Go Back





ذخائر العرب
۷۳
عوارف المعارف
للإمام العارف شهاب الدين أبي حفص عمر السهروردي
٥٣٩ هـ

٦٣٢ هـ
الدمام الدكتور عمر الطعام معمور
الجزء الثاني
بتحقيق
الدكتور محمود بن الشريف
دار المعارف

تصميم الغلاف محمد أبو طالب
الناشر
دار المعارف - ۱۱۱۹ شارع كورنيش النيل - القاهرة - ج م ع

الحمد لله رب العالمين
زمنة
اللهم صل صلاة كاملة وسلّم سلامًا تامًا على سيدنا محمد النبي الذي تتحـل بـه العقد وتنفرج به الكرب وتقضى به الحوائج وتُئال به الرغائب وحسن الخواتيم ويستسقى الغمام بوجهه الكريم وعلى آله وصحبه في كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم لك
وبعد
فهذا هو الجزء الثاني من كتب عوارف المعارف الشهاب الدين أبي حفص عمر السهروردي - وهو کتاب جمع فأوعى من المعارف الصوفية التي تستشرف لها النفوس الطيبة الباحثة عن معالم الحق والفضيلة حيثما كانت وأني وجدت
ومما يجدر معرفته أن هذا الجزء يخرج إلى القارئ محققا بعد أن أضيف لإخراجه نسخة خطية جيدة قوبل بها أثناء التحقيق لنصه وهى نسخة يرجع تاريخ نسخها لعام ٦١٣ هـ - أهديت إلينا من العلامة الفاضل المحدث الشيخ محمد يوسف البنورى وقد أهداها إلينا أثناء زيارتنا لأرض باكستان الكريمة شكر الله له وجزاه خير الجزاء إنه سميع قريب مجيب ونذكر القارئ الكريم بأننا قد صدرنا الجزء الأول من هذا
الكتاب بمقدمات ثلاث عن
المؤلف
والتصوف
ونماذج صوفية
وهي كافية ليرجع إليها القارئ ويستنير بها أمام تلك المعارف الصوفية ليواصل
ويتابع قراءته لهذا الكتاب وبالله التوفيق
عبد الحليم محمود
شيخ الأزهر سابقا

الباب الثاني والعشرون
في القول في السماع قبولاً وإيثارا
قال الله تعالى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يستمِعُون القَوْل فيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ الله وأولئكَ هُمْ أولو الألباب قيل أحسنه أى أهداه وأرشده وقال عز وجل وإذا
سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلى الرَّسُولِ تَرَى أعْيُنهِمُ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ هذا السماع هوا السماع الحق الذى لا يختلف فيه اثنان من أهل الإيمان محكوم لصاحبه بالهداية واللب وهذا سماعٌ تَرِدُ حرارته على بَرْد اليقين فتفيض العين بالدمع لأنه تارة يثير حزنًا والحزن حار وتارة يثير شوقا والشوق حار وتارة يثير ندما والندم حار فإذا أثار السماعُ هذه الصفات من صاحب قلب مملوء ببرد اليقين أبكى وأدمع لأن الحرارة والبرودة إذا اصطدما عصرًا ماءً فإذا ألم السماعُ بالقلب تارة يخف إلمامه فيظهر أثره فى الجسد ويقشعر منه الجلد قال الله تعالى تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُود الَّذِينَ يَخْشَوْنَ
ربهم
فتموج
منه
وتارة يعظم وقعه ويتصوّب أثره إلى فوق نحو الدماغ كالمخبر للعقل بعظم وقع المتجدّد الحادث فتتدفق منه العين بالدمع وتارة يتصوّب أثره إلى الروح الروح موجا يكاد تضيق عنه نطاق القالب فيكون من ذلك الصياح والاضطراب وهذه كلها أحوال يجدها أربابها من أصحاب الحال وقد يحكيها بدلائل هوى النفس أرباب
المجال
روی
أن عمر رضى الله تعالى عنه كان ربما مر بآية في ورده فتخنقه العبرة ويسقط ويلزم البيت اليوم واليومين حتى يُعاد ويُحْسَب مريضا فالسماع يستجلب الرحمة من الله الكريم
روى زيد بن أسلم قال قرأ أبي بن كعب عند رسول الله الله فرقوا فقال
رسول الله
۱ آية ١٨ من سورة الزمر آية رقم ٨٣ من سورة المائدة ۳ آية رقم ٢٣ من سورة الزمر ٤ يتنزل

اغتنموا الدعاء عند الرقة فإنها رحمة من الله تعالى وردت أم كلثوم قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه الذنوب كما تحات عن الشجرة اليابسة ورقها وورد أيضا
إذا اقشعر الجلد من خشية الله حَرَّمه الله تعالى على النار وهذه جملة لا تنكر ولا اختلاف فيها إنما الاختلاف في استماع الأشعار بالألحان وقد كثرت الأقوال في ذلك وتباينت الأحوال
فمن منكر يُلحقه بالفسق ومن مولع به يشهد بأنه واضح الحق ويتجاذبان في طرفي
الإفراط والتفريط
قيل لأبي الحسن بن سالم كيف تنكر السماع وقد كان الجنيد وسرى السقطى
وذو النون يسمعون
فقال كيف أنكر السماع وقد أجازه وسمعه من هو خيرٌ منّى فقد كان جعفر الطيار يسمع وإنما المنكر اللهو واللعب في السماع وهذا قول صحيح أخبرنا الشيخ طاهر بي أبي الفضل عن أبيه الحافظ المقدسى قال أخبرنا أبو القاسم الحسين بن محمد بن الحسن الخوافى قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف قال حدثنا أبو بكر بن وثاب وقال حدثنا عمرو بن الحارث قال حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وتضربان بدفين ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف رسول الله عن وجهه وقال دعهما يا أبو بكر فإنها أيام عيد وقالت عائشة رضى الله تعالى عنها رأيت رسول الله يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا أسام
۱ رواه الديلمي في مسند الفردوس بسند صحيح
رواه الطبراني عن العباس بسند ضعيف ورواه أبو الشيخ فى الثواب والبيهقى واللفظ له ومعنى تحاتت
تساقطت
۳ وردت أحاديث صحيحة في عدم دخول النار لمن بكى من خشية الله
٤ الصحيحين
٥ الصحيحين

وقد ذكر الشيخ أبو طالب المكي رحمه الله تعالى ما يدل على تجويزه وتقـل عـن كثير من السلف صحابي وتابعي وغيرهم
وقول الشيخ أبي طالب المكي يعتبر لوفور علمه وكمال حاله وعلمه بأحوال السلف ومكان درعه وتقواه وتحريه الأصوب والأولى وقال في السماع حرام وحلال وشبهة فمن سمعه بنفس مُشاهدة شهوة وهوى فهو حرام ومن سمعه بمعقوله على صفة مباح من جارية أو زوجة كان شبهةً لدخول اللهو فيه ومن سمعه بقلب يشاهد معاني تدله على الدليل وتُشهده طرقات الجليل فهو مباح وهذا قول الشيخ أبي طالب المكي وهو الصحيح
فإذن لا يطلق القول بمنعه وتحريمه والإنكار على من يسمع كفعل القراء المتزهدين المبالغين في الإنكار ولا يُفسح فيه على الإطلاق كفعل بعض المستهترين به المهملين شروطه و آدابه المقيمين على الإصرار ونفصل الأمر فيه تفصيلاً ونوضح الماهية فيه تحريما وتحليلاً فأما الدف والشبابة وإن كان فيهما فى مذهب الشافعى فسحة فالأولى تركهما والأخذ بالأحوط والخروج من الخلاف
وأما غير ذلك فإن كان من القصائد في ذكر الجنة والنار والتشويق إلى دار القرار ووصف نعم الملك الجبار وذكر العبادات والترغيب فى الخيرات فلا سبيل إلى الإنكار ومن ذلك القبيل قصائد الغزاة والحجاج فى وصف الغزو والحج مما يثير كامن العزم من الغازي وساكن الشوق من الحاج
وأما ما كان من ذكر القدود والخدود ووصف النساء فلا يليق بأهل الديانة الاجتماع
لمثل ذلك
ذلك
وأما ما كان من ذكر الهجر والوصل والقطيعة والصدّ مما يقرب حمله على أمور الحق سبحانه وتعالى من تلوّن أحوال المريدين ودخول الآفات على الطالبين فمن سمع وحدث عنده ندم على ما فات أو تجدّد عنده عزم لما هو آت فكيف يتكون سماعه وقد قيل إن بعض الواجدين كان يقتات السماع ويتقوّى به على الطى والوصال ويثير
۱ وفي نسخة المستهترين يقال فلان مستهتر بالشيء أي مولع به
نوع من الزمار
۳ وفي نسخة فكيف ينكر سماعه

عنده من الشوق ما يذهب عنه لهب الجوع فإذا استمع العبد إلى بيت من الشعر وقلبه حاضر فيه كأن يسمع الحادى يقول مثلا
أتوب إليك يا رحمن إنّي أسأت وقد تضاعفت الذنوب فأما من هوى ليلى وحبى زيارتها فإنّى لا أتـــــــــــوب فطاب قلبه لما يجده من قوة عزمه على الثبات فى أمر الحق إلى الممات يكون في سماعه هذا ذاكرا الله تعالى كما قال بعض أصحابنا كنا نعرف مواجيد أصحابنا في ثلاثة أشياء عند المسائل وعند الغضب وعند السماع وقال الجنيد تنزل الرحمة على هذه الطائفة فى ثلاثة مواضع عند الأكل لأنهم لا يأكلون إلا عن فاقة وعند المذاكرة لأنهم يتحاورون فى مقامات الصديقين والنبيين وعند السماع لأنهم يسمعون بوجد ويشهدون حقا
وسئل رويم عن وَجْدِ الصوفية عند السماع فقال يتنبهون للمعاني التي تَقْرُب عن فتشير إليهم إلى إلى فيتنعمون بذلك من الفرح ويقع الحجاب للوقت فيعود
غيرهم
ذلك
الفرح بكاء فمنهم من يمزّق ثيابه ومنهم من يبكى ومنهم من يصيح أخبرنا أبو زرعة إجازة عن ابن خلف إجازة عن السلمى قال سمعت أبا سهل محمد بن سليمان يقول
المستمع بين استتار وتجل فالاستتار يورث التلهب والتجلّي يورث المزيد فالاستتار يتولد منه حركات المريدين وهو محل الضعف والعجز والتجلي يتولد منه السكون للواصلين وهو محل الاستقامة والتمكين وكذلك محل الحضرة ليس فيه إلا الذبول تحت موارد الهيبة
قال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي سمعت جدى يقول المستمع ينبغى أن يستمع بقلب حى ونفس مَيْتَةٍ ومن كان قلبه مينا ونفسه حيّةً لا يحل له السماع
۱ هو أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الخزاز مولده ووفاته ببغداد سنة ٢٩٧ هـ/ ٩١٠م وعرف بالخزاز لأنه كان يعمل الخز قال أحد معاصريه ما رأت عيناى مثله الكتبة يحضرون مجلسه لألفاظه والشعراء لفصحاته والمتكلمون لمعانيه وهو أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد وقال ابن الأثير فى وصفه إمام الدنيا في زمانه وعده العلماء شيخ مذهب التصوف لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة

۹
وقيل في قوله تعالى يَزيدُ فى الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۱ الصوت الحسن وقال عليه الصلاة والسلام
الله أشد أذنا بالرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب قينة إلى قينته نُقل عن الجنيد قال رأيت إبليس فى النوم فقلت له هل تظفر من أصحابنا بشيء أو تنال منهم شيئا
فقال إنه يعسر على شائهم ويعظم على أن أصيب منهم شيئًا إلا في وقتين قلت أي وقت
قال وقت السماع وعند النظر فإنّى أسترقُ منهم فيه وأدخل عليهم به قال فحكيت رؤیای لبعض المشايخ فقال لو رأيتُه قلتُ له يا أحمق من سمع منه إذا سمع ونظر إليه إذا نظر أتربح أنت عليه شيئًا أو تظفر منه بشيء فقلت صدقت وردت عائشة رضى الله تعالى عنها قالت
كانت عندى جارية تُسْمِعُنى فدخل رسول الله وهى على حالها ثم دخل عمر ففرت فضحك رسول الله فقال عمر ما يضحكك يا رسول الله فحدثه حديث
الجارية فقال لا أبرح حتى أسمع ما سمع رسول الله فأسمعته وذكر الشيخ أبو طالب المكي قال
كان لعطاء جاريتان تُلحنان وكان إخوانه يستمعون إليهما وقال أدركنا أبا مروان القاضي وله جوار يُسمعن التلحين أعدهن للصوفية
وهذا القول نقلته من قول الشيخ أبي طالب وعندى اجتناب ذلك هو الصواب وهو لا يسلم إلا بشرط طهارة القلب وغصن البصر والوفاء بشرط قوله تعالى يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ
وما هذا القول من الشيخ أبي طالب المكى إلا مستغرب عجيب والتنزّه عن مثل ذلك
هو الصحيح
۱ آية رقم 1 من سورة فاطر أذنا استماعا
۳ القينة الأمة مغنية كانت أو غير مغنية والحديث رواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب عن
فضالة بن عبيد بسند صحيح ٤ الآية 19 من سورة غافر

وفي الحديث في مدح داود عليه السلام أنه كان حسن الصوت بالنياحة على نفسه وبتلاوة الزبور حتى كان يجتمع الإنس والجن والطير لسماع صوته وكان يُحمل من مجلسه آلاف من الجنائز
وقال عليه السلام في مدح أبي موسى الأشعرى
لقد أعطى مزمارا من مزامير آل داود
وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال إن من الشعر لحكمة ۳
ودخل رجل على رسول الله وعنده قوم يقرءون القرآن وقوم يُنشدون الشعر فقال يا رسول الله قرآن وشعر فقال من هذا مرّة ومن هذا مرة
وأنشد النابغة 4 عند رسول الله أبياته التي فيها
ولا خير في حِلْمٍ إذا لم يكن له بَوادِر تحمى صفوه أن يُكدرا ولا خير في أمر إذا لم يكن له حكيم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال له رسول الله أحسنت يا أبا ليلى لا يَفْضض الله فاك
فعاش أكثر من مائة سنة وكان أحسن الناس نفرًا وكان رسول الله يضع لحسان منبرًا في المسجد فيقوم على المنبر قائما يهجو الذين كانوا يهجون
رسول الله
۱ قال العراقي لم أجد له أصلاً البخاري من حديث أبي بن كعب ۳ أحمد وأبو داود
٤ هو أبو ليلى حسان بن قيس بن عبد الله الجعدي العامري شاعر مغلق صحابي من المعمرين اشتهر في الجاهلية وسمى النابغة لأنه أقام ثلاثين سنة لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله وكان ممن هجر الأوثان ونهى عن الخمر قبل ظهور الإسلام ووقد على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وأدرك صفين فشهدها مع على وقد مات بأصبهان ٥٠هـ / ٦٧٠م بعد أن جاوز المائة [ انظر الإعلام للزركلي ج ۱ ص ۱۹ والإصابة ٣ ٥٣٧ وشرح شواهد المغنى
للسيوطي ص ٢٠٩]
٥ البزار وفيه يعلى بن الأشد وهو ضعيف
1 هو حسّان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصارى الصحابي شاعر النبي صلى الله عليه وسلم وأحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام وعمى قبل وفاته قال أبو عبيدة فضل حسان الشعراء بثلاثة كان شاعر الأنصار في الجاهلية وشاعر النبى فى النبوة وشاعر اليمانيين في الإسلام وكان شديد الهجاء فحل الشعراء توفى
بالمدينة سنة ٥٤هـ / ٦٧٤م
۷ رواه البخاري تعليقا وأبو داود والترمذي والحاكم متصلاً من حديث عائشة قال الترمذى حسن صحيح

ويقول النبي إن روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله ورأى بعض الصالحين أبا العباس الخضر قال فقلت له ما تقول في السماع الذي يختلف فيه أصحابنا
فقال هو الصفاء الزلال لا يثبت عليه إلا أقدام العلماء
ونقل عن ممشاد الدينوري قال رأيت رسول الله فى المنام فقلت يا رسول الله هل تنكر من هذا السماع شيئا
فقال ما أنكره ولكن قل لهم يفتتحون قبله بقراءة القرآن ويختمون بعده بالقرآن فقلت یا رسول الله إنهم يؤذونى وينبسطون فقال احتملهم يا أبا على هم أصحابك فكان ممشاد يفتخر ويقول كنانى رسول الله وأما وجه الإنكار فيه فهو أن يُرى جماعة من المريدين دخلوا فى مبادئ الإرادة ونفوسهم ما تمرنت على صدق المجاهدة حتى يحدث عندهم علم بظهور صفات النفس وأحوال القلب حتى تنضبط حركاتهم بقانون العلم ويعلمون ما لهم وعليهم مشتغلين به حكى أن ذا النون لما دخل بغداد دخل عليه جماعة ومعهم قوال فاستأذنوه أن يقول شيئًا فأذن له فأنشد القوال
واك عذبني فكيف به إذا احتن کا
صغيره
وأنت جمعت من قلـ
أما ترث
المكتب
ــوَى قد كان مشتركا
ب إذا ضحك الخلى بكـ
فطاب وقته وقام وتواجد وسقط على جبهته والدم يقطر من جبهته ولا يقع على الأرض ثم قام واحد منهم فنظر إليه ذو النون فقال اتق الله الذي يراك حين تقوم فجلس الرجل وكان جلوسه لموضع صدقه وعلمه أنه غير كامل الحال غير صالح للقيام متواجدًا فيقوم أحدهم من غير تدبر بصيرة وعلم في قيامه وذلك إذا سمع إيقاعا موزونا
بسمع يؤدى إلى طبع موزون فيتحرك بالطبع الموزون للصوت الموزون والإيقاع الموزون
۱ في الصحيحين أن عائشة قالت إن حسانًا كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البخاري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت يستشهد أبا هريرة أنشدك الله هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يا حسان أجب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أيده بروح القدس قال نعم – والحديث كله رواه أبو داود رقم ٥٠١٥
قوى واستحكم

۱
وينسبل حجاب نفسه المنبسط بانبساط الطبع الموزون على وجه القلب ويستفزه النشاط المنبعث من الطبع فيقوم يرقص رقصًا موزونًا ممزوجا بتصنّع وهو محرم عند أهل الحق ويحسب ذلك طيبةً للقلب وما رأى وجة القلب وطيبته ۳ الله تعالى ولعمرى وهو طيبة القلب ولكن قلب مُلوّن بلون النفس ميال إلى الهوى موافق للردى لا يهتدى إلى حسن النية في الحركات ولا يعرف شروط صحة الإرادات ولمثل هذا الراقص قيل الرقص نقص لأنه رقص مصدره الطبع غير مقترن بنية صالحة لا سيما إذا انضاف إلى ذلك شوب حركاته بصريح النفاق بالتودد والتقرب إلى بعض الحاضرين من غير نية بل بدلالة نشاط النفس من المعانقة وتقبيل اليد والقدم وغير ذلك من الحركات التي لا يعتمدها من المتصوفة إلا من ليس له من التصوّف إلا مجرد زى وصورة أو يكون القوّال أمرد تنجذب النفوس إلى النظر إليه وتستلذ ذلك وتضمر خواطر السوء أو يكون للنساء إشراف على الجمع وتتراسل البواطن المملوءة من الهوى بسفارة الحركات والرقص وإظهار التواجد فيكون ذلك عَيْنَ الفسق المجمع على تحريمه فأهل المواخير حينئذ أرجى حالاً ممن يكون هذا ضميره وحركاته لأنهم يرون فس قهم وهذا لا يراه ويُريه عبادة لمن لا يعلم ذلك أفترى أحدا من أهل الديانات يرضى بهذا ولا ينكره !! فمن هذا الوجه توجه للمنكر الإنكار وكان حقيقا بالاعتذار فكم من حركات موجبة للمقت وكم من نهضات تُذهب رونق الوقت فيكون إنكار المنكر على المريد الطالب يمنعـه عـن مثـل هذه الحركات ويحذره من مثل هذه المجالس وهذا إنكار صحيح
وقد يُرقص بعض الصادقين إيقاع ووزن من غير إظهار وجد وحال ووجه نيته في ذلك أنه ربما يوافق بعض الفقراء فى الحركة فيتحرك بحركة موزونة غير مدع بها حالاً ووجدا يجعل حركته فى طرف الباطل لأنها وإن لم تكن محرّمة في حكم الشرع كلها غير محللة بحكم الحال لما فيها من اللهو فتصير حركاته ورقصه من قبيل المباحات التي تجرى عليه من الضحك والمداعبة وملاعبة الأهل والولد ويدخل ذلك في باب
الترويح للقلب
1 ينسبل ينفتح
وفي نسخة أخرى وطيبته بالله تعالى
۳ مخر الذئب الشاة إذا شق بطنها والماخور بيت الريبة وهو أيضا الرجل الذي يلي ذلك البيت ويعود إليه وفي حديث زياد حين قدم البصرة أميرًا عليها ما هذه المواخير الشراب عليه حرام حتى تسوى بالأرض هدما وإحراقا هي جمع ماخور وهو مجلس الريبة ومجمع أهل الفسق والفساد وبيوت الخمارين ٤ وفي نسخة وقد يرقص بعض الصادقين بإيقاع ووزن

وربما صار ذلك عبادة بحسن النية إذا نوى به استجمام النفس كما نقل عن أبي الدرداء أنه قال
إني لأستجم نفسى بشيء من الباطل ليكون ذلك عونا لى على الحق ولموضع الترويح كرهت الصلاة فى أوقات ليستريح عُمّال الله وترتفق النفوس ببعض مآربها من ترك العمل وتَسْتَطيب أوطان المُهَل والآدمى بتركيبه المختلف وترتيب خَلقه المتنوع بتنوع أصول خلقته – وقد سبق شرحه في غير هذا الباب - لا تفى قواه بالصبر على الحق الصرف فيكون التفسح في ما ذكرناه من المباح الذي ينزع إلى لهو ما باطلاً يستعان به على الحق فإن المباح وإن لم يكن باطلاً في صيغة الشرع - لأن حد المباح ما استوى طرفاه واعتدل جانباه – ولكنه باطل بالنسبة إلى الأحوال
ورأيت في بعض كلام سهل بن عبد الله يقول في وصفه للصادق
4
أمثال
الصادق يكون جهله فريدًا لعلمه وباطله فريدًا لحقه ودنياه مزيدًا لآخرته ولهذا المعنى حبب إلى رسول الله له النساءُ ليكون ذلك خطّ نفسه الشريفة الموهوب لهـا حظوظها الموفّر عليها حقوقها الموضع طهارتها وقد سها فيكون ما هو نصيب للباطل الصرف في حق الغير من المباحات المقبولة برخصة الشرع المردودة بعزيمة الحال في حقه متسما بسمة العبادات
وقد ورد في فضيلة النكاح ما يدل على أنه عبادة ومن ذلك من طريق القياس اشتماله على المصالح الدينية والدنيوية على ما أطنب في شرحه الفقهاء في مسألة التخلى لنوافل العبادات فإذن يخرج هذا الراقص بهذه النية المتبرئ من دعوى الحال في ذلك من إنكار المنكر فيكون رقصه لا عليه ولا له وربما كان رقصه بحسن النية في الترويح يصير عبادة سيما إن أضمر في نفسه فرحًا بربه ونظر إلى شمول رحمته وعطفه
۱ استرواح
الرفق ضد العنف ورفقت به وارتفعت بمعنى واحد
۳ هو أبو محمد سهل بن عبد الله التسترى أحد أئمة الصوفية حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وكان يسأل عن دقائق الزهد والورع وفقه العبادة وهو ابن عشر فيحسن الإجابة وكان صاحب کرامات توفى سنة ۸۳ هـ ومن أقواله ما أعطى أحد شيئًا أفضل من علم يستزيد به افتقارا إلى الله ٤ المعجل

١٤
ولكن لا يليق الرقص بالشيخ ومن يُقتدى به لما فيه من مشابهة اللهو واللـهـو لا يليق بمنصبهم ويباين حال المتمكن مثل ذلك
وأما وجه منع الإنكار في السماع فهو أن المنكر للسماع على الإطلاق من غير تفصيل لا يخلو من أحد أمور ثلاثة إما جاهل بالسنن والآثار وإما مغتر بما أتيح له من أعمال الأخيار وإما جامد الطبع لا ذوق له فَيُصرُّ على الإنكار وكلّ واحد من هؤلاء الثلاثة يُقَابَل بما سوف يُقْبَل أما الجاهل بالسنن والآثار فيُعرف بما أسلفناه من حديث عائشة رضى الله تعالى عنها وبالأخبار والآثار الواردة فى ذلك وفى حركة بعض المتحركين يُعَرِّفُ رُخصة رسول الله للحبشة في الرقص ونظر عائشة رضى الله عنها إليهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا إذا سلمت الحركة من المكاره التي ذكرناها

وقد روى أن رسول الله قال لعلى رضى الله عنه أنت منى وأنا منك فحجل وقال لجعفر أشبهت خَلقى وخُلقى فَحجل وقال لزيد أنت أخونا ومولانا فَحَجل وكان حجل جعفر في قصة ابنة حمزة لما اختصم فيها على وجعفر وزيد
وأما المنكر المغرور بما أتيح له من أعمال الأخيار فيقال له تقربك إلى الله بالعبادة لنيتك لا لشغل جوارحك بها ولولا نية قلبك ما كان لعمل جوارحك قدر فإنما الأعمال بالنيات ولكل أمرىء ما نوى والنيّة لنظرك إلى ربك خوفاً أو رجاء فالسامع من الشعر بيتا يأخذ منه معنى يُذكره ربِّه إمّا فرحا أو حزنًا أو انكساراً أو افتقارا كيف يقلب في أنواع ذلك ذاكرًا لربّه ولو سمع صوت طائر طاب له ذلك الصوت فتفكر في قدرة الله تعالى وتسويته حنجرة الطائر وتسخيره خلفه ومنشأ الصوت وتأديته إلى الأسماع كان في جميع ذلك الفكر مسبحًا مقدسًا فإذا سمع صوت آدمى وحضره مثل ذلك الفكر وامتلاً باطنه ذكرًا وفكرًا كيف يُنكر ذلك!
حكى بعض الصالحين قال كنت معتكفا في جامع جُدة على البحر فرأيت يوما طائفة يقولون في جانب منه شيئًا فأنكرت ذلك بقلبي وقلت فى بيت من بيوت الله تعالى يقولون الشعرا | فرأيت رسول الله له فى المنام تلك الليلة وهو جالس في الناحية وإلى جانبه أبو بكر وإذا أبو بكر يقول شيئًا من القول والنبي يستمع إليه
۱ حجل الطائر والغلام وقف على رجل واحدٍ والمراد هنا الوثوب والرقص
تلك
حديث اختصم على وجعفر وزيد بن حارثة فى ابنه حمزة الخ رواه أبو داود من حديث على بسند حس

ويضع يده على صدره الكريم كالواجد بذلك فقلت في نفسي ما كان ينبغى لى أن أنكر على أؤلئك الذين كانوا يسمعون وهذا رسول الله له يسمع وأبو بكر إلى جنبه يقول فالتفت إلى رسول الله له وهو يقول هذا حق بحق أو حق من حق بلى إذا كان ذلك الصوت من أمرد يُخشى بالنظر إليه الفتنة أو من امرأة غير محرم وإن وجد من الأذكار والأفكار ما ذكرنا - يَحرُم سماعه لخوف الفتنة لا لمجرد الصوت ولكن يجعل سماع الصوت حريم الفتنة ولكل حرام حريم ينسحب عليه حكم المنع لوجه المصلحة كالقبلة للشاب الصائم حيث جعلت حريم حرام الوقاع وكالخلوة بالأجنبية وغير ذلك
فعلى هذا قد تقتضى المصلحة المنع من السماع إذا عُلم حال السامع ما يؤديه إليه سماعه فَيُجعل المنعُ حريم الحرام هكذا وقد يُنكر السماع جامد الطبع عديم الذوق فيقال له العنين لا يعلم لذة الوقاع والمكفوف ليس له بالجمال البارع استمتاع وغير المصاب لا يتكلم بالاسترجاع فماذا تُنْكِر من محب باطنه بالشوق والمحبة اويرى انحباس روحه الطيارة في مضيق النفس قفص الأمارة يمر بروحه نسيم أنس الأوطان وتلوح له طوالع جنود العرفان وهو بوجود النفس فى دار الغربة يتجرّع كأس الهجران يئن تحت أعباء المجاهدة ولا تحمل عنه سوانح ح المشاهدة ولما قطع منازل النفس بكثرة الأعمال لا يقرب من كعبة الوصال ولا يُكشف له المسبل من الحجاب فيتروح بتنفس الصعداء ويرتاح باللائح من شدّة البرحاء ويقول مخاطبًا للنفس والشيطان وهما المانعان
أبا جَبَلَى نَعمان بالله خَلْيا نسيم الصبا يخلُص إلى نسيمُها
مت
فإن الصبا ريح إذا ما تنس على قلب محزون تجلّت همومها أجد بردها أو تشف منى حرارة على كبد لم يبق الا صميمها ۱۰
ألا إن أدوائي بليلي قديم
۱ الأمرد الشاب الذي لم تنبت لحيته استرجع عند المصيبة إذ قال إنا لله وإنا إليه راجعون ۳ إلى الحضرة الإلهية
٤ يقول سنح لى الطير إذا مرّ من مياسرك إلى ميامنك
وأقتل داء العاشقين قديمها
ه وفى نسخة المسبل من الحجال والحجال جمع حجل وهو بيت العروس ٦ وفى نسخة فيستروح بتنفس الصعداء أن تنفس ممدود
۷ الشدائد
۸ المائعان من مشاهدة الجمال
۹ نعمان بفتح النون واد في طريق الطائف
۱۰ صميم الشيء خالصه

ولعل المنكر يقول هل المحبة إلا امتثال الأمر وهل يُعرف غير هذا وهل هناك إلا الخوف من الله تعالى ويُنكر المحبّة الخاصة التى تختص بالعلماء الراسخين والأبدال
المقربين
ولا تقرر في فهمه القاصر أن المحبة تستدعى مثالاً وخيالاً وأجناسًا وأشكالاً أنكر محبة القوم ولم يعلم أن القوم بلغوا فى رتب الإيمان إلى أتم من المحسوس وجادوا من فرط الكشف والعيان بالأرواح والنفوس
روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه ذكر غلاما كان فى بنى إسرائيل على جبل فقال لأمه من خلق السماء قالت الله قال من خلق الأرض قالت الله قال من خلق الجبال قالت الله قال من
خلق الغيم قالت الله فقال إنّى أسمع الله شأنا ورمي بنفسه من الجبل فتقطع فالجمال الأزلي الإلهي منكشف للأرواح غيرُ مُكيف للعقل ولا مفسر للفهم لأن العقل موكل بعالم الشهادة لا يهتدى من الله سبحانه إلا إلى مجرد الوجود ولا يتطرق إلى حريم الشهود المتجلّى في طي الغيب المنكشف للأرواح بلا ريب وهذه الرتبة من مطالعة الجمال رتبة خاصة وأعم منها من رتب المحبّة الخاصة دون العامة مطالعة جمال الكمال من الكبرياء والجلال والاستقلال بالمنح والنوال والصفات المنقسمة إلى ما ظهر منها في الآباد ولازمت الذات في الآزال
فللكمال جمال لايُدرك بالحواس ولا يستنبط بالقياس وفى مطالعة ذلك الجمال أخذ طائفة من المحبين خُصوا بتجلّى الصفات ولهم بحسب ذلك ذوق وشوق ووجد
وسماع
والأولون منحو قسطاً من تجلّى الذات فكان وجدهم على قدر الوجود وسماعهم على
حد الشهود وحكى بعض المشايخ قال
رأينا جماعة ممن يمشون على الماء والهواء يسمعون السماع ويجدون بـــه
ويتولهون ۱ عنده
1 يتحيّرون

وقال بعضهم كنا على الساحل فسمع بعض إخواننا فجعل يتقلب على الماء يمر ويجيء حتى رجع إلى مكانه
ونقل أن بعضهم كان يتقلب على النار عند السماع ولا يحس بها ونقل أن بعض الصوفية ظهر منه وجد عند السماع فأخذ شمعة فجعلها في عينه قال الناقل قَرُبْتُ من عينه أنظر فرأيت نارًا أو نورًا يخرج من عينه يردّ نار الشمعة وحكى عن بعضهم أنه كان إذا وجد عند السماع ارتفع من الأرض في الهواء أذرعا يمر ويجيء فيه
وقال الشيخ أبو طالب المكى رحمه الله تعالى في كتابه
إن أنكرنا السماع مجملاً مطلقاً من غير قيد مفصل يكون إنكارا على سبعين صديقا وإن كنا نعلم أن الإنكار أقرب إلى قلوب القرّاء والمتعبدين إلا أنا لا نفعل ذلك لأننا نعلم ما لا يعلمون وسمعنا عن السلف من الأصحاب والتابعين ما لم يسمعوا
وهذا قول الشيخ عن علمه الوافر بالسنن والآثار مع اجتهاده وتحريه الصواب ولكن نبسط لأهل الإنكار لسان الاعتذار ونوضح لهم الفرق بين سماع يُؤثر وبين سماع يُنكر وسمع الشبلي قائلاً يقول أسائل عن سلمى فهل مِن مُخْبرٍ يكون لــــه عِلْمٌ بها أين تنزل
فزعق الشبلي وقال لا والله ما فى الدارين عنه مُخبر
وقيل الوجد سرُّ صفات الباطن كما أن الطاعة سرُّ صفات الظاهر وصفات الظاهر الحركة والسكون وصفات الباطن الأحوال والأخلاق
وقال أبو نصر السرّاج أهل السماع على ثلاث طبقات
فقوم يرجعون في سماعهم إلى مخاطبات الحق لهم فـ فيما يسمعون
وقوم يرجعون فيما يسمعون إلى مخاطبات أحوالهم ومقامهم وأوقاتهم فهم مرتبطون بالعلم ومطالبون بالصدق فيما يشيرون إليه من ذلك
وقوم هم الفقراء المجرّدون الذين قطعوا العلائق ولم تتلوث قلوبهم بمحبة الدنيا والجمع والمنع فهم يسمعون بطيبة قلوبهم ويليق بهم السماعُ فهم أقرب الناس إلى السلامة وأسلمهم من الفتنة
وكل قلب ملوث بحب الدنيا فسماعه طبع وتكلف

وسئل بعضهم عن التكلف في السماع فقال هو على ضربين تكلف في المستمع لطلب جاءٍ أو منفعة دنيوية وذلك تلبيس وخيانة وتكلّف فيه لطلب الحقيقة كمن يطلب الوجد بالتواجد وهو بمنزلة التباكي المندوب
إليه
وقول القائل إن هذه الهيئة من الاجتماع بدعة !!
يقال له إنما البدعة المخدورة الممنوع منها بدعة تزاحم سنةً مأمورا بها وما لم يكن
هكذا فلا بأس به
وهذا كالقيام للداخل لم يكن فكان فى عادة العرب ترك ذلك حتى نقل أن رسول الله كان يدخل ولا يقام له وفي البلاد التي فيها هذا القيام لهم عادة إذا اعتمد ذلك لتطييب القلوب والمداراة لا بأس به لأن تركه يوحش القلوب ويوغر الصدور فيكون ذلك من قبيل العشرة وحسن الصحبة ويكون بدعة لا بأس بها لأنها لم تزاحم سنة مأثورة
1 يعنى لم يكن القيام في زمان النبي صلى الله عليه وسلم

۱۹
الباب الثالث والعشرون
في القول في السماع ردًا وإنكارا
قد ذكرنا وجه صحة السماع وما يليق فيه بأهل الصدق وحيث كثرت الفتنة بطريقه
وزالت العصمة فيه
وتصدى للحرص عليه أقوام قلت أعمالهم وفسدت أحوالهم وأكثروا الاجتماع للسماع وربما يُتَّخذ للاجتماع طعام تطلب النفوس الاجتماع لذلك لا رغبة للقلوب في كما كان من سير الصادقين فيصير السماع معلولاً تركن إليه النفوس طلبا
السماع للشهوات واستحلاء لمواطن اللهو والغفلات وينقطع بذلك على المريد طلب المزيد ويكون بطريقه تضييع الأوقات وقلة الحظ من العبادات وتكون الرغبة في الاجتماع طلبا لتناول الشهوة واسترواحا لأولى الطرب واللهو والعِشرة ولا يخفى أن هذا الاجتماع مردود عند أهل الصدق
فكان يقال لا يصح السماع إلا لعارف مكين ولا يباح لمريد مبتدئ وقال الجنيد رحمه الله تعالى إذا رأيت المريد يطلب السماع فاعلم أن فيه بقية
للبطالة
وقيل إن الجنيد ترك السماع فقيل له كنت تسمع فلم تمتنع فقال مع من قيل
له تسمع
أنت لنفسك فقال ممن
لأنهم كانوا لا يسمعون إلا
من أهل مع أهل فلما فقد الإخوان تُرك فما أختاروا السماع حيث اختاروه إلا بشرط وقيود و آداب يذكرون به الآخرة ويرغبون به في الجنة ويحذرون من النار ويزداد به طلبهم ويحسن به أحوالهم يتفق لهم ذلك اتفاقاً في بعض الأحايين لا أن يجعلوه دأبا وديدنا حتى يتركوا لأجله
الأوراد
وقد نقل عن الشافعي رضى الله تعالى عنه أنه قال في كتاب القضاء الغناء لهو
مكروه يشبه الباطل
وقال من استكثر منه فهو سفيه تُردُّ شهادته
۱ عادة وطبعا

واتفق أصحاب الشافعى على أن المرأة غير المحرَم لا يجوز الاستماع إليها سواء أكانت حرّة أو مملوكةً أو مكشوفة الوجه أو من وراء حجاب
ونقل عن الشافعي رضى الله تعالى عنه أنه كان يكره الطقطقة بالقضيب ويقول وضعه الزنادقة ليشغلوا به عن القرآن
وقال لا بأس بالقراءة بالألحان وتحسين الصوت بها بأي وجه كان
وعند مالك رضى الله تعالى عنه إذا اشترى جارية فوجدها مغنيةً فله أن يَرُدُّها بهذا العيب وهو مذهب سائر أهـل المدينة وهكذا مذهب الإمام أبي حنيفة رضى الله تعالى عنه وسماع الغناء من الذنوب وما أباحه إلا نفر قليل من الفقهاء ومن أباحه من الفقهاء أيضًا لم ير إعلانه في المساجد والبقاع الشريفة
وقيل في تفسير قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ۱ قال عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه هو الغناء والاستماع إليه وقيل في قوله تعالى وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ أي معْنُون رواه عكرمة عن عبد الله بن عباس ۳ رضى الله تعالى عنهما وهو الغناء بلغة حمير يقول أهل اليمن سَمِد فلان إذا غنى وقوله تعالى وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال مجاهد الغناء والمزامير وروى عن رسول الله أنه قال كان إبليس أول من ناح وأول من غنى وروى عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه أن النبي قال إنما نهيت عن صوتين فاجرين صوت عند نعمة وصوت عند مصيبة
وقد رُوي عن عثمان رضى الله تعالى عنه أنه قال
ما غنيّت ولا تمنيت ولا مسست ذکری بیمینی منذ بايعت رسول الله
وروى عن عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه أنه قال الغناء ينبت النفاق
في القلب
۱ آية رقم ٦ من سورة لقمان
آية رقم ٦١ من سورة النجم
۳ رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ٤ آية رقم ٦٤ من سورة الإسراء

وروى أن ابن عمر رضى الله تعالى عنه مرّ على قوم وهم محرمون وفيهم رجل
يتغنى فقال
ألا لا الله سمع
الا لا لكم
الله
سمع
لكم
وروى أن إنسانًا سأل القاسم بن محمد عن الغناء فقال أنهاك عنه وأكرهه لك
قال أحرام هو قال انظر يا ابن أخي إذا ميز الله الحق والباطل في أيهما تجعل الغناء وقال الفضيل بن عياض الغناء رقية الزنا
وعن الضحاك الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب
وقال بعضهم إياكم والغناء فإنه يزيد الشهوة ويهدم المروءة وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر
وهذا الذي ذكره هذا القائل صحيح لأن الطبع الموزون يفيق بالغناء والأوزان ۳ ويستحسن صاحب الطبع عند السماع ما لم يكن يستحسنه من الفرقعة بالأصابع والتصفيق والرقص وتصدر منه أفعال تدل على سخافة العقل
وروى عن الحسن أنه قال ليس الدفّ من سنة المسلمين والذي نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع الشعر لا يدل على إباحة الغناء فإن الشعر كلام منظوم وغيره كلام منثور فحسَنُه حَسَن وقبيحه قبيح وإنما يصير غناء
بالألحان
وإن أنصف المنصف وتفكر في اجتماع أهل الزمان وقعود المغنّى بدقه والمشبب بشبابته وتصور في نفسه هل وقع مثل هذا الجلوس والهيئة بحضرة رسول الله وهل استحضروا قولا وقعدوا مجتمعين لاستماعه لا شك بأنه ينكر ذلك من حال٣ رسول الله وأصحابه ! ولو كان فى ذلك فضيلة تطلب ما أهملوها فمن يشير بأنه
۱ هو أبو على الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي ولد بخراسان ومات بمكة سنة سبع وثمانين ومائة ۸۰۳م كان إماماً ربانياً شديد الخوف دائم الفكر ومن كلامه جعل الله الشر كله فى بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا وجعل الخير كله فى بيت وجعل مفتاحه الزهد فيها وقال يهابك الخلق على قدر هيبتك الله انظر في ترجمته الرسالة القشيرية جـ ۱ صـ ۱۷ وطبقات الصوفية وتذكرة الحفاظ والأعلام للزركلي] الأوزان الأشعار
۳ وفي نسخة لا شك بأن تنكر ذلك من حال بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى على قوله من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم أى أخذ من حاله واستدلالاً به حيث كان لا يفعل ذلك

فضيلة تُطلب ويُجتمع لها لم يحظ بذوق معرفة أحوال رسول الله وأصحابه والتابعين واستروح إلى استحسان بعض المتأخرين ذلك
وكثيرا ما يغلط الناس في هذا وكلما احتج عليهم بالسلف الماضين يحتجون بالمتأخرين ! ! وكان السلف أقرب إلى عهد رسول الله وهديهم أشبه بهدى رسول الله وكثير من الفقراء يتسمح عند قراء القرآن بأشياء من غير غلبة
قال عبد عنهما
الله بن عروة بن الزبير قلت لجدتي أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله
كيف كان أصحاب رسول الله يفعلون إذا قرىء عليهم القرآن
قالت كانوا كما وصفهم الله تعالى تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم قال قلت إن أناسًا اليوم إذا قرى عليهم القرآن خَرِّ أحدهم مغشيا عليه !! قالت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وروى أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما مرّ برجل من أهل العراق يتساقط قال ما لهذا قالوا إنه إذا قرىء عليه القرآن وسمع ذكر الله تعالى سقط فقال ابن عمر رضی الله عنهما إنا لنخشى الله وما نسقطا ! إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم ما هكذا كان يصنع أصحاب رسول الله
وذكر عند ابن سيرين الذين يصرعون إذا قرىء القرآن فقال بيننا وبينهم أن يقعد واحد منهم على ظهر بيت باسطاً رجليه ثم يُقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره فإن رمى بنفسه فهو صادق وليس هذا القول منهم إنكارا على الإطلاق إذ يتفق ذلك لبعض الصادقين ولكن للتصنع المتوهّم فى حق الأكثرين فقد يكون ذلك من البعض تصنعا ورياء ويكون من البعض لقصور علم ومخامرة جهل ممزوج بهوى يُلم بأحدهم يسير من الوجد فيتبعه بزيادات يجهل أن ذلك يضرُّ بدينه وقد لا يجهل أن ذلك من النفس ولكن النفس تسترق السمع استراقاً خفيًا يُخرج الوجدَ عن الحد الذى ينبغى أن يقف عليه وهذا يباين
الصدق
۱ وفي نسخة عند قراءة القرآن

نقل أن موسى عليه السلام وعظ قومه فشق رجل منهم قميصه فقيل لموسى عليه
السلام
قل لصاحب القميص لا يشق قميصه ويشرح قلبه
وأما إذا انضاف إلى السماع أن يسمع من أمرد فقد توجهت الفتنة وتعين على أهل
الديانات إنكار ذلك
قال بقية بن الوليد كانوا يكرهون النظر إلى الغلام الأمرد الجميل
وقال عطاء كل نظرة يهواها القلب فلا خير فيها
وقال بعض التابعين ما أنا أخوف على الشاب التائب من السبع الضارى خوفي عليه من الغلام الأمرد يقعد إليه
وقال بعض التابعين أيضًا اللوطية على ثلاثة أصناف
صنف ينظرون وصنف يصافحون وصنف يعملون ذلك العمل
فقد تعيّن على طائفة الصوفية اجتناب مثل هذه الجماعات واتقاء مواضع التهم فإنّ أمر التصوف صدق كله وجد كله يقول بعضهم
التصوف كله جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل
فهذه الآثار دلّت على اجتناب السماع وأخذ الحذر منه
والباب الأول بما فيه دلّ على جوازه بشروطه وتنزيهه عن المكاره التي ذكرناها وقد فصلنا القول وفرقنا بين القصائد والغناء وغير ذلك
وكان جماعة من الصالحين لا يسمعون ومع ذلك لا يُنكرون على من يسمع حسنة ويراعى الأدب فيه
بنية

14
٢٤
الباب الرابع والعشرون
في القول في السماع ترفعا واستغناء
ومن
اعلم أن الوجد يُشعر بسابقة فقد فمن لم يفقد لم يجد وإنما كان الفقد لمزاحمة وجودِ العبد بوجود صفاته وبقاياه فلو تمحض عبد لتمحض حرا تَمحَضَ حُرًا أفلت من شرك الوجد فشرك الوجد يصطاد البقايا ووجود البقايا لتخلف شيء من العطايا قال الحصري رحمه الله تعالى ما أدون حال من يحتاج إلى مزعج يُزعجه فالوجد بالسماع في حق المُحقِّ كالوجد بالسماع في حق المبطل من حيث النظر إلى
انزعاجه وتأثر الباطن به وظهور أثره على الظاهر وتغييره للعبد من حال إلى حال وإنما يختلف الحال بين المحق والمبطل إن المبطل يجد لوجود هوى النفس والمحـقُ يجد لوجود إرادة القلب ولهذا قيل السماعُ لا يُحدث فى القلـب شيئًا إنما يُحرك ما في القلب فمن يتعلق باطنه بغير الله يُحركه السماع فيجد بالهوى ومن يتعلق باطنه بمحبة الله يجد بالإرادة إرادة القلب فالمبطل محجوب بحجاب النفس والمحـق محجوب بحجاب القلب وحجاب النفس حجاب أرضى ظلماني وحجاب القلب حجاب سماوي نوراني ومن لم يفقد بدوام التحقق بالشهود ولا يتعثر بأذيال الوجود ولا يجد ومن هذه المطالعة قال بعضهم أنا رَدْمٌ كله لا ينفذ في قول ومر منشاد الدينوري رحمه الله بقوم فيهم قوّال فلما رأوه أمسكوا فقال ارجعوا إلى ما كنتم فيه فوالله لو جمعت ملاهى الدنيا في أذنى ما شغل همّى ولا شفى بعض ما بی
فلا
يسمع
فالوجدُ صراح الروح المبتلى بالنفس تارةً في حق المبطل وبالقلب تارة في حق المحق فمثارُ الوجدِ الرّوح الروحاني في حق المحق والمبطل
1 وفى نسخة فلو تمحض عبدا تمحض حرا
الشرك بفتح الراء = الحبالة والفخ
۳ من الدناءة
٤ وفي نسخة فمن متعلق
٥ الردم = الصلب من الجدار والتعثر = السقوط والزلل
٦ من كبار رجال التصوف كان عالماً عابداً زاهدًا صحب ابن الجلاء ومات سنة ٢٩٩ هـ ومن أقواله
إنما ورث الحكماء الحكمة بالصمت والتفكر

۵
ويكون الوجد تارة من فهم المعانى يظهر وتارة من مجرد النغمات والألحان فما كان من قبيل المعانى تُشارك النفس الروح فى السماع فى حق المبطل ويُشارك القلب الروح في
حق المحق
وما كان من قبيل مجرد النغمات تتجرّدُ الروح للسماع ولكن في حق المبطل نَسْتَرِقُ النفس السمع وفي حق المحق يسترقُ القلب السمع
ووجه استلذاذ الروح النغمات أن العالم الروحانى مجمع الحسن والجمال ووجـود التناسب فى الأكوان مستحسن قولاً وفعلاً ووجود التناسب في الهياكل والصور ميراث الروحانية فمتى سمع الروحُ النغمات اللذيذة والألحان المتناسبة تأثر به لوجود الجنسية ثم يتقيد ذلك بالشرع لمصالح عالم الحكمة ورعاية الحدود للعبد عين المصلحة
عاجلا وآجلا
الروح
ووجه آخر إنما يستلذ الروح النغمات لأن النغماتِ بها نُطق النفس مع بالإيماء الخفي إشارة ورمزا بين المتعاشقين وبين النفوس والأرواح تعاشق أصلى ينزع ذلك إلى أنوثة النفس وذكورة الروح والميل والتعاشق بين الذكر والأنثى بالطبيعة واقع قال الله تعالى ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۱ وفى قوله تعالى منها إشعار بتلازم وتلاصق موجب للائتلاف والتعاشق فالنغمات يستلذها الروح لأنها مناغاة بين المتعاشقين وكما أنّ فى عالم الحكمة كونت حوّاء من آدم ففي عالم القدرة كونت النفس من الروح الروحانى فهذا التألفُ من هذا الأصل وذلك أن النفس روح حيواني تجنست بالقرب من الروح الروحاني وتجنسها بأن امتازت من أرواح جنس الحيوان بشرف القرب من الروح الروحاني فصارت نفسًا فإذن تكون النفس من الروح الروحانى فى عالم القدرة كتكوّن حواء من آدم في عالم الحكمة فهذا التآلف والتعاشق ونسبة الأنوثة والذكورة من ها هنا ظهر وبهذا الطريق استطابت الروحُ النغمات لأنها مراسلات بين المتعاشقين ومكالمة بينهما وقد قال
القائل
تكلم منا في الوجوه عيـونـنـا فنحن سكوت والهوى يتكلم
۱ آية رقم ۱۸۹ من سورة الأعراف
المراد بالمناغاة هنا المكالمة والمناجاة وفى اللغة معناها ملاعبة الحبيب
۳ وقبل ذلك البيت تشير فأدرى ما تقول بطرفها واطرق طرفي عند ذاك فَتَعْلَمُ

٢٦
فإذا استلذ الروح النغمة وجدت النفس المعلولةُ بالهوى وتحركت بما فيها من الصفات الحدوث العارض ووجد القلب المعلول بالإرادة وتحرّك بما فيه لوجد العارض في
الروح
شربنا وأهرقنا على الأرض جرعة وللأرض من كأس الكرام نصيب فنفس المبطل أرض السماء قلبه وقلب المحقِّ أرض لسماء روحه فالبالغ مبلغ الرجال والمتجوهر المتجرّد من أعراض الأحوال خلع فَعْلى النفس والقلب بالوادي المقدس وفي مقعد صدق عند مليك مقتدر استقر وعرس وأحرق بنور العيان أجرام الألحان ولم تصغ روحه إلى مناغاة عاشقه لشغله بمطالعة آثار محبوبه والهائم المشتاق لا يسعه كشف ظلامة العشاق ومَنْ هذا حاله لا يُحركه السماع رأسا وإذا كانت الألحان لا تلحق هذه الروح مع لطافة مناجاتها وخفى لطفى مناغاتها كيف يلحقه السماع بطريق فهم المعاني وهو أكثف
ومن يضعف عن حمل لطيف الإشارات كيف يتحمّل ثقل أعباء العبارات! وأقرب من هذا عبارةً تَقْرُبُ إلى الأفهام الوجدُ وارد يرد من الحق سبحانه وتعالى ومن يريد الله لا يقنع بما هو من عند الله ومن صار في محلّ القرب متحققا به لا يلهيه ولا يُحركه ما ورد من عند الله فالوارد من عند الله مُشعرُ ببُعد والقريب واجد فما يصنع بالوارد والوجد نار والقلب الواجد رَبَّه نُورٌ والنور ألطف من النار والكثيف غير مسيطر على اللطيف فما دام الرجل البالغ مستمرًا على جادة استقامته غير منحرف عن وجه معهوده بنوازع وجوده لا يدركه الوجد بالسماع فإن دخل عليه فتور أو عاقه قصور بدخول الابتلاء عليه من المبتلى المحسن يتألف المحن من تفاريق صور الابتلاء أى يدخل عليه وجود يدركه الواجد لعود عند الابتلاء إلى حجاب القلب فمن
٤
هو مع الحق إذا ذل وقع على القلب ومن هو مع القلب إذا زل وقع على نفس سمعت بعض مشايخنا يحكى عن بعضهم أنه وجد من السماع فقيل له أين حالك من هذا فقال دخل على داخل أوردنى هذا المورد
1 التعريس النزول في السفر آخر الليل
الظلامة والظليمة والمظلمة ما تطلبه عند الظالم وهو اسم ما أخذ منك
۳ أي غير غالب
٤ وفى نسخة عن وجهة معبوده
٥ وفي نسخة يتولد المحن

قال بعض أصحاب سهل صحبت سهلا سنين ما رأيته تغير عند شيء كان يسمعه من الذكر والقرآن فلما كان في آخر عمره قرى عنده فالْيَوْمَ لَا يُؤْخَدُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ فارتعد وكاد يسقط فسألته عن ذلك قال نعم لحقنى ضعف وسمع مرة الْمُلكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ الرحمن فاضطرب فسأله ابن سالم وكان صاحبه قال قد ضَعُفت فقيل له إن كان هذا من الضعف فما القوة قال القوة أن [ الكامل ] لا يرد عليه وارد
إلا يبتلعه بقوة حاله فلا يغيره الوارد
ومن هذا من القبيل قولُ أبي بكر رضى الله تعالى عنه هكذا كنا حتى قست القلوب لما رأى الباكي يبكى عند قراءة القرآن وقوله قست أي تصلبت وأدمنت سماع القرآن وألقت أنواره فما استغربته حتى تتغير والواجدُ المستغرب لهذا قال بعضهم حالى قبل الصلاة كحالي في الصلاة إشارة منه إلى استمرار حال الشهود فهكذا في السماع كقبل السماع وقد قال الجنيد لا يَضُر نقصان الوجد مع فضل العلم وفضل العلم أتم من فضل
الوجد
وبلغنا عن الشيخ حماد رحمه الله كان يقول البكاء من بقية الوجود وكل هذا يقرب البعض من البعض فى المعنى لمن عرف الإشارة فيه وقهم وهو عزيز الفهم عزيز
الوجود
واعلم
أن للباكين عند السماع مواجيد مختلفة فمنهم من يبكى خوفا وفيهم من يبكى شوقاً ومنهم من يبكى فرحا كما قال القائل
طفح السرور على حتى أننى من فرط ما قد سرني أبكاني قال الشيخ أبو بكر الكتاني ٦ رحمه الله تعالى سماع العوام على متابعة الطبع وسماع المريدين رغبة ورهبةً وسماع الأولياء رؤية الآلاء والنعماء وسماع العارفين
1 أية رقم ١٥ من سورة الحديد ٢ أية رقم ٢٦ من سورة الفرقان
۳ كلمة الكامل التي بين القوسين زائدة في بعض النسخ
٤ وفى نسخة كالمستغرب
0 وفى نسخة الوجد
٦ هو محمد بن على بن جعفر وكنيته أبو بكر كان أحد الأئمة فى التصوف بغدادى الأصل صحب الجنيد والخراز والنورى وجاور بمكة إلى أن مات سنة ٣٢٢هـ وحكى عن أبي محمد المرتعش أنه كان يقول الكناني سراج
الحرم

على المشاهدة وسماع أهل الحقيقة على الكشف والعيان ولكل واحد من هؤلاء مصدر ومقام
وقال أيضا الموارد ترد فتصادف شكلاً أو موافقة فأى وارد شكلا مازجه وأى وارد صادف موافقاً ساكنة وهذه كلها مواجيد أهل السماع وما ذكرناه حال من ارتفع عن
السماع
وهذا الاختلاف ينزل على اختلاف أقسام البكاء التي ذكرناها من الخوف
والشوق والفرح وأعلاها بكاء الفرح بمثابة قادم يقدم على أهله بعد طول غربته فعند رؤية الأهل يبكي من قوة الفرح وكثرته وفي البكاء رتبة أخرى أعزّ من هذه يَعزُّ ذكرها ويكبرُ نشرها لقصور الأفهام عن إدراكها فربما يُقابل ذكرها بالإنكار ويخفى ۳ بالاستكبار ولكن يعرفها من وجدها قدما ووصولاً أو فهمها نظرًا كثيرًا ومثولاً ۳ وهو بكاء الوجدان غيرُ بكاء الفرح وحدوث ذلك في بعض مواطن حق اليقين ومن حق اليقين فى الدنيا إلمامات يسيرة فيوجد البكاء في بعض مواطنه لوجود تغاير وتباين بين المحدّث والقديم فيكون البكاء رشحا هو وصف الحدثان لوهج سطوة عظمة الرحمن ويقرب من ذلك مثلاً في الشاهد قطر الغمام بتلاقي مختلف الأجرام وهذا وإن عَزّ مُشعر تقدح ببقية العبد فى صرف الغناء نعم قد يتحقق العيد فى الغناء متجردًا عن الآثار منغمسًا في الأنوار ثم يُرقى منه إلى مقام البقاء ويُرَدُّ إليه الوجودُ مُطَهِرًا فتعود إليه أقسام البكاء خوفا وشوقا وفرحا ووجدانا بمشاكلة صورها ومباينة حقيقتها بفرق لطيف يدركه أربابه وعند ذلك يعود عليه من
وره
4
السماع أيضًا قسمٌ وذلك القسم مقدور له مقهور معه يأخذه إذا أراد ويرده إذا أراد يكون هذا السماع من المتمكن بنفس اطمأنت واستنارت وباينت طبيعتها واكتسبت طمأنينتها وأكسبها الروح معنى منه فيكون سماعه نوع تمتع للنفس كتمتعها بمباحات اللذات والشهوات لا أن يأخذ السماعُ منه أو يزيد به أو يظهر عليه منه أثر فتكون النفس في ذلك بمثابة الطفل فى حجر الوالد يُفرّحه فى بعض أوقاته ببعض مآربه
۱ وفى نسخة الوارد يرد فيصادق
وفي نسخة ويُجفي
۳ مثل بين يديه مثولاً أي انتصف قائمًا
٤ الوهج الحرارة

فإنها
ومن هذا القبيل ما نقل أن أبا محمد الراشنى كان يُشغل أصحابه بالسماع وينعزل عنهم ناحية يصلى فيها فقد تطرق النغمات مثل هذا المصلى فتتدلى إليها النفس متنعمة بذلك فيزداد موارد الروح من الأنس صفاء عند ذلك لبعد النفس عن الروح فى تمتعها مع طمأنينتها بوصفي من الأجنبية بوضعها وجلبتها وفى بعدها توفير أقسام الروح من الفتوح ويكون طُروقُ الألحان سَمْتَه في الصلاة غير حائل بينه وبين حقيقة المناجاة وفهم تنزيل الكلمات وتصل الأقسام إلى محالها غير مُزاحِيةٍ ولا مُزاحمة وذلك كله لسعة شرح الصدر بالإيمان والله المحسن المنّان ولهذا قيل السماع لقوم كالدواء ولقـوم كالغذاء ولقوم كالمروحة
ومن عود أقسام البكاء ما روى أن رسول الله الله قال لأبى اقرأ فقال أقرأ عليك وعليك أنزل فقال أحب أن أسمعه من غيرى فافتتح سورة النساء حتى بلغ قوله تعالى فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أمة بشهيد وجئنا بك عَلَى هَؤلاء شَهِيدًا فإذا عيناه تَهْمُلان
۳
وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر واستلمه ثم وضع شفتيه عليه طويلاً يبكي وقال يا عمر هاهنا تُسكب العبرات والمتمكن يعود إليه أقسام البكاء وفي ذلك فضيلة سألها النبي صلى الله عليه وسلم فقال اللهم ارزقني عينين هَطالتين
ويكون البكاء في الله ويكون الله ويكون بالله - وهو الأتـم – لعوده إليـه بوجـود مستأتف موهوب له من الكريم المنان في مقام البقاء
۱ آية رقم ٤١ من سورة النساء
الهملان فيض الدمع والحديث رواه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود وكذلك الترمذي
۳ رواه الحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي

الباب الخامس والعشرون
في القول في السماع تأدبا واعتناء
1
ويتضمن هذا الباب آداب السماع وحكم التخريق وإشارات المشايخ في ذلك وما في ذلك من المأثور والمحذور مبنى التصوف على الصدق فى سائر الأحوال وهو جد كله لا ينبغي للصادق أن يتعمد الحضور في مجمع يكون فيه سماعٌ إلا بعد أن يُخلص النية الله تعالى ويتوقع بـه مزيدا في إرادته وطلبه ويحذر من ميل النفس لشيء من هواها ثم يقدم الاستخارة للحضور ويسأل الله تعالى إذا عزم البركة فيه وإذا حضر يلزم الصدق والوقار يسكون الأطراف قال أبو بكر الكتاني رحمه الله المستمع يجب أن يكون في السماع غير مستروح إليه يُهيج منه السماعُ وجدا أو شوقا أو غلبة أو واردا فالوارد عليه يغنيه عن كل حركة وسكون فيتّقى الصادق استدعاء الوجد ويجتنب الحركة فيه مهما أمكن لاسيما بحضرة الشيوخ
حكى أن شاباً كان يصحب الجنيد رحمه الله تعالى وكلما سمع شيئا زعق وتغير فقال له يوما إن ظهر منك شيء بعد هذا فلا تصحبني فكان بعد ذلك يضبط نفسه وربما كان من كل شعرة منه تقطر قطرة غرق فلما كان يوما من الأيام زعق زعقة فخرج
روحه
فليس من الصدق إظهار الوجد من غير وجد نازل أو ادّعاء الحال من غير حاصل وذلك عن النفاق
وقيل كان النصراباذي رحمه الله تعالى كثير الولع بالسماع فعوتب في ذلك فقال نعم هو خيرٌ من أن نقعد ونغتاب فقال له أبو عمرو بن نجيد وغيره من
۱ اهتماما
وفي نسخة وجدا أو شوقاً أو غلبة الوارد عليه يغنيه عن إلخ
۳ كان شيخ خراسان في وقته جاور بمكة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ومات بها سنة سبع وستين وثلاثمائة وكان عالما بالحديث كثير الرواية ومن كلامه أصلا التصوّف ملازمة الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع وتعظيم حرمات المشايخ ورؤية أعذار الخلق والمداومة على الأوراد وترك ارتكاب الرخص والتأويلات ومن كلامه أيضا الأشياء أدلة منه ولا دليل عليه سواه
[ انظر في ترجمته الجزء الأول من الرسالة القشيرية صـ ۱۸۰ نشر دار المعارف - طبعة جديدة ]
٤ هو أبو عمرو إسماعيل بن نجيد توفى بمكة سنة ست وستين وثلاثمائة من الهجرة صحب أبا عثمان الحيرى ولقى الجنيد وأخذ الحديث عن أحمد بن حنبل وأسند الحديث ورواه وكان ثقة وسئل عن التوكل

إخوانه هيهات يا أبا القاسم ! زَلَّةٌ في السماع شر من كذا وكذا نغتاب الناس وذلك أن زلة السماع إشارة إلى الله تعالى وترويح ! للحال بصريح المحال وفي ذلك ذنوب متعددة منها أنه يكذب على الله تعالى أنه وهب له شيئًا وما وهب له !! والكذب على الله تعالى من أقبح الزلات ومنها أن يفر بعض الحاضرين فيحسن به الظن والاغترار خيانة وقال عليـه الصلاة والصلام من غشنا فليس منا ٢ ومنها أنه إذا كان مبطلاً ويُرى بعين الصلاح فسوف يظهر منه بعد ذلك ما يفسد عقيدة المعتقد فيه فتنفسد عقيدته فى غيره ممن يظن به الخير من أمثاله فيكون متسببًا إلى فساد العقيدة في أهل الصلاح ويدخل بذلك ضرر على الرجل الحسن الظن من فساد عقيدته فينقطع عنه مدد الصالحين ويتشعب من هذا آفات كثيرة يعثر عليها من
يبحث عنها
ومنها أنه يُحوج الحاضرين إلى موافقته في قيامه وقعوده فيكون متكلفا مكلفا للناس بباطله ويكون فى الجمع من يرى بنور الفراسة أنه مُبطل ويحمل على نفسه الموافقة للجمع مداريا ويكثر شرح الذنوب فى ذلك فليتق الله ربه ولا يتحرك إلا إذا صارت حركته كحركة المرتعش الذى لا يجد سبيلا إلى الإمساك وكالعاطس الذي لا يقدر أن يرد العطسة وتكون حركته بمثابة النفس الذى يتنفس تدعوه إلى التنفس داعية الطبع قهرا قال السرى شرط الواجد في زعقته أن يبلغ إلى حد لو ضُرب وجهه بالسيف لا يشعر
فيه بوجع وقد يقع هذا البعض الواجدين نادرًا وقد لا يبلغ الواجد هذه الرتبة من الغيبة ولكن زعقته تخرج كالتنفس بنوع إرادة ممزوجة بالاضطرار
فهذا الضبط من رعاية الحركات وردّ الزعقات وهو فى تمزيق الثياب آكد فإن ذلك يكون إتلاف المال وإنفاق المحال وهكذا رمى الخرقة إلى الحادي لا ينبغي أن يُفعل إلا إذا حضرته نيّة يجتنب فيها التكلف والمراءاة
فقال أدناه حسن الظن بالله تعالى والمتوكل الذى يرضى بحكم الله تعالى فيه يرجع في ترجمته إلى ص ١٧١ من الجزء الأول من الرسالة القشيرية - نشر دار المعارف
1 وفى نسخة والإغرار
الترمذي عن أبي هريرة بسند صحيح

وإذا حسنت النيّةُ فلا بأس بإلقاء الخرقة إلى الحادى فقد روى عن كعب بن زهير أنه دخل على رسول الله له المسجد وأنشده أبياته التي أولها
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
حتى انتهى إلى قوله فيها
1
إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول فقال له رسول الله من أنت فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله أنا كعب بن زهير فرمى رسول الله البردة كانت عليه فلما كان زمن معاوية بعث إلى كعب بن زهير بعنا بُردة رسول الله بعشرة آلاف فوجه إليه ما كنت لأوثر بثوب رسول الله له أحدا فلما مات كعب بعث معاوية إلى أولاده بعشرين ألفا وأخذ البردة وهى البردة الباقية عند الإمام الناصر لدين الله اليوم أعاد الله بركتها على أيامه الزاهرة وللمتصوفة آداب يتعاهدونها ورعايتها حُسنُ الأدب في الصحبة والمعاشرة وكثير من السلف لم يكونوا يعتمدون ذلك ولكن كل شيء استحسنوه وتواطئوا عليه ولا ينكره الشرع لاوجه للإنكار فيه فمن ذلك أن أحدهم إذا تحرك في السماع فوقعت منه خرقة أو نازلة وجد فرمى عمامته إلى الحادى فالمستحسَنُ عندهم موافقة الحاضرين لـه في كشف الرأس إذا كان ذلك من متقدم وشيخ
وإن كان ذلك من الشبان في حضرة الشيوخ فليس على الشيوخ موافقة الشبان في ذلك وينسحب حكم الشيوخ على بقية الحاضرين في ترك الموافقة للشبان فإذا سكتوا عن السماع يُرد الواجد إلى خرقته ويوافقه الحاضرون برفع العمائم ثم ردها على الرءوس في الحال للموافقة والخرقة إذا رميت إلى الحادى هى للحادى إذا قصد إعطاؤه إياها وإن لم يقصد إعطاءها للحادى فقد قال بعضهم هى للحادى لأن المحرّك هو ومنه صدر الموجب لرمى الخرقة
۱ هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني شاعر من أهل نجد اشتهر في الجاهلية ولما ظهر الإسلام هجا النبي صلى الله عليه وسلم فهدر الرسول عليه السلام دمه فجاءه كعب مستسلما مستأمنا وأنشده لاميته المشهورة التي مطلعها بانت سعاد فقلبي اليوم متبول فعفا عنه النبي صلى اله عليه وسلم وخلع عليه بردته وهو من أعرق الناس شعرا قابوه زهير بن أبي سلمى وأخوه بجير وابناء عقبة والقوام كلهم شعراء وتوفى سنة ٣٦ هـ / ٦٤٥م انظر ترجمته في ص ۸۱۱ جـ ٣ من كتاب الأعلام للزركلي
رواه ابن سحاق بسنده وفيه القصيدة بطولها بدون ذكر البردة

۳۳
وقال بعضهم هى للجمع والحادى واحد منهم لأن المحرك قول الحادى مع بركة الجمع فإن بركة الجمع في إحداث الوجد وإحداث لوجد لا تتقاصر عن قول القائل فيكون الحادى واحدا منهم في ذلك
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر من وقف بمكان كذا فله كذا ومن قتل كذا فله كذا ومن أسر فله كذا فتسارع الشبان وأقام الشيوخ والوجوه عند الرايات فلما فتح الله على المسلمين طلب الشبانُ أن يُجعل ذلك لهم فقال الشيوخ كنا لكم ظهرا وردا فلا تذهبوا بالغنائم دوننا فأنزل الله تعالى يَسْأَلُونَكَ عَن الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ الله وَالرَّسُول ۱ فقسم النبي بينهم بالسوية
وقيل إذا كان القوّال من القوم يجعل كواحد منهم وإذا لم يكن من القوم فما كان له قيمةٌ يُؤثر به وما كان من خرق الفقراء يقسم بينهم
وقيل إن كان القوّال أجيرًا فليس له منها شيء وإذا كان متبرعا يؤثر بذلك وكل هذا إذا لم يكن هناك شيخ يحكم فأما إذا كان هناك شيخ يهاب ويُمتثل أمره فالشيخ يحكم في ذلك بما يرى فقد تختلف الأحوال في ذلك وللشيخ اجتهاد فيفعل ما يرى فلا اعتراض لأحدٍ عليه وان
فداها بعض المحبين أو بعض الحاضرين فرضى القوّالُ والقومُ بما رَضُوا بـه وعـاد كل واحد منهم إلى خرقته فلا بأس بذلك وإذا أصرّ واحد على الإيثار بما خرج منه النية له في ذلك يُؤثر بخرقته الحادى
وأما تمزيق الخرقة المجروحة التي مزقها واجد صادق عن غلبةٍ سَلَبت اختياره كغلبة النفس فمن يتعمد إمساكه فنيتُهُم فى تفرقتها وتمزيقها التبرك بالخرقة لأن الوجد أثر من آثار فضل الحق وتمزيق الخرقة أثر من آثار الوجد فصارت الخرقة متأثرة بأثر ربانى من حقها أن تُفدّى بالنفوس وتُترك على الرءوس إكراما وإعزازا

تُضَوع أرواح تجد من ثيابهم يومَ القُدوم لقـــرب العهد بالدار كان رسول الله يستقبل الغيث ويتبرك به ويقول حديث عهد بربه فالخرقة الممزقة حديثة العهد فحكم المجروحة أن تفرّق على الحاضرين وحكم ما يتبعها من الخرق الصحاح أن يحكم فيها الشيخ إن خَصص بشيء منها بعض الفقراء فله ذلك وإن
۱ الأنفال الآية 1
ضاع المسك وتضوع أي تحرك فانتشرت رائحته
عوارف المعارف جـ ٢

حرقها خرقًا فله ذلك ولا يقال هذا تفريط وسرف فإن الخرقة الصغيرة ينتفع بها في موضعها عن الحاجات كالكبيرة
وروى عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه أنه قال اهْدِى لرسول الله له حله حرير فأرسل بها إلى فخرجت فيها فقال لي ما كنتُ لأكره لنفسي شيئًا أرضاه لك فشققها بين النساء خُمُرًا وفى رواية أتيتُه فقلت ما أصنع بها أألبسها قال لا ولكن اجعلها خُمرًا بين الفواطم أراد فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت رسول الله وفاطمة بنت حمزة وفى هذه الرواية أن الهدية كانت حلة مكفوفة بحرير وهذا وجةٌ فى السنّة لتمزيق الثوب وجعله خرقًا
حكى أن الفقهاء والصوفية بنيسابور اجتمعوا في دعوة فوقعت الخرقة وكان شيخ الفقهاء ا الشيخ أبا محمد الجوينى وشيخ الصوفية الشيخ أبا القاسم القشيرى ی ۱ فقسمت الخرقة على عادتهم فالتفت الشيخ أبو محمد إلى بعض الفقهاء وقال سرا هذا سرف وإضاعة للمال !! فسمع أبو القاسم القشيرى ولم يقل شيئًا حتى فرغ من القسمة ثم استدعى الخادم وقال له انظر في الجمع من معه سجادة خرق ائتني بها فجاءه بسجادة ثم أحضر رجلاً من أهل الخبرة فقال هذه السجادة بكم تشترى في المزاد قال بدينار قال ولو كانت قطعة واحدة كم تساوى قال نصف دينار ثم التفت إلى محمد وقال هذا لا يُسمى إضاعة المال
أبي
الشيخ والخرقة الممزقة تقسم على جميع الحاضرين من كان من الجنس أو من غير الجنس إذا كان حسن الظن بالقوم معتقدا التبرك بالخرقة
روى طارق بن شهاب أن أهل البصرة غزوا نهاوند وأمدهم أهل الكوفة وعلى أهل الكوفة عمار بن ياسر ر ۳ فظهروا وأراد أهل البصرة أن لا يُقسموا لأهل الكوفة من
۱ هو الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابورى الشافعى ولد سنة ٣٧٩هـ ومات سنة ٤٦٥هـ وهو عربي من قبيلة قشير بن كعب وهو صاحب الرسالة القشيرية التي ألفها سنة ٤٣٧هـ انظر ترجمته منفصلة في صدر كتاب الرسالة القشيرية الجزء الأول تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود والدكتور محمود بن الشريف نشر دار
المعارف - القاهرة
هو أبو اليقظان عمار بن ياسر بن عامر الكنائي صحابي من الولاة الشجعان ذوى الرأى وهو أحد السابقين إلى الإسلام والجهر به هاجر إلى المدينة وشهد بدرًا واحدًا والخندق وبيعة الرضوان وكان النبى صلى الله عليه وسلم يلقبة بـ الطيب المطيب وهو أول من بنى مسجدا في الإسلام بناه في المدينة وسماه قباء وولاه عمر الكوفة فأقام زمنا وعزله عنها وشهد الجمل و صفين مع على له في الصحيحين ٦٢ حديثا يرجع في ترجمته إلى ص ۷۹۸ ج من كتاب الأعلام للزركلي

الغنيمة شيئًا فقال رجل من بني تميم لقمار أيها الأجدع تريد أن تشاركنا في غنائمنا !! فكتب إلى عمر بذلك فكتب عمر رضى الله عنه إن الغنيمة لمن شهد الواقعة وذهب بعضهم إلى أن المجروح من الخرق يقسم على الجمع وما كان من ذلك صحيحا يُعطى للقوّال واستدل بما روى عن أبي قتادة قال لما وضعت الحرب أوزارها ا يوم حنين وفرغنا من القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلاً فلـه سـلبه وهذا له وجه في الخرقة الصحيحة
فأما المجروحة فحكمها إسهام الحاضرين والقسمة لهم
موسی
ولو دخل على الجمع وقت القسمة من لم يكن حاضرًا قسم له رضع روى أبو الأشعرى رضى الله عنه قال لما قدمنا على رسول الله الله بعد فتح خيبر بثلاث فأسهم لنا ولم يسهم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا
ويكره للقوم حضور غير الجنس عندهم في السماع كمتزهد لا ذوق له من ذلك فيُنكر ما لا يُنكر أو صاحب دنيا يُحوج إلى المداراة والتكلف أو متكلف للوجـد يشوش الوقت
على الحاضرين بتواجده
أخبرنا أبو زرعة طاهر عن والده أبي الفضل الحافظ المقدسي قال أخبرنا أبو منصور محمد بن الملك المظفرى بسرخس قال أخبرنا أبو على الفضل بن منصور بن نصر الكاغدى السمرقندي إجازة قال حدثنا الهيثم بن كليب قالك أخبرنا أبو بكر عمار بن إسحق قال حدثنا سعيد بن عامر عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال كنا عند رسول الله إن نزل عليه جبريل عليه السلام فقال يا رسول الله إن فقراء أمتك يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام ففرح رسول الله فقال هل فيكم من ينشدنا فقال بدوى نعم يا رسول الله فقال هات فأنشد الأعرابي قد لسعت حية الهوى كبدى فلا طبيب لها ولا راقــ
ی
إلا الحبيب الذى شغفت به فعنده رقیتی و تریاق فتواجد رسول الله وتواجد الأصحاب معه حتى سقط رادوه عن منكبه فلما فرغوا أوى كل واحد منهم إلى مكانه قال معاوية بن أبي سفيان ما أحسن لقبكم
۱ الأوزار السلاح والوزر ما يحمله الإنسان فيسمى السلاح أوزاراً لذلك ولأنها مثقل على لابسها ولفظ الحديث متفق عليه بلفظ من قتل كافرا فلى سلبه

٣٦
رسول الله فقال مَة يا معاوية ليس بكريم من لم يهتز عند سماع ذكر الحبيب ثم قسم رداء رسول الله له على حاضرهم بأربعمائة قطعة
فهذا الحديث أوردنا مسندًا كما سمعناه ووجدناه وقد تكلم في صحته أصحاب
الحديث
وما وجدنا شيئًا نقل عن رسول الله يشاكل وجد أهل الزمان وسماعهم واجتماعهم وهيئتهم إلا هذا وما أحسنه من حجة للصوفية وأهل الزمان في سماعهم وتمزيقهم الخرق وقسمتها إن صح والله أعلم
النبي
أصحابه مع
ويخالج سرى أنه غير صحيح ولم أجد فيه ذوق اجتماع ا وما كانوا يعتمدونه على ما بلغنا فى هذا الحديث ويأبى القلب قبوله والله أعلم بذلك

ú
الباب السادس والعشرون
في خاصية الأربعينية التى يتعاهدها الصوفية
ليس مطلوب القوم من الأربعين شيئًا مخصوصا لا يطلبونه في غيرها ولكن طرقتهم مخالفات حكم الأوقات أحبوا تقييد الوقت بالأربعين رجاء أن ينسحب حكم الأربعين على جميع زمانهم فيكونوا فى جميع أوقاتهم كهيئتهم في الأربعين على أن الأربعين خُصت بالذكر في قول رسول الله مَن أخلص الله أربعين صباحًا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه وقد خص الله تعالى الأربعين بالذكر في قصة موسى عليه الصلاة والسلام وأمره بتخصيص الأربعين بمزيد تبتل قال الله تعالى وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِين لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرِ فَتَمْ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِين ليلة وذلك أن موسى عليه السلام وعد بني إسرائيل - وهم بمصر - أن الله تعالى إذا أهلك عددهم واستنقذهم من أيديهم بكتاب من عند الله تعالى فيه تبيان الحلال والحرام والحدود والأحكام فلما فعل الله تعالى ذلك وأهلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره الله تعالى بأن يصوم ثلاثين يوما - وهو ذو العقدة - فلما تمت ثلاثون ليلة أنكر خُلُوفَ فَمِه فتسوك بعود خَرْثوب فقالت له الملائكة كُنَّا نَشَم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله تعالى أن يصوم عشرة أيام من ذى الحجة وقال له أما علمت أن خُلوف فم الصائم أطيب عندى من المسك
ريح
ولم يكن صومِ موسى عليه السلام ترك الطعام بالنهار وأكلة بالليل بل طوى الأربعين من غير أكل فدل على أن خُلو المعدة من الطعام أصل كبير فى الباب حتى احتاج موسى
إلى ذلك مستعدا به لمكالمة الله تعالى
والعلوم اللدنية في قلوب المنقطعين إلى الله تعالى ضرب من المكالمة ومن انقطع إلى الله أربعين يوما مخلصًا متعاهدًا نفسه بخفّة المعدة يفتح الله عليه العلوم اللدنية كما أخبر
رسول الله بذلك
غير أن تعيين الأربعين من المدة فى قول رسول الله وفي أمر الله تعالى موسى
عليه السلام بذلك فالتحديد والتقييد بالأربعين من المدة لحكمة فيه
۱ الطروق الإتيان ليلاً
رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي أيوب بسند ضعيف
۳ آية رقم ١٤٢ من سورة الأعراف

۳۸
ولا يطلع أحد على حقيقة ذلك إلا الأنبياء إذا عرفهم الحق ذلك أو من يخصه الله تعالى بتعريف ذلك من غير الأنبياء ويلوح فى سرّ ذلك معنى والله أعلم وذلك أن الله تعالى لما أراد بتكوين آدم من تراب قدر التخمير بهذا القدر من العدد كما ورد خمر طينة آدم بيده أربعين صباحا فكان آدم لما كان مستصلحا لعمارة الدارين وأراد الله منه عمارة الدنيا كما أراد منه عمارة الجنة كوّنه من التراب تركيبا يناسب عالم الحكمة والشهادة وهي هذه الدار الدنيا وما كانت عمارة الدنيا تتأتى منه وهو غير مخلوق من أجزاء أرضية سفلية بحسب
قانون الحكمة فمن التراب كونه وأربعين صباحًا خمر طينته ليُبعد بالتخمير أربعين صباحا بأربعين حجابًا من الحضرة الإلهية كل حجاب هو معنى مودعُ فيه يصلح به العمارة الدنيا ويتعوق به ۱ عن الحضرة الإلهية ومواطن القرب إذ لو لم يتعوق بهذا الحجاب ما عُمرت 1 الدنيا
فتأصل البعد عن مقام الغرب فيه لعمارة عالم الحكمة وخلافة الله تعالى في الأرض فبالتبتُّل لطاعة الله تعالى والإقبال عليه والانتزاع عن التوجه إلى أمر المعاش بكل يوم يخرج عن حجاب هو معنى فيه مودع فيه وعلى قدر زوال كل حجاب ينجذب
ويتخذ منزلاً في القرب من الحضرة الإلهية التى هى مجمع العلوم ومصدرها
فإذا تمت الأربعون زالت الحجب وانصبت إليه العلوم والمعارف انصبابا ثم العلوم والمعارف هى أعيان انقلبت أنوارًا باتصال إكسير نور العظمة الإلهية بها فانقلبت أعيان حديث النفس علوما إلهامية وتصدّت أجرام حديث النفس لقبول أنوار العظمة فلولا وجود النفس وحديثها ما ظهرت العلوم الإلهامية لأن حديث النفس وعاء وجودى لقبول الأنوار وما للقلب في ذاته لقبول العلم شيء
وقول رسول الله ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه إشارة إلى القلب باعتبار أن للقلب وجها إلى النفس باعتبار توجهه إلى عالم الشهادة وله وجـة إلى الروح باعتبار توجهه إلى عالم الغيب فيستمد القلبُ العلوم المكنونة في النفس ويخرجها إلى اللسان الذي هو ترجماته فظهورُ العلوم من القلب لأنها متأصلة فيه فللقلب والروح مراتب من قُرب الملهم سبحانه وتعالى فوق رتب الإفهام
۱ نعوق تأخر وانصرف وفى نسخة ما العمرت

۳۹
فالعبد بانقطاعه إلى الله تعالى واعتزال الناس يقطع مسافات وجوده ويستنبط من معدن
نفسه جواهر العلوم وقد ورد في الخبر الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ففي كل يوم بإخلاصه في العمل الله يكشفُ طبقةً من الأطباق الترابية الجبلية المبعدة عن الله تعالى إلى أن ينكشف باستكمال الأربعين أربعون طبقةً في كل يوم طبقة من أطباق حجابه وآية صحة ذلك للعبد وعلامة تأثره بالأربعين ووفائه بشروط الإخلاص أن يزهد بعد الأربعين في الدنيا ويتجافى عن دار الغرور وينيب إلى دار الخلود لأن الزهد الدنيا من ضرورة ظهور الحكمة ومن لم يزهد فى الدنيا ما ظفر بالحكمة ومن لم يظفر بالحكمة بعد الأربعين تبين أنه قد أخل بالشروط ولم يخلص الله تعالى ومن لم يخلص الله ما عبد الله لأن الله تعالى أمرنا بالإخلاص كما أمرنا بالعمل فقال تعالى وَمَا أُمِرُوا
إلا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين أخبرنا الشيخ طاهر بن أبي الفضل إجازة قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن خلف إجازة قال أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال أخبرنا أبو منصور الضبعى قال حدثنا محمد بن أشرس قال حدثنا حفص بن عبد الله قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عاصم عن زَرَ عن صفوان بن عَسَّال رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كان يوم القيامة يجىء الإخلاص والشرك يجثوان بين يدى الرب عز وجل فيقول الرب للإخلاص انطلق أنت وأهلك إلى الجنة ويقول للشرك انطلق أنت وأهلك إلى النار
وبهذا الإسناد قال السلمى سمعت على بن سعيد وسألته عن الإخلاص ما هو قال سمعت إبراهيم الشقيقى وسألته عن الإخلاص ما هو قال سمعت محمد بن جعفر الخصاف وسألته عن الإخلاص ما هو قال سألت أحمد بن بشار عن الإخلاص ما هو قال سألت أبا يعقوب الشروطى عن الإخلاص ما هو قال سألت أحمد بن غسان عن الإخلاص ما هو قال سألت أحمد بن على الهيجمي عن الإخلاص ما هو قال سألت عبد الواحد بن زيد عن الإخلاص ما هو قال سألت الحسن عن الإخلاص ما هو قال
۱ متفق علية من حديث طويل في آخره قال فعن معادن العرب تسألوني إلخ آية رقم ٥ من سورة البينة

2
سألت حذيفة عن الإخلاص ما هو سألت النبي الله عن الإخلاص ما هو قال سألت جبريل عليه السلام عن الإخلاص ما هو قال سألت رب العزة عن الإخلاص ما هو قال هو سرّ من سرّى أودعته قلب من أحببت من عبادي
فمن الناس من يدخل الخلوة على مُراغَمة النفس إذا لنفس بطبعها كارهة للخلوة ميالة إلى مخالطة الخلق فإذا أزعجها عن مقار عادتها وحبسها على طاعة الله تعالى يُعْقِبُ كل مرارة تدخل عليها حلاوة في القلب
قال ذو النون رحمه الله تعالى لم أر شيئًا أبعث على الإخلاص من الخلوة ومن أحب الخلوة فقد استمسك بعمود الإخلاص وظفر بركن من أركان الصدق
وقال الشبلى ١ رحمه الله تعالى لرجل استوصاه الزم الوحدة وامح اسمك عن القوم واستقبل الجدار حتى تموت
وقال يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى الوحدة مُنْيَةُ الصدّيقين ومن الناس من ينبعث من باطنه داعية الخلوة وتنجذب النفس إلى ذلك وهذا أتم وأكمل وأدل على كمال الاستعداد
وقد روى من حال رسول الله له ما يدل على ذلك فيما حدثنا شيخنا ضياء الدين أبو النجيب إملاء قال أخبرنا الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد المقرى قال أخبرنا جعفر بن الحكاك الملكي قال أخبرنا أبو عبد الله الصفاني قال أخبرنا أبو عبد الله البغوى قال أخبرنا إسحق الديرى قال أخبرنا عبد الرازق عن معمر قال أخبرنا الزهرى عن عروة عن عائشة رضى الله عنها قالت أوَّلُ ما بدىء بـه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حُبّب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها حتى جاءه ٣ الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال اقرأ فقال رسول الله ما أنا بقارئ فأخذني فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية
1 هو أبو بكر دلف بن جحدر الشبلى بغدادي المولد والنشأة توفى سنة ٣٣٤هـ وتفقه على مذهب الإمام مالك وصحب الجنيد وولد سنة ٢٤٧هـ وكان إمام زمانه علما وورعا ومعرفة
هو أبو زكريا يحيى بن معاذ الرزاى نسيج وحده فى وقته مات بنيسابور سنة ٢٨٥ هـ وعاش بمدينة بلخ ومن أقواله الفوت أشد من الموت لأن الفوت انقطاع عن الحق والموت انقطاع عن الخلق ۳ وروى حتى فاجأه ولفظ الحديث جاءه

٤١
حتى
منی

الجهد ثم أرسلنى فقال اقْرَأ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانِ مِنْ عَلَقِ اقْرَأْ وَرَبكَ الأَكْرَمُ حتى بلغ مَا لَمْ يَعْلَمُ فرجع بها رسول الله ل يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة فقال زمّلونى زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة مالي - وأخبرها الخبر - فقال قد خشيت على عقلى فقالت كلا أبشر فوالله ما يخزيك الله أبدًا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتُقرى الضيف وتعين على نوائب الحق
ثم انطلقت به خديجة رضى الله عنها حتى أتت به ورقة بن نوفل وكان امرءا تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخًا كبيرًا قد عَمِي - فقالت له خديجة يا عم اسمع من ابن أخيك فقال ورقة يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره الخبر رسول الله فقال لرسول الله هذا هو الناموس الذى أنزل على موسى ياليتنى فيها جذعا ليتني أكون حيا إذا يخرجك قومك فقال رسول الله أو مُخرجى هم قال ورقة نعم إنه لم يأت أحد قط بما جئت إلا عودى وأوذى وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرا ۳ وحدث جابر بن عبد الله رضى الله عنه فقال سمعت رسول الله وهو يحدث عن فترة الوحى فقال في حديثه فبينما أنا أمشى صوتا من السماء فرفعت رأسى فإذا الملك الذى جاءني بـ حراء جالس على كرسى بين السماء والأرض فجثثت منه رعبا فرجعت فقلت زملونی ملونی فدثرونی فأنزل الله تعالى ﴿يَأَيُّهَا الدَّتَرُ قُمْ فَأَنذِر إلى والرُّجْزَ فَاهْجُرْ
سمعت
وقد نقل أن رسول الله له ذهب مراراً كي يُردى نفسه من شواهد الجبال فكلما وافي ذروة جبل كي يلقى نفسه منه تبدى له جبريل عليه السلام فقال يا محمد إنك لرسول الله حقا فيسكن لذلك جاشه وإذا طالت عليه فترة الوحى عاد لمثل ذلك فيتبدى له جبريل فيقول له مثل ذلك
۱ وفى نسخة وكان يكتب الكتاب العربي وكتب بالعربية من الإنجيل إلخ ونص الحديث كما في الأصل
جذعا شابا قويا مستويا
۳ رواه البخاري وغيره ٤ اهتززت واضطربت ٥ البخاري بنحوه ورواه غيره
٦ وحول الرأى الذى يزعم أن محمد صلى الله عليه وسلم حاول الانتحار حينما انقطع الوحى عنه فترة يقول الدكتور محمود بن الشريف صاحب كتاب الرسول في القرآن صـ ۱۱ مرت فترة زمنية بعد نزول تلك الأوامر الإلهية

٤٢
فهذه الأخبار المنبئة عن بدء أمر رسول الله هي الأصل في إيثار المشايخ الخلوة للمريدين والطالبين فإنهم إذا أخلصوا الله تعالى في خلواتهم يفتح الله عليهم ما يؤنسهم في خلوتهم تعويضا من الله إياهم عما تركوا لأجله
ثم خلوة القوم مستمرة
وإنما الأربعون واستكمالها له أثر ظاهر في ظهور مبادئ بشائر الحق سبحانه وتعالى وستوح مواهيه السنية
1
السالفة كانت بمثابة إعداد وتهيئة الأجواء تفرخ فيها الدعوة وتنتج وتنتقل من طور إلى طور من طور السرية إلى طور الجهر والعلانية في تلك الفترة الإعدادية لم ينزل الوحى على محمد صلى الله عليه وسلم والضحى والليل إذا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبك وما قلى حقا إن محمدا صلى الله عليه وسلم كان ينتظر مدد الإله وعون الرب ووحي السماء ليأخذ بيده وبيد أصحابه في تلك الفترة الأولى من عمر الدعوة إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقلق بهذه الصورة التي صوره بها بعض المؤرخين من المغالين وممن نهج نهجهم لم يقلق بتلك الكيفية التي زعموا بها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان عليها من الانزعاج والسير على غير هدى فى شعاب مكة حتى لقد تغالى البعض فزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم شعر بأنه لم يعد معضدًا بإلهام الله ! ! !
وأنه من شدة شوقه إلى الوحى فكر فى أن يقذف بنفسه من ارتفاع شاهق وأن ينتحر وما كان للداعية الذي صنعه الله أن يلجأ ما يخالف تعاليم الله وإلى ما يغضب الله من إزهاق روح أو وأد نفس على أن الذى يتتبع مسار آيات سورة الضحى يرى بعد تأمل وإمعان أنها من قبيل الإرشادات الإلهية والإشارات والبشارات ومن قبيل التثبيت والتطمين للرسول صلى الله عليه وسلم فالرسول عليه السلام لم يلح أن ينزل الوحى عليه فما الوحي إلا من عند الله وبإرادة
الله
۱ سنوح ظهور

٤٣
الباب السابع والعشرون
في ذكر فتوح الأربعينية
وقد غلط فى طريق الخلوة الأربعينية قومٌ وحرّفوا الكلم عن مواضعه ودخل عليهم الشيطان وفتح عليهم بابًا من الغرور ودخلوا الخلوة على غير أصل مستقيم من تأدية حق الخلوة بالإخلاص وسمعوا أن المشايخ و الصوفية كانت لهم خلوات وظهرت لهم وقائع وكوشفوا بغرائب وعجائب فدخلوا الخلوة لطلب ذلك وهذا عين الاعتلال
ومحض الضلال
وإنما القوم اختاروا الخلوة والوحدة السلامة الدين وتفقد ١ أحوال النفس وإخلاص العمل لله تعالى
نقل عن أبي عمرو الأنماطي أنه قال لن يصفو للعاقل فَهُمُ الأخير إلا بإحكامه ما يجب عليه من إصلاح الحال الأول والمواطن التي ينبغى أن يعرف منها أيزداد هو أم ينتقص فعليه أن يطلب مواضع الخلوة لكى لا يعارضه شاغل فيفسد عليه ما يريد أنبأنا طاهر بن أبي الفضل إجازة عن أبي بكر بن خلف إجازة قال أنبأنا أبو عبد الرحمن قال سمعت أبا تميم المغربي يقول من اختار الخلوة على الصحبة فينبغي أن يكون خاليا من جميع الأذكار إلا ذكر ربه عز وجل وخاليا من جميع المرادات إلا مراد ربّه وخاليا من مطالبة النفس من جميع الأسباب فإن لم يكن بهذه الصفة فإن خلوته توقعه في فتنة أو بلية
أخبرنا أبو زرعة إجازة قال أخبرنا أبوبكر إجازة قال أخبرنا أبو عبد الرحمن قال سمعت منصورًا يقول سمعت محمد بن حامد يقول جاء رجل إلى زيارة أبي بكر الوراق وقال له أوصنى فقال وجدت خير الدنيا والآخرة فى الخلوة والقلة ووجدت شرهما في الكثرة والاختلاط
فمن دخل الخلوة معتلاً في دخوله دخل عليه الشيطان وسوّل له أنواع الطغيان وامتلأ من الغرور والمحال وظن أنه على حُسن حال وقد دخلت الفتنة على قوم دخلوا الخلوة بغير شروطها وأقبلوا على ذكر من الأذكار واستجموا ۳ نفوسهم بالعزلة عن الخلق
۱ التفقد البحث
الاستجمام الراحة أي أراحوا
۳ وفي نسخة عن الخلوة

ومنعوا الشواغل من الحواس كفعل الرهابين والفلاسفة والبراهمة والوحدة في جمع الهـم لها تأثير في صفاء الباطن مطلقا فما كان من ذلك بحسن سياسة الشرع وصدق المتابعة لرسول الله أنتج تنوير القلب والزهد فى الدنيا وحلاوة الذكر والمعاملة الله بالإخلاص من الصلاة والتلاوة وغير ذلك وما كان من ذلك من غير سياسة الشرع ومتابعة رسول الله لا ينتج صفاء في النفس يستعان به على اكتساب علوم الرياضة مما يعتنى به الفلاسفة والدهريون - خذلهم الله تعالى - وكلما أكثر من ذلك بعد عن الله ولا يزال المقبل على ذلك يستغويه الشيطان بما يكتسب من العلوم الرياضية أو بما قد يتراءى له من صدق الخاطر وغير ذلك حتى يركن إليه كل الركون التام ويظن أنه فاز بالمقصود
ولا يعلم أن هذا الفن من الفائدة غير ممنوع من النصارى والبراهمة وليس هو المقصود من الخلوة ويقول بعضهم إن الحق يريد منك الاستقامة وأنت تطلب الكرامة ! ! وقد يُفتح على الصادقين شيء من خوارق العادات وصدق الفراسة تبين ما سيحدث في المستقبل

وقد لا يفتح عليهم ذلك ولا يقدح فى حالهم عدم ذلك وإنما يقدح في حالهم الانحراف عن حدّ الاستقامة فما يفتح من ذلك على الصادقين يصير سببا لمزيد إبقائهم " والداعي لهم إلى صدق المجاهدة والمعاملة والزهد فى الدنيا والتخلق بالأخلاق الحميدة وما يُفتح من ذلك على من ليس تحت سياسة الشرع يصير سببا لمزيد بعده وغروره وحماقته واستطالته على الناس وازدرائه بالخلق ولا يزال به حتى يخلع ربقة الإسلام عن عنقه ويُنكر الحدود والأحكام والحلال والحرام ويظن أن المقصود من العبادات ذكر الله تعالى ويترك متابعة الرسول ثم يتدرّج من ذلك إلى تلحد وتزندق – نعوذ بالله
من الضلال
وقد يلوح لأقوام خيالات يظنونها وقائع ويشبهونها بوقائع المشايخ من غير علم
بحقيقة ذلك ! !
فمن أراد تحقيق ذلك فليعلم أن العبد إذا أخلص لله واحسن نيته وقعد في الخلوة أربعين يوما أو أكثر فمنهم من يباشر باطنه صفو اليقين ويُرفع الحجاب عن قلبه ويصير كما قال قائلهم رأى قلبى ربّى وقد يصل إلى هذا المقام تارة بإحياء الأوقات
1 وفي نسخة الرياضة وفي نسخة إبقائهم

بالصالحات وكفّ الجوارح وتوزيع الأوراد من الصلاة والتلاوة والذكر على الأوقات وتارة يباديه 1 الحق لموضع صدقة وقوة استعداده مبادأةً من غير عمل وجد منه وتارة يجد ذلك بملازمة ذكر واحد من الأذكار لأنه لايزال يردد ذلك الذكر ويقوله وتكون عبادته الصلوت الخمس بسننها الراتبة فحسب وسائر أوقاته مشغولة بالذكر الواحد لا يتخللها فتور ولا يوجد منه قصور ولا يزال يردد ذلك الذكر ملتزما به حتى في طريق الوضوء وساعة الأكل لا يفرّ عنه
واختار جماعة من المشايخ من الذكر كلمة لا إله إلا الله وهذه الكلمة لها خاصية في تنوير الباطن وجمع الهم إذا داوم عليها صادق مخلص وهى من مواهب الحق لهذه الأمة وفيها خاصية لهذه الأمة فيما حدثنا شيخنا ضياء الدين إملاء قال أخبرنا أبو القاسم الدمشقى الحافظ قال أخبرنا عبد الكريم بن الحسين قال أخبرنا عبدالوهاب الدمشقى قال أخبرنا محمد بن خُزيم قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا الوليد بن مسلم قال أخبرنا عبد الرحمن بن زيد عن أبيه أن عيسى بن مريم عليه السلام قال رب أنبئني عن هذه الأمة المرحومة ۳ قال أمة محمد عليه الصلاة والسلام علماء أخفياء أتقيا حلماء أضفياء حكماء كأنهم أنبياء يرضون منى بالقليل من العطاء وأرضى منهم باليسير من العمل وأدخلهم الجنة بلا إله إلا الله يا عيسى هم أكثر سكان الجنة لأنها لم تذل ٣ قوم قطر بـ لا إله إلا الله كما ذلّت ألسنتهم ولم تذل رقاب قوم قط بالسجود كما ذلت رقابهم
4
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال إن هذه الآية مكتوبة في التوراة يأيها النبى إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرا وحرْزًا للمؤمنين وكنزا للأميين أنت عبدي ورسولى سمّيتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صحاب في الأسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن أقبضه حتى تُقام به الملة المعوجة بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتحوا أعينا عميًا وآذانا صما وقلوبا غلفا
فلا يزال العبد في خلوته يردد هذه الكلمة على لسانه مع مواطأة القلب حتى تصير الكلمة متأصلة في القلب مزيلة لحديث النفس ينوب معناها في القلب عن كل حديث
1 أي يجاهره
المذكورة في الإنجيل
۳ المراد من الذل اللين لا ضد العزة
٤ من الأمم السوالف
٥ البخاري في تفسير سورة الفتح بنحوه

£ ។
النفس فإذا استولت الكلمة وسَهُلت على اللسان يتشربها القلب فلو سكت اللسان لم يسكت القلب ثم تتجوهر فى القلب وبتجوهرها فى القلب يستكن نور اليقين في القلب حتى إذا ذهبت صورة الكلمة من اللسان والقلب لايزال نورها متجوهرًا ويتحد الذكر مع رؤية عظمة المذكور سبحانه وتعالى ويصير الذكر حينئذ ذكر الذات وهذا الذكر هو المشاهدة والمكاشفة والمعاينة - أعنى ذكر الذات بتجوهر نور الذكر - وهذا هو المقصد الأقصى من الخلوة
وقد يحصل هذا من الخلوة لا بذكر الكلمة بل بتلاوة القرآن إذا أكثر من التلاوة واجتهد في مواطأة القلب مع اللسان حتى تجرى التلاوة على اللسان ويقوم معنى الكلام مقام حديث النفس فيدخل على العبد سهولة فى التلاوة والصلاة ويتنوّر الباطن بتلك السهولة في التلاوة والصلاة ويتجوهر نور الكلام فى القلب ويكون منه أيضًا ذكرًا لذات ويجتمع نور الكلام فى القلب مع مطالعة عظمة المتكلم سبحانه وتعالى
ودون هذه الموهوبة ما يفتح الله على العبد من العلوم الإلهامية اللدنية وإلى حين بلوغ العبد هذا المبلغ من حقيقة الذكر والتلاوة إذا صفا باطنه قد يغيب في الذكر من كمال أنسه وحلاوة ذكره حتى يلتحق فى غيبته في الذكر بالنائم وقد تتجلى له الحقائق فى لبسة الخيال أولاً كما تنكشف الحقائق للنائم في لبسة الخيال كمن رأى فى المنام أنه قتل حيّة فيقول له المعبر تظفر بالعدو فظفره بالعدو كشف كاشفه الحق تعالى به وهذا الظفر روح مجرد صاغ ۱ مثل الرؤيـا لـه جـسـدا لهذا الروح من خيال الحية
فتألف
فالروح الذي هو كشف الظفر إخبارُ الحق وليسة الخيال الذي هو بمثابة الجسد مثال انبعث من نفس الرائى فى المنام من استصحاب القوة الوهمية والخيالية من اليقظة روح كشف الظفر مع جسد مثال الحية فافتقر إلى التعبير إذا لو كوشف بالحقيقة التي هي روح الظفر من غير هذا المثال الذى هو بمثابة الجسد ما احتاج إلى التعبير فكان يرى الظفر ويصح الظفر
وقد يتجرد الخيال باستصحاب الخيال والوهم من اليقظة فى المنام من غير حقيقة فيكون المنام أضغاث أحلام لا يُعبر وقد يتجرّد لصاحب الخلوة الخيال المنبعث من ذاته
۱ وفى نسخة وهذا الظفر روح مجرد صور ملك الرؤيا له جسدا

٤٧
من غير أن يكون وعاءً لحقيقة فلا يُبنى على ذلك ولا يُلتفت إليه فليس ذلك واقعةً وإنما هو خيال
فأما إذا غاب الصادق فى ذكر الله تعالى حتى يغيب عن المحسوس بحيث لو دخل عليه داخل من الناس لا يعلم به لَغَيبته فى الذكر فعند ذلك قد ينبعث في الابتداء من نفسه مثال وخيال ينفخ فيه الكشف فإذا عاد من غيبته فإما يأتيه تفسيره من باطنه موهبةً من الله تعالى وإما يفسره له
روح
شيخه كما يعبر المعبر المنام ويكون ذلك واقعةً لأنه كشف حقيقةٍ في لِبَسَة مثال وشرط صحة الواقعة الإخلاص فى الذكر أولاً ثم الاستغراقُ في الذكر ثانيا وعلامة ا ذلك الزهد في الدنيا وملازمة التقوى لأن الله تعالى جعله بما يُكاشف به في واقعته مورد الحكمة والحكمة تحكم بالزهد والتقوى وقد يتجرّد للذاكر الحقائق من غير لبسة المثال فيكون ذلك كشفاً وإخبارًا من الله تعالى إياه ويكون ذلك تارةً بالرؤية وتارة بالسماع
وقد يسمع في باطنه وقد يطرق ذلك من الهواء لا من باطنه كالهواتف يعلم بذلك أمرا يريد الله إحداثه له أو لغيره فيكون إخبار الله إياه بذلك مزيدًا ليقينه أو يرى في المنام حقيقة الشيء
نقل عن بعضهم أنه أتى بشراب في قدح فوضعه من يده وقال قد حدث في العالم حدث ولا أشرب هذا دون أن أعلم ما هو فاتكشف له أن قوما دخلوا مكة وقتلوا فيها وحكى عن أبي سليمان الخواص قال كنت راكبًا حمارًا لى يومًا وكان يؤذيه الذباب فيطأطى رأسه فكنت أضرب رأسه بخشبة كانت فى يدى فرفع الحمار رأسه إلى وقال اضرب فإنَّك على رأسك تضرب قيل له يا أبا سليمان وقع لك ذلك أو سمعته ! فقال سمعته يقول كما سمعتني
وحكى عن أحمد بن عطاء الروذبارى ۱ قال كان لى مذهب في أمر الطهارة فكنت ليلة من الليالي أستنجى إلى أن مضى ثلث الليل ولم يطب قلبی فتضجرت فبكيت وقلت يا ربّ العفو فسمعت صوتًا ولم أر أحدًا يقول يا أبا عبد الله العفو في العلم
۱ هو ابن أخت الشيخ أبي على الروذبارى شيخ الشام في وقته مات سنة تسع وستين وثلاثمائة هـ انظر ترجمته مفصلة فى الجزء الأول - الرسالة القشيرية ص ١٨٤

٤٨
وقد يكاشف الله عبده بآيات وكرامات تربية للعبد وتقوية ليقينه وإيمانه قيل كان عند جعفر الخلدى رحمه الله تعالى فَص له قيمة وكان يوما من الأيام راكبًا في السمارية في دجلة فهم أن يعطى الملاح قطعة وحل الخرقة فوقع الفـص فـي الدجلة وكان عنده دعاء للضالة مجرّب وكان يدعو به فوجد الفص في وسط أوراق كان يتصفحها والدعاء هو أن يقول يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه أجمع على ضالتي وسمعت شيخنا بهمدان حكى له شخص أنه كوشف فى بعض خلواته بولد له في جيحون كاد يسقط في الماء من السفينة قال فزجرته فلم يسقط وكان هذا الشخص بنواحی همدان وولده بجيحون فلما قدم الولد أخبر أنه كان يسقط في الماء فسمع صوت والده فلم يسقط
وقال عمر رضى الله عنه يا سارية الجبل - على المنبر بالمدينة وسارية بنهاوند - فاخذ سارية نحو الجبل وظفر بالعدو فقيل لسارية كيف علمت ذلك فقال سمعت صوت عمر وهو يقول يا سارية الجبل
سئل ابن سالم وكان قد قال للإيمان أربعة أركان ركن منه الإيمان بالقدرة وركن منه الإيمان بالحكمة وركن منه التبرّى من الحول والقوة وركن منه الاستعانة بالله عزّ
وجل في
الأشياء جميع
قيل له ما معنى قولك الإيمان بالقدرة فقال هو أن تؤمن ولا تنكر أن يكون الله عبد بالمشرق - نائمًا على يمينه - ويكن من كرامة الله إياه أن يعطيه من القوة ما يتقلب من يمينه على يساره فيكون بالمغرب تؤمن بجواز ذلك وكونه وحكى لى فقير أنه كان بمكة وأرجف على شخص ببغداد أنه قد مات فكاشفه الله بالرجل وهو راكب يمشى في سوق بغداد فأخبر إخوانه أن الشخص الذى لم يمت وكان كذلك حتى ذكر لي هذا الشخص أنه في تلك الحالة التى كوشف بالشخص ركابا قال رأيته في السوق وأنا أسمع بأذني صوت المطرقة من الحداد في سوق بغداد
وكل هذه مواهب الله تعالى وقد يكاشف بها قوم وتُغَطَّى وقد يكون فوق هؤلاء من لا يمكن له شيء من هذا لأن هذه كلها تقوية لليقين
1 السمارية الزورق
أخبر والإرجاف الإخبار من غير تحقيق
۳ وفي نسخة وتعطى

ومَن مُنح صرف البقين لا حاجة له إلى شيء من هذا
فكل هذه الكرامات دون ما ذكرناه من تجوهر الذكر فى القلب ووجود ذكر الذات فإن تلك الحكمة فيها تقوية للمريدين وتربية للسالكين ليزدادوا بها يقينا يُجذبون به إلى مراغمة النفوس والسلو عن ملاذ الدنيا ويستنهض منهم بذلك ساكن عزمهم بعمارة الأوقات بالقربات فيروحون بذلك ويُربّون بطريقة ومن كوشف بصرف اليقين عن ذلك لمكان أن نفسه أسرع إجابة وأسهل انقياداً وأتم استعدادًا
والأولون استلين بذلك منهم ما استوعر واستكشف منهم ما استتر وقد لا يُمنع صُورَ ذلك الراهبون " والبراهمة ممن هو غير منتهج سبل الهدى وراكب طريق الردى ليكون ذلك في حقهم مكرًا واستدراجا ليستحسنوا حالهم ويستقروا في مقار الطرد والبعد إبقاءً لهم فيما أراد الله منهم من العمى والضلال والردى والوبال حتى لا يغتر السالك بيسير شيء يُفتح أنه له ويعلم لو مشى على الماء والهواء لا ينفعه ذلك حتى يؤدى حق التقوى والزهد فأما من تعوّق بخيال أو قنع بمحال ولم يُحكم أساس خلوته بالإخلاص يدخل الخلوة بالزور ويخرج بالغرور فيرفض العبادات ويستحقرها
الانتقال
ويسلبه الله لذة المعاملة ويُذهب عن قلبه هيبة الشريعة ويفتضح في الدنيا والآخرة فليعلم الصادق أن المقصود من الخلوة التقرب إلى الله تعالى بعمارة الأوقات وكف الجوارح عن المكروهات فيصلح لقوم من أرباب الخلوة إدامة الأوراد وتوزيعها علي الأوقات ويصلح لقوم ملازمة ذكر واحد ويصلح لقوم دوام المراقبة ويصلح لقوم ا من الذكر إلى الأوراد ولقوم الانتقال من الأوراد إلى الذكر ومعرفة مقادير ذلك يعلمه المصحوب للشيخ المطلع على اختلاف الأوضاع وتنوعها مع نصحه للأمة وشفقته على الكافة يُريد المريد الله لا لنفسه غير مُبتلى بهوى نفسه محبا للاستتباع ومن كان محبا للاستتباع فما يفسده مثل هذا أكثر مما يصلحه
۱ في نسخة ومن كشوف بصرف اليقين من ذلك لمكان أن نفسه إلخ
وفي نسخة الرهابين
۳ وفى نسخة يعلمها المصحوب الشيخ المطلع وهذا أصوب

الباب الثامن والعشرون
كيفية الدخول في الأربعينية
روى أن داود عليه السلام لما ابتلى بالخطيئة خرّ ساجدًا لله أربعين يوما وليلة حتى أتاه الغفران من ربه وقد تقرر أن الوحدة والعزلة ملاك الأمر ومتمسك أرباب الصدق فمن استمرت أوقاته علي ذلك فجميع عمره خلوةٌ وهو الأسلم لدينه فإن لم يتيسر له ذلك وكان مبتلى بنفسه أولاً ثم بالأهل والأولاد ثانيًا فليجعل لنفسه من ذلك نصيبا
نقل عن سفيان الثورى فيما روى أحمد بن حرب عن خالد بن زيد رضى الله عنه أنه قال كان يقال ما أخلص عبد الله أربعين صباحا إلا أنبت الله سبحانه وتعالى الحكمة في قلبه وزَهّده الله فى الدنيا ورغبه في الآخرة وبصره داء الدنيا ودواءها فليتعاهد 1 العبد نفسه في كل سنة مرة
وأما المريد الطالب إذا أراد أن يدخل الخلوة فأكمل الأمر في ذلك أن يتجرد من الدنيا ويخرج عن كل ما يملكه ويغتسل غُسلاً كاملاً - بعد الاحتياط للثوب والمصلى بالنظافة والطهارة - ويصلى ركعتين ويتوب إلى الله تعالى من ذنوبه ببكاء وتضرع واستكانة وتخشع ويُسوّى بين السريرة والعلانية ولا ينطوى على غل وغش وحقد وحسد وخيانة ثم يقعد فى موضع خَلوته ولا يخرج إلا لصلاة الجمعة وصلاة الجماعة ومن ذهب إلى ترك المحافظة على صلاة الجماعة غلط وأخطأ فإن وجد تفرقة في خروجه يكون له شخص يصلى معه جماعة في خلوته ولا ينبغى أن يرضى بالصلاة منفردا ألبتة فبترك الجماعة يخشى عليه آفات وقد رأينا من يتشوّش عقله في خلوته ولعل ذلك بشؤم إصراره على ترك صلاة الجماعة غير أنه ينبغى أن يخرج من خلوته لصلاة الجماعة وهو ذاكر لا يَفْتُر عن الذكر ولا يكثر إرسال الطرف إلى ما يرى ولا يصغى إلى ما يسمع لأن القوة الحافظة والمتخيلة كلوح ينتقش بكل مرئى ومسموع فيكثر بذلك الوسواس وحديث النفس والخيال ويجتهد أن يحضر الجماعة بحيث يدرك مع الإمام تكبيرة الإحرام فإذا سلّم الإمام وانصرف ينصرف إلى خلوته ويتقى في خروجه استحلاء نظر الخلق إليه وعلمهم بجلوسه في خلوته فقد قيل لا تطمع في
۱ والتعاهد لغة في التعهد يقال تعهد الضيعة وتعاهدها أتاها وأصلحها وحقيقته جدد العهد بها
وفي نسخة استجلاء

المنزلة عند الناس وأنت تطمع فى المنزلة عند الله وأنت تريد المنزلة عند الناس وهذا أصل ينفسد به كثير من الأعمال إذا أهمل وينصلح به كثير من الأحوال إذا عتبر ويكون في خلوته جاعلاً وقته شيئًا واحدًا موهوبا الله بإدامة فعل الرضا إمـا تـلاوة أو ذكرا أو صلاة أو مراقبة وأى وقت فتر عن هذه الأقسام ينام
فإذا أراد تعيين أعداد من الركعات ومن التلاوة والذكر أتى بذلك شيئًا فشيئًا وإن أراد أن يكون بحكم الوقت يعتمد أخف ما على قلبه من هذه الأقسام فعل فإذا فتر
عن ذلك ينام وإن أراد أن يبقى في سجود واحد أو ركوع واحد أو ركعة واحدة أو ركعتين
أو ساعتين فعل
ساعة
ويلازم في خلوته إدامة الوضوء ولا ينام إلا عن غلبةٍ بعد أن يدفـع النـوم عـن نفسـه مرات فيكون هذا شغله ليله ونهاره وإذا كان ذاكرًا لكلمة لا إله إلا الله وسئمت النفس الذكر باللسان يقولها بقلبه من غير حركة اللسان
وقد قال سهل بن عبد الله إذا قلت لا إله إلا الله مُدَّ الكلمة وانظر إلى قدم الحق فأثبته وأبطل ما سواه
وليعلم أن الأمر كالسلسلة يتداعى حلقة حلقة فليكن دائم التلزم بفعل الرضا وأما قوت من في الأربعينية والخلوة فالأولى أن يقتنع بالخبز والملح ويتناول كل ليلة رطلاً واحدًا - بالبغدادي - يتناوله بعد العشاء الأخيرة وإن قسمه نصفين يأكل أول الليل نصف رطل وآخر الليل نصف رطل فيكون ذلك أخفٌ للمعدة وعون على قيام
الليل وإحيائه بالذكر والصلاة
وإن أراد تأخير فطوره إلى السحر فليفعل وأن لم يصبر على ترك الإدام يتناول الإدام وإن كان الإدام شيئًا يقدم مقام الخبز ينقص الخبز بقدر ذلك وإن أراد التقلل من هذا القدر ينقص كل ليلة دون اللقمة بحيث ينتهى تقلله فى العشر الأخير من الأربعين إلى
۱ وفي نسخة يقنع

۵
نصف رطل وإن قوى قنّع النفس بنصف رطل من أوّل الأربعين ونقص يسيرا كل ليلة بالتدرج حتى يُعيد فطوره إلى ربع رطل في العشر الأخير
وقد اتفق مشايخ الصوفية على أنّ بناء أمرهم على أربعة أشياء
قلة
الطعام
وقلة المنام وقلة الكلام والاعتزال عن الناس
وقد جعل للجوع وقتان أحدهما آخر الأربع والعشرين ساعة فيكون من الرطل لكل ساعتين أوقية بأكلة واحدة يجعلها بعد العشاء الآخرة أو يقسمها أكلتين كما ذكرنا والوقت الآخر على رأس اثنتين وسبعين ساعة فيكون الطى ليلتين والإفطار في الليلة الثالثة ويكون لكل يوم وليلة ثلث رطل وبين هذين الوقتين وقت وهو أن يفطر من كل ليلتين ليلة ويكون لكل يوم وليلة نصف رطل وهذا ينبغى أن يفعله إذا لم ينتج ذلك عليه سآمة وضجرا وقلة انشراح فى الذكر والمعاملة فإذا وجد شيئا من ذلك فليفطـر كـل ليلة ويأكل الرطل في الوقتين أو الوقت الواحد
فالنفس إذا أخذت بالإفطار من كل ليلتين ليلةٌ ثم رُدَّت إلى الإفطار كل ليلة تقع وإن سومحت بالإفطار كل ليلة لا تقنع بالرطل وتطلب الإدام والشهوات وقس على هذا فهي إن أطمعت طمعت وإن أقنعت قنعت وقد كان بعضهم ينقص كل ليلة حتى يرد النفس إلى أقل قوتها
ومن الصالحين من ك كان يُعير القوت بنوى التمر وينْقُص كل ليلة نواة ومنهم من كان يُعير بعود وينقص كل ليلة بقدر نشاف العود ومنهم من كان ينقص كل ليلة ربع سبع الرغيف حتى يقني الرغيف في شهر ومنهم من كان يؤخّر الأكل ولا يعمل في تقليل القوت ولكن يعمل في تأخيره بالتدريج حتى تندرج ليلة في ليلة وقد فعل ذلك طائفة حتى انتهى طيهم إلى سبعة أيام وعشرة أيام وخمسة عشر يوما إلى الأربعين وقد قيل لسهل بن عبد الله هذا الذى يأكل في كل أربعين وأكثر أكلة أين يذهب لهب الجوع عنه قال يطفئه النور وقد سألت بعض الصالحين عن ذلك فذكر لى كلاماً بعبارة دلت على أنه يجد فرحا بربه وينطفئ معه لهيب الجوع وهذا في الخلق واقع إذ أن الشخص يطرقه فرح وقد كان جائعا فيذهب عنه الجوع
وهكذا في طرق الخوف يقع ذلك

٥٣
ومن فعل ذلك ودرّج نفسه في شيء من هذه الأقسام التي ذكرناها لا يُؤثر ذلك في نقصان عقله واضطراب جسمه إذا كان فى حماية الصدق والإخلاص وإنما يخشى في ذلك وفى دوام الذكر على من لا يخلص الله تعالى وقد قيل حدّ الجوع أن لا يميز بين الخبز وغيره مما يُؤكل ومتى عيبت ۱ النفس الخبز فليست بجائعة وهذا المعنى قد يوجد فى آخر الحدين بعد ثلاثة أيام وهذا جوع الصديقين وطلب الغذاء عند ذلك ضرورة لقوام الجسد والقيام بفرائض العبودية ويكون هذا حد الضرورة لمن لا يجتهد فى التقليل بالتدريج فأما من درج نفسه في ذلك فقد يصبر على أكثر من ذلك إلى الأربعين - كما ذكرنا - وقد قال بعضهم الجوع أن يبرق فإذا لم يقع الذباب على بزاقه يدل هذا على خُلو المعدة من الدسومة وصفاء البزاق كالماء الذي لا يقصده الذباب
المعروف
روى أن سفيان الثورى وإبراهيم بن أدهم رضى الله تعالى عنهما - كانا يطويان ثلاثا ثلاثا وكان أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه يطوى ستّا وكان عبد الله بن الزبير رضى الله تعالى عنه يطوى سبعة أيام واشتهر حال جدنا محمد بن عبد الله - بعموية رحمه الله وكان صاحب أحمد الأسود الدينورى - أنه كان يطوى أربعين يوما بلغ في هذا المعنى من الطى رجل أدركنا زمائه وما رأيتُه كان في أبهر يقال له الزاهد خليفة كان يأكل فى كل شهر لوزةً ولم نسمع أنه بلغ في هذه الأمة أحد بالطي والتدريج إلى هذا الحد وكان في أول أمره - على ما حكى – ينقص الوقت بنشاف العُود ثم طوى حتى انتهى إلى اللوزة في الأربعين
وأقصى
ثم إنه قد يسلك هذا الطريق جمع من الصادقين وقد يسلك غير الصادق هذا لوجود هوى مستكن في باطنه يُهوّن عليه ترك الأكل إذا كان له استحلاء لنظر الخلق وهذا عين النفاق نعوذ بالله من ذلك
والصادق ربما يقدر على الطى إذا لم يعلم بحاله أحد وربما تضعف عزيمته في ذلك إذا علم بأنه يطوى فإن صدقه فى الطى ونظره إلى من يطوى لأجله يُهون عليه الطي فإذا علم به أحد تضعف عزيمته في ذلك وهذا علامة الصادق فمهما أحس في نفسه أنه يُحب أن يُرى بعين التقلل فليتهم نفسه فإن فيه شائبة نفاق
۱ وفى نسخة عينت

٥٤
ومن يطو الله يعوض الله تعالى فرحًا في باطنه ينسيه الطعام وقد لا ينسى الطعام ولطن لامتلاء قلبه بالأنوار يقوى جاذب الروح الروحانى فيجذبه إلى مركزه ومستقره من العالم الروحاني وينفر ۱ بذلك عن أرض الشهوة النفسانية وما أثر جاذب الروح إذا تخلف عنه جاذب النفس عن كمال طمأنينتها وانعكاس أنوار الروح عليها بواسطة القلب المستنير بأقل من جاذب المغناطيس للحديد إذا المغناطيس يجذب الحديد لروح في الحديد مشاكل للمغناطيس فيجذبه بنسبة الجنسية الخاصة فإذا تجنست النفس بعكس نور الروح الواصل إليها بواسطة القلب يصير في النفس روح استمدها القلب من الروح وأداها إلى النفس فتجذب الروح النفس بجنسية الروح الحادثة فيها فتزدرى الأطعمة الدنيوية والشهوات الحيوانية ويتحقق عنده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيـت عنـد ربـي يُطعمني ويسقيني ولا يقدر على ما وصفناه إلا عبد تصير أعماله وأقواله وسائر أحواله ضرورة فيتناول من الطعام أيضًا ضرورة ولو تكلم - مثلاً - بكلمة من غير ضرورة التهب فيه نار الجوع التهاب الحلفاء ٣ بالنار لأن النفس الراقدة تستيقظ بكل ما يوقظها وإذا استيقظت نزعت إلى هواها فالعبد المراد بهذا إذا فطن لسياسة النفس ورزق العلم سهل
عليه الطى وتداركته المعونة من الله تعالى لا سيما إن كوشيف بشئ من المنح الإلهية وقد حكى لى فقير أنه اشتد به الجوع وكان لا يطلب ولا يتسبب قال فلما انتهى جوعى إلى الغاية بعد أيام فتح الله على بتفاحة فتناولت التفاحة وقصدت أكلها فلما كسرتُها كوشفت بحوراء نظرتُ إليها عقيب كسرها فحدث عندى من الفرح بذلك ما استغنيت به عن الطعام أيامًا وذكر لى أن الحوراء خرجت من وسط التفاحة والإيمان بالقدرة ركن من أركان الإيمان فسلم ولا تُنكر قال سهل بن عبد الله رحمه الله تعالى من طوى أربعين يومًا ظهرت له القدرة على
الملكوت
وقال الشيخ ابو طالب المكي رحمه الله تعالى عرفنا من طوى أربعين يوما برياضة
النفس في تأخير الوقت وكان يؤخّر فطره كل ليلة إلى نصف سبع الليل حتى يطو ليلة في نصف شهر فيطوى الأربعين فى سنة وأربعة أشهر فتندرج الأيام والليالي حتى
۱ وفى نسخة ويقفو أى بعد يقال قفا عنه أى تباعد ومعنى ينفر هنا يبعد
البخارى وغيره من حديث الوصال في الصوم
۳ وفي نسخة لا مثنوية فيه

٥٥
يكون الأربعين بمنزلة يوم واحد وذكر لى أن الذي فعل ذلك ظهرت له آيات من الملكوت وكوشيف بمعانى قدرة من الجبروت تجلّى الله بها له كيف شاء وأعلم أن هذا المعنى من الطى والتقلّل لو أنه عَيْنُ الفضيلة ما فات أحدًا من الأنبياء ولكان رسول الله يبلغ من ذلك إلى أقصى غياياته ولاشك أن لذلك فضيلة لا تنكر ولكن لا تنحصر مواهب الحق تعالى فى ذلك فقد يكون من يأكل كل يوم أفضل ممن يطوى أربعين يوما وقد يكون من لا يكاشف بشئ من معانى القدرة أفضل ممن يكاشف بها إذا كاشفه الله بصرف المعرفة فالقدرة أثر من القادر
ومَنْ أهل القُرب القادر لا يستغرب ولا يستنكر شيئًا من القدرة ويرى القدرة تتجلى له من سجف أجزاء عالم الحكمة فإذا أخلص العبد لله تعالى أربعين يوما واجتهد في ضبط أحواله بشئ من الأنواع التي ذكرنا من العمل والذكر والقوتِ وغير ذلك تعود بركة تلك الأربعين على جميع أوقاته وساعاته وهو طريق حَسَنُ اعتمده طائفةٌ
الصالحين
من
وكان جماعة من الصالحين يختارون للأربعين ذا العقدة وعشر ذي الحجة وهي أربعون موسى عليه السلام
أخبرنا شيخنا ضياء الدين أبو النجيب إجازة قال أخبرنا أبو منصور محمد بن عبدالملك بن خيرون إجازة قال أخبرنا أبو محمد الحسن بن على الجوهري إجازة قال أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس قال حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال حدثنا أبو معاوية الضرير قال حدثنا الحجاج عن مكحول قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخلص لله تعالى العبادة أربعين يومًا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه
۱ وفي نسخة ولا يستكثر
سجف ستر
۳ ابن نعيم فى الحلبة عن أبي أيوب بسند ضعيف

٥٦
الباب التاسع والعشرون
أخلاق الصوفية وشرح الخلق
الصوفية أوفر الناس حظا من الاقتداء برسول الله له وأحقهم بإحياء سنته والتخلق بأخلاق رسول الله له من حسن الاقتداء به وإحياء سنته على ما أخبرنا الشيخ العالم ضياء الدين شيخ الإسلام أبو أحمد عبد الوهاب بن على قال أخبرنا أبو الفتح عبدالوهاب بن على قال أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الهروى قال أخبرنا أبو نصر عبد العزيز بن أحمد الترياقى قال أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي قال أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبى قال أخبرنا أبوعيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذى قال حدثنا مسلم بن حاتم الأنصارى البصرى قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصار عن أبيه عن على بن زيد عن سعد بن المسيب قال قال أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه قال لى رسول الله يا بني إن قدرت أن تصبح وتُمسى وليس فى قلبك غش لأحد فأفعل ثم قال يا بني ذلك من سنتي ومن أحيا سنتى فقد أحياني ومن أحيانى كان معي في الجنة فالصوفية أحيوا سنة رسول الله لأنهم وقفوا في بداياتهم لرعاية أقواله وفى وسط حالهم اقتدوا بأعماله فأثمر لهم ذلك فى نهاياتهم أن تحققوا بأخلاقه وتحسين الأخلاق لا يتأتى إلا بعد تزكية النفس وطريق التزكية بالإذعان لسياسة الشرع وقد قال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم ۳ لمـا كـان أشرف الناس وأزكاهم نفسا كان أحسنهم خلقا قال مجاهد على خلق عظيم أي دين عظيم والدين الأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة سئلت عائشة - رضى الله تعالى عنها - عن خُلق رسول الله قالت كان خلقه القرآن قال قتادة هو ما كان يأتمر به من أمر الله تعالى وينتهى عمّا نهى الله عنه وفى قول عائشة كان خلقه القرآن سر كبيرٌ وعِلْمُ غامض ما نطقت بذلك إلا بما خصها الله تعالى به من بركة الوحي السماوى وصحبة رسول الله وتخصيصه إياها بكلمة خذوا شطر دينكم من هذه الحميراء وذلك
مجموع
۱ الترمذي عن أنس بن مالك بأستاد
وفي نسخة وفقوا ۳ آية رقم 4 من سورة القلم
٤ مسلم وأبو داود من حديث طويل فى قيام الليل عن عائشة
٥ قال ابن حجر لا أعرف له إسنادا ولا رأيته فى شئ من كتب الحديث المعتمدة

۵۷
أن النفس مجبولة على غرائز وطبائع هى من لوازمها وضرورتها خلقت من تراب ولها بحسب ذلك طبع وخُلقت من ماءٍ ولها بحسب ذلك طبع وهكذا من حمأ مسنون ومن صلصال كالفخّار وبحسب تلك الأصول التى هى مبادئ تكونها استفادت صفات من البهيمية والسبعية والشيطانية وإلى صفة الشيطانية في الإنسان إشارة بقوله تعالى خَلَقَ الإِنسَانِ مِنْ صَلَصَالَ كَالْفَخَّار لدخول النار فى الفخار وقد قال الله تعالى وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ ثار والله تعالى بخفى لطفه وعظيم عنايتـه نـزع نصيب
الشيطان من رسول الله على ما ورد في حديث حليمة ابنة الحارث أنها قالت في حديث طويل فبينما نحن خلف بيوتنا ورسول الله الله مع أخ له من الرضاعة فى بهم ۳ لنا جاءنا أخوه يشتد فقال ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بياض فاضجعاه فشقا بطنه فخرجتُ أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده قائمًا منتقعا لونه فاعتنقه لونه فاعتنقه أبوه وقال أى بنى ما شأنك قال جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فاضجعانی فشقا بطنى ثم استخرجا منه شيئًا فطرحاه ثم ردّاه كما كان فرجعنا به معنا فقال أبوه ياحليمة لقد خشيت أن يكون ابني هذا قد أصيب فانطلقي بنا فلنردّه إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوّف قالت فاحتملناه فلم تُرَع أمه إلا وقد قدمنا به عليها قالت ما ردكما وقد كنتما عليه خريصين! قلنا لا والله لاضير إلا أن الله عزّ وجل قد أدَّ عنا وقضينا الذي كان علينا وقلنا نخشى الإتلاف والأحداث فنرده إلى أهله فقالت ماذاك فاصدقانى شأنكما فلم تَدَعْنا حتى أخبرناها خبره فقالت خشيتما عليه الشيطان كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وإنه لكائن
لا بنى هذا شأن ألا أخبركما بخبره قلنا بلى قالت حملت به فما حملت حَمْلاً قط أخف منه فأريت فى النوم حين حملت به كأنه خرج منى نور أضاءت به قصور الشام ثم وقع حين ولدته وقوعا لم يقعه المولود معتمدًا على يديه رافعًا رأسه إلى السماء فدعاه عنكما فبعد أن طهر الله رسوله من نصيب الشيطان بقيت النفس الزكية النبوية على حد نفوس البشر لها ظهور بصفات وأخلاق مُبَقاة على رسول الله رحمة للخلق لوجود أمهات تلك الصفات فى نفوس الأمة بمزيد من الظلمة لتفاوت حال رسول الله وحال الأمة فاستمدت تلك الصفات المبقا بظهورها فى رسول الله بتنزيل الآيات المحكمات بإزائها لقمعها تأديبا من الله لنبيه رحمةً خاصةً له وعامة للأمة موزعة بنزول
١ آية رقم ١٤ من سورة الرحمن آية رقم 15 من سورة الرحمن ۳ إلهم أولاد البقر والمفرد الضآن

۵۸
الآيات
علي الآناء والأوقات عند ظهور الصفات قال الله تعالى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاً نُزِّلَ عَلَيهِ الْقُرآنُ جُمْلَةٌ وَاحِدَةً كَذلِكَ لِيتُثبت بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتِّلْنَاهُ تَرْتِيلا وتثبيت الفؤاد بعد اضطرابه لحركة النفس بظهور الصفات لارتباط بين القلب والنفس وعند كلّ اضطراب آية متضمنة لخلق سَنِيّ إما تصريحاً أو تعويضاً كما تحركت النفس الشريفةُ النبوية لما كُسرت رباعيته وصار الدم يسيل على وجهه الشريف ورسول الله يمسحه ويقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله تعالى لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْر شَيْءٍ ۳ فاكتسى القلب النبوي لباس الاصطبار وفاء بعد الاضطراب إلى القرار فلما توزعت الآيات على ظهور الصفات في مختلف الأوقات صفت الأخلاق النبوية بالقرآن ليكون خُلُقه القرآن ويكون فى إبقاء تلك الصفات في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى قوله عليه الصلاة والسلام إنَّما أنسى لأسُنَّ ٣ فظهور صفات نفسه الشريفة وقت استنزال الآيات لتأديب نفوس الأمة وتهذيبها
رحمةً فى حقهم حتى تتزكى نفوسهم وتشرف أخلاقهم قال رسول الله الأخلاق مخزونة عند الله تعالى فإذا أراد الله تعالى بعبد خيرا منحه منها خُلقَا وقال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وروى عنه أن الله تعالى مائة وبضعة عشر خُلقا من آتاه واحدا منها دخل الجنة فتقديرها وتحديدها لا يكون إلا بوحى سماوى لمرسل ونبي
والله تعالى ابرز إلى الخلق أسماءه منبئةٌ عن صفاته سبحانه وتعالى وما أظهرها لهم إلا ليدعوهم إليها ولولا أن الله تعالى أودع فى القوى البشرية التخلق بهذه الأخلاق ما أبرزها لهم دعوة لهم إليها يختص برحمته من يشاء
ولا يبعد - والله أعلم - أن قول عائشة رضى الله عنها كان خلقه القرآن فيه رمز غامض وإيماء خفى إلى الأخلاق الربانية فاحتشمت من الحضرة الإلهية أن تقول متخلقا بأخلاق الله تعالى فعبرت عن المعنى بقولها كان خلقه القرآن استحياء من سبحات الجلال وسترا للحال بلطف المقال وهذا من وفور علمها وكمال آدبها
۱ آية رقم ٣٢ من سورة الفرقان آية رقم ۱۸ من سورة آل عمران ٣ الموطأ بلاغا عن مالك
٤ البخارى فى الأدب والحاكم من البيهقي في الشعب عن أبي هريرة بسند صحيح
٥ الحكيم وأبو يعلى والبيهقى فى الشعب عن عثمان بن عفان بسند حسن
٦ أي استحيت

۵۹
وبين قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرآنَ العَظِيمَ
وبين قوله تعالى وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ مناسبة مشعرة بقول عائشة رضى الله عنها كان خلقه القرآن ۳
قال الجنيد رحمه اله تعالى كان خلقه عظيمًا لأنه لم يكن له همةٌ سوى الله تعالى
وقال الواسطى رحمه الله تعالى لأنه جاء بالكونين عوضاً عن الحق
وقيل لأنه عليه الصلاة والسلام عاشر الخلق بخلقهن وباينهم بقلبه وهذا ما قاله بعضهم في معنى التصوف
التصوف الخلق مع الخلق والصدقُ مع الحق
وقيل عَظمُ خُلقه حيث صَغرت الأكوان في عينه لمشاهدة مكونها
وقيل سُمّى خلقه عظيمًا لاجتماع مكارم الأخلاق فيه وقد ندب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمته إلى حسن الخلق في حديث أخبرنـا بـه الشيخ العالم ضياء الدين بن عبد الوهاب بن على قال
أخبرنا أبو الفتح الهروى قال أخبرنا أبو نصر الترياقي قال أخبرنا أبو محمد الجراحى قال أخبرنا أبو العباس المحبوبى قال أخبرنا أبو عيسى الحافظ الترمذي قال حدثنا أحمد بن الحسين بن خراش قال حدثنا حيان بن هلال قال حدثنا فضالة قال حدثني عبد الله بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن رضى الله عنه أن رسول الله قال
مبارك
مجلسا
إن من أحبكم إلى وأقربكم منى يوم القيامة أحسنكم وأبعدكم منى مجلسًا يوم القيامة الثرثارون المتشدقون المتفيقهون
أخلاقاً وإن أبغضكم إلى

قالوا یا رسول الله علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيقهون قال
المتفيقهون المتكبرون1
۱ آية رقم ٨٧ من سورة الحجر آية رقم 4 من سورة القلم
۳ حديث كان خلقه القرآن أخرجه الإمام احمد في مسنده والإمام مسلم في صحيحه وأبو داود في سننه عن
عائشة رضى الله عنها
٤ وفي نسخة سمى خلقه عظيما
ه أي ترك الدنيا في سبيل الله سبحانه وتعالى
٦ أخرجه البخاري عن ابن عمرو هو حديث صحيح ورواه الترمذي وقال حديث حسن

والثرثار هو المكثار يكثر من الحديث والمتشدّق المتطاول على الناس في الكلام الله قال الواسطى رحمه تعالى الخُلق العظيم أن لا يخاصم ولا يخاصم وقال أيضًا وإن لعلى خلق عظيم لوجدانك حلاوة المطالعة على سرّك وقال أيضا لأن قبلت فنون ما أسديتُ إليك من نعمى أحسن مما قبله غيرك من الأنبياء والرسل
وقال الحسين بن منصور الحلاج لأنه لم يُؤثر فيك جفاء الخلق مطالعة الحق وقيل الخُلق العظيم لباس التقوى والتخلق بأخلاق الله تعالى إذ لم يبق للأعواض
عنده خطر
وقال بعضهم قوله تعالى ولو تَقَوْلَ عَلَيْنَا بَعض الأقاويل لأخَذْنَا مِنْهُ باليمين 1 أتم لأنه حيث قال وإنّك أحضره وإذا أحضره أغفله وحجبه وقوله لأخذنا أتم لأن فيه فناء
وفى قوله هذا القائل نظر فهلاً قال إن كان في ذلك فناء ففي قوله وإنك بقاء وهو بقاء بعد فناء والبقاء أتم من الفناء وهذا أليق بمنصب الرسالة لأن الفناء إنما عز لمزاحمة وجود مذموم فإذا نُزع المذموم من الوجود وتبدلت النعوت فأي عزّة تبقى في الفناء فيكون حضُوره بالله لا بنفسه وأى حجبة تبقى هنالك وقيل من أوتى الخلق فقد أوتى أعظم المقامات لأن للمقامات ارتباطاً عاما والخلق ارتباط بالنعوت والصفات وقال الجنيد اجتمع فيه أربعة أشياء السخاء والألفة والنصيحة والشفقة وقال ابن عطاء الخلق العظيم أن لا يكون له اختيار ويكون تحت الحكم مع النفس وفناء المألوفات وقال أبو سعيد القرشي العظيم هو الله ومن أخلاقه الجود والكرم والصفح والعفو والإحسان ألا ترى إلى قوله عليه السلام
إن لله مائة وبضعة عشر خُلقًا من أوتى بواحد منها دخل الجنة فلما تخلق بأخلاق الله تعالى وجد الثناء عليه بقوله وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
۱ آية رقم ٤٥ من سورة الحاقة
الحكيم الترمذي وغيره عن عثمان بن عفان بسند حسن
فناء

وقيل عظم خُلقك لأنك لم ترض بالأخلاق وسرت ولم تسكن إلى النعوت حتى وصلت إلى الذات وقيل لما بعث محمد إلى الحجاز حَجَزَه بها عن اللذات والشهوات وألقاه في الغُربة والجفوة فلما صفا بذلك من دنس الأخلاق قال له وإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ أخبرنا الشيخ الصالح أبو زرعة بن الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي عن أبيه قال أخبرنا أبو عمر المليحى قال أخبرنا أبو محمد عبدالله بن يوسف قال أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي قال حدثنا جعفر بن الحجاج الرقّى قال أخبرنا أيوب بن محمد الوزان قال حدثنى الوليد قال حدثني ثابت عن يزيد عن الأوزاعي عن
الزهري عن عروة عن عائشة رضى الله عنها قالت كان نبي الله يقول مكارم الأخلاق عشرة تكون فى الرجل ولا تكون فى ابنه وتكون في الابن ولا تكون في أبيه وتكون فى العبد ولا تكون فى سيده يقسمها الله تعالى لمن أراد به السعادة صدق الحديث وصدق البأس وأن لا يشبع وجاره وصاحبه جائعان وإعطاء السائل والمكافأة بالصنائع وحفظ الأمانة وصلة الرحم والتذمم للصاحب وإقراء الضيف ورأسهن الحياء 3
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال تقوى الله وحسن الخلق وسئل عن أكثر ما يُدخل الناس النارُ فقال الغم والفرح يكون هذا الغم غم فوات الحظوظ العاجلة لأن ذلك يتضمن التسخط والتضجر وفيه الاعتراض على الله تعالى وعدم الرضا بالقضاء ويكون الفرح المشار إليه الفرح بالحظوظ العاجلة الممنوع منه بقوله تعالى لِكَيْلاً تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفَرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وهو الفرح الذي قال الله تعالى إِذْ قَالَ لَقَوْمِهِ لا تَفْرح إن الله لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ لما رأى مفاتحه تنوء بالعصبة أولى القوة
فأما الفرح بالأقسام الأخروية فمحمود يُنافس فيه قال الله تعالى قُلْ بفضل الله وبرحمته فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ]
1 حفظ العهد
الحكيم والبيهقي في الشعب عن عائشة بسند ضعيف
۳ الترمذي وقال صحيح غريب جـ ٣ ص ٢٤٥ ووراه عن أبي هريرة
٤ الآية من سورة يونس رقم ٥٨
ه ما بين القوسين ساقظ في بعض النسخ

الأذى
وفسر عبدالله بن المبارك حسن الخلق فقال هو بَسطُ الوجه وبذل المعروف وكف فالصوفية راضوا نفوسهم بالمكابدات والمجاهدات حتى أجابت إلى تحسين الأخلاق وكم من نفس تجيب إلى الأعمال ولا تُجيب إلى الأخلاق فنفوس العباد أجابت إلى الأعمال وجمحت عن الأخلاق ونفوس الزهاد أجبت إلى بعض الأخلاق دون بعض ونفوس الصوفية أجابت إلى الأخلاق الكريمة كلها أخبرنا الشيخ أبو زرعة إجازة عن أبي بكر بن خلف إجازة عن السلمي قال سمعت حسين بن أحمد بن جعفر يقول سمعت أبا بكر الكناني يقول التصوف خُلُق فمن زاد عليك فى الخلق زاد عليك في التصوف
فالعباد أجابت نفوسهم إلى الأعمال لأنهم يسلكون بنور الإسلام والزهاد أجابت نفوسهم إلى بعض الأخلاق لكونهم سلكوا بنور الإيمان والصوفية أهل القرب سلكوا بنور الإحسان فلما باشر بواطن أهل القرب والصوفية نُورُ اليقين وتأصل فى بواطنهم ذلك انصلح القلب بكل أرجائه وجوانبه لأن القلب يَبْيَضُ بعضُه بنور الإسلام وبعضـه بنـور
الإيمان وكله بنور الإحسان واليقين فإذا ابيض القلب وتنور انعكس نوره على النفس وللقلب وجـه إلى النفس ووجه إلى الروح وللنفس وجه إلى القلب ووجه إلى الطبع والغريزة والقلب إذا لم يبيض كله لم يتوجه إلى الروح بكله ويكون ذا وجهين وجه إلى الروح ووجه إلى النفس فإذا ابيض كله توجه إلى الروح بكله فيتداركه مدد الروح ويزداد إشراقا وتنورًا وكلما انجذب القلب إلى الروح انجذبت النفس إلى القلب وكلما انجذبت توجهت إلى القلب بوجهها الذي يليه وتتنور النفس لتوجهها إلى القلب
بوجهها الذي يلى القلب وعلامة تنوّرها طمأنينتها قال تعالى يأيتها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِى إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّة
وتنور وجهها الذى يلى القلب بمثابة نورانية أحدِ وجهى الصدف لاكتساب النورانية من اللؤلؤ
وبقاء شيء من الظلمة على النفس لنسبة وجهها الذى يلى الغريزة والطبع كبقاء ظاهر الصدف على ضرب من الكدر والنقصان مخالف لنورانية باطنة
۱ انظر الرسالة القشيرية
آية رقم ٢٨ من سورة الفجر

٦٣
وإذا تنوّر أحد وجهى النفس لجأت ۱ إلى تحسين الأخلاق وتبديل النعوت ولذلك سمى الأبدال أبدالاً
والسر الأكبر فى ذلك أن قلب الصوفى بدوام الإقبال على الله ودوام الذكر بالقلب
واللسان يرتقى إلى ذكر الذات ويصير حينئذ بمثابة العرش فالعرش قلب الكائنات في عالم الخلق والحكمة والقلب عرش في عالم الأمر والقدرة
قال سهل بن عبد الله التسترى القلب كالعرش والصدر كالكرسي وقد ورد عن الله تعالى ما يسعنى أرضى ولا سمائى ويسعنى قلب عبدى المؤمن فإذا اكتحل القلب بنور ذكر الذات وصار بحرًا مَوْاجًا من نسمات القرب جرى في
جداول أخلاق النفس صَفاءُ النعوت والصفات وتحقق التخلق بأخلاق الله تعالى حكى عن الشيخ أبي على الفارمزى أنه حكى عن شيخه أبي القاسم الكركاني أنه قال إن الأسماء التسعة والتسعين تصير أوصافا للعبد للسالك وهو بَعدُ في السلوك غير واصل ويكون الشيخ غنى بهذا أن العبد يأخذ من كل اسم وصفا يلائم ضعف حال البشر وقصوره مثل أن يأخذ من اسم الله تعالى الرحيم معنى من الرحمـة علـى قـدر قصور البشر وكل إشارات المشايخ فى الأسماء والصفات التي هي أعزُّ علومهم علـى هـذا المعنى والتفسير وكل من توهم بذلك شيئًا من الحلول تزندق وألحد
وقد أوصى رسول الله له معادا بوصيّة جامعة لمحاسن الأخلاق فقال له
يا معاذ أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وترك الخيانة وحفظ الجوار ورحمة اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وحسن العمل ونصر الأمل ولزوم الإيمان والتفقه فى القرآن وحُبّ الآخرة والجزع من الحساب وخفض الجناح وإياك أن تَسُب حليما أو تُكذب صادقاً أو تطيع آثما أو تعصى إماماً عادلاً أو تفسد أرضًا أوصيك باتقاء الله عند كل حجر وشجر ومَدَر وأن تُحدث لكل ذنب توبة السرُّ بالسر والعلانية بالعلانية بذلك أدب الله عباده ودعاهم إلى مكارم الأخلاق
ومحاسن الآداب
1 وفى نسخة تجيب
ذكره في الأحياء بلفظ قال الله تعالى [ لم يسعنى سمائى ولا أرضى ووسعنى قلب عبدي المؤمن اللين الوادع قال العراقي في تخرجه لم أر له أصلاً ووافقه في الدرر تبعا للزركشي
وقال في المقاصد تبعًا لشيخه في اللآلى ليس له إسناد معروف عن النبي ومعناه [وسع قلبه الإيمان بي ومحبتى ومعرفتي وإلا فمن قال إن الله يحل فى قلوب الناس فهو أكثر من النصارى الذين خصوا ذلك بالمسيح وحده ۳ المدر بفتح الميم والدال التراب المتلبد أو الطين المقطع
٤ رواه عبد بن حميد في تفسيره وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن أبي ذر وقال السيوطي حسن

وروى معاذ أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
حف الإسلام بمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب
أخبرنا الشيخ العالم ضياء الدين عبد الوهاب بن على بإسناده المتقدم إلى الترمذى رحمه الله تعالى قال أخبرنا أبو كريب قال حدثنا قبيصة بن الليث عن مطرف عن عطاء عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما من شيء يُوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ۳ وقد كان من أخلاق رسول صلى الله عليه وسلم أنه كان أسخى الناس لا يبيت عنده دينار ولا درهم وإن فضل ولم يجد من يُعطيه ويأتيه الليل لا يأوى إلى منزله حتى يبرأ منه ولا ينال من الدنيا أكثر قوتَ عَامِه من أيسر ما يجد من التمر والشعير ويضع ماعدا ذلك في سبيل الله لا يُسأل شيئًا إلا يُعطى ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام وكان يخصف النعل ويُرقع الثوب ويخدم في مهنة أهله ويقطع اللحم معهن وكان أشد الناس حياءً وأكثرهم تواضعًا فصلوات الرحمن عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
۱ هو الإمام محمد بن عيسى بن سورة السلمى الترمذى من أئمة علماء الحديث وحفاظه من أهل ترمذ وترمذ مدينة مشهورة من أمهات المدن على نهر جيحون من جانبه الشرقي قال في القاموس ترمذ كإثمد بلد ببخارى ولد سنة ٢٠٩هـ / ٨٢٤م وتوفى سنة ٢٧٩هـ / ۸۹م قام برحلة فى خراسان والعراق والحجاز وعمى في آخر عمره قال ابن حبان في كتاب الثقات كان الترمذى ممن جمع وصنف وحفظ وقال أبو سعيد عبد الرحمن الإدريسي كان الترمذي أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في الحديث صنف الجامع وكان يضرب به المثل في الحفظ وكان موته بــ ترمذ ومن مصنفاته كتاب الجامع ويسمى بالسنن کتاب العلل کتاب شمائل النبي أنظر في ترجمته أنساب السمعانى ٩٥ ونكت الهميان ص ٢٦٤ ووفيات الأعيان
الترمذى جـ٣ ص ٢٤٥ وقال حديث غريب من هذا الوجه وأبو داود
۳ الخصف خرز النعل وخياطته
٤ المهنة بالكسر الخدمة

الباب الثلاثون
في تفصيل أخلاق الصوفية
من أحسن أخلاق الصوفية التواضع ولا يلبس العبد لبسة أفضل من التواضع ومن ظفر بكنز التواضع والحكمة يقيم نفسه عند كل أحد مقدارًا يعلم أنه يقيمه ويقيم كل
أحد على ما عنده من نفسه ومن رزق هذا فقد استراح وأراح
وما يعقلها إلا العالمون
1
أخبرنا أبو زرعة عن أبيه الحافظ المقدسى قال أخبرنا عثمان بن عبد الله قال أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرحمن بن حمدان قال حدثنا أبو حاتم الرازى قال حدثنا النضر بن عبد الجبار قال أخبرنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس أن رسول الله قال
إن الله تعالى أوحى إلى أن تواضعوا ولا يبغى بعضكم على بعض وقال عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي قال على البر والتقوى والرهبة وذلّة النفس
وكان من تواضع رسول الله أن يجيب دعوة الحرّ والعبد ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن أو فخذ أرنب ويكافئ عليها ويأكلها ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين وأخبرنا أبو زرعة - إجازة - عن ابن خلف - إجازة - عن السلمي قال أخبرنا أحمد بن على المقرى قال أخبرنا محمد بن المنهال قال حدثني أبي عن محمد بن جابر اليماني عن سليمان بن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله إن من رأس التواضع أن تبدأ بالسلام على من لقيت وترد على من سلم عليك وأن ترضى بالدون من المجلس وأن لا تحب المدحة والتزكية والبر
1 الآية ٤٣ من العنكبوت
البخاري في الأدب وابن ماجه عن أنس بسند صحيح وروى مسلم وأبو داود وابن ماجه عن فياض بن حماد وبسند صحيح إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا نفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد ۳ آية رقم ٣١ من سورة آل عمران ٤ انظر شمائل الرسول لابن كثير والترمذي
عوارف المعارف جـ ٢

٦٦
وورد أيضًا عنه عليه الصلاة والسلام طوبى لمن تواضع من غير منقصة وذل في نفسه من غير مسكنة ۱
سئل الجنيد عن التواضع فقال خفض الجناح ولين الجانب وسئل الفضيل عن التواضع فقال تخضع للحق وتنقاد له وتقبله ممن قاله وتسمع منه وقال أيضا من رأى لنفسه قيمة فليس له في التواضع نصيب
وقال وهب بن منبه مكتوب فى كتب الله إنى أخرجت الذر من صلب آدم فلم
أجد قلبا أشد تواضعاً إلى من قلب موسى عليه السلام فلذلك اصطفيته وكلمته وقيل من عرف كوامن نفسه لم يطمع فى العلو والشرف ويسلك سبيل التواضع فلا يخاصم من يذمه ويشكر الله لم يحمده
قال أبو حفص من أحب أن يتواضع قلبه فليصحب الصالحين وليلتزم بحرمتهم فمن شدّة تواضعهم في أنفسهم يُقتدى بهم ولا يتكبر وقال لقمان عليه الصلاة والسلام ولكل شيء مطية ومطية العمل التواضع وقال النوري خمسة أنفس أعزُّ الخلق في الدنيا
عالم زاهد وفقيه صوفى وغنى متواضع وفقير شاكر وشريف سني] وقال الجلاد ۳ لولا شرف التواضع كنا إذا مشينا نخطر
وقال يوسف بن أسباط وقد سئل ما غاية التواضع
قال أن تخرج من بيتك فلا تلقى أحدا إلا رأيته خيرًا منك ورأيت شيخنا ضياء الدين أبا النجيب - وكنت معه فى سفره إلى الشام وقد بعث
بعض أبناء الدنيا له طعامًا على رءوس الأسارى من الإفرنج وهم في قيودهم - فلما مدت السفرة والأسارى ينتظرون الأوانى حتى تفرغ قال للخادم أحضر الأسارى حتى يقعدوا على السفرة مع الفقراء فجاء بهم وأقعدهم على السفرة صفا واحدا وقام الشيخ من سجادته ومشى إليهم وقعد بينهم كالواحد منهم فأكل وأكلوا وظهر لنا على وجهـه
1 البخارى فى التاريخ والبغوى والبارودى وابن قانع والطبراني والبيهقي عن ركب المصرى بسند حسن وهو أبو الحسين أحمد بن محمد الثوري بغدادي المولد والمنشأ من أذان الجنيد قال الخطيب البغدادي هو أعلم العراقيين بلطائف القوم توفى سنة ٢٩٥هـ ۳ هو أبو عبد الله أحمد بن يحيى الجلاد بغدادي الأصل أقام بدمشق صحب أبا تراب وذا النون وصحب هو أباه يحيى الجلاد

ما نازل باطنه من التواضع لله والانكسار فى نفسه وانسلاخه من التكبر عليهم بإيمانه وعلمه وعمله أخبرنا أبو زرعة إجازة عن أبى بكر بن خلف إجازة عن السلمي قال سمعت أبا الحسين الفارسى يقول سمعت الجريري يقول صح عند أهل المعرفة أن للدين رأس مال خمسة فى الظاهر وخمسة في الباطن فأما اللواتى فى الظاهر فصدق في اللسان وسخاوة في الملك وتواضع في الأبدان وكف الأذى واحتماله بلا إباء وأما اللواتى فى الباطن فحب وجود سيّده وخوف الفراق من سيده ورجاء الوصول إلى سيده والندم على فعله والحياء من ربه وقال يحيى بن معاذ التواضع فى الخلق حسن ولكن فى الأغنياء أحسن والتكبر سمج في الخلق ولكن في الفقراء أسمج وقال ذو النون ثلاثة من علامات التواضع تصغير النفس معرفة بالعيب وتعظيم النفس حرمة للتوحيد وقبول الحق والنصيحة من كل واحد وقيل لأبي يزيد متى يكون الرجل متواضعًا قال إذا لم ير لنفسه حقاً ما ولا حالاً من علمه بشرها وازدرائها ولا يرى أن في الخلق شرا منه قال بعض الحكماء وجدنا التواضع مع الجهل والبخل أحمد من الكبر مع
والسخاء
الأدب
وقيل لبعض الحكماء هل تعرف نعمةً لا يُحسد عليها وبلاءً لا يرحم صاحبـه عليـه قال نعم أما النعمة فالتواضع وأما البلاء فالكبر والكشف عن حقيقة التواضع أن التواضع رعاية الاعتدال بين الكبر والضعة فالكبر رفع الإنسان نفسه فوق قدره والضعة وضع الإنسان نفسه مكانًا يزرى به ويفضي إلى
تضييع
حقه
وقد انفهم من كثير من إشارات المشايخ في شرح التواضع أشياء إلى حد أقاموا التواضع فيه مقام الضعة ويلوح فيه الهوى من أوج الإفراط إلى حضيض التفريط ويوهم
1 وفي نسخة وتعظيم الناس وفي نسخة يفهم

انحرافاً عن حد الاعتدال ويكون قصدهم في ذلك المبالغة في قمع نفوس المريدين خوفًا عليهم من العجب والكبر فقل أن ينفك مريد في مبادئ ظهور سلطان الحال من العجب حتى لقد نقل عن جمع من الكبار كلمات مؤذنة بالإعجاب وكل ما نقل من ذلك القبيل من المشايخ لبقايا السكر عندهم وانحصارهم في مضيق سكر الحال وعدم الخروج إلى فضاء الصحو في ابتداء أمرهم وذلك إذا حدق صاحب البصيرة نظرة يعلم أنه من استرقاق النفس السمع عند نزول الوارد على القلب والنفس إذا استرقت السمع عند ظهور الوارد على القلب ظهرت بصفتها على وجـه لا يجفو على الوقت وصلافة الحال فيكون من ذلك كلمات مؤذنة بالعجب كقول بعضهم من تحت خضراء السماء مثلى وقول بعضهم قدمى على رقبة جميع الأولياء وكقول بعضهم أسرجت وألجمت وطفت في أقطار الأرض وقلت هل من مبارز فلم يخرج إلى أحد إشارة منه في ذلك إلى تفرده في وقته
ومن أشكل عليه ذلك ولم يعلم أنه من استراق النفس السمع فليزن ذلك بميزان أصحاب رسول الله وتواضعهم واجتنابهم أمثال هذه الكلمات واستبعادهم أن يجوز للعبد التظاهر بشيء من ذلك ولكن يجعل لكلام الصادقين وجه في الصحة ويقال إن ذلك طفح عليهم في سكر الحال وكلام السكارى يحمل
فالمشايخ أرباب التمكن لما علموا في النفوس هذا الداء الدفين بالغوا في شرح التواضع إلى حد الحقوه بالصفة تداويا للمريدين
والاعتدال في التواضع أن يرضى الإنسان بمنزلة دوين ۳ ما يستحقه ولو أمن الشخص جموح النفس لأوقفها على حدٍ يستحقه من غير زيادة ولا نقصان
ولكن لما كان الجموح في جبلة النفس لكونها مخلوقة من صلصال كالفخار فيها نسبة النارية وطلب الاستعلاء بطبعها إلى مركز النار - احتاجت للتداوى بالتواضع وإيقافها دوين ما تستحقه لئلا يتطرق إليها الكبر
فالكبر ظنُّ الإنسان أنه أكبر من غيره والتكبر إظهاره ذلك وهذه صفة لا يستحقها إلا الله تعالى ومن ادعاها من المخلوقين يكون كاذبًا
۱ وفي نسخة استراق وهي أفصح
الصلف التكلم بما يكره والتمدح بما ليس عنده وبما ليس فيه من الصفات وتصلف له تكلّم بما لا يرضاه
۳ دوین تصغير دون
٤ يشير ذلك إلى قوله تعالى الأخلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار

۶۹
والكبر يتولد من الإعجاب والإعجاب من الجهل بحقيقة المحاسن والجهل
من الإنسانية حقيقة
الانسلاخ وقد عظم الله شأن الكبر بقوله تعالى إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ
وقال تعالى أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثوى لِلْمُتَكَبِّرينَ ۳ وقد ورد يقول الله تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزارى فمن نازعنى واحدا منهما قصمته ۳
وفي رواية قذفته في النار
وقال تعالى ردا للإنسان في طغيانه إلى حده
وَلَا تَمْش في الأرْض مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبلُغَ الْجِبَالَ طُولاً وقال تعالى فَلْيَنْظُر الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافق وأبلغ من هذا قوله تعالى قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ
1
فَقَدْرَهُ
وقد قال بعضهم لبعض المتكبرين أوَّلُكَ نطفةٌ مذرة وآخرك جيفة قذرة وأنت فيما بين ذلك حامل العذرة
وقد نظم الشاعر هذا المعنى
۷
كيف يزهو من رجيعه أبد الدهر ضجيعه ! !
وإذا ارتحل التواضع من القلب وسكن الكبر انتشر أثره في بعض الجوارح ويرشح الإناء بما فيه فتارة يظهر أثره في العنق بالتمايل وتارة فى الخد بالتصعير قال الله تعالى وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وتارة يظهر فى الرأس عند استعصاء النفس قال الله تعالى لَوْوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُم يَصُدُونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ
۱ الآية من سورة النحل ٢٣ الآية من سورة الزمر ٦٠
۳ أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة وابن ماجه عن ابن عباس بسند صحيح
٤ أية رقم ۱۸ من سورة لقمان
۵ آية رقم ٦ من سورة الطارق
٦ من سورة عبس الآيات ۱۷ ۱۸ ۱۹
۷ الرجيع الروث والقذرة
۸ آية ١٨ من سورة لقمان
۹ آية رقم ٥ سورة المنافقون

٧٠
وكما أن الكبر له انقسام على الجوارح والأعضاء تتشعب منه شعب [ فكذلك ] بعضها أكثف من البعض كالتيه والزهو والعزّة وغير ذلك إلا أن العزّة تشتبه بالكبر من حيث الصورة وتختلف من حيث الحقيقة كاشتباه التواضع بالضعة والتواضع محمود والضعـة مذمومة والكبر مذموم والعزّة محمودة قال الله تعالى
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ۱ والعزة غير الكبر ولا يحل لمؤمن أن يذل نفسه فالعزّة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه وإكرامها أن لا يضعها الأعراض عاجلة دنيوية كما أن الكبر جهل الإنسان بنفسه وإنزالها فوق منزلتها
قال بعضهم للحسن ما أعظمك فى نفسك ! قال لست بعظيم ولكنى عزيز
ولما كانت العزّة غير مذمومة وفيها مشاكلة بالكبر قال الله تعالى
تستكبرونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
فيه إشارة خفية لإثبات العزّة بالحق فالوقوف على حد التواضع من غير انحراف إلى الضعة وقوف على صراط العزّة المنصوب على متن نار الكبر ولا يؤيد فى ذلك ولا يثبت عليه إلا أقدام العلماء الراسخين والسادة المقربين ورؤساء الأبدال والصديقين قال بعضهم من تكبر فقد أخبر عن نذالة نفسه ومن تواضع فقد أظهر كرم طبعه وقال الترمذي التواضع على ضربين
الأول أن يتواضع العبد لأمر الله ونهيه فإن النفس لطلب الراحة تتعلّى في أمره والشهوة التي فيها تهوى فى نهيه فإذا وضع نفسه لأمره ونهيه فهو تواضع والثاني أن يضع نفسه لعظمة الله فإن اشتهت نفسه شيئًا مما أطلق له من كل نوع من الأنواع منعها ذلك وجملة ذلك أن يترك مشيئته لمشيئة الله تعالى
واعلم أن العبد لا يبلغ حقيقة التواضع إلا عند لمعان نور المشاهدة في قلبه فعند ذلك تذوب النفس وفى ذوبانها صفاؤها من غش الكبر والعجب فتلين وتطيع للحق والخلق لمحو آثارها وسكون وهجها وغبارها
۱ آية ٨ سورة المنافقون
آية ٢٠ من سورة الأحقاف
۳ وفى نسخة وتنطيع

۷۱
رضی
وكان الحظ الأوفر من التواضع لنبينا محمد الله في أوطان القرب كما روى عن عائشة الله عنها في الحديث الطويل قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأخذني ما يأخذ النساء من الغيرة طنا منى أنه عند بعض أزواجه فطلبته في حجر نسائه فلم أجده فوجدته في المسجد ساجدًا كالثوب الخلق وهو يقول فى سجوده سجد لك سوادی وخيالى وآمن بك فؤادى وأقرّ بك لساني وها أنذا بين يديك يا عظيم یا غافر الذنب العظيم1 وقوله عليه السلام سجد لك سوادى وخيالى استقصاء في التواضع بمحو آثـار الوجود حيث لم تتخلف ذرّة منه عن السجود ظاهرا وباطنا
ومتى لم يكن للصوفى حظ من التواضع الخاص على بساط القرب لا يتوفر حظه في التواضع للخلق وهذه سعادات إن أقبلت جاءت بكليتها والتواضع من أشرف أخلاق
الصوفية
ومن أخلاق الصوفية المداراة واحتمال الأذى من الخلق
وبلغ من مداراة رسول الله أنه وجد قتيلاً من أصحابه بين اليهود فلم يحف٢ عليهم ولم يزد على مرّ الحق بل وداه ۳ بمائة ناقة من قبله وإن بأصحابه لحاجة إلى
بعير واحد يتقوون به
وكان من حسن مداراته أن لا يذم طعامًا ولا ينهر خادمًا
أخبرنا الشيخ العالم ضياء الدين عبد الوهاب بن على قال أخبرنا أبو الفتح الكرخي قال أخبرنا أبو النصر الترياقي قال أخبرنا الجراحي قال أخبرنا أبو العباس المحبوبي قال أخبرنا أبو عيسى الترمذى قال حدثنا قتيبة قال حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال خدمت رسول الله له عشر سنين فما قال لى أف قط وما قال لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لم تركته وكان رسول الله من أحسن الناس خلقًا وما مسست خزا قط ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كف
رسول الله ولا شممت مسكًا قط ولا عطرًا كان أطيب من عرق رسول الله 4
1 الحاكم من حديث ابن مسعود بسند ضعیف وفي مسلم كان يقول في السجود اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذى خلقه وصوره وشق سمعه وبصره وتبارك الله أحسن الخالقين لم يجر ولم يظلم ۳ وداه دفع ديته
٤ متفق عليه

۷
فالمداراة مع كل أحد الأهل والأولاد والجيران والأصحاب والخلـق كـافـة مـن أخـلاق الصوفية وباحتمال الأذى يظهر جوهر النفس وقد قيل لكل شيء جوهر وجوهر الإنسان العقل وجوهر العقل الصبر
أخبرنا أبو زرعة طاهر عن أبيه الحافظ المقدسي قال أخبرنا أبو محمد الصريفينـي قال أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن حبابة قال أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز قال حدثنا علي بن الجعد قال أخبرنا شعبه عن الأعمش عن يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت من هو قال ابن عمر عن النبي أنه قال المؤمن الذى يعاشر الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم وفى الخبر أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم قيل ماذا كان كان يصنع أبو ضمضم قال كان إذا أصبح قال اللهم إنى تصدقت اليوم بعرضى على من ظلمني فمن ضربني لا أضربه ومن شتمنى لا أشتمه ومن ظلمني لا أظلمه وأخبرنا ضياء الدين عبد الوهاب قال أخبرنا أبو الفتح الهروى قال حدثنا الترياقي قال أخبرنا الجراحى قال أخبرنا المحبوبي قال أخبرنا أبو عيسى الترمذى قال حدثنا ابن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت استأذن رجل على رسول الله وأنا عنده فقال بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول خرج قلت يا رسول الله قلت له ما قلت ثم ألنت لـه القـول قـال يا عائشة إنّ من شر الناس من يتركه الناس أو يدعه الناس اتقاء فحشه وروى أبو ذر عن رسول الله أنه قال اتق الله حينما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن
فلما
فما شيء يُستدل به على قوة عقل الشخص ووفور علمه وحلمه كحسن المدارة والنفس لا تزال تشمئز ممن يعكس مرادها ويستفزها الغيظ والغضب وبالمداراة قطع حمة 3 النفس وردّ طيشها ونفورها وقد ورد من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيّره فى أى الحور شاء4
الله
۱ سنن ابن ماجه رقم ٤٠٣٢
رواه البخاري ومسلم
۳ تطاولها وغرورها
4 رواه ابن ماجه رقم ٤١٨٦

وروى جابر رضی الله عنه عن رسول الله قال ألا أخبركم على من تحرم النار على كل هين لين سهل قريب ۱
وروى أبو مسعود الأنصارى رضى الله عنه قال أتى النبي عليه الصلاة والسلام برجل فكلّمه فأرعد ۳ فقال هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد
وعن بعضهم في معنى لين جانب الصوفية
هينون لينون أيسار بنو يسر سواس مكرمة أبناء أيسار
لا ينطقون عن الفحشاء إن نطقوا ولا يمارون إن ماروا بإكثار من تلق منهم تقل لا قيتُ سيدهم مثل النجوم التي يسرى بها السارى وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعطى حظه من الرفق أعطى حظه من الرفق فقد حظه من الخير ۳
حرم
من
الخير ومن حرم حدثنا شيخنا ضياء الدين أبو النجيب إملاءً قال حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن أبي عبد الله الماليني قال أخبرنا أبو الحسين عبد الرحمن بن أبي طلحة الداودي قال أخبرنا أبو محمد عبد الله الحموى السرخسى قال أخبرنا أبو عمر أن عيسى بن عمر السمرقندي قال أخبرنا عبدالله بن عبد الرحمن الدرامي قال أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي خلف قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد عن محمد بن إسحق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر عن رجل من العرب قال رحمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وفى رجلى نعل كثيفة فوطئت بها على رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفحني نفحة بسوط في يده الله أوجعتنى قال فبت لنفسى لائمًا أقول أوجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بسم فبت بليلة كما يعلم الله فلما أصبحنا إذا برجل يقول أين فلان قلت هذا والله الذي كان منّي بالأمس قال فانطلقت وأنا متخوّف فقال لى إنك وطئت بنعلك على رجلى بالأمس فأوجعتنى فنفحتك نفحةً بالسوط فهذه ثمانون نعجة فخذها بها4
وقال
۱ رواه أحمد والترمذي وقال حسن غريب
أرعد بضم الهمزة أخذته الرعدة فارتعد واضطرب واهتز والحديث عند ابن ماجة رقم ٣٣١٢
۳ رواه في شرح السنة ورواه الحكيم عن عائشة
٤ راجع البداية والنهاية لابن كثير جـ ٥ ص ٣٥٥

V t
الإيثار
ومن أخلاق الصوفية الإيثار والمواساة ويحملهم على ذلك فرط الشفقة والرحمة طبعا وقوة اليقين شرعًا لأنهم يؤثرون لموجود ويصبرون عن المفقود
قال أبو يزيد البسطامي ما غلبنى أحد ما غلبني شاب من أهل بلخ قدم علينا حاجا فقال لي يا أبا يزيد ما حد الزهد عندكم قلت إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا فقال هكذا عندنا كلاب بلخ فقلت له وما حدّ الزهد عندكم قال إذا فقدنا شكرنا وإذا وجدنا آثرنا
وقال ذو النون المصرى من علامة الزاهد المشروح صوره ثلاث تفريق المجموع وترك طلب المفقود والإيثار بالقوت
روى عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النضير للأنصار إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وتشاركونهم في هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم نقسم لكم شيئا من الغنيمة فقالت الأنصار بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فأنزل الله تعالى ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ۳ وروى لأبوهريرة رضى الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصابه جهد فقال يا رسول الله إني جائع فأطعمني فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أزواجه هل عندكن شيء فكلتهن قلن والذي بعثك بالحق نبيا ما عندنا إلا الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عندنا ما نطعمك هذه الليلة ! ! ثم قال من يضيف هذا هذه الليلة رحمه الله فقال رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله فأتى به منزله فقال لأهله هذا ضيف رسول الله له فأكرميه ولا تدخرى عنه شيئا فقالت ما عندنا إلا قـوت الصبية ! ! فقال فقومى علليهم عن قوتهم حتى يناموا ولا يطعمون شيئا ثم أسرجي فإذا أخذ الضيف ليأكل فقومى كأنك تصلحين السراج فأطفئيه وتعالى نمضغ
1 وهذا مما أبلغ ما جاء في بعض النسخ لأنهم يؤثرون بالموجود ويصبرون على المفقود
وفي نسخة والإيثار عن القوت
۳ آية ٩ من سورة الحشر والحديث رواه الحاكم في الإكليل
٤ علليهم الهيهم وأبعديهم
السنتنا

Yo
لضيف رسول الله حتى يشبع ضيف رسول الله فقامت إلى الصبية فعللتهم حتى ناموا عن قوتهم ولم يطعموا شيئًا ثم قامت فأثردت وأسرجت فلما أخذ الضيف ليأكل قامت كأنها تصلح السراج فأطفأته فجعلا يمضغان ألسنتهما لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وظن الضيف أنهما يأكلان معه حتى شبع الضيف وباتا طاويين فلما أصبحوا غدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر إليهما تبسم رسول الله الا الله ثم قال لقد عجب الله من فلان وفلانة هذه الليلة وأنزل الله تعالى ويُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ خَصَاصَة 1 بهم قال أنس رضى الله تعالى عنه أهدى لبعض أصحابه رأس شاة مشوى وكان مجهودا فوجه به إلى جار له فتداوله سبعة أنفس ثم عاد إلى الأول فأنزلت الآية
لذلك
وروى أن أبا الحسن الأنطاكي اجتمع عنده نيف وثلاثون رجلاً بقرية من بقرب الري وله أرغفة معدودة لم تشبع خمسة معهم فكسروا الرغفان وأطفئوا السراج وجلسوا للطعام فلما رفعوا الطعام فإذا هو بحاله لم يأكل أحد منهم إيثاراً منه على
نفسه
وحكى عن حذيفة العدوى قال انطلقت يوم اليرموك لطلب ابن عم لى ومعى شيء من ماء وأنا أقول إن كان به رمق سقيته ومسحت وجهه فإذا أنا به فقلت أسقيك فأشار إلى أن نعم فإذا رجل يقول آه فقال ابن عمى انطلق به إليه فجئت إليه فإذا هو هشام بن العاص فقلت أسقيك فسمع هشام آخر يقول آه فقال انطلق به إليه فجئت إليه فإذا هو قد مات ثم رجعت إلى هشام فإذا هو أيضا قد مات ثم
رجعت إلى ابن عمى فإذا هو أيضا قد مات وسئل أبو الحسين البوشنجى ۳ عن الفتوة فقال الفتوة عندى ما وصف الله تعالى به الأنصار في قوله وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ والإِيمَانَ
قال ابن عطاء يؤثرون على أنفسهم جودًا وكرمًا وَلَوْ كَان بِهِمْ خَصَاصَةٌ
يعنى جوعا وفقرا
1 رواه البخارى ومسلم والترمذي والنسائي هو أبو الحسن على بن أحمد بن سهل البوشنجي نسبة إلى بوشنج وهي بلدة تقع على بعد سبعة فراسخ من هراة وهو أحد فتيان خراسان لقى ابن عطاء والجريري وأبا عمرو الدمشقي مات سنة ٣٤٨هـ

قال أبو حفص الإيثار هو أن يقدّم حظوظ الإخوان على حظوظه في أمر الدنيا والآخرة
وقال بعضهم الإيثار لا يكون عن اختيار إنما الإيثار أن تقدّم حقوق الخلق أجمع على حقك ولا تميّز فى ذلك بين أخ أو صاحب وذى معرفة
وقال يوسف بن الحسين من رأى لنفسه ملكا لا يصح منه الإيثار لأنه يرى نفسه أحق بالشيء برؤية ملكه إنما الإيثار ممن يرى الأشياء كلها للحق فمن وصل إليه فهو أحق به فإذا وصل شيء من ذلك إليه يرى نفسه ويده فيـه يـد أمانة يوصلها إلى صاحبها أو يؤديها إليه
وقال بعضهم حقيقة الإيثار أن تؤثر بحطّ آخرتك على إخوانك فإن الدنيا أقل خطرًا من أن يكون لإيثارها محل أو ذكر ومن هذا المعنى ما نقل أن بعضهم رأى أخا له فلم يظهر البشر الكثير في وجهه فأنكر أخوه ذلك منه فقال يا أخى سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا التقى المسلمان ينزل عليهما مائة رحمة تسعون لأكثرهما بشرًا وعشرة لأقلهما بشرًا ۳ فأردت أن أكون أقل بشرًا منك ليكون لك الأكثر أخبرنا الشيخ ضياء الدين أبو النجم إجازة قال أخبرنا أبو حفص عمر بن الصفار النيسابورى وقال أخبرنا أبوبكر أحمد بن خلف الشيرازى قال أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا القاسم الرازى يقول سمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول من صحب الصوفية فليصحبهم بلا نفس ولا قلب ولا ملك فمن نظر إلى شيء من أسبابه قطعه ذلك عن بلوغ مقصده
وقال سهل بن عبد الله الصوفى من يرى دمه هدرا وملكه مباحًا وقال رويم التصوّف مبني على ثلاث خصال التمسك بالفقر والافتقار والتحقق بالبذل والإيثار وترك التعرّض والاختيار
۱ هو يوسف بن الحسين أبو يعقوب الرازي كان عالما أديبا صحب ذا النون المصرى وأبا تراب النخشبي مات سنة ٣٠٤ هـ ومن أقواله أنه كتب إلى الجنيد يقول لا أذاقك الله طعم نفسك فإنك إن ذقتها لم تذق بعدها خيرا
أبدا
رواه الحكيم وأبو الشيخ عن عمر ورمز السيوطى لحسنه بنحوه
۳
هو أبو محمد رويم بن أحمد بغدادي من أجل مشايخ التصوف كان مقرنا وفقيها مات سنة ٣٠٣هـ

۷۷
قيل لما سُعِى بالصوفية وتميز الجنيد بالفقه وقبض على الشحام والرقام والنورى وبسط النطع لضرب رقابهم
1
تقدم النورى فقيل له إلى ماذا تبادر فقال أوثر إخواني بفضل حياة ساعة وقيل دخل الروذباری دار بعض أصحابه فوجده غائبا وباب بيته مغلق فقال صوفی وله باب مغلق ! ! اكسروا الباب فكسروه وأمر بجميع ما وجدوا في البيت أن يباع فأنقذوه إلى السوق واتخذوا رفقا من الثمن وقعدوا فى الدار فدخل صاحب المنزل ولم يقل شيئًا ودخلت امرأته وعليها كساء فدخلت بيتًا فرمت بالكساء وقالت هذا أيضًا من بقية المتاع فبيعوه فقال الزوج لها تكلفت هذا باختيارك قالت اسكت مثل الشيخ بباسطنا ويحكم علينا ويبقى لنا شيء ندخره عنه ! ! وقيل مرض قيس بن سعد فاستبطأ إخوانه في عيادته فسأل عنهم فقالوا إنهم يستحيون بما لك عليهم من الدين فقال أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة ثم أمر مناديًا ينادى من كان لقيس مال فهو منه فى حل فكسرت عتبة داره بالعشي لكثرة
عواده
وقيل أتى رجل صديقاً له ودق عليه الباب فلما خرج قال لماذا جئتني قال لأربعمائة درهم دين على فدخل الدار ووزن أربعمائة درهم وأخرجها إليه ودخل الدار باكيا فقالت امرأته هلا تعلّلت حين شق عليك الإجابة!
فقال إنما أبكى لأني لم أتفقد حاله حتى احتاج أن يفاتحنى
وأخبرنا الشيخ أبو زرعة عن أبيه الحافظ المقدسي قال أخبرنا محمد بن محمد إمام جامع أصفهان قال حدثنا أبو عبد الله الجرجاني قال حدثنا أبوطاهر محمد بن الحسن المحمداباذي قال حدثنا أبو البحترى قال حدثنا أبوأسامة قال حدثنا زيد بن أبي بردة عن أبي موسى قال فقال رسول الله إن الأشعريين إذا أرملوا فى الغزو وقل طعام عيالهم جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموا في إناء واحد بالسوية فهم منى وأنا منهم
۱ النطع بساط من الجلد يفرش تحت المحكوم عليه بقطع الرأس
في بعض النسخ وقتا
۳ فقد زادهم والحديث متفق عليه

VA
وحدث جابر عن رسول الله أنه إذا أن يغزو قال يا معشر المهاجرين والأنصار إن من إخوانكم قومًا ليس لهم مال ولا عدة فليضم أحدكم إليـه الرجل أو الرجلين والثلاثة فما لأحدكم من ظهر جمله إلا عقبة كعقبة أحدهم
من جمله ۱
قال فضممت إلى اثنين أو ثلاثة ما لى إلا عقبة كعقبة أحدهم وروى أنس قال لما قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع فقال له أقاسمك مالى نصفين ولى امرأتان فأطلق إحداهما فإذا انقضت عدتها فتزوجها فقال له عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك
فما حمل الصوفى على الإيثار إلا طهارة نفسه وشرفُ غريزته وما جعله الله تعالى صوفيا إلا بعد أن سوّى غريزته لذلك وكلّ من كانت غريزته السخاء والسخي يوشك أن يصير صوفيا لأن السخاء صفة الغريزة وفي مقابلته الشح والشح من لوازم صفة النفس قال الله تعالى وَمَنْ يُوقَ شُحٌ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۳ حكم بالفلاح يوقى الشح وحكم بالفلاح لمن أنفق وبذل فقال ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأَولَئِكَ هُم المُفْلِحُونَ
0
والفلاح أجمع اسم لسعادة الدارين والنبي صلى الله عليه وسلم نبه بقوله ثلاث مهلكات وثلاثة منجيات فجعل إحدى المهلكات شحا ۱ مطاعًا ولم يقل مجرّد الشح يكون مهلكا بل يكون مهلكا إذا كان مطاعًا فأما كونه موجودا في النفس غير مطاع فإنه لا ينكر ذلك لأنه من لوازم النفس مستمداً من أصل جبلتها التراب وفى التراب قبض وإمساك وليس ذلك بالعجب من الآدمى وهو جبلى فيه وإنما العجب وجود السخاء في الغريزة وهو النفوس الصوفية الداعى لهم إلى البذل والإيثار والسخاء أتم وأكمل من الجود ففى مقابلة الجود البخل وفى مقابلة السخاء الشح والجود والبخل يتطرق إليهما الاكتساب
۱ روى مسلم عن أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قال من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد
منا في فضل
رواه البخاري
۳ آية رقم 9 من سورة الحشر
٤ آية رقم 3 من سورة البقرة
ه آية من سورة البقرة
1 رواه الطبراني فى الأوسط عن ابن عمر

بطريق العادة بخلاف الشح والسخاء إذا كان من ضرورة الغريزة وكـل سـخـى جـواد وليس كل جواد سخيا
والحق سبحانه وتعالى لا يوصف بالسخاء لأنه السخاء من نتيجة الغرائز والله تعالى منزه عن الغريزة
والجود يتطرّق إليه الرياء ويأتى به الإنسان متطلعا إلى عوض من الخلق أو الحق بمقابل ما من الثناء وغيره من الخلق والثواب من الله تعالى والسخاء لا يتطرّق إليه الرياء لأنه ينبع من النفس الزكية المرتفعة عن الأعواض دنيا وآخرة لأن طلب العوض مشعر بالبخل لكونه معلولاً بطلب العوض فما تمحض سخاء فالسخاء لأهل الصفاء والإيثار لأهل الأنوار
ويجوز أن يكون قوله تعالى إنما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا أنه نفى فى الآية الإطعام لطلب الأعواض حيث قال لا نريد بعد قوله لوجه الله فما كان لله لا يشعر بطلب العوض بل الغريزة لطهارتها تنجذب إلى مراد الحق لا لعوض وذلك أكمل السخاء من أطهر الغرائز روت أسماء بنت أبي بكر قالت قلت يا رسول الله ليس لي من شيء إلا ما أدخل على الزبير أفأعطى قال نعم لا تُوكى فيوكي عليك
ومن أخلاق الصوفية التجاوز والعفو ومقابلة السيئة بالحسنة قال سفيان الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك فإن الإحسان إلى المحسن متاجرة كنقد السوق خذ شيئًا وهات شيئًا

وقال الحسن الإحسان أن تعم ولا تخص كالشمس والريح والغيث وروى أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت قصورا مشرفة على الجنة فقلت يا جبريل لمن هذه قال للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس روى أبو هريرة رضى ! الله تعالى عنه أن أبا بكر رضى الله عنه كان مع مجلس فجاء رجل فوقع ۳ في أبي بكر وهو ساكت والنبي يبتسم ثم ردّ أبو بكر عليه بعض الذي قال فغضب النبی صلى الله عليه وسلم وقام فلحقه أبو بكر فقال يا رسول الله
۱ آية رقم ٩ سورة الإنسان لا توكى لا تبخلي أو تنشددى ۳ عابه وشتمه
النبي
في

شتمني وأنت تبتسم ثم رددت عليه بعض ما قال فغضبت وقمت فقال إنك حيث كنت ساكنا كان معك ملك يردّ عليه فلما تكلمت وقع الشيطان فلم أكن لأقعد في مقعد فيه الشيطان يا أبا بكر ثلاث كلّهن حق ليس عبد يظلم بمظلمة فيعفو عنها إلا أعزّ الله نصره وليس عبد يفتح باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله قلة وليس عبـد يفتح باب عطية أو صلة يبتغى بها وجه الله إلا زاده الله بها كثرة 1 أخبرنا ضياء الدين عبد الوهاب بن على قال أخبرني الكرخي قال أخبرنا الترياقي قال أخبرنا الجراحى قال أخبرنا المحبوبى قال أخبرنا أبو عيسى الترمذي قال حدثنا أبو هشام الرقاعى قال حدثنا محمد بن فضيل عن الوليد بن عبدالله بن جميع عن أبي الطفيل عن حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنًا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا ۳
وقال بعض الصحابة يا رسول الله الرجل أمر به فلا يُقريني ولا يضيفني فيمر بلا أفأجزيه قال لا أقره
وقال الفضيل الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الواصل المكافىء ولكن الواصل الذى إذا قطعت رحمه وصلها۳ وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق أن تعفو عمن ظلمك وتصـل مـن قطعك وتعطى من حرمك ٤
ومن أخلاق الصوفية البشر وطلاقة الوجه الصوفى بكاؤه في خلوته وبشره وطلاقة وجهه مع الناس فالبشر على وجهه من آثار أنوار قلبه وقد تنازل باطن الصوفي منازلات إلهية ومواهب قدسيّة يرتوى منها القلب ويمتلىء فرحا وسرورا قُلْ يفضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا والسرور إذا تمكن من القلـب فـاض على الوجـه
1 رواه أبو داود مختصرًا مرسلاً ومتصلاً وذكر البخاري أن الرسل أصح
رواه الترمذي في كتاب البر
۳ رواه أحمد والبخارى وأبو داود والترمذي عن ابن عمرو
٤ رواه الحاكم في تاريخه عن أنس
٥ آية رقم ٥٨ من سورة يونس

۸۱
آثاره قال الله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ُمسْفِرَةٌ أي مضيئة مشرقة ضاحكة مستبشرة أي فرحة قيل أشرفت من طول ما اغبرت في سبيل الله ومثال فيض النور على الوجه من القلب كفيضان نور السراج على الزجاج والمشكاة فالوجه مشكاة والقلب زجاج والروح مصباح فإذا تنعم القلب بلذيذ المسامرة ظهر البشر على الوجه قال الله تعالى تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَة النَّعِيم ٣ نضارته وبريقه يقال انظر النبات إذا أزهر ونوّر وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةُ إِلَى رَبِّهَا
۳
ناظرة فلما نظرت نضرت فأرباب المشاهدة من الصوفية تنوّرت بصائرهم بنور المشاهدة وانصقلت مرآة قلوبهم وانعكس فيها نور الجمال الأزلي وإذا أشرقت الشمس على المرآة المصقولة استنارت الجدران قال الله تعالى سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ وإذا تأثر الوجه بسجود الظلال وهى القوالب في قول الله تعالى وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَال ٢ كيف لا يتأثر بشهود الجمال
أخبرنا ضياء الدين عبد الوهاب بن على أخبرنا الكرخي قال أخبرنا الترياقي قال أخبرنا الجراحى قال أخبرنا المحبوبي قال أخبرنا أبو عيسى الترمذي قال حدثنا قتيبة قال حدثنا المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه مطلق وأن تُفرغ من دلوك في إناء أخيك

وقال سعد بن عبد الرحمن الزبيدي يعجبنى من القراء كل سهل طلق مضحاك فأما من تلقاه بالبشر ويلقاك بالعبوس كأنه يمن عليك فلا أكثر الله في القراء مثله ومن أخلاق الصوفية السهولة ولين الجانب والنزول مع الناس إلى أخلاقهم وطباعهم وترك التعسف والتكلّف وقد رُوى فى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار
1 من سورة عبس الآية ٣٨ من سورة عبس الآية ٣٩ ٣ آية رقم ٢٤ من سورة المطففين ٤ آية رقم ٢٢ من سورة القيامة ٥ آية رقم ٢٩ من سورة الفتح ٦ آية رقم ١٥ من سورة الرعد ۷ رواه أحمد والترمذي والحاكم

۸
وأخلاق الصوفية تحاكي أخلاق رسول الله وكان يقول أما إنى أمزح ولا أقول إلا حقا
روى أن رجلاً يقل له زاهر بن حرام وكان بدويــا وكان لا يأتي إلى رسول الله له إلا جاء بطرفة يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء يومـا مـن الأيام فوجده رسول الله فى سوق المدينة يبيع سلعة له ولم يكن أتاه ذلك اليوم فاحتضنه من ورائه بكفيه فالتفت فأبصر النبي صلى الله عليه وسلم فقبل كفيه فقال النبي من يشترى العبد فقال إذن تجدنى كاسدًا يا رسول الله فقال ولكن عبد الله
النبي
ربيح ثم قال لكل أهل حضر بادية وبادية آل محمد زاهر بن حرام وأخبرنا أبو زرعة طاهر بن الحافظ المقدسي عن أبيه قال أخبرنا المظهر بن محمد الفقيه أخبرنا أبو الحسن قال أخبرنا أبو عمرو بن حكيم قال أخبرنا أبو أمية قال حدثنا عبيد بن إسحق العطار قال حدثنا سنان بن هارون عن حميد عن أنس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله احملني على جمل فقال أحملك على ابن الناقة قال أقول لك احملني على جمل وتقول أحملك على ابن ناقة فقال فالجمل ابن الناقة ۳
وروی صهيب قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه تمر يأكل فقال أصب من هذا الطعام فجعلت آكل من التمر فقال أتأكل وأنت رمد فقلت إذن أمضغ من الجانب الآخر فضحك رسول
الله
وروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ذات يوم يا ذا الأذنين
وسئلت عائشة رضی الله عنها كيف كان رسول الله إذا خلا في البيت قالت كان الين الناس بسَامًا ضحايا
وروت أيضا أن رسول الله له سابقها فسبقته ثم سابقها بعد ذلك فسبقها فقال
هذه بتلك
۱ رواه الطبراني عن ابن عمر والخطيب عن أنس ورمز السيوطي لحسنه راجع أسد الغابة فى ترجمة زاهر بن حرام فقد ذكر هذه القصة
3 أحمد وأبو داود والترمذي
٤ أحمد ابو داود والترمذي عن أنس

وأخبرنا الشيخ العالم ضياء الدين عبد الوهاب بن على قال أخبرنا أبو الفتح الهروى قال أخبرنا أبو نصر الترياقي قال أخبرنا أبو محمد الجراحى قال أخبرنا أبو العباس المحبوبى قال أخبرنا أبو عيسى الحافظ الترمذى قال حدثنا عبد الله بن الوضاح الكوفي قال حدثنا عبد الله بن أبى التياح عن أنس رضى الله تعالى عنه قال كان رسول الله ليخاطبنا حتى إنه كان يقول لأخ له صغير يا أبا عمير ما فعل
النغير 1
والنغير عصفور صغير
وروى أن عمر سابق زبيرًا رضى الله عنهما فسبقه الزبير فقال سبقتك ورب
الله
الكعبة ثم سابقه مرّة أخرى فسبقه عمر فقال عمر سبقتك ورب الكعبة وروى عبد بن عباس قلا قال لى عمر تعال أنافسك فى الماء أينا أطول نفسا ونحن محرمون وروى بكر بن عبد الله قال كان أصحاب رسول الله يتمازحون حتى يتبادحون فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال
بالبطيخ

يقال بَدَحَ بيدح إذا رمى أي يترامون بالبطيخ وأخبرنا أبز زرعة عن أبيه قال أخبرنا الحسن بن أحمد الكرخي قال حدثنا أبوطالب محمد بن محمد بن إبراهيم قال حدثنا أبوبكر محمد بن محمد بن عبدالله قال حدثني إسحق الحربي قال حدثنا أبو سلمة قال حدثنا حماد بن خالد أخبرنا محمد عمرو بن علقمة قال حدثنا أبو الحسن بن محيض الليثي عن يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة قال إن عائشة رضى الله عنها قالت أتيت النبي بـحريرة طبختها له وقلت لسودة والنبى الله بيني وبينها كلى فابت فقلت لها كلى فأبت فقلت لتأكلن أو لألطخن بها وجهك فأبت فوضعت يدى على الحريرة فلطخت بها وجهها فضحك النبي فمرّ عمر رضى الله تعالى عنه على الباب فنادی یا عبدالله فظن النبي أنه سيدخل فقال قُوما فاغسلا وجهيكما فقالت عائشة رضى الله عنها فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله إياه ووصف بعضهم ابن طاووس فقال كان مع الصبى صبيا ومع الكهل كهلاً وكان فيه مزاحة إذا خلا
1 أحمد والبخارى والترمذى والنسائي وابن ماجة عن أنس

٨٤
وروى معاوية بن عبد الكريم قال كنا نتذاكر الشعر عند محمد بن سيرين وكان يقول ونمزح عنده ويمازحنا وكنا نخرج من عنده ونحن نضحك وكنا إذا دخلنا على الحسن نخرج من عنده ونحن نكاد نبكي فهذه الأخبار والآثار دالة عل حسن لين الجانب وصحة حال الصوفية وحسن أخلاقهم فيما يعتمدونه من المداعبة في الربط وينزلون مع الناس على حسب طباعهم لنظرهم إلى سعة رحمة الله
فإذا خلوا وقفوا موقف الرجال واكتسوا ملابس الأعمال والأحوال ولا يقف في هذا المعنى على حد الاعتدال إلا صوفى قاهر للنفس عالم بأخلاقها وطباعها سائس لهـا بوفور العلم حتى يقف فى ذلك صراط الاعتدال بين الإفراط والتفريط ولا يصلح الإكثار من ذلك للمريدين المبتدئين لقلة علمهم ومعرفتهم بالنفس وتعديهم حد الاعتدال فللنفس في هذه المواطن نهضات ووثبات تجرّ إلى الفساد وتجنح إلى العناد فالنزول إلى طباع الناس يحسن بمن صعد عنهم وترقى لعلو حاله ومقامه فينزل إليهم وإلى طباعهم حين ينزل بالعلم
فأما من لم يصعد بصفاء حاله عنهم وفيه بقية مزح من طباعهم ونفوسهم الجامحة الأمارة بالسوء إذا دخلت في هذه المداخل أخذت النفس حظها واغتنمت مآربها

C
C
واستروحت إلى الرخصة والنزول إلى الرخصة يحسن لمن يركب العزيمة غالب أوقاته وليس ذلك شأن المبتدئ فللصوفية العلماء - فيما ذكرناه - ترويح يعلمون حاجة القلب إلى ذلك والشيء إذا وضع للحاجة يتقدر بقدر الحاجة ومعيار مقدار الحاجة في ذلك علم غامض لا يسلم لكل أحد قال سعيد بن العاص لأبنه اقتصد فى مزاحك فالإفراط فيه يذهب بالبهاء ويجرى عليك السفهاء وتركه يغيظ المؤانسين ويوحش المخالطين قال بعضهم المزاح مسلبة البهاء مقطعة للإخاء وكما يصعب معرفة الاعتدال فى ذلك يصعب معرفة الاعتدال فى الضحك والضحك من خصائص الإنسان ويميّزه عن جنس الحيوان ولا يكون الضحك إلا عن سابقة تعجب والتعجب يستدعى الفكر والفكر شرف الإنسان وخاصيته ومعرفة الاعتدال فيه أيضا شأن من ترسخ قدمه فى العلم ولهذا قيل إياك وكثرة الضحك فإنها تميت القلب وقيل كثرة الضحك من الرعونة

٨٥
وروى عن عيسى عليه السلام أنه قال إن الله تعالى يبغض الضحاك من غير عجب والمشاء في غير أرب

وذكر فرق بين المداعبة والمزاح فقيل المداعبة ما لا يغضب جده والمزاح ما يُغضب جده
وقد جعل أبو ضيفة رحمه الله القهقهة في الصلاة من الذنب وحكم ببطلان الوضوء بها وقال يقوم الإثم مقام خروج الخارج فالاعتدال فى المزاح والضحك لا يتأتى إلا إذا خلص وخرج من مضيق الخوف والقبض والهيبة فإنه يتقوم بكل مضيق من هذه المضايق بعض التقويم فيعتدل الحال فيـه ويستقيم فالبسط والرجاء ينشئان المزاح والضحك والخوف والقبض يحكمان فيه
بالعدل
ومن أخلاق الصوفية ترك التكلف وذلك أن التكلف تصنع وتعمل وتمايل على النفس لأجل الناس وذلك يباين حال الصوفية وفى بعضه خَفَى منازعة للأقدار وعدم الرضا بما قسم الجبار
ويقال التصوف ترك التكلف ويقال التكلف تخلف وهو تخلف عن شاو
الصادقين
روى أنس بن مالك قال شهدت وليمة لرسول الله ما فيها خبر ولا لحم وروى عن جابر أنه أتاه ناس من أصحابه فأتاهم بخبز وخـل وقـال كلوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نعم الإدام الخل
وعن سفيان بن سلمة قال دخلت على سلمان الفارسي فأخرج إلى خبزا وملحـا وقال كل لولا أن رسول الله لا نهانا أن يتكلف أحد الأحد لتكلّفت لك
C
والتكلف مذموم في جميع الأشياء كالتكلّف بالملبوس للناس من غير نية فيه والتكلف فى الكلام وزيادة التملّق الذى صار دأب أهل الزمان فما يكاد يسلم من ذلك إلا آحاد وأفراد وكم من متملق لا يعرف أنه تملق ولا يفطن له فقد يتملق الشخص إلى حد يخرجه إلى صريح لنفاق وهو مباين لحال الصوفى أخبرنا الشيخ العالم ضياء الدين عبد الوهاب بن على قال أخبرنا أبو الفتح الهروى قال أخبرنا أبو نصر الترياقى قال أخبرنا أبو محمد الجراحي قال

٨٦
أخبرنا أبو العباس المحبوبي قال أخبرنا أبو عيسى الترمذى قال حدثنا أحمد بن منيع قال حدثنا يزيد بن هارون عن محمد بن مطرف عن حسان بن عطية عن أبى أمامة عن النبى الله قال الحياء والعى شعبتان من الإيمان والبذاء والبيان شعبتان من النفاق ۱ البذا الفحش وأراد بالبيان هنا كثرة الكلام والتكلّف للناس بزيادة تملق وثناء عليهم وإظهار التفصح وذلك ليس من شأن أهل الصدق وحكى عن أبي وائل قال مضيت مع صاحب لى نزور سلمان فقدم إلينا خبز شعير وملحاً جريشاً فقال صاحبي لو كان في هذا الملح سعتى كان أطيب فخرج سلمان ورهن مطهرته وأخذ سعترًا فلما أكنا قال صاحبي الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا فقال سلمان لو قنعت بما رزقك لم تكن مطهرتى مرهونة وفي هـذا مـن سلمان ترك التكلف قولاً وفعلاً وفي حديث يونس النبي عليه السلام أنه زاره أخوانه فقدم إليهم كسرا من خبز شعير وحزّ لهم بقلاً كان يزرعه ثم قال لولا أن الله لعن المتكلّفين لتكلّفت لكم قال بعضهم إذا قصدت للزيارة فقدّم ما حضر وإذا استزرت فلا تبقى ولا تذر وروى الزبير بن العوام قال نادی منادی رسول الله يوما اللهم اغفر للذين
وروی
يدعون لأموات أمتى ولا يتكلفون ألا إني برىء من التكلف وصالحوا أمتى 3 أن عمر الله قرأ قوله تعالى فَأَنْبَتْنَا فِيها حَبًّا وَعِنْبًا وَقَصْبًا وَزَيْتُونَا وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةٌ وَأَبا ثم قال هذا كله قد عرفناه فما الأب قال وبيد عمر عصاة فضرب بها الأرض ثم قال هذا لعمر ا الله هو التكلف فخذوا
أيها الناس ما بين لكم منه فما عرفتم اعملوا به وما لم تعرفوا فكلوا علمه إلى الله ومن أخلاق الصوفية الإنفاق من غير إقتار وترك الادخار وذلك أن الصوفي يرى خزائن فضل الحق فهو بمثابة من هو مقيم على شاطىء بحر والمقيم على شاطئ البحر لا يدخر الماء في قربته وراويته ه
۱ رواه أحمد والترمذي والحاكم
نبات طيب الرائحة
۳ روى البخاري عن عمر قال نهينا عن التكلف
٤ الآيات من سورة عبس من ۷ – ۳۱
٥ الرواية الدابة التي تحمل الماء جاء في المصباح المنير روى البعير الماء حمله فهو راوية الهاء فيه للمبالغة ثم أطلقت الراوية على كل دابة يستقى الماء عليها

روى أبو هريرة عن رسول الله أنه قال ما من يوم إلا له ملكان يناديان اللهم أعط منفقا خلفًا وأعط ممسكا تلفا
روى أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئًا لغد
وروى أنه أهدى لرسول الله له ثلاث طوائ فأطعم خادمه طيرا فلما كان الغد أتاه به فقال رسول الله ألم أنهك أن تخبأ شيئًا لغد فإن الله تعالى يأتي برزق كل غد
وروى أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله دخل على بلال وعنده صبرة ۳ من تمر فقال ما هذا يا بلال فقال دخر يا رسول الله قال أما تخشى أنفق بلالاً ولا تخش من ذى العرش إقلالاً وروى أن عيسى بن مريم عليه السلام كان يأكل الشجر ويلبس الشعر ويبيـت حيث أمسى يكن له ولد يموت ولا بيت يخرب ولا يخبئ شيئًا لغد فالصوفي كلِّ خباياه في خزائن الله لصدق توكله وثقته بربه فالدنيا للصوفى كدار الغربة ليس له فيها ادّخار ولا له منها استكثار قال عليه الصلاة والسلام لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا
أخبرنا شيخنا ضياء الدين أبو النجيب قال أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أبي عبد الله الماليني قال أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن الداودي قال أخبرنا أبو محمد عبد الله السرخسى قال أخبرنا عبد الله بن الرحمن الداوودى قال أخبرنا محمد بن يوسف عن سفيان عن ابن المنكدر عن جابر قال ما سئل النبي شيئًا قط فقال لا قال ابن عيينة إذا لم يكن عنده وعد
وبالإسناد عن الدارمى قال أخبرنا يعقوب بن حميد قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن ابن أخي الزهرى قال إن جبريل عليه السلام قال ما في الأرض أهل عشيرة من أبيات إلا قلبتهم فما وجدت أحدًا أشد إنفاقاً لهذا المال من رسول الله صلى الله عليه وسلم
۱ متفق عليه
روى الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر شيئًا لغد وصححه السيوطي ۳ الصبرة بضم الصاد ما جمع من الطعام بلا كيل ولا وزن يقال أخذه صيرة أى جملة
٤ رواه البزار والطبراني ورمز السيوطى الحسنه
ه رواه الترمذي وقال حديث حسن
1 روى الحاكم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسأل شيئًا إلا أعطاه أو سكت

۸۸
ومن أخلاق الصوفية القناعة باليسير من الدنيا قال ذو النون المصرى من قنع استراح من أهل زمانه واستطال على أقرانه
وقال بشر بن الحارث لو لم يكن فى القناعة إلا التمتع بالعز لكفى صاحبه وقال بنان الحمال
الحر عبد ما طمع والعبــد حــر ما قنــــــع
وقال بعضهم انتقم من حرصك بالقناعة كما تنتقم من عدوّك بالقصاص وقال أبو بكر المراغى العاقل من دبّر أمر الدنيا بالقناعة والتسويف ودبر أمر الآخرة بالحرص والتعجيل
وقال يحيى بن معاذ من قنع بالرزق فقد ذهب بالآخرة وطاب عيشه وقال أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه القناعة سيف لا ينبو أخبرنا أبو زرعة عن أبيه أبي الفضل قال أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسن الخلال ببغداد قال أخبرنا أبو حفص عمر بن إبراهيم قال حدثنا أبو القاسم البغوى قال حدثنا محمد بن عباد قال حدثنا أبو سعيد عن صدقة بن الربيع عن عمارة بن غرية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال سمعت رسول الله وهـو علـى الأعواد ۱ يقول ما قل وكفى خير مما كثر والهي
وروى عن رسول الله الله أنه قال قد أفلح من أسلم وكان رزقه كفافا ثم صبر علیه روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله دعا وقال اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا
وروی جابر رضى الله تعالى عنه عن النبى الله أنه قال القناعة مال لا ينفد4 وروى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه قال كونوا أوعية الكتاب وينابيع الحكمة وعدوا أنفسكم فى الموتى واسألوا الله تعالى الرزق يوما بيوم ولا يضركم أن لا يكثر
لكم
۱ المنابر
أخرجه أبو يعلى والضياء في المختارة عن أبي سعيد وقال السيوطي حديث صحيح
۳ رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه
٤ رواه القضاعي عن أنس بسند ضعيف

وأخبرنا أبو زرعة طاهر عن أبي الفضل والده قال أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن
عبد الله الشاوى قال أخبرنا أحمد بن على الحافظ قال أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال حدثنا الحسن بن سفيان قال حدثنا عمرو بن مالك البصرى قال حدثنا مروان بن معاوية قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي سلمة الأنصارى قال أخبرني سلمة بن عبد الله بن محض عن أبيه قال
قال رسول الله الله من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما خيرت له الدنيا
هي
القناعة
وقيل في تفسير قوله تعالى فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةٌ طَيِّبَةٌ ٢ فالصوفي قوام على نفسه بالقسط عالم بطبائع النفس وجدوى القناعة والتواصل إلى استخراج ذلك من النفس لعلمه بدائها ودوائها
وقال أبو سليمان الداراني القناعة من الرضا كما أن الورع من الزهد ومن أخلاق الصوفية ترك المراء والمجادلة والغضب إلا بحق واعتماد الرفق والحلم وذلك أن النفوس تثبت وتظهر في الممارين والصوفى كلما رأى نفس صاحبه ظاهرة قابلها بالقلب وإذا قوبلت النفس بالقلب ذهبت الوحشة وانطفأت الفتنة قال الله تعالى تعليما لعباده ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَانُهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ولا ينزع المراء إلا من نفوس زكيه انتزع منها الغل ووجود الغل في " النفوس مراء الباطن وإذا انتزع المراء من الباطن ذهب من الظاهر أيضًا وقد يكون الغل في النفس مع من يشاكله ويماثله لوجود المنافسة
ومن استقصى في تذويب النفس بنار الزهادة في الدنيا ينمحى الغـل مـن باطنه ولا تبقى عنده منافسة دنيوية فى حظوظ عاجلة من جاه ومال قال الله تعالى في وصف أهل الجنة المتقين وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ
۱ رواه البخارى في الأدب والترمذي وابن ماجه
آية ٩٧ سورة النحل
۳ المراء المماراة والجدل
٤ آية رقم ٣٤ سورة فصلت
0 آية رقم ٤٣ الأعراف

قال أبو حفص كيف يبقى الغل في قلوب ائتلفت بالله واتفقت على محبته واجتمعت على مودته وأنست بذكره فإن تلك قلوب صافية من هواجس النفوس وظلمات الطبائع بل كحلت بنور التوفيق فصارت إخوانا فهكذا قلوب أهل التصوف والمجتمعين على الكلمة الواحدة ومن التزم بشروط الطريق والانكباب على الظفر بالتحقيق
والناس رجلان رجل طالب ما عند الله تعالى ويدعو إلى ما عند الله نفسه وغيره فما للمحقق الصوفى مع هذا منافسة ومراء وغل فإن هذا معه في طريق واحد ووجهـة واحدة وأخوه ومعينه والمؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضاً
هذا
ورجل مفتتن بشيء من محبة الجاه والمال والرياسة ونظر الخلق فما للصوفى مع منافسة لأنه زهد فيما فيه رغب فمن شأن الصوفى أن ينظر إلى مثل هذا نظر رحمة وشفقة حيث يراه محجوباً مفتتنا فلا ينطوى له على غل ولا يماريه في الظاهر على شيء لعلمه بظهور نفسه الأمارة بالسوء في المراء والمجادلة
أخبرنا الشيخ العالم ضياء الدين عبد الوهاب بن على قال أخبرنا أبو الفتح الهروى قال أخبرنا أبو نصر الترياقى قال أخبرنا أبو محمد الجراحى قال أخبرنا أبو العباس المحبوبي قال أخبرنا أبو عيسى الترمذي قال حدثنا زياد بن أيوب قال حدثنا المحاربي عن ليث عن عبد الملك عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما عن قال ولا تمار أخاك ولا تعده موعدًا فتخلفه
النبي وفي الخبر من ترك المراء وهو مبطل بُنى له بيت فى ربض الجنة ومن ترك المراء وهو محق بنى له فى وسطها ومن حسن خلقه بنى له في أعلاه وأخبرنا شيخ الإسلام أبو النجيب قال أخبرنا أبو عبد الرحمن السهروردي محمد بن أبي عبد الله الماليني قال أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن الدواودي قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الحموى قال أخبرنا أبو عمران عيسى السمرقندي قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قال حدثنا يحيى بن بسطام عن يحيى بن حمزة قال حدثنا النعمان بن مكحول عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله من طلب العلم ليباهى به العلماء أو يمارى به السفهاء أو يريد أن يقبل بوجوه الناس إليه أدخله الله تعالى جهنم

۹۱
انظر كيف جعل رسول الله المماراة مع السفهاء سببًا لدخول النار وذلك بظهور نفوسهم في طلب القهر والغلبة والقهر والغلبة من صفات الشيطنة في الآدمي قال بعضهم المجادل الممارى يضع فى نفسه عند الخوض في الجدال أن لا يقنع بشيء ومن لا يقنع إلا أن لا يُقنع فما إلى إقناعه سبيل فنفس الصوفي تبدلت صفاتها وذهب عنه صفة الشيطنة والسبعية وتبدل باللين والرفق والسهولة والطمأنينة
روى عن رسول الله أنه قال والذي نفسي بيده لا يسلم عبـد حتى يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه ۱
انظر كيف جعل النبي من شرط الإسلام سلامة القلب واللسان
وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه مرّ بقوم وهم يحدون حجرًا قال ما هذا قالوا هذا حجر الأشداء قال ألا أخبركم بأشدّ من هذا رجل كان بينه وبين أخيه غضب فأتاه فغلب شيطانه وشيطان أخيه فكلمه
وروی
متابعة الهوى
أنه جاء غلام لأبي ذرّ وقد كسر رجل شاة فقال أبو ذر من كسر رجل هذه الشاة فقال أنا قال ولِمَ فعلت ذلك قال عمدًا فعلتُ قال ولم قال أغيظك فتضربني فتأثم فقال أبو ذرّ لأغيظن من حضّك على غيظى فأعتقه وروى الأصمعي عن أعرابي قال إذ أشكل عليك أمران لا تدرى أيهما أرشد فخالف أقربهما إلى هواك فإن أكثر ما يكون الخطأ مع أخبرنا أبو زرعة عن أبيه أبي الفضل قال أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن على قال أخبرنا خورشيد قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال حدثنا أحمد بن محمد بن سليم قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا سعيد بن سعد عن أخيه عن جده عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
وثلاث منجيات وثلاث مهلكات فأما المنجيات فخشية الله في السر والعلانية والحكم بالحق عند الغضب والرضا والاقتصاد عند الفقر والغنى وأما المهلكات فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه
۱ البواثق جمع باثقة وهى الشر والداهية يجعلون للحجر حدودا

۹
فالحكم بالحق عند الغضب والرضا لا يصح إلا من عالم رباني أمير على نفسه يصرفها بعقل حاضر وقلب يقظان ونظر إلى الله بحسن الاحتساب نقل أنهم كانوا يتوضئون عن ۱ إيذاء المسلم يقول بعضهم لأن أتوضأ من كلمة خبيثة أحب إلى من أن أتوضاً من طعام طيب
وقال عبد الله بن عباس رضى الله عنهما الحَدَثُ حدثان حدث من فرجك وحدث من فيك فلا يحل حبوة الوقار والحلم إلا الغضب ويُخرج عن حدّ العدل إلى العدوان بتجاوز الحد فبالغضب يثور دم القلب فإن كان الغضب على من فوقه مما يعجز عن إنفاذ الغضب فيه ذهب الدم من ظاهر الجلد واجتمع في القلب ويصير منه الهم والحزن والانكماد ولا ينطوى الصوفى على مثل هذا لأنه يرى الحوادث والأعراض من الله تعالى فلا ينكمد ولا يغتم والصوفى صاحب الرضا صاحب الروح
والراحة والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر أن الهم والحزن في الشك والسخط سئل عبد الله بن عباس رضى الله عنهما عن الغمّ والغضب قال مخرجهما واحد واللفظ يختلف فمن نازع من يقوى عليه أظهره غضبًا ومن نازع من لا يقوى عليه كتمه
والحَرَدُ غضب أيضًا ولكن يستعمل إذا قصد المغضوب عليه
وإن كان الغضب على من يشاكله ويماثله ممن يتردد فى الانتقام منه يتردد القلب بين الانقباض والانبساط فيتولّد منه الغل والحقد ولا يأوى مثل هذا إلى قلب الصوفي قال تعالى ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهمْ مِنْ غل وسلامة قلب الصوفي وحاله يقذف زبد الغــل والحقدِ كما يقذف البحرُ الزّبد لما فيه من تلاطم أمواج الأنس والهيبة وإن كان الغضب على من دونه ممن يقدر على الانتقام منه ثار دم القلب والقلبُ إذ ثار دمه يحمر ويقسو ويتصلب وتذهب عنه الرقة والبياض ومنه تحمر الوجنتان لأن الدم في القلب ثار وطلب الاستعلاء وانتفخت منه العروق فظهر عكسه وأثره على الخد فيتعدى الحدود حينئذ بالضرب والشتم ولا يكون هذا فى الصوفي إلا عند هتك الحرمات والغضب
۱ هكذا في الأصل ولعلها يتوضئون عند إيذاء المسلم أو يتوضئون يبتعدون ويمتنعون المراد هنا ضياع الوقار وذهاب الحلم وفى اللغة يقال أجبنى الرجل ضم ظهره وساقيه بثوب أو غيره ۳ آية ٤٧ من سورة الحجر

الله تعالى فأما في غير ذلك فينظر الصوفى عند الغضب إلى الله تعالى ثم تقواه تحمله على أن يزن حركته وقوله بميزان الشرع والعدل ويتهم النفس بعدم الرضا بالقضاء قيل لبعضهم من أقهر الناس لنفسه قال أرضاهم بالمقدور
وقال بعضهم أصبحت ومالي سرور إلا مواقع القضاء
وإذا اتهم الصوفى النفس عند الغضب تداركه العلم وإذا لاح علم العلم قوى القلب وسكنت النفس وعاد دم القلب إلى موضعه ومقرّه واعتدل الحال وغاصت حمرة الخد وبانت فضيلة العلم قال عليه الصلاة والسلام والسمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة
وروى حارثة بن قدامة قال قلت يا رسول الله أوصنى وأقلل لعلى أعيه قال فأعاد عليه كل ذلك يقول لا تغضب قال عليه السلام إن الغضب جمرة من النار ألم تنظروا حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه من وجد ذلك منكم فإن كان قائما فليجلس وإن كان جالسًا فليضطجع
أخبرنا ضياء الدين عبد الوهاب بن على قال أخبرنا أبو الفتح الهروى قال أخبرنا أبو نصر الترياقى قال أخبرنا الجراحى قال أخبرنا المحبوبى قال أخبرنا أبو عيسى الترمذى قال حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثنا بشر بن المفضل عن قرة بن خالد عن أبي حمزة عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى قال لأشج عبد القيس إنّ فيك خصلتين يحبهما الله تعالى الحلم والأناة
ومن أخلاق الصوفية التودد والتآلف والموافقة مع الإخوان وترك المخالفة قال الله تعالى في وصف أصحاب رسول الله الله أشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ وقال الله تعالى لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعًا مَا ألَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكنَّ اللهَ أَلْفَ بَيْنَهُمْ والتودد والتألف من ائتلاف الأرواح على ما ورد في الخبر – الذي أوردناه – فمـا تعارف منها ائتلف قال الله تعالى فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ۳ وقال سبحانه وتعالى
1 من آية ٢٩ من سورة محمد آية رقم ٦٣ من سورة الأنفال ۳ من سورة آل عمران

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ۱ وقال عليه الصلاة والسلام المؤمن ألف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وقال عليه الصلاة والسلام مثل المؤمنين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى وما التقى مؤمنان إلا استفاد أحدهما من صاحبه خيرًا ۳
وقال أبو إدريس الخولاني لمعاذ إنّى أحبك في الله فقال أبشر ثم أبشر فإنّي سمعت رسول الله له يقول ينصب لطائفة من الناس كراسي حول العرش يوم القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر يفزع الناس وهم لا يفزعون ويخاف الناس وهم لا يخافون وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
قيل من هؤلاء يا رسول الله قال المتحابون في الله
وقيل لو تحاب الناس وتعاطوا أسباب المحبة لاستغنوا بها عن العدالة
وقيل العدالة خليفة المحبّة تستعمل حيث لا توجد المحبة
وقيل طاعة المحبة أفضل من طاعة الرهبة فإن طاعة المحبة من داخل وطاعة الرهبة من خارج ولهذا المعنى كانت صحبة الصوفية مؤثرة من البعض في البعض لأنهم لما تحابوا فى الله تواصوا بمحاسن الأخلاق ووقع القبول بينهم لوجود المحبة فانتفع لذلك المريد بالشيخ ولأخ بالأخ ولهذا المعنى أمر الله تعالى باجتماع الناس في كل يوم خمس مرات فى المساجد أهل كل درب وكل محلة وفى الجامع في الأسبوع مرة أهل كل بلد وانضمام أهل السواد إلى البلدان في الأعياد في جميع السنة مرتين وأهل الأقطار من البلدان المتفرقة فى العمرة مرّة للحج كل ذلك لحكم بالغة منها تأكيد الألفة والمودة بين المؤمنين قال عليه الصلاة والسلام المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا أخبرنا أبو زرعة قال أخبرنا والدى أبو الفضل قال أخبرنا أبو نصر محمد بن سلمان العدل قال أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمس الزيادي قال أخبرنا أبو العباس عبد الله بن يعقوب الكرماني قال حدثنا يحيى الكرماني قال حدثنا حماد بن زيد عن مجالد بن سعد عن الشعبى عن النعمان بن بشير قال سمعت
۱ آية ۱۰۳ من سورة آل عمران
متفق عليه
۳ متفق عليه
٤ متفق عليه

۹۵
رسول الله له يقول ألا إنَّ مثل المؤمنين في توادهم وتحابهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعی سائره بالسهر والحمى
والتآلف والتودد يؤكدان أسباب الصحبة والصحبة مع الأخيار مؤثرة جدا قد قيل لقاء الإخوان لقاح ولا شك أن البواطن تتلقح ويتقوى البعض بالبعض بل مجرد النظر إلى أهل الصلاح يؤثر صلاحًا والنظر في الصور يؤثر أخلاقا مناسبة لخلق المنظور إليه كدوام النظر إلى المحزون يُحزن ودوام النظر إلى المسرور يُسر وقد قيل من لا ينفعك لحظه لا ينفعك لفظه والجمل الشرود يصير ذلولاً بمقارنة الجمل الذلول فالمقارنة لها تأثير في الحيوان والنبات والجماد والماء والهواء يفسدان بمقارنة الجيف والزروع تنقى عن أنواع العروق فى الأرض والنبات لموضع الإفساد بالمقارنة وإذا كانت المقارنة مؤثرة فى هذه الأشياء ففى النفوس الشريفة البشرية أكثر تأثيرًا وسمّى الإنسان إنسائًا لأنه يأنس بما يراه من خير وشر والتآلف والتودّد مستجلب للمزيد وإنما العزلة والوحدة تحمد بالنسبة إلى أراذل الناس وأهل الشر فأما أهل العلم والصفاء والوفاء والأخلاق الحميدة فيغتنم مقارنتهم والاستئناس بهم استئناس بالله تعالى كما أن محبتهم محبة الله والجامع رابطة الحق ومع غيرهم رابطة الطبع فالصوفي مع غير الجنس كائن بائن ومع الجنس كائن مغابن ۳ والمؤمن مرآة المؤمن إذا نظر إلى أخيه يستشف من وراء أقواله وأعماله وأحواله تجليات إلهية وتعريفات وتلويحات من الله الكريم خفية غابت عن الأغبار وأدركها أهل الأنوار
كمال
ومن أخلاق الصوفية شكر المحسن على الإحسان والدعاء له وذلك منهم مع توكلهم على ربهم وصفاء توحيدهم وقطعهم النظر إلى الأغيار ورؤيتهم النعم من المنعم الجبار ولكن يفعلون ذلك اقتداءً برسول الله على ما ورد أن رسول الله خطب فقال ما من الناس أحد أمن علينا في صحبته وذات يوم يده من ابن أبي قحافة ولو كنت متخذا خليلاً لا تخذت أبا بكر خليلاً ۳ وقال ما نفعنى مال كمال أبي بكر فالخلق حجبوا عن الله بالخلق في المنع والعطاء
فالصوفي في الابتداء يفنى عن الخلق ويرى الأشياء من الله حيث طالع ناصيته التوحيد وخرق الحجاب الذى منع الخلق عن صَرَف التوحيد فلا يثبت للخلق منعا
۱ متفق عليه ضعيف مغلوب
۳ رواه الترمذي
٤ رواه النسائي

9
ولا عطاء ويحجبه الحق عن الخلق فإذا ارتقى إلى ذروة التوحيد يشكر الخلق بعد شكر الحق ويثبت لهم وجودًا فى المنع والعطاء بعد أن يرى المسبب أولاً ولذلك لسعة علمه وقوة معرفته يثبت الوسائط فلا يحجبه الخلق عن الحق كعامة المسلمين ولا يحجبه الحق عن الخلق كأرباب الإرادة والمبتدئين فيكون شكره للحق لأنه المنعم والمعطى والمسبب ويشكر الخلق لأنهم واسطة وسبب قال رسول الله أول ما يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله تعالى في السراء والضراء وقال عليه الصلاة والسلام من عطس أو تجشأ فقال الحمد لله على كل حال رفع الله تعالى بها عنه سبعين داءً أهونها الجذام
وروی جابر رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد ينعم عليه بنعمة فيحمد الله تعالى إلا كان الحمد أفضل منها فقوله عليه الصلاة والسلام كان الحمد أفضل منها يحتمل أن يرضى الحق بها شكرًا ويحتمل أن الحمد أفضل منها نعمة فتكون نعمة الحمد أفضل من النعمة التي حمد عليها فإذا شكروا المنعم الأول يشكرون الواسطة المنعم من الناس ويدعون له
روى أنس رضى الله تعالى عنه قال كان رسول الله إذا أفطر عند قوم قال أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار ونزلت عليكم السكينة أخبرنا أبو زرعة عن أبيه قال أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد البزار وقال أخبرنا أبو حفص عمر بن إبراهيم قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوى قال أخبرنا عمرو بن زرارة قال حدثنا عيينة بن يونس عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله من قال لأخيه جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء
ومن أخلاق الصوفية بذل الجاه للإخوان والمسلمين كافة فإذا كان الرجل وافر العليم بصيرا بعيوب النفس وآفاتها وشهواتها فليتوصل إلى قضاء حوائج المسلمين ببذل الجاه والمعاونة في إصلاح ذات البين وفى هذا المعنى يحتاج إلى مزيد علم لأنها أمور تتعلق
بالخلق ومخالطتهم ومعاشرتهم ولا يصلح ذلك إلا لصوفى تام الحال عالم رباني
۱ متفق عليه
متفق عليه
۳ متفق عليه
٤ متفق عليه
5 متفق عليه

روى عن زيد بن أسلم أنه قال كان نبي من الأنبياء يأخذ بركاب الملك يتألفه بذلك لقضاء حوائج الناس وقال عطاء لأن يُراثى الرجل سنين فيكتسب جاها يعيش فيه مؤمن أتم لـه مـن أن
يخلص العمل لنجاة نفسه
وهذا باب غامض لا يؤمن أن يفتتن به خَلق من الجهال المدعين ولا يصلح هذا إلا اطلع على باطنه فعلم منه أن لا رغبة له فى شيء من الجاه والمال ولو أن ملوك الأرض وقفوا في خدمته ما طفى ولا استطال ولو دخل إلى أتون يوقد ما ظهرت نفسه بصريح الإنكار لهذا الحال
وهذا لا يصلح إلا لآحاد من الخلق وأفراد من الصادقين ينسلخون عن إرادتهم واختيارهم ويكاشفهم الله تعالى بمداده منهم فيدخلون فى الأشياء بمراد الله تعالى فإذا علموا أن الحق يريد منهم المخالطة وبذل الجاه يدخلون في ذلك بغيبة صفات النفس وهذا لأقوام ماتوا ثم حشروا وأحكموا مقام الفناء ثم رقوا إلى مقام البقاء فيكون لهم في كل مدخل ومخرج برهان وبيان وإذن من الله تعالى فهم على بصيرة من ربهم وهذا ليس فيهم ارتياب لصاحب قلب مكاشف بصريح المراد في خفى الخطاب فيأخذ وقتـه أبدًا من الأشياء ولم تأخذ الأشياء من قلبه وقته ولا يكون فى قطر من الأقطار إلا واحد
متحقق بهذا الحال
قال أبو عثمان الحيرى لا يكمل الرجل حتى يستوى فى قلبه أربعة أشياء المنع والعطاء والعزّ والذل ولمثل هذا الرجل يصلح بذل الجاه والدخول فيما ذكرناه قال سهل بن عبد الله لا يستحق الإنسان الرئاسة حتى تجتمع فيه ثلاث خصال يصرف جهله عن الناس ويحتمل جهل الناس ويترك ما فى أيديهم ويبذل ما في يده
لهم
وهذه الرياسة ليست عين الرياسة التي زهد فيها وتعين الزهد فيها لضرورة صدقه وسلوكه وإنما هذه رياسة أقامها الحق لصلاح خلقه فهو فيها بالله يقوم بواجب حقها وشكر نعمتها الله تعالى
عوارف المعارف جـ

۹۸
الباب الحادي والثلاثون
في ذكر الأدب ومكانه من التصوف
روى عن رسول الله الله أنه قال أدبنى ربّى فأحسن تأديبي فالأدب تهذيب الظاهر والباطن فإذا تهذب ظاهر العبد وباطنه صار صوفيا أديبا وإنما سميت المأدبة مأدبة لاجتماعها على أشياء
ولا يتكامل الأدب فى العبد إلا بتكامل مكارم الأخلاق ومكارم الأخلاق مجموعها من تحسين الخلق فالخلق صورة الإنسان والخلق معناه قال بعضهم الخُلق لا سبيل إلى تغييره كالخلق وقد ورد فرغ ربكم من الخلق
والخلق والرزق والأجل
وقد قال تعالى لا تبدِيلَ لِخَلْقِ الله والأصح أن تبديل الأخلاق ممكن مقدور عليه
بخلاف الخلق
وقد روى عن رسول الله له أنه قال حسنوا أخلاقكم وذلك أن الله تعالى خلق الإنسان وهيأه لقبول الصلاح والفساد وجعله أهلاً للأدب ومكارم الأخلاق ووجود الأهلية فيه كوجود النار في الزناد ووجود النخل في النوى ثم إن الله تعالى بقدرته ألهم الإنسان ومكنه من إصلاحه بالتربية إلى أن يصير النوى نخلاً والزناد بالعلاج حتى تخرج منه نار وكما جعل في نفس الإنسان صلاحية الخير جعل فيها صلاحية الشر حال الإصلاح والإفساد فقال سبحانه وتعالى وَنَفْسٍ وَمَا سَوَاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا فتسويتها صلاحيتها للشيئين جميعًا ثم قال عز وجل قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ۳ فإذا تزكت النفس تدبرت بالعقل واستقامت أحوالها الظاهرة والباطنة وتهذبت الأخلاق وتكونت الآداب فالأدب استخراج ما في القوة إلى الفعل
وهذا يكون لمن ركبت السجية الصالحة فيه
والسجية فعل الحق لا قدرة للبشر على تكوينها كتكوّن النار في الزناد إذ هو فعل الله المحض واستخراجه بكسب الآدمى فهكذا الآداب منبعها السجايا الصالحة
۱ الآيات ۷ ۸ ۹ ۱۰ من سورة الشمس
سورة الشمس آیتی ۹ ۱۰

۹۹
والمنح الإلهية ولا هيا الله تعالى بواطن الصوفية بتكميل السجايا فيها توصلوا بحسن الممارسة والرياضة إلى استخراج ما فى النفوس وهو مركوز بخلق الله تعالى إلى الفعل فصاروا مؤدبين مهذبين والآداب تقع في حق بعض الأشخاص من غير زيادة ممارسة ورياضة لقوة ما أودع الله تعالى في غرائزهم كما قال رسول الله أدبني ربي فأحسن تأديبي
وفى بعض الناس من يحتاج إلى طول الممارسة لنقصان قوى أصولها في الغريزة فلهذا احتاج المريدون إلى صحبة المشايخ لتكون الصحبة والتعلم عونا على استخراج ما في الطبيعة إلى الفعل قال الله تعالى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا قال ابن عباس رضى الله عنهما فقوهم وأدبوهم وفي لفظ آخر قال رسول الله أدبني ربي فأحسن تأديبي ثم أمرني بمكارم الأخلاق فقال خُذِ الْعَفْوَ وَأمُرْ ِبالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ
قال يوسف بن حسين بالأدب يُفهم العلم وبالعلم يصلح العمل وبالعمل تنال الحمكة وبالحكمة يقام الزهد وبالزهد تترك الدنيا وبترك الدنيا يرغب في الآخرة وبالرغبة فى الآخرة تنال الرتبة عند الله تعالى
قيل لما أراد أبو حفص العراق جاء إليه الجنيد فرأى أصحاب أبي حفص وقوفا على رأسه يأتمرون لأمره لا يخطئ أحد منهم فقال يا أبا حفص أدبـت أصحابك أدب الملوك فقال لا يا أبا القاسم ولكن حسن الأدب فى الظاهر عنوان الأدب في
الباطن
قال أبو الحسين النورى ليس الله فى عبده مقام ولا حال ولا معرفة تسقط معها آداب الشريعة وآداب الشريعة حلية الظاهر والله تعالى لا يبيح تعطيل الجوارح من التحلى بمحاسن الآداب
قال عبد الله بن المبارك أدب الخدمة أعزّ من الخدمة
۱ متفق عليه
آية رقم ٦ من سورة التحريم ۳ آية رقم ۱۹۹ من سورة الأعراف
٤ هو أبو الحسين أحمد بن محمد النورى بغدادى المولد والمنشأ ومن أقران الجنيد قال الخطيب البغدادي
هو أعلم العراقيين بمطائف القوم توفى سنة ٢٩٥هـ

حكى عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال دخلت مكة فكنت ربما أقعد بحذاء الكعبة وربما كنت أستلقى وأمد رجلي فجاءتني عائشة المكية فقالت لى يا أبا عبيد يقال إنك من أهل العلم اقبل منّى كلمة لا تجالسه إلا بأدب وإلا فيمحى اسمـك مـن ديـوان القرب قال أبو عبيد وكانت من العارفات وقال ابن عطاء النفس مجبولة على سوء الأدب والعبد مأمور بملازمة الأدب والنفس تجرى بطباعها فى ميدان المخالفة والعبد يردّها بجهده إلى حسن المطالبة فمن أعرض عن الجهد فقد أطلق عنان النفس وغفل عن الرعاية ومهما أعانها فهو شريكها وقال الجنيد من أعان نفسه على هواها فقد أشرك في قتل نفسه لأن العبودية ملازمة الأدب والطغيان سوء الأدب
أخبرنا الشيخ العالم ضياء الدين عبد الوهاب بن على قال أخبرنا أبو الفتح الهروى قال أخبرنا أبو النصر الترياقي قال أخبرنا أبو محمد الجراحي قال أخبرنا أبو العباس المحبوبي قال أخبرنا أبو عيسى الترمذى قال حدثنا قتيبة قال حدثنا يحيى بن يعلى عن ناصح عن سماك عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع
وروى أيضا أنه قال عليه الصلاة والسلام ما نَحل والد ولدًا من نحلة أفضل من
أدب حسن
وروت عائشة رضى الله تعالى عنها عن رسول الله قال حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن موضعه ويحسن أدبه
وقال أبو على الدّقاق العبد يصل بطاعته إلى الجنّة وبأدبه في طاعته إلى الله تعالى قال أبو القاسم القشیری رحمه الله وكان الأستاذ أبو على لا يستند إلى شيء فكان يوما في مجمع فأردت أن أضع وسادة خلف ظهره لأني رأيته غير مستند فتنحى عن الوسادة قليلاً فتوهمت أنه توفى الوسادة لأنه لم يكن عليها خرقة أو سجادة فقال لا أريد الاستناد فتأملت بعد ذلك فعلمت أنه لا يستند إلى شيء أبدًا
وقال الجلال البصرى التوحيد يوجب الإيمان فمن لا إيمان له لا توحيد له والإيمان يوجب الشريعة فمن لا شريعة له لا إيمان له ولا توحيد له والشريعة توجب الأدب فمن لا أدب له لا شريعة له ولا إيمان له ولا توحيد له
۱ متفق عليه

۱۰۱
وقال بعضهم الزم الأدب ظاهرا وباطنا فما أساء أحد الأدب ظاهرا إلا عوقب ظاهرا وما أساء أحد الأدب باطنا إلا عوقب باطئًا قال بعضهم - هو غلام الدقاق - نظرت إلى غلام أمرد فنظر إلى الدقاق وأنا أنظر إليه فقال لتجدن غبها ولو بعد سنين ! ! قال فوجدتُ غيها بعد عشرين سنة أن أنسيت القرآن
وقال سرى صليتُ وردى ليلةٌ من الليالي ومددت رجلى في المحراب فنودیت یا سری هكذا تُجالس الملوك !! فضمت رجلي ثم قلت وعزتك لا مددت رجلي أبدًا وقال الجنيد فبقى ستين سنة ما مدّ رجله ليلا ولا نهارا
وقال عبد الله بن المبارك من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السئن ومن تهاون
بالسنن عوقب بحرمان الفرائض ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة وسئل السرى عن مسألة فى الصبر فجعل يتكلم فيها فدبّ على رجله عقرب فجعلت تضربه بإبرتها فقيل له ألا تدفعها عن نفسك قال أستحى من الله أن أتكلم في حال ثم أخالف ما أعلم فيه
وقيل من أدب رسول الله أنه قال زويت لى الأرض فأريت مشارقها ومغاربها۱ ولم يقل رأيت
وقال أنس بن مالك الأدب فى العمل علامة قبول العمل
وقال ابن عطاء الأدب الوقوف مع المستحسنات قيل ما معناه قال أن تعامل الله سرا وعلنا بالأدب فإذا كنت كذلك كنت أديبا وإن كنت أعجميا ثم أنشد
إذا نطقت جاءت بكل مليحة وإن سكتت جاءت بكل مليح وقال الجريري منذ عشرين سنة ما مددت رجل في الخلوة فإن حسن الأدب مع الله أحسن وأولى وقال أبو على ترك الأدب موجب للطرد فمن أساء الأدب على البساط ردّ إلى الباب ومن أساء الأدب على الباب ردّ إلى سياسة الدواب
۱ رواه النسائي والترمذي

۱۰
الباب الثاني والثلاثون
الإلهية لأهل القرب
كل الآداب تتلقى من رسول الله فإنه مجمع الآداب ظاهرا وباطئًا وأخبر الله تعالى عن حسن أدبه فى الحضرة بقوله تعالى مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى
وهذه غامضة من غوامض الآداب التي اختص بها رسول الله
أخبر الله تعالى عن اعتدال قلبه المقدس في الإعراض والإقبال أعرض عما سوى الله وتوجه إلى الله وترك رواء ظهره الأرضين والدار العاجلة بحظوظها والسموات والدار الآخرة بحظوظها فما التفت إلى ما أعرض عنه ولا لحقه الأسف على الغائب في إعراضه قال الله تعالى لِكَيْلاً تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ فهذا الخطاب للعموم و ما زَاغَ البَصَرُ إخبار عن حال النبي بوصف خاص من معنى ما خاطب به ما زَاغَ البَصَرُ حاله في طرف الإعراض وفي طرف الإقبال تلقى ما ورد عليه في مقام قاب قوسين بالروح والقلب ثم فرّ من الله تعالى حياءً منه وهيبة وإجلالاً وطوى نفسه بفراره فى مطاوی انکساره و افتقاره لكيلا تنبسط النفس فتطغى فإن الطغيان عند الاستغناء وصف النفس قال الله تعالى كلاً إنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنی ۳
العموم
فكان
من
والنفس عند المواهب الواردة على الروح والقلب تسترق السمع ومتى نالت قسطاً المنح استغنت وطغت والطغيان يظهر منه فرط البسط والإفراط في البسط يسد باب المزيد وطغيان النفس لضيق وعائها عن المواهب فموسى عليه الصلاة والسلام صح له في الحضرة أحد طرفي مَا زَاغَ البَصَرُ وما التفت إلى ما فاته وَمَا طَغَى مُتأسفا لحسن أدبه ولكن امتلأ من المنح واسترقت النفس السمع وتطلعت إلى القسط والحظ فلما حظيت النفس استغنت وطفح عليها ما وصل إليها وضاق نطاقها فيتجاوز الحد من فرط
۱ آية رقم ١٧ من سورة النجم آية رقم ٢٣ من سورة الحديد ۳ آية رقم ٦ من سورة العلق

1
البسط وقال أرني أنظر إلَيْكَ فمُنع ولم يطلق في فضاء المزيد وظهر الفرق بين الحبيب والكليم عليهما السلام وهذه دقيقة لأرباب القرب والأحوال السنية فكل قبض يوجب عقوبة لأن كل قبض سد في وجه باب الفتوح والعقوبة بالقبض أوجبت الإفراط في البسط ولو حصل الاعتدال في البسط ما وجبت العقوبة بالقبض والاعتدال فى البسط بإيقاف النازل من المنح على الروح والقلب والإيقاف على الروح والقلب بما ذكرناه من حال النبي مـن تغييب النفس في مطاوى الانكسار فذلك الفرار من الله إلى الله وهو غاية الأدب حظى به رسول الله فما قوبل بالقبض فدام مزيده وكان قاب قوسين أو أدنى ويشاكل الشرح الذي شرحناه قولُ أبي العباس بن عطاء فى قوله تعالى مَا زَاغَ البَصَرُ
وَمَا طَغَى قال لم يره بطغيان يميل بل رآه على شرط اعتدال القوى
وقال سهل بن عبد الله التسترى لم يرجع رسول الله إلى شاهد نفسه ولا إلى مشاهدتها وإنما كان مشاهدًا بكليته لربه يشاهد ما يظهر عليه من الصفات التي أوجبت الثبوت في ذلك المحل وهذا الكلام لمن اعتبر موافق لما شرحناه برمز في ذلك عن سهل بن عبد الله
ويؤيد ذلك أيضا ما أخبرنا به شيخنا ضياء الدين أبو النجيب السهروردى إجازة قال
أخبرنا الشيخ العالم عصام الدين أبو حفص عمر بن منصور الصفار النيسابوري قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن خلف الشيرازى قال أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا نصر بن عبد الله بن على السراج قال أخبرنا أبو الطيب العكى عن أبي محمد الحريري قال التسرع إلى استدراك علم الانقطاع وسيلة والوقوف على حــدّ الانحسار نجاة واللياذ بالهرب من علم الدنو وصلة واستقباح ترك الجواب ذخيرة والاعتصام من قبول دواعي استماع الخطاب تكلّف وخوف فوت علـم مـا انطـوى مـن فصاحة الفهم فى حيّز الإقبال مساءة والإصغاء إلى تلقى ما ينفصل عن معدنـه بعـد والاستسلام عند التلاقى جراءة والانبساط في محل الأنس غرة وهذه الكلمات كلها مــن
آداب الحضرة لأربابها
۱ آية ١٤٣ سورة الأعراف

القالب والنظر
وفى قوله تعالى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى وجه آخر ألطف مما سبق ما زاغ البصر حيث لم يتخلف عن البصيرة ولم يتقاصر وما طغى لم يسبق البصر البصيرة فيتجاوز حده ويتعدى مقامه بل استقام البصر مع البصيرة والظاهر مع الباطن والقلـب مـع ففى تقدم النظر على القدم طغيان والمعنى بالنظر علم وبالقدم القدم مع حال القالب فلم يتقدم النظر على القدم فيكون طغيانا ولم يتخلّف القدم عن النظر فيكون تقصيرًا فلما اعتدلت الأحوال وصار قلبه كقالبه وقالبه كقلبه وظاهره كباطنه وباطنه كظاهره وبصره كبصيرته وبصيرته كبصره فحيث انتهى نظره وعلمه قارنه قدمه وحاله ولهذا المعنى انعكس حكم معناه ونوره على ظاهره وأتى البراق ينتهى خطوه حيث ينتهى نظره لا يتخلف قدم البراق عن موضع نظره كما جاء في حديث المعراج فكان البراق بقالبه مشاكلاً لمعناه ومتصفا بصفته لقوة حاله ومعناه
وأشار في حديث المعراج إلى مقامات الأنبياء ورأى فى كل سماء بعض الأنبياء إشارة إلى تعويقهم وتخلفهم عن شأوه ودرجته ورأى موسى فى بعض السموات فمن هو في بعض السموات يكون قوله أرني أنظُرُ إِلَيْكَ تجاوزا عن حد القدم وتخلفًا للقدم عن النظر وهذا هو الإخلال بأخد الوصفين من قوله مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى فرسول الله حمل مقترنا قدمه ونظره فى حجال الحياء والتواضع ناظرا إلى قدمه قادمًا على نظره ولو خرج عن حجال الحياء والتواضع وتطاول بالنظر متعديًا حد القدم تعوق في بعض السموات كتعوق غيره من الأنبياء فلم يزل متجلس ۱ حجاله في خفارة أدب حاله حتى خرق حجب السموات فانصبت إليه أقسام القرب انصبابا وانقشعت عنه سحائب الحجب حجابًا حجابًا حتى استقام على صراط ما زَاعَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى فمرٌ كالبرق الخاطف إلى مخدع الوصل واللطائف وهذا غاية فى الأدب ونهاية في الأدب قال أبو محمد بن رويم حين سئل عن أدب المسافر فقال لا يجاوز همه قدمه
فحيث وقف قلبه يكون مقره
أخبرنا شيخنا ضياء الدين أبو النجيب إجازة قال أخبرنا عمر بن أحمد قال أخبرنا أبو بكر بن خلف قال أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمى قال حدثنا القاضي أبو محمد يحيى بن منصور قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن على الترمذي قال حدثنا محمد بن رزام الأيلى قال حدثنا محمد بن عطاء الهجيمي قال حدثنا محمد بن نصير
۱ متكلف يقال تجلس إذا تكلف الجلوس والحجال القيد

١٠٥
عن عطاء بن أبي رياح عن ابن عباس قال تلا رسول الله هذه الآية
رَبِّ أرنِى أَنْظُرْ إِلَيْكَ قال قال يا موسى إنه لن يرانى حى إلا مات ولا يابس إلا تدهده ولا رطب إلا تفرّق إنما يرانى أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم ومن آداب الحضرة ما قال الشبلى الانبساط بالقول مع الحق ترك الأدب وهذا يختص ببعض الأحوال والأشياء دون البعض ليس هو على الإطلاق لأن الله تعالى أمر بالدعاء وإنما الإمساك عن القول كما أمسك موسى عن الانبساط في طلب المآرب والحاجات الدنيوية حتى رفعه الحق مقاماً فى القرب وأذان له في الانبساط فلما بسط انبسط وقال رَبِّ إِنِى لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَى مِنْ خَيْرٍ فَقِير لأنه كان يسأل حوائج الآخرة ويستعظم الحضرة أن يسأل حوائج الدنيا لحقارتها وهو في حجاب الحشمة عن سؤال المحقرات ولهذا مثال فى الشاهد فإنى الملك المعظم يسأل المعظمات ويحتشم في طلب المحقرات فلما رفع بساط حجاب الحشمة صار فى مقام خاص من القرب يسأل الحقير كما يسأل الخطير
قال ذو النون المصرى أدب العارف فوق كلّ أدب لأن معروفه مؤدب قلبه وقال بعضهم يقول الحق سبحانه وتعالى من ألزمته القيام مع أسمائى وصفاتي ألزمته الأدب ومن كشفت له عن حقيقة ذاتى ألزمته العطب فاختر أيهما شئت الأدب أو العطب
وقول القائل هذا يشير إلى أن الأسماء والصفات تستقل بوجوب محتاج إلى الأدب لبقاء رسوم البشرية وحظوظ النفس ومع لمعان نور عظمة الذات تتلاشى الآثار بالأنوار ويكون معنى العطب التحقق بالغناء وفى ذلك العطب نهاية الأرب وقال أبو علي الدقاق في قوله تعالى ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادى رَبَّهُ أني مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ لم يقل ارحمنى لأنه حفظ أدب الخطاب وقال عيسى عليه السلام إِنْ كُنْتُ قُلْتُه فَقَدْ عَلِمْتَهُ ولم يقل لم أقل رعاية
لأدب الحضرة
۱ وفى بعض النسخ هذه الزيادة بعد قوله فأذن له في الانبساط وقال أطلب منى ولو ملحاً لعجينك إلخ
آية رقم ٢٤ من سورة القصص ۳ آية رقم ۸ من سورة الأنبياء

14
وقال أبو نصر السراج أدب أهل الخصوصية من أهل الدين في طهارة القلوب ومراعاة الأسرار والوفاء بالعهود وحفظ الوقت وقلّة الالتفات إلى الخواطر والعوارض والبوادى والعوائق واستواء السرّ والعلانية وَحُسْن الأدب في مواقف الطلب ومقامات
القرب وأوقات الحضور
والأدب أدبان أدب قول وأدب فعل فمن تقرب إلى الله تعالى بأدب فعل منحـه محبة القلوب قال ابن المبارك نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم
وقال أيضا الأدب للعارف بمنزلة التوبة للمستأنف
وقال النوري من لم يتأدب للوقت فوقته مقت
وقال ذو النون إذا خرج المريد عن حدّ استعمال الأدب فإنه يرجع من حيث جاء وقال ابن المبارك أيضًا قد أكثر الناس فى الأدب ونحن نقول هو معرفة النفس وهذه إشارة منه إلى أن النفس هي منبع الجهالات وترك الآداب من مخامرة الجهر
فإذا عرف النفس صادف نور العرفان على ما ورد من عرف نفسه فقد عرف ربه ولهذا النور لا تظهر النفس بجهالة إلا ويقمعها بصريح العلم وحينئذ يتأدب ومن قام بآداب الحضرة فهو بغيرها أقوم وعليها أقدر
۱ آية رقم ١١٦ من سورة المائدة

الباب الثالث والثلاثون
في آداب الطهارة ومقدماتها
قال الله تعالى فى وصف أصحاب الصفة فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّون أنْ يَتَطَهَّرُوا واللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ قيل في التفسير يحبون أن يتطهروا من الأحداث والجنابات والنجاسات بالماء قال الكلبي هو غسل الأدبار بالماء وقال عطاء كانوا يستنجون بالماء ولا ينامون بالليل على الجنابة
روى أن رسول الله قال لأهل قباء لما نزلت هذه الآية إن الله تعالى قد أثنى عليكم في الطهور فما هو قالوا إنا نستنجى بالماء وكان قبل ذلك قال لهم رسول الله إذا أتى أحدكم الخلاء فليستنج بثلاثة أحجار وهكذا كان الاستنجاء في الابتداء حتى نزلت هذه الآية فى أهل قباء قيل لسلمان قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة فقال سلمان أجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو نستنجى
باليمين أو يستنجى أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار أو نستنجى برجيع أو عظم حدثنا شيخنا ضياء الدين أبو النجيب - إملاء - قال أخبرنا أبو منصور الحريمي قال أخبرنا أبو بكر الخطيب قال أخبرنا أبو عمر الهاشمى قال أخبرنا أبو على اللؤلؤى قال أخبرنا أبو داود قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا ابن المبارك عن ابن عجلان عن لقعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال قال إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة
ولا يستدبرها ولا يستطيب بيمينه
وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرّمة ۳ والغرض في الاستنجاء شيئان إزالة الخبث وطهارة المزيل وهو أن لا يكون رجيعا وهو الروث ولا مستعملاً مرة أخرى ولا رمة وهي عظم الميتة
ووتر الاستنجاء سنة فإما ثلاثة أحجار أو خمس أو سبع
واستعمال الماء بعد الحجر سنة وقد قيل فى الآية يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا ولما سئلوا عن ذلك قالوا كنا نتبع الماء الحجر
۱ آية رقم ۱۰۸ من سورة التوبة
الرجيع الروث والندرة لأنه رجع عن حاله الأولى بعد أن كان طعاما أو علفا
۳ الرمة العظام البالية

۱۰۸
والاستنجاء بالشمال سنة
ومسح
اليد بالتراب بعد الاستنجاء سنة وهكذا يكون في
الصحراء إذا كانت أرضا طاهرة وترابا طاهراً
وكيفية الاستنجاء أن يأخذ اليد الحجر بيساره ويضعه على مقدم المخرج قبل ملاقاة النجاسة ويمره بالمسح ويدير الحجر فى مرّه حتى لا ينقل النحاسة من موضع إلى موضع ويفعل ذلك إلى أن ينتهى إلى مؤخّر المخرج ويأخذ الثاني ويضعه على مؤخر المخرج كذلك ويمسح إلى المقدمة ويأخذ الثالث ويديره حول المسربة وإن استجمر بحجر ذى ثلاث شعب جاز
يتنحنح
وأما الاستبراء إذا انقطع البول فيمد ذكره من أصله ثلاثًا إلى الحشفة - بالرفق - لثلا يندفق بقية البول ثم ينثره ثلاثا ويحتاط في الاستبراء بـ الاستنقاء وهو أن ثلاثا لأن العروق ممتدة من الحلق إلى الذكر وبالتنحنح تتحرك وتقذف ما في مجرى البول فإن مشى خطوات وزاد فى التنحنح فلا بأس ولكن يراعى حد العلم ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا بالوسوسة فيضيع الوقت ثم يمسح الذكر ثلاث مسحات أو أكثر إلى أن يرى الرطوبة
6
وشبه بعضهم الذكر بالضرع وقال لا يزال تظهر منه الرطوبة ما دام يمد فيراعى الحد في ذلك ويراعى الوتر في ذلك أيضا والمسحات تكون على الأرض الطاهرة أو حجر طاهر وإن احتاج إلى أخذ الحجر لصغره فليأخذ الحجر باليمين والذكر باليسار ويمسح على الحجر وتكون الحركة باليسار لا باليمين ليلا يكون مستنجيا باليمين
وإذا أراد استعمال الماء انتقل إلى موضع آخر ويقنع بالحجر ما لم ينتشر البـول علـى
الحشفة
وفي ترك الاستنقاء فى اللاستبراء وعيدٌ ورد رواه عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال مرّ رسول الله على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما هذا فكان لا يستبرئ أو لا يستنزه من بوله وأما هذا فكان يمشي بالنميمة ثم دعا بعسيب رطب فشقه اثنين ثم غرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا وقال لعلـه يخفف عنهما ما لم ييبسا والعسيب الجريد وإذا كان في الصحراء يبعد عن
العيون
۱ رواه الدارقطني والترمذي

۱۰۹
روى جابر رضى الله تعالى عنه أن النبي كان إذا أراد البراز انطلق حتى
لا يراه أحد
وروى المغيرة بن شعبة رضى الله عنه قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأتى النبى حاجته فأبعد في المذهب وروى أن النبي كان يتبوأ لحاجته كما يتبوأ ١ الرجل المنزل وكان يستتر بحائط أو نشز من الأرض أو كوم من الحجارة ويجوز أن يستتر الرجل براحلته فى الصحراء - أو بذيله إذا حفظ الثوب من الرشاش ويستحب البول فى أرض دمثة ۳ أو على تراب مهيل قال أبو موسى كنت مع رسول الله له فأراد أن يبول فأتى دمنا في أصل جدار قبال ثم قال إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله

وينبغى أن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستقبل الشمس والقمر ولا يكره استقبال القبلة فى البنيان والأولى اجتنابه لذهاب بعض الفقهاء إلى كراهية ذلك في البنيان أيضًا ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ويتجنب مهاب الريح احترازا من
الرشاش
قال رجل لبعض أصحابه من الأعراب وقد خاصمه أحسبك تحسن الخراءة فقال بلي وأبيك إنّى بها لحاذق قال فصفها لى فقال أبعد البشر وأعد المدر واستقبل الشيح واستدبر الريح وأقعى إقعاء الظبي وأجفل إجفال النعام يعنى استقبل أصول النبات من الشيح وغيره واستدبر الريح احترازًا من الرشاش والإقعاء هاهنا أن يستوفز ۳ على صدو قدميه والإجفال أن يرفع عجزه
ويقول عند الفراغ من الاستنجاء اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وطهر قلبي من الرياء وحصن فرجى من الفواحش
ويكره أن يبول الرجل فى المغتسل رواه عبد الله بن مغفل أن النبي نهى أن يبول الرجل في مستحمه وقال إنّ عامة الوسواس منه
1 يستكن ويقال في اللغة بوأته دارًا إذا أسكنته إياها وتبوأ المكان أقام به سهلة لينة ذات رمال ۳ جلنس يقال استوفز في قعدته أى قعد غير مطمئن وكأنه يتهيأ للوثوب

وقال ابن المبارك يوسع فى البول فى المستحم إذا جرى فيه الماء وإذا كان في البنيان يقدم رجل اليسرى لدخول الخلاء ويقول قبل الدخول بسم الله أعوذ بالله من الخبث
والخبائث
حدثنا شيخنا شيخ الإسلام أبو النجيب السهروردى قال أخبرنا أبو منصور المقرى قال أخبرنا أبو بكر الخطيب قال أخبرنا أبو عمر الهاشمى قال أخبرنا أبو على اللؤلؤى قال أخبرنا أبو داود قال حدثنا عمر وهو ابن مرزوق البصرى قال حدثنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث
وأراد بالحشوش الكنف وأصل الحش جماعة النخل الكثيف كانوا يقضون حوائجهم إليها قبل أن تتخذ الكنف فى البيوت وقوله محتضرة أي يحضرها
الشياطين
وفي الجلوس للحاجة يعتمد على الرجل اليسرى ولا يتولع بيده ولا يخط في الأرض والحائط وقت قعوده ولا يكثر النظر إلى عورته إلا للحاجة إلى ذلك ولا يتكلم فقد ورد أن رسول الله قال لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عوراتهما يتحدثان فإن الله تعالى يمقت على ذلك ويقول عند خروجه عفرانك الحمد لله الذي أذهب على ما يؤذيني وأبقى على

ما ينفعني ولا يستصحب معه شيئًا عليه اسم الله من ذهب وخاتم وغيره ولا يدحل حاسر الرأس روت عائشة رضى الله عنها عن أبيها أبي بكر رضى الله عنه أنه قال استحيوا من الله فإنّي لأدخل الكنيف فألزق ظهرى وأغطي رأسي استحياء من ربى عزّ وجل

۱۱۱
الباب الرابع والثلاثون
في آداب الوضوء وأسراره
إذا أراد الوضوء يبتدئ بالسواك حدثنا شيخنا أبو النجيب قال أخبرنا أبو عبدالله الطائي قال أخبرنا الحافظ الفراء قال أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي قال أخبرنا أبو منصور محمد بن أحمد قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا حميد بن زنجويه قال حدثنا يعلى بن عبيد قال حدثنا محمد بن إسحق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن زيد بن خالد الجهني قال قال رسول الله لولا أن أشق على أمتى لأخرت العشاء إلى ثلث الليل وأمرتهم بالسواك عند كل مكتوبة وروت عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السواك مطهرة للفم مرضاة
للرب
وعن حذيفة قال كان رسول الله إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك والشوص الدلك ويستحب السواك عند كل صلاة وعند كل وضوء وكلما تغير الفم أزم وغيره وأصل الأزم إمساك الأسنان بعضها على بعض وقيل للسكوت أزم لأن الأسنان تنطبق وبذلك يتغير الفم
من
ويكره للصائم بعد الزوال ويستحب له قبل الزوال وأكثر استحبابه مع غسل
f
الجمعة وعند القيام من الليل ويندى السواك اليابس بالماء ويستاك عرضًا وطولاً فإن اقتصر فعرضًا فإذا فرغ من السواك يغسله ويجلس للوضوء والأولى أن يكون مستقبل القبلة ويبتدىء بسم الله الرحمن الرحيم ويقول رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّيَاطِين وَأعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونَ ويقول عند غسل اليد اللهم إني أسألك اليمن والبركة وأعوذ بك من الشؤم
1
والهلكة ويقول عند المضمضة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأعنى على تلاوة
كتابك وكثرة الذكر لك
۱ الآيتان ۹۷ ۹۸ من سورة المؤمنون

۱۱
ويقول عند الاستنشاق اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأوجدني رائحة الجنة وأنت عنى راض
ويقول عند الاستنثار اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأعوذ بك من روائح النار وسوء الدار ويقول عند غسل الوجه اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبيض وجـهـى يـوم تبيض وجوه أوليائك ولا تسود وجهى يوم تسود وجوه أعدائك
وعند غسل اليمين اللهم صل على محمد وعلى
وحاسبني حسابا يسيرا
آل محمد و آتنی کتابی بیمینی
وعند غسل الشمال اللهم إني أعوذ بك أن تؤتينى كتابى بشمالي أو من وراء ظهرى
وعند مسح الرأس اللهم صل على محمد وعلى
وأنزل على من بركاتك وأظللني تحت ظل عرشك
يوم
آل محمد وغشني برحمتك
لا ظل إلا ظل عرشك

ويقول عند مسح الأذن اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واجعلني ممن يسمع القول فيتبع أحسنه اللهم أسمعنى منادى الجنة الأبرار ويقول في مسح العنق اللهم فك رقبتي من النار وأعوذ بك من السلاسل
والأغلال
ويقول عند غسل قدمه اليمنى اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد وثبت قدمی على الصراط مع أقدام المؤمنين ويقول عند اليسرى اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأعوذ بك أن تزل قدمي عن الصراط يوم تذل فيه أقدام المنافقين
وإذا فرغ من الوضوء يرفع رأسه إلى السماء ويقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوما وظلمت نفسى أستغفرك وأتوب إليك فأغفر لى وتب على إنك أنت التواب الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلنى صبورًا شكورًا واجعلنى أذكرك كثيرًا وأسبحك بكرة وأصيلاً
وفرائض الوضوء النية عند غسل الوجه وغسل الوجه

وحد الوجه من مبتدأ تسطيح الوجه إلى منتهى الذقن وما ظهر من اللحية وما استرسل
منها
ومن الأذن إلى الأذن عرضا ويدخل فى الغسل البياض الذي بين الأذنين واللحية وموضع الصلع وما انحسر عنه الشعر وهم النزعتان من الرأس ويستحب غسلهما مع الوجه

ويوصل الماء إلى شعر التحذيف وهو القدر الذى يزيله النساء من الوجه ويوصل الماء إلى العنفقة ۱ والشارب والحاجب والعَذار وما عدا ذلك لا يجب ثم اللحية إن كانت خفيفة يجب إيصال الماء إلى البشرة وحدّ الخفيف أن ترى البشرة من تحته
وإن كانت كثيفة فلا يجب وتجتهد في تنقية مجتمع الكحل عن مقدم العين الواجب الثالث غسل اليدين إلى المرفقين ويجب إدخال المرفقين في الغسل ويستحب غسلهما إلى أنصاف العضدين وإن طالت الأظافر حتى خرجت من رءوس الأصابع يجب غسل ما تحتها على الأصح
الواجب الرابع مسح الرأس ويكفى ما يطلق عليه اسم المسح واستيعاب الرأس بالمسح سنة وهو أن يلصق رأس أصابع اليمني باليسرى ويضعها على مقدم الرأس ويمدها إلى القفا ثم يردهما إلى الموضع الذى بدأ منه وينصف بلل الكفين مستقبلاً
ومستديرا
والواجب الخامس غسل القدمين ويجب إدخال الكعبين في الغسل ويستحب غسلهما إلى أنصاف الساقين ويقنع غسل القدمين من الكعبين ويجب تخليل الأصابع الملتفة فيخلل بخنصر يده اليسرى من باطن القدم ويبدأ بخنصر رجله اليمنى ويختم بخنصر اليسرى وإن كان فى الرجل شقوق يجب إيصال الماء إلى باطنها وإن ترك فيها عجنا أو شحما يجب إزالة عين ذلك الشيء
الواجب السادس الترتيب على النسق المذكور في كلام الله تعالى
الواجب السابع التتابع فى القول القديم عند الشافعي رحمه الله تعالى وحد التفريق الذي يقطع التتابع إنشاف العضو
1 العنفقة شعيرات بين الشفة السفلى والذقن
مع اعتدال الهواء

١١٤
وسنن الوضوء ثلاثة عشر التسمية فى أول الطهارة وغسل اليدين إلى الكوعين والمضمضة والاستنشاق والمبالغة فيهما فيغرغر في المضمضة حتى يرد الماء إلى الغلصمة ويستمد فى الاستنشاق الماء بالنفس إلى الخياشم ويرفق في ذلك إن كان صائمًا وتخليل اللحية الكثة وتخليل الأصابع المنفرجة والبداءة بالميامن وإطالة واستيعاب الرأس بالمسح ومسح الأذنين والتثليث وفي القول الجديد
الغرة
التتابع
ويجتنب أن يزيد على الثلاث ولا ينفض اليد ولا يتكلم في أثناء الوضوء ولا يلطم وجهه بالماء لطما وتجديد الوضوء مستحب أن يصلّى بالوضوء ما تيسر
والا فمكروه
۱ الغلصمة والغلصمة رأس الحلقوم وهو الموضع الناتئ في الحلق

١١٥
الباب الخامس والثلاثون
في آداب أهل الخصوص والصوفية في الوضوء
آداب الصوفية بعد القيام بمعرفة الأحكام أدبهم فى الوضوء حضور القلب في غسل
الأعضاء
سمعت بعض الصالحين يقول إذا حضر القلب فى الوضوء يحضر في الصلاة وإذا دخل السهو فيه دخلت الوسوسة في الصلاة
ومن آدابهم استدامة الوضوء والوضوء سلاح المؤمن والجوارح إذا كانت في حماية الوضوء الذي هو أثر شرعى يقل طروق الشيطان عليها
قال عدي بن حاتم ما أقيمت صلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء وقال أنس بن مالك قدم النبي عليه الصلاة والسلام المدينة وأنا يومئذ ابن ثمان
سنين فقال لي
يا بني إن استطعت أن لا تزال على الطهارة فافعل فإنه من أتاه الموت وهو على الوضوء أعطى الشهادة
فشأن العاقل أن يكون أبدًا مستعدًا للموت ومن الاستعداد لزوم الطهارة
وحكى عن الحصرى أنه قال مهما انتبه من الليل لا يحملني النوم ! وأجدد الوضوء لئلا يعود إلى النوم وأنا على غير طهارة

بعد ما أقوم
وسمعت من صحب الشيخ على بن الهيتمي أنه كان يقعد الليل جميعه فإن غلبه النوم يكون قاعدًا كذلك وكلما انتبه يقول لا أكون أسأت الأدب فيقوم ويجدد الوضوء ويصلّى ركعتين
وروى أبو هريرة أن رسول الله قال لبلال عند صلاة الفجر يا بلال حدثنی بارجي عمل عملته فى الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدى في الجنة قال ما عملت عملاً في الإسلام أرجى عندى أنّى لم أتطهر طهرا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت لربى عز وجل بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلى
ومن أدبهم في الطهارة ترك الإسراف فى الماء والوقوف على حد العلم

١١٦
أعمال بني
أخبرنا الشيخ العالم ضياء الدين عبد الوهاب بن على قال أخبرنا أبو الفتح الهروي قال أخبرنا أبو نصر الترياقي قال أخبرنا أبو محمد الجراحى قال أخبرنا أبو العباس المحبوبى قال أخبرنا أبو عيسى الترمذى قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا أبو داود قال حدثنا خارجة بن مصعب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن يحيى بن ضمرة السعدى عن أبي بن كعب عن النبي أنه قال الوضوء شيطان يقال له الولهان فاتقوا وساوس الماء قال أبو عبد الله الروذبارى إنّ الشيطان يجتهد أن يأخذ نصيبه من جميع آدم فلا يبالى أن يأخذ نصيبه بأن يزدادوا فيما أمروا به أو ينقصوا عنه وحكى عن ابن الكرنبى أنه أصابته جنابة ليلة من الليالي وكانت عليه مرقعة ثخينة غليظة فجاء إلى الدجلة وكان برد شديد فحرنت نفسه عن الدخول في الماء لشدّة البرد فطرح نفسه في الماء مع المرقعة ثم خرج من الماء وقال عقدت أن لا أنزعها من بدنى حتى تجف على فمكثت عليه شهراً لثخانتها وغلظها أدب بذلك نفسه لما حزنت عن الائتمار لأمر الله تعالى وقيل إن سهل بن عبد الله كان يحث أصحابه على كثرة شرب الماء وقلة صبه على الأرض وكان يرى أن فى الإكثار من شرب الماء ضعف النفس وإماتة الشهوات وكسر
القوة
ومن أفعال الصوفية الاحتياط فى استبقاء الماء للوضوء وقيل كان إبراهيم الخواص إذا دخل البادية لا يحمل معه إلا ركوة من الماء وربما كان لا يشرب منها إلا القليل يحفظ الماء للوضوء وقيل إنه كان يخرج من مكة إلى الكوفة ولا يحتاج إلى التيمم يحفظ الماء للوضوء ويقنع بالقليل للشرب
وقيل إذا رأيت الصوفى ليس معه ركوة أو كوز فاعلم أنه قد عزم على ترك الصلاة
شاء أم أبى وحكى عن بعضهم أنه أدب نفسه فى الطهارة إلى حد أنه أقام بين ظهراني جماعة من وهم مجتمعون في دار فما رآه أحد منهم أنه دخل الخلاء لأنه كان يقضى حاجته إذا خلا الموضع في وقت يريد تأديب نفسه
النساك
۱ متفق عليه

وقيل مات الخواص في جامع الرى فى وسط الماء وذاك أنه كان به علة البطن وكلما قام دخل الماء وغسل نفسه فدخله مرّة ومات فيه كل ذلك لحفظــه علـى الوضوء
والطهارة
وقيل كان إبراهيم بن أدهم به قيام فقام فى ليلة واحدة نيفا وسبعين مرة كــل مـرة يجدد الوضوء ويصلى ركعتين وقيل إن بعضهم أدب نفسه حتى لا يخرج منه الريح إلا فى وقت البراز يراعي الأدب في الخلوات واتخاذ المنديل بعد الوضوء كرهه قوم وقالوا إن الوضوء يوزن وأجاز بعضهم ودليلهم ما أخبرنا به الشيخ العالم ضياء الدين عبد الوهاب بن على قال أخبرنا أبو الفتح الهروى قال أخبرنا أبو نصر قال أخبرنا أبو محمد قال أخبرنا أبو العباس قال حدثنا أبو عيسى الترمذى قال حدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا عبد الله بن وهب عن زيد بن حباب عن أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة رضى الله عنها قالت كان لرسول الله خرقة ينشف بها أعضاءه بعد الوضوء وروى معاذ بن جبل قال رأيت رسول الله الله إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه واستقصاء الصوفية فى تطهير البواطن من بين الصفات الرديئة والأخلاق المذمومة لا الاستقصاء في طهارة الظاهر إلى حد يخرج عن حد العلم وتوضأ عمر رضى الله عنه من جرّة نصرانية مع كون النصارى لا يحترزون عن الخمر وأجرى الأمر على الظاهر وأصل الطهارة
وقد كان أصحاب رسول الله يصلون على الأرض من غير سجادة ويمشون حفاة في الطرق وقد كانوا لا يجعلون وقت النوم بينهم وبين التراب حائلا وقد كانوا يقتصرون على الحجر فى الاستنجاء في بعض الأوقات وكان أمرهم في الطهارة الظاهرة على التساهل واستقصاؤهم فى الطهارة الباطنة وهكذا شغل الصوفية وقد يكون في الأشخاص تشدّد فى الطهارة ويكون مستند ذلك رعونة النفس فلو انسخ ثوبه تحرج ولا يبالى بما في باطنه من الغل والحقد والكبر والعجب والرياء والنفاق ولعله ينكر على الشخص لو داس الأرض حافيًا مع وجود رخصة الشرع ولا ينكر عليه أن يتكلم بكلمة غيبة يُخرب بها دينه وكل ذلك من قلة العلم وترك التأدب بصحبة الصادقين من
بعض
العلماء الراسخين

۱۱۸
وكانوا يكرهون كثرة الدلك فى الاستبراء لأنه ربما يسترخى العرق ولا يمسك البول ويتولد منه القطر المفرط
ومن حكايات المتصوفة فى الوضوء والطهارات أن أبا عمرو الزجـاحـي جـاور بمكة
ثلاثين سنة وكان لا يتغوط فى الحرم ويخرج إلى الحل وأقل ذلك فرسخ
وكان
مع
وقيل كان بعضهم على وجهه قرح لم يندمل اثنتى عشرة سنة لأن الماء كان يضره ذلك لا يدع تجديد الوضوء عن كل فريضة وبعضهم نزل فى عينه الماء فحملوا إليه المداوى وبذلوا له مالاً كثيرًا ليداويه فقال المداوي يحتاج إلى ترك الوضوء أياما ويكون مستلقيا على قفاه فلم يفعل ذلك واختار ذهاب بصره على ترك الوضوء

۱۱۹
الباب السادس والثلاثون
في فضيلة الصلاة وكبر شأنها
روى عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أنه قال قال رسول الله لا خلق الله تعالى جنة عدن وخلق فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال لها تكلمى فقالت قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ
ثلاثا
وشهد القرآن المجيد بالفلاح للمصلين وقال رسول أتاني جبرائيل لدلوك الشمس حين زالت وصلى بي الظهر ۳ واشتقاق الصلاة قيل من الصلى وهو النار والخشبة المعوجة إذا أرادوا تقويمها تعرض على النار ثم تقوّم وفى العبد اعوجاج لوجود نفسه الأمارة بالسوء وسبحات وجه الله الكريم التى لو كشف حجابها لأحرقت من أدركته يصيب بها المصلى من وهج السطوة الإلهية والعظمة الربانية ما يزول به إعوجاجه بل يتحقق به معراجه فالمصلی كالمصطلى بالنار ومن اصطلى بنار الصلاة وزال بها اعوجاجه لا يعرض على نار جهنم إلا تحلّة القسم أخبرنا الشيخ العالم رضى الدين أحمد بن إسماعيل القزويني إجازة قال أخبرنا أبو سعيد محمد بن أبي العباس بن محمد بن أبي العباس الخليلي قال أخبرنا أبو سعيد الفرخزاذى قال أخبرنا أبو إسحق أحمد بن محمد قال أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن قال أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبرى قال حدثنا جعفر بن أحمد بن الحافظ قال أخبرنا أحمد بن نصير قال حدثنا آدم بن أبي إياس عن ابن سمعان عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عزّ وجل مجدني عبدي فإذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي فإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى أثنى على عبدي فإذا قال مالك يوم الدين قال فوّض إلى عبدى فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال الله تعالى هذا لعبدي ولعبدي
ما سأل
1 من سورة المؤمنون الآيتان الأولى والثانية متفق عليه

۱۰
فالصلاة صلة بين الرب والعبد وما كان صلة بينه وبين الله فحق العبد أن يكون خاشعا لصولة الربوبية على العبودية
وقد ورد أن الله تعالى إذا تجلّى لشيء خضع له ومن يتحقق بالصلة في الصلاة تلمع له طوالع التجلى فيخشع والفلاح للذين هم في صلاتهم خاشعون وبانتفاء الخشوع ينتفى الفلاح وقال الله تعالى وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِى وإذا كانت الصلاة للذكر كيـف يقع فيـها
النسيان
قال الله تعالى ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنتم سكارى حَتَّى تَعلَموا مَا تَقولُون فمن قال ولا يعلم ما يقول كيف يصلى وقد نهاه الله عن ذلك فالسكران يقول الشيء لا بحضور عقل والغافل يصلى لا بحضور عقل فهو كالسكران وقيل في غرائب التفسير فى قوله تعالى فَاخْلَعَ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمَقَدِّسِ طوى ۳ قيل نعليك همك بامرأتك وغنمك فالاهتمام بغير الله تعالى سكر في
الصلاة
1
وقيل كان أصحاب رسول الله الله يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة وينظرون يمينا وشمالاً فلما نزلت الَّذِينَ هُم فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعـون جعلوا وجوهـهـم حـيـث يسجدون وما مارئى بعد ذلك أحد منهم ينظر إلا إلى الأرض
وروى أبو هريرة رضى الله عنه عن رسول الله الله قال إن العبد إذا قام إلى الصلاة فإنه بين يدى الرحمن فإذا التفت قال له الرب إلى من تلتفت إلى من هو خير لك منى ! ! ابن آدم أقبل إلى فأنا خير لك ممن تلتفت إليه
وأبصر رسول الله رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال لو خشع قلـب هـذا لخشعت جوارحه
وقد قال رسول الله إذا صليت فصل صلاة مودع
۱ آية رقم ١٤ من سورة طه آية رقم ٤٣ من سورة النساء ۳ آية رقم ۱ من سورة طه ٤ آية ٢ سورة المؤمنون 5 متفق عليه

۱۱
فالمصلى سائر إلى الله تعالى بقلبه يودّع هواه ودنياه وكل شيء سواه والصلاة في اللغة هي الدعاء فكأن المصلّى يدعو الله تعالى بجميع جوارحـــه فصارت أعضاؤه كلها ألسنة يدعو بها ظاهرا وباطنا ويشارك الظاهر الباطن بالتضرع والتقلب والهيئات في تملقات متضرع سائل محتاج فإذا دعا بكليته أجابـه مولاه لأنه وعد فقال أدعوني أستجب لكُمْ وكان خالد الربعي يقول عجبت لهذه الآية ادعوني أستجب لكم أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة ليس بينهما شرط والاستجابة والإجابة هى نفوذ دعاء العبد فإن الداعى الصادق العالم بمن يدعوه
۱
بنور يقينه فتخرق الحجب وتقف الدعوة بين يدى الله تعالى متقاضية للحاجة وخص الله تعالى هذه الأمة بإنزال فاتحة الكتاب وفيها تقديم الثناء على الدعاء ليكون أسرع إلى الإجابة وهى تعليم الله تعالى عباده كيفية الدعاء
وفاتحة الكتاب هي السبع المثاني والقرآن العظيم قيل سميت مثانى لأنها نزلت على رسول الله مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة وكان لرسول الله له بكل مرّة نزلت منها فهم آخر بل كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكل مرة يقرؤها على الترداد مع طول الزمان فهم آخر
وهكذا المصلون المحققون من أمته ينكشف لهم عجائب أسرارها وتقذف لهم كل مرة درر بحارها
وقيل سميت مثانى لأنها استثنيت من الرسل وهي سبع آیات وردت أم رومان قالت رآني أبو بكر وأنا أتميل فى الصلاة فزجرني زجرا كدت أن أنصرف عن صلاتي ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليسكن أطرافه لا يتميل تميل اليهود فإن سكون الأطراف من تمام الصلاة وقال رسول الله تعوذوا بالله من خشوع النفاق ۳ قيل وما خشوع النفاق قال
خشوع البدن ونفاق القلب
۱ من آية رقم ٦٠ من سورة غافر رواه الترمذى والدارقطني ۳ متفق عليه

أما تميل اليهود قيل كان موسى يعامل بنى إسرائيل على ظاهر الأمور لقلة ما في باطنهم فكان يهيئ الأمور ويعظمها ولهذا المعنى أوحى الله تعالى إليه أن يحلى التوراة
بالذهب
موسی
ووقع لى والله أعلم - أن كان يرد عليه الوارد في صلاته ومحال مناجاته فيموج به باطنه كبحر ساکن تهب عليه الريح فتتلاطم الأمواج فكان تمايل موسى عليـه السلام تلاطم أمواج بحر القلب إذا هب عليه نسمات الفضل وربما كانت الروح تتطلع إلى الحضرة الإلهية فتهم بالاستعلاء وللقلب بها تشبك وامتزاج فيضطرب القالب ويتمايل فرأى اليهود ظاهره فتمايلوا من غير حظ لبواطنهم من ذلك ولهذا المعنى قال رسول الله إنكارًا على أهل الوسوسة وهكذا خرجت عظمة الله من قلوب بنى إسرائيل حتى شهدت أبدانهم وغابت قلوبهم لا يقبل الله صلاة امرئ لا يشهد فيها قلبه كما يشهد بدنه وإن الرجل على صلاته دائم ولا يكتب له عشرها إذا كان قلبه ساهيا لاهيا واعلم أن الله تعالى أوجب الصلوات الخمس وقد قال رسول الله الصلاة عماد الدين فمن ترك الصلاة فقد كفر فبالصلاة تحقيق العبودية وأداء حق الربوبية وسائر العبادات وسائل إلى تحقيق سر الصلاة قال سهل بن عبد الله يحتاج العبد إلى السنن الرواتب لتكميل الفرائض ويحتاج إلى النوافل لتكميل السنن ويحتاج إلى الآداب لتكميل النوافل
ومن الأدب ترك الدنيا والذى ذكره سهل هو معنى ما قال عمر على المنبر إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل الله صلاة !! قيل وكيف ذاك قال لا يتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله فيها وقد ورد في الأخبار أن العبد إذا قام إلى الصلاة رفع الله الحجاب بينه وبينه وواجهه بوجهه الكريم وقامت الملائكة من لدن منكبيه إلى الهواء يصلون بصلاته ويؤمنون على
دعائه
وإن المصلى لينشر عليه البرّ من عنان السماء إلى مفرق رأسه ويناديه مناد لو علم المصلى من يناجى ما التفت أو ما انفتل
۱ متفق عليه

۱۳
الله تعالى وقد جمع
للمصلين في كل ركعة ما فرّق على أهل السموات فلله ملائكة في الركوع منذ خلقهم الله لا يرفعون من الركوع إلى يوم القيامة وهكذا في السجود والقيام
والقعود
والعبد المتيقظ يتصف في ركوعه بصفة الراكعين منهم وفى السجود بصفة الساجدين وفي كل هيئة هكذا يكون كالواحد منهم وبينهم
وفى غير الفريضة ينبغى للمصلي أن يمكث في ركوعه متلذذا بالركوع غير مهتم بالرفع منه فإن طرقته سآمة بحكم الجبلة استغفر منها ويستديم تلك الهيئة ويتطلع أن يذوق الخشوع اللائق بهذه الهيئة ليصير قلبه بلون الهيئة
وربما يتراءى للراكع المحق أنه إن سبق همه في حال الركوع أو السجود إلى الرفع منه ما وفى الهيئة حقها فيكون همّه الهيئة مستغرقا فيها مشغولاً بها عن غيرها من الهيئات فبذلك يتوفر حظه من بركة كل هيئة فإن السرعة التي يتقاضى بها الطبع تسدّ باب الفتوح ويقف فى مهاب النفحات الإلهية حتى يتكامل حظ العبد فتنمى آثاره بحسن الاسترسال ويستقر في مقعد الوصال
وقيل في الصلاة أربع هيئات وستة أذكار فالهيئات الأربع القيام والقعود والركوع والسجود والأذكار الستة التلاوة والتسبيح والحمد والاستغفار والدعاء والصلاة على النبي فصارت عشرة كاملة تفرّق هذه العشرة على عشرة صفوف من الملائكة كل صف عشرة آلاف فيجتمع في الركعتين ما يفرق على مائة ألف من
الملائكة

الباب السابع والثلاثون
في وصف صلاة أهل القرب
ونذكر في هذا الوصف كيفية الصلاة بهيآتها وشروطها ولآدابها الظاهرة والباطنة على الكمال بأقصى ما انتهى إليه فهمنا وعلمنا على الوجه مع الإعراض عن نقل الأقوال في كل شيء من ذلك إذ فى ذلك كثرة ويخرج عن حد الاختصار والإيجاز المقصود فنقول وبالله التوفيق ينبغي للعبد أن يستعد للصلاة قبل دخول وقتها بالوضوء ولا يوقع الوضوء في وقت الصلاة فذلك من المحافظة عليها
ويحتاج في معرفة الوقت إلى معرفة الزوال وتفاوت الأقدام لطول النهار وقصره ويعتبر الزوال بأن الظل مادام فى الانتقاص فهو النصف الأول من النهار فإذا أخذ الظل في الازدياد فهو النصف الآخر وقد زالت الشمس وإذا عرف الزوال وأن الشمس على كم قدم تزول يعرف أوّل الوقت وآخره ووقت
العصر ويحتاج إلى معرفة المنازل ليعلم طلوع الفجر ويعلم أوقات الليل وشرح ذلك يطول ويحتاج أن يفرد له باب فإذا دخل وقت الصلاة يقدّم السنة الراتبة ففى ذلك سرّ وحكمة وذلك - والله أعلم - أن العبد تشعث باطنه وتفرّق همه لما يُلى به من المخالطة من الناس وقيامه بمهام العيش أو سهو جرى بوقع الجبلة أو صرف هم إلى أكـل – أو نوم بمقتضى العادة فإذا قدّم السنة ينجذب باطنه إلى الصلاة ويتهيأ للمناجاة ويذهب بالسنة الراتبة أثر الغفلة والكدورة من الباطن فينصلح الباطن ويصير مستعدا للفريضة
فالسنة مقدّمة صالحة يستنزل بها البركات وتطرق النفحات
ثم يجدد التوبة مع الله تعالى عند الفريضة عن كل ذنب عمله ومن الذنوب عامة وخاصة فالعامة الكبائر والصغائر مما أومــاً إليه الشرع ونطق به الكتاب والسنة والخاصة ذنوب حال الشخص فكل عبد على قدر صفاء حاله له ذنوب تلائم حاله
ويعرفها صاحبها
وقيل حسنات الأبرار سيئات المقربين
ثم لا يصلّى إلا جماعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفضل صلاة الجماعة صلاة الفذّ
وعشرين درجة ۱
۱ متفق عليه
بسبع

١٢٥
ثم يستقبل القبلة بظاهرة والحضرة الإلهية بباطنة ويقرأ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ويقرأ في نفسه آية التوجه وهذا التوجه قبل الصلاة والاستفتاح قبل الصلاة لوجهه الظاهر بانصرافه إلى القبلة وتخصيص جهته بالتوجه دون جهة الصلاة ثم يرفع يديه حذو منكبيه بحيث تكون كفاه حذو منكبيه وإبهاماه عند شحمة أذنيه ورءوس الأصابع مع الأذنين ويضم الأصابع وإن نشرها جاز والضم أولى فإنه قيل النشر نشر الكف لا نشر الأصابع ويكبر ولا يدخل بين باء أكبر وراثه ألفًا ويجزم أكبر ويجعـل المـد فـي الله ولا يبالغ فى ضم الهاء من الله ولا يبتدئ بالتكبير إلا إذا استقرت اليدان حذو المنكبين ويرسلهما مع التكبير من غير نقض فالوقار إذا سكن القلب تشكلت به الجوارح وتأيدت بالأولى والأصوب ويجمع بين نية الصلاة والتكبير بحيث لا يغيب عن قلبه حالة التكبير أنه يصلى الصلاة بعينها
وحكى عن الجنيد أنه قال لكل شيء صفوة وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى وإنما كانت التكبيرة صفوة لأنها موضع النية وأول الصلاة
قال أبو نصر السراج سمعت به سالم يقول النية بالله الله ومن الله والآفات التي تدخل في صلاة العبد بعد النية من العدو ونصيب العدو وإن كثر لا يوازن بالنية التي لله بالله وإن قل
هي
وسئل أبو سعيد الحزاز كيف الدخول فى الصلاة فقال هو أن تقبل على الله تعالى إقبالك عليه يوم القيامة ووقوفك بين يدى الله ليس بينك وبينه ترجمان وهو مقبل عليك وأنت تناجيه وتعلم بين يدى من أنت واقف فإنه الملك العظيم
وقيل لبعض العارفين كيف تكبّر التكبيرة الأولى فقال ينبغى إذا قلت الله أكبر أن يكون مصحوبك في الله التعظيم مع الألف والهيبة مع اللام والمراقبة والقرب مـع
الهاء
واعلم أن من الناس من إذا قال الله أكبر غاب فى مطالعة العظمة والكبرياء وامتلأ باطنه نورا وصار الكون بأسره في فضاء شرح صدره كخردلة بأرض فلاة ثم تلقى الخردلة فما يخشى من الوسوسة وحديث النفس !! وما يتخايل في الباطن من الكون الذي صار بمثابة الخردلة فألقيت فكيف تزاحم الوسوسة وحديث النفس مثل هذا العبد وقد تزاحم مطالعة العظمة والغيبوبة فى ذلك كون النية غير أنه لغاية لطف

۱۶
الحال يختص الروح بمطالعة العظمة والقلب يتميز بالنية فتكون النية موجودة بألطف صفاتها مندرجة فى نور العظمة اندراج الكواكب فى ضوء الشمس ثم يقبض بيده اليمنى يده اليسرى ويجعلهما بين السرّة والصدر واليمنى لكرامتها تجعل فوق اليسرى ويمد المسبحة والوسطى على الساعد ويقبض بالثلاثة البواقي اليسرى من الطرفين
وقد فسر أمير المؤمنين على رضى الله عنه قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ۱ قال إنه وضع اليمنى على الشمال تحت الصدر وذلك أن تحت الصدر عرقا يقال له الناحر أي ضع يدك على الناحر وقال بعضهم وانحر أي استقبل القبلة بنحرك وفى ذلك سرّ خفى يكاشف به من وراء أستار الغيب وذلك أن الله تعالى بلطيف حكمته خلق الآدمى وشرفه وكرّمه وجعله محل نظره ومورد وحيه ونخبة ما في أرضه وسمائه روحانيا وجسمانيا أرضيا وسماويا منتصب القامة مرتفع الهيئة فنصفه الأعلى من حدّ الفؤاد مستودع أسرار السموات ونصفه الأسفل مستودع أسرار الأرض فمحل نفسه ومركزها النصف الأسفل ومحل روحه الروحانى والقلب النصف الأعلى فجواذب الروح مع جواذب النفس يتطاردان ويتحاربان وباعتبار تطاردهما وتغالبهما تكون لمة الملك ولمة الشيطان ووقت الصلاة يكثر التطارد لوجود التجاذب بين الإيمان والطبع فيكاشف المصلى الذى صار قلبه سماويًا مترددا بين الفناء والبقاء لجواذب النفس
متصاعدة من مركزها
وللجوارح وتصرفها وحركتها مع معانى الباطن ارتباط وموازنة فبوضع اليمني على الشمال حصر النفس ومنع من صعود جواذبها وأثر ذلك يظهر بدفع الوسوسة وزوال حديث النفس فى الصلاة ثم إذا استولت جواذب الروح وتملكت من الفرق إلى القدم - عند كمال الأنس وتحقق قرة العين واستيلاء سلطان المشاهدة - تصير النفس مقهورة ذليلة ويستنير مركزها بنور الروح وتنقطع حينئذ جواذب النفس وعلى قدر استنارة مركز النفس يزول كل ۳ العبادة ويستغنى حينئذ عن مقاومة النفس ومنع جوانبها بوضع اليمين على الشمال فيسبل 4 حينئذ
۱ آية ٢ من سورة الكوثر
الفرق الطريق في شعر الرأس
۳ هكذا في الأصل ولعل العبارة توزن
٤ يقال أسبل الدمع أرسل الماء صبه وأسبل الستر أرخاه

۱۷
ولعل لذلك - والله أعلم - ما نقل عن رسول الله الله أنه صلى مسبلاً وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى
ثم يقرأ وَجَهْتُ وَجْهِي الآية وهذا التوجه إنقاء لوجـه قلبـه والذي قبـل الصلاة لوجه قالبه ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسی و اعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعًا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدنى لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدى أحسنها إلا أنت واصرف عنى سيئها فإنه لا يصرف على سيئها إلا أنت لبيك وسعديك فالخير كله بيديك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك
ويطرق رأسه في قيامه ويكون نظره إلى موضع السجود ويكمل القيام بانتصاب القامة ونزع يسير الانطواء عن الركبتين والخواصر ومعاطف البدن ويقف كأنه ناظر بجميع جسده إلى الأرض فهذا من خشوع سائر الأجزاء ويتكون الجسد بتكون القلـب مـن
الخشوع ويراوح بين القدمين بمقدار أربع أصابع فإن ضم الكعبين هو الصفد المنهى عنه ولا يرفع إحدى الرجلين فإنه الصفن ۱ المنهى عنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصفن
والصفد
فإذا كان الصفن منهيا عنه ففى زيادة الاعتماد على إحدى الرجلين دون الأخرى معنى من الصفن فالأولى رعاية الاعتدال فى الاعتماد على الرجلين جميعا ویکره اشتمال الصماء وهو أن يخرج يده من قبل صدره ويجتنب السدل وهو أن يرخى أطراف الثوب إلى الأرض ففيه معنى الخيلاء وقيل هو الذي يلتف بالثوب ويجعل يديه من داخل فيركع ويسجد كذلك وفى معناه ما إذا جعل يديه داخل القميص
ويجتنب الكف وهو أن يرفع ثيابه بيديه عند السجود
ويكره الاختصار وهو أن يجعل يده على الخاصرة ويكره الصلب وهو وضع اليدين جميعا على الخصرين وتجافي العضدين
۱ صفن الفرس قام على ثلاث قوائم وطرف حافر الرابع وصفن الرجل صف قدميه

۱۸
فإذا وقف في الصلاة على الهئية التي ذكرناها مجتنببًا للمكاره فقد تمم القيام وكمله فيقرأ آية التوجه والدعاء كما ذكرناها ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويقولها في كل ركعة أمام القراءة ويقرأ الفاتحة وما بعدها بحضور قلب وجمع هم ومواطأة بين القلب واللسان بحفظ وافر من الوصلة والدنو والهيبة والخشوع والخشية والتعظيم والوقار والمشاهدة والمناجاة وإن قرأ بين الفاتحة وما يقرأ بعدها إذا كان إماما في السكتة الثانية اللهم باعد بينى وبين خطایای کما باعدت بين المشرق والمغرب ونقنى من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد فحسن وإن قالها فى السكتة الأولى فحسن
وروى عن النبي أنه قال ذلك
وإن كان منفردًا يقولها قبل القراءة
ويعلم العبد أن تلاوته نطق اللسان ومعناها نطق القلب وكل مخاطب لشخص يتكلم بلسانه ولسانه يعبر عما في قلبه ولو أمكن المتكلم إفهام من يكلمه من غير لسان فعل ولكن حيث تقدر الإفهام إلا بالكلام جعل اللسان ترجمانًا فإذا قال باللسان من غير مواطأة القلب فما اللسان ترجمانا ولا القارئ متكلما قاصدًا إسماع الله حاجته ولا مستمعاً إلى الله فاهما عنه سبحانه ما يخاطبه وما عنده غير حركة اللسان بقلب غائب عن قصد ما يقول فينبغي أن يكون متكلا مناجيًا أو مستمعاً راعيًا فأقل مراتب أهل الخصوص في الصلاة الجمع بين القلب واللسان فى التلاوة ووراء ذلك أحوال للخواص يطول شرحها قال بعضهم ما دخلت في صلاة قط فأهمنى فيها غير ما أقول
وقيل لعامر بن عبد الله هل تجد فى الصلاة شيئًا من أمور الدنيا فقال لأن تختلف على الأسنة أحب إلى من أن أجد في الصلاة ما تجدون وقيل لبعضهم هل تحدث نفسك فى الصلاة بشيء من أمور الدنيا
فقال لا في الصلاة ولا في غيرها ومن الناس من إذا أقبل على الله فى صلاته يتحقق بمعنى الإنابة لأن الله تعالى قدم الإنابة وقال منيبين إليه واتقوه وأقيمُوا الصَّلاة ۱ فينيب إلى الله تعالى ويتقى الله تعالى بالتبرى عما سواه ويقيم الصلاة بصدر منشرح بالإسلام وقلب منفتح بنور الإنعام
۱ آية رقم ٣١ من سورة الروم

۱۹
فتخرج الكلمة من القرآن من لسانه ويسمعها بقلبه فتقع الكلمة في فضاء قلب ليس فيه غيرها فيتملكها القلب بحسن الفهم ولذيذ نعمة الإصغاء ويتشربها بحلاوة الاستماع وكمال الوعي ويدرك لطيف معناها وشريف فحواها معانى تلطف عن تفصيل الذكر وتتشكل بخفي الفكر ويصير الظاهر من معاني القرآن قوت النفس فالنفس المطمئنة متعوضة بمعاني القرآن عن حديثها لكونها معانى ظاهرية متوجهة إلى عالم الحكمة والشهادة تقرب مناسبتها من النفس المكونة لإقامة رسم الحكمة ومعاني القرآن الباطنة التي يكاشف بها من الملكوت قوت القلب وتخلص الروح المقدّس إلى أوائل سرادقات الجبروت بمطالعة عظمة المتكلم
وبمثل هذه المطالعة يكون كمال الاستغراق في لجج الأشواق
كما نقل عن مسلم بن يسار أنه صلّى ذات يوم في مسجد البصرة فوقعت أسطوانة تسامع بسقوطها أهل السوق وهو واقف في الصلاة لم يعلم بذلك
ثم إذا أراد الركوع يفصل بين القراءة والركوع ثم يركع منطوى القامة والنصف الأسفل بحاله في القيام من غير انطواء الركبتين ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويمد عنقه مع ظهره ويضع راحتيه على ركبتيه منشورة الأصابع
روی مسعد بن سعد قال صليت إلى جنب سعد بن مالك فجعلت يدى بين ركبتي وبين فخذى وطبقتهما فضرب بيدى وقال اضرب بكفيك على ركبتيك وقال يابني إنا كنا نفعل ذلك فأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب
ويقول سبحان ربي العظيم ثلاثا وهو أدنى الكمال
والكمال أن يقول إحدى عشرة مرة وما يأتى به من العدد يكون بعد التمكن من
الركوع ومن غير أن يمزج آخر ذلك بالرفع ويرفع يديه للركوع والرفع من الركوع ويكون في ركوعه ناظراً نحو قدميه فهو أقرب إلى الخشوع من النظر إلى موضع السجود وإنما ينظر إلى موضع سجوده فى قيامه ويقول بعد التسبيح اللهم لك ركعت ولك خشعت ولك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصرى وعظمي ومنى وعصبي ويكون قلبه فى الركوع متصفا بمعنى الركوع من التواضع والإخبات
ثم يرفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده عالما بقلبه ما يقول
عوارف المعارف جـ ٢

۱۳۰
فإذا استوى قائما يحمد ويقول ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد ثم يقول أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد فإن أطال في النافلة القيام بعد الرفع من الركوع فليقل لربى الحمد مكررا ذلك مهما شاء فأما في الفرض فلا يطول تطويلا يزيد على الحد زيادة بينة
ويقنع في الرفع من الركوع بتمام الاعتدال بإقامة الصلب ورد عن رسول الله له أنه قال لا ينظر الله إلى من لا يقيم صلبه بين الركوع والسجود ۱ ثم يهوى ساجدًا ويكون فى هويه مكبرًا مستيقظا حاضرًا خاشعا عاما بما يهوى فيه وإليه وله فمن الساجدين من يكاشف أنه يهوى إلى تخوم الأرضين متغيبا في أجزاء الملك لامتلاء قلبه من الحياء واستشعار روحه عظيم الكبرياء كما ورد أن جبرائيل عليه السلام تستر بخافية من جناحه حياء من الله تعالى ومن الساجدين من يكاشف أنه يطوى بسجوده بساط الكون والمكان ويسرح قلبه في قضاء الكشف والعيان فتهوى دون هويه أطباق السموات وتنمحى لقـوة شهوده تماثيل الكائنات ويسجد على طرف رداء العظمة وذاك أقصى ما ينتهى إليه طائر الهمة البشرية وتفى بالوصول إليه القوة الإنسانية وتتفاوت الأنبياء والأولياء فى مراتب العظمة واستشعار كنهها لكل فهم على قدره حظ من ذلك وفوق كل ذي علم عليم
ومن الساجدين من يتسع وعاؤه وينتشر ضياؤه ويحظى بالصنفين ويبسط الجناحين فيتواضع بقلبه إجلالا ويرفع بروحه إكراما وإفضالا فيجتمع لـه الأنس والهيبة والحضور والغيبة والفرار والقرار والإسراء والجهاز فيكون في سجوده سابحاً في بحر شهوده لم يتخلف منه عن السجود شعرة كما قال سيد البشر في سجوده سجد لك سوادى وخيالى ولله يَسُجُد مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طُوعًا وَكَرْهًا ٢ الطوع للروح والقلب لما فيهما من الأهلية والكره من النفس لما فيها من الأجنبية ويقول في سجوده سبحان ربی
۱ رواه ابن ماجه
آية رقم ١٥ من سورة الرعد
الأعلى ثلاثًا إلى العشر الذي هو الكمال

۱۳۱
ويكون في السجود مفتوح العينين لأنهما يسجدان وفى الهوى يضع ركبته ثم يديه ثم جبهته وأنفه ويكون ناظراً نحو أرنبة أنفه فى السجود فهو أبلغ في الخشوع للساجد ويباشر بكفيه المصلى ولا يلفهما فى الثوب ويكون رأسه بين كفيه ويداه خدو منكبيه غير متيامن ومتياسر بهما ويقول بعد التسبيح اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذى خلقه وصوّره وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين وروى أمير المؤمنين على رضى الله عنه أن رسول الله له كان يقول في سجوده ذلك وإن قال سبوح قدوس رب الملائكة والروح فحسن
كفيه
روت عائشة رضى الله عنها أن رسول الله ل و لو كان يقول في سجوده ذلك ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويوجه أصابعه فى السجود نحو القبلة ويضم أصابع مع الإبهام ولا يفرش ذراعيه على الأرض ثم يرفع رأسه مكبرا ويجلس على رجله اليسرى وينصب اليمنى موجها بالأصابع إلى القبلة ويضع اليدين على الفخذين من غير تكلف ضمهما وتفريجهما ويقول رب اغفر لي وارحمنى واهدني واجبرني وعافني واعف عنى ولا يطيل هذه الجلسة فى الفريضة أما فى النافلة فلا بأس مهما أطال قائلا رب اغفر وارحم مكررًا ذلك ثم يسجد السجدة الثانية مكبرا ويكره الإقعاء في القعود وهو ها هنا يضع اليتيه على عقبيه
ثم إذا أراد النهوض إلى الركعة الثانية يجلس جلسة خفيفة للاستراحة ويفعل في بقية الركعات هكذا ثم يتشهد
وفي الصلاة سر المعراج وهو معراج القلوب
والتشهد مقرّ الوصول بعد قطع مسافات الهئيات على تدريج طبقات السموات والتحيات سلام على ربِّ البريات فليذعن لما يقول ويتأدب مع من يقول ويدرى كيف يقول ويسلم على النبي ويمثله بين عينى قلبه ويسلم على عباد الله الصالحين فلا يبقى عبد في السماء ولا فى الأرض من عباد الله إلا ويسلم عليه بالنسبة الروحية والخاصية الفطرية ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى مقبوضة الأصابع إلا المسبحة ويرفع المسبحة فى الشهادة فى إلا الله لا فى كلمة النفى ولا يرفعها منتصبة بل مائلة برأسها إلى الفخذ منطوية
فهذه هيئة خشوع المسبحة ودليل سراية خشوع القلب إليها

۱۳
يس
1
ويدعو في آخر صلاته لنفسه وللمؤمنين وإن كان إماماً ينبغى أن لا ينفرد بالدعاء بل يدعو لنفسه ولمن وراءه فإن الإمام المتيقظ في الصلاة كحاجب دخل على سلطان ووراءه أصحاب الحوائج سأل لهم ويعرض حاجتهم والمؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا وبهذا وصفهم الله تعالى في كلامه بقوله سبحانه كَأَنَّهُمْ بُنْيَان مرصوص وفي وصف هذه الأمة في الكتب السالفة صَفّهم في صلاتهم كصفهم في قتالهم وحدثنا بذلك شيخنا ضياء الدين أبو النحيب السهرودي إملاء قال أخبرنا عبدالرحمن محمد بن عيسى بن شعيب الماليني قال أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد المظفر الواعظ قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد السرخسى قال أخبرنا أبو عمران عيسى بن عمر بن العباس السمرقندى قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبدالرحمن الدارمي قال أخبرنا مجاهد بن موسى قال حدثنا معن هو ابن عيسى سأل كعب الأحبار كيف نجد نعت رسول الله الله فى التوراة قال نجده محمد بن عبد الله ويولد بمكة ويهاجر لطيبة ويكون ملكه بالشام وليس بفحاش ولا صحاب في الأسواق ولا يكافئ السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر أمته الحمادون يحمدون الله في كل سراء ويكبرون الله على كل نجد يوضئون أطرافهم ويتأزرون في أوساطهم يُصفون فى صلاتهم كما يُصفون في قتالهم دويهم في مساجدهم كدوي النحل يسمع مناديهم في جو السماء
أنه
فالإمام في الصلاة مقدمة الصف في محاربة الشيطان فهو أولى المصلين بالخشوع والإتيان بوظائف الأداب ظاهرا وباطنا والمصلون المتيقظون كلما اجتمعت ظواهرهم تجتمع بواطنهم وتتناصر وتتعاضد وتسرى من البعض إلى البعض أنوار وبركات بـل جميـع المسلمين المصلين فى أقطار الأرض بينهم تعاضد وتناصر بحسب القلوب ونسب الإسلام ورابطة الإيمان بل يمدهم الله تعالى بالملائكة الكرام كما أمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملائكة المسومين فحاجاتهم إلى محاربة الشيطان أمس من حاجاتهم إلى محاربة الكفار ولهذا كان يقول رسول الله رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فتتدراكهم الأملاك بل بأنفسهم الصادقة تتماسك الأفلاك
فإذا أراد الخروج من الصلاة يسلّم على يمينه وينوى مع التسليم الخروج من الصلاة والسلام على الملائكة والحاضرين من المؤمنين ومؤمنى الجن ويجعل خده مبينا أن على
1 من آية من سورة الصف

۱۳۳
يمينه بإلواء عنقه ويفصل بين هذا السلام والسلام عن يساره فقد ورد النهي عن
المواصلة
والمواصلة خمس اثنان تختص بالإمام هو أن لا يوصل القراءة بالتكبير والركوع بالقراءة واثنتان على المأموم وهو أن لا يوصل تكبيره الإحرام بتكبير الإمام ولا تسليمه
بتسليمه
وواحدة على الإمام والمأمومين وهو أن لا يوصل تسليم الفرض بتسليم النفل ويحزم التسليم ولا يمد ثم يدعو بعد التسليم بما يشاء من أمر دينه ودنياه ويدعو قبل التسليم أيضًا في صلب الصلاة فإنه يستجاب ومن أقام الصلوات الخمس في جماعة فقد ملأ البر والبحر عبادة
وكل المقامات والأحوال زُبدتها الصلوات الخمس فى جماعة وهى سرّ الدين وكفارة المؤمن وتمحيص للخطايا على ما أخبرنا شيخنا شيخ الإسلام أبو النجيب السهروردی رحمه الله إجازة قال أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون قال أخبرنا أبو محمد الحسن بن على الجوهرى إجازة قال أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن زكريا قال حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثنا الحسين بن الحسين الموزى قال أخبرنا عبد الله بن المبارك قال أخبرنا يحيى بن عبدالله قال سمعت أبي يقول سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله الصلوات الخمس كفارات للخطايا اقرءوا إن شئتم إِن الْحَسَنَاتِ يُذهبن السيئاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرينَ
١ آية ١١٤ من سورة هود

١٣٤
الباب الثامن والثلاثون
في ذكر آداب الصلاة وأسرارها
أحسن آداب المصلّى أن لا يكون مشغول القلب بشيء قل أو كثر لأن الأكياس لم يرفضوا الدنيا إلا ليقيموا الصلاة كما أمروا لأن الدنيا وأشغالها لما كانت شاغلة للقلب رفضوها غيرة على محل المناجاة ورغبة فى أوطان القربات وإذعانا بالباطن لرب البريات لأن حضور الصلاة بالظاهر إذعان الظاهر وفراغ القلب في الصلاة عما سوى الله تعالى إذعان الباطن فلم يروا حضور الظاهر وتخلّف الباطن حتى لا يختل إذعانهم فتنخرم عبوديتهم فيجتنب أن يكون باطنه مرتهنا بشيء ويدخل الصلاة وقيل من فقه الرجل أن يبدأ بقضاء حاجته قبل الصلاة ولهذا ورد إذا حضر العشاء والعشاء فقدموا العشاء على العشاء ولا يصلى وهو حاقن يطالبه البول ولا حازق يطالبه الغائط والحزق أيضا
ضيق الخف
ولا يصلى أيضًا وخفه ضيّق يشغل قلبه فقد قيل لا رأى لحاذق قيل الذي يكون معه ضيق
وفى الجملة ليس من الأدب أن يصلّى وعنده ما يغير مزاج باطنه عن الاعتدال كهذه الأشياء التي ذكرناها والاهتمام المفرط والغضب وفى الخبر لا يدخل أحدكم في الصلاة وهو مقطّب ولا يصلين أحدكم وهو غضبان فلا ينبغي للعبد أن يتلبس بالصلاة إلا وهو على أتم الهيئات وأحسن لبسة المصلى سكون الأطراف وعدم الالتفات والإطراق ووضع اليمين على الشمال فما أحسنها من هيئة عبد ذليل واقف بين يدى ملك عزيز وفى رخصة الشرع دون الثلاث حركات متواليات جائز وأرباب العزيمة يتركون الحركة فى الصلاة جملة وقد حركت يدى في الصلاة وعندى شخص من الصالحين فلما انصرفت من الصلاة أنكـر علـى وقـال عندنا أن العبد إذا وقف فى الصلاة ينبغى أن يبقى جمادًا مجمدًا لا يتحرك منه شيء وقد جاء في الخبر

١٣٥
سبعة أشياء في الصلاة من الشيطان الرعاف والنعاس والوسوسة والتثاؤب والحكاك والالتفات والعب بالشيء من الشيطان أيضًا وقيل السهو والشك وقد روى عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أنه قال إن الخشوع في الصلاة أن لا يعرف المصلى من على يمينه وشماله
ونقل عن سفيان أنه قال من لم يخشع فسدت صلاته وروى عن معاذ بن جبل أشدّ من ذلك قال من عرف من على يمينه وشماله في
الصلاة متعمدا فلا صلاة له
وقال بعض العلماء من قرأ كلمة مكتوبة فى حائط أو بساط في صلاته فصلاته باطلة قال بعضهم لأن ذلك عدّده عملاً وقيل في تفسير قوله تعالى الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُون قيل هو سكون
الأطراف والطمأنينة
قال بعضهم إذا كبرت التكبيرة الأولى فاعلم أن الله ناظر إلى شخصك عالم بما في
ضميرك
ومثل فى صلاتك الجنة عن يمينك والنار عن شمالك
وإنما ذكرنا أن تمثل الجنة والنار لأن القلب إذا شغل بذكر الآخرة ينقطع عنه
الوسواس
فيكون هذا التمثيل تداويًا للقلب لدفع الوسوسة
أخبرنا شيخنا ضياء الدين السهروردى إجازة قال أخبرنا عمرو بن أحمد الصفار قال أخبرنا أبو بكر بن خلف قال أخبرنا أبو عبد الرحمن قال سمعت أبا الحسين الفارسى يقول سمعت محمد بن الحسين يقول قال سهل من خلا قلبه عن ذكر الآخرة تعرّض لوساوس الشيطان فأما من باشر باطنه صفو اليقين ونور المعرفة فيستغنى بشاهده عن تمثيل مشاهده
قال أبو سعيد الخرّاز إذا ركع فالأدب فى ركوعه أن ينتصب ويدنو ويتدلى في ركوعه حتى لا يبقى منع مفصل إلا وهو منتصب نحو العرش العظيم ثم يعظم الله تعالى حتى لا يكون فى قلبه شيء أعظم من الله ويصغر في نفسه حتى يكون أقل من الهباء وإذا رفع رأسه وحمد الله يعلم أنه سبحانه وتعالى يسمع ذلك
۱ آية رقم ٢٣ من سورة المعارج

١٣٦
وقال أيضا ويكون معه من الخشية ما يكاد يذوب به
قال السراج إذا أخذ العبد فى التلاوة فالأدب فى ذلك أن يشاهد ويسمع قلبه كأنه يسمع من الله تعالى
أو كأنه يقرأ على الله تعالى
وقال السراج أيضًا من أدبهم قبل الصلاة المراقبة ومراعاة القلب من الخواطر والعوارض ونفى كل شيء غير الله تعالى
فإذا قاموا إلى الصلاة بحضور القلب فكأنهم قاموا من الصلاة إلى الصلاة فيبكون مع النفس والعقل اللذين دخلوا فى الصلاة بهما فإذا خرجوا من الصلاة رجعوا إلى حالهم
من حضور القلب فكأنهم أبدا في الصلاة فهذا هو أدب الصلاة
وقيل كان بعضهم لا يتهيأ له حفظ العدد من كمال استغراقه
وكان يُجلس واحدًا من أصحابه يعدد عليه كم ركعة صلّى
وقيل للصلاة أربع شعب حضور القلب فى المحراب وشهود العقل عند الملك الوهاب وخشوع القلب بلا ارتياب وخضوع الأركان بلا ارتقاب لأن عند حضور القلب رفع الحجاب وعند شهود العقل رفع العتاب وعند حضور النفس فتح الأبواب وعند خضوع الأركان وجود الثواب
فمن أتى الصلاة بلا حضور القلب فهو مُصل لاه ومن أتاها بلا شهود العقل فهو مصل ساه ومن أتاها بلا خضوع النفس فهو مصل خاطىء ومن أتاها بلا خشوع الأركان فهو مصل جاف ومن أتاها كما وصف فهو مصل واف
وقد ورد عن رسول الله إذا قام العبد إلى الصلاة المكتوبة مقبلاً على الله بقلبه وسمعه وبصره انصرف من صلاته وقد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وإن الله ليغفر بغسل الوجه خطيئة أصباها وبغسل رجليه خطيئة أصابها حتى يدخل في صلاته وليس
علیه وزر 1
وذكرت السرقة عند رسول الله فقال أىَ السرقة أقبح فقالوا الله ورسوله أعلم فقال إن أقبح السرقة أن يسرق الرجل من صلاته قالوا كيف يسرق الرجل من صلاته قال لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها ولا القراءة فيها
۱ متفق عليه

۱۳۷
وروى عن أبي عمرو بن العلاء أنه قدّم للإمامة فقال لا أصلح فلما ألحوا عليه كبر فغشى عليه فقدموا إمامًا آخر فلما أفاق سئل فقال لما قلت استووا هتف بی هاتف هل استويت أنت مع الله قط ! ! وقال عليه الصلاة والسلام إن العبد إذا أحسن الوضوء وصلّى الصلاة لوقتها وحافظ على ركوعها وسجودها ومواقيتها قالت حفظك الله كما حفظتني ثم صعدت ولها نور حتى تنتهى إلى السماء وحتى تصل إلى الله فتشفع لصاحبها وإذا أضاعها قالت ضيعك الله كما ضيعتنى ثم صعدت ولها ظلمة حتى تنتهى إلى أبواب السماء فتغلق دونها ثم تلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها١
وقال أبو سليمان الداراني إذا وقف العبد في الصلاة يقول الله تعالى ارفعوا الحجب فيما بينى وبين عبدى فإذا التفت يقول الله ارخوها فيما بيني وبينه وخلوا
عبدى وما اختار لنفسه وقال أبو بكر الوراق ربما أصلى ركعتين فأنصرف منهما وأنا أستحيى من الله حياء رجل انصرف من الزنا !! قوله هذا لعظيم الأدب عنده ومعرفة كل إنسان بأدب الصلاة على قدر
القرب
حظه من
وقيل لموسى بن جعفر إن الناس أفسدوا عليك الصلاة بمرورهم بين يديك قال إن الذي أصلى له أقرب إلى من الذي يمشي بين يدى وقيل كان زين العابدين على بن الحسين رضى الله عنهما إذا أراد أن يخرج إلى الصلاة لا يُعرف من تغيّر لونه فيقال له فى ذلك فيقول أتدرون بين يدى من أريد أن
أقف
وروى عمار بن ياسر عن رسول الله أنه قال لا يكتب للعبد من صلاته إلا ما يفعل ٢
وقد ورد في لفظ آخر منكم من يصلى الصلاة كاملة ومنكم من يصلى النصف والثلث والربع والخمس حتى يبلغ العش ۳
۱ متفق عليه
متفق عليه
۳ رواه ابن ماجه

۱۳۸
قال الخواص ينبغي للرجل أن ينزى نوافله لنقصان فرائضه فإن لم ينوها لم يحسب له منها شيء
بلغنا أن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى فريضة يقول الله تعالـة مثلكم كمثل العبد السوء بدأ بالهدية قبل قضاء الدين وقال أيضًا انقطع الخلق عن الله تعالى بخصلتين إحداهما أنهم طلبوا النوافل وضيعوا الفرائض والثانية أنهم عملوا أ أعمالاً بالظواهر ولم يأخذوا أنفسهم بالصدق فيها والنصح لها وأبى الله أن يقبـل مـن عـامل عملاً إلا بالصدق وإصابة الحق وفتح العين في الصلاة أولى من تغميض العين إلا أن يتشتت همه بتفريق النظر فيغمض العين للاستعانة على الخشوع وإن تثاءب في الصلاة يضم شفتيه بقدر الإمكان ولا يلزق ذقنه بصدره ولا يزاحم في الصلاة غيره قيل ذهب المزحوم بصلاة المزاحم وقيل من يترك الصف الأول مخافة أن يضيّق على أهله فقام في الثاني أعطاه الله مثل ثواب الصف الأول من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا وقيل إن إبراهيم الخليل عليه السلام كان إذا قام إلى الصلاة يسمع خفقان قلبـه مـن
میل
وروت عائشة رضى الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمع في صدره أزيز كأزيز المرجل حتى كان يسمع في بعض سكك المدينة وسئل الجنيد ما فريضة الصلاة قال قطع العلائق وجمع الهم والحضور بين
يدى الله
وقال الحسن ماذا يعزّ عليك من أمر دينك إذا هانت عليك صلاتك !! وقيل أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه فقال إذا دخلت الصلاة فهب لي من قلبك الخشوع ومن بدنك الخضوع ومن عينك الدموع فإنّى قريب وقال أبو الخير الأقطع ۱ رأيت رسول الله في المنام فقلت يا رسول الله أوصني فقال يا أبا الخير عليك بالصلاة فإنّى استوصيت ربي فأوصاني بالصلاة وقال لى أن أقرب ما أكون منك وأنت تصلّى
۱ هو عباد بن عبد الله التيناتي قال المناوي هو التيناتي نسبة إلى تينات قرية ببلاد المشرق وأصله من المغرب وقدم من المشرق وصحب ابن الجلاد ومات سنة ٣٤١ هـ ودفن بمصر بقرب قبر ذي النون المصرى

۱۳۹
وقال ابن عباس رضي الله عنهما ركعتان فى تفكير خير من قيام ليلة وقيل إن محمد بن يوسف الفرغانى رأى حاتماً الأصم واقفاً يعظ الناس فقال له يا حاتم أراك تعظ الناس أفتحسن أن تصلى قال نعم قال كيف تصلّى قال أقوم بالأمر وأمشى بالخشية وأدخل بالهيبة وأكبر بالعظمة وأقرأ بالترتيل وأركع بالخشوع وأسجد بالتواضع وأقعد للتشهد بالتمام وأسلّم على السنة وأسلمها إلى ربي وأحفظها أيام حياتى وأرجع باللوم على نفسى وأخاف أن لا تقبل مني وأرجو أن تقبل منّى وأنا بين الخوف والرجاء وأشكر من علّمني وأعلمها من سألني وأحمد ربي إذا هداني فقال محمد بن يوسف مثلك يصلح أن يكون واعظاً
وقوله تعالى لا تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأنْتُمْ سُكَارَى ۱ قيل من حب الدنيا وقيل من الاهتمام وقال عليه الصلاة والسلام من صلى ركعتين ولم يحدث نفسه فيهما بشيء من الدنيا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه ٢
وقال أيضاً إن الصلاة تمسكن وتواضع وتضرع وتنادم وترفع يديدك وتقول اللهم اللهم فمن لا يفعل فهي خداج ۳ أي ناقصة وقد ورد أن المؤمن إذا توضأ للصلاة تباعد عنه الشيطان في أقطار الأرض خوفًا منه لأنه تأهب للدخول على الملك فإذا كبر حجب عنه إبليس قيل يضرب بينه وبينه سرادق لا ينظر إليه وواجهه الجبار بوجهه فإذا قال الله أكبر اطلع الملك في قلبه فإذا لم يكن في قلبه أكبر من الله تعالى يقول صدقت الله في قلبك كما تقول وتشعشع من قلبه نور يلحق بملكوت العرش ويكشف له بذلك النور ملكوت السموات والأرض ويكتب له حشو ذلك النور حسنات
إن الجاهل الغافل إذا قام إلى الصلاة احتوشته الشياطين كما يحتوش الذباب على نقطة العسل فإذا كبر اطّلع الله على قلبه فإذا كان شيء في قلبـه أكبر من الله تعالى عنده يقول له كذبت ليس الله تعالى أكبر فى قلبك كما تقول فيثور من قلبه دخان يلحق بعنان السماء فيكون حجابًا لقلبه عن الملكوت فيزداد ذلك الحجاب صلابة
۱ آية رقم ٤٣ من سورة النساء
رواه النسائي ۳ رواه ابن ماجة

١٤٠
ويلتقم الشيطان قلبه فلا يزال ينفخ فيه وينفث ويوسوس إليه ويزين حتى ينصرف من صلاته ولا يعقل ما كان فيها
وفي الخبر لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت
السماء
والقلوب الصافية التى كمل آدابها لكمال أدب قوالبها تصير سماوية تدخل بالتكبير في السماء كما تدخل فى الصلاة والله تعالى حرس السماء من تصرف الشياطين فالقلب السماوى لا سبيل إلى الشيطان إليه فتبقى هواجس نفسانية عند ذلك لا تنقطع بالتحصن بالسماء كانقطاع تصرف الشيطان والقلوب المرادة بالقرب تدرج بالتقريب وتعرج في طبقات السموات وفى كل طبقة من أطباق السماء يتخلّف شيء من ظلمة النفس وبقدر ذلك يقل الهاجس إلى أن يتجاوز السموات ويقف أمام العرش فعند ذلك يذهب بالكلية هاجس النفس بساطع نور العرش وتندرج ظلمات النفس في نور القلب اندراج الليل في النهار وتتأدى حينئذ حقوق الآداب على وجه الصواب
وما ذكرنا من أدب الصلاة يسير من كثيرٍ وشأن الصلاة أكبر من وصفنـا وأكمـل مـن
ذكرنا
وقد غلط أقوام وظنوا أن المقصود من الصلاة ذكر الله تعالى وإذا حصل الذكر فأى حاجة إلى الصلاة
وسلكوا طرقاً من الضلال وركنوا إلى أباطيل الخيال ومحوا الرسوم والأحكام ورفضوا الحلال والحرام وقوم آخرون سلكوا في ذلك طريقا أدتهم إلى نقصان الحال حيث سلموا من الضلال لأنهم اعترفوا بالفرائض وأنكروا فضل النوافل واغتروا بيسير روح الحال وأهملوا فضل الأعمال ولم يعلموا أن الله فى كل هيئة من الهيئات وكل حركة من الحركات أسرارًا وحكما لا توجد في شيء من الأذكار فالأحوال والأعمال روح و جسمان وما دام العبد فى دار الدنيا إعراضه عن الأعمال عبدا للطغيان فالأعمال تزكو بالأحوال والأحوال تنمو بالأعمال

١٤١
الباب التاسع والثلاثون
في فضل الصوم وحسن أثره
روى عن رسول الله أنه قال الصبر نصف الإيمان والصوم نصف الصبر وقيل ما فى عمل ابن آدم شيء إلا ويذهب بردّ المظالم إلا الصوم فإنه لا يدخله
قصاص
ويقول الله تعالى يوم القيامة هذا لي فلا ينقص أحد منه شيئًا وفي الخبر الصوم لى وأنا أجزى به قيل أضافه إلى نفسه لأن فيه خُلقا من أخلاق الصمدية وأيضا لأنه من أعمال السرّ من قبيل التروك لا يطلع عليه أحد إلا
الله
وقيل في تفسير قوله تعالى السَّائِحُونَ الصائمون لأنهم ساحوا إلى الله تعالى بجوعهم وعطشهم
وقيل في قوله تعالى إنّما يُوَفَّى الصَّابِرُون أَجْرُهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب هم الصائمون لأن الصبر اسم من أسماء الصوم
ويفرغ للصائم إفراغاً ويجازف له مجازفة
وقيل أحد الوجوه في قوله تعالى فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنِ جَزَاءً بمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۳ كان عملهم الصوم وقال يحيى بن معاذ إذا ابتلى المرء بكثرة الأكل بكت عليه الملائكة رحمة له ومن ابتلى بحرص الأكل فقد أحرق بنار الشهوة وفى نفس ابن آدم ألف عضو من الشر كلها فى كفّ الشيطان متعلق بها فإذا جوّع بطنه وأخذ حلقه وراض نفســه يـبـس كـل

عضو واحترق بنار الجوع وفرّ الشيطان من ظله وإذا أشبع بطنه وترك حلقه فى لذائذ الشهوات فقد رطّب أعضاءه وأمكن الشيطان والشبع نهر في النفس ترده الشياطين والجوع نهر في الروح ترده الملائكة وينهزم الشيطان من جائع نائم فكيف إذا كان قائما !
۱ آية ١٠ من سورة الزمر
آية ١٧ من سورة السجدة

١٤٢
ويعانق الشيطان شبعاناً قائماً فكيف إذا كان نائما !
فقلب المريد الصادق يصرخ إلى الله تعالى من طلب النفس الطعام والشراب دخل رجل إلى الطيالسي وهو يأكل خبزًا يابسا قد بله بالماء مع ملح جريش فقال له كيف تشتهى هذا ! قال أدعه حتى أشتهيه وقيل من أسرف في مطعمه ومشربه يعجل الصغار والذل إليه في دنياه قبل آخرته
وقال بعضهم الباب العظيم الذى يُدخل منه إلى الله تعالى قطع الغذاء
وقال بشر إن الجوع يصفّى الفؤاد ويميت الهوى ويورث العلم الدقيق وقال ذو النون ما أكلت حتى شبعت ولا شربت حتى رويت إلا عصيت الله أو هممت بمعصيته وروى القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت كان يأتى علينا الشهر ونصف شهر ما تدخل بيتنا نار لا لمصباح ولا لغيره قال قلت سبحان الله فبأي شيء كنتم تعيشون قالت بالتمر والماء وكان لنا جيران من الأنصار جزاهم الله خيرًا كانت لهم منائح ۱ فربما واسونا بشيء وروى أن حفصة بنت عمر رضى الله عنهما قالت لأبيها إن الله قد أوسع الرزق فلو أكلت طعاما أكثر من طعامك ولبست ثيابًا ألين من ثيابك !! فقال إني أخاصمك إلى نفسك ألم يكن من أمر رسول الله كذا يقول مرارًا فبكت فقال قد أخبرتك والله
لأشاركته فى عيشه الشديد لعلى أصيب عيشة الرخاء وقال بعضهم ما تخلت لعمر دقيقاً إلا وأنا له عاص
قالت عائشة رضى الله تعالى عنها ما شبع رسول الله له ثلاثة أيام من خبز بُر
حتى مضى لسبيله
قالت عائشة رضى الله تعالى عنها أديموا قرع باب الملكوت يفتح لكم قالوا

كيف نديم قالت بالجوع والعطش والظمأ
وقيل ظهر إبليس ليحيى بن زكريا عليهما السلام وعليه معاليق فقال ما هذه قال الشهوات التي أصيب بها بنى آدم قال هل تجد لى فيها شهوة قال لا غير أنك شبعت ليلة فثقلناك عن الصلاة والذكر فقال لا جرم إنّي لا أشبع أبدًا
۱ منائح جمع منحة وهي العطية

١٤٣
قال إبليس لا جرم إنّي لا أنصح أحدًا أبدًا
وقال شقيق العبادة حرْفَةٌ وحانوتها الخلوة وآلاتها الجوع
وقال لقمان لابنه إذا ملئت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء
عن العبادة
وقال الحسن لا تجمعوا بين الأدمين فإنه من طعام المنافقين
وقال بعضهم أعوذ بالله من زاهد قد أفسدت معدته ألوان الأغذية فيكره للمريد أن يوالى فى الإفطار أكثر من أربعة أيام فإن النفس عند ذلك تركن إلى العادة وتتسع بالشهوة
وقيل الدنيا بطنك فعلى قدر زهدك فى بطنك زهدك في الدنيا وقال عليه الصلاة والسلام ما ملأ آدمى وعاء شرًا من بطنه حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه وقال فتح الموصلى صحبت ثلاثين شيخًا كل يوصينى عند مفارقتي إياه بترك عشرة الأحداث وقلة الأكل
۱ متفق عليه

١٤٤
الباب الأربعون
اختلاف أحوال الصوفية بالصوم والإفطار
جمع من المشايخ الصوفية كانوا يديمون الصوم فى السفر والحضر على الدوام حتى
لحقوا بالله تعالى
وكان عبد الله بن جابار قد صام نيفا وخمسين سنة لا يفطر في السفر والحضر فجهد به أصحابه يوما فأفطر فاعتل من ذلك أياما فإذا رأى المريد صلاح قلبه فى دوام الصوم فليصم دائما ويدع للإفطار جانبا فهو عون حسن له على ما يريد روى أبو موسى الأشعرى قال قال رسول الله صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين ١
من
أي لم يكن له فيها موضع وكره قوم صوم الدهر وقد ورد في ذلك ما رواه أبو قتادة قال سئل رسول الله
كيف بمن صام الدهر قال لا صام ولا أفطر
وأول قوم أن صوم الدهر هو أن لا يفطر العيدين وأيام التشريق فهو الذي يكره
وإذا أفطر هذه الأيام فليس هو الصوم الذي كرهه رسول الله ومنهم من كان يصوم يوما ويفطر يوما وقد ورد أفضل الصيام صوم أخى داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما
واستحسن ذلك قوم من الصالحين ليكون بين حال الصبر وحال الشكر
ومنهم من كان يصوم يومين ويفطر يوما أو يصوم يوما ويفطر يومين ومنهم من كان يصوم يوم الاثنين والخميس والجمعة
وقيل كان سهل بن عبد الله يأكل فى كل خمسة عشر يوما مرّة وفي رمضان يأكل أكلة واحدة وكان يفطر بالماء القراح للسنة
وحكى عن الجنيد أنه كان يصوم على الدوام فإذا دخل عليه إخوته أفطر معهم ويقول ليس فضل المساعدة مع الإخوان بأقل من فضل الصوم
غير أنه هذا الإفطار يحتاج إلى علم فقد يكون الداعى إلى ذلك شره النفس لا نية الموافقة وتخليص النية لمحض الموافقة مع وجود شره النفس صعب
1 رواه الإمام أحمد

١٤٥
وسمعت شيخنا يقول لى شيئين ما أكلت شيئًا بشهوة نفس ابتداء واستدعاء بل يقدم إلى الشيء فأراه من فضل الله ونعمته وفعله فأوافق الحق في فعله وذكر أنه فى ذات يوم اشتهى الطعام ولم يحضر من عادته تقديم الطعام إليه قال ففتحت باب البيت الذى فيه الطعام وأخذت رمانة لأكلها فدخلت السنور وأخذت دجاجة كانت هناك فقلت هذا عقوبة لى على تصرفي في أخذ الرمانة
ورأيت الشيخ أبا السعود رحمه الله يتناول الطعام فى اليوم مرات أى وقت حضر الطعام أكل منه ويرى أن تناوله للطعام موافقة الحق لأن حاله مع الله كان ترك الاختيار فى مأكوله وملبوسه وجميع تصاريفه وكان حال الوقوف مع فعل الحق وقد كان له في ذلك بداية يعزّ مثلها حتى نقل أنه بقى أيامًا لا يأكل ولا يعلم أحد بحاله ولا يتصرف هو لنفسه ولا يتسبب إلى تناول شيء وينتظر فعل الحق لسياقه الرزق إليه ولم يشعر أحد بحاله مدة من الزمان ثم إن الله تعالى أظهر حاله وأقام له الأصحاب والتلامذة وكانوا يتكلفون الأطعمة ويأتون بها إليه وهو يرى في ذلك فضل الحق
والموافقة
سمعته يقول أصبح كل يوم وأحب ما إلى الصوم ويَنْقُضُ الحق على محبتى الصوم بفعله فأوافق الحق في فعله وحكى عن بعض الصادقين من أهل واسط أنه صام سنين كثيرة وكان يفطر كل يوم قبل غروب الشمس إلا في رمضان
وقال أبو نصر السرّاج أنكر قوم هذه المخالفة وإن كان الصوم تطوعا واستحسنه آخرون لأن صاحبه كان يريد بذلك تأديب النفس بالجوع وأن لا يتمتع برؤية الصوم ووقع لى أن هذا إن قصد أن لا يتمتع برؤية الصوم فقد تمتع برؤية عدم التمتع برؤية الصوم وهذا يتسلسل
والأليق بموافقة العلم إمضاء الصوم قال الله تعالى ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ولكن أهل الصدق لهم نيات فيما يفعلون فلا يعارضون الصدق محمود لعينـه كيـف كان والصادق فى خفارة صدقه كيف تقلب
وقال بعضهم إذا رأيت الصوفى يصوم صوم التطوع فاتهمه فإنه قد اجتمع معه شيء
من الدنيا
۱ آية رقم ٣٣ من سورة محمد

١٤٦
جماعة
وقيل إذا كان جماعة متوافقين أشكالاً وفيهم مريد يحثونـه علـى الصيام فإن لم يساعدوه يهتموا لإفكاره ويتكلفوا له رفقا به ولا يحملوا حاله على حالهم وإن كانوا مع شيخ يصومون الصومه ويفطرون لإفطاره إلا من يأمره الشيخ بغير ذلك وقيل إن بعضهم صام سنين بسبب شاب كان يصحبه حتى ينظر الشاب إليـه فيتأدب به ويصوم بصيامه وحكي عن أبي الحسن المكي أنه كان يصوم الدهر وكان مقيما بالبصرة وكان لا يأكل الخبز إلا ليلة الجمعة وكان قوته في كل شهر أربع دوانيق يعمل بيده حبال الليف ويبيعها
وكان الشيخ أبو الحسن بن سالم يقول لا أسلّم عليه إلا أن يفطر ويأكل وكان ابن سالم اتهمه بشهوة خفية له في ذلك لأنه كان مشهورا بين الناس وقال بعضهم ما أخلص لله عبد قط إلا أحب أن يكون في جب لا يعرف ومن أكل فضلاً من الطعام أخرج فضلاً من الكلام
وقيل أقام أبو الحسن التنيسى بالحرم مع أصحابه سبعة أيام لم يأكلوا فخرج بعض أصحابه ليتطهر فرأى قشر بطيخ فأخذه وأكله فرآه إنسان فاتبع أثره وجاء برفق فوضعه بين يدى القوم فقال الشيخ من جني منكم هذه الجناية! فقال الرجل أنا وجدت قشر بطيخ فأكلته فقال كن أنت مع جنايتك ورفقك أنا تائب من جنايتي فقال لا كلام بعد التوبة
وكانوا يستحبون صيام أيام البيض وهى الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر روى أن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض أسود جسده من أثر المعصية فلما تاب الله عليه أمره أن يصوم أيام البيض فابيض ثلث جسده بكل يوم صامه حتى أبيض جميع جسده بصيام أيام البيض ويستحبون صوم النصف الأول من شعبان وإفطار نصفه الأخير وإن واصل بين شعبان ورمضان فلا بأس به ولكن إن لم يكن صام فلا يستقبل رمضان بيوم أو بيومين وكان يكره بعضهم أن يصام رجب جميعه كراهة المضاهاة برمضان ويستحب صوم العشر من ذي الحجة والعشر من المحرم ويستحب الخميس والجمعة والسبت أن يصام من الأشهر الحرم
و ورد في الخبر من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت بعد من النار سبعمائة عام
۱ رواه ابن ماجه والحاكم

١٤٧
الباب الحادي والأربعون
آداب الصوم ومهامه
آداب الصوفية في الصوم ضبط الظاهر والباطن وكف الجوارح عن الآثام كمنع النفس عن الطعام ثم كفّ النفس عن الاهتمام بالأقسام
سمعت أن بعض الصالحين بالعراق كان طريقه وطريق أصحابه أنهم كانوا يصومون وكلما فتح عليهم قبل وقت الإفطار يخرجونه ولا يفطرون إلا على ما فتح لهم وقت الإفطار
وليس من الأدب أن يمسك المريد عن المباح ويفطر بحرام الآثام ! ! قال أبو الدرداء يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف يعيبون قيام الحمقى وصيامهم ! ! ولذرة من ذى يقين وتقوى أفضل من أمثال الجبال من أعمال المغترين ومن فضيلة الصوم وأدبه أن يقلل الطعام عن الحد الذى كان يأكله وهو مفطر إلا فإذا الأكلات بأكلة واحدة فقد أدرك بها ما فوت !! جمع
ومقصود القوم من الصوم قهرُ النفس ومنعها عن الاتساع وأخذهم من الطعام قدر الضرورة لعلمهم أن الاقتصار على الضرورة يجذب النفس من سائر الأفعال والأقوال إلى
الضرورة
والنفس من طبعها أنها إذا أقهرت لله تعالى في شيء واحد على الضرورة تأدى ذلك إلى سائر أحوالها فيصير بالأكل النوم ضرورة والقول والفعل ضرورة وهذا باب كبير من أبواب الخير لأهل الله تعالى يجب رعايته وافتقاده ولا يخص بعلم الضرورة وفائدتها وطلبها إلا عبدا يريد الله تعالى أن يقرّبه ويدنيه ويصطفيه ويربيه ويمتنع في صومه عن ملاعبة الأهل والملامسة فإن ذلك أنزه للصوم ويتسحر استعمالاً للسنّة وهو أدعى إلى إمضاء الصوم لمعنيين أحدهما عود بركة السنة عليه والثانى التقوية بالطعام على الصيام
وروى أنس بن مالك عن رسول الله قال تسحروا فإن في السحور بركة ۳
۱ وفي نسخة يغبنون متفق عليه

١٤٨
ويعجل الفطر عملاً بالسنة فإن لم يُرد تناول الطعام إلا بعد العشاء ويريد إحياء ما بين العشاء يفطر بالماء أو على أعداد من الزبيب أو التمر ويأكل لقيمات إن كانت النفس تنازع ليصفو له الوقت بين العشاءين فإحياء ذلك له فضل كثير وإلا فيقتصر على الماء لأجل السنّة
أخبرنا الشيخ العالم ضياء الدين عبد الوهاب بن على قال أخبرنا أبو الفتح الهروى قال أخبرنا أبو نصر الترياقى قال أخبرنا أبو محمد الجراحى قال أخبرنا أبو العباس المحبوبي قال أخبرنا أبو عيسى الترمذى قال حدثنا إسحق بن موسى الأنصاري قال حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن قرّة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله حكاية عن ربه قال الله عزّ وجل أحب عبادى إلى أعجلهم فطرًا ۱ وقال لايزال الناس بخير ما عجلوا
الفطر
والإفطار قبل الصلاة سنّة كان رسول الله لا يفطر على جرعة من ماء أو مزقة من لبن أو تمرات وفي الخبر كم من صائم حظه من صيامه الجوع والعطش قيل هو الذي يجـوع بالنهار ويفطر على الحرام وقيل هو الذي يصوم عن الحلال من الطعام ويفطر على لحوم الناس بالغيبة قال سفيان من اغتاب فسد صومه
وعن مجاهد خصلتان تفسدان الصوم الغيبة والكذب قال الشيخ أبو طالب المكي قرن الله الاستماع إلى الباطل والقول بالإثم بأكل الحرام فقال سَمَاعُونَ لِلْكَذِبِ أكَّالُون للسُّخت ۳ وورد في الخبر أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله له فأجهدهما الجوع والعطش من آخر النهار حتى كادتا أن تهلكا فبعثنا إلى رسول الله لا تستأذنانه فى الإفطار فأرسل إليهما قدحا وقال قولا لهما قيئا فيه ما أكلتما فقاءت إحداهما نصفه دما عبيطا ولحما غريضًا وقاءت الأخرى مثل ذلك حتى ملأتاه فعجب الناس من ذلك فقال رسول الله هاتان صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما
۱ متفق عليه
متفق عليه
۳ من آية ٤٢ من سورة المائدة
٤ متفق عليه

١٤٩
وقال إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه فليقل إني صائم۱
وفى الخبر إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته
مع
يصوم
والصوفى الذى لا يرجع إلى معلوم ولا يدرى متى يساق إليه الرزق فإذا ساق الله تعالى إليه الرزق تناوله بالأدب وهو دائم لوقته وهو في إفطاره أفضل من الذى له معلوم معد فإن كان ذلك فقد أكمل الفضل حكى عن رويم قال اجتزت فى الهاجرة ببعض سكك بغداد فعطشت فتقدمت إلى باب دار فاستسقيت فإذا جارية قد خرجت ومعها كوز جديد ملآن من الماء المبرد فلما أردت أن أتناول من يدها قالت صوفى ويشرب بالنهار وضربت بالكوز على الأرض وانصرفت قال رويم فاستحييت من ذلك ونذرت إلا أفطر أبدًا والجماعة الذين كرهوا دوام الصوم كرهوه لمكان أن النفس إذا ألفت الصوم وتعودته اشتد عليه الإفطار وهكذا بتعوّدها الإفطار تكره الصوم فيرون الفضل في أن لا تركن النفس إلى عادة ورأوا أن إفطار يوم وصوم يوم أشد على النفس
ومن أدب الفقراء أن الواحد إذا كان بين جمع وفي صحبة جماعة لا يصوم إلا بإذنهم وإنما كان ذلك لأن قلوب الجمع متعلقة بفطوره وهم على غير معلوم فإن صام بإذن الجمع وفتح عليهم بشيء لا يلزمهم ادخار للصائم ومع العلم بأن الجمع المفطرين يحتاجون إلى ذلك فإن الله تعالى يأتى للصائم برزقه إلا أن يكون الصائم يحتاج إلى الرفق لضعف حاله أو ضعف بنيته لشيخوخته أو غير ذلك وهكذا الصائم لا يليق أن يأخذ نصيبه فيدخره لأن ذلك من ضعف الحال فإن كان ضعيفا يعترف بحاله وضعفه فيدخره
والذي ذكرناه لأقوام هم على غير معلوم فأما الصوفية المقيمون في رباط على معلوم فالأليق بحالهم الصيام ولا يلزمهم موافقة الجمع في الإفطار وهذا يظهر في جمع منهم لهم معلوم يُقدِّم لهم بالنهار فأما إذا كانوا على غير معلوم فقد قيل مساعدة الصوام للمفطرين أحسن من استدعاء الموافقة من المفطرين للصوام
وأمر القوم مبناه على الصدق ومن الصدق افتقاد النية وأحوال النفس فكل ما صحت النية فيه من الصوم والإفطار والموافقة وترك الموافقة فهو الأفضل
۱ متفق عليه

فأما من حيث السنّة فمن يوافق لـه وجـه إذا كان صائمًا وأفطر للموافقة وإن صام ولم يوافق فله وجه
فأما وجه من يفطر ويوافق فهو ما أخبرنا به أبو زرعة طاهر عن أبيه أبي الفضل الحافظ المقدسي قال أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله قال أخبرنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوى قال أخبرنا أبو بكر محمد بن حمدويه قال حدثنا عبد الله بن حماد قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني عطاء بن خالد عن حماد بن حميد عن محمد بن المنكدر عن أبي سعيد الخدري قال اصطنعت لرسول الله له وأصحابه طعامًا فلما قدّم إليهم قال رجل من القوم إنّى صائم فقال رسول الله دعاكم أخوكم وتكلّف لكم ثم تقول إنّى صائم افطر واقض يوما مكانه وأما وجه من لا يوافق فقد ورد أن رسول الله وأصحابه أكلوا وبلال صائم رسول الله صلى الله عليه وسلم نأكل رزقنا ورزق بلال في الجنة فإذا علم أن هناك قلبا يتأذى أو فضلاً يرجى من موافقة من يغتنم موافقته يفطر بحسن النية لا بحكم الطبع وتقاضيه فأن لم يجد هذا المعنى لا ينبغي أن يتلبس عليه الشره وداعية النفس بالنية فليتم صومه وقد تكون الإجابة لداعية النفس لا لقضاء حق
أخيه
فقال
ومن حسن آداب الفقير الطالب أنه إذا أفطر وتناول الطعام ربّما يجد باطنه متغيرا عن هيئته ونفسه متثبطة عن أداء وظائف العبادة فيعالج مزاج القلب المتغير بإذهاب التغير عنه ويذيب الطعام بركعات يصليها أو بآيات يتلوها أو بأذكار واستغفار يأتي به فقد ورد في الخبر أذيبو طعامكم بالذكر
ومن مهام آداب الصوم كتمانه مهما أمكن إلا أن يكون متمكنا من الإخلاص فلا يبالى ظهر أم بطن
۱ متفق عليه

١٥١
الباب الثاني والأربعون
ذكر الطعام وما فيه من المصلحة والمفسدة
الصوفى بحسن نيته وصحة مقصده ووفور علمه وإتيانه بآدابه تصير عاداته عبادة والصوفي موهوب وقته لله وحياته الله كما قال الله تعالى لنبيه أمرًا له قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ ۱ فتدخل على الصوفي أمور العادة الموضع حاجته وضرورة بشريته ويحف بعادته نور يقظته وحسن نيته فتتنوّر العادات وتتشكل بالعبادات ولهذا ورد نوم العالم عبادة ونفسه تسبيح هذا مع كون النوم عين الغفلة ولكن كل ما يستعان به على العبادة يكون عبادة فتناول الطعام أصل كبير يحتاج إلى علوم كثيرة لاشتماله على المصالح الدينية والدنيوية وتعلّق أثره بالقلب والقالب وبه قوام البدن بإجراء سنة الله تعالى بذلك والقالب مركب القلب وبهما عمارة الدنيا والآخرة وقد ورد أرض الجنة قيعان نباتها التسبيح والتقديس والقالب بمفرده على طبيعة الحيوانات يستعان به على عمـــــــارة الدنيا والروح والقلب على طبيعة الملائكة يستعان بهما على عمارة الآخرة وباجتماعهما صلحا لعمارة الدارين
والله تعالى ركب الآدمى بلطيف حكمته من أخص جواهر الجسمانيات والروحانيات وجعله مستودع خلاصة الأرضين والسموات جعل عالم الشهادة وما فيها من النبات والحيوان لقوام بدن الآدمى قال الله تعالى خَلَقَ لَكُمْ ما فى الأرْض جَمِيعًا فتكون الطبائع وهي الحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة وكوّن بواسطتها النبات وجعل النبات قوامًا للحيوانات وجعل الحيوانات مسخرة للآدمى يستعين بها على أمر معاشه لقوام بدنه فالطعام يصل إلى المعدة وفى المعدة طباع أربع وفي الطعام طباع أربع فإذا أراد الله اعتدال مزاج البدن أخذ كل طبع من طباع المعدة ضده من الطعام فتؤخذ الحرارة للبرودة والرطوبة لليبوسة فيعتدل المزاج ويأمن الاعوجاج وإذا أراد الله تعالى افناء قالب وتخريب بنية أخذت كل طبيعة جنسها من المأكول فتميل الطبائع ويضطرب المزاج ويسقم البدن ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
۱ آية رقم ١٦٢ من سورة الأنعام آية رقم ٢٩ من سورة البقرة ۳ من آية ٣٨ من سورة يس

١٥٢
روى عن وهب بن منبه قال وجدت فى التوراة صفة آدم عليه السلام إنى خلقت آدم وركبت جسده من أربعة أشياء من رطب ویابس وبارد وسخن وذلك لأني خلقته من التراب وهو يابس ورطوبته من الماء وحرارته من قبل النفس وبرودته من قبل الروح وخلقت فى الجسد بعد هذا الخلق الأول أربعة أنواع من الخلق هن ملاك الجسم بإذني وبهن قوامه فلا يقوم الجسم إلا بهنّ ولا تقوم منهن واحدة إلا بأخرى منهن المرة السوداء والمرة الصفراء والدم والبلغم ثم أسكنت بعض هذا الخلق في بعض فجعلت مسكن اليبوسة في المرّة السوداء ومسكن الرطوبة في المرة الصفراء
ومسكن الحرارة في الدم ومسكن البرودة في البلغم فأيما جسد اعتدلت فيه هذه الفطر الأربع التي جعلتها ملاكه وقوامه فكانت كل واحدة منهن رُبعًا لا يزيد ولا ينقص كملت صحته واعتدلت بنيته فإن زادت منهن واحدة عليهن هزمتهن ومالت بهن ودخل عليه السقم من ناحيته بقدر غلبتها حتى يضعف عن طاقتهن ويعجز عن مقدارهن
كبر
الأمر وأتعب طلب الحلال
فأهم الأمور في الطعام أن يكون حلالاً وكل ما لا يذمه الشرع حلال رخصة ورحمة من الله لعباده ولولا رخصة الشرع ومن أدب الصوفية رؤية المنعم على النعمة وأن يبتدئ بغسل اليد قبل الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر
وإنما كان موجبا لنفى الفقر لأن غسل اليد قبل الطعام استقبال النعمة بالأدب وذلك من شكر النعمة والشكر يستوجب المزيد فصار غسل اليد مستجلبًا للنعمة مذهبا للفقر وقد روى أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبي أنه قال من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه ثم يسمى الله تعالى۱
فقوله تعالى وَلَا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ تفسيره تسمية الله تعالى عند
ذبح الحيوان واختلف الشافعى وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى في وجوب ذلك وفهم الصوفى من ذلك بعد القيام بظاهر التفسير أن لا يأكل الطعام إلا مقرونا بالذكر فقرنه فريضة وقته وأدبه ويرى أن تناول الطعام والماء ينتج من إقامة النفس ومتابعة هواها ويرى ذكر الله تعالى دوائه وترياقه
۱ متفق عليه
آية رقم ۱۱ من سورة الأنعام

١٥٣
روت عائشة رضى الله عنها قال كان رسول الله يأكل الطعام في ستة نفر من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال رسول الله أما إنه لو كان يسمى الله لكفاكم فإذا أكل أحدكم طعامًا فليقل بسم الله فإن نسى أن يقول بسم الله فليقل بسم الله أوله وآخره
ويستحب أن يقول في أوّل لقمة بسم الله وفى الثانية بسم الله الرحمن وفي
الثالثة
يتم ويشرب الماء بثلاثة أنفاس يقول فى أول نَفَس الحمد لله إذا شرب وفي الثانية الحمد لله رب العالمين وفى الثالثة الحمد لله رب العالمين الرحمن
الرحيم وكما أن للمعدة طباعًا تتقدّر كما ذكرناه بموافقة طباع الطعام فللقلب أيضا مزاج وطباع لأرباب التفقد والرعاية اليقظة ويعرف انحراف مزاج القلب من اللقمة المتناولة تارة تحدث من اللقمة حرارة الطيش بالنهوض إلى الفضول وتارة تحدث في القلب برودة الكسل بالتقاعد عن وظيفة الوقت وتارة تحدث رطوبة السهو والغفلة وتارة يبوسة الهـم والحزن بسبب الحظوظ العاجلة فهذه كلها عوارض يتفطن لها المتيقظ ويرى تغير القالب بهذه العوارض تغير مزاج القلب عن الاعتدال والاعتدال كما هو مهم طلبه للقالب فللقلب أهم وأولى وتطرق الانحراف إلى القلب أسرع منه إلى القالب ومن الانحراف ما يسقم به فيموت لموت القالب واسم الله تعالى دواء نافع مجرب ينفى الأسواء ويُذهب الداء ويجلب الشفاء
حكى أن الشيخ أبا محمد محمدا الغزالى لما رجع إلى طوس وصف له في بعض القرى عبد صالح فقصده زائرا فصادفه وهو فى صحراء له يبذر الحنطة في الأرض فلما رأى الشيخ محمداً جاء إليه واقبل عليه فجاء رجل من أصحابه وطلب منه البذر لينوب عن الشيخ فى ذلك وقت اشتغاله بالغزالى فامتنع ولم يعطه البذر فسأله الغزالي عن سبب امتناعه فقال لأنى أبذر هذه البذر بقلب حاضر ولسان ذاكر أرجو البركة فيه لكل من يتناول منه شيئًا فلا أحب أن أسلمه إلى هذا فيبذره بلسان غير ذاكر وقلب غیر حاضر ! !
وكان بعض الفقراء عند الأكل يشرع فى تلاوة سورة من القرآن يحضر الوقت بذلك حتى تنغمر أجزاء الطعام بأنوار الذكر ولا يعقب الطعام مكروه ويتغير مزاج القلب

١٥٤
وقد كان شيخنا أبو النجيب السهروردى يقول أنا آكل وأنا أصلى يشير إلى حضور القلب في الطعام وربما كان يوقف من يمنع عنه الشواغل وقت أكله لئلا يتفرّق
همه وقت الأكل ويرى للذكر وحضور القلب فى الأكل أثرًا كبيرًا لا يسعه الإهمال ومن الذكر عند الأكل الفكر فيما هيّا الله تعالى من الأسنان المعينة على الأكل فمنها الكاسرة ومنها القاطعة ومنها الطاحنة وما جعل الله تعالى من الماء الحلو في الفم حتى لا يتغيّر الذوق كما جعل ماء العين مالحا لما كان شحماً حتى لا يفسد وكيف جعل النداوة تنبع من أرجاء اللسان والفم ليعين ذلك على المضغ والسوغ وكيف جعل القوة الهاضمة مسلطة على الطعام تفصله وتجزئه متعلقا مددها بالكبد والكبد بمثابة النار والمعدة بمثابة القدر وعلى قدر فساد الكبد تعتل الهاضمة ويفسد الطعام ولا ينفصل ولا يصل إلى كل عضو نصيبه وهكذا تأثير الأعضاء كلها من الكبد والطحال والكليتين ويطول شرح ذلك
فمن أراد الاعتبار فليطالع تشريح الأعضاء ليرى العجب من قدرة الله تعالى من تعاضد الأعضاء وتعاونها وتعلّق بعضها بالبعض في إصلاح الغذاء واستجذاب القوة منه للأعضاء وانقسامه إلى الدم والثفل واللبن لتغذية المولود من بين فرث لبنا خالصا ودم سائغا للشاربين فتبارك الله أحسن الخالقين فالفكر فى ذلك وقت الطعام وتعرف لطيف الحكم والقدر فيه من الذكر
ومما يذهب داء الطعام المغير لمزاج القلب أن يدعو في أول الطعام ويسأل الله تعالى أن يجعله عونا على الطاعة ويكون من دعائه اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وما زرقتنا مما تحب اجعله عونا لنا على ما تحب وما زويت عنا مما تُحب فراغا لنا فيما تحب
اجعله

۱۵۵
الباب الثالث والأربعون في آداب الأكل
فمن ذلك أن يبتدئ بالملح ويختم به روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلى رضى الله عنه ياعلي ابدأ طعامك بالملح واختم بالملح فإن الملح شفاه من سبعين داء منها الجنون والجذام والبرص ووجع البطن ووجع الأضراس
وروت عائشة رضى الله تعالى عنها قالت لدغ رسول الله في إبهامه من رجله اليسرى فقال على بذلك الأبيض الذي يكون فى العجين فجئنا بملح فوضعه في كفة ثم لعق منه ثلاث لعقات ثم وضع بقيته على اللدغة فسكنت عنه
ويستحب الاجتماع على الطعام وهو سنّة الصوفية في الربط وغيرها روى جابر عن رسول الله له أنه قال من أحب الطعام إلى الله تعالى ما كثرت عليه الأيدى وروى أنه قيل يارسول الله أنا نأكل ولا نشبع قال لعلكم تفترقون عن طعامكم اجتمعوا واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه
ومن عادة الصوفية الأكل على السفر وهو سُنّة رسول الله أخبرنا الشيخ أبو زرعة عن المقومي بإسناده إلى ابن ماجه الحافظ القزويني قال أخبرنا محمد بن المثنى قال أخبرنا معاذ بن هشام قال حدثنا أبى عن يونس بن الفرات عن قتادة عن أنس بن مالك قال ما أكل رسول الله له على خوان ولا في سكرجة ۱ قال فعلام كانوا يأكلون قال على السفر
ويصغر اللقمة ويجود الأكل بالمضغ وينظر بين يديه ولا يطالع وجوه الآكلين ويقعد على رجله اليسرى وينصب اليمنى ويجلس جلسة التواضع غير متكئ ولا متعزز نهى رسول الله أن يأكل الرجل متكئًا وروى أنه أهدى لرسول الله شاة فجثا رسول الله على ركبته يأكل فقال أعرابي ما هذه الجلسة يارسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله خلقنى عبدا ولم يجعلنى جبارًا عنيدًا ولا يبتدئ بالطعام حتى يبدأ المقدم أو الشيخ روى حذيفة قال كنا إذا حضرنا مع رسول الله له طعاما لم يضع أحدنا يده حتى يبدأ رسول الله ويأكل باليمين
1 السكرجة الصفحة التي يوضع فيها الأكل متفق عليه

١٥٦
1
روى أبو هريرة عن رسول الله له أنه قال ليأكل أحدكم بيمينه وليشرب بيمينه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويأخذ بشماله ويعطى بشماله وإن كان المأكولة تمراً أو ماله عجم لا يجمع من ذلك ما يُرمَى ولا يؤكل على الطبق ولا في كفه بل يضع ذلك على ظهر كفه من فيه ويرميه
ولا يأكل من ذروة الثريد روى عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا وضع الطعام فخذوا من حاشيته وذروا وسطه فإن البركة تننزل في وسطه ٢ ولا يعيب الطعام روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه قال ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه وإذا سقطت اللقمة يأكلها فقد روى أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبي أنه قال إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ويلعق أصابعه فقد روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أكل أحدكم الطعام فليمتص أصابعه لا يدرى فى أى طعامه تكون البركة وهكذا أمر عليه السلام بإسلات القصعة وهو مسحها من الطعام قال أنس رضی الله عنه أمر رسول الله بإسلات القصعة
°
٤
۳
ولا ينفخ فى الطعام فقد روت عائشة رضى الله عنها عن النبي أنه قال النفخ في الطعام يذهب بالبركة وروى عبد الله بن عباس أنه قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفخ في طعام ولا في شراب ولا يتنفس فى الأناء فليس من الأداب ذلك
والخل والبقل على السفرة من السُّنة قيل إن الملائكة تحضر المائدة إذا كان عليها بقل روت أم سعد رضى الله تعالى عنها قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضى الله تعالى عنها وأنا عندها فقال هل من غداء
۱ رواه الترمذي رواه ابن ماجه
۳ متفق عليه
٤ رواه ابن ماجه
٥ رواه النسائي

١٥٧
1
فقالت عندنا خبز وتمر وخل فقال عليه الصلاة والسلام نعم الإدام الخل اللهم بارك في الخل فإنه كان إدام الأنبياء قبلي ولم يفقر بيت فيه خل ولا يصمت على الطعام فهو من سيرة الأعاجم ولا يقطع اللحم والخبز بالسكين ففيه نهى ولا يكف يده عن الطعام حتى يفرغ الجمع فقد ورد عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا وضعت المائدة فلا يقوم رجل حتى ترفع المائدة ولا يرفع يده وإن شبع حتى يفرغ القوم وليتعلل فإن الرجل يخجـل جليسه فيقبض يده وعسى أن يكون له في الطعام حاجة ٢
وإذا وضع الخبز لا ينتظر غيره فقد روى أبو موسى الأشعرى قال قال رسول الله أكرموا الخبز فإن الله تعالى سخر لكم بركات السموات والأرض والحديد والبقرة
۳
٤
وابن آدم ومن أحسن الأدب وأهمـه أن لا يأكل إلا بعد الجوع ويمسك عن الطعام قبل الشبع فقد روى عن رسول الله ما ملأ آدمى وعاء شرا من بطنه ومن عادة الصوفية أن يلقم الخادم إذا لم يجلس مع القوم وهو سنة روى أبو هريرة رضى الله عنه قال قال أبو القاسم إذا جاء أحدكم خادمه بطعام فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين فإنه ولى حرة ودخانه ه
وإذا فرغ من الطعام يحمد الله تعالى روى أبو سعيد قال كان رسول الله إذا أكل طعاماً قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين وروى عن رسول الله أنه قال من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول
منى ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه1
ويتخلل فقد روى عن رسول الله تخللوا فإنه نظافة والنظافة تدعو إلى
الإيمان والإيمان مع صاحبه في الجنة
۱ متفق عليه
رواه النسائي
۳ متفق عليه
٤ رواه الترمذي وأبو داود
٥ رواه مسلم
٦ رواه ابن ماجه

١٥٨
ويغسل يديه فقد روى أبو هريرة قال قال رسول الله من بات وفي يده غمـر لم يغسل فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه
1

ومن السنة غسل الأيدى فى طست واحد وروى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انزعوا الطسوس وخالفوا المجوس ويستحب مسح العين ببلل اليد وروى أبو هريرة قال قال رسول الله إذا توضأتم فأشربوا أعينكم الماء ولا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشياطين قيل لأبي هريرة في الوضوء وغيره قال نعم في الوضوء وغيره
وفي غسل اليد يأخذ الأشنان ۳ باليمين وفى الخلال لا يزدرد ما يخرج بالخلال من الأسنان وأما ما يلوكه باللسان فلا بأس به
ويجتنب التصنع في أكل الطعام ويكون أكله بين الجمع كأكله منفردا فإن الرياء يدخل على العبد في كل شيء وصف لبعض العلماء بعض العباد فلم يثن عليـه !! قيـل له تعلم به باسا قال نعم رأيته يتصنع في الأكل ومن تصنع في الأكل لا يؤمن عليه التصنع في العمل وإن كان الطعام حلالاً فليقل الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتنزل البركات
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد اللهم أطعمنا طيبا واستعملنا صالحاً وإن كان شبهة يقول الحمد لله على كل حال اللهم صل على محمد ولا تجعله عونا على معصيتك وليكثر الاستغفار والحزن ويبكى على أكل الشبهة ولا يضحك فليس من يأكل وهو يبكى كمن يأكل وهو يضحك
ويقرأ بعد الطعام قل هو الله أحد و لإيلاف قريش
ويجتنب الدخول على قوم في وقت أكلهم وقد ورد من مشى إلى طعام لم يُدع إليـه
مشی
فاسقا وأكل حراما
وسمعنا لفظاً آخر دخل سارقا وخرج مغيرا
۱ متفق عليه
رواه الحاكم في المستدرك
۳ الأشنان ما تغسل به الأيدى من الحمض

١٥٩
إلا أن يتفق دخوله على قوم يعلم منهم فرحهم بموافقته
ويستحب
أن يخرج الرجل مع ضيفه إلى باب الدار ولا يخرج الضيف بغير إذن صاحب الدار ويجتنب المضيف التكلّف إلا أن يكون له نية فيه من كثرة الإنفاق ولا يفعل ذلك حياء وتكلّفا
وإذا أكل عند قوم طعامًا فليقل عند فراغه إن كان بعد المغرب أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وروى أيضًا عليكم صلاة قوم أبرار ليسوا بآثمين ولا فجار يصلون بالليل ويصومون بالنهار كان بعض الصحابة يقول ذلك ومن الأدب ألا يستحقر ما يقدّم له من طعام وكان بعض أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم يقول ما ندرى أيهم أعظم وزرا الذى يحتقر ما يقدّم إليه أو الذى يحتقر ما عنده أن يقدمه! ويكره أكل طعام المباهاة وما تكلّف للأعراس والتعازى فما عمل للنوائح لا يؤكل وما عمل لأهل العزاء لا بأس به وما يجرى مجراه
وإذا علم الرجل من حال أخيه أنه يفرح بالانبساط إليه في التصرف في شيء من طعامه فلا حرج أن يأكل من طعامه بغير إذنه قال الله تعالى أوْ صَدِيقِكُم ۱ قيل دخل قوم على سفيان الثورى فلم يجدوه ففتحوا الباب وأنزلوا السفرة وأكلوا فدخل سفيان ففرح وقال ذكرتمونى أخلاق السلف هكذا كانوا ومن دعى إلى طعام فالإجابة من السنة وأؤكد ذلك الوليمة وقد يتخلف بعض الناس عن الدعوة تكبرا وذلك خطأ وإن عمل ذلك تصنعًا ورياء فهو أقل من التكبر روى أن الحسن بن على مر يقوم من المساكين الذين يسألون الناس على الطرق وقد نثروا كسرًا على الأرض وهو على بغلته فلما مرّ بهم سلّم عليهم فردّوا عليه السلام وقالوا هلم الغذاء يا ابن رسول الله فقال نعم إن الله لا يحب المتكبرين ثم تنى وركه فنزل عن دابته وقعد معهم على الأرض وأقبل يأكل ثم سلّم عليهم وركب وكان يقال الأكل الإخوان أفضل من الأكل العيال روى أن هارون الرشيد دعا أبا معاوية الضرير وأمر أن يقدّم له طعامًا فلما أكل صب الرشيد على يده في الطست فلما فرغ قال يا أبا معاوية تدرى من صب على يدك قال لا قال أمير المؤمنين قال يا أمير المؤمنين إنما أكرمت العلم وأجللته فأجللك الله تعالى وأكرمك كما أكرمت العلم
مع
۱ من آية ٦١ من سورة النور
مع

1
الباب الرابع والأربعون
في ذكر أدبهم فى اللباس وثيابهم ومقاصدهم فيه
اللباس من حاجات النفس وضرورتها لدفع الحرّ والبرد كما أن الطعام من حاجات النفس لدفع الجوع وكما أن النفس غير قانعة بقدر الحاجة من الطعام بـل تطلـب الزيادات والشهوات فهكذا في اللباس تتفنن فيه ولها فيه أهوية متنوعة ومآرب مختلفة فالصوفى يردّ النفس فى اللباس إلى متابعة صريح العلم
قيل لبعض الصوفية ثوبك ممزّق ! ! قال ولكنه من وجه حلال وقيل له وهو وسخ ! ! قال ولكنه طاهر فنظر الصادق فى ثوبه أن يكون من وجه حلال لأنه ورد في الخبر عن رسول الله الله أنه قال من اشترى ثوباً بعشرة دراهم وفي ثمنه درهم من حرام لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلاً أي لا فريضة ولا نافلة
ثم بعد ذلك نظره فيه أن يكون طاهرا لأن طهارة الثوب شرط في صحة الصلاة وما عدا هذين النظرين فنظره في كونه يدفع الحرّ والبرد لأن ذلك مصلحة النفس وبعد ذلك ما تدعو النفس إليه فكلُّه فضول وزيادة ونظر إلى الخلق والصادق لا ينبغي أن يلبس الثوب إلا لله وهو ستر العورة أو لنفسه لدفع الحر والبرد
وحكى أن سفيان الثورى رضى الله عنه خرج ذات يوم وعليه ثوب قد لبسه مقلوبا فقيل له ولم يعلم ذلك - فهم أن يخلعه ويغيّره ثم تركه وقال حيث لبسته نويـت أنـي ألبسه لله والآن فما أغيره إلا لنظر الخلق فلا أنقض النية الأولى بهذه
والصوفية خُصّوا بطهارة الأخلاق وما رزقوا طهارة الأخلاق إلا بالصلاحية والأهلية والاستعداد الذي هيّأه الله تعالى لنفوسهم وفى طهارة الأخلاق وتعاضدها تناسب واقع لوجود تناسب هيئة النفس وتناسب هيئة النفس هو المشار إليه بقوله تعالى فإذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى فالتناسب هو التسوية فمن المناسب أن يكون الطعامهم وطعامهم مشاكلاً مشاكلاً لكلامهم وكلامهم لمنامهم لأن التناسب الواقع فى النفس مقيد بالعلم والتشابه والتماثل فى الأحوال يحكم به العلم
لباسهم
مشاكلاً
۱ متفق عليه
آية رقم ٢٩ من سورة الحجر

11
ومتصوفة الزمان ملتزمون بشيء من التناسب مع مزج الهوى وما عندهم من التطلع إلى التناسب رشح ١ حال سلفهم في وجود التناسب قال أبو سليمان الداراني يلبس أحدهم عباءة بثلاثة دراهم وشهوته في بطنه بخمسة دراهم أنكر ذلك لعدم التناسب فمن خشن ثوبه ينبغى أن يكون مأكوله من جنسه وإذا اختلف الثوب والمأكول دلّ على وجود انحراف لوجود هوى كامن في أحد الطرفين إما في طرف الثوب لموضع نظر لخلق وإما في طرف المأكول لفرط الشره وكلا الوصفين مرض يحتاج لمداواة ليعود إلى حد الاعتدال لبس أبو سليمان الدارانى ثوبا غسيلاً فقال له أحمد لو لبست ثوبا أجود من هذا! فقال ليت قلبى فى القلوب مثل قميص في الثياب فكان الفقراء يلبسون المرقع وربما كانوا يأخذون الخرق من المزابل ويرقعون بـهـا
ثوبهم
وقد فعل ذلك طائفة من أهل الصلاح وهؤلاء ما كان لهم معلوم يرجعون إليه فكما كانت رقاعهم من المزابل كانت لقمهم من الأبواب وكان أبو عبد الله الرفاعى مثابرًا على الفقر والتوكل ثلاثين سنة وكان إذا حضر للفقراء طعام لا يأكل فيقال له فى ذلك فيقول أنتم تأكلون بحق التوكل وأنا أكل معهم بحق المسكنة ثم يخرج بين العشاءين يطلب الكسر من الأبواب وهذا شأن من لا يرجع إلى معلوم ولا يدخل تحت منة
حكى أن جماعة من أصحاب المرقعات دخلوا على بشر بن الحارث فقال لهم يا قوم اتقوا الله ولا تظهروا هذا الزى فإنكم تعرفون وتُكرمون له فسكتوا كلهم فقال له غلام منهم الحمد لله الذي جعلنا ممن يُعرف به ويُكرم له والله ليظهرن هذا الزى حتى يكون الدين كله لله فقال له بشر أحسنت يا غلام مثلك من يلبس المرقعة فكان أحدهم يبقى زمانه لا يُطوى له ثوب ولا يملك غير ثوبة الذي عليه
وروى أن أمير المؤمنين عليا رضى الله عنه لبس قميص اشتراه بثلاثة دراهم ثم قطع أصابعه وروى عنه أنه قال لعمر بن الخطاب إن أردت أن تلقى
كمه من روس
صاحبك فرقع قميصك واخصف نعلك وقصر أملك وكل دون الشبع
۱ رشح أي نظر
عوارف المعارف جـ ٢

١٦٢
في
وحكى عن الجريرى قال كان فى جامع بغداد رجل لا تكاد تجده إلا في ثوب واحد الشتاء والصيف فسئل عن ذلك فقال قد كنت ولعت بكثرة لبس الثياب فرأيت ليلة فيما يرى النائم كأنّي دخلت الجنّة فرأيت جماعة من أصحابنا من الفقراء على مائدة فرأيت أن أجلس معهم فإذا جماعة من الملائكة أخذوا بيدي وأقاموني وقالوا لى هؤلاء أصحاب ثوب واحد وأنت لك قميصان فلا تجلس معهم فانتبهت ونذرت أن لا ألبس إلا ثوباً واحدًا إلى أن ألقى الله تعالى
وقيل مات أبو يزيد ولم يترك إلا قميصه الذى كان عليه وكان عارية فردوه إلى صاحبه
وحكى لنا عن الشيخ حماد شيخ شيخنا أنه بقى زمانًا لا يلبس الثوب إلا مستأجرا حتى إنه لم يلبس على ملك نفسه شيئًا
وقال أبو حفص الحداد إذا رأيت وضاءة الفقير في ثوبه فلا ترجو خيره وقيل مات ابن الكرنبى وكان أستاذ الجنيد وعليه مرقعته قيل كان وزن فردكم له و تخاريصه ثلاثة عشر رطلاً
فقد يكون جمع من الصالحين على هذا الزى والتخشن وقد يكون جمع من الصالحين يتكلفون لبس غير المرقع وزى الفقراء ويكون نيتهم في ذلك ستر الحال أو خوف عدم النهوض بواجب حق المرقعة
وقيل كان أبو حفص الحداد يلبس الناعم وله بيت فرش فيه الرمل لعله كان ينام عليه بلا وطاء - وقد كان قوم من أصحاب الصفة يكرهون أن يجعلوا بينهم وبين التراب حائلاً - ويكون لبس أبي حفص الناعم بعلم ونية يلقى الله تعالى بصحتها
وهكذا الصادقون إن لبسوا غير الخشن من الثوب لنية تكون لهم في ذلك فلا يعترض عليهم غير أن لبس الخشن والمرقع يصلح لسائر الفقراء بنية التقلل من الدنيا وزهرتها وبهجتها وقد ورد من ترك ثوب جمال - وهو قادر على لبسه - ألبسه الله تعالى من حلل الجنة
وأما لبس الناعم فلا يصلح إلا لعالم بحاله بصير بصفات نفسه متفقد خفی شهوات النفس يلقى الله تعالى بحسن النية فى ذلك فلحسن النية في ذلك وجوه متعددة يطول شرحها

١٦٣
ومن الناس من لا يقصد لبس ثوب بعينه لا لخشونته ولا لنعومته بل يلبس ما يدخله الحق عليه فيكون بحكم الوقت وهذا حسن
وأحسن من ذلك أن يتفقد نفسه فيه فإن رأى للنفس شَرّحًا وشهوة خفية أو جلية في الثوب الذى أدخله الله عليه يخرجه إلا أن يكون حاله مع الله ترك الاختيار فعند ذلك لا يسعه إلا أن يلبس الثوب الذي ساقه الله إليه
وقد كان شيخنا أبو النجيب السهروردي رحمه الله لا يتقيد بهيئة من الملبوس بل كان يلبس ما يتفق من غير تعمد تكلّف واختيار وقد كان يلبس العمامة بعشرة دنانير ويلبس العمامة بدائق
وقد كان الشيخ عبد القادر - رحمه الله - يلبس هيئة مخصوصة ويتطيلس "
وكان الشيخ على بن الهيثى يلبس لبس فقراء السواد وكان أبو بكر الفراء - بزنجان - يلبس فروا خشنا كآحاد العوام ولكل في لبسه وهيئته نية صالحة وشرح تفاوت الأقوام في ذلك يطول
وكان الشيخ أبو السعود - رحمه الله - حاله مع الله ترك الاختيار وقد يساق إليـه الثوب الناعم فيلبسه وكان يقال له ربما يسبق إلى بواطن بعض الناس الإنكار عليك في البسك هذا الثوب ! !
فيقول لا نلقى إلا أحد رجلين رجل يطالبنا بظاهر حكم الشرع فنقول له هل ترى أن ثوبنا يكرهه الشرع أو يحرمه! فيقول لا ورجل يطالبنا بحقائق القوم من أرباب العزيمة فنقول له هل ترى لنا فيما لبسنا اختيارًا! أو ترى عندنا فيه شهوة!
فيقول لا
وقد يكون من الناس من يقدر على لبس الناعم ولبس الخشن ولكن يحب أن يختار الله له هيئة مخصوصة فيكثر اللجوء إلى الله والافتقار إليه ويسأله أن يُريه أحب الزى إلى الله تعالى وأصلحه لدينه ودنياه لكونه غير صاحب غرض وهوى فى زى بعينه فالله تعالى يفتح عليه ويعرفه زيا مخصوصا فيلتزم بذلك الزى فيكون لبسه بالله ويكون هذا أتم وأكمل ممن يكون لبسه الله ومن الناس من يتوفر حظه من العلم وينبسط بما بسطه الله فيلبس الثوب عـن علـم وأيقان ولا يبالى بما لبسه ناعمًا لبس أو خشنًا وربما لبس ناعمًا ولنفسه فيه اختيار ۱ تطلس لبس الطيلسان والطيلسان كساء أخضر يلبسه الخواص من المشايخ والعلماء

١٦٤
وحظ وذلك الحظ فيه يكون مكفرًا له مردودًا عليه موهوباً له يوافقه الله تعالى في إرادة نفسه ويكون هذا الشخص تام التزكية تام الطهارة محبوبا مرادا يسارع الله تعالى إلى مراده ومحابه غير أنها هنا مزلة قدم لكثير من المدعين !!
حكى عن يحيى بن معاذ الرازي أنه كان يلبس الصوف والخلقان في ابتداء أمره ثم صار في آخر عمره يلبس الناعم فقيل لأبي يزيد في ذلك فقال مسكين يحيى لم يصبر على الدون فكيف يصبر على التحف !!
ومن الناس من يسبق إليه علم ما سوف يدخل عليه من الملبوس فيلبسه محمودا فيه وكلّ أحوال الصادقين على اختلاف تنوعها مستحسنة قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سبيلاً ١
ولبس الخشن من الثياب هو الأحب والأولى والأسلم للعبد والأبعد من الآفات قال مسلمة بن عبد الملك دخلت على عمر بن عبد العزيز أعوده في مرضه فرأيت قميصه وسخا فقلت لامرأته فاطمة اغسلوا ثياب أمير المؤمنين فقالت نفعل إن شاء الله قال ثم عدته فإذا القميص على حاله فقلت يا فاطمة ألم آمركم أن تغسلوه قالت والله ماله قميص غير هذا
وقال سالم كان عمر بن عبد العزيز من ألين الناس لباسًا من قبل أن يسلم إليه الخلافة فلما سلم إليه الخلافة ضرب رأسه بين ركبتيه وبكى ثم دعا بأطمار له رئة
فلبسها
وقيل لما مات أبو الدرداء وُجد فى ثوبه أربعون رقعة وكان عطاؤه أربعة آلاف وقال زيد بن وهب لبس على بن أبى طالب قميصا رازيا وكان إذا مد كمه بلغ أطراف أصابعه فعابه الخوارج بذلك فقال أتعيبونى على لباس هو أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدى بي المسلم
وقيل كان عمر رضى الله تعالى عنه إذا رأى على رجل ثوبين رقيقين علاه بالدرة وقال دعوا هذه البراقات للنساء
١ آية رقم ٨٤ من سورة الإسراء

١٦٥
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال نوروا قلوبكم بلباس الصوف فإنه مذلة في الدنيا ونور في الآخرة وإياكم أن تفسدوا دينكم بحمد الناس وثنائهم وروى أن رسول الله احتذى نعلین فلما نظر إليهما أعجبه حسنهما فسجد لله تعالى فقيل له في ذلك فقال خشيت أن يعرض عنى ربّى فتواضعت له لا جرم لا يبيتان في منزلى لما تخوفت المقت من الله تعالى من أجلهما فأخرجهما فدفعهما إلى أول مسكين لقيه ثم أمر فاشترى له نعلان مخصوفتان
وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس الصوف واحتذى المخصوف وأكل مع العبيد وإذا كانت النفس محل الآفات فالوقوف على دسائسها وخفى شهواتها وكامن هواها
عسر جدا فالأليق والأجدر والأولى الأخذ بالأحوط وترك ما يريب إلى ما لا يريب ولا يجوز للعبد الدخول فى السعة إلا بعد إتقان علم السعة وكمال تزكية النفس وذاك إذا غابت النفس بغيبة هواها المتبع وتخلصت النية وتسدد التصرف بعلم صريح واضح وللعزيمة أقوام يركبونها ويراعونها لا يرون النزول إلى الرخص خوفًا من فوت فضيلة
الزهد في الدنيا واللباس الناعم من الدنيا وقد قيل من رق ثوبه رق دينه
وقد يرخص في ذلك لمن لا يلتزم بالزهد ويقف على رخصة الشرع وروى علقمة عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عن النبي أنه قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من الكبر فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة فقال النبي عليه الصلاة والسلام إن الله جميل يحب
الجمال ۳
فتكون هذه الرخصة في حق من يلبسه لا يهوى نفسه في ذلك غير مفتخر به
ومختال
فأما من لبس الثوب للتفاخر بالدنيا والتكاثر بها فقد ورد فيه وعيد روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله الا الله فقال أزرة المؤمن إلى نصف الساق لا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين وما كان أسفل من الكعبين فهو في النار من جر إزاره بطرا لم
۱ متفق عليه
رواه الترمذي

١٦٦
ينظر الله إليه يوم القيامة فبينما رجل ممن كان قبلكم يتبختر في ردائه إذ أعجبه رداؤه فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة
والأحوال تختلف ومن صح حاله بصحة علمه صحت نيته في مأكوله وملبوسه وسائر تصاريفه وفى كل الأحوال يستقيم ويتسدد باستقامة الباطن مع الله تعالى وبقدر ذلك تستقيم تصاريف العبد كلها بحسن توفيق الله تعالى
۱ متفق عليه

١٦٧
الباب الخامس والأربعون
في ذكر فضل قيام الليل
قال الله تعالى إذ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أمنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِرِكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ نزلت هذه الآية في المسلمين يوم بدر حيث نزلوا على كثيب من الرمل تسوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب وسبقهم المشركون إلى ماء بدر العظمى وغلبوهم عليها وأصبح المسلمون بين محدث وجنب وأصابهم الظمأ فوسوس لهم الشيطان أنكم تزعمون أنكم على الحق وفيكم نبي الله وقد غلب المشركون على الماء وأنتم تصلون محدثين ومجنبين فكيف ترجون الظفر عليهم ! !
فأنزل الله تعالى مطرا من السماء سال منه الوادي فشرب المسلمون منه واغتسلوا وتوضئوا وسقوا الدواب وملئوا الأسقية ولبد الأرض حتى ثبت به الأقدام قال الله تعالى وَيُثبت به الأقدام إذ يُوحِي رَبُّكَ إلى المَلائِكَةَ أَنَّى مَعَكُمْ أمدهم الله تعالى بالملائكة حتى غلبوا المشركين ولكل آية من القرآن ظهر وبطن وحد ومطلع والله تعالى كما جعل النعاس رحمة وأمنة للصحابة خاصة فى تلك الواقعة والحادثة فهو رحمة تعم المؤمنين والنعاس قسم صالح من الأقسام العاجلة للمريدين وهو أ أَمَنَةٌ لقلوبهم عن منازعات النفس لأن النفس بالنوم تستريح ولا تشكو الكلال والتعب إذ في شكايتها وتعبها تكدير القلب وباستراحتها بالنوم بشرط العلم والاعتدال راحة القلب لما بين النفس والقلب من المواطأة عند طمأنينتها للمريدين السالكين فقد قيل ينبغي أن يكون ثلث الليل والنهار نومًا حتى لا يضطرب الجسد فيكون ثماني ساعات للنوم ساعتان من ذلك يجعلهما المريد بالنهار وست ساعات بالليل ويزيد فى أحدهما وينقص من الآخر على قدر طول الليل وقصره فى الشتاء والصيف وقد يكون بحسن الإرادة وصدق الطب ينقص النوم من قدر الثلث ولا يضر ذلك إذا صار بالتدريج عادة
وقد يحمل ثقل السهر وقلة النوم وجود الروح والأنس فإن النوم طبعـه بـارد رطب ينفع الجسد والدماغ ويسكن من الحرارة واليبس الحادث في المزاج فإن نقص عن
۱ آية رقم ١١ من سورة الأنفال آية رقم ١٢ من سورة الأنفال

1A
الثلث يضر الدماغ ويخشى منه اضطراب الجسم فإذا ناب عن النوم روح القلب وأنسه لا يضر نقصانه لأن طبيعة الروح والأنس باردة رطبة كطبيعة النوم
وقد تقصر مدة طول الليل بوجود الروح فتصير بالروح أوقات الليل الطويلة كالقصيرة
كما يقال سنة الوصل سنة وسنة الهجر سنة فيقصر الليل لأهل الروح تقل عن علىّ بن بكار أنه قال منذ أربعين سنة ما أحزنني إلا طلوع الفجر وقيل لبعضهم كيف أنت والليل قال ما راعيته قط يريني وجهه ثم ينصرف
وما تأملته
وقال أبو سليمان الداراني أهل الليل فى ليلهم أشدّ لذّة من أهل اللهو في لهوهم قال بعضهم ليس في الدنيا شيء يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملّق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة فحلاوة المناجاة ثواب عاجل لأهل الليل وقال بعض العارفين إن الله تعالى يطلع على قلوب المستيقظين في الأسحار فيملؤها نورا فترد الفوائد على قلوبهم فتستنير ثم تنتشر من قلوبهم الفوائد إلى قلوب الغافلين وقد ورد أن الله تعالى أوحى - في بعض ما أوحى إلى بعض أنبيائه إن لي عبادا يحبونى وأحبهم ويشتاقون إلى وأشتاق إليهم ويذكرونى وأذكرهم وينظرون إلى وأنظر إليهم فإن حذوت طريقهم أحببتك وإن عدلت عن ذلك مقتك قال يا رب وما علامتهم قال يُراعون الظلال بالنهار كما يراعي الراعي غنمه ويَحنُّون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها فإذا جنّهم الليل واختلط الظلام وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا لي أقدامهم وافترشوا إلى وجوههم وناجوني بكلامي وتملقـوا إلى بإنعامي فبين صارخ وبارك وبين متأوّه وشاك بعينى ما يتحملون من أجلى وبسمعى ما يشكون من حبى أوّل ما أعطيهم أن أقذف من نورى فى قلوبهم فيُخبرون عنى كما أخبر عنهم والثاني لو كانت السموات السبع والأرضون وما فيها في موازينهم لاستقللتها لهم والثالث أقبل بوجهى عليهم أفترى من أقبلت بوجهي عليه أيعلم أحد ما أريد أن أعطيه فالصادق المريد إذا خلا فى ليله بمناجاة ربه انتشرت أنوار ليله على جميع أجزاء نهاره ويصير نهاره في حماية ليله وذلك لامتلاء قلبه بالأنوار فتكون حركاته وتصاريفه بالنهار تصدر من منبع الأنوار المجتمعة من الليل ويصير قالبـه فـي قبـة مـن قباب الحقِّ مُسدّدًا حركاته موفرة سكناته

١٦٩
وقد ورد من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار ويجوز أن يكون لمعنيين أحدهما أن المشكاة تستنير بالمصباح فإذا صار سراج اليقين في القلب تزهر بكثرة زيت العمل بالليل فيزداد المصباح إشراقا وتكتسب مشكاة القالب نورا وضياء
وصف
كان يقول سهل بن عبد الله اليقين نار والإقرار فتيلة والعمل زيت وقد قال الله تعالى سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثرِ السُّجُودِ وقال تعالى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مصباح فنور اليقين من نور الله فى زجاجة القلب يزداد ضياء بزيت العمل فتبقى زجاجة القلب كالكوكب الدرى وتنعكس أنوار الزجاجة على مشكاة القالب وأيضا يلين القلب بنار النور ويسرى لينه إلى القلب فيلين القالب للين القلب فيتشابهون لوجود اللين الذي عمهما قال الله تعالى ثُمَّ تَلِينُ جُلُودهمْ وَقُلُوبُهُم إِلَى ذِكْر الله ۳ الجلود باللين كما وصف القلوب باللين فإذا امتلأ القلب بالنور ولان القالب بما يسرى فيه من الأنس والسرور يندرج الزمان والمكان فى نور القلب ويندرج فيه الكلم والآيات والسور وتشرق الأرض القالب بنور ربها إذ يصير القلب سماء والقالب أرضًا ولدة تلاوة كلام الله فى محل المناجاة تستركون الكائنات والكلام المجيد بكونه ينوب عن سائر الوجود فى مزاحمة صفو الشهود فلا يبقى حينئذ للنفس حديث ولا يسمع للهاجس حسيس وفي مثل هذه الحالة يتصوّر تلاوة القرآن من فاتحته إلى خاتمته من غير وسوسة وحديث نفس وذلك هو الفضل العظيم
والوجه الثانى لقوله عليه الصلاة والسلام من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار معناه أن وجوه أموره التي يتوجه إليها تحسن وتتداركه المعونة من الله الكريم في تصاريفه ويكون معانا في مصدره و مورده فيحسن وجه مقاصده وأفعاله وينتظم في
سلك السداد مسددا أقواله لأن الأقوال تستقيم باستقامة القلب
۱ آية رقم ٢٩ من سورة الفتح آية رقم ٣٥ من سورة النور ۳ آية رقم ٢٣ من سورة الزمر

۱۷۰
الباب السادس والأربعون
ذكر الأسباب المعينة
على قيام الليل وأدب النوم
فمن ذلك أن العبد يستقبل الليل عند غروب الشمس بتجديد الوضوء ويقعد مستقبل القبلة منتظرا مجىء الليل وصلاة المغرب مقيمًا فى ذلك على أنواع الأذكار ومن أولاها التسبيح والاستغفار قال الله تعالى لنبيه وَاسْتغْفِر لِذَنْبك و وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعشي والإبكار
ومن ذلك أن يواصل بين العشاءين بالصلاة أو بالتلاوة أو بالذكر وأفضل ذلك الصلاة فإنه إذا واصل بين العشاءين ينغسل عن باطنه آثار الكدورة الحادثة في أوقات النهار من رؤية الخلق ومخالطتهم وسماع كلامهم فإن ذلك كله له أثر وخدش في القلوب حتى النظر إليهم يعقب كدرًا فى القلب يدركه من يرزق صفاء القلب فيكون أثر
النظر إلى الخلق للبصيرة كالقذى في العين للبصر
وبالمواصلة بين العشائين يرجى ذهاب ذلك الأثر
ومن ذلك ترك الحديث بعد العشاء الآخرة فإن الحديث في ذلك الوقت يذهب طراوة النور الحادث فى القلب من مواصلة بين العشاءين ويقيد عن قيام الليل سيما إذا كان عريًا عن يقظة القلب
ثم تجديد الوضوء بعد العشاء الآخرة أيضًا معين على قيام الليل حكى لي بعض الفقراء عن شيخ له بخراسان أنه كان يغتسل فى الليل ثلاث مرات مرة بعد العشاء الآخرة ومرة فى أثناء الليل بعد الانتباه من النوم ومرة قبل الصبح فللوضوء والغسل بعد العشاء الآخرة أثر ظاهر من تيسير قيام الليل ومن ذلك التعود على الذكر أو القيام بالصلاة حتى يغلب النوم فإن التعود على ذلك يعين على سرعة الانتباه إلا أن يكون واثقا من نفس وعادته فيتعمل للنوم ويستجلبه ليقوم فى وقته المعهود وإلا فالنوم عن الغلبة هو الذي يصلح للمريدين
۱ آية رقم ٥٥ من سورة غافر آية رقم ٥٥ من سورة غافر

۱۷۱
والطالبين وبهذا وصف المحبون قيل نومهم نوم الغرقى وأكلهم أكل المرضى وكلامهم ضرورة
فمن نام عن غلبة بهم مجتمع متعلق بقيام الليل يوفق لقيام الليل وإنما النفس إذا طمعت ووطنت على النوم استرسلت فيه وإذا عجزت بصدق العزيمة لا تسترسل في الاستقرار وهذا الانزعاج في النفس بصدق العزيمة هو التجافى الذى قال الله تعالى فيه تَتَجَافَى جُنوبُهُمْ عَنِ الْمضاجع لأن الهم بقيام الليل وصدق العزيمة يجعـل بـيـن الجنب والمضجع نبوا وتجافيا وقد قيل للنَّفَس نظران نظر إلى تحت لاستيفاء الأقسام العلوية الروحانية فأرباب العزيمة تجافت جنوبهم عن المضاجع لنظرهم إلى فوق إلى الأقسام العلوية الرحمانية فأعطوا النفوس حقها من النوم ومنعوها حظها فالنفس بما فيها مركوز من الترابية والجمادية ترسب وتستجلس وتستلذ النوم قال تعالى ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ وللآدمى بكل أصل من أصول خلقته طبيعة لازمة له والرسوب صفة التراب والكسل والتقاعد والتناوم بسبب ذلك طبيعة في الإنسان فأرباب الهمة أهل العلم
الذين حكم الله تعالى لهم بالعلم فى قوله أمِّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا حتى قال قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون حكم لهؤلاء الذين قاموا بالليل بالعلم فهم لموضع علمهم أزعجوا النفوس عن مقار طبيعتها ورقوها بالنظر إلى اللذات الروحانية إلى ذرى حقيقتها فتجافت جنوبهم عن المضاجع وخرجوا مـن صفـة الغافل الهالح
ومن ذلك أن يغير العادة فإن كان ذا وسادة يترك الوسادة وإن كان ذا وطاء يترك الوطاء وقد كان بعضهم يقول لإن أرى في بيتى شيطانًا أحب إلى من أن أرى وسادة فإنها تدعوني إلى النوم ولتغيير العادة فى الوسادة والغطاء والوطاء تأثير فى ذلك ومن ترك شيئًا من ذلك والله عالم بنيته وعزيمته يثيبه على ذلك بتيسير مارام
۱ آية رقم ١٦ من سورة السجدة
آية رقم ٦٧ من سورة غافر ۳ من آية رقم 9 من سورة الزمر ٤ من آية رقم 9 من سورة الزمر

۱۷
على
ومن ذلك خفة المعدة من الطعام ثم تناول ما يأكل من الطعام إذا اقترن بذكر الله ويقظة الباطن أعان على قيام الليل لأن الذكر يذهب داؤه فإن وجد للطعام ثقلا المعدة ينبغي أن يعلم أن ثقله على القلب أكثر فلا ينام الليل حتى يذيب الطعام بالذكر والتلاوة والاستغفار قال بعضهم لئن أنقص من عشائى لقمة أحب إلى من أن أقوم ليلة والأحوط أن يوتر قبل النوم فإنه لا يدرى ماذا يحدث وبعد طهوره وسواكه عنده ولا يدخل النوم إلا وهو على الطهارة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نـام العبد وهـو علـى الطهارة عرج بروحه إلى العرش فكانت رؤياه صادقة وإن لم ينم على الطهارة قصرت روحه عن البلوغ فتكون المنامات أضغاث أحلام لا تصدق
والمريد المتأهل إذا نام فى الفراش مع الزوجة ينتقض وضوءه باللمس ولا يفوته بذلك فائدة النوم على الطهارة ما لم يسترسل فى التذاذ النفس باللمس ولا يعدم يقظة القلب فأما إذا استرسل في الالتذاذ وغفل فتنحجب الروح أيضا لمكان صلافته
ومن الطهارة التى تثمر صدق الرؤيا طهارة الباطن عن خدش الهوى وكدورة محبة الدنيا والتنزه عن أنجاس الغل والحقد والحسد وقد ورد من آوى إلى فراشه لا ينوى ظلم أحد ولا يحقد على أحد غفر له ما اجترم وإذا طهرت النفس عن الرذائل انجلت مرآة القلب وقابل اللوح المحفوظ في النوم وانتقشت فيه عجائب الغيب وغرائب الأنباء ففى الصديقين من يكون له فى منامه مكالمة ومحادثة فيأمره الله تعالى وينهاه ويفهمه في المنام يعرفه ويكون موضع ما يفتح له فى نومه من الأمر والنهي كالأمر والنهي الظاهر يعصى الله تعالى إن أخل بهما بل تكون هذه الأوامر أكد وأعظم وقعا لأن المخالفات الظاهرة تمحوها التوبة والتائب من الذنب كمن لا ذنب له وهذه أوامر خاصة تتعلق بحاله فيما بينه وبين الله تعالى فإذا أخل بها يخشى أن ينقطع عليه طريق الإرادة ويكون في ذلك الرجوع عن الله واستيجاب مقام المقت فإن ابتلى العبد في بعض الأحايين بكسل وفتور عزيمة من تجديد الطهارة عند النوم بعد الحدث يمسح أعضاءه بالماء مسحا حتى يخرج بهذا القدر عن زمرة الغافلين حيث تقاعد عن فعل المتيقظين وهكذا إذا كسل عن القيام عقيب الانتباه يجهد أن يستاك أعضاءه بالماء مسحا حتى يخرج فى تقلباته وانتباهاتـه عـن زمـرة الغافلين ففى ذلك فضل كثير لمن كثر نومه وقل قيامه روى أن رسول الله له كان يستاك في كل ليلة مراراً عند كل نوم وعند الانتباه منه
ويمسح

۱۷۳
ويستقيل القبلة في نومه وهو على نوعين فإما على جنبه الأيمن كالملحود وإما على ظهره مستقبلا القبلة كالميت المسجى ويقول باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه اللهم إن أمسكت نفسى فأغفر لها وأرحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين اللهم إنى أسلمت نفسى إليك ووجهت وجهى إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهرى إليك رهبة منك ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذى أرسلت اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك والحمد لله الذي حكم فقهر الحمد لله الذى بطن فحير الحمد لله الذى ملك فقدر الحمد لله الذي هو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير اللهم إني أعوذ بك من غضبك وسوء عقابك وشر عبادك وشر الشيطان وشركه ويقرأ خمس آيات من البقرة الأربع من الأول والآية الخامسة إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وآية الكرسي و آمَنَ الرَّسُولُ و إن رَبكُمُ اللهُ وقُلِ ادْعُو الله وأول سورة الحديد وآخر سورة الحشر و قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُون و قُلْ هُوَ اللَّهُ والمعوذتين وينفث بهن فى يديه ويمسح بهما وجهه وجسده وإن أضاف إلى
أحد
ما قرأ عشرا من أول الكهف وعشرًا من آخرها فحسن ويقول اللهم أيقظني في أحـب الساعات إليك واستعملني بأحب الأعمال إليك التي تقربني إليك زلفى وتبعدنـي مـن سخطك بعدا أسألك فتعطينى واستغفرك فتغفر لى وأدعوك فتستجيب لي اللهم لا تؤمنى مكرك ولا تولى غيرك ولا ترفع عنى سترك ولا تجعلني من الغافلين ورد ولا ترفع عنى سترك ولا تجعلني من الغافلين
ورد أن من قال هذه الكلمات بعث الله تعالى إليه ثلاثة أملاك يوقظونه للصلاة فإن صلى ودعا أمنوا على دعائه وإن لم يقم تعبدك الأملاك فى الهواء وكتب لـه ثـواب
عبادتهم ويسبح ويحمد ويكبر كل واحد ثلاثا وثلاثين ويتمم المائة بلا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم

١٧٤
الباب السابع والأربعون
في أدب الانتباه من النوم والعمل بالليل
إذا فرغ المؤذن من أذان المغرب يصلى ركعتين بين الأذان والإقامة وكان العلماء يصلّون هاتين الركعتين في البيت يعجلون بهما قبل الخروج إلى الجماعة كيلا يظن الناس أنهما سنة مرتبة فيقتدى بهم ظنا منهم أنها سنة مؤكدة وإذا صلى المغرب يصلي ركعتي السنة بعد المغرب يعجل بهما فإنهما يرفعـان مـع الفريضة يقرأ فيهما بـ قُلْ يَأيُّهَا الْكَافِرُونَ و قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ثم يسلّم على ملائكة ا
الليل والكرام الكاتبين فيقول مرحبا بملائكة الليل مرحبا بالملكين الكريمين الكاتبين اكتبا في صحيفتي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأشهد أن الجنة حق والنار حق والحوض حق والشفاعة حق والصراط والميزان حق وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من فى القبور اللهم أودعك هـذه الشهادة ليوم حاجتي إليها اللهم احطط بها وزرى واغفر بها ذنبي وثقل بها ميزاني وأوجب لى بها أماني وتجاوز عنى يا أرحم الراحمين
فإن واصل بين العشاءين في مسجد جماعته يكون جامعا بين الاعتكاف ومواصلة
العشاءين
وإن رأى انصرافه إلى منزله وأن المواصلة بين العشاءين فى بيته أسلم لدينه وأقرب إلى الإخلاص وأجمع للهم فليفعل
وسئل رسول الله الله عن قوله تعالى تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجع
۱ فقال هي
الصلاة بين العشاءين وقال عليه الصلاة والسلام عليكم بالصلاة بين العشاءين فإنها تذهب بملاغاة النهار وتهذب آخره ۳ ويجعل من الصلاة بين العشاءين ركعتين بسورة البروج والطارق ثم ركعتين بعد ركعتين يقرأ في الأول عشر آيات من أول سورة البقرة والآيتين وإلهكم إله وَاحِدٌ إلى آخر الآيتين وخمس عشرة مرة قُلْ هُوَ اللهُ أحد وفي الثانية آية الكرسي و آمَنَ الرَّسُولُ بما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وخمس عشرة مرة قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ
۱ آية رقم ١٦ من سورة السجدة
رواه النسائي والدارقطني

۱۷۵
ويقرأ في الركعتين الأخيرتين من سورة الزمر والواقعة ويصلي بعد ذلك ما شاء فإن أراد أن يقرأ شيئًا من حزبه فى هذا الوقت فى الصلاة أو غيرها وإن شاء صلى عشرين ركعة خفيفة بسورة الإخلاص والفاتحة ولو واصل بين العشاءين بركعتين يطيلهما فحسن وفى هاتين الركعتين يطيل القيام تاليا للقرآن حزبه أو مكرراً آية فيها الدعاء والتلاوة مثل أن يقرأ مكررا رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وإليك أنبنا وإليكَ الْمَصِير أو آيـة أخرى في معناها فيكون جامعـا بـيـن التلاوة والصلاة والدعاء ففي ذلك جمع للهم وظفر بالفضل
ثم يصلى قبل العشاء أربعا وبعدها ركعتين ثم ينصرف إلى منزله أو موضع خلوته فيصلي أربعا أخرى
هذه
وقد كان رسول الله يصلي في بيته أول ما يدخل قبل أن يجلس أربعًا ويقرأ في الأربع سورة لقمان ويس وحم والدخان وتبارك الملك وإن أراد أن يخفف فيقرأ فيها آية الكرسى وآمن الرسول وأول سورة الحديد وآخر سورة الحشر
ويصلى بعد الأربع إحدى عشرة ركعة يقرأ فيها ثلاثمائة آية من القرآن من وَالسَّمَاءِ وَالطَّارق إلى آخر القرآن ثلاثمائة آية هكذا ذكر الشيخ أبو طالب المكي رحمة الله
وإن أراد قرأ هذا القدر في أقل من هذا العدد من الركعات وإن قرأ من سورة الملك إلى آخر القرآن وهو ألف آية فهو خير عظيم وإن لم يحفظ القرآن يقرأ في كل ركعة خمس مرات قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ إلى عشر
مرات إلى أكثر
ولا يؤخر الوتر إلى آخر التهجد إلا أن يكون واثقا من نفسه في عادتها بالانتباه للتهجد فيكون تأخير الوتر إلى آخر التهجد حينئذ أفضل
وقد كان بعض العلماء إذا أوتر قبل النوم ثم قام يتهجد يصلى ركعة يشفع بها وتره ثم ينتقل ما شاء ويوتر في آخر ذلك
۱ آية رقم ٤ من سورة الممتحنة

١٧٦
وإذا كان الوتر من أول الليل يصلى بعد الوتر ركعتين جالسا يقرأ فيهما بـ زُلْزِلَتْ أَلْهَاكُمُ
وقيل فعل الركعتين قاعدًا بمنزلة الركعة قائمًا يشفع له الوتر حتى إذا أراد يأتى به ويوتر في آخر تهجده ونية هاتين الركعتين نية النفل لا غير ذلك
وكثيرا ما رأيت الناس يتفاوضون كيفية نيتهما وإن قرأ في كل ليلة المسبحات وأضاف إليها سورة الأعلى فتصير سبعًا فقد كان العلماء يقرءون هذه السور ويترقبون
بركتها
فإذا استيقظ من النوم فمن أحسن الأدب عند الانتباه أن يذهب بباطنه إلى الله ويصرف فكره إلى أمر الله قبل أن يجول الفكر في شيء سوى الله ويشتغل اللسان بالذكر فالصادق كالطفل الكلف بالشيء إذا نام ينام على محبته الشيء وإذا انتبه يطلب ذلك الشيء الذى كان كلفا به وعلى حسب هذا الكلف والشغل يكون الموت والقيام إلى الحشر فلينظر وليعتبر عند انتباهه من النوم ما همه فإنه هكذا يكون عند القيام من القبر إن كان همه الله فهو هو وإلا فهمه غير الله
والعبد إذا انتبه من النوم فباطنه عائد إلى طهارة الفطرة فلا يدع الباطن يتغير بغير ذكر الله تعالى حتى لا يذهب عنه نور الفطرة الذى انتبه عليه ويكون فارا إلى ربه بباطنه خوفًا من ذكر الأغيار ومهما وفا الباطن بهذا المعيار فقد انتفى طريق الأنوار وطرق النفحات الإلهية فجدير أن تنصب إليه أقسام الليل انصبابا ويصير جناب القرب له موئلا ومابا ويقول باللسان الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ويقرأ العشر الأواخر من سورة آل عمران ثم يقصد الماء الطهور
قال الله تعالى ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهرِكُمْ بهِ وقال عز وجل أنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بقَدَرهَا قال عبد الله بن عباس الماء القرآن والأودية القلوب فسالت بقدرها واحتملت ما وسعت والماء مطهر والقرآن مطهر والقرآن بالتطهير أجدر فالماء يقوم غيره مقامه والقرآن والعلم لا يقوم غيرهما مقامها ولا يسد مسدهما فالماء الطهور يطهر الظاهر والعلم والقرآن يطهران الباطن ويذهبان رجز الشيطان فالنوم غفلة وهو من آثار الطبع وجدير أن يكون من رجز الشيطان لما فيه
۱ آية رقم 11 من سورة الأنفعال
آية رقم ١٧ من سورة الرعد

۱۷۷
من الغفلة عن الله تعالى وذلك أن الله تعالى أمر بقبض القبضة من التراب من وجه الأرض فكانت القبضة جلدة الأرض والجلدة ظاهرة بشرة وباطنها أدمه قال الله تعالى إنّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِين ۱ فالبشرة والبشر عبارة عن ظاهره وصورته والأدمة عبارة عن باطنه و آدميته والأدمية مجمع الأخلاق الحميدة وكان التراب موطئ أقدام إبليس ومن ذلك اكتسب ظلمة وصارت تلك الظلمة معجونة في طينة الآدمي ومنها الصفات المذمومة والأخلاق الرديئة ومنها الغفلة والسهو فإذا استعمل الماء وقرأ القرآن أتى بالمطهرين جميعا ويذهب عنه رجز الشيطان وأثر وطأته ويحكم له بالعلم والخروج من حيز الجهل فاستعمال الطهور أمر شرعى له تأثير في تنوير القلب بإزاء النوم الذي هو الحكم الطبيعي الذي له تأثير
في تكدير القلب فيذهب نور هذا بظلمة ذلك
ولهذا رأى بعض العلماء الوضوء مما مست النار
وحكم أبو حنيفة – رحمه الله - بالوضوء من القهقهة في الصلاة حيث رآها حكما طبيعيًا جالبًا للإثم والإثم رجز من الشيطان والماء يذهب رجز الشيطان حتى كان بعضهم يتوضأ من الغيبة والكذب وعند الغضب لظهور النفس وتصرفات الشيطان في
هذه المواطن
ولو أن المتحفظ المراعى المراقب المحاسب كلما انطلقت النفس في مباح من كلام أو مساكنة إلى مخالطة الناس أو غير ذلك مما هو بعرضة تحليل عقد العزيمة كالخوض فيما لا يعنى قولاً وفعلاً عقب ذلك بتجديد الوضوء لثبت القلب على طهارته ونزاهته
ولكان الوضوء لصفاء البصيرة بمثابة الجفن الذى لا يزال بخفة حركته يجلو البصر
وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ فتفكر فيما نبهتك عليه تجد بركته وأثره
ولو اغتسل عند هذه المتجددات والعوارض والانتباه من النوم لكان أزيد في تنوير قلبه ولكان الأجدر أن العبد يغتسل لكل فريضة باذلاً مجهوده فى الاستعداد لمناجاة الله ويجدد غسل الباطن بصدق الإنابة وقد قال الله تعالى مُنيبينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا
۱ آية رقم ٧١ من سورة ص آية رقم ٤٣ من سورة العنكبوت

۱۷۸
الصَّلاة 1
قدم الإنابة للدخول فى الصلاة ولكن من رحمة الله وحكم الحنيفية السمحاء
أن رفع الحرج وعوّض بالوضوء عن الغسل
وجوز أداء مفترضات بوضوء واحد دفعًا للحرج عن عامة الأمة
وللخواص وأهل العزيمة مطالبات من بواطنهم تحكم عليهم بالأولى وتلجئهم إلى سلوك طريق الأعلى فإذا قام إلى الصلاة وأراد استفتاح التهجد يقول الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلاً ويقول سبحان الله - والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله عشر مرات ويقول الله أكبر ذو الملك والملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة والجلال والقدرة اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ولك الحمد أنت بهاء السموات والأرض ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن ومن عليهن أنت الحق ومنك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد عليه الصلاة والسلام حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت اللهم " آت نفسی تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم أهدني لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت واصرف عنى سيئها لا يصرف على سيئها إلا أنت أسألك مسألة البائس المسكين وأدعوك دعاء الفقير الذليل فلا تجعلني بدعائك رب شقيا وكن رءوفا رحيما يا خير المسئولين ويا أكرم المعطين
بی
ثم يصلى ركعتين تحية الطهارة يقرأ في الأول بعد الفاتحة ولَوْ أَنهُمْ إِذ ظَلَمُوا انْفُسَهُمْ ۳ الآية وفى الثانية وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمُ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهُ يَجِدِ الله غَفُورًا رَحِيمًا ويستغفر بعد الركعتين مرات ثم يستفتح الصلاة بركعتين خفيفتين إن أراد يقرأ فيهما بآية الكرسى وآمن الرسول وإن أراد غير ذلك ثم يصلى ركعتين طويلتين هكذا روى عن رسول الله له أنه كان يتهجد هكذا ثم يصلى ركعتين طويلتين أقصر من الأوليين وهكذا يتدرج إلى أن يصلى اثنتى عشرة ركعة أو ثمان ركعات أو يزيد على ذلك فإن في ذلك فضلاً كثيرا والله أعلم
۱ آية رقم ٣١ من سورة الروم آية رقم ٦٤ من سورة النساء ۳ آية ۱۱۰ من سورة النساء

۱۷۹
الباب الثامن والأربعون
في تقسيم قيام الليل
قال الله تعالى وَالَّذِينَ يَبيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وقيل في تفسير قوله تعالى فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أعْيُنِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ كان عملهم قيام
الليل
وقيل في تفسير قوله تعالى واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ۳ استعينوا بصلاة الليل على مجاهدة النفس ومصابرة العدو
وفي الخبر عليكم بقيام الليل فإنه مرضاة لربكم وهو دأب الصالحين قبلكم ومنهاة عن الإثم وملغاة للوزر ومذهب كيد الشيطان ومطردة للداء عن الجسد وقد كان جمع من الصالحين يقومون الليل كله حتى نقل ذلك عن أربعين من التابعين كانوا يصلّون الغداة بوضوء العشاء منهم سعيد بن المسيب وفضيل بن عياض ووهيب بن الفرات وأبو سليمان الداراني وعلى بن بكار وحبيب العجمى وكهمس بن المنهال وأبو حازم ومحمد بن المنكدر وأبو حنيفة رحمه الله تعالى وغيرهم عدهم وسماهم بأنسابهم الشيخ أبو طالب المكي في كتابه قوت القلوب فمن عجز عن ذلك يستحب له قيام ثلثيه أو ثلثه وأقل الاستحباب سدس الليل فإما أن ينام ثلث الليل الأول ويقوم نصفه وينام سدسه الآخر أم ينام النصف الأول ويقوم ثلثه أو ينام السدس روى أن داود عليه السلام قال يا رب إنى أحب أن أتعبد لك فأى وقت أقوم

فأوحى الله تعالى إليه يا داود لا تقم أول الليل ولا آخره فإنه من قام أولـه نـام آخره ومن قام آخره نام أوله ولكن قم وسط اليل حتى تخلو بي وأخلـو بـك وارفع إلى حوائجك
ويكون القيام بين نومين وإلا فيغالب النفس من أول الليل ويتنقل فإذا غلبه النوم ينام فإذا انتبه يتوضأ فيكون له قومتان ونومتان ويكون ذلك من أفضل ما يفعله
١ آية رقم ٦٤ من سورة الفرقان آية رقم ١٧ من سورة السجدة ۳ آية رقم ٤٥ من سورة البقرة

۱۸۰
ولا يصلى وعنده نوم يشغله عن الصلاة والتلاوة حتى يعقل ما يقول وقد ورد لا تكابدوا الليل
وقيل لرسول الله إن فلانة تصلى من الليل فإذا غلبها النوم تعلقت بحبل فنهى رسول الله عن ذلك وقال ليصل أحدكم من قليل ما تيسر فإذا غلبـه النـوم
فلينم
وقال عليه الصلاة والسلام لا تشادوا هذا الدين فإنه متين فمن يشاده يغلبه ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله
ولا يليق بالطالب ولا ينبغى له أن يطلع الفجر وهو نائم إلا أن يكون قد سبق له في الليل قيام طويل فيعذر في ذلك على أنه إذا استيقظ من الفجر بساعة مع قيام قليل
سبق في الليل يكون أفضل من قيام طويل ثم النوم إلى بعد طلوع الفجر
فإذا استيقظ قبل الفجر يكثر الاستغفار والتسبيح ويغتنم تلك الساعة وكلما يصلى بالليل يجلس قليلاً بعد كل ركعتين ويسبح ويستغفر ويصل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يجد بذلك ترويحاً وقوة على القيام

وقد كان بعض الصالحين يقول هى أول نوسة فإن انتبهت ثم عدت إلى نومـة أخرى فلا أنام الله عينى وحكى لي بعض الفقراء عن شيخ له أنه كان يأمر الأصحاب بنومة واحدة بالليل وأكلة واحدة لليوم والليلة وقد جاء في الخبر قم من الليل ولو قدر حلب شاة
وقيل يكون ذلك قدر أربع ركعات وقدر ركعتين
وقيل في تفسير قوله تعالى تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعِ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاء
1
هو
قيام الليل ومن حرم قيام الليل كسلاً وفتورًا فى العزيمة أو تهاونا به لقلة الاعتداء بذلك أو اعذارا بحاله قليبك عليه فقد قطع عليه طريق كبير من الخير وقد يكون من باب أرباب الأحوال من يكون له إيواء إلى القرب ويجد من دعة القرب ما يفتر عليه داعية الشوق ويرى أن القيام وقوف فى مقام الشوق وهذا يغلط فيه
ويهلك به خلق من المدعين

۱ من آية ٢٦ من سورة آل عمران

۱۸۱
والذى له ذلك ينبغي أن يعلم أن استمرار هذه الحالة متعذر والإنسان متعرض للتصور والتخلف والشبهة ولا حالة أجل من حال رسول الله وما استغنى عن قيام الليل حتى تورمت قدماه
وقد يقول بعض من يحتاج فى ذلك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تشريعا فنقول له ما بالنا لا نتبع تشريعه وهذه دقيقة فتعلم أن رؤية الفضيلة في ترك القيام وادّعاء الإيواء إلى جناب القرب واستواء النوم واليقظة امتلاء وابتلاء حالي وهو تقييد بالحال وتحيكم للحال وتحكّم من الحال في العبد والأقوياء لا يتحكم فيهم الحال ويصرفون الحال في صور الأعمال فهم متصرفون فى الحال لا الحال متصرف فيهم فليعلم ذلك فإنا رأينا من الأصحاب من كان فى ذلك ثم انكشف لنا بتأييد الله تعالى أن ذلك وقوف وقصور
قيل للحسن يا أبا سعيد إنى أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالى لا أقوم

قال ذنبوك قيدتك فليحذر العبد فى نهاره ذنوبا تقيده في ليله قال النوري رحمه الله حرمت قيام الليل سبعة أشهر بذنب أذنبته فقيل لي ما كان الذنب قال رأيت رجلاً بكاءً فقلت في نفسي هذا مراء ! !

وقال بعضهم دخلت على كرز بن وبرة وهو يبكى فقلت ما بالك أتاك نعى بعض أهلك فقال أشدّ فقلت وجع يؤلمك قال أشد فقلت وما ذاك قال بابی مغلق وسترى مسبل ولم أقرأ حزبي البارحة وما ذاك إلا بذنب أحدثته ! !
وقال بعضهم الاحتلام عقوبة وهذا صحيح لأن المراعي بحسن تحفظه وعلمه بحاله يقدر ويتمكن من سدّ باب الاحتلام ولا يتطرق الاحتلام إلا على جاهل بحاله أو مهمل حكم وقته وأدب حاله
ومن كمل تحفظه ورعايته وقيامه بأدب حاله قد يكون من ذنبه الموجب للاحتلام وضع الرأس على الوسادة إذا كان ذا عزيمة في ترك الوسادة وقد يتمهد للنوم ووضع الرأس على الوسادة بحسن النية ممن لا يكون ذلك ذنبه وله فيه نية للعون على القيام وقد يكون ذلك ذنبا بالنسبة إلى بعض الناس

۱۸
فإذا كان هذا القدر يصلح أن يكون ذنبًا جالبًا للاحتلام فقس على هذا ذنوب الأحوال فإنها تختص بأربابها ويعرفها أصحابها
وقد يترفق بأنواع الرفق من الفراش الوطى والوسادة ولا يعاقب بالاحتلام
وغيره على فعله إذا كان عالماً ذا نيّة يعرف مداخل الأمور ومخارجها
وكم من نائم يسبق القائم لوفور علمه وحسن نيته وفى الخبر إذا نام العبد عقد الشيطان على رأسه ثلاث عقد فإن قعد وذكر الله تعالى انحلت عقدة وإن توضأ انحلت عقدة أخرى وإن صلى ركعتين انحلت العقد كلها فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح كسلان خبيث النفس
وفي خبر آخر إنَّ من نام حتى يصبح بال الشيطان في أذنه والذي يخل بقيام الليل كثرة الاهتمام بأمور الدنيا وكثرة أشغال الدنيا وإتعاب الجوارح والامتلاء من الطعام وكثرة الحديث واللغو واللغط وإهمال القيلولة والموفق من يغتنم وقته ويعرف داءه ودواءه ولا يُهمل فَيُهمَل

۱۸۳
الباب التاسع والأربعون
في استقبال النهار والأدب فيه والعمل
قال الله تعالى ﴿ وَأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَى النَّهَار أجمع المفسرون على أن أحـــد الطرفين أراد به الفجر وأمر بصلاة الفجر واختلفوا في الطرف الآخر قال قوم أراد به المغرب وقال آخرون صلاة العشاء وقال قوم صلاة الفجر والظهر طرف وصلاة العصر والمغرب طرف ﴿وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْل
صلاة العشاء

ثم إن الله تعالى أخبر عن عظيم بركة الصلاة وشرف فائدتها وثمرتها وقال إن الْحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ ٣
أي الصلوات الخمس يذهبن الخطيئات
وروى أن أبا اليسر كعب بن عمر الأنصارى كان يبيع التمر فأتت امرأة تبتاع تمرا فقال لها إن هذا التمر ليس بجيد وفى البيت أجود منه فهل لك فيه رغبة قالت نعم فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها فقالت له اتق الله فتركها وندم ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله ما تقول فى رجل راود امرأة عن نفسها ولم يبق شيء مما يفعل الرجال بالنساء إلا ركبه غير أنه لم يجامعها قال عمر بن الخطاب لقد ستر الله عليك لو سترت على نفسك !!
ولم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال انتظر أمر ربي
وحضرت صلاة العصر وصلى النبى الله العصر فلما فرغ أتاه جبريل بهذه الآية فقال النبي أين أبو اليسر فقال ها أنذا يا رسول الله
قال شهدت معنا هذه الصلاة قال نعم قال اذهب فإنها كفارة لما عملت فقال عمر یا رسول الله هذا له خاصة أو لنا عامة فقال بل للناس عامة
۱ آية رقم ١١٤ من سورة هود آية رقم ١١٤ من سورة هود ۳ آية رقم ١١٤ من سورة هود

١٨٤
فيستعد العبد الصلاة الفجر باستكمال الطهارة قبل طلوع الفجر ويستقبل الفجر بتجديد الشهادة - كما ذكرنا فى أول الليل - ثم يؤذن إن لم يكن أجاب المؤذن ثم يصلي ركعتي الفجر يقرأ فى الأولى بعد الفاتحة قَلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ وفي الثانية قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وإن أراد قزأ فى الأولى قُولُوا آمَنَّا ِباللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا الآية من سورة البقرة وفى الأخرى رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ واتَّبَعْنَا الرَّسُولَ ثم يستغفر الله الله تعالى بما تيسر له من العدد ويسبح
وإن اقتصر على كلمة أستغفر الله لذنبى سبحان الله بحمد ربي أتى بالمقصود من التسبيح والاستغفار ثم يقول اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبى وتجمع بها شملي وتلم بها شعثى وترد بها الفتن عنى وتصلح بها ديني وتحفظ بها غائبي وترفع بها شاهدى وتزكى بها عملی وتبيض بها وجهي وتلقنى بها رشدى وتعصمنى بها من كل سوء اللهم أعطني إيمانا صادقا ويقينا ليس بعده كفر ورحمة أنال بها شرف كرامتك فى الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء ومنازل الشهداء وعيش السعداء والنصر على ومرافقة الأنبياء اللهم أنزل بك حاجتى وإن قصر رأيي وضعف عملي وافتقرت إلى
رحمتك
الأعداء
وأسألك يا قاضي الأمور ويا شافى الصدور كما تجير بين البحور أن تجيرني من عذاب السعير ومن دعوة الثبور ومن فتنة القبور اللهم ما قصر عنه رأيي وضعف فيه عملى ولم تبلغه نيتى وأمنيتي من خير وعدته أحدًا من عبادك أو خير أنت معطيه أحدا من خلقك فأنا راغب إليه فيه وأسألك إياه يارب العالمين اللهم اجعلنا هادين مهديين غير ضالين ولا مضلين حرمًا لأعدائك وسلّما لأوليائك نحب بحبك الناس ونعادى بعداوتك من خالفك من خلقك
اللهم هذا الدعاء منى ومنك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ذى الحبل الشديد والأمر الرشيد أسألك الأمن يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع المقريين الشهود والركع السجود والموفين بالعهود إنك رحيم ودود وأنت تفعل ما تريد
سبحان من تعطف بالعزّ وقال به سبحان من لبس المجد وتكرم به سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان ذي الفضل والنعم سبحان ذى الجود والكرم سبحان

١٨٥
سمعي
الذي أحصى كل شيء بعلمه اللهم اجعل لى نورًا فى قلبى ونورا في قبرى ونورا في ونورا في بصرى ونوراً فى شعرى ونوراً فى بشرى ونورا في لحمى ونوراً ونورا في عظامي ونور من بين يدى ونوراً من خلفى ونورا عن يميني ونورا عن شمالي ونور من فوقى ونورا من تحتى اللهم زدني نوراً وأعطني نورا واجعل لى نورا
في دمي
1
ولهذا الدعاء أثر كبير وما رأيت أحدًا حافظ عليه إلا وعنده خير ظاهر وبركة وهو من وصية الصادقين بعضهم بعضا بحفظه والمحافظة عليه فنقول عن رسول الله الا الله أنه كان يقرؤه بين الفريضة والسنة من صلاة الفجر ثم يقصد المسجد للصلاة في الجماعة ويقول عند خروجه من منزله وَقُلْ رَبِّ أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا بَصِيرًا ويقول في الطريق اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا إليك فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أسألك أن تنقذنى من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وروى عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال ذلك إذا خرج إلى الصلاة وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له وأقبل الله تعالى عليـه بوجهه الكريم حتى يقضى صلاته
وإذا دخل المسجد أو دخل سجادته للصلاة يقول بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ويُقدم رجله اليمنى فى الدخول واليسرى فى الخروج من المسجد أو السجادة فسجادة الصوفى بمنزلة البيت والمسجد ثم يصلى صلاة الصبح في جماعة فإذا سلّم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله أهل النعمة والفضل والثناء الحسن
1 آية رقم ٨٠ من سورة الإسراء متفق عليه

١٨٦
لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
ويقرأ هو الله الذى لا إله إلا هو الرحمن الرحيم التسعة والتسعين اسما إلى آخرها فإذا فرغ منها يقول اللهم صلي على محمد عبدك ونبيك ورسولك الأمي وعلى آل محمد صلاة تكون لنا رضاءً ولحقه أداءً وأعطه الوسيلة والمقام المحمود الذي وعدته واجزه عنا ما هو أهله وأجره أفضل ما جازيت نبيًّا عن أمته وصل على جميع إخوانه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
اللهم
صل
إلى يوم الدين
على محمد في الأولين وصلى على محمد في الآخرين وصل على محمد
اللهم صل على روح محمد في الأرواح وصل على جسد محمد في الأجساد واجعل شرائف صلواتك ونوامى بركاتك ورأفتك ورحمتك وتحننك ورضوانك على محمد عبدك ونبيك ورسولك
اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام فحينا ربنا بالسلام وأدخلنا دار السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام
اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ولا أملك نفع ما أرجو وأصبح الأمر بيد غيرى وأصبحت مرتهنا بعملي فلا فقير أفقر منى اللهم لا تشمت به عدوى ولا تسيء بي صديقى ولا تجعل مصيبتى فى دينى ولا تجعل الدنيا أكبر همي ولا تسلط على من لا يرحمني
اللهم هذا خلق جديد فافتحه على بطاعتك واختمه لى بمغفرتك ورضوانك وارزقني فيه حسنة تقبلها منى وزكها وضعفها وما عملت فيه من سيئة فاغفر لى إنك غفور رحيم
ودود
رضيتُ بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا
اللهم أسألك خير هذا اليوم وخير ما فيه وأعوذ بك من شرّه وشر ما فيه وأعوذ بك من شر طوارق الليل والنهار ومن بغتات الأمور وفجاءة الأقدار ومن شر كل طارق يطرق إلا طارقًا يطرق منك بخير يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما وأعوذ بك أن أزل أو أزل أو أضل أو أضل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل على عزّ جارك وجل ثناؤك وتقدمت أسماؤك وعظمت نعماؤك أعوذ بك من شر ما يلج في الأرض وما يخرج

۱۸۷
منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها أعوذ بك من حدّة الحرص وشدة الطمع وسورة الغضب وسنة الغفلة وتعاطى الكلفة اللهم إني أعوذ بك من مباهاة المكثرين والإزراء على المقلين وأن أنصر ظالماً أو أخذل مظلوما وأن أقول فى العلم بغير علم أو أعمل فى الدين بغير يقين أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك
أنت اللهم ربی لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وابن عبديك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لى إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
اللهم اجعل أول يومنا هذا صلاحًا وآخره نجاحًا وأوسطه فلاحا اللهم اجعل أوله رحمة وأوسطه نعمة وآخره تكرمة أصبحنا وأصبح الملك لله والعظمة والكبرياء لله والجبروت والسلطان الله والليل والنهار وما سكن فيهما لله الواحد القهار أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين
اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد يا حي يا قيوم يا حي حين لا حى فى ديمومة ملكه وبقائه يا حــي محيى الموتى يا حى مميت الأحياء ووارث الأرض والسماء
اللهم إني أسألك باسمك
القيوم
بسم الله الرحمن الرحيم وباسمك الله لا إله إلا هو الحي
لا تأخذه سنة ولا نوم

اللهم إني أسألك باسمك الأعظم الأجل الأعز الأكرم الذي دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت يا نور النور يا مدبر الأمور يا عالم ما في الصدور يا سميع يا قريب يا مجيب الدعاء يا لطيفا لما يشاء يا رءوف يا رحيم يا كبير يا عظيم يا الله يا رحمن يا ذا الجلال والإكرام
الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم وعنت الوجوه للحي القيوم يا إلهــى وإلـه كـل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت اللهم إني أسألك باسمك يا الله يا الله يا الله

۱۸۸
الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم
أنت الأول والآخر والظاهر والباطن وسعت كل شيء رحمة وعلما
كهيص حم حمعسق الرحمان يا واحد یا قهار یا عزيز يا جبار يا أحد یا صمد یا ودود یا غفار وهو الله الذى لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين اللهم إني أعوذ باسمك المكنون
الرحيم
المخزون المنزل السلام المطهر الطاهر القدوس المقدس
یا دهر یا دیهور يا دیهار يا أبد يا أزل يا من لم يزل ولا يزال ولا يزول هو يا هو لا إله إلا هو يا من لا هو إلا هو يا من لا يعلم ما هو إلا هو يا كان یا کینان یا روح يا كائن قبل كل كون يا كائن بعد كل كون يا مكونا لكل كون أهيا شرا هيا أدوناى أصبوت يا مجلى عظائم الأمور فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إله إلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظيم ﴾ ١ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ٢
اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع اللهم إني أعوذ بك من فتنة الدجال وعذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات اللهم إني أعوذ بك من شر ما علمت وشر ما لم أعلم وأعوذ بك من شر سمعي وبصرى ولساني وقلبي
اللهم إني أعوذ بك من القسوة والغفلة والذل والمسكنة وأعوذ بك من الفقر والكفر والفسوق والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وضيق الأرزاق والسمعة والرياء وأعوذ بك من الصمم والبكم والجنون والجذام والبرص وسائر الأسقام
اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ومن تحويل عافيتك ومن فجأة نقمتك ومن
جميع
سخطك
۱ آية رقم ١٢٩ من سورة التوبة
آية رقم 11 من سورة الشورى

۱۸۹
اللهم إني أسألك الصلاة على محمد وعلى آل محمد وأسألك عن الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم لأعلم وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل وأسألك مما سألك عبدك ونبيك محمد وأستعيذك مما استعاذك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم
وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشدا برحمتك يا أرحم الراحمين يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث لا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله یا نور السموات والأرض يا جمال السموات والأرض يا عماد السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا صريخ المستصرخين يا غوث المستغيثين يا منتهى رغبة الراغبين والمفرج عن المكروبين والمروّح عن المغمومين ومجيب دعوة المضطرين وكاشف السوء وأرحم الراحمين وإله العالمين منزول بك كل حاجة يا أرحم الراحمين اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي وأقلنى عثراتي اللهم احفظني من بيد يدى ومن خلفي وعن يميني وعن شمالى ومن فوقى وأعوذ بك أن أغتال من تحتى اللهم إني ضعيف فقو في رضاك ضعفي وخذ إلى الخير بناصيتي وأجعل الإسلام منتهی رضای اللهم إني ضعيف فقونى اللهم إنى ذليل فأعزني اللهم إنى فقير فأغنى برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم إنك تعلم سرّی و علانیتی فاقبل معذرتي وتعلم حاجتي فأعطني سؤلى وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي ويقينا صادقًا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتب الله لى والرضا بما قسمت لى يا ذا الجلال والإكرام
اللهم يا هادى المضلين ويا راحم المذنبين ومقيل عثرة العاثرين ارحم عبدك ذا الخطر العظيم والمسلمين كلهم أجمعين واجعلنا مع الأحياء المرزوقين الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين يا رب العالمين
اللهم عالم الخفيات رفيع الدرجات تُلقى الروح بأمرك على من تشاء من
عبادك

14
غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذا الطول لا إله إلا أنت الوكيل وإليك
المصير
يا من لا يشغله شأن عن شأن ولا يشغله سمع عن سمع ولا تشتبه عليه الأصوات ويا من لا تغلطه المسائل ولا تختلف عليه اللغات ويا من لا يتبرم بإلحاح الملحين أذقنى برد عفوك وحلاوة رحمتك اللهم إني أسألك قلبا سليما ولسانا صادقًا وعملاً متقبلاً أسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب
اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد ونعيما لا ينفد وقرة عين الأبد ومرافقة نبيك وأسألك حبك وحب من أحبك وحب عمل يقرب إلى حبك
محمد

اللهم بعملك الغيب وقدرتك على خلقك أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفنى ما كانت الوفاة خيرا لي
أسألك خشيتك فى الغيب والشهادة وكلمة العدل فى الرضا والغضب ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقاك وأعوذ بك من ضراء مضرة وفتنة مضلة اللهم اقسم لي من خشيتك ما تحول به بينى وبين معصيتك ومن طاعتك ما يدخلني جنتك ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصائب الدنيا
اللهم ارزقنا حزن خوف الوعيد وسرور رجاء الموعود حتى نجد لذة ما نطلب وخوف ما منه نهرب
اللهم ألبس وجوهنا منك الحياء واملأ قلوبنا بك فرحًا وأسكن في نفوسنا من عظمتك مهابة وذلل جوارحنا لخدمتك واجعل أحب إلينا مما سواك واجعلنا أخشى لك ممن سواك نسألك تمام النعمة بتمام التوبة ودوام العافية بدوام العصمة وأداء الشكر بحسن
العبادة
اللهم إني أسألك بركة الحياة وخير الحياة وأعوذ بك من شر الحياة شرّ الوفاة
وأسألك خير ما بينهما
أحيني حياة السعداء حياة من تحب بقاءه
وتوفنى وفاة الشهداء وفاة من تحب لقاءه
يا خير الرازقين وأحسن التوابين وأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين ورب العالمين

۱۹۱
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأرحم ما خلقت وأغفر ما قدرت وطيب ما رزقت وتمم ما أنعمت وتقبل ما استعملت واحفظ ما استحفظت ولا تهتك ما سترت فإنه لا إله إلا أنت أستغفرك من كل لذة بغير ذكرك ومن كل راحة بغير خدمتك ومن سرور بغير قربك ومن كل فرح بغير مجالستك ومن كل شغل بغير معاملتك
اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه
اللهم إني أستغفرك من كل عقد عقدته ثم لم أوف به اللهم إني أستغفرك من كل نعمة أنعمت بها على فقويت بها على معصيتك اللهم إني أستغفرك من كل عمل عملته لك فخالطه ما ليس لك اللهم إني أسألك أن تصلى على محمد وعلى آل محمد وأسألك جوامع الخير وفواتحه وخواتمه وأعوذ بك من جوامع الشر وفواتحه وخواتمه
اللهم احفظنا فيما أمرتنا واحفظنا عما نهيتنا واحفظ لنا ما أعطيتنا يا حافظ الحافظين ويا ذاكر الذاكرين ويا شاكر الشاكرين بذكرك ذكروا وبفضلك شكروا يا غياث يا مغيث يا مستغاث يا غياث المستغيثين لا تكلني إلى نفسي طرفة عين فأهلك ولا إلى أحد من خلقك فأضيع اكلانى كلاءة الوليد ولا تحل عنى وتولني بما تتولى به عبادك الصالحين أنا عبدك وابن عبدك ناصيتي بيدك جار في حكمك عدل في قضاؤك نافذ فى مشيئتك إن تعذب فأهل ذلك أنا وإن ترحم فأهل ذلك أنت فافعل اللهم يا مولای یا الله يا رب ما أنت له أهل ولا تفعل اللهم يا رب يا الله ما أنا له أهل إنك أهل التقوى وأهل المغفرة
يا من لا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة هب لى ما لا يضرك وأعطنى ما لا ينقصك يا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين توفنى مسلمًا وألحقني بالصالحين أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وأنصرنا على القوم الكافرين ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدا
ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

۱۹
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارزقنا العون على الطاعة والعصمة من المعصية وإفراغ الصبر في الخدمة وإيذاع الشكر فى النعمة وأسألك حسن الخاتمة وأسألك اليقين وحسن المعرفة بك وأسألك المحبة وحسن التوكل عليك وأسألك الرضا وحسن الثقة بك وأسألك حسن المنقلب إليك
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصلح أمة محمد اللهم ارحم أمة محمد عن أمة محمد فرجا عاجلاً
اللهم
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم اللهم اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرًا واغفر لأعمامنا وعماتنا وأخوالنا وخالاتنا وأزواجنا وذرياتنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات يا أرحم الراحمين يا خير الغافرين
ولما كان الدعاء مخ العبادة أحببنا أن نستوفى من ذلك قسما صالحاً نرجو بركته وهذه الأدعية استخرجها الشيخ أبو طالب المكي - رحمه الله - في كتابة قوت القلوب وعلى نقله كل الاعتماد وفيه البركة فليدع بهذه الدعوات منفردا أو في
الجماعة إمامًا أو مأمومًا ويختصر منها ما يشاء

۱۹۳
الباب الخمسون
في ذكر العمل فى جميع النهار وتوزيع الأوقات
فمن ذلك أن يلازم موضعه الذي صلّى فيه الفجر مستقبل القبلة إلا أن يرى انتقاله إلى رواتبه أسلم لدينه لئلا يحتاج إلى حديث أو التفات إلى شيء فإن السكوت في هذا الوقت وترك الكلام له أثر ظاهر بين يجده أهل المعاملة وأرباب القلوب وقد ندب رسول الله إلى ذلك
ثم يقرأ سورة الفاتحة وأول سورة البقرة إلى المفلحون والآيتين وإلهكم إله واحد وآية الكرسي والآيتين بعدها آمَنَ الرُّسُولُ والآية قبلها و شَهِدَ اللهُ و قُلِ اللهُم مَالِكَ الْمُلْك و إن ربِّكُمُ اللهُ الدِّى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ - إلى - الْمُحْسِنِينَ و لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ إلى آخر الآية ۳ و قُلِ ادْعُو الله الآيتين وآخر الكهف من إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا و ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا – إلى - خَيْرَ الْوَارِثِينَ فَسُبْحَانَ اللهِ حِين تُمْسُونَ وَحِين تُصْبِحُونَ و سُبْحَانَ رَبِّكَ إلى آخر السورة و لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ وأول سورة الحديد إلى بذاتِ
۷
الصُّدُور وآخر سورة الحشر من لَوْ انْزَلْنَا ثم يسبّح ثلاثا وثلاثين وهكذا يحمد
مثله ويكبر مثله ويتمها مائة بـ لا إله إلا الله وحده لا شريك له
فإذا فرغ من ذلك يشتغل بتلاوة القرآن حفظًا أو من المصحف أو يشتغل بأنواع الأذكار ولا يزال كذلك من غير فتور وقصور ونعاس فإن النوم فى هذا الوقت مكروه
جدا
فإن غلبه النوم فليقم في مصلاه قائما مستقبل القبلة
1 من آية ٥٤ إلى آية ٥٦ من سورة الأعراف آیه ۱۸ من سورة التوبة
۳ الآيتان ۱۱۰ ۱۱۱ من سورة الإسراء ٤ من سورة الأنبياء آية ۸۷ ۸۸ ۸۹
ه آية ١٧ من سورة الروم
٦ آية ۱۸۰ ۱۸۱ من سورة الصافات ۷ آية رقم ٢٧ من سورة الفتح
عوارف المعارف جـ ٢

١٩٤
فإن لم يذهب النوم بالقيام يخط خطوات نحو القبلة ويتأخر بالخطوات كذلك ولا يستدير القبلة ففى إدامة استقبال القبلة وترك الكلام والنوم ودوام الذكر في هذا الوقت أثر كبير وبركة غير قليلة
وجدنا ذلك بحمد الله وتوصى به الطالبين
وأثر ذلك في حق من يجمع فى الأذكار بين القلب واللسان أكثر وأظهر وهذا الوقت أوّل النهار - والنهار مظنة الآفات - فإذا أحكم أوله بهذه الرعاية فقد أحكم بنيانه
وتبتنى أوقات النهار جميعًا على هذا البناء
فإذا قارب طلوع الشمس يبتدئ بقراءة المسبعات العشر وهي من تعليم الخضر عليـه إبراهيم التيمى وذكر أنه تعلمها من رسول الله
السلام
علمها
وينال بالمداومة عليها جميع المتفرّق في الأذكار والدعوات وهى عشرة أشياء سبعة سبعة الفاتحة والمعوذتان وقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون وآية الكرسى وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والصلاة على النبي - - وآله ويستغفر لنفسه ولوالديه وللمؤمنين وللمؤمنات ويقول سبعًا اللهم افعل بي وبهم عاجلاً وآجلاً فى الدين والدنيا والآخرة ما أنت له أهل ولا تفعل بنا يا مولانا مـا نحن له أهل إنك غفور حليم جواد كريم رءوف رحيم
وروى أن إبراهيم التيمى لما قرأ هذه - بعد أن تعلمها من الخضر - رأى في المنام أنه دخل الجنة ورأى الملائكة والأنبياء عليهم السلام وأكل من طعام الجنة
وقيل إنه مكث أربعة أشهر لم يطعم
وقيل لعله كان ذلك لكونه أكل من طعام الجنة
فإذا فرغ من المسبعات أقبل على التسبيح والاستغفار والتلاوة إلى أن تطلع الشمس
قدر رمح روى عن رسول الله أنه قال لأن أقعد فى مجلس أذكر الله فيه من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أحب إلى من أن أعتق أربع رقاب
* رواه الترمذي وأبو داود

١٩٥
ثم يصلى ركعتين قبل أن ينصرف من مجلسه فقد نُقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلى الركعتين وبهاتين الركعتين تتبيّن فائدة رعاية هذا الوقت وإذا صلّى الركعتين بجمع هم وحضور فهم وحُسن تدبّر لما يقرأ يجد في باطنه أثرًا ونورا وروحا وأنسًا إذا كان صادقًا
والذي يجده من البركة ثواب مُعجل له على عمله هذا
وأحب أن يقرأ في هاتين الركعتين فى الأولى آية الكرسي وفي الأخرى آمَنَ الرَّسُولُ و اللهُ نُورُ السَّمَوتِ والأرض إلى آخر الآية
وتكون نيته فيهما الشكر لله على نعمه في يومه وليلته
ثم يصلى ركعتين أخريين يقرأ المعوذتين فيهما في كل ركعة سورة وتكون صلاته هذه ليستعيذ بالله تعالى من شرّ يومه وليلته
ويذكر بعد هاتين الركعتين كلمات الاستعاذة فيقول أعوذ باسمك وكلمتك التامة من شر السامة والهامة وأعوذ باسمك وكلمتك التامة من شرّ عذابك وشرّ عبادك وأعوذ باسمك وكلمتك التامة من شرّ ما يجرى به الليل والنهار إن ربي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم
ويقول بعد الركعتين الأوليين اللهم إنى أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ولا أملك
نفع ما أرجو وأصبحت مرتهنا بعملي وأصبح أمرى بيد غيرى فلا فقير أفقر مني اللهم لا تشمت بی عدوی ولا تُسی بی صدیقی ولا تجعل مصيبتني في ديني ولا تجعل الدنيا أكبر همى ولا مبلغ علمى ولا تسلط على من لا يرحمني
اللهم إني أعوذ بك من الذنوب التي تزيل النعم وأعوذ بك من الذنوب التي توجب
النقم
ثم يصلى ركعتين أخريين بنية الاستخارة لكل عمل يعمله في يومه وليلته وهذه الاستخارة تكون بمعنى الدعاء على الإطلاق
وإلا فالاستخارة التي وردت بها الأخبار هي التي يصلها أمام كل أمر يريده
۱ من سورة البقرة الآية ٢٨٥ الخ السورة
آية ٣٥ من سورة النور

١٩٦
ويقرأ في هاتين الركعتين قُلْ يأيُّهَا الْكَافِرُونَ و قُلْ هُوَ اللهُ أحد ويقرأ دعاء الاستخارة كما سبق ذكره في غير هذا الباب ويقول فيه كل قول وعمل أريده في هذا اليوم اجعل فيه الخيرة
ثم يصلى ركعتين أخريين يقرأ فى الأول سورة الواقعة وفى الأخرى سورة الأعلى ويقول بعدها اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد واجعل حبك أحب الأشياء إلى وخشيتك أخوف الأشياء عندى واقطع عنّى حاجات الدنيا بالشوق إلى لقائك وإذا أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر عينى بعبادتك واجعل طاعتك في كل شيء مني يا أرحم الراحمين
ثم يصلي بعد ذلك ركعتين يقرأ فيهما شيئًا من حزبه من القرآن ثم بعد ذلك إن كان متفرغاً ليس له شغل في الدنيا ينتقل في أنواع العمل من الصلاة والتلاوة والذكر إلى وقت الضحى وإن كان ممن له في الدنيا شغل إما لنفسه أو لعياله فليمض لحاجته ومهامه بعد أن يصلى ركعتين لخروجه من المنزل
وهكذا ينبغى أن يفعل أبدًا لا يخرج من البيت إلى جهة إلا بعد أن يصلى ركعتين ليقيه الله سوء المخرج ولا يدخل البيت إلا ويصلى ركعتين ليقيه الله سوء المدخل بعد أن يسلم على من فى المنزل من الزوجة وغيرها وإن لم يكن فى البيت أحد يسلّم أيضًا
ويقول السلام على عباد الله الصالحين المؤمنين
وإن كان متفرغاً فأحسن أشغاله فى هذا الوقت إلى صلاة الضحى الصلاة فإن كان عليه قضاء صلى صلاة يوم أو يومين أو أكثر وإلا فليصل ركعات يطولها ويقرأ فيها القرآن فقد كان من الصالحين من يختم القرآن في الصلاة بين اليوم والليلة وإلا فليصل أعدادا من الركعات خفيفة بفاتحة الكتاب و قُلْ هُوَ اللهُ أحد وبالآيـات التـي فـي القـرآن وفيها دعاء مثل قوله تعالى رَبنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وإليك المصير وأمثال هذه الآية يقرأ في كل ركعة آيةً منها إمّا مرّة أو يكررها مهما شاء
ويقدر للطالب أن يصلى بين الصلاة التي ذكرناها بعد طلوع الشمس وبين صلاة الضحى مائة ركعة خفيفة
١ آية 4 من سورة الممتحنة

۱۹۷
وقد كان في الصالحين من ورده بين اليوم والليلة مائة ركعة إلى مائتين إلى خمسمائة إلى ألف ركعة
ومن ليس له فى الدنيا شغل وقد ترك الدنيا إلى أهلها فما باله يبطل ولا يتنعم بخدمة الله تعالى!
قال سهل بن عبد الله التسترى لا يكمل شغل قلب عبد بالله الكريم وله في الدنيا حاجة
فإذا ارتفعت الشمس وتنصف الوقت من صلاة الصبح إلى الظهر كما ينتصف العصر بين الظهر والمغرب يُصلّى الضحى فهذا الوقت أفضل الأوقات الصلاة الضحى قال رسول الله صلاة الضحى إذا رمضت الفصال وهو أن ينام الفصيل في ظـل أمـه عند حر الشمس
وقيل الضحى إذا ضحيت الأقدام بحر الشمس
وأقل صلاة الضحى ركعتان وأكثرها اثنتا عشرة ركعة ويجعل لنفسه دعاء بعد كل ركعتين ويسبح ويستغفر
ثم بعد ذلك إن كان هناك حقٌّ يُقضى مما تُدب إليه من زيارة أو عيادة يمضى فيه وإلا فيديـم العمل لله تعالى من غير فتور إما ظاهرا وباطنا وقلبا وقالبا وإلا فباطئًا
وترتيب ذلك أنه يصلّى ما دام منشرحا ونفسه مجيبة فإن سئم ينزل من الصلاة إلى التلاوة فإن مجرد التلاوة أخف على النفس من الصلاة فإن سئم التلاوة أيضا يذكر الله بالقلب واللسان فهو أخف من القراءة
فإن سئم الذكر يدع ذكر اللسان ويلازم بقلبه المراقبة
والمراقبة علم القلب بنظر الله تعالى إليه فما دام هذا العلم ملازما لقلبه فهو مراقب
والمراقبة عين الذكر وأفضله
1 يبطل أي يضعف
٢ الفصال جمع فصيل والفصيل هو ولد الناقة أو البقرة إذا فصل عن أمه

۱۹۸
فإن عجز عن ذلك أيضًا وتملكته الوساوس وتزاحم في باطنه حديث النفس فلينم ففى النوم السلامة وإلا فكثرة حديث النفس تقسى القلب ككثرة الكلام لأنه كلام من غير لسان فيحرز عن ذلك
قال سهل بن عبد الله أسوأ المعاصي حديث النفس
والطالب يريد أن يعتبر بأطنه كما يعتبر ظاهره فإنه بحديث النفس وما يتخايل له من ذكر ما مضى ورأى وسمع كشخص آخر في باطنه فيقيد الباطن بالمراقبة والرعاية كما يقيد الظاهر بالعمل وأنواع الذكر ويمكن للطالب المجد أن يُصلى من مصلاة الضحى إلى الاستواء مائة ركعة أخرى وأقل من ذلك عشرون ركعة يصليها خفيفة أو يقرأ في كل ركعتين جزءا من القرآن أو أقل أو أكثر
والنوم بعد الفراغ من صلاة الضحى وبعد الفراغ من أعدادٍ أخر من الركعات حسن قال سفيان كان يعجبهم إذا فرغوا أن يناموا طلبا للسلامة
وهذا النوم فيه فوائد
منها أنه يعين على قيام الليل
ومنها أن النفس تستريح ويصفو القلب لبقية النهار والعمل فيه والنفس إذا استراحت عادت جديدة فبعد الانتباه من نوم النهار تجد في الباطن نشاطاً آخر وشغفاً آخر كما كان في أول النهار فيكون للصادق فى النهار نهاران يغتنمهما بخدمة الله تعالى والدعوب في العمل
وينبغي أن يكون انتباهه من نوم النهار قبل الزوال بساعة حتى يتمكن من الوضوء والطهارة قبل الاستواء بحيث يكون وقت الاستواء مستقبل القبلة ذاكرا أو مسبحًا أو تاليا قال الله تعالى وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفى النَّهَارِ ۱ وقال ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا قيل قبل طلوع الشمس صلاة الصبح وقبل غروبها
صلاة العصر
۱ آية ١١٤ من سورة هود
۳ ٤ من سورة طه الآية ١٣٠

۱۹۹
وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ ٢ أراد العشاء الأخيرة وأطْرَافَ النَّهَارِ أراد الظهر والمغرب لأن الظهر صلاة فى آخر الطرف الأول من النهار وآخر الطرف الآخر غروب الشمس وفيها صلاة المغرب فصار الظهر آخر الطرف الأول والمغرب آخر الطرف الآخر فيستقبل الطرف الآخر باليقظة والذكر كما استقبل الطرف الأول
وقد عاد بنوم النهار جديدًا كما كان بنوم الليل ويصلى فى أول الزوال قبل السنة والفرض أربع ركعات بتسليمة واحدة كان يصليها رسول الله وهذه صلاة الزوال قبل الظهر في أوّل أوقاتها ويحتاج أن يراعى لهذه الصلاة أول الوقت بحيث يقطن للوقت قبل المؤذنين حين يذهب وقت الكراهية بالاستواء فيشرع في صلاة الزوال الأذان وقد توسط هذه الصلاة ثم يستعد لصلاة الظهر
ويسمع
فإن وجد في باطنه كدرًا من مخالطة أو مجالسة اتفقت يستغفر الله ويتضرع إليه ولا يشرع في صلاة الظهر إلا بعد أن يجد الباطن عائدا إلى حاله من الصفاء
والذائقون حلاوة المناجأة لابد أن يجدوا صفو الأنس في الصلاة ويتكدرون بيسـير مـن الاسترسال فى المباح ويصير على بواطنهم من ذلك عُقد وكدّر وقد يكون ذلك بمجرد المخالطة والمجالسة مع الأهل والولد مع كون ذلك عبادة ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين فلا يدخل الصلاة إلا بعد حل العقد وإذهاب الكدر
وحل العقد بصدق الإنابة والاستغفار والتفرغ إلى الله تعالى
ودواء ما يحدث من الكدر بمجالسة الأهل والولد أن يكون فى مجالسته غير راكن إليهم كل الركون بل يسترق القلب فى ذلك نظرات إلى الله تعالى فتكون تلك النظرات كفارة لتلك المجالسة
إلا أن يكون قوى الحال لا يحجبه الخلقُ عن الحق فلا ينعقد على باطنه عقدة فهو كما يدخل في الصلاة لا يجدها ويجد باطنه وقلبه لأنه حيث استروحت نفس هذا إلى المجالسة كان استرواح منغمرًا بروح قلبه لأنه يجالس ويخالط وعين ظاهره ناظرة إلى الخلق وعين قلبه مطالعة للحضرة الإلهية فلا ينعقد على باطنه عقدة

وصلاة الزوال التي ذكرناها تحلّ العقد وتُهيىء الباطن لصلاة الظهر فيقرأ في صلاة الزوال بمقدار سورة البقرة فى النهار الطويل وفى القصير ما يتيسر من ذلك قال الله تعالى وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهرُونَ ۱ وهذا هو الإظهار فإن انتظر بعد السنة حضور الجماعة للفرد وقرأ الدعاء الذي بين الفريضة والسنة من صلاة الفجر فحسن وكذلك ما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا به إلى صلاة الفجر
ثم إذا فرغ من صلاة الظهر يقرأ الفاتحة وآية الكرسى ويسبح ويحمد ويكبر ثلاثاً وثلاثين مرة – كما وصفنا - ولو قدر على الآيات كلها التي ذكرناها بعد صلاة الصبح وعلى الأدعية أيضا كان ذلك خيرًا كثيرًا وفضلاً عظيمًا
ومن له همة ناهضة وعزيمة صادقة لا يستكثر شيئًا لله تعالى
ثم يحيى بين الظهر والعصر كما يحيى بين العشاءين على الترتيب الذي ذكرناه من الصلاة والتلاوة والذكر والمراقبة ومن دام سهره ينام نومة خفيفة في النهار الطويل بين الظهر والعصر ولو أحيا بين الظهر والعصر بركعتين يقرأ فيهما ربع القرآن أو يقرأ ذلك في أربع ركعات فهو خير كثير وإن أراد أن يحيى هذا الوقت بمائة ركعة فى النهار الطويل أمكن ذلك أو بعشرين ركعة يقرأ فيها قل هو الله أحد ألف مرة في كل ركعة خمسين ويستاك قبل الزوال إن كان صائمًا وإن لم يكن صائمًا فأى وقت تغير فيه الفم وفي الحديث السواك مطهرة للفم مرضاة للرب

وعند القيام إلى الفرائض يستحب
قيل إن الصلاة بالسواك تفضل على الصلاة بغير السواك سبعين ضعفًا وقيـل هـو
خير
وإن أراد أن يقرأ بين الصلاتين في صلاته فى عشرين ركعة في كل ركعة آية أو بعض
آية يقرأ
1 من آية ١٨ من سورة الروم
وفى نسخة من الفرائض
۳ وفي نسخة هو خير

۰۱
في الركعة الأولى رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ آیة ۰۱ من سورة البقرة
ثم في الثانية رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [ آية ٢٥٠ من سورة البقرة
ثم رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إلى آخر السورة [ آية ٢٨٦ من سورة البقرة
ثم رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا الآية [ آية ٨ من سورة آل عمران ] ثم رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى للإيمان الآية [ آية ١٩٣ من سورة آل عمران ] ثم رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ [ آية ٥٣ من سورة آل عمران ]
أنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا [ آية ١٥٥ من سورة الأعراف ]
ثم فاطر السموات والأرض أنْتَ وَلى [ آية ١٠١ من سورة يوسف ] ثم رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا تُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ الآية [ آية ٣٨ من سورة إبراهيم ] ثم وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [ آية ١١٤ من سورة طه ]
ثم لا إلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك [ آية ٨٧ من سورة الأنبياء]
ثم رَبِّ لاَ تَدْرُنِي فَرْدًا [ آية ٨٩ من سورة الأنبياء] ثم وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينِ [ آية ١١٨ من سورة المؤمنون ] ثم رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا [ آية ٧٤ من سورة الفرقان ]
ثم رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَى وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [ آية ١٩ من سورة النمل ]
ثم يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ [ آية ١٩ من سورة غافر ثم رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَى [ آية ١٥ من سورة الأحقاف ] ثم رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإخواننا الَّذِينَ سَبَقُونَا بالإيمان [ آية ١٠ من سورة الحشر] ثم رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا [ آية 4 من سورة الممتحنة

ثم رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالدِى وَلَمِنْ دَخَلَ بَيْتُيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَارًا [ آية ٢٨ من سورة نوح ]