Go Back





السيد_أحمد_البدوى_دكتور_عبد_الحليم_محمود

السيد أحمد البدوى
الله عنه
دكتور عبد الحليم محمود
الطبعة الرابعة
A
دار المعارف

السيد الحمد البدوى
الله عنه
دكتور عبد الحليم محمود
الطبعة الرابعة
A
دار المعارف

بسم
مقدمة
م الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه ومن اتبع هديه إلى
يوم
الدين ورضى الله عن
شيخ العرب وعن شيوخه واتباعه ومحبيه
رَبَّنَا آتِنَا مِن الدُنكَ رَحْمَةٌ وَهِي لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً

في
ليس للصوفية تاريخ شخصى
سئل الشبلى رضى الله عنه
لم سميت الصوفية بهذه التسمية
فقال
6
بهم
تسمية
لبقية بقيت عليهم من نفوسهم ولولا ذلك لما تعلقت وهذه البقية هي التي يحاول الصوفية التخلص منها لقد جاهدوا أن تفني شخصيتهم في دعوتهم وأن تكون دعوتهم في سبيل الله وحاولوا بكل ما استطاعوا من جهد أن يلقوا بكل الأضواء على الطريق وعلى الدعوة وعلى الرسالة ولو كان في إمكانهم أن يتخلص الفرد منهم من فرديته وأن ينتهى الشخص منهم من شخصيته أعني أنا ليصير بكليته ذائباً قولاً وحالاً وشعوراً وذوقاً ووجداناً من في محيط الربانية لو كان في إمكانهم ذلك على أتمه لسعدوا بهذا إن جهادهم الأكبر في أن يكونوا مخلصين مخلصين وإذا كانت درجة الكمال البشرى فى ذلك لا تتأتى إلا للأنبياء والرسل فإن الصوفية يجاهدون دائماً في تحقيق
الا للهِ الدِّينُ الخالص وقضية ألا لله الدِّينُ الخالِصُ فى ذروتها تلغى الإنية أو تلغى بتعبير آخر أنا إنه لابقاء للعبد الذى أخلص العبودية مع سيده

وليس للفناء معنى إلا تحقيق الإخلاص لله سبحانه وليس لتحقيق الإخلاص لله تعالى من معنى إلا أن تفني الإرادة نية كانت أو عزماً وخطرة كانت أو فكرة في سبيل الله ومن أجل تحقيق الإخلاص أو تحقيق الفناء وكلاهما بمعني واحد كان الصوفى الحقيقى
أقل الناس حديثاً عن نفسه
أما كتاب المنقذ من

الضلال فلم يكن حديثاً عن النفس في أسسه وبواعثه ولا في أهدافه وغاياته وإنما كان حديثاً عن الطريق والمنهج إنه إيضاح لطريق الهدى وبيان عن سبيل الرشاد إن الصوفى لا يتحدث عن نفسه ومن أجل ذلك لانكاد نرى تاريخاً لأبي الفتيان السيد أحمد البدوى إنه لم يحدثنا عن نفسه ولقد كان في ذلك متأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ألقي بجميع الأضواء على رسالته حتى لقد كان شخصه الشريف دائماً مظللاً في ظل الرسالة لا يكاد يظهر إلا إذا أظهرته الرسالة ولا يكاد يوجد له ذكر إلا بذكر الرسالة
وتحدث عنه القرآن الكريم كثيراً أما هو فإنه التزم العبودية الصادقة
المتسامية بالله المهدية بهداية الله لقد أخلصه الله له فلم يكن له في نفسه من نصيب وملأ عليه أقطاره فلم يكن لغيره سبحانه فيه من مكان صلوات الله وسلامه
جميع
عليه
وتأسى به صلوات الله عليه وسلامه الصالحون فكانت الخلافة في موضوعها شغلهم الشاغل وكانت الرسالة فى بعثها وتجديدها في النفوس

4
يانعة نضرة هي همهم المقيم المقعد ولأن يهدى الله بك رجلاً خير لك من
الدنيا وما فيها

ومن أجل ذلك لا نكاد نجد للصوفية تاريخاً شخصياً وإنما هي متناثرات هنا وهناك نقلها هذا أو ذاك من أتباعهم ومريديهم
آثار الصوفية في الهداية
لم يكن لهم تاريخ شخصى وإنما كان لهم آثار اجتماعية ضخمة
يقول تعالى
إِنَّمَا تُنْذِرُ مَن اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ جر كريم إِنَّا نَحْنُ الموتى ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُل
نيد
شَيْءٌ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ
ونقف عند قوله تعالى
ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ

وذلك أن آثار كل إنسان إنما تتناسب مع ماقدم وبعض الناس يمر في هذه الحياة لاتكاد تشعر بوجوده الحياة وبعضهم يغادرها وقد ترك فيها عبيراً يتضوع بالطيب في أكثر من إقليم وأريجاً من الروح يتنسمه الآلاف في أكثر من بقعة وشعاعاً من النور يتألق في أكثر
من
مكان
يتركها وقد سن سنناً حسنة ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر
۱
۱ پس ۱۱

من عمل بها إلى يوم القيامة
لله
6
أتباعاً اشترى الله منهم
صلى الله عليه
الصامت
يتركها وقد ربى أتباعاً باعوا نفوسهم أنفسهم وأموالهم بثمن هو الجنة أتباعاً عاهدهم وعاهدوه على الجهاد المقدس في سبيل الله ورسوله لقد بايع رسول الله وسلم الأنصار والمهاجرون وبايعه المهاجرات والأنصاريات روى الإمام البخارى رضى الله عنه من حديث عبادة بن رضي الله عنه وكان عبادة شهد بدراً وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله جماعة من أصحابه بايعونى على ألا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب أصاب ومن من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو
في الدنيا فهو كفارة له إلى الله إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك وروى الإمام أحمد من حديث سلمى بنت قيس وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلت معه القبلتين وكانت إحدى نساء بني عدي بن النجار قالت جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم نبايعه في نسوة من الأنصار فلما شرط علينا ألا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزنى
ولا نقتل أولادنا
ولا نأتى بهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا
في معروف قال ولا تغششن أزواجكن
قالت فبايعناه ثم انصرفنا فقلت لامرأة منهن
6
ولا نعصيه

ارجعی فسلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماغش أزواجنا
فسألته فقال
تأخذ ماله فتحابی به غیره
يأيها
ولقد وردت بيعة النساء في القرآن الكريم يقول تعالى النَّبِي إِذا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبا يعنَكَ عَلَى أَلا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شيئاً ولا يَسْرِقُنَ ولا يَزْنِينَ ولا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ ولا يَأْتِينَ بِبُهْتَانِ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ولا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعَهُنَّ واسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۱
وهذه بيعة عامة
مجمد
وقد تكون البيعة بيعة خاصة كبيعة الرضوان التي يقول الله تعالى فيها
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَنا بَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً

ويقول الله سبحانه وتعالى لرسوله إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَتَ فَإِنَّمَا يَنْكُتُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ
أجْراً عَظِيماً ۳

ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن البيعة تتخذ صوراً مختلفة وذلك أنه مادام أساسها طاعة الله ورسوله فهى بيعة الله تعالى
1 الممتحنة ١٢ ٢ الفتح ١٨ ٣ الفتح ١٠

۱
ومن صور البيعة مثلاً أن يمتشق الإنسان الحسام في سبيل الله أو أن يطلق المدفع جهاداً للعدو يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن أبي حاتم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه من سل سيفه في سبيل الله فقد بايع الله و روى ابن كثير بسنده عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر
والله ليبعثه الله عز وجل يوم القيامة له عينان ينظر بهما ولسان ينطق به ويشهد على من استلمه بالحق فمن استلمه فقد بايع الله
تعالى
ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ا هـ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية الكريمة بعد بيانه أن من استلم الحجر فقد بايع الله تعالى
ومن عاهد الشيخ فقد بايعه على الطاعة ومن بايع على الطاعة فقد بايع الله سبحانه وتعالى وكثير من الناس في عصرنا الراهن يحاول ما استطاع أن يقلل من اهتمام الصوفية بالنسبة للعلم وربما وجد سنداً في بعض الأوضاع التي لم تأخذ شكلها الصادق في عصرنا الراهن
إن بعض الأجواء التي تنتسب إلى التصوف قد تعطى شيئاً من المنطق المزيف لأعداء التصوف ليحاولوا التقليل من شأن الاهتمام العلمي عند
الصوفية

والواقع أن العلم فى الدائرة الصوفية هو العلم بمعناه الإسلامي أى العلم بالطبيعة والعلم بما وراء الطبيعة إنه العلم بالأخلاق وبالفضيلة وهو العلم بالنواميس الإلهية السارية فى الكون التي يكتشفها علم التشريح أو علم الطبيعة أو علم الفلك أو غير ذلك
وإذا كانت الحقيقة تسفر عن قناعها بالأمثلة فإنا نبدأ يمن
عنه القشيري
سيد هذه الطائفة وإمامهم
إنه الجنيد

قال
لقد كان فقيهاً يفتى فى حلقة أستاذه وبحضرته وهو ابن عشرين
سنة وتأمل ما قاله القدماء عن درسه لقد كان الكتبة ١ يحضرون مجلسه لألفاظه
وكان الفقهاء يحضرون مجلسه لتقريره
والفلاسفة يحضرون مجلسه لدقة نظره ومعانيه

أما المتكلمون فكانوا يحضرون مجلسه لتحقيقه
وكان الصوفية من قبل هؤلاء ومن بعدهم يحضرون مجلسه لإشاراته
وحقائقه
الفقة
ولقد حضر أبو الحسين على بن إبراهيم الحداد يوماً مجلس القاضي أبي العباس بن شريح فسمعه يتكلم فى الفروع والأصول أى في علم وفى علم التوحيد بكلام حسن يقول أبو الحسن فعجبت منه فلما رأى إعجابي قال ١ يقصد بالكتبة الأدباء

١٤
أتدري من أين هذا
قلت يقول به القاضي
فقال هذا ببركة مجالسة أبى القاسم الجنيد
علم الجنيد نفسه فقد جاهد في سبيل تحصيله السنين الطوال
عن طريق الدرس والتحصيل وكان هذا الطريق الجانب الكسبى من
علمه
6
أما الجانب الوهبي فإنه سئل من أين استفدت هذا العلم فقال من جلوسي بين يدى الله ثلاثين سنة تحت تلك الدرجة وأوما إلى درجة في داره
وقد حفظ الجنيد القرآن وفهمه ودرسه وتدبره وقيد الحديث
واستوعبه قدر الاستطاعة لفظاً ومعنى رواية ودراية
وذلك
أنه كما يرى غيره من الصوفية - أن ذلك هو الأساس
یری
ولابد من إحكام الأساس وإحكام هذا الأساس يجعل من أحكمه فقيهاً ويجعله محدثاً
ويجعله مفسراً ويجعله من علماء التوحيد
6
6
ولقد أحكم الجنيد هذا الأساس قدر الاستطاعة أحكمه تعبداً وأحكمه استنارة وأحكمه لأنه صوفى وقال فيما
رواه القشيري
من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الشأن لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة ولقد كرر الجنيد رضى الله عنه هذا المعنى حتى يثبت في أذهان

۱۵
الصوفية يروى الروز بارى عن الجنيد أنه قال مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة ويروى القشيري أيضاً عن الجنيد أنه قال
علمنا هذا مشيد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم

ويكفي أن يتصفح الإنسان رسائل الجنيد رضي الله عنه ليشعر بأنه إمام عالم من أئمة علماء المسلمين والجنيد رضى الله عنه مثال للصوفى على ما ينبغي أن يكون ولم يكن الجنيد بدعاً في عالم الصوفية فأستاذه الحارث أسد بن المحاسبي لم يكن في زمانه نظير له في علمه ومؤلفاته كثيرة متنوعة وكلها في مستوى سام حتى لقد كانت من المصادر الرئيسية التي أفادت الإمام الغزالي وأثرت فيه وكتاب الرعاية للمحاسبي كتاب أديب عالم حجة وكتابه فهم القرآن بحسب ما وصلنا منه من نصوص - كتاب الباحث الدقيق الذي يتخذ القرآن والسنة أساساً وينطلق منهما إلى إضاءة جو رادا على المبتدعة والمنحرفين ولقد حاول ذو النون المصرى من قبل الجنيد أن يكتشف من معميات الكون ما خفى على الكثيرين لقد كانت له جولات في عالم الكيمياء وأسرار الطبيعة ولقد حاول أن يكتشف أسرار علم قدماء المصريين ويتفهم لغتهم لقد كان يحب اكتناه الغامض
وأن يقرأ كتابتهم
6
العقائد
ويحاول أن يزيل القناع عن المحجوب فضلاً عن شعاره الدائم
وهو القرآن الكريم وسنة رسول رب العالمين

وهل أتاك نبأ الإمام القشيرى وأنه فسر القرآن كما يفسره هذا وذاك من علماء اللغة وعلماء أسباب النزول وعلماء النحو والبلاغة و ولم يكن أقل من أى منهم في علمهم وفنهم
وأنه لم يكتف بذلك
6
وإنما ألف في تفسير القرآن لطائف
الإشارات فكان إلهاماً من الإلهامات وكان نوراً من الأنوار ولم يذكر
فيه كل الإشارات وإنما ذكر لطائفها
ولقد خاض الإمام الغزالى بحار العلم وانغمس فيها ويعبر عن
ذلك بقوله
ولم أزل في عنفوان شبابي منذ راهقت البلوغ قبل بلوغ العشرين إلى الآن وقد أناف السن على الخمسين - أقتحم لجة هذا البحر العميق وأخوض غمرته خوض الجسور لا خوض الجبان الحذور أتوغل في كل مظلمة وأتهجم على كل مشكلة وأتقحم كل ورطة وأتفحص عن عقيدة كل فرقة وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة لأميز بين محق ومبطل ومتسنن ومبتدع لا أغادر باطنياً إلا وأحب أن أطلع على بطانته ولا ظاهريا إلا وأريد أن أعلم حاصل ظهارته
ولا فلسفيا إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته
4
ولا متكلماً إلا وأجتهد في الاطلاع على غاية كلامه ومجادلته
ولا صوفيا إلا وأحرص على العثور على
سر صوفيته
ولا متعبداً إلا وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته
ولا زنديقاً معطلاً إلا وأتحسس وراءه للتنبيه لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته

وقد كان التعطش إلى درك حقائق الأمور دأبى وديدنى من أول
أمرى وريعان عمرى غريزة وفطرة من الله وضعتا في جبلتي لا باختياري وحيلتي حتى انحلت عنى رابطة التقليد وانكسرت على العقائد الموروثة على قرب عهد من الصبا ا هـ أما الذي طوع مختلف العلوم وامتلك ناصية المعرفة على مختلف فروعها ووصل فيها إلى القمة لم يجاره فى ذلك فيلسوف من فلاسفة الشرق ولم يجاره في ذلك فيلسوف من فلاسفة الغرب فإنه
سمی
الشيخ الأكبر
4
سيدنا
محي
الدين
لقد طوع المعرفة لفكره وطوعها لقلمه وبلغ فيها القمة وبحق الشيخ الأكبر ولقد كان فى فتوحاته مفسراً خيراً من كثير من المفسرين وفقيهاً خيراً من كثير من الفقهاء وشارحاً للحديث خيراً من كثير من شراحه وفتوحاته كنز من المعرفة لا ينفد ومعين من العلم
لا ينضب إنه رشفة من بحار رسول الله صلى الله عليه وسلم تتسم
بنضرة منبعها
دائما
والصوفية في الجانب العلمى لا يكتفون بالجانب الكسبي أى جانب التعلم من الكتب وعلى أساتذة الكتب ولكنهم قرأوا في كتاب الله تعالى
وعلمناه
من ن لَدُنَّا عِلماً ١
a
فتعلقت آمالهم بهذا العلم الآتى مباشرة من الله وتطلعت أمانيهم
إلى هذا العلم الذى هو من عند الله واتخذوا الطريق إليه والطريق إليه رسمه الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز وعلى لسان ١ الكهف ٦٥

رسوله الكريم إنه الجهاد في سبيل الله والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سبلنا
" 1 "
"
وهو العمل بما علموا من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم وهو تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى ومن حقق العبودية لله كان الله سمعه وبصره كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذي يبصر به وشعار الصوفية على وجه العموم فيما يتعلق بالعلم هو شعار أستاذهم وقدوتهم وحبيبنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان شعاره رَبِّ زِدْنِي عِلْماً
وإذا كان أهل الظاهر قد فرحوا بعلمهم الظاهر واكتفوا به فإن الصوفية قد حصلوا هذا العلم ولكنهم لم يكتفوا به لقد شاركوا علماء الظاهر في علمهم ولكن علماء الظاهر لم يشاركوهم إلهاماتهم وإشراقاتهم هل نذكر في هذا المجال الإمام الغزالى في علمه الظاهر وفى علمه الباطن هل تذكر القطب الكبير أبا الحسن الشاذلى أو القطب الكبير أحمد الرفاعي أو القطب الكبير عبد القادر الجيلاني في علمهم الظاهر وفي علمهم الباطن والشعرانى الذى ساهم تقريباً في جميع فروع المعرفة الدينية أننساه في هذا المجال إن التصوف والعلم يؤلفان وحدة متحدة منذ أن نشأ
التصوف
1 العنكبوت ٦٩

طه ١١٤

۱۹
ولقد كان السيد رضوان الله عليه على غرار سلفه في العلم الكسبي
والعلم الوهبي
لقد درس
الشافعي
القرآن بقراءاته السبع ودرس الفقه على مذهب الإمام
ولقد تحداه العلماء بأسئلتهم فتحداهم بعلمه وإجاباته الرقيقة وكان يتكلم في مسألة واحدة من علم القوم من الظهر إلى العصر ويطيب
وقته بحديثه
من

تقول دائرة المعارف
ومن العلماء الذين عادوا أحمد فى بداية أمره والذين أصبحوا فيما بعد
أتباعه

ابن دقيق العيد المتوفى عام ٧٠٢ هـ
وابن اللبان المتوفى عام ٧٣٩ هـ
ثم إنه من الأمور الهامة أن نسجل هنا ما سبق أن سجلناه من تقدير
- وهو من هو علماً وفقهاً وتصوفاً الإمام الشعراني
رضى الله عنهم أجمعين
آثار السيد في الهداية

لسيدي أحمد
وفى هذا المجال كان للسيد البدوى نصر الله وجهه نصيب وأى


۰
لقد أخذ العهد على مصريين كثيرين من شمال مصر وجنوبها
وأخذ العهد على شاميين من بقاع مختلفة من بلاد الشام
وأخذ العهد على يمنيين
·
وأخذ العهد على غير هؤلاء وأولئك

وأذن للجميع
6
أن بعد
صهرهم
وأنضجهم
أن يبشروا بالطاعة
وأن يقودوا إلى سبيل الله وانتشر المريدون المشايخ في شرق العالم وغربه يهدون إلى الله ويأخذون بيد الحيارى إلى سبيل الطمأنينة وبيد الشاكين إلى اليقين وبيد الأشقياء إلى السعادة وربوا بدورهم مر صار الكثير منهم فيما بعد شيوخاً لقنوا العهد لمريدين
وكل ذلك كان أثراً للسيد رضي الله عنه
سنكتب ما قدموا وآثارهم
1
مریدین
لقد كانت آثار السيد فى الخير ضخمة وستستمر آثاره إلى أن
يرث الله الأرض ومن عليها
السيد شيخ استكمل صفات القيادة
لقد كان السيد رضى الله عنه شيخاً استكمل صفات القيادة في
الطريق
ولقد حث الصوفية دائماً على التتلمذ على يد شيخ
۱ پس ۱

ويتحدث الإمام الرازى - الحجة في مذهب أهل السنة صاحب تفسير القرآن المعروف - عن الشيخ ويشترط فيه أن يكون مخلصاً صادقاً قد انتهج الصراط المستقيم وأن يكون سالكاً
أما السالك فلأن الوصول تارة بالجذبة على ما قال عليه السلام
جذبة من جذبات الحق توازى عمل الثقلين
غنيا
وأخرى بالسلوك
أن يقتدى به لأنه مثل من وجد كنزاً فصار

6
والأول لا يصح فإنه وإن كان ذا مال لكنه غير عالم بكيفية اكتساب المال فلا ينتفع به التلميذ الطالب لتعلم كيفية الاكتساب وأما الثاني فهو الذى يصلح لتربية المريد لأن من سلك الطريق وعرف مراحلها ومنازلها واطلع على متالفها ومعاطبها أمكنه إرشاد الغير إلى سواء السبيل والإخبار عن كيفية تلك الأحوال على التفصيل ١ وفي ذلك يقول الشيخ عبد الواحد يحي لابد في التصوف من شرط جوهرى هو التأثير الروحي لا تتأتى إلا بواسطة شيخ ومن هنا كانت أدق البركة وهى الطرق ومن هنا كانت السلسلة وهل السلسلة إلا بركات تنتقل من شيخ إلى مريد يوشك أن يصبح شيخاً فيؤثر بدوره في مريد أو مريدين ا هـ على أنه لا جدال أو يجب ألا يكون جدال فيما رآه سيد الطائفة
بتعبير
الإمام الجنيد فى الشروط التي يجب أن تتوفر في الشيخ إنه يقول لا يستحق الرجل أن يكون شيخاً حتى يأخذ حظه من كل علم شرعى

وأن يتورع عن جميع المحارم وأن يزهد في الدنيا
وألا يشرع في مداواة غيره إلا بعد فراغه من مداواة نفسه
وحتى يكون على علم يهدى به العباد فإذا مرض مريده بسبب شبهة في علم التوحيد داواه وإذا تحير فى مسألة من مسائل الفقه أفتاه
ويشترط أن يكون لديه القناعة بالغنى عن الناس وأن يخاف ويخشى من المعاصى والأدناس
وأن يلازم العمل بالكتاب والسنة

6
وبعد أن بين الإمام الجنيد صفات الشيخ ما يجب عليه التزامه في الطريق حتى يسير على هدى فقال
أخذ يبين للمريد
وإياك ومتابعة من لم يكن على غير هذه الصفات فإنه من جنود
الشيطان

ثم يأمر الجنيد المريد بهذا الأمر الواضح الذي يحمل في نفسه دليل الصدق ويتسم بسمة الحق
زن أقواله وأفعاله بميزان الشريعة فإن رأيت منه شيئاً مخالفاً للشرع فاتركه حتى وإن كان ذا حال صحيح فما عليك في رده بحكم الشرع من بأس ولا تتخذه مرشداً ا هـ
ويتحدث ابن عطاء الله رضوان الله عليه عن الشيخ يتحدث عنه بأسلوبه الشيق وبعبارته الجميلة وبروحانيته الجذابة فيقول ليس شيخك من واجهتك عبارته وإنما شيخك من سرت

فيك إشارته

وليس شيخك من واجهك مقاله وإنما شيخك من نهض بك حاله
وليس شيخك من دعاك إلى الباب وإنما شيخك
بينك وبينه الحجاب
"
من
کشف
شيخك هو الذي مازال يجلو مرآة قلبك حتي تتجلى فيها أنوار ربك أنهضك فنهضت وزج بك في نور الحضرة وقال لك ها أنت
وربك
ويقول أيضاً في أسلوبه المتسم دائماً بإشراقاته الوضاءة
والاقتداء لا يكون بولى مجهول العين في كون الله وإنما يكون الاقتداء بولي دلك الله عليه وأطلعك على خصوصيته انطوى عنك شهود بشريته في وجود خصوصيته فألقيت إليه القياد وسلك بك طريق الرشاد يعرفك مكنونات نفسك وكمائنها ودقائقها ويذلك على الجمع على الله ويعلمك الفرار مما سواه ويسايرك حتى تصل
إلى الله ا هـ
C
أما الشيخ شهاب الدين السهروردى صاحب الكتاب الجمي
النفيس عوارف المعارف فإنه يقول ولا بد للمريد من شيخ مرشد إلى الحق پرشده ويلقنه الذكر ويلقى في روعه النور فإن تلقين الشيخ يلقح باطن المريد ويسرى فيه كأنما يلقح من سراج فعلى المريد اختيار الشيخ الصالح المشهود له بالعلم والمعارف واتقاء المحارم وإذا عدنا إلى النذر اليسير الذي لدينا عن تاريخ السيد نجد أنه استكمل كل ذلك ومع أنه ينقصنا التفاصيل المفصلة في هذا الموضوع

٢٤
فإنه لدينا من الآثار ما يكفي لإثباته وإذا كانت دقائق الجزئيات ليست في متناول يدنا فإن أصولها بين سمعنا وبصرنا وسيرى القارئ إن
شاء الله ذلك واضحاً عندما نتكلم عن مؤهلات السيد المكتسبة ومجاهداته فى سبيل الله ليتحقق بالعبودية له سبحانه
المريد
6
وإذا كان الصوفية قد تحدثوا عن الشيخ فإنهم أيضاً قد تحدثوا

عن المريد وعن الصلة بين الشيخ والمريد وتبدأ هذه الصلة بالتوبة الخالصة النصوح التوبة التي أمر الله سبحانه وتعالى بها أمراً إيجابياً صريحاً فقال وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعاً أَيُّها المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ التوبة التي علق الله الفلاح بها وحث عليها في أساليب متنوعة

وقال في رأفة وتودد - فيما رواه الرسول
سبحانه
1
صلى الله عليه وسلم
6
عنه
يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً

فاستغفروني أغفر لكم فإذا تاب المريد تأتى الخطوة التالية وهى أخذ العهد عليه بالتزام
الطاعة لله ولرسوله وهي خطوة البيعة
ثم تأتى الخطوة الثالثة وهي خطوة التلقين
۱ النور ۳۱

۵
والتلقين ليس شيئاً آخر غير تعليم الشيخ للمريد كيفية الذكر نطقاً وبدءاً في مرحلته الأولى ويتجدد التلقين كلما قطع المريد مرحلة من مراحل القرب من الله سبحانه وتعالى
وللصوفية في هذا استئناس ببعض الآثار منها مارواه الإمام الجليل الذي حاول أن يحقق في حياته سيرة السلف الصالح سيرة التزام الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعنى الإمام أحمد بن حنبل لقد روى الإمام أحمد بن حنبل بإسناده وروى غيره أيضاً
كالطبراني والبزار أن رسول الله بمجمع من أصحابه فقال
6
C
صلى الله عليه وسلم كان يوماً
هل فيكم غريب يعنى من أهل الكتاب
قالوا كلا يا رسول الله
فأمر بغلق الباب وقال
ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله
قال شداد بن أوس فرفعنا أيدينا ساعة وقلنا لا إله إلا الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اللهم إنك بعثتنى بهذه الكلمة وأمرتني ووعدتني عليها بالجنة وإنك
لا تخلف الميعاد

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ألا أبشروا فإن الله قد غفر لكم
أما الإمام الحافظ جلال الدين السيوطى فإنه قد أخرج بعدة
أسانيد أن سيدنا عليا رضى الله عنه قال

٢٦
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يارسول الله دلني على أقرب الطرق إلى الله عز وجل وأسهلها على العباد وأفضلها عند الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا على عليك بمداومة ذكر الله تعالى سراً وجهراً
فقال على رضي الله عنه كل الناس ذاكرون وإنما أريدك أن
تخصني بشيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ياعلى أفضل ماقلت أنا
والنبيون من قبلى
لا إله إلا الله ولو أن السموات السبع والأرضين السبع وضعن في
كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا على لاتقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول لا إله إلا الله
فقال على كيف أذكر يا رسول الله

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غمض عينيك واسمع مني لا إله إلا الله ثلاث مرات ثم قل أنت لا إله إلا الله ثلاث مرات وأنا أسمع
المنتقدون للتصوف
شيخ ومريد وبيعة على التزام الطاعة تبتدئ بالتوبة الخالصة النصوح وذكر ومجاهدة تلك هى عناصر الطريق الصوفى

فماذا يقول القائلون في طريقة طهارتها هي أول شروطها تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى
ومفتاحها الجارى منها مجرى التحريم من الصلاة -- استغراق
القلب بالكلية بذكر الله
وآخرها الفناء بالكلية في الله
وهذا آخرها بالإضافة إلى ما يكاد يدخل تحت الاختيار والكسب وهى على التحقيق أول الطريقة وماقبل ذلك كالدهليز
من أوائلها
للسالك إليه
أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات حتى إنهم ومن في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق ١ فإذا ماجاهد والتزم وصل إلى ما عبر عنه الإمام الغزالي بقوله وانكشف لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها
واستقصاؤها

والقدر الذي أذكره لينتفع به أني علمت يقيناً أن الصوفية السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم أحسن السير وطريقهم أصوب الطرق وأخلاقهم أذكى الأخلاق بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من
۱ عن المنقذ من الضلال طبعة دار الكتب الحديثة

العلماء ليغيروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلاً فإن جميع حركاتهم وسكناتهم في ظاهرهم
وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة
الأرض نوريستضاء به ۱ ا هـ

وليس وراء نور النبوة على وجه
ليس في حياة السيد إلا الخير
وسار السيد في هذا الطريق الذى سار فيه أسلافه سار فيه كمريد وانتهى فيه إلى أن أصبح شيخاً له مريدون لقد عالج نفسه حتى استقامت وتابع الشيخ حتى انتهى به الشيخ إلى مركز من مراكز القيادة فأسلمه
إليه
وأصبحت حياة السيد هداية وإرشاداً فهو يأخذ العهد على المريدين مبتدأ بمبدأ العهد وهو التوبة ثم يلقنهم الذكر ويقودهم إلى الله تعالى حتى إذا استقامت نفوسهم وحتى إذا اطمأن إلى تربيتهم بعثهم هادين مرشدين هنا وهناك وليس فى حياة السيد فى جوهرها غير هذا وليس في حياة صوفى من طبقة السيد غير هذا ولكن الأمر الغريب أن هذه الحياة التي كرسها السيد رضوان الله عليه للجهاد في سبيل الله يحاول بعض من يكتب عليه فى العصر الحديث أن يعطيها ألواناً لا تتناسب ولا تتفق مع الواقع التاريخي 1 انظر طبعتنا للمنقذ من الضلال الناشر دار الكتب الحديثة
الحقيقة

وبعض الناس يحاول دائماً أن ينزل بالقمم الشامخة هو ناقصة ولأنه يشعر بالحقد دائماً على كل قمة
لأن نفسه
ولأنه لا يؤمن هو نفسه بالقيم الكبرى والمبادئ السامية تجده يسير في محاولات ملتوية للنزول بأصحاب هذه المستويات الرفيعة إلى المستويات التي يعرفها الكاتب من نفسه ومن أمثاله مستويات النقص
في بعض صوره
وإلا فبماذا تفسر هذا النوع من الانحراف بالنصوص إلى مالا
تعطيه
بماذا تفسر تصوير الأمر بمالا يتفق مع التاريخ الصادق
يصور
بماذا تفسر أكل لحوم الصالحين وهم في عالم الحق ويزعم بعض الناس أنه ناقد خبير أو أنه يكتب بأسلوب علمي أو أنه الحق تبعاً للمنهج التاريخى وليست كل هذه الدعاوى وأمثالها إلا الستار الذى يحاول الكاتب أن يختفى وراءه ليحجب به ما في نفسه من كراهية للصلاح والتقوى ولكنه ستار يبين عما في النفس أكثر مما يحجب منها ولقد لاحظ الناس فى القديم والحديث أن كثيراً من الذين كتبوا التاريخ قد تلون التاريخ تحت أقلامهم بألوان ما في نفوسهم من أهواء ونزعات ونزعات ورغبات ولقد لونه المستعمرون زاعمين أنهم يكتبون على منهج علمى ولونه المستشرقون زاعمين أنهم يتبعون البحث المجرد ولونه كل صاحب هوى وما أكثر الأهواء فليس غريباً إذن أن يلون صاحب هوى تاريخ السيد أو يلون صاحب

i
عنه زائغ
6
عقيدة منحرفة تاريخ السيد ولكن مادامت الوقائع ثابتة والحقيقة واضحة فليس يضير الحق أن ينحرف عنه منحرف أو يزيغ والحقيقة الثابتة التي لا مناص من الاعتراف بها هي أن السيد رجل
قد وهب نفسه الله ملتزماً أمرين لم يتخل عنهما طيلة حياته أحدهما مجاهدة نفسه بالعبادة والزهد والتقوى والثانى هداية الناس على أساس من الكتاب والسنة وكل ذلك سنزيده إيضاحاً فيما بعد إن شاء الله أما الآن فإننا ننتقل إلى تجلية موضوع آخر حاول بعض الكاتبين أن يستغلوه في السخرية والتهكم
فاطمة بنت برى
إن في حياة كل عظيم من العظماء قصصاً كثيرة وحياة العظماء دائماً خصبة متعددة الزوايا وهذه القصص في حياة العظماء يلونها
قوم بلونها الحق ويلونها الخصوم بألوان زائفة ولتأخذ فى حياة السيد قصة فاطمة بنت برى
وني
قصة لها أمثالها في التاريخ
إن التاريخ يحدثنا عن محاولات كثيرة من الصالحين أومن المصلحين لهداية بعض الفاتنات المنحرفات إن التاريخ يتحدث عن
مريم المجدلية القديسة التي اهتدت على يد المسيح ۱

۱ نضع تحت نظر القارئ قصة امرأة اهتدت على يدى المسيح عليه السلام ونوجته نظر القارئ إلى الوساوس التي تعلقت بقلب سمعان وإلى ما همس به
الآخرون

ويحدثنا التاريخ في أسلوب شيق عن تاييس
أقرأت قصة تاييس

إنها انتهت هى الأخرى إلى الصلاح واستقامت على الهداية أن الوجه الذي تمثله فاطمة بنت برى يختلف عمن تحدثنا
بید
عند ما رأوا السيد المسيح عليه السلام يترك هذه المرأة تعمل ما تشاء وعند ما حدثها بأن ذنوبها قد غفرها الله ولينظر القارئ إلى البراءة التامة التي تبدو في حديث السيد

المسيح عليه السلام وسأله واحد من الفريسيين أن يأكل معه فدخل بيت الفريسي واتكأ و إذا امرأة في المدينة كانت خاطئة إذ علمت أنه متكئ فى بيت الفريسيي جاءت بقارورة طيب ووقفت عند قدميه من ورائه باكية وابتدأت تبل قدميه بالدموع وكانت تمسحهما بشعر رأسها وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيب فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك تكلم في نفسه قائلاً لوكان هذا نبيا لعلم من هذه المرأة التي تلمسه وما هي إنها خاطئة فأجاب يسوع وقال له
2
یا سمعان عندى شيء أقوله لك فقال قل يا معلم فقال كان لمداين مديونان على الواحد خمسمائة دينار وعلي الآخر خمسون وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعاً ب فقل أيهما يكون أكثر حباً له فأجاب سمعان وقال أظن الذى سامحه بالأكثر فقال له بالصواب حكمت ثم التفت إلى المرأة وقال لسمعان أتنظر هذه المرأة إنى دخلت بيتك وماء لأجل رجلى لم تعط وأما هي فقد غسلت رجلي بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها قبلة لم تقبلني وأما بزيت لم تدهن رأسى وأما هي فقد دهنت بالطيب رجلى من أجل ذلك أقول للـ قد غفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيراً والذى يغفر له قليل يحب قليلاً ثم قال لها مغفورة لك خطاياك فابتدأ المتكتون معه يقولون في أنفسهم من هذا الذي يغفر خطايا أيضاً فقال للمرأة إيمانك قد خلصك اذهبي بسلام
هی
فمنذ دخلت لم تكف
عن تقبيل رجلى

عنهما وهو وجه مفهوم من الناحية النفسية وإن كان لا يتكرر كثيراً لم تكن فاطمة بنت برى كراقصة الإسكندرية الأولى تاييس

ولا كغيرها من النساء ذوات الماضى المنحرف وإنما كانت عفيفة عفة تشبه أن تكون عصمة من الله لها ولم تكن فاطمة فقيرة وإنما كانت ذات ثراء عريض ثراء كفيل بأن يلبي كل ما تشتهيه النفس من ترف وأبهة وكانت جميلة كانت مثلاً رائعاً في الجمال
وكانت تثق بنفسها بحيث لا تخشى أن يفلت منها الزمام ولهذه الثقة
كانت تقابل الرجال وتستضيفهم
وكانت صاحبة كبرياء وأنفة

6
وتكرمهم وتتحدث إليهم
وكانت كأمثالها شقية بكل ذلك لأنها ككل امرأة من نوعها تحب أن تسكن إلى رجل وهى لا تحب أن تسكن إلى رجل تافه فالرجل التافه يكون مثله بجوارها كمثل امرأة ضعيفة أمرأة أقل منها في جميع صفاتها كان فؤادها يهفو إلى أن يجد شخصية قوية طاغية آمرة
ناهية شخصية تجعلها تهدأ وتسكن وتتبع و تحب وبلغت ربيع عمرها واكتملت أنوثتها هل سيفوتها الركب إنها تريد رجلاً وتستقبل هذا أو ذاك ويفتتن بها هذا أو ذاك ويتهافت عليها هذا أو ذاك وتوقعهم هي في شباكها ولا تقع في حبائلهم وترى فيهم كل يوم وجوها من الضعف والانهيار والذلة فتلفظهم آسفة متحسرة على أن لم تجد فيهم رجلاً

٣٣
الشمس
ولكن أملها يتجدد مع مشرق النور مع مطلع ويأتيها كل يوم بأمل جديد وخيبة أمل جديدة أيضاً
4
وأصبحت هوايتها أن تجعل من أشباه الرجال عبيداً عند قدميها بفتنتها وإغرائها ثم تركلهم برجلها دون أن ينالوا منها شروى نقير إنها تسلب الرجال حالهم ما معنى ذلك
قلوبهم

لقد كان يمر عليها وهى الكريمة المضيافة - بعض من يتسمون بالصلاح والتقوى دون أن يكون الصلاح والتقوى قد تمكنا من فتلتقى بهم وتتحدث إليهم فيجدون ذكاء ولباقة وجمالاً وثراء عريضاً ويجدون إغراء ويجدون فتنة فيتهافتون عليها وإذا بهم يقعون على صخرة منيعة لاترام وإذا بهم يخرجون من عندها في خزى ومذلة وفي نقص من الصلاح والتقوى لأن قلوبهم أصبحت مرتعاً للهواجس والإغراء والفتنة وأصبحت هذه المرأة وكأن إقليمها به شيطان مارد هوايته الإغراء
والإغواء

ذلك في نفسها - مع كل هذا الطغيان والكبرياء - مسكينة وهي مع تنتظر الرجل وجاءها الرجل جاءها الأمر الناهي جاءها السيد جاءها السيد فملك عليها جميع أقطارها فخضعت ودانت وذلت وتأهلت للاستجاية بكل ما تملك من أمل ومن طاقة وعرضت وكانت خطة السيد التي وضعها لنفسه هي عليه الزواج ولا ينفر منه للدعوة إنه لا يحرم الزواج حلالاً إنه لا يحرم

أن يخلص

رسول الله
فحزم
C
كما لا يحل حراماً وهو لا يدعو إلى الرهبانية التي تتمثل أوضح ما تتمثل في الامتناع عن الزواج كلا فالزواج شريعة الإسلام وسنة صلى الله عليه وسلم ولكنه وجد أن العالم الإسلامي في حاجة إلى تفرغ تام وأن الدعوة تستغرق عمره وأعماراً مع عمره أمره على التفرغ الكامل للدعوة إنه لم يجد القوة التي كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عند خيار أصحابه من رجال الدعوة والتي مكنتهم من الزواج والدعوة معاً وحب الدعوة وإرادة النهوض بالعالم الإسلامى صرف الكثير من رجال الإصلاح عن الزواج طيلة حياتهم أو جزءاً كبيراً من حياتهم والأمثلة كثيرة على مجرى التاريخ
ومن أجل ذلك لم يجد عرضها - فيما يتعلق بالزواج - في نفسه قبولاً ولكنه - وقد دانت له وخضعت بتوفيق الله - أخذ عليها العهد والميثاق ألا تتعرض لأحد بالفتنة والإغراء وأن تنصرف عن هوايتها انصرافاً تاماً وبين لها أنها تجد في الالتجاء إلى الله والاستغاثة به إجابة لكل ما تطلب وأنه سبحانه إذا تضرعت إليه كفيل أن يهيئ ما ترجوه من رضا وطمأنينة وما تأمله من السكن إلى زوج يشاركها الحياة ويتحقق بينهما ما عبرت عنه الآية القرآنية الكريمة من
مثل أعلى للزوجية وهي
السكن
والمودة
والرحمة

يقول سبحانه وتعالى
۳۵
و مينْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةٌ ۱ ثم تركها وانصرف هذه فى حقيقتها قصة فاطمة بنت برى وهذه هي الصورة التي تعطيها النصوص ويؤيدها علم النفس وهي صورة كريمة بالنسبة
للسيد
فهل يتأتي في أعراف ذوى النفوس السوية أن تتخذ هذه الصورة
مدعاة للسخرية والتهكم وهل يتأتى في أعراف ذوى القلوب المستبصرة أن تكون هذه القصة
يرضيك !
على السيد لاله اللهم إن منطق قلب الحقائق منطق لا وعلى هذا النمط تسير القصص الأخرى هي في جوهرها لها أمثالها في التاريخ يحيلها الكاتبون إلى ألوان لا تنسجم مع الحق
ومسألة أخرى
ليس جاسوساً فاطميا
إن قصة فاطمة بنت برى قصة كتبتها الكتب القديمة وتناقلها الناس طبقة بعد طبقة ولكن بعض الكاتبين – بحسب اختلاف أمزجتهم ومشاربهم وأهوائهم - حاولوا تزييفها وحاولوا إنكارها
وحاولوا السخرية منها
۱ الروم ۱

٣٦
يقوم
وهؤلاء الكاتبون الذين حاولوا ذلك قد حاولوا من جانب آخر أن يخترعوا مالا أصل له وأن يكذبوا على التاريخ وأن يقولوا بما لا عليه دليل ولا تثبته حجة لقد كتب – منذ زمن بعيد - كاتب في مجلة السياسة الأسبوعية مقالاً عن السيد البدوى قال فيه مستلهماً الوهم المحض إن السيد البدوى كان جاسوساً فاطمياً لم يستند في كلامه إلى وقائع تاريخية ولم يؤيد كلامه بحادثة من حياة السيد البدوى وكان حديثه كله تكرار لفكرة كاذبة بعدة صور كلامية منمقة وكان يلوح عليها في وضوح
الافتراء
يصوم
أولاً لأن حياة السيد البدوى فى نفسها خلصت الله لقد كان وكان إذا جن الليل قامه في قراءة القرآن وكان منصرفاً
نهاره
بکیانه كله إلى الهداية إلى الله

وإنسان هذه حالته لا يتأتي له أن يكون جاسوساً فاطمياً
وثانياً من المعروف أن الدول أيا كانت شديدة الحساسية لكل ماتشم فيه رائحة العمل على زوالها وما كان يعجز الدولة الأيوبية تلقى بالسيد في غيابة جب أو في أعماق سجن بل ما كان يعجزها إعدامه أو إخراجه من البلاد لوشمت فيه ولو من بعد رائحة الجاسوسية
للفاطميين
وإن الدولة التي قضت على الفاطميين برغم دهائهم وقوتهم وجيشهم في البر والبحر إن الدولة التي قضت على الفاطميين ما كانت لتعجز أمام رجل

والدول تعمل في الخفاء تارة وتارة تعمل جهراً بحسب الظروف والمناسبات وكان يمكن للدولة الأيوبية أن تتخلص من السيد - مادام جاسوساً - بأي وسيلة من الوسائل التي لا تحصي ولا تنفد
عند الدول
وثالثاً لم يلاحظ شخص ما من المحيطين بالسيد أنه ذكر الفاطميين أو دعا إليهم أو تحدث عن أيامهم أو ذكرهم على أى وضع من الأوضاع ورابعاً لقد كان بين السيد وبين الحكم القائم حسن تفاهم
ومودة
أحمد نور الدين
الأمور العظيمة الأثر في تاريخه من
"
ولقد تأمل الكاتب الباحث العالم الأستاذ إبراهيم في قصة الجاسوسية هنا فكتب فى عدة مناسبات من كتابه عن السيد كلاماً نفيساً في نفيها لقد قال بعد أن حقق تاريخ ميلاد السيد ويعتبر تحقيق ميلاد أحمد إذ يجعل ما نسب من صلته بالفاطميين ضرباً من المغالطة والافتراء وبخاصة إذا علمنا أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب قد بدأ في تأسيس دولته بمصر بعد سقوط الدولة الفاطمية سنة ٥٦٧ هـ ١١٧١م أي قبل ميلاد أحمد بنحو تسع وعشرين سنة اه ويتحدث الأستاذ
إبراهيم
أحمد نور الدين عن علاقة البدوى بمعاصريه من حكام مصر فيذكر مثلاً العادل أبو بكر بن الكامل فيقول وقد استمر حكمه إلى سنة ٦٣٨هـ - ١٢٤٠ م وقد خضر البدونى إلى مصر في عهده الذى اشتهر بالفوضي والاضطراب والتأخر والانحلال فقد كان العادل شاباً مستهتراً يخالط الشبان

۳۸
ويقتل معهم وقته في اللهو واللعب فخلت خزانة الدولة من المال وعم الفقر البلاد لذلك خلع وتولى بعده أخوه الصالح نجم الدين أيوب وإذا كان للبدوى غايات سياسية بمصر فإن هذا العهد المضطرب كان أكبر عون له على بذر بذور ثورته وجمع أتباعه للوصول إلى غاياته ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث ولم يظهر له أثر ۱ اهـ
ولقد حدثت في مدة إقامة السيد الطويلة في طنطا عدة ثورات على عدد من الحاكمين سواء أكانوا من الدولة الأيوبية أم من المماليك ولم يكن للسيد أى دخل في أية واحدة منها

ولقد كانت فرصاً ذهبية للسيد لوكان حقاً داعية فاطمياً أو جاسوساً فاطميا وليس لهذه الأسطورة إذن من تعليل إلا أن كاتباً أراد أن يشذ ليعرف فكتب تلك الفرية ثم تلقفتها منه عدة من الببغاوات أخذوا يرددونها هنا وهناك لأنهم - وهم يشعرون بنقصهم يحبون أن يروا كل الناس مثلهم ولكن التاريخ يكذب مزاعمهم والله من
وراء القصد
ومسألة ثالثة
السيد وبيبرس
يتحدث بعض الكتاب القدماء عن علاقة السيد بالظاهر بيبرس فيقول إنه استقبله بعسكره ويذكر ذلك بعض الكتاب المتأخرين ثم
١ حياة السيد البدوى ص ۹۳

۳۹
يعلنون أن هذه الرواية كذب لأن بيبرس تولى الحكم بعد مجيء السيد إلى طنطا بفترة طويلة ثم يتخذون من ذلك ذريعة للتهكم والسخرية أنه من المعروف أن كبار المماليك كانوا دائماً يتخذون أنصاراً بید
C
وأتباعاً من المماليك يشترونهم ويربونهم ليكونوا في طاعاتهم ولقد كانت تجارة الرقيق رائجة وكان كبار المماليك يشترون كل يوم من العبيد ما يستطيعون ليمكنوا لأنفسهم وليكونوا لهم جنــــداً

وحرساً كان هذا شأن المماليك وكان هذا شأن بيبرس لقد كان لبيبرس جند وحرس وأتباع قبل أن يستولى على الحكم وليس هناك أنه التقى بالسيد مصادفة أو عمداً عند وصول السيد إلى مصر
ما يمنع
هذا
من جانب
معروفة
وأما من الجانب الآخر فإن علاقة السيد بالظاهر بيبرس
تقول دائرة المعارف عن السيد
قدميه
العموم
علاقة
ويقال إن معاصره الملك الظاهر بيبرس كان يقدسه وأنه قبل
لقد كان الملك الظاهر بيبرس حرباً شعواء على الشيعة على وجه وعلى الفاطميين على وجه الخصوص لقد كان ينكل دون رحمة أو شفقة بكل من يرى فيه ميلا للشيعة أو الفاطميين وقد كان يحترم السيد احتراماً عظيماً ويقدره تقديراً كبيراً يقول الإمام الشعراني

كان الملك الظاهر بيبرس أبو الفتوحات يعتقد في سيدي
اعتقاداً عظيماً وكان ينزل لزيارته

أحمد
أجل أن نقدر احترام بيبرس للسيد حق قدره نذكر بعض ومن صفات بيبرس حسبما يرى السير وليم موير إنه يقول أن بيبرس برغم عدله فى شئون البلاد كان لا يتأخر – عند إثارة حقده - عن الغدر والخيانة والاستهانة بالأرواح والأنفس وتلك
على
طبيعة خاصة بجنسه فكان سريع التصديق لما يلقى إليه من الوشايا ويقول السير وليم موير
وكان أشد أخلاقه إيلاماً غدره فإنه لم يتأخر أو يتردد في
استخدامه لقضاء مآرب ا هـ
ذلك فإن بيبرس - وهذه أخلاقه - كان يقدس السيد
وكان يزوره متبركاً به ويقبل قدميه
لم
الكرامة الكبرى
وأمر آخر نحب أن نتحدث عنه قبل الفراغ من المقدمة
سيلاحظ القارئ أننا لم نفرد كرامات السيد يفصل خاص بل نكد نتحدث عنها أما السبب في ذلك فهو أننا أردنا أن نستفيض نوعاً ما في الكرامة الكبرى للسيد وكرامة السيد الكبرى هي أنه رجالاً وكون أبطالاً مجاهدين في سبيل الله
ربي
إن مدرسة السيد منذ أن أنشأها فوق السطح لاتزال تعمل وقد

٤١
أنحاء
افتتحت لها فروع في يهتدى بسبب دعوته آلاف الأشخاص في مختلف المستويات
العالم وفى كل جيل من الأجيال جميع

ولعل الذين يكتبون عن السيد ساخرين يسألون أنفسهم عما
فعلوا هم
وهل
في الرقى بالمجتمع أخلاقياً وعما قاموا به للدعوة إلى الله لهم في مجال الهداية قدم ثم لعلهم ينظرون إلى أنفسهم ويحاسبونها في مجال الخير والشر وفى مجال مجاهدة النفس وتزكيتها إذا فعلوا ذلك في صدق فنحن على يقين من أنهم سيأسفون في خجل عما قاموا به من محاولة - لم يكتب لها النجاح - للتقليل من شأن قمة من قمم الدعوة إلى الله
فإذا ما أسفوا فسيكون هذا بداية هدايتهم إن شاء الله
وسيعود
الفضل فيه إلى السيد نصر الله وجهه
·
*
ونحب – بتوفيق الله

السيد أن نحاول في كتابتنا عن

الوصول
إلى الحق ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً

لقد قرأت الكتب المؤيدة وقرأت الكتب المحايدة
لقد قرأت الكتاب المبارك الذي ألفه الشيخ المبارك الشيخ أحمد
حجاب

وقرأت الكتاب الجميل الذى ألفه الأستاذ إبراهيم أحمد نور الدين وقرأت ما كتبه الإمام نور الدين الحلبى صاحب السيرة الحلبية المشهورة وقرأت غير ذلك مخطوطاً ومطبوعاً
ولقد قرأت الكتب المعارضة التي تلقفت ما كتبته دائرة المعارف

بأقلام المستشرقين وتبنته وحاولت استخلاص الحق من بين كل
ذلك
إن الأسطر الأولى من هذا الكتاب كتبتها في المقصورة المباركة ثم تابعت الدراسة والكتابة من بعد
اللهم اجعل هذا الكتاب هادياً إلى الحق ويسره لمن أراد معرفة الحق بالنسبة للسيد أحمد البدوى ووفق كل قارئ له على اتباع طريق الحق الذي رسمه سيد الخلق عن طريق الوحى ورسمه من بعده من الصالحين من أجل نشر طريق القدوة والتأسي برسول الله
صلى الله عليه وسلم لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ
وذكر الله كثيراً

الفصل الأول
مع السيد في حياتة

إن البطولة الحقة البطولة العامة الشاملة بطولة الصدق بطولة الكرم بطولة الشجاعة بطولة الفداء تتمثل خير تمثيل في البيت النبوى الكريم لقد تمثلت هذه البطولة أسمى ما تكون البطولة في رسول صلى الله عليه وسلم وفى أضواء رسول الله صلى الله عليه وسلم الله وفى ظلال صورته تمثلت البطولة فى سيدنا على وذريته رضوان الله عليهم
أجمعين
L
إن بطولة سيدنا على فى الحرب يعرفها القاصي والداني بيد أن البطولة الحقة لا تتجزأ ومن أجل ذلك كانت إحدى زوايا بطولة سيدنا على إنما هى تمسكه بالحق تمسكاً مطلقاً ولقد كان يمكنه في كثير من ظروف حياته أن ينحرف عن الحق قليلاً أو كثيراً ويكون من ثمار ذلك أن تستقر له الأمور وأن تهدأ له الحياة وأن يعيش عيشة مترفة مادياً فى ظل المجاملة والمداراة لهذا أو ذاك والعمل في هذا المجال أو ذلك على خلاف ما يعتقد مغلباً المصلحة الشخصية على الحق وكان يمكنه أن يستخدم من الوسائل السرية والعلنية ما يمكن له في مكانته سواء استقامت هذه الوسائل مع منطق الصدق أو لم تستقم

٤٦
ولقد أشاروا عليه بالانحراف عن الحق قليلاً ولقد لبست المشورة ثوب النصيحة وأشاروا عليه بأن يدارى وألا يتشبث وأشار واعليه يأن يكون مرناً ليناً يخضع للظروف ويستكين للملابسات ولبست النصائح أثواباً عدة براقة لامعة
ولكنه رضي الله عنه كان يمثل البطولة التى لا تخشى في الله لومة لائم ولو استجاب إليهم فى قليل مما كانوا يشيرون به أو فى كثير لفقد إيمانه بنفسه القائم على حسن صلته بالله ولأصبحت حياته جحيماً وشقاء وآلاماً برغم كل ما يحيط بها من هدوء مادى ثم لفقدنا نحن مثلاً من أروع أمثال البطولة على مر الزمن لقد استشهد على رضوان الله عليه في سبيل تمسكه بالحق واستشهد سيد الشهداء الحسين في سبيل تمسكه بالحق
واستشهد عشرات من بيت النبوة في سبيل تمسكهم بالحق هل قرأت كتاب مقاتل الطالبيين ورأيت مصارع هؤلاء الذين لم يبالوا على أي جنب كان فى الله مصرعهم إذا قرأته فسترى أناساً خلصوا للحق وترى فتية وترى رجالاً وترى كهولاً وشيوخاً من خيار الإنسانية قدموا أنفسهم لله هدية مجاهدين في جميع ميادين الجهاد التي فرضها الله ورسوله إنهم أمثلة خالدة على مر التاريخ أمثلة لا يوجد في أى أمة من الأمم ما يبلغ الذى بلغناه منها إنهم أمثلة تفخر بها عبر التاري تاريخ وإنه ليؤلمنا حقاً أن أبناء العروبة أنفسهم لم يعرفوا لهذه البطولة حقها فلم يشيدوا بها وكان يجب أن تكون على كل لسان وفى كل

٤٧
4
أمثلة الخير
بقعة وكان يجب أن يشيد بها المربون كأمثلة جميلة من والحق والجمال فيتنسم عبيرها التلاميذ في المدارس ويشم أريجها الطلبة في الجامعات ويتأملها الرجال في مختلف أعمالهم ومما يزيد في ألمنا أن هناك طائفة من ذوى الآفاق الضيقة والتفكير المحدود حسبوا أنفسهم مؤرخين ووضعوا أنفسهم - وهم في النقص من هم - على منصة الحكم فأخذوا يصدرون أحكاماً على سياسة على أخذوا في لومه على أنه لم يفعل كذا وعلى أنه فعل كذا رضوان الله على على لقد كان أشرف من سياستهم المراثية ومن توجيههم المنافق وأخذوا ينتقدون سلوك الحسين نضر الله وجهه وما كان ليسوا
6
الحسين إلا صورة ممثلة للحق في أسمى ذراه ثم أخذوا - وهم هناك ولا هنا - يدينون هذا ويسيئون إلى ذلك وزين لهم وهمهم فحاولوا هذه البطولات التى لم يفهموها وأنى لهم أن يفهموا عظمة على الغض من وسمو الحسين وشرف آل البيت
إن الله سبحانه وتعالى يقول في أمثال هؤلاء الناس
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ۱
·
إن هؤلاء ممن يتصورون أنفسهم مؤرخين ليس أدل على سوء تفكيرهم وانحراف منطقهم من محاولتهم التي يأخذون فيها من وضع القمم الشوامخ موضع التشريح والاتهام والحكم
۱ فاطر ۰

٤٨
إن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن تقدير البطولات وإن محاولة تربية النشء على مثل عليا من الخير والحق إن كل ذلك وغير ذلك يوجب علينا أن ننصرف عن مهزلة الحكم على على رضوان الله عليه فى سياسته وعلى الحسين نصر الله وجهه في سلوكه لنتحدث عن إيمانهم بالحق وعن تضحيتهم في سبيله وعن استشهادهم في قوة وفي كرامة في سبيل الله إن زوج البتول وإن ريحانة الرسول وإن آل محمد وذريته إن كل هؤلاء ولدوا وفى دمهم عناصر من رسول الله وفى أرواحهم أريج منه وفى سلوكهم أسوة به ولقد أوصى بهم رسول الله - صلى الله عليه
وسلم
والقرآن الكريم يقول
قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ١
ومع
ذلك فإن الحياة الدنيا بدأت تتجهم لهم منذ مقتل على رضى الله عنه لقد بدأت تتجهم لهم كما تتجهم لكل متمسك بالحق ولكل
عامل على سيادته
بهم
ولم يمنعهم تجهم الحياة الدنيا عن أن يستمروا في رفع راية الجهاد متحملين للآلام صابرين على الأذى مستمرين في نضال لا يفتر وإذا ما ضاقت الحياة فى مكان هاجروا إلى أرحب منه وهاجر أسلاف شيخ العرب إلى المغرب في زمن ربما لا نستطيع تحديده في دقة وكانت إقامتهم في المغرب بضعة قرون ربما تنقلوا فيها على عادة ۱ الشورى ۳

العرب من مدينة لمدينة ولكن الأمر الراجح هو أن حياتهم في المغرب
كانت حياة هادئة

مولده ونسبه
وانتقلوا إلى فاس بأرض المغرب سنة خمس وثلاثين وخمسمائة
لأسباب غير معلومة
و ولد السيد في فاس
إنه - كما يقول صاحب النصيحة العلوية – أبو الفتيان ومقتدى أهل العرفان ذو الأنفاس الطاهرة السعيدة والأحوال الظاهرة السديدة أبو العباس أحمد شهاب الدين بن السيد على بن السيد إبراهيم بن السيد محمد ينتهي نسبه إلى سيدنا الحسين بن على بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم ۱ أما أمه فإنها فاطمة بنت محمد بن أحمد الشريف أيضاً
وقد رأت فيما يراه النائم من يقول لها
أبشرى فقد ولدت غلاماً ليس كالغلمان
ولد رضي الله عنه سنة ست وتسعين وخمسمائة
وبدأ أحمد يتنسم هواء فاس ويشب بين ربوعها وبدأ يتهجى الحروف الأولى للقراءة ثم أخذ في آخر عهد الأسرة بفاس يحفظ
القرآن الكريم
۱ النصيحة العلوية

ولكن مكث الأسرة فى المغرب بعد ميلاد أحمد لم يطل ففي مستهل القرن السابع الهجرى أى فى سنة ٦٠٣ رأى على بن إبراهيم - رب الأسرة - فيما يراه النائم من يأمره بالرحيل إلى الحجاز وقد يحاول بعض الناس أن يستشف من الأحوال السياسية وقيام دولة ذات نزعة خاصة مكان دولة أخرى ذات نزعة مختلفة سبباً في رجوع الأسرة إلى موطنها الأصلى وقد يكون هذا صحيحاً ولكننا لا نجزم به وقد يحاول بعض الناس تفسير الرحيل إلى الحجاز بما عزى إلى والد البدوى يوم رحيله إذ قال رحلنا إلى أرض يفوح شذاؤها إلى عرب مالي سواهن مدخر رحلنا إليها نستظل بظلهـ يصير لنا فيها مقام ومصدر ومهما يكن من شيء فإن الشريف على حزم أمره وأعلن عزمه على
الحج إلى بيت الله الحرام وبدأت الرحلة لم يكن هناك ما يدعو للعجلة ومن أجل ذلك أخذت الأسرة تسير في راحة تامة يعبر عنها الشريف حسن بن الأسرة البكر بقوله دخلنا مكة في مدة أربع سنين وكنا نرحل من عند عرب وننزل عند غرب وكانوا يتلقونا بالترحيب والإجلال والإكرام والإعظام فلما دخلنا مكة تلقانا أشراف مكة وأكرمونا ومكثنا عندهم في
أرغد عيش
ويقص كتاب الجواهر قصة الرحلة على لسان الشريف على رب
الأسرة على النحو التالي

10
إنه لما أذن للشريف على بن إبراهيم يسير إلى مكة بأهله وأولاده ويخلى دوره وأملاكه بمدينة فاس بزقاق الحجر البلاط رأى هاتفاً يقول له في منامه ياعلى استيقظ من نومك ياغافل وكن بأولادك إلى إلى مكة راحلا فإن لنا في ذلك سراً ونباً لترى من آياتنا عجباً قال الشريف على فاستيقظت من منامي وأنا في هيامي وأخبرت
أهلى وأصحابى وذلك فى ليلة الاثنين سنة ثلاث وستمائة
قال وأصبحنا فى ذلك اليوم مسافرين
قال

فبكت علينا العباد والزهاد وقالوا لنا قد أظلمت علينا بعدكم البلاد ولما خرجنا من مدينة فاس حزن علينا أهلها حزناً شديداً وخرجنا بالرغم من أهلها وحكامها وسمع برحيلنا سكان الأندلس وكذلك سلطان تونس الخضراء فخرجوا لتوديعنا وتشييعنا وأمرناهم
بالرجوع فرجعوا وهم يبكون لفراقنا قال وسرنا إلى مكة المشرفة شرفها الله قال الشريف على فأمرت على أهلى وعيالي ولدى حسن وأوصيته عليهم وركبت هجيني وسرت أمام الركب قال فبقينا ننزل على عرب ونرحل عن عرب حتى وصلنا مكة المشرفة سنة تسع وستمائة فلما وصلناها هرعت إلينا الناس وسلموا علينا واعتقدوا فينا الخير وسلطان مكة وأشرافها قال وسمع لقدومنا أهل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم

وأشرافها فجاءوا إلينا وتعارفوا بنا ا هـ
كان
سن
أحمد حين
انفصلت القافلة من المغرب
سنين وهي
سبع

۰
سن
القرآن

يبدأ فيها الأطفال الملاحظة والفهم ولقد نمت الملاحظة والفهم عند أحمد في رحلته هذه مع الزمن فقد وصل مكة في سن الحادية عشرة أو أكثر بحسب اختلاف الروايات في تاريخ وصولهم إلى مكة وبمجرد الاستقرار بمكة بدأت الدراسة المنتظمة فقد أجاد حفظ وأجاد فن التجويد وأتقن تعلم القراءات فكان يقرأ القرآن بالقراءات السبع واشتغل في أثناء ذلك بالفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه ويشير نور الدين الحلبي إلى الاحتمال أن كتاب التنبيه للشيخ أبي إسحاق الشيرازي كان من بين الكتب التي درسها السيد في الفقه وأخذت مواهب السيد تتفتح في مكة بصورة واضحة فلقد تعلم الفروسية وأتقنها وأخذ يمارسها بحيث كانت في فترة من فترات حياته هواية وشعاراً وتذكر السير التي كتبت عنه أنه لم يكن في فرسان مكة والمدينة أشجع منه ولا أفرس منه حتى لقد سماه أهل مكة محرش الحرب وما كانوا يذكرون له شيئاً من فنون الحرب وأبوابه إلا أجابهم عنه ومارسه أمامهم ولقد ذكروا له يوماً أن جده على بن أبي طالب رضى الله عنه كان الضارب بالسيفين يقول الإمام نور الدين الحلبي فاتفق وقوع حرب بمكة فخرج

وضرب بسيفين حتى تعجب الناس من شجاعته وهذه الفروسية هي السبب في عدة ألقاب أطلقت عليه منها محرش الحرب ومنها العطاب أى الفارس المقدام ومنها
أبو الفتيان يقول فولرز كاتب مقال السيد فى دائرة المعارف الإسلامية

۰۳
ولما شب أحمد امتاز بالفروسية والفتوة ومن ثم لقب بالعطاب
وأبى الفتيان ومكث السيد فى مكة يمارس الفروسية ويتعلم العلم ويختلط بالناس متأملاً مستبصراً مفكراً في الحياة والوجود إلى أن كان عام سبع
وعشرين وستمائة

في هذا العام توفى والده الشريف على ودفن بالقرب من باب
المعلاة يقول الإمام الشعراني
وقبره هناك ظاهر يزار في زاوية
لقد شيع المشيعون وعزى المعزون وعاد كل منهم إلى عمله العادي ومكانه المألوف ولكن الأثر في قلب أحمد كان عنيفاً قوياً

لقد كان الشريف على منذ قليل ملء السمع والبصر وفى لحظات انتهت به الحياة وانتهى من الحياة ولم يبق له إلا ما عمل وما قدم وإذا كانت الحياة تقدم كل يوم النماذج لذلك فإننا لا نهتم بها لأنها بعيدة عن محيطنا القريب

وهز الحادث نفس السيد فى قوة وفى لحظات تكشفت له قيمة الدنيا وانجلى عن بصيرته زيفها ومن الحق أن نقول إنه عاش حياته السابقة عفيفاً متديناً صادقاً لقد عاش حياة لا إثم فيها ولا معصية لكنها لم تكن الحياة المستغرقة في الله
فلما توفى والده زاح عنه الباطل وخفت لمعان السراب

وظهر الحق واضحاً لألاء

٥٤
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ١
B
كان السيد قد بلغ نيفاً وثلاثين عاماً وكان قد خبر الحياة خلوها ومرها وماذا ينتظر بعد ذلك أن تقدم له الحياة مطعم هنىء مشرب مرىء منكح بهی لقد هزلت إذن قيمة الإنسان إن كان يكرس حياته لقضاء هذه
الماديات الزائلة
ويتساءل أحمد أخلق الإنسان للأكل أوهبه الله العقل والفكر والقلب ليستخدم كل ذلك فى الحصول على ملاذ زائلة وليقضي لبانات
تنقضى وتنتهى بمجرد الفراغ منها
يقول الله تعالى
ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدم
وتكريم الله له أن هيأه وهيأ له حياة السمو وحياة السمو إنما
هي في القرب من
الله وهل هناك من رفعة أرفع أو من
أسمى سمو
من القرب من الله
ويقول الله تعالى
واسجد واقترب ۳
فالسجود الله تعالى بمعناه الحقيقى سجود القلب والجوارح
سجود الوجدان والشعور السجود الله بأوسع وأعم ماتشمله كلمة السجود
1 الحجرات ۱۳
٢ الإسراء
٣ العلق
۷۰
14

٥٥
من خشية وخضوع وطاعة والتجاء وإنابة هذا هو الكمال الإنساني بمعناه الصحيح
الكمال
وألقى أحمد بكل كيانه في المعركة الأسمى معركة الوصول إلى
لقد قذف بنفسه كلها شعوراً وإحساساً قلباً وجوارح بصراً وبصيرة حركة وسكوناً نطقاً وصمتاً لقد قذف بنفسه في إطلاق مطلق في المحيط الربانى ومن أجل الاستغراق الكامل من أجل الانغماس إلى أقصى ما تستطيع القدرة البشرية الوصول إليه لبس أحمد اللثامين ويعجبني في هذا قول الأستاذ أحمد عز الدين خلف الله في تعليقه على سيرة السيد أحمد البدوى إنه
الطوارق
لبس اللثامين حين اعترته الأحوال
وقد ظن البعض أنه كان يتلثم طبقاً للعادة المتوارثة بين رجال المغرب ويرد على ذلك بأن الأمر لو كان كما ظنوا لما انفرد باللثامين دون أسرته ومن جهة أخرى أن السيد عربي عريق النسب وهذه العادة غير مألوفة لدى العرب

وتذكر الروايات أنه كان يتلثم لخاصية انفرد بها وهى أ أن معاصريه
كانوا لا يطيقون رؤية وجهه بدون اللثامين ونعتقد أن التلم يقصد به صاحبه فى معاملة الخلق التبرى من ملاحظتهم عند كل حركة أو سكون لامعاملة للملثم إلا مع الله عز وجل ا هـ ولقد أصاب الأستاذ أحمد عز الدين كل الإصابة حين اعتقد أن

٥٦
السبب في التلثم عند أحمد إنما كان من أجل التبرى من ملاحظة الخلق
وحين علل ذلك بقوله
لا معاملة للملثم إلا مع الله عز وجل
ولقد أراد أحمد رضي الله عنه أن تكون معاملته الله خاصة
ولزم السيد العبادة واختلى
يقول صاحب النصيحة العلوية
مع
نعيم
وكان سيدي أحمد البدوى رضى الله تعالى عنه يتعبد بجبل ألى قبيس وفتح عليه به وتسلك على يد الشيخ برى أحد تلامذة الشيخ أبي وأحد أصحاب سيدي أحمد بن الرفاعي
فكان في ابتدائه صاحب سلوك ا هـ
لقد اعتزل الناس ولزم الصمت وكان لا يتكلم إلا بالإشارة وهذه الحالة تعبر عنها دائرة المعارف الإسلامية بقولها ولا بد أنه حدث له حوالى عام ٦٢٧ هـ ١٢٣٠ م ماغير مجرى حياته فقد قرأ القرآن بالأحرف السبعة ودرس قليلاً من الفقه الشافعي وعكف على العبادة وامتنع عن الزواج وجاء عن هذا الموضوع في مخطوط ببرلين رقمه ١٠١٠٤ صحيفة ۱۹ ب ما معناه أنه لم يقدر له أن يتزوج إلا من الحور العين واعتزل الناس وعاش في صمت لا يفصح عما يجول فى نفسه إلا إشارة وأصبح في حالة وله دائم ا هـ أما هذا الوله فيفسره الشيخ حجاب كما يلى متحدثاً عن السيد وأجاب رضى الله عنه عن حقيقة الوجد بقوله - الوجد أن يكثر
ذكر الحق لا إله إلا هو فيقذف نور في القلب من قبل الله تعالى

وعندئذ
فيقشعر منه جلده فيشتاق إلى المحبوب لا إله إلا هو فيلحق المريد الوجد ويتعلق بالله قلبه وعندما يزيد الوجد يصير وها يبلغ المريد الدرجة العليا فى التسامي الروحي ا هـ
ويقول
وعندما يزيد هذا الوجد عن حده ينتقل إلى درجة في المحبة أعلى من مرتبة الوجد وهي الوله والوله نوع من المحبة ينسى معه العبد نفسه ويسلب عنه حسه وفى هذه المرتبة يبلغ المريد أعلى مرتبــــة في التسامى الروحى فيفيض الله عليه من كمالاته وإنعاماته ما يقتضيه كرمه ثم يمن عليه بمقام التمكين وهو مقام البقاء بعد الفناء فيرده إلى نفسه ويصحو بعد محوه ليؤدى رسالته التي اقتضاها ذلك الكرم ا هـ ولقد كانت هذه الحالة سبباً فى إطلاق عدة ألقاب عليه منها القدسي وهو لقب استأهله أحمد حين أصبح منصرفاً بكليته إلى قدس الجبروت مستديماً لشروق نور الحق في سره على حد تعبير
ابن سينا عن الصوفي

و الصامت ولقد مرت عليه فترة ما كان يتكلم فيها إلا بالإشارة و ولى الله ولقد كان رضي الله عنه مؤثراً لله على كل ما عداه
وصدق فيه قوله تعالى

ألا إِنَّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا وفي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ
اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ
1 يونس ٦٢ - ٦٤
1

۵۸
أما لقب الزاهد فقد أطلق عليه منذ صغره
ومهما يكن من شيء فإن السيد سار فى الطريق الصوفى المألوف
L
الطريق الذي رسمه السالكون إلى الله منذ أن كان السلوك إلى الله
أي منذ ابتداء الإنسانية
·
لا بد من خلوة إلى الله لا بد من فترة الغار ولنسمها فترة الاستجمام الروحى أو فترة الصحة النفسية وهى فترة لا تستغرق من الإنسان
عادة إلا الوقت الضرورى لصفاء النفس صفاء لا تنحدر معه مهاوى الضلال حتى إذا تمت تزكية النفس التي يقول الله عنها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۱
عاد السالك إلى الناس أباً مرشداً وهادياً ناصحاً
إلى
ولقد أتم السيد البدوى الخطوات العادية في طريق القوم أخذ العهد
والخلوة
والاستقامة
ثم كانت الرؤى الآمرة المحتمة الموجهة المرشدة
رحلته إلى العراق

واستيقظ أحمد ذات
يوم
يعلن أنه رأى فيما يراه النائم من يأمره
بالسفر إلى العراق وأولياء الله لا يتصرفون بأنفسهم إنهم وقد أسلموا
نفوسهم
الله لا يتصرفون إلا بتوجيه منه سبحانه ولا يعملون إلا بإذن الله تعالى
۱ الشمس ۹

۵۹
وقد يكون هذا التوجيه أو هذا الإذن رؤياً يراها الولى أو يكون إلهاماً أو يكون انشراح صدر بسبب الاستخارة يجريها الولى
والله سبحانه وتعالى يقول
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ الا تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ في الحياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا
ما تَدْعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيم 1
فالملائكة تتحدث أولياء الله بنص القرآن مع
والإمام الغزالى يبين ذلك عن تجربة فيقول
ومن أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات حتى إنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتاً
ويقتبسون فوائد ا هـ
والرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة
أعلن السيد الرؤيا لأخيه الشريف حسن ورأى أخوه أن يرافقه
في هذه الرحلة المباركة

وبدأت الرحلة العاشر من المحرم سنة أربع وثلاثين وستمائة
سنة ٦٣٤ هـ
سبب
هذا
ويسير الشريف حسن فى الرحلة مشفقاً على أخيه أما الإشفاق فهو ما تحدث به لأخيه عندما أعلن له الرؤيا لقد قال له
۱ فصلت ۳۰ - ۳
٢ أنظر طبعتنا من المنقذ من الضلال ص ۱۳۳ دار الكتب الحديثة

إلى أخاف عليك يا أخى من بلاد العراق فإنها برزخ الأولياء وبلاد الصالحين ولو كان السيد شخصاً عادياً لما أشفق عليه فالسفر إلى العراق لزيارة أولياء الله فيه الشريف حسن والاقتباس من أنوارهم أمر يباركه كل إنسان دون حدود أو قيود
ولكن أحمد يسافر إلى العراق وقد أصبح له قدم في الطريق
·
فما هي المفاجآت التى تنتظره وهل ستطيب له الإقامة في العراق فيستقر فيها مفارقاً الأسرة والأهل أشد ما يكونون حبا له وعطفاً عليه وتقديراً لخلاله الصالحة هل سيقيم هل سيعود أما السيد فإنه سار إلى العراق رابط الجأش ثابت الجنان لقد أصبح موصول الصلة بالله أسلم إليه قياده وألقي بنفسه في رحابه
وهل يضام من اتخذ الله هادياً ونصيراً
H
وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً ونَصِيراً ۱
لقد اتخذ الله هادياً واتخذ الله نصيراً
ومن هنا كانت الثقة ومن هنا كانت الطمأنينة
وهو ذاهب محب لهؤلاء الذين أرضوا الله ورسوله ذاهب يتنسم
6
في جو من عطرهم الروحاني ومن روحانيتهم العطرة إنه ذاهب ذهاب تكريم وإكبار وتقدير ومودة وحب لقوم جاهدوا نفوسهم حتى زكت إنه ذاهب في ضيافتهم ملتمساً المودة في القربي إنه الصديق المشوق
وسارت الرحلة رخاء وأتاحت للسيد جوا من الذكر والعبادة ۱ الفرقان ۳۱

٦١
يختلف عن جو الإقامة إنه جو التسبيح بآلاء الله المختلفة من مكان
إلى مكان وجو العبرة التى تأتى عن التأمل فى مشاهد جديدة من خلق الله المطاف إلى بغداد في الأول
وانتهى بهم
ربيع
السنة نفسها من

وبغداد روضة يانعة بما فيها من أرواح طاهرة أرواح آل البيت رضوان الله عليهم وأرواح أولياء الله على اختلاف درجاتهم
إن فيها ضريح معروف الكرخي رضي الله عنه وفيها ضريح الإمام الأكبر أبو حنيفة النعمان وفيها ضريح القطب الأكبر عبد القادر الجيلاني وفيها غير هؤلاء كثيرون ممن أحبوا الله ورسوله وآثر وهما على متاع الدنيا وحطامها ولقد استقبلوه فى حفاوة وكان المظهر الجميل هو ما عبر عنه الرمز الرقيق الجميل ممثلاً في استقبال قطبى العراق الكبيرين أحمد الرفاعي وعبد القادر الجيلاني رضي الله عنهما
لقد رآهما السيد في الرؤيا يرحبان به ويقولان
يا أحمد لقد جئناك بمفاتيح العراق واليمن والهند والسند والروم والمشرق والمغرب بأيدينا فإن كنت تريد أى مفتاح منها شئت أعطينا كه ويرد عليهم السيد في مجاملة رقيقة
بید
أنا منكما

أن همة أحمد الطامحة من جانب وإسلامه القياد إلى ربه
من جانب آخر جعلاه يقول بعد هذه المجاملة الرقيقة
ولكن أنا ما أخذ المفتاح إلا من يد الفتاح
كل هذا في الرؤيا ونحن نعتبره من أجمل الرموز على الحفاوة التي

استقبل بها السيد في العراق رأى السيد تعلق الناس في بغداد بأولياء الله ففرح بذلك كما يفرح الصالحون حينما يرون أسباب الهداية موفورة ثم واصل الأخوان الرحلة إلى أم عبيدة حيث ضريح السيد الرفاعي وحيث المركز الأكبر للطريقة الرفاعية ويبدو أنهما وصلا في أيام احتفال من الاحتفالات التي تقام للقطب الرفاعى فرأى السيد جمعاً من الناس هائلاً ورأى خياماً لا يحدها البصر لقد رأى ملكاً كبيراً وسأل رضوان الله عليه عن ذلك فقيل له إنهم أتباع الرفاعي
ينعم
ومكث الأخوان أياماً ثم عادا إلى بغداد ولما رأى الشريف حسن الاستقبال الكريم الذي استقبل به أخوه رأى هذه الحفاوة اطمأن على السيد وعاد إلى مكة تاركاً أخاه فترة أخرى في رفقة الصالحين وأخذ أحمد يجول هنا وهناك سعيداً بأن يتنسم الأريج الذكي لأولياء الله أينما سار ولم ينس السفر إلى ضريح الولي الكبير عدى ابن مسافر رضى الله عنه
العودة إلى مكة
وأخيراً عاد السيد إلى الحجاز سنة خمس وثلاثين وستمائة
وفى مكة لزم السيد العبادة والخلوة يقول الإمام نور الدين الحلبى صاحب السيرة الحلبية المشهورة

٦٣
ثم توجه سيدى أحمد إلى مكة ولزم الصيام والقيام
قال سيدى حسن فلما جاءته المواهب الإلهية حدث عليه حادث الجذب والوله فتغيرت أحواله واعتزل الناس ولازم الصمت فكان

لا يتكلم إلا بالإشارة فلما حصلت له الجمعية على الحق سبحانه وتعالى استغرقته فكان يمكث الأربعين يوماً فأكثر لا يأكل ولا يشرب ولا ينام وكان في أغلب أحواله شاخصاً ببصره إلى السماء وانقلب سواد عينيه بحمرة كالجمر استغرق أحمد في العبادة وكان من آن لآخر يسرح بخياله إلى العراق فيرى في وضوح الأثر الروحى الكبير الذى تركه سيدى عبد القادر وسيدي أحمد الرفاعى فى المؤمنين ممثلاً في هؤلاء الذين اتبعوهم فتابوا بعد عصيان وصلح حالهم بعد فساد وازداد الصالح منهم صلاحاً والتقى منهم تقوى ويتذكر عند ذلك الأثر الشريف
الجيلاني
الذي معناه
}}
لأن يهدى الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم
ولأن يهدى الله بك رجلاً خير لك من الدنيا وما فيها ولكن لم يؤمر بعد بمغادرة مكة
لقد أمر من قبل بالرحلة إلى العراق وقد نفذ الأمر ورحل إلى العراق وأكرمه الله فيه حيثما حل وهو الآن مستغرق الطاقات كلها التي يمتلكها في العبادة كذلك إلى أن يأتى الأمر لقد وسيستمر
أسلم نفسه لسيده أسلم نفسه لرب العزة وأمره ليس بيده فلينتظر ولم يطل انتظاره فقد جاءه الأمر بعد عام وبضعة أشهر تقريباً بالسفر

إلى طنطا لقد رأى فيما يراه النائم من يأمره أن سر إلى طنطا فإنك تقيم بها وتربى أبطالاً ورجالاً

رأى ذلك ثلاث مرات وكانت الرؤيا من البشريات الكبرى بالنسبة له إنها تعني انتهى في سلوكه إلى الدرجة التي أصبح فيها أهلاً لأن أبطالاً يربى ورجالاً وهى درجة عظيمة يسجد لله من أجلها شاكراً ومما هو واضح أن هذه الدرجة تزيد تبعة الإنسان ومسئوليته في العبادة والتقوى وجهاد النفس لأنها منزلة الأسوة والقدوة ولذلك يزداد فيها الإنسان من حساب نفسه على الفتيل والنقير والقطمير وهى درجة يراعى فيها الإنسان
بموازين الشرع بل بموازين درجة الإحسان فى الشرع كل عمل يأتيه وكل عمل يدعه وهى درجة يشعر فيها الإنسان شعوراً واضحاً بالأمر الإلهى لا تأمن مكرى
فيقول كما قال الصديق رضوان الله عليه
4
والله لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي في الجنة درجة الأستاذ إنها درجة الشيخ درجة السيد الدرجة التي يكون الإنسان فيها قدوة وأسوة فيما يأتى وفيما يترك إنها الدرجة التي إذا زل فيها صاحبها زل بزلته جمع غفير من البشر ولكنها درجة هي من السمو بحيث تعز على من رامها وتطول
وتلقى السيد البشرى بالحمد والشكر وحاول ما استطاع أن يؤدى
شكر النعمة وأن يتمثل فيه المعنى الصادق للعبودية الحقة
وحزم البدوى أمره ويمم وجهه شطر طندتا

وصل البدوى إلى طنطا وبمجرد أن نزل عند أحد الصالحين فيها وطن نفسه على أن يعتلى سطح المنزل وأن يستقر حيث لا يحجبه عن
السماء حجاب

وفى طنطا بدأ السيد منذ أول لحظة يربى رجالاً وأبطالاً

الفصل الثاني
زيت وزيتون أومع السيد في رسالاته

روى المؤلفون عن السيد البدوى أنه قال
إن الفقراء كالزيتون وفيهم الصغير والكبير ومن لم يكن له
زيته أساعده في فأنا زيت
جميع
أموره
C
وقضاء حوائجه لا بحولي
ولا بقوتى ولكن ببركة النبي صلى الله عليه وسلم ۱ فقرائى كالزيتون الكبيرة فيها زيت والصغيرة فيها زيت ومن لم يكن فيه زيت فأنا زيته إن فقرائى كالزيتون فيهم الكبير والصغير ومن لم يكن فيه زيت فأنا زيته يعنى من كان صادقاً في فقره صافياً كالزيت عاملاً بالكتاب والسنة فأنا مساعده في الصافي أموره جميع وقضاء حوائجه الدنيوية والأخروية لا بحولى ولا بقوتى بل ببركة النبي صلى الله عليه وسلم ۳ إنهم الفقراء كأشجار الزيتون بعضها ضعيف وبعضها كبير فمن لا زيت له فأنا زيته ٤ ومن فوق السطح في طنطا أخذ أبو الفتيان يمد بزيته المريدين الذين كانوا يزدادون يوماً بعد يوم
1 عن كتاب الشيخ المبارك العارف بالله الشيخ أحمد حجاب من كتاب شرح حزب القطب النبوى للسيد محمد القاوقجي الذي يضيف وهذا المدد لم يزل حتى الآن ۳ من كتاب السيد البدوى للأستاذ إبراهيم أحمد نور الدين نقلاً عن الجواهر ٤ دائرة المعارف الإسلامية
٦٩

ومن فوق السطح فى طنطا أخذ الشيخ يستقبل المسترشدين من العلماء الفقهاء والمتكلمين والمحدثين والمفسرين ومن فوق السطح فى مدينة طنطا أخذ الشيخ يوجه أتباعه من ذوى الكفاءات إلى مختلف الأقاليم منظماً أمر الدعوة إلى الله
ومن فوق السطح
السطح معهد وجامعة للدعوة
إن الدعوة إلى الله هي دائماً الهدف الأول والأخير للصوفية يبذلون في سبيلها الرخيص والغالى ويسهرون من أجلها الليالي وسبحهم الطويل في النهار إنما هو من أجل الدعوة
وهم يبدءون - لا مناص - بأنفسهم توبة وإنابة وتضرعاً وتبتلاً إنهم يقومون الليل ويصومون النهار - ويلجأون إلى الله يدعونه رغباً و رهباً ويدعونه خوفاً وطمعاً ويذكرونه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم و يسبحونه آناء الليل وأطراف النهار
ولقد كان سيدى أحمد رضي الله عنه يتعبد في مكة بجبل أبي قبيس يقيم فيه مختلياً إلى ربه حتى فتح عليه ۱
ثم
أخذ يدعو إلى الله على بصيرة
لقد أخذ ينظم الدعوة من فوق السطح كما قلنا
لقد كان يأتى إلى السطح الكثير من المريدين فيأخذ الشيخ في
1 الجواهر وغيره

۷۱
6
6
تربيتهم بالنظر وبالسلوك وبالتعليم وبالقدوة إلى أن تصفو فيبدأ فى توجيههم إلى جهات تحتاج إلى الدعوة وربما كانت نفوسهم هذه الجهات هي بلادهم نفسها التي أتوا منها وربما كانت بلاداً أخرى لا يعرفون عنها شيئاً وإنما رأى الشيخ بإلهام من الله أنها في حاجة إلى مرشد أو سمع الشيخ عن جرائم كثيرة ترتكب في مكان بعينه فيرسل له أحد من صفت نفوسهم مبشراً ومنذراً
ها هو
من
ذا يرسل الشيخ حسن القلينى إلى كوم قلين محذراً له مفارقتها مبيناً له أنه سيكون له أتباع ومريدون في هذه البلدة وأنه سيختم حياته بها وسيكون له بها شأن فى حياته ومقام بعد وفاته وكان الشيخ حسن قلين قد طلب من سيدى أحمد شيئاً لله قائلا ياسيدى شيئاً لله
فقال له عليك بكوم قلين
والشيخ أبو بكر الدقدوسي يأتى به الشيخ عبد العظيم الراعي ويجمعه على سيدى عبد العال فيقدمه للأستاذ ويقول له ياسيدى انظر إلى هذا وينظر إليه الشيخ رضى الله عنه ويجعله في زمر المريدين حتي إذا ما صلح للدعوة أرسله إلى ناحية دقدوس بساحل البر الشرقي
قائلاً له إن بها مقامك وستكون لك بها شهرة وكرامات ظاهرة عديدة ومن السطوحيين الشيخ محمد الكتانى أرسله الأستاذ إلى سلمون بالبحر الصغير وجاء إلى السطح الشيخ محمد الواطى فأمره الأستاذ - بعد التربية - بالعودة إلى الواط وقال

۷
إن بها مقامك وسيكون لك ذرية صلحاء وشهرة

ومن أصحاب السطح الشيخ خلف المدفون بقنطرة سنقر بمصر
وكان الشيخ رضي الله عنه يقول له
يا خلف أنت خليفتنا في مصر
وكان الشيخ خلف من هؤلاء الذين يصدق عليهم قول الله تعالى
تتجافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وطَمَعاً ۱
وكان الذكر يزيده قوة على قوة بصورة ملحوظة وصدق الله تعالى
إذ يقول مبيناً ما يمنحه لعباده الذاكرين
ويَزِدْكُمْ قُوَّةٌ إِلَى قُوَّتِكُمْ ومن أصحاب السطح الشيخ على أبو حبيبة المدفون ببركة القرع بمصر وكانت له كرامات كثيرة حياً وميتاً ويقول الإمام
الشعراني

سمعت قائلا يقول صل العصر غداً بجامع أبو حبيبة فصليت فيه فوجدت فى قلبى انفساحاً وانشراحاً وأنساً لم أجده إلا في مقام الأئمة الكبار كالإمام الشافعي وذي النون المصرى وأضرابهما رضي الله تعالى عنهم أجمعين أصحاب السطح الشيخ سعدون وله ضريحه المبارك شرقى ومن مدينة بلبيس وكان له الكثير من الكرامات وكانت له هيبته حتى لقد كان كاشف بلبيس إذا جلس عنده يرتعد من هيبته وإنها هيبة
۱ السجدة ١٦
فى بعض النسخ أن اسمه أبو جنينة النصيحة العلوية

أضفاها الله عليه كما يضفيها على من استعز به وحده
ومن أصحاب السطح الشيخ أحمد الأباريقى المدفون بروضة المقياس
ويقول الإمام الشعراني ونمت أنا عنده مرة فأتاني ملك عند قبره وقال لى
اسمع مني هذا الكلام الجامع لكل كلام
فقلت له نعم
فقال ليس لعبد أن يشغل قلبه بالاختيار لفعل شئ أو تركه في المستقبل وإنما عليه أن يعطى ما أبرزه الحق تعالى على يديه من الأعمال حقه فإن كان طاعة حمد الله تعالى عليها واستغفره من
تقصيره فيها
C
وإن كان معصية استغفر الله من حيث ارتكابه ما يخالف أمر الله تعالى
أما
وإن كان غفلة أو سهواً فعل ما هو اللائق بمقامه وقد قربنا لك طريق الأدب معنا فى كل ما نجريه على يديك والسلام فما سررت عمري كله مثل سرورى بهذا الخطاب ولم أر لذة تعادل سماع كلام ذلك الملك فالحمد لله رب العالمين ومن أصحاب السطح الشيخ على البريدي بالبريدي فإنه كان قد أرسل ببريد للسيد رضي الله عنه فلما رأى السيد عظمه وأجله واحترمه وملك السيد عليه أقطاره فلم يحاول مفارقته ولازمه ناسياً مخدومه وعمله وتصادف أن جاء سيده الزيارة أبي فراج فوجده عنده فقال له
C
C
جميع
سبب تسميته
ولم يغضب عليه ولم ينتهره واستمر البريدي ملازماً هنيئاً لك

سيدى أحمد إلى أن توفاه الله فدفن في مقابل سيدي أحمد رضي الله عنهما ومن أصحاب السطح الشيخ رمضان الأشعث وهو شيخ الفقراء
المنايفة وهو مدفون بمدينة منف
6
وكان يتوسط دائماً للمظلومين عند الكشاف وعند مشايخ العرب ومن طرائفه أنه إذا كان عاقته العوائق عن أن يذهب المظلوم مع أرسل معه عكازه فيكون عكازه بمثابة حضوره ويقضى الله حاجة المظلوم ومن أصحاب السطح الشيخ أحمد المعلوف كان الأستاذ يحبه حباً شديداً لتفانيه في الله وكان له على الأستاذ دالة كبيرة وكان وكذلك ذريته أبداً لعزته
فإن
لا
إذا تكلم مع الأستاذ بأي كلام یرده الأستاذ كلامهم ولا يرده ۱ يسمع ومن أصحاب السطح على البراق أرسله السيد إلى سبرباى فلما ذهب إلى هناك لم يرض عن المكان ولا عن عماره فذهب مغاضباً وغادر البلدة راجعاً إلى السيد فلم يرض السيد عن فعله وأمره بالرجوع من حيث أتى وزوده بالنصائح والتوجيهات التي تنفعه في دعوته ومن أصحاب السطح الشيخ وهيب أرسل للدعوة إلى ناحية برشوم الكبرى بالقليوبية وقيل له لا تفارقها فإن مدفنك بها واستمر يدعو فيها إلى أن انتهت به الحياة فدفن بها ومن طريف ما يروى أن ضريحه كان حرماً يلجأ إليه الناس فلا يقدر أحد الظلمة من أن يتعدى عليهم فيه ومن أصحاب السطح الشيخ صالح الدمناوى وأخوه الشيخ صلاح

۱ النصيحة العلوية

٧٥
لقد
مر
الأستاذ يوماً ببلدة محلة دمنة فلقيه الشيخ صالح
وأقسم عليه أن يقبل ضيافته فنزل عنده وشكا إليه الشيخ صالح من أخيه الشيخ صلاح ولما جاء الشيخ صلاح قال له الأستاذ لابد من حضورك أنت وأخيك الشيخ صالح إلى طنطا لنوجهك إلى أمر أنت موعود به ولم يذكر له الأستاذ شيئاً من أمر الخلاف الذي كان بينه وبين أخيه ولما انتهت الزيارة وهم الأستاذ بمغادرة البلدة تعلق به الشيخ صالح قائلاً يا سيدى أعطى شيئاً من عندك أتبرك به عادات المريدين أن يحاولوا الاحتفاظ ببعض آثار شيخهم ومن
مع
6
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأعطاه الأستاذ الإبريق الذي كان يحمله من
6
أجل تيسير الوضوء وأعطاه العصا التي كان يتوكأ عليها والتي كان له فيها مآرب أخرى وقال له احفظهما ولا تدعهما إلا عند أصلح أولادك من بعدك وكل شيء
وضعا فيه تنزل فيه البركة ولم تنته بذلك مطالب الشيخ صالح فإنه وإن كان قد نال لنفسه من بركات الأستاذ فإنه يريد خيراً أعم وبركة أشمل فطلب إلى السيد أن يبارك البلدة وأن يدعو لأهلها وباركها السيد ودعا الله لأهلها وغادر السيد البلدة بعد أن ترك فيها أريجاً من الصلاح وعبيراً
من التقوى
وبعد فترة حضر الشيخ صالح والشيخ صلاح فأمر السيد

الشيخ صلاح بأن يذهب داعياً ومبشراً إلى البيجور فذهب إليها وأقام بها هادياً ومرشداً إلى أن توفاه الله
إلى
وأشار إلى الشيخ صالح بالإقامة فى بلده فأقام بها مبشراً وداعياً
ومن
توفاه الله بها
أصحاب السطح الشيخ محمد بطالة كان أشد الناس ورعاً وكان يمشى بالشفاعة لكل مظلوم فيذهب إلى الحكام ومشايخ العرب من أجل إنصاف الناس وكانت شفاعته مقبولة عندهم وكان شديد الحملة على الذين يعبدون الله باللسان لا بالقلب ويتمسكون بالشكل دون الجوهر وكان دائم الدعوة للإخلاص فى العبادة وأنه إذا لم يكن الإخلاص فلا قبول ألا الله الدين الخالص

وما عدا الدين الخالص فهو شرك إنه عبادة باطلة لقد كان من هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه رحمه الله رحمة واسعة ومن أصحاب السطح الشيخ يوسف البرلسي المدفون بناحية البرلس كان من المتعبدين وكان من أصحاب الجود والكرم وكان في خدمة الناس عند الحكام وله ذرية صالحة يقرون الضيف ويقضون حوائج الناس عند الحكام ۱ ومن أصحاب السطح الشيخ جمال الدين البرلسي كان صائم
الدهر قائم الليل وله كرامات كثيرة
۱ النصيحة العلوية

۷۷
ومن
أصحاب السطح الشيخ محمد الشيشيني صاحب الإشارة التي تطلع المولد كل سنة كان ورعاً زاهداً وكان يكمم بهائمه إذا سرحت إلى المرعى خوفاً
من أن تأكل من زرع
أحد

والزهد والعبادة
وكان من هؤلاء الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع وكان من هؤلاء المستغفرين بالأسحار واجتمع فيه الورع فكان قدوة حسنة وكان تأثيره عظماً ووهبه الله ذرية مباركة
فتحداه
قائلاً

وذهب مرة إلى الكاشف يشفع لديه في إنسان مظلوم ولم يرفع الظلم وسخر به الكاشف ولم يقبل شفاعته إن كنت شيخاً فانفخني الله ونفخ في وجه الكاشف فقال الشيخ محمد الشيشيني بسم
وتجمع الناس معتذرين إلى الشيخ ومازالوا
فزال الورم
فانتفخ وصار يصيح به حتى مسح بيده على بطنه ولزم الكاشف الشيخ ولم يزل مريداً للشيخ إلى أن مات ۱ ومن أصحاب السطح الشيخ بشير الحبشي المدفون بدرب السد
بمصر كان حبشيا وله مكاشفات وأحوال وشطح
وامتحنه بعض الناس مرة فصنعوا له طعاماً لا يجوز أكله فلما حضر هو وفقراؤه لم يأكل منه وانظر إلى كلمة هو وفقراؤه تفهم في يسر وله أتباع وقد استجاب إلى هديه الكثيرون وتفهم منها أيضاً أن غيره
أنه كان داعية
ممن ذكرنا ومن لم نذكر من أتباع السيد تلاميذ جامعة السطح
1 النصيحة العلوية
6

VA
كانوا على غراره في الدعوة والهدى والأتباع
هذه صورة الجزء يسير من جامعة الدعوة التي أقامها السيد البدوى فوق السطح والتي كانت الدروس فيها بالكلمة وبالنظر وبالقدوة
و بالسلوك
والواقع أن الدعوة تحتاج إلى السلوك والقدوة أكثر مما تحتاج إلى وباب الهداية والتوبة والإنابة والاستقامة يؤثر فيه السلوك
شيء آخر
المستقيم للداعى أكثر مما تؤثر فيه النظريات والجدل ولقد كان الأعرابي يأتى من أطراف البادية جاهلاً أمياً لا يعرف من أمر الدين شيئاً فإذا به عندما يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صار من الصحابة أي من يصبح
فترة من الزمن لا تعد بالسنين أئمة الهدى وممن يقتدى بهم
لقد كان السطح جامعة الهداية
6
ولم تكن هذه الجامعة تخرج دعاة لمصر فحسب وما كانت آمال
السيد تتجه نحو مصر فحسب والدعاة - بحكم وضع الدعوة نفسها لا تقتصر دعوتهم على قطر دون قطر من أقطار
من حيث كونها عالمية

الإسلام إن الله سبحانه وتعالى يعلن
إِنَّ هَذِهِ أمَّنكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
ومادامت أمة واحدة فإنها يستوى فيها المصرى والشامي واليمنى وتقسيمها إلى أقطار ودول ودويلات إنما هو تقسيم مفتعل
والعراقي
لا يعرفه الإسلام ولم يعرفه من قبل
وجامعة السطح إذن جامعة عالمية تقبل كل التلاميذ من جميع

الأقطار وعلى جميع المستويات وتصدرهم إلى جميع الأقطار أيضاً وإذا كنا قد ضربنا الأمثلة فما مضى ببعض الذين حملوا لواء الدعوة في ربوع مصر وأرجائها فإننا الآن نضرب بعض الأمثلة بمن حملوا لواء الدعوة خارج مصر لقد كان من أصحاب السطح الشيخ على البعلبكي وقد حمل الدعوة إلى بعلبك بالشام واستمر يحمل لواءها إلى أن توفاه الله فدفن

في بعلبك ولقد حظيت بعلبك أيضاً بداعية آخر من أصحاب السطح هو الشيخ عبد الله اليونيني المدفون ببعليك كان يحرس البساتين وغيرها ويأكل من كسبه ولا يذوق من فاكهة البساتين شيئاً ويقول لبطنه - على حد تعبير صاحب النصيحة العلوية - يا بطن أمامك في الجنة

هذا
ما هو أحسن من وهذه المهنة التي اتخذها الشيخ اليونينى من أنسب المهن لتمكين الإنسان من الذكر ومن قيام الليل ومن الاستغفار بالأسحار وكان الشيخ اليونينى قدوة كبرى في الصلاح والسلوك المستقيم
ومن جامعة السطح توجه الشيخ خليل الشامي إلى الشام بإذن سيدى أحمد إلى أن مات ووقعت له كرامات كثيرة مع نائب الشام حتى انجذب وتبعه وترك الإمارة ۱
ومن جامعة السطح توجه الشيخ سعد التكروري المدفون بحوران الشام إلى الشام داعياً ومبشراً ومنذراً
١ النصيحة العلوية

وكان صائم الدهر متورعاً لا يأكل من طعام أحد من الولاة وحاشيتهم وكان لا يضع جنبه إلى الأرض في صيف ولا في شتاء ۱ ومن جامعة السطح تخرج الشيخ نعمة الصفدى خفير صفد وقد منحه الله سبحانه وتعالى هيبة إلى درجة أن الشريرين كانوا - من
خشيته

لا يسرقون من صفد شيئاً
وممن توجه إلى العراق
الشيخ عز الدين الموصلى كان أصله نائباً في طرابلس فهاجر إلى سيدى أحمد لما كان بالعراق فصحبه داعياً ومبشراً وكان من أوائل أصحاب أحمد سیدی مات بالموصل ٢ وإلى اليمن ومن أصحاب السطح الشيخ على الكنبراوى السيد إلى اليمن هادياً وداعياً
أرسله
وإلى اليمن أيضاً أرسل السيد من جامعة السطح الشيخ أحمد بن علوان اليمنى بناحية تعز ولقد صحب السيد بمكة المكرمة أوائل جذبه قبل خروج السيد إلى العراق
وممن أرسلهم السيد إلى اليمن الشيخ عوسج المصرى
دفن بزبيد من أرض اليمن وهو من أصحاب السطح وكان قد ورد إلى مصر فزار سيدى أحمد بطندتا وهو على السطوح فأشار إليه
بالرجوع إلى زبيد وقال له
أقم هناك تذكر بنا وما بقى بيننا اجتماع
1 النصيحة العلوية
النصيحة العلوية

۸۱
السيد
أي أقم هناك تذكر بطريقتنا المبنية على الكتاب والسنة وأراد أن يوحى إليه بالاستقرار فى أرض اليمن دون أن يحاول الرجوع
إلى مصر فينقطع تيار الدعوة هناك وقال له
وأتباعاً
وما بقى بيننا اجتماع أما مكة المكرمة فقد ترك فيها السيد فى أثناء إقامته بها عبيراً زكياً ذلك فإنه أرسل إليها الشيخ بشير يقول صاحب النصيحة ومع
العلوية
أرسله سيدى أحمد البدوى من طندتا إلى باب المعلاة بمكة المشرفة عند زاوية والده فأقام بها إلى أن مات وقبره في باب المعلاة يقول صاحب النصيحة العلوية بعد أن تحدث عن هؤلاء الذين
ذكرناهم
وعن غيرهم
فهؤلاء الذين بلغنا أنهم من أصحاب السطح
عماد الدين

ثم يقول
4
عدا الشيخ
C
وأما غير أصحاب السطح من الأحمدية فكثير كالفرغل بن أحمد والبقلى وسيدى إبراهيم المتبولى والشيخ نور الدين الشوني والشيخ محمد المنير بناحية أبو تيج بالصعيد والصامت وسيدى على المجذوب بناحية أسيوط وسيدى على الراعى وسيدى شعيب بالمحلة الكبرى وبجامع الواسطى ببولاق جماعة وهم سيدى على الوراق وسيدى على العريان وسيدى على المجذوب وكان صاحب جامع الواسطى ينكر على سيدى أحمد أشد الإنكار

۸
فسلبه سیدی
أحمد
فتاب وصار من
بالميدان
وكان من أكابر أهل العلم جماعة سيدى أحمد وكان الشيخ عنبر المدفون بالغورية خارج باب زويلة وسيدى على الجيزى بباب القرافة وسيدى على أبو الظهور في طريق الإمام الليث وسيدى سيف وفى نسخة يوسف ۱ وكذلك سيدى على باب الله المدفون عند مزارع الشيخ شهاب الدين الرملي وسیدی محمد الثمار بالقرب منه وسيدى محمد المغربل بغيط الحمزاوى وسيدی سيف بناحية باسوس على شاطئ النيل وسیدی
بالأزبكية غوث بينى عدى بالصعيد
و بالشام منهم الديلواني والجيلاني والغرابيلي
فهذا ما حضرني الآن من جماعة سيدى أحمد المفرقين في البلاد قال الإمام الشعراني وإنما استوعبت ذكر أصحاب سيدي أحمد دون غيره سعياً في مرضاة شيخى الشيخ محمد الشناوى فإنه عين أعيان أتباع سيدى أحمد البدوى رضى الله تعالى عنهم أما أشهر السطوحية على الإطلاق فإنهما الأخوان الصالحان

عبد المجيد وعبد العال وعنهما يقول صاحب الجواهر ومن السطوحية الشيخ الصالح سيدى عبد المجيد أخو سيدى عبد العال الخليفة الأعظم لسيدي أحمد البدوى هو وأخوه في ناحية فيشة المنارة و وقع له ولأخيه مع أحمد البدوى أول قدومه إلى طندتا طنطا وقائع كثيرة وأحبهما ۱ من تحقيق الأستاذ أحمد عز الدين خلف الله محقق كتاب النصيحة
العلوية
نشأ
سیدی

وقر بهما وأخبر والدتهما أن الشيخ عبد العال هو الخليفة من بعده في مقامه وأما الشيخ عبد المجيد فكان يتردد على سيدى أحمد البدوى أيام وقوفه على السطح ثم انقطع إلى الله وصحب سيدى أحمد البدوى مدة طويلة وتأدب بآدابه وعرف إشاراته وكان لا ينام الليل تبعاً له ولقد كان بادياً أن السيد إنما كان يربى في عبد العال خليفته وكان واضحاً أن عبد العال هو الذي سيخلف السيد بل إن الشعراني يقول في صراحة إن البدوى
استخلف بعده على الفقراء سيدى عبد العال فسار سيرة حسنة وعمر المقامات والمنارات ورتب الطعام للفقراء وأرباب العشائر ا هـ وفى ذلك أيضاً يروى الشيخ عبد الصمد
ولما مات سيدى أحمد البدوى فى يوم الثلاثاء ثانى عشر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وستمائة تخلف بعده الشيخ الصالح مربى المريدين وعمدة السالكين والعارف بالله تعالى المعمر سيدى عبد العال فشيد أركان البيت ورتب الأشاير وقصده الناس للزيارة من سائر الأقطار
6
حتى توفى يوم السبت المبارك الموافق لعشرين خلت من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة اه
ولقد اجتهد الشيخ عبد العال اجتهاداً كبيراً في أثناء حياة السيد من أجل زيادة المريدين وجمعهم حول السيد وتربيتهم واجتهاداً كبيراً بعد وفاة السيد من أجل تعميم ا الدعوة على أوسع نطاق وكان كما يقول هو ورتبت فيها الفقراء والمريدين كما أشار فعمرت الزاوية
على البدوى بذلك وصرت خليفة من بعده بإذنه لي صريحاً

Λε
وفى النهاية
لا يفوتنا أن نذكر كما تقول دائرة المعارف من كبار المريدين
6
ولكنها استوطنت مصر
له عبد الوهاب الشعرانى المتوفى عام ٩٣٧ هـ ١٥٦٥ م وهو من أسرة مغربية كأحمد البدوى وقد سمى الشعراني نفسه الأحمدي نسبة إلى أحمد البدوى فهرس مكتبة ليبسك رقم ٣٥٣ وزار قبره
VOLLER
أكثر من مرة وأدخله فى عداد كبار الصوفية واتصل به في رؤاه
وفى إحدى هذه الرؤى وصف أحمد الشعراني بأنه نور المتصوفة الذى لا يخبو وأنه أخلص من يعتقد بعقده
علميا
السطح كمركز للندوات العلمية
ولم تكن جامعة السطح مقصورة على إرشاد المريدين وتوجيه السالكين
وروحياً
6
ثم إرسالهم بعد تخرجهم من الجامعة إلى الأماكن التي
يعينها الأستاذ لم يكن هذا وحده هو عمل الجامعة

فقد كانت تعقد فيها الندوات العلمية وكان يجيء إليها المتحدون والمجادلون والممتحنون وذلك أنه لما شاع أمر السيد قصده الشاكون في أمره وقصده المختبرون لحاله وقصده المتعالمون وقصده أيضاً هؤلاء الذين يريدون فى إخلاص الوقوف على حاله من العلماء المنصفين
فقهاء ومحدثين وغيرهم
ونذكر من ذلك بعض القصص

٨٥
أن
وامتحانه الأستاذ مشهورة وهى وواقعة ابن دقيق العيد الشيخ ابن دقيق أرسل إلى سيدى عبد العزيز الدريني رضي الله عنه
وقال له
امتحن لى هذا الرجل الذى اشتغل الناس بأمره عن هذه المسائل
فإن أجابك عنها فهو ولى الله تعالى

فمضى إليه سيدى عبد العزيز وسأله عنها فأجابه عنها بأحسن
جواب وقال
هذا الجواب مسطر في كتاب الشجرة
فوجدوه في الكتاب كما قال

وكان سيدى عبد العزيز كما يقول الإمام الشعراني - إذا سئل
عن سيدي أحمد رضي الله عنه يقول
لا يدرك له قرار هو بحر
ويروى الشيخ عبد الصمد ما يلى
وقال حافظ العصر الجلال السيوطى رضى الله تعالى عنه

إن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد قاضي القضاة رضي الله عنه أحمد البدوى واشتهر أمره أرسل إلى الشيخ عبد العزيز
سمع بسيدي

الدريني رضي الله عنه ليخبره عن حاله فقال إن وجدته من أهل العلم فاسأله لى الدعاء فلما رآه الأستاذ قال له قبل أن يتكلم
يا عبد العزيز قل لقاضي القضاة يصلح غلطاً في المصحف الذي
عنده المعلق في صدر بيته غلطة فى موضع كذا وغلطة في موضع
كذا

٨٦
وعد له عدة مواضع
فأتى إلى ابن دقيق العيد فأخبره بما قال فعرف مقام الشيخ وأقر له رضى الله تعالى عنهم وهما روايتان لقصة واحدة تكمل بعضهما
بعضاً يقول صاحب النصيحة العلوية بعد أن ذكر هو أيضاً القصة ولعل كتاب الشجرة هذا هو الكتاب الذي ألفه العز بن عبد السلام في تفسير قوله تعالى
إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ والإحسان
يبين فيه أن هذه الآية اشتملت على جميع الأحكام الشرعية ويبين ذلك فى سائر الأبواب الفقهية وسمى ذلك كتاب الشجرة ا هـ هذه ولعل رواية أخرى للقصة ضرورية لإعطاء صورة تامة عن القصة التي زار الشيخ عبد العزيز فيها السيد والتي ترسم كل رواية منها زاوية من زوايا القصة وليس من البعيد احتمال أن زيارة سيدى عبد العزيز قد تكررت ومهما يكن من شيء فإن صاحب النصيحة
يقول
وفي رواية أن ابن دقيق العيد أرسل لسيدى عبد العزيز كتاباً
يقول له
عرفنى بأحوال هذا الرجل يعنى سيدى أحمد البدوى رضي الله عنه فتوجه إليه سيدى عبد العزيز فلما أقبل على سيدي أحمد البدوى رضى الله تعالى عنه بادره الأستاذ قبل أن يسأله تلك الأسئلة وقال يا عبد العزيز من وصل إلى مقام التسليم فاز برياض النعيم

۸۷
جنت
عن
تسأل كذا وكذا ولكن قل لقاضي القضاة - يعني ابن دقيق العيد - يصلح الغلطتين اللتين فى مصحفه واحدة في سورة يس وواحدة
في سورة الرحمن
فلما بلغه الخبر راجع المصحف فوجد الأمر كما ذكر سيدى
أحمد رضي الله تعالى عنه ۱
ولما اكتملت صورة السيد عند ابن دقيق العبد وتواترات الأخبار علمه وولايته رأى أن يذهب بنفسه يلتمس علماً إشراقيا ويلتمس عن بركة ونوراً
يقول على باشا مبارك عن السيد
واجتمع به من العلماء خلق كثير منهم العلامة الشهير قاضي القضاة شيخ الإسلام تقى الدين بن دقيق العيد سمع بشهرته وكثرة اعتقاد الناس فيه فمضى إليه وصعد إليه السطح فوجد رجلاً مغطى بثوب كالمغشى عليه فلما رآه قال في نفسه
سبحان الله ما هذا الاعتقاد من الناس في هذا الرجل وما هذه
الشهرة وليس فيه ما يوجب ذلك وما هو إلا مجنون من المجانين فرفع إليه السيد رأسه وكشف وجهه وأنشد
مجانين إلا أن
سر جنونهم
عزيز على أعتابه يسجد العقل
فلما كلمه عرف الشيخ قدره وعظمه واعتذر إليه وقبل يده
وندوة أخرى فوق السطح
لقد رأينا أن على باشا مبارك يقول
١ النصيحة ٥٢ ٥٣

۸۸
واجتمع به من العلماء خلق كثير
أما هذه الندوة فإنها ندوة في العلم الصوفي يقول صاحب كتاب الجواهر عن السيد
ووقعت له مسألة فى علم القوم مع الشيخ أبي الحسن على بن علي وكان الأستاذ سیدی أحمد البدوى قبل أن يقصده الشيخ بساعة نائماً
فانتبه من نومه وقال
رأيت كأن أميراً محتشماً جاء إلى وسألنى في مسألة من علم القوم الباطن فتكلمت في جوابها من الظهر إلى العصر وطاب وقتى فقام وصلى الظهر ولما فرغ من صلاته إذا نحن بالشيخ قد
أقبل وسلم على الأستاذ وسأله المسألة
C
عن
فتكلم في جوابها من
الظهر إلى العصر وطاب وقته وما من شك في أن ما ذكرناه فيما سبق ليس إلا نموذجاً مما كان يحدث والذي كان يحدث كان كثيراً ولقد سبق أن ذكرنا قول على باشا مبارك
عن السيد
واجتمع به من العلماء خلق كثير
ما الذي دار فى هذه الاجتماعات وفى هذه الندوات إنها ثروة
ضيعها التاريخ

دائرة السطح
والآن نتحدث عن السطح باعتباره مركزاً للتنظيم المادى ونستعمل
كلمة دائرة بالمعنى الريفى حينما يقولون دائرة فلان لقد كان من أصحاب السطح الشيخ عبد العظيم الراعي وكانت يرعى بهائم سيدى أحمد وغنمه وكان يذهب بها إلى حقل مهمته الذي كان يملكه سيدى أحمد وإطلاق الراعي على الشيخ
البرسيم
أنه كان
عبد العظيم إنما كان بسبب مهمته تلك
وكان من أصحاب السطح الشيخ محمد الفران وكانت مهمته
C
أنه كان يخبز لفقراء الدائرة وكان يشرف أيضاً على طهي الطعام لهم وهو الذي صغر حجم ا الرغيف إلى أن جعله أصغر من حجم بيضة الدجاجة فلما سئل عن ذلك قال إن مسألة الشبع مسألة بركة وليست مسألة حـ حجم ومع مهمته هذه التي كانت تستغرق جهده فإنه كان يجد أيضاً الوقت للشفاعة للمساكين والمظلومين

ولم
وكان إذا شفع عند كبير لا يستطيع أحد أن يرد شفاعته وجانب الدائرة هذا لم يلاحظه الكاتبون حديثاً عن السيد يستفض فيه من أرخوا له القدماء من وعذر المؤرخين الحديثين أن المراجع فى ذلك تكاد تكون معدومة أما عذر المؤرخين القدماء فهو أن مظهر الدعوة وأسلوب الطريقة قد استغرق كل انتباههم تقريباً فكتبوا عن المريدين والسالكين

والموفدين إلى هنا أو هناك وانصرف تفكيرهم إلى المظهر الروحى ولم يأت
المظهر المادى إلا في صورة عابرة
ومن أجل ذلك كله يجب أن نقدر ما ورد في الجانب المادي
في ضوء ذلك وأن نعنى به عناية خاصة لقد كان للسيد حقل برسيم وكانت له أغنام وكان له مشرف على ذلك كله وكان للسيد بهائم
هو
الشيخ الراعي
6
6
و بلغ
وكان للسيد مشرف على طهي الطعام وعلى عمل الخبز اهتمام هذا المشرف أن كان يقطع العجين بنفسه حتى يكون كما يجب لقد كان السطح جامعة للدعوة وكان داراً للندوة العلمية وكان دائرة تصرف منها الشئون المادية
مسجد السطح
وكان السطح مع كل ذلك خلوة تتكشف فيها السماوات فيسرح البصر ويسرح الفكر في ملكوت الله مسبحاً بجلاله وعظمته مشاهداً
بالبصيرة هيمنته على هذا العالم الفسيح الواسع مسيراً له في دقة دقيقة
وفى إحكام محكم

لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أنْ تُدْرِكَ القمر ولا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهارِ
وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ١
۱ پس ٤٠
6

۹۱
تباركَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الموت والحَياةَ لِيَبْلُوكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَن عَمَلا وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طباقاً ما تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتِ فَارْجِعِ البَصَرَ هل تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ حَاسِنَا
وهو حَسِيرٌ ۱
لقد كان السيد من فوق السطح يحب أن يتحقق بالآيات القرآنية
الكريمة
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ لآيات لأولى الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قياماً وقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ في خلق السمواتِ والأرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارِ فَقَدْ أَخَزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
أنصار رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَّبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ ولا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادِ ٢ لقد أحب السيد أن يتحقق في خلوته
١ - بالفكر
٢ - بالذكر
---
بالدعاء
للسيد رضى الله عنه تحقيق كل ذلك من فوق السطح وقد
تم
1 الملك ١-٤
آل عمران ١٩٠ - ١٩٤

۹
وكما كان السطح معهداً وجامعة وندوة ودائرة فإنه كان أيضاً مسجداً هذا هو السطح في حقيقة الأمر وواقعه ربى السيد من فوقه رجالاً وأبطالاً علماً ومعرفة ونظم دائرة واستغرق مع كل ذلك في العبادة وكل ذلك كان في سبيل الله إنه لم يكن لدنيا يصنيبها أو امرأة ينكحها وإنما كان كله هجرة خالصة إلى الله ورسوله
ونشر

الفصل الثالث
الطريق شكلا وموضوعًا

أما من ناحية الشكل فإن سيدى أحمد البدوى اقتدى بجده رسول الله صلى الله عليه وسلم في لبس الأحمر
6
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له حلة
حمراء يلبسبها في الأعياد والجمع وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم لواء بني سليم يوم فتح مكة على الألوية وكان أحمر
وفى
صحيح البخاري عن البراء بن عازب
ما رأيت ذالمة سوداء في حلة حمراء أجمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر صاحب مشكاة الأنوار مثل ذلك ١
ولقد قال سيدى أحمد الخليفته سيدى عبد العال
اعلم أنى اخترت هذه الراية الحمراء لنفسي في حياتي ولخلفائي
بعد مماتي وهي علامة لمن يمشى على طريقتنا من بعدى
وسأله سيدى عبد العال
فما شروط من يحملها
۱ انظر كتاب الجواهر

۹۵

4
6
وأخذ السيد رضي الله عنه يتحدث عن الشروط التي يجب تتوافر في حامل الشعار الأحمدى
أن
وأول شرط من هذه الشروط هو الشرط الطبيعي الضروري لكل من أراد أن يسير على النهج المستقيم فى الدين أو فى الطريق وهو ألا يكذب والصدق في الطريق هو اللبنة الأولى للثقة ولقد كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم صادقاً صدقاً مطلقاً
ولقد تحدى رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب عندما أمره الله تعالى
بالجهر بالدعوة بقوله
مارو
فَاصْدَعْ بما تُومَرُ ١

تحداهم بصدقه في لباقة وصراحة وإخلاص قائلاً أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً وراء هذا الوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مفسدقي فأعلنوا أنه عندهم مصدق وأنهم ماجربوا عليه كذباً قط وأول علامة من علامات صدق الداعى هي عدم الكذب ومن أجل ذلك قال هرقل لأبي سفيان ومن كان معه من العرب

حينما سألهم عن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقروا بصدقه قال لأبي سفيان وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس
فذكرت ألا
ويكذب على الله
1 الحجر ٩٤

لابد للداعي من أن يكون صادقاً أما الشرط الثاني فهو ألا يأتى بفاحشة
والله سبحانه وتعالى يقول
1
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَن ويصف عباده الصالحين فيذكر من أوصافهم فيقول تعالى
والَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كبائر الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ
يَغْفِرُونَ ٢
6
وإذا ما غَضِبُوا هُمْ
وأما الشرط الثالث فهو أن يكون غاض البصر عن محارم الله
والله سبحانه وتعالى يقول
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أزكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ۳
هذا فما يتعلق بالرجال
الله
أما فيما يتعلق بالنساء فيقول تعالى
وقُل للمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ
ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا ما ظَهَرَ مِنْهَا وَلِيَضْرِ بْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولى الإرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ولا يَضْرِ بْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ
1 الأعراف ٣٣
٣ النور ٣٠
الشورى ۳۷

۹۸
مِنْ زِينَتِهِنَّ وتُوبُوا إلى اللهِ جَمِيعاً أيها المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ١ أما الشرط الرابع فهو أن يكون طاهر الذيل
وطهارة الذيل تعنى ألا يذهب المرء إلى أماكن تحط من مروءته أما الشرط الخامس فهو أن يكون عفيف النفس وعفة النفس تعنى كف الجوارح وكف القلب وكف اللسان
عن كل ما يشين الرجل النبيل مثل الجشع والتكالب والطمع وغير ذلك مما يتسم بالإفراط أو التفريط
أما الشرط السادس فهو أن يكون خائفاً من الله سبحانه وتعالى والخوف من الله سبحانه وتعالى باب كبير من أبواب القرب منه وهو شعار كل هؤلاء الذين قدروا الله حق قدره ولقد كان أبو بكر رضى الله عنه يقول لا آمن مكر الله ولو كانت
سبحانه
C
إحدى قدمي في الجنة
ولقد
سمع أبو الحسن الشاذلى رضي الله عنه قول القائل عن الله
سبحانه وتعالى

لا تأمن مكرى وإن أمنتك فإن علمى لا يحيط به محیط

والله سبحانه وتعالى يقول عن قوم يحبهم يَدْعُونَنَا رَغَباً ورَهَباً وكانوا لنا خاشِعِينَ
أما الشرط السابع فهو أن يكون عاملاً بكتاب الله سبحانه وتعالى وقد كان السيد رضي الله عنه يذكر دائماً بأن طريقته مبنية على
الكتاب والسنة
۱ النور ۳
الأنبياء ٩٠

۹۹
وهو في هذا يسير على غرار أسلافه من كبار الصوفية ومن أجمل كلام أبي يزيد رضى الله عنه قوله لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرقى الهواء فلا تغتروا حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهى وحفظ الحدود وأداء
لشريعة
أما إمام الطائفة الإمام الجنيد فإنه يقول من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا
لأمر لأن علمنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة
ويقول
علمنا هذا مشيد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الإمام الغزالي فإنه استفاض في هذا المعنى في أكثر من موضع مختلف کتبه من
يقول
واعلم أن سالك سبيل الله تعالى قليل والمدعى فيه كثير ونحن نعرفك علامتين له العلامة الأولى أن تكون جميع أفعاله الاختيارية موزونة بميزان موقوفة على توقيفاته إيراداً وإصداراً وإقداماً وإحجاماً الشرع إذ لا يمكن سلوك هذا السبيل إلا بعد التلبس بمكارم الشريعة كلها ولا يصل فيه إلا من واظب على جملة من النوافل فكيف يصل إليه من أهمل الفرائض فإن قلت فهل تنتهى رتبة السالك إلى الحد الذي ينحط عنه فيه

بعض وظائف العبادات ولا يضره بعض المحظورات كما نقل عن بعض من التساهل في هذه الأمور
وقد

وأقول لك اعلم أن هذا عين الغرور وإن المحققين قالوا لو رأيت إنساناً يطير فى الهواء ويمشى على الماء وهو يتعاطى أمراً يخالف الشرع فاعلم أنه شيطان أما الشرط الثامن فهو أن يكون ملازماً للذكر دائم الفكر الله بين الذكر والفكر في قوله تعالى جمع إنَّ فِي خَلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَه قياماً وقُعوداً وعَلَى جُنُوبِهِمْ ويَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فقنا عذاب النار رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ومَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أنصارِ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا ما وعَدْتَنَا على رُسُلِكَ ولا تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الميعاد ١ وقد حثنا الله سبحانه وتعالى على الذكر فى أسلوب آمر يقول سبحانه يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وقال واذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرعا وخيفةً ودُونَ الجَهْرِ مِنَ القولِ بِالغُدو والآصال ولا تَكُن مِنَ الغافِلينَ ۳

۱ آل عمران ١٩٠ - ١٩٤
٢ الأحزاب ٤١
۳ الأعراف ۰۰

وحثنا سبحانه على الذكر فى أسلوب أخاذ يقول سبحانه فاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ 1
ولقد أخرج الإمام البخارى رضى الله عنه من حديث قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه قال قال الله عز وجل يا بن آدم إن ذكرتنى فى نفسك ذكرتك في نفسي وإن ذكرتني
في ملأ ذكرتك في ملأ خير منه وإن دنوت منى شبراً دنوت منك ذراعاً وإن دنوت منى ذراعاً دنوت منك باعاً وإن أتيتني تمشى أتيتك هرولة ومن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه من خشية الله
والآيات الأزمنة والأمكنة

القرآن كثيرة تبين أن ذكر الله مستحب في
ويقول صاحب الرسالة القشيرية في ذلك ومن خصائص الذكر أنه غير مؤقت بل ما من وقت من الأوقات إلا والعبد مأمور فيه بذكر الله إما فرضاً وإما ندباً والصلاة وإن كانت أشرف العبادات فقد لا تجوز في بعض الأوقات والذكر
بالقلب مستدام
في
عموم
قال الله تعالى
الحالات
الذين يذكرون الله قياماً وقُعُوداً وعَلَى جُنُوبِهِمْ ويَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّمَواتِ والأرْضِ رَبَّنَا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا
۱ البقرة ١٥٢

۱۰
عَذَابَ النَّارِ ۱
كل هذا أدى بالإمام القشيرى إلى أن يقول معبراً عن الجو الصادق
العمدة
والذكر ركن قوى فى طريق الحق سبحانه وتعالى بل هو في هذا الطريق ولا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر هذه هي شروط الطريق التي ذكرها السيد لخليفته عبد العال حينما سأله عنها وهي شروط تبتدى بعدم الكذب وتنتهى بالذكر
ويلخص الشيخ القاوقجى طريقة السيد فيقول هذه الكلمة الواعية المركزة وأما طريقته فذكر اسم الله الأعظم الله ومفتاحها الاستغفار والصلاة على النبي المختار وتلاوة الفاتحة والعدد فى كلّ ۳۱۳ ثلاثمائة وثلاث عشرة مرة وذكر شيخنا البهي الإخلاص بعد الفاتحة بهذا العدد ثم يذكر الله من غير عدد

وذكر بعض المشايخ أن لكل ليلة ورداً مخصوصاً وهذا كله استحسان وإلا فطريقة السيد البدوى مبنية على الهمة والنظر وقال الشعراني بلغنا أن الأستاذ أحمد البدوى يربى مريده وهو في البرزخ ٢ ا هـ والسيد رضوان الله عليه يوصى عبد العال قائلاً
عليك بكثرة الذكر وإياك أن تكون من الغافلين عن الله تعالى
۱ آل عمران ۱۹۱
القاوقجي شرح حزب القطب النبوى

ولقد سأل عبد العال السيد عن حقيقة الذكر فقال أن يكون بالقلب ولا يكون باللسان فقط فإن الذكر باللسان
هو
دون القلب شقشقة
يا عبد العال اذكر الله بقلب حاضر وإياك والغفلة عن الله تعالى
فإنها تورث القسوة في القلب

وسأل عبد العال عن حقيقة التفكر
فقال السيد تفكر فى خلق الله تعالى وفى مصنوعات الله تعالى ولا تتفكر في ذات الله تعالى
الطريقة كما رسمها السيد في وصاياه وفي سلوكه
والطريق تبدأ أول ما تبدأ بالتوبة الخالصة النصوح وحقيقة التوبة كما يقول السيد الندم على ما مضى من الذنب
والإقلاع عن المعصية
والاستغفار باللسان
والعزم على يعود إلى المعصية
والصفاء بالقلب
يقول السيد

فهذه هي التوبة النصوح التي أمر الله تعالى بها وذكرها في كتابه
العزيز فقال

أيُّها الذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً 1 يأيها ا
۱ التحريم ٨

١٠٤
والواقع أن التوبة هى الخطوة الأولى واللبنة الأساسية في طريق كل
سالك إلى الله تعالى
ويأتى بعد ذلك أى بعد التوبة الخالصة النصوح بناء الطريقة
يقول السيد
هذه طريقتنا مبنية على الكتاب والسنة والصدق والصفاء وحسن الوفاء وحمل الأذى وحفظ العهود
ومن شروط الطريق حسن الخلق
يقول السيد
أحسنكم خلقاً أكثركم إيماناً بالله تعالى

والخلق السيئ يفسد العمل الصالح كما يفسد الخل العسل ونظرة السيد هذه التى رتب فيها حسن الخلق على قوة الإيمان نظرة
في غاية العمق
والواقع

كلما قوى الإيمان كانت الأخلاق حسنة والمصلحون الذين يريدون أن تنهض الأمم أخلاقيا فيسلكون طريقاً غير تقوية الإيمان يخفقون في إصلاحهم ويخيب ظنهم في ثمار عملهم دائماً نستحسن ما قال شوقى رحمة الله عليه وننشده ونستشهد به وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا وما من شك في أن شوقى يعبر عن حقيقة وما من شك أيضاً
إننا
هم
في أن أساس الأخلاق إنما هو الإيمان وأنه لا أخلاق بدون إيمان
ولابد في الطريق من التزام الذكر
ومن المحافظة على فروض العبادة
L
ومن الإكثار من النوافل

10
يقول عبد العال رضي الله عنه
خدمت سيدى أحمد البدوى رضى الله عنه أربعين سنة
فما رأيته غفل عن طاعة الله تعالى طرفة عين ومن وصاياه لعبد العال صلاة الليل يقول له كل ركعة بالليل أفضل من ألف ركعة بالنهار
واعلم
وتتوالى نصائح السيد وتوجيهاته وإرشاداته لعبد العال والمريدين يا عبد العال
إياك وحب الدنيا فإنه يفسد العمل الصالح كما يفسد الخل العسل واعلم يا عبد العال أن الله تعالى قال في كتابه المكنون إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ١
أما الزهد في الدنيا فإن السيد رضى الله عنه يفسره بهذا التفسير الطبيعي المنطق المتفق مع القواعد الشرعية إنه مخالفة النفس بترك الشهوات الدنيوية وأن يترك سبعين باباً من الحلال مخافة أن يقع في الحرام الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها المريد الإشفاق على اليتيم
ومن
4
وكسوة العريان وإطعام الجائع وإكرام الغريب والضيف يفعل المريد ذلك عسى أن يكون عند الله من المقبولين وألا يشمت المريد بمصيبة أحد من خلق الله تعالى ولا ينطق بغيبة
ولا نميمة وأن يقابل السيئة بالعفو يقول السيد لعبد العال ولا تؤذ من يؤذيك واعف عمن ظلمك وأحسن لمن أساءك
۱ النحل ۱۸

١٠٦
وأعط من حرمك
ولا ينكر مريد على مريد ويجب عليه أن يتأدب مع المشايخ وأن يعلم أن الشيخ في قومه كالنبي في أمته أي أنه مادام هادياً إلى طريق الله مبشراً بالفضائل ناهياً عن الرذائل سالكاً سبيل رسول الله
صلى الله عليه وسلم متبعاً له داعياً إلى الله على بصيرة مادام كذلك فإنه يكون خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوقر وأن يحترم ويسأل عبد العال الشيخ عن حقيقة أمور أو صفات يتحلى بها الصوفية ويتحدثون عنها فيسأله عن حقيقة الصير فيقول السيد
يجب
الرضا بحكم الله تعالى والتسليم لأمر الله تعالى وأن يفرح
بالمصيبة كما يفرح بالنعمة قال الله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوالِ والأَنْفُسِ والثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون أولئكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتُ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ ۱ ويسأل عبد العال عن الوجد ويتحدث السيد عن حقيقته وهو أن يكثر من ذكر الحق لا إله إلا هو
فإذا ما أكثر من ذكره فإن الله سبحانه وتعالى يقذف في قلب
الذاكر النور
فإذا ما قذف النور فى قلب الذاكر اقشعر منه جلده يقول الله تعالى اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ
۱ البقرة ١٥٥ - ١٥٧

الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ
به
هُدَى اللهِ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ ومَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ۱ فإذا ما لانت قلوبهم وجلودهم إلى ذكر الله واستغرقوا في الذكر
4
قذف الله في قلوبهم حبه وهذا هو الوجد وعلامة الفقير ٢ الصادق هو ألا يسأل أحداً إن أعطى
شكر وإن منع صبر إنه صابر لأحكام الله تعالى عامل بالكتاب والسنة ولقد وضع السيد مقياساً دقيقاً للصوفية وقاعدة يعرفون بها أنفسهم

ويعرفهم الناس بها ولقد تابع فى هذا جده الإمام على رضى الله عنه الذي وضع هذه القواعد وأسس هذه الأسس يقول عبد العال وسألته رضى الله عنه عن حقيقة الفقر الشرعى أي حقيقة التصوف
الصادق فقال
للفقراء اثنتا عشرة علامة لما روى عن الإمام على بن أبي طالب الله عنه أنه رأى فقيراً يمشى فى سوق البصرة وهو يتبختر في مشيته رضی فقال له الإمام على رضى الله تعالى عنه
أنت من
فقال له فقير
فقال له الإمام ما علامة الفقر فقال منك يؤخذ العلم يا أبا الحسن فقال له الإمام رضى الله تعالى عنه
۱ الزمر ۳
٢ یعنى بالفقير الصوفى

للفقير اثنتا عشرة علامة

۱۰۸
الأولى
الثانية
الثالثة
الرابعة
أن يكون عارفاً بالله تعالى
أن يكون مراعياً لأوامر الله تعالى
أن يكون متمسكاً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم
أن يكون دائماً على طهارة
الله تعالى فى كل حال
أن يكون راضياً عن أن يكون موقناً بما عند الله تعالى
أن يكون آيساً مما في أيدى الناس
الخامسة
السادسة
السابعة
الثامنة
التاسعة
أن يكون مبادراً لأمر الله تعالى
العاشرة

أن يكون متحملاً للأذى

أن يكون شفوقاً على الناس الحادية عشرة أن يكون متواضعاً للناس الثانية عشرة أن يعلم أن الشيطان عدوله كما يقول الله تعالى
إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا 1
فلما
سمع
مرقعته وقال
الفقير ذلك من الإمام على رضى الله تعالى عنه نزع
والله لا ألبسها بعد هذا اليوم أبداً
هذه هي طريقة السيد وهى طريقة تلتزم التوبة والإيمان القوى والخلق الحسن والاتباع قدر الاستطاعة لكتاب الله وسنة رسوله والآن نورد فيما يلى الحزب الذى أثر عن السيد رضي الله عنه
والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم التي رويت عنه
۱ فاطر ٦

حزبه رضى الله عنه والصلاة المنسوبة إليه
۱۰۹
لم يؤلف السيد كتباً وقد حققنا الكتاب الذي نسب إليه وهو كتاب الكفاية فى الفقه على مذهب الإمام الشافعي والموجود المسجد الأحمدى
مكتبة
لقد أخذنا نتصفح هذا المخطوط فوجدناه ينقل عن كتاب المجموع
للإمام النووى بل عن كتب متأخرة عن الإمام النووى
فتحققنا أن الكتاب ليس له ويبدو أنه أهدى إلى المكتبة الأحمدية مجرد إهداء
ثم تبينا أنه كتاب فى الفقه مطبوع معروف ويبدو أن بعض الكاتبين عن السيد لم يحقق الكتاب فنسب إليه أنه ألف كتاب الكفاية في الفقه لم يؤلف السيد كتباً وإنما ربي رجالا وأبطالا
وكان مثله في ذلك الإمام الشاذلي الذي قال كتبي أصحابي
ولقد كان للسيد فى هذا المجال مجال تربية الرجال ثروة وآثار هائلة وما يزال المدد متصلاً
وما من شك في أن للسيد فى عالم الطريق أو راداً وأذكاراً ونصائح
وآثاراً كثيرة بيد أن ما نقل إلينا عنه
يكون من الحرص على آثار السيد ونقلها
6
لا يتناسب وما كان ينبغى
ويبدو أن شخصية السيد نفسها كانت السبب في ذلك لقد طغت

شخصيته على ما عداها حتى على الكتابة عنه
لم يكتب
عنه أتباعه وإنما نقل عنه الناقلون حزباً وصلوات ونصائح
أما الحزب والصلوات فإن الشيخ القاوقجي يقول عنها وبالجملة فهذا الحزب وكذا صيغة الصلاة المشهورة اتصالهما إلى سيدى محمد الشناوى صحيح ومنه إلى السيد البدوى لم تعلم
الكيفية
قال شيخنا البهى وليس لنا البحث عن ذلك فإن سيدى محمد الشناوى حجة عدل وولى كامل
1 | هـ
بسم
الحزب
الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم

۱ شرح القاوقجي
٢ الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد البسملة من زيادة العارف بالله السيد محمد مجاهد الأحمدى يقول الشيخ القاوقجي وإنما زيدت هذه الصيغة لقول ابن شافع إذا طلبت من الله شيئاً فصل على محمد في أول دعائك وآخره فيكون مثالهما كمن دخل بين أسدين يحرسانه فهل يتعرض له أحد وأيضاً الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة والله تعالى أكرم من أن يدع ما بينهما قال شيخنا البهى وهى التماس حسن

۱۱۱
لووا ۱ عما نووا فعموا وصموا عما طووا ۳
رب لا تذرني فَرْداً وأنْتَ خَيْرُ الوارِثِينَ ٤
بسم
الله الرحمن الرحيم أَلَمْ تَرَكَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ ألَمْ يَجْعَل كَيْدَهُمْ فِي تَضلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبابيل ٥ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةِ من سجيل ٦ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفِ ٧ مَأْكُول

اللهم اكفنيهم ۸ بما شئت اللهم إنى أعوذ بك من شرورهم وأدراً بك في نحورهم ٩ بك ۱ بالتخفيف وقد قرئ لووا بالتشديد أي أعرضوا بوجوههم وتخلفوا عما قصدوا والمعنى صرف الله قلوبهم عن كل ضرر أرادوه فينا
عما قصدوا فهم ! لا يبصرون
٣ عما أخفوا في ضمائرهم من الشر والأذى
٤ هذه الآية الكريمة دعا بها سيدنا زكريا عليه السلام متضرعاً إلى الله أن برزقه ما يرث دعوته وأن يتابعها ويتولى أمرها ولقد أجاب الله دعاءه وقبل تضرعه و وهبه يحيى الذي ورث النبوة والعلم
ه جماعات لأنها كانت أفواجاً فوجاً بعد فوج متتابعة

٦ عن ابن عباس رضى الله عنه من سجيل أي من طين متحجر
أحد
۷ عصف ورق زرع تعصفه الرياح قال ابن عباس رضي الله عنه فيما منهم إلا نفط جلده وثار به الجدري في المستخرج
رواه عنه سعيد بن جبير لم يقع
حجر
على
۸ أى امنع عنى الأعداء واكفنى شرهم وقد قال ابو نعيم
كان صلى الله عليه وسلم إذا خاف قوماً قال اللهم اكفنيهم بما شئت ثلاثاً ٩ روى أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي عن أبي موسى الأشعرى

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوماً قال اللهم إنا نجعلك في نحورهم
ونعوذ بك من شرورهم

۱۱
أحاول
وبك أقاتل
اللهم واقية كواقية الوليد ١
ب كهيعص كُفيت ب حم عسق حميت فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وصلى الله آله على سيدنا محمد النبي الكريم وعلى وصحبه وسلم تسليماً والحمد
لله رب العالمين

الصلاة الأحمدية
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد شجرة الأصل
1 جملة مأخوذة من حديث شريف والوليد أى المولود كما فسره ابن عمر
راوي الحديث قال الزمخشري الوليد الصبي الصغير لأنه لا يبصر المعاطب وهو يتعرض لها ثم يحفظه الله تعالى في صحيح البخارى وفى غيره من كتب السنة يقول رسول الله صلى الله عليه و أنا سيد الناس يوم القيامة ومن كان سيد الناس يوم القيامة فهو من باب ا أولى سيدهم في الدنيا وفي حديث رواه الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
وسلم
و أنا سيد العالمين

ومن المعروف أن العالم هو كل ماسوى الله تعالى وفى صحيح البخاري أن عمر رضى
الله عنه قال عن أبى بكر وعن بلال رضى الله عنهما
أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا

النورانية ١ ولمعة القبضة الرحمانية وأفضل الخليقة الإنسانية ٣ وأشرف الصور الجسمانية ومعدن الأسرار الربانية ٤ وخزائن العلوم
الاصطفائية ٥ صاحب القبضة الأصلية ٦ والبهجة السنية ٧
L
1 أى الشجرة التى هى الأصل وهذه الشجرة نورانية نسبة إلى النور ولقد سمى الله سبحانه وتعالى رسوله نوراً وسماه سراجاً منيراً ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المصدر الوحيد في العالم الآن الذى أتى النور على لسانه وحياً قرآناً كان أو سنة فهو شجرة النور فى العالم وهو بالوحى الذى أنزل عليه أصل كل نور الآن ٢ القبضة الرحمانية هي المخلوقات التى أفاض الله عليها برحمته الوجود ولعتها أى أضوؤها فرسول الله صلى الله عليه وسلم أضوء المخلوقات ٣ يقول الإمام البوصيرى
فهو الذى تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيباً بارئ النسم
٤ أي محلها ومركزها وذلك أنه كان الذي يتنزل عليه الوحي
٥ أي المختارة المصطفاة المنتقاة وجميع ما في الوحى مصطفى مختار منتقى
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أوتيت جوامع الكلم
ويقول الإمام البوصيري في همزيته المباركة
لك ذات العلوم من عالم الغي سب ومنها لآدم الأسماء ٦ يقول السيد عبد الرحمن العيدروسى فى شرح ذلك إشارة إلى المقام المحمدى الخاص به صلى الله عليه وسلم وهو المسمى بمقام أو أدنا وهو ولايته الخاصة
صلى الله عليه وسلم والمقام

المحمدى الثانى يسمى بمقام قاب قوسين وهو ولايته العامة
۷ يقول الإمام العيدروسي إن ذلك في ذاته وصفاته وأفعاله كيف لا وهو =

١١٤
والرتبة العلية
من اندرجت النبيون تحت لوائه فهم منه وإليه ١
الله
وصل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه عدد ما خلقت ورزقت وأمت وأحييت إلى يوم تبعث من أفنيت وسلم تسليماً كثيراً والحمد لله رب العالمين ا هـ هذه الصلاة الأخيرة ذكرها الشيخ العارف بالله المتفاني في حب و رسوله الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهانى رضى الله عنه في كتابه أفضل الصلوات على سيد السادات صلى الله عليه وسلم وكانت في الكتاب بالعنوان التالي الصلاة الرابعة والثلاثون لسيدنا أحمد البدوى رضي الله عنه وبعد أن ذكر الشيخ النبهانى الصلاة السابقة التي نقلناها عن الشيخ القاوقجي ذكر صلاة أخرى للسيد أحمد البدوي فقال
الصلاة الخامسة والثلاثون له أيضاً رضي الله عنه اللهم صل على نور الأنوار وسر الأسرار وترياق الأغيار
رحمة للعالمين والرحمة خير محض

قال سيدى الاستاذ أبو العباس المرسى نفع الله به جميع الأنبياء عليهم السلام الرحمة فهو أصل الرحمات وينبوعها ولا رحمة خارجة عنه
1 يقول الإمام البوصيري
وكل أى أتى الرسل الكرام بها
فإنما
اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضل هم كواكبها يظهرن أنوارها للناس في الظلم
و بيدي لواء الحمد آدم فمن دونه تحت لوائي

ومفتاح باب اليسار سيدنا محمد المختار وآله الأطهار وأصحابه

عدد نعم الله وأفضاله
الأخيار وبعد ذكر الشيخ النبهاني ذلك أخذ يتحدث عن فضل الصيغتين الصلاة فقال من
هاتان الصلاتان الشريفتان لقطب الأقطاب سيدى أحمد البدوى
نفعنا الله به أما الصلاة الأولى التى أولها اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد شجرة الأصل النورانية ولمعة القبضة الرحمانية
إلى آخرها فقد قال سيدى أحمد الصاوى ذكر بعضهم أنها تقرأ عقب

L
كل صلاة سبعاً وأن كل مائة منها بثلاثة وثلاثين من دلائل الخيرات وقال العلامة السيد أحمد بن زيني دحلان مفتى الشافعية بمكة المشرفة
رحمه الله تعالى فى مجموعة له ذكر فيها جملة صلوات على النبي صلى الله عليه وسلم وفوائدها ونبذة من التصوف ذكر كثير من العارفين أن الصلاة المنسوبة للقطب الكامل سيدى أحمد البدوى رضي الله عنه سبب الحصول كثير من الأنوار وانكشاف كثير من الأسرار وهى من أعظم الأسباب للاتصال بالنبي صلى الله عليه وسلم في المنام واليقظة وهي سبب في وصول كثير إلى مرتبة القطبانية وفيها أسرار في تسهيل الرزق الظاهرى وهو رزق الأشباح والرزق الباطني وهو رزق الأرواح أعنى العلوم والمعارف وبها يحصل النصر على النفس والشيطان وسائر الأعداء ولها خواص كثيرة لا تعد ولا تحصى وذكر وا أن قراءة ثلاث مرات منها بقراءة دلائل الخيرات وينبغي لقارئها أن يكون في وقت قراءتها مستحضراً لأنوار النبي صلى الله عليه وسلم وعظمته

١١٦
في قلبه وأنه السبب الأعظم فى وصول كل خير والواسطة العظمى والنور الأعظم ولا يقرؤها الشخص إلا وهو متطهر فمن واظب على
4
قراءتها بهذه الشروط كل يوم مائة مرة واستمر على ذلك أربعين يوماً الأنوار والخير ما لا يعلم قدره إلا الله تعالى الاستقامة يحصل له من مع ومن واظب على قراءتها كل يوم ثلاث مرات بعد صلاة الصبح وثلاثاً بعد المغرب يرى لها أسراراً كثيرة والله الموفق للصواب ثم ذكر الصلاة المذكورة بأجمعها
وسر
وبعد
أن
وأما الصلاة الثانية التي أولها اللهم صل على نور الأنوار و الأسرار إلى آخرها فقد قال الأستاذ السيد أحمد دحلان في مجموعته المذكورة بعد ذكر الصلاة السابقة وفوائدها ومما ينسب أيضاً إلى سيدنا القطب الكامل السيد أحمد البدوى رضى الله عنه هذه الصلاة أيضاً ذكرها قال ذكر كثير من العارفين أنها مجربة لقضاء الحاجات وكشف الكربات ودفع المعضلات وحصول الأنوار والأسرار بل مجربة لجميع الأشياء وعدة وردها مائة مرة كل يوم وينبغى أن يبتدئ المريدون في أول سلوكهم باستعمالها وفى انتهائهم بالصيغة الأولى
ه

اتمة
يقول الشيخ عبد الصمد فى كتابه الجواهر في
الباب الخامس في وصايا الأستاذ النافعة في الدنيا والآخرة قال سيدنا ومولانا الشيخ يونس المدعو ابن أزيك الصوفي أخبرنا الشيخ شمس الدين الشاذلى أنه سأل الشيخ شمس الدين الخليفة عن سيدي أحمد فقال
كيف كان حال الشيخ على السطح وهل كان كثير الغياب
بكما يقول الناس
فأجاب الشيخ شمس الدين
إن حضوره
أكثر
من غيابه
وكان له إمامان يصليان به
وكان إذا جن الليل يقرأ القرآن إلى الصباح
وكان يقول لعبد العال إن الفقراء ۱ كالزيتون فيهم الكبير والصغير ومن لم يكن فيه زيت فأنا زيته يعنى من كان في فقره صافياً كالزيت ومن كان ماشياً على الكتاب والسنة فأنا مساعده في جميع
الصافي
١ أي الصوفية ٢ أي في تصوفه

۱۱۸
أموره وقضاء حوائجه الدنيوية والأخروية لا بحولى ولا بقوتى إلا ببركة النبي صلى الله عليه وسلم
وكلمة الشيخ شمس تستحق أن نقف قليلاً لنتأملها لقد كان حضور السيد أكثر من غيابه والواقع أنه ما كان يتألى له أن هذا الصرح الشامخ من الطريقة الأحمدية إلا بأن يكون يقيم أكثر من غيابه ولقد ربى المريدين وكانت تربيته للمريدين حضوره تختلف باختلاف استعدادهم فكان يعطى كلاً منهم ما يناسبه فبعضهم تكفيه نظرة نظرة صادرة من نفس مليئة بالنور والإلهام فتتعلق روحه بالسيد ويحاول دائماً أن يلتقى به كلما أمكنته الفرصة وبعضهم يحتاج إلى زمن يطول أو يقصر بحسب استعداده وكلما نضج مريد وكلما أصبح السالك على بصيرة من أمره وجهه
السيد إلى هنا أو هناك من قرى مصر القريبة أو البعيدة أو يرسله إلى
اليمن أو الحجاز أو الشام أو غير ذلك الأقطار والبلاد من
إن كل ذلك يستدعى أن يكون الحضور أكثر من الغياب
ثم ما هو الغياب الذي كان يغيبه السيد

6
إنه ليس ذهولاً وليس غفلة ولا يمت بصلة إلى عدم الوعى كلا ولكنه استغراق في الفكر في آلاء الله ونعمه إنه انغماس في الأنوار تشرق على قلبه إنه استجابة إلى السكينة تملأ الجوانح والجوارح إنه نوع من الرضا العميق الذى يمنحه الله أهل الصفاء من عباده إنه نوع من القوة الذاتية التي تكتفى بالله عن الخلق وتكتفي بالهدوء الروحي عن الحركة الجسمانية وبالتأمل فى ملكوت الله روحيا عن الاضطراب

۱۱۹
الخلق فترة من الزمن مع
وللإنسان حقه في أن يخلو بنفسه الله مع
C
وهذه الخلوة الثرية
بالتيارات الروحية هي التي تميز الإنسان فى تساميه عن عالم المادة
وهي التي تسمه بأنه نوع من الكائنات يمتاز عن غيره بعرفان ربه وهذه الخلوة أو هذه الغيبة يطلبها قوم بتهيئة أسبابها المادية
فينعزلون عن الناس فترة تطول أو تقصر إنها سياحتهم الاستجمامية وكما يستجم بعض الناس في شهور الصيف فترة تطول أو تقصر سائحين متنزهين فإن بعض الناس يستجمون روحيا بالخلوة سائحين في فيض من الإلهامات الإلهية مهيئين الجو المادى بحيث يكونون في بعد عن الناس بعداً تاماً

لم يفعل السيد ذلك على السطح
وإنما كان ينغمس فى خلوته مع وجود الناس ينغمس فيها في وضح النهار وينغمس فيها فى إشراقة القمر وينغمس فيها كلما اشتد به الوجد في حب الله ورسوله ينغمس فيها برغم ما يحيط به من أتباع ومريدين ينغمس فيها فيتلاشى الزمان والمكان والأهل والأصدقاء والضجيج ويبقى الله في قلبه يملأ كل ذرة من فراغ فيه
ويتدرج في الاستغراق حتى يصل إلى الشعور بالنداء الإلهى
لمن الملك اليوم
ويسمع الإجابة في أعماق قلبه
لله الواحد القهار
ينغمس وهو يحس إحساساً يملك عليه جميع أقطار نفسه أن الملك

۱۰
من جاه ومنصب ومن قوة وضعف ومن حركة وسكون ومن نطق وصمت ومن صحة ومرض الملك كل الملك طرفة عين نبضة قلب مرور خاطر إنما هو لله الواحد القهار
إنه يرتفع إلى الله عن دنيا الناس إنه فى معراجه فوق المادة إنه في الحرم المقدس ثم يعود يعود إلى الناس مربياً مهذباً مرشداً
يدعو إلى الله على بصيرة
وغيبة السيد إذن استجمام روحى أو إشراق روحي أو غلبة وجد
أو شدة حب
سمها ما شئت من هذه الأسماء التي يعرفها الصوفية يعرفونها أسماء
C
6
وسعدوا
ويعرفونها مواجيد ويعرفونها أذواقاً ويعرفونها تجربة عاشوها بها وجهلها غيرهم فخلطوا بينها وبين غيرها جهلا بها وما هي إلا تجليات من تجليات الحق يمن بها على من هداهم إليه وعرفهم به
أو على من اجتباهم اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ ويَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ 1
هذه هي غيبة السيد
ونعود فنقول إن الشيخ شمس الدين يقول
إن حضوره أكثر من غيابه
ويقول الشيخ شمس الدين
وكان له إمامان يصليان به
ومعنى هذه الكلمة أنه كان محافظاً على الصلاة في أوقاتها وهل
١ الشورى ۱۳ ۰

۱۱
يتأتى أن يكون الأمر غير ذلك وهو لم يكن محافظاً على الصلاة في أوقاتها فحسب وإنما كان محافظاً على الصلاة في وضعها الكامل أعنى في جماعة وقد خصص لذلك إمامان يصليان به فإذا غاب أحدهما كان الآخر موجوداً حتى تكون الأوقات كلها متسمة بالكمال
المطلوب

وكان -- على غرار الكثير من الصوفية – يتحاشي أن يصلى إماماً وذلك ليتجرد كل التجرد عن أن يشوب أعماله رائحة المظاهر أو سمة
التظاهر
والمحافظة على الصلاة فى وضعها الصادق سمة الصالحين وذلك أنها حقا عماد الدين وأن من أقامها - أى أداها على وضعها الإسلامي
الصادق
- فقد أقام الدين ومن هدمها فقد
ويقول الشيخ شمس الدين
هدم
الدين
وكان إذا جن الليل يقرأ القرآن إلى الصباح
والقرآن على مر العصور هو شعار الصوفية قلوبهم معلقة به
وعقولهم تجول في رياضه وأرواحهم تسبح في أنهاره
و رسول الله
C
صلى الله عليه وسلم يقول - فيما رواه الشيخان
خيركم من تعلم القرآن وعلمه
وعن أبي سعيد رضى الله عنه فيما رواه الترمذي قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

يقول الرب تبارك وتعالى من شغله القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل
ما أعطى السائلين

قال
فله
به
وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيما رواه الترمذى رضى الله عنه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حرفاً من كتاب الله أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن والحسنة بعشر
حسنة
أقول ألف حرف ولام حرف وميم حرف ويقول الله تعالى في القرآن
يأيها الناسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وشفاها لما في الصدورِ
وهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ 1
ويقول تعالى في الصلاة والقرآن

أقيم الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وقُرآن الفَجْرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ومِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ نافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً وقُلْ رَبِّ أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صدق واجعل لي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً وقُلْ جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطل إنَّ الباطِلَ كَانَ زَهُوقاً ونُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ولا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَساراً ولسنا الآن في مجال بيان فضل الصلاة وفضل القرآن ولا في بيان أنهما من شعارات الصوفية بيد أن الأمر الذى نريد أن يكون واضحاً في الأذهان أن القرآن
۱ یونس ٥٧
الإسراء ۷۸ - ۸
هو

۱۳
كتاب يفيد النور القلبى والبصيرة الروحية والعلم العقلى فيه أصول التشريع وفيه تفاصيل الأخلاق وبه من قواعد العقائد مالا مزيد عليه وفيه الحديث عن أيام الله أي القصص المتعلقة بالقرون الغابرة وسنن الله فيمن أحسن فيها وفيمن أساء
آفاقاً
وهو ثروة ضخمة هائلة فى إفادة اللغة كلمات وأسلوباً ثم هو يفتح لمن اتخذ له أساساً من العبادة ممثلة في الصلاة وغيرها
من المعرفة لا تحد

إن القرآن فياض بالمعانى فإذا أخذ الإنسان ا من العلوم الاكتسابية يصحح به أمر دينه ولغته ثم انغمس فى نور العبادة والقرآن فإن الإلهامات التي تتوالى عليه والأنوار التي تشرق في روحه والعلوم التي تتفجر من ينابيع قلبه لا تحد يقول الله تعالى وعَلَّمْناهُ لدنا علماً ۱ من والله سبحانه وتعالى يتفضل دائماً بالإلهام والمعرفة على كل من أخلص وجهه له وصام نهاره وأسهر ليله وقرأ القرآن وتدبره لقد أخبر الله سبحانه بذلك وعلت همم قوم لنيل ذلك وسمت
نفوسهم للوصول إليه فعقدوا العزم وصمموا الإرادة فهداهم الله إليه وألهمهم من أنواره فكانوا علماء ربانيين
6
إن العلم سبيله الكتاب والقراءة والدرس ولكن ليس هذا وحده سبيل العلم وذلك أن العلوم منها كسبى سبيله المدرسة والجامعة التي تخرج طبيباً ومنها وهي وسبيله العبادة والتقوى وهو علم القلوب
ومهندساً وغيرهما
L
10 الكهف ٦٥

والأخلاق والمعرفة بالله ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ۱

ولم يكن صلوات الله وسلامه عليه يعنى علم الكتاب والدرس وإنما
كان يعنى العلم الوهبي وهذا النوع من العلم الوهبى لا يتعارض مع العلم الكسى ولا يقلل شأنه بل إن بينهما صلة وثيقة يقول الإمام الكلاباذی صاحب كتاب التعرف عن الصوفية صدقت مجاهدتهم فنالوا علوم الدراسة وخلصت عليها معاملاتهم
من
ومع
#

فمنحوا علوم الوراثة ذلك فإن الأمر لدى الدارسين من الفلاسفة والصوفية فيما يتعلق بالعلم الكسبى والعلم الوهبي ووسيلة كل في غاية الوضوح هناك علم من لدن الله من لدنا إنه العلم الوهبي وهناك علم عقلى يتكلفه الإنسان بالنظر والاجتهاد الفكرى والتعلم والدراسة والعلم الأول يهبه الله لمن خلص له والعلم الثاني إنما هو في حقيقة أمره محاولة دائماً لكشف نواميس الله فى الكون فلو صدقت النية وصفت السرائر لتعاون رجال هذا وذاك وهو تعاون يؤدى إلى خير الإنسانية
ونعود فنقول
إن تالى القرآن ومتدبره الذى يقضى ليله فى تدبره وتأمله وإذا جن الليل أخذ فى قراءته إلى الصباح إن مثل هذا الشخص المزود من قبل ذلك بقراءة الفقه وبتعلم العربية وبسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام
١ طه ١١٤

۱۵
جرى أن يفيض الله عليه من لدنه علماً وقد كان هذا شأن السيد رضى
الله عنه
ولقد بلغت عناية السيد بالقرآن أن لم يكتف بقراءته على قراءة واحدة وإنما تعلم القرآن بقراءاته المتعددة لقد كان عالماً بالقراءات

6
وبلغت دراسته للفقه أنه كان إذا سئل عن مسألة من علوم الفقه
أرستقراطية
يفتى فيها ثم يقول تجدونها مسطرة في الكتاب الفلاني وبلغت إلهاماته فى علم القوم أن كان يتحدث في المسألة من علمهم من الظهر إلى العصر إن مثل هذه الشخصية لا يمكن أن يقال عنها إلا أنها من العلماء ومن أرستقراطية الصوفية أما كونه رضى الله عنه من أرستقراطية العلماء فيكفي فيها أن الشيخ ابن دقيق العيد وهو من هو علماً وفضلا وعقلا كان من أتباعه والشيخ ابن اللبان وكان من كبار العلماء كان أتباعه من والشيخ عبد العزيز الديريني - وهو من هو علماً وفضلا وعقلا - كان
6
من أتباعه وكان يقول عنه في العلم إنه بحر لا يدرك له قرار واما كونه من أرستقراطية الصوفية فإننا لا نجد في التعبير عن ذلك أروع من الكلمة التي قالها وعزة ربى إن سواقي تدور على البحر المحيط ولو نفد ماء سواقى الدنيا ما نفد ماء سواقى
رضی
الله عن السيد وجزاه عن الخير أحسن ما يجزى عباده الصالحين

مقدمة
ليس للصوفية تاريخ شخصى آثار الصوفية في الهداية آثار السيد في الهداية
السيد الشيخ استكمل صفات القيادة
المريد
المنتقدون للتصوف
ليس في حياة السيد إلا الخير
فاطمة بنت بري
ليس جاسوساً فاطمياً
السيد وبيبرس الكرامة الكبرى
الفصل الأول
السيد في حياته
مولده ونسبه
صفحة
< 0
۹
۱۹
۰
٢٤
٢٦

۳۵
۳۸

٤٣
یا ای ما
24
۱۷

۱۸
رحلته إلى العراق العودة إلى مكة
الفصل الثاني
زيت وزيتون أو مع السيد في رسالاته
السطح معهد وجامعة للدعوة
صفحة
ол

۶۷

٨٤
A4
السطح كمركز للندوات العلمية
دائرة السطح
مسجد السطح
الفصل الثالث
الطريق شكلاً وموضوعاً
الحزب
الصلاة الأحمدية
الخاتمة
رقم الإيداع
الترقيم الدولى
۱۹۹۳ / ۳۸۸۷
IBN
9-02-405-5
٣٢ / ١/٩٣
طبع بمطابع دار المعارف ج م ع

۱۱

مجموعة أقطاب التصوف
هذه المجموعة تقدم عرضاً مستفيضاً السيرة العلماء المتصوفين والأبطال المجاهدين
الذين رفعوا لواء الفضيلة في كل عصر وأعلوا منار الدين والثقافة الروحية في كلي قطر فكانوا نماذج في مجاهداتهم وتضحياتهم وهي تكشف بجلاء عن شخصياتهم ومذاهبهم وما تركوا من آثار فكرية وروحية تعد من خير ما أنتج الفكر الإسلامي في
مجال التعبد والزهد
فهم بحق أمثلة صادقة
يتخذ منهم
يجب
أن
أبناء هذا الجيل قدوة يلتمسون فيها
أساليب الإصلاح العملية ووسائل التثقيف
الحقيقية
لينهضوا بمجتمعهم على
أسس قويمة من العلم والإيمان
٧٦١٣