الإمام
الدكتور عبد العليم محمود
القرآن والنبى
I
دار المعارف
الدكتور عبد الحليم محمود
القرار والتي
CA
الطبعة الرابعة
دار المعارف
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
من رحمة الله سبحانه وتعالى بخلقه أن رسم لهم سبيل السعادة في دنياهم وفى أخراهم وهو طريق لا استحالة فيه ولا مشقة حقيقة قد جربه الكثيرون ففازوا
بالسعادتين
لقد استراحوا في هذه الحياة الدنيا لقد غمرهم الرضا وأحاط الاطمئنان ولفتهم أردية السعادة
يهم
ولقد ضمن الله لهم حياة هنيئة فى الآخرة يظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله ويكفل لهم عدم الخزى حين يغمر الخزى كثيراً من الخلائق ويدخلهم الجنة برحمته ويريهم وجهه الكريم تفضلا منه سبحانه هذه السعادة في الدنيا والآخرة وعد الله بتحقيقها لكل من توفر فيه شرطان
الأول الإيمان الآخر العمل الصالح
يقول سبحانه
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم
أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون
1
لقد وعد الله بتحقيق الحياة الطيبة فى هذه الآية الكريمة لكل فرد تحقق فيه الشرطان ونص الله سبحانه فيها على الأنثى وسوى بين الذكر والأنثى وفى ذلك دعوة صريحة أو ضمنية للنساء إلى القيام بالعمل الصالح والتحلى بمكارم الأخلاق مثلهن في ذلك مثل الرجال سواء بسواء وذلك حتى تعم السعادة
جميع أفراد الأسرة
۱ سورة النحل آية ٩٧
وذكر الله سبحانه ثمرة تحقيق هذين الشرطين فى صورة من التأكيد وهى الحياة الطيبة فى هذه الدنيا والحياة الطيبة إنما هى السعادة
ثم بين سبحانه في صورة أيضاً من التأكيد المؤكد أنه سيجزيهم في الآخرة وأن جزاءهم لن يكون على مستوى متوسط أعمالهم وإنما سيكون بأحسن ما كانوا
يعملون
هذه السعادة تتحقق للفرد باعتباره فرداً إذا حقق ما اشترطه الله سبحانه وتتحقق للأسرة باعتبارها أسرة إذا تكاتف أفرادها متعاونين متضامنين على توفير الشرطين يرى كل من أفرادها أنه مسئول عن نفسه وعن الآخرين فيتناصحون من أجل سعادتهم ألم تر إلى سيندنا إسماعيل لقد كان فى نفسه صادق الوعد
أى أنه صدق مع الله في عهد الإيمان والعمل الصالح ولقد كان بالنسبة لأسرته يأمر أهله بالصلاة والزكاة
ومن أجل ذلك كان عند ربه مرضيا ۱
وهذا قانون إلهى عام ليس خاصا بسيدنا إسماعيل ولا بفرد معين وإنما هو شامل لكل من انضوى تحت لواء الإيمان والعمل الصالح
وقد بين سبحانه عمومه فى آيات كثيرة من القرآن الكريم وبين سبحانه أنه كما يشمل الفرد وكما يشمل الأسرة فإنه يشمل أيضا المجتمع
فالمجتمع الذى يحقق الشرطين يصل إلى السعادة
وإذا كانت الآية التي نحن بصددها هنا تعلن في وضوح تام عن السعادة في عمومها وشمولها في الدنيا والآخرة فإن آيات تبين زوايا جميلة من السعادة وتحدد في تفصيل بعض الجوانب يقول سبحانه ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون
۱ هذا الجزء واللذان قبله أجزاء من أبنى ٥٤ من سورة مريم
لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو
1
العظيم والآيات الكريمة تشتمل على زوايا أكبر من زوايا السعادة منها
هم
الفوز
1 - أن الذين آمنوا وكانوا يتقون أى الذين حققوا الإيمان والعمل الصالح -
أولياء الله
٢ - ولأنهم أولياء الله فلا خوف عليهم
ولأنهم أولياؤه سبحانه فإنهم لا يحزنون
٤ - ولأنهم حققوا الإيمان والعمل الصالح فإن لهم البشرى في الحياة الدنيا
ه - ولهم البشرى فى الآخرة
ثم يؤكد الله كل ذلك بأنه لا تبديل لكلماته إن وعده حق
من الله
ومن أوفى
بعهده
يوجه الله سبحانه الأذهان أذهان الصالحين وأذهان المنحرفين على
السواء - بأن ذلك لا غيره إنما هو الفوز العظيم
هم
يحزنون أولئك
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ويقول سبحانه في شيء من الإيضاح الجميل الشائق إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون
نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفى الآخرة ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم
فيها ما تدعون
نزلا من غفور رحيم
ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم
۱ سورة يونس الآيات ٦٢ - ٦٤
سورة الأحقاف آيتا ١٣ - ١٤
•1
وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ولله سبحانه وتعالى فى عالم الروح وفى عالم الاجتماع قوانين لا تتخلف وكما أنه سبحانه رسم فى عالم المادة نواميس تسير في انتظام فإنه سبحانه رسم في عالم الأخلاق وفي محيط الإيمان وفى ظواهر الاجتماع – قوانين تسير في نظام محكم بل إنه يمكن أن يقال إن قوانين الطبيعة إنما هي عادات الطبيعة أما القوانين التي عبر الله سبحانه وتعالى عنها في القرآن الكريم أو على لسان رسول الله لا في الأحاديث القدسية أو
في الأحاديث النبوية وأكدها سبحانه - فإنها نواميس لا تتخلف
ولقد أبان الله سبحانه منها عما يحتاج إليه الإنسان في سعادته الخالدة
من هذه القوانين
۱ - قانون الاستغفار أو قانون سعة الرزق
يقول تعالى
ويا قوم اسغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ٢
ويقول سبحانه
فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ٣ ٢ - قانون التقوى أو قانون تفريج الكربات وسعة الرزق
يقول تعالى
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ٤
ويقول سبحانه
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء
والأرض ٥
1 سورة فصلت الآيات ٣٠ - ٣٦ سورة هود آية ٥٢ ۳ سورة نوح الآيات ۱۰ - ۱
٤ سورة الطلاق من الآيتين ۳۰ ٥ سورة الأعراف آية ٩٦
٣ - قانون التوكل
يقول سبحانه
ومن يتوكل على الله فهو حسبه
٤ - قانون النصر
يقول سبحانه
1
ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز
ويقول سبحانه
إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ٣ مع العلم بأن النصر دائما إنما هو من عند الله يقول تعالى وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم 4
ه - قانون الجهاد أو قانون الهداية
يقول تعالى
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ٥
٤
أى جاهدوا أنفسهم من أجل الله وجاهدوا أعداء الله سبحانه من أجله تعالى إذا فعلوا ذلك فإن الله يهديهم إلى الصراط المستقيم يسدد خطاهم ويمنحهم التوفيق فيما يأتون وفيما يدعون ويضعهم على أبواب النصر وينصرهم
بالفعل
٦ - قانون التوبة
ونتيجة التوبة الخالصة النصوح المغفرة وفى القرآن ما لا يكاد يحصى من
الآيات إثباتاً لذلك
بيد أن الذي نريد أن نتحدث عنه إنما هو قانون التوبة في ذروتها
ومما لا شك فيه أن التوبة أنواع
1 سورة الطلاق آية ٣ سورة الحج آية ٤٠
۳ سورة محمد آية ۷
٤ سورة آل عمران آية ١٢٦
٥ سورة العنكبوت آية ٦٩
۱ نوع هو أدناها
وهو التوبة من الذنوب والمعاصي والآثام وقد وعد الله
التائبين من هذا النوع المغفرة
الغفلة ب ونوع هو توبة من
والتوبة التي هي عبادة
الله
عن وهو نوع وسط بين التوبة من الذنوب
جـ أما النوع الأسمى فهو التوبة مع عدم ذنب والتوبة مع عدم ا الغفلة التوبة حيث لا معصية ولا غفلة والتوبة لأن الله أمر بالتوبة وتكرار التوبة لأن
الله سبحانه يحب ذلك
وقانون هذه التوبة التى ليست لذنب ولا لغفلة إنما لأمر الله هو ما رسمه الله
بقوله
إن الله يحب التوابين ۱
ولقد عبر الله سبحانه بقوله التوابين ولم يعبر بالتائبين لأن الله سبحانه
يحب الإنابة إليه على الدوام والرجوع إليه باستمرار أى التوبة دائماً ونتيجة ذلك هی هذه المنزلة الكبرى وهى حب الله سبحانه للتوابين
وللرحمة قوانين عدة
۱ الراحمون يرحمهم الرحمن
ب ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ويتصل بقوانين الرحمة ما يلى من مرويات الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله الله
جـ من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه د أما القانون الذي أعلنته السيدة خديجة رضوان الله عليها والذي كانت نتيجته عدم الخزى فى الدنيا والآخرة - فهو أيضا من قوانين الرحمة لقد قال رسول الله لعل الله ذات يوم للسيدة خديجة رضي الله عنها لقد خشيت ۱ سورة البقرة آية ٢٢٢
على نفسى فقالت له فوراً كلا والله ما يخزيك الله أبداً
هذه النتيجة التي ذكرتها - رضوان الله عليها - لم تتركها دون ذكر مقدمتها أما المقدمة فهى إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق وهذه الأوصاف الجليلة الجميلة إنما تتبلور كلها في كلمة واحدة هي الرحمة
والمقدمة والنتيجة يكونان قانوناً من قوانين الرحمة يعلن أن كل من أراد ألا يخزيه الله فليكن رحيماً
هـ ومن أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ومعنى ينسأ له فى أثره أى يؤخر له فى أجله وعمره كما يقول الإمام
النووى
وإذا كان القرآن الكريم قد رسم طريق السعادة في عمومه وشموله وفصل الأمر في زوايا منه فإنه رسم طريق الشقاء في عمومه وشموله وفصل أيضاً الأمر
في زوايا منه
وطريق الشقاء في عمومه وشموله تصوره الآية القرآنية التي تقابل بالضبط آية السعادة التي افتتحنا بها الحديث يقول تعالى ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة
أعمى
إن هذا الذي أعرض عن ذكر الله إيماناً وأعرض عنه عملا جزاؤه في هذه الحياة الدنيا معيشة يغمرها الشقاء ويوم القيامة يحشره الله متخبطاً لا يهتدى إلى طريق
النجاة
إن هذا الذى أعرض عن ذكر الله فأصابه الله بالمعيشة الضنك – سيشعر بهذا الضنك ولو كان في سعة من المال وبحبوحة من الغنى سيصيبه الله بالشعور بالضنك غنياً كان أو فقيرا ويصور الله سبحانه شعوره بالضنك في الرخاء والشدة خير تمثيل ۱ سورة طه آية ١٢٤
حينما يصوره في خسته بالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث أى يلهث
في
أحواله جميع
يقول سبحانه
واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من
الغاوين
ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون
ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون ۱ وقد يكون شر هؤلاء عميماً فلا يكون هناك من مناص لتدميرهم فرادى أو جماعات كليا أو جزئيا وانظر بالله هذه الآيات الكريمة من سورة العنكبوت ففيها عظة وعبرة للأفراد وللجماعات
للأفراد من أمثال قارون وفرعون وهامان
وللجماعات التي ذكر الله فيها مدين وعاداً وثمود
يقول تعالى
ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها " كانوا ظالمين
قال إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من
الغابرين
ولما أن جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين إنا منزلون على أهل هذه القرية السماء بما كانوا يفسقون
رجزاً
من
ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون
وإلى مدين أخاهم شعيباً فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا
۱ سورة الأعراف الآيات ۱۷۵ -
۱۷۷
في الأرض مفسدين فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين
وعاداً وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن
السبيل وكانوا مستبصرين
وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما
كانوا سابقين
فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ثم تدبر هذه السورة الكريمة سورة الليل فإنها تتحدث عن سعى الناس في الحياة واختلاف أساليبه وطرقه متحدثة بذلك عن طريق السعادة وعن طريق
الشقاء
يقول تعالى
1
والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغنى عنه ماله إذا تردى إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى فأنذرتكم ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ٢
لقد بين القرآن القوانين الاجتماعية التى تتعلق بالفرد وتتعلق بالأسرة وتتعلق
1 سورة العنكبوت الآيات
سورة الليل الآيات ۱ - ۱
١٤
بالمجتمع الكبير لقد بينها بالتعبير الإلهى فى دقته وروعته وبينها في تأكيد واضح ولقد اتبع سلفنا الصالح هذه التعاليم في فجر الإسلام وصدره الأول في عهد الرسول وفى عهد الصديق وفى عهد الفاروق رضى الله عنهما فكانت الحياة الطيبة الراضية وكان النصر والفتح المبين هذا الفتح الذي لا تجد تعبيراً أبلغ من تعبير هذا المؤرخ الذى أخذته الدهشة فتساءل قائلا أصغرت رقعة الدنيا في عهدهم فجابوها بهذه السرعة المذهلة أم أن الأرض كانت تطوى من تحت أرجلهم فقطعوها في زمن قصير
عنه
وما صغرت رقعة الدنيا وما طويت الأرض ولكنه الإيمان الحي الذي يصنع المعجزات
ما هي الصورة الإيمانية التى كانوا يتمثلونها ويستشعرونها ويعملون على تحقيقها إننا نذكر هنا بعض آيات من القرآن ترسم مجتمعة أهم جوانب الصورة الإيمانية الكريمة التي كانوا يتحلون بها والتى أحب الله للمؤمنين التحلى بها في كل وقت
يقول تعالى وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً والذين يبيتون لربهم سُجَّدًا وقياماً والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقراً ومقاما والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيماً ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صُما وعمياناً والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا
ومقاما قل ما يعبأ بكم ربى لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً ١
ويقول سبحانه
قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون
ويقول عز وجل إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أ
أوفى بعهده من
الله
فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ۳
ويقول
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك الصادقون 4
ويقول
هم
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ويقول سبحانه
5
يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله
۱ سورة الفرقان الآيات ٦٣- ٧٧ سورة المؤمنون الآيات ١-١١ ۳ سورة التوبة آيتا ۱۱۱ - ۱۱
٤ سورة الحجرات آية ١٥ ٥ سورة الأنفال الآيات ٢ - ٤
ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ١
هذه الصورة الإيمانية فيها الرحمة وفيها التواضع وفيها العزة إنها في حقيقة
الأمر
إسلام الوجه الله في كل ما يحب أو هي الاسترسال مع الله على ما يريد إنها إسلام الوجه الله فى العبادة وإسلام الوجه له في الجهاد الجهاد بكل أنواعه جهاد النفس والجهاد في الأسرة حتى يستقيم أمرها والجهاد في المجتمع حتى يستقيم أمره والجهاد فى العمل تجارة كان أو زراعة أو صناعة والجهاد الحربي أقوى ما تكون الصورة عدة وعتاداً وروحا معنوية
لقد دان العالم للمسلمين دون أن تصغر رقعة الدنيا ودون أن تطوى الأرض من
تحت أرجلهم ولكن لبيعهم النفس والنفيس لله سبحانه ثم خلف من بعدهم خلف استقام أمرهم بمقدار قربهم من الصورة الإيمانية
السليمة واختل أمرهم حينما ابتعدوا عن الصورة الإيمانية الصادقة بيد أن الأمة الإسلامية لم تخل في عصر من العصور من هؤلاء الذين يرفعون أصواتهم بالإيمان وبكلمة الحق مصداقاً لقول رسول الله له على حسب ما رواه الإمام البخاري لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق يقاتلون وهم أهل العلم ويروى الإمام البخاري حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسماعيل عن قيس عن المغيرة بن شعبة عن النبي قال لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون
لقد احتفظ الإسلام على وجه العموم بذاتيته مستقلة حية وكان المسلمون على وجه العموم يلجئون إلى القرآن وإلى السنة معتصمين مسترشدين وكان الكل - فرادى وجماعات – يتدبرون القرآن والسنة قراءة وعملا وكانوا كلما وجدوا أنفسهم
۱ سورة الصف الآيات ۱۰ - ۱۳
ابتعدوا في قليل أو في كثير عن الروح الإيمانية الصادقة – حاولوا جاهدين أن يستعيدوها وقام فيهم الموجه والمرشد من أمثال الحسن البصرى وسفيان الثورى ومالك وعمر بن عبد العزيز وأحمد بن حنبل والشافعي رضوان
الله عليهم
واستمرت الأمة الإسلامية - فى صورتها الإيمانية - بين جزر ومد ولكن كان مدها في الجملة أكثر من جزرها إلى أن جاءت بدعة ترجمة كتب إلهيات اليونان وكتب أخلاق اليونان أى إلى عهد المأمون
يجب
ونريد قبل أن نتحدث عن بدعة الترجمة هذه أن نعود إلى عصرا النبوة فنرى أمراً
أن نتدبره
لقد رأى رسول الله الا الله عمر بن الخطاب رضی الله عنه وبيده صحيفة يقرأ
فيها فقال ما هذا !
فقال سيدنا عمر إنها صحيفة من التوراة
فلم يرض رسول الله الله عن ذلك وقال والله لو كان موسى حيا ما حل له
إلا اتباعي ! وبطبيعة الحال ترك سيدنا عمر الصحيفة ولم يعد إليها
لماذا كان ذلك ما تعليله وما الحكمة فيه
الحكمة في ذلك هي
أولا إن الوحى القرآني وأحاديث الرسول ع لعل الله قد بينا الحق في صورة لا لبس
فيها وفى يقين لا تردد فيه وفى وضوح واضح وبيناه في صورة من الدقة لا يتأتى أن يوجد ما يماثلها فى أسلوب آخر وذلك أنها بالتعبير الإلهى نفسه فكان ينبغى على سيدنا عمر فيما رآه رسول الله الله وكان ينبغي على كل مسلم أن
يلتزمها
ثانيا أن الرسالة الإسلامية خاتمة الرسالات مهيمنة عليها تصديقا وإثباتاً ونفيا تحق الحق وتبطل الزائف وهى من أجل ذلك الفيصل والمرجع في
كل أمر وقد أنزلت على خير مخلوق وأفضل رسول تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ۱ ومن أجل ذلك كانت أفضل وأكمل رسالة وما دامت هي المرجع وهى الفيصل ومادامت هي أفضل رسالة – فإن
الحكمة تقتضى ألا يصرف المسلم وقته ولا بعض وقته في غيرها
ثالثا أن للإسلام شخصية خاصة وذاتية محددة وطابعا معينا فإذا ما خلط المسلم ذلك بغيره وإذا ما ألف هذا الغير بالتكرار والعادة – فإن ذاتية الإسلام تنماع في ذهنه وتختلط في تفكيره فلا يتأتى له أن يتبينها في وضوح أو أن يتبعها في دقة والشخصية الإسلامية ليست شخصية مادية فهى ليست طبيعة ولا فلكا ولا كيمياء ولا علم أحياء بل إن الزوايا المادية لا تكون ذاتية ولكن الذاتية تتكون من العقيدة والأخلاق والمبادئ والمثل إنها فكرة وطابع وشعار ولابد أن يكون الشعار والطابع والفكرة محددة معينة ويجب من أجل هذا التحديد والتعيين ألا تلوث الفكرة بغيرها حتى تستمر الذاتية واضحة في الذهن مصدراً للإحساس والشعور ومبدأ للسلوك والتصرف
وسار الأمر على ذلك إلى أن كان عهد المأمون
مها أشاد المؤرخون بعهد المأمون فإنه مما لا ريب فيه أن المأمون دخل بحمق أحمق وبتهور متهور فى النزاع الدينى الذى كان بين المعتزلة من جانب ورجال الحديث وأهل السنة من جانب آخر وهو لم يدخل في هذا النزاع للصلح أو للتهدئة وإنما جعل نفسه طرفاً في الخصومة يكتل الدولة شرطة وجاها ومالا مع طائفة ضد الأخرى !
لقد أخذ صف المعتزلة محاربا رجال الحديث أو محارباً الصالحين العابدين
الأصفياء
وظن المأمون أنه إذا ترجم إلهيات اليونان وترجم أخلاقهم فإن في ذلك نصراً له
۱ سورة البقرة آية ٢٥٣
۱۹
ونفذ ما رأى بترجمة إلهيات اليونان وأمر بترجمة أخلاقهم وأمر أيضاً بترجمة إلهيات غير اليونان وترجمة أخلاقهم
ولقد كان موقف المتدينين تديناً صادقاً من ذلك موقفاً صريحا لمن كانت هذه الآراء البشرية اليونانية أو الهندية أو الفارسية حقا – إن عندنا ما هو أحق وهو الوحي الإلهى الإسلامى وهذا الوحى الإسلامى بالغ فى دقته أي كان بالأسلوب الإلهى نفسه أى أنه إلهى معنى وأسلوبا ولسنا من أجل ذلك فى حاجة إلى فكر بشرى فى هذه الجوانب أما إذا كانت هذه الآراء البشرية اليونانية أو الهندية أو الفارسية باطلا فإننا في غنى عنها وذلك أن الحياة الدينية أو الحياة الجادة لا تحتمل ولا تقبل إضاعة الوقت في الباطل هذا موقفهم فيما يتعلق بالإلهيات والأخلاق وهو موقف واضح فيما يتعلق بالطب والكيمياء والطبيعة والفلك والعلوم المادية على وجه العموم - فإنهم رحبوا بها باعتبارها عاملا أساسيا في تدعيم قوة الدولة ولكن المأمون لم يعبأ بذلك وأمر بترجمة التراث اليونانى - فلسفة أو أخلاقا وشجع الآخرين من الأثرياء والوجهاء وكبار رجال الدولة على أن يحذوا حذوه ويهجوا نهجه وتنافس هؤلاء فى إرضائه وتملقوه بالترجمة كما كانوا يتملقونه بقول ما يرضيه وبعمل ما يرضيه
أما
وأخذت هذه الكتب تشيع في أرجاء الأمة الإسلامية وكما تقرب الأمراء والوجهاء والأثرياء إلى المأمون بترجمة الإلهيات والأخلاق - فقد تقرب المثقفون إليه بدراستها وتفهمها وتدارسها وإذاعة ما فيها من آراء مهتدية كانت تلك الآراء أو ضالة وكبت آراء المعارضين ونكل بخصوم المعتزلة أى نكل بالصالحين من رجال الحديث والسنة وشاعت الآراء الدخيلة وذاع المنهج البشرى الأرسطي في الأجواء التعليمية وألف الناس الأمر شيئاً فشيئاً وعند ذلك أخذت الفكرة الصحيحة عن الذات الإسلامية تأرز شيئا وأخذ الجو الإسلامي الصادق يغمره نوع من الغربة
ولكن القرآن في نضرته الدائمة والسنة في صفائها وروحانيتها السامية – كانا دائما مبعث إلهام وتوجيه فكان يقوم من آن لآخر فرد أو أفراد يوجهون المسلمين إلى الصراط المستقيم بسلوكهم وبتدريسهم وبكتبهم وعلى رأس هؤلاء الإمام الغزالي حجة الإسلام الذي أحيا المفاهيم الإسلامية بسلوكه وبكتابه الخالد إحياء علوم بعده قائمة الدين الذى قضى على الفلسفة في المشرق قضاء لم تقم وسار في هذا الطريق نفسه الإمام عبد القادر الجيلاني والإمام الرفاعي والإمام الشاذلى وشيخ العرب والإمام الدسوقى وغيرهم من كبار الهداة المهتدين الذين كرسوا حياتهم لقيادة الناس إلى الله ورسوله بسلوكهم وبتعاليمهم وكتبهم وكان لهم أتباع ساروا على سنتهم وسلكوا طريقهم فاهتدوا وهدوا
ولقد غزانا الغرب في العصور الحديثة بكل ما يملك بالسلام وبالقلم
وقد كانت مهمة القلم في هذا المجال واسعة متفرعة لقد كان منها ۱ - محاولة الحط من شأن الشرقيين على وجه العموم ومن شأن العرب على وجه الخصوص باعتبارهم جنساً من الأجناس لقد تناول كتابهم العرب قبل الإسلام وأخذوا يخطون من شأنهم باعتبارهم جنسا من الأجناس لا باعتبارهم طورا من أطوار الحضارة وحكموا عليهم باعتبارهم جنسا بالإعدام الحضارى
ونسي هؤلاء الحضارة الإسلامية التي ازدهرت عصوراً طويلة تناسوها متعمدين فإذا ما تحدثوا عنها مضطرين قللوا من شأنها وبعثوا حولها الشكوك وكان غرضهم من ذلك كله أن يبعثوا عدم الثقة في نفوس العرب حتى يكونوا
باستمرار تابعين للغرب مقلدين له
٢ - وتناول كتابهم الإسلام عقيدة وتشريعاً وأخلاقا وتاريخا محاولين أن يزيفوا الحقائق في كل ميدان من ميادين الدين
حاولوا أن يقللوا من شأن الإسلام ومن شأن العرب وحاولوا بكل ما
أوتوا من وسائل في الدعاية أن يبعثوا فى النفوس روح التحلل والفساد الأخلاقي
وأخذت شخصية الإسلام بذلك كله تأرز وتكمن وكان لابد من أن تتضافر أقلام المخلصين لدينهم وتجتمع عاملة على توضيح ذاتيته متكاتفة على إحياء
مفاهيمه
وهذا الكتاب وما يتلوه من سلسلة في إحياء المفاهيم الإسلامية إنما هو مساهمة متواضعة في بيان ذاتية الإسلام وتوضيح مفاهيمه أرجو الله أن يتقبلها
خالصة لوجهه الكريم
وأرجوه أن يهدى بها وأن يهدى لها
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم
الكتاب الأول
القرآن الكريم
بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن
اتبع هديه إلى يوم الدين
بسم
الله الرحمن الرحيم ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون 1
1 سورة البقرة الآيات ١-
الحديث في القرآن وعن القرآن لا ينتهى إنه لا يحده فكر بشرى ولا يقيده تصور إنساني ولقد كان من الحكمة العميقة أن رسول الله ما لم يأخذ في تفسيره كلمة كلمة وآية آية وإنما فسر كلمة من هنا وآية من هناك ولم يقل صلوات الله وسلامه عليه إن تفسيره يحد المعنى ويحدده ويقيده وفسره رسول الله الله بسلوكه أكثر مما فسره بقوله المباشر فى معناه لقد كان خلقه الله القرآن فكان خلقه تفسيراً للقرآن ومن هنا كان قوله تعالى
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا 1
وفسره بأحاديثه الكثيرة - عن طريق غير مباشر - أكثر مما فسرة بطريق
مباشر
وإذا كان رسول الله الا الله و قد تحلى بالقرآن فكان سلوكه تفسيراً له وإذا كان قد امتزج بالقرآن فكان نطقه - وما ينطق عن الهوى - تفسيرا له وإذا كانت حياته كلها سلبا وإيجابا قولا وصمتا حركة وسكونا إنما هى تفسير للقرآن فإن الصحابة
ساروا على منواله بقدر استطاعتهم ولم يحاول أحد منهم أن يفسر القرآن كلمة كلمة وآية آية وإنما حاولوا أن يستهدوا بالقرآن وأن يكون القرآن – ما استطاعوا -
خلقهم لقد كانوا يعملون بالقرآن ويتخذونه إماما وقائدا إنهم لم يتخذوه دراسة نظرية وإنما اتخذوه هداية عملية حتى إن بعضهم ما كان يجاوز في الحفظ السورة إلى غيرها إلا إذا حقق ما فيها من أوامر وانتهى عما فيها من نواه لقد اتخذوه دستورهم في الحياة وأقاموه إمامهم في حياتهم لقد طبقوا قواعده والتزموا
1 سورة الأحزاب آية ۱
٢٦
مبادئه من جهاد وضرب فى الحياة وصدق فى القول وإحسان في العمل وعبودية أسمى وأقوى وأخشع ما تكون العبودية لله سبحانه وحده وحققوا بذلك الأمة التي أحبها الله ورسوله
ولقد ربى القرآن على مر العصور رجالا اتخذوه إماما وهاديا فكانوا مثلا عاليا في الإنسانية لا يدانيهم غيرهم من سائر الدول ولا يزال القرآن للآن هو القرآن الذي وحد قبائل وجمع أشتاتا وألف بين قلوب وكون أمة وأرسى قواعد حضارية تعتز بها لأنها حضارة بنيت على التقوى من أول يوم
والآن ونحن في شرقنا العربى وفى عالمنا الإسلامي في سبيل النهوض والتطور والبعث والرقى في حاجة أمس ما تكون الحاجة إلى الاسترشاد بمصدر الهداية ومنبع
القوة
إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم ۱
ولقد استرشدت فى كل ما كتبت بالآية القرآنية الكريمة
اقرأ باسم ربك الذي خلق ٢
لقد بدت أمامي كروضة يانعة يقتطف الإنسان منها أجمل الزهور ويشم من عبيرها أزكى الروائح وبدت أمامى كأنها منهج حياة وبدت أمامي موحية
موجهة فسرت في البحث مستلهما على الخصوص هذه الآية الكريمة إنها أول آية نزلت فى القرآن الكريم وهي ثرية بالمعانى وعلى الرغم من أنها كانت جوهر موضوع الكتاب فى ألفاظها وفى جوها فإني لم أقل عنها كل ما يمكن أن يقال ولكنى وأنا أسير فى جوها أحببت أن يكون الحديث خطوة في سبيل إيضاح الطريق إلى النهج على سنن الصدر الأول في الاستهداء بالقرآن عمليا وفي الأخذ في الناحية العملية عبادة كانت أو ضربا في الأرض
العلم
ولقد استرشدت بالآية الكريمة في عدة مجالات منها
مجال العلم وهو أساس الحضارة والبعث والنهضة ولن تنهض أمة إذا لم تتخذ
أساساً
من أسس نهضتها العلم بأوسع وأشمل ما تدل عليه كلمة العلم
1 سورة الإسراء آية ٩
سورة العلق آية ١
واسترشدت بها في مجال الغزو الفكرى وموقف الإسلام منه وذلك لترجع إلى النبع الصافي مصدر حضارتنا وأساس هدايتنا ولما كان الكتاب عن القرآن الكريم فقد كان من الضروري أن نتحدث عن وصف القرآن وعن فضله ولقد استفضت في بيان أوصاف القرآن من القرآن نفسه فتعبير القرآن عن القرآن كله توجيه للمسلم وبيان له عن مصدر هدايته ووصف صادق لكتاب النور والهداية واستفضنا أيضا في موضوع الذكر وموضوع الدعاء مستندين في كل منهما إلى وذلك لأنهما تعبير من أهم وأصدق مظاهر التعبير عن العبودية لمالك الملك ونحن في عصرنا الراهن أشد ما نكون فى حاجة لتحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى فإن فيها الاستغناء به عمن سواه فإذا اتجه المسلم الصادق إلى الله فقد استغنى به واعتز به ومن كان الله كان الله له أليس الله بكاف عبده وإذا حقق المسلم
القرآن
العبودية لله فإن الله يتكفل بنصره
إن تنصروا الله ينصركم
ولينصرن الله من ينصره
وكان ختام البحث عن توجيهات القرآن الكريم فى النصر بإذن الله وإنا لنرجو الله جلت قدرته وعظم سلطانه أن يم يوجه الأمة الإسلامية الوجهة التي ترضيه وأن يمدها بعدد من عنده وأن يكتب لها النصر وأن يعيد لها مجدها
السابق
إنه نعم المولى ونعم النصير
د
عبد الحليم محمود
الفصل الأول
الجو الذي نشأ فيه الإسلام
الحنفاء ١
وأسلمت وجهى لمن أسلمت له الأرض تحمل صخراً ثقالا
دحاها
فلما استوت وأسلمت وجهى لمن أسلمت له المزن تحمل عذباً زلالا إذا هي سيقت إلى بلدة أطاعت فصبت عليها سجالا بهذه الأبيات كان يترنم زيد بن عمرو بن نفيل ثم يستقبل البيت ويقول لبيك حقاً حقاً تعبداً ورقاً البر ٢ أرجو لا الخال
شدها سواء وأرسى عليها الجبالا
۳
وهل مهجر ٤ كمن
قال ٥ ثم ينشد
عذت
بما عاد
به إبراهيم
مستقبل الكعبة
وهو قائم
يقول أنفى لك عان راغم
ثم يسجد
مها تجشمني فإني جاشم
كان زيد بن عمرو عربياً أصيلا فهو ابن عم سيدنا عمر بن
الخطاب
1
وهو
أبو سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة وكان أحد من اعتزل عبادة الأوثان وامتنع عن أكل ما ذبح باسمها وكثيراً ما أنكر على قريش ذبحها على غير
اسم
الله قائلا
يا معشر قريش أيرسل الله قطر السماء وينبت بقل الأرض ويخلق السائمة ۱ من مصادر هذا الفصل الأغانى جـ٣ ٥ فى الأدب الجاهلي للدكتور طه حسين سيرة ابن هشام والروض الأنف تمهيد لتاريخ الفلسفة للمرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق فجر الإسلام للمرحوم الدكتور أحمد أمين ٥ قال أقام فى القائلة
الملل والنحل للشهرستاني البر الطاعة والخير
۳ الحال الخيلاء
٤ المهجر السائر في الهاجرة
1 الأغاني الجزء الثالث ص ١٢٤
فيه وتذبحونها لغيره !
ولقد أثارت حالته هذه اهتمام بعض علماء الكلام من قديم الزمان وهم من أجل ذلك يذكرونه عند تعريفهم للنبي ويتساءلون أخارج عن التعريف أم داخل فيه يقول الجلال الدواني في تعريف الني
هو إنسان بعثه الله تعالى إلى الخلق لتبليغ ما أوحاه إليه وعلى هذا لا يشمل من أوحى إليه ما يحتاج إليه لكماله فى نفسه من غير أن يكون مبعوثاً إلى غيره كما قيل في زيد بن عمرو بن نفيل اللهم إلا أن يتكلف ۱ ولعل من الأسباب التي وجهت بعض المتكلمين إلى ذكر زيد عند حديثهم عن
النبوة ما روى عن سعيد بن زيد بن عمرو قال سألت أنا وعمر بن الخطاب رسول
الله الله عن زيد فقال
يأتي
أمة يوم القيامة وحده
وسواء أكان نبياً أوحى إليه بما يكمل نفسه أم لم يكن نبيا – فإنه كان من هؤلاء الذين يتطلبون المعرفة الحقيقية ويسعون وراءها جاهدين كان يعتصر ذهنه ويشحذ شعوره يريد أن يحل ألغاز الكون ويكشف أسرار العالم ويجيب
عن
من أين
وإلى أين
ولم
ولكنه يتلفت يميناً ويتلفت يساراً فلا يجد نفسه إلا في بيداء مظلمة وفى ضلال محيط ويثور شعوره الديني فينشد - وكأنه يصرخ أو يستغيث أرباً واحدا أم ألف رب أدين إذا تقسمت الأمور عزلت اللات والعزى جميعاً كذلك يفعل الجلد الصبور فلا العزى أدين ولا ابنتيها ولا صنعی بنی عمرو - أزور ولا هبلا أدين وكان رباً أنا في الدهر إذ حلمى يسير
1 العقائد القصدية ص۳
عجبت وفى الليالى معجبات
وفى الأيام
يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالا كثيرا كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين ببر
قوم ليربو - منهم الطفل الصغير
كما يتروح
وبينا المرء يفتر ثاب يوماً
الغصن
المطير
ولكن أعبد الرحمن ربى
ليغفر
ذنی العرب
الغفور
فتقوى الله ربكم - احفظوها متى ما تحفظوها لا تبوروا
جنان وللكفار حامية
سعير
الصدور
ترى الأبرار دارهم وخزى في الحياة وإن يموتوا يلاقوا ما تضيق به
ولكن الهداية إلى الدين القويم لم تكن إذ ذاك سهلة هيئة وإذا كانت الوثنية ضلالا فأين الهداية
وإذا ترك اللات والعزى وهبل فإلى أين يتجه
ويستولى عليه شعور ديني ويغمره فيض من التطلع إلى المعرفة فلا يجد مفراً من الهجرة يستنبئ في أثنائها الظاعن والمقيم عله يجد من يرشده إلى سبيل الله القويم والقصة التالية توضح لنا - سواء أصحت أم لم تصح - الكثير من جوانب
نفسه ومما كان يشعر به نحو اليهودية والنصرانية حينئذ
وها هي ذى كما رواها صاحب الأغانى
إن زيد بن عمرو خرج إلى الشام يسأل عن الدين لكي يتبعه فلقى عالماً من اليهود فسأله عن دينهم فقال لعلى أدين بدينكم فأخبرني بدينكم
الله
فقال اليهودى إنك لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضـ فقال زيد بن عمرو لا أفر إلا من غضب الله وما أحمل من غضب الله شيئاً أبداً وأنا أستطيع فهل تدلني على دين ليس فيه هذا !
قال ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً
قال وما الحنيف
قال دين إبراهيم
فخرج من عنده وتركه فأتى عالماً من علماء النصارى فقال له نحواً مما قال لليهودى
۳۳
فقال له النصراني إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من لعنة الله فقال إني لا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئاً أبداً وأنا أستطيع فهل
تدلني على دين ليس فيه هذا
فقال له نحوا مما قال اليهودى لا أعلمه إلا أن يكون حنيفاً فخرج من عندهما وقد رضى بما أخبراه واتفقا عليه من دين إبراهيم فلما برز
رفع يديه وقال
اللهم إنى على دين إبراهيم
استمر زيد يجاهد في سبيل الوصول إلى الله
كان يجاهد تارة بمنطقه وتفكيره وتارة بسؤاله كل من يصادفه من ذوى المعرفة الدينية كان يسأل الناس إذا أقام ويسألهم إذا ارتحل حتى انتهى في النهاية إلى مذهب اطمأنت إليه نفسه فخاطب قريشاً قائلا
يا معشر قريش والذي نفسي بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم
غيري ويقول الدكتور طه حسين عن زيد
إنه كان رجلا رقيقا لينا مرهف الحس ذكى القلب نقى الطبع مستعداً للإيمان الصادق مبغضاً للقديم شديد النشاط للتجديد شك في وثنية قومه ثم جحدها والتمس ديناً صفواً وملة نقية وجعل ينكر على قريش ما كانت فيه فكانت قريش تسمع منه وتعرض ولا تحفل بما كان يقول وكان الخطاب بن نفيل ثبت له ثم قاومه ثم جد فى فتنته حتى أشقاه ثم حبسه في مكة ثم أغرى به الشباب حتى اضطره إلى أن يستخفى وأن يحتال في
1
الفرار من مكة ليلتمس ما كان يحب من دين من عند اليهود والنصارى وقد فر زيد بدينه الجديد - أو باستعداده للدين الجديد - وجعل يلتمس
ما يحب عند اليهود مرة وعند النصارى مرة حتى استيئس من أولئك
وهؤلاء
۱ عن مجلة الهلال سنة ١٩٣٧م
كيف انتهى زيد إلى حقيقة مذهبه وماذا كان سبيله إلى الاطمئنان الروحي وماذا كان يرى فى مشكلة المبدأ ومشكلة المصير ومشكلة الغاية ! عن كل ذلك يصمت التاريخ
ولكن الذى لا شك فيه أن زيدا اطمأنت نفسه إلى منطق" أو إلى إلهام فيما يتعلق بما وراء الطبيعة
ولم يكن زيد الوحيد في جزيرة العرب الذى بحث عن الله بل كان هناك كثير غيره كان هناك
أمية بن أبي الصلت الشاعر المشهور
وكان على حسب ما يروى صاحب الأغانى
قد نظر في الكتب وقرأها ولبس المسوح تعبداً
وكان ممن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنيفية وحرم الخمر وشك في الأوثان وكان محققاً والتمس الدين وطمع في النبوة لأنه قرأ في الكتب أن نبياً يبعث من العرب فكان يرجو أن يكون هو " وشعره حافل بذكر الرسل والأنبياء والجنة والنار والثواب والعقاب حتى لقد قال ابن سلام كان أمية كثير العجائب يذكر في شعره خلق السموات والأرض ويذكر
الملائكة ويذكر من ذلك مالم يذكره أحد من الشعراء ! ونحن - وإن لم يصلنا كل شعره - يدل ما جمعه منها الأستاذ شلتس على الكثير
من منازعه ومن شعره الذي يدل على اتجاهه ألا أيها الإنسان إياك والردى فإنك لا تخفى من الله خافياً وإياك لا تجعل الله غيره فإن سبيل الرشد أصبح باديا رضيت بك اللهم رباً فلن أرى أدين إلها غيرك الله ثانياً أدين لرب يستجيب ولا أرى أدين لمن لم يسمع الدهر داعيا وأنت الذى من فضل من ورحمة بعثت إلى موسى رسولا مناديا فقلت له يا اذهب وهارون فادعوا إلى الله فرعون الذي كان طاغيا
وقولا له أأنت سويت هذه بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا وقولا له أأنت رفعت هذه بلا غمد أرفق إذا بك بانيا وقولا له أأنت سويت وسطها منيراً إذا ما جنه الليل هاديا
منه
وقولا له من يرسل الشمس غدوة فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا وقولا له من ينبت الحب في الثرى فيصبح البقل يهتز رابيا رءوسه وفي ذلك آيات لمن كان واعيا
ويخرج
منه
حبه
في
خطائيا
وأنت بفضل منك نجيت يونساً وقد بات في أضعاف حوت لياليا وإني لو سبحت باسمك ربنا لأكثر إلا ما غفرت ويقول مترجمه فى دائرة المعارف الإسلامية إنه يمكن قسمة قصائده بحسب موضوعها إلى قسمين كبيرين أصغرهما يتكون من قصائد وأبيات قيلت في مدح أشخاص وبخاصة في مدح رجل من أغنياء مكة هو عبد الله بن جدعان وهى لا تختلف فى جوهرها ونظائرها عند غيره من شعراء العرب القدماء
أما القسم الأكبر الذي يبدأ بالقصيدة الثالثة والعشرين من طبعة شلتس فليدل دلالة كاملة على النزعة التى يمكن تسميتها بالحنيفية
وأساسها القول بإله واحد وهو رب العباد ونرى فيها صوراً شبيهة بالوحى عن مقام الله وملائكته وحكايات عن الخلق وآراء تتعلق بيوم القيامة والجنة والنار وفيها دعوة إلى عمل الخير وإشارات إلى عبرا أخذ بعضها من أخبار العرب عن عاد وثمود وبعضها من قصص التوراة عن الطوفان وإبراهيم ولوط وفرعون
وابن أبي الصلت مولع إلى جانب هذا بقص الحكايات على ألسنة الحيوانات ونلاحظ في شعره أيضاً ذكراً للأعمال السحرية
وكان أمية – كما كان زيد – يريد دين إبراهيم فلم يكن يهوديا ولا نصرانياً ومما يثبت هذا في غير لبس ولا إبهام قوله
كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة زور ولكنه – على خلاف ما كنا
٣٦
نتوقع
الله
فتمنى
- قد عادى الرسول وحاربه فغلبت عليه شقوته وصح فيه قول رسول
آمن شعره وكفر قلبه
ويخيل إلينا أنه قد ندم فى آخر حياته ندماً شديدا على موقفه ذاك من الرسول أن لو كان - بدل معرفته وعلمه - راعياً فى رءوس الجبال يرعى الوعول
لقد قال وهو على فراش الموت هذا الشعر البائس الحزين الرائع كل عيش وإن تطاول دهراً منتهى أمره إلى أن يزولا ليتني كنت قبل ما قد بدا لي في رءوس الجبال أرعى الوعولا
اجعل الموت نصب عينيك واحذر غولة الدهر إن للدهر غولا وكان أبو قيس بن أبي أنس من الحنفاء وهو من بني النجار وكان ترهب
ولبس المسوح وفارق الأوثان وهم بالنصرانية ثم أمسك عنها ودخل بيتاً له فاتخذه مسجداً لا يدخله طامث ولا جنب وقال أعبد رب إبراهيم
فلما قدم رسول الله له المدينة أسلم و وحسن إسلامه وقال في رسول الله
شعراً
يمتدحه
ومن
1
الحنفاء خالد
رسول الله قال
بن سنان وهو من بني عبس ويقول ابن قتيبة وروى أن
ذلك ني
أضاعه
قومه
وأتت ابنته رسول الله الله فسمعته يقرأ قل هو الله أحد فقالت كان
أبي يقول ذا ٢
بعض من رأى التدين بالنصرانية
وكانت النزعة إلى الحنيفية شائعة فى جزيرة العرب ولكن من العرب من رأى
أن
التدين بالنصرانية أو اليهودية بيد أنهم لم يكونوا يدينون بواحدة منهما إلا بعد أ يحولوا فى شعاب التفكير ويضلوا فى متاهات ما وراء الطبيعة فيروا بعد بحث
وتفكير أن الأسلم التزام دين يأمنون في رحابه من ضلال الأوهام
1 المعارف لابن قتيبة ص ۸
المعارف لابن قتيبة ص ۹
ذكر ابن هشام المتوفى بالفسطاط سنة ۱٨ هـ في سيرته ص ٢٣٧ قال ابن إسحاق واجتمعت قريش يوماً في عيد لهم عند صنم من أصنامهم كانوا يعظمونه وينحرون له ويعكفون عنده ويدورون به وكان ذلك عيداً لهم في كل سنة يوماً فخلص منهم أربعة نفر نجياً ثم قال بعضهم لبعض تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض قالوا أجل وهم ورقة بن نوفل وعبد الله بن جحش بن رئاب وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب وعثمان بن الحويرث وزيد بن
عمرو بن نفيل فقال بعضهم لبعض تعلموا والله ما قومكم على شئ لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم ! ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع يا قوم التمسوا لأنفسكم ديناً فإنكم والله ما أنتم على شيء فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم فأما ورقة بن نوفل فاستحكم فى النصرانية واتبع الكتب من أهلها حتى علم علماً من أهل الكتاب
وأما عبد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم ثم
هاجر مع
عنده
فلما قدمها تنصر
المسلمين إلى الحبشة وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ملك الروم فتنصر وحسنت منزلته
وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية وفارق دين قومه فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان ونهى عن قتل الموءودة وقال أعبد رب إبراهيم وبادى قومه بعيب ما هم
عليه
كان من هؤلاء ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصى وهو عربي أصيل من ذروة بيوتات قريش وهو - كما يروى صاحب الأغانى أحد من اعتزل عبادة الأوثان في الجاهلية
وطلب الدين وقرأ الكتب وامتنع من أكل ذبائح الأوثان
۳۸
طلب ورقة الدين ولم يكتف فى طلبه باللغة العربية بل لعل اللغة العربية إذ ذاك لم تكن تسعفه بما يريد من معرفة فتعلم العبرانية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب بالعبرانية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ولم يكن أمر معرفته وعلمه مجهولا بين قومه ولذلك انطلقت خديجة بنت خويلد إليه بالني له لتستفسر عما عرض للرسول من أمر الوحى فأفادها وطمأنها وتمنى أن لو عاش حتى يرى الرسول قد أمر بنشر دعوته لينصره نصراً
مؤزراً
وكان ورقة شاعراً ناضح التفكير في شعره ومثال ذلك قوله
لقد نصحت لأقوام وقلت لهم أنا النذير
أحد فلا يغرركم
لا تعبدن إلها غير خالقكم فإن دعوكم فقولوا بيننا حدد
سبح
1
والجمد
سبحان ذي العرش سبحاناً نعوذ به وقبل قد الجودي أن يناوى ملكه أحد
مسخر كل ما تحت السماء له لا
ينبغي
لا شيء مما تری تبقى بشاشته يبقى الإله ويودى المال والولد لم تغن عن هرمز يوما خزائنه والخلد قد حاولت عاد فيما خلدوا ولا سليمان إذ دان الشعوب له والجن والإنس تجرى بينها البرد
-4
ويروى أن رسول الله الله سئل عنه فقال " قد رأيته في المنام كأن عليه ثياباً بيضا فقد أظن أن لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض
لم يكن أمثال ورقة وأمثال زيد من النادرين في العرب ولم يكونوا يستخفون بآرائهم فكثيراً ما كان يدور النقاش بينهم وبين قومهم فضلا عن دورانه بين بعضهم وبعض ولقد عاب زيد فيما يبدو ورقة على اعتناقه النصرانية وأراد منه التخلى عنها فقال أنا أستمر على نصرانيتي إلى أن يأتى النبي الذي تبشرنا به الأحبار
1 المنع
الجودى والحمد جيلان
۳ البرد جمع بريد وهو الرسول
وحينما اطمأن زيد إلى التوحيد وأعلن ذلك قال ورقة له
۳۹
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما تجنبت تنوراً من النار حاميا
بدينك رباً ليس رب
كمثله وتركك جنان 1 الجبال كما هيا
الحكماء
كان الطابع العام لهؤلاء الذين ذكرنا هو البحث عن الدين المستقيم والتطلع إلى الهداية السماوية ولكن ميدان التفكير الناضج في أرجاء الجزيرة العربية كان أوسع من أن يكون مقصوراً على هؤلاء يقول الشهرستاني ومنهم - أى الفلاسفة – حكماء العرب وهم شرذمة قليلة لأن أكثرهم حكمهم فلتات الطبع وخطرات الفكر وربما قالوا بالنبوات العلماء الذين يرجع إليهم فيا يعرض من مشاكل
وحكماء العرب هؤلاء هم وهم في الجملة أعظم العرب حظاً في الثقافة وكان مثلهم في الحكمة مثل حكماء اليونان لقد أثرت عنهم الحكم القصيرة
التي تركزت فيها التجربة والحنكة مثل مقتل الرجل بين فكيه من طلب شيئاً وجده وإن لم يجده يوشك أن يقع قريباً منه
الحرب مأيمة
0
وإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى !
وإذا ما قارنا هؤلاء الحكماء بمن يماثلهم من حكماء اليونان وجدنا أنهم يتشابهون في كثير من النواحي يقول أفلاطون واجتمعوا – أى الحكماء - في دلف وأرادوا أن يقدموا لأبولون في هيكله بواكير حكمته فاختصوه بالآيات التى يرددها الناس الآن مثل أعرف نفسك و لا تسرف و الصلاح عسير فكانوا مصلحين
۱ جنان الجبال الذين يأمرون بالفساد من شياطين الجن
ومشرعين ولم يكونوا فلاسفة بمعنى الكلمة ١
وكذلك كان حكماء العرب
وقد روى عن
حكماء العرب بعض الآراء التي تدل على تفكيرهم كان منهم عامر بن الظرب الذى يقول فيه الميدانى كان من حكماء العرب لا تعدل بفهمه فهماً ولا بحكمه حكماً
ومن كلامه فى استدلاله على وجود الله وعلى تصريفه للكون إلى ما رأيت شيئاً قط خلق نفسه ولا رأيت موضوعاً إلا مصنوعاً ولا جائياً إلا ذاهباً ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء
ومن
حكماء
العرب أكثم بن صيفى بن رباح وكان من حديثه – كما ذكر الألوسى - أنه لما ظهرا بمكة ودعا إلى الإسلام بعث أكثم ابنه حبيشاً فأتاه بخبره فجمع بني تميم وقال يا بني تميم لا تحضرونى سفيهاً فإنه من يسمع يخل ٢ إن السفيه يوهن من فوقه ويثبط من دونه لا خير فيمن لا عقل له كبرت سني ودخلتنى ذلة فإذا رأيتم منى حسناً فاقبلوه وإن رأيتم منى غير ذلك فقومونى أستقم إن ابني شفه هذا الرجل مشافهة وأتانى بخبره وكتابه يأمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر ويأخذ فيه بمحاسن الأخلاق ويدعو إلى توحيد الله تعالى وخلع الأوثان وترك الخلف بالنيران وقد حلف عرف ذوو الرأى منكم أن الفضل فيما يدعو إليه وأن الرأى ترك ما ينهى عنه إن أحق الناس بمعونة محمد ومساعدته على أمره أنتم فإن يكن الذي يدعو إليه فهو لكم دون الناس وإن يكن باطلا كنتم أحق الناس بالكف عنه والستر عليه وقد كان أسقف نجران يحدث بصفته وكان سفيان بن مجاشع يحدث به قبله وسمى ابنه محمداً فكونوا فى أمره أولا ولا تكونوا آخراً ائتوا طائعين قبل أن تأتوا كارهين
1 تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم ص ٨
ومن يسمع أخبار الناس ومعابهم يقع في نفسه عليهم المكروه عن مجمل الأمثال للميدانى
إن الذى يدعو إليه محمد لو لم يكن ديناً لكان فى أخلاق الناس - حسناً أطيعوني واتبعوا أمرى أسأل لكم أشياء لا تنزع منكم أبداً وأصبحتم أعز حي في العرب وأكثرهم عدداً وأوسعهم داراً فإني أرى أمراً لا يجتنبه عزيز إلا ذل ولا يلزمه ذليل إلا عز إن الأول لم يدع للآخر شيئاً وهذا أمر له ما بعده ومن سبق إليه غمر المعالى واقتدى به التالى والعزيمة حزم والاختلاف عجز فقال مالك بن نويرة قد خرف شيخكم
فقال أكثم ويل للشجى من الخلى ولهفى على أمر لم أشهده ولم يسبقنى فذهب مثلاً
وكان منهم قس بن ساعدة الذى يقول فيه رسول الله الله كأني أنظر إليه بسوق عكاظ على جمل له أورق وهو يتكلم بكلام عليه حلاوة ما أجدنى أحفظه وخطبته بسوق عكاظ مشهورة أيها الناس اسمعو وعوا إلخ
ودليله على وجود الله أيضاً مشهور إنه يستدل بالأثر على المؤثر وهو يصف الإله فيقول كلا بل الله إله واحد ليس بمولود ولا والد أعاد وأبدى وإليه المآب غداً
ثم ينشد
يا باكى الموت والأموات في جدث عليهمو من بقايا برهم خرق دعهم فإن لهم يوماً يصاح بهم كما ينبه من نوماته الصعق وأما عبد المطلب جد الرسول وهو من حكماء العرب المشهورين فقد رويت عنه سنن أقر القرآن أكثرها كالمنع من نكاح المحارم وقطع يد السارق والنهي عن قتل الموءودة ١
ولم تكن الناحية الأخلاقية مهملة لدى الشعراء وزهير بن أبي سلمى يتحدث
ومهما يكنتم الله يعلم
عنها في كثير من شعره وهو القائل فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ليخفى يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل فينقم
۱ تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية ص ۱۱۰
٤٢
ويقول في ضرر الحرب والدعوة إلى السلم
وما الحرب إلا ما علمتهم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم
منی
تبعثوها تبعثوها
مرككم عزك الرحى
ذميمة
وتضرى إذا ضريتموها فتضرم
بثقالها وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم
1
۳
لكم غلمان أشأم كلهم كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم ٤
فتغلل
رأى الحمس
مالا تغل لأهلها
قرى بالعراق من قفيز ودرهم
e
وإذا كان ما سبق يعتبر من الجوانب المحدودة برغم كثرته فإن قريشا قد غمرتها نزعة روحانية ففكرت فى أمر الدين وقداسته والبيت وحرمته وبعد تأمل وترو – ابتدعت رأى الحمس والحمس جمع أحمس والأحمس - كما يقول صاحب المختار – هو الشديد الصلب في الدين والقتال ولم يكن هذا الرأى الذي ابتدعوه إلا تحمساً دينياً وعاطفة روحانية قوية
وكانوا يذهبون فيه - كما يقول السهيلى - مذهب التأله والتزهد وكان مثلهم في ذلك مثل من قال الله فيهم ورهبانية ابتدعوها سورة الحديد / ٢٧ قال ابن إسحق وقد كانت قريش - لا أدرى قبل عام الفيل أم بعده ابتدعت
1 المرجم من الحديث المقول بطريق الظن لاعن تحقيق أي وما حديثي عن الحرب وتخويفكم ويلاتها بالحديث المفترى بل أنتم قد علمتم ويل الحرب وذقتموها
متى تهيجوا الحرب تهيجوها مذمومة ويشتد حرها وتضرم نارها
۳ الثقال جلدة توضع تحت الرحى كشافا سنتين متواليتين تتنم تلد توءمين والمعنى تحمل مرتين في عامين متتاليين وتلد فى كل منهما توءمين ٤ إن أمر هذه الحرب يطول وتنتج لكم غلمان مثلهم في الشؤم كمثل عاقر ناقة صالح عليه السلام وتعيش هذه الغلمان حتى ترضع وتفطم يريد بذلك أن يكنى عن طول الحرب وشرورها
٥ ولن تغل الحب الذى يكال بالقفيز أو يباع بالدرهم إذ هي لا ننتج إلا الموت والهلاك
٤٣
6
رأى الحمس رأياً رأوه وأداروه فقالوا نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولادة وقطان مكة وساكنوها فليس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلتنا ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا فلا تعظموا شيئاً من الحل كما تعظمون الحرم فإنكم إن فعلتم ذلك استخف العرب بحرمتكم وقالوا قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها وهم يعرفون ويقرون بأنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم الله ويرون لسائر العرب أن يقفوا عليها وأن يفيضوا منها إلا أنهم قالوا نحن أهل الحرم وليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ولا نعظم غيرها كما نعظمها نحن الحمس والحمس أهل الحرم ا هـ ولقد كانوا في سبيل ذلك يشقون على أنفسهم ويشقون على غيرهم فيحرمون على أنفسهم أشياء ويفرضون عليها أخرى وكذلك كانوا يفعلون بالنسبة للحاج وللمعتمر قال ابن إسحق ثم ابتدعوا في ذلك أموراً لم تكن لهم حتى قالوا لا ينبغى للحمس أن يأتقطوا الأقط ۱ ولا يسلئوا السمن وهم حرم ولا يدخلوا بيتاً من
6
شعر ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرماً ثم رفعوا في ذلك فقالوا لا ينبغى لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل إلى الحرام إذا جاءوا حجاجا أو عماراً ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس فإن لم يجدوا منها شيئاً طافوا بالبيت عراة فإن تكرم منهم متكرم من رجل أو امرأة ولم يجد ثياب الحمس فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل - ألقاها إذا فرغ من طوافه ثم لم ينتفع بها ولم يمسها هو ولا أحد غيره أبداً
فحملوا على ذلك العرب فدانت به ووقفوا على عرفات وأفاضوا منها وطافوا بالبيت عراة أما الرجال فيطوفون عراة وأما النساء فتضع إحداهن ثيابها
۱ الأقط الجين لا يصنعون الجين ولا يصنعون السمن
بيوت الأدم الأخبية التي تصنع من الجلد
كلها إلا درعاً مفرجاً عليها ثم تطوف فيه
وكان الغرض من طوافهم عراة إن لم يجدوا ثياب أحمس – هو طرح الثياب التي اقترفوا فيها الذنوب فقد تدنست بما أتوا من معصية
حلف الفضول
هذه العاطفة الدينية تبعها كلازم من لوازمها - عمل أخلاقى كريم قد بلغ من حداً لا يكاد يحدث فى التاريخ إلا نادراً إننا نريد أن نتحدث عن حلف الفضول قال صاحب الروض الأنف
السمو
وكان حلف الفضول ۱ هذا قبل البعث بعشرين سنة ركان أكرم حلف
وأشرفه وأول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب وكان سببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاصى بن وائل وكان ذا قدر بمكة وشرف فحبس عنه حقه فاستعدي عليه الزبيدي الأحلاف عبد الدار ومخزوماً وجمح وسهماً وعدى بن كعب فأبوا أن يعينوه على العاصي وزبروه زجروه فلما رأى الزبيدى الشر أوفى على أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة فصاح بأعلى صوته یا آل فهر المظلوم بضاعته ببطن مكة نائى الدار والمنفر ومحرم أشعث لم يقض عمرته يا للرجال وبين الحجر والحجر ! إن الحرام لمن تمت كرامته ولا حرام لثوب الفاجر الغدر فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب وقال
1 يذكرون في سبب تسمية هذا الحلف بهذا الاسم إن جرهما في الزمن الأول قد سبقت قريشا إلى مثل هذا الحلف فتحالف منهم ثلاثة وهم ومن تبعهم أحدهم الفضيل ابن فضالة والثاني الفضل بن وداعة والثالث ابن الحارث وقيل بل هم الفضل بن شراعة والفضل بن وداعة والفضل بن قضاعة فلما أشبه حلف قريش هذا حلف هؤلاء الجرهميين سمى حلف الفضول وقيل بل سمى كذلك لأنهم تحالفوا أن ترد الفضول على أهلها وألا يغزو ظالم مظلوماً
ما لهذا مترك !
فاجتمعت
هاشم وزهرة وتيم بن مرة في دار ابن جدعان فصنع لهم طعاماً وتعاقدوا وكان حلف الفضول وكان بعدها أن أنصفوا الزبيدي من
العاصي
1
ويقول ابن هشام راوياً عن ابن إسحاق
تداعت قبائل من قريش إلى حلف فأجمعوا له فى دار عبد الله بن جدعان بن
الا
عمر لشرفه وسنه فكان حلفهم عنده بنو هاشم وبنو عبد المطلب وأسد بن عبد العزى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة فتعاقدوا وتعاهدوا على أ يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه
وكانوا على من ظلمه حتى ترد إليه مظلمته فسمت قريش ذلك الحلف حلف
الفضول
كان بحق – كما يقول السهيلى أكرم حلف وأشرفه ومن أجل ذلك قال رسول
الله في شأنه
لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لى به حمر النعم
ولو أدعى به في الإسلام لأجبت
1 عن الروض الأنف
الفصل الثاني
تصحيح الفكرة العامة عن العرب
الفكرة العامة عن العرب وتصحيحها
ومع كل ذلك فإنه لا يخفى علينا أن الفكرة العامة عن العرب هي أنهم كانوا في
تدهور ديني لا حد له
لقد كانوا يشربون الخمر
وكانوا يعبدون الأصنام كانوا يعبدون قطعاً من الحجارة منحوتة بأيديهم ويدعونها آلهة ويعبدونها
وهل من دليل على فتورهم الديني أوضح من تركهم أبرهة يسير إلى البيت الذي يقدسونه ويعظمونه ليهدمه بدل أن يمتشقوا الحسام لصده إنهم تركوه وما يريد دون أن يثيروها عليه شعواء ! هذه شبهات تعلق بالذهن وتثار فى كل آونة ولابد من أن نتحدث عنها أما الخمر فقد تركتها طائفة فى الجاهلية ودعت إلى تركها ومنهم قيس بن
عاصم التميمي وصفوان بن أمية الكنائى وعفيف بن معد يكرب الكندى وغيرهم ومما يقول قيس فيها
وجدت الخمر جامحة وفيها خصال تفضح الرجل الكريما
إلى آخر القصيدة أما الأصنام فلم يكن العرب يعبدونها لذاتها ولم تكن عندهم مجرد قطعة من حجر وإنما اتخذوها على شكل الهياكل العلوية ۱ فكانوا يعبدونها باعتبارها رمزاً للهياكل العلوية
وكانوا يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى
أما مسألة تركهم أبرهة فإن الصورة التى عند العامة في هذا الأمر غير صحيحة
وللحق والتاريخ نقول إن أبرهة أراد أن يصرف العرب عن الحج إلى بيت الله الحرام ومن أجل ذلك
۱ الشهرستاني
٤٨
ة ١ لم ير مثلها في زمانها
بنى - كما يقول ابن هشام - القليس بصنعاء فبنى شيء من الأرض ثم كتب إلى النجاشي إنى قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يين
0
مثلها لملك قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب وتحدث العرب بكتاب أبرهة إلى النجاشي وثار بهم الغضب فخرج رجل من كنانة حتى أتى القليس فقعد فيها أي أحدث فيها يريد أن يعرف أبرهة أنها ليست لذلك بأهل وكان مافعل هذا الكنانى يعبر عما كان يريد الكثيرون من العرب إذ ذاك ولكنه أغضب أبرهة غضباً لا حد له وحلف ليهدمن البيت الحرام وندع بعد ذلك ابن
هشام يتحدث
ورأوا جهاده عليهم حين
وسمعت بذلك العزب فأعظموه وفظعوا به أنه سمعوا يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام فخرج إليهم رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله الحرام ومايريد من هدمه وإخرابه فأجابه إلى ذلك من أجابه ثم عرض له
فقاتله فهزم ذو نفر وأصحابه
ثم مضى
أبرهة على وجهه ذلك يريد ماخرج له حتى إذا كان بأرض خثعم
عرض له نفیل بن حبيب الخثعمي في قبيلة خثعم شهران وناهس ومن تبعه من قبائل العرب فقاتله فهزمه أبرهة
ومن
فلما نزل أبرهة المغمس بالقرب من مكة همت قريش وكنانة وهذيل كان بذلك الحرم - بقتاله ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به فتركوا ذلك ترى من هذا أن العاطفة الدينية عند العرب لم تكن فاترة ضعيفة إلى الحد الذي يتصوره بعض المؤرخين والكتاب
1 سميت القليس لارتفاع بنائها وعلوها وكان أبرهة ينقل إليها الرخام المجذع والحجارة المنقوشة بالذهب من قصر بلقيس صاحبة سليمان عليه السلام وكان من موضع هذه الكنيسة على فراسخ وكان يستخدم مع أهل اليمن العنف الذي لاحد له حتى لقد كان يقطع يد العامل إذا طلعت عليه الشمس قبل أن يأخذ في عمله
الأديان في جزيرة العرب
على أن الذي ينبغى أن يلاحظ أن جزيرة العرب لم تكن كلها وثنية كانت
النصرانية في ربيعة وغسان وبعض قضاعة
وكانت اليهودية في حمير وبني كنانة وبنى الحارث بن كعب وكندة وكانت المجوسية فى تميم منهم زرارة وحاجب بن زرارة منهم الأقرع بن
حابس
كان مجوسيا
وكانت الزندقة في قريش أخذوها من الحيرة 1 ومن العرب من كان يدين بالرجعة يقول صاحب لسان العرب والرجعة مذهب قوم من العرب في الجاهلية معروف عندهم
لبيد
ولم يكن القول بالجبر أو القول بالاختيار بعيداً عن العقلية العربية يقول يحيى بن متى راوية الأعشى كان الأعشى قدرياً وكان لبيد مثبتاً قال
من هداه سبل الخير اهتدى ناعم البال ومن شاء أضل
وقال الأعشى
استأثر
الرجلا عن التفكير الديني
الله بالوفاء وبالعد ل وولى الملامة والحق أن جزيرة العرب لم تكن – كما يظن عادة – بمنأى القوى إنكاراً وجحوداً أو إثباتاً وتأييداً وسنرى فيما بعد إيضاحاً لجوانب أخرى
من تفكيرهم الديني عندما نتحدث عن موقف القرآن منهم ونريد الآن أن نذكر آراء بعض الكتاب فى شأن العرب نستأنس بها فيما
ذكرنا
۱ ابن قتيبة كتاب المعارف
بعض الآراء عن العرب
يقول الجاحظ وذكر الله تعالى حال قريش فى بلاغة المنطق ورجاحة
الأحلام وصحة العقول
وذكر العرب ومافيها من الدهاء والنكراء ۱ والمكر ومن بلاغة الألسنة واللدد
عند الخصامة فقال
فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد ٢
ثم ذكر خلابة السنتهم واستمالتهم الأسماع بحسن منطقهم فقال
وإن يقولوا تسمع لقولهم ۳ ثم قال
ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا البقرة/٢٠٤ مع قوله وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل البقرة/ ٢٠٥ وقال جرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية وقد يتبادر إلى الذهن أن أولئك البدو كانوا أهل جهالة وهمجية لبعدهم عن
المدن وانقطاعهم للغزو والحرب ولكن يظهر مما وصل إلينا أنهم كانوا كبار العقول أهل ذكاء ونباهة واختبار وحنكة وأكثر معارفهم من ثمار قرائحهم تدل على صفاء أذهانهم وصدق نظرهم فى أحوال الإنسان مما لا يقل عن نظر أعظم الفلاسفة فإن قول زهير بن أبي سلمى في معلقته رأيت المنايا خبط
وهي
عشواء إلى قوله
وإن خالها تخفى على الناس تعلم ٥ لا يقل شيئاً عن أحكام أكابر الفلاسفة
جزء ۱ ص ۹
1 النكراء الدهاء والفطنة سورة الأحزاب آية ١٩
۳ سورة المنافقون آية ٤ ٤ البيان والتبيين ج ١
عمق
٥ تذكر هنا الأبيات التي أشار إليها الكاتب نقلاً عن كتاب المعلقات ليرى القارئ بنفسه مبلغ ما وصل إليه زهير من
ويقول فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر الأسبق ه في الشعر الجاهلى معان سامية وحكمة صادقة ومن يقرأه خالى الذهن من من كل
ماقيل فيه يقض العجب من ذكاء منشئيه وسعة خيالهم وإفضائهم النظر في تأليف المعاني والتصرف فى فنون الكلام وكما اعتمد الجاحظ على القرآن فيما ذكرناه له من رأى سابق – فإن الدكتور طه حسين يرى أن القرآن أصدق مرآة للحياة الجاهلية
وهذه القضية - كما يقول الدكتور طه حسين غريبة حين تسمعها ولكنها بديهة حين تفكر فيها قليلاً
فليس من اليسير - أن نفهم أن الناس قد أعجبوا بالقرآن حين تليت عليهم وبينه صلة هي هذه الصلة التي بين الأثر الفنى البديع
آياته إلا أن تكون
بيهم
وبين الذين يعجبون به حين يسمعونه أو ينظرون إليه
وليس من اليسير - أن نفهم أن العرب قد قاوموا القرآن وناهضوه وجادلوا النبي فيه إلا أن يكونوا قد فهموه ووقفوا على أسراره ودقائقه
وفي القرآن رد على الوثنيين فيما كانوا يعتقدون من الوثنية
وفيه رد على اليهود
سمت تكاليف الحياة
ومن
يعش
أبالك ثمانين حولاً - لا
وأعلم ما في
اليوم
والأمس
قبله
ولكنني
عن
رأيت المنايا خبط عشواء
من نصب
تمنه
ومن
علم مافي تخطى
غد
عم
يعمر
فيهرم
ومن
يصانع
و أمور كثيرة
يفرس
بأنياب وبوطاً
بنم
ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن
لا يتو
الشتم
یشتم
يك ومن
بفضله فضل فيبخل
على
قومه
يستغن
عنهم
ويذمم
ومن
يوف لا يذمم ومن
يهد
قليه
إلى
مطمئن
البر لا يتجمجم
هات
ومن
أسباب
المنايا
ينلنه
وإن
أسباب يرق
السماء
يسلم
ومن
يجعل المعروف في
غير أهله
حمده یکن
ذما عليه
ويندم
ومن
بعض
أطراف الزجاج
فإنه
يطيع
العوالي ركبت
كل لهذم
ومن
لم يذد عن حوضه بسلاحه
بهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
يغترب ومن
يحسب
عدوا
ومهما تكن
عند امرئ من
صديقه خليقة
ومن
وإن
نفسه لا يكرم خالها تخفى على
لا نكرم
الناس تعلم
وفيه رد على النصارى
وفيه رد على الصابئة والمجوس
وهو لا يرد على يهود فلسطين ولا على نصارى الروم ومجوس الفرس وصائبة الجزيرة وحدهم وإنما يرد على فرق من العرب كانت تمثلهم في البلاد العربية
نفسها
ولكن القرآن لا يمثل الحياة الدينية وحدها وإنما يمثل شيئاً آخر غيرها لانجده في هذا الشعر الجاهلى يمثل حياة عقلية قوية يمثل قدرة على الجدال والخصام أنفق القرآن في جهادها حظاً عظيماً
أليس القرآن قد وصف أولئك الذين كانوا يجادلون بقوة الجدال والقدرة على الخصام والشدة في المحاورة
الأمم
ويتمشى مع
القرآن
وفيم كانوا يجادلون ويخاصمون ويحاورون فى الدين وفيما يتصل بالدين من هذه المسائل المعضلة التي ينفق الفلاسفة فيها حياتهم دون أن يوفقوا لحلها في البعث في الخلق فى إمكان الاتصال بين الله والناس فى المعجزة وما إلى ذلك ويمضى الدكتور طه حسين في الحديث عن تصوير القرآن للأمة العربية من الناحية الاقتصادية ومن ناحية اتصال العرب بغيرهم من في أن العرب لم يكونوا كلهم سنناً واحدة بل كان فيهم الأعراب في جفوتهم وغلظتهم وإمعانهم في الكفر والنفاق وقلة حظهم من العاطفة الرقيقة التي تحمل على الإيمان والتدين الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله ١ ونعود إلى الجاحظ في مقارنة له بين العرب فى عصرها الجاهلي وغيرهم من الأمم وهذه المقارنة قد اعتقد قوم أنها مقارنة بين العرب كجنس أى بين العرب في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم وبين غيرهم ولكن ذلك خطأ واضح فالجاحظ يقارن بين العرب فى طور من أطوارهم هو الطور الجاهلي فحسب وبين غيرهم ولذلك لم يتحدث فى هذه المقارنة عن الدين أو فلسفة الكندى وهو
۱ سورة التوبة آية ۹۷
٥٤
عربي صميم
أو فلسفة المعتزلة فقد كانوا منها على حظ وافر ولم يتحدث عن تشريع أبى حنيفة أو الشافعي وقد كان في ذلك – لو أراد - ميدان من أخصب الميادين لتأييد رأيه
يقول الجاحظ إن الهند لهم معان مدونة وكتب مجلدة لاتضاف إلى رجل معروف ولا إلى عالم موصوف وإنما هي كتب متوارثة وآداب على وجه الدهر سائرة مذكورة ولليونان فلسفة ولكن صاحب المنطق نفسه بكىء اللسان ولا موصوف
بالبيان
وفى الفرس خطباء إلا أن كل كلام للفرس وكل معنى للعجم فإنما هو عن
طول فكرة وعن اجتهاد وخلوة
وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام وليست هناك معاناة ولا مكابدة ولا إجالة فكر ولا استعانة وإنما هو أن يصرف همه إلى الكلام فتأتيه المعانى إرسالا وتنثال عليه الألفاظ انثيالا
من كل ما سبق نرى أن العرب لم يكونوا - كما يظن كثير من الناس – أهل جهل مطبق أو ضلالة شاملة وإنما كانوا أصحاب شعر وحكمة ودين كان فيهم بلاغة المنطق ورجاحة الأحلام وصحة العقول وشعور ديني قوى يضحون في
سبيله بأموالهم وأنفسهم
العرب على حسب ما نعتقد
أما مانريد أن ننتهى إليه من كل ماسبق فهو الرأى الذي رآه فضيلة المرحوم الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق فى كتابه تمهيد لتاريخ الفلسفة
الإسلامية
ومهما يكن من أمر العرب عند ظهور الدين المحمدى فإنهم لم يكونوا في سذاجة
٥٥
الجماعات الإنسانية الأولى من الناحية الفكرية التى تهمنا يدل على ذلك ما عرف من إيمانهم وماروى من آثارهم الأدبية
وكان العرب عند ظهور الإسلام يتشبثون بأنواع من النظر العقلى يشبه أن تكون من أبحاث الفلسفة العلمية لاتصالها بما وراء الطبيعة من الألوهية وقدم العالم أو حدوثه والأرواح والملائكة والجن والبعث ونحو ذلك
الدهماء لا يمثلون الأمة ومع
ذلك فإننا نعلم حق العلم أن الأكثرية العظمى في جزيرة العرب كانت من البدو الرحل الذين شغلهم البحث وراء لقمة العيش عن التفكير في الدين وفيما وراء الطبيعة وليس من الطبيعي أن تطلب من شخص يقاسي في عنف شظف الحياة - أن يفكر تفكيراً مجرداً
إن الأغلبية العظمى من جزيرة العرب صحراء قاحلة وليس لساكنيها استقرار ما وليس بها أمن مستتب والحروب والغارات في جبالها ووهادها لاتكاد تنقطع فمن الطبيعي ألا يكون عند هؤلاء أوقات فراغ يقضونها في التفكير فيما وراء
الطبيعة ولكن إذا كنا لا نتخذ من عقلية الفلاح الحافي القدمين الذي قوس انحناؤه على الفأس ظهره مثالاً لحضارة المصريين وثقافتهم سواء كان ذلك في العصر القديم أو في العصر الحديث وإذا كنا لا نتخذ من الفرنسي الريفي الجاهل مثالاً لحضارة فرنسا وثقافتها - فإنه غير الطبيعي أن يكون البدو الرحل مقياساً للثقافة العربية فيما
قبل الإسلام
الفصل الثالث
في العقيدة
وصف القرآن
كانت جزيرة العرب - كما تحدثنا سابقاً - تعج بمختلف الآراء الدينية كان فيها النصرانية واليهودية والحنفاء وكان فيها الزندقة والدهرية ومن ينكرون البعث ومن ينكرون إرسال الرسل وكان فيها من يقول بالرجعة ومن يقول بالجبر ومن يقول بالاختيار كان فيها توحيد وإلحاد ومؤمنون ومشركون ولكن هؤلاء وأولئك كانوا جميعاً ينتظرون بارقة تشرق عليهم فتبدد حيرتهم وتحسم مابينهم من جدل واختلاف في هذه الآونة قام رسول الله الله بدعوته ودعوته لم تنشأ عن تفكير إنساني شخصى إنما هي وحى أنزل عليه وهى معصومة لأنها وحى إنها معصومة عن التخبط في الآراء معصومة عن متاهات الخيال والقرآن وهو كتابها المقدس يقول فيه رسول الله الله كما روى عن على رضى الله
عنه
عليكم بكتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله
هو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم الذي لاتزيغ به الأهواء ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد
هو
ولا تنقضي عجائبه
من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن خاصم به أفلح ومن دعى إليه هدى إلى صراط مستقيم ا هـ وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عن النبي قال إن هذا القرآن
مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم
إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقف ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما أنى لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف رواه الحاكم
تواتر القرآن
وقد وصل إلينا القرآن بطريق التواتر بحيث لا يمكن الشك مطلقاً في أنه وصل إلينا كما نزل على سيدنا محمد دون زيادة أو نقص والمستشرقون – برغم تحامل الكثيرين منهم على الإسلام - لا يجدون مطعناً صحيحاً
من تلك الجهة أبداً ولقد قال المستشرق الفرنسي الأستاذ ديمومبين بحق في كتابه عن
الإسلام
محمد
إن المنصف لا مناص له من أن يقر بأن القرآن الحاضر هو القرآن الذي كان يتلوه
السبب في أن مهمة الرسول كانت شاقة
ومع استشراف نفوس العرب إلى هاد يقودهم إلى السبيل السوى فإن مهمة
الرسول لم تكن سهلة ميسورة وذلك
1 لأن النفوس إذا ألفت شيئاً فترة طويلة من الزمن لم يكن من السهل
انصرافها عنه
1
والإلف - لا العقل ولا المنطق الذي يعرقل دائماً
التاريخ
هو
عمل المصلحين خلال
ب وكان التنافس بين الأسر في قبيلة واحدة وبين القبائل المختلفة من العوامل أيضاً التي دفعت الكثيرين إلى المعارضة
ولم
جـ ورأى اليهود اعتزازهم بدينهم سينهار إذا انتشر الدين الجديد د ورأى النصارى أن مصير دينهم هو الآخر الاندثار هـ وضاق تفكير طائفة كبيرة من العرب فلم يروا العظمة إلا في الثروة يكن محمد ل ثريا فقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ١ وتضامنت عوامل الشر هذه كلها وتألبت وأرادت - طوال مدة الدعوة -
القضاء عليها
القيمة الذاتية للدعوة الإسلامية
ولكن الدعوة الإسلامية كانت تحمل في طياتها من القيمة الذاتية ما يفرضها ويكتب لها الانتشار والسيادة
إنها تمتاز عن النصرانية المنتشرة إذ ذاك - بنظام اقتصادى خلت منه الأنانية وبمنطق عقلى لا يوجد فيا كان مأثوراً حينئذ من كلام السيد المسيح عليه السلام
6
ثم
هي تصحيح للمسيحية التي كانت موجودة إذ ذاك محرفة كما سنرى فيما بعد وهي تمتاز عما كان موجوداً إذ ذاك من اليهودية بما فيها من بساطة ونضرة
وتنزيه الله ورسله وأنبيائه لا يوجد ما يماثله في العهد القديم ثم هي رجوع باليهودية إلى الحق قبل أن يحرفها ذوو أهلها وهى هداية للحنفاء إلى دين إبراهيم الذى يتطلعون إليه
۱ سورة الزخرف آية ۳۱
-1
ثم هي معصومة وليست رأياً يجوز بالبحث يكون وهماً من الأوهام وهى بعد كل ذلك نظام كامل للحياة الإنسانية فيها العقيدة وفيها التشريع وفيها الأخلاق إنها ترضى العقل وترضى الوجدان
وسائل الدعوة لهداية العرب
ولكن العرب قابلوها بصراع فاتخذت الدعوة الإسلامية من أجل هدايتهم
أحكم الوسائل نيهتهم إلى أنه ليس من المنطق أن يكون الإلف وأن تكون العادة أو العرف - مقياساً للحق فليس من المنطق إذا قيل لهم - اتبعوا ما أنزل الله – أن يقولوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا لأنه من الجائز أن يكون آباؤهم لا يعقلون شيئاً
ولا يهتدون
وليس من المنطق أن يقولوا إِنَّا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على مقتدون الزخرف/٢٣
آثار هم
وسخر القرآن من الذين حرموا على أنفسهم مزية الفهم والتبصر فقال في أسلوب لاذع مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا الجمعة /ه ثم أضاف الإسلام إلى ذلك تقدير المسئولية الفردية ليجتث بذلك كل محاولة من الفرد لإلقاء التبعة على الجماعة أو على البيئة أو على الآباء والرؤساء ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى النجم / ٣٨ - ٣٩ فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره الزلزلة / ۷-۸
ثم صرح في وضوح واضح بالمسئولية فيما يتعلق بالآراء خاصة ورتب
العقاب الشديد على من قلد غيره في ضلاله وأهوائه فقال تعالى وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ
الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ١
وإذا كان الإسلام قد قرر المسئولية الفردية - أى أن كل إنسان مسئول عن عمله - فإنه مع ذلك لم يخل الفرد من المسئولية بالنسبة لغيره فالرسول يمثل الجماعة الإنسانية بسفر على سفينة أخذ بعضهم في إفسادها فإن أخذوا على يديه نجا ونجوا وإن تركوه هلك وهلكوا عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي
قال
مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار
أعلاها
بعضهم وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا
على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ! فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا البخارى
وغيره
ويقول الله تعالى
واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة الأنفال/ ٢٥
ويقول في عنف عنيف
يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ٢
روی
عمر رضى الله عنه قال حين نزلت هذه الآية
1 سورة سبأ الآيات ۳۱ - ۳۳
سورة التحريم آية ٦
٦٣
ه يارسول الله نقى أنفسنا فكيف لنا بأهلينا
فقال عليه الصلاة والسلام
ا تهونهن عما نهاكم الله عنه وتأمرونهن بما أمركم الله فيكون ذلك وقاية
بينهن وبين النار
على
أن الرسول الله يصور هذا النوع من المسئولية تصويراً جميلاً في غير ماحديث إنه يصور الأمة في توادها وتراحمها بجسم إذا اشتكى منه عضو تداعى
له
سائر الأعضاء بالسهر والحمى
وهو يقول في روعة أخاذة
كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته
ثم يفصل هذا الإجمال ويضرب بعض الأمثلة
فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل في بيته راع ومسئول عن رعيته والزوجة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته إذن الآباء والأجداد ليسوا مقياس الحقيقة وكذلك العرف والعادة والفرد مسئول عمايفعل وكل إنسان مأمور بأن يصلح من نفسه ويصلح من أمر الآخرين في هذا الجو أخذ محمد لا ينشر دعوته
الدعوة الإسلامية دعوة موحدة
وهي دعوة موحدة لامفرقة إنها دعوة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى
عليهم السلام
شرع لكم من الدين ماوصى به نوحا والذي أوحينا إليك وماوصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ۱
۱ سورة الشورى آية ۱۳
وعلام الاختلاف والإسلام دعوة لا تهدف إلا إلى عبادة الله وعدم الشرك به وعدم اتخاذ أرباب من دونه
قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ۱
هذه الدعوة الإسلامية التى هى دعوة الرسل من قبل تقرر أصولاً في ناحية العقيدة وشعائر للعبادة ومبادئ فى القانون وقواعد للأخلاق والذي يعنينا هنا على الخصوص هو العقيدة
إثبات الرسالة
إن أشق مرحلة يصادفها كل رسول من الرسل إنما هي إقناع الناس برسالته وقد اختلفت وسائل هذا الإقناع واختلفت أساليبه وقد بدأ الرسول ع كأسلافه بتقرير أنه رسول وأنه متصل بالسماء وأن الوحى ينزل عليه تباعاً وقد أرسله الله تعالى لحكمة سامية قد رددها القرآن في غير ما موضع هي تزكية النفوس وتطهيرها تزكيتها وتطهيرها خلقيا واجتماعيا مؤسساً ذلك على تطهيرها وتزكيتها من ناحية العقيدة لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته
T
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة
ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم
ومن أجل ذلك كان إرساله رحمة للعالمين
۱ سورة آل عمران آية ٦٤ سورة آل عمران آية ١٦٤
۳ سورة البقرة ۱۹
0
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين الأنبياء/ ١٠٧
لكن العرب سخروا من دعوته وكان لابد من أن يفحمهم بآيات من آيات الله فلم تخرج هذه الآية عن أن تكون القرآن لقد تحداهم به في عنف وتحداهم - متدرجاً أن يأتوا بمثله ولو - من
بهم
كان بعضهم لبعض ظهيراً إلى أن يأتوا بعشر سور مثله ثم انتهى بهم أخيراً إلى أن يأتوا بسورة من مثله قال تعالى
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ١ أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ٢ وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعو شهداءكم
من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين
1 سورة الإسراء آية ۸۸
۳
سورة هود آية ۱۳
۳ سورة البقرة آيتا ٢٣ ٠ ٢٤ في هذه الآيات قرر القرآن لفظ مثل والمثلية لا تختص بجانب دون جانب وإنما تعم جميع المناحي والواقع أن النقاش في القرآن معجز بأسلوبه أو بمعانيه أو بقصصه أو بأخباره عن المغيبات أو بغير ذلك من وجوه – إنما هو نقاش لا يتمشى مع الفكرة القرآنية التى هى فى التماثل من جميع النواحي قال صاحب البحر المحيط
والمثلية في حسن النظم وبديع الوصف وغرابة الأسلوب والأخبار بالغيب مما كان وما يكون وما احتوى عليه من الأمر والنهى والوعد والوعيد والقصص والحكم والمواعظ والأمثال والصدق والأمن من التحريف والتبديل ج 1 ص ١١٤ - ١٠٥ ومنشأ الأختلاف في تحديد وجوه الإعجاز في القرآن - راجع إلى إختلاف درجة الاستعدادات الفطرية والاتجاهات الفكرية لإدراكها ومعرفتها فمثلاً من وجد القرآن مصدقاً لما بين يديه من التوراة والإنجيل وأخبار السابقين والغيبيات التي لا تحيط بها البشرية علماً - حصر وجوه الإعجاز فيا أدرك
ومن نظر إلى القرآن من ناحية اللفظ وحسن السبك وجزالة الأسلوب وماله من روعة تملك على السامع شعوره ووجدانه - حصر الإعجاز في ذلك ومن أجال فكره فيا حواه القرآن من الأسرار الكونية التي تكشف عنها العلوم والبحوث أيا كانت فهو مصدق لما في الطبيعة والفطرة منريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم واتجه هذا الاتجاه إلخ متفرقين -
٦٦
ولم الشك في أمر الرسول عمله الا الله مع أنه لو أخبرهم أن خيلا وراء الوادى ستغير عليهم الصدقوه لأنهم لم يعهدوا عليه كذباً
على أنه قد لبث فيهم من قبل ذلك أربعين عاما فلم يحدث بنبوة ولابرسالة ذلك أن هذا الأمر إنما يرجع إلى مشيئة الله فحسب
قل لو شاء الله ماتلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون يونس / ١٦ ١
ويطلب إليهم القرآن أن يتفكروا في أمر صاحبهم هذا الذي نشأ بينهم وترعرع على مرأى ومسمع منهم بل كانوا يعرفونه كما يعرفون ابناءهم بالصدق والأمانة ورجاحة العقل قال تعالى
قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدى عذاب شديد سبأ / ٤٦
ولم الشك في أمره مع تجرد من كل مطمع دنيوى قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى إلا على الله وهو على كل شيء شهيد سبأ / ٤٧
ولم التشكك في أمره وهو أمى لا يقرأ ولا يكتب ومن كانت حاله هذه لا يمكنه يستمد ما يقول من كتاب قال تعالى
اثنين اثنين وواحدا واحدا ثم تفكروا في أمر محمد وما جاء به أما اثنان فيتفكران ويعرض كل واحد منها محصول فكره على صاحبه وينظران فيه متصادقين لا يميل بهما اتباع
هوى ولا ينبض لهما عرق عصبية حتى لا يهجم بها الفكر الصالح والنظر الصحيح على جادة الحق وسته ١ والآية رقم ٤٦ من سورة سبأ والمعنى على ماورد في الزمخشري ملخصاً إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهى أن تقوموا لوجه الله خالصاً وكذلك الفرد يفكر فى نفسه بعدل ونصفة من غير أن يكابرها ويعرض فكره على عقله وذهنه وما استقر عنده من عادات العقلاء ومجاري أحوالهم والذي أوجب تفرقتهم منى وفرادى أن الاجتماع مما يشوش الخواطر ويمنع من الرؤية ومع ذلك يقل الإنصاف
ويكثر الاعتساف
وقد علمتم أن محمداً ما به من جنة بل علمتوه أرجح قريش عقلاً وأصلهم رأياً وأصدقهم قولاً وأنزههم نفساً فكان مظنة لأن تظنوا به الخير وإذا فعلتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بأن يأتيكم بآية
وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون ۱ هذه الظروف وهذه الملابسات فضلا عن القرآن ترشد إلى أن محمداً
كان صادقاً في دعواه
معارضة العرب
بيد أن العرب تغالوا في المعارضة حتى لقد وصلوا أحياناً إلى حد السخف ولكن القرآن كان لهم بالمرصاد وكان دائماً يفحمهم في قوة
لقد قالوا
ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق فرد الله
عليهم بما يقطع حجتهم وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق الفرقان/ ۰ وقال ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية
الرعد / ۳۸
ولم يجد اليهود ولا النصارى مفرا من الاعتراف بأن الرسل السابقين كانوا حقا
كذلك
وقال العرب لولا نزل عليه القرآن جملةً واحدة الفرقان/٣٢ فإذا بالقرآن يعلل ذلك تعليلاً في غاية القوة والوضوح
كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً ۳ الفرقان/ ٣٢
۱ سورة العنكبوت آية ٤٨
سورة الفرقان آية ٧
۳ وهذا أيضاً من اعتراضاتهم واقتراحاتهم الدالة على شرودهم عن الحق وتجافيهم عن أتباعه قالوا هلا نزل عليه دفعة واحدة فى وقت واحد كما أنزلت الكتب الثلاثة ! وماله أنزل على التفاريق والقائلون قريش وقيل
اليهود
وهذا فضول من القول ومماراة بما لاطائل تحته لأن أمر الإعجاز والاحتجاج به لا يختلف بتزوله جملة واحدة أو مفرقاً وقوله تعالى كذلك لنثبت به فؤادك جواب هم أى كذلك أنزل مفرقاً والحكمة فيه أن نقوى بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه لأن المتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئاً بعد شيء وجزءا عقيب جزء ولو ألقى عليه جملة واحدة لبعل به وتعيا بحفظه والرسول - فارقت حاله حال موسى وداود وعيسى -
وقالوا لولا نُزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ! الزخرف/ ٣١
فرد عليهم القرآن في أسلوب لاذع
أهم يقسمون رحمة ربك الزخرف/ ٣٢ ورأوا أن يكون الرسول ملكاً فإذا بالقرآن يجيبهم في منطق صارم ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون الأنعام/۹ ويذكر ذلك في موضع آخر مصوراً تعنتهم في إنكار النبوة فيقول ومامنع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولاً الإسراء/٩٤
ويرد عليهم القرآن معللاً الأمر بتعليل آخر غير السابق فيقول قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً الإسراء / ٩٥ وهذا التعليل في غاية العمق فإنه ينطوى على سبب من أهم أسباب إرسال الرسل فالملائكة ليسوا - بطبيعتهم - في حاجة إلى من يهديهم من الناحية الأخلاقية إنهم ملائكة
ويتعمد القرآن أن يصفهم بأنهم يمشون مطمئنين فيثبت بذلك توضيح
طبيعتهم الملائكية في أذهاننا
وع
ذلك يقول
لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً
لم إنهم ملائكة وهم يمشون مطمئنين فما حاجتهم إلى الرسالة الواقع أن مهمة الرسول الأولى ليست الأخلاق وإنما هي معرفة الله والملأ الأعلى وما وراء الطبيعة وذلك لا يتأتى فى صحة لا يشوبها خطأ بمنطق عقلى أو قیاس نظرى وإنما يتأتى عن الله بسفرائه إلى عباده وهم الرسل والملائكة كالبشر عاجزون عن معرفة الله إلا به ولقد قالوا كما حكى القرآن
عليهم السلام حيث كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب وهم كانوا قارئين كاتبين فلم يكن له بد من التلقن والتحفظ فأنزل عليه منجماً في عشرين سنة وقيل في ثلاث وعشرين وأيضاً فكان ينزل على حسب الحوادث وجوابات السائلين عن الزمخشري ج ص ۱۰۹ه م٦ - القرآن ۱۴
9
عنهم في سورة البقرة
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ۱ أما الأخلاق فإنها في المرتبة الثانية بعد
معرفة الله
قوة
وأرجفوا بأن محمداً عل الله يستمد القرآن من شخص معين فرد عليهم القرآن في
لسان الذي يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربي مبين النحل/١٠٣
ولما استيئس العرب من الجدل المنطقى تقمصوا عقلية الصبيان وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتى بالله والملائكة قبيلاً أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في
السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه
فيجيبهم القرآن في سهولة قوية لاذعة جادة ساخرة قل سبحان ربى ! هل كنت إلا بشراً رسولاً الإسراء/۹۳ ويثور العرب حينما يرون منطقهم ينهار فينادون
يأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من
الصادقين الحجر/ ٧٦
ويرد عليهم القرآن مبينا لهم ماقد خفى عنهم
ماننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين الحجر/ ۸ ويصور القرآن في النهاية موقفهم الحقيقى الذى لا يخرج عن أن يكون عناداً
لا شائبة فيه لطلب الحق ولا للرغبة فى الهدى فيقول
ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا
۳
بل نحن قوم مسحورون ولو نزلنا عليك كتاباً فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا
۱ آية ۳
۳ سورة الحجر ايتا ١٤ - ١٥
سورة الإسراء الآيات ۹۰ ۹۳
٧٠
سحر مبين الأنعام / ٧
فلما أخذتهم الحجة من جميع أقطارهم ورأوا أنهم أضعف من أن يغلبوا بالمنطق
أعرضوا وقالوا
قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفى آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون ١
فيذكرهم القرآن موقف الأمم قبلهم وينذرهم بعذاب كما هي سنته مع هذا النوع من المعاندين
فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فصلت / ١٣
حقا لقد كانت خصومة العرب للرسول صلي الله عنيفة قوية ولقد صورها القرآن في قوتها وفى عنفها ولم يأب أن يذكر ما فاهت به العرب مما يسىء الرسول الله فذكر وصفهم له بالجنون وبالشعر وأنه ساحر أو مسحور وبأنه ليس من عظماء القريتين ٢ وبأنه يأخذ القرآن عن غيره أو بأن القرآن ليس إلا سحراً أو أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلاً
ذكر القرآن كل ذلك وصور الخصومة في عنفوانها عارضاً أدلة الجاحدين ذلك أن القرآن هداية الله وهدايته سبحانه وتعالى هي الحق الذي يقذف على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق
وجود الله
لقد كان من الطبيعي - بعد أن ثبتت النبوة - أن يتلقى العرب كل ماجاء في القرآن بالقبول ولكن القرآن لم يكن يلقى القول على علاته وإنما يأتى بالقضية مبرهناً عليها بالدليل تلو الدليل فيرضى العقل ويطمئن النفس ويقود الضمير إلى الإذعان
۱ سورة فصلت آية ٥
مكة والطائف
۷۱
وبرغم أن وجود الله أوضح من أن يبرهن عليه فقد وجد في كل الأزمنة من جحدوا الصانع المدير العالم القادر وزعموا أن العالم لم يزل موجوداً كذلك بنفسه وبلا صانع ولم يزل الحيوان من النطفة والنطفة من الحيوان كذلك كان وكذلك يكون أبداً ١ على هؤلاء - في كل زمان ومكان - يرد القرآن فى استفاضة وفى تنوع وما من شك في أن مسألة إثبات وجود الله لم تكن في يوم من الأيام هدفاً أهداف من القرآن ولم تكن فى يوم من الأيام هدفاً من أهداف الرسول أو أحد أصحابه وذلك أن الإيمان بوجود الله مسألة نظرية وبديهية ونحن هنا نسير على
من
أنه يمكن أن يؤخذ من القرآن أدلة على وجود الله وإن لم يكن ذلك هدفاً الأهداف القرآنية وإذا نسقنا الأدلة أو نظمناها فإنما يرجع ذلك إلى استنتاج من
نصوص هدفها الصحيح بيان عظمة الله وتدبيره وقدرته وهيمنته على كل ما في العالم من صغيرة وكبيرة وبيان عناية الله ورعايته وإحكامه المحكم وإبداعه المتقن لكل ما يسرى في العالم من قوانين ونواميس إن القرآن يمكن أن يؤخذ منه الرد على من انحرفت فطرتهم فيقال إنه يرد عليهم أولاً بضروريات فكرية فيثبت الدلالة الضرورية من الخلق على الخالق
أفى الله شك فاطر السموات والأرض ومن آياته أن خلقكم من تراب ۳ ومن آياته خلق السموات والأرض ٤
ويؤكد هذا بمبادئ مقررة يعترف بها كل إنسان عندما يفكر فيها تفكيراً بسيطاً أنه من البين أن الشيء لا يمكن أن يوجد بدون علة ولا يمكن من جانب آخر أن تكون علته صياغة نفسه
أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ه
۱ المنقذ من الضلال للغزالى طبعة دار الكتب الحديثة ٤ سورة الروم آية ٢٢
سورة إبراهيم آية / ١٠
۳ سورة الروم آية ۰
٥ سورة الطور آية ٣٥
۷
ولا يقتصر القرآن على ذلك بل يورد فى غير ما موضع وفى غير ماسورة ذلك
الدليل الذي يقول عنه كانت إنه يذكر مع الاحترام أعنى الدليل الذي يطلق
عليه أحياناً دليل العناية وأحياناً أخرى دليل النظام أو التدبير أو الغائية وهذا الدليل هو الذى يستند إلى مانراه فى العالم من تناسق وتضامن وانسجام
6
ومن تدبير محكم وعناية تامة بكل صغيرة وكبيرة وترابط لا انفصام له بين أجزاء العالم وأجزاء وحداته أيضاً وقد استخدم القدماء هذا الدليل ولايزال المحدثون يستخدمونه ويعتبره بعضهم أوضح الأدلة على وجود الله بل أقواها وهو في الوقت نفسه أسهلها
بالنسبة للإدراك الإنساني
قال الله تعالى
وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ۱ الله الذي سخر لكم البحر ٢ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ۳
وهو الذى يرسل الرياح بشرا بين يدى رحمته ٤
والله جعل لكم الأرض بساطاً ٥ ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً وخلقناكم أزواجاً وجعلنا نومكم سباتاً وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً وبنينا فوقكم سبعاً شداداً وجعلنا سراجاً وهاجاً وأنزلنا من المعصرات ماء تجاجاً لنخرج به حباً ونباتاً وجنات ألفافاً 1
وإذا تصفحت القرآن تبينت مصداق قوله تعالى وإن تعدوا نعمة الله
لا تحصوها ۷
وكثير من
آي القرآن يجمع بين دليل الخلق ودليل العناية
إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجرى
۱ سورة النحل آية سورة الجاثية آية ۱
۳ سورة البقرة آية ۹ ٤ سورة الأعراف آية ٥٧
٥ سورة نوح آية ۱۹ ٦ سورة النبأ الآيات ٦ - ١٦ ٧ سورة إبراهيم آية ٣٤
في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ۱
وفى سورة الروم آيات متتالية تجمع بين الدليلين - الخلق والعناية – وهي قوله
تعالى
يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحى ويحيى الأرض بعد موتها وكذلك
تخرجون
ومن آياته – أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ومن آياته - خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم
يسمعون
ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينزل من السماء ماء فيحيى به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ومن آياته – أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ٢ هذه الأدلة تكاد تتضمن كل ماعداها من أدلة قديمة كانت أو حديثة برغم
اختلاف أساليب التعبير بحسب اختلاف البيئة أو الزمن
إنها تتضمنها في صورتها السهلة الأثر يدل على المؤثر وتتضمنها فى صورتها الفلسفية القديمة الممكن والواجب
وتتضمنها في صورتها الفلسفية الحديثة سواء رجعنا فيها إلى شعور الوجدان أو
فكرة الكمال أو غير ذلك
۱ سورة البقرة آية ١٦٤
سورة الروم الآيات ١٩ - ٢٥
الإنسان في رحلة البحث عن الله عز وجل
من روائع مناجاة ابن عطاء الله السكندرى مايلي
إلهى كيف يستدل عليك بما هو فى وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من
الظهور ماليس لك حتى يكون هو المظهر لك
متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك
ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك
إن مسألة وجود الله ١ لم تكن فى يوم من الأيام محل بحث عند ذوى الشعور
الديني السليم ولم ينشأ الجدل في هذه المسألة إلا فى العصر اليوناني فهو العصر الذي جعل منها مشكلة قابلة للأخذ والرد والقبول والرفض
والواقع أن ظروف العصر اليونانى القديم هي التي جعلت منه مثلاً سيئاً في كل ما يتعلق بالدين والخلق
لقد كان عصراً خلا من الدين الحق ولم ينعم بالمعرفة الصحيحة عن طريق الوحى فحاولت طائفة منه أن تصل إلى الوحى عن طريق الكهانة ومن ذلك كاهنات معبد دلفى المشهورات
وحاولت طائفة أخرى أن تصل إلى الوحى عن طريق النسك والعبادة والذكر ومن هؤلاء فيثاغورث وأتباعه وأفلاطون والأفلاطونيون القدماء منهم والمحدثون لقد حاولوا أن يقتنصوا الوحى اقتناصاً وأن يكشفوا عن الحجب وأن يزيلوا الأقنعة وأن يصلوا إلى الله فيتصلوا بالجمال والجلال والخير المطلق بيد أن الطريق الذي سلكوه إنما هو طريق خاطئ لأنه لم يؤسس على وحى يرسم طريق الهداية الصحيح وإنما أسس على نهج عقلى بشرى أو على تقاليد
متوارثة
1 حينما يكتب الكاتبون عن مثل هذا الموضوع يبدعون عادة بإثبات وجود الله سبحانه وتعالى ويتخيلون أن هذه المسألة أهم ما في الموضوع وهذا النهج فيا نرى - لا يقره دين ولا نقره فطرة وقد حاولنا أن نستفيض في بيان رأينا في هذا النهج مبينين أن الدين لا يضع مسألة وجود الله موضع بحث وأن الفطرة السليمة لاتقر ذلك
Vo
ومن أجل ذلك لم ينتج الثمرات المرجوة ثم هو طريق صعب المرتقى لأنه يعارض النزعات الحيوانية فى الإنسان ويحاول السمو بها وإعلاءها ويريد أن يرقى بالإنسان إلى ما يقرب من المستوى الروحى الملائكي
ولكن بني البشر في الأغلب منهم يخلدون إلى الأرض ويتبعون أهواءهم ولذلك كانت قلة قليلة تلك الفئة التى حاولت اتباع هذا التيار في صرامة
وإخلاص
أما الأغلبية العظمى من اليونان فقد اتبعوا التيار الذى يعتمد على العقل البشرى اعتماداً كليا وكان زعيمهم ! الأكبر فى ذلك أرسطو فهو الذي وطد أركان العقل البشري وأشاد به كأساس للبحث في عالم ماوراء الطبيعة وفى عالم الفضيلة أو
الخير
وما كان العقل في يوم من الأيام - عند حكماء المصريين أو حكماء الهنود – أهلاً لأن يكون مصدر المعرفة فى عالم الغيب
وأخذ العقل - عقل أرسطو ومن لف لفه - يجادل ويمارى في الحقائق صغرت أو كبرت ودقت أو جلت واضحة كانت كوضوح النهار أو خفية كأنها غلفت بقطع من الليل المظلم وتجرأت أقلامهم على تناول عالم الغيب وعالم الخير بالإنكار أو الشك أو ترجيح الوجود أو ترجيح العدم
وحاول كل زعيم أن الأمر في هذين الميدانين - ميدان ماوراء الطبيعة يصور وميدان الأخلاق - بحسب مزاجه وأهوائه وبحسب ما تمليه عليه ثقافته وبيئته وبحسب ما تمليه عليه طبيعته الجسمانية وجبلته الخلقية
وانتهى الأمر بأن حاول المثبتون الرد فحاول المنكرون تعليل الرفض وزالت قدسية الموضوع وأصبحنا أمام جو من اللجاج والمماراة لا يليق بجلال الله وعظمته وماقدروا الله حق قدره ۱
ولو قيض الله للبيئة اليونانية جوا من الخير والهدى ولو أنعم الله عليهم بنشأة رسول فيهم - لما كان هذا الانحراف الذى انتشر فيهم - منذ أرسطو – انتشار الوباء
1 سورة الحج آية ٧٤
الخبيث والذي تغلغل حتى وصل به الأمر - وهو انحراف منحرف – إلى أن أصبح - وكأنه الوضع الطبيعى - فساداً في كل بيئة وغزا كل عقل وكلما تقدم به الزمن ازداد رسوخاً وثباتاً وازداد انتشاراً حتى لقد غزا الأديان التي تأبى أن تقره أو تعترف به لقد تغلغل في المسيحية فوضع رجال المسيحية مسألة وجود الله وقضية
الفضيلة موضع البحث ونزلوا إلى مجال المجادلة والمماراة ! وأخذ هذا الوضع يتخطى القرون حتى جاء الإسلام فوضع الأمر في نصابه ووجه الأذهان إلى أن الأمر الأساسى إنما هو مسألة الوحدانية أشهد أن لا إله إلا الله وجه الإسلام الأذهان في عنف وفى قوة إلى التوحيد لا إلى إثبات الوجود لقد وجه الإسلام الأذهان إلى أن الله لا يحتاج في إثباته وفى وجوده إلى دليل وهو - على العكس - الدليل على غيره فغيره ثابت به والعالم ثابت بثباته والسموات والأرض والعرش والكرسى - كل ذلك موجود بوجوده ثابت
بثباته والوجود بأكمله محتاج في كل لحظة إليه فضلاً عن احتياجه إليه في نشأته إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ۱ الأولى ووجوده الأصلي إنه يمسكها في كل آونة وفى كل لحظة فإذا ماتخلى عنهما طرفة عين تلاشتا فكانتا هباء وكانتا عدماً وكل ذرة فى العالم وكل خلية فى كائناته - ! إنما ثباتها
بالله وقيامها به ومثل الإنسان كمثل أى كائن آخر من حيث وجوده وقيامه بالله وقد كرمه الله وأعطاه الكثير من المنح والمزايا ووهب له هذا التمييز والفهم وسخر له الكثير من العوالم الأخرى وجعله خليفة في الأرض
ومن أجل ذلك كانت مسئوليته فيما يتعلق بتصحيح الصلة بينه وبين الله عظيمة
خطيرة
أما
تصحيح
هذه الصلة فإن ذروتها العليا ومثلها الأسمى إنما هو ما أمر به
صلوات الله وسلامه عليه في قوله تعالى
۱ سورة فاطر آية ٤١
VV
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك
أمرت وأنا أول المسلمين ۱ وفرق هائل بين من يتخذ هذه الآية القرآنية شعاراً ومن يحاول – متجاوزاً قدره - الاستدلال على وجود الله بمخلوق من مخلوقاته
إن الفرق بينهما هو الفرق بين طريق الهدى والصواب وطريق الجدل والشك وجاء الإسلام - كما قلنا - ليضع الأمور في نصابها وليصحح الأوضاع التي
انحرفت
ومن
هذه الأوضاع المنحرفة الشرك بالله والإنسان يشرك بسبب الضعف على وجه العموم وقد يكون هذا الضعف فقراً وقد يكون جهلاً وقد يكون طمعاً وجشعاً وقد يكون خوفاً وفزعاً وقد يكون غير ذلك ومهما يكن من أمر الشرك فإنه – أينما وجد – ليس إلا مظهراً من مظاهر الضعف
وحاول الإسلام أول ماحاول أن يطهر النفوس من هذا الضعف وأن يعيدها بالتوحيد - إلى مجالات العزة والكرامة ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ٢ فكانت دعوته للتوحيد
أما ما في القرآن مما تخيله بعض الناس استدلالاً على وجود الله واعتقد أن القرآن قصد بذكره الاستدلال على وجود الله فليس إلا بياناً لمظاهر قدرة الله وعنايته بالعالم ومن ذلك مثلا وفى الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحدٍ ونفضل بعضها على بعض في الأكل ۳ وإن الله سبحانه وتعالى جعل
الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتاً وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً وبنينا فوقكم سبعاً شداداً سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء تجاجاً لنخرج به حبا ونباتا وجنات
ألفافا و ٤
۱ سورة الأنعام آيتا ١٦٢ ١٦٣
۳ سورة الرعد آية ٤
وجعلنا
سورة المنافقون آية ۰۸
٤ سورة النبأ الآيات ٦ - ١٦
VA
و تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور الذي خلق سموات طباقاً ماترى سبع في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير حسير ۱
وما مثل هذا في تصوير قدرة الله إلا كمثل
ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفاً فيذرها قاعا صفصفا لاترى فيها عوجا ولا أمتا يومئذ يتبعون الداعى لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلاهمسا يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً إن ذلك وكثيراً غيره إنما ذكر ليبين عظمة الله وجلاله وقدرته ويبين رحمته بعباده وعنايته بهم وما من شك في أنه يمكن أن يؤخذ من ذلك أدلة كثيرة على وجود الله وما من شك في أن الأدلة التى تؤخذ من ذلك يمكن أن تصاغ في أسلوب منطقى في قياس يشتمل على المقدمات والنتائج ويكون متفقاً مع قواعد المنطق الأرسطى ومبادئه لكان ذلك لن يكون أبداً تصويراً لهدف من أهداف القرآن فالقرآن
لا يضع أبداً وجود الله موضع شك حتى يحتاج إلى الاستدلال عليه ومن القصص التي تروى على أنحاء شتى وبأساليب مختلفة تتفق في الجوهر وتختلف في الرسم - ما يحكي من أن بعض مشاهير العلماء ألف كتاباً ضخماً في إثبات وجود الله فأقام له أصدقاؤه حفلة تكريم من أجل عمله الضخم هذا ومر بهم بعض الصالحين فأخذوا يحدثونه عن عبقرية المؤلف فسأل ومتى غاب الله حتى يكون في حاجة إلى إثبات
فوجم الجميع ولم يستطع المؤلف الإجابة وتركهم الرجل الصالح وهو
يردد
1 سورة الملك الآيات ١ - ٤
سورة طه الآيات ۱۰۵ - ۱۱۱
قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ١
وقال رجل للثورى - الصوفى المعروف - ما الدليل على وجود الله
قال الله
قال الرجل فما العقل
قال العقل عاجز والعاجز لايدل إلا على عاجز مثله
كل ذلك يؤيد ماقاله الشاعر
من رام بالعقل مسترشداً سرحه
وشاب بالتلبيس أسراره
والنتيجة التي نريد أن نصل إليها هي
أن
في خيرة
يلهو
يقول من حيرته هل هو
روح القرآن إذن هي قيادة النفوس إلى التوحيد وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ٢ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين قل إنما يوحى إلى إنما إلهكم إله واحد فهل
۳
أنتم مسلمون وتأتى مشكلة الملاحدة والوجوديين المنكرين لوجود الله ماذا نفعل بإزائهم إن مثل هؤلاء لا وجود لهم فى مجتمع سليم طاهر ويكفي اعتزالهم كمرض خبيث ينفر الإنسان منه ويكفى عزلهم عن أن يفسدوا الآخرين تلاميذ كانوا أو طلبة أو عمالاً أو زارعين ولن تمر فترة طويلة عليهم في هذا الوضع حتى يرتدعوا ويعدلوا عن اتباع أهوائهم وشهواتهم وما الوجودية إلا الهوى إنها هوى النفس التي لا تحتمل القيام بالواجب الاجتماعي والديني
والإلحاد ضعف لأنه محاولة للفرار من التكاليف
ومع كل ما تقدم فإنه لا يتأتى لى أن أترك هذا المجال دون أن أذكر قصة سمعتها
1 سورة الأنعام آية ۹۱
سورة الأنبياء آية ٢٥
۳ سورة الأنبياء آیتا ۱۰۷ ۱۰۸
حديثاً هزتني من الأعماق أيضاً ووقعت من نفسى موقعاً من الروعة والجلال لا يمكنني تصوير مداه
لقد ذكر لي هذه القصة فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ مدثر الحجاز وكيل جامعة أم درمان ورئيس الطريقة التيجانية بالسودان في إحدى القرى النائية المنعزلة من قرى السودان - كان يعيش رجل عابد
العالم
كله
صالح وكان يقضى وقته بين المسجد والبيت لم يكن يفارق القرية يوماً ما والقرية في انعزالها كأنها – بالنسبة له – وفى يوم من الأيام ولظروف معينة غادر هذا الرجل الصالح القرية بصحبة صديق له وجدا فى السير حتى وصلا إلى الطريق الذى يؤدى إلى المدينة وما إن وصلا إلى الطريق حتى رأيا - بطريق المصادفة - رجلاً من رجال الجيش الإنجليزي بملابسه العسكرية مترف المظهر متحلياً بكل ما يمكن أن يتزين به رجل الجيش المترف الأنيق ولم يكن الشيخ الصالح قد أتاحت له الظروف رؤية مثل هذا المنظر في قريته أو فى عالمه المنعزل النائى الذي اختصره الشيخ - مع
صغره - من قرية إلى بيت إلى مسجد
وتأمل الشيخ رجل الجيش الإنجليزي في دهشة ثم سأل صديقه مشيراً إلى هذا
الشيء الغريب
- ما هذا
- هذا خواجة وما كانت كلمة خواجة قد دخلت في قاموس الشيخ
فقال لصديقه وما خواجة
- هذا كافر
وعاد الشيخ يسأل في دهشة أشد وفي استغراب أقوى
- أهو كافر بالله
فقال صديقه نعم
أن
وما إن نطق صديقه بذلك حتى تملك الشيخ شعور بالاشمئزاز منعه من يتلفظ أو ينطق وغمره إحساس بالغثيان أخذ يقوى ويزداد بسرعة سريعة وإذا
۸۱
بالشيخ يتقاياً اشمئزازاً وغثياناً وتقززاً من هذا الكافر !
هذه هي
القصة
أترى تصويراً أدق للشعور بالنسبة للملحد
من
هذا الاشمئزاز
وأى قلم يبلغ في التعبير ما بلغ هذا الشيخ وأى أسلوب
إن جميع الأعراف في أرجاء الكون تتفق في الاشمئزاز ممن ينكر جميع
الجميل وهذا الاشمئزاز يتفاوت بنسبة قيمة الجميل الذى يسدى وبنسبة درجة النكران التي تقابله وبنسبة صفاء النفس التي تعلم أوترى هذا النكر والإنسان - إيجاداً وخلقاً وتصويراً - من صنع الله وهو – بصراً وسمعاً وذوقاً وإحساسا وشعوراً - من صنع الله وهو عقلاً وفكراً - من صنع الله وكل نعمة ظاهرة وباطنة - ونعم الله لا تعد - إنما هي من صنع الله وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ۱ ومابكم من نعمة فمن الله ٢ من نعم يتقلب فيها ليلاً ونهاراً صباحاً ومساء – إن كل ذلك من الله فإذا ما كفر إنسان بالله فإنه يكون أخس من أن يعاقبه الإنسان بالصفع وأحقر يبصق الإنسان في وجهه ولا يستأهل إلا الاشمئزاز إلى درجة التقايؤ أما الجزاء في الدين الإسلامي فإنه معروف يستتاب فإن لم يتب قتل مرتداً
من
أن
ومما لاشك فيه أن من الوسائل الكريمة التي تحول دون انتشار هذه القيادات الفاسدة الملحدة في المجتمع ما يرجع إلى علماء الدين فإنهم وقد هيأ الله لهم أن يتولوا قيادة المجتمع دينيا لاشك يكون تأثيرهم جارفاً إذا كانوا مثلاً عالية للفضيلة للفضيلة في أسمى معانيها وأشملها أى إذا كانوا – حقا – بالمنزلة التي ترضى الله ورسوله علماً وخلقاً وحباً للخير وإخلاصاً فى كل ما يأتون ومايدعون وقد بين الله مقاييس الخير وموازين الفضيلة وبين طريق الخير وسبل الضلال وعلماء
الدين
أعرف بذلك من غيرهم فمسئوليتهم أشد وواجباتهم أصرم وتأثيرهم في لمجتمع – بادية وحاضرة - لاشك كبير والله يهدينا جميعاً سواء السبيل
1 سورة النحل آية ۱۸
سورة النحل آية ٥٣
AY
الوحدانية وإذا كان القرآن لا يجعل من أهدافه إثبات وجود الله فإنه يجعل من أهدافه الكبرى إثبات التوحيد والإسلام هو دين التوحيد والله سبحانه وتعالى واحد لا شريك له ويستدل القرآن بالمشاهدة الصادقة لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ۱
هذه المشاهدة العادية تلبس صورة منطقية رائعة فلو كان هناك إله غير الله إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ٢ على أن القرآن لا يكتفى بالمشاهدة وبالمنطق وإنما يرجع بالإنسان إلى وجدانه
ويثبت الوحدة عن طريق النظام والعناية والتدبير فيقول في آيات رائعة قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الله خير أما يشركون أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة
ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين
البحرين حاجزاً أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون
6
أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدى رحمته ا إله الله تعالى الله عما يشركون أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ۳
1 سورة الأنبياء آية ٢٢ سورة المؤمنون آية ۹۱
۳ سورة النمل الآيات ٥٩ - ٦٤
العلم
والله سبحانه وتعالى عالم إنه عالم الغيب والشهادة
الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وماتزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ۱
والله تعالى لا يعلم الماضى والحاضر فحسب ولكنه يعلم المستقبل أيضاً ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن
نبرأها إن ذلك على الله يسير وهو يسخر ممن جعلوا الله شركاء ويسألهم في سخرية وإنكار وجعلوا الله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بمالا يعلم في الأرض أم بظاهر - من القول ۳ وفي القرآن آية يرى بعضهم أنها تشير إلى العقل الباطن أو اللاشعور وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ٤
والقرآن يرشد إلى أن علمه ليس مقصورا على ذاته كما يرى أرسطو وليس مقصوراً على الذات والكليات كما يرى بعض الفلاسفة ولكنه علم شامل للذات والكليات والجزئيات جميعها على الوجه التام
يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض ولا أصغر من ذلك
۱ سورة الرعد الآيات ۸ - ۱۰ سورة الحديد آية
۳ سورة الرعد آية ٣٣ 1 سورة طه آية ٧
٨٤
ولا أكبر إلا في كتاب مبين ١
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما فى البر والبحر وماتسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب
مبين
مسمى
وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ماجرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ٢
فهو في غاية الوضوح والقوة
أما دليل القرآن على الله علم ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ۳
مظاهر صفاته
۱
الله عالم وهو مريد قادر وحكيم ومن مظاهر صفاته هذه المتضامنة هذا الكون وماحواه من بديع صنعته والقرآن يتحدث في استفاضة عن مظاهر هذه الصفات في كثير من السور بل لا تكاد تخلو سورة من هذه المظاهر كلها أو بعضها وإليك نموذجاً يحدثك بذلك
الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل من مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء
ربكم توقنون
وهو الذي مد
الأرض وجعل فيها رواسى وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها
زوجين اثنين يغشى الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وفى الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات
لقوم يعقلون ٤
1 سورة سبأ آيتا ۳
سورة الأنعام آيتا ٥٩ ٦٠
۳ سورة الملك آية ١٤
٤ الرعد الآيات ٢-٤
٨٥
البحث
الله سبحانه وتعالى خالق وهو واحد مريد عالم قادر إلخ وهو أيضاً باعث ومسألة البعث مسألة أنكرها قوم يطلق عليهم الإمام الغزالي الطبيعيون وهم قوم أنكروا البعث مع اعترافهم بالصانع لقد اعترفوا بالصانع لما رأوه في عجائب الطبيعة من تناسق بحكم لا يمكن أن يكون وليد المصادفة ولكنهم رأوا أن النفس تابعة للبدن ولذلك تفنى بفنائه
وكانت نتيجة ذلك أن جحدوا الآخرة وأنكروا الجنة والنار والحساب على هؤلاء وأضرابهم على اختلاف بيئاتهم وأساليبهم يرد القرآن في غير ماوضع وطبيعيو العرب لم يكن عندهم فى هذه المسألة منطق جدلى فلسفى وليس لهم من دليل سوى الإنكار والاستعباد وقالوا أإذا كنا عظاماً ورفاتاً أإنا لمبعوثون خلقاً جديدا ۱
قال من يحيى العظام وهي رميم والقرآن يرد عليهم بتذكيرهم بمظاهر قدرة الله السائدة في الكون وبأنه ليس من العدالة الإلهية أن يترك الإنسان سدى فلا يجازى على ماقدم أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من منى يمنى ثم كان علقة الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيى
فخلق فسوى فجعل منه
الموتى ۳ وفي القرآن كثير من الآيات ترد عليهم مستندة إلى مظاهر قدرة الله وعدالته وفيه آيات متتالية في آخر سورة يس تحدثت عن رأى منكرى البعث ثم ردت عليهم ردوداً متنوعة مختلفة واضحة قوية ونحن نذكر هذه الآيات ونذكر تفسير الكندى لها نقلاً عن كتاب الكندى للأستاذ أبي ريدة
۱ سورة الإسراء آية ٤٩
سورة يس آية ۷۸
۳ سورة القيامة الآيات ٣٦ - ٤٠
٨٦
قال من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ۱
ويقول الأستاذ أبو ريدة عن تفسير الكندى لهذه الآيات إن فيه يبرز فيلسوفنا الأصول النظرية التى تتضمنها هذه الآيات من جهة ويستخرج النتائج التى تلزم عنها من جهة أخرى وهي
1 - وجود الشيء من جديد بعد موته وتحلله السابقين - ممكن بدليل مشاهدة
وجوده بالفعل مرة ولاسيما أن جمع المتفرق أسهل من إيجاده وإبداعه عن عدم وإن كان لا يوجد بالنسبة لله شيء هو أسهل وشيء أصعب هذا الدليل موجود في الآيات في كلمات قليلة قل يحييها الذى أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ٢ - ظهور الشيء من نقيضه كظهور النار من الشجر الأخضر ممكن وواقع
تحت الحس وإذن يمكن تدب الحياة في الجسد المتحلل الهامد مرة أخرى وذلك أيضاً على أساس المبدأ الأكبر وهو أن الشيء يوجد من العدم المطلق بفعل المبدع الحق - هذا الدليل موجود في آية الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون وقد انتفع به الأشعرى في إمكان البعث - خلق الإنسان أو إحياؤه بعد الموت أيسر من خلق العالم الأكبر بعد أن لم
يكن وهذا هو مضمون آية
أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو
الخلاق العليم
1 سورة يس الآيات ۷۸ - ۸۳
٤ - الخلق والفعل مطلقاً مهما عظم المخلوق لا يحتاج من جانب الله المبدع لا إلى مادة ولا إلى زمان - خلافاً لفعل البشر الذى لا يتم إلا في زمان ويحتاج إلى مادة تكون موضوع الفعل وهذا هو معنى آية
إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون
وهذه الآية - فى رأى الكندى - إجابة عما في قلوب الكفار من النكير بسبب ظنهم أن الفعل الإلهى المتجلى فى خلق العالم الكبير يحتاج إلى زمان يناسب عظمته قياساً لفعل الله على فعل البشر لأن فعل البشر لما هو أعظم يحتاج إلى مدة
مهم
زمانية أطول فجاءت الآية حاسمة في بيان نوع الفعل الإلهى وأنه إبداع فالإرادة الخالقة والقدرة المطلقة لاتحتاج إلى مادة ولا إلى امتداد زمانى فأى بشر - كما يقول الكندى - يقدر بفلسفة البشر أن يجمع في قول بقدر حروف هذه الآيات ماجمع الله - جل وتعالى - إلى رسوله عله فيها من إيضاح إن العظام تحيا أن بعد رميماً وإن قدرته تخلق مثل السموات والأرض وإن الشيء يكون من نقيضه كلت عن ذلك الألسن المنطقية المتحايلة وقصرت عن مثله نهايات البشر وحجبت عنه العقول الجزئية ا هـ ١ على أننا لا نترك موضوع البعث دون أن نوجه ذهن القارئ إلى هذا التنظير البديع الذي ذكره القرآن الكريم بين الأرض الموات التى يحييها الله فتنبت من كل زوج
أجل
تصير
بهيج والعظام والرفات التي يحيها الله ويصورها فيحسن تصويرها يأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام مانشاء إلى مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيى الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور
۱ رسائل الكندى ص ٥٧ ٥٨
سورة الحج الآيات ٥ - ٧
١٤
۸۸
مشاهد القيامة
ويسبق البعث ويعقبه أمور تحدث عنها القرآن فى كثير من الآيات ووصفها في روعة أخاذة إنها تصف يوم القيامة وتتحدث عن الحساب والميزان وتصف حالة المؤمنين والكافرين وتصور النار فى صورتها البشعة الكريهة والجنة في روحها وريحانها وصورها ورياضها الفيحاء وسنكتفى من كل ذلك بآيات من آخر سورة الزمر
في
وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ونفخ في الصور فصعق من ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما
السموات
يفعلون
وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم
هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال خزنها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين
وقالوا الحمد لله الذى صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد
ربهم وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ۱
۱ سورة الزمر الآيات ٦٧ - ٧٥
۱۵
القرآن ومعتقدات العرب
إن ما قدمناه سابقاً لم يكن إلا مناحى موجزة من العقيدة الإسلامية لم تستوعبها فنحن لم نتتبع القرآن آية آية أو سورة سورة لنصل من ذلك إلى
إعطاء فكرة تامة عن العقيدة الإسلامية
على أن إيضاح هذه العقيدة يستلزم حتما توضيح موقف القرآن مما كان منتشراً في
جزيرة العرب من معتقدات لقد قلنا سابقاً إن جزيرة العرب كانت ملأى بمختلف العقائد سواء ما استند منها إلى الخيال والوهم أو ما استند منها فى أساسه إلى كتاب سماوى والقرآن يتحدث عن هؤلاء وأولئك ويناقشهم ويجادلهم ليقودهم في النهاية إلى الطريق
المستقيم وإذا كان القرآن قد تحدث عن هذه المعتقدات فلم يكن ذلك لأنها في جزيرة العرب فحسب وإنما كان ذلك لأنها أنماط من معتقدات منتشرة في جزيرة العرب وفي خارجها وكان هدفه من ذلك طبعاً تخليص فكرة الألوهية عن كل ما يشوبها ووهم وضلال من
خطأ
تحدث القرآن عن معبودات لاتتصف بصفة الحياة كالأصنام والكواكب وفى قصة سبأ ذكر لعبادة الشمس وفى قصة إبراهيم ذكر لهذين النوعين وفيها مايبطلها أما فيما يتعلق بالكواكب فإنه من البين أن الإله لا يطرأ عليه المغيب إذ الإله
منزه عن ذلك
فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربى فلما أفل قال لا أحب
الآفلين فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفلى قال لئن لم يهدنى ربى لأكونن من
القوم الضالين
4
فلما رأى الشمس بازغةً قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إنى برىء مما تشركون ۱
بيد أن عبادة الأصنام كانت متغلغلة فى جزيرة العرب إلى درجة هي من القوة بحيث اقتضت القرآن أن يفتن فى الرد عليها واختلفت أساليب رده بين الجدل الصارم والسخرية اللاذعة والتهكم المرير -
واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين
قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون ٢ أما الأسلوب المنطقى الساخر المتهكم فإنه يتمثل في الآيات التالية ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين إذ قال لأبيه وقومه ماهذه
التماثيل الذي أنتم لها عاكفون
قالوا
وجدنا آباءنا لها عابدين
قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين
قالوا أجئنا بالحق أم أنت من اللاعبين
قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذاً إلا
كبيراً لهم
لعلهم إليه يرجعون
قالوا من فعل هذا بالهتنا إنه لمن الظالمين
قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون قالوا أأنت فعلت هذا بالهتنا يا إبراهيم
قال بل فعله كبيرهم هذا فأسألوهم إن كانوا ينطقون فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله مالا ينفعكم شيئا ولا يضركم أن لكم ولما تعبدون من
۱ سورة الأنعام الآيات ٧٦ - ۷۸ -
سورة الشعراء الآيات ٦٩ - ٧٣
۹۱
دون الله أفلا تعقلون ۱
أما عجل بني إسرائيل فقد كان له خوار ثم إنه ألا يرجع إليهم قولاً و ولا
يملك لهم ضرا ولانفعا ٢ ذلك اتخذوه إلها يقول تعالى ومع
واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً اتخذوه وكانوا ظالمين ۳
ولم يقتصر القرآن – فى تصحيح فكرة الألوهية فى العالم - على الرد على عبدة الأصنام أو الكواكب إذ كان هناك عبدة فرعون وعبدة الجن وعبدة
الملائكة
وقد ذكر القرآن كل هؤلاء وهم جميعاً ينطبق عليهم ما ينطبق على الذي حاج إبراهيم في ربه فليس في استطاعتهم أن يغيروا مجرى سير الكواكب الذي رسمه الله لها منذ أن وجد العالم ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربى الذي يحيي ويميت قال أنا أحيى وأميت
قال إبراهيم فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي
كفر والله لا يهدى القوم الظالمين ٤ وليس في استطاعتهم مجتمعين أن
لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ٥
فإذا كانوا قد عجزوا عن أن يغيروا سنة واحدة من سنن الله الكونية وعجزوا أن يخلقوا ذبابة بل يعجزون عن أن يستنقذوا منها ما استلبته منهم إذا كانوا قد عجزوا عن ذلك فليسوا بآلهة لأن من خصائص الإله المقدرة العامة الشاملة
عن
٢٥٨
۱ سورة الأنبياء الآيات ٥١ ٦٧ ٤ سورة البقرة آية 5 سورة الحج آية ٧٣
سورة طه آية ۸۹
۳ سورة الأعراف آية ١٤٨
۹
المسيحية
على أن الصراع القوى إنما كان بين الإسلام من جانب والمسيحية واليهودية من جانب آخر فقد كان اليهود يعتزون بالتوراة ويعتزون بإبراهيم وموسى وينظرون إلى كل من عداهم نظرة احتقار يسرونها أحياناً ويعلنونها حينما تواتيهم
الظروف
وكان المسيحيون يعتزون بالإنجيل ويعتزون بعيسى وموسى وإبراهيم وينظرون إلى غيرهم نظرتهم إلى القطيع الضال يتطلب راعياً يقوده إلى الحظيرة وقد زاد اعتزازهم بأديانهم حينما اعترف القرآن بموسى وعيسى واعترف بما أنزل الله عليهم من توراة وإنجيل وحقاً لقد كان موقف القرآن كريماً بالنسبة إلى المسيحيين انظر إليه في سموه إذ
يقول
إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن
الصالحين
قالت
إذا قضى
رب
أنى يكون لي ولد ولم يمسسنى بشر قال كذلك الله يخلق مايشاء أمراً فإنما يقول له كن فيكون ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولاً إلى بني إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله وأنبئكم بماتأكلون وما تدخرون فى بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين 1
وبينما يرمى اليهود مريم بأبشع النقائص لحملها بدون زواج إذا بالقرآن يقول
يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ٢ ولكن القرآن لا يعرف المجاملة فى الحق وقديماً قال أرسطو كلمته المشهورة ۱ سورة آل عمران الآيات ٤٥ ٤٩ سورة آل عمران آية ٤٢
أحب أفلاطون وأحب الحق وأوثر الحق على أفلاطون وإذا كان القرآن يعترف بأن أقرب الناس مودة إلى المؤمنين هم الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون فإنه لا يجامل في بيان الحق وتوضيح الجادة وتصحيح فكرة الألوهية التي حرفها النصارى بعد
عيسى
لقد أرسل الله عيسى برسالته إلى بنى إسرائيل فحرفها من بعده الذين انتسبوا إليه
أفظع تحريف وشوهوها أبشع تشويه وأبعدوا في الضلال فزعموا تارة أن المسيح هو الله وزعموا أن الله ثالث ثلاثة بل لقد ألهوا
مريم ! وكل هذا ضلال تتنزه عنه الرسالة الإلهية
وقد رد عليهم القرآن من طريق المنطق تارة ومن طريق كتبهم وما جاء فيها تارة أخرى وفي كلتا الحالتين كان أسلوبه قوياً عنيفاً كأنه الصواعق تنزل على افترائهم فتحطمه تحطيماً
وقالوا اتخذ الرحمن ولداً ! لقد جئتم شيئاً إذًا ! تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولداً وماينبغى للرحمن أن يتخذ ولداً إن كل من فى السموات والأرض إلا أتى الرحمن عبداً ۱ ويرد عليهم القرآن وعلى غيرهم فى هذا متخذاً أساس الرد عقيدة من عقائدهم إنهم يعتقدون أن ليس لله تعالى زوجة فيقول القرآن بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء
وهو بكل شيء عليم
۱ سورة مريم الآيات ۸۸ - ۹۳
٢ يقول صاحب البحر المحيط في تفسير هذه الآية من سورة الأنعام ۱۰۱ كيف يكون له ولد وهذه حاله أى أن الولد إنما يكون من الزوجة وهو لازوجة له فلا ولد له وفيه إبطال الولد من ثلاثة أوجه أحدهما أن مبتدع السموات والأرض - وهى أجسام عظيمة - لا يستقيم أن يوصف بالولادة لأن الولادة من صفات الأجسام ومخترع الأجسام لا يكون جسماً حتى يكون والداً والثانى أن الولادة لا تكون إلا بين زوجين من جنس واحد وهو تعالى متعال عن المجانس فلم يصح ان تكون له صاحبة فلم تصح الولادة والثالث أنه ما من شيء إلا وهو خالقه والعالم به ومن كان بهذه الصفة كان غنياً عن كل شيء والولد إنما يطلبه المحتاج إليه هـ النهر الماد من البحر ج ٤ ص ١٩٤
ثم إن النصارى ألهوا المسيح وأمه عليهما السلام وأخذ القرآن يرد عليهم في هذا
بمختلف الردود
وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمى الهين من دون الله قال سبحانك ! ما يكون لى أن أقول ماليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسى ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ماقلت لهم إلا ما أمرتنى به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ۱ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك الله شيئاً من إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً والله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير ٢
لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون يمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ۳ وينبه القرآن المسيحيين إلى أن المسيح وأمه كانا يأكلان الطعام ٤ ومن البين أن الذي يأكل الطعام فيتحول في جسمه دماً ولحماً وعظاماً وينضح عرقاً ويخرج فضلة لو بقيت في الجسم لضرته من الواضح أن كائناً من هذا النمط لا يمكن أن يكون إلا بشراً خاضعاً لكل قوانين البشرية التي لاتؤدى إلى نقص في مرتبته
کرسول
لقد كان لميلاد المسيح بدون أب أثر قوى فى زيغ كثير من النصارى وكثير من اليهود لقد غالى النصارى فقالوا إنه ابن الله وأسرف اليهود في عنادهم فرموا أمه الطاهرة بالفجور
1 سورة المائدة الآيات ۱۱۹ - ۱۱۸ ۳ سورة المائدة آيتا ۷ - ۷۳
سورة المائدة آية ۱۷
4 سورة المائدة آية ٧٥
۹۵
على هؤلاء وأولئك يرد القرآن في بساطة ووضوح بأن
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن
فيكون ۱
واليهود والنصارى يعترفون بأن آدم خلقه الله دون أب وأم فأمره إذن أعجب أن يغالوا في أمره غير الحق أو يسرفوا في
وأغرب من أمر عيسى فما كان لهم
الانتقاص من
اليهود
للمسلمين
هم
وإذا كان المسيحيون هم أقرب الناس مودة للمسلمين فإن أشد الناس عداوة اليهود ومثلهم في ذلك مثل الذين أشركوا هكذا يصفهم القرآن ويستفيض في الجدل معهم استقاصة تتناسب هي وتاريخهم الطويل وعنادهم الشديد ومكرهم الخبيث
ولقد كان الصراع قوياً عنيفاً بين الإسلام واليهود كان صراعاً بالمنطق والبرهان وكان صراعاً بالسيف والرمح ولا يعنينا هنا التحدث عن السيف والرمح وإنما نتحدث عن الصراع بالمنطق والبرهان ولقد خص القرآن آل عمران من بنى إسرائيل بسورة من أكبر سوره هي سورة آل عمران سماها باسمهم وسورة المائدة وهى من أكبر سور القرآن أيضاً تكاد تكون مقصورة عليهم وفى القرآن سورة يوسف وسورة إبراهيم وسورة مريم وسورة الأنبياء وكلها ملأى بالحديث عن بني إسرائيل أما سورة الأعراف فإنها تروى قصة موسى مع فرعون ومع السحرة المصريين وتتحدث عن إخراج بني إسرائيل من مصر ومناجاة موسى لربه وأخذه الألواح وتذكر انحراف بني إسرائيل واتخاذهم العجل معبوداً وغير ذلك من شئونهم
6
على أن القرآن لا يقتصر - فى الحديث عن بني إسرائيل – على هذه السور التي
ذكرناها وإنما تخلل الحديث عن بني إسرائيل كثيراً من السور
1 سورة آل عمران آية ٥٩
٩٦
من ذلك نرى مبلغ الأهمية التي وجهها القرآن إلى بني إسرائيل لإرشادهم إلى الجادة ولقد صور القرآن فى أحاديثه هذه أخلاقهم في وضوح وكان في ذلك كطبيب يشخص المرض تشخيصاً دقيقاً حتى يسهل العلاج ولكن اليهود الذين بلغوا من موسى مبلغاً جعله يقول رب إني لا أملك إلا نفسى وأخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ١ كانوا عصيين على العلاج حتى لقد أيشسوا داود وعيسى – عليهما السلام - فلعناهم
لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ٢ ولقد وصل الأمر إلى أن كانوا يقتلون أنبياءهم بغير حق بهم بيد أن هذه الناحية الأخلاقية ليست من أهدافنا الأولى في هذا الكتاب وتصفح
القرآن خير هاد لمعرفتها والذى يعنينا هنا إنما هو عقيدة اليهود
والقرآن يذكر أنهم اتخذوا العجل معبوداً وأنهم قالوا عُزير ابن الله وأنكروا رسالة سيدنا محمد وعيسى - عليهما السلام - وقد تحدثنا عن رد - القرآن على
هذه الأمور فيما سبق
تحديد فكرة الإلهية
وإذا بدد القرآن كل شبهة حلقت في سماء فكرة الألوهية وثنية كانت تلك الفكرة أو كتابية – فإنه خص فكرة الألوهية بسورة واضحة جلية سهلة موجزة سماها سورة الإخلاص لتخليصها تلك الفكرة من شوائب كل باطل
وضلال
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو
الله أحد
الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ٣
۱ سورة المائدة آية ٢٥
سورة المائدة آيتا ۷۸ - ۷۹
۳ سورة الإخلاص
ولقد ورد في الخبر أنها تعدل ثلث القرآن لأن من عرف معناها حق المعرفة وأدرك ما أشارت إليه إدراك صاحب البصيرة المستنيرة – لم يكن بقية
ماجاء في التوحيد والتنزيه عنده إلا تفصيلاً لما علم وشرحاً لما حصل ١ في هذه السورة يوصف الله بأنه أحد وكلمة أحد أبلغ في الدلالة على الوحدة من كلمة واحد فأحدية الله لا تركب فيها بوجه من الوجوه إنها ليست كواحدية الإنسان الذى يتركب من أعضاء ووحدات وفى هذه الآية فكرة الإسلام في مقابل فكرة التعدد على أى وضع كانت لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة إنها تنفى التثليث وتنفى التركب إنها رد على النصارى وعلى مشركي العرب وهي رد على مشبهة الإسلام فيما بعد
و الله الصمد فإليه يرجع الأمر كله وهو - وإن كان قد سبب الأسباب وأجرى سنته على أوضاع محددة وطلب إلينا أن نتخذ الأسباب - مع ذلك هو المرجع الأول والأخير لكل ما يجرى فى هذا العالم من شئون فإذا ما توجهت الآمال إلى سواه فقد ضلت وانحرفت ولقد ضلت بسبب ذلك النصارى واليهود فقد اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ۳ وفى هذه الآية بصورة عامة توجيه لكل من كان يعلق آماله على غير الله لم يلد ولم يولد ينزه الله عن أن يلد أحداً ويشير إلى فساد رأى القائلين بأن له ابناً أو بنات وهم مشركو العرب والهند والنصارى وغيرهم ويبين لهم أن الابنية تستلزم الولادة والتعبير بالانبثاق ونحوه لا يغير المعنى والولادة إنما تكون من الحى الذى له مزاج وما له مزاج فهو مركب ونهايته إلى انحلال – وفناء وهو جل شأنه منزه عن ذلك وقوله لم يولد يصرح ببطلان ما يزعمه بعض أرباب الأديان من أن ابنا لله
۱ الشيخ محمد عبده جزء عم ص ١٧٦ ۳ سورة التوبة آية ۳۱ صورة المائدة آية ۷۳
۹۸
يكون إلها ويعبد عبادة الإله ويقصد فيما يقصد فيه الإله بل لا يستحى الغانون منهم أن يعبروا عن والدته بـ أم الله القادرة فإن المولود حادث ولا يكون إلا بمزاج وهو لايسلم من عاقبة الفناء
ودعوى
أنه أزلى مع أبيه مما لا يمكن تعقله ولا تغير من حقيقة الأمر شيئا فإذا أراد أحد من هؤلاء أن يدعى التنزيه فما عليه إلا أن يقلع عن هذه الألفاظ والنسب ويقول كما نقول
الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وهو نفى لما يعتقده بعض المبطلين من أن الله ندا في أفعاله يعاكسه في أعماله على نحو ما يعتقد بعض الوثنيين فى الشيطان مثلاً فقد نفى بهذه الصورة جميع أنواع الإشراك وقرر جميع أصول التوحيد
والتنزيه 1
القرآن وأسئلة العرب
19
في هذه الفترة من صدر الإسلام - فترة حياة الرسول - علي - كان القرآن وكان الرسول في أحاديثه يلبيان حاجات الأمة اعتقادية كانت أو تشريعية أو خلقية وكانت الأسئلة تترى موجهة إلى الرسول علي فيجيب عنها الوحى القرآنى تارة وتجيب عنها أحاديث الرسول تارة أخرى وأسئلة المجتمع إذ ذاك لم تكن تنتهى إلى حد وكانوا يسألون الرسول فى كل صغيرة وكبيرة فقد سألوه عن الروح وسألوه في القدر وسألوه عن الأزل وسألوه عن المصير وسألوه الله وعن الإيمان والإسلام والإحسان والساعة
عن
وسألوه عن الخمر والميسر والمأكل والمشرب والأهلة والمحيض وسألوه
عن كل ما كان يجول في أذهانهم
1 الشيخ محمد عبده تفسير جزء عم ١٧٨ - ١٧٩
۹۹
وكان القرآن سجلاً يصور الكثير من الأسئلة ويعطى الإجابة عنها وهاهي ذى آيات متتالية من سورة البقرة توضح هذه الفكرة
يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون
يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولايزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك فيها خالدون إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل
أصحاب النار هم ف الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم يسألونك عن الخمر والميسر قل فيها إثم كبير ومنافع للناس وإنمها أكبر من
نفعها
يعلم ا
ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون فى الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض
ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين
1
۱ سورة البقرة الآيات ۱٥ -
1
أظن أننا بعد الذي قدمناه لسنا في حاجة إلى الرد على الأستاذ دى بوى
في قوله
جاء القرآن للمسلمين بدين ولم يجتهم بنظريات وتلقوا فيه أحكاماً ولكنهم
لم يتلقوا فيه عقائد
لقد رأينا بوضوح فيما سبق أن القرآن جاء للمسلمين بدين وبنظريات وبأحكام وبعقائد ولاشك أن الإمام الرازى كان أصدق رأيا وأعمق غوراً إذ يقول معبراً عن
الحقيقة
إن الآيات الواردة فى الأحكام الشرعية أقل من ستمائة آية وأما البواقى ففى
بيان التوحيد والنبوة والرد على عبدة الأوثان وأصناف المشركين ويقول وأما محمد عليه الصلاة والسلام فاشتغاله بالدلائل على التوحيد والنبوة والمعاد - أظهر أن من يحتاج فيه إلى التطويل ا هـ ولم يرفع الرسول - ه - إلا وقد أكمل الله دينه وأتم نعمته على
المسلمين
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام
دينا ۱
لقد أكمل الله للمسلمين الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً وقد أتمه عز وجل
فلا ينقصه أبداً وقد رضيه فلا يسخطه أبداً
۱ سورة المائدة آية ٣٠
الفصل الرابع
في تفسير القرآن
حم والكتاب المبين إنا أنزلناه فى ليلةٍ مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع
العليم
1
لقد أنزله الله في ليلة مباركة منه سبحانه ولقد أنزله في ليلة القدر ليلة السلام والهداية ليلة السلام الفردى والهداية الفردية وليلة السلام الجماعي والهداية
الجماعية
إن القرآن رسالة رب العالمين الرحمن الرحيم إلى الكون كله بجميع عوالمه وهو رسالة رحمة وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ٢
وهو لم ينزل العصر دون عصر ولا لبيئة دون بيئة وإنما أنزل للإنسانية حاضرها وباديها وحاضرها ومستقبلها ومن أجل ذلك فإن الزمن هو الذي يجلى معانيه على مر الأيام وإن خير تفسير له هو الزمن
والقرآن بهذا جديد باستمرار نضر على الدوام لا تنقضي عجائبه ولا يبلى
على الزمن وكل شرح مطول له مهما استفاض لا يؤدى كل معانيه ولقد تجنب رسول الله الا الله أن يملى له شرحاً مستفيضاً أو تفسيراً له مطولاً رغبة منه صلوات الله وسلامه عليه فى أن يقرأه القارئون بالأسلوب الإلهى النضر اليانع وتوجيهاً منه صلوات الله عليه فى أن يقرأه القارئ وكأنما يتلقاه من فم الوحى مباشرة غضًا نضراً فيكون له مصدر هداية وباعث رشد ونبعاً فياضاً
بالحكمة
وتجنب كبار الصحابة رضوان الله عليهم أن تستفيض أقلامهم بشرحه وتفسيره متأسين في ذلك بالرسول صلوات الله عليه ورغبة منهم في ألا تقوم الآراء البشرية ستائر تحجب النور القرآنى أن يصل إلى القلوب مباشرة صافياً نقياً ولم يحاولوا أن يكونوا حجاباً بين القرآن وقلوب القراء وكان فى استطاعتهم أن يكتبوا في تفسيره
۱ سورة الدخان الآيات ١-٦
سورة الأنبياء آية ۱۰۷
١٠٢
وتأويله ما شاء الله أن يكتبوا ولقد روى عن بعضهم أنه كان يتأتى له أن يكتب في تفسير الفاتحة وحدها حمل بعير من الأسفار ولكنه لم يفعل كذلك لم يفعل كبار الصحابة حتى لا تتدخل البشرية المحدودة فى المجال الإلهي اللامحدود ومما لا ريب فيه أن التفسير تحديد وأن الشرح تقييد وأن التأويل يتخلله عنصر من التخمين وذلك كله تحديد لما لا يمكن أن يحد وتقييد للانطلاق النوراني وتخمين في مجال يتسامى عن التخمين
قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً ۱ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ۳ أرأيت إلى شعاع الشمس فياضاً مسترسلاً يغمر الكون بلالائه الذهبي لا يحجبه غيم ولا يستره حجاب أرأيت إلى ضوء القمر فضيا متألقاً لا يستره سحاب ولا يحجبه شيء أرأيت إلى النور والضياء ينزل من السماء مباشرة صافياً نقيا فيتلقاه الإنسان وينعم به إن مثل ذلك كمثل نور القرآن ولألائه يصل إلى القلب مباشرة يطبعه طابع الجلال الإلهى والجمال الرباني لا يحجبه شرح ولا يستره تفسير ولا يحول بينه وبين القلب تأويل متحكم ولا تتدخل فيه البشرية بأى نوع من أنواع نقصها وقصورها وتجنب كبار الصحابة إذن أن يصل القرآن إلى قلوب الناس من خلال شروحهم وتأويلاتهم توجهه بشريتهم وتحدده أذهانهم ولقد أنزل الله القرآن لنعمل بما فيه لا لنتباري في جعله كتاباً في علم الكلام ال نضرب بعضه ببعض لننتهى برأى بشرى يعارضه رأى بشرى قام هو الآخر على جعل كتاب الله كتاباً في علم الكلام أخذ يضرب بعضه ببعض
لقد أنزل الله القرآن هداية لنعمل بآياته المحكمات اللواتى من أم الكتاب ولنبتعد عن الخوض فيما تشابه منه ولنجعله في كل حالة من الحالات إماماً نلتزم
۱ سورة الكهف آية ۱۰۹ سورة لقمان آية ۷
12
هديه ونتخلق بأخلاقه حتى نكون نحن قرآناً متأسين في ذلك برسول الله صلوات الله عليه الذي كان على وجه الأرض قرآناً كريماً
۱ - الإمام النسفي
من علماء المذهب الحنفى المشهورين وممن لهم قدم راسخة في كثير من العلوم المفسر حافظ الدين أبو البركات عبد الله أحمد
المنسوب إلى نسف ببلاد السند بين جيحون وسمرقند
بن بن محمود النسفي
كان عالماً بالفقه وأصول الدين وأصول الفقه والتفسير وامتازت مؤلفاته بجودة التحرى ودقة التعبير وشدة التركيز وحشد المعلومات المتنوعة في حيز بسيط حتى ليعسر على غير المتخصص الأخذ عنها وفهم كل ما يشير إليه
وقد استفاد من شتى طرق البحث السابق عليه فخرج عن استدلالات المتكلمين وجدل الأصوليين واستنباط الفقهاء وتميز بطريقته الخاصة في التأليف كما استفاد من شيوخه المشاهير ومنهم شمس الأئمة الكردى
وأحمد بن محمد العتابي وغيرهما من كبار العلماء المتخصصين وللإمام النسفى مؤلفات كثيرة اشتهر بها كمفسر وفقيه وباحث في أصول الدين
وباحث في أصول الفقه ومنها
۱ - عمدة العقائد فى الكلام
- شرح عمدة العقائد وسماه الاعتماد - منار الأنوار فى أصول الفقه
٤ - الكافي في شرح الوافى فى الفقه الحنفى
ه - کنز الدقائق في الفقه الحنفى
وكان على نسق غيره من كبار العلماء المسلمين معروفا بالزهد والصلاح والتقوى فضلا عن تفرغه للعلم والدراسة والبحوث وقد اشتهر علمه وفضله في عصره وبعد عصره وبارك الله في مؤلفاته فأصبحت مرجع الباحثين ومجال
10
البحث بين الدارسين لما فيها من تدقيق وتحقيق واكتفاء بالإشارة عن التفضيل
وبالإيجاز عن الإطناب
وقدره العلماء حق قدره فقد كتب عنه صاحب الدرر الكامنة فوصفه بهذه الكلمة المدوية علامة الدنيا
وكتب عنه الحافظ عبد القادر في طبقاته فقال أحد الزهاد المتأخرين صاحب التصانيف المفيدة فى الفقه والأصول له المستصفى في شرح المنظومة وله شرح النافع سماه بالمنافع وله الكافى فى شرح الوافى وله كنز الدقائق وله المنار في أصول الفقه وله العمدة في أصول الدين تفقه على شمس الأئمة الكردى وروى الزيادات عن أحمد بن محمد العتابي والنسفى باعتباره من أئمة أهل السنة كان له مواقف في غاية القوة وفى غاية العمق في الرد على كل انحراف فى تفسير القرآن وخصوصاً تفسير ! الكشاف ولم يقتصر في الرد على المعتزلة على ما كتبه فى تفسير الكشاف وإنما فعل ذلك في كل كتبه الكلامية التي كانت مجال اهتمام فى رحاب الأزهر وقررت على الطلبة في مختلف مراحل التعليم وقام الأساتذة باختصارها وبشرحها وبالتعليق عليها مستفيدين منها ومفيدين لغيرهم بها
وكانت وفاة الإمام النسفى رحمه الله عام واحد وسبعمائة من الهجرة ببلدة إيذج
بين خوزستان وأصبهان
رحمه الله ونفع بعلمه
تفسيره
سماه الإمام النسفى مدارك التنزيل وحقائق التأويل ويعتبر من التفاسير
العلمية المحررة ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل
وقد تحدث الإمام النسفى عن السبب الذي دعاه إلى تأليف هذا التفسير فقال سألنى من تتعين إجابته كتاباً وسطاً فى التأويلات جامعاً لوجوه الإعراب والقراءات متضمناً لدقائق علمى البديع والإشارات حالياً بأقاويل أهل السنة
والجماعة خالياً من أباطيل أهل البدع والضلالة ليس بالطويل الممل ولا بالقصير
المحل
ثم ذكر أنه تردد في الإجابة ولكنه قطع هذا التردد وسار في تأليفه يجد حتى
أتمه في مدة يسيرة
والناظر في هذا التفسير يجد فيه فهماً واعياً وخبرة دقيقة واطلاعا واسعاً وحسن استفادة من هذا الاطلاع
من
وقد استفاد من تفسيرى البيضاوى والكشاف أيما استفادة فأخذ البيضاوى معناه الدقيق وفهمه الواعي وتوجيهه السديد وإيجازه المركز وأخذ من الزمخشري في كشافه خبرته الواسعة باللغة ومناقشته للآراء المتعددة على أنه لم يقع فيما وقع فيه الزمخشرى فى كشافه من التعصب لمذهب الاعتزال وحمل الآيات في تعسف على تأييد أصوله وقواعده إنه على العكس من ذلك اتخذ موقفاً مضاداً فحارب ما يخالف المذهب الأشعرى منتقداً طريقة الزمخشرى رادا على حججه
ويمتاز تفسير النسفي بإقلاله من الإسرائيليات وابتعاده ما استطاع عنها كما يمتاز بتحريه في اختيار الأحاديث ويظهر ذلك أبلغ ما يظهر في تركه ذكر الأحاديث الموضوعة في فضائل السور
كما أنه لم يتوسع في الإعراب ولم يدخل في تفصيلات فرعية تشتت الذهن وتبتعد بالقارئ عن الجو القرآني
ولم يخل تفسيره من الإشارة إلى المذاهب الفقهية في بعض آيات الأحكام والانتصار لمذهبه الحنفى
ولا يسلم تفسير النسفى على وجه العموم من النقد فلقد اكتفى بإشارات فى غاية الإيجاز الى الآراء المختلفة فيما يتعلق بالآيات التي استدلت بها الفرق وكأنه يفترض شهرة هذه الآراء ومعرفة الكل بها ودوام هذه المعرفة ويتمثل لنا ذلك في تفسيره لقوله تعالى ألا يعلم من خلق وهو ا الخبير من سورة الملك آية ١٤
اللطيف
۱۰۷
ولم يسلم من الإسرائيليات برغم احتياطه وتحفظه فتراه عند تفسيره لقوله تعالى من سورة النمل آية ١٦ وورث سليمان داود وقال يأيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين يقول أنه روی صاحب فاختة فأخبر أنها تقول ليت ذا الخلق لم يخلقوا وصاح طاووس فقال ثم ذكر أصنافاً من الطير وقول كل صنف من هذه الأصناف دون أن يعقب على ذلك بل دون أن يحترز من ذكر مثل هذه الأقوال التي لا سند لها من الأحاديث الصحيحة ونأخذ عليه أن أسلوبه يعلو على مستوى العامة حيث حشد فيه ألواناً من المعلوم المتعلقة بالقرآن لا يفهمها إلا من عنده فكرة سابقة عنها وفي آية المائدة يذكر آراء عن الحسن وعن وهب وعن غيرهما دون أن يوجه النظر إلى ما رواه الترمذي بسنده عن عمار بن ياسر قال رسول الله الله أنزلت المائدة من
السماء خبزاً ولحماً
نماذج منه
۱ - يقول الله تعالى
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم والسابقون مبتدأ الأولون صفة لهم من المهاجرين تبيين لهم وهم الذين صلوا إلى القبلتين أو الذين شهدوا بدراً أو بيعة الرضوان والأنصار عطف على المهاجرين أى ومن الأنصار وهم أهل بيعة العقبة الأولى وكانوا سبعة نفر وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين والذين اتبعوهم بإحسان من المهاجرين والأنصار فكانوا سائر الصحابة وقيل هم الذين اتبعوهم بالإيمان والطاعة إلى يوم القيامة والخبر رضى الله عنهم بأعمالهم الحسنة ورضوا عنه بما أفاض عليهم من نعمته الدينية والدنيوية وأعد لهم عطف على رضى جنات تجرى تحتها الأنهار من تحتها مكى خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم
۱۰۸
- يقول الله تعالى
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم فإن تولوا فقل الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم التوبة آية ۱۸ ۱۹
حسبی
لقد جاءكم رسول محمد عليه السلام من أنفسكم من جنسكم ومن نسبكم عربى قرشى مثلكم عزيز عليه ما عنتم شديد عليه شاق – لكونه بعضاً منكم - عنتكم لقاؤكم المكروه فهو يخاف عليكم حريص عليكم على إيمانكم بالمؤمنين منكم ومن غيركم رءوف رحيم قيل لم يجمع الله اسمين من أسمائه لأحد غير رسول الله صل الله فإن تولوا فإن أعرضوا عن الإيمان بك وناصبوك فقل حسبی الله فاستعن بالله وفوض إليه أمورك فهو كافيك وناصرك عليهم لا إله إلا هو عليه توكلت فوضت أمرى إليه وهو رب العرش هو أعظم خلق الله خلق مطافاً لأهل السماء وقبلة للدعاء العظيم بالجر وقرىء بالرفع على نعت الرب جل وعز وعن أبي آخر آياته نزلت لقد جاءكم رسول من أنفسكم الآية
- جمال الدين القاسمي
من علماء الشام الكبار المحقق الجليل جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم
القاسمي
ولد في سنة ثلاث وثمانين ومائتين وألف ونشأ فى حجر والده وتلقى مبادئ العلوم الدينية والشرعية على يديه ثم تلقى سائر العلوم على كثير من علماء عصره
مدحه
ومن أبرزهم الشيخ بكرى العطار والشيخ عبد الرازق البطار أمير البيان شكيب أرسلان فكان مما قال عنه كان في هذه الحقبة الأخيرة جمال دمشق وجمال القطر الشامى بأسره فى غزارة فضله وسعة علمه وشفوف حسه وذكاء نفسه وكرم أخلاقه وشرف منازعه وجمعه بين الشمائل الباهية والمعارف
المتناهية
19
وقد سما في العلم والفضل حتى صار وقال عنه الشيخ رشيد رضا هو علامة الشام ونادرة الأيام المجدد لعلوم الإسلام محيى السنة بالعلم والعمل والتعليم والتهذيب والتأليف وأحد حلقات الاتصال بين هدى السلف والارتقاء الذي يقتضيه الزمن الفقيه الأصولى المفسر المحدث الأديب المفتن التقى الأواب الحليم الأواه العفيف النزيه صاحب التصانيف الممتعة والأبحاث المقنعة
بدأ الشيخ حياته العامية مدرساً في حياة والده فلما توفى والده تولى مكانه في خدمة إمامة في جامع السنانين بدمشق ومارس نشاطه العلمي في التأليف والشرح والنقد والإصلاح حتى ازدهرت تأليفه وكثرت مصنفاته ووصل عددها إلى ما يقرب من الثمانين ما بين مخطوط ومطبوع ومن أشهرها
ه محاسن التأويل في تفسير القرآن الكريم
فصل الكلام فى حقيقة عود الروح إلى الميت حين الكلام
بحث في
جمع القراءات المتعارف عليها
دلائل التوحيد
موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين
قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث
وتعتمد طريقته في التأليف على النقل الواعى من التراث الإسلامي الزاخر والاكتفاء بالترتيب والتبويب والتعقيب اللطيف أو الاستدراك الخفيف وكان من المعجبين بالشيخ ابن تيمية ومن أقطاب المدرسة السلفية وقد اكتسب خبرة واسعة في الاطلاع والإحاطة حتى لقد حكى عن نفسه أنه قد من الله عليه بفضله فأسمع صحيح مسلم رواية ودراية فى مجالس من أربعين يوما وسنن ابن ماجه إحدى وعشرين يوماً والموطأ في تسعة عشر يوماً وطالع بنفسه لنفسه كتاب تقريب التهذيب لابن حجر مع تصحيح سهو القلم فيه وضبطه وتحشيته من نسخة مصححة جداً ثم قال وهذه الكتب قرأتها بعضها إثر بعض ف فأجهدت نفسي وبصرى حتى
رمدت
ولقد ذكرنا ذلك لنعرف بهمته واطلاعه الواسع وعلمه الغزير وعنايته
11
بالإصلاح وإخلاصه في بث الدعوة ونشر الدين والحرص على التجديد وقد اتهم بالدعوة الى مذهب جديد فى الدين سمى بالمذهب الجمالى وقبض
عليه وحقق معه ولكنه رد التهمة وأثبت براءته فأخلى سبيله ولم تخل حياته من التنقل والارتحال فرحل إلى مصر وزار المدينة وعاد إلى دمشق فانقطع فى منزله للتصنيف وإلقاء الدروس الخاصة والعامة في التفسير والأدب وعلوم الشريعة إلى أن واتاه الموت فى شهر رجب من سنة اثنتين وثلاثين
وثلثمائة وألف من الهجرة
رحمه الله ونفع
تفسيره
به
إذا أحببت أن تقرأ تفسيراً كاملا للقرآن لا تجد فيه خرافة ولا أسطورة ولا شيئاً من الإسرائيليات المذمومة التى حشيت بها التفاسير - فعليك بكتاب الإمام القاسمي محاسن التأويل الذي فسر به القرآن الكريم تفسيراً يعتبر نموذجاً إلى حد كبير
وقد تحدث القاسمي في مقدمة تفسيره فقال بعد أن أثنى على القرآن وإنى كنت حركت الهمة إلى تحصيل ما فيه من الفنون والاكتحال بإثمد مطالبه لتنوير العيون فأكببت على النظر فيه وشغفت بتدبر لآلئ عقوده ودراريه وتصفحت ما قدر لى من تفاسير السابقين وتعرفت - حين درست – ما تخللها من الغث والسمين – ورأيت كلا - بقدر وسعه – حام حول مقاصده وبمقدار طاقته جال في ميدان دلائله وشواهده وبعد أن صرفت فى الكشف عن حقائقه شطراً من عمرى ووقفت على الفحص عن دقائقه قدرا من دهرى أردت أن أنخرط في سلك مفسريه الأكابر قبل أن تبلى السرائر وتفنى العناصر وقد استخار الله تعالى في تسميته وتأليفه ثم شرع في تنفيذ ما عزم عليه فكان هذا الكتاب الجليل وكان شروعه في هذا التفسير بعد تكرار الاستخارة في العشر الأول من شوال سنة ست عشرة وثلثمائة وألف من الهجرة وكان هذا العمل الجليل تفسيراً حافلاً في
۱۱۱
مجلداً سبعة عشر سد فراغاً وحقق نفعاً للعامة والخاصة ونفع الله به المسلمين والناظر في هذا التفسير يجد أن مؤلفه قد أفرد جزءاً كاملا مقدمةً لتفسيره وفى
هذه المقدمة يتجلى منهجه في التفسير بل في التأليف عموماً لقد ناقش قضايا عامة وخطيرة فيما يتصل بالتفسير ونقل آراء كثير من مشاهير العلماء في الأصول والتفسير وسائر العلوم القرآنية
لقد تحدث عن مصادر التفسير وعد أن أصولها أربعة الأول النقل عن النبى لعل الله وعلى المفسر بطريق النقل أن يحذر من الضعيف
والموضوع
الثاني الأخذ بقول الصحابي إذ هو المعاصر للتنزيل والفاهم لجو القرآن الثالث الأخذ بمطلق اللغة
الرابع التفسير بما يقتضيه معنى الكلام ومفهوم الشرع ومصادر مقدمته غالباً من الشيوخ المعروفين
الإمام الشاطى والإمام ابن تيمية وشذرات من كلام العز بن عبد السلام وكذلك الإمام الغزالي والراغب الأصفهانى وبعض العلماء المحدثين مثل الشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا
لقد كان الإمام القاسمى بوفرة اطلاعه ودقة فهمه وأمانته في النقل – ينتقى أجود الأقوال فيما يختص بموضوع بحثه ثم ينقله في كتب وعلى هذا النهج جرى فى تفسيره فكان أشبه ما يكون بحديقة غناء لا ترى فيها إلا زرعاً ناضراً أو ورداً عاطراً ولا تجد فيه ما يؤذى النفس ويثير الشعور ويمتاز هذا التفسير الجليل بالإضافة إلى التحرى فى النقل وحسن الاختيار والبعد عن الضعيف والموضوع - بما يأتي -
۱ - العناية بالمعانى اللغوية للمفردات وتوجيه الإعراب في سهولة ويسر دون تفريع أو تطويل ٢ - اعتماده على القرآن نفسه ثم على السنة الصحيحة ثم على أقوال الصحابة وآراء السلف الصالح
۱۱
٣ - اهتمامه بالآيات التى تحتاج إلى بحث وإطالة النفس فيها وذلك أن في القرآن آيات بينة واضحة لا تحتاج إلى بحث إنها واضحة من ناحية المعنى وفي القرآن آيات واضحة ولكن بعض المفسرين قد حاول إثارة الجدل فيها أو
أخطأ في فهمها أو فسرها إسرائيلات أو انحرفت بها الأهواء على أى وضع كانت و پشتد اهتمام مفسرنا بمثل هذه الآيات شارحاً ومبيناً محقاً للحق وكاشفاً لزيف الباطل وينقل في سبيل ذلك عن القدماء ما يؤيد فكرته ويتخذ من هذا التأييد كمصدر أول القرآن فإنه يفسر بعضه بعضاً ويتخذ كذلك الأحاديث الصحيحة الشريفة عن رسول الله الله كمصدر آخر ثم ينقل عن العلماء القدامى وعن العلماء المحدثين ما يؤيد وجهة نظره وهي في الأغلب الأعم وجهة
نظر سليمة - اهتمامه بذكر وجوه القراءات مع الترجيح بينها يقول في تفسير قوله تعالى فأزلها الشيطان عنها فأخرجها مما كانا فيه آية ١٦ من سورة البقرة
فأزلها الشيطان عنها أى أذهبهما عن الجنة وأبعدهما يقال نزل عن مرتبته وزل عنى ذاك إذا ذهب عنك وزل من الشهر كذا وقال ابن جرير فأزلها بتشديد اللام بمعنى استزلها من قولك زل الرجل في دينه إذا هفا فيه وأخطأ فأتى ما ليس له إتيان فيه وأزله غيره إذا سبب له ما يزل من أجله في دينه أو دنياه وقرىء فأزالها بالألف من التنمية فأخرجها مما كانا فيه من الرغد والنعيم
والكرامة
القرآن
ولقد تأثر الإمام القاسمى أيما تأثر بالإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم اهتم اهتماماً واضحاً بكل ما انفردا به من آراء إنه ينقل عن ابن تيمية رأيه في مجازات وهو من الآراء التى اشتهر بها ابن تيمية وخالف فيها كثيراً من العلماء وأعجب بالإمام محمد عبده أيما إعجاب ونقل عنه رأيه في وجوه التفسير ومراتبه نقلا عن مقدمة تفسير الإمام محمد عبده المشهور نقله مؤثرا له مقرا به ونستطيع أن نقول بحق لقد تأثر القاسمى بمنهج الإمام محمد عبده ونسق بينه
وبين منهج ابن تيمية لكن إعجابه بالشيخ محمد عبده لم يمنعه من مخالفته في مسائل الملائكة وآدم وإبليس والسحر وغير ذلك لم يقل برأى الإمام في هذه الأمور وسار على رأى الجمهور فى أنها حقائق وليست تعبيراً بالمثال والإرشاد والتفهيم
ولعل هذا يكشف لنا جانباً هاماً من جوانب الإمام القاسمى لقد كان يعجب بقدر وكان يتحكم فيا يختار ولا ينساق وراء الآراء تبعا الشهرة قائلها وانتشارها بين الناس ومن المعالم البارزة في تفسيره الاعتناء بالربط بين الآيات المختلفة والكشف عن " مظاهر الحكمة في ترتيب القرآن ففى سورة البقرة مثلا يتحدث عن الانتقال من قصة آدم ودعوة بنيه إلى الدين إلى الحديث عن بني إسرائيل في قوله تعالى قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدون يا بني إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأوفوا بعهدى أوف يعهدكم وإياى فارهبون يتحدث عن الصلة بين الآيات فيقول ولما قدم الله تعالى دعوة الناس عموماً وذكر مبدأهم دعا بني إسرائيل خصوصا وهم ! اليهود - لأنهم كانوا أولى الناس بالإيمان بالنبي الله لأنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل فدعاهم تارة بالملاطفة وتارة بالتخويف وتارة بإقامة الحجة وتوبيخهم على سوء أفعالهم
ونعود فنقول
هم
فيها
إن التفسير تعبير حى عن الشيخ القاسمى فى سعة علمه ووفرة مراجعه وحسن انتقائه وسلامة منهجه ودقته فى التعبير واقتصاره على قدر الحاجة وقد ضم عصارات الأفكار وخلاصة آراء العلماء في كثير من الآفاق العلمية والفكرية والعملية كما عبر عنها القرآن
وبلغ من تأثر الإمام القاسمى بابن تيمية أنه عد من مدرسته ولو كان من مدرسة ابن تيمية في الفقه مثلا أو فى مسائل الأخلاق لكان الأمر سهلا لا يحتاج إلى
١١٤
تنبيه ولكنه كان من مدرسة ابن تيمية فى إثبات الجهة وفى عقيدة الصفات وقد
سار على هذا النحو في تفسيره
به عند جمهور
العلماء
من
أهل السنة
وهذا المنهج غير مسلم بـ وما يؤخذ على الإمام القاسمى فى تفسيراته أن استمداده من الإمام ابن كثير بلغ حدا كبيرا إنه يكاد يشبه تفسير الإمام ابن كثير فى العديد من الموضوعات ومع ذلك فإن هذا التشابه القوى لا ينزله عن أصالته فهو نابع من اتحاد الرأى وتشابه
الأفكار لا من النقل والتقليد
نموذج
منه
قال تعالى
ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم
بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون
أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين
وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم
وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ۱ ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن أي لو كان ما كرهوه من الحق الذى هو التوحيد والعدل المبعوث بهما الرسول صلوات الله عليه موافقاً لأهوائهم المتفرقة فى الباطل الناشئة عن نفوسهم الظالمة المظلمة لفسد نظام الكون لأن مناط النظام ليس إلا ذلك وفيه من تنويه شأن الحق والتنبيه على سمو مكانه ما لا يخفى بل أتيناهم بذكرهم إضراب عن توبيخهم بكراهته وانتقال إلى لومهم بالنفور عما ترغب فيه كل نفس من خيرها أى ليس مكروهاً بل هو عظة لهم لو اتعظوا أو فخرهم أو متمناهم لأنهم كانوا يقولون لو أن عندنا ذكراً من الأولين
لكنا
من عباد الله المخلصين
۱ سورة المؤمنون الآيات ٧١ ٧٤
115
فهم عن ذكرهم معرضون أى بالنكوص عنه وأعاد الذكر تفخيما وإضافة لهم لسبقه وفى سورة الأنبياء ذكر ربهم لاقتضاء ما قبله له أم تسألهم خرجا أى جعلا على أداء الرسالة فلأجل ذلك لا يؤمنون فخراج
ربك خير أي عطاؤه
وهو خير الرازقين وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون أي منحرفون قال القشانى الصراط المستقيم الذى يدعوهم إليه هو طريق التوحيد المستلزم لحصول العدالة فى النفس ووجود المحبة في القلب وشهود الوحدة والذين يحتجبون عن عالم النور بالظلمات وعن القدس بالرجس إنماهم منهمكون في الظلم والبغضاء والعداوة والركون إلى الكثرة فلا جرم أنهم عن الصراط ناكبون منحرفون إلى ضده فهو فى واد وهم فى واد ! وقال الزمخشري قد ألزمهم الحجة في هذه الآيات وقطع معاذيرهم وعللهم بأن الذي أرسل إليهم رجل معروف أمره وحاله مخبور سره وعلنه خليق بأن يجتبى مثله للرسالة من بين ظهرانيهم وأنه لم يعرض له حتى يدعى بمثل هذه الدعوى العظيمة بباطل ولم يجعل ذلك مسلماً إلى النيل من دنياهم واستعطاء أموالهم ولم يدعهم إلا إلى دين الإسلام الذي هو الصراط المستقيم مع إبراز المكنون من أدوائهم وهو إخلالهم بالتدبر والتأمل الآباء الضلال من غير برهان وتعللهم بأنه مجنون بعد ظهور الحق
واستهتار هم بدین وثبات التصديق من الله بالمعجزات والآيات النيرة وكراهتهم للحق وإعراضهم عما فيه حظهم من الذكر
الإمام الخازن
هو الإمام الفقيه المفسر المحدث المؤرخ علاء الدين أبو الحسن على بن إبراهيم بن
عمر بن خليل الشيحى البغدادى الشافعى الصوفى المعروف بالخازن ولد ببغداد سنة ثمان وسبعين وستمائة ونسب إلى شيحه بالقرب من حلب
١١٦
ولقب بالخازن لقيامه بالإشراف على مكتبة إحدى المدارس الهامة بدمشق وأخذ في السياحة منذ ان اشتد ساعده على طريقة العلماء الذين لا يكتفون بالقطر الذي يعيشون فيه والذين يسافرون دارسين متأملين متصلين بكبار العلماء لقد سافر إمامنا من بغداد إلى حلب ومكث فيها فترة طويلة من الزمن حتى لقد نسب إلى بلدة بالقرب منها ورحل إلى دمشق وكانت تذخر بطائفة كبيرة من العلماء أمثال القاسم بن المظفر بل إن دمشق إذ ذاك كان بها نساء وصلن في العلم إلى درجة من الدرجات العظمى فجلسن للتفسير وللحديث ومنهن وزيرة
بنت عمر
ونهل الإمام الخازن من كل ينابيع العلم في دمشق – شيوخاً وكتباً – وجاهد جهاداً مستميتاً في سبيل التعريف بالعلم جمعاً وشرحاً وتأليفا فجمع تفسيراً كبيراً سماه لباب التأويل في معانى التنزيل
واهتم اهتماماً كبيراً بالحديث فصنف كتاباً يدل عنوانه على الهدف منه وهو مقبول المنقول
وقد حاول مصنفنا أن يجمع فى كتابه هذا المقبول من المنقول فشمر عن ساعد الجد وكتب عشر مجلدات جمع فيها بين مسند الإمام الشافعي ومسند الإمام أحمد ابن حنبل وكتب الصحاح الستة البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه وضم إلى كل ذلك موطأ الإمام مالك وسنن الدارقطني فأصبحت عشرة كتب رتبها على الأبواب وهو عمل ليس بالسهل ولا باليسير ولابد فيه من الصبر العميق والجهد الكبير
وفضلا عن كل ذلك فإنه جمع سيرة الرسول مع لعل الله في صورة مطولة مستفيضة في كتاب سيماه سيرة خير الخلائق محمد المصطفى سيد أهل الصدق والوفا " ولا عجب في ذلك فإن من جمع كل هذه الكتب في الأحاديث ورتبها يحيط بسيرة رسول الله الله ويروى عن الإمام الخازن أنه كان حسن السمت معنيا بملابسه وبهيئته
1
متابعا لقوله تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد ولقوله قل من حرم
زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ومتابعا لقول الرسول
خالصة
الثقة
إن الله جميل يحب الجمال وكان دائم البشر وكل من كان حسن ۱ في الله فإنه باستمرار دائم البشر وكان مبتسماً في السراء والضراء لأنه يثق في حكمة الله كان متفائلا فى العسر واليسر وكان من خلقه التودد إلى الناس وهذا التودد هو الذى جعله يفيد أكبر مجموعة من الناس علماً وهداية وكان من أجمل خلقه التواضع وهضم النفس وعدم الاعتداد بما وصل
إليه من علم
لقد كانت حياته - فى سبيل الله علما وعملا دراسة وتدريسا هداية
وإرشاداً
وانتقل إلى رحمة الله فى آخر شهر رجب أو مستهل شعبان سنة إحدى وأربعين
وسبعمائة بحلب
رحمه الله رحمة واسعة
تفسيره
يعتبر تفسير الخازن من أقرب التفاسير المبسوطة تناولا وأسهلها فها وأكثرها
نفعا للعامة والخاصة
وقد تحدث عن تفسيره فقال
ه لما كان كتاب الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوى من أجل المصنفات في علم التفسير وأعلاها وأنبلها وأسناها جامعاً للصحيح من الأقاويل محلى بالأحاديث النبوية مطرزاً بالأحكام الشرعية موشى بالقصص الغريبة وأخبار الماضين العجيبة مرصعاً بأحسن الإشارات مخرجا بأوضح العبارات مفرغاً في ۱ سورة الأعراف آية ٣١
سورة الأعراف آية ٣٢
۱۱۸
قالب الجمال بأفصح مقال - أحببت أن أنتخب من غرر فوائده ودرر فرائده وزواهر نصوصه وجواهر فصوصه - مختصراً جامعاً لمعانى التفسير ولباب التأويل والتعبير حاوياً الخلاصة منقولة متضمنا لنكته وأصوله مع فوائد نقلتها وفرائد من كتب التفاسير المصنفة في سائر علومه المؤلفة لأنه أقرب إلى تحصيل
لخصتها
المراد
ثم بين منهجه فيما يتعلق بالأحاديث النبوية فى تفسيره لقد حذف منها الأسانيد واكتفى بالمتون ليسهل التناول ويتحقق الإيجاز ولما كان حذف الإسناد يحتاج إلى التيقن من درجة الحديث ومكانته - فقد ذكر من خرج الحديث من الأئمة وبين اسمه وزيادة في الاختصار اكتفى عن اسم المخرج بذكر حرف بدلا فأشار إلى البخارى بحرف خاء و إلى مسلم بحرف ميم وإلى ما اتفقا عليه بحرف قاف وإلى أئمة الحديث الآخرين كأبي داود والترمذى بأسمائهم وقدم لتفسيره بخمسة فصول
عنه
الأول في فضل القرآن وتلاوته وتعليمه الثاني في وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم ووعيد من أوتى القرآن
فنسيه ولم يتعهده
الثالث في جمع القرآن وترتيب نزوله وفى كونه نزل على سبعة أحرف الرابع في معنى نزول القرآن على سبعة أحرف وما قيل في ذلك الخامس في معنى التفسير والتأويل
وفرغ من
تأليفه في يوم الأربعاء العاشر من رمضان سنة خمس وعشرين
وسبعمائة من الهجرة
ومما يؤخذ عليه استطراده فى تفسيره بلا حدود والاستطراد قد يحسن في بعض
المواطن
ولكنه في غالبها مذموم وقد جره ذلك إلى الإفراط في النقل فنقل كثيراً من القصص الذى لا أصل له من الكتاب والسنة أوله أصل ولكن شوهته الزيادات والاستطرادات من المحرفين
وانتخب تفسيره من تفسير البغوى وتفسير البغوى نموذج حي للتحرير
۱۱۹
والتدقيق لقد جرد تفسير الثعلى من الموضوعات والآراء البعيدة عن الصواب -
يقول ابن تيمية وكان الثعلبي حاطب ليل ينقل ما وجد فى كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع والبغوى تفسيره مختصر من الثعلبي لكنه صان تفسيره من الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة لقد انطلق الخازن مع زياداته ولم يكتف بالأخذ عن البغوى وإنما أضاف إليه من غيره ويبدو أنه أرجع ما تركه البغوى فحشا
به کتابه
ويظهر لنا هذا الاستطراد في تفسيره لسورة الكهف مثلا حيث ذكر قصة أصحاب الكهف ونقل رواية محمد بن إسحاق ومحمد بن يسار ونقل رواية أخرى عن عبيد بن عمرو واستغرق هذا من التفسير ثمانى صفحات من القطع الكبير وكثير مما ذكره إن لم يكن كله - فيما يتصل بهذا الموضوع – لا أساس له
من الصحة
على أنه إذا كان ينقل هذه القصص فإنه يتحرى في كثير من الأحايين فيما يتصل بعصمة الأنبياء من أحاديث وروايات إنه يذكرها ثم يعقب عليها بالنقد والتفنيد
ففى مجال الحديث عن داود عليه السلام مثلا - ذكر القصص التي ليست بصحيحة بالنسبة إلى سيدنا داود عليه السلام ثم عقب عليها بفصل عنونه بقوله فصل في تنزيه داود عليه السلام عما لا يليق به وينسب إليه ونقد في هذا الفصل الروايات التي تمس عصمة داود عليه السلام والخازن يعقب - أحياناً - على ما يرويه من قصص مبيناً درجتها من الصحة والوضع على أن هذا التفسير - مع ذلك - لم يخل من كثير من القصص التي تحتاج
إلى تحرير
ومع
النقد لابد من ذكر المحاسن لقد امتاز تفسير الخازن بالإشارة إلى مصادر الأخبار وبعض الاستطرادات فيه طريفة فمثلا في تفسير قوله تعالى فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلنى
۱۰
برحمتك في عبادك الصالحين ۱ يستطرد إلى ذكر ضحك الأنبياء فيقول
قيل أكثر ضحك الأنبياء تبسم
وقيل معنى ضاحكا متبسماً
وقيل كان أوله التبسم وآخره الضحك
وعن عائشة رضى الله عنها قالت ما رأيت النبي - ع - مستجمعاً قط حتى أرى منه لهواته وإنما كان يتبسم
ضاحكا
نماذج منه
قال تعالى وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا
وبالحق أنزلناه وبالحق نزل يعنى أنا ما أردنا بإنزال القرآن إلا تقريره للحق فلما أردنا هذا المعنى فكذلك وقع وحصل وقيل معناه وما أنزلنا القرآن إلا بالحق المقتضى لإنزاله وما نزل إلا ملتبساً بالحق لاشتماله على الهداية إلى كل خير وما
أرسلناك إلا مبشراً يعنى بالجنة للمطيعين
ونذيرا أى مخوفاً بالنار للعاصين قوله عز وجل وقرآنا فرقناه أى فصلناه وبيناه وقيل فرقنا به بين الحق وقيل معناه أنزلناه نجوما لم ينزل مرة واحدة بدليل قوله تعالى لتقرأه على الناس على مكث أى على تؤدة وترسل في ثلاث وعشرين سنة ونزلناه تنزيلا أى على حسب الحوادث
والباطل
قال تعالى
الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبداً وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت
1 سورة النمل آية ١٩
سورة الإسراء آیتا ۱۰۵ ۱۰۹
۱۱
كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً ۱ قوله عز وجل الحمد الله الذى أنزل على عبده الكتاب أثنى الله سبحانه وتعالى على نفسه بإنعامه على خلقه وعلم عباده كيف يثنون عليه ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهى الإسلام وما أنزل على عبده محمد الله من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم وفوزهم وخص رسوله - ع - بالذكر لأن إنزال القرآن كان نعمة عليه على الخصوص وعلى سائر الناس على العموم
ولم يجعل له عوجاً أي لم يجعل له شيئاً من العوج قط والعوج فى المعانى كالعوج في الأعيان والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معانيه وقيل معناه لم يجعله مخلوقاً روى عن ابن عباس في قوله تعالى قرآنا عربياً غير ذى عوج قال غير مخلوق قيما أي مستقيما وقال ابن عباس عدلا وقيل قيماً على الكتب كلها مصدقا لها وناسخا الشرائعها لينذر بأسا شديدا معناه لينذر الذين كفروا بأسا شديدا وهو قوله سبحانه وتعالى بعذاب بئيس الأعراف ١٦٥ من لدنه أي من عنده ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسنا يعنى الجنة ماكثين فيه أى مقيمين فيه أبداً وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً مالهم به من علم أى بالولد باتخاذه يعنى أن قولهم لم يصدر عن علم بل عن جهل مفرط فإن قلت اتخاذ الله ولداً في نفسه محال فكيف قيل ما لهم به من علم ! قلت انتفاء العلم قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه وقد يكون في نفسه محالا لا يستقيم تعلق العلم به
ولا لآبائهم أى ولا لأسلافهم من قبل
كبرت عظمت
كلمة
مة تخرج من أفواههم أى هذا الذى يقولونه لا تحكم به عقولهم وفكرهم
1 سورة الكهف الآيات ١-٥
ألبتة لكونه في غاية الفساد والبطلان فكأنه يجرى على لسانهم على سبيل
التقليد
إن يقولون إلا كذباً أي ما يقولون إلا كذباً
- الشيخ طنطاوى جوهرى
الشيخ طنطاوى جوهرى علم من أعلام المعرفة الإسلامية في العصر الحديث ولد في قرية كفر عوض الله حجازى بمديرية الشرقية سنة سبع وثمانين ومائتين وألف ونشأ نشأة عادية فى أسرته ثم تعلم مبادئ العلم في كتاب بلدة الغار
واشتهر بجودة الحفظ والذكاء المفرط والبديهة الحاضرة وساعده ذلك على الالتحاق بالجامع الأزهر وتلقى العلم على مشاهير علماء عصره ثم استكمل دراساته في دار العلوم وتخرج منها سنة عشر وثلثمائة وألف وعين مدرساً بمدرسة دمنهور ثم بالمدارس الابتدائية ثم بدار العلوم ثم بالمعلمين الناصرية ثم بالخديوية وتعلم الإنجليزية وهو مدرس بها ثم اشتغل مدرسا بالجامعة المصرية وكان له نشاط ديني واجتماعي كبير فرأس جمعية المواساة الإسلامية واشتغل بالعلم والأدب والفلسفة والتفسير والتأليف وظهر فضله في عصره وفيما بعد عصره إلى الآن
ولقد تحدث عن نفسه فى مقدمة تفسيره فقال أما بعد فإنى خلقت مغرماً بالعجائب الكونية معجباً بالبدائع الطبيعية مشوقا إلى ما في السماء من جمال وما فى الأرض من بهاء وكمال آيات بينات وغرائب باهرات شمس تدور وبدر يسير ونجم يطير ووحش يسير وأنعام تسرى وحيوان يجرى مرجان ودر وموج يمر وضياء في مخارق الأجواء وليل داج وسراج وهاج وكتاب من العجائب مسطور فى لوح الطبيعة منشور وسقف مرفوع إن ذلك لبهجة لأولى البصائر وتبصرة لصادقى السرائر وتحدث الشيخ عن طفولته في تفسير سورة يوسف وكيف تأمل في المجتمع من
۱۳
حوله وقارن بين مجتمعه الريفي أو المصرى وبين المجتمع الغربي المتقدم وكيف نزعت نفسه إلى بحث العوامل التى تسببت فى ذلك والوصول إلى طريق الخلاص من هذا التأخر والانطلاق إلى عالم الحضارة والمدنية
وكانت مؤلفاته أبلغ تعبير عما تجيش به نفسه وكانت توجيها حيا إلى الحضارة المادية والروحية على أساس من الدين وانطلاقا من مبادئه ومن مؤلفاته
- الأرواح
٢ - أصل العالم
٣- أين الإنسان
- التاج المرصع بجواهر القرآن
-٥
جمال العالم
٦ - الفرائد الجوهرية فى الطرق النحوية
وأظهر مؤلفاته هو تفسيره الكبير الذي جمع خلاصة مؤلفاته إن لم يكن كلها فصار كما قيل كل الصيد فى جوف الفرا
ولم يقتصر نشاط الشيخ طنطاوى على العالم العربى لقد تعداه إلى مختلف الأقطار الإسلامية وترجمت كتبه إلى اللغة الهندية الأوردية وإلى لغة القازان بالبلاد الروسية وإلى لغة جاوة وغيرها وذاعت شهرته في كثير من الآفاق
ومن طريف ما يتعلق به ما ذكرته مجلة دار العلوم عن أهل التركستان عندما استقلوا استقلالا تاما وأقاموا جمهورية إسلامية وأنشئوا المدارس والجامعات فاتفقوا على يسموها باسم الشيخ طنطاوى جوهرى وأصبحت جامعة طنطاوية ومدارس جوهرية وألف زعماؤهم وعلماؤهم كتباً في لغتهم للتدريس بهذه الجامعات باسم الشيخ مثل كتاب العقائد الجوهرية ونحوه لأنه في عقيدتهم حجة الشرق وفيلسوف الإسلام
ولعل هذا يعطينا صورة صادقة عن الشيخ ونشاطه العلمي والديني الذي اجتاز حدود المكان كما اجتاز حدود الزمان
وقد عمر أكثر من سبعين عاما ووافاه الأجل بعد حياة علمية خصبة في سنة
تسع وخمسين وثلثمائة وألف
رحمه الله رحمة واسعة
تفسيره
وقد
سمى الشيخ طنطاوى جوهرى تفسيره الجواهر في تفسير القرآن الكريم المشتمل على عجائب بدائع المكونات وغرائب الآيات الباهرات ابتدأه وهو مدرس بمدرسة دار العلوم في نحو سنة ثمان وعشرين وثلثمائة وألف من الهجرة فكان يلقى تفسير بعض الآيات على طلبة دار العلوم وينشره بمجلة الملاجئ العباسية ثم استجمع همته لاستكمال التفسير فأتمه في اليوم الحادى والعشرين من شهر المحرم سنة أربع وأربعين وثلثمائة وألف بعد أن استغرق تأليفه ما يناهز ست عشرة سنة وجاء تفسيرا حافلا كبير الحجم واسع الأفق استغرق خمسا وعشرين جزءا يناهز كل جزء منها ما يقرب من ثلثمائة صحيفة من القطع الكبير بحروف صغيرة وطبع هذا التفسير أكثر من مرة وبعد أن فرغ منه كتب ملحقاً له طبع في جزء
مستقل
ويتحدث الشيخ طنطاوى فى مقدمة تفسيره عن الهدف الذي رمى إليه من هذا المجهود العلمي الفذ فيقول
وإنى لعلى رجاء أن يؤيد الله هذه لأمة بهذا الدين وينسج على يد هذا التفسير المسلمون وليقرأن فى مشارق الأرض ومغاربها مقروناً بالقبول وليو لعن بالعجائب السماوية والبدائع الأرضية الشبان الموحدون وليكونن داعيا حثيثا على درس العوالم العلوية والسفلية وليقومن من هذه الأمة من يفوق الفرنجة في الزراعة والطب والمعادن والحساب والهندسة والفلك وغيرها من العلوم والصناعات كيف لا وفى الفرقان من آيات العلوم ما يزيد على خمسين وسبعمائة بينما لا تزيد آيات الفقه الصريحة عن مائة وخمسين آية
١٢٥
ولكن التفسير لم يقتصر على الناحية العلمية المادية وتبسيط أسلوبها وتقريبها قدر
الطاقة
لقد وضع فيه - كما يقول - ما يحتاج إليه المسلم من الأحكام والأخلاق ثم عبر في ثقة عن شعوره وهو يقول أيضاً
ولتعلمن أيها الفطن أن هذا التفسير نفحة ربانية وإشارة قدسية وبشارة رمزية وأيقنت أن له شأناً سيعرفه الخلق وسيكون من أهم
أمرت بهذا بطريق الإلهام
أسباب رقى المستضعفين في الأرض ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى
عزیز
1
ولقد ألف
شيخنا تفسيره فى فترة كان فيها الاستعمار وكان الجهل وكان الفقر ورأى الشيخ أن الجماهير المتدينة فى حاجة إلى الإصلاح وإلى تقبله بسرعة وعن اقتناع ورأى أن الدين هو الطريق الوحيد لذلك فسلك هذا الطريق ورأى الشيخ تفرق المسلمين ورأى لهذا التفرق أسبابه ومن أهمها الجهل بالدين وبمدى صلته بالحياة وارتباطه بها ورأى الشيخ أن خير طريق لتوحيد المسلمين وتحقيق الإصلاح المنشود هو التوعية الدينية عن طريق العلم أو التوعية العلمية عن طريق الدين وسار في هذا الطريق
بإصرار عجيب وعزيمة غريبة
وحركة إصلاحية علمية كالتى قام بها الشيخ طنطاوى في تفسيره لا تخلو من الأخطاء ولقد تعرض الشيخ فى تفسيره للنقد بحق وبغير حق واضطر في كثير من المواطن إلى الرد الثائر والتنديد بمن ينتقدونه ويرون أن منهجه في التفسير ليس هو المنهج الملائم ومما لا شك فيه أن نية الشيخ فى التفسير إنما هى نية الرجل المحب لوطنه ووطنه و العالم الإسلامي كله والذى يرى أن هذا الوطن في حاجة إلى التعرف على العلوم الكونية والعلوم التربوية وآراء الغربيين فى كثير من هذه النواحي فاستفاض فيها استفاضة خرجت به عن الأسلوب الذى تعوده الناس في التفسير حتى لقد وصفه 1 سورة الحج آية ٤٠
هو
١٢٦
بعض بأنه كتاب طبيعة وكيمياء وفلك وتربية أكثر مما هو كتاب تفسير ومن أجل
على
ذلك منعت بعض الدول دخوله فى بلادها ونقده كثير من العلماء وما من شك في أن المؤلف قد استطرد استطرادات كثيرة في مواضع متعددة لا تمت بصلة إلى التفسير كما استخرج كثيرا من علوم القرآن بحساب الجمل وهي طريقة غير معتادة في التفسير وأكثر من الحديث عن نفسه فيه جذباً للقراء ورداً الأعداء وتلك طريقة غير متعودة في الكتابة ذلك فإن كتابه فيه التفسير التقليدى اللطيف إنه يقسم السورة أقساماً ومع ثم يذكر الآيات التي يشملها القسم المعين ويفسرها تفسيراً تقليديا مختصراً لطيفاً يدل على تمكن ومعرفة بفنون التفسير وينطلق بعد ذلك في بحوثه المشعبة في شتى المجالات ولو اقتطع هذا التفسير التقليدى من مؤلفه لجاء تفسيراً لطيفاً حافلا يأخذ مكانة عالية بين التفاسير كان الشيخ في تفسيره عالماً دينياً إلى جانب شغفه بالعلوم الكونية وأفاد في الأولى كما أفاد في الأخرى
نماذج منه
ولكي نقدم نماذج من هذا التفسير سننتقى بعض الآيات الكونية وبعض الآيات الاجتماعية والأخلاقية لتتكشف لنا معالم هذا التفسير
۱ قال تعالى
إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون يقول الشيخ في تفسيرها لقد شرحنا هذه الآية في كتاب التاج المرصع وأبنا كيف أبانت نظام العالم العلوى والسفلى وارتباطها وتعاشقها وكيف بدأ بالفلك
1
۱ سورة البقرة آية ١٦٤
۱۷
وثنى بعلم الطبيعة وجعلها منظمة كإنسان واحد وحيوان واحد ونبات واحد
فترى كل كائن مستمداً
من سواه
ثم تحدث عن اختلاف الليل والنهار تبعاً لحركة الشمس واختلاف الحرارة
والبرودة والرياح فتتساقط الأمطار من السماء تبعاً لنواميس الحرارة والبرودة المسخرين لناموس الأفلاك وسير
الشمس
فتنشأ ممالك النبات
في البروج
C
والحيوان والإنسان من ذلك الماء وتهب الرياح فتسير السفن كما تسير السحب ولكل قوانين في سيره فالسفن لا تتجاوز ما رسم الملاحون في رسومهم من الخطوط البحرية والسحب لا تتعدى طريقها المرسوم بالقوانين الطبيعية رحمة بالناس وهذها جميعه مرتبط بالعلويات وكيف تسير السفن إلا بالقوانين البحرية
المستخرجة من علم الأفلاك ومراقبة الأطوال والعروض والنجوم وسير الشمس
وقانون المغناطيسية ونحو ذلك ثم صور ارتباط هذه القوانين بجدول وقال إن ذلك يفيد تناسق العالم كرة واحدة وشكلا واحداً يستمد الأسفل من الأعلى ويمد الأعلى الأسفل وبين أن
هذا التناسق والانسجام فى عالمنا يدل على أن نهج العالم الأخروى على هذا النمط ثم عقد مقارنة بين دوران الرياح وحركات المياه ودوران الشموس والكواكب وبين دوران الدم في أجسامنا واستخلص نتيجة هامة وهى أن العالم كإنسان واحد وحيوان واحد له رأس وأعضاء رئيسية ومرء وسة ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ۱ وكما أن للجسم مديراً واحداً فإن للعالم بارتباط أجزائه واستمداد بعضها من بعض مدبراً واحداً دل عليه قوله تعالى وإلهكم إله واحد ٢ واستفاض بعد ذلك فى إسهاب يتحدث عن اختلاف الليل والنهار ودرجات التفاوت بينهما وعقد جدولا لذلك وقام بشرحه وضرب أمثلة عليه زيادة في
التوضيح
وانتقل من العلم إلى السياسة والدراسات الاجتماعية فتحدث يختلف الليل والنهار بالزيادة والنقصان تختلف الدول بالرفعة والعفة 1 سورة لقمان آية ۸
سورة البقرة آية ١٦٣
عن
أنه كما
۱۸
وتحدث عن كتاب خطى يبين أن التقاليد المصرية في الكشف الحديث قديمة يرجع تاريخها إلى ما قبل ثلاثين قرنا فأكثر وتحدث عن السفن وأنواعها وعن السمك وأصنافه وقارن بينهما وتحدث عن كثير من مسائل الكيمياء العضوية في النبات وقارن بين نباتات وحيوانات مختلفة وعن المادة وبساطة أصلها وتعقدها وتعدد ألوانها وعن أصل المادة واختلاف العلماء في ذلك ثم ذكر أصنافاً متعددة من النباتات والحيوانات موضحا لها بالرسوم مشيراً إلى عجائب مثيرة في نماذج معينة من كلا النوعين وتحدث عن السحاب والزوابع والسفن البخارية والقوى الكهربية المتولدة عن الطاقة الميكانيكية التي تحرك الآلات بسرعة وقد تتسبب عن اندفاع الماء كما في سد أسوان
واستغرقت هذه الرحلة المدهشة عشرين صفحة كاملة وقد قدم بين يدى رحلته تفسيراً لفظيا مبسطاً فيه كثير من الوضوح
ب سورة يوسف
قسم السورة إلى ستة أقسام
الرؤيا
- إيذاء إخوة يوسف له
- قصته في بيت العزيز
- سجن يوسف عليه السلام
-0
تنظيمه لخزائن مصر
٦ - خاتمة السورة وحكمها وعجائبها وفى هذه الخاتمة ذكر الآيات من قوله تعالى ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدًا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم
الحكيم
1 إلى آخر السورة
۱ سورة يوسف آية ۱۰۰
۱۹
التفسير اللفظى
ورفع أبويه على العرش السرير الذي كان يجلس عليه يوسف والرفع النقل
إلى أعلى
وخروا له سجدا أى يعقوب وأمه وإخوته وقيل خالته لموت أمه وكانت
تحية القوم إذ ذاك السجود وهو الانحناء والتواضع وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل التى رأيتها في أيام الصبا قد جعلها حقا صدقاً ربی وقد أحسن بي إذ أخرجنى من السجن وأعرض عن ذكر الحب لئلا يكون
تثريباً عليهم
وجاء بكم من البدو من البادية لأنهم كانوا أصحاب مواش ينتقلون بها إلى
المياه والمناجع من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتى أى أفسد بيننا وأغرى يقال نزغ
الرائض الدابة إذا نخسها وحملها على الجزى
إن ربي لطيف لما يشاء لطيف التدبير فلا صعب إلا وله فيه تدبير ينفذ فيه
مشيئته
إنه هو العليم بوجوه المصالح والتدبير الحكيم
الذي يفعل كل شيء فى وقته يقال إن يوسف طاف بأبيه في خزائنه فلما أدخله خزانة القراطيس ۱ قال يا بني ما أعقلك ! عندك هذه القراطيس وما كتبت إلى ! قال أمرنى جبريل قال أو ما تسأله قال أنت أبسط منى إليه فاسأله فقال جبريل الله أمرنى بذلك لقولك وأخاف أن يأكله الذئب قال فهلا خفتی !
١ الورق
٢ أي الله تعالى
القرآن والنبي
١٣٠
أما ما
البحوث حول الآيات ما استفاض فيه المفسر من البحوث حول القسم الأخير من السورة فهي تتناول رؤيا يوسف ورؤيا الملك ثم هو يذكر حاله في طفولته ونزوعه إلى تغيير حاله المجتمع في عصره ويشير الى ما ذكره عن ذلك في كتابه التاج المرصع ثم يذكر أنه أوضح في كتابه أين الإنسان كيف يكون العالم أسرة واحدة ثم ينقل من كتابه المذكرات فى أدبيات اللغة العربية قطعة في البلاغة والاعتبار بالقصص عند العرب ويوازن ذلك بقوله تعالى قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل ثم تحدث عن العالم العلوى والسفلى وعن الدنيا والآخرة وعن الجسم والروح وأتبع ذلك الحديث عن مقاصد الدعاء والثناء في دين الإسلام وعن جميع أنواع العبادات للهمم إلى العلوم الكونية والمادية وأنها طريق الدنيا
بعث
والآخرة
1
وعدم
ثم تحدث باستفاضة عن كوكب الشمس وشكا تأخر المسلمين كشفهم لألوان العلوم التي يشير إليها القرآن وتحدث عن اللطف الإلهى فى أسلوب عذب نفيس وكيف جمعت قصة
يوسف سياسة النفس وسياسة المنزل وسياسة المدينة
ثم بين كيف كشف الله تعالى لنبيه الا الله خفايا الغيب في هذه السورة وتحدث عن علم الذرة وكيف تتفتت وعن فكرة اكتشافها ومظاهر التقدم في دراستها وغير ذلك !
وختم الحديث عن هذه اللطائف – كما يسميها – بالحديث عن تقصير المسلمين في شأن هذه السورة وقال جاء فى أول السورة تلك آيات الكتاب وفى آخرها آيات الأرض والسماء وقد ذم الله المعرضين عن الآيتين فإذا حللنا الآرات فى سورة يوسف وعرفنا معانيها وحللنا ألفاظها واستفدنا فوائدها - ۱ سورة يوسف آية ٦٤
۱۳۱
فبالأحرى نحلل آيات الأرض والسماء ونستجلى فوائدها ونستخرج حكمها وهكذا نفذ بفكره ومنهجه فى شتى ألوان العلوم واستغرق ذلك ست عشرة صحيفة من القطع الكبير وبالخط الصغير
وأظن أن السامع أخذ الآن فكرة عن المنهج الذي اتبعه الشيخ وهو منهج
يطوى في التفسير كل ما أمكن للشيخ معرفته في محالات
جميع
العلم
ونقده من أجل ذلك كثير من الناس ومدحه من أجل ذلك كثير من
الناس
والذى لا شك فيه هو أن الشيخ بذل كل ما يستطيع في تفسير القرآن بنية صادقة ترضى الله ورسوله فجزاه الله خير الجزاء وأجزل مثوبته
وعزيمة أحبت أن
وتقبل عمله
الجلالان
عالمان جليلان هما الإمام جلال الدين المحلى والإمام جلال الدين
السيوطى
1 - أما الجلال المحلى فهو الإمام محمد بن أحمد بن محمد المحلى الشافعي المولود بمصر سنة واحد وتسعين وسبعمائة كان مثالا للعالم الجليل حقاً وسار في حياته على نمط أسلافنا من قمم العلماء أساساً
الذين كانت لهم مثل فيما يتعلق بالعلم وفيما يتعلق بالحياة لقد جعلوا العلم في حياتهم وهذا الأساس لم يتخذوه أساسا منهاراً أى أنهم لم يتخذوه مادة جدل
نظرية وإنما أقاموا حياتهم العملية على العلم فكانوا علماء عاملين ولم يتخذ أسلافنا العلم تجارة وتكسبا وحرفة يتقربون به إلى الملوك والأمراء وينالون به الزلفى والمناصب وإنما حفظوه من أن يتبذل وذلك أنهم اكتسبوا حياتهم المادية واتجهوا في علمهم إلى الله سبحانه وتعالى فلم يأخذوا عليه أجرا من أجل ذلك كانت لهم حرية لا يقيدها الدينار والدرهم
لقد كان إمامنا المحلى من هذا الصنف من الناس لم يكتف بالعلم بل صاحبه
۱۳
بالعمل ولم يمنعه الاشتغال بالتعليم عن التكسب بالتجارة فاستغنى عن الحكام
والموسرين واكتفى بعيشة التقشف وأخلص للعلم حق الإخلاص عرض عليه القضاء الأكبر فتعفف عنه وكان كثير من أسلافنا يرفضون
القضاء تورعا وتنزها عن أن يحكموا حكما لا يرضى الله سبحانه وتعالى وأتى إليه الكبراء فعاملهم معاملة عادية وأعرض عن مداهنهم أو التزلف لهم بل واجههم بمظالمهم ووقف فى وجوههم ووفى الرسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حقها اشتغل بالفقه والكلام والأصول والنحو والمنطق وغيرها من العلوم الإسلامية وامتاز بفهم عجيب صادق
ومن طريف ما يصفه به السابقون أنهم كانوا يقولون إن ذهنه يحرق الماس يعنون بذلك أن ذهنه حاد نفاذ حتى إنه لو توجه إلى ماس لخرقه ! وأنه ينفذ إلى دقائق المسائل فيصل إلى حل ما تعقد منها
وكان يعتمد على الفهم ولم يك يستطيع الحفظ
وكان يقول عن نفسه إن فهمه لا يقبل الخطأ
ولقد صاحبه التوفيق فى مؤلفاته فامتازت بالاختصار والتحرير والتنقيح وانتقاء العبارة وجودة العرض حتى جذبت الناس إليها ودفعتهم إلى الإقبال عليها ومن هذه المؤلفات
كتاب شرح جمع الجوامع في أصول الفقه
وكتاب شرح المنهاج في فقه الشافعية وكتاب شرح الورقات في أصول الفقه
وتوفى رحمه الله وهو يؤلف تفسيره للقرآن الكريم هذا التفسير الذي قام بإكماله تلميذه البارز الجلال السيوطى
٢ - والجلال السيوطى يعتبر من أبرز رجال عصره من العلماء وهو الإمام أبو الفضل جلال الدين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق السيوطي نسبة إلى أسيوط
۱۳۳
وأسرته أسرة كريمة ذات علم وف وفضل توفى والده وهو في السادسة من عمره فنشأ يتيما ولكن معالم النجابة ظهرت عليه من صغره فحفظ القرآن وتوجه إلى تحصيل العلم من علماء عصره وذكر من شيوخه خمسون شيخاً من أعلام
العلماء
وقد انتفع انتفاعاً لاحدله بالمكتبة المحمودية وكانت عامرة بالكتب النفيسة وابتدأ التأليف وسنه لا تتجاوز سبع عشرة سنة وأفتى فى سن الثانية والعشرين وأملي الحديث في سن الثالثة والعشرين وعلى سنة العلماء الممتازين رحل إلى كثير الأقطار منها الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب فضلا عن الطواف بشتى أنحاء القطر المصرى وشرب ماء زمزم قاصداً أن يصل في العلم إلى مراتب شيوخه المتخصصين البارزين كل في فنه متابعاً لقول الرسول ماء زمزم لما شرب له وكان السيوطى جامعاً لكثير من العلوم والمعارف الدينية واللغوية كالتفسير والحديث والفقه والنحو والبلاغة ووصل فيها إلى مرتبة أهلته للتأليف بكثرة وغزارة يقول عن نفسه ولوشئت أن أكتب فى كل مسألة مصنفاً بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية ومداركها ونقوضها وأجوبتها والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك من فضل الله لا بحولى وقوتى وقد بدأ السيوطى الكتابة ملخصاً ومختصراً ثم انتهى أمره إلى الاستقلال في التأليف إلا أن المنهج النقلى يغلب عليه لأنه في نظره جانب مأمون وحياته تمثل حياة العالم في صورتها السامية لقد تفرغ للعلم وعكف عليه ولم يشغله عنه شاغل كان العلم شعاره في الصباح وفي المساء وكان شعاره في النوم ومن أجل ذلك كانت حياته خصبة أثمرت ما يقرب من الخمسمائة مؤلفاً منها ما هو صغير لا يزيد على صفحة أو صفحات ومنها مايسع عدة
واليقظة
مجلدات
ومن أبرز كتبه
١ - تفسيره الكبير المسمى الدر المنثور في التفسير بالمأثور
١٣٤
- كتاب جمع الجوامع أو الجامع الكبير الذي حوى ما حصله من
الحديث وهو مرتب على حروف المعجم مما يسر تناوله والتعرف على ما فيه وهو يعد عملا تنوء به العصبة أولو القوة وقد يسره الله تعالى له لذاكرته القوية ولتنظيمه الدقيق ولاستعانته ببعض تلاميذه فيما يبدو في الجمع والترتيب ٣ - كتاب صون المنطق والكلام وهو من أنفس كتبه وقد حققه أخيراً
الدكتور على سامى النشار والسيدة سعاد على عبد الرازق
ومن كتبه المشهورة أيضاً
كتاب اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة
وكتاب الإتقان في علوم القرآن
وكتاب تدريب الراوى فى علوم الحديث
وبرهن على سعة اطلاعه ورحابة أفقه في فتاواه الكثيرة التي جمع نموذجاً طيباً منها في جزأين كبيرين بعنوان الحاوى
ويؤخذ على السيوطى إفراطه فى النقل وكثرة استطراداته في مؤلفاته وافتقار
هذه المؤلفات إلى التهذيب والتنقيح بيد أن إفراطه في النقل يسر ل لنا معرفة الكثير من الكتب التي كادت تندثر لولا أنه حفظ لنا أجزاء ضخمة منها بين ثنايا كتبه ولولا ذلك لما علمنا عنها شيئاً وكان يميل إلى الزهد والتصوف وله فيهما مؤلفات وفتاوى كثيرة ودقيقة وقد توفى في ليلة يوم الجمعة التاسع عشر من شهر جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة وصلى عليه الإمام الشعراني ودفن بالقاهرة رحمه الله رحمة واسعة
تفسيرهما
اشترك فيه الشيخان وقامت الأقدار بدورها فى هذا الاشتراك فقد أخذ الجلال المحلى يعد تفسيراً له مبتدئاً من أول سورة الكهف حتى انتهى من سورة الناس ثم بدأ في النصف الأول ففسر سورة الفاتحة إلا أن الأجل وافاه بعد
۱۳۵
تمامها وصار التفسير محتاجاً إلى من يكمله فقام الشيخ السيوطى بذلك ولم يتحدث المحلى عن عمله في تفسيره أو عن منهجه فيه وإنما تحدث السيوطي فأشار في مقدمة تفسيره إلى أنه سيقوم فيه بذكر ما يفهم به كلام الله الاعتماد على أرجح الأقوال وإعراب ما يحتاج إليه والتنبيه على القراءات المختلفة المشهورة على وجه لطيف وتعبير وجيز وترك التطويل بذكر أقوال
تعالى مع
غير مرضية
وأوضح الإمام السيوطى فى هذه الكلمات الحاجة إلى النوع الوجيز من التفسير وافتقار العالم الإسلامي إليه حيث إن جمهور الناس وعامتهم لا يتجهون عادة إلى البسط العلمي المتشعب في تفسير القرآن وقد لا يستفيد الكثيرون من هذا وقد يتوهون بين رحاب التفاسير الكبيرة التي لا يحتاج إليها إلا
البسط
المتخصصون
وبرغم الاختصار المركز وسهولة التناول فإنه اشتمل على كثير من الفنون المتصلة بمجال القرآن الكريم من الروايات المأثورة والإعراب والقراءات والأقوال الصحيحة المعبرة في ثقة عن الموضوع ولم يستغرق تفسير الجزء الذى أعده السيوطي وهو النصف الأول وقتاً كثيراً لقد أتمه في أربعين يوما وتحدث فى ختامه عما بذله شيخه الجلال المحلى
من مجهود
وقد اشتهر تفسير الجلالين وذاع صيته وظهرت - بحق – حاجة العالم الإسلامي إلى مثله من التفاسير وطبع عدة طبعات مستقلا تارة وعلى هامش أحد الكتب تارة أخرى وقام بعض العلماء بكتابة حواش عليه ففصلوا فيها مجمله ووضحوا فيها ما منع التركيز من توضيحه وقاموا باستدراك ما فات مفسريه ومن أشهر هذه الحواشي حاشيه الإمام الصاوى وفيها لمحات نورانية كريمة وحاشية الإمام الجمل وفيها إيضاحات لغوية قيمة وقد طبعت كل من الحاشيتين وعلى هامشها تفسير الجلالين ولعل صغر حجمه وسهولة استعماله وكثرة فائدته وشدة إقبال الناس عليه يسرت تكرار طبعه
١٣٦
والذي يؤخذ على هذا التفسير أنه برغم اختصاره الشديد لم يخل من بعض القصص الذى لا أساس له من النصوص الصحيحة نلحظ ذلك في تفسير قوله تعالى من سورة ص وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخى له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزنى فى الخطاب قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيراً من الخلطاء ليبغى بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ۱ لقد ذكر أنهما ملكان جاءا في صورة خصمين لتنبيهه على ما وقع منه وكان له تسع وتسعون امرأة وطلب امرأة شخص ليس له غيرها وتزوجها ودخل بها وهذا التفسير للآيات الكريمة تفسير خاطئ لا أساس له من الصحة ولا يساير عصمة الأنبياء وكذلك في تفسير قوله تعالى - فى سورة يوسف - ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ٢ يقول همت به قصدت منه الجماع وهم بها قصد ذلك لولا أن رأى برهان ربه قال ابن عباس مثل له يعقوب فضرب صدره أنامله فخرجت شهوته من وجواب لولا لجامعها
وهو تفسير خاطئ يجرد سيدنا يوسف عليه السلام من أى مقاومة تجاه امرأة تعرض نفسها عليه والتفسير الذى يناسب الأساس اليقيني وعصمة الأنبياء هو ما قال به المفسر الجليل أبو السعود المراد هم بدفعها عن نفسه ومنعها عن ذلك
القبيح
1 سورة ص الآيات ٢١ - ٢٥
سورة يوسف آية ٢٤
۱۳۷
نماذج منه
قال تعالى
فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ١
فلولا فهلا كان من القرون الأمم الماضية
من قبلكم أولو بقية أصحاب دين وفضل ينهون عن الفساد في الأرض المراد به النفى أى ما كان فيهم ذلك إلا لكن قليلا ممن أنجينا منهم نهوا
فنجوا ومن للبيان واتبع الذين ظلموا بالفساد وترك النهى ما أترفوا نعموا فيه وكانوا مجرمين وما كان ربك ليهلك القرى بظلم منه لها وأهلها مصلحون مؤمنون قال تعالى
نقص
الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون نحن عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن
الغافلين
الر الله أعلم بمراده بذلك
تلك هذه الآيات
آيات الكتاب القرآن والإضافة بمعنى من
المبين المظهر للحق من الباطل إنا أنزلناه قرآنا عربيا بلغة العرب لعلكم يأهل مكة
۱ سورة هود آیتا ۱۱۶ ۱۱۷ سورة يوسف الآيات ۱ - ۳
۱۳۸
تعقلون تفهمون معانيه
نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا بإيحائنا إليك هذا القرآن وإن
مخففة أى وإنه
كنت من قبله لمن الغافلين
الفصل الخامس
اقرأ باسم ربك الذي خلق
المنهج القرآني لحياة المسلم
عن عائشة أم المؤمنين - فيما رواه البخارى وغيره – أنها قالت أول ما بدئ به رسول الله الله من الوحى
الرؤيا الصالحة في النوم فكان لايرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه يتعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ قال ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذنى فغطى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذنى وغطى الثالثة ثم أرسلنى فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم فرجع بها رسول الله الله يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضى الله عنها فقال زملونى زملونى فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسى ! فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف
وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ماشاء الله أن يكتب وكان شيخاً كبيراً قد عمی فقالت له خديجة يابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يابن أخى ماذا ترى
فأخبره رسول الله خبر مارأى فقال له ورقة هذا الناموس الذي نزل الله على ۱ سورة العلق الآيات ١ -
١٤٠
١٤١
موسى ياليتني فيها جذع ليتنى أكون حيًّا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله أو مخرجي هم قال ن قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ماجئت به إلا عودى وإن يدركني يومك أنصرك نصراً موزراً هذه الليلة المباركة هى التى سماها الله ليلة القدر فقال سبحانه وتعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر القدر /۱
ثم أخذ الله سبحانه وتعالى يبين فضلها فقال
وما أدراك ماليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح
0-
فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هى حتى مطلع الفجر القدر / - ووصفها الله بأنها مباركة فقال سبحانه وتعالى حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين لا إله إلا يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين ۱
هو
عن هذه الليلة المباركة نأخذ فى الحديث مبتدئين بأسمى أحداثها وأسمى هذه الأحداث هو الوحى الذى يتمثل في قوله تعالى اقرأ باسم ربك الذي خلق وهذه المادة الأولى من الدستور الإسلامى غنية بالمعانى ثرية بالتوجيهات ومعانيها وتوجيهاتها ليست آتية من ألفاظها فحسب وإنما هي آتية أيضاً من الجو
العام الذي تشير إليه أو الذى توحى به فهى تبتدئ أولاً بكلمة اقرأ إنها تأمر بالقراءة التي هي من أهم وسائل العلم والمعرفة إن لم تكن أهمها ويتسم الإسلام لأول لحظة زمنية من حياته ولأول كلمة فيه بسمة العلم وتتوالى
بعد ذلك الآيات موضحة ومؤكدة هذه السمة جاعلة منها طابعاً وشعاراً وإذا كانت الآيات الأولى التى نزلت من القرآن في الليلة المباركة قد أمرت بالقراءة مرتين وذكرت مادة العلم ثلاث مرات وذكرت القلم – فإن الآيات التي نزلت بعد ذلك بدأت بحرف من حروف الهجاء ن وتضمنت أول قسم أقسم
۱ سورة الدخان الآيات ١-٠٨
١٤٢
به الله سبحانه في القرآن وكان هذا القسم بالقلم ن والقلم وما يسطرون القلم /1
العلماء
ثم تتوالى الآيات القرآنية فى فضل العلم وفى الحث على التعلم وفى تمجيد
لقد أمر رسول الله الا الله أن يلجأ إلى الله متضرعاً داعياً أن يزيده الله علماً وقل رب زدني علماً طه / ١١٤
وهذا الدعاء الذى يتجه به الرسول مع الله إلى الله إنما هو من أروع الأمثلة في التربية وذلك أنه صادر من الإنسان الكامل أنه صادر من رسول الله – ه - أكمل الرسل - يبين للأمة أن الإنسان مهما بلغت به المنزلة ينقصه الازدياد من العلم وإذا كان الرسول - أكمل المخلوقات - يرجو أن يزيده الله علماً فما بالك بأفراد الأمة وتضور زعيم أمة تكبره وتجله وتقدسه يعلن في صراحة لا لبس فيها أنه مازال – ولن يزال - بحاجة إلى الزيادة فى العلم أنه يدفع الأمة بذلك – الأمة التي تقدسه – إلى السير على منواله فترجو أن يزيدها الله علماً
أما
عن هؤلاء الذين سموا بأنفسهم عن مستوى العامة فتثقفوا وتعلموا فإن الله سبحانه وتعالى يقول عنهم مشجعاً وحاثًا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات المجادلة / ١١
وإن أسمى شيء في الحياة من غير شك إنما هو الإيمان إنه في الدرجة المطلقة من السمو ويأتى مع الإيمان تالياً للإيمان مباشرة العلم
والعلم في النظرة الإسلامية من وسائل تثبيت الإيمان وزيادته وتقويته ذلك أن العلماء في الأعراف الإسلامية هم أشد الناس خشية الله سبحانه يقول تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء فاطر/ ۸
ولا يصل ذروة الإيمان - الذروة المطلقة من بني آدم إلا العلماء إن الله سبحانه وتعالى يقرنهم به وبملائكته فى شهادة التوحيد وشهادة التوحيد في ذروة سنام الإيمان إن أشهد أن لا إله إلا الله - هي قمة الإيمان وهذه القمة لا يرقى
١٤٣
إليها إلا العلماء يقول سبحانه شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم آل عمران / ١٨
D
هذه هي النظرة القرآنية للعلم الذى اتسم به الإسلام منذ اقرأ وقد يظن بعض الناس أن العلم الذي عناه القرآن إنما هو ا العلم بالدين فحسب وليس الأمر كذلك فإن الله سبحانه وتعالى حينما ذكر أن العلماء هم الذين يخشون الله أحاط الآية القرآنية بجو يمنع أن تحدد العلم بالعلم الديني فقط يقول سبحانه ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف
ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور فاطر ۷ - ۸ ثم إن الله سبحانه وتعالى قد امتن علينا بأن سخر لنا البحار والأنهار والجبال وسخر لنا الشمس والقمر والكواكب لقد سخر لنا الأرض والسماء وما بين الأرض والسماء أى أنه سخر لنا الكون كله وهذا الامتنان من الله سبحانه وتعالى علينا بالتسخير إنما هو من أجل أن نصل إلى السيطرة عليها باكتشاف القوانين التي وضعها الله سبحانه وتعالى لتسخيرها يقول سبحانه الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجرى في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار ٣٢ - ٣٣ إبراهيم وقال تعالى ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ٢٠ لقمان
وقال تعالى ألم تر أن الله سخر لكم مافى الأرض والفلك تجرى في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم الحج ٦٥
وقال تعالى الله الذى سخر لكم البحر لتجرى الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وسخر لكم ما فى السموات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ۱ - ۱۳ الجاثية
١٤٤
إن الله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان للخلافة الأرضية ومنحه العقل يكتشف به ما يهيئ له هذه الخلافة فى العالم المادى العالم المحسوس ولقد سير هذا العالم المادى بنواميس محكمة مطردة وعلى الإنسان أن يكتشف هذه النواميس ليطوع الكون له وعليه أن يكتشف هذه النواميس كمظاهر لعظمة الله وجلاله فتكون من أسباب خشيته سبحانه
إن عالم التشريح يرى الدقة فى الصنع والإحكام في التكوين ويرى هذا الإبداع البديع في التركيب الإنساني والحيواني والنباتي فيخر ساجداً لمبدع العالم الذي أحسن كل شيء صنعاً وإن عالم الفلك يشاهد بمرصده ويتصور بذهنه هذه السعة الشاسعة المذهلة في تصورها ويعلم أن كل صغير وكبير فيها يسير في تقدير دقيق لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ١ يرى ذلك فيخر ساجداً للمبدع ويردد مع القرآن الكريم تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور الذي خلق سموات طباقاً ماترى سبع في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير
أرأيت إلى غزو الفضاء والوصول إلى الكواكب واكتشاف نواميس الكون في أعماق البحار وعلى فنن الجبال وفى مجالات الجو إن كل ذلك في الأعراف الإسلامية الصادقة واجب على المسلمين وإنه لمن سوء القصد أن يشيع مشيع أر الإسلام يعارض غزو الفضاء والوصول إلى الكواكب إن الإسلام على العكس يوجب كل ذلك على الأمة الإسلامية التي يحب الله ورسوله أن تكون أقوى أمة في العالم حتى تؤدى رسالة الله التي كلفت أداءها
ونعود فنقول لقد
اتسم الإسلام بالعلم
منذ اقرأ
وإذا كان القرآن قد وجه الأمة الإسلامية إلى العلم فإن الرسول صلى الله عليه وسلم - وهو
۱ سورة يس آية ٤٠
سورة الملك الآيات ١-٤
١٤٥
صورة قرآنية كاملة - قد حث المسلمين على العلم في أساليب شتى يقول صلوات الله وسلامه عليه من سلك طريقاً يبتغى فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر رواه أبو داود
والترمذى إن الاتجاه العلمي فى الإسلام بدأ فى صورة صريحة بـ اقرأ ولكن اقرأ في الإسلام مشروطة بشرط يوجبه الإسلام ويحتمه إنها ليست مطلقة وإنما هي مقيدة بأن تكون باسم ربك وهنا يفترق العلم في صورته الإسلامية عن العلم صورته الأوربية بل تفترق الحضارة الإسلامية عن الحضارة الحديثة بل تفترق الحياة الإسلامية فيما يجب أن تكون عليه عن الحياة الأوربية وذلك أن كل أمر من أمور المسلم يجب أن يكون باسم ربك
في
فالعلم - أسساً وبواعث – - يجب أن يكون باسم ربك والعلم - أهدافاً وغايات – يجب أن يكون باسم ربك يجب أن يكون العلم في سبيل الله أى أن يكون للخير والفضيلة ولإسعاد الإنسانية فإن ما كان باسم ربك يحقق كل
خير وكل مكرمة وكل فضيلة وتسعد به الإنسانية والواقع والحقيقة أن القراءة المأمور بها في الآية الكريمة ليست إلا رمزاً فحسب إنها رمز لما ينبغى أن تكون عليه جميع أعمال المسلم والآية تريد أن تقول تكلم باسم ربك قم باسم ربك اعمل باسم ربك لتكن حياتك كلاماً وصمتاً حركة وسكوناً باسم ربك
والآية الكريمة واضحة وضوحاً بيناً فى الصورة الإيجابية من الأعمال بيد أنها تتضمن الصورة السلبية أيضاً هذه الصورة التى صرحت بها الآيات فيما بعد ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ۱ وكذلك كل ما ذبح باسم
1 سورة الأنعام آية ۱۱
١٤٦
الأصنام فلم يذكر اسم الله عليه فسق يجب اجتنابه حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ماذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم المائدة ٣
وسواء أكنا بصدد ماصرحت به الآيات الكريمة اقرأ باسم ربك أم بصدد ما تضمنت – فإن هذه الآية الكريمة التى أجملت دستور الأمة الإسلامية إيجاباً وسلباً صراحة أو رمزاً أو إشارة - تفصلها نوعاً من التفصيل آية أخرى فيها أمر إلهى لمن أعده الله ليكون أسوة حسنة للإنسانية قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين
يرجو
١٦٢ - ١٦٣
الأنعام إن الله سبحانه وتعالى يقول لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً الأحزاب وهذه الأسوة الحسنة كانت صلاته وكان نسكه وكانت حياته كلها بل كان مماته كان كل ذلك خالصاً لوجه الله الكريم لا يشركه سبحانه فيه شريك والمسلمون مأمورون بأن يسيروا على نهج رسولهم فتكون حياتهم سلباً وإيجاباً حركة وسكوناً بل ويكون مماتهم الله وفى سبيل الله إنها في جميع مظاهرها وظواهرها يجب أن تكون قراءة باسم ربك ألا الله الدين الخالص ۱ فكل ما لم يكن خالصاً لوجهه أوكل ما لم يكن قراءة باسمه فليس عملاً إسلاميا لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم الحج ٣٧ ولكن لماذا عدلت الآية الكريمة عن لفظ الله إلى لفظ ربك في الآية الكريمة اقرأ باسم ربك الذى خلق ولقد كنا نتوقع ونحن بصدد أول آية نزلت القرآن أن تأتى الآية بلفظ الله فتكون اقرأ باسم الله الذي خلق وذلك
من
1 سورة الزمر آية ٣
١٤٧
صفات الله
أسمائه ولكن
أن هذا اللفظ الكريم الله يتضمن جميع وجميع الآية الكريمة عدلت عن ذلك إلى لفظ الرب وهذا العدول إنما هو لحكمة بالغة ذلك أن الله سبحانه ينبه من أول الأمر إلى أن القراءة يجب أن تكون باسم الرب باسم المربى أى أن القراءة يجب أن تكون في الإيجاب والسلب في الحركة والسكون في النطق والصمت - فى إطار التربية الإلهية في إطار الأوامر والنواهي في إطار ما رسمه الله للفرد وفى إطار ما رسمه الله للمجتمع والعدول عن اللفظ الكريم الله إلى اللفظ الكريم الرب إنما كان - في أهدافه - - لهذا إن هذا العدول يريد أن يقول للإنسان إنك حينما تدخل - - حرا مختاراً - فى عهد الله وفى دينه وفى ميثاقه – يجب أن تروض نفسك منذ المبدأ على أن تستجيب استجابة مطلقة لله سبحانه وتعالى في أمره ونهيه يجب أن تعقد العزم على أن تكون ربانياً أما ما يبرر ضرورة هذه الاستجابة إلى ربك فإن البرهان الضخم الحاسم يتمثل في قوله تعالى الذى خلق
بعض
وذلك أن الذي خلق أي الذي كون جميع أجزائك وركب جميع أعضائك ورتب جميع خلايا جسمك وجميع ذرات وجودك وأنشأك خلقاً سوياً - أن هذا الذي فعل ذلك هو الأعرف بك وحينما يضع دستوراً لك وحينما يرسم لك الحياة التي تسير عليها – فإنما يفعل
ذلك على علم ويفصل ذلك عن حكمة إنه البارئ إنه المكون إنه الخالق إنه المبدع فكيف يتأتى أن نعدل عن تربية مخلوق ومهما بلغت عقلية هذا المخلوق ومهما بلغ نضجه فإنه مخلوق لا خالق مكون لا مكون ولا يتأتى في عرف ذوى البصائر المستنيرة العدول عن تربية المربوب إنه عدول عن تربية الكامل إلى تربية
الناقص
توجيهات بالنسبة للغزو الفكرى
وللثقافات الواحدة
وإذا قرأ الإنسان باسم ربه إذا استجاب الإنسان – بمقتضى دخوله في عقد الإيمان - للتربية الإلهية إذا كيف الإنسان حياته كلها لتكون قراءة باسم ربه
فقد
أسلم وإن اقرأ باسم ربك الذي خلق لا يخرج معناها في ثمرته عن معنى أسلمت والمسلم هو من دخل في الإسلام والإسلام هو أن يسلم الإنسان وجهه لله ولقد سئل رسول الله الله عن معنى الإسلام فقال لله أن تسلم وجهك وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك
والإنسان إما مسلم صادق وإما مسلم مزيف والمسلم الصادق لايسمح لنفسه أن ينهل من منابع غير إلهية فى الأمور التي أنزل الله فيها وحياً إن المؤمن الصادق لا يتخذ له في العقيدة أو فى الأخلاق إماماً غير إمامه الرباني والأمور التي أتى بها الدين ونزل بها الوحى وصرح بها الكتاب مبادئ لا يجوز - في أعراف المؤمنين الصادقين - العدول عنها إلى غيرها والموقف القرآني في ذلك حاسم كل الحسم فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ١ ولقد حرص الرسول الله طيلة حياته على أن تستمر المنابع التي يستقى منها المسلمون صافية صفاء مطلقاً وعلى أن تستمر القراءة ٢ باسم ربك لا تستقى
إلا من المنابع الإسلامية الصافية وأول منبع هو القرآن الكريم ولقد حرص رسول الله الله ألا يختلط بالقرآن ۱ سورة النساء آية ٦٥
٢ لعل القارئ بلاحظ أننا نستعمل القراءة هنا على أنها رمز للحياة كلها في حركتها وسكونها كما سبق أن أوضحنا ذلك
١٤٨
129
غيره وكان شديد الحرص فى ذلك إلى درجة أنه لم يسمح في العهد الأول من الوحى أن تكتب الأحاديث التى كان ينطق بها حتى لا تختلط بالقرآن ثم لما بانت معالم القرآن وبدت أوصافه الذاتية فى وضوح وأسفرت آياته عن شخصيته سمح الرسول بكتابة السنة
ولقد حرص رسول الله الا الله ألا يلوث الدين الإسلامي بغيره ولقد روى المحدثون في ذلك أحاديث في غاية العمق منها ما رواه الإمام أحمد قال حدثنا سريح بن النعمان حدثنا هشام أنبأنا خالد عن الشعبي عن جابر أن عمر بن الخطاب أتى النبي الله بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي قال فغضب وقال أتتهوكُونَ فيها يابن الخطاب والذي نفسي بيده
لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوه أو بباطل فتصدقوه والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعنى وأخرج عبد الرازق فى المصنف والبيهقى فى شعب الإيمان عن الزهري أن حفصة جاءت إلى النبي الله بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرؤه عليه والنبي عليه الصلاة والسلام يتلون وجهه فقال والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتمونى ضللتم حظكم من النبيين وأنتم حظى من الأمم وأخرج عبد الرازق والبيهقى أيضاً عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه مر برجل يقرأ كتاباً فاستمعه ساعة فاستحسنه فقال للرجل اكتب لى من هذا الكتاب قال نعم فاشترى أديماً فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ثم أتى النبي الله فجعل يقرؤه عليه وجعل وجه رسول الله له يتلون فضرب رجل من الأنصار الكتاب وقال ثكلتك أمك يابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله له منذ اليوم وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب فقال النبي عند ذلك إنما بعثت فاتحاً وخاتماً وأعطيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لى الحديث اختصاراً فلا يهلكنكم المتهوكون أى الواقعون في كل أمر بغير روية وأخرج الفريابي والدارمي وأبو داود في مراسيله وابن جرير وابن
١٥٠
المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة قال
جاء ناس من المسلمين بكتف قد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود فقال رسول الله كفى بقوم حمقاً أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم فنزلت أولَمْ يَكْفِهِمْ أنَّا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون العنكبوت /٥١ ولقد اختلف موقف المسلمين ذوى الألباب الزاكية اختلافاً صريحاً سافراً بالنسبة للأخذ من مجالى الحضارة المادى والروحى أما موقفهم بالنسبة للمجال المادى من الحضارات التي لم تنشأ في الجو الإسلامى سواء كان ذلك في القديم أم في الحديث – فقد كان ولايزال موقف المشجع على الأخذ منها أينما كانت وعلى المساهمة فيها مساهمة فعالة وعلى الارتقاء بها وتطويرها تطويراً مستمراً إن اكتشاف نواميس الله في الكون من واجبات المسلم ولقد ترجم سيدنا عمر بن عبد العزيز كتاباً في الطب لما رأى حاجة المسلمين إلى ذلك ولما ترجمت كتب الكيمياء والطبيعة والطب والفلك في عهد أبي جعفر المنصور وبعده لم يجد ذلك من المسلمين
إلا كل ترحيب
ولكن موقف المسلمين في الجانب الروحى من الحضارات القديمة والحديثة موقف يخالف ذلك كل الاختلاف لقد انتهر الرسول الله سيدنا عمر في شدة لأنه أتى بصحف من التوراة يتلوها وغضب صلى الله عليه وسلم على كل من حاول أن يستقى في العقيدة والأخلاق من منبع غير القرآن والسنة النبوية الشريفة وسار المسلمون على هذا النسق من التفرقة بين الجانب المادى والجانب الروحى حتى كان عصر المأمون ومهما تحدث المتحدثون عن الازدهار والقوة والمجد في عصر المأمون ومهما قالوا من أنه العصر الذهبي للأمة ذلك الإسلامية فإنه مع عصر يتسم بسيئتين إحداهما لا يغفرها له المحبون للحرية والأخرى لا يغفرها له أهل الصلاح والتقوى أما الأولى فإنها دخول المأمون فى النزاع الذى كان بين علماء المسلمين في مسألة خلق القرآن لقد دخل المأمون فى هذا النزاع بقوة الدولة رغبة ورهبة لقد دخل
متحيزاً لفئة منكلاً بالفئة الأخرى
ولقد تحيز للمعتزلة والمعتزلة قوم حكموا أهواءهم في الدين وحسبوا أن ما يقولونه إنما هو حكم العقل ولو كان حكم العقل لما اختلفوا هم وتفرقوا شيعاً وأحزاباً إنهم لم يأخذوا الدين مأخذ المستهدى ولم يعترفوا بأن الدين نزل هادياً للعقل وإنما رأوا أن العقل هو المرتبة الأولى فى معرفة الخير والشر وهو قوم كانوا يتسمون بالتحمس الشديد للجدل النظرى ويتسمون بالفتور الشديد للجانب العملي
الدين
من الدين ومن أجل ذلك انصرف جمهور الأمة الإسلامية عنهم وكان في مواجهة هؤلاء طائفة من علماء المسلمين تتسم بالصلاح والتقوى وتوطين النفس على الاستهداء بالدين وعلى السير فى ركاب النص القرآني أو الحديث النبوى ولقد كانت هذه الطائفة تتسم بالتحمس الشديد للجانب العملي من وكانت تتسم بقوة الإيمان فصير ذلك حياتها إلى جهاد في سبيل الله وكفاح من أجل المسير على ما كان عليه رسول الله وخلفاؤه رضى الله عنهم الأول للأمة الإسلامية وكان يضم أمثال الإمام أحمد بن حنبل والإمام مالك وكان يهتدى بهديهما ويقتدى بسلوكها جمهور الأمة الإسلامية لقد ترك المأمون هذه الطائفة وانحاز إلى المعتزلة انجاز إلى المعتزلة بقوة الدولة فأغدق المال على أنصاره وأخذ ينكل بكل من يعارضه وكان المعارضون له هم المتسمين بالصلاح الحقيقى والتقوى الصادقة إنهم أمثال الإمام الصالح أحمد بن
والصدر
حنبل
وما كان لنا أن نعيب دخول المأمون في نزاع علمى لو أنه دخل دخول الأب الرحيم المهدئ للنزاع لو أنه دخل دخول الأخ الأكبر ملطفاً ومانعاً للحدة بين الإخوة إننا لانتقد الدخول فى النزاع إنما ننتقد الكيفية والصورة إنها ليست صورة دخول علمى فى موضوع نقاش دينى وإنما هي صورة دخول جبروتى دخول من يريد أن يأمر ليطاع دخول من لا يريد يصغى إلى نصح ولا أن
يستجيب لبرهان !
هذه سيئة وهى سيئة لأيرضى بها أحرار الفكر ولا يرضى بها المتدينون
١٥٢
أما الأخرى فهى أنه برغم موقف جمهور المسلمين الحاسم من التراث الروحي للأمم الأخرى وبرغم معارضتهم الشديدة للغزو الفكرى – فإن المأمون تحداهم تحدياً سافراً آمراً بترجمة التراث الروحى والتراث الأخلاقي للأمم الأخرى يونانية كانت أو فارسية أو غيرهما
ذاتية
لقد ظن المأمون أن ذلك سينصره في القضية التى اتخذ الخصومة فيها مسألة كرامة
على سرير
قال
ولقد حكى ابن النديم في ذلك رؤيا للمأمون معبرة أوضح ما يكون التعبير عن نزعة المأمون أو عن نزعته لقد رأى المأمون فيما يراه النائم رجلاً أبيض اللون مشرباً بحمرة واسع الجبهة حسن الشمائل جالساً المأمون وكأنى بين يديه وقد ملئت هيبة من هو هذا الرجل أهو أحد الخلفاء الراشدين أهو أحد كبار الصالحين إن المأمون يصفه وصفاً جميلاً وصورته تملأ المأمون هيبة فمن هو يا ترى يقول المأمون فقلت من أنت فقال أنا أرسطو فسررت به وقلت أيها الحكيم أسألك قال سل قلت ما الحسن قال ماحسن في العقل قلت ثم ماذا قال ماحسن فى الشرع قلت ثم ماذا قال ما حسن عند
الجمهور قلت ثم ماذا قال ثم لا ثم قلت زدني قال عليك بالتوحيد وسواء أصحت هذه الرؤيا أم لم تصح فإنها تعبير صادق عما كان في نفس المأمون وفى نفس المعتزلة من إكبار أرسطو ولعل القارئ قد لاحظ مبدأ في غاية الخطورة وهو مبدأ تقديم العقل على الشرع لقد جعلت رؤيا المأمون العقل فى الدرجة الأولى وجعلت الشرع في الدرجة الثانية وهو مبدأ معروف عند المعتزلة وعند المأمون وهو مبدأ لا يقره أمثال الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل رضى الله أجمعين أما التوحيد في الرؤيا فإنه التوحيد الذي عناه المعتزلة والذي عبر عنه أهل السنة بكلمة التعطيل واستيقظ المأمون من رؤياه فأمر بترجمة كتب أرسطو
عنهم
ولاقت هذه البدعة الجديدة بدعة ترجمة كتب العقائد وكتب الأخلاق -
١٥٣
معارضة شديدة في الأجواء الإيمانية لقد رأت هذه الأجواء أن في عقائد المسلمين وفى أخلاق المسلمين من الصدق ومن الحق ومن الوضوح ما يغنى عن غيرها ورأت أن عقائد المسلمين وأخلاق المسلمين قد حددها الأسلوب الإلهى وبينها الأسلوب النبوى إن الله سبحانه وتعالى هو الذي عبر عنها وإن رسوله قد طبقها وهذه ميزة لا توجد في غير الدين الإسلامي
أمن المعقول أن يدع عاقل من العقلاء الرسم الإلهى لصلة الإنسان يربه ولصلة
الإنسان بالآخرين إلى
رسم
بشری
لهذه الصلة
رسم
يخطئ ويصيب ويضل
ويهتدى
أمن المعقول أن يدع الإنسان الأسلوب الإلهى فى نضرته ودقته وإحكامه وفى وضوحه وبلاغته وإعجازه إلى أسلوب بشرى يترجمه أسلوب بشرى آخر إن البشر في تأليفهم بشر مهما بلغوا من الدقة ورحم الله العماد في قولته المشهورة من أنه لا ينتهى الإنسان من تأليفه إلا يتمنى أن لوعاد التأليف من جديد ليغير ويبدل ويزيد ويحذف وهذا شأن البشر شأنهم على مر العصور مهما بلغوا من العبقرية والنضج ! وهذا التأليف على هذا النمط لاتقرؤه بلغة صاحبه وإنما تقرؤه بلغة مترجم يترجم ما فهم هو من معانى المؤلف إن الترجمة مهما بلغت من الدقة ليست إلا فهم المترجم لكلام المؤلف
ولم الترجمة أفى العقيدة التى جاء بها القرآن والسنة نقص يستكمل أفي الأخلاق التي رسمها الله ورسوله خلل تزيله ترجمة كتب الوثنيين إن الآراء لاتستند إلى وحى معصوم وهى آراء وثنية وإن الفرق بين الوثنية والإيمان إنما يرجع إلى أن الإيمان مصدره الوحى أما الوثنية فمصدرها البشرية في عجزها وقصورها وجهلها وإن البشرية مهما بلغت من الرقى الحضارى لا تنفك متسمة بالعجز والقصور والجهل وإن الاكتشافات الحديثة التي لا تنقطع والتي تطلع علينا الأخبار منها كل يوم بجديد لهي أوضح دليل على عجز البشرية وقصورها وجهلها
١٥٤
ولن تبلغ البشرية يوماً ما حد الكمال لأنه لن تصل البشرية يوماً إلى الانتهاء من اكتشاف كل مجهول والكشف عن كل غامض وإزالة الحجب عن جميع
المعميات
أنترك العصمة المطلقة فى الوحى ونترك بيان من لا ينطق عن الهوى لنأخذ بقول هذا أو ذاك ممن يتسمون دائماً بالنقص والعجز وممن جهلهم أكثر من علمهم مهما بلغوا في المعرفة والعلم هذه الآراء التى كانت تدور في البيئة الإسلامية إذ ذاك والتي كان يؤمن بها ويتقبلها الأغلبية من الشعب لم تقف في وجه الترجمة ولم تحل دون تنفيذ المأمون لفكرته لقد نفذ المأمون الفكرة ووجد الأمراء أن من إرضاء المأمون أن يؤثر الإنسان هذه الفكرة وأحب الأمراء رضاء المأمون فساهموا في مشروع الترجمة ووجد الأثرياء أن من وسائل التقرب إلى المأمون أن يساهموا في مشروع الترجمة فعملوا على المساهمة بمالهم في مشروع الترجمة ووجد المثقفون أن من عوامل التقرب إلى المأمون أن ينشروا آراء أرسطو وأفلاطون وغيرهما فتعلموها ودرسوها
وعلموها
وإذا كانت أفكار اليونان قد بدأت الدخول فى البيئة الإسلامية على استحياء فإنها بمر الزمن استوطنت وألفها كثير من الناس عن طريق التكرار وشاعت الآراء واستقرت بالإلف والعادة والتبي والدعاية ومنذ ذلك الحين أصبح بجوار اقرأ باسم ربك الذي خلق أصبح بجوارها اقرأ باسم أرسطو ! و اقرأ باسم أفلاطون ! وفى العصور الحديثة و اقرأ باسم ديكارت ! وبدأ انحلال الأمة الإسلامية لأنها لم تعد تقرأ باسم ربك أوقل إن انحلال الأمة الإسلامية وضعفها بدأ منذ أن بدأت تشرك مع التعاليم الإسلامية
غيرها
وإذا كان عصر المأمون يؤرخ العصر الذهبي للأمة الإسلامية فإنه أيضاً يؤرخ
اللحظات الأولى لدبيب الضعف في هذه الأمة
١٥٥
إن الفلسفة اليونانية والفكر النظرى فى العقيدة والأخلاق والانصراف إلى ذلك به وجعله مظهراً للحضارة والرقى والمدنية - لا ينتج إلا فتورا في الإيمان
والاشتغال
وتخاذلاً في العزائم وتشككاً في كل القيم وهل ينتج البحث العقلى - البحث في القيم والمعايير الدينية والأخلاقية – على أسلوب الإنكار الإثبات والأخذ والرد والجدل والماراة - إلا فتوراً واستهانة هل أنتجت الفلسفة إيماناً قوياً هل أنتجت عزائم من حديد هل قادت إلى
النصر
وتأمل معى مليا فى أسباب نهضة أوربا في عصورها الحديثة
إننا نعرف أن أوربا عاشت أزماناً متطاولة فى جهل وهمجية وانحطاط ولقد عاشت كذلك لأنها كانت تتبنى نزعة أرسطو أو منهج أرسطو أي أنها كانت تتبنى الجدل الفارغ الذي لا يؤدى إلى نتيجة ولا ينتهى إلى ثمرة اللهم إلا الفتور
والتخاذل والشك
ثم بدأت أوربا تتنبه إلى منهج في الحياة آخر وبدأ بيكون يعلن عن طريقة وأسلوب للمعرفة لا يعتمد على العقل النظرى البحت وبدأ منهج التجربة والملاحظة
والاستقراء
وأرخ هذا الاتجاه التجريبي بدء عصر النهضة الأوربية وكما أرخ بدء دخول الفكر الأرسطى ۱ انحطاط الأمم الإسلامية - فقد أرخ بدء التخلى عن هذا الفكر بدء النهضة الأوربية الحديثة
وإذا كان المسلمون قد بلغوا قمة مجدهم حينما كانوا يقرءون باسم ربك وحده
0
فإنهم بلغوا قمة ضعفهم حينما بلغت هذه باسم ربك و حدها الأدنى أى حينما تخلوا أو كادوا عن أن يتخذوا من منابع دينهم الصافية موجهاً وقائداً ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها أى العودة إلى اقرأ ٢ باسم
۱ لا نقصد أوسطو بالذات أو أرسطو فقط وإنما نقصد الفكر النظري في مسائل ماوراء الطبيعة والأخلاق الذي لا يستند إلى وحى معصوم
نعود فنقول إننا نعنى بـ اقرأ رمزاً للحياة كلها في حركتها وسكونها في صمتها ونطقها
10
ربك الذي خلق
ولكن هل يعنى ذلك أن تمنع الترجمة هل يعني ذلك أن نعيش في عزلة عن الفكر العالمى هل يعني ذلك أن نمنع أنفسنا عن الاطلاع على الثمار التي أنتجتها عقول العباقرة أمثال أفلاطون وديكارت وأسبينوزا وبرجسون ليس إلى هذا قصدنا وإنما قصدنا إلى معنى يعلمه فى وضوح كل من يتتبع تاريخ الفكر البشرى عبر القرون
إن الظاهرة الواضحة فى تاريخ الفكر البشرى الذي لا يستند إلى التجربة أو الملاحظة أنه متغير باستمرار وأنه لا يستقر على رأى وأنه في صيرورة دائمة وهذه الصيرورة ليس من الحتم أن تسير دائماً فى طريق الجديد بل يجوز أن تعود القهقرى فترجع إلى مذهب تخلت عنه وتعود إلى ما كانت قد عزفت عنه ويأخذ القديم طريقه إلى الانتشار من جديد ثم يعفى عليه الزمن مرة ثانية أو ثالثة وهكذا يعيد التاريخ الفكرى نفسه تارة ويتجدد أخرى ومن الملاحظ أيضاً أنه ليس من الحتم أن يكون الجديد ترقياً في الفكر أو سموا في
الآراء بل قد يكون على العكس من ذلك انتكاساً وانحداراً !
وهذه الظاهرة البادية لكل دارس جعلت بعض المفكرين يقولون إن الآراء النظرية البحتة مثلها كمثل أزياء النساء تستبدل كل عام ! وهذا التشبيه الآراء العقلية البحتة في جانب العقيدة وفى جانب الأخلاق بأزياء النساء في التبدل والتغير والاختلاف والتطور من القديم إلى الجديد ومن الجديد إلى القديم – تشبيه في غاية الصدق كادت فرنسا يوماً أن تؤله أوغسط كومت وكان أتباعه يقدسونه ويضعونه على القمة ومضى الزمن وأصبحت آراء و أوغسط كومت لا يقام لها وزن اللهم إلا أنها حلقة من حلقات التاريخ الفكري الذي عفى عليه
الزمن
ومريدوه
ولقد كانت السوفسطائية يوماً ما أكثر المذاهب انتشاراً في اليونان ثم عفى عليها الزمن واندثرت وتبينت الأمة اليونانية أنها مذهب هدام بل يصل به الهدم إلى
Toy
هدم نفسه وانتهت الأمة اليونانية منه ودفنته وتعفن كمذهب ثم بعثته طائفة من المنحرفين في العصر الحديث تحت اسم الوجودية وليست الوجودية إلا هذا المذهب المتعفن الذي تقايأه بعض المنحرفين فى اليونان منذ ما يقرب من خمسة وعشرين قرناً من الزمن ولقد طنطنت الدنيا لمذهب ديكارت وصفق العالم له وظن الديكارتيون أن منهج ديكارت سيحل كل مشكلة ويزيل النقاب عن كل محجوب ويكشف عن كل مخبأ وتمضى الأيام وإذا بالمشاكل هى المشاكل والمحجوب هو المحجوب والمخبأ برغم استعمال منهج ديكارت وتحكيمه عن طريق ديكارت نفسه وعن طريق الديكارتيين وتمضى الأيام كذلك وإذا بآراء ديكارت في الطبيعة - آراؤه التي بناها متخذاً منهجه فيصلاً - قد انهارت رأساً على عقب ! ولنتحدث الآن عن الفلسفة بصراحة
هو
المخبأ
إن من خصائصها –- على مر الزمن - أنها تبدأ من الصفر أى أن كل فيلسوف يأتي يعلن أن العالم منذ أن وجد لم يظهر على وجهه شخصية وصلت إلى الحق في محيط ماوراء الطبيعة وفي محيط الأخلاق وأن مجال العقائد ومجال الأخلاق مازال بحاجة إلى نظرة من الأساس وأنه مازال بحاجة إلى بناء يبدأ بوضع اللبنة الأولى تليها اللبنة الثانية إلى أن يتم الصرح ويعلن الفيلسوف بذلك أن جميع الصروح القديمة في تصميمها خلل وفى وضعها فساد وأنها خطأ في منهجها وفي وضعها وأن العالم الذي عاش بهذه الطريقة قد عاش – منذ أن وجدت هذه الصروح – في أوهام إنه يعلن بذلك أن آراء الفلاسفة السابقين أوهام !
ومن خصائص الفلسفة أنه لا مقياس لها تلجأ إليه عند الاختلاف لقد أخفق منطق أرسطو عند أرسطو نفسه وأخفق عند كل المناطقة إنه لم يحسم الخلاف في
مسألة ما وأخفق منهج ديكارت عند ديكارت وعند كل من استعمله ومنهج أرسطو ومنهج ديكارت هما أشهر المناهج في الفلسفة القديمة والحديثة كيف نصل إلى الحق إذا اختلفنا في مسألة كيف نحسم الخلاف إذا أردنا ذلك كيف نتفق إن ذلك
١٥٨
لاسبيل له في الجو الفلسفي !
هو
إن العلم المادى إذا اختلف فيه العلماء فإن الفاصل في هذا الخلاف إنما التجربة أو الملاحظة والملاحظة والتجربة فيصل فى الجو العلمي المادى ماهو
الذى - في الجو الفلسفي - بمثابة التجربة فى الجو العلمى لاشيء
ومن هنا نشأ أمران هما من خصائص الفلسفة
أما أحدهما
آرائها - عقليا - ظنية ذلك أنه
فهو أن الفلسفة في جميع لا وسيلة فيها للفصل بين الخطأ والصواب أما الآخر فهو أن الخلاف في الفلسفة سيستمر أبد الدهر ستجد دائماً المؤيد
للفكرة - أى فكرة – والنافى للفكرة - أى فكرة – ستجد المثبت والمنكر وينتج عن كل ما قدمناه نتيجة لازمة هى من خصائص الفلسفة أيضاً وهى أن الفلسفة لا تقدم فيها إن مسائلها القديمة هي مسائلها الحديثة ومشاكلها مشاكلها في كل عصر وفي كل زمن إن مسائل الفلسفة ومشاكلها في عهد أفلاطون هي مسائل الفلسفة ومشاكلها في عهد ديكارت وهي مسائل الفلسفة ومشاكلها في الزمن المعاصر حتى مضحكات الفلسفة - وللفلسفة مضحكات قد صورت بصورة مشاكل - حتى مضحكات الفلسفة لا تزال هي هي إن برجسون يتحدث عن مشكلات الفيلسوف الساخر زينون الذى ابتدع فى صورة طريفة من البدهيات مشاكل وحاول توريط الفلاسفة فيها ونجح فى أن جرهم إلى البحث في البدهيات وإلى جعلها مشاكل وإلى الوقوف عاجزين أمامها مع وسخر منهم زينون وسخر منهم كل ذى بصر وبصيرة ومن كل ذلك أيضاً نتبين أن الفلسفة - وهذا من خصائصها أيضاً - لا رأى لها معيناً في أية مسألة من المسائل وذلك أن لها فى كل مسألة رأيين متعارضين أو آراء
متعارضة
بداهتها
ولعله أصبح الآن سافراً أن من يقرأ باسم الفلسفة فإنما يقرأ باسم سراب أما النتيجة التي نريد أن نصل إليها من كل ماتقدم فهى أننا لو قرأنا الآراء النظرية البحتة على هذا الوضع الذى أوضحناه فلا بأس وتكون بذلك القراءة
١٥٩
باسم الفلسفة أو باسم الجانب النظرى من الفكر الإنساني مسلاة وتسلية وسياحة في أجواء تختلف وتتعارض وتتناقض ونستفيد منها عبرة فيما يتعلق بعجز الإنسان وقصوره ونعود من هذه السياحة مقتنعين بوجوب
اقرأ باسم ربك الذي خلق
اقرأ باسم ربك الذي خلق
كيف
إذا أراد إنسان أن يدخل في رحاب اقرأ باسم ربك الذي خلق إذا أراد إنسان أن يتأسى برسول الله الله فيحاول أن يقترب ما استطاع من إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له الأنعام
١٦٢ - ١٦٣
إذا أراد الإنسان يدخل في معنى الإسلام
فكيف يبدأ
ماهي الخطوة الأولى
ما الطريق
إنه يبدأ بالدخول فى النظام القرآنى والدخول في النظام القرآنى معناه العزم المصمم على التخلي عما ليس بقرآن وهذا ما يسمى في العرف الإسلامي أو في النظام القرآنى التوبة
ولقد أمر الله في القرآن بالتوبة وحث عليها وحبب فيها وأوجبها في بعض
الأحيان
والواقع أنها اللبنة الأولى فى الطريق إلى الله وهي اللبنة الأولى في طريق إسلام
الوجه لله
ولقد فتح الله باب التوبة على مصراعيه تفضلاً منه ورحمة يقول سبحانه في حديث قدسي وفي أسلوب كله رأفة يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار
1
وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم ويقول رسول الله كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ورسول الله الله يخبر أن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة عبده المؤمن ويعرفنا رسول الله أن ربنا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا عند ثلث الليل الأخير فينادى ألا هل من مستغفر فأغفر له ألا هل من تائب فأتوب عليه ويقول الله سبحانه وتعالى فى صورة من تجلى الرحمة وسعة من شمول الرأفة بالعباد يقول قل ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم
1
ويلى هذه الآية الكريمة ما يبين الطريق إلى المغفرة والرحمة فيقول سبحانه وتعالى وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له مِنْ قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تُنْصُرُون ٢ أى ارجعوا إلى الله بالتوبة وإسلام الوجه له ثم بين لهم الطريق الصحيح الذي يلى التوبة إذا صدقت بقوله تعالى واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون ۳
والله سبحانه وتعالى فى هذا يوجه الذين صدقوا في توبتهم إلى أن يتبعوا أحسن ما أنزل إليهم من ربهم وإذا صدقت التوبة فإن هذا الصدق يستتبع كلازم من لوازمه أن يستقيم الإنسان على الطريق والله سبحانه وتعالى يسد على الذين يبين لهم الطريق باب المعاذير فيما بعد مهدداً تهديداً يقصد به حث الإنسان على أن يسارع بالتوبة الصادقة فهو تهديد من رحمن رحيم يقول سبحانه أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لى كرة فأكون من
المحسنين
٤
فإذا ماقال الإنسان ذلك أو تعلل بأمثاله فإن الرد يأتيه من رب العزة حاسماً
1 سورة الزمرآية ٥٣
سورة الزمر آية ٥٤
۳ سورة الزمر آية
٤ سورة الزمر الآيات ٥٦ - ٥٧ - ٥٨
١٦١
1
قوياً بلي قد جاءتك آياتى فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ثم يبين الله سبحانه وتعالى حال الكافر يوم القيامة فيقول ويوم ا القيامة ترى
الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ٢ ويختم سبحانه هذه الآيات التي ترسم طريق المؤمن بما يبشر من اتبع الطريق وسلك سواء السبيل فيقول سبحانه وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ۳ والآن قد وضح الطريق فهو أولاً التوبة وآخراً اتباع أحسن ما أنزل
الله
ولقد كان أسلافنا رضوان الله عليهم - متابعة للأوضاع الإسلامية – يبدءون أعمالهم الهامة بالتوبة الخالصة النصوح لقد كانوا يبدءون أول شهر رمضان بالتوبة ويبدءون الحج بالتوبة ولعل الكثير من ذوى البصائر قد لاحظوا أن الرحلة المباركة رحلة الإسراء والمعراج بدأت بشق الصدر وشق الصدر بالنسبة لنا إنما هو التوبة الخالصة النصوح لأن التوبة تطهر وطهر وإذا تاب الإنسان فإن ذلك بمثابة إتيان ملكين يشقان عن صدره ويغسلانه بالثلج والبرد أو بماء زمزم أي يطهرانه إن التوبة تطهر الإنسان من المعصية إنها تجب ماقبلها أى تزيله وتمحوه والتوبة التى من هذا النمط لها شروط لابد من توافرها حتى تهيئ الإنسان لشق الطريق إلى الله تهيئة موفقة يقول الإمام النووى من كتاب رياض الصالحين قال العلماء التوبة واجبة من كل ذنب
شروط
فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمى فلها ثلاثة
أحدها أن يقلع عن المعصية والثانى أن يندم على فعلها والثالث أن
1 سورة الزمر آية ٥٩
۳ سورة الزمر آية ٦١
سورة الزمر آية ٦٠
القرآن والنبي
١٦٢
يعزم على ألا يعود إليها أبداً فإن فقد أحد الثلاثة تصح توبته وإن كانت المعصية تتعلق بآدمى فشروطها أربعة هذه الثلاثة وأن يبرأ من حق صاحبها فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه وإن كانت غيبة استحله منها ويجب أن يتوب من جميع الذنوب فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب وبقى عليه الباقى أما اتباع أحسن ما أنزل الله فإنه يبدأ بما كان يبدأ به رسول الله الله الداخلين في الإسلام أعنى مواد البيعة
عنه -
مع
روى الإمام البخارى رضى الله عنه من حديث عبادة بن الصامت رضى الله وكان عبادة شهد بدراً وهو أحد النقباء ليلة العقبة – أن رسول الله الله قال وحوله جماعة من أصحابه ألا بايعونى على تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولاتزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا بهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء الله عفا
كفارة له ومن عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك
وروى الإمام أحمد من حديث سلمى بنت قيس – وكانت إحدى خالات رسول الله وقد صلت معه القبلتين وكانت إحدى نساء بنى عدى بن النجاري - قالت جئت رسول الله الله نبايعه في نسوة من الأنصار فلما شرط علينا ألا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزنى ولا نقتل أولادنا ولا نأتى ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه فى معروف قال ولا تغششن
أزواجكن
ولقد وردت بيعة النساء فى القرآن الكريم يقول تعالى يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين بهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف
١٦٣
فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم ۱ الممتحنة ١٢ ومما يفصل هذه البيعة قوله تعالى قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ماظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لانكلف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون وأن هذا صراطى مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون الأنعام ١٥١ - ١٥٣
وإذا أردنا إجمالاً للتعاليم الإسلامية من القرآن الكريم فهو قوله تعالى إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر
والبغي يعظكم لعلكم تذكرون النحل ٩٠
وأول عقد من عقود البيعة عدم الإشراك بالله
وحينما يسمع الناس الحديث عن عدم الإشراك بالله يتجه ذهنهم في الأغلب الأعم منهم – إلى نفي تعدد الآلهة إن الذهن يتجه إلى أن هذه العقيدة التي كانت عند اليونان في عهودهم القديمة من تعدد الآلهة وعند العرب في جاهليتهم من عبادة الأصنام باطلة
لقد جعل اليونان إلها لكل ظاهرة من ظواهر الكون الكبرى وكذلك فعل
قدماء المصريين فى عامتهم وشعبهم وكذلك فعل وثنيو العرب بل إن الإنسانية – وقد بدأت بالتوحيد الخالص على يد آدم عليه السلام - قد انحرفت سريعاً إلى التعدد فأخذت الأنبياء والرسل تنزل تباعاً مبشرة بالتوحيد
مجاهدة في سبيل منع التعدد وفى سبيل القضاء على الوثنية المنتشرة ولقد كان عدد الأنبياء والرسل كثيراً كثرة تناسب الانحراف المتوالى من الإنسانية منذ ظهورها لقد نزل الأنبياء جميعاً يبشرون بالتوحيد وكان كل نبي يدعو أمته
١٦٤
إلى مثل مادعا محمد - - الإنسانية جمعاء
ألا تعبدوا إلا الله إني لكم منه نذير وبشير هود
وسورة يونس وسورة هود والكثير من سور القرآن على وجه العموم تتحدث عن دعوة الرسل قومهم إلى التوحيد
يقول سبحانه ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إني لكم نذير مبين ألا تعبدوا إلا
الله إنى أخاف عليكم عذاب يوم أليم هود ٢٥ ٢٦ ويقول سبحانه وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله
غيره إن أنتم إلا مفترون هود ٥٠ ويقول سبحانه وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربى قريب مجيب هود ٦١
وهكذا نرى كل نبي يدعو إلى عدم الشرك بالله إنه يدعو إلى عبادة الله وحده فإذا اتجه الذهن إلى عدم تعدد الآلهة وإلى الوحدانية – فإن هذا الاتجاه طبیعی وهو اتجاه حق وهذا النوع من الشرك هو الذي يقول الله سبحانه وتعالى عنه إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء النساء
٠٤٨
الله
وهو الذي ينفيه الله منطقيا بقوله لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان رب العرش عما يصفون الأنبياء ٢٢
وبقوله ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذن لذهب كل إله بما
خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون المؤمنون ۹۱ ولكن التوحيد ليس معناه عدم التعدد فحسب كلا وهو - وإن كان من
التعدد معانيه عدم تتسع دائرته فتشمل أموراً أخرى يقول أبو سعيد الخراز فمن شرح ذلك أن يكون العبد يريد الله عز وجل أعماله وأفعاله وحركاته كلها ظاهرها وباطنها لا يريد بها إلا الله وحده قائماً بعقله وعلمه على نفسه وقلبه راعياً لهمه قاصداً إلى الله تعالى بجميع أمره
يجميع
١٦٥
وهذا الذي يقوله الإمام أبو سعيد الخراز رضى الله عنه هو بعض معانى اقرأ باسم ربك الذي خلق
ربه
إن اقرأ باسم ربك الذي خلق توحيد خالص والتوحيد الخالص لارياء فيه والله سبحانه وتعالى يقول ألا لله الدين الخالص الزمر ٣ وأن المادة الأولى من البيعة الإسلامية تعنى - فيما تعنى من معان – تجريد القصد الله تعالى في كل عمل وإلا فلا ثواب ولا قبول للعمل فمن كان لقاء يرجو فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً الكهف ١١٠ ولقد تحدث القرآن عن الإخلاص والصدق وتحدث عنهما رسول الله الله فيما لا يكاد يحصى من النصوص والأحاديث والتوحيد الخالص والشرك يبدأان بالنية يقول رسول الله الا الله مبيناً أن قيمة العمل في الخير والثواب والقبول تتبع النية إنما الأعمال بالنية وفى رواية بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا
يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه رواه البخارى ومسلم وأبو
داود والترمذي والنسائى
فإذا صدقت النية استقام أمر المسلم فيما بعد وإذا هذا الإنسان هفوة فعليه أن يتدارك الأمر بالتوبة وصدق النية من جديد
وصدق النية شرط من الشروط التى يترتب عليها قبول العمل عن الضحاك بن قيس قال قال رسول الله الله إن الله تبارك وتعالى يقول " أنا خير شريك فمن أشرك معى شريكاً فهو لشريكي يأيها الناس أخلصوا أعمالكم فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له ولا تقولوا هذه الله وللرحم فإنها للرحم وليس لله فيها شيء ولا تقولوا هذه الله ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس الله منها شيء "
والواقع أن الإسلام يعلق أهمية كبيرة على إخلاص النية لله سبحانه وتعالى فإن في إخلاصها لله صدق السريرة وطهارة القلب وفيها انتفاء التملق والزلفى وبها تنتفى الزلة وينتفى الزيف والرياء ومن أجل ذلك حذر رسول الله الله من الرياء
1
تحذيراً شديداً وحث على الصدق والإخلاص في صور شي ولقد قام رسول الله الله وحيداً فريداً يدعو إلى التوحيد بكل معانيه ويعلن الحق في وجه الباطل ويدعو إلى الله فى وسط كله شرك ويدعو إلى تحطيم الأصنام في بيئة تعبد الأصنام ودعوته صلوات الله عليه وسلامه ورسالته إلى العالم أجمع إنما كان أساسها التوحيد والإسلام إنما هو دين التوحيد وليس للتوحيد معنى ! إلا الإيمان الصادق اليقينى بأن المهيمن على الكون والمتصرف فيه إنما هو الله سبحانه وأنه لو اجتمع أهل السموات والأرض على أن ينفعوا أي إنسان بشيء ما نفعوه إلا بشيء قد قدره الله له ولو اجتمع أهل السموات والأرض على
أن يضروا أى إنسان بشيء ماضروه إلا بشيء قد قدره الله عليه وإذا كان الأمر كذلك – وهو كذلك لا محالة – فإنه لا يجتمع الإيمان الصادق والخوف فى قلب المؤمن
والتوحيد إذن هو الأساس الأول الأصيل للشجاعة الأدبية كما أنه الأساس الحافز لكثير من الفضائل أو لكل الفضائل وتثبيتاً للشجاعة الأدبية وحفاظاً على استمرارها بين الله تعالى الأسباب التي تجعل الشخص يجبر على قول الحق ويتراجع في إعلان الصواب وترجع هذه الأسباب إلى أمرين
الأمر الأول هو ما يمكن أن يعبر عنه بهم الرزق أو خوف الفقر وقد بين الله تعالى أن الرزق مقسوم وأنه محدود وأنه ما كان لك فسوف يأتيك وما كان لغيرك فلن تناله
وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون الذاريات ۳ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها و يعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين هود ٦ ومن الحق أن الإسلام يحث على العمل ويشجع على الأخذ بالأسباب وأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة ولأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب فيبيع فيأكل
له ويتصدق خير
من
يتكفف الناس واليد العليا خير من اليد السفلى
0
١٦٧
ومع
ذلك فإن الرزق في يد الله ولن يمنع الرزق مانع مهما كان جبروته
وسلطانه والله غالب على أمره وهو سبحانه القوى العزيز القهار وأما الأمر الآخر الذى يخذل بعض الناس عن الشجاعة الأدبية فإنه خوف الموت وهو خوف لا موضع له فالله قد حدد الآجال ولو كان الناس في بروج مشيدة لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم التي يقتلون فيها فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون الأعراف ٣٤ الآجال والأرزاق بيد الله وكل فكرة أو رأى أو همس خافت في النفس يخالف ذلك فإنما هو شرك
والآن يأتي السؤال إذا صدقت النية واتبع الإنسان أحسن ما أنزل إليه من ربه في العمل فما هو السبيل إلى اتباع أحسن ما أنزل الله في القول ما هي القراءة باسم ربك في القول إن الله سبحانه وتعالى بين لنا الإحسان فى القول كما بين لنا الإحسان في العمل يقول سبحانه في الجانبين
ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين
فصلت ۳۳
ويقول سبحانه
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ماتشتهي أنفسكم ولكم فيها ماتدعون نزلا من غفور رحيم فصلت
ولقد ضرب الله لنا المثل فى الكلمة الطيبة وفى الكلمة الخبيثة فقال سبحانه ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار
١٦٨
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء
1
واتباع أحسن ما أنزل الله فى القول إنما هو الدعوة إلى الله بنص الآية الكريمة
وإعلان الإسلام وقال إنى من المسلمين ومن ذلك الذكر والدعاء
في الذكر
۳
يقول سبحانه ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وإن مما يعين على التقوى وهو فى الوقت نفسه من ثمار التقوى الذكر وحثنا الله سبحانه على الذكر في أسلوب أمر
يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً الأحزاب ٤١ وقال واذكر ربك فى نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والأصال ٤ ولا تكن من الغافلين الأعراف ٢٠٥ وحثنا سبحانه على الذكر في أسلوب أخاذ فاذكروني أذكركم البقرة
١٥٢
ولقد أخرج الإمام البخارى رضى الله عنه من حديث قتادة عن رسول الله فيما يرويه عن ربه قال قال الله عز وجل يابن آدم إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي وإن ذكرتنى فى ملا ذكرتك في ملأ خير منه وإن دنوت منى شبراً دنوت منك ذراعاً وإن دنوت منى ذراعاً دنوت منك باعاً وإن أتيتني تمشي أتيتك هرولة حديث قدسي
۱ سورة إبراهيم الآيات ٢٤ - ٢٧ -
فصلت ۳۳
۳ سورة الطلاق من آيتي ٢-٣
٤ الآصال جمع أصيل وهو مابين العصر والمغرب
169
ومن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لاظل إلا ظله رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه من خشية الله وروى البيهقي في الشعب من حديث عمر بن الخطاب قال الله عز وجل من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين حديث قدسي أبي هريرة رضى الله عنه قال كان رسول الله الله يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال سيروا هذا جمدان سبق المغردون قالوا وما المغردون يارسول الله قال الذاكرون الله كثيراً ۱
وعن
وعن
عن أم أنس رضي الله عنها قالت يارسول الله أوصنى قال اهجرى المعاصي فإنها أفضل الهجرة وحافظى على الفرائض فإنها أفضل الجهاد وأكثرى من ذكر الله فإنك لا تأتين الله بشيء أحب إليه من كثرة ذکره
وفى رواية لها عن أم أنس
۳
·
واذكري الله كثيراً فإن أحب الأعمال إلى الله أن تلقاه بها وعن أنس بن مالك رضي الله عنه رسول الله قال إذا مررتم
برياض الجنة فارتعوا
قالوا وما رياض الجنة
قال حلق الذكر
وأفضل الذكر إنما هو التعبد بتلاوة القرآن ولقد كان الصحابة رضوان الله
عليهم يكثرون من تلاوته تعبداً به وكانوا يقسمونه أقساماً لقد كان القرآن لهم حزباً وأول ما يرجع إليه في التقديرات قول رسول الله ل 1 من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه
وذلك لأن الزيادة عليه تمنعه الترتيل وقد قالت عائشة رضي الله عنها لما سمعت
1 رواه مسلم واللفظ له والترمذى ولفظ يارسول الله وما المغردون
رواه الطبراني بإسناد جيد
۳ قال الطبراني أم أنس هذه يعنى الثانية - ليست أم أنس بن مالك
٤ عن إحياء علوم الدين
۱۷۰
رجلاً يهذر القرآن هذراً إن هذا ما قرأ القرآن ولا سكت ! وأمر النبي عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما أن يختم القرآن في كل سبع وكذلك كان جماعة من الصحابة رضى الله عنهم يختمون القرآن في كل جمعة كعثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبي بن كعب رضى الله عنهم أما من ختم في الأسبوع مرة فيقسم القرآن سبعة أحزاب فقد حزب الصحابة رضى الله عنهم القرآن أحزاباً فروى أن عثمان رضى الله عنه كان يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة وليلة السبت بالأنعام إلى هود وليلة الأحد بيوسف إلى مريم وليلة الاثنين بطه إلى طسم موسى وفرعون وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى ص وليلة الأربعاء بتنزيل إلى الرحمن ويختم ليلة
الخميس قيل أحزاب القرآن سبعة فالحزب الأول ثلاث سور والحزب الثانى خمس سور والحزب الثالث سبع سور والحزب الرابع تسع سور والخامس إحدى عشرة سورة والسادس ثلاث عشرة سورة والسابع المفصل من ق إلى
آخره ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يضعون أمام أعينهم قول رسول الله من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول
ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف 1 وقول رسول الله الله لا حسد إلا على اثنين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله القرآن فهو ينفق منه آناء الليل وآناء
النهار
ولقد وردت الآثار في الحث على سور وآيات معينة ونورد هنا بعض ذلك ليكون كنموذج فقط وذلك أننا توسعنا في الموضوع فى كتابنا العبادة ونورده أيضاً ليكون فيه ترغيب في حفظ بعض السور القرآنية لمن لم يحفظ شيئاً من القرآن ومن الذكر الاستغفار
۱ رواه الترمذى بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه
رواه البخارى ومسلم ومعنى الحسد هنا الغبطة
وقال هذا حديث حسن صحيح
۱۷۱
ونعود به مرة أخرى إلى التوبة فى صورة أخرى من صورها أو في زاوية من
أهم زواياها يروى علقمة الأسود ویروی عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال في كتاب الله عز وجل آيتان ما أذنب عبد ذنباً فقرأهما واستغفر الله عز وجل إلا غفر الله تعالى له والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم
1
ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون وقوله عز
وجل ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً النساء / ١١٠ ولقد قال الله في شأن الاستغفار الخالص من أكثر من الاستغفار جعل الله عز وجل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا
يحتسب
وهذا الحديث الشريف يسير فى انسجام مع قوله تعالى استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً نوح ۱۰ - ۱
وقوله تعالى على لسان نبي الله هود و يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ٢ والاستغفار مستحب فى كل الأوقات وإن لم يكن ذنب يقول الله تعالى في إطلاق لا تحديد فيه فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً النصر ٣ هذا الإطلاق العام فإن الله سبحانه وتعالى ذكر الأسحار باعتبارها من الأوقات التي يستغفر فيها المتقون بقوله سبحانه وبالأسحار هم يستغفرون الذاريات ۱۸ ومن أجل ذلك فإن الذين يستيقظون في ثلث الليل الأخير يحرصون على انتهاز فرصة نزول ربنا إلى سماء الدنيا منادياً ألا هل من مستغفر فأغفر له ألا هل من تائب فأتوب عليه ألا هل من سائل فأعطيه
ومع
فيأخذون في الاستغفار
۱ سورة آل عمران آية ١٣٥
سورة هود آية ٥٢
۱۷
B
وسيد الاستغفار هو كما أخبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
ويروى الإمام الغزالى عن بعض العلماء أنه قال العبد بين ذنب ونعمة
لا يصلحها إلا الاستغفار والحمد
ويروى عن قتادة رحمه الله قوله القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم أما
دواؤكم فالذنوب وأما داؤكم فالاستغفار
ومن الذكر التهليل وهو الذكر بلا إله إلا الله
كلمة
ومما وصفت به كلمة لا إله إلا الله - أنها كلمة التوحيد وهى - الإخلاص وهى كلمة التقوى وهى الكلمة الطيبة وهي دعوة الحق وهى العروة الوثقى وهي ثمن الجنه ۱ وقد روى الترمذى بسنده عن رسول الله الله أنه قال خير ماقلت أنا والنبيون من قبلى أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "
وقد أخرج الإمامان – البخارى ومسلم رضى الله عنهما من حديث أبي هريرة
نضر الله
وجهه
أن رسول الله قال
من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة - كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ومن الذكر التسبيح والتحميد والتكبير والحوقلة يقول الله تعالى وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب
ومن الليل فسبحه وأدبار
السجود
1 إحياء علوم الدين
سورة ق من آيتي ٣٩ - ٤٠
۱۷۳
ويقول تعالى وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار
النجوم 1
ويقول جل شأنه فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً ٢ وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله کلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم "
وعن
۳
٤
أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله الله ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله قلت يارسول الله أخبرنى بأحب الكلام إلى الله فقال إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده وعن جويرية رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ثم رجع بعد أن أضحى وهى جالسة فقال مازلت على الحال التي فارقتك عليها قالت نعم قال النبي الله لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ه وأن من الصيغ المباركة الجامعة التي تؤخذ من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والتي جربها الكثير من الصالحين فوجدوا لها نوراً وبركة سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أستغفر الله
ومن الذكر الصلاة على النبي
يقول الله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً الأحزاب ٥٦
ولقد روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أنه سمع
رسول الله يقول
۱ سورة الطور آيتا ٤٨ - ٤٩ ۳ رواه البخاري ومسلم
٤ رواه مسلم والنسائى والترمذى
٥ رواه مسلم والنسائى وابن ماجه والترمذي
سورة النصرآية ٣
١٧٤
من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشراً وعن ابن مسعود رضي الله عنه - فيما رواه الترمذي وحسنه – أن رسول الله
قال
أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم على صلاة
وروى الأئمة أحمد والترمذى والحاكم بسندهم عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال قال رسول الله
أكثروا على من الصلاة يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة وإن أحداً لن يصلى على إلا عرضت على صلاته حتى يفرغ منها قال قلت وبعد الموت قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
ومن
أفضل
صيغ
الصلاة على النبي - الصيغة التي يقرؤها الإنسان في
التشهد في الصلاة وصيغ الصلاة على رسول الله مال كثيرة ويسعدنى هنا أن أذكر أن الصيغة التي أضاءت حروفها وتلألأت والتي ذكرت حروفها في كتاب
المدرسة الشاذلية وهي لتفريج الكرب
B
اللهم صل صلاة جلال وسلم سلام جمال على حضرة حبيبك سيدنا محمد واغشه اللهم بنورك كما غشيته سحابة التجليات فنظر إلى وجهك الكريم بحقيقة الحقائق كلم مولاه العظيم الذى أعاذه من كل سوء اللهم فرج كربى كما وعدت أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء النمل ٦٢ وعلى آله وصحبه
آمين
في الدعاء
إن القرآن الكريم يذكر لنا مجموعة من الأدعية تناسب ظروف الحياة المختلفة فهو مثلاً يحدثنا عن صورة المؤمنين فى الحروب سواء فيما يتعلق بالفعل أو بالقول ويبين النتائج التي رتبها سبحانه على موقفهم فيقول تعالى وكأين من نبي قاتل ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما
معه
ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين آل عمران ١٤٦
وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا نوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة الآخرة والله يحب المحسنين ۱
ويعلمنا الله سبحانه وتعالى مايقال من دعاء عند نزغ الشيطان فيقول سبحانه وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم فصلت / ٣٦
ويقول سبحانه في ذلك وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ
بك رب
أن
يحضرون المؤمنون ۹۷ - ۹۸ ولقد أخذ كثير من الناس يتدبرون القرآن فى مواطن الدعاء فاكتشفوا أسراراً من أسرار الدعاء صرحوا ببعضها وتركوا لغيرهم أن يتدبر ويكتشف ومن هؤلاء الإمام جعفر الصادق رضى الله عنه الذي يقول متدبراً للقرآن ومستنتجاً منه عجبت لأربع كيف يغفلون عن أربع ۱ - عجبت لمن ابتلى بالخوف كيف يغفل عن حسبنا الله ونعم الوكيل والله سبحانه وتعالى يقول فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء آل
عمران ١٧٤
1
وأصل هذه القصة معروف يروى ابن هشام بخصوص موقف المسلمين في أحد بعد المعركة ثاني يوم فيها قال مر بأبي سفيان - وكان حينئذ قائد المشركين – ركب من عبد القيس فقال لهم أبو سفيان أين تريدون قالوا نريد المدينة قال ولم قالوا نريد الميرة قال فهل أنتم مبلغون عنى محمداً رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكل فى مقابل اذلك زبيباً بعكاظ إذا وافيتمونا قالوا نعم قال إذا وافيتم محمداً فأخبروه أنا قد جمعنا المسير إليه وإلى أصحابه نستأصل بقيتهم ومر الركب برسول الله الله وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان فكان رد الفعل عند رسول الله الا الله وأصحابه ماصوره الله تعالى
بقوله
۱ سورة آل عمران آیتا ١٤٧ - ١٤٨
١٧٦
الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء
وقالوا حسبنا الله
ونعم
واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم آل عمران ١٧٣ – ١٧٤ ويقول الإمام جعفر
وعجبت لمن ابتلي بمكر الناس به كيف يغفل عن وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد غافر ٤٤
والله سبحانه وتعالى يقول فوقاه الله سيئات مامكروا غافر ٤٥ وهذه القصة هي قصة مؤمن آل فرعون وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه غافر ۸ فلما قال فرعون ذروني اقتل موسى غافر ٢٦
قال المؤمن
أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس
الله إن جاءنا
1
وأخذ يدعو قومه إلى الحق وأخذ يجادل ويناقش محاولاً جرهم إلى سواء
السبيل ثم انتهى به
الأمر
معهم
أن قال فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون
T
سوء العذاب لقد حفظه الله حينما فوض الأمر إليه حالاً ومقالاً ويقول الإمام جعفر
- وعجبت لمن ابتلى بالضركيف يغفل عن أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين الأنبياء ۸۳ والله سبحانه وتعالى يقول فاستجبنا له فكشفنا ما به
من ضي الأنبياء ٨٤
والحادثة يرويها القرآن الكريم فى سورة الأنبياء قائلاً وأيوب إذ نادى ربه أنى
۱ سورة غافر آيتا ۸ - ۹ سورة غافر آيتا ٤٤ ٤٥
۱۷۷
مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين الأنبياء ٨٣ - ٨٤
ويقول الإمام جعفر - وعجبت لمن ابتلى بالغم كيف يغفل عن لا إله إلا أنت
سبحانك إنى كنت من الظالمين الأنبياء ۸۷ والله سبحانه وتعالى يقول فاستجبنا له ونجيناه من الغم الأنبياء ۸۸ والقصة كما يذكرها القرآن وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين ۱ وعلى غرار النسق الذى ذكره الإمام الصادق يمكن أن يقال عجبت لمن أذنب كيف يغفل عن ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين الأعراف / ۳ والقصة كما يرويها القرآن عن آدم وحواء حينما أكلا من الشجرة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
وعجبت لمن يخشى العذاب فى الدنيا كيف يغفل عن الاستغفار والله سبحانه وتعالى يقول وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم
۳
وهم يستغفرون ولقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن ندعوه وأن نلجأ إليه وأن نتضرع له في الرخاء وفى الشدة وإن الإنسان وهو في حالة النقص الدائم لمحتاج إلى الله سبحانه وتعالى فى كل لحظة فهو فى حاجة إذن إلى الدعاء فى كل فترات حياته يقول الله سبحانه وتعالى وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ٤ ويقول سبحانه
1 سورة الأنبياء آيتا ۸۷ ۸۸ ۳ سورة الأنفال آية ۳۳ سورة الأعراف آيتا ۳ ٤ سورة البقرة آية ١٨٦
۱۷۸
أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون النمل ٦٢
ولقد التجأ إلى الله بالدعاء الأنبياء والمرسلون لقد دعوه في كل وقت لاجئين
إليه مستغيثين به في جميع أمورهم ومن أمثلة ذلك قوله سبحانه وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ۱
واستغاث به المسلمون متضرعين خاشعين داعين فاستجاب هم إذ
تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين واتجه إليه رسول الله الله حين عودته من الطائف بهذا الدعاء الرائع اللهم إليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتي وهوانى على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمرى إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى ولكن عافيتك هي أوسع لى أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل على سخطك لك العتبى حتى ترضى
ولا حول ولا قوة إلا بك والواقع أن في الدعاء تتمثل العبودية لله سبحانه وتعالى واضحة جلية أى أنه تتمثل فيه العبادة في صورة من أصدق صورها أما العزوف عن الدعاء فإنه عادة ينشأ عن نوع من عدم المبالاة بالدين أساسه الكبرياء الذي ينشأ عن الكثير من المعاصى والبدع والانحرافات والذى كان فى جذور المعصية التي تورط فيها إبليس حينما أمره الله فيمن أمر بالسجود لآدم لقد أبى واستكبر وقال أنا خير منه
۳
خلقتني من نار وخلقته من طين ولقد حمله كبرياؤه على الخطأ في أيسر الأمور لقد جعل مناط الخيرية المادة
۱ سورة الأنبياء آيتا ۹۰۰۸۹ ۳ سورة الأعراف آية ۱
سورة الأنفال آية ٩
۱۷۹
مادة
دة الجسم ولم يهتد عقله فى ساعة كبريائه إلى أن المادة مجرد وعاء وأن الوعاء لا يكون مقياس التفضيل وأن ما فى الوعاء هو الذي يكون نفيساً سامياً أو خسيساً
لا قيمة له
ومنعه كبرياؤه أيضاً من أن يرجع إلى الله بالتوبة الخالصة النصوح وهى من مظاهر العبودية ولذلك طرد من رحمة الله أما آدم فإنه بمجرد أن أكل من الشجرة شعر بالحياء من الله فلجأ إليه مستغفراً تائباً منيباً وتمثل فيه مظهر العبودية جليا واضحاً الدعاء
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ١
آيات في الدعاء
بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين سورة الفاتحة وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ۳
ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ٤
فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده
۱ سورة الأعراف آية ۳ سورة البقرة آية ٦٧
۳ سورة البقرة آيتا ۱۷ ۱۸ ٤ سورة البقرة آية ۰۱
۱۸۰
قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله الصابرين ولما برزوا الجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا مع وانصرنا على القوم الكافرين ۱
آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك
المصير
لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ٢
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت
الوهاب ۳ الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ٤ قال هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع
هنالك دعا زكريا ربه
الدعاء ه
ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ٦ وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ٧
۷
ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ۸
ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم
۱ سورة البقرة آيتا ٢٤٩ ٢٥٠ ٥ سورة آل عمران آية ۳۸
سورة البقرة آيتا ۸٥ ۸ ٦ سورة آل عمران آية ٥٣
۳ سورة آل عمران آية ۰۸
۷ سورة آل عمران آية ١٤٧
٤ سورة آل عمران آية ١٦
۸ سورة آل عمران آية ۱۹۱
۱۸۱
القيامة إنك لا تخلف الميعاد ۱
الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيراً ٢
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من
الحق يقولون ربنا
آمنا فاكتبنا مع الشاهدين
۳
قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا الأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين ٤
وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا الظالمين ٥
ご
القوم
وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا
مسلمين
قال رب اغفر لى ولأخى وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم
الراحمين ۷
فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ۸
رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتى ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لى ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ۹
إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ١٠
۱ سورة آل عمران آیتا ۱۹۳ ۱۹٤
سورة النساء آية ٧٥
۳ سورة المائدة آية ۸۳
٤ سورة المائدة آية ١١٤ ٥ سورة الأعراف آية ٤٧
٦ سورة الأعراف آية ١٢٦ ۷ سورة الأعراف آية ١٥١ ۸ سورة يونس آينا ٨٥ ٨٦ ۹ سورة إبراهيم آيتا ٤٠ ٤١
۱۰ سورة الكهف آية ۱۰
۱۸
قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمرى واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولى 1
فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدنی علما
وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين
وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا وزهبا وكانوا لنا خاشعين ۳
قل رب إما ترينى ما يوعدون رب فلا تجعلنى في القوم الظالمين ٤ وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ٥ إنه كان فريق من عبادى يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين ٦
وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين ٧ والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاماً ۸
والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين
إماما ۹
رب هب لى حكما وألحقني بالصالحين واجعل لى لسان صدق فى الآخرين
1 سورة طه الآيات ۰ - ۸
سورة طه آية ١١٤
٦ سورة المؤمنون آية ۱۰۹ ۷ سورة المؤمنون آية ۱۱۸
۳ سورة الأنبياء الآيات ۸۷ - ۹۰ ۸ سورة الفرقان آيتا ٦٥ ٦٦
٤ سورة المؤمنون آیتا ٩٣ ٩٤
۹ سورة الفرقان آية ٧٤
٥ المؤمنون آیتا ۹۷ ۹۸
۱۸۳
واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لأبي إنه كان من الضالين ولا تخزنى يوم يبعثون
يوم لا ينفع مال ولا بنون
إلا من أتى الله بقلب سليم 1
ضاحكاً
فتبسم من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك
6
الصالحين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ۳ فخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين ٤ ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم٥ فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد ٦ ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ٧ قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إلى تبت إليك وإنى من المسلمين ۸ ليس لها من دون الله كاشفة ۹
۷
والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل فى قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ١٠
۱ سورة الشعراء الآيات ۸۳ - ۸۹ ٦ سورة غافر آية ٤٤
سورة النمل آية ۱۹ ۳ سورة القصص آية ١٦ ٤ سورة القصص آية ۱
٥ سورة غافر آية ۸۰۷
۷ سورة الدخان آية ۱ ۸ سورة الأحقاف آية ١٥ ۹ سورة النجم آية ٥٨ ۱۰ سورة الحشر آية ۱۰
١٨٤
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير
ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ١ يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم
يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ٢ قل أعوذ برب الفلق من شر ماخلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد ۳ قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس صدور الناس - من الجنة والناس ٤ يوسوس
الذي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين ٥
القرآن يرسم طريق النصر
يقول الله سبحانه وتعالى
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به به وذلك هو الفوز العظيم ٦ أخرج أبو حاتم وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال نزلت هذه الآية الكريمة على رسول الله وهو في المسجد فكثر الناس في المسجد فأقبل رجل من الأنصار ثانيا طرفى ردائه عاتقه فقال يارسول الله أنزلت هذه فقال الأنصاري بيع ربيح لانقبل ولا نستقبل
الآية قال نعم
۱ سورة الممتحنه آيتا ٤ ٥
سورة التحريم آية ۸
۳ سورة الفلق
٤ سورة الناس
٥ سورة الفاتحة
٦ سورة التوبة آية ۱۱۱
١٨٥
وقد فرح المسلمون بهذه الآية حينما نزلت فرحا كثيراً وذلك أنها بينت لهم في صورة اليقين أن الجهاد جزاؤه الجنة سواء أكانت نتيجته النصر أم كانت نتيجته
الاستشهاد إن الجهاد على أى وضع كانت نتيجته ثمنه الجنة ورسول الله الله يقول
الجنة تحت ظلال السيوف
ولقد صور الله سبحانه وتعالى جهاد المؤمنين وبذل أموالهم وأنفسهم فيه
وإثابة الله لهم على ذلك بالجنة لقد صور الله ذلك بالبيع والشراء والمعقود عليه هو الجهاد والثمن هو الجنة والبائع هو المجاهد والمشترى هو الله سبحانه ومكان البيع هو ميدان المعركة وتسجيل العقد في عدة جهات موثوق بها هى الكتب السماوية والربح مؤكد على أية حال كانت نتيجة الجهاد لأنه سبحانه لم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط بل إذا كانوا قاتلين أيضاً لإعلاء كلمته ونصر دينه ۱ أما المؤمنون الذين باعوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة فقد ذكر ا الله صفاتهم وعدها واحدة واحدة فهم التائبون وأول ماذكر الله من الصفات التى لا يتأتى للمؤمن أن يستقيم في صلته بالله إلا بها وهي صفة التوبة فهم التائبون والتوبة صفة يحبها الله سبحانه وتعالى يقول سبحانه إن الله يحب التوابين البقرة/ ٢٢٢ والله يفرح بها يقول صلوات الله وسلامه عليه إن الله يفرح بتوبة عبده
المؤمن
وهم العابدون إنهم عابدون بجهادهم وهم عابدون بعملهم وهم عابدون بأقوالهم لقد صيروا حياتهم في كفاحها وفي نضالها وفى قولها وصمتها وفى حركتها وسكونها عبادة فتحققوا بقوله تعالى
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون الذاريات / ٥٦
وهم
الحامدون لله في السراء والضراء فى العسر واليسر في الرخاء والشدة
۱ انظر تفسير الكشاف في ذلك
١٨٦
وهم
لأنهم يعلمون أن حكمة الله فوق كل حكمة وتصريفه أحكم تصريف السائحون أى يطرقون كل الوسائل فى سبيل الرقى الذاتي بالسياحة في مجال المعرفة والسياحة في مجال العلم والسياحة في مجال العبادة وشعارهم أن استوى يوماً فهو مغبون ومن لم يكن إلى زيادة فهو إلى نقصان فالسياحة هي
من
الضرب في المجالات تقرباً جميع من الكمال الذى يحبه الله للمؤمن وهم الراكعون الساجدون أى المصلون في خشوع وخضوع وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر بعد أن ائتمروا بالمعروف وانتهوا عن المنكر في أنفسهم وذلك ما عبر الله عنه سبحانه بقوله والحافظون لحدود الله 1 وبعد فإن الآية الكريمة تنتهى بقوله تعالى وبشر المؤمنين والتبشير هنا للمؤمنين الصادقين مطلق بشرهم بالفوز بشرهم بالأمن
بشرهم بالسعادة وبشرهم بالنصر وانعود إلى الآية الكريمة من جديد
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة إن هذا العهد والتعاقد بين الله والمؤمنين إنما هو عهد الإيمان يبيع فيه المؤمن نفسه وماله يقدمها إلى الله فلا يبخل بالمال فى سبيله سبحانه ولا يبخل بالنفس حينما تقتضى الظروف البذل والتضحية والفدائية والإيمان إذن - ومن شرائطه الجود بالمال والنفس - وهو أول خطوة أساسية جوهرية في طريق النصر بل هو خطوة بدونها لايكون هناك أبداً أساس مستقيم تعتمد عليه الأمم ويعتمد عليه القادة في سبيل اتخاذ مكان كريم بين الدول على أن القرآن لا يعد المؤمن مؤمناً صادقاً إلا إذا كان مجاهداً بماله وبنفسه في
سبيل الله
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم
۱ سورة التوبة آية ۱۱ سورة التوبة آية ۱۱۱
۱۸۷
هم الصادقون ۱
وأنفسهم في سبيل الله أولئك أما إذا كان الإيمان ضعيفاً مزعزعاً متأرجحاً فإن نتيجة ذلك تكون تباطؤاً عن الخروج إلى الجهاد بل تخلفا عنه لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في يترددون ريبهم بل إن وجود العناصر التي لا يملأ الإيمان أفئدتها في صفوف المجاهدين تضر
قضيتهم
لوخرجو فيكم مازادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة
وفيكم سماعون لهم ٣
وضعفاء الإيمان ومن لا إيمان عندهم يستخفون حين ! يبدأ النضال
عن الجهاد فرحين بذلك
ويتخلفون
فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا
يفقهون ٤ ويأمر القرآن الرسول معه الا الله أن يعزل هذه العناصر عن معسكر المؤمنين وألا يأذن هم بالمشاركة فى الجهاد فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معى أبداً ولن تقاتلوا معى عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة
الخالفين التوبة /٨٣
فاقعدوا
مع
هذا الإيمان إنما هو إيجابي يستعد ويهيئ للأمر عدته ولا يدع صغيرة ولا كبيرة من أمر التعبئة للجهاد إلا يحكمها ومن هنا كانت الخطوة الثانية في طريق النصر
ممثلة في قوله تعالى
۱ سورة الحجرات آية ١٥
۳ سورة التوبة آية ٤٧
سورة التوبة آيتا ٤٤ ٤٥ ٤ سورة التوبة آية ۸۱
۱۸۸
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة الأنفال/ ٦٠
وهذه القوة لا تقتصر على القوة المادية وإنما تتضمنها وتتسع دائرتها
التعبئة الروحية ومما لاشك فيه أن التعبئة الروحية قوة دافعة نحو الثبات في لقاء العدو والإقدام في شجاعة نحو تحقيق النصر يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ۱ والتعبئة الروحية إنما تثبت دعائمها وتؤتى ثمارها حينما يكون الهدف من الجهاد واضحاً سافراً ومن هنا كانت الخطوة الثالثة التي رسمها القرآن في طريق النصر وهي وضوح الهدف والهدف القرآنى من الجهاد ولا بأس من ذكره مرة ثانية – ليس عرضاً ماديا أو حظا دنيوياً وما كانت هجرة المجاهد لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها إنما هجرته إلى الله ورسوله ومعنى ذلك أن هدف الجهاد إنما هو إعلاء كلمة الله وكلمة الله هي الحق وهى العدالة وهى الرحمة وهى الأخوة وهي السلام العالمي بالنسبة للفرد في نفسه ودمه وماله وعرضه أو بالنسبة للأمة في كرامتها وعزتها وكل مقدساتها
الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والتعبئة الروحية كفيلة بأن تجعل الأمة في جهادها كالبنيان المرصوص ومن هنا
كانت الخطوة الرابعة التي رسمها القرآن فى سبيل النصر إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ۳ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ٤ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا
1 9
فإذا ماوسوس الشيطان بنزاع أو خلاف وإذا ما تحدثت النفس بفرقة
۱ سورة الأنفال آية ٤٥
سورة النساء آية ۳ سورة الصف آية ٤
٤ سورة الأنفال آية ٤٦ ٥ سورة آل عمران آية ۱۰۳
۱۸۹
وشقاق - فإن طريقة تسوية ذلك مرسومة واضحة
فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر
ذلك خير وأحسن تأويلاً
1
إن الأمة التي تنصر الله باتباعها للدين الخالص قد ضمن الله لها النصر ووعدها به ووعد الله لا يتخلف
إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ٢
ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ۳
أما الموقف الأخير فهو التفويض لله سبحانه والثقة فيه وحده والاعتماد عليه لا على النفس أو القوة المادية أو أى شيء آخر وقد أعطى الله المسلمين درساً قاسياً حينما اعتمدوا على قوتهم وكثرتهم وعلى تفوقهم وعدتهم وعتادهم وقالوا لن نغلب اليوم من قلة كان ذلك في غزوة حنين ولقد الله الموقف تصويراً قوياً فقال سبحانه صور لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم ٤
۱ سورة النساء آية ٤٥
سورة محمد آية ۷
۳ سورة الحج آية ٤٠ ٤ سورة التوبة الآيات ٢٥ - ٢٧
الكتاب الثاني
النبي الله
بسم
الله الرحمن الرحيم
يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجا منيراً وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيراً ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل
على الله وكفى بالله وكيلا الأحزاب / ٤٥ - ٤٨
القرآن والنبي
يتحدث القرآن الكريم عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في كثير من سوره يقول سبحانه يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً الأحزاب / ٤٥ ٤٦
ويقول سبحانه
من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً
النساء / ٨٠
ويقول سبحانه
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم آل عمران / ۳۱ ومن أجل هذه الصلة الإلهية برسول الله - لا الله - أرشدنا الله سبحانه وتعالى إلى اتخاذ الرسول أسوة فقال سبحانه لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً الأحزاب/ ٢١ بل أمرنا سبحانه أن نأخذ ما آتانا وأن ننتهى عما نهانا عنه وهددنا إذا لم نلتزم ذلك فقال سبحانه
وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد
العقاب الحشر/ ٧
أما السر في ذلك فهو
١٩٤
١٩٥
1- أن الرسول - صلوات الله عليه - لا ينطق عن الهوى ولا ينحرف عن
صراط الله المستقيم ولقد أقسم الله تعالى على ذلك فقال سبحانه والنجم إذا هوى ماضل صاحبكم وماغوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى النجم / ١ - ٤
٢ - كان رسول الله – صلوات الله عليه – في جميع أحواله حركة وسكوناً إشارة ونطقاً قلباً وقالباً - يمثل القرآن الكريم وقد كان صلوات الله عليه
تطبيقاً للقرآن لقد لبس القرآن ظاهراً وباطناً لقد كان قرآناً ولقد وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها وصفاً دقيقاً حينما سئلت عن خلقه فقالت كان خلقه القرآن
ومن كان خلقه القرآن كان أسوة وكان قدوة وكان على خلق عظيم ومن
هنا وصف الله سبحانه وتعالى إذ يقول
وإنك لعلى خلق عظيم القلم / ٤
والحق أننا حينما نريد أن نكون صورة واضحة تامة عن رسول الله صلوات الله
عليه – فإن الطريق الوحيد لذلك إنما هو الإحاطة بالقرآن إحاطة واضحة تامة والإحاطة بالقرآن على هذا النسق ليست من السهولة بمكان بل ليست بممكنة فالقرآن في كل يوم يتفتح عن معان جديدة للإنسانية ويتفتح عن معان جديدة للشخص المتأمل المتدبر وهذه المعانى الجديدة إنسانية عامة أو فردية شخصية - إنما هي إيضاح وتفسير للصورة النبوية الكريمة
والعكس أيضاً صحيح فإن المتدبر المتأمل في الصورة النبوية الكريمة عن طريق السيرة الصحيحة والأحاديث المعتمدة - يفهم عن الرسول صلوات الله عليه كل يوم جديداً وهذا الفهم إنما هو تفسير وإيضاح الجوانب من القرآن
الكريم
لقد امتزج الرسول صلوات الله عليه بالقرآن - كما قدمنا - روحاً وقلباً
14
وجسماً وامتزج القرآن به عقيدة وأخلاقاً وتشريعاً فكان صلوات الله عليه قرآناً يسير في الناس وكان القرآن روحاً ينتقل وكان قلباً ينبض وكان لساناً ينطق بالهداية والإرشاد
ولقد كان صلوات الله عليه حريصاً كل الحرص على أن يكون خلق الأمة الإسلامية - القرآن لقد عمل لذلك طيلة بعثته ويحدثنا القرآن الكريم عن موقف الرسول صلوات الله عليه من الأمة فيقول
سبحانه
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم التوبة / ۱۸ صلوات الله وسلامه عليك ياسيدى يارسول الله ويتحدث صلوات الله عليه عن حرصه الشديد على هداية أمته فيقول ه مثلي ومثلكم - كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدى
هذه هي صلة الرسول - ا - بربه وهذه هي صلته بأمته
ولقد ارتفع صلوات الله عليه إلى السماء بل تجاوزها إلى سدرة المنتهى ورأى من آيات ربه الكبرى لقد ارتفع إلى الأفق الأعلى وتجاوز بذلك النهايات الكونية لقد كان فعلاً أدنى من قاب قوسين فانغمس في الأفق الأعلى وتلقى عن الله مباشرة كيفية الصلة به وهى الصلاة ثم ثم انبسط إلى الأرض سراجاً منيراً رءوفاً رحيماً هادياً يدعو إلى الله على بصيرة هو ومن اتبعه يقول أحد الصالحين صعد رسول الله صلوات الله عليه إلى السماء ثم عاد إلى الأرض أقسم بالله لو صعدت إلى السماء لما حاولت العودة إلى الأرض مرة أخرى بيد أن الرسول صلوات الله عليه نبی ورسول فهو متصل بالله دائماً إنه في السماء على الدوام وهو متصل بالبشر ويؤدى رسالة السماء كاملة غير منقوصة إنه كان على حد تعبير القرآن بشراً رسولاً الإسراء/ ٩٣ فهو ببشريته مع الناس وهو بسره مع الله إنه مع الناس بإرادة الله وتوجيهه وأمره إنه مع الناس
۱۹۷
بكلمة الله ورسالته إنه مع الناس رسول من قبل الله
وبهذه المعاني كلها يمكننا أن نقول إنه دائماً مع الله أو يمكننا أن نقول إنه – منذ اللحظة الأولى للبعثة - لم ينزل إلى الأرض قط وإنما كان دائماً مع الله سبحانه وتعالى فهو صلوات الله عليه يبيت عند ربه يقول
لست كهيئتكم أبيت عند ربي
قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى الكهف/ ١١٠ إنه صلوات الله عليه بشر وما يجول في خلد مسلم أبداً أن يخرجه عن البشرية ولكنه صلوات الله عليه بشر يوحى إليه وما يتأتى أبداً أن يوحى الله إلى بشر إلا إذا أصبح وكأنه قطعة من النور صفاء نفس وطهارة قلب وتزكية روح
ومنتهى القول فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم
{
وبعض الناس – حينما يقرأ القرآن الكريم فتمر عليه الآية الكريمة قل إنما أنا
بشر مثلكم يوحى إلى - يقف عند كلمة بشر فيحاول التركيز عليها وتوجيه الانتباه كله إليها وتحويل الأنظار كلها نحوها فيتحدث عن خصائص البشرية العادية ويبرزها ويندفع في هذا الاتجاه المنحرف اندفاعاً لا يتناسب أبداً وقوله - تعالى يوحى إلى بل إنه فى اندفاعته الهوجاء ينسى يوحى إلى ويهملها
إهمالاً
إنه ليس بنادر في العصر الحاضر أن يجرؤ بعض الناس فيتحدث عن الرسول صلوات الله عليه وعن خطئه - معاذ الله - فى الرأى وعن إصابته فيه ويسير هذا البعض في حديثه أو فى كتابته مستنتجاً ومستنبطاً وحاكماً وينسى في كل
ذلك
۱۹۸
وما ينطق عن الهوى النجم / ٣ وينسى فى كل ذلك يوحى إلى وينسي لست كهيئتكم وينسى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً النور/ ٦٣ بعض المسائل يمكن أن تكون لها حلول مختلفة كلها صحيحة وینسی بعضها رفيق رحيم وبعضها عادل حاسم وإن الله سبحانه وتعالى قد بين للأمة الإسلامية أن رسوله صلوات الله عليه - وهو على صواب دائماً – إنما يتخذ الحل الذي يناسب مع ماحلاه الله به من الرأفة وما فطره عليه - سبحانه - من وهو الحل الذى يناسب طابع الرسالة الإسلامية العام
الرحمة
عليه
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين الأنبياء / ١٠٧
C
صلوات الله عليه
والله سبحانه ببيانه ذلك فى هذه المواضع التي كان من الممكن أن يقف فيها الرسول - صلوات الله عليه العدالة الحاسمة فعدل عن ذلك إلى الرأفة مع الرحيمة إن الله سبحانه وتعالى ببيانه ذلك إنما يمدح الرسول صلوات الله أن ويبين منزع الرحمة إنما هو الغالب عليه ولم يلغ الله سبحانه – اتجاهاً عاماً سار فيه الرسول ولم ينقض قضية كلية أقرها صلوات الله عليه ولم ينف مبدأ أثبته رسوله فما كان صلوات الله عليه يسير إلا على هدى من ربه وعلى بصيرة من أمره وقد شهد الله له بذلك حيث قال وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم صراط الله الشورى/ ٥٢ ٥٣ وما فعل الله في كل ما تمسك به المنحرفون وتمحك فيه المتمحكون إلا بيان رحمة الرسول صلوات الله عليه ورأفته أى أنه - سبحانه كان يبين في هذه المواطن فضله صلوات الله عليه وأنه - كما وصفه – سبحانه على خلق
عظيم والبون شاسع بين هذه الوجهة الربانية وبين التحدث عن خطأ وصواب
وأوضاع بشرية يركز عليها ولا يلتفت لسواها
ولنضرب لذلك مثلا إن الذين ديدنهم الجدل يتحدثون كثيراً عن قوله تعالى عفا الله عنك لم أذنت لهم التوبة / ٤٣ ويقذفون مباشرة بقولهم إن العفو لا يكون إلا عن خطأ
144
ولهؤلاء نقول إن الأساليب العربية فيها من أمثال هذا الكثير ومنه قولهم مثلا غفر الله لك لم تشق على نفسك كل هذه المشقة عفا الله عنك لم تعنى نفسك في سبيل هؤلاء وكأن القائل يقول الله عنك لم ترهق نفسك كل هذا الإرهاق
رضی إن الآية القرآنية من هذا الوادى
وبضم هذه الآية الكريمة إلى أختها التى فى سورة النور فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم آية ٦٢ تجد المعنى واضحاً جليا وهو أن الله - سبحانه – فوض الأمر لنبيه صلوات الله عليه فى أن يأذن لهم أو لا يأذن ليس النبي إذن معاتبا بهذه الآية - وحاشاه - بل كان له مخيراً فلما أذن لهم أعلمه الله أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا ولتخلفوا بسبب نفاقهم وأنه مع ذلك لا حرج عليه في الإذن لهم إنها آية مدح للرسول غاية في الرقة ومن غير شك قد صدر الإذن لهم عن قلب رحيم وعن هذا القلب الرحيم وعن هذه الرحمة الفياضة - كان الرسول صلوات الله عليه يصدر فى أحكامه وما كان في ذلك إلا متبعاً لقوله تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين الأنبياء/ ١٠٧ وهكذا الأمر في كل ما يمارى فيه المارون
ومع ذلك فإننا نزيد الأمر وضوحاً في الفرق بين من يركز على بشر ومن يركز على يوحى إلى لأهميته الكبرى فنقص القصة التالية ذات المغزى العميق والقصة يرويها ابن عطاء الله السكندري - رضي الله عنه - في شرحه لقصيدة ولى الله أبو مدين رضى الله عنه يقول
زار بعض السلاطين ضريح أبي يزيد – رضي الله عنه – وقال
هل هنا أحد
ممن اجتمع بأبي یزید
فأشير إلى شيخ كبير في السن كان حاضرا هناك فقال له هل سمعت شيئاً من كلام أبي يزيد
فقال نعم سمعته قال من زارني لاتحرقه النار
فاستغرب السلطان ذلك الكلام فقال كيف يقول أبو يزيد ذلك
وأبو جهل رأى النبي - ع - وتحرقه النار
فقال ذلك الشيخ للسلطان أبو جهل لم ير النبي - ل - إنما رأى يتيم أبي طالب " ولو رآه - - لم تحرقه النار
ففهم السلطان كلامه وأعجبه هذا الجواب منه أي أنه لم يره بالتعظيم والإكرام والأسوة واعتقاد أنه رسول الله ولو رآه بهذا المعنى لم تحرقه النار لكنه راه باحتقار واعتقاد أنه أبي طالب فلم تنفعه تلك الرؤية ولسنا هنا بصدد الحديث عن أبي يزيد – رضي الله عنه – وإنما نريد أن كلمة الشيخ للسلطان من أن أبا جهل لم ير النبي - عن
نتحدث
يتيم
طالب
بتيم
هذه النظرة لأبي جهل هى التى نريد أن يتنزه المؤمنون عنها
- وإنما رأى
والمؤمنون بحمد الله لا يقعون فى هذا الإئم متعمدين وإنما يتسلل هذا الإثم إلى بعض النفوس فى صورة لاشعورية عندما يركز بعضهم على بشرية الرسول - صلوات الله عليه وكأنه لاشيء فيه غير البشرية ومن الغريب
حينما يتحدثون عن البشرية ويركزون عليها – يعتبرون
أنفسهم تقدميين متطورين وفاتهم أن هذه النظرة لأبي جهل إنما هي النظرة التي يتبناها المستشرقون والمبشرون فى العصر الحاضر ليقللوا من شأن الرسول في نظر
مواطنيهم وما كان المستشرقون في تركيزهم على بشرية الرسول إلا متابعين في ذلك الأكبر في هذه النزعة - وهو أبو جهل وكل من يركز على بشرية
زعيمهم
الرسول من الكتاب المسلمين إنما هو بذلك يتابع المستشرقين والمبشرين في هذه النزعة أو يتابع أبا جهل وهم فى ذلك ليسوا تقدميين ولا متطورين وإنما هم من الرجعيين حيث ترجع فكرتهم إلى ما قبل ثلاثة عشر قرناً مضت يتزعمهم فيها أبو الجهل بجله وأبو الظلمة القلبية كلها !
۰۱
ليس هناك إذن اجتهاد وخطأ وصواب وإنما هناك تصرفات تصدر عن الكرم والرحمة فيتحدث الله مبيناً طبيعة رسوله الكريمة وفطرته الرحيمة ورأفته الواضحة ويبين في الوقت نفسه أن بعض هؤلاء الذين فاضت عليهم هذه الرحمة ليسوا جديرين بها وليسوا أهلاً لها لفساد فطرهم وسوء نواياهم ومن الحقائق المعروفة أن الإنسان يميل إلى التركيز على بشر أو على يوحى
إلى" على حسب قوة شعوره الديني وضعفه فالذى لا إيمان له لا يرى إلا البشرية ومن ضعف إيمانه يركز على البشرية ويخف التركيز على البشرية كلما قوى الإيمان ويزداد التركيز على يوحى إلى " كلما ازداد الإيمان حتى يصل الإنسان إلى ألا يرى أو لا يكاد يرى إلا يوحى إلى صلوات الله وسلامه عليك
ياسيدى يارسول الله
وهناك إذن طرفان يمثلان فريقين من الناس طرف بشراً أو قل إنما أنا بشر مثلكم وطرف يوحى إلى أو رسولاً وبين الطرفين يتأرجح - عدد لا يحصى من المسلمين نزولاً وارتفاعاً انخفاضاً وسموا
وإن مقياس الإيمان قوة وضعفاً مقياس درجة الإيمان الذي لا يخطئ إنما هو ماوقر في القلب أو غلب عليه من البشرية أو من يوحى إلى " إنهما يمثلان ما يوضع في كفتى ميزان دع ما ادعته النصارى في نبيهمو واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
ولعلك تتساءل الآن
ماذا يرى وكيف يرى
عن
هذا الذي لايرى أو لا يكاد يرى إلا يوحى إلى
ماهي النظرة التى تنأى بنا عن يتيم أبي طالب لتقربنا من الأسوة
كيف ينبغي أن تكون نظرة المؤمن الرسول الله صلوات الله عليه
والواقع
أن الصورة الكاملة
عن رسول الله - صلوات الله عليه – يلزمها أن
0
٢٠٢
يصل الإنسان إلى مستواه - صلوات الله عليه - أو إلى ما يقرب من مستواه وذلك لا يتأتى
بيد أنه إذا استحال ذلك فإنه من الميسور أن نورد صورتين إحداهما جاهلية
والأخرى إسلامية والصورتان لسيدنا عمر رضي الله عنه أما الصورة الأولى فإنها يتيم أبي طالب كان سيدنا عمر يراها قبل أن يهديه الله للإسلام وأراد سيدنا عمر أن يقتل يتيم أبي طالب حتى لاتتفرق كلمة القرشيين بسببه ولكن دعاء رسول الله صلوات الله عليه اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بعمرو بن هشام أو بعمر بن الخطاب كانت قد
استجيبت لخير سيدنا عمر فهداه الله للإسلام ولازم الرسول صلوات الله عليه فناله من بركاته ومن خيره ماهيأه لأن يكون الخليفة الثاني للأمة الإسلامية أجمع وأن يعز الله الإسلام به فى حياة الرسول صلوات الله عليه وبعد وفاته إن سيدنا عمر هذا الذى لم يكن للشيطان عليه من سبيل والذى كان إذا سلك طريقا سلك الشيطان طريقا آخر خشية منه ورهبة والذى نزل القرآن أحياناً مضدقاً لما رآه سيدنا عمر صاحب ياسارية الجبل لنا صورة إسلامية
برسم
لسيده وحبيبه وصديقه ونبيه صلوات الله عليه ولكن هذه الصورة هي صورة سيدنا عمر إنها تناسب مستوى سيدنا عمر وهو من غير شك عظيم ماذا كان يمكن أن يقول سيدنا أبو بكر رضوان الله عليه وماذا كان يمكن أن يقول سيدنا على رضى الله عنه وماذا كان يمكن أن يكون وصف سيدنا جبريل
لو وصفه
إن الله سبحانه وتعالى يقول عنه صلوات الله عليه
وإنك لعلى خلق عظيم القلم / ٤
وما كانت كلمة السيدة عائشة - رضوان الله عليها - كان خلقه القرآن إلا تفسيراً لما أشارت إليه الآية الكريمة أيمكنك أن تتصور المدى الذى تبلغه الآية الكريمة وتفسير السيدة عائشة لها أيتأتى لك أن تحيط بالقرآن أستغفر الله وأتوب إليه
۰۳
ولنعد إلى الصورة التي حاول رسمها صاحب ياسارية الجبل لنعد إليها لنثبتها شارحين لبعض حوادثها موضحين لبعض أنبائها وسنجعل الإيضاح بين أقواس بعد موت رسول الله - ع - سمع سيدنا عمر يبكى ويقول بأبي أنت وأمي يارسول الله لقد كان جذع تخطب الناس عليه فلما كثر الناس اتخذت منبراً لتسمعهم فحن الجذع لفراقك حتى جعلت يدك عليه فسكن فأمتك كانت أولى بالحنين إليك لما فارقتها يروى البخاري ومسلم وكتب السنة كلها تقريباً وكتب السيرة حادث حنين الجذع بعدة روايات وننقل هنا إحدى روايات البخارى عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال كان النبي يخطب إلى جذع
فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه بأبي أنت وأمى يارسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده – أن جعل طاعتك طاعته فقال عز وجل
من يطع الرسول فقد اطاع الله النساء/ ۸۰ بأبي أنت وأمى يارسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن بعثك آخر الأنبياء وذكرك في أولهم فقال عز وجل وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم الأحزاب/٧ بأبي أنت يارسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده - | أن أهل النار يودون أن يكونوا قد أطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون
يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا الأحزاب / ٦٦ بأبي أنت وأمى يارسول الله لأن كان موسى بن عمران أعطاه الله حجراً تتفجر منه الأنهار ليس ذلك بأعجب من أصابعك حين نبع منها الماء صلى الله
عليك
إن نبع الماء من بين أصابعه الشريفة صلوات الله عليه لم يحدث مرة واحدة وإنما حدث عدة مرات رواه البخارى ومسلم وغيرهما من كتب السنة وروته كتب السيرة بروايات عدة فى ظروف مختلفة مما يدل على كثرة جدوثه
٢٠٤
وننقل هنا إحدى روايات الإمام البخاري
عن جابر بن عبد الله - رضى الله عنهما - قال عطش الناس يوم الحديبية والنبي - - بين يديه ركوة فتوضأ فجهش الناس فأسرعوا وتكاثروا نحوه فقال مالكم
قالوا ليس عندنا ماء نتوضأ ولانشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قلت كم كنتم
قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة
بأبي أنت وأمى يارسول الله لئن كان سليمان بن داود أعطاه الله الريح غدوها شهر ورواحها شهر ماذا بأعجب من البراق حين سريت عليه ثم وصلت إلى السماء السابعة ثم صليت الصبح من ليلتك بالأبطح صلى الله عليك سنتحدث فى فصل خاص عن الإسراء والمعراج بأبي أنت وأمى يارسول الله لمن كان عيسى ابن مريم أعطاه الله إحياء الموتى - ماذا بأعجب من الشاة المسمومة حين كلمتك وهي مشوية فقالت لك الذراع لا تأكلني فإني مسمومة
یروی ابن سعد في طبقاته
أخبرنا سعيد بن محمد الثقفى عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قال كان رسول الله - - لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية فأهدت إليه يهودية شاة مصلبة فأكل رسول الله - - - منها هو وأصحابه فقالت إنى مسمومة فقال لأصحابه ارفعوا أيديكم فإنها قد أخبرت أنها مسمومة قال فرفعوا أيديهم قال فمات بشر بن البراء فأرسل إليها الرسول - ع - فقال ما حملك على ماصنعت فقالت أردت أن أعلم إن كنت نبيا لم
يضرك وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك ! قال فأمر بها فقتلت ا هـ
بأبي أنت وأمى يارسول الله
6
لقد دعا نوح على قومه فقال
٢٠٥
رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً نوح/ ٢٦
ولو دعوت علينا بمثلها لهلكنا كلنا فلقد وطئ ظهرك تروى كتب السيرة أن عقبة بن أبي معيط وطئ على رقبته الشريفة وهو ساجد عند الكعبة حتى كادت عيناه تبرزان - وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيراً فقلت اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون لقد دمى وجهه صلوات الله عليه وكسرت رباعيته في غزوة أحد روى ذلك البخاري ومسلم أما حديث
اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون فقد رواه البيهقي في دلائل النبوة بأبي أنت وأمى يارسول الله لقد اتبعك في قلة سنك وقصر عمرك مالم يتبع نوحاً في كثرة سنه وطول عمره ولقد آمن بك الكثير وما آمن معه إلا القليل بأبي أنت وأمى يارسول الله لو لم تجالس إلا كفئاً لك ماجالستنا ولو لم تنكح إلا كفئاً لك ما نكحت إلينا ولو لم تواكل إلا كفئاً لك ما واكلتنا فقد والله جالستنا ونكحت إلينا
وواكلتنا ولبست الصوف وركبت الحمار
طعامك على الأرض تواضعاً منك - ع !
وأردفت خلفك
6
ووضعت
ومن الطريف أن نذكر صورة أخرى استنتاجية استنتجها رجل لم يكن يعرف الرسول - صلوات الله عليه ولكنه رجل واسع الأفق رحب الخيال دقيق
التفكير
وقد اتخذ الاحتياط اللازم لا يشوب الصورة أى مطعن هذا الرجل هو هرقل أتاه كتاب رسول الله صلوات الله عليه - يدعوه إلى الإسلام فلم يهمل الكتاب ولم يمزقه وإنما قرأه في عناية وانتباه ثم أراد أن يكون صورة صحيحة عن صاحب الخطاب فسأل هل كان بالمدينة بعض العرب الذين يعرفون الرسول فقيل له إن في المدينة تجاراً من مكة يعرفون محمداً باعتباره من مواطنيهم فأمر بإحضارهم وكان منهم أبو سفيان
٢٠٦
وسأل هرقل عن أقربهم نسباً إلى الرسول فكان أبا سفيان وأدناه وقال لهم إلى سائله عن أمور فإن كذبني فكذبوه يقول أبو سفيان فوالله لولا الحياء من أن يأثروا على كذباً لكذبت عليه وسنترك المقدمات والأسئلة الأولى لأنها واضحة من النتائج التي انتهى إليها
هر قل
إن هرقل بعد أن انتهى من الأسئلة بدأ - عن طريق الترجمان – يقول لأبي سفيان على مشهد من الملأ الحاضر من أصحاب هرقل ومن أصحاب أبي
سفيان سألتك عن نسبه
فذكرت
فيكم ذو نسب
فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول
فذكرت أن لا
فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسى بقول قيل قبله
وسألتك هل كان من فذكرت أن لا
آبائه من ملك
قلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه
وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ماقال فذكرت أن لا
فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم
فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه
وهم أتباع الرسل
وسألتك أيزيدون أم ينقصون
فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم
٢٠٧
وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا
وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب
وسألتك هل يغدر
فذكرت أن لا
وكذلك الرسل لا تغدر
وسألتك بم يأمركم
فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف
فإن كان ماتقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين ! وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت قدمه عن هذه - الصورة التي كونها هرقل بمنطقه ويمكن أن يكونها أو يكون مثيلات لها كل إنسان اتسع أفقه ورحب تفكيره وكل إنسان يصدق الله والحق لابد أن ينتهى بما انتهى إليه هرقل من قوله لو كنت عنده لغسلت عن قدمه وإنما يغسل عن قدمه من أجل يوحى إلى إذ أن من اصطفاه الله لرسالته جدير بأن يكون أهلاً لذلك بيد أن هذه النهاية التى انتهى إليها هرقل إنما هي الشعار الدائم الذي لا ينتهي بانتقال الرسول إلا الملأ الأعلى فالرسول حي بيننا الآن برسالته وهديه وتعاليمه والغسل عن قدمه الآن أو بتعبير آخر احترامه - إنما هو باتباع هديه والتزام رسالته وتقديره تقديراً يناسب اصطفاء الله له له ولقد ركز هرقل نوعاً ما على الصدق والإخلاص والواقع أن صورة الصدق والإخلاص كان يراهما كل من عرف الرسول مع الله ولم تعميه عصبية أو حسد أو
هوى
على أن صورة الصدق والإخلاص كانت سمة من السمات التي اتصف بها
۰۸
الرسول قبل بعثته وبعد بعثته صلوات الله عليه لقد لازمته طيلة حياته لقد كان مجرد الخبر يلقيه صلوات الله عليه يأخذه أعدى أعدائه على أنه واقع لامحالة فهذا أمية بن خلف - عدو لدود - يتلاحى هو وسعد بن معاذ رضى الله عنه يريد أن يمنعه من الطواف بالكعبة فيقول له سعد بن معاذ في حدة مناقشة لقد سمعت رسول الله الله يقول إنه قاتلك ويضطرب قلب أمية بن خلف ويسأل في لهفة وضعف وتخاذل أهو قال ذلك حقاً فلما أكد له سعد بن معاذ الخبر أسقط في يده وقال لئن كان قال ذلك لقد صدق وقتل أمية بن خلف يوم بدر على أن هذه الصورة تتمثل في وضوح بين حينما أعلن رسول الله صلوات الله
عليه إلى قريش نبوته فقال لهم
أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً وراء هذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم
تصدقونى
لقد كانت إجابتهم عن هذا السؤال تعبر عن الحقيقة التي لمسوها فيه لقد
قالوا نعم أنت عندنا غير متهم وماجربنا عليك كذباً قط وصورة أخرى صورة لم يرتب لها ترتيب مروى ولم يؤد إليها منطق محكم صورة لم تكن نتيجة عشرة طويلة ولا رفقة قريبة وإنما جاءت على البديهة وأوحت بها الملاحظة السليمة
إنها الصورة التي كونتها عنه صلوات الله عليه أم معبد الخزاعية وهى صورة لا تخص الجانب المعنوى منه وإنما تتصل - على الأخص – بالجانب الظاهر نثبتها هنا لنثبت بها هيئة وظاهراً بعد أن أثبتنا زوايا من وجوانب من التقدير والإجلال إن الصورة التي نثبتها الآن مجرد
وأردنا
المعنويات
وصف إنها تعبير عن ملاحظة هاجر رسول الله صلوات الله عليه من مكة إلى المدينة يرافقه أبو بكر رضى الله عنه وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ودليلهم عبد الله بن أريقط مروا بخيمة أم معبد الخزاعية وكانت امرأة قوية الأخلاق عفيفة تقابل فتتحدث إليهم وتستضيفهم وسألها الركب عن تمر أو لحم يشترونه فلم
الرجال
يصيبوا عندها شيئاً من ذلك فقد كانت سنة من السنين العجاف
فقالت لهم
والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في
ركن الخيمة فقال
ماهذه الشاة يا أم معبد قالت
هذه شاة خلفها التعب عن الغنم
فقال صلوات الله عليه هل بها من لبن فقالت
أجهد هي
من ذلك
قال أتأذنين أن أحلبها
قالت نعم بأبي أنت وأمى إن رأيت حلباً
فدعا رسول الله ل بالشاة فمسح ضرعها وذكر اسم الله وقال اللهم بارك لها في شاتها
فامتلأ ضرع الشاة ودر لبنها فدعا بإناء لها كبير فحلب فيه حتى ملأه فسقى أم معبد فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب
آخرهم وقال ساقى القوم آخرهم
فشربوا جميعاً مرة بعد مرة
ثم حلب فيه مرة أخرى عوداً على بدء فغادروه عندها ثم ارتحلوا عنها فما لبثت أن جاء زوجها يسوق أعتزاً عجافاً هزلى فلما رأى اللبن عجب واستغرب
وقال
من أين لكم هذا ولا حلوبة في البيت قالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت قال والله إلى لأراه صاحب قريش الذى يُطلب صفيه لى يا أم معبد قالت رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة متبلج مشرق الوجه حسن الخلق لم تعبه مجلة ضخامة البطن ولم تزر به صعلة لم يشنه صغر الرأس وسيم قسيم
في عينيه دَعَج وفى أشفاره وطف طويل شعر الأجفان وفى صوته الصوت أحور أكحل أزج أقرن شديد سواد الشعر في عنقه سطح ارتفاع وطول وفى لحيته كثافة إذا صمت فعليه الوقار وإذا تكلم سما وعلاه البهاء وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن حلو المنطق فصل لانزر ولا هذر لاعي فيه ولا ثرثرة في كلامه أجهر الناس وأجملهم من بعيد و وأحلاهم وأحسنهم من قریب ربعة وسط ما بين الطول والقصر لا تشنؤه تبغضه من طول ولا تقتحمه عين تحتقره من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظراً وأحسنهم قدراً له رفقاء يحفون به إذا قال استمعوا لقوله وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود يسرع أصحابه في طاعته محشود يحتشد الناس حوله لا عابث ولا منفد غير محرف في الكلام
هذه
قال أبو معبد هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ماذكر ولو كنت وافقته يا أم معبد لتلمست أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت لذلك سبيلاً هی الصورة التي حاولت أم معبد رسمها أما سيدنا عمرو بن العاص فإنه يقول فى صراحة وصدق - عندما حضرته الوفاة وعندما تذكر الماضى فخنقته العبرات وتحدث مع ابنه عن أشياء عدة في صورة مؤثرة ما كان أحد أحب إلى من رسول الله ل ولا أجل في عيني منه وماكنت أطيق أن أملأ عينى منه إجلالاً له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عينى منه !
ونريد
والآن نريد أن نتساءل ماهى الصورة التى نريد أن نرسمها في هذا الكتاب أن نقول إن هذه الصورة التى نحاول رسمها ليست صورة مبتدعة ولا مخترعة إنها صورة نحاول جاهدين أن تكون مستمدة من التاريخ الصحيح بيد أننا نعود فنقول إننا لا نرسم صورة كاملة فالصورة الكاملة لا يتأتى لمثلنا أن يرسمها ونحن هنا إنما نحاول رسم جملة من الزوايا شاعرين بتقصيرنا معترفين
۱۱
بعجزنا ولكن أملنا كبير فى أن تكون هذه الصورة باعثة لتصحيح بعض الأوضاع وأن تكون على مافيها من عجز وقصور ممثلة لبعض مانكنه لسيد ولد آدم من حب وإيمان وأن تكون بذلك شفيعة لنا عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم هذه الزوايا التي نحاول رسمها فإنه لا يعزب أبدا عن بالنا قول إمامنا البوصيري - رضي الله عنه عن الرسول صلوات الله عليه – هذه الأبيات التي تعبر عن الحقيقة تعبيراً صادقاً
ومع
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى للقرب والبعد فيه غير منفحم كالشمس تظهر للعينين من بعد صغيرة وتكل الطرف من أمم وكيف يدرك في الدنيا حقيقته قوم نيام تسلوا عنه وأنه خير خلق
فيبلغ العلم فيه أنه بشر
بالحلم
الله كلهم
الفصل الأول
النسب الشريف
و مختم
أبان مولده عن طيب عنصره عن طيب مبتدا منه يقول صلوات الله عليه فيما رواه الإمام مسلم إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بنى
واصطفى من بي
هاشم
وهو صلوات الله عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن
عبد مناف بن قصی
ويصل نسبه إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام
ولا نريد هنا أن نتحدث عن النسب الشريف من إبراهيم عليه السلام إلى محمد صلوات الله عليه وإنما نريد أن نتحدث عن نسبه القريب بادئين من
قصی
كان قصى عظيم الشرف كثير المال وكانت خزاعة في عهده وبنو بكر يتولون البيت الحرام وأمر مكة ورأى قصى أن قريشاً إنما هي الوارث الشرعي لإسماعيل فكلم رجالا من قريش وبنى كنانة ودعاهم إلى
فهى فرعته ۱
ولده وصريح
6
إخراج خزاعة وبنى بكر من مكة وقال نحن أولى بهذا منهم
وأخذ قصى فى تدبير الأمر وإحكامه ولم تكن المسألة سهلة ميسرة وكان لا مفر من الحرب فيها واقتتل الطرفان قتالا شديداً وكانت الغلبة في النهاية
ولما فرغ من نفى خزاغة وبنى بكر عن مكة تجمعت إليه قريش – على
۱ سلالاته
٢١٥
ما يروى ابن سعد في طبقاته الكبرى فسميت يومئذ قريشاً ١ لحال تجمعها
غير
ومما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال
۳
1
كان قصي بن كلاب أول ولد كعب بن لؤى أصاب ملكاً أطاع له به قومه فكان شريف أهل مكة لا ينازع فيها فابتنى دار الندوة وجعل بابها إلى البيت ففيها يكون أمر قريش كله وما أرادوا من نكاح أو حرب أو مشورة فيما ينوبهم حتى إن كانت الجارية تبلغ أن تدرع فما يشق درعها إلا فيها ثم ينطلق بها إلى أهلها ولا يعقدون لواء حرب لهم ولا في قوم غيرهم إلا في دار الندوة يعقده لهم قصى ولا يُعذرُ لهم غلام إلا في دار الندوة ولا تخرج من قريش فيرحلون إلا منها ولا يقدمون إلا نزلوا فيها تشريفاً له وتيمناً برأيه ومعرفة بفضله ويتبعون أمره كالدين المتبع لا يعمل بغيره في حياته وبعد موته وكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة ٦ واللواء ٧ والندوة ۸ وحكم مكة كله وكان يعشر من دخل مكة سوى أهلها قال وإنما سميت دار الندوة لأن قريشاً كانوا فيها أي يجتمعون للخير وللشر والندى مجمع القوم إذا اجتمعوا وقسم قصى مكة أحياء وخصص كل قوم من قريش نحى وضاقت مكة بأهلها وكانت كثيرة الشجر فى الحرم وكانت قريش تهاب قطع الشجر في الحرم فأمرهم قصى بقطعه وقال إنما تقطعونه لمنازلكم ولخططكم بهلة ١١ الله على من أراد فساداً وقطع هو بيده وأعوانه فقطعت – حينئذ – قريش وسمته مجمعاً لما جمع من أمرها وتيمنت به وبأمره
0
4
10
وقبل موته أعطى مناصب الشرف كلها - دار الندوة والحجابة والسقاية
۱ قيل في سبب التسمية آراء غير ذلك
۷ للحرب
لا يختن
۳ قافلة
٤ سدانة البيت
٥ سقيا الحجيج
٦ إطعام الحجيج
۸ للمشورة
٩ يأخذ منهم العشر
۱۰ انظر طبقات ابن سعد ص ٥٠
۱۱ أي لعته
٢١٦
واللواء والرفادة - أكبر أبنائه سنا وهو عبد الدار وكان من أبنائه عبد مناف
عبد مناف
ومما يذكر بالنسبة لعبد مناف - أن رسول الله - ما اقتصر عليه حين أنزل الله
تعالى عليه وأنذر عشيرتكَ الأقربين الشعراء / ٢١٤
فإنه حينما نزلت هذه الآية الكريمة واجتمع إليه بنو عبد مناف تلبية لندائه
قال لهم ه إن الله قد أمرنى أن أنذر عشيرتي الأقربين وأنتم الأقربون من قريش وإنى لا أملك لكم من الله حظا ولا من الآخرة نصيباً إلا أن تقولوا لا إله إلا الله فأشهد بها لكم عند ربكم وتدين لكم بها العرب وتذل
لكم بها العجم "
هاشم
وولد عبد مناف بن قصى ستة نفر وست نسوة وكان من بينهم هاشم بن عبد مناف واسمه عمرو وهو الذى عقد الحلف لقريش من هرقل من أجل أن تختلف إلى الشام آمنة مطمئنة
وهاشم هو صاحب إيلاف قريش وإيلاف قريش هو دأبها وعادتها لقد كان هو أول من سن الرحلتين لقريش ترحل إحداهما في الشتاء إلى اليمن وإلى الحبشة إلى النجاشى فيكرمه ويهدى إليه الهدايا ورحلة الصيف إلى الشام وإلى غزة وربما بلغ أنقرة فيدخل على قيصر فيكرمه ويهدى إليه الهدايا 1 ثم أصابت قريشاً سنوات جدب عجاف ذهبن بالأموال فخرج هاشم إلى الشام فأمر بخبز كثير فخبز له فحمله في الغرائر على الإبل حتى وافى مكة
۱ انظر طبقات ابن سعد
۱۷
فهشم ذلك الخبز يعنى كسره وترده ونحر تلك الإبل ثم أمر الطهاة فطبخوا وقدم الطعام لأهل مكة فأشبعهم وكان ذلك أول الحياة بعد السنة التي أصابتهم فسمى بذلك هاشماً وكان هاشم رجلا شريفاً طموحاً ذكياً ولم يكن يرضيه قط أن يستأثر بنو عبد الدار بمناصب الشرف فى مكة من الحجابة واللواء والرفادة والسقاية والندوة فحمل اللواء ضد بني عبد الدار وتهيأ الفريقان وأحلافهم للقتال وعبئت كل قبيلة لقبيلة ثم سعى الناس بينهم للصلح واصطلحوا يومئذ على أن يولى هاشم بن عبد مناف السقاية والرفادة وكان رجلا عريض الثراء وكان إذا حضر الحج قام في قريش فقال يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله يعظمون حرمة بيته فهم ضيف الله وأحق الضيف بالكرامة ضيفه وقد خصكم الله بذلك وأكرمكم به وحفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره فأكرموا ضيفه وزَورَه وكان هاشم يأمر بخياض من أدم ۱ فتجعل في موضع زمزم ثم تستقى فيها الماء من البتار التي بمكة فيشربه الحاج وكان يطعمهم أول ما يطعم قبل
التروية بيوم بمكة وبمنى وعرفة وكان يترد لهم الخبز واللحم والخبز والسمن والسويق والتمر ويجعل لهم الماء فيسقون بمنى والماء يومئذ قليل في حياض الأدم إلى أن
يصدروا من منى فتنقطع الضيافة ويتفرق الناس لبلادهم
عبد المطلب
وهو
وولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر كان منهم شيبة الحمد عبد المطلب وتولى عبد المطلب بن هاشم الرفادة والسقاية فلم يزل ذلك بيده يطعم الحاج ويسقيه فى حياض من أدم إلى أن حفر زمزم فأصبح يسقى الحاج من زمزم ويحمل الماء من زمزم إلى عرفة فيسقيهم به
1 حياض الأدم هي حياض من جلد الآبار
۱۸
وكانت زمزم
سقياً
من
الله
لقد أتى عبد المطلب في المنام مرات فأمر بحفرها ووصف له موضعها
فقيل له
احفر طيبة
فقال وما طيبة
فلما كان الغد أتاه فقال احفر برة
قال وما برة
فلما كان الغد أتاه وهو نائم في مضجعه ذلك فقال احفر المضنونة
قال وما المضنونة
أبن لى ما تقول
فلما كان الغد أتاه فقال احفر زمزم
قال وما زمزم قال لا تنزح ولا تذم تسقى الحجيج الأعظم وهي بين الفرث والدم عند
نقرة الغراب الأعصم
فلما عين موضعها غدا عبد المطلب بمعوله ومسحاته وحفر هو وابنه الحارث
حتى وصل إلى الماء فكانت زمزم وكان عبد المطلب من حكماء العرب ومن حكام قريش وتؤثر عنه سنن جاء القرآن بأكثرها كالمنع من نكاح المحارم وقطع يد السارق والنهي عن قتل الموءودة 1
ويصف المؤرخون عبد المطلب فيقولون
كان أحسن قريش وجهاً وأمدهم جسماً وأحلمهم حلماً وأجودهم كفاً وأبعد الناس من كل موبقة تفسد الرجال لم يره ملك قط إلا أكرمه وشفعه
وكان سيد قريش حتى مات
۱ التمهيد للشيخ مصطفى عبد الرازق انظر طبقات ابن سعد
عبد الله
۱۹
أما عبد الله والد الرسول صلوات الله عليه – فقد كان صورة طبق الأصل من جده ولو أمهله الزمن لتولى مناصب الشرف التى كانت بيد عبد المطلب وكان شعاره الذي التزمه طيلة حياته ما عبر عنه هو بقوله
أما الحرام فالميمات دونه
وتقول له فاطمة الخثعمية إنى لأعرف فيك نسك أبيك وإذا نظرنا إذن إلى رسول الله لا الله من ناحية والده وأسلافه ومن ناحية والدته وأخواله - فإننا نجدهم - خُلُقا وعراقة أصل – من أشرف بيوت مكة وأكرمها وأسماها بشهادة المؤرخين جميعاً فكان صلوات الله عليه كما يقول
ابن هشام
مولده
أوسط قومه نسباً وأعظمهم شرفاً من قبل أبيه وأمه
لما حملت به أمه آمنة بنت وهب كانت تقول
ما شعرت أني حملت به ولا وجدت له ثقلة كما تجد النساء إلا أنى قد أنكرت رفع حيضتي وربما كانت ترفعني وتعود وأتاني آت وأنا بين النائم
واليقظان فقال ه هل شعرت أنك حملت فكأني أقول ما أدرى
فقال إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ونبيها وذلك يوم الاثنين قالت فكان ذلك مما أيقن عندى الحمل ثم أمهلنى حتى إذا دنت ولادتى أتاني ذلك الآتى فقال
قولى أعيذه بالواحدِ الصَّمَد مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ قالت فكنت أقول ذلك فذكرت ذلك لنسائى فقلن لى تعلقين حديداً
في عضديك وفى عنقك قالت ففعلت
قالت فلم يكن تُرك على إلا أياما فأجده قد قطع فكنت لا أتعلقه ويقول أبو جعفر محمد بن على أمرت آمنة وهي حامل برسول الله الله أن تسميه أحمد
ورأت أمه حين ولدته كأن نوراً سطع منها أضاءت له قصور الشام وولد صلوات الله عليه فأرخ ميلاده ابتداء التمهيد لما أرادته الحكمة الإلهية من إخراج البشرية من الظلمات إلى النور
كان ميلاده تمهيدا لذلك بمعنى أن الله سبحانه وتعالى في هذه الفترة التي سبقت الرسالة أحاط رسول الإسلام بعنايته ورعايته ليكون أهلا لأن يحمل أعظم رسالة ولأن يبشر بالدين العام ولأن يبين للإنسانية أجمع المعنى الصحيح فيما يتعلق بأمر الصلة بينها وبين الله وفيما يتعلق بأمر سلوك كل شخص بالنسبة لنفسه وبالنسبة للآخرين وليحدد مسئولية كل شخص في المجتمع حاكماً كان أو محكوماً وزوجا كان أو أباً أو ابناً أو أخاً أو رئيساً في العمل أو عاملا إلى غير ذلك مما يشتمل على بعضه الحديث الشريف
بدأت تتزلزل جميع
كلكم راع ومسئول عن رعيته فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل في بيته راع ومسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع ومسئول عن رعيته فكلكم راع ومسئول عن رعيته ومنذ ميلاده صلوات الله عليه أسس الضلال والانحراف وترمز إلى ذلك كتب السيرة النبوية برموز جميلة فتحدثنا إنه في ليلة ميلاده الله - غاضت بحيرة ساوى وتصدع إيوان كسرى وخبت نار الفرس أما الأصنام التي كانت على ظهر الكعبة فإن مصيرها المحتوم وتحطيمها المؤكد قد تحدد موعده بالسنين والأيام
إن عمد الشرك هذه والضلال والانحراف والظلم والاستعباد – بدأت تتهاوى وتنهار منذ ميلاد الرسول الله وأصبح أمر النور والهداية والرشاد – وشيك الظهور والانتشار
وسمى المولود محمداً
أما
سبب
هذه التسمية فإنه حينما جاء جده عبد المطلب ليراه قيل له
ما سميت ابنك
فقال " محمداً
فقيل له كيف سميته باسم ليس لأحد من أبنائك وقومك فقال إني لأرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم وذلك – على حسب ما يرى "
السهيلى لرؤيا كان قد رآها عبد المطلب - وقد ذكر حديثها على القيرواني في کتاب البستان
قال كان عبد المطلب قد رأى في نومه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف فى الأرض وطرف فى الشرق وطرف في الغرب ثم عادت كأنها شجرة على ورقة منها نور وإذا أهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلقون بها فقصها فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب ويحمده أهل السماء والأرض فلذلك سماه محمداً وسمته أمه من قبل أحمد فهو أحمد وهو
الإمام
0
محمد
ولقد تحدث الرسول صلوات الله عليه فيما بعد عن أسمائه فقال فيما رواه
أحمد
إن لى أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمی وأنا الماحى الذى يمحى به الكفر وأنا العاقب
وقال فيما رواه الإمام أحمد أيضا أنا محمد وأنا أحمد ونبي الرحمة ونى التوبة والحاشر والمقفى وني الملاحم " وكان من عادة العرب أن يرضعوا أبناءهم خارج مكة فيرضعوهم في الصحراء المنطلقة مكاناً وجواً ليشبوا في صحة تامة
أمثالهم العقل السليم في الجسم السليم "
حسماً وعقلا ومن
وجاءت المرضعات يلتمسن الرضعاء فى مكة وهنا نترك السيدة حليمة السعدية تتحدث عن الرحلة وعما صادفت فيها ذهابا وإيابا وعما رأته من بركات رسول صلوات الله عليه لقد كانت تقول
الله
إنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد ابن بكر تلتمس الرضعاء قالت وهي في سنة شهباء لم تبق لها شيئاً قالت فخرجت على أتان لى قرماء معنا شارف لنا والله ما تبض بقطرة وماننام ليلنا أجمع من صبينا الذى معنا من بكائه من الجوع وما في ثديي ما يغنيه وما فى شارفنا ما يغذيه وكلنا كنا نرجو الغيث والفرج فخرجت على أتاني تلك فلقد أذمت ۱ بالركب حتى شق عليهم ضعفاً وعجفاً حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من
الله محمد
أن
أمه
أبي الصى فكنا نقول يتيم ! وما عسى تصنع وجده فكنا نتركه
لذلك فما بقيت امرأة قدمت إلا أخذت رضيعا غيرى
فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي والله إنى لأكره أن أرجع من بين آخذ رضيعاً والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه
صواحبي ولم
قال لا عليك أن تفعلى عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة قالت فذهبت إليه فأخذته وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره قالت فلما أخذته رجعت به إلى رحلى فلما وضعته في حجرى أقبل عليه ندیاى بما شاء من لبن فشرب حتى روى وشرب أخوه حتى روى ثم ناما معه وما كنا ننام قبل ذلك
معه
معه
وقام زوجى إلى شارفنا تلك فإذا بها حافل فحلب منها وشرب وشربت
حتى انتهينا رياً وشبعاً فبتنا بخير ليلة
قالت يقول صاحبى حين أصبحنا تعلمين والله يا حليمة لقد أخذت
نسمة مباركة
1 جاءت بما تذم عليه
۳
فقلت والله إلى لأرجو ذلك
قالت ثم خرجنا وركبت أتانى وحملته عليها معى فوالله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شيء من جمرهم حتى أن صواحبي ليقلن لى يا ابنة أبي ذؤيب ويحك أربعى علينا أليست هذه أتانك التي كنت خرجت
عليها !
فأقول لهن بلى والله إنها لهي هي
فيقلن والله إن لها لشأناً
قالت ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد وما أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها فكانت تروح على حين قدمنا معنا شباعاً لبناً فنحلب ونشرب بهم
وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم ! اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمى شباعاً لبناً فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته وكان يشب شباباً لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً ولكنه صلوات الله عليه لم يمكث عندها عامين فقط ذلك أنها على رأس العامين ذهبت به إلى مكة لتراه أمه وليراه جده تم عادت به أشد ما تكون حرصاً عليه وعلى
العودة به أخذت حليمة السعدية رسول المستقبل إلى بادية بني سعد مرة أخرى وليس غرابة في أن يكون رسول النور هذا قد ملأ رحلتها من مكة إلى البادية من بالبهجة والنشاط وبالأمل والتفاؤل
هناك
إن الأبحاث الحديثة نفسها وتجاوب الإنسانية منذ أن وجدت الإنسانية تؤيد أن هناك إشعاعات عند بعض الناس تضفى على المرافقين لهم بهجة ونشباطاً فلا غرابة إذن أن تنشط حليمة وينشط زوجها وتنشط دوابهما وأن تسير الرحلة في رخاء وأن يكون محمد فى براءته وطهارته وفى طفولته الباسمة ونظرته المتألقة - هو سبب ذلك كله
٢٢٤
ويملأ محمد بيت حليمة بهجة وسروراً ويدب النشاط في أرجاء البيت
وعند جميع
جميع
سكانه ويبارك الله في كل شيء فيه وتنعم هذه الأسرة بحياة هنيئة فيزيد عطفها على محمد ويزيد حنانها عليه فينمو في جو من الرحمة والود والحنان وينغرس كل ذلك في نفسه ويمتلئ قلبه الناشئ ببذور من أسمى
العواطف والشيم ويتحقق منذ طفولته - بل وإلى أن تنتهى به الحياة – ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما من أنه لما توفى عبد الله قالت الملائكة
ه إلهنا وسيدنا بقى نبيك يتيماً
فقال الله تعالى أنا له حافظ ونصير
الفضل الثاني
نبي التوبة
القرآن والنبي
عن حذيفة رضي الله عنه قال فيما رواه الإمام أحمد إن رسول الله
قال عن نفسه
إنه في التوبة "
وللتوبة عند الرسول صلوات الله عليه وفى الجو الإسلامي على وجه العموم - شأن كبير ذلك أن التوبة إنما هى تصفية للنفس وتزكية للروح ونتيجتها
الإخلاص
أحد
وأهمية الإخلاص إذا نظرنا إلى الفرد أو نظرنا إلى المجتمع – لا تخفى على
وإذا نظرنا إلى حياة الرسول صلوات الله عليه من زاوية التوبة والإخلاص وصفاء النفس وتزكية الروح - فإن أول ما يفجؤنا من ذلك إنما هو هذا الحادث الذي ترويه كتب السيرة تحت عنوان شق الصدر
يلعب
وهذا الحادث وقع لرسول الله صلوات الله عليه منذ الطفولة المبكرة لقد كان صلوات الله عليه إذ ذاك فى بادية بني سعد عند مرضعته وبينما هو الغلمان - على ما يروى الإمام مسلم - أتاه جبريل فأخذه فضجعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال ه هذا حظ الشيطان منك ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده إلى مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعنى مرضعته أن محمداً قد قتل فاستقبلوه
وهو ممتقع اللون كان ذلك وهو ابن أربع سنوات تقريباً فلما كان ابن عشر سنين تكرر حادث شق الصدر فقد روى الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وابن عساكر عن أبي بن كعب – أن أبا هريرة رضى الله عنه كان جريئاً على أن يسأل رسول الله عن أشياء لا يسأله عنها غيره فقال
٢٢٦
۷
يا رسول الله ما أول ما رأيت فى أمر النبوة فاستوى رسول الله الله
جالساً وقال
و لقد سألت أبا هريرة
6
إنى لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر وإذا بكلام فوق رأسى وإذا رجل يقول الرجل أهو هو
قال نعم
فاستقبلانى بوجوه لم أرها لخلق قط وأرواح لم أجدها من خلق قط وثياب لم أرها على أحد قط فأقبلا إلى يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدى لا أجد
لأحدهما مسا
فقال أحدهما لصاحبه اضجعه فأضجعانى بلا قصر ۱ ولا
وقال
أحدهما لصاحبه
افلق صدره
فهوى
أحدهما إلى صدرى ففلقه فيما أرى بدون دم ولا وجع فقال له أخرج الغل والحسد فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها فقال
له
•
أدخل الرأفة والرحمة فإذا مثل الذى أخرج يشبه الفضة ثم هز إبهام رجلى
اليمنى فقال أغد وأسلم
فرجعت بها أغدو رقة على الصغير ورحمة للكبير
فلما جاوز صلوات الله عليه الخمسين أتاه آنت على حين كان في الحطيم أو في الحجر مضطجعاً بين النائم واليقظان أتاه فشق عن صدره على حسب ما يروى البخاري ومسلم – واستخرج قلبه ثم أتى بطست من ذهب مملوء إيماناً فغسل قلبى ثم حُشى ثم أعيد وتكرر المعراج فتكرر شق الصدر فعن أبي بن كعب - رواه الإمام
۱ القصر الإجبار
المصر ثني العمود من رأسه والمعنى لم يثنيا ظهرى ولم يكرهانى
۸
أحمد والإمام مسلم - أن رسول الله - قال
فرج سقف بيتى وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدرى ثم غسله من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري ثم أطبقه
ولا يعنينا هنا لا في قليل ولا في كثير أن نجارى الماديين في جدهم فيما يتعلق بشق الصدر فالأمر أسمى بكثير من المماراة في الشكل والكيف والزمان والمكان
والمغزى أعمق من أن نتجاوزه إلى المماحكات التي تشعر بضعف الإيمان أكثر مما تشعر بنور اليقين
لقد رويت في كتب السنة بالأسانيد الصحيحة وروت أيضا كتب السيرة هذه الحادثة التي توجه النظر إلى عناية الله - سبحانه وتعالى - برسوله منذ طفولته المبكرة وأن من مظاهر هذه العناية أن يستخرج الله حظ الشيطان من قلبه منذ سنيه الأولى حتى لا يكون للشيطان عليه من سبيل
إن الله سبحانه وتعالى- وقد شاءت إرادته منذ الأزل أن يكون محمد خاتم الأنبياء والمرسلين - أراد سبحانه أن يجعل المثل الكامل للإنسان الكامل والإنسان يبدأ السير نحو الكمال بطهارة القلب وتصفية النفس والتوبة
منه
والإخلاص أو – بتعبير آخر - بشق الصدر واستخراج حظ الشيطان منه وأرسل الله ملائكته فشقوا عن صدر الرسول - صلوات الله عليه واستخرجوا حظ الشيطان
منه
ثم أرسلهم فشقوا عن صدره وملئوه رأفة ورحمة فكان صلوات الله عليه
رقة على الصغير ورحمة للكبير
ثم أرسلهم فشقوا عن صدره فملئوه إيماناً
ثم شقوا عنه فملئوه حكمة وإيماناً وإذا كان رسول الله - عل الله - هو المثل الكامل للإنسان الكامل فإن لنا فيه أسوتنا والأسوة في شق الصدر إنما هى التوبة
۹
وتوبتنا إلى الله إذن توبة نصوح إنما هي بمثابة شق الصدر واستخراج حظ
الشيطان منه
عسى الله أن
والتوبة النصوح تخرجنا مباشرة عن جو الخطائين بل وعن جو الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئاً هؤلاء الذين يقول الله عليهم التوبة / ١٠٢
فيهم
يتوب
إن الله يعبر في شأنهم بكلمة عسى والتوبة النصوح تخرجنا من جو عسى الذين أنعم الله عليهم مع النبيين والصديقين والشهداء
لتضعنا في جو مع والصالحين النساء / ٦٩
والتوبة النصوح التوبة الصادقة من الآثام والمعاصي حد فاصل وفيصل حاسم بين عهدين عهد سيطرة الشيطان سيطرة كلية أو سيطرة جزئية سيطرة دائمة أو سيطرة مؤقتة وعهد الانطواء تحت لواء عباد الرحمن الذين يقول الله في حقهم مخاطباً الشيطان
إن عبادى ليس لك عليهم سلطان الإسراء / ٦٥
وبمجرد أن ينزع الإنسان سلطان الشيطان في صورة من العزم المصمم وينطوي تحت لواء الله فى صورة من اليقين المطمئن فإن الله سبحانه وتعالى يتولاه
ويتكفل به
بل إن رعاية الله سبحانه وتعالى تبدأ مع الإنسان منذ أن يبدأ في الاتجاه إليه سبحانه وتعالى مباشرة وبدء الإنسان فى الاتجاه إلى الله إنما يكون بالاستغفار فإذا بدأ الإنسان بالاستغفار بدأت رعاية الله له يقول الله تعالى
استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا 1 وكلما ازداد الإنسان اتجاهاً إلى الله وإقبالا عليه وتقرباً منه وحباً فيه – از دادت رعاية الله له من تقرب إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلى ذراعاً تقربت إليه
۱ سورة نوح ۱۰ - ۱
1
۳۰
باعا ومن أتاني
يمشى
أتيته هرولة
إن حياة النفوس والعمل الصالح أهم
عنصر
السعادة الإنسان في حياته الدنيا
وسعادته في الحياة الآخرة والله سبحانه وتعالى يبين ذلك في أكثر من آية في القرآن
الكريم من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون النحل / ٩٧
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض الأعراف / ٩٦
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه الطلاق / ٢ - ٣
التقوى والعمل الصالح نتيجتها السعادة وعناية الله ورعايته واللبنة الأولى في أساس كل ذلك إنما هى التوبة أو هي شق الصدر واستخراج حظ الشيطان وقد فتح الله بابها على مصراعيه إنه سبحانه وتعالى - فيما رواه الإمام مسلم - يبسط يده بالليل ليتوب مسيء ء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويقول سبحانه
منه
قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له الزمر /
الله
وتوبة العوام إنما هى من الذنوب والآثام أما الخواص فإنهم لا يتوبون من الآثام والمعاصى فذلك ميدان قد تطهروا منه ونزههم برحمته عن أن يقعوا فيه ومع ذلك فإنهم يتوبون إلى الله ويستغفرونه مصبحين ويستغفرونه سبحانه ويتوبون إليه ممسين بل يستغفرونه ويتوبون إليه تعالى في كل وقت وحين خضوعاً له وخشية منه وتقرباً إليه وخوفاً من الكبر الخفى أو الغرور المستتر أو الغفلة التي
قد لا يشعر بها الإنسان
۱ حدیث قدسی
۳۱
لقد كان رسول الله صلوات الله عليه في ترقيه الدائم وفى أنواره التي
تزداد كل لحظة ضياء - يستغفر الله ويتوب إليه استغفار عبادة وتوبة إنابة وقربى يقول صلوات الله عليه - فيما رواه البخارى
والله إلى لأستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة ويقول
صلوات الله عليه - فيما رواه الإمام مسلم يأيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإنى أتوب إليه في اليوم مائة مرة بيد أن ما نريد أن نؤكده لطلاب المعرفة الصحيحة – عن عالم الغيب - ونؤكده لطلاب الإيمان المطمئن - هو أن وسيلة ذلك – إنما هي التوبة النصوح إنها تستخرج حظ الشيطان ثم تأتى بالسكينة
والتوبة النصوح سبب مباشر - بتوفيق الله - لملء القلب إيماناً بعد أن امتلاً رأفة ورحمة ثم إنها السبيل لتنزل الحكمة - وهى المعرفة اللدنية – إرسالا إرسالا فيفيض بها القلب هداية وإرشاداً واتقوا الله ويعلمكم الله البقرة /٢٨٢ وإن من التزم العبودية - واللبنة الأولى فيها إنما هى التوبة – فإن الله سبحانه يأتيه برحمة من عنده ويعلمه من لدنه علماً
استخرج جبريل حظ الشيطان من قلب رسول الله صلوات الله عليه في سن مبكرة فكان صلوات الله عليه – كما تقول السيدة آمنة
والله ما للشيطان عليه من سبيل "
وحقيقة أنه لم يكن للشيطان عليه من سبيل فقد عصمه الله عصمة تامة عن الرجس حياته كلها لقد كانت مكة - حينما كان رسول الله - شابا فتياً قوياً تعج بمختلف
الملاذ الشهوانية الدنسة
لقد كانت حانات الخمر منتشرة فيها وكذلك البيوت المريبة وفى هذه وتلك المغنيات والراقصات والماجنات وكان الشباب يهالكون على كل ذلك ويتهافتون عليه وأراد الله أن يكون رسوله بمنأى عن كل ذلك
ذكر البخارى عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال
۳
ه ما هممت بشيء من أمر الجاهلية إلا مرتين
أما هاتان المرتان فإن سيدنا علياً رضى الله عنه يتحدث عنهما – على ما يروى
ابن كثير - فيقول سمعت رسول الله الله يقول
ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به إلا ليلتين كلتاهما عصمني الله عز وجل فيهما قلت ليلة لبعض فتيان مكة نحن في رعاء غنم أهلها – فقلت
لصاحی
ألا
تبصر لى غنمى حتى أدخل مكة أسمر فيها كما يسمر الفتيان !
فقال بلى
قال فدخلت حتى جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفاً بالغرابيل
والمزامير فقلت ما هذا !
قالوا تزوج فلان فلانة
فجلست أنظر وضرب الله على أذنى فوالله ما أيقظنى إلا مسر فرجعت إلى صاحبي فقال ماذا فعلت !
الشمس
فقلت ما فعلت شيئاً ثم أخبرته بالذى رأيت ثم قلت له ليلة أخرى أبصر
لى غنمي حتى أسمر ففعل فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعته تلك الليلة
فسألت
فقيل نكح فلان فلانة
فجلست أنظر فضرب الله على أذنى فوالله ما أيقظنى إلا
فرجعت إلى صاحبي فقال ما فعلت فقلت
مس الشمس
لا شيء ثم أخبرته الخبر فوالله ما هممت ولا عدت بعدها لشيء من ذلك
حتى أكرمنى الله عز وجل بنبوته
هذا ما كان من أمر عبث الفتيان
أما ما كان من أمر عبادة الأصنام فإن القصة التالية توضح الأمر عن ابن عباس قال حدثتني أم أيمن قالت كانت بوانة صنماً تحضره قريش تعظمه وتنسك له النسائك ويحلقون رءوسهم عنده ويعكفون عنده يوماً إلى
الليل وكان ذلك يوماً فى السنة
۳۳
وكان أبو طالب يحضره مع قومه وكان يكلم رسول الله أن يحضر ذلك العيد مع قومه فيأبى رسول الله له ذلك حتى رأيت أبا طالب غضب عليه ورأيت عماته غضبن عليه يومئذ أشد الغضب وجعلن يقلن
ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيداً ولا تكثر لهم جمعاً قالت فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع إلينا مرعوباً
فزعاً فقالت له عماته
ما دهاك قال
إنى أخشى أن يكون بي لمم ۱
فقلن ما كان الله ليبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك فما الذي
رأيت قال
إلى كلما دنوت من صنم منها تمثل لى رجل أبيض يصيح بي وراءك ٢ يا
محمد لا تمسه قالت
فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبأ
لقد كانت حياته صلوات الله عليه شرحاً مستفيضاً وتوضيحاً كاملا وتعبيراً تاما لما ذكره ابن خلدون وما يتفق عليه العقلاء ويجمع عليه أصحاب البصائر المستنيرة من أن ذلك من علامات الأنبياء
إنه يوجد له قبل الوحى خلق الخير والزكاء ومجانبة المذمومات والرجس
أجمع وهذا هو معنى العصمة وكأنه مفطور على التنزه عن المذمومات والمنافرة
لها وكأنها منافية لجبلته
ويضرب ابن خلدون بعض الأمثلة من حياة الرسول صلوات الله عليه مبينة لهذه
القاعدة فيقول
۱ مس من الجنون
ارجع وراءك
٢٣٤
وفى الصحيح أنه حمل الحجارة وهو غلام مع عمه العباس لبناء الكعبة
فجعلها في إزاره فانكشف فسقط مغشيا عليه حتى استتر بإزاره ودعى إلى مجتمع وليمة فيها عرس ولعب فأصابه غشى النوم إلى أن طلعت الشمس ولم يحضر شيئا من شأنهم ومضت فترة الشباب برسول الله له وهو طاهر زكي طاهر من الآثام التي تدنس الشباب في مجتمعاتهم وزكى لأنه بعيد عن الشرك لم يسجد لصنم قط
صلوات الله عليه وسلامه
الفصل الثالث
الوحي
رضی
ما قبل الوحى
إن كتب السيرة لا تحدثنا عن حياة الرسول صلوات الله عليه قبل بعثته إلا بالنزر
به عندهم
شهراً
القليل - القليل جداً - ويمكن تلخيص ذلك - في صورة مجملة - كما يلى بعد أن استكمل الرسول الرضاع وبلغ حوالى أربع السنوات عادت به حليمة الله عنها - إلى أمه آمنة بنت وهب فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به ومعه أم أيمن تحضنه وهم على بعيرين فنزلت به في دار النابغة فأقامت ثم رجعت به إلى مكة فلما كانت بالأبواء توفيت ودفنت هناك ولم ينس الرسول - المكان الذي دفنت فيه أمه فلما مر فى عمرة الحديبية بالأبواء قال إن الله قد أذن لي في زيارة قبر أمى ثم أتاه فأصلحه وبكى عنده وبكى المسلمون لبكاء رسول الله الله فقيل له فقال أدركتى رحمتها فبكيت
ورجعت به أم أيمن على البعيرين اللذين كانا معها
واستمرت أم أيمن تحضنه بعد وفاة أمه وعندما وصل مكة قبضه إليه جده عبد المطلب وضمه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده وكان يقربه منه ويدنيه ويدخل عليه إذا خلا وإذا نام وكان الرسول يجلس على فراش جده فيريدون فيقول عبد المطلب حينما يرى ذلك ادعوا ابنى إنه ليؤنس ملكاً ورآه مرة عبد المطلب بعيدا عن رعاية أم أيمن فقال لها يا بركة لا تغفلى عن ابنى فإني وجدته غلمان قريبا من السدرة وإن أهل الكتاب يزعمون
منعه
نبی
هذه الأمة
أن ابني هذا ولما توفى عبد المطلب قبض أبو طالب رسول الله فكان يكون معه وكان أبو طالب لا مال له وكان يحبه حباً شديداً لا يحبه لولده وكان لا ينام
٢٣٦
۳۷
إلا في جنبه ويخرج فيخرج معه وصبا به أبو طالب صبابة لم يصب مثلها بشيء قط وكان يخصه بالطعام وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو فرادى لم يشبعوا وإذا أكل معهم رسول الله علي شبعوا فكان إذا أراد أن يغذيهم قال كما أنتم حتى يحضر ابني فيأتى رسول الله الله فيأكل معهم يفضل من طعامهم وإن لم يكن معهم لم يشبعوا فيقول أبو طالب إنك
المبارك
فكان
ولم
واستمر أبو طالب في رعاية الرسول صلوات الله عليه لم يسلمه قط يخذله إلى أن توفى للنصف من شوال فى السنة العاشرة من حين نبي رسول الله
صل الله
وهو يومئذ ابن بضع وثمانين سنة
بصدد أبي طالب أن العباس قال ومما يروى
يا رسول الله أترجو لأبي طالب فقال صلوات الله عليه كل الخير أرجو من ربي
وفى هذه الفترة التي قبل البعثة - كان يتحاكم إلى الرسول ال
يقول الربيع بن خثيم كان يتحاكم إلى رسول الله عل في الجاهلية قبل الإسلام ثم اختص في الإسلام الأمثلة المشهورة في ذلك قضاؤه في الخلاف الذي كان بين
ومن
قريش بشأن وضع الحجر الأسود فإنه حينما انتهوا في بناء الكعبة إلى حيث يوضع الركن من البيت قالت كل قبيلة نحن أحق بوضعه واختلفوا حتى خافوا القتال ثم جعلوا بينهم أول من يدخل من باب بني شيبة فيكون هو الذي يقضى بينهم وقالوا رضينا وسلمنا بذلك فكان رسول الله أول من دخمل من باب بني شيبة فلما رأوه قالوا هذا هو الأمين قد رضينا بما قضى بيننا ثم أخبروه الخبر فوضع رسول الله لا رداءه وبسطه على الأرض ثم وضع الركن فيه ثم قال ليأت من كل ربع من أرباع قريش رجل فكان في عبد مناف ربع عتبة بن ربيعة وكان في الربع الثانى أبو زمعة وكان في الربع الثالث أبو حذيفة ابن المغيرة وكان في الربع الرابع قيس بن عدى ثم قال رسول الله
بنی
۳۸
ليأخذ كل رجل منكم بزاوية من زوايا الثوب ثم ارفعوه جميعاً فرفعوه ثم وضعه رسول الله الله بيده في موضعه ذلك
والخير
ذلك
وفى سن الخامسة والعشرين تم زواجه صلوات الله عليه وهنا نترك مجال
الكلام لنفيسة بنت منية تقص علينا النبأ بصورته الواقعية قالت كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة وهى يومئذ أوسط قريش نسباً وأعظمهم شرفاً وأكثرهم مالا وكل قومها كان حريصا على الزواج منها لو قدر على ذلك ولقد طلبوها وبذلوا لها الأموال فأرسلتني دسيساً إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام فقلت يا محمد ما يمنعك أن تتزوج فقال ما بيدى أن أتزوج به قلت فإن كفيت ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب قال فمن ! قلت خديجة قال وكيف لى بذلك قالت قلت على قال فأنا أفعل فذهبت فأخبرتها فأرسلت إليه أن أنت ساعة كذا وكذا وأرسلت إلى عمها فحضر وتزوجها رسول الله الله وهو ابن خمس وعشرين سنة وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة ولدت قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة وفى ظل الحياة الزوجية عاش صلوات الله عليه عيشة هادئة وديعة فيسر الله له بذلك ما كان يشغل به نفسه من العبادة والتقوى وهكذا نشأ الطاهر النفس كريم الخلق مجانباً للمذمومات مجانباً للرجس لقد سارت به الحياة نقية طاهرة فكانت شرحاً وتفسيراً لما سبق أن تحدثنا عنه
هی
من شق صدره الشريف واستخراج حظ الشيطان منه ولقد تمثل فيه طور الشباب النضج الكامل والرجولة الرشيدة لقد كان صادقاً في حديثه عطوفاً على من حوله معينا للضعفاء يكتسب ثقة كل من يخالطه
ولكل ذلك أحبته السيدة خديجة رضوان الله عليها ولكنها رضى الله عنها - أحبته لشيء آخر هو السمو الروحي وهو العزوف عن
اللذائذ المادية الفاشية والاتجاه إلى الخالد من معالى الأمور
۳۹
إن عناية الله رافقته ولاحظته ووجهته فكان خيراً زكيا وكان أمةً وحده وسط هذا الضلال الدينى والأخلاقى الذى كان يملأ على رجال مكة
أقطارهم
لقد أحبته السيدة خديجة من أجل ذلك ومن أجل ذلك سماه قومه الأمين
جميع
لقد كان أمينا على نفسه فلم يسلمها إلى مهاوى الشرك أو الشهوة أو الرجس وكان أميناً على الناس فلم ينتهك عرضاً ولم يوقع بعض الناس في بعض بالنميمة ولم يغتب وكان أميناً على الحديث إذا تحدث فلا كذب ولا مغالاة
وكا أمينا على الأسرار فلم يفشها ولم يذعها إنه الأمين أجمع عليها القرشيون وقالوها حينما اختلفوا في رفع الحجر الأسود ووضعه في الكعبة وأوشكت الحرب أن تقع بينهم – كما قدمنا – ثم استقر رأيهم على الاحتكام لأول داخل عليهم فغمرتهم الفرحة حينما رأوا محمداً وصاحوا إنه الأمين رضينا إنه محمد !
الوحى ولقد حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه أى يتعبد الليالي ذوات العد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى
خديجة فيتزود لمثلها
كان صلوات الله عليه يغادر مكة منغمسة فى الضلال ليعتكف في غار حراء متعبداً حتى قالت العرب إن محمداً قد عشق ربه ! ولكن أما آن لهذا الضلال الذي يخيم على مكة أن ينقشع
أما آن لهذه الظلمة أن تنجلي
أما آن لهذه الأصنام أن تتحطم
أليس هناك أمل فى قبس من نور أو أثارة من علم أو رحمة من عند الله أو
هداية من لدن مانح الهدى والرشاد
ويلجأ
رسول الله الله إلى الله يستغيث به ويستعيذه ويرجوه ويلح في
٢٤٠
الرجاء ويتذلل ويطلب منه الرحمة له ولقومه
الصباح
وتمضى الأيام وهو في كفاح المستميت وجهاد المستبسل يتجه إلى الله في ويتجه إليه في الظهر ويتجه إليه فى الآصال ويتجه إليه في مغيب الشمس ويتجه إليه حينما تلمع الكواكب
إنه مهاجر إلى الله فى كل لحظة وفي كل نفس من
إن حياته كلها لله
C
أنفاسه وفي كل طرفة
عين وفى كل نبضة قلب وفى كل همسة من همسات الضمير ومع ذلك فإن الأيام تمر والسنين تمضى ولا يزال الظلام مخيماً فوق أرجاء مكة ولا تزال الأصنام فوق بيت الله شارة الضلال وعلم
الانحراف ! ويضاعف الرسول الله خضوعه وتذلله ويضاعف رجاءه وأمله ويجاور الأمل الخوف والقلق فيضاعف التذلل والخضوع والالتجاء إلى الله حتى أصبح صلوات الله عليه وسلامه فى النهاية وكأنه صفاء من الصفاء ونور من النور فلما استوت على الجودى ولما كاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار وفى ليلة من الليالي بينما كان الرسول الله معتكفاً في غار حراء كعادته كل عام وفى شهر رمضان المبارك تحطم نهائيا ذلك الحاجز الذى يفصل بين الكسب البشرى الموفق من جانب والاصطفاء الإلهى والاجتباء الربانى من جانب آخر أو - آخر - بتعبير ذلك الحاجز الذى يفصل بين الولاية والنبوة
حديث بدء الوحي
لقد جاءه الحق وهو فى غار حراء فجاءه الملك فقال
اقرأ
قال ما أنا بقارئ
قال فأخذنى فغطى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال
اقرأ
٢٤١
قال
قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطى الثانية بلغ منى الجهد ثم أرسلنى
اقرأ
فقلت ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى الثالثة ثم أرسلنى فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم العلق / ١ - ٣
فرجع بها رسول الله لا يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضى الله عنها فقال زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسى فقالت خديجة
كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب
المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم
خديجة لقد كان ورقة عربيا أصيلا من ذروة بيوتات قريش وهو كما يروى صاحب الأغانى - أحد من اعتزل عبادة الأوثان في الجاهلية وطلب الدين وقرأ الكتب وامتنع من أكل ذبائح الأوثان طلب ورقة الدين ولم يكتف فى طلبه باللغة العربية بل لعل اللغة العربية إذ ذاك لم تكن تسعفه بما يريد من معرفة فتعلم العبرانية يقول الإمام البخارى عنه
وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني يكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب
وهو القائل هذه الأبيات الشائعة في الأوساط المؤمنة
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته يبقى الإله ويودى المال والولد لم تغن عن هرمز يوما خزائنه والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا ولا سلمان إذ دان الشعوب له والجن والإنس تجرى بينها البرد ۱
۱ البرد جمع بريد وهو الرسول
٢٤٢
ولقد سئل عنه رسول الله صلوات الله عليه بعد فقال
قد رأيته في المنام كأن عليه ثياباً بيضاً فقد أظن أن لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض وقد كان ورقة معروفاً بالعقل الناضج والمعرفة الواسعة والإخلاص المخلص وقد كان فى فترة بدء الوحى هذه شيخا كبيراً قد عمى أي أنه مر بالتجارب الكثيرة في الدين والدنيا وأصبح لا يرجو إلا حسن الخاتمة والعمل ما استطاع - في سبيل الله
من أجل كل ذلك انطلقت السيدة خديجة بالرسول صلوات الله عليه إليه وقالت له
يا ابن عم اسمع من ابن أخيك
فلما أخبره رسول الله ل خبر ما رأى قال ورقة دون تردد ولا تلعثم
ولا انتظار
ه هذا هو الناموس الذي نزل الله على موسى "
قال ذلك في يقين جازم وفى إيمان مؤمن أما الأسباب التي دعت ورقة إلى هذا القول فإن منها لا شك معرفته بحياة
الرسول صلوات الله عليه لقد كانت حياة طاهرة عفة كان صلوات الله عليه عازفا عن طلب المجد الزائف والجاه المفتعل وكان بعيدا عن أن يكون عبداً للدنيا ولقد سمع ورقة حديثاً يعكس صورة صحيحة مخلصة للصدق الصادق وسمع هذا التعبير البرىء عن عنصر المفاجأة في الموضوع إن الحديث لا يتسم بمنطق مروى ولا بتفكير مدير ولا بمحاولة أيا كانت للتلبيس والزيف إنها البراءة المطلقة لقد فاجأه الملك على غير انتظار وعلى غير توقع وفاجأه في خلوة يرجو فيها
رحمة الله ويأمل فيها رضاه وفاجأه بأمر لم يكن له على بال
اقرأ
ما أنا بقارئ
ففاجأه الملك بأمر غريب آخر لقد أخذه فغطه حتى بلغ منه الجهد ثم
٢٤٣
أرسله وقال له من جديد اقرأ وتكرر ذلك
ورجع رسول الله لا يرجف فؤاده
فلقد غمره الروع وما إن وصل إلى المنزل حتى صاح زملونى زملوني فلما ذهب عنه الروع قص على السيدة خديجة رضى الله عنها - ما رأى ثم قال لقد خشيت على نفسى إن كل ذلك برهان واضح على الصدق وعلى الإخلاص فإذا ما أضيف ذلك إلى ما يعرفه ورقة من حياة الرسول مع له الا الله فإن ثمرة ذلك التصديق والإيمان أن النور الذى غمر ورقة إنما كان إشعاع قوله تعالى
بید
اقرأ باسم ربك الذي خلق
حينما سمع
ورقة أول آية من القرآن
اقرأ باسم ربك الذي خلق
لم يملك أن آمن بأن هذا الذى يتلى - إنما هو وحى من السماء إن اقرأ باسم ربك تنص على أن القراءة لا تكون باسم وزير ولا أمير ولا باسم منفعة شخصية ولا باسم مصلحة إقليمية ولا باسم غاية مادية أيا كانت ولا باسم وطن أو بيئة وإنما هى باسم الله وإذا كانت باسم الله فإنها تفيد الشخص باعتباره فرداً وتفيد المجتمع الخاص الذي نسميه وطنا وتفيد المجتمع الإسلامي العام بل وتفيد الإنسانية جمعاء وإذا ما تجردت القراءة لله تعالى وكان هدفها الأول والأخير هو الله مصدر الخير والنور كانت خيراً وكانت نوراً في الأرجاء وفى الأزمان
جميع
جميع
وهكذا وضعنا الإسلام منذ اقرأ باسم ربك أي منذ اللحظة الأولى من تاريخه على قمة الإخلاص وعلى قمة الإحسان وفى خضم من التقوى وعلى السنام من الصدق فما دامت الحياة كلها لله فليس هناك مجال للكذب والرياء والنفاق والخديعة وإرادة غير الله بالأعمال
وحينما سمع ورقة هذه الكلمة الأولى لم يملك أن آمن وماذا يمكن أن
تقول لشخص تجرد إلى الله ويدعوك أن تتجرد إليه سبحانه شخص لم يطلب
٢٤٤
مالا ولا جاهاً ولا زعامة ولا ملكاً إنه يريد أن تقرأ الإنسانية كلها باسم ربها وأن تقوم في كيانها كله على أساس من تربية ربها ماذا يمكن أن تقول له
أيمكن أن تقول إنك كذاب فما هو الصدق إذن
أيمكن أن تقول له إنك منافق فأين هو الإخلاص إن هذه الكلمة الأولى قادت ورقة فور سماعها إلى الإيمان
أسطورة التعارض بين الإسلام والعلم
إن مشكلة التعارض بين الدين والعلم - إنما نشأت في أوربا بعيدة كل البعد عن الروح الإسلامية التي حثت الإنسانية على التعليم والتي ولد المنهج العلمي الذي يسمونه المنهج الحديث بين ربوعها والتي أنشأت على أساس من هذا المنهج حضارة ضخمة لا نزال نكشف كل يوم الكثير من أنحائها العميقة وما من شك في أن الحضارة الإسلامية هي التي قد قدمت للحضارة الغربية الحديثة منهجها وقدمت لها الكثير من الحقائق العلمية فى كثير من المجالات المختلفة إن المنهج العلمي الحديث في أوربا - يرجع إلى روجر بيكون فهو الذي أذاعه ونشره في أرجاء أوربا
ويتحدث الأستاذ بريفولت فى كتابه بناء الإنسانية فيقول عن روجر بيكون إنه درس اللغة العربية والعلوم العربية فى مدرسة أكسفورد على خلفاء العرب في الأندلس وليس لروجر بيكون ولا لسميه الذي جاء بعده – الحق في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي فلم يكن روجر بيكون إلا رسولا من رسل العلم والمنهج الإسلاميين إلى أوربا المسيحية وهو لم يمل قط من التصريح بأن تعلم معاصريه للغة العربية وعلوم العرب هو الطريق الوحيد للمعرفة الحق والمناقشات التي دارت حول واضعى المنهج التجريبي طرف من التحريف الهائل لأصول الحضارة الأوربية وقد كان منهج العرب التجريبى فى عصر بيكون قد انتشر انتشارا واسعا
٢٤٥
وانكب الناس في لهف على تحصيله في ربوع أوربا 1
ويقول بريفولت أيضاً
لقد كان العلم أهم ما جادت به الحضارة العربية على العالم الحديث ولكن ثماره كانت بطيئة النضج إن العبقرية التي ولدتها ثقافة العرب في إسبانيا لم تنهض في عنفوانها إلا بعد مضى وقت طويل على اختفاء تلك الحضارة وراء سحب الظلام ولم يكن العلم وحده هو الذي أعاد إلى أوربا الحياة بل إن مؤثرات أخرى كثيرة من مؤثرات الحضارة الإسلامية بعثت باكورة أشعتها إلى الحياة الأوربية وإذا كان الإسلام هو الذى أنشأ هذا المنهج وهذا العلم فمن الطبيعي ألا
يعارضه
اهـ
على أن مسألة التعارض بين الدين والعلم إنما هي مسألة وهمية إذا نظرنا إلى حقيقة الأمر
وذلك أن العلم دائرته المادة والمحس أما الدين فدائرته ما وراء الطبيعة
والخير والفضيلة فهما لا يلتقيان فى الموضوع فكيف يتعارضان إن ملاحدة العصر الحاضر يتوهمون مشاكل لا أساس لها ثم يضعونها على بساط البحث ويتناقشون فيها ويتجادلون وعلى مر الزمن يضفى الإلف عليها وهى وهمية – صورة من ظلال الحقائق فيظن بعض الناس أنها مشاكل جديرة بالبحث والنظر ومن ذلك مسألة التعارض بين العلم والدين مع أنه لا اتحاد بين
موضوعيها
العلم في الإسلام أوسع دائرة
وإذا اقتصرت أوربا على العلم المادى فإن الإسلام لا يقف عند ذلك ! وإنما يوجه الإنسانية إلى مصدر آخر للعمل والمعرفة هو القلب أو الروح والبصيرة
۱ تجديد التفكير الديني في الإسلام تأليف محمد إقبال ترجمة الأستاذ عباس محمود
المصدر السابق
٢٤٦
إن الإسلام يوجه الإنسان إلى المعرفة الإشراقية أو الكشفية أو الإلهامية
ويجمع الإسلام الاتجاه العلمى الحديث إلى الاتجاه البصيري في قوله إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك – كان عنه مسئولا ١ فالسمع والبصر هما أساس العلم المادى علم التجربة والملاحظة أما القلب فإنه أساس العلم الإلهامي إن الله سبحانه وتعالى يوجه المسلم إلى الملاحظة والتجربة ويوجه أيضا إلى الاستشراف للهداية والنور القلبى عن طريق الخلق الكريم والتقوى والإخلاص وحب الإنسانية والمعاونة فى الخير
وإذا كان الإسلام أوسع نظرة في الجانب العلمي عن الحضارة الحديثة وأدق وأشمل فإنه يخالفها اختلافاً جذرياً حاسماً في مسألة الإرادات والنوايا وفى أمر الأسباب والبواعث وفى اتجاه الغايات والأهداف
إن الحضارة الحديثة تقول العلم لا صلة له بالأخلاق أو تقول العلم لا أخلاقى والعلم في نظرها – لا شأن له بالخير والشر ولكن الإسلام يجعل أسس العلم متسمة بالخير ويجعل غايته منغمسة في الخير ويجعل من العلم قربى إلى الله ويجعل منه عبادة لله إنه سبحانه يجعله باسمه الكريم إن العلم في الجو الإسلامي قراءة باسم الله ومن هنا كانت حضارة الإسلام حضارة رحمة وهداية لا حضارة تدمير
وتخريب
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين الأنبياء / ١٠٧
تلك حقيقة في الدين الإسلامى سواء نظرنا إلى أساسه أو نظرنا إلى غايته أما الرسول صلوات الله عليه فإنه
رحمة مهداة
۱ الإسراء آية ٣٦
٢٤٧
الجهر بالدعوة وإثبات الرسالة
مكثت الدعوة الإسلامية سرية ثلاث سنوات ثم أمر صلوات الله عليه بالجهر بها فصعد على الصفا فقال يا معشر قريش فقالت قریش محمد على الصفا يهتف فأقبلوا واجتمعوا فقالوا مالك يا محمد
قال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقى
قالوا نعم أنت عندنا غير متهم وما جربنا عليك كذبا قط قال فإني نذير لكم بين يدى عذاب شديد يابني عبد المطلب يا بني عبد مناف يا بني زهرة - حتى عدد الأفخاذ من قريش - إن الله أمرنى أن أنذر عشيرتي الأقربين وإنى لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيباً إلا أن تقولوا و لا إله إلا الله
وإذا كان رسول الله صلوات الله عليه قد طرح الثقة على قريش برفعه علم الأمانة هذا في وجوههم فإنه كان مطمئنا واثقاً من أن حياته من الصفاء بحيث لم يشبها ما يجعل رأى قريش فيه قبيحاً
لقد كانت حياته البراءة الكاملة والطهر التام وهذا ما دعاه إلى أن يتحدى في
صراحة وأن يعلن في وضوح أن حياته تثبت صدق ما يقول ولو تمثلت الأمانة - الصدق والإخلاص - فى كل من يحيطون به لما كان في حاجة إلى رفع علمه هذا فقد كان يكفى الإخبار بأنه رسول فتكون الاستجابة وقد آمن بمجرد هذا الإخبار كثيرون لما توفر فيهم من الصدق والإخلاص
لأنفسهم وللآخرين أي لما توفر فيهم من الأمانة لقد آمنت خديجة وآمن أبو بكر وآمن ورقة وغيرهم بمجرد أن أخبرهم بأمره آمنوا لما يعرفونه فيه ولما يعلمونه من حياته ولقد أقر بهذه الصفة - صفة الأمانة – أبو سفيان في وقت كان أشد أعداء الرسول سأله هرقل قائلا هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فقال أبو سفيان لا وكان استنتاج هرقل أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله
فيه من
٢٤٨
وسأل هرقل أبا سفيان أيضا هل قد أثر عن محمد غدر فأجاب أبو سفيان بالنفى فقال له هرقل سألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا
تغدر
بهم
إثبات الرسالة فقد تحدث القرآن الكريم عن المعجزة الكبرى وهى القرآن وتحدى العرب به لقد تحداهم به فى عنف وتحداهم متدرجا إذ طلب إليهم أولا أن يأتوا بمثله فقال الله تعالى قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ١ فلما عجزوا طلب إليهم أن يأتوا بعشر سور مثله
أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين
فلما عجزوا طلب إليهم أن يأتوا بسورة من مثله
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداء كم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ۳ عن كل ذلك عجز المشركون فثبت أن هذا الكتاب من لدن الله عن حياته صلوات الله عليه فإن القرآن تحدث عنها من زوايا مختلفة لقد تحدث عنها في صراحة لا لبس فيها وتحدث عنها في إشارات ذات مغزى وتركنا فضلا عن ذلك نستنتج من الأخبار الكثيرة التي قصها عنه - جوانب لا تحصى من السمو الأخلاقى الكريم
أما
۱ - لقد تجرد صلوات الله عليه من كل مطمح دنيوى
قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى إلا على الله وهو على كل
شيء شهيد 4
۱ سورة الإسراء آية ۸۸ سورة هود آية ۱۳
۳ سورة البقرة آية ٢٣ - ٢٤ 1 سورة سبأ آية ٤٧
٢٤٩
- ولقد لبث فيهم من ذلك أربعين عاما فلم يحدثهم بنبوة ولا برسالة قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون يونس / ١٦
- ويطلب إليهم القرآن الكريم أن يتفكروا في أمر صاحبهم هذا الذى
نشأ بينهم وترعرع على مرأى ومسمع منهم
قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى
ثم تتفكروا
ما بصاحبكم من جنَّةٍ إن هو إلا نذير لكم بين يدى عذاب شديد
1
ويشرح الزمخشرى هذه الآية شرحاً لطيفاً فيقول ما ملخصه إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهى أن تقوموا لوجه اثنين اثنين أو واحداً واحدا ثم تتفكروا في أمر محمد ع وما
الله خالصاً
جاء به
أما الاثنان فيتفكران ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه وينظران فيه متصادقين متناصفين لا يميل بهما اتباع الهوى ولا ينبض لهما عرق عصبية حتى يهجم بهما الفكر الصالح والنظر الصحيح على جادة الحق وسننه وكذلك الفرد يفكر في نفسه بعدل ونصفة من غير أن يكابر ويعرض فكره على عقله وذهنه وما استقر عنده من عادات العقلاء ومجارى أحوالهم والذي أوجب تفرقهم مثنى وفرادى أن الاجتماع مما يشوش الخواطر ويمنع
من الروية ومع ذلك يقل الإنصاف ويكثر الاعتساف وقد علمتم أن محمداً لله ما به من جنة بل علمتموه أرجح قريش عقلا وأصلهم رأياً وأصدقهم قولا وأنزههم نفسا فكان مظنة لأن تظنوا به الخير وإذا فعلتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بأن يأتيكم بآية
٤ - ويصف القرآن الكريم جانباً من جوانب حياته ويصف دعوته أيضا
فيقول
وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن لارتاب
1 سورة سبأ آية ٤٦
المبطلون بل هو آيات بينات فى صدور الذين أوتو العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ۱
وإذا وقفنا قليلا عند هاتين الآيتين فإننا نجد أن الآية الأولى تريد أن تقول إنه حتى لو فرضنا أن محمداً صلوات الله عليه كان يقرأ ويكتب وأنه كان يتلو من قبله كتابا أو كان يخطه بيمينه لاقتصر الارتياب على المبطلين فحسب ذلك أن معانى الكتاب ومفاهيم الدعوة التى أتى بها والقواعد والمبادئ التي يبشر بها – كل ذلك آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ولا ينفيها ولا يجحدها إلا الظالمون والظالمون في كل آونة يجحدون الحق وينكرون المنطق السليم
ه - ويتوج القرآن الكريم تحدثه عن الرسول صلوات الله عليه بهذه الكلمة
العميقة
وإنك لعلى خلق عظيم القلم / ٤ إن الدعوة الإسلامية آيات بينات فى منطق الحق وفى منطق العقول المستنيرة وها هو ذا أكثم بن صيفى أحد حكماء العرب ينتهج بفطرته السليمة هذا النهج من الاستدلال على صدق الرسول الله بدعوته يذكر الألوسي أنه لما ظهر النبي ع بمكة ودعا إلى الإسلام فبعث أكثم بن
صيفى ابنه حبيشاً فأتاه بخبره فجمع بني تميم وقال لهم فيما قال إن ابني شافه هذا الرجل مشافهة وأتانى بخبره وكتابه يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويأخذ فيه بمحاسن الأخلاق ويدعو إلى توحيد الله تعالى وخلع الأوثان وترك الحلف بالنيران وقد حلف عرف ذوو الرأى منكم أن الفضل فيما يدعو إليه وأن الرأى ترك ما ينهى عنه
ثم يقول هذه الكلمة الرائعة
إن الذي يدعو إليه محمد لو لم يكن دينا لكان في أخلاق الناس حسناً وقد كان الاستدلال بصدق الدعوة على صدق الرسول صلوات الله عليه هو المنحى الذي سار فيه جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه حينما سأله النجاشي
1 العنكبوت آيتا ٤٨ - ٤٩
6
٢٥١
عن أمر دينه وذلك أنه لما فر المسلمون بدينهم إلى الحبشة مهاجرين إليها بسبب ما نالهم من تعذيب أليم وأرسل القرشيون وفداً إلى النجاشي فيه عبد الله أبى بن ربيعة وعمرو بن العاص - لرد المهاجرين إلى مكة ليعذبوهم من جديد ولما التقى الوفد والنجاشي قال له عمرو بن العاص إنه قد لجأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم عليهم فهم أعلى بهم عينا أي أبصر بهم وأعلم بما عابوا عليهم فلما سمع النجاشي كلامهم رأى أن من الحكمة ألا يسلم إليهم المهاجرين دون كلامهم وحجتهم فأرسل إلى أصحاب رسول الله الله فدعاهم فلما جاءوا قال لهم ما هذا الدين الذى قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني
أن يسمع
أحد
ولا دين من هذه الملل فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له
أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسىء الجوار ويأكل القوى منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء
ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئاً وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام وعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئاً وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا
فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من
٢٥٢
عبادة الله تعالى وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا
وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا - خرجنا إلى بلادك ولما قرأ عليه صدراً من سورة مريم بكى النجاشي ثم قال إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ثم التفت إلى عبد الله أبي ربيعة وعمرو بن العاص فقال لهما بن
لقد
انطلقا فلا والله لأسلمهم إليكما
علم النجاشى فور سماعه المبادئ الإسلامية أن هذه المبادئ حق وأنها آيات بينات لا يخفى صدقها على أصحاب الفطر السليمة وعلم أن ما أتى به محمد صلوات الله عليه إنما يصدر من المنبع الذى كانت تصدر عنه رسالة عيسى عليه السلام وبعد فإن سيرة الرسول صلوات الله عليه والمبادئ الإسلامية – من أهم الرسائل
التي ينبغى أن يتجه إليها المبشرون بالدين الإسلامي لنشر الإسلام على أن هذا النهج من الاستدلال بالدعوة على الصدق وجعل النظر في الدعوة إحدى الوسائل التي تسلم - مع غيرها من الملابسات – إلى اليقين بصدق هذا النهج الذي اتخذه هرقل والنجاشى – هو النهج الذي أقره الإمام الغزالي فإنك إذا أكثرت النظر في القرآن والأخبار يحصل لك العلم الضرورى بكونها على أعلى درجات النبوة
الداعي
وأعضد ذلك بتجربة ما قاله فى العبادات وتأثيرها في تصفية القلوب وكيف
صدق في قوله
من عمل بما علم ورثه الله
وكيف صدق في قوله من أعان ظالما سلطه الله عليه
وكيف صدق في قوله
علم مالم يعلم "
ا من أصبح وهمومه هم واحد - هو التقوى - كفاه الله هموم الدنيا والآخرة
٢٥٣
علم ضرورى لا
فإذا جربت ذلك فى ألف وألفين وآلاف - حصل لك تتمارى فيه بأنه صلوات الله عليه على أعلى درجات النبوة إن النظر إلى الدعوة الإسلامية في نظر الإمام الغزالي هو أحد الوسائل التي تثبت صدق الرسول وقد تابع هذا الاتجاه في الاستدلال العالم الاجتماعي الكبير ابن خلدون وهو يستوعب - في نظرة عامة - الكثير من الاتجاهات المستقيمة في شأن النبوات وننقل هنا ما كتبه خاصاً بموضوع الاستدلال بالدعوة – حينما تكون الدعوة خيراً محضاً كالدعوة الإسلامية - على صدق الرسول فيما يدعو إليه يقول ومن علامتهم أيضاً
دعاؤهم إلى الدين والعبادة من الصلاة والصدق والعفاف وقد استدلت خديجة على صدقه له بذلك وكذلك أبو بكر ولم يحتاجا في أمره إلى
دلیل خارج عن حاله وخلته
C
وفى الصحيح
أن هرقل حين جاءه كتاب النبي الله يدعوه إلى الإسلام- أحضر من وجد في بلده من قريش وفيهم أبو سفيان يسألهم حاله فكان فيما سأل أن قال عن
بم يأمركم فقال أبو سفيان بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف
إلى آخر ما سأل فأجابه فقال
إن يكن ما تقوله حقا فهو نيى وسيملك ما تحت قدمي هاتين والعفاف الذي أشار إليه هرقل هو العصمة
فانظر كيف أخذ من العصمة والدعاء إلى الدين والعبادة دليلا على صحة
نبوته ولم يحتج إلى معجزة فدل ذلك على ذلك من علامات النبوة وشيء آخر له مجاله الكبير فى إثبات الرسالة ذكرته السيدة عائشة رضى الله عنها في حديث " بدء الوحى وهو أن الله سبحانه حبب إلى رسوله الله الخلاء فكان قبيل الوحى يغادر مكة ويبتعد عن حياتها الصاخبة التي كان يرى فيها من الضلال الشيء الكثير يتركها ليخلو بغار حراء فريداً يتأمل ويرجو ويسجد لله متعبداً خاشعاً طالباً
٢٥٤
رضاه آملا في هدايته كان يتحنث فى هذا الغار أي يتعبد فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود ليعود من جديد إلى النسك وإلى العبادة لم يكن إذن يطلب مالا أو ثراء أو لذة مادية أو جاهاً أو مجداً عند الناس إنه يطلب الهداية ويبحث عنها ولقد وضح عزوفه عن زخارف الحياة وضوحاً بيناً في قوله وسلوكه وتذكر السيرة النبوية نبأين لهما مغزى واحد عميق
وهو
أما النبأ الأول فهو أن عتبة بن ربيعة - وكان سيداً فى قومه - قال يوماً جالس في نادي قريش ورسول الله جالس في المسجد وحده يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء
وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله ل يزيدون
ويكثرون فقالوا بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه
فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله فقال يا بن أخي إنك منا حيث قد علمت من البسطة في العشيرة والكمال في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به وعبت به آلهتهم وكفرت من مضى من آبائهم فاسمع منى أعرض
أحلامهم عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منى بعضها
فقال رسول الله له قل يا أبا الوليد أسمع
قال يا بن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله الله يستمع منه قال لقد فرغت يا أبا الوليد
قال نعم
٢٥٥
قال فاسمع مني
قال افعل
قال بسم
الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربياً لقوم يعلمون بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا فى أكنة مما تدعونا إليه فصلت / ١ - ٥
منه يسمع
ثم مضى رسول الله ل يقرؤها عليه فلما سمعها منه عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما ثم انتهى رسول الله الله إلى السجدة ثم قال قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك
فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به
فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال وراثى أني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة يا معشر قريش أطيعونى واجعلوها بي وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه
قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم قد يقول قائل إنه لو عرض على محمد الله هذا العرض من هيئة تستطيع تنفيذه لقبل هذا القول ينقضه أن عتبة كان مفوضاً من زعماء قريش وينقضه أيضاً الخبر الآخر الذى ترويه كتب السيرة
والنضر
لقد اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب و ابن الحارث - أخو بني عبد الدار - وأبو البختري بن هشام والأسود بن المطلب أسد وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام عليه لعنة الله وعبد الله بن أبى أمية والعاص بن وائل ونبيه ومنبه ابنا الحجاج
ابن
٢٥٦
السهميان وأمية بن خلف - اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ثم قال بعضهم لبعض ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه
فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلموك فأتهم فجاءهم رسول الله له سريعاً وهو يظن أن قد بدا لهم فيا كلمهم فيه وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم ويعز عليه عنهم حتى جلس إليهم فقالوا له يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنكلمك وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة فما بقى أمر قبيح إلا جئته فيما
بيننا وبينك فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسودك علينا كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الذى يأتيك رئيا تراه قد غلب
وإن
عليك – وكانوا يسمون التابع من الجن رئيا - فربما كان ذلك – بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك ! فقال لهم رسول الله عه ما بي ما تقولون ماجئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثى إليكم رسولا وأنزل على كتاباً وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً فبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم فإن تقبلوا ما به فهو حظكم فى الدنيا والآخرة وإن تردوه على أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم
جتكم
هذا العزوف عن المجد والجاه عند الناس وعن المال والثراء وعن الدنيا كلها - تؤيده حياته صلوات الله عليه من أولها إلى آخرها ويؤيده القرآن تأييدا حاسما من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما
٢٥٧
1
كانوا يعملون
من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له مذموما مدحوراً
جهنم يصلاها
اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ۳ وعن جبير بن نفير رضى الله عنه قال دخلت على عائشة رضي الله عنها فسألتها عن خلق رسول الله فقالت القرآن وحقيقة الأمر أن رسول الله له كان في كل ما يأتيه وفى كل ما يدعه قرآنا مطبقاً ومن هنا كان قول الله سبحانه وتعالى وإنك لعلى خلق عظيم القلم / ٤
كانت تأتيه الدنيا فينفقها وهو جالس أتى إليه صلوات الله عليه سبعون ألف درهم فوضعها - كما يروى هارون بن رباب - على حصير ثم قام إليها يقسمها فما رد سائلا حتى فرغ منها
وبينما هو عائد من حنين تكاثرت الأعزاب عليه يسألونه وخطفوا رداءه فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اعطوني ردائى لو كان لى عدد هذه العضاة - شجر عظيم له شوك - نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدونى بخيلا ولا كذاباً ولا جباناً
ويقول صلوات الله عليه لأصحابه
مالي وللدنيا
ويقول
عرضت على الدنيا فأبيتها
1 سورة هود آيتا ١٥ - ١٦
سورة الإسراء آية ۱۸
۳ سورة الحديد آية ۰
YOA
ه ولقد كان رسول الله الله كما يروى عن أنس رضي الله عنه أحب إنسان إلى الأنصار والمهاجرين ولكنهم كانوا إذا رأوه لا يقومون له لما يعرفون من كراهيته له أى القيام له ويقول لأصحابه
إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ويقول الله لأصحابه وهم جالسون حوله إن مما أخاف عليكم من بعدى - ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها
إن الرسول صلوات الله عليه ما كان ليتطلع إلى الدنيا في مختلف جوانبها وهو يقرأ
قوله تعالى
زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب 1
عزوفه لا عن الدنيا إذن قضية هي من البداهة بحيث تفجأ في النظرة الأولى كل دارس السيرته
وحينما رفعه الله إليه لم يترك الضياع والعمارات والبساتين ولم يترك الآلاف المؤلفة من الذهب والفضة وإنما ترك وراءه مبادئ الحق التي أوحاها الله إليه والتي مكث طوال حياته يجاهد بقوله وعمله في سبيل إقامتها ونشرها ويكافح كفاحاً لا يهدأ ولا يفتر في سبيل تدعيمها وترك وراءه رجالا يؤمنون بهذه المبادئ ويثقون بأنهم مكلفون - باعتبارهم من المسلمين - بنشرها وإذاعتها بين أرجاء العالم أجمع وترك عبيراً يتضوع رحمة ويشع نوراً مهما طالت القرون وتطاولت
الأزمنة
إنه - هو تلك الصورة الحية للتطبيق القرآني فكان عازفاً عن الدنيا ما في ذلك من شك وكان عازفا عن الدنيا لسعيه وراء الآخرة وعزمه المصمم على أن يكون فيما يأتى وفيما يدع مرضياً الله تعالى ومن كان كذلك كان
صادقا حتماً
۱ سورة آل عمران آية ١٤
٢٥٩
وعزوفه عن الدنيا من أقوى الأدلة على صدقه وعلى إخلاصه صلوات الله
وسلامه عليه
بيد أن هذا العزوف عن الدنيا لا يعنى إلا عدم تعلق القلب بها ولكن السيطرة عليها وامتلاكها وتسخيرها فى سبيل مرضاة الله من واجبات كل مسلم والمسلم مكافح دائما في سبيل الله ومن أجل مرضاته وقد امتلك المسلمون الأول الدنيا ودانت لهم المعمورة وخضعت لهم المادة فاستخدموا كل ذلك في الخير وإسعاد الإنسانية
وقد تحدثنا فيما سبق عن الإسلام والعلم وعن الإسلام وتسخير المادة وقلنا
إن ذلك عبادة
الفصل الرابع
الإسراء والمعراج
و ترقی به إلى قاب قوسي ن وتلك السيادة القعساء رتب تسقط الأماني حسرى دونها ما وراءهن وراء ثم وافى يحدث الناس شكرا إذ يقول الله تعالى
أتته
من ربه
النعماء
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ١
ويقول تعالى
والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى أفتارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى آیات ربه الكبرى
من
هذه هی الآيات القرآنية عن الإسراء والمعراج أما الأحاديث النبوية فإنها كثيرة مستفيضة ولقد رويت عن أكثر من ستة
وعشرين
صحابياً يكمل بعضها بعضا ونحن هنا لا يعنينا أن نذكر الموضوع بكل تفصيلاته فإنه معروف عادة للمسلمين وإنما الذى يعنينا أن نذكر على الخصوص الجانب الأخلاقي فيه
وجانب المغزى منه
ولقد قدم ابن إسحاق - على حسب ما يروى ابن هشام - لحديث الإسراء
بكلمة جميلة يقول فيها
1 سورة الإسراء آية ١
٢ سورة النجم الآيات ۱ - ۱۸
٢٦٢
٢٦٣
وكان في مسراه وما ذكر منه بلاء وتمخيص وأمر من أمر الله في قدرته وسلطانه فيه عبرة لأولى الألباب وهدى ورحمة وثبات لمن آمن بالله وصدق وكان من أمر الله على يقين فأسرى به كيف شاء وكما شاء ليريه من آياته الكبرى ما أراد حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم وقدرته التي يصنع بها ما يريد ومجمل الأمر أن رسول الله - بينما كان نائما أتاه جبريل فأيقظه وخرج معه فإذا أمامها دابة بيضاء هى البراق وركبها رسول الله وسارت الدابة وجبريل معه – على حد تعبيره - له لا يفوتني ولا أفوته حتى انتهى إلى بيت المقدس
فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء فأمهم رسول الله الله وصلى بهم ثم أتى بإناءين بأحدهما خمر وبالآخر لبن فأخذ رسول الله
إناء اللبن وشرب منه وترك إناء الخمر فقال له جبريل
هديت للفطرة وهديت أمتك وحرمت عليكم الخمر
وتروى كتب السيرة أن رسول الله صلوات الله عليه أتاه ليلة الإسراء آت ففرج صدره ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدره الشريف ثم أطبقه
ولما انتهى صلوات الله عليه من بيت المقدس عرج به إلى السماء وأخذ يرتقى سماء سماء ثم تجاوزها جميعها إلى سدرة المنتهى وإلى قاب قوسين أو أدنى
وهناك حيا الرسول صلوات الله عليه ربه
التحيات لله والصلوات والطيبات
وحياه الله سبحانه وتعالى
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
وقال الرسول صلوات الله عليه
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
٢٦٤
وفي هذه اللحظات الخالدة التى لا يتأتى أن توصف فرض الله سبحانه وتعالى الصلاة على الأمة الإسلامية عن ابن عباس رضى الله عنهما - فيما رواه الإمام أحمد قال قال رسول الله
لما كانت ليلة أسرى بي وأصبحت بمكة فطعت أمرى وعرفت أن
الناس مكذبي
قال فمر عدو الله أبو جهل فجاء حتى جلس إليه فقال له أبو جهل
كالمستهزئ
هل كان من شيء
فقال رسول الله
قال ما هو
قال إنه أسرى في الليلة
قال إلى أين !
قال إلى بيت المقدس
قال ثم أصبحت بين ظهرانينا
قال نعم
قال فلم ير أنه يكذبه مخافة أن يجحد الحديث إذا دعا قومه إليه ! قال أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني ! فقال رسول الله له نعم
فانطلق أبو جهل إلى قريش فقال
هيا يا معشر بني كعب بن لؤى قال فانفضت إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما فقال أبو جهل حدث قومك بما حدثتنى
فقال رسول الله إنى أسرى في الليلة قالوا إلى أين
٢٦٥
قال إلى بيت المقدس
قالوا ثم أصبحت بين ظهرانينا
قال نعم
فإذا بالقوم بين مصفق وبين واضع يده على رأسه متعجباً للكذب فيما زعم قالوا وهل تستطيع أن تنعت لنا المسجد وفى القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد
فقال رسول الله له فذهبت أنعت فما زلت أنعت حتى التبس على بعض النعت
قال فجيء بالمسجد وأنا أنظر حتى وضع دون دار عقيل فنعته وأنا
أنظر إليه قال فقال القوم أما النعت فوالله لقد أصاب الحسن أنه يوم الحديث عن الإسراء ارتد كثير ممن كان أسلم
وعن
وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا له
هل لك يا أبا بكر في صاحبك
يزعم
قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة !
فقال لهم أبو بكر إنكم تكذبون عليه
فقالوا لا ها هو ذاك فى المسجد يحدث به الناس قال أبو بكر والله لن كان قاله لقد صدق فما يعجبكم من ذلك فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه فهذا أبعد مما تعجبون منه ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله
فقال
يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم أنك أتيت بيت المقدس هذه الليلة قال
قال يا نبي الله فصفه لى فإني قد جئته !
قال الحسن فقال رسول الله الله فرفع لى حتى نظرت إليه فجعل
٢٦٦
رسول الله لا يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر صدقت أشهد أنك رسول الله وكلما وصف له منه شيئاً قال صدقت أشهد أنك رسول الله قال حتى انتهى
قال رسول الله لأبي بكر
وأنت يا أبا بكر الصديق
8
فيومئذ سماه الصديق
هذا هو الهيكل الذي ترويه الكتب لهذا النبأ الجليل يسمعه قوم فلا يصل إلا إلى الجوانب الظاهرية منهم فيأخذون في الجدل الشكلي أكان ذلك في اليقظة أم كان ذلك في النوم أكان ذلك بالروح والجسد أم كان بالروح فقط وهل كان ليلا أو كان نهاراً
وهذه كلها صور من الجدل الذى يثور حينما يخف وزن الإيمان في النفوس هذا النبأ قوم فيصل إلى أعماق قلوبهم فيتجهون في صورة طبيعية ويسمع إلى مغزاه العميق وإلى روحانيته السامية ويرون أن هذا النبأ ينطوى على
توجيهات لا ينبغي أن يمر عليها الناس مر الكرام من هذه التوجيهات ۱ - لقد كان رسول الله صلوات الله عليه خاتمة سلسلة من الأنوار التي يرسلها الله إلى العالم بين الفينة والفينة لتهدى إلى الرشاد ولتقود إلى الله ولتسمو بالمؤمنين درجات في معارج القدس لتصل بالجديرين منهم إلى الكمال المرجو عن طريق الإرشاد الإلهى وكان الكتاب الذى أنزل عليه صلوات الله عليه وهو القرآن خاتم الكتب وأكملها ومهيمنا عليها ولأن الرسول صلوات الله عليه تخلق بأخلاق أكمل كتاب رباني فهو إذن أكمل رسول
ومن هنا كانت إمامته صلوات الله عليه بالرسل والأنبياء في بيت المقدس ولأنه صلوات الله عليه أكمل رسول - كان من أجل ذلك أقرب المقربين إلى الله سبحانه وتعالى لقد تخطى الأرضين والسموات وتجاوز الكون كله ووصل إلى مالم يصل إليه بشر بل إلى ما لم يصل إليه جبريل نفسه عليه السلام لقد وصل صلوات الله عليه إلى قاب قوسين أو أدنى وكما أن المعنى الذى يدل عليه نبأ
٢٦٧
المعراج من وجود الأنبياء والرسل فى السموات ومن أن الرسول صلوات الله عليه أخذ يتجاوز هذه السموات واحدة بعد الأخرى ويتجاوز الأنبياء واحداً بعد الآخر نقول كما أن المعنى الذى يدل عليه النبأ معنى مكاني فإنه أيضاً - بل وبطريق أولى - معنى روحى أى أن الرسول صلوات الله عليه في تساميه الروحي في كل لحظة من اللحظات قد بلغ فى معراجة درجات تجاوزت - في روحانيتها - آدم في سمائه الأولى ثم تجاوزت يحيى وعيسى عليهما السلام في سمائهما الثانية ثم تجاوزت يوسف عليه السلام في سمائه الثالثة وهكذا حتى تجاوزت روحياً إبراهيم عليه السلام في سمائه السابعة ولقد تجاوزت كل ذلك وتجاوز الكون كله إلى سدرة المنتهى إلى شجرة النهاية إلى حيث لا يبلغ ملك مقرب ولا نبي مرسل
لقد رأى من آيات ربه الكبرى هذا هو مقام الرسول صلوات الله عليه ! ولكن بعض الناس نزل بنا من هذه الآفاق العليا والسموات السامية ومن الرحاب الإلهي ينزل بنا منحدراً فيجادل في الإسراء والمعراج أكان رؤية أم كان يقظة ! أستغفر الله وأتوب إليه !
إن ذلك الجدل إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف الإيمان في قلب
المجادل
وإذا كانت التوجيهات السابقة إنما كانت لتدلنا على مقام رسول الله صلوات الله عليه فتزداد بذلك تقديراً وحباً واتباعاً - فإن من هدى الله سبحانه وتعالى وتوجيهاته في نبأ الإسراء والمعراج - هذه الرمزيات الأخلاقية التي تربط ربطا محكما بين الدين والأخلاق والواقع أن الأخلاق في جو الإسلام مرتبطة بالدين ارتباطا لا ينفصل منه تنبع وعلى أساسه تقوم وعنه تصدر إنها جزء من الدين الإسلامي لا يتجزأ مصدرها هو مصدره إلهى ربانى
وبعض الناس في العصر الحديث يريد أن يجعل للأخلاق مصادر أخرى
٢٦٨
يريد بعضهم أن يجعل أساس الأخلاق الضمير بيد أن ذلك خطأ بين فالضمير يربى ويكون وتربيته ولونه هما شكله ونزعته واتجاهه الذي يتكيف بحسب الثقافة والبيئة والعصر والوسط
إن الضمير يصنع كما تصنع المزيفات وهو إذن مقياس للأخلاق خاطئ وبعض الناس يريد أن يرجع بالأخلاق إلى المصلحة العامة ولكن المصلحة العامة كلمة غير محددة وكل من يتحدث باسم المصلحة العامة إنما يتحدث باسم فكرته هو منحرفة كانت هذه الفكرة أو غير منحرفة والمصلحة العامة إذن كأساس للأخلاق - إنما هي أساس غير مضمون وبعض الناس يريد أن يرجع بالأخلاق إلى المصلحة الشخصية أو إلى اللذة أو إلى المنفعة وكل هذا وارد الغرب الأوربى أو الغرب الأمريكي عندما انحرف هذا الغرب وألحد ! أما وارد الشرق الإسلامي أو بتعبير أدق وارد الإسلام الإلهي – فإن مقياس الأخلاق فيه إنما هو المبادئ الدينية إنما هو آيات القرآن وإنما هو الفضائل التي أوحاها الله سبحانه وتعالى هذه الفضائل التي حددها القرآن في أسلوب عربي مبين وتحدث عنها نبأ الإسراء والمعراج فى صور رمزية دالة هادفة مؤثرة و بينتها السنة النبوية الشريفة
سار رسول الله له في مسراه فمر على قوم يزرعون ويحصدون في يوم كلما
حصدوا عاد كما كان
فقال
لجبريل عليه السلام ما هذا
قال هؤلاء هم المجاهدون فى سبيل الله تضاعف لهم الحسنة إلى سبعمائة ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ثم أتى على قوم
تذعن رءوسهم بالصخر كلما أذعنت عادت كما كانت لا يفتر عنهم
شيء
فقال ما هذا يا جبريل
قال هؤلاء هم الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة المكتوبة
من
ذلك
٢٦٩
ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام يأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم !
فقال ما هؤلاء
الطيب
قال هؤلاء هم الذين لا يؤدون زكاة أموالهم وما ظلمهم الله وما ربك بظلام للعبيد ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج طيب في قدر طيب ولحم خبيث نيء في قدر خبيث فجعلوا يأكلون من الخبيث النيء ويدعون النضيج قال ما هؤلاء يا جبريل قال جبريل هذا مثل الرجل من أمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيب فيأتى امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح ومثل المرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا فتأتى رجلا خبيثا فتبيت عنده حتى تصبح ثم أتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد
عليها
فقال ما هذا يا جبريل قال هذا مثل الرجل من أمتك يكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يزيد عليها
ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت
عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء !
قال ما هذا يا جبريل
قال هولاء خطباء الفتنة
قال ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم فجعل الثور يريد أن يرجع
من حيث خرج فلا يستطيع !
فقال ما هذا يا جبريل
قال هذا مثل الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن
يردها !
٢٧٠
ثم أتى على واد فوجد فيه ريحا طيبة باردة كريح المسك صوتا فقال ما هذا يا جبريل
قال هذا صوت الجنة تقول رب آتنى ما وعدتني فقد كثرت غرفى وإستبرقى وحريرى وسندسی وعبقری ولولى ومرجاني وفضتى وذهبي وأكوابي وصحافى وأباريقى ومراكبي وعسلى ومائى ولبنى وخمری فأتى ما وعدتني ! !
قال لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي وبرسلى وعمل صالحاً ولم يشرك بي شيئاً ولم يتخذ من دونى أنداداً ومن خشينى فهو آمن ومن سألني فقد أعطيته ومن أقرضنى جازيته ومن توكل على كفيته إنني أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد قد أفلح المؤمنون وتبارك الله أحسن الخالقين !
قالت قد رضيت
ثم أتى على واد فسمع صوتاً منكرا ووجد ريحاً منتنة ! فقال ما هذا يا جبريل
6
قال هذا صوت جهنم تقول رب آتنی ما وعدتني فقد كثرت سلاسلى وسعيرى وحمیمی وضريعي وغساقي وعذابي وقد بعد
وأغلالي
قعرى واشتد حرى فأتني ما وعدتني
قال لك كل مشرك ومشركة وكافر وكافرة وكل جبار لا يؤمن بيوم
الحساب
قالت قد رضيت
فسار حتى أتى بيت المقدس
ومن الثمار التي جنتها الأمة الإسلامية والتى كانت من مقاصد إذاعة النبأ انفصال ضعاف النفوس والشاكين والمترددين انفصال كل هؤلاء عن الأمة الإسلامية الناشئة
لقد كفر - عند سماع النبأ - من كفر بعد إسلامه وارتد من ارتد بعد إيمانه
۷۱
وما كان هؤلاء لو بقوا إلا عاملا من عوامل الضعف أكثر من أن يكونوا عاملا من عوامل القوة إن هؤلاء المكيين الذين آمنوا وصبروا على الحوادث القاسية – على التعذيب وعلى الآلام وعلى الفتنة فى جميع مظاهرها - إن هؤلاء المكيين الذين صبروا وصابروا وتخلصت أنفسهم من جميع النزغات المادية ومن جميع الأهواء فأصبحت خالصة لله وحده إن هؤلاء المكيين الذين كان في تقدير الله سبحانه وتعالى أن تقوم عليهم الدولة فى نشأتها والذين من أجل ذلك يجب أن يكونوا مهيئين لأن يصمدوا لكل ما يمكن أن يعترضهم من عقبات نقول إن هؤلاء المكيين يجب يصفوا تصفية تامة كاملة ومن وسائل هذه التصفية إذاعة نبأ الإسراء والمعراج لينتكس من ينتكس وليبقى من يبقى عن بصيرة وبينة وعن إيمان لا يتزعزع مهما كانت الحوادث إيمان يصدق الرسول صلوات الله عليه في كل ما يأتى به يصدقه بمجرد إنبائه والمثل الأعلى في كل ذلك إنما هو سيدنا أبو بكر حينما يعلن في غير تردد ولا
فتور
ه لئن كان قاله لقد صدق فما يعجبكم من ذلك فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض فى ساعة من ليل أو نهار فأصدقه فهذا أبعد مما
تعجبون منه "
هذا الإيمان المطلق بالرسول هو الذى جعله صلوات الله عليه - يطلق على أبي بكر رضوان الله عليه الصديق و الصديقية مرتبة من مراتب الإيمان لا ينالها إلا من جاهد نفسه جهاداً تخطى به إيمان العامة وسما في إيمانه درجة درجة إلى أن أصبح قائما بالله متجها إليه عاملا على مرضاته فى جميع ما يأتي وما يدع والأمة الإسلامية بأكملها مطلوب منها بالنسبة أخبار رسول الله صلوات الله عليه – أن تكون على غرار الصديق رضوان الله عليه تلقى بقيادها إلى أخباره وتسلم نفسها إلى أنبائه مصدقة تصديقاً كاملا تصديقا يحملها على العمل وعلى اتباع كل ما جاء به وعلى الانتهاء عن كل ما نهى تصديقاً إيجابياً يحقق للأمة
عنه
۷
الإسلامية المجد الذي ترجوه تصديقاً ينفى عن وجودها هؤلاء الذين انحرفوا مع المنحرفين واستجابوا لنداء أعداء الإسلام فأخذوا يشككون الناس في أقوال الرسول صلوات الله عليه في أحاديثه وفى سنته زاعمين أنهم من المجددين وما هم في الواقع إلا أبواق من أبواق المستشرقين والمبشرين إن هذه الأقلام التي تشكك فى السنة وفى الأحاديث النبوية – ليست إلا أقلاما مقلدة للمستشرقين لا تحمل طابع الأصالة ولا طابع التجديد إنما
تحمل طابع التقليد وطابع الشك والتردد الذى ينافى الإيمان وينا فى الصديقية
أما ثمرة الإسراء والمعراج وأما هدية الإسراء والمعراج وأما أعظم المنح الإلهية في الإسراء والمعراج أعظمها على الإطلاق أما النعمة العظمى والتجلى الإلهى الأكبر في الإمراء والمعراج - فإنه الصلاة ولا يتأتى لنا – عجزاً وقصوراً - أن نتحدث عن الحمد وعن الشكر على هذه
النعمة التي أنعم الله بها على الأمة الإسلامية في هذه الليلة المباركة فالصلاة هي الصلة به سبحانه وهى الكيفية وهي الطريقة وهى الوسيلة وهي اللحظات الجليلة التي فيها الصلة وتتحقق انها فكرة مناجاة فترة انقطاع كامل - ويجب أن يكون كاملا - عن عالم المادة وعن عالم الشهوات عالم الفتنة لتخلص النفس إلى المنعم حتى تنعم في
رحابه بسعادة الصلة به والقرب منه !
ومن أقام الصلاة فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين إن إقامة الصلاة أو إقامة الدين إنما هى إقامة الصلة بالله وتحقيق ذلك هو المثل الأعلى والغاية العظمى والسعادة الكاملة التى يجرى وراءها المؤمنون ليحققوا بها معراجهم نحو الله تعالى وما من شك فى أن الصلاة يقيمها الإنسان كما أراد الله ورسوله - من أنجع الوسائل فى القرب من الله إنها البراق الذي يجتاز به المؤمن في سرعة سريعة طبقات البعد عن الله سبحانه ليصل إليه تعالى فينعم في رحابه هذه الزوايا وغيرها من عبر الإسراء والمعراج ومن توجيهات الله فيهما - هي
۷۳
التي يجب أن نتنبه إليها وأن نأخذ في تأملها والانسجام معها إن الله سبحانه وتعالى أخذ يتحدث في سورة النجم عن الآفاق العليا وعن أجواء إلهية جليلة وعن مشارف من السمو ترتد عنها الأماني حسرى ذاهلة لقد أخذ سبحانه يتحدث عن سدرة المنتهى وعن جنة المأوى وعن آياته سبحانه الكبرى لقد أخذ سبحانه يتحدث عن
رتب تسقط الأماني حسرى دونها ما وراءهن وراء
ثم ثم هوى بنا سبحانه فى عنف عنيف هوى بنا في سرعة سريعة دون سابق إنذار ليفتح أعيننا على مهازل ومهاو من الشرك يضل فيها هؤلاء الذين هم كالأنعام أو أضل سبيلا فقال سبحانه بعد أن ذكر هذه التجليات الإلهية أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى النجم /۱۹ - لقد أرانا سبحانه بهذه الكلمات البشرية المسكينة في ضلالها الديني وفى
Y-
الرسول
انحرافها الذهني إن كل من يترك هذه الآفاق العليا ويتجاوزها ليتحدث عن أسرى به بجسمه وبروحه أو بروحه فقط أو أسرى به يقظة أو مناماً - إنما هو بذلك يتحدث بنفسه مختاراً من التجلى الإلهى ليهوى بها منتكساً إلى جو اللات والعزى وينحدر بها منتكساً من جو سدرة المنتهى إلى الجو المادى ومن
مجالات النور السماوى المتلألئ إلى ظلمة الجدل وزيع الماراة في الدين فلننصرف عنه ولنتركه وما اختار مبتعدين عن الجدل مع المارين ولندع الله قائلين ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب آل عمران /
الفضل اخت امس
الهجرة
بالجلال الإيمان وثباته وقوته !
إن التاريخ نادراً ما يحدثنا عن هجرة خالصة مخلصة لله ولرسوله هجرة إلى مكان مجهول هجرة لا يسأل المهاجر هل مهجره سيستقبله مرحباً ويؤويه في ألفة أو أنه سيقابله بالجفوة والعداوة هجرة لم يمهد لها الجو من قبل ولم يعبد لها المكان إن التاريخ لا يكاد يحدثنا عن الهجرة بالإيمان ومن أجل الإيمان ولكن التاريخ الإسلامي حافل بهذه الأنواع من الهجرة فإنه لماكثر المسلمون بمكة وظهر الإيمان وكثر الحديث عنه - ثار ناس كثيرون من المشركين من كفار قريش بمن آمن من قبائلهم فعذبوهم وسجنوهم وأرادوا فتنتهم عن دينهم وتحمل المؤمنون العذاب ألواناً في سبيل الله
ولما استمر الأمر دون فتور قال لهم رسول الله شفقة عليهم ورحمة
ه تفرقوا في الأرض
8
فقالوا أين نذهب يارسول الله
فأشار إليهم إلى الحبشة فهاجر إليها فى بادئ الأمر طائفة من المسلمين
أهله
6
منهم
من هاجر مع ومنهم من هاجر منفرداً وأخذوا يعبدون الله مطمئنين آمنين على دينهم من الفتنة ثم قدم بعضهم إلى مكة معتقداً أن الأمور قد هدأت فيما بين رسول الله والمشركين فلما قدموا إلى مكة اشتد عليهم قومهم وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذى شديداً
فأذن لهم رسول الله الله بالخروج إلى أرض الحبشة مرة أخرى فكانت هجرتهم الأخرى مشقة ولقوا من قريش تعنيفاً شديداً ونالوهم بالأذى وقال سيدنا عثمان رضي الله عنه مخاطباً رسول الله الله
يارسول الله فهجرتنا الأولى وهذه الآخرة إلى النجاشي ولست معنا !
فقال رسول الله هذه الكلمة المؤثرة
٢٧٦
۷۷
أنتم مهاجرون إلى الله وإلى لكم هاتان الهجرتان جميعاً
قال سيدنا عثمان حسبنا يارسول الله وكان عدد هؤلاء المهاجرين من الرجال ثلاثة وثمانين رجلاً وكان عدد النساء ثماني عشرة امرأة ولم يرق لقريش أن يعبد الله هؤلاء القوم آمنين مطمئنين لم يرقها أنهم تخلصوا من التعذيب والفتنة فأرسلت وفداً من ساسة العرب الدهاة مزوداً بالهدايا إلى النجاشي ليعيدوا هؤلاء الموحدين إلى مكة لينزلوا عليهم العذاب من جديد ! وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِين 1
ولم يفلح الوفد وعاد إلى مكة بخفي حنين
ولما علمت قريش بذلك ثارت ثائرتها وزاد غضبها وأقدمت على عمل يتنافي تنافياً تاما والإنسانية فقد كتبوا كتاباً تعاهدوا فيه على ألا يناكحوا بني هاشم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم وكان الكاتب للصحيفة هو منصور بن عكرمة العبدرى وكان من تقدير الله تعالى أن شلت يده !
وبهذه الصحيفة وهذا العهد - حصروا بني هاشم في شعب أبي طالب وكان ذلك في أول المحرم سنة سبع من نبوته صلوات الله عليه واستمر بنو هاشم منعزلين محصورين لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم حتى بلغ بهم الجهد مبلغاً خطيراً وكانت قريش تسمع أصوات صبيانهم يبكون جوعاً ومسغبة فلا ترق قلوبهم ولا يتأثرون واستمر ذلك سنوات ثلاث وبينما هذه الأمور من الشدة والقسوة تجرى تحت سمع الرسول وبصره كانت قريش ترسل له صلوات الله عليه من يعرض عليه المال والغنى والسلطان والجاه والملاذ يجميع ألوانها على أن يترك دعوته فلا يجدون إلى غايتهم سبيلاً وما ترك رسول الله الله الدعوة قط كان يدعو ليلاً وكان يدعو نهاراً وكان يدعو في كل لحظة من لحظاته الإمام أحمد يروى عن ربيعة بن عباد وكان
جاهليا أسلم يقول
۱ سورة آل عمران آية ٥٤
۷۸
رأيت رسول الله الله بصر عينى بسوق ذي المجاز يقول
يأيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ويدخل فجاجها والناس متقصفون ۱ عليه فما رأيت أحداً يقول شيئاً وهو لا يسكت يقول يأيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا
أقام رسول الله الله بمكة ثلاث سنين من أول نبوته مستخفياً ثم أعلن في الرابعة فأخذ يدعو الناس إلى الإسلام عشر سنين يوافى المواسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم في المواسم بعكاظ ومجنة وذى المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ولهم الجنة فلا يجد قبيلة تنصره أو تجيبه حتى إنه ليسأل على القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة ويقول
يأيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب وتذل لكم العجم وإذا آمنتم كنتم ملوكاً في الجنة واستمر الأمر كذلك لا يكف رسول الله عن الدعوة إلى الله ولا يكف المشركون عن المعارضة والإيذاء حتى كانت السنة الحادية عشرة من نبوته صلوات الله عليه وكان الإسراء والمعراج فارتد من ارتد وثبت من ثبت وكان حادث الإسراء والمعراج هو حادث التصفية الكاملة وكان الفيصل بين طائفتين طائفة مؤمنة ثابتة على إيمانها لا تزعزعها الأعاصير تميد الجبال ولا تميد وطائفة مشركة قد أحكمت أمرها ورتبت شئونها وجزمت العزم على أن تقضى على الإسلام مهما طال الزمن
ولم يكد يعتنق الإسلام فى هذه الفترة - فترة السنوات الثلاث التي سبقت الهجرة – مشرك من أهل مكة وفيها ثبت المسلمون على إيمانهم ثبات أولى العزم كانت هذه الفترة تربية للمؤمنين وصقلاً لهم وهى - وإن كان الرسول صلوات الله عليه لم يكف فيها عن الدعوة لحظة من اللحظات – كانت مع ذلك تربية قرآنية لرجال يؤهلهم الله ورسوله لحمل راية الإسلام ونشر دعوته وإذا كانت المعسكرات قد تحددت في مكة وإذا كانت الفترة من الإسراء
1 يجتمعون ويزدحمون
۷۹
إلى هجرة الرسول صلوات الله عليه - كانت فترة تربية وصقل وتعليم وتهذيب - فإن الإسلام في هذه الفترة لم يكن قد وقف راكداً بل بالعكس قد هيأ الله له وسيلة الانتشار خارج مكة لقد ضم الرسول في معسكره المكي كل عناصر الخير بمكة ولم يبق فيها – في الطرف المقابل - إلا من لا ينحسم أمره عن طريق الدعوة وإنما عن طريق آخر وما كان هناك من مناص من مغادرة مكة للعودة إليها من جديد في ظروف مهيأة وبوسائل غلابة لقد هيأ الله الأمر لانتشار الإسلام خارج مكة ويقول ابن سعد في الطبقات
أقام رسول الله عالم بمكة ما أقام يدعو القبائل إلى الله ويعرض نفسه عليهم كل سنة بمجنة وعكاظ ومنى - أن يأووه حتى يبلغ رسالة ربه ولهم الجنة فلم تستجب له قبيلة من العرب ويؤذى ويشتم حتى أراد الله إظهار دينه ونصر نبيه وإنجاز ما وعد فساقه إلى هذا الحى من الأنصار لما أراد الله
بهم من
الكرامة وكانوا ستة نفر فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن فأسلموا ووعدوه أن يلاقوه في العام القادم
ولما عادوا إلى المدينة بشروا بالإسلام في قومهم فأسلم من أسلم وكثر في المدينة الحديث عن الإسلام
فلما كان العام الذى يليه حضر اثنا عشر رجلاً فبايعوا الرسول – كما تحدثوا بذلك عن أنفسهم - على ألا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزنى ولا نقتل أولادنا ولا نأتى ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف قال فإن وفيتم فلكم الجنة ومن غشى من ذلك شيئاً كان أمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه إن هذه البيعة بيعة فضيلة وخير إنها بيعة على العمل بالمثل الأخلاقية العليا
ونشرها وانظر إلى الدقة فى قوله ولا نعصيه فى معروف إنه لم يقل ولا نعصيه ويسكت وإنما قيد ذلك بقوله فى معروف وحاول أن تتأمل وثيقة البيعة
۸۰
هذه
فستقر - لا مناص - بأنها وثيقة إلهية
وعاد المسلمون إلى المدينة بأخلاق أخرى وبوجوه عليها نور الإسلام وبقلوب انغمست في محيط الرحمة وأخذوا يدعون إلى الله مبشرين ومنذرين ثم ثم عادوا فى العام التالى وهم سبعون أو يزيدون رجلا أو رجلين ومعهم امرأتان والتقوا ورسولُ الله صلوات الله عليه ومعه العباس بن عبد المطلب
ليس معه أحد غيره قال أسعد بن زرارة فكان أول من تكلم العباس بن عبد المطلب فقال يا معشر الخزرج إنكم قد دعوتم محمداً إلى ما دعوتموه إليه ومحمد من أعز الناس في عشيرته يمنعه والله منا من كان على قوله ومن لم يكن منا على قوله يمنعه للحسب والشرف وقد أبي محمد الناس كلهم غيركم فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة ترميكم عن قوس واحدة فارتئوا رأيكم وأتمروا أمركم ولا تفترقوا إلا عن ملأ منكم واجتماع فإن أحسن الحديث
أصدقه
فقال البراء بن معرور قد سمعنا ما قلت وإنا والله لو كان في أنفسنا غير ما ننطق به لقلناه ولكنا نريد الوفاء والصدق وبذل أنفسنا دون رسول
الله
مهج
قال وتلا رسول الله صل الله عليهم القرآن ثم دعاهم إلى الله ورغبهم في
الإسلام وذكر الذى اجتمعوا له فأجابه البراء بن معرور بالإيمان والتصديق ثم قال يارسول الله بايعنا فنحن أهل الحلقة 1 ورثناها كابرا عن كابر
6
فقال العباس بن عبد المطلب وهو آخذ بيد رسول الله أخفوا جرسكم فإن علينا عيوناً وقدموا ذوى أسنانكم فيكونوا هم الذين يلون كلامنا منكم فإنا نخاف قومكم عليكم ثم إذا بايعتم فتفرقوا إلى محالكم فتكلم البراء بن معرور فأجاب العباس بن عبد المطلب ثم قال أبسط يدك
1 أهل السلاح
كلامكم وصوتكم
۸۱
يارسول الله فكان أول من يد رسول الله - فيما يقال - البراء
ابن معرور
ثم ضرب السبعون كلهم على يده وبايعوه فقال رسول الله ع إن موسى أخذ من بني إسرائيل اثنى عشر نقيباً فلا يجدن أ أحد منكم في نفسه أن يؤخذ غيره فإنما يختار لى جبريل
فلما تخيرهم قال للنقباء أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم وأنا كفيل على قومى
قالوا نعم
فقال رسول الله انفضوا إلى رحالكم
فقال العباس بن عبادة بن نضلة يارسول الله والذي بعثك بالحق لن أحببت لميلن على أهل منى بأسيافنا وما أحد عليه سيف تلك الليلة غيره فقال رسول الله الا الله إنا لم تؤمر بذلك فانفضوا إلى رحالكم ولما صدر السبعون من عند رسول الله الله - طابت نفسه وقد جعل الله له منعة وقوماً أهل حرب وعدة ونجدة
وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين فلما ضاقوا بالأمر ذرعاً شكوا إلى رسول الله واستأذنوه في الهجرة فقال لهم قد أخبرت بدار هجرتكم وهى يثرب فمن أراد الخروج فليخرج إليها وأخذ المسلمون يهاجرون سرا بادية عليهم آثار تربية الرسول عل من الثقة بالله والصبر وتحمل المشاق في سبيل دينهم وتوطين النفس على أن يكونوا في أحوالهم من جنود الله مهاجرين إليه للعمل على إعلاء كلمته ونشر جميع دينه ولو كره الكافرون
وما كانت الهجرة قط في نظر الرسول ل ولا في نظر أصحابه – ركوناً إلى الدعة والهدوء أو ميلاً إلى الراحة والسكون وإنما كانت محاولة مصممة على قيادة المعركة في سبيل الله من جبهة أخرى
وأخذ المسلمون يهاجرون إلى الله ورسوله يهاجرون سرا جماعات أو فرادى
حتى لم يبق بمكة منهم إلا رسول الله وأبو بكر وعلى رضي الله عنهما
أو مريض أو عاجز عن الخروج
وعندئذ آن لرسول الله أن يهاجر
هاهو ذا رسول الله على مشارف مكة ينظر إليها على أمل واثق من أنه سيعود إليها مبشراً الله عاملاً
بدین
على
أن يعم كل بيت فيها ولما أوشكت أن تغيب عن بصره ودعها بهذه الكلمات المؤثرة
والله إنك لأحب البلاد إلى نفسى
ما خرجت
C
ولولا أن أهلك أخرجوني
المشركون بالأمر ثارت
ثم مضى هو والصديق إلى غار ثور فدخلاه ولما علم ثائرتهم ووطنوا العزم على ألا يفلت المهاجران إلى الله من تنكيلهم لقد كانوا قد دبروا قتل الرسول الله وما كانوا يبالون قط بقتل رجل أن يقول ربي الله !
ولقد كانوا أحكموا التدبير لقتله قبل أن يخرج ووضع مشروع المؤامرة أبو جهل وعرضها على الوضع التالي أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلاماً نهداً جلداً ثم نعطيه سيفاً صارماً فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه فى القبائل جميعاً فيقبلوا الدية فنعطيهم إياها ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ۱
دخل رسول الله هو وأبو بكر الغار مختفيين وكان سيدنا أبو بكر حزيناً خوفاً على الرسول صلوات الله وسلامه عليه فجاء النداء الإلهى على لسان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يملؤه ثقة وتفاؤلا لا تَحْزَنْ إن الله معنا ولما سمع سيدنا أبو بكر خفق نعال المشركين أمام الغار وأصواتهم الصاخبة التي تعلن عن سخطهم وغيظهم المكبوت قال لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه
۱ سورة آل عمران آية ٥٤
سورة التوبة آية ٤٠
۸۳
لأبصرنا ويبتسم رسول الله صلوات الله عليه ويقول ما ظنك باثنين الله
ثالثهما ولما انتهى الطلب وعاد المشركون من حيث أتوا - خرج رسول الله له هو ورفيقه وكان خروجها من الغار ليلة الاثنين لأربع ليال خلون من شهر ربيع
الأول
وبينما هما في الطريق لحق بهما سراقة بن مالك مدججاً بالسلاح على فرس تسابق الريح ليأسرهما حتى يفوز بالجائزة التي وعد بها المشركون من يأتى بالرسول ع قتيلاً أو أسيراً فلما دنا منهما دعا علیه رسول الله الله فساخت قوائم فرسه فقال يا محمد الله أن يطلق فرسى وأرجع عنك وأرد من ورائى ففعل فأطلق ورجع فوجد الناس يلتمسون رسول الله الله فقال ارجعوا فقد استبرأت لكم ما هاهنا وقد عرفتم بصرى بالأثر فرجعوا عنه
ادع
ہے
6
وسار الركب تحفه رعاية الله وعنايته حتى وصل إلى المدينة حيث استقبل
علينا مِن ثَنِيَّات الوَدَاع
البدر
وجب
الشكر علينا ما
دعا
لله
داع
ايها
المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
وكان من أوائل الأعمال التي قام بها رسول الله صلوات الله عليه في المدينة
يوم
۱ - بناء المسجد المسجد الذي أسس على التقوى أول من - المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار تحقيقاً لمبدأ من مبادئ الدين الإسلامي
يتمثل في قوله تعالى
إنما المؤمنون إخوة ١
ويح قوم جفوا نبيا بأرض
الفته
ضبابها
والظباء
وسلوه وحن جذع إليه وقلوه
ووده
الغرباء
1 سورة الحجرات آية ١٠
٢٨٤
أخرجوه منها وآواه غار وحمته
خامة
ورقاء
وكفته بنسجها عنكبوت ما گفته الحمامة الحصداء
واختفى منهم على قرب مرآ
شدة الظهور الخَفَاءُ
ونحا المُصْطَفَى المدينة واشتا قت إليه من مكة الأنحاء
الهجرة من زاوية أخرى
الهجرة حقيقة تاريخية ورمز روحى جميل يعبر خير تعبير عما يجب أن يكون عليه المسلم في كل فترة من فترات حياته بل في كل نفس من أنفاسه ونريد أن نتحدث الآن عن الهجرة كرمز عن الهجرة الروحية عن الهجرة التي لا ترتبط بزمان ولا بمكان والهجرة بهذا المعنى الذى يتجاوز الواقع التاريخي ويتجاوز الزمان
والمكان - قد وردت في الأحاديث النبوية الشريفة وفى القرآن الكريم يقول رسول الله صلوات الله عليه رواه البخارى رضى الله عنه المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه هذا المعنى الروحى نتبينه من وضوح سافر فيما يلى
يقول الله تعالى
إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكم 1
وفي هذه الآية الكريمة يصور الله تعالى إخراج الكفار للرسول صلوات الله عليه من مكة وهجرته مستخفياً في جنح من الليل مفارقاً البلدة التي ولد بها والتي بها عشيرته وقومه إلى بلد يجد فيها حرية الدعوة إلى الله يصور الله ذلك بأنه انتصار ومن الطريف أن الله تعالى يصوره بأنه انتصار في
۱ سورة التوبة آية ٤٠
٢٨٥
الوقت الذي كان فيه الرسول صلوات الله عليه مختبئاً في الغار هو والصديق رضوان الله عنهما والمشركون بخيلهم ورجلهم وعدتهم وعتادهم منتشرون في كل مكان يبحثون عنهما جاهدين للتنكيل بهما وما من شك في أن الهجرة كانت انتصاراً مبيناً لأنها فرار إلى الله والفرار إلى الله انتصار حتى لو انتهى بالموت أو القتل والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقهم الله رزقا حسناً وإن الله لهو خير الرازقين ۱ ونحن مأمورون بالفرار إلى الله أى بالهجرة إليه ففروا إلى الله إنى لكم منه نذير مبين ٢ وسيدنا إبراهيم عليه السلام قال إنى مهاجر إلى ربى إنه هو العزيز الحكيم ۳ وقال إنى ذاهب إلى ربي سيهدين ٤ والفرار إلى الله والهجرة إليه والذهاب إليه من صفات المؤمنين الصادقين إنهم يفرون إلى الله ويهاجرون إليه يوميا فهو هدفهم وغايتهم فى جميع أعمالهم وإذا كانت هجرة بعض الناس إنما هي إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرة المؤمن الصادق خالصة لله وحده متمحضة لوجهه الكريم وإذا ما كانت كذلك كان الله معه يقول صلوات الله عليه للصديق لا تحزن إن الله معنا التوبة/ ٤٠ ذلك أن هجرتهما كانت لله رب العالمين لا شريك له ومن كان كذلك فإن الله ينزل عليه السكينة أى طمأنينة النفس والرضا ويؤيده بجنود لا تراها الأعين فيدخله في نطاق رعايته ويشمله بجميل عنايته ويضفى عليه من توفيقه ورضاه ما يجعله قرير النفس هادئ البال سعيداً ولو ألقى فى النار لأنه لم يشعر بها إلا برداً وسلاماً وقد نظم الله للمؤمنين أمر الهجرة إليه تعالى
وأول مرحلة في سبيل الهجرة إليه سبحانه - إنما هي النية الخالصة لوجهه
الكريم يقول صلوات الله عليه
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى فمن كانت هجرته إلى الله
1 سورة الحج آية ٥٨ سورة الذاريات آية ٥٠
۳ سورة العنكبوت آية ٢٦
٤ سورة الصافات آية ٩٩
٢٨٦
ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها
فهجرته إلى ما هاجر إليه
فإذا ما توجهت النية بالأعمال إلى الله تعالى كانت الأعمال هجرة إليه أما إذا لم تتوجه النية إليه فإن الأعمال - ولو كانت خيراً فى ظاهرها تكون هباء منثوراً ومن هنا يتبين المؤمنون حقا فساد الأفكار التي يروجها الحائدون عن النهج الديني الصحيح من أمثال قولهم إن العلم للعلم أو الفن للفن أو الخير للخير أو الخير لإرضاء الضمير ! إن كل ذلك يدل على عدم الفهم السليم للروح الدينية الصحيحة وهو أيضاً خطر على المجتمع لأن العلم والفن إذا لم يتجه بها أصحابهما إلى الله أسساً
وغايات انحرفت بهما الإرادات والنيات إلى الشر والإفساد فشقيت بهما الإنسانية بدل أن تسعد
أما الخير فإن معرفته معرفة حقيقية لا يتأتى إلا عن طريق الدين وقد حاولت العقول – مستقلة عن الدين - تحديده فتعارضت وتضاربت ولم تصل إلى نتائم
والمؤمن إذن يهاجر إلى الله يعلمه ويهاجر إليه بفنه ويهاجر إليه بعمله الحير على أن العبادات الإسلامية على تعددها واختلافها إنما هي تنسيق وتنظيم لأنواع وألوان من الهجرة إلى الله تسمو بالمؤمن صعداً إلى الصلة بالله وإلى النعيم في رضوانه وإلى السعادة فى رحابه فالصلاة فرار من البيئة والجو والمادة إلى الوقوف
بين يدي الله - ومناجاته - لحظة من الزمن - فهى هجرة إلى الله والزكاة انفصال عن جزء من المادة تقرباً إلى الله فهى ذهاب إليه والصوم ابتعاد عن المادة فترة من الزمن تزكية للنفس وقربى إلى الله فهو ذهاب إليه أما مناسك الحج فإنها صور من التجرد لله بلغت الذروة والسنام وتبلورت في النداء الروحي الكريم لبيك اللهم لبيك وختاماً فإن الصورة التامة الكاملة للهجرة الإسلامية الكبرى - إنما تتمثل في أروع مظاهرها في قوله تعالى قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك
۸۷
أمرت وأنا أول المسلمين يقول صلوات الله عليه لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية جهاد في كل
ميادين الجهاد ونية خالصة طاهرة متمحضة الله ورسوله فإلى هذه الهجرة الكبرى أيها الإخوة المؤمنون فإن فيها الخير كله
وبالله التوفيق
۱ سورة الأنعام آيتا ١٦٢ - ١٦٣
الفصل السادس
الجهـ
اد
إن رسول الله الله الذي كان يقوم من الليل حتى تنفطر قدماه والذي كان في كثير من الأحيان يواصل فى الصيام هو الذى يقول والذي نفس محمد بيده
لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل وهو القائل من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو - مات على شعبة من
النفاق
إن النبي العابد هو النبى المكافح وإن نبي الرحمة هو ني الجهاد وماكان الجهاد قط في الإسلام إلا فى سبيل الله فإذا ما خرج عن سبيل الله لم يكن وكل ما في سبيل الله إنما هو رحمة وليس من شأننا أن نتحدث عن الغزوات سرداً وترتيباً وتفصيلاً وإنما نذكر منها عبراً حتى ننتهى إلى فتح مكة
إسلامياً
وأول ملاحظة هی أن الرسول العابد لم يتراجع في غزوة قط وكان الأبطال يتراجعون والصناديد من المهاجرين والأنصار يفرون أحياناً ولكنه صلوات الله
L
عليه يثبت ثبات الجبال الراسيات لا يتزحزح عن موقفه ولا يزول عن مكانه وقد ثبت في مكانه في غزوة أحد التي غلب فيها المسلمون وكان المشركون فيها يودون بكل ما استطاعوا - أن يقضوا عليه صلوات الله عليه ووقف ثابتاً في غزوة حنين وقد فر المسلمون على كثرتهم إذ ذاك وكيف يمكن أكمل رجل فى الوجود أن يفر وأن يتراجع وهو أوثق الناس بالله وبرسالته ولقد كان واضحاً فيه صلوات الله عليه ما يقوله سيدنا على وهو من هو -
حمى
بطولة وفروسية كنا إذا الوطيس أى الحرب - اتقينا برسول الله الله أي احتمينا به وفيه فيكون أقربنا إلى العدو وكان صلوات الله عليه مع التجائه إلى الله تعالى - يدعوه ويستغيث به ويستنجزه وعده بالنصر - يحكم الأمر إحكاماً بحيث لا يدع فيه ثغرة هكذا كان أمره في جميع أموره لقد نظم الجيش في غزوة بدر تنظيماً محكماً ثم اتجه إلى
۹۰
۹۱
الله يدعوه وكان دائماً متفائلاً حتى لو كان العدو عشرة أمثال المسلمين لقد كان المشركون في غزوة بدر ثلاثة أمثال المسلمين فهزمهم المسلمون بإذن
الله
من جميع
وكان انهزام المسلمين فى غزوة أحد شذوذاً فى القاعدة وما كان ذلك إلا لأنهم خالفوا - متأولين - أوامر الرسول الله غير أن تفاؤله صلوات الله عليه – لم يفارقه لحظة إذ إنه بعد أن انهزم المسلمون في غزوة أحد مباشرة أمرهم صلوات الله عليه بلم شعثهم وتضميد جراحهم والاستعداد فوراً لخوض المعركة من جديد ومن نااهر تفاؤله صلوات الله عليه أنه في غزوة الأحزاب وقد تجمع الشرك أرجاء الجزيرة يسانده اليهود والغادرون ليقضوا على الإسلام في المدينة ليقضو عليه ديناً وليقضوا عليه دولة وليقضوا عليه عقيدة وليقضوا عليه رجالاً وقد كان المسلمون يعملون فى حفر الخندق حماية لهم ومنعاً من وصول العدو إليهم فى هذه اللحظة الحرجة - يروى البراء بن عازب رضي الله عنه القصة التالية على حسب ما رواه الإمام أحمد أمرنا رسول الله له بحفر الخندق فعرضت لنا صخرة في مكان من الخندق لا تأخذ فيها المعاول فشكونا إلى رسول الله فجاء ثم هبط إلى
الصخرة باسم
فأخذ المعول وقال الله فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إنى لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا ثم قال باسم الله وضرب ثانية فكسر ثلث الحجر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إنى لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكانى هذا ثم قال باسم الله وضرب ضربة ثالثة فقلع بقية الحجر فقال الله أكبر
أعطيت مفاتيح اليمن والله إنى لأبصر أبواب صنعاء من مكانى هذا وأشاع هذا التفاؤل الثقة والاطمئنان في المسلمين وإن كان قد دعا إلى السخرية فى وسط المشركين والوثنيين الذين قالوا إن محمدا يعدهم ويمنيهم وهم لا يأمنون على أنفسهم الآن
۹
هذا التفاؤل وهذه الثقة في الله لم تفارق الرسول قط في كفاحه الطويل الدائب
الذي استمر إلى نهاية حياته الشريفة
وغزوة فتح مكة ترتبط بآيات مباركات هي
بسم الله الرحمن الرحيم إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزاً 1 إن آيات الفتح هذه - نزلت في أثناء عودة رسول الله الله إلى المدينة بعد صلح الحديبية نزلت تسلية للمسلمين وقد حزنوا لصدهم عن دخول مكة حاجين ومعتمرين مع أنهم كانوا على أبوابها وقد نزلت تشير إلى فتح مكة وتبشر به ولقد أوحاها الله إلى رسوله ليلاً فلما أصبح صلوات الله عليه قال لقد نزلت على الليلة سورة هي أحب إلى مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ قوله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبيناً
وهذه الآيات الكريمة لا تكاد تبين عن فتح مادى حربى وإنما هي تشير - على الخصوص - إلى الآفاق العليا من الرضوان الإلهى إنها وثيقة تسجل الثقة المطلقة التى شملت الماضى والحاضر والمستقبل والتي سمت برسول الله صلوات الله عليه إلى مستوى الرضا عن كل ما يأتى وما يدع
6
إنها بشرى من الله بفتح مبين وغفران شامل وإتمام كامل للنعمة وهداية وقيادة دائمة مستمرة ونصر عزيز وهذه منح إلهية عامة لا تفسر بالماديات وحسب وإنما تفسر أيضاً ومن باب أولى - بالمعانى الروحية في أسمى صور التجليات الإلهية - اللهم لك الحمد والشكر - ولذلك فإننا حينما نتحدث عن فتح مكة لا تحتل المسائل الحربية المكانة الأولى من الموضوع وإنما الذي يحتل ذلك إنما هو المثل العليا من الصور الأخلاقية النبوية والسمو النفساني الممثل في الرحمة المهداة من الله تعالى إلى الإنسانية أى فى سيدنا رسول الله صلوات الله عليه ومهما يكن من شيء فإن قريشاً نقضت عهد الحديبية الذي كان يفرض الهدنة ۱ سورة الفتح الآيات ۱ - ۳
۹۳
بينها وبين رسول الله صلوات الله عليه وكانت الفرصة مواتية لأن يركز الله تفكير رسول الله في أمر قريش
أما آن لقريش أن تسلم وجهها الله وأن توحده ولا تشرك به شيئاً
إنَّ الشرك لظلم عظيم ۱
أن أما آن لقلوبهم لقد دعا سيدنا إبراهيم - في رحاب مكة – ربه مبتهلاً ضارعاً قائلاً ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ٢ وها هو ذا رسول الله الله هم قد بعثه الله إليهم بالهدى السماوى فهل استجابت قريش لهدى السماء
تخشع لذكر الله وما نزل من الحق
إنك
وهذا البيت العتيق الذى رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل قائلين ربنا تقبل منا أنت السميع العليم ۳ هذا البيت الذى عهد الله لإبراهيم وإسماعيل أن يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود هذا البيت قد احتلته الأصنام والتفت حوله وارتفعت على جوانبه معلنة - فى وقاحة سافرة - الشرك بالله لا بد من تحطيم الأصنام وتطهير البيت لابد من أن تسلم قريش وجهها إلى
الله
وصمم رسول الله ع في عزم لا يلين على أن يمحو الشرك وآثاره من معقله الحصين أعنى مكة وأن يطهر البيت من جديد للطائفين والعاكفين والركع السجود وعبثاً حاول أبو سفيان - الذى أرسلته قريش سفيراً بينها وبين الرسول - أن يجدد العهد الذى نقضته قريش ولم يجد أبو سفيان – برغم دهائه ولباقته - عوناً من أحد حتى ولا من ابنته أم حبيبة زوجة رسول الله التي بلغ بها النفور من الشرك أن طوت فراش رسول الله حتى لا يجلس عليه أبوها – زعيم المشركين وحامي الشرك في مكة - فلما سألها مستفسراً أرغبت به عن الفراش أم رغبت
1 سورة لقمان آية ۱۳ سورة البقرة آية ۱۹
۳ سورة البقرة آية ۱۷
٢٩٤
بالفراش عنه قالت هو فراش رسول الله وأنت مشرك نجس ! فانصرف مغضباً قائلاً والله لقد أصابك من بعدى شر وأخطأ أبو سفيان فما أصابها شر ولكنها كراهية الشرك وعبأ رسول الله صلوات الله عليه القوى وخرج يوم الأربعاء بعد العصر لعشر ليال خلون من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة حتى إذا كان بالكديد واجتمع الناس إليه – أخذ إناء فشرب منه ثم قال أيها الناس من قبل الرخصة فإن رسول الله الله قبلها ومن صام فإن رسول الله - صام حتى إذا بلغ صلوات الله عليه مر الظهران - وهو مكان بالقرب من مكة - أمر الجيش بالإفطار لأنه فيما يبدو يوشك أن يخوض المعركة الفاصلة بين الشرك
والإيمان
أخيك
ولكنها
وعسكر الجيش في مر الظهران ولما رآه أبو سفيان وكان قد أسلم منذ ساعات قال بعقليته الجاهلية للعباس يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن عظيماً فقال العباس بعقليته الإسلامية ويحك ! إنه ليس بملك نبوة قال أبو سفيان فنعم وتوجه رسول الله نحو مكة محذراً من إراقة الدماء ولما قال سعد بن عبادة وهو أحد قادة الجيش اليوم يوم الملحمة اليوم نستحل الحرمة عزله النبي الله فقد كان رسول الله صلوات الله عليه يريد أن يكون اليوم يوم المرحمة ودخل رسول الله صلوات الله عليه مكة دون مشقة وكان أول ما فعل أن طاف بالبيت سبعاً ودخل البيت فرأى فيه صور الملائكة بهيئة النساء ورأى إبراهيم عليه السلام مصوراً في يده الأزلام يستقسم بها فقال قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ! ما شأن إبراهيم والأزلام ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من
المشركين ۱
وأمر بطمس الصور كلها واتجه إلى الأصنام فحطمها مردداً قوله تعالى
۱ سورة آل عمران آية ٦٧
٢٩٥
جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ۱
وإذا كان رسول الله علا الله و قد حطم الأصنام المادية فإنه من قبل ذلك ومن بعد ذلك قد حطم كل صنم يعبد من دون الله وبين أن الرياء شرك والهوى شرك والخضوع للشهوات شرك وكل عمل لا يقصد الإنسان به وجه الله فإنما هو من أعمال الشرك وفى هذا اليوم تملكت أريحية العفو رسول الله صلوات الله
عليه
فإنه حينما اجتمعت قريش إليه نظر إليهم وقال يا معشر قريش ما ترون أنى فاعل بكم فقالوا خيراً أخ كريم وابن أخ كريم فقال وهو يبكي اذهبوا فأنتم الطلقاء أقول لكم ما قاله أخى يوسف لإخوته
لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ٢
فكان هذا اليوم وبالله التوفيق
حقا
يوم
المرحمة
1 سورة الإسراء آية ۸۱ سورة يوسف آية ۹
الفضل المتابع
النبي العابد
ألف النسك والعبادة والخل سوة طفلاً وهكذا النجباء وإذا حلَّتِ الهداية قلباً نَشِطَت في العبادة الأعضاء
بسم الله الرحمن الرحيم
إن أول آية نزلت من القرآن الكريم إنما هي
اقرأ باسم ربك الذي خلق العلق آية ١ ولقد كانت هذه الآية الكريمة – بوضعها ومفهومها وجوها - شعاراً عاماً وتوجيهاً شاملاً فما كانت تعنى بروحها القراءة فحسب وإنما كانت تعنى أنه - منذ هذه اللحظة – يجب أن يكون كل أمر باسم الله فعلا كان هذا الأمر أو تركاً ولقد تأكد هذا الاتجاه وأصبح سافراً فيما بعد بل لقد أصبح من الأوامر
المفروضة على المسلم يقول الله تعالى لرسوله له قل إن صلاتي ونسكى ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ۱ على أن المسألة أشمل من ذلك وأعم إذا كان يتأتى الشمول والعموم بعد هذا إن الله سبحانه قد أخبر في قرآنه الكريم - أنه ما خلق الجن والإنس إلا للعبادة يقول سبحانه
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فغاية الخلق العبادة وسبب الخلق العبادة والثمرة التي يجب أن يعمل الإنسان على تحقيقها إذن إنما هی العبادة ومن هنا كانت التوجيهات المتوالية للعبادة أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان
مشهوداً ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أ يبعثك ربك مقاماً محموداً وقل
1 سورة الأنعام آيتا ١٦٢ - ١٦٣
۹۸
09
الذاريات
۹۹
رب أدخلني مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا
نصيرا ١
واسجد واقترب
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ۳
واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا
فسبحه وإدبار النجوم ٤
وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل
أن
وما من شك في أن الله سبحانه لا تضره معصية ولا تنفعه طاعة إنه سبحانه الغنى المطلق والمانح المطلق والمعطى المطلق إنه سبحانه الوهاب الرزاق المغنى إنه القائم بنفسه وغيره هو المحتاج وما كانت العبادية إلا لأجل تكميل الإنسان فمن فضل الله على عباده – فتح لهم باب الكمال على مصراعيه عن طريق العبادة ففائدة العبادة راجعة إلى العابد نفسه فضلا من الله ورحمة إنها راجعة إليه فى الدنيا وراجعة إليه في الآخرة ويشمل الوجهين قوله تعالى من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ٥
ومن عناية الله بالأمة الإسلامية وبرسوله الكريم - أن أول كلمات من الوحى كانت توجيهاً للرسول وللمسلمين بأن تكون أعمالهم كلها عبادة لأن ما كان باسم الله كان عبادة ولو كان أكلاً أو شرباً مثلاً
واستجاب الرسول صلوات الله عليه لهذا التوجيه السامي الذي توالي منذ الأيام
الأولى للرسالة واستمر طيلة الوحى
إن الرسول صلوات الله عليه حينما فاجأه الوحى فعاد يرجف فؤاده إلى منزله الطاهر وقال زملونى زملونى - نزل عليه قوله تعالى
۱ سورة الإسراء الآيات ۷۸ - ۸۰
سورة العلق آية ۱۹
۳ سورة الحجرآية ۹۹
٤ سورة الطور آيتا ٤٨ ٤٩ ٥ سورة الطور آيتا ٠٤٨ ٤٩
٣٠٠
يأيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه
ورتل القرآن ترتيلا ۱
ذلك
لم يقل له سبحانه يأيها المزمل لا تخش بأساً أو يأيها المزمل لا ترع فإن
عند الله وإنما كان الرد على رجفة الفؤاد أمراً بالعبادة من وكذلك الشأن فى كل ما يعترض المسلم من ضيق أوكرب – أمر بالعبادة مثل فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى وهنا علق سبحانه الرضا وطمأنينة النفس وسكينة الفؤاد على التسبيح والذكر والعبادة ويشير الله إلى ذلك أيضاً فيقول فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود ۳
واستجاب الرسول صلوات الله عليه استجابة كاملة للتوجيه الإلهى فجعل من كل أعمال الحياة عبادة إذ إنه كان يعملها باسم الله لقد جعل صلاته ونسكه وجعل حياته بأكملها بل ومماته أيضا لله رب العالمين لقد جعل كلامه وصمته وجعل حركته وسكونه وجعل نومه ويقظته بل جعل أنفاسه عبادة الله سبحانه فكان ذلك توجيهاً به إلى الله فكان عبادة له وهذه الاستجابة الكاملة
هي التي جعلت من رسول الله صلوات الله عليه – أول المسلمين أولهم منذ أن خلق الله العالم إلى أن يطوى الله الأرض وما عليها باعتبار أن منذ الأزل إلى الأبد - إنما هو الإسلام
الدين عند الله
عبادة
لقد صير الرسول صلوات عليه الحياة كلها عبادة لا تفتر وإذا استحالت إلى عبادة فقد استحالت إلى قوة أرأيت حينما تجعل من الجهاد ومن العمل عبادة ومن العلم عبادة ومن الكفاح عبادة ومن السعى
۱ سورة المزمل الآيات ١-٤
۳ سورة ق آيتا ٣٩ ٤٠
سورة طه آية ۱۳۰
على المعاش عبادة ومن ومن هل يضعف المجتمع أو يقوى وهل يأمن أهله أو يخافون وهل يسعدون أو يشقون
مهما يكن من شيء فقد استجاب الرسول صلوات الله عليه استجابة تامة لما أراد الله سبحانه وتعالى ولقد تحدث الله عن هذه الاستجابة ذاكراً لها فقال سبحانه إن ربك أنك يعلم تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه ۱ ونذكر الآن بعض الأحاديث التي تصور هذا الجانب من حياة الرسول
صلوات الله عليه ومن وراء إيضاح هذا الجانب من حياته صلوات الله عليه
أهداف
من
۱ - تأسى المسلمين به قدر الاستطاعة ٢ - رضاء النفوس وطمأنينة الأفئدة من الناحية النفسية فليس هناك علاج للشك والحيرة والتردد يعادل فى نفاسته العبادة والنصيحة المجربة التي تسدى للشاك إنما هي صل فالصلاة خير علاج للاضطراب الدينى بل للاضطراب النفسى أيا كان ومتى وجدت النفس المطمئنة – والنفس المطمئنة لا وسيلة لوجودها إلا بالعبادة فإن الكثير من الأمراض الجسمية نفسها يزول بإقرار أطباء الأجسام أنفسهم ثم إنه – بإقرار أطباء الأجسام أيضاً - لا يكون الإنسان المطمئن عرضة لما يتعرض له غير المطمئن من أمراض جسمية
- وهذه الأسوة بالرسول صلوات الله عليه التي نرجوها – ستكون أيضاً
سببا في تفريج الضيق المادى
ولو أن أهل القُرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ٢ من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم
أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ۳
۱ سورة المزمل آية ۰ سورة الأعراف آية ٩٦
۳ سورة النحل آية ۹۷
وهذه الأحاديث التى نذكرها ليس فيها حديث ضعيف أن الأحاديث ومع
الضعيفة يعمل بها في فضائل الأعمال فإنا قد تحرينا تحرياً كاملاً ألا نذكر فيما يلى - إلى آخر الكتاب - حديثاً ضعيفاً
الصلاة
عن السيدة عائشة رضى الله عنها أن النبي الله كان يقوم من الليل حتى
تتفطر قدماه
فقلت له لماذا تصنع هذا يارسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك
وما تأخر
قال أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً
أما
عبد الله بن مسعود رضی الله عنه فقد قال صليت مع النبي الا الله ليلة فأطال القيام حتى هممت بأمر سوء
قيل وما هممت به
قال هممت أن أجلس وأدعه
ولعل لابن مسعود رضي الله عنه عذره فقد كان صلوات الله عليه يقرأ في الركعة الأولى مثلاً سورة البقرة وفى الثانية آل عمران وفى الثالثة سورة النساء وكان يطيل القيام ويطيل الركوع ويطيل السجود كان يطيل كل ذلك حينما كان يفعله منفرداً فى جوف الليل
أما إذا كان الناس فإنه يخفف
وقد ورد في السنة الصحيحة أطال الرسول صلوات الله عليه القراءة في الركعات التي يصليها في الليل وبسبب هذه الإطالة كانت هذه الركعات لا تتجاوز إحدى عشر ركعة
عن عائشة رضي الله عنها كان النبي الله يصلى من الليل إحدى عشرة ركعة فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يجيء المؤذن فيؤذنه
٣٠٣
وكان الرسول صلوات الله عليه يستغرق فى صلاته الليلية ويبكي
ويقص مطرف بن عبد الله عن أبيه قال
أتيت النبي الله وهو يصلى ولجوفه أزيز كأزيز المرجل يعنى يبكي وللصلاة أهمية أكبر يوضحها الرسول صلوات الله عليه بقوله
إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة وكان صلوات الله عليه يتوضأ لكل صلاة
عن أنس رضي الله عنه قال
كان رسول الله الله يتوضأ لكل صلاة قيل له كيف كنتم تصنعون قال
الوضوء ما لم يحدث
أحدنا يجزى والأحاديث التالية تبين بعض أحوال الرسول صلوات الله عليه في الصلاة
كان عند الإقامة يقول
أقامها الله وأدامها
ه وكان إذا قام إلى الصلاة طأطأ رأسه
الصبح
قالت عائشة رضي الله عنها لم يكن له على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر عن سماك بن حرب قال قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله قال نعم كثيراً كان لا يقوم من مصلاه الذى يصلى منه حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قام وكان يدخل في الصلاة فيريد إطالتها فيسمع بكاء الصبي فيتجوز في صلاته مخافة أن يشق على أمه وكان ع يقرأ سورة الجمعة في الركعة الأولى و إذا جاءك المنافقون
الثانية
0
عن جبير بن مطعم قال سمعت رسول الله لا يقرأ في المغرب والطور وكان صلوات الله عليه يقرأ في المغرب والمرسلات عرفا وإنها لآخر ما سمعته من رسول الله الله
٣٠٤
وعن أم هاشم بنت حارثة بن النعمان قالت ما أخذت و ق والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله ل يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس
ه وكان صلوات الله عليه يقرأ فى صبح الجمعة ألم تنزيل السجدة و هل أتى على الإنسان حين من الدهر رواه الشيخان من حديث أبي هريرة وإنما كان يقرؤهما كاملتين وقراءة بعضها خلاف السنة
كان يقرأ في العيدين وفى الجمعة سبح اسم ربك الأعلى و هل أتاك حديث الغاشية وكان يكثر أن يقول فى ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لى وكان صلوات الله عليه يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ه وفى السجود يقول صلوات الله عليه اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت
على نفسك وعن حذيفة كان يقول له في ركوعه سبحان ربي العظيم وفى
سجوده سبحان ربي الأعلى وعن عائشة رضي الله عنها كان له يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لى يتأول القرآن رواه مسلم ومعنى يتأول القرآن يعمل بما به كما في قوله تعالى فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً ۱ فكان الله يقول هذا الكلام البديع في الجزالة المستوفى ما أمر
به في الآية
۱ سورة النصرآية ٣
٣٠٥
فقط
الصيام
أما إذا جئنا إلى رمضان وإلى الصيام على وجه العموم – فالأحاديث التالية توضح بعض الأمر كما أن أحاديث الصلاة التي رويناها إنما بينت إشارات ولمحات فكذلك الأمر في أحاديث الصيام فرض رمضان في السنة التالية من الهجرة فتوفى سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر وعنها قالت كان له يجتهد في رمضان مالا يجتهد في غيره وفى العشر الأخيرة مالا يجتهد في غيرها
كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى كان النبيل يعتكف فى كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً
إذا دخل العشر الأخيرة طوى فراشه واعتزل النساء واغتسل بين الأذانين وجعل العشاء سحوراً
0
روى البخاري عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه صلوات الله عليه واصل فواصل الناس فشق ذلك عليهم فنهاهم رسول الله الله أن يواصلوا قالوا إنك تواصل قال لست كهيئتكم إنى أظل أطعم وأسقى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان رسول الله لا يفطر الأيام البيض في حضر ولا سفر وهي ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وعن حفصة رضى الله عنها أربع لم يكن النبي علي يدعهن صيام عاشوراء والعشر - أى تسع ذى الحجة - والأيام البيض من كل شهر وركعتا
الفجر
٣٠٦
كان صلوات الله عليه يتحرى صيام يوم الإثنين والخميس كان النبي لا يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر
الذكر
ه لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده
وعن عائشة رض الله عنها قالت كان صلوات الله عليه يذكر الله على كل أحيانه و
مثل الذي يذكر ربه والذى لا يذكره – مثل الحى والميت وأفضل الذكر قراءة القرآن
وميم
حرف
سمع
ومن قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف إن الذي ليس فى جوفه شيء من القرآن - كالبيت الخرب اقرءوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعاً لأصحابه " وبينما جبريل عليه السلام قاعداً عند النبي الله نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال هذا باب من السماء فتح اليوم ولم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال هذا ملك نزل إلى الأرض ولم ينزل قط إلا اليوم فسلم وقال أبشر بنورين أوتيتها لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته ولأن لا إله إلا الله أساس التوحيد وتعبير عن التوحيد وقد ذكرت بلفظها وبمعناها فى القرآن على أنحاء شتى - قال صلوات الله عليه أفضل الذكر لا إله
إلا الله
عن أبي موسى رضى الله عنه قال قال لي رسول الله ألا أدلك
على كنز من كنوز الجنة
فقلت بلى يارسول الله
٣٠٧
قال لاحول ولا قوة إلا بالله
قال رسول الله لا لقيت إبراهيم عل الله ليلة أسرى بي فقال يا محمد أقرئ أمتك منى السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غرسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وكان صلوات الله عليه يقول بأعلى صوته لا إله إلا الله وحده لا شريك
له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لاحول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن الجميل لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على
منه
كل شيء قدير فى يوم مائة مرة - كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر وقال من قال - سبحان الله وبحمده فى يوم مائة مرة – حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لأصحابه لامبيت لكم ولا عشاء فإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال أدركتم
المبيت والعشاء
الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ مابين السموات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس تغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر - أحب إلى مما طلعت عليه الشمس
٣٠٨
كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان إلى الرحمن
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
الدعاء
وقال صلوات الله عليه وسلامه الدعاء هو العباده أما أحسن أوقات الدعاء فإن الأحاديث التالية تذكر بعضها ه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء فقمين أن
6
يستجاب لكم قيل لرسول الله الله أى الدعاء أسمع قال جوف الليل الآخر ودبر
الصلوات المكتوبة
ه دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة وعند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل 1
و لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم مالم يستعجل قيل يارسول الله ما الاستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لى فيستحسر عند ذلك ويترك الدعاء
ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم فقال رجل من القوم إذن
نكثر قال الله أكثره كان صلى الله عليه وسلم يحب الجوامع من الدعاء ويدع ماسوى ذلك
ومن جوامع دعائه مايلي
ه أتاه رجل فقال يارسول الله كيف أقول حين أسأل ربي قال قل اللهم اغفر لى وارحمنى وعافني وارزقني فإن هؤلاء تجمع لك دنياك
وآخرتك
٣٠٩
ومن جوامعه
اللهم إنى أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار
شيئاً
عن أبي أمامة رضی الله عنه قال دعا رسول الله الله بدعاء كثير لم نحفظ منه
فقال ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كله تقول اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبيك محمد
وأنت المستعان وعليك البلاغ ولاحول ولاقوة إلا بك ا هـ اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء ألهمنى رشدى وأعذني من شر نفسي
اللهم
عن شهر بن حوشب قال قلت لأم سلمة رضى الله عنها ياأم المؤمنين ما كان أكثر دعاء رسول الله الله إذ كان عندك قالت كان أكثر دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ا هـ اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمرى وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتى التى إليها معادى واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لى من كل شر
اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك "
اللهم اجعل في قلبي نوراً وفى بصرى نوراً وفى سمعى نوراً وعن يميني نوراً وعن يسارى نوراً وتحتى نوراً وأمامي نوراً وخلفى نوراً واجعل لى
نوراً
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ومن أدعيته صلوات الله عليه في الصلاة
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه - أ أنه قال لرسول الله علمني دعاء
أدعو به في صلاتي قل قال اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت
٣١٠
فاغفر لى مغفرة من عندك وارحمنى إنك أنت الغفور الرحيم وكان صلوات الله عليه يقول بين السجدتين اللهم اغفر لى وارحمنى واهدنى وعافنى وارزقنی
عن معاذ رضي الله عنه أن الرسول مع الله أخذ بيده وقال يا معاذ والله إنى لأحبك ثم أوصيك يا معاذ لاتدعن في دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعنى
على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
وعند الإفطار في الصوم
*
العليم"
الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت
اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل منى إنك أنت السميع
عند الكرب
ياحي ياقيوم برحمتك أستغيث وعند الكرب أيضاً
لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض و
العرش الكريم أما إذا كان الكرب شديداً فيحسن أن يكرر الإنسان دعاء الرسول عند
X
عودته من الطائف وهو من روائع بيانه ودقيق مناجاته اللهم إليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتي وهوانى على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمى أم إلى عدو ملكته أمرى إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى ولكن عافيتك هي أوسع لى أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة - من أن تنزل بى غضبك أو يحل على سخطك لك العتى حتى ترضى ولا حول ولاقوة إلا بك وإذا خاف قوماً قال اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من
شرورهم
۳۱۱
السداد الدين
ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله الا الله ولو كان عليك مثل جبل ديناً أداه الله عنك قل اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنى بفضلك عمن سواك وعند الخروج من البيت
عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله الله من قال إذا خرج من بيته باسم الله توكلت على الله لا حول ولاقوة إلا با الله – يقال له هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان
وعند النوم واليقظة
إذا أخذ أحدكم مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول اللهم باسمك أموت وأحيا
وإذا استيقظ قال الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور
وعند الأكل ه الحمد لله الذي أطعمنى هذا ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة وعند الملبس الجديد
اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ماصنع له وأعوذ بك
من شره وشر ماصنع له
0
وإذا رأى الهلال
اللهم
رشد وخير !
أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله هلال
وعندما ينتهى المجلس ويتفرق الحاضرون يقول
إليك
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب
وعندما
شخصاً يودع
كان رسول الله يودعنا فيقول استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم
عملك
الفصل الثامن
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
من هديه صلوات الله عليه في سبب بعثته
ه إنما بعثت لأتمم حسن
الأخلاق
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق
بعثت بالحنيفية السمحة ا هـ
هو
صلوات الله عليه فإنه رحمة مهداة إلى العالم
أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة
تعلمون أنى رحمة مهداة بعثت برفع قوم ووضع آخرين رفع من اتبعوه
عند الله ووضع أمثال أبي جهل وأتباعه من المشركين والملحدين وضعهم عند الله وفى ميزان التقوى على أنه
ما من شيء أثقل فى ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وإن الله يبغض الفاحش البذيء والأخلاق لا وزن لها بدون الإخلاص ومن هديه صلوات الله عليه في ذلك ! و إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه
إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن إلى قلوبكم دع ما يريبك إلى مالا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة قوله يريبك هو بفتح الياء وضمها ومعناه أترك ماتشك في حله واعدل إلى مالاتشك فيه
إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه - رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه
فعرفها
قال فما عملت فيها
٣١٤
٣١٥
قال قاتلت فيك حتى استشهدت
قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جرىء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار
ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال
فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ
فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار
ورجل وسع
الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتى به فعرفه نعمه
فعرفها قال فما عملت فيها
قال ماتركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار
ومن هديه في موقف المسلم بالنسبة للمنكر يراه
من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه
وذلك أضعف الإيمان ومن المنكر السبع الموبقات
اجتنبوا السبع الموبقات
قالوا يارسول الله وماهن
قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل
الربا وأكل مال اليتيم والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات " متفق عليه الموبقات المهلكات
ومن هديه صلوات الله عليه فيما يتعلق بصلة المسلم بأخيه المسلم لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه
المؤمنات
٣١٦
لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم
اشتکی
مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى
المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً
كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله
عن أبي بكر رضى الله عنه أن رسول الله الله قال في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع إن أموالكم وأعراضكم ودماء كم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت سباب المسلم فسوق وقتاله كفر
ه إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار قلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه كان حريصاً على قتل صاحبه
ه المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه التقوى ههنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر
أخاه
المسلم !
المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن
ستر مسلماً ستره الله
القيامة
يوم
القيامة
المسلم من من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة
وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم
۳۱۷
إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله
عنده
ومن
بطأ به عمله لم يسرع به نسبه و اهـ
من سره أن ينجيه الله
من
كرب يوم القيامة فلينفس عن معسرا ر أو يضع
عنه
عنه
كان رجل يداين الناس وكان يقول لفتاه إذا أتيت معسراً فتجاوز لعل الله يتجاوز عنا فلقى الله فتجاوز عنه عن أبي هريرة عن النبي الله أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله تعالى له على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال أين تريد قال أريد أخاً لي في هذه القرية قال هل لك عليه من نعمة تربها عليه قال لا غير أنى أحببته في الله تعالى قال فإنى رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته
عن أبي هريرة قال قال رسول الله إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدنى قال يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن فلاناً عبدی مرض فلم ت تعده أما علمت أنك لو عدته
لوجدتني عنده
رب
يابن آدم استطعمتك فلم تطعمنى ! قال يارب كيف أطعمك وأنت العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدى فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندى
يابن آدم استسقيتك فلم تسقنى قال يارب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدى فلان فلم تسقه ! أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندى
ومن هديه صلوات الله عليه في العلم سلك طريقاً يبتغى فيه علماً سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة
من
لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما صنع وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان فى الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على
۳۱۸
سائر الكواكب وان العلماء ورثة الأنبياء وان الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر
من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرج
وبالنسبة للمرأة
لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقال له رجل يارسول الله إن امرأتى خرجت حاجة وإلى كتبت في غزوة كذا وكذا قال انطلق فحج مع امرأتك
لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع
ذي محرم
ومن هديه صلوات الله عليه وسلامه في الجهاد
عن
النبي
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن
قال أفضل الجهاد
هريرة رضى
الله عنه قال قال رسول الله
من مات ولم يغز
كلمة عدل عند سلطان جائر
عن
أبي
ولم يحدث نفسه بالغزو - مات على شعبة من النفاق
قال رسول الله الله تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلى وإيمان بي وتصديق برسلى فهو ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه بما نال من أجر وغنيمة والذي نفس محمد بيده مامن كلم يُكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم لونه لون دم وريحه ريح مسك والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ماقعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله أبداً ولكن لأجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق
عليهم أن يتخلفوا عنى والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله
فأقتل ثم أغزو فأقتل "
والكلم الجرح "
الفصل التاسع
من توجيهات القرآن الكريم
يقول الله تعالى في كتابه العزيز
على
لقد الله من المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وآيات القرآن كثيرة في هذا المعنى تؤكد كلها أن بعثة الرسول لا كانت نعمة من نعم الله العظمى من الله سبحانه على جميع المؤمنين وأن هذا الفضل من الله سبحانه وتعالى إنما هو منة كريمة من لدن رب كريم ذلك أن هذا الرسول الله إنما هو لسان صدق في تبليغ آيات الله فهو يتلوها على المؤمنين إنه يتلوها عليهم بعد أن تلاها على نفسه ووعاها وتشربتها روحه فانطبع بها وعاشها ومن أجل ذلك كان هذا الرسول مصدر تزكية لهم إنه وقد أصبح طابعه آيات الله أصبح - من أجل ذلك - مصدر تزكية بالمثال والقدوة والتأسى للمؤمنين
لقد تزكى بآيات الله ولقد زكته آيات الله وإنه يتلوها ويحياها فهو يبشر بها بقوله أو بتلاوتها ويبشر بها بمسلكه فهو بقوله يتلوها وهو بمسلكه
يرسمها
ويطبق
6
ويعلمهم الكتاب إنه لا يتلو فحسب وإنما يعلم أيضاً إنه يشرح ويفسر ويقوم تطبيق الآخرين إذا انحرفوا إنه يعلم القرآن وهو يعلم القرآن بعد أن انطبع به وبعد أن أصبح هو قرآناً لقد أصبح فكره
قرآناً وأصبحت عواطفه قرآناً وأصبحت إرادته قرآناً !
ولقد عبرت عن ذلك السيدة عائشة رضوان الله عليها خير تعبير وأخصره حينما سئلت عن خلق رسول الله الا الله فقالت رضوان الله عليها كان خلقه
القرآن
۱ سورة آل عمران آية ١٦٤
٣٢٠
۳۱
وما كان يتأتى أن يكون غير ذلك وكلمة السيدة عائشة رضوان الله عليها - إنما
هي كلمة بديهية عند كل متبصر فالقرآن كان يظل مبادئ يعتقد الناس أنها مجرد مبادئ نظرية يستحيل تحقيقها في الخارج لو لم تطبق فعلاً ولو لم تتحقق واقعيا وكان لابد من تتحقق بالفعل وكان لابد من صورة حية تتمثل فيها هذه المبادئ تتمثل فيها ذاتياً وتتمثل فيها من جهة تطبيقها على الغير وقيادة الغير إلى الأخذ بها في صورة تقترب منها بقدر الاستطاعة
ولو لم يكن الأمر كذلك لظل الناس يؤمنون بأنها مجرد مبادئ بيد أن هذه الصورة الخالدة للأخلاق - كما يحب الله سبحانه لبنى الإنسان - قد تحققت بالفعل حققها رسوله الكريم الله وحققها في ذاته وحققها في مجتمعه حققها سلوكاً وحققها واقعياً هو في نفسه على أكمل مايكون التحقيق تطبيقاً في مجتمعه على الصورة التي استطاعها هذا المجتمع ونقول على الصورة التي استطاعها هذا المجتمع لأن لكل نظام من النظم حدا أدنى لا يتأتى أن يكون النظام بدونه وحدا أسمى يتسامى نحوه المخلصون بقد تحققت الصورة الإسلامية فى حدها الأسمى في الرسول وكان
بذلك
بنص القرآن - أول المسلمين وترسم الآيات القرآنية
كيف ولم كان الرسول و أول المسلمين يقول الله تعالى قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتى لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ۱ لقد كانت أعماله وحياته كلها بل ومماته لقد كان كيانه كله – وسكوناً حياة وموتاً الله رب العالمين فكان بذلك أول المسلمين ولقد تحققت الصورة على تفاوت لا ينزل عن حدها الأدنى في آلاف من الصحابة رضوان الله عليهم
لقد وجد المجتمع الإسلامي بالفعل
سورة الأنعام آيتا ١٦٢ - ١٦٣
حركة
۳
ولقد انتفى بذلك فكرة هؤلاء الذين رأوا فى الماضى أو يرون في الحاضر أن الإسلام مبادئ لا تطبق مبادئ نظرية مبادئ خيالية يستحيل تطبيقها لقد تحقق الإسلام بالفعل فوجد مجتمعاً أسلم نفسه الله وإن مجتمعاً يسلم نفسه لله لا يتأتى أن تتمخض الإنسانية عن خير منه هذا المجتمع الذى وجد إنما كان ثمار جهاد الرسول الله وكفاحه في أن يخرج بالفعل الصورة التي أوحاها الله إليه لقد كان أثراً لتلاوة الرسول الله آيات الله ولتزكية الرسول الله لمن حوله بمثله القرآنى ولتعليمه صلوات الله عليه القرآن لمن حوله
يعلم
الكتاب
وتشربت روح رسول الله الا الله القرآن وامتلأت به وصفت بصفائه وتركت به واستنارت بنوره ففاضت بالحكمة أثراً من آثار الهداية التامة ونتيجة للنور يغمر القلب وللسناء يتلألأ فى الفؤاد فكان الرسول الله ويعلم الحكمة وما الحكمة إلا أحاديث الرسول لا ينير بها قلوباً ويرشد بها عقولاً ويقود بها عباد الله إلى الله وكما أن الكتاب من عند الله فإن الحكمة أيضاً من عند الله يقول الله تعالى وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ١ وما كان رسول الله لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فآيات الله يتلوها وكتاب الله يعلمه والحكمة التى أنزلها على قلبه يعظ بها يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه فذكر الله الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول الحكمة سنة رسول الله وهذا يشبه ماقال والله أعلم لأن القرآن ذكر وأتبعته الحكمة وذكر الله منة على خلقه بتعليمهم الكتاب فلم يجز والله أعلم - أن يقال الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله
والحكمة
1 سورة النساء آية ۱۱۳
۳۳
وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله وأن الله افترض طاعة رسوله وحتم على الناس اتباع أمره فلا يجوز أن يقال لقول فرض إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله
لما وصفنا من أن الله جعل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به
وسنة رسول الله مبينة الله عن
ما أراد دليلاً على خاصه وعامه ثم قرن
معنى ما
الحكمة بها بكتابه فأتبعها إياه ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله هذه الصورة التي ترسمها الآية الكريمة - التى صدرنا بها هذا المقال - هي الصورة التي تمناها سيدنا إبراهيم ودعا الله سبحانه حينما كان يرفع القواعد من البيت وإسماعيل فقال عليه السلام
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ۱ ولقد صادفت دعوة سيدنا إبراهيم ما قدره الله أزلاً لقد وافقت التقدير الإلهى الأزلي الذي أراد سبحانه به أن يكمل الدين ويتم النعمة على المؤمنين وأن يكون خاتم الأديان هو الدين الأزلي الخالد الذي لادين سواه والذي يرضاه الله
ولا يرضى غيره وهو الإسلام اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام
ديناً
إن الدين عند الله الإسلام ۳ ولا يتأتى في عرف المنطق وفى منطق الحق وفى بداهة العقول – أن يكون الدين الخالد شيئاً آخر غير إسلام الوجه لله
ومادام الرسول الله أول المسلمين ومادام الدين عند الله هو الإسلام - فالرسول إذن أول المتدينين على الإطلاق إنه وصل إلى الدرجة التي سبق بها جميع من مضى وسبق بها أبناء
جميع
المسلمين في الماضي البعيد
1 سورة البقرة آية ۱۹
سورة المائدة آية ٣
6
عصره وسبق بها من سيأتى بعد إنه أول
والماضي الذي يبتدئ منذ بدء الإنسانية
۳ سورة آل عمران آية ۱۹
٣٢٤
مهم
وما من شك فى أن آدم عليه السلام كان مسلماً ولكنه لم يكن أول المسلمين ولقد كان نوح مسلماً ولكنه لم يكن أول المسلمين وهكذا كان الأنبياء جميعاً صلوات الله وسلامه عليهم من المسلمين ولكن لم يكن أحد أول المسلمين وما كان يتأتى أن يكون أحدهم أول المسلمين لأن الدين الذي جاءوا به صلوات الله عليهم وسلامه - وإن كان إسلاماً - إن الصورة الكاملة التامة للإسلام إنما هي القرآن
وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من ! الكتاب ومهيمنا عليه ١
ويقول سبحانه واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم وهو أول المسلمين في الحاضر وهو أولهم في المستقبل إلى أن تتبدل الأرض غير الأرض والسموات وإلى ما بعد ذلك من أيادى الله السرمدية صلوات الله وسلامه عليك ياسيدى يارسول الله
يقول الله تعالى عن طابع الرسالة الإسلامية وعن طابع الرسول
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ۳ لقد كان إرسال الرسول الرحمة إذا نظرنا إلى الرسالة الإسلامية وكان إرساله رحمة إذا نظرنا إلى شخصيته يقول صلوات الله وسلامه عليه إنما أنا رحمة مهداة
الذات
لقد كان رحمة مهداة من حيث الرسالة وكان رحمة مهداة من حيث
لقد كان ينتسب صلوات الله وسلامه عليه إلى الرحمن رسالة وينتسب إلى الرحمن صفات وكان ينتسب إلى الرحيم رسالة وينتسب إلى الرحيم صفات
۱ سورة المائدة آية ٤٨ سورة الزمر آية ٥٥
۳ سورة الأنبياء آية ۱۰۷
٣٢٥
إنه رسالة وصفات يسير فى حياته
بسم
الله الرحمن الرحيم مبشراً الله الرحمن الرحيم
إنه نبي الرحمة وإنها رسالة الرحمة والله سبحانه وتعالى قد ربي رسوله على عينه واصطنعه لنفسه فنشأه على الرحمة فهو صلوات الله عليه وسلامه رحمة منذ
ميلاده
وإننا إذا أردنا تعبيراً مجملاً جامعاً لمعانى الرحمة التي اتصف بها نبي الرحمة فإننا نجده في وصف السيدة خديجة رضوان الله عليها للرسول الله حينما فاجأه الوحى وجدتها به وقال لها لقد خشيت على نفسي
فقالت رضى الله عنها فوراً
كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق
إن هذا الوصف الصادق للرسول الله إنما يعبر في كل جملة من جمله عن
الرحمة وهو وصف اتسم به الرسول ع لالالالا طيلة حياته والآية القرآنية وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ۱ لا تخصيص فيها لا من ناحية نوع
الرحمة ولا من ناحية موضوع الرحمة ويشرح هذه الآية في شمولها وعمومها يشرحها في دقة وفى عمق موقف كريم من مواقف التوجيه النبوى لقد كان الرسول يتحدث عن الرحمة ويدعو إليها ويعرف بمنزلتها من الدين فقال بعض الصحابة رضوان الله عليهم إنا نرحم أزواجنا وأولادنا وأهلينا فلم يرض هذا القول رسول الله علعل الله لإنه فهم قاصر محدود لما ينبغي أن يكون عاماً شاملاً إنه تقييد للمطلق ولذلك رد عليه الرسول ه بقوله ما هذا أريد إنما أريد الرحمة العامة
وما من شك في أن من الرحمة - رحمة الأزواج والأولاد والأهل وقد حث على ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بيد أن ما أراده الرسول الله إنما هو أن تتغلغل الرحمة في الكيان الإنساني كله حتى تصبح وكأنها من فطرته وطبيعته وجبلته فيكون الإنسان وكأنه قبس من ۱ سورة الأنبياء آية ۱۰۷
٣٢٦
الرحمة الإلهية ينثرها إذا سار وينثرها إذا جلس وينثرها أينما كان وينثرها
حينما حل
وإذا كان كذلك فإنه يكون قد حقق الطابع العام للرسالة الإسلامية رحمة
للعالمين
ولقد حقق الرسول الله هذا الطابع بقوله وحققه بفعله ولقد كانت الرحمة وهي طابع للرسالة الإسلامية هى طابع تصرفاته وانظر إلى الحادثة التالية الحادثة التي نزل فيها قوله تعالى ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ۱ وهى لما هزم الله المشركين يوم بدر وقتل منهم سبعون وأسر سبعون استشار النبي يا أبا بكر وعمر وعليا فقال أبو بكر ياني الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذناه منهم قوة لنا على الكفار وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً فقال رسول الله مال ماترى يابن الخطاب قال قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنى من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان أخيه يعنى العباس فيضرب عنقه حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة أ أى ميل
للمشركين أما رأى الرسول الله فقد كان معروفاً يعرفه كل من عرف رسول الله وعرف طابعه وعرف صلة هذا الطابع بطابع الرسالة الإسلامية إنه أخذ الفدية ولقد كان أبو بكر رضي الله عنه أمثل الناس في الاقتداء برسول الله فكان اتجاهه من اتجاه رسول الله الله وهذا الاتجاه لرفيق الغار أيده الله سبحانه بل زاد عليه حينما خير رسوله فيما وله يأخذ الفداء
بعد بأنه – إذا وضعت الحرب أوزارها - له أن
فإما منا بعد وإما فداء ٢
۱ سورة الأنفال آية ٦٧
سورة محمد آية ٤
يمن
۳۷
وقبل بدر أخذ الرسول الله الفداء فقد فادي في سريـ ية عبد الله بن جحش
قبل بدر بنحو عام فلما كانت بدر سار الرسول على سنته وتصرف مستلهماً طابع الرسالة التي أرسله الله بها ولكن بعض الصحابة رضوان الله عليهم نظر إلى موضوع الفداء نظرة مادية وأخذ في تقدير الفدية وزناً وكيلاً وقيمةٌ ومقداراً وكما وكيفاً وأخذ في تكييف الفدية بحسب الغنى والفقر إن بعض الصحابة نظر إلى المسألة نظرة مادية فنزل قول الله سبحانه وتعالى مصححاً الوضع لهؤلاء الذين لم يضعوا الأمور في وضعها الصحيح ولم يزنوها بميزان التوجيه الإلهى يقول الخطيب القسطلانى فى كتابه المواهب اللدنية في ذلك فيه بيان ماخص به وفضل من بين سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فكأنه قال ماكان
لتي غيرك ا هـ ويقول القاضي بكر بن العلاء أخبر الله تعالى نبيه في هذه الآية أن تأويله
وافق ما كتب له من إحلال الغنائم والفداء ا هـ والتوجيه الإلهي في خاتمة رسالات السماء أنها رسالة رحمة ولرسالة الرحمة ميزات وخصوصيات تفيض عن الرحمة نفسها وماكان لنبي من قبل نبي الرحمة أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض فلما كانت رسالة الرحمة ولما كان نبي الرحمة – أباح الله له التصرف بحسب الرحمة وهو الفداء ثم زاده تكريماً على
تكريم حيث زاده رحمة على رحمة فجعل له الخيار بين المن والفداء وإن كل نظرة تفيض عن هذه النظرة وتصدر عنها لاترى ولاتحس ولا تشعر بالجانب المادى ولكنكم يا هؤلاء الذين نظرتم النظرة المادية تريدون عرض الدنيا وتتخذونه مقياساً إنه ليس بمقياس إن المادة ليست في موازين الله مقياساً فإن يريد الآخرة ويريد للذين آمنوا به وبرسوله أن تكون مقاييسهم مستمدة من كتاب الله ومن توجيهات رسوله عل الله لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ۱ وإنه لمن افضال الله على رسوله أنه سبحانه لم يقل أسوة
الله
۱ سورة الأحزاب آية ۱
۳۸
وحسب إنما قال أسوة حسنة وقال سبحانه
أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ۱
ثم إن الله سبحانه لم يأمر المسلمين برد الفدية وما كان أيسر ذلك ولم ينقض الله سبحانه ما أبرمه رسوله المبرأ عن أن يسير إلا على بصيرة والمنزه عن أن يهدى إلا إلى الصراط المستقيم صراط الله
هذه الفطرة الرحيمة حملت الرسول ع على أن يكافح طيلة حياته في غير فتور ولا هوادة لهداية الإنسانية وإسعادها لقد كان ما يشق على نفسه
في سبيل ذلك ويحملها من الأمور ما لا تطيق
حتى لقد قال الله له
فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ٢
وقال سبحانه فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث
أسفاً ۳
ولقد
رسم
الرسول صلوات الله وسلامه عليه موقفه من الناس ومثله بموقف
رجل يحاول ما استطاع أن يمنع الناس عن التردى فى نار يتهافتون على الاحتراق فيها ولعل الحادثة التالية تصور بعض جوانب التربية الرحيمة التي كان يستعملها الرسول في سلوكه مع الناس وهى - وإن كانت خاصة برجل معين ليست بمقصورة عليه بل لها صفة العموم
جاءه أعرابي يوماً يطلب منه شيئاً فأعطاه الله ثم قال له مستفسراً متودداً أحسنت إليك فقال الأعرابي لا ولا أجملت فغضب المسلمون وقاموا إليه فأشار إليهم الرسول الله أن كفوا ثم قام ودخل منزله وأرسل إلى الأعرابي وزاده ثم قال أحسنت إليك
۱ صورة الأحزاب اية ۱
سورة فاطر آية ٨
۳ سورة الكهف آية ٦
۳۹
فقال الأعرابي نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنك قلت ماقلت وفى نفس أصحابي شيء من ذلك فإن أحببت فقل بين
أيديهم ماقلت بين يدى حتى يذهب من صدورهم مافيها عليك وتحدث الأعرابي إليهم وطابت أنفس أصحاب رسول الله ع يقول
الأعرابي فقال صلوات الله وسلامه عليه هذا التعقيب الرائع إن مثلى ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة شردت عليه فاتبعها فلم يزيدوها إلا نفوراً فناداهم صاحب الناقة أن خلوا بيني وبين ناقتى فإني أرفق بها وأعلم فتوجه إليها صاحب الناقة بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها هوناً هوناً حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها
الناس
واستوى عليها
وإنى لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار ا هـ لقد كانت نفس رسول الله الله رحيمة حتى
مع
الأعداء
أحد لقد قيل له يوم فقال صلوات الله وسلامه عليه إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعاناً وكان إذا سئل أن يدعو على أحد عدل عن الدعاء عليه إلى الدعاء له بالهداية والصلاح وكان يريد باستمرار أن يشعر المسلمون بل الناس على وجه العموم - بالتعاطف فيما بينهم سئل مرة أى الناس أحب إليك فقال أنفع للناس وسئل أي الأعمال أفضل فقال إدخال السرور على المؤمن وقال أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله
وهو في أشد المواقف حرجاً لو لعنتهم يارسول الله !
الناس
وكانت رحمته صلوات الله وسلامه عليه عامة شاملة حتى لقد تناولت الحيوان الأعجم لقد قال - يحث على الشفقة بالحيوان – بينما رجل يمشى فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج منها فإذا هو بكلب يلهث الثرى يأكل الثرى من شدة العطش فقال لقد بلغ بهذا الكلب مثل الذي بلغ بي ثم أمسكه بفيه ثم رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا
فيلا خفه
يارسول الله وإن لنا فى البهائم أجراً قال نعم لكم في كل ذات كبد رطبة
أجر
وقال دخلت النار امرأة في هرة حبستها فلاهي أطعمتها وسقتها
ولاهي تركتها تأكل من خشاش الأرض
لقد كان الرحمة وكان رحمة للعالمين
الكتاب الثالث
السنة الشريفة ومكانتها
عنه
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين
يقول الله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله ۱ ويقول سبحانه وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم
فانتهوا
ويقول فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا
تسليماً ۳
التي
وفي حديث صحيح
أشياء
يقول المقدام بن معدي كرب حرم
يوم خيبر منها الحمار الأهلى وغيره فقال
رسول الله يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدث بحديثي فيقول بيني وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه وماوجدنا فيه حراماً حرمناه وإن ما حرم
رسول الله كما الله حرم
۱ سورة النساء آية ۸۰
سورة الحشرآية ٧ ۳ سورة النساء آية ٦٥
۳۳۳
يجب القراء عادة أن يعرفوا شيئاً عن ظروف تأليف الكتب التي يقرءونها لأن ذلك يضعهم في جو يمهد لهم تقدير الكتاب فى صورة أعمق حيث عرفوا الظروف والملابسات ولأن ذلك يقربهم من جو الكاتب النفسي ويدخلهم نوعا ما في محيطه الخاص فتكون بينهم وبينه - على البعد - بعض أسباب الألفة ومن أجل توضيح ذلك أكتب هذه المقدمة ۱ إن السنة دعوة بالحسنى إلى الرقى الأخلاقى الذى تجرى وراءه الإنسانية المهذبة إنها دعوة إلى التاجر أن يكون صدوقاً فيحشر مع النبيين والصديقين والشهداء وإلى العامل أن يتقن عمله لأن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه وإلى الصانع أن يؤدى العمل كما يجب حيث أخذ الأجر ومن أخذ الأجر حاسبه الله على العمل وهي دعوة إلى الأب باعتباره أباً وإلى الأم في وضعها كأم وإلى الأخ في مهمته كأخ وإلى غيرهم من أفراد المجتمع أن يرعى كل منهم ما وكل إليه من أمر رعيته لأنه مسئول عن رعيته وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته وهي دعوة للناس إلى الأمانة حيث إنه لا إيمان لمن لا أمانة له وإلى الصدق وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإلى الرحمة الرحمة العامة الشاملة وصلوات الله وسلامه على من قال وإنما أنا رحمة مهداة
ومن قال ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وخذ أي خلق كريم تتمنى أن يسير عليه المجتمع – فستجد في السنة دعوة إليه
بوسيلة ما
۱ كان هذا الباب رسالة مستقلة طبعت في كتب مستقلة
٣٣٤
٣٣٥
وهي في هذه الدعوة تنبه دائماً إلى دور ا الأمة الإسلامية في الأخلاق العالمية
إن دورها إنما هو دور الرائدة الراعية وعلى الرائد دائماً أن يكون المثل الأعلى
والأسوة الكريمة والقدوة الصالحة
ولقد كان رسول الله لا الله الصورة الحية الناطقة التي طبقت كمبادئ إنسانية ممكنة – الخلق الذي رسمه الله وأحبه للإنسانية جمعاء والذي عبرت عنه السنة أجمل تعبير وأبلغه ومن أجل هذا التقدير الكريم للسنة الشريفة كان العلماء المستنيرون في كل عصر - يجاهدون من ومن أجل مكارم الأخلاق التي تعبر عنها وكان هؤلاء العلماء - علماء السنة - يعرفون بسيماهم فقد كانوا من الزهد في حطام الدنيا بحيث لا ينازعون الناس في دنياهم
أجلها
لقد كانوا مشغولين عن جمع المال بخدمة الدين وكانوا مشغولين عن الجاه بغرس الخلق الصالح الكريم وكانوا مشغولين عن السلطان بمن بيده السلطان يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء مالك الملك ذى الجلال والإكرام
وكانوا صادقين لقد كان الصدق ديدنهم وفطرتهم وكانوا صابرين على الحياة وصابرين على العمل لقد أقاموا نهارهم وأسهروا ليلهم عملا على مرضاة الله ورسوله الله
والمثل الذي نحب أن نسوقه - كصورة لهؤلاء القوم – هو الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه إنه المحدث الذى حاول أن يكون صورة صادقة لما كان عليه الرسول الله في الزاوية الأخلاقية
وسيرة الإمام رضوان الله عليه مثل أعلى فى التمسك بما يراه حقا وفى الصبر على
ما يناله في سبيل التمسك بالحق
على أن كل من تشبع بالسنة حقًّا إنما هو صورة قريبة بقدر المستطاع من الإمام
أحمد
ولقد كان الإمام البخارى وغيره ممن أشربت نفوسهم حب ا السنة أمثلة كريمة للخلق الكريم
٣٣٦
والأمثلة الكريمة للخلق الكريم هدف دائماً لسهام النماذج الأثيمة التي استهواها الشيطان في قليل أوفى كثير إنها النزاع الدائم بين الفضيلة وأصحابها وبين الممثلين لنزعات الهوى والضلال
ولولا وجود هذه المثل العليا لمكارم الأخلاق في كل عصر لفقدت الإنسانية
الثقة بنفسها ولما اطمأن إنسان لإنسان ولما وثق شخص بآخر ! لقد ربت السنة رجالاً وخصائصها التي ربت بها الرجال قائمة فيها لأنها من طبيعتها ومن ذاتها ولقد شاهدت الإنسانية واعترفت بسمو هؤلاء الرجال وأولهم ثقتها وتقديرها إن الإمام أحمد بن حنبل وإن الإمام البخاري وإن أمير المؤمنين في الحديث الإمام سفيان الثورى وأمثال هؤلاء رضى الله عنهم منارات يهتدى بهم عشاق المثل العليا الأخلاقية
لا بد إذن من العمل على نشر السنة وإذاعتها ومحاولة الإكثار من النفوس التي
تتشربها وتحققها وتتمثلها وتحياها
لا بد من نشرها وطنية
ولا بد من نشرها إنسانية لأنها تعبر عن أرقى مستوى إنسانى
ولابد من نشرها ديناً
ولابد من نشرها ذوقاً أدبياً
يوم
ولابد من نشرها للثروة اللغوية ومن أجل ذلك تكونت دار الحديث " وهى دار أسست على التقوى من أول ولقد دعا إليها السيد/ حسن عباس زكي وزير الاقتصاد واستجابت له طائفة من العاملين فى المجال الدينى
ولقد ظفرت الدار من أول أمرها بتشجيع ولاة الأمور لقد ظفرت بوعد من السيد نائب رئيس الوزراء للثقافة والإرشاد أن يفسح لها مجالاً في التليفزيون لبرنامج أسبوعى بعنوان من هدى الرسول الله
وبوعد من السيد نائب رئيس الوزراء للأوقاف - أن يساعدها المساعدة الفعالة
۳۳۷
التي تجعل الدار في سعة من حيث طبع ماتراه صالحاً لنشر السنة وتدعيم جوها الفكري والروحي واللغوى وما من شك فى أن للسنة جوا فكريا فالرسول يتحدث عن إصلاح المجتمع وعن عوامل الهدم التى تعمل على تقويضه وعن عوامل البناء التي تعمل على إقامته على قواعد سليمة ويتحدث عن النظم التي ينبغى تسود المجتمع وعن الأوضاع التي يجب أن تستقيم
الإنساني
وللسنة
جو
لغوى فالرسول قد أوتى جوامع الكلم وكلامه عل أبلغ الكلام البشرى ونشر السنة عامل من أهم العوامل على ترقية اللغة التي يكتب بها الكتاب وعلى وضع الناشئين والمثقفين في وضع أدبى ممتاز من حيث اللغة ومن حيث الأسلوب
وللسنة جو روحي إنها تهذيب للنفس وتربية للروح وسمو بالأخلاق إلى درجة لاتجارى و على من قال
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
ورحم
الله شوقى إذ يقول
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هو ذهبت أخلاقهم ذهبوا ومن أجل ذلك كله كان نشر السنة واجباً دينياً وعملاً اجتماعياً كريماً وواجباً وطنياً حتمياً وإصلاحاً أخلاقياً سامياً
أن
تعمم
وهو على كل حال ضرورة وطنية ملحة في عصر تحاول الرذيلة فيه الانحلال الخلقى في كل أسرة وفى كل بيت ويحاول الفساد أن يأتى على مقدسات الأمة ومقوماتها من عرض وشرف وكرامة
ومن أجل كل هذه المعانى أيضا تكونت دار الحديث
ونعود فنقول - زيادة فى الإيضاح - إن دار الحديث لم تتكون كدار للبحث العلمي فحسب - وما من شك في أن البحث العلمي في السنة من أهم
أغراضها - وإنما تكونت من أجل
الفن في السنة أي بلاغتها وجمالها
۳۳۸
ومن أجل الأخلاق في السنة ومن أجل التشريع وبيان التشريع
وتكونت حبا فى صاحب السنة صلوات الله وسلامه عليه الذى
رسم
بسلوكه
وبقوله أسمى ما يمكن أن تصل الإنسانية إليه في مختلف عصورها لقد أحب الله للإنسانية مثالاً أخلاقياً كريماً رسمه سبحانه في القرآن الكريم قولاً فكان الرسول الله الصورة التطبيقية الكاملة للرسم الإلهى وكان بذلك الإنسان
الكامل
لقد كان المثل الأعلى فى الرحمة والمثل الأعلى في الكفاح والمثل الأعلى في الصبر والمثل الأعلى المجاهد المتفائل والمثل الأعلى في الصدق في الإخلاص
في الوفاء في البر في الكرم
ولقد وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله
وإنك لعلى خلق عظيم القلم / ٤
ولاريب في أن الأمة الإسلامية حينما تقتدى بالرسول ل إنما تقتدى بأعظم البشر رجولة وإنسانية
وتقتدى بمن أحب الله سبحانه أن تقتدى به لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً الأحزاب / ٢١
وإن العمل على نشر السنة إنما هو توجيه للاقتداء بالرسول
الفصل الأول
وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً
ه سورة سبأ من آية ٢٨
خاتم الأنبياء
يقول الله تعالى لرسوله الكريم
وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا سبأ ٢٨
وما كانت هذه الرسالة العامة لأحد من الرسل من قبله فموسى عليه السلام أرسل لبني إسرائيل خاصة لقد اقتصرت دعوته على بني إسرائيل لدرجة أنه حينما
ذهب هو وهارون عليهما السلام إلى فرعون قالا له
إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل طه / ٤٧
فموسى ذهب إلى فرعون ليرسل معه بني إسرائيل ولم يكافح سيدنا موسى الشعوب أو الأمم فى سبيل دعوته
على حد
وعيسى عليه السلام إنما أرسل إلى خراف بني إسرائيل الضالة تعبيرهم القديم ولم يحاول سيدنا عيسى أن يبشر بدعوته خارج فلسطين ولم يحاول أن يجاهد من أجلها أما رسول الله الله فإنه أرسل إلى الناس جميعاً إنه أرسل إلى الناس جميعاً من حيث المكان وأرسل إليهم جميعاً من حيث الزمان فهو الرسول الدائم زماناً ومكاناً قل يأيها الناس إلى رسول الله اليكم جميعا
وقد تكفل الله تعالى بحفظ الكتاب الذى أنزله على رسوله ضماناً لهذا العموم في الزمان وفى المكان وتحقيقاً له إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
الحجر/ ۹
ومن أجل هذا الوعد بحفظ الوحى كاملاً غير منقوص صحيحاً غير مزيف – كانت الحكمة الإلهية فى أن الإنسانية لاتحتاج إلى رسول بعد الرسول ولا إلى نبي
بعد النبي إنه صلوات الله وسلامه عليه خاتم الرسل وخاتم الأنبياء ولقد امتزج رسول الله الله برسالته الخالدة فكان هو هى شرحاً وتفصيلاً وكانت هي هو بياناً لمعدنه وجوهره وخلافة له ونيابة عنه
٣٤٠
٣٤١
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها لقد كان خلقه القرآن وهذه الكلمة من السيدة عائشة رضوان الله عليها تحتاج إلى تحديد وبيان ذلك أن القرآن يحدد الخلق الكريم في حده الأدنى ثم لا يقتصر على ذلك وإنما يرسم القمم من مكارم الأخلاق ويوجه إلى السنام منها ويقود إلى المشارف العليا من
درجات المقربين
فهل تريد السيدة عائشة رضوان الله عليها حينما تصفه الله بأن خلقه القرآن - هل تريد الخلق الكريم في حده الأدنى أو تريده فى حده الأوسط أو تريده في حده
الأسمى إن القرآن يحدد الدرجة التي وصل إليها الرسول ع ل من الخلق القرآني فيقول سبحانه الرسوله وإنك لعلى خلق عظيم القلم / ٤ هذه الآية القرآنية الكريمة تحدد درجة الأخلاق القرآنية التي وصل إليها الرسول
إنها ذروتها وسنامها
أول المسلمين
ولقد قال صلوات الله وسلامه عليه إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
إنه لا بعث ليتمم المكارم الأخلاقية ليتممها بذاته بسلوكه وليتممها بقوله
برسالته
إنه لم يبعث لينشر الأخلاق الكريمة فحسب وإنما بعث ليتمم مكارمها ومكارم الأخلاق لم تكن - قبل الرسول صلوات الله وسلامه عليه – قد تمت إن أول المسلمين لم يكن قد وجد بعد وكانت بذلك مكارم الأخلاق ناقصة كان ينقصها أكمل صفة لمكارم الأخلاق وهي إسلام الوجه الله إسلاماً تاماً إن الكائنات لم تكن قد وصلت - لا في نبي مرسل ولا في ملك مقرب – إلى الذروة من إسلام الوجه لله
٣٤٢
والذروة من إسلامنا الوجه لله أو أول المسلمين - والتعبيران سواء - إنما هي الذروة من مكارم الأخلاق إنه الكائن الربانى إنه أول المسلمين أولهم بإطلاق أولهم بالنسبة للملائكة وأولهم بالنسبة لبنى آدم أولهم قديماً إلى الأبد إن أول المسلمين لم يكن قد وجد بعد وكانت الإنسانية بذلك ناقصة وكانت الكائنات كلها بذلك ناقصة
كان الكون مادة ومعنى كان ينقصه أن تتعطر أرضه بأزكى الأجساد وأن يتعطر جوه بأزكى الأرواح وكان لابد من وجود كائن بهذه المثابة يكمل الله به الدين ويتم به النعمة ويرضى رسالته عاماً خالداً للإنسانية جمعاء هو إسلامه الوجه الله
وينزل القرآن محدداً إسلام الوجه الله وسائل ومحدداً إسلام الوجه الله غايات محدداً إسلام الوجه الله طرقاً وأساليب ومحدداً له بواعث وأهدافاً ومن هنا كان من يبتغى غير الإسلام ديناً لا يقبل منه يقول الله تعالى ومن يبتغ غير الإسلام ديناً
فلن يقبل منه ۱ وكيف يقبل منه ما ينافي إسلام الوجه الله إن إسلام الوجه لله هو الذروة من مكارم الأخلاق وهو جوهر التدين إنه الدين القيم إنه الدين الخالد والنص الوحيد النص الإلهى الفريد في العالم كله الذي يبين كيفية إسلام الوجه لله - إنما هو القرآن وإذا وصل الإنسان إلى إسلام الوجه الله كان بذلك في ذروة الإنسانية وفى الذورة من مكارم الأخلاق ويتفاوت الناس فى إسلام وجوههم لله ولابد من أن يكون أحدهم أول
المسلمين فكان رسول الله أولهم بإطلاق مطلق قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتى لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين
ولم يصف القرآن بأول المسلمين شخصاً آخر غير الرسول الله ومكارم الأخلاق لا يحدها - من حيث التبشير بها - مكان ولا بحدها زمان
۱ سورة آل عمران آية ٨٥
سورة الأنعام آيتا ١٦٢ - ١٦٣
٣٤٣
بل لا يحدها عالم من عوالم الله فى الأرض أو السماء ومن أجل ذلك كانت رسالته
صلوات الله عليه وسلامه رحمة للعالمين
من
بقوله تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحمة للعالمين الأنبياء / ١٠٧
جعل
مكانة الرسول عند ربه ورسول الله الله - لأنه يمثل الأخلاق القرآنية فى ذروتها وسنامها - الله سبحانه وتعالى له مكانة خاصة بين المسلمين فهو صلوات الله وسلامه عليه لأنه تمثل القرآن وحققه وأصبح قرآنا - أصبح بذلك يمثل الحق بقوله ويمثل الحق بعمله فلا ينطق عن الهوى ولا يعمل بالهوى
يقول الله تبارك وتعالى له معبراً عن هذه الحقيقة أروع تعبير وإنك لتهدى إلى
صراط مستقيم صراط الله الشورى / ٥٢ - ٥٣ ويقول الله تعالى لرسوله له قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً الأنعام/ ١٦
بل إن طريق الدعوة نفسه كان صلوات الله وسلامه عليه يسير فيه معصوماً وكل من يسير في الدعوة على نسقه إنما يسير معصوماً بعصمة الرسول التي منحها الله تعالى إياه قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى يوسف / ۱۰۸
ودعوته إذن وطريق دعوته يسير فيهما على هدى وعلى نور من ربه ولذلك فإن من يطع الرسول فقد أطاع الله النساء/ ۸۰
ويعمم
ويطلقه إطلاقاً فيقول سبحانه الله سبحانه الحكم تعميماً وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا الحشر/ ٧
ويقول تعالى وإن تطيعوه تهتدوا النور / ٥٤
واتباع الرسول الله علامة على محبة الله تعالى لمن يتبعه وسبب في حبه تعالى له
٣٤٤
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ۱ إن حب العبد الله لا يفيد مالم يتخذ العبد الوسيلة الناجعة لذلك وهذه الوسيلة هي اتباع رسول الله الله
ولقد قال الله سبحانه وتعالى فى حديث قدسي رواه الإمام البخاري من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ومايزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه وهذه النوافل التي ذكرت في الحديث الشريف والتي إذا أكثر الإنسان منها بعد أداء الفرائض أحبه الله - إنما هى سلوك رسول الله الله إنها طريق رسمه صلوات الله عليه وسلامه بقوله وبعمله إنها سننه صلوات الله وسلامه عليه التي سنها لينال الإنسان بها محبة الله سبحانه
من مكانة رسول الله له عند ربه أيضاً
وأحب الله سبحانه رسوله الله وكان هذا الرسول بعبوديته الله سبحانه حبيب الله وبلغ الرسول صلوات الله عليه وسلامه بعبوديته التامة درجة أول المسلمين كما سبق أن ذكرنا ولما كان أول المسلمين وكان حبيب الله ونبيه ورسوله - ميزه الله سبحانه وتعالى على بقية البشر بكونه خيرهم وهذا التمييز لا يخرجه صلوات الله عليه وسلامه عن البشرية فهو بشر وهو خير البشر ومنتهى القول فيه أنه بشر - وأنه خیر خلق
الله كلهم ولأنه خير البشر يقول الله تعالى مخاطباً المؤمنين لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا النور/ ٦٣ إن الإنسان الذي خصه الله بالوحى واجتباه لرسالته واصطفاه ليكون - باسمه سبحانه – بشيراً ونذيراً - إن هذا الإنسان الذي فضله الله على العالمين يجب أن نعرف له مكانته وننزله فى الشرف الذى أنزله الله فيه إن هذا السراج المنير إن
۱ سورة آل عمران آية ۳۱
٣٤٥
هذا الرءوف الرحيم – ينبغى ألا يدعى كما يدعى زيد وعمرو بمعنى لا تنادوه باسمه فتقولوا يا محمد ولا بكنيته فتقولوا يا أبا القاسم بل نادوه وخاطبوه بالتعظيم والتكريم والتوقير بأن تقولوا يارسول الله ياني الله يا إمام المرسلين يارسول رب العالمين يا خاتم النبيين وغير ذلك
واستفيد من هذه الآية - كما يقول الشيخ الصاوى في حاشيته على تفسير الجلالين – أنه لا يجوز نداء النبى بغير ما يفيد التعظيم لا في حياته ولا بعد وفاته فبهذا يعلم أن من استخف بجنابه الله فهو كافر ملعون في الدنيا والآخرة ا هـ ويقول الله سبحانه في أول سورة الحجرات
يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله أي لا تقدموا بأمر من الأمور قولاً كان أو فعلاً إلا إذا أذن الله ورسوله وكل أمر قولاً كان أو فعلاً أتاه الإنسان بدون إذن الله ورسوله فإنه لا يقع على السنن المستقيم يقول الضحاك عن ذلك هو عام فى القتال وشرائع الدين أي لا تقطعوا أمراً
دون الله ورسوله
الله سميع عليم الحجرات/ ١
واتقوا الله إن يأيها الذين آمنو لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض الحجرات/ واحذروا إن فعلتم ذلك أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون الحجرات/ ٢ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم الحجرات/ ٣ أما هؤلاء الذين أساءوا الأدب دون أن يقصدوا فأخذوا ينادونك من وراء الحجرات مناداة الأعراب الأجلاف فإن عقولهم – في الأغلب الأعم – ناقصة إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى
تخرج إليهم لكان خيراً لهم والله غفور رحيم الحجرات/ ٤ - ٥
على
مجرد الرغبة في الحديث إلى رسول الله لا يحتاج تنفيذها إلى تقديم
صدقة يقول الله تعالى في سورة المجادلة
٣٤٦
خير
يأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ذلك لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم المجادلة/ ١٢ وتدل الآية الكريمة على أن ترك تقديم الصدقة إثم لأن من لم يجد الصدقة فإن موقف الله سبحانه منه - لعدم قدرته - المغفرة والرحمة ولا تكون المغفرة والرحمة إلا على إثم أتاه الإنسان
وعدم
توفر الاستطاعة سبب في مغفرة الله سبحانه
أأشفقتم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات المجادلة / ١٣ وإذا حملكم خوف الفقر على ألا تفعلوا وإذا قادكم الضعف الإنساني إلى ألا تنفذوا ذلك ثم ندمتم واستغفرتم - فتداركوه حتى يتوب الله عليكم وأثبتوا حسن نيتكم وصفاء سريرتكم بأن تقيموا الصلاة على الوجه الأكمل وتؤتوا الزكاة طيبة بها نفوسكم وتطيعوا الله ورسوله فى الصغير والكبير وما من ريب في أن الله سبحانه خبير بكل ما تعملون يقول تعالى أأشفقتم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ١ وبعد فيقول رسول الله الله أنا سيد ولد آدم ولا فخر
6
ويقول الله تعالى يأيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً
منيراً وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيراً ٢ هذا جانب من مكانة الرسول الالالالالاله التى أحبها الله له والتي نبه عليها سبحانه في كتابه العزيز
طاعة رسول الله من طاعة الله
وجانب آخر أحبه الله تعالى لرسوله نريد أن نبينه وهو أن الله سبحانه وتعالى قد
۱ سورة المجادلة آية ١٣
الأحزاب الآيات ٤٥ - ٤٧
٣٤٧
فرض طاعة رسوله لا مقرونة بطاعته بل لقد ذكرها الله سبحانه وتعالى وحدها باعتبارها فرضاً
ويقول الله تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ۱ ويقول الله تعالى يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ٢
ويقول سبحانه قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب
الكافرين ۳ وفى هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن الإعراض عن طاعة الله أو عن طاعة
الرسول كفر وما من شك فى أنه كفر ذلك أن الإيمان من أركانه الإيمان برسول الله الله وبأن كل ما أتى به صدق فالتولى عنه استخفافاً أو جحوداً وإنكاراً أو عناداً ومماراة - ذلك كله كفر يخرج به المعرض عن دائرة
الإسلام يقول الله تعالى في طاعة الرسول صلوات الله وسلامه عليه حينما يفرده
بالحديث
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ٤ ويقول تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ٥
ويجعل سبحانه وتعالى طاعة الرسول الله طاعته فيقول سبحانه من يطع الرسول فقد أطاع الله ٦ ويجعل بيعته صلوات الله وسلامه عليه
بيعة الله فيقول سبحانه
1 سورة الأحزاب آية ٣٦
سورة الأنفال آية ٢٤ ۳ سورة آل عمران آية ۳
٤ سورة النساء آية ٦٥ ٥ سورة النورآية ٦٣ ٦ سورة النساء آية ۸۰
٣٤٨
إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث
0
على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيماً ١ وطاعة رسول الله لعل الله إنما هي فيما افترضه الله سبحانه أو سنه وفيما افترضه رسوله صلوات الله عليه وسلامه أو سنه وقد تابع الرسول علا الله القرآن الكريم في بيانه لمنزلة السنة ووجوب اتباعه الله فيما سنه فلقد حث رسول الله الله على تبليغ السنة ونشرها فقال فيما رواه أبو داود والترمذي عن زيد بن ثابت نصر الله وجه امرئ سمع مقالتي فحفظها ووعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع وروى في معناه من طريق آخر رحم الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها قرب مبلغ أوعى من سامع وكان رسول الله الا الله يأمر الصحابة أن يبلغ الشاهد منهم الغائب فيقول فيما رواه أبو بكر ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب ولقد روى الحاكم والبيهقي أن رسول الله الله قال تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتى ويقول رسول الله لا الله في خطبة الوداع إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ولكن رضى أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروا
إنى تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا أبداً كتاب الله وسنتى ويبين رسول الله ع فيما رواه البخاري عن أبي هريرة أن المسلمين سيدخلون الجنة إلا من لا يرغب منهم في ذلك يقول كل أمتى يدخل الجنة إلا من أبى قالوا يارسول الله ومن يأبى قال من أطاعنى دخل الجنة ومن عصاني فقد أبي
۱ سورة الفتح آية
٣٤٩
مكانة السنة من القرآن
وسنة رسول الله له لها مكانتها بالنسبة إلى القرآن ولها مكانتها بالنسبة إلى
التشريع
إنها المصدر الثاني - بعد القرآن - للإسلام إنها المصدر الثاني للإسلام باعتباره عقيدة والمصدر الثانى للإسلام باعتباره تشريعاً والمصدر الثاني للإسلام باعتباره أخلاقاً
أما منزلتها بالنسبة إلى القرآن فإنها على حسب ما يقول الإمام الشافعي وسنن رسول الله الله مع أحدهما نص كتاب فاتبعه رسول الله كما أنزل الله
كتاب الله وجهان
والآخر جملة بين رسول الله فيها عن الله معنى ما أراده بالجملة وأوضح كيف فرضها عاماً أو خاصا وكيف أراد أن يأتى به العباد وكلاهما اتبع فيه
كتاب الله
نص
وفي كلمة أخرى يبين الإمام الشافعى الوجهين فيقول أحدهما ما أنزل الله فيه كتاب فبين رسول الله مثل مانص الكتاب والآخر مما أنزل الله فيه جملة
من
كتاب فبين رسول الله معنى ما أراد وهذان الوجهان لم يختلف فيهما أحد الفقهاء ولا من المحدثين يقول الإمام الشافعى وهذان الوجهان اللذان لم
يختلف فيهما "
والوجه الأول بين بنفسه
إنه من الواضح أن رسول الله الا الله كان يبين القرآن عقيدة وشريعة وأخلاقا على وجوه شتى وعلى أنحاء مختلفة وعلى أساليب تختلف في الإيجاز والإسهاب بحسب حالة المخاطب يقول الله تعالى
وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم النحل/ ٤٤
رسول كان يبين للناس مانزل إليهم بسلوكه وبقوله وبإقراراته يقول
٣٥٠
عنه
صلوات الله عليه وسلامه ماتركت شيئاً مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به ولا تركت شيئاً مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم ولكن بيان رسول الله اللهم كان يشتمل أيضاً على بيان ما أجمل في كتاب الله وهذا الوجه كثير فى السنة
يقول الإمام الشافعي رضى الله عنه قال تبارك وتعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً النساء/ ۱۰۳ وقال وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة البقرة/ ٤٣
وقال وأتموا الحج والعمرة لله البقرة/ ١٩٦
ثم بين على لسان رسوله عدد ما فرض من الصلوات ومواقيتها وسننها وعدد ركعاتها والزكاة ومواقيتها وكيف عمل الحج والعمرة وحيث يزول هذا وتختلف سنته وتتفق ولهذا أشباه كثيرة في القرآن والسنة اهـ
ويثبت
وقد كان رسول الله الله يبين كيفية الصلاة بقوله وعمله كان يبين أوقاتها وأركانها وعدد ركعاتها وافتتاحها وترتيب حركتها بعد الافتتاح ويقول له صلوا كما رأيتموني أصلى ويبين رسول الله اللهم مناسك الحج أركانه وواجباته وسننه ويقول خذوا عني مناسككم
6
وفرض الله سبحانه وتعالى الزكاة ولم يبين مقادير لها ولم يذكر بالتفصيل الزروع والثمار والأموال التي تجب فيها الزكاة فبين رسول ا ذلك كله وطبقه ولقد بينت السنة أن القاتل لا يرث وأن الوصية لا تكون في أكثر من الثلث
وأن الدين يقدم على الوصية هذا وكثير غيره مما بينته السنة عن عمران بن حصين رضى الله عنه أنه قال لرجل يريد أن يقتصر على القرآن دون السنة إنك امرؤ أحمق ! أتجد فى كتاب الله الظهر أربعاً لا يجهر فيها بالقراءة ثم عدد عليه الصلاة والزكاة ونحو هذا ثم قال أتجد ذلك في كتاب الله مفسراً إن كتاب الله أبهم هذا قال والسنة تفسر ذلك
ولقد قيل المطرف بن عبد الله بن الشخير لا تحدثونا إلا بالقرآن
٣٥١
قبل
فقال والله مانبغى بالقرآن بدلاً ولكن نريد من هو أعلم منا بالقرآن ويقول الإمام الشافعى رضى الله عنه ومن قبل عن رسول الله فعن الله لما افترض الله من طاعته
مكانة السنة من التشريع ورسول الله ل يشرع - عن الله تعالى - فيما لانص فيه من كتاب الله روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذى وغيرهم أن رسول الله له بعث معاذ بن جبل رضى الله عنه إلى اليمن فقال له كيف تقضى إذا عرض لك
قضاء
قال أقضى بكتاب الله
قال فإن يكن في كتاب الله
قال فبسنة رسول الله
قال فإن لم يكن في سنة رسول الله
قال أجتهد رأيي ولا آلو
فضرب رسول الله له على صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول
موسی
الله لما يرضى رسول الله وسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه في رسالته في القضاء إلى أبي الأشعري رضي الله عنه التي بدأها بقوله سلام عليك أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة
يقول سيدنا عمر في هذه الرسالة الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة فجعل سيدنا عمر السنة مصدراً من مصادر التشريع
ولقد سئل سيدنا أبو بكر رضى الله عنه عن ميراث الجدة فقال مالك في كتاب الله من شيء ولكن اسأل الناس فسألهم فقام المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة فشهدا أن النبي أعطاها السدس
٣٥٢
ولم يكن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلم سنة الاستئذان حتى أخبره بها أبو موسى رضى الله عنه ۱
4
ولم يكن يعلم أن المرأة ترث من دية زوجها حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان أمير رسول الله ل على بعض البوادى يخبره أن رسول الله ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها ولم يكن يعلم حكم المجوس في الجزية حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب
معه
ولما قدم سرغ وبلغه أن الطاعون بالشام واستشار المهاجرين الأولين الذين ثم الأنصار ثم مسلمة الفتح فشار كل عليه بما رأى ولم يخبره أحد بسنة حتى قدم عبد الرحمن بن عوف فأخبره بسنة رسول الله لا في الطاعون وأنه قال إذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً وإذا سمعتم به بأرض فلا
تقدموا عليه
منه
وهذا عثمان رضى الله عنه لم يكن عنده علم بأن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيت زوجها حتى حديته الفريعة بنت مالك أخت أبى سعيد الخدرى بقضيتها لما توفى زوجها وأن النبي الله قال لها
امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله فأخذ به عثمان
ولقد روى الحاكم مايلي
حرم رسول الله لعل الله أشياء يوم خيبر منها الحمار الأهلى وغيره
فقال رسول الله الله " يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته فيحدث بحديثي فيقول بيني وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه وما وجدنا فيه حراماً حرمناه وإن ماحرم رسول الله له كما حرم الله
عنه
ويقول رسول الله الله فيما رواه أبو داود عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمرى مما أمرت به أو نهيت لا أدرى ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه
فيقول
1 فبين له الاستئذان ثلاثاً فإذا لم يؤذن له انصرف
٣٥٣
روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن المقدام بن معد يكرب قال قال رسول الله " ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا وإن ماحرم رسول الله له كما الله
حرم
وعن حسان بن عطية أنه قال كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله
بالسنة كما ينزل عليه القرآن ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن
وعن مكحول قال قال رسول الله آتاكم الله القرآن ومن الحكمة مثليه أخرجها أبو داود في مراسيله وقيل لمطرف بن عبد الله بن الشخير لا تحدثونا إلا بالقرآن فقال والله مانبغى بالقرآن بدلاً ولكن نريد من هو أعلم منا بالقرآن وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد فقالت يا أبا عبد الرحمن بلغنى أنك لعنت كيت وكيت فقال ومالى لا ألعن من لعنه رسول الله الله وهو فى كتاب الله فقالت المرأة لقد قرأت ما بين لوحى المصحف فما وجدته فقال لئن كنت قرأته إنك وجدته أما قرأت وما آتاكم الرسول فخذوه ومانها كم عنه فانتهوا قالت بلى قال فإنه قد نهى عنه رسول الله الله وبعد أن يذكر الإمام الشافعي الوجوه الثلاثة
١ - بيان السنة للكتاب على ما فى الكتاب
٢ - بيان السنة لمجمل الكتاب
ما بين رسول الله فيا ليس فيه نص كتاب
يقول وذلك مانريد أن ننتهى إليه وهو بين في وضوح من كل ما ذكرنا وأى هذا فقد بين الله أنه فرض فيه طاعة رسوله ولم يجعل لأحد من خلقه عذراً بخلاف أمر عرفه من أمر رسول الله وأن قد جعل الله بالناس كلهم الحاجة إليه في
1 سورة الحشرآية ٧
٣٥٤
دينهم وأقام عليهم حجته بما دلهم عليه من سنن رسول الله معانى ما أراد الله بفرائضه في كتابه ليعلم من عرف منها ما وصفنا - أن سـ سنته إذ كانت سنة مبينة عن الله معنى ما أراد من مفروضه فيا فيه كتاب يتلونه وفيما ليس فيه نص کتاب آخر - فهي كذلك أين كانت لا يختلف حكم الله ثم حكم رسوله بل هو لازم بكل حال
الفصل الثاني
تدوين
السنة
بدأ رسول الله الله في العهد المكي يبشر بالقرآن الكريم ورسالة التوحيد سراً ثم جهراً وكان الرسول معه الا الله ويلقى بالأضواء كلها على القرآن ۱ - ذلك أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى وهو بأسلوبه معجز وهو بمعناه يأخذ بالأفئدة وهو بعظاته يملك القلوب وهو بمنطقه يسيطر على العقول ٢ - ثم إن موضوع القرآن فى هذه الفترة كان موضوعاً محدداً لقد كان جملة من القضايا يتصل بالغيب الغيب الإلهى أو - بتعبير آخره توضح العقيدة توحيداً ورسالة وبعثاً
وكان أسلوب القرآن فى ذلك واضحاً لا لبس فيه بيناً بياناً سافراً - وخشي رسول الله الا الله أن يضيف بعض الناس شيئاً من كلامه إلى القرآن ويخلطوه به وربما أسرفوا فى هذه الإضافة فلا يستبين الناس الفواصل والفروق بين الأسلوب القرآني والإلهى والأسلوب النبوى حينما يتلونها في أول العهد بالإسلام ممتزجين لا تمييز بينهما
تجعله
إن معالم الأسلوب القرآنى واضحة وكلام الله سبحانه أينما كان يتميز بصفات يسمو بمعزل من غيره
ولكن لابد من إيجاد الفرصة الكافية لترتسم هذه المعالم في النفوس أى لابد من تقديم القرآن خالصاً صافياً لا يمتزج به غيره لابد من تقديمه كما أنزل فى ثوبه الإلهى البحت حتى تصبح المعالم معالم الإعجاز المعجز بينة سافرة من أجل ذلك نهى رسول الله علي الله عن كتابة حديثه صلوات الله وسلامه
عليه
- على أن هذه الآيات القرآنية فى العهد المكى وهي تشرح التوحيد توحيد الله في الذات وتوحيد الله في الصفات - إنها وهى تشرح الهيمنة الإلهية على الكون على العوالم جميع العوالم - ليست في حاجة إلى بيان أوضح أو إلى تعبير أقوى
٣٥٦
٣٥٧
بل إنه لا يتأتى أن يكون هناك بيان أوضح أو تعبير أقوى
إنها وهى تهدم الشرك وتدك حصونه – تقول مثلا قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الله خير أما يشركون أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدى رحمته أإله مع الله تعالى عما يشركون أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع لله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صاقين ١
إنها حينما تقول ذلك لا تحتاج إلى شرح أو تفسير
وهي حينما تتحدث عن البعث فتقول
ونفخ في الصور فصعق من فى السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس
ما عملت وهو أعلم بما يفعلون ۱ ليست بحاجة إلى شرح أو تفسير
وهي حينما تتحدث عن الرسول الله ونزول القرآن عليه فتقول نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين
الشعراء / ١٩٣ / ١٩٥
ليست بحاجة إلى شرح أو تفسير ثم هي حينما تقول ترغيباً وتبشيراً
۱ سورة العمل الآيات ٥٩ - ٦٤ سورة الزمر الآيات ٦٨ - ٧٠
٣٥٨
إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكثون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب
رحم ۱
سمعهم
ليست بحاجة إلى شرح أو تفسير
وحينما تقول موعظة وإنذاراً
ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا الجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تسترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذى ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ليست بحاجة إلى شرح أو تفسير ثم إن الموضوعات التي تتحدث فيها هذه الآيات المكية – موضوعات غيبية والموضوعات الغيبية دقيقة وغاية فى الدقة فهل إذا تحدث الرسول الله في هذه الموضوعات ونقل عنه هؤلاء شفهياً - وهم حديثو عهد بالإسلام وقريبو عهد بالجاهلية الوثنية - فهل سيحسنون التعبير عنها أو سيقولونها كما تحدث بها الرسول فى دقته الدقيقة وفهمه الواعى عن الله سبحانه وتعالى من أجل كل ذلك أمر رسول الله لا اله الا يكتب عنه غير القرآن وحكمة هذا الأمر وتعليله واضح كل الوضوح مما ذكرنا
ولكن في فترة العهد المدنى تغير الوضع ها هو ذا الإسلام ينتشر انتشاراً واسعا وسريعاً وها هي ذي الامة الإسلامية الناشئة المؤمنة القوية تبعث الأمل واسعاً فى أن الله سينتشر في الآفاق دین وسيعم نوره الأقطار وستحطم كلمة الحق صروح الباطل وسيتم الله نوره ولو كره
المشركون
وسيعم
لألاوه
برغم
أنوف الكافرين
1 سورة يس الآيات
سورة فصلت الآيات ١٩ - ٢٤
٣٥٩
ومن أجل هذه الأمة بدأ الوحى ينزل إرسالا إرسالا بالتشريع في جميع ألوانه تشريع دولى وتشريح جنائى وتشريع مدنى وتشريع للعبادة وتشريع
للأحوال الشخصية
وحياته
لقد بدأ التشريع الالهى ينظم حياة الفرد عبادا ومعاملة حياته
أمته وحياته الله تعالى
مع
نفسه
مع
لقد أخذ ينظم حياة الإنسان منذ أن يستيقظ في الصباح إلى أن ينتهى به الأمر إلى الصحو من جديد فى صباح تال
وينظم حياته من أسبوع إلى أسبوع ومن شهر إلى شهر ومن عام إلى عام وينظم حياته فى ذاته وينظم حياته في أسرته وينظم حياته في مجتمعه وينظم حياة المجتمع الإسلامي كله في الكون كله وما كان يتأتى أن يتعرض الوحى فى ذلك للتفصيلات المفصلة ولا للجزئيات الجزئية التي لا تحد ولا تحصى ولكنه كان يفصل تفصيلا يشبه أن يكون تاما في الأمور التي تكون عادة مثار النزاع وخصوصاً الماليات كالميراث وكتابة الدين
مثلا
ويضع قواعد عامة شاملة تتضمن الجزئيات المتعددة في موضوعات أخرى وكان
لا بد من أن يستفيض الرسول الله في البيان والشرح والتفسير وكان المسلمون قد ألفوا الجو الإسلامي وألفوا الأسلوب القرآني عرفوا مفهوم الشرك ومفهوم التوحيد وتبينت لهم الفروق الفاصلة بين العلم والجهل وبين الإسلام والجاهلية وبين توجيه الوجه للذى فطر السموات والأرض وتوجيهه للأصنام أو الشهوات أو اللهو ولم يكن هناك من خوف على خلط أسلوب القرآن الكريم بغيره
وكان لابد من تدوين شروح الرسول وتفسيراته لم تكن هناك ظروف توجب عدم كتابة الحديث وكانت هناك ظروف توجب
كتابته
ومن أجل ذلك أباح الرسول الله كتابته بعد أن كان قد نهى عنها
وبدأ الصحابة رضوان الله عليهم يكتبون
روى الإمام البخارى فى كتاب العلم باب كتابة العلم قال حدثنا محمد بن سلام قال أخبرنا وكيع عن سفيان عن مطرف عن
الشعبي عن أبي جحيفة قال قلت لعلى هل عندكم كتاب ! قال لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه
الصحيفة قلت فما في هذه الصحيفة !
قال العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر
ویروى الإمام البخاري حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثناشيبان عن يحيى عن عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن خزاعة قتلوا رجلا من بنى ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه فأخبر بذلك النبي فركب راحلته فخطب فقال
إن الله
حبس عن مكة القتل أو الغيل شك أبو عبد الله وسلط عليهم رسول الله والمؤمنين ألا وإنها لم تحل لأحد قبلى ولم تحل لأحد بعدى ألا وإنها حلت إلى ساعة من نهار ألا وإنها ساعتى هذه حرام لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرها ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد فمن قتل فهو بخير النظرين إما أن يعقل وإما يقاد أهل القتيل
فجاء رجل من أهل اليمن فقال اكتب لي يا رسول الله
فقال اكتبوا لأبي فلان
فقال رجل من قريش إلا الأذخر يا رسول الله فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا
فقال النبي إلا الأذخر إلا الأذخر
قال أبو عبد الله يقال يقاد بالقاف فقيل لأبي عبد الله أي شيء كتب له قال كتب له هذه الخطبة
٣٦١
ويقول البخاري
حدثنا على بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو قال أخبرنى وهب بن منبه عن أخيه قال سمعت أبا هريرة يقول ما من أصحاب النبي الله أحد أكثر حديثاً عنه منى إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب تابعه معمر عن همام عن أبي هريرة انتهى عن البخاري ولقد اشتهرت كتابة عبد الله بن عمرو لكل ما يصدر عن رسول الله له حتى لقد نوقش فى ذلك من بعض القرشيين يقول رضى الله عنه على حسب ما يروى في سنن الدارمي وغيره كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله ا أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا تكتب كل شيء سمعته من رسول الله له ! ورسول الله الا الله بشر يتكلم في الغضب والرضا ! فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله الله فأوماً بإصبعه إلى فيه وقال اكتب فوالذي نفسی بیده ما خرج منه إلا حق
وروى عن أبي هريرة كما يذكر الترمذى - أن رجلا من الأنصار كان يشهد حديث رسول الله الله فلا يحفظه فيسأل أبا هريرة فيحدثه ثم شكا قلة حفظه إلى الرسول الله فقال له النبي الله استعن على حفظك بيمينك أى
بالكتابة
6
وروى عن رافع بن خديج كما يذكر في كتاب تقييد العلم أنه قال قلنا يا رسول الله إنا نسمع منك أشياء أفنكتبها قال اكتبوا ولا حرج على أنه قد روى عن رسول الله له - أنه كتب كتاب الصدقات والديات والفرائض والسنن لعمر بن حزم وغيره كما يروى ذلك صاحب - كتاب جامع بيان العلم وفضله هذا بعض ما كان من الصحابة في عهد الرسول ع لعل الله وتكثر الروايات فما كان من كتابة الصحابة بعد انتقاله صلوات الله وسلامه عليه إلى الرفيق الأعلى ففي مسند الإمام أحمد عن أبي عثمان النهدى قال كنا مع عتبة بن فرقد
فكتب إليه عمر بأشياء يحدثه عن النبي لا فكان فيما كتب إليه
٣٦٢
إن رسول الله الله قال لا يلبس الحرير فى الدنيا إلا من ليس له في الآخرة منه شيء إلا هكذا
وقال بأصبعيه السبابة والوسطى قال أبو عثمان فرأيت أنها أزرار الطيالسة حين رأينا الطيالسة
ولقد كان الصحابة ينقل بعضهم عن بعض فعروة بن الزبير رضي الله عنه ينقل عن خالته السيدة عائشة رضوان الله عليها فتقول له يا بني بلغني أنك تكتب عنى الحديث ثم تعود فتكتبه
فقال لها أسمعه منك على شيء ثم أعود فأسمعه على غيره
فقالت هل تسمع في المعنى خلافاً
قال لا
قالت لا بأس بذلك
وبشير بن نهيك يكتب عن أبي هريرة ويجيزه أبو هريرة بالرواية عنه يقول بشير - كما يذكر كتاب السنة قبل التدوين نقلا عن كتاب المحدث الفاضل وغيره - أتيت أبا هريرة بكتابي الذي كتبته فقرأته عليه فقلت هذا سمعته منك
قال نعم وكان لابن عباس رضى الله عنه ألواح يكتب فيها عن الصحابة مثل أبي رافع صاحب رسول الله الله
بل لقد وصل الأمر بأنس رضى الله عنه الذى لازم رسول الله الملازمة تكاد تكون تامة طيلة عشر سنوات - أنه كان يملى الحديث على جموع من الطالبين فإذا كثر عليه الناس واحتاجوا إلى صحف يكتبون فيها جاء إليهم بها من
عنده فألقاها إليهم ثم قال هذه أحاديث سمعتها وكتبتها عن رسول الله
وعرضتها عليه
6
وكان يقول رضى الله عنه لبنيه يا بنى قيدوا العلم بالكتاب وكان الصحابة يتراسلون فى الأحاديث يستفسرون ويتذاكرون فمعاوية بن
٣٦٣
أبي سفيان رضي الله عنه - يكتب للمغيرة بن شعبة رضوان الله عليه عدة مرات يستفسر عن بعض ما يرويه المغيرة عن رسول الله الله فيجيبه المغيرة بن شعبة مرة عما كان رسول الله الله مثلا يقول في ختام كل
صلاة
اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا راد لما قضيت ولا
ينفع ذا الجد منك الجد ويجيبه مرة أخرى بأن رسول الله له نهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال
عن
ويكتب زياد بن أبي سفيان إلى السيدة عائشة رضوان الله عليها يسألها مسائل تتعلق بالحج ويذكر لها فتوى ابن عباس رضى الله عنه فتكتب له بما كان
ا يفعله في الحج ويصف المرحوم الأستاذ السباعى بعض الجهود التي قام بها الصحابة لجمع الحديث فيقول فى نهاية حديثه عن تلك الجهود فلما كان عهد عثمان سمح للصحابة أن يتفرقوا في الأمصار واحتاج الناس إلى الصحابة وخاصة صغارهم بعد أن أخذ الكبار يتناقصون يوماً بعد يوم فاجتهد
صغار الصحابة يجمع الحديث من كبارهم فكانوا يأخذونه عنهم كما كان يرحل بعضهم إلى بعض من أجل طلب الحديث فقد أخرج البخارى في الأدب المفرد وأحمد والطبرانى والبيهقى واللفظ له عن جابر بن عبد الله قال بلغنى حديث عن رجل من أصحاب النبي الله عن رسول الله الله لم أسمعه فابتعت بعيراً فشددت عليه رحلى ثم سرت إليه شهراً حتى قدمت
الشام فإذا هو عبد الله بن أنيس الأنصاري فأتيته فقلت له حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله في المظالم لم أسمعه فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه فقال سمعت رسول الله الله يقول يحشر الناس غرلا بهما قلنا وما لهم
٣٦٤
قال ليس معهم شيء فيناديهم نداء يسمعه من بعد كما من قرب أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وأحد من أهل الجنة عنده مظلمة حتى أقتصها منه
ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة أحد من أهل النار يطلبه بمظلمة حتى أقتصها منه حتى اللطمة
قلنا كيف وإنما نأتي الله عراة غرلا بهما
قال بالحسنات والسيئات
سمعه
وأخرج البيهقي وابن عبد البر عن عطاء بن أبي رباح أن أبا أيوب الأنصارى رجل إلى عتبة بن عامر يسأله عن حديث سمعه من رسول الله الله لم يبق أحد منه غيره فلما قدم إلى منزله مسلمة بن مخلد الأنصاري – وهو أمير مصر - فخرج
إليه فعانقه ثم قال
ما جاء بك يا أبا أيوب
قال حديث سمعته من رسول الله الله في ستر المؤمن
فقال نعم سمعت رسول الله ل يقول
من ستر مؤمناً فى الدنيا على كربته ستره الله يوم القيامة
ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعاً إلى المدينة فما أدركته جائزة
مسلمة إلا بعريش مصر هـ ولقد وقر في أذهان الناس بصورة راسخة أن السنة لم تدون إلا في القرن الثاني ومن أجل اقتلاع هذه الفكرة الخاطئة أطلنا في نقل بعض النصوص التي تثبت الحقيقة ! وهي أن السنة دونت في القرن الأول فى عهد الرسول وفى عهد الصحابة الأجلاء
ومن أجل زيادة الأمر وضوحاً ومن أجل تأكيد الحقيقة في الأذهان ننقل هنا أيضاً رأى الأستاذ الجليل السيد سليمان الندوى كبير علماء مسلمى القارة الهندية فى هذا العصر ننقله عن كتابه النفيس الرسالة المحمدية وهو محاضرات
القاها في جامعة مدراس
يقول
٣٦٥
وإنى أكشف القناع لأول مرة فى ناديكم هذا - - بأن من زعم أن الأحاديث النبوية لم تدون إلى مائة سنة أو تسعين سنة قد أخطأ والتاريخ يعارضه والسبب في هذا الخطأ ظنهم أن أول كتاب في الحديث النبوى كتاب الموطأ لمالك بن أنس وأول كتاب فى السيرة كتاب المغازي لابن إسحاق وهذان الإمامان الجليلان كانا معاصرين وتوفى الأول سنة ١٧٩ هـ والثاني سنة ١٥١ هـ فاعتبروا العقود الأولى من القرن الثانى بداية تدوين الأخبار والسير والأمر ليس كذلك فإن بواكير التدوين ابتدأت قبل ذلك بكثير وقد كان أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز المتوفى سنة ۱۰۱ عالماً جليلا ولى إمارة المدينة ثم استخلف سنة ٩٩ وقد عهد إلى القاضى أبى بكر بن محمد بن عمر بن حزم - الذي كان إماماً في الحديث والخبر - أن يبدأ فى تدوين سنن النبي الله وأخباره لأنه خاف على العلم أن يرفع شيئا فشيئاً
وخاف دروس العلم وعفاءه وقد ذكر هذا في تعليقات البخارى والموطأ لمالك والمسند للدارمى فقام بذلك أبو بكر بن حزم وكتبت الأحاديث والأخبار والسن في القراطيس وأرسلت إلى دار الخلافة بدمشق ونسخت في الصحف والكتب وبعث بها إلى البلاد الإسلامية وكبريات المدن يومئذ مختصر جامع بيان العلم للحافظ بن عبد البر ص ۱۳۸ طبع بمصر فأبو بكر هذا الذى علمتم مكانته من العلم والفضل – وكان قاضياً بالمدينة المنورة - هو الذى اختاره عمر بن عبد العزيز لهذا العمل الجليل لعلمه وفضله ولأن خالته عمرة كانت من كبريات تلميذات أم المؤمنين عائشة وكان ماروته خالته عمرة عن أم المؤمنين عائشة محفوظاً عنده فأوعز إليه عمر بن عبد العزيز
بتدوين مرويات خالته وقد اختصها بالذكر في كتابه إليه
ويتابع السيد سليمان الندوى حديثه فيقول
وأمر فكتبت أحكام الزكاة وما تجب فيه ومقادير ذلك فكتبت
مشروحة مفصلة في صفحتين وبعث بصورة ذلك إلى أمراء البلاد وولاتها
٣٦٦
وبقيت محفوظة في بيت أبي بكر الصديق وأبى بكر بن عمرو بن حزم الدارقطني في كتاب الزكاة ۰٩ وكان عند عمال الزكاة رسائل فيها أحكام الزكاة وكان المرويات عبد الله بن عباس كراريس عدة وجاءه قوم من أهل الطائف بكراسة منه ليرووها عنه العلل للترمذى ٦٩١ وكان سعيد بن جبير يكتب روايات عبد الله بن عباس الدارمي ٦٩ وبقيت صحيفة عبد الله بن عمرو الصادقة موجودة عند حفيده عمرو بن شعیب سنن الترمذى ص ٦١ ١١٣ وكانوا يضعفون عمرو بن شعيب لأنه يروى من الصحيفة وكان ينبغي له أن
يروى من حفظه
وجمع وهب التابعى روايات جابر بن عبد الله وكانت عند إسماعيل بن عبد الكريم وضعفوه لأجل ذلك تهذيب التهذيب لابن حجر ٣١٦ وروى سليمان بن سمرة بن جندب أنه كان عند أبيه صحيفة فيها أحاديث
وكذلك روى ابنه حبيب بن سليمان تهذيب التهذيب ٤ ١٩٨
وجمع همام بن منبه روايات أبي هريرة وهو أكثر الصحابة رواية وأوعاهم حفظاً لأحاديث الرسول الله فصارت تعرف صحيفته بين المحدثين بصحيفة همام وقد أوردها الإمام أحمد بن حنبل في الجزء الثاني من مسنده ص ٣١٢ - ۳۱۸ الطبقة الأولى وكذلك بشير بن نهيك كتب مروياته عن أبي هريرة في كتاب وقرأه عليه كتاب العلل للترمذى ص ٦٩١ والدارمى ص ٦٨ والسنن الكبرى للبيهقي
۸۰ ۱۰
وذكر ابن حجر في كتابه فتح البارى أن أبا هريرة جاء برجل إلى بيته وأراه أوراقاً وقال هذه رواياتي وقال الذى روى ذلك إنها لم تكن مكتوبة بيده فتح البارى 1 ١٨٤ - ١٨٥ وكان أنس بن مالك - وهو معروف بكثرة الرواية - يقول لأولاده يا بني اكتبوا العلم وقيدوه بالكتابة الدارمي ص ٦٨
٣٦٧
وكان تلميذه ابان يكتب رواياته بين يديه الدارمي ص ٦٨ وروى عن سلمى قالت رأيت عبد الله بن عباس يستملى أبا رافع خادم رسول الله وما كان الله يفعل أو يقول طبقات ابن سعد ٢ / ٢ /
۱۳
عمان
والواقدى وهو من متقدمى المصنفين فى السيرة النبوية يقول رأيت عند عبد الله بن عباس الكتاب الذى أرسله رسول الله صل إلى المنذر بن ساوى سيد مع كتب أخرى زاد المعاد ٢ ٥٧ وفي تاريخ الطبرى أن عروة بن الزبير كتب جميع ما كان في غزوة بدر مفصلا إلى عبد الله الملك الخليفة الأموى الطبرى ١٢٨٥ ويقول سعيد بن جبير التابعى كنت أكتب على الأقتاب ما أسمعه في الليل من عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس فإذا أصبحت كتبته واضحاً
ص ٦٩
الدارمی
وكان أصحاب البراء بن عازب يكتبون عنده رواياته الدارمي ٦٩ - وقد صحب ابن عمر ثلاثين سنة - يملى على الناس الدارمي
وكان نافع -
ص ٩٦
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود أنه أخرج كتاباً وقال وايم الله هذا ما كتبته يد ابن مسعود جامع العلم لابن عبد البر ص ١٧ ونتابع الحديث فى الموضوع على الرغم من أن الأمر أصبح واضحاً فنضيف إلى
ما سبق
أن مروان قد خطب في الناس فذكر مكة وحرمتها فقال رافع بن خديج
بصوت يسمعه الناس
والمدينة حرم حرمها رسول الله وهو مكتوب عندنا في أديم خولا في إن
شئت أن نقرئكه فعلنا
فناداه مروان أجل قد بلغنا ذلك مسند الإمام أحمد بن حنبل
١٤٤
٣٦٨
وأرسل الضحاك بن قيس كتاباً إلى النعمان بن بشير يسأله فيه عن السورة التي
كان رسول الله لا يقرؤها في صلاة الجمعة غير سورة الجمعة فكتب إليه يقول كان يقرأ هل أتاك صحيح مسلم
وكتب عمر بن
الخطاب إلى عتبة بن فرقد كتاباً ذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عن لبس الحرير صحيح مسلم ويقول مجاهد رأيت عند عبد الله بن عمر و كتاباً فسألته ما هذا فقال
6
هذه الصادقة فيها ما سمعته من رسول الله الله ليس في ذلك بيني وبين رسول الله أحد
ولما ولى رسول الله الله عمرو بن حزم اليمن وبعثه إليها أعطاه أحكاماً مكتوبة
في الفرائض والصدقات والديات كنز العمال ٣ ١٨٦ وتلقى عبد الله بن حكيم كتاباً من رسول الله ما فيه أحكام الحيوانات الميتة
المعجم الصغير للطبراني ص ٢١٧
ولما أراد وائل بن حجر أن يرجع لبلاده حضرموت ناوله رسول الله ا كتاباً فيه أحكام الصلاة والصوم والربا والخمر وغير ذلك الطبراني ص ٢٤٢ ولما وجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب السؤال إلى أصحاب رسول الله الله إن كان عند أحد منهم سنة عن النبي الله في نصيب المرأة من دية زوجها – قام الضحاك بن سفيان فقال
نعم
عندنا كتاب من رسول الله لا يبين فيه ذلك الدارقطني
1 ٢ ٤٨٥
حج
وقد بلغ عدد الصحابة رضى الله عنهم في آخر حياة النبي - عندما حجة الوداع - مائة ألف ومن هؤلاء عشرة آ آلاف صحابي مذكورة أسماؤهم وأحوالهم في كتب التاريخ التى أفردت لتدوين أحوالهم خاصة وإن التاريخ لم يهتم بتدوين أحوالهم ولم يحفظ لنا شئونهم إلا لأن كل واحد منهم حفظ شيئاً من أقوال النبى الله وأفعاله وتصرفاته وهديه وسيرته
۱ انظر و السنة قبل التدوين والسنة ومكانتها في التشريع الإسلامية ورجال الفكر والدعوة
٣٦٩
لقد توفى رسول الله ال سنة ١١ من الهجرة النبوية وبقى فريق من كبار
الصحابة بعده إلى سنة أربعين وبقى بعد ذلك من الصحابة الذين كانوا أحداثا في حياة النبي مع عدد غير قليل فلما انقرض ذلك الجيل لم يبق من ا الصحابة أحد وانطفأ كل سراج أوقد بنور النبوة
وإليكم أسماء آخر من مات من الصحابة والبلاد التي ماتوا فيها وسنوات
وفاتهم
المدن التي
آخر الصحابة موتاً
سنة الوفاة
توفوا فيها
أبو أمامة
الشام
مصر
الكوفة
المدينة
البصرة
٨٦
٨٦
۹۱
- عبد الله بن الحارث بن جزء
- عبد الله بن أبي أوفى
السائب بن يزيد
أنس
بن
مالك
وأنس بن مالك هذا الذي كان آخر من بقى من الصحابة كان الخادم الرسول الله استمر في خدمته عشر سنوات متوالية
ومعظم هذه الثروة الحديثة كما يقول الأستاذ الجليل أبو الحسن الندوي – قد كتب ودون بأقلام رواة في العصر الأول وقد يزيد ما حفظ في الكتب والدفاتر كتابة وتحريراً في العصر النبوى وفى عصر الصحابة رضى الله عنهم على عشرة آلاف حديث إذا جمعت صحف ومجاميع أبى هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وعلى وابن عباس رضى الله عنهم - فيمكن أن يقال إن ما ثبت من الأحاديث الصحاح واحتوت عليه مجاء بعدا ومسانيدها قد كتب ودون في عصر النبوة وفى عصر الصحابة قبل أن يدون الموطأ والصحاح بكثير
٣٧٠
جمعت السنة إذن - جميعها تقريباً - في عهد الرسول الله وعهد الصحابة جمعت دون ترتيب ولا تنسيق
جمعت متفرقة متناثرة يكتب هذا الحديث والحديثين ويكتب الثاني المائة والمائتين ويزيد الثالث عن ذلك ويملى الرابع من حفظه على الآخرين وهكذا وفى ذلك لم يكن لأحد اهتمام بالتنضيد أو التنسيق يقول الأستاذ العالم الورع المنتثبت أبو الحسن الندوي في كتابه رجال الفكر والدعوة ما يلى
وإذا جمعت هذه الصحف والمجاميع وما احتوت عليه الأحاديث - من كونت العدد الأكبر من الأحاديث التي جمعت في الجوامع والمساند والسنن في القرن
الثالث
وهكذا يتحقق أن المجموع الأكبر من الأحاديث سبق تدوينه وتسجيله – من غير نظام وترتيب – في عهد رسول الله له وفي عصر الصحابة رضي الله عنهم ويتحدث الأستاذ أبو الحسن الندوى عن الوهم الشائع بين الناس من أ
السنة
لم تدون إلا فى القرن الثالث ويعلل هذا الوهم تعليلا منطقياً فيقول وقد شاع في الناس - حتى المثقفين والمؤلفين - أن الحديث لم يكتب ولم يسجل إلا في القرن الثالث الهجرى وأحسنهم حالا من يرى أنه قد كتب ودون في القرن
الثاني
6
وما نشأ ذلك الغلط إلا عن طريقتين الأولى أن عامة المؤرخين يقتصرون على ذكر مدونى الحديث في القرن الثاني ولا يعنون بذكر هذه الصحف والمجاميع التي كتبت في القرن الأول لأن عامتها فقدت وضاعت أنها اندمجت وذابت في المؤلفات المتأخرة مع
الأخرى
أن عدد
المحدثين يذكرون عدد الأحاديث الضخم الهائل الذي لا يتصور أن يكون قد جاء في هذه المجاميع الصغيرة التي كتبت من القرن الأول مع أ الأحاديث الصحاح غير المتكررة المتجردة من المتابعات والشواهد لا يزال قليلا
وقد نبه على ذلك العلامة مناظر أحسن الكيلاني رئيس القسم الديني سابقا في
۳۷۱
الجامعة العثمانية بحيدر أباد في كتابه العظيم تدوين الحديث يقول رحمه الله وقد يتعجب الإنسان من ضخامة عدد الأحاديث المروية فيقال إن أحمد بن حنبل كان يحفظ أكثر من سبعمائة ألف حديث
وكذلك يقال عن أبي زرعة
ويروى عن الإمام البخارى أنه كان يحفظ مائتي ألف من الأحاديث الضعيفة ومائة ألف
من
الأحاديث الصحيحة
ويروى عن مسلم أنه قال جمعت كتابي من ثلثمائة ألف حديث ولا يعرف كثير من المتعلمين – فضلا عن العامة - أن الذى يكون هذا العدد الضخم هو كثرة المتابعات والشواهد التى عنى بها المحدثون
فحديث إنما الأعمال بالنيات مثلا يروى من سبعمائة طريق فلو جردنا مجاميع الحديث من هذه المتابعات والشواهد لبقى عدد قليل من
الأحاديث
على
فالجامع الصحيح للبخارى لا تزيد الأحاديث التي رويت بالسند الصحيح فيه
ألفين وستمائة وحديثين وأحاديث مسلم يبلغ عددها أربعة آلاف حديث
وهكذا لا يبلغ عدد الأحاديث المروية في كتب الصحاح الستة ومسند أحمد وكتب أخرى - خمسين ألف حديث منها الصحيح ومنها السقيم ومنها المتفق عليه ومنها المتكلم فيه وقد صرح الحاكم أبو عبد الله - الذى يعد من المتسامحين المتوسعين – أن الأحاديث التي في الدرجة الأولى لا تبلغ عشرة آلاف و توجيه النظر ص ١٩٣
ويقول الأستاذ
ولم ينتصف القرن الثاني حتى كانت حركة الجمع والتدوين أنشط وأقوى وكان
ممن سبق إليها من رجال هذا القرن
ابن شهاب الزهرى مات عام ١٣٤ هـ
وابن جريج المكى مات عام ١٥٠ هـ
YVY
وابن إسحق مات عام ١٥١ هـ ومعمر اليمني مات عام ١٥٣ هـ
وسعيد بن عروبة المدنى مات عام ١٥٦ هـ وربيع بن صبيح مات عام ١٦٠ هـ
وسفيان الثورى مات عام ١٦١ هـ ومالك بن أنس مات عام ١٧٩ هـ
والليث بن سعد مات عام ١٧٥ هـ
وابن المبارك مات عام ١٨١ هـ
1
ثم تتابع الناس ليس من همنا في هذا الفصل أن نتابع السنة في تدوينها وإنما أردنا أن نوضح توضيحاً شافياً فكرة أن السنة دونت في عهد الرسول عليه وعهد الصحابة رضوان الله عليهم وأظن أنه قد استبان الآن الأمر بما لا يحتاج إلى مزيد وشكر الله للباحثين الأعلام المتبصرين الذين استندنا إليهم في هذا البحث
1 أنظر كتاب رجال الفكر والدعوة لأبي الحسن الندوي
الفصل الثالث
المحدثون في جهادهم
وفى ضوء ما سبق قد يتساءل بعض الناس هل معنى ذلك أنه لم تحدث محاولات للوضع أو حدث وضع بالفعل وتزييف واختراع في السنة والواقع أن أن السنة - على مجرى التاريخ - قد خلت من الوضع إنما ينكر الحقائق
من يزعم
الثابتة
لقد حاول الكثيرون وضع أحاديث على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم حاولوا ذلك لأسباب مختلفة منها 1 – أن بعض الناس كذابون بطبيعتهم اتخذوا الكذب هواية لا يستقيم أمرهم إلا على الكذب فكذبوا على رسول الله الله وإذا كان من المعروف في جميع الأديان أن بعض الناس يكذب على الله فإن من الأمور التي تحدث أن يكذب بعض الناس على رسول الله الله
٢ - وبعض الناس يسيطر عليه مذهب من المذاهب أو نزعة من النزعات ويتشبع بذلك حتى يملأ عليه أقطاره فيكذب على رسول الله لا تأييداً لمذهبه وتأكيدا لنزعته وإرضاء لهواه
C
- وبعض الناس دخل فى الإسلام كرهاً للإسلام دخله ليتآمر عليه دخله ليكون في ظروف أكثر ملاءمة للتآمر عليه فكذب على رسول الله إفسادا للمبادئ الإسلامية الصحيحة وتزييفاً لها
٤ - وبعض الناس استباح الكذب على رسول الله ما في سبيل موعظة الآخرين وهدايتهم ورأى أن غايته التهذيبية تبيح له ركوب هذا المركب الفاسد ! هذه هي كل أو أكثر الأسباب التي دعت إلى وضع الأحاديث والكذب على
رسول الله
من
الأمر
ولكن ذلك لم يكن في السنة بدعا فهذه الأسباب فى الجملة كانت ولا تزال الأسباب لتزييف التاريخ
إن التاريخ - منذ عرف - لم يخل من العوامل التى تحاول وضعه على غير ما كان
٣٧٤
٣٧٥
عليه بالفعل وتلوينه على الصورة التي يريد بعض الناس - لو ملوكاً أو أمراء أو زعماء على أى وضع كانوا – أن يكون عليها
ولكن تزييفهم للتاريخ لم يمنع من ظهور الحقائق وكذبهم على التاريخ لم يمنع من بيان الحق ومعرفة الناس له ولقد وضع المؤرخون المحدثون أصولا للنقد وعلامات للحوادث المزيفة
وقواعد لمعرفة الحقيقة
ولقد استعانوا فى سبيل المعرفة الصحيحة باللغة وبالحوادث اليقينية المتواترة وبالشهود العدول وبالمقارنات
لقد استعانوا بالنقد الداخلى والنقد الخارجى ووصلوا بذلك الى الحقائق التي يطمئنون إليها برغم ما يفصل بينهم وبين مكان الأحداث آلاف الأميال وبرغم ما يفصل بينهم وبين أزمنة الحوادث من عشرات القرون
من
ومع كل ما حاوله المؤرخون من جهد ومع كل ما وضعوه من قواعد للوصول إلى اليقين فإنهم - والحق يقال - لم يصلوا فى كل ذلك إلى ما وصل إليه سادتنا المحدثون رضوان الله عليهم وذلك للأسباب التالية ١- لقد بدأ تسجيل السنة في عهد الرسول الله وتم تسجيلها - كلها تقريباً - في عهد الصحابة رضوان الله عليهم فكان قرب الزمن إذن من عوامل
صحة السنة
٢ - وسجل أكثرها فى المكان نفسه الذى كان فيه رسول الله الله أو في أمكنة قريبة نسبيا منه
- ولقد روى عن الرسول لا اله الا الله أحاديث كانت تحد من الوضع في المبدأ على الأقل مثل حديث
من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار
وهذه ملاحظات نذكرها لا لنقول إنها حاسمة فيما يتعلق بأمر صحة ما روى ولقد قدمنا أن الوضع وجد بالفعل ولكننا نذكرها في مقابلة ما يحاول بعض الناس التهويل به من أمر التزييف والوضع
٣٧٦
أما الأمور الحاسمة التى تجعلنا نثق فى النتائج والثمار التي وصل إليها سلفنا الصالح فيما يتعلق بأمر السنة فإن في أسسها 1 - إيمان هؤلاء السلف بأنهم في عنايتهم بالسنة – بما صح منها وبما وضع فيها - إنما يجاهدون في سبيل الله لقد كانوا مؤمنين إيماناً عميقاً ثابتاً بأن فى عنقهم واجباً دينياً أن يخلصوا سنة رسول الله الله من كل زيف وأن ينقوها من الكدورات في إخلاص وفى صورة من اليقين لا يفترون في الوصول إليه ولقد كانوا يعدون بالآلاف ويمتازون – كما يقول أبو الحسن الندوى - نشاطهم وقوة احتمالهم وصبرهم وقوة ذاكرتهم وحفظهم وقد تدفق سيلهم من بلاد العجم وقد ملكت قلوبهم وعقولهم الرغبة الشديدة في الحديث جمع وبين الشهوات فطاروا فى الآفاق ونقبوا في البلاد في
بينهم و
مخلص
بعلو
وشغفوا به ه شغفاً حال البحث عن الروايات المختلفة والأسانيد الصحيحة وكان لهم في ذلك هيام وغرام لم يعرفا عن أمة من الأمم في التاريخ كله يدل على ذلك بعض الدلالة ما يروى عن المحدثين من الجولان في البلاد والسفر في العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه
فقد روى أن البخارى صاحب الصحيح بدأ رحلته العلمية وهو لا يزال في الرابعة عشرة من سنه وقد زار البلدان الإسلامية ما بين بخارى ومصر وشيوخها وروى عن أبي حاتم الرازي م ۷۷ هـ قال
أول ما رحلت أقمت سبع سنين ومشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ
ثم تركت العدد وخرجت من البحرين إلى مصر ثم إلى الرملة ماشياً ثم إلى طرسوس ولى عشرون سنة
وقد
سمع محدث الأندلس ابن حيون م ٣٧٤ هـ الحديث في الأندلس والعراق والحجاز واليمن وهكذا قطع قارة أفريقيا من طنجة إلى مصر وعبر البحر الأحمر
ومن المحدثين من سافر فى قارة أفريقيا وآسيا وأوربا في طلب الحديث وهكذا
۳۷۷
انتظمت رحلته العلمية ثلاث قارات من القارات الكبرى
وكان كثير من المحدثين يخرج من الأندلس أقصى الغرب في العالم المتمدين المعروف يومئذ ويبلغ أقصاه في الشرق إلى خراسان أو بالعكس والمطالع تذكرة الحفاظ للذهبي بدهش لطموح هؤلاء الرجال واحتمالهم المشاق في طلب العلم
٢ - ولقد استعمل أئمتنا النقد الداخلى والنقد الخارجي بل لقد استعملوا ما يمكن أن نسميه المشاركة الوجدانية أو بعبارة أدق استرواح رائحة النبوة أو استلهام طابع رسول الله الله في الحديث أو استبصار القلب وإلهام الروح وإشراق البصيرة في المعرفة
يقول الربيع بن خيثم إن من الحديث حديثاً له ضوء كضوء النهار تعرفه به وإن من الحديث حديثاً له ظلمة كظلمة الليل تعرفه بها ۱
وهذه الطريقة تعتبر فى العصر الحاضر الأوربى من ابتداعات القرن العشرين لقد استعملها أمتنا ووضعوا لها الأصول وبينوا كيفيتها ولم يتركوها للأهواء والمشارب ومن أدق التعبيرات عنها ما يقوله ابن القيم
سئلت هل يمكن معرفة الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده فهذا
سؤال عظيم القدر وإنما يعلم ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة واختلطت بدمه ولحمه وصار له فيها ملكة وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار ومعرفة رسول الله له وهديه فيما يأمر به وينهى عنه ويخبر عنه ويدعو إليه ويحبه ويكرهه ويشرعه للأمة بحيث كأنه مخالط للرسول لا كواحد من أصحابه
ومثل هذا يعرف من أحوال الرسول مع الله وهديه وكلامه وما لا يجوز ما لا يعرفه
الحاكم في معرفة علوم الحديث ص ٢٦
۳۷۸
وهذا شأن كل متبع مع متبوعه فللأخص به الحريص على تتبع أقواله وأفعاله في العلم بها والتمييز بين ما يصح أن ينسب إليه ومالا ا ليس لمن لا يكون يصح
كذلك
المتهم
وهذا شأن المقلدين مع يعرفون من أقوالهم ونصوصهم ومذاهبهم مالا يعرفه غيرهم وفى هذه الطريقة أيضاً يقول ابن دقيق
وأساليبهم ومشاربهم
العيد
وكثيراً ما يحكمون بذلك أى بالوضع باعتبار يرجع إلى المروى وألفاظ الحديث وحاصله أنها حصلت لهم بكثرة محاولة ألفاظ التي لهيئة نفسانية وملكة يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظه وما لا يجوز
الحديث
ويقول ابن الجوزى الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم وينفر منه قلبه في الغالب - وإنه لمن المعروف أن عناية سلفنا الصالح لم تكن موجهة إلى جمع وتدوينه فحسب وإنما تعدت ذلك - كما يقول الأستاذ الجليل أبو الحسن الندوي – إلى الوسائط التي وقعت في رواية الحديث - وهم الرواة الذين رووا هذه
الأحاديث
فعنوا بمعرفتهم ومعرفة أسمائهم وأسماء آبائهم وحوادث حياتهم وأخلاقهم ومكانتهم في الأمانة والصدق والحفظ وهكذا أصبح الذين اتصلوا بالشخصية الكريمة التي وعد الله لها بالخلود وبقاء
الذكر وانتشار الاسم ورفعنا لك ذكرك أصبح الذين اتصلوا بها موضوع
الدارسين والباحثين وخرجوا من زوايا الخمول واستحقوا الحياة والاشتهار وأصابهم فيض من حياة هذه الشخصية الخالدة فحيوا وظهروا واحتفظ التاريخ بأسمائهم وأحوالهم ورآه حقاً على نفسه وهكذا ظهر علم أسماء الرجال في عالم الوجود وكان من مفاخر هذه الأمة التى لا تشاركها فيها أمة من الأمم الدكتور اسبرنجر prenger في مقدمته الإنجليزية على كتاب الإصابة في أحوال الصحابة للحافظ بن حجر العسقلاني ما ترجمته
قال
۳۷۹
لم تعرف أمة في التاريخ ولا توجد الآن على ظهر الأرض وفقت لاختراع فن من أسماء الرجال الذى تستطيع بفضله أن نقف على ترجمة خمسمائة ألف
نصف مليون من الرجال
ولم يعن المحدثون بتعريف رجال الحديث فحسب بل التزموا الصدق والصراحة في تعريفهم وجمعوا كل ما يتصل بأخلاقهم وعاداتهم وما يدل على قوتهم وضعفهم واحتياطهم وتساهلهم وتقواهم وعلمهم وذاكرتهم وجمعوا كل ما قاله معاصروهم فيهم ولم يداروا ولم يجاملوا فى ذلك ولم يهابوا أحداً ولو أميراً مهيباً أو شيخاً وقوراً
كان بعضهم
وقد روى التاريخ في ذلك طرائف تدل على شدة هؤلاء الناقدين وعلمهم بقوله
تعالى
كونوا قوامين بالقسط شهداء الله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ۱
وتدقيقهم
عنه
قال أبو داود كان أبو وكيع على بيت المال فكان وكيع م ١٩٧ إذا روى
قرنه بآخر
وقد ترك معاذ بن معاذ العنبرى م ١٩٦ هـ رواية المسعودى لأنه رآه يطالع الكتاب يعني قد تغير حفظه وقد قدم إليه عشرة آلاف دينار وطلب منه أن يسكت عن فلان فلا يتكلم فيه بجرح ولا تعديل فأبى ورفض هذا المال العظيم وقال لا أكتم الحق ! وهذا قليل من كثير جداً يدل على أمانة علماء الحديث والرجال وتدقيقهم في موضوعهم وتحريهم الحق والعدل فى شهادتهم فهل في تاريخ العلم نظير لهذه الأمانة والتدقيق
وما من شك في أن سلفنا الصالح بدأ بالاهتمام بالإسناد
أى بالاهتمام بهؤلاء الذين رووا الحديث واحداً عن واحد وصلوا به إلى رسول
1 سورة النساء آية ١٣٥
الله أو إلى أحد الصحابة رضوان الله عليهم ولقد اهتموا بالإسناد إلى درجة أن جعلوه من الدين
يقول الإمام الزهرى
الإسناد من الدين
لقد بحثوا عن هؤلاء الذين جاء حديث رسول الله له عن طريقهم لقد بحثوا عن ميلادهم وعن وفاتهم وعن أخلاقهم وعن غفلتهم
وسهوهم ويقظتهم وصحوهم وعن ذاكرتهم وضبطهم لقد بحثوا عن كل ما يتصل بهم في ألفاظهم التي ينطقون بها وفى سلوكهم الذي يسيرون عليه وفى سمتهم من ناحية الوقار والخفة وفى أهوائهم ومشاربهم وفى نزعاتهم وفى ميولهم
على وجه العموم
لقد اخترع المسلمون علم تشريح كامل وضعوا به على مائدة المعرفة ما يقرب من نصف مليون من البشر لقد اخترعوا علماً لم يخترعه سابقوهم حتى بالنسبة لكتبهم المقدسة ولم يصل إليه لاحقوهم حتى في العصر الحديث
علماً يقول
عنه المستشرق الألمانى إسبرنجر فى تصديره لكتاب الإصابة لابن
حجر حينما كان في كلكتا ١٨٥٢ - ١٨٦٤ الكلمة التي سبق أن ذكرناها والتي
تعبر عن الحقيقة الواقعة
ولقد قيل مرة لابن المبارك هذه الأحاديث المصنوعة
فقال يعيش لها الجهابذة
هؤلاء الجهابذة قاموا بما عليهم خير قيام
يتحدث صاحب كتاب تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل عن بعض ما
قام به هؤلاء الجهابذة فيقول
التمييز بين الرواة قال أبو محمد
فلما لم نجد سبيلا إلى معرفة شيء من معانى كتاب الله ولا من سنن رسول الله إلا من جهة النقل والرواية - وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم
۳۸۱
وأهل الحفظ والتثبيت والإتقان منهم وبين أهل الغفلة والتشتت وسوء والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة
الحفظ
ولما كان الدين هو الذى جاءنا عن الله عز وجل وعن رسوله بنقل الرواة - حق علينا معرفتهم ووجب الفحص عن الناقلة والبحث عن أحوالهم وإثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة والتثبت فى الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته بأن يكونوا أمناء فى أنفسهم علماء بدينهم أهل ورع وتقوى وحفظ للحديث وإتقان به وتثبت به
وأن يكونوا أهل تمييز وتحصيل لا يشوبهم كثير من الغفلات ولا تغلب عليهم
الأوهام فيما قد حفظوه ودعوه ولا يشبه عليهم بالأغلوطات
وأن يعزل عنهم الذين جرحهم أهل العدالة وكشفوا لنا عن عوراتهم في كذبهم وما كان يعتريهم من غالب الغفلة وسوء الحفظ وكثرة الغلط والسهو والاشتباه ليعرف به أدلة هذا الدين وأعلامه - ۱ وأمناء الله في أرضه على كتابه وسنة رسول الله الله وهم هؤلاء أهل العدالة فيتمسك بالذى رووه ويعتمد عليه وليعرف أهل الكذب تخرصاً وأهل الكذب وهماً وأهل الغفلة والنسيان والغلط ورداءة الحفظ فيكشف عن حالهم وينبئ عن الوجوه التي كان مجرى روايتهم عليها إن كذباً فكذب وإن وهما فوهم وإن غلطا فغلط طبقات الرواة ثم احتيج إلى تبيين طبقاتهم ومقادير حالاتهم وتباين درجاتهم ليعرف من كان منهم فى منزلة الانتقاد والجهبذة والتنقير والبحث عن الرجال والمعرفة بهم وهؤلاء هم أهل التزكية والتعديل والجرح
ويعرف من كان منهم عدلا في نفسه من أهل التثبيت في الحديث والحفظ له والإتقان فيه فهؤلاء هم أهل العدالة ومنهم الصدوق في روايته الورع في دينه المتثبت الذي يهم أحياناً وقد قبله الجهابذة النقاد فهذا يحتج بحديثه أيضاً ومنهم الصدوق الورع المغفل الغالب عليه الوهم والخطأ والسهو والغلط فهذا
٣٨٢
يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب ولا يحتج بحديثه في الحلال
والحرام
ومنهم من قد ألصق نفسه
بينهم ممن قد ظهر للنقاد العلماء و دلسها بهم بالرجال منهم الكذب فهذا يترك حديثه وتطرح روايته ويسقط ولا يشتغل به
اهـ
ولقد كان هؤلاء الجهابذة فى سبيل الدين يبدون آراءهم في أمس الناس بهم نصيحة للمسلمين وتقوى منهم فزيد بن أبى أنيسة – كما يذكر صحيح مسلم
بشرح النووى - يقول لا تأخذوا عن أخي
ويسأل على بن المديني عن أبيه فيقول
سلوا عنه غيرى
فيعيدون السؤال من جديد فيطرق ثم يرفع رأسه ويقول
هو الدين إنه ضعيف
وكان أمر وكيع بن الجراح طريفاً فقد كان أبوه رجلا صالحاً لا مأخذ عليه غير أنه كان على بيت المال ومن أجل وظيفته هذه كان ابنه – إذا روى
عنه - يقرن معه
آخر
لقد كان سلفنا رضوان الله عليهم يعنون بالإسناد عناية فائقة حتى لقد قال سفيان الثورى رضى الله عنه
الإسناد سلاح المؤمن فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل ! 1 ويفسر الدكتور ناصر الدين الأسد العناية بالإسناد تفسيراً صادقا فيقول ص ٢٢٦ من كتابه النفيس مصادر الشعر الجاهلي يبدو لنا أن مرد التزام الإسناد المتصل في رواية الحديث إلى أمرين أمر داخلی وآخر خارجي أما الداخلى فبعثه من نفس الراوى ومصدره شعوره بالتحرج الديني وذلك 1 أنظر كتاب السنة قبل التدوين ص ٢٢٣
۳۸۳
أنه
ينقل كلاماً من كلام رسول الله الله وهو الذي قال في حديثه المشهور من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " وفى الإسناد المتصل ما يجعل المحدث يطمئن إلى أن غيره من شيوخه وشيوخ شيوخه ثم التابعين والصحابة يشاركونه فى تحمل تبعة هذا الحديث ونقله وأنه لا يستقل وحده بحمل هذا العبء وأن تبعته لا تعدو النقل الأمين لما سمعه عن شيخ ثقة ثبت
وأما الأمر الخارجي فمرجعه إلى سامعي الحديث من المحدث وذلك أن الحديث يتضمن جزءاً كبيراً من السنة أو هو السنة كلها وهو من أجل ذلك
مصدر من مصادر التشريع الإسلامى بل إنه هو المصدر الثاني الذي يلي في القيمة كتاب الله فلذلك كان ما رأيت منهم من التدقيق والتحقيق ومما يبعث الطمأنينة في نفوس السامعين ويوحى إليهم بالثقة في حديث المحدث – أن يصل بين عصره وعصر الرسول الكريم بسلسلة متصلة من الرواة المحدثين كلهم يشهد أنه قبله حتى يصل الإسناد إلى الصحابة فالرسول
سمعه ممن
مصادر الشعر الجاهلى ٢٥٨ ٢٩٥ ا هـ ودخل في هذا الباب - باب الإسناد - نقد الرواة وتصنيفهم إلى فئات يأخذون من بعضها ويتوقفون عن بعض ويعلنون على ملاً من الناس كذب بعض وكان لهم في هذا المجال شعور مرهف أو شعور مترف إذا أمكن هذا التعبير
يقول الإمام مالك رضي الله عنه
لا يؤخذ العلم عن أربعة
- رجل معلن بالسنة وإن كان أروى الناس
٢ - رجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا أتهمه أن يكذب على
رسول الله
٣- وصاحب هوى يدعو الناس إلى سواه
٤ - وشيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث به
٣٨٤
ولقد كان يحيى بن سعيد القطان رحمه الله يترك حديث الكثير ممن يظن بعض الناس بهم الخير فقيل له
أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم
القيامة !
فقال لأن يكون هؤلاء خصمى أحب إلى من أن يكون خصمى رسول الله
يقول لم لم تذب الكذب عن حديثى "
لقد اتفق المحدثون على ألا يأخذوا الحديث عن
۱ - الكذابين على رسول الله الله بل لقد اختلفوا في كفر هؤلاء بل لقد إختلفوا في قبول الله لتوبتهم ويكفى أن يعرف الكذب من أحدهم مرة واحدة على رسول الله الله فيسقط ذلك أحاديثه جميع على أن الكذب على الناس كان فى ترك حديث الكذاب حتى لو كان يتحرج من الكذب على رسول الله الله كما ذكر الإمام مالك رضى الله عنه فيما سبق ولأئمتنا في تعقب الكذابين طرائف يقول الأستاذ السباعى فى كتابه النفيس السنة ومكانتها في التشريع
الإسلامي مبينا بعض علامات الوضع فى السند ومنها أن يروى الراوى عن شيخ لم يثبت لقياه له أو ولد بعد وفاته أو لم يدخل المكان الذي ادعى سماعه فيه كما ادعى
مأمون
بن
أحمد الهروى
أنه
فسأله الحافظ بن حبان
متى دخلت الشام
سمع من هشام بن عمار
قال سنة خمسين ومائتين
قال
بن حبان فإن هشاماً الذى تروى عنه مات سنة خمس وأربعين ومائتين وكما حدث عبد الله بن إسحاق الكرماني عن محمد بن أبي يعقوب فقيل له مات محمد قبل أن تولد بتسع سنين وكما حدث محمد بن حاتم المكى عن عبد بن حميد فقال الحاكم أبو عبد الله
٣٨٥
هذا الشيخ سمع من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة ! وفي مقدمة مسلم أن المعلى بن عرفان قال حدثنا أبو وائل قال خرج علينا ابن مسعود بصفين وقال أبو نعيم يعنى الفضل بن دكين حاكيه عن المعلى أتراه بعث بعد الموت ! وذلك لأن ابن مسعود توفى سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين قبل انقضاء خلافة عثمان بثلاث سنين
علم
ولا شك أن العمدة فى مثل هذه الحالة على التاريخ تاريخ مواليد الرواة وإقامتهم ورحلاتهم وشيوخهم ووفاتهم ولذلك كان الطبقات قائما بذاته علما لا يستغنى عنه نقاد الحديث قال حفص بن غياث القاضى إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين يعنى سنه وسن من كتب عنه وقال سفيان الثورى لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التواريخ ا هـ ومن أعجب ما روى فى ذلك ما يرويه أبو أحمد بن عدى الحافظ عن الإمام
بغداد
حفظه
محمد بن إسماعيل البخارى صاحب الجامع الصحيح قال سمعت عدة من مشايخ بغداد يقولون إن محمد بن إسماعيل البخاري قدم فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وأرادوا امتحان فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ودفعوها إلى عشر أنفس لكل رجل عشرة أحاديث وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري وأخذوا عليه الموعد للمجلس فحضروا وحضر جماعة من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم من البغداديين
فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك
الأحاديث فقال البخاري لا أعرفه
فما زال يلقى عليه واحداً يعد واحد حتى فرغ والبخاري يقول
لا أعرفه
٣٨٦
وكان العلماء ممن حضروا المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون
فهم الرجل
ومن
كان لا يدرى القصة يقضى على البخارى بالعجز والتقصير وقلة الحفظ انتدب رجل من العشرة أيضاً فسأله عن حديث من تلك الأحاديث
المقلوبة فقال
و لا أعرفه
فسأله عن آخر فقال لا أعرفه
فمازال يلقى عليه واحداً واحداً حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول
فلما
لا أعرفه
ثم انتدب الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من إلقاء تلك الأحاديث المقلوبة والبخارى لا يزيدهم على أن يقول لا أعرفه علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول فقال أما حديثك الأول فقلت كذا وصوابه كذا وحديثك الثانى كذا وصوابه كذا والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك
فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له الفضل
قال الحافظ بن حجر بعد ما حكى هذه القصة قلت هنا يخضع للبخارى ! فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب فإنه كان حافظاً بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرة واحدة
ونختم هذا الفصل بقول الأستاذ العلامة الكبير الشيخ شبلى النعماني لما أرادت الأمم الأخرى من غير المسلمين أن تجمع في أطوار نهضتها أقوال رجالها وروايتهم كان قد فات عليهم زمن طويل وانقضى بينها وبينهم عهد بعيد فحاولوا كتابة شئون أمة قد خلت ولم يميزوا بين غث ذلك الماضى وثمينه وصحيحه
۳۸۷
وسقيمه بل لم يعلموا أحوال رواة تلك الأخبار ولا أسماءهم ولا تواريخ
ولادتهم فاكتفوا بأن اصطفوا من أخبار هؤلاء الرواة المجهولين وروايتهم ما يوافق
هواهم ويلائم بيئتهم وينطبق على مقاييسهم
ثم لم يمض غير زمن يسير حتى صارت تلك الخرافات كالحقائق التاريخية المدونة في الكتب وعلى هذا المنهاج السقيم صنفت أكثر الكتب الأدبية مما يتعلق بالأمم الخوالي وشئونها والأقوام القديمة وأخبارها والأديان السالفة ومذاهبها ورجالها أما المسلمون فقد جعلوا لرواية الأخبار والسير قواعد محكمة يرجعون إليها وأصولا متقنة يتمسكون بها أولها وأعلاها ألا تروى واقعة من الوقائع إلا عن الذي شهدها وكلما بعد العهد على هذه الواقعة وجب تسمية من نقل خبرها عن الذي شهدها ثم تسمية من نقل ذلك الخبر عن الذى نقله عمن شهد وهكذا بالتسلسل من وقت الإشهاد بالواقعة والتحدث عنها إلى زمن وقوعها والتثبت عن أمانة هؤلاء الرواة وفقههم
وعدالتهم وحسن تحملهم للخبر الذى يروونه وإذا كانوا على خلاف ذلك وجب تبينه أيضاً
وهذه المهمة من أشق الأمور ذلك فإن مئات من المحدثين تفرغوا لها ومع ووقفوا أعمارهم على تحرى ذلك واستقصائه وتدوينه وطافوا لأجله بالبلاد ورحلوا بين الأقطار باحثين دارسين لأحوال الرواة وكانوا يلقون المعاصرين لهم من الرواة لينقدوا أحوالهم وإذا اطمأنوا إلى سيرة فريق منهم سألوهم عما يعرفونه من أحوال الطبقة كانت
قبلهم
وقد اجتمع من هذا المجهود العلمى العظيم علم مستقل من العلوم الإسلامية أطلق عليه فيا بعد عنوان أسماء الرجال فتيسر لمن أتى بعدهم أن يقفوا على أقدار مئات الألوف من الحفاظ والعلماء والرواة وغيرهم
الفصل الرابع
الوضاعون في العصر الحاضر
يقول الله تعالى
يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا
على ما فعلتم نادمين ۱
والفاسق هو الذي لا تتوفر فيه شروط العدالة ولقد وضع أئمتنا شروطا للعدالة نذكر منها أن
من شرط العدل أن يتوفر فيه الصدق بمعناه الأعم الأشمل الذى يدخل فيه عدم تزييف النص بزيادة أو نقصان والذى يدخل فيه أولا وبالذات عدم الكذب فى الرواية وعدم الكذب فى الحديث العادى ولا نريد هنا أن نستقصى ما قيل في العدالة إنما نريد أن ننقل بعض نصوص
لنرى فيما بعد تطبيقها على بعض المؤلفين الحديثين
إننا نتبين دقة أسلافنا الدقيقة مما قاله الشعبى وأقسم عليه وله مغزاه العميق في بيان مدى ما كان عليه أسلافنا رضى الله عنهم من تحر للصواب يقول الشعبى والله لو أصبت تسعاً وتسعين مرة وأخطأت مرة – لعدوا على تلك
الواحدة
ه وكان أسلافنا يعتبرون الإعلان عن الكذابين وفضحهم والتشهير بهم من
الدين يقول عبد الرحمن بن مهدى
سألت شعبة وابن المبارك والثورى
6
ومالك بن أنس عن الرجل يتهم
بالكذب فقالوا
انشره فإنه دين
وعن يحيى بن سعيد قال سألت سفيان الثورى وشعبة ومالكاً وابن عيينة عن الرجل لا يكون ثبتاً فى الحديث فيأتيني الرجل فيسألني قالوا أخبر عنه إنه ليس بثبت
1 سورة الحجرات آية ٦
عنه
٣٩٠
۳۹۱
ولقد قال رسول الله الله
من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار
وهذا الذي يكذب على رسول الله فيتبوأ مقعده من النار فاسق يجب
التشهير
به وهو فاسق قد سقطت عدالته ومن سقطت عدالته فإنه يجب على كل مؤمن أن لا يثق في حديثه ولا فى رأيه أو نتائج بحثه
ومن ثبت عليه الكذب أو الغش أو الزيادة في النص أو النقصان منه ليثبت بالزيادة أو النقصان رأياً يتفق مع هواه ومع ترهاته – إن كل من يفعل
ذلك فقد سقطت عدالته
على أن من يزيد فى النص أو ينقص منه أو يحرف فيه يتعمد ذلك للحط من إنسان أو للنيل منه فإنه من الناحية الإنسانية قد نزل إلى مرتبة تأنف الإنسانية السليمة منها وانحط إلى درجة تنفر الفطرة الطاهرة منها
وبعد هذا نقول إنه نشأ فى زماننا هذا طائفة من الناس يزعمون أنهم من الباحثين على الأسلوب الحديث أسلوب النقد والتمحيص والتثبت فيما يزعمون وما من شك في أن أسلوب النقد والتمحيص فى الحديث وفي رواية الحديث أسلوب البحث العلمى بأدق ما يمكن أن تعبر عنه هذه الكلمة – إنما وجد حقاً عند أسلافنا من المحدثين إنهم هم أصحاب المنهج العلمى الدقيق في كتابة التاريخ إنهم المخترعون له ولا يزالون للآن أدق من اتبعه وطبقه في صدق والمؤرخون الحديثون لم يصلوا بعد إلى ما وصل إليه سادتنا المحدثون القدماء من الدقة العلمية ولا نريد أن نتعجل فنقول إن هؤلاء الذين يزعمون في العصر الحاضر أنهم قد تمحضوا للبحث العلمى ليسوا من البحث العلمى فى شيء ولنتريث قليلا حتى
نطبق عليهم مقاييس أسلافنا في العدالة لنرى هل كانوا أهلا للثقة أو ليسوا بأهل
لها !
لقد كان أسلافنا يكتفون بثبوت الكذب مرة واحدة على شخص فيسقطونه قائمة العدول فإذا ثبت مثل ذلك على هؤلاء الكتاب الحديثين فإننا نسقطهم من طبقة العدول ونضعهم فى قائمة الذين وصفهم الله بالفسق حين قال فيهم
من
۳۹
يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا
1
على ما فعلتم نادمين لقد أراد قوم - تحت تعلة البحث العلمى - التشكيك في السنة بل هدم
السنة رأساً وهؤلاء تقودهم أهواء مختلفة
أرأيت إلى مركب النقص فى إنسان مغرور يطمع أن يتولى مركز القيادة الفكرية فلا تسعفه مواهبه القاصرة بالأصالة أو الاختراع أو الابتداع فيتجه إلى الحط من شأن الآخرين والنيل منهم ويوجه كل النزعات الشيطانية فيه إلى تزييف في التاريخ ليحط من شأن قوم قد كتب لهم التاريخ في سجله الصحيح ما يبونهم المكانة العليا فى الخلق الكريم وفى الصدق الصادق وفى العمل الجاهد لإحياء سنة رسول الله الله نشراً وتطبيقاً إذاعة واتباعاً فكانوا أئمة بقولهم وأئمة بعملهم وانتقلوا إلى العالم الآخر مرضياً عنهم من معاصريهم ومرضيا عنهم من
الله إن شاء الله
أرأيت إلى مركب النقص فى إنسان مغرور كيف يحمله على الهجوم على صحابة رسول الله له الذين قال فيهم صلوات الله عليه وسلامه وهو المعصوم الذى لا ينطق عن الهوى – الكثير من المدح والكثير من الثناء والذين نهى رسول الله أن يتناولهم غيرهم بالإساءة أو التحقير أرأيت إلى مركب النقص فى إنسان مغرور كيف يحمله على حمل القلم لا ليرسم هداية قرآنية أو خلقاً نبوياً ولا ليثبت إيماناً أو يهاجم إلحاداً وإنما ليتناول هؤلاء الذين كرسوا حياتهم لخدمة السنة النبوية لا يبغون من وراء ذلك مالا ولا جاهاً ولقد عرض على أحدهم مبلغ ضخم من المال ليسكت – مجرد
سكوت – عن محدث فلا يتعرض له بجرح أو تعديل ! لقد عرض عليه الكثير لا ليشهد زوراً ولا يمدح من لا يستحق المدح وإنما ليهمل شخصاً معيناً ليصرف
النظر عنه ليسقطه من قول ما يعتقد أنه الحق فيه فأبي وقال عن المحدث ما رأى
أنه
يوافق الحق والصواب
1 سورة الحجرات آية ٦
۳۹۳
إن مركب النقص عند بعض المغرورين الذين حرمهم الله مواهب الفضلاء
يحملهم على حمل القلم للنيل من بعض صحابة رسول الله الله جرحاً وقدحاً وسباً وشتماً وتحقيراً وإساءة ومن أجل إرضاء ما بنفوسهم من نزعة تحقير كل فاضل والنيل من كل كريم طاهر - تجدهم يزيفون التاريخ ويحرفون الكلم عن مواضعه ويكذبون متعمدين ليصلوا إلى هدم من سجل التاريخ خلودهم فضلاء ممتازين
ولننظر الآن إلى أى مدى يصل بهم تحريف الكلم عن مواضعه وتزييفه والكذب فيه إرضاء لتزعتهم الفاسدة يقول المرحوم الأستاذ مصطفى السباعي في كتابه النفيس السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي متحدثاً عن الكذب والتحريف والبهتان الذى فى كتاب أضواء على السنة تأليف أبي رية
۱ - يقول في الهامش رقم ٣ من صحيفة ١٦٢ من كتابه عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنه
وكان قد أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب وكان يرويهما للناس عن النبي " ثم نسب هذا القول إلى ابن حجر في فتح الباري ص ٦٦ حـ ا وعبارته في الفتح ليس فيها عن النبي وإنما زادها أبو رية ونسبها إلى الحافظ بن حجر ليؤكد للقارئ الشك في أحاديث صحابة رسول الله الذي كان بعضهم يستمع إلى مسلمة أهل الكتاب يتحدثون عن أخبار الأمم الماضية فمنهم من كان ينقلها عنهم على أنها قصص متعلق بالماضين
ولكن أبا رية كان يتهمهم بأنهم كانوا " ينسبونها إلى النبي ! ولم
يكتف بذلك البهتان حتى نسبه إلى الحافظ بن حجر وهو لم يقله قط ولا يقوله
مسلم يعرف ما كان عليه هذا الجيل الفذ في تاريخ الإنسانية من صدق اللهجة واستقامة الدين ووقوف عند حدود الله فيا أمر وفيا نهى وهم يعلمون أن الله لعن الكاذبين ومقتهم وليس أقر لعيون أعداء الله والإسلام من أن يرموا بما رماهم به أبو رية
٣٩٤
٢ - ونقل في ص ۱۱٥ عن ابن كثير فى البداية والنهاية ص ٢٠٦ - ٨ أن عمر رضي الله عنه قال لكعب الأحبار
لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض القردة وعبارة ابن كثير لتتركن الحديث عن الأول وليس فيها عن رسول
الله
ولكن أمانة أبي رية أجازت له تحريف هذا النص ليثبت ما ادعاه من أن كعبا كان يحدث عن رسول الله الا الله وأن الصحابة كانوا يأخذون عنه الحديث وهذه الفرية دسها المستشرقون اليهود أمثال جولد زيهر ليدعوا تأثير اليهودية في الدين الإسلامي ! فتلقفها منهم المحقق العلمى أبو رية وتبرع لهم بإثبات عن طريق و التزوير ! ٣ - ونقل في ص ١٦٣ عن البداية والنهاية لابن كثير ص ١٠٦ حـ ٨ أن الله عنه هدد أبا هريرة بترك الحديث أو ليلحقنه بأرض دوس أو بأرض
الأدلة
عمر رضی
القردة
وهذه الزيادة أو بأرض القردة من مفتريات أبي رية على عمر وابن كثير معاً وإنما قالها لكعب كما مر يهدده في ترك الحديث عن الأول أي الأمم الماضية كما نقل ذلك ابن كثير
عمر
٤ – نقل أبو رية في عدة مواضع من بحثه عن أبي هريرة نصوصاً في تكذيب عمر وعثمان وعلى وعائشة وغيرهم لأبي هريرة ثم نسبها إلى ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث وترجم أبو رية لابن قتيبة في هامش كتابه بأنه كان لأهل السنة كالجاحظ للمعتزلة فى قوة البيان والحجة
وقصده من ذلك تأكيد تضليل القارئ بأن رجلا كابن قتيبة له مكانته بين أهل السنة يطعن في أبي هريرة هذا الطعن دليل على صحة ما يذهب إليه أبورية من تكذيب أبي هريرة فما يرويه عن رسول الله الله مع أن ابن قتيبة ألف كتابه تأويل مختلف الحديث للرد على من طعن في أئمة الحديث منذ الصحابة حتى عصره وأخبر أنهم هم رؤساء الاعتزال كالنظام وأمثاله
٣٩٥
وآخرين ثم ساق ابن قتيبة شتائم النظام لأبي بكر وعمر وعثمان وعلى وابن مسعود وأبي هريرة وغيرهم من كبار الصحابة ثم كر بالرد عليه وتفنيد ما قاله عن كل واحد من هؤلاء فأخذ أبورية ما قاله النظام فى أبى هريرة ونسبه إلى ابن قتيبة وتعامى عن رد ابن قتيبة على النظام وهكذا تكون الأمانة الأمانة العلمية عند هذا المحقق
العلمي !
ه - ونقل في ص ۱۹٥ عن المرحوم السيد رشيد كلاماً عن كعب ووهب بن
منبه قال فيه
وما يدرينا أن كل الروايات - أو الموقوفة منها - ترجع إليهما مع أن العبارة وما يدرينا أن كل تلك الروايات إلخ فأسقط أبو رية كلمة تلك التي أشار بها السيد رشيد - رحمه الله - إلى مرويات كعب ووهب عن أهل الكتاب لتجىء العبارة موهمة بأن كل روايات الصحابة ترجع إليهما فانظر إلى هذا الدس والتلاعب في نقل النصوص لتتفق أهوائه وأغراضه مع هذه أمثلة لا مجال للمناقشة فيها تدل على تلاعبه في النصوص التي ينقلها ونسبتها إلى غير قائليها وأشهد أني لا أعلم أحداً من أشد المستشرقين تعصباً ودساً بلغت جرأته في تحريف النصوص والتلاعب فيها كما بلغت جرأة أبى رية فماذا نقول في هذا العلامة المحقق الأمين ا هـ إن مقاييس أسلافنا بل مقاييس البحث العلمي الصحيح في كل عصر تسقط عدالة أبى رية وتنفيه عن دائرة الباحثين وتشهر به ککذاب وكمحرف
للكلم عن مواضعه وكخائن للأمانة العلمية وتسحب الثقة منه كلية وأبو رية لا يعدو أن يكون صبياً من صبيان المستشرقين وللمستشرقين صبيان في الشرق معروفون إن لهم صبياناً مأجورين وإن لهم صبياناً ملاحدة وإن لهم صبياناً تابعين مقلدين ! فلنتحدث إذن عن المستشرقين في صورة صريحة إن من المعروف أن
٣٩٦
الاستشراق - في طائفة كبيرة منه - إنما هو امتداد للحروب الصليبية
إن الغربيين يريدون بكل وسيلة القضاء على الإسلام كقوة لها ذاتيتها وأصالتها ومنهجها في الحياة وهم يستعملون من أجل ذلك كل الوسائل
إنهم يستعملون السلاح في قسوة قاسية وفى عنف عنيف حينما يمكنهم استعمال السلاح فإذا لم تواتهم الظروف استعملوا أسلحة أخرى منها الاستشراق وكثيرا ما يرافق الاستشراق المدفع والدبابة فى الأقطار المستعمرة وهدف الاستشراق إفساد ما يمكن إفساده من الدين ومن ثم من الخلق وقد وضح - على مر الأيام - أن خصائص الاستشراق أنه ١ - متأثر بالبيئة التي نشأ فيها المستشرقون ولقد عبر عن هذه الحقيقة أبلغ أحد الغربيين الذين كانوا يريدون معرفة الحقيقة عن سيدنا محمد فقرأ كتباً عنه بعدة لغات ثم قال
تعبير
كانت
إن صورة ني الإسلام صورة فرنسية إذا كانت بقلم الفرنسيين وهى ألمانية إذا بقلم الألمانيين وهى أمريكية إذا كانت بقلم الأمريكيين وهى وهذا فيما
يتعلق بالبيئة الاجتماعية
٢ - والاستشراق متأثر بالبيئة الدينية ومن الطبيعي الواضح أنه إذا كان
المستشرق مؤمناً بدينه فإنه يكتب عن الإسلام مؤمناً بأنه دين مزيف ولا أدرى كيف يعزب ذلك - مع بداهته - عن أذهان المسلمين الذين يقرءون الإسلاميات بقلم المستشرقين فيولونهم شيئاً من الثقة أو يولونهم كل الثقة على حسب درجة استعداد القارئ للتقليد والمتابعة
٣ - ومن المعروف اليقينى أن الاستشراق - في أغلبه – يسير في ركاب الاستعمار أو في ركاب الكنيسة إن ذلك ظاهر واضح لكل من قرأ تاريخ الاستشراق وصلته بالكنيسة والاستعمار ومن أجل ذلك لم يكن غريباً أن يزيف الاستشراق الحقائق وهو إن لم يزيفها وطنية يزيفها تديناً وإن لم يزيفها تديناً زيفها وطنية فإذا لم تقو الوطنية وحدها أو التدين وحده على حمل الاستشراق على التزييف – تكاتف التدين
۳۹۷
إنك
والوطنية معاً فحملاه - متعاونين - على التزييف فزيف تديناً ووطنية لا تنتظر من قسيس يعيش فى الكنيسة مثل أزين بلاسيوس حينما يكتب عن الإسلام إلا مسخاً وتشويهاً كما فعل ذلك حينما كتب كتابه المعروف بالعنوان الذي لا يتسم بأدب ولا بمجاملة وهو الإسلام المسيحي ! أما القسيس لامنس فقد وهب حياته لمحاولة هدم الإسلام عقيدة ولمحاولة هدم الإسلام تاريخاً ولمحاولة هدم الإسلام رجالا ولمحاولة هدم الإسلام في كل ما يتعلق به إن المستشرقين القساوسة عدد لا يحصى أما المستشرقون في وزارات
الخارجية الغربية
وفى وزارات الدفاع والحربية
وفى وزارات الإعلام والدعاية
فإنهم أيضا عدد لا يكاد يحصى
ماذا تنتظر من مستشرق هو مستشار في وزارة الدعاية أو في وزارة الحربية أو في وزارة الخارجية إن السذاجة مهما وصلت درجتها لا يتأتى أن تولى مستشرقاً يأكل عيشه من سيره في ركاب الكنيسة ثقتها
٤ - وطائفة من المستشرقين مستعدة أن تسير فى أى ركاب لأنها تسير في ركاب الشيطان تلك هى طائفة المستشرقين اليهود
إن كتاب بروتوكولات حكماء صهيون أو كتاب الخطر الصهيوني يبين في اليهود قد آلوا على أنفسهم أن يفسدوا على الإنسانية دينها وخلقها
وضوح
وثقافتها
وقد منى الإسلام بطائفة من المستشرقين اليهود على درجة من الخبث والمكر والدهاء يعجب لها الشيطان نفسه
أرأيت إلى الذكاء الحاد الخبيث حينما يستعمله صاحبه جاهداً لا يفتر في أغراض شيطانية يريد بذلك أن يفسد على المسلمين مثلهم العليا في الفضيلة والخير وإيمانهم الراسخ في الله في ورسوله إن هذا الذكاء الحاد الخبيث الذى أخذ يعمل لا يفتر قد تركز في بضعة أفراد
۳۹۸
من اليهود - كأخبث ما يكون اليهود - على رأسهم جولد زيهر ولقد كان جولد زيهر حركة لا تفتر فى الإفساد والتشويه وساعده مال اليهود ودعايتهم فترجموا ونشروا أفكاره في كل مكان حتى لقد ترجمت كتبه الخبيثة إلى اللغة العربية نفسها ونشرت في مختلف الأقطار الإسلامية تذيع الكذب في صورة البحث العلمى وتنشر التشويه فى صورة الحقائق الثابتة وتدعو إلى الشك فيما لا يتانى فيه الشك واغتر به طائفة من المغرورين وظنوا أن أبحاثه علمية وأنه باحث متثبت وعالم يتحرى الحقائق
وإلى هؤلاء وإلى كل من يثق بالمستشرقين نذكر مثالين اثنين – من عشرات
الأمثلة - التي تعمد جولد زيهر أن يكذب وأن يحرف الكلم عن مواضعه فيها وهذان المثالان إنما هما نموذج لأعمال كثير من المستشرقين العلمية
يقول المرحوم مصطفى السباعي زعم جولد زيهر أن الزهرى اعترف اعترافاً خطيراً في قوله الذي رواه عنه معمر إن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة أحاديث وأن ذلك يفهم استعداد الزهرى لأن يكسو رغبات الحكومة باسمه المعترف به عند الأمة الاسلامية قدمنا لك عند الحديث عن صدق الزهرى وجرأته أنه أبعد الناس عن الإذعان لأهواء الحاكمين وذكرنا لك من الوقائع التاريخية بينه وبين خلفاء بني أمية ما تجزم معه بأنه ليس ذلك الرجل المستعد لأن يكسو رغبات الحكومة باسمه المعترف به عند المسلمين
ويظهر
أما هذا النص الذى نقله ففيه تحريف بسيط يقلب المعنى رأساً على عقب وأصله كما في ابن عساكر وابن سعد أن الزهرى كان يمتنع عن كتابة الأحاديث للناس - كان يفعل ذلك ليعتمدوا على ذاكرتهم ولا يتكلوا على الكتب كما ذكرنا من قبل - فلما طلب منه هشام وأصر عليه أن يملى على ولده يمتحن حفظه كما تقدم وأملى عليه أربعمائة حديث خرج من عنده وقال بأعلى صوته أيها الناس إنا كنا منعناكم أمراً قد بذلناه الآن لهؤلاء وإن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة الأحاديث فتعالوا حتى أحدثكم بها فحدثهم بالأربعمائة حديث هذا هو
۳۹۹
النص التاريخي لقول الزهرى وقد رواه الخطيب بلفظ آخر وهو كنا نكره كتاب
العلم - أى كتابته حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء فرأينا ألا نمنعه أحداً المسلمين اهـ تقييد العلم ص ۱۰۷
من
فانظركم الفرق بين أن يكون قول الزهرى كما روى جولد زيهر أكرهونا على كتابة أحاديث وبين أن يكون كما رواه المؤرخون أكرهونا على كتابة الأحاديث أو كما رواه الخطيب على كتاب العلم ثم انظر إلى هذه الأمانة العلمية حذف ال من الأحاديث فقلبت الفضيلة رذيلة حيث كان النص الأصلى يدل على أمانة الزهرى وإخلاصه في نشر العلم فلم يرض أن يبذل للأمراء ما منعه عن عامة الناس إلا أن يبذله للناس جميعاً فإذا أمانة هذا المستشرق تجعله ينسب للزهرى أنه وضع للأمراء أحاديث أكرهوه عليها فأين هذا ذاك أما ما نقله جولد زيهر من قول وكيع عن زياد بن عبد الله من شرفه في الحديث ! كذوباً - فهذه إحدى تحريفات هذا المستشرق الخبيث فأصل العبارة كما وردت فى التاريخ للإمام البخارى وقال ابن عقبة السدوس عن وكيع هو أى زياد بن عبد الله أشرف من أن يكذب اهـ من القسم الأول
من
أنه كان مع
الجزء الثاني ص ۳۹ فأنت ترى أن وكيعاً ينفى عن زياد بن عبد الله الكذب مطلقاً لا في الحديث فحسب وإنه أشرف من أن يكذب فحرفها هذا المستشرق اليهودى إلى أنه كان - شرفه في الحديث - كذوباً وهكذا تكون أمانة هذا المستشرق ! مع إن المستشرقين وأتباعهم من الملاحدة والمأجورين والمقلدين هم الوضاعون في العصر الحاضر ولكن الله سبحانه قد هيأ للسنة تدويناً صحيحاً وتسجيلا متقناً ورجالا كرسوا حياتهم لها يدافعون عنها عصراً بعد عصر وينشرون أريجها جيلا بعد جيل مذيعين وشارحين ناشرين وموضحين
صفحة
٢٦
٤٧
۵۷
۱۰۱
۱۳۹
۱۹۱
١٩٤
۱۳
٢٢٥
٢٣٥
٢٦١
٢٧٥
۹۷
۳۱۳
۳۱۹
۳۳۱
٣٣٤
۳۳۹
٣٥٥
۳۷۳
۳۸۹
مقدمة
الكتاب الأول القرآن الكريم
تمهید
الفصل الأول الجو الذي نشأ فيه الإسلام
الفصل الثاني تصحيح الفكرة العامة عن العرب الفصل الثالث في العقيدة
الفصل الرابع في تفسير القرآن الفصل الخامس اقرأ باسم ربك الذي خلق الكتاب الثاني النبي الله
تمهید
الفصل الأول النسب الشريف
الفصل الثاني نبي التوبة
الفصل الثالث الوحى
الفصل الرابع الإسراء والمعراج
الفصل الخامس الهجرة
الفصل السادس الجهاد الفصل السابع النبي العابد
الفصل الثامن إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق الفصل التاسع من توجيهات القرآن الكريم الكتاب الثالث السنة الشريفة ومكانتها
تمهید
الفصل الأول وما أرسلناك إلا كافة للناس
الفصل الثاني تدوين السنة
الفصل الثالث المحدثون في جهادهم
الفصل الرابع الوضاعون في العصر الحاضر
٢٠٠٢/١٩٩٧٧
IBN
9-02-6389-3
١/٢٠٠٢/٦٥
رقم الإيداع
الترقيم الدولى
طبع بمطابع دار المعارف ج م ع
يُعد الإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم
محمود صاحب ورائد مدرسة الفكر الإسلامي والتصوف في العصر الحديث ولقب بأبي التصوف فى العصر الراهن فقد أثرى المكتبة العربية بأمهات الكتب بين تحقيق وتأليف وترجمة فمنها دراساته القيمة عن الإمام الغزالي وكتابه المنقذ من الضلال و دلائل النبوة والقرآن فى شهر القرآن إلى جانب ما كتبه عن رواد التصوف على مر العصور الإسلامية
المختلفة
والإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود له عمق وغزارة الآراء الفقهية ودقة الاجتهادات مما جعله يكسب صفوف المعارضين قبل المؤيدين إلى جانب اللباقة والدراية الكاملة في عرض أي موضوع أو مسألة تتعلق بأمور الدين وأيضا يمتاز بقوة ورصانة الأسلوب والعبارات مما يدل على المهارة الفائقة والملكة اللغوية فلهذا اكتسب هذا العالم الجليل احترام كل الفرق والمذاهب الإسلامية في شتى بقاع العالم وسيبقى هذا العالم
وتراثه في قلوبنا على مر العصور
A
دار المعارف
990/11
دار المعارف