادًا مقدسًا إننا نعلنها باسم علماء الأزهر وباسم علماء الإسلام عامة جهادًا مقدساً ولأنها جهاد مقدس فإننا نعلن - باسم علماء الإسلام عامة - أنها فرض على
كل مسلم ومسلمة وعلى كل دولة وشعب وندعو إلى المساهمة الواجبة فيها
جميع
المسلمين في جميع أنحاء العالم ب ومن سمات جهاد رسول الله الله أنه جهاد متفائل أنه متفائل مهما كانت الظروف وهل هناك ظروف أقسى من ظروف معركة الأحزاب لقد تجمعت جيوش المشركين بدعوة اليهود واشتراكهم ومؤامراتهم من أجل القضاء على الإسلام وكان الإسلام لا يكاد يعدو المدينة المنورة وكان في المدينة منافقون

۱۷۷
ومع كل الظروف التي أحاطت بالمسلمين في هذه الغزوة التي يعرفها في شدتها وقسوتها كل من قرأ السيرة فإن رسول الله الا الله كان متفائلا وقد حدث ما يلى مما يدل على مدى تفاؤل رسول الله بالنصر
يقول ابن إسحاق 1 وقد كان في حفر الخندق أحاديث بلغتنى من الله فيها عبرة في تصديق رسول الله الا الله وتحقيق نوبته عاين ذلك المسلمون وهذا الذي قاله ابن إسحاق حق كله وذلك أن رسول الله قسم الحفر بين المسلمين وجعل لكل عشرة أربعين ذراعاً يحفرونها ومن لطيف ما حدث أن المهاجرين والأنصار تنازعوا سلمان الفارسي رضي الله عنه فكان كل مهم
يقول سلمان منا فقال رسول الله سلمان منا أهل البيت ولقد كان سلمان وعمرو بن عوف وحذيفة والنعمان بن مقرن وستة من الأنصار في أربعين ذراعاً فحفروا حتى إذا بلغوا الندى الأرض الطيبة ظهرت لهم صخرة بيضاء مروة براقة تقدح منها النار فكسرت حديدهم وشقت
عليهم
بسم
فذهب سلمان إلى رسول الله الله فأخبره عنها فجاء رسول الله فأخذ المعول من سلمان وقال بسم ا الله وضرب الصخرة ضربة صدعها وبرقت منها برقة أضاءت فقال رسول الله الحمد لله فتحت فارس والله إنى لأرى المدائن وقصرها الأبيض من مكانى هذا ثم قال الله وضرب الثانية فصدعها مرة أخرى وبرقت منها برقة أضاءت فقال رسول الله الحمد الله فتحت الشام والله إنى لأرى قصورها الحمر من مكانى هذا ثم قال سم الله وضرب الثالثة فصدعها صدعا انهارت منه فقال الحمد لله فتحت اليمن والله إلى لأرى صنعاء من مكانى هذا فكبر المسلمون تكبير فتح واستبشروا

۱۷۸
وقالوا الحمد لله موعود صادق وهذا حقا
موعود صادق فقد فتحت كل هذه الأقطار وتحقق ما بشر به
رسول الله إنها بشرى وإنها معجزة وهى تفاؤل لا مرية فيه حـ ومن السمات البارزة فى الجهاد الإسلامي توطين النفس في تصميم لا شك فيه على النصر أو الاستشهاد هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الحُسْنَيْن
والحسنيان هما النصر أو الاستشهاد
[ التوبة ٥٢]
والاستشهاد من الأمور التي يحبها دائماً المجاهدون في سبيل الله وهو أبغض شيء بالنسبة إلى اليهود الذين يصفهم الله سبحانه وتعالى فيقول يأيها الذينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةٌ فَاثْبُتُوا
الأنفال ٤٥]
أما المؤمن الصادق الإيمان فإنه يستجيب إلى قول الله تعالى يأيها الذينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةٌ فاثبتوا وما من شك في أن الثبات قوة وضعفًا إنما يتبع الإيمان قوة وضعفًا ومن هنا كان من واجب الدول الإسلامية العناية كل العناية بتقوية الإيمان في النفوس إن من واجبهم ذلك دينا ومن واجبهم ذلك وطنية ومن واجبهم ذلك عزة وكرامة فإذا قصروا كانوا آئمين دينا ووطنية وعزة وكرامة
د ومن سمات الجهاد الإسلامي ذكر الله في كل لحظات الجهاد قد وجه
الله المسلمين إلى ذلك في معرض الحديث عن عوامل النصر في الجهاد
سبحانه
واذكروا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
C
فقال

۱۷۹
ويتحدث سبحانه عن موقف المؤمنين الصادقين في الجهاد فيقول
وكأين مِن نَّبِيِّ قَاتِلَ مَعَهُ رِبيُونَ كَثِيرُ فَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ومَا ضَعُفوا وما اسْتَكَانُوا والله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وما كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثبت أَقْدَامَنا وانصُرْنَا عَلَى القَومِ الْكَافِرِينَ آل عمران ١٤٦ ١٤٧ ]
ويعقب الله سبحانه وتعالى على موقفهم هذا ما منحهم من جزاء عليه فيقول فأتاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيا وحُسْنَ ثَواب الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المحسنين
[آل عمران ١٤٨]
ولقد أسعدنى أنني حينما زرت الجبهة يوم الأحد عشرة من شوال مع إخوة كرام
من علماء الأزهر كان النداء الذى يستقبلنا ويصاحبنا أينما سرنا هو
الله أكبر
وقد كان هذا النداء
هو
النداء الذي يدوى فى الجبهة ساعة عبور القناة والله
أكبر ذكر الله تعالى من أحب أنواع الذكر له سبحانه
هـ وإن من سمات الجهاد الإسلامى الالتزام بالطاعة لله ورسوله باعتبارها وسيلة لمرضاة الله ولحبه سبحانه فيتعطف ويلطف ويرعى وينصر إنه سبحانه
يقول في معرض الحديث عن عوامل النصر
وأطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
ويتحدث في صورة حاسمة عن النصر فيقول
إن تَنصُرُوا الله ينصركُم ويثبت أقدامَكُم
[محمد ٥]
ولقد أدرك المقربون فى وضوح سافر هذا العامل من عوامل النصر وقد أبان

۱۸۰
عنه سيدنا عمر رضي الله عنه في كتابه إلى سعد بن أبي وقاص رضى الله عنهما
حيث قال
أما بعد
فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراماً من المعاصى منكم من عدوكم فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من
بهم
عدوهم وإنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ولولا ذلك لم تكن لنا قوة لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان
لهم الفضل علينا فى القوة وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم تغلبهم قوتنا واعلموا أن عليكم فى سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصى الله وأنتم فى سبيل الله ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا قرب قوم سلط عليهم شر منهم كما سلط على بنى إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفار المجوس فَجَاسُوا خِلالَ الدَّيارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً
واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم أسأل الله ذلك
لنا ولكم و ومن سمات الجهاد الإسلامى عدم التزاع والاختلاف والله سبحانه يقول
في ذلك
وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
والواقع أن الأمم العربية والإسلامية - جزاها الله خيرا – ظهرت في هذه الحرب - بالمظهر الرائع الذى يحبه الله ورسوله مظهر الوحدة ضد العدو الذي دنس

۱۸۱
مقدسات الإسلام داخل بيت المقدس والمسجد الأقصى الذي باركه الله وبارك من حوله وكان أولى القبلتين ومسرى رسول الله وثالث المسجدين وأحد المساجد التي تشد إليها الرحال وبارك الله فى جهدهم وشكر الله لهم اتحادهم
وتعاونهم

إنهم أظهروا عمليا قول رسول الله الله المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخدله ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم
القيامة ومن ستر مسلما ستره الله
يوم
القيامة "
ز ومن سمات جهاد المقربين و الصبر
وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
وإن من نتائج الصبر فى الجهاد أنه فى أدنى حالات الضعف يكون فإن يكُن مِّنكُم مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائتين وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلفَ يَغْلِبُوا
ألفين
ومن نتائج الصبر فى الجهاد المقدس إمداد الله بالملائكة
الأنفال ٦٦]
بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا ويَأْتُوكُم مِّن فَورِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبِّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ بن الملائِكَةِ مُسوّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلتطْمَئِنَّ قُلُوبِكُم بِهِ وَمَا النصر إِلا مِنْ عِندِ الله
آل عمران ١٢٥ و ١٢٦]
ومن وصايا الرسول الله لابن عباس فيما يتصل بهذا المقام واعلم أن النصر مع الصير وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا

۱۸
- خصائص المجاهد المسلم
1 الإيمان أو التعبئة الروحية
يقول الله تعالى إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَن لَهُمُ
الجنة
إن هذا العهد والتعاقد بين الله والمؤمنين إنما هو عهد الإيمان يبيع فيه المؤمن نفسه وماله يقدمها إلى الله فلا يبخل بالمال فى سبيله سبحانه ولا يبخل بالنفس حينما تقتضى الظروف البذل والتضحية والفدائية
والإيمان – إذن – من شرائطه الجود بالمال والنفس هو أول خطوة أساسية جوهرية في طريق النصر بل هو خطوة بدونها لا يكون هناك قط أساس مستقيم تعتمد عليه الأمم ويعتمد عليه القادة فى سبيل اتخاذ مكان كريم بين الدول على أن القرآن لا يعد المؤمن مؤمناً صادقًا إلا إذا كان مجاهدا بماله ونفسه في
سبيل الله
إنما المومِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُوله ثُم لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ في سبيل اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ

[ الحجرات ١٥]
أما إذا كان الإيمان ضعيفًا مزعوماً متأرجحاً فإن نتيجة ذلك تكون تباطؤا عن الخروج إلى الجهاد بل تخلفا عنه لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْواهُمْ وَأَنفُسِهِم
وَالله عَليم بالمتقين إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ باللهِ واليوم الآخر وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَبِّهِمْ يَتَرَدَّدُونَ
التوبة ٠٤٤ ٤٥]

۱۸۳
بهم
بل إن وجود العناصر التي لا يملأ الإيمان أفئدتها في صفوف المجاهدين ضار
لَو خَرَجُوا فِيكُم مَّازَادُوكُمْ إِلا خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ
وفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُم
[ التوبة ٤٧]
وضعفاء الإيمان ومن لا إيمان عندهم يستخفون حين يبدأ النضال
ويتخلفون عن الجهاد فرحين بذلك
فرح المخلَّفُونَ بِمقْعَدِهِمْ خلاَفَ رَسُولِ الله وكَرَهُوا أن يُجَاهِدُوا بِأموالهم وأنفُسهمْ في سَبيل الله وقَالُوا لاَ تَنفُرُوا في الحر قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا
يَفْقَهُونَ
[ التوبة ٨١]
ويأمر القرآن الرسول الله أن يعزل هذه العناصر عن معسكر المؤمنين
وألا يأذن لهم بالمشاركة في الجهاد
فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةِ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرِجُوا مَعِيَ أبدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعىَ عَدُوا إنكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّل مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ
الخالفين
[ التوبة ٢٨٣
هذا الإيمان إنما هو إيمان إيجابي يستعد ويهيئ للأمر عدته ولا يدع صغيرة ولا كبيرة من أمر التعبئة للجهاد إلا ويحكمها ومن هنا كانت الخطوة الثانية في
طريق النصر ممثلة في قوله تعالى وَأَعِدُّوا لهم مَا اسْتَطَعْتُم مِّنْ قوة وهذه القوة لا تقتصر على القوة المادية وإنما تتضمنها وتتسع دائرتها فتشمل

١٨٤
التعبئة الروحية
ومما لا شك فيه أن التعبئة الروحية هي قوة دافعة نحو الثبات في لقاء العدو
والإقدام في شجاعة نحو تحقيق النصر
ويقول تعالى
يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةٌ فاثبتوا واذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
الأنفال ٤٥]
والتعبئة الروحية إنما تثبت دعائمها وتؤتى ثمارها حينما يكون الهدف من الجهاد واضحاً سافراً
ومن هنا كان من الخطوات الهامة التي رسمها القرآن في طريق النصر وضوح
الهدف
والهدف القرآنى من الجهاد ليس عرضًا ماديًا أو حظا دنيويا وما كانت هجرة
المجاهد لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها إنما هجرته إلى الله ورسوله ومعنى ذلك أن هدف الجهاد إنما هو إعلاء كلمة الله وكلمة الله هي الحق وهى العدالة وهي الرحمة وهى الأخوة وهي السلام العالمي بالنسبة للفرد في نفسه ودمه وماله وعرضه أو بالنسبة للأمة في كرامتها وعزتها وكل مقدساتها الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله
[ النساء - ٧٦]
والتعبئة الروحية كفيلة بأن تجعل الأمة في جهادها كالبنيان المرصوص ومن هنا كان من الخطوات التي رسمها القرآن في سبيل النصر إنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنهمْ بُنيانٌ مَرْصُوص
[ الصف ٤]

۱۸۵
وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
الأنفال ٤٦]
واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا
آل عمران ١٠٣]
فإذا ما وسوس الشيطان بنزاع أو خلاف وإذا ما تحدثت النفس بفرقة وشقاق فإن طريقة تسوية ذلك مرسومة واضحة
فإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسُولِ إِنْ كُنتُم تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ
الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلاً

[النساء ٥٩]
إن الأمة التي تنصر الله باتباعها للدين الخالص قد ضمن الله لها النصر ووعدها به ووعد الله لا يتخلف إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ ويُثبت أَقْدَامَكُمْ
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
[محمد ٧]
[ الحج ٤٠]
ومن المواقف الهامة فيما يتصل بالجهاد التفويض الله سبحانه والثقة فيه وحده والاعتماد عليه لا على النفس أو القوة المادية أو أي شيء آخر وقد أعطى الله المسلمين درسًا قاسيًا حينما اعتمدوا على قوتهم وكثرتهم وعلى
نفوسهم وعدتهم وعتادهم وقالوا لن نغلب اليوم من قلة كان ذلك في غزوة حنين ولقد صور الله الموقف تصويراً قوياً فقال سبحانه لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةِ ويومَ حُنَيْنِ إِذْ أَعْجَبَتْكُم كرتكُمْ فَلَم تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ با رَحُبت ثم وَلِيتُم مُدْبِرِينَ ثُم أَنزَلَ اللَّهُ

١٨٦
سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِه وَعَلَى المُؤمِنِينَ وأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ثم يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ
- إن الله يحب المتوكلين
التوبة ٢٥ ٢٦ ٢٧]
ب إن الله يحب المتوكلين
سئل يحيى بن معاذ - وهو من أئمة الصوفية - متى يكون الرجل متوكلا فقال إذا رضى بالله وكيلا
ويتحدث القرآن عن بعض الظروف التي ظهر فيها أن المؤمنين الصادقين هم الذين يتخذون الله وكيلا يقول سبحانه وتعالى عن المؤمنين في غزوة أحد الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسِ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا
مار
وقَالُوا حَسبنا الله ونعم الوكيل
ماذا كانت النتيجة
[ آل عمران ١٧٣ ]
إنها ما عبر الله سبحانه عنها بقوله
فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهَ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءُ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو
فَضْل عظيم
من هم هؤلاء إنهم
[آل عمران ١٧٤ ]
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا اللَّهِ والرَّسُولِ مِنَ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ
ما هي قضيتهم
[آل عمران ۱۷ ]

۱۸۷
إن مشركي مكة لما أصابوا ما أصابوا من المسلمين يوم أحد أخذوا في العودة
إلى مكة فلما استمروا في سيرهم ندموا لم لم يتمموا على أهل المدينة ويجعلوها الفيصلة
وكان من كلامهم لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم بشسما صنعتم
ارجعوا - وأرادوا العودة إلى المدينة
يعجم
ولكن أبا سفيان لم ينس يوم بدر ولم ينس أن الفئة القليلة يوم بدر غلبت ثلاثة أمثالها مع وفرة العدة فى الكثرة فأحب أولا أن يـ عود المسلمين وكان من المصادفات أن مر به ركب من عبد القيس فقال أين تريدون قالوا نريد المدينة - قال ولم قالوا نريد الميرة - قال فهل أنتم مبلغون عنى محمدا رسالة أرسلكم بها إليه أحمل هذه لكم غدا زبيباً بعكاظ إذا وافيتموه
قالوا نعم قال إذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم فمر الركب برسول الله الا الله وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قاله أبو سفيان وأصحابه فقالوا حسبنا الله
ونعم
الوكيل
قالوا ذلك واستعدوا مباشرة للقتال من جديد من كان مجروحاً ضمد جرحه
ومن كان قد كل سيفه أحده ومن كان أمره متفرقاً في نفسه أو ماله أصبح أمره جميعا واستعدوا لخوض المعركة بكل ما يملكون من وسائل وكان أبو سفيان ينتظر نتيجة الرسالة وما تحدثه من صدى ورجع واحد من
وفد عبد القيس بقول لأبي سفيان
لقد رأيتهم كالأسد الموتورة عازمة على الأخذ بالثأر - ولما سمع أبو سفيان ذلك أخذ في العودة إلى مكة طلبا للسلامة

۱۸۸
والتوكل - إذن - والمتوكلون يتخذون الأسباب ويستعدون كأكمل ما يكون
الاستعداد وأدق ما يكون الاستعداد

وقد كان الإمام القشيرى - من أئمة الصوفية - يقول
واعلم أن التوكل محله القلب والحركة بالظاهر لا تنافى التوكل بالقلب بعد ما تحقق العبد أن التقدير من قبل الله تعالى فإن تعسر شيء فتقديره وإن اتفق شيء فتيسيره
التقدير من قبل الله تعالى إذا آمن الإنسان بذلك – ولابد أن يؤمن به - فهو
متوكل
والمتوكل يتخذ الأسباب اقتداء برسول الله الله ويتلون التوكل بحسب درجاته ويأخذ اسما تبعاً لدرجته فيكون توكلاء ويكون و تسليمًا ويكون تفويضا
والتوكل بداية هذا المقام الروحى والتسليم واسطة والتفويض نهاية إن كان للثقة في الله نهاية
أنواعه
ومع ذلك فإن كلمة التوكل تطلق على كل درجاته وتستعمل في كل ومن التوكل الذى يتلون بلون التسليم ما يحدثنا به القرآن الكريم في قوله
تعالى
ولما رها المؤمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعدَنَا اللهُ وَرَسُولُه وصَدَقَ اللهُ ورسوله وما زَادَهُمْ إِلا إيمانا وتسليما
[ الأحزاب ٢٢]
لقد زادتهم رؤية الأحزاب - الجيوش الجرارة التي أتت لتهدم المدينة وتقتل من فيها - إيمانا وتسليماً

۱۸۹
ماذا فعلوا لقد سهروا ليلا وأقاموا نهاراً من وراء الخندق يرقبون حركات العدو ويستعدون لكل شأن من شئونه لقد لبسوا دروعهم وتسلحوا بسيوفهم وأقواسهم وسهامهم لقد أحكموا كل أمر من أمور الحرب بحسب طاقتهم ولكن الأمر فيما سيلمون به الله كله وَالَيْهِ يُرجعُ الأمر كله ومَا زَادَهُمْ إِلا إيمانا وتَسليمًا
إيمانا قلبيًّا وتسليما قلبيًّا
وإن من الملاحظات التي لا تخفى على قارني القرآن أن آية الأحزاب هذه سبقها
مباشرة قوله تعالى
لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوة حَسَنَةٌ لَمَنْ كَانَ يَرْجُو الله واليومَ الآخِرَ وذَكَر
الله كثيرا ولقد تابع المؤمنون الرسول مع الله في توكله واتبعوه مسلمين في استعداده وتأهبه لقد اتخذوه أسوة
ويقول الإمام سهل بن عبد الله - من أئمة التصوف - هذه الكلمات الجميلة حقا الصادقة حقاً التوكل حال النبي ع الا الله والكسب سنته فمن بقى على
حاله فلا يتركن سنته
ويقول
ه من طعن في الحركة فقد طعن في السنة ومن طعن في التوكل فقد طعن في
الإيمان
أما كيف عرف سهل نفسه التوكل فإنه قال
التوكل الاسترسال الله تعالى على ما يريد
وهي كلمة نفيسة الاسترسال مع الله على ما يريد في كل ما أراد سبحانه في

۱۹۰
الجهاد في الضرب فى الأرض طلباً للرزق في التزود من العلم في حسن
الخلق
إنه الاسترسال مع الله على ما يريد وهذا يقتضى أن يسكن الإنسان إلى النتائج بعد أن يكون قد اتخذ الأسباب بقدر طاقته ويقتضى أمرا آخر هو الابتعاد عن كل ما لا يريد سبحانه
وبعد فإن هذا التعريف لسهل رضى الله عنه يتناسق مع تعريف الإمام
حمدون القصار - من كبار الصوفية - حيث سئل عن التوكل فقال التوكل هو الاعتصام بالله تعالى إنه الاعتصام بالله تعالى في اتباع أوامره وهو الاعتصام بالله تعالى فى اجتناب نواهيه وهو الاعتصام بالله تعالى في الحركة وهو الاعتصام بالله فى النتائج أي السكون إليه في كل ذلك مع السكينة – فيما يتعلق بالنتائج
- وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه
بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين
يقول الله تعالى
قُل لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وينْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ
قبل أن يأتى يوم لأبيع فِيهِ وَلاَ خلال إبراهيم ٣١] إن الله سبحانه وتعالى يأمر المؤمنين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقيموا الصلاة أى يؤدونها أحسن وأتم ما يكون الأداء وأن ينفقوا مما رزقناهم سرا وينفقوا مما رزقناهم علانية من قبل أن يأتى القيامة الذي لا يتأتى فيه بيع ولا شراء وربح وإنفاق يتدارك به المقصر في
يوم

۱۹۱
الدنيا تقصيره أو يعوض به بخله وشحه كما لا يتأتى فيه نفع من طريق المخالطة أى الصداقة والمصاحبة والله سبحانه وتعالى يقول
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِى نَفْسٍ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُوجَدُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ وكما أكد القرآن في كثير من آياته إقامة الصلاة والمحافظة عليها فقد أكد القرآن
[البقرة ٤٨]
في كثير من آياته أمر البذل والإنفاق لقد جعله الله زكاة واجبة على من يملك النصاب وجعله صدقة فطر واجبة تؤدى حتى على الطفل الرضيع وعلى الفقير الذى لا يملك نصاب الزكاة وجعله صدقة لا تتقيد بمكان ولا بزمان ولا تتقيد بليل ولا نهار لا تتقيد بسرية ولا بعلانية
ولقد عالج الله سبحانه أمر الشح في النفس الإنسانية بشتى الوسائل وذلك
ليقلع جذوره - وهى شديدة التمكن من النفوس - من أصولها لقد بين الله سبحانه أن المال إنما هو مال الله وأن صاحبه إنما هو مجرد مستخلف
فيه والإنفاق إذن إنما هو إنفاق الإنسان مما استخلف فيه يقول تعالى
وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنْفَقُوا لهمْ أَجْرُ

[ الحديد من الآية ٧]
وبين رسول الله أنه ما نقص مال من صدقة بل على العكس من ذلك تكون الصدقة سببا فى البركة والماء وسعة الرزق

ولقد بين الله سبحانه وتعالى ذلك خير بيان حينما قال سبحانه
مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سنبلة مائة حبة واللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ والله واسع عَلِيمٌ [البقرة ٢٦١]

۱۹
ولقد بين الله سبحانه أن المنفق له أجره عند ربه في الآخرة ولكن الله سبحانه وهو واسع الفضل والإحسان يعافيه فى هذه الدنيا من الخوف والحزن يقول تعالى الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيلِ والنَّهارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةٌ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ولا نحوفُ عَلَيهم ولا هم يَحْزَنُونَ
البقرة ٢٧٤ ]
وبعد ذلك فإنه إذا كان الله سبحانه قد حث على الصدقة وحبب فيها وبين نفعها ثم وكلها بعد ذلك إلى أريحية الإنسان فإنه سبحانه جعل الزكاة من أركان الإسلام من امتنع من أدائها يحارب باعتباره مرتدًا
روى الإمام البخارى عن أبي هريرة قال
لما توفى رسول الله وكان أبو بكر رضى الله عنه وكفر من كفر من
العرب فقال عمر رضي الله عنه
كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله الله

أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد
عصم
منى ماله
ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله فقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة
فإن الزكاة حقى المال والله لو منعونى عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله الله
لقاتلتهم على منعها
الحق
قال عمر رضي الله عنه
فو الله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبى بكر رضي الله عنه فعرفت أنه
ومما يذكر هنا أن الإنفاق فى سبيل الله ليس مقصوراً على الإنفاق في الجهاد وذلك أن بناء المساجد إنفاق في سبيل الله وإصلاحها وعمارتها وترميمها والقيام عليها بكل أنواع القيام والإشراف إنفاق في سبيل الله

۱۹۳
وبناء المدارس والمساهمة فى النهوض بها تثقيفا لأبناء الوطن واستزادة من العلم الذي طلب رسول الإسلام الزيادة منه فقال الله كما عبر القرآن الكريم رَبِّ زِدْنِي عِلما
العلم الذي الذي يرفع الله درجات أصحابه مصوراً ذلك بقوله يرفع اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمِ دَرجَاتٍ نقول إن بناء المدارس إنفاق فى سبيل الله
وبناء المستشفيات إنفاق في سبيل الله
ومن أجمل ما يروى فى الآداب العالمية ما أخبر رسول الله الله فيما يرويه عن
ربه أن الله عز وجل يقول
يوم
القيامة
ه يا ابن آدم مرضت فلم تعدنى
قال يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين !
قال أما علمت أن عبدی فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته
لوجدتني عنده
وإطعام الطعام إنفاق في سبيل الله يقول تعالى فى الحديث القدسي الذي رواه
الإمام مسلم
يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني !
قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين
قال أما علمت أنه استطعمك عبدى فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندى !
وإذا كان الله تعالى يحثنا في هذه الصورة الجميلة على عيادة المريض فما بالك
بمن يبنى المستشفيات أو يساهم فيها علاجا للمرضى وتخفيفا للآلام

١٩٤
الزكاة والإنفاق
وقد سألنى سائل قائلا
ذكر القرآن الكريم أن الإنفاق في سبيل الله أحد مصارف الزكاة فهل سبيل
الله يتضمن الإنفاق في الجهاد فقلت له
إن الإنفاق في الجهاد في سبيل الله وحسناته وثوابه يضاعف يقول تعالى
مثلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أمْوالَهُمْ فى سَبيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ
سنبلةٍ مِائَةُ حَبَةٍ وَالله يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ والآية تفيد أن الله سبحانه يضاعف لمن يشاء فيزيد عن سبعمائة ضعف وذلك
تبعا لإخلاص المنفق وصدق نيته وإرادته بعمله وجه الله سبحانه

ه - ومن يوق شح نفسه فأولئك
هم
المفلحون
يقول الله سبحانه
خُذْ مِنْ أَموالهمْ صَدَقَةٌ تُظهِرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [ التوبة ١٠٣]
الصدقة هنا بمعنى الزكاة فالزكاة تطهير للنفس من الشح بالمال كما يقول تعالى ومَنْ يُوقَ شُحٌ نَفْسِه فأولئك هم المفلحونَ التغابن ١٦ ]
والزكاة تركية للنفس والله تعالى يقول قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها
وهي تطهير وتزكية للمال
روی جابر رضی الله عنه أن رجلا قال
ان
الشمس ]

١٩٥
يا رسول الله ! أرأيت إن أدى الرجل زكاة ماله فقال له من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره وما من شك في أن في المال شرا إذا لم تؤد زكاته
منها - مثلا - أنه يطغى - إنَّ الإِنسَانَ لَيطْغَى أن رآه استغنى
ولقد ضرب الله لنا مثلا من أجل العظة والعبرة !
القد
منح الله سبحانه وتعالى لإنسان جنتين من
أعناب
والقرآن الكريم يرسم صورة جميلة لثروة هذا الرجل

العلق ٧٦]
فهاتان الجنتان لهما سور من نخيل ويفصل بينهما زرع وفجر الله سبحانه وتعالى خلالهما نهرا ! كانت كل من الجنتين تؤتى أكلها كاملا غير منقوص وكانت ثمار الزرع ناضرة
يانعة
لقد كان صاحب الجنتين ثرياً واسع الثراء فلم يجعله ذلك يتواضع الله شاكرا للنعمة حامداً لله على ما تفضل به عليه وإنما جعله يطغى بل ينفصل عن الله سبحانه وتعالى فيدخل جنته ظالما لنفسه قائلا
مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا
ويستغرق فى الإنكار والكفر فينكر البعث ويقول
ومَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةٌ !
ويسلمه الإنكار إلى الاستهتار فيعلن
الكهف ٣٥]
[ الكهف ٣٦]

19
وَلَئِنْ رُدِدتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقلبا
[ الكهف ٣٦]
ولم يمهله الله بعد ذلك وَأُحِيطَ بِشَرِهِ فَأَصْبحَ يُقلبُ كَفَيهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فيها وهى خاوِيةٌ عَلَى عُروشها ويقولُ يا ليتني لَمْ أُشْرِكَ بِرَبِّي أَحَدًا
لقد دمر
الله سبحانه وتعالى ماله تدميراً !
الكهف ٣٧]
وهذا التدمير يأتي بصور مختلفة وألوان متعددة وفي كل يوم نرى أ أمثلة مختلفة لما يصاب به من لم يحصنوا أموالهم بالزكاة ولم يطهروها بأداء حق الله فيها ! ومن هذه الأمثلة البارزة ما قصه علينا القرآن الكريم إن القرآن يقص علينا
قصة أصحاب الجنة
وهذه القصة قصة قديمة حديثة إننا نقرؤها على أنحاء متعددة فى آثار الماضى ونشاهدها على ألوان مختلفة في حوادث عصرنا الراهن ! ومجمل القصة - كما يرويها القرآن الكريم - أن جملة من الأولاد ورثوا عن أيهم بستانا يانعا نضراً إنه جنة - ولما حان قطاف الثمار الناضجة الشهية وطنوا العزم وصمموا الإرادة وأقسموا على أن يستأثروا يجميع ما حملت وأن يخصوا أنفسهم بالثمين فيها والحقير ولا يدعوا لفقير ولا لمسكين فيها من حظ وسولت لهم أنفسهم وسول لهم الشيطان أنهم أحق بكل ثمرة فيها من الفقراء والمساكين أليسوا أصحاب عيال أليسوا أصحابه أسر ضخمة وكيف يطمئنون على رزقهم في الغد إن الغد مجهول ولا يدرى الإنسان ما يأتى به المستقبل من فعليهم إذن أن يمنعوا تسرب أية ثمرة من هذه الثمار إلى أيد محتاجة أو بطون جائعة
أحداث

۱۹۷
تتمثل في الفقراء والمساكين ولما ارتفع صوت أوسطهم ينبههم إلى حق الله زجروه ولم تجد كلمة الحق منه عندهم آذانا صاغية ولا قلوبًا مفتحة لقد بيتوا هذا العزم بليل وقدروا أمرًا وقدر الله أمرًا فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِف منْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فأصبحت جنتهم خراباً لا شجر فيها ولا ثمر وجاء هؤلاء الذين بيتوا المؤامرة بليل جاءوا متلصصين حذرين وَهُمْ يَتَخَافُونَ

ألا يَدْخُلَنَّها اليومَ عَلَيكُمْ مِسكين فلما رأوها وقعوا في حيرة وظنوا أنهم ضلوا الطريق وتبلبلت أفكارهم أخذا وردا فلما استيقنوا من الأمر أسقط في أيديهم وكان ذلك درسا قاسيا وكان عبرة وكان عظة في لمحات من التركيز الواعي أصبح عندهم الاستعداد الكافى لأن يرجعوا إلى الله وينيبوا إليه وهنا ارتفع صوت أوسطهم أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَولا تُسَبِّحُونَ ووجد هذا النداء آذانا صاغية وقلوبا مفتحة فنطقوا في إخلاص سُبْحَانَ رَبَّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالمين وأخذوا يستعرضون أمرهم فَأَقْبَلَ بَعضُهُمْ عَلَى بَعْض يتلاومُونَ لقد تدارسوا فيما بينهم الأمر واستنتجوا منه العظات والعبر وانتهوا إلى الوصف الصادق الذي ينطق عليهم في مؤامرتهم ضد الإنفاق في سبيل الله فقالوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ثم تابوا توبة خالصة ورجعوا إلى الله فى صدق وكانت نهاية قولهم إِنَّا إِلَى رَبَّنَا رَاغِبُونَ إن الله قد يربى بالابتلاء كما أنه قد يبتلى بالنعم والمؤمن الحق هو الذي
لا يفرح بالنعمة إلا على أساس أنها توصله إلى مرضاة الله ولا يقنط للابتلاء لأن الصبر عليه إنما هو مرضاة الله وأن المال قد يكون ابتلاء إذا أقبل وقد يكون ابتلاء إذا أدبر وقد يكون نعمة إذا أقبل وقد يكون نعمة إذا أدبر والمثل الأعلى هو ألا نجعل المال في إقباله وفى إدباره إلها يُعبد من دون الله وأن نسمو بأنفسنا

۱۹۸
وألا نجعلها من عبيد المال وأن نحررها من رق الذهب والفضة وذلك بأداء حق
الله والإنفاق في سبيله عن أبي واقد الليثى قال كان رسول الله الله إذا أوحى إليه أتيناه بعلمنا مما أوحى إليه فجئته ذات فقال الله يوم عز وجل يقول إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واديًا من ذهب لأحب أن يكون له ثان ولو كان له الثانى لأحب أن يكون له ثالث ولا يملأ جفون ابن آدم
إلا التراب ويتوب الله على من تاب
ويقول صلوات الله عليه خلقان يحبهما الله عز وجل وخلقان يبغضها الله عز وجل فأما اللذان يحبهما الله فحسن الخلق والسخاء وأما اللذان يبغضها الله فسوء الخلق والبخل وإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله في قضاء حوائج الناس
وبالله التوفيق
- الإنفاق والجهاد
روی مسلم بناقة مخطومة فقال يا رسول الله هذه فى سبيل الله فقال لك بها
والنسائى بسندهما عن أبي مسعود الأنصارى قال جاء رجل
يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة ۱
والرسول في هذا الحديث يرسم صورة لناحية خاصة من نواحي الجهاد هي الجهاد بالمال أو التجهيز - ويبين ثواب هذا اللون من ألوان الجهاد وأساس التحديد بسبعمائة ضعف قول الله تعالى مثلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ
أموالهم في سبيل الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مَائةُ حَبَّةٍ والله
۱ رواه مسلم والمخطومة ما لها رمام نقاد به

يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
۱۹۹
البقرة ٢٦١]
قال مكحول المراد بالإنفاق الإنفاق فى الجهاد من الإعداد والاستعداد
ويؤيد حديث النياق المخطومة
وقال ابن عباس فى الجهاد يضاعف الله المال إلى سبعمائة ضعف قال ابن كثير وهذا المثل - مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله - فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عز وجل لأصحابها كما ينمي الزرع لمن
بذره في الأرض الطيبة

وقد وردت السنة بتضعيف الحسنة إلى سبعمائة ضعف

أحمد روی بسنده عن أبي هريرة قال قال رسول الله الله كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى
ما شاء الله
ومن هنا يمكننا أن نقول إن ثواب الإنفاق فى الجهاد أعلى مراتب الثواب والله يضاعف لمن يشاء أى بحسب إخلاصه في عمله والله واسع في فضله عليم بمن يستحق ومن لا يستحق ولقد ركز الرسول مع الا الله على هذه الحقيقة تنشيطاً للهمم وقمعا لكل المثبطات عن الإنفاق في سبيل الله فقال من أنفق نفقة فى سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف ۱ وعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله الا الله ليلة الإسراء سار وسار معه
يوم
جبرائيل عليه السلام فأتى على قوم يزرعون في ويحصدون في حصدوا عاد كما كان فقال يا جبرائيل من هؤلاء ۱ رواه النسائى والترمذي وقال حس وابن حبان والحاكم
يوم كلما

۰۰
قال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه
ومن هنا انطلق الصحابة فى ميدان الإنفاق فى سبيل الله وتنافسوا في ذلك فكانت مظاهر رائعة - إن دلت فإنما تدل على إيمان متأصل وعقيدة
راسخة
فقد قدم أبو بكر ماله كله فى سبيل الله - فلما سأله الرسول ماذا أبقيت لأهلك - قال أبقيت لهم الله ورسوله

وقدم عمر نصف ماله - وكانت لعثمان مواقف رائدة في مجال الإنفاق في
سبيل الله
لقد حفر بئر رومة وجهز جيش العسرة فى وقت اشتدت فيه حاجة المسلمين إلى النفقة وامتنع المنافقون عنها - حتى لقد قال الرسول عل فرحا به اللهم ارض عن عثمان ما على عثمان ما فعل بعد اليوم وجهز عبد الرحمن بن عوف خمسمائة ناقة بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله وأخرج عدة آلاف من الدنانير في سبيل الله
لقد كان المال ذخيرة تبذل فى وقت الشدائد في سبيل الله وتقدم فيه مصلحة
الأمة قبل كل شيء
6
وكان هذا البذل سبيل النصر ووسيلة النجاح وقد أخلفه الله عليهم الخيرات في الدنيا أضعافا مضاعفة من عند الله ولهم في الآخرة
ففاضت
عليهم
جزيل الثواب
وصدق الله تعالى إذ يقول
رواه البزار

وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوفُ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لا تُظْلِمُونَ
من موازين الايمان
يقول الله سبحانه وتعالى
۰۱
[البقرة ٢٧٢]
إنما المؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله ورسوله ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْواهُمْ
وأنفُسهم في سبيل الله أولئكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
[ الحجرات ١٥ ]
إن المؤمنين هم الذين تحققوا بالإيمان في باطنهم وظهر أثره على جوارحهم فالإيمان هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل إنهم الذين لا يشكرون ولا يترددون في كل ما يتصل بالإيمان من قواعد وهم القائمون بالجهاد في سبيل الله بأموالهم وبأنفسهم والجهاد بالمال وإن لم يصل إلى مرتبة الجهاد بالنفس له منزلته العظيمة في الإسلام ولقد تحدث الله سبحانه في القرآن الكريم كثيرا عن الإنفاق والبذل والتضحية بالمال في سبيله وبين القاعدة العامة التي نرجو أن يسير المسلم على هداها طيلة حياته يقول سبحانه
فأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحسنى فَسُنَيَرهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ واستغنى وكَذَّبَ بالحسنى فسيره للعُسرى ومَا يُغْنى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَردي
الليل ٥ - ١١ ]
ويستمر القرآن في بيان المبدأ وشرح الموضوع فيقول الله سبحانه
إنَّ علينا للهدى وَإِنَّ لَنَا للآخرَةُ وَالأولى فَأَندرتُكُمْ نَارًا تَلظَّى لا يصْلاهَا

۰
إلا الأشقى الَّذِى كَذَّبَ وتَوَلَّى وسَيُجَنَّبها الأثق الَّذِي يُونِى مَالَهُ يتركى وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِن نَعْمَةٍ تُجرى إلا ابتغاء وجهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى وهذه الآيات الكريمة ترشد إلى أن الإنفاق فى سبيل الله من شروط التيسير في
هذه الحياة تيسير الرزق وتيسير الشفاء وتيسير الفرج وتيسير إزالة الضيق وتيسير إزالة الهم وتيسير كل خير فى هذه الدنيا وفى يوم الدين أما الشح بالمال فإنه من أسباب العسرى في كل هذه الأمور على أن الله سبحانه وتعالى قد وعد أنه يخلف المال الذي ينفقه المؤمنون في
سبيله فقال وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَىءٍ فَهُوَ يُخِلْفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وبين الله سبحانه وتعالى أنه لا يخلفه بمثله ولكن بأضعافه فضرب هذا المثل الذي يتناسب مع كرمه سبحانه
مثلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سنبلة مائة حبة وَاللهُ ُيضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أموالهم في سَبيلِ اللهِ ثم لا يُتبعُونَ مَا أنفقوا منا ولا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ولا نقوفٌ عَلَيْهِم ولا هُمْ يَحْزَنُونَ
[البقرة ٢٦١ و ٢٦٢]
وبين الله سبحانه أن الإنفاق في سبيله قرض حسن مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةِ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيُبْسُطُ وَإِليهِ تُرْجَعُونَ وبعد فإن المشهد الأول الذي رآه الله فى ليلة إسرائه يتناسق مع هذا الكرم الإلهى الذى يغمر الله سبحانه وتعالى فيه المجاهدين فى سبيل الله لقد رأى رسول الله ليلة الإسراء قوماً يزرعون فى يوم ويحصدون في يوم كلما حصدوا عاد

۰۳
كما كان فقال النبي يا جبرائيل ما هذا
قال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين
وكما يكون الجهاد بالمال يكون بالنفس وهو أسمى أنواع الجهاد

1 - أمة متآخية
الفضل العتاشر
أمة واحدة
يقول الله تعالى وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُتُم أَعداء فَأَلْفَ بَيْنَ قُلُوبِكُم
فأصبحتم بنعمته إخواناً
آل عمران ١٠٣]
هذه الكلمة الكريمة تصور عهدين من عهود العرب العهد الجاهلي والعهد الإسلامي أما العهد الجاهلي فقد كان العرب فيه أعداء متخاصمين كل همهم
الإغارة على بعض وما كانت حياتهم إلا إغارة أو استعداداً لإغارة أو حذراً وتحصيناً من إغارة وحياة كهذه لا يمكن أن يسود فيها الإخاء المتعاون أو العطف الأخوى وبالتالي فإنه ما كان يمكن للعرب - وهذه حالتهم - أن يحتلوا مكانهم اللائق - بمركزهم باعتبارهم أمة أبية كريمة فضلا على أن يكونوا قادة موجهين للتاريخ وللحضارة مسهمين فيهما أو مكونين لهما كانت عصبية العربي للقبيلة وحدها وكان العرب عبارة عن مجموعة من الدول بقدر ما كان فيهم من بل إن التنافس والخصام والتنازع كان يوجد أحياناً بين الأسر التي تتكون منها القبيلة الواحدة كما كان الشأن مثلا بين بني عبد مناف وبنى عبد شمس من
قبائل
قبيلة قريش
٢٠٥

٢٠٦
ومما يروى في ذلك أن الأخنس بن شريق وأبا جهل بن هشام وأبا سفيان بن حرب ذهبوا مستخفين ثلاث ليالي متتابعة يستمعون إلى رسول الله وهو يرتل القرآن في سجوة الليل ويردد بصوته المؤثر آياته
القدسية ثم ذهب الأخنس إلى أبي جهل في بيته فسأله قائلا يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعناه من محمد فكان رد أبي جهل عليه ماذا سمعت تنازعنا نحن
6
وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسى رهان قالوا منا نهي يأتيه الوحى من السماء فمتى ندرك مثل هذه والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه وكان لابد من أن يحطم الإسلام هذه العقلية حتى يتمكن من تحقيق الأخوة بين العرب ويثبت من أركانها وأخذ الإسلام يحطمها بالقول والعمل وكان من هديه ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية
وقام رسول الله الله بعمل إيجابى قلب به الأوضاع وخالف به – لمصلحة الجماعة - التقاليد والعرف والعادات القبلية ذلك هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وافتتح الرسول هذا العمل الحاسم بقوله تأخوا في الله ثم أخذ يؤاخى بينهم فكان أبو بكر رضي الله عنه وخارجة بن زهير الخزرجي أخوين وكان عمر بن الخطاب وعثمان بن مالك الخزرجي أخوين
وهكذا
وكان ذلك هو النواة الأولى للأخوة الكبرى - هذه النواة التي أخذت تكبر شيئاً فشيئاً حتى عمت العرب جميعاً كانت هذه الأخوة تثير سخط أعداء العرب من اليهود الذين كانوا يعملون

۰۷
بيهم
جاهدين على أن يفرقوا بينهم وحادثة شأس بن قيس اليهودي مشهورة لقد مر على نفر من الأوس والخزرج فى مجلس جمعهم فغاظه صلاح ذات بـ وقال في نفسه قد اجتمع ملأ بني قيلة في هذه البلاد ومالنا معهم إذا أجمع ملؤهم بها من قرار وأمر فتى شابا من اليهود كان معهم أن ينتهز فرصة يذكرهم فيها بيوم بعاث ذلك اليوم الذي انتصر فيه الأوس على الخزرج
اليوم
وتكلم الغلام وأنشدهم ما قيل فى ذلك اليوم من أشعار فذكر القوم ذلك وتنازعوا وتفاخروا واختصموا وقال بعضهم لبعض إن شئتم عدنا إلى مثلها وبلغ رسول الله لعل الله ذلك الأمر فخرج إليهم فيمن معه من الأنصار والمهاجرين فذكرهم بما ألف الإسلام بين قلوبهم وجعلهم إخواناً متحابين وكان مما قال و أدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية ومازال بهم حتى بكى القوم وعانق بعضهم بعضاً واستغفروا الله جميعاً فما رلى يوم أقبح أو لا وأحسن آخراً من ذلك اليوم وما كانت هذه هى المؤامرة الأولى أو الأخيرة من مؤامرات اليهود ضد الأخوة
العربية ولقد تغلب عليها العرب بمبدأ الأخوة التي غرسها الإسلام فيهم وإذا كان هذا المبدأ قد نجح فى الماضى فهو لا محالة ناجح في العصر الحاضر ومما لا شك فيه أن الصهيونية تعمل جاهدة على غرس بذور العداوة بين الدول العربية حتى يفشلوا وتذهب ريحهم ولكن السلاح الوحيد الذي يجب أن نتحصن به دائماً لرد باطلهم الخبيث إنما هو التمسك بالأخوة على أن الأخوة إنما تنشأ وتثبت وتستمر إذا اتحدت المثل والأهداف وكانت هناك العوامل التي تحفظ هذه الأخوة وتشدها برباط محكم وثيق وكل ذلك قد نظمه الإسلام وأحكمه كما
يتضح مما يأتي

التواد والتراحم
وانظروا إلى قول الرسول الله مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء
وتراحمهم
بالحمى والسهر
إن المؤمنين متساندون مترابطون لأنهم أصحاب رسالة واحدة يقوم كيانهم
كله على التمسك بها وتحقيقها ونشرها والعمل الدائب الدائم على الدعوة إليها الآفاق القريبة والبعيدة
حتى تسود وتعم وهذه الرسالة التى وكل إلى المسلمين تحقيقها إنما هي رسالة السماء والأرض إنها كلمة الله ! إنها روح منه سبحانه وفيض من أنواره ليخرج الناس من الظلمات إلى النور وهى فى أسسها وغايتها مبادئ عالمية لا يتأتى لمن يفهمها إلا أن يدين بها فى غبطة ورضا وأن يعمل على نشرها في تحمس وسرور وأن يرتبط مع المؤمنين بها برباط المودة والتراحم
وهذه الرسالة تبين عن طبيعتها مباشرة بهذا الاسم الذي جعله الله عنواناً عليها وهو الإسلام أى إسلام الوجه الله إسلاماً مطلقاً والخروج بذلك نهائيا عن دائرة الشر في التافه من الأمور والخطير منها
الواضح
فإذا ما أسلم الإنسان وجه الله كان سلاماً في هذا العالم وإنه لمن البين أن الصلة بين الاسلام والسلام هى من القوة بحيث لا انفصام لها وإذا كان أساس الإسلام هو السلام بين المسلم وربه فإن غايته هي الرحمة العامة الشاملة التي تتسع دائرتها وتتسع حتى تشمل كل الكائنات التي أوجدها الله في هذا العالم يقول الله تعالى لرسوله الكريم لم تسليماً كثيراً

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةٌ لِلْعَالمينَ
الأنبياء ١٠٧]
أي لكل عالم من عوالم الله سبحانه التى لا يكاد يحصيها العد على اختلافها
وتنوعها
الله سلام مع
ورحمة بين خلقه ! ذلك هو طابع المسلم ومن هنا - كنتيجة حتمية - كان المسلمون إخوة أينما وجدوا يقول الله تعالى إِنَّا المُؤْمِنُونَ إخوة
الأنبياء ١٠٧ ]
وقد أحكم سبحانه هذه الأخوة التي تقوم على وحدة المبادئ والأهداف والتي لا غاية لها إلا أن تبشر بالسلام والرحمة ومما لا ريب فيه أن الرباط الإسلامي هو الرباط الأول الذى يلاحظه المسلم الصحيح الإسلام إنه بالنسبة للنظرة الإسلامية أقوى من رباط النسب وغيره مما يعتبره الناس من الروابط التي
تربط بينهم ويقول سبحانه لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أو أبناءهم أو إخوانَهُمْ أَو عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمان وأيدَهُم بِرُوحَ مِنْهُ وَيُدخلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تحتها الأنهار خالدين فِيهَا رَضِى اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهُ هُم
المُفْلِحُونَ
المجادلة ٢٢]
والله سبحانه يبين لنا فى هذه الآية الكريمة أن حزب الله حزب المفلح الذي رضی الله عنه والذى رضى عن الله هذا الحزب الذي كتب الله في قلبه

۱۰
الإيمان وأيده منه ووعده بأن يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالداً بروح فيها إنما هو الحزب الذى يحمل رباط الإيمان فوق رباط الأبوة وأسمى من رباط
البنوة وأقوى من رباط الأخوة وأمتن من رباط العشيرة
وقال الرسول معبراً عن بعض واجبات المسلم نحو أخيه المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه هذا الرباط الإسلامي اعتبره الله ورسوله أقوى من أى رباط آخر لأنه رباط مبادئ ورباط مثل عليا أحكمها الله سبحانه وتعالى وفصلها فكانت قرآناً أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير وكانت سنة ينطق بها رسول الله الله وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى وقد فهم سلفنا الصالح رضى الله عنهم هذه المعانى على حقيقتها فكان الواحد منهم يحارب أباه أو أخاه ويحارب عشيرته على هذه المبادئ السامية إذا كانوا منكرين لها أو كافرين بها
وفهموا رضى الله عنهم قيمة المودة فى الله تعالى وقد كان الرسول صلوات الله عليه يوضح لهم ذلك كلما رأى الفرصة سانحة عن أبى هريرة رضى الله عنه فيما رواه مسلم أن رجلا زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال أين تريد قال أريد أخاً لي في هذه القرية قال هل لك عليه نعمة من تربها فإلى رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه

۱۱
وقد ضرب رسول الله الله - حينما قدم إلى المدينة – مثلا للمسلمين فيما يجب

أن يكون عليه المسلم بالنسبة للمسلم وكان الطابع الذي اختاره صلوات الله عليه هو طابع الأخوة فآخى رسول الله علل بين المهاجرين والأنصار آخي بينهم على الحق والمواساة - على حد تعبير السيرة النبوية وكانت هذه المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار من القوة بحيث قال المهاجرون عنها يا رسول الله ! ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلا في كثير
وقد تحدث الله تعالى في كتابه الكريم عن موقف الأنصار بالنسبة للمهاجرين فقال سبحانه وَالَّذِينَ تَبوء وا الدَّارَ وَالإيمان مِن قَبْلِهِمْ يُحبونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حَاجَةٌ مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ
[الحشر ٩]
أيها المؤمنون إن المبادئ البشرية التي صنعها البشر وإن المنافع المادية تربط بين الأفراد أحياناً برباط قوى وهى ذى المبادئ الإسلامية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها لأنها تنزيل من الحكيم الخبير الرحمن الرحيم تنادى إلى الالتفاف حولها والاعتصام بها فأجيبوا داعي الله واستمسكوا بحبله تفلحوا ر ألاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المُفْلِحُونَ
اللغة تخلق الأخوة
المجادلة ٢٢]
وأحب هنا أن أشير إلى عامل آخر من العوامل التي تخلق الأخوة وتنميها

۱
وتقوى في المجتمع أواصرها المقدسة ! ذلك هو عامل اللغة وهو من الأهمية بحيث جعله الرسول عمل مناط التمييز بين العربى وغيره فقال تلك الكلمة العميقة الملهمة من تكلم بالعربية فهو
عربي
وكان من توفيق الله أن نزول القرآن بلسان عربي مبين قد حفظ على اللغة العربية وحدتها وثباتها فلم تتشعب إلى لغات كما حدث للغة اللاتينية أو اللغة
اليونانية
وبقيت إذن اللغة العربية مصدر تقريب وتفاهم وأخوة بين الناطقين بها ومن أجل ذلك فإن كل دعوة للعامية إنما هي دعوة للتفرق والتفكك والانفصال وهى إذن دعوة خبيثة يجب أن تقاوم كما يقاوم المكروب الخبيث ولقد احتاط الإسلام لما عساه أن يحدث من نزاع بين الإخوة أنفسهم
أو الآخرين فوضع المبدأ الحكيم الذى يكفل فض النزاع لا محالة ! يقول الله تعالى وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنينَ اقْتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَينَها فَإِن بَغَتْ إحداهما على الأخرى فقَاتِلُوا الَّتي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَينهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِب المُقْسِطِينَ إِنَّا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخويْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
[ الحجرات ٩ و ١٠]
وهذا المبدأ - مبدأ الإصلاح بين المتخاصمين - كفيل في العصر الحاضر بإنهاء أي نزاع يحدث بين الإخوة من العرب أو بين المسلمين على وجه العموم على أن مما لا شك فيه أن الخروج على مبدأ الأخوة إنما هو كفران بنعمة الله التي
امتن علينا بها

۱۳
هذا وإن رجاءنا في الله لشديد فى أن يوفق الأم العربية والإسلامية على الدوام
لتآلف القلوب حتى يسبحوا جميعاً مدى الدهر بنعمته تعالى إخواناً وبالله التوفيق
- إن هذه أمتكم أمة واحدة
يقول الله تعالى إِنَّ هَذِهِ أُمتكُمْ أُمَةٌ وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
الأنياء ٩٢]

وحدة الأمة الإسلامية أيها الإخوة المؤمنون هى من طبيعة الإسلام ومبادئه وقد تحققت بالفعل في زمن مضى ودامت السنين الطوال وما كان دوامها إلا لأن الإسلام أحكم أمرها إحكاماً دقيقاً وكان من أهم مبادئه في ذلك التكافل أفراد الأمة الإسلامية مها نأت ديارهم واختلفت
الاجتماعي بين جميع أجناسهم - وهذا التكافل إذا كان يندرج تحته الكثير من الأمور السهلة الميسرة فإنه
يلف في طياته عظائم الأمور
وجمهور
الأمة يعلم حادثة تلك المرأة العربية التي نالها أذى من عدو للإسلام
فصرخت منفعلة حزينة ونادت وامعتصماه
وكان المعتصم خليفة المسلمين إذ ذاك يبعد عنها آلاف الأميال وكانت نجدتها تكلفه الكثير من المال والدماء ولكنه بمجرد أن بلغه نداؤها قال لبيك
لبيك وأعد العدة وسار بنفسه على رأس الجيش لنجدتها
وإذا كان التكافل الاجتماعى فى الإسلام يصل إلى هذا المدى البعيد من الشعور بمسئولية المسلم نحو القاصي والداني من المسلمين فما ذلك إلا لأن الوطن الإسلامي كله وطن واحد والواقع أن الحدود المحددة في العالم الإسلامي التي تفصل بين قطر وقطر من أقطاره إنما هى حدود لا يعترف بها الإسلام ولا يقرها وهي حدود

حددناها متأثرين فيها بالغرب الذى فصل الدين عن الدولة وأقام الدولة على أسس
من طبيعة الأرض وجغرافيتها

أما الإسلام فإنه لم يقم فى الربط بين أفراده الجغرافية الأرض وزنا باعتبارها محددة بحدود تفصل بين أفراد الدولة الإسلامية على أسس من المبادئ في الاعتقاد وفى التشريع وفى الأخلاق لقد أقام الدولة على مبادئ سواء نظرنا إلى أسسها وقواعدها أو نظرنا إلى غاياتها وأهدافها وجعل كل من يدخل في هذه المبادئ وينطوي تحت لوائها من الأمة الإسلامية له ما لها وعليه ما عليها إنه لم يجعل الأساس لونا من الألوان
فيفرق بين الأبيض والزنجى أو الأصفر والأحمر وينكل بأحدهما دون مبرر ويسلبه حقه ظلماً وعدواناً إن أقطاراً على وجه الأرض الآن تزعم لنفسها حضارة وتدعى أنها بلغت فى الإنسانية والفكر والثقافة شأوا بعيدا لا يزال يستعبدها اللون مجرد اللون فتنكل بالأبرياء لا لمثل عليا ولا لمبادئ أخلاقية فعملها مناف للمثل العليا وللمبادئ الأخلاقية وما الباعث على الظلم والتنكيل وعلى الخسف والعدوان سوى مجرد التعصب للون مجرد اللون ولنا في مقابل ذلك إذا أن نفخر بالإسلام الذى يؤسس الترابط بين الأشخاص على مبادئ من الخير ومن الحق
وفى عصرنا الراهن أقطار لا تزال تفرق فى المجتمع الواحد بين طبقات لا مجال للتفرقة بينها لأنها نشأت فى مكان واحد شربت من مائه وتغذت من خيراته واستنشقت في جوه نسيما واحدا وكان الوضع الطبيعي ألا يكون هناك تفرقة بين أبنائه ذلك فإن هذه التفرقة موجودة فعلا في بعض الأقطار لم يترها مبدأ أخلاق أو هدف سام وإنما هى التقاليد والوراثة ولنا أن نفخر في مقابل ذلك
ومع

٢١٥
بالإسلام الذي لا فضل فيه لعربي على أعجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ! إن أكرمكم عند الله أتقاكم ووحدة المبادئ إذن تنتج في الإسلام وحدة الأمة وتضامنها وتكافلها فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً والمسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله إن المسلم مرتبط بالمسلم أينما كان ونجدته واجبة أينما وجد ويذكرنا الله سبحانه وتعالى برابطة المبادئ هذه وبأنها نعمة من الله تعالى في مقابل ما صنعه البشر من عبث وأهواء تجعل الارتباط يقوم على أسس من اللون أو من الجغرافية أو من غير ذلك مما يخجل الإنسانية حينما تتخلص من أهوائها أن تكون قد جعلت منه أساساً للارتباط وتحديد الأوطان ويحثنا الله تعالى على أن نستمسك بالوحدة على أساس من هذه المبادئ السامية وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ولا تفرقوا واذْكُرُوا نِعمة اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُتُمْ أَعْداءَ فَأَلْفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ورابطة المبادئ في الآفاق السامية وفى الأنظار العليا أقوى من أية رابطة أخرى وأشد من أي ارتباط أيا كان وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

الفصل الأول الجهاد الإسلامي جهاد من أجل
المبادئ
الفصل الثاني الجهاد في السلم والحرب الفصل الثالث القرآن يرسم طريق النصر
دروس حربية وأخلاقية من غزوات
صفحة
۱۵

الفصل الرابع
الرسول
الفصل الخامس
اليهود
الفصل السادس الشهيد
الفصل السابع

دعاء
النصر
الفصل الثامن
الفصل التاسع ما بعد النصر

الفصل العاشر

أمة واحدة
رقم الإبداع
الترقيم الدولى
WY-1-14-Y-L
1/M/11
٥٦٩٤ / ١٩٨٨
IBN
طبع بمطابع دار المعارف ج م ع
٤٣

۱۱۹
۱۵
۱۷۵
٢٠٥

۳۸۰/۰
هذا الكتاب
الجهاد فريضة إسلامية رسم
مبادئه في كتابه الكريم
الله
وهذه جولة في هذه الفريضة تبين الجهاد الإسلامي من أجل المبادئ والجهاد في السلم والحرب وكيف رسم
القرآن طريق النصر للمسلمين كما يقدم الكتاب دروسا حربية وأخلاقية من غزوات الرسول الكريم وكيف وحد الجهاد بين العرب وكيف كانت الشهادة في مقدمة ما يتمناه المجاهد الغربي