Go Back





الدكتور
عبد الحليم محمود
سُلطان العارفين أبو يزيد البسطامي
٢٦ هجرية
الطبعة الثانية

منه سبحانه نستمد الهداية وإلى رحمته نلجأ ضارعين أن يدخلنا سبحانه في عباده الصالحين وأن يدخلنا برحمته مدخل صدق وأن يخرجنا مخرج صدق وأن يجعل لنا من لدنه تعالى سلطانا نصيرا يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث عسى أن تجير بها نقصنا وقصورنا وبرحمتك نستغيث عسى تدراً بها الأذى عنا وبرحمتك نستغيث في وجه كل جبار أو ظالم أو شيطان مرید وبرحمتك نستغيث نرجو أن ننال بها من كل خير سألكه نبيك محمد
أن
صلى الله عليه وسلم وبرحمتك نستغيث من كل شر صرفته برحمتك عن
أوليائك وأصفيائك
الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد حمدًا طيبا طاهرًا كثيرًا مباركا فيه كما تحب ربنا وترضى يا ربى لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه و مداد كلماته الحمد لله على كل حال
وأشهد أن لا إله إلا الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن ام كفوا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الح١٠ وهو على كل شيء قدير

اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم أعهد إليك هذه الحياة الدنيا أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك ريك لك وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبدك ورسولك فلا تكلنى نفسي طرفة عين إنك أن تكلني إلى نفسى تقربني من الشر وتبعدني من الخير فإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لى عندك عهدًا تؤديه إلى يو
قيامة إنك لا تخلف الميعاد
أشهد أن لا إله إلا أنت مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك
تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء
أشهد أن لا إله إلا الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور أشهد أن لا إله إلا الله يعلم السر وأخفى أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن لا إله إلا الله نستغفره ونتوب إليه وهو التواب الرحيم وندعوه وهو البر الرحيم ونستهديه وهو الهادى ونستكفيه وهو السميع العليم ونستنصره وهو العزيز الحكيم ونرجوه سبحانه أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا
وأصلي وأسلم على خير الأنبياء والمرسلين اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد
عبدك عدد خلقك ورضاء نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى
تسليا وكن بنا وصحبه وسلم آله
بالمؤمنين رءوفا رحيما
اللهم إنا نسألك بك أن تصلى وتسلم على سيدنا محمد وعلى سائر لأنبياء والمرسلين وعلى آلهم وصحبهم أجمعين وأن تغفر لنا ما مضى
يحفظنا فيهما بقى
اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات ونقضى لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات وترفعنا بها إلى أعلى الدرجات وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات
اللهم إنى أتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة أن
ترحمني مما بی رحمة تغنينى بها عن رحمة من سواك
يا سيدنا محمد إني أتوجه إلى ربي وربك أن يرحمني مما بي رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواه اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين وبعد
فإن الحضارة الأوربية الحديثة قامت - في جانبها المادى - على أساس تحدده المادة من الملاحظة والتجربة وعلى المنهج الاستقرائي وهو منهج
ويحدد نفسه بها
وقامت الحضارة الحديثة في جانبها المعنوى على أساس من العقل

أما
الذي يختلف باختلاف الأشخاص ويتفاوت
نها البيئة والبيئة الخاصة ومنها الوراثة ومنها التيار الثقافي
أخرى كثيرة
توحى فإن الحضارة الحديثة لم تعره التفاتا والوحي سنة الله إلى البشر - إنما كان لتنظيم أمور الناس
الاجتماعية
إن الد احتفون ويتعارضون ويتناقضون في كل ما يتصل بالمجتمع من ناحية لإنسان بربه وصلته بأسرته وصلته بمجتمعه وغرائز الإنسان ما تتسم بالإفراط في حب الملكية وفى حب السيطرة والاستعلاءج عن ذلك التنازع الذي لا يستقيم معه أمن ولا يتأتى في جوه طمأنينة
ونزلت أمون بيانا لعلاقات الفرد بالنسبة لغيره فوضحت العقيدة صلة الإنسان بالله ووضحت التشريع صلة الإنسان بالمجتمع ووضحت الأخلاق تزكية النفس وإخلاص العمل لله وحده أعرضت الحضارة الحديثة عن هذا الجانب واندفعت في كشف قوانين المادة للاستعلاء والغلبة واندفعت في تشجيع الفرد على أن يحل رأيه في الجانب المعنون محل قوانين الله فى المجتمع وشقيت الإنسانية شقاء لا حد له من جراء الإعراض عن التوجيهات في شتى مجالات النواحي الاجتماعية مصدرة أو أخلاقاً أو تشريعا
4
۱۰

وكان لابد من أن ينشط المؤمنون الصادقون في طريق الدعوة إلى الله وأن يضاعفوا الجهد في هداية الإنسانية إلى الإيمان وما يتضمنه من فضائل وما ينتج عنه من أمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم
وصور الدعوة إلى الإيمان تتنوع وتتعدد فمنها
١ - الدعوة مثلا عن طريق إيضاح موضوع الرسالة الذي يتنوع هو الآخر ويتعدد فيكون بيانا للقرآن الكريم أو شرحا للأحاديث النبوية
الشريفة
- ومنها الدعوة عن طريق الكتابة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو - صلوات الله عليه وسلامه - المثل الكامل لتطبيق الرسالة
وإخراجها إلى الواقع كما أحب الله سبحانه وتعالى لها
٣ - ومنها الكتابة عن الشخصيات التي سارت في طريق الله تعالى ملتزمة شريعته سبحانه
قد كتبنا فى كل هذه الموضوعات متكاتفين في ونحن - والحمد الله مع هؤلاء الذين يسيرون على نفس الطريق أمثال العالم التقى الشيخ ذلك أبو الحسن الندوي
وهذا الكتاب حلقة في هذا السبيل
إنه عن شخصية عظيمة وككل الشخصيات العظيمة اختلف فيه
الناس وتباينت آراؤهم

ولقد أردنا من هذا الحب بيان أمرين
شرح المثل الكريمة لفضائل النفيسة التي كانت شعار هذا رجل العظيم والتي استمده من القرآن والسنة وإن في معرفتها هداية وإرشادا لمن يتلمسون الطريق في صورة من صوره الصادقة ممثلا في
شخصية أحبت الله حبا
الجهاد
عليها السمع والبصر والكيان كله وكان هذا الحب نتيجة جهاد في سبيل الله متواصل في كل ميادين
الجهاد في العبادة والجهاد سيف والجهاد في المجتمع والجهاد عن طريق القدوة
أيضا
وكانت ثمرة هذا الحب جهة مستمرا متواصلا في جميع ميادين الجهاد
لقد كانت مقدمات الحب عنده الجهاد وكانت ثمرة الحب عنده الجهاد فهو صورة إسلامية إيجابية صادقة
- والأمر الثاني الذي كان من أهداف هذا الكتاب هو بيان الحقيقة عن هذه الشخصية في واقعها الصادق والله أسأل أن يهدى له وأن يهدى به وأن يجعله في ميزان حسناتنا إنه
سميع قريب مجيب
وصلى الله على سيدنا محمد النبى الأمى وعلى آله وصحبه ومن اتبع
هديه إلى يوم الدين
۱
عبد الحليم محمود

الفصل الأول
حياة أبي يزيد
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم
الدين وبعد
فإن أبا يزيد في حديث له عن فضل الله عليه وعنايته به سبحانه يختم
الحديث بقوله فالعناية من الأزل
ونحب أن نبدأ الحديث عن عناية الله بأبي يزيد بالحديث عن والديه لقد كان أبوه رجلا صالحا يتحرى مرضاة الله في جميع شئونه لقد كان صفاته البارزة فكان يتحرى الحلال في مطعمه وملبسه وشرابه
الورع من
ومسكنه
وكان في قلبه وبين عينه دائما أحاديث جميلة من أحاديث رسول الله

الله عليه وسلم في مجال الورع منها
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به
المسلمين فقال
يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إنى بما تعملون عليم
وقال يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام يستجاب لذلك رواه مسلم والترمذي
ومنها
عن ابن عباس رضى الله عنهما قال
فأنى
تليت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ۱ فقام سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه فقال يارسول الله ادع الله أن
۱ البقرة ١٦٨
١٤

يجعلنى مستجاب الدعوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ياسعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده ن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوما وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به رواه الطبراني في الصغير نشأ هذا الوالد على الورع وشب على التقوى وكيف حياته منذ البداية على قواعد الدين وحينها أحب أن يتزوج كان الحديث الشريف الذي وجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاب الزواج شعاره الذي تشیع به يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين

تربت يداك رواه البخاري وغيره
واختار فتاة يصفها المؤرخون حينما يتحدثون عن أبي يزيد فيقولون وكانت أمه فى قيد الأحياء أما غريبة في النساء الضياء والبهاء مع والستر والحياء والتواضع والدعاء والخوف والرجاء زاهدة عابدة صائمة قائمة عقيقة شريفة راضية مرضية

كانت على هذه الصفة من التقوى فإن

ومع أنها – رضى الله عنها المؤرخين يذكرون أن عيسى والد أبي يزيد رحمه الله لما تزوج بأمه وزفها لم يباشرها ويلامسها أربعين ليلة حتى علم أن لم يبق في جوفها أثر ما أكلته
من قبل وتناولته فيها غير من الأيام التي كانت في بيت والدها ثم باشرها ظهر من أولاده مثل أبي بزيد رحمه الله
u
۱۵

وقد كانت هذه الأم ذات أثر كبير على أبي يزيد وهو يتحدث عنها كثير و إجلال وإكبار شأن هؤلاء الصالحين الذين قرع أسماعهم وملأ
قلوه قول الله تعالى
ورقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ١ ولقد تمثل هذا الإحسان في أبي يزيد في قوله وفى فعله بالنسبة لوالديه
إنه يتحدث عن مدى صلاح والدته فيروى أنها كانت تتحرى الحلال في مأكلها ومشربها وقد أعانها الله على ذلك فكانت إذا قدم لها طعام من حلال امتدت يدها إليه أما إذا قدم لها طعام فيه شبهة امتنعت يدها عن
تناوله يقول أبو يزيد
وكانت أمي لما حملت بي إذا قدم لها طعام حلال امتدت يدها إليه أو حرام انقبضت
ثم يختم بقوله فالعناية من الأزل
ولكن أبا يزيد يعمم الأمر في رواية أخرى ويجعل هذه الظاهرة ملازمة وهذه ظاهرة وجدها كثير من الصالحين عناية من الله بهم لقد وجدها الجنيد رضى الله عنه ووجدها الحارث المحاسبي رضى الله عنه

۱ الإسراء ۳

ووجدها أبو العباس المرسى رضى الله عنه ووجدها آخرون كثيرون كان أبو يزيد بارا بأمه وكان يحاسب نفسه على إخلاصها في بره بأمه ويروى في ذلك القصة التالية
قال كنت أظن فى برى لأمي أنى لا أقوم لهوى نفسي بل لتعظيم الشارع حيث أمر ببرها فكنت أجد في نفسى لذة عظيمة أتخيل أنها من
تعظيم الحق عندى لا من موافقة نفسى فقالت لى في ليلة باردة اسقني فثقل على وقمت بمجاهدة وجنتها بكوز فوجدتها نامت فوقفت به حتی انتبهت فناولتها وقد بقى فى أذن الكوز قطعة من جلد أصبعي لشدة البرد انقرضت فرجعت إلى نفسى فقلت لها حبط عملك لكونك كنت تدعين النشاط في عبادتك ورأيتك تناقلت عن ذلك فعلمت أن كل ما نشطت فيه من عمل البر وفعلته لا عن كسل وتثاقل بل لذة فإنما هو لهواك
لا الله
وأخلص أبو يزيد فى بره بأمه ولعل فيوضات الله على أبي يزيد يرجع الكثير من عواملها لبره بأمه فإن الجنة جنة الدنيا وجنة الآخرة وجنة المعرفة وجنة السعادة تحت أقدام الأمهات ونرجو أن يتأمل كل إنسان الآيات الكريمة التالية من سورة الأحقاف
ورصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدى وأن أعمل صالحا

ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين أولئك الذين تقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد
الصدق الذى كانوا يوعدون والذي قال لوالديه أن لكما أتعداني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلى وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أطير الأولين أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين
ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ۱
وإن من الأحاديث النفيسة حديث الاستشفاع الذي يذكر ألوانا يستشفع بها إلى الله في أوقات الكرب ومنها ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى وغيره بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذا أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم فقال بعضهم لبعض إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه فقال الآخر
اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت آتيها كل ليلة بلبن غنم لى فأبطأت عليهما ليلة فجئت وقد رقدا وأهلى وعيالى يتضاغون من الجوع وكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواى فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعها فيستكنا لشربتهما فلم أزل أنتظر حتى طلع
1 الأحقاف ۱۵-۱۹

فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك
من
خشيتك ففرج
عنا فانساحت
عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء
ومع كل ما بلغته هذه السيدة الفاضلة من التقوى فإن الكمال لله وحده وقد هفت والدة أبي يزيد هفوتين
يقول محمد بن على الواعظ وفيما أفادتى بعض شيوخ الصوفية حاكيا عن الجنيد بن محمد أنه قال حكى لى أبو موسى عیسی بن آدم البسطامی - ابن أخ أبي يزيد طيفور بن عيسى البسطامي بالفارسية فترجمناها
بالعربية قال أبو موسى
كان بدء أبي يزيد وتوبته من رحم أمه وصلب أبيه كان صبيا ابن أقل من عشرة إذ نبهه الله تعالى لأمره وألهمه حكمة العمل فائدة من عنده من غير تعليم فقال أياما لوالدته
يا والدتى أقسم عليك هل تناولت شيئًا من الحرام بسببي أيام كنت ترضعينني فإني لا آمن أن يكون قد وصل إلى شيء من قلبي وأنا لا أعلم
فيحجبني ذلك عن ربي
فقالت أمه لا أذكر إلا أنى دخلت يوما إلى بعض جيراننا وأنت في فأخذت قارورة دهنهم فدهنت رأسك ولم أعلمهم ويوما آخر حجری كحلتك بكحلهم ولم أستأذنهم
فقال له أبو زيد إن الله يحاسب عباده على مثقال ذرة ثم قال ألا
14

ترى إلى قوله عز وجل فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وهذا أعظم من ذرة فأخشى أن يقطعنى عن ربي ثم قام وسأل عن القوم وطلب ورثتهم فاستحل منهم لنفسه ولأمه ولا يمل أبو يزيد الحديث عن أمه إنه يذكر شأنه معها في المخالفة كما يذكر شأنه معها في الطاعة إنه يقول
خالفت أمى مرتين فأصابتنى المضرة كل مرة مرة لى بأن ألقى الشيخ من السطح إلى أسفل الدار فكنت أرميها فقالت أمسك فقدمت فرميت قطعة منها فأردت أن أدركها طاعة لها وامتثالا لأمرها فسقطت من السطح وانقرح أنفى فكنت أرى ذلك القرح من خلافي لها وتركي أمرها ومرة أمرتني بالاستسقاء وقالت احمل جرة فحملت جرتين فلما برزت جاء سكران وضربنى وكسر جرتى فرأيت ذلك من خلافى أمرها
وتروى هذه القصة أيضا بالصورة التالية والصورتان يكمل بعضها بعضا يروى المؤرخون أن أم أبى يزيد قالت له ليلة من الليالي اسقنى فخرج في طلب الماء ليسقيها فلما رجع رآها نائمة فأمسك الكوز في يده حتى انتبهت فلما انتبهت قالت يا أبا يزيد أين الماء قال ها همه فأخذت الكوز من يده وقد علقه من إصبعه فجمد عليه من شدة البرد فبقى بعض جلد الإصبع على عروة الكوز فلما رأت ذلك وسألته عنه
۱ الزلزلة ۸۷

أخبرها بذلك وقال هو جلد إصبعي قلت في نفسي إن وضعت الكوز ونمت فلعلك تريدين الماء فلم تريه وما أمرننى بوضعه فأمسكته ابتغاء مرضاتك والقيام بأمرك فقالت له رضى الله عنك
قلنا إن أبا يزيد كان لأمه عليه أثر فعال ومن ذلك أنها رأت اضطرابه
وانزعاجه يوما ما فقالت له اسكن فسكن عما كان فيه وقال رحمه الله سكنتني إشارتها وسددتني عن الاغتراب وسكت وسكن عن ذلك الاضطراب
ويذكر أبو يزيد فضل أمه عليه لقد قيل له مرة بم بلغت ما بلغت قال أنتم تقولون ما تقولون وإنما أرى ذلك من رضا الأم وفى جو الصلاح والتقوى هذا نشأ أبو يزيد
أما عن حياة أبى يزيد في بواكيرها الأولى فإننا لا نكاد نعلم عنها شيئًا ولكن فطانته ونباهته وعبادته كانت واضحة للجميع وقد رأى شقيق البلخي ذلك بينا حينها مر ببسطام
بروى المؤرخون أن شقيقا البلخى اجناز ببسطام حاجا فتفقد المجلس في مسجد من مساجدها فى محلة يقال لها كدغان وكان ذلك المسجد في تلك الأيام جامعا فالصبية يلعبون على بابه وأبو يزيد فيهم فكان يجيء باب كلامه وينصرف ويضحك فوقع عليه بصر شقيق فقال
المسجد ويسمع فراسة سيكون هذا الصبى رجلا من الرجال فصار كما قال

ومن أمثلة نجابته في طفولته ما رواه موسى بن عيسى البسطامي قال
تمعت أبي يقول
قال رجل من أهل الحديث لأبي يزيد وأبو يزيد رضى الله عنه صبى
یا غلام يحسن أن تصلى
فقال نعم إن شاء الله
فقال له كيف تصلى
قال أكبر بالتلبية وأقرأ بالترتيل وأركع بالتعظيم وأسجد بالتواضع
وأسلم بالتودع فقال يا غلام إذا كان لك هذا الفهم والفضل والمعرفة فلم تدع الناس يتمسحون بك
قال أبو يزيد ليس بي يتمسحون لكن يتمسحون بحلية حلانيها ربي
فكيف أمنعهم من ذلك وذلك لغيرى
ومع كل ما بلغه أبويزيد من الاستغراق فى الألوهية فإنه لم يسر في حياته يرة الرهبان ولكنه كان يعيش فيها على سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يتمثل له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حبب إلى من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة والحديث الشريف يعنى أنه صلى الله عليه وسلم يؤثر الصلاة إيثارا بلغ
30

درجة أن يكون قرة العين
والحديث الشريف يعنى أيضا أنه مهما بلغت منزلة النساء والطيب فإن
الصلاة هي اللذة والسعادة
وينتهى معنى الحديث إلى إيثار الآخرة ممثلة فى الصلاة على الدنيا ممثلة في النساء والطيب
والمعنى في النهاية أيضًا هو ما ترشد إليه الآية القرآنية الكريمة وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا أى أن الابتغاء والهدى مما منح الله إنما هو الآخرة أما الدنيا فإنها عند طلاب الآخرة في عالم النسيان فيذكرهم الله سبحانه بأخذ نصيبهم منها حتى لا يضعفوا عن القيام بحقوقه وعن أداء واجباته في أنفسهم وفي مجتمعهم والآية الكريمة ترشد فى جوها إلى الأخذ من الدنيا بالضروري منها وهذا هو معنى الآية الشريفة وهو معنى الحديث الشريف والله سبحانه حين قال
وابتغ فما آتاك الله الدار الآخرة
أطلق الأمر إطلاقاً ثم استثنى منه قدرًا ضئيلا
ولا تنس تصيبك من الدنيا
۱ سورة القصص آية

بو يزيد على هذا النهج وكان يتمثل أيضا هؤلاء الثلاثة الذين جاءوا إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة الله صلى الله عليه وسلم وأخبروا وكأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
قال أحدهم وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا
أما أنا فأنا أصلى الليل أبدا
فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا
أما والله إن لأخشاكم الله وأتقاكم له لكنى أصوم وأفطر وأصلى وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس منى
ولقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرهبانية فقال لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله لقد تزوج أبو يزيد ويبدو أن امرأته كانت تقدره وتحترمه وكانت تروى بعض أموره للآخرين من ذلك مروياتها التالية
1 أخرجه جه الإمام أحمد والحكيم الترمذى والبيهقي


قالت سمعت أبا يزيد يقول
عالجت كل شيء فما عالجت أصعب من معاملة نفسي وما شيء
أهون على منها
الله
وقالت سمعت أبا يزيد يقول
دعوت نفسي إلى الله فأبت على واستصعبت فتركتها ومضيت إلى
وكان لأبي يزيد خادمة تأثرت به تأثرًا شديدا واقتدت به في سلوكه إلى
الله تعالى يدل على ذلك ما يلى
عن الجنيد قال بلغني عن بعض العلماء ببسطام أنه قال كان لأبي يزيد خادمة كثيرة الاجتهاد والبكاء لا تنام الليل فكانت ذات ليلة نامت فرأت فى منامها رب العزة كأنه يقول الناس كأنهم يطلبون غيرى ما خلا أبا يزيد فإنه طلبني
وسمعت من بعض الناس هذه الحكاية أنها قالت - إذا سمعت نداء الناس كلهم عبيدى غير أبي يزيد فإنه ولى من أوليائي لأن كل أحد ورجع بشيء غير أبي يزيد فإنه طلبني ! شنا
طلب منى
وكان لأبي يزيد مسجد وله مؤذن خاص ولقد تأثر هذا المؤذن أيضا بأبي يزيد وروى عنه ومن ذلك

و
يزيد كان يقول هلاك الخلق في شيئين
ترك الخرمة ونسيان المنة
يزيد
معنيا
ببيته وكان لهذا البيت شهرة خاصة بين أقربائه
لحين وكان هذا البيت يسمى بيت الأسرار يقول بعض أقربائه من أقرباؤنا لا يسكنونه احتراماً واحتشاما ولكن يترددون إليه في
الصلاة فيصلون فيه
ان في الدار التي كان فيها البيت الذى وقع ولادته فيه رجل من ا كان يقال له معلم زريكوان فحكوا عنه أن أعرابيا نزل عليه في
ل البيت فقال له
ا شربت شيئًا محرما فلا تدخله فإنه بيت الأبرار وموضع الأخيار
شيئا لا تطيقه
فمن قضاء الله تعالى أنه رجع إليه ليلة سكران وبات فيه فلما أى نفسه عريانا وما كان عليه من الثياب وما في البيت من ال كلها محرقة فلما أصبح نادى المعلم ودعاء بإزار التزر به وأقر بما ا اوتاب وانتقل من تلك الدار إلى غيرها خوفا مما أصابه من العذاب والدعاء ورأى من الآيات والكرامات وكان أبو يزيد يحب الإقامة ببلده ما كان يحب السفر اللهم إلا إلى الحج ومن طريف ما يروى اك ما يرويه وهو قال

قال لى رجل مالك لا تسافر
قال لأن صاحبي لا يسافر وأنا معه مقيم!
فعارضه السائل بمثل فقال
إن الماء القائم قد كره الوضوء منها
فقال لم يروا بماء البحر بأسًا هو الطهور ماؤه الحل ميتته ثم قال قد ترى الأنهار تجرى لها دوى وخرير حتى إذا دنت من البحر وامتزجت به سكن خريرها وجدتها ولم يحس بها ماء البحر ولا ظهر فيه زيادة ولا إن خرجت منه استبان نقصه
ولم يفهم أبو يزيد أمر الزهد فهما متزمتاً إنه لم يلبس الخشن ويأكل الخشن ومن طريف ما يروى فى ذلك ما ذكره أبو عبد الله الداستاني
قال
إن أبا يزيد أمر بعض تلامذته أن يشترى له الخبز فاشترى فلما رآه محاشا فأمره برده على صاحبه وقال كأنهم يقولون إنهم متقربون وجده يأكلون كيفما يكون وأمره أن يأخذ الأجود والأبيض !
وسار أبو يزيد في حياته على نسق سوى وكان كل همه أن يصل إلى المعرفة عن طريق القرب من الله فلما وصل إليها تكلم بها ولقب بسلطان العارفين ولكنه حينما تكلم فى علوم الحقائق كان الوسط الذي يعيش فيه أقل مستوى من أن يفهم كلامه فقال أبو يزيد

ينال كبار الصالحين فى كل وقت من أذى السفهاء والله سبحانه
أنبيائه وهم أصفى الناس الله عن
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ١
أعداء الأولياء
مال أبو يزيد ما من عبد اصطنعه الله لنفسه وشغله بذكره وحماه عن مخالفته وجعل له محادثة بقلبه إلا سلط عليه فرعون على كل
ينكره ويؤذيه
يقول مؤرخو أبي يزيد
ذلك من
ولما تكلم في علوم الحقائق لم يفهم أهل عصره كلامه فرموه بالعظائم ونقوه من بلدهم سبع مرات وهم فى كل مرة يختل أمرهم وينزل لهم البلاء حتى أذعنوا له وأجمعوا على تعظيمه ولكن هذه المحنة ما كانت تفزع أهل
الله ولا تروعهم ومن طريف شعورهم فى مواجهتها ما ذكره الشيخ أبو عبد الله يقول
نفى عن تلك المحلة فانتقل إلى محلة وافدان ولا يهولنك عن حكايته ذلك وأنه لقى محنة الأولياء وبلاء الأصفياء أقل شيء يذكر ولا ينكر
ولم يفت ذلك في عضد أبي يزيد بل استمر في حياته داعيا إلى الله بقوله
وحاله وسلوكه
۱ الفرقان ۳۱

وكانت دعوته إلى الله بحاله مصدر الجاذبية الكبرى في تأثر والاتجاه إلى الله عن طريق العودة إليه وكان كذلك حتى
المحتوم
يقول المؤرخون لحياته
القدر
قلما كان فى الليلة التي ودع فيها روحه حضر المؤذن وأعلم فلم يخرج فدق الباب فلم يجب - إلى أربع مرات - فصاح به وقال و با يزيد يسميه باسمه احتراما له واحتشاما سوى تلك الليلة فلما تيقن أنه غير بارز علم أنه إنما يمتنع عن الخروج بسبب ففتح الباب قال ولم يكن قط فوجده خارجا عن الدنيا ويقولون
لم يكن لأحد علم بوفاة أبى يزيد إلا أنه كان أشار إلى بعض تلاميذه -

جاء
واحد يقال له عبد الله يونابادی رستاقی قرية بقرب البلد لزيارته أراد أن ينصرف إلى قريته فاستأذن على الخروج فعال له لا تمش حتى تصلى الجنازة ولم يكن يعلم الرجل ما تلك الجنازة إلا أنه علم صدق قوله فلم يستخبره علمها حرمة فلما أصبح كانت الجنازة جنازة نفس أبي يزيد رضى الله عنه
ويقولون
مات سنة إحدى وستين ومائتين عن ثلاث وسبعين سنة وقد أفردت
ترجمته بتصانيف حافلة

الفصل الثاني أبو يزيد والعلم
کیف سارت به الحياة الروحية
ا إننا في هذا سنتبع
خطا رسمه أبو يزيد لحياته الروحية في سيرها إلى
الله حتى وصلت إلى الوسيلة التى توصل إلى الله تعالى في صورة ميسرة
و مادام
خط
سیره
الروحى قد رسمه هو فإنه من الطبيعي أن تلتزمه وأن
نقف عند كل مرحلة منه وقفة قد تكون طويلة وقد تكون قصيرة وذلك
بحسب
ما لدينا من نصوص عن كل مرحلة
وبدأ أبو يزيد - في سيره إلى الله - بالعلم يقول أبو يحيى العربي
البسطامي

كان مشايخ ناحية بسطام من أصحاب أبي يزيد يحدثون عنه أنه كان
يقول
كان ابتداء أمرى أن أقامني الحق تعالى على أبواب العلماء وصحبة

المتعلمة دهرا طويلا فلما استكثرت من أنواع العلوم جعلت نفسي تحدثني أنك قد علمت وعرفت والعالم والعارف في أعلى المراتب فأشرف بي الحق تعالى حتى رأيت ازدحام العلماء والعارفين فلم أر لنفسى معهم موضع قدم فتلاشيت وانصرفت ولم أصل إلى الحق فقلت العلم والمعرفة من غير حقيقة حجة وكان عندى أن الحقيقة في العلم والاجتهاد
العلم في الجو الإسلامي
لقد بدأ الوحى بدأ الجو الإسلامي كله باقرأ أي بدأ بالعلم والعلم له منزلته الكبرى فى الإسلام منزلة لا يوجد ما يماثلها أو يضارعها في الآداب العالمية سواء كانت شرقية أو غربية أوربية أو أمريكية لا يوجد بالنسبة للعلم إشادة به كما يوجد في الإسلام
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك طريقا يبتغى فيه علا سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم أجنحتها لطالب العلم رضًا لما يصنع وإن العالم يستغفر له من في السماوات ومن فى الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ
واهر
العلماء ورثة الأنبياء ولن تجد مطلقا فى المجتمعات مهما اختلفت طائفة

من الناس تسمو على ورثة الأنبياء وعلى خلفاء الأنبياء إن العلماء في مجالات العلم المختلفة فى طبقات الأرض في أجواء السماء وفى الفضاء العلماء المؤمنون فى الحديث فى الفقه في التفسير في كل جانب من جوانب الكون - العلماء هم ورثة الأنبياء وهذه الوراثة لا يضارعها في المجتمع أية وظيفة أخرى
وأشاد الله سبحانه وتعالى بالعلماء ووصل بهم إلى الذروة الإيمانية يقول
الله سبحانه وشهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم
فقرنهم معه سبحانه وتعالى فى شهادة التوحيد في أشهد أن لا إله
إلا الله !
إن الله سبحانه وتعالى لم يقرن طائفة من الطوائف به وبملائكته إلا العلماء وفى شهادة التوحيد قمة الإيمان ذروة الإيمان فذروة الإيمان وقمته إنما هي التوحيد إنما هي أشهد أن لا إله إلا الله من الذي شهد الله ومع ملائكته إنهم العلماء ويقول الله سبحانه وتعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وهذه الآية وإنما يخشى الله من عباده العلماء جاءت في معرض الحديث عن الكون عن الطبيعة عن الجبال عن الغرابيب السود عن هذا الكون في
مع
1 سورة آل عمران ٦
۳۳

طبيعته المادية جاءت هذه الآية تصف الكون فى طبيعته المادية ثم تقول
وإنما يخشى الله من عباده العلماء
وفي حقيقة الأمر أنك لا تكاد تجد عالم التشريح في مجاله حينما يرى هذه
الدقة الدقيقة هذا الإبداع المبدع هذا النظام الدقيق هذا الإحكام في الجسم الإنساني وفي الجسم الحيواني لا يرى ذلك إلا ويخر الله ساجدًا على هذا الإبداع المتقن وعلى هذا الإحكام المحكم في التكوين الإنساني وفى الجسم الحيواني أو النباتى ولا تجد عالما من علماء الفلك حينما يرى هذه

السعة الشاسعة فى الكون وهذه الآلاف والملايين من الكواكب والنجوم وكلها تسير في أفلاكها بدقة
ولا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في
فلك يسبحون ۱
حينما يرى ذلك حينها
یری
أحد هذه الدقة في المسير وهذا النظام
المحكم في هذه السعة وفى هذه الآلاف والملايين من الكواكب والنجوم
حينما يرى ذلك يخر الله ساجدا
العلماء المؤمنون وهم الذين يشهدون التوحيد مع الله ومع ملائكته هم أشد خشية الله لأنهم أعرف الناس بالله وأعرف الناس بالله
خشية له سبحانه
۱ پس ٤٠
هم
أشدهم

حانا
وانطلق الإسلام على العلم مؤيدا للعلم
محبا للعلم
مادحا للعلم وانطلق المسلمون استجابة الله سبحانه وتعالى ودعوة رسوله انطلقوا في أرجاء العالم باحثين منقبين كاشفين عن قوانين الله في كونه وعن جميع سنن الله الكونية وعن سنن الله فى المجتمعات عن كل هذه الأمور التي يجب على الإنسان في صلته بالكون وفى صلته بالآخرين يجب عليه أن يعرفها وكانت الحضارة الإسلامية في قوتها وفى عظمتها في هؤلاء الأفذاذ الذين أنتجتهم هذه الحضارة
أبو يزيد العالم
واتباعا للجو الإسلامي وعلى غرار السابقين والمعاصرين بدأ أبو يزيد رحلته الروحية بالعلم وسنسير في جو أبي يزيد شارحين الوضع الصحيح لموقف أبي يزيد من العلم حتى لا يلتبس على بعض الناس موقفه منه إنه يقول فيما يروى أبو يحيى العربي البسطامي
كان مشايخ ناحية بسطام من أصحاب أبي يزيد يحدثون عنه أنه كان
يقول
كان ابتداء أمرى أن أقامني الحق تعالى على أبواب العلماء وصحبة المتعلمين دهرا طويلا فلما استكثرت من أنواع العلوم جعلت نفسي تحدثنى أنك قد علمت وعرفت والعالم والعارف في أعلى المراتب فأشرف بي الحق تعالى حتى رأيت ازدحام العلماء والعارفين فلم أر لنفسى معهم موضع قدم
۳۵

فتلاشيت وانصرفت ولم أصل إلى الحق
فقلت العلم والمعرفة من غير حقيقة حجة وكان عندى أن الحقيقة في
العلم والاجتهاد
ويلاحظ على هذا النص أمور منها
1 - أن أبا يزيد يقول أقامني الحق
وهو - في ذلك
الأمر كله

يسير مع طبيعته المؤمنة بقوله تعالى وإليه يرجع
٢ - ويصف أبو يزيد فترة الإقامة فى سبيل العلم هذه بأنها دهرا
طويلا
تم ماذا
- ثم كان ما من شأن النفس أن تسول به الفخر بالعلم والتعالى
والعلم على هذه الصورة يعتبر حجابًا عند الذاهبين إلى الله تعالى وهم در برون ذلك يفرون من العلم إلى الله ضارعين أن يجنبهم أن يكون العلم
ومن الحق أن نقول إنه لابد من العلم لمن يريد السير إلى الله ولكن العلم هو العلم المحدد بالكتاب والسنة هو العلم بالمحكم هو العلم

الاتباعي في كل ما ورد به الكتاب والسنة وهو - في الجانب المادى الكشف عن سنن الله الكونية فهو فى هذا وذاك زيادة معرفة بالله تعالى فإذا خرج عن ذلك إلى الجدل والمراء والخلاف وإثارة الشبهات والبحث في المتشابه فقد خرج إلى ما لا يحب الله ورسوله وهو آنذاك مدعاة للفخر والعجب بالنفس والتعالى فيكون حجابا
٤- ومن هنا يقول أبو يزيد
الحقيقة في العلم والاجتهاد
أي العلم والعبادة
وذلك ينتج الصفاء والإلهام
والإلهام الصادق
هو هدف العلماء والربانيين الذين يسيرون على طريق
القرآن في قوله عن موسى وفتاه
فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه
علما
لدنا
من
إن الصوفية يسعون إلى هذا النمط من العلم وهذا النمط من العلم يتأتى بتوفيق الله عن الجمع بين العلم الكسبى والعبادة بشرط أن يكون
العلم الكسبى علما اتباعيا
1 سورة الكهف آية ٦٥

وهذا ما أراده أبو يزيد حينما يقول
الحقيقة في العلم والاجتهاد ولقد ضرب الصوفية بسهم وافر في العلم تكسبى وكانوا أئمة في هذا المجال وقد سبق أن كتبنا مايلي أما عن الصوفية والعلم فإن الصوفية يمثلون العلم الإسلامي في قمته وق جميع فروعه في الفقه وفى التفسير وفى الحديث وفي الأخلاق وإذا أردنا أن نتحدث عن القمة العلمية الشامخة - التي لا تضارع - اجتمع لديها من علوم مدروسة مرواة محكمة فيها الإتقان والاستنتاج نصر والتبصر المتابع والاتباع الواعي أغنى شخصية الشيخ الأكبر محي الدين فإن الحديث عنها يستغرق مجلدات
وإن مقارنات مؤرخى الفكر بين الشيخ الأكبر وغيره من الغربيين و شرقيين تصعد به إلى القمة
والشيخ الأكبر يذكر دائما بحجة الإسلام الغزالي الذي جمع في إحيائه أربعين كتاباً كل منها له استقلاله وله ذاتيته وألف منها - في إحكام محكم
كتابه إحياء علوم الدين
ولقد انهار تحت قلمه في سهولة ويسر عباقرة الفكر الفلسفي فتها فتوا
نهاروا وأتى عليهم كتابه النفيس تهافت الفلاسفة
وأحمد حجة الإسلام بدعة الفلسفة وعبث الفلسفة في الشرق
لإسلامي

وللإمام الغزالى أكثر من ثمانين كتاباً ورسالة في الأصول والفقه
والتوحيد والفلسفة والتصوف
ولا تزال كتبه تقرأ وتتداول وعليها دائما طابع النضرة طابع الخلود والصورة الجميلة فى الصوفية - فى الأغلب الأعم - هي صورة الجنيد لقد كان الكتبة اللغويون والأدباء يحضرون مجلسه لألفاظه
والفقهاء لتقريره
والفلاسفة لدقة نظره ومعانيه
والمتكلمون لتحقيقه
والصوفية لإشاراته وحقائقه
يقول صاحب الرسالة القشيرية عنه
كان فقيها على مذهب أبي ثور وكان يفتى فى حلقته بحضرته وهو ابن
عشرين سنة
ويروى صاحب الرسالة القشيرية عن أبي الحسين على بن إبراهيم
الحداد يقول
حضرت مجلس القاضى أبي العباس بن شريح فتكلم في الفروع
والأصول بكلام حسن عجبت منه فلما رأى إعجابي قال
أتدري من أين هذا
۳۹

قلت يقول به القاضي
قال هذا ببركة مجالسة أبي القاسم الجنيد
وإذا ذكر الجنيد ذكر أستاذه الحارث المحاسبي
وقد كان الحارث مثقفًا فى الدين والعربية كأحسن ما يكون المثقف لقد كان فقيها وكان محدثاً وكان متكلها وكان عالما في الأخلاق وكان صوفيا ولقد دخل فى قوة فى كل المشاكل التي وجدت في عصره باحثا مرشدًا مجادلا هاديًا إلى الحق والحق فى نظره هو ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه
وألف المحاسبى الكثير من الكتب في شتى مجالات العلوم وليأخذ الإنسان أى صوفى من هؤلاء الذين ذكرهم السلمي في طبقاته أو الذين ذكرهم القشيري أو الذين تحدث عنهم صاحب الحلية فسيجد أنهم قوم اتخذوا من العلم عبادة وعكفوا على دراسته تقربا إلى الله وما كان علم الكتب هو غايتهم الأخيرة وإنما مع علم الكتب كان طموحهم إلى العلم الوهبي العلم الذى يمنحه الله لبعض عباده العلم الذي سافر موسى عليه السلام سفرة شاقة مجهدة ليلتقي في نهايتها مع عباد الله تعالى علمه الله من لدنه علا يقول سبحانه عن موسى وفتاه
عبد من

فوجدا عبدا من
عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا
علام ١ وهو علم يمنحه الله لمن حقق له العبودية
ولأن هذا العلم

وهو مطمحهم الأخير لا يتأتى إلا بإخلاص
العبودية لله ولأن إخلاص العبودية لله لا يتأتى إلا بأن يكون الاستغراق في العمل صلاة وذكرًا وصياما من الأسس الجوهرية في حياة الإنسان فاتهم اتجهوا في صورة موفقة إلى العمل
لقد أخذوا الكتاب بقوة وكانوا أتقياء فأفاض الله عليهم من إلهاماته واتسم ما دونوه بطابع الروحانية واتسم بالنضرة وكان طابعه أنه يزكو على مر الزمن
والصورة الحية لثمار إلهاماتهم هي كتاب إحياء علوم الدين لحجة الإسلام وكتاب الحكم لابن عطاء الله
ولقد كان لكتبهم الأثر الكبير الواضح فى الهداية على مر العصور
وإذا عدنا الآن إلى أبى يزيد على ضوء ما سبق فإننا نفهم نصوصه في وضوح واضح إنهم يفرقون بين نوعين من العلم
علم كسبى من
الكتب ومن
المعلمين
٢ - علم وهبي أي إلهام عن الله تعالى
۱ الكهف ٦٥
۱

وكلا العلمين أثبتها الله سبحانه وتعالى ويتحدث أبو موسى - راوى أخبار أبي يزيد - عن موقف أبي يز
الإلهامي فيقول
كان في ناحية أبي يزيد رجل فقيه عالم تلك الناحية فقصد أبا يزيد
له
قد حكى لى عنك عجائب
فقال له أبو يزيد وما لم تسمع من عجائبي أكثر قال علمك هذا عمن ومن أين
فقال أبو يزيد علمى من عطاء الله عز وجل ومن حيث قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم
من عمل بما يعلم ورثه الله علم مالا يعلم
ومن حيث قال
العلم علمان علم ظاهر وهو حجة الله على خلقه وعلم باطن وهو العلم النافع فعلمك يا شيخ نقل من لسان عن لسان للتعليم لا للعمل
وعلمى من
الله إلهامات من عنده
فقال له الشيخ علمى بالتأكيد عن الثقات أكابر عن أكابر عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن ربه عز وجل
٤٢

فقال له أبو يزيد يا شيخ كان للنبي صلى الله عليه وسلم علم عن الله يطلع عليه جبريل ولا ميكائيل
لى أن علمك الذي تقول هو أن قال نعم ولكن أريد يصح قال نعم أثبته لك على قدر ما يستقر في قلبك معرفته
ثم قال يا شيخ أما علمت أن الله عز وجل كلم موسى تكليما قبلا وكلم محمدا صلى الله عليه وسلم ورآه كفاحا وكلم الأنبياء وحيا
قال بلى ثم قال أما علمت أن كلام الصديقين والأولياء بالإلهام منه لهم
أيها الشيخ الأمة وفوائده وتأييده لهم حتى أنطقهم بالحكمة ونفع بهم ومما يؤكد ما قلت ما ألهم الله عز وجل أم موسى أن تلقى موسى في التابوت حتى حملت ولدها وألقته فى اليم وكما ألقى الخضر أمر السفينة وأمر الغلام وأمر الحائط وقوله لموسى ﴿وما فعلته عن أمرى وأتاه علما من عند الله عز وجل فى قوله وعلمناه من لدنا علام وكذلك ألهم يوسف في السجن وكما قال أبو بكر لعائشة إن ابنة خارجة حامل بابنة فولدت جارية فقال إنما ألهمت ذلك وما ألهم عمر وكان على المنبر فنادى يا سارية الجبل ومثل هذا كثير
وأهل الإلهام قوم خصهم الله بالفوائد فضلا من الله عليهم وكرامة منه وقد فضل الله بعضهم على بعض فى الإلهام والفراسة فقام الشيخ وقال

أصلا وشفيت صدري
وإذا تحدث متحدث عن علم الهامي فإن ذلك يثير دائما جدلا عند علماء
رسوم ومن
ذلك ما يلى يقول أحد المؤرخين لأبي يزيد
کان مشايخنا يقولون طعن بعض العلماء فى كلامه فقال ليس هذا الذى يقوله في العلم فأجابه أكل العلم قد بلغت قال لا قال هذا
من العلم في النصف الذي لم يبلغك
وإذا آمن الإنسان بالإلهام - ولابد من أن يؤمن به – فإنه يفهم في يسر ما يقوله الصوفية فى ذلك مثل ما يقوله أبو يزيد
أخذتم علمكم مينا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي
لا يموت! وما يقوله ابن عربي
علماء الرسوم
يأخذون خلفا
عن سلف إلى يوم القيامة فيبعد النسب والأولياء يأخذون عن الله ألقاه في صدورهم من لدنه رحمة منه وعناية
سبقت لهم عند ربهم
ومما يقوله أبو يزيد
ليس العالم من يحفظ من كتاب فإذا نسى ما حفظ صار جاهلا بل من يأخذ علمه من ربه أي وقت شاء بلا تحفيظ ولا درس
وهذا هو العالم الرباني

ويتحدث أبو يزيد عن بوائق العلم ويقول في ذلك وقد سئل عن طلب العلم فقال إنما حسن طلب العلم وإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يطلب المخبر به - يعنى النبي صلى الله عليه وسلم - أو المخبر
عنه فأما طلبه ليزين نفسه عند الخلق فإنه يزداد بعدا من الله ورسوله
يزيد متمكناً
وتعود فنقول كان أبو يزيد
ما يقوله أحد مؤرخيه

ا من العلم الكسبي ومما يوضح ذلك
وبلغنا أن بعض العلماء طعن في كلامه وقال ليس بالذي يقول في العلم فقال له انظر فى كتابك الفلانى إلى ورقة كذا حتى تجد ما أقوله منها ففتش عنها فوجد فيها ما أشار إليه من العلم الدال عليه وتبعا للتفرقة بين العلم الكسبى والعلم الإلهامي يفرق أبويزيد بين صفات العالم وصفات العارف وفى ذلك يقول عبيد بن عبدالقاهر قال
أبو يزيد العارف فوق ما يقول والعالم دون ما يقول والعارف ما فرح بشيء قط ولا خاف من شيء قط والعارف يلاحظ ربه والعالم يلاحظ نفسه بعلمه والعابد يعبده بالحال والعارف يعبده في الحال وثواب العارف من هو وكمال العارف احتراقه فيه له
وينتهى العلم والاجتهاد إلى ما يقوله أبو يزيد
الحق مثل الشمس مضىء إذا نظر الناظر إليه أيقن به فمن طلب

بعد البيان فهو في الخسران
وستهى من هذا الحديث عن العلم برأى الهجويري في أبي يزيد من هذه اوية في نهاية الحديث عن العلم إن الهجويري يطلق على أبي يزيد
الزاوية
ه فلك المعرفة
ولكن هذه المعرفة التزم فيها أبو يزيد - كما ذكرنا – الشرع الشريف
يقول الهجويري كما يروى غيره أيضًا
روى أنه قال
عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئا
على
أشد
من العلم
ومتابعته ولولا اختلاف العلماء لبقيت واختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد
التوحيد
ثم يعلق الإمام الهجويري على ذلك بقوله
وهذه حقيقة واضحة لأن الجبلة الإنسانية ميالة إلى الجهل أكثر منها إلى العلم فلذلك من السهل أن تقوم بأعمال كثيرة عن جهل ولكن ليس من السهل أن تخطو خطوة واحدة بمعرفة وطريق الشرع الشريف أدق وأحد من الصراط في الدار الآخرة لذلك فإنه يجب عليك أيها السالك في كل أحوالك أن تقتدى بالشرع الشريف وإن لم تنل درجة عالية أو مقاما كاملا فإنك على كل حال تسقط في وسط دائرته وكفى بذلك شرفا أن يبقى معك عملك الموافق وإن نلت كل شيء وأهملت الشرع لم تنل شيئًا وقد
٤٦

أظهر ذلك كل أرباب اللسان للشرع وإهمال هذا الاقتداء من أضر
ما يكون على المريد
لقد كان العلم عند أبي يزيد التزاما وذلك يسلمنا إلى الحديث عن أبي يزيد والتزام الشريعة

الفصل الثالث
أبو يزيد والتزام الشريعة
والمجتمع الإسلامى الصادق يقوم على أسس من كتاب الله وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصورة التطبيقية للمبادئ القرآنية وهو صلوات الله وسلامه عليه فى قوله وحاله وفعله شرح للقرآن وكما يتبع الصوفية كتاب الله سبحانه فإنهم يتخذون رسول الله
صلى الله عليه وسلم أسوة متبعين في ذلك قول الله تعالى ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا
ولقد كان لأبي يزيد فى هذا الجانب مواقف تذكر فتشكر إنه يقول لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يتربع في الهواء فلا

نروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء
وذات يوم قال أبو يزيد لأحد أصحابه
قم بنا حتى ننظر إلى هذا الرجل الذى قد شهر نفسه بالولاية - وكان رجلا مشهورا بالزهد - فمضينا إليه فلما خرج من بيته ودخل المسجد رمى ببصاقه تجاه القبلة فانصرف أبو يزيد ولم يسلم عليه وقال هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه
وللصوفى عند أبي يزيد صورة جميلة لها من الدنيا نصيب ولها في الآخرة حظ وافر وهى صورة تسير على طريق القرآن والسنة
إنه سئل عن الصوفي فقال
هو الذي يأخذ كتاب الله بيمينه وسنة رسوله بشماله وينظر بإحدى عينيه إلى الجنة وبالأخرى إلى النار وينتزر بالدنيا ويرتدى بالآخرة
ويلبي من بينها للمولى لبيك اللهم لبيك
وكان أبو يزيد يتحرى مرضاة الله فى كل ما يأتى وفى كل ما يدع يفعل ذلك في يقظته ويلتزمه حتى في منامه إنه يقول
رأيت رب العزة في المنام فقال إيش تريد

فقلت أريد ألا أريد غير ما تريد فقال لي أنا لك كما كنت لى
حديث رسول الله صلى الله ولقد عرف أبو يزيد - من غير شك - عليه وسلم الجميل الحاسم الذي يقول فيه
لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به
ويقول أبو يزيد متناسقا مع الحديث الشريف
طلب هواه في خلاف هواك ومحبته فى بغض نفسك الأمارة بالسوء فإنه معروف عند مخالفة الهوى محبوب عند بغض النفس
وأبو يزيد فى موقفه هذا من الاتباع إنما يسير في الخط الذي سار فيه الصوفية الصادقون من قبله وسار فيه الصوفية الصادقون من بعده ولابد من الحديث عن مواقف الصوفية من هذا الموضوع - موضوع
الاتباع - وذلك لما وقر في أذهان بعض الناس من عدم التزام الصوفية
للشريعة
أشد
ونبتدئ بذكر كلمة للإمام الكامل الفقيه الأصولي المفسر الإسفراييني أئمة أهل السنة المعنيين صاحب كتاب التبصير في الدين وهو من عناية بالرد على كل من يخالف مذهب أهل السنة
إنه يذكر ما يمتاز به أهل السنة عن غيرهم من الخوارج والروافض والقدرية فيذكر أن سادس ما امتاز به أهل السنة هو

علم التصوف والإشارات ومالهم فيها من الدقائق والحقائق لم يكن قط لأحد من أهل البدعة فيه حظ بل كانوا محرومين مما فيه من الراحة والحلاوة والسكينة والطمأنينة
وقد ذكر أبو عبد الرحمن السلمى من مشايخهم قريبا من ألف وجمع إشاراتهم وأحاديثهم ولم يوجد في جملتهم قط من ينسب إلى شيء من بدع القدرية والروافض والخوارج
وكيف يتصور فيهم من هؤلاء وكلامهم يدور على التسليم والتفويض والتبرى من النفس والتوحيد بالخلق والمشيئة
وأهل البدع ينسبون الفعل والمشيئة والخلق والتقدير إلى أنفسهم وذلك
بمعزل عما عليه أهل الحقائق من التسليم والتوحيد
بعد هذا نبدأ في النظر إلى طريق التصوف وصلته بالشريعة يقول الإمام الغزالي
إن الطريق إلى ذلك إنما هو تقديم المجاهدة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال يكنه الهمة على الله تعالى ومهما حصل ذلك كان الله هو المتولى لقلب عبده والمتكفل له بتنويره بأنوار العلم وإذا تولى الله أمر القلب فاضت عليه الرحمة وأشرق النور في القلب وانشرح الصدر وانكشف له سر الملكوت وانقشع عن وجه القلب حجاب الغرة بلطف الرحمة وتلألأت فيه حقائق الأمور الإلهية فليس على العبد
۵

إلا الاستعداد بالتصفية المجردة وإحضار الهمة مع الإرادة الصادقة والتعطش التام والترصد بدوام الانتظار لما يفتحه الله من الرحمة
هذا الطريق يقول ابن خلدون وعن
وقد كان الصحابة رضى الله عنهم على مثل هذه المجاهدة وكان حظهم و من هذه الكرامات أوفر الحظوظ لكنهم لم يقع لهم بها عناية وفى فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم كثير منها وتبعهم في ذلك أهل الطريقة ممن اشتملت رسالة القشيرى على ذكرهم ومن اتبع طريقتهم من بعدهم
هذا فيما يتعلق بالطريقة
أما فيما يتعلق بالموضوع والشعور والأحوال فإن الصوفية على وجه
العموم نبهوا في صورة حاسمة إلى وجوب التزام الشريعة لقد تحدث الإمام الجنيد أكثر من مرة - فيما يتعلق بالصلة بين التصوف
والشريعة

ومما قاله في ذلك
الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول صلى
الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته
وقال أيضا
من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر لأن

علمنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة
ولقد كان الإمام الغزالى فى سلوكه وفى قوله فى حياته الخاصة والعامة
يلتزم الشريعة ويقول إن المحققين قالوا
لو رأيت إنساناً يطير في الهواء ويمشى على الماء وهو يتعاطى أمرًا
يخالف الشرع فاعلم أنه شيطان
يقول أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه
ومن دعا إلى الله تعالى بغير ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهو بدعى
والواقع أن المثل الأعلى للصوفية على بكرة أبيهم إنما هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يحاولون باستمرار أن ينهجوا نهجه وأن يسيروا على منواله فهو إمامهم الأسمى فى كل ما يدعون وهم يتابعونه مهتدين في ذلك بقول الله سبحانه وتعالى
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم
الآخر وذكر الله كثيرا ۱
وبعد فلعل مما يبين مدى التزام أبي يزيد للشريعة وللاخلاق الإسلامية
ما يلي
1 سورة الأحزاب ۱

فريضة البدن
يقول على بن محمد بن صالح بن سهل القومسي قال أبو يزيد
البسطامي عشرة أشياء فريضة على البدن
أداء الفرائض واجتناب المحارب والتواضع الله وكف الأذى عن الإخوان والنصيحة للبر والفاجر وطلب المغفرة وطلب مرضاة الله في جميع أموره وترك الغضب والكبر والبغى والمجادلة من ظهور الجفا وأن يكون وصى نفسه يتهيأ للموت
حصن البدن
قال وقال أبو يزيد
عشرة أشياء حصن البدن
حفظ العينين ومعاودة اللسان بالذكر ومحاسبة النفس واستعمال العلم وحفظ الأدب وفراغ البدن من شغل الدنيا والعزلة من الناس ومجاهدة النفس وكثرة العبادة ومتابعة السنة
1 في هذه النصوص يقصد أبو زيد بكلمة البدن المعنى الذي تدل عليه كلمة الكائن
الإنساني أو الإنسان
٥٥

شرف البدن
قال وقال أبو يزيد
عشرة أشياء شرف البدن
الحلم والحياء والعلم والورع والتقى والخلق الحسن والاحتمال
والمداراة وكظم الغيظ وترك السؤال
خراب البدن
قال وعشرة أشياء تخرب البدن
مصاحبة من لا يهمه دينه ومفارقة أهل الخير ومتابعة النفس ومجانية الجماعة ومجالسة أهل البدعة وطلب مالا يعنيه وتهمة الخلق وطلب
العلو وهم الدنيا
ما يميت البدن
قال وعشرة أشياء تميت البدن
قلة الأدب وكثرة الجهل وتهمة الخلق وشهوة البدن وطلب الرئاسة والميل إلى الدنيا ومحاباة النفس عند الحق وكثرة الأكل
0

ذل البدن
قال وعشرة أشياء فيها ذل البدن
الحدة والغضب والكبر والبغي والمجادلة والبخل وإظهار الجفاء وترك حرمة المؤمن وسوء الخلق وترك الإنصاف

۵۹
الفصل الرابع
أبو يزيد والشطح
عن الشطح
ولعل الكثير من الناس يتساءلون
إذا كان الأمر كذلك فيما يتعلق باتباع أبي يزيد وتحكيمه الكتاب والسنة فما الشأن في هذه التعبيرات التي تنسب إليه والتي يرى فيها
البعض مظاهر لا تتفق مع الشريعة الإسلامية
وردنا أولا هو أن ما ذكرناه سابقا يحكم على غيره أي أن ما ذكرناه سابقا هو الأصل وهو الذى كان عليه أبو يزيد أما ما عداه مما يتنافى معه
فإنه غير صحيح
وما من شك في أن بعض الناس من ديدنهم أن يفتروا على الآخرين
وأن ينسبوا إليهم افتراء - ما لم يكن لهم

وهذا الفريق من الناس يجد لذة في ذلك لأن في قلبه مرض لا يهدأ إلا لتشنيع على الآخرين وبما يكون من هذا القبيل وعن هذه البواعث مرضية الكثير مما نسب إلى أبي يزيد
وعن ذلك يقول شيخ الإسلام الإمام عبد الله الأنصارى الهروى متوفى سنة ٤٨١
إن كثيرا من الأكاذيب قد انتحل باسم أبي يزيد البسطامي مثل قوله
صعدت إلى السماء وضربت قبتى بإزاء العرش
عن
وسئل أبو على الجوزجانى رضى الله عنه الألفاظ التي تحكى عن أبي يزيد فقال رحمه الله - في حكمة دقيقة وفى بصيرة نافذة
قائل
أبو يزيد تسلم له حاله ولعله بها تكلم على حد غلبة حال أو سكر ومن أراد أن يرتقى إلى مقام أبي يزيد فليجاهد نفسه كما جاهد أبو يزيد فهناك يفهم كلام أبي يزيد
محمد
أما الإمام الذهبي - الناقد الصارم - فإنه يقول
نقلوا عنه أشياء كبيرة الشأن عدم صحتها
وبعد أن ذكر بعض ما تلوكه الألسنة مما يقول عنه الشأن
الشأن عدم
صحتها قال
ومن
الناس من يصحح
هذا عنه ويقول قاله حال سكره اهـ
وقال ابن حجر بعد حكايته ذلك عنه ومعقباً على قوله قلت

أبو يزيد يسلم له حاله والله متولى السرائر
ويتحدث الجنيد عن شطحيات أبي يزيد ويقول
إن الرجل مستهلك فى شهود الإجلال فنطق بما استهلكه لذهوله في الحق عن رؤيته إياه فلم يشهد إلا الحق تعالى فنعته فنطق به ولم يكن من علم ما سواه ولا من التعبير عنه ضنا من الحق به! ألم تسمعوا مجنون بنى

عامر لما سئل عن اسم نفسه فقال ليلى فنطق بنفسه ولم يكن من شهود زيد العابد
إياه فيه
ومما يتناسق مع كلام الجنيد أن يوسف بن الحسين قال كنت عند ذي النون فجاءه رجل فقال له رأيت أبا يزيد فقلت له أنت أبايزيد فقال ومن أبو يزيد ياليتني رأيت أبا يزيد فبكى ذو النون وقال إن أخي أبا يزيد فقد نفسه فى حب الله فصار يطلبها مع الطالبين
أن الشك قوى فى نسبة الكثير مما زعم البعض وروده عن أبي يزيد
فإن هناك محاولات للتفسير والشرح يقولون مثلا إنه قرى عليه إن
بطش ربك الشديد
فقال بطشي أشد
ووجهه كما قال ابن عربي أن بطش العبد بطش معرى عن الرحمة فليس عنده حالة بطشه من الحرمة شيء وبطش الحق بكل وجه فيه رحمة الرحيم له في بطشه بالمبطوش به

والله سبحانه وتعالى حينما قال إن بطش ربك لشديد أعقب ذلك بقوله إنه هو يبدئ ويعيد وهو الغفور الودود
إنه سبحانه غفور ودود في بطشه وحينها تحدث عن بطش الإنسان قال سبحانه وإذا بطشتم بطشتم جبارين فبطش الإنسان فيه جبروت وبطش الله مشرب بالرحمة
عنه
ولقد رووا عن أبى يزيد تفسيرا لكلمة من الكلمات التي يروونها كثيرا
يروون أنه قال قلت يوما سبحان الله فناداني الخالق فى سرى هل فى عيب تنزهني عنه قلت لا يارب قال فنفسك نزه عن ارتكاب الرذائل فأقبلت على نفسي بالرياضة حتى تنزهت عن الرذائل وتحلت بالفضائل فصرت أقول سبحانى ما أعظم شأني من باب التحديث بالنعمة ولست أدرى ما إذا كانت القصة التالية تحتاج إلى شرح وتفسير أو
اعتذار عن أبي يزيد يقول محمد بن على الواعظ وفيما أفادني بعض شيوخ الصوفية حاكيًا عن الجنيد بن محمد قال أبا موسى عيسى بن آدم ابن أخي أبي يزيد طيفور بن عيسى
سمعت
بالفارسية فترجمناها بالعربية قال أبو موسی
وكان أبو يزيد إذا هاج بدا منه كلام نحفظه ومنه قوله وده ودی وودی وده عشقه عشقى وعشقى عشقه حبه حبى وحبى
حبه !

الفصل الخامس
أبو يزيد العابد
بدأ أبو يزيد رحلته إلى الله بالعلم العلم الملتزم لكنه لا يكفى أن تعلم ولكن لابد أن تعمل والعمل جهاد إنه مجاهدة للنفس من أجل
الاتباع الصادق ويقول أبو يزيد
عملت في المجاهدة ثلاثين سنة
ويفصل أبو يزيد في هذا الأمر ونحن نسير معه في المنهج الذي أقامه
الحق فيه
وإذا كان الحق أقامه فى العلم دهرًا طويلا لم يكن العلم فيها حائلا بينه وبين أداء الفروض فإن الحق تعالى أقامه
مع المصلين في الجماعة والمحاريب دهراً طويلا لم يكن يفوته مع الإمام التكبيرة الأولى
٦٣

وأدمه الحق
مع الصائمين دهرا طويلا
وأقامه الحق
مع زوار بيته دهرا طويلا
إنها العبادة هل نعد ذلك مرحلة على العلم أو نعدها مرحلة مصاحبة للعلم أو نعدها مرحلة تلت معرفة المبادئ العلمية الأولى الضرورية لإقامة
فرض الدين ثم صاحبت درجات العلم التخصصية
إننا نميل إلى الفرض الأخير وذلك أن كلا من هذه الأمور العلم الصلاة الصيام الحج لا يتنافى بعضها مع البعض الآخر فكلها عبادة
وكان أبو يزيد معنيا بالعبادة عناية شديدة
يقول عنه صاحب كتاب كشف المحجوب
كانت حياته منذ البداية تقوم على مجاهدة النفس وكثرة التعبد والنصوص التالية تبين عن عبادة أبي يزيد التي كانت تتضمن طول التأمل وطول التفكير والتى كانت تطبيقًا لقوله تعالى واصفًا أولى الألباب
شيئًا
وإن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار

ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادى للإيمان أن آمنوا بربكم فأمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوقتامع الأبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ۱
عبادته وحياته
وأبو موسى خادم أبي يزيد وابن أخيه ولد آدم وقد اجتهد في خدمته وجد في تعهده ووده وبالغ في حشمته وحرمته حتى نقل أنه كان - أبوموسى - يحفظ على أبي يزيد أوقات الصلوات حتى كان يتردد إلى باب نوحان - ونوحان موضع فسيح - لم يكن بينه وبين رؤية الصبح حجاب إذا رأى الصبح قد انفجر أعلمه فيبرز إلى المسجد من صومعته وقال ابن معاذ
رأيته في بعض مشاهداته كالغريق ضاربًا بذقته على صدره شاخصا بعينيه من العشاء إلى الفجر ثم سجد عند السحر فأطال سجوده ثم قعد فقال اللهم طلبوا منك فأعطيتهم طى الأرض والمشى على الماء وركوب الهواء وانقلاب الأعيان وإني أعوذ بك منها!
ويصف أبو يزيد مجرى طريق العبودية ويقسمه بحسب أوضاع الناس
۱ آل عمران ١٩٠-١٩٤

يزيد يقول
وتحدثنا أبو موسى الديبلي فيقول إنه أيا سمع يجرى طريق العبودية لله تبارك وتعالى ومنازلها على ثلاثة أوجه عام
و خاص وخاص الخاص
فأما مجرى حفظ عبودية العوام فعلى خمسة أوجه أوله عبد مذنب مريب غير تائب قد غرته الدنيا فاغتربها ونسى الآخرة ورضى بحطام الدنيا فهذا عبد متى هاب من ربه لا يعرف حق ربه ولا يحفظ حرمته وهو عبد سوء لا يخاف من الله ويخون الوعد والوعيد فإن تاب تاب الله عليه وإن مات على غير توبة فهو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له فهو عدل منه
وعبد مراء بعلمه يريد محمدة الناس له وحسن الثناء عليه مجتهد في العبادة والخدمة الله عز وجل ويريد بها العز عند الناس والشرف والذكر في الآفاق قد رضى من الآخرة بالدنيا ومن الدنيا بثناء الناس فهذا عبد خاسر غافل
وعبد مطيع الله تعالى في تأدية حقه سامع له مؤد لفرائضه مجتنب للمعاصى كلها متباعد عن الآثام متابع لأمره عز وجل مقتد بسنة رسول صلى الله عليه وسلم - فهذا عبد ناصح الله ولنفسه ولجميع المؤمنين والمؤمنات وهو محمود عند الله وعباده قائم على حفظ العبودية لله مستقيم
الله

عليها
٦٦

وعبد راغب فى أعمال البر مقبل في إقامة التطوع بعد أداء الفرائض كثير النوافل طالب للخيرات بائع دنياه بآخرته يحمل أيامه في طاعة الله فهذا عبد عامل الله تعالى طالب الثواب ملتمسا رضاءه راغبا فيما عند الله تابعا لأنبيائه ورسله فطوبى له
وعبد يجتهد في ارتياد مرضاة الله تعالى مؤدب لنفسه قائم عليها باستخراج العيوب منها محارب لعدوه صاحب اجتهاد وسهر وبكاء مخالفا لنفسه غير متبع هواها زاهد في دأبها يروم كسرها يحملها على المحجة الواضحة مرة تقوم ومرة تسقط وهو دائم المحاربة مع العدوة إلى أن ينصره الله عليها فهذا عبد صالح يحفظ حق عبودية معبوده
وتفرع
وأما مجرى الخاص فعلى وجهين
عبد تائب إلى ربه نادم على ما ضيع من أمر ربه مقبل إليه بقلبه
هارب من الخلق إليه
وعبد حزين خائف قد عرف الوعد والوعيد راج راغب راهب كريم على ربه صادق مستقيم شاكر لآلاء الله راض بقضائه متنعم به
وأما مجرى خاص الخاص فعلى وجهين أيضًا
عبد زاهد فى كل ما شغله عن ربه عز وجل قد ولى وجهه عن الدنيا وأقبل على الآخرة واستأثر ذكر مولاه على سائر خلقه
٦٧

وعبد مفوض أمره إلى الله تعالى قانع ساكن قلبه إليه راكن إلى ما عنده منيب إليه يريد الأنس والزلفة لديه لا يريد من الدنيا والآخرة
ومن العبادة الجهاد وذلك يقتضى فصلا مستقلا
٦٨

الفصل السادس
أبو يزيد والجهاد في سبيل الله
لقد فرض الله جهاد أعداء الله ورسوله بكل وسيلة من الوسائل
بالقلب وباللسان والمدفع
وإنفاق المال في سبيل الله للتغلب عليهم
وبذل النفس رخيصة في سبيل النصر
وفي القرآن الكريم وفى السنة النبوية الشريفة آيات كريمة وأحاديث سامية هي بيانات حربية من أقوى ما يكون إنها بيانات حربية تختلف أساليبها وتتنوع فتكون فى صورة نصيحة أو في صورة أمر أو في صورة
نہی
ولقد أحاط الله ورسوله الجهاد بكل ما يكفل للمسلمين النصر بإذن الله ابتداء من الجانب المادي
9

وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة إلى الجانب الروحي الذي استفاض
كثيرا وتحدث عن مبادئ اجتماعية وأخلاقية هي أسباب ووسائل
العصر
لقد تحدث عن الثبات عند اللقاء
وعن ذكر الله
وعن الطاعة
وعن وحدة الأمة
وعن عدم التنازع
قال تعالى
ويأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم
واصبروا إن الله مع الصابرين
ويقول تعالى
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن
1 سورة الأنفال ٤٥ ٤٦

ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا يبيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز
۱
العظيم
يقول الألوسي
ترغيب للمؤمنين فى الجهاد ببيان فضله ولا ترى ترغيباً في الجهاد أحسن ولا أبلغ مما فى هذه الآية لأنه أبرزه في صورة عقد عاقده رب العزة جل جلاله وثمنه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط بل كونهم قاتلين أيضًا الإعلاء كلمة الله تعالى ونصرة دينه سبحانه وجعله مسجلا في الكتب السماوية وناهيك به من صك ! وجعل وعده حقا ولا أحد أوفى من واعده فنسيئته أوثق من نقد غيره
وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم وصور جهاد المؤمنين ويذل أموالهم وأنفسهم فيه وإثابة الله تعالى لهم على ذلك الجنة بالبيع والشراء وأتى سبحانه بقوله يقاتلون إلخ بيان لمكان التسليم وهو المعركة
وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم
الجنة تحت ظلال السيوف ثم أمضاه سبحانه بقوله
وذلك هو الفوز العظيم
1 التوبة ١١١
۷۱

ومن هنا أعظم الصحابة رضى الله تعالى عنهم أمر هذه الآية فقد أخرج
ابن أبي حاتم وغيره عن جابر بن عبد الله قال نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد إن الله اشترى من المؤمنين إلخ فكثر الناس في المسجد فأقبل رجل من الأنصار ثانيا طر في ردائه على عاتقه فقال يا رسول الله أنزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم نعم فقال الأنصارى بيع ربيح لا نقيل ولا نستقيل
أما إذا كان الاستشهاد فإن الله سبحانه وتعالى يقول
وولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم

من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ۱
الله
وإن من مواريث أسلافنا رضوان الله عليهم التي كانوا في الأغلب الأعم - يواظبون عليها أنهم كانوا يذهبون إلى الربط يرابطون فيها مسلمين مستعدين للجهاد والربط جمع رباط وهى أمكنة على الحدود وعلى الثغور يرابط فيها كل من وهب نفسه الله جاعلا حياته في سبيله
لقد كانوا يقيمون فيها حارسين حذرين من العدو أن يغير على بلاد المسلمين عن طريقها فهم يسهرون الليل على أسوار الربط يرقبون أية
۱ سورة آل عمران ۱۹۹ ۱۷۰
VY

حركة مريبة من العدو مستعدين بأسلحة عصيرهم مدربين على أحدث طرق
القتال السائدة في زمانهم
وكان أبو يزيد يرابط كان يرتقى فرز سور الرباط ويستمر طيلة الليل حارسا له ممن يقصده من الأعد ولكنه لم يكن مرابطا فحسب وإنما كان مرابطا ذاكرًا وقد جمع بهذا بين الحالتين اللتين ذكرهما رسول الله
صلى الله عليه وسلم حينما قال
عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين سهرت تحرس
في سبيل الله
وكما أمر الله سبحانه وتعالى بالجهاد و خراسة في سبيل الله فإنه سبحانه وتعالى أمر بالذكر بل أمر بالذكر الكثير فى حالة الحرب فقال سبحانه ويأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة دينوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنزعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين
والله سبحانه وتعالى يبين بهذه الكلمة القرآنية الكريمة بعض عوامل النصر وكما أن من عوامل النصر الثبات فإن من عوامله ذكر الله تعالى ولا تقل أهمية ذكر الله تعالى عن أي عامل من عوامل النصر كان أبو يزيد يحرس ويذكر وبتعبير آخر كان أبو يزيد بين المسجد ذاكرا وبين الحرب مشهرًا سيفه ويقول أبو يزيد عن نفسه في صراحة إنه ماكان

يستند إلا على حائط رباط أو حائط مسجد أى أنه كانت حياته في مجال العبادة وفي مجال الجهاد إنه يقول لم أزل منذ أربعين سنة أني ما استندت إلى حائط إلا إلى حائط مسجد أو رباط فقيل له لم لا تستند وفى ذلك رخصة فقال سمعت الله عز وجل يقول
فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ۱
فهل ترى من رخصه
وإذا كانت العبادة فى الأعراف الإسلامية جهادًا فإن أبا يزيد كان
- حياته
في مجال الجهاد
وإذا كان الجهاد فى الأعراف الإسلامية أيضًا عبادة من أسمى أنواع العبادة فإن أبا يزيد كان حياته - في عبادة
ويقول أبو يزيد أيضا
أقامنى الحق مع المجاهدين أضرب معهم بالسيوف في وجوه
دهرا طويلا
أعدائه
وفى هذه الكلمة تعبير جميل هو أقامنى الحق إن الحق سبحانه هو الذي أقامه فالفضل له سبحانه وهذه سمة من السمات الواضحة عند الصوفية إن الحق هو الذي يقيمهم فيما هم فيه من خير بل هو
1 سورة الزلزلة ۸۷
الذي

يقيمهم في الشكر حينها يشكرون على ما وفقهم إليه من أعمال الخير فالفضل منه والشكر منه والزيادة بسبب الشكر منه والشكر على الزيادة
منه
ولم يكن أبو يزيد بدعًا في الجو الصوفي وإذا كان المؤرخون للصوفية يمرون مرورًا عابرًا على جهاد الصوفية فإن ذلك لما يؤمن به المؤرخون من أن أمر جهاد الصوفية من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى بيان مستفيض
لقد كانوا يجاهدون في جميع الميادين
جهاد النفس
جهاد في المجتمع
جهاد أعداء الله باللسان والقلب والسيف
ونحب في هذا المقام أن تلقى بعض الضوء على جهادهم بالسيف بمناسبة
جهاد أبي يزيد
لقد قلنا إنه لم يكن بدعا في الجو الصوفى
وذلك أن من كبار المجاهدين الذين خاضوا المعارك شيخ الصوفية
الإمام إبراهيم بن أدهم
لقد غزا في البر ولقد غزا فى البحر وكان في هذا وذاك ذاكرا لله
لا يفتر

ومنهم رب السيف والزهد والعبادة الإمام شقيق البلخي من كبار زعماء الصوفية وكان صاحب مدرسة مجاهدة عابدة كان يسعده رؤية السيوف تلمع ورؤية المعركة تحتدم وما كانت نفسه آن ذاك تطير شعاعا من الأبطال وما كان يقول لها ويحك لن تراعى وكان كلما حمى الوطيس وهو في غمار المعركة كانت سعادته أكثر وهو ينكل بالعدو في شجاعة لا تبالي بالموت وقعت عليه أو وقع عليها
وكانت ثقة شقيق في الله مطلقة وبلغت إلى الحد الذي اندفع فيه شقيق في الجهاد في سبيل الله لا يبالى على أى جنب كان في الله مصرعه
وها هو بين الصفين في محاربة العدو مسلحًا بالإيمان والعدة الحربية وقد التحم الجيشان فليس هناك إلا سيوف مصلتة ورقاب تقطع ورءوس تسقط وإذا بشقيق يقول لمن بجواره
كيف ترى نفسك أترى نفسك فى حالة تشبه حالتك في الليلة التي
زفت فيها امرأتك إليك
فقال صاحبه لا والله
فقال شقيق
لكنى - والله - أرى نفسى فى هذا اليوم مثل ما كنت في الليلة التي
رفت فيها امرأتي إلى !
ومات شقيق شهيدا في ساحة الحرب والجهاد وسنه أربع وتسعون

وكانت مدرسة شقيق الصوفية على غراره فكان تلميذه حاتم مثلا برافقه في المعارك ويخوض غمارها غير هياب ولا وجل وقد سبق أن كتبنا
عنه ما يلى
وحياة حاتم الأصم تزيل كثيرًا مما ألحق بالصوفية من تهم لا تمت إلى الحقيقة بصلة وأول هذه التهم المزيفة أن الصوفية لا يمارسون الجهاد في والواقع أن العكس هو الصواب
سبيل الله

وها هو ذا حاتم وأستاذه شقيق - وكلاهما من بلخ - قد ساهما في الجهاد بصورة ملحوظة وقد استشهد أستاذه شقيق في ساحة الجهاد
ويصف حاتم ساعة الوغى فى معركة من المعارك التي خاضها فيقول لا أرى إلا رءوسا تندر - أي تسقط – وسيوفًا تقطع ورماحا
تضرب
وقد كان حاتم يحارب بشجاعة لا يبالى الموت وقد صور عدم مبالاته بالموت عندما حدث أن تغلب عليه الأعداء مرة وأخذوه أسيرا وجثم أحدهم على صدره ليذبحه إنه يصف شعوره وهو في هذه الحالة فيقول لم يشتغل به قلبى بل كنت أنظر ما يحكم الله تعالى في فبينما هو يطلب السكين التي يذبح بها أصابه سهم فقتله فقمت سليما معافى! قام سليما معافى ليواصل المعركة من جديد!
VV

ونظرة حاتم للجهاد نظرة عامة شاملة وهى النظرة الإسلامية الصادقة
للجهاد إنه يقول
الجهاد ثلاثة
جهاد في سرك مع الشيطان حتى تكسره
وجهاد في العلانية

في أداء الفرائض حتى تؤديها كما أمر الله
وجهاد ضد أعداء الله لنصرة الإسلام
إن الصوفية يحاولون أن يصلوا إلى مرضاة الله في كل أمر من الأمور التي يحبها الله ورسوله وموقفهم من الجهاد كموقفهم من مبادئ الإسلام الفاضلة التي يحبون أن يصلوا فيها إلى مرضاة الله ورسوله وهم يعرفون
قوله تعالى في هذه الصورة الحاسمة
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك
هم الصادقون ۱ ويعرفون أن الجهاد تجارة مع الله وهى تجارة رابحة يقول سبحانه يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها
۱ سورة الحجرات ١٥
VA

الأنهار ومساكن طيبه في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها
نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين
وقد اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بثمن هو الجنة وعبر عن
ذلك بقوله
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشر وا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر
المؤمنين
ووصف المؤمنين الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات الكريمة هو الوصف الذي أحب الصوفية تحقيقه وعملوا طيلة حياتهم على إظهاره في الواقع
وإذا قفزنا في ساحة الزمن قفزة واسعة فوصلنا إلى معركة المنصورة فإننا نجد كبار المؤمنين وصفوة الصوفية فى قلب المعركة لقد تركوا بيوتهم وأسرهم وهبوا مندفعين إلى المنصورة ليساهموا في النصر والاستشهاد في سبيل الله ولتكون الجنة تحت ظلال سيوفهم - ولقد كان – وهذا له أهميته

الخاصة - أبو الحسن الشاذلى وهو من صفوة الصفوة الصوفية - قد تجاوز الستين وكان قد كف بصره ومع ذلك فإنه ترك بيته وذهب إلى المنصورة مساهما في المعركة بقدر استطاعته !
لقد كانت المعركة شغله بالنهار وشغله بالليل لقد كانت تشغله مستيقظا فيمر بسمته الوقور وبهيبته المستمدة من تقواه وبالنور يشرق من وجهه بين الجنود مشجعًا حاثًا مبشرًا بالنصر وبالجنة فإذا ماجنه الليل أخذ يبتهل إلى الله سبحانه وتعالى متضرعًا خاشعا راجيا التوفيق والنصر للأمة الإسلامية
وفي ليلة من الليالي رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رؤيا

رضى الله عنه يبشر بالنصر
طويلة وأصبح ولم تكن هذه هي الواقعة الأولى التى ساهم فيها أبو الحسن الشاذلي
رضى الله عنه

ولم تكن الأخيرة !
وإذا قفزنا في ساحة الزمن مرة أخرى وجدنا الإمام الصالح الورع
الزاهد شمس الدين الديروطي ثم الدمياطى الواعظ
لقد حط - هاجم وانتقد - مرة على السلطان الغوري في ترك الجهاد فأرسل السلطان خلفه فلما وصل إلى مجلسه قال للسلطان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - فلم يرد عليه - فقال إن لم ترد السلام فسفت وعزلت ! فقال وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ثم قال علام تحط علينا

بين الناس في ترك الجهاد وليس لنا مراكب نجاهد فيها فقال عندك المال الذي تعمر به فطال بينها الكلام فقال الشيخ للسلطان قد نسيت نعم الله عليك وقابلتها بالعصيان ! أما تذكر حين كنت نصرانيا ثم أسروك وباعوك من يد إلى يد ثم من الله عليك بالحرية والإسلام ورقاك إلى أن صرت سلطانا على الخلق وعن قريب يأتيك المرض الذي لا ينجع فيه طب ثم تموت وتكفن ويحفرون لك قبرا مظلما ثم يدس أنفك هذا فى التراب ثم تبعث عريانا عطشان جوعان ثم توقف بين يدى الحكم العدل الذى لا يظلم مثقال ذرة ثم ينادى المنادى من كان له حق أو مظلمة على الغورى فليحضر فيحضر خلائق لا يعلم عدتها إلا الله تعالى !
فتغير وجه السلطان من كلامه فقال كاتب السر وجماعة السلطان الفاتحة يا سيدى الشيخ خوفًا على السلطان أن يختل عقله فلما ولى الشيخ وأفاق السلطان قال انتوا بالشيخ فعرض عليه عشرة آلاف دينار يستعين بها على بناء البرج الذى فى دمياط فردها عليه وقال أنا رجل ذو مال لا أحتاج إلى مساعدة أحد ولكن إن كنت أنت محتاجًا أقرضتك
وصبرت عليك !
فما رؤى أعز من الشيخ فى ذلك المجلس ولا أذل من السلطان فيه وقد توفى شمس الدين الديروطي رحمه الله في ربيع الأول سنة إحدى
۸۱

وعشرين وتسعمائة وله من العمر نيف وخمسون سنة رضى الله عنه وإذا ما قفزنا مرة أخرى - في ساحة الزمن - قفزة واسعة فإننا نلتقى بالصوفي الشهير عبد القادر الجزائري
لقد كان من كبار الصوفية ومن كبار القادة في الحرب ولقد حارب الاستعمار في الجزائر وفعل بإيمانه القوى وصوفيته العميقة الأعاجيب في
الشجاعة والإقدام وقد بدأ الحرب بأفراد قلائل سرى إيمانه وإقدامه فيهم فتمثلت فيهم الشجاعة في أسمى مظاهرها وأخذ عددهم يزداد شيئًا فشيئًا على
الأيام
أما أسلحتهم فقد كانت ما يأخذونه من أسلحة العدو
مر
ولقد وجه الأمير عبد القادر الجزائرى النداء تلو النداء للأمة الإسلامية من أجل العون المالي والإنساني ومن أجل العون في العتاد فكانت المساعدات التي قدمت إليه مخجلة يندى لها الجبين ! تشعر الأمة الإسلامية بأنها أمة واحدة وكأن لم تسمع ولم تقرأ قول الله سبحانه وتعالى إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ۱
وقوله تعالى انا
وإن هذه أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون
۸
۱ الأنبياء ۹
المؤمنون ٥٢

سنه وإذا
الصوفي
حارب
إن الأمة الإسلامية لم تتجاوب مع الأخوة وكأنها لا تشعر بقوله تعالى
وإنما المؤمنون إخوة ١
ولا تحس بالإحساس الإسلامي
المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ۳
المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا۳
ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ولم يثن كل ذلك الأمير عبد القادر عن متابعته الحرب والكفاح ضد المستعمر وعندما أسر أكرمه الأعداء أنفسهم لشجاعته وشهامته ومروءته
ولما حالت الظروف القاهرة بينه وبين الجهاد والتضحية الحربية - وذلك بعد الأسر – مكث في دمشق يدرس التصوف متخذا الفتوحات المكية كتابه المفضل فى الشرح والتفسير ولقد طبع هذه الفتوحات وفى أثناء إقامته بدمشق ألف كتاب المواقف وهو كتاب في التصوف عريق بين
فيه وجهة نظر الصوفية فى مختلف الموضوعات
۱ الحجرات ۱۰ مسلم
۳ البخاري

الفضل المتابع الوصول
بدأ أبو يزيد بالعلم فأقام به أمور دينه وتخصص فيه حتى ليقول
الهجويري عنه
له روايات عالية لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويقول في وصفه فلك المرفعة
وعن وصف علمه يقول
كان متمسكًا بالشريعة السمحاء بعيدا عن مظان الشبه التي نسبها
إليه أهل الباطل تدعيا لبدعهم
وسار أبو يزيد في العبادة أشواطا وأشواطا
ومع
كل ذلك
ومع
الجد والاجتهاد فإن درجة القرب من الله سبحانه
وتعالى هي توفيق منه سبحانه ولا يصل إليه إلا من يلجأ إليه
٨٥

ن درجة القرب إما أن تكون اجتباء
وإما أن تكون هداية
يقول سبحانه
هو الله يجنبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب ۱
إنه سبحانه الذي يجتبى وهو سبحانه الذي يهدى والوصول إليه إنما يكون به ولا مناص من التضرع والابتهال والدعاء ليتعرض الإنسان إلى نفحاته وفى الأثر
إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها
ويبدو
أن أبا يزيد بصورة لا شعورية كان يشعر بنفسه بل هو يصرح بذلك بمناسبة موضوع الحج فيقول إنه حج أول مرة فرأى الكعبة لقد
رأى
مبنى
مبنى
الكعبة وشعر مع
ذلك
ورأى نفسه ثم حج مرة ثانية فرأى برب الكعبة وشعر بنفسه أيضا ثم حج للمرة الثالثة فشعر برب الكعبة ولم يشعر بنفسه وهنا علم أن هذه الحجة هي الكاملة ومن أجل ذلك فإنه فى المنهج الذى تحدث فيه عن سيره إلى الله بعد أن طوف بالعلم والعبادة والجهاد ولم يصل بكل ذلك إلى درجة القرب التي
1 الشورى الآية ۱۱
٨٦

عاء
سرح
القد
أن
بتمناها وذلك بسبب رؤيته نفسه فى العبادة والاعتداد بها لجأ إلى الله
متضرعًا مبتهلا خاشعًا
ويروى أبو يزيد ذلك فيقول
فقلت إلهى ارحمنى وارحم حيرتي وأقم بعبدك مقاما أتقرب به إليك لا ينافستي في ذلك المقام منافس ولا يزاحمنى فيه مزاحم فلقد أشرف بي على من سبقونى إليك ورأيتنى لا أطيق اللحوق بهم!
فناداني الحق يا أبا يزيد إنه لا يتقرب إلى متقرب بمثل من يأتيني بما
ليس لى!
قلت إلهى وما الذى ليس لك وأنت تقرب من يأتيك به ومن أين لى
ماليس لك
فقال يا أبا يزيد ليس لى فاقة ولا فقر فمن ابتغى لدى الوسيلة بها
قربته من بساطى!
قلت اللهم أشرف بي على ذوى الفقر والفاقة
فأشرف بي فإذا هم شرذمة قليلون لا أرى هناك ازدحاما ولا تنافسًا ولا أرى لهم على الباب جلبة ولا صياحًا فعاهدته لا أوثر على الفقر والفاقة شيئًا فها أنا معه على هذا العهد فليس من ساعة إلا وتأتيني منه
كرامة جديدة !

فقلت إلهى ! هذا شيء خصصتنى به من بين خلقك قال هذه الكرامة لا ينالها إلا من آثر الفقر والفاقة وصبر عليها
وأنس بها!
ولعل أبا يزيد فى طلبه ذلك كان يتأسى بسيدنا سليمان حين قال رب اغفر لي وهب لى ملكا لا ينبغي لأحد من بعدى ١ وإذا كان الله قد استجاب لسيدنا سليمان فإن أبا يزيد يعترف بأن أمر
وصوله
متدرج تحت قانون عام هو
أن الوصول إلى الله لا يتأتى إلا عن طريق إيثار الفقر إلى الله
والفاقة والصبر عليهما والأنس بها!
سر الوصول إلى الله
ولقد تحدث أبو يزيد عن هذا السر فى الوصول إلى الله غير مرة من ذلك عن عبيد قال قال أبو يزيد
طلقت الدنيا ثلاثا ثلاثا بتاتا بتانا لا رجعة فيها وصرت إلى ربى
وحدى فناديته بالاستغاثة
إلى أدعوك دعاء من لم يبق له غيرك !
۸۸
۱ ص ۳۵

يهما
ال
فلما عرف صدق الدعاء من قلبي والإياس من نفسى كان أول ماورد على من إجابة هذا الدعاء أن أنسانى نفسى بالكلية ونصب الخلائق بين
يدى مع إعراضي عنهم!
قلت يارب كيف الطريق إليك
فقال لى اترك نفسك وتعال
قال الخواص فاختصر له الطريق بألطف كلمة وأخصرها فإنه إذا ترك حظ نفسه من الدارين قام الحق معه وكان أبو يزيد يقول
رأيت رب العزة فى النوم فقلت يارب كيف أجدك فقال فارق نفسك وتعال إلى! وقال أبو موسى الديبلي سمعت
أبايزيد يقول
نوديت في سرى فقيل لى خزانتنا مملوءة من الخدمة فإن أردتنا فعليك
بالذل والافتقار
وقال أبو يزيد
وإذا أردت أن تطلبه فاطلبه في رجوعك عما دونه ! وقال – أبو يزيد - طلقت الدنيا ثلاثاً لا رجعة فيها ثم تركتها وصرت وحدى إلى ربى عز وجل فناديته بالاستغاثة
إلهى ومولاي أدعوك دعاء من لم يبق له غيرك ! فلما عرف صدق

الدعاء من قلبي مع الإياس منى كان أول ما أورد على من إجابة هذا الدعاء أن أنسانى نفسى بالكلية ونصب الخلائق بين يدى مع إعراضي
طريق العبودية
والتزم أبو يزيد طريق الفقر إلى الله والفاقة!
إنه طريق العبودية الصادقة والإنسان لا يصل إلى الله إلا عن طريق الذلة والانكسار أما المتكبرون فليس لهم فى الجنة مكان ومكانهم النار أليس في جهنم متوى للمتكبرين ۱
ولقد أخرج الله إبليس من الجنة لتكبره وقال له
فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها ٢
إن طريق العبودية هو الطريق إلى الله سبحانه وسار فيه أبو يزيد وانتهى به هذا الطريق إلى القرب
ووصل أبو يزيد فى القرب إلى درجة أن الشعور بالألوهية ملك عليه وبصره وكيانه كله لقد كان فانيًا فى الله سبحانه وعبر - وهو في هذا الشعور - عن شعوره في عبارات نفسية جميلة والاستغراق في الله حقا
سمعة
۱ الزمر ٦٠
الأعراف ۱۳

يجعل الإنسان ربانياً لا يؤثر إلا ما يحبه الله ولا يفعل إلا مافيه رضاء الله
ولا يسير إلا في طريق الاتباع
كان موقفه من الله موقف المهيمن
والله سبحانه يقول
وقل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتر بصوا حتى يأتى الله بأمره 1
لقد طرق طارق بابه وقال هاهنا أبو يزيد
فصاح
إن أبا يزيد في طلب أبى يزيد منذ أعوام فما رأه يشير إلى ذهابه عن الخلق إلى الحق بلا رجوع
وقيل له كيف ترى الخلق فقال به أراهم !
مقام الرجال
وقيل لأبي يزيد متى يبلغ الرجل مقام الرجال في هذا الأمر قال إذا
عرف نفسه وقويت همته عليها !
١ التوبة ٢٤

وقد
أبو سمع يزيد يقول
حسب المؤمن عقله أن يعلم أن بالله غنى عن عمله وعن إبراهيم الهروى قال سمعت أبا يزيد البسطامي يقول
غلطت في ابتدائي في أربعة أشياء
تو همت أني أذكره وأعرفه وأحبه وأطلبه فلما انتهيت رأيت ذكره سبق ذكرى ومعرفته سبقت معرفتي ومحبته أقدم من محبتي وطلبه لى أولا حتى
طلبته !
الأدب مع الله
ومن كلامه رضى الله عنه
مددت رجلي في محرابی فهتف بى هاتف
من يجالس الملوك ينبغي له أن يجالسهم بحسن أدب!
وقال أبو يزيد قال الله تعالى
إذا كان الغالب على عبدى الاشتغال في جعلت نهمته ولذته في ذكرى ورفعت الحجاب فيما بينى وبينه وكنت مثالا بين عينيه
الطريق
قيل لأبي يزيد بماذا بلغت إلى ما بلغت
۹

قال عملت أشياء
أولها اتخذته سبحانه معلا فقلت إن لم يكفك ربك لم يكفك غيره في السموات والأرض ! وشغلت لسانى بذكره وبدنى بخدمته كلما أعيت
جارحة رجعت إلى الأخرى
الله
وقال أبو يزيد عرفت الله بالله وعرفت ما دون الله بالله !
وقال رأيت رب العزة في المنام فقال لى
كل الناس يطلبون مني غير أنك تطلبني!
وقال - أبو يزيد بك أدل عليك وبك أصل إليك ! وقال أمر الله العباد ونهاهم فأطاعوا فخلع عليهم خلعا فاشتغلوا عنه بالخلع وإني لا أريد من الله إلا الله وقال هذا فرحى بك وأنا أخافك فكيف فرحى بك إذا أمنتك !
وقال أبو يزيد من سمع الكلام ليتكلم مع الناس رزقه الله فهماً يكلم امع الناس ومن سمعه ليعامل الله رزقه الله فهما يناجي به
وقال إبراهيم الهروى سمعت أبا يزيد يقول
رب أفهمني عنك فإني لا أفهم عنك إلا بك!
ربه

العارف لا يحجب
وسأله رجل فقال
يا أبايزيد العارف يحجبه شيء عن ربه فقال يا مسكين من كان هو حجابه أي شيء يحجبه !
وقد حدث منصور بن عبد الله قال سمعت موسی يقول سمعت أبي يقول بينما أنا قاعد خلف أبي يزيد يوما إذ شهق شهقة فرأيت أن شهقته تخرق الحجب بينه وبين الله فقلت يا أبا يزيد رأيت عجباً فقال يا مسكين وما ذاك العجب فقلت رأيت شهقتك تخرق الحجب حتى وصلت إلى الله تعالى فقال یا مسكين إن الشهقة الجيدة هى التى إذا بدت لم يكن لها حجاب
تخرقه
حكم الخلق
لعرادة العارفين حفظ
مع سمر ومهم
وقال أبو يزيد خلق الله الخلق لإظهار قدرته ورزقهم لإظهار جوده وأماتهم لإظهار قهره ويحييهم لإظهار عظمته!
فعل الله
اق النار سكون وتعظيم وجيه وأدب
وقال التوحيد اليقين واليقين معرفتك إن حركات الخلق وسكناتهم
فعل الله
92
ملت ذلك إلا بنت وكانت حي إياه

الخواص
وقد روى عن أبي موسى عن أبي يزيد أنه قال
إن الله خواص من عباده لو حجبهم في الجنة عن رؤيته لاستغاثوا بالخروج من الجنة كما يستغيث أهل النار بالخروج من النار
خلعة
وحسب
وقال أبو يزيد إن الله تعالى أمر العباد ونهاهم فأطاعوه فخلع عليهم خلعه فاشتغلوا بالخلع عنه وإنى لا أريد من الله إلا الله !
من
وقال أبو يزيد عند نسيان نفسى ذكرت بارئ النفس
تاب علك
باره فلم كريم الدحانا الأن أهل بالآخرة والمدى
الم

وقال إن الله عبادا لو بدت لهم الجنة بزينتها مع حجبهم عنه لضجوا حجيرا بالسباع والشؤ راسة المصرفية لا يصمهم شيء من هذه الأشياء ابراهيم خياري سكال
نهار
جليه كل
القرب
ك أصل اليك
وقال عرفت الله بنور صنعه وعرفت صنعه بنوره ! وقال أبو يزيد بك أدل عليك ومنك أصل إليك ما أطيب واقعات الإلهام منك على خطرات القلوب وما أحلى المشى إليك بالأوهام في طرقات الغيوب اللهم ما أحسن ما يمكن للخلق كشفه ولا بالألسنة
وصفة
من حيث لا تدركه العقول !
عاد
على مات
ريد متول

وقال من وفق للقرب منه وهب له سبحانه ماقد ملكه
التصوف
وسئل أبو يزيد متى يبلغ الرجل حد الرجال في هذا الأمر فقال إذا عرف عيوب نفسه فحينئذ يبلغ حد الرجال في هذا الأمر فهذا مبلغه ثم
يقربه الحق تعالى على قدر همته وإشرافه على نفسه الأمارة وقال أبو يزيد بلغني أن الله تعالى يقول من أتاني منقطعا إلى جعلت له ملكا لا يزول ومن أتاني منقطعا إلى جعلت إرادته في إرادته
الله
وكان أبو يزيد يقول
عبادة العارفين حفظ أنفاسهم مع معروفهم لأنهم تركوا في جنبه كل
ويقول على الباب صوت وصياح واضطراب من شوق إلى صاحب الدار ومن خوفه
وفى الدار سكون وتعظيم وهيبة وأدب لمعرفة صاحب الدار وقال أبو يزيد خصصت رجالا وأكرمتهم فأطاعوا فيها أمرتهم ولم يبلغوا ذلك إلا بك وكانت رحمتك إياهم قبل طاعتهم لك !
4

الرضی
وقيل له أليس الله يعطى العباد الجنة برضاه فقال إن أعطى عبد من عباده رضاه فما يرجو بقصور الجنة وقيل له من تأمرنا أن نصحب
قال من إذا مرضت عادك وإذا تبت تاب عليك
الصوفية لا يحجبون
وسمع
أبو يزيد يقول مررت إلى بابه فلم أرثم ازدحاما لأن أهل الدنيا حجبوا بالدنيا وأهل الآخرة شغلوا بالآخرة والمدعين من الصوفية حجبوا بالأكل والشرب والكدية ومن فوقهم حجبوا بالسماع والشواهد أئمة الصوفية لا يحجبهم شيء من هذه الأشياء فرأيتهم حيارى سكارى
الله والقرب وقال أبو يزيد أدل عليك بك وبك أصل إليك ! وقال أكثر الناس إشارة إليه أبعدهم منه ! وقال أقرب الناس من الله أكثرهم شفقة على خلقه وقال أبو نصر بن الهروى سمعت أبا يزيد يقول رب أفهمني عنك فإني لا أفهم عنك إلا بك

والتوحيد
وسئل أبو يزيد البسطامي عن التوحيد فقال
هو اليقين قيل له فما اليقين قال معرفته إن حركات الخلق
وسكونهم فعل الله عز وجل لا شريك له فى فعاله فإذا عرفت ربك واستقر فيك فقد وجدته ومعناه أنك ترى أن الله واحد لا شريك له في فعاله وليس يفعل فعاله أحد
أقربهم من الله
وسمعوا أبا يزيد يوما يقول أقربهم من الله أوسعهم على خلقه !
ويقول أبو عيسى بن آدم بن أخي أبو يزيد قدس الله روحه أنه
رجلا يقول الله أكبر
فقال ما معنى الله أكبر
فقال الرجل أكبر من كل شيء
فقال له ويحك حددته أو كان معه شيء فيكون أكبر منه
فقال له ما معنى الله أكبر
سمع
فقال أبو يزيد أكبر من أن يقاس بالناس أو يدخل تحت القياس أي
تدركه الحواس
۹۸

تكبير وتسبيح
وكان تكبير أبي يزيد - رضى الله عنه - إذا كبر أن في غلقت الملوك بوابها وبابك مفتوح لمن دعاك يا الله !
وكان تسبيحه سبحان من علا فتعالى سبحان العلى الأعلى ومن قربه دون دنو الأدنى سبحان خالق النور شكرا لخالق النور سبحان خالق النور حكما لخالق النور سبحان خالق النور وبحمده سبحان خالق النور وبحمده سبحان خالق النور عز وجل حلاله
الوصول عن طريق الأسماء
ونختم هذا الفصل بما قال أبو يزيد عن أسماء الله تعالى يقول أبو يزيد الأسماء كلها أسماء الصفات والله اسم الذات الاسم علامة المعنى والمعنى علامة تعرف بها الذات والأسماء علامة تعرف بها الصفات والصفات علامة تعرف بها الذات فمن أقر بالصفات ولم يقر بالذات فليس بمسلم ومن أقر بالذات قبل الصفات فيسمى مسلاً ويجب أن يقر بالصفات والدليل على ذلك لو أن رجلا قال لا إله إلا الرحمن لا إله إلا الرحيم ثم يأتى على الأسماء كلها لا يكون مسلماً حتى يقول لا إله إلا الله ومن أقر بهذا الاسم الواحد وهو الله فالأسماء كلها داخلة في هذا الاسم وخارج منها يخرج من هذا الاسم معانى الأسماء

۹۹

كلها وتدخل في هذا الاسم وجوه الأسماء ولا يحتاج هذا الاسم من اسم سواها والدليل على ذلك أن الله تعالى تفرد بهذا الاسم دون خلقه وأنه
أن
من عبده ومعنى
عالى
ذلك
شارك خلقه فى أسمائه كلها سوى هذا الاسم ويجوز أن يسمى الرجل ورحيماً وكريماً على معانى هذه الأسماء ولا يجوز أن يسمى الرجل الله فإنه اسمه لا إله إلا الله وما دعا أحد الله باسم من الأسماء كلها إلا ولنفسه فى ذلك نصيب إلا الله فإن ذلك حظ الله من طالب ربه برحمته فيقول يارحيم ومن طالبه بكرمه فيقول ياكريم ومن طالبه بجوده فيقول ياجواد فكل اسم تحته معنى يدعوه إلى نصيب الناس من أمر الدين والدنيا إلا الله فإن هذا الاس اسم يدعوه إلى وحدانية الله تعالى وليس للنفس في هذا نصيب ومن الله أراد من الله بأسماء الصفات ومن أراد من ذات الله يدعو الله بأسماء
عطاء
يدعو
الذات

الفصل الثامن
أبو يزيد والتصوف
إن اليقين الذى لا شك فيه هو أن الإنسان في هذه الدنيا إلى انتهاء وأن الحق الذى لا مرية فيه أن أجل الله آت لا مناص
لقد حدد سبحانه الآجال
فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون
والمؤمن يعرف أن فى عقد إيمانه أن الحياة الدنيا فانية وقد تكون ساعات وقد تكون شهورًا أو سنين ولكنها مهما طالت فإنها إلى زوال
ويعرف المؤمنون قول الله تعالى
والآخرة خير وأبقى
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 الأعلى ١٧

تفى بالموت عبرة
ويعرف المؤمنون أن الإنسان مجزى بعمله إن خيرا فخير وإن شر فتر وأن الأمر كما يقول الله تعالى
وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلق منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا
وأنه
فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ومن أدق أوصاف الشعور الصادق تجاه كلمة الله الأخيرة هذه أنه
حينما سمعها أحد الصحابة قال
وحسبى ألا أسمع غيرها
ويعرف المؤمنون أن القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من
حفر النار
ويعرف المؤمنون - مع كل ذلك - أن نعم الله على الإنسان التي لا تحصى ولا تعد تتطلب الشكر وشكرها إنما هو استعمالها في مرضاة الله
سبحانه وشكرها - حينما يؤدى
ولئن شكرتم لأزيدنكم ٢

يديمها ويزيدها
۱۰
۱ الإسراء ۱۳
إبراهيم

وكان من الواجب - إذن - أن يسير المؤمنون في الطريق الذي رسمه الله تعالى للمؤمنين وأخذ العهد عليهم في عقد الإيمان أن يسيروا فيه وخصوصا لأنهم يعلمون
1 - أن هذا الطريق الذي رسمه سبحانه للأفراد ورسمه للجماعات هو طريق معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وما دام طريقًا معصوما فإنه لا يتأتى لعاقل أن يتركه ليسير في طريق خطة البشر الذين ليسوا بمعصومين
٢ - ومما لا شك فيه أن الانحراف عن طريق الله إلى الطريق البشرى خلل في الإيمان وقد وصف الله الذين يسيرون فيه بأقسى ما يوصف به الإنسان إنه سبحانه يقول في حق الذين لا يحكمون
بما أنزل في أنفسهم وفى أسرهم وفي مجتمعهم
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون
وومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك
هم
الظالمون
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك
هم
الفاسقون
ويقول سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيها شجر بينهم ثم لا يجدوا في
١ المائدة ٤٤
٢ المائدة ٤٥
۳ المائدة ٤٧

أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما
تحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وتحكيم سنته بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى وتحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته
وبعد مماته هو تحكيم الوحى المنزل المعصوم من قبل الله تعالى
وسارت الأمور على هذا الوضع - رعاية حقوق الله في النفس والأسرة والمجتمع - فترة من الزمن
ثم بدأ نوع من الانفصال بين الحاكم الخليفة والحاكم الحاكم ملكًا أو رئيس جمهورية وأرخ هذا النوع من الانفصال – وهو لم يكن تاما - نوعًا من التراخي في تطبيق الدين فى النفس والأسرة والمجتمع فهب طائفة من العلماء للتبشير والوعظ والإرشاد حتى تستمر راية الدين خفاقة في النفس والأسرة والمجتمع وكان هؤلاء العلماء يتمثل فيهم حقيقة الخلافة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق فيهم قوله وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما
وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر
وهذه الوراثة هى وراثة الدعوة ووراثة الهداية
ولقد استدرجوا النبوة بين جنبيهم كما يقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم وساروا بنورها مهديين هادين في مختلف الأجواء
۱ النساء ٦٥
١٠٤

وكانوا أقرب الناس من درجة النبوة وفى ذلك يقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم هذه الكلمات الجميلة
وأقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم وأهل الجهاد أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل
وساروا - هؤلاء العلماء - ناصحين للحكام وللرعية كانوا مصابيح هداية للأوساط الحاكمة ومصابيح هداية للشعب وكانت مهمتهم بيان شرع الله لهؤلاء وأولئك وقد نفضوا أيديهم من دنيا الملوك وأموالهم وعاشوا من كسب أيديهم فلم يبق في وجه حريتهم مال الملوك ولا دنياهم فكانوا بذلك مثلا كريمة للإخلاص لله ولرسوله وقد قاموا بالدعوة خير قيام وحققوا ما رسمه الله سبحانه للدعاة وبينه لهم في القرآن الكريم ومن ذلك ما يقوله سبحانه
وقل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا
والبصيرة هي التزود من العلم الرباني
ومن
اتبعنی "
فتزودوا من أجل ذلك بالعلم قرآنا وسنة فكان منهم وأمراء المؤمنين في الحديث وأنتج العلم في التفسير والحديدة
فكان منهم كبار الفقهاء
۱ يوسف ۱۰۸

ومما رسمه الله للدعاة أن تكون خشيتهم له وحده يقول سبحانه
الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى
۱
بالله حسيبام 1
کفی به حسیبا سبحانه - لمن يخشاه ولا يخشى إلا هو تعالى وفى هذا يقول أبو زيد هذه الكلمة النفيسة من يدعى الإصماد في إظهار الحق وامتلأ به يحتاج أن يكون معه صدق الصمدانية وهو يتناسق في هذا مع الآية القرآنية الكريمة
والأمر الثالث مع العلم والإخلاص الذى يتمثل في خشية الله وحده هو أسلوب الدعوة
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي
أحسن
ويقول الله تعالى لموسى وأخيه هارون عليهما السلام حينها أرسلها إلى
فرعون
فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ٣
۱ الأحزاب ٣٩
النحل ١٢٥
۳ طه ٤٤
١٠٦

لابد من العلم بموضوع الدعوة
ولابد من الإخلاص لله وحده
ولابد من العرض الجميل بحسب مقتضى حال المدعوين
وهذه الصفات كلها استكملها دعاة الإسلام الأول
ولكن كثيرا من الحكام وكثيرًا جدًّا من بطانتهم بل بعض أمر - الشعب من ذوى الشهوات والنزعات كانوا يضيقون ذرعا بهؤلاء الدع وإنه كما يقول سبحانه
1
وكذلك جعلنا لكل بني عدوا من المجرمين
هؤلاء الأعداء من المجرمين ماذا كانت نزعتهم التي توجهه وتقودهم إنها شهواتهم إنهم المترفون الذين تحدث عنهم القرآن كلها يأمرهم الدعاة بالفضيلة فيأتون الرذيلة يقول سبحانه
واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين ٢
وقال
کافرون
وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال من
۱ الفرقان ۳۱
هود ١١٦
۳
٧٠٠

وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها [أمرناهم بالفضيلة فأبوا] ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ١
وأخذ الملوك وأخذت بطانتهم تفكر فى كيفية التخلص من هؤلاء العلماء وكانت الطرق متعددة
طريق الرهبة
لقد استعمل الحكام طريق الرهبة فكان الغضب وكان التنكيل ولكن ذلك لم يكن حاسا بالنسبة لكثير من العلماء الذين أثروا الله ورسوله
طريق الرغبة
ولما رأى الملوك ذلك اتخذوا مع طريق الرهبة - طريق الرغبة فكانت المناصب وكان المال وكانت الدنيا ومن لم تتنه الرهبة أطمعته الرغبة ومن كان فقيراً جذبه المال ومن كان غنياً جذبته الرئاسة وجذبته المناصب ! وتعلم العلم كثير من الناس من لا هم لهم إلا دنياهم وساروا بعلمهم - في ركاب الأمراء والملوك وتغلب السفلة على الأشراف وتغلبت المداهنة على الإخلاص وكذلك كان أمر التاريخ في كل الحضارات

والدول
1 الإسراء ١٦
۱۰۸

ولكن بقى في الجو طائفة من العلماء حافظوا على أمر الله ورفعوا علم
السنة وحملوا الدعوة ولن يخلى الله العالم من دعاة إليه ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى أن تقوم الساعة وهو حديث
يملأ النفس أملا ويمسك الأمل فى النفس والثقة بأن الحق تحمله طائفة عن طائفة إلى أن تقوم الساعة
وقدر الله سبحانه أن تقوم من بين هذه الطائفة صفوة هي صفوة
فكانت
الصفوة تجردت إلى الله سبحانه فى النية وفى القول وفى العمل إخلاصا لا يشوبه نفاق والوا الله فولاهم وطرقوا بابه عن طريق العبودية ففتح لهم قبلهم في رحابه وأنار قلوبهم بنوره أحبهم وأحبوه ورضى عنهم ورضوا عنه لم تفتنهم الدنيا بزخرفها ولم تغرهم قصور هارون الرشيد ولا رياض المأمون ولا مواكب البرامكة لقد كان هدفهم الله تعالى وأن إلى ربك المنتهى ۱
وقدوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا
حاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا ووزنوها قبل أن ينصب لهم ميزان
الحساب يوم العرض الأكبر
١ النجم ٤٢
1-9

يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم 1
إنهم الصوفية
ما هو التصوف وما هي سمات الصوفية
إن أبا يزيد يحدثنا في هذا حديث تجربة
سأل رجل أبا يزيد عن التصوف فقال
طرح النفس في العبودية وتعليق القلب بالربوبية واستعمال كل خلق سنى والنظر إلى الله بالكلية وهذا تعريف للتصوف
ورسم
الصفات
الصوفية من حيث جو نفوسهم وقلوبهم وأخلاقهم وغايتهم الأخيرة هي
الله !
عنه
وقال أبو زيد مبينا مكانة الصوفية
الصوفية في حجر الحق
يعنى بذلك أنكم منغمسون دائماً فيما يجب بعيدون باستمرار عما ينهى
ويبدأ طريق الصوفية حسبها يرى أبو يزيد وحسبها يرى من كل

الصوفية – بالتوبة الصادقة
1 الشعراء ۸۸۶۸۷

والتوبة ألوان لا
منها توبة من المعاصى وهى فرض وبعض الناس يظن أنها التوبة
لا غيرها فلا يؤبه إلا إذا كانت معصية
ولكن الأمر غير ما يظن هؤلاء فهناك التوبة من الغفلة وهناك توبة
العبودية وتوبة الطاعة
ويقول أبو يزيد
توبة المعصية واحدة وتوبة الطاعة ألف توبة وأبو يزيد في هذا يتابع
القرآن الكريم يقول سبحانه
إن الله يحب التوابين
إنه سبحانه لم يقل إن الله يحب التائبين وإنما قال التوابين أى الذين يكثرون من التوبة يتوبون حيث لا ذنب يتوبون توبة عبادة
وتوبة عبودية !
وإذا صدقت التوبة استتبعت المجاهدة وقد جاهد أبو يزيد نفسه
جهادًا يرضى الله ورسوله إنه يقول
أقمت عشرين سنة أكابد المجاهدة وأكافح المراقبة ولا أجرؤ أن
ألبس مرقعة ولا أتظاهر بالطريق
۱ البقرة ۱

المجاهدة أن يركز الإنسان كيانه فى اتجاه واحد هو الاتجاه نحو
الربوبية ! إنه يقول
أذناه
طوبى لمن كان همه هما واحدا ولم يشغل قلبه بما رأت عيناه وسمعت
من عرف الله في الطريق
ومن عرف الله فإنه يزهد في كل شيء يشغله عنه وإذا صدقت التوبة دفعت إلى العبادة والعبودية وأن العبادة إذا لم تتسم بالعبودية فإنها لا تكون كاملة وللعبودية علامات هى من علامات الصوفية يقول أبو يزيد من لزم العبودية لزمه اثنان
يأخذه الخوف من ذنبه ويفارقه العجب من عمله
ويقول
لا يكون العبد عاملا على معنى العبودية حتى يكون إرادته وأمنيته
وشهوته تابعة لمحبة الله
ولقد سئل أبو يزيد بما نالوا المعرفة
فقال
بتضييع مالهم والوقوف على ماله
۱۱

ويصف كاتب المقال عن أبي يزيد - في دائرة المعارف الإسلامية شعور
أبي يزيد في رحلة المجاهدة هذه فيقول
وكان شعوره بجلال الله يملأ شعاب نفسه مقترناً بشعور من الخشوع والخشية الله حتى ليحس في حضرته بأنه زنديق يكاد يهم بإلقاء زنار
المجوس
وكان شوقه ينصرف إلى مجاهدة نفسه مجاهدة دائبة أو على حد تعبيره أنا حداد نفسى حتى يحررها من جميع الحجب التي تحول بينه وبين الوصول إلى الله
وهو يصف هذه المجاهدة وصفًا ممتعا جدًّا يكشف فيه عن نفسه بأقوال فيها تشبيهات غاية فى العظمة فالدنيا والزهو والعبادات والكرامات والذكر بل المقامات ليست فى نظره غير حجب تحجبه عن الله ولقد استفاض أبو يزيد في بيان سمات الصوفى الذى يسميه بالعارف والعارف هو الصوفى وإذا ما وصل السالك إلى التوحيد الحق فقد أصبح صوفيا وأصبح عارفًا أما إذا لم يصل إلى التوحيد الحق فإنه متصوف أو سالك أو مريد وكلها تتقارب في المعنى
المعرفة أقسام
والمعرفة فيما يرى أبو يزيد أقسام
معرفة العوام ومعرفة الخواص ومعرفة خواص الخواص فمعرفة

العوام معرفة العبودية ومعرفة الربوبية ومعرفة الطاعة ومعرفة المعصية ومعرفة العدو والنفس ومعرفة الخواص معرفة الإجلال والعظمة ومعرفة الإنسان والمنة ومعرفة التوفيق
وأما معرفة خاص الخاص فمعرفة الأنس والمناجاة ومعرفة اللطف والتلطف ثم معرفة القلب ثم معرفة السر ولا تتنافى كل واحدة من هذه الأنواع مع الأخرى ولا تتعارض معها وجميعها ضرورية للسالك وللعارف
سمات الصوفي
وعن سمات الصوفي يقول أبو يزيد
من ترك قراءة القرآن والتشبث بالجماعات وحضور الجنائز وعيادة
المرضى وادعى هذا الشأن فهو مدع
علامات العارف
ويستفيض أبو يزيد فى بيان علامات العارف ومن ذلك أنه قيل له ما أعظم آيات العارف
فقال ان تراه يؤاكلك ويشاربك ويمازجك ويبايعك وقلبه في ملكوت
القدس هذا أعظم الآيات
وقال إبراهيم الهروى سمعت أبا يزيد البسطامي يقول وسئل
ما علامة العارف قال
115

ألا يفتر من ذكره ولا يمل من حقه ولا يستأنس بغيره
وقال أبو يزيد
علامة العارف خمسة أشياء
أوله يقيم على باب ربه لا يرجع عن باب البر
ويقبل إليه لا يلتفت إلى شيء يحجبه عنه
ويكون دورانه وسيرانه في مجرة أنس ربه وحول مناجاته لا يرضى من نفسه أن يشتغل بشيء دون الله عز وجل ويكون فراره من الخلق إلى الخالق ومن جميع الأسباب إلى ولى الأسباب
وقال أبو يزيد علامة العارف أن يكون طعامه ما وجد ومبيته حيث
أدرك وشغله بربه
وقال أبو يزيد
أدنى ما يجب على العارف أن يهب له ما قد ملكه!
ويقول
لا يشكو قلب العارف وإن قطع بالمقراض ولا ييأس منه البتة ولا يأمن من مكره وإن نودى بالغفران وحتى لو مشى على الماء والهواء
ولا يستريح من
كده ولو جلس على السرير ولا يغفل عنه ولو كان في
السوق ولا يطمئن بدونه في الملك في السماء
۱۱۵

وقال أبو يزيد
إذا سكت العارف يريد ألا ينطق إلا عند معروفه وإذا غمض يريد ألا يفتح إلا عند لقائه وإذا وضع رأسه على ركبته يريد ألا يرفع إلى أن ينفخ في الصور من شدة الأنس به ومن الأمور التي تدعو إلى التأمل أن كبار الصوفية يصلون إلى الولاية التي لا تتقيد بالصفة
ولقد سئل الشبلى رضى الله عنه عن الصوفية لما سموا بهذا الاسم فقال لشائبة بقيت فيهم من نفوسهم ولو ذلك لما لاقت
ولما التصقت بهم
لى
وفى هذا المعنى وحوله يتحدث أبو يزيد
لقد قيل له كيف أصبحت قال
بهم
الأسماء
لا صباح لى ولا مساء إنما الصباح والمساء لمن تقيد بالصفة ولا صفة
وكان رضي الله عنه يقول إذا سئل عن المعرفة
للخلق أحوال ولا حال للعارف لأنه محبت رسومه وفنيت هويته لهوية غيره وغيبت آثاره لآثار غيره وسئل – أبو يزيد - عن درجة
العارف فقال
ليس هناك درجته بل أعلى فائدة العارف وجوده ربه وقال
أبو يزيد
١١٦

ضحكت زمانًا وبكيت زمانًا وأنا الآن لا أضحك ولا أبكى
وقال
العارف لا يكدره شيء ويصفو له كل شيء
وقال
نسيان النفس ذكر بارئ النسم
ويقول سادتنا الصوفية
الطرق إلى الله كنفوس بني آدم
ويعنون بذلك أن الطرق إلى الله كثيرة متعددة !
ويقول تكملة لذلك والتوحيد واحد
أى أن الهدف الذى يسعون إليه إنما هو التوحيد
ويقولون متناسقين بعضهم مع بعض
بدوه معرفته ونهايته توحيده
ويقول أبو يزيد
إن أهل المعرفة بالله اجتمعوا في الأصول على معرفة الواحد ثم تفاوتوا بعد اجتماعهم على مراد الله فيهم
ونختم هذا الفصل بهذه الكلمة المشرقة لأبي يزيد إنه يقول
يستزيد أبو يزيد ولا مزيد على التوحيد!!!

الفضل التابع
الصوفية والتوكل على الله
إننا في هذا الفصل تذكر رأى أبى يزيد فى التوكل ولكننا نتحدث مستفيضين في معنى التوكل فى القرآن وفى معناه عند الصوفية على وجه العموم وذلك أننا حينها تذكر معنى التوكل في الجو القرآني وفي الجو الصوفى فإنما نشرح معنى التوكل عند أبي يزيد
لقد كان أبو يزيد مجاهدا بالسيف في ميادين القتال وكان مجاهدا في المجتمع داعيا إلى الله وكان مجاهدًا لنفسه حتى تتزكي فهل يتنافى كل ذلك مع التوكل
خصوصا الجهاد بالسيف

وما هو معنى التوكل في الحقيقة
يقول أبو يزيد
حسبك من التوكل ألا ترى لك ناصرًا غيره ولا لرزقك رازقًا
ولا لعملك شاهدا غيره
۱۱۹

وما يلى كله
شرح
لهذه الكلمات -
يمكننا أن نعرف الإسلام بمجموعة من التعاريف تتناسق وتأتلف
ويشرح بعضها بعضا
يمكننا أن نعرفه أولا بهذا التعريف الجميل الذي عرفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن الإسلام ما هو فقال أن يسلم الله قلبك وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك ويمكننا أن
نعرفه بالتوحيد والله سبحانه وتعالى يقول
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا
۱
فاعبدون 1
ويمكننا أن نعرفه بأنه المفهوم لقوله تعالى إياك نعبد وإياك
نستعين
ويتحدث أحد رجال الفكر الإسلامى عن القرآن الكريم فيقول إن سره في فاتحته وسر الفاتحة إياك نعبد وإياك نستعين ويمكن أن نعرف الإسلام بأنه إسلام الوجه الله والله سبحانه وتعالى
يقول
ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه الله وهو محسن ٢
۱۰
۱ الأنبياء
YO
٣ النساء ١٢٥

وكل هذه التعريفات ينبثق عنها التوكل بل إن التوكل على الله جم من أجزائها لا ينفك عنها
لقد أمر الله سبحانه وتعالى به جاعلا منه صفة لا تنفك عن الام
قائلا
06
وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين
ويأمر به سبحانه أمرا مطلقا كل مؤمن فيقول
وعلى الله فليتوكل المؤمنون ٢
وللتوكل صور كثيرة منها صورة التفويض
وصورة التفويض هذه تحدث عنها القرآن الكريم بمناسبة قصة مؤمن صادق الإيمان وقف ناصحا في وجه الطغيان والجبروت يدعو الله ويبشر بالتعاليم الصادقة وينذر ويهدد بالعقاب في أسلوب
لا يخشى في الله لومة لائم
تلك هي قصة مؤمن آل فرعون
ونذكر قصته متحدثين عن أطرافها

قائلا في قومه لقد وقف فرعون
۱ يوسف ٦٧
٢ التوبة ٥١

دوني اقتل موسى
موسی
الحساب
إلى عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم وعندنا وقف مؤمن آل فرعون وكان يكتم إيمانه قائلا أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم وقد أنذركم بعذاب فإن هذا العذاب لابد أن يصيبكم
ثم قال لهم في منطق قوى
ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين فى الأرض فمن ينصرنا مان بأس الله
إن جاءنا
وهنا رأى فرعون أن الموقف قد تأزم وأنه لابد من أن يتدخل فقال
لقومه
ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد وسارع مؤمن آل فرعون يستفيض في الحديث مهددا ومنذرا في
أسلوب منطقى قوى وكان مما قال
ويا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هى دار القرار من عمل سيئة فلا يجزى الامثلها ومن

عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها
بغير حساب
ثم انتهى في الحديث بأن قال
ونستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير
بالعباد
وكانت النتيجة ما قصه الله سبحانه بقوله
فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب ۱ ومن كل ما تقدم ننتهى كما بدأنا بالقول بأن التوكل جزء لا يتجزأ من الإيمان والصورة المثلى فيه هى صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان إمام المتوكلين وكان إمام المناضلين
ولقد سئل يحيى بن معاذ وهو من أئمة الصوفية متى يكون الرجل
متوكلا
فقال إذا رضى بالله وكيلا
ويتحدث القرآن عن بعض الظروف التي ظهر فيها أن المؤمنين الصادقين هم الذين يتخذون الله وكيلا يقول سبحانه وتعالى عن المؤمنين
في غزوة أحد
۱ غافر ٢٦-٤٥
۱۳

من لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزاده
وق حسبنا الله ونعم الوكيل ١
ماذا كل النتيجة
إنها ما
الله سبحانه عنها بقوله
فانقاء بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله
والله ذو فضل عظيم ٢
ومن هم هؤلاء إنهم
والذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح
ما هي قصتهم
إن مشركي مكة لما أصابوا من المسلمين يوم أحد أخذوا في العودة إلى مكة فلما استمروا في سيرهم ندموا
لم لم يتسموا على أهل المدينة ويجعلوها الفيصلة
وكان من كلامهم لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم بنسما صنعتم
ارجعوا وأرادوا العودة إلى المدينة
۱ آل عمران ۱۷۳
آل عمران ١٧٤

ولكن أبا سفيان لم ينس يوم بدر ولم ينس أن الفئة القليلة يوم بدر غلبت ثلاثة أمثالها مع وفرة العدة في الكثير فأحب أولا أن يعجم عود المسلمين وكان من المصادفات أن مريه ركب من عبد القيس فقال أين تريدون قالوا نريد المدينة قال ولم قالوا نريد الميرة قال فهل أنتم مبلغون عنى محمدًا رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل هذه لكم غدا زبيبا بعكاظ إذا وافقتموه قالوا نعم قال إذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل
قالوا ذلك واستعدوا مباشرة للقتال من جديد من كان مجروحًا ضمد جرحه ومن كان قد كل سيفه أحده كان أمره متفرقا في نفسه أو ومن ماله أصبح أمره جميعًا واستعدوا لخوض المعركة بكل ما يملكون من
وسائل
وكان أبو سفيان ينتظر نتيجة الرسة وما تحدثه من صدى ورجع واحد من وفد عبد القيس يقول لأبي سفيان
لقد رأيتهم كالأسد الموتورة عامة على الأخذ بالثأر ولما سمع أبو سفيان ذلك أخذ في البعيدة إلى مكة طلبا للسلامة والتوكل - إذن - والمتوكلون يتخذون الأسباب ويستعدون كأكمل ما يكون الاستعداد وأدق ما يكون الاستعد
١٢٥

بعد فإن الإمام القشيري - من أئمة الصوفية - يقول واعلم أن التوكل محله القلب والحركة بالظاهر لا تنافي التوكل بالقلب بعدما تحقق العبد أن التقدير من قبل الله تعالى فإن تعسر شيء فبتقديره
وإن اتفق شيء فبتيسيره
التقدير من قبل الله تعالى وإذا آمن الإنسان بذلك - ولابد أن يؤمن
فهو متوكل
والمتوكل يتخذ الأسباب اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ويتلون التوكل بحسب درجاته ويأخذ اسما تبعا لدرجته فيكون
توكلا ويكون تسليما ويكون تفويضا
والتوكل بداية هذا المقام الروحى والتسليم واسطة والتفويض نهاية إن كان للثقة في الله نهاية
ومع
أنواعه
ذلك فإن كلمة التوكل تطلق على كل درجاته وتستعمل في كل
ومن التوكل الذي يتلون بلون التسليم ما يحدثنا به القرآن الكريم في
قوله تعالى
ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق
الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما
۱ الأحزاب

لقد زادتهم رؤية الأحزاب - الجيوش الجرارة التي أتت لتهدم المدينة وتقتل من فيها - إيمانا وتسلياً
ماذا فعلوا لقد سهروا ليلا وأقاموا نهارًا من وراء الخندق يرقبون حركات العدو ويستعدون لكل شأن من شئونه لقد لبسوا دروعهم وتسلحوا بسيوفهم وأقواسهم وسهامهم لقد أحكموا كل أمر من أمور الحرب بحسب طاقتهم ولكن الأمر فيما يسلمون به الله كله لأنه سبحانه
في إيمانهم إليه يرجع الأمر كله
وقوله تعالى
وما زادهم إلا إيمانا وتسليما
يعنى إيمانا قلبيا وتسليا قلبيا
وإن من الملاحظات التي لا تخفى على قارئي القرآن أن آية الأحزاب هذه سبقها مباشرة قوله تعالى
ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا
ولقد تابع المؤمنون الرسول صلى الله عليه وسلم في توكله واتبعوه مسلمين فى استعداده وتأهبه لقد اتخذوه أسوة
۱۷

ويقول الإمام سهل بن عبد الله

من أئمة
التصوف - هذه الكلمات
الجميلة حقا الصادقة حقا
التوكل حال النبي صلى الله عليه وسلم والكسب سنته فمن بقى
على حاله فلا يتركن سنته
ويقول
من طعن في الحركة فقد طعن في السنة ومن طعن في التوكل فقد
طعن في الإيمان
أما كيف عرف سهل نفسه التوكل فإنه قال
التوكل الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد
وهى
كلمة نفيسة الاسترسال مع الله على ما يريد في كل ما أراد سبحانه في الجهاد في الضرب فى الأرض طلبًا للرزق في التزود من العلم في حسن الخلق
إنه الاسترسال مع الله على ما يريد وهذا يقتضى أن يسكن الإنسان إلى النتائج بعد أن يكون قد اتخذ الأسباب بقدر طاقته ويقتضى أمرا آخر هو الابتعاد عن كل مالا يريد سبحانه
وبعد فإن هذا التعريف لسهل رضى الله عنه يتناسق مع تعريف الإمام حمدون القصار - من كبار الصوفية - حيث سئل عن التوكل فقال
۱۸

التوكل هو الاعتصام بالله تعالى
إنه الاعتصام بالله تعالى فى اتباع أوامره وهو الاعتصام بالله تعالى في اجتناب نواهيه وهو الاعتصام بالله تعالى فى الحركة وهو الاعتصام بالله في النتائج أي السكون إليه فى كل ذلك مع السكينة فيما يتعلق بالنتائج وبعد فإنه إذا توكل الإنسان على الله سبحانه فإن ثمرة ذلك أمران
الأمر الأول هو كفاية الله للمتوكل يقول سبحانه
١
ومن يتوكل على الله فهو حسبه ۱
الأمر الثانى هو حب الله له يقول سبحانه
إن الله يحب المتوكلين
۱ الطلاق ۳
۱۹

الفصل العاشر
أبو يزيد والحب
الذين يدعون المحبة الله ورسوله كثيرون والصادقون منهم قليلون
وقد كان أبو يزيد من
هذا القليل النادر لأنه كان يسير على النسق
القرآني في حب الله ورسوله
ولقد وضع القرآن مقياسا لهذا الحب يقول تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ١
إن الحب في الجو الإسلامي اتباع
اتباع في العقيدة واتباع في السلوك
وقد وجد قوم تركوا العمل وقالوا نحن نحسن الظن بالله فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كذبوا وقال صلى الله عليه وسلم
۱ آل عمران ۳۱
۱۳۱

لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل
أجمل ما كتب الكاتبون فى الحب ما كتبه أبو يزيد شارحًا الصورة الإسلامية في سموها وجمالها وجلالها عن حب الله سبحانه فقد حدث إبراهيم بن محمد الخواص قال سمعت أبا يزيد البسطامي يقول
ظاهر الصدق وباطنه سواء
ولقد اشترك الإيمان والحب في قلب الصديق فكلما ازداد الإيمان ازداد
الحب في الله قال الله تعالى
والذين آمنوا أشد حبا لله ۱
فإذا قال ذلك رمى قوس الدنيا بالفرقة وقطع حلقوم الطمع بسكين الإياس وألجم نفسه بلجام الخوف وساقها بسوط الرجاء ولبس قميص الصبر وتردى برداء التصابر واستوى عنده المنع والعطاء والشدة والرخاء والدم والثناء فسقط من ظاهره وباطنه التصنع فليس عنده فرق بين الدائق والدينار لعلمه أنه لو بورك له فى الدائق كان أعظم بركة من
الدينار
فإذا كانت هذه حالته قالت الجنة اللهم أدخل هذا العبد بين ساكني فكانت الجنة طالبة له دونه
۱۳
١ البقرة ١٦٦

وإذا رأته النار على هذه الحالة علمت أن نوره يطفئ شررها فتعوذت
النار منه !
فلو عرج بذلك العبد أعلى عليين لكان شكره ذلك الشكر الذي كان في أعظم البلاء !
ولو أنزله الله من أعلى العليين فأسكنه الدرك الأسفل من النار لكان
شكره ذلك الشكر الذي كان في أعلى العليين
ولأبي يزيد كلمات في غاية الجمال والنفاسة تعبر عن شعور الحب عنده
متمشية مع الجوهر القرآني الكريم إنه يقول
لا يكون العبد محبا لخالقه حتى يبذل نفسه الله في طلب مرضاته سرا وعلانية ويعلم الله من قلبه أنه لا يريد إلا هو
وقال
من أراده وفقه ومن أحبه قربه
ويقول
فحبك فرض كيف لى بأدائه ولست لفرض ماحبيت تبارك
ويقول

وكأنه في ذلك يشرح القرآن
اطلب هواه في خلاف هواك ومحبته فى بغض نفسك فإنه معروف
عند مخالفة الهوى محبوب عند بغض النفس
۱۳۳

ويربط أبو يزيد بين الحب والمعرفة ويجعل المعرفة من أسباب الحب
فيقول
محال أن تعرفه ثم لا تحيه
فإذا ما كانت المعرفة فكان الحب فإن الأمر يصبح كما قال أبو يزيد إذا جاء حب الله يغلب كل شيء لا حلاوة للدنيا ولا حلاوة
للآخرة الحلاوة حلاوة الرحمن

أما كمال العارف فيما يرى أبو يزيد

فإنه
احتراقه بحبه لربه
وقبل أن ننتهى من الحديث عن أبي يزيد وحب الله ورسوله نقف وقفة نوضح فيها في شيء من التفصيل الجو الإسلامي في هذا الموضوع حتى يكون واضحا أمام الصوفية موقف الإسلام من ذلك يقول الله تعالى وقل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتر بصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم
الفاسقين
آخذ
وفى معنى الآية الكريمة يروى الإمام البخارى رضى الله عنه عن عبد الله بن هشام قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بيد عمر بن الخطاب فقال والله يا رسول الله لأنت أحب إلى من كل
١٣٤

شيء إلا من نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه فقال عمر فأنت الآن والله أحب إلى من نفسی فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر
عمر
وقد صار
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى الآن يا الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليك من نفسك فقد استقامت أمور

الإيمان عندك وصرت إلى ما أحب الله ورسوله ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تتضمن - كشرط أساسی جوهری اتخاذه صلى الله عليه وسلم قدوة فى السلوك والعمل والدرجة الجوهرية في القدوة به صلى الله عليه وسلم إنما هي متابعته فى إسلام وجهه الله سبحانه وتعالى لقد باخ رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه وماله الله سبحانه وكان أول البائعين وكان أمثل البائعين وحقق بذلك وحقق أصحابه ومن اتبع هديه متأسين به - قول الله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراء والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ۱ لقد اشترى في عقد الإيمان النفس والمال بثمن هو الجنة فإذا بخل المؤمن بنفسه في سبيل الله فقد أخل بعقد الإيمان وإذا بخل بماله في سبيل الله فقد أخل بعقد الإيمان
حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن إنما
هو
إينار ما يحب واتباع
۱ التوبة ۱۱۱
۱۳۰

هديه والعمل بسنته فى الإيجاب وإيثار كل ذلك على الآباء والأبناء وغيرهم مما يحبه الإنسان من أشخاص أو من أشياء وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى رضى الله عنه والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين
فحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه إلى صفات كريمة سامية عليا تمثلت فيه صلى الله عليه وسلم طيلة حياته والآية الكريمة والأحاديث الشريفة التي رويناها تدل كلها صريحة على أنه إذا تعارضت أمور الدين المصلحة الشخصية أو مع أمور الدنيا فإنه يجب على المؤمن أن يؤثر أمور
مع
الدين على غيرها
يقول الإمام الرازي إذا وقع التعارض بين مصلحة واحدة من مصالح الدين وبين جميع مهمات الدنيا وجب على المسلم ترجيح الدين على الدنيا
أما بعد فيقول صاحب الكشاف عن الآية الكريمة التي صدرنا بها هذا
الحديث ما معناه
هم
عليه
وهذه آية شديدة لا ترى أشد منها كأنها تنعى على الناس ما من رخاوة عقد الدين واضطراب حبل اليقين فلينصف أورع الناس وأتقاهم من نفسه هل يجد عنده من التصلب فى ذات الله والثبات على دين الله ما يجعله يؤثر دينه على الآباء والأبناء والأخوات والعشائر والمال
١٣٦

والمساكين وجميع حظوظ الدنيا ويتجرد منها لأجله أم أن الشيطان يغويه من أجل حظ من حظوظ الدين فلا يبالي كأنما وقع على أنفه ذباب فطيره
ثم أما بعد فإن الحب الصادق له صلى الله عليه وسلم يتمثل في حقيقته في التزام صفاته صلى الله عليه وسلم فى النفس والعمل على سيادتها في المجتمع
وفى ختام هذا الموضوع نقول إن أبا يزيد مع كونه كان مستهلكا في حب الله ورسوله كان فى غاية التواضع وغاية الشكر والامتنان إنه يقول ليس العجب من حبى لك وأنا عبد فقير وإنما العجب من حبك لى
وأنت ملك قدير
ونختم هذا الحديث بقول أبي يزيد
عرج قلبي إلى السماء وطاف ورجع فقلت له إيش جبت معك
فقال المحبة والرضا
۱۳۷

الفصل الحادي عشر
الحجب
وصل أبو يزيد إلى القرب من الله تعالى وهنا تكشفت له أمور بعضها رآها حجباً وبعضها أنزلها عن قيمتها التى يظن الناس أنها من النفاسة
بمكان
ومن ذلك الزهد يقول أبو يزيد
الدينا للعامة والآخرة للخاصة فمن أراد أن يكون من الخاصة فلا
يشارك العامة في دنياهم
وقال
إنما جعلت الدنيا مرآة للآخرة فمن نظر فيها للآخرة نجا ومن شغل
بها عن الآخرة أظلمت مرآته وهلك
وقيل لأبى يزيد بماذا نلت هذه الدرجة قال
۱۳۹

جمعت أسباب الدنيا كلها فربطها بحبل القنوع ووضعتها في منجنيق
صدق ورميت بها في بحر الإياس فاسترحت!
ولكن أبا يزيد يصل بالزهد إلى أكثر من ذلك إنه يقول ومن زهد في
الدنيا فقد نبه عن قدرها من قلبه
وسأل أبو يزيد أبا موسى قائلا يا أبا موسى عبد الرحيم في أي فن من فنون العلم يتكلم - وكان عبد الرحيم هذا عالم بسطام - قلت في الزهد في الدنيا فقال
وأى قدر للدنيا حتى يحتاج أن يتكلم في الزهد فيها! وقال أبو يزيد أوقفنى الله بين يديه وقال
يا أبا يزيد بأي شيء جنتنى قلت بالزهد في الدنيا قال إنما مقدار الدنيا عندى جناح بعوضة ففيم زهدت
قلت إلهى أستغفرك من ذلك جنت بالتوكل إليك فقال
عند ذلك قبلناك !
قال أبو حفص سألت أبا يزيد عن الزهد فقال ليس للزهد منزلة فقلت لماذا قال لأنى كنت ثلاثة أيام زاهدا فلما كان اليوم الرابع
خرجت منه فقال أبو حفص وكيف ذلك
قال زهدت في أول يومى فى الدنيا وما فيها واليوم الثاني زهدت في
15

الآخرة وما فيها واليوم الثالث زهدت فيها دون الله
فلما كان اليوم الرابع لم يبق لى سوى الله شیء فهمت فسمعت قائلا يقول يا أبا يزيد لا تقوى معنا فقلت إنما أردت هذه الكلمة فسمعت
قائلا يقول لى وجدت وجدت
ويعتبر ذو النون - فى النهاية - أن الزهد حجاب فالزاهد محجوب بزهده ينظر إليه ويقدره ويعتبره
ولعل نظرة أبي يزيد تلتقى في الزهد - زهد الزاهدين لا زهد الصوفية
- بنظرة ابن سينا
وابن سينا يقول عن زهد الزاهدين
الزهد عند غير العارف معاملة ما كأنه يشترى بمتاع الدنيا متاع الآخرة وكلام ابن سينا يعنى أن غاية الزاهد – الذي ليس بصوفي - من الامتناع عن طيبات هذا العالم أن يمنحه الله في الدار الآخرة طيبات ألذ وأمتع إنه كتاجر يشترى بمتاع الدنيا متاع الآخرة
أما الزاهد العارف - فيما يرى ابن سينا - فإنه تنزه عما يشغل سره عن الحق وتكبر على كل شيء غير الحق أى أن زهد العارف إنما هو سمو بنفسه عن كل ما يشغله عن الله تعالى وترفع عن الدنيا تلك التي لا تساوى عند الله جناح بعوضه
11

حجاب الثاني العبادة
إنه لا مناص من العبادة ولكن إذا نظر الإنسان إلى العبادة على أنها للتقدير فقد أصبحت حجابا
أن العابد إذا رضى عن نفسه لأنه صلى مثلا واعتبر صلاته من الأمور التي تضعه في مكانة رفيعة فقد أصبحت صلاته حجاباً أي أنها وإن أسقطت عنه الفرض وأكسبته حسنات فإنها - على الوضع الذي هو عليه لا تؤدى به إلى القرب والله سبحانه وتعالى يقول

ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ١
إن النجاة بفضل الله ورحمته
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب
فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها
ويقول
لن يدخل أحدا عمله الجنة قالوا ولا أنت يارسول الله قال
1 سورة النور ۱
١٤٢

ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته فسددوا وقاربوا ولا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فلعله أن يزداد خبرًا وإما مسيئا فلعله أن يستعتب
وفي الآثار أنه كان فيمن قبلكم رجل عبد الله خمسمائة عام وحينها مات وحوسب وانتهى حسابه سمع النداء الإلهى ادخلوه الجنة بفضلى واعتقد الرجل أن دخول الجنة بالنسبة له إنما هو عدالة وليس فضلا وأعلن ذلك فسمع النداء من جديد أعيدوا الحساب وأعيد الحساب ووزنت أعماله كلها فى مدى الخمسمائة عام في مقابل نعمة البصر فرجحت نعمة البصر وبقيت سيئاته مدى الخمسمائة عام في الميزان فسمع النداء الإلهي من جديد ادخلوه النار بعدلى ويعلم الرجل خطأه فيستغيث ويرجو ويتضرع أن يدخله الله الجنة بفضله ولعل ابن سينا يوضح الوضع لعبادة العابدين التي تختلف في وضعها عن عبادة العارفين
إنه يقول
والعبادة عند غير العارف معاملة ما كأنه يعمل في الدنيا لأجرة
يأخذها في الآخرة هي الأجر والثواب
والعبادة على هذا النسق حجاب عن القرب
والحجاب الثالث حجاب العلم
العلم الشكلي الذي هو التعمق فى كلام المتكلمين وفي الجدل في المتشابه العلم النظرى الذى لا يفيد العمل ولا يحفز على التزكية

وإذا كان الله سبحانه قد مدح العلماء وإذا كانت مكانة العلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمكانة السامية فإنه العلم الذي لا يصرف عن الله بل يقودنا إلى زيادة معرفة به والواقع أن العلم سواء كان مادي أو روحيا إنما هو زيادة معرفة الله لأنه بيان عن آثار صفاته فإذا ما بعث في النفس الكبرياء والخيلاء وأصبح العلم فى مثل كبرياء إبليس بعلمه فإنه يطرد من رحمة الله
وإذا أنتج العلم الخشية فإنه ينتج القرب من الله تعالى يقول سبحانه
وإنما يخشى الله من عباده العلماء ۱
ويتحدث أبو يزيد عن الحجب وعن المحجوبين فيقول
أشد المحجوبين عن الله ثلاثة بثلاثة
فأولهم الزاهد بزهده
والثاني العابد بعبادته
والثالث العالم بعلمه
ثم قال مسكين الزاهد قد ألبس زهده وجرى به في ميدان الزهاد ولو علم المسكين أن الدنيا كلها سماها الله قليلا فكم ملك من القليل وفي
كم زهد مما ملك ثم قال
۱ فاطر ۸
١٤٤

إن الزهد هو الذي يلحظ إليه بلحظة فيبقى عنده ثم لا ترجع نظرته
إلى غيره ولا إلى نفسه
وأما العابد فهو الذى يرى منة الله عليه في العبادة أكثر حتى تعرف عبادته في المنة
من
العبادة
وأما العالم فلو علم أن ما أبدى الله من العلم سطر واحد من جميع اللوح المحفوظ فكم علم هذا العالم من ذلك السطر وكم عمل فيها علم ! ويقول أبو يزيد ليس للعبد خير من أن يكون أبدا فقيرا ليس معه شيء لا التزهد ولا التعبد ولا شيء من الأشياء فيفنى عن الجميع فإذا فني عن الجميع كان الجميع وراءه
وهناك حجب أخرى!
يقول عبيد بن عبد القاهر قال أبو يزيد البسطامي إن الله ليرزق
عبده الحلاوة فمن أجل فرحه بها يمنعه من حقائق القرب والآن تذكر جملة من النصوص لأبى يزيد تزيد وجهة نظره وضوحًا وتشرح رأيه وتبين بعض الفروق بين العارف من جانب والعابد والزاهد
والعالم من جانب آخر
العارف والعالم
قال أبو يزيد
العارف يلاحظ ربه والعالم يلاحظ نفسه
124

وقال رحمه الله
اطلع الله على قلوب أوليائه فمنهم من لم يكن يصلح لحمل المعرفة
صرفًا فشغلهم العبادة
الزاهد والعارف
وقال أبو يزيد
العارف همه ما يأمله والزاهد همه ما يأكله
وقال
الزاهد يقول كيف أصنع والعارف يقول كيف يصنع!
وقال أبو يزيد
إن الصادق من الزاهدين إذا رأيته هبته وإذا فارقته هان عليك أمره
والعارف إذا رأيته هبته وإذا فارقته هيته!
الزهد والعبادة والعلم حجب
وقال أبو يزيد
أشد المحجوبين من الله ثلاثة بثلاثة
الزاهد بزهده والعابد بعبادته والعالم بعلمه !
١٤٦

ثم قال عقيب قوله
مسكين الزاهد قد تلبس الزهد وجرى في ميدان الزهاد ولو علم قلة الدنيا وفى أى شيء زهد وكم مقدار ما زهد فيه وأين
يقع هو في الدنيا من الزاهدين لما أعجب بزهده!
إن الزاهد الصادق يلحظ ربه فيبقى عنده فلا يرجع بطرفه إلى غيره وأما العابد الصادق فهو الذي يرى منة الله عليه في العبادة أكثر من
العبادة حتى تغرق عبادته في المنة
وقال عن العارف والزاهد أيضًا
أمل الزاهد فى الدنيا الكرامات وفي الآخرة المقامات وأمل العارف في و
الدنيا بقاء الإيمان معه وفي الآخرة العفو
١٤٧

عبه
ولا عقرية أحد اقلة لأن الحفلة الله طرفة عين الدم
النار
وقال
من نظر إلى الناس بعين العلم مفتهم ومن انظر اللهم بين المقيدة
منزهم
وال ابر
الاحرف
ح من اختار الانيا على الآخرة عليه جوله
وعطاء الله

دانا
انجامید عن أبي موسى
ومفاد
وعن أبى
الفصل الثاني عشر
حكم ووصايا - محتاجون إلى أي مطير
الديبلى قال سمعت أبا يزيد البسطامي يقول
لذات الدنيا ثلاث صديق واد وصحبة ملك جواد ومجالسة مفيد
وقال أبو يزيد
المؤمن من عقله أن يعلم أن بالله غنى عن عمله
وعن أبي صالح الحذاء مؤذن مسجد أبي يزيد قال
كان أبو يزيد يقول هلاك الخلق في شيئين في ترك الحرمة ونسيان
المنة
وقال أبو يزيد
الناس بحر عميق
والبعد عنهم سفينة
١٤٩

وقد نصحتك فاختر لنفسك المسكينة
وقال أبو یزید
طوبى لمن كان همه هما واحدا ولم يشغل قلبه بما رأت عيناه وسمعت
أذناه
وقال
حسب المؤمن أن يعلم أن الله غنى عن عمله
وقال
لا عقوبة
أشد من الغفلة لأن الغفلة عن الله طرفة عين أشد من
النار
وقال
من نظر إلى الناس بعين العلم مقتهم ومن نظر إليهم بعين الحقيقة
عذرهم وقال أبو يزيد
لا يعرف نفسه من صحبته شهوته
وقال
من اختار الدنيا على الآخرة غلب جهله علمه وفضوله ذكره
وعصيانه طاعته
۱۵۰

وقال
الدنيا لأهلها غرور فى غرور والآخرة لأهلها سرور في سرور ومحبة
الله لأهل محبته نور على نور
وعن أبي يزيد قال
إن في الطاعات
من
الآفات ما لا تحتاجون معه إلى أن تطلبوا
المعاصى
وعن أبي يزيد قال
ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر
وقال رضى الله عنه
قال الله تعالى للكافر آمن وللمنافق أخلص وللعاصي ارجع

وللمحب ارض وللعارف أبصر
وقال
من نظر إلى الخلق بعين العلم مقتهم وهرب إلى الله عز وجل ومن نظر إليهم بعين الحقيقة عذرهم وكان طريقا لهم إليه
وقال
عند نسيان النفس ذكر بارئ النفس

وسمعته يقول
يرزق العبد الحلاوة فلفرحه به يمنعه عن حقائق القرب
وقال علامة الانتباه خمسة
إذا ذكر نفسه افتقر وإذا ذكر حوبته استغفر واذا ذكر الدنيا اعتبر
واذا ذكر الآخرة استبشر وإذا ذكر المولى افتخر
من اختار الآخرة على الدنيا يغلب سكوته كلامه وفقره غناه وهمه سروره وقلبه محبته وسره قربه فتصير نفسه مقيدة بقيد الخدمة وقلبه أسيرا لخوف الفرقة وسره مستأنسا بأنس الصحبة
وقال
إن الله تعالى أمر العباد ونهاهم فأطاعوه فخلع عليهم فشغلوا بالخلع عنه وإنى لا أريد من الله إلا الله
خلعا
من
وعن منصور قال جاء رجل إلى أبي يزيد فقال أوصنى
فقال له انظر إلى السماء فنظر صاحبه إلى السماء
فقال له أبو
من خلق هذا أتدرى یزید
خلعه
قال الله
قال أبو يزيد
إن من خلقها لمطلع عليك حيث كنت فاحذره
١٥٢

وسئل من أين تأكل
فقال مولاى يطعم الكلب والخنزير أفترى أنه لا أبا يزيد
وصلى خلف إمام الجامع فلما سلم الإمام قال
يا أبا يزيد من أين تأكل
قال
اصبر حتى
أعيد صلاتى فإنك شككت فى رزق المخلوق ولا تجوز
الصلاة خلف من لا يعرف الرازق
فأخذ
ودخل الجامع فوقف على حلقة فقيه فسئل عن رجل مات وخلف كذا
يصحح
المسألة الأعداد فصاح به يافقيه ما تقول فيمن
ويضرب
مات ولم يخلف إلا الله
فبكى القوم وأبكوا فقال
العبد لا يملك وإذا مات لا يخلف الا مولاه كما كان أولا فإن آخره إلى أوله لأن أوله فرد ومعه الشهادة فإذا كان آخره كأنه لم ير مع
الله سواه
ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة
وأوصى أبو يزيد رضى الله عنه خادمه أبا موسى فقال أوصيك بإقبالك على ربك أيام حياتك بكليتك ولا قول عنه وجهك
١٥٣

إلى وقت فإن نواصيكم بيده وإنه لابد من لقائه والوقوف بين يديه وأنت مسئول عن جميع أعمالك فشمر لذلك واستعد لمعادك ولا تغفل وانتبه عن رقدة الغفلة وتيقظ من نومة الغافلين وألق كتفك بين يدى سيدك صباحا ومساء والزم ذكره واحفظ خدمته وأحسن ظنك به ولا تؤثر أحدا عليه واصبر على ما أصابك من البلاء وارض بحكم الله وقضائه وقدره وبحسن اختياره لعبده واقتع بعطيته وثق به وآمن لموعده بوعده ووعيده وتوكل على الحى الذى لا يموت واذكر الله واستعن بالله في كل أمورك واحذر منه مادمت حيا واهرب من الخلق إليه
وأيقن
وفوض أمرك إليه
وعن ابن الأنباري يقول
أراد صاحب لنا أن يسافر فقال لأبي يزيد أوصني وصية
فقال أوصيك بثلاث
إذا صاحبك سيئ الخلق فأدخل
سوء
خلقك خلقه في حسن
حتى يهنئك
العيش
وإذا أنعم عليك منعم بنعمة فاشكر الله أبدا فإنه هو الذي أعطف
بالقلوب عليك
وإذا بدا عليك شيء من بلاء الله فأسرع الاستقالة منه فإنه شيء
لا يعى متصبر عليه
١٥٤

وعن عيسى قال كنت عند أبي يزيد قدس الله روحه فذكر عنده الجاه
والنفس
فقال يا أبا موسى
إن المؤمن بلانفس ثم قرأ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم
فمن باع نفسه فكيف تكون له نفس
وسئل متى يكون الرجل عاملا على معنى العبودية
فقال إذا لم يكن له إرادة
فقيل كيف يكون ذلك
قال تكون إرادته وتمنيه وشهوته داخلة فى محبة ربه ولا تتقدم له إرادة في شيء أبدا حتى يعلم إرادة الله عز وجل ومحبته فيه
١٥٥



الفصل الثالث عشر
من طرائف أبي يزيد
قال رضى الله عنه لو أذن لى فى الشفاعة لشفعت أولا فيمن آذاني وجفاني ثم فيمن برنى وأكرمنى
وكان يقول الطريق تقتضى أن الشيخ لا ينسى أهل زمانه فكيف مريده المختص به فإنه من فتوة شيخ الطريق ومعرفته بالنفوس أنه إذا يوم القيامة وظهر ما لهم من جاه عند الله خاف منهم من آذاهم في الدنيا فأول ما يشفعون فيمن آذاهم
كان
قال ابن عربي هذا نصه وهو مذهبنا فإن الذين أحسنوا إليهم يكفيهم عين إحسانهم فهم بإحسانهم شفعاء أنفسهم عند الله بما قدموه في حق ذلك
الولى
وقال الناس يفرون من الحساب وأنا أتمناه لعله يقول لي يا عبدي
فأقول لبيك ثم بعد ذلك يفعل بي ما شاء
loy

وقال لهما علمنى الاسم الأعظم قال ليس له حد محدود وإنما هو فراغ قلبك أو مدانيته فإذا هي كذلك فارجع إلى أي اسم تسير به
من المشرق إلى المغرب
وسئل
عن اسم الله الأعظم فقال قل لا إله إلا الله وأنت هناك ثابت
فقيل له كيف ٢٠٠١٠ قال تعرفه إذا ذكرته
وبلغنا أنه
قال أنا
ل له أنت أنت من
ليلى ومن ليلى أنا
وسئل ما لمد العارف
فقال وإن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها
أذلة
وقيل له أبسى العارف فقال
وكان أمر الله قدرًا مقدوراً
وقال ابن ع وهذا غاية في الأدب حيث لم يقل نعم ولا لا وهذا من كمال حالك وعلمه وأدبه رمر الله عنه
وقال له دلني على عمر أتقرب به إلى الله
قال أحبب أولد ليحبوك فإنه بمصر في قلوبهم فلعله ينظر إلى اسمك
في قلب وليه دعم لك

سلات
وسمعته يقول
وددت أن الله تعالى جعل الدنيا لقمة واحدة فأعطانيها حتى أنبيه بين يدى كلب حتى لا يغتر به الخلق ولو عذبني في نار جهنم مكان خلق جميعا لما كان منى بكبير بما ادعيت أنى أحبه ولو غفر لجميع الخلق كان منه بكبير حيث قال
إنى على الخلق رءوف رحيم
وقال ما دام العبد يظن فى المسلمين من هو شر منه فهو مكبر وسئل متى يكون الرجل متواضعا
فقال إذا لم ير لنفسه مقاماً ولا حالا ولا يرى أن في الخلق من هو شر
وقال سمعت المتقدمين قالوا
إن ليلة من الليالي بكي صبي لمجوس في جواره ولم يكن معهم السراج فرفع السراج إلى كوتهم حتى سكت صبيهم فرأوا شفقته فقالت أم الصبي لأبيه
- وقد غاب حين بكائه - لما حضر ألا ترى إلى شفقة ابن عيسى سروشان وقد فعل مثل هذا
فعجب من شفقته ودعت بركة شفقته عليهم أن أسلموا عن أمرهم
١٥٩

ومن طرائفه في الورع أنه
قصد
الجامع يوم
الجمعة للصلاة وقد جاء المطر من قبل وكان وجلا فزلقت رجله فاستند إلى جدار حائط فأمسك نفسه بسببه ويبدو أن
بعض التراب من الحائط قد تفتت
فلما ثبت تفكر فى ذلك وقال فى نفسه تفحصى عن صاحب الجدار ليجعلني في حل مما تعاطيت وفعلت خير لى من أن أمضى إلى المسجد فإن ذلك لا يفوتني ففى الوقت سعة فانصرف وتعرف عن صاحب الجدار فقيل مجوسى فتقدم إلى باب داره وناداه فخرج إليه فأخبره بالقصة وطالبه أن يجعله في حل من ذلك
فقال المجوسى ولكم فى دينكم الدقة وكل هذا الاحتياط آمنت بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم آمن وآمن كل من في داره ببركة ذلك الفعل
وقال محمد أحمد بن المذكر حكمنا أن أبا يزيد رضى الله عنه بلند أن فلانا المجوسى جاره قد مرض فدخل عليه عائدًا فلما بصر المجوسى بأبي يزيد فأزال رأسه من فراشه ووضع خده على التراب تعظيما وإجلالا
لأبي بزيد
قال فلبث ساعة ثم قام منصرفًا فلما توسط الدار رفع أبو يزيد طرفه إلى السماء كأنه سأله فيه لما بلغ الدهليز إذا ببعض أولاد المجوسى جاء
١٦٠

على إثر أبي يزيد يقول إن أبى يقول بحق الله عليك لا انصرفت فما انصرف فقال
يا أبا يزيد أعرض على الإسلام فعرض عليه فأسلم وقضى المجوسى مكانه فقام أبو يزيد بأمره حتى دفنه
وقال أبو
موسی
الديبلي سمعت رجلا يسأل أبا يزيد فقال
دلني على عمل أتقرب به إلى ربى
قال أحب أولياء الله ليحبوك فإن الله تبارك وتعالى ينظر إلى قلوب أولياته في كل يوم وليلة سبعين مرة فلعله أن ينظر إلى اسمك في قلب وليه
فيغفر لك
وعن الحسن بن على يقول قال أبو يزيد
المعرفة في ذات الحق جهل والعمل في حقيقة المعرفة جناية والإشارة
من المشير شرك في الإشارة
ذلك
وكان رضي الله عنه إذا رآه الناس يتمسحون بمرقعته تبركا فلاموه على

فقال
هم لا يتبركون بى إنما يتبركون بخلعة ربى التي خلعها على
وسئل أبو زيد فقيل له
إن الناس يقولون إن شهادة أن لا إله إلا الله مفتاح الجنة
11

قال صدقوا ولكن لا يفتح المفتاح بغير أسنان وأسنان مفتاح الجنة
أربعة أشياء
لسان بغير كذب ولاغيبة وقلب بغير مكر ولا خيانة وبطن بغير حرام
ولا شبهة وعمل بغير هوى ولا بدعة
١٦٢

الفصل الرابع عشر
الكرامات
سبق أن كتبنا عن الكرامات ما يلى
1 - أن القرآن الكريم يحدثنا في أسلوب لا لبس فيه عن المعجزات
التي تفضل الله بها على رسله وأنبيائه
سيدنا عن
موسی
بأنه
ويحدثنا سبحانه عن الكرامات التي منحها سبحانه لأوليائه وأصفيائه ألم يحدثنا القرآن بصورة لا تحتمل التأويل بأن عيسى عليه السلام كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله ألم يحدثنا ألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون وبأنه أخرج يده فإذا هي بيضاء للناظرين وسيدتنا مريم ألم تحمل بسيدنا عيسى من غير أب خارقة بذلك قوانين الطبيعة وكانت كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا أنى لك هذا قال یا مریم
١٦٣

قالت هو من عند الله !
٢ - ثم إن ما نسميه قوانين الطبيعة إنما هو في الواقع عادات
الطبيعة
وخرقها ليس بمستحيل عقلا!
وخرقها لا يترتب عليه مستحيل !
وعادات الطبيعة لاتسيطر على رب الطبيعة
- ثم إن هؤلاء الذين تجرى على أيديهم المعجزات أو الكرامات لا ينسبونها إلى أنفسهم وإنما ينسبونها إلى المتفضل الوهاب صاحب القدرة
والقهر إنهم ينسبونها إلى من هو على كل شيء قدير

بألوان
- والملاحظ في منكرى الكرامات على مر العصور أنهم يتميزون من الغلظة وقساوة القلب فلا تجد فيهم رقة شعور ولا صفاء

من
البصيرة ولا ملائكية الروح وهم - إن لم يكونوا من الملاحدة الصنف الذى لم يخالط الايمان شغاف قلبه وإنما بقى صورة عائمة على
السطح ه - جمهرة المسلمين على مر العصور عامتهم وخاصتهم وقممهم الشوامخ في العلم والدين من الذين يثبتون الكرامات ويؤمنون بها
هذا عن الكرامة عادة من حيث حدوثها ووقوعها
١٦٤

ويتحدث أبو يزيد عن الكرامات من حيث تصدر من
سبحانه فيقول
أسماء
الله
حظوظ كرامات الأولياء على اختلافها تكون من أربعة أسماء
الأول والآخر والظاهر والباطن - وكل فريق له منها اسم فمن فنى
عنها بعد ملابستها فهو الكامل التام !
فأصحاب اسمه الظاهر يلاحظون عجائب قدرته !
وأصحاب اسمه الباطن يلاحظون ما يجرى في السرائر !
وأصحاب اسمه الأول شغلهم بما سبق !
وأصحاب اسمه الآخر متربصون بما يستقبلهم!
فكل يكاشف على قدر طاقته إلا من تولى الحق تعالى تدبيره وقال
أبو موسى الديبلي
سأل رجل أبا يزيد عن المشي في الهواء فقال
إذا طابت نفس الرجل بقلبه مطرت قلبه بحسن ظنه بر به وصح ظنه بارادته واتصلت بمشيئة خالقه فشاء بمشيئة الله ونظر بموافقة الله وترفع قلبه برفعة الله وتحركت نفسه بحركة الله وصار حيثما شاء هذا العبد بمشيئة الله تعالى ونزل حيث شاء الله فى كل مكان علما وقدرة فهذا العبد كان معه في كل مكان ولا يخلو عنه مكان فإذا كان هذا العبد مع الله فلا
١٦٥

يخلو عنه مكان وإذا لم يكن مع الله فليس هو فى مكان نفس الرجل
متصل بقلبه
وقلبه متصل بظنه وظنه متصل بارادته وإرادته متصلة بمشيئة الله تعالى قال الله تعالى في حديث قدسي أنا عند ظن عبدي بي فإذا كان الله عند ظن العبد إذا ظن فكان العبد حيثما كان الله كما أن الله لا يخلو عن العبد حيث كان العبد كذلك العبد لا يخلو عن الله بالله حيثما كان الله الله لا يخلو عن مكان دون مكان فإذا صح حسن ظن العبد بالله وقع ظنه بر به وقلبه بظنه ونفسه بقلبه فصار من حيث يشاء إلى حيث شاء بمشيئة الله ويأتيه كل شيء هو على مكانه بلا عناء يأتيه المشرق والمغرب كله فكلما ظن بمكان فالمكان يحضره وهو لا يحضر المكان إذ هو لا يزول ثم لا يزول إذ هو مع من لم يزل ولا يزال إذ هو من هو لم يزل ولا يزال فافهم ذلك تتبعه الأشياء ولا يتبع شيئًا إنما الأشياء كلها كائن من الله ولكن أبا يزيد إذا كان قد علل الكرامات وفسرها فإنه لا يعباً بها بل يقلل من شأنها بل يصل به الأمر إلى التحذير منها إذ يقول
الأولياء لا يفرحون بإجابة الدعوات التى هى عين الكرامات كالمشي على الماء والهواء وطى الأرض وركوب السماء فإن أدعية الكفار تجاب والأرض تطوى للشياطين والدجال والهواء مسخر للطير والماء للحوت فمن أنعم عليه بشيء منها فلا يأمن المكر!
وقال له رجل بلغنى أنك تمر فى الهواء فقال أي عجب منه طير يأكل

الميتة يمر في الهواء المؤمن أشرف من طير
وليس الكرامات بعجيبة إنما العجيب شيء آخر أسمى من الكرامات
يقول أبو يزيد
كم من خلق الله يمشى على الماء وفى الهواء وليس عند الله كبير مقدار وليس ذلك بعجيب إنما العجب أسرار قلوب أوليائه التي لم يطلع عليها أحد الملائكة

قال الحسن بن علوية خرج أبو يزيد لزيارة أخ له ببلخ فلما وصل إلى نهر جيحون - يعنى بعد قصده الرجل الذي سكن – بلخ وراء بلخ - التقى به حافتا النهر فقال سيدى ! - أيش هذا المكر الخفى وعزتك يا عزيزي ما عبدتك لهذا وعزتك ما اردت هذا ثم رجع ولم يعبر!
وقد صلى أبو يزيد البسطامى ليلة فأضاء البيت كأنه نصف النهار فقال أبو يزيد إن كنت شيطانا فأنا أعز وأمنع جانبا من أن تطمع في وإن كان من عند الله فإني أسأله أن يؤخره من دار الخدمة إلى محل الكرامة
ومن ذلك أن أبا يزيد بلغ دجلة بغداد فانضمت الدجلة بعضها إلى بعض كرامة له فجلس أبو يزيد وقال
أنا أحمل من هذا الجانب إلى الجانب الآخر بدائق وأنا لا أبيع عم ثلاثين سنة في هذا الحديث بدائق
١٦٧

يعنى إنى لأتوقع منك شيئًا آخر دون الكرامة لأرضى منك بغيرك !
ماذا كان يريد أبو يزيد
إنه يقول أوقفنى الحق بين يديه مواقف في كلها يعرض على المملكة فيقول أتريد التحف قلت لا
قال الطرف قلت لا قال الغرف قلت لا
قال ما تريد
قلت أريد ألا أريد فإنك المراد وأنا المريد
قال لى أنت حقا عبدی
١٦٨

خاتمة
في تقدير أبي يزيد
إن كبار الصوفية قدروا أبا يزيد تقديراً كريما وأضفوا عليه مستندين إلى سيرته - صفات سامية سواء أكان ذلك من ناحية سلوكه أم كان من ناحية آرائه وأفكاره وكلهم أقروا باستغراقه في الشعور الرباني وتذكر هنا بعض كلامهم فى ذلك يقول صاحب الحلية
ومنهم التائه الوحيد الهائم الفريد البسطامي أبو يزيد تاه فغاب وهام فآب غاب عن المحدودات إلى موجد المحسوسات والمعدومات فارق الخلق ووافق الحق فأيد بإخلاء السر وأمد باستيلاء البر إشاراته هائمة وعباراته كامنة لعارفيها ضامنة ولمنكريها فاتنة
ويقول صاحب الكواكب الدرية
أشهر من أن يذكر وأعرف من أن يعرف كان نادرة زمانه حالا وأنفاسا وورعا وعلمها وزهدا واتقاء وإيناسا وناهيك بقول الخواني
19

هو سلطان العارفين وكان ابن عربي يسميه أبا يزيد الأكبر ولقد
تحدث عنه الإمام ابن عربي كثيرا في كتبه ومن ذلك قوله ومن الأقطاب من يكون ظاهرا لحكم ويحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الباطنة من جهة المقام كأبي بكر وعمر وعثمان وعلى وعمر ابن عبد العزيز
ومنهم من له الخلافة الباطنة خاصة ولا حكم له في الظاهر كأبي يزيد
انتهى
أما التقدير الذي نحب أن نختم به فهو ما يلى
يروى ابن عطاء الله السكندرى فى شرحه لقصيدة ولى الله أبي مدين القصيدة القصة التالية
زار بعض السلاطين ضريح أبي يزيد - رضي الله عنه – وقال هل هنا أحد ممن اجتمع بأبي يزيد
فأشير إلى شيخ كبير في السن كان حاضرا هناك فقال له سمعت شيئًا من كلام أبى يزيد فقال نعم سمعته قال
من زارني لا تحرقه النار فاستغرب السلطان ذلك الكلام فقال كيف يقول أبو يزيد ذلك وأبو جهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم وتحرقه النار فقال ذلك الشيخ للسلطان أبو جهل لم ير النبي صلى الله
۱۷۰

عليه وسلم وإنما رأى يتيم أبي طالب ولو رآه - صلى الله عليه وسلم - لم تحرقه النار
ففهم السلطان كلامه وأعجبه هذا الجواب منه أى أنه لم يره بالتعظيم والإكرام والأسوة واعتقاد أنه رسول الله ولو رأه بهذا المعنى لم تحرقه النار
والمعنى الذي أراده أبو يزيد بقوله من زارني لا تحرقه النار واضح كل الوضوح وذلك أن أبا يزيد يقول إن من تقصى آثارى وعمل على حسب ما رسمته واتبع السبيل الذى سرت فيه ودفعه الحب لزيارتي فإن النار لا تحرقه
والمعنى الذى أراده أبو يزيد أيضًا من وراء ذلك أنه سار في حياته بحسب الكتاب والسنة وأسس سلوكه وأقواله هى هدى القرآن والسنة وأنه اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة في السلوك والأقوال وأن كل من سار على ذلك فهو بفضل الله فى رحمة الله وفى رضوانه ومن كان كذلك لا تحرقه النار
وتمسك أبو يزيد بالكتاب والسنة معروف مشهور ومن بيان ذلك أنه قال مرة لأحد جلسائه قم بنا حتى ننظر إلى هذا الرجل الذي قد
شهر نفسه بالولاية وكان رجلا مشهورا بالزهد
يقول رفيق أبي يزيد فمضينا إليه فلما خرج من بيته ودخل المسجد
۱۷۱

رمى ببصاقة تجاه القبلة فانصرف أبو يزيد ولم يسلم عليه وقال هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه
إن أبا يزيد لم يكن يحتمل أن يخالف إنسان أديا من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن المعروف أن الصوفية يتخذون مثلهم الأعلى وأسوتهم الحسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم يتحرون جميع أموره - اليسير منها ليسيروا على هديه ويتبعوا سننه في جميع
والعظيم
أحواله
ويضع أبو يزيد للمريدين والسالكين مقياسا دقيقًا لمعرفة الشيخ إنه
يقول
لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتقى في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء
الشريعة
وقال أبو يزيد
لا يكون العبد عاملا على معنى العبودية حتى تكون إرادته وأمنيته
وشهوته تابعة لمحبة الله
هذا التمسك من أبي يزيد بالشريعة هو الذي جعل منه إماما وعلما من أعلام السلوك الإسلامي وجعله يقول
۱۷

من زارني لا تحرقه النار
وكأنه به يقول
إن من اقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الله له النجاة وإني اقتديت بسيدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعو الناس جميعا إلى الاقتداء به ليكتب الله لهم النجاة
والحمد لله أولا وأخيرًا وأصلى وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم
۱۷۳

المراجع
المناوي
الكواكب الدرية
الشعراني
الطبقات الكبرى
السراج
اللمع
السلمي
طبقات الصوفية القاهرة سنة ١٩٥٣ ص ٦٧-٧٤
أبو نعيم
حلية الأولياء جـ ١٠ ص ٣٣ - ٤٢
القشيري
الرسالة
الهجويري
كشف المحجوب
عبد الرحمن بدوى شطحات الصوفية ۱ أبو يزيد البسطامي القاهرة
سنة ١٩٤٩
ابن الجوزي تلبيس إبليس
ابن خلکان دائرة المعارف الإسلامية طبعة بولاق سنة ١٢٧٥
AL-MITAFA-EEM
۳۳۹
جا ص
١٧٤

AL-
محتويات الكتاب
المقدمة
الفصل الأول
حياة أبو يزيد
الفصل الثاني
أبو يزيد والعلم
الفصل الثالث أبو يزيد والتزام الشريعة
أبو يزيد والشطح الفصل الرابع
الفصل الخامس
أبو يزيد العابد
الفصل السادس أبو يزيد والجهاد في سبيل الله
الفصل السابع الوصول
الفصل الثامن أبو يزيد والتصوف
الفصل التاسع
الصوفية والتوكل على الله
الفصل العاشر
أبو يزيد والحب
الفصل الحادي عشر الحجب
الفصل الثاني عشر حكم ووصايا
الفصل الثالث عشر من طرائف أبى يزيد
الفصل الرابع عشر الكرامات
خاتمة
في تقدير أبي يزيد
المراجع
صفحة

٦٣
9
Λο
۱۰۱
۱۱۹
۱۳۱
۱۳۹
١٤٩
١٥٧
١٦٣
19
١٧٤