Go Back





الإمام
الدكتور عبد الحليم محمود
القرآن
في شهر القُرآن
A
دار المعارف

القرآن
في شهر القرآن
الدكتور عبد الحليم محمود
الطبعة السابعة
I
دار المعارف

بسم الله الرحمن الرحيمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين
قال تعالى
الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِين الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِل إليكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِم وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون

من
مقدمة الكتاب
إن الحديث في القرآن لا ينتهى إنه لا يحده فكر بشرى ولا يقيده تصور إنساني ولقد كان من الحكمة العميقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأخذ في تفسيره كلمة كلمة وآية آية وإنما فسر كلمة من هنا وآية هناك ولم يقل صلوات الله وسلامه عليه إن تفسيره هو نفسه – رسول الله – يحد المعنى ويحدده ويقيده وفسره رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلوكه أكثر مما فسره بقوله المباشر في معناه لقد كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن فكان خلقه تفسيرًا للقرآن ومن هنا كان قوله ه لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهُ وَالْيَوْمَ
الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا
وفسره صلى الله عليه وسلم بأحاديثه الكثيرة – عن طريق غير مباشر –
أكثر مما فسره بطريق مباشر
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحلى بالقرآن فكان سلوكه تفسيرا له وإذا كان قد امتزج بالقرآن فكان نطقه – وما ينطق عن الهوى - تفسيراً له وإذا كانت حياته كلها سلباً وإيجاباً قولا وصمتاً ركة وسكوناً حر
إنما هي تفسير للقرآن فإن الصحابة ساروا على منواله بقدر استطاعتهم أن يفسر القرآن كلمة كلمة وآية آية وإنما حاولوا أن
ولم يحاول
أحد
منهم
يستهدوا بالقرآن وأن يكون القرآن – ما استطاعوا - خلقهم
لقد كانوا يعملون بالقرآن ويتخذونه إماماً وقائداً إنهم لم يتخذوه

دراسة نظرية وإنما اتخذوه هداية عملية حتى إن بعضهم ما كان يجاوز في الحفظ السورة إلى غيرها إلا إذا حقق ما فيها من أوامر وانتهى عما فيها من نواه
لقد اتخذوه دستورهم في الحياة وأقاموه إمامهم في حياتهم لقد طبقوا قواعده والتزموا مبادئه من جهاد وضرب في الحياة وصدق في القول وإحسان في العمل وعبودية أسمى وأقوى وأخشع ما تكون العبودية لله سبحانه وحده وحققوا بذلك الأمة التى أحبها الله ورسوله ولقد ربى القرآن على مر العصور رجالا اتخذوه إماماً وهادياً فكانوا مثلا عالياً فى الإنسانية لا يدانيهم غيرهم من سائر الدول ولا يزال القرآن للآن هو القرآن الذي وحد قبائل وجمع أشتاتاً وألف بين قلوب وكون أمة وأرسى قواعد حضارة نعتز بها لأنها حضارة بنيت على التقوى من أول يوم
والآن ونحن في شرقنا العربى وفى عالمنا الإسلامي في سبيل النهوض والتطور والبعث والرقى في حاجة أمس ما تكون الحاجة إلى الاسترشاد بمصدر الهداية ومنبع القوة
أجل ذلك فإنه حينما طلب إلى أن أؤلف كتاباً لينشر في شهر ومن رمضان المبارك اتجه فكرى مباشرة إلى القرآن ولكن المشكلة بدأت أيضاً مباشرة في صورة سؤال هو عن أية زاوية من زوايا القرآن أتحدث و بمجرد أن بدأت التفكير فى الموضوع بدت أمامي الآية القرآنية الكريمة أَقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ لقد بدت أمامى كروضة يانعة يقتطف الإنسان منها أجمل الزهور ويشم من عبيرها أزكى الروائح وبدت أمامى كأنها منهج حياة وبدت أمامي موحية موجهة فسرت في البحث مستلهماً – على الخصوص
هذه الآية الكريمة

إنها أول آية نزلت في القرآن الكريم وهي ثرية بالمعانى وعلى الرغم من أنها كانت جوهر موضوع الكتاب فى ألفاظها وفى جوها فإني لم أقل عنها كل ما يمكن أن يقال ولكنى وأنا أسير فى جوها أحببت أن يكون الحديث خطوة في سبيل إيضاح الطريق إلى النهج على سنن الصدر الأول في الاستهداء بالقرآن عمليا وفي الأخذ فى الناحية العملية عبادة كانت أو ضرباً في
الأرض ولقد استر شدت بالآية الكريمة في عدة مجالات منها
مجال العلم وهو أساس الحضارة والبعث والنهضة ولن تنهض أمة إذا من أسس نهضتها العلم بأوسع وأشمل ما تدل عليه
لم تتخذ أساساً
العلم
كلمة العلم
واسترشدت بها في مجال الغزو الفكرى وموقف الإسلام منه وذلك لنرجع إلى النبع الصافي مصدر حضارتنا وأساس هدايتنا
فضله
ولما كان الكتاب عن القرآن الكريم وكان الحديث عن أول آية نزلت منه فقد كان من الضرورى أن نتحدث عن وصف القرآن ولقد استفضت في بيان أوصاف القرآن من القرآن نفسه فتعبير القرآن عن
وعن
القرآن كله توجيه للمسلم وبيان له عن مصدر هدايته ووصف صادق لكتاب النور والهداية
وشهر رمضان المبارك شهر الذكر والدعاء ولذلك استفضنا في موضوع المذكر وموضوع الدعاء مستندين في كل منهما إلى القرآن على الخصوص وإذا كنت قد استفضت في موضوعى الذكر والدعاء فذلك أيضاً لأنهما تعبير من أهم وأصدق مظاهر التعبير عن العبودية لمالك الملك ونحن في عصرنا الراهن أشد ما نكون فى حاجة لتحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى فإن
فيها الاستغناء به عمن سواه فاذا اتجه المسلم الصادق إلى الله فقد استغنى

به واعتز به ومن كان الله كان الله له أليس الله بكاف عبده وإذا حقق
المسلم العبودية الله فإن الله يتكفل بنصره
إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ

وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ ينصره
وكان ختام البحث عن توجيهات القرآن الكريم فى النصر بإذن الله
وإنا لنرجو الله جلت قدرته وعظم سلطانه أن
يوجه الأمة الإسلامية
الموجهة التي ترضيه وأن يمدها بعدد من عنده وأن يكتب لها النصر
وأن يعيد لها مجدها السابق
إنه نعم المولى ونعم النصير
C

الفصل الأول
افلْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذِى خَلَقَ
المنهج القرآني لحياة المسلم
كيف كان بدء الوحي
عن عائشة أم المؤمنين - فيما رواه البخاري وغيره – أنها قالت أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه لذلك ثم يرجع
ثم
التعبد – الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود
إلى خديجة فيتزود لمثلها
وهو
حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ قال ما أنا بقارئ قال فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذنى فغطّنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى الثالثة ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذِي علم بالقلم علم الإِنْسَانَ ما لم يَعْلَمُ
۹

فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على
خديجة بنت خويلد رضى الله عنها فقال زملونى زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسى فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً كبيراً قد فقالت له خديجة يا بن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذى أنزل الله على موسى يا ليتنى فيها جذعاً ليتنى أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودى وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً
عمى
ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحى
هذه الليلة
هذه الليلة المباركة هى التى سماها الله ليلة القدر فقال سبحانه وتعالى
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْره
ثم أخذ الله سبحانه وتعالى يبين فضلها فقال
ه ومَا أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ
وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِىَ حَتَّى مَطلَعِ الْفَجْرِ

ووصفها الله بأنها مباركة فقال سبحانه وتعالى
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُو يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ
أول الدخان
وأخبر الله سبحانه وتعالى أن هذه الليلة المباركة في شهر رمضان
فقال
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتِ مِنَ
الْهُدَى وَالْفُرقان
D
عن هذه الليلة المباركة نأخذ في الحديث مبتدئين بأسمى أحداثها وأسمى هذه الأحداث هو الوحى الذي يتمثل في قوله تعالى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
اقرأ
C
وهذه المادة الأولى من الدستور الإسلامى غنية بالمعانى ثرية ومعانيها وتوجيهاتها ليست آتية من ألفاظها فحسب وإنما هي آتية أيضاً من الجو العام الذى تشير إليه أو الذي توحى به فهي تبتدئ
بالتوجيهات
6
أولا بكلمة اقرأ إنها تأمر بالقراءة التي هي من أهم وسائل العلم والمعرفة إن لم تكن أهمها ويتسم الإسلام لأول لحظة زمنية من حياته ولأول كلمة فيه بسمة العلم وتتوالى بعد ذلك الآيات موضحة ومؤكدة هذه السمة جاعلة منها طابعاً وشعاراً
"

۱
وإذا كانت الآيات الأولى التى نزلت من القرآن في الليلة المباركة قد أمرت بالقراءة مرتين وذكرت مادة العلم ثلاث مرات وذكرت القلم فإن الآيات التي نزلت بعد فترة الوحى ۱ بدأت بحرف من حروف الهجاء ن وتضمنت أول قسم أقسم به الله سبحانه في القرآن وكان هذا القسم بالقلم ن والقلم وما يسطرون ثم توالى الآيات القرآنية في فضل العلم وفى الحث على التعلم وفى تمجيد العلماء
لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلجأ إلى الله متضرعاً داعياً
أن يزيده الله علماً وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي علماً
وهذا الدعاء الذي يتجه به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله إنما هو من أروع الأمثلة في التربية وذلك أنه صادر من الإنسان الكامل إنه صادر من رسول الله أكمل الرسل يبين للأمة أن الإنسان مهما بلغت به المنزلة ينقصه الازدياد من العلم وإذا كان الرسول - أكمل المخلوقات - يرجو أن يزيده الله علما فما بالك بأفراد الأمة وتصور زعيم أمة تكبره وتجله وتقدسه يعلن في صراحة لا لبس فيها أنه ما زال – ولن يزال – بحاجة إلى
الزيادة في العلم إنه يدفع الأمة بذلك – الأمة التي تقدسه – إلى السير
على منواله فترجو ان يزيدها الله علما

وإن أسمى شيء في الحياة من غير شك إنما هو الإيمان إنه في الدرجة
المطلقة من السمو ويأتى مع الإيمان تاليا للإيمان مباشرة العلم

والعلم في النظرة الإسلامية من وسائل تثبيت الإيمان وزيادته وتقويته ذلك أن العلماء في الأعراف الإسلامية هم أشد الناس خشية
۱ في حديث كيف كان بدء الوحي وردت كلمة وفتر الوحى

لله سبحانه يقول تعالى
"
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَماءُ
ولا يصل إلى ذروة الإيمان - الذروة المطلقة – من بني آدم إلا العلماء
إن الله سبحانه وتعالى يقرنهم به وبملائكته فى شهادة التوحيد وشهادة التوحيد
هي ذروة سنام الإيمان إن أشهد أن لا إله إلا الله قمة الإيمان هی
وهذه القمة لا يرقى إليها إلا العلماء يقول سبحانه
*
شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو العلم
R
هذه هي النظرة القرآنية للعلم الذي اتسم به الإسلام منذ اقرأ
العلم في الإسلام
6
وقد يظن بعض الناس أن العلم الذي عناه القرآن إنما هو العلم بالدين وليس الأمر كذلك فإن الله سبحانه وتعالى حينما ذكر أن العلماء الذين يخشون الله أحاط الآية القرآنية بجو يمنع أن تحدد العلم بالعلم الديني فقط يقول سبحانه ألَمْ تَرَ أنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فأخرجنا بِهِ ثَمَرَاتِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُها وَمِنَ الْجِبَالِ جُددٌ بِيضُ وَحُمْرٌ مُختلِف أَلْوَانُها وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ
إن اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ فاطر ۷ – ۸
ثم إن الله سبحانه وتعالى قد امتن علينا بأن سخر لنا البحار والأنهار
والجبال وسخر لنا الشمس والقمر والكواكب لقد سخر لنا الكون كله وهذا الامتنان من الله سبحانه وتعالى علينا بالتسخير إنما هو من أجل أن نصل إلى السيطرة عليها باكتشاف القوانين التي وضعها الله سبحانه

١٤
وتعالى لتسخيرها يقول سبحانه
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۳ - ۳۳
إبراهيم
وقال تعالى أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ ۰ لقمان وقال تعالى أَلَمْ تَرَ أنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرى فى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماء أنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لرَءُوفٌ رَحِيمٌ ٦٥ الحج وقال تعالى اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِى الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ١٢ - ١٣ الجاثية
إن الله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان للخلافة الأرضية ومنحه العقل يكتشف به ما يهيئ له هذه الخلافة فى العالم المادى العالم المحسوس سير هذا العالم المادى بنواميس محكمة مطردة وعلى الإنسان أن
ولقد
يكتشف هذه النواميس ليطوع الكون له وعليه أن يكتشف هذه النواميس كمظاهر لعظمة الله وجلاله فتكون من أسباب خشيته سبحانه
إن عالم التشريح يرى الدقة فى الصنع والإحكام في التكوين ويرى هذا الإبداع البديع في التركيب الإنسانى والحيواني والنباتي فيخر ساجداً لمبدع العالم الذي أحسن كل شيء صنعاً

وإن عالم الفلك يشاهد بمرصده ويتصور بذهنه هذه السعة الشاسعة المذهلة في تصورها ويعلم أن كل صغير وكبير فيها يسير في تقدير دقيق لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِى لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكَ
يَسْبَحُونَ يرى ذلك فيخر ساجدا للمبدع ويردد مع القرآن الكريم تبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَات طِبَاقَاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُت فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ ترى من فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ حَاسِنَا وَهُوَ
حَسِيرٌ أول سورة الملك
أرأيت إلى غزو الفضاء والوصول إلى الكواكب واكتشاف نواميس الكون في أعماق البحار وعلى قنن الجبال وفى مجالات الجو إن كل ذلك فى الأعراف الإسلامية الصادقة واجب على المسلمين
وإنه لمن سوء
القصد أن
أن
يشيع مشيع الإسلام يعارض غزو الفضاء
والوصول إلى الكواكب

إن الإسلام على العكس يوجب كل ذلك على الأمة الإسلامية التي يحب الله ورسوله أن تكون أقوى أمة فى العالم حتى تؤدى رسالة الله التي
كلفت بأدائها
ونعود فنقول لقد اتسم الإسلام بالعلم منذ اقرأ وإذا كان القرآن الكريم قد وجه الأمة الإسلامية إلى العلم فإن
سلك
الرسول صلى الله عليه وسلم – وهو صورة قرآنية كاملة - قد حث المسلمين على العلم في أساليب شتى يقول صلوات الله وسلامه عليه من طريقاً يبتغى فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع

أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر رواه أبو داود والترمذي

باسم ربك
إن الاتجاه العلمى فى الإسلام بدأ فى صورة صريحة بـ اقرأ ولكن اقرأ فى الإسلام مشروطة بشرط يوجبه الإسلام ويحتمه إنها ليست مطلقة وإنما هي مقيدة بأن تكون باسم ربك وهنا يفترق العلم في صورته الإسلامية عن العلم في صورته الأوربية بل تفترق الحضارة الإسلامية عن الحضارة الحديثة بل تفترق الحياة الإسلامية فيما يجب أن تكون عليه عن الحياة الأوربية وذلك أن كل أمر من أمور المسلم يجب أن يكون
باسم ربك
والعلم
أهدافاً
فالعلم أسساً وبواعث يجب أن يكون باسم ربك وغايات يجب أن يكون باسم ربك يجب أن يكون العلم في سبيل الله أى أن يكون للخير وللفضيلة ولإسعاد الإنسانية فإن ما كان باسم ربك يحقق
كل خير وكل مكرمة وكل فضيلة وتسعد به الإنسانية
والواقع
والآية
والحقيقة أن القراءة المأمور بها في الآية الكريمة ليست إلا رمزاً فحسب إنها رمز لما ينبغي أن تكون عليه جميع أعمال المسلم تريد أن تقول تكلم باسم ربك قم باسم ربك اعمل باسم ربك لتكن حياتك كلاماً وصمتاً حركة وسكوناً باسم ربك

الأعمال
والآية الكريمة واضحة وضوحاً بيناً في الصورة الإيجابية من بيد أنها تتضمن الصورة السلبية أيضاً هذه الصورة التي صرحت بها
الآيات فيما بعد
وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقُ
وكذلك كل ما ذبح باسم الأصنام فلم يذكر اسم الله عليه فسق
يجب اجتنابه
ا حُرمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِبْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ والمُنخَنِقَةُ وَالمَوْقُوذَةُ وَالمَرَدية والنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا ما ذَكَيم وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَمْسَ الَّذِينَ كفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِف لإِثْمِ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ المائدة ٣ وسواء أكنا بصدد ما صرحت به الآية الكريمة اقرأ باسم ربك أم بصدد ما تضمنت فإن هذه الآية الكريمة التي أجملت دستور الأمة الإسلامية إيجاباً وسلباً صراحة أو رمزاً أو إشارة تفصلها نوعاً من التفصيل آية أخرى فيها أمر إلهى لمن أعده الله ليكون أسوة حسنة للإنسانية قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وبذلِكَ أُمِرْتُ وَأنا أوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
إن الله سبحانه وتعالى يقول

لَقَدْ كان لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ
الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا وهذه الأسوة الحسنة كانت صلاته وكان نسكه وكانت حياته

كلها بل كان مماته كان كل ذلك خالصاً لوجه الله الكريم لا يشركه
سبحانه فيه شريك
سلباً
والمسلمون مأمورون بأن يسيروا على نهج رسولطهم فتكون حياتهم وإيجاباً حركة وسكوناً بل يكون مماتهم لله وباسم الله وفى سبيل الله إنها في جميع مظاهرها وظواهرها يجب أن تكون قراءة باسم ربك ألا الله الدين الخالص فكل ما لم يكن خالصاً لوجهه أو كل ما لم يكن قراءة باسمه فليس عملا إسلامياً لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لِحُومُها ولا دِمَاؤُها ولكن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُم
لماذا عدلت الآية الكريمة عن لفظ الله إلى لفظ ربك
6
والآية الكريمة اقرأ باسم ربك الذي خلق ولقد كنا نتوقع ونحن بصدد أول آية نزلت من القرآن أن تأتى الآية بلفظ الله فتكون الله الذى خلق وذلك أن هذا اللفظ الكريم الله صفات الله أسمائه ولكن الآية الكريمة عدلت عن
اقرأ
باسم
يتضمن جميع
وجميع
ذلك إلى لفظ الرب وهذا العدول إنما هو لحكمة بالغة وذلك أن الله سبحانه ينبه من أول الأمر إلى أن القراءة يجب أن تكون باسم الرب باسم المربى أى أن القراءة يجب أن تكون فى إطار التربية الإلهية ومعنى ذلك أن الحياة التي رمزت إليها اقرأ يجب أن تكون في الإيجاب والسلب في الحركة والسكون فى النطق والصمت فى إطار التربية الإلهية في إطار الأوامر والنواهي في إطار ما رسمه الله للفرد وفي إطار ما رسمه الله
للمجتمع والعدول عن اللفظ الكريم الله إلى اللفظ الكريم الرب إنما

14
كان – في بعض أهدافه - لهذا إن هذا العدول يريد أن يقول للإنسان إنك حينما تدخل – حراً مختارا – في عهد الله وفى دينه وفى ميثاقه يجب أن تروض نفسك منذ المبدأ على أن تستجيب استجابة مطلقة لله سبحانه وتعالى في أمره ونهيه
يجب أن تعقد العزم على أن تكون ربانياً
الذي خلق
أما ما
يبرر ضرورة هذه الاستجابة إلى ربك فإن البرهان الضخم الحاسم يتمثل في قوله تعالى الذي خلق وذلك أن الذي خلق أي الذي كون جميع أجزائك وركب جميع أعضائك ورتب جميع خلايا جسمك وجميع ذرات وجودك وأنشأك خلقاً سوياً - إن هذا الذي فعل ذلك - هو الأعرف بك وحينما يضع دستوراً
لك
وحينما
يرسم
6
لك الحياة التي تسير عليها فإنما يفعل ذلك على علم ويفصل ذلك عن حكمة إنه البارئ إنه المكون إنه الخالق إنه المبدع فكيف يتأتى أن نعدل عن تربيته إلى تربية مخلوق ومهما بلغت عقلية هذا المخلوق ومهما بلغ نضجه فإنه مخلوق لا خالق مكون لا مكون ولا يتأتى في عرف ذوي البصائر المستنيرة العدول عن تربية الخالق إلى تربية المخلوق والعدول عن تربية الرب إلى تربية المربوب إنه عدول عن تربية الكامل إلى تربية الناقص

۰
تلخيص ما سبق
لعلنا بتوفيق الله قد وضحنا بعض ما تدل عليه المادة الأولى من الدستور القرآني اقرأ باسم ربك الذي خلق ونلخص ما سبق في أن هذه
المادة تدل على

۱ - العلم اقرأ
٢ - أن تكون الحياة الإسلامية باسم ربك أي متجهة إلى الله
سبحانه وتعالى

- أن تكون هذه الحياة فى إطار التربية الإلهية ويدل على ذلك استعمال
لفظ ربك والعدول عن لفظ الله
٤ - ضرورة الاستجابة إلى هذه التربية بالذات دون غيرها لأنها
تربية الذي خلق

الفصل الثاني
افترا باسمَ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَة
توجيهاتها بالنسبة للغزو الفكري والثقافات الوافدة
ولكننا لم ننته بعد من دلالات الآية الكريمة وذلك أننا إذا كنا قد ذكرنا بعض هذه الدلالات متخذين ألفاظ الآية أساساً فإن للآية جوا وروحانية ناشئة عن تركيبها العام وعن مغزاها الذي ينبثق عن هذا التركيب وينبثق عن الجو الذي قيلت فيه ذلك وعن سنأخذ في الحديث الآن والله الموفق
اقرأ باسم ربك الذي خلق
إذا قرأ الإنسان باسم ربه إذا استجاب الإنسان – بمقتضى دخوله في عقد الإيمان - للتربية الإلهية إذا كيف الإنسان حياته كلها لتكون قراءة باسم ربه فقد أسلم
وإن اقرأ باسم ربك الذي خلق لا يخرج معناها في ثمرته عن معنى أسلمت والمسلم هو من دخل في الإسلام والإسلام هو أن يسلم الإنسان وجهه الله ولقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى الإسلام
فقال
أن تسلم الله وجهك وأن يسلم المسلمون من ! لسانك ويدك

يسمح
والإنسان إما مسلم صادق وإما مسلم مزيف الصادق لا والمسلم النفسه أن ينهل من منابع غير إلهية فى الأمور التي أنزل الله فيها وحياً إن

المؤمن الصادق لا يتخذ له فى العقيدة أو فى الأخلاق إماماً غير إمامه الرباني والأمور التي أتى بها الدين ونزل بها الوحى وصرح بها الكتاب هي مبادئ لا يجوز - فى أعراف المؤمنين الصادقين - العدول عنها إلى غيرها
والموقف القرآني في ذلك حاسم كل الحسم فَلَا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِماً
ولقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة حياته على أن تستمر المنابع التي يستقى منها المسلمون صافية صفاء مطلقاً وعلى أن تستمر
القراءة ۱ باسم ربك لا تستقى إلا من المنابع الإسلامية الصافية
أنه
وأول
منبع هو القرآن الكريم ولقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يختلط بالقرآن غيره وكان شديد الحرص في ذلك إلى درجة في العهد الأول من الوحى أن تكتب الأحاديث التي يسمح كان ينطق بها حتى لا تختلط بالقرآن ثم لما بانت معالم القرآن وبدت أوصافه الذاتية في وضوح وأسفرت آياته عن شخصيته سمح الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابة السنة ولقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يلوث الدين الإسلامي بغيره ولقد روى المحدثون فى ذلك أحاديث في غاية العمق منها ما رواه الإمام أحمد قال حدثنا سريج بن النعمان حدثنا هشام أنبأنا خالد عن الشعبي عن جابر أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم
بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم
C
۱ لعل القارئ بلاحظ اننا نستعمل القراءة هنا على أنها رمز للحياة كلها في حركتها وسكونها
كما سبق أن أوضحنا ذلك

قال فغضب وقال أتتهوكون ۱ فيها يا بن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبر وكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه والذي نفسي بيده لو أن كان حيا ما موسى
ضللتم
وسعه إلا أن يتـ ن يتبعنى إسناد صحيح قصص الأنبياء ص ۳۰۸ ج ۱ وأخرج عبد الرزاق فى المصنف والبيهقى فى شعب الإيمان عن الزهري أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرؤه عليه والنبي عليه الصلاة والسلام يتلون وجهه فقال والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتمونى أنا حظكم من النبيين وأنتم حظى من الأمم وأخرج عبد الرزاق والبيهقى أيضاً عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه مر برجل يقرأ كتاباً فاستمعه ساعة فاستحسنه فقال للرجل اكتب لى من هذا الكتاب قال نعم فاشترى أديماً فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرؤه عليه وجعل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلون فضرب رجل من الأنصار الكتاب وقال ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول لله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عند ذلك إنما بعثت فاتحاً
وخاتماً وأعطيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لى الحديث اختصاراً
فلا يهلكنكم المتهوكون أى الواقعون في كل أمر بغير روية وقيل
1 أى أتتشككون في ملتكم أنتم أي أمة الإجابة أى الأمة الإسلامية كلها والله سبحانه وتعالى يقول ورسوله صلى الله عليه وسلم يعلن في القرآن عن رسالة الله التي أرسله بها لأنذركم به ومن بلغ
6

٢٤
المتحير ون إلى ذلك من الأخبار
وأخرج الفريابي والدارمي وأبو داود في مراسيله وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة قال
جاء ناس من المسلمين بكتف قد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى بقوم حمقاً أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم فنزلت أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنا أنزلنا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةٌ وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون العنكبوت ٥١ وأخرج الإسماعيلي في معجمه وابن مردويه عن يحيى قريب مما ذكر مر ويا عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه وقال الحافظ أبو يعلى الموصلى حدثنا عبد الغفار بن عبد الله ابن الزبير
هذا ما هو
خالد
حدثنا على بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق عن خليفة بن قيس عن ابن عرفطة قال كنت جالساً عند عمر إذ أتى برجل من عبد القيس مسكنه بالسوس فقال له أنت فلان بن قال فلان العبدى قال نعم وأنت النازل بالسوس قال نعم فضربه بقناة معه قال فقال الرجل
عمر
مالى يا أمير المؤمنين فقال له عمر اجلس فجلس فقرأ عليه
بسم
الله الرحمن الرحيم الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْغَافِلِينَ فقرأها عليه ثلاثاً وضر به ثلاثاً فقال له الرجل مالى يا أمير المؤمنين

فقال أنت الذي نسخت کتاب دانیال قال مونى بأمرك أتبعه
قال انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض ثم لا تقرأه ولا تقرئه أحداً

من الناس فلئن بلغنى عنك أنك قرأته أو أقرأته أحدا من الناس لأنهكتك
عقوبة ثم قال اجلس فجلس بين يديه فقال انطلقت أنا فانتسخت كتاباً من أهل الكتاب ثم جئت به في أديم فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا في يدك يا عمر قلت يا رسول الله كتاب نسخته لتزداد به علماً إلى علمنا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه ثم نودى بالصلاة جامعة فقالت الأنصار أغضب نبيكم صلى الله عليه وسلم السلاح السلاح فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إلى قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لى اختصاراً ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون قال عمر فقمت فقلت رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبك رسولا ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن طريف ما يروى عن السيدة عائشة رضوان الله عنها ما أخرج ابن عساكر عن أبي مليكة قال أهدى عبد الله بن عامر بن ركن إلى عائشة رضی الله عنها هدية فظنت أنه عبد الله بن عمر وفردتها وقالت
يتتبع الكتب وقد قال الله تعالى
أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يُتلى عليهم
فقيل لها إنه عبد الله بن عامر فقبلتها ۱ ولقد اختلف موقف المسلمين ذوى الألباب الزاكية اختلافاً صريحاً
۱ انظر فى كل هذه الأحاديث تفسير ابن كثير الألوسى وقصص الأنبياء لابن كثير عند تفسير أول سورة يوسف عليه السلام نحن نقص عليك أحسن القصص وعند تفسير أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب

٢٦
سافراً بالنسبة للأخذ من مجالى الحضارة المادى والروحى أما موقفهم بالنسبة للمجال المادى من الحضارات التي لم تنشأ في الجو الإسلامي سواء أكان ذلك في القديم أم فى الحديث فقد كان ولا يزال موقف المشجع على الأخذ منها أينما كانت وعلى المساهمة فيها مساهمة فعالة وعلى الارتقاء بها وتطويرها تطويراً مستمراً إن اكتشاف نواميس الله في الكون من واجبات المسلم ولقد ترجم سيدنا عمر بن عبد العزيز كتاباً في الطب لما رأى حاجة المسلمين إلى ذلك ولما ترجمت كتب الكيمياء والطبيعة والطب والفلك في عهد أبي جعفر المنصور و بعده لم يجد ذلك من المسلمين إلا كل ترحيب ولكن موقف المسلمين فى الجانب الروحى من الحضارات القديمة والحديثة موقف يختلف عن ذلك كل الاختلاف
بصحف
لقد انتهر الرسول صلى الله عليه وسلم سيدنا عمر في شدة لأنه أتى بـ من التوراة يتلوها وغضب صلى الله عليه وسلم على كل من حاول أن يستقى في العقيدة والأخلاق من منبع غير القرآن والسنة النبوية الشريفة وسار المسلمون على هذا النسق من التفرقة بين الجانب المادى والجانب الروحي حتى كان عصر المأمون ومهما تحدث المتحدثون عن الازدهار والقوة والمجد في عصر المأمون ومهما قالوا من أنه العصر الذهبي للأمة الإسلامية فإنه مع ذلك عصر يتسم بسيئتين إحداهما لا يغفرها له المحبون للحرية والثانية لا يغفرها له أهل الصلاح والتقوى
أما الأولى فإنها دخول المأمون فى النزاع الذي كان بين علماء المسلمين في مسألة خلق القرآن لقد دخل المأمون فى هذا النزاع بقوة الدولة رغبة
ورهبة لقد دخل متحيزاً لفئة منكلا بالفئة الأخرى

ولقد تحيز للمعتزلة والمعتزلة قوم حكموا أهواءهم في الدين وحسبوا أن ما يقولونه إنما هو حكم العقل ولو كان حكم العقل لما اختلفوا هم وتفرقوا شيعاً وأحزاباً إنهم لم يأخذوا الدين مأخذ المستهدى ولم يعترفوا بأن الدين نزل هادياً للعقل وإنما رأوا أن العقل هو المرتبة الأولى فى معرفة الخير والشر
وهم قوم كانوا يتسمون بالتحمس الشديد للجدل النظرى ويتسمون بالفتور الشديد للجانب العملي من الدين ومن أجل ذلك انصرف جمهور
تتسم
الأمة الإسلامية عنهم وكان في مواجهة هؤلاء طائفة من علماء المسلمين تتسم بالصلاح والتقوى وتوطين النفس على الاستهداء بالدين وعلى السير في ركاب النص القرآني أو الحديث النبوى ولقد كانت هذه الطائفة بالتحمس الشديد للجانب العملي من الدين وكانت تتسم بقوة الإيمان فصير ذلك حياتها إلى جهاد في سبيل الله وكفاح من أجل السير على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه رضى الله عنهم والصدر الأول للأمة الإسلامية بن حنبل والإمام مالك وكان يهتدى بهديهما
وكانت تضم ا أحمد أمثال الإمام ويقتدى بسلوكهما جمهور الأمة الإسلامية
لقد ترك المأمون هذه الطائفة وانحاز إلى المعتزلة انحاز إلى المعتزلة
بقوة الدولة فأغدق المال على أنصاره وأخذ ينكل بكل من يعارضه
وكان المعارضون له هم من المتسمين بالصلاح الحقيقى والتقوى الصادقة إنهم أمثال الإمام الصالح أحمد بن حنبل وما كان لنا أن نعيب دخول المأمون فى نزاع علمى لو أنه دخل دخول الأب الرحيم المهدئ للنزاع لو أنه دخل دخول الأخ الأكبر ملطفاً ومانعاً للحدة بين الإخوة إننا لا ننتقد الدخول في النزاع وإنما ننتقد الكيفية

والصورة إنها ليست صورة دخول علمى فى موضوع نقاش ديني وإنما هي صورة دخول جبروتى دخول من يريد أن يأمر ليطاع دخول من لا يريد أن يصغى إلى نصح ولا أن يستجيب لبرهان
هذه سيئة وهي سيئة لا يرضى بها أحرار الفكر ولا يرضى بها المتدينون أما الثانية فهى أنه برغم موقف جمهور المسلمين الحاسم من التراث الروحى للأمم الأخرى وبرغم معارضتهم الشديدة للغزو الفكرى فإن المأمون تحداهم تحدياً سافراً آمراً بترجمة التراث الروحي والتراث الأخلاقى
للأمم الأخرى يونانية كانت أو فارسية أو غيرها لقد ظن المأمون أن ذلك سينصره فى القضية التي اتخذ الخصومة
فيها مسألة كرامة ذاتية
ولقد حكى ابن النديم في ذلك رؤيا للمأمون معبرة أوضح ما يكون

التغبير عن نزعة المأمون أو عن نزغته لقد رأى المأمون فيما يراه النائم رجلا أبيض اللون مشرباً بحمرة
واسع الجبهة حسن الشمائل جالساً على سرير قال المأمون وكأني بين يديه قد ملئت هيبة من هو هذا الرجل أهو أحد الخلفاء الراشدين أهو أحد كبار الصالحين إن المأمون يصفه وصفاً جميلا وصورته تملأ المأمون هيبة فمن هو يا ترى
يقول المأمون
فقلت من أنت
فقال أنا أرسطو
فسررت به وقلت أيها الحكيم أسألك قال سل

قلت ما الحسن
قال ما حسن في العقل قلت ثم ماذا
قال ما حسن في الشرع قلت ثم ماذا
قال ما حسن عند الجمهور
ماذا قلت ثم ماد
قال ثم لا ثم قلت زدني
قال عليك بالتوحيد
وسواء أصحت هذه الرؤيا أم لم تصح فإنها تعبير صادق عما كان في
نفس المأمون وفى نفس المعتزلة من إكبار لأرسطو
ولعل القارئ قد لاحظ مبدأ فى غاية الخطورة وهو مبدأ تقديم العقل
على الشرع لقد جعلت رؤيا المأمون العقل في الدرجة الأولى وجعلت
6
الشرع في الدرجة الثانية وهو مبدأ معروف عند المعتزلة وعند المأمون مبدأ لا يقره أمثال الشافعى ومالك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم
وهو
أجمعين
أما التوحيد في الرؤيا فإنه التوحيد الذي عناه المعتزلة والذي عبر عنه أهل السنة بكلمة التعطيل
واستيقظ المأمون من رؤياه فأمر بترجمة كتب أرسطو
ولاقت هذه البدعة الجديدة بدعة ترجمة كتب العقائد وكتب الأخلاق معارضة شديدة فى الأجواء الإيمانية لقد رأت هذه الأجواء

أن في عقائد المسلمين وفى أخلاق المسلمين من الصدق ومن الحق ومن
الوضوح ما يغنى عن غيرها ورأت أن عقائد المسلمين وأخلاق المسلمين قد حددها الأسلوب الإلهى
وبينها الأسلوب النبوى
إن الله سبحانه وتعالى هو الذي عبر عنها وإن رسوله صلى الله عليه وسلم
قد طبقها وهذه ميزة لا توجد فى غير الدين الإسلامي أمن المعقول أن يدع عاقل من العقلاء الرسم الإلهى لصلة الإنسان
بربه ولصلة الإنسان بالآخرين إلى رسم بشرى لهذه الصلة رسم يخطئ ويصيب ويضل ويهتدى
أمن المعقول أن يدع الإنسان الأسلوب الإلهي في نضرته ودقته وإحكامه
وفى وضوحه وبلاغته وإعجازه إلى أسلوب بشرى يترجمه أسلوب
بشری آخر
إن البشر في تأليفهم بشر مهما بلغوا من ا الدقة ورحم الله العماد في قولته المشهورة من أنه لا ينتهى الإنسان من تأليفه إلا ويتمنى أن لو أعاد التأليف من جديد ليغير ويبدل ويزيد ويحذف وهذا شأن البشر شأنهم على مر العصور مهما بلغوا من العبقرية والنضج وهذا التأليف على هذا النمط لا تقرؤه بلغة صاحبه وإنما تقرؤه بلغة
مترجم يترجم ما فهم هو من معانى المؤلف إن الترجمة مهما بلغت من الدقة ليست إلا فهم المترجم لكلام المؤلف
ولم الترجمة أفى العقيدة التى جاء بها القرآن والسنة نقص يستكمل
أفي الأخلاق التي رسمها الله ورسوله خلل تزيله ترجمة كتب الوثنيين إن الآراء التي لا تستند إلى وحى معصوم هي آراء وثنية وإن الفرق

بين الوثنية والإيمان إنما يرجع إلى أن الإيمان مصدره الوحى أما الوثنية
فمصدرها البشرية فى عجزها وقصورها وجهلها

وإن البشرية مهما بلغت فى الرقى الحضارى لا تنفك متسمة بالعجز والقصور والجهل وإن الاكتشافات الحديثة التي لا تنقطع والتى تطلع علينا الأخبار منها كل يوم
بجديد لهي أوضح دليل على عجز البشرية وقصورها وجهلها
ولن تبلغ البشرية يوماً ما حد الكمال لأنه لن تصل البشرية يوماً إلى اكتشاف كل مجهول والكشف عن كل غامض وإزالة
الانتهاء من
المعميات الحجب عن جميع العملية أنترك العصمة المطلقة فى الوحى وتترك بيان من لا ينطق عن الهوى
لنأخذ بقول هذا أو ذاك ممن يتسمون دائماً بالنقص والعجز وممن جهلهم أكثر من علمهم مهما بلغوا في المعرفة والعلم
هذه الآراء التي كانت تدور فى البيئة الإسلامية إذ ذاك والتي كان يؤمن بها ويتقبلها الأغلبية من الشعب لم تقف في وجه الترجمة ولم تحل دون تنفيذ المأمون لفكرته
لقد نفذ المأمون الفكرة ووجد الأمراء أن من رضاء المأمون أن يحبذ الإنسان هذه الفكرة وأحب الأمراء رضاء المأمون فساهموا في مشروع الترجمة ووجد الأثرياء أن من وسائل التقرب إلى المأمون أن يساهموا في مشروع الترجمة فعملوا على المساهمة بمالهم في مشروع الترجمة ووجد المثقفون أن من عوامل التقرب من المأمون أن ينشروا آراء أرسطو وأفلاطون وغيرهما فتعلموها ودرسوها وعلموها ودرسوها وإذا كانت أفكار اليونان قد بدأت الدخول في البيئة الإسلامية
على استحياء فإنها بمر الزمن استوطنت وألفها كثير من الناس عن

طريق التكرار وشاعت الآراء واستقرت بالإلف والعادة والتبنى والدعاية ومنذ ذلك الحين أصبح بجوار
اقرأ باسم ربك الذي خلق أصبح بجوارها اقرأ باسم أرسطو واقرأ باسم أفلاطون وفي العصور الحديثة اقرأ باسم ديكارت
أو اقرأ باسم
وبدأ انحلال الأمة الإسلامية لأنها لم تعد تقرأ باسم ربك أو قل إن انحلال الأمة الإسلامية وضعفها بدأ منذ أن بدأت تشرك مع التعاليم
الإسلامية غيرها
عصر
للأمة
الإسلامية فإنه
وإذا كان المأمون يؤرخ العصر الذهبي أيضاً يؤرخ اللحظات الأولى لدبيب الضعف في هذه الأمة إن الفلسفة اليونانية والفكر النظرى فى العقيدة والأخلاق والانصراف إلى ذلك والاشتغال به وجعله مظهراً للحضارة والرقى والمدنية لا ينتج إلا فتوراً في الإيمان وتخاذلا في العزائم وتشككاً فى كل القيم
وهل ينتج البحث العقلى البحث في القيم والمعايير الدينية والأخلاقية - على أسلوب الإنكار والإثبات والأخذ والرد والجدل والمماراة - إلا فتورا
واستهانة
هل أنتجت الفلسفة إيماناً قوياً هل أنتجت عزائم من حديد
هل قادت إلى النصر وتأمل معى مليا في أسباب نهضة أوربا في عصورها الحديثة
إننا نعرف أن أوربا عاشت أزماناً متطاولة في جهل وهمجية وانحطاط ولقد عاشت كذلك لأنها كانت تتبنى نزعة أرسطو أو منهج أرسطو أى أنها كانت تتبنى الجدل الفارغ الذى لا يؤدى إلى نتيجة ولا ينتهى إلى ثمرة

}
اللهم إلا الفتور والتخاذل والشك
ثم بدأت أوربا تتنبه إلى منهج آخر فى الحياة وبدأ بيكون يعلن عن طريقة وأسلوب للمعرفة لا يعتمد على العقل النظرى البحت وبدأ منهج التجربة والملاحظة والاستقراء
وأرخ هذا الاتجاه التجريبي بدء عصر النهضة الأوربية وكما أرخ بدء التخلى عن هذا الفكر الأرسطى۱ انحطاط الأمم الإسلامية فقد أرخ بدء التخلى عن هذا الفكر بدء النهضة الأوربية الحديثة
وإذا كان المسلمون قد بلغوا قمة مجدهم حينما كانوا يقرأون باسم ربك وحده فإنهم قد بلغوا قمة ضعفهم حينما بلغت باسم ربك حدها الأدنى أى حينما تخلوا أو كادوا عن أن يتخذوا من منابع دينهم الصافية
موجهاً وقائداً
ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها أى العودة إلى باسم ربك الذي خلق
اقرأ
هل يعنى ذلك أن تمنع الترجمة هل يعني ذلك أن نعيش في عزلة عن الفكر العالمى هل يعنى ذلك أن نمنع أنفسنا عن الاطلاع على الثمار التي أنتجتها عقول العباقرة أمثال أفلاطون وديكارت واسبينوزا و برجسون ليس إلى هذا قصدنا وإنما قصدنا إلى معنى يعلمه في وضوح كل من يتتبع تاريخ الفكر البشرى عبر القرون إن الظاهرة الواضحة فى تاريخ الفكر البشري الذي لا يستند إلى

۱ لا نقصد أرسطو بالذات أو أرسطو فقط وإنما نقصد الفكر النظري في مسائل ما وراء الطبيعة والأخلاق الذى لا يستند إلى وحى معصوم نعود فنقول نعنى بـ اقرأ رمزاً للحياة كلها في حركتها وسكونها في صمتها ونطقها

التجربة أو الملاحظة أنه متغير باستمرار
تسير
وأنه لا يستقر على رأى وأنه فى صيرورة دائمة وهذه الصيرورة ليس من المحتم أن دائماً في طريق الجديد بل يجوز أن تعود القهقرى فترجع إلى مذهب تخلت عنه وتعود إلى ما كانت قد عرفت عنه ويأخذ القديم طريقه إلى الانتشار من جديد ثم يعفى عليه الزمن مرة ثانية أو ثالثة وهكذا
يعيد التاريخ الفكرى نفسه تارة ويتجدد أخرى
ومن
الملاحظ أيضاً أنه ليس من المحتم أن يكون الجديد ترقياً في الفكر
أوسموا في الآراء بل قد يكون على العكس من ذلك انتكاساً وانحداراً وهذه الظاهرة البادية لكل دارس جعلت بعض المفكرين يقولون إن الآراء النظرية البحتة مثلها كمثل أزياء النساء تتبدل كل عام وهذا التشبيه للآراء العقلية البحتة فى جانب العقيدة وفي جانب الأخلاق بأزياء النساء في التبدل والتغير والاختلاف والتطور من القديم إلى الجديد ومن الجديد إلى القديم تشبيه فى غاية الصدق
لقد كادت فرنسا يوماً ما أن تؤله أو غسط كومت لقد كان أتباعه

ومريدوه يقدسونه ولقد وضعوه على القمة ومضى الزمن وأصبحت آراء أو غسط كومت لا يقام لها وزن اللهم إلا أنها حلقة من حلقات التاريخ
الفكري الذي عفى عليه الزمن ولقد كانت السوفسطائية يوماً من أكثر المذاهب انتشاراً في اليونان
ثم عفى عليها الزمن واندثرت وتبينت الأمة اليونانية أنها مذهب هدام بل يصل به الهدم إلى هدم نفسه وانتهت الأمة اليونانية منه ودفنته وتعفن كمذهب ثم بعثته طائفة من المنحرفين فى العصر الحديث تحت اسم الوجودية وليست الوجودية إلا هذا المذهب المتعفن الذي تقايأه بعضر
344

۳۵
لمنحرفين في اليونان منذ ما يقرب من خمسة وعشرين قرناً من الزمن وإذا رأيت في بعض أحياء أوربا فتى يلبس لبس فتاة وتسأل لماذا يفعل ذلك قيل لك إنه وجودى وإذا رأيت فتاة تخرج على أدنى درجات العرف الأخلاقى وسألت عنها قيل لك إنها وجودية وإذا رأيت إلحاداً سافراً وكفراً صراحاً وسألت قيل لك إن ذلك وجودية وإيمان الوجودى - إذا آمن - مسألة مزاج إنه كيف كشرب السجائر مثلا وكشرب الشاي في مواعيد معينة وهو بهذا الاعتبار ليس يماناً فليس فى الوجودية في حقيقة الأمر إيمان بالمعنى الصحيح للإيمان

اشماز الغرب من الوجودية وها هى ذى تلفظ أنفاسها الأخيرة هناك وذلك أن الغرب شاهد المظاهر وشاهد النتائج فعرف أن الوجودية مذهب المتحللين
المنحرفين
ولقد طنطنت الدنيا لمذهب ديكارت وصفق العالم له وظن الدكارتيون
أن منهج ديكارت سيحل كل مشكلة ويزيل النقاب عن كل محجوب يكشف عن كل مخبأ وتمضى الأيام وإذا بالمشاكل هي المشاكل هو برغم استعمال منهج ديكارت
المحجوب هو المحجوب والمخبأ
المخبأ
نحكيمه عن طريق ديكارت نفسه وعن طريق الديكارتيين وتمضي الأيام كذلك وإذا بآراء ديكارت فى الطبيعة - آراؤه التي بناها متخذاً فيصلا
د انهارت رأساً على عقب
ولنتحدث الآن
عن الفلسفة بصراحة
6

إن من خصائصها – على مر الزمن - أنها تبدأ من الصفر أي أن كل فيلسوف يأتى يعلن أن العالم منذ أن وجد لم يظهر على وجهه شخصية صلت إلى الحق في محيط ما وراء الطبيعة وفي محيط الأخلاق وأن

٣٦
مجال العقائد ومجال الأخلاق ما زال بحاجة إلى نظرة من الأساس إنه ما زال بحاجة إلى بناء يبدأ بوضع اللبنة الأولى تليها اللبنة الثانية إلى أن يتم الصرح ويعلن الفيلسوف بذلك أن جميع الصروح القديمة في تصميمها خلل وفى وضعها فساد وأنها خطأ فى منهجها وفى وضعها وأن العالم الذي عاش بهذه الطريقة قد عاش - منذ أن وجدت هذه الصروح – في
أوهام إنه يعلن بذلك أن آراء الفلاسفة السابقين أوهام
ومن خصائص الفلسفة أنه لا مقياس لها تلجأ إليه عند الاختلاف لقد أخفق منطق أرسطو عند أرسطو نفسه وأخفق عند كل المناطقة إنه لم يحسم الخلاف في مسألة ما

وأخفق منهج ديكارت عند ديكارت وعند كل من استعمله ومنهج أرسطو ومنهج ديكارت هما أشهر المناهج في الفلسفة القديمة والحديثة كيف نصل إلى الحق إذا اختلفنا في مسألة كيف الخلاف إذا أردنا ذلك كيف نتفق إن ذلك لا سبيل له فى الجو الفلسفى إن العلم المادى إذا اختلف فيه العلماء فإن الفاصل في هذا الخلاف
إنما هو التجربة أو الملاحظة
نحسم
والملاحظة والتجربة فيصل فى الجو العلمى المادى ما هو الذي في الجو الفلسفي - بمثابة التجربة فى الجو العلمى لا شيء هنا نشأ أمران هما من خصائص الفلسفة ومن

أما أحدهما فهو أن الفلسفة في جميع آرائهات عقليا - ظنية وذلك أنه لا وسيلة للفصل فيها بين الخطأ والصواب أما الثاني فهو أن الخلاف في الفلسفة سيستمر أبد الدهر ستجد دائماً المؤيد للفكرة - أى فكرة – والنافي للفكرة - أى فكرة – ستجد المثبت والمنكر

وهی
عهد
وينتج عن كل ما قدمنا نتيجة لازمة هى من خصائص الفلسفة أيضاً أن الفلسفة لا تقدم فيها إن مسائلها القديمة هي مسائلها الحديثة ومشاكلها مشاكلها في كل عصر وفى كل زمن إن مسائل الفلسفة ومشاكلها أفلاطون هي مسائل الفلسفة ومشاكلها في عهد ديكارت وهى مسائل الفلسفة ومشاكلها فى الزمن المعاصر وحتى مضحكات الفلسفة - وللفلسفة مضحكات قد صورت بصورة مشاكل - حتى مضحكات الفلسفة المشكلة لا تزال هي هي إن برجسون في العصر الحديث قد أخذ يتحدث مشكلات الفيلسوف الساخر زينون الذى ابتدع في صورة طريفة من البدهيات مشاكل وحاول توريط الفلاسفة فيها ونجح في أن جرهم إلى البحث في البدهيات وإلى جعلها مشاكل وإلى الوقوف عاجزين أمامها
عن
مع بداهتها وسخر منهم زينون وسخر منهم كل ذي بصر وبصيرة ومن كل ذلك أيضاً نتبين أن الفلسفة - وهذا من خصائصها أيضاً - لا رأي لها معيناً في أية مسألة من المسائل وذلك أن لها في كل مسألة رأيين متعارضين أو آراء متعارضة ولعله أصبح الآن سافراً أن من يقرأ باسم الفلسفة فإنما يقرأ باسم
سراب
أما النتيجة التي نريد أن نصل إليها من كل ما تقدم فهى أننا لو قرأنا الآراء النظرية البحتة على هذا الوضع الذى أوضحناه فلا بأس وتكون بذلك القراءة باسم الفلسفة أو باسم الجانب النظرى من الفكر الإنساني مسلاة وتسلية وسياحة في أجواء تختلف وتتعارض وتتناقض ونستفيد منها عبرة فيما
يتعلق بعجز الإنسان وقصوره ونعود من هذه السياحة مقتنعين بوجوب
اقرأ باسم رَبِّكَ الَّذِي خَلَق

الفصل الثالث
افْعَلْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
ليلة القدر
يقول الله تعالى
لقد نزلت في ليلة القدر
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتِ مِنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقان
ويقول سبحانه
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْر
@
وليلة القدر إذن هى فى شهر رمضان أخذا من هذه النصوص
الكريمة ويخبر سبحانه عن هذه الليلة أنها خير من ألف شهر إذ تنزل
الملائكة والروح فيها بإذن
الفجر
وهى

من
كل أمر
فضلا عن ذلك سلام يستمر من غروب الشمس حتى مطلع
ومن أجل هذا الفضل العظيم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعد لها بالعبادة ويهيئ الجو الروحى المناسب لنزول الملائكة والروح والمناسب للسلام القلبي الذى هو ثمرة التوبة والإنابة والتقوى والذى
۳۹

هو اطمئنان النفس إلى الله فيخاطبها سبحانه خطاباً تفهمه
يا أيتها النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارجعى إلَى رَبِّكَ – في هذه الدنيا وفى الآخرة - رَاضِيَةً - عن الله مَرْضِيَّةً منه - فادخلي في عبادي – عاجلا –
وادْخُلِي جَنَّتِي آجلا وكانت التهيئة التي يقوم بها صلى الله عليه وسلم استعداداً لشروق
نور هذه الليلة الشريفة إنما هى الاعتكاف
وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف عادة في العشر الأواخر من رمضان فيدخل المسجد قبل غروب شمس اليوم العشرين من الشهر المبارك يدخل متفرغاً للعبادة متجهاً إلى الله بكل كيانه
ويهين
وما من شك فى أن الاعتكاف في المسجد يهى الجو لجمع الخواطر
ئ الصفاء القلبي فيتفرغ الإنسان للطاعة متشبهاً بالملائكة ويتعرض
بذلك لليلة القدر
C
وقد كان صلى الله عليه وسلم يحث الصحابة على هذا الاعتكاف
ويشجعهم عليه التماساً لمرضاة الله تعالى وتعرضاً لإشراق ليلة القدر وهي ليلة يكون فيها انتشار الروحانية بقراءة القرآن والصلاة والذكر وتنزل فيها الملائكة طائفة بالذاكرين
L
مستغفرة لهم ومصلية عليهم
6
ومبشرة لهم عن أنس رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان ليلة القدر نزل جبريل فى كبكبة من الملائكة يصلون
ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله تعالى
ويقول الله سبحانه وتعالى
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ

٤١
ألا تخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها
6
ما تَدْعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيم إن أنوار المؤمنين المتبتلين في تلك الليلة تتلألأ متألقة فيما بينهم وتمتزج فتجذب بتلألئها الأرواح الملائكية فتقترب من المتعبدين فتزيد في الصفاء فيكون انشراح الصدور ووضع الأوزار التي تنقض الظهور ويكون غسل القلب بالماء والثلج والبرد وتتوفر بكل ذلك وسائل التعرض
النفحات الله
إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها
وليلة القدر من نفحات الله التى يستجاب فيها الدعاء وتغفر الذنوب
للتائبين المنيبين وهى فى أوتار العشر الأواخر من رمضان
يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخارى رضى الله عنه تحروا ليلة القدر فى الوتر من العشر الأواخر من رمضان
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل كله وأيقظ أهله وجد وشد المئزر ولكن أى ليلة
هی
لقد أخفاها الله سبحانه لحكمة هي إحياء عدد من الليالي في طاعة الله التماساً لها أما هذا الذي وهبه الله التوفيق فأحياها ملتمساً مرضاة
الله فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه
عنه
يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخارى رضى الله تعالى
من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه

٤٢
وبعد
فقد روى الإمام الترمذى عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أى ليلة ليلة القدر ما أقول
فيها
قال صلى الله عليه وسلم

قولى اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى

الفصل الرابع
افأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
إنها بداية الوحى وأول آية نزلت من القرآن
وصف القرآن
إن أصدق وصف للقرآن هو الوصف الذى أتى به القرآن نفسه ومهما قال القائلون في وصفه وتفنن الكتاب فى إعطاء صورة عنه فإنهم لن يبلغوا الوصف الذى وصفه به منزله سبحانه وتعالى ونحن فيما يلى نذكر بعض ما ورد في القرآن عن القرآن
القرآن من أسباب بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ
1
آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ
مبين

كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ
۱ البقرة - آية ۱۹
آل عمران - آية ١٦٤
٣ البقرة - آية ١٥١
٤٣

مصدره
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيم
1
T a
عليم
التعليم
حمَ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ
حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ۳
ه الر كِتابَ أَحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِير 1 حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِيـ
أوصافه
مبين
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ
3
۷
^ @
"
أثر تِلْكَ آيَاتُ الكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ
هو نور
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبى الأمى الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي
۱ النمل - آية ٦ غافر - آية ۰۱ ۳ الجائية - آية ۱ ٤ هود - آية ١
٥ الدخان - آية ۱ - ۳
1 يوسف – آية ١ ۷ الحجر - آية ١ ۸ النمل - آية ١

التَّوراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلال التي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزّروهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أنزلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ١

يأيها النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِن رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ٢ وكذلك أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً من أمرنا ما كُنتَ تَدرى ما الكِتابُ وَلا الإيمان ولَكِنْ جَعَلنَاهُ نُوراً نُهْدِى بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبادِنَا وإِنكَ لَتَهْدِى
إلى صراط مستقيم ۴
حكيم
حق
الر تِلْكَ آيَاتُ الكتابِ الْحَكِيمِ
t
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ
بِعِبَادِهِ لَخَبِيرُ بَصِيرٌ
مبارك
0
كِتابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبارَكَ لِيَدَّبَّرُ وا آياته وليَتَذَكَّرَ أُولُو الألباب
1 الأعراف - آية ١٥٧
٢ النساء - آية ١٧٤ ۳ الشورى - آية ٥٢
٤ يونس - آية ١ ٥ فاطر - آية ۳۱ ٦ ص - ل - آية
1

٤٦
ه وَهَذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبارَكَ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ۱ وهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى
ومن حولها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ
يُحافِظُونَ ٢
معجز
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا
يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهيراً ٢
عظیم
وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ
على حكيم
عزیز
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلى حَكِيمٌ
2
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزُ ٦
۱ الأنعام - آية ١٥٥ الأنعام - آية ٩٢ ۳ الإسراء - آية ۸۸ ٤ الحجر - آية ٨٧ 0 الزخرف - آية ٤ 1 فصلت - آية ٤١

مفصل على علم
وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابِ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ كتاب فصلت آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٢
أحسن القصص
1
٤٧
"
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ۳
لا عوج له
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ٤
يهدى إلى الحق
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتاباً أنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقِ مُسْتَقِيمَ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ عَذَابٍ أَلِيم وَمَنْ لَا يُحِبُّ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ في الأرض لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ٥
۱ الأعراف - آية ٥٢
فصلت -

۳ یوسف - آية ٣
٤ الكهف - آية ١
0
الأحقاف - آية ۹ – ۳

٤٨
عربى الأسلوب عالى الدلالة
حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنَا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ٢
لا ريب فيه
الم ذلِكَ الكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ٢
يخرج من الظلمات إلى النور
الرَكِتابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 4
بشرى المسلمين
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا على هؤلاء وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ وَبُشْرَى
لِلْمُسْلِمِينَ
0
رحمة للمؤمنين
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ١
۱ الزخرف - ١ - ٣ الزمر - آية ۸ ۳ البقرة - آية ۱
٤ إبراهيم - آية ١ ٥ النحل - آية ٨٩ 1 النحل - آية ٦٤

تلاوته

إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًا
۱
وعلانيةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ 1
نذير

تبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ٣
أنزل بالحق
و إِنَّا أنزلنا عَلَيْكَ الكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْها وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ
أحسن الحديث
4
اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشَابِها مَثَانِي تَقْشَعِرُ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادِ 1
نذير لكل من بلغه
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ
۱ فاطر - آية ۹ الفرقان - آية ١ ۳ الزمر - آية ٤١ ٤ الزمر - آية ٢٣

هذا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةٌ أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهُ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ
تذكرة
1
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ
يخافُ وعيد ٢
مصدقاً لما بين يديه
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ
۳
والإنجيل ٢
أثره وتأثيره
لو أنزلنا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
وتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ٤ ولو أن قُرآنَا سُبُرَت بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلَّم بِهِ الْمَوْتَى بل الله الأمر جميعاً أفلم ينس الَّذِينَ آمَنُوا أنْ لَو يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جميعاً وَلَا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ
0
دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفَ الْمِيعَادَ
۱ الأنعام - آية ۱۹ ٢ ق - آية ٤٥ ۳ آل عمران - آية ٣ ٤ الحشر - آية ۱ 0 الرعد - آية ٣١

وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ
حجاباً مستورا 1 مَسْئُورًا
من آداب التلاوة
حكم
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّحِيم ٢
وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْتَ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلا 4 أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغَى حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتابُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُتَزَلُّ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ٦
حزن الرسول صلى الله عليه وسلم على هجره
V
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرآنَ مَهْجُوراً والآن نذكر بعض الطرائف التى رويت متعلقة ببعض آيات القرآن
1 الإسراء - آية ٤٥
النحل - آية ۹۸ ۳ الأعراف - آية ٢٠٤
٤ الإسراء - آية ١٠٦ ٥ النساء - آية ٨٢ ٦ الأنعام - آية ١١٤ ۷ الفرقان - آية ۳۰

عن الشعبي قال لقى عمر بن الخطاب ركباً في سفر فيهم بن مسعود فأمر رجلا يناديهم من أين القوم قالوا أقبلنا من الفج
العميق
۱
نريد البيت العتيق ٢
فقال عمر إن فيهم لعالماً وأمر رجلا أن يناديهم أى القرآن أعظم فأجابه عبد الله اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَوْدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
قال نادهم أى القرآن أحكم
فقال ابن مسعود
۳
إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 4 قال نادهم أى القرآن أجمع فقال فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًا
يوه
1 يشير إلى قوله تعالى وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل
فج عميق
٢ والبيت العتيق يشير إلى قوله تعالى ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت
العتيق
۳ سورة البقرة - آية ٢٥٥
٤ النحل - آية ٩٠ ٥ الزلزلة - آية ٧ ٠٨

۰۳
فقال نادهم أي القرآن أحزن
فقال مَنْ يَعْمَلْ سُوا يُجْرَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا
فقال نادهم أي القرآن أرجي
فقال قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ ٢ فقال أفيكم ابن مسعود قالوا نعم أخرجه عبد الرزاق في
تفسيره بنحوه
۳
وأخرج عبد الرزاق أيضاً عن ابن مسعود قال أعدل آية في القرآن إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 1
وأحكم آية فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه
وأخرج الحاكم عـ عنه قال إن أجمع آية في القرآن للخير والشر إنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون وأخرج عنه قال ما في القرآن آية أعظم فرجاً من آية في سورة الغرف
أى سورة الزمر
1 النساء - آية ۱
الزمر - آية ٥٣ ۳ انظر الإتقان للسيوطي
4 النحل - آية ٩٠

٥٤
قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وما في القرآن آية أكثر تفويضاً من آية في سورة النساء القصرى وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ
شيء قدرا ۱
وأخرج أبو ذر الهروى في فضائل القرآن من طريق يحيى بن يعمر عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أعظم آية في القرآن اللهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَواتِ

ومَا فِي الْأَرْضِ من ذا الَّذِي يَشْفَعُ عَنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْن أيديهم وَمَا خَلفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَؤُدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
وأعدل آية في القرآن
دو
إنَّ الله يأمرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وأخوف آية فى القرآن فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ
وأرجي آية في القرآن قُلْ يا عبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تقنطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
1 الطلاق - آية ٣

٥٥
شهر رمضان والقرآن
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقومُ
وقراءة القرآن في شهر رمضان من أسمى القربات وهي تتناسب مع شهر
رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان
والله سبحانه وتعالى يقول عن القرآن
إِنَّا سَمِعْنا مُنادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ " قال
هو القرآن ليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم وفى الحديث –
فيما رواه البخاري -
يوم الناس أقرؤهم لكتاب الله
وما ذاك إلا أنه أعلم بأحكام الله فالعالم بالقرآن عالم بجملة الشريعة وعن عائشة رضوان الله عليها أن من قرأ القرآن فليس فوقه أحد
وعن عبد الله قال

إذا أردتم العلم فثوروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين ٢
القرآن فقد حمل أمراً عظيماً
وعن عبد الله بن عمر قال من جمع وقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه
وفي رواية عنه من قرأ القرآن فقد اضطربت النبوة بين جنبيه
وما ذاك إلا أنه جامع لمعانى النبوة ا هـ
والأحاديث في القرآن وفضله كثيرة
۱ الآية ربنا إننا سمعنا منادياً ينادى للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا
يكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار آل عمران ۱۹۳
فثور وا القرآن أى تدبروه وافهموا معناه العميق
6

٥٦
عن أبي أمامة - فيما رواه مسلم - قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
6
اقرأوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعاً لأصحابه اقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان القيامة كأنهما يوم غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف تحاجان أصحابهما عن اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة ۱ وأخرج الدارمي في سننه عن أبى الأحوص عن عبد الله قال إن
هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما ما استطعتم إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد فاتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات أما إنى لا أقول ألم ولكن ألف ولام وميم
وأخرج الدارمي أيضاً في سننه عن الحارث قال
دخلت المسجد فإذا أناس يخوضون في أحاديث فدخلت على على فقلت ألا تری أن أناساً يخوضون في الأحاديث في المسجد فقال قد فعلوها قلت نعم قال أما أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ستكون فتن قلت وما المخرج منها قال
كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل هو الذى من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله فهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو
۱ رواه مسلم

الصراط المستقيم وهو الذى لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الـد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً هو الذي ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه
من
قال به
صدق
هدى إلى صراط مستقيم
فضله ١
قال صلى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى من شغله قراءة القرآن عن دعائى ومسألتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين ٢ وقال صلى الله عليه وسلم ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك
أسود لا يهولهم فرع ولا ينالهم حساب حتى يفرغ ما بين الناس رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله عز وجل ورجل أم به قوماً وهم به راضون

وقال صلى الله عليه وسلم أهل القرآن أهل الله وخاصته ۳ وقال صلى الله عليه وسلم إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد فقيل يا رسول الله وما جلاؤها فقال تلاوة القرآن وذكر الموت وقال صلى الله عليه وسلم لله أشد أذناً إلى قارئ القرآن من صاحب
القينة إلى قينته ٤ قال أبو أمامة الباهلى اقرأوا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف المعلقة فإن الله لا يعذب قلباً هو وعاء للقرآن
۱ من المراجع التي رجعت إليها ابتداء من الحديث عن فضل القرآن إلى نهاية هذا الفصل كتاب الإتقان للسيوطى وكتاب الإحياء للإمام الغزالى وكتاب محاسن التأويل للقاسمي وكتاب
الترغيب والترهيب للمنذرى وكتابنا العبادة
٢ رواه الترمذي وقال حسن غريب
٤ رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم
۳۰ روته كتب السنة بإسناد حسن

۵۸
وقال ابن مسعود إذا أردتم العلم فانثروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين وقال أيضاً لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب
C
القرآن ويعجبه فهو يحب الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله سبحانه و رسوله صلى الله عليه وسلم وقال عمر و بن العاص كل آية فى القرآن درجة في الجنة ومصباح
في بيوتكم وقال أيضاً من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه
لا يوحى إليه
وقال أحمد بن حنبل رأيت الله عز وجل في المنام فقلت يا رب ما أفضل ما تقرب به المتقربون إليك قال بكلامي يا أحمد قال قلت يا رب بفهم أو بغير فهم قال يفهم وبغير فهم
وقال الفضيل بن عياض ينبغى لحامل القرآن ألا يكون له إلى أحد حاجة ولا إلى الخلفاء فمن دونهم فينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه وقال أيضاً حامل القرآن حامل راية الإسلام فلا ينبغي أن يلهومع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ولا يلغومع من يلغو تعظياً لحق القرآن
ويروى أن خالد بن عقبة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اقرأ على القرآن فقرأ عليه إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وينهى عَنِ الْفَحْشَاء وَالمُنكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فقال له أعد فأعاد فقال والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمورق وإن أعلاه لمثمر وما يقول هذا بشر ۱
۱ رواه البيهقى فى الشعب من حديث ابن عباس بسند جيد إلا أنه قال الوليد بن المغيرة بدل =
=

۵۹
ولقد تحدث الإمام السيوطى فى كتاب الإتقان في النوع الخامس
والسبعون في خواص القرآن
فقال
أخرج ابن ماجه وغيره من حديث ابن مسعود عليكم بالشفاءين
القرآن والعسل وأخرج أيضاً من حديث على خير الدواء القرآن
وأخرج أبو عبيد طلحة عن بن مصرف قال كان يقال إذا قرئ
مسير لنا فنزلنا
القرآن عند المريض وجد لذلك خفة وأخرج البخاري من حديثه أيضاً قال كنا في فجاءت جارية فقالت إن سيد الحى سليم ١ فهل معكم راق فقام
معها رجل فرقاه بأم القرآن فبرئ فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال وما كان يدريه أنها رقية !
C
وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن البيت الذي تقرأ فيه البقرة
لا يدخله الشيطان
قال
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند بسند حسن عن أبي بن كعب
كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال يا نبي الله إن لى أخاً وبه قال قال وما وجعه قال به لمم وجع فأتني به فوضعه بين يديه فعوذه النبي صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أول سورة البقرة وهاتين الآيتين وإلهكم
خالد بن عقبة وكذا ذكره ابن إسحاق في السيرة بنحوه
۱ أي مريض

إله واحد وآية الكرسى وثلاث آيات من آخر سورة البقرة وآية من آل عمران شهدَ الله أَنَّهُ لا إلهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا
إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وآية من الأعراف إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطلُبُهُ حَثِيثًا والشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنَّجومَ مُسَخَّرات بأَمْرِهِ َألا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ
العالمين
وآخر سورة المؤمنين
ففَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إلهَ إِلا هَوُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم ۳
وآية من سورة الجن وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبَّنا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ٤ وعشر آيات من أول الصافات وثلاث آيات من آخر سورة الحشر وقل هو الله أحد والمعوذتين فقام الرجل كأنه لم يشك قط وأخرج البخاري عن أبي هريرة في قصة الصدقة إن الجني قال له
الله
إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى فإنك لن يزال عليك من حافظ ولا يقر بنك شيطان حتى تصبح فقال النبي صلى الله عليه وسلم
أما إنه صدقه وهو كذوب وأخرج الترمذي والحاكم عن سعد بن أبي وقاص دعوة ذي النون إذ دعاه وهو في بطن الحوت لا إله إلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لم يدع بها رجل مسلم في شيء إلا استجاب الله له
۱ آل عمران - آية
1A
الأعراف - آية ٥٤
۳ المؤمنون - آية ١١٦
٤ الجن - آية ٣

٦١
وأخرج الترمذى من حديث أبي هريرة من قرأ الدخان كلها وأول غافر إلى إليه المصير وآية الكرسى حين يمسى حفظ بها حتى يصبح ومن قرأها حين يصبح حفظ بها حتى يمسى رواه الدارمي بلفظ لم ير شيئاً
يكرهه
وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال إذا وجدت في نفسك شيئاً يعنى الوسوسة فقل هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ والظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ
1
عليم
علیم
وقال الربيع سألت الشافعي عن الرقية فقال لا بأس أن يرقى
بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله
سر
وقال ابن بطال في المعوذات ليس في غيرها من القرآن لما اشتملت عليه من جوامع الدعاء التي تعم أكثر المكروهات من السحر والحسد
وشر الشيطان و وسوسته وغير ذلك فلهذا كان صلى الله عليه وسلم يكتفى بها وقال ابن القيم في حديث الرقية بالفاتحة إذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع فما الظن بكلام رب العالمين ثم بالفاتحة التي لم ينزل في القرآن ولا غيره من الكتب مثلها لتضمنها ما في الكتاب جميع فقد اشتملت على ذكر أصول أسماء الله ومجامعها وإثبات المعاد وذكر التوحيد والافتقار إلى الرب في طلب الإعانة به والهداية منه وذكر أفضل الدعاء وهو طلب الهداية إلى الصراط المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والاستقامة عليه ولتضمنها ذكر أصناف الخلائق وقسمتهم إلى منعم عليه لمعرفته بالحق والعمل به ومغضوب عليه العدوله عن الحق بعد معرفته وضال لعدم معرفته له ومع ۱ سورة الحديد - آية ٣
ما تضمنته من

إثبات القدر والشرع والأسماء والمعاد والتوبة وتزكية النفس وإصلاح القلب
والرد على جميع أهل البدع
ومع
وحقيق بسورة هذا بعض شأنها أن يستشفى بها من كل داء أهـ
هذه الفوائد المحققة للقرآن وفي القرآن فإنه يجب ألا ننسى أنه نزل

أولا وبالذات للهداية ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور ولهذه المهام الكبرى التي ذكرها الله سبحانه وتعالى فى هذه الآيات الكثيرة التي وصفه بها والتي أتينا بها من أجل التنبيه على أوصافه وغاياته وما أنزل من أجله ولهذا كان لا بد من
التدبر في القرآن
عن
أبي ذر قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا ليلة فقام بآية يرددها وهى إِنْ تُعَذِّبْهُم فَإِنَّهُم عِبَادُك وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُم فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الحكيم وقام تميم الدارى ليلة بهذه الآية أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَات
وقام سعيد بن جبير ليلة يردد هذه الآية وامْتَازُ وا اليَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُون التفهم وهو أن يستوضح من كل آية ما يليق بها إذ القرآن يشتمل على ذكر صفات الله عز وجل وذكر أفعاله وذكر أحوال الأنبياء عليهم السلام وذكر أحوال المكذبين لهم وأنهم كيف أهلكوا وذكر أوامره وز واجره وذكر الجنة والنار ٢
1 الآية أم - حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون الجاثية ٢١
إحياء علوم الدين للإمام الغزالي

٦٣
أما صفات الله عز وجل فكقوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ وكقوله تعالى الملكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ المتكبر ۱ فليتأمل معانى هذه الأسماء والصفات ليكشف له أسرارها فتحتها معان مدفونة لا تنكشف إلا للموفقين وإليه أشار على رضى الله عنه بقوله ما أسر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً كتمه عن الناس إلا أن يؤتى الله عز وجل عبداً فهماً فى كتابه فلتكن حريصاً على
طلب ذلك الفهم وقال ابن مسعود رضى الله عنه من أراد علم الأولين والآخرين القرآن وأعظم علوم القرآن تحت أسماء الله عز وجل وصفاته
فليشور

6
إذ لم يدرك أكثر الخلق منها إلا أموراً لائقة بأفهامهم ولم يعثر وا على أغوارها وأما أفعاله ۳ تعالى فكذكره خلق السموات والأرض وغيرها فليفهم
التالي منها صفات الله عز وجل وجلاله إذ الفعل يدل على الفاعل
فتدل عظمته على عظمته فينبغى أن يشهد فى الفعل الفاعل دون الفعل
6
فمن عرف الحق رآه في كل شيء إذ كل شيء فهو منه وإليه وبه وله فهو الكل على التحقيق ومن لا يراه في كل ما يراه فكأنه ما عرفه ومن عرفه عرف أن كل شيء ما خلا الله باطل وأن كل شيء هالك إلا وجهه لأنه سيبطل فى ثانى الحال بل هو الآن باطل إن اعتبر حيث هو إلا أن يعتبر وجوده من حيث إنه موجود بالله عز وجل وبقدرته
۱ سورة الحشر آية ٢٣ ثور القرآن أي يبحث عن علمه
۳ انظر كتاب إحياء علوم الدين
ذاته من

TE
فيكون له بطريق التبعية ثبات وبطريق الاستقلال بطلان محض
وهذا مبدأ
علم
من مبادئ المكاشفة
قوله عز وجل
1
ولهذا ينبغي إذا قرأ التالي
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَمْنُونَ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي
تَشْرَبُون أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ
فلا يقصر نظره على الماء والنار والحرث والمنى بل يتأمل في المنى وهو نطفة متشابهة الأجزاء ثم ينظر في كيفية انقسامها إلى اللحم والعظم والعروق والعصب وكيفية تشكل أعضائها بالأشكال المختلفة من الرأس واليد والرجل والكبد والقلب وغيرها ثم إلى ما ظهر فيها من الصفات الشريفة من السمع والبصر والعقل وغيرها ثم إلى ما ظهر فيها من الصفات المذمومة من الغضب والشهوة والكبر والجهل والتكذيب والمجادلة كما قال تعالى أَو لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ
۳
فيتأمل
هذه العجائب ليترقى منها إلى عجب العجائب وهو الصفة التي منها صدرت هذه الأعاجيب فلا يزال ينظر إلى الصنعة فيرى الصانع وأما أحوال الأنبياء عليهم السلام فإذا سمع منها أنهم كيف كذبوا
وضربوا وقتل بعضهم فليفهم منه صفة الاستغناء الله عز وجل عن الرسل والمرسل إليهم وأنه لو أهلك جميعهم لم يؤثر في ملكه شيئاً وإذا سمع
نصرتهم في آخر الأمر فليفهم قدرة الله عز وجل وإرادته لنصرة الحق وأما أحوال المكذبين كعاد وثمود وما جرى عليهم فليكن فهمه
۱ المصدر السابق الواقعة - آية ٦٣
۳ يس - آية ۷۷

منه
استشعار الخوف من سطوته ونقمته وليكن حظه منه الاعتبار في نفسه وأنه إن غفل وأساء الأدب واغتر بما أمهل فربما تدركه النقمة وتنفذ فيه القضية وكذلك إذا سمع وصف الجنة والنار وسائر ما في القرآن فلا يمكن استقصاء ما يفهم منها لأن ذلك لا نهاية له وإنما لكل عبد منه بقدر رزقه وليقدر القارئ أنه المقصود بكل خطاب في القرآن فإن سمع أمرًا أو نهياً قدر أنه المنهى والمأمور وإن سمع وعداً أو وعيدا فكمثل ذلك وإن سمع قصص الأولين والأنبياء علم أن السمر غير مقصود وإنما المقصود ليعتبر به من تضاعيفه ما يحتاج إليه فما من قصة في القرآن إلا وسياقها لفائدة في حق النبي صلى الله عليه وسلم وأمته ولذلك قال تعالى وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ فليقدر العبد أن
وليأخذ
1
الله ثبت فؤاده بما يقصه عليه من أحوال الأنبياء وصبرهم على الإيذاء وثباتهم فى الدين لانتظار نصرا الله تعالى وكيف لا يقدر هذا والقرآن ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لرسول الله خاصة بل هو ورحمة ونور للعالمين ولذلك أمر الله تعالى الكافة بشكر نعمة الكتاب
شفاء وهدى
فقال تعالى واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ
يَعِظُكُمْ به بِهِ " وقال عز وجل لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ وأنزلنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ
اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ
۱ هود آية ۱۰
واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم البقرة ۳۱
۳ ولعلهم يتفكرون النحل - آية ٤٤
٤ سورة محمد - آية ٣ وأولها ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا =

٦٦
وَاتَّبَعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ هَذَا بَصائِرُ للنَّاس وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ هَذَا بَيَانُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وإذا قصد بالخطاب جميع الناس فقد قصد الآحاد فهذا القارئ
الواحد مقصود فما له ولسائر الناس
فليقدر أنه المقصود بقوله تعالى وَأُوحِيَ إِلَى هَذَا الْقُرْآنُ لِأَنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بلغ ٤
أتتنا
قال محمد بن كعب القرظي
من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله وإذا قدر ذلك لم يتخذ دراسة القرآن عمله بل يقرؤه كما يقرأ العبد كتاب مولاه الذي كتبه إليه ليتأمله ويعمل بمقتضاه ولذلك قال بعض العلماء هذا القرآن رسائل من قبل ربنا عز وجل بعهوده نتدبرها فى الصلوات ونقف عليها في الخلوات وننفذها فى الطاعات والسنن المتبعات وكان مالك يقول ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن إن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض
بن دينار
اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم 1 الآية واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم
لا تشعرون الزمر ٥٥ سورة الجاثية - آية ٢٠
۳ آل عمران - آية ۱۳۸
٤ الآية وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أثنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإننى برىء مما تشركون الأنعام ١٩

٦٧
وقال قتادة
لم يجالس أحد هذا القرآن إلا قام بزيادة أو نقصان قال الله تعالى هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا
ومن آداب التلاوة
أن يقول في مبتدأ قراءاته أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون وسورة الحمد لله وليقل عند فراغه من صدق الله تعالى وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم
وليقرأ قل أعوذ برب الناس
القراءة
أنفعنا
القيوم

C
به وبارك لنا فيه الحمد لله رب العالمين وأستغفر الله الحى وفى أثناء القراءة إذا مر بآية تسبيح سبح وكبر وإذا مر بآية وإن مر بمرجو سأل وإن مر بمخوف استعاذ
دعاء واستغفار دعا واستغفر
C
يفعل ذلك بلسانه أو بقلبه فيقول سبحان الله نعوذ بالله اللهم ارزقنا
اللهم ارحمنا

قال حذيفة
6
صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأ سورة البقرة فكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا بآية عذاب إلا استعاذ ولا بآية
تنزيه إلا سبح وعن الليث بن سعد عن أبي مليكة عن يعلى بن مملك أنه سأل أم سلمة عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفاً حرفاً ٢
1 أول الآية وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين الآية من سورة
لإسراء ۸
رواه الترمذي وأبو داود والنسائي

٦٨
وعن ابن جريج عن أبي مليكة عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته يقول الحمد لله رب العالمين ثم يقف ثم يقول الرحمن الرحيم ثم يقف
وعن قتادة قال سئل أنس كيف كانت قراءة النبي صلى الله فقال كانت مدا مدا ثم قرأ
عليه وسلم فقا بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم

وعن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق
الغناء
ولحون أهل الكتابين وسيجيء بعدى قوم يرجعون بالقرآن ترجيع والنواح ولا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم
۳
شأنهم " وعن طاووس مرسلا قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أى الناس أحسن صوتاً للقرآن وأحسن قراءة قال
من إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله 4
ومن آداب التلاوة
يقول الله سبحانه وتعالى
ه وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
ويقول سبحانه في تعريف المؤمنين
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ
۱ رواه الترمذي
رواه البخاري
٣ رواه البيهقى فى شعب الإيمان ورزين في كتابه
٤ رواه الدارمي

٦٩
عَلَيْهِمْ آياته زادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
والأمر بالاستماع والإنصات اللذين تفيض بسببهما رحمة الله على السامع المنصت إنما كان من أجل التدبر للمعانى الكريمة التي انطوت عليها الآيات القرآنية ومن أجل الاتعاظ بها والتزام الحدود التي سنتها والقواعد التي أتت بها وهى لكل ذلك إذا تليت على المؤمنين زادتهم إيماناً وكلام الله سبحانه وتعالى له فعل السحر فى خشية الله عند المؤمنين
يقول سبحانه
اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِها مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ۱
والخشوع عند تلاوة القرآن والتزام السكينة والصمت عند تلاوته إنما يكون من قلب امتلأ بالإيمان ومحبة الله سبحانه وتعالى والخوف منه
والرجاء فيه
والله سبحانه وتعالى يبين أن الخشية من ثمار تلاوة القرآن أو سماعه بل إنه سبحانه يخبر أنه لو نزل القرآن على جبل لتمثل فيه الخشوع بل يصل الخشوع به إلى درجة التصدع يقول سبحانه لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ

الله وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ٢
من
فالواجب إذن التزام التدبر والاتعاظ والتزام الهدوء والصمت ولا بأس أن ينطق الإنسان مختاراً أو مضطرًا عندما يمتلئ قلبه بمعنى من المعاني
1 الزمر - آية ۳ سورة الحشر - آية ۱

في سموه وجلاله أو بكيفية من كيفيات الأداء التي تتناسق مع المعنى رهبة أو رغبة ورحمة ورقة أو شدة وقوة لا بأس عند ذلك من أن يقول المستمع الظروف سبحان الله أو جل جلال الله أو سبحان من
متفاعلا
هذا
كلامه أو أستغفر الله أو تبت إلى الله أو اللهم قني عذابك أو اللهم
أفض على من رحمتك

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك
ذلك هو موقف المؤمنين عند تلاوة القرآن أو عند سماعه

الفصل الخامس
افترأ بِاسْمِ رَبِّكَ الذِى خَلَقَ
كيف
۱
ما
إذا أراد إنسان أن يدخل في رحاب اقرأ باسم ربك الذي خلق
إذا أراد إنسان أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم فيحاول أن يقترب
استطاع من
إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَانِى الله رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ
إذا أراد الإنسان أن يدخل في معنى الإسلام
فكيف يبدأ
ما هي
الخطوة الأولى
ما الطريق
إنه يبدأ بالدخول فى النظام القرآنى والدخول في النظام القرآني
معناه العزم المصمم على التخلي عما ليس بقرآن وهذا ما يسمى في العرف الإسلامي أو النظام القرآنى التوبة
ولقد أمر الله في القرآن بالتوبة وحث عليها وحبب فيها وأوجبها في بعض
الأحيان
۷۱

۷
والواقع أنها اللبنة الأولى فى الطريق إلى الله وهى اللبنة الأولى في طريق
إسلام الوجه لله
ولقد فتح الله باب التوبة على مصراعيه تفضلا منه ورحمة يقول سبحانه
في حديث قدسي وفي أسلوب كله رأفة

يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا
فاستغفروني أغفر لكم "
ويقول الله سبحانه وتعالى فى صورة من تجلى الرحمة
شمول الرأفة بالعباد
6
وسعة من
ه قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
1
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّ - ويلى هذه الآية الكريمة ما يبين الطريق إلى المغفرة والرحمة فيقول سبحانه وتعالى
ه وَأَنيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصُرُونَ أى ارجعوا إلى الله بالتوبة وإسلام الوجه له ثم بين لهم الطريق الصحيح
الذى يلى التوبة إذا صدقت بقوله تعالى
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ
۳
بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ والله سبحانه وتعالى فى هذا يوجه الذين صدقوا في توبتهم إلى أن يتبعوا أحسن ما أنزل إليهم من ربهم وإذا صدقت التوبة فإن هذا الصدق
1 ٥٣ - سورة الزمر ٢ ٥٤ - سورة الزمر ۳ ٥٥ - سورة الزمر
C

متتبع كلازم من لوازمه أن يستقيم الإنسان على الطريق والله سبحانه وتعالى مد على الذين يبين لهم الطريق باب المعاذير فيما بعد مهددًا تهديداً يقصد به ث الإنسان على أن يسارع بالتوبة الصادقة فهو تهديد من رحمن رحيم
ول سبحانه
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَكَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ مِنَ شاخِرينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ الله هَدَانى لكنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُول حين ى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لى كرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ١
فإذا ما قال الإنسان ذلك أو تعلل بأمثاله فإن الرد يأتيه من رب العزة اسما قويا
نهم
بَلَى قَدْ جاءتك آياتي فَكَذَّبْتَ بها واستكبرت وكنت من الكافِرِينَ
ثم يبين الله سبحانه وتعالى حال الكافرين يوم القيامة فيقول وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَّبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي
مثْوًى للْمُتَكَبِّرِينَ ويختم سبحانه هذه الآيات التي ترسم طريق المؤمن بما يبشر من اتبع طريق وسلك سواء السبيل فيقول سبحانه وَيُنَجِّي
اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ والآن قد وضح الطريق فهو أولا التوبة وثانياً اتباع أحسن
أنزل الله ولقد كان أسلافنا رضوان الله عليهم - متابعة للأوضاع الإسلامية - أون أعمالهم الهامة بالتوبة الخالصة النصوح لقد كانوا يبدأون أول
٥٦ - ٥ - ٥ 1
سورة الزمر
٥٩ - سورة الزمر

V E

شهر رمضان بالتوبة ويبدأون الحج بالتوبة ولعل الكثير من ذوى البصائ قد لاحظوا أن الرحلة المباركة رحلة الإسراء والمعراج بدأت بشق الصدر وشق الصدر بالنسبة لنا إنما هو التوبة الخالصة النصوح لأن التو تطهر وطهر وإذا تاب الإنسان فإن ذلك يكون بمثابة إتيان ملكين يشقا
عن صدر الإنسان ويغسلانه بالثلج والبرد أو بماء زمزم أى يطهرانه إن التوبة تطهر الإنسان من المعصية إنها تجب ما قبلها أى تزي
وتمحوه
والتوبة التي من هذا النمط لها شروط لا بد من توافرها حتى تهيئ الإنسا
لشق الطريق إلى الله تهيئة موفقة
يقول الإمام النووى من كتاب رياض الصالحين
قال العلماء التوبة واجبة من كل ذنب
فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمى فل
ثلاثة شروط
أحدها أن يقلع عن المعصية
والثاني أن يندم على فعلها
والثالث أن
يعزم
يعود إليها أبداً على ألا
فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمى فشروطها أربعة هذه الثلاثة وأ يبرأ من حق صاحبها فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه وإن كانه
حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه وإن كانت غيبة استحله منها

ويجب أن يتوب
الذنوب من جميع

yo
فإن تاب من بعضها توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب وبقى
عليه الباقي
التوبة
وقد تضافرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأئمة على وجوب
قال الله تعالى
9
وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
وقال تعالى
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
وقال تعالى
يَأْيُّها الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً
هذا فيما يتعلق بالتوبة وبقى الحديث فيما يتعلق باتباع أحسن
ما أنزل الله

إن اتباع أحسن ما أنزل الله يبدأ بما كان يبدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الداخلين في الإسلام أعنى مواد البيعة
روى الإمام البخارى رضى الله عنه من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان عبادة شهد بدراً وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله جماعة من أصحابه
بايعونى على ألا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا
أولادكم ولا تأتوا بهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في
معروف

4
فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك
وروى الإمام أحمد من حديث سلمى بنت قيس وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلت معه القبلتين وكانت إحدى نساء بني عدي بن النجار قالت
الأنصار
جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم نبايعه في نسوة من فلما شرط علينا ألا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزنى ولا نقتل أولادنا ولا نأتى بهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف قال ولا تغششن أزواجكن
قالت فبايعناه ثم انصرفنا فقلت لامرأة منهن
ارجعى فسلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غش أزواجنا
فسألته فقال تأخذ ماله فتحابي به غيره
ولقد وردت بيعة النساء في القرآن الكريم يقول تعالى
يَأْيُّها النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبايِعْنَكَ عَلَى أَلا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقُنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفِ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهُ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ومما يفصل هذه البيعة قوله تعالى
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ولا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِملاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ

VV
مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ
اشده
6
وأوفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَيَ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمَاً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
تعالى
وإذا أردنا إجمالا للتعاليم الإسلامية من القرآن الكريم فهو قوله
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَر وَالْبَغْى يعظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وهذه الآية الكريمة ألف فيها الإمام العز بن عبد السلام – كما يقول صاحب كتاب النصيحة العلوية - كتاباً بين فيه أن هذه الآية اشتملت على الأحكام الشرعية وبين ذلك في سائر الأبواب الفقهية وسمى
جميع
كتاب الشجرة
ذلك
هذا والقصص التالية تلقى بعض الأضواء على هذا الموضوع موضوع اتباع أحسن ما أنزل الله لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ودعا إلى الإسلام بعث أكثم بن صيفى ابنه حبيشاً فأتاه بخبره فجمع بني تميم وقال لهم –
فيما قال

إن ابني شافه هذا الرجل مشافهة وأتانى بخبره وكتابه يأمر بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ويأخذ فيه بمحاسن الأخلاق ويدعو إلى توحيد
الله تعالى وخلع الأوثان وترك الحلف بالنيران وقد حلف عرف ذوو

۷۸
الرأى منكم
أن الفضل فيما يدعو إليه وأن الرأى ترك ما ينهى
عنه
ثم يقول هذه الكلمات الرائعة
إن الذي يدعو إليه محمد لو لم يكن ديناً لكان في أخلاق
الناس
وسبيل الله كما رآه أكثم

توحيد الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ بمحاسن
الأخلاق
وكلمة الأخذ بمحاسن الأخلاق كلمة جميلة جمعت فاستغرقت
وشملت فعمت
أما كلمته الرائعة حقًّا السامية حقاً العجيبة في صدقها وإيجازها وفصاحتها فهي قوله
إن الذي يدعو إليه محمد لو لم يكن ديناً لكان في أخلاق الناس حسناً
ولما هاجر المسلمون هجرتهم الأولى فى سبيل الله إلى أرض الحبشة لم يكتف القرشيون منهم بخروجهم وهجرتهم بدينهم تاركين الأهل والوطن والمال ولكنهم أرسلوا وفداً إلى النجاشي فيه عبد الله بن أبي ربيعة وعمر و ابن العاص لرد المهاجرين إلى مكة ليعذبوهم من جديد ولما التقى الوفد بالنجاشي قال له عمر و بن العاص إنه قد نجا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا فى دينك وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم
6
وعشائرهم لتردهم عليهم فهم أعلى بهم عيناً أي أبصر بهم وأعلم بمـا
عابوا عليهم

يسلم إليهم
فلما سمع النجاشي كلامهم رأى أن الحكمة ألا من المهاجرين دون أن يسمع كلامهم وحجتهم فأرسل إلى أصحاب رسول

الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم فلما جاءوا قال لهم ما هذا الدين الذى قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين
أحد من
هذه الملل
فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب قال له
أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة
6
ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوى منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان

أمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار
L
والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً
وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام
وعدد عليه أمور الإسلام
فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئاً وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهر ونا وظلمونا
وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك
ولما قرأ عليه صدراً من سورة مريم بكى النجاشي ثم قال

إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ثم التفت إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمر و بن العاص فقال لهما
لقد
انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما
علم النجاشي فور سماعه المبادئ الإسلامية أن هذه المبادئ حق وأنها آيات بينات لا يخفى صدقها على أصحاب الفطر السليمة وعلم أن ما أتى به محمد صلوات الله عليه وسلامه إنما يصدر من المنبع الذى كانت تصدر عنه رسالة عيسى عليه السلام وسبيل الله كما صوره سيدنا جعفر توحيد الله وعبادته وحده
وصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار
عن المحارم والدماء
وإقامة الصلاة وأداء الزكاة والصيام

والابتعاد عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة
وكل ذلك اتباع لأحسن ما أنزل الله
والكف
۳

أول عقد من عقود البيعة
وأول عقد من عقود البيعة عدم الإشراك بالله
وحينما

يسمع الناس الحديث عن عدم الإشراك بالله يتجه ذهنهم في الأغلب الأعم منهم – إلى نفى تعدد الآلهة إن الذهن يتجه إلى أن هذه العقيدة التي كانت عند اليونان في عهودهم القديمة من تعدد الآلهة وعند العرب في جاهليتهم من عبادة الأصنام باطلة

۸۱
لقد جعل اليونان إلهاً لكل ظاهرة من ظواهر الكون الكبرى وكذلك فعل قدماء المصريين فى عامتهم وشعبهم وكذلك فعل وثنيو العرب بل إن الإنسانية وقد بدأت بالتوحيد الخالص على يد آدم عليه السلام قد انحرفت سريعاً إلى التعدد فأخذت الأنبياء والرسل تنزل تباعاً مبشرة بالتوحيد مجاهدة فى سبيل منع التعدد وفى سبيل القضاء على الوثنية المنتشرة ولقد كان عدد الأنبياء والرسل كثيراً كثرة تتناسب والانحراف المتوالى من الإنسانية منذ ظهورها لقد نزل الأنبياء جميعاً يبشرون بالتوحيد وكان كل نبي يدعو أمته إلى مثل ما دعا محمد صلى الله عليه وسلم الإنسانية
جمعاء
1 K
أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
وسورة يونس وسورة هود والكثير من سور القرآن على وجه
تتحدث
عن
العموم
دعوة الرسل قومهم إلى التوحيد يقول سبحانه وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أنْ لا تَعْبُدُوا إِلا الله
إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ
ويقول سبحانه
وإلى عاد أَخَاهُمْ هُوداً قالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا الله ما لَكُمْ مِنْ إله غيره
إن أنتم إلا مفترُونَ
۱ هود - ٢
هود ٢٥ - ٢٦
۳ هود ٥٠

۸
B
ويقول سبحانه
وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إله غيره هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى
1 A
قَرِيبٌ مُجِيبٌ
وهكذا نرى كل نبي يدعو إلى عدم الشرك بالله أنه يدعو إلى عبادة الله وحده فإذا اتجه الذهن إلى عدم تعدد الآلهة وإلى الوحدانية فإن هذا الاتجاه طبيعي وهو اتجاه حق
وهذا النوع من الشرك هو الذى يقول الله سبحانه وتعالى عنه إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ يَشَاءُ
وهو
الذي ينفيه الله منطقيا بقوله
لَوْ كانَ فِيهما آلِهَةٌ إلا اللهُ لَفَسَدَنَا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا
يَصِفُونَ
وبقوله
ه مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَان مَعَهُ مِنْ إِلَهِ إِذَنْ لَذَهَبَ كُلُّ إِلهُ بِمَا
خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ولكن التوحيد ليس معناه عدم التعدد فحسب كلا وهو وإن كان من معانيه عدم التعدد فإن دائرته تتسع فتشمل أموراً أخرى يقول أبو سعيد الخراز
عز وجل بجميع
أعماله
فمن شرح ذلك أن يكون العبد يريد الله وأفعاله وحركاته كلها ظاهرها وباطنها لا يريد بها إلا الله وحده
۱ هود ٦١

قائماً بعقله وعلمه على نفسه وقلبه راعياً لهمه قاصداً إلى الله تعالى
بجميع أمره
وهذا الذى يقوله الإمام أبو سعيد الخراز رضى الله عنه هو بعض
معانی
اقرأ باسم رَبِّكَ الَّذى خَلَق
إن اقرأ باسم ربك الذي خلق توحيد خالص والتوحيد الخالص
لا رياء فيه والله سبحانه وتعالى يقول ألا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وإن المادة الأولى من البيعة الإسلامية تعنى – فيما تعنى من معان
تجريد القصد الله تعالى فى كل عمل وإلا فلا ثواب ولا قبول للعمل فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادة ربه أحداً
ولقد تحدث القرآن عن الإخلاص والصدق وتحدث عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لا يكاد يحصى من النصوص والأحاديث والتوحيد الخالص والشرك يبدآن بالنية يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً أن قيمة العمل في الخير والثواب والقبول تتبع النية
عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما الأعمال بالنية وفى رواية بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي
فإذا صدقت النية استقام أمر المسلم فيما بعد وإذا هذا الإنسان هفوة فعليه أن يتدارك الأمر بالتوبة وصدق النية من جديد

ΛΕ

وصدق النية شرط من الشروط التى يترتب عليها قبول العمل الضحاك عن بن قيس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى يقول أنا خير شريك فمن أشرك معى شريكاً
فهو لشريكي يأيها الناس أخلصوا أعمالكم فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل الأعمال إلا ما خلص له ولا تقولوا هذه لله وللرحم فإنها للرحم
من
6
وليس الله فيها شيء ولا تقولوا هذه الله ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس الله
منها شيء رواه البزار بإسناد لا بأس به والبيهقى
6
أبي أمامة قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن فقال أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شيء له فأعادها ثلاث مرات ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شيء له ثم قال صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغى به وجهه

رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد والواقع أن الإسلام يعلق أهمية كبيرة على إخلاص النية لله سبحانه وتعالى فإن في إخلاصها الله صدق السريرة وطهارة القلب وفيها انتفاء التملق والزلفى وبها تنتفى الزلة وينتفى الزيف والرياء ومن أجل ذلك حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرياء تحذيراً شديداً وحث على الصدق والإخلاص
في صور شتى
والحديث التالي قد روى بصورة متعددة وروى معناه بصور كثيرة
ورواه ثقات المحدثين
عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى
به

٨٥
استشهدت
فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال هو جرىء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم
وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه أصناف من المال فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار رواه مسلم والنسائى ورواه الترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه وكلاهما بلفظ واحد
ولقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيداً فريداً يدعو إلى التوحيد بكل معانيه ويعلن الحق فى وجه الباطل ويدعو إلى الله في وسط كله شرك ويدعو إلى تحطيم الأصنام في بيئة نعبد الأصنام ودعوته صلوات الله عليه وسلامه ورسالته إلى العالم أجمع إنما كان أساسها التوحيد والإسلام إنما هو دين التوحيد وليس للتوحيد معنى إلا الإيمان الصادق اليقينى بأن المهيمن على الكون والمتصرف فيه إنما هو الله سبحانه وإنه لو اجتمع أهل السموات والأرض على أن ينفعوا أي إنسان بشيء ما نفعوه إلا بشيء قد قدره الله له ولو اجتمع أهل السموات والأرض على أن يضروا أي إنسان بشيء ما ضروه إلا بشيء قد قدره الله

وإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك لا محالة فإنه لا يجتمع
الإيمان الصادق والخوف في قلب المؤمن
التوحيد والشجاعة الأدبية

والتوحيد إذن هو الأساس الأول الأصيل للشجاعة الأدبية كما أنه
الأساس الحافز لكثير من الفضائل أو لكل الفضائل

وتثبيتاً للشجاعة الأدبية وحفاظاً على استمرارها بين الله تعالى الأسباب
التي تجعل الشخص يجبن عن قول الحق ويتراجع في إعلان الصواب
6
وترجع هذه الأسباب إلى أمرين الأمر الأول هو ما يمكن أن يعبر عنه بهم الرزق أو خوف الفقر وقد بين الله تعالى أن الرزق مقسوم وأنه محدود وأنه ما كان لك فسوف يأتيك وما كان لغيرك فلن تناله
وفي السَّماءِ رِزْقُكُمْ ومَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقُّ
مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا
كُل في كتاب مبين
C
ومن الحق أن الإسلام يحث على العمل ويشجع على الأخذ بالأسباب وإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة ولأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق خير له من أن يتكفف الناس واليد العليا خير
من اليد السفلى
ومع
ذلك فإن الرزق فى يد الله ولن يمنع الرزق مانع مهما كان جبروته وسلطانه والله غالب على أمره وهو سبحانه القوى العزيز القهار

AY
أما الأمر الثانى الذى يخذل بعض الناس عن الشجاعة الأدبية

6
فإنه خوف الموت وهو خوف لا موضع له فالله قد حدد الأجال ولو كان الناس في بروج مشيدة لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم التي يقتلون فيها فإذا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً
وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ
فالأجال والأرزاق بيد الله وكل فكرة أو رأى أو همس خافت في
النفس يخالف ذلك فإنما هو شرك وانظر إلى هذه الصورة الكريمة للشجاعة الأدبية التي ربتها التعاليم القرآنية أن يقوم رجل بين يدى سليمان بن عبد الملك فيقول له سأطلق وهي لساني بما خرست عنه الألسن تأدية لحق الله تعالى إنه قد اكتنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم وابتاعوا دنياك بدينهم ورضاك بسخط وخافوك
ربهم
في الله ولم يخافوا الله فيك فهم حرب للآخرة وسلم للدنيا فلا تأمنهم على من ائتمنك الله عليه فإنهم لم يألوا الأمانة تضييعاً والأمة كسفاً وخسفاً وأنت مسئول عما اجترموا وليسوا مسئولين عما اجترمت فلا تصلح دنياهم

بفساد آخرتك فإن أعظم الناس عند الله غبنا من باع آخرته بدنيا غيره وإن من الصور الكريمة للشجاعة الأدبية أن يتقبل الإنسان الحق وكما تكون الشجاعة الأدبية قول الحق تكون قبول الحق وإذا صدقت النية كان الإخلاص وكانت الثقة في الله وكان الاتجاه الدائم نحوه فكانت العزة به وللإخلاص أهميته الكبرى فى الإسلام حتى لقد نادى رجل مرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الإيمان
قال الإخلاص

وعن معاذ بن جبل أنه قال حين بعث إلى اليمن يا رسول الله أوصني قال صلى الله عليه وسلم أخلص دينك يكفك العمل القليل رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وإذا ما صدقت النية وتوافر الإخلاص تقبل الله العمل ومنح
الله
6
صاحبه الثواب وكان عمله وسيلة له فى النجاة في الدنيا والآخرة عن ابن عمر رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى أواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فقال رجل منهم اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فنأى بي طلب شجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا فلبثت والقدح على يدى أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر – زاد الرواة والصبية يتضاغون عند قدمي - فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منها قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الآخر اللهم كانت لى ابنة كانت أحب الناس إلى فأردتها عن نفسها فامتنعت منى حتى ألمت ۳

عم
بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلى
۱ نأي بي بعد بي
لم أرح عليهما يريد لم أرجع إليهما
۳ ألمت نزلت نزلت بها سنة من السنين الجدباء

٨٩
بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت ۱ من الوقوع عليها فانصرفت عنها أحب الناس إلى وتركت الذهب الذى أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها
وهي
قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الثالث اللهم إنى استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرتهم غير رجل واحد ترك الذى له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءنى بعد حين فقال لي يا عبد الله أد إلى أجرى فقلت كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فساقه كله فلم يترك منه شيئاً اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون
وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما ثلاثة نفر

ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم فقال بعضهم لبعض إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه فقال أحدهم اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لى على فرق من أرز فذهب وتركه وإلى عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره إلى أن اشتريت منه بقراً وأنه أتاني يطلب أجره فقلت له اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها فإن كنت تعلم أنى فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساحت عنهم
۱ تحرجت خفت أن أرتكب الحرج وهو الإثم
٢ النفر الجماعة من ثلاثة إلى عشرة

4
الصخرة فذكر الحديث قريباً من الأول رواه البخاري ومسلم
والنسائي
وقوله وكنت لا أغبق قبلهما أهلا أو مالا الغبوق بفتح الغين
المعجمة هو الذي يشرب بالعشى
ومعناه كنت لا أقدم عليهما في شرب اللبن أهلا ولا غيرهم يتضاغون بالضاد والغين المعجمتين أي يصيحون 1 من الجوع السنة العام المقحط الذى لم تنبت الأرض فيه شيئاً سواء نزل غيث
أم لم ينزل تفض الخاتم هو بتشديد الضاد المعجمة وهو كناية عن الوطء الفرق - بفتح الفاء والراء مكيال معروف
فانساحت هو بالسين والحاء المهملتين أى تنحت الصخرة وزالت عن فم الغار
وعن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من فارق
الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له وأقام الصلاة وآتى الزكاة فارقها والله عنه راض رواه ابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين والعمل الذى يتقبله الله ويشترط النية الصادقة فيه إنما هو العمل الذي يكون في الإطار الربانى إنه العمل الذي يقوم به الإنسان تلبية لتربية المربى تلبية واعية شاعرة بأنها استجابة للأمر الإلهى فيما يتعلق بالإيجاب أو للنهى الإلهى فيما يتعلق بالسلب أي أنها تحقق في جانبي
۱ في نسخة يضجون بالضاد المعجمة والجيم والمعنى قريب عن كتاب الترغي
والترهيب
انظر في ذلك كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذرى

۹۱
السلب والإيجاب من العمل لاقرأ باسم ربك الذي خلق
وهذا العمل في اليسير منه والعظيم إنما هو ما أتى به الوحى في القرآن وما فصلته السنة النبوية الكريمة العملية منها والنظرية فإذا ما خرج الأمر هذا الإطار في النية أو في الفعل فقد خرج عن أن يكون قراءة باسم
عن
ربك والبيعة إنما هي بيعة للرسول صلى الله عليه وسلم
والله سبحانه وتعالى يقول
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ويقول مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله
والقرآن الكريم إذن وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمله كل
ذلك يمثل وحدة واحدة في الإسلام
تعالى
ومن مواد البيعة التي صيغت في أسلوب رقيق وفى إيجاز جميل قوله
ولا يَعْصِينَكَ في مَعْرُوف
والمعروف هو الخير الذي انطوى في ثنايا التعاليم الإلهية وهو يتضمن كل خير وبتحقيقه تتحقق الفضيلة في أجمل صورها
٤
والآن يأتى السؤال إذا صدقت النية واتبع الإنسان أحسن ما أنزل إليه من ربه في العمل فما هو السبيل إلى اتباع أحسن ما أنزل الله في القول هی القراءة باسم ربك في القول إن الله سبحانه وتعالى بين لنا الإحسان فى القول كما بين لنا الإحسان في العمل يقول سبحانه في الجانبين
ما

۹
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ
ويقول سبحانه
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَى أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيم ولقد ضرب الله لنا المثل فى الكلمة الطيبة وفى الكلمة الخبيثة فقال
سبحانه
ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثَابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبَّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَهُ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةِ اجْتَتْ مِنْ فَوْقِ أَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ١ واتباع أحسن ما أنزل الله في القول إنما هو الدعوة إلى الله بنص الآية
الكريمة وإعلان الإسلام وَقَالَ إِنَّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ
ومن ذلك الذكر والدعاء
۱ سورة إبراهيم - الآيات ٢٤ - ٢٧

الفصل السادس
افرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الذِى خَلَقَ
وفى الذكر
إن شهر رمضان من أنسب المواسم – إن لم يكن أنسبها – للذكر
موسم
ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى من حكمة فرضه التقوى كما قال تعالى ه يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
وختم الله سبحانه آيات الصيام بقوله يبين اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
كَذلِكَ
ولقد ورد الأمر بالتقوى كثيراً فى القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة
يقول تعالى
يَأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
ولقد سئل الصحابي الجليل أبي بن كعب عن التقوى فقال للسائل
أما سلكت طريقاً ذا شوك
قال بلی
قال فما عملت
قال شمرت واجتهدت
قال فذلك التقوى
أى أن التقوى تشمير واجتهاد فى الطاعات وحذر وتحرر واتقاء

12
لكل ما لا يرضى الله ورسوله إنها التزام النهج الرباني في كل ما يأتى الإنسان وفى كل ما يدع إنها التزام ما
رسم
الله في القول والصمت في الغضب
والرضا في الغنى والفقر فى الصحة والمرض في الحركة والسكون وقد فرض الله سبحانه وتعالى الصوم ليحقق الإنسان التقوى ويتحقق
بها
فإذا التزم الإنسان التقوى فإن الله سبحانه وتعالى يجعل له من كل ومن كل هم مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب يقول
ضيق فرجاً
سبحانه
1
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وإن مما يعين على التقوى وهو فى الوقت نفسه من ثمار التقوى الذكر وقد حثنا الله سبحانه على الذكر في أسلوب آمر يقول سبحانه يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةٌ وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ
والأصال وَلَا تَكُن مِنَ الْغافِلِينَ
وحثنا سبحانه على الذكر في أسلوب أخاذ يقول سبحانه
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ
ولقد أخرج الإمام البخاري رضي الله عنه من حديث قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه
قال الله عز وجل
قال
يا ابن آدم إن ذكرتنى فى نفسك ذكرتك في نفسي وإن ذكرتني
۱ الطلاق آية ٣
الأصال جمع أصيل وهو ما بين العصر والمغرب

۹۵
في ملأ ذكرتك في ملأ خير منه وإن دنوت منى شبراً دنوت منك ذراعاً وإن دنوت منى ذراعاً دنوت منك باعاً وإن أتيتني تمشى أتيتك هرولة
ومن
السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله
رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه من خشية الله
وروى البيهقى فى الشعب من حديث عمر بن الخطاب قال الله عز وجل من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل
ما أعطى السائلين
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم بسنده عن
أبى هريرة
ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله عز وجل إلا حفت الملائكة
وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله تعالى فيمن عنده
وعن
بهم
6
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه وإن تقرب إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إلى ذراعاً تقربت
إليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة "
وعن
معاذ

بن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الله جل ذكره لا يذكرنى عبد فى نفسه إلا ذكرته في ملأ من ملائكتي ولا يذكرني في ملأ إلا ذكرته في الملأ الأعلى
۱ رواه البخارى ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة ورواه أ أحمد صحيح وزاد في آخره قال قتادة والله أسرع بالمغفرة
٢ رواه الطبرى بإسناد حسن
بنحوه باستاد

٩٦
وعن عبد الله بن بشير رضى الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله
إن شرائع الإسلام قد كثرت على فأخبرنى بشيء أتشبث به قال لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله
مالك بن يخامر أن معاذ بن جبل رضي الله عنه وعن
قال

هم

إن آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قلت أي الأعمال أحب إلى الله قال أن تموت ولسانك رطب من ذكر
الله
وعن أبي موسى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي يذكر الله والذى لا يذكر الله مثل الحى والميت ۳ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال
كان رسول الله
6
صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر
على جبل يقال له جمدان فقال
سير وا هذا جمدان سبق المفردون
قالوا وما المفردون يا رسول الله
قال الذاكرون الله كثيراً 4
وعن أم أنس رضي الله عنها قالت يا رسول الله أوصنى قال
اهجري المعاصى فإنها أفضل الهجرة وحافظي على الفرائض
6
۱ رواه الترمذى واللفظ له وقال حديث حسن غريب وابن ماجه وابن حبان في صحيحه
والحاكم وقال صحيح الإسناد
رواه ابن أبي الدنيا والصيرافى واللفظ له والبزار إلا أنه قال أخبرني بأفضل الأعمال وأقربها إلى الله وابن حبان في صحيحه
۳ رواه البخاري ومسلم إلا أنه قال مثل البيت الذي يذكر الله فيه ٤ رواه مسلم واللفظ له والترمذى ولفظ يا رسول الله وما المفردون

فإنها أفضل الجهاد وأكثرى من ذكر الله فإنك لا تأتين الله بشيء أحب
إليه من كثرة ذكره ۱ وفى رواية لهما عن أم أنس
قال
قال
واذكرى الله كثيراً فإنه أحب الأعمال إلى الله أن تلقاه بها ٢ وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا
قالوا وما رياض الجنة
قال حلق الذكر
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
من جلس مجلساً كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
إلا غفر له ما كان فى مجلسه ذلك - رواه أبو داود والترمذي

وأفضل الذكر إنما هو التعبد بتلاوة القرآن ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يكثرون من تلاوته تعبدا به وكانوا يقسمونه أقساماً
لقد كان القرآن لهم حزباً
۳
وأول ما يرجع إليه في التقديرات قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
۱ رواه الطبراني بإسناد جيد
٢ قال الطبراني أم أنس هذه يعنى الثانية – ليست أم أنس بن مالك
۳ عن إحياء علوم
الدين

۹۸
من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه وذلك لأن الزيادة عليه تمنعه الترتيل وقد قالت عائشة رضى الله عنها لما سمعت رجلا يهذر القرآن هدرا إن هذا ما قرأ القرآن ولا سكت وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن عمرو رضى الله عنهما أن يختم القرآن في كل سبع وكذلك كان
جماعة
6
من الصحابة رضى الله عنهم يختمون القرآن في كل جمعة كعثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبي بن كعب رضى الله عنهم أما من ختم في الأسبوع مرة فيقسم القرآن سبعة أحزاب فقد حزب الصحابة رضى الله عنهم القرآن أحزاباً فروى أن عثمان رضى الله عنه كان يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة وليلة السبت بالأنعام إلى هود وليلة الأحد بيوسف إلى مريم وليلة الاثنين بطه إلى طسم موسى وفرعون وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى ص وليلة الأربعاء بتنزيل إلى الرحمن ويختم ليلة الخميس وقيل أحزاب القرآن سبعة فالحزب الأول ثلاث سور والحزب الثاني خمس سور والحزب الثالث سبع سور والحزب الرابع تسع سور والخامس إحدى عشرة سورة والسادس ثلاث عشرة سورة والسابع المفصل من ق إلى آخره
ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يضعون أمام أعينهم قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم
به
حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول
من قرأ حرفاً من كتاب الله فله ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا على اثنين رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل
۱ رواه الترمذي بسنده عن ابن مسعود رضى الله عنه وقال هذا حديث حسن صحيح

۹۹
وآناء النهار ورجل أتاه الله المال فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار ١ ولقد وردت الآثار فى الحث على سور وآيات معينة ونورد هنا بعض ذلك ليكون كنموذج فقط وذلك أننا توسعنا فى الموضوع في كتابنا العبادة ونورده أيضاً ليكون فيه ترغيب فى حفظ بعض السور القرآنية لمن لم يحفظ شيئاً من القرآن
الفاتحة
أما الفاتحة فإن لها عن كل اسم من أسمائها نصيباً إنها الفاتحة بتوفيق الله لكل شيء مغلق وهى الفاتحة لكل باب مقفل إنها فاتحة الكتاب وفاتحة القرآن وهى أم الكتاب وأم القرآن ومن أسمائها الكنز الواقية الكافية الأساس سورة الحمد
6
سورة الشكر سورة الدعاء سورة المناجاة سورة التفويض ومن أسمائها الرقية الشفاء الشافية النور القرآن العظيم السبع المثاني وكل هذه الأسماء إنما هي شرح لبعض ما تحويه سورة الفاتحة معان ولبعض آثارها النافعة ولقد قال العلماء إنها تحوى مجملا ما حواه القرآن مفصلا ومن أجل ذلك سميت أم القرآن ولقد روى عن سيدنا
من
على أنه قال ما معناه لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً في معانى الفاتحة أبى وعن هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب ما تقرأ في الصلاة فقرأ أم القرآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ما أنزلت فى التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور
ولا في القرآن مثلها وإنها سبع من المثانى والقرآن العظيم الذي أعطيته
۱ رواه البخارى ومسلم ومعنى الحسد هنا الغبطة
"

1
رواه الترمذى ورواه الدارمي من قوله ما أنزلت ولم يذكر أبي بن كعب وقال الترمذى هذا حديث حسن صحيح
وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة رواه مسلم
وعن جبير بن نفير رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطيتهما من كنزه الذي تحت العرش فتعلموهن وعلموهن نساءكم فإنها صلاة وقربان ودعاء رواه الدارمي
- مرسلا
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ ألم تنزيل و تبارك الذي بيده الملك رواه أحمد والترمذي والدارمي
وقال الترمذي هذا حديث صحيح
وعن على رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يحب هذه السورة سبح اسم ربك الأعلى رواه أحمد وعن عروة بن نوفل عن أبيه أنه قال يا رسول الله علمني شيئاً أقوله إذا آويت إلى فراشي فقال اقرأ قُلْ يَأْيُّها الْكافِرُونَ فإنها براءة من الشرك رواه الترمذى
وعن عقبة بن عامر قال بينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح مظلمة شديدة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بـ أعوذ برب الفلق و أعوذ برب الناس ويقول يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما رواه أبو داود

11

ومن الذكر الاستغفار
لقد كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلى وإسرافى فى أمرى اللهم اغفر لى هزلى وجدى وخطئى وعمدى وكل ذلك عندى اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير ونعود مرة أخرى إلى التوبة فى صورة ثانية من صورها أو في زاوية
من
أهم زواياها هي الاستغفار
علقمة یر وی
ویر وی
الله
الأسود
بن مسعود رضي الله عنه أنه عن عبد
قال في كتاب الله عز وجل آيتان ما أذنب عبد ذنباً فقرأهما واستغفر الله عز وجل إلا غفر الله تعالى له
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
1
وقوله عز وجل وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أو يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَحِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِياً
ولقد قال صلى الله عليه وسلم في شأن الاستغفار الخالص من أكثر من الاستغفار جعل الله عز وجل له من كل هم فرجاً ومن
كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب
وهذا الحديث الشريف يسير فى انسجام مع قوله تعالى
۱ آل عمران - آية ١٥٣

۱۰
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ
بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً
وقوله تعالى على لسان نبيا الله هود
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قوتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوا مُجْرِمِينَ
1
والاستغفار مستحب في كل الأوقات وإن لم يكن ذنب يقول الله
تعالى في إطلاق لا تحديد فيه
من
ومع
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً
هذا الإطلاق العام فإن الله سبحانه وتعالى ذكر الأسحار باعتبارها الأوقات التي يستغفر فيها المتقون بقوله سبحانه وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ ومن أجل ذلك فإن الذين يستيقظون في ثلث الليل الأخير يحرصون على انتهاز فرصة نزول ربنا إلى سماء الدنيا منادياً ألا هل من مستغفر فأغفر له ألا هل من تائب فأتوب عليه ألا هل من سائل فأعطيه فيأخذون في الاستغفار
عليه
6
وسيد الاستغفار هو كما أخبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه
اللهم
أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على
وأبوء بذنبي فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
ويروى الإمام الغزالي عن بعض العلماء أنه قال
العبد بين ذنب ونعمة لا يصلحهما إلا الاستغفار والحمد
۱ هود - آية ٥١

ويروى عن قتادة رحمه الله قوله
0
القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم أما داؤكم فالذنوب وأما دواؤكم
فالاستغفار
التهليل
والتهليل هو الذكر بلا إله إلا الله
ومما وصفت به كلمة لا إله إلا الله أنها
1
كلمة التوحيد وهى كلمة الإخلاص وهي كلمة التقوى وهى الكلمة الطيبة وهي دعوة الحق وهى العروة الوثقى وهى ثمن الجنة وقد روى الترمذى بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال
خير ما قلت أنا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقد أخرج الإمامان البخاري ومسلم رضى الله عنهما من حديث
أبي هريرة نضر الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
من
قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه
ذلك حتى يمسى ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر
من
ذلك
۱ إحياء علوم الدين

12
والمعنى في الحديث الشريف أن من قال ذلك في إخلاص مخلص
وفى اتجاه إلى الله سبحانه لا يشوبه شرك
التسبيح والتحميد والتكبير والحوقلة
يقول الله تعالى
وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ
فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ
ويقول تعالى

وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ
ويقول جل شأنه
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً " وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وعن أبي ذر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله قلت يا رسول الله أخبرني بأحب
الكلام إلى الله فقال
٤
إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده ٥
۱ ق - آیتا ۳۹ ٤٠
الطور - آیتا ٤٨ ٤٩ ۳ النصر - آیتا ٣ ٤
٤ رواه البخاري ومسلم
٥ رواه مسلم والنسائى والترمذى

100
وعن جويرية رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال ما زلت على الحال
التي فارقتك عليها قلت نعم
قال النبي صلى الله عليه وسلم
لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ
اليوم لوزنتهن
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد
كلماته
1
وإن من الصيغ المباركة الجامعة التي تؤخذ من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والتي جربها الكثير من الصالحين فوجدوا لها نوراً وبركة ما يلى
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أستغفر الله وسواء أكنا بصدد الاستغفار أم غيره من التهليل والتسبيح إلخ فالمطلوب
تكرارها حتى ينفعل بها الإنسان ويتجاوب معها عن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم
قال
استكثروا من الباقيات الصالحات قيل وما هن يا رسول الله
التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا
بالله
إذا حدثتكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك في كتاب الله إن العبد
۱ رواه مسلم والنسائى وابن ماجه والترمذى
٢ رواه أحمد وأبو يعلى والنسائي

١٠٦
إذا قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتبارك الله قبض عليهن ملك فضمهن تحت جناحه وصعد بهن على جمع من الملائكة ألا استغفر وا لقائلهن حتى يحيا بهن وجه الرحمن ثم تلا
عبد الله
له
D

1

إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه وعن أبي موسى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة وعن أبي ذر رضي الله عنه قال كنت أمشى خلف النبي صلى الله عليه
وسلم فقال لى يا أبا ذر ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة قلت بلى قال
لا حول ولا قوة إلا بالله
۳
ومن الذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
يقول الله تعالى
و إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّى بأيها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلَّمُوا تَسْلِيماً
ولقد روى الإمام مسلم بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
الله عنهما أنه سمع من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشراً
۱ رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد
رواه البخارى وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ۳ رواه ابن ماجه وابن أبي الدنيا وابن حيان في صحيحه

۱۰۷
وعن ابن مسعود رضي الله عنه فيما رواه الترمذي وحسنه – أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال ه أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم على صلاة
وروى الأئمة أحمد والترمذي والحاكم بسندهم عن أبي الدرداء رضى
الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم
الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة
أكثروا على من الصلاة وإن أحدا لن يصلى على إلا عرضت على صلاته حتى يفرغ منها قال قلت وبعد الموت قال
إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الصيغة
ومن
أفضل صيغ التي يقرؤها الإنسان في التشهد فى الصلاة وصيغ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة ويسعدنى هنا أن أذكر الصيغة التي أضاءت حروفها وتلألأت والتى ذكرت ظروفها فى كتاب المدرسة الشاذلية وهي لتفريج الكرب
اللهم صل صلاة جلال وسلم سلام جمال على حضرة حبيبك سیدنا محمد واغشه اللهم بنورك كما غشيته سحابة التجليات فنظر إلى وجهك الكريم وبحقيقة الحقائق كلم مولاه العظيم الذي أعاذه
من كل سوء

اللهم فرج كربى كما وعدت
أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء
وعلى آله
وصحبه آمين
I

الفصل السابع
افترا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
في الدعاء
إن القرآن الكريم يذكر لنا مجموعة من الأدعية تتناسب مع ظروف الحياة المختلفة فهو مثلا يحدثنا عن صورة المؤمنين في الحروب سواء فيما يتعلق بالفعل أو بالقول ويبين لنا النتائج التي رتبها سبحانه على موقفهم
فيقول تعالى
W
وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وما ضَعُفُوا وَما اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ
وَمَا كَانَ قَوْلُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أمْرنَا وثبت أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَاب الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمَحْسِنِينَ ١
ويعلمنا الله سبحانه وتعالى ما يقال من دعاء عند نزغ الشيطان
فيقول سبحانه
وَإِمَّا يَتَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
ويقول في ذلك سبحانه
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ
يَحْضُرون
۱ آل عمران - آیتا ١٤٦ ١٤٨
1-4

ولقد أخذ كثير من الناس يتدبرون القرآن فى مواطن الدعاء فاكتشفوا أسراراً من أسرار الدعاء صرحوا ببعضها وتركوا لغيرهم أن يتدبر ويكتشف ومن هؤلاء الإمام جعفر الصادق رضى الله عنه الذي يقول متدبراً للقرآن ومستنتجاً منه عجبت لأربع كيف يغفلون عن أربع
۱ - عجبت لمن ابتلى بالخوف كيف يغفل عن
حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
والله سبحانه وتعالى يقول
فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْل لم يَمْسَهُمْ سُوة
وأصل هذه القصة معروف
يروى ابن هشام بخصوص موقف المسلمين في أحد بعد المعركة ثاني
يوم فيها قال
مر بأبي سفيان - وكان حينئذ قائد المشركين – ركب من عبد القيس فقال لهم أبو سفيان أين تريدون قالوا نريد المدينة قال ولم قالوا نريد الميرة قال فهل أنتم مبلغون عنى محمدا رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكل في مقابل ذلك زبيباً بعكاظ إذا وافيتمونا قالوا نعم
6
قال إذا وافيتم محمداً فأخبروه أنا قد جمعنا المسير إليه وإلى
6
ومر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه لنستأصل بقيتهم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذى قال أبو سفيان وأصحابه فكان رد الفعل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما صوره الله تعالى بقوله
ه الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِمَانَا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ

۱۱۱
لم يَمْسَسْهُمْ سُودٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْل عظيم ويقول الإمام جعفر

٢ - وعجبت لمن ابتلى بمكر الناس به كيف يغفل عن وأقوضُ أَمْرِى إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ
والله سبحانه وتعالى يقول فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا
وهذه القصة هى قصة مؤمن آل فرعون
لقد كان في آل فرعون رجل مؤمن يكتم إيمانه فلما قال فرعون ذرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى قال المؤمن
و انقتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبَاً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا 1
وأخذ يدعو قومه إلى الحق وأخذ يجادل ويناقش محاولا جرهم إلى سواء السبيل ثم انتهى به الأمر معهم أن قال فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بالْعِبَادِ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ " لقد حفظه الله حينما فوض الأمر إليه حالا ومقالا
٣ - وعجبت لمن ابتلي بالضر كيف يغفل عن ه رَبِّ إِنِّي مَسَّنِيَ الضّر وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
۱ غافر آیتا ۸ ۹ غافر آیتا ٤٤ ٤٥

۱۱
والله سبحانه وتعالى يقول
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ
والحادثة يرويها القرآن الكريم في سورة الأنبياء قائلا وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ
رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ
٤ - وعجبت لمن ابتلي بالغم كيف يغفل عن و لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سَبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ
والله سبحانه وتعالى يقول
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَتَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَم
والقصة كما يذكرها القرآن قال
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُماتِ أن لا إله إلا أنتَ سُبْحَانَكَ إِلى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
۱
وَتَجَيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِى الْمُؤْمِنِينَ ١
وعلى غرار النسق الذي ذكره الإمام الصادق يمكن أن يقال عجبت لمن أثم كيف يغفل عن رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ والقصة كما يرويها القرآن عن آدم وحواء حينما أكلا من الشجرة وَنَادَاهُمَا رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ
ولو
الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
1 الأنبياء - آيتا ۸۸۰۸۷
الأعراف - آيتا ۳

وعجبت لمن يخشى العذاب فى الدنيا كينى يغفل عن الاستغفار
والله سبحانه وتعالى يقول
10
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبْهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ولقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن ندعوه وأن نلجأ إليه وأن نتضرع له في الرخاء وفى الشدة وإن الإنسان وهو فى حالة النقص الدائم لمحتاج إلى الله سبحانه وتعالى فى كل لحظة فهو فى حاجة إذن إلى الدعاء في كل فترات حياته يقول الله سبحانه وتعالى
وإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّى فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فليستجيبوا لى وَلِيُؤْمِنُوا بى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
ويقول سبحانه
15
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَعِلُهُ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ولقد التجأ إلى الله بالدعاء الأنبياء والمرسلون لقد دعوه في كل وقت لاجئين إليه مستغيثين به في جميع أمورهم ومن أمثلة ذلك قوله سبحانه وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا
يُسارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبَاً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ

واستغاث به المسلمون متضرعين خاشعين داعين فاستجاب لهم إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنَّى مُمِدَّكُمْ بِأَلْفِ مِنَ المَلائِكَةِ
٤
مُرْ دِفِينَ 4
1 الأنفال - آية ۳۳ ۳ الأنبياء - آيتا ۸۹ ۹۰
البقرة - آية ١٨٦
٤ الأنفال - آية ٩

١١٤
واتجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عودته من الطائف بهذا
الدعاء الرائع اللهم إليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتي وهوانى على الناس
6
يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى إلى من تكلنى إلى بعيد يتجهمنى أم إلى عدو ملكته أمرى إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى ولكن عافيتك هي أوسع لى أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بى غضبك
8
أو يحل على سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك والواقع أن في الدعاء تتمثل العبودية لله سبحانه وتعالى واضحة جلية أى أنه تتمثل فيه العبادة فى صورة من أصدق صورها أما الدعاء فإنه عادة ينشأ عن نوع من عدم المبالاة بالدين
العزوف عن
أساس كثير من المعاصي والبدع والانحرافات أساسه الكبرياء التي هي
6
والتي كانت في أساس المعصية الشنيعة التي تورط فيها إبليس حينما أمره
الله فيمن أمر بالسجود لآدم لقد أبى واستكبر وقال
أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
ولقد أوقعه كبرياؤه على الخطأ في أيسر الأمور لقد جعل مناط الخيرية المادة مادة الجسم ولم يهتد عقله في ساعة كبريائه إلى أن المادة مجرد وعاء وأن الوعاء لا يكون مقياس التفضيل وأن ما في الوعاء هو الذي يكون نفيساً سامياً أو خسيساً لا قيمة له
ومنعه كبرياؤه أيضاً من أن يرجع إلى الله بالتوبة الخالصة النصوح وهى من مظاهر العبودية ولذلك طرد من رحمة الله أما آدم فإنه بمجرد أن أكل من الشجرة شعر بالحياء من الله فلجأ إليه مستغفرا تائباً

١١٥
منيباً وتمثل فيه مظهر العبودية جلياً واضحاً بالدعاء ه رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لم تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
شهر رمضان والدعاء
وإنه مما ينبغي في شهر رمضان المبارك شهر القرآن أن يكثر الإنسان من الدعاء وذلك أنه من الأوقات التي تفتح فيها أبواب السماء وقد وردت الأحاديث في قبول دعاء الصائم
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين رواه أحمد في حديثه والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما
إلا أنهم قالوا حتى يفطر
ورواه البزار مختصراً
ثلاثة حق على الله أن لا يرد لهم دعوة الصائم حتى يفطر والمظلوم
حتى ينتصر والمسافر حتى يرجع
وعن عبد الله – يعنى ابن أبي مليكه - عن عبد الله – يعنى ابن عمرو
10
ابن العاص – رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد قال وسمعت عبد الله يقول
عند فطره اللهم إنى أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي
زاد في رواية ذنوبى رواه البيهقى

١١٦
وعن
سلمان رضى الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
في آخر يوم من شعبان قال
ألف
يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من شهر شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً من تقرب فيه من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فريضة فيه
محصلة
كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزاد فى رزق المؤمن فيه من فطر صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء قالوا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

يعطى الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له واعتقه من النار فاستكثر وا فيه من أربع خصال
خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غناء لكم عنهما فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله
وتستغفر ونه
وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون
به من النار
ومن ستى صائماً
الحنة
سقاه الله من حوضى شربة لا يظمأ حتى يدخل

رواه ابن خزيمة في صحيحه ثم قال صح الخبر ورواه من طريقه
البيهقي
وعن عبادة بن الصامت رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال يوماً وحضر رمضان
أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقى من حرم فيه
الخطايا
6
ويستجيب فيه الدعاء
رحمة الله عز وجل
وسلم
رواه الطبراني ورواته ثقات

وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتى لأنصرنك ولو بعد حين رواه أحمد والترمذي وحسنه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما
والبزار ولفظه
ثلاثة حق على الله أن لا يرد لهم دعوة الصائم حتى يفطر والمظلوم
حتى ينتصر والمسافر حتى يرجع
6
وإن من الملاحظات الدقيقة التى يلاحظها ذوو البصائر المشرقة أن الآيات التي تتحدث عن أحكام الصوم وحكمته وعن شهر رمضان جمعت في مكان واحد من سورة البقرة ويفجأ الإنسان أنه يتخللها قوله
تعالى

۱۱۸
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان
فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون

وهذه المفاجأة لا تمر مهملة كلا فإن كل وضع في القرآن له حكمته ومن الحكمة التي تبدو لنا فى تخلل آية الدعاء في وسط الآيات عن رمضان والصيام أن الدعاء فى أثناء ذلك جدير بالاستجابة لما يحيط به من جو روحانى هو جو العبودية والتقوى الناتج عن الصيام وعن الصلاح الذي يتسم به من صام إيماناً واحتساباً والذي تصف الأحاديث النبوية الشريفة بعض مظاهره و بعض ثماره عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الله عز وجل
كل عمل ابن آدم له إلا الصوم

فإنه لى وأنا أجزى به
والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن
المسك
سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب من ريح للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه ۱
وفي رواية للبخاري
يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلى الصيام لى وأنا أجزى به
والحسنة بعشر أمثالها
وفى رواية لمسلم
6
كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة
ضعف قال الله تعالى
۱ رواه البخاري واللفظ له ومسلم

۱۱۹
ه إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به يدع شهوته وطعامه من أجلى للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف
فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك
من
الدعاء في القرآن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إياكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ وإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أتَتَّخِذُنا هُزُواً قَالَ أعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ وإِذْ يُرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ربَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَتِنَا أُمَّةٍ مُسْلِمَةٌ لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا
وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوابُ الرَّحِيمُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةٌ
۳
وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ٣ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اعْتَرَفَ غُرْفَةٌ بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا
1 البقرة - اية ٦٧
٢ البقرة - آيتا ۱۷ ۱۸
۳ البقرة - آية ۰۱

۱۰
لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مَلَاقُوا اللَّهِ كُمْ مِنْ فِيْه قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٌ كَثِيرَةٌ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُونَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبَتْ أقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الْكَافِرِينَ
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْن أحد مِنْ رُسُلِهِ وقالوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وإليكَ الْمَصِيرُ
لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا
وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانَصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ٢ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً
إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ٣
٤
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّيبَةَ
إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاء ا رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُول فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ١
۱ البقرة - آيتا ٢٤٩ ٢٥٠ البقرة - آيتا ٢٨٥ ٢٨٦ ۳ آل عمران - آية ۸
٤ آل عمران - آية ١٦ ٥ آل عمران - آية ۳۸ 1 آل عمران - آية ٥٣
6

۱۱
ومَا كَانَ قَوْلُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا
وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ١
رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ٢
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُحْزَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُتخلف الميعاد ٣
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ
لَنَا مِنْ لَدَنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ٤ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ
مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكُتبنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ٥ قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ
لَنَا عِيداً لِأُولِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ١ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحاب النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ۷
وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا
وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ۸
۱ آل عمران آية ١٤٧ آل عمران - آية ۱۹۱ ۳ آل عمران - آية ١٩٤
٤ النساء - آية ٧٥ ٥ المائدة - آية ۸۳ ٦ المائدة - آية ١١٤ ٧ الأعراف - آية ٤٧ ۸ الأعراف - آية ١٢٦

قَالَ رَبِّ اغْفِرْلِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةٌ لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القَوْمِ الْكَافِرِينَ ٢
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ رَبَّنَا
اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِساب ٣ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيْ
لَنَا مِنْ أَمْرَنَا رَشَداً ٢
قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسر لي أمري وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ
لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِى فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى
إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ٦ ه وذا النون إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى في الظُّلُماتِ أن لا إلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ الغَم وَكَذَلِكَ تُنجى الْمُؤْمِنِينَ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَ وَاصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ۷
1 الأعراف - آية ١٥١ يونس آتا ٨٥ ٨٦٠ ۳ إبراهيم - آيتا ٤٠ ٤١٠ ٤ الكهف - آية ١٠
٥ طه - الآيات ٢٥ - ٢٨ ٦ طه آية ١١٤
۷ الأنبياء - الآيات ۸۷ - ۹۰

۱۳
قُلْ رَبِّ إِمَّا مَا يُوعَدُونَ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ١ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ۳ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ١ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًا ومُقاماً ٥
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا
لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً 1 رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَالْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ وَلَا تُخْزنى يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَال وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ٢ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَى وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي
عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ٨
۱ المؤمنون - آيتا - ٩٣ ٩٤ المؤمنون - آیتا ۹۷ ۹۸
۳ المؤمنون - آية ۱۰۹ ٤ المؤمنون - آية ۱۱۸ ٥ الفرقان - آیتا ٦٥ ٦٦ ٦ الفرقان - آية ٧٤ ۷ الشعراء - الآيات ۸۳ - ۸۹ ۸ النمل - آية ۱۹

قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْلِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرحيم

"
فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٢ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۳ ه مستذكرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأفُوضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ
0
بالْعِبادِ ٤
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ٥ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ ٦
لَيْسَ لَهَا مِنْ دُون الله كَاشِفَةُ ٧
ه وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلا خَوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ۸
۱ القصص - آية ١٦
٢ القصص - آية ۱ ۳ غافر - آیتا ۷ ۸ ٤ غافر - آية ٤٤ ٥ الدخان - آية ۱ 1 الأحقاف - آية ١٥ ۷ النجم - آية ٥٨ ۸ الحشر - آية ١٠

۱۵
رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنبنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ
ربَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الحكيم يَوْمَ لَا يُخْرى اللهُ النَّى وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَنْهِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ
۳
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ٣ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ
الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّاسِ ٤ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّين إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِينَ آمين
والآن ننتقل إلى من كان خلقه القرآن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً على الدعاء وعالجه من نواح متعددة وكان في كل ذلك متمشيا تمشياً كاملا مع القرآن
۱ الممتحنة - آية ٤ ٥
التحريم - آيتا ٨ ۳ سورة الفلق
٤ سورة الناس

١٢٦
إن القرآن الكريم حث على الدعاء وذكر أنماطاً من الدعوات ومواقف من اللجوء إلى الله فى ذلك ولقد نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا النهج لقد حث صلوات الله وسلامه عليه على الدعاء واستفاض صلى الله عليه وسلم فيه استفاضة تتناسب مع العبودية الكاملة لله سبحانه وتعالى التي حققها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وحققها بسلوكه وحققها بمشاعره وأحاسيسه التي أعلنت في وضوح العبودية في أتم صورها وكما تتسم الدعوات فى القرآن بالسهولة الممتنعة في الأسلوب فإن دعوات
رسول الله صلى الله عليه وسلم تتسم بالجزالة والوضوح ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بما يتناسب مع الوضع
الذي هو فيه زماناً كان أو مكاناً أو حالة نفسية أو اجتماعية بل كان له في كثير من الحالات أدعية عدة لكل حالة بذاتها تتفاوت طولا وقصراً وتختلف معنى ولفظاً ونحن الآن بعد أن أوجزنا الحديث عن موقف القرآن من الدعاء نبدأ
من
وهذا
الآن بالحديث عن موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء الذي نشرع فيه الآن إنما هو توضيح للموقف القرآني نفسه وذلك أن الله
سبحانه وتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ وإننا إذن لم نخرج عن الحديث في القرآن حينما نتحدث عن موقف
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعاء وحينما نستفيض في ذكر صيغ من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

۱۷
فضل الدعاء
أبى
هريرة رضي الله عنه عن
عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال

ليس شيء أكرم على الله من

فيما أخرجه الإمام أحمد والترمذى –
الدعاء
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض ١ النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم
وعن
الدعاء هو العبادة ثم قرأ

وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي
سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ٢
قال
و روى عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الدعاء مخ العبادة رواه الترمذى
وعن عبادة بن الصامت رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله تعالى إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم
فقال رجل من القوم
۱ رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ورواه أبو يعلى من حديث على
رواه أبو داود والترمذى وقال حديث صحيح

۱۸
وسلم
ه إذن نكثر قال الله أكثر رواه الترمذي والحاكم وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
ما من مسلم ينصب وجهه الله عز وجل في مسألة إلا أعطاها إياه
إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له في الآخرة
وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال

يدعو
الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه فيقول عبدى إلى أمرتك أن تدعونى ووعدتك أن أستجيب لك
كنت تدعونى
فيقول نعم يا رب

فهل
فيقول أما إنك لم تدعنى بدعوة إلا استجبت لك أليس دعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك ففرجت عنك
فيقول نعم يا رب
فيقول إنى عجلتها لك فى الدنيا
ودعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك فلم تر فرجاً
قال نعم يا رب
فيقول إنى ادخرت لك بها فى الجنة كذا وكذا ودعوتني في حاجة أن أقضيها لك في يوم كذا وكذا فقضيتها
فيقول نعم يا رب
فيقول إنى عجلتها لك في الدنيا
۱ رواه أحمد رضي الله عنه

۱۹
ودعوتني يوم كذا وكذا في حاجة أقضيها لك فلم تر قضاءها
فيقول نعم يا رب
فيقول إنى ادخرت لك بها في الجنة كذا وكذا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يدع الله دعوة دعا بها عبده المؤمن إلا بين له إما أن يكون عجل
له في الدنيا وإما أن يكون الأجر له فى الآخرة قال فيقول المؤمن
في ذلك المقام يا ليته لم يكن عجل له شيء من دعائه
يقول
وعن
أنس
1
رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى
يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالى يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا
تشرك بي شيئاً لآتيتك بقرابها مغفرة

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الله عز وجل يقول
أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعانى ۳

۱ رواه الحاكم رواه أحمد والحاكم
۳ رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه

١٣٠ ١
فضله
وعن أبي صالح – فيما أخرجه ابن ماجه – قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من لم يسأل الله يغضب عليه

وعن عبد الله - فيما أخرجه الترمذى - قال قال رسول الله صلى الله
سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار
عليه وسلم
الفرج
وعن أبي ذر ۱ رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه عز وجل أنه قال
تظالموا
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرماً فلا
يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم
یا عبادي إنكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى یا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب
1 حينما كان أبو إدريس الخولاني يروى هذا الحديث بالذات فإنه كان يتخذ هيئة مخصوصة إجلالا للحديث لقد كان يحثو على ركبتيه أولا ثم يبدأ الحديث

۱۳۱
رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً
یا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً
یا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل إنسان منكم مسألته ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر
یا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله عز وجل ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ۱
الدعاء والقضاء
وعن ثوبان رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد فى العمر إلا البر وإن الرجل ليحرم
الرزق بالذنب يذنبه
قال
وعن

سلمان الفارسي رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد العمر إلا البر
وعن
α
۳
عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يعني حذر عن قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء
٤
لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة 4
۱ رواه مسلم
رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم
۳ رواه الترمذي
٤ رواه البزار والطبراني والحاكم

۱۳
وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة وما سئل الله شيئاً يعنى أحب إليه من أن يسأل العافية وقال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء ويقول الإمام الغزالي
فإن قلت ما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له
فاعلم أن القضاء رد البلاء بالدعاء واستجلاب الرحمة فالدعاء سبب لرد البلاء كما أن الترس سبب لرد السهم والماء سبب لخروج النبات من فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى ألا يحمل السلاح
الأرض
وقد قال تعالى
خذو حذركم
وألا تسقى الأرض بعد بث البذور فيقال إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر وإن لم يسبق لم ينبت بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول
وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير القدر فالذى قدر الخير قدره لسبب والذى قدر الشر قدر لدفعه سبباً فلا تناقض في هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته اه
هو
۱ رواه الترمذى والحاكم

۱۳۳

ثمرة الدعاء
عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجزوا فى الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد ١ أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وعن
وسلم قال
ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها
قالوا إذن نكثر
قال الله أكثر
وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم

من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل ۳
استجابة الدعاء
عن سليمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه إن الله حي
خائبتين ٤
۱ رواه ابن حبان والحاكم
٢ رواه أحمد والبزار وأبو يعلى والحاكم ۳ رواه أبو داود والترمذي وحسنه ٤ رواه أبو داود والترمذي وحسنه
أن
يردهما صفراً

١٣٤
فاذا أردت الإستجابة فابدأ
١ - بالتوبة الخالصة النصوح - وتحر الحلال
فعن ابن عباس فما أخرجه الحافظ ابن مردويه تليت هذه الآية
عند النبي صلى الله عليه وسلم يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيباً فقام سعد بن أبي وقاص
فقال
يا رسول الله ادع الله أن يجعلنى مستجاب الدعوة فقال يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوماً وأيما عبد نبت لحمه من السحت والر با فالنار أولى به
الدعاء في الرخاء
قال
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء في
الرخاء ١
دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب عن أبي الدرداء رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل ٢
۱ رواه الترمذي والحاكم
رواه مسلم

۱۳۵
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول
دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل
كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل آمين ولك بمثل ۱
وعن صفوان بن عبد الله فيما رواه الإمام مسلم – قال
قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت
أم الدرداء
فقالت أتريد الحج العام
فقلت نعم فقالت ادع لنا بخير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب٢مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل قال فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء فقال لى مثل ذلك يرويه - عن النبي صلى الله عليه وسلم
أوقات الدعاء وأماكنه
والدعاء يصح في كل وقت بيد أن هناك أوقاتاً وأماكن أرجي في قبول الدعاء من غيرها وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقاتاً
للدعاء منها ثلث الليل الأخير
يقول صلوات الله وسلامه عليه
ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول
۱ رواه مسلم
٢ أي في حالة غيبة أخيه

١٣٦
من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له رواه البخاري
فقال
ولقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أى الدعاء أسمع
جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبة رواه الترمذي وحسنه و روى مسلم عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء ونقل البيهقى فى السنن الكبرى عن الإمام الشافعي أنه قال بلغنا أنه كان يقال إن الدعاء يستجاب فى خمس ليال فى ليلة الجمعة وليلة الأضحى وليلة الفطر وأول ليلة من رجب وليلة النصف من وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال
شعبان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ساعتان لا ترد على داع دعوته حين تقام الصلاة وفى الصف
في سبيل الله رواه ابن حبان في صحيحه
الأماكن الطاهرة المباركة وأشرفها الحرم المكي والحرم المدنى
والمسجد الأقصى
وقال صلى الله عليه وسلم
الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد
1
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً
الصائم لا ترد دعوته
۱ رواه الحاكم وصححه

الترمذي وحسنه

۱۳۷
من
وقال صلى الله عليه وسلم
أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا فيه
الدعاء
1
وروى ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال
إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً وساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء فَقَمِنٌ أَن يستجاب لكم
من جوامع الدعاء
۳
عن أبي أمامة رضى الله عنه قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا قلنا يا رسول الله دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئاً فقال ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كله تقول
اللهم إنى أسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله 4

وعنه رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمرى وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتى التي فيها معادى واجعل الحياة زيادة لى
۱ رواه مسلم رواه مسلم
۳ انظر إحياء علوم الدين
٤ رواه الترمذي وقال حديث حسن

۱۳۸
في كل خير واجعل الموت راحة لى من كل شر
وروى الحاكم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتحبون أيها الناس أن تجتهدوا في الدعاء
قالوا نعم يا رسول الله قال قولوا اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
۱ رواه مسلم

الفصل الثامن
افْعَلْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
إثبات الرسالة
برسالته
الرسول
أسس العقيدة الإسلامية
إن أشق مرحلة يصادفها كل رسول من الرسل إنما هي إقناع الناس وقد اختلفت وسائل هذا الإقناع واختلفت أساليبه وقد بدأ صلى الله عليه وسلم كأسلافه بتقرير أنه رسول وأنه متصل
بالسماء وأن الوحى ينزل عليه تباعاً وقد أرسله الله تعالى لحكمة سامية قد رددها القرآن في غير ما موضع هي تزكية النفوس وتطهيرها وتزكيتها وتطهيرها خلقياً واجتماعيا مؤسساً ذلك على تطهيرها وتزكيتها من ناحية العقيدة
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ
مبين ۱
رَبَّنَا وَابْعَثُ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ
وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
۱ سورة آل عمران - آية ١٦٤ سورة البقرة - آية ۱۹
۱۳۹

١٤٠
ومن أجل ذلك كان إرساله رحمة للعالمين وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

ولكن العرب سخروا من دعوته وكان لا بد من أن يفحمهم بآية من آيات الله فلم تخرج هذه الآية عن أن تكون القرآن
لقد تحداهم به في عنف وتحداهم - متدرجا - من أن يأتوا بهم بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا
إلى أن يأتوا بعشر سور مثله ثم انتهى بهم أخيراً إلى أن يأتوا بسورة
من مثله قال تعالى

قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا الإسراء ۸۸ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ هود ۱۳
وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أَعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ البقرة ٢٤٢٣ ١
۱ في هذه الآيات كرر القرآن لفظ مثل والمثلية لا تختص بجانب دون جانب وإنما
تعم جميع المناحى والمواقع أن النقاش فى أن القرآن معجز بأسلوبه أو بمعانيه أو بقصصه أو بأخباره عن المغيبات أو بغير ذلك من وجوه إنما هو نقاش لا يتمشى مع الفكرة القرآنية التي هي في التماثل من جميع النواحي
قال صاحب البحر المحيط والمثلية في حسن النظم وبديع الوصف وغرابة الأسلوب والإخبار بالغيب مما كان وما يكون وما احتوى عليه من الأمر والنهي والوعد والوعيد والقصص والحكم والمواعظ والأمثال والصدق والأمن من التحريف والتبديل ج ١ ص ١٠٤ – ١٠٥ ومنشأ الاختلاف في تحديد وجوه الإعجاز في القرآن راجع إلى اختلاف درجة الاستعدادات الفطرية والاتجاهات الفكرية لإدراكها ومعرفتها فمثلاً من وجد القرآن مصدقاً لما بين يديه =

ولم الشك في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه لو أخبرهم أن خيلا وراء الوادى ستغير عليهم الصدقوه لأنهم لم يعهدوا فيه كذباً على أنه قد لبث فيهم من قبل أربعين عاماً فلم يحدث بنبوة ولا برسالة
ذلك أن هذا الأمر إنما يرجع إلى مشيئة الله فحسب قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلُوتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ يونس ١٦
ويطلب إليهم القرآن أن يتفكروا في أمر صاحبهم هذا الذي نشأ بينهم وترعرع على مرأى ومسمع منهم بل كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم بالصدق والأمانة ورجاحة العقل قال تعالى
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةَ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيد
سبا ٤٦
= من التوراة والإنجيل وأخبار السابقين والغيبيات التى لا تحيط بها البشرية علماً حصر وجوه الإعجاز فما أدرك
ومن نظر إلى القرآن من ناحية اللفظ وحسن السبك وجزالة الأسلوب وما له من روعة تملك على السامع شعوره ووجدانه حصر الإعجاز فى ذلك ومن أجال فكره فيما حواه القرآن من الأسرار الكونية التى تكشف عنها العلوم والبحوث أياً كانت فهو مصدق لما في الطبيعة والفطر سنريهم آياتنا في الأفاق وفى أنفسهم
جاء به
1 والمعنى على ما ورد فى الزمخشري ملخصاً
متفرقين اثنين اثنين وواحداً واحداً ثم تفكروا فى أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما
أما الاثنان فيتفكران ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه وينظران فيه متصادقين لا يميل بهما اتباع هوى ولا ينبض لهما عرق عصبية حتى لا يهجم بهما الفكر الصالح والنظر الصحيح على جادة الحق وسننه إنما أعظم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتحصنتم وهى أن تقوموا لوجه الله خالصاً وكذلك

١٤٢
ولم
الشك في أمره مع أنه قد تجرد من كل مطمح دنيوى قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
ولم التشكك فى أمره وهو أمى لا يقرأ ولا يكتب ومن كانت حاله هذه
لا يمكنه أن يستمد ما يقول من كتاب
قال تعالى
وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذَنْ لَارْتابَ
الْمُبْطِلُونَ العنكبوت ٤٨ هذه الظروف وهذه الملابسات فضلا عن القرآن ترشد إلى أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان صادقاً في دعواه
معارضة العرب
أن بید
العرب تغالوا فى المعارضة حتى لقد وصلوا أحياناً إلى حد
السخف ولكن القرآن كان لهم بالمرصاد وكان دائماً يفحمهم في قوة لقد قالوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْواقِ فرد الله عليهم بما يقطع حجتهم
الفرد يفكر فى نفسه بعدل ونصفة من غير أن يكابرها ويعرض فكره على عقله وذهنه وما
استقر عنده
من عادات العقلاء ومجارى أحوالهم
والذي أوجب تفرقهم مثنى وفرادى أن الاجتماع مما يشوش الخواطر ويمنع من الرؤية ومع ذلك يقل الإنصاف ويكثر الاعتساف وقد علمتم أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما به من جنة بل علمتموه أرجح قريش عقلا وأصلبهم رأياً وأصدقهم قولا وأنزههم نفساً فكان مظنة لأن تظنوا به الخير وإذا فعلتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بأن يأتيكم بآية

١٤٣
ومَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ
في الأسواق وقال وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ فرد
عليهم القرآن في أسلوب لاذع أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ولم يجد اليهود ولا النصارى مفرا من الاعتراف بأن الرسل السابقين
كانوا حقا كذلك
وقال العرب
D
لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً
فإذا بالقرآن يعلل ذلك تعليلا في غاية القوة والوضوح
كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ۱ ورأوا أن يكون الرسول ملكاً فإذا بالقرآن يجيبهم في منطق صارم
۱ وهذا أيضاً من اعتراضاتهم واقتراحاتهم الدالة على شرادهم عن الحق وتجافيهم عن اتباعه قالوا هلا نزل عليه دفعة واحدة فى وقت واحد كما نزلت الكتب الثلاثة وما له أنزل
على التفاريق
والقائلون قريش وقيل اليهود
وهذا فضول من القول ومماراة بما لا طائل تحته لأن أمر الإعجاز والاحتجاج به كان يختلف بنزوله جملة واحدة أو مفرقاً وقوله تعالى كذلك لنثبت به فؤادك جواب هم أى كذلك أنزل مفرقاً والحكمة فيه أن نقوى بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه لأن المتلقن إنما يقوى قلبه
على حفظ العلم شيئاً بعد شيء وجزءاً عقب جزء ولو ألقى عليه جملة واحدة لبعل به وتعيا بحفظه والرسول صلى الله عليه وسلم فارقت حاله حال موسى وداود وعيسى عليهم السلام حيث كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب وهم كانوا قارئين كاتبين فلم يكن له بد من من التلقن والحفظ فأنزل عليه منجماً في عشرين سنة وقيل في ثلاث وعشرين وأيضاً فكان ينزل على حسب الحوادث وجوابات عن الزمخشری ج ص ۱۰۹
السائلين

١٤٤
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا جَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ
ويذكر ذلك في موضع آخر مصوراً تعنتهم في إنكار النبوة فيقول وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا
رَسُولاً ويرد عليهم القرآن معللا الأمر بتعليل آخر غير السابق فيقول قُل لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكًا رَسُولا
وهذا التعليل فى غاية العمق فإنه ينطوى على سبب من أهم أسباب إرسال الرسل فالملائكة ليسوا - بطبيعتهم - فى حاجة إلى من يهديهم من الناحية الأخلاقية إنهم ملائكة ويتعمد القرآن أن يصفهم بأنهم يمشون مطمئنين فيثبت بذلك توضيح طبيعتهم الملائكية في أذهاننا ومع ذلك يقول
لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكًا رَسُولا
0
لم إنهم ملائكة وهم يمشون مطمئنين فما حاجتهم إلى الرسالة أن مهمة الرسول الأولى ليست الأخلاق وإنما هي معرفة الله
الواقع
والملأ الأعلى وما وراء الطبيعة وذلك لا يتأتى في صحة لا يشوبها خطأ
بمنطق عقلى أو قياس نظرى وإنما يتأتى عن الله بواسطة سفرائه إلى عباده
وهم الرسل
والملائكة كالبشر عاجزون عن معرفة الله إلا به ولقد قالوا كما
حكى القرآن عنهم في سورة البقرة ۳ سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مـ
عَلَّمْتَنا
أما الأخلاق فإنها في المرتبة الثانية بعد معرفة الله
6
ما

١٤٥
وأرجفوا بأن محمداً صلى الله عليه وسلم يستمد القرآن من شخص
معين فرد عليهم القرآن في قوة
لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجمى وَهَذَا لِسَانُ عَرَبيٌّ مُبِينٌ
ولما استيأس العرب من الجدل المنطقى تقمصوا عقلية الصبيان وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ - كَمَا زَعَمْتَ - عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتُ مِن زُخرف أو ترقى في السَّماء ولن تُؤْمِنَ لِرَقِيكَ حَتَّى تُنزِّلَ عَلَيْنَا كِتاباً
تفرقه فيجيبهم القرآن في سهولة قوية لاذعة جادة ساخرة
قُلْ سُبْحانَ رَبِّى ! هَلْ كُنتُ إِلا بَشَراً رَسُولا
ويثور العرب حينما يرون منطقهم ينهار فينادون
"
يأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ
إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
ويرد عليهم القرآن مبيناً لهم ما قد خفى عنهم
ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذَنْ مُنْظَرِينَ ويصور القرآن فى النهاية موقفهم الحقيقى الذى لا يخرج عن أن يكون عناداً لا شائبة فيه لطلب الحق ولا للرغبة في الهدى فيقول
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أبصارنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ۱ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسِ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
۱ سورة الحجر - آيتا ١٤ ١٥

١٤٦
إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ
فلما أخذتهم الحجة من جميع أقطارهم ورأوا أنهم أضعف من أن
يغلبوا بالمنطق أعرضوا وقالوا
قُلُوبُنَا في أَكِنَّة مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفي آذانِنَا وَقَرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ
حجاب فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُون ١
سنته
فيذكرهم القرآن بموقف الأمم قبلهم وينذرهم بعذاب كما هي
مع
هذا النوع من المعاندين فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةٌ مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ
0
حقا لقد كانت خصومة العرب للرسول صلى الله عليه وسلم عنيفة قوية ولقد صورها القرآن في قوتها وفى عنفها ولم يأب أن يذكر ما فاهت به العرب مما يسيء الرسول فذكر وصفهم له بالجنون وبالشعر وإنه ساحر أو مسحور وبأنه ليس من عظماء القريتين ٢ وبأنه يأخذ القرآن من غيره أو بأن القرآن ليس إلا سحراً أو أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا
ذكر القرآن كل ذلك وصور الخصومة في عنفوانها عارضاً أدلة ذلك أن القرآن هداية الله وهدايته سبحانه وتعالى هي الحق الذى يقذف على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق
الجاحدين

C
وجود الله
لقد كان من الطبيعي - بعد أن ثبتت النبوة أن يتلقى العرب كل ما جاء
۱ فصلت - آية ٥
٢ مكة والطائف

١٤٧
في القرآن بالقبول ولكن القرآن لم يكن يلقى القول على علاته وإنما يأتى بالقضية مبرهناً عليها بالدليل تلو الدليل فيرضى العقل ويطمئن النفس ويقود الضمير إلى الإذعان وبرغم أن وجود الله أوضح من أن يبرهن عليه فقد وجد في كل الأزمنة من جحدوا كذلك بنفسه وبلا صانع ولم يزل الحيوان من النطفة والنطفة من الحيوان كذلك كان وكذلك يكون أبدا ١ شك فى أن مسألة إثبات وجود الله لم تكن في يوم من الأيام من أهداف القرآن ولم تكن في يوم من الأيام هدفًا من أهداف الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد أصحابه وذلك أن الإيمان بوجود
هدفاً
وما من

الله مسألة فطرية وبدهية ونحن هنا نسير على أنه يمكن أن يؤخذ من القرآن أدلة على وجود الله وإن لم يكن ذلك هدفاً من الأهداف القرآنية وإذا نسقنا الأدلة أو نظمناها فإنما يرجع ذلك إلى استنتاج من نصوص هدفها الصحيح بيان عظمة الله وتدبيره وقدرته وهيمنته على كل ما فى العالم من صغيرة وكبيرة وبيان عناية الله ورعايته وإحكامه المحكم وإبداعه المتقن لكل ما يسرى في العالم من
قوانين ونواميس
إن القرآن يمكن أن يُؤخذ منه الرد على من انحرفت فطرتهم فيقال إنه يرد عليهم أولا بضروريات فكرية فيثبت الدلالة الضرورية من الخلق على الخالق
أفى اللهِ شَكٍّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُراب
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
α
۱ الغزالي المنقذ من الضلال طبعة مكتبة الأنجلو المصرية

١٤٨
ويؤكد هذا بمبادئ مقررة يعترف بها كل إنسان عندما يفكر فيها تفكيراً بسيطاً إنه من البين أن الشيء لا يمكن أن يوجد بدون علة ولا يمكن من جانب آخر أن يكون علة صياغة نفسه أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ولا يقتصر القرآن على ذلك بل ورد في غير ما موضع وفى غير
6
ما سورة ذلك الدليل الذي يطلق عليه أحياناً دليل العناية وأحياناً أخرى دليل النظام أو القصد أو التدبير أو الغائية وهذا الدليل هو الذي يستند إلى ما تراه في العالم من تناسق وتضامن وانسجام ومن تدبير محكم وعناية تامة بكل صغيرة وكبيرة وترابط لا انفصام له بين أجزاء العالم وأجزاء وحداته أيضاً
وقد استخدم القدماء هذا الدليل ولا يزال المحدثون يستخدمونه ويعتبره بعضهم أوضح الأدلة على وجود الله بل وأقواها
نفسه أسهلها بالنسبة للإدراك الإنسانى
قال الله تعالى

وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَى رَحْمَتِهِ
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً
وهو في الوقت
ألم نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلْنَا نوْمَكُمْ سُباتاً وَجَعَلْنَا اللَّيْلِ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشِاً وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شداداً وَجَعَلْنَا سِراجاً وَهَّاجاً وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِراتِ مَاءً تَجَاجا لِنُخْرِجَ

١٤٩
حَبًّا وَنَباتاً وَجَنَّاتِ الْفَافاً
وإذا تصفحت القرآن تبينت مصداق قوله تعالى وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها
وكثيراً من أى القرآن ما يجمع بين دليل الخلق ودليل العناية إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِى الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ د موتها وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرياح والسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ سَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ١ وتوجد آيات متتالية في سورة الروم تجمع بين الدليلين – الخلق عناية - وهي قوله تعالى
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَقِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ تِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ن آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً حْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ختِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَألْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتِ لِلْعَالِمِينَ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ لَّيلِ والنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ يكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماء ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ
هذه الأدلة تكاد تتضمن كل ما عداها
1 سبورة البقرة - آية ١٦٤
سورة الروم - الآيات ١٩ - ٢٥

من دلة قديمة كانت أو حديثة

١٥٠
برغم اختلاف أساليب التعبير بحسب اختلاف البيئة أو الزمن
إنها تتضمنها فى صورتها السهلة والأثر يدل على المؤثر
K
وتتضمنها فى صورتها الكلامية وكل حادث لابد له من محدث
وتتضمنها فى صورتها الفلسفية القديمة الممكن والواجب وتتضمنها في صورتها الفلسفية الحديثة سواء رجعنا فيها إلى شعور الوجدا أو فكرة الكمال أوغير ذلك
الوحدانية
وإذا كان القرآن لا يجعل من أهدافه إثبات وجود الله فإنه يجعل من أهدافه الكبرى إثبات التوحيد والإسلام هو دين التوحيد والله سبحان
وتعالى واحد لاشريك له
ويستدل القرآن بالمشاهدة الصادقة لَو كان فيهما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا هذه المشاهدة العادية تلبس صورة منطقية رائعة فلو كان هنال
إله غير الله إذن الذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض على أن القرآن لا يكتفى بالمشاهدة وبالمنطق وإنما يرجع بالإنسان إلى وجدانه ويثبت الوحدة عن طريق النظام والعناية والتدبير فيقول في آيات
رائعة
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامُ عَلَى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى اللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِةِ ذاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهُ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنهاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَل بَيْنَ البحرين حاجزاً أ إلهُ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أَمَّنْ يُجيب

151
لمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَ إِلَهُ مَعَ اللهِ قَليلاً مَا تَذكَّرُونَ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ لرياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَى رَحْمَتِهِ أَ إِلَهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ يَبْدَأ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أ إله

مَعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صادِقِينَ ١
العلم
والله سبحانه وتعالى عالم إنه عالم الغيب والشهادة
اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدادُ وَكُلُّ نى عِنْدَهُ بِمِقدار عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتعال سَوَاءٌ مِنكُمْ منْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفِ بِاللَّيْلِ وَسَارِبُ بِالنَّهارِ
ی
والله تعالى لا يعلم الماضى والحاضر فحسب ولكنه يعلم المستقبل
يضاً
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَة فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ
بل أن نبرأها إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ۳
وهو يسخر ممن جعلوا الله شركاء ويسألهم في سخرية وإنكار وَجَعَلُوا اللَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُوهُمْ أَمْ تُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ م بِظَاهِرِ مِنَ القَول ٤ وفي القرآن آية يرى بعضهم أنها تشير إلى العقل الباطن أو اللاشعور
۱ سورة النمل - الآيات ٥٩ - ٦٤
سورة الرعد - الآيات ۸ - ۱۰ ۳ سورة الحديد - آية ٤ سورة الرعد - آية ٣٣

١٥٢
وإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السَّرَ وَأَخْفَى ۱
والقرآن يرشد إلى أن علمه ليس مقصوراً على ذاته كما یری
أرسطو
وليس مقصوراً على الذات والكليات والجزئيات جميعها على الوجه التام يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ وَا فيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ وَقَالَ الذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِم الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِين ٢
الْأَرْضِ وَ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُها وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَارَطب وَلَا يَابِس إلا في كتاب مُبِينٍ وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَاجَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ يعنكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُ
تَعْمَلُونَ ۳
أما دليل القرآن على علم الله فهو في غاية الوضوح والقوة
ألا يعلمُ مَنْ خَلَقَ وَهُو اللطيف الخَبِيرُه
مظاهر صفاته
الله عالم وهو مريد وقادر وحكيم ومن مظاهر صفاته هذه المتضامنة هذا الكون وما حواه من بديع صنعته والقرآن يتحدث في استفاض عن مظاهر هذه الصفات في كثير من السور بل لا تكاد تخلو سو
۱ سورة طه - آية ٧ سورة سبأ - آيتا ۳ ۳ سورة الأنعام - آينا ٥٩

١٥٣
من هذه المظاهر كلها أو بعضها
وإليك نموذجاً يحدثك بذلك
الله الَّذِى رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدِ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ إلى قوله تعالى لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ
العشق
البحث
الله سبحانه وتعالى خالق وهو واحد مريد عالم قادر إلخ وهو أيضاً باعث ومسألة البعث مسألة أنكرها قوم يطلق عليهم الإمام الغزالى الطبيعيون وهم قوم أنكروا البعث مع اعترافهم بالصانع لقد اعترفوا بالصانع لما رأوه في عجائب الطبيعة من تناسق محكم لا يمكن أن يكون وليد المصادفة ولكنهم رأوا أن النفس تابعة للبدن ولذلك نفنى بفنائه وكانت نتيجة ذلك أن جحدوا الآخرة وأنكروا الجنة والنار
والحساب
على هؤلاء وأضرابهم على اختلاف بيئاتهم وأساليبهم يرد القرآن في
غير ما موضع وطبيعيو العرب لم يكن عندهم في هذه المسألة منطق جدلى فلسفى
ليس لهم من دليل سوى الإنكار والاستبعاد
ه وَقَالُوا أإذا كُنَّا عِظَاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جديدًا ٢
۱ سورة الرعد - الآيات - ۱۷
سورة الإسراء - آية ٤٩

قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيم
والقرآن يرد عليهم بتذكيرهم بمظاهر قدرة الله السائدة في الكون وبأنه ليس من العدالة الإلهية أن يترك الإنسان سدى فلا يجازى على ما قدم أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِي يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بِقادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِي الْمَوْتَى
وفي القرآن كثير من الآيات ترد عليهم مستندة إلى مظاهر قدرة الله وعدالته وفيه آيات متتالية فى آخر سورة تحدثت بس عن رأى منكرى البعث ثم ردت عليهم ردوداً متنوعة مختلفة واضحة قوية ونحن نذكر هذه الآيات ونذكر تفسير الكندى لها نقلا عن كتاب الكندى للأستاذ
أبى ريدة قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ
قُلْ يُحييها الَّذى أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذَا أَنتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَو لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحانَ الَّذِي بيده ملكوت كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢
ويقول الأستاذ أبو ريدة عن تفسير الكندى لهذه الآيات
إن فيه يبرز فيلسوفنا الأصول النظرية التي تتضمنها هذه الآيات من جهة ويستخرج النتائج التي تلزم عنها من جهة أخرى وهى
۱ سورة يس - آية ۷۹
سورة يس - الآيات ۷۸ - ۸۳

۱ - وجود الشيء من جديد بعد كونه وتحلله السابقين ممكن بدليل مشاهدة وجوده بالفعل مرة لا سيما أن جمع المتفرق أسهل من إيجاده وإبداعه عن عدم وإن كان لا يوجد بالنسبة لله شيء هو أسهل وشيء هو - هذا الدليل موجود فى الآيات في كلمات قليلة قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ
أصعب
٢ - ظهور الشيء من نقيضه كظهور النار من الشجر الأخضر ممكن وواقع تحت الحس وإذن يمكن أن تدب الحياة في الجسد المتحلل
الهامد مرة أخرى وذلك أيضاً على أساس المبدأ الأكبر وهو
أن الشيء يمكن أن يوجد من العدم المطلق بفعل المبدع الحق – هذا الدليل موجود في آية
8
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ
وقد انتفع به الأشعرى في إثبات إمكان البعث
- خلق الإنسان أو إحياؤه بعد الموت أيسر من خلق العالم الأكبر
بعد أن لم يكن وهذا هو مضمون آية أو لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ !
بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ - الخلق والفعل مطلقاً مهما عظم المخلوق لا يحتاج من جانب الله المبدع لا إلى مادة ولا إلى زمان خلافاً لفعل البشر الذي لا يتم إلا في زمان ويحتاج إلى مادة تكون موضوع الفعل وهذا هو معنى آية إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
0
وهذه الآية في رأى الكندى إجابة عما في قلوب الكفار من النكير

10
بسبب ظنهم أن الفعل الإلهى المتجلى فى خلق العالم الكبير يحتاج إلى زمان
يناسب عظمته قياساً منهم لفعل الله على فعل البشر

لأن فعل البشر لما هو أعظم يحتاج إلى مدة زمانية أطول فجاءت الآية حاسمة في بيان نوع الفعل الإلهى وأنه إبداع بالإرادة الخالقة والقدرة المطلقة لا يحتاج إلى مادة ولا إلى امتداد زمنى
فأى بشر
- كما يقول الكندى - يقدر بفلسفة البشر أن يجمع في قول بقدر حروف هذه الآيات ما جمع الله جل وتعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم فيها من إيضاح أن العظام تحيا بعد أن تصير رميماً وأن قدرته تخلق مثل السموات والأرض وأن الشيء يكون نقيضه ! ! كلت ذلك الألسن المنطقية المتحايلة وقصرت عن مثله نهايات البشر وحجبت عنه العقول الجزئية اهـ
عن
على أننا لا نترك موضوع البعث دون أن نوجه ذهن القارئ إلى هذا التنظير البديع الذي ذكره القرآن الكريم بين الأرض الموات التي يحييها الله فتنبت من كل زوج بهيج والعظام والرفات التي يحييها الله ويصورها فيحسن تصويرها
يأيها النَّاسُ إِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ
ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْر مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ ونقر في الأرحام الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ

١٥٧
يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيها
وأنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ
مشاهد القيامة
ويسبق البعث ويعقبه أمور تحدث عنها القرآن في كثير من الآيات ووصفها في روعة أخاذة
إنها تصف يوم القيامة وتتحدث عن الحساب والميزان وتصف حالة المؤمنين والكافرين وتصور النار فى صورتها البشعة الكريهة والجنة في روحها وريحانها وصورها ورياضها الفيحاء وسنكتفى من كل ذلك بآيات
من آخر سورة الزمر يقول الله تعالى
وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مطويات بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيامُ يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فتحت أبوابها وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلُ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُ ونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِرِينَ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أبوابها وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا

١٥٨
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبوا مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بينهم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١
۱ سورة الزمر - الآيات ٦٧ - ٧٥

الفصل التاسع
افرا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
يقول الله سبحانه وتعالى
إلى النصر بإذن الله
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ في سبيل الله فَيَقْتُلُونَ ويُقتلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ ١ أخرج أبو حاتم وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال نزلت هذه الآية الكريمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فكثر الناس فى المسجد فأقبل رجل من الأنصار ثانياً طرفى
ردائه على عاتقه فقال يا رسول الله أنزلت هذه الآية
قال نعم فقال الأنصارى بيع ربيح لا نقيل ولا نستقيل وقد فرح المسلمون بهذه الآية حينما نزلت فرحاً كثيراً وذلك أنها بينت لهم في صورة من اليقين أن الجهاد جزاؤه الجنة وهو جزاؤه الجنة سواء أكانت نتيجته النصر أم كانت نتيجته الاستشهاد
- إن الجهاد على أى وضع كانت نتيجته ثمنه الجنة ورسول الله صلى
۱ سورة التوبة - آية ۱۱۱
109

الله عليه وسلم يقول
الجنة تحت ظلال السيوف
ولقد صور
الله سبحانه وتعالى جهاد المؤمنين
وبذل أموالهم
6
وأنفسهم فيه وإثابة الله لهم على ذلك بالجنة لقد صور الله ذلك بالبيع
والشراء
6
والمعقود عليه هو الجهاد والثمن هو الجنة والبائع هو المجاهد الله سبحانه ومكان البيع هو ميدان المعركة وتسجيل العقد في عدة جهات موثوق بها هي الكتب السماوية
والمشترى هو
والربح مؤكد على أية حال كانت نتيجة الجهاد لأنه سبحانه لم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط بل إذا كانوا قاتلين أيضاً لإعلاء كلمته ونصر
1
أما المؤمنون الذين باعوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة فقد ذكر الله
صفاتهم وعدها واحدة واحدة فهم التائبون وأول ما ذكر الله من الصفات الصفة التي لا يتأتى للمؤمن أن يستقيم في صلته بالله إلا بها وهى صفة التوبة فهم التائبون والتوبة صفة يحبها
الله سبحانه وتعالى يقول سبحانه
ه إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَابِينَ
والله يفرح بها يقول صلوات الله وسلامه عليه إن الله يفرح بتوبة
عبده المؤمن
وهم
العابدون إنهم عابدون بجهادهم وهم عابدون بعملهم وهم
عابدون بأقوالهم لقد صيروا حياتهم في كفاحها وفي نضالها وفي قولها وصمتها
۱ انظر تفسير الكشاف في ذلك

11
وفي حركتها وسكونها إلى عبادة فتحققوا بقوله تعالى
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ
وهم الحامدون لله فى السراء والضراء فى العسر واليسر في الرخاء والشدة لأنهم يعلمون أن حكمة الله فوق كل حكمة وتصريفه أحكم
تصريف
وهم السائحون أى يطرقون كل الوسائل في سبيل الرقى الذاتي بالسياحة في مجال المعرفة والسياحة في مجال العلم والسياحة في مجال العبادة وشعارهم أن من استوى يومه فهو مغبون ومن لم يكن إلى زيادة فهو إلى نقصان فالسياحة هي الضرب في جميع المجالات تقرباً من الكمال الذي يحبه الله للمؤمن
وهم الراكعون الساجدون أى المصلون في خشوع وخضوع الأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر بعد أن ائتمروا بالمعروف الله عنه سبحانه بقوله
وهم
وانتهوا عن المنكر في أنفسهم وذلك ما
عبر
والحافِظُونَ لِحدود الله وبعد فإن الآية الكريمة تنتهى بقوله تعالى وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ والتبشير هنا للمؤمنين الصادقين علم مطلق بشرهم بالفوز بشرهم
بالأمن وبشرهم بالسعادة وبشرهم بالنصر

١٦٢
القرآن يرسم طريق النصر
ونعود إلى الآية الكريمة من جديد
ه إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ١
إن هذا العهد والتعاقد بين الله والمؤمنين إنما هو عهد الإيمان
يبيع فيه المؤمن نفسه وماله يقدمهما إلى الله فلا يبخل بالمال في سبيله سبحانه
ولا يبخل بالنفس حينما تقتضى الظروف البذل والتضحية والفدائية

والإيمان إذن أساسية جوهرية في طريق النصر - بل هو خطوة بدونها لا يكون هناك قط أساس مستقيم تعتمد عليه الأمم ويعتمد عليه القادة في سبيل اتخاذ مكان كريم بين الدول على أن القرآن لا يعد المؤمن مؤمناً صادقاً إلا إذا كان مجاهداً بماله و بنفسه في سبيل الله إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُوله ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيلِ الله أولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ٢ أما إذا كان الإيمان ضعيفاً مزعزعاً متأرجحاً فإن نتيجة ذلك تكون
ومن شرائطه الجود بالمال والنفس - هو أول خطوة
تباطؤاً عن الخروج إلى الجهاد بل
تخلفاً
عنه
لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَموالهم وَأَنفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهُ وَالْيَوْمِ
1 التوبة - اية ۱۱۱
٢ الحجرات - آية ١٥
6
6

١٦٣
1
الْآخِرِ وَارتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ
بل إن وجود العناصر التى لا يملأ الإيمان أفئدتها في صفوف المجاهدين
تضر بقضيتهم تو خَرَجُوا فِيكُمْ ما زَادُوكُمْ إِلا خبالا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُم
الفتنة وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ
وضعفاء الإيمان
لا إيمان عندهم يستخفون حين يبدأ النضال ومن
ويتخلفون عن الجهاد فرحين بذلك
فَرِحَ الْمخَلَّفُونَ بِمَقْعَدهم خلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بأموالهم وأنْفُسِهِمْ في سَبيل الله وَقَالُوا لَا تَنفُرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ
۳
أَشَدُّ حَرا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ويأمر القرآن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعزل هذه العناصر عن معسكر المؤمنين وألا يأذن لهم بالمشاركة في الجهاد فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةِ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ الخُروج فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا معى أبدًا وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعَىَ عَدُوا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالقُعُود أَوَّلَ مَرَّة فَاقْعُدُوا مَعَ الخالفين هذا الإيمان إنما هو إيجابي يستعد ويهيئ للأمر عدته ولا يدع صغيرة ولا كبيرة من أمر التعبئة للجهاد إلا ويحكمها ومن هنا كانت الخطوة
الثانية فى طريق النصر ممثلة في قوله تعالى
وَأعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُم مِنْ قُوَّة
۱ التوبة - آيتا ٤٤ ٤٥ التوبة - آية ٤٧ ۳ التوبة - آية ۸۳

١٦٤
وهذه القوة لا تقتصر على القوة المادية وإنما تتضمنها وتتسع دائرتها فتشمل التعبئة الروحية
ومما لا شك فيه أن التعبئة الروحية هى قوة دافعة نحو الثبات في لقاء
العدو والإقدام في شجاعة نحو تحقيق النصر
"
يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فَئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ
3
تُفْلِحُونَ
والتعبئة الروحية إنما تثبت دعائمها وتؤتى ثمارها حينما يكون الهدف من الجهاد واضحاً سافراً
ومن هنا كانت الخطوة الثالثة التي رسمها القرآن في طريق النصر وهى وضوح الهدف والهدف القرآنى من الجهاد ولا بأس من ذكره مرة ثانية – ليس عرضاً مادياً أو حظا دنيويا وما كانت هجرة المجاهد لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها إنما هجرته إلى الله ورسوله ومعنى ذلك أن هدف الجهاد إنما هو إعلاء كلمة الله
وكلمة الله هي الحق وهى العدالة وهى الرحمة وهى الأخوة
L
وهى السلام العالمى بالنسبة للفرد فى نفسه ودمه وماله وعرضه أو بالنسبة
للأمة في كرامتها وعزتها وكل مقدساتها
0
الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله

والتعبئة الروحية كفيلة بأن تَجْعَلَ الأمة فى جهادها كالبنيان المرصوص
ومن هنا كانت الخطوة الرابعة التي رسمها القرآن في سبيل النصر إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصُ
1 الأنفال - آية ٤٥
۳ الصف - آية ٤
٢ النساء - آية ٧٦

١٦٥
وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ١ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا ٢
فإذا ما وسوس الشيطان بنزاع أو خلاف وإذا ما تحدثت النفس
بفرقة وشقاق فإن طريقة تسوية ذلك مرسومة واضحة
۳
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً إن الأمة التي تنصر الله باتباعها للدين الخالص قد ضمن الله لها
النصر ووعدها به ووعد الله لا يتخلف
إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز
أما الموقف الأخير فهو التفويض الله سبحانه والثقة فيه وحده والاعتماد عليه لا على النفس أو القوة المادية أو أى شيء آخر وقد أعطى الله المسلمين درساً قاسياً حينما اعتمدوا على قوتهم وكثرتهم وعلى تفوقهم وعدتهم وعتادهم وقالوا
لن نغلب اليوم من قلة
كان ذلك في غزوة حنين ولقد صور الله الموقف تصويراً قوياً فقال
سبحانه
ه لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِين كَثِيرةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَرتُكُمْ
1 الأنفال - آية ٤٦ آل عمران - آية ۱۰ ۳ النساء - آية ٥٩ ٤ - محمد - آية ۷ ٥ الحج - آية ٤٠

1
فلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحْبَتْ ثُمَّ وَلَيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُوله وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَم تَرَوُها وَعَذَبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
سننتصر
خلاصة وإيضاح لعدة زوايا
سننتصر بإذن الله ولقد بين الله سبحانه لنا عوامل النصر ووسائله
فقال سبحانه في صورة شاملة
D
يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتم فِئَةٌ فَاتَّبَتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ إن الله سبحانه وتعالى يخاطب بذلك المؤمنين الذين وجدت نفوسهم حلاوة الإيمان فكان الله ورسوله أحب إليهم من كل شيء من المال والولد والنفس والنفيس إنه سبحانه يخاطب المؤمنين الصادقين الذين وصفهم

في تأكيد دقيق بقوله إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُوله ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
وأول عامل من عوامل النصر إذن إنما هو الإيمان الإيمان الذي باع
الإنسان فيه نفسه وماله لله سبحانه بثمن هو الجنة
۱ الأنفال - آيتا ٤٥ ٤٦

١٦٧
إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون
في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون أما العامل الثاني الذى بينه الله سبحانه في الآية فهو الثبات الثبات فى كل ما يتصل بالإيمان وما يتصل بالجهاد الثبات في الإعداد المادى والثبات فى لقاء العدو والثبات فى الإعداد الروحي والثبات على وجه العموم فى التعبئة بجميع ألوانها روحية إيمانية أو مادية حربية أما العامل الثالث فهو ذكر الله ولم يأمر الله بالذكر دون وصف
له وإنما وصفه بالكثرة قائلا
كان
ه وَاذْكُرُوا الله كثيراً
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة في هذا لقد
يعني
التعبئة الكاملة
دون أن يترك شيئاً صغيراً كان أو كبيراً للمصادفة أو للحظ ثم يلجأ إلى الله بالدعاء والذكر من ذلك مثلا قوله صلى
الله عليه وسلم
0
اللهم منزل الكتاب ومجرى السحاب وهازم ا م الأحزاب اهزمهم
وانصرنا عليهم

أما العامل الرابع فهو طاعة الله ورسوله طاعتهما فيما أمرا من مسائل الجهاد وغيره ومما أمرا به فى مسائل الجهاد إعداد القوة بأقصى ما يمكن
من طاقة يقول تعالى
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
ومن أوامر الله العامة الشاملة التقوى ولقد وعد الله المتقين بالإخراج
من كل حرج أو ضيق
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب

١٦٨
أما العامل الخامس فهو عدم النزاع لأنه سبب الفشل ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم أى قوتكم وغلبتكم
والعامل الأخير الذى ختم الله به عوامل النصر هو الصبر الصبر في اللقاء والصبر على طاعة الله والصبر على مخالفة الهوى والشهوات
والنزعات الشيطانية فإذا ما حققنا ذلك كان الله معنا
إن الله مع الصابرين
ومن أحب أن
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبما رواه ابن أبي حاتم أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله من يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله عز وجل أوثق منه في يديه
ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله عز وجل
وتوكل المؤمنين على الله سبحانه شعار لهم ملازم وصفة من صفاتهم
لا تفارقهم
إنهم متوكلون عليه مع إحكام جميع أمورهم وإتقان جميع شئونهم
و رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عال من أمثلة ذلك لقد كان صلوات الله وسلامه عليه يحكم أمره إحكاماً غير منقوص وهو من قبل الشروع فى إحكام العمل متوكل على الله وفى أثناء القيام بإحكام العمل متوكل على الله وبعد الانتهاء من إحكام العمل متوكل
على الله
ها هو ذا صلى الله عليه وسلم فى بدر يعنى الصفوف ليلا ويذهب إلى أصحاب النبل فيوصيهم بالطريق الأمثل ويمر بالقبائل فيرشد كل قبيلة إلى شعارها وينظر في الأمر من قريب ومن بعيد ويأمر الجيش كله أمراً حاسماً ألا يحملوا على العدو حتى يأمرهم فلما تم له من الإعداد

14
والتهيئة ما أحب استقبل القبلة والتجأ إلى الله متضرعاً مستنجداً خاشعاً اللهم أنجزلى ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة
الإسلام فلا تعبد بعد في الأرض أبداً
1
من
أهل
واستمر يستغيث بر به ويدعوه حتى سقط رداؤه فأتاه أبو بكر رضى الله عنه فأخذ رداءه فرده وأخذ يقول يا رسول الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك
وبعد فهذا هو التوكل الإسلامي إنه إعداد وكفاح وجهاد واستناد إلى الله فى الصغير من الأمور والكبير منها
أما
ومن يتوكل على الله فهو حسبه
فيما يتعلق بالدعاء خاصة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان
يدعه في الحروب وما كان يدعه فى غير الحروب ولقد رويت في الحرب أدعية هي على وجه العموم داخلة في الأدعية التي يتجه فيها الإنسان إلى الله طالباً كشف الكرب ورفع المقت
يقول الإمام النووى فى كتاب الأذكار بالنسبة للمقاتلين ويستحب استحباباً متأكداً أن يقرأ ما تيسر له من القرآن وأن يقول
في دعاء الكرب وهو في الصحيحين
لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم
ويقول
حصنتنا كلنا أجمعين بالحى القيوم الذى لا يموت أبدا ودفعت عنا السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم

خاتمة
قوانين ثابتة من القرآن الكريم
لقد تحدث القرآن عن القوانين التى إذا راعاها الإنسان باعتباره فرداً وعمل على تحقيقها فى جانب الخير وعلى اجتنابها إذا كانت تعبر عن مجال اجتناب الشر فإنه يسعد لا محالة ولقد ضمن الله سبحانه وتعالى
ذلك
وذكر الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم القوانين للمجتمع حتى إذا اتبعها كان مجتمعاً صالحاً عزيزاً بعزة الله منصوراً بنصر الله ونذكر هنا بعض هذه القوانين نذكرها بألفاظها ونذكرها متناثرة دون ترتيب معين والقرآن ملىء بشرح قوانين السعادة للفرد وللمجتمع وما على الإنسان إلا أن يتدبرها في كتاب الله الذي يهدى للتي هي أقوم
ه من قوانين الخلافة في الأرض ه وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلِيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى
لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً
من قوانين سعة الرزق
ه اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءِ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ
۱۷۰

۱۷۱
بأموالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلَ لَكُمْ أَنْهَارًا
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءِ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً
وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ
ه من قوانين التيسير
ه فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَ وَصَدَّقَ بِالحُسنى فَسَيَسرُهُ لِلْيُسْرَى
ه من قوانين التعسير
ه وَأَما مَنْ بَخَلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسَى فَسَيَسرُهُ لِلْعُسْرَى
ه من قوانين الفرج
وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب وَمَنْ
يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
ه من قوانين السعادة
مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أو أنَّى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طيبة ولنجزينهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكات مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ

۱۷
من قوانين الهداية والبشرى
وَالَّذِينَ اجْتَنبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنَابُوا إلى الله لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّر عباد الذينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ اولَئكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ
وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ
ه من قوانين سوء الخاتمة
فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى
إِنَّ الَّذين فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمنات ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابٌ
جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ
ه من قوانين حسن الخاتمة
الْمَأْوَى "
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّه ونَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحات لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتها
الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ
ه من قوانين النصر
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّت أَقْدَامَكُمْ
وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَنَّاهِم فِي
الأرض أقَامُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأمَرُوا بِالمعروف ونهوا عَنِ الْمُنكَرِ
وَالله عَاقِبَةُ الأُموره
C

وبعد
۱۷۳
فإننا هنا إنما ذكرنا نماذج مما يجب أن يتدبره المؤمنون في القرآن الكريم ليكفلوا لأنفسهم بتوفيق الله حياة عزيزة سعيدة
وشهر القرآن هو أنسب زمن للابتداء فى الاتجاه إلى الله أو في تقوية
الاتجاه إليه وذلك بتدبر القرآن الكريم واتباع ما فيه
ونختم الكتاب كله بقوله تعالى ه وَمَنْ يُسلم وَجْهَهُ إِلَى اللَّهُ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَ
وَإِلَى اللَّهُ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ
وبقوله تعالى

قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهُ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنه وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ
مستقيم
والحمد لله أولا وآخراً والصلاة والسلام على أكرم خلقه وأحبهم إليه
الذي كان القرآن خلقه والذى وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله
وإِنَّكَ لَعَلَى خُلْقٍ عَظِيمٍ "

الصفحة

۱۹

۳۹
4
٤٣
مقدمة
الفصل الأول
اقرأ باسم ربك
المنهج القرآني لحياة المسلم هذه الليلة المباركة
و اقرأ
العلم في الإسلام
باسم ربك
لماذا لفظ ربك الذي خلق
تلخيص ما سبق
الفصل الثاني
اقرأ باسم ربك توجيهاتها بالنسبة للغزو الفكري والثقافات الأجنبية
الفصل الثالث
0
اقرأ باسم ربك نزلت في ليلة القدر
الفصل الرابع
اقرأ باسم ربك بداية الوحى وأول آية نزلت
١٧٤

۱۷۵
الصفحة
٤٣

۷۱
Α

104
۱۰۹
١١٥
۱۱۹
۱۷
۱۳۱
۱۳۳
۱۳۳
١٣٤
۱۳۵
۱۳۷
وصف القرآن التدبر في القرآن
الفصل الخامس
D
اقرأ باسم ربك كيف التوحيد والشجاعة الأدبية
الفصل السادس
اقرأ باسم ربك في الذكر
القرآن حزبهم
التهليل
التسبيح والتحميد والتكبير والحوقلة
الفصل السابع
من
اقرأ باسم ربك في الدعاء
شهر رمضان والدعاء
الدعاء في القرآن
فضل الدعاء
القضاء والدعاء
ثمرة الدعاء
استجابة الدعاء
الدعاء في الرخاء
أوقات الدعاء وأما كنه من جوامع الدعاء

الصفحة
۱۳۹
۱۳۹
١٤٢
١٤٦
١٥٠
١٥١
١٥٢
١٥٣
١٥٧
١٦٢
ר !
۱۷۰
۱۷۰
١٧٤
٢٠٠٢/١٩٦١٩
IBN
١٧٦
الفصل الثامن
اقرأ باسم ربك أسس العقيدة الإسلامية إثبات الرسالة
معارضة العرب وجود الله
الوحدانية
العلم
مظاهر صفاته
البعث
مشاهد القيامة
الفصل التاسع
اقرأ باسم ربك إلى النصر باذن الله القرآن يرسم طريق النصر
سننتصر
9-02-636-1
١/٢٠٠٢/٦٤
خاتمة
قوانين ثابتة من القرآن الكريم
الفهرس
رقم الإيداع
الترقيم الدولى
طبع بمطابع دار المعارف ج م ع

يُعد الإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم
محمود صاحب ورائد مدرسة الفكر الإسلامي والتصوف في العصر الحديث ولقب بأبي التصوف في العصر الراهن فقد أثرى المكتبة العربية بأمهات الكتب بين تحقيق وتأليف وترجمة فمنها دراساته القيمة عن الإمام الغزالي
وكتابه
المنقذ من الضلال
4
و
دلائل
النبوة و القرآن في شهر القرآن إلى جانب ما كتبه عن رواد التصوف على مر العصور الإسلامية المختلفة
والإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود له عمق وغزارة الآراء الفقهية ودقة الاجتهادات مما جعله يكسب صفوف المعارضين قبل المؤيدين إلى جانب اللباقة والدراية الكاملة في عرض أي موضوع أو مسألة تتعلق بأمور الدين وأيضا يمتاز بقوة ورصانة الأسلوب والعبارات مما يدل على المهارة الفائقة والملكة اللغوية فلهذا اكتسب هذا العالم الجليل احترام كل الفرق والمذاهب الإسلامية في شتى بقاع العالم وسيبقى هذا العالم وتراثه في قلوبنا على مر العصور
٠٠١١٣٦/٠١
دار المعارف