Go Back





علم التربية الإسلامية - تربية الناشىء المسلم
الدكتور على عبد الحليم محمود
منْ عُلماء الأَزْهَر
دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع المنصورة شمم

اهداء
إلى الأسرة آباء وأمهات وأقارب وأرحاما وإلى الأمة المسلمة أمة الإجابة
وإلى الأمة في كل أرض أمة الدعوة
إليهم هذه المحاولة فى تربية الناشئ المسلم

تقديم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه والصلوات الطيبات على عبده ورسوله محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه والداعين إلى دينه ومنهجه إلى يوم الدين
وبعد
فإن الناشئ المسلم الذى جاوز حد الصغر وشب وكبر إن هذا الناشئ يرادف الشاب - كما تنبئنا بذلك كتب اللغة - ولم يصل بعد إلى سن الرجولة إن هذا الناشئ ينشأ ويربي في ظل متناقضات حضارية تملك عليه أقطار ـ نفسه قبل أن تملأ أقطار أرضه التي يعيش عليها
إن الناشئ المسلم في هذا العصر قد أحيط به من كل جانب بثقافات مضادة ومراجع شائهة وحضارات مناوئة وأعداء ألداء وجملة هائلة من المتناقضات وكل ذلك يغرقه في بحر عميق الأغوار متلاطم الأمواج والمسكين مضطرب في هذا الخضم يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب إذا أخرج يده لم يكد يراها وكلما
امتدت إليه يد تحاول إنقاذه جذبته يد أخرى ربما كانت أقوى أو أكثر تأثيراً وجاذبية
إن هذا الناشئ المسلم محاط فكريا بما يغريه ويخدعه من باطل زائف مبهرج وتسميات براقة خالبة وشعارات كاذبة ليس تحتها إلا الأفاعي وسمومها إنه محاط بكثير مما يصرفه عن دينه ومنهجه وأصالته ليلقى به لقمة سائغة وقنيصة مخدرة في مخالب صائديه وأفواه أعدائه

إن التفسيرات التي تفسر له بها الطبيعة المحيطة به والمجتمع الذي يعيش فيه بل التي تفسر له بها ذاته إن هذه التفسيرات لتفرض عليه بما يملك أصحابها من قوة مادية أن يتجاهل بل يتنحى عن تفسير دينه للطبيعة والمجتمع والفرد تفسيرا قيمياً مرتبطا تماما بالعقلانية الواعية التي تقدر غائية المعرفة إنها تحمله على التنحى عن ذلك لتلقى به في أتون هذا التفسير المادى غير القيمي المرتبط دائما بتحقيق الملذات والشهوات

والمنتكس بالإنسان عن إنسانيته وكرامته إلى حيوانية لا يليق بها تكريم
وكلما حاول مصلح أو غيور أن يوضح للناشئ المسلم أو ذويه أن تفسير الإسلام للطبيعة والمجتمع والفرد هو التفسير الصحيح الذى جاء به الوحى وأيده العقل حورب هذا المصلح أو ذاك الغيور على الحق من أصحاب المصلحة المادية وأصحاب الهوى الحريصين على أن يظل الناشئ المسلم متنحيا عن دينه ومنهجه في الحياة
وهذه الحرب ـ كما يعرف كل متابع لها - تبدأ بتشويه المصلح وتشويه الحق الذي يدعو إليه والسخرية من هذا الغيور ووصفه بالتشدد والتخلف والعجز عن مواكبة الحياة والرجعية والعيش في الماضى وإهمال الحاضر والمستقبل ولا تزال به هذه الحرب تطارده وتضيق عليه حتى يغلب على أمره في كثير من الأحيان
إن الناشئ المسلم اليوم لم يعد حراً فى أن يثبت على عقيدته وإيمانه ومبادئه وقيمه وإنما تُستلب منه هذه الحرية بشكل أو بآخر حتى يجد نفسه في كثير من أ الأحيان مسوقاً إلى عقيدة زائفة وافدة وإلى مبدأ غريب عنه معاد له وإلى قيم ضارة لحاضره ومستقبله فأين هى حرية الاختيار وسط هذا الزخم الضاغط العنيف
إن أجهزة الإعلام ومؤسساته - على مستوى العالم كله - في أيدى أعداء الإسلام ومنهجه وهي مستمرة في بث سمومها العلمانية وفى التخذيل عن الدين والتدين
واتهام كل متدين بالرجعية والنكوص فأين هى حرية الاختيار أمام الناشئ المسلم
إن أجهزة الإعلام لها توجهات غير إسلامية بالقطع فى عمومها وهي بهذا التوجه المعادي للإسلام تقتل عند الناس حرية الاختيار إذ لا تريهم إلا ماترى وما تهديهم إلا إلى التخلى عن الدين وإن المتأبى على ما تنفثه هذه الأجهزة من سموم عليه أن يرضى لنفسه أن يوصف بالرجعى المتخلف العاجز عن مواكبة التقدم والرقى !!!
وقصة الذين يوجهون أجهزة الإعلام ومؤسساته - على مستوى العالم ـ سردها فضلا عن شرحها يطول لأن أحداثها وأبطالها وحبكتها وحلها أكثر بكثير من أن نقحمها في هذا التقديم بل في هذا الكتاب
إن الحديث عن الصهيونية العالمية وبروتوكولات حكماء صهيون والحديث عن الصليبية الظاهرة أو المقنعة والحديث عن الإلحاد وكل ما يفرزه هذا الثالوث الخبيث
۸

هو الذي يسيطر على وسائل الإعلام وأجهزته في العالم كله وكلها تضعط على المستقبل وتحمله على اعتناق ما تدعو إليه حملا فأين هي حرية الاختيار أمام الناشئ المسلم بل أمام ذويه
إن القوى المؤثرة فى العالم اليوم فكريا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا تدعو الناس عموما والناشئ على وجه الخصوص إلى رفض الدين ورفض الأسرة الأنظمة ورفض سلطة الأبو بوين وسلطة المدرسة ورفض كل مقتضيات القرابة ورفض الولاء للمجتمع وكل ذلك سوف يقضى فى النهاية إلى رفض الذات
ورفض
نفسها
وإن التشجيع على هذا الرفض يتم بأسماء خادعة براقة كالحرية الشخصية والتحرر من القيود والتخلى عن النظم السابقة والعادات القديمة والتخلص من التصورات الغيبية وهجر الإيمان بما وراء المادة والحواس والناشئ مسير في كل ذلك لاخيار له يستجيب لما يدعى إليه أو يتأبى على ذلك فيجرفه التيار ليلقى به مع الزبد وما يصاحبه من مخلفات الماضي
إن الناشئ المسلم اليوم بحسن نيته وبراءته في التصور أو بجهله بحقيقة التحدى الذي يوجه إليه أو بغفلته عن طبيعة المتناقضات التي تحيط به يجد نفسه ينحاز ضد دينه ومنهجه ونظامه ومجتمعه وأمته الإسلامية وكل ذلك يجعله ـ على وجه الحقيقة - ضد تقدمه الحضاري الذي طالبه به الإسلام حين طالبه بأن يعمر الأرض
إن هذا الكتاب يحاول أن يدل الناشئ المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم على الوسائل والأساليب الملائمة التي تحول بينه وبين الانجراف أمام هذه التيارات ويمده بمصادر المعرفة الصحيحة التي يغذى بها قلبه وعقله ويرسم له الأبعاد التي ينبغي أن تكون فيها حركته وهي أبعاد المنهج الإسلامى الشامل المتكامل الذي يلتمس في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته ذلك المنهج الذي يضمن للناشئ المسلم بل لكل مسلم أن يشق طريقه اللاحب في حياته الدنيا محققا المطالب المشروعة لروحه وعقله وجسده في غير إفراط ولا تفريط ولا إسراف ولا مخيلة
إن هذا الكتاب يحاول بعون من الله وتوفيق أن يؤكد أن منهج الإسلام في تربية
۹

الناشئ والكبير قد عنى بكل مراحل حياة الإنسان حتى قبل أن يولد عناية تستهدف صالح دنياه وأخراه
إنه المنهج الذى وضع معايير ثابتة لاختيار من ستكون أما للأولاد ومعايير صحيحة لتربية الأولاد من يوم أن يستهل الوليد فيؤذن أبوه في أذنه اليمنى ويقيم في أذنه اليسرى ثم يتعهده بالرعاية والتربية وهو ينمو حتى يصير رجلا إن تلك هي عظمة المنهج التربوي في الإسلام
إن هذا الكتاب سوف يوضح - بإذن الله - للأبوين كيف يرعيان الأبناء وكيف يتعهدان الناشئين والشباب وسوف يشير لكل مسلم إلى أسلوب في تربية الذات - بحيث يربي نفسه بنفسه - وفق برنامج إسلامي للتربية الذاتية لا يوازيه - فضلا عن أن يساويه - برنامج من وضع البشر برنامج يقوم على قاعدة عريضة وصلبة في التربية هي قاعدة بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ۱ وتحت مظلة مترامية الأبعاد
عمودها حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم إن هذا الكتاب سوف يبرز لكل من يتولى أمر غيره من الناس أن منهج الإسلام في تربية الآخرين ينادى على المربين بنص قرآنى كريم هو ﴿ يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وبنص نبوى كريم يقول فيه المعصوم صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده و مسئول عن رعيته فكلكم راع ومسئول عن رعيته ۳ إن هذا الكتاب ينبه كل حاكم مسلم فى أى بلد من بلاد المسلمين إلى أن الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ثم يدمج لهم هذه النصيحة في كلمات قرآنية خالدة ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولى
سورة التحريم ٦
۱ سورة القيامة ١٤ - ١٥ ۳ أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب السنن ٤ سورة الجاثية ۱۸ - ۰
۱۰

المتقين هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون
إن هذا الكتاب يريد أن يقول للمسلمين جميعا في كل مكان وفي هذا الزمان وفيما يأتي من الزمان إنه لا منجى لكم من هذه المهالك التي تحيط بكم إلا بأن تأخذوا بكل ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأن الأخذ بذلك هو الذي يحول بين المسلمين وبين الضلال ويكشف لهم كيد الأعداء ويضمن لهم سعادة المعاش
والمعاد
ألا ما أكثر ما يريد أن يقوله هذا الكتاب !!! ولكن حسبنا أن نركز على مافيه نفع الناشئ المسلم فهو مستقبل الأمة الإسلامية وربان سفينتها نحو شاطئ الأمن والأمان نحو الصراط المستقيم صراط الله الذى لا يزيغ عنه إلا هالك إن صراط الله هو الطريق الذى تعترضه سبل كثيرة على رأس كل طريق منها شيطان يدعو إلى باطل ويزينه ويصرف عن صراط الله ويقيم أمامه العراقيل
حسبنا من هذا الكتاب أن تكون هذه نيتنا وعلى الله قصد السبيل ولو انتفع بما فيه
واحد من الناس فحسب لكان ذلك عندنا خيرا من حمر النعم
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
۱ سورة الجاثية ۱۸ - ۰

الباب الأول
الإسلام والأسرة
ويتناول
التمهيد
الفصل الأول أهمية الأسرة في بناء المجتمع المسلم
ويشمل
۱ - بنية المجتمع المسلم
٢ - وسمات المجتمع المسلم وخصائصه - وأهداف المجتمع المسلم
الفصل الثاني رعاية الإسلام للأسرة ويشمل ١ - تكون الأسرة المسلمة
ومكانة الأسرة في الإسلام
- وأهداف الأسرة المسلمة

التمهيد
بعون من الله سبحانه نحاول فى هذا الباب أن نوضح موقف الإسلام من الأسرة وكيف تحتل في منهجه و نظامه مكانة عليا تجعل منها اللبنة الأساسية في بناء المجتمع المسلم كما نوضح أن منهج الإسلام في تنظيم الحياة الاجتماعية يعتبر الأسرة في تكوينها الصالح القائم على مبادئ الإسلام الاجتماعية علامة بارزة على أن المجتمع المسلم قد خصائصه وسماته وشرع يشق بذلك طريقه نحو تحقيق أهدافه في الحياة
أهم
استوفى الإنسانية
إن الإسلام وهو يبنى المجتمع من الأسرة يضع للأسرة أحكم النظم وأرقاها وأدقها في التفاصيل من حيث الزواج والمعاشرة وحقوق جميع أفراد الأسرة وواجباتهم من حيث الميراث والطلاق والخلع وغير ذلك من الأحكام العادلة التي تضمن للأسرة حياة
اجتماعية جيدة
هذه الأسرة بتلك النظم والضمانات هى التي يتكون منها المجتمع فالأمة في ظل أحكام عادلة تخص كلا منهما وكل هذه الوحدات الأسرة والمجتمع والأمة إنما ينسج الإسلام خيوطها من أسس ركينة من العقيدة والعبادة والمعاملة العقيدة الصحيحة في الله وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر والعقيدة الصحيحة في الإنسان والشيطان والحياة نفسها والعبادة السليمة وفق ما شرع الله والمعاملات بين الناس وفق شريعة الله ومنهجه
ونظامه سواء أكانت هذه المعاملات بين المسلمين أم بينهم وبين غيرهم من الناس إن الفرد والأسرة والمجتمع والأمة لا يمكن أن يمارس أحد منهم حقوقه وواجباته في هذه الحياة الدنيا بعيدا عن منهج الإسلام الذى يقوم على تلك الدعائم الصحيحة في العقائد والعبادات والمعاملات وإلا فإنه يخسر دنياه وآخرته باتباعه غير سبيل المؤمنين إن المجتمع المسلم له بنية أساسية تكونه هى مجموعة الأسر المسلمة وله خصائص وسمات تمايز بينه وبين غيره من المجتمعات وهذه الخصائص والسمات تبدو أوضح ما تكون في أنه يخضع لمنهج عادل لأنه من صنع الله لا من صنع الناس وأن هذا المنهج

فيه من المبادئ العامة المرنة ما يمكنه من تلبية احتياجات البشرية كلها في كل زمان ومكان بشرط أن تكون متوازنة ولا تطغى فيها حاجة على حاجة
إنه منهج يمكن تفصيل كلياته وعمومياته إلى أقصى درجات التفصيل بحيث يشتمل على كل ما يحتاج إليه الناس فى حياتهم الدنيا وحياتهم الأخرى في أي زمان وأى
مكان
وسنحاول في هذا الباب من الكتاب أن نحدد أهداف المجتمع المسلم الذي بني من هذه الأسرة وهى أهداف يمكن الإشارة إليها فى خطوط عريضة هي معرفة الله
سبحانه وتوحيده وعبادته وفق شريعته والالتزام بكتاب الله وسنة رسوله
ثم نبين مدى رعاية الإسلام للأسرة تلك الرعاية التي فاقت كل رعاية عرفتها البشرية في ماضيها في مجال الأديان والنظم والحضارات الرعاية التي تناولت كيفية بناء الأسرة واختيار عناصرها الأولى - الزوجين - وفق معايير ثابتة لا تنخدع بالعرض عن الجوهر ولا بالشكل عن الموضوع فإذا بنيت الأسرة على هذا النحو فإن الإسلام يضعها في أرفع مكانة في المجتمع ويحيطها بكل أسباب القوة والنماء ويغذيها بالقيم والمبادئ والمعاني فضلا عن تغذيته لها بكل ما يلزمها من ماديات الحياة ويهتم بكل فرد من أفرادها اهتماما كبيرا بحيث يضمن لجميع الأفراد فيها الصحة النفسية والصفاء
الروحى والصحة العقلية والرفاهية الاجتماعية والقدرة على العطاء والإنتاج وكما يوضح الإسلام للمجتمع أهدافه كذلك يفعل بالأسرة فيرسم لها أهدافها بدقة
ووضوح وربط وثيق بين المعاش والمعاد بحيث يحقق لها سعادة الدنيا والآخرة هذه جملة ما نود أن يفسره هذا الباب الأول من الكتاب وعلى الله قصد السبيل

الفصل الأول أهمية الأسرة في بناء المجتمع
١ - بنية المجتمع المسلم
ونعني بالبنية البناء أو البنيان الذي يقوم عليه المجتمع وهذا البناء أو الأساس هو الأسرة بحيث يصح لنا أن نقول
إن لم تكن أسرة فلا مجتمع وإن لم تكن أسرة فلا أمة وإن لم تكن أسرة فلا حياة إنسانية لائقة بالتكريم الذى کرم الله سبحانه به بنی آدم
إن المجتمع المسلم له أساس - أى قاعدة بناء يقوم عليها بناؤه - وله لبنات يتكون منها
هذا البناء
کو
ونحاول هنا أن نحدد هذه الأسس وتلك اللبنات
أما الأسس التي يقوم عليها بناء المجتمع المسلم فهي في إيجاز شديد ــ لا مجال هنا
لتفصيله ـ ما يلى
۱ - العقيدة الصحيحة فى الله وفى الكون وفى الحياة وفى الإنسان والشيطان وفي ملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر
والعبادة السليمة لله سبحانه وتعالى وفق ما شرع والتى تستوجب طهارة البدن والقلب والنطق بالشهادتين والعمل بمقتضاهما وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ٣ ــ والتعامل وفق النظم والقيم والمبادئ التي أقرتها الشريعة الإسلامية في كل ما يتصل بالناس من عقود وما يسودهم من آداب وثقافات
- وممارسة العدل والإحسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل
الله لتكون كلمة الله هي العليا ه - والأخذ بمبدأ ممارسة الحقوق وأداء الواجبات بين أفراد الأسرة الواحدة والأسر كلها
IV

والمجتمع في مختلف قطاعاته بل المجتمع المسلم مع غيره من المجتمعات
٦ - والالتزام بالدعوة إلى الله إلى هذه المبادئ كلها بحيث تبلغ للناس جميعا وفق منهج الدعوة إلى الله الذى يقوم على الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي
أحسن - والالتزام بتربية الناس وفق هذا المنهج ومبادئه عن طريق الكلمة والقدوة والمؤسسة والمدرسة والمسجد
تلك هى الأسس التي يجب أن يقوم عليها بناء المجتمع المسلم
أما اللبنات التي يتكون منها هذا البناء فهي على الترتيب التالي
1 - الأسرة وهى الوحدة الاجتماعية الأولى في المجتمع وهي التي يتم عن طريقها حفظ النوع الإنساني كله وهى فى أبسط صورها رجل وامرأة تربط بينهما علاقة زواج شرعى وما ينتج عن هذا الزواج من أبناء
وما يسود هذه الأس سرة من قيم أخلاقية جاء بها الإسلام ليلتزم بها جميع أفراد
الأسرة وما يحكم هذه الأسرة من نظم وقوانين جاءت بها الشريعة الإسلامية في كل ما له علاقة بهذه الأسرة ومن يتعامل معها
٢ - والجماعات التي تتكون من مجموعة من الأسر على ما بين أسماء هذه الجماعات
من تنوع
وما يسود هذه الجماعات من قيم أخلاقية جاء بها الإسلام
وما يحرك هذه الجماعات من دوافع وما يرغبون في تحقيقه من أهداف وما تلجأ إليه من وسائل بشرط أن يكون كل ذلك مما يقره الإسلام ويرضاه
وما ينتشر بين هذه الجماعات من ثقافات وما تمارسه هذه الجماعات من أعمال وتعاملات فى حدود ما شرع الله سبحانه
أمراً أو نهيا أو ندبا أو إباحة ٣ - والأفراد الذين انفرطوا من عقد الأسرة لأن الظروف لم تمكنهم من الإسهام فيها

لأمور خرجت عن إرادتهم فهؤلاء يعتبرون من لبنات المجتمع - كالأسر والجماعات وما ينبغي تجاهل إسهامهم فى بناء المجتمع طالما كانوا ملتزمين بأدب الإسلام وأخلاقه هذه هي لبنات المجتمع المسلم يجب أن تلتزم كل منها بشريعة الإسلام وأن تعرف من خلال هذا الالتزام أهدافها ووسائلها وسياساتها في ممارسة الحياة
كل لبنة من هذه اللبنات ينبغي أن تمارس حياتها في ظل المنهج الإسلامي بين طرفين
رئيسين هما
أداء الواجبات
وممارسة الحقوق
إذ الأصل أن يؤدى كل فرد من هؤلاء جميعا واجباته كاملة في حدود ما يستطيع - إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها - وأن يمارس حقوقه جميعا إلا أن يتنازل عن بعضها سماحة منه لأحد الناس
إن هذا المجتمع المسلم القائم على تلك الأسس وهذه اللبنات لا يعترف بحال بالتناقضات الشائعة في كثير من المجتمعات ذات الأنظمة الرأسمالية أو الاشتراكية أو غيرها وإنما يسوده الوئام والتوازن والانسجام بديلاً عن هذه التناقضات
إن المجتمعات البشرية التي قامت على أنظمة غير إسلامية قديما أو حديثا اعتمدت التناقض بين طبقاتها وفئاتها أساسا من أسس قيامها واستمرارها ولابد لنا ـ لكى تتضح هذه الصورة - من ضرب بعض الأمثلة
* إن الشيوعية الأولى - التي يزعمون - والتى لا يكاد يصدق بها عقل عاقل حيث يرددون أن البشرية كانت تعيش حياة حيوانية ثم انتقلت من هذه المرحلة الحيوانية إلى الشيوعية الكاملة إذ اشترك الناس فى الملكية وفى الجهد المبذول وفي التمتع بثمرة هذا
الجهد !!!
والتي يزعمون أنها انتهت بمعرفة الإنسان للزراعة واستئناسه للحيوان وهذه مزاعم كلها غير معقولة أولا ولم يقم عليها دليل من تاريخ الإنسان ثانيا ثم ـ وهو الأهم ـ إنها تتناقض مع المعلومات والمعارف الإسلامية التي تجعل حياة البشر على هذه الأرض مبتدئة بآدم أبى البشر عليه السلام حيث خلقه الله وصوره ونفخ فيه من روحه وعلمه الأسماء كلها وهو الذي شق للبشرية طريق الحياة الاجتماعية ولم يكن حيوانا ثم استأنس
۱۹

الحيوان !!!
د ونظام الرق واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان هو من النظم الاجتماعية التي تعد وصمة عار في جبين الإنسانية بكل مقياس من المقاييس إذ الناس أصلا لأب واحد وأم
واحدة
وإن التأمل في نظام الرق يوقع العين والقلب على ما يُخزى ويزرى حتى عند تلك الدول التى تشامخت وادعت لنفسها مكانة في الحضارة عريقة كالأمة الرومية مثلا فقد كان نظامها الاجتماعي يقوم على أساس أن المجتمع طبقتان أحرار وعبيد ولكل طبقة منهما قانون ينظم حقوقها وواجباتها وقد بلغ من هوان أمر العبيد - في هذه الأمة المتحضرة ـ أن كان الأحرار يلقونهم في حلبات مصارعة الأسود الجائعة ليتسلى الأحرار ويرفهوا عن أنفسهم ساعة من نهار !!! كما كان الأرقاء يقومون بكل الأعمال الشاقة المضنية ثم لا يجدون بعد هذا العناء مكانا يهجعون فيه يليق بالإنسان إذ كانوا يرمون في كهف يقوم عليه حراس غلاظ الأكباد يلهبونهم بالسياط لسبب أو لغير سبب بل كانوا يعاقبون بالجلد والصلب لأتفه
الأسباب وظل أمر هذه الحضارة على هذا النحو حتى قامت ثورة العبيد التي سببتها المعاملة الوحشية القاسية التي انعكست على قلة الإنتاج وسوئه وبهذه الثورات انتهى عهد الرق والعبودية نسبيا أو شكليا ليحل محله نظام اجتماعي لا يقل عنه سوءا هو نظام الإقطاع ه ونظام الإقطاع نظام اجتماعى ظالم يقوم على تقسيم المجتمع إلى أغنياء وفقراء وعلى تحكم الأغنياء فى الفقراء والأغنياء هم أم أصحاب الأرض أو الإقطاع والفقراء هم الذين يفلحون الأرض ويلتزم فالح الأرض أو المنتج نحو سيده ومولاه بأداء واجبات بعينها كالخدمة في الأرض أو في غيرها كمصنع يملكه صاحب الأرض كما يلتزم بدفع قدر من المال لصاحب الأرض نقدا أو عينا
وكان هؤلاء العمال أو الفلاحون هم بقايا العبيد بعد ثورتهم وكان لهم الحق في حيازة مساحة بعينها من الأرض يزرعونها أو يمارسون فيها بعض الصناعات الزراعية ليعيشوا وليدفعوا الصاحب الإقطاع

ولم يكن هذا وحده هو واجب الفلاحين وإنما عليهم إلى جانب ذلك واجبات أخرى من أهمها ما يلى
۱ - خدمة يوم من كل أسبوع فى أرض السيد مع الآلة والماشية دون مقابل - والخدمة الإضافية في المواسم الزراعية والحصادية فى أرض السيد دون مقابل كذلك ٣ - وتقديم الهدايا للسيدات في الأعياد والمناسبات
٤ - والالتزام بطحن الغلال وعصر الكروم فى مطاحن السيد ومعاصره
ه ـ والرضا بحكم السيد فى المنازعات إذ هو القاضي والحكم وفى مقابل كل ذلك ليس على السيد أو الإقطاعي إلا شيء واحد هو الدفاع عن هذا العامل أو الفلاح إذا حدث عليه اعتداء وكان الإقطاعيون ملاك الأرض أو الإقطاعيات إما من رجال الكنيسة أو من العلمانيين ولم يكن الإقطاعي غير ظالم حتى ولو كان من رجال الكنيسة وكان هذا النظام الإقطاعي أو نظام الرق ليس وقفا على الدولة الرومية ولكنه تسرب إلى كثير من أقطار الأرض
وفيما يتصل بتاريخنا معشر المسلمين حيث بدأ الإسلام وانتشر أولا في الجزيرة العربية يهمنا أن نقول إن الإسلام جاء وفى الجزيرة العربية رواسب من نظام الرق وبقايا من نظام الإقطاع حيث كان يسود الجزيرة نظام اجتماعى بدوى يقوم على الترحال ويسوده عدم الاستقرار فى مكان ثابت طوال العام - إذا استثنينا بعض المدن الكبرى المستقرة نسبيا كمكة والطائف وغيرهما - وتحكمه قيم وعادات تستدعيها طبيعة الحياة فلما من الله على البشرية بالإسلام وخطا الإسلام خطواته الأولى على أرض الجزيرة العربية جاء بنظام اجتماعی عالج هذين الخطرين الرق والإقطاع علاجا منطقيا جيدا أما الرق فقد قضى عليه الإسلام بتجفيف مصادره ومنابعه وحارب استحداثه إلا معاملة بالمثل فى أسرى الحرب وجعل - كثيرا من الكفارات عتق رقبة وأما الإقطاع فإن الإسلام لم يقر شيئا مما جاء به ومع ذلك عالج آثاره بنظام التوريث الذي يفتت الثروة في عدد كبير من الورثة وبالنظام الأخلاقى الإسلامي الذي يحرم أن يستغل الإنسان أخاه الإنسان دون مقابل من عمل أو مال ودون عقد يكتنفه الإيجاب والقبول ولا يتضمن شيئا حرمه الله

* ثم عرفت أوربا - الوسيطة - نظاما اجتماعيا متأخرا في التاريخ نسبيا القرن الحادي عشر الميلادى - قرن بداية الحروب الصليبية ضد الشام ومصر التي استمرت قرنين من الزمان ٤٩٢ هـ إلى ٦٩١ هـ هذا النظام الذى عرفته أوربا هو النظام الرأسمالي فارةً به من نظام الإقطاع وما جلبته عليهم الكنيسة به من مآس وآلام
والنظام الرأسمالي الأوربى فى تلك الآونة متأثر دون ريب بنظام الإسلام الاجتماعي بعد أن احتك بالمسلمين فى هذين القرنين من الزمان فقد تعامل الأوربيون مع المسلمين في تجارات وأعمال كثيرة مما تسبب فى نشأة مدن تجارية ضخمة كالبندقية وغيرها التي ازدادت ثروة تجارها واتسع نفوذهم مما حدا بهذه المدن وأهلها إلى التخلص من سيطرة النظام الإقطاعي وأن تنشط في داخلها كثير من الحرف والصناعات التي مارستها الطبقة البرجوازية التى كان على يديها القضاء على نظام الإقطاع
على أن النظام الرأسمالي تأثر - فى تصورنا - بنظام الإسلام من حيث حق الملكية وحق الإرث وحق الاستثمار الفردى وتحريم الظلم واستغلال جهود الناس دون مقابل غير أن أوجه الشبه هذه لا تقرب النظام الرأسمالي من النظام الإسلامي لأن الرأسمالية عالجت جانبا على حساب جانب - إذ أقرت الربا والاحتكار - في حين أن النظام الإسلامي عالج جميع الجوانب مع تقديره واحترامه لكل جانب من جوانب حياة الإنسان واحتياجاته
ولقد ظل هذا النظام الرأسمالي يستبد بالأفراد شيئا وراء شيء حتى غلب عليه الاحتكار وتسخير العامل من أجل صاحب العمل وحرمان العامل من بعض حقوقه لتضاف إلى حقوق صاحب العمل
وعندئذ تعالت الأصوات تنادى بوضع حد لهذا الصراع ومما عاون على ذلك أن كبار أصحاب الأعمال أخذوا يتنافسون فيما بينهم على الاستيلاء على المواد الأولية ثم انتقلت هذه المنافسة من أصحاب الأعمال إلى الدول الأوربية نفسها وزاد أوار هذا التنافس فأنتج حربين عالميتين ضاريتين هما الحرب العالمية الأولى ١٩١٤ م - ١٩١٨ م والحرب العالمية الثانية ۱۹۳۹ م - ١٩٤٥م ولم يكن لهما سبب أقوى من رغبة بعض بلدان أوربا في التوسع المكاني على حساب بلد آخر
وقد أدى هذا إلى اتجاه بعض دول أوربا - كإنجلترا - إلى النظام الاشتراكي لدى

بعض أحزابها ومفكريها هروبا من عيوب الرأسمالية
كما اتجهت روسيا القيصرية إلى الماركسية أو الاشتراكية أو الشيوعية منذ نجحت ثورتها البلشفية عام ١٩١٧م
على أن الماركسية أو الاشتراكية لم تستطع أن تقدم للإنسان نظاما يحقق العدل والمساواة والحرية - كما زعموا - بل قدمت ما هو عكس ذلك بدليل أن نمط المعيشة التي هيأته للمواطنين كان أسوأ الأنماط وقهر الإنسان وإذلاله وحرمانه من حقوقه الأصيلة كحق الملك وحق الإرث وحق التعبير عن الرأى كل ذلك كان أوضح ما يكون وأسوأ ما يكون فى ظل ممارسات الحزب الواحد في الاتحاد السوفيتى على مدى أكثر من سبعين عاما بشهادة الشيوعيين أنفسهم وبشهادة كثير من الهيئات والمنظمات العالمية ثم بشهادة الاتحاد السوفيتي نفسه بدليل عدوله عن الشيوعية والاشتراكية معاً والأخذ بنظام هدم البناء نفسه الذي أسموه إعادة البناء والأخذ بمبدأ إعلان الكفر بالشيوعية والاشتراكية الذى سموه التفكير بصوت مسموع إن جوهر إعادة البناء والتفكير بصوت مسموع هو التراجع القائم عن هذا النظام الاجتماعى الذى أدى بروسيا إلى دحر الإنسان وتحويله إلى ترس أصم في آلة صماء لا إرادة له ولا ملكية ولا تنافس في إتقان العمل ولا أمل في حاضر أو مستقبل
وما إن فعلت روسيا هذا حتى بادرت كل دول أوربا الاشتراكية تحذو حذو أمها
وكان ما كان مع شاو سيسكو ونظرائه من عتاة الظالمين باسم الاشتراكية وليس ما جاءت به الاشتراكية أو الماركسية من دعوى إنصاف العمال الكادحين إلا سرابا خادعا سريعا ما وضح خداعه فى ممارسة الأحزاب الشيوعية من تعذيب وتشريد ونفى وكتم لكل صوت غير صوت صنم سموه الشعب وكان الويل كل الويل لأعداء الشعب ممن يضيقون بالظلم والقهر لقد صنفوهم ثورة مضادة للشيوعية والاشتراكية والحزب والزعيم !!! وكان فى مجاهل سيبريا وأمثالها مثوى لهم والذى أحب أن أؤكده هنا - وفى كل ما كتبت - أنه ليس في الإسلام شيء يسمى الاشتراكية لا من حيث اللفظ ولا من حيث المضمون وأن كل ما زعمه بعض الكتاب المسلمين - غفر الله لنا ولهم - من اشتراكية الإسلام ونحو ذلك إنما هو تقية لأنظمة حكم باطشة ارتمت في مستنقع هذه النظم ثم توعدت من لم يحسن لها هذا الصنيع إن الاشتراكية كانت كالرأسمالية تعالج جانبا على حساب جانب من حياة الإنسان

هذه تطحن صاحب المال وتلك تطحن الفرد أيضا من أجل الحزب والحاكم المطلق المسيطر على الحزب فلا الفرد بمستفيد منهما شيئا ولا المجتمع نفسه بمستفيد
شيئا
كما أحب أن أؤكد أنه ليس بصحيح بحال من الأحوال أن يقول أحد من الناس واعيا بما يقول يأخذ بمذهب التقية أو غافلا عما يقول يزعم أن الإسلام قد جاء بأحسن ما فى الرأسمالية وأحسن ما فى الاشتراكية أو الشيوعية إن هذا الزعم مردود شكلا وموضوعا أما الشكل فإن هذا الزعم يعطى لهذه الأنظمة أصالة وسيادة يجعلانها مصدرا يؤخذ منه وهذا ليس بصحيح لأن كلا منهما إنما هو رد فعل لتيار معاند سابق فأين هي الأصالة وأين هي السيادة وأما المضمون فإن الإسلام نظام اجتماعی خضع المنهج وضعه الله لعباده وبلغهم
إياه عن طريق رسوله وبديهي أن ما وضعه الله مختلف تماما عما يضعه الناس إن المجتمع الإسلامي الذى وَضَعَتْ أُسسه - على النحو الذي أشرنا إليه آنفا - شريعة الله - مجتمع مكتف بنظامه عن الحاجة إلى أى نظام ومستغن بمنهجه عن كل منهج وقادر وحده على أن يكفل للناس حياة إنسانية كريمة يحققون فيها سعادة
الدارين
إن الأسس التي جاء بها الإسلام فى نظامه الاجتماعي من عقيدة وعبادة ومعاملة وعدل وإحسان وأمر بمعروف ونهى عن منكر وجهاد في سبيل الله وأداء للواجبات وممارسة للحقوق والتزام بالدعوة إلى الله وتربية الناس وفق منهجه ونظامه إن هذه الأسس التي جاء بها الإسلام لا تستطيع أن تدانيها نظم فضلا عن أن تساويها
وإن اللبنات التي يتكون منها بناء النظام الاجتماعي الإسلامي من أسر وجماعات وأفراد فى ظل أدب الإسلام وأخلاقه ومنهجه ونظامه وكفالة الحقوق والالتزام بأداء الواجبات إن هذه اللبنات هى أقدر على الفاعلية والإنتاج وصناعة الحياة الإنسانية
الكريمة
وسوف تزداد هذه الأسس وتلك اللبنات وضوحا في حديثنا عن سمات المجتمع المسلم وخصائصه وأهدافه بإذن الله تعالى في بقية هذا الفصل الأول
٢٤

٢ - سمات المجتمع المسلم وخصائصه
المجتمع المسلم أو الإسلامى مجتمع كونه رسول الله له بنفسه وبناه بيده على النحو الذى أوحى به إليه رب العالمين سبحانه فكان بحق مجتمعا أنموذجا للإنسانية كلها في عهده و في العصور التي تلت عهده وفي كل عصر إلى أن يقوم الناس لرب العالمين
إن الإسلام جماء والبشرية كلها لم تكن حظيت بمجتمع خال من التناقضات والصراعات وكل دين سبق دین محمد عليه الصلاة والسلام حاول أن يخفف من هذه التناقضات ما وسعه وما شاء الله لأنبيائه عليهم الصلاة والسلام ولكن نبيا من أنبياء الله السابقين لم يستطع ولم يرد له الله سبحانه أن يبنى المجتمع المتكامل لأن الدين المتكامل الخاتم لم يكن قد أوحى الله به من بعد إلى محمد خاتم أنبيائه ورسله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ولما أراد الله للبشرية أن تبلغ نضجها الروحى والعقلى وللمجتمع الإنساني أن يكون على أرقى مستوى ممكن أرسل محمدا خاتم أنبيائه ورسله عليه الصلاة والسلام وأوحى إليه خاتم الأديان وأتمها وأكملها وأرضاها لله سبحانه كي تدين به الإنسانية
جمعاء
إن المجتمع الذي أقامه محمد الله وفق منهج الله ونظامه هو المجتمع الذي استطاع فيما يقارب نصف قرن من الزمان أن ينشر مبادئه وما تتضمنه من عقائد وعبادات ومعاملات وعدل وإحسان وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وجهاد في سبيل الله فيما يقرب من نصف الكرة الأرضية المعروفة آنئذ ولم يكن ذلك إعجازا وإنما كان ميسرا بفضل الله والالتزام بمنهج الإسلام في بناء المجتمع الراشد
إن هذا المجتمع الذى حقق هذا والذى نقل الناس من ضلال المعصية إلى هدى الطاعة هو الذي عاش حقيقة ماثلة في الواقع على عهد النبي الله و وصحابته وتابعيهم وتابعي التابعين ـ أي في القرون الثلاثة الأولى حيث خير القرون كما أخبر بذلك
المعصوم
۵

إنه المجتمع القادر على أن يكون حقيقة ماثلة فى أى عصر من العصور وفى أى مكان من دنيا الناس فالعبرة في وجوده الحقيقى بالتزامه بمنهج الإسلام وليست العبرة في الذين يتمسكون بهذا المنهج من حيث عرقهم أو قوميتهم وإنما كل قبيل من الناس أسودهم وأحمرهم وأصغرهم يستطيعون إذا آمنوا بالله وصحت عقيدتهم وسلمت عبادتهم والتزموا بمنهج الله في الحياة أن يكونوا هذا المجتمع المثالي الأنموذج دون تقيد بزمان بعينه أو بمكان دون سواه أو بأشخاص بذواتهم
إن هذا المجتمع الإسلامي له سمات أو خصائص هي التي تمكنه دائما من أن يكون الأنموذج المحتذى وسوف نحاول في هذه الصفحات أن نوضح تلك السمات والخصائص لعل المسلمين يعون ويدركون كيف يمكن أن تدين لدينهم الدنيا كلها لو أنهم التزموا منهج الله في الحياة وتأملوا هذه السمات والخصائص التي تمايز بين مجتمع المسلمين وغيره من
المجتمعات
السمة الأولى للمجتمع المسلم
سمة المجتمع المسلم الأولى أنه مجتمع مؤمن أى يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر والقدر خيره وشره وفق ما جاء به خاتم المرسلين محمد
مجتمع يؤمن بذلك إيمانا نابعا من القلب والعقل والتصور الصحيح لوظيفة الإنسان في الحياة الدنيا وهى أنه خليفة عن الله فى الأرض ليعمرها وفق منهجه قال تعالى وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ۱
إنه مجتمع الإيمان الإيجابي الفاعل القادر على أن يعمر الحياة الإنسانية أفضل ما يكون الإعمار وفق أسلوب عمل لا يقصد به إلا وجه الله كما ورد ذلك في كلام المعصوم له فيما رواه النسائى بسنده إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه
ولا إيمان ما لم يكن مقرونا بالعمل الصالح لأن الإيمان بغير عمل مجرد أماني وأكاذيب عارية من أن تجد مصداقية لها من العمل وإن العمل الصالح وفق معايير
الصلاح في الإسلام ليكفل للناس كل خير ويحول بينهم وبين كل شر
۱ سورة البقرة ٣٠
النسائي سننه باب الجهاد
٢٦

السمة الثانية
أنه مجتمع تتجاوب فيه دواعي الفطرة مع دواعي العقل وتتجه جميعا إلى الحق إلى الخالق العظيم سبحانه إذ لا مقصود على وجه الحقيقة لدواعى الفطرة أو دواعي العقل إلا ذات الله سبحانه قال الله تعالى فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ۱
والآية الكريمة توحى أن الناس والأشياء جميعا تتجه بالفطرة إلى مركزها ومرجعها فالإنسان من حيث هو مخلوق ذو عقل وشعور يحتاج دائما إلى أن يكون مدركا لغايته الفطرية بعقله وفكره ومتوجها إليها بإرادته وأعماله كلها
إن المجتمع الإسلامي يغذى فى الإنسان هذا التوجه والله سبحانه قد سخر للإنسان كل ما في الأرض ليتجه إلى هذا الحق قال سبحانه ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة
فالله سبحانه سخر للإنسان ما فى السموات من شمس وقمر ونجوم وملائكة تحوطه وتجر إليه منافعه وما في الأرض من جبال وأشجار وثمار ومالا يحصى وأسبغ على الإنسان نعمه الظاهرة وهى الإسلام وما حسن من الخلق والباطنة وهى ستر الله على الإنسان سيئ عمله وقيل النعم الظاهرة هى الصحة وكمال العقل والباطنة هي المعرفة والعقل وقيل الظاهرة مايرى بالأبصار من المال والجاه والجمال وتوفيق الطاعات والباطنة ما يجده المرء فى نفسه من العلم بالله وحسن اليقين
۳
فإذا توجه الإنسان بدواعى فطرته ودواعى عقله إلى الله فقد رشد و انسجمت فيه دواعي الفطرة مع دواعى العقل فأخلص عبادته وقصده إلى الله قال تعالى ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور والعروة الوثقى هي التوحيد لا إله إلا الله أو هى الإسلام أو هي الإيمان والآية تعنى أن من توجه إلى الله بفطرته وعقله وأحسن عمله الذي كلف به فقد فاز في
دنياه وآخرته
السمة الثالثة
أنه
مجتمع تتوازن فيه حاجات الإنسان والاستجابة إليها بحيث يقر للإنسان
۱ سورة الروم ۳۰
سورة لقمان ۰

۳ سورة لقمان

بحاجاته الروحية والعقلية والبدنية ولا يتحداتها ولا يكبتها ولا يسمح لها أن تتجاوز حدودها إلى غير ما هو ملائم لها كما يوازن في الاستجابة لهذه الحاجات بإعطائها
الفرصة فى التعبير عن نفسها فى انسجام لا يسمح لإحداهما بأن تتغلب على سواها و من حاجات الإنسان حاجات فردية وأخرى جماعية والمجتمع الإسلامي يقر هذين النوعين من الحاجات ولا يسمح لإحداهما بأن تطغى على الأخرى بل لا يسمح بصراع وإنما يرعى كلا ويعطيها الحق في التعبير عن نفسها في اتزان ووعي
إن المطالب الخاصة بالإنسان فرداً هي في جوهرها دعم للمجتمع كله وتحقيق لمطالبه كما أن المطالب الخاصة بالمجتمع هى فى جوهرها دعم للفرد وتحقيق لمطالبه وبناء على ذلك فليس من المقبول فى المجتمع الإسلامى أن تضيع مصلحة الفرد من أجل المجتمع ولا أن تضيع مصلحة المجتمع من أجل الفرد بل الأصل أن تتحقق المصلحتان معا في تناسق و انسجام
وإن كبريات الرموز الفلسفية التي عانت البشرية من الاستجابة لها مثل المنفعة والقيمة والضرورة والجمالية والواقعية والمثالية والفردية والجماعية لا تثير أدنى قلق فضلا عن تناقض في المجتمع الإسلامي لأنه مجتمع الإنسان والإنسان فرد في مجتمع والمجتمع يتكون من أفراد والفرد والمجتمع كلاهما تحكمه قيم دقيقة منضبطة توائم وتلائم بين المصالح المتبادلة بينهما إن الفرد له مطالب ضروية وأخرى حاجية وثالثة تحسينية أو كمالية ولا يستطيع أن يمارس حياته الإنسانية التي كرمها الله تبارك وتعالى إلا أن يحصل على هذه المطالب من
غير إسراف ولا مخيلة
كما أن المجتمع له نفس المطالب ولا يستطيع أن يعبر عن نفسه ويحقق ذاته ويخدم أفراده إلا بحصوله على تلك المطالب أيضا إن الفرد والمجتمع كليهما في ظل منهج الإسلام وخضوعا لقواعده تحكمهما نصوص الإسلام وتهديهما أهدافه ففى جانب الحاجات الفردية نجد قول الله تعالى الله بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره فالإنسان مطالب بأن يحمل عبء نفسه وليس له أن يلقى ذلك العبء على
۱ سورة القيامة ١٤ - ١٥
۱

المجتمع مؤثرا التواكل والكسل كما أن واجب هذه التبعة وتلك المسئولية إذا حدث فيه تقصير فإن أحدا لا يحمل ذنب تقصير أحد لأن الله تبارك وتعالى يقول ألا تزر وازرة وزرا أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى 1
وفي جانب الحاجات الجماعية التي يجب أن تتضافر حولها الجهود نجد قول الله تبارك وتعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ٢ وقوله سبحانه كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن
المنكر ۳
السمة الرابعة
أنه
مجتمع متكامل أى مترابط الأجزاء بحيث لا يغني بعض هذه الأجزاء عن بعض بل تتوقف مصالح أجزائه إذا توقفت مصالح بعضها الآخر ويتجاذب بعضها إلى بعض لكي تحقق في تكاملها الهدف المنشود منها ومن الواضح أن هدف المجتمع الإسلامي هو تحقيق سعادة الدنيا والآخرة
وبديهي ألا يتحقق هذا الهدف إلا بتكامل في اتجاهات عديدة تكامل في التشريع وتكامل في الفكر والثقافة وتكامل فى الخلق والسلوك وتكامل في العمل والإنتاج
أما تكامل التشريع في المجتمع الإسلامى فإن القوانين التي جاء بها الإسلام في العمل والإنتاج والحركة قوانين جامعة مانعة لا ينقصها شيء ولا تحتاج من سواها إلى شيء كما أنها لا تتضمن حشوا ولا زيادة
وأما تكامل الفكر والثقافة فراجع إلى أن الإسلام يحترم العقل ويعطيه من حرية التفكير أكبر قدر يحقق له مصالحه ويوضح له مصادر الثقافة ومراجعها ويجعل في مقدمتها النظر والتأمل فى ملكوت الله وعظيم مخلوقاته وصفحات هذا الكون الذى
أحسن الله صنعه والتأمل في الإنسان نفسه وما يدل عليه خلق الله له من دلائل وأما تكامل الخلق والسلوك فأبرز ما فيه أن الإسلام وهو يبنى المجتمع إنما يقيمه على قاعدة أخلاقية عظيمة هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل خلق أو سلوك يمارسه الفرد أو يمارسه المجتمع فإنما يخضع لهذه القاعدة وهي قاعدة متكاملة البناء إذ
1 سورة النجم ٣٨ - ٤١
سورة المائدة ٢
۳ سورة آل عمران ۱۱۰۰

ليس في حياة الناس إلا خير أو شر فالخير مأمور به والشر منهى عنه
وأما تكامل العمل والإنتاج فإن الإسلام لا يقبل من أحد فردا أو جماعة أن يعيش دون أن يكون له عمل وإنتاج ولا يقبل بالعمل أى عمل وإنما يطلبه مجودا متقنا صالحا لا يدخر العامل فيه وسعا لقوله تعالى وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله
والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون كي ١ إنه المجتمع الإسلامي الذي صنعه الله على عينه وما أخل أحد من الناس ينظمه إلا كان مخلا بمنهج الله وقانونه وهو بهذا الإخلال عدو لنفسه وللمجتمع الذي يعيش فيه
السمة الخامسة
أنه مجتمع
الانضباط وفق المنهج الإسلامي على كل مستوى مستوى الفرد
ومستوى الأسرة ومستوى المجتمع ومستوى الأمة الإسلامية كلها إنه مجتمع الالتزام الأخلاقى والانضباط مع شرع الله إذ هو يلزم كل أفراده وجماعاته ومؤسساته وكل من فيه بقيم ومعايير وضوابط تحول بين الناس وبين الانحراف إلى الشهوات والهوى
وهذه القيم وتلك الضوابط لا تحرسها ولا تتبع تنفيذها الشرطة ولا تحمل عليها السلطة - كما هو الشأن في سائر المجتمعات البشرية قديمها وحديثها - وإنما يحرسها ويحمل عليها إحساس الفرد بمسؤليته وتحمله لتبعته وإحساس المجتمع بواجبه وهى أحاسيس تنبع من داخل الإنسان من إيمان بالله وبرسوله ورغبته في الالتزام بمنهج الله سبحانه وحرصه وحرص المجتمع كله على التحرك في الحياة بمنهج الإسلام في إحسان
وتجويد
إن الإسلام منهج في الحياة يعنى بالقيم الخلقية عناية شديدة بل يجعلها من الأسس الركينة التي يقوم عليها بناء المجتمع الراشد المستقيم على صراط الله
وإن القرآن الكريم ليهتم بهذا الجانب الأخلاقى اهتماما كبيرا حتى إن الآيات القرآنية التي تدعو إلى التحلى بالأخلاق الفاضلة والآيات التي تدعو إلى التخلي عن الأخلاق الرذلة كثيرة كثيرة تكاد تبلغ نصف آيات القرآن الكريم في عددها بل ربما
۱ سورة التوبة ١٠٥

تزيد عن ذلك وبخاصة إذا أضفنا إليها حديث القرآن الكريم عن القيم الأخلاقية في الأمم السابقة ومدى ارتباطها بالواقع الذي عاشته تلك الأمم
إن الانضباط الأخلاقي والسلوكي في المجتمع الإسلامي سمة من أبرز سماته
وخصائصه
السمة السادسة
أنه
مجتمع متكافل على كل مستوى من مستويات الموجودين فيه وعلى كل
مستوى من مستويات التكافل نفسها
إن التكافل فيه بين الفرد والفرد والفرد والأسرة والفرد والمجتمع وبين الأسرة والأسر والمجتمع كله وبين المجتمع والأمة الإسلامية كلها
ثم هو تكافل على مستوى القول والفعل والصبر على الحق والصبر من أجل الحق والتكافل على كل بر وتقوى والتكافل من أجل رفع أى أذى يقع على المسلمين أفرادا أو جماعات إن التكافل فى المجتمع الإسلامى مظلة ضخمة يستظل بظلها الفرد والجماعة والمجتمع كله الضعيف قبل القوى والصغير قبل الكبير والفقير قبل الغنى وذلك أن الإسلام يقرر أن المجتمع بغير هذا التكافل على مستوياته التي ذكرنا لا يستطيع أن يشق طريقه في الحياة ليحقق هدفه الأصيل وهو تحقيق سعادة الدارين
والنصوص الإسلامية التي تقرر هذا التكافل وتدعو إليه كثيرة نذكر منها قول الله تعالى ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وأتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ۱ وقال سبحانه فآت ذا القربي حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ٢
وروى الإمام البخاري بسنده عن رسول الله له أنه قال المسلم أخو المسلم لا
۱ سورة البقرة ۱۷۷
سورة الروم ۳۸ - ۳۹

يظلمه ولا يسلمه من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ۱ وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ة ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ٢
روري النسائي بسنده عن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إنى أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة وأخرج أي ألحق الحرج وهو الإثم على من ضيع حقهما
وروى البخاري بسنده عن أبي موسى رضى الله عنه عن النبي الله قال المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم شبك بين أصابعه ۳
وروى البخاري بسنده عن النعمان بن بشير رضى الله عنه قال قال رسول الله ترى المؤمنين فى تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى هذا هو التكافل في المجتمع الإسلامي كما ترسم له خطوطه وأبعاده النصوص الإسلامية من الكتاب والسنة النبوية المطهرة
السمة السابعة
أنه مجتمع الدعوة إلى الله على بصيرة فكل فرد في المجتمع المسلم - رجلا أو امرأة - مطالب بأن يدعو إلى الله بشرط أن يكون قادرا على ذلك ولديه بصيرة بما يدعو إليه قال الله تعالى قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين ٤
والدعوة إلى الله وممارستها على هذه المستويات هي التي تؤمن للمجتمع حياة نظيفة خالية من كل ما يغضب الله وخالية بكل ما يعود على الإنسان بالنفع في الدنيا والآخرة ويدفع عنه الضر فيهما
إن الدعوة إلى الله لها أسباب وأركان وأهداف وأساليب ووسائل ونتائج وإن فقهها
۱ البخاری صحیحه باب المعالم النووى رياض الصالحين ١٢٥ ۳ البخاری صحيحه أبواب الأدب ٤ سورة يوسف ١٠٨

يتطلب معرفة مراحلها من تعريف وتكوين وتنفيذ وتمكين وما بعد التمكين ويتطلب فقهها بما يجب أن يكون عليه الداعى من صفات وما له من وظائف ويتطلب معرفة بالمدعوين إلى الله مَن هم وما أبرز سماتهم وما واجبات الدعاة نحوهم ۱
إن مجتمع الدعوة إلى الله هو المجتمع الذى يسوده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر كل أحد بكل معروف ونهى كل أحد عن كل منكر
إن أحدا من أفراد هذا المجتمع الإسلامي لا يسعه أن يجد مجالا يأمر فيه بالمعروف إلا أمر ولا يسعه أن يجد مجالا ينهى فيه عن المنكر إلا نهى لأن النصوص الإسلامية وردت بذلك قال الله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم
وروى الترمذى بسنده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال قال رسول الله ه والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه فتدعونه فلا يستجاب لكم
وروى الترمذى بسنده عن طارق بن شهاب قال أول من قدم الخطبة قبل الصلاة مروان فقام رجل فقال لمروان خالفت السنة فقال يافلان ترك ما هناك فقال أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكرا فلينكره بيده ومن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف
الإيمان
السمة الثامنة
أنه
مجتمع الحركة المستمرة الهادفة التي لا تتوقف دون زمان أو مكان وإنما توظف الطاقات والإمكانات بشرية وغير بشرية للجهاد في سبيل الله والجهاد بالنفس والمال والجهاد باللسان لتكون كلمة الله هي العليا
إنه مجتمع الحركة والجهاد وفق خطة ومن أحل هدف وخضوعا لسياسة واتباعا لوسائل بعينها والتزاما بأولويات بعينها كذلك من أجل تحقيق منهج الله وتطبيقه على
1 أنظر للمؤلف فقه الدعوة إلى الله و دراسة موسعة في فقه الدعوة سر دار الوفاء ١٤١٠هـ / ١٩٩٠م سورة التوبه ۷۱
۳۳

عباده والمضى فى هذه الطريق حتى تتحقق الأهداف أو يمضى المسلمون في سبيلها شهداء ربحوا إحدى الحسنيين تحقيق الهدف أو الموت في سبيله
إنه المجتمع الإسلامي الذي تقرر شريعته أن الجهاد فريضة ماضية إلى يوم القيامة لا يقعد المسلمون عن ممارستها إلا ذلوا يجاهدون أعداءهم أعداء دينهم أعداء الحق وأعداء الله سواء كان هؤلاء الأعداء في داخل الأمة الإسلامية أم في خارجها يجاهدونهم وفق آداب الإسلام في الجهاد حتى يحق الله الحق ويبطل الباطل وحتى لا يعبد إلا الله في الأرض والجهاد يتطلب إعدادا واستعدادا من كافة أنواع الإعداد والاستعداد حتى يخوض المسلمون معاركهم وقد تأهلوا لها وأخذوا بالأسباب بعد الإيمان واليقين بنصر الله وإن هذا الإعداد مطلب قرآني قال الله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون
1
إن الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا سمة من سمات المجتمع الإسلامي لا تفارقه أبدا بحال لأن من الخطأ تصور أن الجهاد في سبيل الله له حد يقف
عنده إذ هو ماض إلى يوم القيامة يجد المبرر له فى كل زمان ومكان وحسب الإسلامي أنه مطالب بأن يكون مجتمعا له شوكة وقوة ليرهب عدو الله
السمة التاسعة
المجتمع
أنه مجتمع إنساني بكل ما تحمله الكلمة من معانى الإنسانية في أرقى صورها وأنبل أشكالها إنه مجتمع يحترم الإنسان ويقيم أكبر وزن الإنسانيته ويري له حرمة أعظم من كل حرمة فقد روى ابن ماجة بسنده عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال رأيت رسول الله الا الله يطوف بالكعبة ويقول ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده الحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرا ٢
1 سورة الأنفال ٦٠
ابن ماجة سننه كتاب الفتن

إنه المجتمع الذى يقر للإنسان بأن الله كرمه وفضله على كثير من - له ما خلقه وسخر في السموات وما في الأرض رحمة به وله ولذلك يحافظ لهذا الإنسان على كافة حقوقه ولا ينتقص شيئا منها حتى ولو كان عدوا إذ يحرم الإسلام التمثيل بجثث القتلى كما يحرم تعذيب الأسرى ويحرم أي ظلم يقع على أي إنسان مهما كان
عدوا كما يحرم نهب مال الإنسان أو خدش عرضه أو حيائه أو إهانة إنسانيته إن المجتمع الإسلامي سبق المجتمعات البشرية كلها - سابقها على الإسلام ولاحقها - في تكريم الإنسان والاعتراف له بحرياته كلها شريطة ألا يسئ بهذه الحرية إلى نفسه أو إلى آخرين إنه كفل له حرية الرأي والمعتقد وحرية الفكر وحرية التعبير وحرية العمل وحرية الاعتراض على ما يراه منافيا لأى مصلحة من مصالح الدنيا أو الآخرة إن هذه الحريات التي كفلها الإسلام للإنسان لا يتصور أنها مطلقة وإلا كانت فوضى واضطرابا وإنما وضع القيود المنطقية بحيث لا تتسبب ممارستها في ضرر لأحد كما قلنا آنفا - وعلى الرغم من هذا القيد فإنها تبقى أوسع الحريات التي منحها نظام مجتمع بشرى لأفراده في أي زمان أو أي مكان
إن المجتمع الإسلامي يعتبر الإنسان سيد هذه الأرض لا تعلو على قيمته قيمة ولا يساويه من مخلوقات الله شيء فضلا عن أن يفضله فهو ليس عبدا للطبيعة ولا للوهم والخرافة ولا للهوى ولا لطبقة تسمى نفسها رجال الدين ولا لنظام اجتماعي بعينه ولا النظام سياسى أو اقتصادى كائنا ما يكون وإنما هو سيد كل هذا وعلى هذا كله أن يكون مسخرا لصون كرامته الإنسانية
السمة العاشرة
أنه مجتمع عالمي منفتح على الدنيا كلها في مختلف بقاعها وعلى كل أجناس الناس فيها لا يعرف تفرقة بين أبيض البشرة وأسودها ولا أحمرها وأصفرها فالناس جميعا وفى كل مكان وزمان لآدم عليه السلام ولا يتفاضلون بعرق أو جنس أو لون أو سكني إقليم وإنما يتفاضلون بتقوى الله ويتمايزون في الإخلاص في عبادته
إن المجتمع الإسلامي تواكب فيه إيمان أشراف قريش وأعمالهم الصالحة مع إيمان بلال وصهيب وسلمان وأعمالهم الصالحة مجتمع لا يتعالى فيه شريف بشرفه ولا يتطاول فيه غنى بثروته ولا يتخايل فيه قوى بسطوته وإنما هؤلاء جميعا أضعف فئات المجتمع إن ظلموا سواهم تقف منهم الدولة موقف العداء حتى تأخذ الحق منهم وتضعه في أيدى أصحابه

وهو مجتمع لا ينسحق فيه الضعيف ولا يتوارى الفقير وإنما يشمخ كل منهم بإيمانه وإسلامه ويعتز بتقواه لله ويؤمن بأن أخاه القوى أو الغنى أو صاحب السلطة إنما هو أخ له في الدين وأن له عليه حقوقا وعليه نحوه واجبات وأنه مع أخيه عون لهذا المجتمع في كل ما يصبو إليه من أهداف نبيلة
إن المجتمع الإسلامي تتمثل عالميته في أنه ينظر للعالم كله نظرة الوالد الحاني الحريص على جميع أبنائه ينشر فيهم دعوة الخير ويدعوهم إلى الدخول في دين الله دون إكراه أو ضغظ من دخل في دين الله فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم ومن أبى ــ وكان من أهل الكتاب - ترك وما يدين فى ظل الدولة الإسلامية التي تحميه وتؤمنه على دينه وعرضه وماله في مقابل جزاء أو جزية مالية يعفى منها العاجز والفقير والغارم فإن كان من غير أهل الكتاب وعرضت عليه الدعوة وتبين له الحق ولم يقم فى عقله شبهة في هذا الحق وأبى إلا أن يعاند ويعارض الحق ويتحداه فإن هذا الإنسان بهذه الصفات يعد خطرا على الحياة الاجتماعية بعامة وعليه إذن أن يستعد لأن المسلمين سوف يأخذون منه موقف العدو الذي يجب أن يحال بينه وبين الشر والفساد
ألا ما أحوج دول الغرب ـ التي تنادى بحقوق الإنسان وتنتهكها في كل مكان تحتله جيوشها ولا تستحى من ادعاء العدالة والمساواة في حين تمارس من الظلم والتميز الطبقي والعنصرى ما لا يخفى على أحد من سكان هذه الأرض ـ ما أحوجها أن تعرف أن المجتمع الإسلامي العالمي بمبادئه وأهدافه ووسائله هو مجتمع المستقبل المتسرق للبشرية كلها إن هي أخذت بمنهجه ونظامه
ألا ما أحوج دعاة الغرب وأدعياء العدالة والحرية والمساواة أن يفيقوا على حقيقة خافية عليهم على الرغم من ظهورها وهى أنهم يمارسون العدالة والحرية والمساواة مع ناس دون ناس ويكرسون هذه الفروق وتلك المعاملة الظالمة بما يؤمنون به من ضرورة التفرقة اللونية بين بني البشر وما يرفعونه من تسميات - أهل الشمال وأهل الجنوب - و شعارات العالم المتقدم والعالم النامي أو الثالث
ألا ما أحوج البشرية كانها اليوم وغدا وفى كل يوم أن تتأمل في كلمة النبي صلى الله عليه وسلم التي یرسی بها قواعد العدل والمساواة بين المسلمين وإن غلبوا وغيرهم وإن غلبوا فيما يرويه أبو داود بسنده عن رسول الله الله أنه قال ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أحد منه شيئا يعير ملعب نفس فأنا حبتيجه يوم القيامة ١

٣ ـ أهداف المجتمع المسلم
المجتمع الإسلامي المكون - فى حقيقته - من عدد من الأسر المسلمة له أهداف يسعى إلى تحقيقها من خلال ممارسات أفراده أو الأسر التي يتكون منها أو المجتمع كله أو الأمة الإسلامية في مجموعها وبسلطة الدولة الإسلامية التي تطبق شرع الله وهذه الوحدات المكونة للأمة الإسلامية لا يتصور انفكاكها في الإسلام إلا وهى متنكبة طريق الحق ومتخلية عن تطبيق المنهج وهذا الترابط إنما هو نتيجة طبيعية لتطبيق المنهج وضرورة ملحة لكى يستطيع المجتمع الإسلامى أن يحقق أهدافه وذلك أن الفرد وحده لا يمثل قوة ولا فعالية ولا قدرة على التغيير وكذلك أمر الأسرة وحدها فإنها لو نجحت في دائرة حياتها وحدها لم تستطع أن تبلغ بذلك من الفعالية ما يبلغ المجتمع وهكذا المجتمع وحده بالنسبة للأمة الإسلامية لأن الأمة مطالبة بأن تختار حاكما يحكم فيها بمنهج الله سبحانه وإلا كانت متحلية عن واجب شرعى
لهذا لا يمكن انفكاك وحدات المجتمع الإسلامي ولهذا نصبح أهداف المجتمع الإسلامي هي أهداف الأمة الإسلامية أو أهداف الحكم بما أنزل الله من تشريع ولا يتحقق ذلك إلا بالفرد والأسرة والمجتمع والأمة الإسلامية في مستوى الترابط والالتئام و من المعلوم أن أهداف المجتمع الإسلامي - أو الأمة الإسلاميه أو الحكم الإسلامي - هي على وجه الإجمال تحقيق مصالح العباد في الدين والدنيا وهذه الأهداف في مقدمتها أقسام ثلاثة - كما جرى على هذا التقسيم جمهور علماء
المسلمين في عصور عديدة - وهى
أ أهداف ضرورية
ب وأهداف حاجية
جــ وأهداف تحسينية
ويسمونها مقاصد ولا مساحة في الاصطلاح - كما يقولون العربية من
والأهداف مقاصد
وليلة مضوعا على كل قسم من تشاء الأقسام الله - بداند ولي تان
۱۳۹۷

أ الأهداف الضرورية
والضرورة الحاجة وما لابد منه وهى خلاف الكمالى من الأشياء ومعنى ذلك أن هذه الأهداف الضرورية لا بد منها المسيس الحاجة إليها واستحالة الحياة الإنسانية الكاملة
إلا بها
إنها أهداف واجبة لتحقيق مصالح الدين والدنيا بحيث إذا لم تتحقق فسدت المصلحتان ووقع الناس فى الحرج لفوات المصلحتين مصلحة الدنيا حيث لا يعيشون أو يعيشون حياة لا تليق بالإنسان ومصلحة الآخرة حيث ينتظرهم عذاب الله على
المعصية
أولا
وهذه الأهداف الضرورية كثيرة نذكر من أهمها مايلي
العقيدة الصحيحة في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره - أى الإيمان - وهذا الإيمان حاجة ضرورية لا يحيا الناس حياتهم الإنسانية الكريمة إلا بها ثانيا
العبادة الصحيحة لله سبحانه وفق ما شرع كالطهارة والنطق بالشهادتين والعمل بمقتضاهما وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه السبيل أى الإسلام - وهذا الإسلام لله الخالق الرازق ضرورة لا يمارس الناس حياتهم الإنسانية
الكريمة إلا بها
ثالثا
حفظ الدين والنفس والمال والعقل والنَّسل فتلك حاجات أساسية وضرورية للناس لا يستطيعون ممارسة حياتهم إلا بالمحافظة عليها والمحافظة عليها تتطلب المنهج الذي يقرر العدل والإحسان والعقاب والثواب وصيانة الحقوق وبغير ذلك لا حياة كريمة للإنسان
رابعا
حفظ حقوق الناس في التعامل بعضهم مع بعض في كل ما يتصل بحياتهم من أحوال شخصية وأحوال مدنية وأحوال جنائية وغيرها وما تتطلبه المحافظة على تلك الحقوق الجوهرية من تشريعات ونظم وقوانين تنبع من شريعة الله كتابه سبحانه وسنة رسوله
۳۸

صلى الله عليه وسلم وقياس واجتهاد ومصالح مرسلة وسد للذرائع واستحسان
وغيرها
ب ـ الأهداف الحاجية
والحاجة هى ما يفتقر إليه الإنسان ويطلبه ومن الناحية الشرعية هي ما يحتاج إليه الناس من حيث التوسعة ورفع الضيق والحرج عنهم وذلك أن الضيق والحرج إذا حدثا فاتت المصلحة فى الغالب دينية كانت هذه المصلحة أو دنيوية غير أنه فوت لا يبلغ حد الفساد الذي يؤدى إليه فوت الضرورات
أولا
وهذه الأهداف الحاجية أنواع كذلك نذكر من أهمها مايلي
حاجيات في العبادات مثل الرخص المخففة المانعة من أن يقع الناس في حرج أو مشقة كالفطر فى الصوم بسبب السفر أو المرض وكقصر الصلاة ونحو ذلك
ثانيا
حاجيات في العادات مثل إباحة الصيد وإباحة التمتع بالطيبات مما أحل الله في المطعم والمشرب والملبس والمسكن والمركب بشرط البعد عن الإسراف والمخيلة
ثالثا
أن
حاجيات في المعاملات مثل إباحة القرض وإباحة السلم - أى بيع عاجل بأجل - وإباحة المساقاة - أى دفع الأرض من مالكها إلى من يسفيها ويصلحها ويعمرها على أ يكون له سهم معلوم من محصولها - ومثل عدم النص فى العقد على التوابع اللازمة للمتبوع كثمرة الشجرة ومال العبد إذ من اشترى سجرا فله ثمره ومن اشترى عبدا فالمال الذي يكسبه له دون نص على ذلك في العقد وكل تلك الأمور الحاجية مما يحتاج إليه الناس للتوسعة على أنفسهم ورفع الحرج والضيق عنهم
والمجتمع الإسلامي حريص بنظمه وآدابه وما يسود فيه من قوانين أن يحقق للناس هذه الحاجات وأن يرفع عنهم أى ضيق وأى حرج لأن الله تبارك وتعالى ما جعل على أحد
۳۹

في الدين من حرج فال تعالى وهو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج جـ الأهداف التحسينية
والتحسين الاتجاه إلى الأحسن والأليق بالناس الأنفع لهم ومعناه في الشريعة الأخذ بما هو أليق بالإنسان من محاسن العادات مع تجنب الأمور التي تأنفها العقول الراجحة وهذا وذاك يندرج تحت عنوان مكارم الأخلاق
وإذا فات تحقيق هذه الأهداف التحسينية فإن المجتمع المسلم يفقد ما هو أليق به مكارم الأخلاق ولكنه لا يقع فى حرام بل ربما وقع فى مكروه تحريمي أو تنزيهي والإسلام بنظمه حريص على ألا يقع المسلمون في شيء من ذلك
أولا
وهذه الأهداف التحسينية كثيرة نذكر من أهمها مايلي
تحسينات في العبادات مثل الطهارات عموما وستر العورة عموما كذلك وأخذ الزينة عموما والتقرب بالنوافل من الصلوات والصدقات والقربات كلها وذلك كله في غير مواطن الوجوب لأن مواطن الوجوب ضرورات وربما كانت حاجيات
ثانيا
تحسينات في العادات مثل الأخذ بآداب الطعام والشراب التي دعا إليها الإسلام وندب إليها والابتعاد عن المطاعم والمشارب المستخبئة والتوسط بين الإسراف والتقتير وغير ذلك مما لم يرد في تحريمه نص فى ظرف بعينه وهو في الوقت نفسه يجعل عادات الإنسان التي يتحلى بها أقرب إلى ما ندب إليه شرع الله سبحانه
ثالثا
دمات في المعاملات مثل المنع من بيع فضل الماء و فضل العشب ومنع المرأة من إنكاح نفسها منبع نقل النساء والصيان والرهبان في الجهاد في سبيل الله ماداموا لم يحاربوا المسلمين وأم تكبدرا لهم في الحرب
وهذه الأمن التحس كلها في العبادات أو العادات أو المعاملات ليس فقدها مخلا أمر ضروري أم ان اذا يستهدفها المجتمع الإسلامي ليحصل بها على ما هو أليق
بالأزمات و أدنى ا الى امده کرده
1 دوره الجميع

أما بقية أهداف المجتمع المسلم غير تلك الثلاثة فهي ما تشير إليه فيما يلى
د هداية الناس إلى الحق والخير
إن المجتمع الإسلامي أفراداً وأسراً ومجتمعاً وأمة يستهدف أن يأخذ على عاتقه واجب هداية الناس إلى الحق وإلى الخير عن طريق الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن فالمجتمع المسلم بكل من فيه من رجال ونساء دعاة إلى الله لا يملكون أن يتوقفوا عن الدعوة إلى الله ماداموا مسلمين
وإن الدعوة إلى الله المتمثلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقادرة دائما على أن تجعل الناس بتواصون بالحق ويتواصون بالصبر ويتواصون بالخير ويصبرون على مغارم كل ذلك وما يتطلبه من متاعب و مشقات
إن المجتمع المسلم وهو يمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما يحقق للناس الأمن والاستقرار والاطمئنان على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وكل ما يرغبون في
الاطمئنان إليه
ولن يصل المجتمع المسلم إلى ذلك الأمن والاطمئنان إلا إذا كان الأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ملتزمين هم أنفسهم بفعل المعروف وترك المنكر
وإن هداية الناس إلى الحق والخير وإشاعة الأمن والاستقرار فيهم عن طريق الالتزام بمنهج الله سوف يؤدى إلى أن تتوافر للناس كل حاجاتهم المادية والمعنوية إذ لو التزم الناس بمنهج الله سبحانه فسوف يقبلون على الحق وعلى الخير في أقوالهم وأعمالهم وإنتاجهم وكل ما يحيط بهم مما يحتاجون إليه
وهذا باب واسع تحدث فيه الفقهاء باستطراد وتوسعوا حتى اعتبروا فعل كل شيء فيه مصلحة للناس من فروض الكفاية وجعلوا للحاكم المسلم أن يلزم بهذا العمل من يقومون به إلزاما في مقابل أجر المثل إذا امتنعوا عن التبرع به
بل اعتبر كثير من الفقهاء حفر الأنهار وتسوية الطرقات وردم المستنقعات وحفر الآبار واستصلاح الأرض للزراعة وتهيئة ما تحتاج إليه الصناعات من آلات وأدوات ووسائل وكل ما يحقق مصلحة المسلمين اعتبروا كل ذلك من واجبات الحاكم المسلم ينفق عليه من بيت المال ولا يكلف بنفقته أحدا من المسلمين إلا أن يكون قادراً وراغبا أو تكون هناك ضرورة
٤١

هـ ـ مقاومة الشر والفساد
وهذا هدف رئيسي من أهداف المجتمع الإسلامي لأن -
حسم
أمور الشر والفساد في
الناس واجب على حكم المسلمين وجوب عين وواجب على القادرين من سائر المسلمين
وجوب كفاية
ومالم يقاوم المجتمع الشر والعناصر المروجة له ويجتث أسبابه فإن نشر الحق والخير والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف كل ذلك سوف تقوم فى طريقه العقبات والعراقيل فيقع الناس من جراء هذا وذاك في بلاء عظيم هذا الهدف الكبير وهو مقاومة الشر والفساد أكده القرآن الكريم حين طالب الأمة الإسلامية بالقوامة والوصاية الراشدة في قوله تعالى ﴿ يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ۱ وقوله سبحانه ﴿ يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجر منكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ٢ وقوله سبحانه وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدان ۳

إن حسم الشر والفساد واجب كل فرد فى المجتمع المسلم مادام قادرا على ذلك وواجب الحاكم المسلم بحكم عمله وماخوله من سلطة ولكن الوصول إلى ذلك له مدخل أساسي هو أن يشعر كل فرد في المجتمع بمسئوليته عن نفسه أولاً وعمن يعول وعن المجتمع الذى يعيش فيه ثانيا وأنه محاسب على التقصير فى أى من هذه المسئوليات بعد
ذلك
إن مسئولية الفرد عن نفسه وعن المجتمع الذى يعيش فيه وعن مقاومة كل شر وفساد فيه مطلوب بقول الله تبارك وتعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله ٤ وقوله سبحانه فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ٥
۱ سورة النساء ١٣٥
۳ سورة البقرة ١٤٣ ٥ سورة هود ١١٦
سورة المائدة ۸
٤ سورة المائدة ٢
٤٢

ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بسنده عن عبد الله بن مسعود رضى الله
عنه إن أول مادخل النقص على بنى إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول ياهذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون إلى قوله فاسقون ثم قال كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضر بن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم 1 إن هذه النصوص الإسلامية تؤكد أن كل فرد في المجتمع مسئول أمام الله وأمام نفسه و أمام المجتمع عن مقاومة الفساد والشر ما استطاع إلى ذلك سبيلا
و - كفالة حرية العقيدة والعبادة المجتمع الإسلامي مجتمع يقيم أكبر وزن لإنسانية الإنسان وأبرز صفات إنسانية الإنسان أن تكون له حرية في عقيدته وفي عبادته لذلك لم يكره الإسلام أحدا من الناس على الدخول فيه قال تعالى لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى ٢ أى لا إكراه في المعتقد والملة وبخاصة أهل الكتاب
إن أهل الكتاب إذا كانوا يعيشون في بلد يحكمها شرع الله فإنهم يتركون وما يدينون ولا يكرهون على الدخول فى الإسلام وإنما يدفعون للحكومة المسلمة جزاء ما تحميهم وتؤمنهم الجزية وهى مبلغ من المال يدفع كل عام يلزم به القادرون ويعفى منه الشيوخ والنساء والصبيان والعاجزون عن الدفع عموما وعلى المجتمع المسلم أن يؤمنهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم بل على المجتمع المسلم أن يعول فقيرهم وعلى المسلم أن يستضيف من كان من أهل الكتاب إذا نزل ضيفا عليه وليس على أحد من أهل الكتاب أن يستضيف مسلما إلا إن كان ذلك نتيجة لشرط شرط عليهم في عهدهم وذلك أن ضيافة المسلم لمن كان من أهل الكتاب واجبة بأمر الدين وأما استضافتهم هم
للمسلمين فليست بواجبة عليهم لأن الإسلام لا يلزمهم الأخذ بما فيه وإن المجتمع الذي يكفل حرية المعتقد والملة لابد أن يكفل حرية العبادة لأهل
1 أبو داود سنته باب الملاحم
سورة البقرة ٢٥٦
٤٣

الكتاب من يهود ونصارى بل إن الإسلام يوجب على المسلمين أن يقاتلوا كل من اعترض حرية المعتقد والملة أو حال بين متعبد وعبادته ومع هذا الإذن بالقتال وصولا إلى كفالة حرية العقيدة والعبادة فإن الإسلام لا يبيح للمسلمين أن يعتدوا على أحد في هذا القتال المشروع اعتداء تمليه عليهم نشوة الانتصار أو عزة الغلب لأن الإسلام وضع للقتال - الجهاد في سبيل الله - آدابا ألزم بها المسلمين في حالتي النصر والهزيمة ومن تجاوز هذه الآداب عد معتديا قال الله تعالى وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخر جركم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين ۱ فهذه حرب من أجل حرية العقيدة والعبادة وهى حرب دفع عدوان ولكنها مشروطة بشروطها محكومة بآدابها
وهناك حرب أخرى أباحها الإسلام هى حرب وقائية من أجل كفالة حرية العقيدة كذلك وهى الحرب التي يخوضها المسلمون ضد من ينقضون عهودهم السلمية مع المسلمين وربما يتكرر منهم هذا النقض فإن مثل هؤلاء يجب أن يعلنهم المسلمون بنيذ ما بينهم وبين المسلمين من عهود غير أن هؤلاء على الرغم من نقضهم للعهود فإن المسلمين مطالبون بأن يعطوهم فرصة للسلام إن أبدوا رغبة فى ذلك ومالوا هم إلى السلام قال الله تعالى إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين
۱ سورة البقرة ١٩٠ - ١٩٤
سورة الأنفال ٥٥ - ٦٢

ز - تحقيق العدالة
لاشك في أن المجتمع الإسلامي يستهدف دائما في أبعاد الزمان والمكان أن يحقق العدل بين الناس جميعا ذلك أن الله تبارك وتعالى أمر بالعدل في كل ما يتعلق بحياة
الإنسان

إن الله تعالى أمر بالعدل في القول فقال سبحانه ﴿ وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربی ۱ فالعدل في القول مطلوب حتى ولو كان ضد واحد من ذوي القربي وأمر سبحانه بالعدل في الكتابة والتوثيق فقال وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل وأمر الله سبحانه بالعدل في الحكم بين الناس فقال جل شأنه وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا وأمر بالعدل في الشهادة واختيار العدول من الشهداء قال سبحانه وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ٤
۳
وأمر بالعدل في الصلح بين المتخاصمين والمتنازعين فقال سبحانه وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ٥
وأمر بالعدل في الكيل والوزن وكل ما يتعلق بحقوق الناس قال تعالى ﴿ وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ٦ وقال سبحانه و لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ۷
۱ سورة الأنعام ١٥٢
۳ سورة النساء ٥٨ ٥ سورة الحجرات ۹۰ ۷ سورة الحديد ٢٥
سورة البقرة ۸
4 سورة الطلاق ٢ ٦ سورة الأنعام ١٥٢

وأمر سبحانه بالعدل في صورته العامة التي تتناول كل موقف يحتاج إلى العدل قال سبحانه إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ۱
إن التأمل في هذه الآيات القرآنية الكريمة ليؤكد لنا أن العدل في المجتمع الإسلامي هو الركن الركين الذي تقوم عليه حياة الناس الآمنة المستقرة وما فقد الأمن ولا الاستقرار في مجتمع ما إلا كان وراء ذلك فقد العدل وإن إقرار العدل في كل شعبة من شعب الحياة هو نفى للظلم من هذه الشعبة وإن الأحاديث النبوية الواردة فى وجوب العدل أكثر من أن نحصيها في هذا الكتاب لكن نذكر منها مايلي
روى البخاري بسنده عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد
سرقت لقطعت يدها
وروى الإمام البخاري بسنده عن أبي سعيد رضى الله عنه قال بينما النبي الله يقسم جاء عبد الله بن ذى الخويصرة التميمي فقال اعدل يارسول الله فقال ويلك من يعدل إذا لم أعدل
وروى البخاري بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اعدلوا بين أولادكم في
العطية ٢
وروى ابن ماجة بسنده عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال قال رسول الله العلم ثلاثة فما وراء ذلك فهو فضل آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة والفريضة العادلة هى كل حكم من الأحكام يحصل به العدل في قسمة التركات بين الورثة أو الفريضة هي كل ما يجب العمل به والعادلة هي المساوية لما يؤخذ من القرآن والسنة
وروى الإمام مسلم بسنده عن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
۱ سورة النحل ٩٠
البخاري صحيحه باب الهبة
ង ។

اتقو الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم
وروى مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء
وروى الإمام مسلم بسنده عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد
إن المجتمع الإسلامي حين يستهدف العدالة إنما يستهدف رفع الظلم كذلك فإذا كان ظلم لم يكن عدل إنه يستهدف عدلا بين الإنسان ونفسه وبينه وبين ربه وبينه وبين كل إنسان
ح ـ تحقيق الأخلاق الفاضلة
إن المجتمع الإسلامي يضع من بين أهم أهدافه أن يسود الناس في تعاملهم خلق الإسلام وخلق الإسلام هو كل الفضائل الإنسانية التي تليق بإنسانية الإنسان وترفع من شأنه وتهيئ له مكانا ملائما لتكريم الله له فى المجتمع الذى يعيش فيه ومكانة عند الله سبحانه الذي أمر بالتحلى بهذه الأخلاق الفاضلة
ولا تتكامل
عند
الإنسان أخلاقه الفاضلة إلا إذا تخلى أولا عن الرذائل والسفاسف
والصغائر وكل ما يغضب الله سبحانه
ولو شئنا هنا أن نسرد الرذائل التي يجب أن يتخلى عنها الإنسان والفضائل التي يجب أن يتحلى بها لما وسعنا هذا الجزء من الكتاب ولكنا نجمل هذا وذاك في كلمات نرجو أن يكون بها النفع بإذن الله تبارك وتعالى
فنقول إن الفضائل الإسلامية هى كل ما أمر به الإسلام من قول أو عمل وكل
ماندب إليه
والرذائل هي كل مانهى عنه الإسلام من قول أو عمل كذلك أو كل ما كره فيه وسواء أكان ذلك في الفعل أم الترك
وفي اللغة العربية كلمات جامعة للفضائل وأعمال الخير مثل كلمة البر إذ هي
٤٧

التوسع في فعل الخير وقد روى الإمام مسلم بسنده عن النواس بن سمعان رضى الله عنه قال سألت رسول الله الله عن البر والإثم فقال البر حسن الخلق والإثم ماحاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس
فالبر رمز لكل خير ولكل فضيلة والإثم رمز لكل شر ولكل رذيلة وروى الترمذى بسنده عن أبي الدرداء رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مامن شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وإن الله يبغض الفاحش
البذيء
وروى الترمذي بسنده عن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن من أحبكم إلى وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن من أبغضكم إلى وأبعدكم منى يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون قال المتكبرون
وروى الترمذى بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم
إن المجتمع الإسلامي يستهدف أن تسود القيم الأخلاقية الفاضلة وأن تتنحى القيم الأخلاقية الهابطة لأن ذلك هو الذى يمكن للعدل ورفع الظلم ويمكن لكل هدف من
أهداف المجتمع الإسلامي كلها
ط تحقيق إنسانية المجتمع وعالميته
إن هدفا هاما للمجتمع الإسلامى أن يحقق الإنسانية فى صورتها الرفيعة التي كرمها الخالق سبحانه ويؤكد هذه الإنسانية بين الناس جميعا
وإن المجتمع الإسلامي حريص على تحقيق عالميته تلك العالمية التي تنظر إلى حياة الناس على أنها خاضعة لقيم وآداب لا تعترف بالحدود الجغرافية التي تقوم في أذهان بعض الناس فاصلا بين الإنسان وأخيه الإنسان في تلك القيم والآداب
إن الإسلام يقر في معظم مبادئه الاجتماعية أن الإنسان قد فطره الله سبحانه على أن يكون قوام حياته الاجتماعية بالأنس بأخيه الإنسان والتعاون معه على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان


إن إنسانية المجتمع المسلم تعنى تكريم الإنسان لكونه إنسانا بغض النظر عن جنسه أو لونه أو لغته أو الإقليم الذى يعيش فيه طالما هو يعمل العمل الصالح الذي لا يضر أحدا
من الناس
إن الإسلام ينادى على الناس جميعا ليتعارفوا ويتعاونوا ويتناصروا في سبيل كل ماهم في حاجة إليه دون أن يتعالى أحد منهم على أحد قال تعالى ﴿ يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم 1
إن العرب الذين نزل آخر كتب الله وخاتمها وأكملها وأتمها بلغتهم وكان منهم خاتم أنبيائه ومرسليه محمد إن هؤلاء العرب ليسوا عند الله ولا في تركيب المجتمع الإسلامي بأفضل من غيرهم لكونهم عربا وإنما الأفضلية في الإسلام للإيمان والتقوى والعمل الصالح إن أخوة الإيمان في المجتمع الإسلامي تضم الإنسانية كلها أسودها وأبيضها إن الإسلام ماعرف في تاريخه تحيزا - فضلا عن تعصب - الجنس على جنس لأنه دين إنساني عالمي وسبحان الله العظيم أن كان من أوائل من دخلوا في الإسلام من الناس من يمثلون مختلف الأجناس والألوان واللغات والقوميات إن بلالا وصهيبا وسلمان عليهم رضوان الله كانوا رموزا وإشارات لإنسانية الإسلام وعالميته وإن من عظمة منهج الإسلام أن صنع من جميع هذه الجنسيات واللغات والألوان والقوميات جنسية واحدة وأخوة واحدة وتكافؤا في الحقوق والواجبات
وإن ما عاناه العالم - وما لا يزال يعانيه - من تعصب وتمييز عنصرى ليمثل سبة في جبين المتعصبين سواء أكانوا نازيين أم يهوداً أم من أولئك الذين يتعصبون اليوم للرجل الأبيض في إفريقيا أو - إلى وقت قريب - في أمريكا وغيرهما من بلدان العالم
إن هذا التعصب حاربه الإسلام منذ خطواته الأولى وجرم من يتعاملون وفقه وإذا كان بعض المسلمين في بعض أحقاب التاريخ قد مارسوا شيئا من التعصب للعرب أو لغيرهم فإنما كان ذلك لغيبة الإسلام ومنهجه عن أولئك المتعصبين وتنكبهم للنظام الاجتماعي الإسلامى وكانوا في نظر الإسلام والمسلمين من المخطئين
إن النصوص الإسلامية التي تؤكد إنسانية الإسلام وعالميته كثيرة نذكر منها مايلي
۱ سورة الحجرات ۱۸

قال الله تعالى ﴿ يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ١ وقال سبحانه ﴿ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة كم ٢ وقوله جل شأنه فى خطاب خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ۳
وإن نصوصا كثيرة من سنة النبي الا الله وتؤكد هذه الإنسانية وهذه العالمية للمجتمع الإسلامی نذكر منها مايلي
روى ابن ماجة بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاتل تحت راية عمية يدعو إلى عصبية أو يغضب لعصبية فقتلته جاهلية وروی مسلم بسنده عن عياض بن حمار رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ه إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد وروى الترمذي بسنده قال قال رسول الله ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وروى البخاري بسنده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم و لا يرحم الله من لا يرحم
الناس
إن كل هذه النصوص ومثلها كثير مما يؤكد إنسانية المجتمع الإسلامي وعالميته ٤ وبناء على ذلك فإن المجتمع الإسلامي وهو يستهدف تحقيق الإنسانية والعالمية فإنما يحقق ذاته ويؤكد للبشرية كلها أن الإسلام دين الإنسان ودين العالم كله ی - عناية المجتمع الإسلامي إن تأكيد كل الأهداف التسعة التي استهدفها المجتمع الإسلامي إنما يأخذ طريقه الصحيح بأن تكون رعاية الأسرة من أهم أهداف المجتمع فلولا الأسرة ما كانت حياة
اجتماعية إطلاقا
سورة البقرة ٣٠
۱ سورة النساء ١ ۳ سورة الأنبياء ٠ ١٠٧ ٤ انظر للمؤلف و عالمية الدعوة الإسلامية دراسة موسعة تؤكد هذه العالمية بأدلة عقلية ونقلية ط داد الوفاء
١٤١٢ هـ / ١٩٩٢م

إن الإسلام يحيط الأسرة بمزيد من الرعاية والاهتمام حتى تستطيع أن تؤدى في المجتمع وظائفها على أحسن وجه ممكن
ولكى يرعى المجتمع الإسلامي الأسرة حق رعايتها فإنه أحاطها بضمانات عديدة تكفل لكل فرد فيها حقوقه وتلزمه بواجباته لقد أوجب الإسلام للصغار حقوقا كثيرة على الأبوين أولا و على الكبار ثانيا وعلى المجتمع كله بعد ذلك وعلى الحكومة المسلمة وعند التأمل في هذه الحقوق - على نحو ما سنفصل في الفصل الثانى من هذا الباب من الكتاب - نجدها تكفل لهؤلاء
الصغار أن يشبوا في جو أدب الإسلام وأخلاقه وليس ينفع هؤلاء الصغار ولا المجتمع الذي يعيشون فيه شيء مثل أن يحاطوا بالقيم الأخلاقية الإسلامية وإن حقوق الصغار مهما تعاظمت - وهى بالفعل عظيمة - فإنه يقابلها واجبات على هؤلاء الصغار أن يؤدوها بمجرد أن يعوا ويعقلوا حتى وهم دون سن التكليف وكلما شبوا شبت الواجبات وهذا هو الضمان الحقيقى لسعادة المجتمع وكل ذلك سوف نفصله كذلك في الفصل الثاني من هذا الباب
معهم
هذه
ومن رعاية الإسلام للأسرة أن أقام الحياة الزوجية على أعدل نظام وأقدره على ضمان الحياة الأسرية الكريمة الهادئة الهانئة القادرة على أن تنجب للمجتمع أفرادا يعملون وينتجون ويعرفون واجباتهم فى ضوء ما أنزل الله على رسوله إن الحياة الزوجية فى الإسلام لها حقوق وواجبات كذلك كفلها الإسلام لكل من الزوجين إلا أن يتنازل أحدهما عن بعض حقوقه سماحة وإيثارا لمجاملة الطرف الآخر أو معاونته كما أوجب الحد المعقول من الواجبات على كل منهما إلا أن يتبرع أحدهما بأداء أكثر مما هو عليه ليدخل بذلك فى منزلة الإحسان فيحظى برضا الله سبحانه ولأن المرأة كانت ولا تزال في ظل كثير من النظم والحضارات مهضومة الحقوق فإن المجتمع الإسلامي دقق كثيرا في تعريف المرأة كل حقوقها وتوضيح كل واجباتها ولكى يعيش المجتمع والأسرة حياة اجتماعية فاعلة فإن الإسلام اهتم بحماية المرأة وصيانة حقوقها وحماها من كل من يحاول انتقاص شيء من هذه الحقوق حتى ولو كانت المرأة نفسها إذ كثيرا ما تمارس المرأة أعمالاً تنتقض بها بعض حقوقها فيقف الإسلام لها بالمرصاد يحرم عليها مثل هذه الأعمال وذلك حين تشذ المرأة فتسترجل أو تستبد
۰۱

بفطرتها فتنحرف
إن المجتمع الإسلامي يقف للمرأة فى هذه الحالة يصوب أعمالها ويرشد سلوكها
فإن استجابت وإلا أوقع عليها العقوبة حتى تستقيم فتستقيم ا الأسرة والمجتمع إن الإسلام أعطى المرأة حقوقا كثيرة في صغرها على والديها ثم على إخوتها وأعمامها وأخوالها ثم على زوجها ثم على أبنائها وأحفادها إنها في الإسلام هي الإنسان المحوط بالعناية والرعاية والاحترام والحب من كل من يحيط بها من آباء وأبناء وما ذلك إلا لأنها قاعدة الأسرة وركيزتها الأولى والأسرة قاعدة المجتمع وركيزته
ولعل الفصل التالى من هذا الباب يوضح هذا ويؤكده

الفصل الثاني
رعاية الإسلام للأسرة
١ ـ تكوين الأسرة المسلمة
كما رعى الإسلام المجتمع حق الرعاية - على نحو ما سيتضح لنا في هذا الكتاب كله - فإنه يولى الأسرة - بوصفها نواة المجتمع أو مادته الأولى - من الرعاية ما يناسب مكانتها من بناء المجتمع ومكانتها من تربية الناشئ
وليس من الممكن أن يقوم بناء مجتمع مسلم - على النحو الذي أو ضحناه فيما سلف ونحن نتحدث عن بنيته الأساسية وسماته وخصائصه ووضوح أهدافه - إلا إذا نالت الأسرة في هذا المجتمع أو فى حظ من الرعاية وأوفر نصيب من الاهتمام
وهذه الرعاية وذلك الاهتمام وتلك العناية هى ما نحاول توضيحه في هذا الفصل الثانى من الباب الأول من الكتاب لكى نتعرف من قريب وبصورة واضحة على الجهود التي يقدمها المنهج الإسلامي لتكوين الأسرة وتحديد مكانها ومكانتها من مفردات المنهج مع إلقاء الضوء الكافى الكاشف عن أهدافها وذلك كله ييسر لنا أن نتعرف على موقف
الإسلام من الناشئين ورعايته لهم ومكانتهم كذلك بين مفردات منهجه في الحياة وإن التصور المبدئي الدقيق لموقف الإسلام من تكوين الأسرة يستدعينا أن ننظر إلى الأسرة أفرادا يكونون الأبوين والآباء والأمهات الجدود والجدات والأرحام والأقارب - مرجئين الحديث الأبناء الناشئين إلى الباب الثانى من هذا الكتاب فقد خصص كله عن لهم بل خصصت بقية أبواب الكتاب الأربعة لهم - ثم ننظر إلى تدقيق الإسلام الشديد في حقوق كل نوع من هذه الأنواع وواجباته
وقد سبق لنا القول بأن قضية الحقوق والواجبات في الإسلام قضية حسم بها الإسلام كل مظاهر السلبية والتواكل وقضى بها على التبطل والإهمال وأنصف بها كل إنسان من كل إنسان بل أقامها صرحا شامخا تعيش البشرية كلها في جنباته سعيدة راضية

منطلقة إلى تحقيق سعادة الدنيا والآخرة
ولقد دقق الإسلام واهتم كثيرا بأن يلزم كل فرد من أفراد الأسرة بواجباته فيقيمه بذلك على جادة الحق ويتيح له أن يمارس كل حقوقه
وسوف نتناول بالحديث فى هذه النقطة من هذا الفصل - نقطة تكوين الأسرة - الركنين الأساسيين فى تكوين الأسرة وهما الأب والأم ثم نتحدث عن الآباء والأمهات الأعلون الجدود والجدات ثم عن الآباء والأمهات فى المنزلة وهم الأعمام والأخوال والعمات والخالات ثم عن الإخوة والأخوات الكبار - أما الصغار من أفراد الأسرة فلهم حديث خاص في الباب الثاني من هذا الكتاب
وسوف يكون تركيزنا في هذه الأحاديث على هذه الهيكلية التي احترمها الإسلام للأسرة وحرص على أن يعطى كل فرد فيها من الحقوق ويلزمه بالواجبات التي يقوم عليها البناء الصحيح للأسرة
ولنبدأ بالأهم فالذي يليه في الأهمية في تكوين الأسرة
أولا الأب
إذا كانت البداية الحقيقية للأسرة بالأبوين الأب والأم فإن الإسلام طالب الرجل إذا بلغ حد تحمل أعباء الزواج أن يتزوج وكره له العزوبة واعتبرها من محقرات الإنسان القادر على الزواج
بل إن الإسلام أوجب على الأب إن كان ذا قدرة ويسار أن يزوج ابنه وأن يعينه على أن ينشئ بيتا جديدا وأسرة جديدة إن الإسلام أكد أن الزواج سنة النبي الله لا يستطيع مسلم أن يحيد عنها وإلا كان جائدا عن الإسلام نفسه
روى أئمة الحديث وعلى رأسهم البخارى ومسلم بالسند الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال النكاح سنتى فمن أحب فطرتى فليستن بسنتی و من رغب عن فليس مني متفق عليه مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ التى لا تغير شيئا من المعنى ومعنى الحديث أن الزواج هو سنة النبى الله وأنه الفطرة التي فطر الله الناس عليها وأنه ليس لمسلم أن يحيد عن السنة أو يتنكب طريق الفطرة التي فطر الله الناس عليها
٥٤

إن الإسلام يدعو الشباب إلى أن يتزوجوا ليكونوا آباء ذوي ذرية لأن الزواج والذرية من دواعي سرور الإنسان وسعادته فى الدنيا ففى ذلك قرة العين في الدنيا وبهم تكون الدعوات المدخرة في الآخرة فقد جاء في السنة النبوية فيما رواه البخارى ومسلم بسنديهما عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء
وما روى الترمذى بسنده عن عبد الله بن مسعود رضی الله عنه قال خرجنا مع رسول الله له ونحن شباب لا نقدر على شيء فقال يا معشر الشباب عليكم بالباءة فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج فمن لم يستطع منكم الباءة فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء
وهذان الحديثان فيهما أمر صريح من النبى الله لكل قادر على أعباء الزواج أن يتزوج وأن يكون أسرة - وأعباء الزواج هى القدرة على الحياة الزوجية وعلى النفف وعلى تحمل المسئولية وتكملة التوجيه النبوى فيمن تزوج من الرجال أن يكون ذا دين وخلق وأمانة وإلا فقد تحاشته العائلات التي يصهر إليها فقد ورد فى السنة النبوية مارواه الترمذى بسنده عن أبي حاتم المزنى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد فأوصاف الرجل المسلم المقبول زوجا لإحدى المسلمات - كما في هذا الحديث - صفتان جامعتان هما الدين والخلق وصفة الدين تعنى أن يكون هذا الرجل ملتزما بآداب الدين في أقواله وأعماله ومظهره و مخبره وانتمائه واعتزازه بدينه وولائه لله والرسول والذين آمنوا
وصفة الخلق الحسن تعنى أن يكون الرجل قد تحلى بالفضائل التي دعا إليها الإسلام وتخلى عن الرذائل التي نهى عنها وأجمع ما تكون الأخلاق الفاضلة في أحد إذا كان صاحبها متمثلا بأخلاق النبي عل الا الله وقد كان خلقه القرآن كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها حينما سئلت عن خلقه فقالت كان خلقه القرآن
إن مؤهلات الرجل المسلم الذى يتقدم للزواج من امرأة مسلمة إلى جوار قدرته على الزواج هى هذا الخلق وإن العائلات إذا امتنعت عن تزويج من ليس على دين
٥٥

وخلق فإنها بهذا الامتناع تسهم إسهاما كبيرا في تقويم أحلاق الشباب وتشجيعهم على الدين والتدين وفى ذلك ما يؤكد أن مفردات المنهج الإسلامي يخدم بعضها بعضا ويشد
أزره
وبعد فهذا ما جاء فى الإسلام عن الرجل المدعو إلى الزواج
ثانيا الأم
وهي الطرف الثاني فى الأسرة المسلمة وفد دقق الإسلام في اختيارها ووضع أمام الرجل معيارا دقيقا يختار على أساسه زوجته
روى الترمذي بسنده عن جابر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن المرأة تكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك 1
الحمال
وما ينبغي للعاقل أن يبهره جمال المرأة ومالها إذا لم يكن مع ذلك دين نرس 1 والمال ويوجهها نحو الأحسن والأرضى لله سبحانه فإن الجمال بغير دين فتنة وارتكاس و المال بغير دين فتنة وضياع وعند المقارنة بين دين بغير حمال أو جمال بغير دين فإن العام يختار الدين على الجمال وكذلك الأمر فى المال
إن على الشباب الراغبين فى الزواج أن يتأكدوا من هذه الحقائق الثابتة لأن العبرة في الحياة الزوجية وما تتطلبه فى المرأة من أمانة وحسن عشرة وحسن رعاية للزوج والبيت والولد والمال تحتاج فيه هذه الحياة من الزوجة الدين أولا وقبل كل شيء ثم قد يكون الجمال والمال فى مرتبة تالية لذلك وقد لا يكون فإن كان مع الدين جمال أو مال أو كلاهما فهو فضل من الله ونعمة يؤتيها من يشاء من عباده
إن المؤكد المقطوع به فى الإسلام أن أهم ما تقوم عليه الأسرة من أساس سليم هو
زوج ذو خلق ودين وزوجة ذات خلق ودين وبعد ذلك تأتي أي صفات فاضلة وإن الإسلام وهو يكون الأسرة من هذين الطرفين يريد لهذه العلاقة أن تستمر وأن تكون أحسن ما تكون وأقدر ما تكون على تكوين الأجيال المسلمة الصالحة ولذلك حدد الإسلام واجبات كل من الزوجين نحو الآخر وأوضح حقوقه وألزم بهذا وذاك
۱ انظر للتوسع في معرفة ذلك للمؤلف المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله ط دار الوفاء ١٤١١ هـ ـ ١٩٩٠ م

إلزاما ليضمن لهذه الأسرة أن تعيش الحياة الإنسانية الكريمة في ظل منهج الإسلام
و نظامه ۱
وإن من نافلة القول توضيح أن الأسرة المسلمة لا تستطيع أن تمارس حياتها الإنسانية الكريمة التي ترضى الله تبارك وتعالى إلا إذا حضعت لمنهج الإسلام في أن يؤدى كل طرف من طرفى الأسرة واجباته حتى يستمتع بحقوقه
وكذلك فإن مما لا يحتاج إلى بيان التأكيد على أن القوامة للرجل على المرأة في الأسرة هى التى تمكن الأسرة من أن تشق طريقها في الحياة دون تعرض لمشكلات تعوقها عن المضى في هذا الطريق
إن الإسلام جعل العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة علاقة سكن واطمئنان وستر وإحصان قال الله تعالى هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ٢ وقال سبحانه هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ٣ وأحاط هذه العلاقة بالحب المتبادل بين الزوجين الحب الذى لا تحركه النزوات والرغبة الجنسية وحدها وإنما الذى يقوم على احترام كل طرف للآخر واعترافه له بكل حقوقه وأداء كل واجباته نحوه
إن التعبير عن الرغبة الجنسية وهى فطرة فى الجنسين فطر هما الله عليها ليكون تكاثر وإعمار للأرض وإن هذه الرغبة الجنسية لا يسمح لها الإسلام في أن تعبر عن نفسها إلا بالزواج المشروع وإن حب الزوجين أحدهما للآخر ينمو ويزدهر بعد قليل فى حب ا ثم حب الأقارب والأصهار ثم الإقبال على حياة اجتماعية حافلة ثم يتسع هذا الحب حتى يشمل الناس جميعا ريعبر عن هذه العمومية بحب الخير للناس كلهم والعمل على دفع الشر عنهم جميعا
إن الزواج في الإسلام موثق حطبر يتضمن حقوقا وواجبات ويتضمن أخلاقيات بعينها والتزامات بذاتها وابادا كان لا بد من إشهاره والإشهاد عليه وإعلانه للناس
1 انظر السابق أن ال ا اقبال
سورة البقره - / ١٠
۳ سورة الأعراف ۱۸۹
OV

وإن إشهار الزواج - وهو واجب شرعى - ينفى عن الرجل والمرأة كليهما سبة عرفت بين الناس في أزمان بعيدة وهى الزواج في السر بما يسمى اليوم عقدا عرفيا و لا إشهار له ولا إشهاد عليه وهو شين للرجل والمرأة على السواء لما ورد في السنة النبوية ممارواه الترمذى بسنده عن محمد بن حاطب الجمحي رضى الله عنه قال قال رسول الله فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت
وروى الترمذى أيضا بسنده عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت قال رسول الله أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف إن الإسلام يضع العفة في أرفع مكان وأسمى مكانة ويرى المحافظة عليها بالزواج المشروع ويحرص عليها حتى بعد الزواج فيطالب الرجال بغض البصر وحفظ الفرج عن كل ما حرم الله ويطالب المرأة كذلك بعدم إبداء الزينة إلا في ظل ظروف بعينها كما يطالبها بغض البصر وحفظ الفرج
1
ومهما تحدثنا عن مكانة المرأة فى الإسلام بالنسبة للأسرة المسلمة والحقوق التي أعطاها لها على نحو لم تحظ به المرأة فى ظل أى حضارة أو دين سابق فلن نقول كل

شيء ولن نوفى هذا الموضوع حقه فى هذا الكتاب الخاص بالناشئ المسلم إن مكانة المرأة في الأسرة المسلمة وقوامة الرجل عليها هي التي تكفل تنشئة أجيال متأدبة بآداب الإسلام ملتزمة بسلوكه ومنهجه وذلك هو الذي يحقق الصحة النفسية والروحية والعقلية والبدنية لهؤلاء الناشئين ويطبعهم بطابع الرغبة بل السعادة بأداء الواجب والرضا بمعاونة غيرهم على البر والتقوى ويمكن لهم من أن يكونوا أعضاء نافعين في المجتمع قادرين على أن يتحملوا مسئولياتهم ويسهموا في بناء مجتمع إسلامي سعيد ثالثا الآباء الأعلون والأمهات الجدود والجدات
إذا كان الأبوان المباشران - أعنى الزوجين - هما عماد الأسرة وأساسها فإن الإسلام - وهو بصدد تكوين الأسرة - لم يقصر غايته على الأب والأم المباشرين وإنما تضمن منهجه العناية بكل أب وإن علا جد وبكل أم وإن علت جدة فهؤلاء جميعا بمنزلة الأبوين بالنسبة للأبناء لهم من الاحترام والحب والبر والطاعة مثل ما للأبوين المباشرين
۱ انظر للمؤلف كتاب المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله مرجع سابق
انظر السابق
۵۸

دعما للأواصر واعترافا بحقوق الأبوة والأمومة على كل الأجيال وإن نزلت الأبناء والحفدة إذ طالب الإسلام ببر كل أب وكل أم والإحسان إليهما بل قرن ذلك بعبادة الله وحده في قوله تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا كم ۱ فهذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات التي طالبت الأبناء بالإحسان إلى الوالدين تنطبق تماما على الجدود والجدات فهم آباء وأمهات على وجه الحقيقة ما يجادل في ذلك إلا سفيه
غير أننا نكتفى هنا بذكر بعض الأحاديث النبوية التي توجب البر بالآباء والأمهات روى الترمذى بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجزى ولد والداً إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه
وروى الديلمي بسنده عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله حق
الولد على ولده ألا يسميه إلا بما سمى إبراهيم به أباه يا أبت ولا يسميه باسمه وروى الطبراني في الأوسط بسنده عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول
الله لا تمش أمام أبيك ولا تستسب له ولا تجلس قبله ولا تدعه باسمه وروى ابن ماجة بسنده عن أبى أسيد مالك بن ربيعة قال بينما نحن عند النبي له إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال يارسول الله أبقى من بر أبوى شيء أبرهما به بعد موتهما قال نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإيفاء بعهودهما من بعد موتهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما
وروى الطبراني في الكبير بسنده عن بكر بن الحارث الأنمارى رضى الله عنه أنه قال يا رسول الله من أبر قال أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلى ذلك حق واجب ورحم موصلة
وروى الطبراني في الأوسط بسنده عن ابن عمر رضی الله عنه قال قال رسول الله بروا آباءكم يبركم أبناؤكم وعفوا تعف نساؤكم
وروى ابن عساکر بسنده عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله من أصبح مطيعا لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة وإن كان واحداً فواحداً
۱ سورة الإسراء ۳
۵۹

وروى الطبراني في الأوسط بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول
الله طاعة الله طاعة الوالد ومعصية الله معصية الوالد
وروى أبو داود بسنده عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله له ولد
الرجل من كسبه من أطيب كسبه فكلوا من أموالهم
واعتبار الجدود والجدات بمنزلة الآباء والأمهات مؤيد بالسنة النبوية كذلك روى البخاري بسنده قال قال أبو بكر وابن عباس وابن الزبير رضى الله عنهم
الجد أب

وقرأ ابن عباس رضى الله عنهما يا بني آدم واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحق
ويعقوب
ولم يذكر أن أحدا خالف أبا بكر فى زمانه وأصحاب النبي الله متوافرون وكل بر طالب الإسلام به الابن نحو أبيه وأمه فهو مطالب به نحو آبائه الأعلون وهم الجدود وأمهاته العلييات وهن الجدات
ونؤكد هنا أن الجدود والجدات لهم حق الآباء والأمهات سواء أكانوا من جهة الأب أم من جهة الأم إذ الفرق بينهما في الميرات فقط أما في البر وحسن الصلة والطاعة والإحسان والدعاء والاستغفار وإنفاذ العهد وبر الصديق فى حياتهم وبعد موتهم فهم فيه
سواء
رابعا الأعمام والأخوال والعمات والخالات الأسرة في الإسلام بناء كبير ومظلة واسعة وشجرة وارفة الظلال يستظل بها الأرحام والأقارب جميعا وأقرب الأقارب الأعمام والأخوال والعمات والخالات فهم في الإسلام بمنزلة الآباء والأمهات فالأعمام والأخوال بمنزلة الأب والعمات والخالات بمنزلة الأم وقا تنزل العمة بمنزلة الأب وبهذا وردت أحاديث نبوية كريمة
روى الترمذی سنده عن ابن مسعود رضی الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عم الرجل مسو أيده
دروع الرا یمان سیاه دال مال سرا الله

الخالة بمنزلة الأم
وروى الدارمي بسنده عن مسروق عن عبد الله قال الخالة بمنزلة الأم والعمة
بمنزلة الأب
وروى الترمذي بسنده عن أبى بكر بن حفص رضى الله عنه أن رجلا أتى النبي الله فقال يارسول الله إنى أصبت ذنبا عظيما فهل لى من توبة قال هل لك من أم قال لا قال هل لك من خالة قال نعم قال فيرها
خامسا الإخوة والأخوات الكبار
كما يحرص الإسلام على أن يبر الابن أو البنت أبويه أو آباءه وأمهاته فإنه كذلك يحرص أن يمتد احترام الصغير للكبير ورحمة الكبير للصغير حتى يوجب على الصغير والصغيرة نحو الأخ الكبير أو الأخت الكبرى حقا كحق الوالد والوالدة أو قريبا منه وذلك أن هذا الأخ الكبير تجب عليه رعاية إخوته الصغار كما لو كان أباهم وكذلك يجب على الأخت الكبرى وهذا فى حال حياة الوالد والوالدة فما بالنا في حال موتهما إن السنة النبوية المطهرة وردت بما يقرر هذه الحقوق ويؤكدها دعما لأواصر المودة والتراحم والبر والتكافل بين أفراد الأسرة جميعا
روى البيهقى فى الشعب بسنده عن سعد بن العاص رضى الله عنه قال قال رسول الله حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده
وروى الطبراني في الكبير بسنده عن كليب الجهني رضى الله عنه قال قال رسول الله الأكبر من الإخوة بمنزلة الأب
هكذا يكون الإسلام الأسرة في المجتمع المسلم وحدة قوية متماسكة يظلها الحب والمرحمة ويحركها أداء الواجب للتمتع بالحق ويدفعها الدين والخلق إلى التعاون والتناصر والتكافل ويحملها المنهج الصحيح على بر كل من كان له صلة بهذه الأسرة إن المجتمع المسلم يتكون من هذه الأسر المسلمة الملتزمة بمنهج الله ونظامه في حياتها الدنيا لتسعد به في الدنيا والآخرة
إن لهذه الأسرة التي كونها الإسلام على هذه الأسس وتلك الأداب مكانة عالية حاول أن ترضعها في الصفحات التالية بإذن الله
٦١

ـ مكانة الأسرة في الإسلام
مع تكوين الإسلام للأسرة على هذا النحو الذي ذكرنا فإنه شرع لها من النظم وأقر لها من الآداب ما يجعل منها وحدة اجتماعية متماسكه قوية البنيان تستطيع أن تمارس حياتها على أحسن مستوى اجتماعى لا ئق بمكانة الإنسان في هذه الحياة وليس من المبالغة في شيء القول بأن التشريعات والنظم التي وضعها الإسلام للأسرة هي أحسن التشريعات وأكملها من حيث مصدرها ومن حيث نتائجها في الأسرة أما المصدر فهو ما جاء من عند الله العالم بما يصلح الإنسان في دنياه وآخرته وأما النتائج فإن البشرية ما عرفت في تاريخها نظاما أو تشريعا وضع للأسرة وطبق عليها فأتى بمثل النتائج التي حدثت في بعض أحقاب التاريخ الإسلامى يوم التزمت الأسرة بهذه التشريعات والنظم
إن الإسلام وهو يشرع للأسرة هذه التشريعات نَظَر النظرة الشاملة العميقة التي أخذت الواقع الإنساني الذي يمكن أن تعيشه الأسرة فوضعه في اعتباره وهو يشرع للأسرة
كما أنه نظر إلى الواقع المعاشى الذى يمكن أن تتفاعل معه الأسرة فوضعه في اعتباره كذلك وهو يشرع للأسرة
و فضلا عن هذا وذاك فإنه أى التشريع الإسلامي يعرف تماما ما يصلح للأسرة ويصلحها من طموحات وآمال فوضع لذلك تصورا دقيقا له بحيث لم يسمح بالجنوح ولا الجموح
وإنما ربط هذا الطموح بالإمكانات والظروف والوسائل التي تقرها شريعة الإسلام ومن أجل هذا جاءت تشريعات الإسلام للأسرة هى الأكثر ملاءمة إذا قورنت بما نادى به أنصار الحتميات الاجتماعية أو بما نادى به أنصار الحرية الإنسانية غير المحدودة الأكثر ملاءمة لأنها جمعت إلى الواقعية المعاشية والواقعية الإنسانية نزعة إنسانية راشدة ونزعة عالمية لا تعترف بالحواجز الجغرافية التي تفصل بين الإنسان والإنسان ولا بالحواجز
الظالمة التي تفصل بين الأسر فتحمل هذه على أن تظل حياتها كلها فقيرة معدمة على حين تبقى تلك حياتها كلها غنية واجدة لأن تداول المال والثروة أصل في تشريعات الإسلام قال الله تعالى فى حظر المال فى الأغنياء فحسب ومنع ذلك وتحريمه ووجوب اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك من هدى ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله

وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون إن تشريع الإسلام للأسرة أعدل تشريع وأحسنه الحاضر الأسرة ومستقبلها لأنه تشريع إنساني عالمى لا يخضع لاختلاف الزمان ومتغيرات المكان وإنما ينظر للبشرية كلها
نظرة واعية مستوعبة
1
لم يكن تشريع الإسلام للأسرة قائماً على أساس اقتلاع جذور النظم الاجتماعية التي كانت سائدة فى الناس قبل الإسلام فتلك نظرة عدائية لا مبرر لها ولا يمارسها إلا حاقد كاره لكل ما هو أجنبى عنه وحاشا للتشريع الإسلامى أن يكون كذلك وهو تشريع رب العالمين
كان التشريع الإسلامى يقوم على تقرير التشريعات التي تصلح حياة الإنسان الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وعلى إبطال أى تشريع أو نظام سابق يرى إفساد الإنسان أو تفويت مصلحته وعلى أساس إقرار بعض النظم التي يراها الناس محققة لمصالحهم وهي في ذات الوقت لا تتعارض مع تشريع الإسلام للأسرة
و هو حين يبطل بعض النظم الفاسدة يبطلها بحسم وصراحة ودون مواربة وكذلك يفعل حين يبقى على بعض النظم التى لا تتعارض معه في شيء وكذلك كان شأنه مع بعض النظم التي أدخل عليها بعض التعديل
ولقد اتضح موقف الإسلام في تشريعه للأسرة فى هذا التقرير أو الرفض أو الإقرار أو التعديل فى قضايا كثيرة لها علاقة وثيقة بالأسرة ونظامها مثل
قضية الزواج
وقضية تعدد الزوجات
وقضيتي الطلاق والخلع
وقضيتي الظهار والإيلاء
۱ سورة الحشر ۷-۸
٦٣

وقضية وأد الأولاد خشية الفقر
وقضية وأد البنات خشية الفقر أو العار
وقضية حقوق المرأة وواجباتها بنتا وأختا وزوجة وأما وجدة دنيا أو عليا وخالة وعمة
وقضية الزنا وما يتفرع عنه من مخالفة ومخادنة ورغبة في أن تشيع الفاحشة في
الذين آمنوا وقضية السلوك الاجتماعى فى عمومه وانعكاساته على الأسرة
وقضية علاقة الأسرة بعض أفرادها ببعض
وقضية علاقة الأسرة بغيرها من الأسر في المجتمع المسلم
ولا نستطيع أن نتحدث هنا عن هذه القضايا وموقف الإسلام منها وإنما عالجنا معظمها في كتابنا المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله وسوف نعالج سائرها إذا أذن الله في کتاب آخر ۱
ولكننا نهتم في هذا الكتاب بالتشريعات ذات الصلة بالأسرة تلك التشريعات التي دلت أكبر دلالة على ما للأسرة من مكانة فى الإسلام إذ نحن بصدد توضيح مكانة الأسرة في الإسلام إن الإسلام ـ وهو يعرف حق المعرفة مكان الأسرة فى المجتمع ومكانتها في بنائه وضع للأسرة تشريعات تؤمن حاضرها وتشريعات تؤمن مستقبلها تشريعات تضمنها القرآن الكريم وفسرتها سنة النبي تشريعات إيجابية فاعلة واقعية عملية ميسورة التطبيق أى لا تسرف في الخيال والمثالية وما طمحت إليه أخيلة الذين تصوروا للمجتمع مدناً فاضلة أو سعيدة ولا هى تعطى لرغبات الإنسان وشهواته ولذاته مجالا يفسد عليه روحه وعقله بل بدنه كذلك كما شطحت في ذلك عقول دعاة مذاهب اللذة والمنفعة وإنما هي التشريعات والنظم القادرة على أن تحقق للإنسان سعادة الدنيا والآخرة
وإن الإسلام وضع هذه التشريعات والنظم لتنفذ وتمارس فى حياة الناس وليست من قبيل النرف الفكرى أو التشريعي الذي لا يقبل التطبيق كما حدث ذلك من كثير ممن أعطوا أنفسهم حق التشريع للناس وهم لم يعرفوا - على وجه الحقيقة ـ أنفسهم فضلا عن
۱ مساقش هذه القضايا تتوسع فى كتاب لنا أو سكنا على الانتهاء منه هو كتاب التربية الإسلامية إذا أذن الله تعالى

قدرتهم على معرفة ما يصلح الناس وما يفسدهم
إن الإسلام وضع هذه التشريعات للأسرة وألزم بها الأسرة أفرادا وألزم بها المجتمع أسرا ومؤسسات وألزم بها الأمة الإسلامية كلها مجتمعات مختلفة الأعراق والأجناس وألزم بها كل حاكم مسلم فى أى قطر من أقطار العالم الإسلامي وما جعل في هذا الإلزام حرجا أو مشقة على أحد لأن هذا التشريع للأسرة جزء من منهج الإسلام في الحياة أي جزء من الدين والله تبارك وتعالى يقول و هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج 1
إن التشريعات الإسلامية للأسرة جعلت الإلزام والالتزام بها بالنسبة للأفراد والأسر والمجتمع والأمة والحكومة منوطا بأداء الواجبات والتمتع بالحقوق وعندما ألزمت هذا الالتزام وضعت في اعتبارها - لأن المشرع أعلم بالناس من أنفسهم بأنفسهم - أن بعض الملزمين قد لا يلتزمون نكولا أو نكوصا أو تقصيرا في أداء الواجب وذاك أمر يترتب عليه اضطراب فى شئون الأسرة فالمجتمع فالأمة وما دام التقصير والخطأ صفة الإنسان فلابد من علاج ولهذا قد تخرج قضية أداء الواجبات التي شرعها الله من دائرة التقرب بأدائها إلى الله إلى دائرة تعطيلها ومحاربة الله وعندئذ تكون للقضاء كلمته وللحدود
والتعزيرات قدرتها على ردع المخطئ والمقصر وإلزامه بالقوة بأداء هذه الواجبات إنها تكاملية في بناء الأسرة وتكاملية في ضرورة وضعها في المكانة اللائقة بها ورفض وعقاب لكل من يعبث بواجباتها في الحاضر أو في المستقبل القريب أو البعيد إن هذا ما نحاول أن نوضحه فى الصفحات التالية بعون من الله وتوفيق وهي في
تصورنا نوعان
تشريعات تؤمن حاضر الأسرة المسلمة
و تشريعات تؤمن مستقبل الأسرة المسلمة
ولنفصل القول فيها بعض التفصيل
أولا مجمل التشريعات التي أمنت حاضر الأسرة المسلمة وهى
١ - قوامة الرجل على المرأة في الحياة الزوجية
٢ - والولاية على النفس وعلى المال
۱ سورة الحج ۷۸

٣ - والنفقات
ثانيا مجمل التشريعات التي أمنت مستقبل الأسرة المسلمة وهي
١ - الوصايا
٢ - والميراث
والتوسع فى هذه التشريعات والتماس تفاصيلها إنما يكون في كتب الفقه الإسلامي وهي كثيرة وغنية ولكننا نكتفي هنا بإشارة إلى كل تشريع من هذه التشريعات تعرف به وتؤكد أن للأسرة في الإسلام مكانة سامية
أ ـ التشريعات التي أمنت حاضر الأسرة المسلمة
أولا قوامة الرجل على المرأة في الحياة الزوجية
القوامة تعنى أن يكون الرجل هو عائل الأسرة الساعي على رزقها المحافظ عليها المدير لشئونها المسئول عنها وعن جميع أفرادها بمن فيهم الزوجة وذلك لما هيأه الله له من قدرة على القيام بهذه الأعباء جميعا وبما فضله به من قدرات وإمكانيات لم تتح للمرأة وبما أنفق من ماله
هذا هو الأصل الذي يكفل للأسرة أن تشق طريقها في الحياة آمنة مطمئنة فإذا تحولت هذه القوامة من الرجل إلى المرأة كُلّفت المرأة ما لا تطيق من ناحية وانحرفت
الأسرة عن أن تشق طريقها الصحيح المستقيم في حياتها الاجتماعية من ناحية أخرى
وليس في صالح الرجل ولا هو فى صالح المرأة ولا في صالح أفراد الأسرة أن تتحول القوامة من الرجل إلى المرأة لأسباب عديدة وهامة أهمها عند المسلمين آيات القرآن الكريم قال الله تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ١ فهذه الآية الكريمة تصرح أن للرجال القوامة على النساء أى حق الصيانة والرعاية والتوجيه والقيام بشئونهم بما منح الله الرجال من صفات تمكنهم من

القيام بذلك ومن الأسباب التي تجعل القوامة للرجال على الأسرة ومن فيها من زوجة وأبناء
۱ سورة النساء ٣٤
។ ។

وغيرهم أن الله سبحانه قد هيأ الرجل فى الحياة لوظائف بعينها وأهله لأدائها على وجهها وبخاصة في مجال الأسرة كما أنه سبحانه قد هيأ المرأة لوظائف بعينها وأهلها لأدائها على وجهها كذلك وجعل في قيام كل منهما بوظائفه وأدائه لواجباته حماية للأسرة وصيانة لها وإبعادا بذلك عن المشكلات والمتاعب نفسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية وأدبية كانت أو مادية
وإن سلب الرجل قوامته على زوجته وأسرته ليعرض الأسرة لكل هذه المتاعب وإلى متاعب أخرى غير منظورة وإن المشاهدات في بعض الأسر التي آل فيها أمر القوامة إلى غير الرجل لتؤكد تعرض هذه الأسر إلى مشكلات ومتاعب عديدة
ومهما كانت المرأة في الإسلام مساوية للرجل من حيث التكاليف والحقوق والواجبات والثواب والعقاب فإن هناك فروقا حادة بينهما من الناحية الجسدية تجعل كلا منهما صالحا لأداء وظيفته التى هيئ لها دون سواها ودون مصلحة في أن يتبادل أى منهما مع الآخر أداء هذه الوظيفة لو كان أداؤها في إمكانه
ولقد شهد بهذه الفروق كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وأكده علماء الأحياء وغيرهم من علماء العلوم المتصلة بجسم الإنسان ووظائفه وقدراته وطاقاته من المقرر بين علماء الأحياء أن المرأة تختلف عن الرجل بحكم تكوينها الجنسي من لدن كانت جنينا في بطن أمها بمعنى أن الخالق سبحانه وتعالى قد هيأ لهذا الجسد الأنثوى من حيث هيكله وتركيبه وبناؤه كله من الإمكانات والاستعدادات ما يمكن المرأة من الحمل والولادة والإرضاع والحضانة والتربية والعطف والحنان
وكلما تقدم العمر بالأنثى تمايزت في تكوينها الجسدي عن الرجل فهي في سن
البلوغ يعتريها الحيض
وبعد الزواج تحمل وتضع وترضع
وكلما تقدم بها السن ازدادت قدرة على الحضانة والتربية والعطف
ولقد وقف علماء الأحياء طويلا
عند فترة الحيض وما لها من تأثير في المرأة وفى
جميع ما تقوم به من أعمال فرصدوا من ذلك هذه التغيرات التي تعتريها مصاحبة لفترة
الحيض
۱ - انخفاض ضغط الدم وما يصاحبه من أعراض

٢ - وقلة عدد الخلايا في الدم
٣ - وبطء النبض
٤ ـ وانخفاض درجة حرارة الجسم لأن قوة إمساك الجسم للحرارة تضعف في
فترة الحيض
ه - وإصابة اللوزتين ببعض التغير
٦ ـ واختلال عملية الهضم
وضعف قوة التنفس
- وإصابة آلات النطق بتغيرات
٩ ـ وتبلد الحس
١٠ - وتكاسل الأعضاء
۱۱ - وضعف قوة التركيز في أي عمل فكرى
۱ ـ وتخلف الفطنة والذكاء
۱۳ - والإصابة بالصداع
١٤ - والشكوى من التعب العام
١٥ - والشكوى من أوجاع في العظام
١٦ - واضطراب في المثانة
۱۷ - وحدوث غثيان ورغبة في التهرع والتقييء
۱۸ - والشعور بوجع خفيف فى الصدر
١٩ - وقلة الرغبة في الطعام
٢٠ - وقلة القدرة الحركية المعتادة
۱ - والميل إلى البكاء
٢٢ - وإصابة الغدد الصماء والغدد اللمفاوية بالتغير
٦٨

۳ ـ وقد تصبح شرسة الطباع
وكذلك شأن المرأة في أثناء مدة الحمل والرضاعة فهى في كل هذه الحالات تعانى أمراضا بدنية شهرية وأمراضا فى الحمل والرضاعة موسمية وأمراضـا عنـد الفطام
كذلك
وهكذا فطرها الخالق سبحانه وتعالى وهيأها لتقوم بأعباء الحمل والولادة والإرضاع والفطام ثم هى لا تلد مرة واحدة وإنما تتعدد الولادة بالنسبة لها على مدى فترة خصوبتها حتى تبلغ سن الإياس - فترة انقطاع الحيض - أى أن يبلغ سنها خمسين سنة أو
قريبا من ذلك
أتستطيع المرأة مع كل هذا أن تحمل عن الرجل أعباء القوامة أو أن تشاركه فيها إنها
إن تفعل فقد ظلمت نفسها وأسرتها وحملت ما لا طاقة لها به من الأعباء إن الذين ينادون بمساوة المرأة بالرجل فى هذا المجال أغرار وغير رحماء بالمرأة إنى أتصور – وقد أسفر الصبح لذى عينين - أن الذين ينادون بمساواة المرأة للرجل أنانيون يحبون أن يريحوا الرجل لتشقى المرأة كما هو حالها اليوم إنها بهذه المساواة جمعت على نفسها أعباء الزوجية والأمومة من حمل وولادة وإرضاع وفطام إلى جانب أعباء العمل والسعى والكد وقيادة السيارة وتوصيل أبنائها إلى المدارس وركون زوجها للراحة والدعة !!!
إن المنادين بمساواة المرأة للرجل يغفلون عن فائدة الأسرة بقوامة الرجل وما في ذلك من تهديد للحياة الاجتماعية بعامة فضلا عما في ذلك من مناقضة الفطرة التي فطر الله عليها النساء
يلى
وما دام الأمر كذلك فإن المرأة لها وظائفها فى الأسرة وتستطيع أن نحددها فيما
١ - وظيفة الحمل والولادة والإرضاع والفطام
٢ - ووظيفة تربية الأبناء وإحسان حضانتهم ورعايتهم
- ووظيفة رعاية المنزل وتنظيم الحياة فيه وجعله قادرا على أن يكون واحة راحة
وأمن لكل من يعيشون فيه
9

وهذا حسبها وهو ليس يسيرا وإضافة أى أعباء أخرى إليها فوق ذلك سوف يكون على حساب أدائها لهذه الوظائف الأساسية وعلى حساب الأسرة والمجتمع وإن هذا كله ليؤكد أن القوامة فى الأسرة يجب أن تكون للرجل لما فطره الله عليه من قدرة على القيام بأعباء هذه القوامة - وما تتطلبه من القيادة والريادة واتخاذ القرار في الأسرة
وإن أى انتقاص من مفردات هذه القوامة سوف يكون على حساب الأسرة ثم على حساب المجتمع كله وهكذا يتضح لنا أن الإسلام وهو يشرع للأسرة ويجعل القوامة للرجل في الأسرة إنما يؤكد مكانة هذه الأسرة في المجتمع المسلم بإحاطتها بكل أسباب النجاح والفلاح وإن المنادين بالإخلال بهذا التشريع الذى يجعل القوامة للرجل إنما هم أصحاب هوى وهوس إن أبسط ما يوصفون به وهم يتحدون تشريع الله ونظامه ـ أنهم
سفهاء
ثانيا الولاية على النفس وعلى المال
وتلك الولاية هي تشريع من التشريعات التي تؤمن حياة الأسرة في حاضرها
وتحيطها بأسباب الصيانة والرعاية
والولاية في الشريعة نوعان
ولاية على النفس
وولاية على المال
ولكل نوع من هذين النوعين قانونه الذي ينظمه ويرده إلى أصوله من الكتاب والسنة وغيرهما من مصادر التشريع الإسلامي
فالولاية على النفس - من أجل تأمين حاضر الأسرة المسلمة ـ تتمثل في الولاية على الصغير وذلك أن الكبير ليس بحاجة إلى ولاية إلا إذا كان مجنونا أو سفيها أو فيه صفة من الصفات التي تحرمه من تولى أمر نفسه
وهذا الصغير تسمى الولاية عليه فى سن الرضاعة والطفولة حضانة وقد نظمت

الشريعة الإسلامية هذه الحضانة فجعلتها للأم لأن الله سبحانه هيأ الأم لذلك أكثر من الأب
روى أبو داود بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه أن امرأة قالت يارسول الله إن ابني هذا كان بطنى له وعاء وثديى له سقاء وحجرى له حواء وأن أباه طلقني وأراد أن ينزعه منى فقال رسول الله أنت أحق به ما لم
تنکحی
وروى سعيد بن منصور في سننه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حكم على عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بعاصم لأمه أم عاصم وقال له ريحها وشمها ولطفها
خير له منك
وقد جعل الإسلام الولاية على الطفل لأمه فإن فقدت أمه أهلية ولايته وحضانته بفقد شروطها فإن أولى الناس بحضانة الطفل والولاية عليه أم أمه ثم أمهاتها الأقرب فالأقرب ثم تكون الولاية للأب بعد ذلك
وقد رتبت الشريعة الولاية على هذا الصغير بعد الأم وأمهاتها والأب فجعلتها على
الترتيب التالي
الأخت الشقيقة
ثم الأخت لأب
ثم الأخت لأم
ثم الخالة
ثم العمة
واعتبرت خالة الأب أحق من خالة الأم
كل ذلك من أجل ألا يضيع طفل حين يفقد رعاية الحاضنة
وللعلماء في تعليل الولاية على النفس بالنسبة للطفل أقوال عديدة لعل من أوضحها أن يقدم فى الحضانة بعد الأم وأمهاتها والأب من كان يدلى بنسب أوثق
وتظل هذه الولاية أو الحضانة على الطفل حتى يبلغ الاحتلام إن كان ولدا وتبلغ
۷۱

المحيض إن كانت بنتا أو الإنبات مع التمييز وصحة الجسم وبرهان تلك الولاية على النفس وتأصيلها الشرعى هو قول الله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ۱
وقد احتاط فقهاء الشريعة الحضانة الأم فشرطوا في الأم أن تكون مأمونة في دينها و دنياها فإن فقدت هذين الشرطين نظر إلى الصغير أو الصغيرة بما يحفظ لهما دينهما ثم دنياهما فحينما كانت الخياطة لهما في كلا الوجهين وجيب هنالك عند الأب أو الأخ أو الأخت أو العمة أو الخالة أو العم أو الخال
وعلى وجه العموم فإن ذوى الرحم أولى من غيرهم على كل حال والحفاظ على الدين مغلب على الحفاظ على الدنيا بكل حال كذلك
وكل ولى على الصغير يشترط فيه ما يلى
العقل
والأمانة
والقدرة على ما تتطلبه الولاية من رعاية واهتمام وتربية
واشترطوا أن يكون الولى مسلما إذا كان الصغير مسلما
وكالولاية على الصغير الولاية على المجنون والسفيه وكل من لا يعرف مصلحته ويحافظ على نفسه وتظل هذه الولاية حتى يزول العارض الذي يحول بين الإنسان والمحافظة على نفسه من صغر أو جنون أو سفه أو غيره
هذا بالنسبة للولاية على النفس التى جعلتها الشريعة حماية لمن يحتاج إلى حماية من أفراد الأسرة أما الولاية على المال فلا تقل أهمية ولذلك أولاها التشريع الإسلامي من العناية ما أوجب حفظ مال الصغير والمجنون والسفيه

والتأصيل الشرعي لهذه الولاية على المال قول الله تعالى وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا فلما أمر الله بدفع أموال اليتامى إليهم بين أن السفيه وغير البالغ لا يجوز دفع ماله فقال تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها ۱ سورة الأنفال ٧٥
سورة النساء ٢
۷

واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ۱ فدلّت هذه الآية الكريمة على ثبوت الولى الذي يحفظ مال الصغير لسفهه أو عجزه عن المحافظة على ماله
والسفه خفة في النفس لنقصان في العقل وهو سفه دنيوى جاءت فيه هذه الآية
وسفه أحروى جاء فيه قوله تعالى
الكريمة ولا تؤتوا السفهاء أموالكم وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ٢
وقد فسر أبو موسى الأشعرى رضى الله عنه السفهاء هنا بكل من يستحق الحجر عليه لصغره أو عدم عقله
وبعض العلماء توسع في معنى السفه فأدخل فيه من يجهل أحكام الدين في التعامل بالمال والولاية على المال للمحافظة عليه تثبت للأب والجد وغيرهما على نحو ما هو مفصل في كتب الفقه الإسلامي إن الشريعة الإسلامية وهي تحمى الأسرة من أن يتبدد مال أحد أفرادها لصغره أو
سفهه إنما تشرع للأسرة نظاما يكفل هذه الحماية حتى من صاحب المال نفسه وتكون هذه الولاية على المال بالولى أو الكفيل أو الوصى وهؤلاء جميعا لا تصح
ولاية أحد منهم إلا إذا استوفى الشروط التالية
العقل
الأمانة
والقدرة على المحافظة على المال وتنميته حتى يصل إلى يد صاحبه بعد زوال العارض الذي أوجب الولاية على ماله
ولا يدفع هذا المال لصاحبه إلا إذا بلغ النكاح وأنس منه الرشد في تصرفه في ماله فإن بلغ النكاح ولم يكن راشدا في أمور ماله حجب عنه حتى يرشد إذ العبرة هي
قدرته على المحافظة على المال حتى لا يتبدد فيضيع على صاحبه وعلى المجتمع كله وللعلماء تفاصيل فيمن أنس منه الرشد تلتمس هذه التفاصيل في كتب الفقه
الإسلامي كذلك
۱ سورة النساء ٥
سورة الحن ٤

وهكذا يحمى الإسلام حاضر الأسرة المسلمة بالولاية على النفس وعلى المال بالنسبة لكل من لا يستطيع أن يقوم بأمر نفسه أو تدبير ماله
ثالثا النفقات
6
وفي سبيل تأمين حاضر الأسرة شرع الإسلام النفقات وحدد من تجب عليهم النفقة وألزمهم بها تقربا إلى الله تعالى إذا رضوا واستجابوا أو قضاء إذا تَخَلُّوا والقضاء لا فكاك من أحكامه
إن تشريع النفقات ملزم أخلاقيا وقضائيا وما كان هذا الإلزام إلا حماية للأسرة في حاضرها ودفعا لأي ضرر يقع عليها نتيجة لامتناع من تجب عليه النفقة عن الإنفاق وإن التأمل في فقه النفقات في الإسلام ليضع أيدينا على حقائق عظيمة ربما لم تتوفر في أي دين أو نظام ومن هذه الحقائق ما نشير إلى بعضه فيما يلى
١ - تأكيد أن الأسرة فى الإسلام نظام اجتماعی راسخ تجب حياطته بكل الأسباب التي تجعل من هذه الأسرة مجموعة من الأفراد يعيشون حياة إنسانية كريمة يرفرف عليها الحب والمودة ويسودها مبدأ القيام بالواجبات والتمتع بالحقوق
٢ - وتأكيد أن العلاقات بين أفراد الأسرة علاقات تقوم على التراحم والتكافل ورفع الحاجة عن المحتاجين وتضافر الجهود في دفع هذه الحاجة لتعيش الأسرة أمناً
اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا
٣ ـ وتأكيد أن التقصير في القيام بواجب النفقات على من تجب عليه النفقة يعرض المقصر لغضب الله إذ يخالف بذلك التقصير عن أمر الله تبارك وتعالى كما يعرضه لأحكام القضاء التي لا يستطيع منها فكاكا
وكل ذلك تأمين الحاضر الأسرة واحترام وتقدير لها
إن النفقات في التشريع الإسلامي واجبة على أنواع من الناس هم
أ ـ الزوج
ب - والأب
ج والابن

14

د وذوو الأرحام ماداموا وارثين وأهل قدرة على الإنفاق
وقد وضع الفقهاء لذلك شروطا أخذوها من الكتاب والسنة النبوية المطهرة ويمكن أن نجمل هذه الشروط فيما يلى
۱ ـ أن يكون المنفق قادرا على النفقة - وحد القدرة أن يكون له فضل مال أو كسب بعد إنفاقه على نفسه - فقد جاء ذلك في السنة النبوية فقد روى مسلم بسنده عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم یابن آدم إنك أن تبذل الفضل خير لك وأن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى وروى مسلم بسنده عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال سمعت يقول إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأبنفسه وأهل بيته
النبي
وروى الإمام مسلم بسنده عن جابر رضى الله عنه قال أعتق رجل من بني عذرة عبداً له عن دبر ـ أي دبره بجعل عتقه بعد أن يموت سيده - فبلغ ذلك رسول الله فقال و ألك مال غيره فقال لا فقال من يشتريه منى فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوى بثمانمائة درهم فجاء بها رسول الله الله فدفعها إليه ثم قال ابدأ بنفسك فإن فضل شيء فلأهلك فإن فَضل من أهلك شيء فلذى قرابتك فإن فضل من ذى قرابتك شيء فهكذا وهكذا يقول فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك
٢ - وأن يكون المنفق وارثا لقول الله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك ۱ ولأن بين المتوارثين قرابة تقتضى كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم
فإذا لم يكن وارثا ولكنه قريب فإن كان المنفق والمنفق عليه مختلفى الدين أو مختلفين في الرق والحرية أو حجب أحدهما عن الميراث لوجود من هو أقرب فلا تجب
النفقة
٣ ـ وأن يكون المنفق عليه فقيرا - لا مال له ولاكسب ــ لأن النفقة مواساة ومن كان ذا مال أو كسب استغنى عن المواساة لأنه من أهل اليسار
هذه هي أهم شروط النفقات كما جاءت في كتب الفقه الإسلامي
۱ سورة البقرة ۳۳

أما ما وجوب النفقات على الزوج والأب والابن وذوى الأرحام فتؤيدها الأدلة من نصوص الكتاب والسنة والإجماع
فوجوبها على الزوج نحو زوجته ثابت بالقرآن الكريم قال تعالى لينفق ذو سعة
من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ۱ وثابت بالسنة النبوية روى الإمام مسلم بسنده عن جابر رضى الله عنه أن رسول الله الله خطب الناس فقال اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وثابت بالإجماع كذلك فقد أجمع أهل العلم على وجوب نفقة الزوجة على زوجها لأنه حبسها على الزوجية وأما وجوب النفقة على الرجل نحو والديه وولده الذكور والإناث إذا كانوا فقراء وكان له ما ينفق منه عليهم فهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع كذلك

أما الكتاب فقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعرو وقوله سبحانه فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ۳ وأما السنة فقد سألت هند زوجة أبي سفيان رضى الله عنهما رسول الله له عما تأخذه من مال زوجها أبي سفيان بغير إذنه فقال لها فيما يرويه البخاري خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف ٤
وروى أبو داود بسنده عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت قال رسول الله إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه وأما الإجماع فقد أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب
لهما ولا مال واجبة فى مال الولد وأن نفقة أولاده الأطفال واجبة عليه حتى إن من النفقات الواجبة على الأب نفقة تزويج ابنه إذا احتاج إلى النكاح
إعفافا له
وكذلك تجب على الرجل الابن نفقة تزويج أبيه إذا احتاج إلى النكاح إعفافا له كذلك
۱ سورة الطلاق ٦
سورة البقرة ۳۳
۳ سورة الطلاق ٦
٤ الإمام البخاری صحيحه ۱۰۳/۳ ط الشعب القاهرة دون تاريخ

أما النفقة الواجبة على ذوى الأرحام ما داموا وارثين وذوى قدرة على الإنفاق فإنها مشروحة بتوسع في كتب الفقه الإسلامى فهناك ترتيب لهؤلاء الأقارب الذين تجب عليهم النفقة وكذلك تحديد قدر النفقة وتحديد وقتها
النبوية
وفى النفقة على الخدم والعبيد كلام موسع يلتمس فى كتب الفقه وكتب السنة
وبعد فهذه هي التشريعات التي تحمى الأسرة وتؤمنها في حاضرها وعند التأمل فيها جميعا من قوامة للرجل على الأسرة ومن ولاية على النفس وعلى المال ومن نفقات واجبة يتأكد لنا أن للأسرة فى الإسلام مكانة أعلى مكانة بدليل هذه التشريعات
والنظم
ب ـ التشريعات التي أمنت مستقبل الأسرة
وهي كما أشرت إليها آنفا تشريعان
الأول الوصية
وهي التبرع ببعض المال بعد الموت للأقارب ممن لا يرثون الموصى لأن الورثة لهم
أنصبة حددتها الشريعة في تركة مورثهم
والأصل في الوصية الكتاب والسنة والإجماع
1
أما الكتاب فقوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين فمن بدله بـ بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم وقد أجمع العلماء على وجوب الوصية على من أحس بدنو أجله وعنده ودائع أو عليه ديون حفظاً للحقوق وأما من لم يكن عنده ودائع أو عليه ديون فقال مالك والشافعي لا تجب عليه الوصية وقال الزهرى هي واجبة بظاهر القرآن والرأى
الأول أرجح إلا أن يشاء الوصى أن يوصى
۱ سورة البقرة ۱۸۰ - ۱۸
۷۷

والخير في الآية المال
والوالدان في الآية اللذان لا يرثان كأن يكونا كافرين أو عبدين فيوصى لهما
والأقربون فى الآية غير الوارثين كذلك لأنه لا يجوز الوصية لوارث
وعلى الموصى أن يراعى في وصيته الفقراء وذوى الحاجة ولا يسوى إلا بين متساويين فى الفاقة وعند صدور الوصية من الموصى فلا يجوز لأحد أن يغير فيها أو يبدل إلا إذا كانت الوصية مجافية للعدل فإن كانت كذلك فلا حرج على من بدل فيها لتوافق العدل ولا يؤاخذه الله سبحانه
وأما السنة فقد روى الشيخان بسنديهما عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله قال ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى به يبيت ليلتين إلا وصيته مكتوبة عنده وواضح أنها تجب على من كانت عنده ودائع أو عليه ديون كما قدمنا ـ أما في غير ذلك فهي خاضعة لإرادة الموصى
وروى أبو داود بسنده عن أبي أمامة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ومعلوم كذلك استثناء الوالدين والأقربين إذا لم يكونوا وارثين على نحو ما أوضحنا سابقا
وروى البخاري بسنده عن سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه قال جاءني رسول الله الله يعودنى عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يارسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثنى إلا ابنة أما أتصدق بثلثي مالي قال لا قلت فبالشطر يارسول الله قال لا قلت فبالثلث قال و الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس
وأما الإجماع فقد أجمع علماء المسلمين على جواز الوصية
والأقارب غير الورثة أولى بالوصية من الأجانب فإن أوصى للأجانب دون الأقارب به ویرد رد ثلثاها على أقاربه قال بذلك
فأصح الأقوال أن وصيته تنفذ في ثلث ما أوصى بـ سعيد بن المسيب والحسن وجابر بن زید رضی الله عنهم
وقال طاووس والضحاك وغيرهما ينزع كله عن الأجانب ويرد إلى الأقارب وقالت طائفة من العلماء تصح وصيته ولا ينزع من الأجانب الذين أوصى إليهم شيء
YA

وفى تشريع الوصية - كما رأينا - حماية للأقارب غير الوارثين وللآباء والأمهات الذين حالت ظروف اختلاف الدين أو الرق بينهم وبين الميراث فهؤلاء جميعا ترغب الشريعة أن تطيب خواطرهم وأن تقيهم شر الحاجة وهذا هو التأمين الصحيح ! للأسرة بل للمجتمع كله من أن يكون فيه أهل حاجة وخصاصة
الثاني الميراث
الشريعة الإسلامية بوضعها لنظام الميراث إنما تحمى الأسرة وتحيطها بسياج متين من الأمن في مستقبلها كما تدفع كل جيل من الأجيال إلى الإحسان والتجويد والعمل والإنتاج واستثمار كل طاقاته الفكرية والجسمية ليحصل على الكسب الذي يؤمن به حياته ويدع به ورثته أغنياء لا عالة يتكففون الناس ويسألونهم أعطوهم أو منعوهم ثم يأتى نظام الميراث بعد هذا ليفتت الثروة في الورثة فيعم النفع بالمال أكبر عدد من
الناس
إن نظام الميراث في الإسلام أشمل أنظمة المواريث وأدقها وأكثرها عدالة أما شموليته ودقته فلأنه لم يدع واحدا من ذوى القربى له حق فى الميراث إلا جعل إرثه حقا مشروعا لا يجوز حرمانه منه بأى طريقة من الطرق الظالمة أو الاحتيالية - إلا أن يكون هذا الوارث قد حال بينه وبين الميراث حائل من كفر أو رق أو نحو ذلك ـ ومما يدخل في رقته اللافتة لنظر المتأملين المتدبرين أن جعل للذكر مثل حظ الأنثيين لأنه أوجب على الذكور من الأعباء والنفقات ما لم يوجب على الإناث
وأما عدالته فلأنه نظام يحقق المصلحة الخاصة والعامة معاً ويحق الحق بين أفراد الأسرة جميعا ثم بين أفراد المجتمع كله أما محافظته على الأسرة فلما يتولد عنه من مسئوليات نحو الوارثات أولا ونحو غير الوارثين والوارثات بعد ذلك
ولأن الأسرة دعامة المجتمع وقاعدته فإنه لا يدعم الوشائج بين أفرادها ويقوى الروابط بينهم بعد موت مورثهم مثل نظام التوريث الذى جاء به الإسلام وذلك أن دعم الأسرة وتقوية الروابط بين أفرادها دعم للمجتمع
وعلى سبيل المثال فإن نظام للذكر مثل حظ الأنثيين هو تحقيق للعدالة الاجتماعية وتوثيق لروابط المودة والمسئولية التي قد تنتهى بوفاة رب الأسرة ووالد الأبناء وذلك أن الأنثى فى ظل التشريع الإسلامي يعولها غيرها من أب أو جد أو أخ إن

كانت صغيرة لم تتزوج بعد ويعولها زوجها بعد الزواج ويعولها ابنها إذا فقدت زوجها ثم إنها غير مطالبة بأى مغارم مالية فهى عندما تتزوج لا تدفع مهرا وإنما تأخذ - على عكس ما هو موجود في بعض الأنظمة الأخرى - وبعد الزواج لاتلزم بنفقة لا على نفسها ولا على أولادها
وفي الجانب الآخر فإن الذكر الذى يأخذ من الميراث ضعف ما تأخذه الأنثى مطالب عندما يتزوج أن يدفع مهرا ومطالب بالإنفاق على زوجته وأبنائه وآبائه وأمهاته وأخواته إذا كان فيهم فقير لا مال له ولا كسب ويحتاج إلى الإنفاق عليه
إن نظام الميراث فى الإسلام يحقق راحة نفسية للإنسان فى حياته إذ يشجعه على أن يبذل من الجهد في العمل والرغبة فى الكسب ما يمكنه من أن يؤمن مستقبل أسرته كما أن من عدالة نظام الميراث أنه يجعل الثروة فى عدد من الأيدي فيمكن تداولها بين ناس كثيرين وكل مال يتداول بين كثيرين أنفع للناس وللمجتمع وأدفع للحاجة وعلى العكس من ذلك إذا تكدس المال ولم يتداول
ونظام المواريث في الإسلام ثابت بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب الكريم ففيه عدد من الآيات التي حددت الأنصبة وشرعت هذا النظام وأجمع هذه الآيات الكريمة قوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصى بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس

فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء فى الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ۱
ثم الآية الأخيرة من سورة النساء يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم
فهذه الآيات الكريمة من سورة النساء هى علم الفرائض أو علم المواريث وما وراء
تلك الآيات إنما هو تفسير وتفصيل لها
وعلم المواريث أحد أثلاث العلم أو نصفه كله كما ورد ذلك في الحديث النبوى روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسول الله له قال و العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل آية محكمة وسنة قائمة وفريضة عادلة وأخرج ابن ماجة بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
تعلموا الفرائض فإنها نصف العلم
وأما وجوب المواريث بالسنة فقد روى الإمام أحمد بسنده عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد فقالت يارسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وأن عمهما أخذ مالهما ولا ينكحان إلا ولهما مال قال فنزلت آية الميراث فأرسل رسول
الله إلى عمهما فقال أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقى فهو لك وأما وجوب الميراث بالإجماع فقد أجمع أهل العلم على تطبيق نظام الميراث وفصلوا في هذه الآيات وألحقوا بذوى القربى من يجب أن يلحقوا بهم وقد شمر العلماء في علم المواريث فحددوا فيه ما يلى
الحقوق المتعلقة بالتركة
۱ سورة النساء ٧ - ١٤
۸۱
سورة النساء ١٧٦

ومراتب الورثة
والظروف التي تمنع من الإرث
وحددوا الفروض
وحددوا أصحابها
وعرفوا العصبيات بالنفس أو بالغير أو مع الغير أو بالسببية
وأوضحوا متى يحجب الورثة بعضهم بعضا
وبينوا علم قسمة الميراث
وبينوا التخارج والرد والمناسخة
وأوضحوا العول والتماثل والتداخل والتوافق والتباين والتصحيح
ونبهوا على كيفية توريث الحمل وكيفية توريث الخنثى والمفقود والأسير والمرتد
وحددوا كيفية توريث الغرقى والحرقي والهدمي
ولم يخالفهم فى هذا الإجماع إلا فئة من علماء الظاهرية قالوا بمنع توريث الأرض بصفة خاصة وإباحة ميراث غيرها واحتجوا في ذلك بقوله تعالى إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ۱
ولكن موقفهم هذا مرجوح لأن الأر التي منعوا ميراثها قد قال الله تعالى فيها إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده وقال سبحانه ﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون ۳
وقد عارض فكرة الميراث كلها بعض الاجتماعيين وبعض الذين كانوا مفتونين بالاشتراكية لأنهم ينكرون الأسرة نفسها كما ينكرون الميراث بين أفراد الأسرة بحجة أن الميراث والأسرة كلاهما يشجعان على تضخم الثروات وتحكم رءوس الأموال في جهود العاملين الكادحين !!
والرد عليهم قد تكفلوا هم به اليوم بتراجعهم عن الاشتراكية بل الشيوعية كلها بما
سموه إعادة البناء
۱ سورة مريم ٤٠
سورة الأعراف ۱۸
۳ سورة الأنبياء ١٠٥
۸

ونستطيع أن نرد على بعض المتمسكين منهم إلى الآن بالاشتراكية بأن إلغاء المواريث وإلغاء الأسرة يقوض حياة الإنسان النفسية والخلقية ويقتل في الناس الطموح والرغبة في الإنتاج والحصول على رزق أفضل لتأمين حياته وحياة الأسرة فضلا عما في زعمهم بأن الميراث يؤدى إلى تضخم الثروات من مخالفة للحق والحقيقة لأن الميراث يفتت الثروة ويمكن منها عددا أكبر من الناس بعد أن كانت لمورث واحد
على
أن تضخم الثروات إن وجد لأسباب أخرى إذا لم يعالجه نظام التوريث في الشريعة الإسلامية فإن علاجه عن طريق فَرض ضرائب على التركات ـ كما تفعل بعض الأنظمة والحكومات مسلمة وغير مسلمة - ليس علاجا حقيقيا ولا يمكن أن يكون بديلا عن الميراث في تفتيت الثروة وكذلك الشأن فى أى نظام يلغى نظام التوريث بزعم أنه بهذا الإلغاء يحقق فائدة للمجتمع لأن أكبر فائدة للمجتمع هي في بقاء نظام التوريث
الذي جاءت به الشريعة الإسلامية
وما لهؤلاء الاجتماعيين أو الاشتراكيين ينكرون على الناس ميراث الأموال ولا ينكرون ميراث الصفات الجسدية والعقلية والنفسية عن الآباء والأمهات
وما لهم لا ينكرون على الناس ميراث العادات والتقاليد عن ذويهم مع أن ميراث العادات والتقاليد من جيل إلى جيل ومن زمن إلى آخر أضر على الناس وأفتك بمصالحهم وأرعى إلى أن يتحجروا على أنماط بعينها من السلوك كانت صالحة للآباء والأجداد ثم فقدت هذه الصلاحية بتقدم الزمن و استمرارية التغيير فى الحياة إن هذا هو ما كان جديرا بأن يلغوه لو استطاعوا ولو أرادوا مصلحة المجتمع بإخلاص ! ! !
إن نظام التوريث - كما جاءت به الشريعة الإسلامية - تلافي كل العيوب التي جاءت بها نظم أخرى غير إسلامية من توريث البكر أو الكبير أو الذكر وحرمان باقي الورثة مما لا نحب أن نفيض فيه هنا - وفى الوقت نفسه فإن نظام التوريث الإسلامي راعي كل المعانى الإنسانية التي تحقق للمجتمع كله أفرادا وأسرا وصغارا وكبارا وذكورا وإناثا ويتامى وأرامل وأقرباء وأرحاما كل ما فيه صالحهم في حاضرهم وفي مستقبل أيامهم وما ذلك إلا أنه تشريع جاء من عند الله لم توجهه أهواء الوارثين أو المورثين أو الاشتراكيين أو الاجتماعيين

ونستطيع أن نتبين هذه المعانى الإنسانية الرائعة التي تعطف أفراد المجتمع بعضهم على
بعض وتحقق بينهم التعاون والتكافل فيما يلى
- أعطت الشريعة الإسلامية ذوى القرابة ممن لا يرثون لحجبهم بمن هو أقرب للمورث أو لبعد قرابتهم أو لغير ذلك من الأسباب أعطت هؤلاء بعض الحقوق حين أمرت الورثة أن يعطوهم ما تجود به أنفسهم وما يطيبون به أنفس هؤلاء الأقرباء الذين لا يرثون وأن يعطفوا على ذلك الإعطاء القول اللين والاعتذار الحسن قال تعالى وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا ۱ - وأوصت الشريعة باليتامى وحذرت من ظلمهم وأكل أموالهم بعد موت مورثيهم حتى يطمئن كل فرد فى المجتمع - وهو يرعى اليتامى ويتعفف عن ظلمهم وأكل أموالهم ـ على أبنائه هو لو مات عنهم وتركهم يتامى ضعافا لا راحم لهم ولا محافظ على حقوقهم لأن المجتمع ما دام يسود فيه رعاية اليتامى والإحسان إليهم فإن كل فرد فيه سوف يطمئن على أبنائه لو تركهم صغارا ولم تكتف الشريعة بهذه الوصية الأدبية الإنسانية وإنما صورت آكلى أموال اليتامى أو ظالميهم في صورة تساوى في بشاعتها أكل أموالهم إذ صورتهم يأكلون النار في الدنيا ويعاقبون بالنار في الآخرة قال تعالى وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا
وجعلت الشريعة الإسلامية التصرف فى الموروثات وقسمتها بين مستحقيها لاحقة لإبراء ذمة المورث من كل دين عليه أو وصية يجب أن يوصي بها ضمانا لأمرين علي جانب كبير من الأهمية
أولهما ألا تضيع حقوق أصحاب الودائع والأمانات والديون وغيرهم بل تظل
عالقة بذمة الميت
والثاني ألا يتسبب المورث في أن يدخل في ذمم وارثيه ماليس لهم بحق
۱ سورة النساء ۸
سورة النساد ٩ - ١٠
٨٤

وهذان الأمران يضمنان براءة الذمة والمحافظة على حقوق الآخرين ولذلك طالبت الآيات الكريمة التى وردت فى الميراث التي ذكرناها كاملة آنفا أن يكون هذا التوريث بعد الوصية والدين وخاطبت بذلك كل مورث
وبعد فهذا التشريع لنظام الميراث في الإسلام يحمى الأسرة في مستقبلها ويؤمنها ويطمئنها ويعطى لكل ذي حق حقه فى عدالة اجتماعية ومرحمة إنسانية لم تسبق ولم تلحق في دقتها وإحقاقها الحق وفى هذا الحماية الحقيقية للمجتمع بما تقرره من تراحم وتعاون وتكافل
وأخيرا فإن هذه التشريعات لحماية الأسرة في حاضرها بقوامة الرجل على الأسرة والولاية على النفس والمال وإيجاب النفقات على من تجب عليهم وتلك التشريعات لحماية الأسرة في مستقبلها من نظام الوصية ونظام الميراث كل هذه الأنظمة وغيرها مما لا يتسع بنا المقام لذكره واستقصائه ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك أو التردد - أن للأسرة فى الإسلام مكانة عظيمة ولعل هذه المكانة إنما نبعت من عظمة الأهداف التي ناط الإسلام الأسرة بتحقيقها وهو ما سوف نبينه فى الصفحات التالية من الكتاب
والله المستعان

- أهداف الأسرة المسلمة
سبق أن أوضحنا في نهاية الفصل الأول من هذا الباب أهداف المجتمع المسلم وها نحن ننهي الفصل الثانى من هذا الباب بتوضيح أهداف الأسرة المسلمة
وقد قسمنا أهداف المجتمع المسلم هناك إلى عشرة أهداف كان آخرها عناية المجتمع الإسلامي بالأسرة فالأسرة والاهتمام بها ورعايتها هدف من أهداف المجتمع الإسلامي كما أوضحنا وكما هو الحق
ونحاول هنا ـ بعون من الله - أن نوضح أهداف الأسرة المسلمة التي أحاطها دين الإسلام والمجتمع الإسلامي بكل أنواع الضمانات والاحتياطات التي تؤمن لها حاضرها ومستقبلها وتمكنها من ممارسة حياتها في ظل المودة والقيم الخلقية الإسلامية إذ من البديهي أن يكون للأسرة المسلمة أهداف تسعى إلى تحقيقها وتعتبر إذا قصرت في تحقيقها قد خالفت منهج الإسلام ونظامه الاجتماعى فأضرت بذلك التقصير بالمجتمع الإسلامي كله
وطالما أن المجتمع المسلم - كما قلنا غير مرة - في تحليله الصحيح هو مجموعة من الأسر المسلمة فمن الضرورى الواجب أن تسهم هذه الأسرة في بناء المجتمع إسهاما
حقيقيا وإنما يكون ذلك إذا اتضحت لها أهدافها التي يجب أن تعمل على تحقيقها وهذه الأهداف في تصورنا - بعد مزيد من التأمل في عديد من مقاصد الشريعة ومفردات المقاصد ونرجو أن نكون فيها من الموفقين ـ هي إجمالا ما يلي
١ - تربية الجيل المسلم المتخلق بخلق الإسلام
٢ - والمحافظة على آداب الإسلام فى كل مظاهر الحياة الأسرية
وربط أبناء الأسرة بالمسجد
٤ - ودفع الأبناء إلى المجتمع وقد تسلحوا بخلق الإسلام ليمارسوا واجباتهم فيه
ويستمتعوا بحقوقهم
٨٦

ه ـ وتوجيه الأبناء إلى التفوق والإجادة في كل ما يقومون به من عمل في حياتهم الأبناء نحو ممارسة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ٦ ـ وتوجيه | ـ والعمل على إيجاد روابط بين الأسر المسلمة
ولنحاول أن نلقى ضوءا على كل هدف من هذه الأهداف بشيء من التفصيل بعون
من الله
الهدف الأول تربية الجيل المتخلق بخلق الإسلام
إن الأسرة المسلمة لا تستأهل أن توصف بأنها مسلمة إلا إذا وضعت في اعتبارها أن تعمل على تربية أبنائها تربية إسلامية تتضح فيها القيم الإسلامية في كل ما يمارسونه من قول وصمت وعمل وترك إن هذه القيم لن تتوفر فى الأبناء في مختلف أحوالهم إلا إذا كانت هدفا من أهداف الأسرة المسلمة التي نشأوا فيها
إن تربية الأبناء تربية إسلامية لا تتم بمجرد أن يوصى الآباء أبناءهم أو أن يعظوهم بأن يكونوا متمسكين بأخلاق الإسلام إن ذلك وحده لن يكفى وإذا كفى فلن يفيد الانتماء والاعتزاز بالإسلام إن التربية تحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير إن لها متطلبات عديدة نذكر منها ما نعده من أهمها وأولاها بالاهتمام وهو ما يلى
١ - القدوة ونعنى بها هنا أن يعطى الأبوان والإخوة والأخوات الكبار القدوة من أ أنفسهم لأبنائهم في التمسك بأخلاق الإسلام وآدابه فى كل أقوالهم وأعمالهم وذلك أن القيمة
الخلقية مهما كانت عالية رفيعة ومهما بذلت الجهود العلمية والفنية في الإقناع بها والدعوة إليها بل والتشجيع على التمسك بها يظل ذلك كله مؤكدا أنها قيمة خلقية نظرية فإذا ما خرجت إلى حيز الوجود متمثلة في إنسان يتحلى بها ويكون قدوة للآخرين فيها فإنها عندئذ تدخل مجال التطبيق والتنفيذ
ومن أجل هذا كان النبي قدوة للمسلمين وأسوة حسنة يأتسى بهديه وسلوكه المسلمون جميعا قال الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا 1
۱ سورة الأحزاب ۱
۸۷

إن القدوة تعنى فيما تعنيه إقناع المقتدى بإمكان التحلى بأخلاق المقتدى به وتلك في حد ذاتها قيمة تربوية
إن تمسك الآباء والكبار فى الأسرة بأخلاق الإسلام وآدابه في صغير الأمور
و كبيرها بحيث لا يرى الطفل على واحد من هؤلاء الكبار أي صفة أخلاقية نهى عنها الإسلام أو كره فيها فإن وجد شيئا من هذا التحلى فهيهات أن تجدى طريقة أخرى في التربية ليشب هذا الطفل متمسكا بأخلاق الإسلام إذ القدوة هي أهم طرق التربية في غرس القيم والفضائل في النفوس وإن جماع الأخلاق الإسلامية الفاضلة هى أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الأخلاق التي فسرتها عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عندما سئلت عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن وجملة أخلاق القرآن الكريم أوضح ماتكون في الآيات الأولى من سورة المؤمنون ۱ والآيات الأخيرة من سورة الفرقان وتفصيلها مبثوث في القرآن
الكريم كله ما بين أمر ونهى وقصة وخبر

إن الآباء في مجال إعطاء القدوة للأبناء بحاجة إلى أخلاق عملية تتمثل في أمرين
التحلى بالفضائل التي أمر بها الإسلام
والتخلى عن الرذائل والدنايا و السفاسف التي نهى عنها الإسلام
إن التربية الإسلامية تجعل الأبوين مسئولين عما يورثانه لأبنائهم من أخلاق بينما هما غير مسئولين عما ورثاهم من صفات جسمية وعقلية فليتق الله الآباء في الأبناء ولينظروا ماذا يورثون أبناءهم من أخلاق
إن الجيل المسلم إذا ربي هذه التربية يستطيع أن يمارس الإسلام عمليا وأن ينتقل به من مكان إلى مكان وأن يؤثر به فى الناس تأثيرا يحقق لهم صالح الدنيا والآخرة
٢ - الدعوة إلى أخلاق الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة العظة لقد فطر الله الإنسان صغيرا أو كبيرا على أن يتأثر بما يستمع إليه من كلمات تأثرا إيجابيا أحيانا وسلبيا أحيانا أخرى وهو يخضع فى هذه الإيجابيات والسلبيات لشخص المتكلم ولنوع الكلام وقيمته ولإمكان تحقيقه ولظروفه هو المتعددة
۱ سورة المؤمنون الآيات من ١ - ١١
سورة الفرقان الآيات من ٦٣ - ٧٧
۸۸

وكلما كان المتكلم مخلصا فيما يتكلم به ومطبقا لما يقول ومختارا لما يقول وللوقت الذى يقول فيه وللناس الذين يتكلم فيهم كلما كان ذلك أدعى إلى التأثير فيمن يتكلم معهم والوالدان أقدر الناس على حسن اختيار كل ذلك وأكثر الناس إخلاصا فيما يقولون إذا كان الكلام موجها إلى أبنائهم والأطفال أكثر السامعين رغبة في الاستجابة لما يقوله الأبوان بحكم الحب والثقة والاطمئنان
وإذا كان بعض الناس يهونون من أمر الوعظ والكلمات فلهم شأنهم في ذلك لكنهم يخطئون في تجاهل عمل تربوى بعيد الأثر وعميقه وذلك أن الوعظ أسلوب رباني في التوجيه والتربية فقد قال تعالى واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم ۱ وقال سبحانه هو إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ٢ وقال جل شأنه إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون ۳
فالله سبحانه هو الواعظ بما أنزل من كتاب وحكمة - أى سنة النبي ه ـ وهو سبحانه إذ يقرر وجوب أداء الأمانات إلى أهلها ووجوب العدل في الحكم بين الناس إنما يعظ الناس بذلك أحسن موعظة وعندما يأمر سبحانه بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى إنما يجعل كل ذلك ـ وهو كثير - عظة لمن يتذكر من الناس
وكل دعوة إلى التمسك بحق عظة وكل دعوة إلى التخلى عن باطل عظة والإنسان ما عاش بحاجة إلى من يذكره ويعظه فما بالنا بطفل صغير بل إن الله سبحانه وتعالى يوسع دائرة العظة ومدلولها إذ يخبرنا سبحانه أن القرآن الكريم كله بيان وهدى وموعظة قال تعالى هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ٤
۱ سورة البقرة ۳۱
سورة النساء ٥٨
۳ سورة النحل ٩٠
4 سورة آل عمران ۱۳۸

٣ - القصة والخبر إن القصة والخبر من وسائل التربية الناجحة المؤثرة وذلك أنها تعرض أحداثا ووقائع للآخرين يفيد منها من يستمع إليها دون أن يدفع لتلك الفائدة ثمنا قد يكون باهظاً إذا هو دخل موقفا ولم يستفد منه إلا بعد أن يضحى ويدفع
لذلك لم يكن عبثا أن اشتمل القرآن الكريم على القصة والخبر إن القصة أسلوب أخاذ نافذ في التربية ربي بها الله سبحانه رسوله ه فقال سبحانه كلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ۱ وحكى الله سبحانه لنبيه قصص الأنبياء والمرسلين ثم عقب على ذلك بقوله سبحانه ولقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون
وللآباء في القرآن الكريم والسنة النبوية مجال خصيب لينهلوا من قصص الأنبياء والمرسلين والصالحين ومن كانوا فى الأزمان الماضية من الطائعين والعصاة ليوقفوا أبناءهم على سنة الله في خلقه وكيف كان الأنبياء والمرسلون يواجهون أهل الشرك والكفر والضلال وكل نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام له قصة يمكن أن تكون أحداثها وأشخاصها أكبر عون للصغار على فهم الحياة وعلى أن يشقوا طريقهم فيها بنجاح وفلاح
٤ - الثواب والعقاب
وهذا أسلوب في تربية الأخلاق فاعل ذو كفاءة وبحسبنا للتدليل على ذلك أن القرآن الكريم أشار إلى مبدأ الثواب والعقاب في آيات قرآنية كريمة قال الله تعالي فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ۳ وقال سبحانه كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم
ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليد حضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ٤
إن النفس البشرية ترجو وتخاف بحكم ما فطرها الله عليه وبالتالي فإن الإنسان يتربى بالمثوبة كما يتربى بالعقوبة ولا عيب في ذلك وإنما هو تجاوب مع متطلبات الفطرة
۱ سورة هود ۱۰ ۳ سورة آل عمران ١٤٨
سورة يوسف ۱۱۱
٤ سورة غافر ٥

إن النفس البشرية تستجيب وتهش اللثواب كما أنها تنزعج وتخشى العقاب وإن الأبوين أمامهما فرص جيدة وعديدة للتعامل مع الأبناء بمبدأى الثواب والعقاب ولا حرج في ذلك ولا تضييق على الصغار إن تشجيع ا الأبناء على التحلى بفضائل الأخلاق ببعض ألوان الثواب الملائمة التى لا تحول الأبناء إلى ماديين وتخويفهم من التخلي عن هذه الصفات الفاضلة بأنواع من العقاب الملائمة التي لا تحول الأبناء إلى جبناء أو أذلاء كل ذلك جائز للآباء ولا عليهم فيه من حرج دينى أو تربوى ـ فيما نعلم ـ ولا نطيل في هذا بأكثر مما قلنا
الهدف الثاني المحافظة على الآداب الإسلامية في الأسرة إن مما تستهدفه الأسرة المسلمة العمل على أن يكون البيت الذي يشب فيه الأبناء بيتا
له طابع إسلامي تتضح فيه آداب الإسلام في كل مظهر من مظاهر حياة الأسرة إن هذا الطابع الإسلامي للأسرة يعين الأبناء على أن يشبوا متحلين بالإسلام ممارسين لأخلاقه في كل أمورهم
وإن البيت لا يأخذ الطابع الإسلامى إلا إذا كانت كل مظاهر الحياة فيه متفقة مع متطلبات الإسلام وعلى سبيل المثال
۱ - فإن الأثاث المستخدم فى البيت يجب أن يكون غير مخالف لشيء مما جاءت به
الشريعة
٢ ـ وكذلك الأوانى المستخدمة فيه
- وكذلك الكماليات ووسائل التحسين والتجميل ٤ - والكلام والحوار والاستئذان على الأبوين
ه - والطعام والشراب والنوم واليقظة ٦ - والتعامل مع الإخوة كبارا وصغارا
والتعامل مع الأقارب والجيران
والتعامل مع العاملين أو العاملات في البيت
۹ - والتعاون فى البيت فى كل موقف يستدعى التعاون
۹۱

۱۰ - والالتزام بأداء الواجب
١١ - والهدوء والسكينة عموما وفي أوقات بعينها
١٢ - وتجنب تحميل البيت أعباء أكثر مما يجب
إن كل هذه الآداب يجب أن تخضع للإسلام وقيمه وإن كل مفردة من هذه المفردات بحاجة إلى شرح وتفصيل - ليس هنا مجاله وإنما مجاله كتب الأخلاق الإسلامية - لأن
كل مفردة منها لها في الإسلام أدب يلائمها حددته سنة النبي وسيرته
ولنضرب على ذلك مثالا في مفردة واحدة من هذه المفردات وهى الكلام أو الحوار فإن له فى الإسلام أدباً فصل أدق تفصيل وأوفاه على النحو التالي هناك أدب للسؤال وأدب للاستفهام
وأدب لطلب الكلام
وأدب لتخير الوقت الملائم للكلام
وأدب لاختيار الكلمات
وأدب للتعبير عن الرأى
وأدب للنقد
وأدب للاختلاف في الرأي
وأدب فى احترام الرأى الآخـ
وأدب في الحوار والمناقشة
وأدب في رفع الصوت أو خفضه
وأدب في الإعراض عن بعض الكلام
وأدب في التمسك بالرأى
- وأدب في عرض الحق بالحكمة والموعظة الحسنة وأدب في الجدال بالتي هي أحسن
وأدب في الانسحاب من حلبة الحوار
۹

وأدب في رد الشبهات والمقترحات
وأدب في كسب الطرف الآخر إلى جانب رأيك
وأدب لكل كلمة تخرج من فم المسلم ولكل كلمة يصمت عنها صاحبها وإن الالتزام بهذه الآداب هو الذى يطبع البيت بطابع إسلامي في مجال الكلام
والحوار والمناقشة والاعتراض والقبول والرفض
وكذلك الشأن في كل مفردة من المفردات التي سردناها إجمالا وكل منها يحتاج إلى نفس التفصيل والتزام أدب الإسلام فيها كلها هو ما يطبع البيت بطابع إسلامي هو هدف الأسرة
الهدف الثالث ربط أبناء الأسرة بالمسجد
إن هدفا هاما للأسرة المسلمة أن توجد علاقة ورابطة قوية بين أبنائها والمسجد منذ زمن باكر من حياتهم من يوم يستطيعون الاعتماد على أنفسهم في صحبة الأب أولا ثم وحدهم بعد ذلك وذلك أن المسجد فى حياة المسلم جوهرى وأساسي فهو بيت الله الذي تؤدى فيه أهم فرائض الإسلام وهى الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة وإن تعويد الأسرة لأبنائها على التردد على المسجد عمل تربوى جلیل القدر عميق الأثر قادر بإذن الله على أن يطبع الطفل على كل ما يبشر به المسجد في نفوس رواده من فضائل وقيم وآداب وهو المدرسة الأولى فى حياة المسلمين صغارا وكبارا بل رجالا ونساء على السواء
إن المسجد يطبع المسلم على حب النظافة والطاعة والنظام وكل تلك أمور لا تستقيم الحياة الإنسانية بدونها بل لا يستطيع الإنسان أن يتعامل مع أسرته أو مع المجتمع إلا بها إذ كيف بمن فقد حب النظام أو الاستجابة للطاعة - فى غير معصية ـ أو فقد النظافة مادية أو معنوية أن يتعامل مع غيره من الناس فيحظى منهم بالاحترام أو يحقق معهم مصلحة خاصة أو عامة
إن النظافة
إن المسجد يغرس هذه الدعائم الثلاثة في نفوس الصغار والكبار والطهارة شرط لدخول المسجد ولأداء العبادات فيه وعبادات المسجد الأساسية هي أداء فرائض الصلاة وهى مكررة خمس مرات فى اليوم والليلة أى أن النظافة تكرر من أجل

المسجد خمس مرات كذلك
يؤذى
لا
وليست النظافة مقصورة على الوضوء وحده وإنما كثيرا ما تكون استحماما حتى ! أحد أحدا بعرقه وتكون سواكا وتطييبا للفم وتكون بحيث لا تصدر عن الذاهب إلى المسجد أى رائحة غير طيبة حتى ولوكانت رائحة طعام نفاذة تفوح من الفم كرائحة البصل أو الثوم إن النظافة تستوجب ترك هذين الطعامين لمن يذهب إلى المسجد فقد روى الإمام البخاري بسنده عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ه من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا - أو قال - فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته وعقد البخاری بابا بعنوان باب ما جاء فى الثوم والبصل والكرات وقول النبي له من أكل الثوم أو البصل من الجوع أو غيره فلا يقربن مسجدنا 1
وإن النظام سمة واضحة في المسجد يلمسه كل متردد عليه في الأذان والإقامة واصطفاف المصلين خلف الإمام وتسوية الصفوف والنظر في موضع السجود والاستماع إلى ما يقرأ الإمام وعدم سبق الإمام بتكبير أو ركوع أو سجود أو تسليم وفي ترتيب صفوف المصلين - الرجال ثم الصبيان ثم الخنائى - إن وجدوا - ثم النساء - إن لم تكن لهن شرفة - وفى ختام الصلاة وفي دخول المسجد وفي الخروج منه وفى البقاء فيه وفي عدم رفع الصوت بداخله وفى عدم التشويش على المصلين برفع صوت المصلى وفى كثير من السنن والآداب التى يجب أن يلتزم بها من في المسجد إن ذلك يطبع رواد المسجد على النظام والانتظام
وإن الطاعة سمة بارزة من سمات رواد المساجد وتبدأ هذه الطاعة بأن
يسمع
المسلم ا الأذان فيردده بعد انتهاء المؤذن من كل جملة من جمل الأذان وليس له أن يردد معه فضلا عن أن يسبقه وإن الطاعة ظاهرة كذلك فى القيام للصلاة عند الإقامة دون إبطاء أو تثاقل وفى الاستجابة لما يطلبه الإمام من تعديل الصفوف وتسويتها وفى الدخول في الصلاة بعد أن يدخل فيها الإمام وفى الإنصات لما يقرأ الإمام في الصلوات الجهرية وفى التأمين بعد انتهاء الإمام من قراءة سورة الفاتحة وفي متابعة الإمام دون مواكبته أو سبقه وفي كثير من الآداب والسنن
إن هذه الركائز الثلاثة في شخصية المسلم إنما تتأكد وتغرس في المسجد بل تزكي
۱ البخاري صحيحه ١ / ٢١٦ ط الشعب القاهرة دون تاريخ

وتنمى فيه وقد أسلفنا أن هذه الصفات الثلاثة النظافة والنظام والطاعة لا تستقيم حياة الناس إلا بها
والمسجد يطبع الناس على وحدة الاتجاه وعلى البساطة فالصلاة تعلم المسلمين أن يتجهوا فيها إلى الكعبة المشرفة مهما كان موقعهم الجغرافي في الأرض وفي وحدة الاتجاه المادية والمعنوية هذه يُربّى المسلمون على أن تكون وجهتهم وتوجهاتهم في الحياة واحدة ومالهم لا يفعلون أليسوا أصحاب عقيدة واحدة وعبادة واحدة ونبي واحد هو خاتم المرسلين محمد الله صاحب أكمل المناهج الإلهية وأشمل التشريعات التي جاء بها أنبياء الله إلى عباد الله
أليسوا هم الأمة الواحدة أمة الإيمان وتوحيد الله سبحانه وهو دعوة كل نبي سبق
محمدا
إن المسجد يغرس في نفوس المصلين وحدة الاتجاه وما أحوج المسلمين إلى الوحدة والتوحيد في مواجهة الحياة وما تأتى به الأيام ! ! ! وأما البساطة فتعنى عدم التكلف فى قول أو عمل أو عادة أو عبادة وإنما يجب على المسلم أن يتخذ البساطة مبدأ في كل ما يأتى من قول أو عمل وفي كل ما يدع كذلك إن البساطة تعنى التوسط والاعتدال في كل شيء وأهم الأشياء التي تتداول في المسجد القراءة فى الصلاة والدعاء وفى كليهما لا بد من البساطة بمعنى التوسط والاعتدال قال الله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ۱ روى الإمام مسلم بسنده عن ابن عباس رضى الله عنهما قال نزلت ورسول الله همتوار بمكة وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى ولا تجهر بصلاتك كم فيسمع المشركون قراءتك ولا تخافت بها عن أصحابك أسمعهم القرآن ولا تجهر ذلك الجهر وابتغ بين ذلك سبيلا قال يقول بين الجهر والمخافتة وروى الإمام مسلم بسنده عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت في قوله عز
وجل ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها له أنزل هذا في الدعاء وروى الطبرى عن ابن سيرين أن أبا بكر رضى الله عنه كان يسر قراء ته وكان عمر يجهر بها فقيل لهما في ذلك فقال أبو بكر إنما أناجي ربي وهو يعلم حاجتي إليه
1 سورة الإسراء ۱۱۰
۹۵

وقال عمر أنا أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان فلما نزلت هذه الآية قيل لأبي بكر ارفع قليلا وقيل لعمر اخفض قليلا
ولا يتنافى مع البساطة في المسجد أن يأخذ الإنسان زينته وهو ذاهب إلى المسجد لأن البساطة ترك التكلف واتخاد الزينة من ملبس حسن وريح طيبة ليس من التكلف في
شییء
والمسجد مدرسة يتعلم فيها المسلم كثيرا من الآداب الإسلامية اللازمة لكل إنسان في حياته ومن أمثلة ذلك ما يلى
تفقد من يغيب عن الصلاة والسؤال عنه وزيارته في الله
التعلم في المسجد والمواظبة على دروسه فذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسمه العلماء على المتعلمين كما ورد ذلك على السنة بعض الصحابة رضوان الله عليهم
تعلم أدب السؤال وأدب الاستماع إلى الإجابة
وتعلم أدب الحوار والمناقشة
وتعلم خفض الصوت في المسجد في صلاة أو في غير صلاة
وتعلم الهدوء والسكينة والوقار
والاهتمام بأمر المسلمين بتفقد أحوالهم
والاهتمام بتنظيف المسجد وتطهيره وتطييبه
والاهتمام بما في المسجد من مصاحف وكتب
والخشوع لله في الصلاة
والتأمل والتدبر والأناة
والذكر والتلاوة والاستغفار
كل تلك آداب يعلمها المسجد لمن يرتاده من المسلمين وهي قمة الآداب الاجتماعية التي يحيا الإنسان بها أسعد حياة وأرضاها لله سبحانه
إن المسجد بيت الله وإن رواد المسجد ضيوف الله فلينظر ضيف الله ماذا يفعل في
9

بيت مضيفه وبخاصة إذا كان مضيفه هو الله سبحانه وتعالى ! ! !
إن الضيف فى بيت مضيف من الناس يلتزم بأدب في دخول البيت وأدب في البقاء فيه وأدب فى الحديث مع من فيه وأدب فى الحوار وأدب في الجلوس وأدب في اختيار المكان الذى يجلس فيه وأدب فى الهدوء وأدب فى كل ما يصدر عنه من قول أو عمل فإذا كان هذا الأدب في بيت من بيوت الناس وكان الخروج عليه مذمة وملاما فما بالنا بالأدب الذى يكون عليه من استضيف في بيت الله سبحانه
وإن للمسجد آدابا عديدة مشروحة في كتب الحديث النبوى وكتب الفقه الإسلامي وبعض الكتب التي ألفت في المسجد نفسه ۱
إن للمسجد في المجتمع الإسلامي روحا تخصه ولا تكتسب إلا منه وإن هذه الروح هي التي تطبع رواد المسجد على التقوى والخشوع والنظام والطاعة والإيجابية والتعاون والتراحم والتكافل والأخوة فى الله والحب فيه والتواصي بالحق والتواصى بالصبر والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاهتمام بأمور المسلمين
خاصة وعامة
إن روح المسجد عندما يتشربها الناشئة وهم يترددون عليه فإنهم بعون من الله وتوفيق سوف يكونون على المستوى المطلوب من المسلم فى خلقه وسلوكه وما يمارسه من أقوال وأعمال
الهدف الرابع دفع الأبناء إلى المجتمع مسلحين بخلق الإسلام
الأسرة المسلمة مسئولة أمام الله عن أبنائها الذين يشبون في رعايتها حيث يكون من واجبها وهدفها أن تُعد هؤلاء الأبناء أحسن الإعداد متعاونة في ذلك مع المسجد ثم تدفعهم إلى المجتمع ليمارسوا حياتهم وما يناط بهم من عمل فيه وقد سلحتهم ا الأسرة بالأخلاق الإسلامية القادرة وحدها على أن تضمن للمجتمع كله حياة سعيدة ناجحة تحقق مصالح الدنيا والآخرة
وأخلاق الإسلام قد تحدثنا فيها غير مرة فى هذا الكتاب وفي غيره مما وفقنا الله إلى
۱ انظر للمؤلف المسجد وأتره في المجتمع الإسلامي ط دار المنار الحديثة ۱۹۸۹ م انظر لتفصيل ذلك المرجع السابق فصل آداب المسجد كما تحدث عنها الرسول ص ٥٩ وما بعدها

تأليفه من كتب وهذه الأخلاق أود أن أجملها هنا في كلمتين
أداء الواجبات
وممارسة الحقوق
وهما معا يكونان أرقى مبدأ اجتماعى يمكن أن تدين به الإنسانية في أي زمان وفي أي مكان لتحيا بتطبيقه أكرم حياة وأليقها بالإنسان
والواجبات نوعان
شرعية وهى ما أوجبتها الشريعة الغراء على الناس بحيث يكون تاركها مستحقا للعقاب والذم
وعقلية وهى ما أوجبها العقل الصحيح على صاحبه يحيث يكون تركها مجافاة للعقل ومجلبة للمذمة ولا تناقض بين النوعين
وهذه الواجبات أداؤها تفريغ للذمة واستحقاق للثناء والثواب من الله تعالى وبهذا الأداء يكون المؤدى أقرب ما يكون إلى إرضاء الله تعالى إذا خلصت نيته
والحق هو الثابت الذى لا يسوع إنكاره ويطلق على العقائد والأديان والمذاهب والأقوال وحق الأمر أى ثبت وصح وصدق ويحق لك أن تفعل كذا أى يسوغ لك
والحق النصيب للفرد أو الجماعة وهو ما نتحدث عنه في هذا المجال من الكتاب إن كل فرد في الأسرة المسلمة قد ربّى على أن عليه واجبات لابد من أدائها وأن له حقوقا يستمتع بها إذا أدى واجباته وإن الناشئ المسلم قد رأى ذلك بنفسه في البيت
المسلم الذى نشأ فيه بالنسبة لأبويه وإخوته وكل من يضمه البيت المسلم من أفراد إن الناشئ المسلم عَلِمَ وتَعلَّم فى بيته المسلم ألا تهاون في أداء واجب وإلا ضاع الاستمتاع بحق في مقابله وتلك هى المعادلة الصحيحة الإيجابية فى حياة الإنسان على أى مستوى من مستوياته العمرية أو العقلية أو النفسية أو الاجتماعية
إن الناشئ المسلم بهذا يستطيع أن يشق طريقه في الحياة ليخطو في هذه الطريق من حنسن إلى أحسن ويحقق بذلك سعادة الدنيا والآخرة
۹۸

إن الأسرة المسلمة وهى تدفع بأبنائها إلى المجتمع ليمارسوا حياتهم العملية فيه وهم مسلحون بتطبيق معادلة الواجبات والحقوق إن الأسرة وهي تفعل ذلك تجنب نفسها وتجنب المجتمع نفسه كثيرا بل كثيرا جدا من السلبيات التي تنتج عن تهاون الناس في أداء واجباتهم والتي يترتب عليها ضياع كثير من الحقوق إن الأسرة المسلمة عليها أن تدفع إلى المجتمع أولئك الأفراد الذين تربوا في كنفها على إدراك أن إماطة الأذى عن طريق الناس واجب توجبه أخلاق الإسلام على المسلمين لأنه إحدى شعب الإيمان إنهم يندفعون إلى المجتمع وهم يوقنون أنهم لابد أن يفعلوا الخير وأن الله سبحانه سوف يجزيهم على ذلك أحسن الجزاء
إنهم سوف يؤدون - عندئذ - بسعادة غامرة يحركها فيهم رغبتهم في إرضاء الله سبحانه بأمانتهم في أداء ما وجب عليهم نحو أنفسهم ونحو خالقهم ونحو الناس جميعا إن المجتمعات التي يقل فيها الإنتاج أو يسوء أو تقل جودته أو يعجز عن الوفاء بحاجة المجتمع أو عن منافسة منتج مماثل إن هذه المجتمعات التي تعاني من ذلك لن تجد لذلك سببا أقوى من التخلى عن أداء الواجب أو التهاون في أدائه وهذه صورة غير جيدة ولا تليق بمسلم
ومهما تكن قوانين مجتمع من المجتمعات صارمة وعقوبات الإهمال فيها رادعة فلن تستطيع أن تحمل الناس على أداء واجبهم مثل ما تحملهم على ذلك أخلاق الإسلام التي ربوا عليها وذلك أن التحايل على القانون والتحايل على الإفلات من عقوبة الإهمال أمر يعرفه الناس حق المعرفة في مختلف أطوار التاريخ البشرى أما الأخلاق فهي صفات لازمة لأصحابها تلزمهم بما يجب أن يقوموا به تحول بينهم وبين ما لا يجوز لهم ممارسته دون قانون مكتوب ولا شرطى يراقب ويحاسب
وإن الإسلام ما استطاع أن يصل إلى ما وصل إليه من زيوع وانتشار وإحقاق للحق والعدل بقوة الشرط فيه ولكن بقوة إيمان الأفراد والتزامهم بأخلاق الإسلام وآدابه ولقد صدقت ولا تزال تصدق كلمة عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو يوصى جيوش المسلمين المنطلقة بكلمة الحق ودين الحق في العالم كله موجها خطابه لأحد قادته واعلم أن ذنوب الجيش أخوف عليه من عدوه وأنكم إنما تنصرون بمعصية عدوكم لله إنها الأخلاق التي يتحقق بها النصر على الأعداء أداء الواجب دون رقيب إلا من الله سبحانه
99

والابتعاد عن المعاصي وما تجلبه من ذنوب
إن الإنسان المسلم الذي ربى فى بيت مسلم يدرك بحكم هذه التربية أن عليه واجبات عديدة لابد من أدائها ليعيش سعيدا في دنياه وآخرته
واجبات نحو ربه سبحانه
وواجبات نحو دينه
وواجبات نحو والديه وأسرته
وواجبات نحو إخوانه المسلمين
وواجبات نحو المجتمع كله مسلمين وغير مسلمين وواجبات نحو أمته الإسلامية فى كل أقطار الأر
وواجبات نحو الإنسانية كلها والعالم بأسره
وأن قيامه بأداء هذه الواجبات واجب شرعا وعقلا
وإن الأسرة المسلمة وهي تدفع أبناءها للعمل في المجتمع وفق تطبيق مبدأ الواجبات في مقابل الحقوق إنما تخدم بذلك نفسها وأبناءها والمجتمع الذى تعيش فيه وأمتها الإسلامية كلها بل العالم الإنسانى فى مختلف بقاع الأرض وذلك واجب كل أسرة مسلمة الهدف الخامس توجيه الأبناء نحو التفوق والإجادة
إن هذا التوجيه نحو التفوق والإجادة في أي عمل يقوم به المسلم أصل كبير من الأصول الإسلامية التى تربى عليها الأسرة المسلمة أبناءها وهذا الأصل ثابت بالكتاب
والسنة
أما الكتاب فقد قال الله تعالى إن الله يأمر بالعدل والإحسان ۱ والإحسان
المطلوب على نوعين
إحسان بمعنى التجويد والإتقان والتكميل والتحسين
وإحسان إلى
الآخر
۱ سورة النحل ٩٠

كما هو وارد في السنة النبوية المطهرة
روى الإمام مسلم بسنده عن شداد بن أوس رضى الله عنه قال ثنتان حفظتهما عن رسول الله قال إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فـ فأحسوا القتلة
وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ۱ فالإحسان المطلوب هو النوعان معا مراقبة الله تعالى وإجادة أى عمل وإتقانه
و خامس هذه النتائج هي
أن تلك الروح وقد اتخذت الإحسان خلقا وأدبا ومنهجا تستطيع دائما أن توازن بعدانة وإنصاف بين مطالبها ومطالب البدن الذي تعيش فيه فلا تطغى مطالب على مطالب وإنما يكون التوازن والعدل والانسجام والوئام والرضى
1 الإمام مسلم صحيحه كتاب الصيد والدبائح باب الإحسان بالدبح والقتل ٢٥٤/٣٠٠٠ ط الجلبى مصر
۰۱
٠٥١٣٤٨

الفصل الثاني
التربية الأخلاقية للناشئين
۱ ـ مفهوم الأخلاق في الإسلام
للأخلاق في الإسلام مفهوم نابع من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ولكنه ليس ببعيد عن المعنى اللغوى للكلمة
فالخلق في اللغة هو ما يأخذ الإنسان به نفسه من ا الأدب لأنه يصير كالخلقة فيه والسجية والأخلاق هي السجايا المدركة بالبصيرة
قال الله تعالى في وصف خلق النبي الله وإنك لعلى خلق عظيم ۱ وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها لما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن ثم قرأت با قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ٢ وقالت ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله ما دعاه أحد من الصحابة ولا أهل بيته إلا قال لبيك ولذلك قال تعالى وإنك لعلى خلق عظيم وقيل سمى عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه يدل عليه قوله إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق وقيل لأنه امتثل تأديب الله تعالى إياه بقوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وقد روى عنه أنه قال أدبنى ربى تأديباً حسنا إذ قال ياخذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فلما قبلت ذلك منه قال وإنك لعلى خلق عظيم 4
1 سورة القلم ٤ سورة المؤمنون ١ - ١١ ٤ القرطبي الجامع لأحكام القرآن ۷/۱۸ - ۸ مرجع سابق
۳ سورة الأعراف ۱۹۹
۰۳

ولأهمية الجانب الأخلاقي في المسلم وردت أحاديث نبوية كثيرة تثنى على الخلق
الحسن
فقد روى الترمذى بسنده عن أبي ذر الغفاري رضى الله عنه قال قال رسول الله اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن
وروى الترمذي بسنده عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذيء
وروى الإمام مسلم بسنده عن النواس بن سمعان رضى الله عنه قال سألت رسول الله له عن البر والإثم فقال البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس وروى الترمذي بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال سئل رسول الله له عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال تقوى الله وحسن الخلق وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج
وروى الترمذى بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم
وروى أبو داود بسنده عن عائشة رضى الله عنها قالت سمعت رسول الله يقول إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم
وروى أبو داود بسنده عن أبي أمامة الباهلى رضى الله عنه قال قال رسول الله أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط
الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه وروى الترمذی بسنده عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن من أحبكم إلى وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن من أبغضكم إلى وأبعدكم منی مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يارسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون قال المتكبرون
والثرثار الذي يكثر الكلام ويتكلف فيه
والمتشدق الذي يتطاول على الناس بكلامه
٢٠٤

والمتفيهق الذى يُغرِب فى كلامه تكبرا على الناس وإظهاراً للفضل عليهم وقد ذكر الترمذي عن عبد الله بن المبارك رحمه الله فى تفسير حسن الخلق أنه قال هو طلاقة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى
والقرآن الكريم لم يترك شيئا من فضائل الأخلاق إلا تحدث عنها في آياته وحث على التحلى بها كما أنه لم يترك شيئا من رذائل الأخلاق إلا تحدث عنها ونفر منها
وباستقراء الآيات القرآنية الكريمة التالية ـ وهي بعض ما ورد في ووضيعها ـ نستطيع أن نتعرف على كثير من مفردات هذه الأخلاق
وهذه الآيات الكريمة منها
قال الله تعالى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم
ألا تشركوا به شيئا
وبالوالدين إحسانا
ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم
ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن
ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق
ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون
ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده
وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها
وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا
ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون
الأخلاق رفيعها
وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله
ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون
1 سورة الأنعام ١٥١ - ١٥٣
٢٠٥

وقال تعالى ﴿ وقضى ربك
ألا تعبدوا إلا إياه
وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا
وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل
ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا
وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك
ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا
ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا
ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا
مسؤلا
ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده
وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا
وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه
ولا تمش فى الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة
٢٠٦

ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى فى جهنم ملوما مدحورا ۱
وقال تعالى
واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا
وبالوالدين إحسانا
وبذى القربي
واليتامى والمساكين
والجار ذى القربي
والجار الجنب
والصاحب بالجنب
وابن السبيل
وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا
الذين يبخلون
ويأمرون الناس بالبخل
ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا
والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس
ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر
ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ٢
وقال سبحانه وتعالى

- أفمن يعلم أ أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو
الألباب
الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق
۱ سورة الإسراء ۳ - ۳۹
۰۷
سورة النساء ٣٦ - ٣٨

والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل
ويخشون ربهم
ويخافون سوء الحساب
والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم
وأقاموا الصلاة
وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية
ويدرأون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام
عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار
والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه
ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل
ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ۱
وقال جل شأنه إن الله يأمر
بالعدل
والإحسان
وإيتاء ذى القربي
تفعلون
وينهى عن الفحشاء
والمنكر
والبغي يعظكم لعلكم تذكرون
وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم
ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها و قد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما
۱ سورة الرعد ١٩ - ٢٥
۰۸

ولا تكونو كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربي من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدى من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون
ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم
عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم
ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم
أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ۱
وأبقى
وقال سبحانه وتعالى فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وماعند الله خير
للذين آمنوا
وعلى ربهم يتوكلون
والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش
وإذا ما غضبوا هم يغفرون
والذين استجابوا لربهم
وأقاموا الصلاة
وأمرهم شورى بينهم
ومما رزقناهم ينفقون
والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون وجزاء سيئة سيئة مثلها
فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين
ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئل ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين
۱ سورة النحل ۹۰-۹۷

يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم
ولمن صبر
وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ۱
وقال جل ذكره قد أفلح المؤمنون
الذين هم في صلاتهم خاشعون
والذين هم عن اللغو معرضون
والذين هم للزكاة فاعلون
والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون
والذين هم لأماناتهم
وعهدهم راعون
والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون
الفردوس هم فيها خالدون ٢
وقال تعالى ذكره وعباد الرحمن
الذين يمشون على الأرض هونا
وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً
والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت
مستقرا ومقاما
والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا
ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما
۱ سورة الشورى ٣٦ - ٤٣
سورة المؤمون ۱ - ۱۱
۱۰

والذين لا يدعون مع الله إلها آخر
ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق
ولا يزنون ومن يفعل ذلك بلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان
الله غفورا رحيما ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا
والذين لا يشهدون الزور
وإذا مروا باللغو مروا كراما
والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا
والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا و مقامات ۱
إننا نستطيع عند النظر في هذه الآيات الكريمة - وهى قليل من كثير ـ أن نتعرف على عدد من الصفات الفاضلة نذكر منها البر والصبر والصدق والوفاء والأمانة والتواضع والإخلاص والرفق واللين والعفو والصفح والتسامح والإحسان والعفة والاعتدال والكرم والتضحية وقول الحق والتواصى به وممارسة الحق والتواصى به ونصرة الحق ونصرة الضعيف والصدقة والإحسان وإيثار الحسنى على غيرها ودفع السيئة بالحسنة والعدل والتعاون على البر والتقوى والدعوة إلى الله وإلى الخير والحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا والاستمتاع بما أحل الله من طيب الطعام والشراب واللباس في غير إسراف ولا مخيلة والمداومة على طهارة البدن والثوب والمكان والتمسك بسنن الفطرة واحترام آراء الآخرين واحترام حقوقهم وأموالهم وأعراضهم ودمائهم والتأسي بمحمد صلى الله عليه وسلم في أقواله وأعماله وتمثل صفات الله سبحانه في حدود ما تطيقه بشرية الإنسان إلخ
۱ سورة الفرقان ٦٣ - ٧٦
۱۱

منها
كما نستطيع أن نجد فيها مما نفّر الله منه من ذميم الأخلاق صفات كثيرة نذكر
الإثم والمعصية والجزع والكذب والغدر والخيانة والتكبر والنفاق والعنف والغلظة والتشدد والقسوة والإهمال والخسة والعهر والبخل والأنانية وكتمان الحق والظلم والسلبية وغيرها من الصفات الرديئة
ولو ذهبنا نستقصى هذه الصفات وتلك ما وسعنا هذا الجانب من الكتاب ولكن يمكن أن نضع للأخلاق في الإسلام معيارا دقيقا نلجأ إليه عند الرغبة في التعرف على الصفات الفاضلة أو الهابطة فنقول
جماع الأخلاق الفاضلة فى الإسلام هي تلك الصفات التي وصف الله تعالى بها أسمائه نفسه في الحسنى إذ كلها مما يحمد للإنسان أن يتحلى بها وأن يروض نفسه عليها وأن يحاول أن يأخذ منها بالقدر الذى تطيقه بشريته مع استثناء الصفات التي خص الله سبحانه بها نفسه ولا يستطيعها أحد من خلقه
هذه الصفات من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم ويأخذ منها بما تتيحه له بشريته وأن يقضى عمره كله ينشد التحلي بأكبر قدر من كل منها وأكبر عدد منها
كذلك

وهي في جملتها صفات تتعلق بما فى الإنسان مما فطره الله عليه من صفات حب الجمال والشوق إلى الكمال وليست كما ذهبت إليه بعض المذاهب الأخلاقية متعلقة بالمنفعة أو بالسلطان والقانون أو باستطاعة القوة وإنما هي الصفات الأخلاقية الفطرية التي دعا إليها الإسلام وجعل في التحلى بها للفرد دليلا على صحة نفسية وبدنية وعقلية لأن النفس الصحيحة تصدر عنها أخلاق صحيحة وكذلك الشأن في البدن ولا صحة للنفس أو البدن أو العقل بغير ضابط وكل ضابط إنما يعنى القدرة على الامتناع عن الأمر حيثما يكون الامتناع هو الأحسن والإقبال عليه حينما تكون ممارسته هي الأحسن
كذلك
وهذه القدرة على الامتناع أحياناً والقدرة على العمل والممارسة أحياناً هي مصدر الجمال في الأخلاق لأن جمال الخلق إنما يتجلى في ممارسة العمل اللائق بكرامة الإنسان والامتناع عما سواه مما لا يليق بكرامة الإنسان وتكريم الله تعالى له إن الإنسان وهو يتصف
۱

بصفات لا تليق بكرامة الإنسان إنما يدنو من الحيوانية المنعتقة بحكم فطرتها من التقيد بما يليق وما لا يليق
كما أن مصدر الجمال في الأخلاق يعود إلى أن يكون للإنسان حرية إرادة العمل يريد فيعمل أو لا يريد فيتوقف وما أجمل أن تكون الإرادة متفقة مع ما يليق بكرامة الإنسان وتكريم الله له
وإن الدوافع على التحلى بالأخلاق الحميدة مهما تكن قوية أو مؤثرة أو مخوفة كالقانون والسلطان وغيرهما لن تبلغ في قوتها وتأثيرها على الإنسان ما تبلغه إرادته الحرة
في أن يفعل أولا يفعل لأن هذه الحرية هي - كما قلنا آنفا ـ مصدر جمال الخلق
يحرر
وإن الإسلام يقف فى هذه القضية وقفة تحرر الإنسان مما قد يشتمل عليه القانون من خطأ أو قصور أو ميل عن الحق لأن القانون يضعه الناس والناس جميعا معرضون للخطأ والقصور وكثير منهم من أهل الميل والهوى كما أن الإسلام بمعاييره الأخلاقية الإنسان مما يفرضه عليه المجتمع من أنماط سلوكية معينة لاحتمال أن يكون المجتمع قد لجأ إلى هذه الأنماط لما يشعر به من أنانية أو استعلاء على مجتمعات أخرى أو رغبة في امتلاك أسباب القوة التى تشعره بتميزه وتفوقه ونيله من الرفاهية قدرا كبيرا وكل مجتمع معرض لأن يسلك هذه السبيل ما دام الناس هم الذين يضعون أنماط السلوك الاجتماعية وهم بالضرورة ليسوا معصومين عن ا الأخطاء إن الإسلام يحرر الإنسان ويحرر أخلاقه من هذه الضغوط الخارجية ويجعله حر الإرادة أولا فإن خضع لقانون فإنه يخضع لقانون لا يعتريه الخطأ ولا القصور ولا الهوى لأنه ليس من صنع الناس ولا المجتمع وإنما هو من صنع رب الناس سبحانه وتعالى وإذا كان الإنسان في الإسلام يخضع لما يفرضه المجتمع من قيم ونظم فإنما يخضع لمجتمع يؤمن بأن الناس سواسية وألا استعلاء المجتمع على آخر ولا استغلال لمجتمع من آخر لأن الإسلام هو الذي يضع قيم المجتمع ونظمه ويعلن في المجتمعات البشرية كلها أن الناس لآدم وأن تفاضل الناس جميعاً إنما يكون بالتقوى والالتزام بمنهج الله ونظامه ونحب هنا أن نقارن بين الأخلاق التي يلزم بها الإنسان نفسه بإرادته الحرة أو الأخلاق التي فرضها القانون أو فرضها المجتمع أو جاء بها الدين لأن هذه المقارنة جديرة بأن تزيد الأمر وضوحا

۱۳

إن الغالب على الأخلاق التي يفرضها القانون أن تحقق الإنسان سلامة آنية ولكنها لا تسطيع أن تتعرف على الأمور الأكثر سلامة والتي هي قادرة على تحقيق السلامة في الحال والمستقبل لأن البشر الذين يضعون هذه القوانير لا يستطيعون علم الغيب ولا کشف ما في المستقبل وإنما علم ذلك عند الله وحده
كما أن القانون الذى يضعه الناس لا يحترمه الناس إلا إذا حقق لهم جميعا ـ صالحهم وطالحهم - مصالح مادية في حياتهم ولن يكون هذا إلا إذا احترم الناس المجتمع واحترموا
العلاقات التي تربط بين الناس بل احترموا انتماءهم لهذا المجتمع واحترامهم لقانونه وإن الغالب على الأخلاق التي يفرضها المجتمع أن تؤكد الحرص على قيم المجتمع والمحافظة على ما يسوده من عادات يراها المجتمع نافعة ولكن المجتمع أي مجتمع لا يستطيع أن يؤكد هذه النفعية تأكيدا مطلقا لأن ما ينفع مجتمعا قد يضر سواه ولا يستطيع أن يؤكد نفع هذه الأخلاق في المستقبل لأنه - كالقانون ــ لا يملك شيئا من علم الغيب ولا علم المستقبل بل إن هذه الأخلاق إنما يلتزمها الإنسان إذا اقتنع من داخله بأنه فرد من أفراد هذا النوع الإنسانى الذى تسوده قيم بعينها ولا يحترم الإنسان هذه الأخلاق إلا إذا شعر بعمق أنه ينتمى إلى الإنسانية المكرمة بتكريم الله الإنسانية التي تنفعها هذه الأخلاق
ذلك شأن القانون وشأن المجتمع فى فرض أخلاق معينة على الناس أما ما جاء به الإسلام فهو أخلاق شاملة كاملة متكاملة خبط بإرادة الإنسان وشعوره وظاهره وباطنه شمولا لا يعتريه حطأ أو قصور أو نظرية استعلاء أو استغلال وترسم له الطريق الواضحة الآمنة التي تحقق للسالك فيها بهذه الأخلاق سعادة الدنيا والآخرة وذلك أن الإسلام يهتم في أخلاقه بالمعاش والمعاد معا على حين سائر الأخلاق النابعة من قوانين الناس أو نظمهم الاجتماعية إنما همها كله أن تحقق للناس سعادة الدنيا إن استطاعت وقلما تستطيع ثم إنها متجاهلة أو جاهلة أن حياة الإنسان الآخرة أهم وأطول وأبقى من حياته الدنيا وياليت هذه القوانين وتلك النظم استطاعت يوما أن تحقق للناس سعادة للدنيا وحدها فضلا عن أن تسمو إلى التفكير في الآخرة
إن هذه القوانين وتلك النظم قد اعتراها - على مدى تاريخ البشرية كله ـ من الخطأ والقصور والتعـالـي والـغـرور واستغلال الضعفء أسوأ أنواع الاستغلال إلى درجة 1 سورة النحل ٣٦ - ٣٧

أن أصبح الضعفاء من الناس يباعون كما تباع السلع ثم استعبدوا وصاروا متاعا من
المتاع
لقد هان أمر الإنسان في ظل هذه الأخلاق التي جاءت بها القوانين والنظم حتى كانت نظم الإقطاع في الغرب فأصبحت الإنسانية طبقات يأكل غنيها فقيرها ونبيلها حقيرها ولم يكن الشرق مختلفا في ذلك عن الغرب وإنما أصبح فيه في ظل هذه الأخلاق طائفة من الناس يسمون المنبوذين فى شبه القارة الهندية وتمكن الرجل الغربي من أن يذهب إلى إفريقيا ويصيد أخاه الإنسان كما يصاد الحيوان ويحمله إلى الغرب أو الغرب الأقصى أمريكا ليكون عبدا لا لشيء إلا لأنه عجز عن الدفاع عن نفسه أمام غربي
سلحه عصر النهضة ! ! !
أما الأخلاق التي جاء بها الدين فلا تسمح بهذا الامتهان للإنسان بل تحرص على أن تكون الإنسانية كلها ناعمة في ظل الأخوة والمحبة وأداء الواجبات وممارسة الحقوق وإن هذا ليؤكد أن التدين جزء من طبيعة الإنسان وفطرته التى فطره الله عليها فإن وجد إنسان غير متدين يسيء معاملة أخيه الإنسان فهو ظاهرة تستحق الدراسة والبحث عن أسباب انحرافه عن فطرته وإن الإسلام بوصفه خاتم ال الأديان وأكملها وأتمها والناسخ لما سبقه منها وبما يتضمنه من قيم أخلاقية صحيحة عادلة منصفة لهو الدين الذي سوف تصير إليه البشرية كلها في يوم من الأيام لن يكون بعيدا إذا وجد من أبنائه من يحرصون على تطبيق ما جاء به

۱٥

٢ ـ كيف يربي الإسلام الأخلاق
إن دين الإسلام بوصفه الدين التام الخاتم وبوصف منهجه أنه أكمل المناهج وأف وأقدرها على تحقيق سعادة الإنسان في دنياه وآخرته إن الإسلام بوصفه هذا لقادر على أن يضع لتربية الأخلاق منهجا متكاملا لا يستطيع أحد أن يجد فيه ثغرة من الثغرات وهذا هو
ما كان
إن الإسلام يربى خلق الإنسان بطرق عديدة متكاملة لا يستغنى بعضها عن بعض وهذه التكاملية فى تربية الإسلام للأخلاق تعتمد على أسس وركائز هي وحدها التي يقوم عليها صرح الأخلاق الفاضلة القادرة على أن تحقق للمتحلى بها سعادة الدنيا والآخرة وسوف نحاول في هذا الجزء من هذا الفصل أن نشير إلى مجمل هذه الركائز ثم نفضل منها ما تسمح به ظروف هذا الكتاب تاركين التفصيل المطلق إلى كتاب آخر لنا ١ والله ولي التوفيق
هذه الركائز التي تقوم عليها تربية الإسلام للخلق هي
أ العلم
ب ـ والعقيدة
جـ ــ والعبادة
ذ والحلال والحرام
هر - و اتخاذ النبي له قدوة
و - والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ز - والجهاد في سبيل الله
مع التزام أدب الإسلام في كل ذلك
۱ هو كتاب التربية الإسلامية الذي نوشك على الانتهاء من إعداده إذا أذن الله تعالى
٢١٦

وهى ركائز تقوم عليها الأخلاق الفاضلة بل تقوم عليها الحياة الإنسانية الكريمة التي تليق بتكريم الله سبحانه للإنسان ويستطيع بها أي مجتمع أن يحقق أقصى درجات الأمن والرخاء
إن الإسلام بهذا يضع أكمل منهج في تربية الأخلاق وهو بهذا يؤكد بالدليل والبرهان أن اتباعه والأخذ بما فيه يحقق للبشرية كلها سعادة الدنيا والآخرة
ولنشرع فى بيان هذه الركائز وتفصيل الحديث فيما يحتاج منها إلى تفصيل في هذا
الكتاب والله المستعان الركيزة الأولى العلم
من المقرر لدى العقلاء أن الأخلاق المستقيمة الصحيحة إنما تقوم على العلم والعلم في المكانة عند الله قرين الإيمان وأصحاب المعلم كأصحاب الإيمان يرفع الله قدرهم درجات دون سائر الناس قال الله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير وأهل العلم هم أهل العقل والتدبر والقدرة على الفهم الصحيح والتحليل والاستنتاج وفهم الأهداف والمرامى قال الله تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ٢
وأهل العلم هم أجدر الناس بعبادة الله ومعرفة حقوقه عليهم ولذلك فهم يخشون الآخرة ويرجون رحمة الله على كل حال وليسوا كأولئك الذين لا يذكرون الله إلا في الضراء لأنهم يهملون النظر فى الأدلة كما نظر إليها أهل العلم فهدتهم ودلتهم على الخير قال تعالى قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ۳
وأهل العلم هم الذين لا تفتنهم البهارج عن الحق ولا تصرفهم الخدع عن التمسك به ولا يشغلون بأعراض الدنيا عن الآخرة بل يدركون أن ما عند الله هو خير وأبقى لمن آمن وعمل صالحا ويوجهون نصائحهم للناس ولكن كثيرا من الناس لا يعلمون قال الله
۱ سورة المحادلة ۱۱
سورة العنكبوت ۳
۳ سورة الزمر ٩
۱۷

تعالى وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون ١
هذه بعض آيات من القرآن الكريم تبين مكانة العلم وأهميته للإنسان وهناك بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد ذلك ومنها ما رواه أبو نعيم بسنده عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرب الناس درجة من النبوة أهل العلم والجهاد أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل
وما رواه الحاكم في تاريخ نيسابور بسنده عن أبي الدرداء رضى الله عنه أن رسول
الله قال الإيمان عريان ولباسه النقوى وزينته الحياء وثمرته العلم
و ما رواه الدار مى بسنده عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال مر رسول الله اللهم بمجلسين في مسجده فقال كلاهما على خير وأحدهما أفضل من صاحبه أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وأما هؤلاء فيتعلمون الفقه والعلم ويعلمون الجاهل فهم أفضل وإنما بعثت معلما قال ثم جلس فيهم
وما رواه الدارمي بسنده عن ابن مسعود رضى الله عنه قال قال لى رسول الله تعلموا العلم وعلموه الناس تعلموا الفرائض وعلموه الناس تعلموا القرآن وعلموه الناس فإنى امرؤ مقبوض والعلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في فريضة لا يجدان أحدا يفصل بينهما
والعلم لا يكون إلا بالتعلّم فكما شرف الإسلام العلم ورفع من قدر العلماء حَتَّ على التعلم والتعليم فقال تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ٢
وروى الدارمي بسنده عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك طريقا يلتمس به علما سهل الله له طريقا من طرق الجنة فإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن طالب العلم ليستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم إن العلماء
۱ سورة القصص ۸۰
سورة التوبة ۱۴
۰۱۸

هم ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخد به أخذ بحظه ـ أو بحظ - وافر
وروى ابن ماجة بسنده عن عثمان بن عفان رضی الله عنه قال قال رسول الله أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه وروى ابن ماجة بسنده عن أبي ذر رضى الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلى مائة ركعة ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل خير لك من أن تصلى ألف ركعة
وروى ابن ماجة عن أبى هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله له يقول من جاء مسجدى هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله و من جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره

ولا تكمل فضيلة المتعلم حتى يعلم سواه لذلك أثنى الإسلام على من يعلم سواه وعلى من يبلغ الناس ما تعلم وأوضح أن له أعظم الأجر وأحسن الجزاء ومعنى ذلك استمرارية العلم وتنقله من جيل إلى جيل حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهذا تقدير الأهمية العلم ليس كمثله تقدير
روی ابن ماجة بسنده عن زيد بن ثابت رضی الله عنه قال قال رسول الله نصر الله امراً سمع مقالتي فبلغها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ـ زاد فيه على بن محمد أحد راوبي حديث - ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله والنصح لأئمة المسلمين ولزوم جماعتهم وروى ابن ماجة بسنده عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من علم علما
فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل
وروى ابن ماجة بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي الله قال أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علما ثم يعلمه أخاه المسلم
وروى ابن ماجة بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علّمه ونشره وولدا صالحا تركه ومصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله فى صحته وحياته يلحقه من بعد موته
۱۹

والعلم والتعليم والتعلم كلها أمور تقوم وتستقيم على الأخلاق كما أنها أمور تزكي الأخلاق وتطهرها من الجهل والأنانية فلا أخلاق فاعلة عارفة طريق الحق والصواب إلا إن قامت على العلم و استقامت به
وإن الضبط الأخلاقى الذى يؤدى إلى الضبط الاجتماعي لا يؤتى ثماره إلا إذا كان له من العلم نصيب إذ العلم هذا الذى يقنع كل إنسان بأن كذا واجب وكذا نافع وكذا ضار وكذا ممنوع بل إن حشية الله تبارك وتعالى لا تتمكن من أحد فتوجه سلوكه إلا إذا كان من أهل العلم إنما يخشى الله من عباده العلماء م ۱ والانضباط مع ما جاء به الإسلام من فضائل ومع ما نهى عنه من رذائل إنما يحتاج من المسلم إلى علم يملأ عقله وقلبه اقتناعا وينعكس على جوارحه أعمالا وسلوكا
وإذا كانت مقاصد الناس ومصالحهم فى الدين والدنيا معاً فإن من المُسلَّم به أن الدين والدنيا هما قوام حياة الإنسان لأن الدنيا كما نعرف مزرعة للآخرة ولا يمكن فصل الدنيا عن الدين وإلا تعادى الناس وتصارعوا إذا كان ذلك كذلك فإن الأخلاق التي جاء بها الإسلام هي التي تذهب هذا التعادى وذاك الصراع وهذه الأخلاق الإسلامية لا بد أن تقوم على العلم تعلما وتعليما وهذا هو الذي يؤدي بنا إلى رضا الله تبارك وتعالى
الركيزة الثانية العقيدة
والعقيدة هي ما يضمر عليه الإنسان قلبه ولا يقبل الشك فيه في عمومها وأما العقيدة في الدين فهى ما يقصد به الاعتقاد دون العمل كعقيدة وجود الله سبحانه وإرساله الرسل
وعقيدة المسلم تقوم على ما يقتضيه العقل والنقل أى على ما يقتضيه العقل السليم والشرع الحكيم وعمود هذه العقيدة أو عمادها هو " لا إله إلا الله محمد رسول الله
فهذه الشهادة تتضمن أصلين عظيمين في عقيدة المسلم هما
الأول إثبات ذات الله سبحانه وإثبات صفاته وإثبات أفعاله
والثاني إثبات صدق رسول الله له فيما بلغه عن ربه
وهذه العقيدة الصحيحة في هذين الأصلين العظيمين هي صميم الإسلام المنبعث عن
۱ سورة فاطر ۸
۰

الإيمان وهذا الإيمان له أركان أساسية يقوم عليها ولا يكون إيمانا إلا بها وهى
أ - الإيمان بالله تعالى ومعرفة ذاته وصفاته وأفعاله
ب ـ والإيمان بأن لله ملائكة يأمرهم الله تعالى بتبليغ رسله عنه كل ما يريد أن يبلغهم
إياه
ج والإيمان بأن لله تعالى كتبا أنزلها وأوحى بها إلى بعض رسله عليهم السلام
د الإيمان بأن الله سبحانه أرسل رسلا وأن خاتمهم محمد ع

هـ ـ والإيمان باليوم الآخر وما فيه من بعث وحشر و حساب وجزاء
و - والإيمان بقضاء الله وقدره خيره وشره
والإيمان بالله سبحانه يقتضى معرفة ذاته سبحانه ووجوده و وأصح ما يستدل به على وجود الله سبحانه العقل السليم والشرع الحكيم فقد قال الله تعالى إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون 1 و العلم بأن الله تعالى قديم ليس له أول بل هو أول كل كل منت و حى إذ
لو كان حادثاً غير قديم لاحتاج إلى محدث واحتاج محدثه إلى محدث وتسلسل ذلك
الاحتياج إلى ما لا نهاية له
والعلم بأنه تعالى - مع كونه أزليا ليس له أول أبدى ليس له آخر لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه ولو كان له آخر أى نهاية وعدم لنرتب على ذلك باطل ومحال عقلا إذ لو انعدم لكان إما منعدما بنفسه أو بمضاد له ولو جاز أن ينعدم شيء يتصور دوامه بنفسه
لجاز أن يوجد شيء يتصور عدمه بنفسه وهذا باطل ولو انعدم بمضاد له وكان هذا المضاد هو القديم الأزلي لما تصوّر الوجود معه فضلا عن القدم الذي دللنا عليه آنفا إذ كيف يوجد في القدم ويوجد معه ضده ولو كان هذا الضد حادثا لأدى ذلك إلى المحال إذ ليس الحادث في مضادته للقديم حتى يقطع وجوده بأولى من القديم في مضادته
للحادث حتى يدفع وجوده
١ سورة البقرة ١٦٤
۱

والعلم بأنه تعالى ليس متحيزا بمكان لأن التحيز بالمكان من صفة الحوادث والله سبحانه قديم أول كل شيء - كما أوضحنا آنفا
والعلم بأنه تعالى ليس بجسم مؤلف من أجزاء إذ لو كان كذلك لكان متحيزا بمكان إذ تلك طبيعة الأجسام
والعلم بأنه تعالى ليس عرضا قائما بجسم أو حالا فيه لأن الجسم حادث ومتحيز
بمكان والله سبحانه وتعالى قديم وليس جسما متحيزا بمكان ـ كما قدمنا والعلم بأنه سبحانه متنزه عن الاختصاص بالجهات وهذه الجهات كلها الفوق والأسفل واليمين والشمال والقدام والخلف هى من خلقه سبحانه إذ خلق الإنسان فرأس الإنسان فوق ورجلاه أسفل ويمينه يمين وشماله شمال وكذلك القدام والخلف فلو ارتبط الله بالجهات أو اختص بها لكان حادثا كالإنسان
والعلم بأنه تعالى مستو على عرشه استواء لا ينافي وصف الكبرياء ولا يتطرق إليه شيء من صفات الحدوث والفناء
والعلم بأن الله تعالى مع تنزهه عن الجسم والجهة سوف يراه المؤمنون يوم القيامة لقوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ۱ أما في الدنيا فلا يستطيع أحد رؤيته لقوله و لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ٢
والعلم بأنه سبحانه أحد لا شريك له فرد لا يد له انفرد بالخلق والإبداع ولا مثيل له يساويه ولا ضد له ينازعه لقوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ۳ كما أن الإيمان بالله تعالى يقتضى معرفة صفاته سبحانه وتعالى أى معرفة أنه صانع هذا العالم وأنه قادر صنعه أحكم صنعة بدليل عقلى هو هذا التوازن فيه الذي لو اختل لانهار وكان الله سبحانه على ذلك قديرا كما قال تعالى وهو على كل شيء قدير ٤
والعلم بأنه تعالى عالم بجميع الموجودات ومحيط بكل شيء علما ولا يعزب عنه
۱ سورة القيامة ٢٢ - ٢٣ سورة الأنعام ١٠٣ ٤ سورة التغابن ١
۳ سورة الأنبياء

مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء لقوله سبحانه وهو بكل شيء عليم ۱ وقوله سبحانه ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير
والعلم بأنه سبحانه حي لأن الخالق العالم المحيط بكل شيء علما لابد أن يكون حياً ولو تصور أنه قادر عالم غير حى لأدخل ذلك التصور صاحبه في المحال قال تعالى و الله لا إله إلا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ۳
والعلم بأنه سبحانه مريد لأفعاله فكل الموجودات صادرة عن مشيئته وإرادته فهو
المبدئ المعيد الفعال لما يريد قال تعالى إن ربك فعال لما يريد ٤
والعلم بأنه سبحانه سميع بصير لا يعزب عن رؤيته شيء حتى هواجس الضمير وخفايا التفكير ولا يغيب عن سمعه حتى دبيب النمل قال تعالى إن الله سميع بصير ٥
والعلم بأنه سبحانه متكلم بكلام ليس صوتا ولا حرفا ولا يشبه كلام غيره وأن هذا الكلام القائم بنفسه سبحانه قديم وكذلك جميع صفاته قديمة وما لم يكن كذلك كان حادثا قال تعالى وكلم الله موسى تكليما ٦
والعلم بأن علم الله قديم فلم يزل عالما بذاته وصفاته وما يخلقه من مخلوقات سواء كان ذلك الخلق في الماضى أو الحاضر أو المستقبل قال الله تعالى لو إن الله كان بكل شيء عليما ك ۷ والعلم بأنه تعالى له إرادة قديمة قدم ذاته وأن هذه الإرادة متعلقة بخلق المخلوقات في أوقاتها اللائقة بها على وفق سبق علمه سبحانه وتعالى قال الله تعالى و إنما أمره إذا
أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ۸
والعلم بأنه تعالى عالم يعلم وحى بحياة وقادر بقدرة ومريد بإرداة ومتكلم بكلام وسميع بسمع وبصير ببصر وأن له هذه الأوصاف من هذه الصفات القديمة وأن قول القائل عالم بلا علم كقول القائل غنى بلا مال فالعلم والعالم والمعلوم متلازمة في العقل
لا ينفك بعضها عن بعض
۱ سورة الأنعام ١٠١ ٢ سورة الملك ١٤
٥ سورة الحج ٧٥
٤ سورة هود ١٠٧
۷ سورة النساء ۳
۸ سورة يس ۰۸
۳ سورة البقرة ٢٥٥ 1 سورة النساء ٦٤
۳

كما أن الإيمان بالله تعالى يقتضى معرفة أفعاله سبحانه وتعالى ولا تعرف أفعاله سبحانه إلا بالعلم بأن كل حادث في العالم هو من فعله وخلقه إذ لا خالق سواه فكل ما في العالم من ناس وأشياء هو من خلقه سبحانه وكل أفعال العباد مخلوقة له ومتعلقة بقدرته فقد قال تعالى الله خالق كل شيء ۱ وقال جل شأنه والله خلقكم وما تعملون ٢
والعلم بأن الله سبحانه وقد انفرد بخلق أفعال العباد لا يخرج تلك الأفعال عن كونها مقدورة للعباد على سبيل الاكتساب بل إن الله تبارك وتعالى خلق القدرة والمقدور جميعا وخلق الاختيار والمختار جميعا فالقدرة وصف للعبد وخلق للرب سبحانه وتعالى وليست بكسب العبد أما الحركة فخلق للرب ووصف للعبد وكسب له أيضا والعلم بأن فعل العبد وإن كان كسبا للعبد فلا يخرج عن كونه مراداً لله تعالى إذ لا يجرى فى الملك والملكوت طرفة عين ولا لفنة خاطر ولا فلتة ناظر إلا أن يكون ذلك بقضاء الله وقدرته وإرادته ومشيئته ومنه الخير والشر والنفع والضر والإسلام
والكفر
جميعا
النقل
ودليل ذلك قوله تعالى أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس وقوله سبحانه ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ٤ وهذا دليل من
أما الدليل العقلى على ذلك فهو أن المعاصى إن كان الله تعالى يكرهها ولا يريدها وإنما هي جارية على وفق إرادة الشيطان لعنه الله فقد وقع فى ملكه ما لا يريد أي قد أكره من أحد من خلقه بل من أ أفسد خلقه وأفسقهم ولا قائل بذلك من العقلاء فالله سبحانه يريد أن تقع الشرور والمعاصى ولكنه سبحانه لا يأمر بها
والعلم بأن الله تعالى متفضل بالخلق والاختراع وليس ذلك واجبا عليه سبحانه إذ لا يجب عليه شيء لأنه لو وجب عليه شيء لكان الموجب عليه هذا الشيء أقدر وأقوى
إرادة منه سبحانه وهذا من المستحيلات
والعلم بأن معرفة الله سبحانه وطاعته واجبة بإيجاب الله تعالى وبشرعه وليس هذا
۱ سورة الزمر ٦٢
سورة الصافات ٩٦
۳ سورة الرعد ۳۱
٤ سورة السجدة ۱۳
٢٢٤

بواجب من جهة العقل
والعلم بأن إرساله الرسل جائز من أجل هداية البشر لأن العقل وحده ليس كافيا لأن يهدى للأعمال الصالحة المقبولة في الآخرة
والعلم بأن الله سبحانه قد أرسل محمدا لله خاتما للأنبياء والمرسلين وناسخا لما قبله من شرائع اليهود والنصارى والصابئة وأن الله تعالى أيده بالمعجزات الكثيرة كانشقاق القمر وتسبيح الحصى وإنطاق العجماء ونبع الماء من بين أصابعه والقرآن الكريم المعجز في لفظه المعجز في معناه المعجز فيما أخبر به
كما أن الإيمان بالله تعالى يقتضى الإيمان بما أخبر به محمد الله في كل ما يتصل باليوم الآخر من حشر و نشر وسؤال منكر ونكير للميت في قبره وعذاب القبر والميزان والصراط والجنة والنار والشفاعة والحوض وغيرها فضلا عن الإيمان والتصديق بكل ما جاء به من منهج ونظام الحياة الناس في هذه الدنيا
والإيمان بأن الله تعالى أنزل كتبا على بعض أنبيائه عليهم الصلاة والسلام ومن هذه الكتب ما ورد ذكره فى القرآن الكريم مثل صحف إبراهيم والتوراة والزبور والإنجيل وأن آخر هذه الكتب وأجمعها والذى تكفل الله بحفظه من التحريف بالزيادة أو النقص والتصحيف هو القرآن الكريم
والإيمان بقضاء الله وقدره والرضا به سواء كان خيرا أم شرا لأن الإيمان بالقضاء والقدر هو الذى يجنب الإنسان الوقوع في السخط والتذمر والإحباط والكبت والاكتئاب وغير ذلك من الأمراض التي تدل على ضعف الإيمان بقضاء الله وقدره
وبعد فإن هذه العقيدة بهذه المفردات التى أجملنا القول فيها ١ أساس ركين تقوم عليه الأخلاق وكل أخلاق لا تحركها بالفعل أو بالترك عقيدة صحيحة فهي أخلاق مضطربة غير جديرة بأن تحقق لصاحبها سعادة الدنيا فضلا عن سعادة الآخرة وبالتالي فلن يتحقق للمجتمع شيء من الاستقرار والأمن
ولأجل هذا قامت التربية الخلقية في الإسلام على العقيدة كما قامت على العلم
۱ لا يسعنا أن تتوسع في الحديث عن العقيدة بأكثر من ذلك بسبب منهج هذا الكتاب ولأننا أوليناها الاهتمام الحدير في كتاب لنا هو فقه العقيدة الإسلامية لم يطبع بعد
۵

وكما ستقوم على غير ذلك من الركائز
الركيزة الثالثة العبادة
العبادة تكون لله وحده دون سواه إذ هى غاية التذلل ولا يستحق غاية التذلل إلا من له غاية الإفضال وهو الله سبحانه وتعالى قال الله تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا
إلا إياه ١
والعبادة نوعان
عبادة بالتسخير وهى للحيوان والنبات والجماد وكل شيء في ملكوت الله سبحانه كما هو واضح في قول الله تبارك وتعالى و ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال والسجود في هذه الآية هو
العبادة إذ هو التذلل والخضوع والتطامن وكل ذلك سخرت له هذه الموجودات وعبادة بالاختيار وهى للإنسان وحده من بين مخلوقات الله سبحانه وبهذه العبادة الاختيارية يستحق الإنسان الثواب وقد أمر الله الناس بهذه العبادة في قوله تعالى ﴿ يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ۳ وقوله سبحانه وتعالى ﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ٤
والعبادات في الإسلام كثيرة بعضها فرضها الله سبحانه وبعضها سنها النبي الله لكنها جميعا تستهدف توثيق صلة الإنسان بخالقه سبحانه وتعالى للإقبال عليه وحبه والرضى بقضائه وقدره
وسوف نتناول هنا من هذه العبادات الطهارة والشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج وتلاوة القرآن الكريم والأذكار والأوراد فتتحدث عنها في إيجاز يقتضيه
هذا المقام والله المستعان
من العبادات في الإسلام الطهارة
والطهارة فى الإسلام نوعان طهارة جسم وطهارة نفس وقد حمل على هذين المعنيين عامة الآيات القرآنية الكريمة التي ورد فيها لفظ الطهارة فى صيغه المختلفة
۱ سورة الإسراء ۳
۳ سورة البقرة ۱
سورة الرعد ١٥ ٤ سورة النساء ٣٦
٢٢٦

قال الله تعالى و لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين له ۱
وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي مالك الأشعرى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الإيمان والطهور هنا يعنى طهارة الجسم والنفس أى الظاهر والباطن فالظاهر يطهر من الأحداث والأخباث والفضلات مع الأخذ بسنن الفطرة ٢ والباطن يقتضى تطهير الجوارح من الآثام والمعاصى وتطهير القلب من الأخلاق الذميمة
والرذائل والعقائد الفاسدة
و من العبادات الشهادتان
أي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أى النطق بهما والعمل بمقتضاهما بل هما أول درجة فى الإيمان والدخول فى الإسلام فقد شرح ذلك النبي ل له عندما سأله جبريل عليه السلام إذ قال الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله و ۳ وليست العبرة بمجرد اللفظ ولكن أن يصحب ذلك العمل والتطبيق بل إن الشهادتين يكونان وحدهما منهج حياة كاملا
و من العبادات الصلاة
٤
والصلاة عماد الدين أو عموده وهى على المؤمنين كتاب موقوت قال الله تعالى و إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقال جل ذكره إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ٥
وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله مثل الصلوات الخمس كمثل نهر عذب يباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم
۱ سورة التوبة ۱۰۸ وسنن الفطرة هي
1 - الختان
٤ - وتقليم الأظافر
- وإكرام الشعر
٢ - وحلق العانة
٣ - ونتف الإبط
ه وقص الشارب أو إحفاؤه ٦ - وإعفاء اللحية وترك الشيب في الرأس أو في اللحية للرجل والمرأة
٩ - وتغيير الشيب بالحناء والحمرة والصفرة
۳ رواه مسلم بسنده عن عبد الله بن عمر رضی الله عنهما كتاب الإيمان
٤ سورة النساء ١٠٣
٥ سورة العنكبوت ٤٥
١ - والتطيب بالمسك ونحوه
۷

خمس مرات فما ترون ذلك يبقى من درنه قالوا لا شيء قال فإن الصلوات الخمس تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن
وروى الطبراني في الأوسط بسنده عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله من لقى الله وهو مضيع للصلاة لم يعبأ الله بشيء من حسناته
وهذان الحديثان الشريفان في الصلوات الخمس المكتوبة
وهناك صلوات النوافل وهى السنن سواء أكانت راتبة وهى ما شرع تبعا للفرائض أو كان راتبا بوقت كصلاة الضحى والتراويح وقد واظب عليها النبي الله أم غير راتبة
وهي التطوع المطلق ولم يواظب عليها النبي
والنوافل من الصلوات عموما كثيرة منها
النوافل عقب الصلوات المكتوبة أو قبلها
وصلاة الضحى والوتر والتهجد وغيرها
وصلوات الأيام والليالي في الأسبوع
وصلوات السنين كالعيدين والتراويح
وصلوات الكسوف والخسوف والحاجة
وصلوات الاستسقاء
وتحية المسجد وركعتى الوضوء وركعتى ما بين الأذان والإقامة وهناك نوافل
أخرى يتطوع بها العبد لربه غير ذلك كله
ومن العبادات الزكاة
وهي إحدى أركان الإسلام قال الله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ﴾ ١ وقال سبحانه وتعالى والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم
قال العلماء إن معنى الإنفاق في سبيل الله فى هذه الآية هو إخراج الزكاة
وروى البخاری و مسلم بسنديهما عن أبي ذر رضي الله عنه قال انتهيت إلى رسول
١ سورة البقرة ٤٣
٢ سورة التوبة ٣٤
۸

الله الله وهو جالس في ظل الكعبة فلما رأني قال هم الأخسرون ورب الكعبة فقلت ومن هم قال الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا ـ من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله - وقليل ما هم ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدى زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس
و من الزكاة زكاة الفطر وهي واجبة على كل مسلم له فضل عن قوته وقوت من يقوته يوم الفطر وليلته صاع مما يقتات يخرجه من جنس قوته
والزكاة بنوعيها زكاة المال وزكاة الفطر تطهير للنفس من داء الشح وإيثار لما عند الله يوم القيامة من جزيل الثواب لمن آمن به والتزم بشريعته
وللزكاة آداب منها
التعجيل بوقتها والإسرار بها لقوله سبحانه وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم به ۱ وله أن يظهرها إن كان في إظهارها ترغيب للناس في الإقتداء قال تعالى إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها كه وألا يمن بها على أحد لقوله سبحانه وتعالى لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ۳ وأن يستصغرها لأنه و استعظمه أعجب بها والعجب من المهلكاب ويقال إن الطاعة كلما استصعرت عظمت عند الله وأن المعصية كلما استعظمت صغرت عند الله
وقد قيل لا يتم المعروف إلا بثلاث استصغاره وتعجيله وستره ومن أدب الزكاة أن ينتقى لها من ماله أجوده وأحبه إلى نفسه وأن يتجه بها إلى الأتقياء المعرضين عن الدنيا الذين لا يسألون
وارتباط الزكاة بالأخلاق واضح لا يحتاج إلى تفسير فضلا عن تعليل فإن من يجود بما له اتباعا لأمر الله ويدفع بهذا المال حاجة المحتاج إنما هو صاحب خلق رضى وأجدر أن يكون موضع رضى الله سبحانه
ومن العبادات الصوم
وقد فرضه الله على المسلمين كما فرضه على المؤمنين من قبلهم قال الله تعالى
۱ سورة البقرة ۷۱
سورة البقرة ۷۱ ۳ سورة البقرة ٢٦٤
۹

يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم
تتقون ۱
والصوم ربع الإيمان كله فقد روى الترمذى بسنده قال قال رسول الله والصوم نصف الصبر ٢
وروى أبو نعيم في الحلية بسنده قال قال رسول الله الصبر نصف
الإيمان والحديثان معا يؤكدان أن الصوم ربع الإيمان
وقد قال الأسلاف من العلماء رضوان الله عليهم الصوم درجات ثلاثة
۱ - صوم العموم وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة - وصوم الخصوص وهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام
٣ - وصوم خصوص الخصوص وهو صوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار
الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل
وصوم الفريضة هو صوم شهر رمضان
وصوم النافلة هو صوم يوم وإفطار آخر أو صوم يوم وإفطار يومين أو صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع أو صوم ثلاثة أيام من كل شهر ليكون موافقا لسنة النبي الله وصلة الصوم بالأخلاق صلة وثيقة لا تخفى على أحد فالصوم انضباط وكف للبطن والفرج عن شهواتهما كما أنه انضباط للجوارح وكف لها عن الآثام والأخلاق في تفسيرها الصحيح ليست إلا انضباطا في السلوك وضبطا وتهذيبا للشهوات
ومن العبادات الحج
والحج أحد أركان الإسلام وهو عبادة العمر وتمام الإسلام وكمال الدين قال الله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام
دينا ۳ وقال سبحانه والله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا
۱ سورة البقرة ۱۸۳
۳ سورة المائدة ٣
الترمذي صحيحه باب الدعاء ٤ سورة آل عمران ۹۷
٤
۳۰

وروى الترمذى بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا
وروى البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وللحج آداب كثيرة بعد استيفاء شروطه وأركانه
ومن أهم أعمال الحج الظاهرة أن يبدأ من نوى الحج بالتوبة ورد المظالم وقضاء الديون وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى حين رجوعه من حجه ورد الودائع واستصحاب المال الطيب الذي يكفيه في رحلته دون تقتير بل عليه أن يتوسع حتى يواسى الفقراء وعليه أن يلتمس الرفيق في الحج وأن يصلى ركعتين إذا هم بالخروج
إلى الحج
ولكل ركن من أركان الحج آدابه والأسوة في الحج شروطه وأركانه وآدابه هو ما كان من النبي له في حجة الوداع ولذلك تفصيلات جيدة تلتمس في كتب الفقه والعمرة حج أصغر ولها شروطها وأركانها وآدابها ولكنها تختلف عن الحج من أمور كثيرة من أهمها أن الحج موقوت بأشهر الحج ولكن العمرة جائزة في أي وقت
من أوقات العام وتفصيل ما للعمرة من شروط و آداب مبسوط في كتب الفقه كذلك وصلة الحج والعمرة بالأخلاق صلة واضحة فالحاج الـ الذي يقصد بيت الله ويؤدى المناسك ويرد المظالم ويقضى الديون رجل يقدم للمجتمع الذي يعيش فيه خدمات جليلة فإذا أتم الحج بهذه النية وبهذه الآداب عاد بريئا من ذنوبه كيوم ولدته أمه فباعد بذلك بين نفسه وبين الآثام والمعاصى وهذا تطهير للمجتمع من الإثم والمعصية وحسبنا بذلك من عمل أخلاقي جليل
ومن العبادة تلاوة القرآن
قال الله تبارك وتعالى عن القرآن الكريم إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ۱
قال الأسلاف من العلماء فى هذه الآية ومن أسباب حفظه في القلوب والمصاحف
۱ سورة الحجر ٩
۳۱

استدامة تلاوته والمواظبة على دراسته مع القيام بآدابه وشروطه
روى الطبراني بسنده في الكبير عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنه قال قال رسول الله من قرأ القرآن ثم رأى أن أحدا أوتى أفضل مما أُوتى فقد استصغر ما
عظمه الله وروى الترمذي بسنده عن أبي سعيد رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شغله قراءة القرآن عن دعائى ومسألتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين
ولتلاوة القرآن الكريم آداب كثيرة نذكر منها ما يلى
أن يكون القارئ على وضوء وقورا مستقبل القبلة
وأن يختم القرآن كله في مدة أقصاها شهر وأقلها ثلاثة أيام والتوسط أولى وهو ختمه في أسبوع على سبعة أحزاب كما كان يفعل الصحابة
رضوان الله عليهم
وأن يرتله ترتيلا وأن يبكى وهو يقرأ
وأن يراعى حق الآيات كسجدة التلاوة
وأن يستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم في ابتداء تلاوته
- وأن يجهر بالقراءة بحيث يسمع نفسه
وأن يحسن القراءة ما وسعه
ومن المعروف عند المسلمين أن قارئ القرآن في مأدبة الله سبحانه وتعالى وأن ما في القرآن الكريم من الحث على فضائل الأخلاق والنهى عن مساوئها ما يجعل قارئ القرآن لو استجاب - لهذا وذاك - على أحسن مستوى أخلاقى ويجعله أرضى ما يكون لله
تعالى
ومن العبادة الأذكار والدعاء
وكلاهما ذكر لله تبارك وتعالى وقد أجمعت الأمة الإسلامية على أنه ليس بعد تلاوة القرآن الكريم عبادة تؤدى باللسان أفضل من ذكر الله تعالى ورفع الحاجات إليه
۳

بالأدعية الخالصة له سبحانه قال الله تعالى فاذكروني أذكركم ۱ وقال اذكروا الله ذكرا كثيرا ٢ وقال سبحانه الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ۳ وقال عز وجل فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم في ٤
وفي الدعاء جاء قوله تعالى ﴿ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ٥ وقال عز وجل وقال ربكم ادعوني استجب لكم ٦ وقد ورد في الذكر أحاديث نبوية كثيرة منها ما يلى
ما رواه الطبراني بسنده عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله عله ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل قالوا يارسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن تضرب بسيفك حتى ينقطع ثم تضرب حتى ينقطع ثم تضرب به حتى ينقطع
وروى البخاري ومسلم بسنديهما عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله يقول الله تبارك وتعالى إذا ذكرني عبدى في نفسه ذكرته في نفسي وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه وإذا تقرب منى شبرا تقربت منه ذراعا وإذا تقرب منى ذراعا تقربت منه باعا وإذا مشى إلى هرولت إليه يعنى بالهرولة سرعة
الإجابة
والأذكار كثيرة منها
التهليل أى قول لا إله إلا الله
فقد روى الشيخان بسنديهما عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كل يوم مائة مرة كانت عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى ولم بأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك
۱ سورة البقرة ١٥٢ ٤ سورة النساء ١٠٣
٢ سورة الأحراب ٤١
5 سورة البقرة ١٨٦
۳ سورة آل عمران ۱۹۱ ٦ سورة غافر ٦٠
۳۳

ومنها التسبيح أى قول سبحان الله
فقد روى الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله من قال سبحان الله وبحمده فى اليوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر
وروی مسلم بسنده عن سمرة بن جندب رضى الله عنه قال قال رسول أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت
وروی مسلم بسنده عن مصعب بن أبيه رضي الله عنه قال قال رسول الله أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة فقيل كيف ذلك يا رسول الله فقال له يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف
سيئة
و من الأذكار التحميد أى قول الحمد لله
فقد روى الإمام مسلم بسنده عن أبي مالك الأشعرى رضى الله عنه قال إن رسول الله ما كان يقول الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملاً - ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها
وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي ذر رضى الله عنه قال قال الفقراء لرسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم فقال أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به إن لكم بكل تسبيحة صدقة وتحميدة وتهليلة صدقة وتكبيرة صدقة وأمر بمعروف صدقة ونهى عن منكر صدقة ويضع أحدكم اللقمة فى فى أهله فهى له صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله يأتى أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر فال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر قالوا نعم قال كذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر
وأما الدعاء فقد وردت فيه أحايث نبوية شريفة كثيرة نذكر منها ما يلى
٢٣٤

روى أصحاب السنن بأسانيدهم عن النعمان بن بشير رضى الله عنه قال قال رسول
الله " إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ ادعوني استجب لكم الآية وروى الترمدي بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس شيء
أكرم على الله عز وجل من الدعاء
وروى البخاري في الأدب المفرد بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال إن العبد لا يخطئه من الدعاء إحدى ثلاث
إما أن تُعجل له دعوته
وإما أن يدخر له في الآخرة
وإما أن يدفع عنه من السوء بمثلها
وللدعاء آداب كثيرة نذكر منها ما يلي
- أن يتخير لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة وشهر رمضان ويوم الجمعة
ووقت السحر من ساعات الليل
وأن يغتنم لدعائه الأحوال الشريفة لما روى أن أبواب السماء تفتح عند زحف
الصفوف فى سبيل الله وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلاة المكتوبة وقد
روى الترمذي بسنده عن أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد
- ومن أدب الدعاء أن
إبطيه
يدعو وهو مستقبل القبلة يرفع يديه بحيث يرى بياض
وأن يخفض صوته بين المخافتة والجهر
وألا يتكلف السجع والدعاء مع التضرع والخشوع والرغبة والرهبة
وأن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة
وأن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثاً
وأن يفتح الدعاء بذكر الله عز وجل
۳۵

ولا يبدأ بالسؤال
وأن يكون تائبا مقبلا على الله و رادا للمظالم
ومن الدعاء الصلاة والتسليم على النبي
و من الدعاء الاستغفار
ومنه كل دعاء مأثور عن النبي
ومنه كل دعاء مأثور عن الصحابة رضوان الله عليهم
ومن العبادة الأوراد
والأوراد جمع ورد والورد له معان عديدة نذكر منها
أ - النصيب من القرآن الكريم أو الذكر
ب - والجزء من الليل يكون على الرجل أن يصليه
ج والوظيفة من قراءة ونحوها
وقد ورد في الأوراد أحاديث نبوية كثيرة نذكر منها ما يلى
روى الطبراني في الكبير بسنده أن رسول الله الله قال أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر والأهلة لذكر الله تعالى
۱
وقد قال الله تعالى الشمس والقمر بحسبان وقال سبحانه ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا وقال عز وجل وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في
ظلمات البر والبحر ٣
والأوراد المأثورة نوعان
الأول أوراد النهار وهي سبعة
١ - ما بين طلوع الصبح إلى طلوع قرص الشمس
۱ سورة الرحمن ٥
سورة الفرقان ٤٥ ٤٦٠ ۳ سورة الأنعام ۹۷
٢٣٦

٢ - وما بين طلوع الشمس إلى الزوال
٣ ــ وكسابقه ما بين طلوع الشمس إلى الزوال
٤- وما بين الزوال إلى وقت العصر
ه و كسابقه ما بين الزوال إلى وقت العصر
٦ ـ وما بين العصر إلى المغرب
ـ و كسابقه ما بين العصر إلى المغرب
والثاني أوراد الليل وهي خمسة
1 - من المغرب إلى وقت نوم الناس
٢ - وكسابقه من المغرب إلى وقت نوم الناس
٣ ـ ومن النصف الأخير من الليل إلى طلوع الفجر ٤ ـ وكسابقه من النصف الأخير من الليل إلى طلوع الفجر
ه ـ وكسابقه من النصف الأخير من الليل إلى طلوع الفجر
ولكل ورد من هذه الأوراد النهارية والليلية فضيلته ووظيفته كما تحدثت بذلك أحاديث نبوية كثيرة نلتمس نصوص هذه الأحاديث الشريفة في كتب الأذكار والأوراد وهي كثيرة 1
وبعد فهذه العبادات كلها تصل المؤمن بربه وتعمر بالإيمان قلبه وتمسك عن الشر جوارحه وتعبنه على أن يفعل الخير وأن ينفع الناس وتلك في جملتها وتفصيلها هي الأخلاق والعبادة ركيزة من ركائزها وتلك هي تربية الإسلام للأخلاق
هذه التربية الأخلاقية للناشئين والكبار على السواء تنم هنا عن طريق العبادات من طهارة وشهادتين وصلاة وزكاة وصوم وحج وذكر وأوراد في النهار وأخرى في الليل وكل ذلك يهيئ للمتربي من خلال هذه العبادات جوا نقيا خاليا من الإثم والمعصية
1 من أحسن هذه الكتب كتاب حلية الأوراد وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار للإمام النووى المتوفى ٦٧٦هـ وقد طبع الكتاب مرارا
۳۷

والهوى ويرسم له طريقا واضحة المعالم للحق والخير والهدى
وهكذا تتكاتف ركائز العلم مع العقيدة مع العبادة في بناء أخلاق الفرد المسلم ناشئا وكبيرا وإلى أن يلقى الله تبارك وتعالى
ولست أبالغ في شيء إن قلت إن استقامة الأخلاق على الصراط المستقيم صراط الله الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه هي التي تضمن للمجتمع استقرارا وأمنا ورفاهية ورضا لله سبحانه وتعالى
ولقد ذاق المجتمع الإسلامى عبر قرون ليست بالقليلة حلاوة التمسك بأخلاق الإسلام وأفاض من ذلك على من حوله من المجتمعات التى لم تكن تدين بدين الإسلام ولا تكتمل الصورة للأخلاق الإسلامية إلا بباقى الركائز التي أشرنا إليها آنفا والتي
نتحدث عنها واحدة واحدة الآن
الركيزة الرابعة الحلال والحرام
الحلال هو الأمر أو الشيء الذى أباحه الله أو أباح فعله وأصله من حل العقدة أى فكها واستعير من ذلك قولهم حل الشيء أى صار حلاً أو حلالا قال تعالى وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ۱
والحرام هو الشيء الذى منع الشرع من فعله وأصله من حرم الشيء أى امتنع هو أو امتنع فعله والحرام ما لا يحل انتهاكه من ذمة أو حق أو صحبة أو نحو ذلك وللعلماء في تعريف الحرام تنويع فقد قالوا
الحرام الممنوع منه بتسخير إلهى كقوله تعالى وحرمنا عليه المراضع من قبل
أو الممنوع بمنع قهرى كقوله تعالى إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ۳
أو الممنوع بمنع من جهة العقل لأن فى فعله ما يضر أو يزرى بكرامة الإنسان
۱ المائدة ۸۸
سورة القصص ۱ ۳ سورة المائدة ۷
۳۸

أو الممنوع بمنع من جهة الشرح كقوله تعالى قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ١
وتربية الأخلاق في الإسلام عن طريق معرفة الحلال وممارسته ومعرفة الحرام والامتناع عنه أو عن فعله مع تأكيد فضيلة الحلال ورذيلة الحرام إن ذلك ليؤكد أن القيم الأخلاقية في الإسلام لا تدع مجالا من مجالات الحياة الإنسانية فعلا أو تركا إلا أثبتت أن لها وجودا من خلاله
إن تربية الأخلاق عن طريق ممارسة الحلال واجتناب الحرام لهى إسهام جيد في تطهير النفس والمجتمع من كل ما يعود عليها بالضرر أو الشر غير أن ذلك متوقف على معرفة الحلال والحرام ولذلك كانت هذه المعرفة مطلبا شرعيا لا مناص منه
روی ابن ماجة بسنده عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم قال بعض العلماء أراد به طلب علم الحلال
والحرام
وفي رواية عن ابن مسعود رضى الله عنه أن النبي الا الله قال طلب الحلال فريضة على كل مسلم
وقد اعتبر عدد من العلماء أن المراد بالحديثين واحد
وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إنى بما تعملون عليم وقال يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ۳ ثم ذكــر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فأنى يستجاب له
والتماس معرفة الحلال والحرام على وجه التفصيل إنما يلتمس في كتب الفقه غير أننا هنا نشير إلى مجمل فى هذا المجال نراه ضروريا ولابد منه في هذا السياق
۱ سورة الأعراف ۳۳
سورة المؤمنون ٥١ ۳ سورة البقرة ۱۷
۳۹

فالحرام هو ما كان حراما لصفة فى عينه كالحمر والخنزير وأمثالهما فهذه يحرم أكلها وشربها لذاتها أولا ولما تحدثه من ضرر في آكلها أو شاربها بعد ذلك والأصل في المأكولات والمشروبات أنها أنواع ثلاثة الأول ما كان من معادن الأرض كالملح والطين ونحوها وهذه لا يحرم منها إلا ما
كان ضاراً بالأكل
والثاني ما كان من نبات الأرض ولا يحرم منه إلا ما يزيل العقل كالبنج والمسكرات وما يزيل الحياة كالسم وكذلك ما يؤدى إلى ضعف الصحة من هذه
النباتات فيحرم
والثالث ما كان حيوانا وهو نوعان
أ ما يؤكل وهو ما يحل ذبحه أو ما يخرج من البحر
ب ـ وما لا يؤكل وهو السباع وأمثالها من آكلة اللحم وكل ذي مخلب و باب ومن الحرام ما كان حراما لأن أكله أو شاربه لم يكسبه من خلال كالمسروق
والمغصوب وأمثالهما وهذا الحرام درجات وإن كان كله خبيثا إذ أن بعضه أخبث من بعض كما أن الحلال درجات وإن كان طيبا لأن بعضه أطيب من بعض والتزام المسلم بممارسة الحلال أو ترك بعضه خشية الوقوع في الحرام ــ أى الورع – والتزامه باجتناب الحرام هو التربية الصحيحة لأخلاقه
وليس بمقبول من مسلم أن يحرم على نفسه ما أحل الله له من الطيبات والزينة فضلا عن أن يحرم ذلك على غيره من الناس لأن الله تبارك وتعالى يقول قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة
يوم القيامة 1
فليس
لأحد أن يحرم على نفسه أو على الناس شيئا مما أحل الله لهم من الطيبات
والزينة لأن الله وحده هو الذى يحرم
۱ سورة الأعراف ٣٢
٢٤٠

ولقد حرم الله تعالى على الناس كل ما فيه ضرر بهم على أي حال سواء أكان هذا الضرر أخلاقيا أم أعم من أن يكون أخلاقيا قال الله تعالى قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ۱

وقال سبحانه وتعالى إنما حرم عليكم ! م ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور ر وقال سبحانه وتعالى إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم وبعد فتلك أصول عامة فى الحلال والحرام أجملناها في هذه الوجازة ناركين تفصيلها لمن أراد هذا التفصيل فى كتب الفقه الإسلامي عموما وفي أبواب الأطعمة والأشربة والحظر والإباحة من هذه الكتب على وجه الخصوص
وهدفنا هنا أن نركز على تأكيد حقيقة عظمى هي أن الإسلام يربى الأخلاق من خلال الالتزام بممارسة ما أحل الله واجتناب ما حرم سبحانه مع الأخذ بعين الاعتبار مقولة أسلافنا من العلماء إن العبرة فى الحرام هو ما حرمه الله أما ما حرمه الناس فليس بشیء ٤
ونعتبر فقه الحلال والحرام والعمل بما يجب فيهما هو ركيزة هامة من الركائز التي يقيم عليها الإسلام التربية الأخلاقية للمسلمين ناشئين وكبارا
الركيزة الخامسة اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم قدوة
وهذه ركيزة هامة وعملية من الركائز التي تقوم عليها الأخلاق في شريعة الإسلام لأن الناس إذا اتخذوا النبي الله قدوة عصموا أنفسهم من الوقوع فيما يغضب الله سبحانه وأصبحوا بهذه القدوة أقرب ما يكونون إلى رضاه سبحانه وتعالى
وقد كانت أخلاق رسول الله الله - التي يجب أن يقتدي بها المسلمون ـ خير أخلاق وأعظم أخلاق وبحسبها في هذا الشرف قول الله تبارك وتعالى في وصف
سورة البقرة ۱۷۳ ۳ سورة الأنعام ۱۱۹
۱ سورة الأعراف ٣٣ ٤ الإمام الغزالي إحياء علوم الدين باب الحلال والحرام
٢٤١

أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنك لعلى خلق عظيم
ولقد وصفت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها خلق النبي له بأنه كان القرآن الكريم فقد روى الإمام مسلم بسنده عن سعد بن هشام بن عامر قال دخلت على عائشة رضى الله عنها فقلت يا أم المؤمنين ما كان خلق رسول الله قالت كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ثم قالت أتقرأون سورة المؤمنين قلنا نعم قالت اقرأ فقرأت قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون فقالت هكذا كان خلق رسول الله
ولقد تضمن القرآن الكريم كل خلق فاضل وكثرت فيه الآيات الكريمة التي عددت وفصلت مكارم الأخلاق مثل قوله تعالى إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى ٢
وكقوله عز وجل خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ۳ وقوله سبحانه وتعالى ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم 4
و كقوله جل شأنه و يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ك ٥
وقوله تعالى واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ٦ ولما رواه الإمام أحمد بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
تلك كانت عظمة أخلاق النبى له ولا عجب في ذلك فقد أدبه ربه سبحانه فأحسن تأديبيه واصطفاه وعلمه الكتاب والحكمة وعلمه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيما ولقد كان من دعاء رسول الله الله ما رواه أحمد بسنده عن عائشة رضى الله عنها أن النبي الله كان يدعو اللهم أحسنت خلقى فأحسن خلقى
۱ سورة القلم ٤ 4 سورة فصلت ٣٤
سورة النحل ٩٠ ۵ سورة الحجرات ۱
۳ سورة الأعراف ١٩٩
٦ سورة لقمان ۱۷
٢٤٢

وروى الترمذى بسنده عن قطبة بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله كان يدعو اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق
ولقد أخبر الله تبارك وتعالى المسلمين بأن يتخذوا من النبي الله وأخلاقه قدوة فقال تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ۱ وهذه الآية ـ كما قال المفسرون - أصل كبير وعظيم في التأسي برسول الله الله في أقواله وأفعاله وأحواله
روى أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه أخلاق النبي بسنده عن الحسن بن
على بن أبي طالب رضى الله عنهما قال سألت أبي عن دخول النبي صلى الله عليه وسلم قال كان دخوله لنفسه مأذونا له فى ذلك وكان إذا أتى إلى منزله جزاً دخوله ثلاثة أجزاء جزء لله وجزء لأهله وجزء لنفسه ثم يجعل جزاه بين الناس فيرد ذلك على العامة بالخاصة ولا يدخر عنهم شيئا
فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمته على قدر فضلهم في الدين منهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلحهم والأمة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول ليبلغ الشاهد منكم الغائب وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغى حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره
قلت فأخبرني عن مخرجه كيف كان يصنع فيه
قال كان رسول الله الله يخزن لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ولا يفرقهم يكرم
كريم كل قوم ويوليه عليهم ويحذر الناس ويحترس عنهم من غير أن يطوى عن أحد بشره وخلقه ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس ويحسن الحسن ويصوبه ويقبح القبيح ويوهنه معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا لكل حال عنده عتاد لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه إلى غيره الذين يلونه من الناس خيارهم
۱ الأحزاب ۱
٢ أبو الشيخ الأصبهاني المنوفى عام ٣٦٩ هـ ص ٢٢ ط مكتبة النهضة القاهرة عام ١٩٧٢ م
٢٤٣

وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة وسألته عن مجلسه
فقال كان رسول الله الله لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله عز وجل ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها وإذا جلس إلى قوم جلس حيث ينتهى به المجلس ويأمر بذلك ويعطى كل جلسائه بنصيبه ولا يحسب أحد من جلسائه أن أحدا أكرم عليه منه من جالسه أو قاومه ۱ لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ومن سأله حاجة لم ينصرف إلا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس منه خلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء
مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن ٢ فيه الحرم ولا تنثى ۳ ـ أى تشاع - فلتاته معتدلين يتواصلون فيه بالتقوى متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير ويؤترون ذا الحاجة ويحفظون الغريب
قلت كيف كانت سيرته في جلساته
قال كان رسول الله الله دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا فاحش ولا عياب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهى ولا يُؤيس منه راجيه ٤ ولا يخيب فيه قد ترك نفسه من ثلاث المراء والإكثار وما لا يعينه وترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحدا ولا يعيره ولا يطلب عوراته ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه
إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير وإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده الحديث من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ حديثهم عنده حديث أولهم يضحك مما يضحكون ويتعجب مما يتعجبون ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه و مسألته حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم ٥ فيقول إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها
1 أي طلب منه أن يقوم لحاجته لا تؤبن فيه الحرم أى لا تذكر فيه بقيح
۳ لا تشي فلتانه أى ليس المجلسه فلتات فشاع عنه ٤ يُؤيس منه أى أن الأمر الذى لا يستهيه يتعاقل عنه ولا يؤيس منه غيره ٥ يستحلمونهم أي يطلبون مجيء الغرباء إلى مجلسه ليستفيدوا من أسئلتهم
٢٤٤

فأر فدوه ولا يقبل التناء إلا من مكاف ۱ ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز
فيقطعه بنهى أو قيام
فسألت كيف كان سكوت رسول الله
والتفكير

قال كان سكوت رسول الله الا الله على أربع على الحلم والحذر والتقدير
فأما تقديره ففى تسوية النظر والاستماع من الناس
وأما تفكيره ففيما يبقى ولا يفنى وجمع له الحلم في الصبر فكان لا يغضبه شيء ولا
عنه
يستفزه وجمع له الحذر في أربع خذه بالحسن ليقتدى به وتركه القبيح لينتهى واجتهاده الرأى فيما أصلح أمته والقيام فيما هو خير لهم جمع لهم خير الدنيا
والآخرة ۳
هذه أخلاق النبى الله التي يجب أن يقتدى بها المسلمون كما تحدث عنها ابن عمه و من تربى فى حجره ومن كان أول من أسلم من الصبيان على بن أبي طالب رضى الله
عنه
وكل مسلم مطالب بأن يتخذ النبي لعل الله أسوة فى كل تلك الأخلاق لأن القدوة
أسلوب في تربية الخلق لا يعدله أسلوب وبخاصة إذا كانت القدوة بالمعصوم وأخلاق النبى الله الله أوضح ما تكون في كتب السنة والسيرة النبوية المطهرة ٤ وهكذا يقيم الإسلام التربية الأخلاقية على ركيزة راسخة هي الاقتداء
بمحمد
1 مكاف أى مكافئ بمعنى أنه لا يقبل الثناء من شخص ابتداء
حتى يجوز أى حتى يحوز حديثه إلى عيره ليجعل المستمع في حل من الانصراف
۳ الأصبهاني أخلاق النبي الله ص ٢٢ - ٢٦
٤ في موضوع أخلاق النبيل مؤلفات كثيرة من أشهرها
أ كتاب الشمائل النبوية لأبي عيسى الترمدي صاحب الصحيح وله شروح عديدة وعليه تعليقات كثيرة
تر في الترمذى في ٢٧٩هـ
ب - خلاق انسيه للأصبهاني و هو الذى نقلنا عنه
و كتاب شمائل النبي الله لأبي العباس المستغفري ت ٤٣٢ هـ
د - وكتاب السما في تعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض ت ٥٤٤ هـ هـ ـ وكتاب الشمائل بالنور الساطع الكامل لأبي الحس المقرى ن ٥٥٢ هـ
٢٤٥

الركيزة السادسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إذا كانت الأخلاق صفة لصاحبها وكان صاحبها يجنى منها أطيب الثمر كلما التزم بفاضلها واجتنب رذيلها فإن الإسلام وهو يربى خلق المسلم لا يكتفى بهذا وإنما يوجب على المسلم أن يكون ذا أخلاق إيجابية فاعلة في المجتمع بحيث لا يكتفى بأن يكون هو ذا خلق فاضل فى نفسه بل لا بد أن يدعو غيره إلى هذا الخلق الفاضل وأن ينهى سواه عن مقارفة أي خلق رذيل لأن ذلك يتمم ! الأخلاق الاجتماعية ويجعل المجتمع كله يجنى أطيب الثمر من التزامه بفاضل الأخلاق واجتنابه رذيلها وهذا هو صميم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فلسفة
إن تربية الأخلاق في الإسلام تتخذ من وجوب ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركيزة راسخة تقوم عليها ولا تستغنى عنها بحال إن الفرد المسلم لكي يكون خلقه إسلاميا عليه أن يأمر بكل معروف كل أحد وأن ينهى عن كل منكر كل أحد والمجتمع المسلم عندما يمارس كل أحد فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهذه الحدود التي بينا فإن الأخلاق الفاضلة والخير والبر سوف يسود المجتمع كله وبالتالي فإن أنواع المنكر والشر والفساد سوف تنحسر وتنكمش فلا تجد لها ممارسا إلا قلة ضئيلة ممن ساءت نظرتهم وعموا وصموا وهؤلاء سوف تقوم أحكام الشريعة لهم بالمرصاد حتى تنحسم مادة المنكر والشر والفساد وفي الحدود والتعزيرات كفاء ووفاء بحسم هذا كله ولذلك شرعها الله سبحانه
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ كما قال أسلافنا رضوان الله عليهم من العلماء هو القطب الأعظم في الدين وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين ولوطوى بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفترة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة واستشرى الفساد واتسع الخرق وخربت البلاد ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد ١
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قيمة أخلاقية رفيعة أوجبها الإسلام على كل مسلم ومسلمة بل جعل الله تبارك وتعالى الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس لما ناطها وكلفها به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
1 الإمام الغزالي أبو حامد إحياء علوم الدين ٢٦٩/٢ ط الحلبي القاهرة
٢٤٦

وقد كان لنا حديث موسع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتاب فقه الدعوة إلى الله ۱ نحيل عليه من أراد التوسع ونكتفى هنا بالحديث عما يناسب تربية الأخلاق فى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فنقول والله المستعان
إن ارتباط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتربيه الأخلاق يستدعينا أن نتحدث بإيجاز عن الأمور التالية
أولا توضيح مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ثانيا تكليف الله سبحانه الأمة الإسلامية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ثالثا شروط و آداب فى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أولا توضيح مفهوم ا بالمعروف والنهي عن المنكر
المعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حسنه
والمنكر اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع قبحه وينكر من جهتيهما و من المسلم بـ به بين علماء الإسلام في مختلف العصور أن جماع الدين ولبابه هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن كل نبي من أنبياء الله سبحانه إنما أرسله الله ليأمر وينهى مبلغا عن ربه للناس كل ما يصلحهم في دينهم ودنياهم
ولأن محمدا ع هو خاتم الأنبياء والمرسلين فلابد أن يكون الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر في الدين الذي جاء به على أوسع مدى وأشمل مدلول وكذلك قد كان فما ترك رسول الله الله من خير إلا أمر به ولا ترك من شر إلا نهى عنه وجميع الأوامر التي تضمنها منهج الإسلام هي أوامر بالمعروف كما أن جميع النواهي التي تضمنها المنهج هي نواه عن المنكرات والشرور بل إن كل فرد أو جماعة أو مؤسسة أو ولاية أو حكومة في الإسلام إنما عملها الرئيس هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وعند التحقيق والتدقيق نجد أن رسالة الله سبحانه إلى الناس في آخر كتبه وأتمها وأكملها وأبعدها عن الضياع والتحريف - وهى القرآن الكريم ـ في جوهرها هي أمر بمعروف أو نهى عن منكر وذلك أن ما جاء فى القرآن الكريم - كما قال علماء الإسلام رضوان الله عليهم -
1 للمؤلف فقه الدعوة إلى الله ح ۱ ص ۱۳۳ نشر دار الوفاء ط تانية ١٩٩٠ م
٢٤٧

إما إخبار
وإما إنشاء
فالإخبار قد يكون عن نفسه سبحانه أو عن صفاته أو أفعاله أو خلقه الخلق وذلك
هو التوحيد
وقد يكون الإخبار عن قصص الأنبياء والمرسلين أو قصص الأولين وهذا القصص
يتضمن تعليما ووعدا ووعيدا ودعوة إلى الاتعاظ والتدبر
وكل ذلك دعوة إلى الخير وأمر به
0
والإنشاء قد يكون أمرا أو نهيا أو إباحة وذلك صريح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى وجه الإجمال نستطيع القول بأن القرآن الكريم هو توحيد وا قصص و وأمر ونهى ومن هذه القسمة الثلاثية نفهم الحديث النبوى الشريف الذي رواه مسلم بسنده عن رسول الله الا الله أنه قال أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن قالوا وكيف يقرأ ثلث القرآن قال قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن أمي لتضمنها التوحيد وهو ثلث ما جاء فى القرآن الكريم وقد أمر الله سبحانه - على لسان خاتم رسله محمد ع بكل معروف ونهى عن كل منكر وأحل كل طيب وحرم كل خبيث قال الله تعالى في وصف خاتم أنبيائه محمد وتحديد وظائفه وعمله فى الناس ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون ١
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح هذه الوظيفة ويؤكد أنها أخلاقية بالدرجة الأولى فيما رواه البخاري بسنده إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
۱ سورة الأعراف ١٥٦ - ١٥٧
الإمام البخاري الأدب المفرد
٢٤٨

والأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس لأنها أمرت بكل معروف كل أحد
ونهت عن كل منكر كل أحد ومارست ذلك بالجهاد في سبيل الله بالوقت والجهد والمال والنفس وهذا هو كمال النفع وكمال الأخلاق وسائر الأمم التي سبقت الأمة الإسلامية في الزمان لم يأمروا بكل معروف كل أحد ولم ينهوا عن كل منكر كل أحد وإنما كانوا يأمرون وينهون في أقوامهم وأوطانهم فحسب أما الأمة الإسلامية فقد تخطت في أمرها ونهيها حدود المكان والزمان
وكما وصف الله تبارك وتعالى نبيه الا الله بأنه يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر في الآية الكريمة السابقة فإنه كذلك وصف أمته فقال سبحانه وتعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ۱ فبين سبحانه أن الأمة الإسلامية خير الأمم للناس وأنفعها لهم وأعظمها إحسانا إليهم تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كل أحد فأكملت هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة الصفة ومن جهة القدر
ثانيا تكليف الله سبحانه الأمة الإسلامية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلف الله الأمة الإسلامية بأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بالكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب ففى قوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ٢
وهذه الآية الكريمة تؤكد معانى على جانب كبير من الأهمية هي أن الأمة الإسلامية قد علم الله ـ في سابق علمه - أنها أمة الإيمان والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر فأخرجها للناس لتمارس فيهم هذا الخير الوفير وأن هذه الأمة لم يخرجها الله سبحانه لذلك ولم يخترها له لامتياز عرق أو سكنى إقليم أو لون بشرة وإنما لأنها أمة الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ه وأن هذه الأمة تتجه بدعوتها إلى الله أى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نحو
۱ سورة التوبة ۷۱
سورة آل عمران ۱۱۰
٢٤٩

البشرية كلها مشركها وكافرها وعاصيها بعد إيمان لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يتجه إلى كل الناس
وقال عز وجل والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزير حكيم ۱
وهذه الآية الكريمة تؤكد أمورا يجب أن نوضحها على النحو التالي
مکانی
تؤكد عموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ ورد في الآية دون قيد زماني أو
وتؤكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على النساء كما هو واجب على
الرجال إذ المرأة تمارس ذلك في مجالها
وتؤكد أن المؤمنين والمؤمنات الممارسين للأمر والنهي عن المنكر إنما يعينهم على ذلك أن يوالى ويناصر بعضهم بعضا في سبيل ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر وهذه الموالاة تعنى التناصح والتعاون والتواصى بالحق والتواصى بالصبر وأما الدليل من السنة النبوية على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو أحاديث نبوية كثيرة نذكر منها ما يلى
ما رواه الإمام أبو داود بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله له إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قرأ لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل
۱ سورة التوبة ۷۱
للمؤلف المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله ص ۱۸۸ نشر دار الوفاء ۱۹۹۰ م
٢٥٠

إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ثم قال كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم و ما رواه الإمام أحمد بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة ۳
وما رواه مسلم في صحيحه بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فيقلبه وذلك أضعف الإيمان ٤
وأما دليل الإجماع فهو أن الأمة الإسلامية من لدن عصر الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين وتابعيهم إلى يوم الناس هذا مجمعة على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كل مسلم ومسلمة ما دام قادرا عليه
ثالثا شروط و آداب فى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
تذكر من هذه الشروط والآداب ما يلى
أ ـ شروط و آداب فى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وأهمها ما يلى ۱ ـ أن يكون مسلما مكلفا - أى غير كافر ولا مجنون ولا صبى ٢ - وأن يكون قادرا على ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وأن يكون من أهل العدالة - وهذا شرط عند بعض الفقهاء ـ ولكن جمهور الفقهاء لا يشترطون ذلك
وفي عدم اشتراط العدالة فى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر كلمة لسعيد بن جبير رضى الله عنه يقول فيها إن لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر إلا من لا يكون فيه شيئ - أى من أهل العدالة ـ لم يأمر أحد بشئ فأعجب ذلك مالكا رحمه الله
۱ سورة المائدة ۷۷ - ۸۰
ورواه الترمدى بألفاظ مختلفة عن هذه الرواية لأبي داود ولكن المضمون واحد ورواه أبو داود في باب الملاحم
والترمذى في تفسير سورة المائدة ۳ الإمام أحمد مسنده ١٩٣/٤
٤ الإمام مسلم صحيحه باب الإيمان
٢٥١

ب - وشروط في المأمور به والمنهى عنه أهمها
1 - أن يكون المنكر محظورا الوقوع فيه من جهة الشرع
٢ ـ وأن يكون موجودا في الحال فليس له أن ينهى عن منكر وقع فعلا أو منكر لم يقع بعد لأن النهى عن منكر وقع غير منطقى والنهي عن منكر لم يقع فيه إساءة الظن بالمسلم وهذا منهى عنه
- وأن يكون المنكر ظاهرا من غير تجسس لأن التجسس منهي عنه شرعا ٤ - وأن يكون المنكر معلوما أنه منكر بغير اجتهاد أما ما كان إنكاره عن طريق الاجتهاد فلا نهى فيه
وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب خمسة ذكرها العلماء هي المرتبة الأولى التعريف بالمعروف حتى يمارسه الناس والتعريف بالمنكر حتى يجتنبه الناس
والمرتبة الثانية الوعظ بالكلام اللين اللطيف والتذكير بوعيد الله سبحانه لمن يمارس منكرا
والمرتبة الثالثة التعنيف بالقول الغليظ الخشن عند عدم فائدة الوعظ اللين والكلام اللطيف
والمرتبة الرابعة التغيير باليد بحيث لا يؤدى ذلك إلى منكر أشد مما كان ينهى عنه والمرتبة الخامسة الضرب والعقاب حتى يمتنع بشرط ألا يحدث هذا فتنة بين المسلمين ۱
وهكذا يتضح لنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الركائز التي تقوم عليها تربية الأخلاق في الإسلام
۱ للتوسع في ذلك انظر للمؤلف فقه الدعوة إلى الله الفصل الرابع من الباب الأول ۱۳۳/۱ وما بعدها ط
ثانية ۱۹۹۰ م دار الوفاء
٢٥٢

الركيزة السابعة الجهاد في سبيل الله
لا يُربى خلق الإنسان على النحو الذى يحقق مصالح الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة شيء مثل ما يربيه تعريمه بالجهاد في سبيل الله وتشجيعه عليه بل إلزامه به في بعض الأحيان
وإذا كان الجهاد هو بذل الجهد والوسع والطاقة فى القتال في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا فلابد معه من تضحية بالوقت والجهد والمال بل بالنفس إذ لا جهاد بغير
تضحية
والإنسان الذي يربي على التضحية والجهاد من أجل العقيدة والمبدأ ومن أجل الحق والخير والهدى ومن أجل ما يصلح الناس في دينهم ودنياهم وما يدفع عنهم الشر والأذى الإنسان الذي يربى على ذلك الخلق هو الإنسان الإيجابي الفاعل المؤثر في المجتمع الذي يعيش فيه
والجهاد في سبيل الإسلام هو ذروة السنام وهو أشرف الأعمال وأجلها وأدلها على
حسن إسلام المسلم وهو فرض فرضه الله على كل مسلم قادر عليه وقد جعل الله أجره أجزل الأجـ جور وأعظمها وعلى قدر ما وعد الله المجاهدين بأحسن الجزاء كان وعيده للقاعدين والمتخلفين عن هذا العمل العظيم
ويكاد الإسلام يكون متفردا بين الأديان فى فرض الجهاد على الناس بهذا الحشد الهائل من النصوص الدينية من الكتاب والسنة ويتفرد الإسلام وحده من بين الأديان بأن وضع للجهاد آدابا لم يسبق إليها في دين ولا نظام ولا لحقه فيها دين أو نظام
إن الجهاد في الإسلام هو الخير كل الخير للمسلمين على الرغم مما فيه من التضحية بالجهد والوقت والمال والنفس وهى تضحية لا تجود بها إلا أنفس المؤمنين حقا والجهاد واجب على المسلمين بالكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب ففى قول الله تبارك وتعالى كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم
وأنتم لا تعلمون ١
۱ سورة البقرة ٢١٦
٢٥٣

وكتب معناها فُرض قال القرطبي في شرح هـ هذه الآية الكريمة هذا هو فرض
الجهاد بين سبحانه أن هذا مما امتحن به وجعله وصلة إلى الجنة والمراد بالقتال قتال الأعداء من الكفار وهذا كان معلوما بقرائن الأحوال ولم يؤذن للنبي في القتال مدة إقامته بمكة فلما هاجر أذن له في قتال من يقاتله من المشركين فقال تعالى أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير تم أذن له في قتال
المشركين عامة
أبدا
واختلفوا في من المراد بهذه الآية
1
فقال عطاء والأوزاعي هم أصحاب رسول الله الا الله خاصة فكان القتال مع النبي فرض عين عليهم فلما استقر الشرع صار على الكفاية
وحكى الماوردى عن سعيد بن المسيب أن الجهاد فرض على كل مسلم في عينه
وقال ابن عطية والذي استمر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد فرض كفاية فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين إلا أن ينزل العدو بساحة
الإسلام فهو حينئذ فرض عين
وإنما كان الجهاد كرها - وهو كره لكم - لأن فيه إخراج المال ومفارقة الوطن والأهل والتعرض بالجسد للشجاج والجراح وقطع الأطراف وذهاب النفس فكانت كراهيتهم لذلك لا أنهم كرهوا فرض الله سبحانه وتعالى
وعسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم في أنكم تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون ومن مات مات شهيدا وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم فى أنكم تغلبون وتذلون ويذهب أمركم

وقال الله تعالى فليقاتل فى سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصير ا الذين آمنوا
۱ سورة الحج ٣٩
القرطبي الجامع لأحكام القرآن باختصار
٢٥٤

يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا
1,
وقال الله سبحانه وتعالى يقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
وأما السنة التى أو جبت الجهاد فهى أحاديث كثيرة نذكر منها ما يلى
مارواه الترمذى بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال مر رجل من أصحاب رسول الله له بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فأعجبته فقال لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب فذكر ذلك لرسول الله الله فقال لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا في سبيل الله من قاتل فى سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة و مارواه ابن ماجة بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ه من لقى الله بغير أثر من جهاد لقى الله وفيه ثلمة
و ما رواه الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله و لكن أنتم اتبعتم أذناب البقر وتبايعتم بالعينة وتركتم الجهاد في سبيل الله ليلزمنكم الله مذلة في أعناقكم لا تنزع منكم حتى ترجعون إلى ما كنتم عليه وتتوبون إلى
الله
وأما الدليل على فرض الجهاد من الإجماع فقد أجمع الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم وعلماء الأمة على فرضية الجهاد ومارسوه وضحوا في سبيل الله بكل مرتخص وغال بل قدموا مواكب من الشهداء في ممارستهم الجهاد في سبيل الله تتكون كلمة الله هي العليا
و مشروعية الجهاد في الإسلام الحماية الدعوة إلى الله وأداء رسالة الإسلام الكبرى
۱ سورة النساء ٧٤-٧٧
سورة التوبة ٢٩
٢٥٥

وهي نقل الناس من الكفر إلى الإيمان ومن المعصية إلى الطاعة ولكونه ضمانا للسلام والأمن وإقرارا للاطمئنان وبالضرورة شرع الجهاد دفاعا عن الإسلام وردا للعدوان عليه أو على أي جزء من أرضه
هذه هي مشروعية الجهاد في الإسلام وليست هي - كما يقال ـ لمجرد الرد على العدوان إن المقصد الأسمى للجهاد فى الإسلام هو أن تكون كلمة الله هي العليا ولذلك كان من الضرووى أيضا الإخلاص لله فى الجهاد وتحريم خلط ذلك بأي مقصد آخر كالتوسع والكسب المادى أو الرياء والسمعة وظلم الناس وللجهاد في الإسلام أدب رفيع أوضحته سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وكلماته المطهرة التي نذكر
منها ما يلي
ما رواه الإمام مسلم بسنده عن أبي بريدة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر الأمير على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال أعزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدورا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا
وما رواه أبو داود بسنده عن ابن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم و أعف الناس قتلة أهل الإيمان و ما رواه البخاري بسنده عن عبد الله بن يزيد الأنصاری رضی الله عنه قال نهى رسول الله له عن النهب والمثلة
وروى النسائي بسنده عن شداد بن الهادى رضى الله عنه أن رجلا من الأعراب جاء فآمن بالنبي الا الله ثم قال أهاجر معك فأوصى به النبى لعل الله أصحابه فكانت غزاة غنم فيها النبي الله شيئا فقسم وقسم له فقال ما هذا فقال قسمته لك فقال ما على هذا اتبعتك ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ههنا - وأشار بيده إلى حلقه ـ بسهم فأموت فأدخل الجنة قال إن تصدق الله يصدقك فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتى به النبي الله محمولا قد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو قالوا نعم قال صدق الله فصدقه ثم كفن في جبة النبي ثم قدمه فصلى عليه فكان مما ظهر من صلاته اللهم إن هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا وأنا شهيد على ذلك
٢٥٦

وما رواه الخمسة بأسانيدهم عن أبي موسى رضى الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أى ذلك في سبيل الله قال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
تلك صورة مجملة لآداب الجهاد في سبيل الله رأينا أنها تناسب هذا المقام ۱ وإذا كان دين الإسلام وهو يربى الخلق على ركيزة الجهاد في سبيل الله فإنما يربي أحسن ما يجب أن يكون فى خلق الإنسان وهو الإخلاص لله في عمله والتضحية بالجهد والوقت والمال والنفس من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا فيحيا المجتمع حياة سعيدة
آمنة مطمئنة
وبعد فهذه هى الركائز السبعة التي يربي الإسلام من خلالها الخلق ويتخذ منها مرتكزات لهذه التربية أشرنا إليها في إجمال لتلقى عليها الضوء المناسب لطبيعة هذا الكتاب سائلين الله تعالى الأجر والمثوبة
۱ للتوسع انظر للمؤلف فقه الدعوة إلى الله ١٥٤/١ مرجع سابق
٢٥٧

الفصل الثالث
التربية العقلية
۱ - مفهوم التربية العقلية
التربية العقلية هي التي تهتم بالعقل وتغذيه وتمده بأسباب نشاطه وحيويته وتعطيه القدرة على النظر والتأمل والتدبر والتحليل والاستنتاج أي تنمية قدراته واستعداداته والعقل هو القوة المتهيئة لقبول العلم أو العلم نفسه الذى يستفيده الإنسان بتلك القوة وتنمية هذه القوة المتهيئة لقبول العلم أو تنمية هذا العلم هو مانعنيه في هذا الفصل بقولنا التربية العقلية
والأصل في التربية الإسلامية للعقل أن يسبقها الإيمان فيعمر القلب أو العقل أو الفؤاد - كما قدمنا عند حديثنا عن العلم - ثم يكون الاهتمام بالعلم والمعرفة ومن كان الإيمان عنده متأخرا عن العلم والمعرفة فمن النادر أن يستفيد في العبادة والعمل وذلك هو الخسران والعياذ بالله من كل شر
قال ابن عمر رضى الله عنهما لقد عشنا برهة من الدهر وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن ۱ وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها وأوامرها وزواجرها وما ينبغى أن يقف عنه منها ولقد رأيت رجالا يُؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدرى ما آمره ومازاجره وما ينبغي أن يقف عنده ينثره نثر الدقل
وروى ابن المحبر بسنده عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال أثنى قوم على رجل عند رسول الله الله حتى بالغوا فقال النبي كيف عقل الرجل فقالوا نخبرك عن اجتهاده في العبادة وأصناف الخير وتسألنا عن عقله فقال صلى الله عليه وسلم إن الأحمق يصيب بجهله أكثر من فجور الفاجر وإنما يرفع العباد غدا في
1 القرآن هنا رمز للعلم والمعرفة
الدقل أرداء أنواع التمر أو أردأ التمر
۵۹

الدرجات الزلفي عند ربهم على قدر عقولهم ۱ وروى ابن المحبر أيضا بسنده عن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه قال قال رسول الله لكل شيء دعامة ودعامة المؤمن عقله فبقدر عقله تكون عبادته أما ا سمعتم قول الفجار في النار لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير إن الإيمان ينبغي أن يسبق إلى العقل قبل العلم والمعرفة وإذا كان العقل هو الذي ميز الله به الإنسان عن الحيوان وجعله مناط التكليف إذ أسقط التكليف عن غير العاقل فلابد أن تكون للإسلام عناية بل عناية فائقة بتربية العقل
إن الإسلام يربي العقل عن طريق الشرع ولا يمكن أن يتضمن الشرع شيئا يناقض العقل وذلك أن الشرع دائما فى صالح الإنسان في دينه ودنياه ولا يتصور مع هذا تناقض بين الشرع والعقل
فماذا يقصد الإسلام بالتربية العقلية للناشئ أو الكبير على السواء إن الإسلام يقيم تربيته للعقل البشرى على أسس ودعائم في غاية الأهمية هي ١ - تنقية العقل من الخرافة والوهم وادعاء علم الغيب كي لا تسيطر على العقل الخرافات والأوهام التي يهذى بها أهل الشعوذة والدجل والسحر والكهانة والعرافة والقيافة والطيرة والطرق وغيرهم ولكى لا يتصور أحد من الناس أن أحدا من البشر قادر على أن يعلم من علم الغيب وعالمه شيئا لأن الله سبحانه قد استأثر بعلمه وحده قال تعالى يقطع الطريق على هؤلاء المضللين عالم الغيب فلايظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ٢ وروى الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن عبد الله بن مسعود رضی الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا يؤمن بما يقول - وفي رواية فصدقه فيما يقول - فقد كفر بما أنزل على محمد
وروى أبو داود بسنده عن قطن بن قبيصة عن أبيه رضی الله عنه قال سمعت رسول الله يقول العيافة والطيرة والطرق من الجبت ۳
۱ ورواه الإمام الترمذى في البوادر مختصرا
سورة الجن ٢٦-٢٧

۳ أبو داود سنته باب الطب والعيافة زجر الطير والطيرة التشاؤم ببعض الأشياء والطرق ضرب الحصى أو الخط في الرمل والحجبت كل ماعبد من دون الله
٢٦٠

وروى البزار بسنده عن عمران بن حصین رضی الله عنه قال قال رسول الله وليس منا من تطير أو تُطير له أو تكهنن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد
٢ - وتنقية العقل من الأحكام المبنية على الظنون والتخمينات والأهواء لأن ذلك كله يضر بالعقل ويعوده أن يأخذ بما يباعد بينه وبين الحق والحقيقة بل يحول بينه وبين العلم وكل ذلك يؤدى إلى فساد في الأرض وإفساد قال الله تعالى وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغنى من الحق شيئا ۱ وقال سبحانه وتعالى ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن ٢ وقال تعالى ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم
لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولى المتقين ۳ وتعويد العقل الاستدلال بعد النظر والتأمل وذاك منهج علمي دقيق وقد ضرب القرآن الكريم لذلك المثل فى استدلال أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام على الإيمان بإله واحد فقال سبحانه وتعالى وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الأفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدنى ربى لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إنى برىء مما تشركون إني وجهت وجهي للذى فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون ٤
- والمباعدة بين العقل والتبعية وتعويده رفض التقليد وذلك أن كل إنسان يستعمل عقله في التفكير فيما يحيط به من أمور ولا يتبع فى ذلك أحدا ولا يقلد فيه سواه دون تعقل وتدبر حتى إن علماء الإسلام مجمعون على أن التقليد في الإيمان لا يحقق الإيمان قال الله تعالى وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ومثل الذين كفروا
۱ سورة يونس ٣٦ ۳ سورة الجاثية ۱۷ - ۱۸
سورة المؤمنون ۷۱ ٤ سورة الأنعام ٧٥ - ٨٠
٢٦١

كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون ١
ه ـ وتنمية العقل بالعلم والمعرفة والعلم والمعرفة يزودان العقل وينميانه ولكن ليس كل علم ولا كل معرفة فإن بعض هذه العلوم والمعارف قد يصيب العقل بالجمود والتحجر وإنما العبرة بمصادر هذا العلم وتلك المعرفة فكلما كانت هذه المصادر أمينة صحيحة كلما أسهمت في تنمية العقل
وهذه المصادر في أعلى مستوياتها في الإسلام هي كتاب الله سبحانه وسنة نبيه وسيرته ثم يلي ذلك التأمل والنظر الصحيح في الكون كله وفى بديع ما خلق الله سبحانه وتعالى
وقد امتن الله سبحانه على الإنسان بأن منحه وسائل الإدراك للعلم والمعرفة وهى السمع والبصر والفؤاد والفؤاد هو محل العقل والقلب موضع الفقه لكل ما تدركه الحواس كما يفهم ذلك من قول الله تعالى أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ٢ وقوله سبحانه أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ۳
وإذا نما العقل بالعلم والمعرفة والنظر والتأمل فإن الإنسان ترتفع منزلته عند ربه سبحانه وتعالى قال الله تعالى ليرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير ٤
ذلك هو مفهوم التربية للعقل فى الإسلام كما تصورته من خلال ما يستهدفه هذا الفصل من الكتاب وهى تربية تمنح العقل منهجا يعصمه عن الزيغ والضلال وييسر له
سبل النجاح والفلاح
۱ سورة البقرة ۱۷۰ – ۱۷۱
٣ سورة الحج ٤٦
٢٦٢
سورة محمد ٢٤ ٤ سورة المجادلة ١١

٢ - كيف يربي الإسلام العقل

إن الإسلام وهو يربى العقل يقرر أن هذا العقل من أكبر نعم الله على الإنسان بعد نعمة الإسلام وقد ذكرنا آنفا قول النبى الله من الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه وإنما يرتفع العباد غدا فى الدرجات الزلفى عند ربهم على قدر عقولهم
وإذا كانت هذه منزلة العقل فى الإسلام فلابد أن يعنى الإسلام بتربية العقل عناية تساوى هذه المنزلة وهذا هو الذى قد كان فإن الإسلام رسم لتربية العقل طريقا وحدد لهذه الطريق معالم وعند النظر والتأمل فى هذه الطريق وتلك المعالم يتبين لنا بفضل من الله وتوفيق أن الإسلام فى مجال تربية العقل قام بأعمال ثلاثة رئيسة كل منها مؤيد
بالكتاب والسنة النبوية والسيرة المطهرة
هذه الأعمال هي على وجه الإجمال مايلي
الأول تحرير العقل من الخرافة والدجل والتبعية والتقليد وتنقيته من كل ذلك والثاني تحديد مسار العقل في الاتجاه الذى يطيق السيرفيه وإعفاؤه مما لا يطيق لأن
الله لا يكلف نفسا إلا وسعها
والثالث تحديد المنهج الصحيح للنظر العقلى وتسديده في ذلك ولكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة تفصيل ومفردات كثيرة نكتفى منها بما يلي العمل الأول
تحرير العقل من الخرافة والدجل والتبعية والتقليد
إن الإسلام قام ـ منذ نزلت كلماته الأولى وحيا على خاتم الأنبياء محمد - على أساس احترام عقل الإنسان وفكره واعتبر ذلك أكبر تكريم له ولذلك كان أول مانزل من القرآن الكريم هو قول الله تعالى اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من
علق اقرأوربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم ۱ وقد كان من احترام الإسلام للعقل أن عرض الله على الإنسان الدين ليتدبر العقلاء
۱ سورة العلق ١ - ٥
٢٦٣

آياته فيؤمنوا فيرشدوا وليذكر أصحاب هذه العقول ما في الدين من خير فيهتدوا ويسعدوا قال تعالى كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ۱ هذا العقل الذى احترمه الإسلام طالبه بأن يتحرر من الدجل والخرافة ودعوى علم الغيب والتبعية والتقليد وذلك أن من يصدق شيئا من دجل الدجاجلة وخرافات الضالين فكأنما فقد عقله وكذلك شأن من صدق أن أحدا يعرف الغيب أو يرى مافى المستقبل فضلا عما في ذلك من ضعف الإيمان وتكذيب الشرع والكفر بما أنزل على محمد كما ذكرنا هذا الحديث آنفا
ومن أجل ذلك فإن الإسلام وهو يربى العقل حرم على الناس أن يأتوا الكهان والعرافين والزاعمين بأنهم يعلمون ما تضمره الأيام
روى الإمام مسلم بسنده عن معاوية بن الحكم السلمى رضى الله عنه قال قلت يارسول الله أمورا كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتى الكهان قال فلا تأتوا الكهان
قلت كنا نتطير قال ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم
وروى الإمام مسلم بسنده عن عروة بن الزبير عن أبيه رضى الله عنهما أن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت سأل أناس رسول الله الا الله عن الكهان فقال لهم رسول الله ليسوا بشيء قالوا يا رسول الله فإنهم يحدثون أحيانا الشيء يكون حقا قال رسول الله الله تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخطفون أكثر من مائة كذبة
هكذا يحرر الإسلام العقل من الوهم والدجل والخرافة كما يحرص الإسلام على تحرير العقل من التبعية والتقليد وفي إبطال التبعية والتقليد كلام كثير ومفصل من العلماء المسلمين القدامى منهم بالذات وقد أجمعت كلمتهم على إبطال التقليد فى أمور العقيدة والإيمان وإن كانت لبعضهم آراء متعددة في التقليد في الأمور البعيدة عن قضايا العقيدة ومسائل الإيمان وأجاز بعضهم التقليد في الحق يلجأ إليه من قصر عن النظر فى ذلك غير أن الأرجح لدى جمهور العلماء إبطال التقليد
۱ سورة ص ۹
قال القسطلاني قد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية لكن يبقى من يتشبه بهم وثبت النهي عن إتيانهم فلا يحل إتيانهم ولا تصديقهم
٢٦٤

عموما لأن التقليد إبطال للعقل وتقييد له بالأغلال ولا قائل بذلك
و من آيات القرآن الكريم الدالة على إبطال التقليد قوله تعالى وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون كه ۱
وقال تعالى وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما
وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ٢
قال القرطبي قال علماؤنا ألفاظ هذه الآية - آية سورة البقرة - تعطى إبطال التقليد ونظيرها وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله آية سورة المائدة التقليد ليس طريقا للعلم ولا موصلاله لا في الأصول ولا في الفروع وهو قول جمهور العقلاء والعلماء خلافا لما يحكى عن جهال الحشوية والثعلبية من أنه طريق إلى معرفة الحق وأن ذلك هو الواجب وأن النظر والبحث حرام والاحتجاج عليهم في كتب الأصول ٣ وقد أوسعهم ردّاً وأبطل حججهم غير واحد من العلماء ومنهم ابن حزم
رحمه الله
فالإسلام يحرر العقل من التبعية والتقليد وكيف لا يحرره من ذلك وقد جعله مناط
التكليف
إن الإسلام ينقى العقل من كل ذلك ليكون على الفطرة التي فطره الله عليها نقيا نظيفا من أى دجل أو خرافة و من كل تبعية أو تقليد فما أسوأ أن يمتلئ العقل بالمعلومات والمعارف القائمة على الظنون والأوهام فقد قال الله تعالى نظر إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا ٤
إن الإسلام يطالب العقل بألا ترد إليه معلومة فيصدقها إلا بعد تثبت وتأكد في قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا 0
إن الإنسان في الإسلام مسئول أمام الله عن كل ما عرفه واقتنع به بحيث يجب عليه
۱ سورة البقرة ۱۷۰
۳ القرطبي الجامع لأحكام القرآن تفسيره بتصرف ٤ سورة النجم ٢٨
٢ سورة المائدة ١٠٤
٥ سورة الإسراء ٣٦
٢٦٥

أن يتثبت منه وأن يـ ا يجد على صحته الدليل والبرهان قبل أن يأخذه ويجعله سلوكا له وإن التماس الدليل والبرهان فى الإسلام مطلب عام فى كل الأمور العقدية والعبادية والأخلاقية والعادية ومالم يجد المسلم الدليل النقلى اتجه إلى الدليل العقلي فإن قام على الأمر دليلان من العقل والنقل فلن يتعارضا أبدا
والقرآن يوجه ويشير إلى ضرورة البحث عن الدليل حتى في العقيدة إذ يحكى لنا موقف أهل الكهف ـ وهم فتية آمنوا بربهم فزادهم هدى - فيقول على لسانهم ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذا شططا هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله
كذبا ۱
وفى أبواب كثيرة من أبواب الفقه الإسلامى كأبواب التقاضي والشهادات والحدود والقصاص والجنايات وغيرها تأكيد على ضرورة التثبت والبحث عن الدليل والبرهان قبل إدانة متهم فضلا عن توقيع عقوبة عليه ورفض لأى أحكام تنبني على الظنون
والأوهام
والعمل الثاني
تحديد مسار العقل في الاتجاه الذى يطيق العقل السير فيه مع إعفائه مما لا يطيق وذلك من منطلق أن الله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها فإن ذلك إنما يتم بتربية العقل تربية واقعية عملية تعود على العقل وعلى الإنسان بالخير والنفع في دنياه وآخرته إن الإسلام - فى سبيل معاونة العقل وتسديده - يحدد له مساره واتجاهه ولا يدعه
يشتط ويجنح فيورط نفسه فيما لا يقدر عليه وفيما لم يخلق ميسرا له وللإسلام في ذلك منطق جيد لأن العقل إذا طفق يفكر فيما لا يستطيع الوصول إليه
وقع في الأخطاء والسلبيات التالية
۱ - تبديد الجهد والطاقة في غير فائدة وذلك يشبه من يحرث في بحر أو ينقش على
ماء إذ لا ثمرة لكل ذلك
۱ سورة الكهف ١٤ - ١٥
٢٦٦

٢ - وإعطاء فرصة للعقل أن يخطئ ويضطرب ويشعر بالعجز والحيرة فيدخل بذلك في الضلال
ـ وتعويد العقل على الجنوح والاشتطاط والدخول فى أمور لا طائل من وراء الدخول فيها مما يصيبه بالقلق من أجل تعلقه دائما بالخيال والوهم وما لا وجود له في الواقع
وعلى سبيل المثال فإن العقل أعجز من أن يتصور لذات الله سبحانه شكلا أو حيزا أو بداية أو نهاية فماذا يجدى عليه التفكير فى ذلك إنه لم يهياً له ولذلك ورد في السنة النبوية الصحيحة مارواه أبو الشيخ بسنده عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أن قوما تفكروا في الله عز وجل فقال النبي تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره
وكل الذين تكلموا فى ذات الله سبحانه من المفكرين وغيرهم لم يصلوا من وراء ذلك إلى شيء فكان عملهم هذا سببا في ضلالهم وفي فتنة من جاءوا بعدهم ممن أخذوا بكلامهم لأنهم أقحموا عقولهم فيما لم يخلقها الله له ولا هيأ لها التفكير فيه ولا أعطاها القدرة على الوصول من ذلك إلى طائل
غير أن ذلك ليس معناه أن الإسلام يحجر على العقل أو الفكر وإنما معناه تسديد مسار العقل حتى لا يدخل في متاهات تضره ولا تنفعه وإنما فعل الإسلام ذلك عصمة للعقل عن الضلال والضياع وإقناعا له بأن من الحق أن يتوقف عند حدود مافطره الله عليه ومكنه منه وإن الوقوف عند هذه الحدود هو أدب الصالحين من أسلافنا المسلمين رضى الله عنهم فلقد سئل أبو زكريا يحيى بن معاذ الرازي ۱ الإمام الزاهد فقال له رجل أخبرني عن الله عز وجل فقال له إله واحد فقيل كيف هو فقال ملك قادر فقيل له أين هو فقال هو بالمرصاد فقال السائل لم أسألك عن هذا فقال ما كان غير هذا كان صفة المخلوق فأما صفته فهي ما أخبرتك عنه
إن الإسلام شجع على الفكر والتفكر بل اعتبر ذلك من العبادة مادام التفكير فيما يقدر عليه العقل مما هيئ له فقد روى أبو هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله
۱ واعظ راهد لم يكن له نظير في وقته من أهل الرأى أقام صلح ومات في مساني والمسمول تحيى بن معاذ ثلاثة أحدهم نيسابوري والثاني رازى والثالث تسترى انظر طبقات الصوفية وصفة الصفوة وغيرهما
٢٦٧

1 بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال أشهد أن لك ربا وخالقا اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له ١ وقال القرطبي قال ابن العربي اختلفت الناس أى العملين أفضل التفكر أم الصلاة فذهب الصوفية إلى أن التفكر أفضل فإنه يثمر المعرفة وهى أفضل المقامات الشرعية وذهب الفقهاء إلى أن الصلاة أفضل لما ورد في الحديث من الحث عليها والدعاء إليها والترغيب فيها ۳
وروى الشيخان بسنديهما عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه بات عند خالته ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين ـ وفيه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح النوم عن وجهه ثم قرأ الآيات العشر الخواتم من سورة آل عمران ٤ وقام إلى شن - قربة ماء صغيرة - معلق فتوضأ وضوءا خفيفا ثم صلى ثلاث عشرة ركعة الحديث فانظروا رحمكم إلى جمعه بين التفكر فى المخلوقات ثم إقباله على صلاته بعده وهذه هي السنة التي يعتمد عليها فأما طريقة الصوفية أن يكون الشيخ منهم يوما وليلة وشهرا مفكرا لا يفتر فطريقة بعيدة عن الصواب غير لائقة بالبشر ولا مستمرة على السنن ٥
إن الإسلام سمح للعقل أن يفكر في أمور عديدة مما يحيط به ومما تقع عليه حواسه ليعرف بل يؤمن بقدرة الله وعظيم خلقه وجليل صنعه وأوجب عليه أن يفكر في أمور الدنيا ليعمر الأرض كما طلب منه ذلك في قوله تعالى و هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ٦ أى جعلكم عمارها وسكانها وقال زيد بن أسلم أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن وغرس أشجار
قال ابن العربي قال بعض علماء الشافعية الاستعمار طلب العمارة والطلب المطلق من الله على الوجوب ۷
1 القرطبي الجامع لأحكام القرآن الكريم ٣١٤/٤ مرجع سابق ٢ أى الناقلة
۳ القرطبي الجامع لأحكام القرآن ٣١٥/٤ مرجع سابق
٤ هي الآيات الكريمة التي تبدأ بقوله تعالى وإن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار إلى آخر السورة الكريمة الآيات من الآية ١٩ إلى الآية ٢٠٠ ٥ القرطبي الجامع لأحكام القرآن الكريم ٤ / ٣١٥ مرجع سابق
٦ والآية وهو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها كل من سورة هود ٦١ ۷ القرطبي الجامع لأحكام القرآن الكريم ٥٦/٩ وفيه آراء أخرى ذكرها العلماء ومن هذه المعاني مكنكم من عمارتها واستثمار ما فيها والانتفاع بحيرها ومنها خلفكم لعمارتها الح
۶۸

وإعمار الأرض لا يكون بغير تفكر وتدبر وبحث لتكون هذه الأرض على النحو الذي
يليق بتكريم الله للإنسان وعلى الوجه الذى يمكنه من عبادة الله وحده وفق ما شرع إن المسلم الذى يمتنع عن هذا التفكر وهو قادر عليه آثم عصى الله سبحانه فيما أوجب عليه من إعمار الأرض ولو فقه المسلمون اليوم هذا المطلب لما سبقهم أحد من الناس إلى كشف أو اختراع كما كانوا كذلك يوم كانوا على هذا الفقه للدين فخلفوا للإنسانية في مجال العلم والكشف والاختراع ما استطاع الغرب أن يقيم على أسسه نهضته العلمية ثم زاد عليها
ومعنى ما قدمنا أن الإسلام يحترم العقل ويقدره ولا يحجر عليه بل لقد بلغ من احترام الإسلام للعقل وتشجيعه على التفكير أن جعل دخول الإنسان في الإسلام واقتناعه به و بعقيدته وعباداته يجب أن يتم من خلال الفكر والنظر والتأمل
إن أهم قضايا العقيدة الإسلامية وهى توحيد الله سبحانه أقامها الإسلام على أساس من الاقتناع والحوار العقلى واستخدام الأدلة والبراهين بل أوضح الإسلام أن هذا الاستدلال عمل من صميم أعمال العقل حين قدم القرآن الكريم كثيرا من القضايا مصحوبة بالأدلة والبراهين وذلك كقوله تعالى أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ۱
وكقوله عز وجل أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين
و كقوله عز من قائل ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ۳
وكقوله سبحانه وتعالى ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربى الذى يحيى ويميت قال أنا أحبى وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين ٤
وغير ذلك من الآيات القرآنية الكثيرة التى توجه العقل إلى أن يناقش ويحاور ويستدل حتى فى قضية التوحيد ليكون إيمان الإنسان عن اقتناع وبعد جدل فكرى يستهدف
۱ سورة يس ۸۱ ۳ سورة المؤمنون ۹۱
سورة الطور ۳۳ - ۳۸
٤ سورة البقرة ٢٥٨
٢٦٩

إيضاح الحق والوصول إليه إن الله تبارك وتعالى جعل كل نبي من أنبيائه يجادل عن الحق الذي جاء به ويقدم عليه الأدلة والبراهين ويطالب من يدعوهم بأن يعملوا عقولهم للاهتداء إلى الحق أو تقديم الأدلة والبراهين التي لديهم كانت تلك سنة أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام حتى إن قوم نوح صلى الله عليه وسلم لما ضاقوا بما يقدمه لهم نبيهم من أدلة وبراهين وجدل عقلى قالوا له - كما يحكى القرآن الكريم ذلك - وقالوا يا نوح قد جادلتها فأكثرت جدالنا ۱
وكذلك كان شأن هود وصالح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام إنهم جميعا جاءوا مع دعوتهم بالآيات والبراهين والمعجزات وما ذلك في جوهره إلا لإقناع المدعوين ولا إقناع إلا بعد فكر وعمل للعقل إن معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل الإيمان من أحد من خلقه إلا أن يستعمل عقله ويفكر ويجادل عما يعتقد حتى يتبين له الحق
ومهما ذكرنا من أمثلة وشواهد على تقدير الإسلام للعقل واحترامه له وللعلم الذي يتجه إليه فإن ما نقوله وما نحشده من أمثلة وشواهد أقل بكثير مما جاء في الإسلام
وتشريعه عموما ومما تضمنه القرآن الكريم على وجه الخصوص
العمل الثالث
هو تحديد المنهج الصحيح للنظر العقلى وتسديده
وذلك بكل الوسائل المشروعة - من وجهة نظر الإسلام - التي تؤدى إلى تحقيق هذا
الهدف وإنما يكون ذلك بما يلى على وجه الإجمال
أ ـ دعوة العقل إلى الأخذ بأسباب العلم
ب - ودعوته إلى التأمل والنظر في سنن الله في خلقه ج ودعوته إلى تدبر حكمة الله في الخلق ونواميس الكون
د ودعوته إلى تدبر حكمة الله في التشريع
۳ سورة هود ۳
۷۰

وأما تفصيل هذه الدعوات على النحو الملائم لهذا الكتاب فنقول فيه
أ ـ دعوة الإسلام العقل إلى الأخذ بأسباب العلم
إن ذلك يؤكد أن الإسلام يشجع العلم ولا يحاربه كما فعلت بعض الأديان والسر في ذلك أن الإسلام لا يخشى أبدا من العلم ولا مما يكشف عنه من مخترعات بل يعتبر ذلك تأكيدا له ونلإيمان الذى يدعو إليه
إن الإيمان الذي يدعو إليه الإسلام إيمان يقوم على العلم والمعرفة لا على التسليم الساذج المقلد لأنه لا يرضى بالتقليد في الإيمان - كما أوضحنا آنفا
ويحاول كثير من الناس أن يتهموا الإسلام بما اتهم به غيره من الأديان في محاربة
العلم وهي تهمة باطلة لا يقوم عليها دليل أو برهان أدنى دليل أو برهان وإن أقوى الردود على هؤلاء المتهمين هو التعرف على التاريخ الحضاري للإسلام فلقد كانت الحضارة التي أقامها المسلمون باسم الإسلام تضمنت ـ بغير أدنى مبالغة أو شك - بناء نهضة علمية عميقة وواسعة شملت كل مرافق الحياة الإنسانية وهيأت للمسلمين ولمن يعيش في ظلالهم من غير المسلمين حياة إنسانية أكثر تحضراً ورقيا من كثير من الحضارات الأخرى
لقد كانت حضارة شهد بها التاريخ الإنساني من المسلمين وغيرهم ولم تكن تلك الحضارة الإسلامية - على هذا المستوى الرفيع - داعية للدهشة أو الاستغراب لأن الإسلام أعطى العلم منزلته اللائقة به وجعله أهم وسائل الإيمان وأجدى ما يحرر العقيدة من الأوهام والترهات فأى تناقض هذا الذي يزعمون بين الإسلام والعلم
وإذا كان الإسلام يدعو دائما إلى التوصل إلى الحق والحقيقة - وهذا شأنه دائما ويأمر بالتواصي والتناصر في سبيل ذلك بل يأمر بالصبر على ذلك بعد الإيمان والعمل الصالح كما جاء فى قول الله تعالى والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ۱ إذا كان الإسلام كذلك فكيف يعادى العلم أو يقلل من شأنه وكيف يتوصل إلى الحق والحقيقة بغير
العلم
وإذا كانت طرق التوصل إلى الحقيقة كثيرة وكان منها التلقين ومنها إدراك الحواس
۱ سورة العصر
۷۱

ومنها الإلهام ومنها العقل فإن العقل لا يمكن التقليل من أثره وعمله في الوصول إلى
الحقيقة
وإذا كانت المعرفة في عمومها ذات طرق متعددة فإن منها على سبيل المثال القاطع العقل بل هو أهمها
وإذا كانت المعرفة من حيث أهدافها ذات هدفين كبيرين هما الإيمان والعمل فإن
كلا الهدفين بحاجة إلى العقل والعلم ليكون له الأثر الطيب في حياة الناس وقد أسلفنا أن الإيمان الذى يتوصل إليه عن طريق التقليد غير مقبول وإذا قبل فهو أضعف الإيمان فإن الوصول إلى الإيمان عن طريق العلم هو أعلى مستويات الإيمان وأقواها وأكثرها ثباتا واستقراراً
إن القرآن الكريم رفع من شأن العلم والعلماء فى توصلهم إلى توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية فقال الله تعالى فى إعلاء شأن العلماء الذين وحدوا الله سبحانه بعد علم شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ۱
وفي كثير من آيات القرآن الكريم ربط وثيق بين العلم والإيمان كقوله تعالى يرفع
الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير وقوله عز وجل بل هو آيات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد
بآياتنا إلا الظالمون 3
وخلاصة ذلك أن الإسلام ينظر إلى العلم - وهو عمل عقلى - على أنه يؤدى إلى الإيمان لو أحسن التوجه فيه وخضع في مجرياته للمعايير الإسلامية الأخلاقية وإن كان العلم وحده لا يغنى - فى سبيل وصول الإنسان إلى ما يصلحه في الدنيا والآخرة عن الإيمان كما أن الإيمان بغير علم - أى بالتقليد - لا يصلح في الغالب وفى النادر إذا صلح يكون من أضعف الإيمان
وإن القرآن الكريم قد دعا إلى الأخذ بأسباب العلم ودعا إلى أن يستزيد المسلم من
۱ سورة آل عمران ۱۸
سورة المجادلة ١١
۳ سورة العنكبوت ٠٤٩
۷

العلم ما استطاع ودعا إلى أن يلجأ المسلم إلى الأسلوب العلمي في التعامل مع الدين
والدنيا ولعل حديثنا عن ذلك يوجب علينا إلقاء بصيص من الضوء على حكمة العلم - كي
لا تكون أمام من لا يحققون ولا يدققون مقابلة أو مضادة لكلمة الإيمان - فنقول إن معظم المعاجم والموسوعات ودوائر المعارف تقول إن العلم هو ابتكار ومنهج وطريقة تحدد بها القواعد الموصلة إلى الكشف عن حقيقة شيء أو وصفه بصفة ما أو نفى تلك الصفة عنه ويدخل في ذلك الإنسان والمادة ومعظم مفردات الكون ومعنى ذلك أن العلم في جوهره قيمة مادام منهجا وطريقة وما دام العلم قيمة فما وجه تعارضه مع الإيمان
وعند التأمل في التقنية التكنولوجيا المتوصل إليها بالعلم نجدها كذلك عملية ابتكار أي أنها قيمة من القيم عن طريقها يتوصل الإنسان إلى الآلات والأجهزة التي تمكنه من ممارسة الحياة على نحو أيسر وأفضل وأكثر قدرة على تحقيق رغباته بأقل عناء وفي زمن أقل ولكنها في الوقت نفسه قد تصرف بعض الغافلين عن الإيمان كما حدث للناس في عصرنا هذا وهى بهذا المفهوم وحده تناقضت مع الإنسان الذي يرغب في تنمية حياته بنفسه إذ هو جزء أصيل من الكون حينما حرمته التكنولوجيا من ممارسة هذا الحق وأحلت محله الآلات والأجهزة وغيرها من معطيات و التكنولوجيا فليس التناقض إذن بين العلم والدين ولا بين التكنولوجيا والدين وإنما هو بين التكنولوجيا والإنسان
يخترع
ولعل هذا التناقض يفهم بدقة عند ا التأمل فى هذه القضية قضية أن الإنسان وهو الآلة لتفى بحاجاته وليسيطر بها على هذا الكون الذى يعيش فيه مالبثت هذه
الآلة أن سيطرت عليه وأضحت بالنسبة له غاية بعد أن كانت وسيلة
والمخرج من هذا التناقض هو التنسيق بين الآلة والإنسان أى أن تبقى للإنسان إرادته
وإيمانه وحريته وتبقى للآلة صفة أنها وسيلة لا غاية
والعلم بوصفه منهجا وطريقة هو قيمة أساسية في الإسلام ۱ أكدها الإسلام في كثير من آيات القرآن الكريم كقوله تعالى قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا
۱ انظر للمؤلف نحو منهج بحوث إسلامي حيث توسع في الحديث عن ذلك نشر دار الوفاء ۱۹۸۹ م
۷۳

يعلمون ۱
بل إن الإسلام دعا كل مسلم إلى أن يتزود من العلم بمعناه الواسع الذي يشمل علوم الدين والدنيا معا قال الله تبارك وتعالى وقل رب زدنی علما
إن الإسلام وهو يدعو إلى التأمل والنظر والاعتبار إنما يدعو إلى الخطوة الأولى الضرورية النظرية التي تسبق التجريب كما جاء في قول الله تبارك وتعالى فاعتبروا يا أولى الأبصار ۳
ولقد تضمن القرآن الكريم كثيرا من الآيات التي تدل أو تشير إلى ضرورة الأخذ بمنهج الاستدلال مثل قوله تعالى أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذى جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون أو ليس الذى خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ٤ وهذه الآيات الكريمة عند النظر إليها بعين الاعتبار توحى إلينا بكثير من منهج الاستدلال نشير إلى بعضه فيما يلى
أو لم ير أى ينظر ويعتبر ويتفكر وهى رؤية القلب كما يقول القرطبي
رحمه الله
الآيات للرد على من أنكر البعث من المشركين وهو رد استدلالی جدلی يستهدف أن يصل المنكر إلى حد الاقتناع بوقوع ما أنكر
قال من يحيى العظام قل يحييها الذي أي من قدر على البدء والإنشاء من العدم قادر على الإعادة بعد التفرق
وضرب لنا مثلا ونسى خلقه أى جوابه من نفسه حاضر قال العلماء وفي هذه الآية دليل على صحة القياس لأن الله سبحانه احتج على منكرى
البعث بالنشأة الأولى
۱ سورة الزمر ٩ ۳ سورة الحشر ٢
سورة طه ١١٤
٤ سورة يس ۷۷ - ۸
٢٧٤

الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً استدلال على أن الله سبحانه له من كمال القدرة ما يجعله يخرج الضد من ضده
أى
أو ليس الذى خلق السموات والأرض استدلال على أن من خلق السموات والأرض - وهما من العظم كما ترون - قادر على أن يخلق مثلهم - مثل من أنكروا البعث ويبعثهم
هذه ه هی عظمة الاستدلال والجدال ليستبين الحق
ومن دعوة الإسلام إلى تحرى المنهج العلمى أنه وجه النقد إلى أولئك الذين يناقشون أمراً لا علم لهم به ولم يتحروا جميع مفرداته أو معطياته فقد قال الله تبارك وتعالى وها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به
علم رکھی ۱
ومن التأكيد على أن الإسلام يدعو إلى المنهج العلمي أنه جعل المنهج التجريبي كذلك من مطلوباته بل نص على أولئك الذين يتوصلون إلى العلم من غير طرقه الأساسية التي أهمها الإدراك الحسي والإدراك العقلى نعى عليهم ذلك بل نهاهم عنه كما يفهم ذلك من قول الله تبارك وتعالى ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً إذ المنهج التجريبي في جوهره هو - الاعتماد على الحواس فى إدراك المحسوسات وعلى العقل فى إدراك المعقولات ذلك هو الأصل وعلى كل إنسان اتباعه بل إن الإنسان مسئول بين يدى الله تعالى إذا لم يستخدم أدوات المعرفة التي أتاحها الله له من سمع وبصر وفؤاد - أى عقل أو قلب - ولو فعل فإنه عندئذ يتصرف من غير علم ويقع في دائرة المؤاخذة
ب - دعوة الإسلام إلى التأمل والنظر في سنن الله في خلقه وتلك تربية للعقل المسلم عن طريق اطلاعه على هذه السنن الإلهية في مخلوقات الله أحسن الوسائل لكي يتعرف العقل البشرى على التاريخ وما فيه ومن فيه فيفيد من ذلك ما يزيده قدرة وينمى فيه الإحساس بهذه السنن فيحسن التعامل مع
سبحانه وهي
حاضره ويحسن التوجه إلى مستقبله
۱ سورة آل عمران ٦٦
سورة الإسراء ٣٦
۷۵

1
إن الله تعالى وجه إلى ذلك توجيها صريحا واضحا في قوله تعالى قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين وفي قوله تعالى و قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف
كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين
إن السير في الأر للتعرف على سنن الله في خلقه من أجل أخذ الاعتبار مندوب إليه شرعا كما قال بذلك علماء الإسلام وإن إقناع العقل بالحق ليس له طريق أحسن من طريق التأمل والنظر في سنن الله سبحانه مع من كذبوا الحق وعاندوا الرسل مهما كان هؤلاء المعاندون أقوياء وسننه مع من صدقوا بالحق وآمنوا بما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام مهما كان هؤلاء المصدقون المؤمنون ضعفاء والله سبحانه يقرر ذلك لتعتبر العقول وتنتبه الأفهام ويضرب لذلك الأمثال على النحو التالي
أولا من المعاندين الأقوياء الفراعنة والله تعالى يقول فيهم ﴿ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم ٧ يعلمون وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذاهم ينكثون فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ۳
ثانيا من المستضعفين الذين صبروا على الشدائد وتحملوا من بطش فرعون بهم ما تحملوا بنو إسرائيل قبل أن يضلوا فيطلبوا إلها كما للمشركين آلهة وقبل أن يعبدوا العجل وقبل أن يعاندوا موسى عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى ﴿ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يضع فرعون وقومه وما كانوا ۱ سورة الأنعام ١١ سورة آل عمران ۱۳۷ - ۱۳۸ ۳ سورة الأعراف ١٣٠ - ١٣٦
٢٧٦

يعرشون ١ وكما هو واضح غاية الوضوح فى قوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم آمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ٢
تلك سنة الله في الذين كذبوا وعصوا وفى الذين صدقوا وأطاعوا ما تخلفت ولا تغيرت ولا تبدلت سنة الله فى الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ۳ إن سنة الله سبحانه قد اقتضت أن يكون الناس أمام منهج الله سبحانه الذي جاءت به رسله عليهم السلام صنفين إما أهل هدى أعملوا عقولهم ونظروا فاهتدوا وإما أهل ضلال عطلوا عقولهم ولم يعتبروا فضلوا وضاعوا
وإن سنة الله فى الذين يهتدون أن يأتى بعد الهدى الخير في الدنيا بالتمكين للحق وأهله والخير في الآخر برضا الله وجزيل ثوابه كما أن سنة الله في الذين يضلون أن يأتى بعد الضلال الشر والفساد والانحلال في الدنيا ثم الخسران في الآخرة
ومهما يكن أهل الهدى والحق من الضعف المادى والقلة العددية ومهما يكن أهل الباطل والضلال من القوة المادية والكثرة العددية فإن هذه سنة الله في أولئك وهؤلاء لا تتخلف أبداً
وإن على الناس أن يتعاملوا مع عقولهم ليهتدوا بها إلى هذه السنن الإلهية التي لا تتخلف ولا تتبدل ليتعظ الضالون ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا ينخدع غافل بما يرى عليه أهل الباطل من سطوة وسلطة فى تحدى الحق وأهله
ومن أجل تأكيد دعوة العقل إلى التأمل والنظر والاستدلال فإن الإسلام دعا إلى الاستقراء والفحص الدقيق لحقائق الأشياء كيف كانت وكيف صارت وكيف تطورت ولم تركبت يتضح هذا عند التأمل فى قول الله تبارك وتعالى قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير ٤
وفي قوله سبحانه وتعالى أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف
۱ سورة الأعراف ۱۳۷
۳ سورة الأحزاب ٦٢
سورة النور ٥٥ ٤ سورة العنكبوت ٢٠
۷۷

رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت ۱
إن هذه الدعوة إعمال للعقل وتدريب له على أن يشارك في إدراك حقائق الأشياء وفى هذا ما فيه من تربيته وتعليمه
وإن مخلوقات الله فى هذا الكون كثيرة وإن على رأس هذه المخلوقات الإنسان نفسه وإن الإسلام دعا الإنسان إلى التأمل فى هذه المخلوقات جميعا ليهتدى بذلك إلى الحق وليصبح به أقوى إيمانا وإن في قول الله سبحانه وفي الأرض آيات للموقنين وفى أنفسكم أفلا تبصرون وفى السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء
والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ﴾ لدعوة إلى إعمال العقل والنظر والتأمل قال قتادة رحمه الله إن المعنى أن من سار في الأرض رأى آيات وعبرا ومن تفكر في نفسه علم أنه خلق ليعبد الله
إن من تأمل وتدبر في الأرض وجد فيها دلالات وعلامات على أن الله سبحانه قادر على كل شيء وأنه قادر على بعث الناس بعد موتهم وحسابهم على ما قدموا في الدنيا من خير أو شر
قال القرطبي قال بعض الحكماء إن كل شيء في العالم الكبير له نظير في العالم الصغير الذي هو بدن الإنسان ولذلك قال تعالى لقد خقلنا الإنسان في أحسن تقويم ۳ وقال وفى أنفسكم أفلا تبصرون فحواس الإنسان أشرف من الكواكب المضيئة والسمع والبصر منها بمنزلة الشمس والقمر في إدراك المدركات بها وأعضاؤه تصير عند البلى ترابا من جنس ا الأرض وفيه من جنس الماء العرق وسائر رطوبات الجسم ومن جنس الهواء فيه الروح والنفس ومن جنس النار فيه المرة الصفراء وعروقه بمنزلة الأنهار في الأرض وكبده بمنزلة العيون التي تستمد منها الأنهار لأن العروق تستمد من الكبد ومثانته بمنزلة البحر وعظامه بمنزلة الجبال التي هي أوتاد الأرض وأعضاؤه كالأشجار فكما أن لكل شجر ورقا أو ثمرا فكذلك لكل عضو فعل أو أثر والشعر على البدن بمنزلة النبات والحشيش على الأرض ثم إن الإنسان يحكى بلسانه كل صوت حيوان ويحاكي بأعضائه صنيع كل حيوان فهو العالم الصغير
۱ سورة الغاشية ۱۷ - ۰
۷۸

مع العالم الكبير مخلوق محدث لصانع واحد لا إله إلا هو ۱ إن الإنسان وهو يعمل عقله ويتأمل فى نفسه وفيما حوله يقوم بعملية تربية جيدة لعقله مما يهيئ لهذا العقل أن يهتدى إلى الحق وإلى الطريق المستقيم
ج وهى الدعوة إلى تدبر حكمة الله فى الخلق ونواميس الكون
وهى تربية عقلية تطبع بطابع الدقة والنظام وذلك أن هذه الحكمة وتلك النواميس
تجرى على سنن ثابت و نظام دقيق لا يتخلف ولا يختل لأنه من سنن الله سبحانه إن القرآن الكريم يشير إلى أن خلق الإنسان وخلق الكون وكل شيء فيه ما خلق عبثا ولكنه تم وفق إرادة الله سبحانه وبأمره ويؤكد أن كل تلك المخلوقات إنما خلقت بالحق ومن أجل الحق وأن عملية الخلق هذه لم تتخللها باطل أو عبث أو لعب وإنما خلق بالحق ودبر بالحق فسبحان الله أحسن الخالقين
وإن دعوة الإسلام العقل إلى أن يتأمل في الحلق والتدبير ليس المقصود منه مجرد التأمل والتدبر وإنما القصد تنوير العقل بهذا التأمل والتدبر وإيقاظ القلب وتصفية الروح من الشوائب ليستطيع الإنسان أن يقيم على هذه الأرض حياة إنسانية كريمة تليق بتكريم الله سبحانه للإنسان
إن آيات القرآن الكريم تؤكد أن خلق هذا الكون لم يكن عبثا ولا لهوا ولا لعبا وإنما كان بالحق قال الله تعالى وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم وقال جل شأنه أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ۳
وقال عز وجل وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ﴾ ٤
۱ القرطبي الجامع لأحكام القرآن / ۰ مرجع سابق سورة الحجر ٨٥ - ٨٦
۳ سورة المؤمنون ١١٥ - ١١٦
٤ سورة الأنبياء ١٦ - ١٨
۷۹

والقرآن الكريم الذي تضمن كل ما ينفع الإنسان في دنياه وآخرته هذا القرآن نزل بالحق وأنزل بالحق قال الله تعالى عن القرآن الكريم وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ۱
إن العقل وهو يتأمل ويتدبر في مخلوقات الله جميعا وفي مفردات هذا الكون ليرى أن كل ذلك كان بالحق وإنما خلق من أجل الحق إن العقل وهو يتأمل ذلك إنما يعتاد الحق ويلتزم به فى حياته ويستعين به في ممارسة هذه الحياة على أحسن نحو ممكن يحفظ للإنسان كرامته
إن هذا هو الذى يجعل الإنسان طالبا للحق محبا له متواصيا فيه صابرا عليه يتخذه
شعارا و دثارا فيما يأتى و ما يدع من ! مور فينال بذلك سعادة الدنيا والآخرة إن هذا العقل الذى تأمل وتدبر وأحب الحق هو القادر على أن ينقى عقيدته من كل زيغ وضلال ويصفى روحه من كل غبش ورين إنه يصبح ذلك الإنسان المتفكر في خلق الله المهتدى إليه وإلى الحق وإلى الصراط المستقيم إنه ذلك الإنسان الذي آمن بربه يوم سمع منادى الإيمان أن آمنوا بربكم وعرف حلاوة الحق وجماله فأخذ يدعو ربه أن يغفر له ما ألم به من ذنب وأن يكفر عنه سيئاته فاستجاب له ربه فأدخله الجنة ثوابا منه والله عنده حسن الثواب إن القرآن الكريم يتحدث عن أتباع الحق الذين يتفكرون فى خلق السموات والأرض فيوقنون أنه سبحانه ما خلق ذلك باطلا قال الله تعالى إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلى وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب
سورة الإسراء ١٠٥
سورة آل عمران ۱۹۰ – ۱۹۵
۸۰

إن هذا هو التأمل والتدبر المفضى إلى الحق المؤدى إلى الإيمان والعمل الصالح الملتزم بكل مفردات الإيمان وكل ما ينتمى إلى العمل الصالح
إنه الإنسان القادر على أن يمارس الحياة وفق منهج الحق الذي اختاره منهجا للناس إلى أن يقوموا لرب العالمين
د - دعوة الإسلام العقل إلى تدبر حكمة التشريع
أن
إن الإسلام يتيح للعقل أن يتفكر ويتأمل ويتدبر حتى في حكمة التشريع مع أ التشريع صادر عن حكمة إلهية سامية ولكنه يطبق على الناس جميعا ومن منطلق أنه يطبق على الناس فقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يتأمل الناس في حكمة التشريع وأن يتدبروا ما جاء فيه حتى يكون تطبيقهم له بعد علم ومعرفة واقتناع فيطبقونه كاملا غير منقوص وصحيحا غير مشوب بخطأ وعن يقين غير مصحوب بأدنى شك
إن الآيات القرآنية الكريمة التي دعت العقل البشرى إلى التفكير والتأمل في حكمة التشريع كثيرة نذكر منها
قال الله تعالى وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ۱
والذكر هو القرآن الكريم وقد نزله الله سبحانه وتعالى مجملا وكلف خاتم أنبيائه محمداً لله بتفصيله وتفسيره وبيان أحكامه ووعده ووعيده وهذا التفصيل والتفسير والبيان من النبى - كما قال القرطبي - على ضربين
بيان المجمل في الكتاب
مثل بيانه للصلوات الخمس فى مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر أحكامها وكبيانه المقدار الزكاة ووقتها وما الذى تؤخذ منه من الأموال وبيانه لمناسك الحج فقد قال له إذ حج بالناس خذوا عني مناسككم وقال صلوا كما رأيتموني أصلى كما أخرجه البخارى
وروى ابن المبارك عن عمران بن حصين رضى الله عنه أنه قال لرجل إنك رجل أحمق أنجد الظهر في كتاب الله أربعا لا يجهر فيها بالقراءة ثم عدد عليه الصلاة
١ سورة النحل ٤٤
۸۱

والزكاة ونحو هذا ثم قال أنجد هذا فى كتاب الله مُفَسّرا إن كتاب الله تعالى أبهم
هذا وإن السنة تفسر هذا
و بيان آخر وهو زيادة على حكم الكتاب
كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها وتحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع
والقضاء باليمين مع الشاهد
وغير ذلك ۱
£
وقال الله تعالى يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ٢ وقال سبحانه وتعالى ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون 3 وقال جل شأنه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين وقال عز من قائل الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ٥
وقال جل شأنه ﴿ يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم
سورة البقرة ۱۹
۱ القرطبي الجامع لأحكام القرآن ١ / ٣٨ - ٣٩ ۳ سورة البقرة ۱۷۹ ٤ سورة الأنعام ١١٩ ٥ سورة البقرة ٢٢٩ - ٢٣٠
۸

فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء علیم ۱
وقال تعالى وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون
وقال سبحانه في شأن التوارث وتحديد أنصبة الورثة من مورثيهم وأنواع الورثة

وعقوبات بعض الجرائم وأحكام أخرى كعضل النساء ۳ واستبدالهن بأخريات وتوضيح ما لهن من حقوق فى هذا وذاك وما حرم الله على الرجال من النساء اللاتي لا يجوز لهم التزوج منهن قال فى ذلك يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين الآية ذات الرقم ۱۱ إلى الآية التي يقول فيها يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم الآية ذات الرقم ٢٦ ٤
إن التشريع الإسلامي فيما يتصل بالعقيدة والعبادة ثابت لا يقبل تغييرا ولا تبديلا ولكنه فيما يتصل بالتعامل مع الناس والمتغيرات التي تقتحم على الناس حياتهم يقبل الاجتهاد فيما لا نص فيه بل يدعو أرباب العقول إلى أن يتدبروا في هذا التشريع ليتعرفوا على أهدافه ويستشفوا روحه العام ثم يكون لهم بعد ذلك أن يجتهدوا ويتصرفوا في حدود المحافظة على الهدف والروح بحيث يحققون لأنفسهم مصالح في الدين أو في الدنيا أو يدفعوا عن أنفسهم أضرارا في الدين أو في الدنيا
وتاريخ التشريع الإسلامي مشتمل على مثل تلك الأحكام التي اجتهد فيها من لهم حق الاجتهاد فغيروا وبدلوا واقترحوا وأقروا وما أخطأوا ولا تعنتوا مع الناس وعلى
سبيل المثال نذكر طرفا مما اجتهدوا فيه
۱ سورة البقرة ۸
سورة البقرة ٢٤١ - ٢٤٢
۳ عضل المرأة ظلمها ومعاملتها بغير الإحسان المطلوب شرعاً ٤ سورة النساء ١١ - ٢٦
۸۳

۱ - سهم المؤلفة قلوبهم قد ورد به نص قرآني في آية كريمة هي قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب ار ۱ والغارمين
هذا السهم ألغاه عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو أمير المؤمنين بعد ما استشار كبار الصحابة في ذلك فرأوا أن الإسلام قد قواه الله وأعزه فلم يعد بحاجة إلى أن يُعطى هؤلاء قدرا من المال اتقاء لشرهم
٢ ـ حد السرقة ورد فيه نص ولكن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو أمير المؤمنين قد استشار الصحابة في تعطيله مؤقتا في ظل ظروف بعينها فوافقوه على ذلك ٣ - فتح الإسلام للقاضى باب درء الحدود بالشبهات التي يراها قوية تسقط الحد عن
المخالف
و معنى ذلك أن العقل البشرى إذا تدبر فى هدف التشريع وروحه فإن له أن يذهب وراء المصلحة أو دفعا للمضرة إلى الحد الذى يغير فيه ويبدل ما دام محافظا على هدف التشريع وروحه
ومعنى ذلك أن العقل البشرى تدبر التشريع ودار مع حكمته وجودا وعدما وليس
أكثر احتراما للعقل البشرى من إعطائه هذا الحق
على أن التشريع الإسلامي بطبيعته يعطى العقل البشرى هذا الحق حينما يكتفى بإيراد الأسس العامة والمبادئ الشاملة ويتوقف عن التفسير والتفصيل ـــ والله قادر على ذلك قطعا - ليعطى أصحاب العقول التي تفكر وتتدبر فرصة لتفسير يلائم الزمان والمكان ولتفصيل يلائم الظروف وتلك مرونة جعلها الله رحمة للمسلمين وتخفيفا عنهم وكل ما يطلب من هؤلاء المفسرين أو المفصلين أمران
الأول أن يكونوا من أهل الفكر أولى الألباب
والثاني أن يحافظوا على الأسس والمبادئ العامة التي جاء بها التشريع
والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها ما يلى
۱ - قال الله تعالى وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل
۱ سورة التوبة ٦٠
سورة النساء ٥٨
٢٨٤

- وقال جل شأنه وأمرهم شورى بينهم ۱
فهاتان الآيتان الكريمتان وضعتا الأسس والمبادئ العامة للسياسة التي يقوم عليها نظام
الحكم في الإسلام وهي أمران
الأول العدل
والثاني الشورى
ثم سكت عن التفسير الدقيق والتفصيل الذى يجب أن يكون عليه العدل والشورى تاركة ذلك للمسلمين يفكرون فيهما على النحو الذي يلائم ظروف الناس والمتغيرات المحيطة بهم فى الزمان والمكان ما داموا أهلا للاجتهاد
ويشبه ذلك في الناحية الاقتصادية في إطارها العام قوله تعالى لكيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم ۳ حيث وضعت هذه الآية الكريمة المبدأ العام في تداول المال و سیاسته ثم تركت التفصيل للمجتهدين من المسلمين فى مختلف الأزمنة والأمكنة يتفقون فيما بينهم على أنسب الظروف لتداول المال فيما بينهم بحيث لا يمارسون ظلما
لأحد
إن الإسلام أعطى للعقل البشرى حق التفكر والتدبر والاجتهاد حتى في أمور التشريع وما ذاك إلا ليربى هذا العقل تربية صحيحة تمكنه دائما من أن يجلب لنفسه ولغيره مصلحة الدين والدنيا ويدفع عن نفسه وغيره أى ضرر يعود عليه في دينه أو دنياه
كذلك
۱ سورة الشورى ۳۸
سورة الحشر ۷
٢٨٥

الفصل الرابع
التربية الجسمية
١ - مفهوم التربية الجسمية
وقد يطلق عليها التربية البدنية نسبة إلى جسم الإنسان أو بدنه وهذه التربية تعنى
بذل جهود تعليمية تستهدف الاستفادة من ميل الإنسان للنشاط البدنى الحركي بتنظيمه وتحديد أوجه نشاطه ونوع هذا النشاط من حيث هو فردى أو جماعي حتى يمارس الجسم هذا النشاط وتلك الحركات بقصد تقويته وتمكينه من أداء وظائفه على نحو أفضل كما أن تربية الجسم تعنى إلى جانب ذلك تعويد الفرد على صفات سلوكية نافعة له بل ولغيره من الناس كالنظام والنظافة والتعاون والاعتماد على النفس والرغبة في القيام بالعمل بتقبل وانشراح وذلك يؤدى إلى تكوين الإنسان الصالح القادر على التجاوب مع
المجتمع الذي يعيش فيه تجاوبا بناء يحقق له ولغيره الرضى والسعادة في دينه ودنياه وقد أسلفنا أن الجسم لا يمكن فصله عن الروح والخلق والعقل ولذلك فإن الإسلام ينظر إلى الإنسان على أنه وحدة متكاملة روح مع عقل فى بدن ومن هنا كان اهتمام الإسلام بتربية هذه الطاقات في الإنسان
إن الجسم بوصفه عددا من الأعضاء والأجهزة والقدرات يتأثر بالروح والعقل ويؤثر ! فيهما بكل تأكيد ومن خلال هذا التأثير والتأثر يستطيع الجسم أن يؤدى وظائفه على وجهها فيكون قويا صحيحا أو ينحرف عن أداء تلك الوظائف أو يهملها فيكون ضعيفا
عاجزا
وجميع أنواع التربية للإنسان إنما تستهدف أن تحدث توازنا بين مطالب الروح والعقل
والجسم في الإنسان ولقد حاولت إحداث هذه التربية كثير من الفلسفات والمذاهب ومدارس التربية وغبرت في ذلك أزمانا متطاولة منذ كان الإنسان على وجه هذه الأرض ومنذ أن عرف الإنسان الحضارة ومنذ كان على وجه الأرض فلسفات ومذاهب وحضارات ولكنها
۸۷

جميعا وعلى مدى قرون عديدة من عمر الزمان لم تستطع أن تحقق هذا التوازن بين طاقات الإنسان الثلاثة ـ الروح والعقل والبدن - وإنما كان قصاراها أو غاية ما تنجح فيه أن تعنى بإحدى هذه الطاقات على حساب سواها حتى أعرق الحضارات في العالم مثل الفرعونية واليونانية والرومية لم تستطع أكثر من هذا وهو أن تعنى بتربية طاقة على حساب غيرها
ولقد امتلأ تاريخ الإنسان بنماذج من هؤلاء الذين عنوا بإحدى هذه الطاقات دون غيرها فمنهم من اعتنى بالعقل حتى فتن به و تجاهل ما سواه كالحضارة اليونانية ومنهم من فتن بالبدن وأهمل غيره كالحضارة الرومية ومنهم من فتن بالروح فأهمل سواها كالحضارة الهندية القديمة
وظلت البشرية تعانى من هذا الاضطراب - حتى فى ظل الأديان التي سبقت ظهور الإسلام لا تستطيع بفعل أهلها أن تحدث هذا التوازن بين طاقات الإنسان ـ إلى أن من الله على البشرية بخاتم الأديان وأتمها وأكملها
ولا بد أن نشير إلى أن الإنسان فى ظل هذه النظم والمدارس والحضارات ظل يتمزق بين هذه الاتجاهات بحيث يفقد الاهتمام بروحه حينا فيصبح ماديا قاسيا أو يفقد الاهتمام بعقله فيقبل من الأوهام والخرافات وكل ما يناقض العقل شيئا كثيرا أو يفقد
الاهتمام ببدنه فيضعف ويغلب على أمره ويتغلب عليه الأقوياء فلما كان آخر الأديان وأتمها وأكملها وهو ما أنزل على محمد آن للإنسان أن يكون إنسانا بأن يجد من منهج الإسلام ونظامه عناية بروحه وعقله و بدنه جميعا فاستقام في حياته على الفطرة السوية التي فطره الله عليها ولم يجنح المنهج الإلهي - وحاشا لله ذلك - إلى تغليب إحدى طاقاته على غيرها وإنما غذاها جميعا ونماها كلها في الاتجاه الصحيح للتنمية فكان الوئام بين هذه الطاقات وكانت الحياة الإنسانية الكريمة الفاعلة
المتوازنة
إن منهج الإسلام والتربية يقوم دائما على إحداث التوازن بين متطلبات الفطرة التي
فطر الله الناس عليها فالروح كالعقل كالبدن في ضرورة الاهتمام بمتطلباتها وتربيتها
التربية الصحيحة
وإن التربية الصحيحة للجسم ينبغى أن تأخذ في اعتبارها أن لهذا الجسم مطالب
۸۸

مادية هي من صميم فطرته وليس فى التعبير عنها ما يوجب لوما أو مؤاخذة فضلا عن تحريم أو تجريم غاية ما يجب أن يراعى فى هذا التعبير عن هذه الحاجات هو ألا ي ينحرف الإنسان عن الحدود التي أحلها الله ورسم أبعادها المنهج وربما حدد لهذا الجسم وسائل التعبير في بعض الأحيان
إن للجسم ـ بحكم فطرته - رغباته وشهواته ولا منقصة في ذلك ولا هذا لأن كل رغبة أو شهوة وراءها حكمة إلهية لخالق هذه الفطرة فى الإنسان بل حكمة بالغة تترتب عليها استمرارية الحياة وتكاثر الإنسان و ممارسته حياته قويا قادرا على العمل والسعى على الرزق وإن الإسلام يعتبر التعبير عن هذه الرغبات والشهوات في إطار الشرعية عبادة يتقرب بها الإنسان إلى خالقه سبحانه وتعالى فقيم المعاناة التي يهذى بها الذين لا يعلمون
إن المعاناة إنما تأتى من المبالغة أو الإسراف أو الانحراف في ممارسة هذه الرغبات وتلك الشهوات كما أنها تأتى كذلك من حرمان الجسد من رعيانه وشهواته بدعوى أنها رجس أو هبوط أو زهادة وكل ذلك خطأ في فهم الإنسان وفهم وظيفته في الحياة أولا ثم هي ثانيا خطيئة في تربية الإنسان
وإن كلا الاتجاهين إنما يتحرك فى دائرة من الجهل أو الهوى
فمن ذا الذي حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق أو الميل إلى الجنس
الآخر
من ذاك الذي زعم أن التعبير عن الرغبة الجنسية في إطار الشرعية هبوط بإنسانية الإنسان فدعا إلى رهبانية ما كتبها الله على أحد من بنى الإنسان من ذلك الذي زعم أن الزهد هو لبس المرقعات والفوط والكتان والصوف واعتبار
ذلك وحده هو اللباس
ما يملك أحد من هؤلاء جميعا أن يقدم على دعواه دليلا أدنى دليل ولا برهانا
أضعف برهان وإنما يجد نفسه مناقضا لنفسه وللفطرة التي فطره الله عليها
ولأبي الفرج بن الجوزي رحمه الله كلمة في الزهد والمتزهدين ما أحب أن يفوتني ذكرها ١ يقول فيها وأنا أكره لبس الفوط والمرقعات لأربعة أوجه
۱ هو عبد الرحمن بن على بن محمد الجوري القرشي التعدادي أبو الفرج محدث مؤرخ له مؤلفات كثيرة جدا ف تختاب المنتظم في تاريخ الملوك وكتاب تلبيس إبليس و
في الحديث الشريف والتاريخ وهو مؤلف
۸۹

أحدها أنه ليس من لبس السلف وإنما كانوا يرقعون ضرورة
والثاني أنه يتضمن ادعاء الفقر وقد أمر الإنسان أن يظهر أثر نعم الله عليه والثالث إظهار التزهد وقد أمرنا بستره
والرابع أنه تشبه بهؤلاء المتزحزحين عن الشريعة ومن تشبه بقوم فهو منهم وكذلك الأمر في الطعام والشراب فليسوا على صواب أولئك الذين حرموا الجسم من الطعام إلا ما حفظ الحياة زاعمين أن ذلك من الزهد إذ الطعام والشراب الذي تدعو إليه الحاجة فى غير سرف أو مخيلة مطلوب شرعا وعقلا لما فيه من حفظ النفس وحراسة البدن والحواس ولهذا نهى الشرع الحكيم عن الوصال في الصوم لما فيه من إضعاف
البدن وإماتة الروح والعجز عن العبادة وكل ذلك يمنع منه الشرع ويرفضه العقل كما أن الزيادة عن الحاجة فى الطعام والشراب إسراف و تبذير منهى عنه شرعا بنصوص إسلامية كثيرة من الكتاب والسنة النبوية المطهرة وإنما المطلوب في الطعام والشراب هو الاعتدال والتوسط لأنه الأصل الذي يحقق صالح الإنسان في دينه ودنياه
والإسلام قد وضع لذلك نظاما يحقق به للإنسان كل مصلحة ويدفع عنه كل مضرة فقد قال الله تعالى و یا بنی آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين كه ۱
قال القرطبي قال ابن عباس رضى الله عنهما أحل الله في هذه الآية الأكل والشرب مالم يكن سرفا أو مخيلة - أى تكبرا - فأما ما تدعو إليه الحاجة وهو ما سد الجوعة وسكن الظمأ فمندوب إليه عقلا وشرعا
وروى الإمام الترمذى بسنده عن المقدام بن معد يكرب رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ملأ آدمى وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه
قال القرطبي في التعقيب على هذا الحديث الشريف قال علما ؤنا لو سمع بقراط هذه القسمة لعجب من هذه الحكمة ويذكر أن الرشيد كان له طبيب نصراني
۱ سورة الأعراف ۳۱
القرطبي الجامع لأحكام القرآن ۱۹۱/۷
۹۰

حاذق فقال لعلى بن الحسين ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان علم الأبدان فقال له على قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابنا
الأديان وعلم ! فقال له ما هي قال قوله عز وجل وكلوا واشربوا ولا تسرفوا فقال النصرانى ولا يؤثر عن رسولكم شيء من الطب فقال علي جمع رسول الله الله الطب في ألفاظ يسيرة قال ما هي قال المعدة بيت الأدواء والحمية رأس كل دواء وأعط كل جسد ما عودته ۱ فقال النصراني ما ترك كتابكم ولا نبيكم الجالينوس طبا
إن الإسلام وهو يضع هذه الأنظمة ليمكن البدن من التعبير عن حاجاته إنما يتساوق مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها وهو بذلك يؤكد أن التربية الصحيحة للجسم هي أن يعبر عن حاجاته ويحققها من غير إسراف أو مخيلة
إن تربية الإسلام للجسم على هذا النحو لم تشبهها تربية في الماضى ولن تلحقها تربية في المستقبل لأنها نابعة من منهج الله خالق الإنسان العالم بما يصلحه في دينه ودنياه العليم بما أودع فيه من طاقات ورغبات الذى لم يجعل عليه حرجا في أمر أمره به لا من أمور الدين ولا أمور الدنيا وتلك هي التربية الإسلامية للجسم
وهذا ما سنفصل فيه القول فى الصفحات التالية من الكتاب والله المستعان
۱ هذا ليس بحديث نبوى وإنما هي حكمة تسب إلى الحارث بن كلدة الطبيب العربي المشهور والقريب من هذا المعنى مما ورد في السنة مارواه مسلم عن ابن عمر رضی الله عنهما قال سمعت رسول الله الله يقول الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معى واحد فهو دعوة إلى عدم الإسراف في الطعام القرطبي الجامع لأحكام القرآن ۱۹/۷
۹۱

٢ ـ كيف يربي الإسلام الجسم
سبق التنبيه إلى أن الإسلام وهو يربى الجسم الإنساني يعترف بأن هذا الجسم له مطالبه التي تمليها عليه فطرته التي فطره الله عليها ويعطى لهذا الجسم الحق في أن يعبر عن هذه الحاجات في إطار الشرعية التي جاء بها منهج الإسلام
هذا الجسم بهذه الفطرة وضع له الإسلام خطة لتربيته نابعة من منهجه العام لتربية الإنسان فاعتمدت هذه الخطة على أسس هامة أربعة هي
أ - المعرفة الدقيقه بطبيعة الجسم
ب ـ والاعتراف لهذا الجسم بحقه في التمتع بما أحل الله
ج وحمايته بسياج من ال الأخلاق القويمة
د ودعوة الإنسان إلى حماية جسده بالتربية البدنية
وفي كل أساس من هذه الأسس نصوص إسلامية عديدة من الكتاب والسنة النبوية
المطهرة ولنفصل القول في ذلك بعض التفصيل
أ - المعرفة الدقيقة بطبيعة الجسم البشرى
وهي معرفة جاءت عن طريق الوحى أوحى بها خالق الناس سبحانه وتعالى العالم بكل ما فيه وبكل ما يعتريه من متغيرات ومن المنطقى - بناء على ذلك ـــ أن تكون التربية الصحيحة نابعة وتابعة لهذه المعرفة الدقيقة المفصلة
وتقوم معرفة الإسلام بطبيعة الجسم على أن الله سبحانه قد كرم الإنسان - نعمة منه عليه ـ كرمه في خلقته بأن جعله معتدل القوام يمشى على اثنين لا على أربع وجعله ناطقا قادرا على التعبير بل حسن التعبير وجعله قادرا على تخير الأشياء عن طريق عقله وإرادته كما أنعم عليه بأن خلق له الدواب لتحمله وليأكل منها ويلبس من أصوافها وأوبارها وأشعارها وخلق له النبات وهيأ له أن يتغذى منه ويتفكه وخلق له الماء وجعل من هذا الماء كل شيء حي
۹

وخلق له العقل وجعله به قادرا على أن يصنع من الأشياء والأدوات ما يلبس وما يسكن وما يركب وما يجعل به حياته أكثر يسرا وأقدر على الاستفادة من كل ما سخر الله له في هذه الدنيا
ثم رزقه من طيبات الحياة الدنيا كتيرا مما يلزمه وكثيرا مما يتلذذ به وكثيرا مما تسره رؤيته أو سماعه أو تسمه أو لمسه وسمح له بممارسة كل ذلك في إطار الشرعية والبعد عن الإسراف والمخيلة
1
والإنسان بهذه الطبيعة التي خلقه الله عليها متميز على كثير ممن خلق الله قال الله تعالى ولقد کرمنا بني آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ومن طبيعة الإنسان أن الله سبحانه خلقه مهياً لأن يتحمل من الشدائد والصعاب في مكابدة الحياة الدنيا - وهي كثيرة تصاحب كل مرحلة من مراحل حياته ـ بل جعل من طبيعته كذلك أن يُضيع ما يعنيه ويشتغل بما لا يعنيه كما يقول الإمام الترمذي رحمه الله
و من طبيعة هذا الإنسان أنه مغرور يظن ألا يقدر عليه أحد ناسيا قدرة الله عليه ومن طبيعته أنه في بعض الأحيان يهلك ماله فيما لا يفيده بل ربما فيما يضره متغافلا عن أن الله سبحانه يراه وسوف يحاسبه على تبديد نعمه في غير طائل مع أن الله أرسل له الرسل يهدونه إلى ما يفيده قال الله تعالى في توضيح هذه الطبيعة البشرية لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره أحد ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين ٢
قال القرطبي ـ رحمه الله - قال أبو حازم رضى الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم يابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق وإن نازعك بصرك فيم حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق وإن نازعك فرجك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق
و من طبيعة هذا الإنسان أنه يجزع عندما يصيبه الشر ويؤدى جزعه إلى تفاقم
أخطائه وأنه إن أصابه الخير فحصل على المال أو السلطان أو الجاه بخل وشح وامتنع أ
أن
يعين الناس فأنكر حقوقهم فيما أنعم الله عليه به وهى طبيعة في معظم الناس إلا من
۱ سورة الإسراء ۷۰
سورة البلد ٤ - ١٠
۹۳

عصم الله منهم بالإيمان والهدى قال الله تعالى إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعا ك ١
قال ابن كيسان خلق الله الإنسان يحب ما يسره ويرضيه ويهرب مما يكرهه ويسخطه ثم تعبده الله بإنفاق ما يحب والصبر على ما يكره ومن طبيعة الإنسان أن الله سبحانه خلقه ضعيفا يستميله هواه وتستخفه شهواته وغضبه فلا يستطيع الصبر على مكروه ومن أجل هذه الطبيعة فإن الله خفف عنه بأن شرع ما هو أيسر عليه وأقدر على تحقيق مصلحته في دينه ودنياه لأنه سبحانه ما جعل على أحد في الدين من حرج وما شرع شيئا يعجز الإنسان عن أن يمارسه قال الله تعالى يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا
ومن طبيعة الإنسان أن الله فطره على حب الشهوات التي تتمثل أوضح ما تتمثل في النساء والبنين والاستكثار من الذهب والفضة والأعيان والأملاك ومتع الحياة ومحاولته الحصول على هذه الأمور من كل سبيل وأحيانا من أى سبيل دون تحر لما أحل الله قال الله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المتاب ۳
قال القرطبي قال العلماء ذكر الله تعالى أربعة أصناف من المال كل نوع من
المال يتمول به صنف من الناس
أما الذهب والفضة فيتمول به التجار
وأما الخيل المسومة فيتمول بها الملوك
وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادي
وأما الحرث فيتمول به أهل الرساتيق القُرى
فأما النساء والبنون ففتنة للجميع ٤
تلك هي طبيعة الإنسان يعرفها الإسلام تمام المعرفة ويشرع لها أنسب التشريعات
۱ سورة المعارج ۱۹ - ۱
سورة النساء ۸
۳ سورة آل عمران ١٤
٤ القرطبي الجامع لأحكام القرآن ٣٦/١
٢٩٤

وأحسنها
و من خلال هذه المعرفة الدقيقة بالإنسان تكون المعرفة الدقيقة أيضا لتربية هذا الإنسان وتربية جسمه كما ربيت روحه وعقله
إن هذه الطبيعة البشرية تستطيع أن تعبر عن نفسها ورغباتها وشهواتها في حدود ما شرع الله لها وما أباح
وأما مسألة قمع شهوات الجسد ومحاربة رغباته فهى غير واردة في الإسلام كما أن ترك الجسد يعبر عن شهواته ورغباته دون قيود فهو غير وارد كذلك في الإسلام ولا في منهجه التربوى للجسد لأن الله تعالى لم يفطر الإنسان على حب الشهوات ثم يحرمها عليه أو يحرمه من ممارستها ولقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ۱
إن الله تبارك وتعالى تفضل على الإنسان فأحاطه بنعمه ما ظهر منها وما بطن وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة

ب ـ الإسلام يعترف بحق الإنسان في التمتع بما أحل الله
إن مخلوقات الله سبحانه التي خلقها للإنسان ينتفع بها ويستمتع كثيرة وإن الله تبارك وتعالى ليعتبر ذلك كله من نعمه على الإنسان نعمه التي لا يمكن حصرها ولا إحصاؤها قال الله تعالى ﴿ والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين هو الذى أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون وما ذرأ لكم فى الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون وهو الذى سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وألقى في الأرض رواسي
۱ سورة التوبة ۱۸
سورة لقمان ۰
۹۵

أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحیم ۱
إن من حق الإنسان أن يستمتع بكل ما خلق الله فى البر والبحر ـ كما أوضحت سورة النحل في تلك الآيات الكريمة التي ذكرنا آنفا - كما أن من حقه أن يستمتع بكل ما أودع الله في البحار والأنهار يأكل منها اللحم الطرى ويستخرج اللآلئ والأحجار الكريمة للزينة ويركب مياهها فى الفلك يقطع بها المسافات فى تنقلاته وتجارته ويحمل عليها أمتعته أباح الله سبحانه له كل ذلك في قوله تعالى وما يستوى البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون
حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون والآيات القرآنية التي توضح أن الإنسان من حقه أن يمد جسمه بالغذاء واللباس والطيبات كثيرة - قدمنا طرفا منها ونحن نتحدث عن مفهوم التربية الجسمية ـ وكلها تؤكد حق الإنسان فى ذلك وبعضها يلوم من يمنع الإنسان من التمتع بذلك وهذا هو عتراف الإسلام بحق الجسد فى أن يعبر عن رغباته وشهواته فى حدود ما أحل الله له جـ ــ حماية الإسلام الجسد بالأخلاق القويمة
وذلك أن الإسلام في معرفته بطبيعة هذا الجسم واعترافه له بحقه في التعبير عن رغباته وشهواته في حدود ما شرع الله يعمل من جانب آخر على حماية هذا الجسد وعاء الروح والعقل - من كل ما يصيبه بالضرر ويدعوه إلى ممارسة ما يعود عليه
بالنفع كل ذلك في دينه ودنياه معاً
وإن هذه الحماية لتتمثل في خطين رئيسين
الأول التخلى عن ذميم الأخلاق
الثاني التحلى بحميد الأخلاق
ومن خلال ممارسة هذا التخلى وذاك التحلى تكون استقامة الجسد على شرع الله ومنهجه وتكون في ذلك سعادته في الدنيا والآخرة
۱ سورة النحل ۵ - ۱۸
سورة فاطر ۱ -
٢٩٦

وإذا كانت الأخلاق الذميمة معروفة للناس غير أننا نذكر منها ما نود أن ننبه إلى
خطره وضرره على الجسد البشرى - وإن كان كل خلق ذميم ضارا بالإنسان جسده وعقله وروحه - ومن هذه الأخلاق الذميمة الزنا والمسافحة واللواط وشرب الخمر وغيرها مما سنشير إليه
أما الزنا فهو محرم في كل دين وكل كتاب وقد وصف الإسلام الزنا بأنه فاحشة وذلك لسوئه وسوء عاقبته وضرره الشديد على الجسد والنفس والمجتمع والأبناء الذين يولدون من الزنا
والمسافحة أن يعاشر الرجل امرأة من غير زواج صحيح وهو نوع من الزنا ولا يقل
عنه ضررا وشرا
واللواط إتيان الرجل الرجل وهو شذوذ عن الفطرة وخروج بها عن منزلة الكرامة الإنسانية التى أوجبها الله للإنسان وقد حرم اللواط في كل دين كذلك وقد بشع الإسلام هذه الجريمة وتحدث عنها القرآن الكريم فقص قصة قوم لوط وأوضح كيف عاقبهم الله على هذه الجريمة البشعة
ومن الأخلاق الذميمة التي تضر بالإنسان جسده وروحه وعقله خلق الإسراف ولذلك حمى الإسلام الإنسان بتحريم الإسراف مطلقا فى الطعام والشراب والملبس والمسكن وفى كل عمل يمارسه الإنسان لأن فى الإسراف خروجا على حد التوسط والاعتدال وكل خروج عن هذا الحد ضار بالجسم وبالإنسان كله
وكذلك الشأن في سائر الأخلاق الذميمة كالخلاعة والتخنث وتشبه الرجال
بالنساء أو تشبه النساء بالرجال
وكذلك الشأن في تعاطى أم الكبائر وما في حكمها من كل مسكر أو مخدر أو مفتر ولو شئنا أن نعدد ذميم الأخلاق لا تسع بنا مجال القول بأكثر مما يتحمل هذا الجانب من الكتاب ولكن حسبنا هنا أن نؤكد أن كل محرم حرمه الله فيه ضرر بالغ يلحق بالإنسان جسده أو روحه أو عقله أو المجتمع الذى يعيش فيه لأن الله سبحانه لا يحرم
على الإنسان شيئا إلا ليدفع عنه بهذا التحريم ضررا يعود عليه في دينه أو دنياه وإن التأمل في باب الحلال والحرام أو باب الحظر والإباحة في كتب الفقه الإسلامي ليدلنا ويضع أيدينا على قائمة ضخمة من المحرمات أى من الأخلاق المذمومة وفي كل
۹۷

هذه المحرمات وردت آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة
وإن الإسلام يحمى الجسم بالتخلى عن هذه الأخلاق الذميمة يضم إلى ذلك دعوته إلى التحلي بالأخلاق الحميدة ويحشد لهذه الدعوة عددا من آيات القرآن الكريم
وتأتى السنة النبوية المطهرة لتحشد عددا هائلا من الأحاديث النبوية الشريفة ١ وإن من الأخلاق الحميدة التي يجب التحلى بها لحماية الجسم من الأضرار غض البصر والعفة والاستقامة والنظافة والطهارة والاعتدال والتوسط في تناول أى
أمر من أمور الحياة لأن التحلى بذلك خير ما يحفظ على الإنسان بدنه
د ـ الدعوة إلى الرياضة البدنية الرياضة البدنية حماية للجسد وتدريب له على الأخذ بأسباب القوة والنشاط وهى في ذات الوقت تعويد على تحمل الشدائد والمصاعب التي قد تواجهه في حياته كما أنها تعطى الجسد القوة والقدرة على ممارسة نصيبه من الاستمتاع بما في الحياة من طيبات ما أحل الله لأن الجسد الضعيف يعجز عن هذا كما يعجز عن ممارسة الحياة اليومية التي
تؤمن له كسب قوته
إن الإسلام وهو يربى الجسم يحرص على أن يكون هذا الجسم قويا ولا تتوفر له القوة وأسبابها إلا إذا أعطى هذا الجسد حقه من الرعاية والعناية والالتزام بكل ما أوجب
لله عليه
روى الإمام مسلم بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو بن العاص ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة فقلت بلى يا نبي الله ولم أرد بذلك إلا الخير قال فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام قلت يانبى الله إنى أطيق أفضل من ذلك قال فإن لزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا والجسدك عليك حقا
وحق الجسد معروف وهو مده بأسباب القوة من طعام وشراب وتمتع بطيبات الحياة و منعه من أسباب الضعف كالحرمان من هذه الأمور أو الإسراف فيها أو ممارسة شيء مما حرم الله كما أن من حق هذا الجسد ترويضه بالفروسية والرمي والسباحة وغيرها من وسائل تقوية الجسم ۱ ذكرنا هذه الآيات مجتمعة في كتاب لتا نوشك على الفراغ منه بإذن الله هو التربية الإسلامية
۹۸

روى الإمام مسلم بسنده عن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال سمعت رسول الله وهو على المنبر يقول وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ١ ألا إن القوة الرمى ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي
وروی مسلم بسنده عن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه وروى النسائي بسنده عن خالد بن يزيد الجهني قال كان عقبة بن عامر رضى الله عنه يمر بي فيقول يا خالد اخرج بنا نرمی فلما كان ذات يوم أبطأت عنه فقال يا خالد تعال أخبرك بما قال رسول الله فأتيته فقال قال رسول الله إن
الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه يحتسب فى صنعه الخير والرامي به ومنيله وارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلى من أن تركبوا وليس اللهو إلا في ثلاثة تأديب الرجل فرسه - الفروسية - وملاعبته امرأته ورميه بقوسه ونبله ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها أو قال كفر بها قال القرطبي بعد أن ذكر هذا الحديث ذكر هذا الحديث بلفظ كل لهو يلهو
هذا
به الرجل باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنه من الحق ومعنى والله أعلم أن كل ما يتلهى به الرجل مما لا يفيده فى العاجل ولا في الآجل فائدة فهو باطل والإعراض عنه أولى وهذه الأمور الثلاثة فإنه وإن كان يفعلها على أنه يتلهى بها وينشط فإنها حق لاتصالها بما يفيد فإن الرمي بالقوس وتأديب الفرس جميعا من معاون - جمع معونة ـ القتال وملاعبة الأهل قد تؤدى إلى ما يكون عنه ولد يوحد الله ويعبده فلهذا كانت هذه الثلاثة من الحق
وروى البخاري بسنده عن يزيد بن أبي عبيد قال سمعت سلمة بن الأكوع رضى الله عنه قال مر النبى الله على نفر من أسلم - قبيلة من اليمن ـ يتناضلون بالسوق فقال ارموا بنى إسماعيل فإن أباكم كان راميا وأنا مع بنى فلان ـ الأحد الفريقين - فأمسكوا بأيديهم فقال ما لهم قالوا كيف نرمى وأنت مع بنى فلان قال ارموا وأنا معكم كلكم
قال القرطبي ـ بعد ذكره جزءا من الحديث هو ارموا فإن أباكم كان راميا 1 ـ
1 سورة الأنفال ٦٠
الفرضي الجامع لاحكام القرآن ٣٥/٨ - ٣٦
۹۹

وتعلم الفروسية واستعمال الأسلحة فرض كفاية وقد يتعين ــ أي يصير فرض
عين ۱
وبعد فأى اهتمام من الإسلام برياضة الجسم أكبر من أن الرسول له نفسه كان يتسابق وكان يصارع
فقد سابق عائشة أم المؤمنين فسبقته مرة وسبقها أخرى
وقد صارع ركانة ـ وهو يجيد المصارعة - فصرعه الرسول الله
روى أبو داود بسنده عن عائشة رضى الله عنها أنها كانت مع النبي له في سفر قالت فسابقته فسبقته على رجلى - أى غير راكبة - فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال هذه بتلك السبقة
النبي
وروى أبو داود بسنده عن محمد بن علي بن ركانة أن ركانة رضى الله عنه صارع
فصرعه النبي
ومن كلمات عمر بن الخطاب رضى الله عنه التي وجه بها إلى الولاة في الأقطار قوله أما بعد فعلموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل
تلك تربية الإسلام للجسم واهتمامه به ذلك الاهتمام الذي لا يغيب عنه الهدف أبدا والهدف دائما هو التوسط بين طرفي المبالغة في شأن الجسم بإطلاق الحرية لشهواته والتهوين من شأنه إلى درجة قمعه ومقاومة رغباته
إن الإسلام يمكن الجسم بهذه التربية من أن يؤدى فى الحياة وظيفته وهي عبادة الله وإعمار هذا الكون والتعارف مع الناس والتعاون والتراحم والتواصى بالحق والتواصى بالصبر مع المؤمنين رغبة في إرضاء الله تبارك وتعالى
إن الناشئين عندما يشبون على هذا النحو من العناية بأجسامهم بعد العناية بأرواحهم وعقولهم فإنهم يكونون الأمة الإسلامية القادرة على أن تمارس الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله تعالى
۱ السابق ٣٦/٨

الفصل الخامس التربية الجمالية
١ ـ مفهوم التربية الجمالية
الجمال بالنسبة للإنسان هو حسن الخلق أو الخلق أو الفعل أو جميع هذه الصفات
والجمال صفة تلحظ فى الناس والأشياء وتبعث في النفس سرورا ورضا
وللجمال مقاييس فى الخلقة والخلق والفعل وهذه المقاييس وإن اختلفت عند بعض الناس عن بعض أو بعض الأزمنة والأمكنة عن بعض إلا أن منها جانبا ثابتا لا يتغير ولا يختلف عليه الناس أو الأزمنة أو الأمكنة وهو ما يتصل بالأخلاق إذ الأخلاق الفاضلة متفق عليها عند الجميع وكذلك الأخلاق المرذولة ليست محل خلاف عند الناس ويلى ذلك في ثبات المقاييس الأفعال لأنها فى الأعما الأغلب نابعة وتابعة
للأخلاق
أما جمال الأجسام عند الناس وجمال الأشياء فيلحظ فيه في الأعم الأغلب اختلاف في المقاييس بين الناس وفي الأزمنة والأمكنة

وللفلسفة في هذا المجال باع طويل وأحاديث ذات تفاريع غير أن الذي يعنينا هنا هو أن نؤكد أن الجمال في الإسلام - وبخاصة ما يتصل منه بالأخلاق والأفعال - مسلّم به وغير قابل للتغيير أو التبديل
أما جمال الخلق وجمال الأشياء فإن الإسلام علم الإنسان أن يحاول ما وسعه أن يكون جميلا في مظهره وجوهره ومطعمه ومشربه وملبسه ومسكنه وأن يجعل ما حوله من الأشياء جميلا أى متناسقا مترتبا نظيفا محببا يبعث على السرور والرضا ولعلماء الإسلام من أسلافنا تعريف وتحديد للجمال فقد قالوا الجمال يكون في
الصورة وتركيب الخلقة ويكون فى الأخلاق والعاطفة ويكون فى ا الأفعال فأما جمال الأخلاق فكونها على الصفات المحمودة من العلم والحكمة والعدل والعفة وكظم الغيظ وإرادة الخير لكل أحد
۳۰۱

وأما جمال الأفعال فهو وجودها ملائمة لمصالح الخلق وقاضية لجلب المنافع فيهم
وصرف الشر عنهم وأما جمال الخلقة فهو أمر يدركه البصر ويلقيه إلى القلب متلائما فتعلق به النفس من غير معرفة بوجه ذلك ولا نسبته لأحد من البشر
وجمال الأنعام والدواب من جمال الخلقة وهو مرئى بالأبصار موافق للبصائر ۱ وقد وردت كلمة الجمال و الجميل فى القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة الصحيحة
أما ورودهما في القرآن الكريم ففي الآيات الكريمة التالية قال تعالى قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون
وقال سبحانه وتعالى قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى ا أن يأتيني بهم جميعاً إنه هو العليم الحكيم ۳
ووصف الصبر بأنه جميل في الآيتين يعنى أنه صبر بلا شكوى وقد سئل النبي
عن الصبر الجميل فقال هو الذي لا شكوى معه
الله
وقال عز وجل وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم } ٤
أي اعف عنهم واصفح صفحا حسنا أى تتنازل فيه عن حق نفسك وقال الله تعالى ﴿ يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسر حكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيما ٥ وقال الله تعالى ﴿ يأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا 1
°
۱ القرطبي الجامع لأحكام القرآن ۷۱/۱۰ سورة يوسف ۱۸
۳ سورة يوسف ٨٣
5 سورة الأحراب ٢٨ - ٢٩
٤ سورة الحجر ٨٥ - ٨٦
٦ سورة الأحزاب ٥ - ٦
۳۰

والتسريح الجميل في هاتين الآيتين هو التسريح بإحسان
وقال عز شأنه سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذى المعارج تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ۱
والصبر الجميل في هذه الآية هو الصبر الذى لا جزع فيه ولا شكوى وقال عز من قائل واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا والصبر الجميل هنا هو الإغضاء عنهم وترك الانتقام منهم أى لا تتعرض لهم ولا تشتغل بمكافأتهم فإن في ذلك تركهم إلى الله وقال سبحانه وتعالى والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون
ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ۳
والجمال هنا سرور ورضى
قال القرطبي الواجب على كل مسلم إذا أصيب بمكروه في نفسه أو ولده أو ماله أن يتلقى ذلك بالصبر الجميل والرضا والتسليم المجريه علبه وهو العليم الحكيم ويقتدى بنبى الله يعقوب وسائر النبيين صلوات الله عليهم أجمعين
وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال ما من جرعتين يتجرعهما العبد أحب إلى الله من جرعة مصيبة يتجرعها العبد بحسن صبر وحسن عزاء وجرعة غيظ
يتجرعها العبد يحلم وعفو
أحد
وقال ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى فصبر جميل أى لا أشكو ذلك إلى
وروى مقاتل بن سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من
لم يصبر ٤
ذلك معنى جميل و جمال كما وردت في القرآن الكريم وهذا المعنى لم يخرج في جملته عن الحسن الخلقى والخلقى والعملى والتناسق والنظام وكل ما يبعث
سورة المزمل ۱۰
۱ سورة المعارج ۱ - ۷ ٤ القرطبي الجامع لأحكام القرآن تفسير الآية ٨٣ سورة يوسف
۳ سورة النحل ٦٠٥
۳۰۳

في النفس السرور والرضى
وأما ورود هذه الكلمة - الجمال والجميل - في السنة النبوية فيما يلى على وجه الاستشهاد لا الحصر ۱
روى الإمام مسلم بسنده عن عبد الله بن مسعود رضی الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس وروى الترمذى بسنده أن النبي الله قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان قال فقال رجل إنه يعجبنى أن يكون ثوبى حسنا ونعلى حسنا قال إن الله جميل يحب الجمال ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس
00
وروى أبو داود بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رجلا أتى النبي و كان رجلا جميلا فقال يا رسول الله إنى رجل حبب إلى الجمال وأعطيت منه ما ترى حتى ما أحب أن يفوقنى أحد بشراك نعل ـ أو قال بشسع نعل أفمن الكبر ذلك قال لا ولكن الكبر من بطر الحق وغمط الناس وهي كذلك في السنة دلت على الحسن الخلقى وحسن الثوب والمنظر وعدم دلالة ذلك على الكبر وهكذا يتضح لنا مفهوم الكلمة من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أما التربية الجمالية فإنها تعنى لدينا في هذا المجال - مجال الحديث عن الناشئين - إيجاد الحس الجمالي لديهم وتدريبهم على ترقية هذا الحس حتى يشعر الإنسان بما يحيط به من جمال الكون وجمال الحياة الإنسانية بل جمال الإنسان نفسه في خلقه وخلقه وأقواله وأفعاله لأن الإنسان في الحق - لو استقام على الفطرة التي فطره الله عليها ـ أجمل ما خلق الله وأكرم على الله من كثير من خلقه
إن الناشئ عندما يرى هذا الجمال ويتذوقه يفيد منه ما يساعده على أن يصبغ حياته
۱ وعلى سبيل الحصر فقد وردت الكلمة فى الكتب السبعة فى اثنين وعشرين حديثا نبويا وهى البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجة وأحمد بن حبيل
٣٠٤

كلها بهذا الجمال إنه إن يفعل يصبح جميلا في شكله وملبسه ومسكنه ومطعمه ومشربه وقوله وفعله فيحقق بذلك لنفسه ولمن يتعايش معه من الناس الرضاء والسعادة
وهذه التربية الجمالية لا تقل أهمية عن التربية الروحية أو التربية الحلقية أو التربية العقلية أو الجسمية لأن كل أنواع التربية التي ذكرنا والتي سنذكر تهتم بالإنسان وهو روح و خلق و عقل و جسم و حس جمالي بنفسه و بما يحيط به
إن الكون الذى يحيط بالإنسان ملىء بمظاهر الجمال وعلاماته وإن الإنسان بحكم فطرته لا بد أن يتأثر بما يحيط به ويؤثر فيه فتأثر الإنسان بجمال الكون في الناس والأشياء يأتي من تأمله في هذا الجمال الذى يحيط به وهذا التناسق والنظام والانسجام الذي يجمع بين الموجودات بحكمة إلهية جليلة يتأمل ليرى ببصره ويحس ببصيرته وتمتلئ مشاعره إعجابا فسعادةً فسروراً فإذا به يحاول أن يكون جميلا في منظره وجوهره في قوله وفعله لأنه أحس فأعجب فسعد فإن غفل الإنسان عن التأمل والنظر والتدبر فإنه يحرم نفسه متعة الإعجاب بالجمال الذى حوله ويحرم نفسه من التأسى به وصبغ حياته به إن ذلك هو التأثر الإيجابي بالجمال وهو ما تستهدفه التربية الجمالية للإنسان
أما تأثير الإنسان فيما يحيط به فيتمثل في أن يحاول الإنسان أن يتصدى لكل عابث بشيء جميل يحول بينه وبين ذلك ويحاول أن يعيده إلى ما كان عليه من جمال فضلا عن صناعته الجمال بنفسه فى نفسه وفيما يحيط به فإن لم يفعل فإنه يحرم نفسه ويحرم ما حوله ومن حوله من هذا الجمال وما أتعس أناسا أو أشياء حرموا من الجمال !!! إن التربية الجمالية للإنسان فى الإسلام تعنى أن ينطبع هذا الإنسان على حب الجمال وممارسته في كل أموره لأن ذلك هو الإنسان المسلم السوى المتأثر بما حوله المؤثر فيه ومن غير هذه التربية فإن الإنسان يصبح سلبيا غير فاعل وغير جدير بأن يكون الإنسان المسلم لأن المسلم إيجابي فاعل
إن التربية الجمالية في الإسلام تحدث تكاملا في شخصية المسلم وبدونها يضيع هذا التكامل فيندفع الإنسان إلى ما يضره ويحال بينه وبين ما ينفعه فى أمر دينه ودنياه
٣٠٥

٢ - كيف يربي الإسلام الحس الجمالي
للإسلام في التربية الجمالية للإنسان خطة تقوم على إيقاظ الحس الجمالي عنده وذلك بمطالبة الإنسان أن يتأمل فى نفسه وفيما يحيط به من جميل مخلوقات الله في الكون والحياة فإذا استيقظ هذا الحس فإن الإنسان مطالب بأن يجعل الجمال هدفه ورائده في مظهره و مخبره في قوله وفعله وتعامله مع كل ما يحيط به والالتزام في هذا الجمال بالأسلوب أو الوسيلة التى ترضى الله عز وجل وتجيزها الشريعة الإسلامية حتى لا يحدث للإنسان فتنة بالجمال
وإذا عمل الإنسان على أن يكون كل ما يمارسه جميلا فإن ذلك يزكي إنسانيته ويدعم النزعة الاجتماعية فيه وبالمعايير الإسلامية فإن الإنسان عندئذ يصبح قادرا على أن يحقق لنفسه ولغيره سعادة الدنيا والآخرة
فما هي خطة الإسلام في تلك التربية الجمالية إنها خطة تقوم على أسس ثلاثة
الأول النظر والتأمل في صنع الله سبحانه
والثاني العمل على أن يكون الجمال هدفا للإنسان
والثالث الالتزام بالوسيلة أولا أو الأسلوب الذى يرضى الله ولتفصيل هذه الأسس نقول
الأساس الأول النظر والتأمل في صنع الله سبحانه
وهو النظر والتأمل فى جمال ما خلق الله تعالى من خلال ما عرض القرآن الكريم ذلك - والقرآن الكريم حافل بالحديث عن مظاهر الجمال الحسى والمعنوى ـ ومن خلال نظر الإنسان وتأمله فى مخلوقات الله التي يراها أو يحس بها في حياته
فمن الجمال المعنوى الذى يدرك بالمشاعر لا الحواس وعن طريق استمتاع الروح ورضا القلب والعقل ما تحدث عنه القرآن الكريم فى قوله تعالى ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو
٣٠٦

فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله

سميع عليم إن هاتين الآيتين الكريمتين تتضمن الأولى منهما تقابلا في المعنى بين الموت جهادا في سبيل الله والموت فرارا من الأعداء فكله موت ولكن الغاية مختلفة في النوعين وذلك أن الموت بالنسبة للذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف خشية أن يقتلوا في الجهاد بسيوف أعدائهم في ساحات الشرف ماتوا بسيوف أعدائهم وهم في غاية الذلة والمهانة لم يجاهدوا ولم يقاوموا ماتوا على الرغم من أنهم ألوف فى الكثرة وأشد حذرا وخشية - على حين أن قلة منهم صبروا على قتال الأعداء وأدوا واجب الجهاد فأحيا الله بذلك جماعتهم وعاشوا حياة العزة بعد الذلة
والجمال في هذه الآية جمال معنوى هو التقابل بين موت شريف فيه حياة وموت ذليل فيه ذلة وفناء إن ذلك درس للمجاهدين فى سبيل الله فى كل زمان ومكان لا ينبغي أن يهابوا عدواً ولا يخنعوا أو يذلوا فالفرق شاسع بين شهيد في سبيل الله أو منتصر أعز الله به الحق وهارب فار مقتول بين عدوه لم يُجد معه حَذَر ولا كثرة
ومن
الجمال المعنوى كذلك جمال قوة الحجة ونصاعة الجدل الذي يستهدف إحقاق الحق كما بدا في الحوار الذي دار بين أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومن جادله في ألوهية ربه سبحانه ووحدانيته وذلك في قوله تعالى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربى الذى يحيى ويميت قال أنا أحيى وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدى القوم الظالمين ٢
وفي جمال التقابل بين أثر الكلمة الطيبة التى تشبه الشجرة الطيبة الراسخة الثابتة والضاربة بأفنانها إلى السماء وأثر الكلمة الخبيثة التي تشبه المشجرة الخبيثة التي لا جذر لها وإنما هي ملقاة على الأرض لا فائدة منها فالأولى هى كلمة التوحيد الثابتة في قلب المؤمن المترجمة بالعمل الصالح الصاعد إلى الله والثانية كلمة الباطل أو الكفر المزعزعة القلقة التي لا تؤدى إلا إلى شر كما جاء هذا التقابل فى قوله تعالى ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة
۱ سورة البقرة ٢٤٣ - ٢٤٤
سورة البقرة ٢٥٨
۳۰۷

کشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ۱ وفي جمال العدالة التي تقر مبدأ خصوصية العقوبة أو شخصيتها ـ وهو مبدأ لم يعرفه الفقه القانوني إلا في العصور الحديثة - جاءت آيات قرآنية تقر هذا المبدأ لتمنع أن يعاقب أحد على جريمة ارتكبها سواه وذلك في قوله تعالى ومن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقوله سبحانه وتعالى ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ۳ وقد تكرر لفظ لا تزر وازرة وزر أخرى فى سور فاطر والزمر والنجم
وفى جمال المقارنة بين الأضداد فى مجال الهداية والحيرة والحق والباطل والإيمان والكفر أو بين العمى والبصر والظلام والنور والحر والظل والموت والحياة حيث يكون الإيمان بصرا وبصيرة ونورا وهداية وظلاً وراحة وحياة إنسانية كريمة بينما يكون الكفر عمى وانطماساً وظلاما وضلالا وحرورا ومشقة وموتا لإنسانية الإنسان في هذه المقارنة بين هذا وذلك يقول الله تعالى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير وما يستوى الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوى الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ٤
و من الجمال الحسى الذي تدركه الحواس من سمع وبصر وغيرهما ما هو مبثوث في القرآن الكريم فى آيات عديدة تستهدف تعميق إحساس الإنسان بهذا الجمال بعد إدراكه بحواسه وتأمل ما فيه
فمن ذلك قوله تعالى أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأى حديث بعده يؤمنون و 2 أي النظر والاستدلال بعظيم مخلوقات الله تبارك وتعالى النظر الذى يقوى الإيمان وملكوت السموات والأرض أى الملك العظيم
۱ سورة إبراهيم ٢٥ - ٢٧
٤ سورة فاطر ١٨ - ٢٤
سورة الإسراء ١٥ ٥ سورة الأعراف ١٨٥
٣ سورة الأنعام ١٦٤
۳۰۸

وقوله تعالى إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لايات لقوم يعقلون ۱
إن الجمال هنا كامن فى أن الحواس وهى تدرك كل هذه العظمة في المخلوقات فإن عليها أن تتدبر وتتأمل هل يكون كل هذا الإعجاز فى المخلوقات من تلقاء نفسه كما يهرف بذلك من لا يعرفون أم أنه من صنع اللطيف الخبير العليم القدير وما لم تنقل
الحواس ذلك إلى العقل والقلب بأمانة فلن يكون إيمان بالخالق سبحانه ولا إيمان بالحق
إن بديع صنع الله وجميل خلقه للإنسان يدعو هذا الحواس التي ترى هذا وتلمسه إلى أن تهتدى إلى الإيمان وإلى الحق وإن جمال مخلوقات الله وبخاصة الإنسان الذى كان حيوانا منوياً لا يرى ثم صار في رحم أمه إنسانا متكامل البناء !!! والذي يرى في تلك الأرض التي كانت هامدة قاحلة ثم أنزل الله سبحانه عليها الماء فأنبتت وأزهرت ونفعت إن كل ذلك من الجمال الحسى الذى تدركه الحواس فيؤدى بصاحبه إلى تأصيل الإيمان وتحقيقه قال الله تعالى ﴿ يأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ٢
و من الجمال الحسي الذي يدركه البصر والسمع قول الله تعالى و الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهى تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا فى ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير ۳
1 سورة البقرة ١٦٤
سورة الحج ٥
۳ سورة الملك - ۱۱
۳۰۹

إن هذا النظر والتأمل في بديع صنع الله سبحانه في خلق الإنسان وما خلق من السموات والأرض والأجرام إن هذه الدعوة إلى هذا التأمل والنظر في هذا الجمال هي الخطوة الأولى للتربية الجمالية عند الإنسان لأنها توقظ عنده الحس الجمالي وتهيئ نفسه لأن تمارس الجمال وتحاول أن يحيطها من كل جانب حتى تكون الحياة أكثر جمالا وأكثر راحة للإنسان الذي كرمه الله
الأساس الثانى العمل على أن يكون الجمال هدفا للإنسان بأن يعمل على تحقيقه في ذاته خُلُقا وسلوكا وعملا وتعاملا مع الناس وما دام الجمال ـ كما أسلفنا عند علماء المسلمين - يكون في الصورة وتركيب الخلقة ويكون في ! الأخلاق الباطنة ويكون في الأفعال فإن الإنسان قادر ـ بعد هذا التأمل والنظر في مخلوقات الله - أن يجعل من أهدافه أن يكون هو جميلا في صورته من حيث نظافته وطهارته وملبسه ومسكنه ومطعمه ومشربه بحيث يبدو دائما جميل الشكل والصورة باعثا من يراه على أن يسر به ويرضى عنه ويحاول أن يأنس به إن جمال الصورة يبدأ بالنظافة والطهارة لكنه لا ينتهى حتى يكون هناك تناسق و تلاؤم بين أجزاء هذه الصورة وما يتعلق بها من شكل وملبس ومسكن وصمت و کلام وحركة وسكون
إن الجمال في كل ذلك يخضع دائما لما أقرته مفردات الشريعة في هذه الأمور فالشكل من ملبس ومسكن ومطعم ومشرب مشروط بألا يصاحبه إسراف أو مخيلة والكلام والصمت والحركة والسكون مشروط فيها السكينة والوقار والبعد عن الصخب والضجيج وشهوة الكلام ورفع الصوت إن هذا هو الجمال الحقيقي للإنسان في ذاته وفي كل ما يحيط به من أشياء
وأما جمال الأخلاق - وهو الهدف الثانى الذى تستهدفه التربية الجمالية في الإسلام - فهو في إجمال أن تكون هذه الأخلاق على الصفات المحمودة من العلم والحكمة والعدل والعفة وكظم الغيظ وإرادة الخير لكل أحد - هكذا قال أسلافنا العلماء بالإسلام
من
ولو شئنا أن نفصل هذا الإجمال بعض التفصيل لقلنا إن التأمل في أوائل آيات سورة المؤمنون والآيات الأواخر من سورة الفرقان وأواسط آيات الشورى ـ التي
۳۱۰

سنذكرها بعد قليل - تدلنا على تفصيل كاف الجمال الأخلاق الإسلامية
أما آيات سورة المؤمنون فهى و قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ۱
وأما آيات سورة الفرقان فهى وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما قل ما يعبأ بكم ربى لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما

وأما آيات سورة الشورى فهى فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض
بغير الحق أو لئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ۳
۱ سورة المؤمنون ۱ - ۱۱ سورة الفرقان ٦٣ - ٧٧ ۳ سورة الشورى ٣٦ - ٤٣
۳۱۱

وفي القرآن الكريم آيات عديدة تتحدث عن محامد الأخلاق وتدعو الناس إلى التحلى بها كما أن فيه آيات كثيرة تدعو إلى التخلى عن مساوئ الأخلاق وأما جمال الأفعال فهو وجودها ملائمة لمصالح الخلق وقاضية لجلب المنافع فيهم وصرف الشر عنهم وذلك أن مقاصد الشريعة - كما قال أسلافنا - إما ضرورية أو حاجية أو تحسينية في العبادات أو المعاملات
وقد اتفق علماؤنا على أن الضروريات أصل للحاجيات ومن المسلم به أنه ليس في الدنيا مصلحة محضة ولا مفسدة محضة ومقصود الشريعة في كليهما ما غلب منهما ولا بد من التنبيه إلى أن مقاصد الشريعة كلية وأبدية لا تتخلف أبدا ولا تختلف
باختلاف الزمان والمكان وبخاصة ما كان منها له صلة بالعقيدة والعبادة والأخلاق وكل ما أمرت به الشريعة فهو نافع للناس ومحقق لمصالحهم في الدنيا والآخرة وكل ما نهت عنه الشريعة فهو ضار بالناس ومفوت عليهم مصالح الدنيا والآخرة ولابد من التنبيه كذلك على أن الشريعة عندما كلفت الناس بالعبادة والعمل إنما كلفتهم في حدود ما يطيقون وما لا يشق عليهم وما لا حرج عليهم في ممارسته وأن الشريعة ما كلفت بهذه التكاليف إلا لكي تمتثل ولكى تخرج المكلف عن دائرة الهوى وأنها عندما تكلف بعمل فإنما تقصد أن يدوم عليه المكلف
ولابد كذلك
من
التأكيد على ! أن أحكام الشريعة هي المرجع في أعمال الظاهر وأعمال الباطن وأن الذين يدعون أن أعمال الباطن خارجة عن تكاليف الشريعة آثمون
ولا بد من التنبيه إلى أن الأصل في العبادات التعبد والتزام النص في حين أن الأصل في العادات التعليل والقياس وأن العادات لا تخلو من تعبد لله إذا عقدت النية على ذلك وكل تكليف شرعي لا يخلو أبدا من حق الله تعالى وهو طاعته والتقرب إليه بالاستجابة للعمل المكلف به كما لا يخلو من حق للعبد وحق العبد هذا إما عاجل في الدنيا وإما أجل في الآخرة
وهذا الحق العاجل للعبد - أى فعل العبد - على ثلاثة أقسام
أحدهما ما كان حقا خالصا لله تعالى كالعبادات فإذا طابق الفعل الأمر كان صحيحا وإن لم يطابقه كان غير صحيح
۳۱

والثاني ما كان مشتملا على حق الله وحق العبد وكان الغالب فيه حق الله والأصل فيه أن يطابق المأمور به
والثالث ما اشترك فيه الحقان وحق العبد هو الغالب والأصل فيه أن الشريعة تجيزه لأنها لا تأمر بما يضيع مصالح العباد
و من مقاصد الشريعة توضيح أن الدنيا تبذل فيها النعم من الله سبحانه لعباده لينالوها ويتمتعوا بها وليشكروا الله على نعمه فيجازيهم فى الدار الآخرة على ما شكروا أو كفروا من نعمه حسبما يتضح لنا ذلك من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ودليل ذلك قول الله تعالى فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم

1
إياه تعبدون ولا بد كذلك من التنبيه فى هذه الأفعال على أن صاحبها لا بد أن يوافق قصده لقصد الشارع الحكيم وكل فعل يقصد غير ما قصد الشرع فهو باطل وكل فعل لواحد من الناس يجوز له أن يسقطه ما لم يكن إسقاطه مخالفا للشرع ولكن ليس لأحد كائنا من كان أن يسقط حق الله تبارك وتعالى أو أن يحتال على ذلك لأن الحيل في ذلك ممنوعة بالكتاب والسنة والإجماع
هذه الأمور العامة إذا تقيد بها الإنسان ووافق فعله قصد الشارع الحكيم فذلك هو الفعل الجميل الذى يعود عليه وعلى الناس بالنفع والخير فى الدنيا والآخرة وما يتم له ذلك إلا إذا جعل الجمال هدفا له في أخلاقه وسلوكه وأقواله وأفعاله على نحو ما بينا آنفا بل إن الإسلام أمر باختيار جمال الأسماء للناس عند تسميتهم أو إطلاق أسماء أو ألقاب عليهم ورد ذلك في السنة النبوية أكثر من مرة
روى أبو داود بسنده عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماء كم وروى أبو داود بسنده عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله له غير اسم عاصية وقال أنت جميلة
وروى أبو داود بسنده عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده أن النبى قال له
۱ سورة النحل ١١٤
۳۱۳

ما اسمك قال حزن قال أنت سهل
وهكذا ينبغى أن يكون الإحساس بالجمال والرغبة في الحصول عليه حتى في اختيار الأسماء واختيار الأسماء فعل من الأفعال التي يمارسها الناس عندما يولد لهم فكان عليهم أن يختاروا أجمل الأسماء
الأساس الثالث الالتزام بالوسيلة أو الأسلوب الذي يرضى الله وهو الالتزام بأن يكون هذا الجمال الذى أصبح هدفا للمسلم في ذاته وقوله وفعله خاضعا للوسائل والأساليب التي يرضى الله عنها لخلوها مما يغضب الله لأن الشريعة أجازتها ومعنى ذلك أن الجمال ليس هدفا لذاته فيفتن به بعض الناس وإنما هو جمال موظف يحقق للفرد والجماعة مصلحة في الدنيا والآخرة
وإن كل الوسائل التي تتيحها الشريعة للوصول إلى أهداف بعينها لا بد أن تكون مشروعة ومعنى مشروعيتها ألا تشتمل على محرم والمحرمات في هذا المجال كثيرة
نذكر منها ما يلى
أ ـ أن بعض الناس عندما يرغب في أن يكون الكلام الذي يقوله جميلا قد يمارس في الحصول عليه وسيلة نهى عنها الشارع الحكيم مثل أن يتعاظل في كلامه أو يتكلف أو يسجع عن تعمد أو يتفيهق أو يتشدق وكل ذلك مما وردت أحاديث نبوية
بالنهي عنه ب ـ وأن بعض الناس وهو يحرص على أن يكون جميلا في شكله أو فيما يحيط به وعلى سبيل المثال فإن الحرص على جمال الملبس أو المطعم أو المشرب أو المسكن قد يوقع في الإسراف أو المخيلة وذلك منهى عنه في الشريعة بآيات وأحاديث كثيرة إن الإسلام وهو يربى الحس الجمالي عند الإنسان يحرص تماما على ألا ينمو هذا الحس على حساب القيم الأخلاقية وإنما يوجب أن ينمو موازيا وملائما لكل القيم التي دعا إليها الإسلام وحبب فيها
وإن التربية الجمالية فى الإسلام تعنى أن يكون الإنسان قادرا على تذوق ما في الحياة والكون من مظاهر الجمال ليحبها ويقبل عليها ويحاكيها فتتفتح بذلك حواس الإنسان على تلقى ما في الكون من جمال وتملأ قلبه بهذه المشاعر الكريمة التي تحس بهذا الجمال
فيزداد لذلك إيمانا على إيمانه لأنه تذوق جميل ما صنع الله
٣١٤

والقرآن الكريم حافل - كما قدمنا آنفا - بما يغذي هذه الحواس وينميها وأوضح ما يكون ذلك فيما تدركه حواس الإنسان من مرئيات ومذوقات و مشمومات و مسموعات ففى القرآن الكريم من الألوان ما لا يشبع الإنسان من التأمل فيها بل الاستمتاع بها كما في قوله تعالى ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ۱
وفي القرآن الكريم عرض لبعض المذوقات كقوله تعالى و وفى الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون
وقوله سبحانه وتعالى وهو الذى مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا و حجرا محجورا ۳
وفي القرآن الكريم عرض لبعض المشمومات التى إذا تركت لطبيعتها تغيرت روائحها فأصبحت كريهة ولكن الله سبحانه وتعالى أراد لها أن تظل طيبة الرائحة على سبيل الإعجاز قال الله تعالى و أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ٤ ويتسنه أى
يفسد وتتغير رائحته
وكقوله تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ٥ وفي القرآن الكريم من المسموعات آيات كريمة منها قوله سبحانه وتعالى جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ﴾ ٦
۱ سورة فاطر ۷ - ۸
٤ سورة البقرة ٢٥٩
سورة الرعد ٤ ٥ صورة محمد ١٥
۳ سورة الفرقان ٥٣ ٦ سورة مريم ٦١ - ٦٢
۳۱۵

وقوله جل وعلا واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج إنا نحن نحيى و نميت وإلينا المصير
۱
وقوله عز وجل وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهى تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ٢
إن اشتمال القرآن الكريم على ذلك كله ليوحى إلينا بأن هذه الحواس منافذ للمعرفة والعلم وأن من صالح الإنسان في دينه ودنياه ألا يستعمل هذه الحواس إلا فيما أحل الله سبحانه وذلك هو ترشيد الوسائل التى يلجأ إليها الإنسان وهو يحاول أن يحصل على الجمال فى نفسه وفى حياته
۱ سورة ق ٤١ - ٤٣
سورة الملك ٦ - ٨
٣١٦

الفصل السادس
التربية الاجتماعية
۱ - مفهوم التربية الاجتماعية
التربية الاجتماعية تعنى توضيح موقف الإنسان وتحديده بدقة من الجماعة التي يعيش معها صغيرة كانت هذه الجماعة - كالأسرة - أو كبيرة – كالمجتمع - أو كبرى -
كالعالم كله كما تعنى توضيح علاقة هذا الإنسان بالكون والبيئة وما يحكم هذه العلاقات من نظم اجتماعية كالدين والأسرة والأخلاق والسياسة والاقتصاد والثقافة والفكر وأنواع السلوك والعادات والتقاليد والأعراف
كما أن التربية الاجتماعية تهتم بتحديد القواعد التي تضبط لدى الناس سلوكهم الاجتماعي الذي يسهم في استقرار الحياة الاجتماعية واستمرارها على النحو الذي يحقق لهم الأمن والرخاء
وإن التربية الاجتماعية عند المسلمين تعنى تحديد النظم الاجتماعية بعامة كما تعنى إقرار هذه النظم فى المجتمع وإلزام الناس بها تقربا بذلك إلى الله تعالى وحصولا على مصالح الدنيا والآخرة
وإن النظم الاجتماعية الإسلامية التي تعنى التربية الاجتماعية بتحديدها تتناول كل ما له علاقة بالإنسان المسلم من حيث أنشطته التي يمارسها فردا في جماعة أو عضوا في مجتمع بدءا من معتقداته وأفكاره وقيمه الأخلاقية التي يجب أن يتبناها ويعمل وفقها ومضيا مع كل ما يمارسه الإنسان من قول وصمت وعمل وترك وتعامل مع أسرته وأقاربه وجيرانه وتعامل مع غير المسلمين
إن التربية الاجتماعية الإسلامية تعنى بكل ذلك وتحدده بدقة لا على أنه دراسة وصفية تفسيرية تقارن بين المجتمعات فى مختلف الأزمنة والأمكنة للتوصل إلى قوانين التطور التي تخضع لها هذه المجتمعات الإنسانية فى تقدمها وتغيرها ـ كما يفعل علم
۳۱۷

الاجتماع - وإنما تحددها على أساس أن الوحى قد جاء بها وفصلها وأوضح أنماط السلوك التي يجب أن يسلكها المسلم في حياته كلها أملا في تحقيق مصالح دينه ودنياه كما أن التربية الاجتماعية الإسلامية لا تعتمد في مجال الضبط الاجتماعي لسلوك
الإنسان على الرقابة التي يتخذها المجتمع ليلزم الإنسان بالتصرف وفق المعايير التي حددها المجتمع سواء أكان ذلك في شكل حكومة أم قانون أم رأى عام لا تعتمد على ذلك وحده وإنما تعتمد قبل ذلك ومع ذلك على تنمية الإحساس لدى الإنسان بوجود الله سبحانه ومراقبته له - فإن لم تكن تراه فإنه يراك - وهذا الإحساس بتلك المراقبة مع الالتزام بما أوضحه الإسلام من حلال وحرام هو الذى يجعل الضبط الاجتماعي لسلوك الإنسان المسلم أكثر فعالية لأنه نابع من سلطة داخلية فى نفس الإنسان وليس نتيجة لرهبة من سلطة خارجية تتمثل في القانون أو العرف أو الشرطة مثلا
إن ذلك فارق حاد فى الضبط الاجتماعي بين التربية الاجتماعية الإسلامية والضبط الاجتماعي الذي يقرره علم الاجتماع كما أن التربية الاجتماعية الإسلامية تعمل على أن توقظ في الإنسان المسلم حبه للانتماء والاندماج في أمته الإسلامية الكبيرة على مستوى العالم الإسلامي كله لا مجرد الانتماء أو الاندماج في الأسرة وحدها أو النادي أو النقابة أو الحزب السياسي أو المجتمع الإقليمي المحلى وذلك أن المسلمين جميعا أمة واحدة أمة التوحيد أي عبادة الله وحده وفق ما شرع كما يحدثنا عن ذلك القرآن الكريم فى آيتين كريمتين هما قوله تعالى إن هذه أمتكم أمةً واحدة وأنا ربكم فاعبدون ۱ وقوله سبحانه وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ٢
أى أن الإسلام هو الدين الصحيح الذى يجب أن يحافظ عليه المسلمون وينتموا إليه ويعتزوا به ويصبحوا به أمة واحدة لأن الله تبارك وتعالى أبلغ الرسل جميعا أن ما أرسلهم به هو الدين الواحد الصحيح فى عقائده وأصول شرائعه وأن المؤمنين به أمة واحدة فى أى زمان وأى مكان إلى أن يقوم الناس لرب العالمين
كما أن التربية الاجتماعية الإسلامية هي وحدها - من خلال الكتاب والسنة ـ التي تتكفل بوضع الأحكام والأنظمة التى توضح للأفراد حقوقهم الاجتماعية من تعليم وعمل وعلاج وتأمين ضد كل ما يمكن أن يتعرض له الإنسان من متاعب أو معوقات وهي التي
۱ سورة الأنبياء ٩٢
سورة المؤمون ٥٢
۳۱۸

تقرر نوع المساواة بين الناس وحدودها وتؤكد العدالة وتكافؤ الفرص وتلزم بالواجبات وتعمل على تنفيذ الحدود والعقوبات بالنسبة للخارجين على هذه الآداب والأخلاق
إن التربية الاجتماعية الإسلامية تفعل ذلك من خلال الكتاب الكريم والسنة المطهرة أصلا وقد تستعين أحيانا باجتهادات أهل الفقه بالإسلام أو بإجماع أهل الدين والخبرة ولا تدع ذلك لمن يسمون أنفسهم مشرعين ويتجهون فى عملهم وما يتفقون عليه إلى الاستيحاء من النظريات والنظم والمبادئ المغايرة للإسلام أو المعادية له لأن التربية
الاجتماعية الإسلامية بهذه الأصول وقاية للمجتمع من هذا الانحراف وذاك الضلال التربية الاجتماعية الإسلامية تقف من المشكلات الاجتماعية - وهى المفارقات بين الواجب والواقع بالنسبة للأفراد وهى تمثل اضطرابا وبعدا عن الواجب - موقفا يختلف عن موقف علماء الاجتماع من هذه المشكلات
ونستطيع أن نوضح بعض أوجه الاختلاف فيما يلى
1 - أن المشكلة الاجتماعية عند المسلمين هى المفارقة بين الواجب الذي أوجبه الشرع والواقع الذي يمارسه بعض المخالفين لهذا الواجب
بينما يرى علماء الاجتماع - من الغربيين - أن المشكلة الاجتماعية هي المفارقة بين المستويات المرغوبة والظروف الواقعية بمعنى أنها تمثل اضطرابا وتعطيلا لسير الأمور بطريقة مرغوبة كما يحددها القائمون بدراسة المجتمع
- وأن الجماعة التي تنشأ بينها المشكلة الاجتماعية لدى المسلمين هي الجماعة الإنسانية كلها لأن الإسلام حدد للجماعة الإنسانية كلها وظيفة اجتماعية وألزمها بأدائها واعتبر هذا الأداء تقربا إلى الله ونيلا لحسن الجزاء كما اعتبر التقصير في الأداء موجبا لعقوبات مقدرة - حدود - فى الدنيا فضلا عما يوجبه من عقوبات
أخروية بينما ينظر علماء الاجتماع الغربيين إلى هذه الجماعة على أنها جماعة إقليمية تنفق فيما بينها على مستوى مرغوب فيه من السلوكيات - بغض النظر عن أن يكون هذا المستوى متمشيا مع جماعة أخرى معاديا لها ولمصالحها
٣ - وأن الإسلام لا يعفى حكومة أو راعيا مسئولا عن مسئوليته المباشرة أو غير المباشرة في هذه المشكلات الاجتماعية على اعتبار أنه لم يعمل على إزالة أسبابها أصلا
۳۱۹

أو على اعتبار أنه لم يضع لها العلاج الذى يقضى عليها ويظل الإسلام يتنزل بهذه المسئولية من الحاكم خليفة المسلمين حتى يصل بها إلى مجال الأسرة ـ أصغر كيان اجتماعي - فيرى المرأة مسئولة عن بيتها ومال زوجها وأولاده والولد مسئولا عن مال أبيه و هكذا أما علماء الاجتماع الغربيين فيكتفون بوصف المشكلة وتفسيرها وربما وصفوها وصفا دقيقا لكنهم لا يهتمون بوصف العلاج ولا بتحديد المسئول عن المشكلة ولا بمطالبة المسئولين بالعمل على حلها
إن هذه الفروق وغيرها بين التربية الاجتماعية الإسلامية وما يراه غير المسلمين في هذه التربية هى التى تضفى على التربية الاجتماعية الإسلامية إيجابية وحركة وقدرة على القضاء على أسباب المشكلات الاجتماعية قبل أن تحدث
إن التربية الاجتماعية الإسلامية وهى تعد التخطيط الاجتماعي ـ أي تصنع خطة تتعلق بالمواد والمؤسسات الاجتماعية لتلبية حاجات المجتمع الإنساني - تنظر إلى ذلك بنفس العمق والشمول الذى لا تقبل به أو معه أن تتعادى المجتمعات الإقليمية في تلبية حاجاتها كما أن التربية الاجتماعية الإسلامية تنظر بنفس العمق والشمول لهذه الحاجات فترتبها ترتيبا منطقيا من جانب وتتوسع فيها من جانب آخر
أما الترتيب المنطقى لهذه الحاجات فحيث تبدأ بحاجة الإنسان إلى العقيدة الصحيحة في الخالق سبحانه وعبادته وفق ما شرع وخلافته على هذه الأرض وضرورة تعارفه على الناس جميعا وتعاونه وتكافله وتناصره وتواصيه بالحق والصبر مع المؤمنين من أمثاله
وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وجهاده في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا
وأما التوسع في تحديد هذه الحاجات فإنه وإن بدأ بحاجات الإنسان الفردية من مطعم ومشرب وملبس ومسكن وتعليم وعمل وثقافة وحق ثابت له في التعبير عن رأيه ومعتقده و ممارسة عمله ومشاركته في بناء أسرته ومجتمعه المحلى ومجتمعه الإقليمي ومجتمعه الإسلامى العالمى فإنه يضع على رأس قائمة هذه الاحتياجات مفاهيم تكاد تكون جديدة
على البشرية كلها قديما وحديثا
وهذه المفاهيم في تصوري هي
أولا أن كل مسلم في المجتمع مطالب من قبل الشرع بأن يدعو إلى الله إلى الحق
۳۰

والهدى إلى هذا الدين الخاتم التام الكامل وأن هذه الدعوة تعتبر من حاجاته الأساسية أن يؤمن نفسه وغيره فى الحاضر والمستقبل في الدنيا والآخرة ضد
لأنه بها يستطيع
الأخطار وضد المشكلات الاجتماعية من أى نوع وعلى أى مستوى كانت إن القرآن الكريم يحكى على لسان خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم و قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين ۱ فالدعوة إلى الله حاجة أساسية من حاجات المؤمن السوى ومعنى ذلك أن الدعوة إلى الله هى السبيل لكل من اتبع محمدا لله بشرط واحد هو أن يكون على بصيرة بما يدعو إليه وليس شيء أقدر على تطهير المجتمع من كل ما يسيء إلى الناس أو يوقعهم في الضرر من الدعوة إلى الحق والخير والهدى

ثانيا أن كل مسلم في المجتمع مطالب من قبل الشرع بألا يكتفى بأن يمارس عمل الخير أو عمل الدعوة وحده وإنما الأصل أن تتضافر جهوده مع جهود إخوانه من المسلمين من مبدأ أن يد الله مع الجماعة ومن منطلق أن التكاليف الفردية في الإسلام هي أيسر التكاليف وأبسطها وأن التكاليف الجمعية هي التي تحتاج إلى تضافر الجهود وتضام الصفوف والتعاون والتكافل والتناصر في ظل التآخي في الإسلام ويتأكد ذلك عند التأمل فى القرآن الكريم الذى تردد فيه كثيرا مطالبات لسد الاحتياجات ترددت بصيغة الجمع لا بصيغة المفرد كقوله تعالى ﴿ يأيها الناس يأيها الذين آمنوا اعبدوا ربكم وافعلوا الخير وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كتب عليكم وأحسنوا وقل اعملوا و قل أطيعوا الله إن هذه الصيغ تكررت في القرآن الكريم مئات المرات وما ذلك إلا لأن الأصل في المسلمين أن يكونوا جماعة وأن يخاطبوا خطاب الجماعة ويعملوا عمل الجماعة ويلتزموا بآداب عمل
الجماعة
إن التربية الاجتماعية في الإسلام تعد لكل إنسان في المجتمع الأسلوب الذي يناسبه وتعترف بواقعه وتعمل على تحسين هذا الواقع بجعله مطابقا لما أمره الله به وإن الدعوة إلى الله تتدرج بذلك من الضلال إلى الهدى
۱ سورة يوسف ۱۰۸
توسعنا في الحديث عن وجوب الدعوة إلى الله ومكانتها في كتابنا الموسع فقه الدعوة إلى الله نشر دار الوفاء
١٤١١هـ - ۱۹۹۰ م
۳۱

فهي دعوة تتجه إلى غير المؤمنين ليدخلوا ساحة الإيمان وتتجه إلى المؤمن غير المسلم ليدخل في واحة الإسلام وتتجه إلى المؤمن المسلم العاصى ليدخل في رياض الطاعة
وتتجه إلى المؤمن المسلم الطائع ليكون في دار الأمن مع الجماعة فيأمن أن يأكله الذئب وهو شارد عن الجماعة
وتتجه إلى المؤمن المسلم الطائع العامل في الجماعة ليذوق لذة الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر
وتتجه إلى المؤمن المسلم الطائع العامل في الجماعة الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ليكون في صفوف المجاهدين فى سبيل الله حتى تكون كلمة الله هي العليا ولا يعبد غير الله في الأرض
إن التربية الاجتماعية الإسلامية في كلمات هي
رفض الخضوع للحتمية الاجتماعية ورفض الانخداع بالحرية الاجتماعية إذ هي وفق التشريع الإسلامي استواء للاجتماعية الإنسانية في أكمل صورها
۳

- كيف يربي الإسلام الإنسان الاجتماعي
ليس من المبالغة في شيء القول بأن الإسلام وحده هو الذي نظم العلاقات الاجتماعية بين الناس بأسلوب لم يسبق إليه ولم يلحق فيه ليس ذلك من المبالغة لأنه حقيقة أصبح غير المسلمين يعترفون بها على الرغم من أن بعضهم يضمر بعض الشر والحقد على
الإسلام وهم يعترفون بهذه الحقيقة
ومن أمثلة أولئك الكتاب الغربيين الذى اعترفوا بذلك أوجست كونت الفيلسوف الوضعي الذي لا يقيم وزنا يذكر لكل القضايا المتعلقة بالإيمان والروح هذا الفيلسوف يؤكد أن الإسلام قد وجهت إليه حملات الحقد والتشويه من كتاب الغرب يؤكد في كتاب له شهير بين علماء الاجتماع هو نسق السياسة الوضعية
حيث قارن في كتابه ذاك بين الأديان بمنظار وضعى بحت إنه يعترف أولا بأنه لن يشارك في الحملة المفتعلة المسعورة ضد الإسلام فى الغرب دون معرفة بأعماقه الحقيقية وأنه لن ينساق كما انساق ديدرو diderot في حكمه على الإسلام إذ أن حكمه لا يخلو من التعنت ۱
كما يؤكد أوجست كونت اجتماعية الإنسان المسلم بحيث لم يلحق بهذه الاجتماعية دين أو نظام فى كتاب له آخر عنوانه محاضرات في الفلسفة الوضعية
حيث يقول
في الوقت الذى كان الغرب المسيحى مشغولا بقضايا لا هوتية عقيمة تخدر العقل ولا تنشطه كان العالم الإسلامي ينفتح على العلم والمعرفة والفنون وبالتالي أصل اجتماعيته جنباً إلى جنب مع روحانيته
إن التفوق الاجتماعى وأهميته فى التعاليم الإسلامية أهلت المسلم ليكون أكثر صلاحية من غيره اجتماعيا وأهلته للعالمية حاول الإسلام أن يحد من سلبية القضايا التى يواجهها فكريا وذلك بمناقشته
الصريحة
وحينما نتكلم عن تقهقر الإسلام فإنما الأولى أن نتحدث عن تقهقر المسلمين حين ۱ د رشدی فکار تأملات إسلامية في قضايا الإنسان والمجتمع ص ۱۱۷ نشر وهبة القاهرة ١٤٠٧ هـ ـ
۱۹۸۷م الطبعة الثانية
۳۳

اشتغالهم بأمور ثانوية أبعدتهم عن تعميق تجاربهم الناجحة في ماضي التاريخ وتكيفها مع طبيعة عصر اليوم عن طريق الاجتهاد العلمى فى واقع المجتمع ومعطياته الحالية بل هذا ما ينصح به الإسلام
لقد سد الإسلام فراغا كبيرا فى الميدان الاجتماعي بالنسبة لتطور الإنسانية وقدم الكثير وفاق ما قدمته بيزنطة
وركزت العبقرية الإسلامية نشاطها فى تنظيم المجتمع وحكمه وإدارته وقالت بصدارة العلوم والفنون فأكدت بذلك أصالة الإنسان اجتماعيا ۱
إن الإسلام قد وضع أحسن الأسس للاجتماع الإنساني بحيث لم يسبق إلى ذلك بدين أو نظام ولم يلحقه في ذلك أيضا دين أو نظام
إن القرآن الكريم قد أقر من المبادئ الاجتماعية ما يمكن من بناء الإنسان بناء صحيحا ويمكنه من التجاوب والتكيف مع الحياة الإنسانية فى ظل الأسرة والجماعة والمجتمع والأمة الإسلامية بل البشرية كلها على مستوى الزمان والمكان
وليس هنا في هذا الكتاب مجال لتفصيل ذلك وإنما مكان ذلك في كتاب لنا يحمل عنوان المجتمع الإسلامي ونكتفى هنا بإشارات خاطفة تؤكد ما نذهب إليه من أن التربية الاجتماعية من الأسس الإسلامية التي يجب أن يربي وفقها كل مسلم
وعلى سبيل المثال
فإن الأسرة في الإسلام الأبوين والأبناء هى الوحدة الأولى التي يتكون منها المجتمع المسلم وقد أحاط الإسلام الأسرة بنظم اجتماعية تميزت بصلاحيتها وواقعيتها وقدرتها على تلبية حاجات الإنسان والمجتمع وفى الوقت نفسه ألزم المسلمين بهذه
النظم ولم يسمح لأحد أن يخرج عليها لما لها من أهمية وفاعلية وقدرة على تحقيق
مصلحتى المعاش والمعاد
وإن أهم نظام من نظم الأسرة بل أول نظام هو الزواج فقد أحاط الإسلام هذا النظام بكل أسباب النجاح والاستمرار والكفاءة والقدرة على أداء الوظيفة الاجتماعية له
۱ السابق ۱۱۸
كتاب يناقش بتوسع خصائص المجتمع الإسلامي وعناصر تكوينه وأهدافه وما يشتمل عليه من أخلاق و آداب - تسأل الله العون على إكماله
٣٢٤

إذ قد حدد للرجل والمرأة على السواء معايير الاختيار ويكاد يكون قد حصرها بالنسبة للطرفين في الصلاح والتقوى أولا فإن وجد معهما ما يرغب أحد الطرفين في الآخر من مال أو جمال أو حسب فذلك من فضل الله
فقد قال رسول الله يخاطب الرجال في الحديث الشريف الذي رواه الترمذي بسنده عن جابر رضي الله عنه عن النبي الله قال إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك
وقال رسول الله له يخاطب المرأة أو أولياءها في الحديث الشريف الذي رواه الترمذي بسنده عن أبي حاتم المزنى رضى الله عنه قال قال رسول الله إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد قالوا يارسول الله وإن كان فيه قال إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه
ثلاث مرات
وكان موقف القرآن الكريم من الأسرة موقفا يضمن لها الاستقرار والرضى بما أوضح لها من الحقوق والواجبات بين الزوجين وبما نظم لأمر الطلاق والخلع وتعدد الزوجات بأسلوب تأمن معه الأسرة أى قلق أو اضطراب ۱ وكذلك كان الأمر في الأبناء وكل من يعيش في كنف الأسرة المسلمة
إن كل العيوب الاجتماعية التي كانت تحيط بنظام الأسرة قبل ظهور الإسلام قد عمل الإسلام على تحرير الأسرة منها كما أن كل الميزات والفضائل التي تحقق للأسرة حياة سعيدة هانئة في الدنيا والآخرة قد ألزم الإسلام بها وجعل الخروج عليها إثما ومعصية وسببا في استحقاق العقاب فى الدنيا الحدود والتعزيرات وفي الآخرة بما شاء
الله
وإن إلزام الإسلام الناس بهذه النظم الاجتماعية للأسرة عن طريق الإقناع أولا ومراقبة الله ثانيا وخضوعا للقانون وما يتضمنه من حدود وتعزيرات ثالثا هو بعينه التربية الاجتماعية للإنسان الاجتماعي
إن الإنسان المسلم لا يستطيع أن يسيء اختيار زوجته فيخالف المعايير التي وضعها
۱ فصلنا هذا في كتابنا المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله نشر دار الوفاء ١٤١١ هـ ١٩٩١ م انظر الباب الثاني بفصليه والفصل الثاني من الباب الرابع إن أردت التوسع
٣٢٥

الإسلام للاختيار بدعوى أنها مسألة تخصه لأن هذه الخصوصية لابد أن تخضع لتلك المعايير وإلا دخل دائرة الإثم والحرج كما أن الزوج المسلم لا يستطيع أن يهضم زوجته شيئا من حقوقها ولا يجوز له ذلك شرعا ولكنه يستطيع أن يتنازل هو عن بعض حقوق نحوها فيكون من خيار المسلمين إذ أصبح بهذا التنازل خيرا لأهله والحديث الشريف الذي رواه البيهقي في شعب الإيمان بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي قال خيركم خيركم لنسائه وبناته كما لا تستطيع الزوجة المسلمة أن تقصر في واجباتها نحو زوجها وإلا دخلت دائرة الإثم والحرج وإنما تستطيع أن تتنازل عن شيء من حقوقها نحو زوجها فيكون ذلك في میزان حسناتها بهذه السماحة
والأب المسلم لا يملك ولا يجوز له أن يهمل في تربية أبنائه ولا في ير أرحامه وأقاربه
ولو فعل فقد خالف الله ورسوله بتنكبه للنظم الاجتماعية الإسلامية والمسلم لا يجوز له أن يجر على أسرته بسوء تصرفه فى نفسه أو ماله أي شيء يضر بالأسرة فى حاضرها أو مستقبلها ولو فعل فقد عصى الله ورسوله بخروجه عن النظم
الاجتماعية الإسلامية
إن النظم الاجتماعية الإسلامية للأسرة قد أحاطت الأسرة بسياج متين من الأخلاق الفاضلة وألزمت به كل أفراد الأسرة ابتداء بأدب الاستئذان وأدب غض البصر وأدب الاختلاط بين النساء والرجال وأدب تحمل مسئولية الأسرة وانتهاء بالالتزام بكل ما أمر الإسلام به أو حبب فيه
وتلك هى التربية الإسلامية الاجتماعية التي لا تضاهي
ولم يقف أمر التربية الاجتماعية الإسلامية عند حد الأسرة بل تجاوز ذلك متوسعا ليشمل الجماعة - وهي مجموعة من الناس تربطهم روابط خاصة - وليشمل المجتمع كله إذ عمد الإسلام إلى تطهير الجماعة والمجتمع من كل عيب أو آفة تسىء أو تضر بالجماعة والمجتمع وذلك من خلال صفات أخلاقية حاربها الإسلام وأخرى أقرها الإسلام وألزم بها ومن خلال أقوال وأفعال وعادات أمر بها أو ندب إليها وأخرى حرمها أو كره فيها إن الإسلام صنع هذا وذاك ليضمن للجماعة والمجتمع علاقات طيبة تؤدى إلى التعاون والتراحم والتناصر والتكافل
٣٢٦

بل إن الإسلام من أجل المحافظة على الجماعة والمجتمع ألزم الأفراد جميعا بالدعوة إلى
الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل الجمعى المنظم والجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ولينتشر دين الله ويتحاكم إليه عباد الله
إن قائمة الفضائل الاجتماعية التي جاء بها الإسلام طويلة طويلة لا نستطيع أن نحصيها فى هذا الكتاب ۱ من صدق وأمانة وعفة وعدل وإحسان واستقامة وإنما نقول إجمالا إن الإسلام قد أمر بكل خير وبكل معروف وبكل ما يحقق للإنسان مصالحه في
الدنيا والآخرة وإن قائمة الرذائل الاجتماعية التي نهى عنها الإسلام طويلة طويلة كتلك لا نستطيع أن نحصيها فى هذا الكتاب ولكن يمكن أن نشير منها إلى الكذب والنفاق والفسق والزور والبهتان والظلم والعدوان والزنا والسرقة وشرب الخمر والتجسس والغرور والتكبر ثم نقول إجمالا إن الإسلام قد نهى عن كل شر ومنع كل ضرر وقاوم كل منكر وكل ما يجلب على الإنسان ضررا في دينه أو دنياه
إن هذه القوائم للفضائل والرذائل التي أوضحها الإسلام تستطيع ـ إذا التزم بالفاضل منها واجتنب الرذل منها ـ أن تؤكد في نفوس الناس وعقولهم وأقوالهم وأفعالهم تلك الروح الاجتماعية الإسلامية حيث لا تكون التربية الاجتماعية الإسلامية أوقع ما تكون وأنجح ما تكون إلا إذا أحيط المتربي وفقها بأسلوبى الإثابة على الطاعة والعقوبة على المخالفة والمعصية فهكذا ربي الإسلام الإنسان الاجتماعي بين هذين الحدين فكان بذلك يقر أكمل نظام وأحسنه الحاضر هذا الإنسان ومستقبله ودنياه وآخرته وسوف نتحدث في هذا الجانب من تعرفنا على كيفية تربية الإسلام الاجتماعية على
أمرين نراهما هامين وهما
أ - النظم الاجتماعية الإسلامية
ب - والدعائم التي تقوم عليها هذه النظم
ومن أجل عدم الإسهاب فى هذا الكتاب ۳ رأينا أن نقصر البحث على النظم
۱ سوف نفصلها بحول الله في كتابنا المجتمع الإسلامي الذي تعده وسأل الله العون على إكماله ۳ سوف نولي هذين الأمرين مزيدا من الأهمية في كتابنا المجتمع الإسلامي الذي أشرنا إليه من قبل
۳۷

الاجتماعية والدعائم التي تقوم عليها في سورة واحدة من سور القرآن الكريم وهي سورة
النساء - لنقدم بذلك برهانا على صحة ما نقول ودقته والله المستعان
أ النظم الاجتماعية الإسلامية
إن سورة قرآنية واحدة هي سورة النساء قد جمعت من هذه النظم الاجتماعية للإنسان ما لا يستطيع قانون أو نظام أن يجمعه فضلا عن أن يحيط به ولله المثل
الأعلى
إن سورة النساء وهي السورة الرابعة في ترتيب المصحف الشريف التي نزلت بالمدينة المنورة بعد أن استقر المسلمون فيها وأقاموا مجتمعا متميزا عن مجتمع أهل الشرك والكفر والجاهلية وعن مجتمع أهل الكتاب من يهود ونصارى ممن يكتمون الحق ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا وهؤلاء أولئك من أهل الكتاب وغير أهل الكتاب قد عرضوا المجتمع المسلم لكثير من أنواع الابتلاء والأذى
هذه السورة القرآنية الكريمة قد اشتملت على النظم الاجتماعية الإسلامية التالية - حسب ترتیب آيات السورة الكريمة -
١ ـ تأكيد أن الناس جميعا قد خلقهم الله من نفس واحدة وأن العلاقة بينهم تقوم على قاعدة الأسرة التي تعطف الأرحام بعضهم على بعض وفي ذلك تنظيم أحسن تنظيم للعلاقات الاجتماعية الآية الأولى من السورة
- والوصاة القوية البالغة باليتامى والتحذير الشديد من ظلمهم أو الاحتيال على أكل أموالهم أو شيء منها الآيتان ٢ ٣
٣ ـ وتأكيد حق الزوجات فى حياة أسرية عادلة تظللها الرحمة وتتبادل فيها المودة والمشاعر الطيبة الآية ذات الرقم ٤
٤ ـ والمطالبة بتحصين الأموال من أن توضع في أيدى السفهاء لأن المال في حقيقته ملك للمسلمين عموما وبخاصة إذا كانت الأموال أموال يتامى الآيتان ٥ ٦
ه - وتنظيم نقل الملكية من المورث إلى الورثة - رجالا ونساء وصغارا وكبارا وأصحاب فروض وغيرهم ـ وتوضيح نصيب كل واحد من هؤلاء الورثة الآيات من ٧ -
۳۸
·12

- وحماية المجتمع من فاحشتى الزنا واللواط مع تحديد بشاعة هاتين الجريمتين وتوضيح للتوبة عنهما الآيات من ١٥ – ١٨
ـ وتأكيد احترام المرأة بإعطائها حقوقها المالية وإحسان عشرتها ووضع نظام لطلاقها أو مفارقتها بسبب مشروع الآيتان ۱۹ ۱
۸ - وتحديد المحرمات من النساء على الرجال في علاقة الزواج الآيات من -۸ ٩ - وتأكيد وجوب احترام الناس للأموال وتحديد أسباب دخول هذه الأموال في ذمة المسلم وتهديد من لم يلتزم بذلك فإنه يعتبر عندئذ معتديا على حدود الله ونظامه الآيات من ۹ - ۳۱
١٠ ـ واحترام الحقوق التي أقرتها الشريعة للرجال والنساء وتأكيد أن القوامة في الأسرة للرجل حتى تستقر الحياة الأسرية مع ضرورة الالتجاء إلى الوسائل التي تقضى على الخلافات الأسرية الآيات من ٣٢ - ٣٥
١١ ـ والتأكيد على ضرورة التزام المسلمين بعدد من الآداب والأخلاق الإسلامية بعد تحقق الإيمان فيهم بعبادة الله وحده مثل
الإحسان إلى الوالدين وذوى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن
السبيل وما ملكت اليمين
ومقاطعة البخل وتشجيع الإنفاق في سبيل الله لا رياء للناس
والامتناع عن شرب الخمر
والتطهر من الجنابة
- ومشروعية التيمم عند فقد الماء حقيقة أو حكما
وعدم الاغترار بموقف الضالين من أهل الكتاب الذين يحرفون كلام الله ويزكون أنفسهم ويكذبون على الله ويشجعون الوثنيين على وثنيتهم كراهية في
الإسلام
والمقارنة بين الكافرين بآيات الله والمؤمنين بها
۳۹

والأمر بأداء الأمانة إلى أهلها
والأمر بالعدل بين الناس
- والأمر بطاعة الله ورسوله والرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله عند الاختلاف ـ وتوضيح صفات المنافقين في المجتمع وتأكيد أنهم بهذا النفاق يظلمون أنفسهم وبيان أن باب التوبة مفتوح أمام الناس أجمعين وأن طريقها هو طاعة الله ورسوله الآيات من ٣٦ - ٧٠
۱ ـ وتوضيح آداب الجهاد في سبيل الله وهدفها والمشاركين فيها وتحديد أنواع من يقاتلهم المسلمون فيها والتشجيع على تحمل أعباء القتال في سبيل الله وترك الخوف أو الجزع من ذلك لأن في كل ذلك إقرارا للحياة الاجتماعية الجيدة
الآيات من ۷۱ - ۷۸ ۱۳ - وتأكيد أن ما أصاب النبي الله أو ما يصيبه وأصحابه من حسنة فمن الله وما أصابهم من سيئة فمن أنفسهم وأن طاعة الله ورسوله تباعد بين الإنسان والسيئات وأن التردد عن ممارسة هذه الطاعة يعرض المترددين لعقاب الله مع أنه لا مجال للتردد لأن الحجة الناصعة وهى القرآن الكريم ماثلة أمام أعينهم الآيات
من ۷۹ - ۸۳
١٤- ومطالبة النبى الله والمسلمين بالقتال في سبيل الله ومطالبة النبى بتحريض المسلمين على القتال الآية ٨٤ ١٥ ـ وتعليم المسلمين التعامل مع المنافقين وبيان جزاء كل منهما عند الله الآية ٨٥
١٦ ـ وتعليم المسلمين أدب التحية وإلزامهم بهذا الأدب وتوضيح أ سيحاسبكم على أخذكم بما أمركم به الآيتان ٧٦ - ٨٧
أن الله سبحانه
۱۷ - ووضع نظام لا يسمح بالانخداع بالمنافقين مهما أظهروا من صفات ورفض اتخاذ الأنصار منهم حتى يخرجوا عن نفاقهم فإن لم يخرجوا قوتلوا كغيرهم ممن يجب قتالهم الآيات من ۸۹ - ۹۱
۱۸ ـ وتحريم قتل المؤمن للمؤمن عمدا فإن قتله خطأ كانت عليه الدية تسلم إلى أهله مع تنظيم دفع الدية وعقاب من لم يستطع دفعها لفقره بتحرير رقبة أو صيام شهرين متتابعين
۳۳۰

الآيات من ٩٢ - ٩٤
١٩ - وتأكيد أن الجهاد في سبيل الله مع الاحتراس من قتل من لا يستحق القتل فضله
عند الله عظيم وما ينبغى أن يقعد عنه قادر عليه الآيتان ٩٥ ـ ٩٦
٢٠ ـ وتعليم المسلمين أن يرفضوا العيش فى ذل أو مهانة فإن فرض عليهم ذلك ولم يستطيعوا مقاومته فعليهم أن يهاجروا إلى دولة مسلمة أخرى ليعيشوا في ظلها أعزة كراما ومن لم يهاجر وصبر على الذل عاقبه الله ما لم يكن ضعيفا لا يستطيع حيلة وتأكيد أن من يهاجر في سبيل الله طلبا لإحقاق الحق ثم يموت دون ذلك فإن أجره عند الله عظيم الآيات من ۹۷ - ۱۰۰
۱ - وتعليم المسلمين صلاة الحرب أو صلاة خوف العدو أثناء الحرب في سبيل الله ونظام هذه الصلاة ومتابعة الحرب بعد أدائها وتحمل آلام الحرب في سبيل الله
الآيات من ١٠١ - ١٠٤
- وتأكيد أن الله سبحانه أنزل القرآن الكريم العالى ولرسوله ليحكم به بين الناس بالعدل الذي أوجبه الله ولا يدافع أحد عن خائن مهما حاول أن يخفى خيانته ولو دافع عنهم أحد فى الدنيا فمن سيدافع عنهم أمام الله في الآخرة وأن من أخطأ في شيء من ذلك فباب التوبة مفتوح الآيات من ١٠٥ - ١١٠
٢٣ ـ وتوضيح أن مرتكب الذنب يضر نفسه بتعرضه لعقاب الله سبحانه وأن من الذنب العظيم أن يأتى الإنسان خطاً ثم يتهم به بريئا أى إقرار شخصية الجريمة الآيتان
۱۱ ۱۱۱
٢٤ ـ وطمأنة النبي له أن ما أنعم الله به عليه من الوحى هو الذي يحول بينه وبين خيانة أعدائه له أو إضرارهم به وبالمسلمين لأن الوحى علم وحكمة الآية
۱۱۳
٢٥ - وإقرار مبدأ أن الذين يحدثون أنفسهم بالشر دون أن يظهروا ذلك لا خير فيه وإنما الخير في التحدث بالصدقة أو العزم على القيام بعمل لا ينكره الشرع أو تدبير عمل يؤدى إلى الإصلاح بين الناس الآية ١١٤
٢٦ ـ وتأكيد أن من يكون في شقاق مع النبي الله فإنه يسلك غير سبيل المؤمنين وهذا
۳۳۱

مثله كمثل المشرك لا أمل له فى غفران الله له لأنه سبحانه يغفر كل شئ ما عدا الشرك به وأن هؤلاء المشركين أتباع للشياطين الذين يزينون لهم الشر وفى الآخرة جزاء الجميع جهنم الآيات من ١١٥ - ١٢١ ٢٧ ـ والتنبيه على أن المؤمنين الذين يعملون الصالحات لهم الجنة وعدا من الله وهذا الجزاء للمؤمنين أو ذاك الجزاء للكافرين ليس هو ما يتمناه الإنسان وإنما الذى يجلبه هو الإيمان والعمل الصالح وإخلاص الدين لله كما فعل أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام الآيات ١٢٢ - ١٢٦
۸ ـ والتأكيد على دعم أواصر الأسرة بتأكيد حقوق الزوجية وتأكيد حقوق الضعاف من البنات أو الولدان ـ وقد كان أولئك يظلمون فى ظل النظم الاجتماعية الجائرة
فأبطل الإسلام ذلك وإن حرص الإسلام على الروابط الوثيقة للأسرة ليؤكد تلك النظرة الاجتماعية الإسلامية التي لا تساويها نظرة أخرى
كما تؤكد النظم الاجتماعية الإسلامية أن للمرأة التى لا يعترف لها زوجها بكامل حقوقها وحقوق أسرتها أن تطالب بمجلس صلح مع زوجها يحضره أهلهما وأن يكون رائد الزوجين هو التسامح لتستمر الحياة الزوجية
ويطالب النظام الاجتماعى الإسلامى الرجل وهو الذي بيده عقدة النكاح أن يكون عادلا مع زوجته ما وسعه العدل ويحذره من الميل والهوى - ويؤكد أن الفرقة بين الزوجين لا تكون إلا بعد استحالة الاستمرار في الحياة
الزوجية
والتأكيد على أن هذه النظم الاجتماعية الإسلامية جزء من نظام الله سبحانه للكون كله وأنها وصاته لكل أهل دين وأن الذين يتحدون هذه النظم
فيستغنون عنها يعرضون أنفسهم لعذاب الله الآيات من ١٢٧ - ١٣٤ ۹ - والتنبيه على أن من أبرز النظم الاجتماعية في الإسلام ضرورة أن يلتزم كل إنسان بالعدل ولو كان ذلك على نفسه والأقربين إليه لأن ذلك هو أقوى دعامة تقوم
عليها الحياة الاجتماعية الإنسانية الآية ١٣٥
۳۳

٣٠ - والتأكيد على أن من أبرز النظم الاجتماعية الإسلامية الإيمان بالله ورسوله محمد والكتاب الخاتم الذى نزل عليه والإيمان بما أنزل الله من كتب وما أرسل من رسل وما تحدث عنه من ملائكة ويوم آخر وما فيه من بعث وحشر وحساب وأن هذا الإيمان بمفرداته تلك يجب أن يكون راسخا لا يتزعزع فإن تزعزع فإنما
يكون ذلك من كفر أو نفاق وله جزاء أليم الآيات من ١٣٦ - ١٣٨ ٣١ ـ وتوضيح أنه لا يجوز للمؤمنين أن يتخذوا أولياء من غيرهم ومن فعل منهم ذلك فكأنه يريد أن يعتز بهؤلاء مع أن الاعتزاز لا ينبغى أن يكون إلا بالله وحده الآية
۱۳۹
٣٢ ـ ومن النظم الاجتماعية البناءة في المجتمع أن يرفض المسلمون الاستماع إلى الذين يستهزؤن بما أنزل الله عندما يستمعون إليه فضلا عن أن يجالسوهم ومن فعل ذلك بأن استمع إليهم أو جالسهم كان مثلهم وله نفس جزائهم وذاك أدب اجتماعي إيجابي يعزل الذين يستهزئون بما أنزل الله ويحول بينهم وبين التأثير في غيرهم الآية ١٤٠ ٣٣ - وتوضيح صفات المنافقين التي يجب أن يعرفها المسلمون وتأكيد وجوب حذر المسلمين من المنافقين في كل حين لأن المنافقين جبلوا على أن يتربصوا بالمسلمين ويتمنوا لهم السوء فإن كان المسلمون فى حرب مع عدو فانتصروا علي عدوهم جاءهم المنافقون قائلين لقد كنا معكم وإن كان النصر للكافرين على المؤمنين قالوا للكافرين ألم نكن معكم إذ من صفات المنافقين الخداع والقيام إلى الصلاة في كسل ويراعون الناس ومن صفاتهم التذبذب والتردد وإعطاء الولاية لغير المؤمنين والتأكيد على أن جزاء المنافقين الدرك الأسفل من النار إلا من تاب وآمن حقا وأصلح واعتصم بالله والتأكيد على أن الله تعالى لا يطلب من الناس سوى الإيمان والعمل الصالح وأنه يجزيهم على ذلك بشكره لهم على فعل الخير الآيات من ١٤١ - ١٤٧
٣٤ - ومن النظم الاجتماعية الإسلامية المطالبة بتطهير المجتمع كله من الكلام الفاحش والبذاء والفحش إلا أن يكون قد وقع على أحد الناس ظلم فإنه يحق له أن
يشكو ظالمه ذاكرا ما فيه من سوء

و من هذه النظم الاجتماعية إظهار فعل الخير حينا وإسراره حينا إذ لكل عند
الله جزاء حسن كالجزاء الحسن الذي يناله من عفا عن مسئ إليه وهذا كله من الآداب الاجتماعية المطلوبة فى المجتمع ليستقر وينتج ويمارس العمل الصالح - و مما يطهر المجتمع من أرجاسه أن يكون الناس جميعا مؤمنين بالرسل جميعا دون تفرقة بينهم فكلهم أرسلهم الله تعالى للناس ليؤمن الناس بما جاءتهم به الرسل وكل الرسل جاءوا بالتوحيد أى عبادة الله وحده إن هذا الإيمان بجميع الرسل يحقق للمجتمع نوعا من الاستقرار لسلامة العقيدة وقوة الإيمان وترجمته بالعمل الصالح الآيات من ١٤٨ - ١٥٢
٣٥ ـ ومن النظم الاجتماعية المؤثرة فى المجتمع أن ينعدم أو يقل فيه المجادلون بالباطل الممارون في الحق لأن هذا الجدل وتلك المماراة تصرف الناس عن الحق وتشغلهم باللهو والباطل وقد كان للبشرية تجربة مرة مع اليهود إذ جادلوا أنبياءهم وماروهم فيما جاءوا به من حق فطالبوا موسى عليه السلام بأن يريهم الله جهرة رأى العين فعوقبوا على ذلك بصاعقة أهلكت هؤلاء المطالبين وطالبوه بأدلة وبراهين ومعجزات فكان لهم من ذلك شيء كثير ومع ذلك لم يؤمنوا وإنما اتخذوا العجل إلهاً وهذه تجربة ضارة بالمجتمع ما ينبغي أن تتكرر
ولقد هدد الله سبحانه عصاة يهود وأهل المراء والجدل منهم ـ بأن رفع فوق رءوسهم الجبل لينهار عليهم إن لم يؤمنوا بشريعة الله ويتركوا الجدل والمراء حتى قبلوا فأخذ عليهم الميثاق وقيل لهم ادخلوا الباب خاضعين لله ولا تعتدوا في السبت ولكنهم رفضوا شريعة الله ونقضوا ميثاقه وقتلوا أنبياءه وقالوا قلوبنا محجوبة عن قبول ما يدعونا موسى إليه وقالوا على مريم الطاهرة البتول عليها السلام بهتانا ورموها بما هى منه بريئة وزعموا أنهم قتلوا المسيح ابن مريم والحق أنهم ما قتلوه وما صلبوه واختلفوا فيمن قتلوا اختلافا كبيرا في حين أن الله
سبحانه قد رفع إليه المسيح وأنقذه من أعدائه والله سبحانه فعّال لما يريد واليهود جميعا يدركون حقيقة عيسى وأنه عبد الله ورسول منه ولكن اليهود يعاندون ولن ينفعهم عنادهم في شيء لأن المسيح عليه السلام سوف يشهد عليهم يوم القيامة ويحجهم بأنه بلغهم ودعاهم فلم يستجيبوا له
وبمقتضى ظلم هؤلاء اليهود لأنفسهم ولغيرهم إذ منعوا غيرهم من الدخول في
٣٣٤

دين الله عاقبهم الله سبحانه بأن حرم عليهم ألوانا من الطيبات كانت حلالا لهم
قبل ذلك
كل هذه الأعمال التي قام بها اليهود وكلها تفسد المجتمع وتضر الناس وبخاصة أخذهم الربا واستيلاؤهم على أموال الناس بالباطل واستغلال حاجة المحتاجين أسوأ استغلال كل هذه الأعمال يستحقون عليها عند الله عذابا أليما
غير أن المتثبتين في العلم من اليهود والمؤمنين من أمة محمد يصدقون بما أوحى الله إلى محمد وإلى الرسل من قبله يشاركهم في هذا التصديق الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويؤمنون بالله واليوم الآخر فيسهمون بذلك الإيمان في بناء المجتمع السليم الآمن وهؤلاء جميعا سوف يجزون أحسن الجزاء الآيات
من ١٥٣ - ١٦٢
٣٦ ـ والتنبيه على أن مما يدعم المجتمع التأكيد على أن ما أوحاه الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم هو مثل ما أوحاه إلى جميع الأنبياء من قبله نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب أنبياء الله من ذرية يعقوب عليه السلام ـ وعيسى وأيوب ويونس والأسباط - وهم وهارون وسليمان وداود صاحب الزبور وغير أولئك ممن استأثر الله بعلمهم ولم يقص سيرهم على خاتم أنبيائه محمد
كل هؤلاء الرسل جاءوا مبشرين للمؤمنين منذرين للكافرين والمنافقين ليقطع الله على الناس حججهم ويؤكد صدق ما نزل على خاتم أنبيائه
وإن الإيمان بذلك يدعم وحدة الأمة الإنسانية كلها في كل زمان ومكان لا وحدتها في زمان بعينه أو مكان بعينه فقط فأى استقرار للمجتمع الإنساني أعمق من ذلك وأحسن
وإن الكافرين الذين لا يصدقون بمحمد ويصدون عن سبيل الله إنما يضلون بذلك ضلالا بعيدا وقد أخذ الله على نفسه العهد ألا يغفر لهم هذا الكفر وذلك الضلال وألا يهديهم إلى طريق النجاة جزاء بما فعلوا إنهم ليس أمامهم إلا طريق جهنم والخلود فيها أبدا وهو أمر يسير على الله سبحانه
وعلى الناس عموما ـ من أجل استقرار المجتمع واطمئنانه ـ أن يصدقوا بما جاءهم
۳۳۵

على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فإن فعلوا كان خيرا لهم وإن أبوا إلا الكفر فما أغنى الله عنهم وعن إيمانهم به وهو مالك لهم مالك لكل ما يحيط بهم من أرض وسماء عليم بخلقه حكيم في صنعه لا يضيع أجر محسن ولا يهمل جزاء مسىء الآيات من ١٦٣ - ١٧٠ - وإن من دواعي استقرار المجتمع ألا يتجاوز الناس فيه الحق حتى لو كانوا بذلك لأنه ما من دين من عند الله يرضى عن هذه التجاوزات وإنما
يغالون في دينهم يكون ذلك افتراء على الله الكذب
وإن اليهود قد غالوا في عيسى ابن مريم عليه السلام فوصفوه باطلا بما ليس فيه مع أن المسيح ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم ونفخ جبريل روحه في مريم وذلك دليل قدرته سبحانه في خلق غير المألوف للناس إظهارا لقدرته إذ ألف الناس أن الإنسان إنما يكون من ذكر وأنثى فخلق الله آدم من غير ذكر وأنثى وخلق حواء من ذكر دون أنثى وخلق عيسى من أنثى دون ذكر سبحانه وتعالى جلت قدرته فلا وجه لزعمهم أن الآلهة ثلاثة إن الانتهاء عن هذا الباطل خير لصاحبه فما من إله إلا الله الواحد تنزه عن أن يكون له ولد وما حاجته إلى الولد وله ملك السموات والأرض وما فى السموات والأرض وكفى به مدبرا حكيما لهذا الكون كله الآية ۱۷۱ ۳۸ ـ ومن أقوى الأدلة على دحض مزاعم الزاعمين ألوهية المسيح عليه السلام أن المسيح نفسه لا يمكن أن يترفع عن أن يكون عبدا لله بل لن يترفع عن ذلك الملائكة المقربون إلى الله سبحانه ومن ترفع منهم عن ذلك ـ وحاشاهـم - فسوف يحشر هم إليه جميعا ليجازيهم عليه - وعندما يجازى الله الناس فإن الذين آمنوا به وبرسوله وعملوا الصالحات سوف يؤتيهم أجورهم ويدخلهم يوم القيامة جنته ويغمرهم بفيوض رحمته ويشملهم بواسع فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا عن عبادته فسوف يعذبهم عذابا أليما وعندئذ يبحث المعذبون عن الولى
النصير الذي يحميهم من عذاب الله فلا يجدون الآيتان ۱۷ - ۱۷۳ ٣٩ - وإن من أبرز أسباب الاستقرار الاجتماعى للبشرية كلها أن يؤمن الناس جميعا بما أنزل على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين له من دلائل واضحة وبراهين صادقة تؤيد صدقه وصدق ما جاء به وعلى رأس هذه الدلائل القرآن الكريم
٣٣٦

النور الذي يهدى الناس إلى الحق وإلى طريق مستقيم الذي يضع لهم المنهج الصحيح لحياة إنسانية تحقق لهم الخير في الدنيا والآخرة
وإن الذين آمنوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وصدقوا بالله وبرسالاته كلها وتمسكوا بدین الله دين الحق والتوحيد واعتصموا بالله فنجوا بذلك من الضلال والزيغ في الدنيا هؤلاء سيدخلهم الله في الآخرة جنته ويغمرهم برحمته ويشملهم بواسع فضله وأما في الدنيا فسوف يوفقهم إلى الثبات على الصراط المستقيم وهذا غاية النجاح والفلاح الآيتان ١٧٤ - ١٧٥
٤٠ ــ ومن دواعي استقرار المجتمع وأمنه ألا يحرم أحد من حقه في مورثه وذلك مثل إخوة المتوفى وليس له ولد ولا والد الكلالة فلهؤلاء الإخوة حق في الميراث وهذا النظام في توريث هؤلاء الإخوة قد انفرد به الإسلام عن الأنظمة الغربية لأن تلك الأنظمة لا تورث الإخوة ولا الأخوات ولا أولاد الإخوة والأخوات أما الإسلام فيقر لهؤلاء حقوقا - على النحو الذى سنفصله ـ وهذا دعم للقرابة
وللأسرة وللمجتمع
وحقوقهم على النحو التالي
إن كان المتوفى لا ولد له ولا والد وله أخت واحدة فلها النصف مما ترك وإن كان المتوفى امرأة لا ولد لها ولا والد ولها أخ واحد فإنه يرث كل مــا ترکت
ه وإن كان للمتوفى أختان أو أكثر وهو كلالة فلهما أو لهن الثلثان مما ترك وإن كان المتوفى امرأة كلالة ولها أخوان أو أكثر فإن التركة كلها بينهم بالتساوى إن كانوا ذكورا وللذكر فيهم مثل حظ الأنثيين إن كانوا رجالا
ونساء
ه وإن كان المتوفى رجلا كلالة وله إخوة رجال ونساء فالتركة بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين
وهذا بيان من الله حتى لا يضل الناس فيضيعوا حق أصحاب الحقوق فيضطرب المجتمع ويفقد الاستقرار
۳۳۷

ب ـ الدعائم التى تقوم عليها نظم التربية الاجتماعية
من خلال هذه السورة القرآنية الكريمة وحدها ومن خلال ما أوضحنا فيها من نظم عبرنا عنها في تلك النقاط الأربعين التي سردناها آنفا نستطيع أن نتبين في إيجاز تلك الدعائم التي قامت عليها هذه النظم الاجتماعية وقد عددنا منها ما يلى ١ - توضيح النظم والآداب التي يجب أن يلتزم بها الناس في الأسرة الأبوان والأبناء والأقارب والأرحام والأصهار تلك هى الدعامة الأولى في السورة الكريمة - والتركيز على الجوانب الخلقية التي يجب أن تسود أفراد الأسرة وهي في جملتها حقوق وواجبات بالنسبة لكل فرد ومودة ورحمة تهيمن على تلك العلاقات ٣ ـ وتوضيح الحقوق المتعلقة بالأموال ورفض وضعها في أيدى السفهاء الذين لا يحسنون القيام عليها
ـ وتطهير المجتمع من الفواحش كلها كالكلمات البذيئة والأفعال الرديئة كالكذب والخيانة والسرقة وشرب الخمر الخ
ه - والعمل على إشاعة الفضائل فى الناس وتشجيعهم على ممارستها واعتبار ذلك لبنات قوية في المجتمع المسلم
٦ - وضرورة التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله فى كل ما يحيط بالمسلمين من قضايا و مسائل و مشکلات ففى ذلك العلاج لكل داء
- والدقة في توزيع ثروة المتوفى على ورثته وفق هذا النظام الإلهي العادل وتوريث كل ذي حق من أصحاب الفروض أو العصبات أو القرابات
۸ - وإقرار مبدأ التعاون والتراحم والتكافل بين أفراد المجتمع جميعا إذ بغير ذلك لا يكون استقرار ولا أمن
- والتنبيه على أهمية التربية الإسلامية للمجتمع واستيعاب كل مفرداتها مثل السلوك الفردي للإنسان وصفاته بل جميع صفاته الأخلاقية والسلوك الاجتماعي له والتأكيد على أنه جزء من أمة إسلامية تعيش فى هذا العالم كله وأن عليه أن يسلك السلوك الذي يراعى فيه أنه جزء من تلك الأمة
١٠ ووضع النظام الاجتماعى الذى يتعامل المسلمون وفقه مع غير المسلمين من أهل
۳۳۸

الكتاب يهود ونصارى أو من غير أهل الكتاب من مشركين وغيرهم وهو
تعامل لا يجيز للمسلمين أن يوقعوا ظلما على غيرهم عوقب وألزمت النظم بتنفيذ هذا العقاب
أحد
ومن ظلم من المسلمين
۱۱ - وتوضيح نظام الحرب والجهاد في سبيل الله لأن الجهاد في الإسلام لا يتوقف أبدا وما يتركه المسلمون إلا ويصيبهم الذل وتوضيح آداب الجهاد في التعامل
مع الأعداء وتوضيح كيفية صلاة الحرب
۱ ـ ومشروعية الهجرة للمسلمين من البلاد التي يراد لهم فيها الذل والهوان الذي لا يستطيعون دفعه ومن لم يهاجر فى هذه الظروف فهو محاسب باستثناء
الضعفاء من النساء والولدان الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا
۱۳ - ورصد صفات المنافقين في المجتمع لتعريف المسلمين بهم وبها ليأخذوا منهم
الحذر
١٤ - والتأكيد على أن التربية الاجتماعية الصحيحة هي التي تقوم على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر لأن هذا الإيمان هو الذي يترجم إلى عمل صالح وهذا العمل الصالح يفيد منه كل إنسان في المجتمع وليس إيمانا ذلك الذي لا يؤدى إلى عمل صالح فالآيات التي وردت في السورة عن الإيمان عددها عشرون آية كل آية منها ذكرت بعد الإيمان عملا يجب أن يمارسه الإنسان أو عملا يجب أن يكف عنه - وكل ذلك عمل صالح
١٥ - ودعت السورة الكريمة إلى تطهير المجتمع من المجادلين والممارين في الحق رغبة في الجدل والمراء فهؤلاء عناصر قلق واضطراب في المجتمع إذ تبدد طاقته وتصرفه
عن أهدافه
وبعد فهذه هي دعائم التربية الاجتماعية في الإسلام وفي صورة مجملة نستطيع أن نقول
إن التربية الاجتماعية الإسلامية للإنسان هى أن يلتزم عن طيب خاطر ورغبة داخلية بكل هذه النظم والآداب التي لا يتحقق للمجتمع أمن ولا رخاء إلا بها بل لا يستطيع المجتمع أن يؤدى واجباته ويمارس حقوقه إلا في ظلها
۳۳۹

الفصل السابع
التربية السياسية
۱ ـ مفهوم التربية السياسية
السياسة القيام على الأمر بما يصلحه
وساس الرجل وسيس عليه أى أمر وأمر عليه وفي الحديث النبوي كانت بو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبى خلفه نبي وأنه لا نبى بعدى وستكون حلفاء فتكثر قالوا فما تأمرنا قال فُوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم
والوالى يسوس رعيته
۱
ويقولون سسته أسوسه كأنه يدله على الطبع الكريم ويحمله عليه لأن السوس هو
الطبع والجبلة والخلقة
وسست الرعية سياسة أمرتها ونهيتها
وفلان مجرب قد ساس وسيس عليه أى أدب وأدب
هذه هي المفاهيم اللغوية لكلمة السياسة كما ذكرت في المعاجم اللغوية
وأما علماء الاجتماع فيقولون
السياسة هي التدبير الحكيم والنظر الحصيف في عواقب أمر ما
والسياسة هي الجهة التي تضع سياسة خاصة بهدف معين ترتبط بإطار العمل التنفيذي
لتحقيق هذا الهدف
والسياسة تعنى مجموعة الشئون التى تهم الدولة كما تطلق على الطريقة التي
يسلكها الحاكمون
۱ الإمام مسلم صحيحه باب الإمارة ۱۳/ ط الحلبي القاهرة دون تاريخ
٣٤١

والسياسة هي علم إدارة الدولة وتنظيمها الرسمى ولهذا العلم جوانب رئيسة ثلاثة
هی
الجانب الوضعى ويتناول دراسة التنظيم الرسمى للحكومة والإدارة المركزية والمحلية
والجانب العملي ويتناول دراسة المشكلات التطبيقية في التنظيم والإجراءات ه والجانب الفلسفي ويتناول تحقيق التكامل بين القضايا الوصفية والتقويمية في إطار ما يطلق عليه عادة النظرية السياسية مثل السياسة المتحررة والسياسة المحافظة كما يقسم علماء الاجتماع التنظيمات السياسية إلى أقسام عديدة منها ١ - التنظيم السياسي الذي ينشأ على أساس تحقيق مبادئ وأهداف معينة ٢ ـ والتنظيم السياسي الذي ينشأ على أساس ظروف تاريخية معينة
٣ ـ والتنظيم السياسي الذي ينشأ حول قائد أو زعيم
٤ ـ والتنظيم السياسي الانتهازي الذي ينشأ لمجرد الاستيلاء على السلطة في ظل
ظروف معينة متاحة
ولا شك أن أفضل هذه النظم وأطولها عمرا وأقدرها على تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية هو التنظيم الذى يقوم على المبدأ والعقيدة
ذلك هو مفهوم السياسة أو مفهوم الأنظمة السياسية
فما مفهوم التربية السياسية الذى نوليه هنا اهتماما خاصا
إن الذي نقصده من التربية السياسية للناشئين أو للناس عموما هو إعداد الفرد لأن يساس ويسوس أو تعويد الفرد على التدبير الحكيم والنظر الحصيف في عواقب أمر ما وهذا الإعداد يتطلب تضافر جهود البيت والمسجد والمدرسة والنادى والشارع وكل من له بذلك الإعداد علاقة إذا كان هذا هو مفهوم التربية السياسية فإن تساؤلا ملحا لابد أن يرد على الذهن
هو ما التنظيم السياسي الإسلامي أو ما هى السياسة الإسلامية العامة للناس وإنما ورد هذا التساؤل لأن كثيرين ممن يشغبون على الإسلام ـ من الغافلين الذين
٣٤٢

يزعمون أن الإسلام دين لا علاقة له بالسياسة - يلقون بذلك في روع الناس أن السياسة ليست من الدين !!!
والذي أتصوره أن هؤلاء الغافلين الشاغبين لا يدركون على وجه الحقيقة مفهوم الدين الإسلامي ولا يعرفون بدقة علمية معنى السياسة حتى ولو كان بعضهم يمارس السياسة وربما إدارة دولة ما لأنه ليس بالضرورة في زمننا هذا أن يمارس الرجل أو يوسد من الأمر ما يعرف أو ما يدرك فضلا عما يفقه فإن الانقلابات العسكرية التي اجتاحت كثيرا من بلدان العالم الثالث أخلّت بكل المعايير وعطلت كثيرا من الخبرات فأصبح وزير التربية والثقافة أبعد ما يكون عن ذلك ووزير المالية لا يعرف فى علوم المال والاقتصاد وإنما بحسب أي وزير أن يكون شارك في الانقلاب ليصبح على رأس العلماء في أي تخصص من التخصصات فكم سمعنا ! ! ! وكم رأينا ! ! !
كان هذا شأن العالم النامي أو الثالث أو عالم الجنوب منذ ما يقرب من خمسين عاما من يومنا هذا - العقد الأول من القرن الخامس عشر الهجرى العقد الأخير من القرن العشرين الميلادي
وللإجابة على هذا التساؤل نقول
إن الإسلام منهج حياة إنسانية كاملة وما دامت السياسة جزءا من الحياة الإنسانية بأي مفهوم من المفاهيم التي قدمنا آنفا فلابد أن يكون للإسلام فقهه السياسي الذي يلائم تنظيم أمور الناس وتدبير شئونهم بمزيد من الحكمة والحصافة
ودعنا من أولئك الغافلين أصحاب الهوى الذين ينعقون بما لا يعلمون حين يقولون لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة أو يهرفون بما لا يعرفون حين يقولون صائحين لا تسييس للدين ولا تديين للسياسة إنهم معذورون بجهلهم للإسلام من جانب وأصحاب هوی بخوفهم من عدالة الإسلام لو أمسكت بتلابيبهم وهم يمارسون ظلم الناس وانتهاك حقوق الإنسان واتخاذهم كراسى الحكم وسائل للكسب غير المشروع
وإن جهلهم بالإسلام يعالج بالعلم والاستماع إلى العلماء أما اتباعهم الهوى فذلك أصعب في العلاج
إن الإسلام قد حرم اتباع الهوى فى كثير من آيات القرآن الكريم فقد قال تعالى ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا
٣٤٣

عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولى المتقين ١ وقال سبحانه أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا وقال سبحانه وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن
يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ۳
وروى البخاري بسنده عن معقل بن يسار رضى الله عنه قال سمعت رسول الله يقول ما من وال يلى رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه
الجنة
وروى البخاري بسنده قال الحسن أخذ الله على الحكام ألا يتبعوا الهوى ولا يخشوا الناس ولا يشتروا بآياتى ثمنا قليلا ثم قرأ يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ٤
وقد جرم الإسلام من اتخذ منصبه فرصة لكسب غير مشروع أى شخصى لا حق له فيه قال الله تعالى إن ربك لبالمرصاد ٥ وقال عز شأنه ومن يعظم حرمات
الله فهو خير له عند ربه ٦
وروى الشيخان بسنديهما عن النعمان بن بشیر رضی الله عنهما قال قال رسول الله إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع فى الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى الله ألا وإن حمى محارمه
وروى الإمام مسلم بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قام فينا رسول الله ذات يوم فذكر الغلول - السرقة - فعظمه وعظم أمره ثم قال لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يارسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة
۱ سورة الجاثية ۱۸ - ۱۹ سورة الفرقان ٤٣ - ٤٤ ۳ سورة المائدة ٤٩
٤ سورة ص ٢٦
0 سورة الفجر ١٤
٣٤٤
٦ سورة الحج ٣٠

أملك لك من
فيقول يا رسول الله أغثنى فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء بقول يا رسول الله أغثنى فأقول لا الله شيئاً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول يا رسول الله أغثنى فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك
وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي حميد الساعدي رضى الله عنه قال استعمل رسول الله رجلا من ! الأزد يقال له ابن اللتبية ـ قال عمرو وابن أبي عمر ـ على الصدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدى لى فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال ما بال عامل أبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدى لى أفلا قعد في بيت أبيه ـ أو في بيت أمه ــ حتى ينظر أيهدى إليه أم لا والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ا ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ثم قال اللهم هل بلغت
مرتين
وروى مسلم بسنده عن عدى بن عميرة الكندى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتى به يوم القيامة قال فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه فقال يا رسول الله اقبل عنى عملك قال وما لك قال سمعتك تقول كذا وكذا قال وأنا أقوله الآن من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره فما أوتى أخذ وما نهى عنه
انتهى
وهكذا حرم الإسلام الهوى على أصحاب الهوى وحرم الكس الشخصي من
وراء تولى المسئوليات على أصحاب المنافع الدنيوية
وأعود من الحديث عن ذلك فأقول
إن للإسلام نظاما سياسيا محكما ومنهجا سياسيا متكاملا أقامه على أسس لا تقبل
التغيير ولا التبديل تلك الأسس هي
٣٤٥

العدل
والإحسان
والشورى
وقد ألزم بهذه الأسس الحاكم والمحكوم قال الله تعالى لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ۱
وقد حدد الإسلام للدولة الإسلامية منهجا ونظاما في تعاملها مع غيرها من الدول كما حدد لغير المسلمين في الدولة الإسلامية حقوقا وأوجب عليهم واجبات مما يلتمس التوسع في القراءة عنه في كتب الأحكام السلطانية والتراتيب الإدارية وغيرها
إن التربية الإسلامية السياسية تعنى أن يعرف كل مسلم ومسلمة حقه على الأمة المسلمة التي ينتمى إليها وواجبه نحوها وأن يعرف حقه على الحكومة المسلمة التي أسهم في اختيارها وأن يؤدي واجبه نحوها
إن التربية السياسية الإسلامية تعنى فقه نظام الحكم الإسلامي ومعرفة مكان الفرد ومكانته فيه ومعرفة مكان الحاكم فيه ومكانته كما تعنى أداء ما يوجبه هذ المكان وتلك المكانة على الفرد وعلى كل مشارك في الحكم
إن هذه التربية السياسية الإسلامية تعنى كذلك أن يفقه كل مسلم يعيش في الدولة أنّ جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية تتغير من زمن إلى زمن ومن مكان إلى مكان وأن ما يصلح لأهل زمن من المسلمين قد لا يصلح لأهل زمن آخر وأن ما يلائم أهل مكان من المسلمين قد لا يصلح لأهل مكان آخر من المسلمين أيضا
ومن أجل هذا فإن الجانب السياسي في الإسلام قابل للتغيير وخاضع لاجتهادات أهل العلم والخبرة من المسلمين وليس كجوانب العقيدة والعبادة والأخلاق ـ مثلا ـ فإنها غير قابلة للتغيير بل صالحة كما جاءت لكل زمان ومكان
إن وعى ذلك وإدراكه أساس فى التربية السياسية للمسلمين الناشئين والكبار على
السواء
وما دام اقتصاد أمة من الأمم جزءا من سياستها فإن وضع منهج أو نظام للاقتصاد هو
۱ سورة الحديد ٢٥
٣٤٦

من صميم المنهج السياسي للأمة
وقد وضع الإسلام للاقتصاد منهجا يقوم على أسس ثابته أصيلة لا تختل ولا تتغير بتغير الزمان والمكان وترك ما وراء تلك الأسس من مفردات و تفاصيل تخضع للمتغيرات وتتجاوب معها ما دام ذلك في ظل الأسس العامة الأصيلة
وإذا كان لابد لنا من إشارة إلى تلك الأسس فهي في إجمال شديد ما يلي
١ - تحريم الاحتكار
٢ - وتحريم كنز المال
و تحريم استغلال حاجات الناس
٤ ـ وتحريم أن يعيش أحد متبطلا وهو قادر على العمل
ه ـ ووجوب تداول الأموال بين أفراد المجتمع كله لا بين الأغنياء وحدهم ٦ - ووجوب أن يكون للضعفاء من الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل وفى سبيل الله وفى الرقاب والعاملين على جمع الزكاة حصة سنوية في أموال الأغنياء لا تقل عن جزء من أربعين جزءا من الثروة ـ على مستوى الأمة كلها - وقد تزيد هذه الحصة عن ذلك إذا دعت إلى ذلك ضرورة فندب إليها إمام المسلمين أو جادت بها أيدى المحسنين من المسلمين
الأسس الأصيلة التى إذا تحققت أولاً فلا حرج على المسلمين أن يضعوا تلك هي لأنفسهم نظاما اقتصاديا كيفما كان وعندما ينجحون في وضع هذا النظام في أي عصر من العصور فإنه يمكن أن يسمى النظام الاقتصادي الإسلامي وذلك حزء أصيل من السياسة الإسلامية للأمة
الأمر
ر في السياسة الإسلامية للأمة فقد وضع لها الإسلام الأسس الأصيلة وكذلك التي لا تقبل تغييرا ولا تبديلا وترك ما وراء هذه الأسس من مفردات وتفصيلات
خاضعة لظروف الناس وما يحيط بهم من متغيرات
وهذه الأسس السياسية الإسلامية في إجمال هي ما يلي
۱ ـ أوجب الإسلام أن يقوم نظام الحكم فيه على العدل والإحسان
٣٤٧

٢ - وأوجب كذلك أن يقوم على الشورى وأوجب أن تستقى قوانين الحكم من الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة لكي يضمن أن تكون الحكومة المسلمة دائما تعمل على جلب المصالح للمسلمين ودرء المفاسد عنهم
هذه الأسس العامة هي الثوابت وتأتى وراءها مفردات كثيرة يستطيع المسلمون أن يجتهدوا في الوصول إليها ما داموا محافظين على هذه الأصول
ومعنى ذلك أنه لا حرج على المسلمين أن يقيموا حكومة عن طريق انتخاب أفراد يمثلون عموم الناس وانتخاب حكومة من هؤلاء الذين انتخبوا بشكل مباشر أو غير مباشر كما لا حرج عليهم أن يلجئوا إلى البيعة أو غيرها من أى طريقة تحافظ على
الأسس الأصيلة العدل والإحسان والشورى والتقيد بما جاء في الكتاب والسنة وكل نظام يهتدى إليه المسلمون مع المحافظة على تلك الأسس هو نظام سياسي إسلامي قادر على حل جميع مشكلات الناس
وإن التربية الإسلامية السياسية تستهدف أن تربى الناشئين والناس جميعا على هذا الفقه للسياسة ليعملوا وفقه وليسهموا به في بناء الحياة الإنسانية الكريمة اللائقة بالإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى
٣٤٨

٢ - كيف يربي الإسلام الإنسان السياسي
أوضحنا فيما سبق من مفهوم التربية الإسلامية السياسية أن السياسة هي القيام على الأمر بما يصلحه وهى التدبير الحكيم والنظر الحصيف في عواقب الأمور ومعنى ذلك أن الإنسان السياسي الذي يريده الإسلام ويضع نظاما لتربيته هو الذي يحسن القيام على الأمور بما يصلحها ويحسن التدبير بحكمة ونظر صائب فى عواقب الأمو والإنسان المسلم ليس كغيره من الناس فهو لا يستطيع أن يعيش لنفسه وحدها بل ولا لأسرته أو مجتمعه أو وطنه فحسب وإنما هو جزء من أمة إسلامية كبيرة تملأ كثيرا من أقطار الأرض وبالتالي فلابد أن تكون تربيته السياسية قد راعت الاتساع في عمله السياسي وذلك هو ما كان وهو فى الوقت نفسه علامة بارزة تميز التربية الإسلامية السياسية عن غيرها من أنواع التربية
ومن أجل أن نوضح كيفية تربية الإسلام للإنسان السياسي نجد من الضروري أن
نتحدث عن ثلاث نقاط هامة هي
أ - تكوين الوعي السياسي لدى المسلم
ب ـ وأهم الأعمال السياسية التي يجب أن يمارسها المسلم
ج والحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم أو بين السائس والمسوس سائلين
الله العون والتوفيق
ولتفصيل ذلك بعض التفصيل نقول
أ - تكوين الوعي السياسي لدى المسلم
أتصور أن التربية السياسية الإسلامية المعاصرة لابد أن تعنى ـ من أجل تكوين الوعى السياسي لدى المسلم - بأمرين جوهريين بدونهما لا يتكون الفكر السياسي أو الوعى
السياسي وهذان الأمران هما
الأول تنقية الفكر السياسي للمسلم من المغالطات
والثاني تمكين الإنسان من ممارسة حقوقه وأداء واجباته
٣٤٩

الأمر الأول تنقية الفكر السياسي للمسلم من المغالطات
وهى مغالطات أوقعهم فيها أعداء الإسلام وهي كثيرة تستهدف أن تتعلق آمالهم ورغائبهم ببعض النظريات المعادية للإسلام التى من أبرزها إطلاق عدد من الشعارات الخادعة الجوفاء التى لا تعنى أكثر من الألفاظ التي تعبر عنها هذه الشعارات الخادعة التي يجب أن ينقى منها فكر المسلمين هي
۱ - شعار الإخاء والحرية والمساواة
وهو شعار أطلقته الثورة الفرنسية - التي ثارت على فساد بالغ وظلم فادح في فرنسا ونجاح هذه الثورة فى القضاء على الظلم والفساد - مما أكد في نفوس المسلمين الغافلين أن ما أطلقته هذه الثورة من إخاء وحرية ومساواة هو الذي يحقق العدالة الاجتماعية فى الناس - على اعتبار أن العدالة الاجتماعية مطلب للناس جميعا ـ وهم في الواقع قد موهوا على الناس عموما وعلى المسلمين خصوصا مما جعل بعض المسلمين ينادون بهذا الشعار ۱
- وشعار الديموقراطية
وهو شعار أطلقته الدول التي تعتمد النظام الرأسمالي والديموقراطية تعنى منهج حكم خاص يدعى تبنى الحرية السياسية والحرية الاقتصادية والحرية الاجتماعية ـ أى تحقيق العدالة الاجتماعية كذلك - وقد انخدع بهذا الشعار بعض المسلمين الغافلين فتصوروا مخطئين أن تحقيق العدالة الاجتماعية بل التقدم والرقى لهم لا يكون إلا من خلال الديموقراطية
و شعار الديموقراطية بهذه الدعاوى المموهة لم ينجح في بلاده في تحقيق العدالة الاجتماعية فضلا عن أن يمد مظلتها على بلاد خارج بلادها وبخاصة بلاد المسلمين - وشعار الاشتراكية
وهو شعار أطلقته الدول التى تقوم على مبدأ ملكية الدولة لكل وسائل الإنتاج وآلاته - والآن هي تلفظ أنفاسها الأخيرة - وتزعم هذه الدول مطلقة هذا الشعار أنها
1 ليس هنا مجال الحديث عن انتكاس الثورة الفرنسية سريعا ومعاداتها لمحتوى هذا الشعار وإنما لذلك مظانه من البحوث والدراسات
ليس هنا مجال الحديث عن مفارقات الديموقراطية واضطراب مفاهيمها وإنما لذلك مظانه أيضا
٣٥٠

تحقق العدالة الاجتماعية كذلك على الرغم من سيطرتها وتحكمها في الناس والأشياء بل واعتسافها في التعامل مع الناس وإهدار حقوق الإنسان
وقد انخدع فى هذا الشعار عدد غير قليل من بلاد المسلمين الغافلين كذلك وتبنوا أنظمة حكم اشتراكية ونهجوا في حياتهم السياسية نهجا اشتراكيا فاتخذوا نظام الحزب الواحد وما يجره هذا النظام على الحياة السياسية من استبداد الحاكم رئيس الحزب وتصنيف أكبر عدد من المواطنين فى جانب أعداء النظام وانتهاك حقوقهم السياسية والإنسانية وقد راجت شعارات برروا بها انتهاك حقوق الإنسان مثل
الثورة المضادة
وأعداء الاشتراكية
وأعداء مكاسب الشعب
والقوى الرجعية
والمتدينون الذين يخدرون بالدين الشعوب
والمتطرفون الدينيون وغير ذلك
وهي تسميات ما إن تلصقها وسائل الإعلام التابعة للحزب الحاكم حتى تدور أحداث قصة قذرة الأهداف دنيئة الوسائل منعدمة الحوار رديئة الحبكة متوحشة الشخوص منتهكة لأبسط حقوق الإنسان مما جعل منظمة حقوق الإنسان العالمية تدين معظم هذه البلاد التي تبنت الفكر الاشتراكي
وعلى الرغم من سقوط النظام الاشتراكي سقوطا فاحشا في أوربا الشرقية واهتزازه اهتزازا عنيفا في الاتحاد السوفيتي باسم إعادة البناء والحوار بصوت مسموع على الرغم من كل ذلك فإن كثيرا من المسلمين حتى اليوم ١٤١١ هـ ۱۹۹۱ م يصرون على أن يكونوا أذنابا وأتباعا وملكيين أكثر من الملك نفسه ! ! ! فيهذون باشتراكية أو شيوعية أو يسارية دون خجل أو حياء ! ! !
تلك أهم الشعارات الخادعة التي أطلقت لتخدع المسلمين وغيرها ليس بالقليل مما لا نجد مبررا لذكره هنا ۱
۱ تحدتنا عن بعض ذلك في كتابنا الفرو الفكري والتيارات المعادية للإسلام نشر دار المنار الحديثة في طبعته الثالثة وسوف تتوسع في الحديث عن ذلك في كتاب لنا أعد معظمه باسم التحدي الموحه للإسلام
٣٥١

إن التربية السياسية الإسلامية حريصة على أن تنقى أفكار الناشئين خصوصا
والمسلمين عموما من هذا الباطل الذى يحمل أسماء هذه الشعارات الزائفة كما هي حريصة على أن ترد هذه الأفكار إلى الحق والصواب وإلى منهج الله الذي شرعه لعباده ليكون أكبر وأشمل وأعم من أن يكتفى بتحقيق العدالة الاجتماعية وإنما يمد مظلة عدالته لكل شعب الحياة اجتماعية وفكرية وثقافية واقتصادية وسياسية وكل ما يحتاج إليه الإنسان ليعيش حياة كريمة لائقة بتكريم الله سبحانه للإنسان
الأمر الثاني تمكين الإنسان المسلم من ممارسة حقوقه وأداء واجباته
وذلك هدف للتربية السياسية في الإسلام وهو إقدار الإنسان المسلم على ممارسة حقوقه وواجباته السياسية ليحيا حياة تمكنه من تحقيق كرامته الإنسانية ومصالحه الدنيوية والأخروية وهذا التمكين من ممارسة الحقوق والواجبات إنما يكون في تصوري - ومع مزيد من الإيجاز والتركيز - فيما يلى
۱ - تعريف الإنسان بكافة حقوقه الإنسانية التي كفلها له منهج الإسلام ونظامه وعلى رأس هذه الحقوق الحريات
- حرية الفكر
وحرية التعبد
وحرية العمل
وحرية التعبير
وحرية الملك والتملك
وحرية الكسب
وحرية التنقل وغيرها من حقوق الإنسان
ولكن فى إطار من الانضباط الذي لا يسمح له - وهو يمارس هذه الحريات - أن يسيء إلى حريات الآخرين بمصادرتها وانتقاص شيء منها وهذا الضبط هو المواجهة الحاسمة للفوضى والفساد والظلم والعدوان الذي يمارسه بعض الناس باسم
الحرية
٢ - ودعوة الإنسان إلى ممارسة هذه الحريات فى ظل تلك الضوابط بل لومه على أن
٣٥٢

يقبل أي انتقاص منها فضلا عن مصادرتها ومنعه من أن يقبل الظلم أو الذل من أحد أو أن يفقد العدل واعتبار قبول ذلك تقصيرا وجرما يحاسبه عليه الإسلام بل أعطاه الإسلام - في حالة عجزه عن ممارسة حرياته أو عن دفع الظلم عن نفسه - الحق في أن يهاجر إلى حيث الأمن وممارسة الحريات التي كفلها له الإسلام قال تعالى إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا
1
إن هذه الآية الكريمة توضح أن الذين يرضون بالذل ـ أي انتقاص حقوقهم
وحرياتهم - مع قدرتهم على الهجرة مأواهم جهنم وهى أسوأ المسلم لابد أن يعيش عزيزا كريما لأن الله هو الذي كرمه
مصير لهم لأن
ـ وتعريف الإنسان بواجباته جميعا والتأكيد على ضرورة أدائها وهذه الواجبات
أنواع
واجباته نحو خالقه سبحانه وهي توحيده وعبادته
وواجباته نحو نفسه وهى أن يسلك السلوك الذي يقيه عذاب النار
وواجباته نحو أبويه وهى البر والطاعة في غير معصية
وواجباته نحو أسرته زوجه وأبنائه وهى الرعاية وحسن التربية والعمل على وقايتهم من عذاب النار
وواجباته نحو أقربائه وأرحامه وأصهاره وهى البر والصلة
وواجباته نحو جيرانه الأدنين والأبعدين وهى حسن التعامل والبذل والإكرام وواجباته نحو المجتمع الذي يعيش فيه وهى العمل على جلب المصلحة له ودفع
المضرة عنه
وواجباته نحو الأمة الإسلامية كلها وهى الاعتزاز بالانتماء إليها والعمل على كل ما فيه مصلحة لها
وواجباته نحو دينه الإسلامي وهى العمل على أن يمكن هذا الدين من حياة
۱ سورة النساء ۹۷
٣٥٣

الناس وأن تسود أحكام شريعته تعاملاتهم وأن تقوم الدولة باسمه لتحكم كتابه وسنة رسوله وهذه الواجبات وإن بدت كثيرة إلا أن لها ضابطا عادلا هو أن الله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يوجب واجبا إلا على من يقدر عليه ولا يكلف الناس إلا ما يطيقون أكد الله سبحانه ذلك في قوله تعالى ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ۱ وفى قوله سبحانه لي ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ٢ وقوله جل شأنه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ۳
ـ ومطالبة هذا الإنسان المسلم بأداء واجباته ما دام قادرا عليها دون تقصير فيها أو قصور ودون مبالغة أو إعنات فإن حدث تقصير في أداء هذه الواجبات أو بعضها مع القدرة والاستطاعة فإن الإسلام شرع الحدود - وهي عقوبات مقدرة ـ توقع على كل مقصر بعد استيفاء موجبات العقاب وقد تصل العقوبة إلى حد القصاص إن كانت الجريمة التي ارتكبها تستوجب قصاصا فإن كان تقصيره دون التقصير
الذي يوجب عليه الحد ووجه بالتعزير فى ظل منهج عادل لأنه من عند الله ه - وتوضيح حقيقة هامة لكل مسلم وهى أن بين ممارسة الحقوق وأداء الواجبات منزلة رفيعة القدر عند الله سبحانه هى منزلة الإحسان - وهى أن يتنازل المسلم بمحض إرادته عن بعض حقوقه لصالح غيره من الناس قرباء أو بعداء من أبواب التسامح أو البر أو الرحمة أو أن يزيد بمحض إرادته كذلك في أداء واجباته فيعطى أكثر مما عليه تسامحا أو برا أو رحمة وهذا الإحسان له عند الله أجر عظيم يتضح في قوله تعالى وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ٤ وقوله سبحانه وتعالى فأثابهم الله بما قالوا جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين ٥ وقوله جل شأنه وإن الله لمع المحسنين ٦
والناس في هذا الإحسان يتفاضلون حتى يبلغوا أرفع الدرجات عند الله سبحانه
وتعالى
ب - أهم الأعمال السياسية التي يمارسها المسلم
وسنحاول ـ والله المستعان ـ أن نرصد هذه الأعمال رصدا تقريبيا لأن استقصاءها
۱ سورة الحج ۷۸ ٤ سورة البقرة ١٩٥٠
سورة طه ٢ ٥ سورة المائدة ٨٥
۳ سورة البقرة ٢٨٦
٦ سورة العنكبوت ٦٩
٣٥٤

فوق ما يحتمله هذا الكتاب وأن نربط هذه الأعمال بنصوصها القرآنية التي تؤصلها وتؤكد فاعليتها في العمل السياسي على مستوى الأفراد والجماعات وعلى مستوى الأمة
الإسلامية كلها
قال تعالى ﴿ يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هـو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ١
وقال سبحانه وتعالى ﴿ يأيها الذين آمنواكونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا

وقال جل شأنه لو إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى
الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ۳ وقال عز من قائل وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعو به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان إلا قليلا ٤ وغير هذه الآيات الكريمة كثير مما أوضح الأعمال التي يمارسها المسلم وهي من
صميم العمل السياسي ولكنا اقتصرنا عليها لمقتضى الحال
إن المؤمنين الذين ناداهم الله فى هذه الآيات الكريمة مطالبون بممارسة أمور سياسية لها أوثق العلاقة بالمجتمع والدولة والأمة وهؤلاء المؤمنون المنادون بهذه الآيات هم الأفراد والجماعات والمجتمع كله والحكام والحكومات والأمة الإسلامية كلها في كل زمان
ومكان
هذه الممارسات السياسية التي طالبت بها الآيات الكريمة هي كما توحى بذلك
نصوصها
۱ سورة المائدة ۸
۳ سورة النساء ٥٨ - ٥٩
سورة النساء ١٣٥
٤ سورة النساء ٨٣
٣٥٥

- القيام على العدل والقسط في كل أمر من الأمور وقد جاء ذلك بصيغة المبالغة كونوا قوامين على أن يكون القيام بالعدل لله أي لذاته ووجهه ومرضاته
٢ - وأن تكون ممارسة العدل مع جميع الناس واجبة سواء أكان هؤلاء الناس أقرباء أم بعداء أم أعداء أم كفارا إذ العدل أمر من الله حتى مع ا الكفار
٣ - والتحذير من أن تجر العداوة أو الحرب مع الآخرين إلى ترك العدل لأن ترك العدل يدخل في الجرم والجريمة والعدل دائما واجب وهو أقرب للتقوى
٤ ـ وأن القيام بالعدل يجب أن تصاحبه الشهادة بالحق لأنها شهادة لله سبحانه وتعالى ولو كانت ضد النفس قال ابن عباس رضى الله عنهما أمروا أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم ه - وأن أداء شهادة الحق لا يجوز أن يتأثر بغنى المشهود عليه أو فقره فلا يُخاف غنى لغناه ولا يستضعف فقير لفقره فإن تأثر أداء الشهادة بذلك فهو اتباع للهوى قال
الشعبي أخذ الله على الحكام ثلاثة أشياء
ألا يتبعوا الهوى
وألا يخشوا الناس ويخشوه
وألا يشتروا بآياته ثمنا قليلا
٦ - وأنهم مطالبون بأداء الأمانات كائنا من كان صاحبها أبراراً كانوا أو فجارًا لما روى الإمام مسلم بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن النبي قال القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين
وروى أبو نعيم بسنده في الحلية عن ابن مسعود رضى الله عنه بلفظ ه القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة والأمانة في الصلاة والأمانة في الصوم والأمانة في الحديث وأشهر ذلك في الودائع
۷ - وأن المؤمنين مطالبون بطاعة الله ورسوله الا الله وطاعة أولى الأمر ـ أى الولاة والحكام - فيما كان فيه طاعة لله قال سهل التسترى أطيعوا السلطان في سبعة ضرب الدراهم والدنانير والمكاييل والأوزان والأحكام والحج والجمعة والعيدين والجهاد
٣٥٦

ولا تجب طاعة السلطان فيما كان فيه معصية لله وللقرطبي صاحب التفسير
المشهور عند تفسيره لهذه الآية الكريمة كلمة يقول فيها ولذلك قلنا إن ولاة زماننا لا تجوز طاعتهم ولا معاونتهم ولا تعظيمهم ويجب الغزو معهم متى غزوا والحكم من قبلهم وتولية الإمامة والحسبة وإقامة ذلك على وجه الشريعة وإن صلوا بنا وكانوا فسقة من جهة المعاصى جازت الصلاة معهم وإن كانوا مبتدعة لم تجز الصلاة معهم إلا أن يُخافوا فيصلى معهم تقية وتعاد الصلاة ۱
۸ - وأن المؤمنين مطالبون بالتزام الأدب الإسلامى فى الحديث وفي الإعلام في مجالي النصر على العدو أو الانهزام أمامه وهذا الأدب هو ترك إذاعة ذلك مع الإخبار به للنبي صلى الله عليه وسلم ليحدث هو به إذا أراد ذلك أو ترك ذلك إلى أولى الأمر من الحكام والعلماء يذيعونه على الوجه الذى لا تترتب عليه مضرة أو يأمرون بالسكوت عنه ولو فعلوا ذلك لكانت المصلحة العامة للمسلمين فيما يذاع خبره وفيما يكتم أمره
وبعد فهذه جملة الممارسات التي عرف بها المسلمون وطولبوا بممارستها من خلال هذه الآيات الكريمة التي ذكرنا وهناك آيات قرآنية كريمة تنادى على المسلمين بأن يمارسوا أعمالا هي في صميم السياسة وحسن التدبير والنظر الحصيف في عواقب الأمور ـ على نحو ما عرفنا
السياسة ـ وهي
۱ - قال الله تعالى لم يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين
- وقال سبحانه وتعالى ﴿ يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم ۳
٣ - وقال جل شأنه ﴿ يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ٤
۱ القرطبي الجامع لأحكام القرآن ٢٩٥/٥ ط ورارة الثقافة بمصر عام ١٣٨٧ هـ ـ ١٩٦٧ م
سورة البقرة ۰۸ ۳ سورة آل عمران ۱۰۰ - ۱۰۱ ٤ سورة آل عمران ۰۰
٣٥٧

٤ - وقال عز وجل ﴿ يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ۱ ه - وقال سبحانه ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ٢
٦ - وقال عز وعلا ﴿ يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن
الله مع الصابرين
۳
۷ ـ وقال تقدست أسماؤه ﴿ يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ٤
وقال جل ذكره ﴿ يأيها الذين آ آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم ٥
٩ ـ وقال جل وعلا ﴿ يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ٦
١٠ ـ وقال عز من قائل ﴿ يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلى وابتغاء مرضاتى تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ٧
ومن صميم السياسة التي يربى الإسلام عليها الإنسان وجوب ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث تكون الأمة الإسلامية بممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير أمة أخرجت للناس كما جاء ذلك في قول الله تبارك وتعالى كنتم خير
۱ سورة النساء ۹ سورة البقرة ۱۸۸ ٤ سورة الحجرات ٦ ٥ سورة الحجرات ۱ ۷ سورة الممتحنة ١
٣ سورة الأنفال ٤٥ - ٤٦ ٦ سورة الحجرات ١١
٣٥٨

1
أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله وقد ذكرنا ما تدل عليه هذه الآية الكريمة عند حديثنا عن أهداف الأسرة المسلمة ٢ وهو توجيه الأبناء نحو ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد توسعنا في ذلك واستشهدنا بما وسعنا من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة فليعد إليه القارئ فسيجد فيه مقنعا وكفاية
و من صميم السياسة التي يربى عليها الإسلام الإنسان وحوب الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا على كل مسلم ومسلمة من أهل القدرة على ذلك سواء أكان هذا الوجوب على سبيل فرض العين أم فرض الكفاية
الجهاد في سبيل الله بكل آدابه وأخلاقياته الجهاد مع النفس ومع العدو ومع الشيطان كل ذلك داخل فى السياسة والتدبير بالحكمة وقد سبق أن تحدثنا عنه كذلك ونحن نتحدث عن الهدف السابع من أهداف الأسرة المسلمة ۳
و من صميم العمل السياسي الذي توجه إليه التربية الإسلامية وجوب الدعوة إلى الله على كل مسلم ومسلمة من أهل القدرة عليها بشرط أن يكون الداعي على بصيرة بما يدعو إليه ويؤكد هذا الوجوب قول الله تبارك وتعالى قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين ٤ الدعوة إلى الدعوة بشروطها وآدابها ومراحلها وأهدافها ووسائلها هي من صميم
السياسة التي طولب بها كل مسلم ومسلمة ٥
ج ـ الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم
كما عرفت التربية الإسلامية السياسية الفرد بحقوقه وواجباته ودعته إلى ممارسة حقوقه وأمرته بأداء واجباته وجعلت لهذا وذاك منزلة أعلى هي منزلة الإحسان ـ كما بينا آنفا - فإنها عنيت تماما بتحديد حقوق الحاكم وواجباته ودعته كذلك إلى ممارسة حقوقه وألزمته بأداء واجباته وجعلت منزلة الإحسان - على نحو ما بينا آنفا - منزلة
۱ سورة آل عمران ۱۱۰ ٢ كان ذلك في الفصل الثانى من الباب الأول - الهدف السادس من أهداف الأسرة المسلمة ۳ انظر الفصل الثاني من الباب الأول من هذا الكتاب ٥ للتوسع انظر كتابنا فقه الدعوة إلى الله بجزئيه نشر دار الوفاء ١٤١٠ هـ ـ ١٩٩٠ م
٤ سورة يوسف ۱۰۸
٣٥٩

أرفع وأرضى لله سبحانه ونزيد هنا أن منزلة الإحسان - أى التنازل عن بعض الحقوق والقيام بأكثر مما يجب على الإنسان ـ هذه باب واسع من أبواب التفقه في الإسلام والحاكم المسلم أحوج ما يكون لهذا الإحسان من أجل أن تصلح الأمة التي يسوسها إذ ما أجمل أن يأخذ الحاكم أقل مما له وأن يعطى أكثر مما عليه
والحاكم في مفهوم التفقه في الإسلام يدخل فيه كل راع استرعاه الله غيره من أسرة وعيال ونساء وأيتام وكل من يتولى عملا ويجد نفسه مسئولا في هذا العمل عن غيره من الناس وكل مدير وكل وزير كما أن الخطاب موجه أصلا إلى الحاكم ! الأكبر وهو الخليفة أو الرئيس أو الأمير أو القائد وسواء فى ذلك من كان يحكم جزءا صغيرا من الأمة الإسلامية أو يحكمها جميعا
ونستطيع أن نجمل حقوق الحاكم المسلم فيما يلى
1 - الولاء
٢ - والطاعة في غير معصية
والمعاونة بالنفس والمال
٤ ـ والنصيحة ١
كما نستطيع أن نجمل الحديث عن واجباته فيما يلى
١ - الحكم بما أنزل الله
٢ - وتحقيق العدل
٣ ـ والأخذ بالشورى
٤ ـ وممارسة الإحسان
ه ـ وجلب المصالح للمسلمين ودرء المفاسد عنهم
٦ ـ والعفة عموما والعفة عن المال الحرام بخاصة
۱ يلتمس التوسع في ذلك في كتب الفقه الإسلامي وبخاصة باب الإمارة

- وصيانة الأمن
- وإعداد القوة لمواجهة الأعداء
٩ - والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله
١٠ - ونشر دعوة الإسلام في الناس ۱
والتربية السياسية الإسلامية تعتبر كثيرا من حقوق الحاكم هي واجبات المحكوم وكثيرا من واجبات الحاكم هي حقوق المحكوم وترى أن قيام كل بواجباته وممارسة كل لحقوقه هو صميم العمل السياسي القادر على تأمين حياة إنسانية كريمة
ثم تعمد التربية السياسية الإسلامية إلى إنضاج الحاكم والمحكوم في المجتمع المسلم بإحاطته بشروط الدعوة إلى الله و آدابها ومطالبته بممارستها وتوضيح موقف الحاكم والمحكوم من قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فى ظل شروط ذلك وآدابه وتحديد موقف الحاكم والمحكوم من الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا كما أن التربية السياسية الإسلامية حريصة تماما من خلال منهجها وأنظمتها على ألا تطحن الفرد من أجل المجتمع - كما تفعل النظم الاشتراكية ـ ولا تضحى بالمجتمع من أجل الفرد - كما تفعل النظم الرأسمالية - وإنما أقرت التربية السياسية الإسلامية العدل والتوازن وإحقاق الحق ورعاية الفرد والمجتمع واعتبار الفرد غير منفصل من المجتمع بحال ورفض محاباة أحد على حساب أحد
وتهتم التربية السياسية الإسلامية بأن تسود السياسة القيم الخلقية وتسود الناس أفرادا وجماعات وحكاما ومحكومين على اعتبار أن القيم الخلقية هي التي تحقق الأمن والاستقرار بل الرخاء للمجتمع وذلك أن كل جريمة صغرت أو كبرت يمارسها حاكم أو محكوم إنما تعنى غيبة قيمة أخلاقية وتعطيل تنفيذها
إن القيم الخلقية قيم ثابتة ثبات العقائد والعبادات في المجتمع المسلم فالفضائل سوف تظل فضائل في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إذ يستحيل أن يأتي على الناس زمان يعتبرون فيه الصدق رذيلة أو العفة أو الأمانة أو غيرها من
الفضائل رذائل
1 يلتمس التوسع في ذلك في كتب الفقه الإسلامي و بخاصة باب الإمارة
٣٦١

كما أنه لن يأتى على الناس زمان يعتبرون فيه الكذب فضيلة أو العهر والخيانة والغش وغيرها من الرذائل فضيلة
إن ثبات هذه القيم الخلقية فى الإسلام وتربيته للإنسان على احترام هذه القيم والتحلى بفضائلها والتخلى عن رذائلها إن ذلك هو الذى يجعل الإنسان يمارس حياة إنسانية كريمة لائقة بمكانة الإنسان عند الله إذ كرمه الله سبحانه وفضله على كثير من
خلقه
وهكذا يربي الإسلام الإنسان تربية سياسية بعيدة عن الزيف والخداع وبعيدة كذلك
عن المناهج الوضعية التي تخطئ دائما أكثر مما تصيب
إن الإسلام يربي الناشئ المسلم على ذلك كله وكلما درج الناشئ مدرجة تالية في حياته تعهده الإسلام بالتربية التي تلائمه وتحقق له سعادة الدارين
كما يؤكد الإسلام أن التماس منهجه فى الحياة الإنسانية كلها الروحية والخلقية والعقلية والبدنية والجمالية والاجتماعية والسياسية إنما يكون من مصادر الإسلام الأصلية
وهي
القرآن الكريم
والسنة النبوية الصحيحة
والسيرة النبوية المطهرة
ثم للمسلمين من بعد ذلك أن يجتهدوا ما وسعهم فيما لا نص فيه ليواجهوا كل المتغيرات التي تعترى حياتهم فى أى شعبة من شعبها وليواجهوها بعد علمهم بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة العطرة
وإن ذلك من صميم السياسة ومن أهم ما يُربى عليه الإنسان المسلم
٣٦٢

الباب الرابع
مستقبل الناشئ المسلم
التمهيد
الفصل الأول توجيه الناشئ المسلم وتوظيف طاقاته
ويشمل
۱ - مفهوم التوجيه والتوظيف
- كيف يوجه الإسلام الناشئ المسلم
٣ - كيف يوظف الإسلام طاقات الناشئ المسلم
الفصل الثانى وصل الناشئ المسلم بأمته وبعالمه الإسلامي
ويشمل
١٠ - مفهوما الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي
٢ - كيف يوصل الناشئ بأمته الإسلامية وعالمه الإسلامي

التمهيد
نحاول في هذا الباب الأخير من الكتاب أن نصل إلى إكمال الهدف من تأليفه وأن نضع أيدينا على اللباب والجوهر وذلك من خلال ما سوف نتحدث عنه من توجيه الناشئ المسلم وتوظيف طاقاته ثم من خلال وصل هذا الناشئ المسلم بأمته الإسلامية وعالمه الإسلامي كله
ففى الفصل الأول من فصلى هذا الباب نحاول أن نوجه هذا الناشئ المسلم في اتجاهين يكمل أحدهما الآخر
أما الاتجاه الأول فهو أن نوضح له مدى تأثره وتأثر الأجيال التي سبقته بحضارة الغرب المعادية لنا من حيث لبابها وقشرتها عداء فكريا وخلقيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا بتوضيح مدى هذا التأثر فى حياتنا الإسلامية وفي أجيالنا المسلمة التي عاصرت فترة التراجع الحضارى من المسلمين لتعيش ظروف المغلوب المقهور الذي احتلت أرضه وديست كرامته واستولى عدوه على مقدراته وشوه فكره حتى أصبح يقلد عدوه وينحو منحاه في حياته ويتزيى بزيه ويتناول مثل مطاعمه ومشاربه ويتخذ منهجه في حياته الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية
تحاول أن نوضح للناشئ المسلم ولمن يقومون على تربيته في هذا الفصل مدى ما تأثر به هو وأسلافه من حضارة الغرب التي تقوم على أسس مناقضة لأسس حضارتنا الإسلامية في المعتقدات والعبادات والأخلاق والمعاملات بل العادات والتقاليد
نوضح له ذلك لينأى بنفسه عن أن يكون أسيرا لها تابعا ذليلا لكل ما تأتى به ليتحول ولاؤه نتيجة لذلك إلى هذه الحضارة الغازية ثم يتبع ذلك أن يكون انتماؤه لهذه الحضارة
المعادية
وعندما يضطرب أمام الناشئ الولاء وينحرف به الانتماء فإنه ينتظر مستقبلا يغلله الضياع والضعف والانحلال ثم خسارة الدنيا والآخرة والعياذ بالله وأما الاتجاه الثاني فهو توجيه الناشئين والشباب وردهم إلى المعين الأصيل لحضارة
٣٦٥

وسيرته
الإسلام التي قامت على أساس مكين وصحيح من كتاب الله وسنة رسوله تلك الحضارة التي استطاعت فى أقل من نصف قرن أن توصل صوت الحق وممارسة العدل إلى ما يقرب من نصف المعمورة في ذلك الوقت
إنها الحضارة الإسلامية التي أقامت مجتمعا كان بالإسلام رائدا في كل شعبة من
شعب الحياة
إننا بهذا نحاول أن نرد التسباب إلى الحق وإلى العدل وإلى المنهج الإسلامي المتكامل بعد أن جنحوا وجنح آباؤهم وأجيال سبقت آباءهم وخرجوا عن إطار المنهج الإسلامي من يوم حدث التراجع الحضارى من المسلمين إذ غلبتهم الصليبية وحضارة الغرب على أمرهم
ثم نتحدث في هذا الفصل عن توظيف طاقات الناشئين والشباب طاقاتهم الروحية لتصفوا أرواحهم من درن الحضارة الغربية فتعود إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وقضاء الله وقدره إذ يعتبر ذلك هو الأساس الركين لبناء الحضارة الإنسانية الراقية حقا وليستعد هؤلاء الناشئون ويشمروا في عبادة الله وفق منهجه وفي التعامل مع الناس بمقتضى هذا المنهج ويتسلحوا بخلق الإسلام في كل ما يأتون وما يدعون من أمر
كما نتحدث عن توظيف طاقاتهم العقلية بتعويدهم على الفكر الصحيح المهتدى بالوحى وبالعقل القادر بهذا على أن يبدع ويبتكر ويعمر الأرض ويمشى في مناكبها ساعيا على رزقه وليستعين بهذا العقل المهتدى بالوحى فى التغلب على ما يواجهه في الحياة من متاعب ومشكلات وأن يحقق في مجال البحث العلمى ما هو أهل له بوصفه صاحب أكمل منهج وأتم شريعة وأحفل تاريخ في التقدم العلمي في مختلف مجالات الحياة مع التأكيد على أ أن الطاقات العقلية للمسلمين ما لم توظف لتحقيق هذه الأهداف فلن يستطيع المسلمون أن يأخذوا مكانهم اللائق بهم فى الحياة ـ وهو مكان الأمة الوسط أمة أخرجت للناس بما تملك من رصيد حضارى هائل يستنبط دائما من المعين الذي لا ينضب من كتاب الله وسنة رسوله
خير
وتوظيف طاقاتهم البدنية لكى يكونوا أصحاب أبدان صحيحة قوية قادرة على ممارسة الحياة ممارسة إيجابية فاعلة وإنما يكون ذلك إذا تخلت هذه الأبدان عن كل
٣٦٦

أسباب الضعف وتحلت بكل أسباب القوة ليستطيع الناس أن يؤدوا بهذه الأبدان القوية وظيفتهم الأولى وهى عبادة الله ثم يتمكنوا من شق طريقهم في الحياة الدنيا يعالجون أسباب الرزق وينشرون دعوة الله ويعمرون الأرض ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويجاهدون في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ومنهجه ونظامه هو السائد القائد
حيث لا يوجد في ظل هذا المنهج مظلوم أو ذليل أو فاقد للكرامة التي كرمه الله بها إن هذا التوظيف للطاقات البدنية عند الناس يستهدف إقدارهم على أن يؤدوا واجبهم في الحياة الدنيا ليسعدوا فيها وفي الآخرة
وفي الفصل الثاني من هذا الباب نحاول وصل هذا الناشئ بأمته الإسلامية على مستوى وطنه الإسلامى الذى يعيش فيه ثم على مستوى وطنه العربي ثم على مستوى العالم الإسلامي كله وإنما يكون ذلك فى تصورنا بتوليد الولاء لهذه الأمة والانتماء إليها انتماء روحيا عقليا حسيا شعوريا خلقيا سلوكيا بحيث لا يمارس أمرا في حياته إلا من خلال نظرته إلى هذه الأمة الإسلامية كلها وتساؤله دائما فيما يعود على هذه الأمة الإسلامية من نفع ويمنع عنها من ضر في ممارسته لأى أمر من الأمور قولاً أو فعلاً أو
سلوكا
ولن يتم وصل هذا الناشئ أو الشاب أو المسلم عموما بأمته الإسلامية إلا إذا عرف
عنها ما لابد أن يعرفه من حيث
مكان الأمة الإسلامية على الكرة الأرضية
والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحيط بها
ومدى تمسك هذه الأمة بمنهج الإسلام في حياتها
الله - وماذا يقوم في وجهها من عقبات وعراقيل تحول بينها وبين التمسك بمنهج
و نظامه
إن بعث هذا الانتماء للأمة الإسلامية في النفوس بحاجة ماسة إلى هذه المعرفة ما يشك في ضرورة ذلك إلا غافل
كما أن هذا الانتماء بحاجة ملحة إلى فقه عميق للروابط التي تربط المسلمين بعضهم ببعض في مختلف أقطار الأرض لتستيقظ في نفس المسلم المفاهيم الصحيحة للجنسيات
٣٦٧

والقوميات والعرقيات وليدرك أن جنسية المسلم الحقيقية هي بالدرجة الأولى عقيدته القائمة على توحيد الله وعبادته والعمل وفق منهجه ونظامه ثم تأتى بعد ذلك اعتبارات الأقاليم واللغات والألوان فلا تستطيع أن توجد فروقا بين المسلمين فضلا عن تفاوت المنزلة لأن هذا التفاوت محكوم عبداً قرآنى ثابت طالما على الأرض حياة إنسانية هو قوله تعالى ﴿ يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ۱
إن الأمة الإسلامية بحاجة مستمرة إلى شباب يحسنون الانتماء إليها والعمل على إعلاء شأنها مهما سكنوا أقطارا متباينة وانتسبوا إلى أعراق متفاوتة وتحدثوا لغات متعددة لأن الإسلام وحد بينهم بعقيدته وأحكم نسجهم بعباداته ومعاملاته وأخلاقه وسلوكياته وألزمهم جميعا بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل ذلك وفقههم فى ذلك لو تأملوا كتاب الله وسنة رسوله
إننا يوم نستطيع أن نوقظ في نفوس الشباب هذا الانتماء نكون قد قدمنا لهم ولأنفسنا وللأمة الإسلامية كلها خيرا كثيرا وحققنا لها أهدافا عظيمة في دنياها
وأخراها
كما نحاول - مستعينين بالله سبحانه - فى هذا الفصل الثاني الأخير من هذا الكتاب أن نصل الناشئ المسلم أو المسلم عموما بقضايا العالم الإسلامي الكبرى القضايا التي تؤرقه وتحول بينه وبين تحقيق أهدافه الكبرى في الحياة
ومن أبرز هذه القضايا
١ - قضية تربية المسلم وفق منهج الله
- وقضية تزويد المسلم بالإعلام الإسلامي الهادف ٣ ـ وقضية خصائص المجتمع المسلم وسماته
٤ ـ وقضية الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية
ه - وقضية النظام السياسي الإسلامي ٦ ـ وقضية الأخذ بشريعة الله في الحياة
۱ سورة الحجرات ۱۳
٣٦٨

- وقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
- وقضية الدعوة إلى الله
۹ - وقضية الجهاد في سبيل الله
١٠ ـ وقضية الأخذ عن الحضارات الأخرى
كما أن المسلمين لا يستطيعون أن يتصلوا بهذه القضايا اتصالا فاعلا مؤثرا إلا إذا أحاطوا علما بالتيارات المعادية للإسلام المعوقة لهم عن الوصول إلى تحقيق أهدافهم وما تمارسه هذه التيارات من أعمال ظاهرة أو خفية تكيد بها للإسلام والمسلمين وتضلهم عن دينهم الحق وعن منهجهم الصحيح ونخص من هذه التيارات ما يلي
- الصهيونية أو اليهودية
٢ - والصليبية
- والإلحاد
- والإباحية والفوضى
ه - والغزو الفكرى
٦ - والاستشراق وبعض المستشرقين الحاقدين
- والتنصير وجهوده
۸ - والتبعية السياسية منظورة أو غير منظورة كذلك
٩ - والتبعية الاقتصادية منظورة أو غير منظورة
١٠ - وسائر التحديات الموجهة للإسلام
ولا بد من أن نوضح للشباب وللمسلمين ماذا عليهم أن يفعلوا في مواجهة هذه
A
التيارات وماذا عليهم أن يعدوا لها من كيد وعدة وقوة ليسلم لهم دينهم ولتتحرر لهم أوطانهم من أعدائها المنظورين وغير المنظورين ولتستقيم لهم حياة إسلامية تهتدى بمنهج الله ونظامه لا ترضی به بديلا أيا كان هذا البديل
إننا إن نوفق إلى ذلك فى هذا الفصل فسوف يكون ذلك من فضل الله علينا وعلى
٣٦٩

المسلمين وإلا فحسبنا أننا حاولنا واجتهدنا وبذلنا غاية ما في وسعنا ولن نحرم بفضل من
الله أجر المجتهدين وبهذا الفصل وذلك الباب يكون الكتاب - فى نظرنا ـ قد استوفى أبعاده واستجمع أبوابه وحقق كثيرا من أهدافه والله سبحانه من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل
۳۷۰

أ ـ مفهوم التوجيه
الفصل الأول
توجيه الناشئ المسلم وتوظيف طاقاته
۱ ـ مفهوما التوجيه والتوظيف
التوجيه في اللغة جعل الشيء على جهة واحدة ووجهته فتوجه أى انقاد لما وُجه إليه
والتوجيه في علم الاجتماع
هو مجموع الخدمات التي تهدف إلى مساعدة الفرد على أن يفهم نفسه ويفهم مشاكله ومساعدته على أن يستعمل إمكاناته الذاتية من قدرات ومهارات واستعداد وميول وأن يستعمل إمكانيات بيئته فيحدد أهدافا تتفق وإمكاناته ويختار الطرق المحققة لها بحكمة وتعقل فيتمكن بذلك من حل مشاكله حلا عمليا يؤدى إلى تكيفه مع نفسه ومع مجتمعه فيبلغ أقصى ما يمكن أن يبلغه من النمو والتكامل في شخصيته ۱ ومن خلال هذا المفهوم الاجتماعى للكلمة وهو ملائم للمفهوم اللغوى لها نستطيع أن نحدد لتوجيه الناشئين أو الشباب خطوات هامة نذكر منها ما يلى ١- وضع خطة عمل للشباب تملأ فراغ أوقاتهم بما يعود عليهم وعلى المجتمع الذي يعيشون فيه بالنفع والفائدة
- وحسن استثمار طاقات الشباب وإمكاناتهم المختلفة لكي يستخدموها فيما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم
وتدريبهم على الاتزان والحكمة والتعقل ليساعدهم ذلك على حل أى
مشكلات تعترضهم
۱ د أحمد زكي بدوى معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ص ۹۸
۳۷۱

٤ ـ والعمل على تنمية مهاراتهم واستعداداتهم وتوجيه ميولهم نحو ما يعود على الناشئين والشباب خصوصا والأمة الإسلامية عموما بالنفع والفائدة
ه ـ والعمل على تسديد أقوال الشباب وأفعالهم بحيث تكون موافقة لما أمر به الإسلام من خلق ومستجيبة لكل ما دعا إليه من عمل ومنتهية عن كل ما نهى عنه الإسلام من شيء
هذا هو مفهوم التوجيه في هذا الفصل كما بدا لنا من خلال التأمل الطويل في توجيه
الناشئين والشباب نحو دينهم وما دعا إليه
ب ـ التوظيف ومفهومه
التوظيف في اللغة مصدر وظف
والوظيفة من كل شيء ما يقدر له فى كل يوم من رزق أو طعام أو علف أو شراب
وجميعها وظائف
ووظف الشيء على نفسه ووظفه توظيفا ألزمها إياه
وعند علماء الاجتماع
التوظيف إلحاق الفرد بعمل في منشأة ما ويعتبر فيه ضرورة أن يكون العمل ملائما للعامل والعامل ملائما للعمل ۱
والذي نقصده من التوظيف هنا هو أن نحدد للناشئ أو الشباب ـ بعد التعرف على إمكاناته ومهاراته وميوله - ما يناسبه من الأعمال اليومية التي يجب أن ترتب عليه ولن يكون ذلك مجديا ما لم تكن أهداف العمل واضحة ووسائله معروفة ومشروعة
والقدرة على ممارسته ممكنة ومتاحة والزمان والمكان الواقع فيهما العمل ملائمين إذا روعى كل ذلك فإن التوظيف بتحديد الأعمال اليومية أو الدورية سوف يحقق أهدافه المرجوة
وبينه
وكل إخلال بأى من هذه المفردات يعوق العمل ويبدد الهدف أو يباعد بين الناس
١ السابق ٣١٦
۳۷

إن الناشئ المسلم أو الشاب المسلم يجب أن تحدد له وظيفة أولى - وهي العبادة - ووظيفة ثانية فى معاملاته ووظيفة ثالثة في بيته ورابعة في المسجد وخامسة في المعهد أو المدرسة التي يتعلم فيها وسادسة مع أقرانه وأقربائه وأصدقائه وجيرانه وسابعة في عمله وثامنة من أجل أن يمارس الدعوة إلى الله وتاسعة من أجل أن يمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعاشرة فى مكانه ومكانته في الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا إنها عشر وظائف أساسية من خلالها يربى الناشئ المسلم تربية إسلامية صحيحة
هادفة
۳۷۳

٢ - كيف يوجه الإسلام الناشئ المسلم
معهم
الكتاب
إن توجيه الإسلام للناشئ المسلم يهدف إلى أن يقيمه على الحق وأن يؤهله للدعوة إليه والعمل به والصبر عليه لأن الله تبارك وتعالى أرسل الرسل وأنزل والميزان ليقوم الناس بالقسط أى بالعدل والعدل إحقاق للحق قال الله تعالى لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوى
عزیز ۱
والإسلام لا يدع أحدا من المسلمين دون أن يطالبه بأن يكون من أهل الحق ومن دعاة الحق ومن المتواصين بالحق الصابرين على التمسك به إن أحدا من المسلمين لا يعفيه الإسلام من ذلك ما دام قادرا عليه ومعظم توجيهات الإسلام العامة والخاصة توصل إلى
ذلك
والمسلمون منذ عصر النبي الا الله وإلى الآن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها يمارسون ذلك ويقومون عليه محتسبين عند الله الأجر والثواب محاولين أن يحققوا من وراء ذلك سعادة الدنيا والآخرة
وعصور الإسلام جميعاً تقاس أعمال المسلمين فيها بمقاييس دقيقة هي مدى تمسكهم بالحق ودعوتهم إليه وتواصيهم به وصبرهم عليه لأن الحق هو الله أو هو القرآن الكريم أو هو الإسلام كله والعدل جزء منه
والمسلمون إنما يعزون ويسودون فى زمن من الأزمان إذا هم تمسكوا بالحق ودعوا إليه وأقاموا على أساسه حياتهم وحضارتهم فإن لم يفعلوا ذلوا وضعفوا وتراجعوا عن موقفهم الحضاري العظيم
تلك حقائق لا يجادل فى صحتها أحد ممن يعترفون بالحق ويعرفون الإسلام ويقرءون تاريخه ويعون ما يقرءون ومن أجل ذلك لم يكن شيء أهم لدى أعـداء
۱ سورة الحديد ٢٥
٣٧٤

المسلمين فى كل زمان ومكان من صرف المسلمين عن الحق بصوارف عديدة بعضها ظاهر كالحروب التي يهزم فيها المسلمون أمام أعدائهم لتخليهم عن الحق وبعضها حفى مثل إشغالهم وإلهائهم بما يحسبون أنه مصلح لهم وهو مفسد
وسوف نتناول بالحديث في كيفية توجيه الإسلام للناشئين والشباب نقاطا ثلاثة يتبين من الحديث عنها كيف يوجه الإسلام الناشئين خصوصا والمسلمين عموما التوجيه الملائم
هذه النقاط الثلاث هي
أ ـ التخلى عن القيم الإسلامية في زمننا هذا
ب - وأثر الحضارة الغربية في المسلمين اليوم
جـ ـ ونتائج تأثر المسلمين بالحضارة الغربية
إن توضيح كل نقطة من هذه النقاط يسهم في التعرف على توجيه الإسلام للناشئين أ أ ـ التخلى عن القيم الإسلامية في زمننا هذا ! ! !
العصر الذي نعيشه الآن - بداية العقد الثاني من القرن الخامس عشر الهجري ـ العقد الأخير من القرن العشرين الميلادى - هو عصر تحلى فيه كثير من المسلمين عن التمسك بدينهم وبالحق وبالدعوة إلى الله والصبر عليها متأثرين فى هذا التخلي بالحضارة الغربية التي خدعتهم عن دينهم وعن واجبهم وأوهمتهم أن الدوران في فلكها هو التقدم وهو التحضر وهو زهرة الحياة الدنيا
ولهذه الحضارة الغربية الموهمة الواهمة قصة طويلة مع الدين نفسه الدين المسيحي نوجز أبعادها في كلمات لما لها من صلة بإيهام المسلمين بجدوى هذه الحضارة الغربية وجدوى استبدالها بالحضارة الإسلامية
إن صراعا رهيبا نشأ بين الحضارة الغربية والدين المسيحى منذ ما يعرف عندهم بعصر النهضة renaissance وهو عصر بدأ بعد انتهاء ما يسمى عندهم كذلك بالعصور الوسطى وامتاز بحركة إحياء العلوم والفنون والآداب ويرمز له كثيرا بعصر التجديد
والإحياء
وكان متكلمو المسيحية القدماء قد بنوا عقائدهم الدينية ـ التي هي أصلا نابعة من الإنجيل - على أسس ونظريات فلسفية يونانية فى مجالات العلم والفن والحياة وقد تشبثوا
۳۷۵

بهذه النظريات بحيث لم يجدوا بأسا في ترك الدين نفسه إن تعارض مع هذه الفلسفات - وقد فعلوا ـ وقد صاغ علماء الكلام النصارى أفكارهم وفلسفاتهم على هذه الأسس واعتبروها مسلمات لا تقبل حوارا فضلا عن جدل أو ردّ ووصلوا وصلا وثيقا بين الدين المسيحى وهذه الفلسفات بحيث قامت المدنية والسياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر والثقافة والفن والأدب على فلسفة اليونان وأكسبوها من الدين
قداسة
فلما كان عصر النهضة العلمية أو التجديد اصطدم بهذه الفلسفات البالية العتيقة الضعيفة الواهنة العاجزة في نظرهم عن أن تنظم الحياة أو تمدها بأسباب الحضارة فأوسعوا هذه الفلسفات نقدا فإذا بهم ينتقدون الكنيسة دينها وفكرها ورجالها وما كان لرجال الكنيسة أن يسكتوا على ذلك حيث دار بين الفريقين صراع رهيب تمسك فيه رجال الكنيسة بموقفهم مستغلين سلطتهم الدينية ونفوذهم السياسي متشبثين بذلك مهما قامت ضده الأدلة الناصعة والبراهين القاطعة فدعوا إلى تحطيم رءوس أصحاب النهضة العلمية فكان هذا الصراع وهذا العداء المستحكم وأخذ كل فريق يكيل للفريق الآخر من الحرب والعداء ما يستطيع حتى إن رجال النهضة لم يقصروا تجريحهم وإهانتهم على الدين المسيحى ورجاله بل اعتبروا هذا التخلف والجمود من صفات كل دين ورموا الأديان كلها بالدجل والتزوير والتناقض مع العقل والمنطق
وكان الصراع في أوله علميا عقليا ثم اتسع مداه وتعمق فتناول النظام الاجتماعي والنظام السياسي والاقتصادي وما لبثت أن ضعفت الكنيسة أمام هذه الضربات العاتية المؤيدة بالعقل والمنطق المفقودين لدى رجال الكنيسة وقد أدى ذلك إلى نتائج وخيمة في الواقع وإن كانت رائعة لدى رجال عصر النهضة ومن أبرز هذه النتائج ما نرصده فيما
يلي
۱ - عزل الدين ــ أي دين وليس الدين المسيحى وحده ـ عن تنظيم حياة الناس والتشريع
لهم
٢ - وقصر الدين والتدين علي العقيدة الشخصية لأى إنسان وعلي العمل الفردى له
٣ - واعتبار القيم الخلقية النابعة من الدين أى دين مظهراً من مظاهر التخلف وينبغى أ يظل في الدائرة الشخصية للفرد وأن يكون بمعزل عن المجتمع
أن
٣٧٦

٤ - وقد ترتب على ذلك انتشار الإلحاد وكفران الخالق سبحانه والتخلي عن الدين - بوصفه مظهرا من مظاهر الرجعية والتخلف
ه - وترتب على ذلك أن سيطر على الناس أن كل شيء يأتى به الدين في العقيدة أو العبادة أو المعاملة مرفوض لذاته وأن كل ما يأتى به العقل أو العلم مقبول لذاته كذلك
٦ - وشاع بين الناس عموما وبعض العلماء خصوصا كفر صريح بكل ما هو وراء العالم المادى المحسوس أى كفر بالغيب كله وكفر بالتالي بالوحى وباليوم الآخر
- وشاع بين الناس بناء على ذلك الإيمان بالطبيعة والقوانين الطبيعية والكفر بما وراء
ذلك
وكان من نتيجة ذلك أن ترعرعت أفكار ثلاثة من المفكرين كانوا شراً وشؤماً على
البشرية كلها وهم
هيجل
ودارون
وكارل ماركس
والثلاثة متشابهون فى الفلسفة والهدف وإن اختلفوا في التحليلات إذ جعل الأول منهم العالم الفكرى كله والحضارة بأسرها ميدانا للصراع يطرد فيها الجديد القديم وهكذا يحدث في كل عصر
واعتبر الثاني الفكر والحضارة وكل ما على الأرض حقا للأقوى وما على الضعيف إلا أن يتنحى للقوى
وجعل الثالث المجتمع البشرى كله مجتمع صراع لا وئام وكل ذلك التفسير إنما يدعم الأنانية وحب الذات وتنكر الإنسان الإنسان لا لشيء إلا لأنه الأضعف لقد ضربت مذاهب هؤلاء الثلاثة هيجل ودارون وكارل ماركس بالأديان كلها والقيم الفاضلة جميعا عرض الحائط
٩ ـ ولقد سادت بين الناس بعد هذه الفلسفات فكرة نبذ الأديان ونبذ الإيمان بالله واليوم الآخر ونبذ القيم الخلقية التي جاء بها الأنبياء والرسل لتحل محلها الرذائل الخلقية
۳۷۷

التي تقوم على الأنانية واللذائذ والشهوات والتنكر لكل ما هو فاضل من
الأخلاق
١٠ ـ ونتيجة لكل ذلك اضطربت المعايير الخلقية والمعايير السياسية السليمة وتبنى العالم - والمسلمون جزء منه - نظما سياسية قامت على مبادئ ذاعت وطارت شهرتها في
العالم كله شرقه وغربه وهي
اللادينية secularism
والقومية natiomalism
والديموقراطية damocracy
وخلاصة اللادينية أن لا علاقة للسياسة بالدين ولا بالإله سبحانه ولا بأى شيء جاء به الدين في الاجتماع أو الأخلاق أو السياسة
وخلاصة القومية أن يحل القوم محل الشرع والمشرع سبحانه وتعالى ولا يقاس الخير والشر إلا بمقياس المصلحة والمنفعة للقوم أو الشعب ولتذهب سائر الشعوب وسائر الأقوام إلى الجحيم الدنيوي طبعا
وخلاصة الديموقراطية أن يتولى جمهور الشعب التشريع لنفسه بحيث يصبح الرأى العام هو معيار الحق وأن يكون كل ما جاء عن غير الرأى العام باطلا ولو كان قد جاء من عند الله أو الدين إذ لا دين عندهم إلا ما تضعه غالبية الأمة
وبعد فتلك قصة موجزة للحضارة الغربية في صراعها مع الدين أي دين ذكرناها لنذكر آثارها علينا معشر المسلمين المغلوبين على أمرنا المنهزمين أمامها المتخلفين من أجلها عن القيم الإسلامية التي يجب أن تسود حياتنا حتى ليمكن أن نقول مطمئنين إلى صحة ما نقول إن هذا الزمن الذى نعيشه هو زمن التخلى عن القيم الإسلامية في معظم بلدان العالم الإسلامي
ولن يكون للإسلام توجيه للناشئين أو الشباب إلا إذا عادوا إلى التمسك بالقيم الإسلامية التي تقوم عليها الحياة الإنسانية الكريمة الراشدة هذه هي النقطة الأولى التى يجب أن يعرفها المسلمون لكى يجدى معهم توجيه الإسلام لهم في الحياة
۳۷۸

أما النقطة الثانية التي يجب أن نحيط بأبعادها فهي
ب - أثر الحضارة الغربية في المسلمين اليوم
ولابد لنا أن نعترف فى غير خجل بأن الحضارة الغربية اليوم هي الحضارة الغالبة المسيطرة على العالم كله غربه وشرقه وعلى العالم الإسلامي في الشرق والغرب وذلك أن العالم الإسلامي لما تخلى عن قيمه وحضارته كان لابد أن يقع في قبضة هذه
الحضارة الغربية المعادية
بل إن العالم الإلحادى - الاتحاد السوفيتى - قد وقع الآن أو يكاد في قبضة الحضارة الغربية طائعا مختارا باسم البناء والتفكير بصوت مرتفع
لابد أن نعترف بذلك سلفا دون مكابرة لأنه قد قامت على ذلك مئات الشواهد والبراهين من واقع حياة المسلمين في مختلف بقاع الأرض
فماذا تركت هذه الحضارة الغربية المعادية للإسلام في المسلمين على مستوى العالم الإسلامي كله من آثار
يلي
ذلك ما نحاول عرضه في إيجاز فيما يلى - والله المستعان -
أولا الإشارة إلى الأسباب التى جعلت الحضارة الغربية تؤثر في المسلمين هذا التأثير
البالغ
وثانيا مظاهر تأثر المسلمين بتلك الحضارة
أما الأسباب التي أدت إلى تأثر المسلمين بتلك الحضارة الغربية فنشير إلى مجملها فيما
۱ ـ جثمت هذه الحضارة على صدر العالم الإسلامي بجيوشها وعتادها منذ ما يقرب من مائة عام من زمننا الذي نعيشه الآن فسيطرت على العالم الإسلامي
٢ - واكبت هذه السيطرة فترة ضعف المسلمين لتخليهم عن قيم دينهم وأخلاقه وعن الحق الأمر الذى أدى إلى شرذمتهم وذهاب ريحهم
- تضافرت جهود أبناء هذه الحضارة الغربية - المستعمرين - لإضعاف شوكة المسلمين بإغرائهم بحضارة الغرب وما فيها من زيف وبهارج وإرضاء للنزوات والشهوات
۳۷۹

٤ - وعملت وسائل الإعلام الغربية أو المستغربة على غسل عقول المسلمين من كل ما هو إسلامي ليحل محله مفردات هذه الحضارة من أفلام ومسرحيات وقصص و مقالات تتضمن قيما غير قيمنا وأخلاقا غير أخلاقنا
ه ـ وعملت الضغوط السياسية والاجتماعية والفكرية لهذه الحضارة على أن تعبث بقيم التعليم عندنا وبمناهجه وأهدافه ووسائله حتى باعدت بيننا وبين إسلامنا ما وسعها ٦ - وبذلت أقصى ما وسعها لتحل القوانين الوضعية محل الشريعة الإسلامية والقضاة المثقفون ثقافة غربية محل القضاة الذين يتثقفون ثقافة إسلامية
- وكثف دعاة هذه الحضارة جهودهم ليصبغوا حياة المسلمين بصبغة الحضارة الغربية في السياسة والاقتصاد والفكر والثقافة وكل أنظمة الحياة الاجتماعية وأما مظاهر تأثر المسلمين بتلك الحضارة فكانت كثيرة وعميقة وقد ساعد على هذا الاتساع وذلك العمق أن المسلمين يعيشون فترة تراجع حضارى مهين فتأثروا بحضارة الغرب فى مجالات رئيسية بعينها بحيث يمكن إدراك هذا التأثر بسهولة وإن تفرعت عنها مئات المجالات التي قد لا يتضح فيها التأثر بنفس السهولة
وحسبنا هنا أن نتحدث عن هذه المجالات الرئيسة التي تأثر فيها العالم الإسلامي بالحضارة الغربية على النحو التالي
۱ - الدين والتدين
فقد جاءت إلينا هذه الحضارة مجردة من الدين مزرية على التدين لا تعترف للدين إلا بأنه سبب التخلف والرجعية والحد من المنافع والرغبات ـ وذلك ما أوصلتهم إليه تجاوزات الكنيسة عبر قرون عديدة في بلادهم - فتركوا فينا هذا الأثر وأصبحنا نرى من المسلمين بل من مثقفى المسلمين من يرددون هذه القالات ويدينون بها ويرمون الإسلام نفسه - - أتم الأديان وأكملها - بأنه دين محلى إقليمي بيئي لا يـ يستطيع أن يتجاوب مع المتغيرات ومع التمتع بالحياة !!!
ولقد أصبح من السهل أن تجد بين حملة الأقلام من يسخر بالإيمان والدين ومن يهزاً من المصدقين بعالم الغيب ۱
۱ ولقد كان من بين أسوأ ما كتب في ذلك رواية كاتب مسلم إنجليزي أسماها آيات شيطانية سخر فيها من الدين الإسلامي ومن رسوله ومن كثير من قيمه ومقدساته
۳۸۰

وكان من المغالطات التي انطلت على كثير من الغافلين من المسلمين أن أحدثوا ربطا وثيقا بين الإسلام وأخطاء بعض المسلمين فكلما خالف أو انحرف واحد من المسلمين حكاما أو أفرادا عاديين فأتى من الأعمال ما لا يرضاه الإسلام تعالت صيحاتهم هذا هو الإسلام
وأخذ بعض كتابهم وبعض الكتاب من المسلمين - مع بالغ ا الأسف ـ يحصون هذه الأخطاء على المسلمين في عصور التاريخ المختلفة ليلقوا اللوم على الإسلام ولقد خدعوا بذلك الغافلين من المسلمين إذ توهموا أن التمسك بالإسلام يؤدى إلى تلك الأخطاء التي مارسها المخطئون من المسلمين
وقد أدخلت هذه المغالطات فى مناهج التعليم فى العالم الإسلامي معظمه لأنهم سيطروا على التعليم فترات طويلة فملئوا بذلك عقول المتعلمين بهذه المفتريات وسحر المتعلمون ببريق الكتاب المدرسى واحترامه واحترام كل ما فيه لدى الصغار ولقد صدق الصغار هذا الباطل فلما كبروا وكان منهم الكتاب والإعلاميون رددوا هذه الأباطيل واستغلوا في ذلك ما يسيطرون عليه من وسائل الإعلام
ولقد أصبح لهذه المفتريات والأباطيل مؤسساتها ورجالها الذين إذا غلبوا صاحوا بأعلى أصواتهم إن الدين رجعية وجمود وتخلف وتخدير للعقول وإن غلبوا قالوا إن التدين مسألة شخصية وأعمال فردية يجب أن تكون بمعزل عن الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية !!!
بل لقد أصبح لهذه المفتريات في بعض بلدان العالم الإسلامي حكوماتها وسلطاتها التي تبطش بكل من يتمسك بإسلامه أو يعمل على إحيائه في نفوس الناس وتجديد أمره وتجرد عليهم الحملات الانتقامية وتبنى لهم السجون والمعتقلات وتتولى أجهزة الإعلام تشويههم وتنفير الناس منهم ومن الدين والتدين !!!!
٢ - الأخلاق
استطاعت هذه الحضارة الغربية أن تفرض على العالم الإسلامي مباذلها الأخلاقية بحكم سيطرتها السياسية عليه بل سيطرتها الاجتماعية والفكرية والثقافية والإعلامية
والتربوية
وأقول مباذلها الأخلاقية لأنها أخلاق لا تعرف الفضائل ولا تعرف الانضباط
۳۸۱

السلوكي وإنما تستجيب لشهوات الجسد باسم الحرية الشخصية وتستجيب لشطحات الرأي باسم حرية الرأى وتستجيب للصراع الرهيب بين الناس باسم المنافع الشخصية وكان لهذه المباذل الأخلاقية منافذ نفذت منها إلى بلدان العالم الإسلامي ونستطيع
أن نذكر منها ما يلى
أ - المرأة وهى فتنة الرجال وقد استغلت هذه الحضارة المرأة أسوأ استغلال لتفسد بها أخلاق المجتمع فجردتها من ملابسها قطعة قطعة وجردتها بالتالى من حيائها وخفرها ثم من عفتها وألقت بها أمام الرجل الذي استعبدته شهواته فكان اختلاط بين الرجال والنساء وكانت خلوات وكانت مراقصة ومخاصرة ثم أصبح الزنا والخنا من الحريات الشخصية التى لا يعاقب عليها القانون ما دامت المرأة
راضية كل ذلك قدمته هذه الحضارة باسم التمدن والتحضر والحرية الشخصية ب ـ والخمر وهي عندنا أم الكبائر وهى وإن ضيعت العقل والمال والكرامة الإنسانية إلا أنها مع ذلك كله تجر إلى معظم الجرائم والكبائر لذلك سميت عندنا أم الكبائر فأصبحنا نرى فى كثير من بلدان العالم الإسلامي حانات لشرب الخمر ترعاها الدولة وترخص لها جـ ــ والميسر وهو مما حرم الله لما ينطوى عليه من استيلاء على أموال الناس بالباطل وما يجره هذا من جرائم أخرى ومن عجب أن كثيرا من بلدان العالم الإسلامي ترخص أماكن لممارسة الميسر
د ـ والغناء والرقص وكلها مما يثير الغرائز ويجمع الناس على إغضاب الله تبارك وتعالى وسواء أكان هذا الرقص شرقيا أم غربيا - كما يقسمونه ـ فإنه مقدمات الزنا أو الزنا نفسه في بعض الأحيان
هـ - والحفلات المختلطة بين الرجال والنساء وما يدور فيها من أعمال وممارسات غير أخلاقية مهما تكن أسماء هذه التجمعات ومهما تحمل من شارات ثقافية أو اجتماعية أو أسماء مضللة كالروتارى وغيره
ولكى يصبح أبناء العالم الإسلامى وبخاصة الكبار والمسئولون فيه على مستوى من التقدم والرقي فلابد لهم أن يتخلقوا بخلق هذه الحضارة الغربية ثم تنتقل العدوى من الطبقة العليا إلى الطبقة الوسطى إلى عامة الناس حتى يصبح ذلك مألوفا لدى المسلمين
۳۸

ولا لوم عليه ولا اعتراض إلا أن يكون المعترض رجعيا أو متخلفا أو متدينا !!! ٣ ـ الفكر والثقافة استطاعت هذه الحضارة الغربية الغازية أن تستولى على مؤسسات التعليم في معظم بلدان العالم الإسلامى ولذلك تمكنت من أن تشكل فكر المسلمين وأن تصوغه كما يحلو لها عن طريق مناهج التعليم وبرامجه دون رقيب أو حسيب وكيف يستطيع الذي احتلت أرضه بجيوش أعدائه المنظورة أو غير المنظورة أن يراقب أو يحاسب وقد عملت هذه المؤسسات التعليمية على أن تقضى على كل ما هو إسلامي لتحل محله كل ما هو معاد للإسلام من مفردات الفكر والعلم والمعرفة
وكانت سيطرتهم على مؤسسات التعليم فرصة جيدة لهم ليربطوا بين الوظائف الهامة في الدولة وهذه المؤسسات والذين تعلموا فيها حتى إن مدارس أجنبية برمتها أخذت تمارس عملها الباغي على دين الأمة ولغتها في كثير من بلدان العالم الإسلامي وعومل المتخرجون فى هذه المدارس معاملة المدللين الذين يغدق عليهم الرزق وتحتجز لهم المناصب الهامة
وقد انحصر التعليم الإسلامي - فى مصر على سبيل المثال ـ في الأزهر وحده أمثاله من معاهد التعليم في العالم الإسلامي - ومع ذلك لم تسلم مناهج هذه المؤسسات التعليمية من التحريف والتشويه كذلك
وفي
وقد شنت على الأزهر والمتخرجين فيه حملات تشويه وتهوين كما جعل المتخرجون فيه للأعمال الأقل أهمية في المجتمع وحتى هذه الأعمال زوحموا فيها ممن
تخرجوا في المدارس والجامعات الأخرى كما ضيق عليهم في الرزق تبعا لذلك وكان من الطبيعى أن تقبل ناشئة العالم الإسلامي على تلك المعاهد والجامعات التي يوسد المتخرجون فيها أهم المناصب وينالون الأرزاق الوفيرة بل تعدى ذلك إلى أن يصر بعض الناس على تعليم أبنائهم فى المدارس الأجنبية وتبارى الناس في ذلك ولا يزالون
يفعلون
وعندما استطاعت بعض بلدان العالم الإسلامى أن تنال قدرا من الاستقلال أو تتولى هي بنفسها وضع مناهج التعليم لم تستطع أن تتخلص من هذه المناهج الشائهة المغالطة ومع ذلك فقد أنشأ الأعداء مدارس تحقق أهدافهم بصورة مباشرة سميت أحيانا
۳۸۳

مدارس اللغات وأخرى انتمت إلى طوائف كنسية عندهم وثالثة إلى أفراد لهم شهرة في الغرب وكل هذه المدارس لا تكتفى بتعليم اللغة الأجنبية فقط وإنما تعلم فكرا أجنبيا وثقافة أجنبية وتخرج إنسانا أجنبياً عن إسلامه أولا ثم عن وطنه ثانيا وكل من تعلموا في هذه المدارس أو المعاهد أو الجامعات - كالجامعة الأمريكية - تنتظرهم أهم الوظائف وينالون أعلى الأجور ثم يدفع بهم إلى أعلى المناصب في البلاد لأنهم أولياء السادة الحقيقيين لتلك البلاد وكل متعلم فى هذه المدارس أو المعاهد أو الجامعات إنما هو فرد يخسر الإسلام أولا ثم يخسر أسرته بعد ذلك
ولا تزال هذه الظاهرة حتى يومنا هذا في كل بلدان العالم الإسلامي دون استثناء وما سمعنا عن حكومة في بلد إسلامى أمرت بإغلاق هذه المدارس أو إلزامها بمناهج البلاد وبرامج التعليم فيها - على ما فى هذه البرامج من عيوب - حتى تلك البلاد التي أعلنت تطبيق الشريعة الإسلامية لم تجرؤ على مثل هذا القرار !!!
وقد أفرز ذلك كله تشويه الفكر والثقافة والذوق والمعرفة وإبعاد الإنسان المسلم عن
الإسلام وحضارته
٤ - النظم والقوانين
استطاعت هذه الحضارة الغازية أن تطرد من معظم بلدان العالم الإسلامي نظمه وقوانينه النابعة من الشريعة الإسلامية لتحل محلها نظما وقوانين وضعية نابعة من تصورات عصر النهضة الأوربية الذى قام على محاربة الأديان لذاتها والأخلاق باسم
الحرية الشخصية
وكل عاقل مثقف يدرك تمام الإدراك أن تغيير النظام والقانون لا يعنى مجرد إحلال نظام محل نظام أو قانون محل آخر وإنما يعنى تغيير المجتمع والقيم السائدة فيه بتغيير الفلسفة التي تقوم عليها النظم الاجتماعية والأخلاقية بل تغيير كل مظاهر الحضارة في
مجتمع من المجتمعات
وبالتالي فإن الذي حل ببلدان العالم الإسلامى من جراء تغيير النظم والقوانين هو كارثة بكل المقاييس لأنه أدى إلى تغيير مجتمع مسلم إلى مجتمع غربي في أخلاقه وعاداته وتقاليده وما يحترم من نظم وما يخضع له من قوانين
ولقد استعان أعداؤنا على تغيير النظم والقوانين في بلادنا بأن أنشأوا مدارس وكليات
٣٨٤

حملت اسم مدارس الحقوق أو كليات الحقوق وأعطوها من الأهمية والصدارة ما يوازى ما أهلت له من هذا التغيير الخطير
وقد ألحقت كليات الحقوق بالجامعات في البلدان التي أنشئت فيها جامعات ومارس التدريس فيها أول الأمر أجانب عن الإسلام والمسلمين ثم مارسه فيها من تعلموا فيها وابتعثوا في بلدان الغرب ليعودوا غربيين سدى ولحمة فيوالون الغرب وكل ما يسوده من نظم وقوانين
وقد درست لأبناء المسلمين في هذه الكليات القوانين المدنية والجنائية والعادية وألقى في روع المتعلمين أن التشريع ليس لله وإنما هو لمن يسنون القوانين فهم الذين لهم أن يقولوا إن هذا العمل واجب أو مباح أو حرام وهم الذين يختارون العقوبات جزاء على ارتكاب الجرائم بل هم الذين يحددون الجرائم أى يجرمون بعض ا الأعمال ولا يرون حرجا - فضلا عن جريمة - في أعمال أخرى
كل ذلك يدرسونه للطلاب المسلمين بغض النظر عن أن تكون الجرائم التي عدوها جرائم مما حرم الله أو التي اعتبروها غير مجرمة مما أحل الله وبغض النظر عن العقوبات التي اقترحوها لبعض الجرائم أهى ملائمة لما شرع الله أم مخالفة له
ولقد ترتب على ذلك في المجتمعات الإسلامية أمور أدت إلى تعطيل الشريعة الإسلامية عن أن يحكم بها بين المسلمين ومن أمثلة ذلك مايلي أولا عطلت الحدود الشرعية كحد السرقة أو الحرابة أو حد الزنا أو شرب الخمر أو القذف وحلت محلها عقوبات رأوها خيرا مما شرع الله !!! فلا رجم ولا جلد لأن هذا في نظرهم وحشية فى التعامل مع المجرم متناسين وحشية المجرم وهو يرتكب الجريمة
حتى عقوبة القتل قصاصا عطلت فى كثير من البلدان وحلت محلها عقوبة السجن مدى الحياة تعففا عن قتل من لم يتعفف عن قتل سواه !!!
ثانيا واعتبرت بعض الجرائم فى الإسلام غير محرمة مثل أ ـ شرب الخمر وسائر المسكرات
ب ـ وقذف المحصنات المؤمنات
٣٨٥

ج والزنا ما دام برضا الزانية الراشدة
د - والسرقة لا قطع فيها بحال
هـ ـ وزنا المحصنين والمحصنات كزنا غيرهم مع أن الزناة المحصنين والمحصنات يرجمون حتى الموت وغيرهم يجلدون مائة جلدة
و - ولعب الميسر لا غبار عليه ما دام في مكان مرخص له بذلك ز - وكشف ما أمر الله بستره من جسم المرأة
ح وكشف ما أمر الله بستره من جسم الرجل
ط والتعامل بالربا يتم مع المصارف التى تنشئها الحكومات المسلمة
ى ـ وغير ذلك مما لا نقصد استقصاءه هنا
ثالثا وحلت أنظمة في العلاقات الأسرية محل أنظمة الشريعة كبعض ما أدخل على نظام الزواج والطلاق والحضانة وغيرها في كثير من بلدان العالم الإسلامي
رابعا وكذلك كان الشأن في المعاملات كالتجارة والشركة والصرف والسلم والوكالة والكفالة والحوالة والمزارعة والمساقاة والديات وأروش الجنايات وغيرها كل ذلك حل فيه القانون الوضعى محل أحكام الشريعة وقوانينها
وإن الأنظمة والقوانين الوضعية التى أنت بها إلينا الحضارة الغربية في معظم بل كل بلدان العالم الإسلامي لجد خطير إذ حسبها من الشر والخطر أن حالت بين الناس وقوانين ربهم وأنظمته فضلا عما أحدثته فى المسلمين من حيرة وتخبط وضياع
إن ناشئة العالم الإسلامي وشبابه تتفتح عيونهم على هذه الأنظمة وتلك القوانين الوضعية فيألفونها ويتعاملون بها ولا يفكرون فى الطريقة التى يتخلصون بها منها لتحل محلها أنظمة الشريعة الإسلامية وقوانينها وإن ذلك لمعوق كبير من المعوقات المبثوثة في
طريق العمل الإسلامي
ه ـ السياسة
أتت هذه الحضارة الغازية بنظم ونظريات سياسية لا تصلح للمسلمين بحال من الأحوال وذلك أنها نظم ونظريات تولدت من فلسفة لا دينية ومن قيم ومعايير لا
٣٨٦

أخلاقية - كما أوضحنا آنفا - على حين أن حياة المسلمين في كل شعبها السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية والعسكرية والرياضية وكل شعبة من شعب الحياة جميعا إنما ينبع أصلا من الشريعة الإسلامية ويشق طريقه من خلال أنظمتها وقوانينها وأخلاقياتها
إن النظم والنظريات السياسية الغربية تقوم - كما المحنا إلى ذلك فيما مضى من هذا الكتاب ـ على أسس متعددة بعضها يدعم الرأسمالية وبعضها يدعم الاشتراكية أو الشيوعية وبعضها إقطاعي النزعة حتى يومنا هذا وكلها تنبع من فلسفة لا دينية تعتمد القوميات والديموقراطيات بل تجعل منها هدفا تسعى إلى تحقيقه
وقد توزعت هذه النظريات السياسية مذاهب مشهورة في عصرنا هذا الحديث -
قرنين تقريبا من تاريخنا اليوم - ومن أهمها
النازية والفاشية
والشيوعية والاشتراكية
والديموقراطية
ويكاد الناس يجمعون على أن الديموقراطية هى أحسن المذاهب وأنفعها للناس وأقدرها على منحهم الحريات
غير أن الواقع الذي عايشه الغرب نفسه كذب هذه الدعاوى إذ سريعا ما تحدى بعض الغربيين هذه الديموقراطية وجاء على رأس قائمة المتحدين الدكتاتورية وهى الطغيان الذي يمارسه الحاكم على الشعب تحت شعار خادع هو مصلحة الشعب ن كلمة كثيرا ما دیست بها حقوق الشعب وكرامة الإنسان وحقوقه
وهي
وقد عرفت الحضارة الغربية ألوانا من الديكتاتوريات كان من أبرزها
ديكتاتورية نابليون الأول
وديكتاتورية نابليون الثالث
مع ضرورة أن نتذكر أن الثورة الفرنسية كان شعارها الحرية والإخاء والمساواة
والأثر المباشر للديكتاتورية هو الإرهاب والتعذيب وتكميم الأفواه لكل أصحاب
۳۸۷

الرأى أو المعارضين أدنى معارضة للحاكم الديكتاتور ولعل الذي يحرك الديكتاتوريات هو الأحقاد الشخصية أو القومية
وفي حياة الغرب شخصيات بارزة فى الحكم الديكتاتورى لا ينساها الناس مهما
تطاول الزمان ومن آ من أمثلة ذلك
بلسودسكي في بولوينا
و مصطفى كمال في تركيا
و بریمودى ريفيرا في اسبانيا
والملك اسكندر في يوغوسلافيا
ولكن أشهر الديكتاتوريات في الغرب ثلاثة
- الديكتاتورية الروسية التي أقامها لينين ۱۹۳ م ثم من بعده ستالين ثم خروشتيشوف ثم بريجينيف وغيرهم إلى أن جاء جرباتشوف صاحب فكرة إعادة البناء والتفكير بصوت مرتفع - وعلى الرغم من ذلك الشعار فهو يمارس الديكتاتورية مع بعض الجمهوريات وبخاصة الإسلامي منها - والديكتاتورية الإيطالية التي أقامها موسوليني الفاشية سنة ٢٣ ١٩ م حيث حل الأحزاب وقضى على المعارضة واستخدم كل وسائل الإرهاب والديكتاتورية الألمانية التي أقامها هتلر النازية حيث أصبح رئيسا للدولة ورئيسا للوزراء وقائدا أعلى للجيش وحل جميع الأحزاب وفرض الإرهاب على الناس وأجج نيران الحرب العالمية الثانية ١٩٣٩ – ١٩٤٥ م
وكل نظام من الأنظمة أو المذاهب السياسية قد كان له صدى بل صدى كبير في كثير من بلدان العالم الإسلامي وبخاصة الأنظمة الديكتاتورية فقد عششت الديكتاتورية وفرخت وفاقت في القمع والإرهاب الأصل الذي قلدته
ونستطيع أن نقول مطمئنين يؤيدنا الواقع إن كل نظام حكم عسكري في أي بلد إسلامي هو نظام و ديكتاتورى يقوم على أساس الاستيلاء على السلطة وقمع الرأى الآخر وحل الأحزاب أسوة بنظام مصطفی کمال مشئوم تركيا بل مشئوم العالم الإسلامي كله أو أسوة بموسوليني أو هتلر أو لينين أو ستالين أو
۳۸۸

بريجنيف أو غيرهم مثل شاو سيسكى وغيره ولكن مصطفى كمال كان أكثر إغراء لهم حتى إن بعضهم كان يعلق صوره فى بيته ويعلن في غير خجل أنه يقدره ويحترمه ويتخذه قدوة في حكمه !!!
كما أن بعض بلدان العالم الإسلامي تعيش ـ كما تدعى ـ على أنظمة حكـم 1 ديموقراطية رئاسية أو ملكية أو عائلية أو قبلية والديموقراطية ـ على الرغم من كل ما فيها من المساوئ - منهم بريئة
وكل تلك الأنظمة والمذاهب السياسية تعادى الإسلام وتخالف نظامه وأحكامه وأخلاقه وكل هذه النظم والمذاهب السياسية مفروضة فرضا على بلدان العالم الإسلامي بشكل مباشر حينا وبشكل غير مباشر أحيانا المهم ألا يكون هناك ـ في العالم الإسلامي كله ـ نظام حكم إسلامى يقوم على العدل والشورى والحكم بما أنزل الله
٦ - الاقتصاد
وهو في الغالب تابع للنظام السياسي مهما تعددت مذاهبه وبالتالي فهو اقتصاد رأسمالي حر أو اقتصاد اشتراكي موجه أو اقتصاد يجمع بين هذين المذهبين غير أن المذاهب الاقتصادية كلها تقوم على فلسفة لا دينية أى لا تتفق مع الإسلام في شيء وذلك أن المبادئ التى تعد أهم مبادئ يقوم عليها الاقتصاد هي
مبدأ الملكية
ومبدأ الحرية الاقتصادية
ومبدأ العدالة الاجتماعية
وكل هذه المبادئ التي جاءت بها الحضارة الغربية تناقض تماما ما جاء به الإسلام من
نظام اقتصادی
وبيان ذلك كالتالي
الملكية التي جاءت بها الحضارة الغربية فى صورتيها الرأسمالية والاشتراكية
تخالف ما جاء به الإسلام في الملكية
فالرأسمالية التي تقر الملكية الخاصة لكل أنواع الثروة ولا تعترف بالملكية
۳۸۹

العامة إلا تحت وطأة الضرورة الاجتماعية والاشتراكية التي تقر الملكية العامة ولا تعترف بالملكية الخاصة إطلاقا وتعتبر الاعتراف بها شذوذا عن القاعدة - كلاهما لا يتفق مع الإسلام الذى يقر الملكية الخاصة والملكية العامة وملكية الدولة في توازن ومرونة محكومة بالقيم الخلقية الإسلامية
ومبدأ الحرية الاقتصادية التي يتيحها النظامان الرأسمالي والاشتراكي مخالف كذلك لما جاء به الإسلام لأن الرأسمالية تمارس حريات بلا قيد بينما تصادر الاشتراكية أى قدر من الحرية فى حين أن الإسلام يتيح هذه الحريات في ظل قيم
ومعايير إسلامية نابعة من العقيدة والإيمان والالتزام بأخلاق الإسلام وآدابه وكذلك الشأن في مبدأ العدالة الاجتماعية التي جاءت بها هذه الحضارة الغربية مختلف تماما عن العدالة الاجتماعية التي جاء بها الإسلام وذلك بالنظر والتأمل في أساسين عظيمين هما
التكافل الاجتماعي
والتوازن الاجتماعي
فعن طريق هذين الأساسين تقوم العدالة الاجتماعية في الإسلام وهي عدالة تأخذ في اعتبارها الواقع الذى يجب أن يعيشه الناس أو الذي يعيشونه فعلا وليس هنا مجال تفصيل هذه العدالة الاجتماعية الإسلامية وأسسها التي تقوم عليها وإنما لذلك مظانه من كتبنا وكتب غيرنا ١
۱ انظر لنا
رأة عالمية الدعوة الإسلامية نشر دار عكاظ ط تالثة ١٤٠٤ هـ ١٩٨٤ م
ب - مع العقيدة والحركة والمنهج في خير أمة أخرجت للناس تشمر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض ۱۳۹۸ هـ ـ ۱۹۷۸ م ودار الوفاء بالمنصورة ١٤١٢ هـ - ۱۹۹۱ م
ج و المجتمع الإسلامي تحت الإعداد
وانظر لعيرنا
أو العدالة الاجتماعية في الإسلام للمرحوم سيد قطب ب - و الحضارة الإسلامية و للمرحوم أبي الأعلى المودودي
جـــه حصوننا مهددة من داخلها للمرحوم الدكتور محمد محمد حسين د - 1 مفاهيم إسلامية للمرحوم أبي الأعلى المودودي هـ ـه الأسرة والمجتمع للدكتور على عبد الواحد وافي
۳۹۰

ج نتائج تأثر المسلمين بالحضارة الغربية
كان من نتيجة تأثر المسلمين بهذه الحضارة الغربية الغازية أن طغى على السطح في العالم الإسلامي تياران قويان كان لكل منهما نتائج حاسمة بالنسبة للمسلمين هما تيار التجاوب مع هذه الحضارة الغربية وقبول معطياتها تجاوب المبهورين بكل ما جاءت به هذه الحضارة الغربية مع غض النظر عما في هذه الحضارة من مخالفات واضحة لما جاءت به الحضارة الإسلامية ابتداء من العقيدة والإيمان ووصولا إلى العادات والتقاليد وأسلوب تناول الحياة
وتيار الرفض المطلق لهذه الحضارة ومعطياتها رفض الذين أغمضوا عيونهم
وعقولهم عن كل ما جاءت به هذه الحضارة لأنها حضارة غربية و كفى
ولكل من هذين التيارين إفرازات لم تكن في صالح المسلمين في مختلف أقطار العالم الإسلامي وهذا ما نحاول أن نوضحه هنا لندرك من خلال توضيحه كيف نوجه الناشئين والشباب بل الكبار إلى الموقف الراشد الواعى المحافظ على الأصالة المتقبل من المعاصرة ما لا يتعارض مع شيء من دينه ويحقق له النفع والفائدة وقد علمنا الإسلام دائماً أن نبحث عن الحكمة وأن نفتش عن الحق وأن نلتزم به إذ الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أولى الناس بها
وسوف نتحدث هنا بإيجاز - كذلك - عن إفرازات هذين التيارين ثم نوضح أبعاد الموقف الذي ندعو إليه في التعامل مع هذين التيارين وما أفرزاه أملا في توجيه المسلمين
إلى ما فيه صالحهم فى المعاش والمعاد
التيار الأول تيار قبول الحضارة الغربية
هذا التيار تبناه ناس كثيرون فى العالم الإسلامى دون مراجعة المحتواه وهؤلاء في الغالب هم الذين تعلموا وتثقفوا وفق مناهج الغرب وبرامجه ووسائل إعلامه
وقد كان لهذا التيار آثار سيئة كثيرة نسجل منها فى هذه الصفحات ما يلي ا - تبنى أفكار الحضارة الغربية عن الدين عموما وعن الدين الإسلامي على وجه الخصوص وهى أفكار سبق أن أوضحنا شدة بعدها عن الحق وشدة تجنيها عليه وخضوعا فى هذا الضلال والتضليل لظروف تخص هذه الحضارة وما عانته من
۳۹۱

تجاوزات الكنيسة ورجالها للدين باسم الدين
وقد أدى ذلك إلى الشك والارتياب فى الإسلام بوصفه من الأديان حيث لم يعرف تاريخ الإسلام تجاوزات للدين باسم الدين وإنما عندما يحدث التجاوز فإنما يكون باسم الحكام الذين تجاوزوا هذا فرق هام بين المسيحية والإسلام وفرق آخر بينهما هو أن الكنيسة في تجاوزاتها للدين باسم الدين إنما كان ذلك على أيدى رجال الدين أو الكهنة الذين يسيطرون على شئون الكنيسة وشئون الناس غالبا أما في الإسلام فليس فيه من يسمون رجال دين أو كهنة يلجأ الناس إليهم للاعتراف بالذنب أو التماس الرحمة إذ ليس في الإسلام شيء أى شيء من هذا القبيل
ـ وقد وقع المسلمون - أصحاب هذا التيار - فى خطأ القول بأن الدين يجب أن يكون بمعزل عن الحياة لأنه ـ كما تزعم هذه الحضارة الغربية ـ شأن من شئون الإنسان الشخصية ينبغي أن يظل بمعزل عن الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية
وقد شجع على تبنى هذا التيار أن عددا كبيرا من معتنقيه تعلموا ـ كأولئك ـ في ظل مناهج وبرامج تعليمية وضعها الأعداء وكافئوا على تبنيها بالمال والجاه والسلطان في فترة تحكمهم فى ظروف بلدان العالم الإسلامي - فترة الاستعمار - وهذا خطر ماحق لكل ما في الدين من قيم
ـ والمسلمون في شراك نصب لهم بمهارة من أنصار الحضارة الغربية بحيث أقبل المسلمون على تلك الحضارة وما تحققه لهم من متع وشهوات ووسائل ترفيه للعيش دون أن يروزوا ما فيها ليأخذوا منها ويدعوا شأن العقلاء الذين يبصرون ويتبصرون فيما حولهم وقد أدى ذلك إلى أن يتحول المسلمون أو كثير منهم إلى ذلك الإنسان الذي تنتجه الحضارة الغربية المادية التي لا تؤمن بالله ولا بعالم الغيب ولا تقيم وزنا للمعنويات والقيم وقد ترتب على ذلك ما ترتب عليه من صراعات ومشكلات حول الأهداف المادية للإنسان
٤ ـ وغاص كثير من المسلمين في مستنقع آسن من الفكر المريض الذي اهتزت ثقة صاحبه فيه بنفسه فظن هؤلاء المسلمون بدينهم وأنفسهم شرا فطفقوا ينظرون إلى دينهم ومنهجه ونظامه وقيمه وآدابه نظرة من يحاول أن يلوى عنق هذا المنهج الإسلامي ليلائم تلك الحضارة فضلا عن أن يقف منه موقف العداء فتغيرت لدى هؤلاء
۳۹

المسلمين المناهج التي جاء بها الإسلام فى الاجتماع والسياسية والفكر والثقافة والاقتصاد والتربية وغيرها بغية أن يلائموا بين الإسلام وهذه الحضارة الغربية
وأصبحنا نرى ونقرأ ونسمع عن
الديموقراطية في الإسلام
والاشتراكية في الإسلام
والاستبداد المصحوب بالعدل - كما وصفوا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه بأنه المستبد العادل !!!
لو سادت بين المسلمين الفاشية أو النازية فتحكمت فيهم كما فعلت سواها لما كان يستغرب على بعض المسلمين أن يكتبوا قائلين
الفاشية في الإسلام
والنازية في الإسلام
والديكتاتورية في الإسلام !!!
وليس لذلك الذي رأيناه وسمعناه أو ذاك الذى تصورناه إلا معنى واحد هو أنه يصدر عن أناس مقهورين فكريا وحضاريا تائهين ضالين إسلاميا
ه ـ وتردى كثير من المسلمين في هوة سحيقة الغور من التخلق بأخلاق الغرب والتخلى عن أخلاق الإسلام وكان ذلك أسوأ ما كان لأن التخلى عن الأخلاق الإسلامية هو بالقطع تخلّ عن الفضائل والقيم الإنسانية الرفيعة والمثل الصالحة للناس في الدنيا والآخرة
كما أن التحلى أو التخلق بأخلاق الحضارة الغربية هو كذلك بالقطع تحل وتخلق بالرذائل والقيم المادية التي تجعل من الإنسان المكرم شيئا أقرب ما يكون إلى الحيوان وقد شاعت في المجتمعات الإسلامية قيم خلقية هابطة كالكذب والغش والمكر والخداع والخيانة والغدر والظلم والإرهاب والأثرة والتزوير وإن كانت الحضارة الغربية أحيانا لا تسمح بممارسة بعض هذه الرذائل في مجتمعات الغربيين أما الزنا وشرب الخمر وممارسة الشذوذ الجنسى ولعب الميسر فذلك ما تراه الحضارة الغربية
حقا لكل راغب فيه
۳۹۳

و من أسف أن كثيرا من هذه الرذائل قد أصبح شائعاً اليوم بين كثير من المسلمين
تأسيا بإباحة الحضارة الغربية له
التيار الثاني تیار رفض الحضارة الغربية
وهو تيار تبناه عدد ليس بالقليل من المسلمين وهو يرفض الحضارة الغربية بكل ما فيها دفعة واحدة ويقف منها موقف الرفض المطلق الذي لا مبرر له في بعض الأحيان سوى أنه من مفردات الحضارة الغربية وكفى
وقد كان لهذا الرفض غير الواعى إفرازات وآثار سيئة في حياة المسلمين يمكن أن نسجل منها ما يلي
۱ - هذا الرفض المطلق للحضارة الغربية كان يقابله تمسك شديد بالحضارة الإسلامية وهذا في حد ذاته حسن غير أن ما أحاط بالمسلمين من وراء ذلك كان سيئا وعلى سبيل المثال فلم يكن التمسك بالحضارة الإسلامية تمسكا بها في فترات مدها وتأثيرها وفاعليتها وقدرتها على ملء الأرض عدلا وتقدما أى في القرون الثلاثة الأولى التي أثنى عليها النبى الله وعلى أهلها من السلف الصالحين ولكنه كان تمسكا ـ مع بالغ الأسف ـ بحضارة المسلمين في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين - الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين - وهما قرنان لم يكن المسلمون فيهما على المستوى الذى يتطلبه الإسلام من المسلمين وإنما كان المسلمون في هذين القرنين يعيشون فترة ضعف سياسي وتراجع حضارى واستيلاء لأعداء الإسلام والمسلمين على كثير من بلدان العالم الإسلامى وتشويهها وتشويه كل ما فيها ومن فيها هذا ما كان من رفض ومن تمسك وهو ليس في صالح المسلمين ٢ ـ وقد أدى هذا الرفض المطلق للحضارة الغربية إلى أن يغلق المسلمون عقولهم عما هو نافع مما جاءت به هذه الحضارة وبخاصة في مجال المكتشفات والتقنية وعلى سبيل المثال فلا يستطيع أحد أن يشك فى نفع الكهرباء وعلم الاتصال السلكي أوغير السلكي وعلم المواصلات وعلوم الطب والصيدلة والبيطرة والزراعة والصناعة - وكلها في عصرنا هذا من معطيات الحضارة الغربية أفيجوز أن نحارب هذه العلوم وهذه المخترعات بحجة أنها من معطيات حضارة الغرب أيسوغ هذا في منطق أحد إن أخذ الحضارات بعضها من بعض أمر سائغ ومقبول
٣٩٤

مادام هذا المأخوذ لا يتعارض مع المبادئ والقيم السائدة عند الآخذ
عن
ومن البديهى المعروف لدى الخاصة والعامة أن الحضارة الغربية قد أخذت الحضارة الإسلامية - أيام كانت حضارة المسلمين فى ازدهار - من خلال اتصالها بالمسلمين في الأندلس ومصر والشام وصقلية بل إن عصر النهضة العلمية عند الغرب تأثر كثيرا بما كان المسلمون قد وصلوا إليه من مكتشفات ـ وقد أدى هذا الرفض المطلق لكل ما جاءت به حضارة الغرب دون تفريق بين ما يعارض الإسلام وما لا يتعارض معه أدى ذلك إلى أن يوصف المسلمون بالجمود والرجعية ومعاداة المدنية ثم انسحب هذا الوصف من المسلمين ـ على ألسنة الحاقدين وبأقلام الأعداء - إلى وصف الإسلام نفسه بالجمود والرجعية وهي تهم باطلة تحمل في طياتها سبب بطلانها لكنها انطلت على بعض الغافلين أوضحنا آنفا أن الذين يفرقون بين المبدأ ورجاله قلة من المنصفين ذوى الوعى والرشد فلماذا تسبب هؤلاء المسلمون الرافضون للحضارة الغربية لدينهم في أن تلقى عليه هذه التهم
ولقد
فضلا عما حرموا به أنفسهم وأوطانهم من الانتفاع بما هو نافع من تراث العقل البشرى أكبر نعم الله على الإنسان حتى ولو كان من مفردات ومعطيات الحضارة الغربية إن أبسط ما نقول فى شأن هؤلاء الرافضين رفضا مطلقا للحضارة الغربية هو أنهم فى غفلة مما يحيط بهم من نفع مما لا يتعارض مع الإسلام
ولم تكن نتائج هذين التيارين كليهما في صالح المسلمين بوجه من الوجوه ومن أجل ذلك عاش المسلمون مع الحضارة الغربية أسوأ فترة مرت بها الأمة الإسلامية مع أى حضارة أخذت منها أو أعطتها فى أى حقبة من حقب التاريخ
إن التوسط مطلوب دائما في التعامل مع الناس والأشياء والأخذ من الحضارات وبعد هذا الاستعراض للتخلى عن القيم الإسلامية في عصرنا هذا ولأثر الحضارة الغربية في المسلمين اليوم ولنتائج تأثر المسلمين بالحضارة الغربية لابد أن نتساءل قائلين كيف يوجه الإسلام الناشئين والشباب ليعيشوا حياتهم غير متنحين عن مبادئ دينهم وقيمهم وغير مبهورين بمعطيات الحضارة الغربية وغير رافضين لها دون مبرر
هذا ما نأمل أن نجيب عليه في النقطة التالية بعون الله
۳۹۵

د - الخطوات العملية لتوجيه الإسلام للناشئين
إن حديثنا عن هذه الخطوات العملية تستوجب علينا أن نتعرف على أنواع القصور الكائنة في المسلمين ونشخصها لنتعرف بعد ذلك على توجيه الإسلام للناشئين والشباب لعلاج هذا القصور
وإن التربية الإسلامية وهى تعالج هذه المشكلات وتطب لها وتستأصل أسبابها إنما تمهد لتوجيه الشباب نحو ما يصلح دينهم ودنياهم
ولابد للتربية الإسلامية أن تعترف ببعض أنواع القصور في المسلمين وأن تتعقب
هذا القصور وترصده وتدل عليه وتنبه على خطره لتبدأ بعد ذلك في علاجه وسأحاول هنا أن أذكر نوع القصور وأوضح أبعاده ثم أتحدث عن توجيه الإسلام لعلاجه وتلافيه والقضاء على أسبابه أو على الأقل أحد تصورات القضاء على أسبابه فما هي أنواع القصور في المسلمين من جراء اتصالهم بالحضارة الغربية المعادية
أنواع القصور في المسلمين وتوجيه الإسلام لعلاجه أولا قصور أحدثته هذه الحضارة الغربية فى عقيدة المسلم إذ تعمدت هذه الحضارة أن تباعد بين المسلمين وإسلامهم وأن تبث فى طريق الإسلام من الشبهات والأضاليل ما يشوه على المسلم عقيدته فلو قلنا إن الحضارة الغربية قد شنت على المسلمين حملات لتشويه العقيدة الإسلامية ما جاوزنا الواقع ولا بالغنا فيه في شيء وحملات التشويه استهدفت الدين نفسه واستهدفت محمدا لله واستهدفت القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وسيرة المعصوم ١
هذا هو القصور أما التوجيه للعلاج فما أتصور علاجا أنجع لهذا القصور من أن نعيد للمسلم إسلامه ونرد عليه عقيدته سليمة صافية بدفع هذه الشبهات ودحض هذه المفتريات ببحوث ودراسات علمية جادة يقوم بها الجادون من علماء المسلمين مستندين فيما يكتبون إلى كتاب الله وسنة رسوله الله وسيرته العطرة كما لابد أن تتضافر على عودة الإسلام للمسلمين والمسلمين للإسلام جهود البيت
۱ انظر لنا من أجل التوسع الغزو الفكري وأثره في المجتمع الإسلامي نشر دار المنار الحديثة ط ۳ ۱۹۸۹م
٣٩٦

والمدرسة والمسجد والشارع والأندية والمحافل
تنویر
كما لابد من أن يصحب هذا وذاك كشف لأعوان الأعداء في بلادنا المسلمة مع الأذهان الجهلة والغافلين من المسلمين حكاما كانوا أو محكومين
ثانيا وقصور يشاهده كل ذى عينين في الفكر الإسلامي عند المسلمين إذ قد أصبحت هناك أزمة فكر إسلامى لا يشك فيها إلا غافل عن التتبع والمتابعة
وإن لهذه الأزمة الفكرية أبعادا تلتمس بغاية اليسر والسهولة ويمكن إجمالها في انشغال المسلمين بالقشور عن اللباب وبالعرض عن الجوهر ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة ۱ ـ انشغال المسلمين اليوم بموضوعات خلافية حدثت وقائعها منذ العصر الأول للإسلام - القرن الأول الهجرى - ورغبة بعضهم فى تصويب أحد طرفي الخلاف وتخطئة الطرف الآخر وتحميله وزر هذا الخلاف ولابد لنا أن نتساءل اليوم قائلين من الذي أحيا هذه النعرة في إثارة الخلاف حول مواقف مضى على حدوثها أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان
ومن الذين كتبوا وألفوا الكتب في هذا الخلاف
وما مدى ولاء هؤلاء الكتاب والمؤلفين للإسلام والمصلحة المسلمين
وما أثر بعض المستشرقين في إحياء هذه القضايا
ومن الذين حذوا حذو المستشرقين من كتاب المسلمين
وما لون ثقافة هؤلاء الكتاب من المسلمين
وأين قضوا فترات تعليمهم ومن أين حصلوا على درجاتهم العلمية
ولماذا توسد بعض هؤلاء الكتاب مناصب رفيعة في الدول التي يعيشون فيها أليست هذه المحاولات لإحياء الخلافات التاريخية وشغل المسلمين بها عن
أعدائهم وعن القيام بما يصلح أمرهم أزمة فكر بلى إنها أزمة فكر جد خطيرة أليس من صميم أزمة الفكر عند المسلمين اليوم أن يدعوا حاضر هم ضعيفا مريضا فقيرا عاجزا وأن ينشغلوا بالفتنة الكبرى - كما سماها أحد الكتاب - بين على ومعاوية رضى الله عنهما وأن يقوموا ويقعدوا حول معرفة من هم قتلة عثمان رضي الله عنه
۳۹۷

انظروا في أسماء من كتبوا حديثا فى هذه الموضوعات تعرفوا مدى ما كان لديهم من ولاء وانتماء للأمة الإسلامية !!!
- ثم هذا الجدل القائم في كثير من بلدان العالم الإسلامى اليوم حول الإمامة والأئمة الذي أدى ـ أو استمر يؤدى - إلى تفريق وحدة المسلمين وجعلهم شيعة وسنة وقول بعضهم بعصمة غير الأنبياء من الأئمة وأولئك الذين لووا أعناق النصوص وحملوها فوق ما تحمل
من الذى أيقظ هذا الفكر في العصر الذي نعيشه الآن
ومن الذي شغل المسلمين بذلك عن قضاياهم المصيرية اليوم في السياسة والاقتصاد والتحرر من النفوذ المفروض عليهم منظورا كان ذلك النفوذ أو غير منظور ومن الذين كتبوا في هذه الموضوعات وروجوا لها وأنفقوا بسخاء على نشر هذه الكتب ووزعوها دون مقابل
من الذين تعصبوا حتى بلغ بهم التعصب حد المواجهة العسكرية بين المسلمين
هل يسوع في عقل مسلم أن يتقاتل المسلمون الخلافات مذهبية
أليس ذلك من صميم أزمة الفكر التي تركت انعكاساتها في الأزمات السياسية التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم
٣ ـ ثم هذا الجدل العقيم حول مفهوم الشورى الذى يثيره البسطاء الغافلون عما يدبر للأمة الإسلامية من أضرار وأخطار وكيف نجد من الوقت والجهد والطاقة ما ننفقه في تحرير الإجابة على سؤال ساذج يشغل السذج وحدهم هو هل الشورى ملزمة أم غير ملزمة كيف ننشغل بهذا والعدو المتربص قد اقتحم البيت وأخذ يقاسمنا لقمة العيش وشربة الماء وقطرة البترول ويناز عنا السيادة على أرضنا
ومن المستفيد من دخول المسلمين في متاهات جدلية عقيمة أبسط ما يقال فيها أنها لا تخدم الشورى نفسها
ألم يكن حسب المتحمسين لهذا الجدل التافه أن الله سبحانه قد امتدح المؤمنين بأنهم وأمرهم شورى بينهم ۱
۱ سورة الشوري ۳۸
۳۹۸

ألم يكن كافيا لهم وكاف لهم عن هذا الجدل العقيم أن الله تبارك وتعالى أمر رسوله المعصوم له أن يشاور أصحابه في قوله تعالى وشاورهم في الأمريكي ۱
ألم يكن ذلك كافيا لاعتبار الشورى مبدأ أساسيا يقوم عليه نظام الحكم في الإسلام
أما كان فى كل ذلك ما يغنى عن هذا الجدل العقيم
٤ ـ ثم هناك قضية أن باب الاجتهاد قد أغلق وأن المسلمين اليوم ليس لهم أن يجتهدوا فيما لا نص فيه لأنهم فقدوا وسائل الاجتهاد وأدواته وكأن هذه الوسائل والآلات مسمار سقط فى البحر !!! أو كأنها من المستحيلات عقلا اليوم !!!
من الذي حرك هذا الكلام وجعل منه قضية يتبارى فى الكتابة فيها الغافلون حينا والمتشددون حينا آخر
أليس أولئك جميعا يعيشون أزمة فكر تشغلهم عن الواجب عليهم نحو حاضر الأمة الإسلامية
وكيف يزعم بعض المسلمين تعطيل أصل رئيس من أصول التشريع في الإسلام هو الاجتهاد وماذا يفعل المسلمون فيما يحيط بهم من متغيرات لا نصوص فيها
ه ـ ثم هذا الحديث عن الحاكمية - والحاكمية لفظ وافد علينا لم أجده في تاريخنا الفكري والثقافي - وإثارة قضية أن الحاكمية لله وحده وأن جميع السلطات الزمنية لا شأن لها بالحاكمية
أليس ذلك نوعا من التقارب بين نظام الحكم الإسلامى وما يعرف عند الغربيين ـ في أسوأ ظروفهم وأظلم عصورهم - العصور الوسطى ـ بالحكومة الدينية أو الثيوقراطية كما أسموها
أفى نظام الحكم الإسلامي حاكم - بعد رسول الله - يتلقى عن السماء أو يعصم من الخطأ ويسوق الناس إلى ما يريد بحجة أنه حاكم لا يراجع لأنه يتلقى
عن السماء
۱ سورة آل عمران ١٥٩
۳۹۹

من الذي يزعم - وفيه مسكة من عقل - أن في الإسلام كهانة أو تسلطا من الكهان على الناس باسم الإسلام
وما قيمه إثارة هذه القضية كلها إذا قورنت بالقضايا الحيوية التي يجب أن يوليها المسلمون اهتماما
٦ - ثم استعمال كلمة الديموقراطية بديلا أو مساويا للشورى في الإسلام أليس ذلك دليلا على سذاجة وعفوية يؤكد أن المسلمين يعيشون أزمة فكر اليوم
إن الشورى عندنا تستهدف التعرف على الحق والصواب بالتماسه عند القادرين على الاهتداء إليه كما تستتبع وجوب اتباع الحق إذا عرف بغض النظر عما تمارسه ديموقراطيتهم في هذا المجال
من الذين أثاروا هذه المسائل والمشكلات
ومن الذين يحبون أن يقفوا معها طويلا ولا يتجاوزوها إلى غيرها مما يفيد
ويجدى
من الراغبون في أن يصفوا الإسلام بأنه ديموقراطي
ومن أصحاب مؤلفات ديموقراطية الإسلام واشتراكية الإسلام و أبو ذر أول اشتراكي في الإسلام أليس أولئك كانوا يعشيون أزمة فكر يوم كتبوا مـا
كتبوا
إن الخلاصة أن للإسلام فكرا أى تصورا لكل أمر يهم الناس في معاشهم أو معادهم وتصورا لحل أي مشكلة تعترضهم وأن للإسلام نظاما ومنهجا وأن الخروج عن هذا وذاك إلى القضايا الفرعية والجزئية والهامشية والمسائل الخلافية هو من صميم أزمة الفكر التي يعيشها المسلمون اليوم متأثرين فى ذلك بما تريد الحضارة الغربية أن توصلهم إليه وإن توجيه الإسلام لعلاج هذه القشريات معروف - أشرنا إليه ونحن نتحدث عن
تربية الإسلام للناشئ فى الفصول الثلاثة الأولى من الباب الثالث من هذا الكتاب وجوهر هذا التوجيه أن ينشغل المسلمون بالجوهر عن العرض وبما ينفع عما لا ينفع و بما يرضى الله عما لا يرضيه ثالثا والقصور في معرفة الإسلام والوقوف على تاريخه إذ كيف يتصور أن
٤٠٠

المسلمين اليوم لا يعرفون عن الإسلام إلا قشورا قشورا فى معرفتهم بالعقيدة والعبادة والمعاملة وسائر أحكام الإسلام فى حين يعرفون عن أنظمة الحكم والسياسة في الغرب
شيئا ليس بالقليل !!!
أليس ذلك عجيبا وداعيا إلى الدهشة والتعجب
أليس من وراء هذه التعمية على الإسلام أعداء يتربصون
لقد كانت لي تجربة متواضعة في تجول في كثير من بلدان العالم الإسلامي رأيت فيها من جهل المسلمين بالإسلام ما يثير الدهشة بل الحيرة
لقد رأيت إماما يؤم المسلمين في الصلاة وهو خلفهم !!!
ورأيت إماما في الصلاة لا يحسن قراءة القرآن ويلحن في آياته لحنا بشعا !!! ورأيت مسلمين يصلون الفرائض وهم لا يعرفون من الوضوء إلا بل وجوههم
بالماء !!!
ورأيت نساء مسلمات يصلين الفرائض ومعظم أجسامهن مكشوفة تماما !!! إن الجهل بالإسلام عقيدة وعبادة ومعاملة يمثل أزمة فكر إسلامية يشارك فيها كل
من علم من هذا الدين شيئا ثم لم يعلمه وينشره فى أى مكان يمكن أن يصل إليه ثم إن الجهل بتاريخ الإسلام وسيرة النبى الله وسيرة أصحابه جهل واضح فاضح فمن الذى وراء خلو مناهج التعليم في معظم بلدان العالم الإسلامي من الاهتمام بسيرة النبي
من الذى جعل حظ تاريخ الأقاليم والبلدان والقوميات في مناهج التعليم أوفر من
حظ تاريخ الإسلام نفسه
وإن توجيه الإسلام في علاج هذه الظاهرة هو بإعادة النظر في مناهج التعليم في بلاد المسلمين ليأخذ الإسلام ورسوله الله وأصحابه وتاريخ الإسلام حظه الواجب له إن ذلك خطوة أولى يجب أن تتبعها خطوات أشرنا إليها آنفا من ضرورة تضافر جهود البيت والمدرسة والمسجد والشارع والنادى وكل غيور على دينه من المسلمين رابعا والقصور في فهم التكيف الصحيح بين الأصالة والمعاصرة وذلك أن
21

جمهورا عريضا من المسلمين الذين ربوا وسبوا في ظل سيطرة أعداء الإسلام على التعليم مناهجه ومعلميه وأهدافه ووسائله كثير من هؤلاء المسلمين ينجرفون وراء ما توحى إليهم به الحضارة الغربية من ضرورة رفض القديم أو الأصيل لمعاداته للجديد أو المعاصر من الأمور
ولئن صح ذلك عند الغربيين فرفضوا القديم لأنهم عانوا منه أشد أنواع المعاناة ودفعوا باسمه أبهظ الأثمان وغالى التضحيات فكان القديم عندهم هو الدين أو الكنيسة ورجالها فتخلصوا من كل ذلك بالإقبال على الجديد أو المعاصر الذي جنبهم هذه التضحيات لئن كان الغربيون فعلوا ذلك فإن المسلمين لا يجوز لهم فعل مثله لأن القديم أو الأصيل عند المسلمين ـ أو الثابت الذى لا يقبل التغيير ـ هو العقيدة والعبادة والأخلاق هو أحكام الشريعة السمحة أحكامها الواقعية التي يستحيل عليها أن تشق على أحد أو تجلب ضررا له الأصيل عندنا هو الذى قام عليه بناء مجتمع إنساني في
أحسن ظروفه ولا تزال الشريعة الإسلامية قادرة على إقامة هذا البناء حتى اليوم لأن العناصر الثابتة الأصيلة فيها باقية حتى يرث الله الأرض ومن عليها فرفض الأصالة بالنسبة للمسلمين رفض لما فيه صالحهم في الدنيا والآخرة
ثم إن الإسلام لا يقر أن يرفض كل جديد أو أى جديد لأنه جديد وكفى إذ الجدة في حد ذاتها ليست عيبا يقف منها الإسلام موقف الرفض فربما كان في هذا الجديد فائدة في الدين أو في الدنيا
إن الإسلام ينظر إلى كل جديد ليقبله أو يرفضه وفق معيار خاص هو ما يتضمنه هذا الجديد من أمور إن كان فيه شيء يتعارض مع الإسلام رفض وإلا قبل
إن المعاصرة في الإسلام ليست شرا وإن كانت الأصالة فيه خيرا أما أن يفهم بعض المسلمين الغارقين فى مغالطات الحضارة الغربية | الأصالة أنها تقليد الأقدمين والأخذ عنهم والتجمد على ما كانوا عليه فهذا لا يستقيم مع الإسلام أولا ثم لا يستقيم
مع العقل والمنطق بعد ذلك
على
إن الأصيل في الإسلام هو ما كان عليه النبي علا الله وأصحابه والسلف الصالحون رضوان الله عليهم وقد كانوا على الحق وعلى حد ما شرع الله لهم وما سن لهم
٤٠٢

الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا الأصيل فى الإسلام هو الأصل ولا يعاب أحد على أخذه بالأصالة
وفق هذا المفهوم لها
ولئن كان في بعض عصور المسلمين - بعد عصر السلف ـ من أخل بالإسلام أو بالحق فوزره على نفسه ولن يسمى أصيلا ولا يجوز لأحد أن يحذو حذوه لأنه تجاوز ما أوجب الله وبالتالي فإن كثيرا من القضايا والأحكام التي حدثت فى عصور سابقة وخالف فيها
الناس الشريعة أو الحق الذي جاءت به فإن هذه العصور ليست منتمية إلى الأصالة كما أن أى مستجدات معاصرة لا تعارض بينها وبين ثوابت الإسلام في العقيدة والعبادة والخلق والأحكام الشرعية الثابتة تُصبح مقبولة ما دامت تجلب للمسلمين مصلحة أو تدفع عنهم مضرة
وإن الإسلام وهو يوجه فى هذا المجال ليدعو إلى تحرير العقول من هذه القيود التي تكون في الغالب لصالح أعداء المسلمين إذ ترمى بهم في أحضان الحضارة الغربية المعادية باسم المعاصرة والتجديد وتنأى بهم عن الإسلام والحق الذي جاء به باسم
الأصالة !!!
وهذا أعجب ما يمكن أن يقع فيه المسلمون من قصور ! ! ! والوعي لهذه الشراك وتلك الأحابيل وفقه الأصالة والمعاصرة فقها صحيحا هو العلاج لهذا القصور
خامسا وقصور في علاقة الفرد بأسرته وقد يكون من المؤكد اليوم أن الفرد يعامل أسرته بجفاء متأثرا في ذلك بالحضارة الغربية التى تفككت فيها الروابط الأسرية نتيجة لتفكك المعايير الخلقية
إن الحضارة الغربية تعتبر الزواج - فى كثير من الأحيان ـ عبئا ثقيلا على الرجل والمرأة على السواء وتجد في العلاقة الجنسية القائمة بين الرجل والمرأة دون زواج - تحت اسم الحرية الشخصية - غنى عن التقيد بأعباء الأسرة وقيودها
وقد أدى ذلك إلى امتلاء دور الحضانة بملايين أبناء السفاح الذين لا يعرفون أبا شرعيا لهم وأحيانا لا يعرفون أما شرعية لهم كذلك لأن الأم تترك وليدها في المستشفى الذي ولدت فيه ولا تحمل عبء تربيته إلا فى القليل النادر وقد تربيه دار الحضانة أو يتبناه
٤٠٣

أحد الناس !!! فكيف يكون بين الأبناء وأسرهم علاقة ود أو ولاء إن القليل النادر في الغرب اليوم هو أن ينتمى الأبناء إلى أسر أو آباء فى ظل شرعية قامت على الزواج
وإذا حرم الوليد من حنان الأم وحب الأب الشرعيين فلن يعوضه عن ذلك دار حضانة ولا أب يتبنى لأن تلك هى الفطرة الإنسانية وكل خروج عنها له متاعبه
ومشكلاته
إن الأسرة في ظل تلك الحضارة الغربية لم يعد لها الاحترام والتقدير إلا في القليل من الأحوال وبالتالي فقدت الأسرة القدرة على توجيه الطفل وأخذه بالقيم الخلقية الفاضلة فأدى ذلك بالتالي إلى مجافاة الأبناء للأسرة في كثير من الأحيان ثم انتقلت هذه العدوى
إلينا معشر المسلمين في هذا العصر الذي نعيشه
أما الأسرة في الإسلام فقد تحدثنا عنها فى هذا الكتاب حديثا ضافيا ١ حيث أكدنا هناك أن الإسلام أمن هذه الأسرة في حاضرها وفي مستقبلها وسن لها من التشريعات ما يكفل لها هذا وأوجب على الأبوين والأبناء والأقارب والأرحام والمجتمع كله رعاية الأسرة ووضعها من الحياة الإنسانية فى وضعها الصحيح وشرع لها مالم يسبق إليه من التشريعات وما لم يلحق فيه
وقد أشرنا هناك إلى أهم هذه التشريعات وهي
قوامة الرجل على الأسرة
والولاية على النفس والمال
والنفقات
كل ذلك لتأمين حاضر الأسرة
وأمن مستقبلها بتشريعات أخرى هي
الوصية
والميراث
۱ كان ذلك في الفصل الثانى من الباب الأول من هذا الكتاب - تحت عنوان رعاية الإسلام للأسرة فليعد إليه
القارئ الكريم
٤٠٤

وقد جعل الإسلام من أهم أهداف الأسرة تربية الجيل الصالح والمحافظة على آداب الإسلام وأخلاقه وربط الأبناء بالمسجد وربطهم بالمجتمع وتوجيههم نحو الإحسان والتفوق ونحو ممارسة العمل الصالح والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل على إيجاد روابط بين الأسرة المسلمة
إن الإسلام يعرف للأسرة هذه المكانة ويحيطها بتلك الضمانات ويوجب عليها تربية الأبناء فكيف يقبل من بعض المسلمين اليوم - وهذا هو دينهم - أ أن تحدث هذه الجفوة بين الأبناء وأسرهم
إن الإسلام قد اهتم اهتماما كبيرا بوجوب بر الأبناء بالآباء والأمهات حتى اعتبر
العقوق من أكبر الكبائر على نحو ما بينا فى الباب الأول من هذا الكتاب ۱ إن العودة إلى احترام الأسرة والعيش في كنفها الدافئ الحاني وطاعة الوالدين وبرهما
هو توجيه الإسلام لعلاج هذا الجفاء وهو الذى يعيد الصلة بين الأبناء وأسرهم إذا حدث هذا فإن المجتمع يستطيع أن يعيش آمنا سعيدا في معاشه ومعاده ويعود بذلك إلى أصالته الإسلامية التى تقدر للأسرة وللناشئين فيها المكانة الإنسانية الكريمة التي تليق بتكريم الله سبحانه للإنسان
وبعد فهذه صورة تقريبية لتوجيه الإسلام للناشئ المسلم أو الشاب المسلم أو المسلم
عموما أيا كان عمره وهو توجيه يقوم على دعامتين أساسيتين هما - كما بينا - تنقية فكر الناشئ وسلوكه من أثر التيارات الضارة به وبالمجتمع الذى يعيش فيه ووصله بدينه و بمنهج هذا الدين فى الحياة ليستطيع أن يعيش حياة إنسانية كريمة فكيف يوظف الإسلام طاقات الناشئ المسلم هذا ما نتحدث عنه في الصفحات
التالية والله المستعان
۱ انظر الفصل الثاني من الباب الأول من هذا الكتاب
٤٠٥

٣ - كيف يوظف الإسلام طاقات الناشئ المسلم
سبق أن أشرنا في بداية هذا الفصل إلى أن توظيف الناشئ المسلم بالمفهوم الذي حددناه للناشئ في هذا الكتاب يعنى أن نحدد له وظائف وأن نعاونه على القيام بها وأن تتضافر فى سبيل ذلك جهود البيت والمسجد والمدرسة والمجتمع والنادى وكل قادر على الإسهام في هذا العمل الجليل وكل غيور على مستقبل الشباب ومستقبل الأمة الإسلامية وقد أشرنا كذلك إلى هذه الوظائف وأدى بنا اجتهادنا إلى تحديد هذه الوظائف
بل حصرها في عشر وظائف هي على سبيل السرد والإجمال ما يلى
١ - وظيفته في عبادة الله سبحانه
- وفي التعامل مع بيته
٣ - وفي المسجد الذي يؤدى فيه الفرائض
- وفى المدرسة أو المعهد
ه - وفي الحي الذي يسكن فيه
٦ ـ ومع أقربائه وأصدقائه وجيرانه
ومع زملائه في العمل
- وفي الدعوة إلى الله
٩ - وفى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
١ - وفي الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ونحاول هنا أن نفصل هذه الوظائف فى حدود ما يفتح ا
الله به من تصور وما يعين
به من توفيق
الوظيفة الأولى عبادة الله سبحانه وتعالى
ليس بخاف على أحد من المسلمين أن الله تبارك وتعالى خلق الجن والإنس ليعبدوه
٤٠٦

وأنه سبحانه لا يعود عليه نفع من هذه العبادة وإنما يعود النفع على العابد نفسه هذه أمور مقررة في الإسلام لا يمارى فيها أحد وبها نزل قرآن كريم قال الله تعالى روما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ۱ فعبادة الله سبحانه وتعالى وظيفة كل إنسان على وجه الأرض ـ فضلا عن أنها وظيفة الجن كذلك
والناشئ المسلم أولى الناس بأداء هذه الوظيفة بل التمسك بأدائها لما فيها من نفع يعود عليه في الدنيا والآخرة وحسبه نفعا طاعة الله سبحانه وتعالى الذي نادى عليه وعلى كل الناس قائلا يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ٢
وما من أمة الناس إلا أرسل الله إليهم رسولا يطالبهم بعبادة الله و وحده قال الله تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين 3
إن توظيف طاقات الناشئ المسلم لعبادة الله سبحانه هو أول ما يجب أن يقوم به وما يحب أن يلتزم بأدائه تجاوبا مع فطرته التي فطره الله عليها
وإن هذا التوظيف يتطلب خطوات عديدة من أهمها ما يلى
۱ - توضيح أبعاد هذه الوظيفة العبادية وأنواعها وأنها ممتدة في حياة المسلم بحيث لا تدع جانبا من جوانب حياته إلا وتدخل فيه بإحسان

فهناك عبادة هى أداء ما فرض الله على الناس من إيمان بمحتوى الشهادتين ونطق بهما وإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر ومن صلاة وصيام وحج وزكاة
وهناك عبادة لله في ممارسة العدل والإحسان
وعبادة في ممارسة الدعوة إلى الله
وعبادة في ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
1 سورة الذاريات ٥٦ - ٥٨ سورة البقرة ۱ ۳ سورة النحل ٣٦
٤٠٧

وعبادة في المشاركة فى الجهاد في سبيل الله
وعبادة في الذكر والدعاء
وعبادة في الفكر والتأمل والتدبر
وعبادة فى ممارسة كل أنواع البر والخير
وعبادة في الامتناع عن كل أنواع الشر
وعبادة في التنفل بأى عمل أو قول من جنس ما فرض الله سبحانه على الناس
وعبادة لله سبحانه في عقد النية - عند ممارسة أي عمل من الأعمال العادية ـ على إرضاء الله بهذا العمل أو الاستعانة به على عبادة الله
بإذن الله تبارك وتعالى
فيصبح بتلك النية عبادة مقبولة
وهذا التنوع في عبادة الله سبحانه وتعالى هو ما أعنيه بتحديد أبعاد العبادة وبيان
أنواعها - وتحبيب الناشئين خصوصا والناس عموما في عبادة الله سبحانه بتيسيرها وإعانتهم عليها بل وتشجيعهم على أدائها والبيت والتربية المنزلية لها أحسن الأثر في ذلك لأن البيت المسلم يدرب أبناءه ويشجعهم على عبادة الله لأن الأبناء منذ أن تتفتح عيونهم وتعى عقولهم يرون العبادات تمارس في البيت وهم يذهبون مع آبائهم أو أمهاتهم إلى المسجد كى يتأثروا بما يحدث حولهم من ممارسة للعبادات
إن البيت المسلم يعطى القدوة ويشجع ا الأبناء ويدفعهم إلى المسجد والمسجد ينشر روحه وخلقياته فى الذين يترددون عليه وخير ما يحصل عليه المسلم من خير هو أن يكون قلبه متعلقا بالمساجد إن البيت الذي يدرب أبناءه على أداء عبادة الله يغرس في نفوسهم حب القيام بالواجب ومن أدى الواجب مع ربه كان قادرا على أداء الواجب نحو والديه وإخوته
وأقاربه وأصدقائه والمجتمع الذى يعيش فيه والذى يُقصر في هذا يقصر في ذاك
وإذا لم يفعل البيت ذلك فليس له أن ينتظر من أبنائه معاونة فضلا عن أداء واجب في البيت أو المدرسة أو المسجد أو المجتمع أو أى مرفق من مرافق الحياة
٤٠٨

وربط الناشئين بالأقارب والأصدقاء الملتزمين بالعبادة وتعميق هذه الروابط ورعايتها من قبل البيوت المسلمة وذلك أن هذه الروابط الخيرة تثرى العبادة وتزكيها وتنميها وتشعر الناشئ خصوصا والإنسان عموما بنبل الأهداف ونبل الرسائل وتشعره كذلك بالرضا عن نفسه والاطمئنان إلى العمل الذى يقوم به والتأكد من أنه عمل يرضى الله تبارك وتعالى
وبالتالي فإن ذلك يباعد بينه وبين الأمراض النفسية والعصبية لأن مبعث هذه الأمراض أو أحد أسبابها ذا التأثير البالغ فيها هو رفض ما يجرى به قضاء الله وقدره لسوء فهم مكان الإنسان فى الحياة ومكانته وما يكون ذلك في الغالب إلا من زعزعة الإيمان في داخله
وعبادة الله سبحانه وتعالى تطرد هذه المشاعر وتدعم الإيمان بالله وملائكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر وقضاء الله وقدره
وعلى قدر ما قرأت عن الأمر النفسية والعصبية فما أجد لها سببا أكبر ولا أهم من رفض ما يجيء به القضاء والقدر إن هذا الرفض هو الذي يولد في النفس الاكتئاب والإحباط والكبت وسائر الأمراض النفسية
أما منطق الإسلام فى قوله واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك و وما أخطأك لم يكن ليصيبك فهو المنطق الذى يعطى الإنسان قدرة على التكيف الصحيح مع جميع المواقف التي يمر بها أو تفرض عليه كائنة ما كانت يقابل كل ذلك بروح راضية وعقل مستوعب ومشاعر بعيدة عن ا وحب الذات الأنانية والغرور وكل تلك مداخل للأمراض النفسية والعصبية وكل ذلك إنما يعالجه الإيمان عموما والإيمان بالقضاء والقدر على وجه الخصوص
إن الأضرار التي تصيب الإنسان في مجال من مجالات حياته في نفسه أو في أهله أو ولده أو ماله ما هى فى الحقيقة إلا ابتلاء واختبار من الله سبحانه قال الله تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ۱
وقال سبحانه وتعالى لتبلون فى أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن
ذلك من عزم الأمور ٢
۱ سورة الأنبياء ٣٥
سورة آل عمران ١٨٦
٤٠٩

وقال جل وعلا هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما
يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم ۱
مع
وإن البيت المسلم الذى يعين أبناءه على عقد الصلات الطيبة ن أهل الخير والصلاح والطاعة والعبادة لله سبحانه إنما يجنبون بذلك أبناءهم كل هذه الأمراض
ولا تتكامل صورة الواجب بالنسبة للبيت نحو الناشئين فيه إلا بأن يجمعوا إلى كل ذلك مباعدتهم بين أبنائهم والمستهزئين بآيات الله و المستهترين من أهل الشر أولئك الذين لا يجدون في معصية الله إثما ولا حرجا ولا يستحيون أن يعصوه أمام الناس مجاهرة منهم بالإثم والمعصية إن هؤلاء خطر شديد على الناشئين وعلى
الناس عموما فلابد أن يقاطعوا فلا يجالسوا أو يؤاكلوا أو يشاربوا فضلا عن
يصادقوا ويزاروا
أن
إن الذين لا يلتزمون بطاعة الله وعبادته يلحقون بذلك أبلغ الضرر بمن يراهم من الناس ومن يراهم من الناشئين على وجه الخصوص لأنهم بهذا البعد عن الطاعة والقرب من المعصية وإهمال عبادة الله يكونون أعوان الشياطين وهم بأنفسهم الذين يقال عنهم إنهم شياطين الإنس
الوظيفة الثانية التعامل مع البيت
إن الناشئ المسلم عضو في بيت مسلم وجزء ء أصيل من كيانه بل إن البيت بدون أبناء تخيم عليه سحابة من القلق والإحساس بالعجز عن الامتداد في أبعاد الحياة ومستقبل الله أيامها والاستمرار فى الزمان والمكان بما يلائم الفطرة البشرية التي فطر الناس
عليها
والبيت آباء وأمهات وأبناء إنه بيت موظف من وجهة النظر الإسلامية ولكل عضو في هذا البيت حقوق على الآخرين كما أن عليه واجبات نحو الآخرين وما بين استخدام الحقوق وأداء الواجبات والالتزام بها تكون الحياة الأسرية الإسلامية التي تشق طريقها في الحياة لتحقق سعادة الدنيا والآخرة
وإذا كان على الأبوين أو الآباء - الجدود والجدات ـ واجبات أوجبها عليهم الإسلام
۱ سورة النمل ٤٠
21

وسوف يحاسبهم على التقصير فيها - كما أوضحنا هذه الواجبات في الفصل الثاني من الباب الأول من هذا الكتاب - نحو الأبناء وكما أوضحنا تلك الواجبات نحو الزوجة في كتابنا عن المرأة المسلمة ۱ إذا كانت هذه الواجبات على الآباء فإنه من المنطقى أن تقابلها واجبات على الأبناء نحو آبائهم ونحو البيت الذى يعيشون فيه وهذه الواجبات حددتها الشريعة الإسلامية وليست من اجتهادات المجتهدين في زمان بعينه أو مكان بذاته
هذه الواجبات نحو الأبناء تحتاج إلى توضيح نستعين الله على الحديث فيه فنقول
سائلين الله التوفيق
إنها تتمثل في النقاط التالية
١ - البر بالآباء والأمهات
والبر كلمة جامعة تعنى التوسع في فعل الخير فيقال بـر العبد ربه أى توسع في طاعته وبر الوالدين هو التوسع فى الإحسان إليهما وضد ذلك العقوق
والبر نوعان نوع في الاعتقاد ونوع في الأعمال وقد اشتمل على النوعين قول الله تعالى وليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ٢
"وهذه الآية الكريمة جامعة لصنوف البر
فير الاعتقاد يتمثل فيما يلى
أ - الإيمان بالله وما يستتبعه ذلك الإيمان من مفردات
ب - والإيمان باليوم الآخر وما فيه
ج والإيمان بالملائكة كما وصفهم الله تعالى في كتابه الكريم
۱ وانظر للتوسع كتابنا فقه الدعوة إلى الله الباب الثانى كله نشر دار الوفاء ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
سورة البقرة ۱۷۷
٤١١

د - والإيمان بالكتب التي أنزلها الله على رسله هـ ـ والإيمان بالأنبياء جميعا وبما دعوا إليه أو أمروا به أو نهوا عنه
وبر
الطريق
الأعمال في هذه الآية أمور كثيرة هي أ - بذل المال عن رغبة وطيب نفس وتوجيهه لمستحقيه من الفقراء من الأقارب واليتامى وأصحاب الحاجة والفقر من الناس وللمسافرين الذين انقطعت بهم ! فأصبحوا لا يجدون ما يبلغهم مقصدهم وللسائلين الذين اضطرتهم الحاجة إلى سؤال غيرهم وللأرقاء حتى يحصلوا بهذا المال على الحرية التي فطر الله الناس عليها وهذا البذل صدقة وقربة
وذلك أن في المال حقا سوى الزكاة أخرج الدار قطني بسنده عن فاطمة بنت قيس قالت قال رسول الله إن في المال حقا سوى الزكاة ثم تلا هذه
الآية ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب الآية 1
ب ـ وإقامة الصلاة والمحافظة عليها الصلاة التى تنهى عن الفحشاء والمنكر ـ لا تلك التي تؤدى ولا تؤثر في أخلاق مؤديها
ج - وإخراج الزكاة التى فرضها الله تعالى على عباده القادرين وتوجيهها إلى عباده
الذين حددهم مصارف للزكاة واعتبر إخراج هذا المال فرضا لازما
د والوفاء بالعهد فيما بين العبد وربه وفيما بين العبد وسائر الناس بل فيما بين العبد ونفسه سواء أكان هذا العهد ماديا أم أدبيا إذ الوفاء بالعهد كله واجب شرعا
هـ - والصبر في الشدة والفقر وفى المرض والزمانة قال ذلك ابن مسعو رضى الله
عنه
وروى الإمام مالك بسنده في الموطأ عن عطاء بن يسار رضى الله عنه عن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه قال قال رسول الله الله يقول الله عز وجل أيما عبد من عبادي ابتليته ببلاء فى فراشه فلم يشك إلى عواده أبدلته لحماً خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه فإن قبضته فإلى رحمتى وإن عافيته عافيته وليس له ذنب قيل يا رسول الله ما لحم خير من لحمه قال لحم لم يذنب
۱ القرطبي الجامع لأحكام القرآن ٢٤١/٢ مرجع سابق
٤١٢

قيل وما دم خير من دمه قال دم لم يذنب
و - والصبر وقت الحرب وتحمل لأوائها والتضحية فيها بالمال وبالنفس في بعض
الأحيان
تلك صنوف البر من حازها فهو من الصادقين المتقين
وأما بر الوالدين أى التوسع فى الإحسان إليهما فهو أول واجبات الأبناء نحو الآباء والأمهات وفى هذا البر وردت آيات قرآنية عديدة وأحاديث نبوية كثيرة
ونحن نذكر بعض النصوص دون استقصاء
1
قال الله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وقال سبحانه وتعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا
ومعنى ذلك أن الله سبحانه قد ألزم وأوجب عبادته وحده وقرن بذلك الإحسان إلى الوالدين - كما نرى ذلك في الآيتين - قال العلماء من البر بهما والإحسان إليهما ألا يتعرض لسبهما ولا يعقهما فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف وبذلك وردت السنة الثابتة الصحيحة ففى صحيح مسلم ما رواه بسنده عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا يا رسول الله هل يشتم الرجل والديه قال نعم يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه
أمها
فيسب
ه ومن عقوق الوالدين مخالفتهما فى أغراضهما الجائزة لهما كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما
وقال العلماء إن بر الوالدين لا يختص بأن يكونا مسلمين بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد ففى صحيح البخاري عن أسماء قالت قدمت أمي وهي مشركة فى عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم فاستفتيت النبي
۱ سورة النساء ٣٦
سورة الإسراء ٢٣ - ٢٤
٤١٣

فقلت إن أمى قدمت وهى راغبة أفأصلها قال نعم صلى أمك
ه ومن الإحسان إليهما والبر بهما - إذا لم يتعين الجهاد - ألا يجاهد إلا بإذنهما روى البخاري بسنده عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال جاء رجل إلى النبي
يبايعه على الهجرة وترك أبويه يبكيان فقال ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما فإن كان الجهاد فرضاً للنفير العام أو للعدوان على أرض المسلمين فلا يستأذنان ه وقد ألزم الإسلام الأبناء بصفة خاصة - إذا بلغ الأبوان الكبر من العمر - لأنهما سيكونان حينئذ بحاجة أشد إلى الأبناء - ألزم الأبناء فى هذه الحالة أن يقابلوهم بالقول الموصوف بالكرامة في القرآن الكريم وقل لهما قولا كريما وهو القول السالم من كل عيب روى الإمام مسلم بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه قيل من يارسول الله قال من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة
ولا يجوز له أن يقول لهما أو لأحدهما ما فيه أدنى تبرم وهو - كلمة أُف ولا يجوز له نهرهما أو زجرهما وإنما يناديهما بكلام لين لطيف مثل يا أبتاه ويا أماه من غير أن يسميهما أو يكنيهما قاله عطاء
ه وعلى الأبناء أن يتذلُّلُوا للآباء تذلل الرعية للأمير والعبيد للسادة كما أشار إليه
سعيد بن المسيب
وعلى الأبناء أن يجعلوا التذلل للآباء نابعا من الرحمة لهما
وعلى الأبناء أن يدعوا الله للآباء والأمهات طالبين منه سبحانه الرحمة لهما ــ بشرط أن يكونا مسلمين ـ فإن كانا مشركين فهناك نهى عن طلب الاستغفار لهما ۱ ولا بأس أن يطلبوا لهما الهداية في دعائهم لهما
و من الأحاديث النبوية الواردة في وجوب بر الآباء على الأبناء ما يلى
روى البخاري بسنده عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال سألت رسول الله أي العمل أحب إلى الله تعالى قال الصلاة على وقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله
وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 القرطبي الجامع لأحكام القرآن ٥٣٦/١ - ٥٤٦ ـ باختصار
٤١٤

ه لا يجزى ولد والداً إلا أن يجده مملوكا فيتستريه فيعتقه
وروى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله فقال يا رسول الله من من أحق الناس بحسن صحبتى قال أمك قال ثم
من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك وبالإضافة إلى ما ذكرنا من آيات وأحاديث هناك آيات كريمة وأحاديث نبوية ليست بالقليلة في بر الوالدين والإحسان إليهما أو فى التخويف من عقوقهما تلتمس في مظانها وبعد فهذا هو واجب الأبناء الأول فى التعامل مع البيت وهو بر والأمهات على اعتبار أن ذلك من أهم عوامل استقرار الحياة الأسرية في الإسلام
الآباء
٢ - التعاون في البيت البيت المسلم لا تقوم فيه الحياة الأسرية إلا على أساس من التزام كل من فيه بأدب الإسلام في التعامل والتعاون فيما بينهم
وقد أوضحنا واجب الآباء وضرورة التزامهم بأدب الإسلام وأخلاقه مع أبنائهم في الفصل الثاني من الباب الثاني من هذا الكتاب
ونتحدث الآن في واجبات الأبناء داخل البيت وهى واجبات كثيرة ينبغي أن توظف فيها طاقاتهم ومن أهم تلك الواجبات ما يلى أ - الالتزام بأدب الإسلام وأخلاقه في التعامل مع الوالدين والإخوة وكل من في البيت لأن هذا الالتزام هو الذى يدعم روح التعاون وينمى كل معاني الخير
ب ـ والإسهام بالاستجابة لكل ما يطلبه البيت من متطلبات معنوية أو مادية أو خدمية مادام ذلك في استطاعة الأبناء ومن أمثلة حاجات البيت المستمرة الهدوء والنظام والترتيب والتنسيق وحسن التعامل مع كل من فى البيت والنظافة والقيام بالأعباء التي يحتاجها البيت في داخله أو من خارجه ومن حاجات البيت تنظيف المكان الخاص بكل واحد من الأبناء وترتيبه ومعاونة الأبوين في كل ما يحتاجانه من أمور البيت كالالتزام بأدب الإسلام في الطعام والشراب والنوم والاستئذان فى الدخول على الأبوين وخفض الصوت
وترك التطفل والتدخل فيما لا يعنى الأبناء
٤١٥

جـ ــ والمسارعة إلى أداء الواجبات المدرسية دون إجبار الوالدين على الإلحاح في ذلك وإراحة الوالدين من هموم المتابعة والمراقبة أثناء أداء العمل المدرسي لأن الإسلام يدعو إلى الإحسان بمعنى التجويد وبمعنى مراقبة الله تعالى في كل عمل يقوم به
الأبناء
لأن ذلك هو خلق
د - ورحمة الصغير من الإخوة والأقارب واحترام الكبير منهم الإسلام وأدبه بل إن ذلك هو ما أوجبه الإسلام على المسلمين جميعا
فأبطأ
روى الترمذي بسنده عن أنس رضى الله عنه قال جاء شيخ يريد النبي القوم عنه أن يوسعوا له فقال النبي ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر
كبيرنا
٣- عدم إرهاق البيت بمطالب ثانوية
وذلك أصل أصيل في تعامل الأبناء مع البيت الذى يعيشون فيه وهو مطلب للشريعة الإسلامية ينبغى أن يشب عليه الأبناء إذ نهت الشريعة عن الإسراف والتكبر والمخيلة بل دعت إلى التوسط والتواضع قال الله تعالى یا بنی آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرف
1,
قال ابن عباس رضى الله عنهما أحل الله في هذه الآية الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة فأما ما تدعو الحاجة إليه وهو ما سد الجوعة وسكن الظمأ فمندوب إليه شرعا وعقلا لما فيه من حفظ النفس ولا يسرفوا فى كثرة الأكل وعنه يكون كثرة الشرب وذلك يثقل المعدة ويثبط الإنسان عن خدمة ربه والأخذ بحظه من نوافل الخير روی ابن ماجة بسنده عن أنس رضي الله عنه قال قال النبي له من السرف أن تأكل ما اشتهيت
وفي ترك الاختيال والتكبر روى ابن ماجة بسنده عن بشر بن جحاش رضى الله عنه قال إن رسول الله له بصق يوما على كفه ووضع إصبعه عليه وقال يقول الله تعالى ابن آدم أتعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد جمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى
أوان الصدقة
۱ سورة الأعراف ۳۱
٤١٦

وروى البيهقي في الشعب بسنده عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله له من تعظم فى نفسه واختال في مشيته لقى الله وهو عليه غضبان ۱ وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه
وروى البزار بسنده عن طلحة رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وكان صائما فأتيناه عند إفطاره بقدح من لبن وجعلنا فيه شيئا من عسل فوضعه وقال أما إني لا أحرمه ومن تواضع لله رفعه ومن تكبر وضعه الله ومن اقتصد أغناه الله
ومن بذر أفقره الله ذلك أدب الإسلام في مقاومة الإسراف والتبذير والدعوة إلى التواضع والاقتصاد وهو ما يجب أن يكون من صفات الناشئين بل من واجبهم في بيوتهم فإن لم يفعلوا أثموا وأرهقوا بيوتهم بتلك المطالب الثانوية التى لا يقبل عليها إلا الغافلون عن الحق وعن أخلاق الإسلام وهديه في ممارسة الحياة
إن الإسلام بهذه الأخلاق يوظف طاقات الناشئين والشباب وأفراد البيت جميعا للتعامل الجيد الطيب مع بيوتهم وذويهم بروح التعاون والتراحم والتواد وحسن تقدير
الظروف قبل الطلب لهذه الثانويات من الحاجيات فضلا عن الإلحاح في الطلب وإن بعض الأبناء إذا لم يستجيبوا لهذا الأدب الإسلامي طامعين في عطف الأبوين أو مزيد من الإشفاق والرحمة التي يجدونها من الأبوين إن بعض الأبناء إذا لم يستجيبوا لهذا الأدب فإن على الآباء ألا يضعفوا أمام هذه المطالب الثانوية للأبناء فإذا استجاب بعض الآباء لهذه المطالب فإن النتيجة ليست لصالح الآباء ولا لصالح البيت ولا لصالح
الأبناء إن النتائج بالنسبة للآباء هي إرهاق ميزانية البيت إن كانت قدرات البيت محدودة وإفساد الأبناء بالاستجابة لكل ما يطلبون إن كانت ظروف البيت تسمح بذلك وبالنسبة للبيت نفسه أن يصاب بالاضطراب وبممارسة الإسراف وتشجيع ! الأبناء على المبالغة في مطامعهم الثانوية وبالنسبة للأبناء يعودهم ذلك على الطمع والأنانية وسوء تقدير الظروف وكل تلك النتائج ليست فى صالح البيت عموما وهى مما حرمه الإسلام أو
كره فيه
۱ ورواه الإمام أحمد والطبراني والحاكم وصححه
٤١٧

الوظيفة الثالثة التعامل مع المسجد
المسجد هو الدعامة القوية ـ إلى جوار البيت - التي يقوم عليها بناء المجتمع المسلم وإذا كان الفرد قد حظى من الإسلام بقدر كبير من التربية والإعداد
أنه
وإذا كان البيت - الأسرة - قد نال قدرا كبيرا من الاهتمام فإن المسجد قد نال في الإسلام حظا موفورا من الاهتمام وتبوأ فى المؤسسات الإسلامية أرفع مكانة وحسبه أ بيت الله سبحانه وتعالى
المسجد يكمل بناء المجتمع المسلم ويقوى أركانه ويعمق في النفوس الإحساس بالفضائل التي غرستها الأسرة فى أبنائها بل يغنيها وينميها ويوجهها إلى تحقيق الغاية الكبرى للمجتمع المسلم كله وهى هداية الناس إلى الحق وإلى الخير وإلى ما يصلح لهم
دنياهم وأخراهم
الأسرة المسلمة تنجب الأبناء وترعاهم وتغرس في نفوسهم الفضائل وتدفع عنهم الرذائل ثم تدفع بهم إلى المسجد لتتكامل تربيتهم الإسلامية البيت يعلم الأبناء والمسجد يعلم الأبناء والآباء جميعا وكل من يتأمل في تاريخ الخطوات الأولى لبناء الدولة الإسلامية بعد هجرة الرسول من مكة إلى المدينة المنورة يدرك أن أول الأعمال التي قام بها النبي
بناء المسجد
هو
والمسجد تدريب للمسلمين على الضبط والانضباط فإذا صاح المؤذن الله أكبر ترك المسلمون جميعا كل ما هم فيه من عمل واتجهوا إلى المسجد إذ الدعوة موجهة من الله سبحانه وإجابتها إجابة له سبحانه الله أكبر من كل عمل ومن كل أمر ومن كل شيء وما ينبغى أن يصرف المسلمين عن إجابة دعوته شيء
فأى تدريب على الانضباط أكبر من هذا يترك الإنسان كل شيء ويراه أصغر من أن يصرفه عن المسجد إنها تربية عميقة الأهداف تلك التي تشد المسلم إلى المسجد خمس مرات في اليوم والليلة ١
۱ للمؤلف المسجد وأثره في المجتمع الإسلامي نشر دار المنار الحديثة ۱۹۸۹ ط ثالثة
٤١٨

إن المسجد يشارك البيت في تربية | الأبناء وهو وقاية للإنسان المسلم من الذئب - الشيطان - فقد روى الإمام أحمد بسنده عن معاذ بن جبل رضى الله عنه أن النبي الله قال إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد قال عبد الرزاق عن معمر عن ابن إسحق عن عمرو بن ميمون الأودى قال أدركت أصحاب محمد له يقولون إن المساجد بيوت الله في الأرض وإنه حق على الله أن يكرم من زاره فيها وإنما يعمر مساجد الله من آمن بالله أى وحده وآمن بما أنرل واليوم الآخر فى آمن بكل ما جاء به محمد له فيما يتصل باليوم الآخر ور وأقام الصلاة التي هي أكبر العبادات
وآتى الزكاة التى هى أفضل الأعمال المتعدية إلى بر الخلق ولم يخش إلا الله ولم يخف من أحد سواه وقيل لم يعبد إلا الله
ا فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين أى أن أولئك هم المفلحون
وكل عسى فى القرآن الكريم فهى واجبة - وقال محمد بن إسحق بن يسار عسى من الله حق ۱
وإن للمسجد وظيفة في المجتمع المسلم يجب أن نوضحها فهو فضلا عن أنه مكان العبادة الله سبحانه فإن له وظيفة أخرى لا تقل أهمية هي تعليم المسلمين شئون دينهم
ودنياهم
هكذا كانت وظيفة المسجد على عهد رسول الله له يقول ابن تيمية رحمه الله
عن المساجد في ذلك الزمان
وكانت - أى المساجد - مواضع | الأئمة و مجامع ! الأمة هی المساجد فإن النبي أسس مسجده المبارك على التقوى ففيه الصلاة والقراءة والذكر وتعليم العلم والخطب وفيه السياسة وعقد الألوية والرايات وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء وفيه يجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم
ويؤكد العبدرى أن التدريس من ألصق الوظائف بالمسجد فيقول أفضل مواضع
۱ السابق ۷
ابن تيمية مجموع الفتاوى ٣٩/٣٥
٤١٩

أو يتعلم به
التدريس هو المسجد لأن الجلوس للتدريس إنما فائدته أن تُحيا به سنة أو تخمد به بدعة حكم من أحكام الله تعالى والمسجد يحصل فيه هذا الغرض متوافرا لأنه موضع الاجتماع الناس رفيعهم ووضيعهم وعالمهم وجاهلهم بخلاف البيت فإنه محجور على الناس إلا من أبيح له البيوت تحترم وتهاب حتى لو أبيحت للجميع وبعد فإذا كان هذا هو المسجد فماذا يجب على الناشئ المسلم نحوه أو ما هي الوظيفة التى يجب على الناشئ المسلم أن يؤديها نحو المسجد
إنها ما نشير إليه فيما يلى
۱ - معرفة آداب المسجد والالتزام بها
1
وذلك أن للمسجد أدباً إسلاميا في دخوله وفى الصلاة فيه وفي المكث به قبل الصلاة أو بعدها وفي الاعتكاف فيه والخروج منه
فَلِدخول المسجد أدب يتمثل في أن يدعو الداخل بدعاء ورد في السنة فقد روى أبو داود بسنده عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله له كان يقول إذا دخل المسجد أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ه قال فإذا قال ذلك قال الشيطان حفظ منى سائر اليوم
أو يقول الداخل في المسجد دعاء آخر رواه الإمام مسلم بسنده عن أبي حميد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخول المسجد اللهم افتح لي أبواب رحمتك ومن أدب المسجد أن يصلى من دخله ركعتين قبل أن يجلس فقد روى البخارى بسنده عن أبي قتادة السلمى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس
ومن أدب الجلوس في المسجد أن يجلس الإنسان حيث ينتهى به المجلس ولا يتخطى رقاب الناس وأن يجلس فيه هادئا خفيض الصوت وأن يكون على وضوء بكل ذلك وردت الأحاديث النبوية في كتب السنة
روى البخاري بسنده عن أبى واقد الليثى قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فأقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله الله وذهب واحد فأما أحدهما فرأى فرجة
1 العبدرى المدخل ٨٥/١
٤٢٠

فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلفهم فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم عن الثلاثة أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله وأما الآخر فاستحيا فاستحبا الله منه وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه
وروى البخاري بسنده عن السائب بن يزيد رضى الله عنه قال كنت قائما في المسجد فحصبنى رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال اذهب فأتني بهذين فجئته بهما قال من أنتما - أو من أين أنتما - قالا من أهل الطائف قال لو كنتما من أهل البلاد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله ومن أدب المسجد ألا يباع فيه شيء ولا تنشد فيه ضالة ولا تتناشد فيه الأشعار روى الإمام أحمد بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله له عن البيع والابتياع وعن تناشد الأشعار
وروى الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع فى المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد ضالة في المسجد فقولوا لا ردها الله عليك
إن الناشئ المسلم عليه أن يذهب إلى المسجد لأداء الفرائض أو لمدارسة العلم وهو متقيد بهذه الآداب لأن البيت المسلم الذي نشأ فيه قد حصنه وعلمه
- حب المسجد والإقبال عليه
هذا واجب الناشئ المسلم بل واجب كل مسلم فإن المسلم لا يتكامل إيمانه إلا بالتردد على المسجد والمواظبة على حضور الجماعات
فقد روى الإمام أحمد بسنده عن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله قال إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان وزاد ابن ماجة قال الله تعالى إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله ١ وروى ابن ماجة بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ه إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا
۱ سورة التوبة ۱۸
٤٢١

الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه
وروى ابن ماجة بسنده عن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه أنه سمع رسول الله يقول ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات قالوا بلی يارسول الله قال إسباغ الوصوء على المكاره وكثرة الحطا إلى المساجد و سطر
الصلاة بعد الصلاة
وروى ابن ماجة بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ه إن أحدكم إذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون اللهم اغفر له اللهم ارحمه اللهم تب عليه ما لم يحدث فيه ما لم يؤذ فيه
ـ اجتناب ما يكره في المساجد
وذلك أن المساجد بيوت الله ويجب أن يكون لها من الاحترام والتقدير في نفوس المسلمين ما يوازى هذه المكانة الرفيعة إذ يكفى أنها بيوت الله
من أجل ذلك حدد الإسلام أموراً كثيرة وأشياء أو خصالا لا يجوز أن تمارس في
المسجد إذ ورد في تحريمها أو كراهيتها أحاديث نبوية شريفة نذكر منها ما يلى ما رواه ابن ماجة سنده عن ابن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
ا خصال لا تنبغى في المساجد
لا تتخذ طريقا
ولا يشهر فيه سلاح
ولا يقبض فيه بقوس
ولا ينشر فيه نبل
ولا يمر فيه بلحم نبئ
ولا يضرب فيه حد
ولا يقتص فيه من أحد
٤٢٢

ولا يتخذ سوقا
وروى ابن ماجة بسنده عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ا جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراركم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها
في الجمع
وروى ابن ماجة بسنده عن أنس رضى الله عنه أن النبي الله رأى نخامة في قبلة المسجد فغضب حتى احمر وجهه فجاءته امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا فقال رسول الله و ما أحسن هذا
٤ ـ تعهد المسجد وتنظيمه وتنظيفه
وذلك أن المسجد ـ كما قلنا - هو بيت الله وأولى مكان بالرعاية هو المسجد وعلى الناشئ بل على المسلمين بعامة أن يتعهدوا المسجد بالنظافة والتطهير والتطييب وإخراج أي أذى منه
فقد روى ابن ماجة بسنده عن أبي سعيد الخدري قال قال لنا رسول الله من أخرج أذى من المسجد بني الله له بيتا في الجنة
وروى ابن ماجة بسنده عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله له أمر بالمساحد أن تبنى في الدور وأن تطهر وتطيب
وروى ابن ماجة بسنده عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه قال رأى رسول الله نخامة في قبلة المسجد وهو يصلى بين يدى الناس فحتها ثم قال حين انصرف من الصلاة إن أحدكم إذا كان في الصلاة كان الله قبل وجهه فلا يتنخمن أحدكم قبل وجهه في الصلاة
وروى ابن ماجة بسنده عن عائشة رضى الله عنها أن النبي الله حك بزاقا في قبلة
المسجد
وما أجمل أن يعود الناشئ على ألا يقدر المسجد وعلى أن يتولى هو تنظيفه من أى شيء لا يليق به
وعلى سبيل المثال فإن كثيرا من المساجد - في العالم الإسلامي - فيها مكتبات
٤٢٣

وكتب وكثير من هذه المكتبات والكتب غير منظمة أو مرتبة وغير نظيفة بل يعلو كثيرا منها التراب وإن علينا أن نعود الناشئ المسلم على أن يسهم في تنظيف هذه المكتبات
وتلك الكتب وتنظيمها ورعايتها
إن الناشئ المسلم إذا قام بهذا العمل فإنه المسلم الإيجابى الفاعل الذي يقدم من العمل ما يرضى به الله تبارك وتعالى وما يجعله هو راضيا عن نفسه أهلا للحصول على ثواب الله في الدنيا وحسن جزائه في الآخرة
الوظيفة الرابعة التعامل مع المدرسة أو المعهد
الإسلام يعامل الناشئ المعاملة التي تنضجه بل تبكر بنضجه إذ يشعره بالمسئولية منذ زمن باكر فى حياته وذاك أسلوب فى التربية عظيم الفائدة بعيد النظرة عميقها وهو قادر على أن يحدث فى نفس الناشئ التغيير نحو ا الأحسن والأرضي لله
إن الإسلام الذى أوجب على الناشئ المسلم واجبات نحو ربه سبحانه وهي العبادة وواجبات نحو بيته وواجبات نحو المسجد - كما أوضحنا آنفا ـ لابد أن يكون قد أوجب عليه واجبات نحو المدرسة أو المعهد الذى يتعلم فيه بل وواجبات نحو التعلم نفسه وتحصيل العلم ولكي نوضح ذلك نقول
إن تحصيل العلم في الإسلام واجب شرعى على كل قادر عليه لأن الإسلام يقدر العلم ويرفع من قدر العلماء قال الله تعالى قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ۱
وروى ابن ماجة بسنده عن كثير بن قيس قال كنت جالسا عند أبي الدرداء رضى الله عنه في مسجد دمشق فأتاه رجل فقال يا أبا الدرداء أتيتك من المدينة مدينة رسول الله الله الحديث بلغني أنك تحدث به عن النبى الله قال
فما جاء بك تجارة قال لا
قال ولا جاء بك غيره قال لا
۱ سورة الزمر ٩
٤٢٤

قال فإني سمعت رسول الله الا الله يقول من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل
الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر
وروى ابن ماجة بسنده عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال خرج رسول الله ذات يوم من بعض حجره فدخل المسجد فإذا هو بحلقتين إحداهما يقرءون القرآن ويدعون الله والأخرى يتعلمون ويعلمون فقال النبي صلى الله عليه وسلم كل على خير هؤلاء يقرءون القرآن ويدعون الله فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وهؤلاء يتعلمون ويعلمون وإنما بعثت معلما فجلس معهم
وروى ابن ماجة بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علما ثم يبلغه أخاه المسلم
فالآية الكريمة ـ التي ذكرنا آنفا - تفرق بل تفاضل بين من يعلمون ويعملون بما علموا والذين لا يعلمون والاستفهام في الآية للنفى أى ما يستوى الذين يعلمون والذين لا
يعلمون
كما أن الآية الكريمة تدعو المسلمين إلى العلم حتى لا يكونوا كالذين لا يعلمون وتذكرهم بأن هذه الحقيقة - وهى العلم وترك الجهل - إنما يعيها ويتذكرها ويتذكر أمثالها من الحقائق أصحاب العقول النيرة
والحديث الشريف الأول يشجع المسلمين على طلب العلم بتوضيح ما ينتظرهم من حسن الجزاء عند الله وتوضيح ما لهم من مكانة عند الله بحيث تستغفر لهم مخلوقات الله كلها حتى الحيتان في المياه كما يؤكد الحديث الشريف أن العالم له فضل واضح على العابد كما يفضل القمر فى ظهوره وقربه سائر الكواكب وأن العالم هو وريث الأنبياء لأن الأنبياء عليهم السلام لم يورثوا دينارا ولا درهما أى لم يورثوا مالا ولا عقارا وإنما ورثوا العلم فأوفر الناس حظا فى هذا الميراث هم العلماء الذين أخذوا من هذا العلم
بحظ وافر
٤٢٥

والحديث الشريف الثانى يؤكد أن المدارسة والتعليم والتعلم من الأعمال الأساسية التي تكون موضع رضا الله سبحانه وتعالى ومن أجل ذلك آثر النبي الله أن يجلس مع هؤلاء المعلمين والمتعلمين وتوج هذا بقوله الكريم إنما بعثت معلما
ويؤكد الحديث النبوى الثالث أن الحصول على العلم من أفضل أنواع الصدقات التي يتقرب الإنسان بها إلى الله وأن تعليمه غيره من الناس هذا العلم يعد كذلك من أفضل
الصدقات
وقد يتصور بعض الناس أن العلم الذى دعت إليه الآية الكريمة وغيرها من الآيات المشابهة لها أو العلم الذي شجعت عليه هذه الأحاديث النبوية الشريفة وغيرها أن هذا العلم منحصر فى علم أمور الدين وحدها دون علوم الدنيا وهذا التصور غير صحيح وفيه قصور شديد لأسباب عديدة من أهمها
أن علم الدين يتضمن كل علوم الدنيا لأن الدنيا كلها وما فيها من قول أو عمل إنما تخضع لمنهج الدين ونظامه فلا يستطيع أحد أن يمارس حياته الدنيا ممارسة صحيحة إلا أن يكون متبعا لمنهج الله سبحانه وتعالى و لنظامه
وأن كلمة العلم الواردة في هذه النصوص الإسلامية ليست مقيدة بأنها علم الدين وحده وإنما هي مطلقة وما دامت مطلقة فإنه يدخل فيها كل علوم الدنيا لأن الدنيا وما فيها جزء من الدين إذ هي دار عبور إلى الحياة الأبدية
وأن العلم بأمور الحياة وأسلوب إعمارها وأداء الواجب في الاستخلاف في الأرض كل ذلك مطلب من مطالب الإسلام قامت على تأييده النصوص الإسلامية
الكثيرة
وقد أشرنا إلى ذلك فى الفصل الأول من الباب الثالث من هذا الكتاب ـ أثناء
حديثنا عن المنهج الصحيح للإسلام في تربية العقل بدعوته للأخذ بأسباب العلم وأن النبي كان يدعو الله قائلا - كما يروى ابن ماجة بسنده عن أبي هريرة رضی الله عنه أن رسول الله الا الله كان يقول - اللهم انفعنى بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما والحمد لله على كل حال
وهذا الدعاء النبوي يوظف العلم فيما ينفع والنبى الله يطلب الاستزادة من هذا العلم ولا شك أن ما ينفع الإنسان في دنياه مطلب ديني لأنه ـ أى الإنسان ـ لا يستطيع
٤٢٦

أن يعبد الله إلا أن يكون منتفعا بدنياه قادرا على العمل والكسب والإعفاف هذا هو شأن العلم فى الإسلام العلم بمعناه العام الذي يُدخل في علوم الدين علوم الدنيا كلها وبالتالي فإن الناشئ المسلم مطالب بأن يحصل من العلم ما يعرف به دينه ويحفظه عليه بممارسة العمل وفق العلم كما أنه مطالب بأن يعرف من علوم الدنيا ما تستقيم به أمور الدنيا أى أن كل أنواع العلوم والمعارف التى تمكن من حسن استخدام ما جعل الله فى الأرض من مذخورات ومقدرات لصالح الإنسان
إن هذا العلم واجب تماما كوجوب معرفة العلوم التي يصح بها أمر الدين لأن الدين - كما قلنا - أوسع وأرحب من أن يخرج عنه شيء من أمور الإنسان كلها في معاشه أو معاده
الناشئ المسلم يعيش في هذا العصر مطلع القرن الخامس الهجرى حياة تخضع لسلم تعليمي معروف في كل أقطار العالم الإسلامى يبدأ بالمدرسة الابتدائية أو مرحلة التعليم الأساسي وينتهى بالمرحلة الجامعية وقد يستمر مع بعض المتعلمين إلى مرحلة الدراسات
العليا
ويتخلل تلك المراحل التي تمتد إلى ستة عشر عاما أو تزيد أنماط وأنواع من التعليم الفني في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة والتعدين والبيطرة والطب والصيدلة والهندسة وعلوم الفضاء والطيران وغيرها مما لا نتعمد حصره هنا ولكن نشير إلى
بعضه
هؤلاء الناشئون المسلمون وهم يتلقون العلم فى هذه الفروع كلها وغيرها يوجب عليهم الإسلام واجبات بعينها في طلب العلم يمكن أن نجملها فيما يلى ١ - لا يجوز لمسلم أن يقعد عن طلب العلم بمعناه العام الذى تدخل فيه علوم الدنيا مع علوم الدين ما دام قادرا على هذا الطلب لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم كما أوضحنا ذلك سلفا في هذا الكتاب

٢ ـ يطالب الإسلام كل متعلم بأن يحسن طلب العلم بالإخلاص فيه ومراقبة الله سبحانه في تعلمه وأن يخلص النية حتى ينال ثواب الله وأن يجيد طلب العلم ويتفوق فيه ما وجد إلى ذلك سبيلا واستعدادا حتى يتمكن بهذا العلم من إعمار الأرض الذى
هو مطلب شرعی
٤٢٧

٣ - ويطالب الإسلام الناشئ المسلم بأن يُصحِب العِلْمُ العَمَلَ أما العلم النظري الذي يقف بصاحبه عند حدود الاستيعاب لقضايا العلم والتشدق بها والفيهقة فيها فذلك لا قيمة له بل هو منهى عنه أو مكروه إذ لا نفع فيه والعلم في الإنسان موظف أو
وسيلة إلى غاية وتلك الغاية هى جلب المصالح أو دفع المفاسد في الدين والدنيا - كما يطالبه بألا يتوقف فى العلم عند حد بعينه وإنما عليه أن يواصل طلب العلم والدرس والبحث والتحرى والتعمق مستهديا بقول القرآن الكريم على لسان محمد وقل رب زدني علما ۱ وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة
من دعائه الذي سقناه آنفا
ه - ومن المسلم به أن الإسلام لا يسمح لمتعلم بل ولا لأى مسلم أن يهمل أو يقصر أو يكسل فإن هذه الصفات من الرذائل والآفات التى يجب أن يتخلى عنها المسلم فإذا كان الناشئ أو الراشد طالب علم فإن هذه الصفات تضر به وبأمته الإسلامية كلها
٦ ـ ولا يحجر الإسلام على نوع من العلم لذاته وإنما يدعو إلى تعلم كل علم يعود على المسلمين بما يدفع عنهم الضرر في دينهم ودنياهم أو يجلب لهم النفع في دينهم ودنياهم كذلك
ومن هنا ندرك ما أتاح الإسلام للمسلمين من حرية الفكر والبحث ـ كما أوضحنا ذلك فى الفصل الأول من الباب الثالث من هذا الكتاب - وإن على الناشئ المسلم خصوصا وكل مسلم عموما أن يعرف ماذا ينقص وطنه أو أمته الإسلامية من العلوم والمعارف وأن يدرس هذه العلوم ويحصل منها القدر الذي يعطى هذا الاحتياج سواء أكان هذا الاحتياج لصالح الدين أم لصالح الدنيا وهكذا كان أسلافنا من المسلمين فقد درسوا وبحثوا واكتشفوا وملئوا الدنيا علما ومعرفة ولم تقتصر جهودهم على علوم الدين وإنما كانت علوم الدنيا في كل شعبة من شعبها موضع اهتمامهم وتفوقهم بحيث سدوا في ذلك المجال الثغرات وتركوا للأجيال التالية لهم ميراثا ضخما - بل خدموا بذلك الإنسانية كلها
وليس العالم الإسلامى وحده
1 سورة طه ١١٤
جميع
٤٢٨

ولم يكن عجبا أن تقيم أوربا في نهضتها العلمية دراساتها وبحوثها ومكتشفاتها
على ما قدمه المسلمون فى هذا المجال كما سجل الأوربيون ذلك بأنفسهم ۱ - ومن أجل ذلك فإن الناشئ المسلم وكل مسلم مطالب بأن يحافظ على وقته وأن يوظفه أحسن توظيف لتحقيق هذه الأهداف العلمية والعملية في الحياة الإنسانية وكل من أهمل في استثمار وقته أو ضيع منه شيئا فيما لا يفيد فإنه يضيع جزءا مهما من عمره وأجزاء مهمة من عمر أمته الإسلامية وما دام الوقت هو وعاء الحياة الإنسانية فسوف لا يستسيغ مسلم أوغير مسلم أن يبدد هذا الوقت فيما لا يفيد في الدين أو الدنيا
٩ ـ ولابد أن ننبه على أن الإسلام الذي دعا إلى طلب العلم والتعمق مع الإخلاص في البحث والدرس لم يترك ذلك دون ضوابط وإنما ألزم طلاب العلم كما ألزم العلماء بقواعد أخلاقية تحكم أعمالهم في هذا المجال
ونستطيع أن نشير إلى هذه الضوابط أو إلى بعضها فيما يلى
أ - أن يكون موضوع البحث أو العلم محققا لمصلحة من مصالح الدين أو الدنيا وإلا ضاع الوقت والجهد والمال عبثا
ب ـ وألا يتسبب البحث أو العلم في إلحاق ضرر بالمسلمين أو بأحد من الناس غير المسلمين أو أن يكون مؤديا إلى هذا الضرر
جـ ـ وأن يقصد الباحث من بحثه وجه الله أي أن يتوفر للبحث عنصرا الإحسان والإخلاص مع الأمانة
د وأن تكون الوسائل المستخدمة في العلم والبحث مما أباح الإسلام ممارستها هــ وأن يبتعد الباحث تماما عن الغش والتدليس والمبالغة
و ـ وأن يتخلى عن الغرور والتعصب للرأى - وهذه آفة العلماء في معظم العصور - وأن ينسب الرأى لصاحبه ولا يستنكف عن سؤال العلماء جريا وراء الحق
۱ انظر في ذلك كتاب أثر العرب والإسلام في النهضة الأوربية وهو دراسة أعدها مركز تبادل القيم الثقافية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم يونسكو ونشرته الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر
بالقاهرة عام ۱۹۷۰ م
وانظر الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة - بحوث ودراسات إسلامية محمد أحمد خلف الله القاهرة
١٩٥٥ م
٤٢٩

ز ـ وأن يتسلح بالصبر على مشقات العلم والبحث والدراسة مهما تكن هذه
المشقات
ح - وأن يكون رائده في عمله التعاون مع غيره من الباحثين والدارسين لأن التعاون في مجال العلم يزيده ثراء وعمقا وفائدة
ط ـ وألا يغتر أو يفرح كثيرا بما توصل إليه من نتائج لأن هذا قد يخرجه عن الصواب في بعض الأحيان فضلا عن أنه خلق نهى عنه الإسلام كما نهى عن أن ينسب إلى نفسه ما لم يفعل وذلك في قوله تعالى لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم
ا
ى ـ وأن يتجرد في بحثه عن الهوى لأن اتباع الهوى مهلك والعياذ بالله وهو في ذات الوقت مضلل عن الوصول إلى الغاية أو النتائج الحسنة لأن المسلم مطالب دائما بأن يعمل على إحقاق الحق
ك ـ وأن يتحلى بالأناة والتمهل ولا يتعجل الوصول إلى نتيجة فالعجلة دائما لها عواقب سيئة وبخاصة فى البحث والعلم والنبى الله يقرر أن العجلة
من الشيطان ۱ وأن الله يستجيب للمسلم الدعاء ما لم يعجل الداعي يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لى هذه أخلاقيات الإسلام في ممارسة البحث العلمى يجب أن الباحث في كل خطوة من خطواته بحيث لا يتخلى عن شيء منها لأن الإسلام يأمر
بها ۳
تحكم
أعمال
١٠ - ولم يرض الإسلام للناشئين خصوصا ولا للمسلمين عموما أن يعيشوا حياتهم غير فاعلين أو غير مؤثرين وإنما ألزمهم جميعا بأن يعملوا ما وسعهم بأن يعمروا الأرض وأن يمشوا في مناكبها وأن يسيروا وأن ينظروا وأن يتفكروا وأن
1 رواه الترمذي بسنده عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل الساعدى وتمامه الأناة من الله والعجلة من الشيطان وقال حديث غريب وقد ضعف علماء الحديث عبد المهيمن في حفظه ٢٤٨/٣ ط الكتبى القاهرة دود
تاريخ
رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه وقال هذا حديث حسن صحيح ١٣٢/٥ السابق ۳ وانظر لنا نحو منهج بحوت إسلامى نشر دار الوفاء ١٤١٠ هـ ـ ١٩٨٩ م
٤٣٠

يتدبروا وأن يفيدوا مما سخر الله لهم فى هذه الأرض من نعم وكيف يتم هذا في العصر الذي نعيشه اليوم عصر الأقمار الصناعية والصواريخ الفضائية والمشى على كوكب القمر
كيف يتم هذا دون بحث ودراسة وتعمق فى العلم والكشف والابتكار وهل يليق بالمسلمين أن يظلوا - كحالهم اليوم - عالة على الغرب في العلم والبحث والتقنية
وما الثمن الذي يدفعه المسلمون من حريتهم أولا ومن بلدانهم ومن مقدراتهم الاقتصادية ومن كرامتهم وهم راضون بأن يكونوا عالة على الغرب في العلم والتقنية إن الإسلام يوجب على المسلمين - خير أمة أخرجت للناس - أن يمارسوا أستاذيتهم بهذا الدين العظيم الخاتم للبشرية كلها وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ۱ وهل لذلك طريق إلا البحث والعلم والتقنية ألا هل بلغت اللهم فاشهد
الوظيفة الخامسة التعامل مع الحى الذى يسكن فيه
كل مكان يعيش فيه المسلم يجد نفسه مسئولا أمام الله عنه نوعا من المسئولية تصغر أو تكبر تبعا لظروف المكان ولمكانة المسلم في هذا المكان وقد رأينا فيما سلف مسئولية الناشئ عن بيته ومسجده ومعهده الذي يتعلم فيه وأوضحنا مدى ما يجب عليه نحو هذه الأماكن من وظائف
وكذلك الشأن في الحي الذي يعيش فيه لابد أن تكون عليه مسئولية وأن يؤدى نحوه وظائف بعينها وتلك من أبرز إيجابيات التربية الإسلامية للناشئين وللكبار على
السواء
ومعنى ذلك أن الإسلام لا يعفى حدا من المسلمين من مسئولية من نوع ما وإنما يحمله هذه المسئولية منذ أن يعى ويكون أهلا لتحمل المسئولية فيشب مقدرا لواجباته حريصا على أدائها عارفا لحقوقه نحوها قادرا على ممارسة حقوقه وأداء واجباته
۱ سورة البقرة ١٤٣
٤٣١

وقد سبق أن أشرنا فى هذا الكتاب إلى أن التمتع بالحقوق يستوجب القيام بأداء الواجبات وإلا عاش الناس كسالى متواكلين لا هم لهم إلا أن يأكلوا ويتمتعوا كما تفعل الأنعام كما أشرنا إلى أن أداء الواجبات دون ممارسة الحقوق ظلم للإنسان وقهر لإرادته
وسلب لكثير من حرياته التي كفلها له الإسلام
أقول هذا لأؤكد أن الحى الذى يعيش فيه المسلم ناشئا أو كبيرا هذا الحي له من الحقوق على ساكنيه ما ينعكس واجبا عليه وذلك عدل اجتماعي من شأنه أن يحقق التوازن والتعاون والتكافل الذى ينشده الإسلام في تشريعاته الاجتماعية كلها
إن المكان نفسه - فضلا عن أهله - له على الناشئ المسلم أو على المسلمين عموما حقوق يجب أن ترعى - وهى بالنسبة للمسلم واجبات يجب أن تؤدى
وهذه الواجبات في تصوري هي
۱ - الرعاية
٢ ـ والتنمية
- والتعاون والتناصر
ولتوضيح هذه الواجبات نقول
ند الرعاية
ومعناها أن المسلم يجب أن يربى من نشأته وأن يعود على رعاية المكان الذي يقع فيه بيته سواء أكان ذلك المكان هو الشارع أم المرفق العام كحديقة أو غيرها
وهذه الرعاية تتمثل في مفردات أساسية من أهمها ما يلي
أولا النظافة
وهي في مفهومها السلبي تعنى ألا يتسبب في تقـذير مكان ما لأى سبب من الأسباب وفي مفهومها الإيجابي تعنى أن يعمل على تنظيف المكان إسهاما منه في رعايته وذلك في الإسلام مندوب إليه كما نص على ذلك الحديث النبوي الذي ذكرناه في التربية الإسلامية الجمالية إن الله جميل يحب الجمال ۱ والحديث النبوى الآخر
۱ الترمذي سننه باب الإيمان
٤٣٢

الذي رواه الترمذى إن الله نظيف يحب النظافة ۱
وروى الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال النبي و بينما رجل يمشى في الطريق إذ وجد غصن شوك فأخره فشكر الله له فغفر له
وروى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ه الإيمان بضع وستون - أو وسبعون شعبة - أفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان
وروى الترمذي بسنده عن سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه عن النبي له أنه قال إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود فنظفوا أفنيتكم - أو - نظفوا أفنيتكم
وثانيا النظام والتنسيق
كذلك - يعنى
وذلك أن المسلم مطالب دائما بأن ينظم ما حوله وهذا النظام في مفهومه السلبي - ألا يتسبب المسلم في إفساد نظام وجده لأى مكان وجد فيه وفي مفهومه الإيجابي يعنى أن يمارس الإنسان تنظيم المكان الذي يوجد فيه وترتيبه على النحو الذي يجعله جميلا و منسقا ونظيفا وقد سبق أن ذكرنا الأحاديث النبوية الداعية إلى الجمال
والنظافة
والنظام والتنسيق جمال وقد قلنا فيما سبق إن الجمال صفة تلحظ في الأشياء وتبعث

في النفس سرورا ورضا والمسلم مطالب بأن يعمل على أن يبعث في نفوس الناس السرور والرضا لأنه مطالب بأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه
إن الناشئين إذا التزموا بذلك فإن المرافق العامة كلها في الحي الذي يسكن فيه لن يحدث فيها خلل أو إتلاف - على نحو ما يشاهد كثيرا - وهذا يوفر على المجتمع جهودا ضخمة وأموالا كثيرة ويربى الناشئين على حب النظام والترتيب والتنسيق والجمال ٢ ـ والتنمية لهذا الحي
ونعني بها أن يُربى الناشئ على أساس أنه مسئول عن بذل جهود مناسبة ثقافية واجتماعية وعملية ميدانية لكى يزيد بذلك من قدرة الناس على استغلال ما يتاح لهم من ۱ السابق باب الأدب
٤٣٣

مرافق عامة - حدائق ومتنزهات ومكتبات وأندية ووسائل مواصلات واتصالات وشوارع وغيرها ـ على أحسن وجه ممكن ليتحقق للناس من وراء ذلك أكبر قدر من الفائدة التي تعود عليهم بالسعادة في الدنيا والآخرة
إن كل ما في الحى أو الحلة من مرافق عامة هو في الحقيقة ملك للمجتمع كله لا للحكومة القائمة لأن الحكومات ورجالها في تغير مستمر وهم ليسوا مالكين على وجه الحقيقة وإنما رعاة يحافظون وينظمون أما المالك الحقيقي فهم الناس عموما
والناشئ المسلم مسئول - أمام الله سبحانه - ومن خلال ما تضمنه نظام الإسلام ومنهجه الشامل للحياة كلها عن أن يسهم في تنمية هذه المرافق بأن يعمل ما وسعه على المحافظة عليها لكي تؤدى وظائفها بكفاية وأن يزيد من قدرتها وعطائها على مر الأيام وما يكون
ذلك إلا بالمحافظة عليها ودعمها بكل ما تحتاج إليه مما يستطيع الناس أن يقوموا به إن الإسلام يطبع المسلمين جميعا على هذه الأخلاق ويطالبهم دائما بالتمسك بها انطلاقا من أنه يطالبهم بممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان والعمل على ما يجلب للمسلمين مصلحة أو يدفع عنهم ضررا في دينهم ودنياهم
والأحاديث النبوية الشريفة في ذلك كثيرة نذكر منها ما يلى روى الإمام مسلم بسنده عن أبي موسى رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها بكفه أن أحدا من المسلمين منها بشيء أو قال ليقبض على نصالها وفي رواية للحديث لجابر رضی الله عنه كي لا يخدش مسلما
امر
يصيب
وروى مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال يقول أبو القاسم من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه وروی مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ولا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدرى أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في
حفرة من النار
وروى مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله له مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة
٤٣٤

وروى مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله له القد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذى الناس وما هذه الأحاديث النبوية الشريفة وغيرها مما يدعو إلى فعل الخير وترك الشر إلا تنمية حقيقية للمجتمع بتحقيق مصالحه ومقاومة مفاسده
٣- التعاون والتناصر
وكذلك يربى الإسلام المسلمين عموما والناشئين خصوصا على التعاون في القيام بكل عمل يحقق مصلحة للمسلمين أو يدفع عنهم مضرة وذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده في غنى عن الناس بحال من الأحوال
و ما دام الإنسان محتاجا إلى غيره من الناس بالضرورة فهم كذلك محتاجون إليه ولا يتم تبادل الاستجابة لتغطية هذه الحاجات إلا بالتعاون
والإسلام الحنيف قد قيد التعاون بقيد إنساني رفيع القدر عالى القيمة إذ شرط فيه أن يكون تعاونا على البر والتقوى وحرمه إن كان تعاونا على الإثم والعدوان قال الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب
1
قال القرطبي هو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى أى ليعن بعضكم بعضا وتحالوا على ما أمر الله تعالى واعملوا به وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعـوا عنه وهذا موافق لما روى عن النبى الله أنه قال الدال على الخير كفاعله وقد قيل الدال على الشر كصانعه
وقال الماوردى ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى له لأن في
التقوى رضا الله تعالى وفي البر رضا الناس ومن جمع بين رضا الله ورضا الناس فقد تمت سعادته و عمت نعمته
وقال ابن خويز منداد في أحكامه والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه
فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه
- ويعينهم الغني بماله
۱ سورة المائدة ٢
٤٣٥

والشجاع بشجاعته في سبيل الله
وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم
ويجب الإعراض عن المتعدى وترك النصرة له ورده عما هو عليه
ثم نهى فقال لا ولا تعاونوا على الإثم والعدوان
والإثم هو الحكم اللاحق عن الجرائم وعن العدوان وهو ظلم الناس ثم أمر
بالتقوى وتوعد توعدا مجملا فقال لا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ۱ وقال تعالى والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر قال الإمام الشافعي إن الناس أو أكثرهم في غفلة عن تدبر هذه السورة
والتواصى بالحق تعاون عليه والتواصى بالصبر تعاون عليه كذلك وكلاهما يقوى
الروابط بين الناس
وإن هذا التعاون والتناصر هو الذى يغرس المحبة بين المسلمين روى الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا
إن الناشئين يجب أن يتعاونوا فيما بينهم على أى عمل فيه صالح الناس في الحي الذي يعيشون فيه وصور التعاون فى الحى كثيرة نذكر منها ما يلى أ ـ التعاون فيما بين الناشئين على القيام بالأعمال التي تصون المرافق العامة وتحفظها وتمكنها من أداء وظيفتها
ب - والتعاون على تنظيف هذه المرافق العامة وتنظيمها لتبدو جميلة نظيفة سارة
للناظرين
جـ ــ والتناصر بين الناشئين على حماية هذه المرافق العامة من عبث العابثين
۱ القرطبي الجامع لأحكام القرآن ٤٧/٦
سورة العصر كلها
٤٣٦

إن هذه الأنواع من التعاون لو ربي عليها الناشئون مستجيبين في ذلك لما أمرهم الإسلام به لاستطاعوا أن يجنبوا مرافقهم العامة كثيرا من صور الخلل والفساد التي تشاهد كثيرا ولا يكون لها سبب أو أسباب أقوى من السلبية والتواكل وعدم الاهتمام وسوء الفهم وكل ذلك عالجه الإسلام ونهى عنه وأقام في مكانه التعاون على البر والتقوى ومنع التعاون على الإثم والعدوان حماية للمجتمع ولمرافقه العامة واحتراما عميقا لإنسانية الإنسان أن تقع حواسه على ما يؤذيه أو يسيء إلى ذوقه وحسه الجماعي
الوظيفة السادسة التعامل مع الأقارب والأصدقاء والجيران
كل مسلم ناشئا كان أو كبيرا مطالب بأن يحسن معاملة الناس جميعا وبخاصة من كانت تربطهم به علاقة ما وأقوى هذه العلاقات بعد الآباء والأمهات والإخوة والأخوات هم الأقارب أرحاما وأصهارا ثم الأصدقاء ثم الجيران
وقد سبق لنا حديث فيما يجب على الناشئين نحو الآباء والأمهات والإخوة والأخوات وكل من في البيت
ونتحدث الآن عما يجب عليهم نحو الأرحام ثم الأصهار ثم الأصدقاء ثم الجيران
على النحو التالي
- الأقرباء - الأرحام والأصهار
أما الأرحام فهم من يتصلون بالإنسان من جهة أنهم خارجون من رحم واحدة وأما الأصهار أو الأختان فهم أهل بيت المرأة أو الزوجة وفى هؤلاء وأولئك أو جب الإسلام على أبنائه واجبات بـعـينـهـا قـال الله تعالى
واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ۱ قال القرطبي أى اتقوا الله أن تعصوه و واتقوا الأرحام أن تقطعوها الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة وقد صح أن النبي
واتفقت
قال لأسماء وقد سألته أصل أمى قال نعم صلى أمك فأمر بصلتها وهى كافرة فلتأكيدها دخل الفضل فى صلة الكافر حتى انتهى الحال بأبي حنيفة وأصحابه فقالوا بتوارث ذوى الأرحام إن لم يكن عصبة ولا له فرض مسمى ويعتقون على من
۱ سورة النساء ١
٤٣٧

اشتراهم من ذوى رحمهم لحرمة الرحم وعضدوا ذلك بما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ملك ذا رحم محرم فهو حر وهو قول أكثر أهل العلم روى ذلك عن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه و الله بن مسعود رضى الله عنه ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة وهو قول الحسن البصرى وجابر بن زيد وعطاء والشعبي والزهرى وإليه ذهب الثورى وأحمد وإسحق ۱
وروى الإمام مسلم بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذلك لك ثم قال رسول الله اقرءوا إن شئتم فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ه
وفي رواية للبخارى فقال الله تعالى من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته وروى مسلم بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله إن لى قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلى وأحلم عنهم ويجهلون على فقال لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما
دمت على ذلك
وروى البخاري ومسلم بسنديهما عن أبى هريرة رضى الله عنه قال كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء طيب فيها فلما نزلت هذه الآية ولن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ۳ قام أبو طلحة إلى رسول الله الله فقال يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب مالى إلى بيرحاء وإنها صدقة لله تعالى أرجو برها وزخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ ذلك مال رابح وقد وإني أرى أن تجعلها فى الأقربين فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله
سمعت ما قلت
فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه
۱ القرطى الجامع لأحكام القرآن ٥ / ٦ باختصار
سورة محمد - ۳
سورة آل عمران ۹
٤٣٨

وروى الإمام البخاري بسنده عن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أنها أعتقت وليدة - أى أمة - ولم تستأدن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت أشعرت يا رسول الله أنى أعتقت وليدتى قال أو فعلت قالت نعم قال أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك ۱
وروى البخاري بسنده عن أبي أيوب الأنصارى رضى الله عنه أن رجلا قال يارسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدنى من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصل الرحم
وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي ذر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط وفي رواية ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما وفي رواية فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما أو قال ذمة وصهرا
قال العلماء
الرحم التي لهم كون هاجر أم إسماعيل عليه السلام منهم والصهر كون ماربة أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم منهم
وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه لما نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فَعَم وخص وقال يا بنى مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة - بنت النبي صلى الله عليه وسلم - أنقذى نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها بيلالها
وروى الإمام مسلم عن أبي نجيح عمرو بن عبسة السلمى رضى الله عنه قال كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله مستخفيا جرءاء عليه قومه فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له ما أنت قال أنا نبى قلت وما نبى قال أرسلنى الله قلت بأي شيء أرسلك قال
۱ ورواه مسلم أيضا في باب الزكاة
سورة الشعراء ٢١٤
٤٣٩

أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله ولا يشرك به شيء قلت فمن معك على هذا قال حُرِّر وعبد - ومعه يومئذ أبو بكر وبلال رضى الله عنهما ـ فقلت إنى متبعك قال إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا ألا ترى حالى وحال الناس ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني قال فذهبت إلى أهلى فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة حتى قدم نفر من أهلى المدينة فقلت ما فعل هذا الرجل الذى قدم المدينة فقالوا الناس إليه سراع وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك فقدمت المدينة فدخلت عليه فقلت يا رسول الله أتعرفنى قال نعم أنت الذي لقيتنى بمكة قال فقلت يا رسول الله أخبرني مما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة قال وصل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس قيد رمح فإنها تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم اقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلى العصر ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرنی شیطان وحينئذ يسجد لها الكفار قال فقلت يا نبي الله فالوضوء حدثني عنه فقال ه ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته الماء ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء فإن هو قام فصلى فحمد الله تعالى وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبو أمامة يا عمرو بن عبسة انظر ما تقول في مقام واحد يُعطى هذا الرجلُ فقال عمرو يا أبا أمامة لقد كبرت سنى ورق عظمى واقترب أجلى وما بي حاجة أن أكذب على الله ولا على رسوله لو لم أسمعه من رسول الله الله إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا - عد سبع مرات ـ ما حدثت أبدا به ولكني سمعته أكثر من ذلك حتى
مع
وبعد فهذه هى النصوص الإسلامية من الكتاب والسنة التي تؤصل وجوب صلة الأرحام والأصهار وتقدم دليلا قاطعا على حرص الإسلام على أن تسود الناس علاقات
٤٤٠

إنسانية كريمة
والبر
إن الناشئ المسلم يجب أن يربى على ذلك وأن توظف طاقاته ليمارس هذا الخير
- الأصدقاء والجيران
الصديق هو من يصدقك فى مودته وتصدقه فى مودتك ولمكانة الصداقة في الإسلام قرنه القرآن الكريم بالقرابة الوكيدة لأن قرب المودة لصيق قال ابن عباس الصديق أوكد من القرابة ألا ترى استغاثة الجهنميين فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ۱ وقد كان هذا القرآن في آية سورة النور التي رفعت الحرج عن الأكل في بيوت الأقارب والأصدقاء وهى قوله تعالى ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم
والجار من يقرب مسكنه منك والجار من الأسماء المتضايفة فإن الجار لا يكون
جارا لغيره إلا وذلك الغير جار له وكذلك كلمتا الأخ والصديق
وللجار في الإسلام حق عظيم ولَما استعظم في الإسلام حق الجار عقلا وشرعا غير عن كل من يعظم حقه أو يستعظم حق غيره بالجار قال الله تعالى ﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل و ما ملكت أيمانكم ۳
والجار ذو القربى هو الذي قرب جواره
والجار الجنب هو الذي بعد جواره
والصاحب بالجنب هو الرفيق في نحو تعلّم وصناعة وسفر وغيرها
و ما ملكت أيمانكم من العبيد والإماء
وهؤلاء الأربعة يطالب الإسلام بالإحسان إليهم كالإحسان إلى الوالدين وذوى
۱ سورة الشعراء ۱۰۰ - ۱۰۱ سورة النور ٦١
۳ سورة النساء ٣٦
٤٤١

القربى واليتامى والمساكين
وقد ألزم الإسلام الناس بالإحسان إلى الصديق والجار فى كثير من النصوص القرآنية ومن الأحاديث النبوية الشريفة ومنها الآية الكريمة التي ذكرناها آنفا من سورة النور ولا على أنفسكم أو صديقكم
قال القرطبي ذكر محمد بن ثور عن معمر قال دخلت بيت قتادة فأبصرت فيه رطبا فجعلت آكله فقال ما هذا فقلت أبصرت رطبا في بيتك فأكلت قال أحسنت قال الله تعالى أو صديقكم ۱
وكان على رضى الله عنه يقول عليكم بالإخوان فإنهم عدة الدنيا وعدة
الآخرة وجاء في السنة النبوية ما رواه مسلم فى باب صلة أصدقاء الأب والأم ونحوهما عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبد الله وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه فقال ابن دينار فقلنا له أصلحك الله إنهم الأعراب وإنهم يرضون باليسير فقال عبد الله إن أبا هذا كان ودا ـ أى صديقا ـ لعمر بن الخطاب وإني سمعت رسول الله الله يقول إن من أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه
وروى الإمام مسلم بسنده عن عائشة رضى الله عنها قالت وكان رسول الله إذا ذبح الشاة فيقول أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة
وروى الترمذى بسنده عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره ه
وروى الإمام مسلم بسنده عن عائشة رضى الله قالت سمعت رسول الله الله يقول ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه ليورثنه وفي رواية ابن عمر رضى الله عنهما حتى ظننت أنه سيورثه
وروى البخاري بسنده عن عائشة رضى الله عنها قالت قلت يا رسول الله إن لى جارين فإلى أيهما أهدى قال إلى أقربهما منك بابا
1 القرطبي الجامع لأحكام القرآن تفسير الآية ٦١ سورة النور
٤٤٢

وروى مسلم بسنده عن أبي ذر رضى الله عنه قال إن خليلي أوصاني إذا
طبخت مرقا فأكتر ماءه ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف وروى مسلم بسنده عن أبي شريح الخزاعى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت وروى البخاري بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يانساء المسلمات لا تحقرن جارة الجارتها ولو فرسن شاة
وروى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله قال و الذى لا يأمن
جاره بوائقه والبوائق الغوائل والشرور
هكذا يربي الإسلام الناشئين والكبار على احترام الأرحام والأصهار والأصدقاء والجيران حرصا منه على توظيف طاقات الناشئين فيما ينفع المجتمع
الوظيفة السابعة التعامل مع الزملاء في العمل
وهؤلاء هم الزملاء في الدراسة أو في العمل أو في السفر وهم درجة أقل من الأصدقاء والجيران وهم أصحاب حق فى المعاملة الحسنة كذلك لأن الإسلام جعل المعاملة الحسنة على المسلم الجميع الناس
والزميل هو المقصود في القرآن الكريم يقول الله تعالى والصاحب بالجنب له في الآية الكريمة التي ذكرناها آنفا وهي آية واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا قال العلماء الصاحب بالجنب هو الرفيق فى السفر أو المنقطع إليك يرجو نفعك ورفدك وكلا القولين عن ابن عباس رضى الله عنهما
وقيل هو الرفيق في أمر حسن كالتعلم والتصرف والصناعة والسفر وعَدُّوا مِنْ ذلك من قعد بجنبك في مجلس أو مسجد وغير ذلك من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه واستحسن جماعة هذا القيل لما فيه من العموم ۱
1 الألوسي روح المعاني ٥ / ٢٩
٤٤٣

قال القرطبي سند الطبرى أن رسول الله كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين فدخل رسول الله الله غيضة - أجمة أو مجتمع الشجر في مغيض ماء ــ فقطع قضيبين أحدهما معوج فخرج وأعطى لصاحبه القويم فقال كنت يا رسول الله أحق بهذا ! ! فقال كلاً يا فلان إن كل صاحب يصحب آخر فإنه مسئول عن
صحابته ولو ساعة من نهار وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن للسفر مروءة وللحضر مروءة فأما المروءة في السفر فبذل الزاد وقلة الخلاف على الأصحاب وكثرة المزاح في غير مساخط الله وأما المروءة فى الحضر فالإدمان إلى المساجد وتلاوة القرآن وكثرة الإخوان في الله عز وجل ۱
وأدب التعامل مع الزملاء ذو شقين شق يخص العمل الذي تكون فيه الزمالة وشق يخص الزميل نفسه وكلاهما يلزم الإسلام فيه بأخلاق معينة تقوم على الإحسان
والبر
أما العمل نفسه الذي تكون فيه الزمالة فالإسلام يوصى فيه وفي كل عمل بالإحسان والتجويد قال الله تعالى إن الله يأمر بالعدل والإحسان
والعدل هو كل مفروض من عقائد وشرائع في أداء الأمانات وترك الظلم والإنصاف وإعطاء الحق والإحسان فعل كل مندوب إليه فمن الأشياء ما هو كله مندوب إليه ومنها ما هو مفروض إلا أن حد الإجزاء منه داخل في العدل والتكميل
الزائد على الإجزاء داخل في الإحسان ۳
والإحسان في هذه الآية الكريمة له معنيان
أحدهما الإجادة والإتقان وأداء العمل على أحسن وجه
والثاني الإحسان إلى الآخرين أى توصيل ما ينفعهم إليهم وكلا المعنيين مطلوب فى تعامل الناس بعضهم مع بعض
۱ القرطبي الجامع لأحكام القرآن ٥ / ٨٩ تفسير هذه الآية
سورة النحل ٩٠ ۳ القرطبي الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٦٦
٤٤٤

ومن إحسان العمل وتجويده وإتقانه إحسان عبادة الله سبحانه ومراعاة آدابها واستحضار عظمة الله تعالى فى حالة الشروع فيها وفى حالة الاستمرار وقد ورد هذا للإحسان لما سأله جبريل عليه السلام عن معنى الإحسان حيث
المعنى في تفسير النبي قال أوانى حمار حمار أضحكك أضحكك اضحكك اضحكك وإحسان العمل وتجويده مطلب شرعى فى كل حين لأنه عمل اجتماعي جليل القدر يسهم تماما في تنمية المجتمع ويثير فى الناس روح التنافس في فعل النافع المفيد وذلك يحقق للمجتمع مزيدا من الإنتاج والاستقرار والأمن
وقد أكد الإسلام مطالبة المسلم بالإحسان في العمل أيا كان هذا العمل حتى لو كان ذبح دجاجة أو قتل عدو أو قتل من وجب قتله من الناس
فقد روى الإمام مسلم بسنده عن شداد بن أوس رضى الله عنه قال ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته

والمعنى الثانى من الإحسان وهو الإحسان إلى الناس بتوصيل النفع لهم هو الذى يحكم أدب التعامل مع الزملاء والأصحاب والإخوة في الله مع ضرورة اهتمام المسلم بأن يختار من يصاحب أو يزامل أو يؤاخى فى الله لأن لذلك أدبا في الإسلام يجب أن
يتبع
0
فقد روى الترمذى بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ه الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل وروى الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه أنه سمع رسول الله الله يقول لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقى وإذا أحسن المسلم اختيار زملائه وأصحابه وإخوانه فإن معاملته لهم تكون محكومة بأدب الإسلام وخلقه كذلك
روى الترمذي بسنده عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم و اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ولو تبادل الناس التعامل بالخلق الحسن فقد أرضوا الله تبارك وتعالى ونفعوا أنفسهم
٤٤٥

وغيرهم فى الدنيا والآخرة وليس الخلق كلمة غامضة أو مبهمة الدلالة وإنما وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعادها عندما سأله أبو هريرة رضى الله عنه عن حسن الخلق
فقد روى البيهقى فى الشعب عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال لى رسول الله يا أبا هريرة عليك بحسن الخلق قال أبو هريرة وما حسن الخلق يا رسول الله قال تصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك وتعطى من حرمك وروى الإمام أحمد بسنده عن سهل بن سعد رضى الله عنه قال قال رسول الله المؤمن مألف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف 1
وروى الحاكم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال رسول الله ما اصطحب اثنان - أو ما تحاب اثنان - قط إلا كان أحبهما إلى الله أرفقهما بصاحبه أو
أشدهما حبا لصاحبه وروى الطبراني بسنده عن أبي عتبة الخولاني رضى الله عنه قال قال رسول الله ألا وإن لله أوانى فى أرضه وهى القلوب فأحب الأوانى إلى الله أصفاها وأصلبها وأرقها أى أصفاها من الذنوب وأصلبها في الدين وأرقها للأصحاب
والإخوان
وروى مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله لا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحرمه ولا يخذله بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه
المسلم
وروى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس بسنده عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله له مثل الأخوين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى وما التقى مؤمنان قط إلا أفاد الله أحدهما من صاحبه خيراً
وروى الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة رضى الله عنه في حقوق المسلم على أخيه
المسلم فذكر منها عشر خصال هي
۱ ـ أن يسلم عليه إذا لقيه
۱ ورواه الحاكم بسنده عن أبي هريرة
٤٤٦

- ويجيبه إذا دعاه
- ويشمته إذا عطس
- ويعوده إذا مرض
ه - ويشهد جنازته إذا مات
٦ ـ ويبر قسمه إذا أقسم وينصح له إذا استنصحه
- ويحفظه بظهر الغيب إذا غاب عنه
٩ - ويحب له ما يحب لنفسه
١٠ - ويكره له ما يكره لنفسه
وكل هذه العشرة الحقوق وردت فيها أحاديث نبوية شريفة رواها أئمة الحديث البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد رحمهم الله كل واحد منهم يذكر بعض هذه الحقوق غير أن مجموعها لم يزد عن العشرة التي ذكرنا
و من الإحسان إلى الناس ألا يؤذى المسلم أحدا بقول أو فعل
روى البخاري بسنده عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده
ه و من الإحسان إلى الناس التواضع لهم وترك التكبر عليهم
روی ابن ماجة بسنده عن عياض بن حمار رضى الله عنه قال قال رسول الله إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد
وروى الطبراني في الأوسط بسنده عن على بن الحسين عن أبيه عن جده رضى الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 1 رأس العقل بعد الدين التودد إلى الناس واصطناع
المعروف إلى كل بر وفاجر
ومن الإحسان إلى الناس ألا يدخل المسلم على أحد إلا بإذنه
روى الإمام مسلم بسنده عن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه قال قال رسول الله
٤٤٧

الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع
وروى الدارقطني في الأفراد بسنده و الاستئذان ثلاث فالأولى يستنصتون
والثانية يستصلحون والثالثة يأذنون
ومن الإحسان إلى الناس توقير الكبير منهم ورحمة الصغير فيهم
روى البخاري بسنده عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله ليس منا من لم يوقر كبيرنا ولم يرحم صغيرنا
ه ومن الإحسان إلى الناس أن يلقاهم مستبشرا طلق الوجه رقيقاً
0
روى الترمذى بسنده عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله أتدرون على من حرمت النار قالوا الله ورسوله أعلم قال على اللين الهين السهل القريب
وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم و أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث ووفاء العهد وأداء الأمانة وترك الخيانة وحفظ الجار ورحمة اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وخفض الجناح ومن الإحسان إلى الناس ألا يعد المسلم أحدا بشيء ثم لا يفي
روى البخاري بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث في المنافق إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان
وروى مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم وتلك الصفات هي التي وردت في الحديث السابق
ومن الإحسان إلى الناس إصلاح ما بينهم من نزاع وخلاف
روى أبو داود بسنده عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام قالوا بلى قال إصلاح ذات البين وفساد ذات البين هي الحالقة
وروى البخاري بسنده عن أم كلثوم بنت عقبة بن معيط رضي الله عنه قالت قال
٤٤٨

رسول الله ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيراً
وروى الحاكم بسنده عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله بأبي أنت وأمى ما الذي أضحكك قال رجلان من أمتى جثيا بين يدى رب العزة فقال أحدهما يا رب خذ مظلمتى من هذا فقال الله تعالى رد على أخيك مظلمته فقال يا رب لم يبق لي من حسناتى شيء فقال الله تعالى للطالب فكيف تصنع بأخيك ولم يبق له من حسناته شيء فقال يا رب فليحمل عنى من أوزارى ثم فاضت عينا رسول الله له بالبكاء فقال إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس فيه إلى أن يحمل عنهم من أوزارهم قال فيقول الله تعالى - أى للمتظلم ـ ارفع بصرك فانظر في الجنان فرفع رأسه فقال يارب أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأى نبي هذا أو لأى صديق أو لأى شهيد قال الله تعالى هذا لمن أعطى الثمن قال يارب ومن يملك ذلك قال أنت تملكه قال بماذا يارب قال بعفوك عن أخيك قال يارب قد عفوت عنه فيقول الله تعالى خذ بيد أخيك فأدخله الجنة ثم قال و اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة
و من الإحسان إلى الناس ستر عوراتهم
روى الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة وروى أبو داود بسنده عن نعيم بن هزال رضي الله عنه ـ وهو مختلف في صحبته ـ قال قال رسول الله له الماعز لما أخبره لو سترته بثوبك لكان خيرا لك وروى أبو داود بسنده عن معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنهما قال قال لى رسول
الله يا معاوية إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم وروى أبو داود بسنده عن أبي برزة رضي الله عنه قال قال رسول الله يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته ومن يتتبع الله عورته يفضحه ولو كان في جوف بيته وروى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله
٤٤٩

ه كل أمتي معافي إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل السوء سـراً ثم يخبر
به
ه ومن الإحسان إلى الناس أن يشفع لكل من له حاجة إلى من له عنده منزلة
ويسعى في قضاء حاجته بما يقدر عليه
روى البخاري بسنده عن أبى دوس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أوتى وأسأل وتطلب إلى الحاجة وأنتم عندى فاشفعوا لتؤجروا ويقضى الله على يدي نبيه ما أحب
السلام
ومن الإحسان إلى الناس أن يبدأهم بالسلام قبل الكلام وأن يصافحهم عند
روى الترمذي بسنده عن كلدة بن الحنبل رضى الله عنه قال دخلت على رسول
الله له ولم أستأذن فقال الله ارجع فقل السلام عليكم أدخل آ وروى الإمام مسلم بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على
شيء إذا عملتموه تحاببتم قالوا بلى يا رسول الله قال أفشوا السلام بينكم وروى البخاى بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الراكب على الماشى والماشي على القاعد والقليل على الكثير والكبير على
الصغير
ومن الإحسان إلى الناس صيانة أعراضهم وأنفسهم وأموالهم عن ظلم وغيره كلما قدر على ذلك ويرد عنهم ويناضل لنصرهم
روى الترمذى بسنده عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال إن رجلا نال من رجل عند رسول الله الله فرد عنه رجل فقال النبى له من ردّ عن عرض أخيه كان له حجابا من النار
وروى الإمام أحمد بسنده عن أسماء بنت يزيد رضى الله عنها قالت قال رسول الله له ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه المسلم إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة
٤٥٠

وبعد فلو ذهبنا نستقصى أصناف الإحسان إلى الناس ما وسعتنا هذه الصفحات وكلها أنواع من الإحسان وردت فيها آيات قرآنية أو أحاديث نبوية شريفة ولكن حسبنا ما ذكرنا ففيه الدلالة بإذن الله تعالى
وهكذا يطالب الإسلام الناس عموما والناشئين خصوصا بأن يحسنوا العمل وأن يحسنوا إلى الأصحاب والناس عموما لما في ذلك من دعم للأخوة بين المسلمين وتقوية لروابط المحبة والتعاون والاستقرار فى حياة اجتماعية إسلامية راشدة تنعم بها البشرية كلها
الوظيفة الثامنة الدعوة إلى الله تعالى
الدعوة إلى الله تعالى واجب كل مسلم ومسلمة من أهل القدرة عليها وليست - واجب العلماء من المسلمين وحدهم لأن الآية الكريمة التى أوجبت الدعوة لم تخص بها العلماء ولا الرجال وإنما أطلقت هذا الوجوب على كل من اتبع محمدا قال الله تعالى على لسان نبيه محمد قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ۱

والبصيرة هنا هي أن يكون الدعاة إلى الله على علم وبصر بما يدعون إليه مهما كان هذا الذى يدعون إليه يسيرا أو بسيطا وعلى سبيل المثال فإن من علم من الإسلام أحكام الطهارة أو الصلاة أو نحوها كان عليه أن يدعو الناس ممن لا يعرفون هذه الأحكام إلى معرفتها والعمل وفق شرع الله فيها ٢
إن الناشئين إذا شبوا ودأبوا على ممارسة الدعوة إلى الله في مجالاتها المتعددة بعد فقههم لأهدافها وأساليبها ووسائلها فإنهم بعون من الله سوف يجنون نتائجها من معرفة كل منهم بواجبه في الدعوة إلى الله ومن تأهل للقيام بأعباء الدعوة ومن معرفة جيدة بطبائع المدعوين وتعرف على أدواء الأمة الإسلامية وعلى التيارات المعادية للإسلام ومعرفة بأن الدعوة إلى الله ليست مجرد كلمات تقال وإنما هي إلى جوار ذلك عمل وتنظيم ومؤسسات تبدأ صغيرة ثم تنمو حتى تغطى احتياجات العالم الإسلامي كله وأنها علم على أعلى مستويات العلم فى كل فرع من فروع المعرفة التي تمكن الأمة
1 سورة يوسف ۰۱۸
لنا في فقه الدعوة إلى الله كتاب موسع من جزءين عالجنا فيه كل ما يتصل بالدعوة إلى الله نشر دار الوفاء
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠م
٤٥١

الإسلامية من إعمار الأرض والاستفادة منها بما يحقق مصالح الدنيا والآخرة
إن معظم مشكلات العالم الإسلامي تأخذ طريقها إلى الحل لو أن المسلمين فقهوا الدعوة إلى الله ومارسوها ممارسة صحيحة وذلك أن بداية التراجع الحضاري الذي يعيشه المسلمون اليوم كانت هى ترك الدعوة إلى الله والتخلى عن واجباتها كما أن الإمساك بزمام التقدم والرقى الحضارى هو فقه الدعوة إلى الله و ممارستها على كل مستوى من مستوياتها وفي كل مرحلة من مراحلها مع التأسى بما كان عليه الدعاة الأصلاء وهم الأنبياء عليهم السلام وعلى رأسهم خاتمهم محمد
إن التربية الإسلامية توظف طاقات الناس عموما والناشئين خصوصا لكي يمارسوا الدعوة إلى الله وفق منهجها وأساليبها وكل وسائلها بحيث لا يقعد أحد من ممارسة الدعوة إلى الله ما دام قادرا على ذلك
وإن هذا التوظيف لتلك الطاقات من أقوى الأدلة على إيجابية الدين الإسلامي وفاعليته وقدرته على تنظيم حياة الناس وفق منهج الدين ونظامه
إن توظيف هذه الطاقات للدعوة إلى الله يعنى فى إيجاز شديد أن يكون الأمر كله لله وإنما يتحقق ذلك بأن يُمكن الدعاة إلى الله للقرآن الكريم أن يأخذ مكانه من حياة المسلمين ومكانته في قلوبهم وفاعليته في نظمهم وسيادته على كل دين أو منهج أو نظام تطبيقا لما جاء في القرآن الكريم فى قوله تعالى وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنونه ۱
إن هذه الآيات الثلاثة الكريمة تؤكد للدعاة المخلصين من المسلمين أن تطبيق منهج الله على عباده تتطلب كما دلّت هذه الآيات الكريمة اعتقادا وعملا
۱ سورة المائدة ٤٨ - ٥٠
٤٥٢

أما الاعتقاد فيتمثل فيما يلى
أحكامه
۱ - الإيمان الراسخ واليقين الجازم بأن دستور الإسلام الكامل التام الذي رضيه الله للبشرية كلها دينا هو القرآن الكريم لما جعله الله عليه من ملازمة دائمة للحق في وأخباره وتتسريعه لكل ما يجلب للناس المصالح ويدفع عنهم المضار في الدنيا
والآخرة - واليقين بأن هذا القرآن الكريم جاء بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتب التي أنزلها الله قبل أن ينزله مثل التوراة والإنجيل - قبل أن يدخلهما التحريف ـ بل شاهد على هذه الكتب بالصحة ورقيب عليها بما فيها من الحق وأن هذا القرآن قد تكفل الله بحفظه في حين استحفظ الناس على الكتب الأخرى وشتان بين ما يحفظه الله وما
حفظه الناس
٣ - والاعتقاد الراسخ بأن هذا القرآن الكريم يجب أن يحكم به المسلمون فيما بينهم وأن يحكموا به بين أهل الكتب السابقة لأنه المنهج الذي لا يظلم ولا يحابي وإنما يعطى لكل ذي حق حقه بغض النظر عن عرقه أو لونه أو جنسه أو مكانه الجغرافي من الأرض وأنه لا يجوز للمسلمين أن يتحاكموا إلى غيره من المناهج تحت ظل
أي ظرف
٤ - والاعتقاد الجازم بأن الله جعل لكل أمة شرعة ومنهاجا تختلف عن غيرها في التفاصيل والمفردات وأن هذا الاختلاف في حقيقته نوع من الاختبار والابتلاء ليعرف الطائع للمنهج من العاصى له ولكى يتسابق أصحاب هذه الشرائع في فعل الخير الذي جاءت به شريعتهم ليكون حسابهم أمام الله سبحانه
ه - والإيمان اليقيني بأن أى منهج غير منهج الله لا يمكن أن يحقق للناس مصالحهم في الدنيا والآخرة لما يتضمنه ذلك المنهج من قصور بشرى يؤدى إلى الظلم والتعادي والعجز عن حسم الشر أى أن أى منهج آخر لو قورن بمنهج الله فإنما يعد ذلك من الجاهلية وما تدل عليه الجاهلية من تخلف وضياع
وأما العمل الذي تتطلبه هذه الآيات حتى تقيم المجتمع المهدى إلى الحق الراشد القادر على ممارسة حياة إنسانية لائقة بتكريم الله للإنسان فيتمثل فيما يلي ۱ - العمل على تطبيق منهج الله تطبيقا عمليا بين الناس في كل شئون حياتهم الاجتماعية
٤٥٣

والسياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية وكل ما يحيط بحياتهم جميعا مع رفض كل محاولة من المتحاكمين لاتباع الهوى والخروج عما أنزل الله
٢ - ولابد أن يكون هذا التطبيق للقرآن منهج الله سبحانه تطبيقا كاملا غير منقوص أى رفض هجر بعض ما جاء به القرآن الكريم وقبول بعضه لأن ذلك تعطيل للحكم بما
أنزل الله ـ والتعامل مع الرافضين لمنهج الله إن كانوا مسلمين بإلزامهم باتباع المنهج ولو عن طريق القهر إذا كان للمسلمين دولة وقوة تستطيع أن تفرض حكم الله على عباد الله فإن كان الرافضون من غير المسلمين أو من المسلمين الذين لا يقدر عليهم فإنهم ينذرون بأن الله سبحانه سوف يجازيهم على هذا الرفض بعذاب الدنيا بالقتل في الحرب - كما حدث لليهود فى حياة الرسول الله الله من جلاء وقتل ـ فضلا عن مجازاتهم على ذلك في الآخرة
ــ والتعامل مع المعرضين عن منهج الله دون خوف منهم أو يأس من استجابتهم للحق وإنما يستمر الدعاة في دعوتهم إلى الحق وإلى منهج الله لأن من طبائع بعض الناس أن يخرجوا عن الحق ويفسقوا عن أمر ربهم قال تعالى وإن كثيرا من الناس لفاسقون 1 أى متمردون على أحكام شريعة الله تعالى وعلى المسلمين أن
يعاملوهم بما يستحقون على النحو المفصل فى كتب الفقه الإسلامي هكذا يجب أن توظف الطاقات لتطبيق منهج ا الله وهكذا يجب أن يكون الدعاة إلى الله على مستوى العمل في كل مجال من مجالاته إن الناشئين يستطيعون أن يمارسوا الدعوة إلى الله مع أقرانهم وزملائهم ومع إخوانهم وأخواتهم فى منازلهم ومع أصحابهم وإخوانهم من رواد المساجد
وإذا شب الناشئون على ذلك دخلوا طور الرجولة وهم أكثر نضجا وأوعى بظروف العالم الإسلامى وأكثر قدرة على ممارسة الدعوة إلى الله فزال بهم عن الأمة الإسلامية قعودها بل نكوصها عن مكانها الحضاري ومكانتها الإصلاحية بين أمم الأرض
وإن كثرة الدعاة وانتشار عملهم فى مجال الدعوة يتطلب من المهتمين بالعمل الإسلامي أن يعملوا على تكوين جماعات من القادرين على التربية الإسلامية
۱ سورة المائدة ٤٩
٤٥٤

نظريا بطرح أسسها وأهدافها ووسائلها وميادينها ومصادرها ومراجعها
وعمليا بالتعامل مع هؤلاء الذين استجابوا للدعاة وفق منهج التربية الإسلامية الذي يستهدف التعامل مع الطبيعة البشرية تعاملا إسلاميا يمكنها من التعبير عن طاقاتها الروحية والعقلية والبدنية في حدود ما شرع الله لتحدث فيها تغييرا نحو الأوفق والأرضى لله سبحانه من خلال وسائل هذه التربية
إن التربية الإسلامية عمل أخص من الدعوة الإسلامية وإن المربين أكثر خبرة
بالتربية من الدعاة لأن الدعاة ربما يقف عملهم عند حدود نقل الناس من الضلال إلى الهدى أما المربون فعملهم مستمر لا يتوقف حتى يصلوا بالناس إلى أن يكونوا دعاة إلى
الله
وإن العمل الإسلامى فى كل مكان يعيش فيه مسلمون بحاجة مستمرة إلى الدعاة وإلى المربين بل في حاجة إلى أن يستمر كل منهم فى عمله وإلى التنسيق بينهم فيما
يعملون
إننا ما لم نرب الناشئين والشباب بل الرجال والنساء على المفاهيم الصحيحة للدعوة إلى الله والممارسة الجادة لها وما لم ندرب المربين على التربية الإسلامية الشاملة التي تستهدف تكوين الشخصية الإسلامية المتكاملة ما لم نفعل هذا وذلك فإن المسلمين سوف يظلون يعيشون مرحلة التبعية للثقافة الغربية والقيم الغربية بل التبعية للغرب في السياسة والاقتصاد والتسلح ونظم الحياة كلها
وإن معنى استمرار هذه التبعية للغرب أن تظل الأمة الإسلامية ضعيفة ذليلة مقهورة تابعة لا تملك من أمر نفسها شيئا وكم عانت الأمة الإسلامية من الغرب ولا تزال
تعانی
إن للغرب معنا قصة ذات أغوار بعيدة في تاريخ أمتنا كان من أبرزها فترة الحروب الصليبية ٤٩٢ هـ ـ ٩٦١ هـ ثم أعقبها عمل المستشرقين فواكبها عمل المنصرين المبشرين وأنتج ذلك كله فترة استيلاء الغرب على معظم بلدان العالم الإسلامي بعد تضافر جهود الغرب على إسقاط دولة الخلافة العثمانية ثم استمرارهم في السيطرة على معظم بلدان العالم الإسلامي سيطرة منظورة أو غير منظورة يغلفها الفكر الوافد والثقافة والتعليم وكلها تتحدى قيم الإسلام وأخلاقه

ثم تلا زرع إسرائيل بين أضلع العالم العربي وتفتيت كل وحدة في العالم الإسلامي وتحويل معظم بلدانه إلى دول تمارس حياة دول العالم الثالث أو النامي أو الجنوبي وإغراق جميع هذه البلدان بالديون واصطناع الحروب فيما بينها ليروج سلاح الغرب وتتفاقم ديونه على بلدان العالم الإسلامي ومن وراء ذلك كله ما يدعم هذه السيطرة ويعطيها شرعية دولية من عصبة الأمم إلى هيئة الأمم وكلاهما في الحقيقة كانت وما تزال لصالح السادة الخمسة الكبار أصحاب حق النقض والاعتراض وليس في هؤلاء الخمسة الكبار دولة من دول العالم العربي أو الإسلامي
إنها قصة ذات أبعاد وأهداف وأحداث طالما عانينا منها ولا نزال نعاني ولن ينسدل الستار على الحدث الأخير طالما يعيش المسلمون في غفلة عن القيام بواجب الدعوة إلى الله وواجب التربية الإسلامية وفق منهج الإسلام وأهدافه ووسائله
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
إننا لن نستطيع أن نواجه الغرب القوى المتكتل الممسك بزمام الاقتصاد على مستوى العالم الموجه لأجهزة الإعلام على مستوى العالم كذلك المحرك لكل الفتن والقلاقل والانقلابات والحروب على مستوى العالم المؤيد بمنظمات دولية عديدة تساند بالقرارات وممارسة الضغوط والجيوش في الأحيان ضد بلدان العالم الإسلامي كله من منتجي القمح والقطن وقصب السكر والبترول بحيث تصبح كل هذه المنتجات في أيديهم ويصبح منتجوها لا يملكون حق التصرف فيها إلا في ظل التوجيهات ورسم السياسات والتعليمات التي تصدر منهم وهي واجبة النفاذ
وإن نظرة سريعة إلى الواقع الذى يعيشه العالم الإسلامى اليوم لتؤكد ما نقول
وتقيم عليه من الشواهد والبراهين ما لا يرفضه إلا مكابر أو معاند أو تابع خائف إن الغرب هو الذى أرث ولا يزال يؤرث العداوات والخلافات بين بلدان العالمين العربي والإسلامي وهو الذى أدخل كثيرا من هذه البلدان في دائرة الأحلاف والتكتلات التي تكرس انفصال العالم الإسلامى بعضه عن بعض إنه الغرب الذي شق باكستان إلى شرقية وغربية وهو الذى أسال بحرا من الدماء في أفغانستان وهو الذي أغرى قصار النظر الغافلين بحرب دامية بين العراق وإيران وأضرم العداوة في لبنان وأثار مشكلة الصحراء المغربية وأغرى ليبيا بتشاد والمغرب بالجزائر وأخيرا العراق
بالكويت
٤٥٦

إنه الغرب الذى تحدى المسلمين في الفليبين وفى أندونسيا وفي ماليزيا وساق كثيرا من المسلمين في إفريقيا معظمها - كما شاهدت ذلك بنفسي - إلى الكنيسة سوقا وهو الذي يشيع الفسق والعبث والانحلال في المجتمعات الإسلامية وهو الذى يورد لنا وفي قعر بيوتنا من وسائل اللهو والفساد ما يقضى على كيان شبابنا
إنه الغرب الذي مهد لاختلاط النساء بالرجال في مراحل التعليم ثم في المجتمعات الإسلامية كلها وهو الذى عطل قوانين الشريعة الإسلامية وأحل محلها القوانين الوضعية وهو الذى تحدى كل حركة إسلامية إصلاحية منذ حركة محمد بن عبد الوهاب إلى يومنا هذا
وهو الذي يغرى كثيرا من حكومات العالم الإسلامي بقمع كل عمل إسلامي وإبادة العاملين فيه وهو وهـو مما لا أستطيع أن أستوعب الحديث فيه في هذا المجال ۱ إن الخلاص من ذلك يحتاج إلى أناة وصبر وهدوء وعمل متواصل وفقه للدعوة الإسلامية وفقه للتربية الإسلامية وفقه للحركة الإسلامية وإصرار على الوصول إلى تحقيق كل هذه الأهداف
وما كتابنا هذا وغيره مما كتبنا إلا خطوة على الطريق والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل
الوظيفة التاسعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركن عظيم من أركان الدين الإسلامي بحيث لا تقوم لهذا الدين قائمة إلا بممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ولقد عبر الإمام الغزالي أبو حامد في كتابه إحياء علوم الدين عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله هو القطب الأعظم في الدين وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين ولو طوى بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفترة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة واستشرى الفساد واتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد
1 لما في ذلك كتاب بعده نسأل الله العون على إكماله سميناه * التحدى الموجه للعالم الإسلامي الإمام الغزالي إحياء علوم الدين ٢٦٩/٢
٤٥٧

ولقد نقلنا هذه الكلمة الواعية مرة من قبل ذلك ولا نحب أن يفوتنا التذكير بها ثانيا لما فيها من خير ونفع واعتبار
وإن تربية الناشئ المسلم على ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء ما قدمنا - في فصل التربية الأخلاقية للناشئين في الباب الثالث من هذا الكتاب ـ من توضيح المفهوم ا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان شروطه و آدابه في الأمرين به والمأمورين ومراتبه وممارساته إن تربية الناشئ المسلم وفق ذلك الذى أوضحنا لواجب شرعى - كما بينا ـ ينبغي أن توظف له وفيه طاقات الشباب
ونود أن نؤكد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان واجبا حتى في الأمم المتقدمة في التاريخ بل هو فائدة الرسالة وهو خلافة النبوة قال الحسن قال النبي عله من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه وعن درة بنت أبى لهب رضي الله عنها قالت جاء رجل إلى النبي الله وهو على المنبر فقال من خير الناس يا رسول الله قال آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله وأوصلهم لرحمه
وفي التنزيل الكريم المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ك ثم قال والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فجعل تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقاً بين المؤمنين والمنافقين فدل على أن أخص أوصاف المؤمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورأسها الدعاء إلى الإسلام والقتال عليه ۱
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يترك أبدا ما دام المسلم يعيش على هذه الحياة فهو واجب مستمر أبدا
روى أنس بن مالك رضى الله عنه قال قيل يارسول الله متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم قلنا يا رسول الله وما ظهر في الأمم قبلنا قال الملك فى صغاركم والفاحشة في كباركم والعلم في رذالتكم قال زيد تفسير معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم العلم في رذالتكم إذا كان العلم فى الفساق
۱ انظر القرطبي الجامع لأحكام القرآن ٤٧/٤ ٢ السابق ٤٩/٤
٤٥٨

إن الناشئين إذا شبوا وكبروا على هذا الفقه أسهموا إسهاما حقيقيا في بناء مجتمع
مسلم سليم خال من الفساق والمرتكبين وفى هذا أمان واستقرار للناس جميعا إن الناشئين يستطيعون بممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود طاقاتهم وذلك منهم مقبول لكنهم لا يستطيعون أبدا أن يتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا إذا قام مانع شرعى من ممارسته - وقد بينا ذلك بتوسع فى كتابنا فقه الدعوة إلى الله في الفصل الرابع من الباب الأول - وإن مجمل ما نقوله هنا إن ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أقرب القربات إلى الله سبحانه وتعالى
الوظيفة العاشرة الجهاد في سبيل الله
الجهاد في سبيل الله - كما هو معروف - قد يكون فرض عين تخرج فيه الزوجة بغير إذن زوجها والابن بغير إذن والديه والعبد بغير إذن سيده وذلك إذا اعتدى عدو على أرض المسلمين أو إذا دعا الحاكم إلى نفير عام وقد يكون فرض كفاية يحمل عبئه
من المسلمين من تحقق بهم ! الكفاية وقد تحدثنا عن ذلك فيما مضى من هذا الكتاب ۱

ونود أن نوضح هنا أن تربية الناشئ المسلم على معانى الجهاد والاستعداد له وتوظيف ما لديه من جهد وطاقة في هذا المجال هو إكمال لتربيته حتى تتكامل شخصيته الإسلامية وهذه التربية المتكاملة صفة بارزة في منهج الإسلام ونظامه
إن تربية الناشئين على الجهاد تتطلب أمرين هامين هما
الأول تعريف الناشئين بفقه الجهاد
الثاني إعداد هؤلاء الناشئين روحيا وبدنيا للقيام بأعباء الجهاد ولكل أمر من هذين الأمرين حديث وجيز نذكره على النحو التالي
أولا تعريف الناشئين بفقه الجهاد في سبيل الله
وذلك يستدعى أن نزيل ما علق في أذهان الناس من غبار حول هذا الموضوع نثره أولئك الذين كتبوا عن الجهاد في الإسلام بانفعال حال بينهم وبين الدقة والموضوعية أولئك الذين كتبوا عن الجهاد باستخذاء واستحياء باعدا بينهم وبين الحق والموضوعية
كذلك
۱ الفصل الثاني من الباب الثالث من هذا الكتاب
٤٥٩

ولسنا هنا بصدد تفصيل هذ القضية ولكننا نشير ونلفت الانتباه ونوضح نقاط الضعف في أولئك وهؤلاء أما التفصيل فيلتمس فى مظانه من الدراسات الموسعة في كتب الحديث النبوى والفقه الإسلامي فنقول
الذين
أما أولئك الذين كتبوا عن الجهاد فغلبهم لانفعال فحال بينهم وبين الدقة فهم الـ صوروا الجهاد في سبيل الله على أنه سيف ممتسوق في وجه البشرية كلها تدخل في الإسلام أو يعمل فيها السيف !!! ولست بحاجة إلى أن أسمى هؤلاء أفرادا أو جماعات لأن ذلك لا يتعلق به الغرض الآن وإنما يتعلق الغرض ببيان وجه الحق والصواب
ولا بد لي ـ في مجال الرد على هؤلاء من أن أسوق بعض النصوص الإسلامية من الكتاب والسنة التي غفلوا عنها أو أساءوا فهمها عسى الله أن يهدينا ويهديهم جميعا إلى سواء السبيل
قال الله تعالى إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ۱
وهذه أول آية كريمة نزلت تشرع للمسلمين القتال واستعمال السلاح ردا على أى عدوان يقع عليهم حتى يتمكنوا من الأرض فيقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر
قال القرطبي قال ابن العربي قال علماؤنا كان رسول الله له قبل بيعة العقبة لم يؤذن له فى الحرب ولم تحل له الدماء إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل مدة عشرة أعوام لإقامة حجة الله عليهم ووفاء بوعده الذي امتن به بفضله في قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا فاستمر الناس في الطغيان وما استدلوا بواضح البرهان وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من قومه من
۱ سورة الحج ٣٨ - ٤١
سورة الإسراء ١٥
٤٦٠

المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم وتفوهم عن بلادهم فمنهم من فر إلى أرض الحبشة ومنهم من خرج إلى المدينة ومنهم من صبر على الأذى فلما عتت قريش على الله تعالى وردوا أمره وكذبوا نبيه عليه السلام وعذبوا من آمن به ووحده وعبده وصدق نبيه عليه السلام واعتصم بدينه أذن الله لرسوله في القتال والامتناع والانتصار ممن ظلمهم وأنزل أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا إلى قوله عاقبة الأمور 1
وقال الله تعالى كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أ أن تكرهوا شيئا
وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ٢ فهذه الآية هي التي فرضت الجهاد على المسلمين قال القرطبي قال سعيد بن المسيب إن الجهاد فرض على كل مسلم في عينه أبدا - حكاه الماوردى قال ابن عطية والذى استمر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد الله فرض كفاية فإذا قام به من قام من المسلمين يسقط عن الباقين إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذ فرض عين ۳
وقال الله تعالى فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما ﴾ ٤ إلى آخر الآية الكريمة التي تقول فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا
وسورة الأنفال كلها تقريبا في الجهاد
وسورة التوبة كلها كذلك
وسورة محمد و القتال كلها كذلك
وآيات عديدة متفرقة
والأحاديث النبوية الشريفة يزيد عددها على الثلاثين حديثا رويت كلها في الكتب
الصحاح
وعند أدنى تأمل في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية يمكن الرد على من ادعوا أن
1 القرطبي الجامع لأحكام القرآن ٦٩/١٢ ۳ القرطبي الجامع لأحكام القرآن / ۳۸
سورة البقرة ٢١٦
4 سورة النساء ٧٤
٤٦١

الجهاد في الإسلام سيف مصلت على غير المسلمين كما يمكن من خلال هذه النصوص التعرف على الوضع الصحيح للجهاد في الإسلام وهو في مجمله لا يخرج عن حكمين أساسيين هما ١ - فرض عين عند رد أي عدوان على المسلمين أو عند النفير العام
٢ - وفرض كفاية عند نشر الدعوة إلى الله فى ربوع العالم وليس فيه على أي حال إكراه أحد على الدخول في الإسلام وإنما هو دعوة وإقناع وإزالة للشبهات أولا ثم تعامل مع الناس بمقتضى الشريعة بعد ذلك حسب أنواعهم دون غدر أو عدوان أو تشويه أو تعذيب في القتال
فالجهاد في الإسلام عندما يكون قتال لا يبيح للمسلمين أن يعتدوا أو يمثلوا بالقتلى أو يسرقوا أو ينتهكوا حرمات الأعداء أو يقتلوا امرأة أو طفلا أو عابدا في صومعة وليس لهم أن يقطعوا نخلا ولا شجرا ولا يقتلوا حيوانا إلا لمأكلة
وهذه القيود كلها هى آداب الجهاد في الإسلام وأخلاقياته وهي واجبة على المسلمين وردت بوجوبها أحاديث نبوية شريفة
ثم إن مشروعية الجهاد لنشر الدعوة أبلغ رد على أولئك المتخاذلين الذين زعموا أن الجهاد شرع فقط لرد العدوان ولقد عالجنا هذه الموضوعات بتوسع في كتابنا فقه الدعوة إلى الله ۱
إن الناشئ المسلم يجب أن يعرف عن فقه الجهاد ما لا بد منه على نحو ما هو واضح
في كتب السنة والسيرة النبوية وكتب الفقه الإسلامي
ثانيا إعداد الناشئ للجهاد روحيا وعقليا وبدنيا
ونشير إليه في إجمال فيما يلي
۱ - الإعداد الروحى بتوثيق صلة هؤلاء الناشئين بالله عن طريق أداء العبادات والنوافل والأذكار والأوراد وإيقاظ الإيمان باليوم الآخر والجزاء والحساب على ما قدم الإنسان في الدنيا من عمل إن هذه الأرواح عندما تصفو وتتجه إلى الله تستطيع
القيام بأعباء الجهاد في سبيل الله
۱ الجزء الأول من هذا الكتاب
٤٦٢

- والإعداد العقلى بذلك التفقيه الأساسى بالإسلام عموما وبالجهاد خصوصا وإنما يكون بتثقيف الناشئين عن طريق القراءة والدرس والبحث والتعمق في طلب العلم
- والإعداد البدنى للناشئين لكى يقوموا بأعباء الجهاد وهذا الإعداد البدني يجب أن
يعمل في اتجاهين
الأول تجنب كل أسباب الضعف البدني
والثاني الأخذ بكل وسائل القوة البدنية
وقد أشرنا إلى ذلك الإعداد الروحي والعقلى والبدنى في الفصول الثلاثة - الأول والثالث والرابع - من الباب الثالث من هذا الكتاب
٤٦٣

الفصل الثاني
وصل الناشئ المسلم بأمته وبعالمه الإسلامي
۱ ـ مفهوما الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي
أ ـ مفهوم الأمة الإسلامية الأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد سواء أكان ذلك الأمر الجامع تسخيرا أم اختيارا هكذا عرف علماء المسلمين الأمة كما وردت في القرآن الكريم ۱
ولعلماء الاجتماع المحدثين تعريف للأمة حيث يرونها مرادفة للشعب أو للقوم
وبناء على ذلك يعرفونها بقولهم
الأمة مجموعة من الأفراد تجمعهم ثقافة مشتركة تستند إلى وحدة الأصل أو اللغة أو الدين ويربط بينهم تاريخ وتراث اجتماعی و مصالح اقتصادية ويعيشون على أرض واحدة ويعملون على دوام هذه الروابط من الناحية السياسية في إطار الدولة ٢ وسواء لدينا أن نعتمد التعريف الأول أو التعريف الثاني فيما نحن بصدده لأن الخلاف بين التعريفين لا يمثل فى مجالنا هذا ـ شيئا ذا بال
فنقول إن الأمة الإسلامية مجموعة من الناس تجمع بينهم عقيدة التوحيد ـ الدين الإسلامي - وإن تفرقت بهم الأمكنة أو الأزمنة أو الأعراق أو اللغات
وبالنظر إلى تعريف علماء الاجتماع فإن الأم الإسلامية مجموعة من الناس تجمعهم ثقافة مشتركة تستند إلى وحدة الدين وتربط بينهم روابط تاريخية واجتماعية واقتصادية وسياسية عديدة وإن كانوا اليوم يفقدون إطار الدولة الواحدة إذ هم يعيشون أكثر من أربعين دولة بفعل عوامل التفرق والتمزق والشرزمة التي فرضها عليهم عدو استطاع
۱ الراغب الأصفهاني المفردات في عريب القرآن د أحمد زكي معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية

٤٦٥

أن يغلبهم على أمرهم وأن يستولى على بلادهم وأن يتحكم في مصائرهم وأن يحولهم إلى أتباع له في الفكر والسياسة والاقتصاد والاجتماع إلا قليلا ممن عصم الله فمفهوم الأمة عند علماء الاجتماع هذا المفهوم الذى يلح على أن الأمة تعيش على أرض واحدة أو فى إطار دولة واحدة ليس موجودا في واقع الأمة الإسلامية المعاصرة للسبب الذي ذكرته آنفا وهو تحكم العدو وسيطرته
إن الأمة الإسلامية اليوم تربط بينها عقيدة التوحيد وهذا مما لا يشك فيه أحد كما تربط بينها روابط تاريخية مشتركة وروابط اجتماعية نابعة من قيم الإسلام وأخلاقه وما أحل الله وما حرم وبحسبها ذلك لتكون أمة واحدة اليوم وأما غدا فالأمل كبير في أن تجمعها أرض واحدة ودولة واحدة ومصالح اقتصادية وسياسية واحدة
إن الأمل منوط بأبناء الأمة الإسلامية ناشئيها وشبابها ورجالها ونسائها ويقول الحاقدون أو الغافلون متى هو قل عسى أن يكون قريبا
ب ـ مفهوم العالم الإسلامي
وهو مفهوم جغرافی مکانی نعني به في هذا المجال كل أرض من العالم يعيش فيه المسلمون دولا أو جاليات أكثرية أو أقلية ولا نعنى هنا المفهوم الفلسفي للعالم وهو الوجود كله أهلا بالناس أو خاليا منهم
إن العالم الإسلامي الذي نعنيه هو كل بلاد المسلمين في شرقي الأرض وغربيها شماليها وجنوبيها سواء أكانت هذه البلاد مستقلة ذات سيادة أم كان يتحكم فيها أعداء الإسلام ويفرضون عليها من النظم والقوانين ما هو مخالف للإسلام
إن الناشئ المسلم بل المسلمين عموما يجب أن يعوا هذين المفهومين للأمة الإسلامية وللعالم الإسلامي وألا ينخدعوا بالحدود السياسية المصطنعة التي فرضها أعداء الإسلام على بلدان المسلمين وإنما يكون فى حسهم وشعورهم وفكرهم وثقافتهم أنه جزء من أمتهم الإسلامية ذات العقيدة الواحدة وأنه جزء من عالمهم الإسلامي الذي لا تفصل بين أجزائه الحدود السياسية التي اصطنعها أعداؤه
٤٦٦

٢ - كيف يوصل الناشيء بأمته الإسلامية وعالمه الإسلامي
إن هذا الوصل أو التوصيل يحتاج إلى أعمال كثيرة وجهود كبيرة تبدأ في البيت منذ نعومة الأظفار وتمتد إلى المسجد فالمدرسة بكل مستوياتها فجميع مصادر الثقافة وجميع وسائل الإعلام كل ذلك عليه أن يعمل ما وسعه على وصل الناشئ المسلم بأمته
الإسلامية وبعالمه الإسلامي
إن كلمات الأبوين وأحاديثهما وقصصهما يجب أن تغذى هذه المعاني وتعمل على إيقاظ هذه المشاعر فيهم وإن سرد القصص والأحداث تعمل على إيجاد تلك الرابطة بين الناشئ وأمته وعالمه الإسلامي إن الناشئ جزء من كل وعضو من جسد واحد ولا حياة لعضو ولا قيمة له وحده وإنما القيمة الحقيقية له إذا أخذ مكانه في هذا الجسد إنه عندئذ يستطيع أن يؤدى وظيفته وأن يعبر عن نفسه وأن يساعد هذا الجسد على أداء وظيفته كذلك
إن البيت بكل ما فيه ومن فيه لا بد أن يهيئ هذه المعرفة وهذا التوصيل وإن ذلك لا بد أن يدفع إلى الانتماء لهذه الأمة والاعتزاز بهذا العالم الإسلامي وكذلك يجب أن يفعل المسجد فإن وحدة العبادات في المسجد واشتراك المسلمين في كل بقاع الأرض فى أدائها لمما يوقظ في المسلم الشعور العميق بأن كل من يشاركونه هذه العبادات هم أمته الإسلامية التي ينتمي إليها وإن ما يدور في المسجد من دروس ومحاضرات يجب أن تدعم المشاعر وتزكيها وإن طرح قضايا من قضايا الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي للمناقشة والحوار في المسجد في الخطب والمحاضرات والدروس إن ذلك لمما يؤكد هذه الصلة بين الناشئ المسلم وأمته الإسلامية وعالمه الإسلامي
وأما المدرسة بمعناها الواسع - من المرحلة الأولى إلى المرحلة الجامعية ـ فإن لها أثرا كبيرا في إيقاظ هذه المشاعر بالانتماء عند الناشئين لأمتهم الإسلامية وعالمهم الإسلامي وإن الجهد الذي يجب أن تبذله المدرسة في هذا المجال الجد كبير ولا بد أن نعترف
٤٦٧

سلفا بأن مدارسنا في معظم بلدان العالم الإسلامى قد دخلها غزو فكري وثقافي أفسد فيها المناهج وأربك الأولويات وجعلها صورة شائهة للمدرسة الإسلامية التي تربى النشء وتعدهم لكى ينتموا إلى الإسلام بعقيدتهم وفكرهم وثقافتهم وخلقهم وسلوكهم وأن يولوا إسلامهم كل ما يستحقه من ولاء
إن هذه المدارس الإسلامية أصبحت بفعل الأعداء لا تؤدى هذه الوظيفة بل لا تعطيها في مناهجها وبرامجها أي اهتمام إن قصة التعليم في معظم بلدان العالم الإسلامى قصة مؤسفة فمنذ أن وضع أعداء المسلمين أيديهم وبسطوا نفوذهم على بلدان العالم الإسلامي من منتصف القرن الرابع عشر الهجرى أو قبله بقليل - وتلك هي فترة ضعف المسلمين وتراجعهم الحضارى الأسباب كثيرة ليس هنا مجال الحديث عنها - إذ يخطط الأعداء لفصل المسلمين بعضهم عن بعض بتلك الحواجز السياسية التي وضعوها فقسموا بها العالم الإسلامي إلى أكثر من أربعين دولة ذات أنظمة مختلفة وربما متعادية منذ ذلك التاريخ وإلى يوم الناس هذا والعدو يكيد للأمة الإسلامية أخبث كيد وأضراه عن طريق سيطرتهم على التعليم ومؤسساته بحيث فرض على المسلمين مناهجه ونظمه التعليمية بل تدخل في اختيار المقررات الدراسية نفسها وعمل على إفساد إعداد المعلم المسلم والتجاهل للقيم الإسلامية في المدرسة والمعلم والتلميذ وظل العدو حينا من الدهر يستهدف أن يخرج من المدارس موظفين يخدمون مصالحه ويدينون بفكره ويعطونه ولاءهم ليعيشوا آمنين في ظل سيطرته
إن قصة التعليم في العالم الإسلامي قصة دامية لا نحب أن نفيض في الحديث فيها هنا ولكننا نكتفى بأن نقول إن واجب الأمة الإسلامية كلها وواجب كل دولة إسلامية على حدة أن تعيد النظر في مؤسساتها التعليمية بحيث يكون الهدف منها تخريج المسلم المنتمى إلى أمته الإسلامية العارف بظروف عالمه الإسلامي أولا القادر على أن يكون من أهل العلم والمعرفة والخبرة والقدرة على ممارسة الحياة والإسهام في ترقية أمته وتنميتها في
مختلف مجالات الحياة
إن تنقية جيدة للمناهج المدرسية مما يوجد فيها من عيوب وآفات تعوق تحقيق هذه
الأهداف يجب أن توضع فى الاعتبار الأول وتلقى من الاهتمام ما تستحق وإن إعادة النظر في برامج إعداد المعلمين ومناهج كليات التربية أمر ضروري يمثل ركناركينا من العملية التعليمية بحيث لا يحقق التعليم أهدافه بدونه
٤٦٨

وإن ذلك كله يجب أن يصاحبه رغبة فى التخلص من كثير من القيم والمعايير التي تتحكم اليوم في إعداد المعلم إننا نريد إعداد المعلم المسلم
وإن تغيير المقررات الدراسية بحيث تختار اختيارا هادفا يستمد من زادنا الفكرى والثقافي وقيمنا ويستهدى عقيدتنا ويبرز تاريخنا ويعطى أهمية لعلمائنا ومفكرينا ويحدم حاضرنا ويرنو إلى مستقبلنا كل ذلك لا بد منه وهو خطوة من خطوات العمل الأساسية لتوليد هذا الانتماء الإسلامي
وإن إصرارا على أن تكون القيم الخلقية الإسلامية هى التي تسود المدرسة إدارة ومعلمين ومتعلمين وعاملين لمما يساعد كثيرا على أن يشب الأبناء في جو مدرسي غير ملوث بقيم غريبة علينا وافدة مع أ أعدائنا ل التسيء إلينا وإن لتلك القيم تفاصيل ومفردات كثيرة تتناول كل مرافق الحياة فإن الإسلام في تشريعه يربط كل قول يقوله الإنسان وكل عمل يقوم به بقيم خلقية ثابتة - على الرغم من تغير الزمان والمكان ـ هي قيم الإسلام التي تتمثل فى قائمة ضخمة من الفضائل يجب أن يتحلى بها المسلم وقائمة مماثلة أحرى من الرذائل يجب أن يتخلى عنها المسلم

ومن خلال هذا التحلى وهذا التخلي يمكن ممارسة حياة إنسانية لائقة بتكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان
إن خللا فادحا قد حدث في التعليم عندنا - في بلدان العالم الإسلامي - نلمس أثره في انتشار الجريمة والانحرافات السلوكية وشيوع المفاسد الأخلاقية وفصم الروابط بين أفراد الأسرة وأفراد المجتمع وأبناء الأمة الإسلامية وإن مقاومة هذا الخلل لمن أوجب الواجبات إن الاهتمام بالتعليم وإعطاؤه ما يستحق من مكانة في المجتمع ومكان هو أهم الأسباب التي تصل الناشئ المسلم بأمته الإسلامية وبعالمه الإسلامي
وأما وسائل الإعلام وأجهزته فلها في نفوس الناس أبلغ التأثير إذ هي أعمق وأشمل وأوسع مدى من البيت والمسجد والمدرسة إن أجهزة الإعلام تقتحم اليوم على الناس بيوتهم بل مخادعهم وتصاحبهم في كل مجال يتحركون فيه
إن أجهزة الإعلام ووسائله أصبحت اليوم مصادر معرفة للناس بل من المصادر التي تجد عند الناس قبولا وتحظى لديهم بمزيد من التقدير وتستطيع هذه الوسائل والأجهزة أن تؤثر في الناس أبلغ التأثير وأن تولد لديهم كافة المشاعر والأحاسيس وأن تمدهم
٤٦٩

بمختلف أنواع الثقافة وأن تربيهم على القيم الخلقية التي تريد
وأجهزة الإعلام ووسائله عند تحليلها نجد أنها تتكون من مؤلف يكتب الكلمة ومخرج يخرجها إلى حيز السماع أو الرؤية أو القراءة وشخوص تقوم بهذه الأعمال وملابس وأضواء وآليات
وإن كل واحد من أولئك عليه واجب في العمل على وصل الناشئ المسلم بأمته الإسلامية وبعالمه الإسلامي يتمثل هذا الواجب فى أن يكون كل واحد منهم شاعرا شعورا عميقا بانتمائه إلى أمته وعالمه الإسلامى ومعتزا بتراثه وتاريخه يستلهمه ويستوحيه وملتزما بقيم الإسلام الخلقية التي تشجع الفضائل وتحارب الرذائل فإذا وجد ها ا الرجل فإنه لن يعجز عن أن يقدم للناس أحسن القصص وأنفع الكتب وأمتع المقالات وأجود الأفلام والمسرحيات إنه بهذا يسهم إسهاما حقيقيا في بناء الأمة التي ينتمي إليها أما أن تبقى أجهزة الإعلام على ما هي عليه في بلدان العالم الإسلامي فإن الناس الذين تخاطبهم هذه الأجهزة وتلك الوسائل سوف يبقون كذلك على ما هم عليه من استهتار وسلبية وانحراف وجريمة وفقد للانتماء والولاء لأوطانهم وأمتهم وعالمهم الإسلامى الذين هم جزء أصيل
منه
إن وصل الناشئ المسلم بأمته الإسلامية وبعالمه الإسلامى ليس مجرد عمل يؤدى لذاته وإنما هو عمل يجب أن يربى عليه الناشئ المسلم والمسلم عموماً لغرس القيم التي لابد منها لكي يمارس حياته الإنسانية قادراً على تحقيق السعادة في معاشه ومعاده
وهذه القيم في تصوري - وبإيجاز شديد ــ هي
۱ - الالتزام بأخلاق الإسلام
ـ والانتماء إلى الإسلام
والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين
ولكل قيمة من هذه القيم الثلاثة حديث نرجو ألا يطول
أ ـ الالتزام بأخلاق الإسلام
إن وصل الناشئ المسلم بأمته وعالمه الإسلامي يستهدف بالدرجة الأولى أن يلتزم هذا الناشئ بالقيم الأخلاقية الإسلامية التي يشاركه فى الالتزام بها جميع المسلمين في كل
٤٧٠

بقاع الأرض
ولا بد لنا هنا من تساؤل قد يطرحه علينا واحد من غير المسلمين أو واحد من غافلى المسلمين وهو لماذا أخلاق الإسلام بالذات ولماذا لم تكن أخلاق سواها فنقول إن الأخلاق ترجمة عملية لما يدين به الإنسان من عقيدة والمسلم عقيدته التوحيد توحيد الألوهية - لا إله إلا الله - وتوحيد الربوبية - لا خالق ولا رازق إلا الله ـ وهذه العقيدة مصدرها الأوحد هو كتاب الله - القرآن الكريم آخر الكتب السماوية وأجمعها وأكملها وأبعدها عن التحريف بسبب تكفل الله سبحانه بحفظه على حين استحفظ الناس على كتبه السابقة على القرآن وشتان بين ما يحفظه الله وما يحفظه الناس وهذا المصدر المحفوظ النفيس الكامل ته السنة النبوية وفصلت مجمله فهى مع القرآن إتمام لما يحتويه
فماذا يجب أن تترك عقيدة التوحيد في الناس الموحدين من قيم خلقية إنها تركت فيهم القيم ا الأخلاقية التي يقوم عليها بناء مجتمع سليم من الآفات والعيوب والمنكرات مجتمع يقوم بناؤه على المعروف أى الأخلاق الإسلامية التى تستهدف أن يمارس الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والمعروف - كما قلنا غير مرة - هو كل خير تقبله الفطرة السوية للإنسان بل كل ما
ترى فيه الإنسانية كلها لنفسها الرشد والسعادة لما تلتزم به من حسنات و فضائل والمنكر كما بينا فيما سلف - هو كل أمر تأباه الفطرة الإنسانية السوية وترى فيه الإنسانية لنفسها الضلال والتعاسة لما تمارسه من سيئات ورذائل أى أن الأخلاق الإسلامية هى التى تقبلها ثم ترحب بها الفطرة السوية للإنسان وهى كل أنواع الخير والمعروف والفضائل والحسنات
وفي سبيل إقرار الإسلام لهذه القيم الخلقية الكبرى - أى المعروف ـ جعلت الشريعة هذا المعروف على مستويات ثلاثة
الأول المعروف الذى جعلته الشريعة فرضا لازما وذلك متمثل فى كل ما ألزم به الإسلام وأوجبه على المسلمين وهو ا أنواع كثيرة تبدأ بوجوب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر وتشمل نطق الشهادتين والعمل بمقتضاهما والطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج والعدل والإحسان
٤٧١

والصدق والعفاف واحترام حقوق الآخرين إلخ
والثاني المعروف الذى ندب إليه الشرع واستحسنه وذلك متمثل في كل ما تقتضيه الشريعة أو تشجع على أن يقوم به الناس في المجتمع بل يروج التعامل به وذلك مثل النوافل كلها فإن الشريعة ندبت إليها نوافل الذكر والدعاء والصلاة والصيام والصدقة والعمرة وسائر النوافل التى من جنس الفرائض وهي رواتب صنعها الرسول الله كثيرا
والثالث المعروف المباح أو الجائز الذى لم تنه عنه الشريعة وهو بناء على ذلك التحديد من أوسع الأبواب إذ الأصل فى كل ما لم تنه عنه الشريعة أن يكون مباحا أو جائزاً ويتمثل في التمتع بالطيبات من المأكل والمشرب والملبس والمسكن دون إسراف أو مخيلة
وفي سبيل محاربة الإسلام للمنكر فى المجتمع جعلته الشريعة السمحة على
مستويين
الأول المحرم أو المحظور وهو كل ما ألزمت الشريعة الناس باجتنابه وتطهير حياتهم منه وأحكام هذا المنكر واضحة في الشريعة لا لبس فيها ولا غموض ويتمثل ذلك في
كل ما حرم الله على عباده مثل الزنا والسرقة والكذب والظلم وغيرها مما هو معروف والثاني المكروه وهو كل ما أظهرت الشريعة كراهيتها له صراحة أو كناية ومن هذه المكروهات ما هو قريب من المحرمات ويسمونه مكروها تحريميا مثل مخالفة أدب الطعام والمشى ونحو ذلك ومنه ما هو قريب من المباحات ويسمونه مكروها تنزيهيا ويتمثل في اللعب بالشطرنج والنرد بغير مقامرة وكذلك كل لعب يخرج بصاحبه عن هيئة أهل المروءة أو أن يؤدى إلى أن يوجد الإنسان في مواطن التهم والشبهات
إن الأخلاق الإسلامية بين هذين الحدين - المعروف والمنكر ـ تستطيع أن تبنى إنسانا مسلما جيدا ومجتمعا مسلما جيدا وأمة إسلامية راشدة
إن وصل الناشئ بأمته الإسلامية وبعالمه الإسلامي هو الذي يمكنه من هذا الالتزام الأخلاقي بالإسلام ويعينه عليه وتلك أول قيمة يجنيها الناشئ المسلم من هذا الالتزام وهي من أرفع القيم وأرقاها إذ هى تدعو إلى ممارسة كل معروف والأمر به واجتناب كل منكر والنهي عنه
٤٧٢

إن الإسلام وهو يترجم عقيدته أعمالا وسلوكا يعمد إلى إقرار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقرار أن هذه الأمور مما أحل الله وتلك مما حرم ومنع ب ـ الانتماء إلى الإسلام
نعنى بالانتماء إلى الإسلام انتساب الفرد إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ونطق الشهادتين والعمل بمقتضاهما والاعتزاز بمنهج الإسلام في الحياة بحيث لا يسمح المسلم لنفسه أن ينتمي في أي أمر من أموره إلى غير منهج الإسلام ونظامه إن وصل الناشئ المسلم بأمته الإسلامية وبعالمه الإسلامي يغرس في نفسه هذا الانتماء ويرسخ أركانه مع القطع بأن هذا الانتماء إلى الإسلام هو مفتاح كل خير وتقدم للأمة الإسلامية كلها لما يتصف به هذا الدين - من بين الأديان ـ بأنه أكمل الأديان وأتمها أرضاها لله سبحانه وبأنه نَسَخ ما سبقه من الأديان وبأنه خاتم الأديان وآخرها وبأنه حاء بأكمل منهج للدنيا والآخرة
ونحب أن نؤكد في هذا المجال بأن هناك مؤسسات بعينها تستطيع أن تولد هذا الانتماء إلى الإسلام وأن ترعاه وتنميه في نفوس الناس عموما وفي نفوس الناشئين على وجه الخصوص تلك المؤسسات تبدأ بالبيت ثم المسجد ثم المدرسة ثم وسائل الإعلام وأجهزته فلو أن المؤسسات أدى كل منها واجبه في ذلك لزرعت الانتماء إلى الإسلام في نفوس الناشئين خاصة والناس جميعا ۱
إن الانتماء إلى الإسلام يعني أمورا كثيرة تعود بأقصى درجات النفع الدنيوى والأخروي على المسلمين جميعا
إنه يشعر الفرد بأنه لا يعيش بمفرده ولا فى أسرته وحدها بل ولا في وطنه بذاته وإنما يشعر بأنه يعيش جزءا مهما من أمة إسلامية كبيرة وعالم إسلامي مترامي الأطراف إن المسلم المنتمى إلى الإسلام يشعر بأن من يشاركونه في عقيدته وعبادته وأخلاقه وسلوكه أكثر من ألف مليون من المسلمين وإن هذا الشعور يعالج في النفس كثيرا من سلبيات الإحساس بالوحدة والانفراد والقلة والذلة والهوان
إن هذا الانتماء إلى الإسلام يشعر المسلم بأن همومه هموم دينه التي سوف يعينه الله
۱ ناقشنا و فصلنا الحديث في الانتماء في الباب الثاني من كتابنا و فقه الدعوة إلى الله
٤٧٣

عليها ـ لو أخلص النية والعمل فى التغلب عليها - هموم أمته الإسلامية وعالمه الإسلامي وفي هذا الشعور ما فيه من بعث للأمل فى النفوس المسلمة فى التخلص من هذه الهموم إذ يشاركه فى هذه الرغبة المسلمون في العالم كله كما أن الانتماء إلى الإسلام يجعل المسلم يعتبر هموم دنياه هي هموم المسلمين جميعا وفي هذا ما فيه من معونة المسلمين بعضهم لبعض وتسخير طاقاتهم وإمكاناتهم للتغلب عليها فضلا عما في ذلك الشعور من التعرض لرحمة الله والطمع في عونه وتوفيقه فقد روى ابن ماجة بسنده عن عبد الله بن مسعود رضی الله عنه قال سمعت رسول الله له يقول من جعل الهموم هما واحدا هم آخرته كفاه الله هم دنياه ومن تشعبت به الهموم فى أحوال الدنيا لم يبال الله في أى أوديتها هلك
وهم الآخرة الذي ورد في الحديث الشريف هو الاهتمام بما يرضى الله وما يرجى به
ثوابه وليس ذلك أوضح فى هم منه فى هموم الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي إن الانتماء إلى الإسلام يعنى أن يفكر المسلمون فى همومهم على اعتبار أنهم يعيشون في عالم إسلامي متكامل من الناحية الاقتصادية إذ ينتج من المواد الأولية ما يكفيه ويفيض عن حاجته ولكن أعداءه يتحكمون فى هذه المواد الأولية ويحملونه حملا
على أن يعيش محتاجا إلى هؤلاء الأعداء فكيف يمكن التغلب على هذا الهم
وعلى سبيل المثال فإن القمح والقطن وقصب السكر و البترول النفط وكثيرا من المعادن كل هذه المواد أرضها إسلامية ومنتجوها مسلمون ولكن المتحكمين فيها وفيهم أ أعداء الإسلام
والمسلمين
والحديث فى هذا ذو شجون وهموم ولكن المؤكد أن التكامل الاقتصادي بين بلدان العالم الإسلامي حقيقة قررها علماء الاقتصاد من المسلمين وغيرهم في أكثر من مؤتمر إسلامي عقد في السنوات العشرين الأخيرة من وقتنا هذا ـ العقد الأول من القرن الخامس عشر الهجرى العقد الأخير من القرن العشرين الميلادي ـ إن العالم الإسلامي متكامل البناء الاقتصادى لو أنه استطاع أن يخرج من سيطرة أعدائه عليه
إن الانتماء إلى الإسلام يعنى أن يهتم ا كل قطر من أقطار العالم الإسلامي بأن يكون
٤٧٤

تعلم اللغة العربية لغة القرآن الكريم والسنة النبوية ومفتاحهما إجباريا للمثقفين عموما أو أصحاب الثقافة الخاصة في بلدانهم فإنه لا حياة لأمة القرآن إلا بلغة القرآن وليتعلموا بعد ذلك ما شاءوا من لغات ولكن المؤسف بل المعوق أن يسود كثيرا من بلاد المسلمين لغة المسيطر عليهم سواء أكانت سيطرته منظورة أم غير منظورة أو يسود فيها عدد من اللغات
المحلية فإذا ذهبت تسأل عمن يعرفون لغة دينهم لغة القرآن ما وجدت إلا القليل !!! إن حرب لغة القرآن من أكبر أهداف أعداء المسلمين وإن من الغفلة أن من يعينهم على تحقيق هذا الهدف الخبيث المسلمون أنفسهم !!!
إن الانتماء إلى الإسلام يعنى أن يتمسك المسلمون فى كل بلد إسلامي بأن يكون نظام الحكم فيهم نظاما إسلاميا خاضعا لأحكام الشريعة الإسلامية أي يستمد مبادئه وقيمه وأنظمته من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ويستعين بتراثنا الضخم من إبداعات فقهاء المسلمين وبما يتضمنه تاريخ الصحابة والتابعين والسلف الصالح من معالم تهدى في طريق الحياة الإنسانية وأن يرفضوا كل نطام فيه مخالفة لمبدأ أو قيمة أو حكم إسلامي وألا يكتفوا بأن ينص فى دستور بلادهم على ذلك ثم لا يكون هناك تطبيق في واقع الحياة التي يعيشون - كما هو حادث في بعض بلاد المسلمين
وبعد فهذا قليل من كثير مما يعنيه الانتماء إلى الإسلام هذا الانتماء الذي يدعمه ويزكيه العمل على وصل المسلمين بأمتهم الإسلامية وبعالمهم الإسلامي وتلك هي الفائدة
الجليلة للانتماء إلى الإسلام
ج الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين
للولاء من المعاني العديدة ما نكتفى منه هنا بما يلى
القرب
والنصرة
والمحبة
وقد جعل الإسلام الولاء بين العبد وربه قال الله تعالى إن ولي الله الذي نزل
الكتاب وهو يتولى الصالحين ۱
۱ سورة الأعراف ١٩٦
٤٧٥

وجعل الولاء بين المؤمنين قال الله تعالى إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء
بعض
۱
وهذه الأنواع من الولاء قرب ونصرة ومحبة قرب من الله بطاعته والالتزام بشريعته ونُصرة لله سبحانه بنصر دينه واتباع ما جاء به رسوله ومحبة الله هي طاعته والتزام البر والتقوى والتواضع وذلة النفس
وقرب من المؤمنين برعايتهم والعنابة بشئونهم ونصرة لهم من عدوهم ومن أنفسهم ومحبة لهم فى الله ما داموا في رحاب الطاعة لله
وكما جعل الإسلام الولاء لله جعله لرسوله الا الله و لأن الولاء لله ولاء لرسوله إذ هو المبلغ عنه بكل أمر ونهى والقرب من الرسول الله ونصرته ومحبته لها نفس المعاني
السابقة
وإن الإسلام منع الولاء بين المؤمنين والكافرين قال الله تعالى ﴿ يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين وما دامت الولاية قرباً ونصرة ومحبة فلا يجوز أن
تكون لغير المؤمنين
ولكن الآية الكريمة تعترف بأن بين الكافرين ولاء - بعضهم أولياء بعض ــ قال علماؤنا حتى يتوارثوا فيما بينهم ۳
وقد جعل الله سبحانه بين الكافرين والشياطين ولاية فى الدنيا قال الله تعالى إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ٤ بينما نفى هذه الولاية بينهم في الآخرة قال سبحانه وتعالى وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصر حكم وما أنتم بمصرخى إنى كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم
0
وقضية الولاء في الإسلام تعنى أن المسلمين يجب أن يقيموا علاقاتهم مع الناس
۱ سورة الأنفال ۷ سورة المائدة ٥١ ۳ القرطبي الجامع لأحكام القرآن ٢١٦/٦ ٤ سورة الأعراف ٢٧ 5 سورة إبراهيم ٢١

جميعا على أساس العقيدة فليس الولاء أو العداء بالنسبة للمسلم إلا تعبير حمد وجيه العقيدة فى هذا المجال كما أوضحت ذلك آيات قرآنية عديدة وأحاديث نبوية كثيرة نذكر منها على سبيل الاستشهاد ما يلى
۱ - قال الله تعالى ﴿ يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الايات إن كنتم تعقلون ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن
الله عليم بذات الصدور ۱
٢ - وقال سبحانه وتعالى ﴿ يأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ٣ ـ وقال عز وجل إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم و ظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم ا
و من السنة النبوية
الظالمون
۱ - روى البخاري بسنده عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة والحديث متفق عليه
- وروى البخاري بسنده عن النعمان بن بشیر رضی الله عنه قال قال رسول الله له مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائره بالحمى والسهر وهو متفق عليه
وهناك أحاديث في الأخوة في الله والحب في الله كثيرة
وبناء على ذلك فليس بين المسلمين والملحدين ولاء بصورة ما لأنه لا ولاء بين سلمين وكل من يختلف معهم في العقيدة الإسلامية التي تقوم على التوحيد إنما الولاء بين المسلمين وربهم وبينهم وبين رسولهم له وبينهم وبين إخوانهم
۱ سورة آل عمران ۱۱۹ سورة الممتحنة ١٣
۳ سورة الممتحنة ٩
٤٧٧

المسلمين الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون والمسلمون الذين يتولون الله ورسوله والذين آمنوا إنما يشكلون بهذا الولاء حزبا واحدا هو حزب الله والله سبحانه وتعالى يعدهم بالنصر والغلب والتأييد قال الله تعالى إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة و هم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ۱ إن هذا الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين هو الذى يمكن المسلمين اليوم من أن يستعيدوا مكانتهم في الحضارة الإنسانية وبغير هذا الولاء فلن يستطيعوا
وإن وصل الناشئين بأمتهم الإسلامية وبعالمهم الإسلامي هو الذي يعزز هذا الولاء ويحرره من الباطل والهوى كما أن هذا الولاء هو الذى يؤكد أن المسلمين جميعا أمة واحدة تجمعها العقيدة الصحيحة فى الله سبحانه وفى أنبيائه ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقضاء والقدر ويجمعها كذلك منهج الإسلام في الحياة وتجمعها وحدة الهدف والمصير والآمال
إن هذا الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين قيمة كبرى من القيم الإسلامية التي تستيقظ بوصل المسلمين بأمتهم الإسلامية وعالمهم الإسلامي قيمة كبرى لو أخذ بها المسلمون لكانوا خير أمة أخرجت للناس
1 سورة المائدة ٥٥-٥٦
٤٧٨

الخاتمة
لله الحمد رب السموات والأرض رب العالمين
وعلى رسوله محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وسائر أنبيائه ورسله أفضل الصلاة وأزكى
السلام
وأود أن أختم هذا الكتاب بإقرارى بأن ما تضمنه من حق وصواب فهو من توفيق الله وحسن معونته وما يحتمل أن يكون قد جاء فيه من غير ذلك فهو من قصورى وتقصيرى فما أوتيت من العلم إلا قليلا وأستغفر الله من كل قصور أو تقصير ومن كل
ذنب وأتوب إليه
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله
إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
٤٧٩

الموضوع
إهداء
تقديم
التمهيد
ثبت موضوعات الكتاب
الصفحة
الباب الأول
الإسلام والأسرة
الفصل الأول أهمية الأسرة فى بناء المجتمع ويشتمل على نقاط ثلاث
۱ ـ بنية المجتمع المسلم
أسس المجتمع المسل
لبنات المجتمع المسلم
٢ - سمات المجتمع المسلم وخصائصه السمة الأولى الإيمان
السمة الثانية تجاوب الفطرة مع العقل
السمة الثالثة التوازن بين حاجات الإنسان
السمة الرابعة التكامل السمة الخامسة الانضباط
السمة السادسة التكافل
السمة السابعة الدعوة إلى الله
السمة الثامنة الحركة الهادفة
السمة التاسعة مجتمع إنساني
السمة العاشرة مجتمع عالمى
٤٨١
ه

۱۵

۵
٢٦

۳۳

۳۵

الصفحة

۳۸
۳۹

٤١
٤٢
٤٣

٤٧
ΕΛ

۰۳

٥٤
0
۵۸

٦١

٦٦
។ ។

الموضوع
ـ أهداف المجتمع المسلم وهي أ - الأهداف الضرورية ب - الأهداف الحاجية جــ الأهداف التحسينية
د - هداية الناس إلى الحق والخير هـ - مقاومة الشر والفساد و - كفالة حرية العقيدة والعبادة ز - تحقيق العدالة ح - تحقيق الأخلاق الفاضلة ط ـ تحقيق إنسانية المجتمع وعالميته
ی - عناية المجتمع الإسلامي
بالأسرة
الفصل الثاني رعاية الإسلام للأسرة ويشتمل على ثلاث نقاط
١ ـ تكوين الأسرة المسلمة
أولا الأب
ثانيا الأم -
ثالثا الآباء والأمهات الأعلون
رابعا الأعمام والأخوال والعمات والخالات خامسا الإخوة والأخوات الكبار
٢ ـ مكانة الأسرة في الإسلام
التشريعات التي أمنت حاضر الأسرة المسلمة أولا قوامة الرجل على المرأة فى الأسرة
ثانيا الولاية على النفس وعلى المال
ثالثا النفقات
٤٨٢

الصفحة
VV
۷۷

٨٦
۸۷

۸۸

۹۱

١٠٣

۱۱
۱۱
الموضوع
ـب
التشريعات التي أمنت مستقبل الأسرة المسلمة
أولا الوصية
ثانيا الميراث
- أهداف الأسرة المسلمة
الهدف الأول تربية الجيل المسلم المتخلق بخلق الإسلام ويكون
ذلك بما يلي
١ - القدوة
التمهيد
٢ - الدعوة إلى أخلاق الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة
العظة
٣ ـ القصة والخبر
٤ ـ الثواب والعقاب
الهدف الثاني المحافظة على الآداب الإسلامية في الأسرة الهدف الثالث ربط أبناء الأسرة بالمسجد
الهدف الرابع دفع الأبناء إلى المجتمع مسلحين بخلق الإسلام الهدف الخامس توجيه الأبناء نحو التفوق والإجادة الهدف السادس توجيه الأبناء نحو ممارسة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الهدف السابع العمل على إيجاد روابط بين الأسر المسلمة
الباب الثاني
الإسلام والناشئون
الفصل الأول مكانة الناشئ في الأسرة ويشمل
۱ - دواعي الفطرة الإنسانية
٤٨٣

الموضوع
- دواعى البيئة الإنسانية وهي أ ـ الأسرة
ب ـ العائلة الكبيرة ـ الموازية للقبيلة
ج القرية في الريف أو الحي في المدينة
د ـ المجتمع عموما
هـ ــ الإقليم أو القطر ــ الوطن العالم العربي و -
ز - العالم الإسلامي
ح - المجتمع العالمى مسلمه وغير مسلمه
دواعي الدين الإسلامي
الفصل الثاني رعاية الإسلام للناشئين ويشمل ۱- واجبات الآباء والأمهات ٢ - واجبات الأقارب
التمهيد
ـ واجبات المجتمع المسلم
الباب الثالث
تربية الناشئ المسلم
الفصل الأول التربية الروحية للناشئين ويشمل
١ - مكانة الروح من الإنسان
٢ - كيف يربي الإسلام الروح
عبادة الله سبحانه بالفرائض والنوافل وفق ما شرع
النظر والتأمل فيما خلق الله لأخذ الاعتبار والوقوف على الحق -
الفصل الثاني التربية الأخلاقية للناشئين ويشمل ۱ - مفهوم الأخلاق في الإسلام
الصفحة
۱۳۰
۱۳۱
۱۳
١٣٤
١٣٦
۱۳۹
١٤٠
١٤٣
١٤٥
١٤٧
١٥٨
۱۰۸
١٦٣
۱۷۵
۱۷۷
۱۷۷
١٨٤
110
۱۹۳
۰۳
۰۳
٤٨٤

الموضوع
- كيف يربي الإسلام الأخلاق الركيزة الأولى العلم
الركيزة الثانية العقيدة
الركيزة الثالثة العبادة
الركيزة الرابعة الحلال والحرام
الركيزة الخامسة اتخاذ النبي قدوة
الركيزة السادسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الركيزة السابعة الجهاد في سبيل ا الله
الفصل الثالث التربية العقلية ويشمل
۱ - مفهوم التربية العقلية
٢ - كيف يربي الإسلام العقل ويشمل - العمل الأول تحرير العقل من الخرافة والدجل والتبعية والتقليد
العمل الثاني تحديد مسار العقل في الاتجاه الذي يطيق السير فيه العمل الثالث تحديد المنهج الصحيح للنظر العقلى ويشمل
أ ـ دعوة الإسلام العقل إلى الأخذ بأسباب العلم ب - دعوته إلى التأمل والنظر في سنن الله في خلقه جـ ـ الدعوة إلى تدبر حكمة الله فى الخلق ونواميس الكون د - دعوة الإسلام العقل إلى تدبر حكمة التشريع -
الفصل الرابع التربية الجسمية وتشمل ----
۱ - مفهوم التربية الجسمية
٢ - كيف يربي الإسلام الجسم ويشمل أ المعرفة الدقيقة بطبيعة الجسم البشرى
ب ـ الإسلام يعترف بحق الإنسان في التمتع بما أحل الله جـــ حماية الإسلام الجسد بالأخلاق القويمة
د ـ الدعوة إلى الرياضة البدنية
الصفحة
٢١٦
۱۷
۰
٢٢٦
۳۸
٢٤١
٢٤٦
٢٥٣
۵۹
٢٥٩
٢٦٣
٢٦٣
٢٦٦
۷۰
۷۱
۷۹---
۸۱
۸۷
۸۷
۹
۹
٢٩٥
٢٩٦
۹۸
٤٨٥

الصفحة
۳۰۱۰
۳۰۱
٣٠٦
٣٠٦٠
۳۱۰
٣١٤
۳۱۷
۳۱۷
۳۳
۳۸
۳۸
٣٤١
٣٤١
٣٤٩
٣٤٩
٣٥٤
٣٦٥
۳۷۱
الموضوع
الفصل الخامس التربية الجمالية ويشمل
۱ - مفهوم التربية الجمالية
- كيف يربي الإسلام الحس الجمالي ويشمل الأساس الأول فى خطة التربية الجمالية النظر والتأمل في جميل
صنع الله
الأساس الثانى فى خطة التربية الجمالية العمل على أن يكون الجمال هدفا في الحياة
الأساس الثالث فى خطة التربية الجمالية الالتزام في الحصول على الجمال بالوسائل التي ترضى الله سبحانه
الفصل السادس التربية الاجتماعية وتشمل - ۱ - مفهوم التربية الاجتماعية
- كيف يربي الإسلام الإنسان الاجتماعي ويشمل أ ـ النظم الاجتماعية الإسلامية
ب ـ الدعائم التي تقوم عليها هذه النظم
الفصل السابع التربية السياسية وتشمل ا - مفهوم التربية السياسية
التمهيد
٢ - كيف يربى الإسلام الإنسان السياسي ويشمل أ - تكوين الوعي السياسي لدى المسلم ب - أهم الأعمال السياسية التي يمارسها المسلم
ج الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم
الباب الرابع مستقبل الناشئ المسلم
الفصل الأول توجيه الناشئ المسلم وتوظيف طاقاته ويشمل
٤٨٦

الصفحة
۳۷۱
۳۷۱
۳۷ -
٣٧٤
۳۷۵
۳۷۹
۳۹۱
٣٩٦
٤٠٦
٤٠٦
٤٠٧
٤٠٨
٤٠٩
٤١٠
٤١١
٤١٥
٤١٦
٤١٨
٤٢٠
٤٢١
٤٢٢
٤٢٣
٤٢٤
٤٣١٠
٤٣٢
الموضوع
۱ - مفهوما التوجيه والتوظيف أ ـ مفهوم التوجيه
ب - مفهوم التوظيف
٢ ـ كيف يوجه الإسلام الناشئ المسلم أ ـ التخلى عن القيم الإسلامية في زمننا هذا ب - أثر الحضارة الغربية في المسلمين اليوم ج نتائج تأثر المسلمين بالحضارة الغربية - د ـ الخطوات العملية لتوجيه الإسلام للناشئين ٣ ـ كيف يوظف الإسلام طاقات الناشئ المسلم الوظيفة الأولى عبادة الله سبحانه وتعالى وتشمل
۱ - توضيح أبعاد عبادة الله سبحانه وتعالى - تحبيب الناشئين في العبادة
- ربط الناشئين بالأقارب والأصدقاء
الوظيفة الثانية التعامل مع البيت ويشمل ١ - البر بالآباء والأمهات
٢ - التعاون في البيت
٣- عدم إرهاق البيت بمطالب ثانوية - الوظيفة الثالثة التعامل مع المسجد ويشمل
۱ ـ معرفة آداب المسجد والالتزام بها ٢ - حب المسجد والإقبال عليه ـ اجتناب ما يكره في المساجد
٤ ـ تعهد المسجد وتنظيمه وتنظيفه
الوظيفة الرابعة التعامل مع المدرسة أو المعهد
الوظيفة الخامسة التعامل مع الحى الذي يسكن فيه ويشمل
۱ - الرعاية
٤٨٧

الصفحة
٤٣٣
٤٣٥
٤٣٧
٤٤١
٤٤٣
٤٥١
٤٥٧
٤٥٩
٤٦٥
٤٦٥
ង ។ ។
٤٦٧
٤٧٠
٤٧٥
٤٧٩
٤٨١
الموضوع
٢ - التنمية
- التعاون والتناصر
الوظيفة السادسة التعامل مع الأقارب والأصدقاء والجيران ويشمل
ا - الأقرباء - الأرحام والأصهار ٢ - الأصدقاء والجيران
الوظيفة السابعة التعامل مع الزملاء في العمل
الوظيفة الثامنة الدعوة إلى الله تعالى
الوظيفة التاسعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الوظيفة العاشرة الجهاد في سبيل الله
الفصل الثاني وصل الناشئ المسلم بأمته وبعالمه الإسلامى ويشمل ۱ - مفهوما الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي
أ ـ مفهوم الأمة الإسلامية
ب - مفهوم العالم الإسلامي
٢ - كيف يوصل الناشئ بأمته الإسلامية وعالمه الإسلامي
الخاتمة
أ ـ الالتزام بأخلاق الإسلام
ب ـ الانتماء إلى الإسلام
ج الولاء لله ولرسوله والمؤمنين
ثبت الموضوعات General Organization of the Alexan
dria Library GOAL
Bibliotheca Alexandrina
رقم الإيداع بدار الكتب ٥٢٤٤ / ١٩٩١
الترقيم الدولى -3 - 0033 - 15 - 9 - B N1
مطابع الوفاء - المنصورة
شارع الإمام محمد عبده المواجه لكلية الآداب
ت ٣٤٢٧٧١ - ص ب ۳۰
تلکس ٢٤٠٠٤ DWTA UN