الإمام الأكبر
محمود
الدكتور عبد الحليم محمد شيخ الأزهر
أبو ذر الغفاري
الشيوعية
دار المعارف بمطر
500ටටටට
بسم الله الرحمن الرحيم
رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْعَةٌ وَهَى لَا مِن أَمْرِنَا رَشَدًا
مقدمة
وعلى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد
آله
وبعد
وصحبه ومن اتبع هديه إلى
يوم
الدين
فقد كنت من زمن بعيد أسمع أحاديث هنا وهناك عن أبي ذر وصلته بالشيوعية أو بالاشتراكية ودعيت منذ سنوات عدة -- الرؤية تمثيلية في التليفزيون لأبدى رأيي فيها فرأيت تمثيلية لا يكاد يعرف كاتبها عن الإسلام شيئاً لقد شوهت التاريخ وقلبت الحقائق وافترت على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبديت رأيي إذ ذاك فى صراحة تامة ومنع تمثيلها ولكني لم أكن أقدر أنى سأتصل بأبي ذر عن قرب أدرسه وأتأمله في حياته
وأكتب ع عنه كان ذلك بعيداً عن تفكيرى كل البعد وكنت مخطئاً
وشاءت المقادير أن أساق سوقاً إلى معركة الشيوعية بسبب كلمة عابرة
مع
4
بل أقل من عابرة إذا أمكن أن يقال ذلك كتبتها عن الشيوعية فكان الرد على هذه الكلمة العابرة أو الأقل من عابرة صفحات من الشتائم والسباب والتهجم على شخصي وعلى ما أمثله من مجال في مجتمعنا الإسلامي وفوجئ العالم الإسلامي بهذا الهجوم وانماز
منه أما أثره في نفسي فإنه لم
يكن غضباً ولا ثورة ولا شتائم ولا لعنات لقد أنزل الله على قلبي سكينة تامة
و غمرنى شعور بالهدوء وسرت فى أعمالي التي كنت مستغرقاً فيها وكأن شيئاً لم يحدث وكما شكا الإمام ابن مشيش رضي الله عنه من برد الرضا فقد وجدت في صدري برد الرضا هذا ولكني لم أشك منه وإنما استغرقت في تفكير مركز في الشيوعية
وكانت نظرة شاملة بحسب ما عندى من معلومات عنها فأرتني أن الشيوعية وتعذيب وقتل وإراقة دماء وسحل إذا ملكت وتحكمت وهى هجوم وسباب وشتائم لإسكات الأقلام والألسنة إذا لم تكن قد وصلت إلى التحكم
تنكيل
والسيطرة
و رأيت بعد هذا الاستغراق في موضوع الشيوعية الذي كان نتيجة الهجوم على شتائم وسباباً دون مبرر رأيت - من تاريخ الشيوعية الطويل - أنها أعدى أعداء من الإسلام كما أنها من أعدى أعداء المسيحية وتساءلت لم سكت علماء الإسلام عنها
لم سكت أحبار المسيحية عنها
بل تساءلت لم لم أكتب أنا عنها من قبل
لم لم أجعل دراستى لها وبيانها للناس من منهجي في الإصلاح لم سكتنا عنها هذه السنوات الطوال أنها تسوم المسلمين خسفاً وتنكيلا وتعادى الإسلام أفظع ما تكون العداوة وأقسى ما تكون العداوة إنها عداوة
ضارية
لقد شغلنا الأعداء بخلافات ما كان ينبغي أن تكون بين المسلمين يشغلون أنفسهم بها تاركين الأعداء يهدمون الدين وينكلون بالمسلمين مل آن لنا أن نكف عن الحديث عن زيارة القبور وعن قراءة سورة الكهف
وعن الكتابة في الجبر والاختيار وعن حمل المسبحة أهو بدعة وعن شد الرحال وهل يتضمن النهى عن زيارة الأولياء أو لا يتضمنه
To wwwal-mostafacom
A
هل آن لنا أن نفكر فيمن يريد أن يستأصل الإسلام من أساسه وأن يأتى عليه من القواعد ويعمل جاهداً على إزالته من الوجود أرجو الله أن ينبه علماءنا الأفاضل ومفكرينا الأجلاء إلى الخطر الآتى من الغرب ومن الشرق ليتخذوا عدتهم لمقاومته
وإن من أخطر ما يتهددنا الشيوعية إنها تهددنا في عقيدتنا وفي أخلاقنا وفي أموالنا وفى دمائنا ولا بد من مقاومة ذلك على الصعيد القانوني وعلى صعيد التوعية الشعبية والجماهيرية إن كل شخص يعلم حقيقة الشيوعية فإنه يفر منها فراره من الوباء
وفى أثناء دراستي وبحثى الذى ساقنى إليه الشيوعيون سوقاً ما كان يخطر لى على بال قرأت عن أبي ذر رضي الله عنه قرأت عنه فى مختلف المراجع والوثائق فكان هذا الكتاب
و درست الشيوعية فى استفاضة وكانت النتيجة كتاباً آخر عن الشيوعية نفسها يبين معارضتها للإسلام وقد صدرته - فى استفاضة مستفيضة – بظروف وملابسات المعركة التي ساقنى إليها الشيوعيون فجأة وما كنت أتوقعها
وفى أثناء البحث هنا وهناك وجدت مجموعة لا بأس بها من فتاوى العلماء الأجلاء فجمعتها ونسقتها وعلقت عليها وأصبحت كتاباً لا بأس به هو
الكتاب الثالث
وأحببت أن أجعل هذه الكتب فى حجم مناسب حتى تسهل قراءتها وحتى
يتناول كل إنسان منها ما يناسبه وما يزال فى الكتابة عن الشيوعية مجال مستفيض وأرجو الله أن يهدى بهذه الكتب وبما يتلوها وأن يهدى لها إنه سميع قريب مجيب
۹
الفصل الأول
أبو ذر والشيوعية من زاوية العقيدة
@ccccccccccccccce
eeeeeeeeeeeeeeee
في
كانت غفار معروفة بأن من فتيانها من كان يسرق الحجيج قبل الإسلام وكان الحجاج يمرون على غفار في طريقهم إلى مكة وما كان فتيان غفار يتورعون عن بعض المآثم قبل الإسلام لقد كانوا يسيرون سيرة الجاهلية التي حاربها الإسلام إلى أن حولها إلى إسلام وهذا هو أبو ذر - رضي الله عنه - يمتطى صهوة جواده ويخرج فارساً معلماً جنح من الليل يذهب هنا ويذهب هناك حتى يستقر به المقام على الطريق كان يلبس ملابس الحرب ويخرج كأنه قطعة من فولاذ أو كأنه أسد مصور تسرح عيناه في سكون الليل حتى تستقرا على سواد فينطلق إليه بفرسه كالسهم ويلتحم في معركة وتتكشف المعركة عن غنيمة كبيرة عشرات من الجمال والأغنام يستاقها أبو ذر عائداً إلى موطنه و كان شجاعاً ينفرد وحده بقطع الطريق ويغير على القطيع من الجمال أو الأغنام في عماية الصبح على ظهر فرسه أو على قدميه كأنه السبع يطرق
الحي
ويأخذ ما أخذ ولكن هذا الفارس المغير كان يحمل قلباً به شعاع من النور وأخذ هذا الشعاع يقوى حتى أصبح ضوءاً يغمر القلب ويتغلب على كل نوازع الشر فيه
وحدث التحول
وذات
يوم
انتفض أبو ذر انتفاضة أعماقه
من
انقلب فيها
وذات يوم إلى شخصية أخرى شخصية بعيدة كل البعد عن الجاهلية شخصية لا صلة
لها بماضيه
وهذا النمط من التحول معروف فى الإنسانية ومعروف في عالمنا الإسلامي ولكن انتفاضة أبي ذر لم تكن تحولا من جاهلية إلى دين معروف وإنما كانت - وهذا من طراقتها - تحولا من جاهلية إلى دين فطرى إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها إلى خلق لا ظلم فيه إلى عبادة نابعة من تقديس للخالق ! ان أبو ذر يتأله في الجاهلية ويوحد ولا يعبد الأصنام ومعنى يتأله يتنسك ويتعبد وكان أبو ذر في صفاء نفسه وفى نقاء فطرته يتجه إلى الله في صدق يطلب
كان
نور الهداية والتوجه به إلى الصراط المستقيم وذات يوم وذات يوم سمع أبو ذر عن النور أشرق بمكة وعن الهداية انبثقت في أرض الحرم وسمع بالرسالة أضاءت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالفضل الإلهى يشرق على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فغمره السرور وهزه الشوق إلى المعرفة ولم يلبث أن أرسل أخاه إلى مكة واستعجله السفر ورغب إليه في أن يأتيه بالخبر في سرعة وأخذ ينتظر متلهفاً متشوقاً وجاءه أخوه وأعلن أن رسول الله - الرسول الجديد - يأمر بمكارم الأخلاق وقد كان هذا حقا محور الدعوة
الإسلامية
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
وسأل أبو ذر عن موقف المشركين منه فقال له أخوه
يقولون هو ساحر ويقولون هو كاهن ويقولون هو شاعر !
ثم يقول أنيس
لقد سمعت قول الكهنة وما هو بقولهم ولقد وضعت قوله على أقوال الشعراء
وكان أنيس شاعراً - فما يلتثم على لسان أحد أنه شعر
ثم يقول والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون !
ولكن ذلك لم يرو ظمأ أبي ذر إلى المعرفة وغمره الشوق إلى المعرفة المباشرة
بهذا الرسول الموحى إليه
والنقي بالرسول
والتقى برسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن واستقر الإيمان في أعماق قلبه واستولى على شعوره ووجدانه فذهب إلى الكعبة ورؤوس الشرك مجتمعون وعلى وجوههم علامات الكفر والشرك قسوة ظاهرة وغلظة بادية وعدم أو أخلاق أو مثل وابتسامة ساخرة بكل ضعيف ونادي أبو ذر
مبالاة
بقيم
4
بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله !
وفوجئ الشرك بصوت يرتفع بالتوحيد واعتقد المشركون أن هذه إهانة
6
لا يمسحها إلا الدم فقاموا إليه فقاومهم وتكاثر وا عليه وتنافسوا في ضربه ولقد ضرب - كما يقول ليموت وأدركه العباس وقال لقريش ويلكم تقتلون رجلا من غفار ومتجركم وممركم على غفار ! وتركوه ولكنه خرج من تحت أيديهم كأنه نصب تمثال أحمر ! ولكنه فكر من جديد بعد أن ذهب إلى زمزم واغتسل وماذا في مكروه يصيب الإنسان في سبيل الله
1
فعاد في اليوم التالي وصرخ بأعلى صوته
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله وقاموا إليه ضرباً وإيذاء حتى جعلوه كأنه نصب أحمر وضر بوه ليموت وأنقذه العباس من جديد ! !
10
هذا الإيمان القوى هذا النور المشتعل فى القلب هذه الثقة المطلقة في الله
ورسوله
هذه التضحية والاستعداد للتضحية حتى الموت في سبيل الله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله ! ماذا يقابلها في الجو الشيوعي
لقد بدأ الكفر بالدين مع ماركس منذ ابتداء الشيوعية ! فقد قال ماركس كلمته المشهورة إن الدين أفيون الفقراء
أى إنه يخدرهم ويعدهم ويمنيهم ويتحدث إليهم عن الله وعن الحساب والنعيم في الآخرة وهو من هذا الجانب عامل تحدير يتم في الجو الاجتماعي ولقد تلقف لينين هذه الكلمة لكارل ماركس وأعلن أن هذه الكلمة
هي حجر الزاوية في الفلسفة الماركسية فيما يتعلق بالدين إنه يقول حرفياً قال ماركس إن الدين هو أفيون الفقراء وهذا هو حجر الزاوية في الفلسفة
الماركسية جميعها من ناحية الدين وتعد الماركسية الديانات جميعها والكنائس وكل أنواع المنظمات الدينية
آلة لرد الفعل البرجوازي الذى يستهدف الاستغلال بتخدير الطبقة العاملة وفى المقدمة التي كتبت لكتاب لينين ما يلى نصاً
الإلحاد جزء طبيعى من الماركسية لا ينفصل عنها
ونتابع أقوال الشيوعية عن الدين يقول لونا شارسكي الذى كان وزيراً للتعليم يوماً ما في حكومة الشيوعيين نحن نكره المسيحية والمسيحيين وحتى أحسن المسيحيين خلقاً نعده شر وهم يبشرون بحب الجيران والعطف والرحمة وهذا يخالف مبادئنا والحب المسيحى عقبة فى سبيل تقدم الثورة فليسقط حبنا لجيراننا فإن ما نريده
أعدائنا
1
هو الكراهية والعداوة وحين ذلك نستطيع غزو العالم ! ! إن تبشير المسيحية أو بتعبير آخر – تبشير الأديان بحب الجيران والعطف والرحمة يثير الكراهية فى نفس الشيوعى إذ أنه لا يعرف إلا الحقد والكراهية والعداوة ليستطيع - فيما يزعم - غزو العالم
والزعيم الشيوعى لينين يعلن فى وضوح سافر عن الصلة بين الدين والشيوعية بكلمات قليلة حاسمة إنه يقول
والماركسية هى المادية وهى من ثم معادية للدين
أما البرنامج الذي وضع للمؤتمر الدولى الشيوعي السادس الذي عقد في
سنة ۱۹٨ فإنه يقول حرفيا
بين
إن الحرب ضد الدين - وهو أفيون الشعوب تشغل مكاناً هاما أعمال الثورة الثقافية ويلزم أن تستمر هذه الحرب بإصرار وبطريقة منظمة ولا يكاد لينين يمل الحديث عن الأديان ووجوب تحطيمها إنه يتحدث عنها بمناسبة وبدون مناسبة ولقد كتب فى يوم خطاباً للكاتب الروسي مكسيم
جوركي يقول فيه
إن البحث عن الله لا فائدة فيه ومن العبث البحث عن شيء لم تضعه
في مكان تخبئه فيه وبدون أن لا تزرع تستطيع أن تحصد وليس لك إله لم تزرعه بعد والآلهة لا يبحث عنها وإنما تزرع يخلقها البشر ويلدها
لأنك
المجتمع
1 a
ومما سبق نرى
أن الشيوعية فى العقيدة مناقضة للإسلام مناقضة تامة ! والآن نتساءل ما هي الصلة بين أبي ذر والشيوعية
والإجابة معروفة واضحة
إنها الصلة بين الإيمان والكفر
الصلة بين الإسلام والإلحاد ! ما نصيب الشيوعية في أبي ذر لو علم بها إن نصيبها منه اللعنة !
وإن نصيبها منه العداوة إلى حد السيف !
وإن نصيبها منه مقت المؤمن لمن يحاد الله ورسوله !
وإذا كان هذا الموقف بالنسبة للعقيدة فما هو الموقف بالنسبة للأخلاق ذلك موضوع له مكانه إن شاء الله
الفصل الثاني
إننا نحبه ونحب فيه الإيمان القوى الذى لا يخاف في الله لومة لائم
ونحب إخلاصه الذي كان يحمله على النصيحة للظاعن والمقيم ونحب حدته التي جعلت بعض الحلماء يتجنبونه نحبها لأنها لم تكن مفتعلة وإنما كانت طبيعة فيه وكانت حدة ناشئة عن قلب طاهر وكانت وكان إذا نبه إليها تنبه فتاب وأناب من ذلك مثلا
حدة لا يتبعها شر أو
سوء
ما روى عن المعرور بن سود قال نزلنا الربذة فإذا برجل عليه برد وعلى غلامه مثله فقلنا ألا عملتهما حلة لك واشتريت لغلامك غيره فقال سأحدثكم كان بينى وبين صاحب لى كلام وكانت أمه أعجمية فنلت منها فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ساببت فلاناً قلت نعم قال ذكرت أمه قلت من ساب الرجال ذُكِرَ أبوه وأمه فقال إنك امرؤ فيك جاهلية - وذكر الحديث - إلى أن قال إخوانكم جعلهم الله تحت فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه ويلبسه من لباسه
ولا يكلفه ما يغلبه
أيديكم ولقد كان - كما يقول الإمام الذهبي - أحد السابقين الأولين من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
وكان كما يقول الذهبي أيضاً رأساً في الزهد والصدق والعلم والعمل قوالا
بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم على حدة فيه
وهب
سنين
ونحبه لحبه الرسول الله صلى الله عليه وسلم
ونحبه لالتزامه فروض الإسلام ونوافله
ونحبه لفروسيته وشجاعته
لقد كان إيمانه ينطلق به إلى كل معركة في شجاعة نادرة نفسه لله ورسوله يقول الواقدي كان حامل راية غفار يوم حنين أبو ذر ونحب طريقة حياته من قبل النبوة فإن من حديثه
يخاف وقد
ومم
عبد الله بن
الصامت
وقد صليت يا ابن أخي قبل أن التى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث
قلت لمن
قال
لله
قلت أين توجه
قال
حيث وجهني الله أصلى عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألفيت
نفسي كأني خفاء ثوبى ملقى حتى تعلونى الشمس
أما قصة إسلامه فإنها طريفة وعنها يقول
كنت ربع الإسلام أسلم قبلى ثلاثة نفر وأنا الرابع أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت السلام عليك يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث إسلام أبي ذر - رضي الله عنه - حديث مستفيض جليل -
روته كتب السنة الموثوق بها أمثال البخاري ومسلم وغيرهما
ولقد روته هذه الكتب في زواياه المختلفة الثرية بالعبر والمواعظ وذلك أنه لما بلغ أبا ذر مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأخيه أنيس اركب إلى هذا الوادى فاعلم لي عليم هذا الرجل الذي يوتهم انه نی يأتبه الخبر من السماء فاسمع من قوله ثم ائتنى ولكن أبا ذر لم يختف بخبر أخيه فقال له هل أنت كافي حتى أنطلق قال نعم وكن من أهل مكة على حذر فإنهم قد شنعوا له وتجمعوا له فتزود وحمل سنة له فيها ماء حتى قدم مكة فأتي المسجد فالتمس
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرفه واتبع نصيحة أخيه في ألا يسأل عنه وأن يحذر أهل مكه حتى أدركه بعض الليل فاض جح لينام فراه
ما
وار
سيدنا على فعرف اند غریب فدعاه إلى المبيت عنده فتبعه ولم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد ذلك اليوم فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى فعاد إلى مفجع
فمر به على فقال ه أما آن للرجل أن يعرف منزله ودار به إلى المنزل لا يسأل واحد من صاحبه عن شيء ومر اليوم الثالث على هذه الكيفية فلما كان في البيت سأله على رضى الله عنه قائلا ألا تحدثني بالذي أقدمك قال إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدنى فعلت ففعل فأخبره
وفى الصباح ذهبا - على حذر - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأخذ أبو ذر يستمع إلى القرآن الكريم فأسلم في جلسته فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمرى فقال والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
فقام إليه الحاضرون فاشتبكوا معه في معركة الحامية واستمروا به حتى رموه أرضاً فأتى العباس وأنقذه منهم ولكنه عاد في الغد إلى مثلها وعادوا إلى مثل ما فعلوه وأنقذه من جديد العباس وعاد أبو ذر إلى أخيه وأعلن إسلامه فأسلم أخوه وذهبا إلى أمهما فأعلنت إسلامها وأخذ أبو ذر يبشر بالإسلام في قومه رضي الله عنه ولقد روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه كثير من الصحابة ومن الأحاديث المشهورة الجميلة النفيسة التي رواها عن رسول
جمع
الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن الله تبارك وتعالى أنه قال يا عبادي إلى حرمت الظلم على نفسى وجعلته محرماً فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفر وني أغفر
لكم
يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضرى فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعونى يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد
٢٤
خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه
وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
D
أوصاني خليلي بخمس أرحم المساكين وأجالسهم وأنظر إلى من تحتى ولا أنظر إلى من فوقى وأن أصل الرحم وإن أدبرت وأن أقول الحق وإن كان مرا وأن أقول لا حول ولا قوة إلا بالله
وعنه قال
أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع
أمرنى بحب المساكين
والدنو منهم
وأمرني أن أنظر إلى من هو دونى
وألا أسأل أحداً شيئاً وأن أصل الرحم وإن أدبرت وأن أقول الحق وإن كان مرا وألا أخاف في الله لومة لائم وأن أكثر من قول لا حول ولا قوة
إلا بالله فإنها من كنز تحت العرش
كان أبو ذر زاهداً جميلا وكان يحب للناس الخير فكان يدعوهم إلى الزهد حتى لا يكون حسابهم على المال ثقيلا الحساب وذلك أن الإنسان يوم
يسأل يوم القيامة عن ماله فيم أنفقه
وكان أبو ذر
أن يحب يمر المسلمون على الصراط خفافاً وألا يكون المال
6
عقبة في سبيل تيسير الحساب وكما أحب الخير لنفسه والتزم أن يختزن ما يكفيه وأسرته العام كاملا وأن يتصدق بما فضل عنده ويفعل ذلك كل عام ويقتنى أعتزاً ودواب يحلب منها ويشرب ويهب ويتصدق فإنه كان يحب ذلك لأصحابه عن سعيد بن أبي الحسن أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف فكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله أن يكفيه السنة فاشتراه أما باقى الأربعة آلاف فإنه كان يحولها إلى فلوس أي فكة ليست ذهباً ولا فضة وكانت نظرة أبي ذر في ذلك
۰
أنه كان
لنفسه أن يدخر فلوساً قروناً وملاليم على حد تعبيرنا في العصر يبيح الحاضر ليست ذهباً ولا فضة وإنما من معدن آخر وكان لا يرى في ادخار ذلك لنفسه بأساً ولعله إنما كان يفعل ذلك لينفق على أكبر عدد من الفقراء
وبلغ الزهد بأبي ذر منتهاه فعن أسماء رضي الله عنها قالت
إن أبا ذر كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد وكان هو بيته وحينما كان فى الشام كان هو وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق ومر يوماً بأبي الدرداء وهو يبنى مسكناً في أبسط صور المساكن فضاق به أبو ذر وقال له ما هذا تعمر داراً أذن الله بخرابها
وقال كلاماً آخر شديداً
أن عطاء أبي ذر كان أربعة آلاف فى العام وكان يقبضها فإنه ومع
لما مات لم يترك إلا أتانين وحماراً وأعتزاً وركائب كما ذكر ذلك ابن أخته
بید
أن طريقته في الحياة هذه كانت أحياناً لا تواتيه بما يحب فقد كان يقول
أبطأت في غزوة تبوك من عجف بعيري
وعن ابن مسعود قال
6
6
لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك جعل لا يزال يتخلف الرجل فيقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه إن يكن فيه خير فسيلحقكم وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه حتى قيل يا رسول الله تخلف أبو ذر وأبطأ فقال ما كان يقوله وتلوم أبطأ بعير أبي ذر فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره وخرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر ناظر فقال إن هذا الرجل يمشى على الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا ذر فلما تأمله القوم قالوا هو والله أبو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله
بغيره
٢٦
أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده
ومع قوة أبي ذر في بدنه ومع فروسيته وشجاعته فقد قال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر إنى أراك ضعيفاً قال له ذلك حين طلب أبو ذر الإمارة
ثم نصحه صلى الله عليه وسلم قائلا لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم
ويعقب الإمام الذهبي على ذلك قائلا
فهذا محمول على ضعف الرأي فإنه لو ولى مال يتيم لأنفقه كله في سبيل الخير ولترك اليتيم فقيراً فقد ذكرنا أنه كان لا يستجيز ادخار النقدين والذي يتأمر على الناس يريد أن يكون فيه حلم ومداراة وأبو ذر رضي الله عنه كانت فيه حدة كما ذكرناه فنصحه النبي صلى الله عليه وسلم ومذاهب الناس الفردية فى الحياة - ما دامت خالية من المعاصي - فإنها
"
مباحة للأفراد كأفراد ومباح للأفراد كأفراد أن ينصحوا ويبينوا العظات والعبر في محيط هذه الحياة سواء أخذ الناس بها أم لم يأخذوا وإذا كان ذلك مذهب أبي ذر الذى يشبه - مع فارق الإيمان والتقوى مذهب زهاد الفلاسفة فى العصور القديمة والحديثة والذي غايته هدوء البال والراحة فى الدنيا عند الفلاسفة والراحة في الدنيا والآخرة عند أبي ذر فإن للأفراد - كأفراد - مذاهب أخرى وللإسلام جوه الواضح فيما يتعلق بشئون المال وسنتحدث عن ذلك إن شاء الله تعالى ولكننا نحب أن نقول إن أبا ذر كان ينصح ويعظ ليقبل الناس على البذل مختارين وما كان يدور بخلده قط أن يقهر ويغتصب بل إنه لو رأى الاغتصاب والقهر لقاومه بسيفه
ولضحى فى سبيل وقفه بنفسه فإنه ما كان يرضى بالظلم
و إذن هو بعيد كل البعد عن كل المذاهب الحديثة وليس للمذاهب الحديثة فيه من نصيب اللهم إلا حينما تلفق الآراء وتزيف الحقائق وستزيد الأمر وضوحاً إن شاء الله تعالى
٢٨
الفصل الثالث
أبو ذر والنظام المثالي في الإسلام
ee
عن الموقف الإسلامي
وقبل أن نتحدث عن الجو المالي في الإسلام نحب أن نقول
1 - إن أبا ذر رضي الله عنه - من الذين أعلنوا في وجه الطغاة من أهل مكة إيمانهم اليقينى بالله ورسوله وإنهم انهالوا عليه ضرباً حتى خرج من تحت أيديهم وأرجلهم كأنه كما يقول - نصب أحمر – ولم يمنعه ذلك من أن يعود فى اليوم الثانى فينادى من جديد في وجه الطغاة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله
ونال مثل ما ناله فى اليوم السابق وكان على استعداد لأن يعلن بالشهادتين كل يوم في وجه كل طاغية
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم
منعه لقد كان مؤمناً
– بل لقد كان رابع الإسلام أو خامسه على اختلاف في الرواية ٣٠ - وملكت عليه شعائر الإسلام سمعه وبصره وشعوره وقلبه فكان يؤديها كما رآها آلافاً من المرات فى سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان ناصحاً لا يهدأ
ه - وكان زاهداً بل رأساً في الزهد وزهده والزهد الذي كان يدعو إليه إنما كان زهد المتجردين وزهد المتجردين هو الزهد الاختياري أي الزهد مع قدرة الإنسان على الكسب إنه زهد تحرر فيه الزاهد بمنتهى حريته من شهوات
أحد من مال و زهده ودعوته
الدنيا لم يخبره أحد على الزهد ولم يجرده إلى الزهد كل ذلك لا يمت بصلة إلى استعمال القوة والقهر في الاستيلاء على
المال
وموقف المسلم من أسلوب القهر والاغتصاب واضح كل الوضوح وعلى الرغم من مئات الأدلة والنصوص المبينة لموقف الإسلام فإننا نكتفي بمايلي
عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال
أخذ من
من الأرض شبراً بغير حقه طوقه من سبع أرضين رواه أحمد
وفي رواية مسلم
ا لا يأخذ أحد شبراً من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع
يوم القيامة
وعن
أرضين
وروى البخاري وغيره عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ من الأرض شبراً بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين أبي مالك الأشعرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أعظم الغلول عند الله عز وجل ذراع من الأرض تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً إذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين أحمد رواه بإسناد حسن والطبراني في الكبير
وعن عبد الله رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غصب رجلا أرضاً ظلماً لقى الله وهو عليه غضبان رواه الطبراني وعن الحكيم بن الحارث السلمى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ من طريق المسلمين شبراً جاء به يوم القيامة يحمله من سبع أرضين
رواه الطبراني في الكبير والصغير
وعن
لشدة ما حرم !
أبي حميد الساعدي رضی الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لمسلم أن يأخذ عصا مسلم بغير طيب نفس منه قال ذلك الله من مال المسلمين على المسلم رواه ابن حيان في صحيحه وما كان أبو ذر رضي الله عنه - والأمر كذلك - يرضى لا ولا قلامة ظفر أن تغتصب أرض أحد أو أن يغتصب منه شير ولو حدث ذلك في عهده لثار ثورة عارمة فيها الإخلاص وفيها الإرادة العازمة وفيها الحدة التي اتسم بها وذلك لأنها تخالف ما عرفه من الإسلام وإذا كنا قد تحدثنا عن الاغتصاب فإننا نحب الآن أن نتابع الحديث عن بعض جوانب من الجو الإسلامي بالنسبة للمال
وطبق
وهذا الجو الإسلامى الواضح أبان عنه القرآن بلسان عربي مبين هذا الجو الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وذو النورين عثمان وفارس الإسلام وعالمه وزاهده - على - كرم الله وجهه والصحابة رضوان الله عليهم والتابعون وتابعو التابعين وهكذا إلى اليوم
وهذا الجو هو أن المال لله تعالى قد استخلفنا فيه وهو الذي اتانا المال إنه المانع المعطى وهو الوهاب الرزاق
وهو سبحانه الذى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدره لمن يشاء
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ
6
وتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ في الليل وَتُخْرِجُ الحَى مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ
تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
آل عمران ٢٦ - ٧٧]
ر السلام
وقد وضع الله سبحانه ۱ – قواعد لكسب المال
- وقواعد لطهر المال
•
- وقواعد للأغنياء الذين آتاهم المال
ونظم الأمر في كل ما يتعلق بالمال تجارة وزراعة وإجارة وبيعاً وشراء وكتابة
للدين إلخ
أما قواعد كسب المال فإنها تكاد تتلخص في كلمة الحلال أن يكون المال حلالا لا شبهة فيه ولقد شدد الإسلام كثيراً في اشتراط أن يكون
الكسب من حلال عن ابن عباس
فيما أخرجه الحافظ ابن مردويه
الآية عند النبي - صلى الله عليه وسلم
يأيها النَّاسُ كُلوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طيباً
فقام سعد بن
الدعوة فقال
قال تليت هذه
أبي وقاص فقال يا رسول الله أدع الله أن يجعلنى مستجا
يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام فى جوفه ما يتقبل منه أربعين يوماً وأيما عبد نبت لحمه من السحت والر با فالنار أولى به به
وروى أحمد ومسلم والترمذي عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين
بما أمر به المرسلين فقال
يأيها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عليم وقال يَأْيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك
وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطى الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطى الدين إلا من يحب فمن الدين فقد أحبه والذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن
أعطاه الله
حتى يؤمن جاره بوائقه قالوا وما بوائقه قال غشه وظلمه یكسب عبد مالا حراماً فيتصدق به فيقبل منه ولا ينفق منه فيبارك له فيه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إن الله تعالى لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن إن الخبيث لا يمجو الخبيث رواه أحمد وغيره وعن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما تزال قدماً عبد القيامة حتى يوم أفناه عن أربع عن عمره فيم أبلاه وعن من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا
وعن شبابه فيم
ماله
يسأل
عمل فيه رواه الترمذي وصححه والبيهقى وعن النعمان بن بشير رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام
۳۵
حمى
6
كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه وإن لكل ملك الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد
ألا
وإن حمى
کله
وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب رواه البخاري ومسلم
والترمذى ولفظه
الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يدرى كثير من الناس أمن الحلال هى أم من الحرام فمن تركها استبرأ لدينه وعرضه فقد سلم ومن واقع شيئاً منها يوشك أن يواقع الحرام كما أنه
L
من يرعى حول الحمى
أوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك تمی ألا وإن حمى ! الله محارمه وفي رواية لأبي داود والنسائى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات وسأضرب الله ما حرم وإنه من يرتع
لكم في ذلك مثلا إن الله حمى حمى وإن حمي حول الحمى يوشك أن يخالطه وإن من يخالط الريبة يوشك أن يخسر ومما يتصل بذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله عز وجل ويل للمطففين فأحسنوا الكيل بعد ذلك رواه ابن
ماجه وابن حبان والبيهقى ومما يتصل بذلك أيضاً عن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء رواه الترمذي
وقال حديث حسن
وأخذ المسلمون فى إطار المبادئ الإسلامية يعملون فى جد لكسب العيش ولاستثمار المال كانوا يتاجرون ويزرعون ويسافرون بالتجارة هنا وهناك أو يرسلون من يقوم عنهم بالتجارة في أموالهم
٣٦
ومن المعروف أن المهاجرين أتوا إلى المدينة وليس في أيديهم شيء من المال وحينما آخی رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأنصار والمهاجرين عرض الأنصار على المهاجرين أن يتقاسموا الأموال فعف المهاجرون في كرامة كريمة وشكر صادق عن هذا العرض وأخذوا يعملون مباشرة في كسب عيشهم ونذكر كمثال مايلي
روى البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال
و لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني و بين سعد بن الربيع
6
وانظر
فقال سعد بن الربيع إلى أكثر الأنصار مالا فأقسم لك نصف مالي أي زوجتي هويت نزلت لك عنها فإذا حلت تزوجتها فقال له عبد الرحمن لا حاجة لى فى ذلك هل من سوق فيه تجارة قال سوق بني قينقاع فغدا إليه عبد الرحمن بأقطا لبن جامد وسمن ثم تابع الندو فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أتر صفرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت قال ومن قال امرأة من الأنصار قال كم سقت قال زنة نواة من ذهب - أو نواة من ذهب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم
قال نعم
أو لم ولو بشاة أخذ المسلمون يعملون في كسب المال تحت سمع الرسول صلى الله عليه وسلم وبصره وأثرى الكثير منهم ثراء عظيما فلم ينههم رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن الازدياد ولم يأمرهم بالوقوف عند حد في التجارة والكسب
ولقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابه باللجنة هم
6
أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبي طالب والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله
وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمر و بن نفيل وإذا نظرت إلى هؤلاء العشرة نظرة متأنية رأيت أنهم لم يكونوا جميعاً من
الفقراء ولم يكونوا جميعاً من الأغنياء ولم يكونوا جميعاً من متوسطى الحال
وإنما كان منهم الغنى ومنهم الفقير والمتوسط ولكن هذه النظرة تبين أمرين سافرين
>>
1 - التقوى والله سبحانه وتعالى يقول
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
والتقى هو المحافظ على حدود الله عقيدة وشريعة وأخلاقاً ونظاماً للمجتمع
٢ - الجهاد الجهاد بجميع ضروبه
ا جهاد النفس لتتزكي
•
ب جهاد الأسرة لتستقيم وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ح الجهاد في المجتمع حتى يقوم على أمر الله عقيدة وشريعة وأخلاقاً ونظاماً اجتماعيا
ولكن الأمر فيما يتعلق بصلة العشرة المبشرين بالجنة بالمال ما زال في حاجة إلى إيضاح ومن أجل ذلك نكتب الفصل التالي حتى نرفع الالتباس الذي وقع فيه بعض من لا يفقهون
۳۸
المجتمع الإسلامي والمال
ولزيادة وضوح الأمر في بيان الجو الإسلامي بالنسبة للمال نحب أن نتحدث
عن شخصيتين من العشرة المبشرين بالجنة أما أولهما فهو
#
البليونير الصالح عبد الرحمن بن عوف
أحد العشرة وأحد الستة أهل الشورى وأحد السابقين البدريين
وأحد الثمانية الذين بادروا إلى الإسلام
ومن مناقبه رضى الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة
وأنه من أهل بدر الذين قيل فيهم اعملوا ما شئتم
ومن أهل هذه الآية
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبهمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
[ الفتح ۱۸ ۱۹ ]
۳۹
وقد صلى صلى الله عليه وسلم وراءه عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى عبد الرحمن بن عوف وهو يصلي بالناس فأراد عبد الرحمن أن يتأخر
فأوماً إليه أن مكانك فصلى وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته وان روبن وهب الثقفي قال
6
أحد
كنا مع المغيرة بن شعبة فسئل هل أم النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة غير أبى بكر فقال نعم فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم
توضأ
ومسيح
على خفيه وعمامته وأنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف وأنا
ركعة من الصبح وقضينا الركعة التي سبقتنا
يقول الإمام الذهبي
للأمة
معه
ومن أفضل أعمال عبد الرحمن عزله ننمسه من الأمر وقت الشورى من أشار به أهل الحل والعقد فنهض في ذلك أتم نهوض على الأمة على عثمان ولو كان محابياً فيها لأخذها لنفسه أو لولاها ابن عمه جمع
واختياره
وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي وقاص
ويروى عن عبد الله بن دينار عن أبيه قال
كان عبد الرحمن بن عوف ممن يفتى فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم
عبد الرحمن بن عوف هذا كان من أصحاب الملايين رضي الله عنه
ماذا فعل في ملايينه هذه
في
دخلت
يوم من الأيام قدمت له سبعمائة راحلة تحمل البر والدقيق والطعام فلما
سمع لأهل المدينة رجة وتحدث الناس بها هنا وهناك
الرواحل مثيراً
6
وكان منظر
ولما عرف ذلك عبد الرحمن تبرع بها جميعها الرواحل
وما حملت في سبيل الله
وقائمة تبرعاته لا تكاد تحصى
منها أنه تصدق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف ماله
ثم تصدق بأربعين
ألف
دینار
وحمل على خمسمائة فرس فى سبيل الله
ثم حمل على خمسمائة راحلة في سبيل الله
6
هذا بعض ما تبرع به عبد الرحمن بن عوف فى عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم
وبعد أن انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى أخذ عبد الرحمن
يتبرع تباعاً بنسبة زيادة ماله
وكان يخصص جزءاً من ماله كل عام لزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول المسور رضي الله عنه
فلما أتيت عائشة بنصيبها قالت من أرسل بهذا
قلت عبد الرحمن
قالت أما إلى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
لا يحنو عليكن بعدى إلا الصابرون سقى الله بن عوف من سلسبيل الجنة ولقد أوصى عبد الرحمن لزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديقة قومت بأر بعمائة ألفاً ووصل الأمر بكرم عبد الرحمن بن عوف أنه كانت صلاته وهباته تستغرق ثلث أهل المدينة
وكان يقضى ديون ذوى الديون وكان يقرض المحتاجين قرضاً حسناً وكان يصل في سخاء ذوى رحمة من الأقارب الأقربين ومن ذوى القربى البعيدين
وكان يعم
کرمه جميع
أفراد عشيرته المحتاجين
أما الشخصية الثانية التي نحب أن نقول عنها كلمة فإنها شخصية
٤١
الزاهد الصالح أبي عبيدة بن الجراح
إنه أحد السابقين الأولين ومن عزم الصديق على توليته الخلافة وأشار به يوم السقيفة لكمال أهليته عند أبى بكر شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وسماه أمين الأمة
وهو
تو أحد الثمانية الأول فى الإسلام أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وقد تحدث أبو بكر الصديق وقت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بسقيفة بني ساعدة
قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر وأبا عبيدة
وكان أبو عبيدة معدوداً فيمن جمع القرآن العظيم
وبلغ من منزلته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جعله رئيساً على مدد حربى فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعمر الفاروق رضي الله عنه
قال موسى بن عقبة في مغازيه
غزوة عمرو بن العاص هي غزوة ذات السلاسل من مشارف الشام
فخاف عمر و من جانبه ذلك فاستمد رسول الله صلى الله علية وسلم فانتدب أبا بكر وعمر في سراة من المهاجرين فأمر نبي الله عليهم أبا عبيدة
وثبت من وجوه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إن لكل أمة أميناً وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وكان رضي الله عنه حبيباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله قال سألت عائشة أى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب
إليه قالت
أبوبكر ثم عمر ثم أبو عبيدة بن الجراح
وأطلق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمين هذه الأمة
٤٢
ومن أجل كل ذلك رشحه أبو بكر رضى الله عنه للخلافة وما كان سيدنا
عمر رضى الله عنه يؤثر عليه أحداً لأمر الخلافة ولو كان حيا
عن شريح بن عبيد وراشد بن سعد وغيرهما قالوا
ولما بلغ عمر بن الخطاب سرغ 1 وهى قرية فى أول الشام ] وحدث أن
بالشام وباء شديداً قال
إن أدركني أجلى وأبو عبيدة حي استخلفته
فإن سألني الله عز وجل
لم استخلفته على أمة محمد قلت إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول
إن لكل أمة أميناً وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح
ويقول صاحب كتاب أعلام النبلاء
وكان أبو عبيدة موصوفاً بحسن الخلق وبالحلم الزائد والتواضع
وعن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا لو شئت لأخذت عليه بعض خلقه إلا أبا عبيدة
هذا
وكان فارساً مقداماً لا يتراجع ولم يكن فارساً شجاعاً فحسب وإنما كان فارساً حكيما ذا بصيرة في الترتيب الحربى ولكل هذا انتهى به الأمر أن كان القائد العام لجيوش الفتح في الشام
كله ولاه سيدنا عمر وكانت ثقته به
مطلقة
وكان أبو عبيدة يسير في العسكر فيقول
ألا
رب مبيض لثيابه مدنس لدينه ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين
بادر وا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات وسافر سيدنا عمر إلى الشام ليرى الأمر على الطبيعة وفي ذلك يروى المؤرخون
عن تميم بن سلمة أن عمر لقى أبا عبيدة فصافحه وقبل يده وتنحيا يبكيان
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال
قدم عمر الشام فتلقاه الأمراء والعظماء فقال أين أخي أبو عبيدة قالوا يأتيك الآن قال فجاء رجل على ناقة مخطومة بحبل فسلم عليه
ثم قال للناس انصرفوا عنا فسار معه حتى منزله فنزل عليه فلم ير في بيته
إلا سيفه وترسه ورحله فقال له عمر
لو اتخذت متاعاً أو قال شيئاً
فقال يا أمير المؤمنين إن هذا سيبلغنا المقيل
وعن زهد أبي عبيدة يروى مالك أن ر أرسل إلى أبي عبيدة بأربعة آلاف عمر أو بأربعمائة دينار وقال للرسول انظر ما يصنع بها قال فقسمها أبو عبيدة ثم أرسل إلى معاذ بمثلها قال فقسمها إلا شيئاً قالت له امرأته تحتاج إليه
فلما أخبر الرسول عمر قال الحمد لله الذى جعل فى الإسلام من يصنع هذا -
ونلاحظ من كل ذلك
1 أن أبا عبيدة وصلت به تقواه إلى أن ذان أمين الأمة
ب ووصلت به شجاعته وبصيرته الستنيرة إلى أن كان أمير الجيوش ح وكان زاهداً زهداً اختياريا لم يجبره أحد عليه ولم يكن هذا الزهد عن فقر لم يكن زاهداً بسبب أخذ ماله قهرا أو الاستيلاء على
عقاره بالقوة وإنما زهد في متاع الدنيا لأنه يريد وجه الله
د حينما زاره عمر لم يجد عنده - وهو القائد العام لجيوش الشام - متاعاً وسأله أين متاعك وأنت أمير
فقال له يا أمير المؤمنين هذا يبلغنا المقيل أي يكفينا إلى أن نصل إلى الآخرة دار الإقامة والبقاء لم يكن زهده عن فقر وإنما كان زهده عن
استشراف لما هو أنفس
كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وسقاه من سلسبيل الجنة – غنيا
صاحب ملايين وبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وكان أبو عبيدة - وهو صورة حبيبة إلى كل نفس - زاهداً مختاراً وبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ولقد استأهلا الجنة ببطولات وجهاد وتفان فى حب الله ورسوله وبصفات
أخرى كثيرة يعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلتهما للبشرى بدخول الجنة والعشرة المبشرون بالجنة فضلوا على غيرهم لجهادهم وبطولاتهم وصفاتهم
التي امتازوا بها على غيرهم وكان بعضهم من أصحاب الملايين وبعضهم
من متوسطى المحال وبعضهم من الزهاد المتجردين طواعية واختياراً
وهناك من هم ومئات وآلاف من الصحابة ولم ترد الأخبار الصحيحة أن رسول الله صلى الله
في مستوى من أفضل المستويات جهاداً وتقوى عشرات
عليه وسلم بشرهم بالجنة من هؤلاء أبو ذر رضي الله عنه
ويصل بنا كل ذلك إلى القول بأن واقع المسلمين
6
وهم
تحت
سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم وبصره لم يكن فيه اتجاه قط ولا من بعد إلى العد الثراء ما دام فى إطار المبادئ الإسلامية من الكسب الحلال فإذا انشق إنسان أو شعب عن هذا النظام فإنه يكون منشقا عن الوضع
من
الإسلامي عن الإسلام عن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الوضع الذي رسمه الله ورسوله للأمة الإسلامية ولم يكن أبو ذر رضى الله عنه من هذا الفريق فهوعد وللشيوعية من قبل أن توجد لأنه عدو لكل انحراف رضي الله عنه
قواعد طهر المال
ونصل الآن إلى الموضوع الثاني
إنه مع اشتراط أن يكون المال من كسب حلال طيب
6
فإنه لابد من
شرط آخر حينما يصل المال إلى ملكية الإنسان وهذا الشرط سمه إن شئت شكر الله على النعمة أو سمه عامل التزكية تزكية المال وتزكية صاحب المال وهذا الشرط هو الزكاة شرط حتمى والصدقة زيادة شكر الله على نعمته
وسنتوسع في الحديث عن هذا الموضوع
لما له من أهمية !
ولأن كثيراً من الناس انصرفوا عنه
ولأنه يتصل به زوايا أخرى كثيرة لابد من إيضاحها
روى الإمام البخارى رضى الله عنه عن أبي هريرة رضى الله عنه قال
لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي الله عنه وكفر
من كفر من العرب بسبب عدم إخراجهم الزكاة وامتناعهم عن تأديتها
فقال عمر رضي الله عنه
كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم
منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله
٤٦
فقال أبو بكر
والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعونى عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على
منعها !
قال عمر رضي الله عنه
فو الله ما هو إلا أن شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق من هذا الحديث الشريف نعلم أن مانع الزكاة بهذا الوضع وعلى هذه الصورة كافر وأنه يحارب حتى يؤديها وإلا قتل ! ! !
وقد حارب سيدنا أبو بكر رضى الله عنه ما نعى الزكاة لأنه رأى أن الامتناع عن الزكاة – إنكاراً لها ارتداد عن الإسلام ولم ينفعهم - فيما رأى – سيدنا أبو بكر وفيما رأى الصحابة معه - صلاة أو صيام أو غير ذلك
من الشعائر الإسلامية
ذلك أن الزكاة ركن من أركان الإسلام والامتناع عن أدائها إنما هو
هدم ركن من أركان الدين
إنها الركن الثالث يدفعها من تجب عليه لمستحقيها ليحيى بها نفوساً ويشبع بها بطوناً ويمسح بها دموعاً ويزيل بها آلاماً وينال بها ثواباً وأجراً
من الله تعالى
وكأن الإسلام بفرضها أراد أن يلفت بها نظر المسلم ويوجه انتباهه في صورة من صور الواجب - إلى ضرورة شكر الله تعالى على ما أسدى إليه من نعمة المال وعلى ما وهب من نعمة الثراء
وأراد أن يلفت نظره إلى أنه عضو في مجتمع يجب أن يكون متعاوناً متسانداً كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر وإلى أنه عضو في مجتمع يتكفل كل فرد فيه بالآخرين
٤٧
فالغنى متكفل بالفقير والقوى متكفل بالضعيف وذو الجاه متكفل بمن لا جاه له وذو العلم متكفل بمن ليس بعالم
وقد جعل الله سبحانه وتعالى الزكاة برهاناً على الإيمان يقول صلوات الله
وسلامه عليه
الصدقة برهان
وكل من يخادع نفسه إذن فيدعى الإيمان ثم يمتنع عن زكاة ماله فإن هذا الامتناع نفسه برهان على كذبه
وإذا كانت الزكاة برهاناً فإنها أيضاً امتحان يستبين فيه من أجاب داعي الله ومن أعرض ثم هي تطهير للنفس وتزكية لها وتطهير للمال وتزكية له يقول الله
تعالى
عنه
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهَرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا
[ جزء من الآية ١٠٣ من سورة التوبة ]
والمال الطاهر المزكي ينمو باستمرار ويجعل الله فيه البركة الله تعالى من التلف ويبعد عنه الآفات ثم يخلفه الله تعالى
6
ويحفظه
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ
يُخلفه
"
وهو سبحانه وتعالى يعوضه
أضعافاً مضاعفة
1
جزء من الآية ٣٩ من سورة سبأ ]
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ
وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ
یون مو
سورة البقرة الآية ٢٦١ ]
ويأتي من بعد ذلك كله الأجر والثواب ورضوان الله سبحانه وتعالى وأجر الزكاة يبدأ من عشرة أمثالها فالحسنة بعشر إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله من أضعاف لا يكاد يحصيها العد
والزكاة إذن رابطة بين الإنسان وربه رابطة رضوان من الله وأجر وثواب
ونماء وبركة ورابطة شكر من الإنسان الله تعالى على ما أنعم به وتفضل وأحسن
وأكرم
وهي من ناحية أخرى رابطة بين الإنسان وأفراد المجتمع الذي يعيش فيه رابطة مودة وتعاطف وتراحم والأساس الذي يجب أن يقوم عليه إعطاء الزكاة أن يعطيها الإنسان طيبة بها نفسه منشرحا بها صدره غير منتظر شكراً ولا حمداً ولا معروفاً يسدى ولا خدمة تؤدى يقول الله سبحانه وتعالى
فأنذرتُكُمْ نَاراً تَلظَّى لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْق الَّذِي كَذَّبَ وتولى وسجنها الأنثى الَّذِي يُؤْتِى مَالَهُ يَتَرَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى
[ سورة الليل الآيات ١٤ - ٢١ ]
وبعض الناس يتبعون صدقاتهم بالمن والأذى فيبطل ذلك زكاتهم ولكن
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا منا ولا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ
سورة البقرة الآية ٢٦٢ ]
وبعد فإن هذا المال الذى استخلفنا الله عليه وجعلنا مجرد مستخلفين
فيه إنما هو مال الله يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً الأغنياء
وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِير
سورة الحديد الآية ٧]
الأغنياء وكلائى والفقراء عيالى فإذا بخل وكلائى على عيالي
وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى
نكالي ولا أبالى
أذقتهم
أما هؤلاء الذين يشحون بالمال ويبخلون به فإن الله سبحانه وتعالى يتحدث
عنهم فيقول
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرِّ لَهُمْ سَيُطوقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاتُ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
群
المعانى الإنسانية في الزكاة
[ سورة آل عمران الآية ١٨٠]
روى الإمام أحمد رضي الله عنه بسنده عن أنس رضي الله عنه قال
أتى رجل من تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنى ذو مال كثير وذو أهل ومال حاضرة فأخبرنى كيف أصنع وكيف أنفق
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك وتصل أقرباءك وتعرف
حق المسكين والجار والسائل
في هذا الحديث الشريف بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الزكاة تطهر المزكي إنها تطهره من البخل والله سبحانه وتعالى يقول
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
[ سورة الحشر الآية ٩]
وإن من الثلاث المهلكات التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم
الشح المطاع وتطهر النفس من الأنانية التى تجعل بعض النفوس يستأثر بكل شيء ويختص نفسه بكل خير مكتنزاً له ومقتراً حتى على أقربائه فإذا ما تعود إخراج الزكاة فإنه بذلك يكون قد تعود أن يمنح ما يملك ويعطى مما أعطاه الله فيخرج بذلك عن شيء من أنانيته ومن أجل ذلك يقول تعالى لرسوله الكريم
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهَرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا
6
[ سورة التوبة جزء من الآية ١٠٢ ]
ثم هي طمأنينة للنفس على النفس وعلى المال فالزكاة نوع من الفداء عن النفس يشعر بذلك المزكي شعوراً واضحاً أو
شعوراً خفياً
إنه يشعر في نفسه بعد أداء الزكاة بطمأنينة ويشعر في قلبه برضاً وفي ضميره
بارتياح
۵۱
والزكاة نوع من الفداء عن المال ومن أجل ذلك يقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم
حصنوا أموالكم بالزكاة
وإنه لمما يرضى النفس ويرتاح له الفؤاد أن يصل الإنسان بالزكاة أقرباءه فتكون الزكاة زكاة وصلة ويكون ثوابها بذلك مضاعفاً
رحم
وإنه لشكر الله على النعمة أن يخرج الإنسان بعضها لمن لم يمنحه الله الثراء وبعد فإن المسلم الصادق يرى من قبل ذلك ومن بعده أن للزكاة غايتين أولاهما أن الزكاة تأدية حق إنها واجبة وليست منحة إنها واجبة وليست تفضلا فهو يؤديها على أنها حق السائل والمحروم يقول الله تعالى في سورة الذاريات عن المتقين
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ
[ آية ١٩ ]
ويقول الله تعالى في سورة المعارج ذاكراً صفات المؤمنين الحميدة ه وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ
الآيتان ٢٤ ٢٥ ]
أما الغاية الثانية الغاية العليا الغاية السامية فإنها الرضا الإلهى يقول تعالى من سورة الليل
>>
ا فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لاَ يَصْلاهَا إِلا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وتول وسيجنبها الأنثى الَّذِي يُؤْتى مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ
مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى
٥٢
الصدقة
حليم
يقول الله تعالى من سورة البقرة
>>
قَوْلُ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ
وردت هذه الآية الكريمة - ضمن آيات عدة - تحث على الصدقة وتذكر آدابها وثمراتها وقد بدأ الله سبحانه وتعالى هذه الآيات من سورة البقرة بذكر ثمرات التصدق في سبيل الله ترغيباً في الصدقة من أول الأمر ضارباً المثل الواضح فمثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله سبحانه كمثل حبة غرست في الأرض فنبتت وأينعت وأثمرت سبع سنابل ممتلئة موفورة في كل سنبلة منها مائة حبة ويشير الله بذلك إلى أجر المتصدق ومقدار ما يخلفه الله تعالى عليه جزاء صدقته هذا الأجر الذي يتضاعف فيصل إلى سبعمائة مثل ولكنه لا يقتصر على ذلك فإنه بمقدار إخلاص المتصدق يضاعف الله له الأجر إذا شاء وإن فضل الله لأوسع الأضعاف المضاعفة وهو سبحانه عليم بمن يستحق ذلك من
أن من
يضيق بمنح
المخلصين
وبعد ذلك تتعرض الآيات لبعض شروط الصدقة المقبولة فمن ذلك أنه
سبحانه
١ - لا يقبلها من هؤلاء الذين يتبعونها بالمنّ
والمن أن يعتد المتصدق بإحسانه على من أحسن إليه فيقول مثلاً أنا أحسنت
إليه في كذا وكذا وأنا فعلت معه هذا وذاك يريد بذلك إظهار فضله عليه
۰۳
- ومن ذلك أيضاً أنه سبحانه لا يقبلها ممن يتبعها بالأذى
والأذى أن يتطاول المنفق علي من أنفق عليه بالكلام أو بغيره أما الذين لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى فإن أجرهم عند الله سبحانه جزيل ومن أجل إبعاد المتصدقين عن أن يقعوا فيما يتصل المن والأذى من قريب
أو بعيد أفاض سلفنا الصالح في الحديث عما يكون منا أو أذى فقالوا المن أن يستخدمه بالعطاء والأذى أن يعيره بالفقر وقالوا المن أن يتكبر عليه لأجل عطائه والأذى أن ينهره ويوبخه بالمسألة
ولقد قال الإمام الفقيه سفيان الثورى
مَنْ مَن فسدت صدقته !
فقيل له كيف المن
فقال أن يذكره ويتحدث به
ولقد كان سلفنا الصالح دقيقاً في هذه المعانى حتى لقد قال زيد بن أسلم
رضي الله عنه
والتجاوز
إذا أعطيت أحداً شيئاً وظننت أن سلامك يثقل عليه فكف سلامك عنه على أن الكلام الحسن والرد الجميل على السائل والبشاشة في وجهه عن الحافه ومغفرة ذلك له - وكلها أمور سهلة التحقيق - خير عند الله وأفضل من صدقة يتبعها من أو أذى للسائل !
والدين الإسلامي دين يحافظ على كرامة الفرد محافظة تامة ما دام الفرد محافظاً على حدود الدين وآدابه لا يتجاوزها وإن حث على الصدقة والإنفاق فليس يعنى بذلك الحط من قيمة الفقير بل إنه مما يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ما الذي أعطى من سعة بأفضل أجراً من الذي يقبل من حاجة ! ويروى أيضاً أنه قال - ما معناه -
٥٤
إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير
على أن الصدقة في الجو الإسلامي إنما تفيد المتصدق أكثر مما تفيد الآخذ ذلك أن فائدتها للآخذ تكاد تكون فائدة مادية وحسب إنها بالنسبة له لا تعدو أن تكون علاجاً للجوع !
أما بالنسبة للمعطى فإنها تفيده فى الدنيا وتفيده في الآخرة
أما فائدتها في الدنيا فإن الله سبحانه يخلف عليه لا بالمثل فقط بل بأضعاف مضاعفة يقول تعالى
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ
"
والصدقة دواء من المرض يقول صلوات الله وسلامه عليه
داووا مرضاكم بالصدقات
ويقول صلوات الله وسلامه عليه في إجمال وفى شمول الصدقة تسد سبعين باباً من الشر
أما فائدة الصدقة فى الآخرة فإنها كما يقول صلوات الله وسلامه عليه
تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار
ويقول صلوات الله وسلامه عليه
اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة
ومن أجل فائدتها دنيا وأخرى كان سلفنا الصالح - رضوان الله عليهم - عندهم شعور مرهف وإحساس دقيق واندفاع إلى الخير فى صورة الصدقة فلقد تصدقت السيدة عائشة رضوان الله عليها بخمسين ألفاً وإن ثيابها المرقعة ! ولقد كانت - رضوان الله عليها - كغيرها من أفاضل ومن فضليات ذلك العهد الكريم - إذا أرسلت صدقة إلى فقير قالت لمن ترسله بالصدقة احفظ ما يدعو به - ثم كانت ترد عليه مثل قوله فتدعو له بمثل ما دعا لها وتقول هذا بذاك
حتى
تخلص
لنا صدقتنا وكانت لا تتوقع الدعاء لأنه شبيه بالمكافأة وكانت
تقابل الدعاء بمثله
ولقد عرفوا رضوان الله عليهم منزلتها عند الله وقيمتها في سبيل القرب منه
سبحانه
يقول سيدنا عمر بن عبد العزيز واصفاً فضل العبادات في التقريب من الله الصلاة تبلغك نصف الطريق والصوم يبلغك باب الملك والصدقة تدخلك
عليه
عرفوا ذلك فتنافسوا في البذل والإنفاق والتزموا حدود الآداب التي يحبها الله سبحانه من المنفق واعتبروا أن للفقير فضلا عليهم في تطهير أموالهم وفى تزكية نفوسهم وفى وضعهم موضع القبول والرضا من الله سبحانه وتعالى فابتعدوا كل البعد عن إيذاء الفقراء على أى وضع من الأوضاع وإذا لم يكن عندهم ما يهدونه إلى الفقير قالوا له قولا معروفاً وإذا ألحف غفروا له الحافه وإذا فاه ألفاظ لما يجد من الضيق الذي يحيط به عفوا عنه وبعد فإن أسلافنا ممن أنار الله بصائرهم كانوا يتبعون الهدى الإسلامي في
ببعض
أموالهم فيقولون إن هذه الأموال اشتراها الله منا في عقد الإيمان بثمن هو الجنة
}
"
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ فالمال مال الله والله سبحانه استخلفنا عليه ثم أمرنا بأن ننفق في سبيله وعلى
عياله أي الفقراء مما استخلفنا فيه
وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ
وهو سبحانه المعطى للمال فالفضل منه وإليه ولو شاء الله لأغنى الفقراء
0
ولكنه سبحانه فتح أمام الأغنياء بالصدقة باباً هو الصدق في الإيمان حتى تكمل
نفوسهم وتتزكى فيرضى عنهم
6
ويدخلهم في رحاب رحمته ورضوانه
* الإيمان والإنفاق في سبيل الله
إن رسول الله صلوات الله عليه وسلامه يقول
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما
يحب
وإذا وجد الإيمان وجد التآزر والتعاطف
ونحب
الزكاة
لنفسه
أن نتحدث في هذا الجانب عن عامل واحد من عوامل التعاطف وهو
أي أننا نجب أن نعود إلى الزكاة من جديد والحديث فيها لا يكاد ينفذ إن الزكاة وإن كانت تزكية لمال المزكي فإنها تزكية وتطهير لنفسه وهى تزكية وتطهير لنفس الآخذ فإنها تبعث فيه الرضا والاطمئنان وهي تربط بين أفراد المجتمع برباط محكم لأنها مودة وشكر
والزكاة في أوسع معانيها إنما هي بذل وتضحية فمعاونة الضعيف زكاة وزيارة المريض زكاة والكلمة الطيبة زكاة وكل إنفاق من القوة أو الذكاء أو المال في سبيل الله إنما هو زكاة وقد وعد الله بأن يخلفه يقول الله تعالى
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ
يخلفه في الدنيا ويجزى عليه العطاء في الآخرة
والإسلام من أجل ذلك يشجع البذل والإنفاق والعبارات التي استعملها القرآن في ذلك بلغت حدا من الروعة لا يجارى
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ
OV
في كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةٌ حَبَّةٍ واللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ
والله واسع عليم"
6
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتَّبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا منا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ
من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له وله أجر كريم ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري
على كل مسلم صدقة
فقالوا يا نبي الله فمن لم يجد قال يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق ! قالوا فإن لم يجد
فقال يعين ذا الحاجة الملهوف
قالوا فإن لم يجد
قال فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر فإنها له صدقة !
ولأهمية الزكاة البالغة – سواء نظرنا إليها باعتبارها جزءاً من الدين أو نظرنا إليها باعتبار أهميتها للمجتمع - حارب سيدنا أبو بكر هؤلاء الممتنعين عن أدائها
قائلا
والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ! الزكاة حق المال وهى أيضاً من حقوق لا إله إلا الله ! أكنا بصدد الزكاة أم بصدد الصدقة فإن منزلتهما في الدين وأهميتهما للمجتمع بينة واضحة والأحاديث في الحث عليهما كثيرة يقول رسول
وسواء
الله صلى الله عليه وسلم
ол
تصدقوا ولو بتمرة فإنها تسد من الجائع وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء
النار !
وقال عليه الصلاة والسلام
اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة
ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب
ولا يقبل الله إلا طيباً -
إلا كان الله آخذها بيمينه فيربيها كما يربى أحدكم فصيله حتى تبلغ الثمرة مثل
أحد
وقال عليه الصلاة والسلام
کل امرئ فى ظل صدقته حتى يقضى بين الناس والصدقة تسد سبعين باباً من الشر
الربا
والطرف المعارض للصدقة الطرف الذى يبغضه الله ويبغض المتعاملين
به هو الربا
وقد حارب الإسلام الربا حرباً لا هوادة فيها 1 حاربه لأنه مبدأ ليس بإنسانى واستعمل في محاربته من حاربه فى جملته وتفصيله
قال الله تعالى
التعبير أقساه لقد
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرَّبَا لا يَقُومُونَ الأكَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللهُ الرُّبَا وَيُرْبى الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ
كَفَّارٍ أثِيم "
سورة البقرة آيتا ٢٧٥ - ٢٧٦ ]
إن القاعدة الأساسية في بيان حقيقة الربا هي أن كل قرض جر نفعاً
٦٠
فهو رباً وقد بين الشرع الحكيم أن من أعطى غيره مقداراً من القمح أو من النقود فليس له أن يسترد إلا المقدار نفسه يقول الله تعالى
وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ
·
"
[ سورة البقرة جزء من الآية ٢٧٩ ]
وصاحب المال ليس له إذن إلا المقدار الذى أعطاه
وقد كان عند سلفنا الصالح رضوان الله عليهم إحساس دقيق بهذه المعاني لدرجة أن الواحد منهم كان يتحرج من أن يستظل بظل شجرة المقترض أو حائطه وعلى هذا الأساس الدينى من القرآن والسنة فإن كل محاولة لإخراج الفائدة - مهما قلت - عن محيط الربا تكون منافية للكتاب والسنة وعمل السلف الصالح والآية القرآنية الكريمة التي بين أيدينا تتحدث عن حالة الذي يأكل الربا في نفسه وتتحدث عن هؤلاء الذين يجادلون ويمارون في أوامر الله ونواهيه من أجل تحليل اما حرم وتتحدث عن ثمرة استعمال الربا وثمرة الجانب المقابل له وهو
الصدقة
أما حالة من يأكل الربا فإنها كحالة المجنون الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك أنه إذا كان هذا الذى أصابه خبل يقوم ويسقط ويسير ويهوى إلى
الأرض فهو متخبط بجسمه المادى
فإن الذي يقيس الربا على البيع ويجعل الربا حلالا لأن البيع حلال متخبط في تفكيره العقلى بل إن هذا شر من الذي يتخبط بجسمه قال المعارضون لصراط الله المستقيم إنما البيع مثل الربا وقصدوا بذلك المبالغة حيث جعلوا الربا أصلا وقاسوا عليه البيع وكان أهل الجاهلية إذا حل مال أحدهم على غريمه يقول الغريم زدني في الأجل أزدك في المال - فيفعلان ويقولان
سواء علينا الزيادة فى أول البيغ بالربح أو عند محل الدين هو مرضاة
يلتزموه
فأنكر الله سبحانه وتعالى عليهم ذلك وكذبهم وبين لهم ما يجب دون معارضة أو نقاش أو شك وهو الخضوع لحكم الله سبحانه وتعالى خضوعاً لا يجدون في أنفسهم حرجاً ولا ضيقاً قال الله تعالى
D
وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرَّبَا
الهم
فكل قياس بعد ذلك يريد أن يخرج على هذا النص فإنه قياس فاسد محاولة تزيد أن تبرر حل الربا فإنها محاولة خاسرة
وكل
وهؤلاء الذين يتجهون هذا الاتجاه ليس مثلهم فى تخبط منطقهم إلا كمثل تخبط المجنون الذى لا يكاد يخطو حتى يهوى إلى الأرض متعثراً مصروعاً وموقف أكلة الربا بعد بيان الله سبحانه هذر وموعظته إنما هو أحد أمرين إما أن ينتهى المرابي ويستجيب لله سبحانه وتعالى بترك الربا فهذا يكون أمره راجعاً إلى الله وله رأس ما له فقط
وإما أن يستمر على الربا ويتمادى بعد بلوغه النهي فأولئك أصحاب النار هم
فيها خالدون
على أن الله سبحانه وتعالى يمحق الربا ويذهب ببركته فإنه سبحانه يبارك
في المال الذى أخرجت منه الصدقة
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
ما نقص مال من صدقة
ويختتم الله آيات الربا بهذا التهديد العنيف وبهذا الوعيد الشديد
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَنِي مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأَذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَإِنْ
فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ
"
ماله
والمفهوم من هذه الآية الكريمة أن المرابى الذى لم يتب لا يحل له شيء من
وقد وردت آيات الربا التي معنا بعد آيات رائعات تتحدث عن الصدقة وعن هؤلاء الذين يستجيبون الله تعالى فيسارعون إلى مرضاته بالصدقة وبالزكاة فيرعاهم ويكلوهم بعنايته ويحفظهم بحفظه
>>
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ
عند ربهم
م وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
وإذا ذكرت قصص المرابين فى بشاعة واشمئزاز فإن قصص أصحاب الصدقات والمؤثرين على أنفسهم ولو كان خصاصة لا تكاد تحصى ولا بهم
تعد
بهم
وإذا كان المرابون تسعر نار جهنم فإن أصحاب الصدقات وأصحاب القرض الحسن على هدى من الله وفى رحاب رضوانه فإن من أنظر معسراً أو وضع عنه
أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله
هذا ولم يكن موقف السنة النبوية الشريفة فيما يتعلق بالربا بأقل صرامة من موقف القرآن الكريم فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
اجتنبوا السبع الموبقات - أى المهلكات - قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق وأكل
٦٣
الربا وأكل مال اليتيم
المؤمنات
6
وقذف المحصنات الغافلات والتولى يوم الزحف
و روی مسلم عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال
لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكوتبه وشاهده -
وقال " هم سواء وقد نتساءل عن السر فى تحريم الربا بهذه الصرامة الصارمة ولكن هذا السر سافر ظاهر لا يغيب عن ذوى البصائر الرشيدة فإن الأساس الذي يتخذه الدين الإسلامي لبناء العلاقات بين أفراد المجتمع بعضهم مع بعض إنما
هو الأخوة
تاما
}}
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
وه المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله والأخوة تتنافى تنافياً مطلقاً أي نظام استغلالي إنها تتنافى إذن تنافياً
مع التعامل بالربا
ثم إن طابع الرسالة الإسلامية إنما هو الرحمة
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ
والمسلمون فيما بينهم إذن إخوة متراحمون !
[ سورة الأنبياء ١٠٧ ]
إنهم فيما بينهم عطف وتعوون ومودة ورحمة وكل هذا طريق غير طريق المرابين
و بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - فيما رواه الحاكم -
أربعة حق على الله ألا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها
مدمن الخمر وآكل الربا وأكل مال اليتيم والعاق لوالديه
-
قارون
ونصل الآن إلى الموضوع الثالث وهو القواعد التي وضعها الله للأغنياء حتى لا يخسف الله و بدارهم الأرض ولقد ذكر القرآن عن ذلك الكثير أن نوجز الأمر ممثلا في شخصية قارون ونصيحة أهل الصلاح والتقوى
بهم
ونحب
كان قارون من قوم موسى وقد نشأ في ربوع مصر وآتاه الله ثراء عريضاً ورزقه من المال ما لا يكاد يحصى ولا يعد وهيأ له من وسائل الحياة الهانئة وأسبابها الشيء الكثير فكان مع ثرائه الواسع قوى الجسم وضيء الصورة إلى درجة أنه
كان
أكثر
المنور يسمى
وكان إلى ذلك طلق اللسان جذاب الحديث آتاه الله كل ذلك وآتاه فكان منطق الحكمة أن يؤدى لله حق الشكر على نعمه وأن
من ذلك
يتصرف فما منحه الله إياه تصرف المعترف بالفضل الذي لا ينكر الجميل
ولكن نفسه كانت تتطلع إلى غير ذلك لقد أجال بصره في بيئته وفى
عشيرته فلم يجد ما يساعده على أن يكون حاكماً أو صاحب ولاية ورئاسة فأخذ ينسلخ من عشيرته وينفصل عن قومه ويتقرب إلى فرعون يداهنه ويتملق كبرياءه ويتزلف إليه حتى أصبح من جلسائه
وفي فترة من الفترات وجد نفسه ينعم بجاه الثروة ويستمتع بجاه السلطان فانتشى بهذا المجد الزائف وملأه الغرور واستولى عليه الكبر ورسخ في نفسه
أن السعادة إنما هی الثراء والجلوس
مع فرعون
ولما وقر في نفسه ذلك نسى الله أو تناساه فتعود عادات الذين لا دين لهم
أن
ازدراء العشيرة واحتقار الفقراء ونضوب معين الرحمة من القلب واعتبار الحياة الدنيا هى كل شيء وأن المثل الأعلى إنما هو ا الاستمتاع على أي وضع
كان وفى أى صورة حدث
وسارت الحياة به على هذا النمط رخاء فترة من الزمن فاعتقد أنها
به هكذا إلى النهاية ولكن
ستسير
وفى يوم من الأيام بينما كان يجلس قارون مع فرعون وهامان دخل موسى
عليه السلام يعرض عليهم الرسالة التي كلفه الله بتبليغها
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ
وقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ
[ القصص ٢٣ ٢٤]
لقد كان المنتظر من قارون أن يدافع عن موسى إن لم يكن من أجل الحق الواضح فمن أجل العصبية والجنسية ولكنه ضرب بالحق وبالعصبية عرض الحائط وجارى فرعون حرصاً على ماله واحتفاظاً بثروته وقال كما قال فرعون
ساحر کذاب
ومن أجل الإبقاء على ثروته جارى فرعون فى إسرافه وطغيانه فقال موافقاً له
>>>
اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [ مَعَ موسى ] واسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ
"
لم يحاول قارون الدفاع عن
ولما قال فرعون ذروني اقتل موسى رسول الله و إنما الذي فعل ذلك رجل مؤمن من آل فرعون نكتم إيمانه
٦٦
وارتكب قارون كل ذلك إيثاراً للمال وخوفاً على الثروة من أن يصادرها
6
فرعون لو خالفه فيما يرى من رأى وغاب عنه أن الثروة والملك والدنيا والآخرة بيد الله وحده وكما أنه سبحانه المانح الوهاب فإنه تعالى المانع القابض ولما رأى بعض الصالحين من قوم قارون أن الثروة والجاه أفسداه تشاور وا فيما بينهم واتفقوا على أن يسدوا إليه النصيحة فلما اجتمعوا به تلطفوا في القول ما استطاعوا وأجملوا النصيحة في أمور خمسة هي في الواقع القواعد العامة المثالية لما ينبغي أن يكون عليه الأثرياء وهى القانون الذي يجب أن يخضع له أهل الغنى قالوا له
1 - إنك مباه بثروتك فخور بها فرح بكثرة المال وما ينبغي أن يكون الفرح بالمال لأنه وسيلة إلى النفع فلا تفرح بكثرة المال فرح بطر فإن الله يحب الفرحين الذين يتمثل فيهم ذلك ٢ - وقد أتاك الله المال الكثير المتنوع فابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة
لا
واتجه في كل ما تأتى وما تدخ إلى تقوى الله ومرضاته
- والدنيا مزرعة الآخرة وطريقها
"
فلا تنس نصيبك من الخطوات
في هذا الطريق بالعمل الصالح الذى سيكون رصيدك
}
يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ
فاجعل زكاة مالك مساعدة الفقير وزكاة قوتك نصرة الضعيف
وزكاة جاهك معاونة المظلوم حتى يسترد حقه
- ٥ - وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
٦٧
ولكن هذه المبادئ السامية - التي إذا عممت كانت الدستور لكل صاحب جاه أو نعمة - لم تلق أذنا صاغية لدى قارون الذى ألهاه التكاثر فقال ساخراً
متحدياً لا يبالي
إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي
لقد أوتيت هذا المال بسبب تدبيرى وحكمتى وحسن تصريفي للأمور وحدسي الذي لا يخطئ فى شئون التجارة ورأيي الصائب في ارتفاع الأسعار ونز ولها وأنكر بذلك أي أثر إلهى للنعمة التي ينعم بنها وفيها
و تناسی قارون وهو في نشوة الثراء وحماسة الجدل الأخبار الصحيحة
التي تدل على أن الله سبحانه أهلك كل ذى جاه لم يتق الله فيما أنعم به عليه
ولم يؤد حق النعمة مالا كانت أو قوة أو رئاسة
أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ
مِنْهُ قُوَّةً وَأَكثرُ جَمْعاً
[ القصص ٧٨]
وأراد قارون أن يتحدى وأن يسخر وأن ينعم بالتحدى والسخرية ممن نصحوه فخرج يوماً على قومه في موكب كأبهى ما يكون من الزينة والأبهة وكأضوا ما يكون بريقاً وزخرفاً
6
لقد خرج على قومه في زينته في كل زينته فمدت إليه الأعين وأخذ بريق الذهب الذى يتحلى به الركب يخطف بالأبصار ولمعان الفضة المحلاة بها سروج الخيل يخلب الأفئدة
وتهادى الركب بقارون وهو ينظر يميناً وشمالا في كبرياء سافر وفى غرور مكشوف ولما رأى هذا المنظر أولئك الذين يسيرون بحسب قانون الغرائز ويريدون
to wwwal-mostafacom
الحياة الدنيا فتنهم بريق الذهب ولمعان الفضة وزخرف الموكب فقالوا
في شهوة غلابة وفى جوع إلى المال نهم
>>
يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظِّ عَظِيمٍ
"
ولكن الذين هداهم الله إلى صراطه المستقيم ردوا عليهم منبهين وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً
وسنة الله لا تتخلف عادة نذكر منها فيما نحن بصدده قوله تعالى
[ القصص ٧٩]
[ القصص ٨٠]
ا حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفها وَأَزَيَّنت وَظَنَّ أَهْلُهَا أنهم قادِرُونَ عَلَيْها أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً
كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ
وقوله تعالى
[ يونس ٢٤]
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ مُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ
عليها القولُ فَدَمَرْنَاهَا تَدْمِيراً
[الإسراء ١٦ ]
وإذا كانت هذه سنة الله في الأرض وفى القرى فماذا ينتظر أن تكون في قارون
وأمثاله إنها
9
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ
مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتصِرِينَ
[ القصص ٨١]
ولما رأى الذين تمنوا مكان قارون بالأمس ما حل به رجعوا إلى الله وأنابوا اليه
قائلين
وَيُكَأنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ
لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيُكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ
6
[ القصص ٨٢]
أما العبرة من كل ذلك فيلخصها القرآن - عند انتهاء قصة قارون – تلخيصاً
جميلاً موجزاً
تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوا فِي الْأَرْضِ
وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
[ القصص ٨٣]
وإلى هنا انهت قفسه قارون وكان يمكننا أن نقف عند هذا الحد ولكن هنا
بعض الطرائف والملاحظات يقول الله
عن
قارون
وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوهُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ
V
[ القصص ٧٦]
يقول صاحب البحر المحيط
سميت أمواله كنوزاً لأنها لم تؤد منها الزكاة وعلى ذلك فإن الأموال التي تؤدى فيها
الزكاة لا تدخل تحت قوله تعالى
وَالَّذِينَ يَكْترُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّة
٢ - أما عن المفاتح التي تنوء بالعصبة أولى القوة فقد قال أبو مسلم رأياً طريفاً جداً في تفسيرها وهو أن المراد من المفاتح العلم والإحاطة كما في قوله تعالى وعنده مفاتح الغيب والمراد وآتيناه من الكنوز ما إن حفظها والاطلاع عليها ليثقل على العصبة أى هذه لكثرتها واختلاف أصنافها تتعب حفظتها القائمين عليها
٣ - يذكرنا ثراء قارون بأثرياء المسلمين في العصور الماضية وكان من هؤلاء عبد الرحمن بن عوف ولكنه رضى الله عنه كان يؤدى حق الله في ماله حتى لقد تبرع يوماً لفقراء المدينة بقافلة كاملة مكونة من خمسمائة جمل بما تحمل من تجارة وإذن فالمال إنما يكون فتنة إذا لم يؤد حق الله كاملاً فيه وكذلك الأولاد
إنما تكون فتنة إذا لم يؤد الوالد حق الله والوطن فيهم بتربيتهم خير تربية
VI
الفصل الرابع
أبو ذر والشيوعية من زاوية الأخلاق
تحدثنا فيما سبق عن أبي ذر والشيوعية في العقيدة ورأينا أن الشيوعية ليس لها في أبي ذر نصيب إذا نظرنا إلى العقيدة وأن الوضع بينهما هو الوضع بين الكفر والإيمان بين الإلحاد والإسلام والآن نتحدث بتوفيق الله تعالى عن أبي ذر والشيوعية فيما يتعلق بموضوع الأخلاق إن استمداد الأخلاق - أساساً - في الإسلام إنما هو من الركن الأول من العقيدة الإسلامية وذلك أن الله تعالى هو الخلق للمسلم فإذا شهد المسلم أن لا إله إلا الله فإن مما يدخل فى نطاق الشهادة أن يلتزم بالخلق الذي رسمه الله تعالى
وإلا فإنه لا يكون مسلماً صادقاً
الذي
رسم
والأخلاق في الجو الإسلامى مرتبطة بالدين ارتباطاً لا ينفصل منه تنبع وعلى
أساسه تقوم وعنه تصدر
إنها جزء من الدين الإسلامى لا يتجزأ مصدرها هو مصدره إلهي رباني وصفات المؤمنين التي حددها القرآن بأسلوب عربي مبين والتي تحدث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً في أحاديثه الشريفة تتضمن الأخلاق الإسلامية ومما ورد في ذلك
إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
Yo
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
[النحل ٩٠]
ولقد أعلن الله تعالى أنه أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم ليبشر بالرحمة للعالمين
فقال سبحانه
}}
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ
وجوهر الأخلاق الإسلامية هي
[ الأنبياء ١٠٧ ]
العدل
الإحسان
الرحمة
أما العدل فإنه عام شامل إنه فرض بالنسبة للأحكام سواء أكان المتحاكمون
أصدقاء أم أعداء يقول تعالى
>>
وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ
للتقوى
أما الإحسان فإنه فى كل أمر من أمور السلوك الأخلاقي إنه مثلا فى العبادة والمحسنون يصفهم الله تعالى بقوله
[ المائدة ٢٨
كَانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
الذاريات ١٦ ١٨]
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان في العبادة
أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك والعبادة هنا هي كل سلوك يهاجر به الإنسان إلى الله والإنسان يهاجر إلى الله بتجارته ويهاجر إلى الله بصناعته وزراعته
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم عن عمر
ابن الخطاب
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله
ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها
فهجرته إلى ما هاجر إليه
"
وكل هجرة إلى الله عبادة
والإحسان يكون في الإنفاق ومن أمثلته ما وصف الله به المحسنين بقوله
وفي أمْوَالِهِمْ حَقٌّ للسَّائِلِ وَالمَحْرُوم
والإحسان في العمل إتقانه
[ الذاريات ١٩ ]
إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه وكما أن العدل أصل من أصول الخلق الإسلامي فإن الإحسان أصل آخر من
أصول الأخلاق الإسلامية
والرحمة أصل ثالث وللرحمة فى الجو الإسلامى مكانة كبرى ويمتد محيط
الرحمة حتى تشمل الحيوان
والشاة إن رحمتها رحمك الله
ويقوم على تحقيق العدل والإحسان والرحمة مبدأ الجهاد الذي جعله الله تعالى من
أهم المبادئ الإسلامية ومن أصلها
۷۷
الجهاد بجميع ضروبه
ا جهاد النفس لتتزكى
ب جهاد الأسرة لتستقيم
ح جهاد المجتمع ليقوم على أمر الله
د جهاد الأعداء لتكون كلمة الله هي العليا
وكان أبو ذر رضى الله عنه متجاوباً تجاوباً كاملاً مع الخلق الإسلامي إنه كان في سلوكه مثلاً كريماً للعدل والرحمة والإحسان وكان يروى فى ذلك الأحاديث من عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النفيس السامي
لقد روى حديث الاستمداد من الله والتوجيه إليه وهو من الدرر في هذا المجال وقد سبق أن ذكرناه
وقد روى أبو ذر – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا ذر إنى لأعرف آية لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم
وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقُهُ مِنْ حَيْثُ لا
يَحْتَسِبْ
ويقول أبو ذر عن وصية النبي صلى الله عليه وسلم له
أوصانى بخمس
أرحم المساكين وأجالسهم
وأنظر إلى من تحتى ولا أنظر إلى من فوقى
وأن أصل الرحم وإن أدبرت
وأن أقول الحق وإن كان مرا
وأن أقول لا حول ولا قوة إلا بالله ا هـ
الطلاق ٢ ٣]
VA
وعن أبي ذر قال
أمرنى
أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع بحب المساكين والدنو منهم وأمرني أن أنظر إلى من هو دونى وألا أسأل أحداً شيئاً
وأن أصل الرحم وإن أدبرت
وأن أقول الحق وإن كان مرا
وألا أخاف في الله لومة لائم
وأن أكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش وهذه أحاديث التزمها أبو ذر وهى من عيون الخلق الإسلامي ونقيض هذا الخلق الشيوعي
وانظر الآن ما يقوله زعماء الشيوعيين وما هو طابع الجو الشيوعي يقول أحد
قممهم الشهيرة
6
نحن نكره المسيحية والمسيحيين وحتى أحسن المسيحيين خلقاً نعده شر أعدائنا وهم يبشرون بحب الجيران والعطف والرحمة وهذا يخالف مبادئنا والجب المسيحى عقبة فى سبيل تقدم الثورة فليسقط حبنا الجيراننا فإن ما نريده هو الكراهية والعداوة وحينذاك نستطيع غزو العالم ا ه
الإسلام لا الشيوعية
ويصور
الأستاذ الكبير إسماعيل مظهر الأخلاق الشيوعية في عمومها فيقول عن
الطابع العام فيها ولا شك في أن للشيوعيين فكرتهم الخاصة في مستوى الأخلاق الذي يلائم نزعاتهم ومن أجل ذلك كان مثلهم الأخلاقى مثلاً يمشى إلى النقيض من المثل
الأخلاقية التي سادت مجتمعات الحضارة التى نشأت وربت في ظل الموروثات التي رتبها ونشأها شوامخ المفكرين والمصلحين طوال العصور
وإن نظرة واحدة في المستوى الأخلاقى لجمعية شيوعية يدلك على أنه يقوم على النفعية والانتهازية والمادية الصرفة الموغلة في الخصومة والعناد بحق أو بغير تفرض أن هناك أية قيمة لذلك القانون الأبدى الذي بشرت أن حق من غير
به كل النفوس الكبيرة للناس
قانون الصدق والحق والعدل
ويقول هارولد کوکس
وإنما نشأ
ليحطم
لم ينشأ الشيوعى لكى يسمو بالطبيعة البشرية ويعلو بها الرأسمالية ومن أجل أن يصل إلى هذا الغرض فهو يشجع أو هو يغتفر كل سلوك وصمه الناس من قبل بأنه إجرامي ا هـ
ويقول هارولد كوكس فى كتابه الحرية الاقتصادية
ليس فى تعاليم الشيوعية شيء مثالى أو رفيع إنها تستنصر جميع النزوات وجميع الرذائل كالحسد والغيرة والشهوة هي تشجع أو على الأقل تجيز الإتلاف والشطط والخلاعة والإدمان إن غايتها السلب والنهب ا هـ وإن ما أثبتته محاضر قضايا الشيوعية بمصر أن واحدة من زوجات الدولة اسمها
منهما
و میری روز نتال كان لها في مصر زوجان تختلف إلى كليهما وتقاسم كلاً الفراش حين تشاء أو حين يشاء هو ولم تنكر هي أنها زوجة لكل منهما ولم ينكر أحد منهما أنها زوجته ولم تر أوير أحدهما في ذلك عيباً لأنهم جميعاً شيوعيون أما عن أسلوبهم في النقد والهجوم أو فى الدعوة ضد معارضيهم فإن الأستاذ
لا فالي يقول
ا إن لهجة التهييج والحقد التي يكتب بها الشيوعيون تهاريجهم الطنانة لأشبه شيء بنغمة الموت عند أكلة لحوم البشر
۸۱
وجو الأخلاق هذا يتبرأ منه زاهدنا الورع الصالح أبو ذر بل يلعنه ويحاربه ويضحي بنفسه في مقاومته لو وجد في عهده إنه جو مختلف تماماً مع روح أبي ذر ومع إيمانه ومع أخلاقه الإسلامية المستمدة من الوحى الإلهى المعصوم
ولقد بينا من قبل التعارض التام بين أبى ذر والشيوعية في العقيدة والتعارض التام بين أبي ذر والشيوعية في النظام المالى وها هو ذا يتعارض مع الشيوعية تعارضاً
تاما
في الأخلاق إنه يتبرأ من الشيوعية جملة وتفصيلاً إنه مؤمن وهي ملحدة وهو يعترف بالملكية الفردية وهي لا تقرها وهو مسلم في خلقه وهي ماركسية في أخلاقها إنه مسلم والمسلم لا يكون قط شيوعياً
66666666666666
الخاتمة
ماذا يمكن أن نقول في الخاتمة
1 - إن أبا ذر مؤمن والشيوعية ملحدة وإيمان أبي ذر يقين وإلحاد الشيوعية يقين إن الإلحاد جزء من طبيعة الشيوعية إنها فتحت معاهد لتعلم الإلحاد ولأن الإلحاد المحزء من طبيعتها فهى تعادى الأديان كل الأديان ٢ - وأبو ذر يستمد رأيه وفكرته من تعاليم القرآن الكريم وإنجيل الشيوعية هو كتاب رأس المال
– يتخذ أبو ذر رضي الله عنه محمداً صلى الله عليه وسلم إماماً وأما
لشيوعية فيقودهم كالقطيع ماركس اليهودى - أخلاق أبي ذر هى أخلاق الإسلام عدالة ونصفة وتراحم ومودة وعطف وأخوة ورحمة وإحسان وأخلاق الشيوعية حقد وحث على
التطاحن وكراهية
وإرهاب
6
وجاسوسية وقتل وسفك وتنكيل ودماء تسيل وقسوة
والإسلام أساسه الوحى المقدس والشيوعية أساسها الصهيونية
٦ - وأبو ذر زاهد زهد المتجردين وهو الزهد الاختياري ويدعو إلى هذا النمط
من الزهد الاختيارى وأما الشيوعية فإنها تغتصب الأرض والمال وتقهر أصحابها قهراً وإذا تنفس أحدهم بكلمة فجزاؤه القتل أو النفى أو الزنزانة
وبعد فها هي ذي كلمة لها مغزاها العميق قالها الأستاذ دى جويو
وأما
لقد نسج الشيوعيون نظرية فى السرقة سموها تعويض المحرومين
بعد أيها القارئ الكريم
هل فكرت في قوله تعالى
وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم
وهل فكرت في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به
وهل فكرت فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
"
[ آل عمران ۱۰۱]
لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبداً كتاب الله وسنتي
ثم أما بعد
يقول الله تعالى
اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً
صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم وأنا على ذلك من الشاهدين ا وما توفيقي إلا باللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
[ المائدة ٣]
٨٤
صفحة
٨٥
۱۹
۶
مقدمة
الفصل الأول
أبو ذر والشيوعية من زاوية العقيدة
الفصل الثاني
الزاهد
الفصل الثالث
أبو ذر والنظام المالي في الإسلام
1 - عن الموقف الإسلامي
- المجتمع الإسلامي والمال عبد الرحمن بن عوف
*
أبو عبيدة بن الجراح
- قواعد طهر المال
·
المعاني الإنسانية في الزكاة
الصدقة
الإيمان والإنفاق في سبيل الله
۳۹
۳۹
٤٢
៩ ។
۵۷
الصفحة
٦٠
- 2
- الربا
ه - قارون
الدها الرابع
زاوية الأخلاق
شروعية
٨٦