الإمام
عبد الحليم محمود
شيخ الشيوخ
أبو مدين الغوث
حياته ومعراجه إلى الله
I
دار المعارف
بسم الله العضة الخير
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف
المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع
هديه إلى يوم الدين
ربنا آتنا
من
لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا
يا من علا فرأى ما في الغيوب وما تحت الثرى وظلام الليل منسدل أنت الغياتُ لمن ضاقت مذاهبه أنت الدليل لمن حارت به الحيل إنا قصد ناك والآمال واثقة والكل يدعوك ملهوف ومبتهل فإن عفوت فذو فضل وذو كرم وإن سطوت فأنت الحاكم العدل من شعر أبي مدين
معهم
مقدمة
في ظهور الصوفية في الجو الإسلامي
بدأ الصراع بين الخير والشر منذ بدأت الإنسانية إن إبليس مند بواكير الإنسانية أقسم قائلا
فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين واستثناء عباد الله المخلصين من الغواية ليس معناه أن إبليس لم يحاول الأخذ إلى طريقها وإنما لأنه أخفق معهم بأنه يلقى بشراكه لكل
بهم
بنی آدم فينقاد البعض ويتردد البعض ويأبى البعض
ومن طريف ما يروى عن إبليس في محاولاته مع أبي مدين ما يذكره صاحب الكواكب الدرية من أن بعض الأولياء رأى إبليس فقال له
كيف حالك أبي مع مدين
قال ما شبهته فى نفسى فيها يلقى إليه فى قلبه إلا كشخص بال في
البحر المحيط
فقيل له لم تبول فيه
قال لأنجسه فلا تقع به الطهارة فهل رأيتم أجهل من هذا فكذا أنا وقلب أبي مدين رضى الله عنه كلما ألقيت فيه أمرًا قلب عينه ۱
يسير
والواقع أن سبيل إبليس في هذا الصراع ممهدة نوعا ما وذلك أنه مع الغرائز والشهوات المركوزة فى النفس التي لم تتهذب بالدين
متناسقا
وما من شك في أن نزاعا قويا دائما يدور بين النزعات والأهواء من
--
جانب وبين دعوة الأنبياء من جانب آخر ويتحقق هذا النزاع واقعيا - في طائفتين من الناس هما طلاب الدنيا وطلاب الآخرة
إن الإنسان لو ترك وغرائزه لفسد المجتمع وما تماسك المجتمع إلا لأن الإنسان لا ينطلق مع غرائزه
وهذا السمو بالغرائز وتوجيهها التوجيه الصحيح هو – في صورته من عمل الدين وأثر من آثار دعوته
الصادقة
بمجرد
أن
وإذا كانت القوانين تعمل على الحد من الغرائز فإنها تقوم على ذلك عن طريق الرهبة التي لا يتأتى أن تستمر دون انقطاع إذ أ تتاح الفرصة لانطلاق الغرائز فى خفية عن القوانين فإنها تنطلق فاسدة مفسدة وبمجرد أن تتمكن الغرائز من هدم القانون فإنها تنطلق طاغية مدمرة وكم قص التاريخ من أمثلة على هذا وذاك من انطلاق الغرائز مستخفية مستترة أو مستعلنة متبجحة
۱ یعنی غيره
وكم لإبليس من لحظات يقيم فيها الأفراح لأنه نجح في إقامة مجازر قامت على الظلم والطغيان أو لأنه نجح فى إقامة حفلات حمراء انتهكت فيها الفضيلة وقام فيها الرجس سائدا مسيطرا
ولقد اتخذ إبليس - على مر العصور أعوانًا
والملابسات يكيفها حتى تتلاءم مع
أهدافه
من البيئة والظروف
وإن من أعوانه في العصور الحاضرة مجموعة من الوسائل في غاية الخطورة إن من أعوانه السينما بهذه الأفلام الجنسية التي تثير الغرائز وتنتهك الفضيلة ويروج اليهود لهذه الأفلام وينتجونها ويذيعونها من أجل إفساد شباب العالم ولقد وصل الأمر ببعض الأفلام أن ظهرت فيها النساء عاريات تماما
ومن
أعوان إبليس المسارح وليس من المصادفات أن كارل ماركس اليهودي حينما دعا إلى عدم الاعتقاد في الدين قيل له
ما هو البديل عن الاعتقاد في الإلهية
فقال إن البديل هو المسرح
ثم قال ألهوهم بالمسرح ففيه الكفاية لصرفهم عن فكرة الله
ومنذ ذلك اليوم واليهود يعملون على ترويج المسرحيات التي تتنافى مع
الفضيلة في أية صورة من الصور يسيرة كانت أو خيرة
11
وهناك مجالات تخصصت لنشر الرذيلة والغريب أن الدول تبيح نشرها وإذاعتها بل واستيرادها وتوفير العملة الصعبة لهذا الاستيراد وهى تعلم أنها إفساد للشباب شبانا وشابات!!
ووسائل الإعلام جميعًا خصوصًا الوسيلة المرئية التليفزيون تعمل متعمدة أو غير متعمدة عن شعور أو عن سذاجة على الإفساد وبعضها لفكرة الإلحاد عن طريق الإشادة بمن يمثلونه وعن طريق السخرية يروج بمن يمثلون الدين من علماء وعن طريق الاستهزاء باللباس الذي يرتديه علماء الدين
ذلك وغيره من آلات إبليس للإغواء ويعاونه اليهود في ذلك بالنسبة لغير اليهود وذلك تمشيا مع تخطيطهم في إفساد العالم - فيما عدا اليهود - ليسيطروا من وراء ذلك على العالم أو لتكون لهم على الأقل إمبراطورية مترامية الأطراف
ونزعة الشهوات التي ركزت فى الطبيعة البشرية والتي تتجاوب في يسر مع سعى إبليس والتي يدعو اليهود إلى تقويتها ونشرها ومعاونة إبليس في ذلك هذه النزعة هي التي أتت الأديان لتهذيبها والسمو بها إلى الربانية
أو إلى الإنسانية المهذبة بحسب استعداد الفطر والجبلات
ولقد جاهد الأنبياء طيلة حياتهم للعمل على الرقي بالإنسان مقربين له
۱
من الله واستجاب لهم أولو البصائر الصافية وخلفوا الأنبياء في الدعوة
إلى الله
وفي الجو الإسلامي كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأول
أبو بكر الصديق رضوان الله عليه حاكما وداعية
وكان الحكم بالنسبة إليه وسيلة إلى الدعوة فهو في خدمتها وما كان الحكم بالنسبة إليه غاية فى نفسه أو وسيلة للاستمتاع بالسيطرة أو الاستمتاع بالملذات وإنما كان وسيلة للدعوة وخدمة لها
وكذلك كان الأمر بالنسبة إلى الخلفاء الراشدين
حتى جاء يوم كان الحكم غاية فى نفسه وسبيلا لإرضاء الكبرياء
وتوفير المتع
لقد أصبحت الخلافة ملكا عضودًا
وفي فترة عابرة من فترات التاريخ المضيئة تولى سيدنا عمر بن عبد العزيز الحكم فأعاد إليه الصورة التى يجب أن تكون أعنى أن يكون
الحكم وسيلة للدعوة
ومعنى كون الحكم وسيلة للدعوة أنه وسيلة للفضيلة للمثل العليا لنشر مكارم الأخلاق
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
وخلفاؤه في الحكم يجب أن يسيروا على سنته فإذا ما توافر ذلك بصورة أو بأخرى فيما يتعلق بطابع الحكم فإن هؤلاء الحكام يكونون قد
ارضوا الله ورسوله وكفى بذلك مكافأة جميلة لهم
ولكن الوضع التاريخى فى الأمة الإسلامية يرشدنا إلى أنه حينها أصبحت الخلافة ملكا عضودًا أى انفصل الحكام عن مهمة الدعوة أو على الأقل بدأت الدعوة تأخذ دورًا ثانويا فإن الله قد هيأ طائفة العلماء الذين تخصصوا فى علوم الإسلام وقاموا بالدعوة في أقطارهم وكان من أعلامهم الحسن البصرى وسفيان الثورى والأئمة الأربعة وأعلام الحديث وكثيرون يعدون بالعشرات في كل عصر وجاهد هؤلاء العلماء في الله حق جهاده
وأحبت الدولة أن تميل بهؤلاء العلماء إليها فجعلت نظام الوظائف وقد كان العلماء يدعون إلى الله لا يريدون من وراء ذلك جزاء من الناس ولا شكورا
لقد كان قصدهم الله لا يبغون بذلك بديلا
وكانوا يتاجرون أو يحترفون بمقدار ما يسد حاجتهم وكانوا وهم على هذا الوضع من الحرية ينصحون للأمة وينصحون للحكام وكان في
١٤
شعورهم الحديث الشريف
الدين النصيحة - ثلاثا - قلنا لمن قال الله ولكتابه ولرسوله
ولأئمة المسلمين وعامتهم
وعن جرير بن عبد الله قال
بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم٢
وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنها ما روى عن
ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما من نبي بعثه الله فى أمته قبلى إلا كان له في أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل۳
ومنها
"
والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن
۱ رواه مسلم
متفق عليه ۳ رواه مسلم
۱۰
الله أن يبعث عليكم عذابًا منه ثم تدعونه فلا يستجيب
وكان ماثلا بين أعينهم قوله تعالى
کنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن
المنكر وتؤمنون بالله
وقوله تعالى
لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر مریم فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون
ابن
وهذه الأحاديث والآيات القرآنية إذا كانت الأمة الإسلامية وخصوصا حكامها مطالبين بها وهى تخاطبهم فإنها على الأخص موجهة للعلماء والقائمين بأمر الدين
وتابع العلماء الصادقون مجهودهم فى هذا المجال غير مبالين في سبيل الله بجهد أو عقبات أو آلام
ولكن الحكام بذلوا كل ما يستطيعون لاستمالتهم واستجاب البعض وتلك طبيعة الأمور وإن من عادات التاريخ أن يستجيب البعض
1 رواه الترمذى وقال حسن غريب
وحينئذ ظهر في الجو الإسلامي - من بين العلماء أنفسهم – طائفة من
الناس كانت موجودة من قبل وكانت تعمل في غير ما صخب أو ظهور
تلك
سير
هي
طائفة الصوفية
والصوفية
تستمد سيره
منذ عصر الصحابة رضوان الله عليهم - كانت تستمد
ها إلى الله من القرآن مباشرة - لأنهم كانوا من العلماء - وكانت رها من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم - وكان من الممكن أن يسموا باسم المقربون أو الأولياء أو السابقون السابقون ألفاظ وردت في الكتاب الكريم تدل على طائفة محددة هي
وهي
ثلة من الأولين وقليل من الآخرين
وقد تحدث الكتاب الكريم عن صفاتهم وصفاتهم على وجه العموم هي مكارم الأخلاق أو الخلق القرآني متابعين في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومستجيبين لقول الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يـ الله يرجو الآخر وذكر الله كثيرا
واليوم
ولم يقتصر هؤلاء القوم على الدعوة إلى الله في داخل الأقطار الإسلامية وإنما نقلوها إلى خارج الأقطار الإسلامية إلى آسيا وأفريقيا في مجاهلها البعيدة وإلى هذه البقاع التي ما كان يمكن أن يصل إليها إلا من
تجرد الله تجردا كاملا
ورسم هؤلاء - بعد ممارسة وخبرة - الطريق إلى الله ومعراج المؤمن بدءًا وسيرا وسلوكًا
ولقد سموا هذا النهج ببعض التسميات المعبرة في دقة عما يهدفون إليه لقد سموه مدارج السالكين السالكين إلى الله تعالى وسموه منازل السائرين السائرين إلى الله سبحانه
وسموه معارج القدس
وسموه منازل الأرواح
وسموه بهذه التسمية العامة الأحوال والمقامات
ولابد للسالك إلى الله من طريق يترسمه ومن سبيل يسير على نهجه وإذا كان الأوائل قد ساروا متابعين للقرآن الكريم وللسنة النبوية الشريفة عن طريق مباشر فإنه لابد من رسم الطريق لمن لا يستطيع السير على الطريق المباشر ولابد من رسم الطريق إيضاحًا لاستمداده الشرع الشريف
من
وهذا الكتاب عن حياة واحد من هؤلاء المقربين وعن آرائه ودعوته وهو يرسم المعراج إلى الله حسبما رآه أبو مدين رضي الله عنه
وهو مساهمة في الدعوة إلى الصلاح والصدق والإخلاص والرجوع
إلى الله الذي يبتدئ بالتوبة الصادقة ويسير إلى منازل القرب من الله تعالى
إنه دعوة إلى ذلك فى زمن سادت فيه المادية والشهوات وانصرف الناس عن التقوى وعن مبادئ الدين
والله نرجو أن يهدى إليه وأن يهدى به وأن يشرح له صدورا وأن يشرح به صدورا ويوجه به إليه وأن يجعل له حظا موفورا في إيضاح
صراطه المستقيم إنه نعم المولى ونعم المجيب
۱۹
الفصل الأول
حياته وشيوخه
إن الفطر الإنسانية تختلف اختلافًا شديدا وفي قممها هذه الفطر التي تشبه أن تكون ملائكية صفاء وطهرا
وقد تنشأ هذه الفطر التى كتب الله لها السعادة في الدنيا والآخرة في بيئة تصرفها زمنا طويلا أو قصيرًا عن طريق الله ولكنها تتمرد يوما ما على البيئة والظروف التي تحيط بها وتنتفض انتفاضة جذرية عميقة فإذا هي بعيدة بعدا هائلا عن الظلمة والضلال وإذا هي في واد من النور والضياء
إن من دعاء الصالحين قولهم مع الإمام أحمد الدردير ومن علينا يا ودود بجذبة بها تلحق الأقوام من سار قبلنا وهذه الجذبة قد تكون جذبة من وسط المعصية كما قد تكون جذبة من نور خافت إلى نور ساطع
وينصح الإمام الغزالى بالتعرض لفضل الله سبحانه ويروى إن لربكم فى أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها ولقد كانت انتفاضة الإمام الغزالى بنور قذفه الله في القلب
ويقول وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف
ولما سئل رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الشرح في قوله تعالى
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام
قال هو نور يقذفه الله في القلب
فقيل وما علامته
قال التجافى عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود
وهذا التجافى عن دار الغرور هو السمة الواضحة التي كانت في أساس انتفاضة الإمام إبراهيم بن أدهم وهو السمة الواضحة التي كانت في أساس انتفاضة الإمام فضيل بن عياض والإمام الغزالي وهم - رضى الله - وإن تعددت أسباب انتفاضتهم وألوانها فإنها كلها ترجع إلى
عنهم
فطرهم التي هيأها الله سبحانه لتكون بمكان القرب منه ومن هذه الفطر المهيأة فطرة الإمام العارف بالله أبو مدين إنه شعيب بن حسين الأنصارى أصله من الأندلس من حصن قطنيانه وهى قرية تابعة لأشبيلية
صاحب
وكان والده - الذى توفى فى عهد مبكر من حياة شيخنا غنم ولم تكن الغنم من الكثرة بحيث تسمح باستئجار راع لها وكان شعيب أصغر إخوته فكلفوه بأن يقوم على رعيها ورعايتها وكانت هذه الأغنام تكلفه جهدًا وتشق عليه ولكن الذى كان يحز في نفسه حقيقة هو
أنا سا
يقرءون
أنه في أثناء غدوه بها أو رواحه أناسا يصلون ويرى یری القرآن أو يتعبدون بالذكر فكان يعجبه منظرهم في هذا الخشوع وفي هذا
الأمل في ثواب الله وفى جنته فيدنو منهم ويستمع إليهم ولكنه في جهله
لا يكاد يعى ما يقولون ويتحدث هو عن ذلك فيقول
فإذا رأيت من يصلى أو من يقرأ القرآن أعجبنى ودنوت منه وأجد في نفسى عا لأنني لا أحفظ شيئًا من القرآن ولا أعرف كيف أصلى
لقد حز ذلك في نفسه وجعله يفكر ويطيل التفكير
إن الغنم لا تدع له فرصة للتعليم ولا تدع له فرصة للتعبد كيف يصلى كيف يحفظ القرآن كيف يتعبد ما هي صيغة
الذكر
وكانت نتيجة ذلك كله ما عبر عنه بقوله
فقويت عزيمتي على الفرار لأتعلم القراءة والصلاة
ونفذ ما قويت عزيمته عليه وتفقده إخوته وكان حدسهم صادقا في أنه فر واتخذ أحدهم الطريق لإدراكه وإعادته برغم أنفه وأدركه بالفعل وفى
يده حربة شهرها قائلا
والله لئن لم ترجع لأقتلنك
وعاد الغلام مبتئسا حزينًا عاد وفى نفسه حسرة وفي فؤاده لوعة ولكنه قدر في نفسه أن الله لن يتخلى عنه إنه لا يريد علوا في الأرض ولا فسادًا ولا محاربة الله ورسوله وإنما يريد صلاحًا وتقوى ويريد هداية ورشادا
ولن يتخلى الله عنه
وانبثق عن حزنه أمل وأضاء فى ليله نجم من الرجاء في عون الله إنه إذا كان قد خاب سعيه فى الفرار هذه المرة فربما نجح في مرة أخرى وسرى عنه قليلا ونام يدبر الأمر ويدير في نفسه الكيفية
واستمر في رعى الغنم ورعايتها فترة من الزمن كافية لنسيان الفرار
وكافيه لتخفيف مراقبته ومتابعة حركاته وسكناته
إنه يقول
ثم قويت عزيمتي على الفرار ليلا فأسريت ليلة وأخذت في طريق آخر ولكن أخاه الداهية أدركه بعد طلوع الفجر وكان في قلبه قسوة وفى أخلاقه غلظ وفى إيمانه خلل فسل سيفه وحمله الغضب والتعب الذي ناله من السبعى طيلة الليلة على أن يضربه بالسيف فاتقى الغلام الضربة بعصا كانت معه وإذا بالمعجزة تحدث واذا بعناية الله تحيط بالغلام فإذا السيف يتكسر وإذا العصا باقية
ورأى الأخ ذلك ونظر إلى سيفه أمامه وأذهله الحادث وإذا به يتذكر قدرة الله
وفى لحظة يثوب إلى رشده وتلوح بعض نسمات من الرحمة في قلبه فيأخذ في الرفق ويجلس يتحدث مع الغلام في رفق وفى تدبر ويشرح له الغلام ما يحب فينصحه ولما رأى الإصرار أخذ يوصيه وودعه قائلا
۵
يا أخى اذهب حيث شئت وسار الغلام إلى أين
إنه لا يدرى ولكن وجهته التي سار فيها وطريقه الذي كان يقطعه
أدى به إلى البحر
يقول فتانا
فسرت حتى وصلت إلى البحر ووجدت خيمة فيها أناس فخرج منها شيخ فسألني عن أمرى فأخبرته فجلست عنده فإذا جعت رمى بخيط في طرفه صنارة فأخذ حوتاً يطعمه لى مشويا ثم قال انصرف إلى الحاضرة حتى تتعلم العلم فإن الله تعالى لا يُعبد إلا بالعلم
إن الله لا يعبد إلا بالعلم لقد صادفت هذه الكلمة هوى في نفس أبي مدين وهل خرج إلا ليعبد الله وهل خرج إلا ليتعلم الصلاة وقراءة القرآن
وكأن الكلمة كانت إلهاما ألهم الله هذا الشيخ قولها فاخترقت شغاف قلب أبي مدين وثبتته على ما خرج إليه
ولكن الكلمة فى نفسها هى شعار الصوفية وإن هؤلاء الذين يعدون بالمئات والذين ذكر مئات منهم صاحب الحلية وصاحب طبقات الصوفية وصاحب الكواكب الدرية كلهم علماء إما من كبار المفسرين وإما من
٢٦
كبار المحدثين وإما من كبار الفقهاء بل كان فيهم كبار اللغويين وكبار الأدباء وهكذا ساروا في طريقهم على أساس من العلم إن الله لا يعبد إلا بالعلم إنها كلمة نعلنها في آذان صوفية العصر الحاضر نعلنها المشايخ الطرق ونعلنها للمريدين ونرجو أن يكون في لائحة مشيخة الطرق فرض حد أدنى من العلم في كل من يولى مشيخة أو وكالة مشيخة وهذا الحد الأدنى يفرض فيه حفظ القرآن وحفظ مجموعة من الأحاديث وقراءة مجموعة مختارة من كتب الفقه والتصوف ولن تكون للتصوف نهضة إلا بالتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم والتأسى به لا يكون إلا بالعلم بسيرته بأحاديثه بالقرآن الذي أنزل عليه وشعاره صلى الله عليه وسلم
رب زدنی علما
إن الله تعالى لا يعبد إلا بالعلم وما كان الجاهل في يوم من الأيام قدوة ولا مرشداً ولا شيخاً يهدى الآخرين
وإذا كان القائمون على التصوف الآن يشعرون بعدم الإقبال عليهم
كما كان العهد في الماضي فعلاج ذلك أمره يسير
أن يكونوا قدوة فى العلم وقدوة في السلوك أى أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم
وعبر فتانا البحر عاملا مع العمال وخادما في السفينة مع الخدم
ووصل إلى طنجة ولم يجد في طنجة ما يأمله من العلم والمعرفة فسار إلى سبته وكان يؤجر نفسه للصيادين ليكسب حياته ولكنه لم يكن ليقيم على ذلك وما كان يتأتى أن يترك رعى الغنم ليؤجر نفسه للصيادين فحزم أمره وأخذ طريقه إلى مراكش ولما وصل إلى مراكش تعرف بالأندلسيين فيها فأخذوه في جملة الأجناد
وكانت تجربة جديدة إن هؤلاء الأجناد لا تحس قلوبهم بالرحمة ولا يستشعرون شيئًا من العطف إنهم يأكلون عطائي ولا يعطونى منه
إلا اليسير
ولقد كان فتانا في هذه الرحلات وفى هذه المهن راعي صياد جندي يلاحظ ويتأمل ويدرس أخلاقًا مهنية ولكنه أيضًا كان يلاحظ - متعمدا أو غير متعمد - مجتمعات ومدنا وكان كل ذلك يهيئه لحياة الداعية المستقبلة ويعطيه فكرة عن الطبائع وألوان السلوك وتسير رحلته إنه ما كان يتأتى أن يقف عند حياة أجناد الأندلس وهو مازال في جهل فيما يتصل بأمر دينه
وقيل له إن رأيت أن تتفرغ لدينك فعليك بمدينة فاس وشد فتانا الرحال إلى مدينة فاس ورحاله الذي شده هو قدميه فما كان صاحبنا يعتمد فى أسفاره إلا على قدميه اللهم إلا إذا كان الأمر أمر عبور البحر فإنه إذ ذاك يؤجر نفسه للعمل في مقابل العبور
وإن حب المعرفة والتزود من العلم يحمل على تحمل كل صعوبة وتخطى كل عقبة ووصل فتانا إلى فاس إلى معقد الأمل في العلم والمعرفة ولكن إلى أين في فاس إلى أين لم يكن هناك من مجال للاختيار إن المكان الطبيعي هو الجامع
والجوامع – إذ ذاك - كما هو الوضع في الجو الإسلامي الصادق - كانت معاهد لتحفيظ القرآن وكانت معاهد إعدادية ومعاهد ثانوية ودراسات عليا ودراسات تخصصية وكان العلم فيها منطلقا حرا لا تقيده قيود تنسيق أو مجموع أو سن أو نفقات
لقد كان الأستاذ حرا حرية مطلقة إنه كان يختار المادة والمستوى والكتاب والزمن
وكان التلميذ يختار المادة والمستوى والأستاذ والزمن والكتاب وكانت الدراسة تبدأ مباشرة من بعد صلاة الفجر وتستمر هكذا طيلة النهار لا يقطعها إلا الصلاة
وكانت أوقات الصلاة مقدسة تنتهى الدروس بمجرد أن يقول المؤذن الله أكبر بل من قبل الأذان بفترة كافية للوضوء لمن لم يكن متوضئًا
وقار
وكان العلم يدرس على طهارة ويضفى عليه جو المسجد وقارا على
لقد كان العلم عبادة يتطهر الأستاذ لها ويتطهر التلميذ لها والكل
يرجون منها وجه الله سبحانه
ولقد أدركنا في بواكير حياتنا هذه الصورة أو بقايا هذه الصورة في معهدنا الخالد الأزهر الذي حفظ على مصر بل على العالم الإسلامي اللغة العربية والثقافة الإسلامية قرونا متطاولة ثم أمد مصر في ابتداء نهضتها الحالية بكبار المفكرين بل وكبار الساسة والمصلحين وما يزال يمد مصر والعالم الإسلامي بالمستنيرين المتزنين من العلماء والمفكرين الذين يقفون في وجه كل انحراف ويقفون - ما استطاعوا - حائلين دون الغزو الفكري الذي يعمل جاهدًا على محو شخصيتنا وجعلنا نذوب في تيار ثقافة
ولزم صاحبنا جامع فاس ويقول في صدق وفى نوع من السذاجة ولزمت جامعها وتعلمت الوضوء والصلاة
وكان ذلك حدثاً ضخما في حياته أن يصلى وأن يقف بين يدى صاحب النعم التي لا تحصى يناجيه ويحمده ويشكره ويقدسه ويستمد من مدده ويسعد روحيا بأنه مع الله وبأن الله معه
ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم
طو وهو معكم أينما كنتم
إنه بدأ في الطريق الذى تجشم من أجله الطهر الصلاة
وماذا
أيضا
لقد رأى الحلقات في المسجد معقودة كثيرة يشرق النور من وجوه
أساتذتها ومن وجوه طلابها
ماذا يقولون ماذا يفعلون
وبدأ صاحبنا يجلس إلى
حلق الفقهاء والمذكرين
ياللعجب أهم يتحدثون بلغة أعجمية ماله لا يفقه من كلامهم شيئًا وينظر صاحبنا إلى الزملاء الذين يجلسون بجواره فيجدهم يفهمون
ويناقشون ويتحدثون مع الأستاذ حديث العلماء الناشئين
من
نفسه
وأخذ صاحبنا يتنقل من حلقة إلى حلقة ومن درس إلى درس ويتعجب ومن الآخرين ما له لا يفهم في حين هم يفهمون وهذه الحالة أهي طبيعية فيه هل اختصه الله بغباء لا علاج له ويتابع صاحبنا دون يأس وما كان في طبيعته اليأس قط الدروس حلقة حلقة إلى أن جاء يوم سارت به العناية الإلهية إلى حلقة شيخ ثبت كلامه في قلبي فسألت من هو فقيل لى إنه أبو الحسن بن
حرزهم
حلق
كان أبو الحسن بن حرزهم - إذن - أول من فتق فنون المعرفة في
قلب صاحبنا ولقد فسر السر في ذلك لفتانا فقال
إني قصدت الله بكلامي فخرج من القلب
من هو ابن حرزهم هذا - لابد من وقفة عنده حيث كان أول من هدى أبا مدين سبيل العلم
إنه من مدينة فاس ولد بها ونشأ بها ونهل من معين علمائها فتثقف كأحسن ما يكون المثقف
تثقف في الفقه حتى أصبح فقيها نابها
وضم إلى الفقه دراسة التصوف فأصبح فقيها صوفيا وأثمر ذلك الثمرة الطبيعية لهذا النوع من العلماء وهى الزهد فهو فقيه صوفی زاهد يقول صاحب أنس الفقير
وهذا الشيخ أبو الحسن على بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله ابن حرزهم ولد بفاس ونشأ بها وكان فيها من كبار الفقهاء وكان زاهدا في الدنيا سالكا سبيل أهل التصوف ذا كرامات وفراسات وكان والده من كبار الصالحين وكذلك أخوه بيد أن سلوكه في طريق التصوف كان على نمط الملامتية والملامتية يحبون دائما أن يخفى أمرهم على الناس فى العبادة وفى الإقبال على الله
ويرون أن الإخلاص يتوافر بذلك في صورة أكمل
۳
قصة وللشيخ ابن حرزهم مع كتاب إحياء علوم الدين وهي قصة مشهورة تحدث هو بها ورواها عنه كثيرون إنه يقول
اعتكفت على قراءة إحياء علوم الدين للغزالي في بيت مدة من عام فجردت المسائل التي تنتقد عليه وعزمت على حرق الكتاب فلما نمت رأيت قائلا يقول جردوه واضربوه حد الفرية فضربت ثمانين سوطًا فلما استيقظت جعلت أقلب ظهری فوجدت به ألماً شديدًا من ذلك الضرب فتبت إلى الله تعالى مما اعتقدت ثم بعد ذلك تأملت تلك المسائل فوجدتها موافقة للكتاب والسنة
ومن الأمور التي ينبغي أن تذكر فى اعتزازه بالعلم ما حدث عنه قدم مراكش فاستدعاه بعض أمراء صنهاجة للقراءة عليه كثيرون من أنه والأخذ عنه فدخل عليه أبو الحسن وهو على سريره فجلس أبو الحسن
تحته فقال له أهكذا كنت تفعل مع من كنت تتعلم منه قال له نعم
أن
فقال له أبو الحسن انزل إلى مكانى وأكون أنا مكانك وهكذا ينبغي يكون المتعلم مع المعلم فأجابه الأمير إلى ذلك فنزل الأمير عن سريره وجلس عليه أبو الحسن فلازمه وأخذه بسلوك طريق الآخرة وأمره بالورع وضيق عليه في المكسب فلم تتسع حالته إلا لخبز الشعير فكلم أبو الحسن بعض التجار فى أن يأكل عنده فكان قوته عند ذلك التاجر
ثم بعث ذلك الأمير إلى الصحراء فجيء إليه بمال موروث فاتسع عليها منه
قوتها
۳۳
وللإمام ابن حرزهم قصة تشبه قصة أحد الصحابة الأجلاء أما قصة ابن حرزهم فهى حسبها يرويه صاحب التشوف كما يلى
إنه يقول
وحدثني غير واحد أنه لما توفى والد أبي الحسن عزم على قسمة ما تركه مع أخيه أبي القاسم فلما قام إلى ورده اشتغل سره بذلك فلما أصبح بعث إلى أخيه وقال له احضر الشهود لأتصدق عليك بميراثي فأبى عليه فقال
له
إن لم تفعل تصدقت بحظى على الجذماء فلما رآه عازما على ذلك أتاه بالشهود فتصدق عليه به وقبل منه أبو القاسم الصدقة
وقصة الصحابي الجليل هى كما يرويها الإمام مالك رضى الله عنه في الموطأ
عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا طلحة الأنصاري كان يصلى في حائطه ۱ فطفق يتردد يلتمس مخرجًا فأعجبه ذلك فجعل يتبعه
فطار دبسی
بنصره
ساعة ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدري كم صلى فقال لقد أصابتني في مالي هذا فتنة فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له الذي أصابه في حائطه من الفتنة وقال
يا رسول الله هو صدقة لله فضعه حيث شئت
1 الدبس اليمامة
ومما يروى عن ابن حرزهم ما يلى
يقول صاحب التشوف
حدثني محمد بن خالص الأنصارى قال أخبرني أبو الحسن المعروف بأبي قرن قال
دعا لى أبو الحسن بن حرزهم بالعفو والعافية وقال لى رأيت رب العزة في النوم فقال لى سل حاجتك فقلت أسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة فقال لى قد فعلت فما أبالى بشيء يتبقى فإن رب العزة قد أمننى ولذلك دعوت لك بهذا الدعاء قال أبو قرن فوالله ما نالنى قط مكروه بحمد الله ولقد وجدت بركة دعوته لي بذلك الدعاء
أما
عن وفاة الشيخ فقد روى أبو يعقوب التادلي المعروف بابن الزيات قال سمعت أبا عمران موسى بن يوسف يقول أدركت ابن حرزهم وأنا صغير ودعا لى وكان يقول لن أصوم مع الناس هذا الشهر المستقبل يعنى شهر رمضان وقد كان صحيحا ليس به بأس ولم يبق إلا ثلاثة أيام أو أربعة من شهر شعبان والناس يتعجبون من مقالته وهو حى وقد قرب رمضان فأدركه الموت قبل دخول رمضان الذي كان يقول إنه لا يصومه مع الناس
أحمد وحدث بن عيسى الأنصارى قال سمعت أبا الحسن غير مرة يقول أموت في العام الفلانى وفى ذلك العام نفسه مات ولما كان اليوم
۳۵
الذي مات فيه أتى بعض أصحابه فقال له قدم لى من طعامك لأكل منه فإنه حلال فقدم له خبزًا ولبنا فأكل ثم مر إلى الحمام وقال لخدمته لم يبق لكم في خدمتى إلا اليوم وهم يتعجبون من قوله ثم خرج فأتى منزله ودخل بيته ونام على فراشه مستقبلا فلما حان وقت الصلاة أتاه بعض تلامذته ليوقظه للصلاة فوجده ميتا
حياتك أنفاس تعد فكلما مضى نفس منها نقصت به جزءا فتصبح في نقص وتمسى بمثله ومالك معقول تُحس به الرزءا تروح وتغدو غافلا كل ساعة ويحدوك حاد ما يريد بك الهزءا
هذا هو ابن حرزهم الذى تفتح له قلب أبي مدين وكان تعليمه أول شمعة أضاءت في حياة أبي مدین العلمية
وكان مما قرأ عليه بعد فترة طالت أو قصرت كتاب الرعاية لحقوق الله الذي ألفه الإمام الحارث المحاسبي
وكتاب الرعاية من كتب التذكير بالله النفيسة وهو أهم كتاب ألفه المحاسبى حتى لقد عرف به المحاسبى فيقال عنه صاحب الرعاية
وقد وصل فيه المحاسبى من التحليل النفسى حدا لا يكاد يجارى وقد كان هذا الكتاب من الكتب التى قرأها الإمام الغزالى فيها قرأ من كتب المحاسبي وقد استفاد منه في كتابه إحياء علوم الدين ولا يزال ينبثق عن كتاب الرعاية أثر جميل في الهداية والإرشاد
٣٦
ودرس أبو مدين على ابن حرزهم كتابا آخر في التذكير هو إحياء علوم الدين للإمام الغزالي ولقد قال فيه أبو مدين
طالعت كتب التذكير فما رأيت كالإحياء للغزالي
کتاب
وحقا قال فإن كتاب الإحياء كتاب مبارك وقد كان أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه يدرسه لمريديه ويحثهم على قراءته ويقول
كتاب الإحياء يفيد العلم
وهو كتاب يكفى المسلم في أمور دينه من عقيدة وعبادة وأخلاق أسمى ما تكون الأخلاق المستمدة من كتاب الله ومن سنة رسوله
واندمج الشيخ أبو مدين بعد أن شرح الله قلبه للفهم على يد الشيخ ابن حرزهم في جو العلم والدراسة
فدرس كتاب السنن فى الحديث للإمام الترمذى وهو كتاب ضخم في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه نور الحديث النبوى وفيه التحري البالغ في صحة الأحاديث من الإمام الترمذي وهو وحده كاف في أن يرفع الإنسان فى العلم الإسلامي إلى درجة رفيعة
وهذا الكتاب درسه على الشيخ الفقيه أبى الحسن بن غالب فقيه فاس الذي توفى عام ثمانية وستين وخمسمائة
وكان أبو الحسن متمكنا من علوم القوم وكان الأولياء يحضرون مجلسه ولقد ورث مالا كثيرًا فصرفه كله في وجوه الخير أما علوم الصوفية فقد بدأ أبو مدين دراستها على الشيخ الصالح أبى على الدقاق وهو من كبار مشايخ الصوفية وكان إماما في ذلك وكان
يقول
من
أنا أول أخذ الشيخ أبو مدين علم التصوف وكان من الكتب المفضلة عند أبي مدين كتاب الرسالة القشيرية وهو كتاب ألفه الإمام القشيري ويقول في أوائلها
هذه رسالة كتبها الفقير إلى الله تعالى عبد الكريم بن هوازن القشيرى إلى جماعة الصوفية ببلدان الإسلام في سنة سبع وثلاثين
وأربعمائة
وقد ألفها حينما رأى فى صوفية عصره أنواعًا من الانحراف عن خط التصوف الصادق ألفها لتكون مقياسًا صحيحًا لمن أراد أن الطريق المستقيم
يسير على
والواقع أن التوفيق صاحب القشيرى في المنهج وفى الموضوع لقد تحدث أولا عن عقائد الصوفية وبين أنها موافقة للكتاب والسنة وأنها تسير في انسجام مع ما بينه أهل السنة عقائد من
۳۸
ثم
تحدث عن مجموعة من الصوفية كل على حدة مبينًا عنهم بعض ما يتصل بحياتهم وبعض ما يتصل بآرائهم وكأنهم مرآة ينظر فيها
الآخرون أنفسهم
وتحدث
ثالثا عن مصطلحات الصوفية وللصوفية مصطلحات خاصة بهم لا يدل معناها اللغوى على معناها الاصطلاحي وشأنها في ذلك شأن مصطلحات الفنون الأخرى كالأخلاق والفلسفة والنحو والفقه وغير ذلك
وبيان هذه المصطلحات من الأهمية بمكان إذ إن الذين يجهلونها يتحدثون عن التصوف أحاديث كلها جهل وجهلهم بالتصوف وتخريفهم المصطلحات فيه آت من جهلهم بمصطلحاته وكان لابد من بيان معانى وتحدث رابعا المقامات التي يتدرج فيها الصوفي في معراجه إلى الله عن يتدرج فيها من مقام إلى مقام حتى يصل من التوبة الصادقة إلى القرب الله تعالى من
ثم تحدث أخيرا عن آداب المريد وصفات الشيخ ومسائل تهم كل دارس للتصوف وكل سالك طريق التصوف
إنه كتاب لا غنى عنه في الجو الصوفى
وكان من الكتب المفضلة عند أبي مدين رضي الله عنه
ولكن التصوف ليس علا تكفى فيه الدراسة ويكفي فيه البحث في الكتب ولكنه ممارسة وسلوك وعمل
۳۹
ولقد أبان ذلك الإمام الغزالى في صورة واضحة فقال أقبلت بهمتى على طريق الصوفية وعلمت أن طريقهم إنما تتم بعلم
وعمل
وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفس والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكر الله
وكان العلم أيسر على من العمل فابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم مثل
قوت القلوب لأبى طالب المكى رحمه الله وكتب الحارث المحاسبي والمتفرقات المأثورة عن الجنيد
۱
۱ سيد هذه الطائفة وإمامهم أصله من نهاوند ومنشؤه ومولده بالعراق وأبوه كان يبيع الزجاج فلذلك يقال القواريرى وكان فقيها على مذهب أبي ثور وكان يفتي في حلقته بحضرته وهو ابن عشرين سنة مات سنة سبع وتسعين ومائتين ٢٩٧ هـ قال الروذباري سمعت الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة وقال أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله عز وجل فقال الجنيد إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال وهو عندى عظيمة والذى يسرق ويزنى أحسن حالا من الذي يقول هذا فإن العارفين بالله تعالى أخذوا الأعمال عن الله تعالى وإليه رجعوا فيها ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة إلا أن يحال بي دونها وقال الجنيد الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة
والسلام
۱
من
والشبلي ١ وأبى يزيد البسطامى قدس الله أرواحهم وغير ذلك كلام مشايخهم حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلمية وحصلت على ما يمكن أن يحصل من طريقهم بالتعلم والسماع فظهر لي أن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم بل بالذوق والحال وتبدن
الصفات
وكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة والشبع وأسبابها وشروطها
وقال من لم يحفظ القرآن ومن لم يكتب الحديث لا يقتدى به فى هذا الأمر لأن علمنا مقيد
بالكتاب والسنة وقال مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة وعلمنا هذا مشيد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرسالة القشيرية ۱ بغدادى المولد والمنشأ وأصله من أسر وشنه صحب الجنيد ومن في عصره وكان شيخ وقته حالا وظرفًا وعلما مالكى المذهب عاش سبعا وثمانين سنة ومات سنة أ أربع وثلاثين
فأنا ربي
وثلثمائة وقبره بـ بغداد وكان الشيلي إذا دخل رمضان جد فوق جد من عاصره ويقول هذا شهر عظمه أول من يعظمه ٢ كان من كبار الزاهدين العابدين قيل إنه مات سنة إحدى وستين ومائتين وقيل أربع
وثلاثين ومائتين
وذهب مرة لزيارة رجل كان مقصوداً مشهوراً بالزهد فلما خرج الرجل من بيته ودخل المسجد رمى ببصاقه تجاه القبلة فانصرف أبو يزيد ولم يسلم عليه وقال هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه ومن كلامه لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتقى في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهى وحفظ الحدود وأداء الشريعة انظر الرسالة
القشيرية
٤١
وبين أن يكون صحيحا وشبعان وبين أن يعرف حد السكر وأنه عبارة عن حالة تحصل من استيلاء أبخرة تتصاعد من المعدة على معادن الفكر وبين أن يكون سكران بل السكران لا يعرف حد السكر وعلمه وهو سكران وما معه من علمه شيء والصاحى يعرف حد السكر وأركانه وما معه من السكر شيء
والطبيب في حالة المرض يعرف حد الصحة وأسبابها وأدويتها وهو فاقد
الصحة
كذلك فرق بين أن تعرف حقيقة الزهد وشروطها وأسبابها وبين أن يكون حالك الزهد وعزوف النفس عن الدنيا
فعلمت يقينًا أنهم أرباب الأحوال لا أصحاب الأقوال وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم فقد حصلته ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعلم بل بالذوق والسلوك اهـ
وإذا كان أبو مدين قد درس الرعاية ودرس الإحياء ودرس علوم التصوف فليس معنى ذلك أنه أصبح صوفيا كلا إنه لابد من الممارسة والسلوك والأخذ فى طريق المقامات والأحوال
وهذا الجانب الجوهرى فى التصوف وفى حياة أبو مدين قد قيض الله
من يسير بأبي مدين فيه على السنن الموفق إنه
٤٢
الشيخ أبو يعزى
وكان لهذا الشيخ أسلوب في التربية قاس ولكنه أسلوب مثمر وقد كان بدء اتصال أبي مدين به كفيلا بصرفه عنه لولا إرادة قوية في الهداية ورغبة صادقة في الوصول إلى النور القلبى والشرح
ونترك الشيخ يقص الأمر إنه يقول
ثم سمعت الناس يتحدثون بكرامات أبي يعزى فذهبت إليه في جماعة توجهت لزيارته فلما وصلنا جبل ايروجان ودخلنا على أبي يعزى أقبل على القوم دونى فلما أحضر الطعام منعنى من الأكل فقعدت في ركن الدار فكلما أحضر الطعام وقمت إليه انتهرنى فأقمت على تلك الحال ثلاثة أيام وقد أجهدنى الجوع ونالنى الذل فلما انقضت ثلاثة أيام قام أبو يعزى من مكانه فأتيت إلى ذلك المكان ومرغت وجهى فيه فلما رفعت رأسي نظرت فلم أر شيئًا وصرت أعمى فبقيت أبكى طول ليلتي
قليل لمثلى زفرة ونحيب وليس له إلا الحبيب طبيب وأمثل ما يلقى المحب خضوعه إذا كان من يدعوه ليس يجيب
فلما أصبحت استدعانى وقال لى أقرب يا أندلسي فدنوت منه فمسح بيده على عينى فأبصرت ثم مسح بيده على صدرى وقال للحاضرين هذا يكون له شأن عظيم أو قال كلاما هذا معناه فأذن لي في
الانصراف
٤٣
وعلى الرغم من هذا اللقاء القاسي عاد أبو مدين مرة ثانية وثالثة وأخذ يكرر زياراته ويقول صاحب كتاب أنس الفقير
فنال من بركاته وشاهد العجائب من كراماته
ولقد وهب الله الشيخ أبى يعزى منحة الكرامات فكان ينثرها أينما كان وكان المريدون يرهبونه ويتهافتون عليه فى آن واحد وكانت كراماته مصدر جاذبية ومصدر رهبة
وكان أبو يعزى لا يجامل ولا يدارى وإنما يصف الكذاب بالكذب والسارق بالسرقة والزانى بالزنا والفاسق بالفسق ويستعمل الألفاظ الجارحة وتكون الثمرة التوبة والاستغفار والاستقامة وإذا ما خوطب
أبو يعزى في الرفق قال إنه مأمور
ولقد جاء كتاب أبى شعيب من أزمور يقول له فيه
استر عباد الله ولا تفضحهم
فقال والله لولا أنى مأمور بهذا ما فضحت أحدًا ولسترت على الخلق ومن طرائف ما يروى فى ذلك أنا أبا على مالك بن تاجورت التقي بمؤذن أبي يعزى - كما يروى صاحب كتاب التشوف - وأخذ يتحدث معه فقال له المؤذن عسى أن تكلم الشيخ أبا يعزى أن يستر الناس ولا يفضحهم فإن الرجل جاهل لا علم عنده فيقول للواصلين إليه سرقت ياهذا وزنيت ياهذا وفعلت ياهذا كذا وكذا
فيذكر لكل واحد فعله ثم انقطع كلامه فنظرته وقد منع من الكلام وكلمته فلم يجبني فبينما أنا معه كذلك إذ أقبل أبو يعزي وعصاه في يده فسلم على وسألني عن الحال والأهل وجاء إلى مؤذنه ومد يده إلى حلقه يمسح عليه ويقول يابني صدقت فأنا جاهل ولا أعلم إلا ما علمنى مولاى ثم طارت علقة دم من حلقه فتكلم وأخذ يقول أتوب إلى الله تعالى وأبو يعزى يقول له مم تتوب يا بني وأنت قلت الحق أنا جاهل لا أعرف إلا ما عرفنى مولاى
ويقول صاحب كتاب أنس الفقير
ولا رأيت فى الفقهاء أعظم تعظياً للشيخ أبي يعزى من الشيخ العبدوسي وكان في أكثر مجالسه يذكر لنا ما تبدي من أحواله ويشير أن
حرث
مائم في الأولياء مثله وكان يحكى عنه في باب زكاة الحرث أنه إذا للضعفاء تسعة أعشار صابته ويتمسك بالعشر ويقول من سوء أدبى أن أخرج العشر وأتمسك بتسعة أعشار
يخرج
وحدث أيضًا أن الشيخ أبا الحسن على بن حرزهم سجنه السلطان بمراكش فقال لتلامذته لا ألبث في السجن فقال له سبحان الله اسكت وهل سجنت إلا على هذه الأحوال فقال لهم إن الشيخ يعزى ها هو ذاك ينظرني ولا يتركنى فإنه كل ما يطلبه من مولاه يعمله له وبينهما مسيرة خمسة أيام فأطلق ساعته من
أبا
هذا هو يقول عنه
الشيخ أبو يعزى الذى تخرج عليه أبومدين في السلوك والذي
طالعت أخبار الصالحين من زمن أويس القرني إلى زماننا فما رأيت أعجب من أبي يعزى وطالعت كتب التذكير فما رأيت كالإحياء للغزالي
وكانت وفاة أبي يعزى رحمه الله في شوال من عام اثنين وسبعين
وخمسمائة
وكان من أشياخ أبي مدين الشيخ الصالح أبو عبد الله الدقاق من أكابر الصوفية وكان يتردد من فاس إلى سلجماسه وكان يقول
أنا أول من أخذ عنه الشيخ أبو مدين علم التصوف وكان الدقاق إماما في ذلك
وكان للشيخ أبي مدين طريقة خاصة في اكتساب العلم ويتحدث هو
عنها فيقول
وكنت إذا سمعت تفسير آية من كتاب الله تعالى ومعه حديث واحد من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قنعت بهما وانصرفت إلى خارج فاس الموضع خال من الناس اتخذته مأوى للعمل بما يفتح على من الآية والحديث ثم أعود إلى فاس فآخذ آية وحديثاً وأخرج إلى خلوتى
ومن المناسب أن نذكر أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم كان إذا
٤٦
حفظ سورة من القرآن لا يجاوزها حتى يقوم بما فيها من عمل أو بتعبير آخر حتى يقيمها
وأن الطريقة المثلى ألا ينفصل علم الخير عن عمل الخير وأن يكون عمل الخير ثمرة فورية لعلم الخير وهذه كانت طريقة أبي مدين وهى طريقة الأخيار من قبله ومن بعده
تثقف أبو مدين في العلم فأصبح عالماً
وسلك أبو مدين على يد الشيخ أبي يعزى فأصبح صوفيا
وانتهت بذلك مرحلة من حياته
٤٧
الفضل الثاني
الشيخ
وقد آن لنا أن نتحدث عن أبي مدين شيخًا كما تحدثنا عنه مريدا يقول ابن تنقذ عن أبي مدين
وكان يتردد إلى مجالس العلماء في مدينة فاس وخصوصًا مجالس الشيخ أبي الحسن بن حرزهم حتى فتح الله عليه بالمواهب العلية والأسرار الربانية وحقق التوجه والعمل وبلغ فى مقامه الأمل ثم انصرف مشرقًا وتردد في بلاد أفريقية واستوطن في الآخر بجاية وكثرت تلامذته وظهرت بركاته عليهم يقال إنه خرج على يده ألف تلميذ وظهرت لكل واحد منهم الكرامة والبركة لذلك يقال له شيخ مشايخ الإسلام وإمام العباد والزهاد
تثقف أبو مدين كأحسن ما يكون المثقف تثقف من مصادر أصيلة القرآن الكريم السنن الإحياء الرعاية الرسالة القشيرية
وكان يصاحب في دراسته القمم السنة النبوية الحارث بن أسد المحاسبي الذي سمي المحاسبى لدقة محاسبته لنفسه ومراقبة الله في أعماله حجة الإسلام الغزالي الإمام القشيري
ودرس الفقه وله فيه فتاوى نفيسة ودرس التفسير وامتزج قلبه بنور
القرآن
وكان عابدا فاجتمع له العلم والعبادة فكان الشخصية الإسلامية
المتكاملة
ولم يبلغ منزلة الشيخ إلا بعد جهد مضن في ركني المشيخة العلم
والعبادة
وكان الأساس الأصيل وهو العزيمة الصادقة التي جشمته المصاعب غير مبال بمتاعبها في سبيل الهداية والقرب
يصاحب كل ذلك من المبدأ إلى النهاية توفيق الله وعنايته سبحانه إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجنى عليه اجتهاده
ويقول القرآن الكريم التعبير الخالد الصادق
وما توفيقي إلا بالله
وكل توفيق إنما هو من الله وحده
وقد وفق الله إمامنا للوصول إلى مرتبة أصبح فيها أهلا للإرشاد والتوجيه وتوافر فيه ما بينه الله سبحانه من سبيل مستقيم للدعاة
إن الله سبحانه يقول
قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان
الله وما أنا من المشركين
이
والدعوة إلى الله على بصيرة هي الدعوة على علم وقد تأسس شيخنا
في هذا الجانب على أسس من العلم قوية
ويقول الله سبحانه عن الدعاة
الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله ﴾
وهذه الصفة لا تتأتى إلا لمن غرف من مناهل الصوفية فأصبح بكليته لله سبحانه فهو يخشاه ولا يخشى غيره
ويقول سبحانه
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي
أحسن
والواقع أن شيخنا كان يمثل حكمة القرآن هذه في أسلوب الدعوة تمثيلا جميلا ومما يقوله كاتب مادة أبي مدين فى دائرة المعارف الإسلامية عن أبي مدين شيخاً وأستاذا
ويبين لنا كتاب التراجم من العرب على أن أبا مدین كان متفننا في علوم الإسلام المختلفة نقليها وعقليها ونرى مما تقدم أن أبا مدين كان بفاس في الوقت الذى انبعثت فيه مذاهب الموحدين في بلاد المغرب والذي نهضت فيه العلوم الكلامية والفقهية بتأثير تلك المذاهب ولكن يظهر أن الطالب الأندلسي الحديث لم يبد أى ميل نحو هذه الأنظار الجديدة لأن ذوقه وجهه إلى التصوف بصفة خاصة وساقه في هذا الطريق
۵
الشيخ أبو يعزى الذى بلغ به إلى مرتبة الصوفي الكامل بالقيام والصلاة والتقشف المتواصل الشديد ولم يجد أبو مدين - لفقره المدقع – أية صعوبة
في التخلص من هذا العالم ومن ملذاته الزائلة فتنقل متدرجا في كل مراتب الصوفية حتى بلغ مرتبة القطب الغوث
وبعد أن مكث عدة أعوام بفاس انتقل الصوفي الشاب إلى مكة حيث لقى - كما يقال - الصوفى الكبير عبد القادر الجيلاني فارتبط به بصلات الود وأتم بإرشاده علومه الصوفية
ولما عاد أبو مدين من المشرق انصرف إلى تعليم الصوفية في بلاد المغرب فاستقر في بجاية ناسكًا نسكًا شديدًا وسرعان ما اشتهر بولايته وعلمه وهرع إليه الناس من أقصى البلاد يسألونه ويأخذون عنه وكان له وهو بفاس كرامات وأظهر مثلها فى أثناء رحلته في بلاد الشرق وبعد عودته إلى بجاية
وكانت تعاليم أبي مدين الصوفية التى قام بنشرها في بجاية تخالف مذاهب فقهاء الموحدين فى تلك المدينة فقلق هؤلاء من شهرته التي أخذت
تذيع يوما بعد يوم ومن مريديه الذين تزايد عددهم
وأخذ الشيخ أبو مدين فى التدريس والإرشاد وكان من الكتب التي يدرسها كتاب المقصد الأسنى فى شرح أسماء الله الحسنى للإمام الغزالي وهو كتاب مبارك يقول الإمام الغزالى أنه بث فيه بعض أسرار
علم المكاشفة
ومن
يقول أبو العباس أحمد الخطيب الشهير بابن قنفذ أصحاب الشيخ أبي مدين رضى الله عنه الفقيه العالم الصالح أبو عبد الله محمد بن حماد الصنهاجي من قلعة حماد ذكر في فهرسته أنه لقى الشيخ أبا مدين رضى الله عنه وقرأ عليه كتاب المقصد الأسنى أسماء الله الحسنى من فاتحته إلى خاتمته تفقه بداره ببجاية سنة
في شرح
إحدى وثمانية وخمسمائة قال
بني
وقيدت كلامه عليه أول يوم من غير أن أعلم أحدا فلما كان في اليوم الثاني قال لنا الشيخ لا أريد أن تقيدوا عنى شيئًا مما أقوله في هذا
الكتاب وكاشفنا بذلك
وكان الشيخ أبو مدين رضى الله عنه يلجأ في حل المشكلات فيأتي أنه بأبدع التأويلات ذكر بعضهم وقع نزاع بين الطلبة في قوله صلى الله
عليه وسلم إذا مات المؤمن أعطى نصف الجنة
فتردد الكلام بينهم في أن المؤمنين إذا ماتا استحقا الجنة بكمالها فساروا إلى مجلس الشيخ أبي مدين رضى الله عنه ليطلعوا على ماعنده في المسألة فوجدوه جالسًا يقرأ رسالة القشيري فلما استقر الجلوس سكت بهم الشيخ أبو مدين عن الكلام الذى كان فيه وقال نزيل الإشكال عن أصحابنا من غير أن يسألوه فقال لهم إنما أراد رسول الله صلى الله عليه
وسلم
نصف جنته لأن لكل مؤمن جنة تخصه فإذا مات أعطى نصف جنته
وبعد الحشر يعطى النصف الثانى ثم زاد فى هذا الكلام وتكلم كيف يكشف للمؤمن من مقعده في الجنة وتنعمه بتلك الرؤية واتصال الأرواح وغير ذلك مما يناسب هذا الكلام وفى هذا من العلم ما لا ينتهى إلى حقيقته إلا أهل الصفا وأصحاب المواهب كالشيخ أبي مدين رضي الله عنه وجعلنا الله من
حزبه بفضله
وكان الشيخ رضي الله عنه مشغولا بالتربية والإفادة والتعليم والعبادة والإقبال على الله تعالى في الظاهر والباطن وكانت تحدث له في أثناء تدريسه بعض الطرائف ذلك ما حدث به من الشيخ الصالح أبو محمد عبد الله بن ماكسن الصنهاجي وهو الذي حدث عنه الحكاية الغريبة قال كان الشيخ أبو مدين رضي الله عنه في مجلس إقرائه فجاء رجل ليعترض عليه فأراد القارئ أن يقرأ فمنعه الشيخ أبو مدين من القراءة وقال له اسكت ثم التفت إلى الرجل وقال له لم أتيت قال أتيت لأقتبس من أنوارك فقال له الشيخ ما في كمك فقال له الرجل مصحف فقال له أبو مدين اخرجه وافتحه واقرأ أول سطر منه فإذا فيه الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين فقال له أبو مدين أما يكفيك هذا
يا من توقف جهلا في كرامتهم حقق وصدق فإن القوم قد صدقوا في بطالته وحازم نحو باب القرب منطلق
لا يستوي
متان
ومن
ذلك قصة اثنين من كبار العلماء ذهبا إليه - حينما سمعا عنه - ليستكشفا الأمر بأنفسهما وفي القصة تقدير عظيم للشيخ أبي مدين يقول صاحب كتاب أنس الفقير
ومن إخوان الشيخ أبي مدين رضى الله عنه الشيخ الشهير العالم المحدث الصالح الخطيب القاضي العدل أبو محمد عبد الحق ابن عبد الرحمن الأشبيلي الحافظ صاحب الأحكام الكبرى والصغرى في الحديث والعاقبة فى التذكير إلى غير ذلك من التواليف كانت ولادته عام ستة عشر وخمسمائة ووفاته عام اثنين وثمانين وخمسمائة وقبره ببجاية المحروسة خارج باب المرسى وأول اجتماع به وقع له مع الشيخ الفقيه القاضي العدل الشهير أبى على المسيلى صاحب التذكرة في أصول الدين وغيرها وقبره يتبرك به خارج باب آمسيون من بجاية وذلك أنهما كانا أخوين في الله تعالى مصاحبين فى العلم والدين والزهد واليقين واتباع سلف المؤمنين فسمعا بالشيخ أبي مدين وأنه يأتى من العلم بفنون وأنه اطلع من أمر الله تعالى على سره المكنون فكانا يتعجبان ويبعدان ما عنه يسمعان فاتفق رأيهما على الاجتماع به والاطلاع على ما عنده فسارا إليه إلى أحد مسجديه اللذين يجلس فيهما مع خواصه فدخلا عليه فوجداه يفيض بالنور ويستخرج الدرر من قيعان البحور فلما فرغ من كلامه سلما عليه وسلم عليهما وما اجتمعا به قط ولا رآهما فقال الشيخ أبو مدين رضى الله عنه أما هذا فالفقيه أبو محمد عبد الحق وأما هذا فالفقيه أبو على المسيلى فقالا نعم وكان ذلك من كراماته ثم قالا له
بلغنا أنك لم تزد على سورة تبارك الذي بيده الملك
فقال لهما نعم كانت سورتى ولو تعديتها لاحترقت ثم التفت إليها وقال بنزعة صوفية بي قل وعلى دل فأنا الكل ثم انفصلا عنه وعلما أن الله تعالى مواهب لا يسعها المكاسب وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء فواخاه أبو محمد عبد الحق رحمه الله وأقر له بالسبق في الطريق وكان بعد ذلك إذا دخل على الشيخ أبي مدين ورأى ما أيده الله به ظاهرا وباطنا يجده على حالة سنية لم يجدها قبل ظهوره في مجلسه ويقول عند ذلك هذا وارث على الحقيقة
هكذا نقل محيى الدين الإمام المحقق الصوفي أبو عبد الله محمد الحاتمي المعروف بابن العربي صاحب كتاب مواقع النجوم في التصوف وغيره من التأليف وتوفى محيى الدين هذا في حدود الأربعين وستمائة أعاد الله
ومن
علينا بركة الجميع ذلك ما حدث الشيخ الصالح أبو الزهر ربيع من أ أنه سار يوما إلى والدته وأخبرها بضيق حاله فقالت له اعرف لأبيك دارا اغتصبت له وهذا رسمها واستفتى الفقهاء فى الطلب وأذنوا له فقال فقلت في نفسي قد استفتيت فقهاء الدين ولابد أن أستفتى فقهاء الآخرة قال فسرت إلى الشيخ أبي مدين رضى الله عنه فوجدته في مسجد أبي زكرياء الزواوي بحومة اللولة من بجاية وسألته رضى الله عنه فقال استفت ربك فسكت ثم قمنا إلى الصلاة وكانت صلاة الصبح فلما كنت في الركعة الثانية عرض
على شبه سنة خفيفة ثم سمعت من يقول أطلب حقا واجبًا أطلب حقا واجبا فأتممت الصلاة مع الإمام وجلست بمجلس الشيخ أبي مدين لاستماع الذكر فلما انصرف الناس أقبل على الشيخ أبو مدين بوجهه وقال لي أفتاك ربك فقلت له أفتاني يا سيدي
يقول الشيخ ابن قنفذ وهذا من كرامة الشيخ أبي مدين رضي الله عنه ونفع به وهى أكثر من أن يحصرها مجلدات وأعظم بركاته ظهور ألف شيخ
ومن
على يده ولذلك يقال له شيخ المشايخ رضي الله عنه ذلك ما حدث به الشيخ الصالح أبو عبد الله البونى وكان من الأخيار خرج مرة من بلد العناب إلى زيارة الشيخ أبي مدين ببجاية فقال له الشيخ الصالح الولى الشهير المنقطع إلى الله تعالى سيد أهل عصره وقادة أهل مصره إمام الزاهدين وقدوة المريدين وحامل لواء العارفين أبو مروان الفحصيلي رضي الله عنه ونفع به سلم على أبي مدين وقل له ادع لى فقال فلما وصلت إليه وجدته بثياب حسنة رفيعة برائحة المسك والطيب وهو على حالة تشبه حالة الملوك فسلمت عليه وجلست بين يديه ثم قلت له يا سيدى يسلم عليك سيدى أبو مروان الفحصيلى وقال لك ادع لي فقال نزع الله من قلبه حب الدنيا
قال فتعجبت من هذه الدعوة وقلت سبحان الله تركت الشيخ أبا مروان في غاية من الزهد والتقشف والإقلال ونبذ الدنيا جملة وهذا الشيخ فيها رأيت من التمتع ويدعو له بهذه الدعوة فلما قضيت زيارتي
۵۸
ودعته ورجعت إلى بوتة فقصدت الشيخ فوجدته بمرقعة وبيده قصبة صيد الحوت فسلمت عليه فقال لى رأيت الشيخ أبا مدين فقلت له نعم وأخبرته بما وقع فأخذ القصبة وكسرها ورمى بالسنارة وقال قال الشيخ الحق قلت ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل نفعنا الله وأعاد علينا بركاتهم وقد ألف بعض الفضلاء في كراماته ويقول صاحب كتاب أنس
بهم
الفقير
وكان ببركة الشيخ أبي مدين وظهور عنايته من انتسب إليه تكرمه العلماء والصلحاء والسلاطين ما يكتب إليه أحد من الأمراء الراشدين إلا
ويخصه بالسيادة
وكتب مرة لأمير منهم فى تسريح مسجون فسرح كل من في السجن ذلك بسبب
وكان من أصحاب الشيخ أبي مدين رضى الله عنه الشيخ الصالح أبو على حسن بن محمد الغافقى الصواف لازمه ثلاثين سنة ولم يفارقه إلا بالموت في العباد وحدث عنه أخبارًا ورأى له أسرارا وانتفع على يديه وتحسر بعد موته عليه ونسب كل فضيلة ظهرت في تلامذته إليه وقال أبو عبد الله محمد بن على الأنصاري السقطى
وذكرت عنده العقبات السبع المذكورة فى كتاب منهاج العابدين
۰۹
فقال رأيت من قطعها فى السبعين عاما ورأيت من قطعها في ساعة واحدة
مثلما قطعها إبراهيم بن أدهم وجاء التوفيق من الله تعالى
كما كانت الكرامة
والواقع أن الكرامة الكبرى للشيخ أبي مدين الكبرى لكل ولى هي تخريج عدد كبير من المريدين الذين يسير بهم الأولياء إلى طريق الله تعالى
وإذا كان أبو مدين قد هدى ألف إنسان وقادهم إلى سبيل الله فإنه مازال وهو في دار البقاء يهدى بسيرته العطرة ومازال أتباعه ومريدوه يهدون إلى الله من جيل إلى جيل والسر متصل والبركة فياضة وإن آثاره في الموعظة مازالت تشع النور وتسيل بالخير
الفصل الثالث
أبو مدين في معراجه إلى الله تعالى
كيف رسم
أبو مدين طريق القرب
إننا نبدأ فنقول إن الصراع - منذ أن وجد الإنسان – يتبلور بين طلاب الدنيا والدعاة إلى الدين بيد أن الحق في هذا الصراع يحتاج إلى توضيح لأن معنى الدنيا من وجهة النظر الدينية يلتبس على كثير من
الناس
ما هي الدنيا في الوضع الديني
إن الحياة الدنيا في النظر القرآنى هى هذا العبث واللهو والتفاخر بالمال
والزينة إنها حياة قارون
ويقول الله تعالى في ذلك
فخرج على قومه فى زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتى قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون فخسفنا به ويداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن الله من علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين
وقصة قارون قصة فيها عظة وعبرة وفيها توضيح للفرق بين أن يكون
السلوك دنيا أو يكون السلوك آخرة
ولقد كان الشيخ أبو مدين يتحدث عن الدنيا بالأمثلة ما رواه المريديه من القصة التالية
ومن ذلك
قال الشيخ أبو مدين رضى الله عنه جاء رجلان إلى أبي عبد الله التاودى يزورانه فأبصرا به بين يديه هرین جعل كل واحد منهما رأسه على الآخر فقالا له هكذا ينبغى أن تكون الأخوة فأخذ التاودى لقمة خبز ورمى بها إليهما فوتبا كل واحد منهما على الآخر ليأخذ اللقمة فقال أبو عبد الله هكذا كانت الأخوة حتى دخلت الدنيا فأفسدتها
وقال
من اشتغل بطلب الدنيا أبتلى فيها بالذل
وقال
جعل الله قلوب أهل الدنيا محلا للغفلة والوسواس وقلوب العارفين محلا للذكر والاستئناس
إن الدنيا في الوضع الحقيقى هى لهو وعبث ولكن الأمور – في المال
والثراء وفى العمل وفى الكدح وفى الملابس الجميلة وفي اقتناء الخيل إن الأمور في كل ذلك يمكن أن تكون عبادة عليها الثواب الجزيل من الله تعالى وتأمل هذه الأحاديث معی
٦٣
قال
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
لا يدخل الجنة من كان فى قلبه ذرة من كبر فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا فقال صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس ۱
ويقول صلى الله عليه وسلم
الخيل معقود فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم
ويقول
من احتبس فرسا فى سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فإن شبعه
وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة ۳
وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال
هذه
في
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بناقة مخطومة فقال سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك بها يوم القيامة
سبعمائة ناقة كلها مخطومة ٤
۱ رواه مسلم
متفق عليه
۳ رواه البخاري
٤ رواه مسلم
"
ولقد استفاضت الشريعة الإسلامية فى رسم قواعد التجارة والبيع والشراء والإجارة وكتابة الدين
واستفاض القرآن الكريم والسنة الشريفة فى الحديث عن المال وعن وجوه إنفاقه وعن الأغنياء وعن قواعد الغنى والثراء وكيف يكون سلوك الثرى وتصرفه فيما يملك
وإن الزكاة - وهى ركن من أركان الإسلام - لتدل على أن الإسلام يحث على الثراء وإلا لنقص الإنسان ركنا من أركان الإسلام وما من شك في أن الفقير الذى لا مال عنده ليؤدى الزكاة منه لا لوم عليه ولا إثم ومع ذلك فهو ينقص ركنا من أركان الإسلام
وقد يكون الفقر سببًا في فقدان ركن ثان من أركان الإسلام وهو ركن الحج وما من شك فى أن الحج واجب على كل من استطاع إليه سبيلا ذلك فإن من لم يحج لم يستكمل أركان الإسلام والفقير - ومع
فقط
إذن – عرضة لأن ينقص في حياته ركنين من أركان الإسلام الخمسة أي ينقص خمسين من الأركان
ولابد من الكدح في الحياة ولكن المال الذى يكون ثمرة لهذا الكدح الا يستعبد الإنسان والوضع الإسلامي هو أن هذا المال الذي أنعم يجب الله به على الإنسان هو من عند الله والإنسان مستخلف فيه يسير في
التصرف فيه على الوضع الذي رسمه الله الموكل
وإن الإنسان الذى يصل إلى التحقق بقوله تعالى
طولكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم
هو إنسان قد استقام أمره
ولقد كان من دعاء أبي الحسن الشاذلى رضى الله عنه في موضوع الدنيا اللهم وسع على رزقى في دنياى ولا تحجبني بها عن أخراى وكان من دعائه أيضا
اللهم اجعلها في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا
ومن أجمل كلمات أبي مدين الصوفي
كل فقير أي صوفي الأخذ أحب إليه من العطاء لم يشم للفقر
التصوف رائحة
ويريد أبو مدين بذلك أن الفقير يعطى من الخير المادى ومن الخير المعنوى أكثر مما يأخذ
إنه غنى ويجب أن يكون كذلك ماديا وروحيا
والحياة الدنيا في العرف الإسلامى هى كما وصفها الله في القرآن الكريم
لهو ولعب وزينة وتفاخر وهى التي يقول فيها الصالحون يا دنيا غرى
غيري
غرى غيرى بلهوك وعبتك وزينتك والتفاخر بالذهب والفضة
។ ។
وأما إذا سار الإنسان في كل تصرفاته بالله فإنه عابد وإن كان من أصحاب الخيل المسومة والأنعام والحرث لأن ذلك كله ينتفى عنه أنه
متاع الحياة الدنيا
لأنه أصبح من أعمال الآخرة
وإذا ما تجرد الإنسان من ذل العبودية للهو والعبث وإذا ما تحرر من الشهوات فقد أصبح صالحا لمراتب القرب من الله تعالى يقول أبو مدين رضى الله عنه هذه الكلمة العميقة
من لم يصلح لخدمته شغله بالدنيا ومن لم يصلح لمعرفته شغله
بالآخرة
قليلا
ويقول
إذا ظهر الحق لم يبق معه غيره
ولكننا لم نصل بعد إلى هذا الأفق - أفق ظهور الحق - وعلينا أن نتأنى
حتى نرى ما قبل ذلك
من خطوات
إن الإنسان حينما يتخلص من ذل العبودية للمادة كما بينا عليه أن يبدأ
بالخطوة الأولى
والخطوة الأولى في الطريق إلى الله حسبها يرى أبو مدين ويرى غيره
من الصوفية هي
٦٧
التوبة
يقول أبو مدين
طلب الإرادة قبل تصحيح التوبة غفلة
لابد من تصحيح التوبة أولا وأبو مدين يستعمل كلمة تصحيح
وتصحيح التوبة يتضمن رد الحقوق لأصحابها وإلا لما كانت توبة صادقة
وتصحيح
التوبة يستلزم - لا مناص - أداء حقوق الله في الطاعات
والانتهاء عما نهى الله عنه
ويقول أبو مدين في الطاعات
من أهمل الفرائض فقد ضيع نفسه
كثمرة
وإذا ما صححت التوبة على الوضع الصادق أنتج ذلك تصحيح النية والحديث الشريف فى النية من أسمى ما قيل
ضرورية
فيها
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه
وإذا استقامت النية كان
الإخلاص
وحديث أبي مدين عن الإخلاص حديث جميل وكلماته عنه كلمات نفيسة إنه يقول
الإخلاص ما خفى على النفس درايته وعلى الملك كتابته وعلى
الشيطان غوايته وعلى الهوى إمالته
وهو يضع للإخلاص علامة فيقول
علامة الإخلاص أن يغيب عنك الخلق في مشاهدة الحق وإذا كان أبو مدين قد عرف التصوف وهو يسميه الفقر أكثر من مرة فإنه فى بعض التعريفات ينحو به نحو الإخلاص إنه يقول مثلا الفقر أمارة على التوحيد ودلالة على التفريد
أى أمارة على توحيد الله بالعبادة والعبودية ودلالة على تفريده سبحانه بالاستعانة إنه التحقق بـ إياك نعبد وإياك نستعين وبعض الناس يحب المدح والثناء وقد يعمل العمل ناظرا إلى المدح محبا للثناء ويقول في ذلك أبو مدين
من عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه
وأبو مدين حينما يتحدث عن الإخلاص بهذا النفس العالى فإنه يتناسق
9
في ذلك
القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يقول الله تعالى مع
و ألا الله الدين الخالص
والدين الخالص هو ما ليس لغير الله فيه نصيب
والدين المخالص هو ما خلا من الشرك الظاهر والشرك الخفي إنه ما خلا من شرك السرائر
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرك السرائر قائلا إياكم وشرك السرائر قيل وما شرك السرائر قال الرياء وهذا الذي يفارق الدنيا على الإخلاص لله وحده وأقام الصلاة وآتى
الزكاة وفارقها والله عنه راض كما يقول البشير النذير
والأحاديث والآيات القرآنية في الحث على الإخلاص وإيجابه وفى النهي عن الرياء وتحريمه كثيرة
ومن أجمل المبادئ الإسلامية أن العمل الذي عمله الإنسان على الإخلاص لله وحده يستشفع به إلى الله فى الملمات فيكون سببا في الفرج
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة
الأمور ولزوم جماعة المسلمين
V
ولقد تابع أئمتنا رضوان الله عليهم القرآن والسنة في ذلك وقد قيل
لسهل بن عبد الله أي شيء أشد على النفس
فقال الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب
ونتيجة الإخلاص عظيمة ويقول ابن مكحول
ما أخلص عبد قط أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه
على لسانه
وأما تعريف القشيري للإخلاص فهو
الإخلاص إفراد الحق سبحانه في الطاعة بالقصد وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله سبحانه دون أي شيء آخر من تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس أو محبة مدح من الخلق سوى التقرب به إلى الله تعالى
أو معنى
من
المعاني
والإخلاص ليس مرحلة من مراحل التصوف تنتهى في فترة من الفترات لتترك المجال لغيرها إنه – بالتعبير الصوفى – ليس مقاما يسلم إلى مقام آخر وينتهى كلا وإنما هو وضع مقيم مستمر إلى نهاية حياة الإنسان
أما المقامات التي يمر بها الإنسان فإنها تبتدى – بعد التوبة – بالورع
۷۱
ويقول صاحب أنس الفقير عن أبي مدين وبلغ - رحمه الله من الورع مقاما عاليا
والورع هو ترك كل ما فيه شبهة
وإن طلب الحلال الصافي من شيمة أصحاب الورع وأكل الحلال من سمات أصحاب الورع وإن ترك ما فيه شبهة هو ما يعبر عنه بطيب المطعم ولطيب المطعم شأن كبير فى إستجابة الدعاء وقد تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى
يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا
فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال صلى الله عليه وسلم يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار
أولى به
ومن هنا كان اهتمام سادتنا الصوفية بالورع وكانت أقوالهم الكثيرة
فيه يقول يحيى بن معاذ
الورع الوقوف على حد العلم من غير تأويل
ويقول أبو عثمان
ثواب الورع خفة الحساب
۷
ولقد قال يحيى بن معاذ
من لم ينظر في الدقيق من الورع لم يصل إلى الجليل من العطاء ومن أهمية الورع فى النظرة الإسلامية أن الله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين من أكل الحلال فقال
يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إنى بما تعملون
عليم
وقال ﴿ يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم - بعد أن قرر هذا المبدأ مستشهدًا بالآيتين الكريمتين الرجل أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشر به حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فأنى يستجاب
لذلك
والورع
كما يقول أبو سليمان الداراني
أول الزهد
ولقد نال أبو مدين - كما يقول صاحب كتاب أنس الفقير - من الزهد والتحقيق منالا سنيًّا تبعه فيه المتقون واقتدى به المحققون ولازمه
المصدقون
أهـ
ولقد اهتم أبو مدين بالزهد اهتماما كبيرا إنه يفصل الأمر فيه ويقول
الزهد فريضة وفضيلة وقربة فالفرض فى الحرام والفضل في المتشابه والقربة في الحلال
وتحدث عن أسس التصوف وأعلن أن الزهد أحد الأسس وبدونه
لا يكون تصوف بل رأى أن الصلاحية لسماع علم التصوف
السماع
والزهد
لا تكون إلا بشروط منها الزهد
فيما يرى الصالحون - مأخوذ من قوله تعالى
ولكن لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم
مجرد
فالزاهد - كما يقول الإمام القشيري - لا يفرح بموجود ولا يتأسف
على مفقود منها
ويقول الجنيد الزهد خلو القلب عما خلت منه اليد ومن ذلك نلاحظ أن الزهد مسألة قلبية وأن الصلة بينه وبين الثراء ليست صلة تعارض لأنه قد لا يملك الإنسان شيئًا ومع ذلك فهو غير زاهد مادام قلبه معلقا بالدنيا وقد يكون الإنسان من ذوى الثراء العريض وهو زاهد مادام قلبه ليس معلقا بالدنيا
وإذا تمكن الإنسان من التحقق بقوله تعالى
لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم
فقد أصبح في عافية
ويقول في ذلك أبو مدين
الزهد عافية
وإذا تاب الإنسان والتزم الورع وأصبح زاهدا فإنه يكون قد قطع مرحلة لا بأس بها من مراحل التمهيد للبدء في التصوف
إنه بالورع والزهد يكون قد انتهى من عقبات الجانب المادي الذي يحجبه عن السير إلى الله
ولكن الورع والزهد حينما يقف الإنسان عندهما فإنه يكون ورعا زاهدًا ولا يكون صوفيا وهما إذا كانا تمهيدًا موفقاً من الناحية المادية فإنه لابد من تمهيد من الناحية النفسية
وإذا كانت التوبة أساسًا قويا للورع والزهد فإنها أيضًا أساس قوى
للتمهيد النفسى
إن التوبة يتجه إليها الإنسان إنما تكون بزاجر قلبي فإذا لم يكن هذا الزاجر موجودًا فلا توبة ويقول أبو مدين بحق
من
من لم يجد في قلبه زاجرا فهو خراب
وإذا كان الزاجر أساس التوبة والباعث عليها فإنه لابد لصدق التوبة
Vo
المحاسبة
ولقد تحدث أسلافنا رضوان الله عليهم عن المحاسبة ومن المحاسبة أخذ لقب المحاسبي وهو الحارث بن أسد كان يحاسب نفسه على الصغير من الأمور والكبير منها ولقد ترك كتابًا فى المحاسبة يبين فيه دقيق
المحاسبة
ولقد تعمق فيه بصورة لا تكاد تجارى
أعماله
والمحاسبة هي أن يحاسب الإنسان نفسه على كل عمل يأتيه فيزنه بميزان الشرع ويزنه بميزان الإخلاص ويصلح حاله في الوقت إن رأى تقصيرا ويستغفر ويتوب ويعزم على أن يحسن فيما يستقبل من ویلازم طريق الحق ويحسن فيما بينه وبين الله تعالى وذلك في مراعاة القلب فإذا ما كان كذلك أمكن أن يرقى إلى درجة
المراقبة
ويقول أبو مدين في ذلك
بالمحاسبة يصل العبد إلى درجة المراقبة
والمحاسبة
إذن - تمهيد للمراقبة
والمراقبة هي اليقين بأن الله عليه رقيب إنه سبحانه يقول
ونحن أقرب إليه من حبل الوريد
ويقول وهو معكم أينما كنتم
ويقول ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما
كانوا
وهو سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
يقول الإمام القشيري في المراقبة
وحفظ الله مع
الأنفاس وراقب الله تعالى في عموم أحواله فيعلم أنه
سبحانه عليه رقيب ومن قلبه قريب يعلم أحواله ویری أفعاله
أقواله
ويسمع
ومن تغافل عن هذه الجملة فهو بمعزل عن بداية الوصلة فكيف عن "
حقائق القربة
ومهما قال أسلافنا في المراقبة فإنهم لن يصلوا إلى مستوى الآيات
القرآنية التي ذكرناها
التوبة الصادقة
إذن
ينبثق عنها الإخلاص وكأنه جزء من
أجزائها ثم يتفرع عنها في الجانب المادى الورع والزهد ويتفرع عنها في الجانب النفسي المحاسبة والمراقبة ويكون العبد بذلك قد تهيأ للدخول في
الطريق الموصل إلى القرب القرب الخاص
VV
وبعض الناس يقف عند الورع في الجانب المادي إنه محمود وهو من
أهل اليمين وبعض الناس يقف عند الزهد إنه من الزاهدين وذلك محمود وبعض الناس يقف فى الجانب النفسي عند المحاسبة إنه من
المحمودين
وبعضهم يرقى إلى مقام المراقبة وكل ذلك محمود مشكور ولكن ذلك نهاية الخطوات هى وسائل تجعل النفس جديرة بأن تستقبل
خطوات أخرى هى من صميم الطريق الصوفى
وقبل أن نصل إلى صميم الطريق الصوفي نقف وقفة عند بعض إرشادات أبي مدين لمريدى التصوف
أولا
عن الدعاوى
إنه يقول
من رأيته يدعى مع | الله حالا لا يكون على ظاهره شاهد منه فاحذره
وإحدى آفات التصوف هم هؤلاء الذين يدعون مقامات ويزعمون كرامات ويتحدثون عن درجات في القرب سنية مع أنهم في أداء الفروض مقصرون وفى الذكر فاترون ولقد حذر الصوفية الصادقون منهم على مر
الزمن ومن كلماتهم في ذلك
VA
إذا رأيت إنسانًا يسير على الماء أو يطير في الهواء فلا تعبأ به حتى تراه
عند الأمر والنهي
أى إنه إذا كان يسير مع الأمر أداء وينتهى عما نهى الله عنه فإنه محل للثقة أما إذا كان غير ذلك فاحذره
ويقول أبو مدين
من خرج إلى الخلق قبل وجود حقيقة دعته لذلك فهو مفتون وكل من ادعى مع الله حالة ليس على ظاهره منها شاهد فاحذروه
إن أبا مدين يكرر هذا النصح على أنحاء شتى حتى يكون الأمر
واضحا
وهناك من يتعلقون بدعوى الأماني إنهم لا يعملون في جد وإنما حياتهم أماني وعنهم يقول أبو مدين
من تعلق بدعوى الأمانى لا يفارق التوانى
إن الله لا يعبد بالأمانى ولا يصل الإنسان إلى مقامات القرب
بالأماني
أما إذا تساءلت عن أساس الدعاوى فإن أبا مدين يقول
الدعوى من رعونة النفس
وصدق فإن المتزن المستبصر لا يدعى وماذا تفيد الدعوى إذا نظرنا
إلى حقائق الأمور
والمدعون معرضون لأمرين وقد وقع فيهما الكثيرون
إنهم معرضون للسير نحو البدعة حتى يتميزوا عن غيرهم
وهم معرضون
لفتنة النساء لأنهم مدعون
وعن ذلك يقول أبو مدين
احذر صحبة المبتدعة إبقاء على دينك
واحذر صحبة النساء إبقاء على إيمان قلبك
ثانيا - الواجبات
يقول أبو مدين
من أراد الصفا فليلتزم الوفا اهـ
الوفاء بالفروض والله سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي
ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى من أداء ما افترضته عليه
والوفاء في العهود
والوفاء بالعقود
والوفاء للمصطفى صلى الله عليه وسلم ومن ذلك حبه صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلنها في صراحة قائلا
والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده والناس
أجميعن
والله سبحانه وتعالى يقول
قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتر بصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين
ولقد قال عمر يوما للرسول صلى الله عليه وسلم أنت أحب إلى من كل شيء إلا من نفسى فقال صلى الله عليه وسلم لا ياعمر حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال عمر والله لأنت الآن أحب إلى من نفسي التي بين جنبي فقال صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر
ومن الوفاء للمصطفى صلى الله عليه وسلم الاقتداء به في الإكثار من النوافل والنوافل هي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي
وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه
۸۱
ومن الوفاء للمصطفى صلى الله عليه وسلم اتخاذه أسوة في كان خلقه القرآن والله سبحانه وتعالى يقول
فو لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو | الآخر وذكر الله كثيرا
أخلاقه وقد
الله واليوم
ومن الوفاء للمصطفى صلى الله عليه وسلم طاعته والله سبحانه وتعالى
يقول
ومن يطع الرسول فقد أطاع الله
وتحكيمه والله سبحانه وتعالى يقول
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيها شجر بينهم ثم لا يجدوا
في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما
إن من أراد الصفاء فليلتزم الوفاء الله ولرسوله
أما
من لم يلتزم الوفاء فإنه لا يصلح للقرب يقول أبو مدين له المهمل في الأحوال لا يصلح لبساط الحق
وثالثًا - إيثار الحق سبحانه
يقول أبو مدين
ما عرف الحق من لم يؤثره
۸
ويقول
الحق تعالى مطلع على السرائر والضمائر في كل نفس وحال فأى قلب
راه مؤثرا له حفظه من الطوارئ والمحن ومضلات الفتن
وجزاء المؤثر لله - إذن - حفظه من طوارئ الليل وطوارئ النهار إلا طارق يطرق بخير وحفظه من مضلات الفتن حفظه من ذلك كله في حياته وكفى بذلك مكافأة
ويحذر أبو مدين من الميل إلى غير الله ويقول
إياك أن تميل إلى غير الله فيسلبك لذة مناجاته
إن في المناجاة لذة وإن في سلب هذه اللذة عذابا
ويصف أبو مدين بعض أحوال السالكين إلى الله فيما يتعلق بشعورهم
المرهف وروحهم
الشفافة فيقول
الحضور مع الحق جنة والغيبة عنه نار والقرب منه لذة والبعد عنه
حسرة والأنس به حياة والاستيحاش منه موت
رابعا
الحرية
وإن للحرية مكانة جميلة فى التصوف وفهم الصوفية للحرية فهم في غاية الجمال يقول أبو مدين
ما وصل إلى صريح الحرية من بقى عليه من نفسه بقية
Α
إن الإنسان عبد إذا استعبده المال أو السلطان أو الجاه أو الهوى أو الشهوات والحرية أن يتحرر الإنسان عن كل هذه القيود التي تستعبده
ويقول الإمام القشيرى عن فهم الصوفية للحرية
إن الذي أشار إليه القوم من الحرية هو ألا يكون العبد تحت رق شيء من المخلوقات لا من أعراض الدنيا ولا من أعراض الآخرة فردا لفرد أى الله لم يسترقه عاجل الدنيا ولا حاصل هوى ولا أجل منی ولا سؤال ولا قصد ولا أرب أى حاجة ولاحظ
وهذا فهم جميل حقا للحرية أن تتحرر من رق الأغيار وحقيقة الحرية - إذن فى كمال العبودية لله سبحانه وكمال العبودية له تحرر من كل ما سواه
إن الحرية الحقة هي في التحقيق بـ إياك نعبد وإياك نستعين ومن أجمل ما قرأت من كلام الشبلي أنه سئل
لم سمى الصوفية بهذا الاسم
فقال لبقية بقيت عليهم من نفوسهم ولولا ذلك لما تعلقت إنه يريد أن يتحرر الإنسان حتى من التسمية
وهي
كلمة تشبه كلمة أبو مدین التحرر من
تسمية بهم
النفس والبقاء بالحقائق
ويرى أبو مدين أن اليقين بالحقائق إنما هو محو مستمر للفردية
الشخصية إنه يقول
ΛΕ
كل حقيقة لا تمحو أثر العبد ورسمه فليست بحقيقة
والإنسان – إذن ما دامت الأهواء والشهوات أو بتعبير أدق - حر
النفس لا تستعبده
وهو حر ما دامت الحقائق تحتل مكان الأهواء والنزعات والشهوات وهو حر مادام يهتدى بالحق أينما كان
ولقد كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم اللهم أرنى الحق حقا وارزقني اتباعه وأرنى الباطل باطلا وارزقني
اجتنابه
مع
وهذه الحرية التي يعنيها الصوفية تسير في نسق واحد قول حارثة رضی الله عنه
عزفت نفسى عن الدنيا فاستوى عندى حجرها وذهبها وهي حرية بعيدة كل البعد عن حرية المذهب السوفسطائي الجديد أعنى مذهب الوجودية
والوجودية ليست مذهبًا بمعنى الكلمة وإنما هي مجموعة من الأهواء بعدد الذين يتخذونها شعارًا وهى أهواء مختلفة متضاربة متعارضة لا تكون مذهباً ولا تستند إلى منطق سليم وصدق فيها قول الله تعالى أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنًا فإن الله يضل من يشاء ويهدى
من يشاء
٨٥
ومن أجمل ما قرأت عن الحرية الصوفية أن
مقام الحرية عزيز ولو صحت صلاة بغير القرآن لصحت بهذا البيت
أتمنى على الزمان محلا أن ترى عيناي طلعة
حر
والآن نتساءل علام أسس التصوف أو علام أسس الفقر على حد
تعبير أهل المغرب
إن الإمام أبا مدين يقول
أسس هذا الشأن على الزهد والاجتهاد
لابد من الزهد كما تحدثنا من قبل - ويصل أبو مدين بأمر الزهد إلى أقصى ما يتصور في شأنه إنه يقول
من لم يصلح لخدمته شغله بالدنيا ومن لم يصلح لمعرفته شغله
بالآخرة
ولعل التعمق في معنى الزهد يجعل صاحبه لا والتقدير ويقول في ذلك أبو مدين
أعماله یری
بعين
الاعتبار
من لم يصلح لمعرفته شغله برؤية أعماله
وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله
بر حمته
ورؤية الأعمال حجاب ومن أجل ذلك نبه عليها أبو مدين
وإذا كان قد أسس هذا الشأن على الزهد فإنه أسس أيضًا على
الاجتهاد كما يقول أبو مدين
والاجتهاد إنما هو اجتهاد في ذكر الله سبحانه بأشمل وبأعم ما يصلح عليه كلمة الذكر الذكر باللسان والذكر بالقلب والتذكر الدائم لله والتفكر في ملكوته
ولأبي مدين في كل ذلك كلمات جميلة حاسمة إنه يقول
نسيان العبد للحق تعالى طرفة عين خيانة
ويقول
الغيبة عن الحق خيبة
ويقول
الترة الاشتغال بالخلق عن الخالق
أما تعظيم الله سبحانه وتعالى فإنه يقول عنه
التعظيم امتلاء القلب بجلال الرب
ومن عرفه الله - كما يقول أبو مدين - استفاد منه في اليقظة وفى النوم والاجتهاد - الذي هو الركن الثانى من هذا الأساس يعتبره الصوفية ركنا
قوياً في الطريق إلى الله تعالى ويقول الإمام القشيرى فيه معيرًا عن رأى
الصوفية على وجه العموم
والذكر ركن قوى فى طريق الحق سبحانه وتعالى بل هو العمدة في هذا الطريق ولا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر
والذكر على ضربين
ذكر اللسان وذكر القلب
فذكر اللسان به يصل العبد إلى استدامة ذكر القلب والتأثير لذكر القلب فإن كان العبد ذاكرًا بلسانه وقلبه فهو الكامل في وصفه في حال
سلوكه
عنه
ولم يتحدث الصوفية عن الذكر بالأسلوب النثرى فحسب وإنما تحدثوا شعرا جميلا ومن ذلك ما كان الشبلى ينشده في مجلسه
ذكرتك لا أتى نسيتك لمحة وأيسر ما في الذكر ذكر لساني وكدت بلا وجد أموت من الهوى وهام على القلب بالخفقان فلما رآني الوجد أنك حاضرى شهدتك موجودا بكل مكان فخاطبت موجودا بغير تكلم ولاحظت معلوما بغير عيان
ومن خصائص الذكر ما ذكر الإمام القشيري من أنه
غير مؤقت بل ما من وقت من الأوقات إلا والعبد مأمور بذكر الله
وإن كانت أشرف العبادات إما فرضا وإما ندبا والصلاة
فقد
الحالات
لا تجوز في بعض الأوقات والذكر بالقلب مستدام في عموم والصوفية في موقفهم هذا من الذكر إنما يتابعون ما أمر الله سبحانه وتعالى به وما حث عليه فى كتابه الكريم - إن الله سبحانه وتعالى يصف أولى الألباب فيقول
الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب
النار
ويقول الإمام القشيري
ومن خصائص الذكر أنه جعل في مقابلته الذكر قال الله تعالى
فاذكروني أذكركم
ويقول الإمام القشيري
وفى خبر أن جبريل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الله تعالى يقول
أعطيت أمتك ما لم أعط أمة من الأمم فقال وما ذاك يا جبريل فقال قوله تعالى فاذكروني أذكركم ولم يقل هذا لأحد غير هذه
الأمة
ولقد استفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث عن الذكر استفاضة ملأت كتبًا بأكملها وألفت فى ذلك كتب كثيرة وأبواب مستفيضة في كتب السنة
لقد تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذكر في صورة الاستغفار وعن الذكر في صورة الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الذكر فى صورة التسبيح وعن الذكر فى صورة الحمد وعن الذكر في صورة التكبير وعن الذكر بلا إله إلا الله وعن فائدة الذكر
وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذكر وأبان أن مجالس
الذكر إنما هي رياض من رياض الجنة
ومن الحق أن نقول مع الإمام القشيري
إن الذكر هو العمدة في طريق القوم
وإذا ما استرسل الإنسان فى الذكر أثمر الذكر أثمارا كثيرة منها التوكل ويقول أبو مدين
عنك
توكل على الله حتى يكون الغالب على ذكرك فإن الخلق لن يغنوا الله شيئا من
وموضوع التوكل من الموضوعات التى أثارت الجدل كثيرًا دون أن
يكون هناك لهذا الجدل فإن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالتوكل عليه
مبرر
فقال سبحانه أمرا
9
وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين
أترى أن الآية تحتمل تأويلا أو صرفا عن المعنى الظاهر
أليس هذا أمرًا صريحا بالتوكل على الله
أليس في هذا بيان أن التوكل من الإيمان
ويقول الله سبحانه
وعلى الله فليتوكل المؤمنون
أما ثمرة التوكل فإن الله سبحانه وتعالى يذكرها بقوله
ومن يتوكل على الله فهو حسبه
أما تفسير التوكل فقد كان سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته تفسيرا وتوضيحا لسلوك المؤمنين
لقد كان مناضلا طيلة حياته مكافحا فى كل لحظة تمر عليه وكان جيش المسلمين الذي يقوده رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الذي يولى عليه أحد أصحابه ينتصر أحيانًا فيكون الحمد والشكر وينهزم الجيش أحيانًا فلا يكون جزع ولا فزع وإنما يكون رضا وتسليمًا
وسواء انتصر الجيش أو انهزم فإن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه
الحالة وفى تلك متوكل على الله
۹۱
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعد لكل أمر عدته ويدبر
ما يتناسب مع الظروف والحالات التي يمر بها وما كان يترك شيئًا
للمصادفة
ولقد جاء مرة رجل على ناقة وقال له يا رسول الله أأدعها وأتوكل فقال صلى الله عليه وسلم اعقلها وتوكل
وما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم قد الأمر بقوله وسلوكه حسم فليس هناك مجال للحديث فى الموضوع فإذا ما كان هناك أعداء من التصوف من يثيرون الموضوع جهلا أو تجاهلا مفسرين التوكل بصورة لا تتفق مع الوضع الصادق ومنتقدين للصوفية في فهمهم له فإن ذلك دليل واضح على سوء نيتهم نحو الصوفية
ويقول الإمام القشيرى معبرًا عن رأى الصوفية في هذا الموضوع واعلم أن التوكل محله القلب والحركة بالظاهر لا تنافى التوكل بالقلب بعد ما تحقق العبد أن التقدير من قبل الله تعالى فإن تعثر شيء فبتقديره وإن أتفق شيء فبتيسيره
ويقول ابن عطاء وقد سئل عن حقيقة التوكل
ألا يظهر فيك انزعاج إلى الأسباب مع شدة فاقتك إليها ولا تزول عن حقيقة السكون إلى الحق مع وقوفك عليها
ومن أجمل ما قيل فى التوكل ما قاله سهل بن عبد الله
۹
من طعن في الكسب فقد طعن في السنة ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان
وحينها نتدبر كلمة سهل - وهو من زعماء الصوفية وأئمتهم الكبار نجد كلمته حقا لا مرية فيه لقد كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحركة والكسب والنضال والكفاح الذى لا يفتر أما الإيمان فإنه السكون إلى ما قضى وقدر نتيجة الحركة الإنسان وكسبه سواء أكانت هذه النتيجة محققة الهدف الذي كانت من أجله الحركة والكسب أم لا
ولا تعارض بين الكسب والتوكل فالكسب عمل بالجوارح أمرنا به والتوكل اطمئنان قلبي إلى حكمة الله أمرنا به
وإذا استمر الذكر اتجه القلب شيئًا فشيئًا إلى توحيد الوجهة والمقصد يقول أبو مدين
ليس للقلب إلا وجهة واحدة متى توجه إليه حجب عن غيرها
أما هذه الوجهة فلأبي مدين كلمات نفيسة منها
اجعل الحق مقصدك ووجهتك
ويقول هذه الكلمة التى تحتوى على إشارات هي في غاية السلامة والصدق من عرف أحدا لم يعرف الأحد والحق ما بان عنه أحد من حيث العلم والقدرة ولا اتصل به أحد من حيث الذات والصفات
وكلمته الأخيرة هذه ترشد إلى موقفه من وحدة الوجود وأنه بعيد عنها كل البعد ومهما قال المستشرقون عن الصوفية الصادقين ووحدة الوجود فإنهم مخطئون في بداهة حينما يثبتونها زاعمين أن هذا أو ذاك من زعماء
الصوفية يقول بها
ويستمر الاجتهاد في الذكر فيقود الإنسان إلى
الأنس
والشوق
والمحبة
ويقول أبو مدين
الخالى من الأنس والشوق فاقد المحبة
فإذا ما كان الأنس والشوق والمحبة واستمر الذكر كانت
المعرفة
وهنا يكون السالك قد وصل إلى رتبة الصوفي أو الفقير
ولأبي مدين هنا كلمات منها
الفقر أمارة على التوحيد ودلالة على التفريد وحقيقة الفقر ألا تشاهد
سواه
ويقول
للفقر نور مادمت تستره فإذا أظهرته ذهب نوره
ويقول
الجمع ما أسقط تفرقتك ومحا إشارتك والوصول استغراق أوصافك
وتلاشى نعوتك
أما ثمرة التصوف فهي ما عبر عنها أبو تعبيرًا صادقًا مدین ثمرة التصوف تسليم كله
بقوله
إن ثمرته تسليم الله سبحانه وتعالى تسليمًا كاملا وهذا التسليم الكامل تعبر عنه صيغ كثيرة فى الجو الإسلامي منها مثلا كلمة الإسلام نفسها وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الإسلام ما هو فقال أن يسلم الله قلبك وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك وإسلام القلب الله وحده لا شريك له هو ذروة التسليم
ومنها كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله وهى كما يقول الخليل إبراهيم عليه السلام من غراس الجنة فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقيت إبراهيم صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى بي فقال يا محمد أقرى أمتك منى السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها
قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ۱
وهى كما يقول سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم كنز من كنوز الجنة فعن أبي موسى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة فقلت بلى يا رسول الله قال لا حول ولا قوة إلا بالله
"
وإذا شهد الإنسان حقا أن لا إله إلا الله تحطمت أصنام الشرك في نفسه الشهوات الجاه المنصب الثراء الاستعلاء الغلبة العجب الكبرياء فأصبح تسليمها كله تسليما تاما
ومنها التوحيد
توحيد الله في العبادة إياك نعبد
وتوحيده فى الاستعانة وإياك نستعين
وتوحيده في السؤال ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف
۱ رواه الترمذي وحسنه
متفق عليه
۳ رواه الترمذي
۳
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن الله تبارك وتعالى أنه قال
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا
تظالموا
يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم یا عبادی كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم
یا عبادی كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم
يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضرى فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر
يا عبادي إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد
خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ۱
والتوحيد تسليم كله إنه تسليم تام
والحمد لله تسليم
والله أكبر تسليم
والإيمان بأن الله مالك الملك في العظيم من أمر الملك واليسير منه
تسليم و والإيمان بأن لا نافع إلا الله ولا ضار إلا الله تسليم والإيمان بأن لا معطى إلا الله ولا مانع إلا الله تسليم
وصورة التسليم التامة الجميلة الكريمة العظيمة هي ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والتي عبر الله سبحانه وتعالى عنها بقوله قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين
هذا التسليم هو ثمرة التصوف وهذا التسليم هو مدار دعوة أبي مدين ومركزها وسنامها وقد وصل أبو مدين إلى التسليم وحينئذ تكلم عن الشيخ وقال كلمته الجامعة الشيخ من هذبك بأخلاقه وأدبك بإطراقه وأنار باطنك بإشراقه
۱ رواه مسلم
۹۸۰
إنه يهذب ويؤدب وينير الباطن وحينما يكون الشيخ متمكنا
لألاء باطنه هو فإنه ينقل المريد بسرعة من
من إنارة
الباطن بسبب ظلمات البدعة إلى نور السنة ومن ظلمات الغفلة إلى نور اليقظة ظلمات الحظوظ إلى نور الحقوق ومن ظلمات طلب الدنيا إلى نور طلب الآخرة ومن ظلمات المعصية إلى نور ا الطاعة ظلمات الكتائف ومن
ومن
إلى نور اللطائف ومن ظلمات الهوى إلى نور التقوى ومن
ظلمات
الدعوى إلى إشراق نور التبرى من الحول القوى ومن ظلمات الكون إلى شهود المكون
وكان أبو مدين من هؤلاء الذين يتلألأ باطنهم وأخذ يجاهد طيلة حياته
في سبيل دعوته على هذا النسق
وقال فيه العارف الخواص رضي الله عنه
كان مذهب الشيخ رضى الله عنه تقريب الطريق على المريدين ونقلهم
إلى محل الفتح من غير أن
يمر بهم
الملكوت خوفا عليهم من تعشق
نفوسهم بعجائب الملكوت
ولقد تحدثت دائرة المعارف الإسلامية عن أبي مدين وقال كاتب مادة
أبي مدين ما يلي ويمكن أن نلخص تعاليم أبي مدين كلها في هذا البيت الذي كان يردده دائما كما يقول يحيى بن خلدون
الله قل وذر الوجود وما حوى إن كنت مرتادا بصدق مراد
۹۹
الفصل الرابع
حكمه
من
قال الشيخ أبو مدين رضى الله عنه لواعظ كان ديدنه الوعظ عن
طريق الترهيب
لا تقنط الناس وذكرهم بأنعم الله تعالى
وقال من خدم الصالحين ارتفع بخدمته
وقال أبناء الدنيا يخدمهم العبيد والإماء وأبناء الآخرة الأحرار
والكرماء
وكان رضي الله عنه يقول
شاهد مشاهدته لك ولا تشاهد مشاهدتك له
وكان رضي الله عنه يقول
القريب مسرور بقربه والمحب معذب بحبه
وكان يقول من تحقق بعين العبودية نظر أفعاله بعين الرياء وأحواله بعين الدعوى وأقواله بعين الافتراء
وكان رضى الله عنه يقول من خرج إلى الخلق قبل وجود حقيقة تدعوه إلى ذلك فهو مفتون وكل من رأيته يدعى مع الله حالا لا يكون على ظاهره منه شاهد فاحذره
وكان يقول أغنى الأغنياء من أبدى له الحق حقيقة من حقه وأفقر
۱۰
الفقراء من ستر الحق حقه عنه
وقال من حرم احترام الأولياء ابتلاه الله بالمقت من خلقه ومن كلامه رضى الله عنه أسماء الله تعالى بها تعلق وتخلق وتحقق فالتعلق الشعور بمعنى الاسم والتخلق أن يقوم بك معنى الاسم والتحقق أن تفنى في معنى الاسم
وقال من قطع موصولا بحضرة ربه قطع به ومن شغل مشغولا بر به أدركه المقت في الوقت
ومن كلامه ليس للقلب إلا وجهة واحدة متى توجه إليها حجب عن غيرها
وقال لا يصلح سماع هذا العلم إلا لمن حصلت له أربعة الزهد والعلم والتوكل واليقين
وقال ما عرف الحق من لم يؤثره وما أطاعه من لم يشكره
وكان يقول الفقر فخر والعلم غنم والصمت نجاة واليأس راحة
والزهد عافية نسيان الحق طرفة عين خيانة
الفصل الخامس
الشاعر
وكما كان أبو مدین عالما محدثاً فقيها صوفيا فإنه كان شاعرًا وشعره شعر جميل فى اللفظ والتركيب وثرى فى المعانى فهو شعر مستكمل النفاسة لفظًا ومعنى والبعض منه يغنى به وينشد في محافل الذكر وقد عنى ببعضه كبار المفكرين وها هو ذا العالم الصوفى الجليل ابن عطاء الله السكندرى مؤلف الحكم الذى جمع بين علوم الشرع وعلوم التصوف يعنى بإحدى القصائد فيكتب عليها شرحًا لطيفًا وقد أخذنا من شرحه النفيس بعض تعليقات أو شرح جعلناها هوامش لبعض أبيات القصيدة ويعني بالقصيدة نفسها الشيخ الأكبر الإمام محيى الدين بن عربي فيخمسها وبهذه القصيدة نبدأ فنذكرها ثم نذكر تخميسها للشيخ الأكبر أن تذكر أن لفظ الفقير ولفظ الفقراء يقصد بها الصوفي و الصوفية إنه الفقير إلى الله ويقول ابن عطاء الله السكندرى في تعريف الفقير
ونحب
الفقراء جمع فقير والفقير هو المتجرد عن العلائق المعرض عن العوائق لم يبق له قبلة ولا مقصد إلا الله تعالى وقد أعرض عن كل شيء سواه وتحقق بحقيقة - لا إله إلا الله محمد رسول الله
---
صلى الله عليه
وسلم
١٠٦
القصيدة
ماللة العيش إلا صُحْبَة الفُقَرَاء
هم السلاطين والسادات والأمرا
- فاصحَبُهُمُو وتأَدَّبْ فِي بَجَالِسِهِمْ
وخلٌ حَظَّكَ مهما قدموك ورا
- واستغنم الوقت واحضر دائما
واعلم بأن الرضا يختص من حضرا
٤ - ولازم الصمتَ إِلَّا إِن سئلت فَقُل
- 0
لا علم عندى وكُن بالجهل مشتــرا
- ولاتر العيب إلا فيك معتقدًا
يقول ابن عطاء الله
عَيْبًا بَدَا بَيِّنًا لكنه استترا
1 الفقير هو المجرد عن العلائق المعرض عن العوائق لم يبق له قبلة ولا مقصد إلا الله تعالى وقد أعرض عن كل شيء سواه وتحقق بحقيقة لا إله إلا الله محمد رسول الله يقول ابن عطاء الله
الصحبة شبح والأدب روحها فإذا اجتمع لك بين الشبح والروح حزت فائدة صحبته وإلا كانت صحبتك ميتة فأى فائدة ترجى من الميت
۱۰۷
٦ - وحط رأسك واستغفر بلا سبب
وقم على قدم الإنصاف مُعتذرا
٧ - وإن بدا منك عيب فاعترف وأقم
وجة اعتذارك عما فيـك منـك جَرَى
- وَقُلْ عُبَيْدكم أولى بـصـفـحـكُـمْ
فسامحوا وَخُذوا بالرفق يا فقرا
يقول ابن عطاء الله
٦ أي تواضع وانكسر وحط أشرف ما عندك - وهو رأسك – في أخفض ما يكون - وهي الأرض - لتحوز مقام القرب كما ورد في الحديث أقرب ما يكون العبد إلى الله تعالى وهو ساجد لأن قرب العبد بتواضعه وانكساره وخروجه عن أوصاف بشريته وأشهد نفسك دائما مذنبا ولو لم يظهر عليك سبب الذنب فإن العبد لا يخلو من تقصير وقف على قدم الانصاف من ذنوبك خجلا من سيئاتك وعيوبك فإن من عامل المخلوق هذه المعاملة أحبه ومن يشهد له ذنبًا وكانت مساوية عنده محاسن فكيف إذا عامل بهذه المعاملة صاحبه الحقيقي الذي إذا تحققه فليس له صاحب سواه كما ورد في الحديث اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد
۷ أى ليكن شأنك دائما التواضع والانكسار وطلب المعذرة والاستغفار سواء وقع منك أو لم يقع وإن بدا منك عيب أو ذنب فاعترف واستغفر فان التائب من الذنب كمن لا ذنب له وليس الشأن ألا تذنب إنما الشأن أن تصر على الذنب كما ورد أنين المذنبين عند الله خير من زجل المسبحين عجبا وافتخارا ولذلك قلت فى الحكم ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وقضى عليك بالذنب وكان سببا للوصول رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارًا
۸ السماحة لب الطريق ومن تخلق بها فقد زال عن قلبه كل تعويق
۱۰۸
۹ - هم بالتفضل أولى وهـو شـيـمـتـهـم فلا تخف تركا منهم ولا ضررًا
١٠ - وبالتغنى على الإخوانِ جـد أبدًا
حسا
ومعنى وغض الطرف إن عشرا
١١ - وراقب الشيخ في أحواله فَعَسى
يَرَى عَليكَ مِنَ إستحسانه أثرًا
۱ - وقدم الجد وانهض عند خدمته
عساه يرضى وحاذر أن ترى ضجــرا
۱۳ - ففى رضاه رضا البارى وطاعته
يرضى عليك فكن من تركها حذرًا
١٤ - واعلم بأن طـريـق الـقـوم دارسة
وحال من يدعيهـا اليـوم كيف ترى
۹ إنهم أولى بهذا الشيء التفضل وهو شيمتهم ولم يزلوا متفضلين وهذه معاملتهم مع أصحابهم - وهى سجيتهم وكيف لا تكون سجيتهم وهم متخلقون بأخلاق مولاهم كما ورد تخلقوا بأخلاق الله فلا تخف عنهم ضررا - أيها السالك المصاحب لهم - وتمسك بأذيالهم فإنهم القوم لا يشقى جليسهم
١٠ السماحة لب الطريق ومن تخلق بها فقد زال عن قلبه كل تعويق ۱۱ قال بعضهم من أشد الحرمان أن تجتمع مع أولياء الله تعالى ولا ترزق القبول منهم وما ذلك إلا لسوء الأدب وإلا فلا بخل من جانبهم ولا نقص من جهتهم ١٤ وهكذا شأن طريق القوم لعزتها كأنها في كل عصر مفقودة ولا يظفر بها إلا الفرد بعد الفرد وهذه سمة معهودة وذلك أن الجوهر النفيس لا يزال عزيز الوجود يكاد لعزته يحكم بأنه ليس بموجود والطريق أهلها مخفية في العالم خفاء ليلة القدر في شهر رمضان وخفاء ساعة
۱۰۹
١٥ - متى
أراهم وأنى لى برؤيته
أو تسمع الأذن عنهمو خَيْرًا
١٦ - مَنْ لي وأنَّى لِلمثلي أَنْ يُزَاحِهُمْ
ولج
على مَوَارِدَ لَمْ آلَف بها كدرا
الجمعة في يومها حتى يجتهد الطالب في طلبه بقدر الإمكان فإن من جد وجد ومن قرع الباب ولج
وقال العالم شخص والأولياء روحه فما دام العالم موجودا لابد من وجودهم لكن شدة خفائهم وعدم ظهورهم حكم بفقدانهم فاجتهد - أيها الأخ - واصدق في الطلب تجد المطلوب واستعن على ذلك الطلب بمدد علام الغيوب فإن الظفر لا يحصل إلا بمجرد فضله وإذا أوصلك إلى الشيخ فقد أوصلك إليه كما قلت فى الحكم سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه ١٦ وقال ثم إن الشيخ - رضى الله عنه - لما ذكر عزة الطريق وفقدان أهلها شرع يتأسف على الاجتماع بهم ويتمناه ويستبعد من نفسه حصول ذلك بلقائهم والتشرف بلقائهم تواضعا منه وانكسارا وهضا لنفسه واحتقارًا ولذا قال بعد ذلك من لى وأنى المثلى أن يزاحمهم إلى آخره
وهذا شأن العارف لنفسه بنفسه الممتلئ من معرفة ربه المتحلى بواردات قدسه لأنه لا يرى
لنفسه حالا ولا مقالا بل يرى أقل من كل شيء وهذا هو النظر التام كما قيل إذا زاد علم المرء زاد تواضعا وإن زاد جهل المرء زاد توقعا وفى الغض عن حمل الثمار مناله فسان يعر من حمل الثمار تمنعا فانظر إلى الشيخ أبي مدين ورفعته فى الطريق مع أ أول وصل من تربيته اثنا عشر ألف مريد وانظر إلى هذا التنزل منه والتدلى بأغصان شجرة معرفته إلى أرض الخضوع والانكسار حتى إنه لم ير نفسه أهلا للاجتماع بأهل هذه الطريق ويزيده هذا الانخفاض من الارتفاع لأن الشجرة لا يزيدها انخفاضها في عروقها إلا ارتفاعا في رأسها فتواضع - أيها الأخ - في
الطريق وخذ هذا الأصل العظيم من هذا العارف المتمكن يزل عنك كل تعويق
i
۱۷ - أحبهم وأدارهم وأونرهم
بمهجتي وخصوصا منهم
۱۸ - قوم كرام السجــايــا حـيـثــا جـلســوا
يبقى المكان على آثارهم عطرا
۱۹ - يهدى التصوفُ من أخلاقهم طَرَفا
حُسْنُ التألف منهم راقنى نَظَرًا
٢٠ - هم أهل وُدِّى وأحبابي الــذيــن هـم
ممن يجر ذيول العزّ مُفتخرا
۱۷ ثم قال - رضى الله تعالى عنه - بعد ذلك أحبهم إلى آخره أى وإن لم أكن أنا منهم فإني أحبهم ومن أحب قوما فهو منهم كما ورد في الحديث المرء مع من أحب كما
قيل
أحب الصالحين ولست منهم
لعلى أن أنال
شفاعة
بهم
وأكره من بضاعته المعاصي
وهذا أيضا
منه -
وإن كنا سواء في البضاعة
رضى الله تعالى عنه - من تمام التنزيل السابق وتكميلا وتتمياً
۰ قال الشيخ - رضى الله تعالى عنه - بعد ذلك هم أهل ودى وأحبابى إلى آخره فإن الشخص لا يحب إلا من جانسه ولا يود إلا من كان بينه وبينه مؤانسة وفى هذا الكلام إشارة إلى أنه رضى الله تعالى عنه - من جملتهم وطينته من طينتهم وما تقدم منه في التواضع والانكسار دليل على التحقيق في هذا المجد والفخار كما تقدمت الإشارة إلى ذلك فتسأل الله تعالى أن يسلك بنا أحسن المسالك
111
۱ - لا زال
بهم في الله مُجـتـمـعـا
وَذَنبنا فيهِ مَعْفورًا ومغتفرا
٢٢ - ثُمَّ الصلاة على المختار سيدنا
محمد خير من أوفى ومن نَذَرَا
التخميس
وتخميسها للشيخ الأكبر محيى الدين محمد بن على الطائي الحاتمي
الأندلسي المرسى الدمشقي
وهى فى إرشاد السالكين إلى مرضاة رب العالمين
ياطالبا
لذاذات الدنا وطَرًا من
إذا أردت جميع الخير فيكَ يُرَى
العيش إلَّا صُحبة الفقرا
المستشار أمين فاسمع الخبرا
ما
السلاطين والسادات والأمرا
۱ ثم دعا وسأل أنه لا يزال شعلة مجتمعا بهم فى الله تعالى وذنبه مغفورا - ونحن نسأله أيضًا إتمام الصلاة والسلام على سيدنا محمد المختار خير من أوفى ومن نذر ومن أكرم الجار وعلى آله وصحبه السادة الأبرار والتابعين وتابعهم بإحسان إلى يوم القرار وهذا الرقم لمن تعطش ليله فى معانى هذه الأبيات والا فنحن معترفون بالعجز والتقصير عن معانيها وإنما الأعمال بالنيات والله أعلم
۱۱
قوم رضوا بيسير من ملابسهم
والقوت لا تخطر الدنيا بهاجسهم
صدورهم خاليات من وساوسهم
فاصحبهمو وتأدب في تجالسهم
وخل حظك مهما قدموك ورا
أسلك طريقهمو إن كنت تابعهم
واترك دعاويك واحذر أن تراجعهم
فيما يُريدونه واقصد منافعهم
واستغنم الوقت واحضر دائما واعلم بأن الرضا يختص من حضرا
كن راضيا يهمو تسمو بهم وتصل
معهم
إن أثبتوك أقم أو إن تحوكَ فَزُل
وإن أجاعوكَ جُع أو أطعموك فكل
ولازم الصمت إلا إن سئلت فقل
لا علم عندى وكن بالجهل مُستتِرا
ولا تكن لعيوب الناس منتقدا
وإن يكن ظاهرا بين الوُجودِ بَدا
وانظر بعين كمال لا تعب أحدًا
ولا تر العيب إلا فيك معتقدًا
عيبا بدا بينا لكنه استترا
تنل بذلك ما ترجوه مِنْ أدب
والنفس ذلل لهمْ ذُلا بِلا ريب
بَلْ كلُّ ذلك ذُلّ نَابَ عن أدب
وحُطَّ رأسك واستغفر بلا سبب
وقم على قدم الإنصافِ مُعتذراً شئت منهم بريقًا للطريق تشم
عن كل ما يكرهوه من فعالك دم
والنفس منك علي حسن الفعال أدم
وإن بدا منك عيب فاعترف وأقم
وجه اعتذارك عما فيك منك جرى
لهم تعلق وقل دَاوُوا يصلحكمُو
عمرهم العفو منكم داء جرحكمو
أنا المسيء هبوا لي محض نصحكمو
وقل عُبيدكمو أولى بصفحكُمو
فسامحوا وخُذُوا بالرفق يا فقرا
لا تخش منهم إذا أذنبت همتهم
أستى وأعظم أن تُرْدِيكَ عَشرتهم
ليسوا جَبابِرةً تُؤذِيكَ سطوتهم
هم بالتفضل أولَى وَهُوَ شِيمتهم فلا تخف دَرَى مِنْهم ولا ضررا
112
إذا أردت تسلك طريق هُدًى بهم
كن في الذي يطلبوه منك مجتهدا
في نور يومك واحذر أن تقول غَدًا
وبالتغنى على الإخوانِ جُدْ أبَدًا
حسا ومعنى وغض الطرف إِنْ عَثَرا
أصدقهم الحق لا تستعمل الدنسا
لأنهم أهلُ صِدْقٍ سَادَةٌ رُؤْسَا
واسمع لكل امرئ منهم إليك أسا
وراقب الشيخ في أحواله فَعَسَى
يَرَى عَليكَ مِن استحسانه أثرًا
واسأله دَعْوَتَهُ تحظى بدعوتِهِ
تنل بذلكَ مَا تَرْجُو بِبركتِهِ
وحسن الظن واعرف حَقَّ حُرمتهِ
وقدم الجد وانهض عِندَ خِدمته عساه يرضى وحاذر أن تُرَى ضَجِرا
واحفظ وصيتهُ زِدْ مِنْ رِعَايَتِه
وَلَبِهِ إِنْ دَعَا فورًا لِساعِتِهِ
وَعُضٌ صوتكَ بِالنَّجوى لطاعته
ففى رضاه رضا البارى وطاعته
يرضى عليك فكن من تركها حذرًا
۱۱۵
والزم من نفسه نَفْسٌ مُسايسة
ذا الزمان فإن النفس آيسة
منهم وحرفتهم في الناس باخِسة
واعلم بأنَّ طَريقَ القَوْمِ دَارِسةٌ وحال من يدعيها اليوم كيف ترى
يحق لي إن نأوا عَني لألفتهم الازم الحزن تما
على انقطاعي عنهم بعد صحبتهم
لفرقتهم
امتي أراهمْ وَأَنَّى لي برؤيتهم
أو تسمعُ الأَذْنُ مِني عَنْهُم خَيرًا تخلفی مانعِي مِنْ أن الائمهم
منهم أتيتُ فلمى لستُ لايمهم
ياربِّ هَب لى صَلاحًا كي أُنادمهم
وَمَنْ لي وأنى لمثلى أن يُزاحمهم على موارد ثم آلف بها كدرا
جَلَّتْ عن الوصف أن تُحصى مآثرهم
على البواطن قد دلت ظواهرهم
بطاعة الله في الدنيا مفاخرهم
أحبهم وأدارية وأوترهم
بمهجتي وخصوصاً منهمو نفرا
١١٦
قوم على الخلق بالطاعات قد رؤسوا
منهم جليسهم الآداب يقتبس
ومن تخلف عنهم حظه التعسُ
قَوْمُ كِرَام السجايا حيثما جلسوا يبقى المكان على آثارِهِم عَطِرًا
فهم بهم لا تفارقهمْ وَزِدْ شعفا
وإن تخلفت عنهم فانتحب أسفا
عصابةٌ بِهم يُكسى الفتى شــرفـا
تهدى التصوف من أخلاقهم طرفا حسن التألفِ مِنْهُمْ رَاقنى نظرًا جَرَرْتُ ذیل افتخاري في الهوى يهمو
وَحَقهم في هَوَاهُم
لما رضونِي عُبيدا في الهوى لهمو
هم أهل ودى وأحبابي الذينَ هُمــو
يمن يجر ديول العز مفتخرا
قطعت في النظم قلبي في الهوى قطعـا
وَقَدْ توسلتُ لِلمولى بهم طَمعًا
أن يغفر الله لي والمسلمين معا
الا زال شمل بِهِمْ فِي اللَّهِ مُجتمعا مجتمعا
وَذَنينا فِيهِ مَغفوراً ومُغتفرا
يَا كلُّ مَنْ النادي بمجلسنا ادع الإلة
بهم يمحو
الذُّنوبَ لَنَا
وادْعُ من خمس الأصل الذي حَسُنَا
اتم الصلاة على المـخـتـار سـيــدنــا
محمد خير مَنْ أوفى ومـن نـذرا
وهذه قصيدة كتب إلينا بها الأخ الفاضل/ رائد العشيرة المحمدية وكتب تعليقات على عدة من أبياتها إنه يقول
أخي في الله تعالى فضيلة الإمام الأكبر
السلام عليكم والشوق إليكم والدعاء لكم والأمل فيكم والمدد منكم وبكم جعلنا الله وإياكم ممن رق وراق وذاق وأذاق فإنه على قدر الأذواق تكون الأشواق في موكب العشاق الذين تورق في أيديهم الأوراق وقد انطلقوا من قيد القيد والإطلاق وبعد فلم يقع لى فيما قرأت عن أبي مدين من الشعر إلا هذه القصيدة
وقد نقل هذه القصيدة منسوبة إلى أبي مدين كل من صاحب السفينة و قاموس الأناشيد و سبيل السعادة و أشعة الأنوار وكلها كتب أناشيد صوفية تنسب إلى السادة الشاذلية يقول أبو مدين
۱۱۸
تضيق بنَا الدُّنيا إِذَا غَبْتُمُو عَنَّا
وَتَرْهَقُ بالأشواق أرواحنـا مـنــا
بعادكمو مَوتُ وقُربُكُمُو حَيَا
وَإِنْ غَيْتُمو عَنَّا ولو نَفْسًا متنا۱
تموتُ إذا غِبْتُمْ وَنَحْيا بقربكُمْ
وإِن جَاءَنَا عَنْكُمْ بَشير اللقا عشنا
نعيش بذِكْرَاكم إذا لم تراكمو
ألا إن تذكار الأحِبَّةِ يُنعِشنَا
يُحركنا ذكر الأحاديث عَنْكُمُو
وَلوْلا هَواكُم فِي الحَشَا مَا تَحرَّكنا
ولولا معانيكُمْ تَراها قلوبنا
إذا نحن أيقاظ وفي النوم إِنْ غِبْنا
نموت أسـى مـن بـعـدكـمْ وَصَـبَـابـةً
ولكن في المعنى معانيكمو مَعْنَا
فقل لِلَّذِي يَنهى عن الوجد أَهْلَهُ
إذا لم تذق معنى شَرابِ الهوى دعنا
۱ هذا البيت موجود في بعض النسخ ونقطة الضعف فيه لفظة حيا ما لم تؤل بمعنى
المطر الذي به الحياة رواية وفي الليل أن نمنا بدلا من النوم إن غبنا وهو أقوى شعرا
۱۱۹
إذا لم تذق ما ذاقتِ الناسُ في الهَوَى
فبالله يا خَالِي الحَشَا لا تُفْنَا
وَسَلَّمْ لَنَا فِيمَا أَدْعَينَا فَإِنَّنَا
إذا غلبت أشواقنا رُبما صحنا
وتهتز عند الاستماع حواسنا
وإن لم نطق حمل التواجد نوحنا۱
أما تنظر الطَّير المقفص يا فتى
إذا ذكر الأوطان حسن إلى المغنى
وفرج بــالـتـغــريــد مـا في فُؤادِهِ
فَيَغْلق أرباب القلوبِ إِذا غَنَّى ٢
وهتز في الأقفاص مِنْ فرط وجده
فمضطرب الأعضاء في الحس والمعنى
كذلك أَرْوَاحُ المحي يافتي
تُهزهزها الأشواق للعالم الأسنى
أتلزمها بالصبر وهي مشوقةٌ وكيف يُطيق الصبر
إذا اهتزت الأرواحُ شَوْقًا إلى اللقا
من
شاهد المعنى
نَعمْ تَرقُصُ الأشباح يا جَاهِل المعنى
۱ ورواية نفوسنا بدلا من حواستا وهو أقوى نظما ۳ ورواية فيرقص أرباب القلوب بدلا من يغلق أرباب القلوب
۱۰
فيا حادي العُشَاقِ قُم واحد قائما
وزمزم لَنَا باسم الحبيب وروحنا۱
وصن سرنا في سكرنا عن حسودنا
وإِنْ نَظَرَتْ عَيْناكَ شَيْئًا فَسَامِحنا
فإنا إذا طبنا وطابت نفوسنا
وخامرنا خمر الغرام تهتكـنا
فلا تلم السكران في حال سُكْرِه
فقَدْ رُفِعَ التكليف في سُكرنا عنا
ويَا عَاذِلي كَرِّرْ عَلَى حَدِيثَهُمْ
فَأعيننا منهم وأعينهم مِنا
الله قل
الله قُل وذر الـوجــود ومــا حــوى
إن كنت مرتادا بلوغ
فالكل دون الله إن حققته
عدم على التفصيل والإجمال
۱ ورواية ودندن لنا بدلا من زمزم
۱۱
واعلم بأنك والعوالم كلهـا
لولاه في محو وفي اضمحلال
من لا وجود لذاته من ذاته
فوجوده لولاه عين مُحال
فالعارفون فنوا ولما يشهدوا شيئاً سواه على الحقيقة هالكـا
ورأوا
سوى المتكبر المتعال
في الحال والماضى والاستقبال
فالمح بعقلك أو بطرفك هل ترى
شيئًا سوى فعل من الأفعال
وانظر إلى عُلْوِ الوُجُودِ وسُفْلِهِ
نظراً يؤيده
بالاستدلال
تجد الجميــع يُشير نحــو جــلالــه
بلسان حال أو لسـان مـقـال
هو تمسك الأشياء
من عُلو إلى
سفل ومُبدعها بغير مثال
الله
فإذا نظرت بعين عقلك لم تجد
شيئًا سواه على الذوات مصورًا
وإذا طلبت حقيقةً من غيره
فبذيل جهلك لا تزالُ مُعَمَّرا
الله
لا أريد سواه
هل في الوجود الحى إلا الله
ذات الإله بها قوام ذواتنا
هل كان يوجد غيره لولاه
۱۳
من
الحب
تملكتم
عقلى وطرفي ومسمعي
وروحى وأحشائي وكلى بأجمعي
وتيهتمونى في بديع جمالكم
ولم أدر في الهوى أين موضعى
بحر
وأوصيتمونى لا أبوح يسركم
فباح بما أخفى تفيضُ أدمعي
صبری وقل تجلدی
وفارقني نومي وحرمت
أتيت لقاضي الحب قلت أحبتى
جفوني وقالوا أنت في الحب مدعى
وعندى شهود للصبابة والأسى
يزكون دعواي إذا جئت أدعى
سهادي ووجدى واكتئابي ولوعتى
وشوقي وشقـمى واصفراري وأدمعي
ومِــنْ عَـجـب أَنِّي أَحِـن
إليهم
من ان قوا عنهم وهم
١٢٤
وتبكيهُم عَيني وَهُم في سوادها
ويشكو النوى قلبي وهم بــين
فإن طلبوني في حقوق هواهم
أضلعي
فإني فقير لا على ولا معى
وإن سجنُونِي في سجون جفاهُمُ
دخلت عليهم بالشفيع المشفع
شوق
يا قلب زرت وما انطوى ذاك الجوى
عجباً لقلب بالنعيم قد اكتـوى
زاد الغرام وزَالَ كُلُّ تصبر
عالجته قبل الزيارة فانطوى
ولهيب وجد هَتِجَتْه رَوْضَةٌ
من أجلها حلت من الصيرِ القُـوى
بل زاد شوقى للحبيب ورامة
والأبرقين وما لمنعرج لوى
تالله ما شوقي لطيبة بعد ما
زرت الحبيب وقبله إلا سوي
۱۵
أرض أحب إلى العسلى من
العلا
نزل الرسول بها وفيه
يا تُربة ما مثلها من تربة
فيها الشفاء لكل عاص والدوى
يا روضة ما مثلها من روضة
يا سعد من في جنة المأوى أوى
كم لي أنوح على الوصول وعنـدمـا
وصلتني أصليتني نار الجوى
فكأنني الظمآن صادف قطرة
فتضاعف الظمأ الشـديـد ومـا ارتوى
قسما بطه وهو ياسين الذي
قد جاء في النجم العظيم إذا هوى
وبقاب قوسين الذي هو قد دنا
لأجددن نياحتي
من ربه ذو مرة ثم اس
أسناً على ذاك المقام ومــا حــوى
حتى أموت وإن أمـت مـتـيـراً
فلكل عبد مُسلِم ما قد نوی
يارب أسألك الـرضــا والعفو عن
ما قد مضى يا من على العرش استوى
١٢٦
أعتق عُبَيْدَكَ من لَظَى نار غدا
نزاعة
القيامة
يوم
بمحمد المختار خاتم رسله
طه على فضل الجميع قد احتوى
فعليه
من رب
العلا صلواتُه
وسلامه ما غردت ورق اللوى
أقمار
بكم كل أرض تنزلون بها
كأنكم في بقاع الأرض أمطار
وتشتهى العين فيكم منظراً حسناً
كأنكم في عـيـون النـاس أزهار
ونوركم يهتدى الســارى لرؤيته
كأنكم في ظلام الليل أقمار
لا أوحش الله ربـعـاً مـن زيــارتـكـم
يا من لهم في الحشا والقلب تـذكــار
۱۷
إليك مددت الكف
إليك مددت الكف فى كل شدة
ومنك وجدت اللطف في كل
وأنت ملاذى والأنام بمعزل
وهل مستحيل في الـرجــاء كواجب
فحقق رجائي فيك يارب واكفني
شمات عدو أو إساءة صاحب
فكم كربة تنجنى من غمارها
وكانت شجى بين الحشا والترائب
فلاقوة عندى ولا لى حيلة
أن فقرى للجميل المواهب سوی
فيا ملجأ للمضطر عند دعــائــه
أغثنى فقد شدّت على مذاهبى
رجاوك رأس المال عندى وربـحــه
وزهدى في المخلوق أزكـي مكـاسـبـي
ويا محسنا في ما مضى أنت قادر
على اللطف بي في حاله والعواقب
۱۸
وإني لأرجــو مــنــك مــا أنت أهله
وإن كنت خطَّاءٌ كثير المعـ
وصل على المختار من آل هاشم
شفيع الورى عند اشتداد النوائب
أهل المحبة
أهل المحبة بالمحبوب قد شغلوا
وفي محبته أرواحهم بذلوا
وخربوا كل ما يغني وقد عمروا
ما كان يبقى فيا حسن الذي عملوا
لم تلههم زينة الدنيا وزخرفها
ولا جناها ولا حلى ولا حلل
هاموا على الكون من وجد ومن طرب
ولا طلل وما استقل بهم ربع
داعي التشوف ناداهم وأفلقهم
فكيف يهنو ونار الشوق تشتعل
من أول الليل قد سارت عزائمهم
وفي خيام حمى المحبوب قد نزلوا
۱۹
وافت لهم خلع التشريف يحمله
عرْفُ النسيم الذي من
هم الأحِبَّةُ أدناهم
لانهم
نشره تَمِلُوا
عن خدمة الصمد المحبوب ما غفلوا
سبحان من خصهم بالقرب حين قضوا
في حبه وعلى مقصودهم حصلوا
غياث الورى
يا من يغيث الورى من بعد ما قنطوا
ارحم عبيدا أكف الفقر قد بسطوا
واستنزلو جودك المعهود فاسقهم
سخط ريا يُريهم رضا لم يثنه
وعامل الكل بالفضل الذي ألفوا
يا عَادِلاً لا يُرى في حكمه شطط
إن البهائم أضحى الترب مرتعها
والأرض
والطير تفد ومن الحصباء تلتقط
حلة الأزهار عارية من
كأنها ما تحلت بالنبات قط
۱۳۰
وأنت أكرم مفضال نمد له
أيدى العصاة وإن جاروا وإن قسطوا
ناجوك والليل حلاه بهاءُ سنا
كما يحلى سواد اللمسة السَّمَطُ
فشارب بذنوب الذنب غص به
وآخرون كما أخبرتنا خَلطُوا
ومنعم في لذيذ العيش وهو يرى
في سلك من هو حول العرش ينخرط
وملحد يدعى ربا سواك له
حيران في شرك الإشراك يختبط
كل ينال من المقدور قسمته
حكم من
قوم ترقوا وقوم في الهوى سقطوا
الله عدل في بريته
فرض علينا له التسليم مشترط
تصدى لحكم الله معترضا ومن
فقد
تصدى له الخذلان والغلط
وما ذنوب الورى في جنب رحمته
وهل يقاس بفيض الأبحر النقط
فيا لنا ملجاً غير الكريم ومن
يلقي على الحوض وهو السابق الفرط
۱۳۱
ذاك الرسول الذي كُل الأنام به
يوم
القيامة
صَلِّ عليه صلاة لا نفاد لها
مسرور
ومغتبط
من اسمه باسمه في الذكر مُرتبط
۱۳
الفصل السادس
وأصبح أبو مدين شيخًا يقدره العلماء ويقدره المؤرخون لما توافر
له من العلم والتزكية ونذكر الآن بعض تقديراتهم
أبو مدين وابن عربي
محیی
الدين بن عربی
ونبدأ هذا التقدير بكلمات للشيخ الأكبر الإمام م أن يلاحظ أن كلام الشيخ الأكبر منه كلام رمزى وأنه يجب أن
وينبغي
يؤخذ على هذا الوضع ومن قبيل الأسلوب الرمزى عند من يعرف مكانة
ابن عربى وأنه بلغ القمة في المجال الصوفى
ذهبت
أنا وبعض الأبدال إلى جبل قاف فمررنا بالحية المحدقة به
فقال لى البدل سلم عليها فإنها سترد عليك السلام فسلمنا عليها فردت
ثم قالت
من أى البلاد فقلنا من بجابة
فقالت ما حال أبي مدين مع أهلها
فقلنا لها يرمونه بالزندقة
فقالت عجبا والله لبنى آدم والله ما كنت أظن أن الله
يوالى عبدا من عبيده فيكرهه أحد
فقلنا لها ومن أعلمك به
—
عز وجل -
١٣٤
فقالت يا سبحان الله وهل على الأرض دابة تجهله إنه - والله ممن اتخذ الله وليا وأنزل محبته في قلوب العباد فلا يكرهه إلا كافر أو منافق اهـ
وهذه اللغة الرمزية لابن عربي لا يستعملها دائما وإنما يتركها أحيانًا لصور من الحديث بعضها عميق كل العمق وبعضها واضح وضوحًا بينا وكلام ابن عربي - رمزيا كان أو غير رمزي – له وزنه الكبير عند من يعرف مكانة ابن عربي وأنه بلغ القمة فى المجال الصوفى وهو يضع أبا مدين في منزلة يعز بلوغها على من رامها ويسميه شيخ الشيوخ وهذه كلمات تبين مدى تقدير ابن عربي لأبي مدين إنه يقول شيخنا أبو مدين من الثمانية عشر نفسًا الظاهرين بأمر الله عن أمر الله لا يرون سوى الله في الأكوان
وهم أهل علانية وجهر
مثبتون للأسباب
وخرق العوائد عندهم عادة
قل الله ثم ذرهم
قال وكان يقول لأصحابه
اظهروا للناس ما عندكم من الموافقة كما يظهر الناس بالمخالفة
۱۳۵
واظهروا بما أعطاكم الله من نعمه الظاهرة یعنى خرق العوائد
والباطنة
يعنى المعارف فإنه تعالى يقول
وأما بنعمة ربك فحدث
وهذه الطبقة اختصت باسم الظهور لكونهم ظهروا في عالم الشهادة وقال في موضع آخر
شيخنا أبو مدين رضى الله عنه الغالب على قلبه وبصره مشاهدة الحق في كل شيء فكل حال عنده أعمال فتعلن بالصدقة كما يذكره في الملأ فإن من ذكره في الملأ فقد ذكره في نفسه فإن ذكر النفس متقدم بلا شك وما كل من ذكره في نفسه ذكره فى الملأ فهذه حالة زائدة على الذكر النفسي لها مرتبة تفوق صاحب ذكر النفس لا يطلع عليه في الحالين فهو سر بكل وجه فصدقة الإعلان تؤذن بالاقتدار الإلهى فمن يخفيها أو يسرها هو الظاهر فى المظاهر الإمكانية فهذه كانت طريقة
شیخنا وكان يقول
قل الله ثم ذرهم
أغير الله تدعون
قال وكان يقول لأصحابه
أعلنوا بالطاعة حتى تكون كلمة الله هي العليا كما يعلن هؤلاء
بالمعاصي ولا يستحيون من الله
١٣٦
وكان يقول في قوله تعالى ﴿فإذا فرغت فانصب وإلى ربك
فارغب
فإذا فرغت من الأكوان فانصب قلبك لمشاهدة الرحمن وإلى ربك فارغب في الدوام وإذا دخلت في عبادة فلا تحدث نفسك بالخروج منها
وقل يا ليتها كانت القاضية
وقال مبينا مدى ما وصل إليه أبو مدين يقول أبو مدين إنما فضلت صلاة الجماعة على صلاة الفرد لأنه يكتب لكل عبد من صلاته ما قام به منها فيكتب من صلاة عشرها ومن صلاة ثلثها ونصفها وغير ذلك أي كما في الحديث فيرتفع للجميع صلاة مكملة الأجزاء بعضها ببعض فيعيد الله بركة الكمال والا تمام على الجماعة فيكتب لكل واحد منهم صلاة كاملة ببركة الاجتماع
وقال كان الأمر بسجود الملائكة لآدم عليه السلام عن إغضاب خفي لا يشعر به كل أحد فكان كالكفارة لما وقعوا فيه من تزكية نفوسهم وتجريح آدم عليه السلام
وقال
من قال التمر ولم يجد حلاوته في فمه فما قال التمر وذلك أن حالة الشهود يتحد الوجود فى شهود الشاهد بكل موجود فیری کل شیء
وقال العارف بالله ابن عربی رضي الله عنه
۱۳۷
كان شيخنا أبو مدين - رضي الله عنه - يقول
من علامة صدق المريد فى إرادته فراره من الخلق ومن علامة فراره عنهم وجوده للحق ومن علامة صدق وجوده للحق رجوعه إلى الخالق فهذا هو حال الوارث للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يخلو بغار حراء وينقطع إلى الله فيه ويترك بيته وأهله ويفر إلى ربه حتى فجأه الحق فبعثه الله رسولا مرشدًا لعباده
أمته ومثله
فهذه حالات ثلاث ورثه فيها من اعتنى الله به من وارثا فالوارث الكامل من ورثه علما وعملا وحالا
يسمى
ولما علم الخضر رتبة موسى عليهما السلام وعلو قدره بين الرسل امتثل ما نهاه عنه طاعة الله ولرسوله فإنه تعالى قال
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
فقال له فى الثانية
إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني
فقال سمعا وطاعة
فلما كانت الثالثة وسأله نسى موسى عليه السلام حالة قوله
إني لما أنزلت إلى من خير فقير
۱۳۸
ولما طلب الإجارة على سقايته مع الحاجة فارقه الخضر عليه السلام وبعد ما أبان له علم ما أنكره عليه قال
وما فعلته عن أمرى
لأنه كان على شرعة من ربه ومنهاج في زمانها بخلاف حاله بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فإن كل الصيد في جوف الفرا
أبو مدين والشعراني
وللإمام الشعراني عدة كلمات في تقدير أبي مدين إنه يقول الشيخ أبو مدين المغربي رضى الله عنه ورحمه هو من أعيان مشايخ المغرب وصدور المربين وشهرته تغنى عن تعريفه واسمه شعيب
ويقول
وأجمعت المشايخ على تعظيمه وإجلاله وتأدبوا بين يديه وكان ظريفا جميلا متواضعًا زاهدًا ورعًا محققا مشتملا على كرم الأخلاق رضي الله عنه
وأما صاحب الكواكب الدرية فيقول
الأستاذ الأعظم العارف الأفخم عظيم الأكابر رأس الصوفية في
۱۳۹
وقته ورئيسهم المشهور علم نعته زاهر زاهد مراقب مشاهد يقصد ويزار من جميع الأقطار وببنان العرفان إليه يشار ولد ببجاية ونشأ بها ملأ الآفاق وصار إمام الصديقين في وقته بلا شقاق وأخذ
واشتهر حتى
عنه الكبراء كالعارف ابن عربي رضي الله عنه اهـ
ذلك
ولا يتأتى أن نذكر التقدير دون أن نذكر فى أوائل ما نذكر من رؤيا تعبر عن بعض ما منبع الله للشيخ أبي مدين من هبات وهي رؤيا تعبر تعبيراً قوياً عن عطاء الله له وعن عنايته سبحانه ونتساءل أهى رؤيا أم هي تعبير عن واقع أهى شرح لحالته
ويقص أبو مدين نفسه الأمر فيقول
جاءني رجل من الصالحين فقال لى رأيت البارحة في النوم حلقة عظيمة لجماعة من الصوفية وفيهم أبو يزيد البسطامي وذو النون المصرى وغيرهما من المشايخ وهم على منابر من نور وأبو طالب المكي على منبر عال وأبو حامد الغزالي على منبر يقابله وأبو طالب يسأل أولئك الصوفية فيجيبه كل واحد بمبلغ علمه فقال أبو طالب لأبي حامد أين غابت هذه العلوم التي يعرفها أبومدين في دار الدنيا فقال له أبو حامد هو هذا عن يمينك فاسأله فقال أبو طالب يا أبا مدين أخبرني عن سر حياتك فقال حياته بستر ظهرت حياتى وبنور صفاته استنارت صفاتي وبديموميته دامت مملكتي وفي توحيده أفنيت همتى فسر التوحيد في قوله لا إله إلا أنا والوجود بأسره
12
حرف جاء لمعنى وبالمعنى ظهرت الحروف وبصفاته اتصف كل موصوف وباسمه ائتلف كل مألوف فمصنوعاته له محكمة ومخلوقاته له مسلمة لأنه خالقها ومظهرها ومنه مبدؤها وإليه مرجعها كما أظهرها ذرا فقال ألست بربكم قالوا بلى
يا أبا طالب هو لوجودك محرك وهو الناطق والممسك إن نظرت بالحقيقة تلاشت الخليقة فالوجود به قائم وأمره في مملكته دائم وحكمه في خلقه عام كحكم الأرواح في الأجسام الحواس به بانت على اختلاف أنواعها منها اللسان للبيان وهو مع ذلك لا يشغله شأن عن شأن فقال له أبو طالب من أين لك هذا العلم يا أبا مدين
وجودی
فقال لما أمدنى بسره غرف واردى من بحره فامتلاً نورا وأثمر غيبة وحضورًا وسقانى شراباً طهورًا وأذهب عنى ضلالا وزورا فغشيت أنواره أخلاقي فنظرت الباقى بالباقي أهي رؤيا أهى مشهد أهي وارد ومن هذا القبيل وفى صورة جميلة ما يلى
وقيل له مرة فى المنام حقيقة سرك في توحيدك
فقال سری مسرور بأسرار تستمد من البحار الإلهية التي لا ينبغي بثها لغير أهلها إذا الإشارة تعجز عن وصفها وأبت الغيرة الإلهية إلا أن تسترها وهى أسرار محيطة بالوجود لا يدركها إلا من كان وطنه مفقودا وكان في عالم الحقيقة بسره موجودًا يتقلب فى الحياة الأبدية وهو بسره طائر
121
في فضاء الملكوت ويسرح فى سرادقات الجبروت وقد تخلق بالأسماء والصفات وفنى عنها بمشاهدة الذات هناك قراري ووطني وقرة عينى ومسكني والحق تعالى في غنى عن الكل قد أظهر في وجودى بدائع قدرته وأقبل على بالحفظ والتوفيق وكشف لى عن مكنون التحقيق فحياتي قائمة بالوحدانية وإشارتى إلى الفردانية فروحي راسخ في علم الغيب يقول لى مالكي يا شعيب كل يوم جديد على العبيد ولدينا مزيد رضى
الله عنه
أما صاحب شذرات الذهب فإنه يقول
أبو مدين الأندلسي الزاهد العارف شيخ أهل المغرب شعيب بن الحسين ساكن تلمسان وكان من أهل العمل والاجتهاد منقطع القرين في العبادة والنسك بعيد الصيت ويسميه الشيخ محيى الدين بن عربي بشيخ الشيوخ نشر الله ذكره وتخرج به جماعة من الفضلاء كأبي عبد الله القرشى وغيره وانتهى إليه كثير من العلماء المحققين وفضلاء الصالحين كابن عربى وله فى الحقائق كلام واسع ا هـ
وقد كتب صاحب طبقات المالكية كلمات جميلة موجزة جامعة عن أبي مدين يقول
ولى الله أبو مدين شعيب بن حسن الأندلسي البجائی شیخ المشايخ وسيد العارفين وقدوة السالكين شيخ الطريقة
١٤٢
جمع الله له علم الشريعة والحقيقة
كان
الفضلاء وأعلام العلماء ومن حفاظ الحديث خصوصاً من
الترمذي وكان يقوم عليه
وكان ترد إليه الفتاوى في مذهب مالك فيجيب عنها في الوقت مناقبه شهيرة وكراماته كثيرة
أخذ عن الحافظين أبى الحسن بن حرزهم وأبي الحسن بن غالب والشيخ أبي يعزى المتوفى سنة ٥٧٢ المولود سنة ٤٣٧
رحل للمشرق فأخذ عن العلماء واستفاد من الزهاد والأولياء وتعرف في عرفة بالقطب الرباني اهـ
وقال أبو الصبر كبير مشايخ وقته كان أبومدين زاهدًا فاضلا عارفا بالله تعالى خاض بحار الأحوال ونال أسرار المعارف خصوصا مقام التوكل لا يشق غباره ولا تجهل آثاره
ولعل مما يعنينا نحن المصريين بصفة خاصة أن نعرف ما يقوله العارف بالله أبو الحجاج الأقصرى وما يقوله العارف بالله عبد الرحيم القنائي رضي الله عنهما عن أبي مدين
أما الإمام أبو الحجاج فإنه يقول
سمعت شيخنا عبد الرزاق رضى الله عنه يقول لقيت الخضر عليه
١٤٣
السلام سنة ثمانين وخمسمائة فسألته عن شيخنا أبي مدين فقال
هو إمام الصديقين في هذا الوقت وسره من الإرادة ذلك أتاه الله السر المصون بحجاب القدس ما في هذه الساعة أجمع لأسرار
مفتاحًا
من
المرسلين منه
وأما الإمام عبد الرحيم القناوى فإنه يقول
سمعت شيخنا أبا مدين يقول
أوقفنى ربي عز وجل بين يديه وقال لى
یا شعیب ماذا عن يمينك
قلت عطاؤك
قال وماذا عن شمالك
قلت يارب قضاؤك
قال يا شعيب قد ضاعفت لك هذا وغفرت لك هذا طوبى لمن رآك
أو رأى من رآك
وفي هذا الكفاية فيما يتعلق بتقدير أبي مدين رضي الله عنه
١٤٤
الفضل المتابع
النهاية
استمر
الآلاف
أبو
وفاته
مدین هاديًا فى طريق الله فى نشاط لا يفتر حتى خرج به
من ظلمة المعاصى إلى نور الهداية
فلما انتهت به الحياة كان أثره ضخما ورصيده في الخير كبيرا
وعن وفاته يقول صاحب كتاب أنس الفقير
وهذا القدر كاف فيما يتيسر لى من ذكر ما قصدت ذكره ليعلم منه بعض أخبار الشيخ أبي مدين رضى الله عنه الحميدة ومعانيه السديدة ومقامه الكبير وطريقه الشهير وفضل من اتبعه وسلك تفريقه وجمعه ولما اشتهر أمره وشاع في الآفاق ذكره سعی به عند خلفاء بني عبد المؤمن بمراكش فأمر السلطان بطلوعه من بجابة إلى حضرته وكتب إلى والى بجابة بالوصية عليه أن يحمل خير محمل فأخذ الشيخ أبو مدين رضى الله
عنه في السفر وشق ذلك على كثير من أصحابه وخافوا أن يكون وراء ذلك ما يغير النفوس
فقال لهم رضى الله عنه وعنهم شعيب شيخ كبير ضعيف لاقوة له للمشي ومنيته قدرت بغير هذا المكان ولابد من الوصول إلى موضع المنية فقيض الله لى من يحملني إلى مكان الدفن برفق ويسوقني إلى مرام المقادير
١٤٦
أحسن سوق والقوم لا أراهم ولا يرونى فطابت نفوسهم وذهب عنهم بأسهم وارتحل به إلى أن وصل إلى تلمسان فلما رأى العباد قال لرفقائه
ما يقال لهذا المكان فقيل له العباد فقال مليح للرقاد
هكذا أخبرني الشيخ المسن الصالح العدل أبو عبد الله محمد البجاني
من عدول تلمسان وبها حدثني سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة
وقال بعضهم إنه قال لا بأس بالنوم في هذا المكان و شرفت تلك البقعة بتربته وهذا خاتمة كراماته رضى الله عنه
قال أبو على الصواف رحمه الله تعالى لما احتضر الشيخ أبو مدين استحييت أن أقول له أوصنى فأتيته بغيرى وقلت له هذا فلان فأوصه فقال سبحان الله وهلى كان عمرى كله معكم إلا وصية وأى وصية أبلغ مشاهدة الحال من
النزع وهو يقول الله الله الله - قال أبو على الصواف وسمعته عند
حتى رق صوته
وقال بعضهم آخر ما منه الحق سمع
وقال بعضهم آخر ما منه الله الحق
سمع
وقال بعضهم آخر ما منه الله الحى سمع
قلت ت وأيا ما كان فهي خاتمة حسنة ومرتبة علية مستحسنة ظهر فيها
١٤٧
صدق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت المرء على ما عاش
عليه
ذكرتك لا أني نسيتك لمحة
وأهون ما في الذكر ذكر لساني
وكدت بلا وجد أموت من الهوى
وهاج على القلب بالخفقان
فلما رآني الوجد أنك حاضرى
شهدتك موجودا بكل مكان
فخاطبت موجودا بغير تكلم
ولاحظت معلوما بغير عيان
وكانت وفاة الشيخ أبي مدين رضى الله عنه ورحمه عام أربعة وتسعين وخمسمائة وكان في ذلك اليوم محفل عظيم ومشهد جسيم وفي ذلك اليوم تاب الشيخ الصالح أبو على عمر الحباك التلمساني وخرج عن دنياه وكان يحدث بسبب ذلك فيقول حضرت جنازة الشيخ أبي مدين رضى الله عنه بالعباد خارج تلمسان فما رأيت أعز من الفقراء في ذلك اليوم ولا أذل من الأغنياء في ذلك اليوم
قال قلت في نفسي إذا كانت هذه حالهم في الدنيا فماظنك بها في
الآخرة
١٤٨
ويقول عن الضريح المبارك
وقبر الشيخ أبي مدين
رضي الله عنه - بالعباد معهود مشهور
وحوض للزائرين رأيت من قبور الأولياء كثيرا فما رأيت أنور من قبره ولا أشرق ولا أظهر من سره وليس الخبر كالعيان والدعاء عنده مستجاب قاله الأعيان وقد وقفت على ذلك غير مامرة وأخبرنى به من جربه واختبرته
زرته مراراً ورأيت له أسرارًا فمنها زيارتى له مع أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين أبي العباس ابن الأمراء الراشدين وذلك في سنة إحدى وستين وسبعمائة في وجهته من المغرب إلى بلد قسنطينة وكان مما عاهد الله
به عند قبره في ذلك اليوم أن من وصله بأذى فلا يجازيه به ويقول وأما قبر الشيخ من بين هذه القبور فهو أنك إذا دخلت البيت فارجع على يمينك مستقبلا فالذى يقع على يسارك هو قبره وهذا المكان عادة الداخل أن يتنقل فيه وهو مكان مصلى واحد فإذا انتقلت فاستند إلى القبلة بانحراف وظهرك في ركن الجدار وسلم حينئذ على الشيخ من غير تقبيل وقل جزاك الله خيرًا على اجتهادك فى نفسك وفيمن تعلق بك من تلامذتك ورحمك ونفعك بعلمك وطاعتك مونفع بك ثم تقرأ ما وتذكر ما تيسر ثم تدعو شئت وإن تيسرت لك صدقة للضعفاء والمساكين الملازمين على الباب فادفعها فإن كان أحد يريد الزيارة فخفف
وإلا فاجلس
تیسر
١٤٩
ويقول صاحب المقال الذى بدائرة المعارف الإسلامية عن أبي مدين وقد دفن أبو مدين في جموع حاشدة من أهل تلمسان وكانت جنازته فرصة ليظهر أهل تلك المدينة فيها تقديرهم الكبير للصوفي وصار أبومدين منذ ذلك ولى تلمسان وحاميها
وازدهرت هذه المدينة ببركاته كما نمت مدينة العباد حول قبره وبنيت فيه قبة أبي مدين بعد وفاته بقليل من الزمن بأمر السلطان الموحدى محمد الناصر وأخذ بعده كثير من الأمراء والملوك الذين حكموا تلمسان يضيفون الشيء الكثير إلى زخارف قبره المقدس وقد بنى السلاطين المدينيون أصحاب تلمسان فى القرن الرابع عشر الميلادى إلى جانب قبره كثيرا من المنشآت الفخمة التي يزال بعضها باقيا إلى اليوم نذكر منها
بصفة خاصة الجامع والمدرسة
ويقول صاحب الكواكب الدرية
مات سنة نيف وثمانين وخمسمائة على نحو ثمانين سنة بتلمسان
ويقول
وله تصانيف منها كتاب أس التوحيد
10
i
صفحة
9
مقدمة
الفصل الأول حياته وشيوخه
الفصل الثاني الشيخ
الفصل الثالث أبو مدين فى معراجه إلى الله تعالى ٦١
11
10
۱۳۳
120
الفصل الرابع من
حكمه
الفصل الخامس الشاعر
الفصل السادس
الفصل السابع النهاية
رقم الإيداع
الترقيم الدولى
٣٢٠٠ / ١٩٨٥
IBN
۹۷۷-۰-٧-١٣٠٤
٤٦ / ١/٨٤
طبع بمطابع دار المعارف ج م ع