الدكتور عبد الحليم محمود
العارف بالله
شر بن الحارث الحافة
دار المعارف
الإمام عبد الحليم محمود
العارف بالله
بشر بن الحارث الحافة
A
دار المعارف
بسم
مقدمة
الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه
إلى يوم الدين
اللهم صل على خير خلقك سيدنا محمد الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وناضل طيلة حياته في سبيل لا إله إلا الله قولاً وتصديقاً وفى سبيلها شعورًا وحالاً حتى أخرج بها أمة – في صدر الإسلام - هى خير أمة أخرجت للناس تربت على لا إله
إلا الله رباها عليها الإنسان الكامل الذى امتزجت به لا إله إلا الله
فكانت القائد له في كل تصرفاته ووقف بها صامدا في وجه كل طغيان وفي وجه كل ضعف وفى وجه كل عقبة وانتهت به إلى الفلاح الكامل والنصر المبين ومازالت لا إله إلا الله ولن تزال تفيض بالنور والقوة على كل من آمن بها فردًا أو جماعة
ومازالت
ولن تزال
تخرج
رجالاً
هم
خير رجال أخرجوا
للناس وتخرج جماعات - إذا اشربوا روحها - هم خير جماعات
أخرجت للناس
وما من شك في أنه ليس خير
الجماعات الذين بيدهم الحديد
والنار وبيدهم التنكيل والغلبة والتعذيب
هم
كلا وحاشا وإن هذه الدول فى أوربا وأمريكا التي سيطرت وسادت بقنابلها ومدافعها فأشقت الإنسانية ودمرت البلاد والعباد وخربت الأنفس والأجسام
إن هذه الدول باعتراف أهلها تصور الإنسانية أسوأ تصوير إنها عدوة - فى جبروتها - للحق والخير والسلام عدوة للفضيلة والخلق
الكريم ومهما وصلت من القوة ومهما بلغت في غزو الفضاء وفى استخدام الأقمار الصناعية للتجسس فإن كل ذلك لا يجعل منها أمة
فضيلة وخير ونحن لا نعادى التقدم العلمى كلا إننا على العكس ندعو إليه ونوجبه في أممنا النامية ولكن التقدم العلمي إذا لم يصاحبه زيادة الشعور بالفضيلة والخير يصبح جبروتا وطغيانا
وفرق بين التقدم العلمى الذى يرافقه الإيمان بالخير والفضيلة فيثمر السلام والأمن والاطمئنان والتقدم العلمي الذي لا يهدف إلا إلى الغلبة والاستعلاء فيثمر الخراب والدمار
إن هؤلاء الذين بهرتهم الحضارة الغربية قد عموا عن أمرين في غاية الأهمية الأمر الأول هو أن هذه الحضارة في جانبها المادى أشقت الإنسانية بهذه الوسائل المهلكة المدمرة المخربة التي استخدمت بين أقطار مختلفة من دین واحد هو المسيحية واستخدمت في أبشع صورة ضد أمم ضعيفة للسيطرة عليها ووضعها في وضع أشبه
أهل
ما يكون بالرق إن لم يكن هو الرق نفسه ومن أجل هذه الصورة
الواقعية لعن كثير من الأوربيين حضارتهم وتمنوا زوالها أما الأمر الثانى الذى عمى عنه من بهرتهم الحضارة الغربية فهو أنها في جانبها الثقافى النظرى متغيرة باستمرار ظنية لا سبيل فيها إلى اليقين
إن مثلها في هذا الجانب – كما يقول المرحوم الشيخ محمد مصطفى المراغى - كمثل أزياء النساء تتبدل كل عام
إنها لا تثبت على رأى ولا تستقر على مبدأ ولا تجمع على كلمة وهى فى ماضيها وحاضرها متعارضة متضاربة متناقضة وجديدها قديم وقديمها حديث وهى متهافتة لا محالة وخذ أى رأى منها إن شئت فإنك ستجد دون أدنى ريب فيها نفسها ما يعارضه وينقضه فإذا ما علق إنسان أمله بها فإنه لا محالة يعلقه على
سراب
ولقد تعمدت جماعة كبيرة إفساد هذه الثقافة النظرية الغربية وتزييفها ووضعت لذلك تخطيطا محكما تعمل على تحقيقه خطوة فخطوة
هذه الجماعة
هم
اليهود الذين رسموا لإفساد الإنسانية منهجا أخذوا
في تنفيذه عن طريق وسائل الإعلام ودور النشر وعن طريق المسرح عن طريق كل كاتب مأجور وكل كاتب مغفل
والسينما
بل لقد وصل الأمر باليهود إلى درجة أن رسموا في تخطيطهم
الاستيلاء على كراسى علم النفس وعلم الاجتماع في جامعات أوربا
وأمريكا وذلك ليفسدوا - عن طريق هذين العلمين – على الناس
عقائدهم وأخلاقهم
من
ولقد نفذوا مخططهم فاستولوا على ما يقرب من ٩٠ في المائة هذه الكراسي وأصبح من الدراسة الجوهرية في هذين العلمين
موضوعات
أصل الدين
مصدر الوحي كيف نشأت الأخلاق مرد الأخلاق
التفسير النفسي للوحى
التفسير النفسي لعقيدة الألوهية
التفسير الاجتماعي لعقيدة الألوهية
التفسير النفسي للأخلاق
التفسير الاجتماعي للأخلاق
وهم في دراستهم لهذه الموضوعات يرجعونها كلها إما إلى الفرد
وإما إلى المجتمع
أما أن يردوها إلى الله فلا
والشرقيون يرسلون أبناءهم ليتعلموا هذا الإلحاد ثم ليبشروا به
عند عودتهم في أقطارهم
أقطارهم
والغريب أن الشرقيين يؤمنون بهذا الباطل وينشرونه في وهم بذلك أبواق لليهود دعاة لهم عن سذاجة وعن
ليفسدوها
غفلة
"
ولقد أعلن اليهود في الكتاب الذى يصورهم ويصور مخططهم وهو كتاب بروتوكولات حكماء صهيون أنهم يعملون
في دقة
جاهدين لإفساد الضمائر عن طريق التشكيك في الأخلاق والعقائد ويعملون جاهدين لإفساد العقول عن طريق تزييف الحق وترويج الباطل ويتبنون شخصيات إبليسية تفسد آراؤها على الناس ضمائرهم
وعقولهم
إنهم يعلنون أنهم تبنوا آراء اليهودى فرويد الذي يفسر كل
شيء في سلوك الإنسان عن طريق الغريزة الجنسية
وإنهم تبنوا آراء اليهودى كارل ماركس الذي أفسد على الكثيرين قلوبهم وضمائرهم وعقولهم وألغى الأديان وهاجم عقيدة الألوهية
ولما قيل له
ما هو البديل عن عقيدة الألوهية
قال البديل هو المسرح اشغلوهم عن هذه العقيدة بالمسرح
وصدق في هذا اليهودى قول الله تعالى
واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل
القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ساء مثلا
الله
فهو
القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون من يهد المهتدى ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون - الأعراف [ ١٧٥-١٧٨] وتبنوا آراء نيتشه الذى ألغى الأخلاق وأباح لكل إنسان أن يفعل ما يؤدى إلى استمتاعه ولو كان القتل أو إسالة الدماء أو التخريب وتبنوا آراء دارون هذا المهرج الكبير الذي يعلن عن نظرية ينقصها الإثبات ويقول هو
إن حلقة مفقودة فى هذه النظرية يجب أن نبحث عنها وإلى أن ذلك أن نؤمن بالنظرية كحقيقة مع أنها لا تثبت
نجدها يجب مع إلا بالحلقة المفقودة التي بحث الباحثون عنها فى شرق الدنيا وغربها فلم يجدوا لها أثرًا
ولقد راج هذا التهريج روجه اليهود بأخلاقهم وكتبهم وصحفهم وأساتذتهم في علم النفس وفي علم الاجتماع الذين احتلوا – بحسب - 90 في المائة من كراسى هذين العلمين في جامعات
تخطيط مرسوم أوربا وأمريكا
إن اليهود آلوا على أنفسهم أن يتبنوا كل باطل من الآراء الفكرية في
مجال ما وراء الطبيعة
C
وفى مجال الأخلاق ليفسدوا العالم
وليتمكنوا من وراء ذلك من السيطرة عليه ومن قيادته واستعباده
وهم الذين قالوا
ليس علينا في الأميين سبيل ۱
۱ آل عمران ٧٥
C
إن القسم الثقافي النظرى من الحضارة الغربية قسم ظنى وسيستمر
ظنيا إلى الأبد
فإنه – في
غير
وإذا تساءلت عما يمكن أن يسير الإنسان على هديه في هذا المجال لبس ولا غموض ولا إبهام - الوحي المحمدى المعصوم إنه الوحى الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حميد من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في
حكيم
غيره أضله الله
إنه حبل الله المتين والصراط المستقيم ومادام الإنسان مؤمناً فهو لا محالة يؤمن بأن الدين نزل هاديًا للعقل إن هذه القضية جزء من إيمان كل مؤمن وما دام الدين نزل هاديًا
للعقل فإنه لابد للعقل من أن يجعله القائد والهادى والحكم وإذا فعل المؤمن ذلك فإنه يكون قد اعتصم بالعصمة التامة فإذا اعتصم بها هدى إلى صراط مستقيم وإننا بكتابنا عن الشخصيات الصوفية فإنما نقدم للأمة الإسلامية نماذج من أشخاص لم يبهرهم بريق الثقافات الغربية – وقد ترجمت
على عهدهم وإنما كان منهجهم فى الحياة الاتباع لا الابتداع وساروا في طريقهم متأسين برسول الله فسعدوا وأسعدوا وإن من أئمتهم في ذلك بشر بن الحارث الحافي الذي نقدمه اليوم الله سبحانه أن يجعل في سيرته هداية وإرشادا وأن يهدى سبحانه لهذا الكتاب وأن يهدى به إنه سميع قريب مجيب
ونرجو
الفصل الأول اته
حي
بسم الله الرحمن الرحيم – الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه
إلى
يوم الدين
ربنا آتنا لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ۱ من
وبعد فيقول محمد بن الصلت عن بشر بن الحارث
كان اسمه بين الناس كأنه اسم نبي
وبمناسبة هذه الكلمة لابن الصلت نورد هنا ما قاله عالم الصوفية وصوفى العلماء الإمام الكبير ابن عطاء الله السكندرى في موضوع
النبوة والرسالة إنه يقول
قال العلماء ورثة الأنبياء وقال إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم وقال علماء أمتى كأنبياء بني إسرائيل وههنا نكتة وهو أنه لم يقل علماء أمتى كرسل بني إسرائيل فمن الناس من ظن أن النبي هو الذي نبيء في نفسه والرسول هو
۱ الكهف
الذى أرسل إلى غيره وليس الأمر كما ظن هذا القائل ولو كان كذلك
فلماذا خص
الأنبياء دون الرسل بالذكر في قوله
علماء أمتى كأنبياء
بني إسرائيل
ومما يدلك على بطلان هذا المذهب قول الله سبحانه
وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي 1 الآية فدل على أن حكم الإرسال يعمهما وإنما الفرق ما قال بعض أهل العلم إن النبي لا يأتى بشريعة جديدة إنما يجيء مقرراً لشريعة موسى وامرا بالعمل بما في التوراة ولم يأت بشرع جديد والرسول كموسي عليه السلام إذ أتى بشرع جديد وهو ما تضمنته التوراة فقال له علماء أمتى كأنبياء بني إسرائيل أي يأتون مقررين ومؤكدين وآمرين بما جئت به لا أنهم يأتون بشرع جديد
وكان بشر مقررًا ومؤكدًا وأمرًا بما جاء به الرسول له ومن
هنا كان اسمه كأنه
اسم نبی
على أن كلمة كأنه ترشد إلى أن بشرًا كان مستقيم السلوك متبعا للجادة متخذا الرسول أسوة وقدوة
ويقول إبراهيم الحربي عنه
ما أخرجت بغداد أتم عقلاً ولا أحفظ للسانه من بشر بن الحارث كان له فى كل شعرة منه عقل ووطىء الناس عقبه خمسين
1 سورة الحج الآية ٥٢
C
۱
سنة ما عرفت له غيبة لمسلم لو قسم عقله على أهل بغداد لصاروا
عقلاء وما نقص من عقله شيء ۱
ويقول أبو بكر الخطيب
وكان ممن فاق أهل عصره بالورع والزهد وتفرد بوفور العقل
وأنواع الفضل وحسن الطريقة واستقامة المذهب
الفضول
ولكن من هو بشر وكيف كانت حياته
وإسقاط
يقول أبو عبد الرحمن السلمي عنه
بشر بن الحارث المعروف بالحافي
كنيته أبو نصر
أصله
من مرو من قرية ما برسام
وكان من أبناء الرؤساء والكتبة
ويقصد بالكتبة هؤلاء الذين يعملون فى القصر الملكي وكانت لهم منزلة خاصة فهم مؤتمنون على الأسرار وهم الذين يعاونون وكانت أمور الدولة كلها بيد وزير واحد الأمور وكانت مطامحهم - في التقرب من الوزير ثم من أمير
الوزير
المؤمنين
من
في تصريف
وكانوا يعيشون فى سعة من الرزق وفى تقديرنا شيء عن
السلطان كان والد بشر من هؤلاء
۱ ابن عساكر ص ٥١
مكانتهم
ويقول الإمام المناوى عن بشر وأصله من رؤساء مرو
ونشأ بشر نشأة أولاد الذوات يروى صاحب الحلية أنه كان
في ابتدائه في لهو ولعب
يجلس
مع الرفقاء للهو واللعب ويقضون أوقاتهم في ترف ونعيم ولكن الله سبحانه أعد فى أزله لبشر منزلة كريمة وهيأ الأسباب لوصوله إليها والله سبحانه يجتبى من يشاء ويهدى إليه من ينيب
ويقول سادتنا الصوفية في لمحة تقع الصلحة
وفيما نحفظ ما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال ورتبت الأقدار أمرين متلاحقين لا ندرى – في صورة من اليقين أيهما سبق الآخر ولكنهما - فيما نرى - متقاربين لا يكاد يفصل
بينهما فاصل
وأولهما
وهو - فيما نظن - السابق يرويه صاحب الحلية كما يلى
وكان أسفل قدمه أسود من التراب من كثرة المشي حافيا وسبب حفائه أنه كان في ابتدائه في لهو ولعب فجلس مع رفقائه لذلك فدق رجل بابه فخرجت الجارية فقال صاحب هذه الدار حر أم عبد
قالت حر
قال صدقت لو كان عبدا لاستعمل أدب العبودية وترك اللهو
ثم ولى
١٤
فدخلت الجارية فأخبرته
فخرج يعدو خلفه حافيًا حتى
أدركه
که وقال أعد الكلام فأعاده
فهام على وجهه حافيًا حتى عرف بالحفاء
فقال ما صالحنى مولاى إلا وأنا حاف فلا أزول
الحالة
عن
هذه
كانت هذه الحالة انتفاضة من الأعماق لها مثيلاتها في التاريخ
الله
عنه
وأقرب الشبه بها انتفاضة إبراهيم بن أدهم رضى التي أخرجته من حياة اللهو واللعب والترف والمجون إلى حياة تتجه بكل كيانها إلى الله تعالى عاملة على مرضاته
هو
الآخر
لقد نشأ هو الآخر فى حياة مترفة حياة أبناء الملوك والأمراء ثم
اجتباه الله تعالى
الله
وهؤلاء الذين يجتبيهم سبحانه تنتابهم في أيام لهوهم فترات أسف على ما هم فيه ولكنها لا تكون من القوة بحيث تخرجهم عما هم فيه وإن كانت تنغص عليهم ملذاتهم لحظة عابرة ثم تنتهى ويعودون لمثلها ويعبرونها
حتى إذا ما جاء اليوم الموقوت كانت الانتفاضة التي تقتلع من الأعماق كل ما يصرف عن فتكون التوبة الصادقة - وفي لحظة
الله
تنقل الإنسان من ذل المعصية إلى عز
الطاعة
مرضاته ومن قلق المذنب إلى طمأنينة الطائع
ومن
مقت
الله
إلى
۱۵
وحدثت هذه الانتفاضة لبشر كما حدثت لعشرات بل مئات من
الأعلام
العامة
ومن
وتحدث التاريخ عن بعضها وأكثرها الكثير
مر في صمت
وتختلف أسباب هذه الانتفاضات ولكنها عادة تحدث لمن لم تحط
به الخطيئة والعياذ بالله وإحاطة الخطيئة مانع من التوبة والإنابة وإحاطة الخطيئة تحدث لهؤلاء الذين ينغمسون في الرذيلة فيظلم قلبهم شيئًا فشيئًا حتى تعم الظلمة القلب وفيهم يقول الله تعالى
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون 1 ويكسبون هنا معناها ما كانوا يعملون من الأعمال التي لا تر
الله سبحانه
ترضی
ويقول تعالى بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
T,
و کسب بمعنى أتى وعمل واقترف
يعمل الإنسان الذنب فيترك فى قلبه نقطة سوداء فإذا تاب توبة صادقة زالت النقطة السوداء أما إذا لم يتب فإن هذه النقطة السوداء
في القلب تسهل السيئة الثانية وتسهل السيئة الثانية السيئة الثالثة وهكذا تتجاوز النقط السوداء فى القلب فإذا عمت الظلمة القلب فذلك إحاطة الخطيئة ومن أحاطت به خطيئته فهو في النار خالدا
١ المطففين ١٤ البقرة ۸۱
فيها أي إنه فى مقت الله فى حياته وفي مقته بعد مماته
نعوذ
بالله
ذلك من
وأدركت عناية الله بشر بن الحارث فخرج بانتفاضته من ذنوبه
كيوم ولدته أمه
ونعود فنقول إن المقادير رتبت أمرين ذكرنا أحدهما وهو
كان السبب في
أن
يستمر حياته - حافيا
الذي
ومن طرائف ما يروى بشر فى ذلك ما يلى - حسبما يروى ابن عساكر
سمع بشر بن الحارث يقول
أتيت باب المعافى بن عمران فدققت الباب فقيل لي مَن
فقلت بشر الحافي فقالت لى بنية من داخل الدار لو اشتريت نعلاً بدانقين ذهب
عنك اسم الحافي
ولكنه لم يشتر النعل واستمر - كما يقول – على الحالة التي صالحه
مولاه عليها
أما الأمر الثاني فهو أنه كان
يسير
ذات يوم فإذا هو بقرطاس في
الطريق يقول بشر فرفعته فإذا فيه
بسم
الله الرحمن الرحيم
فمسحته وجعلته فى جيبى وكان عندى در همان ما كنت أملك
غيرهما فذهبت إلى العطارين فاشتريت بهما غالية ومسحته في
القرطاس فنمت تلك الليلة فرأيت فى المنام كأن قائلاً يقول لى
يا بشر بن الحارث رفعت اسمنا عن الطريق وطيبته لأطيبين اسمك في الدنيا والآخرة ثم كان ما كان ولعل المقادير شاءت أن تتكاتف مجموعة من الأسباب التوجيهية لتصل بذلك إلى غاياتها وذلك أنه يبدو أن رؤيا أخرى رئيت لبشر يرويها المؤرخون عن سبب توبته وهي كما يلى حسبما يرويها المؤرخون كان سبب توبته أنه وجد قرطاسا في أتون حمام فيه
الله
بسم
الرحمن الرحيم
فعظم ذلك عليه ورفع طرفه إلى السماء وقال
سیدی اسمك ها هنا ملقى
فرفعه
عنه الشجاة الذي هو فيها وأتى عطارًا
معه
من الأرض وقلع فاشترى بدرهم غالية لم يكن سواه ولطخ تلك الشجاة بالغالية فأدخله شق حائط وانصرف إلى زجاج وكان يجالسه فقال له الزجاج والله يا أخي لقد رأيت لك في هذه الليلة رؤيا ما رأيت أحسن منها ولست أقول لك حتى تحدثني ما فعلت في هذه الأيام بينك
وبين
الله
فقال
ما فعلت شيئًا أعلمه غير أنى اجتزت اليوم بأتون حمام فذكره
فقال الزجاج رأيت كأن قائلاً يقول في المنام
قل لبشر برفع اسم لنا من الأرض إجلالاً من أن تداس لننوهن
باسمك في الدنيا والآخرة
لقد وضح الطريق أمام بشر
ليس هناك ملجأ إلا الله وليس هناك طريق إلا طريق الله
وأخذ بشر يبكى على ما مر من حياته في لهو ولعب ولقد كان ذا طبيعة رقيقة وكانت الدموع تهطل لأية خطرة يظن بها عدم رضاء وكانت الدموع أيضا تهطل فرحًا عندما يشرح ا ويعينه سبحانه على السير فى طريق القرب منه تعالى ويقول المؤرخون
الله
الله
صدره للعبادة
لقد بكى حتى ذهبت أشفار عينيه
إنها رقة في القلب وشعور مرهف
وهذه الرقة فى القلب أساسها عاطفة الرحمة التي يمنحها الله
للمختارين من عباده
وأنت أينما تلتفت فلن تجد فى الماضى أو في الحاضر علامة ظاهرة في هؤلاء الذين اتخذوا طريق الله طريقاً أوضح من عاطفة الرحمة فيهم
الله دائما إلى طريقه
وأن الرحماء هم الذين يوجههم ولقد كانت الرحمة من أبرز صفات رسول الله الأصيلة في إرساله يقول تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ۱
۱ الأنبياء ۱۰۷
وهى
الحكمة
۱۹
أجمل ما قال أسلافنا رضوان الله عليهم بمناسبة هذه الآية ومن الكريمة أن الأنبياء والرسل والصالحين من عباد الله يتصفون بالرحمة أما رسولنا لا فهو عين الرحمة
وهذه الكلمة تصف رسول الله بوصف من أخص صفاته
ويقول رسول الله
D
لا تنزع الرحمة إلا من قلب شقى وإن من مظاهر القرب من الله سبحانه أن يكون الإنسان رحيما
ومن مظاهر البعد عن الله تعالى قسوة القلب
ويقول الله تعالى فويل للقاسية قلوبهم 1
والرحماء يرحمهم
الله
الراحمون يرحمهم الرحمن
والراحمون
لا يخزيهم
الله
في الدنيا ولا في الآخرة
كان بكاء بشر من مظاهر رحمته التي كان يتفجر بها قلبه
وتغيرت حياة بشر منذ اللحظة الأولى لتوبته
لقد قاطع رفقاءه رفقاء اللهو واللعب تمضية وقته في مرضاة الله ولكن كيف
واتجه في صدق إلى
لقد تعلم في بواكير حياته المبادئ الأولى للعبادة ومارسها في
صورة تقليدية
۱ الزمر
ولكنه الآن
يريد
أن يلتزم الدقة في العبادة ولا يكون ذلك إلا عن طريق العلم والمعرفة ثم إنه لا يتأتى أن يكون في جو مرضاة الله
تعالى إلا إذا عمل في هداية المجتمع
إن الله سبحانه وتعالى وقد هيأ له ظروف الهداية يقتضيه زكاة ذلك وزكاته هي هداية الآخرين
وإذا أحب إنسان أن يقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم فلن يكون ذلك بالاعتكاف فى المسجد وترك الآثام والشرور تجتاح المجتمع
إن الله سبحانه وتعالى حينما وصف الأمة الإسلامية قال فيما قال
کنتم
خير
أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن
المنكر وتؤمنون بالله ۱
ومناط الخيرية - إذن - للأفراد والجماعات إنما هو الإيمان والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر
ولن يكون الفرد خيرًا - إذن - إلا بشروط جوهرها الإيمان والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر
وعن عاطفة الرحمة يتفجر الاتجاه إلى هداية الآخرين
ولكن كيف لابد من العلم
وحزم بشر أمره للتزود من العلم
۱ آل عمران ۱۱۰
والعدة للهداية فى النفس ولهداية المجتمع تتركز في دراسة الكتاب والسنة الكتاب حفظاً - في حدود الإمكان – ودراسة والسنة دراسة وفهما واستغراقًا فى جوها ومحاولة لأن يذيب الإنسان شخصيته
في شخصية صاحبها
وبدأ بشر الطريق فتعلم في مرو ما قدمته مرو إليه ولعله لم يكن كثيرًا ثم أخذ بشر في السياحة وإلا تعطينا المراجع التي بين أيدينا ترتيباً لسياحاته ولكن يبدو أنه أن يستقر في بغداد أكثر من السياحة حتى إن بعض المؤرخين يصفه فيقول فيما يقول
قبل
إنه من
العباد السائحين
وكأن السياحة أحد أوصافه الملازمة
ويذكر ابن عساكر أن بشرا
قدم الشام واجتاز جبل لبنان من
أعمال دمشق
ولكن بغداد إذ ذاك كان بها تحقيق لآمال الطامعين في الدنيا
وتحقيق
لآمال
من عندهم طموح إلى الآخرة لقد كان يحج إليها
طلاب الدنيا والجاه والمناصب ويحج إليها طلاب العلم حديثا وتفسيرًا وفقها ويحج إليها الصوفية للهداية والإرشاد وكانت المغناطيس القوى الجيد الذي يجذب جميع الطبائع من بني البشر
واستقر بها بشر متتلمذا متعلما ثم معلماً مرشدا
طائفة
وكان علم الحديث منتشراً ذائعا في بغداد إذ ذاك لقد نبغ فيه العلماء لها شأنها وكان سفيان الثوري أمير المؤمنين في من الحديث وكان مسنده يحتوى على ثلاثين ألف حديث ويقول - ما حدثت إلا بواحد من عشرة مما أحفظ مع
ذلك
وفي هذه الفترة كان يوجد الإمام الكبير أحمد بن حنبل والإمام المعافى بن عمران والإمام سفيان بن عيينة والجنيد وعشرات غيرهم ممن كانوا ورثة رسول الله يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهما وإنما
ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر
ولقد سار هؤلاء على المنهج الذي رسمه الإسلام للدعوة والدعاة وهذا المنهج يتمثل في آيات كثيرة من آيات كتاب الله سبحانه يقول
تعالى
قل هذه سبيلى أدعو إلى
الله
على بصيرة أنا ومن
اتبعنی دا
يوسف ١٠٨
والبصيرة تتضمن
العلم كأدق ما يكون فيما تتضمن – العلم
العلم إنه العلم على بصيرة وهدى
ويذكر القرآن الكريم الدعاة فيقول – فيما يقول عنهم
الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله
و كفى بالله حسيبا
الأحزاب ٣٩
وهؤلاء كما اغترفوا من ميراث رسول الله فإنهم تأسوا به في علاقتهم بالله
إنهم يبلغون رسالته على علم ويخشونه وحده ولا يخشون غيره لأن غيره لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له بل إنه حينما يسلبهم
الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب
إنه سبحانه وحده النافع الضار المانع المعطى بيده الآجال
وعنده خزائن الرزق وخزائن الرحمة وخزائن النعمة وإليه يرجع
الأمر كله
أما أسلوب الدعوة فإنهم كانوا يتبعون في ذلك قول الحكيم الخبير ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن م النحل ١٢٥ سافر بشر إلى بغداد والتقى فيها بكثير من أهل العلم وأهل الدعوة لقد التقى بهؤلاء الذين كانت أسماؤهم كأنها أسماء أنبياء
٢٤
الفضل الثاني العالم
أ العلم في الجو الصوفي
ما استطاع – أن إن كثيرا من الناس في عصرنا الراهن يحاول
يقلل من اهتمام الصوفية بالنسبة للعلم وربما وجد سندا في بعض
الأوضاع التي لم تأخذ شكلها الصادق في عصرنا الراهن
وبعض الأجواء التي تنتسب إلى التصوف قد تعطى شيئًا من المنطق المزيف لأعداء التصوف ليحاولوا التقليل من شأن الاهتمام العلمى عند الصوفية
والواقع أن العلم فى الدائرة الصوفية هو العلم بمعناه الإسلامي أى العلم بالطبيعة والعلم بما وراء الطبيعة !
إنه العلم بالأخلاق وبالفضيلة وهو العلم بالنواميس الإلهية السارية في الكون التي يكتشفها علم التشريح أو علم الطبيعة أو علم الفلك أو غير ذلك وإذا كانت الحقيقة تسفر عن قناعها بالأمثلة
فإنا
نبدأ
بمن
قال عنه القشيري
سيد هذه الطائفة وإمامهم
No4
إنه الجنيد
لقد كان فقيها يفتى فى حلقة أستاذه وبحضرته وهو ابن عشرين
سنة وتأمل ما قاله القدماء عن درسه
لقد كان الكتبة الأدباء يحضرون مجلسه لألفاظه
وكان الفقهاء يحضرون مجلسه لتقريره
والفلاسفة يحضرون مجلسه لدقة نظره ومعانيه أما المتكلمون فكانوا يحضرون مجلسه لتحقيقه !
وكان الصوفية من قبل هؤلاء ومن بعدهم يحضرون مجلسه لإشاراته وحقائقه
ولقد حضر أبو الحسين على بن إبراهيم الحداد يوما مجلس القاضي أبي العباس بن شريح فسمعه يتكلم في الفروع والأصول أى في علم الفقه وفي علم التوحيد بكلام حسن
يقول أبو الحسن فعجبت منه فلما رأى إعجابي قال أتدرى
أين هذا
من
قلت يقول به القاضي
عن
فقال هذا ببركة مجالسة أبي القاسم الجنيد
أما
علمه
علم
الجنيد نفسه فقد جاهد في سبيل تحصيله السنين الطوال
طريق الدرس والتحصيل وكان هذا الطريق الجانب الكسبى من
أما الجانب الوهبي فإنه سئل من أين استفدت هذا العلم
٢٦
فقال من جلوسى بين يدى الله ثلاثين سنة تحت تلك الدرجة !
وأوماً إلى درجة في داره
وقد حفظ الجنيد القرآن وفهمه ودرسه وتدبره وقيد الحديث واستوعبه قدر الاستطاعة لفظا ومعنى رواية ودراية وذلك أنه يرى كما يرى غيره من الصوفية - أن ذلك هو الأساس ولابد من إحكام الأساس ! وإحكام هذا الأساس يجعل من أحكمه فقيها محدثًا ويجعله مفسرا ويجعله من علماء التوحيد
ولقد أحكم الجنيد هذا الأساس قدر الاستطاعة
أحكمه تعبدا
فيما رواه القشيري
الشأن
ويجعله
وأحكمه استنارة وأحكمه لأنه صوفى وقال
من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا
لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة !
ولقد كرر الجنيد رضى الله عنه هذا المعنى حتى يثبت في أذهان
الصوفية !
يروى الروذبارى عن الجنيد أنه قال
علمنا هذا مشيد بحديث رسول الله
ويكفى أن يتصفح الإنسان رسائل الجنيد رضى
أنه أمام عالم من أئمة علماء المسلمين
الله
عنه ليشعر
والجنيد رضى الله عنه مثال الصوفى على ما ينبغى أن يكون ولم يكن الجنيد بدعًا في عالم الصوفية فأستاذه الحارث بن
أسد
المحاسبي لم يكن فى زمانه نظير له في علمه ومؤلفاته كثيرة متنوعة وكلها في مستوى سام حتى لقد كانت من المصادر الرئيسية التي
أفادت الإمام الغزالي وأثرت فيه
وكتاب الرعاية
"
للمحاسبي كتاب أديب عالم حجة !
وكتاب فهم القرآن ۱ كتاب الباحث الدقيق الذي يتخذ القرآن والسنة أساسا وينطلق منهما إلى إضاءة جو العقائد ردا على
المبتدعة والمنحرفين
ولقد حاول ذو النون المصرى من قبل الجنيد أن يكتشف من معميات الكون ما خفى على الكثيرين
لقد كانت له جولات فى عالم الكيمياء وأسرار الطبيعة ولقد حاول أن يكتشف أسرار علم قدماء المصريين وأن يقرأ كتاباتهم ويتفهم لغتهم !
لقد كان يحب اكتناه الغامض ويحاول أن يزيل القناع عن المحجوب عن شعاره الدائم وهو القرآن الكريم وسنة رسول رب
فضلاً
العالمين !
وهل أتاك نبأ الإمام القشيرى وأنه فسر القرآن كما يفسره هذا وذاك من علماء اللغة وعلماء أسباب النزول وعلماء النحو والبلاغة ولم يكن أقل من أى منهم في علمهم وفنهم
1 كان هذا الكتاب مفقودًا فاكتشفه المحقق الفاضل الأستاذ حسين القوتلي ونشره بلبنان
في طبعة محققة جميلة
وأنه لم يكتف بذلك وإنما ألف في تفسير القرآن الإشارات فكان إلهاما من الإلهامات وكان نورًا
يذكر فيه كل الإشارات وإنما ذكر فيه لطائفها !
لطائف
من الأنوار ولم
ولقد خاض الإمام الغزالى بحار العلم وانغمس فيها ويعبر عن
بقوله
ذلك
ولم أزل في عنفوان شبابي منذ راهقت البلوغ – قبل بلوغ العشرين إلى الآن وقد أناف السن على الخمسين – أقتحم لجة هذا البحر العميق وأخوض غمرته خوض الجسور لا خوض الجبان الحذور أتوغل فى كل مظلمة وأتهجم على كل مشكلة وأتقحم كل ورطة وأتفحص عن عقيدة كل فرقة وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة لأميز بين محق ومبطل ومتسنن ومبتدع
لا أغادر باطنيًّا إلا وأحب أن أطلع على بطانته
ولا ظاهريًّا إلا وأريد أن أعلم حاصل ظهارته
ولا فلسفيا إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته
ولا متكلما إلا وأجتهد في الاطلاع على غاية كلامه ومجادلته ولا صوفيا إلا وأحرص على العثور على سر صوفيته
ولا متعبدا إلا وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته
ولا زنديقاً معطلاً إلا وأتحسس وراءه للتنبيه لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته
وقد كان التعطش إلى درك حقائق الأمور دأبي وديدنى من
أول
أمرى
وريعان عمری
غريزة وفطرة
الله
من
وضعتا في جبلتي
عنى رابطة التقليد وانكسرت
لا باختياري وحيلتي حتى انحلت على العقائد الموروثة على قرب عهد سن الصبا أهـ
أما الذي طوع مختلف العلوم وامتلك ناصية المعرفة على مختلف
فروعها ووصل فيها إلى القمة
لم يجاره في ذلك فيلسوف من
فلاسفة الغرب فإنه
الشيخ الأكبر سيدنا محيى
الدين !
لقد طوع المعرفة لفكره وطوعها لقلمه وبلغ فيها القمة وسمى
بحق الشيخ الأكبر !
ولقد كان في فتوحاته مفسرًا خيرًا من كثير من المفسرين وفقيها خيرًا من كثير من الفقهاء وشارحا للحديث خيرا من كثير من شراحه
وفتوحاته كنز من المعرفة لا ينفد ومعين من العلم لا ينضب !
إنه رشفة من بحار رسول الله لا تتسم دائما بنضرة منبعها ! والصوفية في الجانب العلمى لا يكتفون بالجانب الكسبي أى جانب التعلم من الكتب وعلى أساتذة الكتب ولكنهم قرءوا في
كتاب الله تعالى
وعلمناه من لدنا علما ۱
۱ الكهف ٦٥
عند
فتعلقت آمالهم بهذا العلم اللدني الذي هو من الله
أمانيهم إلى هذا العلم اللدنى الذى هو من عند الله
الطريق إلى الله
الله
وتطلعت
واتخذوا
والطريق إليه رسمه الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز وعلى لسان رسوله الكريم إنه الجهاد في سبيل الله ﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ۱ وهو العمل بما علموا من عمل بما علم ورثه علم ما لم يعلم وهو تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى ومن تحقق بالعبودية لله كان الله سمعه وبصره كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به وشعار الصوفية على وجه العموم فيما يتعلق بالعلم هو شعار أستاذهم وقدوتهم وحبيبهم رسول الله
الذي كان شعاره
رب زدنی علما نه
طه ١١٤
وإذا كان أهل الظاهر قد فرحوا بعلمهم الظاهر واكتفوا به ! فإن الصوفية قد حصلوا هذا العلم ولكنهم لم يكتفوا به !
لقد شاركوا علماء الظاهر في علمهم
يشاركوهم في إلهاماتهم وإشراقاتهم !
ولكن علماء الظاهر لم
هل نذكر في هذا المجال الإمام الغزالي في علمه الظاهر وفي
علمه الباطن
هل نذكر القطب الكبير أبا الحسن الشاذلي
1 العنكبوت ٦٩
أو القطب الكبير أحمد الرفاعي أو القطب الكبير عبد القادر الجيلاني
في علمهم الظاهر وعلمهم الباطن
والشعراني
الذي ساهم تقريبا في جميع فروع المعرفة الدينية
أننساه
في هذا المجال
إن التصوف والعلم يؤلفان وحدة متحدة منذ أن نشأ التصوف !
ب صلات بشر بعلماء عصره أحمد بن حنبل وبشر بن الحارث
لقد التقى بشر بن الحارث في بغداد بالكثيرين من أعلامها ومنهم
أحمد بن حنبل وإذا قيل فى بشر إن اسمه كأنه اسم نبي فإنه يمكن أن يقال في الإمام أحمد بن حنبل إن اسمه كأنه اسم نبى لقد أخلص الإمام وجهه لله تعالى طيلة حياته وهب نفسه الله تعالى متعلما للدين في مصادره الأصلية القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وبلغ به الأمر في السنة أن كتب هذا المسند العظيم الذي يشع نورا في كل
أحمد
زمن ووقت
ولقد استغرق الإمام أحمد في جو السنة فصبغته بصبغة الاقتداء برسول الله وطبعته بطابع التأسى برسول الله في اليسير
من أمره والعظيم
منه
وقد
بعلمه
أخذ
الإمام
أحمد
بنشر الأسوة برسول الله
ينشرها
وينشرها بسلوكه
وعلى سنة رسول الله للتمسك الإمام أحمد بما يراه حقا لم
يحد في يوم من الأيام عن الحق وفى سبيل استقامته على الحق تحمل
الكثير
الله
من الأذى في رضاء عن تام ! ولو شاء الإمام أحمد لنال من المناصب ما تتطلع إليه نفوس كثيرة ولكنه آثر الله سبحانه !
وكان الإمام أحمد في حرب دائمة مع كل من يراه منحرفا عن
الطريق الذي يراه الحق
ولكنه كان مع الإمام بشر بن الحارث صديقا ودودًا وكان مقدرا يعبر عن شعور واضح من الثقة والاحترام
وقد ذكر الخزرجى أن الإمام أحمد تتلمذ على بشر بن الحارث ١- ومما يروى عن الإمام أحمد فيما يتعلق برأيه في بشر ما رواه ابنه عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي يقول – وذكر فقال إني لأذكر به عامر بن عبد الله – يعنى
بشر بن الحارث
ابن عبد قيس !
- وروى عن محمد بن المثنى قال قلت لأحمد بن حنبل ما تقول في هذا الرجل فقال لى أى الرجال فقلت له بشر فقال سألتني عن رابع سبعة من الأبدال أو عامر بن عبد قيس
ما مثله عندى إلا مثل رجل ركز ريحا في الأرض ثم وقف منه على السنان فهل ترك لأحد موضعا يقف فيه
- ولما قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل مات بشر بن الحارث قال مات رحمه الله وما له نظير فى هذه الأمة إلا عامر بن عبد قيس فإن عامراً مات ولم يترك شيئًا وهذا قد مات ولم يترك شيئًا ! وسمعوا أحمد
بن حنبل يقول والله إن بين أظهركم لرجلاً ما هو
عندى بدون عامر بن عبد قيس یعنى بشر بن الحارث ! - وتشبيه بشر بعامر بن عبد الله يذكره أيضا يحيى ابن أكثم
فيقول ما بلغنا عن عامر بن عبد قيس شيء إلا وفي بشر بن الحارث
مثله أو أكثر منه إلا أن يكون كان فى قلب عامر شيء لم يكن في
قلب بشر مثله
وكان عامر بن غنام يقول قلت لأحمد حنبل أسأل
قال بشر بن الحارث
ويعنينا الآن
بن
من
ويعنى القارئ معنا أن نتعرف على عامر بن عبد الله
حتى نلقى بعض الضوء على فكرة الإمام أحمد وفكرة الإمام يحيى بن
أكثم في هذا التشبيه
يقول الإمام الشعراني عنه
ومنهم
كان رضى
عامر
بن عبد
الله
بن قيس - رضى الله تعالى عنه ورحمه - الله عنه يقول لو أن الدنيا كانت لى بحذافيرها ثم أمرنى
الله تعالى بإخراجها كلها لأخرجتها بطيب نفس
وكان يقول
لا أبالى حين أحببت الله عز وجل على أى حال أمسيت وأصبحت
الله
وكان رضى عنه يقول
الله
منذ عرفت تعالى لم أخف سواه
وكان رضى
الله
عنه يقول
كم من شيء كنت أحسنه أود الآن أنى لا أحسنه وما يغنى عنى
ما أحسن وكان إذا أعطى السائل الرغيف يقول
الخير إذا لم أعمل به من
إني لأستحيى أن يكون في ميزاني أقل من الرغيف
وقيل له مرة من هو خير منك فقال
من
منی!
كان صمته تفكرًا وكلامه ذكرًا ومشيه تدبرًا فهذا خير وكان يقول ذكر الله شفاء وذكر غيره داء وكان يقول من جهل العبد أن يخاف على الناس من ذنوبهم ويأمن هو على ذنوب نفسه
وكان يطعم المجانين فيقول له الناس إنهم لا يدرون الأكل فيقول إن لم يكونوا يدرون فإن الله تعالى يدرى !
وكان يقول في قوله تعالى ومن يتق يجعل له مخرجانه 1 أى من كل شيء ضاق على
الناس
الله
۱ الطلاق ٢
وكان يقول إذا مت فلا تعلموا بى أحدا وسلوني إلى ربى
سلا
>>
رضی
الله
عنه
ويقول صاحب الحلية
وكان عامر بن عبد قيس ممن تخرج على أبى الأشعري في موسی
النسك والتعبد ومنه تلقن القرآن وعنه أخذ الطريقة
وقد توفى عامر بن قيس عام ٥٥ هجرية تقريبا في خلافة معاوية وإذا كان الأمام أحمد بن حنبل يقدر بشرًا كل هذا التقدير فإن بشرًا يعترف اعترافًا صريحًا بمكانة الإمام أحمد بن حنبل ويقول فضل على أحمد بن حنبل بثلاث
طلب الحلال لنفسه ولغيره وأنا أطلبه لنفسى فقط !
واتساعه في النكاح وضيقى عنه !
وكونه نصب إماما للعامة
بشر وسفيان الثورى
وفى بغداد التقى بشر بكتب سفيان الثورى وتتلمذ على آثار سفيان الثورى وأعجب بشر أيما إعجاب بسفيان وأخذ يتتبع أحواله وكان سفيان جديرًا بذلك فإنه من الشخصيات التي
ويروى عنه
كان اسمها كأنه اسم نبى
أيضا
لقد عاش طيلة حياته مناضلاً في سبيل الحق بعيدا عن أجواء النفاق
٣٦
ولقد درس حدیث رسول الله دراسة مستفيضة فلقب لذلك أمير المؤمنين في الحديث
وعمل سفيان في التجارة واكتسب حياته بيده حتى لا تكون الوظيفة قيدا بالنسبة لآرائه وإعلانه كلمة الحق
ويقول عنه صاحب نتائج الأفكار القدسية
هو سفيان بن سعيد الثورى كانوا يسمونه أمير المؤمنين في الحديث ولد سنة سبع وتسعين وخرج من الكوفة إلى البصرة سنة
خمس وخمسين ومائة وتوفى بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة
وكان عالم هذه الأمة وعابدها وزاهدها وكان لا يعلم أحدا العلم حتى يتعلم الأدب ولو عشرين سنة
وكان يقول إذا فسد العلماء فمن بقى فى الدنيا يصلحهم ثم ينشد
يا معشر العلماء يا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد وكان سفيان المذكور - كما حكى عنه فى الطبقات الصغرى - إذا جلس للعلم وأعجبه منطقه يقطع الكلام ويقوم ويقول أخذنا ونحن لا نشعر
أعجب بشر بسيرة سفيان فأخذ يتتبع ما ذكر عنه وبلغ به تقديره
له أن كان يقول إن علمه - كل علمه – إنما هو عن سفيان
إنه يقول حرفيا الذى أنا عليه بل كل الذي أنا عليه جامع سفيان
ومما رواه عن سفيان قوله
قد جمعت مسائل سفيان الثورى وكان عنده قوم جلوس من
أصحابه فقال هوذا أدبر نفسى على أن أقرأ عليكم هذه المسائل
فما أرى نفسى أهلاً للحديث
وكان يقول
يا طالب العلم إنما أنت متلذذ متفكه بالعلم تسمع وتحكى لا غير ولو عملت بما علمت لتجرعت مرارة العلم ويحك إنما يراد بالعلم العمل فاسمع يا أخى وتعلم ثم اعمل واهرب ألا ترى إلى سفيان الثورى عنه كيف طلب العلم وتعلم وهرب فاسمع ما أقول لك
رضی
الله
فإن طلب العلم إنما يدل على الهروب من الدنيا لا على حبها
وقال سمعت حفص بن غياث يقول
كنا نستغنى بمجلس سفيان عن الدنيا
قال وسمعت حفص بن غياث يقول
كان الفقراء في مجلس سفيان ثم
قال بشر وكان سفيان يقول
من
الأمراء
كان عنده شيء من معاش فليتمسك به فإنه سيأتى على الناس
زمان أول ما يلقى الرجل يلقاه بدينه
وكان يقول سمعت المعافى بن عمران يقول سمعت الثورى يقول
إرضاء الخلق غاية لا تدرك
وقال سمعت المعافى يقول سمعت الثورى يقول
۳۸
ما
ضرهم
ما أصابهم في دنياهم جبر
الله
لهم كل مصيبة
بالجنة
النار
وقال كان سفيان الثورى إذا عاد رجلاً قال عافاك الله من
وقال بشر حدثنا يحيى بن اليمان عن سفيان عن حبيب بن أبي
جمرة قال
D
إذا ختم الرجل القرآن قبله الملك بين عينيه وبلغ تقدير بشر لكتاب الحديث الذى جمعه سفيان والذي يسمى جامع سفيان أن كان يقول
ينبغى للرجل إذا حفظ القرآن وكتب جامع سفيان أن يتفرغ
للعبادة
من
ونحب بإذن الله أن نقول إن بشر لم يتخذ موقفا معاديًا لأحد الصحابة فقد كان - كما كان سفيان من قبله سليم الصدر بالنسبة
لأصحاب محمد علام ولقد نبغ في كثير من العصور نابغة يتعصب لهذا أو لذاك من الصحابة رضوان الله عليهم وتلك نزعة لا ترضى الصالحين فإن رسول الله ذكر أصحابه بخير وهم الذين رأوا رسول الله
C
وشهدوا نوره واقتبسوا من النبع الصافي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذوه أسوة واقتدوا به فى أفعاله وأحواله ورووا كل ذلك ونشروه بأقوالهم وأفعالهم إنهم الذين أيدوا الدين بأموالهم وأنفسهم
۳۹
كان أهل بدر ولقد وصل ببعض الناس الانحراف أنهم تناولو ومنهم هذا أو ذاك أهل بدر بالتجريح أو بالنقد وكل ذلك إنما ينبع عن من
الله
ومن أجل بعده عن
نفوس فيها كبر وكل متكبر بعيد عن بكبره لم يجعل الله في الجنة مثوى للمتكبرين وطريق الصالحين الحب للصحابة ويروى عن بشر أنه
سلیم
الله
الصدر
بز
بالنسبة لهم جميعًا ومماله مغزى فى ذلك أنه يروى عن عبد الله الخريبي عن سويد مولى عمرو بن حريث قال سمعت على بن أبي طالب يقول على المنبر إن أفضل الناس بعد رسول الله أبو بكر وعمر وعثمان رضى الله تعالى عنهم م١ ومما روى بشر في ذلك أيضا أنه سمع الحجاج بن المنهال يقول سمعت حماد سمعت عاصماً يقول سمعت زرا يقول سمعت أبا جحيفة يقول خطبنا على بن أبي طالب على منبر الكوفة فقال
بن
سلمة يقول
ألا إن خير الناس بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ولو شئت أن أخبركم بالثالث لأخبرتكم ثم نزل من على المنبر وهو يقول
عثمان عثمان !
ولكن بشراً لا يتحدث الخلفاء
عن
رضی ا
الله
عنهم
فحسب وإنم
يتحدث عن صحابة رسول الله الا الله بصفة عامة إنه يقول لو أن الروم سبت من المسلمين كذا كذا آنفا فردهم رجل كار لأصحاب النبي لم ينفعه ذلك !
في قلبه سوء
۱ الحلية
ويردد هذا المعنى بصورة أخرى فيقول
لو أن الروم بأسرهم جازوا إلى باب الأنبار فخرج إليهم رجل حتى دهم إلى الموضع الذى جاءوا منه ثم تنقص أحدًا من أصحاب رسول الله مقدار ثقب إبرة ما نفعه ذلك !
وينتشى بشر بهذا الشعور فيقول ما أنا بشيء من عملى أوثق به ني بحبي أصحاب محمد
ويقول أوثق عملى فى نفسى حب أصحاب محمد ع
بشر وإمام دار الهجرة
عنهم
وممن التقى بهم وأخذ في بغداد إمام دار الهجرة مالك بن نس صاحب الكتاب المبارك المشرق كتاب الموطأ والذى كان يجل مدينة رسول الله أن يسير فيها راكبًا احتراما لمنورها والذي رقف مع الحق طيلة حياته وناله أذى كثير بسبب استمساكه بالحق! ويخبر إبراهيم بن هانىء قال قلت لبشر بن الحارث يا أبا نصر سمعت من أنس بن مالك
قال نعم حججت معه وسمعت منه
بشر والفضل
وتتلمذ بشر على الفضيل
يروى المؤرخون أن بشرًا أخذ عن الفضيل
والفضيل هو صاحب التوبة المشهورة التي نقلته في لحظة
لى حال وبدلت حياته فأصبحت حياة طهر كامل !
من
حال
٤١
وهو وبشر تتشابه حياتهما فى كثير من الجوانب المشرقة المضيئة
ويروى بشر عن الفضيل أنه قال
لا تكتمل مروءة الرجل حتى يسلم منه عدوه كيف والآن لا يسلم منه صديقه !
من
لقد التقى بشر في بغداد بالكثيرين وتتلمذ على كتبهم أو عليهم
وكثيرا ما يروى عن المعافى بن عمران إما له وإما بواسطة
ذلك
C
سمعت المعافى بن عمران عن الأوزاعي قال كان يقال يأتى على الناس زمان أقل شيء في ذلك الزمان أخ مؤنس أو درهم من حلال أو عمل في سنة ! وكما أعجب بشر بسفيان الثورى فإنه روى لسفيان ابن عيينة
ومما رواه عنه
ليس العاقل الذى يفعل الخير والشر إنما العاقل الذي إذا رأى
الخير اتبعه وإذا رأى الشر اجتنبه !
ومما تحدث به عن إبراهيم بن أدهم ما يلى
قال رجل له
إني أحب أن أسلك طريق إبراهيم بن أدهم قال لا تقوى !
قال الرجل ولم ذاك
قال لأن إبراهيم عمل ولم يقل وأنت قلت ولم تعمل !
٤٢
جـ المحدث
انغمس بشر رضى الله عنه في العلم من قمته إلى قدميه
وكان
العلم إذ ذاك يطلق - على الخصوص – على علم الحديث - وأصبح
محدثا ثقة
ولقد أجمع المحدثون أنه ثقة يقول الدارقطني
هو
ثقة لا يروى إلا حديثاً صحيحاً
وهذا هو
رأى علماء الحديث فيه
حماد بن
ويذكر ابن عساكر أنه تتلمذ في الحديث على مجموعة كبيرة من العلماء وأنه دخل على أنس بن مالك وسمع منه وحدث عن زيد وأبى الأحوص سلام بن سليم وفضيل بن عياض والمعافى بن
عمران الموصلى وعبد الله بن داود الخريبي ويحيى بن اليمان
الله بن المبارك وعيسى بن يونس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وعبد
وزيد بن يزيد بن أبي الزرقاء وعلى بن مسهر والحجاج بن متهال وخالد بن عبد الله الواسطى الطحان وحكى عن قاسم الجوعى
ويذكر ابن عساكر أيضا أنه
C
سمع إبراهيم بن سعد الزهرى وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وحماد بن زيد وشريك بن عبد الله والمعافى بن عمران الموصلى وعبد الله بن المبارك وعلى بن مسهر وعيسى بن يونس وعبد الله بن داود الخريبي وأبا معاوية الضرير وزيد بن أبي الزرقاء
٤٣
وكان كثير الحديث إلا أنه لم ينصب نفسه للرواية وكان يكرهها ودفن كتبه لأجل ذلك وكل ما سمع منه فإنما هو على طريق المذاكرة
روى عنه نعيم بن الهيضم وابنه محمد بن نعيم وإبراهيم بن
هاشم بن مشکان
6
C
ونصر بن منصور البزاز
وإبراهيم بن هانىء
ومحمد بن المثنى النيسابورى
السمسار وسرى السقطي
وعمرو بن موسى الجلاء وغيرهم
و مما روى عنه وهم كثير
أحمد
بن إبراهيم الدورقى وأبو جعفر محمد بن هارون البغدادي المعروف بابن نشيط ومحمد يوسف الجوهرى وعلى بن خشرم المروزي ومحمد بن المثنى الصوفي صاحب بشر ومحمد بن عبد الله الحنفى وعبد الصمد بن محمد العباداني ومحمد بن محمد بن أبي الورد البغدادي الصوفي وأبو حفص ابن أخت بشر الحافي وإسحاق بن عمرو القومسي الله وعبد بن إبراهيم السواقي الكوفي وأبو الفتح نصر بن منصور ونعيم بن الهضيم الهروى والعباس بن الفضل الحلبي وإبراهيم بن هاشم البغوى وأحمد بن الصلت
تتلمذ
ويذكر صاحب تاريخ بغداد بشرًا ورأيه فيه ويذكر من عليهم في الحديث ويذكر تلامذته في رواية الحديث أيضا فيقول
عبد
بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن
الله أبو نصر المعروف بالحافي
عطاء
بن
هلال
بن
ماهان بن
مروزی سكن بغداد وهو ابن عم على بن خشرم
وكان ممن فاق أهل عصره فى الورع والزهد وتفرد بوفور العقل
وأنواع الفضل وحسن الطريقة
النفس وإسقاط الفضول
واستقامة المذهب
وعزوف
وسمع إبراهيم بن سعد الزهرى وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وحماد بن زيد وشريك بن عبد الله والمعافى بن عمران الموصلى
وعبد
الله
بن المبارك
وعلى بن مسهر وعيسى بن يونس
وعبد الله بن داود الخريبي وأبا معاوية الضرير وزيد بن أبي الزرقاء
وكان كثير الحديث إلا أنه لم ينصب نفسه للرواية وكان يكرهها ودفن لأجل ذلك كتبه وكل ما سمع منه فإنما هو على سبيل المذاكرة
روى عنه نعيم بن الهضيم وابنه محمد بن نعيم وإبراهيم بن هاشم من مشكان ونصر بن منصور البزاز ومحمد بن المثنى السمسار وعمرو بن موسى الجلاء وغيرهم
ويقول صاحب الحلية عنه
كثير الحديث لكنه كره الرواية آخرًا
ونحب أن نقف عند كلمة صاحب الحلية فقد اشتهر عن بشر
كثرة الحديث واشتهر عنه كرهه للرواية
والواقع أن بشرًا بذل في سبيل تحصيل الحديث كثيرا وفى سبيل
العلم على وجه العموم
وكان يقول
لا أعلم شيئًا أفضل منه إذا أريد به وجه الله
وكان بشر يحدث وكان يحب
أن
يحدث
وكان طلاب الحديث يأتون إلى بابه ليحدثهم فيخرج إليهم ويحدثهم قال أبو الحسين بن عمرو السبيعي المروزي
سمعت بشرا وجاء إليه أصحاب الحديث يوما وأنا حاضر فقال لهم بشر ما هذا الذي أرى معكم قد أظهرتموه
قالوا يا أبا نصر نطلب هذه العلوم لعل الله عز وجل ينفع بها
يوما
فقال أعلمتم أنه يجب عليكم فيها زكاة كما يجب على أحدكم إذا ملك مائتى درهم خمسة دراهم فكذلك يجب على أحدكم إذا سمع مائتي حديث أن يعمل منها بخمسة أحاديث وإلا فانظروا إيش يكون عليكم غدًا
قال البيهقي لعله أراد من الأحاديث التي وردت في الترغيب في
النوافل وأما في الواجبات فيجب العمل بجميعها
وهذا الذى لاحظه الإمام البيهقى يقوله بشر صراحة فقد حدث قاسم بن إسماعيل بن على قال
كنا بباب بشر بن الحارث فخرج إلينا فقلت يا أبا نصر تحدثنا فقال أتؤدون زكاة الحديث
قال قلنا يا أبا نصر وللحديث زكاة
قال نعم إذا سمعتم عملاً أو صلاة أو تسبيحا استعملتموه
وعن عبيد الوراق قال سمعت بشرًا الحافي يقول
2
أدوا زكاة الحديث فاستعملوا من كل مائتي حديث خمسة أحاديث وأخبر يعقوب بن بختان القزاز قال سمعت بشر بن الحارث يقول لا أعلم على وجه الأرض عملاً أفضل من طلب العلم والحديث لمن اتقى وحسنت نيته وأما أنا فأستغفر الله فى كل خطوة خطوت فيه أما استغفار بشر من كل خطوة خطاها فيه فإن له أسبابا وذلك أن بشرًا رأى أن مريدى الحديث إنما يريدونه للدنيا ويوضح فكرته
في ذلك قوله
كان العلماء رضى
الله موصوفين بثلاثة أشياء
عنهم
صدق اللسان وطيب المطعم وكثرة الزهد في الدنيا وأنا اليوم لا أعرف في هؤلاء أحدًا فيه واحدة من هذه الخصال فكيف أعباً بهم أو أبش فى وجوههم وكيف يدعى هؤلاء العلم وهم يتغايرون على الدنيا ويتحاسدون عليها ويجرحون أقرانهم الأمراء ويغتابونهم كل ذلك خوفاً أن يميلوا إلى غيرهم بسحتهم وحطامهم
عند
وإنما ورثوكم العلم
ويحكم يا علماء السوء أنتم ورثة الأنبياء فحملتموه وزغتم عن العمل به وجعلتم علمكم حرفة تكسبون بها أفلا تخافون أن تكونوا أول من تسعر به النار
معاشكم
الله
وكان رضى عنه يقول مثل الذى يأكل الدنيا بالعلم والدين مثل الذي يغسل يديه من الزهومة ۱ بماء تنظيف السمك أو كمثل الذي يطفىء النار بالحلفاء
۱ الزهومة الرائحة المنتنة لسمك البحر
٤٧
ويقول بعض العلماء وميزان أكل الدنيا بالدين أن تنظر في نفسك فكل صفة أكرمت لأجلها قدر نفسك عند فقدها هل
كنت تكرم أم لا
فإن كنت تكرم مع فقدها فقد خلصت وإلا فلا
ومما روى عنه هذه الكلمات النفيسة التي رواها محمد بن المثنى قال سمعت بشر بن الحارث يقول
له
لا
ينبغي
وآخرين
لأحد أن يذكر شيئًا من الحديث في موضع حاجة يكون من حوائج الدنيا يريد أن يتقرب به ولا يذكر العلم في موضع ذكر الدنيا وقد رأيت مشايخ طلبوا العلم للدنيا فافتضحوا طلبوه فوضعوه مواضعه وعملوا به وقاموا به فأولئك سلموا وإذا أنت سمعت الشيء من معدن وأخذت به ثم
فنفعهم
الله تعالى
سمعت غيرك يقول بخلافه فلا تماره فإنك لا تنتفع بذلك واعمل به لنفسك وقد رأيت أقوامًا سمعوا من العلم اليسير فعملوا به
سمعوا الكثير فلم ينفعهم
الله
به فكيف
واعلموا أنه يمنع الرزق طلب هذا الحديث
وآخرين
ومن النصوص التي تبين رأيه فى وضوح أيضا ما يرويه الفضل بن العباس الحلبي قال سمعت أبا نصر بشر بن الحارث وذكر العلم
وطلبه فقال
إذا لم يعمل به فتركه أفضل
والعلم
هو العمل فإذا أطعت الله علمك وإذا عصيته لم يعلمك
٤٨
والعلم أداء الأنبياء إلى أصحابهم فذكروا أن النبي أدى إلى أصحابه فتمسكوا به وحفظوه وعملوا به ثم أدوه إلى قوم فذكر من فضلهم وأدى أولئك إلى قوم آخرين فذكر الطبقات
الثلاث ثم قال أبو نصر وقد صار العلم إلى قوم يأكلون به وما كان بشر قط فى موقفه إلا حانًا على أن يستفيد الناس من العلم ويجنوا منه ثمرته وثمرته إنما هى العمل به وهى التقوى وفى ذلك يقول العلم حسن لمن عمل به ومن لم يعمل به ما أضره وقال هذه حجج - أو قال هذه حجة – يعنى على من علم ويقول جعفر بن محمد بن حرب العبادانی سمعت بشر بن الحارث يقول
D
إنما فضل العلم العمل به ثم يرتقى به ويقول بشر سمعت عبد الله بن داود يقول سمعت سفيان يقول
إنما فضل العلم على غيره ليتقى به
وفى ضوء ما سبق نفهم النصوص التالية على وضعها الصحيح حدث إبراهيم بن هانىء النيسابورى قال سمعت بشر بن الحارث
يقول
إني لأستغفر الله عز وجل من طلب الحديث إلا لمن أراد الله عز وجل به خيرا
وإنما هو فتنة
وقال بشر بن الحارث
إنما الحديث اليوم طرق من طلب الدنيا ولذته وما أدرى كيف يسلم صاحبه وكيف يسلم من يحفظه وما هو من سلاح الآخرة
وما هو من عدد الموت
وقال من طلب الرياسة بالعلم تقرب إلى الله ببغضه فإنه مقت في السماء والأرض وأخبر أبو إبراهيم إسماعيل ابن السندي بن هارون
الخلال قال سألت بشر بن الحارث عن حديث فقال
اتق الله فإن كنت تريده للدنيا فلا ترده وإن كنت تريد الآخرة
فقد سمعت
قال أبو إبراهيم
الحديث الذي سألته عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن حسان بن
عطية
قال إن الملك ليصعد بعمل العبد معجبًا به حتى يقف بين يدى
الله عز وجل فيقول الله عز وجل له
D
اجعلوه في سجين فإنه لم يردنى به
وكان بشر ينصح العلماء وينتقدهم ويوجههم بأسلوب مباشر
وبأسلوب غير مباشر ومن ذلك مثلاً قوله
عقوبة العالم في الدنيا أن يعمى بصر
قلبه
أى إذا لم يتق الله فيما يعلم أو إذا أكل دنياه بدينه
فقط
ويقول علماء زماننا إنما هم متلذذون بالعلم يسمعونه ويحكونه
كل حرف من العلم يدل صاحبه على الهرب من الدنيا وروى القاسم بن منية قال سمعت بشر بن الحارث يقول لا تطلب علمًا تهينه للناس هذا الداء الأكبر هو
ويقول محمد بن سهم قال أهل الحديث لبشر بن الحارث حدثنا
فأنشأ يقول
صار أهل الحديث فيهم حديثا إن شين الحديث أهـل
الحديث
ونختم هذا الفصل بما رواه أبو عبد الرحمن السلمى من قول الدارقطني عن بشر عندما سئل عنه فقال زاهد جبل ثقة ليس يروى إلا حديثًا صحيحًا وربما تكون البلية ممن يروى عنه !!
د أحاديث رواها بشر
ومما روى عن بشر بن الحارث بسنده جملة
من
الأحاديث
منها
- ما رواه عن أنس
رضی
الله
عنه - قال
اتخذ النبي - ع - خاتما فلبسه ثم ألقاه
وما رواه بسنده عن أبي سعيد رضى الله عنه قال قال رسول الله
ثلاث لا تفطر الصائم الحجامة والاحتلام والقيء
۵۱
وما رواه بسنده عن على بن أبي طالب -
رضی الله =
عنه - قال
قال النبي
وما رواه بسنده عن عائشة -
كلوا الثوم نيئا فلولا أن الملك يأتيني لأكلته
رضی
الله
عنها - أنها قالت
هل على النساء قتال قال نعم جهاد لا قتال
يا رسول الله
فيه الحج والعمرة !
وما رواه بسنده عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال قال
رسول الله
إذا قعد بين شعبها الأربع واجتهد فقد وجب الغسل
وما رواه بسنده عن أبي هريرة أيضا قال قال رسول الله
ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة
رضی
الله
—
عنهما -
أن
النبي
و ما رواه بسنده عن ابن عمر - كان يصلى على راحلته في السفر أينما توجهت به يومىء
إيماء ويجعل سجوده أخفض من ركوعه
- وما رواه بسنده عن أنس بن مالك قال
وجهنى وفد المصطلق إلى رسول الله الله فقال سله إن جئنا في العام القابل فلم نجدك إلى من ندفع صدقاتنا قال فقلت له قال قل لهم ادفعوها إلى أبى بكر قال فقلت لهم فقالوا قل له فإن لم نجد أبا بكر قال فقلت له فقال لهم ادفعوها إلى
۵
عمر قال فقلت لهم فقالوا قل له فإن لم نجد عمر فقلت له فقال ادفعوها إلى عثمان وتبا لكم يوم يقتل عثمان ! ومما رواه أبو قال جاءنى بشر بن الحارث فقال حدثني
نعيم
بحديث النبي
D
إن الله تعالى عند لسان كل قائل
a
فقلت حدثنا عمر بن ذر عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الله تعالى عند لسان كل قائل
فقلت ما بقى امرؤ علم ما تقول فقال حسبك ! ورجع
الفصل الثالث مواعظ و حكم
وكان رضى
الله
عنه يقول
حسبك أقوام موتى تحيا القلوب بذكرهم وإن أقواما أحياء تقسو
القلوب برؤيتهم !
وكان
من
رضی
الله عنه يقول
أراد أن يكون عزيزاً فى الدنيا سليما في الآخرة فلا يحدث
ولا يشهد ولا يؤم قوما ولا يأكل لأحد طعامًا
ومن
کلامه رضی
الله عنه
لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس – يعنى
اطلاع الناس على صفات كماله
الله
وكان رضى عنه يقول
سيأتى على الناس زمان تكون الدولة فيه للحمقى والأراذل على أهل العقول والأكابر !
وقال خصلتان تقسيان القلب كثرة الكلام وكثرة الأكل
قال الحسن بن عمرو السبيعي سمعت بشر بن الحارث يقول
الصبر هو الصمت والصمت من الصبر ولا يكون المتكلم أروع من الصامت إلا رجل عالم يتكلم فى موضعه ويسكت في موضعه وكان يقول انى لأجل الله تعالى أن أذكره عند من لا يعرفه
ولا يتعرفه !
وكان رضى الله عنه يقول
أمس قد مات واليوم فى النزع وغدا لم يولد فبادر بالأعمال
الصالحة ومن نصائحه
إذا راسلت أحدًا بكتاب فلا تزخرفه بحسن الألفاظ فإني كتبت مرة كتابا فعرض كلام لى إن كتبته حسن الكتاب وكان كذبًا وإن تركته سمج الكتاب وكان صدقًا فعزمت على ذكر الكلام السمج الصدق فنادى هاتف من جانب البيت
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي
الآخرة 1 كم
D
وقيل له لم لا تدخل الجامع تعظ الناس قال
إنما يدخل الجامع جامع
وقد سئل عمن يغتاب الناس هل يكون عدلاً
فقال إذا كان مشهورًا بذلك فهو الوضيع
!
٥٦
۱ إبراهيم ۷
وقال عانق الفقر وتوسَّدِ الصبر وعادِ الهوى وخالف الشهوات وضيق الدنيا عليك كحلقة خاتم فبهذا يطيب السفر إلى الله وقال من أفضل أعمال البر الصبر على الفقر
وقال إياك والاغترار بالستر والاتكال على حسن الذكر
وقال الليل والنهار حثيثان يعملان فيك فاعمل فيهما
وقال لقى حكيم حكيمًا فقال لا رآك الله عندما نهاك عنه ولا فقدك حيث أمرك
وقد حكى عن سفيان الثورى أنه قال إن أقبح الرغبة أن تطلب الدنيا بعمل الآخرة
وسمع بشر بن الحارث يقول سمعت خالدًا الطحان وهو يذكر إياكم وسرائر الشرك !
وقال إني لأجل الله أن أذكره عند من لا يجله
وقال الحسن بن عمرو السبيعي سمعت بشر بن الحارث يقول يأمنك عدوك وكيف تكون خيرا وصديقك
لا تكون كاملاً
لا يأمنك
حتى
وكان على بن خشرم يقول سمعت بشر بن الحارث يقول خلت الديار فسدت غير مسود ومن الشقاء تفردى بالسؤدد
وسمع الحسن بن عمرو السبيعي يقول سمعت بشرًا يقول
بي داء ما لم أعالج نفسى لا أتفرغ لغيرى فإذا عالجت نفسى تفرغت لغيرى ما أبصرنى بموضع الداء وموضع الدواء إن أعانني
منه بمعونة ! ثم قال
۵۷
>>>
أنتم الداء! أرى وجوه قوم لا يخافون متهاونين بأمور الآخرة
وبإسناده قال سمعت بشرًا يقول
أنا أكره الموت ولا يكره الموت إلا مريب
وبه قال بشر
حبك لمعرفة الناس رأس محبة الدنيا
وأخبر عبيد الله بن عثمان قال حدثنا أبو عمر بن السماك حدثنا
الحسن بن عمرو السبيعى قال سمعت بشر بن الحارث يقول يأتى على الناس زمان لا تقر فيه عين حكيم ويأتى عليهم زمان
تكون الدولة فيه للحمقى على الأكياس
وبإسناده قال سمعت بشرًا يقول
النظر إلى الأحمق سخنة العين والنظر إلى البخيل يقسى القلب
وبه قال سمعت بشرا يقول
اعمل في ترك التصنع ولا تعمل في التصنع
۵۸
ومن مواعظه -
ورأى شابا عليه مرقعة فقال له
ثوب شهرة يكرمك الناس لأجلها
فقال إنى لبستها ليعلم الناس أنى عبد الله فيكرمونى لأجله !
فقال له بشر
أحسنت ! مثلك من يصلح له لبس المرقعة !
وقد سمع بعضهم بشرًا يقول ذهب الرجال المرتجى لفعالهم والمنكرون لكل أمر منكر
وبقيت في خلف يزين بعضهم بعضاً ليدفع معور عن معور
وقال أحمد بن مسكين خرجت في طلب بشر بن الحارث من
باب حرب فإذا به جالس وحده فأقبلت نحوه فلما رآني مقبلاً خط
بيده على الجدار وولى فأتيت موضعه فإذا هو قد خط بيده الحمد لله لا شريك له في صبحه دائما وفي غلسه لم يبق لى مؤنس فيؤنسني إلا أنيس أخاف من أنسه فاعتزل النـــاس يا أخى ولا تركن إلى من تخاف من دنسه ويقول من عامل الله بالصدق استوحش من الناس
ويقول غنيمة المؤمن غفلة الناس عنه
ويقول عن المعافى بن عمران عن الثورى
رضا المتجنى غاية لا تدرك
ومما رواه بشر
لا يكون العبد تقيا حتى يكون تقى الغضب
ومن طرائف ما روى عن بشر قوله
قال
موسی عليه السلام يارب ! فقال الله تعالى لبيك يا موسى
أشاء
قال إني جائع فأطعمني قال حتى و من کلامه عن المريد لا يفلح مريد يقول بأي شيء أكل خبزى
وكان يقول
أسد الأعمال ثلاثة الجود في القلة والورع في الخلوة
وكلمة الحق عند من يخاف ويرجى !
۵۹
ومن حكم بشر ومواعظه خطاباته لأصدقائه
ومنها ما كتبه إلى
على بن خشرم قال
إلى أبي الحسن على بن خشرم السلام عليك فإني أحمد إليك
يتم
ما بنا وبكم
الله الذى لا إله إلا هو أما بعد فإني أسأل الله أن من نعمة وأن يرزقنا وإياكم الشكر على إحسانه وأن يميتنا ويحيينا وإياكم على الإسلام وأن يسلم لنا ولكم خلفا من تلف وعوضًا من كل رزية أوصيك بتقوى الله يا على ولزوم أمره والتمسك بكتابه ثم اتباع آثار القوم الذين سبقونا بالإيمان وسهلوا لنا السبل فاجعلهم نصب عينيك وأكثر عرض حالاتهم عليك تأنس بهم في الخلاء ويغنوك عن مشاهدة الملأ فمثل حالهم كأنك تشاهدهم أصحاب النبي الله أوفق من مجالسة الموتى ومن يرقب منك زلتك وسقطتك إن قدر عليها فإن لم يقدر عليها جعل جليسا إن رآه عندك عيبك فرماك بما لم يره الله منك واعلم علمك الله الخير
وجعلك
أهله
فمجالسة
إن أكثر عمرك فيما أرى قد انقضى ومن يرضى حاله من
قد مضى وأنت لا حق بهم وأنت مطلوب ولا تعجز طالبك وأنت أسير في يديه وكل الخلق في كبريائه صغير وكلهم إليه فقير فلا يشغلنك كثرة من يحبك وتضرع إليه تضرع ذليل إلى عزيز وفقير إلى غنى وأسير لا يجد ملجأ ولا مفرا يفر إليه عنا وخائف مما قدمت يداه غير واثق على ما يقدم لا يقطع الرجاء
ولا يدع الدعاء ولا يأمن من الفتن والبلاء فلعله إن رآك كذلك
عطف عليك بفضله وأمدك بمعونته وبلغ بك ما تأمله من عفوه ورحمته فافزع إليه فى نوائبك واستعن به على ما ضعفت عنه قوتك فإنك إذا فعلت ذلك قربك بخضوعك له ووجدته أسرع إليك من أبويك وأقرب إليك من نفسك وبالله التوفيق وإياه أسأل
خير
المواهب لنا ولك
من
ومن
أراد
واعلم يا على أنه من ابتلى بالشهرة ومعرفة الناس فمصيبته جليلة فجبرها الله لنا ولك بالخضوع والاستكانة والذل لعظمته وكفانا وإياك فتنتها وشر عاقبتها فإنه تولى ذلك أوليائه توفيقه وارجع إلى أقرب الأمرين بك إلى إرضاء ربك ولا ترجعن بقلبك إلى محمدة أهل زمانك ولا ذمهم فإن من كان يتقى ذلك منه قد مات وإنارة إحياء القلوب من صالح أهل زمانك وإنما أنت في محل موتى ومقابر أحياء ماتوا عن الآخرة ودرست عن طرقها آثارهم !
هؤلاء أهل زمانك فتوار مما لا يستضاء فيها بنور
الله
ولا تبال من تركك
منهم
الله ولا يستعمل فيها كتابه إلا من عصم ولا تأس على فقدهم واعلم أن حظك فى بعدهم أوفر من حظك في قربهم وحسبك الله فاتخذه أنيسا ففيه الخلف منهم فاحذر أهل زمانك وما العيش مع من يظن به في زمانك الخير ولا مع من يساء به الظن خير وما ينبغى أن يكون طلعة أبغض إلى عاقل تهمه نفسه إنسان في زمانك لأنه منه على شرف فتنة إن جالسته ولا تأمن البلاء إن جانبته وللموت فى العزلة خير من الحياة وإن ظن رجل أن من الشر ويأمن خوف فتنة فلا نجاة له إن أمكنتهم من نفسك اثموك
من
طلعة
ينجو
1
وإن جانبتهم أشركوك فاختر لنفسك واكره لها ملابستهم وأرى أن الفضل اليوم ماهو إلا فى العزلة لأن السلامة فيها وكفى بالسلامة فضلاً
>>>
اجعل أذنك عما يؤثمك صماء وعينك عنه عمياء !
احذر سوء الظن فقد حذرك الله تعالى ذلك وذلك قوله تعالى ! و إن بعض الظن إثم الله ۱ والسلام
ويلاحظ القارىء أن بشرًا اهتم بأمور في هذا الخطاب منها الحديث عن حب المدح والشهرة ومن حكم بشر في ذلك قوله ما أعرف رجلاً أحب أن يعرف إلا ذهب دينه وافتضح ! وقوله
سكون النفس إلى المدح وقبول المدح لها أشد عليها من المعاصى وقوله لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس
وقوله ما اتقى الله من أحب الشهرة !
وقد سبق كثير من قوله حول هذا المعنى
ومما رواه عبد الصمد بن محمد عن بشر قوله
أما
تستحى أن تطلب الدنيا ممن يطلب الدنيا اطلب الدنيا ممن
بيده الدنيا !
وعن جعفر بن هاشم المؤدب قال سمعت بشر بن الحارث يقول
الحلال لا يحتمل السرف !
۱ الحجرات ۱
قال وسمعت بشرًا يقول الأخذ
الناس مذلة من
وقيل لبشر بن الحارث
العبادة لا تصلح إلا بالصيام فقال قد يصوم البر والفاجر فإن كنت صائما فاجتنب كثرة الكلام والغيبة وأطب مطعمك لعله إن يسلم لك صومك وإلا فاستخر الله وكل !
ومن مواعظ بشر
ما حدث به محمد
بن
عبد
الله
عن رجل قال رأيت بشر بن الحارث
وقف على أصحاب الفاكهة فجعل ينظر إليه فقلت يا أبا نصر
ولكن نظرت في هذا
لعلك تشتهى من هذا شيئًا قال لا إذا كان يطعم هذا من يعصيه فكيف من يطيعه !
وقد حكى عن بشر أنه كان يمشى معه منصرفا من
الجمعة فمر
بباب الشام فنظر إلى السجن ثم نظر إلى أصحاب الفاكهة بحذائه فالتفت إلى الشيخ فقال انظر إلى هؤلاء - يعنى أهل السجن أرادوا
هذا
D
الفاكهة فلم يسألوا الله فصاروا إلى هذا من
وعن محمد بن منصور الطوسى قال سمعت بشر بن الحارث يقول
انظر لا يأخذك وأنت ذاهب فى حاجة ! - قال أبو الفضل
يعني الموت !
ومن دعاء بشر ومواعظه
ما
روى عن زريق الدلال سمعت بشر بن الحارث يقول
٦٣
اللهم استر واجعل تحت الستر ما تحب فربما سترت على ما تكره!
ثم التفت إلى فقال لى
يا أخى بادر بادر فإن ساعات الليل والنهار تنهب الأعمار !
وكان بشر يقول
ينبغى للرجل أن ينظر خبزه من أين هو ومسكنه الذي يسكن
أهله من أى شيء هو ثم يتكلم !
وفى هذا المعنى كان يقول كثيرا
انظر خبزك من أين هو وانظر إلى مسكنك الذي تتقلب فيه كيف هو وأقل من معرفة الناس ولا تحب أن تحمد ولا تحب الثناء !
ومن قول بشر
إذا أحب الله عز وجل ان يتحف العبد سلط عليه من يؤذيه !
وقوله لا خير فيمن لا يؤذى
وقوله لا ينبغى أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر إلا من
يصبر على الأذى !
ومن مواعظه الحكمية
ما روى عن عبد
الله
يوم
يعني ابن الحارث - إذ دخل المسجد وعليه فرو متقطع فرده العون فذهبت لأكلمه فمنعني فجاء فجلس عند قبة الشعراء
الوراق قال خرجت الجمعة
مع بشر
فقلت له يا أبا نصر لم لم تدعنى أكلمه قال اسكت
سمعت
المعافى بن عمران يقول سمعت سفيان الثورى يقول لا يذوق العبد حلاوة الإيمان حتى يأتيه البلاء من كل مكان
وكان بشر يقول - عن المدمنين في الشراب -
ينبغي لهؤلاء القوم الذين يعتكفون على هذا المسكر أن لا تقبل لهم
شهادة
>>
D
وكان بشر يقول
ومن
طوبى لمن ترك شهوة حاضر لوعد غائب !
حكمه
لو لم يكن فى القنوع إلا التمتع بالعز كفى صاحبه
ومنها قوله
كلما اشتهى رجل لقاء رجل ذهب إليه هذه فتنة ولذة يتلذذون بلقاء بعضهم بعضا ينبغى للإنسان أن يقبل على نفسه وعلى القرآن ! وقوله إذا عرفت في موضع فاهرب منه وإذا رأيت الرجل إذا اجتمعوا إليه فى موضع لزمه واشتهى ذاك فهو يحب الشهرة ! ودخل محمد بن نعيم بن الهيضم على بشر فى علته فقال عظنى! فقال إن في هذه الدار نملة تجمع الحب فى الصيف لتأكله في الشتاء فلما كان يوم أخذت حبة في فمها فجاء عصفور فأخذها والحبة فلا ما جمعت أكلت ولا ما أملت نالت ! قلت له زدنی ! قال
ما تقول فيمن القبر مسكنه والصراط جوازه والقيامة موقفه
10
والله مسائله فلا يعلم إلى جنة يصير فيهنى أو إلى نار فيعزى فواطول حزناه واعظم مصيبتاه زاد البكاء فلا عزاء واشتد الخوف فلا أمن !
وروى ابن حفص عمر بن أخت بشر بن الحارث قال حدثتني أمي قالت جاء رجل إلى الباب فدقه فأجابه بشر من هذا قال أريد بشرًا فخرج إليه فقال حاجتك عافاك الله فقال له أنت بشر قال نعم حاجتك
قال إني رأيت رب العزة فى المنام وهو يقول لى اذهب إلى بشر فقل له يا بشر لو سجدت لى على الجمر ما أديت شكرى فيما قد بثثت لك - أو نشرت لك – في الناس
فقال أنت رأيت هذا
فقال نعم رأيته ليلتين متواليتين
فقال لا تخبر به أحدا ثم دخل وولى وجهه إلى القبلة وجعل
يبكى ويضطرب ويقول اللهم إن كنت شهرتنى فى الدنيا ونوهت باسمى ورفعتني فوق قدرى على أن تفضحنى فى القيامة الآن فعجل عقوبتي وخذ
منى بقدر ما يقوى عليه بدنى !
ولم يقتصر بشر فى الحكم والمواعظ - على النثر وإنما عالج الحكمة والموعظة عن طريق الشعر وكان كثيرًا ما ينشد الشعر من قوله أو من قول غيره مبينًا فيه الحكمة والموعظة ومن ذلك
ما قاله أبو عاصم المتطبب سمعت بشر بن الحارث يتمثل بهذين البيتين وهما بيتان لمحمود الوراق فعجبنا منه كيف بلغه هذان البيتان وهما
٦٦
مكرم الدنيا مهان مستذل في القيامة والذي هانت عليه فله ثم كرامة
وقال العباس بن يوسف أنشد بشر بن الحارث برمت بالناس وأخلاقهم فصرت أستأنس بالوحدة هذا لعمرى فعل أهل التقى وفعل من يطلب ما عنده
قد عرف الله فذاك الذي
وقال بشر
الله
به وحده
لو لم يكن في القناعة إلا التمتع بالعز لكفى به شرفًا
ثم
أنشد يقول
أقسمت بالله لرضخ النوى وشرب ماء القلب المالحة ١ ومن سؤال الأوجه الكالحة
فقره
وأعز للإنسان من فاستشعر اليأس تكن ذا غنى وترجعن بالصفقة الرابحة فالعز يأس والتقى سؤدد وشهوة النفس لها فاضحة فإنها يوما له ذابحة كانت الدنيـا بـه بـرة من وقال أبو العباس المبرد حدثنى بعض مشايخنا قال كنت عند بشر بن الحارث يوما فرأيته مغموماً ماتكلم حتى غربت الشمس م رفع رأسه فقال
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم والمنكرون لكل أمر منكر وبقيت في خلق يزين بعضهم بعضا ليدفع معور عن معور
۱ رضخ النوى كسره ودقه والقلب جمع
قليب وهو البئر
٦٧
وقد رويت هذه الأبيات عن بشر من وجهين آخرين حدث جعفر بن محمد بن أبي هاشم قال سمعت بشر بن الحارث
يقول
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم والمنكرون لكل أمر منكر وبقيت في خلق يزين بعضهم بعضا ليدفع معور عن معــور
وحدث القاسم بن محمد السلاماني قال سمعت بشر بن الحارث ينشد لنفسه
يا من يسر برؤية الإخوان مهلاً أمنت مكائد الشيطان خلت القلوب من المعاد وذكره وتشاغلوا بالحرص والخسران صارت مجالس من ترى وحديثهم في هتك مستور وخلق قرآن۱ وعن إسماعيل بن علی مولی بنی هاشم قال كان بشر بن الحارث يتمثل
تعاف القذى في الماء لا تستطيعه وتكرع في حوض الذنوب فتشرب وتؤثر في أكل الطعام الذه ولا تذكر المختار من أين يكسب وترقد يا مسكين فوق نمارق وفى حشوها نار عليك تلهب فحتى متى ما تستضيق جهالة وأنت ابن سبعين بدينك تلعب وقال محمد بن سهم أنشدني بشر
وليس من يروقنى دينه یغرني يا صاح تبريقه من حقق الإيمان في قلبه يوشك أن يظهر تحقيقه
1 أى موضوع القرآن هل هو مخلوق أو قديم
وقد سئل بشر بن الحارث عن القناعة فقال
لو لم يكن فى القناعة شيء إلا التمتع بعز الغنى لكان ذلك
يجزىء ثم أنشأ يقول
أفادتني القنـاعـة أى عـز ولا عـز أعــز مـن القناعة فخذ منها لنفسك رأس مال وصير بعدها التقوى بضاعة تحز حالين تغنى عن بخيل وتسعد في الجنان
ثم قال
مروءة القناعة أشرف من مروءة البذل والعطاء
بصبر
ساعة
وقال بشر بن الحارث - رحمة الله عليه – يوما
قطع الليالي مـع الأيام في خلــــق
والنوم تحت رواق الهم والقلق
أحرى وأعذر لى من أن يقال غدا
إنى التمست الغنى من كف مختلـــق
قالوا رضيت بذا قلت القنوع غنى
ليس الغنى عن كثرة الأموال والورق
رضيت بالله في عسرى وفى يسرى
فلست أسلك إلا أوضح الطرق
9
الفصل الرابع الطريق
يقول السادة الصوفية معبرين عن وحدة الهدف
إليه سبحانه
التوحيد واحد
وعن اختلاف الطرق
والطرق إلى الله كنفوس بني آدم
ويعنون بذلك أن الصوفية جميعًا يسيرون نحو التحقق بالتوحيد والتوحيد واحد في الماضى والحاضر وفى المستقبل ولا اختلاف فيه أما الطرق إلى التوحيد فإنها تختلف وتتعدد ويشبهون ذلك بالدائرة ومركزها وخطوط تسير من محيط الدائرة إلى المركز إن هذه الخطوط تتقارب كلما قربت من المركز حتى إذا وصلت إليه والخطوط وإن اختلفت في التعبير والأسلوب
صبت فيه واتحدت
فإنها لا تتعارض ولا تتناقض
ويقول الشاعر في هذا المعنى
وهي في النهاية تتسم بالوحدة
عباراتهم شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير هذا الاختلاف في أسلوب التقرب من الله تعالى فإن هناك
ومع
معالم وأعلام لا يتأتى الاختلاف فيها عند الصوفية
۷۱
ذلك أن الطريق طابعه الإخلاص ولن يكون هناك قرب – ومن
لا ولا قلامة ظفر – ما لم يكن الإخلاص
ولقد سئل رسول الله له عن الإيمان فقال إنه الإخلاص ويقول سبحانه ألا الله الدين الخالص ۱
فكل ما ليس خالصا لوجه الله لا يثيب عليه ولا يتقبله ولقد بين الله سبحانه أن الرياء على اختلاف صوره شرك يحبط
العمل يقول رسول الله فيما رواه البيهقي
من صام يراثى فقد أشرك ومن صلى يرائي فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك
وهذا هو الشرك الأصغر وهو مجموعة من الآثام تنزل بالإنسان إلى مستوى من الأخلاق ليس بكريم ومن أهمها الرياء يقول رسول
الله - فيما رواه الإمام أحمد -
إن أخوف ما أخاف على أمتى الشرك الأصغر فقالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله قال الرياء يقول الله عز وجل إذا جزى الناس
بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء
وبعد فإن كل عمل لا يراد به وجه الله فإنه شرك لا يتقبله الله ولا يثيب عليه والفيصل في هذا هو ما حدث به رسول الله
۱ الزمر ٣
۷
الحديث الشريف الذي مبدأ هاما
يعتبر
من
مبادىء الإسلام
روی
البخارى رضى الله عنه – عنه أن رسول الله قال
بسنده
عن عمر بن
الخطاب رضى
الله
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه
كانت هجرته
ومن أجل ذلك اهتم بشر اهتماما بالغا بالإخلاص ويقول في ذلك سمعت المعافى بن عمران يقول قال رجل لابن النضر الحارثي أين أعبد الله قال أصلح سريرتك واعبده حيث شئت
وكان بشر عند الصلاة ينزوى في مكان غير ملحوظ ويصلي وكان يفعل ذلك حتى لا يشير إليه الناس بالإكبار والإجلال فيغتر
بنفسه
وقيل له ألا تصلى في الصف الأول
فقال إنما يريد قرب القلوب لا قرب الأجساد
ومن طرائفه في هذا ما يرويه أحد المؤرخين عنه بقوله
وكان من الذين إذا رءوا ذكر الله فصلى يوما فأطال وأحسن ورجل يصلى خلفه فقطن به بشر فقال
لا يعجبنك ما رأيت منى فإبليس عبد الله
مع
الملائكة دهرا ثم
صار إلى ما صار إليه
وكان يحب دائما إخفاء أعمال الخير حتى لا يفتنه مدح الناس له بذلك يروى أبو الربيع قال سمعت بشر بن الحارث يقول
وينصح
D
اكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك
ومن الرياء الذي كان ينكره بشر ما يرويه القاسم بن منبه قال سمعت
بشر بن الحارث يقول
لا تعط شيئًا لمخافة ملامة الناس
وينشد بشر البيتين التاليين مبينا أن ما في القلوب يظهر على الجوارح مهما حاول الإنسان تغطيته عن أعين الناس
وليس من يروق لى دينه يغرني يا صاح تبريقه من حقق الإيمان في قلبه يوشك أن يظهر تحقيقه
ولكن الإخلاص لا يتأتى إلا إذا سبقته توبة صادقة وإذا كان السالك إلى الله تعالى لا ينال خيرًا ولا يتقدم في طريق القرب من
الله تعالى إلا إذا انغمس في جو الإخلاص فإن هذا الجو لا يتوافر إلا بالتوبة الصادقة النصوح
<<
وأول درجات الطريق فى الحقيقة - إذن - إنما هى التوبة والجو الإسلامي كله يدعو إلى التوبة ويحث عليها ويوجبها حينما
يكون هناك ذنب ولقد تحدث القرآن الكريم عن التوبة فى أساليب مختلفة متنوعة إنه يأمر بها يقول سبحانه وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ۱
۱ النور ۳۱
ويبين سبحانه أن الذين يكثرون من التوبة هم في مقام المحبة منه
ويقول في ذلك
و إن الله يحب التوابين ۱
والتعبير القرآني يستعمل فى هذا صيغة المبالغة التوابين أي الذين
يكثرون من التوبة
أ التوبة حيث تكون الذنوب وهي واجبة
ب التوبة - ولا ذنب - إنها تضرع إلى الله تعالى فهى طرق لباب الله تعالى عن طريق الذلة والانكسار ولن يفتح للإنسان باب الله إلا عن طريق التضرع إليه والعبودية له
لجأ
إلى الله تعالى
جـ التوبة ولا غفلة وهى فى هذا الجو عبادة إنها عبادة من أسمى العبادات لأنها عبادة من والإكثار من التوبة ثمرته محبة الله تعالى للثواب
ولمقام التوبة هذا السامى كان رسول الله لا يكثر من التوبة لقد كان يتوب إلى الله ويستغفره في اليوم مائة مرة ومن أجل هذه المنزلة للتوبة فتح الله أبوابها على مصاريعها رحمة بعباده وفتحا لباب حبه لهم ودعوة كريمة منه سبحانه ليغتنمها من تبصر في الأمور وعواقبها يقول سبحانه
قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ٢
۱ البقرة ٢٢٢
الزمر ٥٣
Yo
ويقول سبحانه بعد ذلك مباشرة
وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم
۱
لا تنصرون ١
أن
فتح سبحانه
وفي هذا تنبيه قوى نفاذ فى التوجيه إلى التوبة بعد أبوابها على مصاريعها ويقول سبحانه بعد ذلك مباشرة أيضا
واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب
بغتة وأنتم لا تشعرون ٢
وهذا هو مقياس صدق التوبة
إن التوبة إذا صدقت استتبعت لا محالة العمل الصالح حسبما رسمه الإيمان وهذا العمل الصالح اتباع إنه اتباع أحسن ما أنزل من الله تعالى وأحسن ما أنزل من الله تعالى إنما هو القرآن بأوامره ونواهيه وكان القرآن أحسن ما أنزل لأنه بالأسلوب الإلهي الذي لا يناله التغيير ولا التبديل لضمان الله تعالى له بالحفظ وهو أحسن ما أنزل الله تعالى لأنه الرسالة الخاتمة التي كمل بها الدين وأتم بها النعمة ورضيها الله دينا للإنسانية
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ۳
١ الزمر ٥٤
الزمر ٥٥
۳ الحجر ۹
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم
الإسلام دينا 1
و إن الدين عند الله الإسلام
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ۳
وصدق التوبة - إذن - إنما يتمثل في اتباع أحسن ما أنزل الله أما إذا لم تكن التوبة وسار الإنسان سادرًا في حياته لا يراعى الفضيلة ولا يسير على هدى الحق فإنه لا معاذير تقبل ولا تعلات يستجاب لها يقول سبحانه بعد الآيات السابقة ومتابعا رسم المنهج أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت
لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لى كرة فأكون من المحسنين
1
كل هذه معاذير لا تقبل أما السبب في أنها لا تقبل فهو ما عبر
عنه سبحانه بقوله
ر بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من
الكافرين
P
۱ المائدة ٣ آل عمران ۱۹
۳ آل عمران ٨٥ ٤ الزمر ٥٦ ٥٧ ٥٨
٥ الزمر ٥٩
VV
ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على ویر
الله
وجوههم مسودة أليس
في جهنم مثوى للمتكبرين ۱
أما هؤلاء الذين ساروا فى طريق الخير والحق واتبعوا أحسن ما أنزل الله تعالى فإنه سبحانه يبين منزلتهم يوم القيامة بقوله
الله الذين اتقوا بمفازتهم وينجي
يحزنون کی
من
لا
يمسهم السوء ولا هم
وهذه الآيات التي تتابعت في سورة الزمر بينت أن رحمة الله أوسع
أن تضيق بذنب
وأن التوبة هي المدخل إلى الرحمة
وأن صدق التوبة يتمثل في الاتباع للقرآن الكريم
وأن المعاذير لا تقبل لأن آيات الله واضحة ولا يكذب بها
إلا كل متكبر فاسد السريرة
وأن
مصير المكذبين إلى جهنم
والمؤمنين إلى النجاة
هذه
وإذا كان الله سبحانه يحث على التوبة بشتى الطرق فإن من الطرق الأحاديث القدسية ومن ذلك هذه الكلمة التي تبلغ الذروة
۱ الزمر ٦٠
٢ الزمر ٦١
VA
عذوبة ورأفة ورحمة روى الإمام مسلم بسنده حديثاً طويلاً جاء
فيه عن رسول الله الله يقول رب العزة جل جلاله
يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم
ولقد تبصر كثير من الناس في القرآن الكريم واستخرجوا منه ذلك فيما يتعلق بالتوبة ما يروى
مبادىء لسيرهم في الحياة ومن
علقمة
الله
ویروی
الله
عبد الله بن مسعود رضی الأسود عن عبد
قال عنهم
في كتاب الله عز وجل آيتان ما أذنب عبد دنبا فقرأهما واستغفر
عز وجل إلا غفر الله تعالى له
والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا
لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم
يعلمون 1
وقوله عز وجل
ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر
الله
يجد
الله غفورا
رحيما
قتادة ويروى عن
رحمه
قوله
القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم أما داؤكم فالذنوب
وأما دواؤكم فالاستغفار
۱ آل عمران ۱۳۵
النساء ١١٠
k
ويتناسق رسول الله الله مع الوضع القرآني فيما يتعلق بالتوبة ويسير صلوات الله وسلامه عليه مبينا فضل الله تعالى على عباده في فتح الأبواب واسعة عريضة للتوبة فعن أبي موسى عن النبي الله فيما رواه الإمام مسلم - قال
إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط
يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها
والله سبحانه يفرح بتوبة عبده المؤمن والحديث التالى طريف كل الطرافة في تصوير ذلك يروى الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله قال
الله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع فى ظلها وقد أيس من راحلته فبينما هو إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال
كذلك
الفرح اللهم أنت
عبدى وأنا ربك
أخطأ
من شدة الفرح
ويروى الإمام الغزالي عن بعض العلماء أنه قال
من
العبد بين ذنب ونعمة لا يصلحهما إلا الاستغفار والحمد
شدة
أما ما يروى عن رسول الله له في صيغ التوبة والاستغفار فإنه
عن
كثير من ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه بسنده - أن رسول الله كان يقول في استغفاره
الله عنه أبي هريرة رضى
اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلى وإسرافي في أمرى وما أنت أعلم به منى اللهم اغفر لى هزلى وجدى وخطئى وعمدى وكل ذلك عندى اللهم اغفر لي ما قَدَّمْتُ وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به منى أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت
على كل شيء قدير
ومن دعاء رسول الله - الجميل
اللهم اجعلنى من الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساءوا
استغفروا
وسيد الاستغفار هو
كما أخبر الصادق المصدق - صلوات الله
عليه وسلامه
اللهم أنت ربي عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب
لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على
a
إلا أنت ولقد سأل سيدنا أبو بكر رسول الله عن وصية من الدعاء ينفعه الله بها فقال صلوات الله عليه
قل اللهم إنى ظلمت نفسى كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لى مغفرة من عندك وارحمنى إنك أنت الغفور الرحيم
۸۱
وأمر التوبة والاستغفار غريب عجيب إنهما يمحوان الذنوب إذا صدقا محوا تاما ويبلغان بالعبد إلى العفو والمغفرة والرحمة ومحبة الله تعالى وليس بعد ذلك مطمح لطامح
ولكن فضل الله لا يقف عند هذا الحد فإنه سبحانه وتعالى يقول
استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا
ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ده ۱ ويقول سبحانه و يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ٢
وكل هذا في هذه الحياة الدنيا وأكثر من ذلك أيضا وفضل الله
لا
حدود
له
إن الله سبحانه وتعالى يؤكد لنا
أن الاستغفار أمان من العذاب يقول سبحانه
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم
يستغفرون ۳
ويقول رسول الله
أعطيت أمانان لأمتى ل وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان
الله معذبهم وهم يستغفرونه
۱ نوح ۱۰ ۱۱ ۱
هود ٥٢
۳ الأنفال ٣٣
۸
فإذا مضيت بقى الضمان الثاني أي بقى ضمان الاستغفار أمانًا من العذاب
ولقد كان بعض الصحابة يؤدى ما عليه من العبادة والطاعة ولم يكن يكثر من الاستغفار في حياة الرسول ثم لحق الرسول بالرفيق الأعلى فأكثر هذا الصحابي من الاستغفار فسأله
الصحابة في ذلك فقال
لقد كنت آمنا من العذاب بالرسول الله فلما توفى لم يبق إلا الأمان الثاني وهو الاستغفار يقول تعالى
نظور وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون که
ومع كل ذلك تأمل معى فضل الله تعالى الواسع يتمثل فيما يقول
رسول الله
من
أكثر
الاستغفار جعل من
الله
عز وجل له من كل هم فرجا
ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا
ونعود فنقول
إن التوبة إذا صدقت فإن من صدقها العزم المؤكد على ألا يأتى الإنسان الذنب فيما يستأنف من حياته
ولبشر فى موضوع المعاصى كلمات جميلة منها
لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه
وعن القاسم بن منبه الحربي قال سمعت بشر بن الحارث يقول
إن لم تعمل فلا تعص
ويقول بشر هذه الكلمة الجميلة أنك لا تخاف ويحك ألا تشتاق
هب
وتذكرنا هذه الكلمة بقول رسول الله عن صهيب الرومي
رضی
الله
عنه
نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه
ويقول القاسم بن منبه سمعت بشرا يقول
إن لم تطع فلا تعصه
ويقول ما خلف رجل في بيته أفضل أو خيرا من ركعتين
يصليهما
وكان رضي الله عنه يقول عن جزاء من قصر في العبادة في الدنيا
إذا قصر العبد فيما بينه وبين
الله تعالى أخذ
وقال إذا قل عمل العبد ابتلى بالهم
منه ما كان يؤنسه
ومن المعاصى ان تجلس في مجلس المعصية وإن لم تشارك فيها ویری بشر أن من فعل ذلك لا تقبل شهادته
وعن يحيى بن عثمان الحربي قال قال بشر بن الحارث
يا أبا زكريا من جلس والأفراح تدور لا تقبل شهادته
"
ونعود فنقول إذا صدقت التوبة استتبعت العبادة يروى القاسم بن
منبه قال سمعت بشر بن الحارث يقول
ما خلف رجل في بيته أفضل أو خيرا من ركعتين يصليهما
Λε
وللعبادة حلاوة من الذى يجدها
إن الحسن بن عمرو السبيعى قال سمعت بشر بن الحارث يقول لا يجد العبد حلاوة العبادة حتى يجعل بينه وبين الشهوات حائطا
من حديد
وللطاعة حلاوة وفى ذلك يقول بشر
من حرم المعرفة لا يجد للطاعة حلاوة
وأخيرا يروى عبيد بن محمد عن بشر بن الحارث أنه قال لقى حكيم حكيمًا فقال أحدهما لصاحبه لا يراك الله عندما نهاك
ولا يفقدك عندما أمرك
وإذا صفت التوبة استلزمت
الورع
وإذا بدأنا الحديث عن الورع فإن من
يماثل بشرًا في تحريه الحلال !
النادر حقا أن نجد
من
إن الإمام أحمد بن حنبل يقول لأخت بشر
من بيتكم خرج الورع
أما قصة هذه الكلمة فهى أن أخت بشر جاءت إلى الإمام أحمد بن
حنبل فقالت إنا نغزل على سطوحنا فتمر المشاعل فيقع الشعاع علينا فهل لنا أن نغزل في شعاعها
فقال من أنت قالت أنا أخت بشر
٨٥
فبكى حتى
أبكى من حوله وقال من بيتكم خرج الورع
لا تغزلي في شعاعها !
وتروى هذه القصة أيضا على النحو التالي
وكان غزل أخته - فيما ذكر - أنها قصدت أحمد ابن حنبل فقالت
إنا قوم نغزل بالليل ومعاشنا فيه وربما يمر بنا بنى طاهر ولاة افنغزل على ضوئها الطاقة والطاقتين
بغداد ونحن على السطح أفتحله لنا أم تحرمه
فقال لها من أنت فقالت أخت بشر
فقال آه يا آل بشر لا عدمتكم لا أزال أسمع الورع الصافي من
قبلكم
وكان الإمام أحمد بن حنبل شديد الإعجاب والتقدير لمكانة بشر
في مقام الورع وفى ذلك يروى ابن عساكر ما يلي
سئل
أحمد بن حنبل عن مسألة في الورع فقال أنا أستغفر الله لا يحل لى أن أتكلم في الورع أنا أكل
من
غلة
بغداد لو كان بشر بن الحارث صلح أن يجيبك عنه فإنه كان لا يأكل من غلة بغداد ولا من طعام السواد يصلح أن يتكلم في الورع
وقد بلغ به الورع أنه كان لا يشرب من الأنهار التي حفرها الأمراء
ويقول
النهر سبب الجريان الماء ووصوله إليه وإن كان الماء مباحًا في
نفسه !
٨٦
ومن
أخص أمور الورع تحرى الحلال في المطعم ولقد اشتهر بذلك طائفة من أئمة المسلمين يتحدث عنهم بشر فيقول
أدهم
أربعة رفعهم
الله بطيب المطعم وهيب بن الورد وإبراهيم بن
ويوسف بن أسباط وسالم الخواص
وكان بشر في الذروة من أوائل الورعين يقول الإمام الغزالي
وكان بشر من الورعين فقيل له من أين تأكل
فقال من حيث تأكلون لكن ليس من يأكل وهو يبكى مثل من يأكل وهو يضحك ويد أقصر من يد ولقمة أقصر من لقمة !
ويقول الإمام اليافعي
كان بشر يعقوب فإنه يقول قلت لبشر بن الحارث عظنى قال انظر خبزك
لا يمد يده إلى أكل طعام ليس بحلال ! أما سليمان بن
من أين
هو ولا تعرض لحمك للنار
ويقول ابن أبي الدنيا قال رجل لبشر لا أدرى بأى شيء أكل
خبزی
فقال
اذكر العافية واجعلها إدامك ! وبشر في ورعه يتابع القرآن والسنة وذلك أن الجو الإسلامي كله يوجب إيجابا تحرى الحلال في المطعم وقد روى ابن مردويه بسنده عن ابن عباس قال
تليت هذه الآية عن النبي
يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبات ۱
1 البقرة ١٦٨
فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال
يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به ! أحمد وروی بسنده عن أبي هريرة قال قال رسول الله أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال
يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إنى بما تعملون علیم ۱ وقال ﴿ يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام فأنى يستجاب له رواه مسلم والترمذى
وإذا كان الجو الإسلامي يحث على تحرى الحلال في المطعم فإنه يحث على تحرى الحلال في كل ما يأتى الإنسان وفى كل ما يدع
يقول الرسول
فيما رواه الإمامان بسندهما عن
النعمان
بن
بشیر رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
1 المؤمنون ٥١
البقرة ۱۷
إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن
وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعى يرعى حول الحمى يوشك ألا وإن حمى الله محارمه ألا
أن
يرتع
فيه
ألا وإن لكل ملك حمى
وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت
فسد الجسد كله ألا وهي
القلب
متفق عليه وروياه من طرق بألفاظ متقاربة
وعن الحسن بن علی - رضى الله عنهما - قال حفظت من رسول
الله
دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
رواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح معناه أترك ما تشك فيه وخذ ما لا تشك فيه
وعن عطية بن عروة السعدى الصحابي رضي الله عنه قال قال رسول الله لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس رواه الترمذى وقال حديث حسن
وكان بشر رحمه الله في الذروة من مقام الورع !
ونعود - في ختام هذا الفصل - إلى بشر فنروى ما يلى يقول محمد بن يوسف الجوهرى كنت أمشى مع بشر بن الحارث في يوم صائف منصرفًا من الجمعة فاجتزنا بسور دار إسحاق بن إبراهيم وله فىء فجعلت أزاحم بشرًا إلى الفيء وهو يمشى في
A4
الشمس فقلت والله لأسألنه أمن الورع أن يمشى الإنسان في الشمس فيضر بنفسه فقلت يا أبا نصر أنا أضطرك إلى الفيء
وأنت تمشى في الشمس ! فقال مجيبا
D
هذا في سور فلان !
وحدث محمد بن عبد الله قال سمعت بشرًا يقول
إن رجلاً أرسل غلاما له يجيئه بحطب فجاء الغلام بالحطب وفيه سنبلة فلما ألقى الحطب قال هذه السنبلة تردها إلى الموضع
الذي أخذت منه !
ومن يرجع إلى حكم بشر ومواعظه يجد الكثير عن الورع ونذكر
هنا قوله
أهله
ينبغى للرجل أن ينظر خبزه من أين هو ومسكنه الذي يسكنه
أي من شيء هو ثم يتكلم !!
ومقام الورع يسلم إلى مقام
الزهد
وذلك
والحديث عن الزهد يستلزم تبصرا ودقة في شرح معناه الله سبحانه وتعالى شرع الزكاة وجعلها ركنا من أركان الإسلام والزكاة لا يؤديها إلا أصحاب الأموال وأما من لا مال لهم فإن ركنا
من
أركان الإسلام ينقصهم وما من شك فى أنهم قد سقط عنهم الإثم لفقرهم ولكن ما من شك أيضا فى أنهم قد فاتهم - دون معصية – ركن من أهم أركان
الإسلام وقد يفوتهم ركن آخر هو الحج وذلك أن الحج يقتضى نفقة ومالاً فإذا كان الإنسان لا يملك ذلك فإنه لا يحج وذلك أن الحج لمن استطاع إليه سبيلاً !
وإذن فإن من لا مال له لا يؤدى من أركان الإسلام إلا ثلاثة وهو وإن كان لا إثم عليه فإنه لا يتأتى مساواته بمن يؤدى الأركان الخمسة ما دام الإخلاص متوفراً في كل منهما
ولقد شرع الله البيع والشراء والتجارة وتحدث عن الذهب والفضة والمعاملات المالية
وبين سبحانه الشكر على النعمة كما بين أنعمه التي يغمر بها الناس
صباحا ومساء
وكما أن الفقير الصابر له ثوابه فإن الغنى الشاكر له منزلته عند
تعالى !
الله
وقد عقد الكاتبون موازنات طريفة فى أيهما أفضل الفقير الصابر أم الغنى الشاكر
ومهما كان من أمر هذه الموازنة في نهايتها فإن مجرد الموازنة
نفسها دليل على أن أمر الزهد لا يتحدث فيه بصورة سطحية على أمر الصحابة - رضوان الله عليهم - ومنهم أبو بكر وعثمان عنهم جميعا - يوضح شيئًا من
وعبد الرحمن بن عوف - رضى
المسألة
الله
۹۱
يكونوا زاهدين ألم يكن عثمان رضى
إن الكثير من الصحابة ومن كبار الصحابة كانوا أغنياء ألم
الله
عنه
زاهدا
ولقد كان الكثير من التابعين أغنياء
وكانوا زهادًا
وعبد
بن المبارك وسفيان الثورى وأبو حنيفة كانوا تجارا
الله
وكانوا أغنياء وكانوا زهادًا !
ما معنى الزهد إذن
يجرى
معناه ألا تستعبد الدنيا الإنسان ألا تجعله خادما لها ألا وراءها في جشع وشهوات وحب يعمى ويصم ويرسم القرآن الكريم ذلك فيقول
من
زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع
الحياة الدنيا والله عنده حسن الماب ۱
ويقول سبحانه
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًّا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون
الجنة ولا يظلمون شيئا ٢
١ آل عمران ١٤
مريم ٥٩ ٦٠
۹
ويقول عن قارون
فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا 1
ومن
هنا نتبين
1
أن الدنيا المذمومة إنما هي اتباع الشهوات واتخاذ المال أو الجاه أو القوة وسيلة للانحراف عن السبيل المستقيم الأحاديث الشريفة وآيات القرآن الكريم في تحذير الإنسان
وتتتابع
الله
أن عنه
من الانحراف بدنياه عن التوجيه الإلهى ! ومن ذلك مارواه عمرو بن عوف الأنصاري رضى رسول الله الله بعث أبا عبيدة الجراح رضي الله عنه إلى البحرين يأتى بجزيتها فقدم بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله الله فلما صلى رسول الله الله انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله حين راهم ثم قال أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين فقالوا أجل
كان
أظنكم سمعتم يا رسول الله فقال ابشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكنى أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطى رضى وإن لم يعط
لم يرض رواه البخارى
۱ القصص ۷۹ ۸۰
متفق عليه
وعن كعب بن عیاض رضى الله عنه قال سمعت رسول الله يقول إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتى المال رواه الترمذي وقال
حدیث حسن صحيح
وهكذا إذا تبصرنا في النصوص الربانية لرأينا أن
معنی
الدنيا التي
يذمها الله ورسوله إنما هى الشهوات والأهواء والجشع والتكالب وهكذا من المعانى التى تنزل بالإنسان عن المستوى الإنساني وتنحرف به عن طريق الله
وهذا المعنى هو الذي تحاشاه الصالحون فى كل عصر وكانت لهم الثروات العريضة فلم تشغلهم عن الله تعالى ولم تحل بينهم وبين الصالحات بل كانت عونًا لهم على الخير سدا لحاجة بائس وبناء للمساجد والمستشفيات ودور التعليم وطبع الكتب التي توجه إلى
الله ورسوله
وموقف بشر رضى
الله
إنه ينصح
أحمد
ومائتين فيقول
عنه يتضح دائما في هذا الاتجاه
بن محمد بن غزوان الهراني سنة خمس وعشرين
عليكم بالرفق والاقتصاد في النفقة فلأن تبيتوا جياعا ولكم مال
أحب إلى من
أن
تبيتوا شباعًا وليس لكم مال !
وقال لى بشر بلغنى أنك لا تلزم السوق فالزم فلما قمت
انصرف أعاد على الزم السوق !
ولعل بشرًا في ذلك كان يذكر ما فعل عبد الرحمن بن عوف الله عنه لأول عهده بالمدينة المنورة حينما سأل
أين السوق
وذهب فباع واشترى واكتسب واستمر هكذا إلى أن أصبح في يوم من الأيام ذا مال عريض مكنه من التبرع بخمسمائة جمل وما حملت
في سبيل الله
وسيدنا أبو بكر رضى الله عنه كان يذهب إلى السوق ويتاجر ويكسب المال الكثير ويتبرع في سبيل الله وفي يوم من الأيام تبرع بكل ماله في سبيل الله ولما قال له رسول الله ماذا أبقيت
لأولادك قال رضوان الله عليه
أبقيت لهم الله ورسوله !
وبدأ
من جديد الذهاب إلى السوق يبيع ويشترى
من
ويكسب
الأغنياء
ويتصدق وكم من أرقاء اشتراهم وأعتقهم ولو لم يكن لما أمكنه ذلك وكم للمال من فضل في أيد تحب الله ورسوله وتؤثر
الله ورسوله وسيدنا عثمان
يحفر بئر رومة فييسر بذلك الماء على الآلاف من العطاش ! ويجهز
جيش العسرة من ماله الخاص !
ويأتى بمال كثير فيفرغه في حجر رسول الله الله
الله الله بذلك المال ويجول بيده فيه ويقول
ويسر رسول
۹۵
ما على عثمان ما فعل بعد اليوم !
ثم يجول بيده فيه من جديد ويبتسم مسرورًا ويقول اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض
وكم تبرع المتبرعون وتصدق المتصدقون وكم في القرآن الكريم من آيات كريمة في فضل الصدقة وقليل منها ذكرى لمن قرأ وتدبر
أو ألقى السمع وهو شهيد مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى
لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون 1 وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ! الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم
عند
ربهم
ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ۳ وكم في الأحاديث الشريفة من أحاديث في الحث على الصدقة وفضلها ونسوق هنا بعضها ليكون نبراسًا من الهدى النبوى الكريم عن ابن مسعود رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها متفق عليه
1 البقرة ٢٦١ ٢٦٢
البقرة ۷۳
٣ البقرة ٢٧٤
4
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله
ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما
اللهم أعط منفقًا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا متفق
عليه
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
قال الله تعالى أنفق يا ابن آدم ينفق عليك متفق عليه وكل ذلك يدل على أن من البلاهة فهم الزهد في الجو الإسلامي بهذا المفهوم الذي يحاول المزيفون أن يتحدثوا عنه وهو التجرد من والتخلص منه ومفهوم بشر للزهد لا يتنافى مع نصيحته
المال
لصديقه
الزم السوق !
أى الزم على غرار أبى بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسفيان
الله
وأبي حنيفة وغيرهم رضى عنهم هو ذا أبو الحسن الشاذلي
ثم
كان
ها
من كبار المزارعين !
لقد كانت له مزارع بالجمع لا مزرعة بالأفراد
وكان يقتنى الخيل ويتخيرها ويركبها
وكان بيته مفتوحا لكل طارق
دعائه وكان من
اللهم وسع على رزقى في دنياى ولا تحجبني بها عن أخراى
وكان من دعائه أيضا
اللهم اجعلها في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا
وفى حزبه يقرأ الإنسان
یا لطیف یا رزاق يا قوى يا عزيز لك مقاليد السموات تبسط الرزق لمن تشاء وتقدر فابسط لنا من الرزق ما توصلنا به إلى رحمتك وأغننا بلا سبب واجعل سبب الغنى لأوليائك وابن عطاء الله السكندرى يقص ما يلى
فأراد بعض
قال بعض المشايخ كان رجل بالمغرب من الزاهدين في الدنيا ومن أهل الجد والاجتهاد وكان عيشه مما يصيده من البحر وكان الذي يصيده يتصدق ببعضه ويتقوت ببعضه أصحاب هذا الشيخ أن يسافر إلى بلد من بلاد المغرب فقال له هذا الشيخ إذا دخلت إلى بلد كذا فاذهب إلى أخى فلان فأقرئه منى السلام وتطلب الدعاء منه لى فإنه ولى أولياء الله تعالى من
قال فسافرت حتى قدمت تلك البلدة فسألت عن ذلك الرجل فدللت على دار لا تصلح إلا للملوك فتعجبت من ذلك وطلبته فقيل لى هو عند السلطان فازداد تعجبی فبعد ساعة وإذا هو ات في أفخر ملبس ومركب وكأنما هو ملك في موكبه !
قال فازداد تعجبى أكثر من الأول
قال فهممت بالرجوع وعدم الاجتماع به ثم قلت لا يمكنني
مخالفة الشيخ
۹۸
فاستأذنت فأذن لى فلما دخلت رأيت ما هالني من العبيد والخدم
والشارة الحسنة فقلت له
أخوك فلان يسلم عليك
وقال جئت من عنده
قلت نعم
قال إذا رجعت إليه قل له
إلى كم اشتغالك بالدنيا وإلى كم إقبالك عليها وإلى متى لا تنقطع
رغبتك فيها
فقلت هذا والله أعجب من الأول فلما رجعت إلى الشيخ قال
اجتمعت بأخى فلان
قلت نعم !
قال فما الذي قال لك
قلت لا شيء !
قال لابد أن تقول لى !
فأعدت عليه ما قال فبكى طويلاً وقال
صدق أخى فلان هو غسل الله قلبه من الدنيا وجعلها في يده وعلى ظاهره وأنا آخذها من يدى وعندى إليها بقايا التطلع !! وبناء على كل ذلك يجب أن نقرأ النصوص التي ترد عن الزهد في ضوء ما ذكرنا ويتلخص في
۹۹
١ - ألا تستعبد الشهوات الإنسان
٢ - أن يتحرر الإنسان منها حتى ولو كان من أصحاب الملايين
٣- أن يكون من المتحققين بقوله تعالى
لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ۱
وكل النصوص التي تذكر عن بشر يجب إذن أن تفهم على هذا
الأساس
وعن بشر تأتى النصوص التالية
قال عبد الصمد بن حميد سمعت عبد الوهاب يقول ما رأيت أحدًا أقدر على ترك شهوة من بشر الحافي
وكان حمزة البزاز يقول ما رأيت أحدًا من الزهاد إلا وهو يذم الدنيا
ويأخذ منها غير بشر بن الحارث فإنه كان يذمها ويقرفها٢ وعن أحمد بن المغلس قال سمعت أبا نصر بشرًا يقول – وقد قال له رجل يا أبا نصر ما أشد حب الناس لك فغلظ عليه ذلك ثم
قال ولك عافاك الله
قال وكيف ذلك
قال دع لهم ما في أيديهم فذكرت ذلك لأبي نصر فقلت
۱ الحديد ۳
من قرفت الشجرة قشرت لحاءها وقرفت جلد الرجل أي اقتلعته
عن ابن عمر رضى الله عنه قال أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبنى الله من السماء وأحبتنى الناس من الأرض قال فقال له النبي ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدى الناس يحبك الناس فرأيت أبا قد فرح به إذ وافق قوله سنة رسول الله الله
نصر
وقال الحسين وسمعت على بن غنام يقول كان بشر بن الحارث
يتقدمهم في الزهد ويشاركهم في العلم أو يتقدم عليهم وقد كان بشر بجبلته وفطرته زاهدًا وعن مظهره وسلوكه في الأكل والملبس نورد النصوص الآتية
قال عبد الله بن أحمد
بن حنبل رأيت بشر بن الحارث منصرفًا من جنازة مرت علينا فقمت لأنظر إليه فرأيت عليه ثيابا متواضعة – أظن كان عليه فرو - وإذا رجل مهيب طويل الشعر أبيض الرأس واللحية وفى رأسه ولحيته شيء من سواد أحسب البياض أكثر من
السواد لا يخضب بشيء أحسب عليه إزارا إلى هاهنا قصير وعن إبراهيم الحربي عن سليمان بن حرب قال مكثت دهرًا أشتهي أن أرى بشر بن الحارث فلم يقدر لي - أو كما قال - قال فخرجت يوما من منزلى إلى المسجد فإذا أنا برجل – أو كثير الشعر طويل الشارب عليه أطمار - أحسبه
قال بشيخ
قال مرقعة - معه جراب وجهه إلى الحائط فهو يدخل يده في الجراب فيخرج منه كسرًا فيأكل فقلت له أنت من الجن قال لا قلت فأنت من خراسان قال أنا أوى بغداد قلت
۱۰۱
فما جاء بك إلى هنا قال جئت إليك لأسمع منك حديثاً حسناً في الموقف قلت الاسم قال وما تصنع باسمى قلت أشتهي أعرف اسمك قال أنا أبو نصر قلت الاسم أريد قال ليس أخبرك باسمى ! وإن أخبرتك باسمى لم أسمع منك شيئًا ! قلت أخبرني باسمك فإن شئت فاسمع وإن شئت فلا تسمع قال أنا بشر بن الحارث قلت الحمد لله الذي لم يمتنى حتى رأيتك – أو كما قال ووقفت عليه فجعلت أبكي ويبكى ثم جلست بين يديه فتحدثنا ساعة ثم قلت له يا أبا نصر أردت أن تدخل بلدا أنا فيه تنزل عندى قال ليس لى مقام إنما كنت بعبادان فقلت يا أبا نصر كتبى كلها بين يديك قال
السلام عليكم وبكى وبكيت ومضى ! أحاديثه في الزهد فهي كثيرة منها
وأما
عن
قال أخبرنا خالد الواسطى عن محمد بن عمرو عن يحيى بن
عبد الرحمن عن أبي واقد الليثى قال
تابعنا الأعمال فلم نجد عملاً أبلغ في طلب الآخرة من الزهادة
في الدنيا وقال
الزهد ملك لا يسكن إلا قلبًا مخلى
ويقول إبراهيم بن عبد الله سمعت بشر بن الحارث يقول
من حرم المعرفة لم يجد للطاعة حلاوة ومن لا يعرف ثواب
الأعمال ثقلت عليه في جميع
الأحوال
ومن زهد في الدنيا على
حقيقة كانت مؤنته خفيفة ومن وهب له الرضا فقد بلغ أفضل
الدرجات !
الله فيها
قال ينبغي لنا ألا نحب هذه الدار لأنها دار يعصى ووالله لو لم يكن فيها إلا أننا أحببنا شيئًا أبغضه الله عز وجل لكفانا !
ينبغي
وقال لو لم نبغض الدنيا إلا لأن الله عز وجل يعصى فيها كان
لنا أن نبغضها
!
ويحدث أبو العباس محمد بن الحسن الخشاب قال أخبرنا أحمد بن محمد بن صالح قال حدثنا محمد بن عبدون قال حدثنا حسن المسوحى قال رأنى بشر بن الحارث يوما باردًا وأنا أرتعد من البرد
فنظر إلى وقال قطع الليالى مع الأيام في خـلـق
أحرى وأجدر بي من أن يقال غدًا
والنوم تحت رواق الهم والقلق
إنى التمست الغنى من كف مختلق
ليس الغنى كثرة الأموال والورق
قالوا رضيت بذا قلت القنوع غنى
رضيت بالله في عسرى وفى يسرى
فلست أسلك إلا واضح الطرق
وعن وصف صاحب الدنيا يقول القاسم بن منبه سمعت بشرًا يقول
١٠٣
ما أحفى صاحب الدنيا وأصفق وجهه ! ويقول إبراهيم بن يعقوب قال بشر بن الحارث سأل الله تعالى الدنيا فإنما يسأله طول الوقوف ! من
وقال أبو جعفر البزاز سمعت بشر بن الحارث يقول
قل لمن طلب الدنيا تهيأ للذل
وسئل بشر بن الحارث عن القناعة فقال
لو لم يكن فى القناعة شيء إلا التمتع بعز القناعة لكان ذلك
يجزى ثم أنشأ يقول
عبد
ساعة
أفادتني القنــــــاعة أى عـز ولا عز أعز من القن فخذ منها لنفسك رأس مال وصير بعدها التقوى بضاعة تحز حالين تغنى عند بخيل وتسعد في الجنان ساعة بصبر ثم قال
مروءة القناعة أشرف من مروءة البذل والعطاء ويقول عيسى بن أحمد الساجي حدثني أبي قال سمعت بشر بن الحارث بن
الله
پنشد
أقسم بالله لرضـــخ الـنـوى وشرب ماء القلب المالحة أعز للإنسان من حرصه ومن سؤال الأوجه الكالحة فاستغن باليأس تكن ذا غنى مغتبطا بالصفقة الرابحة اليأس عز والتقى سؤدد ورغبة النفس لها فاضحة فإنها يوما له ذابحة كانت الدنيا به برة من
١٠٤
ونختم الحديث عن بشر بقوله
عز المؤمن استغناؤه عن الناس وشرفه قيامه بالليل !
أن فقد سبق
ونستكمل الآن خطوات الطريق في صورة موجزة كتبنا باستفاضة في كل مقام من مقاماته ونكتفى هنا بإيراد ما روى
عن بشر في ذلك
التوكل
ليس التوكل من المتوكل على الله ليكفى ولو حلت هذه الصفة بقلوب المتوكلين لضجوا إلى الله بالتوبة منها بل المتوكل تحل بقلبه الله وبصدقه فيما ضمن
الكفاية من
وقال بشر التقيت برجل من المتصوفة فقال لي يا أبا نصر انقبضت عن أخذ البر من يد الخلق لإقامة الجاه فإن كنت متحققا بالزهد منصرفًا عن الدنيا فخذ من أيديهم لينمحى جاهك عندهم وأخرج ما يعطونك إلى الفقراء وفرقه عليهم ولا تذق منه شيئًا وكن بعقد التوكل تأخذ قوتك من الغيب
فاشتد ذلك على أصحاب بشر فقال بشر للرجل
جزاك الله خيرا عنى
ولكن اسمع أيها الرجل الجواب
الفقراء ثلاثة فقير لا يسأل وإن أعطى لا يأخذ
الروحانيين إذا سأل الله أعطاه وإن أقسم على الله أبر قسمه
فذاك
من
١٠٥
وفقير لا يسأل وإن أعطى قبل فذاك من
أوسط القوم عقده التوكل
والسكون إلى
وهو ممن توضع له الموائد في حظيرة القدس
الله
تعالى
وفقير اعتقد الصبر ومدافعة الوقت فإذا طرقته الحاجة خرج إلى
عبيد
الله وقلبه إلى
الله
بالسؤال فكفارة مسألته صدقة فى السؤال
فقال الرجل رضيت رضى الله عنك
الصبر
قال بشر
الصبر الجميل هو الذى لا شكوى فيه من الناس
الشكر والصبر
وقال بشر ما أعلم أحدا إلا مبتلى رجل بسط الله له رزقه فلينظر
كيف شكره
ورجل قبض رزقه فلينظر كيف صبره
المحبة
قال بشر ليس من المروءة أن تحب ما يبغض حبيبك
وقال المحبة ذل في عز المحبوب
المطلوب
0
ومشاهدة المحبوب مع امتناع
وقال القرب من الأغيار بعد من الحبيب والأنس بهم وحشة منه وقال حقيقة المحبة ترك مخالفة المحبوب بكل حال والتسليم له في
الحال والمال
القيامة بأنبيائها ويقال للمحبين يا أولياء
وقال تدعى
الأمم
يوم
الله فتكاد قلوبهم تنخلع فرحا
١٠٦
الفضل الخامس
بشر و الكرامات
لقد روى المؤرخون البشر كرامات عدة وليس بغريب أن يكرم الله بشرًا بالكرامات !
وإنما الغريب هو موقف بعض الناس في العصر الحاضر من استبعاد الكرامات مع أن الكثير منها مذكور في القرآن الكريم والكثير منها مذكور في كتب السنة الصحيحة !
ننقله
ولقد سبق أن كتبنا عن بعض ما ذكره القرآن من ذلك والآن ننقل هنا بعض ما نبت عن الصحابة رضوان الله عليهم وإن الذى من ذلك إنما هو نزر يسير مما أثبتته الكتب عنهم رضوان الله عليهم ومن أراد الاستزادة فى ذلك فعليه بمقدمة كتاب كرامات الأولياء فقد ذكر فيه مراجع لهذا الموضوع تبلغ الأربعين
كتابا
جامع
وفي المقدمة ذكر الإمام يوسف النبهاني طائفة لا بأس بها من الكرامات وبحوثا نفيسة بشأنها
وقد ذكر الإمام المناوى كثيرًا من الكرامات في مختلف كتبه عن مختلف المصادر وكذلك الإمام الشعراني في كتب كثيرة مما ألف
۱۰۷
ومن قبلهم ذكر الإمام البخارى والإمام مسلم وكتب السنة المعتمدة
كثيرا من الكرامات التي وقعت للسابقين والتي وقعت للصحابة
وأهل السنة على وجه العموم شعارهم في هذا الموضوع
وأثبتن للأولياء الكرامة ومن نفاها فانبذن كلامه وهم في ذلك يتابعون القرآن الكريم الذي تحدث عن كثير من الكرامات
الصحابة نأخذ ما يلى من كرامات أبي بكر الصديق ومن سير أخرج الشيخان عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضى
رضی
عنه
الله عنهما أن أبا بكر جاء بثلاثة
یعنی
أضيافا - وذهب يتعشى
عند النبي ثم لبث فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله فقالت له امرأته ما حبسك عن أضيافك قال أو
ما عشيتهم
قالت أبوا حتى تجيء
قال والله لا أطعمه أبدا ثم قال كلوا !
فقال قائلهم وأيم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها فشبعنا وصارت أكثر مما كانت قبل فنظر إليها أبو بكر فإذا هي وأكثر فقال لامرأته يا أخت بنى فراس ما هذا قالت لا وقرة عينى لهى الآن أكثر مما كانت قبل ذلك بثلاث مرات فأكل منها أبو بكر وقال إنما كان ذلك الشيطان
من
یعنی یمینه -
ثم حملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده وكان بيننا وبين
۱۰۸
قوم عهد فمضى الأجل فتفرقنا اثنا عشر رجلاً مع كل رجل منهم ناس الله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعثهم فأكلوا منها
أجمعون!
وصح من حديث عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله عنها أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه كان نحلها جذاذ۱ عشرين وسقا من ماله بالغابة فلما حضرته الوفاة قال
والله يا بنية ما من الناس أحب إلى غنى بعدى منك ولا أعز على فقرا بعدى منك وإنى كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقاً فلو كنت حزتيه كان لك وإنما هو اليوم مال وارث وإنما هما أخواك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله
قالت عائشة يا أبت والله لو كان كذا وكذا لتركته إنما هي أسماء فمن الأخرى
فقال أبو بكر ذو بطن أراها جارية فكان ذلك
قال التاج السبكي وفيه كرامتان لأبي بكر رضى الله عنه إحداهما إخباره أنه يموت فى ذلك المرض حيث قال وإنما
هو اليوم مال وارث
والثانية إخباره بمولود يولد له وهى جارية
۱۰۹
۱ الجذاذ الصرام وهو قطع ثمر النخيل
والسر في إظهار ذلك استطابة قلب عائشة رضي الله عنها في استرجاع ما وهبه لها ولم تقتضه وإعلامها بمقدار ما يخصها لتكون على ثقة فأخبرها بأنه مال وارث وإن معها أخوين وأختين ويدل على أنه قصد استطابة قلبها ما مهده أولا من أنه لا أحد أحب إليه غنى
بعده منها
وقوله إنما هما أخواك وأختاك أى ليس ثم غريب ولا ذو قرابة
نائية وفي هذا
ومن
من الترفق ما لا يخفى فرضی
الله
عنه
وأرضاه !
أصحاب الكرامات حجر بن عدى رضى الله عنه المدفون
هو وأصحابه في قرية عذراء من قرى الشام
الله
قال العارف بالله عنه وعنهم
حينما قتلوا في خلافة معاوية رضى سيدى محمد الحفنى فى حاشيته على الجامع الصغير عند قوله لله
سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء
كان حجر يحرص على الوضوء والطهارة جدا ولما حبس احتلم فطلب ماء من السجان ليغتسل به فقال له ليس عندى إلا قدر
شربك !
فقال له ادفعه لى لأتظهر به !
فقال له لا أفعل لئلا تموت عطشاً فيقتلني من أمرني بسجنك فدعا الله تعالى بنزول المطر فنزل وتطهر !
فقال له المسجونون معه ادع
الله
ليفرج عنا وإياك
فقال لا أحب إلا ما أنا فيه لكونه بإرادة ربى وقدرته دعوت للمطر لتعلقه بالعبادة قال الشيخ الحفنى وهكذا شأن
وإنما
المقربين !
ومن
أصحاب الكرامات الحسين بن على رضى الله عنهما ! قال الإمام الشبلي باعلوى فى المشرع المروى من كرامات الحسين رضى
الله عنه
ما روى عن ابن شهاب الزهري قال لم يبق من قتلة الحسين أحد إلا وعوقب في الدنيا إما بالقتل أو بالعمى أو سواد الوجه أو
زوال الملك في مدة يسيرة
ومنها أن
عبد
الله
بن حصين ناداه وقت محاربتهم له
ومنعهم
الماء
عنه يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء والله لا تذوق منه
قطرة حتى تموت عطشا
فقال الحسين اللهم اقتله عطشا فكان
ذلك الخبيث يشرب الماء ولا يروى حتى مات عطشا ! أ
ومن أصحاب الكرامات حمزة الأسلمى رضى الله
عنه
أخرج البخارى فى التاريخ والبيهقى وأبو نعيم عن حمزة الأسلمي
رضی
الله
عنه قال
كنا مع النبي الله في سفر فتفرقنا في ليلة ظلماء فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم وإن أصابعي لتنير ! أصحاب الكرامات عباد بن بشر وأسيد بن حضير رضى
ومن
الله عنهما
۱۱۱
عن
أخرج ابن سعد والحاكم وصححه البيهقى وأبو نعيم من وجه آخر
الله
أنس رضي عنه قال كان عباد بن بشر وأسيد بن حضير عند رسول الله في حاجة حتى ذهب من الليل ساعة وهى ليلة شديدة الظلمة خرجا وبيد كل واحد منهما عصا فأضاءت له عصا أحدهما فمشيا فى ضوئها حتى إذا افترقت بهم الطريق أضاءت للآخر عصاه فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله !
الله
عنه أن رجلين من
أصحاب
وأخرج البخاري عن أنس رضى | النبي الخرجا من عنده ذات ليلة مظلمة ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين يديهما فلما افترقا صار مع كل واحد منهما حتى أتى أهله !! وإذا عدنا بعد ذلك إلى بشر فإننا لا نحب أن نسترسل في موضوع الكرامات وإنما نحب أن نورد كرامتين له فقط
أما الأولى فهى ما يقوله أبو
الله عبد القاضي
حدثني أبي قال كان عندنا ببغداد رجل من التجار صديقا لى وكان كثيرا ما أسمعه يقع فى الصوفية
قال فرأيته بعد ذلك يصحبهم فأنفق عليهم جميع ما ملك ! قال فقلت له أليس كنت تبغضهم
قال فقال لى ليس الأمر على ما توهمت
قلت له كيف
قال صليت الجمعة يوما وخرجت فرأيت بشر بن الحارث الحافي يخرج من البيت مسرعًا - قال - فقلت في نفسي انظر إلى هذا
۱۱
الرجل الموصوف بالزهد ليس يستقر في المسجد قال فتركت حاجتي فقلت أنظر أين يذهب قال فتبعته فرأيته تقدم إلى الخباز واشترى بدرهم خبراً قال فتقدم إلى الشواء قال فزادني عليه غيظا قال وتقدم إلى الحلاوی فاشترى فالوذجا بدرهم فقلت في نفسي والله لأنقضن عليه حين يجلس ويأكل قال فخرج إلى الصحراء وأنا أقول يريد الخضرة والماء قال فما زال يمشى إلى العصر وأنا خلفه فدخل قرية وفي القرية مسجد وفيه رجل مريض قال فجلس عند رأسه وجعل يلقمه قال فقمت لأنظر إلى القرية قال فبقيت ساعة ثم رجعت فقلت للعليل
أين بشر
قال ذهب إلى بغداد
قال فقلت وكم بينى وبين بغداد
فقال أربعون فرسخًا
فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون أيش عملت بنفسى وليس عندى ما اكترى ولا أقدر على المشى
قال فجلست إلى الجمعة القابلة قال فجاء بشر في ذلك
الوقت ومعه شيء يأكله المريض فلما خرج قال له العليل يا أبا نصر هذا الرجل صحبك من بغداد وبقى عندى منذ الجمعة فرده إلى
موضعه !
قال فنظر إلى كالمغضب وقال لم صحبتني
قال فقلت أخطأت
قال قم فامش
قال فمشيت إلى قرب المغرب
قال فلما قربنا قال لي أين محلتك من بغداد
قلت في موضع
كذا
قال اذهب ولا تعد
قال فتبت إلى الله عز وجل وصحبتهم وأنا على ذلك !!
هذه واحدة
والثانية تعلق رجل بامرأة وبيده سكين لا يدنو منه منه أحد إلا عقره
C
وهى تصيح في يده فمر به بشر فحك كتفه فسقط الرجل وخلصت
فقال
المرأة فسألوه ما حالك ما أدرى ولكن حاكنى شيخ وقال الله ناظر إليك فوقعت من
هيبته وحم الرجل من وقته فمات اليوم السابع ! ولا نحب أن نختم هذا الفصل دون أن نورد كلمة للإمام القشيري عن الكرامات إنه يقول وبالجملة فالقول بجواز ظهورها على الأولياء واجب وعليه جمهور أهل المعرفة ولكثرة ما تواتر بأجناسها الأخبار والحكايات صار العلم بكونها وظهورها على الأولياء فى الجملة علما قويا انتفى عنه الشكوك ومن توسط هذه الطائفة وتواتر عليه حكاياتهم وأخبارهم لم تبق له شبهة في ذلك على الجملة
قال ومن دلائل هذه الجملة نص القرآن فى قصة صاحب سليمان
عليه السلام حيث قال
١١٤
وأنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ١
ولم يكن نبيا
الله
عنه صحيح
أنه
والأثر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى قال يا سارية الجبل فى حال خطبته يوم الجمعة وتبليغ صوت عمر إلى سارية في ذلك الوقت حتى تحرزوا من مكامن العدو من الجبل في تلك الساعة !
قال فإن قيل كيف يجوز إظهار هذه الكرامات الزائدة في المعاني على معجزات الرسل وهل يجوز تفضيل الأولياء على الأنبياء عليهم السلام
قيل هذه الكرامات لاحقة بمعجزات نبينا لأن كل من ليس بصادق في الإسلام لا تظهر عليه الكرامة وكل نبى ظهرت كرامته على واحد من أمته فهى معدودة من جملة معجزاته إذ لو لم
يكن ذلك الرسول صادقًا لم تظهر على يد من تابعه الكرامة
فأما رتبة الأولياء فلا تبلغ رتبة الأنبياء عليهم السلام للإجماع المنعقد
على ذلك
قال ثم هذه الكرامات قد تكون إجابة دعوة وقد تكون إظهار طعام في أوان فاقة من غير سبب ظاهر أو حصول ماء في زمان عطش أو تسهيل قطع مسافة في مدة قريبة أو تخليصاً من عدو
١ النمل ٤٠
١١٥
أو سماع خطاب من هاتف أو غير ذلك من فنون الأفعال الناقضة
للعادة
قال واعلم أن كثيرًا من المقدورات يعلم اليوم قطعا أنه لا يجوز أن يظهر كرامة الأولياء وبضرورة أو شبه ضرورة يعلم ذلك فمنها حصول إنسان لا من أبوين وقلب جماد بهيمة أو حيوانا وأمثال
ذلك كثير
قال الولى من توالت طاعاته ومن تولى الحق حفظه وحراسته فلا يخلق له الخذلان الذى هو قدرة العصيان وإنما يديم توفيقه الذى هو قدرة الطاعة قال الله تعالى وهو يتولى الصالحين ۱ ولا يكون معصوما كالانبياء بل يكون محفوظا حتى لا يصر على الذنوب
حكى عن سهيل بن عبد الله أنه قال
من زهد في الدنيا أربعين يوما صادقًا من قلبه مخلصاً في ذلك ظهرت له الكرامات ومن لم تظهر له فلعدم الصدق في زهده فقيل لسهيل كيف تظهر له الكرامة
فقال يأخذ من يشاء كما يشاء من حيث شاء !
واعلم ان من أجل الكرامات التى تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعات والحفظ من المعاصي والمخالفات
انتهى كلام القشيري رحمه الله !
1 الأعراف ١٩٦
١١٦
الفصل السادس الدعاء
لقد حث الله سبحانه وتعالى عباده على أن يلجئوا إليه بالدعاء وقال ربكم ادعوني أستجب لكم 1
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا
دعان
ادعوا ربكم تضرعا وخفية به ۳
ورسول الله حث كثيرا على الدعاء
وكان صلوات الله وسلامه عليه مثلاً كريما واضحا للالتجاء إلى الله تعالى عن طريق الدعاء لقد كان يدعو لنفسه ولأمته وللمسلمين
شأن
وقد
كان يدعو مع إحكام كل أموره وتدبيره تدبيرا محكما في كل
من شئونه
ولقد كان يدعو مع إحكام الوسائل التي تقرب من الله تعالى وتؤدى
إلى استجابة الدعاء
۱ غافر ٦٠ البقرة ١٨٦ ۳ الأعراف ٥٥
وأن لاستجابة الدعاء وسائل تؤدى إليها وفي أكثر الأحايين ينسى الناس ذلك ويدعون دون الأخذ فى الأسباب التي تؤدى إلى الاستجابة
ثم يتساءلون قائلين
إن
الله
سبحانه وتعالى يقول
ادعوني أستجب لكم 1
فما لنا ندعو فلا يستجاب لنا
ولقد سألوا مرة الإمام إبراهيم بن أدهم هذا السؤال فرد عليهم
قائلا
لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء أولها
أنكم عرفتم
الله
ولم تؤدوا حقه
وقرأتم كتاب الله ولم تعملوا به
وادعيتم عداوة الشيطان وواليتموه
وادعيتم حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتركتم أثره
وسنته
وادعيتم حب الجنة ولم تعملوا لها
وادعيتم خوف النار ولم تنتهوا عن الذنوب وادعيتم أن الموت حق ولم تستعدوا له
۱ غافر ٦٠
۱۱۸
واشتغلتم بعيوب غيركم وتركتم عيوب أنفسكم
وتأكلون رزق الله ولا تشكرونه
وتدفنون موتاكم ولا تعتبرون
والإمام إبراهيم بن أدهم يتناسق في ذلك مع القرآن الكريم والسنة
النبوية الشريفة
فلقد بين رسول الله علل الوسائل التى تؤدى إلى استجابة الدعاء
منها
طيب المطعم
فعن ابن عباس فيما أخرجه الحافظ ابن مردويه قال
تليت هذه الآية عند النبي
يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ۱ فقام سعد بن
أبي وقاص فقال
یا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد
بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام فى جوفه ما يتقبل منه أربعين
يوما وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به
ومنها الحديث القدسي الشريف الذى يرسم الطريق إلى الاستجابة
في وضوح وقد رواه الإمام البخاري
1 البقرة ١٦٨
۱۱۹
من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء
أحب إلى من
حتى
أداء ما افترضته عليه ومازال عبدي يتقرب إلى بالنوافل أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ لأعيذنه بی
وإن من
الأمور التي تمنع استجابة الدعاء بل تؤدى إلى الكوارث
ما يرتكبه الإنسان من المعاصي !
يقول تعالى
وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم 1
ويقول سبحانه
ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ٢
ويقول تعالى
ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ك ٣
ويقول سبحانه
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ٤
۱ الشورى ٣٠
النساء ۷۹
۳ فاطر ٤٥
٤ الأعراف ٩٦
۱۰
وقال تعالى
أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم
بذنوبهم ۱
ويقول رسول الله الله فيما رواه الطبرى وابن عساكر
D
والذي نفسي بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر
والطريق اذن في استجابة الدعاء إنما هو البدء بترك المعاصي وفى
ذلك يقول إمامنا الكبير بشر
الدعاء ترك الذنوب
وترك الذنوب ليس أمرًا سلبيًا
لأن ترك الفرائض ذنب فترك
الذنوب يتضمن أداء الفرائض وترك الواجبات ذنب فترك الذنوب
يتضمن القيام بالواجبات
الأمر بأن ترك الذنوب معناه الاستقامة وينتهى فإذا ما وصل الإنسان إلى الاستقامة فقد أصبح في رعاية الله وفى عنايته يستجيب له إذا دعاه ويعيذه إذا استعاذ وفي ذلك يقول الله تعالى
تخافوا
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاً ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة
۱ الأعراف ۱۰۰
۱۱
الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون
نزلاً من غفور رحيم ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم
وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ۱
ويقول تعالى
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون
أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ويقول لو من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه
حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ۳ ويقول ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم
إليها
٤
ولقد اتخذ بعض الناس الوسائل لاستجابة الدعاء ووفقهم
۱ فصلت ٣٠ - ٣٥ الاحقاف ١٣ ١٤
۳ النحل ۹۷
4 يونس ٦٢ - ٦٤
الله
أحمد
ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم روی رب اشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ورواه الحاكم وأبو نعيم بلفظ
ويتحدث بشر عن الخضر عليه السلام مرة أخرى فيقول رب ذى طمرين ۱ لا يوبه به لو أقسم على الله لأبره واستجابة الدعاء وتيسير الأمور كما يكون للأفراد يكون للأمم إذا استقامت يقول تعالى ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ٢
والدعاء عبادة ومن هنا يقول بشر
الدعاء كفارة الذنوب
أخذ هذا من الحديث القدسي التالي
الله
رضی
وبشر
عن جابر بن
عبد
الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
الله
يدعو
المؤمن يوم
القيامة حتى
يوقفه بين يديه فيقول عبدى
إنى أمرتك أن تدعونى ووعدتك أن أستجيب لك فهل كنت
تدعوني فيقول نعم يارب
فيقول أما أنك لم تدعنى بدعوة إلا استجبت لك أليس دعوتني كذا وكذا لغم نزل بك أن افرج عنك ففرجت عنك يوم
فيقول نعم يارب
1 الطمر بكسر الطاء الثوب الخلق البالي
٢ الأعراف ٩٦
۱۳
فيقول إني عجلتها لك في الدنيا
ودعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن افرج عنك فلم تر فرجاً
قال نعم يارب
فيقول إنى ادخرت لك بها في الجنة كذا وكذا ودعوتني في حاجة أن اقضيها لك في يوم كذا وكذا فقضيتها
فيقول نعم يارب
فيقول إني عجلتها لك في الدنيا
ودعوتني يوم كذا وكذا في حاجة أقضيها لك فلم تر قضاءها
فيقول نعم يارب
فيقول إنى ادخرت لك في الجنة كذا وكذا
قال رسول الله
فلا
الله يدع دعوة دعا بها عبده المؤمن إلا بين له إما أن يكون عجل له في الدنيا وإما أن يكون ادخر له في الآخرة قال فيقول المؤمن في ذلك المقام
ياليته لم يكن عجل له شيء من دعائه رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة
وبشر ككل الصالحين كان كثير الدعاء ومن طرائفه فيما يتعلق بالدعاء ما يرويه قائلاً دخلت داری مرة فرأيت رجلاً طويلاً قائما يصلى فراعنى ذلك لأن المفتاح كان معى فسلم من صلاته ثم قال لى لا تفزع أنا أخوك الخضر فقلت له علمني شيئًا ينفعني الله به فقال
قل أستغفر الله عز وجل وأسأله التوبة من كل
منه
ثم رجعت إليه
وأستغفر الله عز وجل وأتوب إليه من كل عقد د أنعم عقدته الله على
نفسی ففسخته ولم أوف به
وأستغفر الله عز وجل وأتوب إليه من كل نعمة أنعم بها على طول
عمرى واستعنت بها على معصيته
واسأله الحمية من ذلك كله
ويتحدث بشر عن الخضر عليه السلام مرة أخرى فيقول
رأيت الخضر فقلت ادع إلى
قال هون الله عليك طاعته
قلت زدنی
قال وسترها عليك
ولم ينس بشر الدعاء فى مرضه ولعله ازداد من الدعاء أثناء
مرضه
الأخير وكان يردد إلهى رفعتني فوق قدرى وشهرتنى بين الناس بالصلاح ولست صالحا فأسألك بوجهك الكريم ألا تفضحنى يوم الحساب
١٢٥
وفاة بشر
الفضل المتابع وفاته وتقديره
وانتهت الحياة ببشر كما تنتهى بكل إنسان وفي ذلك يقول يحيى بن
أكثم
مات بشر بن الحارث يوم الأربعاء لعشر خلون من المحرم سنة
سبع وعشرين ومائتين وأسند الحديث
ويقول الإمام الشعراني
أبو نصر بشر بن الحارث الحافي رضى
الله
عنه
أصله
من مرو
وسكن بغداد ومات بها عاشر المحرم سنة سبع وعشرين ومائتين
وكان عالماً
رضى الله عنه صحب الفضيل بن عياض رضى الله عنه ورعا كبير الشأن أوحد وقته علما وحالاً ويقول صاحب كتاب كرامات الأولياء مات سنة ٢٢٧ هـ وأخرجت جنازته عقب صلاة الصبح فلم يصل إلى المقبرة
ببغداد
إلا في الليل
ورؤى في المنام فقيل له ما فعل الله بك قال غفر
لى ولكل من شيع جنازتي أو أحبنى إلى يوم القيامة
وقد حدث محمد بن سعد في طبقات أهل بغداد فقال
بشر بن الحارث ويكنى أبا نصر وكان من أبناء خراسان من أهل مرو نزل بغداد وطلب الحديث وسمع من حماد بن زيد
أقبل على العبادة
وشريك وعبد الله بن المبارك وهشيم وغيرهم سماعا كثيرًا ثم واعتزل الناس فلم يحدث ومات ببغداد يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة
6
وعشرين ومائتين وشهده خلق كثير من أهل بغداد وغيرها
سبع
بن
ودفن بباب حرب وهو ابن ست وسبعين سنة وقد أخبر عبد الله بـ فقال قلت لأبي يوم مات بشر بن الحارث
أحمد
بن حنبل
مات بشر فقال رحمه الله ! لقد كان في ذكره إشراق أو فيه أنس ثم لبس رداءه وخرج وخرجت معه فشهدنا جنازته
قال أبو عبد الرحمن عبد
الله
أحمد بن حنبل مات بشر سنة بن
سبع وعشرين قبل المعتصم بستة أيام
وقال
أحمد بن يونس الضبي حدثنى أبو حسان الزيادي قال
سنة ست وعشرين ومائتين فيها مات بشر بن الحارث الزاهد
ويكنى أبا نصر عشية الأربعاء لعشر بقين من شهر ربيع
الأول
وحشر الناس لجنازته !
وقد بلغ من السن خمساً وسبعين سنة ويقول أحمد بن زهير سمعت يحيى بن عبد الحميد الحماني يقول
رأيت أبا نصر التمار وعلى بن المديني في جنازة بشر الحارث يصيحان في الجنازة هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة وذلك أن بشر بن الحارث أخرجت جنازته بعد صلاة الصبح ولم يحصل في القبر إلا فى اللَّيل وكان نهارًا صائفا والنهار فيه طول
ولم يستقر في القبر إلى العتمة
۱۸
ويقول بعض مؤرخيه
مات سنة سبع وعشرين ومائتين ببغداد وأخرجت جنازته عقب الصبح فلم يصل إلى المقبرة إلا فى الليل فصار التمار وابن المديني
يصيحان في الجنازة هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة ! ومما يروى له من الرؤى بعد وفاته أنه قيل له في المنام ما فعل بك فقال غفر لى وقال يا بشر ما عبدتني على قدر ما نوهت باسمك ورآه آخر فسأله فقال اغفر لى ويجعل يذكر ما به من الكرامة فقال له قال لك شيئًا
قال نعم قال يا بشر ما استحييت منى تخاف ذلك الخوف على نفس هي لي !!
وقال القاسم بن منبه رأيت بشر بن الحارث في النوم فقلت ما فعل الله بك يا بشر
قال قد غفر لى وقال لى يا بشر قد غفرت لك ولكل من
تبع جنازتك فقلت يارب ولكل من أحبنى !
قال ولكل من أحبك إلى يوم القيامة !! !
تقديره
لقد قدر كبار العلماء بشر بن الحارث وكان في مقدمتهم
أن تحدثنا أحمد بن حنبل وقد سبق
الإمام
عن تقديره وبلغ من تقدير الناس
له أن كان يذهب إليه مع أبنائه ليستفيد الأبناء
بعضهم
وإرشادا من ذلك ما رواه إبراهيم الحربي قال
منه نصيحة
۱۹
حملني أبي إلى بشر بن الحارث فقال يا أبا نصر ابنى هذا
مشتهر بكتابة الحديث والعلم
فقال لى يا بنى هذا العلم ينبغي أن يعمل به فإن لم يعمل به
كله فمن كل مائتين خمسة مثل زكاة الدراهم
وقال له أبى أبا نصر تدعو له
فقال دعاؤك له أبلغ دعاء الوالد لولده كدعاء النبي
لأمته
!
قال إبراهيم فاستحليت كلامه فاستحسنته فإذا أنا مار إلى صلاة الجمعة فإذا بشر يصلى في قبة الشعر فقمت وراءه أركع
إلى
أن يؤذن بالأذان
فقام رجل رث الحال والهيئة فقال يا قوم احذروا أن أكون صادقًا وليس مع الاضطرار اختيار ولا يسع السكوت عند العدم
ولا السؤال مع الوجود ولا فاقة رحمكم الله
قال فرأيت بشرًا أعطاه قطعة دائق
قال إبراهيم فقمت إليه فأعطيته درهما فقلت أعطنى القطعة
قال لا أفعل
فقلت هذان در همان - قال وكان معى عشرة دراهم صحاح
قلت هذه عشرة دراهم فقال لى
يا هذا وأى شيء رغبتك فى دائق تبذل فيه عشرة صحاحا
١٣٠
قال قلت هذا رجل صالح !
قال فقال لي فأنا فى معروف هذا أرغب ولست استبدل بالنعم نقما وإلى أن أكل هذه فرج عاجل أو منية قاضية !
فقلت يا شيخ دعوة ! فقلت لي أحيا الله قلبك ولا أماتك حتى يميت جسمك وجعلك ممن يشترى نفسه بكل شيء ولا يبيعها بشيء ! وقد أعجب إبراهيم الحربي هذا – من بين من أعجب
يقول
قد رأيت رجالات الدنيا لم أر مثل ثلاثة
بهم
بیشر
ولذلك
رأيت أحمد بن حنبل وتعجز النساء أن تلد مثله ! ورأيت بشر بن الحارث من قرنه إلى قدمه مملو ا عقلاً ! ورأيت أبا عبيد القاسم بن سلام كأنه جبل نفخ فيه علم ! أحمد إبراهيم رأى الثلاثة ولم يحدث إلا عن
قال عمر بن
أحمد
وبلغ من تقدير إبراهيم الحربى أن قال هذه الكلمات الجميلة وهذا
التقدير الكريم فيقول
ما أخرجت بغداد أتم عقلاً ولا أحفظ للسان من بشر بن كأن في كل شعرة منه عقل وطىء الناس عقبه خمسين سنة ما عرف له غيبة لمسلم لو قسم عقله على أهل بغداد صاروا
الحارث
عقله عقلاء وما نقص من شيء ! ويقول أحمد بن على الدمشقى قال لى أبو عبد الله
بن الجلاء
۱۳۱
رأيت ذا النون وكانت له العبارة ورأيت سهلاً وكانت له الإشارة ورأيت بشر بن الحارث وكان له الورع !
فقيل له إلى من كنت تميل
قال بشر بن الحارث أستاذنا
ويروى ابن عساكر عن عبد الوهاب قوله ما رأيت أزهد
من
معروف ولا أخشع من وكيع ولا أقدر على ترك شهوته من بشر بن الحارث ولا أتقى لربه عز وجل في لسانه من إبراهيم بن أبي نعيم
وبالرغم من كبرياء الملوك وغطرستهم فإن يحيى بن أكثم يقول
قال لى المأمون لم يبق فى هذه الكورة الجهة أحد يستحيا منه غير هذا الشيخ يعنى بشر بن الحارث
وأصحاب الطبقات على وجه العموم يذكرونه بتقدير عظيم فصاحب الحلية يقول ومنهم من الصوفية من حباه الحق بجزيل الفواتح وحماه عن وبيل الفوادح أبو بشر بن الحارث الحافي المكتفى بكفاية الكافى اكتفى فاشتفى
وقيل إن التصوف الاكتفاء للاعتلاء والاشتفاء من الابتلاء
ويقول صاحب الكواكب
كان كبير الشأن عظيم المقدار عالى المنزلة رفيع المنار لطيف الإشارة عذب الكلام طلق العبارة عديم النظير زهدا وورعا وصلاحا
۱۳
وقال المناوى كان سيد الأولياء العارفين في زمانه
ونقل في الفتوحات المكية عن بعض الصالحين أنه لقى الخضر
عليه السلام
فقال له ما تقول في الشافعي قال من الأوتاد
قال فأحمد بن حنبل
قال صديق
قال فبشر الحافي
قال ما ترك بعده مثله !
أما السر في هذا التقدير فقد تحدث عنه بشر من خلال رؤية رآها يقول عبد الرحمن بن أبي حاتم بلغني أن بشر بن الحارث الحافي قال
رأيت النبي الله في المنام فقال لي يا بشر أتدرى لم رفعك الله من بين أقرانك
قلت لا يا رسول الله !
قال باتباعك لسنتي وخدمتك للصالحين ونصيحتك لإخوانك
ومحبتك لأصحابي وأهل بيتى هو الذى بلغك منازل الأبرار ! وما من شك فى أن هذه الصفات تبلغ الإنسان منازل الأبرار وأن تباع سنة رسول الله ترفع الإنسان بين أقرانه وتصل به إلى عليين وإلى مرضاة الله سبحانه في الدنيا والآخرة
۱۳۳
بسم
الخاتمة
الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه
إلى يوم الدين
وبعد
إن هذه الخاتمة يمكن أن تكون خاتمة لكل كتاب من كتب التصوف التي ألفتها يستوى في ذلك أن يكون عن موضوع التصوف أو عن شخصية من شخصيات الصوفية
ذلك أنها توضح صلة الصوفية بالشريعة أو توضح منهجهم في سلوكهم وما كان منهج سلوكهم في يوم من الأيام إلا التزام الشريعة وإذا أبانت هذه الخاتمة عن منهج سلوكهم في الحياة فإنها تعتبر ردا على كل المفتريات ضد الصوفية
وما من شك في أن مسألة التزام الشريعة مسألة أثارت –
جدلاً وجوبها
فالإمام الجنيد
من زمن مغرق في القدم
مع
بداهة
مثلاً - وقد عاش في القرن الثالث الهجرى
يقول له سائل ذاكرا المعرفة قائلاً
أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقوى
إلى الله تعالى فيقول له الجنيد رضى
الله
عنه
۱۳۵
إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال وهذا عندى عظيمة والذي يسرق ويزنى أحسن حالاً من الذى يقول هذا وإن العارفين بالله أخذوا الأعمال عن الله أى عن الكتاب والسنة وإليه رجعوا فيها ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة إلا أن يحال بي دونها أما أبو زيد - رضى الله ع
عنه -
وقد كان من قبل الجنيد فإن له في هذا الاتجاه بعض الحوادث التى تدل على تمسك شديد بالشريعة وعلى
مدى الدقة فى شعوره من زاوية صلته بالله سبحانه وتعالى
قال مرة لأحد جلسائه
L
قم بنا حتى ننظر إلى هذا الرجل الذى قد شهر نفسه بالولاية – وكان رجلاً مشهوراً بالزهد - فمضينا إليه فلما خرج من بيته ودخل المسجد رمی ببصاقة تجاه القبلة فانصرف أبو زيد وقال
هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعى
ولقد تكلم أبو زيد عن المقياس الذى ينبغى أن يكون أساسا لتقدير أهل الله
•
إنه ليس مقياس خرق العادات فقد تخرق العادات لمن ليس لهم قدم راسخة في مجال العبودية يقول أبو زيد
لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرقى في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي
وحفظ الحدود وأداء الشريعة
١٣٦
ومن شعار أبي يزيد فى صلته بالله ما اشتهر عنه مما رواه من قول
رسول الله
إن من ضعف اليقين أن ترضى الناس بسخط الله وأن تحمدهم على رزق الله وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله ان رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كره كاره إن الله بحكمته وجلاله جعل الروح والفرح فى اليقين والرضا وجعل الهم والحزن في الشك
والسخط
<
ومن طرائف أبى يزيد أنه أذن مرة ثم أراد أن يقيم فنظر في الصف من أجل تسويته فرأى رجلاً عليه أثر سفر فتقدم إليه فكلمه بشيء فقام الرجل وخرج من المسجد فسأله بعض من حضر فقال الرجل
كنت في السفر فلم أجد الماء فتيممت ونسيت ودخلت المسجد
فقال أبو يزيد لا يجوز التيمم فى الحضر فذكرت ذلك وخرجت
عن
ومواقف الإمام الغزالى من هذا الموضوع معروفة وهو يتحدث الأسباب التي تدعو بعض الناس إلى التهاون أو الكسل في تطبيق الشريعة فبعض الناس - حسبما يقول الإمام الغزالي - يزعم بلغ مبلغاً ترقى عن الحاجة إلى العبادة
قد
وبعض من قرأ الفلسفة يقول - حسبما ذكر الإمام الغزالي لقد قرأت علم الفلسفة وأدركت حقيقة النبوة وأن حاصلها يرجع إلى الحكمة والمصلحة وأن المقصود من تعبداتها ضبط عوام
۱۳۷
الخلق وتقييدهم عن التقاتل والتنازع والاسترسال في الشهوات فما أنا من العوام الجهال أدخل في حجر التكليف وإنما أنا حتى اتبع الحكمة وأنا بصير بها
الحكماء من
التقليد
مستغن فيها عن
ويرد الإمام الغزالى على هؤلاء ردودا كثيرة مختلفة وفى عديدة وأحد ردوده في ذلك ما ذكره من قوله
واعلم
أن سالك سبيل الله تعالى قليل والمدعى فيه كثير ونحن
نعرفك علامة له
وذلك أن تكون جميع أفعاله الاختيارية موزونة بميزان الشرع
موقوفة على توقيفاته إيرادًا وإصدارا
وإقداما وإحجاماً إذ لا يمكن سلوك هذا السبيل إلا بعد التلبس بمكارم الشريعة كلها ولا يصل فيه إلا من واظب على جملة النوافل فكيف يصل إليه من أهمل الفرائض
فان قلت فهل تنتهى مرتبة السالك إلى الحد الذي ينحط عنه فيه بعض وظائف العبادات ولا يضره بعض المحظورات
وأقول لك اعلم أن هذا عين الغرور وأن المحققين قالوا
لو رأيت إنسانًا يطير في الهواء ويمشى على الماء وهو يتعاطى
أمرًا يخالف الشرع فاعلم أنه
شیطان
۱۳۸
وهذا الاتجاه إنما هو اتجاه الصوفية على وجه العموم إنهم يسيرون على نهج رسول الله فهو أسوتهم وهو قدوتهم وقد كان رسول الله على أكمل ما يكون في هذا الجانب
لقد كان خلقه القرآن ولأن الخلق القرآني هو الذى يقرب إلى
الله سبحانه نهج الصوفية هذا المنهج وتحدث عنهم في هذا النهج كثير من متكلمى أهل السنة ومن فقهائهم
فهاهو ذا الإمام الكامل الفقيه الأصولي المفسر الإسفراييني صاحب کتاب التبصير في الدين وهو من ائمة أهل السنة المعنيين أشد عناية بالرد على كل من يخالف مذهب أهل السنة
إنه يذكر ما يمتاز به أهل السنة عن غيرهم من الخوارج والروافض والقدرية فيذكر أن سادس ما امتاز به أهل السنة هو
علم التصوف والإشارات وما لهم فيها من الدقائق والحقائق لم يكن قط لأحد من أهل البدعة فيه حظ بل كانوا محرومين من الراحة والحلاوة والسكينة والطمأنينة
وقد ذكر أبو عبد الرحمن السلمى من مشايخهم قريبا من ألف وجمع إشاراتهم وأحاديثهم ولم يوجد في جملتهم قط إلى شيء من بدع القدرية والروافض والخوارج
من
ينسب
وكيف يتصور فيهم من هؤلاء وكلامهم يدور على التسليم والتفويض والتبرى من النفس والتوحيد بالخلق والمشيئة وأهل
۱۳۹
البدع ينسبون الفعل والمشيئة والخلق والتقدير إلى أنفسهم وذلك بمعزل عما عليه أهل الحقائق من التسليم والتوحيد
ونحب أن نزيد الأمر وضوحا فنقول
إن التصوف طريق وموضوع
أما
من حيث الطريق فيقول الإمام الغزالى إن الطريق إلى ذلك
إنما هو تقديم المجاهدة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى ومهما حصل ذلك كان الله المتولى لقلب عبده والمتكفل له بتنویره
بأنوار العلم
هو
وإذا تولى الله أمر القلب فاضت عليه الرحمة وأشرق النور في القلب وانشرح الصدر وانكشف له سر الملكوت وانقشع عن وجه القلب حجاب الغرة بلطف الرحمة وتلألأت فيه حقائق الأمور الإلهية فليس على العبد إلا الاستعداد بالتصفية المجردة وإحضار مع الإرادة الصادقة والتعطش التام والترصد بدوام الانتظار لما يفتحه الله تعالى من الرحمة
الهمة
وعن
هذا الطريق يقول ابن خلدون
وقد كان الصحابة رضى
الله
عنهم على مثل هذه المجاهدة وكان
حظهم من هذه الكرامات أوفر الحظوظ لكنهم لم يقع لهم بها عناية
الله
كثير
عنهم
وفى فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلى رضى منها وتبعهم فى ذلك أهل الطريقة ممن اشتملت رسالة القشيري على
ذكرهم ومن تبع طريقتهم من بعدهم
١٤٠
هذا فيما يتعلق بالطريق
أما فيما يتعلق بالموضوع والشعور والأحوال فإن الصوفية – على
وجه العموم يقول أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه
نبهوا في صور حاسمة إلى وجوب التزام الشريعة
من دعا إلى الله تعالى بغير ما دعا به رسول الله له فهو بدعى ويقول إذا لم يواظب الفقير على حضور الصلوات الخمس في
الجماعة فلا تعباً
ومن أجمل كلماته في هذا قوله
ما ثم كرامة أعظم من كرامة الإيمان ومتابعة السنة فمن أعطيهما وجعل يشتاق إلى غيرهما فهو عبد مفتر كذاب أو ذو خطأ في العلم والعمل بالصواب كمن أكرم بشهود الملك على نعت الرضا فجعل يشتاق إلى سياسة الدواب وخلع الرضا
وكل الصوفية ينهجون هذا النهج يقول ذو النون
من علامات المحب الله متابعة حبيب الله
في
أخلاقه وأفعاله وأمره
وسنته
ويقول السرى
قليل في سنة خير من كثير مع بدعة كيف يقل عمل مع
التقوى
ويقول لن يكمل رجل حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك
حتى يؤثر شهوته على دينه
١٤١
ويقول المحاسبي
من صحح باطنه بالمراقبة والإخلاص زين الله ظاهره بالمجاهدة
واتباع السنة ويقول أبو سليمان الداراني
ربما يقع فى قلبى النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل إلا بشاهدين
عدلين الكتاب والسنة
C
幾
والواقع أن المثل الأعلى للصوفية على بكرة أبيهم إنما هو رسول الله وهم يحاولون باستمرار أن ينهجوا نهجه وأن يسيروا على منواله فهو إمامهم الأسمى فى كل ما يأتون وما يدعون وهم يتابعونه مهتدين في ذلك بقول الله سبحانه وتعالى
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان
يرجو الله واليوم
الآخر وذكر الله كثيرا 1 الله ۱
وبعد فقد بينا فيما سبق
أن الطريق إلى
الله
هو التحقق بالعبودية
وقد سار الصوفية فى هذا الطريق فأثمر لهم ثمارا سامية
ومن يعتصم ومن بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم
1 الأحزاب
۱
آل عمران ۱۰۱
١٤٢
صفحة
٥٥
۷۱
۱۰۷
۱۷
۱۳۵
١٤٣
فهرس الكتاب
مقدمة
الفصل الأول حياته
الفصل الثاني العالم
الفصل الثالث مواعظ وحكم
الفصل الرابع الطريق
الفصل الخامس بشر والكرامات
الفصل السادس الدعاء
الفصل السابع وفاته وتقديره
الخاتمة
بشر بن الحارث الحافي
صاحب هذه الترجمة من الشخصيات الشهيرة في عالم التصوف فهو يُعد من كبار الزهادِ الصالحين وأعيان الأتقياء الورعين ومن رجال الحديث الثقات لقد نشأ بشر بن الحارث نشأة مُترفة ولكن الله سبحانه وتعالى أعد له منزلة كريمة وهيأ له الوصول إليها ومن ثم كانت الانتفاضة التي طهرته وجعلته يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه واتجه بصدق إلى طريق الحق وإلى مرضاة الله فبدأ تتلمذا مُتَعَلِّمًا ثم انتهى
ومُرشدا
مُعَلِّما
0314