الدكتور عبد الحليم محمود
قضية التصوف
المدرسة الشاذلية
الطبعة الثالثة
دار المعارف
بسم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
آله
الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين وعلى وصحبه أجمعين
هذا الكتاب
لقد اضطررت إلى كتابته اضطرارًا وحملت على تأليفه حملا وما كان لي في تحديد زمن كتابته من إرادة حرة أو اختيار يبيح لى التأجيل الطويل وسأذكر قصة تأليفه سواء أسخر الناس منها أم لم يسخروا وسواء أصدقوها أم أنكروها إنني أروى هنا ما وقع لى شخصياً - أرويه كما حدث دون زيادة أو نقص وما من شك في أن مثله بل أغرب منه يحدث كل يوم ومع ذلك فإن المنكرين والشاكين والساخرين لا يزيدهم ذلك إلا شكا وإنكارا واستمرارا في السخرية فلنصرف النظر عنهم ولنزو الأمر كما حدث منذ أكثر من خمس عشرة سنة كنت في زيارة أحد الأصدقاء وأخذ الحديث
مجراه في نواح عدة ثم تطرق إلى أبي الحسن الشاذلي
وكنت في ذلك الوقت أجهل الكثير عن هذا القطب الكبير كنت أسمع اسمه
في كل مكان ولكن الظروف لم تكن قد أتاحت لى بعد أن أتصل به اتصالا يزيد
على سماع الاسم إلا قليلا
وسألت الصديق عما إذا كان عنده من المراجع ما يعطيني صورة موجزة صادقة عن الشيخ تزيل بعض الجهل به
وقدم لى الصديق كتاب الأستاذ السندوبي عن أبي العباس المرسى وذلك لأن المؤلف كتب فيه عن أبي الحسن الشاذلى صفحات عدة ولم يكن عند الصديق غيره للتعريف بأبي الحسن وأخذت في قراءة ما كتبه الأستاذ السندوبي فوجدت في نفسي رغبة ملحة في أن
وصحح
أزداد معرفة بالشاذلي وفى أن أكتب عنه إذا يسر الله ذلك وأخذت أسأل عن المراجع هنا وهناك ووجدت فى دار العشيرة المحمدية كتاب المفاخر العلية لابن عياد مخطوطاً بقلم الشيخ العروسي نفسه بخط جميل على ورق جميل فاخر وقد راجعه الشيخ بعد كتابته وأثبت ما نسيه ما أخطأ في نقله ولم يبخل فضيلة رائد العشيرة المحمدية على به ووجدت في الدار أيضاً الكتاب النادر كتاب دُرَّة الأسرار وهو من أنفس المراجع عن أبي الحسن الشاذلى - استقى فيه مؤلفه أخبار أبي الحسن عمن التقوا به مباشرة وعن أصحاب أصحابه ولقد سافر من أجل ذلك إلى عدة أقطار وبين في مقدمة كتابه كيفية جمعه إذ يقول وكان من جملة منن الله سبحانه على وعلى من سلف لى هو تتبع ما لسيدنا الشيخ الولى الصديق العارف المحقق الغوث القطب الشريف الحسني أبي الحسن على المعروف بالشاذلي من الآثار وتقييد ما له من الدعوات والأذكار وكنت أطلبها وأجهد في جمعها وأصرف الرغبة في التوجه إلى من
عرف بها
فمنها ما أخذته تلقياً بتونس من سيدنا الشيخ الصالح أبي العزائم ماضى بن سلطان تلميذ سيدنا الشيخ أبي الحسن وخادمه ومنها ما أخذته بأرض المشرق من سيدنا الشيخ أبي عبد الله محمد المدعو بشرف الدين ولد سيدنا الشيخ الصالح ياقوت الحبشي رضي الله عنه ومنها ما أخذته عن غيرهم من معتقدى طريق الشيخ وأصحاب أصحابه من أهل المشرق والمغرب حتى اجتمع عندى من ذلك ما
اجتماعه ا هـ
يهج
ولم تبخل على العشيرة المحمدية أيضاً بهذا الكتاب النادر
سماعه ويعز
وأخذت الزمن - أستكمل المراجع مع فكان من أهمها كتاب و لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن تأليف ابن عطاء الله السكندرى وهو تلميذ أبي العباس المرسى أكبر تلاميذ أبي الحسن والخليفة بعده
وقد حصلت على الطبعة المصرية حينئذ واستغرقت فى القراءة والدراسة فترة من الزمن وكتبت في مجلة الأزهر مقالا
بعنوان أبو الحسن الشاذلي ومعركة المنصورة ثم صرفتنى الصوارف وطويت صحف أبي الحسن وشغلت بأمور أخرى ومضت الأيام والسنون وصحف أبي الحسن مطوية حتى إذا كانت سنة ١٩٦٢ دعيت إلى تونس أستاذاً زائراً لمدة شهر - بجامعة الزيتونة فتجددت عندى الذكريات عن أبي الحسن وأخذت أتنسم عبيره في تونس لقد صعدت إلى الجبل الذي كان يتعبد به و دخلت المغارة التي كان يعتكف بها وهى مغارة تتسع فى المبدإ المجموعة من الناس ثم ينزل بها الإنسان فيصل إلى مكان يتسع لأفراد قليلين وينزل فيها من جديد حتى يصل إلى المكان الأخير الذى لا يتسع إلا لشخص واحد ونزلت إلى نهايتها وجلست خاشعاً
Λ
متعبداً حيث كان يتعبد أبو الحسن وحيث كان يقضى الساعات الطوال ليلا وحيث كان يخلو - فريداً - بربه متضرعاً يغلبه الشوق وتغمره المحبة
ونهاراً
ويعمر قلبه اليقين
L
وشعرت في المغارة بطمأنينة النفس وبالسكنية تملؤنى وبتجمع خواطرى بصورة عجيبة وبالتركز الذهنى الذى يندر ويعز وجوده
وترددت على المغارة فى أعلى الجبل وفى كل مرة أزور فيها المغارة تتردد ذكريات الكتاب على ذهنى والصحف
ومع
التي طويت وتتجدد مع ذلك الرغبة فى الكتابة عن أبي الحسن ذلك بقيت الصحف مطوية بيد أن المراجع عن أبي الحسن قد ازدادت فهأنذا أجد طبعة تونسية لكتاب لطائف المنن وها هو ذا شيخ الجامع الذى فى أعلى الجبل عند المغارة يزودني بأحزاب أبي الحسن التي طبعوها في تونس
وهأنذا أحضر الحضرات الشاذلية فى المكان نفسه الذي كان يقيمها فيه
أبو الحسن رضي الله عنه وفى هذه الفترة كان الأستاذ على سالم عمار ينشر دراسة مستفيضة مرواة في جزأين عن أبي الحسن كل ذلك جعل عدتى للكتابة عن أبي الحسن تزداد عتاداً وتزداد قوة ولكن الصحف ما تزال مطوية
ثم كانت ملابسات عديدة وظروف متناسقة جعلتني آخذ الطريق الشاذلي وأندمج في جو المريدين وأواظب على الأوراد والأذكار الشاذلية ومكثت كذلك إلى أن كان شهر مارس سنة ١٩٦٤ كنت في ليبيا أستاذاً زائراً للجامعة الإسلامية هناك وكنت قد انتهيت من إلقاء
۹
المحاضرات فى الدار البيضاء وبنى غازی وزليطن وطرابلس وكنت قد
اتخذت الإجراءات للسفر حاجاً إلى بيت الله الحرام وبينا أنا في طرابلس أنتظر أن أبحر منها إلى الأراضي المقدسة إذا بي أرى - فيما يراه النائم – شخصاً أعرفه اسمه توفيق أراه في ملابس غير ملابسه العادية أراه يلبس ملابس شرطى ويمسك بيده قيداً ويقول لى آمراً
اكتب عن أبي الحسن الشاذلي
وتلكأت في الاستجابة وأردت أن أهمل الموضوع وأن أتحدث معه في شيء آخر فإذا به يهدد بوضع القيد فى يدى وإذا به ينذر ويتوعد فقلت له هل معنى ذلك أن أترك ما بيدى من أعمال لأكتب عن أبي الحسن الشاذلي نعم اترك ما بيدك من أعمال واكتب عن أبي الحسن ورضى توفيق حينما وعدت بالكتابة واستيقظت ويسر الله أمر الحج والحمد لله وحينما عدت إلى القاهرة حاولت - مع وضوح الرؤيا في ذهني تذكرى
فقال
لها - أن أرجئ أمر الكتاب عن أبي الحسن لماذا لست أدرى وأخذت في دراسة سهل بن عبد الله التسترى فقد كنت موطنا النفس على أن أعطى طلبة كلية أصول الدين محاضرات عن التفسير الصوفى وأن آخذ الأمثلة من سهل بن عبد الله ورأيت أن من الخير أن يكون بين يدى الطلبة كتاب عن هذا الصوفى الذى لم ينل حظه من الدراسة وبينما أنا سائر في البدايات الأولى من الدراسة والكتابة إذا بعاصفة من هذه العواصف التى تمر بالإنسانية من آن لآخر تبعدني عن التسترى وعن التفسير الصوفى تبعدني عنه في المكان وتبعدني عنه فى الجو الروحي وطويت صحف التسترى بل زالت من نفسي - وأرجو أن يكون ذلك مؤقتاً - الطاقة الدافعة التي كانت تحفزني على الكتابة عنه وعند ذلك تذكرت الرؤيا وتذكرت توفيق
۱۰
وهو يقول اترك كل شيء واكتب عن أبي الحسن الشاذلي ومضت أسابيع لم أشتغل فيها إلا بالقراءة السهلة في مختلف الموضوعات كيفما اتفق وفى خلال هذه الأسابيع أخذ الانفعال الذى سببه تذكر الرؤيا والرؤيا نفسها يزول من نفسى شيئاً فشيئاً وبمرور الزمن لم تعد الرؤيا في بؤرة الشعور وأصبحت في الهامش البعيد
ثم رأيت - ولست أدرى الآن كيف جاءت الفكرة حينئذ - أننى كتبت فيما مضى في فترات متباعدة عن موضوع الإيمان وأن هذا الموضوع – وقد فكرت فيه فيما مضى وكتبت في زوايا منه وتحدثت عنه في الإذاعة والتليفزيون - يسهل على تناوله بالبحث والدراسة ويتيسر أن أعود فيه إلى المراجع من جديد وإلى ما كتبت فأنسق وأضيف وأحذف وأزيد آملا أن أنشر دراسة لعلها تفيد
في العصر الحاضر
وذات
يوم أخذت بعض المراجع عن موضوع الإيمان في رحلة إلى الريف آمل أن أجد في هدوء الريف وصفائه ما يساعد على التركيز الذهني والسرعة في إنجاز الموضوع وكنت مع بعض الأصدقاء ونزلنا من السيارة - - - سيارة أجرة – أمام القرية وعادت السيارة من حيث أتت عادت وبداخلها المراجع ولم نتذكرها إلا بعد أن أصبحت السيارة بحيث لا أثر لها من رقم أو عنوان أو غير ذلك من آثار وكما تذكرت الرؤيا عند عاصفة التسترى تذكرتها عندما أصبحت السيارة لا عيناً ولا أثراً اترك ما بيدك واكتب عن الشاذلي
وقلت في نفسي لنكتف بهذه الدروس ولنبدأ - والله المستعان وبه التوفيق - بالشاذلي ثم يكون ما يريده الله بعد ذلك من مؤلفات وعدت إلى الشاذلي ووجدت المراجع مستكملة
المراجع الأصلية والمراجع الثانوية وكتب الطبقات وجدت المراجع القديمة
والمراجع الحديثة
لقد وجدت كل ما أحتاج إليه عن الشاذلى فى متناول يدى ووجدت العمل ميسراً سهلا ووجدت الصدر منشرحاً والحمد الله
هذه قصتى مع
أبي الحسن رويتها كما حدثت دون زيادة أو نقص ولقد كان لأبي الحسن أثر هائل في هداية الناس على مر الزمن لقد كان له أثر ينتقل أريجه الزكى من شخص إلى شخص ومن عصر إلى عصر حتى وقتنا الحاضر ولقد بدأ هذا الأثر بالثمرة اليافعة في العارف بالله القطب الكبير أبي العباس المرسى وفيمن حول الشيخ من أصدقاء ومريدين وأسلم أبو العباس المشعل - مشعل الهداية - إلى شيخ العلماء وشيخ الصوفية في عصره ابن عطاء الله السكندرى صاحب الحكم التي قال عنها أحد كبار العلماء كاد الحكم أن يكون قرآناً رضي الله عنه
لقد حمل ابن عطاء الله المشعل فأنار به من حوله واستنار به من بعده وبقى النور للآن في كتبه يضىء الطريق للسالكين وبقى متنقلا من جيل إلى جيل يشير بسنائه إلى أبى الحسن كمنبع من منابع الهدى وكعلم من الأعلام الذين اتبعوا هدى الله في كتابه العزيز واقتفوا أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وعملا واتخذوه أسوة في سلوكهم في اليسير من الأمور والعظيم منها لقد بقى نور أبي الحسن للآن وإن المدرسة الشاذلية الحديثة في عصرنا الراهن كالنجوم وبمريديها يسيرون فى ضوئهم الخير دليل على الأثر الضخم الذي
بقادتها وهم تركه أبو الحسن رضى الله عنه
يقول الله تعالى سنكتب ما قدموا وآثارهم
وما من شك في أن آثار أبي الحسن ستملأ سجلات وسجلات بمن هداهم الله
۱
إلى سلوك طريق الحق على يديه وعلى يدى أتباعه سلسلة بعد سلسلة إلى ما شاء الله ولقد رأينا بمشيئة الله أن نبين في وضوح أثر الإمام الشاذلى فى العصر الحديث خاصة فتخطينا القرون منذ أن دعا الشاذلى إلى الله حتى وصلنا إلى القرن الرابع عشر الهجرى
والقرن الرابع عشر الهجرى ملىء بالمقربين من أعلام الشاذلية الذين أرضوا الله ورسوله فتخلقوا بأخلاق الله واتبعوا سنة رسوله ولكننا تخيرنا بتوفيق الله من بين أولياء الله المقربين شيخين جليلين لاتصالنا بهما عن قرب وكان هذا الاتصال هو السبب في اختيارهما
أحدهما من أوربا فرنسي من أعماق فرنسا عاش شبابه في باريس ثم تابع حياته فى القاهرة يعرفه الغرب كله أمريكا وأوربا لأنه من نابهى قادة الاتجاه الصوفى الأصيل يذكره المؤرخون للأديان ويذكره المتصلون بالروحية ويذكره أئمة الدعاة إلى إصلاح الحضارة الحديثة والسمو بها إلى المستوى المثالي إنه العارف بالله الشيخ عبد الواحد يحيى وهو من الذين أخذوا العهد الشاذلى أخذه على يد العارف بالله المرحوم الشيخ سلامة الراضى إن الكبار فى السن من أتباع الشيخ سلامة الراضي عليه رضوان الله لا يزالون يذكرون ذلك الشيخ الأوربى بجبته الخضراء وعمامته البيضاء وقامته الفارعة الأقرب إلى النحافة منها إلى السمنة ولا يزالون يذكرون وجهه المشرق بالنور وسمته الملائكي ومشيته الوقورة وجلوسه بين يدى الشيخ متواضعاً مهذباً محاولا أن يسكت كل سائل فى تلطف ظاهر حتى يستمر الشيخ في حديثه منطلقاً مع المدد لا تحده حدود الأسئلة ولا ينزل به مستوى الأفهام
البشرية إنه شاذلى من الغرب
والثانى شاذلي من الشرق إنه العارف بالله الشيخ عبد الفتاح القاضي
وهو برهان واضح على قوله عليه الصلاة والسلام الخير في وفى أمتى إلى يوم القيامة وعلى قوله الله فيما رواه البخارى بإسناده عن معاوية لا يزال من أمتى أمة قائمة بأمر الله ما يضرهم من كذبهم ولا من خالفهم حتى يأتى أمر الله وهم
على ذلك
لقد استمسك الشيخ عبد الفتاح القاضي بالحق منذ سنه المبكرة استمسك به في الصورة القرآنية التي أتقنها حفظاً وعلماً وعملا واستمسك به في الصورة النبوية التي أحبها روحاً وسلوكاً وتأسى بها حسا ومعنّى واستمسك به في صور الصالحين وسلوكهم لقد جاهد واختلى وذكر وصلى على رسول الله وصام وصلى واستمر على ذلك مواصلا ليله بنهاره حتى استوت سفينته على الجودى فقال الحمد لله رب العالمين ثم انبسط في الخلق هادياً ومرشداً وفي المريدين مهذباً ومعلماً وقائداً إلى الله سبحانه
لقد جاهد في الحياة هادياً إلى الله فكان كوكباً تألق في سماء الروح وانعكس ضوءه على أتباعه ومريديه
إنه باق بروحه في هؤلاء الدعاة إلى الله الذين يجمعهم كل يوم مسجد القاضي بشبلنجة هذا المسجد الرائع الذى وضع الشيخ رسمه فاشترى أرضه وتم المسجد بعد وفاته وبقى أثراً من آثاره ونرجو من الله التوفيق فيما نكتبه عن إمامنا الشاذلي
وعن تابعيه
ولقد اقتصرنا في أحزاب الشاذلي - معتمدين - على ما أورده ابن الصباغ في درة الأسرار وما أورده ابن عطاء الله فى لطائف المنن بيد أن بعض إخواننا طلب في إلحاح أن نضع ضمن الأحزاب حزب اللطف على الأقل والواقع أن هذا الحزب الجليل يدل بأسلوبه وبروحه على
أنه
للإمام الجليل
To wwwal-mostafacom
١٤
ومن أجل ذلك ودون أن نخل بما التزمناه عمداً - فإننا نلبي في سرور رغبات الأصدقاء وسيجد القراء حزب اللطف باعتباره من أوراد الشيخ القاضي
ونعتذر إلى الأصدقاء إذ فعلنا ذلك رعاية لما التزمناه
وسيجد القراء مجموعة من نصائح الإمام الشاذلى نوردها بعد أحزابه وهذه الوصايا ذكرها الكمال الدميرى عند الكلام على الإنسان وقد نقلناها عن الكتاب المبارك المختصر في معانى أسماء الله الحسنى للأستاذ محمود سامي بك الذي قال عنها إنها جمعت خيرى الدنيا والآخرة ونحن لا نعتقد أن هذه الوصايا قد ألفها الإمام الشاذلي مجموعة مرتبة على وضعها في الكتاب بل قد جمعها - فيما نرى - أحد أتباع الإمام من دوره المتناثرة هنا وهناك أو جمعها الكمال الدميرى نفسه وهى على كل حال من نفيس كلام أبي الحسن والله نسأل أن يهدينا جميعاً سواء السبيل وأن ينفع بهذا الكتاب كما نفع بأبي الحسن وأن يهدى له ويهدى به إنه قريب مجيب وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم
الدين
عبد الحليم محمود
الفصل الأول
العارف بالله أبو الحسن الشاذلي
۱ - حياته
يقول الشيخ أبو العباس رضي الله عنه كنت مع الشيخ أبي الحسن بالقيروان وكان شهر رمضان وكانت ليلة جمعة وكانت ليلة سبع وعشرين فذهب الشيخ إلى الجامع وذهبت معه فلما دخل الجامع وأحرم رأيت الأولياء يتساقطون عليه كما يتساقط الذباب على العسل فلما أصبحنا وخرجنا من الجامع قال الشيخ
ما كانت البارحة إلا ليلة عظيمة وكانت ليلة القدر ورأيت الرسول الا وهو
يقول يا على طهر ثيابك من الدنس
قلت يا رسول الله وما ثيابي
"
تحظ بعدد الله في كل نفس
قال اعلم أن الله قد خلع عليك خمس خلع خلعة المحبة وخلعة المعرفة
وخلعة التوحيد وخلعة الإيمان وخلعة الإسلام
فمن أحب الله هان عليه كل شيء ومن عرف الله صغر لديه كل شيء ومن وحد الله لم يشرك به شيئاً ومن آمن بالله أمن من كل شيء
۱۵
ومن أسلم لله قل ما يعصيه وإن عصاه اعتذر إليه وإن اعتذر إليه قبل عذره ففهمت حينئذ معنى قوله عز وجل وَثِيَابَكَ فَطَهُرْ ۱ ويقول ابن عطاء الله عن أبي الحسن الشاذلي
ووسع
لم يختلف في قطبانيته ذو قلب مستنير ولا عارف بصير
6
جاء في هذا الطريق بالعجب العجاب وشرع في علم الحقيقة الأطناب للسالكين الرحاب حتى لقد سمعت الشيخ الإمام مفتى الإسلام تقى الدين محمد بن على القشيري رحمه الله يقول ما رأيت أعرف بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه اهـ
وإذا كان هذا هو رأى مفتى الإسلام تقى الدين القشيري فإن الشيخ مكين الدين الأسمر يقول
مكثت أربعين سنة يشكل على الأمر فى طريق القوم فلا أجد من يتكلم عليه
•
ويزيل عنى إشكاله حتى ورد الشيخ أبو الحسن فأزال كل شيء أشكل على ولما قدم بعض الدالين على الله إلى الإسكندرية والتقى به الشيخ مكين الدين الأسمر قال و هذا الرجل يدعو الناس إلى باب الله وكان الشيخ أبو الحسن يدخلهم على الله
على أن الشهادة التي يقدرها حق قدرها أهل الباطن وأهل الظاهر وأهل الحقيقة وأهل الشريعة إنما هى شهادة شيخ الإسلام العز بن عبد السلام يقول ابن عطاء الله في لطائف المنن
أخبرني الشيخ العارف مكين الدين الأسمر رضي الله عنه قال
۱ لطائف المنن لابن عطاء الله ص ٤٨ الطبعة التونسية ٢ لطائف المتن لابن عطاء الله ص ٥٨ الطبعة التونسية
حضرت بالمنصورة في خيمة فيها الشيخ الإمام مفتى الأنام عز الدين بن
ماء
عبد السلام والشيخ مجد الدين بن تقى الدين على بن وهب القشيرى المدرس والشيخ محيي الدين بن سراقة والشيخ مجد الدين الإخميمي والشيخ أبو الحسن الشاذلى رضي الله عنهم ورسالة القشيرى تقرأ عليهم وهم يتكلمون والشيخ أبو الحسن صامت إلى أن فرغ كلامهم فقالوا
یا سیدی نرید أن نسمع منك فقال أنتم سادات الوقت وكبراؤه وقد تكلمتم فقالوا لابد أن نسمع منك قال فسكت الشيخ ساعة ثم تكلم بالأسرار العجيبة والعلوم الجليلة فقام الشيخ عز الدين وخرج من صدر الخيمة وفارق موضعه وقال اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله اهـ
إن كلام أبي الحسن قريب العهد من الله على حد تعبير العز بن عبد السلام أى أن كلامه إلهام من الله إنه ليس علماً مكتسباً من الكتب إنه ليس تقليداً ولا توليداً إنه ليس نتيجة دراسة وبحث - وإن كان الشيخ قد أطال الدرس والبحث – وليس ثمرة كتب ومنطق - وإن كان الشيخ قد أطال النظر في الكتب وأنعم الروية فيها وإنما هو إلهام وبصيرة ونور من الله سبحانه
فهو هالك
ومن بلوغه هذه المنزلة أو بسبب بلوغه هذه المنزلة كان يقول من لم يزدد بعلمه وعمله افتقاراً إلى ربه وتواضعاً لخلقه ويقول لا تركن إلى علم ولا مدد وكن بالله ليصدقك الناس وانشر علمك ليصدقك الله تعالى
واحذر أن
تنشر
علمك
ولعلنا بعد هذا نريد أن نعرف شيئاً عن هذا الذي يقول عنه العز بن
عبد السلام إن كلامه قريب العهد من
الله
إنه على عبد
الله
بن عبد الجبار
وينتهي نسبه إلى سيدنا الحسن بن على بن أبي
طالب
ولد ببلاد المغرب سنة ٣٩٥ هـ بقرية تسمى غمارة ۳ وأخذ يدرس بها العلوم الدينية وسائل وغايات وبرع فيها براعة كبيرة يقول ابن عطاء الله السكندرى عنه
إنه لم يدخل طريق القوم حتى كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة بيد أن هذه العلوم الظاهرة مهما بلغت بها الدقة ومها بلغ بها العمق لا تفضى بالنفوس الطموحة إلى الكف عن التطلع نحو عالم الغيب واستشراف آلائه وأنواره كيف يصل الإنسان إلى عالم الغيب كيف ينغمس الإنسان في أضوائه كيف ينعم بجماله ويشعر بالروعة في محيط جلاله إن النفوس الطموحة كلما ازدادت علماً ازدادت شعوراً بالنقص والكمال
لله وحده ولقد أمر رسول الله الله أن يقول رَبِّ زِدْنِي عِلْما وشعر أبو الحسن بالرغبة الملحة فى القرب من الله وفى أن يستضيء قلبه بنور المعرفة وفى أن يكشف الله له الحجب
كيف يروى هذه الرغبة كيف يسير فى الطريق من أين يبدأ من أين يبدأ
لقد
رسم الأول الطريق إن البدء البدء الميسر السهل البدء الذي يأمن
الإنسان عواقبه إنما يكون طريقه خبير سبر الطرق ومحص السبل وكشف عن المزالق والأخطار واستنار قلبه بالطريق القاصد إلى الله
۳ بلدة مغربية قريبة من مدينة سبتة
۱۹
أين يجد هذا الشيخ ما السبيل إليه
إن بغداد منذ عهد العباسيين كانت دائماً محط أنظار طلاب الدنيا
وطلاب الدين لقد كانت تضم كبار الفقهاء وأعلام المحدثين والقمم العوالى من الصوفية كما تضم كبار الساسة والقادة كان ذلك فى عهدها الزاهر فهل يا ترى هي كذلك في القرن السابع الهجرى وإذا لم يكن لها كل البريق المادى الأول فهل بها على الأقل من الصوفية من
يرسم
الطريق عن خبرة ومن يسلك بالمريد السبل دون أخطاء
وتحمل الرغبة الملحة أبا الحسن على السفر إنها هجرة إلى الله إنها هجرة
النفس الطلعة الشفافة
وهى هجرة يسير بها الأمل ويتخللها الإشفاق وتصاحبها في كل الأوقات أسئلة لا جواب لها هل سيجد الشيخ وكيف يكون وهل سيتقبله الشيخ بقبول حسن وبم سينصحه وإذا لم يجده في بغداد فأين يجده وانتهى به المطاف إلى بغداد والتقى بالأولياء وكان قمتهم في نظره هو أبو الفتح الواسطى يقول أبو الحسن لما دخلت العراق اجتمعت بالشيخ الصالح أبى الفتح الواسطى فما رأيت بالعراق مثله ولكن همة أبى الحسن كانت تسمو إلى البحث عن القطب ذاته إنه كان يريد أن يكون قائده هو القطب نفسه أين يجد القطب ها هو ذا بالعراق وها هم أولاء الصالحون وأولياء الله يتردد عليهم كل يوم وها هو ذا يرى النور على وجوههم والصلاح يرتسم على سيماهم ولكنه لم
۰
يجد القطب وهو مطلوبه وذات يوم
وذات
قال له أحد الأولياء يوم
إنك تبحث عن القطب بالعراق مع أن القطب ببلادك ارجع إلى بلادك
تجده 4
وعاد أبو الحسن من حيث أتى عاد يحدوه الأمل ويغمره الرجاء لقد صدق الولى الذي أنبأه بأن القطب في بلاده وبأنه سيجده عند عودته
وعاد
بسرع
الخطأ ويستحث الوصول
ها هو ذا بغماره من جديد يسأل عن القطب المقبل والمدير والراحل والمقيم
أقول أكاد اليوم أن أبلغ المدى فيبعد
عنى
بنعم
أ سائلكم عنها فهل من شخير
فمالی
أكاد ما أقول مذ نأت دارها علم
فلو كنت أدرى أين خيم اذن لسلكنا مسلك الريح خلفها ولو أصبحت نعم ومن دونها النجم
أهلها وأي بلاد الله - إذ ظعنوا - أموا
وذات يوم يقول أبو الحسن
لما قدمت عليه وهو ساكن بمغارة فى رأس جبل اغتسلت في عين بأسفل
ذلك الجبل وخرجت عن علمى وعملى وطلعت إليه فقيراً وإذا به هابط إلى وعليه مرقعة وعلى رأسه قلنسوة من خوص فقال لى مرحباً بعلى بن عبد الله بن عبد الجبار وذكر نسبى إلى رسول الله الله
قال لى
يا على طلعت إلينا فقيراً من علمك وعملك فأخذت منا غنى الدنيا والآخرة
تم
٤ درة الأسرار ص ٢٣
فأخذني منه الدهش فأقمت عنده أياماً إلى أن الله على بصيرتي
من هو ذلك العارف بالله
من هو هذا القطب
لابد من قبسات خاطفة من أنواره وغمسة خفيفة في لألائه
إنه الولى الكبير سيدنا عبد السلام بن مشيش يقول عنه صاحب الدرر
البهية هو القطب الأكبر والعلم الأشهر والطود الأظهر العالى السنام
وهو البدر الطالع الواضح البرهان الغنى عن التعريف والبيان المشتهر في الدنيا قدره والذى لا يختلف في غوثيته اثنان وطريقه ترياق شاف الأدواء العباد وذكره رحمة نازلة فى كل ناد
سرى سره فى الآفاق وسارت بمناقبه الركبان والرفاق قضى عمره في العبادة وقصده للانتفاع به أهل السعادة وكان رضي الله عنه فى العلم فى الغاية وفي الزهد في النهاية الله له الشرفين الطينى والدينى وأحرز الفضل المحقق اليقيني اهـ ولقد كان مقام ابن مشيش فى المغرب كمقام الشافعي بمصر على حد تعبير
عاملاً
جمع
ابن عياد في المفاخر العلية كان ابن مشيش متمسكاً بالكتاب والسنة بهما ملتزماً لها وهو القائل أفضل الأعمال أربعة بعد أربعة المحبة لله والرضا بقضاء الله والزهد فى الدنيا والتوكل على الله هذه أربعة
وأما الأربعة الأخرى فالقيام بفرائض الله والاجتناب لمحارم الله والصبر
عما لا يعنى والورع من كل شيء يلهي
0
٥ عن كتاب أبو الحسن الشاذلى للأستاذ على سالم عمار
وليتأمل القارئ في مدى انغماس سيدنا ابن مشيش فى النور وما وصل إليه من الفضل الإلهى وذلك فيما يأتى من مرويات الإمام الشعراني يقول أبو الحسن الشاذلي أوصاني أستاذى رحمه الله تعالى فقال
L
حدد بصر الإيمان تجد الله في كل شيء وعند كل شيء ومع كل شيء وفوق كل شيء وقريباً من كل شيء ومحيطاً بكل شيء بقرب هو وصفه وبإحاطة هي نعته وعد عن الظرفية والحدود وعن
الأماكن والجهات وعن الصحبة والقرب بالمسافات وعن الدور بالمخلوقات وامحق الكل بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن كان الله ولا شيء معه ا هـ
أما صاحب لطائف المنن فإنه يروى عنه حديثاً جميلاً عن المحبة حديثاً يشعرك بأن المتحدث قد جال فى ميدان المحبة جولة صادقة وسار في طرقاتها سيراً موفقا ورتع في رياضها وشرب من حياضها فأطال الشرب يقول صاحب
اللطائف
وقال الشيخ القطب عبد السلام بن مشيش شيخ الشيخ أبي الحسن رضي الله عنهما الزم الطهارة من الشرك كلما أحدثت تطهرت من دنس حب الدنيا وكلما ملت إلى الشهوة أصلحت بالتوبة ما أفسدت بالهوى أو كدت
وعليك بمحبة الله على التوقير والنزاهة وأدمن الشرب بكأسها مع السكر والصحو كلما أفقت أو تيقظت شربت حتى يكون سكرك وصحوك به وحتى تغيب بجماله عن المحبة وعن الشراب والشرب والكأس بما يبدو لك من نور جماله وقدس كمال جلاله ولعلى أحدث من لا يعرف المحبة ولا الشراب ولا الشرب ولا الكأس
ولا السكر ولا الصحو
·
قال له القائل
أجل وكم من غريق في شيء لا يعرف بغرقه فعرفني ونبينى عما أجهل أو لما من با به على وأنا عنه غافل
قلت لك نعم المحبة آخذة من الله تعالى قلب من أحب بما يكشف من نور جماله وقدس كمال جلاله
"
وشراب المحبة مزج الأوصاف بالأوصاف والأخلاق بالأخلاق والأنوار بالأنوار والأسماء بالأسماء والنعوت بالنعوت والأفعال بالأفعال
النظر لمن شاء الله عز وجل
ويتسع فيه
والشرب سقى القلوب والأوصال والعروق من هذا الشراب حتى يسكر
ويكون الشرب بالتدريب بعد التذويب والتهذيب فيسقى كل على قدره
فمنهم من يسقى بغير واسطة والله سبحانه يتولى ذلك منه له
ومنهم من يسقى من جهة الوسائط كالملائكة والعلماء والأكابر من المقربين فمنهم من يسكر بشهود الكأس ولم يذق بعد شيئاً فما ظنك بعد بالذوق وبعد بالشرب وبعد بالرى وبعد بالسكر بالمشروب الصحو بعد ذلك على مقادير شتى كما أن السكر أيضاً كذلك
والكأس مغرفة الحق يغرف بها من ذلك الشراب الطهور المحض الصافي لمن
شاء من عباده المخصوصين من خلقه
فتارة يشهد الشارب تلك الكأس صورة وتارة يشهدها معنوية وتارة
يشهدها علمية
فالصورة حظ الأبدان والأنفس
والمعنوية حظ القلوب والعقول
والعلمية حظ الأرواح والأسرار
٢٤
فياله من شراب ! ما أعذبه ! فطوبى لمن شرب منه وداوم عليه ولم يقطع عنه نسأل الله من فضله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وقد يجتمع جماعة من المحبين فيسقون من كأس واحدة
وقد يسقون من كئوس كثيرة وقد يسقى الواحد بكأس وكئوس وقد تختلف الأشربة بحسب عدد الكئوس وقد يختلف الشرب من كأس واحدة وإن شرب منه الجم الغفير من الأحبة 1 ويروى الشيخ أبو الحسن مايلي دخل رجل على أستاذي فقال له وظف لى وظائف وأوراداً فغضب الشيخ أرسول أنا أوجب الواجبات الفرائض معلومة والمعاصي مشهورة فكن للفرائض حافظاً وللمعاصي
منه وقال له
وإيثار
رافضاً واحفظ قلبك من إرادة الدنيا وحب النساء وحب الجاه الشهوات واقنع من ذلك كله بما قسم الله لك إذا خرج لك مخرج الرضا فكن عنه السخط فكن
لك مخرج
لله فيه شاكراً وإذا خرج صابراً وحب الله قطب تدور عليه الخيرات وأصل جامع لأنوار الكرامات ومصدر ذلك كله أربعة
صدق الورع وحسن النية وإخلاص العمل ومحبة العلم ولا تتم لك هذه الجملة إلا بصحبة أخ صالح أو شيخ ناصح اهـ ولقد بهر ابن مشيش أبا الحسن الشاذلي بهره بعلمه المشيد على الكتاب والسنة وبهره بولايته وكراماته يقول أبو الحسن كما يروى صاحب كتاب درة
الأسرار
٦ لطائف المنن ص ٣٤ ٣٥
وفى
ورأيت له خرق عادات كثيرة فمنها أننى كنت يوماً جالساً بين يديه حجره ابن له صغير يلاعبه فخطر ببالى أن أسأله عن اسم الله الأعظم قال فقام إلى الولد ورمى بيده في طوقي وهزنى وقال
يا أبا الحسن أنت أردت أن تسأل الشيخ عن اسم الله الأعظم ليس الشأن أن تسأل عن اسم الله الأعظم إنما الشأن أن تكون أنت هو اسم الله الأعظم
یعنی
أن الله
سر
في قلبك مودع
قال فتبسم الشيخ وقال لى جاوبك فلان عنى اهـ ورسم ابن مشيش حياة أبي الحسن فيما يستقبله من أيام وذلك أنه حينما انتهت مدة إقامة أبي الحسن قال له
يا على ارتحل إلى إفريقية واسكن بها بلداً تسمى شاذلة فإن الله عز وجل يسميك الشاذلي وبعد ذلك تنتقل إلى مدينة تونس ويؤتى عليك بها من قبل السلطنة
وبعد ذلك تنتقل إلى أرض المشرق وبها ترث القطابة
إن هذا المنهج الذي رسمه ابن مشيش وهو ينظر إلى الغيب بنور الله قد تحقق الآن خطوة خطوة
حرفيا وسنسير معه
ولا ننسى قبل أن نصاحب أبا الحسن إلى شاذلة أن نذكر أنه لما حان موعد
الفراق خاطب أبو الحسن شيخه قائلا ياسيدى أوصني فقال له يا على
6
الله الله والناس الناس نزه لسانك عن ذكرهم وقلبك عن التمايل من قبلهم
وعليك بحفظ الجوارح وأداء الفرائض وقد تمت ولاية الله عندك
ولا تذكرهم إلا بواجب حق الله عليك وقد تم ورعك وقل اللهم أرحنى من ذكرهم ومن العوارض من قبلهم ونجنى من
٢٦
شرهم
C
واغنني بخيرك عن خيرهم وتولنى بالخصوصية من بينهم إنك على كل
شيء قدير
وودع الشيخ شيخه وسار وقد وضح أمامه الطريق
إن سيره الآن ليس كسيره إلى العراق إنه الآن يسير على هدى من أمره وإذا كان شيخه قد أنذره بابتلاء له فى تونس فإنه بشره بالعاقبة الحميدة في أرض المشرق أما الفترة التي يقضيها بشاذلة فإنها فيما يبدو فترة صقل لابد منه إنها فترة عبادة ونسك على الخصوص وذلك أساس ضروري لكل من أراد البناء
الخالد
وما من شك في أن أبا الحسن وقد هيأ الله له سبل الهداية عابداً أو مهاجراً وسائحاً في سبيل الله كان منار هداية ومبعث نور أينما حل خصوصاً بعد أن هداه الله إلى ابن مشيش ولكنه لم يكن بعد قطباً فالقطابة سيرتها في أرض المشرق
ولقد كان الشيخ نفسه يشعر بحاجته إلى المجاهدة وذلك شيمة كل مخلص إن المخلصين وإمامهم رسول الله صلوات الله عليه وسلامه يشعرون مهما بلغوا أنهم في حاجة إلى مزيد من فضل الله
وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا
وطريق زيادة العلم بالنسبة لأولياء الله إنما هو الجهاد في الله
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
والله
ذلك منح ومواهب لا تتعلق بسبب ولا تترتب على علل ومن أجل ذلك فإنه بمجرد أن وصل شيخنا إلى شاذلة ورأى التفاف الناس ولقد كان بعضهم يترقب حضوره قبل مجيئه دون أن تكون هناك أخبار عن حضوره - وطن العزم على أن يكون في محيط شاذلة لا في المدينة نفسها
به -
فسافر إلى جبل زغوان وصحبه في رحلته هذه أبو محمد عبد الله بن الحبيبي من أهل شاذلة وكان رجلا تقياً صالحاً مكاشفاً
أما رحلة أبي الحسن إلى جبل زغوان فإن لها فائدتين
الأولى
سلامة
هي تفرغه للعبادة ولابد من هذا التفرغ مادام الإنسان لم يأته الإذن بعد بالدعوة لابد من التفرغ لاستكمال نقص أو للبعد عن الفتنة أو للتغلب على آثار هوى
ولابد من هذا التفرغ استجماماً روحياً وعلاجاً نفسياً وبعثاً لكوامن من
الفضائل ولابد من هذا التفرغ ليرقى فى مدارج السالكين وليحقق العروج في معارج القدس وليسرع الخطا متدرجاً في منازل الأرواح ولابد من هذا التفرغ فراراً إلى الله فَفروا إلى الله وَعَجِلْت إِلَيْكَ رَبِّ
لترضى
أما الفائدة الثانية من الذهاب إلى جبل زغوان فإنها منع اللاهين المتطفلين من الجلوس على مائدة الشيخ الروحية ذلك أنه لن يذهب إلى جبل زغوان لرؤية الشيخ إلا محب للمعرفة جاد في طلبها وما كان الشيخ على الجبل محجوبًا عمّن يريد لقاءه كلا ولكنه بذلك أتاح لنفسه الفرصة للتعبد وللمجاهدة وأخذ الشيخ يتعبد على هذا الجبل دهراً طويلاً يصحبه طيلة هذه المدة و الشيخ الصالح أبو محمد الحبيبي الولى المكاشف أول وهو من صحب الشيخ
A
بشاذلة وهو الذى روى من كرامات الشيخ فى هذه الفترة الشيء الكثير
۷ درة الأسرار
ويقول صاحب كتاب درة الأسرار
فما حكى عنه قال قرأ الشيخ يوماً على جبل زغوان سورة الأنعام إلى أن بلغ إلى قوله تعالى وَإِنْ تَعدل كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أصابه حال عظيم وجعل يكررها ويتحرك فكلما مال إلى جهة مال الجبل نحوها حتى سكن الجبل
ولقد كان أبو محمد الحبيبي يتحدث عن كرامات الشيخ في هذه الفترة فإذا ماسكت سأله الناس واستزادوه
وما كانت حياتهما على الجبل إلا على نباتات الأرض وأعشابها حتى أنه لقد كانت أشداق أبي محمد الحبيبي تتقرح أحياناً فيشفق عليه أبو الحسن وينزل معه إلى شاذلة ليجد الغذاء الذي لا يضر به
وإن حياة جهاد في الله كهذه لابد لها من ثمارها من الكرامات ومن شفافية ومن القرب من الله ومن رضوانه سبحانه
النفس
وليس بغريب إذن أن نعرف أن الله سبحانه أتبع لهما عيناً تجرى بماء عذب وإن كانت الملائكة - يراها الحبيبي - تحف بأبي الحسن بعضها يسأله فيجيبه وبعضها يسير معه
وليس بغريب أن تأتى أرواح الأولياء زرافات ووحدانا - يراها الحبيبي أيضاً - تحف بأبي الحسن وتتبرك به
وما كان الحبيبي واهماً في ذلك وما كان ما يراه سراباً لا حقيقة له ولا هماً تجسد أو خيالا تبلور كلا فإن الله سبحانه وتعالى يقول إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبَّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلَ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وفي الآخرة
إن الملائكة تتنزل على كل إنسان في هذه الحياة الدنيا بشرطين
1 - الإيمان
- الاستقامة ۸
ويقول الإمام الغزالي عن خبرة وتجربة عما يشاهده المريد الصادق في أول
طريقه إلى الله ومن أول الطريق تبتدئ المكاشفات والمشاهدات حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم
فوائد
ثم يترقى الحال إلى
4
من
وانتهت المدة التي قدر الله أن يقضيها الشيخ بشاذلة وما كانت هذه المدة إلا فترة استعداد وتدريب وصقل روحى فلما تم ذلك كان لا مناص من الانتقال الاستعداد إلى العمل وأمر الشيخ بأن ينبسط في الأفق بعد أن ارتفع إلى السماء وإن حياة الأولياء الكمل لتسير على هذا النسق ارتفاع إلى الله أولا ثم هجرة إلى الله وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرُ إِلَى رَبِّي ذهاب إليه سبحانه وَقَالَ إِنِّى ذَاهِب إلَى رَبِّي فرار إليه تعالى فَفِرُّوا إلى الله إنها فرار إلى الله بالتعبد والنسك بالصلاة والصيام بالقراءة والتسبيح حتى يخلو القلب عما سوى الله ويمتلئ بالله إنها فترة الغار والتحنث حتى إذا امتلأ القلب بالله وتطهرت النفس من الرجس أجمع ورمت الشيطان بالجمرات فأصبحت خيراً بحثاً ونوراً يستضاء
به كانت المرحلة الثانية مرحلة الرجوع إلى عبادة الله للهداية والإرشاد فيؤمر
۸ درة الاسرار ص ۸
۹ المنقذ من الضلال ص ۱۹ الطبعة الخامسة دار الكتب الحديثة
الولى أن يترك الخلوة والعزلة وينزل إلى الميدان مؤيداً من الله يدعو إليه على
بصيرة ويرشد مأذوناً مأموراً
ويحكى أبو الحسن كيفية نزوله من جبل زغوان ومغادرة العزلة فيقول قيل لى يا على اهبط إلى الناس ينتفعوا بك
فقلت يارب أقلنى من الناس فلا طاقة لى بمخالطتهم فقيل لي انزل فقد أصحبناك السلامة ودفعنا عنك الملامة فقلت تكلني إلى الناس آكل من دريهماتهم فقيل لي أنفق ياعلى وأنا الملى إن شئت من الجيب وإن شئت من
الغيب
ونزل الشاذلى رضى الله عنه من على الجبل ليغادر شاذلة ويستقبل مرحلة جديدة فقد انتهت المرحلة الأولى التي رسمها له شيخه
وقبل
نغادر معه شاذلة إلى رحلته الجديدة تذكر ما حكاه رضی
يتعلق بنسبته إلى شاذلة قال
قلت يارب لم سميتنى بالشاذلي ولست بشاذلي فقيل لى ياعلى ما سميتك بالشاذلي وإنما أنت الشاذلي المعجمة يعنى المفرد لخدمتي ومحبتي
الله عنه
بتشديد الذال
سافر الشيخ من شاذلة إلى تونس موطّناً النفس على تحمل الابتلاء الذي سيصادفه فى تونس والذي أخبره به شيخه بقوله
ويؤتى عليك بها من قبل السلطنة
وما كان الشيخ يجهل مدينة تونس فقد ذهب إليها من قبل ومكث فيها وهاله ما كان بها من فقر ومسغبة وحاول ما استطاع أن يخفف من لوعات الجوع
لدى الجياع وتقول الروايات إنه قابل بها الخضر عليه السلام وأن الخضر
أنقذه فيها من
مأزق كان فيه بسبب أريحيته وكرمه
لقد ذهب إلى تونس من قبل غير موجه ذهب كما يذهب الناس ولكنه الآن ذاهب بالأمر ثم هو ذاهب الآن للدعوة وقد أذن بها فقد سمع النداء
يا على اهبط إلى الناس ينتفعوا بك
ومن المعلوم - فى الأعراف الدينية - أن الدعاة على قسمين
۱ - دعاة إلى الله قد أذن الله لهم في نطاق الإذن العام أو الواجب العام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهؤلاء يتفاوت تأثيرهم بتفاوتهم في صفاء النفس وفى طلاقة اللسان وفى العلم بالكتاب الكريم والسنة الشريفة وبعضهم لا تأثير له قط لأنه لم تصف نفسه أو لأن به لكنة أو لجهله الكتاب والسنة أو لغير ذلك من الأسباب
هم
لم
- والقسم الثانى من الدعاة الذين يدعون على بصيرة وهم الذين قد أذنوا بإذن خاص وأمروا بأمر خاص إنهم هؤلاء الذين سمعوا النداء وهم يسمعوا النداء مصادفة واتفاقاً كلا إنهم جاهدوا أنفسهم حتى أطاعت وغذوا قلوبهم بالطاعات حتى استنارت وأصبح سرهم مع الله فأضحوا من أوليائه وهم ينتظرون الإذن في كل شيء من الأمور حتى المباح منها فضلا عن الإذن الخاص بالدعوة يقول أبو الحسن مفسراً معنى الإذن فى المباح ومعنى الإذن في حق الولى نور ينبسط على القلب يخلقه الله فيه وعليه فيمتد ذلك النور على الشيء الذي يريد
فيدركه نور مع نور
أو ظلمة تحت نور
L
فذلك النور ينبئك أن تأخذ إن شئت أو تترك أو تقبل أو تدبر أو تعطى أو تمنع أو تقوم أو تجلس أو تسافر أو تقيم
هذا باب المباح المأذون فيه بالتخيير
فإذا قارنه القول تأكد الفعل المباح بمراد الله تعالى
فإن قارنته نية صحيحة لفعل برز عن حكم المباح وعاد مندوباً وإن ظهرت الظلمة تحت النور الممتد من القلب فلا يخلو أن يلوح عليها لائح
القبض بانقباض القلب فاحذر ذلك وتجنبه فإنه المحذور أو يكاد ولا تقطع ذلك إلا ببينة من كتاب الله عز وجل أو سنة أو إجماع فإن تلك الظلمة شبه غيم لا ينصدع القلب ولا يتفرغ به الذهن متباعد عنه فإنه يكاد يكون مكروهاً
معه
ولا تحكم بعقلك ورأيك فقد ضل من هنا خلق كثير اهـ وأصحاب هذا النور يدعون إلى الله بكيانهم كله إن صمتهم دعوة إلى الله وإن سيرهم دعوة إلى الله وإن جلوسهم دعوة إلى الله وإن عملهم دعوة إلى الله وإن حديثهم دعوة إلى الله
ويستجيب لهم الناس سراعاً بمقدار ما في قلوبهم من خير وما في أفئدتهم من إيمان وينأى عنهم من ليس له فى الخير نصيب ويحاربهم من حقت عليه كلمة
العذاب
لقد أمر أبو الحسن بالدعوة ومجرد أن دخل تونس التف حوله مباشرة
جماعة من الفضلاء منهم الشيخ أبو الحسن على بن مخلوف الصقلي وأبو عبد الله
الصابوني وأبو محمد عبد العزيز الزيتونى وأبو عبد الله البجالي الخياط وأبو عبد الله الجارحي
L
كلهم أصحاب كرامات على حد تعبير صاحب درة الأسرار وكان من بينهم الشيخ الصالح أبو العزائم ماضى تلميذ الشيخ وخادمه
۳۳
ثم كثر المريدون وأخذوا يزدادون يوماً عن يوم إلى أن اجتمع عليه خلق
كثيره ثم
ثم بدأت الغيرة تدب في قلب ابن البراء قاضي القضاة وكلما ازداد إقبال الناس على أبي الحسن اشتدت الغيرة في قلب هذا الرجل إلى أن أصبحت تنهشه نهشاً فضعف أمامها وأعلن الحرب على أبي الحسن
التي
كان ابن البراء فقيهاً وكان إذ ذاك قاضي الجماعة كان يعد نفسه الزعيم غير منازع وكان منصبه الرسمى يعلن أنه الزعيم الديني الأكبر وكان ينعم بهذه الزعامة أتته عن طريق الدين والتي كانت في حقيقة الأمر زعامة أشبه بالدنيوية منها بالدينية وكان ابن البراء يتخيل أو يتوهم أن له شعبية مع ماله من منصب رسمى فلما رأى التفاف الناس بأبي الحسن صوَّر له خياله أن الشاذلي انتزع منه الزعامة الشعبية ولما كان الشاذلى من العلماء فى الفقه والتفسير والحديث ولما كان يفتى ويشرح ويفسر فقد خيل إلى ابن البراء أن ليس هناك ما يمنع من ناحية الشخصية أو من ناحية العلم من أن يتولى أبو الحسن منصب قاضي الجماعة وما المانع
وما الذي يحول دون ذلك
وأخذ الوسواس مأخذه وسولت النفس الأمارة بالسوء ماسولت فأعلن ابن البراء الحرب على أبي الحسن ولم تتخذ الحرب سبيلا شريفاً فإن ابن البراء حينما رأى أنه لا يمكنه القضاء أبي الحسن علميًّا أخذ يدس له عند السلطان لقد صور للسلطان أنه في طريقه أن يصبح زعيماً شعبياً خطيراً والأمر ليس إلا أمر زمن فكلما مر الزمن ازداد
على
إلى
تمكناً وشعبية !
إنه يدعى الشرف وقد اجتمع عليه خلق كثير ويدعى
ويشوش عليك بلادك ومعنى هذا أن الملك في خطر
أنه الفاطمي
عمل
وهذه الفكرة الملك فى خطر تفعل فعل السحر في نفوس الملوك إنها تقيمهم وتقعدهم وتجعلهم لا يتورعون عن أي بيد أن أبا زكرياء وهو السلطان إذ ذاك لم يرد أن يتعجل وأراد أن يرى قبل أن يحكم وينفذ يقول صاحب درة الأسرار وكان إذ ذاك السلطان أبو زكرياء رحمه الله مجمع ابن البراء جماعة من الفقهاء فى القصبة وجلس السلطان خلف وحضر الشيخ رضى الله عنه
حجاب
وسألوه عن نسبه مراراً والشيخ يجيبهم عنه والسلطان يسمع وتحدثوا معه في كل العلوم فأفاض عليهم بعلوم أسكتهم بها من العلوم الموهوبة وما استطاعوا أن يجاوبوه عليها والشيخ يتكلم معهم في العلوم المكتسبة ويشاركهم فيها
لقد
سمع السلطان الشيخ يتكلم لقد سمع هذا النوع من الحديث الذي يقول فيه - فيما بعد - إمام المسلمين فى مصر العز بن عبد السلام ناصحاً المستمعين والمريدين اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله
لقد
سمع السلطان هذا الكلام القريب العهد من الله فأعجبه وراعه ورأى السلطان شيخاً مهيباً وإن كان مازال فى سن الفتوة ورأى السلطان نضجاً في العلم ونضجاً في التفكير وروحانية في الحديث وشفافية في البصيرة فقال لابن البراء هذا الرجل من أكابر الأولياء ومالك به طاقة
ولوح ابن البراء مرة أخرى بالملك وأنه في خطر
وأنه يعاديه لحبه للملك
ولإخلاصه له والحرضه على بقاء العرش وقال للسلطان
والله لأن خرج الشيخ فى هذه الساعة ليدخلن عليك أهل تونس ويخرجونك
من بين أظهرهم فإنهم مجتمعون على بابك
۳۵
وأثر تلويح ابن البراء أو تصريحه تأثيره في نفس السلطان فأذن للفقهاء بالخروج وأمر الشيخ بالجلوس والبقاء وجلس الشيخ هادئاً ساكن النفس مطمئن القلب وطلب ماء وسجادة فتوضأ وأخذ في الصلاة وهم أن يدعو على السلطان فنودي في سره إن الله لا يرضى لك أن تدعو بالجزع من مخلوق
وبدل الدعاء ألهمه الله أن يقول ه يا من وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظها وهو العلى العظيم أسألك الإيمان بحفظك إيماناً يسكن به قلبي من هم الرزق وخوف الخلق واقرب منى بقدرتك قرباً تمحق به عنى كل حجاب محقته عن إبراهيم خليلك فلم يحتج الجبريل رسولك ولا لسؤاله منك وحجبته بذلك من نار عدوك وكيف لا يحجب عن مضرة الأعداء من غيبته عن منفعة الأحباء كلا إني أسألك أن تغيبني بقربك منى حتى لا أرى ولا أحس بقرب شيء ولا يبعده عنى إنك على كل شيء قدير اهـ
هذه الكلمات الإلهامية دخلت فيما بعد في بعض أحزابه ها هو ذا الشيخ يصلى ويدعو ويلجأ إلى مولاه طالباً الرضا والقرب وأن يغيبه بالقرب في القرب وبينما هو مستغرق في دعائه وتبتله إذا بالمقادير ترتب الأمر على وضع غير متوقع هل في العالم مصادفات أيحدث فى الكون أمر من الأمور اتفاقاً واعتباطاً لقد كان عند السلطان فى ذاك الحين جارية عزيزة عليه أحبها فملكت عليه أقطاره وفى لحظات مرت سراعاً أصابها فتألمت واستغاثت ولم
جميع
وجع
تمهلها الأقدار فماتت من حينها وما من شك فى أن أجلها كان قد انتهى وأن
هذه اللحظة كانت مقدرة في الله علم
الأزل نعم لاريب في ذلك ولكنه من
٣٦
لا ريب أيضاً في أن المقادير رتبت هذا ساعة أن منع الشيخ من الخروج فجاء موتها وكأنه عقاب للسلطان على منعه الشيخ من الخروج أهى كرامة وماذا تكون الكرامة غير ترتيب مقادير أو تصرف مقادير أو تدبير مقادير إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ أترى للمصادفة دخل مع هذه الآية العامة لقد جاء أجل الجارية فماتت من حينها فأصيب من أجلها فغسلت في
بيت سكناه واشتغلوا بغسلها وتكفينها وأخرجوها للصلاة وأغفلوا مجمراً في البيت ١٠ لقد كان تدبيراً منذ الأزل أيضاً حدث في اللحظة التي قدرتها العناية الإلهية وكانت هذه اللحظة هى التي يجلس فيها الشيخ مصلياً متبتلا وكأنه – بحسب الظاهر - فى سجن وإن كان في قصر الملك
يقول صاحب درة الأسرار وأغفلوا مجمراً في البيت فالتهبت النار فلم يشعروا حتى احترق كل ما فى البيت من الفرش والثياب وغير ذلك من الذخائر فعلم السلطان أنه أصيب من قبل هذا الولى ١١ ا هـ وكان للسلطان أخ عاقل صالح متدين يجب أولياء الله ويسعى إليهم وكان يحب الشيخ ويتبرك به ويزوره مستر شداً ومستنصحاً وكان في هذا اليوم في
خارج المدينة يتفقد بساتينه ويتنزه فيها فبلغه خبر ما جرى في قصر السلطان من مناقشات ومن حوادث فحضر مسرعاً والتقى بأخيه وقال له ما هذا الأمر الذى أوقعك فيه ابن البراء أوقعك والله في الهلاك أنت وكل
من معك
۱۰ درة الأسرار ص ۳۰ ۱۱ درة الأسرار ص ۳۰
ولا نشوراً
ثم دخل على الشيخ وأخذ يعتذر إليه ويترضاه فأعلن الشيخ موقفه من مثل هذه الأمور وبين لأخى السلطان أن الكون وما فيه ومن فيه في قبضة الله الكبير المتعال وقال له والله ما يملك أخوك لنفسه نفعاً ولا ضرا ولا موتاً ولا حياة فكيف يملكها للغير كان ذلك في الكتاب مسطوراً وخرج الشيخ إلى داره فى اليوم نفسه واستمر كعادته في الإرشاد والنصح ولكن ابن البراء لم يكف عن الإيذاء فكان الشيخ يقابله دائماً بما جبله الله عليه من التسامح وكان يلقى عليه السلام إذا صادفه في مكان ما فلا يرد ابن البراء عليه السلام
والتدريس
وعزم الشيخ على الحج فأمر أصحابه بالنقلة إلى المشرق قبل موعد الحج بزمن طويل وذلك يمكث بمصر فترة من الزمن قبل الذهاب إلى الديار المقدسة وبدأ الركب يتحرك ونهضت تونس مودعة وكانت حركة وكان ضجيج وعلمت تونس كلها أن أبا الحسن راحل وعلم السلطان فيمن علم وظن أن أبا الحسن يريد الخروج نهائياً من تونس فوقع الرعب في قلبه وأسرع بتوجيه وفد يرجوه في العودة فقال الشيخ ماخرجت إلا بنية الحج إن شاء الله تعالى ولكن إذا قضى الله حاجتى أعود إن شاء الله
يقول صاحب درة الأسرار
فلما توجهنا إلى المشرق ودخلنا الإسكندرية عمل ابن البراء عقداً بالشهادة أن هذا الواصل إليكم شوش علينا بلادنا وكذلك يفعل في بلادكم فأمر السلطان أن يعتقل بالإسكندرية فأقمنا بها أياماً وكان السلطان رمى رمية على أشياخ فى البلاد يقال لهم القبائل فلما سمعوا
بالشيخ أتوا إليه يطلبونه في الدعاء فقال لهم غداً إن شاء الله نسافر إلى القاهرة ونتحدث
مع
السلطان فيكم
۳۸
بنا
قال فسافرنا وخرجنا من باب السدرة والجنادة فيه والوالى ولا يدخل أحد ولا يخرج حتى يفتش فما كلَّمَنَا أحد ولا فلما وصلنا إلى القاهرة أتينا القلعة فاستأذن على السلطان قال كيف وقد أمرنا
أن
يعتقل بالإسكندرية
علم
فأدخل على السلطان والقضاة والأمراء فجلس معهم ونحن ننظر إليه قال له
الملك ما تقول أيها الشيخ
فقال له جئت أشفع إليك في القبائل
فقال له اشفع في نفسك هذا عقد بالشهادة فيك وجهه ابن البراء من
تونس بعلامته فيه ثم ناوله إياه
فقال له الشيخ أنا وأنت والقبائل في قبضة الله
وقام الشيخ !
فلما مشى قدر العشرين خطوة حركوا السلطان فلم يتحرك ولم ينطق فبادروا إلى الشيخ وجعلوا يقبلون يديه ويرغبونه فى الرجوع إليه قال فرجع إليه وحركه بيده فتحرك ونزل عن سريره وجعل يستحله ويرغب منه في الدعاء
ثم كتب إلى الوالى بالإسكندرية أن يرفع الطلب عن القبائل ويرد جميع
ما أخذه
منهم
وأقمنا عنده في القلعة أياماً
واهتزت بنا الديار المصرية إلى طلعنا إلى الحج
ورجعنا إلى مدينة تونس ١٢
رجع الشيخ إلى مدينة تونس واستمر بها هادياً مرشداً داعياً إلى الله ورسوله ولكن ثورة ابن البراء لم تهدأ بل على العكس - زادت بنسبة زيادة أنوار
۱ درة الأسرار ص ۳۱ - ۳
۳۹
الشيخ وزيادة أتباعه وفى هذه الأثناء قدم إلى تونس الشيخ الولى أبو العباس
المرسى فلما اجتمع الشيخ
به
ورآه قال
ما ردنى لتونس إلا هذا الشاب هذا الشاب الذي لازمه فلم يفارقه منذ لقائه به إلى أن انتهت بالشيخ الحياة فكان الخليفة بعده واستمر الشيخ بتونس لا يبالى بمكائد ابن البراء وكان يعلم أن مقامه بتونس مؤقت بناء على ما ذكره له شيخه كما سبق ولكنه كان مقيماً ينتظر الإذن بالسفر وماكان له وقد حضر إلى تونس من الحج واستقر به المقام بها أن يسافر إلا بإذن وأتى له الإذن يقول رضى الله عنه رأيت النبي عله في المنام فقال لي يا على انتقل إلى الديار المصرية تربى فيها أربعين صديقاً أنه كان في زمن الصيف وشدة الحر فإنه أمر أصحابه بالاستعداد للسفر
وبرغم
0
فلما تم ذلك في سرعة سريعة سافر الشيخ إلى الديار المصرية
وصل الشيخ إلى الإسكندرية يقول صاحب درة الأسرار وكان مسكنه رضى الله عنه بالإسكندرية ببرج من أبراج السور حبسه السلطان عليه وعلى ذريته دخلته عام خمسة عشر وسبعمائة في أسفله ماجل كبير ومرابط للبهائم وفى الوسط منه مساكن للفقراء وجامع كبير وفي أعلاه أعلية لسكناه ولعياله وتزوج هنالك وولد له أولاد منهم الشيخ شهاب الدين أحمد وأبو الحسن على وأبو عبد الله محمد شرف الدين أدركته بدمنهور قاطناً بها ومن البنات زينب ولها أولاد رأيت وعريفة الخير أدركتها بالإسكندرية وما عرفت غير هؤلاء اهـ بعضهم نوع معيشته في الديار المصرية فإنه يصفها في إحدى رسائله إلى بعض
أما أصدقائه بتونس وهى رسالة طويلة يقول فيها رضوان الله عليه
۱۳
الله نتقلب
الكتاب إليكم من الثغر حرسه الله ونحن فى سوابغ نعم وهو بفضله وبوده إلينا يتحبب قد ألقى علينا وعلى أحبابنا كنفه وجعلنا عنده فما ألطفه ! ندعوه فيلبينا وبالعطاء قبل السؤال ينادينا فلله الحمد كثيراً كما ينبغي لوجهه الكريم وجلاله العظيم وأما الأهل والأولاد والأصهار والأحباب ففى سوابغ نعم الله يتقلبون وبإحسانه ظاهراً وباطناً مغمورون نسأل الله المزيد التام العام لكم ولهم أجمعين وأن ينوب عنا في شكره إنه أكرم الأكرمين ١٤ اهـ ولقد كانت إقامته بمصر مصداقاً لما نودى به حينما دخلها يقول رضى الله عنه لما قدمت الديار المصرية قيل لى يا على ذهبت أيام المحن وأقبلت أيام المنن عشر بعشر اقتداء بجدك
اه
ولقد كانت مصر حينئذ تعتز بمجموعة من أكرم العلماء وأفضلهم علماً وخلقاً وصلاحاً مجموعة وهبت نفسها الله وأسلمت قيادها له فأحاطها الله بعنايته
6
وتكفلها برعايته ووضع حبها في قلوب الناس ووضع مهابتها في أفئدتهم فكانت محبوبة مهيبة ولقد استقبلت هذه المجموعة أبا الحسن أجمل استقبال وأحسنه ورافقته
متتلمذة ومتآخية يقول صاحب المفاخر العلية نقلا عن ابن مغيزل إن الشيخ رضى الله عنه لما قدم من المغرب الأقصى إلى مصر صار يدعو الخلق إلى الله تعالى فتصاغر وخضع لدعوته أهل المشرق والمغرب قاطبة وكان يحضر مجلسه أكابر العلماء من أهل عصره مثل سيدى الشيخ عز الدين
۱۳ يعني الإسكندرية
١٤ درة الأسرار
٤١
ابن عبد السلام والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد والشيخ عبد العظيم المنذرى
وابن الصلاح وابن الحاجب والشيخ جمال الدين عصفور والشيخ نبيه الدين بن عوف وهؤلاء سلاطين علماء الدين شرقاً وغرباً في وأيضاً عصرهم الشيخ محيي الدين بن سراقة والعلم ياسين تلميذ ابن العربي رضى الله عنهم فكانوا يحضرون ميعاده بالمدرسة الكاملية بالقاهرة لازمين الأدب مصيخين له متلمذين بين يديه وأن الشيخ الإمام قاضى القضاء بدر الدين بن جماعة الولى بری أنه فى بركة الشيخ أبي الحسن في مصر وكان يفتخر
ابن الولى
رحمهم
الله كان
بصحبته وبحضور جنازته والصلاة عليه بحميثرة ١٥
ويأتى الشيخ من الحج فيقابله أمير العلماء العز بن عبد السلام في موضع يقال له البركة يبعد عن القاهرة بستة أميال
لقد كانت إقامته بمصر فترة استقرار مادى و معنوى وكانت فترة خصبة من حيث الدعوة ومن حيث تربية الرجال
الشهر
استمر الشيخ يدعو إلى الله بمصر إلى أن كان شهر شوال سنة ٦٥٦ هـ وفي هذا أخذ الشيخ في السفر إلى الأراضي المقدسة للحج فلما كان في حميثرة
بصحراء عيذاب وهى بين قنا والقصير جمع الشيخ أصحابه في إحدى وأوصاهم بأشياء وأوصاهم بحزب البحر وقال لهم
الأمسيات حفظوه لأولادكم فإن فيه اسم الله الأعظم
ثم خلا بأبي العباس المرسى رضى الله عنهما وحده وأوصاه بأشياء
واختصه بما خصه الله به من البركات
١٥ المفاخر العلية ص ١٥
٤٢
ثم وجه الحديث لأصحابه قائلا
ه إذا أنا مت فعليكم بأبي العباس المرسى فإنه الخليفة من بعدى وسيكون له بينكم مقام عظيم وهو باب من أبواب الله سبحانه وتعالى وبات تلك الليلة متوجهاً إلى الله تعالى ذاكراً يسمعه أصحابه وهو يقول إلهى إلهى
فلما كان السحر سكن فظننا أنه نام فحركناه فوجدناه ميتا ١٦
وجاء الشيخ أبو العباس فغسله وصلى الجميع عليه ودفن حيث توفاه الله وقد كان للشيخ أولاد ذكور فلم يفكر في أن يستخلف أحدهم وإنما استخلف من رآه أحق بالخلافة ونرجو أن يعتبر به رجال الطرق في العصر الراهن فلا يجعلوا الطريقة مورد رزق تورث كما يورث العقار ورحم الله أبا الحسن وطيب الله ثراه ونفعنا ببركاته إنه نعم المجيب
- شخصيته
هو أبو الحسن على الشاذلى الحسني بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم ابن هرمز بن حاتم بن قصی بن يوسف بن يوشع بن ورد بن بطال على بن أحمد بن محمد بن عیسی بن محمد بن سید شباب أهل الجنة وسبط خير البرية أبي محمد الحسن بن أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله
١٦ درة الأسرار
۱۷ عن لطائف المنن لابن عطاء الله السكندرى
۱۷
٤٣
يقول أبو العزايم ماضى يصف الشيخ رضي الله عنه
كانت صفته رضي الله عنه آدم اللون نحيف الجسم
طويل القامة
خفيف العارضين طويل أصابع اليدين كأنه حجازي وكان فصيح اللسان
عذب الكلام وكان رضي الله عنه يأخذ زينته عند كل مسجد وإذا كان رسول الله يقول جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً
أى أن الأرض - أينما كان الإنسان عليها - كلها مسجد فإن أبا الحسن كان يتحلى دائماً بالثياب الحسنة !
دخل عليه مرة فقير وعليه لباس من شعر فلما فرغ الشيخ من كلامه دنا من الشيخ وأمسك بملبسه وقال
یا سیدی ما عبد الله بمثل هذا اللباس الذي عليك
فأمسك الشيخ ملبسه فوجد فيه خشونة فقال
ولا عبد الله بمثل هذا اللباس الذى عليك لباسي يقول أنا غنى عنكم
فلا تعطونى ولباسك يقول أنا فقير إليكم فأعطوني ۱۸
ويعقب ابن عطاء الله السكندرى على هذه القصة فيقول وهكذا طريق الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن رضي الله عنهما وطريقه أصحابهما الإعراض عن لبس زى ينادى على سر اللابس بالإفشاء
ويفصح عن طريقه بالإبداء ومن لبس الزي فقد ادعى ثم يبين ابن عطاء الله أنه لا ينتقد زى الفقراء وأنه لا حرج على اللابس هذا الزى ولا على غير اللابس ما داما من المحسنين مَا عَلَى المَحْسِنِينَ مِنْ
سبيل
۱۸ لطائف المنن ص ۱۹
وفى يوم من الأيام دخل أبو العباس المرسى على الشيخ أبي الحسن وفى نفسه أن يأكل الخشن وأن يلبس الخشن فقال له الشيخ
يا أبا العباس اعرف الله وكن كيف شئت
ومن عرف الله فلا عليه أيضاً إن أكل هنيئاً وشرب مريئاً وما كان أبو الحسن يتعمد قط أن يأكل الغليظ من الطعام أو يقتصر على غير الزلال البارد من الشراب إنه يقول يابنى برد الماء فإنك إذا شربت الماء السخن فقلت الحمد لله تقولها بكزازة وإذا شربت الماء البارد فقلت الحمد لله استجاب كل عضو منك بالحمد لله والأصل في هذا قول الله سبحانه حكاية عن موسى عليه السلام فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظَّل فَقالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرِ فقير ۱۹
ألا ترى كيف تولى إلى الظل قصداً لشكر الله تعالى على ما ناله من النعمة وعن ذلك وبياناً لنهج الطريقة الشاذلية الذى رسمه أبو الحسن يقول
ابن عطاء الله
وأما لبس اللباس اللين وأكل الطعام الشهي وشرب الماء البارد فليس القصد إليه بالذي يوجب العتب من الله إذا كان معه الشكر لله ا هـ وهذا كله طبعاً يتمشى مع قوله تعالى
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة الله التى أخرجَ لِعِبَادِهِ والطَّيِّبَاتِ مِن الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْمَ القِيَامَةِ ويقول الأستاذ على سالم عمار كان الشاذلى يلبس الفاخر من الثياب
۱۹ لطائف المتن
دائماً بالاعتدال ويعلن
ويركب الفاره من الدواب ويتخذ الخيل الجياد ا هـ ومهما يكن من شيء فإن أبا الحسن كان ينصح للمريدين قائلا لا تسرف بترك الدنيا فتغشاك ظلمتها أو تنحل أعضاؤك لها فترجع لمعانقتها بعد الخروج منها بالهمة أو بالفكرة أو بالإرادة أو بالحركة ا هـ والقاعدة العامة على كل حال اعرف الله وكن كيف شئت وذلك لأن
۰
من عرف الله تعلق قلبه به وامتلأ بحبه فلا يتأتى منه إلا الفضيلة أما في أيام المواسم الروحية الكبرى وفى أيام الحفلات الدينية العظمى فقد كان يحاول ما أمكن أن يلفت أنظار الناس إليها حتى تستمر هذه المواسم حية في نفوسهم يحيونها بالذكر والعبادة ويحتفلون بها متصدقين بجميع أنواع الصدقات فكان إذا ركب في هذه المواسم تمشى أكابر الفقراء وأكابر الدنيا حوله وتنشر الأعلام على رأسه وتضرب الكاسات بين يديه وما كان الشاذلى من الذين يسعون وراء الشهرة الزائفة أو غير الزائفة ولكن الناس لا بد لهم دائماً من هزة قوية تلفت أنظارهم وأرواحهم إلى المواسم الدينية وتذكرهم بها من كل ذلك نرى أبا الحسن في الجانب المادي البشرى غير متزمت وهو الذي يقول ليس هذا الطريق بالرهبانية ولا بأكل الشعير والنخالة ولا يبقيقة الصناعة وإنما هو بالصبر على الأوامر واليقين في الهداية كما قال تعالى
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أتَمَّة يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لمَّا صَبُرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون لقد كان أبو الحسن الشاذلي جميل المظهر عذب الحديث فصيح اللسان غير متزمت في المأكل والمشرب يحب الخيل ويقتنيها ويركبها فارساً ويركبها
في المواسم الدينية
۰ الكواكب الدرية
٤٦
هذا
هو أبو الحسن في صورته البشرية الشكلية ولو كان أبو الحسن هو هذا
فحسب لما ذكرته الدنيا ولما خلد على التاريخ ونتحدث الآن عن أبي الحسن العالم وعن أبي الحسن الصوفي
يقول سيدى عبد الوهاب الشعراني
ه بلغنا أن الشيخ الكامل أبا الحسن الشاذلي لما فني اختياره مع الله مكث ستة أشهر لا يتحرى أن يسأل الله شيئاً في حصول شيء
ثم نودي في سره اسألنا عبودية لا ترجيح فيها للعطاء عن المنع قال فسألت الله ورجوته امتثالا لا تحجيراً عليه فإنه يخلق ما يشاء ويختار
وليس معه اختيار اهـ
لقد فني اختيار أبي الحسن مع الله وهذه المرتبة لا يتأتى للإنسان أن ينالها في ابتداء حياته السائرة إلى الله لابد أن يسبقها جهاد شاق كيف وصل أبو الحسن الله على ما يريد فتفنى إرادته فى إرادته واختياره وأن يكون
إلى
أن يسترسل مع بالله إيراداً وإصداراً لقد كان الجانب العلمي من العناصر الأولى التي حددت شخصية الشاذلي لقد بدأ الدراسة والتحصيل صغيراً فتثقف كأحسن ما يكون المثقف لقد تثقف عن الطريق العادى فحفظ القرآن ودرس السنة ودرس العلوم الدينية وسائل وغايات ولم يدخل فى علوم القوم حتى كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة وكان هذا علوم جمة وهو صاحب العلوم الغزيرة ۱ ولقد تدرج في هذه العلوم سلماً فسلماً ثم أخذ يختار الكتب التي يدرسها
ويشرحها وينصح بقراءتها ويحبب في أصحابها وكان منها
۱ لطائف المنن ص ٤٤
٤٧
1 - كتاب ختم الأولياء للحكيم الترمذى وهو كتاب أقام الجو الثقافي وأقعده حين صدوره وكان سبباً في صعوبات كثيرة اعترضت المؤلف بسبب الآراء التي احتوى عليها وهو كتاب أثار اهتمام الإمام الأكبر محيى الدين بن عربي إثارة كبيرة فأفرد له كتاباً خاصا ثم أفرد له صفحات وصفحات من كتاب الفتوحات وحاول أن يجيب عما ورد فيه من أسئلة ووضع نفسه بهذا موضع الاختبار وهو من هو فلسفة وحكمة وعلماً وتصوفاً
ووضع نفسه أيضاً بهذا موضع التحدى وكأنه يقول هأنذا أجيب عن الأسئلة متحدياً فيما يتعلق بصحة الإجابة
لقد كان الشاذلي يلقى دروساً في شرح هذا الكتاب ولقد بلغ من روعة هذه الدروس أن كان أبو العباس المرسى يخرص كل الحرص على حضورها لما كان لها في نظره من الأهمية وحينما يكون على سفر في شأن من شئون الدعوة فإنه يلتمس كل وسيلة تمكنه من حضورها
ولقد كان كتاب ختم الأولياء مفقوداً على عهد قريب ثم عثر الأستاذ عثمان يحيي عليه فطبعه في بيروت طبعة محققة دراسة عن الترمذي ويقول ابن عطاء الله السكندرى رضى الله عنه عن أبي العباس المرسي ه وكان هو والشيخ أبو الحسن كل منهما يعظم الإمام الرباني محمد بن على الترمذي وكان لكلامه عندهما الحظوة التامة وكان يقولان إنه أحد الأوتاد الأربعة ا هـ وقبل أن نتحدث عن كتاب آخر نذكر هنا ما رواه ابن عطاء الله السكندرى
قال و أخبرني بعض أصحابنا قال قال الشيخ قيل لي ما على وجه الأرض مجلس فى الفقه أبهى من مجلس الشيخ عز الدين بن عبد السلام ولا على وجه الأرض مجلس في علم الحديث أبهى من مجلس الشيخ
٤٨
زكي الدين عبد العظيم ولا على وجه الأرض مجلس في علم
مجلسك
-Y
الحقائق
أبهى من
وكتاب المواقف والمخاطبات من تأليف الشيخ محمد بن عبد الجبار النفرى وهو كتاب ليس بالسهل لأنه يعبر عن حالات روحية عالية لا يتأتى لغير أصحاب الأذواق العالية فهم الكثير منها وهو كتاب للخاصة وأراد أبو الحسن ييسره لكل من عنده استعداد وأن يفتح مغاليقه لكل من يستشرف عالم
أن
الحكمة
يقول ابن عطاء الله عن الشيخ أبي الحسن
كان يوماً في القاهرة فى دار الزكي السراج وكتاب المواقف للنفرى يقرأ عليه فقال أين أبو العباس فلما حضر قال الشيخ تكلم يابني تكلم بارك الله فيك تكلم ولن تسكت بعدها أبداً
قال أبو العباس فأعطيت لسان الشيخ من ذلك الوقت ا هـ
ولقد طبع هذا الكتاب بالقاهرة
٣ - كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكي
- كتاب الإحياء للإمام الغزالي
وهذان الكتابان من واد واحد ولقد تأثر الإمام الغزالي في كتابه الإحياء بأبي طالب المكي وذكر أنه قرأ كتاب قوت القلوب كوسيلة من الوسائل التي تعرفه
بالتصوف وذلك قبل أن يأخذ في الجانب العملي والرياضة الصوفية لقد نصح الإمام الشاذلى بقراءتهما فقال عن قوت القلوب عليكم بالقوت فإنه قوت وقال عن الكتابين كتاب الإحياء يورثك العلم وكتاب القوت
يورتك النور
ولقد كان الشيخ أبو الحسن يقول إذا عرضت لكم إلى الله حاجة فتوسلوا إليه بالإمام أبي حامد
ه - ومن قبيل الكتابين السابقين كان الإمام الشاذلي يقرأ أيضاً الرسالة القشيرية ويشرحها وقد سبق شيء من الحديث في ذلك وسيأتي أيضاً حديث عنه ٦ - وكتاب الشفاء للقاضي عياض من الكتب المباركة التي نالت تقديراً كبيراً في أوساط كثيرة وكان يقرؤه أبو الحسن وينصح بقراءته - وكتاب أبي الحسن المفضل فى التفسير هو كتاب المحرر الوجيز لابن
عطية وهو كتاب يشرحه عنوانه فهو محرر كلماته منتقاة متخيرة محررة وعباراته دقيقة وهو وجيز وإن لم يكن فى إيجاز تفسير الجلالين أو البيضاوي وقد بدأ طبعه الآن فى المغرب فطبع منه الجزءان الأول والثانى
6
هذه هي الكتب التي ورد ذكرها فيما كتب عن أبي الحسن في المصادر القديمة وهى كتب مختارة فى غاية النفاسة تدل على مشرب عال فى التفسير والسيرة النبوية والتصوف وليس بغريب بعد ذلك أن ينقل الإمام الشعراني رضي الله عنه في الطبقات عن شيخه على الخواص أنه قال
كانت القاعدة عند الشيخ أبي الحسن الشاذلى والشيخ أبي العباس تاج الدين بن عطاء الله والشيخ ياقوت العرش فى قبول الطلاب ألا يدخل أحد الطريق إلا بعد تبحره في علوم الشريعة وآلاتها بحيث يقطع العلماء في مجالس المناظرة بالحجج الواضحة فإذا لم يتبحر كذلك لا يأخذون عليه العهد ا هـ
إن العلم عنصر من عناصر شخصية الإمام الشاذلى وهو عنصر من عناصر طريقته أيضاً وصلى الله وسلم على من أمر أن يقول رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا وسبحان القائل إنما يَخْشَى الله من عِبادِه العُلَماء
و تقدس الذي يقول يرفع الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُم وَالَّذِينَ أوتُوا العِلْم
درجات
ويصل أبو الحسن إلى الذروة حينما يعتبر الجهل والرضا به من الكبائر بل حينما يعتبره من أكبر الكبائر ويقول لا كبيرة عندنا أكبر من اثنين حب الدنيا
بالإيثار والمقام على الجهل بالرضا
لأن حب الدنيا أساس كل خطيئة والمقام على الجهل أصل كل معصية
ولا يتأتى أن نجاوز الجانب العلمى دون أن نذكر مثالا نبين به مدى ما وصل
إليه أبو الحسن من عمق عميق ومن فهم دقيق في المسائل العلمية ونحن كلما رأينا إشارات من علم أبى الحسن الذى ألبس فيه العلم الرسمى نسيم الأرواح وألبست فيه معارج الأرواح صورة العلم الرسمى أقول كلما رأينا ذلك أسفنا كل الأسف على ما حصل من إهمال في تقييد دروس أ أبي الحسن ذلك فإن أبا الحسن قد ربي رجالا بدلا من أن يخرج كتباً ولقد سئل رضى
ومع
الله عنه
لم لا تضع الكتب في الدلالة على الله تعالى وعلوم القوم فقال رضي الله عنه كتبى أصحابي ٢٢ ومع إيماننا بأنه ربي رجالا نشروا علمه وأذاعوا طريقته فقد كنا نتمنى أن لو أحد مريديه بتقييد نفائسه ودرره والمثال الذي نذكره الآن مأخوذ من رسالة طويلة كتبها لأحد أصدقائه هو سيدى على بن مخلوف وهذا المثال عن الروح وقد ورد في القرآن الكريم قوله
اهتم
لطائف المنن لابن عطاء الله السكندرى
بتونس
۰۱
تعالى وَيَسْأَلُونَكَ عَن الرُّوحِ قُل الرُّوح مِن أَمر رَبِّي
هذه الآية الكريمة كانت مثار خلاف شديد بين المفسرين من مختلف النزعات وذلك أن كثيراً من المفسرين رأوا أن الآية إنما هى نهي عن البحث في الروح بمعنى النفس الإنسانية لأنها من أمر الله فالله سبحانه وهي من أمره هو وحده العالم بها وعارض هؤلاء كثيرون يرون أن الروح فى الآية الكريمة إنما هو القرآن الكريم بدليل سياق الآيات السابقة واللاحقة فإنها كلها في القرآن الكريم روحاً كما أن جبريل عليه السلام يسمى روحاً هل الآية نهى عن البحث فى الروح أم أن الروح في الآية شيء آخر غير
والقرآن
يسمى
النفس الإنسانية ولم يأخذ أبو الحسن بهذا الرأى أو بذاك وإنما أدلى برأي نشهد بأصالته وعمقه ودقته يقول رضي الله عنه
ومن ظن أن هذا العلم أعنى علم الروح وغيره مما ذكر وما لم يذكر لم يحط به الخاصة العليا أهل البدء الأعلى فقد وقع في عظيمين جهل أولياء الله إذ وصفهم بالقصور عن ذلك وظن بربه أنه وكيف يجوز أن يظن على
مخصوص
منعهم
وسرى به التكذيب إلى القدرة والشرع بقوله عن اليهود أو عن العرب كما تضمن الخلاف وَيَسْأَلُونَكَ عَن الرُّوح قُل الرُّوح مِن أَمْرِ رَبِّي
فما الدليل لك منهما على جهل الصديقين وأهل خاصة الله العليا والكشف عن هذا السؤال يقع بأربعة أحرف بهل وكيف ولم فهل يقع بها السؤال عن الشيء أموجود هو أم معدوم
وكيف يقع بها السؤال عن حال الشيء
ومن
۰
ولم يقع السؤال بها عن العلة
وليس في الآية شيء من هذا فإنك إن قلت فيها معنى هل ومعنى هل يقتضى هل الروح موجود أم معدوم وقد عرفوا وجوده من قبل ولولا ذلك لما قال ويسألونك عن الروح فثبت أنهم عرفوا وجوده فيطل هذا
وليس فيها سؤال عن الحال كيف هو ولا سؤال عن العلة لم كذا وكذا
ولو كان سؤالهم عن هذين لما قنعوا بقوله تعالى قل الروح من أمر ربي ولشغلوا وَتَرَدُّوا إذ ذاك شغلهم وعادتهم وإرادتهم فثبت أن السؤال إنما كان عن الشيء من أين هو بدليل الجواب والبيان الظاهر الشافى بقوله تعالى قل الروح من أمر ربي إذ الرسول عالم بما سألوا عنه فأجاب عن الله بذلك كما تقول آدم نسألك عنه وفهم المسئول السؤال فقال آدم من تراب فإذا رضى الجواب قنع وليس يرجع العدو إلا بفهم عظيم من الحق العظيم الذي لامرد له فكيف يزعم الزاعم أنه لا يعرف ولا يجوز أن يعرف فقد أوجب الله علينا معرفته ولا مثل له ولو ضيعناها لكنا كفاراً أو عصاة فكيف بموجود مخلوق أمثاله كثيرة هذا عين الجهل أن يقال لا يجوز أن يعرف من له المثل والنظير وهو الروح ويوجب معرفة من لا شبيه له ولا نظير فنعوذ بالله من جهل الجاهلين وظلم الظالمين والذي أقول به إن الله أسراراً لا يسع فيها الرسم ولا يليق بها الكتم
ألا ترسم
في الدواوين لعمى البصائر وضعفاء النجائر ولا يليق بها الكتم لوضوحها وشدة
ظهورها فلا تعبأن ابهم مع كثرة حججهم وذلك للحق واخضع له فيما هم فيه فيما لا علم لهم به وقد أمر الله سبحانه نبينا محمداً بالاقتداء
وأعرض عنهم بإبراهيم وسائر الأنبياء عليهم السلام وهو الفاضل الذى لا يصل إليه أحد ويقول قد شاركتهم في النبوة والرسالة والهداية والأمور الطارئة على النفوس
ففينا
والأبدان والقلوب والأرواح واقتد بهم فيما فيه الشركة وما خصصنا به وإلينا وكذلك أيضاً من فهم هذا السردان لله عامة المؤمنين ومع أوساطهم الأعلين وفارقهم فيما هو خاص للمخصوصين
ومع
فإن تكن منهم فازدد بعلمك وعملك فقرًا إلى الله وتواضعًا لعباده واعطف بالرحمة على عامة المؤمنين وإن كانوا ظالمين إلا حيث أمرك الله بالغلظة عليهم مع الدعاء الصالح والدفع عنهم ا هـ
وأظن أنه لا غرابة بعد هذا فى أن يروى ابن كثير - كما يذكر صاحب المفاخر - أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان يحضر مجلس الأستاذ أبي الحسن فيسمع تقريره للحقائق ويشاهد حسن إفصاحه عن العلم اللدنى فعند ذلك يحصل له وارد من جانب الحق ويركض على قدميه طربًا مع المريدين ويقول تأملوا هذا التقرير فإنه قريب من ربه ا هـ
ولقد لمس المؤرخون لأبي الحسن والشعراء المادحون له هذا الجانب العلمي عنده ورأوا ما فيه من أصالة وعمق فأشادوا به ومن هؤلاء الإمام البوصيرى صاحب البردة الذي يصفه في قصيدة يمدحه بها بأنه بحر العلم
أما ابن الميلق فيقول عن أبي الحسن
ولاسيما علم الفرائض
والسنن
لقد كان بحرا في الشرائع راسخا ومن منهل التوحيد عب وارتوى فلله کم روی قلوبا بها محن وحاز علوما ليس تحصى لكاتب وهل تحصر الكتاب ما حاز من فنن
وقد سبق أن ذكرنا ماقاله ابن عطاء الله السكندرى في وصف هذا الجانب
العلمي
ومامن شك في أن أبا الحسن كان عالماً عارفا بالعلوم الظاهرة جامعاً
٥٤
لدقائق فنونها ومفتضًا لأبكار المعانى وعيونها من حديث وتفسير وفقه
وأصول ونحو وتصريف ولغة ومعقول وحكمة وآداب
وأما علوم المعارف الإلهية فقطب رحاها وشمس ضحاها ۳ ونختم هذا الجانب العلمى عند أبي الحسن بقول صاحب المفاخر عنه وهو صاحب الإشارات العلية والعبارات السنية جاء في طريق القوم بالأسلوب العجيب والمنهج الغريب الذي جمع بين العلم والحال أو الهمة والمقال وتخرج بصحته جماعة من الأكابر مثل أبى العباس المرسى وأبي العزائم
ماضي وغيرهم وتلمذ له أعيان كثيرة من أعيان أهل الله تعالى ويقول شارح القاموس المحيط السيد مرتضى الزبيدي صاحب تاج العروس و ممن كان يحضر مجلسه العز بن عبد السلام وابن دقيق العيد وناهيك والحافظ المنذرى وابن الحاجب وابن الصلاح وابن عصفور وغيرهم بالكاملية من القاهرة ٢٤ ا هـ
بهما
L
العنصر الثاني في هذه الشخصية هو عنصر الكفاح ونبدأ مباشرة في هذا المجال بما سبق أن كتبناه تحت عنوان أبو الحسن الشاذلى في معركة المنصورة ونبدأ بهذا الموضوع حينما نتحدث عن كفاح أبي الحسن وذلك لما يظنه بعض الناس من أن الصوفية قوم کسالى وأن التصوف مظهر من مظاهر الضعف والواقع أن حياة أبي الحسن حين يرسمها الإنسان تظهر وكأنها معول يهدم مايبينيه أعداء التصوف من شبهات حوله ولنبدأ بالجهاد بعد أن صورنا الجانب العلمي وإذا كان التصوف لا يألف الجهل كما رأينا فإنه حليف للكفاح كما سنرى
۳ المفاخر العلية لابن عياد
٢٤ شرح الزبيدي على حزب البرص ٤
٥٥
وَجَاهِدُوا في الله حَقَّ جِهَادِه هُوَ اجْتَبَاكُم وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِن
حرج إذا عدنا إلى أواخر النصف الأول من القرن السابع الهجري وذهبنا بخيالنا نرتاد أرجاء مدينة المنصورة رأينا ظاهرة لا عهد لمن مارسوا الحروب الحديثة برؤيتها إلا نادرًا ! تلك هى ظاهرة الإيمان والثقة المطلقة بالله
إنه من الطبيعي أن تكون مدينة المنصورة حين ذاك في حركة لا تهدأ إنها الحرب والمصريون يستعدون لملاقاة العدو المغير الذي احتل دمياط ويحاول التغلغل فى البلاد بالاستيلاء عليها
الاستحكامات تقام والمؤن ترد والجيوش تتوالى وترتب والأوامر تصدر في حزم وثبات والظاهر بيبرس لا يكاد يغمض له طرف ولا يذوق النوم إلا
غرارا
وفي جانب آخر لويس التاسع ملك فرنسا يقود الجيوش الجرارة من الصليبيين يريد أن ينازل الإسلام والعروبة فى معركة فاصلة حاسمة هي معركة
المنصورة
لقد وقف الغرب كله مستعدا للهجوم على مصر يريد أن يدمر الإسلام والعروبة بالقضاء على المصريين كما وقف الشرك كله من قبل في غزوة الخندق أن يدمر الإسلام بالقضاء على المدينة المنورة ومن فيها من رجال الإسلام الأول وعلى رأسهم رسول الله صلوات الله عليه وسلامه !
يريد
وبين موقعة المنصورة وغزوة الخندق تشابه في بعض النواحي ففي كل منهما أتى الشرك بكل ما يملك وبكل ما يستطيع من عتاد ومن عدد ليقضى على التوحيد في عقر داره فقد اقتحم الشرك الأول حرم مدينة الرسول عمله الا الله وحاصرها أما الشرك الثاني
0
فقد اخترق الحدود وتغلغل فى البلاد واحتل بعضها حتى وصل إلى أطراف
المنصورة !
وفي كل منهما كان المسلمون - برغم رؤيتهم للخطر المحدق
ثابتی بهم
الجنان مؤمنين كل الإيمان بنصر الله مطمئنين إلى قضائه وإذا أردنا تعليل هذه الثقة في الله عند المسلمين في غزوة الخندق فتعليلها سهل واضح لقد كان على رأسهم رسول الله لها وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وكبار الصحابة ! ! رضوان الله عليهم أجمعين وهؤلاء - لثقتهم المطلقة في الله يبعثون - بطريق التأسي - الثقة في نفوس
الآخرين !
أما في واقعة المنصورة فإن تعليل الثقة والإيمان والاطمئنان الذي كان يسود
L
إذ ذاك ويسيطر على قلوب المجاهدين الأبطال ويبعث فيهم الجد والنشاط وتحمل التعب والسهر ليلا والعمل نهارًا أقول إن تعليل ذلك ليس بالأمر الهين على من يقرأ التاريخ على أنه ساسة مدنيون وقواد حربيون وجنود تزيد أو تقل في
العدد
إذا نظرنا إلى التاريخ بهذا المنظار - فإن تعليل هذه الظاهرة في موقعة المنصورة لا يتيسر ولا يستقيم وحقيقة الأمر أن مصر إذ ذاك كانت تضم بين أرجائها نخبة ممتازة من العلماء الدينيين الذين أخلصوا جهادهم لله وحده فلم تغرهم الدنيا بزخرفها وزينتها كان فى مصر إذ ذاك العز بن عبد السلام ومجد الدين القشيري ومحيي الدين بن سراقة ومجد الدين الأخميمي وأبو الحسن الشاذلى وغيرهم
من خيرة العلماء
لم يستقر هؤلاء العلماء فى دورهم البعيدة عن الخطر وإنما هبوا جميعاً للجهاد
۵۷
في سبيل الله لقد هاجروا إلى المنصورة ليكونوا بين المجاهدين وبرغم أن العارف بالله أبا الحسن الشاذلي كان في آخر حياته وكان قد كُف بصره فإنه كان في مقدمة الذاهبين إلى المنصورة !
هاهم أولئك العلماء الصوفية أو الصوفية العلماء بسمتهم الملائكي وبإيمانهم الذى لا يتزعزع يسيرون وسط الجند يحثون ويشجعون ويرشدون ويذكرون بالله ويبشرون كما وعد الله - بإحدى الحسنيين النصر أو الجنة وإذا لزم الأمر عملوا بأيديهم مع العاملين لقد كان مجرد سيرهم ! في الحوارى والشوارع تذكيرا بالنصر أو الجنة وكان حفزًا للهمم وتثبيتا للإيمان وتأكيدا لصورة الجهاد الإسلامية التي قادها في عصور الإسلام الأولى رسول الله صلوات الله عليه وخلفاؤه الراشدون رضوان عليهم حتى إذا اطمأنوا إلى الأسباب والوسائل المادية الظاهرة والمعنوية الباطنة وحتى إذا ماجنهم الليل اجتمع هؤلاء الأعلام في خيمة من خيام المعسكر - نعم في خيمة من خيام المعسكر - يتجهون إلى الله بصلاتهم ودعائهم يلتمسون منه النصر فإذا ما فرغوا من ذلك أخذوا يتدارسون كتابًا من الكتب ! لقد كانوا يتدارسون في إحدى الليالي الرسالة القشيرية تقرأ عليهم وهم
الله
يسمعون ويشرحون !
ماذا كانوا يقرءون من أبواب الرسالة
أكانوا يقرءون باب الفتوة
أم كانوا يقرءون باب الحرية
أم كانوا يقرءونها في تتابع مبتدئين من أولها
كانت تقرأ عليهم ويشرحون وكان الشيخ أبو الحسن الشاذلي صامتا يستمع فلما فرغوا طلبوا إليه وهو من أعلام هذا الميدان – أن يتحدث وألحوا في
۵۸
الطلب فسكت الشيخ فترة ثم تكلم في انطلاق وفى قوة وفى روحانية لا يمكن التعبير عن وصفها بأسمى من كلمة الشيخ عز الدين بن عبد السلام الذي قال لأصدقائه وزملائه حينما سمع أبا الحسن يتحدث
اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله
ولا يقدر هذه الكلمة حق قدرها إلا من يعرف من هو العز بن عبد السلام ! الكلام الغريب لأنه ليس مأخوذاً من الكتب ولا مجبرا في الأسفار !
القريب العهد من الله لأنه إلهام الساعة ووحى الزمن الراهن ! وشغل أبو الحسن بأمر المسلمين فكان ليله ونهاره مشغولا بالله في أمرهم حتى إذا ما أخذته سنة من النوم فى ليلة من الليالى رأى فيما يراه النائم رؤيا تتعلق بحالة المسلمين في المنصورة ومن ذلك الرؤيا التي حكاها صاحب كتاب " درة الأسرار قال
قال الشيخ أبو الحسن كنت بالمنصورة فلما كانت ليلة الثامن من ذى الحجة بت مشغولا بأمر المسلمين وبأمر الثغر وقد كنت أدعو الله وأضرع إليه في أمر السلطان والمسلمين فلما كان آخر الليل رأيت فسطاطا واسع الأرجاء عاليا في السماء يعلوه نور ويزدحم عليه خلق من أهل السماء وأهل الأرض عنه مشغولون فقلت لمن هذا الفسطاط
فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فبادرت إليه بالفرح ولقيت على بابه عصابة من العلماء والصالحين نحوا من السبعين أعرف منهم الفقيه عز الدين بن عبد السلام والفقيه مجد الدين مدرس قوص والفقيه الكمال بن القاضي صدر الدين والفقيه المحدث محيى الدين ابن سراقة والفقيه عبد الحكيم بن أبى الحوافز رجلان لم أعرف أجمل
ومعهم
09
منهما غير أنى وقع لى ظن فى حالة الرؤيا أنهما الفقيه زكي الدين عبد العظيم المنذرى المحدث والشيخ مجد الدين الأخميمي ! ! وأردت أن أتقدم لرسول الله الا الله فألزمت نفسى التواضع والأدب مع الفقيه ابن عبد السلام وقلت لا يصلح لك التقدم قبل عالم الأمة في هذا الزمان فلما تقدم وتقدم الجميع ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إليهم يمينا وشمالا أن اجلسوا وتقدمت وأنا أبكى بالهم وبالفرح أما الفرح فمن أجل قربى لرسول الله بالنسب وأما الهم فمن أجل المسلمين والثغر وهم طلبى إليه الله فمد يده حتى قبض على يدى وقال لا تهتم كل هذا الهم من أجل الثغر وعليك بالنصيحة لرأس الأمر - يعنى السلطان - فإن ولى عليهم ظالم فما عسى وجمع أصابع يده الخمسة في يده اليسرى كأنه يقلل المدة وإن ولى عليهم تقى فـ الله ولى المتقين وبسط يده اليمنى واليسرى وأما المسلمون فحسبك الله ورسوله وهؤلاء المؤمنون - أي العلماء والفقهاء
والصالحون الذين بالمجلس
—
وقال
وَمَن يَتَوَل الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِن حِزب الله هُمُ الغَالِبُونَ وأما السلطان فيد الله مبسوطة عليه برحمته ما والى أهل ولايته ونصح المؤمنين فانصحه واكتب له وقل في الظالم عدو الله قولاً بليغا
من عباده
وَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ الله حَقَّ وَلَا يَسْتَخِفَنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ
فقلت نصرنا ورب الكعبة وانتبهت ونصر الله المسلمين نصرًا مؤزرا وأسر الملك لويس وأسر الكثيرون من قواده وأشاد الشعراء بهذا النصر
ومن قصيدة مشهورة لابن مطروح نقتطف منها مايلي قال يخاطب لويس
وكل
أصحابك أودعتهم
بحسن
تدبيرك
بطن
الضريح
سبعون
ألفاً لا يرى
منهمو
وقل لهم إن أزمعوا عودة
على
جريح
إلا قتيل أو أسير أو لأخذ ثأر أو لفعل قبيح
صبيح
دار ابن لقمان حالها والقيد باق والطواشي ولسنا هنا بصدد تاريخ هذه الموقعة الحربية وما وأردنا مماسبق إلا أن نلقى ضوة ا واضحا على اشتراك أبي الحسن الشاذلى فى الجهاد برغم أنه كان يعتذر له عن التخلف لكبر سنه ولأنه قد كف بصره ولكن أبا الحسن لا يتخلف عن فرض وما كان يتأتى له أن يتخلف عن مؤازرة المسلمين هذه الصورة نضعها أمام أنظار علماء المسلمين في العصر الحاضر وأمام رجال التصوف الإسلامي لعل فيها لهؤلاء وأولئك ذكرى كريمة
ومثلا يحتذى !
ولا يتأتى أن نختم الحديث عن مبدا أبي الحسن في الجهاد دون أن نذكر قوله
من ثبتت ولايته من الله لا يكره الموت ويعلم ذلك من قوله تعالى قُل يَأْيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُم أنكُم أَوْلِيَاءُ الله مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوا المَوتَ إن كُنتُم صَادِقِينَ
فإذن الولى على الحقيقة لا يكره الموت إن عرض عليه
وصورة أخرى من الكفاح هي صورة العمل
يقول ابن عطاء الله وكان الشيخ أبو الحسن يكره المريد المتعطل ويكره أن يسأل تابعه الناس وقد كان جوادًا بما يملك وكريما يكره البخل ويحث على طرق باب الأسباب والعمل ا هـ
ويقول أبو الحسن لكل ولى حجاب أى ستر يحجبه عن اعتقاد الناس
فيه وأنا حجابى الأسباب اهـ
ولقد كان أبو الحسن يعمل في الزراعة على نطاق واسع
٦١
فهو يتحدث فى خطاب له لأحد أصدقائه يحدثه فيه عن سبب تأخيره في السفر
فيقول وسبب الإمساك - عن السفر في العادة - ٢٥ زرع ا لنا يدرس قد حرث لنا في ثلاثة مواضع ا هـ وإن الذى يؤخر أبا الحسن عن السفر ليس هو زرع فدان أو فدانين ولا حصد
فدان أو فدانين فالأرض قد حرثت في ثلاثة مواضع
وكان الشاذلى يتخذ للزراعة الوسائل التي تتيح نوعاً من الاكتفاء الذاتى فيربي الثيران مثلا للحرث والدرس ويتحدث للعظة والاعتبار عن ثور من هذه الثيران وقع في بئر ولنذكر القصة كما رواها صاحب درة الأسرار يقول أبو الحسن جعل لي في ليلة دعاء فقلت
اللهم اجعل قضاءك ومحابك ولقاءك وذاتك وذات رسولك وسر ذات رسولك - أحب إلى من نفسى وأهلى وولدى ومالي والناس أجمعين فكنت أقولها بوجد فأجد لها حلاوة فكثر ذلك على فقلت شيء ينزل وقضاء يحدث فبينما أنا قاعد قيل لى إن ثوراً كان لك فوقع فى البئر فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون فقيل لي لهذا كانت المقدمة
ولا تنتهى القصة عند هذا الحد ولكن هذا هو ما أردناه منها
على أن أبا الحسن لا يقتصر على الحث على العمل متخذا من نفسه قدوة
ولا يقتصر على النفور من المريد المتعطل وإنما يذهب مع أتباعه إلى أبعد من هذا مع أبي العباس - قصة طريفة
وله في ذلك
٢٥ أي في الأسباب الظاهرة إذ السبب الحقيقى إنما هو إرادة الله سبحانه وحدها وهذه الكلمة تبين
المدى البعيد في تأدب أبي الحسن الله
مع
غير
غير
يقول أبو العباس فيما رواه ابن عطاء الله
دخلت يوما على الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه فقال لى إن أردت أن تكون من أصحابي فلا تسأل أحدًا شيئًا وإن أتاك شيء من
مسألة
فلا تقبله
فقلت في نفسي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية وقال ما أتاك من غير مسألة فخذه
فقال الشيخ كأنك تقول كان النبي لا يقبل الهدية وقال ما أتاك من
مسألة فخذه
النبي قال الله في حقه قُلْ إِنَّمَا انْذِرُكُم بِالْوَحْى متى أوحى الله إليك
إن كنت مقتديا به في الأخذ فكن مقتديًا به كيف يأخذ كان لا يأخذ
شيئًا إلا ليثيب من يعطيه ويعوضه عليه
فإن نظرت نفسك وتقدست هكذا فاقيل وإلا فلا
وهذه القصة غاية فى العمق ونحن نقدمها على ماهى عليه إلى كل موظف وكل صاحب جاه وكل هؤلاء الذين يقبلون الرشوة فى صورة هدية وكل من يلبس عليهم الشيطان في أكل أموال الناس بالباطل
والنظرية الشاذلية فى الغنى والفقر تفضل الغنى الشاكر على الفقير الصابر وتعلل ذلك بأن الصبر فضيلة فى الدنيا فقط أما الشكر فإنه فضيلة في الدنيا
والآخرة
ونختم هذا الحديث عن العمل والكفاح والثراء بالقصة التالية
قال أبو الحسن هممت مرة أن أختار القلة من الدنيا على الكثرة ثم
٦٣
أمسكت
وخشيت سوء الأدب فلجأت إلى ربى ورأيت في النوم كأن سليمان عليه السلام جالس وحوله العسكر ورفع لى عن قدوره وجفانه فرأيت أمراً كما
وصفه الله تعالى بقوله
وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ
فنوديت لا تختر مع الله شيئاً وإن اخترت فاختر العبودية لله اقتداء برسول الله الله حيث قال عبداً رسولا وإن كان ولابد فاختر ألا تختار وفر من ذلك المختار إلى اختيار الله فانتبهت من نومی فرأيت بعدها قائلا يقول لى إن الله اختار لك أن تقول
10
مقامی
اللهم وسع على رزقى من دنیای ولا تحجبني بها عن أخراى واجعل بين يديك وناظراً منك إليك
عندك دائماً
وأرنى وجهك ووارنى عن
الرؤية وعن كل شيء دونك وارفع البين فيما بينى وبينك يامن هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم
ثم صورة ثالثة من صور الكفاح اشتهر بها أبو الحسن وعُرف بها بين الناس وهي صورة تميزه عن تلميذه أبي العباس تلك هي صورة السعي في مصالح الناس ولقد رأينا أنه حينما نزل مصر فى مروره العابر إلى الحج ذهب إلى السلطان لرفع الرمية التي رمى بها واليه على الأعراب وتعرض بسبب ذلك إلى ما سبق أن آنها ومما يروى ابن عطاء فى لطائف المنن قال استشفع طالب بالشيخ أبي الحسن إلى القاضى تاج الدين أن يزاد على مرتبه فذهب الشيخ إليه فأكبر القاضى تاج الدين مجيئه وقال له
ذكرناه
یا سیدی فیم جئت
فقال من أجل فلان الطالب تزيده في مرتبة عشرة دراهم فقال القاضي ياسيدى هذا له فى المكان الفلانى كذا وفي المكان الفلاني
كذا وفى الموضع الفلاني كذا وكذا
فقال له الشيخ يا تاج الدين لا تستكثر على مؤمن عشرة دراهم تزيده إياها فإن الله تعالى لم يقنع للمؤمن بالجنة جزاء حتى زاده النظر إلى وجهه الكريم وكثرت شفاعات أبي الحسن بكثرة المظلومين والمساكين والذين لا جاه لهم والضعفاء وذوى الحاجات على مختلف ألوانهم وأخذ يتردد على ولاة الأمور شافعاً ومدافعاً ومحامياً حتى لقد قال ابن دقيق العيد في ذلك
جهل ولاة الأمور بقدر الشيخ أبي الحسن الشاذلى رضي الله عنه لكثرة تردده في
الشفاعات
أما ابن عطاء الله فقد قال في ذلك معلقاً على كلمة ابن دقيق العيد إن هذا الأمر لا يقوى عليه إلا عبد متخلق بأخلاق الله بذل نفسه وأذلها في
مرضاة الله وعلم وسيع رحمة الله فعامل عباد الله ممتثلا لقول رسول الله الله الراحمون يرحمهم الله ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء
قبل
ومن
الله
على أننا لا نترك هذا الموضوع دون أن نشير إلى أن أبا الحسن كان دائماً يدعوا أن يسير إلى وساطة في الخير وأدعيته في ذلك عليها طابع العبودية وفيها عبير الخشوع وذلك ليشعر هو ويشعر الناس أن الأمور كلها بيد الله وأنه ليس إلا منفذاً لمشيئة الله سبحانه وقد تفضل الله عليه فجعله سبباً في الصالحات أمثلة ذلك ماروى صاحب درة الأسرار قال وقال رضي الله عنه وقد أراد أن يمشى للبعض في الدفع عن رجل من الصالحين ه اللهم اجعل مشي إليه تواضعاً لوجهك وابتغاء لفضلك ونصرة لك ولرسولك وزيني بزينة الفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك وخصنى بالمحبة والإيثار ورفع الحجاب من الصدور فى الليل والنهار وقنى شح
هم
الصادقون
نفسى واجعلني من المفلحين واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ها نحن أولاء نرى أبا الحسن عالماً مستنيراً كأحسن مايكون العالم المستنير ومجاهداً صادقاً كأفضل مايكون المجاهد الصادق
لديه
وعاملا مكافحاً في الحرث والغرس تتعدد مزارعه وتتعدد مواضع الحصاد ونراه رائحاً وغادياً مستشفعاً وقاضياً للناس حاجاتهم
وإذا كان ذلك يمثل جوانب أصيلة في شخصيته فإن الأصل في شخصيته لم نتحدث عنه بعد يقول صاحب لطائف المنن عن أبي الحسن له السياحات الكثيرة والمنازلات الجليلة
وهذه الكلمة الصادقة هي التي تصور لنا الجانب الأصل في شخصية الشاذلي لقد كان أبو الحسن عابداً متبتلا ومن أجل عبادته ساح سياحات كثيرة لقد ساح ليخلو إلى الله وساح لتصفو نفسه وساح ليتمكن من التركيز والتجمع فيلقى بنفسه كلية وبكيانه كله فى الرحاب الإلهى مستسلماً مسلماً عبداً أسلم القيادات كلها جسماً ونفساً وعقلا وروحاً وقلباً إلى من بيده الأمر أسلمها اختياراً راضياً أسلمها إسلام المحب المغتبط الذي يتفاني دائماً في إسلام الكيان كله حتى لا يرى ولا يسمع ولا ولا يشم أو يذوق إلا من أسلم إليه كيانه ولقد كان يسيح ليصل إلى ما يطلبه في حزبه الكبير قائلا ه إنى أسألك أن تغيبني بقربك منى حتى لا أرى ولا أحس بقرب شيء ولا يبعده عنى إنك على كل شيء قدير
يحس
وإن أبا الحسن هو الذي يقول في تأكيد يؤيده التاريخ كله
اللهم إن القوم قد حكمت عليهم بالذل حتى عزوا وحكمت عليهم بالفقد
بدله
فكل حتى وجدوا عز يمنع دونك فنسألك ذلاً
لطائف رحمتك تصحبه
٦٦
وكل وجد يحجب عنك فنسألك عوضه فقداً تصحبه أنوار محبتك لم تكن سياحات أبي الحسن تنعماً بالجو ولا استمتاعاً بالحدائق والمتنزهات ولا حبا في استجلاء المجهول من عوالم المادة وإنما كانت بحثاً فلما وجد الحق كانت سياحاته من أجل التمكن في مجالات الحق
عن
الحق
فلما تمكن فى مجالات الحق استقر به المقام مبشراً وهادياً والشيخ يتحدث عن هذه السياحات ولابد من ذكر أمثلة منها يقول صاحب المفاخر العلية عن الشيخ انتقل إلى مدينة تونس وهو صبى صغير وتوجه إلى بلاد المشرق وحج حجات كثيرة ودخل العراق ومما رواه أبو الحسن وكان ذلك فى أوائل سلوكه كنت أنا وصاحب لى قد آوينا إلى مغارة نطلب الوصول إلى الله فكنا نقول غداً يفتح لنا بعد غد
يفتح لنا فدخل علينا رجل له هيبة فقلنا له من أنت
فقال أنا عبد الملك
فعلمنا أنه من أولياء الله فقلنا له كيف حالك فقال كيف حال من يقول غداً يفتح لى بعد غد يفتح لى فلا ولاية ولا فلاح يانفس لم لا تعبدين الله الله
قال فتفطنا من أين دخل علينا فتبنا إلى الله واستغفرنا ففتح لنا ويقول أبو الحسن أيضاً عن سياحاته في مبدإ أمره كنت في سياحتي في مبدإ أمرى حصل لى تردد هل ألزم البراري والقفار للتفرغ للطاعة والأذكار أم أرجع إلى المدائن والديار لصحبة العلماء والأخيار فوصف لى ولى هنالك وكان برأس جبل فصعدت إليه فما وصلت إليه إلا ليلا فقلت في نفسي لا أدخل عليه فى هذا الوقت فسمعته يقول من داخل المغارة اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك فسخرت لهم
٦٧
خلقك
فرضوا منك بذلك اللهم وإنى أسألك اعوجاج الخلق على حتى
لا يكون ملجئى إلا إليك قال فالتفت إلى نفسى وقلت يا نفسي انظرى من أى بحر يغترف هذا الشيخ فلما أصبحت دخلت إليه فأرعبت من هيبته
فقلت له ياسيدى كيف حالك
فقال أشكو إلى الله من برد الرضا والتسليم كما تشكو أنت من حر التدبير
والاختيار
فقلت ياسيدى أما شكواي من حر التدبير والاختيار فقد ذقته وأنا الآن فيه
وأما شكواك من برد الرضا والتسليم فلماذا فقال أخاف أن تشغلني حلاوتهما عن الله
قلت ياسيدى سمعتك البارحة تقول اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك فسخرت لهم خلقك فرضوا منك بذلك اللهم وإنى أسألك اعوجاج الخلق على حتى لا يكون ملجئى إلا إليك فتبسم ثم قال
يابني عوض ما تقول سخر لي خلقك قل يارب كن لى أترى إذا كان لك
أيفوتك شيء
L
فما هذه الجبانة
وقال رضى الله عنه اجتمعت برجل فى سياحتى فقال ليس شيء في الأقوال أعون على الأفعال من لا حول ولا قوة إلا بالله والاعتصام بالله ففروا
إلى الله واعتصموا بالله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم ثم قال باسم الله فررت إلى الله واعتصمت بالله ولا حول ولا قوة إلا بالله ومن يغفر الذنوب إلا الله رب إنى أعوذ بك من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين باسم الله قول باللسان صدر عن القلب ففروا إلى الله وصف للملك والأمر ثم تقول للشيطان هذا علم الله فيك وبالله آمنت وعليه توكلت
٦٨
وأعوذ بالله منك ولولا ما أمرنى ما استعذت منك ومن
أنت حتى أعتصم بالله
منك
وروى الشيخ أيضاً قلت يوماً وأنا في مغارة في سياحتي إلهي متى أكون لك عبداً شكوراً فإذا قائل يقول لى إذا لم تر منعماً عليه غيرك فقلت إلهي كيف لا أرى منعماً عليه غيرى وقد أنعمت على الأنبياء وقد أنعمت على العلماء وقد أنعمت على الملوك فإذا قائل يقول لى
لولا الأنبياء لما اهتديت
ولولا العلماء لما اقتديت
ولولا الملوك لما آمنت فالكل نعمة منى عليك
L
هذه السياحات المتعددة المتكررة إنما كانت هجرة إلى الله وذهاباً إليه وفراراً نحوه وما كان لها من هدف إلا أن يخلو وربه وأن ينسى كل شيء يملأ قلبه بالله لقد كانت سياحات للعبادة وما كانت العبادة العادية هي التي يقصد أبو الحسن بهذه السياحات إن الفروض وإن سنتها الراتبة من السهل على أبي الحسن أن يؤديها في الحضر كما يؤديها الآخرون وماكان في حاجة إلى هجرة من أجلها لقد كان قصد أبي الحسن أن يفرغ قلبه ليملأه بالله ولابد لهذا
من هجرة
إليه
ومن الناس من يهاجر إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر
أما من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله لقد كانت هجرة أبي الحسن تحنثاً وبحثاً عن الصفاء ومراناً على الاسترسال الله على ما يريد
٦٩
لقد كان
أن يريد يرتبط بالحق فكان يروض نفسه على ذلك
كان يروض نفسه على أن يسيطر على نفسه على شهواته على إرادته على مشيئته إنه يقول لن يصل العبد إلى الله وبقى معه شهوة من شهواته ولا مشيئة من مشيئاته ٢٦ وكان يقول إن أردت أن تكون مرتبطاً بالحق فتبرأ من نفسك واخرج من حولك وقوتك
لقد كان يريد أن يشهد الله أن يشهده متجلياً على أنحاء شتى والله سبحانه يتجلى للإنسان على قدر صفائه وأراد أبو الحسن أن يصل في الصفاء إلى أقصى ما يصل إليه السالكون لقد اعتكف في جبل زغوان وسافر من قبل ذلك بحثاً عن القطب وسهر الليالي قائماً متبتلا في البوادي والوهاد والأودية
وكم شهدته المغارات والكهوف قائماً فى جنح من الليل متضرعاً إلى الله داعياً مستغيثاً محاولا أن يفنى فى الله بحيث يصبح صورة تامة بقدر الإمكان مما يحب الله وبحيث يصبح ربانيا يقول أبو الحسن أبي المحققون أن يشهدوا غير الله تعالى لما حققهم به من
شهود القيومية وإحاطة الديمومية
هذه الكلمة الحق التي هي تفسير لما يقوله الصوفية فى وحدة الوجود كانت الهدف الذي أراد أن يصل إليه أبو الحسن أراد أن يصل إليه معرفة وأن يشعر به ذوقاً وأن يتحقق به حالا
فلما تم له ذلك من سياحاته وخلواته وتحنثه عاد إلى الناس مستقرا هاديًا
مبشرا بالنور والرحمة والمعرفة
٢٦ الطبقات الكبرى للشعراني
V
ولا نريد أن نترك هذا المقام دون أن نضرب مثلا لأثر عبادة أبي الحسن عليه من إخبات وخشوع وتعظيم لله ولرسوله ومن نسبته كل نقص وتقصير لنفسه ومن
وصوله إلى درجة سامية من إسلام الوجه الله
لما
يقول صاحب درة الأسرار عن أبي الحسن
قدم المدينة زادها الله تشريفاً وتعظيماً وقف على باب الحرم من أول
النهار إلى نصفه عريان الرأس حافي القدمين يستأذن على رسول الله لم تسليماً فسئل عن ذلك فقال حتى يؤذن لى فإن الله عز وجل يقول
يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِي إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ فسمع النداء من داخل الروضة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام
على
يا على ادخل فوقف تجاه الروضة الشريفة فقال السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته صلى الله عليك يارسول الله أفضل وأزكى وأسنى وأعلى صلاة صلاها أحد من أنبيائه وأصفيائه أشهد یارسول الله أنك بلغت ما أرسلت به ونصحت أمتك وعبدت ربك حتى أ اليقين كنت كما نعتك الله في كتابه لقد جَاءكُمْ رَسُولُ مِنْ أَنْفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُم حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ
رءُوفٌ رَحيمٌ
أتاك
فصلوات الله وملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه من أهل سمواته وأرضه
عليك يارسول الله
السلام عليكما ياصاحبي رسول الله يا أبا بكر ويا عمر ورحمة الله وبركاته فجزاكما الله عن الإسلام وأهله أفضل ماجازی به وزیری نبي في وعلى حسن خلافته في أمته بعد وفاته فقد كنتما محمد وزیری
حياته
صدق وخلفتماه بالعدل والإحسان في أمته بعد وفاته فجزاكمـا الله
عن
ذلك
۷۱
مرافقته في الجنة وإيانا معكما برحمته إنه أرحم الراحمين اللهم إني أشهدك وأشهد رسلك وأشهد أبا بكر وعمر وأشهد الملائكة النازلين بهذه الروضة الكريمة والعاكفين عليها أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المرسلين وأشهد
أن كل ما جاء به من أمر ونهى عما كان أو ما هو كائن فهو صدق لاشك فيه
رسولك
ولا امتراء وأنى مقر لك بجنايتي ومعصيتى فى الخطرة والفكرة والإرادة والفعلة وما استأثرت به على إذا شئت أخذت وإذا شئت عفوت عنه مما هو متضمن للكفران والنفاق أو البدعة أو الضلالة أو المعصية أو سوء الأدب معك وأنبيائك وأوليائك من الملائكة والإنس والجن وما خصصت به من شيء في ملكك فقد ظلمت نفسى يجميع ذلك فامنن على بالذى مننت به على أوليائك فإنك أنت الله الملك المنان الكريم الغفور الرحيم
لقد كان أبو الحسن جميل المظهر جسماً وملبساً وكان فارساً يركب الخيل وكان غير متحرج فيما يتعلق بالمأكل والمشرب من حيث النوع وإن كان
ويقتنيها
يتحرج
كل التحرج فيهما من حيث الحل والحرمة
وكان عالماً أجمل ما يكون العلم وأعمقه
وكان مجاهداً يقف مع الجيوش فى الميدان يعمل على إحراز النصر
وكان مكافحاً يعمل في الحرث والغرس والحصاد وكان عابداً أدت به عبادته إلى قرب قال هو عن حقيقته إنه الغيبة بالقرب
عن القرب لعظم القرب هذا هو أبو الحسن إنه يمثل شخصية المسلم التي أحب الله لكل فرد من خير أمة أخرجت للناس ومن أجل ذلك كتب عنه علية القوم مادحين معترفين بفضله يقول صاحب
۷
المفاخر العلية
وممن ذكره من الأولياء والعلماء في زمنه ومن بعده
الشيخ صفي الدين بن أبي المنصور الشاذلي في رسالته وأثنى عليه الثناء
العظيم على حسب معرفته
والشيخ عبد الله بن النعمان وشهد له بالقطبانية
والشيخ قطب الدين القسطلاني في جملة من لقيه من المشايخ والشيخ تاج الدين بن عطاء الله فى لطائف المنن
والشيخ سراج الدين الملقن فى طبقات الأولياء والشيخ جلال الدين السيوطى في حسن المحاضرة
وسيدى عبد الوهاب الشعراني في طبقاته
والمناوى فى الكواكب الدرية وذكره غير هؤلاء من المشايخ كل واحد منهم يثني عليه ويصفه بما عرف من قدره ا هـ وللشعراء فيه الكثير من الشعر نكتفى من ذلك ببعض ما يقوله الإمام البوصيرى صاحب البردة المباركة رضي الله عنه
وأرضاه
أما
الإمام
الشاذلي
فانقل ولو قدماً
على
قطب
الزمان وغوثه ساد الرجال فقصرت عن شاوه
همم
سر الموجد والسؤدد
طريقه في الفضل واضحة لعين المهتدى آثاره فإذا فعلت فذاك أخذ باليد وإمامه عين الوجود لسان المارب للعلا أو ما مررت على مكان ضريحه و شممت ربح الند من ترب ندى ووجدت تعظيماً بقلبك لو سرى في جلمد سجد الورى للجلمد فقل السلام عليك يابحر الندى الطامي وبحر العلم بل - والمرشد
هذا ولعل خير ما نختم به حديثنا عن شخصية أبي الحسن هو ما كان لهذه الشخصية من أثر روحي على طائفة من أكابر القوم الذين التقوا به وسمعوا منه يقول ابن عطاء الله ونشأ على يد الشيخ رضى الله عنه جماعة كثيرة منهم من أقام بالمغرب كأبي الحسن الصقلى وكان من أكابر الصديقين وعبد الله الحبيبي وكان من أكابر الأولياء
ومنهم من تبعه وهاجر معه إلى مصر منهم شيخنا وقدوتنا إلى الله أبو العباس شهاب الدين أحمد بن عمر الأنصارى المرسى رضي الله عنه ومنهم الحاج محمد القرطبي وأبو الحسن البجائى المدفون بظاهر أشمون الرمان وأبو عبد الله البجائى
والوجهانى والجزار
ومنهم من صحبه بديار مصر منهم الشيخ عبد الله بن منصور المعروف بمكين الدين الأسمر والشيخ عبد الحكيم والشرف البونى والشيخ عبد الله اللقاني والشيخ عثمان البوريجي والشيخ أمين الدين جبريل
ولكل هؤلاء علوم وأسرار وأصحاب أخذوا عنهم ا هـ
العمل بالكتاب والسنة
جاء الدين الإسلامي بتكاليف عديدة لصلاح المجتمع ولصلاح الفرد وهذه التكاليف يتبين من اسمها أن فيها شيئاً من المشقة على هؤلاء الذين لم يتذوقوا الصلة بالله ولما فى التكاليف من مشقة حاول كثيرون التخلص منها بشتى الوسائل أو التأويلات المنحرفة ومن أضل هذه الوسائل ما يزعمه البعض من أنه وصل من الصلة بالله إلى
رفع التكاليف عنه وتلك خدعة شيطانية وقد حاربها أئمة التصوف في مختلف العصور حرباً لا هوادة فيها
ومن هؤلاء الذين حاربوها بشدة أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه كان باستمرار يأمر ويحث على اتباع الكتاب والسنة ويبين أن الانحراف عنهما اتباع للشيطان يقول رضي الله عنه
ما ثم كرامة أعظم من كرامة الإيمان ومتابعة السنة
فمن أعطيهما وجعل يشتاق إلى غيرهما فهو عبد مفتر كذاب أو ذو خطا في العلم والعمل بالصواب كمن أكرم بشهود الملك على نعت الرضا فجعل يشتاق إلى سياسة الدواب وخلع الرضا
ويقول إذا لم يواظب الفقير على حضور الصلوات الخمس في الجماعة فلا تعبأ به هذا في شأن السالك
أما
من يتصدى للدعوة فإن من دعا إلى الله تعالى بغير ما دعا به رسول الله
فهو يدعى على حد تعبير أبي الحسن
6
ولكل وقت عمله المحدد ولكل عمل زمنه المعين والمتابعة الحقة تقتضى ألا تؤخر عن أزمانها يقول أبو الحسن لا تؤخر طاعات وقت لوقت آخر فتعاقب بفواتها أو فوات غيرها أو مثلها جزاء لما ضيع من ذلك الوقت فإن لكل وقت سهماً فحق العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية
وأما تأخير عمر رضى الله عنه الوتر آخر الليل فتلك عادة جارية وسنة ثابتة
ألزمه الله تعالى إياها المحافظة عليها وأنى لك بها مع الميل إلى الراحات والركون إلى الشهوات والغفلة عن المشاهدات !
فهيهات هيهات هيهات !
6
وكثير من الناس يجد شهوة فاسدة في أنماط من العلم منحرفة يعكف عليها
Vo
فتصرفه بالكلية عن كتاب الله وسنة رسوله وتصبح حجاباً بينه وبين الله
وإلى هؤلاء الذين وصلوا إلى هذه الدرجة ينصح الشاذلي
كل علم تسبق إليه الخواطر وتميل إليه النفسن وتلتذ به الطبيعة فارم به وإن كان حقا وخذ بعلم الله الذى أنزله على رسوله واقتد به وبالخلفاء والصحابة والتابعين من بعده وبالأئمة الهداة المبرئين عن الهوى ومتابعته تسلم الشكوك من
والظنون والأوهام والدعاوى الكاذبة المضلة عن الهدى وحقائقه وفى الناس من يزعم أنه وصل فى المحبة إلى درجة تغنيه عن اتباع التكاليف وإلى هؤلاء يقول سمعت هاتفاً يقول إن أردت كرامتي فعليك بطاعتي وبالإعراض عن معصيتي والطريقة المثلى هي أنه
إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة الكشف ودع وقل لنفسك إن الله تعالى قد ضمن العصمة فى الكتاب والسنة ولم يضمنها لي في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة مع أنهم أجمعوا على أنه لا ينبغي العمل بالكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة والنتيجة التي يريد أن يصل إليها تتمثل فيما يلى
ارجع عن منازعة ربك تكن موحداً واعمل بأركان الشرع تكن سنيا واجمع بينهما تكن محققاً
4
- الاستدلال على وجود الله
يقول ابن عطاء الله السكندرى معبراً عن رأى المدرسة الشاذلية وإذا كان من الكائنات ماهو غنى بوضوحه عن إقامة دليل فالمكون أولى بغناه عن الدليل منها ۷ اهـ
وهذه الفكرة إنما هي عودة إلى الطريق الصواب فيما يتعلق بما سماه المتكلمون إثبات وجود الله وهى فكرة وجه إليها الشيخ أبو الحسن مريديه أكثر من مرة فهو يقول كيف يعرف بالمعارف من به عرفت المعارف أم كيف يعرف بشيء من سبق وجوده وجود كل شيء ۸
ويقول أيضاً إنا لننظر إلى الله ببصائر الإيمان فأغنانا ذلك عن الدليل والبرهان وإنا لا نرى أحداً من الخلق هل في الوجود أحد سوى الملك الحق
وإن كان ولابد فكالهباء في الهواء إن فتشته لم تجده شيئاً ا هـ ويتابع أبو الحسن الحديث فيقول ومن أعجب العجب أن تكون الكائنات موصلة إليه فليت شعري هل لها وجود معه حتى توصل إليه أو هل لها من الوضوح ماليس له حتى تكون هي المظهرة له ويقول وكيف تكون الكائنات مظهرة له وهو الذي أظهرها أو معرفة له
وهو الذي عرفها
أخذ
هذا الاتجاه الذى علمه أبو الحسن لتلاميذه ونشره بينهم السكندرى في إذاعته وكتابته على أنحاء شتى فمن ذلك قوله
۷ لطائف المين ص ٢٧ الطبعة التونسية
۸ لطائف المان ص ٢٦ الطبعة التونسية
ابن عطاء الله
VV
وأرباب الدليل والبرهان عموم عند أهل الشهود والعيان لأن أهل الشهود والعيان قدسوا الحق في ظهوره أن يحتاج إلى دليل يدل عليه وكيف يحتاج إلى الدليل من نصب الدليل وكيف يكون معروفاً به وهو المعرف له ا هـ إن أبا الحسن عاد بأتباعه إلى النهج الإسلامى الصادق فيما يتعلق بوجود الله إن وجوده سبحانه أوضح وأظهر من أن يحتاج إلى دليل وإن تقديس الله سبحانه ينأى بالمؤمن عن أن يتخيل - مجرد تخيل - أن الله يحتاج إلى إثبات وجوده وإن جلال الله - وهو جزء من عقيدة المؤمن - يسمو بالمؤمن عن أن ينزل إلى هذا المستوى من الانحراف والواقع أن كل محاولة لإثبات وجود الله إنما هى انحراف عن النهج الإسلامي السليم وإذا كان أبو الحسن قد وجه أتباعه إلى هذا النهج فإنما يتبع في ذلك المنهج القرآني وذلك أن القرآن الكريم وجميع الرسل صلوات الله وسلامه قد نزهوا الله عن أن يحاولوا الاستدلال على وجوده وقدسوه عن
عليهم
يكون وجوده فى حاجة إلى حجة وبرهان
ولقد سار الإمام الشاذلي على هذا النسق متبعاً ومقتديا
بید
أن
أن فكرته أصبحت الآن غامضة كل الغموض ذلك أن بدعة إثبات وجود الله شائعة حتى في الأوساط المستغرقة فى التدين ومن أجل ذلك يتساءل الكثيرون أكان أبو الحسن محقاً في رأيه هذا
ومن أجل إيضاح فكرة أبى الحسن ولأن الموضوع في نفسه جدير إلى حد بعيد بالاهتمام فإننا نستفيض هنا فى شرح هذا الموضوع عسى أن يسود توجيه أبي الحسن فيرجع الناس عن البدعة إلى التوجيه السليم على أن من حق
أبي الحسن علينا - ونحن نكتب عنه - أ أن نستفيض في شرح فكرة من أفكاره كان للعادة والالف وكان للزمن والظروف دخل فى أن أصبحت غير مفهومة فهماً
VA
واضحاً أو غير مقدرة تقديراً صحيحاً
حين بدأ الرسول مع الجهر بدعوته بعد نحو ثلاث سنوات من الإسرار بها فإنه صلوات الله وسلامه عليه لم يبدأ بإثبات وجود الله وإنما بدأ بالبرهنة على صدقه هو وتحدى العرب بصدقه ومن قبل ذلك حين فاجأه الملك في الغار
ونزل الوحى ولم يبدأ الملك أو لم يبدأ الوحى بإثبات وجود الله وإنما بدأ بالأمر
بأن يقرأ الرسول صلوات الله وسلامه عليه باسم ربه
اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ومضى القرن الأول كله ولم يحاول إنسان قط أن يتحدث حديثاً عابراً أو مستفيضاً عن إثبات وجود الله تعالى ومضى أكثر القرن الثاني والمسألة - فيما يتعلق بوجود الله - لا توضع موضع البحث ذلك أن وجود الله إنما هو أمر بدهى لا ينبغي أن يتحدث فيه المؤمنون نفياً أو إثباتاً ولا سلباً أو إيجاباً إن وجود الله من القضايا المسلمة التي لا توضع في الأوساط الدينية موضع البحث لأنها فطرية وأن كل شخص يحاول وضعها موضع البحث إنما هو شخص في إيمانه دخل وفى دينه انحراف فما خفى الله قط حتى يحتاج إلى أن يثبته البشر تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً ومن المعروف أن الدين الإسلامي لم يجئ لإثبات وجود الله وإنما جاء لتوحيد الله وإذا تصفحت القرآن أو التوراة حتى على وضعها الحالي أو الإنجيل حتى في وضعه الراهن فإنك لا تجد أن مسألة وجود الله قد اتخذت في سفر منها مكانة من الأهداف الدينية أو احتلت مكاناً يشعر بأنها من مقاصد الرسالة
تجعلها هدفاً
السماوية
والقرآن الكريم يتحدث عن بداهة وجود الله حتى عند ذوى العقائد المنحرفة
يقول سبحانه وَلَئِن سَأَلتهم من خَلَقَ السَّمَوَات والأرض ليَقُولُنَّ الله
إنهم يقولون إن الخالق هو الله مع أنهم مشركون أو منحرفون بوجه من الوجوه في إيمانهم بالله تعالى وما نزلت الأديان قط لإثبات وجود الله وإنما نزلت لتصحيح الاعتقاد في الله أو لتصحيح طريق التوحيد أما الآيات الكثيرة التى يظن بعض الناس أنها نزلت لإثبات الوجود فليست من ذلك فى قليل ولا فى كثير إنها تبين عظمة الله وجلاله وكبرياءه وهيمنته الكاملة على العالم ما عظم من أمره وما دق منه لا تفوت هيمنته صغيرة ولا كبيرة ولا يخرج عن سلطانه ما دق وما جل
وقد أتت على هذا الوضع لتقود الإنسان إلى إسلام وجهه الله إسلاماً كاملاً بحيث لا يصدر ولا يرد إلا باسمه سبحانه ولا يأتى ما يأتى أو يدع ما يدع
إلا في سبيله تعالى
ومضى القرن الأول على ذلك ومضى القرن الثانى أو أكثره على الفطرة ثم ثم كانت الفلسفة اليونانية
والفلسفة اليونانية فلسفة وثنية لأنها تصدر عن العقل لا عن الوحى وكل فكرة تصدر عن العقل لا عن الوحى فى عالم ماوراء الطبيعة أي في عالم العقيدة إنما هى فكرة وثنية أى أنها فكرة لا حق لها في الوجود لأن عالم العقيدة إنما هو
من اختصاص الله بينه على لسان رسله وكل تدخل من الإنسان في هذا العالم
إنما هو تدخل فيما ليس للإنسان التدخل فيه لأنه اقتحام لساحة محرمة مقدسة أن يدخلها الإنسان إلا دخول الساجد الخاشع الخاضع المسلم لما جاء به
لا ينبغي
الوحي الإلهي
إن الفلسفة اليونانية فى عالم العقيدة فلسفة وثنية إنها وثنية حتى حين تثبت وجود الله ولا يخرجها إثباتها وجود الله عن أن تكون وثنية إنها وثنية بالميدا الذي
قامت عليه وهو مبدأ تأليه العقل البشرى ويستوى بعد ذلك أن تكون قد أثبتت وجود الله أو أنكرته
وهي حينما تثبت وجود الله عقليا ليس في ذلك كبير فائدة ولا يبرر ذلك وجودها ولا قيمة لما تثبته وإثباتها والعدم سواء ذلك أن العقل الذي أثبت
هو العقل الذي يمكنه أن ينكر وهو العقل الذي ينكر بالفعل ولا لزوم إذن للطنطنة والتصفيق الذى نحيي به كل عبقرية فكرية في الشرق أو في الغرب تحاول فكريا أن تثبت وجود الله
إننا لا نقيم عقيدتنا على فكر بشرى مهما كان هذا الفكر عبقريا ويجب على المؤمن ألا يقيم وزناً - أى وزن - لأى نتاج فكرى فى علم ما وراء الطبيعة سواء أخالف معتقده أم وافقه إنه في معتقده يدين الله وحده وكفى بالله مصدراً
وكفى بالله هادياً
وكفى بالله مرشدًا ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط
مستقيم ومن يعتصم بالله فهو حسبه إن كل ما عدا الهدى الإلهى فى عالم الدين إنما هو وثنية وضلال كانت الفلسفة اليونانية فلسفة وثنية بشرية وقد أرادت أن تجد لجاماً يعصمها الخطأ فاخترعت فنا وثنياً آخر هو فن المنطق فما أجدى ولا أغنى ولا تقدم بالفكر الوثنى فى عالم الصواب شروى نقير وبقيت هذه الفلسفة - عبر القرون - على ما هي عليه فيها كل سمات الوثنية من ضلال وخرافات
من
ولقد كانت الأمة اليونانية معذورة بعض العذر فما كان في ربوعها دين منزل من السماء تلجأ إليه مهتدية مسترشدة وماكان مثلها فى ذلك إلا كمثل العصر الجاهلي في الجزيرة العربية فلجأت إلى العقل وألهته وأخذت تثبت به وتنكر
فضلت وأضلت
۸۱
وجاءت الديانة النصرانية مصححة للوضع فنزهت فكرة الألوهية عن تدنيس الوثنية وسمت بالله جل جلاله عن أن تضع وجوده موضع البحث ثم تسللت إليها - كميكروب خبيث - وثنية اليونان فجعلت من وجود الله مجرد وجود الله - باباً ضخماً من أبواب البحث أو من أبواب اللاهوت الكنسي ونزلت
بذلك الفكرة الدينية المقدسة عن الله إلى مستوى الجو الوثنى البشرى ! وجاء الإسلام تطهيراً كاملا للعقيدة وتزكية تامة للإيمان وأعلن بمجرد التسمية الإسلام الحرب على التدخل البشرى فى دين الله ورسالته
الله
فيا الإسلام إلا الاستسلام المطلق لله سبحانه وتعالى إنه الاسترسال على ما يرضيه وهل للإنسان غير هذا بالنسبة لله وهل للمؤمن أن يتصرف تصرفاً آخر وهل إذا تصرف تصرفاً آخر يسمى مؤمناً إن الاسترسال مع الله على ما يحب هو الإسلام وهو الدين ولا دين غيره يقول الله تعالى إنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الإِسْلام
ويقول سبحانه وَمَن يبتغ غير الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يقبل مِنْهُ وإن كل من لا يستسلم لله فى وحيه استسلاماً مطلقاً فإنه يبتغى – في قليل أو
في كثير حسب انحرافه – غير الإسلام ديناً
ولقد كان الإسلام توجيهاً وكان مبادئ
ومن توجيه الإسلام أن وجود الله لا ينبغى أن يوضع موضع البحث وكل من وضعه موضع البحث فإنه بذلك يعدل عن توجيه الله تعالى إلى توجيه بشرى
إنه يبتغى غير الإسلام موجها
وابتغى المسلمون الأول الإسلام توجيهاً كما ابتغوه مبادئ وسار الأمر على ذلك إلى أن تسللت الفلسفة اليونانية - كميكروب خبيث - إلى الجو الإسلامي تسللت في عهد المأمون وتولى كبر هذا التسلل المأمون وشجعه على ذلك معتزلة
۸
عصره وقابل المؤمنون ذلك بكثير من النفور وحق لهم ذلك فما كان منطق الدين ولا منطق الفطرة السليمة يقضى بأن تكون راية العصمة أى راية الدين الإلهي مرفوعة ترفرف على ربوع الأمة الإسلامية في محيط العقيدة فنميل بهذه الراية قليلا أو كثيراً لنرفع بجوارها راية أرسطو أو رابة أبيقور
ورفع المأمون راية الانحراف والوثنية بجوار راية الهداية المعصومة وعارض المؤمنون واحتجوا وبينوا أن الوثنية ولو وافقت الدين فهي وثنية ولكن النهج الوثنى أخذ يقوى شيئاً فشيئاً ثم طلب التصريح بالإقامة واستوطن ومعاذ الله أن تكون عقائد الإسلام الكبرى – الإيمان بالله وبالرسالة وبالبعث - قد تلوث بالوثنية كلا وإنما الذى تلوث بالوثنية - وإلى حد كبير - إنما هو النهج والنزعة والاتجاه فى البحث ومنهج البحث وليس ذلك بالأمر الهين أو الذي لا يؤبه له كلاً فذلك له خطورته فى جانب قوة الإيمان وضعفه
وفرق بين أن تأخذ قضايا الوحى مأخذ المستسلم المسترسل معها على ماتريد وأن تأخذها محكماً فيها عقلك مؤولا لها أو عادلا بها إلى اتجاه خاص أو شارحاً لها على نزعة معينة
وبتعبير آخر فرق بين أن تصدر عن الوحى متفهماً له بعقلك وبين أن تصدر عن عقلك متفهماً للوحى ولعل بعض الناس لا يرى فرقاً في التعبيرين ولكن الفرق كبير إذا نظرنا إلى الوضع الإنسانى فهو إما أن ينطلق عن الوحى قائداً العقل إلى الخضوع له وإما أن ينطلق عن العقل محاولا تأويل الوحى بما يوافق النتائج التي وصل إليها العقل والأول طريق المؤمنين المسلمين والثانى طريق الفلاسفة أو نهج الوثنيين والنهج الوثنى - نهج إثبات وجود الله - هو الذى أتاح الانحراف الكامل أى إنكار وجود الله فما دام النهج الوثنى قد أعطى حق الوجود فإن الوثنية
- كمنهج - تأتى بالوثنية كنتائج
إن وضع مسألة وجود الله موضع البحث هو الذى هيأ لذوى الفطر المنحرفة أن يلحدوا في دين الله وأن يكفروا به سبحانه وهذه نتيجة أولى أما النتيجة الثانية فإنها ضعف الإيمان وإذا كنت تضع الوجود الإلهى - مجرد الوجود – موضع بحث فمعنى ذلك أنك وضعته موضع شك وريبة ولو لم يكن كذلك لما وضع موضع البحث وإذا كان الوجود الإلهى - مجرد الوجود - موضع شك وريبة فماذا بقى من أمور الدين لا يوضع موضع شك وريبة إن الإيمان فى هذه الأوضاع الوثنية لا يتأتى إلا يخبو شيئاً فشيئاً حتى يصبح كلا إيمان وهذا هو ماحدث في الأمة الإسلامية لقد وصل إيمانها إلى درجة يكاد معها
أن
L
أن يكون معدوماً وما ذلك إلا لتغلغل النهج الوثنى فى بحث قضايا الدين ومبادئه لقد أصبحت قضايا الدين كل قضاياه موضع بحث وهل يتأتى أن تبقى قضية
من قضايا الدين في مجال اليقين بعد أن وضع وجود الله - مجرد وجوده سبحانه - موضع البحث نستغفرك اللهم ونتوب إليك ونعود فنقول إن الدين فى نفسه محفوظ بحفظ الله لكتابه العزيز
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
ولكن الذي نشكو منه إنما هو النهج أو المنهج أو النزعة أو الاتجاه في البحث إن الذى نشكو منه إنما هو منهج البحث الوثني وإذا شئت قلت إنما هو منهج البحث اليونانى
سئل أحد العارفين عن الدليل على الله فقال الله
فقيل له فما العقل فقال العقل عاجز لا يدل إلا على عاجز مثله
أما الإمام الكبير العارف بالله ابن عطاء الله السكندري الذي جمع بين رئاسة
٨٤
الشريعة ورئاسة الحقيقة فإنه يقول
إلهى كيف يستدل عليك بما هو فى وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من
الظهور ماليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل بدل
عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك
أن كيف يتصور
أن كيف يتصور
يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء
يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذى ظهر في كل شيء
كيف يتصور
أن
كيف يتصور
أن
كيف يتصور
يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء
يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء
يحجبه شيء وهو الواحد الذي ليس معه شيء كيف يتصور يحجبه شيء وهو أقرب إليك من كل شيء
كيف يتصور أن يحجبه شيء ولولاه ماكان وجود شيء شتان بين من يستدل به أو يستدل عليه المستدل به عرف الحق لأهله فأثبت الأمر من وجود أصله والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه ومتى بعد حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه
رحم
الله أبا الحسن وجزاه الله ومدرسته خير الجزاء على هذا التوجيه السليم
ه - أجواء في القرآن الكريم
يقول الله تعالى في سورة لقمان
وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أقلام وَالْبَحْرِ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرِ
مَا نَفِدَت كَلِمَاتُ الله إِنَّ الله عزيز حكيم
٨٥
إن أسرار القرآن الكريم لا يحصرها حاصر ولا يحيط بها محيط وكل إنسان يفهم من أسرار القرآن على قدر استعداده وما من شك في أن المعنى المطلوب وجوباً اتباعه أو المطلوب وجوباً تركه واضح كل الوضوح لا لبس فيه ولا تعقيد
بید
الإشارات الروحية والتوجيهات الإلهية للقلوب والبصائر من خلال القرآن الكريم لا يحيط بها عد ولا يأتى عليها الزمن ومن هنا كان صادقاً ما يقوله أحد المفكرين وقد سئل عن خير تفسير للقرآن فقال الزمن
هذه الإشارات للقلوب والبصائر تنبع وتفيص وتزداد بنسبة زيادة الإمعان في تحقيق معنى العبودية لله سبحانه وتعالى
وهى إشارات لا تحرم حلالا ولا تحل حراماً إنها ليست من نوع تأويلات الباطنية هذه التأويلات المنحرفة والتي يهدمها من أساسها في سهولة ويسر عمل رسول الله الله فقد طبق صلوات الله وسلامه عليه دين الله تطبيقاً هو الأسوة التي تحتذى والتي إذا خرج الإنسان عن دائرتها فى الدين فإنه يكون خاطئاً ضالاً لقد أخرج رسول الله الا الله وصحابته البررة الأصفياء الأوامر الإلهية والنواهي الإلهية عن دائرة النظريات إلى دائرة العمل وتحدد بذلك المعنى المقصود من الأوامر والنواهي تحديداً لا لبس فيه وكل تأويل إذن للأوامر والنواهي يخرجها عن أن تكون مطابقة لعمل الرسول ع لعل الله وعمل الصحابة فإنما هو تأويل باطني
ضال
أما الإشارات التي تثبتها هنا فإنها إشارات روحية ترشد إلى معارج للروح تتسامى بازدياد الإنسان فى القرب من الله عن طريق الاستقامة ولقد سمينا هذه الإشارات أجواء فإن لكل ولى جوه الذي لا يتعارض مع جو الأولياء الآخرين وإن كان عبيره الزكي قد يختلف عن العبير الزكي الذي يشع
من زميله وما من شك فى أن أريج الزهور المختلفة ذوات الروائح الجميلة
6
محبب كله مرغوب فيه جميعه ولكن الإنسان قد يميل بطبعه إلى نوع منها
أكثر
من ميله إلى نوع آخر ولم يفسر أبو الحسن القرآن تفسيراً كاملا ولم يشرح صحيح البخارى أو صحيح مسلم ولم يرو مؤرخوه في تفسير القرآن وفى شرح الحديث أشياء كثيرة وقد حاولنا بقدر الاستطاعة أن نجمع من هنا وهناك ما تناثر من الدرر التي تتعلق بالقرآن أو بالحديث ولم يتيسر لنا - لقلتها ١- أن ننسقها باقات أو أن مذهبها مذاهب أو أن نقسمها فصولا أو أن نلتزم فيها التحديد الموضوعى المحدد وسنرسلها دون أن نلتزم فيها أى ترتيب اللهم إلا ترتيب الذوق
وهي على كل حال بوضعها الذى هى عليه تعطى فى وضوح صورة عن جو أبي الحسن الروحي وتبعث في النفس أسفاً شديداً على ماتطرق إلى مثيلاتها من إهمال أو نسيان ۱ - سئل رضى الله عنه عن تفسير بسم | الله الرحمن الرحيم فقال النقض
لما انبرم ٢ - وقال إن أردت الصدق فى القول فأكثر من قراءة
إنَّا أَنزَلْنَاهُ فى لَيْلَةِ القَدْرِ
وإن أردت الإخلاص في جميع أحوالك فأكثر من قراءة
قُل هو الله أحد
وإن أردت تيسير الرزق فأكثر من قراءة
قُل أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ
وإن أردت السلامة من الشر فأكثر من قراءة
قُل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ
۸۷
إذا كثرت عليك الخواطر والوسواس فقل سبحان الملك الخلاق
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبكُم وَيَأْتِ بِخَلقِ جَديد وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بعزيز ٤ - إذا ورد عليك مزيد من الدنيا أو الآخرة فقل حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون
"
ه - من أجل مواهب الله الرضا بمواقع القضاء والصبر عند نزول البلاء والتوكل على الله عند الشدائد والرجوع إليه عند النوائب فمن خرجت له هذه الأربع من خزائن الأعمال على بساط المجاهدة ومتابعة السنة والاقتداء بالأئمة فقد صحت ولايته لله ولرسوله وللمؤمنين
وَمَن يَقُول الله وَرَسُوله والذين آمَنُوا فَإن حزب الله هُمُ الغَالِبُونَ ومن خرجت له من خزائن المنن على بساط المحبة فقد تمت ولاية الله له بقوله وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالحين
ففرق بين الولايتين فعبد يتولى الله وعبد يتولاه الله فهما ولايتان صغری وکبری فولايتك الله خرجت من المجاهدة وولايتك لرسوله خرجت من متابعتك لسنته وولايتك للمؤمنين خرجت من الاقتداء بالأئمة فافهم ذلك من
قوله وَمَن يَقول الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإن حزب الله هُم الغَالِبُونَ ۹
1 - خصلة واحدة تحبط الأعمال ولا يتنبه لها كثير من الناس وهي سخط
العبد على قضاء الله تعالى قال تعالى
ذَلِكَ بَأَنهم كَرِهُوا مَا أنزل الله فَأَحْبَطَ أَعْمَاهُمُ
إذا ثقل الذكر على لسانك وكثر اللغو من مقالك وانبسطت الجوارح في شهواتك وانسد باب الفكرة في مصالحك فاعلم أن ذلك من عظيم
أوزارك أو لكمون إرادة النفاق في قلبك
۹ لطائف المنن ص
وليس لك طريق إلا التوبة والإصلاح والاعتصام بالله والإخلاص في دين الله تعالى ألم تسمع قوله تعالى إلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصموا بالله اللَّهُ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
وأخلصوا دينهم ولم يقل من المؤمنين فتأمل هذا القول إن كنت فقيهاً والسلام ۳۰ وقال رضى الله عنه في قوله تعالى
لَقَد تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ والمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَار الَّذِينَ اتَّبَعُوه في ساعة العسرة من بَعْدِ مَا كَادَ يزيغ قلوب فَرِيق مِنْهُم ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِم
ذكر توبة من لا يذنب لئلا يستوحش من أذنب لأنه ذكر النبي الله والمهاجرين والأنصار ولم يذنبوا ثم قال وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلَّفُوا فذكر من لم يذنب ليؤنس من قد أذنب فلو قال أولا لقد تاب الله على الثلاثة الذين خلفوا لتفطرت أكبادهم - وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه كنت مع الشيخ في سفر ونحن قاصدون إلى الإسكندرية حين مجيئنا من المغرب فأخذنى ضيق شديد حتى ضعفت عن حمله فأتيت إلى الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه فلما أحس بي قال أحمد قلت نعم ياسيدى قال آدم خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته وأسكنه الجنة نصف يوم - خمسمائة عام - ثم نزل به إلى الأرض والله مانزل الله بآدم إلى الأرض لينقصه ولكن نزل به إلى الأرض ليكمله ولقد أنزله إلى الأرض من قبل أن يخلقه بقوله تعالى إني جاعل في الأرْضِ خَلِيفَة
إهانة
وما قال في الجنة ولا في السماء فكان نزوله إلى الأرض نزول كرامة لا نزول فإنه كان يعبد الله فى الجنة بالتعريف فأنزله إلى الأرض ليعبده
۳۰ درة الأسرار ص ٥٠
بالتكليف فلما توفرت فيه العبوديتان استحق أن يكون خليفة وأنت أيضاً لك قسط من آدم كانت بدايتك في سماء الروح فى جنة المعارف فأنزلت إلى أرض النفس لتعبده بالتكليف فلما توفرت فيك العبوديتان استحققت أن تكون خليفة ۳۱
- تتجافى جُنُوبهم عَن المَضَاجِع
أتراهم منع جنوبهم عن مضاجع النوم وترك قلوبهم مضجعة وساكنة لغيره
بل رفع قلوبهم ولا يضاجعون بأسرارهم شيئاً ! فافهم هذا المعنى
تتجافى جنوبهم عن مضاجعة الأغيار ومنازعة الأقدار يَدْعُون ربهم خوفاً وَطَمَعاً فالخوف منه قطعهم عن غيره وبالشوق إليه أطمعهم فيه وَمِمَّا رَزَقْنَاهم ينفقونَ ولو وسعنى بسط الكلام ههنا لكتبت لك سجلات لكن الحق قهر القلوب بقدرته وأنعشها بحكمته وأغناها بمناجاته عن مخاطبة
خلقه !
۱۰
من سوء الظن بالله أن يستنصر بغير الله من الخلق قال تعالى من كَانَ يَظُن أن لَن يَنْصُره الله في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُد بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ ليَقطَعْ فَليَنظُر هَل يُذْهِنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ
١١ - إذا عرض لك عارض يصدك عن الله فاثبت قال الله تعالى يَايُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُم فِئَةٌ فَائبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۱ - من النفاق التظاهر بفعل السنة والله يعلم منه غير ذلك ومن الشرك بالله اتخاذ الأولياء والشفعاء من دون الله
۳۱ لطائف المنن ص ٥٣ ٥٤
قال الله تعالى مَالَكُم مِن دُونِه مِن وَلَى وَلَا شَفِيعِ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ۱۳ - مراكز النفس أربعة مركز للشهوة فى المخالفات ومركز للشهوة في الطاعات ومركز فى الميل إلى الراحات ومركز في العجز عن أداء المفروضات فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتمُوهُم وَخُذُوهُم وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُم كُل مرصد فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاة وآتوا الزَّكَاة فَخَلُّوا سَبِيلَهُم إِنَّ اللَّهَ غَفُور
رحيم
١٤ - من الشهوة الخفية للولى إرادته النصرة على من ظلمه وقال تعالى الأكبر لال فَاصْبِر كَمَا صَبَرَ أُولُو العَزْمِ مِن الرُّسل
للمعصوم
أى فإن الله تعالى قد لا يشاء إهلاكهم ١٥ - من أحصن الحصون من وقوع البلاء على المعاصي الاستغفار قال الله تعالى وَمَا كَان الله ليُعَذِّبهم وأنت فيهم ومَا كَان الله مُعَذِّبَهُم وَهُم
يستغفرون ١٦ - لو علم نوح عليه السلام أن في أصلاب قومه من يأتي يوحد الله عز وجل ما دعا عليهم ولكان قال اللهم اغفِر لِقومِي فَإِنَّهُم لَا يَعْلَمُونَ كما قال رسول الله الا الله فكل منهما على علم وبينة من الله تعالى
قرأت ليلة قوله تعالى
وَلا تَتَّبع أهواء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُم لَن يُعْنُوا عَنكَ مِن اللَّه شَيْئًا
فنمت فرأيت رسول الله وهو يقول
أنا مِمَّن يعلم وَلا أَغْنى عَنْكَ مِن الله شيئاً ۱۸ - سمعت الحديث الوارد عن رسول الله إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرَّة فأشكل على معناه فرأيت رسول الله
وهو يقول لي يا مبارك ذاك غين الأنوار لا غين الأغيار
۹۱
۱۹ - سمعت الحديث المروى عن رسول الله
من سكن خوف الفقر قلبه قل ما يرفع له عمل فمكثت سنة أظن أنه
لا يرفع لى عمل أقول ومن يسلم من هذا فرأيت رسول الله له في المنام وهو يقول لى يا مبارك أهلكت نفسك فرق بين خطر وسكن
قيل له
اعلم أيدك الله بنور البصيرة وصفاء السريرة أن رسول الله الله من أولياء الله يارسول الله قال الذين إذا رُءُوا ذُكر الله فافهم معنى قوله إذا رءوا فاعدل عن رؤية الأجسام إلى رؤية المعاني والأفهام عدولا كاملا عن رؤية البصر العامية التي تقع الشركة فيها مع الأنعام التي لا بصيرة لها واهتد بنور الله المستودع فى القلوب الذى به نظروا واعتبروا ووقفوا وتحققوا ولا تكن مثل أولئك
الذين قال الله تعالى فيهم وَتَرَاهُم يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرون هذا صريح في أطيب الخلق وأبصرهم وبه وبنوره وبطيبه طاب كل شيء وإنه لأمر عجيب في إيثاره الطيب لاتفاق العلماء أن رائحته أطيب من كل طيب فافهم وادخل في ميدان معرفته لتسليماً
ومالك لا تقول كما قال والله ما أكل إلا لنا ولا شرب إلا لنا ولا نكح إلا لنا كذلك لا يطيب إلا لنا فهو إذن أصل كل طيب وبهاء كل معدن وهو معدن المعادن فاقتبس من نوره واغترف من بحره واشرب من معرفته وتزين بطاعته تكن الأشياء طوع يديك ۱ - العارف من عرف شدائد الزمان فى الألطاف الجارية من الله عليه وعرف إساءة نفسه في إحسان الله إليه فَاذْكُرُوا آلاء الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ - وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَهُ مَحْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِب فسر سهل بن عبد الله هذه التقوى من الحول والقوة وعدل عما تزين به البطالون من ظاهر التقوى مع دنس باطنه وهذا صحيح في عبد ظاهر المعاصي
۹
وأضاف
والشهوات ويحمل نفسه على أنواع الطاعات وقد سد الأفق بالدعاوى الحول والقوة إلى نفسه فهذا عبد قد جاوز الحدود وأعظم الفرية والعجب فلا يقوم خيره بشره والمحققون ينسبون له ۳ الأشياء وينظرون إلى البواعث والثمار فإذا فقدت الثمار علموا أن علمه وعمله مدخولان وإذا فقدت البواعث الصحيحة في الأصول فلا يعتبرون بأعمالهم قال الله عز وجل
وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَهُ مَخْرَجاً
فيا مدعى التقوى أين المخرج فإذا رأيت المخرج ثمرة لتقواك وذلك بوعد الله وضمانه فأنت على الصواب والخير وإذا لم تجد بتقواك إلا تحيراً فمن الصادق ومن الكاذب
وَمَن أَصْدَق من الله قيلاً وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُه
ولا يصح التوكل إلا لمتق ولا تتم التقوى إلا لمتوكل فدققوا النظر في البواعث والأصول والثمار والله يحب الصابرين ۳ - جاء في الحديث
من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين فإذا كان الحق سبحانه قد رضى لهم أن يشغلهم ذكره عن مسألته فكيف
لا يرضى لهم أن يشغلهم ذكره والثناء عليه عن الانتصار لنفوسهم
ومن عرف الله سد عليه باب الانتصار لنفسه إذ العارف قد اقتضت له معرفته ألا يشهد فعلاً لغير معروفه فكيف ينتصر من الخلق من يرى الله فعالا فيهم وكيف يدع أولياءه من نصرته وهم قد ألقوا نفوسهم بين يديه مسلمين
۳ أي الله سبحانه
ومستسلمين لما يريد منهم حكمًا فهم فى معاقل عزه تحت سرادقات مجده يصونهم من كل شيء إلا من ذكره ويقطعهم عن كل شيء إلا عن حبه ويختارهم من وطن
كل شيء إلا من وجود قربه ألسنتهم بذكره لهجة وقلوبهم بأنواره بهجة و لهم وطناً بين يديه فقلوبهم جائمة في حضرته وأسرارهم محققة بشهود أحديته ٢٤ - رأيت كأني في عليين الملائكة المقربين في نعيم لا أبغى عنه بدلا فقالوا سر إلى الزيادة فسرت معهم فدخلت في موطن كريم لا أقدر على وصفه طامعاً فى الشهود فإذا أنا بشهود لا أقدر على وصفه
فقيل من كففت جوارحه عن معصيتي وزينته بحفظ أمانتي وفتحت قلبه
4
لمشاهدتى وأطلقت لسان سره لمناجاتى ورفعت الحجاب بينه وبين صفاتي وأشهدته معانى أرواح كلماتي فقد زحزحته عن النار وأدخلته جنتى وفاز بقربي وصحبته ملائكتي فَمَنْ زُحْزِحَ عَن النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ فهذه جنة معجلة لأهل الإيمان البالغ يقيناً وسيدخلونها يوم الجزاء بأبدانهم ذوقاً وحسا وعياناً ثم أناديهم بالعبارة والإشارة واللطف والحقيقة يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكم الشَّيْطَان كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِن الْجَنَّة ٢٥ - الكاملون حاملون لأوصاف الحق وحاملون لأوصاف الخلق فإن رأيتهم من حيث الخلق رأيت أوصاف البشر
وإن رأيتهم من حيث الحق رأيت الأوصاف التي زينهم بها فظاهرهم الفقر وباطنهم الغنى تخلقاً بأخلاق رسول الله قال تعالى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى أفتراه أغناه بالمال
كلا وقد شد الحجر على بطنه من شدة الجوع وأطعم الجيش كله من صاع وخرج من مكة على قدميه ليس معه شيء يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه
إبط بلال
منه
ومن الشرك بالله غير ذلك
٢٦ - من النفاق التظاهر بفعل السنة والله يعلم اتخاذ الأولياء والشفعاء من دون الله قال الله تعالى
مَا لَكُم مِن دُونِه مِن وَلَى وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ
۷ - العلوم التي وقع الثناء على أهلها وإن جلت فهي ظلمة في علوم ذوى
التحقيق وهم الذين غرقوا فى تيار بحر الذات وغموض الصفات فكانوا هناك بلاهم وهم الخاصة العليا الذين شاركوا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في أحوالهم فلهم فيها نصيب على قدر إرثهم من مورثهم قال النبي له العلماء ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
أي يقومون مقامهم على سبيل العلم والحكمة لا على سبيل التحقيق بالمقام والحال فإن مقامات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد جلت أن يلمح حقائقها غيرهم ۸ - كل وارث فى المنزلة الموروثة لا يكون إلا بقدر مورثه فقط قال تعالى وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبيين عَلَى بَعْض كما فضل بعضهم على بعض كذلك فضل ورثتهم على بعض إذ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أعين للحق وكل عين يشهد منها على قدرها وكل ولى له مادة مخصوصة ۹ - لا تختر من الأمر شيئاً واختر ألا تختار وفر من ذلك المختار فرارك من كل شيء إلى الله تعالى وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختار مَا كَانَ لَهُم الخيرة وكل مختارات الشرع وترتيباته فهى مختار الله وليس لك منه شيء ولا بد لك منه واسمع وأطع وهذا موضع الفقه الربانى والعلم الإلهى وهي أرض لعلم الحقيقة المأخوذة عن الله تعالى لمن استوى فافهم ! ٣٠ - وقال رضى الله عنه هممت أن أدعو على ظالم فنوزعت في ذلك فرأيت أستاذي رضي الله عنه يقول لى إن الله إن يشأ إهلاك ظالم فلا تستعجل
٩٥
له فالاستعجال بالهلاك للأعداء وإرادة النصر للأولياء من الشهرة الخفية ومن أظلم ممن ينازع إرادة مولاه وتبع شهوة نفسه وهواه وقد أمر المعصوم الأكبر
ونهى بقوله تعالى
فاصبر
كما
صبر أولُو العَزْمِ مِن الرُّسُل وَلَا تَسْتَعْجِل لَهُم
ويقوله تعالى فَاصْبِرِ إِنَّ العَاقِبَةِ لِلْمُتَّقِينَ فالإيمان محو الصفات بالصفات والأسماء بالأسماء وتفريق الذوات بالذوات لتحقيق ما هو الأول والآخر والظاهر والباطن فأي شيء كان معه آخراً حتى يكون معه أولا وأى شيء كان معه ظاهراً حتى يكون معه باطناً فما ثبت من المخلوق فيإثباته وما محى فبمشيئته وإرادته وخذ ذلك من قوله تعالى يَمْحُوا الله مَا يَشَاءُ وَيُثبت وَعِنْدَه أُمُّ الكِتَابِ
وهو العلم الأول وعنه صدر كل علم وكتاب ۳۱ - وقال رضي الله عنه إن أردت أن تنظر ببصر الإيمان والإيقان دائماً فكن لنعم الله شاكراً وبقضائه راضياً
-۳
ومَا بِكُم مِن نِعْمَة فَمِن الله ثُمَّ إِذَا مَسَّكُم الضُّر فَإِلَيْهِ تَجْأَرُون قرأت سورة الإخلاص والمعوذتين ذات ليلة فلما انتهيت إلى قوله تعالى من شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ رأيت بعد ذلك يقال لى شر الوسواس وسواس يدخل بينك وبين حبيبك وينسيك أفعالك الحسنة ويكثر عندك ذات الشمال ويذكرك أفعالك السيئة ويقلل عندك ذات اليمين ليعدل بك عن حسن الظن بالله ورسوله إلى سوء الظن بالله ورسوله
٣٣ - ألق بنفسك على باب الرضا وانخلع عن عزائمك وإرادتك حتى عن
توبتك بتوبته قال الله تعالى ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِم لِيَتُوبُوا
9
٦ - الطريق الصوفي
إن كلمة الإسلام التي وضعت اسماً للدين عند الله الدين الذي لا يقيده زمن ولا يحده مكان تتضمن في مفهومها الكريم المعاني الأخلاقية السامية فإنها تعنى إسلام الوجه الله وتتسع لأقصى ما يتطلبه الذاهب المجد في السير إلى الله لقد سئل رسول الله - في حديث صحيح من مرويات الإمام مسلم - عن الإسلام فقال صلوات الله وسلامه عليه أن يسلم لله قلبك وأن يسلم المسلمون
من لسانك ويديك وإسلام القلب الله إسلاماً كليًّا على قدر الاستطاعة التي تناسب كل فرد والتي تختلف في الأفراد لاختلاف طبائعهم إنما هو هدف الصوفى ولقد كان إسلام القلب لله هدف أبي الحسن هدفه لنفسه وهو حينما وصل في مجاهداته إلى إسلام قلبه لمولاه حاول ما استطاع أن يصل بأتباعه إلى ذلك فأخذ يبشر بكل ما يؤدى إلى هذا المعنى والجو الذى يعيش فيه أبو الحسن إذن إنما هو جو
للآخرين
عبودية وهل العبودية إلا إسلام الوجه لله
وهدفه
وتوكل وهل التوكل إلا التعبير عن إسلام الوجه لله وإخلاص وماذا يكون إسلام الوجه الله إن لم يين على الإخلاص وإن لم يثمر الإخلاص
ومحبة وهل يتأتى إسلام الوجه لله إلا عن المحبة له تعالى
وإسلام الوجه لله يسبقه ويرافقه الذكر والعبادة
وأخذ أبو الحسن يقود الناس إلى إسلام الوجه الله بالمثال والقدوة وبالحديث
والشرح وبين لهم أنهم إذا أسلموا وجههم إليه كانوا في كفالته ورعايته وكانوا بذلك في أمن وسلام ألا إن أَوْلِيَاءَ الله لا خوف عَلَيْهِم وَلَاهُم يَحْزَنُون الذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُم البُشْرَى فى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَات الله ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ العَظِيمُ
وهم
وأراد أبو الحسن أن يسير بحسب استعداده للعروج وهو يصف القمة أهل الله وخاصته بهذه الكلمات الجميلة أما أهل الله وخاصته فهم قوم جذبهم عن الشر وأصوله واستعملهم في الخير وفروعه وحبب إليهم الخلوات وفتح لهم سبيل المناجاة فتعرف إليهم فعرفوه وتحبب إليهم فأحبوه وهداهم السبيل إليه فسلكوه فهم به وله
لا يدعهم لغيره ولا يحجبون عنه بل هم محجوبون به عن غيره لا يعرفون سواه ولا يحبون إلا إياه أولئك الذين هداهم الله وأولئك
الألباب ا هـ
هم
أولو
وليس كل الناس يستطيع ذلك ولا يطمع أبو الحسن أن يصل بهم جميعًا إلى هذا ولكن إذا كانت طبيعة الأمور تأبى التسوية في الطبائع فإنها لا تأبى إشاعة جو من النور والعبودية والإخلاص يقبس منه كل بحسب استعداده ويحسن بنا قبل الطريق الصوفى أن نتحدث عن التصوف في رأى أبي الحسن يقول رضي الله عنه
رسم
التصوف تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية
وهذا التعريف يشبه التعريف الذى ذكره الخلدى المتوفى سنة ٣٤٨ هـ للتصوف وهو طرح النفس فى العبودية والخروج من البشرية والنظر إلى الحق بالكلية ويشبه التعريف الجميل للتصوف الذي ذكره رويم المتوفى سنة ٣٠٣ هـ
وهو استرسال النفس
مع
الله تعالى على مايريد
۹۸
وهذه التعريفات للتصوف إنما هى تعريفات بالوسيلة أي أنها على الخصوص تعريف للطريق الذى يؤدى إلى الغاية وليست تعريفاً للغاية ومن أجل أنها تعريف للطريق أتى تعريف الصوفي في رأى أبي الحسن متساوقاً لتعريفه للتصوف فهو يقول عنه الصوفى فيه أربعة أوصاف
1 التخلق بأخلاق الله عز وجل
ب المجاورة لأوامر الله
جـ ترك الانتصار للنفس حياة من الله
الله
د ملازمة البساط بصدق البقاء وما من شك في أن هذه الأحاديث عن التصوف وبعبارة أدق عن الطريق الصوفي تتساوى وتتكامل مع ما يتحدث به أبو الحسن عن الصديقين وعن قربهم من الحق سبحانه ومشاهداتهم في الملإ الأعلى وبذلك تكمل الصورة عن
التصوف وهي
D
١ - تصفية للنفس كوسيلة
- وقرب ومشاهدة كغاية
والتصوف يتضمن الوسيلة والغاية أو الطريقة والحقيقة
لتأخذ الآن في رسم الطريق ونحن في رسمنا هذا إنما نرسم على الخصوص ه جوا روحيا إننا نحاول نشر عبير ونحاول نفث أريج نأمل أن يهيئ الله لتنسمه الكثيرين من عباده وأن يهدى له ويهدى به وسنحاول - ما أمكن - رسمه بأسلوب أبي الحسن نفسه ونرجو من الله
التوفيق
49
۱ - الإخلاص
يقول الله تعالى ألا لله الدينُ الخَالِصُ وهو سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك ومن أجل ذلك لابد من الإخلاص وهو في ذروته نور من نور الله استودعه قلب عبده المؤمن فقطعه به عن غيره فذلك هو
هوى
الإخلاص الذي لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا فيميله وإلى ذلك الإشارة بقوله عزوجل فيما يحكى عنه جبريل عليه السلام لرسول الله الإخلاص سر من سرى استودعته قلب من أحببت من
عبادی والإخلاص على ضربين
۱ إخلاص الصادقين
ب إخلاص الصديقين
غيره
فإخلاص الصادقين لطلب الأجر والثواب
۳۳
وإخلاص الصديقين وجود الحق مقصوداً به لا شيء غيره ولا شيء من
ويتحدث أبو الحسن عن صفات المخلصين فيقول
رجال جبلهم على حسن عبوديته وأخلصهم لإخلاص توحيد ربوبيته واتباع شريعته فيما منع أسرارهم بأنوار حضرته وأمد أرواحهم بمعانى المعارف وخصائص عنايته وأجال عقولهم فى عظمته وزكى نفوسهم فأحرزها وأخرجها من ظلمة الجهل وهداهم بنجوم العلم وشمس معرفته وأيد عقائدهم ببرهان
۳۳ درة الأسرار ۱۱ ۱۱۳
كتابه وسنته ومحا عزائمهم بتحقيق غلبة مشيئته وطوى إرادتهم بتيقن وقفها على إرادته وزينهم بزينة الزهد وحلية التوكل وشرف الورع ونور العلم وضياء وألهمهم لفضله وطوله وتولاهم فأغناهم به عن غيره
المعرفة
6
وجعل منهم مفاتيح لقلوب الورى وينابيع الحكمة الكبرى يتلقونها شرعاً ويلقونها لأهلها سرا وجهراً ومنهم من سترته الأقدار وحجبته عن الأغيار لينفرد بالتمكن في حقيقة الأسرار تعرف كلاً بسيماهم باطنهم مع الحق وظاهرهم فهم هم ولا هم هم فى الوجود بوصف الغناء ظاهرين صفوا وافترقوا في سيرهم سنتاً ظاهرهم الفقر وباطنهم الغنى يتخلقون بأخلاق نبيهم ال له كما قال العلى الأعلى وَوَجَدَك عَائِلاً فَأَغْنَى
مع
الخلق
أفتراه أغناه بالمال كلا وقد شد الحجر على فؤاده وأطعم الجيش من صاع وخرج من مكة على قدميه لله وركب فوق البراق وعرج به إلى السماء العلا إلى سدرة المنتهى ورأى ما رأى ما كذب الفؤاد ما رأى فانظر إلى حال الغنى فى الوصفين واشهد شرف أوصافه في الحالين فإن قلت
على
بشر قلت لا كالبشر كما تقول فى الياقوت حجر لا كالحجر وفى العباد نبي ورسول يدعو بالحق إلى الحق فأعطى الأولياء منه ميراثاً من النبيين بين الخلق إذ هم قوم أخذوا في التأسى يجد وإتيان واعتقدوا قول كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما هو عليه كان وأقاموا في مقام التوحيد قدم التجريد من حظوظ النفس وملاحظة الحظوظ واقتداء بالسلف رضى الله عنهم هذا قصد القوم وأصل في الإخلاص والتخصيص فيما لو نظرت إلى حقيقة ذلهم وافتقارهم الذى هو عين العز والغنى بمولاهم اشتد تحقيق حالهم إلا على ولى في نهايته أو صديق ولو فى بدايته لأن غايات الأولياء بداية
الصديقين
11
فخذ السر جهراً إليك واحبس عليه بكلتا يديك ولا تكترث بحسادك فقد قال لنبيه عليه السلام قُل أعوذُ برب الفلق حتى قال له ومن شر حاسد إذا حسد ولا تسألني أن أقطعه عليك فكأنه عز وجل يقول له سلنى أن أكفيك شر حسادك ولا تسألنى أن أقطعهم عنك فإن الحساد مع النعم ولابد من نعمة عليك فتأس يامسكين إن أردت الشفاء فلعله أن يقع بكشف خطاب ولا تطمع أن يقع مع الحجاب
٢ - التوبة
وأول ما يبدأ به المريد السالك إلى الله الذى يريد إسلام وجهه إليه إنما هو
مع
التوبة وتبدأ التوبة بالاستغفار وحقيقة الاستغفار ألا يكون لك قرار وهو بهذا الوضع أمان للمستغفر من عذاب الله قال تعالى وَمَا كَان الله مُعَذِّبَهُم وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
٣ - النية
غير
الله
ولابد في كل عمل يأتيه الإنسان - بل كل أمر يتركه من النية ومن الإخلاص في النية وذلك لكى يترتب الأجر والثواب من الله على العمل ويقول إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه والنية والقصد والعزم والإرادة والمشيئة كل ذلك بمعنى واحد أو يجب أن يكون بمعنى واحد وحقيقة النية عدم غير المنوى عند الدخول فيه وكمالها استصحاب ذلك على
۱۰
الكمال ووقت النية عند افتتاح العمل وكيفيتها ارتباط القلب مع الجوارح يقول من صلحت نيته صلح عمله فحسن النية فيما بينك وبين الله بتوجيه القلب بالتعظيم لله والتعظيم لأمر الله والتعظيم لما به أمر
وفيما بينك وبين العباد توجيه النفوس بالنصيحة لهم والقيام بالحقوق وترك الحظوظ ونبذ العوارض مع الصبر لله والتوكل على الله ٣٤ ومهما يكن من شيء فإنه بمقدار الإخلاص فى النية يكون الثواب ويكون
الترقي
- {
الطريق القصد إلى الله تعالى
والطريق القصد إلى الله تعالى أربعة أشياء من حازها فهو من الصديقين المحققين ومن حاز منها ثلاثاً فهو من الأولياء المقربين ومن حاز منها اثنتين فهو من الشهداء الموقنين ومن حاز منها واحدة فهو من عباد الله الصالحين أولها الذكر وبساطة العمل الصالح وثمرته النور
وثانيها التفكير وبساطة الصبر وثمرته العلم وثالثها الفقر ٣٥ وبساطة الشكر وثمرته المزيد منه
ورابعها الحب وبساطة بغض الدنيا وأهلها ٣٦ وثمرته الوصل بالمحبوب
٣٤ درة الاسرار ص ١٥٤
٣٥ الفقر مما سوى الله إلى الله
٣٦ بغض الدنيا على أنها شهوات وبغض أهل الدنيا اللاهين العابثين
يحسن
الخلوة
وأخذاً في هذا الطريق القصد إلى الله وتدعيماً للتوبة وتثبيتاً للإخلاص
أن
هي فترة العزلة أو فترة الخلوة يخلو الإنسان وربه فترة من الزمن
أو فترة الكهف أو فترة الغار يلازم فيها الذكر والمراقبة والتوبة
والاستغفار
ومهما خالط سره شيء من ذنب أو عيب أو نظر إلى عمل صالح أو حال جميل فيجب عليه المبادرة إلى التوبة والاستغفار من الجميع أما من الذنب فواجب شرعاً وأما من غيره فاعتباراً باستغفار النبي تسليماً بعد البشارة واليقين بمغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر هذا من معصوم لم يقترف ذنباً قط فما ظنك بمن لا يخلو من ذنب أو في وقت من الأوقات عيب
أما ثمرة العزلة فهى الظفر بمواهب المنة وهى أربعة كشف الغطاء وتنزل
الرحمة وتحقق المحبة ولسان الصدق فى الكلمة قال الله تعالى فَلَمَّا اعْتَزَلَهُم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُون اللَّه وهَبْنَا لَهُ اسْحَقَ وَيَعْقُوبُ وَكُلاً جَعَلْنَا نبيا ووهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا
-9
الجهاد
ولا بد للمريد من الجهاد
لابد له من جهاد العدو ومن أراد ألا يكون للشيطان عليه سبيل فليصحح
الإيمان والتوكل والعبودية لله وليستعذ به سبحانه قال تعالى إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَان عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون
وقال تعالى إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَان
12
وقال تعالى وَإِمَّا يَتَزَغَنَّكَ مِن الشَّيْطَان نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِالله إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
العليم ولعلك تسأل عن كيفية تصحيح الإيمان
أنه فاعلم
بالشكر على النعماء والصبر على البلاء والرضا بالقضاء
أما صحة التوكل فإنها بهجران النفس
۳۷
L
ونسيان الخلق
۳۸
والتعلق
بالملك الحق وملازمة الذكر وإذا عارضك عارض يصدك عن الله فاثبت
قال الله تعالى
"
يأيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقيتُم فِئَةٌ فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ العبودية فإنه بوضوح الفكرة عن حقيقة الصفات الإنسانية وحقيقتها أنها فقر بالنسبة إلى الله تعالى وعجز بالنسبة إلى قوته وذل في مقابلة عزه
أما
تصحيح
سبحانه ومهما يكن من شيء فإن مخازى الشيطان أربعة
١ - إما أن تجلس متفكراً فيما يقربك إلى الله فتأتيه
أو مفكراً فيما يبعدك عنه فتجتنبه
٣ - وإما أن تجلس متفكراً فيما سبق من حسن عملك فتشكر وتستغفر وإما أن تجلس متفكراً فيما سبق من ذنوبك فتستغفر وتشكر
۷ - النفس
والحديث عن الشيطان يستتبع الحديث عن النفس ومراكز النفس أربعة
۱ - مركز للشهوة في المخالفات
٢ - ومركز للشهوة في الطاعات
٣- ومركز في الميل إلى الراحات
۳۷ أي النزغات السيئة
۳۸ ونسيان الخلق باعتبارهم فإن المؤثر الوحيد هو الله
- ومركز في العجز عن
أداء المفروضات
10
فاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدَّتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ
كُلَّ مَرْصد وإذا أردت جهاد النفس فاحكم عليها بالعلم في كل حركة ٣٩ واضربها بالخوف عند كل خطرة واسجنها فى قبضة الله أينما كنت واشك عجزك إلى الله كلما غفلت فهي التي لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها فإن سخرت لكم في قضية فجدير أن تذكروا نعمة الله عليكم وتقولوا
سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ
ومهما يكن من شيء فإن موت النفس يكون بالعلم والمعرفة والاقتداء بالكتاب والسنة وعلاج من انقطع عن المعاملات ولم يتحقق بحقائق المشاهدات أربعة طرح النفس على الله طرحاً لا يصحبه الحول والقوة والتسليم لأمر الله تسليماً الله لا يصحبه الاختيار مع هذان علاجان باطنان وذم الجوارح عن المخالفات والقيام بحقوق الواجبات وهذان علاجان
ظاهران
ثم يقعد على بساط الذكر بالانقطاع إلى الله عن كل شيء سواه لقوله تعالى وَاذْكُر اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلَ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً
- الدنيا
وحينما يذكر الشيطان وتذكر النفس فإنه تذكر الدنيا والدنيا التي لا حساب عليها في الآجل ولا حجاب معها في العاجل هي التي
۳۹ أي جعل حركاتها تابعة للعلم بما يحب عمله أو يجب تركه
لا إرادة لصاحبها فيها قبل وجودها ولا معها لها مع وجودها ولا أسف عليها عند
فقدها
والحر الكريم من يأخذها منه على المواجهة ويدعها به على المواجهة لا أثر للأغيار على قلبه هذا ما يقوله الشاذلي عن الدنيا وكل ما تريده الصوفية إنما هو الابتعاد عن أن يكون الإنسان عبدا للدنيا ولا مانع عندهم أن يكون الإنسان من أصحاب الملايين إذا لم يكن قلبه متعلقاً بالدنيا في إقبال أو إدبار ووجهتهم الآية القرآنية الكريمة لكيلا تأسوا عَلَى مَافَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ أننا تحدثنا عن الدنيا في نظر الصوفية فإننا نريد أن نزيد الأمر
ومع
تحقق
وضوحاً وذلك لأنه يلتبس دائماً الأمر فى موضوعها عند الصوفية على كثيرين
إن الدنيا الممقوتة عند الصوفية إنما هى الدنيا التي تشغل وتلهى وتستعيد إنها
اللهم
منه
الشهوات والنزعات والأهواء إنها اللعب واللهو والغفلة عن الله أما امتلاك المال واقتناء العقار والثراء عريضاً أو غير عريض فلا فلا مانع عند الصوفية إذا خلا من المضار يقول أبو الحسن ضارعا إلى الله داعياً أرزاقنا وسع وكثر أضيافنا واجعلنا من المتقين في سبيل مرضاتك قصداً بلا إسراف ولا تقتير ووفقنا لذلك واهدنا بهدايتك وأخلصنا بإخلاصك عن إخلاصنا وقنا من الشح والبخل والمن ومن التهمة في الرزق ٤٠ وقال رضى الله عنه اعرف الله ثم استرزقه من حيث شئت غير مكب على حرام ولا راغب فى حلال
ومن الدعاء الجميل لأبي الحسن الدعاء الذي يستنتج منه الإنسان الرأى الحقيقى للصوفية فيما يتعلق بالدنيا قوله
٤٠ درة الأسرار ص ١٦٣
۱۰۷
يا الله يا ولى يانصير ياغني ياحميد أعوذ بك من دنيا لا يكون فيها
نصيب لوجهك ومن عمل آخرة يكون فيها حظ لغيرك وأعوذ بك من كل حركة تعرى من الاقتداء بسنة رسولك ومن كل ضرورة لا تؤدى إلى حقيقة معرفتك
قدير
واعكف قلبي في حضرتك واغننى عن رعايتي برعايتك إنك على كل شيء
٤١
۹ - العبودية
وإذا أكرم الله عبداً فى حركاته وسكناته نصب له العبودية لله وستر عنه حظوظ نفسه وجعله يتقلب فى عبوديته والحظوظ عنه مستورة مع جريان ما قدر له منها ولا يلتفت إليها كأنه في معزل مشغول عنها
وإذا أهان الله عبداً في حركاته وسكناته نصب له حظوظ نفسه وستر عنه عبوديته فهو يتقلب فى شهواته وعبوديته الله عنه بمعزل وإن كان يجرى منها شيء في الظاهر
والعبودية هي امتثال الأمر واجتناب النهى ورفض الشهوات والمشيئات فمن وصل بتطهير قلبه عن الشيطان والنفس والدنيا وبكثرة الذكر إلى العبودية فقد
ظفر بخير عميم
۱۰ - الطاعات
والعبد الذى أكرمه الله بالعبودية يؤدى كل طاعة فى وقتها ذلك أن لكل وقت
٤١ درة الأسرار ص ١١١
1A
سهماً في العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية فلا تؤخر طاعة وقت لوقت فتعاقب بفوتها أو بفوت غيرها
وفائدة الطاعات والمحافظة عليها لا تنكر ولقد قيل لأبي الحسن مرة ما الذي استفدت من طاعتى وما الذي استفدت من معصيتى فقال استفدت من الطاعة العلم الزائد والنور النافذ والمحبة
واستفدت من المعصية الغم والحزن والخوف والرجاء وعليك أيها الأخ بالمطهرات الخمس في الأقوال والمطهرات الخمس في
الأفعال والتبرى من الحول والقوة فى الأحوال وغص بعقلك إلى المعاني
جميع
القائمة بالقلب واخرج عنها وعنه إلى الرب واحفظ الله يحفظك واحفظ الله تجده أمامك واعبد الله بها وكن من الشاكرين
والمطهرات الخمس في الأقوال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
والمطهرات الخمس في الأفعال هي الصلوات الخمس والتبرى من الحول والقوة هو قولك لا حول ولا قوة إلا بالله وإيمانك بها
۱۱ - درجات و درجات
ومن علم اليقين بالله وبمالك عند الله أن تتعاطى بين الخلق مالا تصغر به عند
الحق وإن صغرت به في أعين الخلق بلا اعتراض من الشرع ولا منازعة من الطبع
L
بل من عين اليقين نسيان الخلق عند هجوم الشدايد وتتابع الفوايد بسواطع
الشواهد
بل من حق اليقين الغرق فى الشيء كأنك نفس الشيء كمن اضطر إلى رؤية البحر فركبه وانكسرت سفينته فتلاطمت عليه أمواجه فمنهم بعد من يفنى
۱۰۹
ويذهب
مع الذاهبين وينقل إلى درجات عليين ومنهم من يحيا ويبقى مع الباقين لا حظ للمقتدى فيه بل هو مستور عن الخلق لا حظ للمقتدى فيه بل هو في
6
أجمعين ومنهم من يحيا ويبقى الباقين الوصفين قدوة للثقلين ومنهم الإمام الأكبر الفرد القطب الغوث الجامع المختص
بالأسماء والصفات والأنوار والأخلاق وما لا يسع يسمعه سامع ومن دونهم ممن لا درجة له مع الأولياء والأتقياء والعباد والزهاد ومن أهل
النظر بالدليل والبرهان ولم يطلع بعد على الكشف والعيان ومن دونهم أهل الوسائل بالأعمال والأحوال وأهل التخليط في الأقوال والأفعال وَمَن يُهِنِ الله فَما لَهُ مِن مُكرِم إِنَّ اللَّهَ يَفْعَل مَا يَشَاء
۱
الذكر
وعلى المريد السالك الأخذ في الذكر وعليك أيها الأخ بالذكر الموجب للأمن من عذاب الله في الدنيا والآخرة وتمسك به وداوم عليه وينصح أبو الحسن بالإكثار من صيغة من الذكر وهي الحمد لله واستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله
الأوقات عموم
ويقول رضى الله عنه اجمع بين هذه الأذكار الثلاثة في و داوم عليها تجد بركتها إن شاء الله فإذا ما فرغ الإنسان لسانه للذكر وقلبه للشكر وبدنه لمتابعة الأمر فهو من الصالحين ويرى الصوفية أنهم مهما أشادوا بالذكر وتحدثوا عن فوائده ومزاياه فإنهم لا يوفونه حقه إنهم يرون أنه - بعد التوبة والإخلاص - الباب إلى الترقى في الدرجات وقطع المنازل وطى المسافات إلى المعارج والقربات وإلى الفتح
والإلهامات
يقول الإمام القشيري
الذكر ركن قوى فى طريق الوصول إلى الحق سبحانه وتعالى بل هو العمدة في طريق القوم ولا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر ومن أجل ذلك كان اهتمام أبى الحسن بالذكر كبيراً وكان ماروى عنه في ذلك كثيراً
ولقد حاولنا – في الحدود المحدودة بالنسبة لحجم هذا الكتاب – أن نذكر في الفصل الذى عقدناه عن الذكر إشراقات مختارة من ذلك لعل الله ينفع بها
۱۳ - الورع فإذا ما كان الذكر كانت الأحوال وكانت المقامات فمن ذلك الورع والورع نعم الطريق لمن عجل ميراثه وأجل ثوابه فقد انتهى بهم الورع إلى الأخذ من الله وعن الله والقول بالله والعمل الله وبالله على البينة الواضحة والبصيرة الفائقة
فهم في عموم أوقاتهم وسائر أحوالهم لا يدبرون ولا يختارون ولا يريدون ولا يتفكرون ولا ينظرون ولا ينطقون ولا يبطشون ولا يمشون ولا يتحركون إلا بالله والله من حيث يعلمون هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فهم مجموعون في حين الجمع لا يتفرقون فيما هو أعلى ولا فيما هو أدنى وأما أدنى الأدنى فالله عنه يورعهم ثواباً لورعهم مع الحفظ لمنازلات الشرع عليهم ومن لم يكن لعلمه وعمله ميراث فهو محجوب بدنيا أو مصروف بدعوى و ميراثه التعزز لخلقه والاستكبار على مثله والدلالة على الله يعلمه فهذا هو الخسران المبين والعياذ بالله
العظيم من ذلك
والأكياس يتورعون عن هذا الورع ويستعيذون بالله منه ومن لم يزدد بعلمه
۱۱۱
وعمله افتقاراً لربه وتواضعاً لخلقه فهو هالك فسبحان من قطع كثيراً من الصالحين بصلاحهم عن مصلحتهم كما قطع كثيراً من المفسدين بفسادهم عن موجدهم فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ٤٢
١٤ - الزهد
وحقيقة الزهد فراغ القلب مما سوى الرب تبارك وتعالى
١٥ - التوكل
والتوكل صرف القلب عن كل شيء سوى الله وحقيقته نسيان كل شيء سواه وسره وجود الحق دون كل شيء تلقاه وسر سره ملك وتمليك لما يحبه
ويرضاه ٤٣
-١٦
ولا يصح التوكل إلا لمتق ولا تتم التقوى إلا لمتوكل
الرضا
٤٤
ومن ذلك الرضا الرضا عن الله وعن قضاء الله لا عن النفس يقول أبو الحسن الق بنفسك على باب الرضا وانخلع عن عزائمك وإرادتك
٤٢ يعلق ابن عطاء الله على ذلك فيقول فانظر فهمك الله سبيل أوليائه ومن عليك بمتابعة أحبائه هذا الورع الذي ذكر الشيخ رضى الله عنه هل كان فهمك يصل إلى مثل هذا النوع من الورع الاترى قوله فقد انتهى بهم الورع إلى الأخذ من الله وعن الله والقول بالله والعمل الله وبالله على البيئة الواضحة والبصيرة الفائقة فهذا هو ورع الإبدال والصديقين لاورع المتنطعين الذي ينشأ عنه سوء الظن وغلبة الوهم ٤٣ درة الأسرار ص ٤٨
٤٤ درة الأسرار ص ٥٨
۱۱
۱۷ - المحبة
والذي نختم به الطريق إنما هو المحبة والمحبة والرضا والزهد والتوكل هي بساط
الكرامة عند أبي الحسن يقول رضى الله عنه بساط الكرامة أربع
۱ - حب يشغلك عن حب غيره
٢ - ورضا يتصل به حبك بحبه ٣- وزهد يحققك بزهد في بريته
- وتوكل عليه يكشف لك عن حقيقة قدرته
ولأبي الحسن كلام جميل عن المحبة ولا يتأتى أن يخلو كتاب عنه من ذكرها قال الشيخ أبو الحسن رضى عنه من أحب الله وأحب الله فقد تمت ولايته
بالحب
والمحب على الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه ولا مشيئة له غير مشيئته فإن من ثبتت ولايته من الله لا يكره الموت ويعلم ذلك من قوله تعالى قُل يَأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُم أَنَّكُم أَوْلِيَاء الله مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوا المَوْت إن كُنتُم صَادِقِينَ
فإذن الولى على الحقيقة لا يكره الموت إن عرض عليه
وقد أحب الله من لا محبوب له سواه وأحب له من لا يحب شيئاً لهواه وأحب لقاءه من ذاق أنس مولاه
ويتمحض لك الحب له فى عشرة فاعتبرها فيما وراءها في الرسول الله والصديق والفاروق والصحابة والتابعين والأولياء والعلماء الهداة إلى الله تعالى والشهداء والصالحين والمؤمنين
فإذن افترق الأمر بعد الإيمان إلى عشرة أشياء إلى السنة والبدعة
والهداية والضلالة
L
والطاعة والمعصية والعدل
L
والجور والحق
والباطل فإذا ميزت وأحببت وأبغضت فأحب له وأبغض له ولست تبالى بأيهما كنت وقد يجتمع لك الوصفان فى شخص واحد ويجب عليك القيام بحقهما جميعاً فإذن قد بان لك الحب فى العشرة الأول فانظر هل ترى للهوى هناك
L
أثراً فكذلك فاعتبر حب من حضر من إخوانك الصادقين والمشايخ الصالحين والعلماء المهتدين وسائر من حضر ومن لم يحضر ممن غاب عنك أو مات فإن
وجدت قلبك لا متعلق له بمن حضر كما لا متعلق له بمن غاب عنك أو مات فقد خلص الحب من الهوى وثبت الحب الله وإن وجدت شيئاً يتعلق به فيمن تحب أو فيما تحب فارجع إلى العلم واتقن النظر في الأقسام الخمسة من الواجب والمندوب إليه والمكروه والمحظور والمباح وقال الشيخ رضى الله عنه المحبة آخذة من الله لقلب عبده عن كل شيء
٤٥
٤٥ ويقول ابن عطاء الله معلقا على ذلك
واعلم أن قول الشيخ من ثبتت ولايته لا يكره الموت هذا ميزان أعطاه للمريدين ليزنوا به على نفوسهم إذا ادعى فيهم أو ادعوا ولاية الله فإن من شأن النفوس وجود الدعوى والتوثب إلى المراتب العالية من غير أن يسلك السبيل الموصلة إليها ولهذا قال الله سبحانه قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين وقال هنا فتمنوا الموت إن كنتم صادقين وقال الرسول الحارثة لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك لما قال الحارثة وكيف أصبحت فقال أصبحت مؤمنًا حقاً ولا يحب الموت من فيه البقايا ولا من هو مصر على شيء من الخطايا وجعل الله تمنى الموت شاهدًا للولى بولايته وعدم تمنيه شاهدًا للغوى بغوايته وقال سبحانه وأقيموا الوزن بالقسط والموت ميزان على الأفعال والأحوال كما هو ميزان في دائرة الرتب أما الرتب فكما تقدم وأما الأفعال والأحوال فإذا التبس عليك أمر أنت فيه لاتدري هل رضا الله في تركه أو فعله أو حالة أنت بها لاتدرى هل قمت فيها بحق أو قمت فيها بهوى فأورد الموت على ما أنت فيه من أفعال وأحوال فكل حالة وعمل يثبت مع تقدير ورود الموت عليها ولم تنهزم فهى حق وكل حالة وعمل هزمها الموت فهى باطل إذ الموت حق والحق يهزم الباطل ويدمغه لقول الله عز وجل بل تقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً وما كنت فيه قائمًا بحق لم يهزمه الموت إذ هو حق والموت حق والحق لا يهزم الحو
١١٤
حضرته
سواه فترى النفس مائلة لطاعته والعقل متحصناً بمعرفته والروح مأخوذة في والسر مغموراً في مشاهدته والعبد يستزيد فيزاد ويفاتح بما هو أعذب من لذيذ مناجاته فيكسى حلل التقريب على بساط القربة ويمس أبكار الحقائق وثيبات العلوم فمن أجل ذلك قالوا أولياء الله عرائس ولا يرى العرائس
المجرمون
قال له القائل قد علمت الحب !
فما شراب الحب وما كأس الحب ومن الساقى وما الذبوق وما الشراب وما الرى وما السكر وما الصحو
قال الشراب هو النور الساطع عن جمال المحبوب
والكأس هو اللطف الموصل ذلك إلى أفواه القلوب والساقي هو المتولى الأكبر المخصوصين من أوليائه والصالحين من عباده وهو الله العالم بالمقادير ومصالح أحبائه
فمن كشف له عن ذلك الجمال وحظى منه بشيء نفساً أو نفسين ثم أرخى عليه الحجاب فهو الذائق المشتاق
ومن دام له ذلك ساعة أو ساعتين فهو الشارب حقًّا ومن توالى عليه الأمر ودام له الشرب حتى امتلأت عروقه ومفاصله من أنوار الله المخزونة فذلك هو الرى
وربما غاب عن المحسوس والمعقول فلا يدرى ما يقال ولا ما يقول فذلك هو السكر وقد تدور عليهم الكئوس وتختلف لديهم الحالات فيردون إلى الذكر والطاعات ولا يحجبون عن الصفات مع تزاحم المقدورات فذلك وقت صحوهم واتساع نظرهم ومزيد علمهم فهم بنجوم العلم وقمر التوحيد يهتدون في ليلهم وبشموس المعارف يستضيئون
۱۱٥
في نهارهم أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ هذه المقامات من ورع وزهد وتوكل ورضا ومحبة وغيرها إنما هي ثمرة الذكر المؤسس على الإخلاص والتوبة والعبودية والاستقامة ولن يترقى المريد إلا بالركن الأساسى فى طريق القوم وهو الذكر
معارج ومراء
وينتج الذكر المعارج والمرائى وهى نتائج الطريق الصوفى والسلوك إلى الله من أمثلتها عند أبي الحسن
1 - رأيت كأنني مع النبيين والصديقين فأردت الكون معهم ثم قلت اللهم اسلك بي سبيلهم مع العافية مما ابتليتهم فإنهم أقوى ونحن أضعف منهم
فقيل لى وما قدرت من شيء فأيدنا كما أيدتهم
رأيت كأني في المحل الأعلى فقلت
إلهى أى الأحوال أحب إليك وأى الأقوال أصدق لديك وأي الأعمال أدل على محبتك فوفقنى واهدنى
فقيل لي أحب الأحوال إليه الرضا بالمشاهدة وأصدق الأقوال لديه قول لا إله إلا الله على النظافة وأدل الأعمال على محبته بغض الدنيا واليأس من
أهلها ٤٦ مع الموافقة
٣- رأيت كأنى واقف بين يدي ربي فقال
لا تأمن مكرى في شيء وأن أمنتك فإن علمى لا يحيط به محيط
٤٦ بغض الشهوات والأهواء والنزغات فذلك هو الدنيا وبغض أهل الشهوات والأهواء والنزغات
١١٦
رأيت كأنى أطوف بالكعبة طالبًا من نفسى الإخلاص وأنا أفتش عليه في
- 2
سری فإذا النداء على
کم تدندن
ا مع من يدندن وأنا السميع القريب العليم الخبير وتعريفي يغنيك
عن علم الأولين والآخرين ما خلا علم الرسول وعلم النبيين ه - قلت على مصيبة نزلت إنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللهم أجرني في مصيبتي واعقبتي خيراً منها فألق في سری أن أقول فاغفر لى بسببها وما كان من توابعها وما اتصل بها وما هو محشو بها وكل شيء كان قبلها وما يكون بعدها
فقلتها فهانت على فلو أن الدنيا كلها كانت لى فى ذلك وأصبت فيها لهانت على ولكان ما وجدت من برد الرضا والتسليم أحب إلى من ذلك كله ٦- وكتب رضى الله عنه إلى الشيخ أبي يحيى
أما بعد – فإني منذ اثنتى عشرة سنة أغدو وأروح فيما هيأ لى من سفر الروح على عساكر أولياء الله فما مررت بك إلا وجدتك روحاً طيبة تعقلها العقول وتألفها النفوس ويستريح بها السر ويذعن لها الأمر ويجتمع إليها كل مفترق قرأت ليلة في وردي قوله تعالى
-V
ر كل من عَلَيْهَا فَان ويَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ فرأيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه في المنام فقال لى صِل من يبقى
واهجر من يفنى تجل وتكرم تجل عن الفناء وتكرم بالبقاء - كان لي صاحب وكان كثيراً ما يأتيني بالتوحيد فرأيت في النوم كأني أقول
له يا عبد الله إن أردت التي لا لوم فيها فليكن الفرق على لسانك موجوداً
والجمع فى سرك مشهوداً
رأيت رسول الله فقال لي
-9
قل لفلان ابن فلان يقرأ هذه الكلمات فمن قالهن تنصب عليه الرحمة
كالمطر الحمد لله الذي بدئ منه الحمد وإليه يعود كل شيء كذلك لا إله إلا
الله
اللهم اغفر لى شركي
٤٧
و کفری ٤٨
وتقصيري
6
واغفر للمؤمنين
والمؤمنات
۱۰ - استأذنني بعض الفقراء فى الحضور والسماع فهممت بذلك فرأيت أستاذي رضي الله عنه وفي يده اليمنى كتاب فيه القرآن العظيم وحديث رسول الله وفي يده اليسرى أوراق فيها مرجز وهو يقول لى كالمنتهر تعدلون عن العلوم الزكية إلى علوم ذوى الأهواء الردية فمن أكثر من هذا فهو عبد مرقوق هواه وأسير لشهواته ومناه يستفزون بها قلوب ذوى الغفلة والنسيان وأهل الضلالة والعميان ولا إرادة لهم في عمل الخير واكتساب الغفران يتمايلون عند سماعها تمايل الصبيان
لن لم ينته الظالم ليقلين الله أرضه سماء وسماءه أرضاً
قال فأخذنى منه حال بوجد وأنا أقول له
نعم
يا أستاذى
L
إلا أن النفس أرضية والروح سماوية فقال لي نعم يا على إذا كانت الروح بأمطار العلوم دارة والنفس بالأعمال الصالحة ثابتة فقد حصل الخير كله وإذا كانت النفس غالبة والروح مغلوبة فقد حصل القحط والجدب وانقلب الأمر وجاء الشر كله
فعليك بكتاب الله الهادى وبكلام رسوله الشافى فلن تزال بخير ما آثرتهما
٤٧ يطلق الشرك على الإشراك بالله الذى يخرج الشخص عن دائرة الإسلام ويطلق على الظلم بألوانه الكبير منها والصغير ٤٨ يطلق الكفر على نكران الجميل وعلى ألوان من المعاصي لاتصل إلى درجة إخراج الإنسان عن
الإسلام
۱۱۸
وإذا
وقد أصاب الشر من عدل عنهما وأهل الحق إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه سمعوا الحق أقبلوا عليه وَمَن يَقْتَرِف حَسَنَة نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسناً ۱۱ - وقال رضي الله عنه خطر ببالى يوماً أنى لست بشيء ولا عندى من المقامات والأحوال شيء فغمست في بيت مسك فكنت فيه غريقاً فلدوام غرقتي فيه لم أجد له تلك الرائحة فقيل لى علامة المزيد فقدان المزيد لعظيم المزيد ۱ - وقال رضى الله عنه قيل لى إن أردت رضائي فمن اسمى ومنى لا من
اسمك ومنك قلت وكيف ذلك
قال سبقت أسمائى عطانى وأسمائى من صفاتى وصفاتي قائمة بذاتى
ولا تمحق ذاتي
وللعبد أسماء دنية وأسماء علية فأسماؤه العلية قد وصفه الله تعالى بها بقوله التَّاثِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ ٤٩ إلى آخرها
وبقوله إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمات إلى آخرها ٥٠
وأسماؤه الدنية معروفة كالعاصى والمذنب والفاسق والظالم وغير ذلك فكما تمحق أسماؤك الدنية بأسمائك العلية كذلك تمحق أسماؤك بأسمائه وصفاتك بصفاته لأن الحادث إذا اقترن بالقديم فلا بقاء له إذا ناديته باسمه كقولك ياغفور ياتواب يا قريب يا وهاب فاستدعيت بها العطاء لنفسك وقد تنزلت لنفسك من أسمائه وكذلك إذا لاحظت أسماءك الدنية من المعاصي والظلم والفسق فاشتعلت بسترها ومغفرتها فأنت باق
مع
نفسك
وإذا نـاديـتـه بـاسمه العلى ولا حظت صفته العلية قائمة بذاته محقت أسماؤك كلها
٤٩ سورة التوبة الآية ۱۱ ٥٠ سورة الأحزاب - الآية ٣٥
۱۱۹
وانعدم وجودك فصرت محواً لا وجود لك البتة فذاك محل الفناء والبقاء بعد الفناء ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ۱۳ - وقال رضي الله عنه كنت ذات ليلة متفكراً بالفكرة الغيبية فأفادني الله علماً جليلاً وسعيت فى الغيوب سعياً جميلا فقلت في نفسي أليس هذا خيراً من الدخول فى الحوائج للخلق الخالق والكون مع الله أتم
من الكون فى الحاجات للناس وإن كان مأذوناً فيها شرعاً فبينما أنا كذلك إذ نمت فرأيت كأن السيل قد أحاط بي من كل جهة يحمل الغثاء عن يميني وعن شمالي فجعلت أخوض لأخرج منه فلم أر برا أنفذ إليه من الجهات الأربع فاستسلمت نفسى ووقفت فى السيل كالسارية أو النخلة الثابتة
فقلت في نفسي
هذا من فضل الله أن ثبت لهذا السبيل ولا يصيبني شيء من الغثاء
بشخص جميل الصورة يقول لى
"
وإذا
إن من أحل التصوف التعرض فى الحوائج للخلق واستقضاؤها من الملك الحق فما قضاه الله شكرت وما لم يقضه رضيت وليس قضاؤها الموجب للشكر بأتم من عدم قضائها الموجب للرضا وقد علمنى الله علماً قائماً بذات نفسى لا يفارقها بل هو لازم لها كالبياض في الأبيض والسواد في الأسود وهو الله لا إله إلا هو الواحد القهار رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار فانظر الألوهية الفردانية والوحدانية والقاهرية والربوبية والعز والمغفرة وكيف لف هذا كله في كلمة واحدة إن المغفرة لتنزل على العارف بالله كالسيل الحامل من الغثاء ويثبت الله فيها وبها من
يشاء ولا يصيبه شيء من الغثاء
فانتبهت من نومى وقد وعيت السر العظيم والحمد لله
۱۰
١٤ - فتح الله بشيء من الدنيا ففرحت لأستعين أو أعين بها فجعلت أحمد الله وأشكره والشكر معرفة قائمة بالقلب وكلمة قائمة باللسان فكنت أجمع بينهما فواظبت على ذلك وقتاً من الليل ونمت فرأيت استاذي رحمه الله تعالى
يقول
أنفقت
استعذ بالله من شر الدنيا إذا أقبلت ومن شرها إذا أدبرت ومن شرها إذا
ومن شرها إذا أمسكت
فجعلت أقول كذلك فوصل الشيخ كلامي فقال
ومن المصائب والرزايا والأمراض البدنية والقلبية والنفسية جملة وتفصيلا بالكلية وإن قدرت شيئاً فاكسنى جلال الرضا والمحبة والتسليم وثواب المغفرة والتوبة والإنابة المرضية
١٥ - رأيت رسول الله فقلت له
یاسیدی یا رسول الله ادع الله أن يجعلنى رحمة للعالمين فقال لى أنا هو ذاك يا على والولى رحمة في العالمين
١٦ - رأيت كأن رجلا جاء إلى فقال لى إن السلطان يأتى إليك فقل اللهم الق على من زينتك ومحبتك وكرامتك ومن نعوت ربوبيتك ما يبهر القلوب وتذل له النفوس وتخضع له الرقاب وتبرق له الأبصار وتتبدد له الأفكار ويصغر له كل متكبر جبار ويسجد له كل ظلوم كفار يا الله يا مالك يا عزيز ياجبار يا الله يا أحد يا واحد يا قهار
۱۱
- الذكر والدعاء والأحزاب والأوراد
يقول الله تعالى محبباً فى الذكر وداعياً إليه بطريقة من أسمى الطرق وأجملها فَاذْكُرُونِي أذكركم ولقد دعا الله سبحانه إلى الذكر بشتى الطرق لقد دعا إليه بصيغة الأمر ودعا إليه طالباً الإكثار منه فقال سبحانه
يأيها الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا الله ذكراً كَثِيراً وَسَبِّحُوه بكرة وأصيلا ودعا إليه سبحانه في جميع الحالات التي يكون الإنسان عليها من قيام
أو جلوس أو على جنبه فاذكروا الله قياماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُم وجعل سبحانه الذكر إحدى الصفات التي يتحلى بها أولو الألباب إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيات لأولى الألباب الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قياماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِم وأخبر الله سبحانه أن الذكر علاج للقلق والضيق والهم فقال سبحانه الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئِن قُلُوبهم بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنِ القُلُوب وهدوء النفس وطمأنينة القلب والسكينة إن كل
على
أن الرضا ذلك يكون نتيجة للذكر يقول تعالى ر فاصبر ععَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْس وقبل غروبها وَمِن آناء الليل فَسَبِّح وَأَطْرَاف النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى أما في الآخرة فإنه سبحانه يقول وَالذَّاكِرِينَ الله كَثِيراً وَالذَّاكِرَات أعدَّ الله لَهُم مَغْفِرَة وَأَجْراً عَظِيماً ولقد حبب رسول الله علال الليل في الذكر بمختلف الأساليب وبشتى الأنحاء
وكان هو نفسه قدوة في ذلك تقول السيدة عائشة رضي الله عنها كان له يذكر الله على كل أحيانه
وكلمة على كل أحيانه كلمة شاملة إنها تعنى الأوقات وتعنى بالتبع لذلك الأحوال فهو ما كان يذكر الله صباحاً ومساءً وكان يذكره فيما بين وكان يذكره قائماً وقاعداً وعلى جنبه
ذلك
6
ويقول عن الله عز وجل فى حديث قدسي رواه الشيخان أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرنى فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه وإن تقرب إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن اقترب إلى ذراعاً اقتربت إليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته
هرولة
ویرشده فيما رواه الإمام أحمد
إلى
أنه
ما عمل آدمی عملا قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله ويبين ان مثل الذي يذكر ربه والذى لا يذكره مثل الحى والميت وكما ينال الذاكر رضاء الله وثوابه وكما ينفع الذكر في الدار الآخرة فإنه ينفع في هذه الحياة الدنيا يقول فيما رواه أبو داود والنسائى والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً
ورزقه من حيث لا يحتسب
والدعاء
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيب أجيبُ دَعْوَة الدَّاعِ إِذَا دَعَان وقد أمر الله سبحانه الإنسان أن يدعوه وهدد الذين يستكبرون عن دعائه
۱۳
وفي حديث رواه الإمام أحمد أن رسول الله قال إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُون عَن عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله الله قال الدعاء مخ العبادة أن رسول الله قال ليس شيء أكرم على الله من
وعن الدعاء
أبي هريرة
الدعاء
یرد
القضاء
وروى ابن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله قال
من فتح له باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة وما سئل الله تعالى شيئاً أحب إليه من أن يُسأل العافية وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ولا يرد القضاء إلا الدعاء فعليكم بالدعاء
وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها - فيما رواه البزار والحاكم وصححه – قال رسول الله لا يعني حذر من قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة وروى الترمذي عن سيدنا سلمان الفارسي أن رسول الله قال لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد فى العمر إلا البر
ولقبول الدعاء شروط منها
١ - التوبة الخالصة النصوح
٢ - وتحرى الحلال
فعن ابن عباس فيما أخرجه الحافظ ابن مردويه تليت هذه الآية عند النبي يأيها الناس كُلُوا مِمَّا فِي الأرْضِ حَلالاً طيباً فقام سعد بن
أبي وقاص فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلنى مستجاب الدعوة فقال يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوماً وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به
أوقات الدعاء
والدعاء يصح
في كل وقت بيد أن هناك أوقاتاً وأماكن أرجي في الدعاء من
غيرها وقد ذكر رسول الله الله أوقاتاً للدعاء منها ثلث الليل الأخير يقول
صلوات الله وسلامه عليه
ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول
من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ولقد سئل رسول الله عن أي الدعاء أسمع فقال
جوف الليل الآخر
ودبر الصلوات المكتوبة
الدعاء
وروى مسلم عن أبى هريرة عن رسول الله قال أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من أما الأماكن الأرجي في استجابة الدعاء فإنها الأماكن الطاهرة المباركة وأشرفها الحرم المكي والحرم المدنى ومن أجل هذه الأهمية الكبرى للذكر وللدعاء في الإسلام استفاض أبو الحسن
في الذكر وفى الدعاء
وكانت طريقته في أكثر الأحيان أن يمزج الذكر بالدعاء وما روى عنه في هذا الباب كثير مستفيض سواء منها ما يتعلق بالأحزاب أو بغيرها من أبواب الذكر والدعاء ولا يتسع المجال لذكرها كلها هنا وسنكتفى ببعض ما ذكره ابن عطاء الله
۱۵
السكندرى في لطائف المنن وابن الصباغ في درة الأسرار وابن عياد في المفاخر
العلية
وعن أحزاب أبي الحسن يقول ابن عياد
وأحزاب أهل الكمال ممزوجة بأحوالهم مؤيدة بعلومهم مسددة بإلهامهم مصحوبة بكراماتهم حتى قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه في شأن حزبه الكبير من قرأه كان له مالنا وعليه ما علينا وقد تقدم بيان ذلك واعلم أن أحزاب الشيخ رضي الله عنه جامعة بين إفادة العلم وآداب التوحيد وتعريف الطريقة وتلويح الحقيقة وذكر جلال الله تعالى وعظمته وكبريائه وذكر حقارة النفس وخستها والتنبيه على خدعها وغوايتها والإشارة لوصف الدنيا والخلق وطريق الفرار من ذلك ووجه حصوله والتذكير بالذنوب والعيوب والتنصل منها الدلالة على خصائص التوحيد وخالصه واتباع الشرع ومطالبه فهى تعليم في قالب التوجه وتوجه في قالب التعليم من نظرها من حيث العلم وجده كامنا فيها ومن نظرها من حيث العمل فهي عينة ومن نظرها من حيث الحال وجده كامناً فيها وقد شهد شاهدها بذلك عند الخاص والعام فلا أحد من كلامها شيئاً إلا وجد ن أ " في نفسه يسمع ولا يقرؤها إلا كان مثل ذلك ما لم يكن مشغولا يبلوى أو مشغوفا بدنيا أو مصروفا بدعوى أعاذنا الله تعالى من البلاء
ويقول أبو الحسن ناصحاً الذاكرين والداعين الذين يرحون قبول الله لدعائهم إذا أردت أن يستجاب لك أسرع من لمح البصر فعليك بخمسة أشياء
١- الامتثال للأمر
- والاجتناب للنهى
- وتطهير السر
١٢٦
ޑ
الهمة
وجمع
والاضطرار
وخذ ذلك من قوله تعالى أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجعَلَكُمْ خُلفاء الأرض إله مَعَ الله قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُون فالمحروم من يدعوه وقلبه مشغول بغيره فاحذر هذا الباب جدا فإن لم تستطع أن تتصف بالخمسة أشياء فعليك بالخلوة عن الناس واذكر ما شاء من قبائحك وأفعالك واحتقر جميع وقدم إليه ما علمته من جميل ستره عليه وقل
أعمالك
يا الله يا منان ياكريم يا ذا الفضل من لهذا العبد العاصى غيرك وقد عجز
له
عن النهوض إلى مرضاتك وقطعته الشهوة عن الدخول في طاعتك لم يبق حبل يتمسك به سوى توحيدك وكيف يجترئ على السؤال من هو معرض عنك
أم كيف لا يسأل من هو محتاج إليك وقد مننت على الآن بالسؤال منك وجعلت حسبى الرجاء فيك فلا تردنى خائباً من رحمتك ياكريم وقد جعلت لأسمائك حرمة فمن دعاك بها لا يشرك بك شيئاً أجبته فبحرمة أسمائك يا الله يا ملك يا قدوس يا سلام يا مؤمن یا مهيمن يا عزيز يا جبار يا متكبر يا خالق یا بارئ يا مصور قنى من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل والشك وسوء الظن وضلع الدين وغلبته وقهر الرجال فإن لك الأسماء الحسنى وقد سبح لك ما فى السموات والارض وأنت العزيز الحكيم اللهم إني أسألك خيرات الدنيا وخيرات الدين خيرات الدنيا بالأمن والرفق والصحة والعافية وخيرات الدين بالطاعة لك والتوكل عليك والرضا بقضائك والشكر على آلائك ونعمك إنك على كل شيء قدير ا هـ ونبدأ الآن بذكر بعض أذكار أبي الحسن وبعض أحزابه ونبدأ بالأذكار التي
۱۷
رويت متناثرة هنا وهناك والتى لم تأخذ وضع الأحزاب في الأناقة اللفظية وفى
الإبداع الفنى وإن كانت فيما يتعلق باللفظ على مقدار عظيم من السمو ولقد كان لأبي الحسن عادات في أذكار معينة يتحدث عنها فيقول كنت كثيراً
ما أداوم على قراءة آية الكرسى وخواتيم سورة البقرة من قوله تعالى آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلُّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرَسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وإليكَ الْمَصِيرُ لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تواخذنا إِن نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا ولا تحمل عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ َواعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
ثم الم الله لا إلهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإنجيل من قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهُ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالله عَزِيزٌ ذُو انتقام إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لا إلهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ مع الآيتين قُلْ اللَّهُم مَالِكَ الْمُلك توتى الْمُلِكَ من تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير تُولِجُ اللَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ
الذنب
مِن الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِن الْحَقِّ وَتَرزَقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ اللهم إنى أسألك صحبة الخوف وغلبة الشوق وثبات العلم ودوام التفكير ونسألك سر الأسرار المانع من الإصرار حتى لا يكون لنا أو العيب قرار واجتبنا واهدنا إلى العمل بهذه الكلمات التي بسطتها لنا على لسان رسولك وابتليت بها إبراهيم خليلك فأتمهن قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ
۱۸
وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَيَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ فاجعلنا من المحسنين من ذريته ومن ذرية آدم ونوح واسلك بنا سبيل أئمة المتقين والله بصير بالعباد رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي وارحمني وتب على لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وهذا الاستغفار له شأن عظيم وضياء كريم فتناوله تر عجباً ثم أقول يا الله يا علي يا عظيم يا حليم يا عليم يا سميع يا بصير يا مريد يا قدير يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم يا من هو هو يا هو يا أول يا آخر يا ظاهر یا باطن تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام اللهم صلني باسمك العظيم الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء وهب لى منه سرا لا تضر معه الذنوب شيئاً واجعل لى منه وجهاً تقضى به الحوائج من القلب والعقل والروح والسر والنفس والبدن ووجهاً تدفع به الحوائج من القلب والعقل والنفس والبدن وادرج أسمائى تحت أسمائك وصفاتي تحت صفاتك وأفعالى تحت أفعالك درج السلامة وإسقاط الملامة وتنزل الكرامة وظهور الأمانة وكن لى فما ابتليت به أئمة الهدى من كلماتك واغننى حتى تغنى بى وأحينى حتى تحيى بى ما شئت ومن شئت من عبادك واجعلنى خزانة الأربعين ومن خالصة المتقين واغفر لي فإنه لا ينال عهدك الظالمون طس حم عسق مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان والحمد لله رب العالمين قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً
أحد اهـ
ومن دعائه
اللهم إني اسألك بجاه محمد المصطفى وإبراهيم الذي وفي وبحرمة كل رسول ونبي وصديق وولى وشهيد وصالح وتقى وبحرمة الأسماء وبالأسماء كلها أسألك
۱۹
أن تمحق هذا الخلق من قلوبنا وأن تجعلهم في أسرارنا كالهباء في الهواء واسلك بنا سبيل أنبيائك وأصفيائك وأتقيائك في السر والعلانية إنك على كل
اللهم
شيء قدير
ومن ذكره ودعائه
يا الله یا نور یا حق يا مبين افتح قلبي بنورك وعلمني من علمك واحفظني يحفظك وأسمعنى منك وفهمنى عنك وبصرنى بك وسبب لى سبباً من فضلك تغننى به من الفقر وتعزنى به من الذل وتصلح لى به الدنيا والآخرة وتوصلنى به إلى النظر إلى وجهك فى جنة الفردوس إنك على كل شيء قدير يا نعم المولى ويا نعم النصير
ومن دعواته
يوم
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه وخار لنا وإياكم فيما قدره وقضاه وجعلنا وإياكم من الفائزين لقاه اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بمحمد وحزبه على الرضا منك ومنهم مع السلامة من الحياء والخجل والذي بما سلف منا من أعمال المخلطين اللهم اعذرنا فى جهلنا ولا تؤاخذنا بغفلتنا عنك ولا بسوء أدبنا ومع الملائكة الكرام الكاتبين اللهم اغفر لنا ذنوبنا وغفلتنا وجهلنا بنعمك واغفر لنا قلة حيائنا واقبل علينا بوجهك ولا تفتنا بشيء من خلقك إنك على
معك
أحد
كل شيء قدير اللهم اغفر لنا ما علمه البشر من خلقك واغفر لنا ما علمته وكتبته ملائكتك واغفر لنا ما علمناه من أنفسنا ولم يعلمه من خلقك واغفر لنا ا استأثرت به عنا في جميع أحكامك وتفضل علينا بالغنى عن جميع خلقك
ما
وبرفع الحجاب فيما بيننا وبينك إنك على كل شيء قدير اللهم اغفر لنا مغفرة
۱۳۰
الأحباب التي لا تدع شيئاً من الارتياب
·
ولا يبقى معها شيء من اللوم
والعتاب واجعل ما علمته فينا ومنا خير معلوم بعد المحو والتثبيت فإنك عندك أم الكتاب اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقيقها وجليلها سرها وعلانيتها أولها واغفر لمن سافر عنا من أحبابنا سفر الدنيا أو سفر الآخرة واجعل
وآخرها
เ
تقليهم تقلب المتقين وإيابهم إياب الفائزين واجعلنا برحمتك جميعاً من المقبولين وإن كنا زائفين فإن النقاد يسمحون وإن كانوا عارفين فأنت أولى بذلك فإنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم اللهم لا تخيبنا ونحن نرجوك ولا تحرمنا ونحن ندعوك وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا ولا تجعل تضرعنا هيناً عليك وغير مقبول وكما يسرت لنا الدعاء فيسر لنا الإجابة إنك على كل شيء
قدير
ومن ذكره ودعائه
يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت كن لى بحياتك كما كنت لأحبابك وأمتنى عنى بصفاتك كما فعلت بأصفيائك واجعلنى قيوماً بذلك بالعصمة من غيرك كما فعلت بمحمد رسولك إنك على كل شيء قدير
إلهي إذا طلبت منك القوت فقد طلبت غيرك وإن سألتك ما ضمنت لي فقد اتهمتك وإن سكن قلبي إلى غيرك فقد أشركت بك جلت أوصافك عن الحدوث فكيف أكون معك وتنزهت عن العلل فكيف أكون قريباً منك وتعاليت عن الأغيار فكيف يكون قوامي بغيرك اللهم إني أسألك توحيداً لا ننفى به ضدا ويقيناً لا ندفع شكا به
۱۳۱
ومن دعائه لضيق الحال
وكان يعلم أصحابه لضيق الحال فيجدون الفرج والسعة يا واسع يا عليم يا ذا الفضل العظيم أنت ربي وعلمك حسبي إن تمسسن بضر فلا كاشف له إلا أنت وإن تردن بخير فلا راد لفضلك تصيب به من تشاء من عبادك وأنت
الغفور الرحيم
ومن دعائه
اللهم هب لي من النور الذى رأى به رسولك مع ما كان ويكون ليكون العبد بوصف سيده لا بوصف نفسه غنيًّا بك عن تجديدات النظر لشيء من المعلومات ولا يلحقه عجز عما أراد من المقدورات ومحيطاً بذات السر يجميع أنواع الذوات ومرتباً للبدن النفس وللقلب مع العقل وللروح مع السر البصيرة والعقل الأول الممد من الروح الأكبر المنفصل عن السر
وللأمر الأعلى
ومنه
اللهم إنا نتوسل بك إليك اللهم إنى أقسم بك عليك اللهم كما كنت دليلي عليك فكن شفيعى إليك اللهم إن حسناتى من عطائك وسيئاتي من قضائك فجد اللهم بما أعطيت على ما به قضيت حتى تمحو ذلك بذلك لا لمن أطاعك فيا أطاعك فيه له الشكر ولا لمن عصاك فيما عصاك فيه له العذر لأنك قلت
وقولك الحق لا يُسأل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ اللهم لولا عطاؤك لكنت من الهالكين ولولا قضاؤك لكنت من الفائزين
۱۳
6
وأنت أجل وأعظم وأعز وأكرم من أن تطاع إلا بإذنك ورضاك أو تعصى إلا بحكمك وقضائك إلهى ما أطعتك حتى رضيت ولا عصيتك حتى قضيت أطعتك بإرادتك والمنة لك على وعصيتك بتقديرك والحجة لك على فبوجوب
حجتك وانقطاع حجتى إلا ما رحمتني وبفقرى إليك وغناك عنى إلا ما كفيتنى يا أرحم الراحمين اللهم إنى لم أت الذنوب جرأة منى عليك ولا استخفافاً بحقك ولكن جرى بذلك قلمك ونفذ به حكمك وأحاط به علمك ولا حول ولا قوة إلا بك والعذر إليك وأنت أرحم الراحمين
اللهم
إن سمعي وبصري ولساني وقلبي وعقلى بيدك لم تملكني من ذلك شيئاً فإذا قضيت بشيء فكن أنت ولى واهدنى إلى أقوم السبل يا خير من سئل ويا أكرم من أعطى يا رحمن الدنيا والآخرة ارحم عبداً لا يملك الدنيا ولا الآخرة إنك على كل شيء قدير
وقال رضى الله عنه بت ذات ليلة في غم عظيم فألهمت أن أقول إلهي مننت على بالإيمان والمحبة والطاعة والتوحيد فأحاطت بى الغفلة والشهوة والمعصية وطرحتني النفس في بحر الظلم فهي مظلمة وعبدك محزون مهموم مغموم وقد التقمه نون الهوى وهو يناديك نداء المحبوب المعصوم نبيك وعبدك يونس بن متى ويقول لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين
فاستجب لى كما استجبت له وانبذنى بعراء المحبة فى محل التفريد والوحدة وأنبت على أشجار اللطف والحنان إنك أنت الله الملك المنان وليس لى إلا أنت وحدك لا شريك لك ولست بمخلف وعدك لمن آمن بك إذ قلت وقولك
۱۳۳
الحق فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ يا الله يا جميل يا جليل اللطف الطف بي في لطفك الذي لطفت به لأوليائك وانصرنى بالرعب الشديد على أعدائك إنك على كل شيء قدير
ومن دعائه رضي الله عنه
یا الله یا فتاح يا عليم يا غنى ياكريم افتح قلبي بنورك وارحمني بطاعتك واحجبني عن معصيتك وامنن على بمعرفتك واغنني بقدرتك عن
قدرتى وبعلمك عن علمى وبإرادتك عن إرادتى وبحياتك عن حياتى وبصفاتك عن صفاتى وبوجودك عن وجودى وبدنوك عن دنوى وبقربك عن قربى وبحبك عن حبى وبصدقك عن صدقى ويحفظك عن حفظى وبنظرك عن نظرى وبتدبيرك عن تدبيرى وباختيارك عن اختيارى وبحولك وقوتك عن حولى وقوتى ويجودك وكرمك وفضلك ورحمتك عن علمى وعملى إنك على كل شيء قدير
وقال
اللهم إن الدنيا حقيرة حقير ما فيها وإن الآخرة كريمة كريم ما فيها وأنت الذي حقرت الحقير وكرمت الكريم فأنى يكون كريماً من طلب غيرك أم كيف يكون زاهداً من اختار لدنياه غيرك فحققنى بحقائق الزهد حتى استغنى بك عن طلب غيرك وبمعرفتك حتى لا أحتاج إلى طلبك إلهي كيف يصل إليك من أم كيف يفوتك من هرب منك فاطلبني برحمتك ولا تعظلبنى بنقمتك يا عزيز يا منتقم إنك على كل شيء قدير وقال
طلبك
اللهم اسلبنى عقلا يحجبنى عنك وعن فهم آياتك وعن فهم كلام رسولك
١٣٤
وهب
لى من العقل الذي خصصت به أنبياءك ورسلك والصديقين من عبادك واهدنى بنورك هداية المخصصين بمشيئتك ووسع لى فى النور توسعة كاملة تخصنى فإن الهدى هذاك وإن الفضل بيدك تؤتيه من تشاء وأنت
L
بها برحمتك ذو الفضل العظيم
وقال
یا عزیز یا رحيم يا حكيم يا غنى ياكريم يا واسع يا عليم يا ذا الفضل العظيم أجعلني عندك دائماً وبك قائماً ومن غيرك سالماً وفى حبك هائماً وبعظمتك عالماً واسقط البين بيني وبينك حتى لا يكون شيء أقرب إلى منك ولا تحجبني بك عنك إنك على كل شيء قدير
وقال
یا الله یا حمید یا مجید یا الله ياكريم يا بر يا رحيم يا الله يا قوى يا متين هب لى من رحمتك ما أحمدك به فأكون من المؤمنين وارزقني من لطائف العز ما أكون به قويًّا متيناً حاملا محمولا فى العالمين وهب لي من كرمك ما أكون به برا نقياً من الصالحين يا رحيم يا لطيف الطف بي لطفاً لا يدركه وهم الواهمين إلى وجدتك رحيماً حيث لا أرجوك فكيف لا أجدك ناصراً وأنا أرجوك على كل شيء قدير وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تسليماً
حزب الفتح
وهو الحزب الذي فتح الله به على أبي الحسن الأنوار نبدأ به الأحزاب للتيمن والبركة
أيضاً ويسمى
حزب
۱۳۵
بسم
الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم اللهم إنا نسألك إيماناً لا ضدَّ لَهُ ونسألك توحيداً لا يقابله شرك وطاعة لا تقابلها معصية ونسألك محبة لا لشيء ولا على شيء وخوفاً لا من شيء ولا عَلَى شيء ونسألك تنزيهاً لا من نقص ولا من دنس بعد التنزيه من النقائص والأدناس ونسألك يقيناً لا يُقابله شك ونسألك تقديساً ليس وراءه تقديس وكمالا ليس وراءه كمال وعلماً ليس فوقه علم ونسألك الإحاطة بالأسرار وكتمانها عن الأغيار ربِّ إِنِّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي وهب لى تقواك واجعلني ممن يحبك ويخشاك واجعل لى من كل ذنب وهم وغم وضيق وسهو وشهوة ورغبة ورهبة وخطرة وفكرة وإرادة وفعلة وغفلة ومن كل قضاء وأمر مخرجاً أحاط علمك يجميع المعلومات وعلت قدرتك على جميع المقدورات وجلت إرادتك أن
يوافقها أو يخالفها شيء من الكائنات
برى مما سوى الله
الله
الله
حسبي حسبی حسبي الله
الله لا إله إلا هو عليه تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العرش العظيم
وأنا
لا إله إلا الله نُورُ عرش
الله
لا إله إلا الله نُورُ لوح الله لا إله لا الله نور قلم الله لا إله إلا الله نُورُ رسول الله لا إله إلا الله نور سر رسولِ الله
لا إله إلا الله نور سیر ذَاتِ رسول الله
١٣٦
لا إله إلا الله آدم خليفة الله
لا إله إلا الله نوح نجى الله
لا إله إلا الله إبراهيم خليل
الله
لا إله إلا الله موسى كليم الله
لا إله الله نُورُ لَوح الله لا إله إلا الله عيسى روح الله لا إله إلا الله الأنبياء خاصة الله
لا إله إلا الله الأولياء أنصار الله
لا إله إلا الله الرب الإله الملك النُّورُ الحَقُّ المُبين
لا إله إلا الله المَلِكُ اللطيف الرَّزاق القوى العزيز ذو القوة المتين لا إله إلا الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار رب السَّمواتِ والأرْضِ وَمَا
بينهما العزيز الغفار
لا إله إلا الله العلى العظيم
لا إله إلا الله الحكيم الكريم
لا إله إلا الله الرَّبُّ العَظِيمُ سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش
العظيم الحمد لله رب العالمين باسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وَعَلَى الله
فَلْيَتَوَكَّل المؤمنون حسبي ا
الله آمَنْتُ بالله رَضيتُ بالله تَوَكَّلْتُ عَلَى الله لا قوة إلا بالله
أتُوبُ إليك بكَ مِنْكَ إِليك وَلَوْلا أَنْتَ لَمَا تُبْتُ إليك فامْحُ من قلبي محبَّة غيرك واحفظ جوارحى عن مخالفة أمْرِكَ والله لَنْ لَمْ تَرْعنى بعينك وتحفظني بقدرتك لأهلكن نفسى ولأهلكن أمة من خلقك ثم لا يعودُ ضَرَرُ ذلك إلا
۱۳۷
على عبدك أعوذُ برضَاكَ من سَخَطِكَ وأعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ من عقوبتك وأعُوذُ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك بل أنت أجل من أن أثنى عليك وإنما هي أعراض تَدُلُّ عَلَى كَرَمِكَ قد منحتها لنا على لسان رسولك لنعبدك بها على أقْدَارِنَا لا على قَدْرِكَ فهل جزاء الإحسان الأول الكامل إلا الإحسان منك
يا مَنْ بِهِ ومنه وإليه يَعُودُ كل شيء أسألك بحرمة الأستاذ بل بحرمتى النبي الهادي الله وبحرمة الاثنين والأرْبَعَةِ وبِحُرمة السبعين والثمانية وبحرمة أسرارها منك إلى محمد رسولك وبحرمة سيدة آي القرآن من كلامك وبحرمة السبع المثاني والقرآن العظيم بَيْنَ كُتُبِكَ وبحرمة الاسم الأعْظَم الذي لا يَضُرُّ مَعَهُ شَيْءٌ في الأرض ولا في السَّمَاءِ وَهُوَ السميع العليم وبحرمة قُلْ هُوَ الله أحدٌ الله الصَّمَدُ لمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحدٌ
اكفني كل غَفْلَةٍ وَشَهوة وَمَعْصِيَةٍ ممَّا تَقَدَّمَ أو تأخر واكفنى كل طالب يطلبني مِن خَلْقِكَ بالحق وَبِغَيْرِ الحَقِّ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فإنه لَكَ الحجةُ البالغة وأنت على كل شيء قدير وَاكْفِنِي هَمَّ الرِّزْقِ وَخَوْفَ الخَلْقِ وَاسْلُك بي سبيل الصدقِ وانصُرْنى بالحق وَاكْفِنَا كل عَذَابٍ من فَوْقِنَا أو مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِنَا أَو يَلْبِسَنَا شِيَعًا أو يذيق بعضنا بَأْسَ بَعْضٍ وَاكفنا كل هَم وَعَمْ وَكُل هَوْلٍ دُونَ الْجَنَّةِ واكفنا شَرَّ ما تَعلَّق بِهِ عِلْمُكَ مما كان ويكون إنك على كل شيء قدير سُبحَانَ المَلِك الخلاق سُبحان الخلاق الرزاق سبحان الله عما يَصِفُونَ عالم الغيب والشهادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ سُبْحَانَ ذِي العِزَّةِ وَالجَبَرُوتِ سُبْحَانَ ذى المُلْكِ والمَلكُوتِ سبحان من يحيي ويميت سُبْحَانَ الحَيِّ الَّذِي لا يموت سبحان الملك القادر سبحان العظيم القاهر وهو القاهر فوق عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الخَبِيرُ
۱۳۸
قُل حَسْبِيَ الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكَّلُونَ أعوذُ بالله من جَهْد البَلاءِ وَمِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ وَمِنْ دَركِ الشَّقَاءِ وَمِن شَمَاتَةِ الأعداء وأعوذ بالله رَبِّي وربكم وَرَبِّ كل شيء مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ يَوْمِ الْحِسَابِ
يا مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُل شَيْءٍ وهُوَ يجير وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ انْصُرْنِي بِالْخَوْفِ مِنْكَ
والتوكُلِ عَلَيْكَ حَتَّى لا أخاف غَيرك ولا أعبدُ شَيْئاً سواك
يا خالق السَّبْع سَمَاوَاتِ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الامْرُ بَيْنَهُنَّ أشهد أنك على كل شيء قدير وأنك قد أحطت بكل شيء علماً أسألك بهذا الأمر الذي هو أصل الموجُودَاتِ وَإليه المبدأ وَالْمُنتهى وَإليه غاية الغَايَاتِ أن تسخر لنا هذا البَحْر بحر الدُّنْيَا وَمَا فِيهِ وَمَنْ فِيه كما سَخَّرْت البحر لموسى وسخرت النار لإبراهيم وسخرت الجِبَالَ والحَديدَ لدَوادَ وسخرت الرِّيَاحَ وَالشَّيَاطِينَ وَالجِنَّ
لِسُلْيمَانَ وَسَخَّرْ لِي كُل بحر هو لَكَ وسخر لي كل جَبَلٍ وَسَخَّرٌ لي كل حديدٍ وَسَخَّرْ لى كل ريح وسخر لى كل شَيْطَان من الجن والإنس وسخر لى نفسي وسخر لي كل شيء يا مَنْ بِيَدِهِ ملكوت كل شيء وَاحْمِلْ أمرى باليقين وايدني بالنَّصر المبين إنك على كل شيء قدير
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
حزب البحر
بسم
الله الرحمن الرحيم
اللهم يا على يا عظيم يا حليم يا عليم أنت ربي وعلمك حسبى
۱۳۹
فنعم الرب ربي ونعم الحسب حسبى تنصر من تشاء وأنت العزيز الحكيم 1 نسألك العصمة في الحركات والسكنات والكلماتِ والإرادات والخطرات من الظنون والشكوك والأوهام الساترة للقلوب عن مطالعة الغيوب فقد ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً وإذْ َيقُولُ المنافقُونَ والذين في قُلُوبِهِم مَرَضٌ مَا وَعَدَنا الله ورَسُولُهُ إِلا غُرُوراً
فثبتنا وانصرنا وسخر لنا هذا البحرَكما سخَّرْت البحر لموسى وسحرت النار لإبراهيم وسحرت الجبال والحديد لداودَ وسخرت الريح والشياطين والجن لسلمان وسخر لنا كل بحر هو لَكَ فى الأرض والسماء والمُلك والملكوت وبحر
الدنيا وبحر الآخرة وسحر لنا كل شيء يا من بيده ملكوت كل شيء كهيعص كهيعص كهيعص انْصُرْنا فإنَّك خير الناصرينَ وافْتَحْ لَنَا فإنك خير الفاتحين واغفر لنا فإنك خَيْرُ الغَافِرينَ وارحمنا فإنك خير الراحمين وارزقنا فإنَّك خير الرازقين واهدنَا ونَجِّنا من القوم الظالمين وهب لنا ريحاً طيبة كما هى فى علمك وانشرها علينا من خزائن رحمتك واحملنا بها حمل الكرامة مَعَ السَّلامَةِ والعافية في الدين والدنيا والآخرة إنك على كل شيء
قدير
اللهم يسر لنا أمورنا مع الرَّاحَةِ لقُلُوبِنَا وأبدَانِنَا والسلامة والعافية في دُنْيَانَا وديننا وَكُن لَنا صاحباً في سفرنا وخليفة فى أهلنا واطمس على وجُوهِ أعدَائِنا
وامْسَحْهُم على مكانتهم فلا يستطيعون المضى ولا المجيء إلينا وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراط فَأَنَّى يُبْصِرُونَ وَلَو نَشَاءُ
٥١ يقول ابن عطاء الله السكندرى عن حزب البحر والحزب الكبير الذي يسميه حزب وإذا جاءك إنهما سارا مسير الشمس والقمر وأشيد ذكرهما فى البدو والحضر وحزب البحر يقرأ بعد العصر في التقاليد
الشاذلية
١٤٠
لمسحْنَاهُمْ عَلَى مَكَانِتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا ولا يَرْجِعُونَ يس والقرآن الحكيم إنَّكَ لَمِنَ المرسلين على صِرَاطٍ مُستقيم تَنْزِيلَ العَزِيزِ الرحيم لتنذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آبَاءَهُم فهم غَافِلُونُ لقد حَقَّ القولُ عَلَى أكثرهم فهم لا يُؤْمِنُونَ إنا جَعَلْنَا في أَعْنَاقِهم أغلالاً فهى إلى الأذقان فهم مُقْمَحُونَ وجعلنا من بين أيديهم سَدًّا ومن خلفهم سَدًّا فَأَغشَيْنَاهُمْ فهم لا يبصرون
شَاهَتِ الوُجُوهُ شَاهِتِ الوُجُوهُ شَاهَتِ الوُجُوهُ
وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَى القيوم وقد خاب من حمل ظُلْماً طس حم عسق مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ
حم حم حم حم حم حم حم
حم الأمر وجاء النصر فعلينا لا ينصرونَ رحم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ من الله العزيز العليم غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقَابِ ذِي الطَّولِ لا إله إلا هُوَ إليه المصير
بسم
الله بابنا تبارك حيطاننا سقفنا كهيعص كفايتنا یس حم عسق حمايتنا فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله وهو السَّمِيعُ العَلِيمُ فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السميع العليم فَسَيَكفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيم ستر العَرْشِ مَسبُولُ عَلَيْنَا وَعَينُ الله ناظِرَةٌ إِلَيْنَا بِحَوْلِ الله لَا يَقْدِرُ عَلَينا
والله من ورائهم مُحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرآن مجيد في لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ فالله خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فالله خير حافظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الراحِمِينَ
إنَّ وَلِي الله الَّذِي نَزَّل الكِتَابَ وَهُوَ يَتَولَّى الصَّالِحِينَ إِنَّ وَلِي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الكتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى
الصالحين
١٤١
الله لا إله إلا هُوَ عَليهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبِّ العَرْشِ الْعَظِيم
حَسْبِيَ الله لا إله إلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ الْعَظِيمِ إله إلا هُوَ عَلَيْه تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العرشِ الْعَظِيمِ
اَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العليم بسم الله الذي لا يَضُر مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بسم الله الَّذِى لا يَضر مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَليم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وَلَا حَوْلَ وَلا قوة إلا بالله الْعَلِيُّ العظيم وَلا حَوْلَ وَلا قوة إلا بالله العلى العظيم
حزب الآيات
أعوذ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّحِيمِ بِسْم الله الرَّحْمَنِ الرَّحيم وصلى الله على سيدنا محمد ۵
إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنينَ أَنفُسَهُم وأمْوالَهُمْ بأَنَّ لَهُم الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبيل الله فيقتلُونَ وَيُقْتُلُونَ وَعداً عليه حَقًّا في التَّوْرَاةِ والإنجيل والقرآنِ ومَن أَوْفَى بععَهْدِه من الله فاستبشروا ببيعكُمُ الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التَّائِبُونَ العابِدُونَ الحامدُونَ السَّائحونَ الرَّاكعونَ السَّاجدون الآمرون بالمعروف والنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ والحَافِظُونَ لِحُدُودِ الله وبَشِّرِ المؤمنين
٥٢ هذا الحزب ذكره ابن الصباغ كقسم من الحزب الكبير وكمقدمة له بيد أن الحزب الكبير يبدؤه الناس عادة بالآية الكريمة وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ولذلك سماه ابن عطاء الله حزب وإذا جاءك وتوفيقاً للآراء فى ذلك رأى بعض المؤرخين مستندين إلى نصوص أن أبا الحسن كان يقرأ هذا الحزب مقدمة للحزب الكبير إذا اتسع له الوقت وإلا قرأ وإذا جاءك
١٤٢
قد أفلح المؤمِنونَ الذين هُمْ فى صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُم عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ والذين هم للزَّكاة فَاعِلُونَ والَّذينَ هُم لِفُروجهم حافظون إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هم العادون والذين هُمْ لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هُمْ عَلَى صَلواتهِمْ يُحافظونَ أولئك هُمُ الوارِثُونَ الذين يَرثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فيها خالدون إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ وَالمُؤمِنينَ والمؤمِنَاتِ والقانتين والقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ والصَّابراتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ والمتصدِّقِينَ وَالمُتَصَدَّقَاتِ والصَّائمينَ والصَّائمات والحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ والحافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ الله كَثِيرًا والذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ الله لهُمْ مَغْفِرَةً وأجراً عظيماً إِنَّ الإِنْسَانَ خُلقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وإِذَا مَسَّهُ الخَيْر منوعاً إلا المُصَلِّينَ الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُوم للسائل والمَحرُوم والَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بيَوْمِ الدِّينِ والذين هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُشْفِقُونَ إن عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُون والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم فإنهم غَير مَلُومِينَ فَمَن ابْتَغَى وراء ذلك فأولئك هُمُ العَادُونَ والذين لأماناتهم وَعَهْدِهِم رَاعُونَ والذين هم بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ
والذين هُمْ عَلَى صَلَاتِهِم يُحَافِظُونَ أولئك في جَنَّاتٍ مَكْرَمُونَ - اللهم إنا نسألكَ صُحْبَةَ الخَوْفِ وَغَلَبَةَ الشَّوقِ وثَباتَ العِلْمِ ودَوَامَ الفكر ونسألك سير الأسرار المانع من الإصرار حتى لا يكون لَنَا مَعَ الذَنْبِ وَالعَيْبِ قرار واجْتَبنَا وَاهْدِنا إلى العَمَل بهذه الكَلِمَاتِ التي بَسَطْتها لنا على لِسَانِ رَسُولك وابتليت بهن إبراهيم خليلكَ فأَتَمَّهُنَّ قال إِنِّي جَاعِلُكَ للنَّاسِ إِمَاماً قال وَمِنْ ذُرِّيَّتي قال لا يَنالُ عَهْدِى الظالمينَ فَاجْعَلْنا من المحْسِنِينَ مِنْ ذُرِّيةِ آدَمَ ونوح واسلك بنا سبيل أئمة المهتدين
١٤٣
والله بصير بالعبادِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ
النار الصَّابِرِينَ والصَّادِقِينَ والْقانِتِينَ وَالمُنْفَقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بالأَسْحَارِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قياماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذا باطلا سبحانكَ فَقِنَا عذابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تَدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَه وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارِ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي للإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمنا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا و اتنا ما وعدتنا على رُسُلِكَ وَلاَ تُخزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيعَادَ ربنا آتنا في الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وفي الآخرةِ حَسَنَةٌ وقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا واسْرَافَنَا فى أمْرِنَا وثبت أَقْدَامِنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القوم الكافرين رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَسِينَا َأوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ الذينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيَتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ ليوم لا رَيْبَ فيه إن الله لا يُخْلِفُ المِيعَادَ ربَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فاكتُبنَا مَعَ الشاهدين وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِالله وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أنْ يُدْخِلْنَا رَبُّنَا مَعَ القَوْمِ الصَّالِحينَ فأثابَهُمُ الله بما قالوا جَنَّاتٍ تَجْرْيِ مِنْ تَحْتِهَا الأنهار خالدين فيها وذَلِكَ جَزاءُ المُحْسِنِينَ
به
على
وقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِالله فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُسْلِمِينَ فَقَالُوا على الله توكلنا ربَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً للقومِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ
الكافرين
122
رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وهيئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً
رَبَّنَا آمَنَا فَاغْفِرْ لَنا وارحمنا وأنْتَ خَيْر الرَّاحِمينَ
رَبَّنَا اصْرِف عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرا ومقاماً رَبَّنَا هَبَ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شيءٍ رَحْمَةٌ وعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبعوا سبيلك وقِهِمْ عذاب الجحيم رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جنات عَدْنٍ التي وَعَدَتْهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِن آبائهم وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُريَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العزيز الحكيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئات يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَة وذلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ
ربنا اكشف عَنَا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإخوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بالإيمَانِ ولا تَجْعل في قلوبِنَا غِلا لِلذِينَ آمنوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنبنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةٌ لِلذِينَ كَفَرُوا واغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنكَ أنتَ العَزِيزُ الحكيم
بسم
ربَّنَا أَتهِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ بسم الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ الله أحد اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن له كفوا أحدٌ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم قُلْ َأعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذَا وَقَب وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ مِنْ شر الوسواس الخناس الذي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ الناس مِنَ الجِنَّةِ والنَّاسِ بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِك
بسم
١٤٥
يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيم صَرَاطَ الَّذِينَ أنْعَمتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ الحمد لله الذى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرضَ وجَعَلَ الظُّلُمَاتِ والنُّورَ ثُم الذينَ كَفَروا بربهم يعدلون هو الذي خَلَقَكُمْ من طين ثم ق أجَلا وأَجَلٌ مُسَمًّى عِندَهُ ثم أنتم تمترُونَ وهو الله في السموات وفى الأرضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ويعلَمُ
ما تكسبونَ
قضی
الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْدِيَ لَوْلاَ أنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ
ربنا بالْحَقِّ
إِنَّ الَّذِينَ آمنوا وعملوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِم رَبَّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتهم الأنهار في جَنَّاتِ النَّعيم دَعْوَاهُمْ فِيها سُبحَانَكَ اللهم وتحيتُهُم فِيهَا سَلَامٌ وآخر دعواهم أن الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ وقُلِ الْحَمْدُ لله الَّذِى لَمْ يَتَّخِذ ولداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكَ فَي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَليُّ مِنَ الذل وكبره تكبيراً
الْحَمْدُ لله الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قِيماً لِيُنذِرَ بَأْساً شديداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّر المؤمِنينَ الذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالحاتِ أن لهم أجراً حَسَناً ماكِثِينَ فِيهِ أبداً قُلِ الْحَمدُ ِلله وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى اللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَواتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الحكيمُ الخَبِيرُ يَعْلَمُ مَا يَلجُ فى الأرض وَمَا يَخْرُجُ مَنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ الحمد لله فاطر السموات والأَرضِ جَاعِلِ المَلائِكة رُسُلاً أولى أجْنِحَةٍ مَثْنَى
وثلاث وَرُبَاعَ يَزِيدُ في الخَلْقِ مَا يَشَاءُ إن الله على كل شيء قدير
١٤٦
مَا يَفْتَح الله للنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكَ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ العَزِيزُ الحكيم ضرب الله مثلا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيء وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ
منه سرا وَجَهْراً هلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ اللهُ بَل أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ضرب الله مثلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكسُونَ ورَجلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ
وَقَالُوا الحمد لله الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضِ نَتَبوأ من الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ منعم أجر العاملين وَتَرى الملائِكَةَ حَافِينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَواتِ ورَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَهُ الْكِبْرَياءُ فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكيم
فَسُبْحَانَ الله حينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهرُونَ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ المَيْت وَيُخْرِجُ الْمَيتَ مِنَ الحَى وَيُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لله
رَبِّ الْعَالَمِينَ
حزب البر المعروف بالحزب الكبير ٥٣
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتِنَا فَقُل سلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُم عَلَى نَفْسِه ٥٣ الوقت المختار لهذا الحزب - في العرف الشاذلى - بعد صلاة الصبح ولا يتكلم حال تلاوته وقد روى عن أبي الحسن أنه قال عنه من قرأ حزبنا فله مالنا وعليه ماعلينا
١٤٧
الرحمة أنه من عمل منكم سُوءاً بجهالة ثم تاب من بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ بديع السمواتِ والأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ له ولدٌ وَلَمْ تكُن لَّهُ صاحبةٌ وخلق كلَّ شَيْءٍ وهو بكل شيء عليم ذلِكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ وكيل لا تُدْرِكُهُ الأبصار وهو يُدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير اگر كهيعص حم عسق
رب احكم بالحَقِّ ورَبُّنَا الرَّحْمَنُ المستَعانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ طه ما أنزَلْنَا عَلَيْكَ القرآنَ لِتَشْقى إلا تذكرة لِمَنْ يَخشَى تَنْزِيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأرض والسموات العلى الرحمن على العَرْشِ اسْتوى له ما في السموات وما في الأرض وما بَيْنَهُما وما تَحْتَ الثَّرَى وإِنْ تَجْهَرُ بالقَوْلِ فَإِنَّه يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى
اللهم إنك تعلم أنى بالجهَالَةِ مَعروف وأنت بالعلم مَوْصُوفٌ وقد وَسِعْتَ كُلَّ شيء من جهالتي بعلمك فَسَعْ ذلك برحمتك كما وسعتهُ بِعِلْمِكَ واغْفِرْ لى إنك على كل شيء قدير يا الله يا مَالِكُ يا وَهَّابُ هَبْ لنا مِن نُعْمَاكَ مَا عَلِمْتَ لنا فيه رضَاكَ وَاكْسُنَا كِسْوةً تَقِنا بها مِنَ الفتنِ في جميع عطاياكَ وَقَدَّسْنا عن كل وصف يُوجِبُ نقصا مِمَّا استأثرت به فى عِلْمِكَ عَمَّنْ سِوَاك
يا الله يا عظيم يا على يا كبير نسألُكَ الفَقْرَ مِمَّا سِوَاكَ والغنى بك حتَّى لا نشهد إلا إياكَ والطف بنا فيهِمَا لُطفا علمته يَصْلُحُ لمن والاك واكسنا جلابيب العصمة في الأنْفَاسِ واللحظاتِ واجعلنا عبيداً لك في جميع الحالات وعلمنا من لَدُنْكَ علماً نَصِيرُ به كامِلين فى المَحْيا والمَمَاتِ أنت الحميد الرب المجيد الفعّال لما تُرِيدُ تعلمُ فَرَحَنا بماذا ولماذا وعلى ماذا وَتَعْلَمُ حُزنَنَا كذلك وقد أوجبت كونَ ما أَرَدْتُه فينا ومِنا ولا نسألك دفعَ ما تُرِيدُ ولكن نسألك التأييد بروح من عندك فيما تريد كما أيدت أنبيَاءَكَ وَرُسُلكَ
اللهم
١٤٨
وخاصة الصدِّيقين من خلقِكَ إنك على كل شيء قديرٌ
اللهم فاطر السموات والأرضِ عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تحكمُ بَيْنَ عِبادِكَ فهنيئاً لمن عرفكَ فَرَضِيَ بِقضائِكَ وَالوَيْلُ لِمَنْ لَمْ يعرِفُكَ بل الوَيْلُ ثم الويل أقر بوحدانيتِكَ وَلم يَرْضَ بأحكامِكَ
لمن
اللهم إنَّ القوْمَ قد حَكَمْتَ عليْهِمْ ِبالذُّلِّ حتى عزوا وحكمت عليهم بالفَقْدِ
L
حتى وجدوا فكل عزيمتع دونك فنسألك بدَلَه ذُلا تضحبُهُ لطائف رحمتك وكل وَجْدِ يحجب عنك فنسألُك عِوضَهُ فَقداً تصحبه أنوار محبتك فإنه قد ظَهَرَتِ السَّعَادة على من أحببته وظَهَرَتِ الشقاوَةُ على مَنْ غَيْرُكَ مَلَكَهُ فَهَبْ لنا مِنْ مَوَاهِب السعداء واعْصِمُنا من مَوَارِدِ الأشقياء
اللهم إنا قد عجزنا عن دفع الضُّرِّ عن أنفُسِنَا من حيث نعلم بما نعلم فكيف لا نعجز عن ذلك من حيث لا نَعْلَمُ بما لا نعلم وقد أمرتنا ونهيتنا والمدح والذم الزمتنا فأخو الصَّلَاح مَن أَصْلَحْته وأخو الفَسَاد من أضْلَلْته وَالسَّعِيدُ حقًّا من أغنيته عن السؤال منك والشقى حقاً من حرمته مع كثرة السؤال لك فاغْنِنَا بفضلك عن سؤالنا منك ولا تحرمنا من رحمتك مع كثرة سؤالنا لكَ إنك على كل شيء قدير
يا شديد البطش يا جبَّارُ يا قهَّارُ يا حكيم نعوذُ بك من شر ما خلقت ونعوذ بك من ظلمة ما أبدعت ونعوذ بك من كَيْدِ النُّفُوسِ فيما قدرت وأردت ونعوذ بك من شر الحُسَّادِ على ما أَنْعَمْتَ ونسألُك عز الدنيا والآخرة كما سألكه نبيك سيدنا محمد عز الدنيا بالإيمان والمعرفة وعن الآخرة باللقاء والمشاهدة إنك سميع قريب مجيب
اللهم إنى أقدم إليك بين يدى كل نَفَسٍ وَلَمْحَةٍ وَطَرْفَةٍ يطرفُ بها أهل السمواتِ وأهل الأرض وكل شيء هو في علمك كائن أو قد كان أقدم إليك بين
١٤٩
يدى ذلك كله الله لا إله إلا هو ا القيوم لا تأخُذُهُ سِنَةٌ ولا نوم له ما في السموات وما فى الأرْضِ مَنْ ذَا الذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بين أَيْدِيهِم اخلفَهُمْ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السمواتِ والأرض ولا يتوده حفظهما وهو العلى العظيم
وما
أَقْسَمْتُ عليك بسط يديك وكرم وجْهَكَ وَنُورِ عَيْنَيْكَ وَكَمَالِ أَعْيُنِكَ أَن تعطينا خير ما نفذت به مَشيتُك وتعلقت به قُدْرَتُكَ وأحاط به علمك واكفنا شر ما هو ضةٌ لذلك وأكمل دِينَنَا وأتمم علينا نِعمَتَكَ وهَبْ لَنَا حكمة الحكمة البالغة مَعَ الحياة الطيبة والموتة الحَسَنَةِ وتَوَلَّ قَبْضَ أرواحِنَا بيدك وحل بيننا وبين غيرك في البرزخ وما قبله وما بعدَهُ بِنُورِ ذاتِكَ وعظيم قدرتك وجميل فضلك إنك على كل شيء قدير
يا الله يا على يا عظيم يا حليم يا حكيم ياكريم يا سميع يا قريب يا مُجيب يا ودود حل بيننا وبينَ فتنةِ الدُّنْيَا وَالنِّسَاءِ وَالغَفْلَةِ والشهوة وظلم العبادِ وسوء الخُلُقِ واغفر لنا ذُنُوبَنَا واقض عنا تبعاتنا واكشف عنا السوء ونجنا من الغم واجعل لنا منه مخرجاً إنك على كل شيء قدير
يا الله يا الله يا الله يا لطيف يا رزَّاقُ يا قوى يا عزيز لك مقاليد السمواتِ والأرض تبسُطُ الرزق لمن تشاء وتقدِرُ فابْسُطُ لنا من الرزق ما تُوصِّلُنَا بِه إلى رحمتك ومن رحمتك ما تحولُ بِهِ بيننا وبَيْنَ يَقْمتِك ومِنْ حِلْمِكَ ما يَسعنا به عفوك واختم لنا بالسعادةِ التي خَتَمْتَ بها لأوليائِكَ واجعل خير أيامنا وأسعدها لقائك وزَحْزِحنا فى الدنيا عن نار الشهوةِ وأَدْخِلْنَا بِفَضْلِكَ فِي ميادين يوم الرَّحْمَةِ واكسنا من نورك جلابيب العصْمَةِ واجعل لنا ظهيراً من عقولنا وَمُهَيْمِنَّا من أرواحنا ومسخّراً من أنفُسنا كى نُسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كُنتَ بنا بَصِيراً وهَبْ لنا مُشاهَدَة تصحبها مُكالَمَةٌ وافتح أسماعنا وأبْصارَنَا واذكرنا
۱۵۰
إذا غفلنا عنك بأحسن مما تذكرنا به إذا ذكرْنَاكَ وَارْحَمْنَا إِذا عَصَيْنَاكَ بِأَتمَّ مِمَّا ترحمنا به إذا أطعناك واغفر لَنَا ذُنُوبَنَا ما تَقَدَّم منها وما تأخر والطف بنا لطفاً
يَحْجُبنا عن غيركَ ولا يَحْجُبنا عنك فإنك بكل شيء عليم
اللهم إنا نسألك لِسَانًا رَطْباً بذكرِكَ وقلباً مُنَعَماً بشكرك وبدَنَا هَينا لينا بطاعتك واعطنا ذلك مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خَطَرَ عَلَى قَلبِ مع
بشر كما أخبر بِهِ رَسُولُ الله حَسَبَ مَا عَلِمْتَهُ بِعِلْمك واعْتِنَا بِلا سَبَبِ واجْعَلْنَا سبب الغنى لأوليائك وبرزخاً بينهم وبين أعدائك إنك على كل شيء قدير اللهم إنا نسألك إيماناً دائماً ونسألك قلباً خاشعاً ونسألُكَ علماً نافعاً ونسألك يقيناً صادقاً ونسألك ديناً قيماً ونسألك العافية من كل بَليَّة ونسألك تمام العافية ونسألُك دَوَامَ العافية ونسألُك الشكر على العافية ونسألك الغِنَى
عن الناس
اللهم إنا نسألك التوبة الكاملة والمغفرة الشاملة والمحبة الكاملة الجامعة والخُلَّة الصافية والمعرفة الواسعة والأنوار الساطعة والشفاعة القائمة والحجة البالغة والدرجة العالية وفُكَ وثاقنا من المَعْصِيَةِ ورهاننا من النعمة بمواهب
المنة اللهم إنا نسألك التوبة ودَوامَها ونعوذُ بك من المَعْصِيَةِ وأسبابها وذكرنا بالخوف منك قبلَ هُجُومٍ خَطَرَاتِها واحْمِلْنَا على النَّجَاةِ مِنْهَا وَمِنَ التَّفَكَّرِ في طرائقها وامح من قُلُوبنا حلاوة ما اجتنيناه منها واستبدلها بالكرامة لها والطَّعْم لِمَا هُوَ بِضِدّها وأفض عَلَينا من بحركَرمك وعفوك حتى نَخْرُجَ من الدُّنْيا على السلامة من وبالها واجْعَلْنَا عند الموت ناطقين بالشهَادَة عَالمين بها وارأف بنا رأفة الحبيب بحبيبه عِنْدَ الشَّدائِدِ ونزولها وأرحنَا مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا وَعُمُومِهَا بالروح والرَّيْحَان إلى الجنَّةِ ونعيمها اللهم إنا نسألك توبةً سابقةً منك إلينا لتَكُونَ توْبَتُنَا تَابِعَةً إِليكَ مِنَّا وَهَبْ لنا
151
المتلقى منك كتلقّى آدمَ مِنْك الكلمات ليكُونَ قدوَةٌ لوَلَدِهِ فِي التَّوْبَة والأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ وباعِدْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ العِناد والإصْرَارِ والشَّبَهِ بابليسَ رأْسِ الغُوَاةِ واجعل سيئاتِنَا سيئاتِ مَنْ أحببت ولا تجعل حسناتنا حسناتِ من أبغضت فالإحسان لا ينْفَعُ مع البعض منك والإِساءَة لا تضرُّ مع الحب منك وقد أبهمت الأمر علينا لنرجو ونخافُ فآمن خوفنا ولا تُخَيب رجاءَنَا واعطنا سولنا فقد أعطيتنا الإيمان من قبل أن نسألك وكتبت وجبت وزَيَّنتَ وَكَرَمْتَ وَأَطْلَقْتَ الأَلسُنَ بِمَا بِهِ ترجمت فَنِعْمَ الرب أنتَ فلك الحَمْدُ على ما أَنْعَمْتَ فاغفر لنا ولا تُعاقِبنَا بالسلب بعد العطاء ولا بكُفْرَانِ النَّعَم وحِرْمَانِ الرّضا اللهم رَضُنَا بقضائك وصَبرْنَا على طَاعَتِك وعن مَعْصِيَتِك وعن الشهَواتِ المُوجِبَاتِ للنقص أو البعد عنك وهب لنا حقيقة الإيمان بك حتى لا نخاف غيرك ولا نرجو غيرك ولا نُحِب غيرك ولا نَعْبُدَ شيئاً سِوَاكَ وأوزعنا شكر نعمَائِك وغطنا برداء عافيتك وانصُرْنا باليقينِ والتَّوَكَّلِ عَلَيْكَ واسْفر وُجُوهَنَا بِنُورِ صِفاتِك وأضحكنا وبَشرْنا يَوْمَ القِيَامَةِ بَيْنَ أَوْلِيَائِكَ واجْعَلْ يَدَكَ مبْسُوطةً علينا وعلى أهلينا وأولادنا ومن مَعَنا برحْمَتِك ولا تكلنا إلى أنفسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ ولا أقل من ذلك يا نعم المُجِيبُ يا نعم المُجيب يا نعْمَ المُجيب يا مَنْ هُوَ هُوَ هُوَ فى عُلُوهِ قريب يا ذا الجلال والإكرام يا مُحيطاً بالليالي والأيام أشكو إليك من غم الحجاب وسُوءِ الحِسَابِ وشِدَّةِ العذاب وإن ذلك لواقع ما له من دَافِع إن لم ترحمني لا إله إلا أَنْتَ سُبْحَانَك أَنِّي كُنتُ
من الظَّالمين
لا إلهَ إلا أنت سبحانك إنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لا إله إلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ من الظالمين
ولقد شكا إليك يعقوب فخلصته من حزنه ورددت عليه ما ذَهَب من بَصَرِهِ
١٥٢
وَجَمْعت بينه وبين وَلَده ولقد نَادَاكَ نُوحٌ من قَبْلُ فنجيته من كربه ولقد نَادَاك
L
ولقد
أيوب من بعدُ فَكَشَفت ما به من ضُرَّه ولقد نادَاكَ يُونس فنجيته من غمه ناداك زكرياء فوهبت له ولدا من صُلْبِهِ بعدَ يَأْس أهلِهِ وكبر سنّه ولقد عَلَمْتَ
ما نزل بإبراهيم فأنقذته من نار عدوه وأنْجَيْتَ لُوطاً وأهله من العذاب النازل بقومه فهأنذا عبدك إن تُعذَّبني يجميع ما علمت من عذابك فأنا حقيق به وإن ترحمني كما رحمتهم مع عظيم إجرامي فأنت أولى بذلك وأحق من أكرم به فليس كرمك مخصوصاً بمن أطَاعَك وأقبل عليك بل هو مبذُولُ بالسَّبْقِ لمن شئت من خلقك وإن عَصَاك وأعرَضَ عَنْكَ ولَيْسَ من الكرم ألا تُحْسِن إلا لمن أحْسَنَ إلَيْكَ أنت المِفْضَالُ الغَنِيُّ بل من الكَرَمِ أَن تُحْسِنَ إلى من أساء إليك وأنت الرحيم العلى كيف وقد أمرتنا أن نحسن إلى من أساء إلينا فأنت أولى بذلك مِنَّا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغفَرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفر لنا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين
يا الله يا الله يا الله يا رَحْمَنُ یا رَحْمَنُ یا رَحْمَنُ
يا قيوم يا قيوم يا قيوم يا مَنْ هُو هو هو يا هو إن لم نكن لرَحْمتك أهلاً أن ننالها فرحمتك أهل أن تنالنا يا رباه يا ربَّاهُ يا ربَّاهُ یا مَوْلاَه يا مولاه يا مَوْلاهُ يا مغيث مَنْ عَصَاهُ يا مغيث من عصاه يا مغيث من عصاه أغثنا أغثنا أغثنا يا رب ياكريم وارحمنا يا بر يا رحيم يا من وسع كرسيه السمواتِ والأرض ولا يتوده حفظهما وهو العلى العظيم أسألك الإيمان بحفظك إيمَاناً يَسْكُنُ به قَلْبِى من هم الرِّزْقِ وخَوْفِ الخَلْقِ واقرب مِنِّى بقدرتك قُرباً تَمْحَقُ به عَنِّى كُلَّ حِجَابٍ مَحقته عن إبراهيم خليلك فلم
١٥٣
يحتج الجبْرِيلَ رَسُولك ولا لسؤاله منك وحجبته بذلك عن نار عَدُوٌّه وكيف لا يُحْجَبُ عن مَضَرَّةِ الأعداء مَنْ غَيَّبته عن منفعة الأحباء كلاً إِنِّي أَسْأَلُك أن تغيبني بقربك منّى حَتَّى لا أَرَى ولا أُحِس بقرب شيء ولا يُيُعْدِهِ عَنِّى إنك على كل
شيء قدير
أَفَحَسِبْتُم أَنَّمَا خَلَقْنَاكُم عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إلينا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى الله الملِكُ الحَقُّ لا إله إلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكريم وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهُ إِلَهَا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الكَافِرُونَ وقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحمين هُوَ الْحَى لا إله إلا هُوَ فادْعُوهُ مُخلصينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمدُ لله رب العالمينَ إنَّ الله ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النبيِّ يُأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صلوا عليه وسلموا تسليماً اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وبَارِك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللهم وارض عن سَادَاتِنَا الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أبي بكر الصديق وعُمر وعثمان وعلى وارض اللهم عن سيدنا الحسَن وعن سيدنا الْحُسَيْنِ وعن أمها فاطمة الزهراء وعن الصَّحَابَةِ أجمعين وعن أزواج نبيك الطَّاهِرَاتِ أمهات المؤمنين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وصلى الله تَعَالى وسلَّم عَلَى سَيدنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الكريم سبحان ربِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ والحمد لله
رب العالمين
يوم
104
حزب الشيخ أبي الحسن ٤
ot
أعوذ بالله من الشَّيْطَانِ الرجيم بسم الله الرحمنِ الرَّحيم الْحَمدُ لله ربِّ العالمين الرحمنِ الرَّحيم مالك يوم الدين إِيَّاكَ نعبد وإياك نستعين اهْدِنا الصراط المستقيم صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عليهِمْ غير المغضوب عليهم ولا الضَّالين
آمين الله لا إلهَ إلا هو الحى القيُّومُ لا تأخُذُهُ سِنَة ولا نَوْم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يَشْفَعُ عِندَهُ إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خَلْفَهُمْ ولا يُحِيطُونَ بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يتوده حفظهما وهو العلى العظيم
آمن الرسول بما أنْزِلَ إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرِّقُ بَيْنَ أحدٍ مِنْ رُسله وقالُوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير لا يُكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تواخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصْراً كما حَمَلْته على الذين من قبلنا ربنا ولا تُحملنا ما لا طاقة لنا به واعْفُ عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ألم الله لا إله إلا هو الحى القَيُّومُ نَزَّلَ عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنْزَلَ التَّوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إنَّ الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء هو الذي يُصَوِّرُكُمْ فى الأرحام كيف يشاء لا إلهَ إلا هو العزيز الحكيم
٥٤ هذا الحزب الجليل رواه ابن عطاء الله رضي الله عنه
ولم يضع له اسما
١٥٥
قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاءُ وتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ من تشاءُ وَتُذِلُّ من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير تُولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتُخرِجُ الحى من المَيِّتِ وتخرج الميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يُطعمنى ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذى يُميتني ثم يحيين والذى أطمع أن يغفر لى خطيئتي رب هَب لى حكما وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلنى من ورثةِ جِنَّةِ النَّعيم واغفر لأبى إنه كان من الضالين ولا تخزنى يـوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وأزلفت الجنة
للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين
يوم
الدين
سبح الله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السموات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم هو الذى خلق السموات والأرض في ستَّةِ أَيَّام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرجُ فيها وهو معكم أين ماكنتم والله بما تعملون بصير له مُلك السموات والأرض وإلى الله تُرْجَعُ الأمور يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل وهو عليم بذات الصدور هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يُسبح له ما في - السموات والأرض وهو العزيز الحكيم
هو
والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيماً فآوى وَوَجَدَك ضالاً فهدى
وَوَجَدَكَ عائلا فأغنى فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك
فحدث
ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزركَ الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذِكْرَكَ فإن مع العُسْرِ يَسْرًا إن مع العُسْرِيسرًا فإذا فرغت فانصب وإلى ربك
فارغب
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقْتُلُون وعداً عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أو في بعهده من الله فاستبْشِرُوا ببيعكُم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الرَّاكِعُون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبَشِّرِ المؤمنين قد أفلح المومِنُونَ الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين اللغو هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على
معرضون والدين
هم
عن
أزواجهم أو ما ملكت أيمَانُهُم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هُمُ
العادون والذين
هم
على صلواتهم
لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً إن الإنسان خُلقَ هَلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مَسَّهُ الخير منوعاً إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلُوم للسائل والمحروم والذين يُصَدِّقُون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مُشْفِقون إِنَّ
عذاب ربهم غير مأمون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنَّهُم غير ملومين فمن ابْتَغَى وَرَاءَ ذلك فأولئك العادون
هم
والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك فى جنات مكرمون اللهم إنا نسألك صُحبة الخوف وغلبة الشوْقِ وثبات العلم ودوام الفكر ونسألك سير الأسرار المانع من الإصرار حتى لا يكون لنا من الذنب أو العيب قرار واجتبنا واهدنا إلى العمل بهذه الكلمات التي بَسَطتها لنا على لسان رسولك وابتليت بهن إبراهيم خليلك فأتمهن قال إنى جاعلك للنَّاسِ إِمَاماً قال ومن ذُريتي قال لا ينال عهدي الظالمين فاجعلنا من المحسنين من ذريته ومن ذرية آدم
ونوح واسلك بنا سبيل أئمة المتقين
باسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وعلى الله فليتوكل المتوكلون
حسبی
الله آمنت بالله رضيت بالله توكلت على الله ولا قوة إلا بالله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله رب اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات
الْحَمْدُ لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قل الحمد لله وسلام على عباده الذينَ اصْطَفَى رَبِّ إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً فاغفر لى وتب على لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين
يا الله يا على يا عظيم يا حليم يا عليم يا سميع يا بصير يا مريد يا قدير يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم يا من هو هو يا هو يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن تبارك اسم
ربك ذي الجلال والإكرام اللهم صلني باسمك العظيم الذى لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء وهب لى منه سرا لا تضر معه الذنوب شيئاً واجعل لى منه وجهاً تقضى به الحوائج للقلب والعقل والروح والسر والنفس والبدن ووجهاً ترفع به الحوائج من القلب والعقل والسر والروح والبدن والنفس وادرج أسمائى تحت أسمائك وصفاتي تحت صفاتك وأفعالي تحت أفعالك درج السلامة وإسقاط الملامة وتنزل الكرامة وظهور الإمامة وكمل لى ما ابتليت به أئمة الهدى من كلماتك واغننى حتى تغنى بي وأحينى حتى تحيى بى ما شئت ومن شئت من عبادك واجعلني خزانة الأربعين ومن خلاصة المتقين واغفر لي فإنه لا ينال عهدك الظالمين طس حم عسق مرج البحرين يَلْتَقِيَان بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَان الحمد لله رب العالمين الرَّحمن الرّحيم مالك الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد وَلمْ يكُن له كفواً أحد قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يُولَدْ ولم يكن له كفواً أحد
يوم
نصائح
کن
متمسكاً
بهذه الصفات الحميدة تفز بسعادة الدارين
لا تتخذ من الكافرين وليًّا ولا من المؤمنين عدوا وارتحل بزادك من التقوى في الدنيا وعد نفسك من الموتى واشهد الله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة وحسبك عمل صالح وإن قل وقل آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
وقل سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير
١٥٩
فمن كان متمسكاً بهذه الصفات الحميدة ضمن الله عز وجل له أربعة أمور في الدنيا الصدق فى القول والإخلاص فى العمل والرزق كالمطر والوقاية من
الشر
وأربعة أمور فى الآخرة المغفرة العظمى والقربة الزلفي ودخول جنة
المأوى واللحوق بالدرجة العليا فإن أردت الصدق في القول فداوم على قراءة إنا أنزلناه في ليلة القدر وإن أردت الرزق كالمطر فداوم على قراءة قل أعوذ برب الفلق وإن أردت السلامة من شر الناس فداوم على قراءة قل أعوذ برب
الناس
بسم
وإن أردت جلب الخير والرزق والبركة فداوم على قراءة الله الرحمن الرحيم - الملك الحق المبين هو نعم المولى ونعم المصير وقراءة سورة الواقعة
وسورة يس
ومن كل ضيق مخرجاً
وإن أردت أن يجعل الله لك من كل هم فرجاً ويرزقك من حيث لا تحتسب فالزم الاستغفار وإن أردت أن تأمن مما يروعك ويفزعك فقل أعوذ بكلمات الله التامات من
غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وإن أردت أن تعرف أى وقت تفتح فيه أبواب السماء ويستجاب الدعاء فاشهد وقت نداء المنادى فأجبه ففي الحديث من نزل به كرب أو شدة فليجب المنادى وهو المؤذن
وإن أردت أن تسلم من أمر يكربك فقل توكلت على الحى الذي لا يموت أبداً والحمد لله الذى لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له
1
ولى من الذل وكبره تكبيراً وإن أردت أن تنجو من هم أو غم أو خوف يصيبك فقل اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع
من
قلبي ونور صدري وجلاء حزنى وذهاب همي وغمي وإن أردت أن يداويك الله من تسعة وتسعين داء أيسرها اللمم فقل لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وإن أردت أن تؤجر بما يصيبك من مصيبة فقل إنا لله وإنا إليه راجعون وإن أردت أن يذهب همك ويقضى دينك فقل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ
بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة وقهر الرجال وإن أردت أن توفق للخضوع والخشوع فاترك فضول النظر
وإن أردت أن توفق للحكمة فاترك فضول الكلام وإن أردت أن توفق لحلاوة العبادة فاترك فضول الطعام وعليك بالصوم وقيام الليل والتهجد فيه
وإن أردت أن توفق للهيبة فاترك المزح والضحك فإنهما يسقطان الهيبة
وإن أردت أن توفق للجنة فاترك فضول الرغبة فى الدنيا وإن أردت أن توفق لإصلاح عيب نفسك فاترك التجسس على عيوب الناس فإن التجسس من شعب النفاق كما أن حسن الظن من شعب الإيمان وإن أردت أن توفق للخشية فاترك التوهم في كيفيات ذات الله تعالى تسلم
من الشك والنفاق
١٦١
وإن أردت أن توفق للسلامة من كل سوء فاترك الظن السيئ بكل الناس
وإن أردت المنزلة فاترك الاعتماد على الناس وتوكل على الله
و إن أردت ألا يموت قلبك فقل كل يوم أربعين مرة ياحي ياقيوم لا إله إلا أنت وإن أردت أن ترى النبي ل يوم القيامة يوم الحسرة والندامة فأكثر
من قراءة إذا الشمس كورت و إذا السماء انفطرت و إذا السماء
انشقت
وإن أردت
ينور الله وجهك فداوم على قيام الليل
وإن أردت السلامة من عطش يوم القيامة فلازم الصوم
وإن أردت أن تسلم من عذاب القبر فاحترز من النجاسات واترك أكل
المحرمات وارفض الشهوات
وإن أردت أن تكون غنياً فلازم القناعة
وإن أردت أن تكون خير الناس فكن نافعاً للناس
وإن أردت أن تكون أعبد الناس فكن متمسكاً بقوله من يأخذ عنى هذه الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن قال أبو هريرة أنا يا رسول الله فأخذ بيدى وعد خمساً قال اتق المحارم تكن أعبد الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب وإن أردت أن تكون من المحسنين الخالصين فاعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
وإن أردت أن يكمل إيمانك فحسن خلقك
وإن أردت أن يحبك الله فاقض حوائج إخوانك المسلمين وإن أردت أن تكون من المطيعين فأد ما فرض الله عليك
١٦٢
وإن أردت أن تلقى الله تعالى يوم القيامة نقياً من الذنوب فاغتسل من الجنابة ولازم غسل الجمعة
أحدا
وإن أردت أن تحشر يوم القيامة في النور الهادى وتسلم من الظلمات فلا تظلم
من خلق الله تعالى
وإن أردت أن تقل ذنوبك فالزم الاستغفار وإن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله
وإن أردت أن يستر الله عليك فاستر عيوب الناس
وإن أردت أن تمحى خطاياك فأكثر من الاستغفار والخشوع والخضوع
والحسنات فى الخلوات
وإن أردت الحسنات العظام فعليك بحسن الخلق والتواضع والصبر على البلية وإن أردت السلامة من السيئات العظام فاجتنب سوء الخلق والشح المطاع وإن أردت أن يسكن عنك غضب الجبار فعليك بإخفاء الصدقة وصلة
الرحم
وإن أردت أن يقضى الله عنك الدين فقل ما قاله النبي قل اللهم
اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك
وإن أردت أن تأمن من قوم خفت شرهم فقل اللهم إنا نجعلك في نحورهم
ونعوذ بك من شرورهم وإن أردت كثرة الخير والرزق فداوم على قراءة ألم نشرح و الكافرون وإن أردت الستر من الناس فداوم على قول اللهم استرني بسترك الجميل الذي سترت به نفسك فلا عين تراك وإن أردت عدم الجوع والعطش فداوم على قراءة لا يلف قريش
١٦٣
- خاتمة واعترافات
حينما بدأت فى تأليف هذا الكتاب فوجئت مباشرة بمشكلة هي مشكلة الكرامات المنثورة في كل الكتب القديمة التى أُرّخت لأبي الحسن وهى من الكثرة
بحيث لا يمكن إغفال الحديث عنها
هل أنقلها جميعًا وأدع مسئولية روايتها على الذين ذكروها وإذا ما نقلتها جميعا فهل أكون بذلك قد أحسنت بالنسبة لأبي الحسن
أم أكون قد أسأت بالنسبة إليه
إن الكثير من المثقفين في العصر الحاضر يمجون ذكر الكرامات هكذا بدون
"
حساب وفي إسراف مسرف ومما لاشك فيه أن أتباع الولى أينما كان وأينما كانوا يحاولون الإشادة بذكره فيروون عنه الكرامات الكثيرة فيصادف ذلك قبولا وارتياحا عند البعض ونفوراً وإعراضًا عند الآخرين
ولقد وصل الأمر ببعض المنكرين للكرامات أن أنكروا كل المعجزات الحسية التي ذكرت للرسول الله في السنة الصحيحة وفى الأخبار التي محصها رجال الحديث واكتفوا - فى المعجزات - بالقرآن الكريم نافين كل شيء غيره مما ذكرته كتب الصحاح على اختلاف ألوانها
إن روح الكثيرين في العصر الحاضر تنادى بإنكار الكرامات وتسخر في وضوح أو فى إشارات بكل من يروى كرامة لولى
هل أجارى هؤلاء أو أولئك
ومع قيام هذه المشكلة أمامى فى وضوح فإنني لم أتردد قط في أن أبدأ كتابي هذا بعد المقدمة بكرامة لأبي الحسن - تلك التي رواها أبو العباس رضى الله
١٦٤
عنه - وما شككت قط فى ثوبتها وماشككت قط فى صحة النقل ثم وجدتني أنقل هذه الكرامة في مناسبة وتلك فى أخرى ولم أجد في ضميري عتابا ولافي
شعورى تراجعا ولا فى ذوقى نفورًا حقيقة أنى لم أنقل كل الكرامات
ولا أغلبها ولكنى نقلت منها ما رأيت له مناسبة في كتابي لماذا لم أجد حرجًا فى نقل بعض الكرامات في كتابي هذا
لماذا
للأسباب الآتية
L
١ - إن القرآن الكريم يحدثنا فى أسلوب لا لبس فيه عن المعجزات التي تفضل الله بها على رسله وأنبيائه ويحدثنا عن الكرامات التي منحها سبحانه لأوليائه
وأصفيائه
ألم يحدثنا القرآن بصورة لا تحتمل التأويل بأن عيسى عليه السلام كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله وأنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله ألم يحدثنا عن سيدنا موسى بأنه ألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون وبأنه أخرج يده فإذا هي بيضاء للناظرين
وسيدتنا مريم ألم تحمل بسيدنا عيسى من غير أب خارقة بذلك قوانين الطبيعة وكانت كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا قال يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله
ثم إن مانسميه قوانين الطبيعة إنما هو فى الواقع عادات الطبيعة
وخرقها ليس بمستحيل عقلا وخرقها لا يترتب عليه مستحيل وعادات الطبيعة لا تسيطر على رب الطبيعة
-- ثم إن هؤلاء الذين تجرى على أيديهم المعجزات أو الكرامات لا ينسبونها
10
لأنفسهم وإنما ينسبونها إلى المتفضل الوهاب صاحب القدرة والقهر ينسبونها إلى من هو على كل شيء قدير
إنهم
من
- والملاحظ في منكرى الكرامات على مر العصور أنهم يتميزون بألوان الغلظة وقساوة القلب فلا تجد فيهم رقة الشعور ولاصفاء البصيرة ولا ملائكية الروح وهم - إن لم يكونوا من الملاحدة - من الصنف الذي لم يخالط الإيمان شغاف قلبه وإنما بقى صورة عائمة على السطح ه - وجمهرة المسلمين على مر العصور عامتهم وخاصتهم وقيمهم الشوامخ
في العلم والدين من الذين يثبتون الكرامات ويؤمنون بها
تلك
هی الأسباب العامة التي لم تجعلني أتخرج من نقل بعض كرامات أبي الحسن وأضيف إليها بعض الأسباب الأخرى الخاصة وأضيفها لأواجه المشكلة فى صراحة أضيفها معلنا في غير كبرياء ولا فخر بأنني من الأشخاص الذين لا تلعب بهم الأوهام ولا التخيلات ولم أكن في يوم من الأيام فريسة أباطيل أو خرافات ولقد باعد الله سبحانه - وله الفضل والمنة – بيني وبين التأثر بالإيحاء الموهم فإذا أضفت أسبابًا خاصة فإنما أضيفها عن يقين وثقة ولعل الله يهدى بها بعض من لايزال فى قلوبهم الاستعداد للخير وفي أرواحهم أسس الاهتداء إلى الحق
بي
وذات
في فترة من الفترات ابتلانى الله بموضوع شق على نفسى وعلى نفس المحيطين واستمر الابتلاء مدة كنا نلجأ فيها إلى الله طالبين الفرج يوم أتى عندى بعض الصالحين - وكان على علم بهذا الابتلاء - وأعطانى ورقة كتب فيها صيغة من صيغ الصلاة على رسول الله عليه وسلم وقال اقرأها واستغرق فيها وكررها منفردًا فى الليل لعل الله يجعلها سببًا في هذا البلاء والصيغة هي اللهم صل صلاة جلال وسلم سلام جمال على
تفریج
1
حضرة حبيبك سيدنا محمد واغشه اللهم بنورك كما غشيته سحابة التجليات فنظر إلى وجهك الكريم وبحقيقة الحقائق كلم مولاه العظيم الذي أعاذه من كل
سوء
وعلى
اللهم فرج كربى كما وعدت أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء
آله وصحبه آمين
واعتكفت فى غرفة بعد صلاة العشاء وأضأت نور الغرفة وأمسكت الورقة بيدى وأخذت فى تكرار الصيغة واستغرقت فيها وإذا بي أرى فجأة أن الحروف التي كتبت بها الصيغة مضيئة تتلألأ نورا ومع أن الغرفة كانت مضيئة فإن الحروف كانت تتلألأ نوراً في وسط هذا النور
ولم أصدق عينى فغمضتها وفتحتهما عدة مرات فكان النور على ما هو فوضعت الورقة أمامى ووضعت يدى على عينى أدلكها وأدعكها ثم فتحت عينى فإذا بالحروف على ماهي عليه تتلألأ نورا وتشع سناء فحمدت الله وعلمت أن أبواب الرحمة قد فتحت وأن هذا النور رمز ذلك وفعلا أزال الله الكرب وحقق الفرج بكرامة هذه الصيغة المباركة وأمر آخر من خوارق العادات شاهدته بنفسي
في ذات صباح كنت جالساً فى المنزل فى غرفة المكتب كعادتي وكنت في تلك اللحظة مطأطئ الرأس ثم رفعت رأسى ناظرا أمامي وإذا بي أجد أمامي إنسانًا فأخذت في تأمله دون أن أشعر قط بخوف أو فزع كان طويلا أقرب إلى النحافة منه إلى السمنة يميل لونه إلى السمرة وعلى رأسه شال أبيض أو ما يسميه الحجازيون و الغطرة وكان في وقفته منحنيا قليلا وقد تأملت ملابسه أيضًا في تفاصيلها وشكلها
لم يتحدث معى ولم أتحدث إليه
١٦٧
وبعد فترة ونحن على هذا الوضع أنظر إليه فى تحديق ويمد عينيه إلى في
نظرات ثابتة أخذ يشف شيئًا فشيئًا وألاحظ أنا في وضوح التدرج في هذه الشفافية وانتهت الشفافية بزواله تماماً دون أن يتحرك من موضعه ذلك ما شاهدته بنفسى وماذا يكون خرق العادات غير هذا
إن الذين ينكرون خرق العادات وينكرون الكرامات لأولياء الله إنما ينكرون شيئًا أثبتته تجارب الإنسانية منذ أن وجدت الإنسانية وأثبته القرآن الكريم وأثبته جمهور الأمة وقد رأيت أنا خرق العادات بنفسي وبعيني كما
رويت سابقا
ومن أجل كل ذلك أثبت ما أثبت فى الكتاب من كرامات أبي الحسن وبدأته بعد المقدمة مباشرة بكرامة من كراماته رواها أقرب تلاميذه ومريديه إليه وهو القطب الكبير أبو العباس المرسى الذى كان شاهد عيان فيها
ولم
أتحدث
عن
وأمر آخر أريد أن أعترف به وأن أشرح وجهة نظرى فيه ذلك أني لم أتحدث عن وسط أبي الحسن وبيئته الاجتماعية شيوخه الذين يكثر بعض المؤرخين من ذكرهم اللهم إلا عن الولى الكبير سيدى عبد السلام بن مشيش وإذا كنت لم أتحدث عن الوسط ولا عن الشيوخ فإنما فعلت ذلك متعمدا إنني فعلته عن مبدإ وعن رأى قد ترويت فيه وتأملته إنني أرى فى صراحة أن هؤلاء الذين يكتبون عن الصوفية فيتحدثون عن الوسط والبيئة وعن الأساتذة والشيوخ ليقولوا بعد ذلك أن الصوفي تأثر وقلد وأخذ وأن فكرته هذه يدين فيها لفلان وفكرته تلك يدين فيها للوسط الفلاني إن هؤلاء الذين يدينون بالآلية فى الفكر الصوفى أو بأن الصوفي مرآة تعكس صور المجتمع والمربين وتنعكس فيها أفكار المجتمع والشيوخ ويأخذون في
١٦٨
تحليل آراء الصوفى وتفصيلها وتشريحها من أجل أن يعزوا كل فكرة إلى مصدر يختلف عن مصدر الفكرة الأخرى للصوفى نفسه إن هؤلاء الذين يصنعون ذلك
مخطئون
فالصوفى لا يكون صوفيا بالقراءة أو الدراسة والبحث حتى ولو كانت هذه القراءة والدراسة فى الكتب الصوفية نفسها وفى المجال الصوفي خاصة وقد يكون شخص من أعلم الناس بهذه الكتب درستا دراسة باحث متأمل وعرف قديمها وحديثها وميز بين الزائف منها والصحيح وصنفها زمنًا وميزها أمكنة وهو مع ذلك لا سهم له فى قليل ولا فى كثير في المجالات الصوفية
ولقد درس الإمام الغزالى كتب الصوفية المحققين درسها دراسة تعمق وتأمل لقد درس كتب الحارث المحاسبى وكتب أبي طالب المكي وماروى عن الجنيد وعن الشبلي وغيرهم ثم اعترف بأن ذلك لم يجعله صوفيا ولو اقتصر على القراءة مها كانت عميقة لما كان له فى التصوف نصيب ليس قراءة كتب الصوفية سلمًا يرقى به الإنسان في معارج القدس وابن سينا درس التصوف في كتبه الأصلية وخالط الصوفية وتحدث إليهم وكتب فى التصوف فصولا توج بها كتابه الذى كان يعتز به وهو كتاب الإشارات ذلك فإن ابن سينا لم يصر بذلك صوفيا ولم تجعله دراسته
والتنبيهات
ގނ
للتصوف وكتابته عنه في عداد الصوفية
ثم إنه قد يكون الصوفى أميًا لم يقرأ فلسفة ولم يجهد نفسه في بحث
والحديث إذن عن المصادر والبيئة والأساتذة والتقليد والتأثر في مجال
التصوف إنما يقوم على أساس فاسد وكل من ينهج هذا المنهج من الكتاب عن التصوف إنما يسير فى طريق زائف ويقف فوق جدار منقض ويعتمد على أسس
١٦٩
تنقضها حياة الغزالى وحياة ابن سينا وحياة الخواص وحياة العشرات غير
هؤلاء
هذا الطريق الزائف سارقيه المستشرقون وحاولوا ما استطاعوا أن يقفوا بكل فكرة في الجو الصوفى عند مصدر أجنبي وأن يجدوا في تراث كل صوفي مسلم ألوانا من أفكار سابقة من الزمن مختلفة أو متحدة فى البيئة سار المستشرقون في هذا الطريق الضال فضلوا وأضلوا
لقد ضلوا ولم يتأت لهم - بعد أكثر من قرن ونصف – أن يصلوا إلى نتائج
موحدة أو يقينية أو شبه يقينية بل لقد ظهروا بمظهر لا يغبطون عليه وذلك أن الكثير منهم كان يرى الرأى اليوم يؤيده بما شاء من كل شاردة وواردة ويتلقف من أجله كل خبر ورواية ويخرجه للناس على أنه الحق الذى لامراء فيه ثم ينقضه هو نفسه من الغد فيخرج برأى آخر مغابر يؤيده بما شاء من كل شاردة وواردة ويتلقف من أجله كل خبر ورواية لقد فعل ذلك المستشرق ثولك فأعلن مجوسية التصوف الإسلامي ثم عدل عن ذلك وأعلن إسلاميته وفعل ذلك نيكولسن فأعلن أفلاطونية التصوف الإسلامي ثم أعلن
إسلاميته في جوهره وأخذ المستشرقون يتحدثون عن مشكلة وهمية هى مشكلة مصادر التصوف ولا يزالون مختلفين وجاري الشرقيون المستشرقين فى الحديث عن مصادر التصوف وكما اختلف
المستشرقون فقد اختلف الشرقيون ولايزالون مختلفين وسيستمر الخلاف لأن النقاش إنما هو عن مشكلة وهمية وسيستمر
الخلاف لأن
وضع
المشكلة خطأ
۱۷۰
إنهم يتحدثون عن مصادر ثقافية على اعتبار أن التصوف ثمرة ثقافة كسبية ومادام ثمرة ثقافة كسبية فإنه إذن يتأثر بالوسيلة التي أدت إليه أى بالثقافة الكسبية التي كان ثمرة لها ولكن التصوف ليس ثمرة لثقافة كسبية إن الوسيلة إليه ليست هي الثقافة
ولكن الوسيلة إليه إنما هى العمل إن الطريق إليه إنما هو السلوك والمعرفة الناشئة عن العمل والسلوك هى إلهام وهي كشف وهي ملأ أعلى انعكس على البصيرة المجلوة فتذوقه الشخص حالا وأحس به ذوقا وأدركه إلهاما وكشفاً
فهل يتأتى والحالة هذه أن نتحدث عن مجوسية التصوف الإسلامي أو عن أفلاطونيته أو فارسيته أو هنديته سار المستشرقون في طريق خطا وجاراهم الشرقيون فضلوا بضلالهم بيد أن المؤسف هو أن الناس ألفوا الحديث عما سماه المستشرقون مصادر التصوف الإسلامي وشارك فى الحديث عنها القارئون والسامعون وهكذا ليس الوهم صورة الجد واتخذ الزائف مظهر الصحيح وكان نقاش وكان جدل ومازال النقاش ومازال الجدل وسيستمر ذلك إلى أن يصحح الوضع وتصحيح الوضع إنما هو بحذف الوهم الذي اتخذ صورة الجد الزائف الذي لبس مظهر الصحيح أي بحذف ما يعبرون عنه بمشكلة مصادر
التصوف
وبحذف
ومن أجل ما تقدم لم أكتب عن مصادر أبى الحسن وإذا كنت قد كتبت
عن سيدى عبد السلام بن مشيش فإنما كتبت عنه كموجه موجه فقط والموجه ليس هو الموحى وليس هو الملهم ليس الموجه بصيرة ترق وتشف ولاسرا يصير مرآة مجلوة يحاذى بها الصوفى شطر الحق ولاملاً أعلى ينعكس على بصيرة الصوفي
۱۷۱
فيتذوقه ويحسه ويشهد ولا مبادئ تلقى فى الروع فيدركها الصوفى سارية في كيانه
كله
لقد تحدثت عن سيدى عبد السلام بن مشيش كموجه ولابد للسالك من
موجه لابد له من شيخ يقوده لابد له من خبير يرشده
يقول الأستاذ رينيه جينو الفيلسوف الفرنسي المعروف
ولابد فى التصوف من شرط جوهرى هو التأثير الروحي أو بتعبير أدق البركة وهي لا تتأتى بواسطة شيخ ومن هنا كانت الطرق ومن هنا کانت السلسلة وهل السلسلة إلا بركات تنتقل من شيخ إلى مريد يوشك أن يصبح شيخًا فيؤثر بدوره في مريد أو مريدين ا هـ ويعنى الأستاذ رينيه جينو بالبركة السر الذي ينتقل من الشيخ إلى المريد حينما
تلتقى يد المريد بيد شيخه معاهدًا إياه على الاستقامة
وإذا كان الأستاذ رينيه جينو يرى ضرورة الشيخ من أجل السر فإن الإمام الرازي يرى ضرورة الشيخ لأن من سلك الطريق وعرف مراحلها ومنازلها واطلع على متألفها ومعاطيها أمكنه إرشاد الغير إلى سواء السبيل والإخبار عن كيفية تلك الأحوال على التفصيل ا هـ
إلام تستمر مهمة الشيخ
إنها تستمر إلى أن يرتبط السالك بالسماء إلى أن يشرق عليه الملأ الأعلى إلى أن يتمكن في المجال الروحي ومن هنا كان طبيعيا أن يقول أبو الحسن وقد سئل عن شيخه أما فيما مضى فكان سيدى عبد السلام بن مشيش وأما الآن فأستقى من عشرة أبحر خمسة سماوية وخمسة أرضية أما السماوية فجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والروح وأما الأرضية فأبو بكر وعمر وعثمان وعلى والنبي اهـ وليس معنى ذلك انفصال المريد عن شيخه انفصالا تاماً وإنما معنى
۱۷
ذلك أن الشيخ رأى بنور الله أن تلميذه قد قطع الطريق وأنه أصبح جديرا بأن يرشد السالكين إلى الله فيأذن له بالإرشاد ويبارك خطواته وتوجيهاته في الدعوة إلى الله ويشرق بذلك في العالم نور جديد ويتألق في سماء الروح كوكب مشرق وتسعد الإنسانية بها إلى الله ويغنى التراث الروحي للإنسانية بإشراقات جديدة قريبة العهد من الله
أما الأمر أو الأمور التي أريد أن أختم بها فهي أ أن حياة أبي الحسن الشاذلي حينما يتأملها أي إنسان فإنه سيجد فيها ما يصحح الأفهام الخاطئة الشائعة عن التصوف لقد أشاع الماديون على اختلاف ألوانهم كثيرًا من الأباطيل ضد التصوف وأخذوا يروجون لها في كل مكان وبكل وسيلة فتعلقت بأذهان كثير ممن لم يصادفهم
التوفيق في الوصول إلى صورة صحيحة عن التصوف ۱ - من ذلك مثلا ما أذاعه ويذيعه الماديون من أن التصوف والكفاح أو التصوف والعمل ضدان لا يجتمعان أو من أن التصوف والتواكل صنوان مؤتلفان وحياة أبي الحسن - وهى تمثل التصوف الصحيح - تهدم ذلك لقد كان عاملا في الزراعة صاحب حقول وزرع وحصيد ودرس معنيا بتربية ما تحتاج إليه الزراعة من ثيران وماشية
وعنى عناية شديدة بأمر المسلمين في حروبهم حتى لقد كان دائما في قلب
المعركة وفى ميدان الحرب مع الجيش والجند عاملا ومشجعًا
ش
أن
وعنى عناية شديدة بقضاء مصالح المسلمين الضعفاء والمساكين وسعى جاهدًا ييسر لهم - بتوفيق الله - ما تعسر ويحل لهم ماتعقد ويفرج من كرباتهم مها لاقي في سبيل ذلك من عنت حاكم أو عدم مبالاة صاحب جاه
٢ - وأشاع الماديون أن التصوف والعلم لا يجتمعان أو أن التصوف والجهل صديقان وتلك فرية أيضًا تهدمها حياة أبى الحسن وحياة الغزالي وحياة هؤلاء
۱۷۳
الصوفية الذين بلغوا في العلم الذروة والسنام وكانوا من الكثرة بحيث لا يكاد
المؤرخون مهما بالغوا فى الاستقصاء والبحث
يحصيهم
وأشاع أصحاب الطبائع الكثيفة
هؤلاء الحسيون المغرقون في التصور
الحسى أن الصوفية لا يتابعون الكتاب والسنة ومن أجل الرد على هؤلاء عقدنا فصلا خاصا عن ذلك يهدم زيفهم وأباطيلهم
- £
ثم لقد كان أبو الحسن أنيقا في ملبسه والله جميل يحب الجمال وكان
لا يتزمت في مأكله ومشربه مادام حلالا طيبا والله سبحانه وتعالى يقول عن الملبس والمطعم قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
والتصوف في النهاية هو الاسترسال مع الله على مايريد وهو متابعة الرسول على ما يحب هذا باعتباره وسيلة وطريقاً
وهو قرب من الله ومشاهدة التوحيد باعتباره الغاية
ويلخص هذا وذاك شارحًا الطريق والغاية وراسما حياة كل صوفى
الحديث القدسي الذي نختم به هذا الكتاب وقد رواه إمام المحدثين أبو عبد الله البخاري في أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى وهو عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وماتقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه ومايزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته ولئن استعاذ بي لأعيذنه
الفصل الثاني
العارف بالله أبو العباس المرسى
إنها رؤية رمزية لطيفة
۱ - حياته
تعبر في عمق عميق وفى دقة دقيقة عن مكانة
العارف بالله أبي العباس المرسى من شيخه أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنهما يروى ابن عطاء الله السكندرى فى كتابه اللطيف لطائف المنن مايلي وأخبرني بعض أصحابنا قال رأى إنسان من أهل العلم والخير كأنه بالقرافة الصغرى والناس مجتمعون يتطلعون إلى السماء وقائل يقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي ينزل من السماء والشيخ أبو العباس مرتقب لنزوله متأهب له فرأيت الشيخ أبا الحسن قد نزل من السماء وعليه ثياب بيض فلما رآه الشيخ أبو العباس ثبت رجليه في الأرض وتهيأ لنزوله عليه فنزل الشيخ أبو الحسن عليه ودخل من رأسه حتى غاب فيه واستيقظت ا هـ هذا الرمز الجميل لصلة أبي العباس بالشاذلي هذا الرمز الذي يشير إلى الاتحاد بينهما فى المنهج والفكر والسلوك يجاريه ويسير معه فى نسق واحد مارواه ابن عطاء الله أيضًا - قال من المشهور بين أصحاب الشيخ أبي الحسن وغيرهم أن الشيخ كان يوما بالقاهرة في دار الزكي السراج وكتاب المواقف للنفرى يقرأ عليه فقال أين أبو العباس فلما جاء قال يابني تكلم يابني تكلم بارك الله فيك
۱۷۵
١٧٦
تكلم ولن تسكت بعدها أبدًا فقال الشيخ أبو العباس فأعطيت في ذلك الوقت لسان الشيخ ويجاريه أو يتطابق معه فى صورة جميلة أيضاً ماقاله الشاذلى رضى الله
عنه له يا أبا العباس ما صحبتك إلا لتكون أنت أنا وأنا أنت لم يمت الشاذلي رضي الله عنه حين مات وإنما غاب في أبي العباس أو بقى في أبي العباس لقد كان أبو العباس امتدادًا للشاذلى فقد غاب فيه وكان لسانه وكان هو هو وكان الشاذلى هو الحلقات الأولى فى الطريق وأخذت هذه الحلقات تتسلسل متحدة لألاءة على مر الزمن فكانت مدرسة بدأها في قوة قوية خطاه على هدى وعلى بصيرة من تبعه وكان على رأس
أبو الحسن وتابعه وترسم
التابعين أبو العباس ولقد كان الشاذلي يحب أبا العباس كما يحب الإنسان صورة لنفسه أو كما يحب
اثرا
من آثاره أو كما يحب ابنا نجيبا من أبنائه وتقدير الشاذلي لأبي العباس تقدير جميل إنه يذكره غير مرة مبصرا الناس بشأنه فيقول عنه مرة هذا أبو العباس منذ نفذ إلى الله لم يحجب عنه ولو طلب الحجاب لم يجده ويقول مرة أخرى للشيخ الصالح زكي الدين الأسواني يازكي عليك بأبي العباس فو الله إنه ليأتيه البدوى يبول على ساقيه فلا يمسى عليه المساء إلا وقد وصله إلى الله يازكى عليك بأبي العباس فوالله ما من ولى لله
كان أو هو كائن إلا وقد أطلعه الله عليه يازكى أبو العباس هو الرجل الكامل ومرة ثالثة يقول عنه أبو العباس بطرق السماء أعرف منه بطرق الأرض
وكان يشيد به ويعرف الناس بمكانته الروحية العالية يقول الشيخ ماضى بن سلطان وقع بيني وبين أبي العباس كلام فسمعنى الشيخ فقال لي يا ماضي الزم الأدب مع أبي العباس فو الله إنه لأعرف بأزقة السماء أكثر مما تعرف أنت أزقة
الإسكندرية ولقد كان أبو العباس من جانبه وفيا كل الوفاء لتربية شيخه وتعاليمه
۱۷۷
وقد كان يذيعها معترفا بفضله وفضلها فمن ذلك مثلا أنه كان يفسر قوله تعالى لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيُّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيعُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلُفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ
التَّوابُ الرَّحِيمُ فأخذ يقول عن شيخه أبي الحسن رضي الله عنهما ذكر توبة ما لا يذنب لئلا يستوحش من أذنب لأنه ذكر النبي الله والمهاجرين والأنصار ولم يذنبوا ثم قال عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خَلَّفُوا فذكر من لم يذنب ليؤنس من فلو قال أولا لقد تاب الله على الثلاثة الذين خلفوا لتفطرت أكبادهم ولقد كثر حديثه عن شيخه فكان يقول كثيرًا قال الشيخ قال الشيخ فقال له إنسان لا نراك أبدا تسند لنفسك كلاماً فقال رضي الله عنه لو أردت عدد الأنفاس أن أقول قال الله عز وجل
أذنب
لقلت
لو أردت عدد الأنفاس أن أقول قال رسول الله لقلت
ولو شئت أن أقول
عدد
الأنفاس قلت أنا لقلت
ولكن أقول قال الشيخ وأترك نفسى أدبا
وروى صاحب درة الأسرار قال ومن مكاتباته من الإسكندرية يجاوب بعض أصحابه بتونس ووقفت على هذا الكتاب بخطه رضى الله عنه كتاب طويل يسأله عن الحال ويقول في آخره
والأحوال ماهي إلا كما تعهد وأنى صحبت رأسا من رءوس الصديقين وأخذت منه سرا لا يكون إلا لواحد بعد واحد والشرح يطول وبه أفتخر وإليه أنسب رضي الله عنه وهو أبو الحسن الشاذلى وكان لا يصحبه أحد إلا فتح
۱۷۸
الله له في يومين أو ثلاثة فإن لم يجد شيئًا بعد ثلاثة أيام فهو كذاب أو يكون صادقًا ولكنه أخطأ الطريق ودليله من كتاب الله عز وجل قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا وكان يقول إذا عرضت لك إلى الله حاجة فأقسم عليه بي فكنت والله لا أذكره في شدة إلا انفرجت ولا على أمر صعب إلا هان وأنت يا أخى إذا كنت في شدة فأقسم على الله به وقد نصحتك والله يعلم ذلك والسلام وهذا كله توضيح للرؤيا التي صدرنا بها هذا الفصل وهى مع ذلك في دقتها الدقيقة غير محتاجة إلى توضيح والواقع أن أبا الحسن رضي الله عنه كان امتدادًا لأبي العباس في الماضى وكان أبو العباس امتدادًا له ومن الطريف في الرؤيا أنها تذكر أن أبا العباس عندما رأى الشيخ نازلا من السماء ثبت رجليه فى الأرض وتهيأ لتزوله عليه وهذا يشير إلى أن محاولة أبي العباس أن يكون في وحدة واحدة مع الشاذلي رضي الله عنهما لم تكن سهلة
بعد انتقاله
وإنما احتاجت إلى جهد عبر عنه بتثبيت الرجلين فى الأرض والتهيؤ للنزول
L
ويرشد من جانب آخر إلى أن مقام أبى الحسن مقام كبير يحتاج تمثله إلى جهد غير
هين
من هو أبو العباس وكيف اتصل بأبي الحسن إننا حينما نريد الحديث عن حياة أبي العباس الشخصية فإننا لا نكاد نجد شيئًا يذكر لم يكن أبو العباس معنيًّا بالحديث عن نفسه ولم يكن مهتما بالتأريخ لحياته إنه لم يتحدث عن أسرته ولم يتحدث عن نفسه ولم يشد بأفعاله لقد فني في أبي الحسن فلم يكن في آفاقه فراغ للحديث عن نفسه ثم فني في الدعوة
إلى الله بعد أبي الحسن فلم يكن في آفاقه فراغ للحديث عن نفسه
۱۷۹
وما كان فناؤه في أبي الحسن ولا فناؤه في الدعوة إلا فناء في الله ورسوله في
حبهما وفى العمل جاهدًا على مرضاتهما ومن كان كذلك لا يهتم بالحديث عن نفسه على أن النزعة العامة عند الصالحين في اتجاههم الحثيث الصادق إلى الله إنما هى إلغاء الآنية إنها الذوبان في الرسالة الذوبان في تحقيق الرسالة أولا في النفس بالتزامها التزاماً تاماً وثانيًا فى المجتمع بالعمل الجاهد على نشرها وتحقيقها واقعيا ومثلهم في ذلك هو رسول الله لقد كان صلوات الله وسلامه عليه يلقى الأضواء كلها على الرسالة وما كان يهتم بنشر الأخبار عن حياته الشخصية اللهم إلا إذا كان لابد من ذلك من أجل
الدعوة نفسها
على
يوما
أن الصوفية ينفرون عادة من الحديث عن أنفسهم اللهم إلا إذا كان ذلك بيان وإيضاح لدعوتهم وفى هذه الحالة لا يكون الحديث حديثا عن النفس وإنما يكون حديثًا عن الدعوة وقد سئل الشبلى رضى الله عنه فقيل له لم سميت الصوفية بهذه التسمية فقال لبقية بقيت عليهم من نفوسهم ولولا ذلك لما تعلقت التسمية فالصوفية يحاولون إلغاء الآنية إنهم يهدفون حتى إلى إلغاء أسمائهم لو استطاعوا فيعيشون فناء كاملا فى الله سبحانه وتعالى ولله عز وجل أي في سبيل الله تبارك
وتعالى
بهم
وإذا ما جئنا الآن لأبي العباس المرسى فإن التاريخ يحدثنا أنه ولد في الأندلس في بلدة مرسية التي ينسب إليها ولد سنة ٦١٦ هـ ۱١٩ م ويتصل نسبه بالأنصار الذين أخبر رسول الله الله أن حيهم من علامات الإيمان إن نسبه يتصل بسعد بن عبادة سيد الخزرج ولد فى مرسية ونشأ بها حيث كان والده يعمل في التجارة ويبدو أن حالة
۱۸۰
صبی
الوالد كانت من اليسر بحيث مكنته من إرسال ابنه إلى مؤدب لتعلم القرآن والتفقه في أمور الدين يقول أبو العباس كنت وأنا عند المؤدب جاء رجل فوجدني أكتب في لوح فقال الصوفي لا يسود بياضًا فقلت ليس الأمركما زعمت ولكن لا يسود الصحائف بسواد الذنوب
هذه القصة تدل دلالة واضحة على ذكاء غير عادى وعلى مهارة وفهم لا يوجدان في المستوى العام فى أطفال المكاتب وترسم أيضًا اتجاها إلى الصلاح والتقوى منذ هذه السن المبكرة
أما نشأة أبي العباس على الصلاح والتقى فى هذه السن المبكرة أو بتعبير أدق صقل فطرته الصافية وتثبيتها على الصلاح والتقى فقد تكفل بها المؤدب الذي كان يفقهه ويربيه ويقول أبو العباس عمل إلى جانب دارنا خيال الستار وأنا إذ ذاك صبى فحضرته فلما أصبحت أتيت إلى المؤدب وكان من أولياء الله تعالى فأنشد حين رآني
يا ناظرا صور الخيال وخجل أبو العباس وعزم في نفسه أن يأخذ في حياته مسلك الجد
تعجبا وهو الخيال بعينه لو أبصرا
ولما بلغ مرحلة الشباب وبلغ درجة الاستقلال بنفسه في التفقه والدراسة أخذ في معاونة والده في الأعمال التجارية فكان التاجر الصدوق ذلك كل ما نعلم عن أبي العباس قبل سنة ٦٤٠ هـ أربعين وستمائة هجرية وفى سنة ٦٤٠ هـ – ١٢٤٢ م حزم والده أمره ورتب شئونه على أن يقوم بالحج إلى بيت الله الحرام وأخذ وركبوا البحر وشاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن تهب عليهم عاصفة بالقرب من شاطئ بونة فاستشهد والده ووالدته غرقا ونجا هو وأخوه محمد فيما شطر تونس واتجه محمد نحو الأعمال التجارية على غرار والده أما
الأسرة
معه
۱۸۱
أحمد فلم يكن حنينه إلى التجارة وإنما حنينه إلى مهنة المؤدب الذي كان من أولياء الله وكان هواه هو تعليم القرآن وفى الانغماس في أنوار القرآن فاتخذ من زاوية الفقيه محرز بن خلف مكانا يعلم فيه القراءة والكتابة ومبادئ الدين
والقرآن الكريم وكأن المقادير أتت به من مرسية إلى تونس لأجل أن يكون ثاني خلفاء الطريقة الشاذلية وليكون داعية إلى الله ليكون امتدادًا للشاذلى وليكون قطبًا
من كبار الأقطاب وعلما من أشهر الأعلام وإنه ليقص كيفية اتصاله بالشاذلي فيقول لما نزلت بتونس وكنت أتيت من مرسية - وأنا إذ ذاك شاب – سمعت بذكر الشيخ أبي الحسن الشاذلي فقال لى رجل تمضى بنا إليه فقلت حتى أستخير الله فنمت تلك الليلة فرأيت كأنى أصعد إلى رأس جبل فلما علوت فوقه رأيت هناك رجلا عليه برنس أخضر وهو جالس وعن يمينه رجل وعن يساره رجل فنظرت إليه فقال عثرت على خليفة الزمان قال فانتبهت فلما كان بعد صلاة الصبح جاءنى الرجل الذي دعانى إلى زيارة الشيخ فسرت معه فلما دخلنا عليه رأيته بالصفة التى رأيته بها فوق الجبل فدهشت ! فقال لى عثرت على خليفة الزمان ما اسمك فذكرت له اسمى ونسي فقال لي رفعت لى منذ عشر سنين وبهره أبو الحسن بهره بحديثه المنطلق وإلهاماته المتدفقة وسلوكه الربانى فلازمه أبو العباس ملازمة المريد الصادق لشيخه العارف ورأى الشاذلى فيه فطرة طاهرة ونفساً خيرة واستعدادًا طيبا للإقبال على الله فمنحه وده وغمره بعنايته وأخذ فى تربيته تربية تؤهله ليكون خليفته من
بعده
وحدث في تونس سوء تفاهم بين الشاذلى وقاضي القضاة ابن البراء – هذا الخلاف الذي سبق أن فصلناه فى كتابنا عن المدرسة الشاذلية - وكانت نتيجته
۱۸
أن غادر الشاذلى تونس ميمما شطر الديار المصرية ورافقه في هذا السفر جماعة كان على رأسهم أبو العباس وعن هذا السفر يقص أبو العباس القصتين التاليتين نرويها لما فيهما من بيان لبعض مناحى أبي الحسن فى التوجيه والتربية اللذين أثمرا ثمرا ناضجا هو أبو العباس وزملاؤه
۱ - قال الشيخ أبو العباس كنت مع الشيخ في السفر ونحن قاصدون الإسكندرية حين مجيئنا من الغرب فأخذنى ضيق شديد حتى ضعفت عن حمله فأتيت إلى الشيخ أبي الحسن فلما أحس بي قال أحمد قلت نعم یا سیدی قال آدم خلقه بيده وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته ثم نزل به إلى الأرض والله ما أنزل الله آدم إلى الأرض لينقصه ولكن نزل به إلى الأرض ليكمله ولقد أنزله إلى الأرض من قبل أن يخلقه بقوله تعالى إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ
ماقال في السماء ولا فى الجنة فكان نزوله إلى الأرض نزول كرامة لا نزول إهانة فإنه كان يعبد الله فى الجنة بالتعريف فأنزله إلى الأرض ليعبده بالتكليف قلما توفرت فيه العبوديتان استحق أن يكون خليفته وأنت أيضًا لك قسط من آدم كانت بدايتك فى سماء الروح في جنة التعريف فأنزلت إلى أرض النفس لتعبده بالتكليف فإذا توفرت فيك العبوديتان استحققت أن تكون خليفة وزال ضيق أبى العباس وانشرح صدره
فاقة
٢ - ويقول أبو العباس أيضًا لما قدمنا من الغرب إلى الاسكندرية نزلنا عند عمود السوارى من ظاهرها وكان دخولنا عند اصفرار الشمس وكانت بنا وجوع شديد فبعث إلينا رجل من عدول الاسكندرية بطعام فلما قيل للشيخ عنه قال لا يأكل أحد منه شيئًا فبتنا على ما نحن عليه من الجوع فلما كان عند الصبح صلى بنا الشيخ وقال مدوا السماط وأحضروا ذلك الطعام ففعلوا وتقدمنا
۱۸۳
فأكلنا
فقال الشيخ رأيت في المنام قائلا يقول أحل الحلال مالم يخطر لك
ببال ولا سألت فيه أحدا من النساء أو الرجال
جمع
واستمر أبو العباس مع الشاذلى يسير فى ضوء تربيته وينهج طريقه لا يحيد عنه قيد شعرة إلى أن كانت وفاة الشاذلي لقد بشر الشاذلي بأنه سيموت ويدفن في أرض لم يعص الله عليها قط فلما كان في طريقه إلى الحج ووصل إلى حميثرة 1 وقد خيم الركب للمبيت أصحابه وأوصاهم بأشياء وأوصاهم بحزب البحر وقال لهم حفظوه لأولادكم فإن فيه اسم الله الأعظم وخلا بأبي العباس المرسى وحده رضى الله عنهما وأوصاه بأشياء واختصه بما اختصه الله به من البركات وقال لأصحابه إذا أنا مت فعليكم بأبي العباس المرسى فإنه الخليفة من بعدى وسيكون له بينكم مقام عظيم وهو باب من أبواب الله سبحانه يقول صاحب كتاب درة الأسرار نقلا عن نجل الشيخ أبي الحسن وبات تلك الليلة متوجها إلى الله سبحانه ذاكرًا أسمعه يقول إلهى إلهى
فلما كان السحر سكن فظننا أنه نام فحركناه فوجدناه ميتا رحمه الله واستدعينا سيدى أبا العباس المرسى فغسله وصلينا عليه ودفناه بحميثرة وهذا ا الموضع ببرية عيذاب فى واد على طريق الصعيد
1 يقول صاحب تاج العروس حميثرة بضم ففتح أهمله الجماعة وهو ع بصحراء عيذاب بالصعيد الأعلى بينه وبين الأقصرين يومان للمجد به قبر إمام الطائفة سيدنا القطب أبي الحسن على بن عمر الشاذلي قدس الله سره ونفعنا ببركاته وهو محل منقطع على غير طريق ويقال فيه أيضًا حميرا بالألف ومن أقوال دفينه المذكور لتلميذه أبي العباس المرسى حين سأله عن حكمة أخذ الفأس والحنوط والكفن في
حميثرة سوف ترى
١٨٤
يقول صاحب درة الأسرار وقد شربت من مائها وزرت ضريحه ورأيت له البركات نفع الله به في الدنيا والآخرة قال ولما دفناه اختلف أصحابه فى الرجوع أو التوجه فقال لهم سيدى أبو العباس الشيخ أمرنى بالحج ووعدنى بكرامات وتوجهنا ورأينا تهوينا
وبركات ورجعنا صحبته
ومما حدث لهم في أثناء سفرهم إلى الحج ماحدث به أبو العباس قال سافرنا مع الشيخ رضى الله عنه فى السنة التي توفى فيها فلما كنا عند أخميم قال لى الشيخ رأيت البارحة كأنى فى جلبة وأنا فى البحر والرياح قد اختلفت والأمواج قد تلاطمت والمركب قد انفتح وأشرفنا على الغرق فأتيت إلى جانب المركب وقلت أيها البحر إن كنت قد أمرت بالسمع والطاعة لى فالمنة لله السميع العليم وإن كنت أمرت بغير ذلك فالحكم لله العزيز الحكيم فسمعت
البحر يقول الطاعة الطاعة
h
فلما سافرنا وتوفى الشيخ رضى الله عنه ودفناه بحميثرة من صحراء عيذاب وكنا في جلبة فلما صرنا في وسط البحر اختلفت الأمواج وتلاطمت الرياح وانفتح المركب وأشرفنا على الغرق ونسيت كلام الشيخ فلما اشتد الأمر ذكرت ذلك فأتيت إلى جانب المركب وقلت أيها البحر إن كنت أمرت بالسمع والطاعة لأولياء الله فالمنة لله السميع العليم ماقلت كما قال الشيخ بالسمع والطاعة لى وإن كنت أمرت بغير ذلك فالحكم الله العزيز الحكيم فسمعت البحر يقول الطاعة الطاعة وسكن البحر وطاب السفر ا هـ وظهر أبو العباس من بعد الشاذلي ظهورًا عظيماً وظهرت له كرامات كثيرة أنه كان يبدو
٢
اهـ
على
درة الأسرار
واضحا من مواقف أبي الحسن مع أبي العباس ومن حديثه عنه أنه كان يعده للخلافة بل لقد أقامه فيها بصورة تشبه أن تكون صريحة حينما استدعاه وقال له يا أبا العباس تكلم بين الناس فجلس في جامع العطارين بالإسكندرية فعاصره بالكلام والتدريس والدعوة إلى الله عن إذنه وبأمر منه وحمل أبو العباس لواء الدعوة إلى الله طيلة حياته متفانياً فيها باذلا كل ما يستطيع في سبيلها حتى انتهت به الحياة راضيًا عن الله مرضيًّا عنه من الله وكان ذلك في الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة ٦٨٥ هـ - ١٢٨٧ م وكان يبلغ تقريباً سبعين عاما رحمه
الله رحمة واسعة
من كراماته
وقد ذكر له صاحب كتاب جامع كرامات الأولياء العارف بالله الشيخ يوسف
النبهاني عدة كرامات نقتصر منها على مايلي
يقول من كراماته رضى الله عنه أنه كان يقول لى أربعون سنة ماحجبت عن رسول الله ولو حجبت عنه طرفة عين ما عددت نفسي من جملة المسلمين ومن كراماته أنه قال وأما الخضر عليه السلام فهو حي وقد صافحته بكفى هذه وأخبرني أن كل من قال كل صباح اللهم اغفر لأمة محمد ع اللهم
عن
من
أمة
أصلح أمة محمد الله اللهم تجاوز أمة محمد اللهم اجعلنا محمد صار من الأبدال فعرض بعض الفقراء ذلك على الشيخ أبي الحسن الشاذلي فقال صدق أبو العباس ۳
۳ المرجع كتاب جامع كرامات الأولياء تأليف يوسف بن إسماعيل النبهاني الجزء الأول ص ٥٢٠
وما بعدها
١٨٦
وقال المرسي أيضًا وقد دخل على الخضر عليه السلام مرة وعرفتي بنفسه واكتسبت منه معرفة أرواح المؤمنين بالغيب هل هى معذبة أو منعمة فلو جاءنى
الآن ألف فقيه يجادلوننى فى ذلك ويقولون بموت الخضر ما رجعت إليهم أن السلطان يعقوب أمر بذبح دجاجة وخنق أخرى وطبخها وقدمهما ومنها إليه وجلس معه ليأكل فلما نظر الشيخ أبو العباس إليهما أمر الخدم برفع المخنوقة وقال هذه جيفة وقال لولا تنجس الأخرى بالمرق النجس لأكلت منها قال الشعراني قال المناوى وقدم إليه رجل طعامًا فيه شبهة يمتحنه فرده وقال كان المحاسبي إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة ضرب عرق بأصبعه فأنا في يدى ستون عرقاً
تضرب
ومن كراماته التي انفرد بها عن غالب الأولياء تسليكه لنحو ثلاثين قاضياً وكان يقول للعرشي ليس الشأن أن تسلك كل يوم ألفاً من العوام بل أن تسلك فقيها
واحدا في مائة عام وقال شيخنا الشيخ حسن العدوى على شرح البردة البوصيرية قال بعضهم صليت خلف الشيخ أبي العباس فشهدت الأنوار ملأت بدنه وانبثقت من وجوده حتى أنى لم أستطع النظر إليه
مات سنة ٦٨٦ هـ بالإسكندرية رحمه الله اهـ
ومع
ذلك فقبل
ننتهى من الكرامات نقول إنه رضى الله عنه كان يقول أن
هذه الكلمة المخلصة والله ما جلست حتى جعلت جميع الكرامات تحت
سجادتي
۱۸۷
المولى
والسمة التي نتحدث عنها أولا باعتبارها عنصرًا من أهم عناصر شخصية أبي العباس إنما هي سمة المربى
إن كبار المشايخ من كبار المربين ولولا هذا لما كانت لهم مدارس ولما تأتى أن يصلوا بالمريد إلى الله ولقد قال أبو الحسن رضى الله عنه لزكي الدين الأسواني یازكي عليك بأبي العباس فوالله ليأتيه البدوى يبول على ساقيه فلا يمسى عليه المساء إلا وقد وصله بالله
ولقد كان رضي الله عنه يتفقد المريدين ويتتبع أحوالهم بإلهام من الله وبفراسة المؤمن وبسؤالهم عن أحوالهم وكان يقول ينبغي للمشايخ تفقد حال المريدين لقد كان يتفقد أحوالهم ويسأل عنهم إذا غابوا وفى مرة قال
لبعض أصحابه لِمَ تنقطع عنى فقال ياسيدى استغنيت بك فقال الشيخ ما استغنى أحد بأحد ما استغنى أبو بكر برسول الله ولم ينقطع عنه يوما واحدا ويقول للمريدين يجوز للمريدين إخبار الأستاذ بما في بواطنهم ويعلل ذلك بما معناه إن الأستاذ كالطبيب وحال المريد كحال المريض والمريض يكشف كل شيء للطبيب ولا يخفى عنه شيئًا
وفي الحقيقة كل مريد رأى له سرًّا يخفيه عن شيخه فإنه أجنبي عنه لم
يتحد به
ويروى ابن عطاء الله السكندرى مايلي كنت قلت لبعض أصحاب الشيخ أريد لو نظر إلى الشيخ بعنايته وجعلني في خاطره فقال ذلك للشيخ فلما دخلت
۱۸۸
على الشيخ رضى الله عنه قال لا تطالبوا الشيخ بأن تكونوا في خاطره بل طالبوا أنفسكم أن يكون الشيخ فى خاطركم فعلى مقدار ما يكون الشيخ عندكم تكونون عنده ثم قال أى شيء تريد أن تكون والله ليكونن لك شأن ومن دقته في مراعاة الكرامة الإنسانية للمريدين أنه كان يكره للأشياخ إذا جاءهم مريد أن يقولوا له قف ساعة ويقول إن المريد يأتى إلى الشيخ بهمته المتوقدة فإذا قيل له قف ساعة طفئ ماجاء به ذلك فإن للشيخ حسبما يرى أستاذنا أن يطالب المريد مادام قاصرًا عن حقيقة دعواه ولا يستمر في ذلك إلى الأبد ولكن إذا بلغ المريد مبلغ الرجال لم يطالبه شيخه ببرهان على دعواه وذلك لخروجه عن مقام التلبيس وكان رضى الله عنه إذا رأى مريدا دخل فى أوراد بنفسه وهواه أخرجه منها وكان يحب دائما إخراج المريدين عن هواهم ويقول لهم مثلا من أحب الظهور فهو عبد الظهور ومن أحب الخفاء فهو عبد الخفاء ومن كان عبدا لله فسواء عليه
ومع
أظهره أو أخفاه
ولأجل إخراج المريدين دائماً عن هواهم يقص عليهم أن رسول الله الله سمع أبا بكر يقرأ ويخفى صوته وسمع عمر يقرأ ويرفع صوته فقال لأبي بكر لم خفضت صوتك فقال قد أسمعت من ناجيت وقال لعمر لم رفعت صوتك فقال لأوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال لأبي بكر ارفع قليلا وقال لعمر اخفض قليلا
6
قال الشيخ رضى الله عنه أراد أن يخرج كلا منهما عن إرادته لنفسه لمراد
رسول الله الله ويتأسى الشيخ رضى الله عنه برسول الله فيخرج المريدين دائما عن هواهم وإذا رأى مريدا يفتخر بزهده في الدنيا يقول له يا أخي لقد عظمت
۱۸۹
الدنيا حين رأيت لها وجودًا حتى زهدت فيها فقدرها أصغر من ذلك ومما يتصل عادة بالظهور والفخر أمران الأمر الأول وهو السلوك فى الزى وفى المأكل والمشرب أن بعض المنتمين إلى التصوف يحبون المرقعات وغليظ الطعام والشراب وقد كان الشيخ أبو العباس يصادف رغبة من بعض المريدين فى ذلك فماذا كانت سياسته في هذا وماهو رأى المدرسة الشاذلية على وجه العموم في ذلك يقول ابن عطاء الله طريقة الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن رضي الله عنهما وطريقة أصحابهما الإعراض عن لبس زى ينادي على سر
L
اللابس
بالإفشاء ويفصح عن طريقه بالإبداء ومن لبس الزي فقد ادعى ويقول أبو العباس معبرًا عن رأى شيخه وعن اتباعه له دخلت على الشيخ أبي الحسن وفى نفسى أن آكل الخشن وألبس الخشن فقال لى الشيخ يا أبا العباس اعرف الله وكن كيف شئت ويروى أبو العباس أيضًا في ذلك أنه دخل على الشيخ أبي الحسن فقير وعليه
لباس من شعر فلما فرغ الشيخ من كلامه دنا من الشيخ وأمسك بملبسه وقال ياسيدى ماعبد الله بمثل هذا اللباس الذى عليك فأمسك الشيخ ملبسه فوجد فيه خشونة فقال ولا عبد الله بمثل هذا اللباس الذى عليك لباسي يقول أنا أغنى منكم فلا تعطونى ولباسك يقول أنا فقير إليكم فأعطوني ويعقب على ذلك ابن عطاء الله فيقول ولا تفهم رحمك الله أنا القول على من لبس زى الفقراء بل قصدنا أنه لا يلزم كل من كان له نصيب مما للقوم أن يلبس ملابس الفقراء فلا حرج على اللابس ولا على غير اللابس إذا كان من المحسنين ماعلى المحسنين من سبيل
نعيب بهذا
وأما لبس اللباس اللين وأكل الطعام الشهى وشرب الماء البارد فليس
۱۹۰
القصد إليه بالذى يوجب العتب من الله إذا كان معه الشكر لله وقد قال الشيخ أبو الحسن يابني برد الماء فإنك إذا شربت الماء السخن فقلت الحمد لله تقولها بكزازة وإذا شربت الماء البارد فقلت الحمد لله استجاب كل عضو منك بالحمد لله والأصل في هذا قول الله سبحانه حكاية عن موسى عليه السلام
فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير ألا ترى كيف تولى إلى الظل قصدًا لشكر الله تعالى على ما ناله النعمة
من
أما الأمر الثاني مما يتصل عادة بحب الظهور فهو إظهار الوجد في أثناء
السماع وهو ظاهرة توجد عادة فى المبتدئين وعلى الخصوص في أرباب الأحوال وكان أبو العباس يقول فى ذلك الكامل من يملك حاله ويتحدث أبو العياس عن اختلاف المتصوفة بالنسبة للحال ويقسمهم إلى نوعين فيقول عبد هو في الحال بالحال وعبد هو في الحال بالمحول
فالذي هو في الحال بالحال
L
هو عبد الحال
والذي هو فى الحال بالمحول هو عبد المحول
وأما من هو في الحال بالحال أن يتأسف عليها إذا فقدها ويفرح بها إذا وجدها والذي هو في الحال بالمحول لا يفرح بها إذا وجدها ولا يحزن عليها إذا فقدها ويشرح ذلك المعنى ابن عطاء الله فيقول ومعنى كلام الشيخ هذا أن من تحقق بالله ملك الأشياء ولم تملكه فيصير الحال وإنما يكون ذلك للرجل لرسوخه في العلم بالله والعلم
تحت قهر تصريفه
6
حاكم على الحال وبه يوزن والحال إنما هو فرع من فروع العلم
ثابت
والعلم قار
والحال لا بقاء لها لذلك قالوا
لو لم تحل ما سمیت
حال
وكل
ما حال
فقد
زال
۱۹۱
انظر إلى الظل إذا ما انتهى يأخذ
في النقص إذا
طال
الله
والأكابر ملكهم الله أحوالهم وجعلهم حاكمين عليها ومن هنا لما قيل للجنيد مالنا نرى المشايخ يتحركون فى السماع وأنت لا تتحرك فقال رضى عنه وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب وقيل لبعضهم مالك لا تتحرك فى السماع فقال إنه إذا كان في الجمع كبير احتشمت منه فأمسكت عن وجدى فإذا حلوت وحدي أرسلت على وجدى فتواجدت فانظر كيف كان زمام حاله معه يمسكها إذا شاء ويطلقها إذا شاء وإذا اتسع القلب بمعرفة الله قيد الواردات وإنما يبدو أثر الحال على من ضاق في والعارف له وسع المعرفة
وسعها
فإذا ورد الوارد عليه غرق فى وسع معرفته وهل رأيت بحرا فاض بمطر سحاب ولهذا جهلت أمور الأكابر أرباب المقامات واشتهر أصل الأحوال لظهور آثار المواهب عليهم لضعفهم عن كتمها ولضيقهم عن وسعها فربما كان صاحب الحال أحظى بإقبال الخلق من صاحب المقام وبينه وبينه مثل ما بين السماء والأرض وكلما تمكن الرجل فى العلوم الإلهية والمعارف الربانية استغرب في هذا العالم فيقل من يعرفه ويفقد من يحيط به ومن أجل ذلك يوجه أبو العباس ملاحظة تلاميذه قائلا لن يصل الولى إلى الله تعالى حتى تنقطع شهرة الوصول إلى الله تعالى
عنه
ويفسر ذلك الإمام الشعرانى فيقول أى انقطاع أدب لا انقطاع ملل الغلبة التفويض على قلبه وهو رضى الله عنه يتابع في ذلك شيخه أبا الحسن الذي يقول لن يصل الولى إلى الله تعالى حتى تنقطع عنه شهرة الوصول إلى الله وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه لن يصل الولى إلى الله ومعه شهوة من
شهواته أو تدبير من تدبيراته أو اختيار من اختياراته
۱۹
ويفسر ذلك الإمام ابن عطاء الله فيقول ومعنى كلام الشيخ رضي الله عنه لن يصل الولى إلى الله حتى تنقطع عنه شهوة الوصول إلى الله أي انقطاع أدب لا انقطاع ملل فإنه يغلب عليه التفويض إلى الله وشهود حسن الاختيار منه فيلقى القيادة إليه ويترك نفسه مسلماً بين يديه فلا يختار مع مولاه شيئًا لعلمه بما مع من الآفات ولنا فى هذا المعنى من قصيدة ذكرناها في كتاب
في الاختيار الله
التنوير
وكن عبده والق القيادة لحكمه وإياك تدبيرا فما هو
نافع
أتحكم تدبيرا وغيرك
حاكم
أأنت
تنازع
فحو
إرادات وكل
كذلك
لأحكام الإله مشيئة هو الغرض الأقصى فهل أنت سامع
سار الأولون فأدركوا على إثرهم فليمش من هو تابع
وما من شك في أن ابن عطاء الله يقصد أن يكون الجزم القلبي والتيقن النفسي مع تدبير الله تدبير ولامع إرادته إرادة
فليس
إنما هو التفويض الله سبحانه ولا يتنافى هذا مع اتخاذ الأسباب فقد قال الله سبحانه وتعالى خُذُوا حِدْرَكُمْ وقال سبحانه وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا استطعتم مِنْ قُوَّةٍ
ولقد كان رسول الله الا الله يحكم الأمر إحكاما وكان من قبل إحكام الأمر وفى أثناء إحكامه ومن بعد إحكامه - مفوضًا كل أموره إلى الله موقنا بأنه سبحانه فعّال لما يريد لابد إذن - مع اتخاذ الأسباب - من التبرى من الحول ومن التفويض إلى الله وكان أبو العباس يحاول تثبيت ذلك فى أذهان مريديه بكل الوسائل فيقص عليهم مثلا قصة سمنون المحب لقد قال
وليس
لى سواك حظ
فكيفما
شئت
فاختبرني
۱۹۳
فابتلى بحصر البول واشتد به الأمر فصبر ثم لم يصبر على الصبر فأظهر الألم وصار يمر على الصبيان والناس ويقول ادعوا لعمكم الكذاب يقص الشيخ قصته ثم يقول لو كان سمنون عرض ماقال فكيفما شئت فاختبرنى قال فاعف عنى لكان أولى من طلب الاختبار
وإنما وقع الامتحان لسمنون لغفلته عن التبرى من الدعوة فلو قال مدنى بالقوة ثم اختبرنى بما شئت لم يمتحنه
وكان رضي الله عنه يقول للمريدين إذا قيل لك أتخاف الله تعالى فقل نعم لكن بقدر ماخلفه من الخوف وكذلك القول في أتحب الله تعالى فمن سلك ذلك لا يقع له امتحان لتعويله على الله لا على قوة نفسه هو وقد قالوا كل مدع ممتحن وهذا ميزانه والله أعلم
وكان يحدث المريدين بكثير من مناحى تربية أبى الحسن له فيقول لهم مثلا
دخلت يوما على الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه فقال لي إن أردت أن تكون من أصحابي فلا تسأل أحدًا شيئًا وإن أتاك شيء من غير مسألة فلا تقبله فقلت في نفسي كان النبي الله يقبل الهدية وقال ما أتاك من غير مسألة فخذه
فقال الشيخ كأنك تقول كان النبي لم يقبل الهدية وقال ما أتاك من غير مسألة فخذه والنبي الله قال الله في حقه قُلْ إِنما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْي متى أوحى الله إليك
إن كنت مقتديا به فى الأخذ فكن مقتديًا به في كيفية الأخذ كان
لا يأخذ شيئًا إلا ليثيب من يعطيه ويعوضه عليه فإن تطهرت نفسك وتقدست
هكذا فأقبل وإلا فلا
ومما يسع
في نسق القصة السابقة ما أخبر به الشيخ الصالح ياقوت الحبشي
١٩٤
بمدينة الإسكندرية في عام خمسة عشر وسبعمائة وكان من أصحابه وخدامه قال كنت أتعبد في مسجد بخارج الإسكندرية فبقيت فيه مواصلا أياما فأصابني الجوع فدخلت الإسكندرية قاصدًا الشيخ فوجدت في طريقي درهما فأردت أن اشترى به خبزًا وإداماً فرأيت فى السوق زبيبا طيبا وكنت أعلم أنه يحبه لأنه من بلاد الأندلس وهو كثير ببلاده قال فاشتريت به زبيبا وآثرته على نفسى وقصدت إليه فوجدته جالسًا فى القلعة لأنه كان يسكنها بعد الشيخ قال فوضعت الزبيب بين يديه وجلست ساعة وأردت أن أقوم فقال لى اجلس قال فجلست وإذا برجل وصل إليه بمائدة فيها كيش سمين مشوى ورقاق طيب فقال لي هذا فتوحك لما آثرتنى على نفسك وأنت جائع فكل فأكلت وحدى حتى تمليت ٤ ثم أمر الفقراء بأكله وقال لي ارفع الزبيب وتصدق به فإنا لا تباح لنا اللقطة
ومما يتصل بذلك أنه كان يقول للمريدين من اشترى زينا من بياع فلما فرغ قال له زدنى فزاد خيطا فدينه أرق من ذلك الخيط ومن اشترى تمحا فلما فرغ قال له زدني فزاده فحمة فقلبه أسود من تلك الفحمة وقد اتفق رضى الله عنه مع أستاذه أبي الحسن على ميزان الصدق للمريد يزن به نفسه يقول رضى الله عنه سمعت الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول من ثبتت ولايته من الله تعالى لا يكره الموت وهذا ميزان للمريدين ليزنوا به نفوسهم إذا ادعوا ولاية الله فإن من شأن النفوس وجود الدعوة للمراتب العالية من غير أن يسلك السبيل الموصل إليها قال تعالى فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ
٤ أي شبعت
۱۹۵
ولم ينس الشيخ رضى الله عنه أن ينبه المرشدين إلى فضائل معينة ليلتزموها في أنفسهم ولتكون أساسا يرشدهم إلى صداقة من يتحقق بها يقول رضى الله
عنه قال لى شيخى لا تصحب إلا من تكون فيه أربع خصال الجود من القلة والصفح عن المظلمة والصبر على البلية والرضا بالقضية ونذكر في النهاية بعض أمثلة مما كان من توجيهات الشيخ لابن عطاء الله السكندرى لقد ذكرنا فيما مضى بعضًا منها ونذكر الآن مايلي
6
يقول ابن عطاء الله وسمعته يقول أريد أن أستنسخ كتاب التهذيب لولدى جمال الدين فذهبت أنا فاستنسخته من غير أن أعلم الشيخ وأتيته بالجزء الأول فقال ما هذا قلت كتاب التهذيب استنسخته لكم فأخذه فلما نهض ليقوم قال اجعل في بالك أن الولى لا يتفضل عليه أحد تجد هذا إن شاء الله في ميزانك فلما أتيته بالجزء الثاني لقيني بعض أصحابه بعد نزولى من عنده وقال قال الشيخ عنك والله لأجعلنه عينًا من عيون الله يقتدى به في العلم الظاهر والباطن فلما أتيته بالجزء الثالث ونزلت من عنده لقيني بعض أصحابه وقال طلعت عند الشيخ فوجدت عنده مجلدة حمراء فقال هذا استنسخه لي
ابن عطاء الله فو الله ما أرضى له بجلسة جده ولكن بزيادة التصوف وأخبرني بعض أصحابه قال قال الشيخ يوماً إذا جاء ابن عطاء الله فقيه الإسكندرية فأعلمونى به فلما أتيت أعلمنا الشيخ بك فقال تقدم فتقدمت بين يديه ثم قال جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله لا ومعه ملك أمره الله أن يطيع أمرك في قريش فسلم عليه ملك الجبال وقال يا محمد إن شئت أطبق عليهم الأخشبين فعلت فقال رسول الله الله لا ولكن أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يوخد الله ولا يشرك به شيئًا فصبر عليهم رسول الله الرجاء أن يخرج من أصلابهم كذلك صبرنا على جد هذا الفقيه لأجل هذا الفقيه
١٩٦
وأخبرنى سيدى جمال الدين ولد الشيخ قال قلت للشيخ هم يريدون يصدرون ابن عطاء الله فى الفقه فقال الشيخ هم يصدرونه في الفقه وأنا أصدره فى التصوف ودخلت أنا عليه فقال لى إذا عوفى الفقيه ناصر الدين يجلسك فى موضع جدك ويجلس الفقيه من ناحية وأنا من ناحية وتتكلم إن شاء الله فى العلمين فكان ما أخبر به رضى الله عنه وخرجت يوما من عند الفقيه مكين الدين الأسمر رضى الله عنه وخرج معى أبو الحسن الجزيرى وكان من أصحاب الشيخ أبى الحسن فسلمت عليه فسلم على ببشاشة وإقبال فقلت له من أين تعرفني فقال وكيف لا أعرفك كنت يوما جالساً عند الشيخ أبي العباس وكنت أنت عنده فلما نزلت قلت له ياسيدى إنه ليعجبنى هذا الشاب انقطع فلان وفلان عن الملازمة وهذا الشاب ملازم قال فقال الشيخ أبو العباس لن يموت هذا الشاب حتى يكون داعيا يدعو إلى الله فكان كما قال الشيخ ولله الحمد
وكان رضى الله يلقن للوسواس سبحان الملك الخلاق إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيز
وعملت قصيدة أمدحه بها سيأتي ذكرها إن شاء الله آخر الكتاب فقال حين أنشدت أيدك الله بروح القدس ثم عملت قصيدة بإشارته جوابًا لقصيدة مدحه بها إنسان من بلاد أخميم وسيأتى ذكرها أيضًا آخر الكتاب إن شاء الله تعالى فلما قرأت عليه قال هذا الفقيه صحبنى و به مَرَضَانِ وقد عافاه الله منهما ولابد أن يجلس ويتحدث فى العلمين يشير الشيخ إلى مرض الوسوسة فلقد انقطع عنى ببركة الشيخ حتى صرت أخاف أن أكون لشدة التوسعة التي أجدها قد تساهلت في بعض الأمور والمرض الآخر كان بي ألم برأسى فشكوت ذلك إليه فدعا لى
فعافاني الله وشفاني
۱۹۷
وبت ليلة من الليالي مهموما فرأيت الشيخ فى المنام فشكوت إليه ما أنا
فيه فقال اسكت والله لأعلمنك علماً عظيماً فلما استيقظت أتيت إلى
الشيخ رضي الله عنه فقصصت عليه الرؤيا فقال هكذا تكون إن شاء الله وقدم يوماً من السفر فخرجنا للقائه فلما سلمت عليه قال يا أبا أحمد كان الله لك ولطف بك وسلك بك سبيل أوليائه وبهاك بين خلقه فلقد وجدت بركة هذا الدعاء وعلمت أنه لا يمكننى الانقطاع عن الخلق وأنى مراد بهم لقوله وبهاك بين خلقه ا هـ
لقد ذكرنا كل ذلك فى صلة الشيخ بابن عطاء الله لنذكر صورة قريبة من الواقع فى الارتباط الوثيق بين الشيخ ومريديه وهذه الصورة هي التي نصفها مثالا وضاء لأئمة التصوف مع مريديهم لقد كان رضي الله عنه 1 يتفقد حال المريدين ويسأل عما ظهر من أحوالهم وعما خفى
ب وكان يخرجهم عن هواهم ويتحرى يصرف عنهم حب
الظهور
سواء أكان ذلك عن طريق لبس المرقعات أم عن طريق غيرها جـ وكان رضي الله عنه يوجههم ! إلى أن يسموا إلى معالى الأمور
بهممهم
متسامين عن صغارها د وكانت تربيته جماعية وفردية أى أنه كان يتحدث عن أمراض عامة ولا يقتصر على ذلك بل يعالج كل فرد بما يتناسب مع مرضه الخاص لقد كان
مربيا كاملا
۱۹۸
العالم
كان أبو الحسن الشاذلي مدرسة علمية نهل منها كل من اتصل به على استعداده ولقد كان مدرسة علمية متكاملة أى كان مدرسة للظاهر من
حسب
العلوم وللباطن منها فقد كان يدرس ويفتى على الوضع الظاهر وكان يدرس ويفتى على الوضع الذوقى الصوفى وما كان في ذلك متناقضا لأنه لا تعارض بين الشريعة والحقيقة وعلمنا هذا مشيد على الكتاب والسنة كما يقول الجنيد رضى الله عنه وأخذ عنه أهل الظاهر كل بحسب استعداده وأخذ عنه الصوفية كل على حسب استعداده وورثه في كلتا الناحيتين أبو العباس المرسى ورجال المدرسة الشاذلية يعرفون أنه رضى الله عنه هو الذي بث علوم الشيخ
أبي الحسن رضى الله عنه ونشر أنوارها وأبدى أسرارها ولقد كان رضي الله عنه لا تتحدث معه في علم من العلوم - كما يقول ابن عطاء الله - إلا تحدث معك فيه حتى يقول السامع إنه لا يحسن غير هذا العلم لاسيما الحديث والتفسير وكان يقول شاركنا الفقهاء فيما هم فيه ولم يشاركونا فيما نحن فيه وكان له
علم
من العلوم الظاهرة كتب معينة يؤثرها ويداوم مذاكرتها وتدريسها ١ - ففى أصول الدين كان كتابه الإرشاد وهو كتاب في التوحيد والجدل والنقاش والانتصار لمذهب الأشاعرة وأهل السنة لا يسهل تناوله على العاديين من الناس بل لا يسهل على كثير من المثقفين لأنه يحتاج إلى ممارسة طويلة في الكلام والجدل
۱۹۹
- وكان كتابه في الحديث المصابيح وهو كتاب على غرار كتاب
منه
ألفه
الترغيب والترهيب وعلى غرار رياض الصالحين وإن كان أوسع الإمام البغوى الذى كان من كبار الفقهاء فى المذهب الشافعي وكانت وفاته بمرو الروذ سنة ٥١٦ هـ ٣ - أما في الفقه فكان يعنى بكتاب التهذيب وكانت الرسالة وهما كتابان
في الفقه مشهوران والفقيه فيما يرى الشيخ هو من انفقأ الحجاب عن عينى قلبه وشاهد ملكوت ربه ومع ذلك فإن علوم المعاملة هذه – على حد تعبير الصوفية - ما كان رضي الله عنه يتنزل إليها إلا فى الزمن اليسير وبحسب الضرورة فقط ٤ - وكتابه في التفسير هو الكتاب المفضل عند شيخه أبي الحسن وهو كتاب
المحرر الوجيز لابن عطية ووصل به الأمر بعلوم الوسائل – أي النحو وأشباهه من العلوم التي ليست في نفسها غايات - أن قد كان يقرأ عليه بعض المغرقين في العربية
فيرد عليهم اللحن
ه - أما في التصوف فقد كانت كتبه المفضلة هي
۱ - الرسالة القشيرية وما كانت الرسالة القشيرية إلا سلما يصعد عليه لينتشر
من إشراقاته هو والقصة التالية توضح طريقته فى كيفية أخذه للرسالة القشيرية في التدريس يروى صاحب كتاب درة الأسرار حدثنى الشيخ الصالح العالم المفتى جمال الدين يوسف ابن الشيخ المقدس المرحوم أبى محمد عبد الكريم الواداش المالكي المعروف بالعرامي بمدينة القاهرة حماها الله تعالى في أوائل جمادى الآخرة سنة عشر وسبعمائة قال كان سيدى أبو العباس نفع الله به لما توفى سيدنا الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه يطلع للقاهرة زمن زيادة النيل يقيم بمسجد بموضع يقال له المقص بالدكة بخارج باب البحر من القاهرة وكان الشيخ سيدنا أبو الحسن يفعل هذا في كل عام فتجتمع إليه مشايخ
۰۰
القاهرة ومصر ومن كل الجهات يتبركون به ويأخذون عنه العلوم العظيمة والأحوال الكريمة فبقى سيدى أبو العباس يقفو أثره حدثني هذه الحكاية بهذا المسجد المبارك وفيه أعلية للسكن وهذا الفقيه
ساكن بها وهو قاضى الموضع ومفتيه وفاضله قال
فجاءه سيدى الشيخ أبو العباس على عادته فاجتمع إليه جماعة من كبار مصر وعلمائها وقالوا له ياشيخ كان سيدى أبو الحسن رضى الله عنه إذا جاء هذا الموضع يجيء إلينا بمصر ونسمع منه من مواهب الحق سبحانه ونتبرك بقدومه علينا وأنت قد أقامك الله مقامه فنحب أن نتبرك بكلامك ونتذاكر كلاء الشيخ رحمه الله ورضى عنه فقال لهم إذا كان صبيحة غد إن شاء الله يجى إليكم فلما كان في صبيحة تلك الليلة أمر بالمسير إلى مصر وأمرني أن نحمل رسا القشيرى معنا فحملتها ووصلنا إلى جامع سيدنا عمرو بن العاص فوجدناه قد امتلا بكبار الديار المصرية وعلمائها فقال لى منتقد ومعتقد قال فجلسنا في شرقى
الجامع ثم قال لى أخرج رسالة القشيرى فأخرجتها ثم قال اقرأ فقلت وماذا أقرأ قال الذي يظهر لك قال ففتحت الكتاب فوجدت باب الفراسة قال فقرأت أوائل الباب فلما فرغت من حديث رسول الله قال لى اغلق الكتاب ثم قال الفراسة تنقسم إلى أربعة أقسام
۱- فراسة المؤمنين
٣ - فراسة الأولياء
- فراسة الموقنين
- فراسة الصديقين
فأما فراسة المؤمنين فحالها من كذا ومددها من كذا ثم تكلم بكلام عظيم ثم انتقل إلى فراسة الموقنين فتكلم بطبقة أعلى ثم قال وأما فراسة الولى فمددها من كذا وحالها من كذا وتكلم فى ذلك بكلام موهوب غير مكسوب أدهش به قلوب الحاضرين واستغرق فى ذلك إلى أن أذن الظهر والناس يبكون
۰۱
ورأيت العرق ينحدر من جبينه حتى سال على لحيته وكانت له لحية كبيرة فلما صحا من حاله قال وأما فراسة الصديقين إن الشيخ رضوان الله عليه ما كان يتخذ الرسالة القشيرية إلا أساسا ينطلق منه سابحًا في بحار المعرفة الإلهامية ٢ - وكتاب إحياء علوم الدين من الكتب التي عنى بها الصوفية على وجه العموم وقد كان رضي الله عنه يقول عن شيخه أبي الحسن كتاب الإحياء وكان يقول فى الإمام أبي حامد الغزالي رضي الله عنه إنا لنشهد له
يورثك العلم بالصديقية العظمى
- كتاب قوت القلوب وكان يقول عن شيخه أبي الحسن كتاب القوت
يورثك النور
٤ - كتاب
ختم
الأولياء للحكيم الترمذي وهو كتاب أثار اهتمام الصوفية
وأثار اهتمام غيرهم وأحدث حيوية وحياة ونقاشاً في الجو الفكرى
والصوفى وحمل على المؤلف الحاملون ودافع عنه المدافعون وإن كتابا يثير اهتمام الإمام الكبير ابن العربى إثارة بالغة فيكتب عنه غير مرة لهو كتاب فذ لقد كان شيخنا معنيًّا به وكان شيخه معنيًّا به يقول ابن عطاء الله عن أبي العباس وشيخه رضي الله عنهما وكان هو والشيخ أبو الحسن كل منهما يعظم الإمام الربانى محمد بن على الترمذى وكان لكلامه عندهما الحظوة التامة وكان يقول عنه إنه أحد الأربعة الأوتاد
ه - كتاب الحقائق للسلمى وقد كان ابن عطاء الله يقرؤه عليه فلما قال السلمى فى الكتاب انتهى عقل العقلاء إلى الحيرة قال الشيخ رضى الله عنه عن شيخه أبي الحسن رضي الله عنه لاحيرة عند المحققين فيما فيه الحيرة عند المؤمنين
وإذا كان الشيخ رحمه الله درس هذه الكتب مرارا وتكرارًا فإنه بعد أن
۰
أفاض الله عليه من أنواره وأشرقت عليه فيوضاته قال
والله ما نطالع كلام أهل الطريق إلا لنرى فضل الله علينا
لقد انتهى الأمر بأبي العباس أن كان يلقى بالدرر من بحره هو أو من بحوره
فقد كانت له بحور تتميز نفاسة وشرفًا ولابن عطاء الله السكندرى في ذلك كلام جميل يقول رضى الله عنه عن شيخه أبي العباس
أما علوم المعارف والأسرار فقطب رحاها وشمس ضحاها تقول إذا سمعت كلامه هذا كلام من ليس وطنه إلا غيب الله هو بأخبار أهل السماء أعلم منه بأخبار أهل الأرض وسمعت أن الشيخ أبا الحسن قال عنه أبو العباس بطرق السماء أعرف منه بطرق الأرض كنت لا تسمعه يتحدث إلا فى العقل الأكبر والاسم الأعظم وشعبه الأربع والأسماء والحروف ودوائر الأولياء ومقامات الموقنين والأملاك وشأن المقادير
المقربين عند العرش وعلوم الأسرار وإمداد الأذكار
ويوم
·
التدبير وعلم البدء وعلم المشيئة وشأن القبضة ورجال القبضة وعلوم الأفراد وما سيكون يوم القيامة من أفعال الله مع عباده من حلمه وإنعامه
ووجوه
انتقامه حتى لقد سمعته يقول
"
والله لولا ضعف العقل لأخبرت بما يكون غدا من رحمة الله وهذا النمط من العلوم كان المفضل عند أبي العباس وكان لا يمل من
دراسته والحديث فيه أما
هم من الكثرة بحيث لا يحتاج إلى
ا علم المعاملة فقد كان أن أساتذته یری كبير من اهتمامه قال ابن عطاء الله رضي الله عنه
وكان الشيخ أبو العباس رضي الله عنه لا يتنزل إلى علوم المعاملة إلا في قليل من الأيام لحاجة بعض الناس إلى ذلك قال ولذلك يقل اتباع من تكون علومه
٢٠٣
العلوم السابقة فإن المشترين للمرجان قد يكثرون وقل أن يجتمع على شراء الياقوت اثنان ولم يزل اتباع أهل الحق قليلين كما قال الله تعالى في أهل الكهف مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ
0
وأهل الله كهف لأمور الناس ولكن قليل من يعرفهم ويقول ابن عطاء الله السكندرى أيضًا عنه الجامع بين علم الأسماء والحروف والدوائر
مشرق شموس المعارف بعد غروبها ومبدى أسرار اللطائف بعد غروبها ومع استغراقه في علوم التصوف فإنه من الأهمية بمكان أن نسجل هنا ماقاله الإمام ابن عطاء الله السكندرى لقد صحبت الشيخ اثنى عشر عاما فما سمعت منه شيئًا ينكره ظاهر العلم
لقد كان أبو العباس من كبار العلماء فى علوم الظاهر ومن كبار الملهمين في
علوم الباطن
6
والسبب في ذلك
ذلك فإن إمامنا لم يؤلف كتبا
أن علوم هذه الطائفة علوم التحقيق
وهى
جميع
مافی
أنه كان
لا تتحملها عقول عموم الخلق بل لقد كان رضي الله عنه يقول كتب القوم عبرات دموع من سواحل بحر التحقيق ولتتم الصورة عن أبي العباس تذكر أن مما يتصل بعلمه وبشخصيته شاعرا وشعره شعر معانى وشعر تحليق في سماء الروح ومن أمثلته مایلی لقد كتب إلى بعض مريديه قائلا وسل الله أرواحكم وفسح في غيوبه مراحكم فإنه سألني سائل عن شعر منظوم يعبر عن النفس وتعلقها بالبدن وانبعاثها بالشهوة وتحققها بالجمع فأجبته بهذه الأبيات
وتقيدها بالحظ
6
٥ انظر الطبقات الكبرى للإمام الشعرانى رضى الله عنه
٢٠٤
إن كنت سائلنا عن خالص المنن وعن تعلق ذات النفس بالبدن وعن تشبثها بالحظ مذ ألفت أدرانها فغدت تشكو من العطن
وعن
تنزلها في حكمها ولها
علم
يفرقها
والحسن بالقبح
بواعث ها وعن
بالطبع
مائلة
تهوى بشهوتها في ظلمة الشجن
وعن حقيقتها في أصل معدنها لا ينثنى وصفها منها إلى وثن فاسمع هديت علوما غز سالكها عن العيان ولا يغررك ذو لسن قصدًا إلى الحق لا تخفى شواهدها قامت حقائقها بالأصل والفتن
يا سائلي عن علوم ليس يدركها ذو فكرة بفهوم لا ولا فطن لكن بنور علی جامع خمدت له العقول وكل الخلق في وسن
خذها إليك بحق لست جاهله
والأمر مطلع
والحق
قیدنی
عن الحقيقة خذ علم الأمور ولا تحجبك صورتها في عالم الوطن عقل تقيد بالأوهام والدرن قائمة حتى تألفها السكان بالسكن
ففطرة النفس سر لا يحيط به
لكنها
برزت
بالحكم وكى يقال عبيد قائمون
والنفس بين نزول في عوالمها
بما ألقى
من
الأمر قبل الخلق والمحن
کآدم وله
حواء في
قرن
المواقف للتعريف
والمنن
والدمن
والروح بين ترق في معارجها وهي
من الحجاب دنت أنوارها فبدت نور
مثالها
تنزل بين الماء
في العلا مرآة معدنها ألطافها خفيت كالسر في العلن
زيتونة
زينها
نور
لصاحبها
قامت
حقائقها بالأصل والقنن
ونار
دعوتها
ماء
لشاربها مدت هدايتها في الكون والكين
والكل أنت بمعنى لاخفاء به والنور يحجبه كالماء في اللين
والعبد محتجب
فى غز
مالكه
دقت معارفه فى الدهر والرمر
٢٠٥
وكتب إلى أبي عبد الله جمال الدين يحثه على التمسك بالفضائل
وإذا أردت من السلوك أجله فالزهد في الدنيا النسمت الحسن
واعبد الهك حيث كنت على الرضا تحظى بما قد ناله أهل المنن
سادتى فيهم أصول على الزمن أشهده روحك إذ بها قام البدن
أهل الولاية والهداية
والتقى
هم
أمحمد لا تنس
عيشك
منهمو
واجعله منك لذاته من وصفه تجد التحقق في السريرة والعلن
الله يعلم أنني لك
ناصح
لا مدحة
والله
حسبی
والمؤيد
ربنا
أبغى بذاك ولا ثمن وهو المعين عن الأمور كما ضمن
وقال ابن عطاء الله وجدت بخط شيخنا أبي العباس هذه الأبيات
بإيراده
يزر ما باله
أعندك من ليلى حديث محرر يحيا الرميم وينشر فعهدي بها العهد القديم وإنني على كل حال في هواها مقصر وقد كان عنها الطيف قدما يزورنى ولما يتعذر فهل تخلت حتى بطيف خيالها أم اعتل حتى لا يصح التصور ومن وجه ليلى طلعة الشمس تستضى وفى الشمس أبصار الورى تتحير وما احتجبت إلا برفع ومن عجب أن الظهور تستر
حجابها
وقال رضى الله عنه أطلعنى الله على الملائكة وهي ساجدة لآدم عليه السلام
فأخذت بقسطى من ذلك فإذا أنا أقول
ذاب رسمی وصح
صدق فنائی
وتجلت
للسر
شمس
ضیائی
٢٠٦
وتنزلت
في
العوالم
أبدى
فصفاتي كالشمس تبدی
سناها
ما انطوى في الصفات بعد صفائی ووجودی کالليل يخفى سوائى
أنا معنى الوجود أصلا وفصلا
من
ر آنی فساجد
لبهائی
أنا
نور لأهله
مستبين
اشهدونی
فقد کشفت
غطائی
لقد كان رضي الله عنه عالما في اللغة مادتها ونحوها وصرفها وعالماً في التفسير وفى الحديث وفي الفقه وفى السير وفى التصوف
أن يكون الصوفى فى كل العصور
وهكذا ينبغي إن شعار الصوفى هو الشعار الإسلامي وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا
- E
المكافح
من أظهر السمات عند رسول الله مال الليل سمة الكفاح والعمل ومامن شك في أنه كان يتجه إلى الله بكل أعماله فكانت كلها - من أجل ذلك - عبادة ولقد كافح رسول الله الا الله يا طيلة حياته في جميع الميادين التي تقربه إلى الله
تعالى والتي ترقى به كفرد وترقى بالمجتمع في دوائره التي تتسع متدرجة مبتدئة من الأسرة حتى تشمل الإنسانية كلها وما كان هذا الكفاح إلا من أجل الله وفى ه إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ
الله ورسول الله هو القائل مانوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ماهاجر إليه وهو الذي أخبر أن إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان وأن اللقمة التي تضعها في فم امرأتك تريد بذلك وجه الله صدقة وأن النطفة تضعها في
۰۷
في
حرام
الحلال لك عليها ثواب وحينما قال ذلك استغرب الأمر بعض الصحابة فقالوا أيأتى أحدنا شهوته ويؤجر عليها فقال الله ما معناه أرأيتم لو وضعها أما كان عليه وزر فكذلك لو وضعها في حلال كان له أجر إن العمل والكفاح وإرادة وجه الله بالعمل والكفاح من سمات الإسلام ومن سمات رسول الله الله ولقد ترسم كبار الصوفية هذه الخطوات المباركة عملاً وكفاحا يريدون به وجه الله تعالى وسار أبو العباس المرسى
فكانت
حياتهم
على هذا النسق بالنسبة لنفسه وبالنسبة لكل من يتبعه روى ابن عطاء الله بعد أن اتصل بالشيخ وانتظم في مجالسه أنه سمع الطلبة يقولون من يصحب المشايخ أى الصوفية لا يجيء منه في العلم الظاهر شيء يريد ابن عطاء الله ويريد الطلبة بذلك أن المشايخ يوجهونه نحو العبادة ويصرفونه عن العلم المكتسب والدروس نحوًا وصرفًا كانت أو فقها وأصولا أو غير ذلك ويقول ابن عطاء الله - وكان إذ ذاك طالبًا - فشق على أن يفوتني وشق على أن تفوتني صحبة الشيخ رضى الله عنه فأتيت إلى الشيخ فوجدته
العلم
يأكل لحما بخل فقلت في نفسي ليت الشيخ يطعمني لقمة من يده استتممت الخاطر إلا وقد دفع في فمي لقمة بيده ثم قال
نحن إذا صحبنا تاجرًا ما نقول له اترك تجارتك وتعال أو صاحب صنعة
فها
ما نقول له اترك صنعتك وتعال أو طالب علم ما نقول له اترك طلبك وتعال ولكن نقر كل أحد فيما أقامه الله فيه وماقسم له على أيدينا فهو واصل إليه وقد
صحب الصحابة رسول الله الله فما قال التاجر اترك تجارتك ولا لذى صنعة اترك صنعتك بل أقرهم على أسبابهم وأمرهم بتقوى الله فيها ا هـ أن ابن عطاء الله تطورت به الأحوال فأصبح ما كان يشق عليه
ويبدو
مرغوباً وما كان ينفر منه مطلوبًا فقد ذهب إلى الشيخ يوماً ودخل عليه وفى
۰۸
نفسه ترك الأسباب والتجريد وترك الاشتغال بالعلم الظاهر وحدثته نفسه بأن الوصول إلى الله لا يكون إلا على هذه الحالة وعلى هذا الوضع فقال الشيخ له - من غير أن يبدى له ابن عطاء الله شيئًا من الأمر - صحبني بقوص إنسان يقال له ابن ناشي وكان مدرسا بها ونائب الحكم فذاق من هذا الطريق شيئًا على أيدينا فقال يا سيدى أترك ما أنا فيه وأتفرغ لصحبتك فقلت له ليس الشأن ذا ولكن امكث فيما أقامك الله فيه وماقسم لك على أيدينا فهو لك واصل ثم قال وهذا شأن الصديقين لا يخرجون من شيء
حتى يكون الحق سبحانه هو الذي يتولى إخراجهم
يقول ابن عطاء الله فخرجت من عنده وقد غسل الله تلك الخواطر من قلبي وكأنما كانت ثوبًا نزعته ورضيت عن الله فيما أقامني فيه ا هـ ومن المعروف عن أبي العباس أنه كان لا يحب المريد الذي لا سبب له وأنه
كان يقتنى الخيل ويعنى بشأنها فيسأل عن طعامها وشرابها متفقدًا أحوالها و سيرًا على قاعدته هذه في العمل واتخاذ الأسباب كانت له توجيهات جميلة في شرح القرآن ب من ذلك مثلا أنه تحدث عن بعض آيات تتعلق بمريم رضى الله عنها هي قوله تعالى كَلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللَّهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ
حِسَابِ ثم قال الله فيما بعد وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجذع النَّحْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا يقول الشيخ رضى الله عنه فذكر بعض الناس في هذا تأويلا لا يرضى ولا ينبغى أن يلتفت إليه وهو أنها كان حبها الله وحده فلما ولدت انقسم حبها وليس الأمر كما قال هذا القائل لأنها صديقة كما أخبر الله عنها بقوله وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ
والصديق والصديقة لا ينتقلان من حالة إلا إلى أكمل منها ولكنها كانت في بدايتها متعرفًا إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب فلما تكمل يقينها أرجعت إلى الأسباب فالحالة الثانية أتم من الحالة الأولى ومما يتصل بالموضوع حديثه عن التاجر الصدوق يقول رسول الله الله التاجر الصدوق يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقال رضي الله عنه بأي طريق يحشر مع النبيين وبأى طريق يحشر مع الصديقين وبأي طريق يحشر مع الشهداء وبأي طريق يحشر مع الصالحين يحشر مع النبيين فإن الأنبياء شأنهم أداء الأمانة وبذل النصيحة فيحشر مع
الأنبياء بهذا الوصف وهذا التاجر أدى الأمانة وبذل النصيحة ويحشر مع الصديقين لأن الصديق شأنه الصفاء في الظاهر والباطن قد استوى ظاهره وباطنه والتاجر الصدوق كذلك فيحشر مع الصديقين بهذا الوصف ويحشر مع الشهداء فإن الشهيد شأنه الجهاد والتاجر الصدوق يجاهد نفسه وشيطانه وهواه فيحشر مع الشهداء بهذا الوصف ويحشر مع الصالحين فإن الصالح شأنه أخذ الحلال وترك الحرام فيحشر مع الصالحين بهذا الوصف اهـ
ولا يتنافى التصوف مع الكفاح والعمل والغنى والثراء فلقد كان أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه من كبار المزارعين وهو القائل لكل ولى حجاب وحجابى الأسباب ونذكر القصة التالية يرويها ابن عطاء الله يصف فيها عارفًا بالله من كبار الأثرياء ولكن الدنيا كانت فى يده لا فى قلبه يقول ابن عطاء الله وقد يكون حجاب الولى كثرة الغنى وانبساط الدنيا عليه بعض المشايخ كان رجل بالمغرب من الزاهدين فى الدنيا ومن أهل الجد والاجتهاد وكان عيشه مما يصيده من البحر وكان الذى يصيده يتصدق ببعضه
وقال
۱۰
ويتعيش ببعضه فأراد بعض أصحاب هذا الشيخ أن يسافر إلى بلد من بلاد
المغرب فقال له هذا الشيخ إذا دخلت إلى بلد كذا فاذهب إلى أخى فلان
"
وأقرئه منى السلام وتطلب الدعاء منه لى فإنه ولى من أولياء الله تعالى قال مسافرت حتى قدمت تلك البلدة وسألت عن ذلك الرجل فدللت على دار
لا تصلح إلا للملوك فتعجبت من ذلك وطلبته فقيل لي هو عند السلطان فازداد تعجبى فبعد ساعة وإذا هو آت فى أفخر ملبس وموكب وكأنما هو ملك في موكبه قال فازداد تعجبى أكثر من الأول قال فهممت بالرجوع وعدم الاجتماع به ثم قلت لا يمكننى مخالفة الشيخ فاستأذنت فأذن لي فلما دخلت رأيت ماهالني من العبيد والخدم والشارة الحسنة فقلت له أخوك فلان يسلم عليك قال جئت من عنده قلت نعم قال إذا رجعت إليه قل له إلى كم اشتغالك بالدنيا وإلى كم إقبالك عليها وإلى متى لا تنقطع رغبتك فيها فقلت هذا والله أعجب من الأول فلما رجعت إلى الشيخ قال اجتمعت بأخي فلان قلت نعم قال فما الذى قال لك قلت لاشيء قال لابد أن تقول لى فأعدت عليه ماقال فبكى طويلا وقال صدق أخى فلان هو غسل الله قلبه من الدنيا وجعلها في يده وعلى ظاهره وأنا آخذها من يدى وعندي إليها بقايا
التطلع ا هـ ويظن بعض الناس أن الصوفية بعيدون عن جو العمل والكفاح هذا يخالف ما عرف عن حياتهم من أنها كانت نضالا لا يفتر نضالا في سبيل الدعوة وهم الذين نشروا الإسلام على نطاق واسع في ربوع أفريقيا وفي آسيا ونضالا في سبيل الإصلاح الأخلاق في المجتمع وقد كانوا دائما مثلا للهداية بأقوالهم وسلوكهم ومثلهم الأعلى فى النضال والكفاح هو رسول الله الله
۱۱
الشاذلي
- الصوفي
ولقد
إن أبا العباس صوفى قبل أن يكون شيئًا آخر إنه صوفى بطبعه وفكرته وهو صوفى بأخلاقه وسلوكه وهو صوفى بتربيته وثقافته وهو كما يقول رضی الله عنهما أعرف بطرق السماء منه بطرق الأرض كان يأتيه أصحاب الحاجات فيعلن إليهم فى صراحة أنه لن يحاول التحدث في حاجاتهم مع فلان أو فلان من ذوى النفوذ وممن يتصل قضاء الحوائج بهم ولكن سيلجأ في قضاء حاجاتهم إلى الله داعيًا وسائلا فإذا اطمأنت نفوسهم بذلك اتجه إلى الله بالتضرع والدعاء فى قضاء حوائجهم وسنحاول بتوفيق الله بيان التصوف عنده في ألوانه المختلفة وزواياه المتعددة وسنحاول - إن شاء الله - بيان رأيه فى التصوف وفي معناه وبيان ألوان من التفسير الصوفي للقرآن وشرحه الصوفى لبعض الأحاديث ورأيه فى بعض الصوفية وفهمه لبعض
آرائهم
^3
التصوف
لفظاً أما ومعنى عن اسم التصوف ومعناه فإنه يقول اختلف الناس في اشتقاق الصوفى فمنهم من قال إنه منسوب إلى الصوف لأنه لباس الصالحين وقيل هو منسوب إلى الصفة يعنى صفة مسجد رسول الله الله التي ينسب إليها أهل الصفة وهو نسب على غير قياس
ثم قال وأحسن ما قيل فيه إنه منسوب لفعل الله به أي صافاه الله فصوفي فسمى صوفيا ثم أنشد رضى الله عنه
1 إن مرجعنا في ذلك إنما هو كتاب لطائف المنن أولا وبالذات تم كتاب طبقات الإمام الشعراني وكتاب الكواكب الدرية وكتاب درة الأسرار لابن الصباغ
۱
تخالف الناس فى الصوفى واختلفوا وكلهم قال قولا غير معروف ولست أمنح هذا الاسم غير فتى صافا فصو في حتى سمى الصوفي ويقول الصوفى مركب من حروف أربعة
الصاد والواو والفاء والياء
فالصاد صبره وصدقه
6
وصفاؤه
والواو وجده ووده ووفاؤه
والفاء فقده وفقره وفناؤه
والياء ياء النسبة إذا تكمل فيه ذلك أضيف إلى حضرة مولاه
التوبة
له
وأول قدم في طريق الله إنما هو التوبة ورأى الشيخ في التوبة يتبين من القصة التالية فقد ذكر رضي الله عنه الحكاية المشهورة التي ذكرها أبو القاسم القشيري في رسالته وهى كما يلى قال الجنيد دخلت على السرى فوجدته متغيرا فقلت ما بالك يا أستاذ متغيرًا فقال دخل على شاب آنفاً فقال لي ما التوبة فقلت الا تنسى ذنبك فقال بل التوبة أن تنسى ذنبك فماذا تقول أنت يا أبا القاسم قال فقلت القول عندى ماقال الشاب لأنى إذا كنت في حال الجفاء ثم نقلني إلى حال الصفاء فذكر الجفاء وقت الصفاء جفاء ذكر أبو العباس ذلك ثم قال كلام السرى أتم من كلامها لأن كلام السرى يدل على مبادئ المقامات وكذلك القدوة يلزم بالكلام على مقامات العباد بدايتها ونهايتها وإنما تأتى النهايات من البدايات والجنيد لم يكن في ذلك الوقت بمقام أن يكون قدوة وكذلك الشاب فتكلمها على أحوال أهل الارتقاء في نهاياتهم فكلاهما يخص حالهما وكلام السرى مهيع مورد للسالكين وباب التوبة مفتوح
۱۳
لكل لاجئ إلى الله ويتكاتف الصوفية على ألا يقنطوا أحدًا من رحمة الله ومن طريف ذلك أن الإمام القشيرى بدأ رسالته الجليلة بالكتابة عن إبراهيم بن أدهم
والفضيل بن عياض ويفسر شيخنا هذه اللمحة من القشيرى بقوله
إنما بدأ القشيري في رسالته بالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم لأنهما كانا قد تقدم لهما زمن قطيعة ثم أقبلا فأقبل الله عليهما فبدأ بذكرهما بسطا لرجاء المريدين الذين تقدمت منهم الزلات وسبقت منهم المخالفات ثم رجعوا إلى استقراع أبواب العنايات إذ لو بدأ بالجنيد وسهل بن عبد الله التسترى وعتبة الغلام وأمثالهم ممن نشأ في طريق الله لقال القائل ومن يدرك هؤلاء هؤلاء لم تسبق مخالفات منهم زلات ولم تتقدم منهم
ويسير الشيخ في فتح باب الأمل فى رحمة الله إلى النهاية حتى لقد قال رضى الله عنه في قول بعضهم لا يكون الصوفى صوفيا حتى لا يكتب عليه صاحب الشمال شيئًا عشرين سنة ليس معنى ذلك ألا يقع منه ذنب عشرين سنة ولكن معناه أنه إذا أذنب الذنب استغفر الله منه والملك الموكل بكتب السيئات لا يكتب السيئة حتى ينتظر العبد لعله أن يرجع أو يتوب وكلما أراد أن يكتبها قال له ملك اليمين امكث فعسى أن يتوب إلى أن يبلغ عددًا إما السبع وإما العشره الشك منى فحينئذ يكتبها سيئة فلذلك جاء صاحب اليمين أميرا على صاحب الشمال
الطاعة والمعصية
ومهما يكن من شيء فإن الفرق واضح بين معصية المؤمن ومعصية الفاجر وهو كما يذكر الشيخ من ثلاثة أوجه المؤمن لا يعزم عليها قبل فعلها ولا يفرح بها وقت الفعل ولا يصر عليها والفاجر ليس كذلك
ويبين أبو العباس جوانب الإنسان التي تتصل بالطاعة والمعصية ويرسم جانب كماله ونقصه ووفاءه وسقوطه فيقول
اعلم
أن الله خلق هذا الآدمى وقسمه على ثلاثة أجزاء
فلسانه جزء
لكل
وجوارحه جزء وقلبه جزء وجعل على كل جزء حفيظاً فقال سبحانه وتعالى مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
وقال سبحانه وتعالى
وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وتولى حفظ القلب بنفسه فقال عز وجل
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ
وسلط على الجوارح الشيطان واقتضى من كل جزء وفاء ما ألزم به فوفاء القلب ألا يشتغل بهم دنيا ولا يمكر ولا يحسد ووفاء اللسان ألا يغتاب ولا يكذب ولا يتحدث فيما لا يعنيه ووفاء الجوارح ألا يسارع بها إلى معصية ولا يؤذى أحدا من المسلمين
فمن وقع من قلبه فهو منافق ومن وقع من لسانه فهو كافر ومن وقع من
جوارحه فهو عاص
أوقات الإنسان والوقفه منها
ويقسم شيخنا أوقات الإنسان إلى أربعة لا خامس لها هي النعمة والبلية والطاعة والمعصية ثم يقول والله عليك فى كل وقت منها سهم من العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية فمن وقته الطاعة فسبيله شهود المنة من الله تعالى إذ هداه الله لها ودفعه للقيام بها ومن كان وقته المعصية عليه فسبيله الاستغفار والتوبة ومن كان وقته النعمة
٢١٥
فسبيله الشكر وهو مزج القلب بالله ومن كان وقته البلية فسبيله الرضا
بالقضاء
والصبر والرضا رضا النفس من الشهوات والصبر مشتق من
الاصطبار وهو الغرض للسهام وكذلك الصابر ينصب نفسه غرضا لسهام القضاء فإن ثبت لها فهو صابر والصبر ثبات القلب بين يدى الرب قال رسول
الله
من
أعطى فشكر وابتلى فصبر وظلم فغفر وظلم فاستغفر ثم سكت فقالوا ثم ماذا له يارسول الله قال أولئك لهم الأمن وهم مهتدون
الله الخوف من
وإذا سئلت عما يزعج الناس من الغفلة إلى عروج سبيل الله فإنه التنبه بسبب
الخوف من الله
والخوف فيما يرى إمامنا على قسمين خوف العامة وخوف الخاصة فخوف العامة على أجسادهم من النار ۷ وخوف الخاصة على خلعهم التي كساهم مولاهم أن تدنس بالمخالفة فعبروا الدنيا وقد رفعوا ملابس المنن خشية أن تدنس بأوساخ المخالفة كي يقوموا عليه بخلعه التي أنعم بها عليهم ونهضوا له بالوفاء فيما
۷ ومعنى كلام الشيخ هذا أن العامة لم تنفذ بصائرهم إلى شهود خلع الحق عليهم من إيمان وإسلام ومعرفة وتوحيد ومحبة وعلموا أن الله تعالى قد توعد أهل المعصية بعقوبته فخافوا الوقوع في المعصية لثلا يكون ذلك سبب وقوع العقوبة بهم فكان خوفهم إشفاقاً على نفوسهم من عقوبة الله وأما أهم الخصوصية فأعطاهم الحق من نوره ما أشدهم به ماكساهم من خلع منته فعملوا على صيانتها ليقدموا عليه بها لم تدنس ولم تتغير طاهرة نقية مشرقة بهية وفهموا معنى قوله تعالى وثيابك فطهر فطهروا ملابس إيمانهم وأيقانهم من دنس غفلتهم وعصيانهم وفهموا أيضا قوله
تعالى
يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوء اتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير من لطائف المنن
٢١٦
اقتضى منهم وبالأمانة والصيانة فيما استأمنهم وقال رضى الله عنه العامة إذا خوفوا خافوا وإذا رجوا رجوا ۸ والخاصة متى خُوفوا رجوا ومتى رجوا خافوا
الذكر
وبعد التوبة الخالصة النصوح يكون الذكر ولأبي العباس أذكار وأوراد كثيرة وسنذكر بعضها بعد ولكننا الآن نقول إنه ينصح بالذكر باسم ه الله قال رضى الله عنه لبعض أصحابه ليكن ذكرك الله فإن هذا الاسم سلطان الأسماء وله بساط وثمرة فبساطه العلم وثمرته النور ثم النور ليس مقصودًا لنفسه وإنما ليقع به الكشف والعيان وجميع أسماء الله للتخلق إلا اسمه الله فإنه للتعلق يقول ابن عطاء الله ومعنى كلام الشيخ هذا أنك إذا ناديته يا حليم خاطبك من اسمه الحليم أنا الحليم فكن عبدا حليما وإذا ناديته باسمه الكريم خاطبك من اسمه الكريم أنا الكريم فكن عبدا كريما وكذلك سائر أسمائه إلا اسمه الله فإنه للتعلق فحسب إذ مضمونه الألوهية والألوهية
لا يتخلق بها أصلا
وجميع
أسماء الله إذا أسقطت منها حرفًا ذهبت دلالته على الله كالعليم ۸ ومعنى كلام الشيخ إن العامة واقفون مع ظواهر الأمر فإذا خوفوا خافوا إذ ليس لهم نفوذ إلى ما وراء العبادة بنور الفهم كما لأهل الله وأهل الله إذا خافوا رجوا عالمين أن من وراء خوفهم وما به خوفوا أوصاف المرجو الذي لا ينبغي أن يقنط من رحمته ولا أن ييأس من منته فاحتالوا على أوصاف كرمه علمًا منهم أنه ما خوفهم إلا ليجمعهم عليه وليردهم بذلك إليه وإذا رجوا خافوا يخافون غيب مشيئته التي هي من وراء رجائهم وخافوا أن يكون ما أظهر من الرجاء اختبارًا لعقولهم هل تقف مع ظاهر الرجاء أو تنفذ إلى خوف ما بطن في مشيئته
فلذلك استثار الرجاء خوفهم
وحكمهم في القبض والبسط كما قال الشيخ في الخوف والرجاء غير أن البسط مزلة أقدام الرجال فهو موجب لمزيد حلوهم وكثرة التجائهم
۱۷
والقادر والرحيم وغير ذلك أسمائه الحسنى إلا اسمه الله من فإنك إذا أسقطت الألف بقى الله فإذا أسقطت اللام الأولى بقى له فإذا أسقطت
اللام الثانية بقى هو وهو النهاية فى الإشارة وأنشد ابن منصور الحلاج
بها
أحرف
ألف
ألف الخلائق
ثم لام زيادة
في
بالصن المعاني ثم
أربع بها هام قلبي وتلاشت وفكري تم لام على الملامة تجرى ع بها أهيم
همومی
هاء
أتدرى
الفرق بين الصوفى والزاهد
كثيرًا ما يخلط الناس بين الصوفى والزاهد ولكن الشيخ رضى الله عنه يوضح ذلك قائلا والزاهد جاء من الدنيا إلى الآخرة والعارف جاء من الآخرة إلى الدنيا وقال رضى الله عنه الزاهد غريب فى الدنيا لأن فى الآخرة وطنه والعارف غريب في الآخرة لأنه عند الله ۹
۹ يقول ابن عطاء الله فإن قلت ما معنى الغربة في كلام الشيخ هنا وما معناها في الحديث الوارد ه بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء فاعلم أن الغربة في الحديث معناها قلة من يعين على القيام بالحق فيكون القائم به غريبا لفقدان المساعد وعدم المعاضد فلا ينهض القائم حينئذ إلا قوة إيمانه ووفور إيقانه فلذلك قال بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء يريد اللهم أنهم قاموا بأمر الله في بلاده وعباده حيث تقاعدت همم الناس عن القيام به وأما الغربة في كلام الشيخ رضى الله عنه فمعناها أن الزاهد يكشف له عن ملك الآخرة فتبقى الآخرة موطن قلبه ومعشش روحه فيكون غريبا في الدنيا إذ ليست وطنا لقلب عاين الدار الآخرة فأخذ قلبه فيا عاين من ثوابها ونوالها وفيما شاهد من عقوبتها ونكالها فاستغرب في هذه الدار وأما العارف فإنه غريب في الآخرة فإنه كشف له عن صفات معروفة فأخذ قلبه فيا هنالك فصار عرين في الآخرة لأن سره مع الله بلا أين
فهؤلاء العباد تصير الحضرة معشش قلوبهم إليها يأوون وفيها يسكنون فإن تنزلوا إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ فبالإذن والتمكين والرسوخ في اليقين فلم ينزلوا إلى الحظوظ بالشهوة والمتعة ولا إلى الأدب والغفلة بل كانوا في ذلك كله بآداب الله وآداب رسله وأنبيائه متأدبير ولما اقتصر
الحقوق بسوء منهم مولاهم عاملين
۱۸
العروج إلى الله
والناس - من قبل ذلك ومن بعده - من حيث عروجهم إلى الله على قسمين قوم وصلوا بكرامة الله الى طاعة الله وقوم وصلوا بطاعة الله إلى كرامة الله قال الله سبحانه وتعالى اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ويلقى ابن عطاء الله السكندرى على هذه الفكرة أضواء توضحها فيقول معنى كلام الشيخ هذا أن من الناس من حرك الله همته لطلب الوصول إليه فصار يطوى مهامه نفسه وبيداء طبعه إلى أن وصل إلى حضرة ربه يصدق على هذا قوله سبحانه وَالذينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِينَهُمْ سُبُلَنَا ومن الناس من فاجأته عناية الله من غير طلب ولا استعداد ويشهد لذلك
قوله تعالى يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ
فالأول حال السالكين
والثاني حال المجذوبين
فمن كان مبدؤه المعاملة فنهايته المواصلة
ومن كان مبدؤه المواصلة رد إلى وجود المعاملة ولا تظن أن المجذوب
L
لا طريق له بل له طرق طوتها عناية الله له فسلكها مسرعا إلى الله عجلا وكثيرا ما نسمع عنه مراجعات المنتسبين للطريق أن السالك أتم من المجذوب لأن السالك عرف الطريق وما توصل إليه والمجذوب ليس كذلك وهذا بناء منهم على أن المجذوب لا طريق له وليس الأمر كما زعموا فإن
ولم
المجذوب طويت الطريق له ولم تطو عنه ومن طويت له الطريق لم تفته تغب عنه وإنما فاته متاعبها وطول أمدها والمجذوب كمن طويت له الطريق إلى مكة والسالك كالسائر إليها على أكوار المطايا
۱۹
الشوق
قال رضي الله عنه الشوق على قسمين شوق على الغيبة لا يسكن إلا بلقاء
والاسم
الحبيب وهو شوق النفوس وشوق الأرواح على الحضور والمعاينة فإذا رفعك إلى محل المحاضرة والشهود المسلوب عن العلل فذلك مقام التعريف إيمانا حقيقيًّا وذاك ميدان تنزل الأزل وإذا أنزلك إلى محل المثابرة والجهاد فذاك مقام التكليف المقيد بالعلل وهو الإسلام الحقيقى وذلك ميدان تجلى حقائق الأبدية والمحقق لا يبالي بأي صفة يكون لأن صفتك تميل لا أنت والصفة من العين للعين وهو ظهورك وهو نطقك والاسم حقيقة الصفة والصفة حقيقة الوجود والأسرار متنزلة عن الوجودية للصديقية والحقائق متجلية عن الصفات بالولاية لأهل العلوم الظاهرة عن الاسم بالدليل لأهل السعاية وإليه الإشارة بقوله لعل الله لأبي جحيفة يا أبا جحيفة وسائل العلماء وخالط الحكماء وجالس الكبراء فالعالم يدلك بالعلم من الأسماء ونهايته الجنة والحكيم المقرب يحملك باليقين وبالحقائق من الصفات ونهايته منازل
للسان
القربي وإليه الإشارة بقوله تعالى اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ والكبير يدلك بالأسرار من الوجود على طريق الصفاء والنزاهة ونهايته إلى الله وتجتمع المراتب الثلاثة في الكبير فجمل قوما بالعلم وقوما بالحقائق وقوما بالأسرار وهم خلفاء الأنبياء وأبدال الرسل وهم البصراء قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي أي على معاينة يعاين لكل صنف طريقهم فيحملهم عليها وهي النهاية وكان إمامنا رضي الله عنه كثيرا ماينشد
۰
وغنى
لي
من
قلبی
فغنیت
كما
غنى
وكنا
حسينما
كانوا
وكانوا
حيثما
کنا
-g
المفسر
عنه
إن رسول الله ما لم يُمْل تفسيرًا للقرآن مطولا أو مختصرًا وإنما أثر كلمات شريفة وجيزة عن هذه الآية أو تلك ومن الحق أن سلوك رسول الله كان تفسيرا للقرآن
ولقد كان خلقه صلوات الله عليه وسلامه عليه القرآن كما قالت السيد عائشة رضوان الله عليها
بید
ومن الحق أن نقول إن أحاديثه الله كانت تفسيرًا للقرآن من قريب أو من بعيد ولاريب أن حياته كلها تترسم فى تفاصيلها وفى إجمالها النهج القرآني وهى من هذه الوجهة تفسير للقرآن أن التفسير النظرى المباشر وتتبع القرآن كلمة كلمة وآية آية وسورة سورة بالتفسير والشرح لم يحدث من رسول الله الله ولم يقم بذلك في تعمد وترتيب متتابع أحد من الصحابة رضوان الله عليهم وكانت ثمرة ذلك في عالم الحكمة أن بقى القرآن على نضرته الأولى غضًا يانعا وبقى نبعا فياضًا تتفجر معانيه من ينابيع القلوب المستبصرة وتنثال إشاراته وتوجيهاته من أعماق الأرواح المشرقة وبقى على مر الزمن وعلى تتابع الدهر المنارة المضيئة يستنير بها كل من قرب منها على قدر قربه ولقد سئل أحد المفكرين عن خير تفسير للقرآن فقال الزمن
ولاشك أن كل يمر يكشف لنا آفاق في القرآن كنا نجهلها ولقد كان عن
يوم
للصوفية فى هذا المجال إلهامات وإشراقات بتوفيق الله رائعة وهم في هذا الميدان
۱
يسمون إلهاماتهم إشارات يعنون بذلك أن الآيات القرآنية لها تفسير بحسب اللغة
مع
ذلك
وأسباب النزول وحوادث التاريخ وهو تفسير يتفاوت دقة وجمالا ولكنه تفسير لا يستنفد كل ما تعطيه الآيات القرآنية من إشارات وما يشع عنها من أنوار وما يتضوع منها من عبير طيب
وإشارات الآيات وأنوارها وعبيرها الزكي لا ينفد ولا ينضب المعين الذي عنه يصدر وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامُ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحر مَا يُفدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
ومن أجل ذلك فإن إلهامات الصوفية فى الآيات القرآنية فياضة دائما سيالة
باستمرار ومع
هذا فينبغي
أن نلاحظ أمرين
الأول أن هذه الإشارات لا تهدف فى قليل ولا في كثير إلى أن تحل محل التفسير المألوف الثاني أن هذه الإشارات لا تتعارض مع التفسير المألوف إنها إشارات ولیست تفسيرًا ومن أجل ذلك فإنه لا تعارض بين الصوفية والمفسرين وعن هذا التفسير الصوفى يقول الإمام ابن عطاء الله
فائدة
اعلم
أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله تعالى ولكلام رسوله بالمعاني الغريبة كما مضى من فهم الشيخ رضى الله عنه يهب لمن يشاء إنانا ويهب لمن يشاء الذكور العلوم أو يزوجهم ذكرانا وإنانا علومًا وحسنات ويجعل من يشاء عقيماً لا علم ولا حسنة كما مضى أيضًا من قوله عز وجل إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً
الحسنات
فقال الشيخ بقرة كل إنسان نفسه والله أمرك بذبحها وكما سيأتى إن شاء الله في تفسير الأحاديث فذلك ليس إحالة للظاهر عن ظاهره ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت له الآية ودلت عليه في عرف اللسان وثم أفهام باطنه تفهم
عند الآية والحديث لمن فتح الله على قلبه وقد جاء أنه عليه السلام قال
لكل آية ظاهر وباطن وحد ومطلع
فلا يصدنك عن تلقى هذه المعاني
منهم
أن يقول لك ذو جدل أو معارضة
هذه إحالة لكلام الله عز وجل وكلام رسول الله فليس ذلك بإحالة وإنما يكون إحالة لو قالوا لا معنى للآية إلا هذا وهم لم يقولوا ذلك بل يقرون الظواهر على ظواهرها مرادًا بها موضوعاتها ويفهمون عن الله ما أفهمهم وربما فهموا من اللفظ ضد ما قصده واضعه كما أخبرنا الشيخ الإمام مفتى الأنام تقى الدين بن على القشيري رحمه الله قال
كان ببغداد فقيه يقال له الجوزى يقرأ اثنى عشر عاما فخرج يوما قاصدا المدرسة فسمع منشدا ينشد
إذا العشرون من شعبان ولت فواصل
ولا
تشرب بأقداح
شرب ليلك بالنهار صغار فقد ضاق الزمان على الصغار
فخرج هائما على وجهه حتى أتى مكة ولم يزل مجاورا بها حتى مات
وقرئ على الشيخ مكين الأسمر رضي الله عنه قول القائل لو كان لى مسعد بالراح يسعدني لما انتظرت لشرب الراح إفطارا شاربه فاشرب ولو حملتك الراح أوزارا
الراح شيء عجيب أنت
يا من
يلوم على صهباء صافية
خذ الجنان ودعنى أسكن النارا
فقال إنسان هناك لا تجوز قراءة هذه الأبيات فقال الشيخ مكين الأسمر
للقارئ اقرأ هذا رجل محجوب
ويكفيك فى هذا أن ثلاثة سمعوا مناديًا يقول ياسعتر برى ففهم كل منهم
عن الله مخاطبة خوطب بها فى سره
۳
سمع الواحد اسع تر بری الآخر الساعة ترى برى
وسمع
الثالث ما أوسع برى
فالمسموع واحد واختلفت أفهام السامعين كما قال سبحانه يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ وقال سبحانه قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ
فأما الذي سمع اسع تر برى فريد دل على النهوض إلى الله بالأعمال ليستقبل الطريق بالجد فقيل له اسع إلينا بصدق المعاملة تر برنا بوجود المواصلة وأما الآخر فكان سالكا إلى الله طاولته الأوقات فخاف أن تفوته الوصلة فقيل
له ترويحا على قلبه لما أحرقته نار الشغف الساعة ترى برى وأما الثالث فعارف كشف له عن وسع الكلام فخوطب من حيث أشهد فسمع ما أوسع بري
وقال الشيخ محيى الدين رضي الله عنه
دعانا بعض الفقراء إلى دعوة بزقاق القناديل مصر فاجتمع بها جماعة من المشايخ فقدم الطعام وعجزت الأوعية وهناك وعاء زجاج جديد قد اتخذ للبول ولم يستعمل بعد فغرف فيه رب المنزل الطعام فالجماعة يأكلون وإذا بالوعاء يقول منذ أكرمني الله بأكل هؤلاء السادة منى لا أرضى لنفسي أن أكون بعد ذلك محلا للأذى ثم انكسر نصفين
قال الشيخ محيي الدين فقلت للجميع سمعتم ماقال الوعاء قالوا نعم قلت ما سمعتم فأعادوا القول الذي تقدم
قال فقلت قال قولا غير ذلك قالوا وماهو
قلت قال كذلك قلوبكم قد أكرمها الله بالإيمان فلا ترضوا بعد ذلك أن
٢٢٤
تكون محلا لنجاسة المعصية وحب الدنيا جعلنا الله وإياكم من أولى الفهم عنه
والتقى منه بمنه وكرمه
تشرح
وهذا الذى قاله الإمام ابن عطاء الله حق كله والصورة المثالية في التفسير الصوفي وفى شرح الأحاديث إنما هي الصورة التي تحيط بالموضوع كلية أى أو تفسر على الطريقة المألوفة وفى ثنايا الشرح أو التفسير تشير وتوجه على النهج المتبع في الآفاق الصوفية البحتة ونقول إن هذا هو الصورة المثالية لأن هذه الصورة تحيط بالكثير من أقطار الموضوع وتلم بالعديد من زواياه وتكون فائدتها للمتعلمين أكثر وما من شك في أن كثيرًا من السادة الصوفية استعملوا هذه الطريقة ونذكر
الآن لها مثالين كريمين يصوران جوا أئمة المدرسة الشاذلية في عهدها الأول تمتزج بها آراء أبي الحسن وأبي العباس وابن عطاء الله فتكون وحدة واحدة وطريقاً سويا يوضح ما ينبغى أن يكون حينما يقف الصوفى بين جمهور الناس مدرساً ومربيا أما إذا كان الشيخ بين تلاميذه ومريديه فله أن ينثر الأنوار نثرا ويذيعها لألاءة بالسنا
والسناء
والمثل الأول الذى نذكره أتى بمناسبة ماقال رسول الله له الحارثة سائلا له كيف أصبحت يا حارثة قال أصبحت مؤمنًا حقًا فقال لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندى ذهبها و مدرها وكأني أنظر إلى أهل الجنة فى الجنة يتنعمون وكأنى إلى أهل النار في النار يعذبون وكأني أرى عرش ربى بارزًا من أجل ذلك أسهرت ليلى وأظمأت نهارى يقول ابن عطاء الله وفى حديث حارثة فوائد عشرة الأولى أنه لما سأل النبي و حارثة فقال له كيف أصبحت يا حارثة لم يقل حارثة غنيًّا ولا صحيحًا ولا شيئًا من الأحوال البدنية أو الأمور الدنيوية
٢٢٥
لأن حارثة علم أن رسول الله له أجل من أن يسأل عن دنيا بل فهم عنه أنه إنما
سأله كيف حاله الله فلذلك قال الصحابي أصبحت مؤمنا حقًّا أما أبناء الدنيا إذا سئلوا فلا يخبرونك إلا عن دنياهم وربما وك إذا سألتهم عن الضجر بأحكام مولاهم فالسائل لمن هذا وصفه مشارك له في استثاره بسؤله الجريان سببه
منه
وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه لرجل أتى من الحج كيف كان حجكم فقال ذلك الرجل كثير الرخاء كثير الماء بسعر كذا وكذا وسعر كذا وكذا فأعرض الشيخ عنه وقال تسألهم عن حجهم وما وجدوا فيه من الله من علم ونور وفتح فيجيبون برخاء الأسعار وكثرة المياه حتى كأنهم لم يسألوا إلا عن
ذلك !
الفائدة الثانية أنه ينبغى للمشايخ أن يتفقدوا أحوال المريدين ويجوز للمريدين إخبار الأستاذين وإن لزم من ذلك كشف حال المريدين لأن الأستاذ كالطبيب وحال المريد كالعورة والعورة قد تبدو للطبيب لضرورة التداوى الفائدة الثالثة انظر إلى قوة نور حارثة فى قوله أصبحت مؤمنا حقا فلولا أنه منور بنور البصيرة الموجبة لمحض اليقين والتحقق بالسنة ما أخبر بذلك وأبداه وأثبت لنفسه حقيقة الإيمان بين يدى صاحب المحو والإثبات وإنما أبدى ذلك أن طواعية رسول الله له واجبة والرسول قد استخبره عن
حارثة لأنه علم حاله فلم يسعه الكتم وأبدى ما علم أن الله تفضل به عليه ببركات متابعة الرسول ل وليفرح له الرسول مع الله بمنة الله فيشكر الله عنه ويسأله تثبيت ما أعطاه مثل ماذكره بعض العلماء العارفين قال وقعت زلزلة بالمدينة زمن خلافة عمر
رضي الله عنه فقال عمر ما هذا ما أسرع ما أحدثتم والله لأن عادت لأخرجن من بين أظهركم
٢٢٦
فانظر رحمك الله هذه البصيرة التامة كيف أشهدته أن الزلزلة إنما هي من حدث كان وأن ذلك الحدث منهم والله برىء منه
فهل هذا إلا من نور البصيرة الكاملة التي وهبها عمر رضي الله عنه وكذلك ضربه لأبي هريرة رضى الله عنهما في صدره حين وجد معه نعلى رسول الله وقد أمره أن من لقيه من وراء الحائط يشهد أ أن لا إله إلا الله أن يبشره بالجنة ورجوعها إلى رسول الله الله وقول عمر رضي الله عنه يارسول الله أنت أمرت أبا هريرة أن يأخذ نعليك ويبشر من لقى وراء الحائط يشهد أن لا إله إلا الله بالجنة قال نعم قال لا تفعل يارسول الله خلهم يعملوا فقال رسول الله خلهم يعملوا وهاتان الواقعتان تعرفانك بعظيم قدر عمر رضي الله عنه ووفور أخذه رسول الله واختطافه من نوره وهذا الحديث مروى في صحيح مسلم وإنما ذكرناه ههنا مختصرا
من
الفائدة الرابعة يفهم من هذا الحديث انقسام الإيمان إلى قسمين إيمان حقيقى وإيمان رسمي فلذلك أخبر الصحابي بقوله أصبحت مؤمنًا حقًّا والحديث يشهد له أيضًا وروى البخاري برفعه إلى رسول الله عليه وسلم أنه قال ذاق طعم الإيمان من رضى بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وروى أيضا قال صلوات الله عليه وسلامه ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان وطعمه أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن توقد نار عظيمة فكان أن يقع فيها خير له من أن يشرك بالله وقد جاء في الحديث أيضا قال له المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير وقد قال سبحانه أُولَئِكَ هُم الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا
۷
وهما صنفان عباد آمنوا بالله على التصديق والإذعان وعباد آمنوا بالله على
الشهود والعيان وهذا الإيمان الثانى تارة يسمى إيمانًا وتارة يسمى يقينًا لأنه إيمان انبسطت أنواره وظهرت آثاره واستمكن في القلب عموده وداوم السر شهوده وعنه يكون خالص الولاية كما أن على القسم الآخر يكون ظاهر الولاية وليس يستوى إيمان مؤمن يغلب الهوى وإيمان مؤمن يغلبه الهوى ولا إيمان مؤمن تعرض له العوارض فيدافعها بإيمانه كإيمان مؤمن غسل قلبه من العوارض فلا ترد عليه لشهوده وعيانه ولأجل هذا اختلف أهل الطريق في عبدين أحدهما يرد عليه خاطر الذنب فيجاهد نفسه حتى يذهب ذلك عنه والآخر لا يخطر له هذا المخاطر أصلا أيهما أتم والذى لاشك فيه تفضيل هذا القسم الثاني فإنه أقرب لأحوال أهل المعرفة والأول هو حال أهل المجاهدة ولأنه لا يكون القلب على هذه الصفة إلا والنور قد ملأ زواياه فلأجل ذلك لم يجد خاطر الذنب مساغا الفائدة الخامسة مطالبة الرسول مع التلال الليل الحارثة بإقامة البرهان على ما أثبته لنفسه فيدل ذلك أنه ليس كل من ادعى دعوة سلمت له وقد قال الله سبحانه فَتَمَنُوا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ وقال قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ فموازين الحقائق شاهدة للعباد أو عليهم وقد قال سبحانه وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ فمن ادعى حالا الله أقيم عليه ميزانها فإن شهد له سلمناها له وإلا فلا مع وإذا كانت الدنيا على خساسة قدرها عند الله لا تسلم لك إلا ببينة تقيمها فمن الأحرى ألاً تسلم لك مراتب الموقنين إلا أن يثبتها لك برهان أو تسلمها لك
حقيقة
الفائدة السادس كان الشيخ أبو العباس رضى الله عنه يقول لو كان المسئول أبا بكر رضى الله عنه لم يطالبه الرسول مع له الا الله بإقامة البرهان على ما ادعى لأن عظم
۸
رتبة أبي بكر رضى الله عنه شاهدة له من غير إظهار برهان فأراد الرسول أن يعرفنا الفرق بين رتب أصحابه فمنهم من هو كحارثة لما ادعى حقيقة الإيمان طولب ببرهانها ومنهم من هو كأبي بكر وعمر رضى الله عنهما يثبت لهما الرسول ل الرتب وإن لم يثبتاها لأنفسهما ألا ترى الحديث الوارد عن رسول الله أن بقرة في بني إسرائيل ركيها رجل وأجهدها فقالت سبحان الله لم أخلق لهذا وإنما خلقت للحرث فقال الصحابة سبحان الله أبقرة تتكلم فقال الرسول آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر وهما غائبان فانظر هذه المرتبة ما أفخمها وهذه المنزلة ما أعظمها ! وسمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول معنى قول الرسول و آمنت أنا وأبو بكر وعمر أى من غير عجب وأنتم آمنتم متعجبين ! لأجل ذلك قالوا سبحان الله أبقرة تتكلم وكان أبو العباس يقول إن الملائكة لما بشرت زوجة إبراهيم عليه السلام بالولد قالت األِدُ وَأَنَا عَجُوزُ وَهَذَا بَعْلِي شَيْئًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ
عجيب !
غير
فقالت لها الملائكة أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ أي أمر الله لا يتعجب منه فلم يسمها الحق صديقة ومريم لما بشرت بالولد من أب فلم تتعجب من ذلك سماها الله صديقة فقال سبحانه وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ الفائدة السابعة استدلال الصحابي على حقيقة إيمانه بزهده في الدنيا وكذلك هو الإيمان إذا تحقق من قام به أورثه الزهد فى الدنيا لأن الإيمان بالله يوجب لك التصديق بلقائه وعلمك بأن كل آت قريب يوجب لك شهود قرب ذلك فيورثك ذلك الزهد فى الدنيا ولأن نور الإيمان يكشف لك عن إعزاز الحق لك فتأنف همتك من الإقبال على الدنيا والتطلع إليها مع أن الحقيقة تقتضى أن الزاهد فى الدنيا مثبت لها فإنه شهد لها بالوجود إذا أثبتها مزهودًا فيها وإذا
۹
شهد لها بالوجود فقد عظمها وهو معنى قول الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه والله لقد عظمتها إذا زهدت فيها ومثل هذا الزاهد فما زهد فيه فناء الفاني عما فني عنه فإثبات أنك فان عن الشيء إثبات لذلك الشيء فما لا وجود له لا يتعلق به فناء ولا زهد ولا ترك
حسن
ولنا في هذا المعنى أبيات كتبتها لبعض الأصحاب حسنا يسمى بأن تدع الوجود بأسره حسن فلا يشغلك عنه شاغل
ولين فهمت لتعلمن ومتى شهدت سواه فاعلم وحديث كان وليس شيء غيره يقضى به الآن اللبيب العاقل ولقد أشرت إلى الصريح من الهوى دلت عليه إن فهمت دلائل وحديث كان وليس شيء غيره یقضی به الآن اللبيب العاقل مثبوتة ليذم ذو ترك ويحمد فاعل
بأنه لا ترك إلا للذي
هو حاصل أنه من وهمك الأدنى وقلبك ذاهل
لا غير إلا نسبة
الفائدة الثامنة قول الصحابي رضي الله عنه عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندى ذهبها ومدرها والعزوف هو ترك الشيء بالتقزز له والإعراض عنه إذ لو قال تركت الدنيا لم يلزم من الترك عدم التطلع فرب تارك للشيء وهو له متطلع فالعزوف إعراض مع كراهة وتحقير ومن كشف الله له عن حقيقة الدنيا فهذا شأنه فيها وقد قال الرسول الله الدنيا جيفة قذرة وقال ال للضحاك ما طعامك قال اللحم واللبن قال ثم يعود إلى ماذا قال إلى ماقد علمت يارسول الله قال فإن الله قد جعل ما يخرج من بني آدم مثلا للدنيا
فمن كشف له عن حقيقة الدنيا فشهدها جيفة قذرة فحرى أن يصرف همته
۳۰
عنها فإن قلت فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا حلوة خضرة فاعلم أن الدنيا جيفة قذرة في مرائى البصائر وحلوة خضرة في مراثى الأبصار فإن قلت فما فائدة الإخبار بأنها حلوة خضرة فاعلم أن قوله الدنيا جيفة قذرة للتقدير وقوله الدنيا حلوة خضرة للتحذير أي فلا تغرنك بحلاوتها وخضرتها فإن حلاوتها فى التحقيق مرارة وخضرتها يبس ولهذا لما سئل رسول الله الله عن أولياء الله قال
هم الذين نظروا باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها الفائدة التاسعة وقوف الصحابي رضي الله عنه على مستحق رتبته بقوله وكأني أنظر إلى أهل الجنة فى الجنة يتنعمون ولم يقل نظرت وقد تقدم ذلك من أن الأنبياء يطالعون حقائق الأشياء والأولياء يطالعون مثلها
الفائدة العاشرة قوله فمن أجل ذلك أسهرت ليلى وأظمأت نهاري فحارثة عبد وصل بكرامة الله إلى طاعة الله ألا تراه كيف قال في الأول عزفت نفسى عن الدنيا ثم قال بعد ذلك فمن أجل ذلك أسهرت ليلى وأظمأت نهاری فسبق عزوف نفسه عن الدنيا معاملته لربه وكان الشيخ أبو العباس رضى الله عنه يقول الناس على قسمين
قوم وصلوا بكرامة الله إلى طاعة الله
وقوم وصلوا بطاعة الله إلى كرامة الله
قال الله سبحانه الله يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب ونور الله يرد إلى القلب فيوجب له الاتصاف بصفة الزهد في الدنيا والإعراض عنها ثم ينبث منه إلى الجوارح فما وصل منه إلى العين أوجب الاعتبار وإلى الأذن أوجب حسن الاستماع وإلى اللسان أورث الذكر وإلى الأركان أورث الخدمة
۳۱
والدليل على أن النور يوجب عزوف الهمة عن الدنيا والنأى عنها قول الرسول إن النور إذا دخل الصدر انشرح وانفسح فقيل يارسول الله فهل لذلك من علامة قال التجافى عن دار الغرور والإنابة إلى دار
الخلود
أما المثال الثاني فهو بمثابة حديث حنظلة رضى الله عنه فقد روى مسلم في صحيحه قال لقى حنظلة أبا بكر رضى الله عنه فقال نافق حنظلة فقال
أبو بكر رضى الله عنه وماشأن حنظلة قال نكون عند رسول الله فيذكرنا الجنة والنار حتى كانا رأى عين فإذا خرجنا من عنده عافسنا الضيعات والزوجات فنسينا كثيرًا فقال أبو بكر رضى الله عنه إنا لنلقى مثل ذلك يا حنظلة ثم أتيا رسول الله الا الله فقال حنظلة يارسول الله نافق حنظلة فقال رسول الله وما شأن حنظلة فقال نكون عندك فتذكرنا الجنة والنار حتى كانا رأى عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الضيعات والزوجات فنسينا كثيرا فقال رسول الله الله والذي نفسي بيده يا حنظلة لو تدومون على ما تكونون عليه عندى وفى الذكر لصافيحتكم الملائكة في طرقكم وعلى فرشكم ولكن ساعة وساعة ففى هذا الحديث ثماني فوائد الفائدة الأولى قول حنظلة نافق حنظلة النفاق مأخوذ من اليربوع وهو أن يجعل لبيته بابين متى طولب من أحدهما خرج من الآخر كذلك المنافق يظهر بظاهر الإيمان وله مسرب من الكفر باطن إذا عاتبه أهل الكفر على ما أظهر من الإيمان فتح مسريًا من باطن كفره ليسلم من عنهم وإذا ظهرت عليه ريبة أهل النفاق فعوتب عليها تصون من ذلك بظاهر الإيمان الذي أظهره ولذلك أخبر عنهم بقوله وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون
الله
۳
فلما رأى حنظلة أنه يكون عند رسول الله على حالة فإذا خرج وحاول أسباب الدنيا تغير حاله فلم يبق على نحو ما كان عليه عند رسول الله خاف أن يكون ذلك نفاقاً لاختلاف حالتيه فشكا ذلك إلى رسول الله وحمله الإيمان على أن يظهر ذلك ليتطلب الشفاء منه ويشكو داءه لمن يجد الشفاء عنده فلما شكا ذلك لأبي بكر رضى الله عنه قال له أبو بكر إنا لنلق مثل ذلك يا حنظلة ولم يجبه أبو بكر رضى الله عنه لأن رسول الله له كان بين أظهرهم فلم ير أبو بكر أن يجيب حنظلة ولو أن حنظلة أتى أبا بكر بعد وفاة رسول الله لأجابه الفائدة الثانية يستفاد من حديث حنظلة أن من حمله الصدق على إظهار ما به حصل له الشفاء إما بأن يقال إن ماظنته داء ليس بداء وإما أن يدل من الدواء على ما يزيل الداء فحنظلة قيل له إن ماظننته داء ليس بداء الفائدة الثالثة قول حنظلة لرسول الله له تذكرنا بالجنة والنار حتى كانا رأى عين ولم يقل حتى نراهما رأى عين لما قدمناه من أن الأنبياء يطالعون حقائق الأشياء والأولياء يطالعون مثلها فلذلك قال حنظلة حتى كانا رأى عين ولم يقل حتى نراهما رأى عين كما قال حارثة وكأني أنظر إلى أهل الجنة ولم يقل نظرت إلى أهل الجنة وقد تقدم هذا من قبل الفائدة الرابعة ينبغي أن يقلل الدخول فى أسباب الدنيا ما أمكن فهذا الصحابي يقول فإذا خرجنا من عندك عافسنا الضيعات والزوجات فنسينا كثيرا وقد قال رسول الله له إن قليلا من الدنيا يلهى عن كثير من الآخرة وقال
ماطلعت شمس إلا بجانبها ملكان يناديان يأيها الناس هلموا إلى
ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهي !
الفائدة الخامسة قوله لو تدومون على ماتكونون عليه عندى
وفى
الذكر لصافحتكم الملائكة فى طرقكم وعلى فرشكم فيه إشارة إلى أن الدوام
"
۳۳
على تلك الحالة عزيز وأن عدم دوام العبد على تلك الحالة لا يوجب معتبة لما
طبع عليه البشر من الغفلة
فكان الدوام على تلك الحالة من المتعذر الفائدة السادسة كان الشيخ أبو العباس المرسى رضى الله عنه يقول لم يقل رسول الله الله أن ذلك محال أن يكون أعنى مارتب على تقدير الدوام وهو يقول لصافحتكم الملائكة فى طرقكم وعلى فرشكم فقد يكون من أولياء الله من يهبه الله ذلك الفائدة السابعة إنما خص الرسول مع له الا الله الفرش والطريق لأن الفرش محل الشهوات والطريق محل الغفلات فإذا صافحتهم الملائكة في طرقهم وفرشهم فمن الأحرى أن تصافحهم في محل طاعاتهم ومواطن أذكارهم
الفائدة الثامنة اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى ألا يستوى وقت كينونتهم عنده ووقت ذكرهم بما سواهما حتى يعرف عظيم قدر رتبة محاضرته الله وعزازة الذكر وجلالة منصبهما ا
هذان المثالان من نوع الشرح الصوفى الذى يشرح الموضوع ويبين الغاية
والهدف
ولأبي العباس درر كثيرة وإلهامات جليلة فى كثير من آيات القرآن وأحاديث رسول الله
ولقد كنا نتمنى أن نجد من ذلك الكثير حتى يمكن أن ننسق منه باقة متكاملة
ولكن المراجع التي حوت آثار أبي العباس لم تعطنا مانتمناه ونذكر فيما يلى ما استطعنا الوصول إليه كأمثلة جزئية هي لمحات من النور
الإلهى يفيضه الله سبحانه على من حققوا له العبودية فأنار أفئدتهم بنوره
٢٣٤
والآن نذكر - بتوفيق الله - ما أمكن جمعه من هنا وهناك مرتبا بحسب ترتیب سور القرآن الكريم
يوم
١ - بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين غير المغضوب عليهم ولا الضالين
أنعمت عليهم
قال الله سبحانه الحمد لله رب العالمين
قال الشيخ رضى الله عنه علم الله عجز خلقه عن حمده فحمد نفسه بنفسه في أزله فلما خلق الخلق اقتضى منهم أن يحمدوه بحمده فقال الحمد لله رب العالمين أى قولوا الحمد لله رب العالمين أى أن الحمد لله الذي حمد به نفسه بنفسه هو له لا ينبغي أن يكون لغيره فعلى هذا تكون الألف واللام للعهد يقول ابن عطاء الله وسمعته يقول في قوله عز وجل
إياك نعبد وإياك نستعين
إياك نعبد شريعة وإياك نستعين حقيقة
إياك نعبد إسلام
وإياك نستعين إحسان إياك نعبد عبادة وإياك نستعين عبودية
إياك نعبد فرق وإياك نستعين جمع
1
۱۰ وقد كتب ابن عطاء الله السكندرى عن ذلك ما يلى واعلم رحمك الله بإقباله عليك بوده وجعلك من الراعين لعهده أن الله سبحانه طلب من العباد أن يعبدوه واقتضى منهم أن يسجلوا ذلك على أنفسهم نطقاً كما قاموا به علما واقتضى مهم أ أن يفردوه واقتضى منهم تنظيم العبادة في جميع جوارحهم الظاهرة وحقائق وجوداتهم الباطنة واقتضى منهم الرجعى إليه من دعوى القيومية في العبادة بصدق التبرى من الحول والقوة
فلما قام العبد الله بالعبادة عملا اقتضى الحق أن يعترف بها نطقاً ليكون ذلك معاهدة بينه وبين الحق عز=
۳۵
ثم قال سبحانه وتعالى اهدنا الصراط المستقيم
فقال الشيخ رضى الله عنه بالتثبيت فيما هو حاصل والإرشاد لما ليس بحاصل وهذا الجواب ذكره ابن عطية في تفسيره ۱۱ وبسطه الشيخ رضى الله عنه فقال عموم المؤمنين يقولون اهدنا الصراط المستقيم أى بالتثبيت فيما هو حاصل والإرشاد لما ليس بحاصل فإنهم حصل لهم التوحيد وفاتهم درجات
الصالحين
والصالحون يقولون اهدنا الصراط المستقيم معناه نسألك التثبيت فيما هو والإرشاد لما ليس بحاصل فإنهم حصل لهم الصلاح وفاتهم درجات
حاصل
الشهداء
والشهداء يقولون اهدنا الصراط المستقيم أي التثبيت فيما هو حاصل والإرشاد لما ليس بحاصل فإنهم حصل لهم درجات الشهداء وفاتهم درجات الصديقية
والصديقون يقولون اهدنا الصراط المستقيم أي بالتثبيت فيما هو
وجل حتى إذا انفلتت نفسه عن القيام بالعبادة وثقلت عليها ملازمة التكليف قامت الحجة على العبد بما أعطى الله سبحانه من الاعتراف بالعبادة له ولأنه لا يعبد غيره لقوله إياك نعبد واقتضى من العباد أن تستوعب العبادة جميع جوارحهم الظاهرة وعوالمهم بإنيانه بالصياغة هكذا نعبد وإعراضه عن التعبير بالهمزة المفردة بالمتكلم لأن النون إنما تكون للواحد المعظم نفسه أو العظيم في نفسه وليس هذا موضع هذين المعنيين إذ العبد لا يبتدئ بين يدى الله يوصف عظمته فلم يبق إلا أن يكون للواحد ومعه غيره وذلك ما أشرنا إليه من الجوارح الظاهرة والحقائق الباطنة وأما أنه اقتضى منهم الرجعي إليه من دعوى القيومية في العبادة لأنه لما قال إياك نعبد فأضاف العبادة إليهم واقتضى منهم أن يعترفوا بذلك قياما بدائرة الفرق التي عليها يترتب التكليف أردف ذلك بقوله وإياك نستعين كيلا يدعى العباد معه أنهم قاموا بالعبادة أن يوفوا الحقيقة حقها والشريعة حقها فلذلك جمع بين الأمرين القيام بالعبادة
بأنفسهم فأراد منهم لربوبيته والتبرى من الحول والقوة مع الحبيبة ۱۱ المحرر الوجيز وقد بدأ طبعه في المغرب وظهرت منه الأجزاء الأولى
٢٣٦
حاصل والإرشاد لما ليس بحاصل فإنهم حصل لهم درجات الصديقية وفاتهم درجات القطبية
والقطب يقول اهدنا الصراط المستقيم أى بالتثبيت فما هو حاصل والإرشاد لما ليس بحاصل فإنه قد حصل على رتبة القطبانية وفاته علم إذا شاء الله أن يطلعه عليه أطلعه
- قال الله تعالى الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة
كل موضع ذكر فيه المصلون في معرض المدح فإنما جاء لمن أقام الصلاة إما بلفظ الإقامة أو بمعنى يرجع إليها قال الله سبحانه
الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاق
رب اجعلني مقيم الصلاة
أقم الصلاة
وأقام الصلاة
وأقاموا الصلاة
والمقيمي الصلاة
ولما ذكر المصلين بالغفلة قال
فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ولم يقل فويل للمقيمي
الصلاة
والإقامة هو أنه إذا صلى المؤمن صلاة فتقبلت منه خلق الله من صلاته صورة
في ملكوته راكعة ساجدة إلى يوم القيامة وثواب ذلك لصاحب الصلاة - قال الله تعالى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة
بقرة كل إنسان نفسه والله أمرك بذبحها
٤ - قال الله تعالى ماننسخ من آية أو ننسها
نات بخير منها أو مثلها أى
ما نذهب من ولى لله إلا ونأت بخير منه أو مثله
۳۷
ه - يقول الله تعالى يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا "
وأنتم مسلمون فقال له القائل من أين للعبد أن
ومن أين له ألا يموت إلا وهو مسلم
ينقى
الله حق تقاته
فقال الشيخ رضى الله عنه قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى
فاتقوا الله ما استطعتم
·
فكانوا قد خوطبوا أولا أن يتقوا الله حق تقاته وهو أن يطاع فلا يعصى
ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر ثم خفف عنهم بقوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم
قال الشيخ رضى الله عنه ويمكن الجمع بين الآيتين
فاتقوا الله ما استطعتم أى فى جانب الأعمال
وقوله تعالى اتقوا الله حق تقاته أي في جانب التوحيد وقوله تعالى ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون أى لا نتعاطوا من الأعمال إلا أعمالا إذا متم عليها متم مسلمين
- ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك قيل إنما وقع لتفصيل فى العبادة أدباً من الله لنا فأضاف المحاسن إليه وأضاف المساوئ إلينا وإن كان فعل العبد كله خلق الله تعالى حسنه وسيئه كما قال فأراد ربك أن يبلغا أشدهما فأضاف ذلك إلى الله وقال فى السفينة فأردت أن أعيبها ولم يقل فأراد ربك أن يعيبها أدبا في التعبير وكما قال إبراهيم عليه السلام وإذا
مرضت فهو يشفين فأضاف المرض لنفسه والشفاء الله تعالى
ومنهم من قال إن ذلك داخل فى مضمون القول وإن هذا التفصيل حكاه الله
۳۸
عنهم والتقدير فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا في قولهم ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ورد عليهم
بقوله تعالى قل كل من عند الله
۷ - قال الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلاً
قال سمى خليلا لأنه خالل سره محبة الله تعالى قال الشاعر
سمی
الخليل
قد
تخللت مسلك الروح منى ولذا
خليلا
كنت
کلامی
وإذا
صمت
كنت
العليلا
نطقت فإذا
- قال الله تعالى سماعون للكذب أكالون للسحت نزلت في اليهود ومن كان من فقراء هذا الزمان مؤثرًا للسماع بهواه آكلا مما حرمه مولاه فهى نزعة يهودية لأن القوال يذكر العشق وماهو بعاشق والمحبة وما هو محب والوجد وماهو متواجد فالقوال يذكر الكذب والمستمع سماع له ومن أكل من الفقراء طعام الظلمة حين يدعى إلى السماع فهو يصدق عليه قول الله تعالى سماعون للكذب أكالون للسحت
۹ - قال الله تعالى إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم قال رضى الله عنه وقد سأله سائل لم قال عيسى عليه السلام إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ولم يقل الغفور الرحيم قال الشيخ رضى الله عنه إنما عدل عن قوله إنك أنت الغفور الرحيم إلى قوله فإنك أنت العزيز الحكيم لأنه لو قال وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم لكانت شفاعة من عيسى عليه السلام لهم فى المغفرة ولا شفاعة في کافر ولأنه عُبدَ من دون الله فاستحى من الشفاعة عنده وقد عبد
معه
۳۹
۱۰ - قال الله تعالى حاكيًا عن الشيطان ثم لاتينهم من بين أيديهم ومن
خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين قال رضى الله عنه لم يقل من فوقهم ولا من تحتهم لأن فوق التوحيد وتحت الإسلام والشيطان لا يمكنه أن يأتى المؤمن من توحيد ولا من إسلام أما قوله ولا تجد أكثرهم شاكرين
فإنه لو علم الشيطان أن ثَمَّ طريقًا توصل إلى الله أفضل من الشكر لوقف عليها ألا ترى قوله ولا تجد أكثرهم شاكرين ولم يقل صابرين ولا خائفين
ولا راجين ۱۱ - للناس أسباب وسبينا الإيمان والتقوى قال الله تعالى ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض
۱ - يقول الله تعالى ما خلق الله ذلك إلا بالحق
الحق الذى خلق الله به كل شيء كلمة كن
قال الله سبحانه وتعالى ويوم يقول كن فيكون قوله الحق
۱۳ - قال الله تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما
يجمعون أي من طاعتهم وأعمالهم ومثل ذلك ورحمة ربك خير مما
يجمعون ١٤ - يقول الله تعالى ولقد هَمَّت به وهَمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه
همت به هم إرادة وهم بها هم ميل لا هم إرادة
١٥ - قال الله سبحانه وتعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ولم يقل بنبيه ولا برسوله وهو نبيه ورسوله وإنما كان كذلك لأنه أراد أن يفتح باب السريان للأتباع فأعلمنا بأن الإسراء من بساط العبودية فالنبي الله كان له كمال العبودية فكان له كمال الإسراء أسرى بروحه وجسمه وظاهره
٢٤٠
وباطنه فالأولياء لهم قسط من العبودية فلهم قسط من الإسراء يسرى بأرواحهم
لا بأشباحهم ١٦ - قال الله تعالى إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى
الفتوة الإيمان والهداية
۱۷ - قال الله تعالى وماتلك بيمينك يا موسى قال هی عصاى أتوكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى
تسعى
يقال للولى وماتلك بيمينك أيها الولى
قال هي دنياى أتوكأ عليها وأهش بها على غنمى وغنمه أعضاؤه ولى فيها مآرب أخرى فيقال له ألقها فناء عنها
فألقاها فيكشف له عن حقيقتها فإذا هي حية تسعى ثم يقال له خذها ولا تخف فلا يضره أخذها لأنه أخذها بإذن الله فى أخذها كما أطاعه في إلقائها
۱۸ - قال الله تعالى قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم سمى إبراهيم فتى لأنه كسر الأصنام فمن كسر الأصنام فهو الفتى الخليل عليه السلام وجد أصناماً حقيقية فكسرها وأنت لك أصنام معنوية فإن كسرتها كنت فتى ولك أصنام خمسة النفس والهوى والشيطان والشهوة والدنيا فإن كسرتها فأنت الفتى
۱۹ - قال الله تعالى يولج الليل فى النهار ويولج النهار في الليل يولج المعصية في الطاعة ويولج الطاعة فى المعصية يطيع العبد الطاعة فيعجب بها ويعتمد عليها ويستصغر من لم يفعلها ويطلب من الله العوض عليها فهذه حسنة أحاطت بها سيئات ويذنب الذنب فيلجأ إلى الله فيه ويعتذر منه
٢٤١
ويستصغر نفسه ويعظم من لم يفعله فهذه سيئة أحاطت بها حسنات فأيهما الطاعة وأيهما المعصية
أن قال
٢٠ - يقول الله تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن إنما قال للرحمن ولم يقل للقهار ولا للعزيز لأن تشقق السماء بالغمام وتنزل الملائكة مظهران فى مظاهر القهر والسطوة فلو قال للقهار أو العزيز لم يطق ذلك العباد وتفطرت قلوبهم فرفق بهم الملك يومئذ الحق للرحمن وهكذا قوله يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً ولم يقل إلى القهار ولا إلى العزيز لأن الحشر وهو المطلع شديد فلاطفهم برحمانيته فى ظهور سلطان قهره
۱ - يقول الله تعالى أمن يجيب المضطر إذا دعاه الولى لا يزال مضطرًا ۱ وقال رضى الله عنه عبر بعض الصحابة على
۱ ومعنى كلام الشيخ هذا أن العامة اضطرارهم بمثيرات الأسباب فإذا زالت زال اضطرارهم وذلك لغلبة دائرة الحس على مشهدهم فلو شهدوا قبضة الله الشاملة المحيطة لعلموا أن اضطرارهم إلى الله دائم لأن اضطرارهم تعطيه حقيقة العبد إذ هو ممكن وكل ممكن مضطر إلى مد يده ومد يده به وكما أن الحق سبحانه هو الغني أبدا فالعبد مضطر إليه أبدًا ولا يزايل العبد هذا الاضطرار لا في الدنيا ولا في الآخرة ولو دخل الجنة فهو محتاج إلى الله فيها غير أنه غمس اضطراره في المنة التي أفرغت عليه ملابسها وهذا هو حكم الحقائق ألا يختلف حكمها لا في الغيب ولا في الشهادة ولا في الدنيا ولا في الآخرة فالعلم صفته الكشف أى علم كان وفى أى وقت كان والإرادة صفتها التخصيص أى إرادة كانت وفي أي وقت كانت ومن اتسعت أنواره لم يتوقف اضطراره
وقد عاب الله قوما اضطروا إليه عند وجود أسباب ألجأتهم إلى الاضطرار فلما زالت زال اضطرارهم قال الله سبحانه وتعالى وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وقال سبحانه وتعالى وإذا مس الإنسان الضر دعانا الجنبه أو قاعدًا أو قائماً فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون وقال تعالى قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعًا وخفية لمن أنجانا من هذه لنكونن من =
٢٤٢
بعض اليهود فسمعهم يقرءون التوراة فتخشعوا فلما دخلوا على رسول الله عالم نزل عليهم جبريل عليه السلام فقال اقرأ قال وما أقرأ قال اقرأ أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم فعوتبوا إذ تخشعوا من غيره وهم إنما تخشعوا من التوراة وهى كلام الله فما ظنك بمن أعرض عن كتاب الله وتخشع بالملاهي والغناء !
- يقول الله تعالى أن اشكر لي ولوالديك
إنما قرن شكرهما لأنهما الأصل في وجودك
۳ - قال الله سبحانه وتعالى إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا فقوم فهموا من هذا الخطاب أنهم أمروا بعداوة الشيطان فشغلهم عن محبة الحبيب وقوم فهموا من ذلك أن الشيطان لهم عدو أي وأنا لكم حبيب فاشتغلوا بمحبته فكفاهم من دونه قيل لبعضهم كيف صنعك الشيطان قال وما الشيطان نحن قوم صرفنا هممنا إلى الله فكفانا من دونه ٢٤ - قال الله سبحانه وتعال الله يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب الناس على قسمين قوم وصلوا بكرامة الله إلى طاعة الله وهؤلاء قد
الشاكر
قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون إلى غير ذلك من الآيات الواردة في هذا المعنى ولما لم تصل عقول العوام إلى ما تعطيه حقائق وجوداتهم سلط عليهم الأسباب المثيرة للاضطرار ليعرفوا
قهر ربوبيته وعظمة الهيته وكبريائه
ومن الدليل على فخامة رتبة الاضطرار أن الحق سبحانه أوقف الإجابة عليه فقال أمن يجيب المضطر إذا دعاه إذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يعطى عبدا شيئًا وهبه الاضطرار إليه فيه فيطلب باضطرار فيعطى وإذا أود الله أن يمنع عبدا أمرًا منعه الاضطرار إليه فيه ثم منعه إياه وقامت حجة الله على العبد لو اضطررت إلينا لأعطيناك فلا يخاف عليك أن تضطر وتطلب فلا تعطى بل يخاف عليك أن تحرم الاضطرار فتحرم الطلب أو تطلب بغير اضطرار فتحرم العطاء
٢٤٣
اجتباهم وقوم وصلوا بطاعة الله إلى كرامة الله وهؤلاء قد هداهم يهب لمن يشاء إناثا قال رضى الله عنه صليت خلف الشيخ صلاة الصبح فقرأ بحم عسق حتى انتهى إلى قوله تعالى يهب لمن يشاء إناثا فخطر لى أنها الحسنات
ويهب لمن يشاء الذكور فخطر لى أنها العلوم أو يزوجهم ذكرانا وإناثا علومًا وحسنات
ويجعل من يشاء عقيما لا علم ولا حسنة
فلما سلم الشيخ من الصلاة استدعانى وقال لقد وجدت فهمك في الصلاة يهب لمن يشاء إناثاً الحسنات ويهب لمن يشاء الذكور العلوم أو يزوجهم ذكرانا وإناثا علوماً وحسنات ويجعل من يشاء عقيما لا علم ولا حسنة فعجبت من اطلاع الشيخ على ذلك ! فقال أتعجب من اطلاعي على فهمك في الصلاة !
قد فهم فلان كذا وفهم فلان كذا حتى عد أفهام الجماعة الذين خلفه ٢٥ - يقول الله تعالى وبالأسحار هم يستغفرون
قال رضى الله عنه من طاعتهم ومن أعمالهم التي قاموا الله تعالى بها في أن يشهدوها من أنفسهم
ليلهم
ويقول ابن عطاء الله ودليل ماقال الشيخ رضى الله عنه أن الله عز وجل وصفهم قبل ذلك بقوله كانوا قليلا من الليل ما يهجعون
ثم قال وبالأسحار
هم
يستغفرون
فلم يتقدم منهم في ليلهم ذنوب يكون استغفارهم منها وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي لو كان إذا سلم من صلاته استغفر الله ثلاثا وقال الواسطى العبادات إلى طلب العفو عنها أقرب منها إلى طلب الإعواض عليها
٢٤٤
٢٦ - يقول الله تعالى وإبراهيم الذي وَفَّى
قال رضى الله عنه وفي بمقتضى قوله
حسبی
۷ - وقال رضى الله عنه فى قوله سبحانه وتعالى
الله
إن المتقين في جنات ونَهَر في مقعد صدق عند مليك مقتدر إن المتقين في جنات ونهر فى هذه الدار وفى تلك الدار في الدنيا في
جنات العلوم وأنهار المعارف وفى الآخرة في الجنة التي وعدوا بها في مقعد صدق في هذا الدار وفى تلك الدار عند مليك مقتدر فى هذه الدار وفي تلك
الدار
۱۳
يقول الله تعالى لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله قال رضي الله عنه في هذه الآية مدح لسيد المرسلين أي أن هذا القرآن لا تثبت له الجبال لو أنزل عليها وأنت يا محمد ثبت لنزوله بالقوة لربانية التي أودعنا فيك وفيها ذم للكافرين أى أن هذا القرآن لو نزل على جبل لخشع وتصدع وأنتم ماخشعتم ولا تصدعتم ۸ - قال الله سبحانه وتعالى لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين قال رضى الله عنه قرأت مرة والتين والزيتون إلى أن انتهيت إلى قوله
۱۳ وبسط كلام الشيخ رضى الله عنه هو أن نعيم الجنة الكائن فيها بكون رفائقه معجلة للمتقين في هذه الدار فما كان لهم في الجنة حساً يكون لهم فى هذه الدار معنى ومثل هذه الآية قوله سبحانه وتعالى إن الأبرار لفي نعيم أى فى هذه الدار وفي تلك الدار في الدنيا في نعيم الشهود وفي الآخرة في نعيم الرؤية وكذلك قوله تعالى وإن الفجار لفى جحيم أى فى هذه الدار وفى تلك الدار في هذه الدار جمعيم القطيعة وفى تلك الدار في جحيم العقوبة وقوله تعالى في مقعد صدق أي في هذه الدار وفى تلك الدار في مقعد صدق خصوصی عند مليك مقتدر في هذه الدار وفى تلك الدار في هذه الدار لهم عندية الإمداد وفى تلك الدار لهم عندية الإشهاد
في
٢٤٥
تعالى لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين ففكرت في معنى هذه الآية فكشف لى عن اللوح المحفوظ فإذا مكتوب فيه لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم
روحا وعقلاً ثم رددناه أسفل سافلين نفسا وهوى
۹ - قال رضي الله عنه في قوله الله سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق بالمسجد لا يخرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال إني أخاف الله ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه من خشية الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ماتنفق يمينه
فقال الشيخ رضى الله عنه الإمام العادل هو القلب ورجل قلبه معلق بالمسجد حتى يعود إليه أى رجل قلبه معلق بالعرش فإن العرش مسجد قلوب المؤمنين ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه أى خاليا من النفس والهوى ورجل تصدق بصدقة أي أخفاها عن نفسه وهواه
وكذلك قال في قوله عز وجل إذ نادى ربه نداء خفيًّا أى من النفس والهوى فاعلم أن هؤلاء السبعة جازاهم الحق سبحانه من حيث معاملتهم إياه أما الإمام العادل فإنه عدل في عباد الله فآوى المظلوم إلى ظل عدله فآواه الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وأما الشاب الذي نشأ في عبادة الله فإنه آوى إلى الله معرضًا عن هواه آويا إلى كنف مولاه فصنع الحق معه ذلك في الآخرة جزاء كما صنع هو ذلك مع
الله في الدنيا معاملة
٢٤٦
وأما الرجلان اللذان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه فإنهما تواصلا الله وتآلفا بمحبة الله وكان ذلك منهما انحياشًا إلى الله فآواهما الله بظله بروح يوم لا ظل إلا ظله
يوم
لا ظل إلا ظله
وأما الرجل الذي دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال إني أخاف الله فإنه صلی نار مخالفة الهوى مخافة من المولى وخالف بواعث الطبع المعارضة للتقوى فلما خاف من الله هرب إليه ولما هرب إليه هاهنا معاملة آواه الله إليه في الآخرة مواصلة فأظله الله بظله وأما الرجل الذي ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه فإنه لم تفض عيناه إلا من القرح التي أحرقت قلبه إما حياء من الله أو شوقا إليه أو خوفًا من ربوبيته أو لشهود التقصير معه فلما فعل ذلك حيث لا يراه أحد إلا الله الواحد الأحد كان ذلك منه معاملة لله وانحيانا إليه بالاعتذار إليه أو بالشوق إليه فآوى إلى الله
فأظله الله
يوم
لا ظل إلا ظله
وأما الرجل الذي تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه فإنه قد آثر الله على نفسه ببذل الدنيا إيثارا لحب الله على ما تحبه نفسه لأن شأن النفس حب الدنيا وعدم البذل لها فلا يبذلها إلا من آثر الله عليها ولذلك قال رسول الله
والصدقة برهان
أى برهان يدل على أن العبد أثر مولاه على نفسه وهواه فلما مال هذا العبد إلى الله بالمعاملة من الله عليه بأن أظله في ظله
يوم
لا ظل إلا ظله
وتشترك الأقسام السبعة في معنى واحد فلذلك جوزوا جزاء واحدا اشتركت في أن كلا من هؤلاء السبعة صلى حر مخالفة الهوى في الدنيا فلم يذقه الله حر الآخرة وقد قال ال حاكيا عن الله تعالى
٢٤٧
لا أجمع على عبدى خوفين ولا أمنين إن أمنته في الدنيا أخفته في الآخرة وإن أخفته في الدنيا أمنته في الآخرة
٣٠ - وقال رضى الله عنه في قوله الله يسروا ولا تعسروا أي دلوهم على الله ولا تدلوا على غيره فإن من دلك على الدنيا فقد غرك ومن ذلك على الأعمال فقد أتعبك ومن ذلك على الله فقد نصحك ۳۱- وقال في قوله
رأيت الجنة فتناولت منها عنقودًا لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا فقال رضى الله عنه الأنبياء يطالعون حقائق الأشياء والأولياء يطالعون مثلها
فلذلك قال الرسول الله رأيت الجنة ولم يقل كأني رأيت الجنة
۳ - وكان يقول فى معنى حديث من عرف نفسه عرف ربه معناه من عرف نفسه بذلها وعجزها عرف الله بعزته وقدرته قلت وهذا أسلم الأجوبة والله أعلم
٣٣- وقال في قوله السلطان ظل الله فى الأرض هذا إذا كان عادلا فأما إذا كان جائرا فهو ظل النفس والهوى ٣٤ - وقال رضى الله عنه مات رجل من أهل الصفة فوجد في شملته دیناران فقال كيتان من نار
قال الشيخ وقد مات - على عهد رسول الله الله - كثير من الصحابة وتركوا أموالا فما قال رسول الله لعل الله فيهم مثل ماقال في هذا لأنهم لم يبطنوا خلاف ما أظهروا وهذا الذى كان من أهل الصفة أظهر الفاقة وكان عنده هذان الديناران فلما أظهر خلاف ما أبطن قال الرسول كيتان من نار ٣٥ - وقال كان الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه يقول المؤمن في
٢٤٨
الدنيا أسير ولا فكاك للأسير إلا بإحدى ثلاث
إما بالحيلة
وإما بالفدية - وإما بالعناية
وماذكره الشيخ مأخوذ من قول رسول الله الله
الدنيا سجن المؤمن وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه في تفسير هذا الحديث وشأن المسجون التحديق بعينيه والإصغاء بأذنيه متى يدعى فيجيب
- وحدة الوجود عند أبي العباس والصوفية على وجه العموم
هل كان أبو العباس يعتقد في وحدة الوجود
وما موقف شيخه منها
وما رأى تلميذه ابن عطاء الله فيها
إن موضوع وحدة الوجود من الموضوعات التي استخدمها أعداء التصوف في تأليب الجماهير المؤمنة ونرجوا الله أن نوفق الآن إلى إلقاء بعض الأضواء على هذا أضواء نرسمها من جو المدرسة الشاذلية ومن جو الصوفية على وجه
الموضوع
العموم ومن الجو القرآني يقول أبو العباس كان الإنسان بعد أن لم يكن وسيفنى بعد أن كان ومن كلا طرفيه عدم فهو عدم هذه الكلمة يشرحها ابن عطاء الله مضمنًا كلامه رأيه الشخصي ورأى أبي الحسن رضى الله عنهم وهى تصوير لرأى أبي العباس ويمكن على هذا الوضع أن نقول إنها رأى المدرسة الشاذلية في وحدة الوجود يقول ابن عطاء الله ومعنى كلام الشيخ هذا أن الكائنات لا تثبت لها رتبة الوجود المطلق لأن الوجود المطلق إنما هو الله وله الأحدية فيه إنما للعوالم
الوجود من حيث ما أثبت لها
٢٤٩
واعلم
أن
من الوجود له من غيره فالعدم وصفه في نفسه
L
وقد قال الشيخ
أبو الحسن رضي الله عنه الصوفى من يرى الخلق فى طي سره كالهباء في الهواء
لا موجودين ولا معدومين حسبما هم في علم رب العالمين وقال أيضًا رضى الله عنه وقد تقدم وإنا لا نرى ا
الوجود
بالتوحيد
أحدا من الخلق هل في أحد سوى الملك الحق وإن كان ولابد فالهباء في الهواء إن فتشته لم تجده شيئًا وفى كتاب الحكم من كلامنا العوالم ثابتة بإثباته ممحوة لأحدية ذاته وقد قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه كان لي صاحب كثيرا ما يأتيني فقلت له إن أردت التى لالوم فيها فليكن الفرق على لسانك موجودًا والجمع في باطنك مشهودًا وأشبه شيء بوجود الكائنات إذا نظرت إليها بعين البصيرة وجود الظلال والظل لا وجود له باعتبار جميع مراتب الوجود ولا معدوم باعتبار جميع مراتب العدم وإذا أثبت ظلية الآثار لم تنسخ أحدية المؤثر إذ الشيء إنما يشفع بمثله ويضم إلى شكله كذلك أيضًا من شاهد ظلية الآثار لم تعقه عن الله فإن ظلال الأشجار في الأنهار لا يعوق السفن عن التسيار ومن هاهنا يبين لك أيضًا أن الحجاب ليس أمرًا وجوديًّا بينك وبين الله ولو كان بينك وبينه حجاب وجودى للزم أن يكون أقرب إليك منه ولاشيء أقرب اليك فرجعت حقيقة الحجاب إلى توهم الحجاب فما حجبك عن موجود معه إذ لا موجود معه وإنما حجبك عنه توهم موجود معه وذلك كرجل بات في مكان وأراد الخروج فسمع صوت الرياح من كوة هناك فظنه زئير أسد فمنعه ذلك عن الخروج فلما أصبح لم يجد هناك أسدا وإنما هو الريح انضغط في تلك الكوة فما حجبه وجود أسد وإنما حجبه توهم الأسد ويقول ابن عطاء الله فى مكان آخر من كتاب لطائف المنن الحقيقة تقتضى أ
من
الله
الله وجود
أن
٢٥٠
الزاهد في الدنيا مثبت لها فإنه شهد لها بالوجود إذا أثبتها مزهودًا فيها وإذا شهدت لها بالوجود فقد عظمتها وهو معنى قول الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضى
الله عنه والله لقد عظمتها إذا زهدت فيها ومثل هذا الزاهد فيما زهد فيه فناء القاني عما فني عنه فإثبات أنك فان عن الشيء إثبات لذلك الشيء فما لا وجود له لا يتعلق به فناء ولا زهد ولا ترك ولنا فى هذا المعنى أبيات كتبتها لبعض
الأصحاب يسمى
حسنا
حسن
بأن تدع الوجود بأسره
حسن
فهمت لتعلمن
ولئن
ومتى شهدت سواه فاعلم أنه من وهمك الأدنى وقلبك ذاهل
فلا يشغلك بأنه لا ترك إلا للذي
عنه شاغل
هو حاصل
حسب
الإله شهوده
ولقد أشرت إلى الصريح من الهوى دلت
لوجوده والله
يعلم ما يقول القائل عليه إن فهمت دلائل الآن اللبيب العاقل
مثبوتة
ترك
ويحمد
وحديث كان ولبس شيء غيره یقضی به إلا نسبة ليذم فاعل وإذا كان هذا هو رأى المدرسة الشاذلية فهل هو رأى الصوفية على وجه
لاغير
العموم
هل يتفق رأى أبي العباس المرسى في هذا رأى الحلاج وابن العربي رضي الله عنهم
وماهو التوجيه الإسلامى فى الصلة بين العبد وربه في هذا المجال
ونريد
أن نبدأ مباشرة بملاحظة تزيل - بصورة غير متوقعة - حدة المناقشة في هذا الموضوع وذلك أننا بصدد وحدة الوجود ولسنا بصدد وحدة الموجود والموجود متعدد سماءٌ وأرضًا جبالا وبحارًا لونا ورائحة وطعماً متفاوت ثقلا
وخفة إلخ
L
٢٥١
ولم يقل أحد من الصوفيين الحقيقيين - ومنهم ابن العربي والحلاج - - بوحدة الموجود – وما كان للصوفية وهم الذروة من المؤمنين أن يقولوا - وحاشاهم - بوحدة الموجود وقد تتساءل من أين إذن أتت الفكرة الخاطئة التي يعتقدها كثير من الناس من أن الصوفية يقولون بوحدة الموجود وتفسير ذلك لاعسر فيه إن من الفلاسفة في الأزمنة القديمة وفى الأزمنة الحديثة يقولون بوحدة
فريقا
الموجود بمعنى أن الله - سبحانه وتعالى عن إفكهم - هو والمخلوقات شيء واحد قال بذلك هيراقليطس فى العهد اليونانى والله عنده نهار وليل صيف وشتاء وفرة وقلة جامد وسائل - إنه على حد تعبيره - كالنار المعطرة تسمى باسم العطر الذي يفوح منها تقدس سبحانه وتنزه عما يقول والله سبحانه وتعالى في رأى شلى في العصور الحديثة هو هذه البسمة الجميلة على شفتي طفل جميل باسم وهو هذه النسائم العليلة التي تنعشنا ساعة الأصيل وهو هذه الإشراقة المتألقة بالنجم الهادي في ظلمات الليل الوردة اليانعة تتفتح وكأنها ابتسامات شفاه جميلة إنه الجمال أينما وجد القبح أينما كان وكما يكون طفلا فيه نضرة وفيه
أيضا - سبحانه وتعالى -
وهو هذه
ولكنه
وسامة يكون جثة ميت ويكون دودة تتغذى من جسد ميت ويكون قبرا يضم بين جدرانه هذه الجثة وهذا الدود أستغفرك ربي وأتوب إليك
ولوحدة الوجود - بمعنى وحدة الموجود - أنصار في كل زمان ولما قال الصوفية بالوجود الواحد شرح خصومهم الوجود الواحد بالفكرة الفلسفية عن وحدة الوجود بمعنى وحدة الموجود وفرق كبير بينهما ولكن الخصومة كثيرا ما ترضى عن التزييف وعن الكذب فى سبيل الوصول إلى هدم والغاية تبرر الوسيلة كما يقولون وشيء آخر في غاية الأهمية كان له أثر كبير فى الخطا في فهم فكرة الصوفية
الخصم
٢٥٢
عن الوجود الواحد وهو أن الإمام الأشعرى رضي الله عنه رأى في فلسفته الكلامية أن الموجود هو عين الوجود ولم يوافقه الكثير من الصوفية على هذه الفكرة الفلسفية ولم يوافقه الكثير من مفكرى الإسلام وفلاسفته على رأيه وهو رأى فلسفى يخطئ فيه أبو الحسن الأشعرى أو يصيب وما مثله في آرائه الفلسفية إلا مثل غيره فى هذا الميدان يخطئ تارة ويصيب أخرى
أن
ورأى مخالفوه أن الوجود غير الموجود وأنه ما به يكون وجود الموجود ولما قال الصوفية بالوجود الواحد شرح خصومهم فكرتهم في ضوء رأى الأشعرى دون يراعوا مذهبهم ولا رأيهم ففسروا قولهم بالوجود الواحد على أنه قول بالموجود الواحد وهذا التفسير على هذه الطريقة يسحب الثقة فى آراء هؤلاء الخصوم وأمر الا أدنى التفات لأنه أتفه - فى منطق البحث نعیره
ثالث
يجب
أن
من
نعیره
التفاتا وهو هذه الكلمات التي تناثرت هنا وهناك مخترعة ملفقة مزيفة ضالة في معناها تافهة فى قيمتها الفلسفية غريبة على الجو الإسلامي تنادي بصورتها ومعناها أنها اخترعت تضليلا وافتيانًا
إنها هذه الكلمات التي يعزونها إلى الحلاج رضوان الله عليه أو إلى غيره لا توجد فى كتاب من كتبه ولم يخطها قلمه لقد اخترعوها اختراعا ثم وضعوها أساسا
ا تدور عليه أحكامهم بالكفر والإضلال ويكفى أن يتشبث بها إنسان فيكون
في منطق البحث غير أهل للثقة
الوجود الواحد
وهل في الوجود الواحد من شك
إنه وجود الله المستغني بذاته عن غيره وهو الوجود الحق الذي أعطى ومنح الوجود لكل كائن وليس لكائن غيره سبحانه الوجود من نفسه إنه سبحانه وهو البارئ المصور هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء
الخالق
٢٥٣
ومن بعض معانى التصوير قوله تعالى ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين
اللحظة
وصلة الله بالإنسان إذن هي أنه سبحانه يمنحه الوجود الذي يريده له في من اللحظات المتتابعة فشكل حياته في كل لحظة بصورة أمده سبحانه وتعالى بها وصلة الله بكل كائن إنما هي على هذا النمط إنه سبحانه مثلا يمسك السموات والأرض أن تزولا ولن زالتا إنْ أَمْسَكَها أحد من بعده إنه يمسكها وجودًا ويمسكها تدبيرا ويمسكها تماسكا وتناسقاً إنه
من
يمسك فيهما الكيف والكم وإذا ماسحب إمداده عنها تلاشتا كما وكيفا إن الله سبحانه وتعالى محيط بالكون مهيمن عليه قيوم السموات والأرض قائم على كل نفس بما كسبت وقائم على كل ذرة من كل خلية وقائم على كل ما هو أصغر من ذلك وما هو أكبر بحيث لا يعزب عن هيمنته وعن قيوميته مثقال ذرة في الأرض ولا فى السماء
هذه القيومية أخذ القرآن والسنة يتحدثان عنها فى استفاضة مستفيضة ليهزا الإنسان هزة عنيفة فلا يخلو إلى الأرض ولا يتبع هواه وإنما يرتفع ببصره ويستشرف بكيانه إلى الملا الأعلى مستخلصا نفسه من عبودية المادة ليوحد الله سبحانه وتعالى فى عبودية خالصة وفى إخلاص لا يشوبه شرك من هوى أو شرك من سيطرة المادة أو الغرائز ونريد الآن أن نصور بعض مواقف القرآن في هذا الصدد
إن الله سبحانه وتعالى يوجه نظرنا فى سورة الواقعة إلى مسائل نحن عنها في العادة غافلون أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون
٢٥٤
أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون !
أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون وعلى العكس من ذلك لو شاء الله لما خلق هذا الفرد ولجعل الزرع حطاما ولما أنزل الماء من المزن ولما أنشأ شجرة النار إنه سبحانه بيده الأمر سلبًا وبيده أمر الخلق إيجادًا وإعداما
وإيجاباً
أرأيت إلى هذه الرمية التي ترميها إنك مارميت إذ رميت ولكن الله رمى أرأيت إلى الانتصار في الجهاد
إن هذا الانتصار من عند الله أما القتلى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ورزق الإنسان هذا وطعامه فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صبينا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقًّا فأنبتنا فيها حباً وعنبًا وقضبًا وزيتونا ونخلاً وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم هذه الهيمنة وهذه القيومية يمر بها قوم فلا يعيرونها التفاتا إنهم يمرون بها مرور الحيوانات بما لا تدرك ولا تعقل إن الله سبحانه وتعالى لا يحتل من شعورهم درجة أيا كانت وهمهم كل همهم مصبحين ممسين إنما هو ملء البطن أوكنز الذهب والفضة أو النزاع على جاه أو العمل لتثبيت سلطان إنهم يمرون بآيات الله
يوجههم
فلا
فلا يشهدونها وتحيط بهم آثاره فلا ينظرون إليها وتغمرهم نعماؤه وآلاؤه ذلك إلى الحمد ولا إلى الشكر إن الله سبحانه وتعالى لا يحتل في قلوبهم ولا في تفكيرهم ولا في بيئتهم قليلا ولا كثيرًا والطرف الآخر المقابل لهذا هو هؤلاء الذين انغمسوا حقا في محيط الإلهية سبحوا في بحارها واستنشقوا نسائمها
الندية وغمرهم لألاؤها وضياؤها لقد بدءوا بحمد الله وشكره على نعمائه فزادهم الله نعما وآلاء لئن شكرتم
وآلائه التي تحيط بهم من جميع أقطارهم
لأزيدنكم
C
٢٥٥
لقد اتقوا الله حق تقاته فعلمهم الله
لقد اكتفوا بالله هاديًا ونصيرًا فهداهم الله إلى صراطه المستقيم ونصرهم على أنفسهم وعلى أعدائهم وأخذوا شيئًا فشيئًا يحاولون تحقيق التوحيد قولا وعقيدة وتذوقا وتحققاً وأخذوا يرون فى أشهد أن لا إله إلا الله معانى لا يتطلع إليها غيرهم
وبدأ معنى الشرك يتضح لهم في صورة لا تخطر على بال اللاهين الذين شغلتهم أموالهم وأهلوهم وبدءوا يحطمون الشرك يحطمون أصنامه وأوهامه من النفس والهوى والشيطان ومن الغرائز الحيوانية والغرائز الإنسانية وأنهار الشرك حتى من همسات الفؤاد لقد انهار الشرك الواضح وانهار الشرك الخفى وثبت في أذواقهم واستقر في أحوالهم ومقاماتهم أن لا إله إلا الله وأنه أينما تولوا فتم
وجه الله
وأينما كانوا فالله معهم وهو أقرب إليهم من حبل الوريد وهو أقرب اليهم من جلسائهم ومعاشريهم إنه يغمر كياتهم فلا يرون غيره سبحانه لا يرون غير قيوم السموات والأرض ولا يرون غيره مصرفًا لليسير من الأمور وللعظيم منها ولا يرون غيره مالكًا للملك يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء
لقد أصبحوا ربانيين وأصبح الله في بصرهم وسمعهم وجوارحهم وفي قلبهم
من قبل ذلك ومن بعده يشغله كله فلا يدع فيه مكانا للأغيار
الله
وأخذ هؤلاء الصوفية يوجهون أفراد هذا القطيع من البشر اللاهي عن السادر في ضلاله إلى الله تعالى أخذوا في محاولة جاهدة مستمرة – لانتزاع
الإنسان من الإخلاد إلى المادة ليتطلع إلى السماء لقد حاولوا أن يوجهوا نظر الناس
٢٥٦
إلى الله عن طريق آلائه التي تغمرهم وعن طريق صنعه وقد أحسن كل شيء
خلقه سبحانه أخذوا يوجهون نظر الناس إلى الله تعالى فى الزهرة تتفتح وفى الزرع يسقى متجها إلى السماء وفى الشمس تشرق وفى القمر يتألق وفى مواقع النجوم ومداراتها وفى كل هذا الإبداع السارى فى الكون أخذوا يشرحون معنى تلك
الآيات الكريمة تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيءٍ قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور الذي خلق سموات طباقًا ماترى سبع في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسا وهو حسير ! !
وكانت تعبيراتهم تعبيرات متذوقين وليست التعبيرات الجافة لعلماء الكلام أو الفلاسفة وهم في تعبيراتهم يشرحون أن الله سبحانه وتعالى الممد الوجود لكل موجود إنه يمد القائم بالقيام ويمد الماشى بالمشى والمتحرك بالحركة إنه - على حد تعبير أهل السنة والأشاعرة الذى يقطع وليست السكين هي التي تقطع وهو الذي يحرق وليست النار هى التى تحرق وهو الذى حينما يريد يقول للنار كونى بردا وسلاما فتكون بردًا وسلامًا
ومهما عبر الصوفية فى هذا الميدان عن الوجود الواحد فقالوا في ذلك وزعم أنهم أسرفوا واشتطوا فإنهم لن يبلغوا المدى الذي بلغته تلك الآية الكريمة
الناس
•
التي تمثل فى روعة رائعة الهيمنة المهيمنة والاستغراق القاهر والجلال الشامل والتي لا تعنى وحدة متحدة ولا اتحاداً متطابقا بين الخالق والمخلوق أو العابد والمعبود والآية هي هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهذه الآيات القرآنية التي ذكرناها هدفها أن تدفعنا دفعا إلى الشعور بقيومية
٢٥٧
الله سبحانه وتعالى مهيمنة وهيمنته مسيطرة وإلى الشعور بتوجيهه سبحانه وتعالى للإنسان أن يفر إلى الله فى كل أمر من أموره وأن يسمو بنفسه حتى يتحقق بأن لا إله إلا الله - وما فعل الصوفية أكثر من ذلك إنهم دون بهدى القرآن والسنة يريدون للإنسان أن يكون ربانيا فإذا ما استمر الكثير من الناس يخلدون إلى الأرض وينظرون دائما إلى أسفل فليس ذلك ذنب الصوفية فقد أدوا واجبهم نحو التوجيه إلى الله أداء خير
أما
إذا لم يكتف بعض الأفراد بالإخلاد إلى الأرض وبالنظر إلى أسفل
وأخذوا يهاجمون من يدعوهم للتطلع إلى السماء ويوجههم إلى الله تعالى فهؤلاء إنما يحاربون الله ورسوله وجزاؤهم معروف
وقد نتساءل فيم إذن حوكم الحلاج وقضى عليه بالقتل !
إن أمر هذه القضية قضية الحلاج معروف سرها وما كان سرها خافيا في يوم من الأيام لقد كان الحلاج قوة جارفة كان مركزا للجاذبية لا يضارع يلتف حوله الناس أينما حل ويسيرون معه أينما ارتحل وكان - ككل صوفى - يحب آل البيت لأنه كان يحب الرسول الله وكان آل البيت إذ ذاك يطمحون في أن تكون الدولة لهم وما كان بنو العباس يطمئنون إلى شخصية كشخصية الحلاج المحبة لآل البيت نسل رسول الله الله ومادام الحلاج دعاية قوية تسير في كل مكان وتتجه إلى كل بلد فيجب حفاظاً على أمن الدولة وتحصينا لاستقرارها أن ينكل بالحلاج
وما كان مقتل الحلاج دينيًّا قط كلا وإنما كان سياسيا بحثا ومن السهل على الملوك المستبدين أن يزيفوا القضايا أو يأتوا بشهود الزور وأن يعدوا القضاة بالمال والترقية وأن ينفذوا أهواءهم فكان ما كان من قضية ومن قتل والدين من كل ذلك براء والألفاظ التي
٢٥٨
ينسبونها للحلاج ليست في كتاب من كتبه الموجودة لا تسند خصومه ولا نريدهم هذا ما كان من أمر الحلاج وبقيت كلمة
إن المنطق الصحيح ألا يفتى المهندس في أبحاث الأطباء وألا يحكم الأديب باعتباره أديبا في أعمال المهندسين
ومن العدالة - على هذا الوضع - ألا يحكم على هذه القمم الشامخة
ابن عربي الحلاج ابن الفارض من لم يبلغ مداهم أو يقاربه لقد قيل مرة لأحد شيوخنا الصالحين الأجلاء إن فلانا ينتقد ابن عربي في المجلات فقال رضوان الله عليه وهل من حق الخنافس أن تحكم على أعمال الأسد إن الخنافس لا تحكم على أعمال السباع وليس من حقها أن تتحدث فيا تفعله السباع ومنطقها دائما منطق الخنافس أما الإمام اليافعي رضوان الله عليه فإنه يقول عن خصوم سيدنا محيى الدين إن حكمهم حكم ناموسة على جبل تريد إزالته من مكانه وتذهب الريح بأمم من الناموس وتبقى الجبال شوامخ راسيات بها تثبت الأرض وبها يحفظ ميزان
الدنيا ا هـ
والرأى الذى لا يتأتى غيره من المنصف الرأى الحق هو ما قاله الإمام الشعراني عن الصوفية عامة وعن سیدنا الدين خاصة ولعمري إن عباد
محي
الأوثان لم يجرء وا على أن يجعلوا آلهتهم عين الله بل قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فكيف يظن بأولياء الله أن يدعوا الاتحاد بالحق سبحانه وتعالى هذا
محال في حقهم رضوان الله عليهم ا هـ
فلابد
أن يبلغ الإنسان المستوى ويقارب المستوى وحينئذ سيقول كما قال أسلافنا الذين بلغوا المستوى أو قاربوه رضى الله عن سيدنا محي الدين ورضى
الله عن الحلاج وعن ابن الفارض ونفعنا وبكتبهم بهم
٢٥٩
-A
شخصيات - إلهامات - عادات
قال رضى الله عنه الأنبياء إلى أممهم عطية ونبينا علي هدية وفرق بين العطية والهدية لأن العطية للمحتاجين والهدية للمحبوبين قال رسول الله إنما أنا رحمة مهداة
وقال رضى الله عنه في قول رسول الله وسلم أنا سيد ولد آدم
ولا فخر أي لا أفتخر بالسيادة وإنما أفتخر بالعبودية لله سبحانه وقال في قول أبي يزيد رضى الله عنه خضت بحراً وقف الأنبياء بساحته معناه أن أبا يزيد رضى ! الله عنه يشكو ضعفه وعجزه عن اللحوق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وذلك لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خاضوا بحر التوحيد ووقفوا على الجانب الآخر على ساحل الفروق يدعون الخلق إلى الخوض أى فلو كنت كاملا لوقفت حيث وقفوا
قال ابن عطاء الله رضي الله عنه وهذا الذي فسر به الشيخ كلام أبي يزيد رضي الله عنه وهو اللائق بمقام أبي يزيد وقد كان يقول جميع ما أخذ الأولياء بالنسبة لما أخذ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كزق ملئ عسلا ثم رشحت منه رشاحة فما في باطن الزق للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتلك الرشاحة للأولياء رضى الله عنهم والمشهور عن أبي يزيد رضي الله عنه لمراسم الشريعة والقيام بكمال الأدب فألحق تأويل أحوال الأكابر من أهل
التعظيم
الاستقامة دون المبادرة إلى الإنكار وقال في حكاية الحارث بن أسد من أنه كان إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة تحرك عليه أصبعه هذا وقد قدم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه لبن فأكل منه ثم
٢٦٠
وجد كدورته في قلبه فقال من أين لكم هذا اللين فقال غلام له كنت تكهنت لقوم في الجاهلية فأعطونى ثمن كهانتي فتقايأه أبو بكر الصديق رضى الله فلم يكن للصديق عرق يتحرك عليه إذا أكل طعاماً فيه شبهة
عنه
أفضل من الحارث بالإجماع
مع
کونه
الجواب أن أبا بكر رضى الله عنه كان خليفة مشرعاً للعباد حتى يقتدى به من أكل طعاماً فيه شبهة ولم يعلم فيتكلف طرحه بعد أكله فيثيبه الله على ذلك والحارث رضي الله عنه ولم يكن إذ ذاك مشرعاً ولا قدوة إنما يعمل بقصد نفع
نفسه فقط ومعلوم أن القدوة مَنْ من شأنه التنزل في المقام للتعليم ولقد كان الشيخ رضي الله عنه معنيا بأبي بكر الصديق رضوان الله عليه يقول كنت أخرج كل يوم من باب البحر إلى نحو المنار فخرجت يوماً إلى المنار فنمت عند الجانب الشرقى وكان قد خطر فى نفسى ما سبب قلة رواية أبي بكر رضي الله عنه عن رسول الله الا الله مع كثرة ملازمته له فإذا قائل يقول لى أعلم الناس بعد رسول الله الله أبو بكر الصديق رضي الله عنه وإنما قلت
روايته عنه لتحققه به
ا
وتكلم يوماً في فضائل أبي بكر رضى الله عنه فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فضلكم أبو بكر بصوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره ثم قال
ما هو هذا الشيء الذى وقر في صدره فقال بعض الحاضرين المراقبة
فقال الشيخ هذا كلام هو قشور من هو دون الصديق في الرتبة إذا وجد المراقبة يستغفر الله منها كما يستغفر العاصى من المعصية وذلك أنه إذا أضاف المراقبة لنفسه كأنه يقول أنت الرقيب وأنا الرقيب أ إله مع الله تعالى الله عما
يشركون
يقول ابن عطاء الله السكندرى وسمعته يقول قال رسول الله
٢٦١
يا أبا بكر أتعلم يوم القيامة قال نعم يا رسول الله سألتني عن يوم المقادير ولقد سمعتك حينئذ وأنت تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وسمعته يقول قال رسول الله يا أبا بكر أتريد أن أدعوك لأمر قال وما هو يا رسول الله
قال هو ذاك
وكان يقول أبو بكر وعمر خلفاء الرسالة وعثمان وعلى خلفاء النبوة وكان يقول طريقتنا هذه لا تنسب للمشارقة ولا للمغاربة بل واحد عن واحد إلى الحسن بن على بن أبي طالب رضى الله عنه وهو أول الأقطاب وكان يقول دخل رجل على عثمان رضي الله عنه وقد كان نظر إلى محاسن امرأة في الطريق فقال يدخل أحدكم وآثار الزنى بادية في وجهه وكان يقول قد يطلع الله الولى على غيبه إذا ارتضاه بحكم التبع للرسل عليهم
الصلاة والسلام ومن هنا نطقوا بالمغيبات وأصابوا الحق فيها وكان رضي الله عنه يقول كان الجنيد رضي الله عنه قطباً في العلم وكان سهل التسترى قطباً في المقام وكان أبو يزيد رضى الله عنه قطباً في الحال قال ابن عطاء الله رضى الله عنه قرأت على الشيخ أبي العباس كتاب الرعاية للمحاسبي فقال جميع ما في هذا الكتاب يغنى عنه كلمتان اعبد الله بشرط العلم ولا ترض عن نفسك أبداً ثم لم يأذن لي في قراءته بعد وكان رضي الله عنه يقول إنما بدأ القشيرى فى رسالته بالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم لأنهما كانا قد تقدم لهما زمن قطيعة فلما أقبلا أقبل الله عليهما فبدأ بذكرهما بسطاً لرجاء المريدين الذين كانت تقدمت منهم الزلات والمخالفات
وليعلم أن فضل الله ليس بمعلل بعمل ولو أنه بدأ بالجنيد وسهل بن عبد الله
٢٦٢
وعتبة الغلام وأمثالهم ممن نشأ في طريق الله لربما قال قائل من يدرك هؤلاء إن هؤلاء لم يسبق لهم زلات ولا مخالفات
وقال رضى الله عنه قال الجنيد أدركت سبعين عارفاً كلهم يعبدون الله على ظن ووهم حتى أخي أبي يزيد لو أدرك صبيا من صبياننا لأسلم على يديه فقال الشيخ معنى قوله يعبدون الله على ظن ووهم لا يريد بذلك ظنا في المعرفة ووهماً فيها وكيف تجتمع المعرفة والظن والوهم وإنما المراد أنهم وصلوا إلى مقامات توهموا أن ليس وراءها للموقنين مقام
فقال الجنيد لو أدرك صبيا من صبياننا لأسلم على يديه أى يبين له أن فوق ذلك المقام مقاماً وفوق ذلك مقام إلى ما لا آخر له ومعنى لأسلم على يديه أي لانقاد له فالإسلام هو الانقياد
وقال رضى الله عنه قال بشر الحافي رضى الله عنه منذ أربعين سنة أشتهي الشواء فما صفا لى ثمنه فقال الشيخ رضى الله عنه من ظن أن هذا الشيخ مكث أربعين سنة ما وجد درهما حلالا يشترى به شواء فقد أ أخطأ من أين له في الأربعين سنة ما يأكل وما يلبس
وإنما المعنى في ذلك أن هؤلاء قوم أصحاب مراتب
L
لا يأكلون
ولا يشربون ولا يدخلون فى شىء ولا يخرجون من شيء إلا بإذن من الله وإشارة فلو أذن له فى أكل الشواء لصفا له ثمنه
وبهذه المناسبة يتحدث الشيخ عن أنواع القوت والرزق وأوصافها فيقول رضي الله عنه قوت القوم على أربعة أوجه مباح - وحلال – وطيب -
وصاف
فالمباح ما كان مستوى الطرفين ما على آخذه عقاب ولا في تركه ثواب والحلال هو ما لم يخطر لك ببال ولا سألت فيه أحداً من النساء والرجال
٢٦٣
وتعالى
والطيب هو ما أخذه العبد بوصف الفناء - إذ لا وصف له مع مولاه والصافي هو ما عاينه العبد من المنبع يعنى من عين قدرة الله سبحانه
وقال رضى الله عنه قال سهل بن عبد الله لا تكونوا من أبناء الدهور ولا من أبناء العد والإحصاء وكونوا من أبناء الأزل أشقى أم سعيد ثم قال رضي الله عنه يقول أحدهم صليت كذا وكذا ركعة وصمت كذا وكذا شهرا ختمت كذا وكذا ختمة حججت كذا وكذا حجة فهؤلاء من
أبناء العد والإحصاء فهم إلى سيئاتهم أحوج منهم إلى عد حسناتهم
عد
وأما أبناء الدهور فيقول أحدهم لى في طريق الله سبعون سنة لي في طريق الله ستون سنة وكونوا من أبناء الأزل أشقى أم سعيد يعنى لاحظوا ما سبق في علم الله ولا تتكلوا على ما لكم من العلم والعمل ولكن ارجعوا إلى وجود الأزل وقال رضى الله عنه يقول الله عز وجل في الحديث القدسي ابن آدم خلقت الأشياء كلها من أجلك وخلقتك من أ أجلى فلا تشتغل بما هو لك عمن أنت له وقال رضي الله عنه الأكوان كلها عبيد مسخرة وأنت عبد الحضرة وسمعته يقول حقيقة النية عدم غير المنوى وكان يقول من صحب المشايخ على الصدق وهو عالم بالظاهر ازداد علمه
ظهوراً
وكان يقول إنما يلزم الإنسان تعيين المشايخ الذين استند إليهم إذا كان طريقه لبس الخرقة لأنها رواية والرواية يتعين رجال سندها وطريقنا هذه هداية وقد يجذب الله تعالى العبد إليه فلا يجعل عليه منة لأستاذ وقد يجمع شمله برسول الله فيكون آخذاً عنه وكفى بهذه منة
٢٦٤
وكان يقول عن شيخه كل شيء نهانا الله عنه فهو في معنى شجرة آدم عليه السلام وكان يقول للأولياء الإشراف ١٤ على مقامات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما لهم الإحاطة بمقاماتهم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يحيطون بمقامات الأولياء وكان يقول عن شيخه اصحبونى ولا أمنعكم أن تصحبوا غيرى فإن وجدتم منهلا أعذب من هذا المنهل فردوا
وكان رضي الله عنه يقول قد يكون الولى مشحوناً بالعلوم والمعارف والحقائق لديه مشهورة حتى أعطى العبارة كالإذن من الله تعالى في الكلام ويجب أن من أذن له فى التعبير جلت في مسامع الخلق إشاراته وكان يقول كلام المأذون له يخرج وعليه كسوة وطلاوة وكلام الذي لم يؤذن له يخرج مكسوف الأنوار
أن تفهم
وكان رضي الله عنه يقول والله ما جلست بالناس حتى هددت بالسلب وقيل لي لئن لم تجلس لسلبناك ما وهبناك
وكان يقول رضى الله عنه لى أربعون سنة ما حجبت عن رسول الله
ولو حجبت طرفة عين ما أعددت نفسي من جملة المسلمين وكذلك كان يقول فى حق الجنة وفى الوقوف بعرفة كل سنة وكان رضي الله عنه يقول إذا قرأت القرآن فكأنما أقرؤه على الله عز وجل وكان إذا سمع أحدا ينطق باسم الله تعالى أو اسم النبي يقرب فيه منه حتى يلتقط ذلك الاسم إجلالا أن يبرز في الهواء
وكان يقول ما سمعتموه منى ففهمتموه فاستو دعوه الله يرده عليكم وقت الحاجة وما لم تفهموه فكلوه إلى الله يتولى الله بيانه واسعوا في جلاء مرآة
قلوبكم يتضح لكم كل شيء
١٤ بمعنى الاستشراف والتطلع
٢٦٥
وكان إذا مدح بقصيدة يجز المادح بإقباله عليه ويعطيه العطايا وكان يقول لأصحابه إذا جاءنا رئيس قوم فأخبروني به أخرج إليه فإذا فارقه مشى معه خطوات ثم رجع ويقول إن هؤلاء كلفوا أنفسهم إلى زيارتنا ونحن لم نزرهم وكان لا يأكل من طعام عنى له ولا من طعام أعلم به قبل أن يأتيه وكان لا يدعو حتى يخرج من مجلسه فيدعو له بظهر الغيب وكانت صلاته موجزة في تمام ويقول هي صلاة الأبدال وكان إذا سمع أحداً يقول هذه ليلة القدر يقول نحن بحمد الله أوقاتنا كلها ليلة القدر ١٥
حتى ربما يدخل عليه المطيع لأنه دخل
وكان يكرم الناس على نحو رتبتهم عند الله أنه فلا يلتفت إليه لكونه يرى عبادته ويدخل عليه العاصى فيقوم له
بذلة وانكسار ومدحوا عنده شخصاً بالعلم وكان كثير الوسوسة في الوضوء والصلاة فقال
الشيخ أين علمكم الذي تمدحون به هذا الرجل العلم هو الذي ينطبع في القلب كالبياض في الأبيض والسواد في الأسود وقال لرجل من الحجاج كيف كان حجكم فقال كان كثير الرخاء كثير الماء سعر كذا وكذا فأعرض عنه الشيخ فقال أسألهم عن حجهم وما وجدوا فيه من الله تعالى من العلم والفوز والفتح فيجيبون برخاء الأسعار وكثرة المياه
وكان لا يثني على مريد بين إخوانه خشية الحسد وكان يقول إذا ضاق الولى هلك من يؤذيه فى الوقت وإذا اتسعت معرفته
١٥ الذي قال هو ابن عطاء الله السكندرى
٢٦٦
احتمل أذى الثقلين ولم يحصل لأحد منهم ضرر بسببه وكان يقول لحوم الأولياء مسمومة ولو لم يؤاخذوك فإياك ثم إياك
وكان يقول نحن في الدنيا بأبداننا مع وجود أرواحنا وسنكون في الآخرة بأرواحنا مع وجود أبداننا قلت وفى هذا رد لمن قال يكون الناس في الجنة بأرواحهم لا بأجسامهم وعليه جماعة من أهل الكشف الناقص وسبب غلطهم شهودهم أهل الجنة يتحولون فى أى صورة شاءوا وهذا شأن الأرواح لا الأجسام وغاب عنهم أن الأجسام هنا منطوية على الأرواح لا معدومة كما أن الأرواح في هذه منطوية في الأجسام وكان سيدى أبو العباس - رضي الله عنه - يقول معرفة الولى أصعب من معرفة الله عز وجل فإن الله تعالى معروف بكماله وجماله وحتى متى تعرف مخلوقاً
مثلك يأكل كما تأكل ويشرب كما تشرب
سمعت شيخنا أبا العباس رضي الله عنه يقول
الطى على قسمين طى أصغر وطى أكبر
فالطى الأصغر لعامة هذه الطائفة أن تطوى لهم الأرض من مشرقها إلى
1
مغربها في نفس واحد والطى الأكبر طى أوصاف النفوس سمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول قال ملك من الملوك لبعض العارفين تمن على فقال له ذلك العارف ألى تقول ولى عبدان قد ملكتهما
وملكاك وقهرتهما وقهراك وهما الشهوة والحرص فأنت
أغنى على عبد عبدی ۱۷
١٦ السامع هو ابن عطاء الله السكندرى ۱۷ السامع هو ابن عطاء الله السكندرى
عبد عبدی
فكيف
٢٦٧
وسمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول إن الله عباداً محوا أفعالهم بأفعاله وأوصافهم بأوصافه وذواتهم بذاته وحملهم من أسراره ما يعجز عامة الأولياء عن سماعه ۱۸
وكان يقول لما خلق الله تعالى الأرض اضطربت فأرساها بالجبال وكذلك
النفس لما خلقها الله تعالى اضطريت فأرساها بجبال العقل
وكان يقول الأكوان كلها عبيد مسخرة وأنت عبد الحضرته وكان يقول لأصحابه إذا وصلتم إلى مكة فليكن همكم رب البيت لا البيت ولا تكونوا ممن يعبد الأصنام والأوثان وكان يقول من عرف الله لم يسكن إليه لأن فى السكون إلى الله ضرباً من الأمن ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وكان رضي الله عنه يقول السماء عندنا كالسقف والأرض كالبيت وليس الرجل عندنا من يحصره هذا البيت
وجسم
وكان يقول الكائنات على أربعة أقسام جسم كثيف وهو بمجرده
ملك
وسر
لطيف وهو بمجرده جان وروح شفاف وهو بمجرده ملك غريب وهو المعنى المسجود له فالآدمى صورته بظاهرها جماد وتخيلها وتشكلها جان وبوجود روحه ملك وبإعطائه السر الغريب استحق أن
يكون خليفة
و بوجود نفسه
وكان يقول ليس العجب ممن تاه فى نصف ميل أربعين سنة إنما العجب ممن تاه في مقدار شبر الستين والسبعين والثمانين سنة وهو البطن وكان يقول لن يصل الولى إلى الله تعالى حتى تنقطع عنه شهوة الوصول إلى
۱۸ السامع هو ابن عطاء الله السكندرى
٢٦٨
الله تعالى أي انقطاع أدب
L
لا انقطاع ملل لغلبة التفويض على قلبه
وكان يقول الولى في حالة فنائه لابد أن تبقى معه لطيفة علمية عليها تترتب التكاليف وذلك كما يكون الإنسان فى البيت المظلم فهو عالم بوجوده وإن كان
غير مشاهد
وكان يقول علامة حب الدنيا خوف المذمة وحب الثناء فلو زهد لما خاف ولا أحب وكان رضي الله عنه يقول الورع من ورعه الله
يصلح الله
وكان يقول من لم يصلح للدنيا لا للآخرة وكان يقول من اشتاق إلى لقاء ظالم فهو ظالم
وسمعته ١٩ يقول لو عذب الله الخلائق أجمع لم ينلك من عذابهم شيء ولو نعمهم أجمع لم ينلك من نعيمهم شيء وكأنك في الوجود وحدك ثم
أنشد
أنت المخاطب أيها الإنسان فأصخ إلى يلح لك البرهان
وكان من مذهبه رضى الله عنه أنه لا يلزم أن يكون القطب شريفاً حسنيًّا بل قد يكون من غير هذا القبيل
۰
۱۹ السامع هو ابن عطاء الله السكندرى
۰ لطائف المنن
٢٦٩
- الأحزاب والأوراد
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم"
۱
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما ما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظها وهو العلى العظيم آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تُحملنا ما لا طاقة لنا به واعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين
۱ مصدر هذا الحزب كتاب لطائف المنن تأليف الإمام تاج الدين بن عطاء الله وقد بدأ الحديث بقوله وهانحن نثبت حزب سيدنا ومولانا الشيخ الإمام قطب العارفين وعلم المهتدين شهاب الدين أبي العباس أحمد بن عمر المرسى رضي الله عنه وإن كان بعضه من كلام شيخه الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنهما
ويقول أيضًا فأما حزب الشيخ أبي العباس رضى الله عنه فهو هذا وهو ورد شيخه بعد العشاء الآخرة
۷۰
ألم الله لا إله إلا هو الحى القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان يأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمتن تستكثر ولربك فاصبر اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم
الرحمن علم القرآن خلق الإنسان
علمه البيان الشمس والقمر
L
بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام
سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم سبح الله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السموات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم هو الذى خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل فى النهار ويولج النهار في الليل
وهو عليم بذات الصدور هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو ا
الله
الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح
له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم
قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد
۷۱
قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر
النفاثات فى العقد ومن شر حاسد إذا حسد
قل أعوذ برب الناس
ملك الناس إله الناس من شر الوسواس
L
وعلى ما وصفه به عباد الله المخلصون من النبيين
الخناس
الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس
اللهم يا من هو كذلك والصديقين والشهداء والصالحين والعلماء الموقنين والأولياء المقربين ومن أهل سماواته وأرضه وسائر الخلق أجمعين أسألك بها وبالآيات والأسماء كلها وبالعظيم منها وبالأم والسيدة ۳ وبخواتم سورة البقرة وبالمبادى والخواتيم وبآمين على الموافقة وبحاء الرحمة ودال الدوام
محمد رسول الله والذين أشداء معه
سجداً
على
w
وميم
الملك
الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً
يبتغون فضلا من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود
ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ الله الذين آمنوا وعملوا الكفار وعد
فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ
الصالحات منهم مغفرة وأجرًا عظيماً أحون قاف آدم حم هاء آمين
بهم
كهيعص اغفر لي وارحمني برحمتك التي رحمت بها أنبياءك ورسلك
ولا تجعلني بدعائك رب شقيا
وإني خفت وأخاف أن أخاف ثم لا أهتدى إليك سبيلا فاهدنى إليك
وأمنى بك من كل خوف ومخوف فى الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير
اللهم يا بديع السموات والأرض يا قيوم الدارين ويا قيوم بكل شيء
هي الفاتحة
۳ سید آی القرآن آية الكرسي
۷
يا حي يا قيوم يا إلهنا لا إله لنا إلا أنت كن لنا وليا ونصيرا وأميناً وآمنا بك من كل شيء حتى لا نخاف إلا أنت واجعلنا فى جوارك واحجبنا بالذي حجبت به أولياءك فترى ولا يراك أحد من خلقك واصبب علينا من الخير أكمله وأجمله واصرف عنا من الشر أصغره وأكبره طس حم عسق مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان اللهم إنا نسألك الخوف منك والرجاء فيك والمحبة لك والشوق إليك والأنس بك والرضا عنك والطاعة لأمرك على بساط مشاهدتك ناظرين منك إليك وناطقين بك عنك لا إله إلا أنت سبحانك ربنا ظلمنا أنفسنا وقد تبنا إليك قولا وعقداً فتب علينا جودًا وعطفاً واستعملنا بعمل ترضاه وأصلح لنا في ذرياتنا إنا تبنا إليك وإنا من المسلمين يا غفور يا ودود یا بر يا رحيم اغفر لنا ذنوبنا وقربنا بودك وصلنا بتوحيدك وارحمنا بطاعتك ولا تعاقبنا بالفترة ولا بالوقفة مع كل شيء دونك واحملنا على سبيل القصد واعصمنا من جائرها إنك على كل شيء قدير
6
اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيننا وبين الصدق والنية والإخلاص والخشوع والهيبة والحياء والمراقبة والنور واليقين والعلم والمعرفة والحفظ والعصمة والنشاط والقوة والستر والمغفرة والفصاحة والبيان والفهم فى القرآن وخصنا منك بالمحبة والاصطفائية والتخصيص والتولية وكن لنا سمعاً وبصراً ولساناً وقلباً وعقلا ويداً ومؤيداً وآتنا العلم اللدنى والعمل الصالح والرزق الهنى
الذي لا حجاب به فى الدنيا ولا حساب ولا سؤال ولا عقاب عليه في الآخرة على بساط علم التوحيد والشرع سالمين من الهوى والشهوة والطبع وأدخلنا مدخل
صدق وأخرجنا مخرج صدق واجعل لنا من لدنك سلطاناً نصيراً يا الله يا على يا عظيم يا حليم يا عليم يا سميع يا بصير يا مريد
۷۳
يا قدير يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم يا من هو هو هو يا هو أسألك بعظمتك التي ملأت أركان عرشك وبقدرتك التي قدرت بها على خلقك وبرحمتك التي وسعت كل شيء وبعلمك المحيط بكل شيء وبإرادتك التي لا ينازعها شيء ويسمعك وبصرك القريبين من كل شيء يا من هو أقرب إلى من كل شيء قد قل حيائى وعظم افترائى وبعد منائى واقترب شقائى وأنت البصير بمحنتى وحيرتى وشهوتى وسوء تى تعلم ضلالتي وعمايتي وفاقتى وما قبح من صفاتى آمنت بك وبأسمائك وصفاتك وبمحمد رسولك فمن ذا الذي يرحمني غيرك ومن الذى يسعدنى سواك فارحمنى وأرنى سبيل الرشد واهدني إليه سبيلا وأرنى سبيل الغى وجنبني إياه واصحبنى منك النور والحق والحكم والفصل والبيان واحرسني بنورك يا الله يا نور يا حق يا مبين افتح لي قلبي بنورك وعلمني من علمك وفهمنى عنك وأسمعنى منك وبصرنى بك إنك على كل شيء قدير اللهم إنى أصبحت وأنا أريد الخير وأكره الشر وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فاهدني بنورك لنورك فيما يرد على منك وفيما يصدر منى إليك وفيما يجرى بينى وبين خلقك وضيق على بقربك واحجبني بحجب عزتك وعن حجبك وكن أنت حجابي حتى لا يقع شيء منى إلا عليك وسخر لى أمر هذا الرزق واعصمنى من الحرص والتعب في طلبه ومن شغل القلب وتعلق الهم به ومن الذل للخلق بسببه ومن التفكر والتدبر فى تحصيله ومن الشح والبخل بعد حصوله وما يعرض في النفس من ذلك وتخلقه بقدرتك على وفق إرادتك وعلمك ومن ضرورات الحاجات إلى خلقك فاجعله اللهم سبباً لإقامة العبودية ومشاهدة لأحكام وهب لى خفية من خفياتك ونوراً من أنوارك وذكراً من أذكارك
الربوبية
٢٧٤
وسرا من أسرارك وطاعة من طاعات أنبيائك وصحبة لملائكتك وتول أمرى بذاتك ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك واجعلنى حسنة من حسناتك ورحمة بين عبادك تهدى بها من تشاء إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما فى السموات وما فى الأرض ألا إلى الله تصير الأمور اللهم اهدنى لنورك واعطنى من فضلك وامنعنى من كل عدو حولك ومن كل شيء يشغلنى عنك وهب لى لساناً لا يفتر عن ذكرك وقلباً يـ منك وروحاً يكرم بالنظر إليك وسراً ممتعاً بحقائق قربك وعقلا جائلا يجلال عظمتك وزين ما ظهر وما بطن منى بأنواع طاعتك يا سميع يا عليم يا عزيز
يسمع
بالحق
يا حكيم اللهم كما خلقتنى فاهدنى وكما أمتنى فاحينى وكما أطعمتهم فاطعمني واستنى ومرضى لا يخفى عليك فاشفنى وقد أحاطت بي خطيئاتي فاغفرلي وهب لى علماً يوافق علمك وحكماً يصادف حكمك واجعل لى لسان صدق
"
بين عبادك واجعلنى من ورثة جنتك ونجنى من النار بعفوك وأدخلني الجنة حالا ومالا برحمتك وأرنى وجه سيدنا محمد نبيك وارفع الحجاب فيما بينى وبينك واجعل مقامى عندك دائماً بين يديك وناظراً منك إليك واسقط البين
عنى حتى لا يكون شيء بيني وبينك واكشف لى عن حقيقة الأمر كشفاً لا طلب مع المزيد المضمون بكريم وعدك إنك على كل شيء قدير
بعده لعبدك
¥
يا الله يا عظيم يا سميع يا عليم یا بر يا رحيم عبدك قد أحاطت به
لم
يسمع
وأنت السميع
وقد عجزت عن
خطيئاته وأنت العظيم وندالي كأنه سياسة نفسى وأنت العليم وأنى لى برحمتها وأنت البر الرحيم كيف يكون ذنبي عظيماً مع عظمتك أم كيف تجيب من لم يسألك وتترك من سألك أم كيف أسوس نفسي بالبر وضعفى لا يعزب عنك أم كيف أرحمها بشيء وخزائن
٢٧٥
فاملاً
الرحمة بين يديك إلهي عظمتك ملأت قلوب أوليائك فصغر لديهم كل شيء قلبي بعظمتك حتى لا يصغر ولا يعظم لديه شيء واسمع ندائى بخصائص اللطف فإنك السميع من كل شيء
اللهم ستر عنى مكانى منك حتى عصيتك وأنا في قبضتك واجترحت ما اجترحت فكيف لى بالاعتذار إليك إلهى جذبك لى أطمعنى فيك وحجابي عنك آيسنى من غيرك فاقطع حجابي حتى أصل إليك واجذبني جذبة لا أرجع
بعدها لغيرك
إلهى كم من حسنة ممن لا تحب لا أجر لها وكم من سيئة ممن تحب لا وزر لها فاجعل سيئاتي سيئات من أحببت ولا تجعل حسناتى حسنات من أبغضت فإن الكريم من السيئات أتم منه مع الحسنات فأشهدنى كرمك على بساط رحمتك ورضى بقضائك وصبرني على طاعتك فيما أجريت على من أمرك
كوم
ونهيك وأوزعنى شكر نعمتك
وغطني برداء عافيتك حتى لا أشرك بك مع
المزيد المضمون بكريم وعدك إنك على كل شيء قدير
إلهى معصيتك نادتني بالطاعة وطاعتك نادتني بالمعصية ففي أيهما أخافك وفى أيهما أرجوك إن قلت بالمعصية قابلتني بفضلك فلم تدع لى خوفاً وإن قلت بالطاعة قابلتني بعدلك فلم تدع لى رجاء فليت شعرى كيف أرى إحسانى مع إحسانك أم كيف أجهل فضلك عصيانك قاف مع جیم سران من سرك وكلاهما دالان على غيرك فبالسر الجامع الدال عليك لا تدعنى لغيرك إنك على كل شيء قدير
يا الله يا غفار يا منعم یا هادی یا ناصر يا عزيز هب لي من نور أسمائك ما أتحقق به حقائق ذاتك وافتح لى واغفر لى وأنعم على واهدنى وانصرني وأعزنى يا معز لا تذلنى بتدبير مالك ولا تشغلنى عنك بما لك فالكل
٢٧٦
كلك والأمر أمرك والسر سرك عدمى وجودى ووجودى عدمى فالحق حقك والجعل جعلك ولا إله غيرك وأنت الله الحق المبين
لك
يا عالم السر وأخفى يا ذا الكرم والوفاء علمك قد أحاط بعبدك وقد شقى في طلبك فكيف لا يشقى من طلب غيرك تلطفت بي حتى علمت أن طلبي لك جهل وطلبي لغيرك كفر فأجرنى من الجهل واعصمنى من الكفر يا قريب أنت القريب وأنا البعيد قربك أيأسنى من غيرك وبعدى عنك ردنى للطلب فكن لى بفضلك حتى تمحو طلبي بطلبك يا قوى يا عزيز إنك على كل شيء قدير اللهم لا تعذبنا بإرادتنا وحب شهواتنا فنشغل أو نحجب أو نفرح بوجود مرادنا أو نحزن أو نسخط أو نسلم تسليم النفاق عند الفقد وأنت أعلم بقلوبنا فارحمنا بالنعيم الأكبر والمزيد الأفضل والفوز الأكمل وغيبنا وغيب عنا كل شيء واشهدنا إياك بالإشهاد وانصرنا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يا الله يا قدير يا مريد يا عزيز يا حكيم يا حميد إنا نسألك بالقدرة العظمى وبالمشيئة العليا وبالآيات والأسماء كلها وبهذا العظيم منها أن تسخر لنا هذا البحر وكل بحر هو لك فى الأرض والسماء والملك والملكوت كما سخرت البحر لموسى وسخرت النار لإبراهيم وسخرت الجبال والحديد لداود وسخرت الريح والشياطين لسليمان وسخرت لنا كل شيء يا من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه يا عليم يا عظيم يا حليم يا عليم أحون قاف آدم حم ها آمين اهـ
۷۷
ومن دعائه وذكره
1 - لا إله إلا الله الأول الآخر الظاهر الباطن محمد رسول الله السيد الكامل الفاتح الخاتم
٢ - ومن ذكره أيضاً يا الله يا نور يا حق يا مبين احى قلبى بنورك وأتمنى بشهودك وعرفنى الطريق إليك
٣- ومن ذكره ايضاً رب اغفر لى واجعلنى لك عبداً ذائب النفس
بأنوارك مطموس الحس يحلالك واغفر لى وللمؤمنين والمؤمنات ٤ - ومن دعائه اللهم اغفر لى واسترنى ولا تفضحني في الدنيا والآخرة وعلمني وفهمنى وارحمني وفرحنى وبرنى وفرغنى من كل شيء إلا من ذكرك وطاعتك وطاعة رسولك ومحابك ومحاب رسولك
ه - ومن دعائه عقب كلامه اللهم كن بنا رءوفاً وعلينا عطوفاً وخذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك اللهم قومنا إذا اعوججنا وأعنا إذا استقمنا وخذ بأيدينا إذا عثرنا وكن لنا حيثما كنا
- ومن دعائه رضى الله عنه اللهم ارزقنى من كنز لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة واضربنى بها ضرباً تمحق بها من قلبي كل قوة واغنني بذلك الرزق عن ملاحظة النفس والخلق وأخرجنى به عن ذل الفقر والتدبير والاختيار وعن الغفلة والشهوة ومشيئة النفس والقهر والاضطراب إنك على كل شيء قدير
- ومن دعائه رضى الله عنه باسم المهيمن العزيز القادر أجل كل شيء وهو ناصرى قي حسن ص انصرنى فإنك خير الناصرين وافتح لى فإنك خير
الفاتحين وارزقنى فإنك خير الرازقين واهدنى ونجنى من القوم الظالمين
۷۸
- ومن دعائه رضى الله عنه يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بينى الآخرة ونب
الدنيا وهم
وبين طاعتك على بساط مساعدتك وفرق بيني وبين هم عز في أمرهما واجعل همي أنت واملأ قلبي بمحبتك وبهجة بأنوارك وخشع قلبي بسلطان عظمتك ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك
۱۰ - مسجده وضريحه
أقام أبو العباس المرسى فى الإسكندرية ثلاثاً وأربعين سنة ينشر العلم ويهذب النفوس ويضرب المثل بورعه وتقواه إلى أن انتقل إلى جوار ربه في
الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة ٦٨٥ هـ ودفن في الإسكندرية في مقبرة باب البحر إلى أن كان سنة ٧٠٦ هـ حين رأى الشيخ زين الدين بن القطان كبير تجار الإسكندرية رؤيا فبنى عليه مسجداً وقد خضع هذا المسجد لتطورات كثيرة حيث أعاد بناءه الأمير قجاش الإسحاقى الظاهرى والى الإسكندرية في أواخر القرن التاسع الهجرى وبنى لنفسه قبراً فيه وفى سنة ١٠٠٥ هـ جدد بناءه الشيخ أبو العباس السنفي ودفن فيه بعد وفاته وفى سنة ۱۱۸۹ هـ زار الإسكندرية الشيخ أبو الحسن على بن عبد الله المعزى وجدد معظم أجزاء المسجد ووسع بعض نواحيه وفى سنة ١٢٨٠ هـ جدده أحمد الدخاخني شيخ طائفة البنائين وأوقف عليه أوقافاً كثيرة وفى سنة ١٩٢٧ م أعدت وزارة الأوقاف مشروعاً لإعادة بناء المسجد وإنشاء ميدان فسيح أمامه ووضعت الأسس للبناء الجديد في أوائل سنة ١٩٢٩ م وتم المسجد فى سنة ١٩٤٤ م فأصبح أجمل مساجد المدينة ولقد كان مسجد أبي العباس المرسى مركز تجمع للمظاهرات الشعبية التي قام بها السكندريون خلال ثورة سنة ۱۹۱۹ م إذ كانت تخرج منه مخترقة أحياء المدينة
۷۹
كما اتخذ منه رجال الدين ملتقى يجتمعون عنده ويبثون من على منبره الدعوة إلى الكفاح والتضحية فى سبيل الحرية والعدالة ويقول أحد المؤرخين القدامى وحدثنى قاضي القضاة بالإسكندرية قال قبر سيدى أبي العباس عندنا ترياق مجرب ما قصد الله عنده أحد في شيء إلا استجاب له كما قال أهل بغداد في قبر سيدنا معروف الكرخي رضي الله عنه وكان قبره في جبانة عليها حائط قصير ارتفاعه قدر ثلاثة أذرع وفى قبلة الجبانة محراب للصلاة وعلى قبره سارية مكتوب فيها
يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين
إلى قوله واتبعوا رضوان الله
وفيها تاريخ وفاته كما تقدم
6
والله ذو فضل عظيم
قال فبنى عليه زين الدين المذكور لما رأى هذه الكرامة ورد الله عليه ما ذهب عنه بناءً عظيماً ومسجدا للصلاة وصومعة للأذان من أحسن صوامع الإسكندرية وحبس عليها حبساً كبيراً للمؤذن والإمام والمقيم وصار رمزاً عظيماً ومقاماً كريماً نفعنا الله ببركاته في الدنيا والآخرة إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبيه الأمين وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين
الفصل الثالث
العارف بالله
الشيخ عبد الواحد يحيى
۱ - كيف عرفت عبد الواحد يحيى
إني لأذكر ذلك اليوم المشمس الجميل من شهر يونيو سنة ١٩٤٠ فقد
صحوت من نومى مبكراً أتأهب لخوض غمار معركة علمية هي مناقشة رسالة الدكتوراه فى جامعة السربون سرت فى طريقى ميمماً شطر الجامعة وكنت أينما ألتفت لا أجد إلا وجوهاً يجللها الوجوم ونفوساً يـعـروها الذعر و يطاردها الخوف فقد كان الألمان يحثون الخطى إلى قلب باريس ويدكون في عنف كل
ما يعترضهم من قلاع وحصون ولكننى كنت مشغولا عن هذا كله بما يتردد في نفسي ويجول بذهنى من اعتراضات ستلقى ونقد سيوجه ووصلت إلى فناء السربون فإذا بي أجد صديقى بول ريفوليتي - وهو من الروس البيض الذين هاجروا إلى باريس - ينتظرنى وبيده كتاب هو صوفية دانت وطلب إلى أن أوصله إلى الشيخ عبد الواحد يحيى في مصر إذ كان من المقرر عندى أن أسافر غداة ذلك اليوم الذي تناقش فيه رسالتي حاولت أن أعرف من صديقي من هو الشيخ عبد الواحد يحيى فآثر الصمت متعمداً
وانتهت المناقشة ومرت الأيام بخيرها وشرها وحلوها ومرها ووصلت في
۸۱
۸
الخشب
النهاية إلى القاهرة ولم يكد يستقر بي المقام فيها حتى يممت شطر ضاحية الدقى باحثاً عن الشيخ عبد الواحد وفى شارع نوال فيلا فاطمة طرقت الباب فأطلت الخادم التي أعطيتها الكتاب وطلبت إليها أن تستأذن في مقابلة الشيخ ثم وقفت أنتظر الإذن بالدخول فإذا بي أجد الخادم مقبلة نحوى وبيدها مقعد من عليه مسحة الخشونة والشظف وتطلب إلى أن أنتظر هنيهة من الزمن وجلست أمام الباب فى الشارع أنتظر الدقائق تمر والانتظار يطول أرى الخادم مقبلة فأتهيأ للدخول ولكنها تطلب منى أن أنصرف اليوم غير مطرود وأحضر في الغد في الساعة الحادية عشرة فانصرفت متراخياً وفى نفسى دهشة وعلى وجهي شيء من طابع الخجل ومع ذلك فقد أثارت هذه الحادثة رغبتي في أن أرى هذا الشيخ الذى يضع الكرسى فى الشارع للزائرين والذي يأمرهم بالانصراف اليوم ليحضروا إليه فى الغد وحضرت من الغد في الموعد المضروب وكنت دقيقاً كالساعة وطرقت الباب وفى قلبى إشفاق وفى نفسى تطلع إلى الدخول ولم يكن حظى في هذا اليوم بأسعد منه في اليوم السابق فقد صُرفت ولكن لا إلى موعد يبعث في النفس الأمل بل أبلغت عن لسانه بأن أكتب إليه ما أريد وهو يتولى الرد على ما أحب وانصرفت بعد أن أضعت يومين في محاولة لقائه لم أكتب إليه فلم يكن يهمني رده وإجابته بقدر ما كان يهمنى لقاؤه ثم لم أكتب إليه وفيم أكتب إليه ومرت الأيام ولم يزل من نفسى هذا التساؤل من هو هذا الشيخ عبد الواحد يحيى
وفى يوم من الأيام كنت أزور مسيو دي كومنين مدير البعثة العلمانية الفرنسية بمصر وهو شخص له خطره وأثره ومكانته فى الأوساط المصرية وجرى الحديث على العادة في فنونه وشئونه وإذا به يسألنى هل أعرف رينيه جينو فلما أجبت
۸۳
بالنفي
أخذ يحدثني عنه وعن اسمه الاسلامى عبد الواحد يحيى فحدثته بما كان بيني وبينه فرجانى أن أعود إلى محاولة لقائه من جديد وأن أستأذن له كذلك في لقائه ولكننى مع ذلك لم أجد فى نفسى عزيمة تدفعها إلى إعادة المحاولة فقد كان الكرسي الخشب لا يزال ماثلا أمام ناظري ومرت الأيام أيضاً وفي ذات يوم يحمل إلى البريد خطاباً من أستاذ جليل يقول فيه إن مسيو هيكتور ماديرو وزير الأرجنتين المفوض فى مصر قد زاره بمكتبه ورجاه في أن يرشده إلى شخص يمكنه أن يتحدث معه عن الفلسفة الإسلامية والتصوف
الإسلامي ولم أجد من يصلح لهذه المهمة سواك وطلب إلى أن أقابله والتقيت بالوزير فكان أول ما يستفسر عنه أتعرف رينيه جينو ومر بذهنى مرة أخرى الكتاب والكرسى الخشبي وحديث مسيو دي كومنين وذكرت كل ذلك للوزير وقال الوزير إنك قد وصلت إلى نقطة حاسمة هي معرفة بيته وفى هذا نصر عظيم إذ أن الصحفيين الفرنسيين والسويسريين وغيرهم يأتون إلى مصر فيجعلون من بعض مهامهم البحث عنه ويتجهون أول ما يتجهون نحو حي الأزهر وحى سيدنا الحسين أو السيدة زينب ولكنهم لا يعثرون له على أثر فيعودون وفي نفوسهم حسرة لأنهم لم يقضوا وطراً شهياً من زيارة مصر وصح منا العزم ذات يوم أنا ومسيو ماديرو على أن نخترق الحجاب المضروب بيننا وبين الشيخ عبد الواحد
لا أزال أذكر ذلك اليوم وكان يوم أحد حيث وقفنا أمام باب فيلا فاطمة ندق الجرس وبعد برهة إذا شيخ طويل القامة يكاد وجهه يضيء نوراً عليه سمت المهابة وطابع الوقار والجلال تشع عيناه ذكاء وتنطق قسماته بالصلاح والتقى إذ بهذا الشيخ يفتح الباب بنفسه ويقف أمامنا وجهاً لوجه فألقينا إليه بالسلام فرد التحية ثم سألنا عن مقصدنا فأبلغه الوزير سلام أحد أصدقائه فما إن
٢٨٤
سمع اسم صديقه حتى أذن لنا بالدخول ودخلنا والتزم الشيخ الصمت وقد كان من الممكن أن يكون الموقف حرجاً لولا دبلوماسية الوزير الذي أخذ يتحدث ويتحدث ذاكراً آراء الشيخ عبد الواحد مثنياً عليها مشيراً إلى دقتها كل ذلك والشيخ عبد الواحد صامت لا يكاد ينبس ببنت شفة وانتهت الجلسة وطلبنا إليه لنا بأن نعود لزيارته مرة أخرى فأذن في تلطف وفي رقة وحين عدنا إلى المفوضية بعد لقائه قال الوزير لعقيلته متبسطاً - لقد قابلنا اليوم شخصية هامة جداً فمن تظنين
أن
يسمح
- أحد الوزراء
أعظم
- رئيس الوزراء
- أعظم
- ملك
أعظم
- ربنا
إنه على كل حال شخصية إلهية إنه رينيه جينو
فقالت في دهشة واستغراب أحقًا يا لكما من سعيدين
وعدنا وتكررت الزيارة وتحدث الشيخ عبد الواحد وأفاض في الحديث وذكر لنا أن عزلته هذه إنما هى عزلة بالنسبة للمتطفلين الذين لا يرغبون إلا في إضافة الوقت بالأحاديث الشخصية التافهة ولكنه وقد رأى فينا رغبة صادقة في المعرفة فليس بيننا وبينه إذن حجاب
واستطعنا بعد ذلك أن نخرجه من وكره وأن نصحبه إلى مسجد السلطان أبى العلا في الليلة الكبيرة من مولده وجلسنا في حلقة من حلقات الذكر فأخذ
٢٨٥
يهمهم
في نفسه ويهتز ثم أخذ كلامه يبين واهتزازه يشتد وإذا به يذكر مع الذاكرين فى نبرة واضحة وفى هزة رتيبة ثم إذا به ينغمس في الذكر ويستغرق ولم أكد أنبهه بعد فترة حتى انتفض انتفاضة قوية خِلْتُ أنها انتفاضة العائد من آفاق قصية مجهولة
وتتابعت الأيام وسافر الوزير ومات الشيخ عبد الواحد ولم يبق في نفسي سوى
الذكريات الجميلة
ثم هيأ الله لى أن أطبع كتاب المنقذ من الضلال للإمام الغزالي فقدمت له بمقدمة في منطق التصوف جعلت من بعض فصولها تلخيصاً لمقال عن التصوف بقلم الشيخ عبد الواحد وقد نال هذا الفصل استحساناً كثيراً لدى القراء فشجعني ذلك على أن استفيض نوعاً ما فى دراسة الشيخ فكان هذا الجزء وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
1
- جيد وجينو
قال صاحبي - تحدث جيد عن جينو فإنه كثيراً ما يلتقى الآن بمريد مشهور هو السيد
عبد الله
كنت على صلة بالسيد عبد الله فقد كان فرنسيا اعتنق الإسلام وكان ينتسب روحيا إلى جينو الذي كان يقيم حينئذ في القاهرة وكانا يتبادلان الرسائل دون انقطاع كان جينو فى القاهرة الحلقة المركزية على ما يقولون التي تصل الشرق بالغرب ۱ من حديث جرى فى الجزائر بين الكاتب الفرنسي هنرى بسكو وبين أشهر كتاب فرنسا وأدبائها في العصر الحديث أندريه جيد نشرته مجلة فرنسا - آسيا و باختصار
٢٨٦
في الناحية الروحية وكنت أنا وزوجتى قد أخذنا بحظ وافر من الثقافة التي كتبها
جينو وكنت معجباً بآرائه واستمر هذا الإعجاب على مر الزمن
أما
لقد انتقل جيد وعبد الله وجينو من هذا العالم إلى حيث يلقون ربهم عبد الله - وكان يسمى بالفرنسية جورج - - فقد توفاه الله فى مكناس - توفاه الله وحيدا مضطجعاً على فراش صلاته مسجى في ثيابه البيضاء وفى
صوفيا
يده المسبحة
لقد وجدوه
نائماً
على فراشه عيناه مسبلتان وسبابته تشير إلى السماء كان عبد الله في حياته يعيش عيشة الزاهد ويسير متواضعاً في ثيابه النظيفة الطاهرة كان متحدثاً لامعاً وكان لحديثه وهو ينساب من بين شفتيه في سهولة ويسر جاذبية لطيفة كان قد تعلم لغة الضاد وكان يفهم نصوصها في دقة ولم يكن على شيء من العجب أو الادعاء الكاذب وكان يضم بين جوانحه الإيمان الحار والتواضع المثالى
قال صاحبي تحدث مع جيد عن جينو وتحدثت قال جيد إذا كان جينو على حق فإنه من الواضح أن كل آرائي تصبح عديمة القيمة إنها تنهار انهياراً تاماً
فقال أحد الحاضرين ويرافقها فى الانهيار كثير من آراء أئمة الفكر آراء
الفيلسوف و منتنى مثلا
فاستغرق جيد في التفكير وبدا عليه عدم الرضا بهذا الاحتمال بل بدا عليه القلق ثم أعلن في صراحة إننى حقاً ما أجد شيئاً قط أعترض به على ما كتبه جينو إن ما كتبه لا يتطرق إليه النقض وساد المجلس صمت عميق ولم يجرؤ أحد على أن يتعرض لنقض ما أعلن جيد نفسه أنه لا ينقض بل بدا على وجوه القوم الرضا بما قال جيد وإن كان ما قاله
۸۷
لم يكن متوقعاً وقطع جيد الصمت بتصريح لم نكن أيضاً نتوقعه منه لقد قضى الأمر وبلغت من الكبر عتيا وتخطيت السن التي كان من الممكن أن يقلب الإنسان فيها حياته رأساً على عقب وتابع حديثه ثم إننى أحب الحياة أحبها في قوة وأحبها في تنوعها ولا أريد أن أحرم نفسي من متعها مختلفة الألوان لا أريد أن أضحي بكل ذلك
في سبيل الوحدة الوحدة المبهمة اللا محدودة
ومما كتبه جيد بقلمه فى جرناله إن السيد عبد الله الذي اعتنق
الإسلام قد مهد لى الفرصة لقراءة كتب جينو
۳
ماذا كنت أصير لو صادفت هذه الكتب في ريعان شبابي في ذاك الوقت الذي استغرقت فيه فى قراءة طريقة للوصول إلى الحياة السعيدة في ذاك الوقت الذي كنت أنتبه فيه إلى دروس الفيلسوف فيشت هادئاً وديعاً ولكن كتب جينو لم تكن قد ألفت حينئذ وإذا كانت موجودة الآن فإن السن قد تقدمت بي لقد قضى الأمر ولم يعد في الإمكان عمل أي شيء لم يعد في الإمكان الرجوع القهقرى إلى سن الشباب المقدام لقد أصبح ذهني مجرداً عن المرونة وليس من السهل عليه أن يتقبل هذه الحكمة القديمة حكمة جينو إنني على مذهبى ديكارت وبيكون وسأظل كذلك
عن العدد ۸۰ من مجلة فرنسا - آسيا الخاص يجينو ۳ ألف جينو ما يقرب من سبعة عشر كتاباً بالفرنسية وقد ترجم منها الكثير إلى اللغة الإيطالية والإنجليزية وترجم منها إلى الأسبانية والبرتغالية والألمانية و من الطريف أن كتابين من كتبه قد ترجمها إلى لغة التبت ولأجل أن تنتشر ترجمتها في أكبر عدد ممكن وضعها المترجم كشرح لوصية الدالاي لاما الثالث عشر وكان الشرح - وهو الترجمة - يبتدئ بالعبارة قال لا ما عظيم عربى ولم يدر بخلد أهل التبت شك في أن هذا اللاما العربي العظيم كان يشرح حقيقة وصية رئيسهم الديني
۸۸
حقا إن كتب جينو رائعة وإنه لعلى هدى فيما يتعلق بآرائه الخاصة بالنتائج السيئة للقلق الذى يسود العالم الغربي ولكن المخاطرة الخطرة الحضارة الحديثة التي ألقينا بنفسنا فيها مجازفين غير متحفظين هى أهل لأن نتحمل من أجلها ما تثيره لنا من متاعب ومع ذلك فإننا لا نستطيع الآن ولو حاولنا أن نعود إلى الوراء يجب أن نسير إذن فيما شرعنا فيه إلى الأمام وأن ننتهى به إلى غايته مهما كانت هذه الغاية انتهى باختصار
من هو جينو كيف كانت حياته وما هي آراؤه
ذلك ما سآخذ فيه الآن إن شاء الله
٣ -- حياة جينو
ولد جينو في بلدة بلوا 4 فى ١٥ نوفمبر سنة ١٨٨٦ من أسرة فرنسية كاثوليكية
محافظة كانت تعيش في يسر ورخاء فقد كان والده مهندساً ذا شأن وحياة جينو لاتتسم بحوادث معينة فقد كان هادئاً وديعاً وكانت تلوح عليه منذ الطفولة مخايل الذكاء الحاد وقد بدأ تعليمه فى إقليمه الذى نشأ فيه وكان دائماً متفوقاً على أقرانه وانتهى به الأمر سنة ١٩٠٤ إلى نيل شهادة البكالوريا بعد أن نال جوائز عدة كانت تمنح للمتفوقين وفي هذه السنة سنة ١٩٠٤م سافر جينو إلى باريس لتحضير الليسانس ومكث عامين في الدراسات الجامعية ولكن باريس تدعه يستمر في دراسته المدرسية المحدودة فقد فتحت له أبوابا أخرى كلها لذة وكلها نعيم ولا نقصد لذة حسية أو نعيماً
٤ هي بلدة فرنسية على نهر اللوار على بعد ۱۷ ك م من باريس يبلغ عدد سكانها ٨٦٨ وهى شهيرة بصناعة البسكويت والشكولاته وقد نشأ فيها كثير من المشاهير
۸۹
ماديا وإذا كانت باريس تمنح ذلك للماديين الحسيين فإنها تمنح لذة روحية
لى المعرفة - المعرفة بمعناها
ونعيماً وجدانيا لمن لم تغرهم الدنيا وزينتها وقد كان جينو من هذا النمط الأخير كان متمان الصوفى كان يتطلع إلى السماء يريد أن يخترق الحجب وأن يكشف القناع وأن يرفع المساتير وأن يصل إلى الحق
وقد كان مثله إذ ذاك مثل الإمام الغزالى بالضبط ولو عبرنا عن حالة جينو لما وجدنا أبرع من حديث الإمام الغزالي عن نفسه إذ يقول ه ولم أزل في عنفوان شبابي - منذ راهقت البلوغ قبل بلوغ سن العشرين إلى الآن وقد أناف السن على الخمسين - أقتحم لجة هذا البحر العميق [ بحر المعرفة ] وأخوض غمرته خوض الجسور لاخوض الجبان الحذور وأتوغل في كل مظلمة وأتهجم على كل مشكلة وأتقحم كل ورطة وأتفحص عن عقيدة كل فرقة وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة لأميز بين محق ومبطل ومتستن ومبتدع لا أغادر باطناً إلا وأحب أن أطلع على بطانته ولا ظاهريا إلا وأريد أن أعلم حاصل ظهارته ولا فلسفيا إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته ولا متكلماً إلا وأجتهد في الاطلاع على غاية كلامه ومجادلته ولا صوفيا إلا وأحرص على العثور على سر صفواته ولا متعبداً إلا وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته ولا زنديقاً معطلا إلا واتجسس وراءه للتنبه لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته وقد كان التعطش إلى درك حقائق الأمور دأبي وديدنى من أول أمرى وریحان عمرى غريزة وفطرة من الله وضعتا في جبلتي لا باختياري وحيلتي حتى انجلت عنى رابطة التقليد وانكسرت على العقائد المورثة على قرب عهد سن الصبا
كانت تلك بالضبط حالة جينو ولقد أخذت باريس تشير إليه بالابتعاد عن
۹۰
الرسميات والشكليات وتقدم له الكثير من النواحى الثقافية الروحانية كانت باريس مفعمة بالمدارس مختلفة الألوان كان فيها الماسونية وكان فيها المدارس التي تنتسب إلى الهند أو إلى التبت أو إلى الصين كان فيها الروحانيون على اختلاف ألوانهم ومشاربهم ونزعاتهم بل كان فيها هؤلاء الذين يعالجون السحر والتنجيم والتصرف فى العناصر وتحضير الأرواح
وترك فتانا التعليم الجامعى غير آسف عليه وأخذ ينهل من هذه المنابع المختلفة لقد انتسب إليها واتصل بها عن قرب وعرف ما تهدف إليه بل أسهم في نشاطها ومنحته هذه المدارس درجاتها الكهنوتية السامية ولقد كانت صلته الوثيقة بهذه المدارس السبب المباشر في انفصاله عن أغلبها فقد أدرك الطيب منها والخبيث وهدته بصيرته النقادة وهداه رأيه القويم إلى أن الكثرة الكثيرة من هذه المدارس إنما هي شكلية سطحية لا تصل بالإنسان حقيقة إلى معرفة ماوراء الطبيعة أو إلى اختراق حجاب المساتير فأخذ في الانفصال عنها شيئاً فشيئاً وما إن تخلص جينو من هذه النزعات حتى مجلة أنشأ سنة ١٩٠٩ م سماها المعرفة وهذه المجلة اتسمت بالطابع الذى كانت تسير عليه مجلة أخرى سبقتها كانت تسمى الطريق وهي ذات طابع صوفى
كان
يسهم
يسهم
في إصدار مجلة الطريق ويشرف على منهجها عالم فرنسی اسمه شمبرينو وقد اعتنق شمبرينو الإسلام وتسمى باسم عبد الحق واستمر في إصدار مجلة الطريق من سنة ١٩٠٤ إلى سنة ١٩٠٧ ثم لأسباب عدة انتهى إصدار المجلة وفى هذه الأثناء تعرف جينو بعبد الحق وساعد عبد الحق جينو في تحرير مجلة المعرفة وكانت المجلة تنشر الأبحاث عن الإسلام وعن الديانة الهندية وعن الديانة البوذية وكانت فى الوقت نفسه تنتقد كل
ما لا تراه مستقيماً في المدارس التى تنتسب إلى الروحانية
۹۱
استمرت هذه المجلة إلى سنة ۱۹۱ وفى هذه السنة اعتنق جينو الإسلام
وتسمى باسم الشيخ عبد الواحد يحيى
كيف اعتنق جينو الإسلام ولم اعتنقه وعلى يد من أسلم هذه أسئلة وضعها الغربيون وأخذوا يفترضون مختلف الفروض للإجابة عنها ولكن آراءهم لم تخرج عن أن تكون مجرد فروض
ولقد قال جينو إنه اتصل بممثلى الأديان الشرقية عن طريق مباشر فكيف اتصل بهم وبمن منهم اتصل ثم إن جينو أهدى أحد كتبه إلى الشيخ هذا الشيخ عبد الرحمن عليش وكيف عرفه
عبد الرحمن عليش
0
فمن هو
جينو وهل هو الذى هداه إلى الإسلام وكيف كل هذه الأسئلة كانت غامضة حتى ألقى عليها الأستاذ فلسن الذي اعتنق هو الآخر الإسلام وأتقن لغة القرآن شيئاً من الضوء في بحث مستفيض نشر في عدد يناير - سنة ١٩٥٣ من مجلة إتيد ترادسيونل الفرنسية وهذا البحث نلخصه فيما يأتي
٥ اسرة الشيخ عليش أسرة مغربية أشهر رجالها هو الشيخ محمد عليش الكبير ۱۱۸ - ۱۹۹ هـ وقد درس الشيخ محمد عليش فى الأزهر ثم جلس للتدريس به ١٢٤٥ هـ وكان يحضر عليه ماينوف عن المائتين من الطلبة وقد تقلد مشيخة السادة المالكية والإفتاء بالديار المصرية سنة ۱۷۰ هـ وتذكر الخطط التوفيقية أنه كان في حال حياته مستغرقاً زمنه فى التأليف والتدريس والعبادة متجافيًا عن الدنيا وأهلها لا تأخذه في الله لومة لائم اهـ وقد ألف الكثير من الكتب في مختلف الفنون التي تدرس بالأزهر والطريف هو أن الشيخ عليش فى ١ يونية سنة ۱۸۸م خطب ممتدحاً الجيش الذي خلص البلاد من الوقوع في أيدى الكفار وأثنى على رؤسائه وعلى وطنيتهم وكانت هذه الخطبة تتعارض كل المعارضة مع سياسة الخديو توفيق ولكن الشيخ عليش لم يبال به
ثم افتى الشيخ عليش بمروق الخديو توفيق من الدين كمروق السهم من الرمية لخيانته دينه ووطنه وتلا الشيخ محمد عبده هذه الفتوى في الجمعية العمومية في ٢٢ يولية سنة ۱۸۸ م وكان الخديو قد أصدر أمرًا بعزل عرابي وتداول الأعضاء في الموقف وفيما يجب عمله فاتفقت آراؤهم على عدم قبول عزل عرابى وقررت الجمعية وقف أوامر الخديو وعدم تنفيذها
۹
الشيخ عليش والشيخ عبد الواحد
إن الصلة بين الشيخ
عبد الواحد بادية ظاهرة
سيدنا محيي الدين بن عربي وبين الشيخ
ولقد اعتنق جينو الإسلام بواسطة شيخ ينتسب إلى روحانية الشيخ الأكبر أعنى الشيخ عليش الكبير وهو الشخص الذى أهدى إليه جينو أحد كتبه في هذه العبارة إلى الذكرى المقدسة ذكرى الشيخ عبد الرحمن عليش الكبير المالكي المغربي الذي أدين له بالفكرة الأولى لهذا الكتاب من مصر القاهرة
۱۳۹ - ١٣٤٧ هـ
وهذا الشيخ المصرى يهمنا من ناحية أخرى لأنه فضلا عن صفته الصوفية السامية كان له صفة أخرى فلقد كتب جينو فى أحد خطاباته يقول كان
الشيخ عليش شيخ فرع من الطريقة الشاذلية وكان فى الوقت نفسه شيخ المذهب المالكي بالأزهر والشاذلية طريقة أسسها في القرن السابع الهجرى الشيخ أبو الحسن الشاذلي وهو
صورة من أروع الصور الروحانية في الإسلام كان الشيخ الذي ينتسب إليه جينو إذن يجمع بين صفتين هما الحقيقة والشريعة كان شيخ طريقة وشيخ مذهب وهذا له أهميته بالنسبة لتلميذه فيما يتعلق بتقديرنا لآرائه من الناحية الإسلامية
ومما ينبغي ملاحظته في عناية أن هذا الشيخ هو الذي يدين له جينو بالفكرة الأولى لكتابه رمزية الصليب وهكذا كان هذا الشيخ يفتح السبل أمام جينو ويهديه الطريق ولذلك ينبغي أن نعرف القراء بهذا الشيخ التي كانت بينه وبين جينو والمعلومات التي سنتحدث عنها مصدرها مجلة عربية
وبالواسطة
۹۳
محي
الدين
6
إيطالية كانت تصدر فى القاهرة سنة ١٩٠٧ تسمى النادى كانت الروح التي تسود هذه المجلة هي روح الشيخ الأكبر وكانت هذه المجلة تعتبر طليعة لمجلات أخرى صدرت فيما بعد في فرنسا وساهم فيها جينو بحظ وافر وكان من ألمع محررى مجلة النادى - سواء في ذلك قسمها العربي أو قسمها الإيطالي - هو عبد الهادى وعبد الهادى هذا من أصل لتواني فنلندى ونشأ مسيحياً وكان اسمه إيفان جوستاف ثم اعتنق الإسلام وتعلّم العربية وأخذ يكتب فى المجلة المقالات ويطبع فيها الرسائل الصوفية الإسلامية من مؤلفات الشيخ الأكبر ويترجم بعض النصوص وقد تحدثت هذه المجلة كثيراً عن الشيخ عبد الرحمن عليش ولقد كتب فيها الشيخ عليش نفسه مقالة خاصة بمحيي الدين بن عربي وكان عبد الهادى على صلة شخصية طبعاً بالشيخ عبد الرحمن عليش قد أعطانا عنه معلومات نفيسة إنه يراه من أشهر رجال الإسلام ووالده من كبار رجال المذهب المالكي أما هو نفسه فقد كان حكيماً عميق الحكمة وكان محترماً من الجميع سواء في ذلك الرجال العاديون أم الأمراء والسلاطين وكان شيخاً لكثير من الجماعات الدينية المنتشرة في أنحاء العالم الإسلامي وكان زعيما من زعماء الإسلام سواء في ذلك ما يتصل بالجانب الصوفي أو الجانب الفقهي أو الجانب السياسي ومع ذلك فقد ابتعد هو ووالده عن ألاعيب السياسة ومؤامراتها وكانت صفاتهما الكريمة وتقشفهما في الحياة ومعرفتهما المستفيضة العميقة وحسبهما العريق كل ذلك سما بهما إلى مركز ممتاز في العالم الإسلامي بيد أنهما لم يعيرا ذلك التفاتاً والتزما مرضاة الله أما شهرتهما بالتعصب التي لا أساس لها فقد كان مصدرها فتوى شهيرة
جميع
4
كانت نتيجتها كما يقولون ثورة عزابي باشا سنة ۱۸۸ وفى هذه السنة - سنة
٢٩٤
۱۸۸ - زج بالشيخين في السجن وحكم عليهما بالإعدام وقد مات الأب في السجن أما الشيخ عبد الرحمن فقد استبدل حكم الإعدام فيه بالنفي ولكن الحظ السيئ تابعه في منفاه كانت شهرته وكان حسبه ونبله الذاتي
كان كل ذلك من عوامل الشك فيه واتهم في حماقة بأنه يتطلع إلى إقامة الخلافة الإسلامية لحسابه أو الحساب سلطان مراكش فوضع في السجن من
جديد ولكن وضعه في السجن هذه المرة كان بناء عن أمر أمير مسلم ومكث عامين في زنزانة لا تطاق حيث العفونة والروائح الكريهة وغير ذلك مما تضيق به النفس ولأجل بعث الرعب في نفسه كانوا يتعمدون أن يقتلوا أمامه بعض من حكم عليهم بالإعدام ثم أخرج من السجن ونفى إلى رودس ولقد أقام أيضاً في دمشق حيث التقى بعدو الفرنسيين العتيد الأمير عبد القادر الجزائرى فتألفت بينهما صداقة وطيدة كان من أسسها الحب القوى في نفسيهما للشيخ الأكبر الذي كان الأمير يكرس وقته في أخريات حياته لدراسته وحمله إعجابه به أن يمول الطبعة الأولى لكتاب الفتوحات المكية ذلك الكتاب الذى تبلغ صفحاته حوالى ٢٥۰۰ ولما مات الأمير كفنه الشيخ وصلى عليه ودفنه في الصالحية بجوار مقبرة الشيخ الأكبر محيى الدين بن
عربي
على
وأصدرت الملكة فيكتوريا العفو عن الشيخ فعاد إلى مصر وأقام في القاهرة وأخذ نوره ينبعث من القاهرة إلى جميع أقاليم العالم الإسلامي وكان يبتعد ويبعد تلاميذه عن جميع الصغائر وكان تأثيره قويًّا إلى درجة أنه حينما تلتقى برجل شرق ترى فيه سمو الأخلاق وسعة المعرفة فيجب أن تعلم أنه شاذلى والشاذلية ٦ لا شك مدينة فى احتفاظها بالمثل العليا للسنة التي أقامها أبو الحسن
1 هذا رأى عبد الهادي ورجال التصوف الحقيقيون كلهم خير وكلهم بركة
٢٩٥
الشاذلى وإلى السمو الروحى للشيخ عليش وقد نشرت مجلة النادى مقالة للشيخ عليش عن محي الدين وقد اختتمها بشكره لعبد الهادي بسبب ما أداه للحضارة من خدمة جليلة هي تعريف الناس بمحي الدين ثم ينتهى الشيخ بأن يحث عبد الهادى على أن يستمر في متابعة دراساته الصوفية غير معنى بما يثيره حوله بعض من لم يفهموا الإسلام على حقيقته وما إن نشرت مقالة الشيخ فى المجلة حتى أعلن في العدد التالي أنه تألفت جمعية في إيطاليا وفى الشرق لدراسة ابن عربي وسميت الأكبرية ووضعت منهاجاً هو
الثاني
۱ - دراسة ونشر تعاليم الشيخ محيى الدين سواء ما يتصل منها بالشريعة وما يتصل بالحقيقة والعمل على طبع مؤلفاته ومؤلفات تلاميذه وشرحها وإلقاء محاضرات خاصة به وأحاديث تشرح آراءه
جمع
أكبر عدد ممكن من محبى الشيخ ابن عربي وعقد صلة قوية
بينهم تقوم على الأخوة وتؤسس على الترابط الفكري بين النخبة المختارة من
الشرقيين والغربيين
٣ - تقديم المساعدة المادية والتشجيع الأدبى لمن هم في في حاجة إلى ذلك ممن يتبعون الطريق الذى اختطه محيى الدين بن عربي وعلى الخصوص هؤلاء الذين ينشرون دعوته بالقول أو بالعمل
٤ - ولا يقتصر عمل الجمعية على ذلك بل يتعداه أيضاً إلى دراسة مشايخ الصوفية الشرقيين كجلال الدين الرومى مثلا بيد أن مركز الدائرة يجب أن يستمر ابن عربي
ه - ولا صلة للجماعة قط بمسائل السياسة مهما كان مظهرها إذ أنها لا تخرج عن دائرة البحث في الدين والحكمة
٢٩٦
وبدأ عبد الهادى ينشر دراساته الصوفية وقد ساعده الحظ فوجد حوالى عشرين رسالة لابن عربي مخطوطة نادرة الوجود نفيسة القيمة فأخذ في تحليلها ولكن المجلة للأسف لم تسلم من شر أعداء التصوف فقضى عليها ورأى عبد الهادي متابعاً لإشارة الشيخ عليش أن يحاول إقامة صلة روحية بين الشرق والغرب فسافر إلى فرنسا حيث التقى بجينو وكان جينو إذ ذاك يصدر مجلة باسم المعرفة فأخذ عبد الهادي في سنة ١٩١٠ يساهم فيها يجد ونشاط لقد نشر فيها أبحاثاً ولكنه نشر فيها على الخصوص ترجمة كثير من النصوص الصوفية إلى اللغة الفرنسية وأثمرت مرافقته لجينو أن عقد بينه وبين الشيخ عليش صلة قوية متينة عن طريق تبادل الرسائل والآراء وكانت النتيجة أن اعتنق جينو الإسلام سنة ۱۹۱ بعد أن درسه دراسة مستفيضة وقامت الحرب سنة ١٩١٤ فأوقفت كل نشاط يتصل بالدين والروح والفكر وسافر عبد الهادى إلى أسبانيا وهناك في بلدة برشلونة توفاه الله سنة ١٩١٧ وحمل جينو راية الجهاد فاستمر يبنى على ما أسسته الأكبرية تلك الجماعة التي تنهج نهج الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى
والواقع
أن الذي وجه جينو هذه الوجهة هو
هو الشيخ عليش والشيخ عليش إنما كان مرآة تعكس صورة الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربي وهو أسمى مظهر للتصوف الإسلامي والعقيدة الإسلامية وإذا كان الشيخ عليش مالكيا
محافظاً
L
فإن تصوفه لا يخرج عن التعاليم الإسلامية وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة له فإنه كذلك أيضاً بالنسبة لتلميذه جينو
وفى السنة التي اعتنق جينو فيها الإسلام وتسمى باسم الشيخ عبد الواحد يحيى
أعنى سنة ١٩١٢ تزوج من فتاة فرنسية من إقليمه
۹۷
وفى هذه السنة نفسها توقفت مجلة المعرفة عن الصدور فأخذ الشيخ عبد الواحد يكتب في مختلف المجلات أخذ يكتب عن انحراف الماسونية فأثار سخط الماسونيين وأخذ يكتب عن انحراف البروتستانتية فأثار سخط البروتستانتيين وانتقد الروحانية المزيفة أنى وجدت فغضب منه الذين ينتسبون إلى الروحانية الحديثة
وفى سبتمبر سنة ۱۹١٧ عين الشيخ أستاذاً للفلسفة في الجزائر فقضى فيها عاماً عاد بعده إلى فرنسا وعين في مدرسة بلدته ولكنه استقال بعد عام قضاه في التدريس ليتفرغ لأبحاثه وكان من ثمرة هذا التفرغ أن نشر في سنة ١٩٢١ كتابين
هما
۱ - مدخل لدراسة العقائد الهندية
٢ - التيوزوفية تاريخ دين مزيف
وتوالى نشر كتبه وتوالت مقالاته فى مختلف الجرائد
وفي سنة ١٩٢٥ فتحت له مجلة قناع إيزيس صدرها فأخذ يكتب فيها وانتهى به الأمر في سنة ۱۹۹ أن أصبح أهم محرر بها ذلك أنه رفض ما عرضته
عليه المجلة من رئاسة التحرير ومن بين من التفوا حوله فى تحرير المجلة العالم الضليع الأستاذ شون الذي ألف كتبا بالفرنسية من بينها كتاب عين القلب وقد اعتنق هذا العالم الإسلام أيضاً وهو يدين برغم أصالته وعبقريته إلى جينو بكثير من اتجاهاته ثم عرض بيت من بيوت النشر في باريس على الشيخ عبد الواحد أن إلى مصر ليتصل بالثقافة الصوفية فينقل نصوصاً منها ويترجم بعضها فقبل
العرض
يسافر
وفى ۰ فبراير سنة ۱۹۳۰ سافر إلى مصر لهذا الغرض وكان المفروض أن
۹۸
يقضى فيها بضعة أشهر فقط ولكن هذا العمل اقتضاه مدة طويلة ثم عدل بيت النشر عن مشروعه فاستمر الشيخ عبد الواحد يحيى فى القاهرة يعيش في حي الأزهر متواضعاً مستخفياً لا يتصل بالأوربيين ولا ينغمس في الحياة العامة
وإنما يشغل كل وقته بدراساته
كانت والدته وزوجه ووالده قد توفاهم الله قبل حضوره إلى القاهرة فحضر إليها وحيداً ووجد الكثير من المشاق في معيشته منفرداً فتزوج في سنة ١٩٣٤ كريمة الشيخ محمد إبراهيم فهدت له حياة من الطمأنينة والهدوء وانتقل بها من الأزهر إلى حی الدقى واستمر يرسل المقالات إلى فرنسا وينشر الكتب مستريحاً إلى عطف زوجته ورعايتها ورزقه الله بفتاتين سمى إحداهما خديجة والأخرى ليلى ورزقه بولد سماه أحمد كان له قرة عين وبعد وفاته بأربعة أشهر أنت زوجه بولد سمته عبد الواحد
حی
ولقد حاول الشيخ عبد الواحد بمجرد وصوله إلى القاهرة أن ينشر فيها الثقافة الصوفية فساهم ماليا وأدبيًّا فى إخراج مجلة المعرفة وقد بدأت المجلة وعليها طابع التصوف ولكنها فيما يبدو لم تجد الإقبال المنتظر فأخذت
تتسم شيئاً فشيئاً بالطابع الأدبى ثم توقفت عن الصدور بعد ثلاث سنوات من حياتها ومكث الشيخ عبد الواحد فى القاهرة يؤلف الكتب ويكتب المقالات ويرسل الخطابات إلى جميع أنحاء العالم كان حركة دائمة حركة فكرية وروحانية
ترسل بسنائها إلى كل من يطلب الهداية والرشاد واستمر هكذا إلى أن أتاه المصير المحتوم في ٧ يناير سنة ١٩٥١ تحيط به أسرته الكريمة وبجواره السيدة فلنتين دي سان بوان تلك السيدة العظيمة التي أقامت في القاهرة منذ سنة ۱۹٤ واستقبلت الشيخ عند حضوره واستمرت صديقة له طيلة إقامته بالقاهرة ثم ودعته الوداع الأخير
۹۹
كانت هذه السيدة أديبة مشهورة وصحفية لامعة ولا عجب في ذلك فقد كانت من أسرة لا مرتين وقد اعتنقت الإسلام وناضلت عنه جزاها الله خير الجزاء ولقد وصف الكاتب المشهور أندريه روسو - حيث كان في القاهرة إذ ذاك جنازة الشيخ عبد الواحد فكتب فى جريدة الفيجارو الفرنسية يقول شیعت جنازته فى اليوم التالى لوفاته فذبح تحت نعشه كما هی العادة
كبش وأسيل
دمه على عتبة المنزل وسار فى الجنازة زوجه وأطفاله الثلاث
L
واخترقت الجنازة البلدة إلى أن وصلت إلى مسجد سيدنا الحسين حيث صلى عليه ثم سارت الجنازة إلى مقبرة الدراسة لقد كانت جنازة متواضعة مكونة من الأسرة ومن بعض الأصدقاء ولم يكن فيها أى شيخ من مشايخ الأزهر ودفن الشيخ عبد الواحد في مقبرة أسرة الشيخ محمد إبراهيم
6
وكان آخر ما قال لزوجه كونى مطمئنة لن أتركك أبداً حقيقة أنك لا ترينني ولكننى سأكون هنا وسأراك ويضيف روسو والآن حينما لا يلتزم أحد أطفالها الهدوء فإنها تقول له كيف تجرؤ على ذلك أن والدك ينظر إليك فيلتزم الطفل السكون في حضرة والده اللامرئى
وفي 9 يناير وصلت إلى باريس برقية تعلن وفاة رينيه جينو الفيلسوف والمستشرق الفرنسي وما إن وصلت هذه البرقية حتى أخذت الصحف والمجلات تنشر مختلف المقالات عن الشيخ تحت عناوين مختلفة منها حكيم كان يعيش في ظل الأهرامات فيلسوف القاهرة أكبر الروحانيين في العصر الحديث ووصفوه بالبوصلة المعصومة وبالدرع الحصين ثم خصصت له مجلة إيتود ترا ديسيونيل عدداً ضخماً كتب فيه الكثيرون من كتاب فرنسا أروع
المقالات
۳۰۰
وكذلك خصصت له مجلة فرنسا - آسيا عدداً ضخماً كتب فيه كذلك كثير من الكتاب الفرنسيين ولكن جينو كان عالميًّا ولذلك أوسعت المجلتان صدرهما لكتاب الألمان والإنجليز وغيرهم من غربيين وشرقيين فكتبوا المقالات المستفيضة التي تناولت آثاره بالتحليل والتقدير وأخيراً خصه الكاتب الفرنسي الشهير بول سران بكتاب خاص تناول فيه نواحيه المتعددة مبدياً إعجابه العظيم
وتقديره السامي
ولكن ما كتب عنه لم يكن كله من هذا النمط فقد كان هناك أعداؤه كان هناك الماسونيون المنحرفون وكان هناك المسيحيون الحانقون وكان هناك المشايعون لهذه الحضارة المادية التى هاجمها جينو ولعنها في غير ما رأفة أو رحمة وقد كتب هؤلاء كلهم ضد جينو واحتد الخلاف بين أنصاره وأعدائه وكانت النتيجة من ذلك كله خيراً وبركة فقد حث ذلك الكثيرون على قراءة كتب جينو وفي قراءته الخير كل الخير وكانت النتيجة المباشرة لذلك كله أن اضطربت وتهافتت حجج المبشرين ضد الإسلام وأخذ الإسلام يغزو أوربا في بعض أفراد من طبقتها المثقفة وتكونت الجمعيات في فرنسا وسويسرا تريد أن تنهج نهج الشيخ
عبد الواحد وتسير على منواله
ولا يتأتى أن نترك المجال دون أن نذكر بعض ما سبق أن كتبناه عن الشيخ لقد كتبنا عنه في الكتيب الذى نشرناه بعنوان أوربا والإسلام ما يلى أما الذي كان إسلامه ثورة كبيرة هزت ضمائر الكثيرين من ذوى البصائر الطاهرة فاقتدوا به واعتنقوا الإسلام وكونوا جماعات مؤمنة مخلصة تعبد الله على يقين فى معاقل الكاثوليكية فى فرنسا وفى سويسرا فهو العالم الفيلسوف الحكيم الصوفى رينيه جينو الذي يدوى اسمه فى أوروبا قاطبة وفي أمريكا
والذي يعرفه كل هؤلاء الذين يتصلون اتصالا وثيقاً بالدراسات الفلسفية الدينية في
أوربا أو في أمريكا
وكان سبب إسلامه بسيطاً منطقياً في آن واحد
لقد أراد أن يعتصم بنص مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلم يجد - بعد دراسة عميقة - سوى القرآن فهو الكتاب الوحيد الذي لم ينله تحريف ولا تبديل لأن الله تكفل بحفظه وحفظه حقيقة إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون لم يجد سوى القرآن نصا مقدساً صحيحاً فاعتصم به وسار تحت لوائه فغمره الأمن النفساني في رحاب الفرقان ومؤلفاته كثيرة مشهورة من بينها كتاب أزمة العالم الحديث بين فيه الانحراف الهائل الذى تسير فيه أوربا الآن والضلال المبين الذي أعمى الغرب عن سواء السبيل
أما كتابه الشرق والغرب فهو من الكتب الخالدة التي تجعل كل شرقى يفخر بشرقيته وقد رد فيه إلى الشرق اعتباره مبيناً أصالته في الحضارة وسموه في التفكير وإنسانيته التي لا تقاس بها مادية الغرب وفساده وامتصاصه للدماء وعدوانه الذي لا يقف عند حد لا وظلمه المؤسس على المادية والاستغلال ومظهراً في كل صفحة من صفحاته نبل الشرقيين وعمقهم وفهمهم للأمور فهماً
يتفق
!
الفضيلة مع أسمى المبادئ الإنسانية ومع وقد كتبنا عنه تقريراً لإحدى جامعاتنا المصرية للتعريف به ننشره فيما يلى رينيه جينو من الشخصيات التي أخذت مكانها فى التاريخ يضعه المسلمون بجوار الإمام الغزالي وأمثاله ويضعه غير المسلمين بجوار أفلوطين صاحب الأفلاطونية الحديثة وأمثاله
۳۰
وإذا كان الشخص في بيئتنا الحالية لا يُقَدَّرُ التقدير الذي يستحقه إلا بعد وفاته فقد كان من حسن حظ رينيه جينو أنه قدر في أثناء حياته وقدر
بعد وفاته أما في أثناء حياته فكان أول تقدير له أن حرمت الكنيسة قراءة كتبه والكنيسة لا تفعل هذا إلا مع كبار المفكرين الذين تخشى خطرهم وقد وضعته
بذلك بجوار عباقرة الفكر الذين اتخذت تجاههم نفس المسلك ولكنها رأت في رينيه جينو خطراً يكبر كل خطر سابق فحرمت حتى الحديث عنه وإذا كان هذا تقديراً سلبيًّا له قيمته فهناك التقدير الإيجابي الذي لا يقل في أهميته عن التقدير السلبي فهناك هؤلاء الذين استجابوا لدعوة رينيه جينو فألفوا جمعيات في جميع العواصم الكبرى فى العالم و على الخصوص في سويسرا وفى فرنسا والمكونون لهذه الجمعيات احتذوا حذو رينيه جينو فاتخذوا الإسلام ديناً والطهارة والإخلاص وطاعة الله شعاراً وديدنا
وسط هذه المادية السابغة وهذه الشهوات المتغلبة واحات جميلة
ويكونون يلجأ إليها كل من أراد الطهر والطمأنينة ومن التقدير الإيجابي أيضاً أن كتبه برغم تحريم الكنيسة لقراءتها قد انتشرت في جميع أرجاء العالم وطبعت المرة بعد الأخرى وترجم الكثير منها إلى اللغات الحية الناهضة ماعدا العربية للأسف الشديد ومن الطريف أن بعض الكتب ترجم إلى لغة الهند الصينية ووضعت كشرح للوصية الأخيرة من وصايا الدالاي لاما ولم يكن يوجد في الغرب شخص متخصص في تاريخ الأديان إلا وهو على علم بآراء رينيه جينو
جميع
كل هذا التقدير كان في حياته
أما
بعد مماته فقد زاد هذا التقدير لقد كتبت عنه جميع صحف العالم
ومنها بعض الصحف المصرية العربية كالمصور مثلا الذي كتب عنه في
۳۰۳
استفاضة والصحف الإفرنجية أيضاً كمجلة إيجيت نوفل
""
التي أخذت
تكتب عنه عدة أسابيع ثم أخذت تكتب عنه كل عام في ذكرى وفاته وقد خصصت له مجلة فرنسا - آسيا وهى مجلة محترمة عدداً ضخماً كتب فيه كبار الكتاب الشرقيين والغربيين وافتتحته بتقدير شاعر فرنسا الأكبر أندريه جيد لـ رينيه جينو وقوله في صراحة لا لبس فيها إن آراء رينيه جينو لا تنقض
وخصصت مجلة إيتود ترا ديسيونيل وهى المجلة التي تعتبر في الغرب كله لسان التصوف الصحيح عدداً ضخماً أعدادها من كتب فيه أيضاً كبار
الكتاب الشرقيين والغربيين
ثم خصص له الكاتب الصحفى الشهير بول سيران كتاباً ضخماً تحدث فيه عن حياته وعن آرائه ووضعه كما وضعه الآخرون الذين كتبوا عنه في المكان اللائق به بجوار الإمام الغزالى أو الحكيم أفلوطين
مرهف
نشأ و رينيه جينو فى فرنسا من أسرة كاثوليكية ثرية محافظة نشأ الحس مرهف الشعور مرهف الوجدان متجهاً بطبيعته إلى التفكير العميق والأبحاث الدقيقة وهاله حينما نضج تفكيره ما عليه قومه من ضلال فأخذ يبحث في جد عن الحقيقة ولكن أين هي أفى الشرق أم في الغرب وهل هي في السماء أم في الأرض أين الحقيقة سؤال وجهه رينيه جينو إلى نفسه كما وجهه من قبل إلى
وجهه
نفسه الإمام المحاسبي والإمام الغزالي والإمام محيى الدين بن عربي وكما من قبلهم عشرات من المفكرين الذين أبوا أن يستنيموا للتقليد الأعمى وتأتى فترة الشك والحيرة والألم الممض ثم يأتى عون الله وكان عون الله بالنسبة لـ رينيه جينو بهرته أشعة الإسلام الخالدة وغمره ضياؤه الباهر فاعتنقه
٣٠٤
وتسمى باسم الشيخ عبد الواحد يحيى وأصبح جنديا من جنوده يدافع عنه ويدعو إليه أمثلة ذلك ما كتبه فى كتابه * رمزية الصليب تفنيداً للفرية التي ومن تقول إن الإسلام انتشر بالسيف ومن أمثلة ذلك أيضاً ما كتبه في العدد الخاص
الذي أصدرته مجلة كاييه دى سود في عددها الخاص بالإسلام والغرب دفاعاً عن الروحانية الإسلامية لقد أنكر الغربيون روحانية الإسلام أو قللوا من شأنها وأشادوا بروحانية المسيحية وأكبروا من شأنها ووضعوا التصوف المسيحي في أسمى مكانة وقللوا من شأن التصوف الإسلامي
كتب الشيخ عبد الواحد يحيى مبيناً سمو التصوف الإسلامي وروعته وقارن بينه وبين ما يسمونه بالتصوف المسيحى أو الميستيسيسم وانتهى بأن هذا الميستيسيسم لا يمكنه أن يبلغ ولا عن بعد ما بلغه التصوف الإسلامي من سمو
وإنما
ومن جلال على أن الشيخ عبد الواحد يحيى لم يشد بالإسلام فحسب كتبه وفي مواضع لا يأتى عليها الحصر بالشرق ثم خصص جميع
أشاد في كتابا ضخمًا بعنوان الشرق والغرب تزيل قراءته من نفس كل شرق مركب النقص الذي غرسه الاستعمار فى نفوس الشرقيين فى هذه السنوات الأخيرة لقد دأب الاستعمار على أن يغرس في نفوس الشرقيين أنهم أقل حضارة بل أقل
إنسانية من الغربيين
وأتى الشيخ عبد الواحد فقلب الأوضاع رأسا على عقب وبين للشرقيين
قيمتهم وأنهم منبع النور والهداية ومشرق الوحى والإلهام إن كل شرق يفخر بشرقيته بمجرد قراءته لهذا الكتاب وهو ليس كتابا يشيد بالشرق على الأسلوب الصحفى أو على الطريقة الإنشائية وإنما هو كتاب علمى
بأدق المعاني لكلمة وهذا وحده يكفى لأن يقيم الشرقيون مظاهر التكريم للشيخ
علم
عبد الواحد
اعترافا
منهم
بالجميل والله الموفق
٣٠٥
- دفاعه عن الإسلام
لقد أخذ المبشرون منذ زمن بعيد يختلقون الأباطيل ضد الإسلام ولكنهم كانوا كناطح الصخرة يرتد عنها واهن القوى والله غالب على أمره إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
لقد اتهم المبشرون الإسلام بأنه لا يثمر الروحانية العميقة فرد الشيخ عبد الواحد هذه الشبهة رداً عنيفاً في فصل عن التصوف الإسلامي مقارناً بينه وبين التصوف المسيحى وسنتحدث عنه فيما بعد
واتهم المبشرون الإسلام بأنه دين سيف لم ينتشر بالبرهان وإنما انتشر بحد الحسام وأرجفوا بأن الحضارة الإسلامية لم تتسم بالقوة الذاتية التي تجعلها تؤثر في أقاليم غير التي نشأت فيها ولذلك كانت حضارة إقليمية محلية تسهم في التقدم
الإنساني
وكما رد الشيخ عبد الواحد على التهمة الأولى في أبحاثه عن التصوف فقد رد كذلك على التهمتين الأخيرتين بما لا يدع لأراحيف المبشرين
الإسلامي
مكاناً ونحن نذكر رده فيما يأتي
۱ - الإسلام والسيف
تعود الغربيون أن ينظروا إلى الإسلام على أنه دين يتميز بطابعه الحربي وإذا ذكر السيف في النصوص الإسلامية فهمه الغربيون فهما حرفيا ولم يتأت لهم قط أن يسألوا أنفسهم عما إذا كان له معنى آخر
ومما لاشك فيه أن الإسلام لا يخلو من جانب حربى ولكن ذلك ليس
خاصا
٣٠٦
بالإسلام فإنه يوجد في أكثر الأديان ويوجد في المسيحية إننا لا نريد في هذا المقام أن نذكر كلمة المسيح نفسه لم آت لأحمل إليكم سلاما وإنما أتيت بالسيف لأنها قد تحمل محمل السخرية ولكن تاريخ المسيحية فى العصور الوسطى أعنى تلك العصور التي انتشرت فيها وازدهرت يقدم لنا الدليل الكافي على جانبها الحربى بل إن الديانة الهندية التي يأخذ عليها كثير من الناس أنها لا تدعو إلى العمل لا تخلو من الجانب الحربي الذي يتمثل في بعض نصوصها
إن أى شخص لم يعمه رأى فطير عن رؤية الحق من السهل عليه أن يفهم أن الحرب ما دامت موجهة ضد هؤلاء الذين يعبثون بالنظام الاجتماعي فإنها تعتبر من أجل إعادة النظام واستتبابه إنها ليس إلا مظهرا من مظاهر العدل حينما يفهم العدل بمعناه الأعم لابد إذن من الجانب الحربي في كل دين لتحقيق العدالة وإشاعة الأمن ونشر الطمأنينة والنظام
مشروعة
ذلك فإن هذه النظرة إلى الحرب إنما هى النظرة الظاهرة الشكلية أما ومع النظرة الحقيقية الباطنة فإنها تنظر إلى الحرب على أنها رمز للجهاد العنيف الذي يجب أن يقوم به الإنسان ضد أعدائه الذين بين جنبيه أعنى ضد كل العناصر التي تعمل في داخله ضد النظام والوحدة وسواء كنا بصدد النظام في المجتمع أو بصدد النظام الروحى للشخص فإن الحرب يجب أن تتجه أيضاً وباستمرار إلى توطيد التوازن والتناسق - من أجل ذلك تعلقت حقيقة و بالعدل - وإعادة الوحدة نوعاً ما بين مختلف العناصر التي تتعارض وتتصارع فيما بينها وهذا يرشد في وضوح إلى أن نتيجة الحرب الطبيعية هي الانسجام والعلة الوحيدة التي تبرر وجودها في الإسلام إنما هي السلام والسلام لا يتأتى
حقيقة إلا بالاستسلام التام للمشيئة الإلهية الإسلام
وأظن أننا لسنا فى حاجة إلى أن نبين العلاقة الوثيقة في اللغة العربية بين كلمة
الإسلام والسلام فإن ذلك من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تبيان وفى السنة الإسلامية يتمثل هذان المعنيان للحرب وتتمثل نسبة أحدهما إلى الآخر واضحة جلية في حديث شريف قاله الرسول صلي الله عند رجوعه من إحدى الغزوات وهو رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فالحرب المقدسة الخارجية هي الجهاد الأصغر فى حين الحرب الداخلية حرب النفس هي الجهاد الأكبر وأهمية الجهاد الأصغر إذن تعتبر ثانوية بالنسبة لأهمية الجهاد الأكبر وفى مثل هذه الأحوال يكون من الطبيعى جدا أن ما يستعمل فى الحرب الخارجية قد يتخذ رمزاً فما يتعلق بالحرب الداخلية ويتمثل ذلك على الخصوص فما يتعلق بالسيف ومما ينبغي ملاحظته أن الخطيب فى أثناء خطبة الجمعة يمسك بيده سيفاً وإنه لمن الواضح أن الخطيب حينئذ ليس في حالة حرب بالمعنى العادى لهذه الكلمة على أن سيفه عادة يتخذ من خشب فلا يمكن والحالة هذه إلا أن يكون رمزاً إنه على الخصوص رمز لقوة تأثير الكلام في النفس أما حداه فإنهما رمز للبناء والهدم بواسطة الأسلوب إن الخطيب يمكنه أن يقود المستمعين إلى الإيمان بفكرة أو أن ينفي من رءوسهم الإيمان بها
بالخطابة
وهذه المعانى الرمزية للسيف لا توجد في الإسلام فحسب وإنما وجدت في غيره من الديانات والسيف أحيانًا رمز للمحور وهذه الفكرة نفسها تذكرنا بالهدف الذي اتخذه الإسلام للحرب المقدسة سواء كانت داخلية أم خارجية - أعنى التناسق والانسجام - ومن البين الواضح أن المحور هو ا المكان الذي ينسجم عنده المتعارضون ويزول تعارضهم أو بتعبير آخر هو مكان التوازن الكامل وهو الوسط الذي لا يطرأ عليه التغير ومما ينبغي ملاحظته بالنسبة للإسلام أنه يفرق بين حرب و جهاد
۳۰۸
فإذا كان الأمر أمر مبادئ عليا أمر إعلاء كلمة الله فالواجب الجهاد أعنى الحرب المقدسة الحرب من أجل الحق وذلك هو المشروع في الإسلام أما غير ذلك فإنه حرب وليس بجهاد وهكذا يرمز السيف في الإسلام إلى التوازن الاجتماعي العدالة وإلى سيطرة الإنسان على أهوائه الجهاد الأكبر وإلى وجوب انسجام الفرد والمجتمع فى وحدة لا تعارض فيها كوحدة المحور الذي لا يعتريه التغير أبداً
إن ما سبق إنما هو جمع لبعض الملاحظات التي كان من الممكن أن نتوسع فيها ونتعمق ولكنها على ما هي عليه تبين فى وضوح أن الذين لا يفهمون من معنى السيف في الإسلام إلا المعنى المادى بعيدون كل البعد عن الحقيقة
٢ - أثر الثقافة الإسلامية في الغرب إن كثيراً
من الغربيين لم يدركوا قيمة ما اقتبسوه من الثقافة الإسلامية
"
أو يفقهوا حقيقة ما أخذوه عن الحضارة العربية فى القرون الماضية بل ربما لم يدركوا منهما شيئاً مطلقاً وذلك لأن الحقائق التي تلقى إليهم حقائق مشوهة حظها من الصحة قليل فإنها تبالغ كل المبالغة في الحط شأن الثقافة من الإسلامية والتقليل من قدر المدنية العربية كلما أتاحت الظروف لأصحابها ذلك ويلاحظ أن دراسة التاريخ فى المعاهد الغربية لا توضح هذا التأثير بل إن الحقائق تناولتها يد التحوير والتحريف قصداً في كثير من الحوادث عظيمة الشأن جليلة الخطر مثال ذلك ما هو شائع معروف من أن أسبانيا ظلت تحت الحكم الإسلامي عدة قرون في حين لا يذكر التاريخ الغربى أن صقلية والجزء الجنوبي الحالي لفرنسا كانا تحت الحكم الإسلامي أيضاً وربما عزا البعض هذا الإهمال من المؤرخين إلى تعصبهم الدينى ولكن ما هى حجة المؤرخين المعاصرين – وغاليهم
۳۰۹
لا ديني - في موافقتهم أسلافهم في قلب الحقائق لهذا ينبغي أن ندرك مقدار زهو الغربيين وكبريائهم مما منعهم عن إدراك الحقائق الصحيحة ومقدار ما هم مدينون به للشرق والأغرب من ذلك كله أنه بينما يعتبر الأوربيون أنفسهم الورثة المباشرين للمدنية اليونانية القديمة فإن الحق يدحض زعمهم هذا إذ أن الواقع المعروف من التاريخ نفسه يثبت لنا أن علوم اليونان وفلسفتهم لم تنتقل إلى الأوربيين إلا بواسطة المسلمين وبعبارة أخرى لم تصل المخلفات العقلية لليونانيين إلى الغرب إلا بعد أن درسها الشرق ولولا علماء الإسلام وفلاسفتهم لظل الغربيون جاهلين بتلك العلوم زمناً طويلا بل ربما لم يدركوها كلية وينبغي أن نلاحظ أننا نبحث هنا عن مقدار تأثير الحضارة الإسلامية لا العربية فحسب كما يختلط على البعض أحياناً وذلك لأن معظم من حاولوا نقل هذه الثقافة الإسلامية لم يكونوا من العرب المخلص وإذا كانت لغتهم عربية فإن ذلك ناتج عن الإسلامي وما دمنا قد ذكرنا اللغة العربية فإننا نلاحظ دليلا
6
تأثرهم بدينهم واضحاً يثبت لنا انتقال المؤثرات الإسلامية فى الغرب وهو تلك الكلمات العربية الأصل والمنبت التي تستعمل تقريباً في كل اللغات الأوربية بل مازالت تستعمل حتى وقتنا هذا على أن معظم الغربيين الذين يستعملونها يجهلون حقيقة مصدرها كل الجهل وإنما أن الكلمات هى التى تستعمل لنقل الأفكار وإظهار ما تكنه النفوس فإن من السهل علينا جدا أن نستنتج انتقال تلك الأفكار والآراء الإسلامية نفسها وفى الحق أن تأثير الحضارة الإسلامية قد تناول لدرجة بعيدة وبشكل محسوس كل العلوم والفنون والفلسفة وغير ذلك وقد كانت بلاد الإسبان مركز الوسط الهام الذى انتشرت منه تلك الحضارة وليس غرضنا الآن أن نفحص كل هذه الأنواع بالتفصيل ونرى مقدار ما خلفته الثقافة الإسلامية فيها ولكنا نركز بحثنا في بعض نقط نعتقد أنها من الأهمية بمكان وإن قل من يدركها
۳۱۰
في وقتنا هذا
فأما عن
أما عن العلوم فمن السهل أن نفرق بين العلوم الطبيعية والعلوم الرياضية الأولى فإنا نعلم علم اليقين أنها انتقلت بكلياتها وجزئياتها إلى أوربا عن طريق الحضارة الإسلامية مصبوغة بالصبغة الإسلامية تماماً فالكيمياء احتفظت دائماً باسمها العربي الذي أصله إلى مصر القديمة والذي كان له معنى من يرجع أعمق المعاني التي لم يعرفها الكيميائيون الحديثون حقيقة ولنضرب مثلا آخر بعلم الفلك فإن أكثر اصطلاحاته الخاصة ما تزال محتفظة في كل اللغات الأوربية بأصلها العربي كما أن كثيراً من النجوم ما يزال علماء الفلك في كل الأمم يطلقون عليها أسماءها العربية وهذا يرجع إلى أن مؤلفات الفلكيين اليونانيين القدماء مثل بطليموس الإسكندرية كانت معروفة فى التراجم العربية ومجتمعة مع ومن السهل جدا أن نوضح أن كثيراً من المعارف الجغرافية الخاصة
المؤلفات
الإسلامية بالمناطق السحيقة في آسيا وأفريقيا عرفت من الرحالة العرب الذين جابوا كثيراً من الأقطار وحملوا معهم معلومات جمة أما من ناحية الاختراعات – وهي تابعة للعلوم الطبيعية - فقد انتقلت أيضاً بنفس الطريق أى بواسطة المسلمين وما تزال قصة الساعة المائية التي أهداها الخليفة هارون الرشيد إلى الإمبراطور شارلمان عالقة بالأذهان ثابتة الواقع
أما الرياضيات فيجب أن نعيرها التفاتاً خاصا وذلك لأهميتها في هذا البحث فإن ميدانها الواسع لا نرى فيه علوم اليونان فحسب, بل نرى فيه أكبر الأثر للثقافة الإسلامية مضافاً إليها علوم الهند أيضاً أما اليونانيون فقد بلغوا درجة الكمال في الهندسة وعلم الأرقام ويلاحظ أن الأخير يرتبط دائماً مع الأول في الأشكال الهندسية المناسبة وهذا التوافق الذى كان للهندسة يظهر لنا جليًّا في الجملة التي حفرها أفلاطون على مدخل مدرسته لا يدخله إلا عالم بالهندسة
۳۱۱
ولكن يوجد علم آخر من الرياضيات يتبع علم الأرقام ولكنه لم يكن معروفاً - كالعلوم الأخرى - في اللغات الأوربية بالاسم اليوناني لأنه لم يكن معروفاً بين اليونانيين القدماء هذا هو علم الجبر الذي كان مصدره الأول الهند
ما قدمناه وهي
أنه
والذي يسهل علينا من اسمه العربي أن نعرف طريق انتقاله إلى الغرب حقيقة أخرى حان حين ذكرها ولو أنها قليلة الأهمية ولكنها تدل أيضاً على من الشائع في كل مكان أن الأرقام التي يستعملها الأوربيون هي نفس الأرقام التي استعملها العرب ولو أن مصدرها الأول هو الهند لأن علامات العد التي كان العرب يستعملونها قديماً ما هي إلا حروف الهجاء نفسها وإذا انتقلنا من بحث العلوم إلى بحث الفنون فإننا نلاحظ أن كثيراً من المعاني التي جادت بها قرائح الكتاب والشعراء المسلمين في الأدب والشعر قد أخذت و استعملت في الأدب الغربي بل أكثر من هذا فإن بعض كتاب الغرب وشعرائه قد قلدوا تمام التقليد بعض كتاب المسلمين وشعرائهم وكذلك نلاحظ أن أثر الثقافة الإسلامية واضح كل الوضوح وبصفة خاصة في فن البناء وذلك في العصور الوسطى فمن ذلك شكل القوس المعقود الذي صار متميزاً بنفسه حتى صار يدل على طريقة خاصة للبناء كان يستعمل فيها وقد كان مصدره فن البناء الإسلامي ولو أن كثيراً من النظريات الخيالية اخترعت لمخالفة هذه الحقيقة هذه النظريات وجود رواية يتناقلها دائماً البناءون أنفسهم وهي تثبت انتقال هذه الطريقة من الشرق وقد كان لهذه الحقيقة صفة سرية جعلت لغتهم معنى رمزياً فكانت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم الأرقام وقد نسب هذا العلم في مصدره الأول لهؤلاء الذين بنوا هيكل سيدنا سليمان ومهما يكن من أمر هذا المصدر البعيد فلا يمكن بحال ما أن يكون انتقاله إلى أوربا إلا بواسطة العالم الإسلامي ومما يحسن ذكره أن هؤلاء المعماريين - وقد كانوا هيئات متحدة لها
ومما هدم
۳۱
الفلسفة
شعائر خاصة – كانوا يعتبرون أنفسهم كأنهم أجانب في الغرب حتى فى مساقط رءوسهم وقد ظلت هذه التسمية حتى الآن على أن هذه الأمور صارت غير معروفة إلا للقليلين جدا في هذه النظرة العجلى ينبغي أن نذكر بصفة خاصة نوعاً آخر هو ا فقد بلغ التأثير الإسلامى في القرون الوسطى مبلغاً عظيماً لم يستطع أشد خصوم الشرق تعصباً أن ينكر قوته وهذا صحيح فإن أوربا لم يكن فيها من وسيلة أخرى لمعرفة الفلسفة اليونانية في ذلك الزمن وذلك لأن التراجم اللاتينية لأفلاطون وأرسطو - وهي التي استعملت حينئذ - لم تنقل أو تترجم من الأصل اليوناني مباشرة بل أخذت من الترجمة العربية السالفة وأضافوا إليها ما كتبه المعاصرون المسلمون في الفلسفة الإسلامية ومن أولئك المعاصرين ابن رشد وابن سينا
وغيرهما
والفلسفة التي كانت معروفة فى ذلك الوقت باسم الفلسفة المدرسية كانت تتميز بها الفلسفة الإسلامية واليهودية والمسيحية ولكن من الإسلام استمد النوعان الآخران مصدرهما بل إن الفلسفة اليهودية - وهي التي ازدهرت في أسبانيا - كانت لغتها عربية وذلك ثابت ويرى فى المؤلفات الهامة لموسى بن ميمون وعنه نقل فيلسوف يهودی آخر - بعد قرون عديدة – كثيراً من فلسفته الخاصة ذلك هو سبينوزا
وليس من الضروري أن نصر على بحث أشياء معلومة لكل من درس شيئاً من تاريخ الفكر بل يحسن أن نبحث أخيراً في أشياء أخرى من نوع مختلف لا يعرفه معظم الحديثين خصوصاً فى الغرب بل لا يكاد يكون لأحد ما أية فكرة ذات أهمية عنه ولكن من وجهة نظرنا نرى له أهمية كبيرة أكثر من كل المعارف الخارجية التى تحتويها العلوم والفلسفة وما نقصده بهذا هو التصوف وما يتصل
۳۱۳
به أو يعتمد عليه من أنواع المعرفة الأخرى الثانوية - التي تختلف عن تلك العلوم التي يدرسها الحديثون كل الاختلاف
وليس للغرب في وقتنا هذا شيء من أمثال تلك العلوم على حقيقتها بل أكثر من هذا أن الغرب لا يعرف أيضاً من المعارف الحقة كالتصوف أو ما يماثله شيئاً مطلقاً على أن هذه الحال لم تكن هي الحال في القرون الوسطى وهذه المعارف لها أيضاً أثرها الإسلامي البين الواضح بأجلى وضوح فى تلك العصور ومن السهل جدا ملاحظة أثر ذلك فى بعض المؤلفات التي تختلف معانيها الحقيقية عن الثمرات الأدبية كل الاختلاف
وقد بدأ هذا النوع يتضح لبعض الأوربيين أنفسهم وذلك خلال دراساتهم لأشعار دانتي الإيطالى ولكنهم لم يدركوا ماهية طبيعتها الحقة ومنذ سنين عدة كتب المستشرق الإسباني دون ميجيل آسين بلائيوس كتاباً عن المؤثرات الإسلامية في مؤلفات دانتي جاء فيه أن جزء كبيرًا من الرموز والإشارات التي استعملها دانتي كان يستعملها قبله بعض المحققين والكتاب المسلمين وبخاصة سیدى محيي الدين بن عربي ولكن لسوء الحظ نرى أن ملاحظاته لم تتعد التخيلات الشعرية على أن هناك كاتباً آخر إيطالى الجنس هو لويجي فاللي تعمق بعض التعمق فى البحث - فذكر أن كانتى لم يكن وحده الذي استعمل الإشارات الماثلة لما كان مستعملاً في الشعر الصوفى الفارسي والعربي بل إن كثيراً من الشعراء المعاصرين لدانتي في مملكته كانوا أعضاء فى اتحاد أو هيئة سرية تسمى أمناء الحب وكان دانتي نفسه أحد رؤساء تلك الهيئة
ولما حاول لويجي فاللي أن يحل ألغاز لغتهم السرية لم يتمكن من إدراك ما كانت تتميز به تلك الهيئة أو ما يماثلها من الهيئات التي وجدت في أوربا أيام القرون الوسطى على أن الحق هو أن بعض الشخصيات السرية كانت تستتر خلف
٣١٤
وليس
تلك الهيئات لتكون مصدر إرشاد لها وقد كانت تلك الشخصيات السرية تعرف بأسماء مختلفة من أهمها تلك التسمية و إخوان الوردة والصليب لهؤلاء قواعد مكتوبة يسيرون عليها كذلك لم يكن لهم اجتماعات معينة وكل ما كانوا يعرفونه به هو أنهم وصلوا إلى حالات روحية خاصة ويمكننا أن نصفهم
بأنهم صوفيون غربيون أو على الأقل متصوفة في درجات عالية وقد قيل إن هؤلاء و الإخوان الذين كانوا يتسترون بألبسة البنائين ورموزهم كانوا يعلمون الكيمياء وعلوماً أخرى تماثل ما كان مزدهراً من العلوم في العالم
الإسلامي
والحق أنهم كانوا حلقة اتصال بين الشرق والغرب وكانوا على اتصال مباشر بالصوفيين المسلمين وقد كان ذلك الاتصال يستتر وراء رحلات مؤسسهم الخيالي وليس هذا معروفاً في التاريخ الذى لا يتعمق كثيراً في البحث بل يكتفى فقط بمظهر الحوادث الخارجي مع أن هناك المفتاح الحقيقي الذي يفتح لنا مغاليق كثير من الأشياء ولولاه لاستمرت دائماً غير واضحة بالمرة
هذا جزء من كل من أثر الثقافة الإسلامية فى الغرب ولكن الغربيين لا يريدون أن يعترفوا به في وضوح لأنهم لا يريدون أن يعترفوا بفضل الشرق عليهم ولكن الزمن كفيل بتبيان الحقائق التي يريدون إخفاءها
تمهید
ه - في المعرفة
كيف نصل إلى المعرفة المعرفة الحقة معرفة ما وراء الطبيعة كيف نخترق الحجب ونكشف المساتير ونزيل النقاب عن الملا الأعلى فنصل إلى الروح وإلى الملائكة وإلى الله كيف نصل إلى اليقين أيكون ذلك عن طريق
٣١٥
الروحانية الحديثة أم عن طريق الفلسفة الحديثة
سنذكر فيما يلى رأى الشيخ عبد الواحد في هذين الأمرين اللذين يعدهما بعض الناس خطأ وسائل للمعرفة
ثم نتبع ذلك بالوسيلة الصحيحة للمعرفة في نظره وهي التصوف
١ - الروحانية الحديثة وخطؤها
أولا
من
مائة
من أخطر الأغلاط الغربية الحديثة واحدة ثبتت في أمريكا منذ أقل سنة ٧ أي سنة ١٨٤٧ م وعرفت باسم [ الروحانية الحديثة ] ويمكن تحديد معناها بأنها ثبوت إمكان الاتصال بالموتى بواسطة وسائل مادية أما كيف بدأت فإنها لاحت فى بعض ظواهر طبيعية كانبعاث أصوات وتحرك أشياء في أحد المنازل بدون ما سبب واضح لها أما هذه الظواهر فقد لوحظت في كل زمان ومكان فلا يمكن القول بأنها ظواهر شاذة فلماذا إذن يستولد منها الغربيون عقيدة جديدة في تلك الحالة الخاصة فى حين لم يفكر أحد في شيء من ذلك من قبل !
الحق أنهم ثاروا على تلك المادية المنتشرة فى العالم فعملوا على إيجاد وسيلة سرية تعمل على هدمها ولكن إذا اعتبرنا أن غايتهم من ذلك حسنة فإنَّ الوسائل التي استعملوها لبلوغ غايتهم لم تكن كذلك
من
وحقيقة أن الباطل هو شر دائماً ولذا يمكننا أن نوافق على ما يدعيه البعض
فإنها
أن الغاية تبرر الواسطة وفى الواقع أن الواسطة إذا لم تكن صالحة تماماً فـ كثيراً أما تنقلب سريعاً ضد الغاية المرجوة وإننا إذا تخيلنا صورة الحياة بعد الموت
على مثال صورة حياة الجسم على الأرض وهى التى انقاد إليها أتباع العقيدة
۷ مجلة المعرفة صفر سنة ١٣٥٠ هـ يولية سنة ١٩٣١ م
٣١٦
الجديدة فيمكننا أن نعتبر أن ما يسمى الروحانية الحديثة ما هي في الحقيقة إلا مادية من نوع آخر بل أكثر ضرراً من المادية لأنها تخلق الأوهام والتخيلات في حقيقة طبيعتها حتى تتمكن من التأثير فى الذين لم يقبلوا الآراء المادية الصريحة الشائعة أكثر من هذا أن فيها خطراً آخر ويكفي أن نرى كم من الأشخاص - بواسطة ما يسمى الاتصال بالموتى - أصيبوا بالجنون أو الخراب ثم الانتحار عند ذلك يكون لنا الحق في التصريح بأن هذا التعليم الذي يجلب مثل هذه العواقب هو لعنة على بنى الإنسان وهذه العدوى المزمنة التي رسخت في عقول الكثيرين من الأشخاص الطاهرى السريرة وذوى النوايا الطيبة هذا الخطر ينتشر فى الشرق بل لا نغالى إذا قلنا إنه امتد إلى الشرق الأقصى حيث نلاحظ - منذ سنوات قليلة - انبعاث دين جديد من الهند الصينية يسمى کاؤدای ويدعى أنصاره أنه لا يستمد تعاليمه عن طريق الوحى بل يستمدها مباشرة من الله بواسطة
سلة متحركة
أن وينبغي يفهم القارئ أننا بعيدون جدًّا عن إنكار حقيقة أنواع الظواهر المختلفة التي يرى فيها الروحانيون الحديثون برهاناً على وجهة نظرهم فإن هذه الظواهر - كما سبق القول - كانت معروفة دائماً عند القدماء بل كانوا أكثر علماً بها ممن يعرفونها الآن
ولكننا نشكر تفسيرها الحديث الذي تفسر به هذه الحقائق بنسبتها إلى فعل الأرواح المجردة وهي التي يقصد بها الشخصيات الإنسانية التي زالت عن عالم الوجود الأرضى
كيف يقبل التفكير السليم أن الأرواح المجردة يمكنها تحريك مائدة أو استيلاء قوة خفية على اليد تجعلها تكتب أو ترسم أو تفعل أشياء أخرى كثيرة من هذا القبيل
۳۱۷
مثل هذه الإثباتات لا تدل إلا على عدم العلم - الذي أصبح تقريبا هاما في وقتنا هذا - باختلاف الظروف فى حالات الوجود المتباينة وينبغى أن نذكر أنه إذا أمكن الإنسان أن يتصل بالأرواح - إنسانية أو غير إنسانية – فإن ذلك لا يكون إلا بأن يصير نفسه متيقظاً في حالة وجوده الخاصة التي تطابق الحالة نفسها والتي تكون فيها تلك الأرواح فعلا ولكن هذه مسألة أخرى ليس لها أية صلة بتعاليم وأفعال الروحانية الحديثة
الحالات المختلفة
وفي الحقيقة توجد عناصر كثيرة من أنواع مختلفة ربما ساعدت على إيجادها على حسب ولكن ينبغى أن نفرق بين هذه العناصر بدقة وسنشير بايجاز إلى أنواعها المختلفة حيث لا يمكننا أن نفسر كلا منها تفسيراً كاملاً مفصلاً لأن ذلك لا يتسع البحث فيه الآن
1 من أهم العناصر التي تحدث هذه الظواهر تلك التي تحدث في معظم الحالات وكثيراً ما تكون منفردة وهى التى فى قوى الإنسان العقلية هذه القوى التي يمكن أن تتسع وتكبر أكثر مما يظنه علماء النفس الحديثون أو الذين
يشتغلون بدراسة الحالات الشاذة
هذه القوى كامنة في كل إنسان وإذا نمت واتسعت بطبيعتها فإن ذلك يكون في حالات نادرة لكن يمكن تنميتها صناعياً في بعض الأشخاص بوضعهم في خالات خاصة مثل تلك الحالات المعروفة تحت الاسم العام التنويم المغناطيسي وهي التي فيها يمكن الإنسان أن يحس بأشياء بدون أن يتصل جسمه بها وكذلك يمكنه تحريكها كما يمكنه أيضاً رؤية أشياء مخفاة عن حواسه العادية أو بعيدة عنه فى الزمان أو فى المكان وغير ذلك ولا يمكن لغير الرجل المادى - في أضيق حدود معنى هذه الكلمة – أن يقول بأن الإنسان محدود بالقياس إلى جسمه ولكن الروحانيين - بتسميتهم هذه التي
۳۱۸
درجت فى الفلسفة الغربية - يشكون جدا فى قدرة الإنسان على احتمال ما هو فوق مستوى قواه الجسمية أو تلك القوى التى تتصل وثيقاً بالجسم وتظهر في الحياة المعتادة لأى فرد ومن جهة أخرى ينبغى أن نذكر أن تلك التي تسمى القوى الشاذة - وهي التي نتكلم عنها - ليس فيها شيء روحى في الحقيقة أكثر من القوى
المعتادة
وإن التصور الذي جعل الإنسان الحى يتكون من جزأين أو عنصرين فقط - وهو ما انتشر فى الفلسفة الحديثة خاصة وفى العقل الغربي عامة - هذا التصور هو الذي سبب هذا الاضطراب لأنه صير الناس جاهلين بالفرق الأساسي بين النفس والروح وإن طبيعة المقدرة التي تظهر في الأشخاص الذين ينامون تنويماً مغنطيسيا - وهم الذين يسمونهم الروحانيون الحديثون بالوسطاء – ليست روحية بالمرة بل هي نفسية تماماً وهى تخص الحالات التي يمكن وصفها بأنها ألطف الحالات العادية كما أنها أكثر اتساعاً وأعلى منزلة أيضاً في درجات من الوجود كما يجب أن تكون الحالات الروحية وإنما مثل هذه القوى فى الإنسان هو إنماء الإحساس بالاتساع لا الإحساس
بالارتفاع هذه الحالات النفسية التي تظهر إما فى التنويم المغناطيسي أو في بعض حالات من الأمراض العقلية ينشأ عنها ما يسميه علماء النفس خطأ و بالشخصيات المتعددة لأنها تظهر منفصلة عن الحالات العادية وربما كان هذا خطأ في استعمال الكلمات وإلا فإنه يكون خطأ فاحشاً لأنه لا يمكن لعقل ما أن يتصور أ أن الإنسان الحي له أكثر من شخصية واحدة وحقيقة أن كل حالات الكائن ما هى الا مظاهر جزئية لشخصية واحدة غير
متغيرة
۳۱۹
وصحيح
أن الإنسان في حالاته العادية لا يحس بالأعمال التي يؤديها أو المعارف التي يستقيها في الحالات الأخرى ومن السهل جدا أن ندرك هذا أضيق الحالات مجالا كما أنها لا تعتمد إلا على الشروط في حين الحالات الأخرى تكون مطلقة الحرية وإننا لا نجد غرابة في هذا لو فكرنا فقط فى التفرقة التي توجد عادية فى كل فرد بين شعوره بحالة اليقظة
لأن الحالة العادية هي الجسمية
وشعوره بحالة النوم أن ينبغي نوجه بحثنا نحو نقطة واحدة هي أن كل ما يسمى بالظواهر إما أن يصدر من القوى العقلية فى الحالات العادية أو من قوى الحالات النفسية الأخرى هذه الظواهر تمثل فقط الجزء الظاهرى من الكائن وواضح من الكلمات نفسها أن الظواهر - من أى نوع أو درجة – هي كلها من الظاهر وليست من الباطن أى أنها تعديلات سطحية للكائن وليست عناصر مكونة لذاته الباطنية العميقة والقوى التي يمكن تسميتها تماماً باطنية ينبغي أن يبحث عنها في حالات تختلف تماماً عن الحالات النفسية وتسمو كثيراً عن الظواهر العادية
أو الشاذة
نقرر
ب إذا رجعنا إلى الحالات النفسية التي تكلمنا عنها فينبغي أن الإنسان في هذه الحالات - كما في الحالة العادية -- يحاط بقوى فعالة مختلفة ألطف
من تلك التي في عالم الجسم والحس ولكن بعضها ربما كان مشابهاً - لا ذاتياً - لقوى مثل الكهرباء وغيرها ولا يخفى أن هذه القوى يمكن للطبيعي العادي الاستدلال عليها بتأثيراتها المحسوسة
هذه القوى النفسية التي كان يعبر عنها [ الطاو - صي ] الصينيون بأنها قوى سابحة كان لها قوانين مثل أى قوانين أخرى طبيعية وربما كان الغرض منها علميًّا فإذا أمكن أن تجمع وتركز بشروط خاصة فإنه ينبعث منها تأثيرات ربما تظهر غريبة
٣٢٠
لمن يجهلون مثل هذه الأشياء مثلها فى ذلك مثل ظهور التأثيرات الكهربائية لمن
يجهلون الطبيعيات
أضف إلى هذا أن الإنسان إذا اتصل بمثل هذه القوى يمكنه – بدون أن يشعر - أن يلبسها لوقت ما شخصية ظاهرية بزوال شخصيته الخاصة ومن هذا يمكننا تفسير ظواهر كثيرة وهنا يمكننا أن نرى أحد الأسباب للأخطار التي يقع فيها من يمارس الروحية الحديثة أو ما يماثلها يعرض الفرد نفسه لتأثيرات ربما أثرت فيه أحوال كثيرة فتبعث فى كائنه الخاص عناصر الاضطراب وعدم الاتزان النفسي تذهب به الوحدة والعزلة ويمكننا أن نجد ما يماثل هذه الوحدة في بعض
أحياناً إلى نوع من ما يسمى بالشخصيات المتعددة التى تكلمنا عنها سابقاً هذه الأخطار لا يستهان بها وربما لا يمكن تجنبها إذا كان الأشخاص الذين يتصلون بهذه القوى جاهلين تماماً بطبيعتهم كما هي الحال مع الأكثرية العظمى لمعاصرينا وخاصة الروحانيين الحديثين الذين هم في الحق كالأطفال يلعبون
بالنار
حـ الإنسان في حالته العقلية أو النفسية يجد نفسه متصلا - كما في الحالات العادية - بكائنات أخرى موجودة في حالات تتفق مع حاله وأهم ما نقصده هنا بالكائنات هم بنو البشر وهذا هو ما يحدث لهؤلاء الذين يشتركون في جلسات الروحانية الحديثة بدون رغبة منهم أو معرفة فيوصلون أفكارهم إلى الوسيط وليست أفكارهم هي المطابقة للواقع حينئذ فحسب بل أيضاً وغالباً أفكارهم البعيدة التي تلوح لهم كأنهم تسوها لبعد العهد بها - فيعجبون جدا من اكتشافها ويمكن للأشخاص الغائبين أيضاً أن يتصلوا بأنفسهم مهما كانوا بعيدين إذا كانوا في مثل هذه الحال متجردين من كل القيود الجثمانية ويمكن إجراء هذه التجربة
۳۱
بشعور من الأشخاص أو بدون إحساسهم بها وتحدث الأولى في الحالات النادرة للأشخاص الذين لهم معارف خاصة والذين يعملون هذا لغرض محدود كما حدث عند ابتداء العلم بالروحانية الحديثة
وتحدث الثانية في الحالة العامة وهى اتصال أى فرد – وخاصة في أثناء النوم - ويجدر بنا أن نضيف إلى ما ذكر أنه يوجد بعض المظاهر فى الحيوانات لأن لهذه أيضاً حالات لطيفة في كائنها الخاص
د وفى بعض الحالات تحدث الظواهر - طبيعية كانت أو مفتعلة - بعناصر تنبعث حقيقةً من الموتى ولكن ليس اتصال فعلى بشخصياتهم الحقيقية وهذه العناصر ما هي إلا بقايا نفسية مشابهة لبقايا الجسم التي يتركها الميت بعده بتحلله لأنه يوجد في الطبقة النفسية عناصر تلازم الخالد من الكائن وهذه العناصر أقرب إلى الحالة الجسمية ولذا يمكنها أن تولد تأثيرات حسية وهذه البقايا النفسية تمثل حقيقة حالات خاصة من القوى السابحة التي سبق ذكرها قبلا وإذا ذكرناها على حدة فإن ذلك لأن مظاهرها جميعها يمكن اعتبارها كمظاهر حسية للموتى ولكن فى معنى يختلف تماماً عما يقصده الروحانيون الحديثون مثل هذه العناصر يمكن أن تأخذ مظهراً مؤقتاً للحياة ثم تعطى حينئذ إجابات آلية تعكس بعضاً من أفكار الفرد التي سبق أن كانت تختص به
وهذا الطيف من الشخصية - إذا أمكن تسميته كذلك - هو ما كان يسميه اليهود القدماء [أوب] كما يرى فى بعض الكتب المقدسة وقد أعطى إجابات في الاستحضارات التي استعملت بين معظم الناس ولو أن الدين يحرمها بصفة
عامة
هـ وأخيراً ليكون الموضوع تاما ينبغى أن نذكر إمكان تداخل تلك
الكائنات التي ليس لها حياة جسمية هذه الكائنات - التي تعتبر غير إنسانية -
۳
·
ليس لها مطلقاً طبيعة روحية خالصة ولكنها بالعكس تقرب جدا من العالم الحسى ولهذا يمكنها أحياناً أن تحدث تأثيرات فيه ونريد هنا أن نشير بصفة خاصة إلى فعل الجن – ولكن ليس هنا مجال الإفاضة في هذا الموضوع – وبما أنه لا يوجد شيء روحى فى كل هذه الأشياء أكثر من تلك التي لها اتصال بالحياة الأرضية فلا ضرورة للقول بأنه لا يمكن المقارنة بينها وبين الأشياء الأخرى التي تختلف في طبقتها كوحى الأنبياء - عليهم السلام - أو التي في طبقة أقل ارتفاعاً كالمقدرة الخاصة للأولياء - رضي الله عنهم - وهى التي تنبعث في مبدئها من العالم الروحى وينبغي أن نقرر أن هذه المبادئ تختلف في حقيقتها في حين تتفق في المظاهر الخارجية ولكن هذه أيضاً مسألة أخرى تلك مسألة المؤثرات الروحية وليس لها صلة بموضوعنا الحالى أما من حيث الظواهر النفسية فإننا سنصف هذا بعض الغربيين - وليس هؤلاء الذين يقبلون فحسب وجهة نظر الروحانية الحديثة بل الذين يسمونها أغراضاً علمية - يحاولون بكل جهدهم أن يكتشفوا أشياء كانت معروفة تمام المعرفة في الأزمنة السحيقة عند الأمم الشرقية ويلاحظون بعض الحقائق ولكن يعجزون عن تفسيرها فى حين يوجد - كما سبق أن أوضحنا باختصار - كل ما نحتاج إليه لتفسير هذه الحقائق نفسها بل حقائق أخرى كثيرة لم يكن لديهم أقل فكرة عنها
والنتيجة
أن كل من يود معرفة حقيقة مثل هذه الموضوعات لا يمكنه أن يجد ضالته في البحوث الغربية الحديثة بل عليه أن يرجع إلى المعارف الشرقية القديمة
۳۳
- الروحانية الحديثة رد على رد
لو كان الأستاذ فريد بك وجدى قد قرأ ما كتبناه منذ عشر سنين تقريباً عن
جمع
هذه
موضوع الروحانية الحديثة ۸ فإنه ما كان ليكلف نفسه عناء الملاحظات التي كتبها في الجزء الماضى من هذه المجلة لأننا أجبنا عن كل منها إجابةً تامة وأكثر إسهاباً مما يمكننا ذلك فى هذه الصفحات القلائل سنحاول هنا ثانياً أن نحدد مركزنا فى مثل هذا الموضوع حتى لا يبقى مجال آخر
ومع
ذلك
لذلك الاضطراب الذي نشأ من هذا البحث ينبغي علينا أولا ألا ننكر أنه منذ ابتداء ما يسمى بالعصور الحديثة - أي منذ ثلاثة أو أربعة قرون - شك الغربيون فى كل معارف القدماء ولكن ذلك إنما حدث لأنهم لم يدركوا تماماً معنى وطبيعة هذه المعارف وفي نفس الوقت يظهر أنهم لم يستطيعوا أن يقبلوا أي شيء خارج عن دائرة التجارب الحسية وكانت النتيجة الطبيعية لذلك ظهور وانتشار المادية واتساع دائرة البحث اتساعا غير عادى في بعض علوم خاصة تختص بالمادة فقط وقد كان هذا الأمر في الغرب فحسب أما الشرق فإنه لحسن الحظ لا يزال محتفظاً للآن بمعرفته القديمة ولم يقبل هذه الحدود المتعسفة ولم يستسغ أيضاً تعاليم فرنسيس باكون أو تعاليم ديكارت التى لا توضح شيئاً ما للعقول الشرقية النقية
بسموم
الأفكار الغربية
أي التي لم تتأثر والآن إن فكرة محاربة المادية المنتشرة فى الغرب بواسطة العمل المادى نفسه هي فكرة خاطئة ولا تؤدى إلى نجاح ما لأن هذه الوسائل ليس لها من قيمة
۸ مجلة المعرفة ربيع الثانى ١٣٥٠ هـ سبتمبر سنة ١٩٣١ م
٣٢٤
إلا في دائرة خاصة ضيقة جدا وإذا تعدتها تكون عديمة القيمة ويظهر أن هذه مثل هذه الوسائل هى الوحيدة [ الوسائل العلمية ] التي
الفكرة نشأت من توهم أن يمكن الاعتماد عليها في محاربة المادية ولكن هذه أيضاً أوهام غربية وفى الحق أن لدينا علوماً أخرى لا تقل فى أهميتها وحقيقتها عن سابقتها تستخدم وسائل مخالفة تمام المخالفة غير معروفة للغربيين الحديثين
0
وإذا قلنا ذلك ينبغي أن نميز بين حقيقة مسألة الظواهر الشاذة التي نتحدث عنها هنا والتفسيرات المختلفة التي أعطيت لها هناك وإننا لنستغرب جدا أن الأستاذ فريد بك وجدى لا يزال يصر على النقطة الأولى للظواهر لأننا قلنا إن حقيقة هذه الظواهر لا تقبل الشك وإنها كانت معروفة في كل العصور وفى كل الأقطار فإن مثل هذه الحقائق شائعة الوجود وليست نادرة ولها من الأنواع ما يكثر عما يدركه الغربيون الروحانيون الحديثون أو غيرهم من الذين يحاولون دراستها لنأسف على أن الأستاذ فريد بك وجدى - فى هذه المسألة – يعدد كثيراً أسماء العلماء الأوربيين والأمريكيين الذين اشتركوا في هذه الدراسة كأننا ملزمون أن نقبل ما يمليه علينا هؤلاء العلماء وإننا لنأسف لأننا لا يمكننا أن نسيخ للشرقى أن يعتقد أنه ملزم بأن يتبع الغربيين ويتقبل تعاليمهم وخاصة في أشياء
من
وإننا
لا تزال حقيقتها معروفة دائمًا فى الشرق في حين أن الغرب ليس إلا باحثا فيها فقط وليس من حاجة إلى القول بأن الذين يبحثون عن شيء هم الذين لا يعرفون حقيقة هذا الشيء
وأضف إلى ذلك أن الأشخاص الذين ذكروا ليست قيمتهم متعادلة فلا يمكننا أن نضع في صف واحد رجلا [ طبيعيًّا ] نقدره حق قدره مثل وليم كروكس آخر نعتبره متجرًا بالعلوم مثل كاميل فلاماريون كما علينا أن نضيف أنه إذا كان بعض الرجال قد قبل الروحانية الحديثة فإن كثيرًا منهم اختلفوا في وجهة
٣٢٥
نظرهم أو ربما صدوا أنفسهم عن أى نظرية أو تفسير وإننا نجد بين هؤلاء الذين صاروا روحانيين حديثين من اشتغل - لأسباب لا صلة لها – بالعلم مثل سيزار لومبروزو وأولفر لودج فإن الأول اشتغل بها بعد موت والدته والثانى بعد أن قتل ابنه في الحرب وهذا يظهر لنا أن مثل هؤلاء الرجال – بصرف النظر عن علومهم الخاصة - ضعاف القول جدا
وينبغي
أن نضيف إلى ذلك أيضًا أن بعض العلماء لم يمنعهم تعليمهم من أن يخدعوا بالظواهر المصطنعة كما حدث لوليم كروكس مع وسيطته فلورنس كوك وكما حدث حديثاً مع شارل مريشيه في الجزائر وحدوث ذلك سهل الإدراك جدا لأن هؤلاء الأشخاص - وهم بعيدون عن حدود علومهم – ليس لهم أية كفاية أكثر من أى إنسان جاهل آخر بل ربما وقعوا فى الخطإ بسهولة أكثر من أى شخص آخر لأنهم حين ذاك يبحثون في أشياء تختلف طبيعتها وقوانينها اختلافاً تاماً عن تلك التي اعتادوها ولأنهم يحولون استعمال وسائلهم العادية فى هذه الأشياء في حين هذه الوسائل لم توضع لمثل ذلك مطلقاً
وماذا نقول فى ذلك التاجر الغنى الذى كان يتاجر بالنبيذ جان ماير الذي مات ولقد صرف هذا الرجل ملايين عديدة لأنه طمع في أن يصير يوما ما بابا وقد أثار حرباً بلا شفقة على هؤلاء الإخوان الدينيين
الروحانية الحديثة
المال
"
"
الذين تعمدوا أن يؤسسوا جمعيات ومكاتب مستقلة واضطروا أن يذعنوا لقوة وكان ذلك بالطبع تحت اسم [ الإخوة - والإخاء ] وقد أسس هذا الرجل نفسه في باريس معهدًا علميًّا لغرض إخضاع الباحثين الأحرار ونقصد الذين لم يكونوا روحانيين حديثين وبتسلمهم منه إعانات مالية لم يكونوا قادرين على أن يعارضوا شيئًا من الروحانية الحديثة وفى الحق إننا لنجد عاراً فى اضطرارنا إلى التصريح بمثل هذه الأسماء والوقائع
بهم
٣٢٦
للأستاذ
فرید
على صفحات هذه المجلة التي ننزهها عن ذكر مثل هذه الأعمال أما الأخطار التي تنتج من الروحانية الحديثة فإننا نؤكد وجدى بأن الجنون والحوادث الأخرى التى تنتج منها ليست شاذة بالمرة بل كثيرة الحدوث في الواقع فإذا قال لنا إنها تحدث لغير المتعلمين أجَبْنا بأن هؤلاء في الواقع هم العدد الأكبر بين الروحانيين الحديثين في كل الأقطار وليس لنا الحق فى أن نترك هؤلاء الناس معرضين بدون وقاية من مثل هذه الأخطار التي تنشأ من انتشار الأفكار الضارة وهم على استعداد لقبولها بدون فحص ولا روية بل ينبغي أن يكون العكس تماماً ونضيف فوق ذلك أننا لا نظن مطلقاً أن التعاليم الخارجية كما تحصل فى المدارس والجامعات الغربية يمكن أن تحفظ صاحبها من هذه الأخطار البتة وذلك لأن ما يسمون بالأشخاص المتعلمين أو حتى مشاهير العلماء يجهلون تماماً هذه الأشياء التي تبحث هنا أما تفسير الظواهر بواسطة مقدرة الوسيط نفسه فهذا صحيح ولكننا غير ملزمين بأن نقبله أو نرفضه لأن بعض الغربيين استساغه حَدَثَ من هذا القبيل أنهم قرروا أشياء - بدون علم منهم - لم تكن بمستحدثة بالمرة بل كانت معروفة في الشرق منذ آلاف السنين ولسوء الحظ نرى أن الغربيين يفهمونها في معنى ضيق جدا لأن معرفتهم بطبيعة الإنسان الحقيقية ومقدرته ناقصة ولذلك لم يستطيعوا استعمال ذلك التفسير في حالات كثيرة يناسبها تماماً ولا ينبغي أن نذكر أن تلك القوى التي لها نصيب هام فى توليد هذه الظواهر هى قوى عقلية بل هي قوى
a
نفسية تختلف تماماً ويتسع مدلولها ومعناها أكثر من الأولى ولكن ينبغي أن نكرر ثانياً أنها نفسية وليست روحية بالمرة مثل تلك العناصر التي يتركها الرجل بعد
موته والتي ليست لها صلة بالجزء الخالد من كائنه
ونحن إنما نصر على هذه النقطة لأنه
برغم
أننا أوضحناها سابقا فإن الأستاذ
۳۷
فريد بك وجدى يجعلنا نتكلم عن هذه كأنها عناصر روحانية وإذا قلنا إن هذه ألطف وليست من القوى التى فى الجسم بل من تلك التي في عالم الجسم والحس أى أنها من تلك التي تدرس بواسطة العلوم الطبية الحديثة فإنها تتسبب من طبيعتها النفسية وذلك لأن عبارة العالم اللطيف هي ترجمة أدبية للتعبير الهندي الذي يقابل العالم النفسى هكذا يعبر عنه للمقارنة بينه وبين العالم الحسى ولا يمكن أبدا أن يطابق العالم الروحي
وعلى
أية حال فإن القوى التي تعمل فى هذه الظواهر – سواء كانت تخص الوسيط نفسه أو أى حی آخر سواه أو كانت قوى أخرى خارجية مثل القوى السابحة أو قوى تنبعث من أحياء مثل الجن هذه القوى كما ذكرنا سابقا تقرب جدا من العالم الحسى ويجب أن تعتبر حقيقة من طبيعة منحطة وفي مثل كل هذه الحالات لا تتداخل القوى العلوية مطلقاً ولو أن الأستاذ فريد بك وجدى يؤكد ذلك ويعطينا سببًا معقولا لهذا التأكيد ونحن مضطرون لأن ننكر ذلك إنكارا بانا - وحينئذ يسقط من تلقاء نفسه كل ما يحتم علينا أن نصدق ظهور شخصية أحد الموتى ولو أنه ينبغى علينا ألا نقرر كذب ذلك مثلما نقرر إذا رأينا أحد القردة يقلد حركات الإنسان وتستمد هذه القوى مظهر الحس من الأشخاص الذين تظهر بينهم ولذا فإن الأفكار التي تعبر عنها هذه القوى تطابق تماما ما يجول في خاطر الأشخاص الذين يتسمعونها وهذا يفسر لنا لماذا تتناقض ما تسمى ه الأرواح بعضها مع بعض
خذ مثلا لذلك بينما تشيع نظرية التقمص في فرنسا – إذ لا يعترف بها في انجلترا وأمريكا - فإننا رأينا أرواحاً مادية فى بعض الرسائل التي تسلمت في هولندا منذ عشرين سنة تنكر الخلود وتثبت أن حياة الإنسان تبقى بعد الموت على
الأكثر لمدة ١٥٠ سنة
۳۸
والآن ينبغي أن نضيف ما يأتي
توجد أشياء لا يمكن أن تخضع لوسائل العلوم الغربية الحديثة المادية ولذا يقال عنها إنها خرافات أو من خيال القدماء في حين هي الواقع المنفذ الذي يؤدى إلى نوع آخر من العلوم يختلف تماماً عن العلوم المادية وهذا العلم القديم هو الذي يجدر بنا أن نسميه - بحق - العلم الصحيح
وإننا لا نخاف إذا قررنا وجود نفوس بالكواكب وأن لها تأثيرًا فعالا على الحوادث الأرضية ولا نخاف أيضًا إذا اعترفنا - كما علمنا القدماء - بأن العناصر ليست أربعة بل خمسة وأنه لا يوجد أكثر من ذلك أو أقل وأن هذه العناصر ليس لها أية صلة بما تسميه الكيمياء الحديثة المواد الأولية البسيطة لأنها - أى العناصر - ليست أجسامًا بل هي تلك التي تكون منها الأجسام لا يمكننا أن نعطى أى أهمية - إذا نظرنا إلى المعرفة الحقة - للعلوم الحديثة وهي على الدوام متغيرة غير ثابتة فى تفسيراتها فإذا سلمنا بالنتائج العلمية التي تنتج من أشياء كثيرة كالكهرباء مثلا بدون معرفة لطبيعتها فلا نسمى هذا علما بل يجب أن يسمى فقط صناعة فلا نستطيع مشاركة الاستاذ فريد بك وجدى فى تفاؤله بنتائج البحوث الغربية التي تظهر لنا كأنها تحاليل لا نهاية لها ظاهرية لا نفع فيها أننا نرى أن التقدم في هذه البحوث يؤدى إلى عكس كل ما هو طبيعة روحية فإننا لا نشك فى صعوبة بل استحالة الوصول بهذه البحوث إلى فتح الطريق إلى العالم الروحانى
وبما
وإذا افترضنا حدوث ذلك بأى حادث كان فإن ذلك سيكون نهاية العلم الحديث والمدنية كما يفهمها الغربيون ومع ذلك فمن المحتمل جدا أن يصل
الغربيون إلى ذلك
۳۹
وأخيرا نقول إن الشرق يجب أن يحتفظ بعلمه الخاص فإنه أصدق وأتم وأكثر انتشارًا فى كل الوجود بدلا من تضييق دائرته فى عالم المادة فقط ولسنا كما يظننا الأستاذ فريد بك وجدى نعيش في زمن غير زمننا لأن زمننا يختلف عن زمن الغربيين فبينما يحلم هؤلاء بالتقدم حتى يستيقظوا على صوت إحدى الكوارث تعرف أن العهد الذهبي كان في الحق عند ابتداء التاريخ البشرى إذ أعطيت كل المعرفة للإنسان في المبدإ أخذت تختفى عنه تدريجيا بتوالى العصور وتنتقل رويدا من عالم الروح إلى عالم المادة وأخيرًا نحن نؤكد أن تلك العقول التي تأثرت بالفكر الغربي سوف تتهمنا بأن كل ما نقرره خرافات ولكن ذلك لا قيمة له من جهتنا وإنما نحن نوجه كلامنا هذا لا إلى مثل هؤلاء الأشخاص بل إلى الشرقيين الحقيقيين الذين يصرون دائماً على أن يكونوا - كما هو الواجب عليهم – محافظين على المحكمة الأبدية
- القوى السابحة
عندما بينا العناصر ۹ المختلفة التي تتضافر فى إحداث تلك الظواهر التي ينسبها الروحانيون المحدثون إلى ما أسموه بالأرواح أشرنا بصفة خاصة إلى واحد منها يلعب دورًا خطيرًا هو عنصر القوى اللطيفة التي أسماها و الطاو - صي الصينيون [ بالقوى السابحة ] ولقد يكون من المهم الآن أن نعطى تفسيرا تكميليا لهذه النقطة حتى نتجنب الخلط الذى يقع فيه بسهولة أولئك الذين لهم دراية بالمعارف الغربية الحديثة أكثر مما لهم من علوم الشرق القديمة وهم لسوء الحظ كثيرون في أيامنا هذه
۹ مجلة المعرفة جمادى الآخرة ١٣٥٠ هـ نوفمبر سنة ١٩٣١ م
٣٣٠
بالضرورة
لقد نبهنا إلى أن القوى التي نعنيها هنا - لكونها ذات طبيعة نفسية – تكون ألطف من قوى العالم الحسى أو الجسمي ولهذا فينبغي ألا تخلط بينهما حتى ولو تشابهت نتائجها مع نتائج القوى الحسية بعض الشبه مثل هذا التشابه يوجد في الواقع على وجه الخصوص مع نتائج الكهرباء ولكن هذا التشابه يفسره
ذلك
ما يوجد من تطابق بين سائر القوانين التي تسير كل العوالم وكل الحالات التطابق الذى بواسطته يتحقق التناسق والانسجام في درجات الوجود كلها ولهذه القوى السابحة أنواع متباينة تمام التباين ونحن نجد في العالم الحسى
أنواعاً عديدة من القوى ولكنا نجد في العالم النفسي أن الأمور أكثر تعقيدا مما هي هنالك ولهذا فالميدان النفسى أكثر امتدادًا من الميدان الجسمي - وأقل ضيقاً منه إلى حد كبير ويندرج تحت هذه التسمية العامة القوى السابعة كل القوى الخارجة عن الأفراد وأعنى بذلك كل القوى التي تفعل وتؤثر في الوسط الكونى من غير أن تدخل في تركيب أي كائن معين وفى بعض الحالات تكون هذه القوى بذاتها وفي حالات أخرى تكون صادرة عن عناصر نفسية منحلة كانت تخص فيا سبق كائنات حية ومن بينها الإنسان كما أوضحنا ذلك في المقال السابق على أن المقصود في كل الحالات إنما هو صنف معين من القوى الطبيعية التي لها قوانينها كما لغيرها من القوى والتي لا تشذ عن تلك القوانين كما لا يشذ غيرها من القوى عن قوانينه وإذا لاح أن فعلها إنما يجرى غالبًا اتفاقا ومصادفة ومن غير نظام فما ذلك إلا لجهلنا بقوانينها ويكفى أن نلقى نظرةً إلى نتائج صاعقة مثلاً النتائج التي ليست أقل غرابةً من هذه القوى لنعلم أنه لا يوجد البتة شيء في هذا العالم لا يجرى
وفق قانون
وهذه القوى - كغيرها - يمكن أن يجمعها ويستخدمها أولئك الذين يعرفون قوانينها وهنا يجب علينا أن نميز بين حالتين
۳۳۱
تدبير هذه القوى والتصرف فيها على الوجه المتقدم يمكن أن يكون بواسطة كائنات تنتسب لنفس العالم اللطيف كالكائنات المعروفة بالجن أو بواسطة أناس أحياء يوجد لديهم حالات مطابقة لذلك العالم اللطيف مما يؤهلهم للتأثير فيه وهؤلاء الذين يتصرفون في هذه القوى بإرادتهم - سواء أكانوا من الإنس أم من الجن - يلبسون تلك القوى نوعاً من الشخصيات المصطنعة المؤقتة وتلك الشخصية في حقيقة الأمر ليست إلا انعكاساً لشخصيتهم الذاتية وطيفًا لها ولكنه يحدث أحيانًا أيضًا أن هذه القوى عينها يمكن أن تجتذب وتدبر من غير شعور بواسطة كائنات تجهل قوانينها ولكنها هيئت وأعدت لذلك بما لها من خصائص شاذة في طبائعها ومثل تلك الكائنات ما اتفق اليوم على تسميته [ بالوسطاء ] وهؤلاء أيضاً يعيرون القوى التي ينقلون بها شخصية ظاهرية ولكنهم يخسرون بإزاء ذلك سلامة حالاتهم النفسية التي يعتريها من تلك القوى اضطرابات قد تصل إلى حد الانحلال الجزئى فى الشخصية ولنا على هذا النوع من الاستحواز اللاشعورى أو اللا إرادي الذي يقع فيه المكائن تحت رحمة القوى الخارجية بدلا من تسلطه عليها
ملاحظة هامة هي أن جاذبية هذا النوع يمكن أن تؤثر في هذه القوى ليس فقط بوساطة أناس [ وسطاء ] كما تقدم ذكره ولكنه يحدث أيضًا بوساطة كائنات حية أخرى بل حتى بوساطة أشياء غير حية أو بوساطة أمكنة معينة تتركز فيها تلك القوى فتنتج بعض الظواهر الشاذة هذه الكائنات والأشياء إذا جاز لنا أن نستعمل اصطلاحا يبرره التشابه بقوانين القوى الطبيعية إنما تقوم مقام الأجهزة المكثفة وهذا التكثيف قد يتم من تلقاء نفسه ومن جهة أخرى يستطيع الذين يعرفون قوانين هذه القوى اللطيفة أن يركزوها أيضًا بطرق خاصة وذلك بالاستعانة
بمواد أو أشياء معينة طبيعتها توافق النتائج المرغوب في تحصيلها
۳۳
وعلى عكس ما تقدم يمكن هؤلاء أيضًا أن يحلوا تكاثف تلك القوى اللطيفة التي كونوها قصدًا بأنفسهم أو بواسطة غيرهم أو التي تكونت بذاتها من غير
تدخل
ولهذا التحليل لم يجهل الإنسان - فى أى عصر من العصور - ما للأطراف المعدنية المدببة من منفعة في تحليل أو تفريع القوى المكثفة وفي هذا مشابهة شديدة بتفريع الظواهر الكهربائية وإنه ليحدث إذا ما لمس الإنسان بطرف معدني مدبب نفس النقطة التي يوجد منها ما يمكن أن يسمى عقدة التكاثف فإنه يصدر عن
أن
ذلك شرار ولو أن هذا التكثيف قام به ساحر - كما يحدث كثيرًا - فإنه يجوز أ أو يقتل برد فعل الضربة مهما كان موضعه ومثل هذه الظواهر شوهدت في كل زمان وفى كل مكان
يجرح
وعمليتا التكثيف والتحليل المشار إليهما لهما نظائر فى حالات تستخدم فيها قوى من نوع آخر كما في علم الكيمياء لأنهما إنما ترجعان إلى قوانين كلية شاملة كانت معروفة في العلم القديم وخاصة فى الشرق ولكنها مجهولة عند الحديثين بتانا على ما يظهر وفى الفرجة التي تنحصر بين هذين الطرفين التكثيف والتحليل يستطيع الذي يدبر هذه القوى اللطيفة أن يلبسها نوعًا من الشعور مما يجعل لها شخصية ظاهرية تخدع الذين يواجهون تلك القوى المكثفة فيظنون أنها أمام كائنات
الشخص
حقيقية
وإمكان تكثيف تلك القوى اللطيفة في أشياء تختلف طبائعها تمام الاختلاف ثم الحصول على نتائج ذات مظهر شاذ غير عادى من ذلك التكثيف إنما يميط اللثام عن خطا الرأى الذى يعتنقه المحدثون والذي يذهب إلى أن الوسيط لابد أن يكون إنسانًا وينبغي أن ننبه هنا إلى أنه قبل الروحانية الحديثة كان استخدام الإنسان كمكثف أمرًا مقصورًا على أحط أنواع السحرة لما يحيق بالوسيط من
۳۳۳
مخاطر مهلكة من جراء ذلك الاستخدام
نفسه
ونضيف إلى ما تقدم أنه بخلاف ما سبق من وسائل التكثيف توجد وسيلة أخرى مخالفة لها تماماً لا تقوم على مبدإ تكثيف القوى اللطيفة في كائنات أو أشياء خارجة عن الشخص الذى يقوم بهذا العمل ولكنها تقوم على مبدأ تكثيفها في وذلك كيما يستخدمها وفقا لإرادته وكما يوجد تحت تصرفه إمكان مستديم لإنتاج ظواهر معينة واستعمال هذه الطريقة أمر مراعي في الهند على وجه الخصوص ويحسن بنا أن نشير هنا إلى أن هؤلاء الذين يتوفرون على الحصول على نتائج غير عادية بهذه الطريقة أو بغيرها مما سلف ذكره ليسوا أهلا لما يسبغه الناس عليهم من جدارة وتفوق وإنما هم في الحقيقة أناس وقف نموهم الباطني في درجة معينة – لسبب من الأسباب - فلم يستطيعوا أن يسيروا إلى أبعد منها فنتج عن ذلك أنهم توفروا على بذل نشاطهم في أشياء من نوع أعلى على أن المعرفة التامة الدقيقة بتلك القوانين التي تسمح للإنسان بأن يتصرف في القوى اللطيفة إنما كانت على الدوام مقصورة على عدد يسير من الناس وذلك لما ينتج من المضار إذا ما ذاعت بين من لهم مقاصد سيئة ويوجد في الصين كتاب منتشر جدا عن القوى السابحة ولكنه لا يتناول غير تطبيق ضيق لتلك القوى على نشأة الأمراض وكيفية علاجها - وما عدا هذا ألا يكون في الحقيقة غير موضوع دراسة شفوية محضة ومع ذلك فإن الذين يعرفون قوانين القوى السابحة معرفة تامة يكتفون بتلك المعرفة ويزهدون تمام الزهد فى تطبيقها واستخدامها عمليا وهم ينكرون على أنفسهم أن يثيروا أى ظاهرة من ظواهر تلك القوى بقصد إدهاش الناس أو بقصد إشباع نزعة حب الاستطلاع عندهم وإذا تحتم عليهم مع ذلك أن يحدثوا بعض الظواهر - لأسباب مباينة تماماً لما تقدم ذكره من الأسباب وفى ظروف فإنهم يفعلون ذلك بوسائل مخالفة تماماً لما هو معروف ويستعملون فيه
خاصة
٣٣٤
قوى من نوع آخر ولو تشابهت النتائج الظاهرة
وإذا وجد هناك تشابه بين القوى الحسية كالكهرباء وبين القوى اللطيفة أو النفسية فإنه يوجد أيضًا مثل هذا التشابه بين هذه الأخيرة وبين القوى الروحية التي يمكن - مثلا - أن تتركز بدورها في أمكنة معينة أو في أشياء معينة
أيضًا ويمكن أن تصدر نتائج تتشابه في الظاهر عن تلك القوى المتباينة في طبائعها وهذه المشابهات الظاهرية هي مصدر الخلط والانخداع الكثيرين اللذين لا يمكن أن يتحاشاهما الذين يتوفرون على تحقيق تلك الظواهر
ومع
·
فالسحرة يمكنهم - ولو إلى حد محدود - أن يقلدوا بعض كرامات الأولياء
هذا التشابه الظاهرى فى النتائج فإنه ليس يوجد شيء مشترك بين مصادرها
المتباينة فيما بينها تماما
"
وليس يدخل في موضوعنا هذا التكلم عن فعل هذه القوى الروحية ولكننا مما تقدم نستطيع على أقل تقدير أن نستمد النتيجة المهمة وهي أن الظواهر بمفردها لا تقوم دليلا ولا تنهض حجة على شيء من الأشياء وأنها لا تستطيع أن تثبت صحة نظرية من النظريات أيا كانت إذ أن نفس الظواهر تجب أحيانًا أن تفسر بصورة تختلف باختلاف الأحوال والظروف وإنه ليندر ألا يوجد لظواهر معينة إلا تفسير واحد ممكن وتخلص من هذا كله إلى أن العلم الحقيقى لا يمكن أن يتكون إلا إذا بدأ فوق أعنى من 1 مبادئ عالية نطبقها على الوقائع التي ليست في الحقيقة إلا نتائج لتلك المبادئ تقرب أو تبعد عنها وهذا نقيض ما يفعله العلم الغربي الحديث تماما ذلك العلم الذي يريد أن يبدأ من الوقائع ليستخرج منها تفسيرًا شاملا كما لو كان الأكثر يمكن أن يستخرج من الأقل وكما لو كان الأوضع يتضمن
الأرفع وكما لو كانت المادية يمكن أن تكون معيارا للروح وحدا لها
من
۳۳۵
في الحضارة الروحانية لا يتصور أن إنسانا يزعم أنه صاحب فكرة معينة ابتدعها أو اخترعها وإذا زعم ذلك شخص فإن هذا يكفي في إزالة الثقة بفكرته لأنها تعد حينئذ مجرد خيال إذ أن الفكرة إذا كانت حقيقة فهي مشاع بين كل من هم أهل لفهمها أما إذا كانت خطأ فإنه لا يفتخر أ أحد بادعاء اختراعها والفكرة الحقيقية لا يمكن أن تكون جديدة ذلك أن الحقيقة ليست نتاج العقل الإنسانى إنها موجودة مستقلة عنا ومهمتنا أن نعرفها أما إذا خرجنا عن دائرة هذه المهمة فإنه لا يمكن أن نخرج إلا الخطأ ولكن أيبحث الحديثون عن الحقيقة وهل يعلمون معنى هذه الكلمة إن الكلمات فقدت معانيها في هذا العصر الحديث فأصحاب مذهب و البرجماتسم المعاصرون يعرفون و الحقيقة بأنها كل ما يصل بالإنسان إلى منفعة عملية وهم فى هذا يبتعدون كل البعد عن النظام
الروحاني
إن الفلسفة الحديثة لأنها فردية شخصية قد وصل بها الأمر إلى إنكار البصيرة ووضع العقل فوق كل شيء ولقد جعلت منه – وهو الملكة الإنسانية المحضة - الجزء الأسمى من القوة الداركة بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك فقصرت القوة الداركة على العقل وهذا هو مذهب و العقليين ١٠ والمؤسس الحقيقى له هو في الواقع ديكارت وقصر القوة الداركة على العقل ليس إلا مرحلة أولى إذ أن العقل نفسه أخذ ينزل شيئًا فشيئًا عن صفته النظرية إلى أن حدد عمله بأنه على الخصوص الناحية العملية وهذا التحديد كان تابعا لزيادة الاهتمام بالتطبيق العملى ذلك الاهتمام الذى يجعل الناحية العلمية النظرية في المرتبة
۱۰ Rationalisme مذهب فلسفى يرفض الوحى كمصدر للمعرفة ويزعم تفسير كل شيء
بواسطة العقل وحده
٣٣٦
الثانية على أن ديكارت نفسه كان فى الحقيقة معنيا بالتطبيق العملى أكثر من عنايته بالعلم البحث وليس هذا كل شيء فإن الفردية الشخصية في الفلسفة قد أدت بالضرورة إلى المذهب الطبيعي ۱۱ لأن كل ما هو خارج عن الطبيعة بعيد عن متناول الفرد باعتباره فردًا والمذهب الطبيعى وإنكار ما وراء الطبيعة هما شيء واحد وإذا كانت الفلسفة الحديثة قد أنكرت البصيرة فإنه لم يعد هناك مجال للبحث فما وراء الطبيعة بيد أنه إذا كان بعض الأشخاص لا يزالون يصرون على إقامة مذاهب مزيفة فيما وراء الطبيعة فإن غيرهم قد اعترف في صراحة بعدم إمكان ذلك ومن هذه النظرة نشأ النسبيون ١٢ في مختلف صورهم سواء في ذلك و المذهب النقدى ۱۳ لكانت أو الفلسفة الوضعية ١٤ لأوجيست كونت وبما العقل نفسه نسبى ولا يمكن أن يثمر حقيقة إلا في محيط نسبي كذلك فإنه من الواضح أن مذهب النسبية هو النهاية المنطقية للمذهب
العقلي
وبذلك يهدم المذهب العقلى نفسه ذلك أن الطبيعة و الصيرورة
منطقه
يعنيان فى الواقع شيئًا واحدا ولذلك كان الطبيعي المنطقى المنسجم مع من فلاسفة الصيرورة ومثله الأعلى يتحقق في مذهب و النشوء
فيلسوفا
۱۱ Naturalisme المذهب الطبيعي هو المذهب الذي يعزو كل شيء إلى الطبيعة ويرى أنها المبدأ الأول
۱ المذهب النسبي Relativisme مذهب فلسفى يرى أن المعارف الإنسانية كلها نسبية ۱۳ Criticisme مذهب فلسفى لكانت يبحث في الحدود التي يجب أن يتخطاها العقل إذا أراد السير في دائرته التي خلق لها
14 Positivisme هو مذهب فلسفى أسسه أو جيست كونت يزعم أن الإنسان لا يمكنه أن يعرف في دقة إلا الحقائق التي تستمد عن طريق الملاحظة أو التجربة
۳۳۷
والارتقاء
وهذا المذهب هو الذي ينتهى إلى معارضة المذهب العقلى في أنه يأخذ على العقل أنه لا يمكنه أن يقوم بدوره قيامًا صحيحًا في دائرة التغير والصيرورة والكثرة إنه يعجز عن أن يجعل قواعده تحتوى على التغيرات الحسية اللانهائية المتأرجحة ومن هنا كانت الصورة الحديثة التى لبسها مذهب النشوء والارتقاء أعنى مذهب الجدس لبرجسون وهو مذهب فردى لا يتمشى الاتجاه
الروحاني مثله في ذلك مثل المذهب العقلى وإذا كان صاحب مذهب الحدس قد انتقد المذهب العقلى فإنه قد نزل إلى مرتبة دنيا حينما التجأ إلى ملكة أحقر من العقل هي الحدث الحسي الذى لم يحدده برجسون تمام التحديد والذي امتزج قليلا أو كثيرًا بالخيال وبالغريزة وبالعاطفة وهكذا وصل بنا الأمر أننا لم نعد بصدد البحث عن الحقيقة ولكن بصدد البحث عن الواقع بل الواقع
D
"
المقتصر على الدائرة الخسية مفهومة على أنها في جوهرها متغيرة متأرجحة بين هذه
10
وهو
النظريات جردت القوة الداركة عن جميع أقسامها السامية واقتصر فيها على أدنى أجزائها بل إن العقل نفسه لم تعد له من قيمة إلا فى الأعمال الصناعية وبعد كل ذلك لم يعد إلا خطوة واحدة هى الإنكار المطلق لقيمة القوة الداركة وللمعرفة ووضع المنفعة بدل الحقيقة وهذا هو مذهب البرجماتسم " مذهب لا يستشرف المعرفة الروحانية ولا يتجه إلى السماء يستلهمها الرشاد الحق بل إنه لا يقف بنا عند حد المعرفة البشرية الإنسانية كالمذهب العقلى إنه ينزل بنا إلى مرتبة أقل من المرتبة الإنسانية مرتبة تستضيء باللاشعور الذي يجعله وليم جيمس الواسطة إلى الاتصال بالألوهية وفى هذا قلب للأوضاع
الطبيعية
١٥ عقيدة تجعل الفائدة العملية مقياس الحقيقة فالحقيقة في هذا المذهب تطلق بكل بساطة على كل
ماله فائدة عملية
۳۳۸
تلك هي خاتمة الفلسفة في العصر الحديث وهي خاتمة ما كان يمكن أن توجد في حضارة روحانية
لا نريد أن نطيل في الحديث عن الفلسفة الحديثة فإنه يجب ألا نعطيها من الأهمية أكثر مما ينبغى لها إنها من وجهة نظرنا لا تعدو أن تكون نصا يعبر عن اتجاه البيئة فى زمن معين إنها تعبر عن اتجاه البيئة ولكنها لا تنشئها وإنه لمن المؤكد أن الفلسفة الحديثة تنتسب في أصولها إلى ديكارت ولكن تأثير ديكارت في عصره أولا ثم فيما تلاه ما كان يمكن أن يوجد لو لم تكن الآراء التي قال بها تتجاوب اتجاهات سبقته وعاصرته إن الروح الحديثة وجدت في الديكارتية مرآة تصورها فلما نظرت في المرآة تبينت نفسها في وضوح أوضح على أننا نجد في كل أن الظواهر التي تشبه الديكارتية هى نتائج أكثر منها مبادئ مبتدعة إنها ثمرة عمل موجود وإن كنا لا نشعر به فى وضوح وإذا كان ديكارت أوضح مثل للانحراف الحديث فإنه ليس المسئول عن ذلك وحده بل ليس أول مسئول عن
مع
الميادين
ذلك
ه - من جو الفلسفة إلى جو التصوف
اعرف نفسك بنفسك
١٦
كثيرا ما تقال هذه الجملة - اعرف نفسك بنفسك - وكثيرا ما يخفى القصد
وبين هذا القول وذلك الغموض يعترضنا سؤالان
أولهما
ما هو المصدر الأصلى للجملة
وثانيهما ما مدلولها الحقيقى وما ترمى إليه من أغراض
١٦ مجلة المعرفة ذو الحجة سنة ١٣٤٩ هـ مايو سنة ۱۹۳۱ م
۳۳۹
قد يخيل لبعض القراء - - عند أول وهلة - أن السؤالين مفترقان لا رابطة ولا صلة تجمعهما وعند تدقيق النظر والبحث والتمحيص سيثبت لهؤلاء أن السؤالين مرتبطان ببعضهما كل الارتباط إذا سألنا أغلب من درسوا الفلسفة اليونانية عن الإنسان الذي فاه بهذه الحكمة لما تردد فريق منهم فى الإجابة بأن القائل سقراط في حين يقول فريق ثان أفلاطون ويقرر فريق ثالث بأنه فيثاغورث
من هذا التضارب في الرأي وذلك التباين في القول نستطيع الحكم بأن الجملة تقرأ في كتاب لأحدهم باعتباره مصدرها وقد يبدو حكمنا هذا جائرا ولكنه فى الحق حكم صحيح تثبت للقارئ صحته عندما يعلم أن اثنين من أولئك الفلاسفة - هما فيثاغورث وسقراط – لم يخلفا شيئًا مكتوبًا أو منقوشاً وأما ثالثهم أفلاطون فإن أحدا – بالغا ما بلغ من العلم بالفلسفة – لا يستطيع أن يميز على التحديد ما قاله أفلاطون نفسه أو ما قاله بلسان أستاذه سقراط الذى لم نعرف أكثر آرائه إلا بواسطة أفلاطون وقد يكون أفلاطون استقى من مدرسة فيثاغورث بعض التعاليم التي بثها في محاوراته كما استقى من سقراط نفسه
هذا من
أن نری من الصعب جدا أن تحدد نسبة بعض العبارات إلى أحد فا ينسب لأفلاطون قد ينسب لسقراط فى حين قد يكون سابقا لوقت الاثنين معا فيكون صدر من المدرسة الفيثاغورية إن لم يكن من فيثاغورث
الثلاثة
نفسه
والحق هو أن المصدر الحقيقى لهذه الجملة لأقدم تاريخا من أولئك الفلاسفة أنفسهم بل لأكثر قدما من تاريخ الفلسفة نفسها وأكثر من هذا وذاك إنها
أسمى مجالا من مجال الفلسفة ذاته
٣٤٠
هذه العبارة وجدت محفورة على باب هيكل أبولون فى دلفى واتخذها سقراط كما اتخذها غيره قاعدة لتعاليمهم - وإن اختلفت التعاليم وتباينت المقاصد - ومن المحتمل جدا أن فيثاغورث استعملها قبل سقراط نفسه
والذي نفهمه من
هذا هو
أن أولئك الفلاسفة حاولوا أن يظهروا لنا بل
أظهروا لنا بالفعل أن تعاليمهم لم تكن من تلقاء أنفسهم فحسب بل كانت من مصدر أسمى ومنزلة أرفع يتناسبان مع مصدر الوحى ومنزلة الإلهام
وأن
لهذا نراهم مختلفين جد الاختلاف عن الفلاسفة الحديثين الذين يحاولون جهد أن طاقاتهم يقولوا شيئًا جديدًا يدعون أنه من بنات أفكارهم الخاصة ما يبدونه من آراء وقف عليهم كأن الحقيقة ملك لشخص معين والآن لماذا كان يود الفلاسفة القدماء أن يربطوا تعاليمهم بهذه العبارة أو بعبارات تماثلها ولماذا يمكننا أن نقول إن هذه العبارة أسمى منزلة من الفلسفة
نفسها
للجواب عن الفقرة الأخيرة من هذا السؤال نقول إنه منحصر في المعنى الأصلي المقصود من اشتقاق كلمة الفلسفة نفسها التي قيل إن أول من استعملها
فيثاغورث
فكلمة فيلسوفيا تعنى تماماً حب الحكمة والميل للحصول عليها وقد استعملت لتدل دائماً على كل تحضير للحصول على الحكمة وعلى الأخص لمحبها حيث تساعده على يصير سوفوس أى حكيما وبما أن الوسيلة لا تؤخذ على أنها غاية كذلك حب الحكمة ليس هو الحكمة بذاتها وبما أن الحكمة
هي بذاتها المعرفة الحقيقية الباطنة فإنه يمكن القول بأن المعرفة الفلسفية إن هي إلا المعرفة السطحية الخارجية فليس لها قيمة في نفسها أو من
٣٤١
نفسها وما هى إلا درجة أولية فى الطريق المؤدية للمعرفة السامية الحقة التي هي
الحكمة
معروف لمن درسوا الفلسفة أن معظم الفلاسفة القدماء كان لهم في
مدارسهم نوعان من التعليم خارجی وداخلی
أما الأول فهو ما كان مكتوبًا وأما الثانى فيصعب علينا معرفة طبيعته على التحقيق وذلك لقصره على القليلين أولاً ولصبغته السرية ثانيا وهذه الصبغة وتلك القلة دليلان على وجود غرض أسمى من تعلم الفلسفة الذي لا يستطيع تأديته على أنا نعتقد أن لهذا التعليم السرى أقوى صلة مباشرة بالحكمة ذاتها والذي ماكان عماده - فى حال ما - العقل أو الاستدلال المنطق كالفلسفة التي تعتمد عليها وبهما سميت المعرفة العقلية
الحكمة ذاتها
ومسلم من الفلاسفة القدماء بأن المعرفة العقلية – أى الفلسفة – ليست هي المعرفة العليا الحقة وبعبارة أخرى ليست هي لكن هل يمكن أن تُعلَّم الحكمة كما تُعلَّم المعرفة الخارجية بواسطة التلقين أو الكتب هذا مستحيل كل الاستحالة وسترى سبب ذلك والذي يمكننا أن نقرره هو أن التحضير الفلسفي ما كان ليكفي مطلقا لأنه لا يختص إلا بقوى محدودة هي نفسها العاقلة في حين يستمد التحضير للحكمة من الكون الكلى للإنسان
نفسه
وإذن فهناك تحضير آخر للحكمة أسمى منزلة من التحضير الفلسفي لا يلجأ فيه
6
إلى العقل بل إلى النفس والروح وهذا ما نستطيع تسميته بالتحضير الباطني الذي عرف أنه من الصفات التي امتاز بها تلاميذ الفيثاغورية الممتازون والذي ظل
حتى مدرسة أفلاطون بل حتى وصل إلى الأفلاطونية الحديثة بمدرسة
٣٤٢
الإسكندرية التى ظهر فيها ذلك التحضير بوضوح تام كما ظهر جليا في نفس الوقت عند أتباع الفيثاغورية الحديثة لمثل هذا التحضير الباطنى تستعمل الكلمات على أنها صور رمزية لإحدى
كاملة
الوسائل التي تساعد على تركيز التأمل الباطني وبهذا التأمل ينقل الإنسان إلى بعض حالات نفسية وروحية يمكنه فيها أن يسمو فوق درجة المعرفة العقلية التي وصل إليها سابقا وبما أن هذه فوق مستوى العقل فإنها - منطقيا - فوق مستوى الفلسفة إذ يستحيل علينا أن نعطى الفلسفة غير المعنى المعروف عنها فهي دائما لتعيين ما يبحثه العقل فحسب ومن الغرابة أن الفلاسفة الحديثين كثيرا ما يقيدون الفلسفة بهذا القيد كأنها نفسها وغاب عن أذهانهم أن فوق فلسفتهم ما هو أسمى بكثير وقد عرف هذا النوع من التعليم الباطني في الأقطار الشرقية قبل أن يعرف في اليونان حيث كان معروفاً عند الأخيرين باسم " ميستيريا أي [ المساتير ] ١٧ وقد أدخل أولئك الفلاسفة - وخاصة فيثاغورث - تلك الميستيرات في تعاليمهم لأنها كانت بالنسبة إليهم نوعًا جديدًا ومعنى حديثا للآراء القديمة فقد كان يوجد أنواع كثيرة من تلك الميستيرات لها مصادر مختلفة ولكن التي ألهمها فيثاغورث وأفلاطون كان لها صلة بطقوس معبد [ أبولون ]
وقد احتفظت الميستيرات دائما بصبغة سرية ولذلك صار اسمها مرادفا للسر فالمعنى الأصلى لتلك الكلمة هو الصمت التام فكل الأشياء التي تتصل بالغيبيات غير قابلة للتفسير بواسطة الكلمات وبهذا لم يكن لها من طريق التعليم غير
۱۷ لم نعثر على ترجمة دقيقة تؤدى المقصود من كلمة ميستيريا وقد راجعنا الاستاذ فريد بك وجدى في هذا فعبر عنها بكلمة المساتير وكنا نرى أنها قد تكون الغيبيات أو الرموز أو الخفائية فلعل أحد حضرات القراء يجد لها معنى أدق
٣٤٣
طريقة الصمت وجاء الفلاسفة الحديثون فلم يعرف أكثرهم تلك الطريقة فهربوا
خلف استعمال الكلمات التي ندعوها من طريق التعليم الخارجي ويمكننا أن نؤكد أن هذا التعليم الصامت كانت طريقته الأشكال والرموز ووسائل أخرى يراد منها تهيئة الإنسان لحالات باطنية يمكنة فيها - بعد خطرات متتابعة - أن يصل أخيرًا إلى المعرفة الحقيقية وهذا هو الغرض الأساسي العام من الميستيرات وما يشابهها غرضا أما الميستيرات التي تتصل بطقوس [ أبولون] أو بأبولون] نفسه فإنه ينبغى أن نشرح للقراء بأنه كان معروفًا في عرفهم بأنه رب الشمس والنور والمعنى الروحى للنور وهو المبدأ المشرق الذي منه تنبعث كل المعارف من علوم وفنون وقد قيل إن الطقوس الدينية لمعبد أبولون جاءت من الأقطار الشمالية وقد ثبت هذا فى الكتب المقدسة كالفيدا الهندى و الآفتشا الفارسي وقد كانت دلفي معروفة بأنها المركز العام وقد وجد في هيكلها حجر يسمى أومفالوس يرمز إليه بأنه مركز العالم
يظهر أن تاريخ فيثاغورث بل اسم فيثاغورث نفسه له صلة وثيقة بالطقوس الدينية لأبولون فقد كان يسمى بيتيوس وقد قيل إن بيثو هو الاسم القديم لدلفي وإن المرأة التي كانت تتلقى وحى الآلهة في الهيكل كانت تسمى بيئيا ومعنى بيشيا جوراى هو دليل بيئيا ودليل بيئيا هو نفسه وقيل
أيضًا إن البيئيا هي التي أعلنت أن سقراط أحكم الرجال ومن هنا نستطيع أن نفترض أن لسقراط اتصالا خاصا بالمركز الروحى فى دلفى كفيثاغورث أيضا أضف إلى ذلك أن كل العلوم كانت تنسب إلى أبولون وبخاصة الهندسة والطب وقد كان أبولون يمثل نفسه كأنه يمارس هذه العلوم عامة والهندسة منها بوجه خاص وفى مدرسة فيثاغورث كانت الهندسة وسائر فروع الرياضة هي الجزء
٣٤٤
العام في التحضير للمعرفة العليا وعند هذه المعرفة لم يكن لتلك العلوم لتترك جانبا بل كانت تستعمل كرموز للحقيقة الروحية وقد كانت الهندسة لدى أفلاطون تحضيرًا ضروريًا لكل فرع من فروع تعاليمه حتى صح عند قوله الذي حفره على مدخل مدرسته لا يدخله إلا عالم بالهندسة ويظهر معنى هذه الكلمات جليا إذا قورنت بقول آخر لأفلاطون نفسه الإله يصنع الهندسة دائمًا وهنا يجب أن نذكر أن المقصود بالإله المهندس هو أبولون وإذن فيجب ألا ندهش إذا ما رأينا الفلاسفة القدماء استعملوا تلك الجملة المحفورة على مدخل هيكل دلفي بعد أن عرفنا صلة الاتصال بينهم وبين طقوس
"
أبولون ورموزه من كل ما تقدم يمكننا أن ندرك بسهولة ما الغرض الحقيقى لهذه الجملة ويمكننا أيضًا أن ندرك أخطاء الفلاسفة الحديثين فيها وأساس خطئهم هذا ناشئ من أنهم أخذوا الجملة باعتبارها صادرة من أحد الفلاسفة الذي كثيرا ما ينسبون إليه فكرة كفكرتهم مع أن الفكرة القديمة كثيرًا ما تختلف عن الفكرة الحديثة كل الاختلاف ولذا يعطى كثير منهم لهذه الجملة معنى سيكولوجيا علم النفس مع أن علم النفس هو دراسة الظواهر العقلية فحسب أي دراسة
أن الحقيقة هي
الوصف الخارجي - لا الذاتي - للكائن الحى ويرى بعض الحديثين - وخصوصًا الذين ينسبونها إلى سقراط - أنها وضعت لغرض خلقى هو البحث عن قانون داخلى لاستعماله في الحياة العملية وكل هذه التفسيرات الظاهرة - ولو أنها أحيانًا لا تكون باطلة - فإنها على الأقل لا تكفى تماماً ولا تحقق الصفة المقدسة التي كانت لهذه الجملة في أول الأمر وهى التى لها معنى أعمق كثيرًا من هذه
التفسيرات الظاهرة
٣٤٥
فإنها أولا تفيد أن التعليم الخارجى لا يمكن أن ينتج معرفة حقيقية وهي التي يجدها الإنسان في نفسه فقط ولا يخفى أن أى معرفة لا يمكن الحصول عليها إلا بالإدراك الشخصي وبدونه لا يكون التعليم ذا نتيجة فعالة والتعليم الذي لا يوقظ فيمن يتلقاه ما يناسبه لا يمكن أن يعطى أى معرفة بالمرة ولذلك قال أفلاطون إن كل ما يتعلمه الإنسان هو فى قرارة نفسه وإن تجاربه وما يحيط به من الخارج ما هي إلا أسباب تساعده ليصير عالما بما فى نفسه وهذا التيقظ الهام يسمى أنا منيسيس أي التذكر فإذا كان هذا صحيحا لأى معرفة فالأحرى أن يكون أصح بالنسبة للمعرفة الأسمى والأعمق فإذا شخص الحصول على تلك المعرفة فإن كل الوسائل الخارجية الحسية تصبح - شيئًا فشيئًا – غير كافية حتى أنها أخيرا تكون عديمة الفائدة ومع أنها ربما تساعد على الاقتراب عدة درجات نحو الحكمة فإنه لا يمكن بواسطتها الحصول عليها تماماً ومن الشائع في الهند أن الجورو الحقيقي أي الشيخ هو فى نفس الإنسان ولا ينبغي البحث عنه في العالم الخارجي أما المساعدة الخارجية فربما تكون ضرورية في البداءة وذلك لتجهيزه ليصير قادرًا على أن يجد فى نفسه بنفسه ما لا يمكنه أن يجده في العالم الخارجي وخصوصًا ما كان فوق مستوى المعرفة العقلية فإنه يحتاج إلى تحقيق حالات تتعمق دائما في باطن الكائن وتتجه نحو المركز المرموز إليه بأنه القلب وعنده ينبغي انتقال إحساس الإنسان حتى يصير قادرًا على الحصول على المعرفة الحقيقية وهذه الحالات التي كانت تتحقق فى [ الغيبيات ] كانت درجات في الانتقال من العقل إلى القلب وقد كان في هيكل دلفى حجر يسمى الأومفالوس يمثل به مركز الكائن الإنسانى وفى نفس الوقت مركز العالم وذلك للصلة التي بين العالم الأكبر و العالم الأصغر أي الإنسان ولذا تجد أن كل ما فى أحدهما يتصل اتصالاً تاماً بما في الآخر
·
٣٤٦
قال ابن سينا
وتحسب
أنك
جوم
صغير
انطوى العالم الأكبر وفيك
ومما يدعو إلى التسلية حقا هذا الاعتقاد الذي سار قديما بأن الأومفالوس كان قد سقط في السماء وإنك لتدرك شدة اعتقاد اليونان القدماء في هذا الحجر إذا علمت أنه يقرب من اعتقادنا فى الحجر الأسود الذى فى الكعبة المقدسة وهذا التشابه الذي بين العالم الأكبر والعالم الأصغر [ الإنسان ] هو الذي لا يجعل من أحدهما صورة للآخر وهذا الاتصال بين العناصر التي يحتويها كلاهما يبين لنا أن الإنسان يجب أن يعرف نفسه أولا لكى يمكنه أن يعرف كل ما حوله أن يجد كل شيء في نفسه ولهذا السبب تجد أن لبعض العلوم – وخاصة تلك التي كانت جزءا من المعرفة القديمة والتي أصبحت غير معروفة تقريبا عند الحديثين -
معنيين
لأنه يمكنه
ففي الشهود العيني تشير هذه العلوم إلى العالم الأكبر فتعتبر صحيحة من هذه الوجهة كما يوجد لها في نفس الوقت معنى أكثر عمقاً وهو يشير إلى الإنسان وإلى الطريق الباطني الذي بواسطته يمكنه إدراك المعرفة الحقيقية في نفسه أي إدراك كائنه الخاص وقد قال أرسطو في ذلك الكائن هو كل من يعرف ماهيته ولذلك حيث توجد المعرفة الحقيقية - لا ظواهرها ولا شبحها - تندمج المعرفة والكون ويصيران شيئًا واحدا
والشبح فسره أفلاطون بأنه كان معرفة بالحس حتى المعرفة العقلية فإنها برغم أنها تتكون من درجة أعلى من مصدرها فإن مصدرها الأول هو الحس والمعرفة الحقيقية هي فوق مستوى العقل ولهذا نرى أن تحقيقها أو تحقيق ماهية الكائن نفسه يشابه أو يطابق تكوين العالم كما ذكرنا سابقا ولذا فإن بعض العلوم
٣٤٧
تحت ظواهر هذا التكوين قد استعملت الغيبيات القديمة على هذا المعنى الثنائى كما وجد أيضًا في كل أنواع التعاليم التي كانت ترمى إلى نفس الغرض بين الأمم الشرقية وفى الغرب يظهر أن مثل هذه التعاليم وجدت في زمن القرون الوسطى ولو أنها فقدت الآن تماما لدرجة أن غالبية الغربيين ليس عندهم أقل فكرة عن طبيعتها أو وجودها أو مكانها
مما سبق ترى أن المعرفة الحقيقية ليس طريقها العقل بل طريقها النفس والروح ويمكن أن نضيف إليهما الكائن الكلى لأنها ما هى إلا الإدراك الكلى لهذا الكائن في كل حالاته وهذا هو نهاية وكمال المعرفة والحصول على الحكمة وحقيقة كل ما يختص بالنفس وما يختص بالروح أيضًا يظهر فقط الدرجات في هذه الطريق إلى الجوهر الباطنى أي النفس الحقيقية
السامية
وهذا يمكن إدراكه فقط عندما يصل الكائن إلى مركزه الخاص متحدةً كل أجزاء فؤاده ومركزه فى نقطة واحدة عندها تظهر له كل الأشياء تحتويها جميعها تلك النقطة كما كانت فى مبدئها الأول وهذا يمكن أن يعرف كل الأشياء كما هي في نفسه ومن نفسه كما يظهر الوجود الكلى الأوحد في وحدة جوهر الفرد ومن السهل أن نرى الفرق بين هذا وبين علم النفس فى المعنى الحديث فإن الأول يسمو على الثانى بمعرفة للنفس أصح وأعمق والثانى ما هو إلا خطوة أولى في الطريق ويجب أن نلاحظ أن المعنى لا ينبغى أن يقصر على النفس لأن كلمة النفس مستعملة فى اللغة العربية بما يطابقها فى اليونانية بسيخى لا يظهر معناها إلا فى الجملة الأصلية التي تبحثها ففى مثل هذه الحالة لا يمكن أن يسرى لهذه الكلمة المعنى الدارج بل لابد أن يكون لها معنى أكثر سموا يجعلها مطابقة لكلمة ذات ويجعلها تطابق النفس الحقيقية ولدينا ما يثبت هذا المعنى في
٣٤٨
الحديث الشريف الذي يطابق الجملة اليونانية هو مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ
ربه
فعندما يعرف الإنسان نفسه ويعرفها حقا في جوهره الباطني أي في مركز كائنه عندئذ يعرف ربه فإذا عرف ربه عرف كل الأشياء التي منه تصدر وإليه يعرف كل الأشياء فى الوحدة السامية للمبدإ الإلهي الذي لا شيء خارج عنه على الإطلاق وهذا معنى ما قاله سيدى محيى الدين بن عربي من أن لا شيء يخلو من اللامحدود
ترجع
٦ - التصوف الإسلامي هو الوسيلة الصادقة للمعرفة الحقة ربما كانت العقيدة الإسلامية من بين العقائد الموحاة ۱۸ هي القيدة التي يظهر فيها بوضوح التفرقة بين جزأين متكاملين هما الظاهر و الباطن ا أعنى الشريعة وهى الباب الذي يدخل منه الجميع و الحقيقة ولا يصل إليها إلا المصطفون الأخيار وهذه التفرقة ليست تحكمية وإنما تفرضها طبيعة الأشياء
ذلك أن استعداد الناس متفاوت وبعضهم معد بفطرته لمعرفة الحقيقة وكثيرا ما نجدهم يشبهون الشريعة والحقيقة بالقشر واللب أو بالدائرة ومركزها والشريعة تتضمن فضلا عن الناحية الاعتقادية - الناحية التشريعية والناحية الاجتماعية وهما جزء ان لا يتجزآن عن الدين الإسلامي إنها أولا وقبل كل شيء قاعدة للسلوك أما الحقيقة ۱۹ فإنها معرفة محضة ولكن يجب أن
۱۸ ترجمنا هذا المقال عن مقالات باللغة الفرنسية للشيخ عبد الواحد يحيى وحاولنا استكماله واستطعنا بالتعليقات الكثيرة التي اقتطفناها من كتب أئمة التصوف الإسلامي ۱۹ الشريعة أمر بالتزام العبودية والحقيقة مشاهدة الربوبية فكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فغير مقبولة وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فغير محصولة فالشريعة جاءت بتكليف الخلق والحقيقة إنباء عن =
٣٤٩
تعلم
أن هذه المعرفة هى التى تعطى الشريعة معناها السامي العميق بل هي التي تبرر وجود الشريعة إنها في الحقيقة - وإن لم يشعر بذلك المؤمنون - المركز الأساسي مثلها في ذلك مثل مركز الدائرة بالنسبة لمحيطها
بید أن الباطن لا يعني فقط الحقيقة وإنما يعنى كذلك السبل الموصلة إليها أعنى الطرق التي تقود الإنسان من الشريعة إلى الحقيقة وإذا رجعنا إلى الصورة الرمزية الدائرة ومركزها قلنا إن الطريقة هي الخط الذاهب من محيط الدائرة إلى المركز وكل نقطة على محيط الدائرة هي مبدأ الخط وهذه الخطوط التي لا تحصى تنتهى - كلها - إلى المركز إنها الطرق وهى طرق تختلف تبعاً لاختلاف الطبائع البشرية ولهذا يقال الطرق إلى الله كنفوس بني آدم ومهما اختلفت فالهدف واحد لأنه لا يوجد إلا مركز واحد وإلا حقيقة واحدة على أن هذه الاختلافات الموجودة في المبدإ تزول شيئًا فشيئًا زوال مع الانية وذلك حينما يصل السالك إلى درجات عليا تزول فيها صفات العبد التي ليست إلا سجنا الفناء فلا تبقى إلا الصفات الربانية وقد تحققت الذات بها البقاء
والطريقة والحقيقة مجتمعتان يطلق عليهما التصوف وهو ليس مذهبًا لأنه الحقيقة المطلقة وليست الطرق مدارس مختلفة لأنها طرق أي
خاصا
تصريف الحق فالشريعة أن تعبده والحقيقة أن تشهده والشريعة قيام بما أمر والحقيقة شهود لما قضى وقدر وأخلى وأظهر
سمعت الأستاذ أبا على الدقاق رحمه الله يقول فى قوله إياك نعبد حفظ للشريعة وإياك نستعين إقرار بالحقيقة واعلم أن الشريعة حقيقة من حيث إنها وجبت بأمره والحقيقة أيضًا شريعة من حيث إن المعارف به سبحانه أيضًا وجبت بأمره عن الرسالة القشيرية
٣٥٠
سبل موصلة جميعها إلى الحقيقة المطلقة التوحيد واحد
ويجب
أما
أن يلاحظ أنه لا يمكن لأحد أن يطلق على نفسه أنه صوفى اللهم إلا إذا كان ذلك منه جهلاً محضاً لأنه بذلك يبرهن على أنه حقيقة ليس بصوفى وذلك أن هذه الصفة سر بين الصوفى الحقيقى وبين ربه ويمكن أن يقول الإنسان عن نفسه إنه متصوف وهو عنوان يطلق على السالك في أي مرحلة كان ولكن الصوفى بمعناه الحقيقى لا يطلق إلا على من بلغ الدرجة العليا أصل هذه الكلمة صوفى ٢٠ فقد اختلف فيه اختلافا كبيرًا ووضعت فروض متعددة وليس بعضها بأولى من بعض وكلها غير مقبولة إنها في الحقيقة تسمية و رمزية وإذا أردنا تفسيرها ينبغي لنا أن نرجع إلى القيمة العددية لحروفها وإن لمن الرائع أن نلاحظ أن القيمة العددية الحروف صوفى تماثل القيمة العددية لحروف و الحكمة الإلهية فيكون الصوفى الحقيقى هو الرجل الذي وصل إلى الحكمة الإلهية إنه العارف بالله إذ أن الله لا يعرف إلا به وتلك هي الدرجة العظمى الكلية فيما يتعلق بمعرفة الحقيقة من كل ما سبق يمكننا أن نستنتج الصوفية ليست شيئا أضيف إلى الدين الإسلامي إنها ليست شيئا أتى من الخارج فألصق بالإسلام وإنما هي
۰ هذه التسمية غلبت على هذه الطائفة فيقال رجل صوفى وللجماعة صوفية ومن يتوصل إلى ذلك يقال له متصوف وللجماعة المتصوفة وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق والأظهر فيه أنه كاللقب فأما قول من قال إنه من الصوف وتصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص فذلك وجه ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف ومن قال إنهم منسوبون إلى صفة مسجد رسول الله فالنسبة إلى الصفة لاتجيء على نحو الصوفى ومن قال إنه من الصفاء فاشتقاق الصوفى من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة وقول من قال إنه مشتق من الصف فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث المحاضرة من الله تعالى فالمعنى صحيح ولكن اللغة لا تقتضى هذه النسبة إلى الصف ثم إن هذه الطائفة
أشهر من أن يحتاج فى تعيينهم إلى قياس لفظ واستحقاق اشتقاق و عن الرسالة القشيرية
٣٥١
بالعكس تكون جزءًا جوهريا من الدين ۱ إذ أن الدين بدونها يكون ناقصا بل يكون ناقصًا من جهته السامية أعنى جهة المركز الأساسي لذلك كانت فروضًا رخيصة تلك التي تذهب بالصوفية إلى أصل أجنبى يوناني أو هندی فارسی وهى معارضة بالمصطلحات الصوفية نفسها تلك المصطلحات التي ترتبط باللغة العربية ارتباطاً وثيقاً وإذا كان هناك من تشابه بين الصوفية وبين ما يماثلها في البيئات الأخرى فتفسير هذا طبيعى لا يحتاج إلى فرض الاستعارة وذلك أنه مادامت الحقيقة واحدة فإن كل العقائد السنية تتحد في جوهرها وإن اختلفت فيما
تلبسه من صور
ويجب
ألا نعطي عناية كبيرة - حينما نتحدث عن أصل التصوف - لتلك المناقشات التي لا تنتهى بين مؤرخى التصوف خاصة لتحديد الفترة الزمنية التي
وجدت فيها لفظة صوفى
فإن الشيء قد يوجد قبل اسمه الخاص سواء وجد تحت اسم آخر أو وجد ولم
تكن هناك الحاجة لتسميته وعلى كل حال ففيصل الحق في مسألة أصل ۱ قال الأستاذ ماسينيون فى دائرة المعارف الإسلامية الترجمة العربية مادة تصوف أما دراسة مصادر التصوف فإن الشقة بيننا وبين استكمالها مازالت بعيدة وقد حار علماء الإسلاميات الأول في تعليل ذلك الخلاف الكبير في العقيدة بين مذهب الوحدة الحالى ومذهب أهل السنة الصحيح فذهبوا إلى أن التصوف مذهب دخيل في الإسلام مأخوذ إما من رهبانية الشام وهو رأى ماركس وإما من أفلاطونية اليونان الجديدة وإما من زرادشتية الفرس وإما من فيدا الهنود وهو رأى جونس وقد بين نيكولسون أن إطلاق الحكم بأن التصوف دخيل في الإسلام غير مقبول فالحق أننا تلاحظ منذ ظهور الإسلام أن الأنظار التي اختص بها متصوفة المسلمين نشأت في قلب الجماعة الإسلامية نفسها في أثناء عكوف المسلمين على تلاوة القرآن والحديث وتقرئها وتأثرت بما أصاب هذه الجماعة من أحداث وماحل بالأفراد من نوازل على أنه إذا كانت مادة التصوف إسلامية عربية خالصة فيما لا يخلو من فائدة أن نتعرف على المحسنات الأجنبية التي
أدخلت عليه ونمت في كنفه اشتهر هذا الاسم قبل المائتين من الهجرة فهو اسم محدث بعد عهد الصحابة والتابعين
ابن خلدون
٣٥٢
التصوف هو ما يأتي إن السنة ترشد في صراحة لا لبس فيها إلى أن الشريعة والحقيقة كليهما ينبعان مباشرة من تعليمات الرسول صلوات الله عليه والواقع أن كل طريقة صحيحة تعتمد على سلسلة تصل دائمًا إلى الرسول وإذا كانت بعض الطرق فيما بعد و استعارت أو بتعبير أصح تبنت بعض التفاصيل في الطريق [ وإن كان التشابه هنا أيضًا يمكن أن يعزى إلى التماثل في المعارف وعلى الخصوص فيما يتعلق بعلم المقاطع والأوزان فى مختلف فروعه ] فإن أهمية ذلك أن تكون أهمية ثانوية لا تمس الجوهر من قرب أو من بعد والحق أن التصوف عربى إسلامى كما أن القرآن - الذى يستمد التصوف أصوله منه
لا تعدو
ويقول بعض العلماء إن هذا الاسم معروف فى الملة الإسلامية من قبل ذلك بل يذهب بعضهم إلى أنه لفظ جاهلي عرفته العرب قبل ظهور الإسلام قال أبو نصر عبد الله بن على السراج الطوسي المتوفى سنة ۳۷۸ هـ ۹۸۸ م فى كتاب اللمع في التصوف وأما قول القائل إنه اسم محدث أحدثه البغداديون فحال لأنه في وقت الحسن البصرى كان يعرف هذا الاسم وكان الحسن قد ادرك جماعة من أصحاب رسول الله ورضى عنهم وقد روى عنه أنه قال رأيت صوفيا فى الطواف فأعطيته شيئاً فلم يأخذه وقال معى أربعة دوانيق فيكفيني ما معي
وروى عن سفيان الثورى رحمه الله أنه قال لولا أبو هاشم الصوفى ما عرفت دقيق الرياء وقد ذكر في الكتاب الذي جمع أخبار مكة عن محمد بن إسحاق بن يسار وعن غيره يذكر فيه حديثا إن قبل الإسلام قد خلت مكة فى وقت من الأوقات حتى كان لا يطوف بالمبيت أحد وكان يجىء من بلد بعيد رجل صوفى فيطوف بالبيت وينصرف فإن صح ذلك يدل على أن قبل الإسلام كان يعرف هذا الاسم وكان ينسب إلى أهل الفضل والصلاح والله أعلم
ويعقب المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق على ذلك فيقول فاستعمال لفظ صوفى ومتصوف لم ينشر في الإسلام إلا في القرن الثانى وما بعده سواء أكان هذا التعبير عن الزاهد بالصوفى حدث فى أثناء المائة الثانية كما هو رأى ابن خلدون المتوفى عام ٨٠٦ هـ ١٤٠٦ في مقدمته أم كان لفظاً جاهليًّا على ما ذكره صاحب و اللمع الذي يحاول أن يبرئ الصوفية من انتحال اسم
مبتدع لم يعرفه الصحابة ولا التابعون
عن دائرة المعارف الإسلامية الترجمة العربية
۳۵۳
ألا
مباشرة - عربى إسلامي إذا كان التصوف يستمد أصوله من القرآن فمن الطبيعي يوجد قبل أن يفهم القرآن ويفسر ويتدبر تدبرًا تتفجر عنه ينابيع الحقائق التي هي في الواقع معناه العميق ولقد فسر القرآن أم فويًّا ومنطقيًّا وكلاميا ولكن تفسيره صافيا اقتضى مرور زمن لتأمله فى عمق وشمول وإذا كان القرآن مصدر الشريعة والحقيقة معا فلا يوجد بينهما تناقض أو اختلاف ما وكيف يوجد الاختلاف ومصدرهما واحد وكيف يوجد الاختلاف والحقيقة لا تقوم إلا على الشريعة في أساسها وفي سندها
- التصوف الإسلامى والتصوف المسيحى المزعوم
على
أنه
يجب ملاحظة أن التصوف الإسلامي - خلافًا للفكرة الشائعة حاليا عند الغربيين - لا يمت بأية صلة إلى ما يزعمون أنه تصوف مسيحى أعنى ذلك النوع الذي يطلق عليه الميستيسيسم أما أسباب ذلك فإنها سهلة الفهم وقد
تضمنها ما سبق من حديثنا وهي
۱ - يبدو واضحا أن الميستيسيسم شيء خاص بالمسيحية وإنه لتشبيه قائم على ضلال ذلك الذى يستندون إليه فى ادعاء وجود ما يماثل الميستيسيم في الأوساط التي لا تعتنق المسيحية ولا شك في أن هذا الفهم الخاطئ يرتكز على شيء من التشابه الخارجي الذي يتمثل فى استعمال بعض التعبيرات ولكن هذا لا يبرر أبدا دعوی التشابه لأن الفروق الجوهرية تفجأ النظر ولا تدع للتماثل مجالا فالميستيسيسم خاص
بالمسيحية إذن
وذلك
٢ - ثم إنه جزء من الشريعة إنه من قسم الظاهر وهدفه بعيد كل البعد عن
أن يكون المعرفة المحضة فى حين التصوف على خلاف ذلك
٣٥٤
- ثم إن المسيحى الذي اتخذ الميستيسيسم سبيلا في الحياة ينهج في سلوكه منهجاً سلبيًّا إنه يقتصر على تلقى ما يأتيه بدون أن يكون له أثر شخصى إنه
لا طريقة له إذن يسلكها هدفًا من وراء سلوكها إلى بلوغ غاية معينة ومن أجل ذلك لم يكن في المسيحية طرق صوفية ولذلك لا يتخذ المسيحي شيخا وليس عنده فكرة عن السلسلة أو الإسناد الذى بواسطته يصل إليه التأثير الروحي الذي لابد منه فى التصوف ٤ - والاختلاف في الهدف أيضًا واضح فهدف التصوف المعرفة وهدف ه الميستيسيم الحب والنتيجة الحتمية من كل ما سبق هي و الميستيسيسم مختلفان كل الاختلاف بل إن اللغة العربية لا تشتمل على أية ولو تقريبياً كلمة ميستيسيسم ذلك أن الفكرة التي تعبر عنها هذه الكلمة غريبة كل الغرابة عن السنة الإسلامية
كلمة تترجم
L
- التصوف والتحلل من الشريعة
أن التصوف
يبدو أن كثيرًا من الناس ۳ يشكون في ضرورة التزام الشريعة لمن يريد أن يسلك السلوك الصوفى وهذا فى الواقع استعداد نفسى لا يوجد إلا في الغرب الحديث ولا شك فى أن أسباب ذلك متعددة ولا يعنينا هنا البحث في مدى المسئولية التي تقع على عاتق رجال الدين أنفسهم الذين يميلون إلى إنكار كل ما يتجاوز حدود الشريعة في مظهرها الحرفى فليس ذلك جوهر بحثنا هنا أنه من المدهش أن بعض من يزعمون الانتساب إلى التصوف يقعون فيما
بید
۳ لخصنا هذا الموضوع عن مقال بالفرنسية للشيخ رحمه الله
٣٥٥
وقع فيه رجال الشريعة وإن كان بطريقة عكسية ذلك أنهم ينكرون ضرورة الشريعة أو يهملون العمل بها
جهله لا
وقد يكون من المحتمل أن نرى أحد ممثلى الشريعة يجهل التصوف وإن كان إنكاره ولكن ليس من المحتمل وليس من الطبيعي أن يجهل رجال يبرد التصوف ميدان الشريعة ولو من جانبها العملى ذلك أن الأكثر وهو التصوف يتضمن بالضرورة الأقل وهو الشريعة
أهميتها
على أن نظرة من يريد أن يسلك السلوك الصوفى إلى الشريعة من حيث عدم وعلى الخصوص أهمية الجانب العملي منها بالنسبة له هذه النظرة تتضمن ولو نظريا تقليل أهمية الجانب العملي في التصوف نفسه وفي هذا الخطورة كل الخطورة فإنه من المشكوك فيه كثيراً أن يتوفر للشخص الذي عنده الفكرة الاستعداد الصوفى ومن الخير له أن يلتزم الشريعة التزاماً كليا قبل أن يبدأ السلوك فإذا لم يمكنه التزامها فلا خير فيه بالنسبة للجانب الصوفى إن تقليل شأن الشريعة إنما هو مظهر من مظاهر الروح التي لا تبالى بما أنزل الله وإعادة تكوين الروح الخاضعة لما أنزل الله هو أول خطوة في طريق السالكين وتجاهل الناحية العملية إنما هو سمة من سمات الغريب الحديث على الخصوص ومن الطبيعي أن يقوم الجو الدنيوي الذي يعيش فيه الغربيون عقبة في سبيل فهمهم للجانب العملي من الشريعة وممارستهم له بيد أن لهذا مقاومتهم الجو الدنيوي هو بالضبط العلاج لانحرافهم هذا وهو السبيل إلى عودتهم إلى النهج المستقيم أعنى التزام الشريعة
قلنا إن الاتجاه النفسى الذى نتحدث عنه هنا إنما هو سمة من سمات الغرب الحديث وفى الواقع لا يمكن أن يوجد هذا الاتجاه في الشرق ذلك أن الروح
الدينية الصحيحة لا تزال مسيطرة في بيئاته
٣٥٦
ثم إن الشريعة والحقيقة متصلتان اتصالا يجعل منهما مظهرين لشيء واحد أحدهما خارجي والآخر داخلى أو أحدهما ظاهر والآخر باطن
لذلك كان ما يوجد فى الغرب الآن من جماعات تدعى أنها على النهج ذلك لا ترتكز على أية شريعة إلهية وهى مع
الصوفي
البديهي شی
مجرد خداع ومن أن هذه الجماعات - ومن وجهة النظر الصوفية الصحيحة – ليست على
ولشرح الأشياء بأبسط الطرق نقول
إن الإنسان لا يشيد القصر في الهواء إنه لا يشيده على غير أساس وكل فكرة لا ترتكز على أساس من السنة الصحيحة إنما هي بناء فى الهواء إنها بناء على غير أساس والبناء الذى يمكن أن يبقى على الدهر لا بدله من أساس مدعم وعلى الأساس يرتكز البناء كله حتى الأجزاء العليا منه والارتكاز على الأساس يستمر
حتى بعد انتهاء البناء
وعلى هذا النمط تكون النسبة بين الشريعة والتصوف فالشريعة الصحيحة الأساس الذي لابد منه لكل سالك وكالأساس تماماً لا يمكن طرح هی الشريعة بعد سلوك الطريق بل نقول أكثر من ذلك إنه كلما سار التصوف فى طريقه واستغرق فيه بدت له ضرورة الشريعة واستنارت معرفته بها وأصبح فهمه لها أكثر عمقاً وأكثر دراية بحقيقتها من هؤلاء الذين درسوها وآمنوا بها بدون أن يضربوا بسهم ذلك أنهم لايرون من الشريعة الامظهرها الخارجي ولكن الصوفي يعيش في جوها الروحى ويحياها إذا أمكن هذا التعبير على أن هذا الذي لا يعتنق شريعة صحيحة ولا يلتزمها لا يمكن أن يحيا إلا
الصوفي
في الميدان
٣٥٧
حياة دنيوية بحتة فلا يمكن أن يطلق عليه رجل دين فضلا عن أن يطلق عليه
وصف الصوفي
على أن الغربيين الذين يجعلون الدين بمعزل عن نشاطهم اليومي كما هو شأن الأكثرية الساحقة منهم لا يمكن أن يوصفوا بأنهم متدينون وإن آمنوا
وأدوا الشعائر الكنسية
بعیسی
وإذا كان لا يقبل من رجل الدين أن يعلن تدينه بدون أن يجعل للشريعة السيطرة على قياده فإنه لا يقبل من باب أولى من رجل التصوف أن يزعم انتسابه إلى الصوفية دون أن تسيطر شعائر الدين والتزاماته على حياته
ذلك
وهناك لا شك نوعان من الحياة حياة دينية وحياة دنيوية فالفرق بينهما إنما هو من جهة ما تصطبغ به فكرة الإنسان عن الأعمال التي
يؤديها
أريد أن أقول إن الأعمال في نفسها لا توصف بأنها دينية أو دنيوية وإنما يتأتى لها أحد الوصفين بسبب سيطرة الفكرة الدينية عند القائم بهذه الأعمال أو عدم سيطرتها وقد يكون العمل واحداً في نوعه ويؤديه شخصان فيوصف عند أحدهما بأنه دينى وعند الآخر بأنه دنيوى فإن كان القصد الله فالعمل ديني وإن كان القصد شيئاً آخر فالعمل دنيوى والحديث الشريف يوضح هذه الفكرة كل التوضيح إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه
ومن البديهي أن الحديث فى أوله عام بالنسبة لكل الأعمال وإن مسألة
الهجرة فيه تطبيق جزئى لقضية عامة وفى العصور القديمة لم يكن هناك تفرقة بين دين ودنيا بل لم يكن هناك مجرد
٣٥٨
الفهم أو مجرد التخيل لفكرة الانفصال هذه وإنما نشأت هذه الفكرة حينما تدهورت الإنسانية وانحطت شيئاً فشيئاً وها نحن أولاء قد وصلنا في هذا التأخر إلى الغرب حاليا يصعب عليه كل الصعوبة أن يفهم فكرة ضرورة سيادة الروح
أن
الدينية فى مجتمعاته إنه على نهج انفصالي لا يوجد في الحياة السليمة وإننا نرى ضرورة التزام الشريعة لكل إنسان ولكننا - ونحن على يقين من الأمر - لهؤلاء الذين يريدون أن يسلكوا الطريق الصوفى بأنهم لن يصلوا حتى إلى أولى مراحل الطريق إذا لم يلتزموا الشريعة التزاماً تاماً وبالله التوفيق
-4
علوم التصوف
إن التصوف ٢٤ في جوهره معرفة في محيط ما وراء الطبيعة على أن التصوف وإن كان معرفة عليا فإن بعض العلوم تتصل به اتصالا وثيقا بل إنها ليست إلا تطبيقا لبعض جوانبه وهذا مما يميزه أيضًا عن الميستيسيسم من هذه
العلوم علم الفلك القديم وهو ليس تنجيما كما يعتقد الباحثون الحديثون وإنما يتعلق بمعرفة أسمى وأعمق وكذلك الأمر في الكيمياء القديمة إنها ليست
استخراج الذهب الحقيقى من المعادن الحقيقية وإنما كانت رمزا لمعرفة لا صلة لها بالمادة وليس لها بالكيمياء الحديثة أى ارتباط أو تشابه إن الباحثين الحديثين لا يعرفون عن المعنى الحقيقى لهذين العلمين شيئًا على أن هناك علوما أخرى لا يعرف عنها متفلسفة العصر الحديث إلا اسمها مع أنها كانت من الدقة بحيث تبلغ درجة العلوم الرياضية
٢٤ الصفحات التالية ترجمة لكلمات للشيخ باللغة الفرنسية تحرينا في ترجمتها الدقة التامة
٣٥٩
١٠ - من شروط التصوف ولابد في التصوف من شرط جوهرى هو التأثير الروحي أو بتعبير أدق البركة وهى لا تتأتى إلا بواسطة شيخ ٥ ومن هنا كانت الطرق ومن هنا كانت السلسلة وهل السلسلة إلا بركات تنتقل من شيخ إلى مريد يوشك يصبح شيخا فيؤثر بدوره في مريد أو مريدين
أن
ونختم هذه الكلمة بملاحظة جوهرية تتعلق بطبيعة التصوف وهي أن التصوف ليس عملاً علمياً ولا بحثا نظريًّا إنه لا يتعلم بواسطة الكتب ٢٦
٢٥ يجب على المريد أن يتأدب بشيخ فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبدا هذا أبو يزيد يقول من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان وسمعت الأستاذ أبا على الدقاق يقول الشجرة إذا نبتت بنفسها من غير غارس فإنها تورق لكن لا تثمر كذلك المريد إذا لم يكن له أستاذ يأخذ منه طريقته نفسا فنفسا فهو عابد هواه لا يجد نفاذا و الرسالة القشيرية ص ١٩٩
ويشترط الإمام الرازى فى الشيخ أن يكون مخلصاً صادقاً قد انتهج الصراط المستقيم وأن يكون سالكا أما السالك فلأن الوصول تارة بالجذبة على ماقال عليه السلام جدبة من جذبات الحق توازى عمل الثقلين وأخرى بالسلوك والأول لا يصح أن يقتدى به لأنه مثل من وجد كنرًا فصار غنيًّا فإنه وإن كان ذا مال لكنه غير عالم بكيفية اكتساب المال فلا ينتفع به التلميذ الطالب لتعلم كيفية الاكتساب وأما الثاني فهو الذي يصلح لتربية المريد لأن من سلك الطريق وعرف مراحلها ومنازلها واطلع على متألفها ومعاطيها أمكنه إرشاد الغير إلى سواء السبيل والإخبار عن كيفية تلك الأحوال على التفصيل شرح الإشارات ۱۱ ٢٦ من كلام الإمام الغزالى فى المنقذ من الضلال " تم إلى لما فرغت من هذه العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية وعلمت أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل " وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفس والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكر الله
وكان العلم أيسر على من العمل فابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتهم مثل و قوت القلوب لأبي طالب المكي - رحمة الله - وكتب الحارث المحاسبي والمتفرقات المأثورة عن الحنيد والشبلي وأبي يزيد البسطامي قدس الله أرواحهم وغير ذلك من كلام مشايخهم حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلمية وحصلت ما يمكن أن يحصل من طريقهم بالتعليم والسماع
على الطريقة المدرسية بل إن ما كتبه كبار مشايخ الصوفية أنفسهم لا يستخدم إلا كحافز مقو للتأمل والإنسان لا يصير بمجرد قراءته متصوفا على أن ما كتبه كبار الصوفية لا يفهمه إلا من كان أهلاً لفهمه ولأجل أن يسير الإنسان في طريق التصوف لابد له من
۱ - استعداد فطری خاص ۷ لا يغنى عنه اجتهاد أو كسب الانتساب إلى سلسلة صحيحة إذا أن البركة التي تحصل من الانتساب إلى السلسلة الصحيحة هي الشرط الأساسي الذي لا يصل الإنسان بدونه إلى أي درجة من درجات التصوف حتى البدائية منها ثم يأخذ المتصوف الطيب الفطرة الذى باركه شيخه في الجهاد
فظهر لي أن أخص خواصهم مالا يمكن الوصول إليه بالتعلم بل بالذوق والحال وتبدل الصفات وكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة وحد الشبع وأسبابها وشروطها وبين أن يكون صحيحا وشبعانا وبين أن يعرف حد السكر وأنه عبارة عن حالة تحصل من استيلاء أبخرة تتصاعد من المعدة على الفكر وبين أن يكون سكرانا
بل السكران لا يعرف حد السكر وعلمه وهو سكران وما معه من علمه شيء
والصاحي يعرف حد السكر وأركانه ومامعه من السكر شيء
والطبيب في حالة المرض يعرف حد الصحة وأسبابها وأدويتها وهو فائدة الصحة كذلك فرق بين أن تعرف حقيقة الزهد وشروطها وأسبابها وبين أن يكون حالك الزهد وعزوف النفس عن الدنيا فعلمت يقينا أنهم أرباب الأحوال لا أصحاب الأقوال وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم فقد حصلته ولم يبق إلا مالا سبيل إليه بالسماع والتعلم بل بالذوق والسلوك و المنقذ من الضلال ۷ يرى الإمام الرازي أنه لابد - لتكون الرياضة نافعة - أن تكون نفس المريد مستعدة لهذا الحديث ملائمة له إذ لو لم يكن كذلك ما نجحت فيه الرياضة أصلا لأن تأثير الرياضة ليس إلا في إزالة العوائق ورفع الحجب والأستار وزوال العائق لا يكفي في حصول المطلوب بل لابد معه من القابل المستعد فإذا لم تكن النفس مستعدة لم تقد الرياضة سعادة أصلا لكنها تفيد السلامة
شرح الإشارات ص ۱۱
٣٦١
الأكبر التأمل الروحي وفى الذكر أي استحضار الله في كل ما يأتي وما يدع وفى تركيز الذهن في الملإ الأعلى فيصل موفقا من درجة إلى درجة حتى يصل إلى أعلى الدرجات وهي حالة تسمو على حدود الوجود المؤقت فيصبح ربانيا ذلك هو الصوفى الحقيقى
۱۱ - مقامات الوصول
وحينما يقطع الإنسان الطريق يصل إلى الولاية
والولى إما أن يمكث وليا فقط فتكون معرفته خاصة به أو يختاره الله لتأدية
رسالة إلى الآخرين فيكون نبيا - أو يكون رسولا
والرسول
نبی
ولكن رسالته تأخذ صبغة عالمية أما رسالة النبي فإنها محددة
في
الأهداف محدودة المكان إن الرسول مظهر الصفة الإلهية الرحمن أنحاء العالمين إنه رحمة للعالمين فلا تقتصر رسالته على دائرة خاصة
ومع
جميع
ولا شك أن النبوة أسمى من الولاية ذلك فقد رأى بعضهم أن مقام الولى القرب من الله فى حين أن النبي متجه بطبيعة رسالته إلى الخلق ولكن ذلك خطأ محض فإن النبوة تتضمن الولاية فهى متضمنة لمقام القرب ثم إنها أكثر من الولاية وعلى ذلك فإن حالة الولى ناقصة بالنسبة لحالة النبي إنها ليست قاصرة بالنسبة لطبيعتها الخاصة ولكنها قاصرة بالنسبة لدرجتها في العموم وهذا العموم يصل إلى أعلى درجات ازدهاره في الرسالة إذ هي عالمية والرسول - لا غيره - هو حقيقة الإنسان العالمى
وللرسول كما للنبي اتجاهان
۱ - اتجاه داخلي إنه الاتجاه نحو الحق
6
٣٦٢
- اتجاه خارجي إنه الاتجاه نحو الخلق
ودرجة الرسول العالمية أسمى من درجة النبي المحدودة ودرجة النبي المحدودة
أعلى من درجة الولى الخاصة ومقام الجميع القرب
الفصل الرابع
العارف بالله
الشيخ عبد الفتاح القاضي
١ - كيف عرفت الشيخ عبد الفتاح القاضي
صلينا العصر في رحاب مولانا الإمام الحسين رضوان الله عليه وكنا على موعد في المسجد المبارك ثم يممنا شطر محطة مصر لنأخذ القطار إلى بلد القطب الملثم كان ذلك في شهر أكتوبر سنة ١٩٦٠ وكنا نستقبل في المساء الليلة الكبرى لمولد السيد البدوى رضى الله عنه وركبنا القطار في صعوبة وحمدنا الله على أن وجدنا في القطار مكانًا
للوقوف
وقفنا لنسير مع الزمن متحدثين تارة وصامتين أخرى وكلنا أمل في أن نحظى بليلة تتسم بالإشراق وتفيض بالمدد فى رحاب شيخ العرب وسار القطار
وكان في مواجهتنا - جالسًا - رجل ريفي تبدو عليه سمات الصالحين يلبس جلبابا من الصوف وعلى رأسه عمامة وعلى جبهته علامة الإقبال على الصلاة
٣٦٣
٣٦٤
وكان على يمينه سيدة ريفية هى الأخرى لعلها أخته أو لعلها زوجته فقد كان يتحدث إليها فى ألفة بادية وفى ابتسامة سهلة لا تكاد تفارق شفتيه لقد كان منظره وهو يتحدث مع السيدة يشعر بأنه نسى العالم من حوله وتلاشي بالنسبة له كل شيء كان وجهه سمحا وقسماته لا توتر فيها وكان كل شيء فيه يدل على
أنه لا يحمل في قلبه كراهية لأحد ولاحقدًا لمخلوق لقد كانت ترتسم على وجهه صورة البراءة أصفى ماتكون البراءة
وراقني منظره منظر البراءة والسماحة وراقنى أن أنظر إلى هذا الوجه السمح وهذه البراءة البادية وتعلقت عینای به
ويبدو
أنه وصل في حديثه السيدة إلى نهاية قصة أو خاتمة حديث فأخذ مع يدور بوجهه فى من حوله جالسين وواقفين ثم نظر إلى فمد عينيه نحوى وتركزت عيناه على وجهى وزال من وجهه شيء قليل من سماحته وحل محلها نوع خفيف من التوتر وبدا عليه الاهتمام
وأردت أن أنهى هذا الموضع فاتجهت إلى صديقي أتحدث إليهما متكلفا الحديث وكان أحدهما بجوار الرجل فانتهز الرجل فرصة صمت منا واتجه إلى من بجواره قائلا له بشَّر صاحِبَك - مشيرًا إلى – بالحج هذا العام
وأخذت الأمر على أنه فأل حسن وعلى أنه بشرى من الجائز أن تتحقق وكان فى هذا النبأ على كل حال تخفيف من الشعور بزحمة القطار وسلوى عن
حرارة الجو
ومضت الأسابيع والشهور وقرب موعد الحج ثم أعلنت الجرائد موعد
قبول الطلبات
ولم أكن قد اتخذت العدة للحج فلم أتقدم بطلب وإن كنت في شوق ملح
للحج وللزيارة إذ لم أكن قد أديت الفريضة بعد
٣٦٥
وحينما أعلنت الجرائد عن موعد قبول الطلبات تذكرت الفأل الحسن وتذكرت البشرى التي يجوز أن تتحقق
ولكن هاهى ذى المدة المحددة لقبول الطلبات تنقضى يوما فيوما حتى أوشكت على الانتهاء فلم أحرك ساكنا وكأنى بموقفى هذا أتحدى نبوءة هذا الشيخ تلك النبوءة يجوز أن تتحقق ثم ثم انتهت المدة وضعف بانتهائها الأمل في أداء
التي
فريضة الحج هذا العام وإن لم يضعف الأمل في أن تحدث معجزة وبدأت أفواج من استجابوا للأذان بالحج تتجه نحو الأرض المقدسة تحيهم الزغاريد وتودعهم الدعوات
وكانت محطة كوبرى الليمون تقع فى طريقى اليومى المعتاد فكنت أرى هذا
المنظر السار البهيج وأتحسر إذ لم أكن في الركب
عن
ولم يبق على سفر آخر فوج إلا ستة أيام
وذات يوم في صباح اليوم السادس قبل سفر آخر فوج اتصل بي أحد الأصدقاء يستفسر أسماء كتب الشيخ عبد الواحد يحيى وعن كيفية الحصول عليها ثم قال إن السيد حسن عباس زكى يحب أن يشترى بعضها أو كلها إذا أمكن ويحب يعرف أسماءها والسبيل إلى شرائها وبعد حديث بيني وبين هذا الصديق اتفقنا على أن أحضر له المجموعة كاملة لينظر فيها السيد الوزير حتى إذا ما راقه بعضها اتصلنا بالمكتبات الفرنسية في القاهرة لتحضر الكتب من باريس
أن
وفي عصر
اليوم نفسه سلمت صاحبي مجموعة الكتب
وفى مساء اليوم نفسه أيضًا مرَّ على صاحبي قائلا
٣٦٦
قبل
إن السيد الوزير يحب أن يراك فهيا بنا لزيارته ولم أكن قد التقيت به من
والتقينا بالسيد الوزير وأخذنا نتحدث عن الشيخ عبد الواحد يحيى ثم ذهب السيد الوزير ليجيب على نداء التليفون وأراد صاحبي ألا يمر الوقت في صمت وأن يقطعه بالحديث فقال كعادة الحجاج
ألا ترغب في شيء من الحجاز منتظرًا أن أقول له سبحة مثلا أو شيئا من هذه الأمور التي يتزود بها الحجاج في عودتهم
فرأيت نفسى مندفعا إلى أن أقول له فورًا وكأنى مسخر بقوة لا قبل لى بردها نعم أرغب فى أمر سهل بالنسبة لك وأرجو أن تقوم به مشكوراً وتهيأ صاحبي لسماع الطلب في انتباه ظاهر
فقلت أرجوك أن تقف أمام الضريح الشريف وتقول
إن عبد الحليم يقبل اليد الشريفة ويرسل تحياته ويبلغ أشواقه إلى سيده رسول الله ويرجو منك يا أكرم الخلق على الله أن تدعوه لزيارتك فإنك إذا فعلت زالت كل العقبات وأتى يسعى ليلبي النداء وقال صاحبي في نوع من التأمل البادى على ملامحه أرجو أن تكون قد
استجيبت ولعلها قد استجيبت
وانتهى أمير الحج من الحديث التليفونى - فقد كان السيد حسن عباس زكي هو أمير الحج في ذلك العام - وجاء فذكر له صاحبي ما تحدثنا به في غيبته فقال أمير
الحج إنه يدعو الله أن يتحقق الرجاء وانتهى الحديث عند ذلك ثم اتفقنا على أن نذهب معا إلى منزل الشيخ عبد الواحد يحيى لزيارة أسرته وليأخذ السيد الوزير صورة أوضح عن حياته
ولن أنسى صورة السيد الوزير وهو واقف فى غرفة المكتبة بجوار المكتب الذي
٣٦٧
كان يجلس عليه الشيخ قارئًا كاتبًا وقف مستغرقا وكأنه يسافر بروحه في الزمن عودة إلى الماضى يريد أن يتعرف إلى الشيخ فى حياته أو كأنه بعبارة أدق يسافر في الحاضر إلى عالم الأرواح يريد أن يرى فى عالم الغيب صورة الشيخ الحقيقية
إن شيئًا من آثار الشيخ رضوان الله عليه مازال باقيا - لاشك - في هذا
المكان وخيل إلى حينئذ أن السيد الوزير بروحه الشفافة وبروحانيته القوية وببصيرته النافذة ينطلق مستر شدًا بالأثر إلى صاحب الأثر
الجو
إن عبير الشيخ الزكي مازال يملأ أرجاء المكان ولا يزال الأريج الطيب يعطر يشعر بذلك كل من رق شعوره وشفت نفسه وأنار الله بصيرته
وافترقنا
وفى اليوم التالي - الخامس قبل سفر آخر فوج - بينما أنا جالس في كلية أصول الدين مشتركا في أعمال الامتحان إذا بالنداء احضر لاتخاذ الإجراءات للحج فقلت صلوات الله وسلامه عليك يا أكرم الخلق على الله وتكرر اللقاء بأمير الحج فى أثناء الحج ثم لم ينقطع الاتصال به بعد العودة
وفى يوم من الأيام دعانى السيد الوزير لتناول الغداء في منزله وكان الشيخ عبد الفتاح القاضى هناك بسمته الوقور وهيبته المطمئنة ووجهه المشرق نورا وكان يتحدث
ولم يكن الشيخ عبد الفتاح القاضى يتحدث حديثاً شعبيا ولا حديثا مألوفًا وإنما كان يتحدث حديث قمة إنه يفاجئ الحاضرين بالمشكلة يشرحها باعتبارها مشكلة ويوضح جوانها من حيث الإشكال ثم يطلب من السامعين حلها وما كان رحمه الله يطلب الحل إلا ليثير انتباههم بصورة أعمق حتى إذا كان
انتباههم
كاملا بدأ في ذكر الحل
٣٦٨
هذه المشاكل كانت تدور حول آيات من القرآن فيرى السامع في النهاية أن القرآن مازال بكرا وتدور كذلك حول أحاديث للرسول فيرى السامع في النهاية أيضًا أن الرسول أولى حقا جوامع الكلم وهكذا كانت مجالس الشيخ إنها تفسير للقرآن الكريم أو شرح للسنة الشريفة لقد كان الناس ينسون الدنيا فى مجلسه ولم يكن مجال في مجلسه للغو الحديث ولا للزور والباطل سواء ألبس هذا الزى أم ذاك لم يكن للشيطان إلى مجلسه من سبيل هذا التفسير وهذا الشرح أهما عقليان أكان الشيخ يتحدث عقليًّا أكان يتحدث علميًّا أكان يتحدث إلهاميا إن العقل والعمل والإلهام إن البصيرة والإشراق والنص إن كل ذلك كان يتكاتف ويمتزج ويتألف منه باقة ترضى الذوق المترف والعقل الراشد
والتدين المستنير
لقد فوجئت بالشيخ فوجئت به شخصية مكتملة متناسقة وفوجئت به شخصية قوية مسيطرة وفوجئت به شخصية ودودة متحببة وفوجئت به شخصية عالمة ناقدة وفوجئت به شخصية ملهمة تستمد النور من منابع النور لقد كانت الأعين معلقة به والآذان مشدودة إليه والعقل يدور فيما يهيئه من مجال لتفكيره والقلب راض مغتبط ثم يسكت الشيخ ويتجه نحو الشيخ عبد الجليل ويقول له في مودة بادية تكلم أنت الآن ياولد ياعبد الجليل وهذا الذي يخاطبه الشيخ بقوله ياولد ياعبد الجليل من علماء الأزهر النابهين يعمل مدرسًا بوزارة التربية فنى فى الشيخ حبًّا وإجلالا وتقديرًا وعيناه دائما معلقتان بالشيخ وسمعه على الدوام مصغ إلى الشيخ
٣٦٩
إنه يسمع الهمس من حديثه ويرى مالا يكاد يرى من إشاراته ويلبي كل ما يريد الشيخ من أمر ولو لم يعلن الشيخ عن رغبته أنه فنى فى الشيخ فإن شخصيته بالنسبة للآخرين غير فانية ولاخفية إن أتباع الشيخ يعرفون ذكاءه اللماح وعلمه الجم واتزانه فيما يأتى وفيما بدع ويعرفون تصرفه الحكيم فيما يعرض لمجتمعهم الخاص من مشاكل ويعرفون اجتهاده في العبادة ويعرفون حب الشيخ له
ويقوم الشيخ عبد الجليل ويتحدث مفسرا آية أو شارحًا حديثا وقد أمره الشيخ في تلك الجلسة أن يفسر قوله تعالى ألم تر إلى ربك كيف
مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جَعَلْنَا الشَّمْسَ عليه دليلا
وقلت في نفسي حينما سمعت أمر الشيخ له بتفسير هذه الآية وماذا عسى أن يقول الشيخ عبد الجليل في هذه الآية الواضحة المعنى السلسة التركيب إن مجرد قراءتها بيان لمعناها
وتحدث الشيخ عبد الجليل فأجاد وأفاد وبهر
وكان من الواضح أن الشيخ يعد الشيخ عبد الجليل للخلافة لقد كان يربيه بالتعليم ويربيه بالأوامر ويربيه بالعبادة ويربيه بالصمت لقد كان يهيئه ليملأ مركز المرشد بعده
ولقد كان عند الشيخ عبد الجليل الاستعداد التام للخلافة وقد كان انتهاء الشيخ عبد الجليل من كلمته إيذانا بانتهاء الجلسة وافترقنا جسمانيا وبقيت ذكرى الشيخ فى القلوب حية نابضة وتكرر اللقاء بالشيخ فى داره بشبلنجة وفي القاهرة
من هو الشيخ عبد الفتاح القاضي
٣٧٠
حياته
إنه الإمام العارف بالله تعالى الشيخ عبد الفتاح بن سيد أحمد بن محمد القاضي الحسنى أبا الحسينى أمَّا الشافعي مذهبًا المحمدي تربية الشاذلي طريقة الشبلنجى دارًا ومزاراً
ولد رضي الله عنه في شبلنجة ۱ من أبوين شريفين في آخر صفر ۱۳۱۷ من هجرة خاتم المرسلين الموافق ٨ من يوليو ۱۸۹۹ ميلادية
وبرغم الوثائق الظاهرية التى تؤكد انتسابه إلى الدوحة النبوية المباركة كان شديد الشغف إلى ما يحقق له نسبه الشريف عن طريق كشفى لا مجال للشك فيه
فمن الله تعالى عليه بذلك إذ سمع فى منامه من مصدر علوى ذلكم النداء و أنت شريف أبا وأمَّا فاستراح فؤاده واطمأن خاطره وحمد الله تعالى على هذه المنة العظيمة وبعد سنوات ست من ميلاده تقريباً توفى والده إلى رحمة الله وتركه يتيما في رعاية أمه الهاشمية
ولا نسأل عما قامت به الهاشمية - مع صغر سنها - من تربية صادقة له ولإخوته اليتامى وتوافرها وعكوفها على أداء ما يلزم لهؤلاء الصغار الذين لاعائل لهم إلا وهي مستعينة - بعد الله - على تربيتهم بما ورثته من قراريط من المرحوم والدها الشيخ حسن هاشم وبما تركه المرحوم زوجها الشيخ سيد أحمد من
الله
عقار يسير
ثم أرسلته أمه إلى المكتب لحفظ القرآن الكريم فاشتهر بين لداته وأترابه
١ بالقرب من بنها
۳۷۱
بسرعة الحفظ وحدة الذكاء مما جعل معلم المكتب يقبل عليه ويخصه بمزيد من
•
الرعاية والعناية ولشديد تعلقه به اختاره مساعدًا له في تعليم القرآن بالمكتب بعد أن حفظه وجوده وأتقن أحكام قراءته فى سن مبكرة وظل في تعليم القرآن لأولاد قريته حتى اجتباه الله فجذبه إليه فاختلى في بيته متعبدا لله ذاكرا وقد تجلت فيه رجولة مبكرة فما إن خطا خطواته الأولى في طريق الشباب حتى خالط الرجال وجالس أصحاب الرأى واستمع منهم وأصغى لحكمهم فبدأ يسير سيرهم حتى لقد كان أحيانًا يشير عليهم فيجدون عنده الرأي فاشتهر بينهم وعرف عندهم بالرأي السديد والحكم العادل النزيه فصار الشيوخ والمسنون من أهل البلدة وذوو الخبرة والتجربة يستعينون به ويستشيرونه في مهام الأمور ويدعونه في مجالس الصلح ويصحبونه لفض المنازعات وللحكم في
القضايا والخصومات
وكانت عادته البكور فيستيقظ قبيل الفجر ليؤدى فرض ربه ويذكره ويسبحه ثم يتناول فطوره ويغدو معتمدًا على الله تعالى إلى المكتب لتعليم القرآن حتى وقت الظهيرة فيعود إلى داره فيتناول غداءه ويستريح قليلا وقت القيلولة ثم يشتغل بالإشراف على الزراعة وترتيب شئونها ثم يعود إلى البيت لقضاء مهامه وبعد ذلك يفرغ بقية يومه لقراءة كتب الدين وسير الصالحين وقص مآثرهم وكراماتهم على أصحابه وأهل مجلسه إذ كانت هذه هوايته لتتبع سنتهم والسير على طريقهم وذات يوم حضر إلى منزله أحد شيوخ القرية من العلماء المسنين وبعد حديثهما عن الصالحين ومناقيهم قدم هذا العالم للشيخ مخطوطًا جمع صيغاً متعددة الفضل مضاعفة الثواب والأجر فى الصلاة على المصطفى عل وقال له
خذ هذه وانقلها واجعلها وردك فإنها عظيمة النفع والبركة
۳۷
فقال له فضيلة الشيخ عمن نقلتها
فقال نقلتها عن الشيخ الأشمونى رضى الله عنه عالم الأزهر المشهور وأوصانى بقراءتها لأنها ذات سر عجيب فى الفتح ومقربة من حضرة الرسول
فعلم الشيخ أن هذه منة من الله تعالى مساقة إليه على يد هذا العالم وفعلا نسخها في أيام قليلة كما كانت عادته المسارعة والتعجيل في أمور الدين والآخرة وجعلها الشيخ ورده فكانت مفتاح كل خير له وكان يقول عنها لم أجد في طريق الله أسرع سبيلا إلى الفتح وأقرب طريقا إلى حضرة الرسول الله وأجلب لرضا المولى سبحانه وتعالى من هذه الصلوات إنها سبب في تذليل
صعوبات الحياة كتفريج الكروب وإدرار الرزق وقضاء الحوائج وكان كلما حزب الشيخ أمر فزع إلى الصلاة إلى قراءة هذه النسخة أما فزعه إلى الصلاة فاقتداء بحضرة الرسول إذ كان يفزع إلى الصلاة كل ما حزبه أمر
وأما فزعه إلى قراءة هذه النسخة فمما جربه كثيرًا أنه ماهمه أمر أو أحاط به مكروه وقرأ هذه النسخة إلا وجد بعدها الفرج والتيسير لذا كان حرض الشيخ عليها شديدًا جدا ووصيته لأولاده بالمحافظة عليها وتلاوتها أشد لما لمسه فيها من النور والبركة ورضا النبي الله ولما يعلمه من أ أن الصلاة على الرسول مفتاح لمغاليق الأمور وسبيل السعادة في الدارين وكانت هذه الصلوات دیدنه وشعاره وكان يقرؤها فى اليوم مرات وإذا سئل عن ذلك يقول إنما أقرأ
"
ولقد جمعت هذه الصلوات مع بعض أحزاب للشيخ الشادلى رضى الله عنه وغيره وطبعت في - أخريات أيام الشيخ بإذنه على نفقة العارف بالله تعالى السيد الدكتور حسن عباس زكي جزاه الله خير الجزاء وبلغه مناه في الدارين ليعم النفع بها
۳۷۳
منه
مرارا
لى مرة وأجبر تقصير أولادى بالمرات الأخرى ولشغفه الشديد بها سمع تلاوته لها مرتبة بصوت مسموع في أثناء نومه يسمعه من حوله وعندما كان يستيقظ يكمل تلاوتها حيث وقف وكان هذا قبيل انتقاله بقليل وحسبك دليلا على عظم فضلها وكبير نفعها وخيرها أن الرسول ع عل الله أمسكها بيده الشريفة وقال للشيخ مناما إني أحبها إنى أحبها
لذا لم يتركها الشيخ قط لا في سفر ولا فى حضر ولاقى صحة ولا في مرض حتى اليوم الذي لقى الله تعالى فيه قرأها كعادته ولتعلق الشيخ بها وولوعه بحبها رلى
كثيرا في المنام ممسكا بها تاليا لها حانا عليها مبينا فضلها حتى قال لبعض من
راه كذلك مناما إنها أهم ورد فى الطريق بل هي الطريق جله
منشأ
وهذه الصلاة هى للشيخ عبد الله بن محمد الهاروشي المغربي الفاسي ودارا ثم التونسى رحلة ومزارًا وهو مدفون في تونس وقبره مبارك ومن المشهور بين أهل تونس أن من زار ضريحه متعمدا مخلصًا كان هذا علامة على قبول الله له وعلى أنه من أهل الجنة
وننقل هنا أزهارا موفقة من هذه الصلوات المباركة نفعنا الله بمن قيلت فيه ونفعنا بها وبصاحبها ونرجوه سبحانه أن يمن بالرضوان على من عرف بها أتباعه
ومريديه
اللهم إنا قد عجزنا من حيث إحاطة عقولنا وغاية أفهامنا ومنتهى إرادتنا وسوابق هِمَمِنا أن نصلى عليه من حيث هو وكيف نقدر على ذلك وقد جعلت كلامك خلقه وأسماءك مظهره ومنشأ كونك منه وأنت ملجوه وركنه وملوك الأعلى عصابته ونصرته فصل اللهم عليه من حيث تعلق قدرتك بمصنوعاتك وتحقق ابتدأت المعلومات وإليه جعلت غاية الغايات وبه أقيمت
منه
أسمائك بإرادتك الحجج على المخلوقات فهو أمينك خازن علمك حامل لواء حمدك معدن سرك
٣٧٤
مظهر عزك نقطة دائرة ملكك ومحيطه ومركبه وبسيطه
اللهم إنا نسألك أن تحشرنا فى زُمرته وأن تجعلنا من أهل سنته ولا تخالف بنا يا مولانا عن ملته ولا عن طريقته إنك سميع الدعاء مجيب لمن دعا أو ألقى السمع وهو شهيد اللهم كما مننت علينا بالصلاة عليه فامنن علينا بفهم الكتاب الذي أنزل إليه لأنه شفاء للمؤمنين ورحمة للعالمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
19
اللهم صل على سيدنا محمد المبعوث رحمة لكل الأمم اللهم صل على سيدنا محمد المختار للسيادةِ والرسالة قبل خَلْقِ اللوح والقلم اللهم صل على سيدنا محمد الموصوف بأفضل الأخلاق والشَّيَم اللهم صل على سيدنا محمد المختص بجوامع الكلم وخصائص الحكم اللهم صَلِّ على سيدنا محمد الذي كان لا تُنتهك في مجالسه الحرم ولا يُغْضِى عمَّن ظلم اللهم صل على سيدنا محمد الذي كان إذا مشى تظلله الغمامة حيثما يَمَّمَ اللهم صل على سيدنا محمد الذي انشق له القمر وكلمه الحجر وأقر برسالته وصَمَّمَ اللهم صل على سيدنا محمد الذي أثنى عليه رب العزة نصا في سالف القدم اللهم صل على سيدنا محمد الذي صلى عليه ربنا في محكم كتابه وأمر أن يصلى عليه ويسلَّم - اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأهل بيته ماهلت الدّيم وماجرت على المذنبين أذيال الكرم وسلم تسليما كثيرًا وشرف وكرم والحمد لله رب العالمين
ه اللهم صل على أشرف موجود وأفضل مولود وأكرم مخصوص و محمود سيد
سادات بريَّاتك ومن له التفضيل على جملة مخلوقاتك صلاة تناسب مقامه العالى أهله وأزواجه وأولياءه وأنصاره اللهم صل عليه وعلى جملة رسلك
ومقداره ونعم ! وأنبيائك وزمر ملائكتك وأصفيائك صلاة
أهل أرضك بركاتها المطيعين من نعم ! وسمائك اللهم إني أعوذ بعلمك من جهلى وبغناك من فقرى وبعزّك من ذلّى
۳۷۵
وبحولك وقوتك من عجزى وضعفى وأعوذ بك أن أُرد إلى أرذل العمر اللهم إنى أعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك اللهم إنى أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء والآراء
اللهم يا من بيده خزائن السموات والأرض عافنا من محن الزمان وعوارض الفتن فإنا ضعفاء عن حملها وإن كنا أهلاً لها فعافيتك أوسع لنا ياواسع ياعليم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزى الدنيا وعذاب الآخرة
اللهم
اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمرى وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل
الموت راحة لى من كل شر اللهم اجعل خير عمرى آخره وخير عملى خواتيمه وخير أيامي يوم ألقاك فيه اللهم لا تجعل عيشى كدا ولا تجعل دعائى ردًّا ولا تجعلني لغيرك عبدا ولا تجعل فى قلبى لسواك ودًّا إنى لا أقول لك ضدا ولا شريكاً ولا ندا اللهم ارزقنى نفسًا قانعةً بعطائك موقنة بلقائك شاكرةً لنعمائك محبة لأوليائك مبْغِضَةٌ لأعدائك اللهم وسع على رزق في دنياي
ولا تحجبني بها عن أخراى واجعل مقامى عندك دائما بين يديك وبك ناظرا إليك وأرنى وجهك الكريم وَوَارِنى عن الرؤية وعن كل شيء دونك وارفع البين بيني وبينك يامن هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء
عليم
اللهم صل على سيدنا محمد كما أمرتنا أن نصلى عليه اللهم صل على سيدنا
محمد كما هو أهله اللهم صل على سيدنا محمد كما تحب وترضى له اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد سيد الأولين والآخرين
قائد الغر المحجلين السيد الكامل الفاتح الخاتم الحبيب الشفيع الرءوف
٣٧٦
الرحيم الصادق الأمين السابق للخلق نوره والرحمة للعالمين ظهوره عدد من مضى من خلقك ومن بقى ومن سعد منهم ومن شقى صلاة تستغرق العد وتحيط بالحد صلاة لا غاية لها ولا منتهى ولا أمد ولا نقضاء صلاة دائمة بدوامك باقية
ذلك
ببقائك وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأصهاره وأنصاره وسلم تسليما مثل واجر يامولانا خفى لطفك في أمورنا كلها وأمور المسلمين اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله صلاة أهل السموات والأرضين عليه واجر يا مولانا لطفك الخفى فى أمرى وأرنى سرَّ جَمِيل صنعك فيما أؤمله منك يارب
العالمين
اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادَةِ الرحمن الرحيم إنى أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أنك أنت الله الذى لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا لله عبدك ورسولك فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين إنك إن تكلني إلى نفسى تقربني من الشر وتبعدنى من الخير فإني لا أثق إلا برحمتك
فاجعل لى عندك عهدًا تؤديه إلى يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد اللهم لك الحمد كما أنت أهله فصل على سيدنا محمد كما هو أهله وافعل بي ما أنت أهله فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة اللهم إني أسألك بحقه عليك الذي أثبته وبقَسَمِكَ بعمره الذي شرفته به وفضلته وبمكانه منك الذي خصصته واصطفيته أن تجازيه عنا أفضل ما جزَيْت به نبيًّا عن أمته وتؤتيه من الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة فوق أمنيته وتُعظم عن يمين العرش نوره بما نورت به من قلوب عبيدك وأن تضاعف فى حضيرة القدس حُبوره بما قاسي من الشدائد في الدعاء إلى توحيدك وأن تجدد عليه من شرائف صلواتك ولطائف بركاتك وعوارف تسليمك وكرامتك ماتزيده به فى عرصات القيامة إكراما وتعليه به فى عليين مستقراً ومُقاما اللهم وأطلق لساني بإبلاغ الصلاة عليه والتسليم واملأ
۳۷۷
جناني من حبه وتوفيه حقه العظيم واستعمل أركاني بأوامره ونواهيه في النهار
الواضح والليل البهيم وارزقنى من ذلك مايبوثنى جنات النعيم ويُشعرني رُحماك وفضلك العميم ويقربني إليك زلفى فى ظل عرشك الكريم وتحلنى دار المقامة من فضلك وتُزحزحني عن نارِ الجحيم وتعطينى شفاعته يوم العرض وتُورِدُنى مع زمرته على الحوض وتؤمنى يوم الفزع الأكبر يومَ تُبَدَّلُ الْأَرْضِ غَيْرَ الأَرضِ وارفعنى معه في الرفيق الأعلى واجمعني معه في الفردوس وجنَّة المأوى واقسم لي أوفر حظ من كأسه الأوفى وعيشه الهنى الأصفى واجعلني ممن شفي غليله بزيارة قبره وتشفى وأناخ ركابه بعرصات حزبك وحزبه قبل الصلاة والسلام عليك يارسول الله ما أكرمَكَ على الله
نتَوَفَّى
حبيب
الله
الصلاة والسلام عليك يارسول الله ماخاب من توسل بك إلى الله الصلاة والسلام عليك يارسول الله كل من دونك محب وأنت الصلاة والسلام عليك يارسول الله الأملاك تستغيث بك عند الله الصلاة والسلام عليك يارسول الله الأنبياء والرسل مُمَدُّون من مَدَدِكَ الذي خُصصت به من الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله الأولياء أنت الذي واليتهم في عالم الغيب والشهادة حتى تولاهم الله
الله
الصلاة والسلام عليك يارسول الله سلك من على محبتك وقام بحجتِك أيده
الصلاة والسلام عليك يارسول الله المخذُولُ من أعرض عن الاقتداء بك
إى والله
الصلاة والسلام عليك يارسول الله الصلاة والسلام عليك يارسول الله عصاك فقد
من أطاعك فقد أطاع الله
من
الله عضی
۳۷۸
الله
الله
لا والله
الصلاة والسلام عليك يارسول الله من أتى لبابك متوسلا بك قبله الله الصلاة والسلام عليك يارسول الله من حط رحل ذنوبه في عتباتك غفر له
الصلاة والسلام عليك يارسول الله من دخل حَرَمَك خائفا أمنه الله الصلاة والسلام عليك يارسول الله من لاذ بجنابك وعَلقَ بأذيال جاهِكَ أعزّه
الصلاة والسلام عليك يارسول الله من أم لك وأمَّلَكَ لم يخب من فضلك
الصلاة والسلام عليك يارسول الله أملنا شفاعتك وجوارك عند الله الصلاة والسلام عليك يارسول الله توسلنا بك في القبول عسى ولعل نكون
ممن تولاه الله
الصلاة والسلام عليك يارسول الله بك نرجو بلوغ الأمل ولا نخاف العكس
حاشا لله
الصلاة والسلام عليك يارسول الله مُحِبُّوكَ من أُمتِك واقفون ببابك يا أكرم
الخلق على الله
الصلاة والسلام عليك يارسول الله قصدناك وقد فارقنا سواك يا وسيلتنا إلى الله الصلاة والسلام عدبك يارسول الله قد جئناك بشوق المحبة ضيوفا نرجو القرى
فاجعل قرانا ما يليق بكرمك من إحسان ربك يا عزيز القدر عند الله الصلاة والسلام عليك يارسول الله العرب يحمون النزيل ويجيرون الدخيل وأنت
سيد العرب والعجم يارسول الله الصلاة والسلام عليك يارسول الله قد نزلنا بحيك واستجرنا بجنابك وأقسمنا بحياتك على الله
۳۷۹
الصلاة والسلام عليك يارسول الله أنت الغياث وأنت الملاذ فأغثنا يجاهك
الوجيه الذي لا يرده الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله
الصلاة والسلام عليك ياحبيب الله
الله الصلاة والسلام عليك يانبي
الصلاة والسلام عليك يارسول الله مادامت ديمومية الله صلاة وسلاماً ترضاهما وترضى بهما عنا يامولانا يارسول الله
الصلاة والسلام عليك وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى سائر الملائكة أجمعين اللهم وارض عن أصحاب رسول الله أجمعين وعن التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بخير وإحسان إلى يوم الدين
اللهم يا على يا عظيم يا حليم يا حكيم ياكريم يا غفور يا رحيم إنا نتوسل إليك بجاه هذا السيد الكامل الذي من جميع خلقك اخترته واصطفيته ويجميع المكارم خصصته واجتبيته أن تميتنا على الإيمان والإسلام وأن تسعدنا به وبلقائك يارحيم
يارحمن ياسلام واجعل اللهم ما مننت به علينا في
جمع
هذه المواهب التي وهبتها لنا ثلجاً في
قلوبنا ومحوا لذنوبنا ونوراً فى يقيننا وقوة فى إيماننا وتزكية لأعمالنا وزخرًا لآخرتنا وارحم بها والدينا وإخواننا وأشياخنا وكل من انتمى إلينا
وانفع اللهم بها كل من طالعها واقتبس منها نورا يزكيه وخيرا ينميه ولا تؤاخذنا بذنوبنا أفعالنا وعاملنا بما أنت أهله من الجود والكرم يا أرحم
وسوء
الراحمين اللهم إنا نتوسل بك إليك ونسألك لا نسأل غيرك بحقك وحق نبيك أن تميتنا على دينه وملته وأن تحشرنا في زمرته وتحت لوائه وغايته وأن تغفر ذنوبنا وأن تستر بمنك عيوبنا وأن تطهر من صدا الغفلة قلوبنا
۳۸۰
وامح اللهم زللنا وخطايانا وأن تتجاوز عنا وعن سيئاتنا وأن تهون علينا سكرات الموت وما بعده من فتنة القبر والحشر وأن تطيبنا للموت وأن تجعل فيه راحتنا وقنا اللهم من الأهوال العظيمة التي لا يسعنا حملها ولا ضعفنا إلا ما كان من عفوك وجودك ورحمتك فأنت الجواد الكريم الغفور الرحيم الصلاة والسلام التَّامَّان الأكملان على سيدنا ومولانا محمد الذي انعقدت له
العزة في الأزل وانسحب فضلها إلى مالا يزال وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته
ذلك
سبحان الله عدد ماخلق فى السماء سبحان الله عدد ماخلق في الأرض
سبحان الله عدد ما بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق والحمد لله عدد ما خلق في السماء والحمد لله عدد ماخلق في الأرض والحمد لله عدد ما بين والحمد لله عدد ما هو خالق ولا إله إلا الله عدد ما خلق في السماء ولا إله إلا الله عدد ماخلق فى الأرض ولا إله إلا الله عدد ما بين ذلك ولا إله إلا الله عدد ما هو خالق والله أكبر عدد ماخلق في السماء والله أكبر عدد ماخلق في الأرض والله أكبر عدد ما بين ذلك والله أكبر عدد ماهو خالق ولاحول ولا قوة إلا بالله عدد ماخلق فى السماء ولا حول ولاقوة إلا بالله عدد ماخلق في الأرض ولاحول ولاقوة إلا بالله عدد ما بين ذلك ولاحول ولاقوة إلا بالله عدد
ماهو خالق
له
اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه وأستغفرك من كل ما وعدتك به من نفسي ثم لم أوف وأستغفرك من كل عمل أردت به وجهك فخالطه غيرك وأستغفرك من كل نعمة أنعمت بها على فاستعنت بها على معصيتك وأستغفرك يا عالم الغيب والشهادة من كل ذنب أتيته في بياض النهار
وسواد الليل فى ملا وخلاء وسر وعلانية يا حليم اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك
۳۸۱
ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثلاثا أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم وأتوب إليه اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبى ورحمتك أرجى عندى من عملى ثلاثا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
عنه
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
هذه بعض مقتطفات مما ورد في الصلاة التي كان بها حبا شيخنا رضى الله یهیم وكل فقرة منها تعتبر ذكرًا قائماً بنفسه وقد أوردناها على هذا الاعتبار أما فيما يتعلق بالصيغ المفردة فقد سئل الشيخ رضي الله عنه عن أفضل صيغة في الصلاة على رسول الله فقال إنها
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد عبدك عدد خلقك ورضاء
الأسماء
نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك فسأله أتباعه أهى أفضل من اللهم صل على سيدنا محمد النور الذاتي والسر الساري سره في جميع والصفات وكان الأتباع يعرفون حبه أيضًا للصيغة الأخيرة فقال إن العبودية فى قولنا - فى الصيغة الأولى - محمد عبدك أفضل من أي صيغة أخرى
المقامات
وكان رضي الله عنه يقول عن الصلاة الإبراهيمية إنها الصلاة التامة لأنها من جميع فكما أن إبراهيم عليه السلام له مقامات كثيرة – الخلة - التسليم كونه أمة إلخ فيصلى عليه من جميع ذلك فكذلك محمد الاتحاد في الحكم والكيفية بل المعنى
عدم
مع
٣٨٢
كما صليت عليه في جميع المقامات صلاة تليق به فكذلك صل على محمد
جميع
المقامات
وكذلك آل كل وصحب كل
صلاة تليق به في ونعود من جديد بعد هذه الترويحة فى الدعاء والصلاة على الرسول عل الله إلى سيرة الشيخ العطرة فنقول وظل الشيخ في الجهاد الأكبر حتى جاوزت سنه الثلاثين بقليل فأحس برغبة ملحة ودفع قوى وميل شديد إلى نسخ القرآن الكريم بيده أجزاء ولم يلبث أن سارع مستجيبًا لهذه الرغبة كعادته فاعتكف لهذا العمل الجليل خمسة وعشرين يوما أتم بانتهائها كتابة المصحف كله أجزاء بخط النسخ الواضح مع وضع علامات الوقف والشكل والرموز التي بالمصحف وزخرفته أوائل السور والأجزاء وتجليد كل جزء من الأجزاء الثلاثين بغلاف جميل متين وكان في هذه الفترة قليل النوم والطعام يشعر بروحانية عجيبة وهمة علية ونشاط كبير فعلم أن هذا الأمر من الله وأن له ما بعده ولعلمه بأن لمن كتب القرآن الكريم دعوة مجابة فساءل نفسه أي دعوة أدعو بها ولم يجد فى قلبه غير الابتهال إلى الله عقب الفراغ منه أن يتقبل هذا العمل خالصا لوجهه وأن يسلك به السبيل إليه وأن يوفقه لما يحبه ويرضاه ويحسن له الختام وبعد كتابته القرآن الكريم مباشرة رأى فى نومه جمعية من رجال الله تقلب صفحات أجزاء هذا المصحف وينظر بعضهم إلى بعض نظرة إعجاب وتقدير ثم قررت هذه الجمعية قبوله وتداوله فى المناسبات بين أهل القرية لتوافر الإخلاص فى كتابته وفعلا تداول المسلمون هذا المصحف في مناسباتهم
الدينية
عزلته
۳۸۳
وبعد كتابته المصحف الشريف بأيام وجد عنده نزوعا إلى الاعتكاف وميلا إلى عزلة الناس فترك المكتب واعتكف فى منزله بعيدا عن الخلق واشتغل بالعبادة والذكر ولهج بقراءة القرآن الكريم والصلاة على النبي الله واستمر الشيخ في عبادته وذكره وعزلته الدائمة ثم خطر على قلبه ما يراد بي أأسلك طريق القوم بلا شيخ فأتاه الرسول عل في المنام وقال له خير الأمور أوساطها الروح المحمدى يتولاك
فاستقيظ الشيخ مستبشرًا مطمئنا وزاد ذلك في همته
خلواته
ثم أمر الشيخ رضى الله عنه بالخلوة في الأيام التسع الأولى من ذى الحجة إذلها فضل عظيم ولقد نزل فيها قوله تعالى والفجر وليال عشر وهذه أولى خلواته ثم أمر بعد ذلك بخلوة أربعين يوما
تسمع
منه
وكان في هذه الخلوات مأخوذا ناسيًا نفسه مسلمها إلى ربه ليطهرها فكنت أنه لا يفكر في أمور الحياة حتى رغب عن الطعام فصار لا يتناول منه إلا القليل وتعجب منه حاله إذ يقول كنت أفطر على خمس زبيبات أوسبيع وعند السحور قد أكتفى بلقمتين أو ثلاث ذلك لا أحس بضعف ولافتور ومع ومن شروط الخلوة عدم الخروج إلا لحاجة الشيخ رضي الله عنه لا يخرج من
L
خلوته إلا لصلاة الجمعة فى المسجد ويخرج على هيئة مخصوصة حتى لا تتفرق
جمعيته بربه وبعد الصلاة مباشرة يعود إلى خلوته
٣٨٤
·
وقد أذن للشيخ في بعض خلواته بزيارته لأمه في حجرتها الخاصة بها في المنزل فكان يدخل عليها بين الحين والحين ويقدم لها الطعام ويطعمها بيده وقد يكون هذا الطعام من الأطعمة غير المباحة له في الخلوة كالسمك واللحم ويظل يطعمها حتى تشبع ويحدثنا عن ذلك فيقول كنت أجد في ذلك لذة لا تعدلها لذة وكأن لذة هذا الطعام تدخل بطنى ولذا كانت أمه لا تفتر عن الدعاء له وكان الشيخ يقول في ذلك إلى أعتقد أن ما أنا فيه من خير إنما هو بركة دعاء أمى لى ورضاها عنى طول حياتها إذ أن أكبر سعادة هو رضا الأم وبعد هذه الخلوة الأربعينية أمر بخلوة أربعينية أخرى وبعدها بمدة قليلة أمر بخلوة تسعينية أى ثلاثة أشهر وحددوا له وقتها من يوم كذا إلى يوم كذا فوجدها أشد أيام الصيف الشديد الحرارة وأطولها وكان في كل خلواته يصوم النهار ويقوم الليل وطعامه من غير ذى روح مع خبز الشعير وكان إدامه أحيانًا في بعض هذه الخلوات الملح فقط وفى البعض الآخر السكر فقط
ثم اختتم الشيخ خلواته بالخلوة الصمدانية وهى التي أمر بها في شهر رجب
و سميت
الفرد وشرطها فوق شروط الخلوات السابقة يعرفها أهل الله بالصمدانية لمحاولة التخلق فيها بأخلاق الله وما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا
وبعد انتهاء فترة الخلوات تلك وكانت نحو ثلاث سنوات أمره الرسول مناماً بالتوجه إلى السيد العارف بالله تعالى فضيلة الشيخ عبد الوهاب ابن فضيلة مولانا الكبير الشيخ حسنين الحصافى الشاذلي رضي الله عنهما ليأخذ منه الخلافة لتكون هذه الخلافة كسلاح له في المجتمعات وحجة على من يعترض طريقه في الإرشاد والدعوة وكان من آخر الأعمال الجليلة التي قام بها في أخريات حياته
هذا المسجد العظيم بمئذنته السامقة التي تجذب الأنظار من بعيد
٣٨٥
فلقد اشترى أرضه وأعد مواد بنائه وهيأ له ماتيسر من مال لإقامته وإنشائه واطمأن على رسمه وأشار بتنفيذه ولكن المنية عاجلته وهذا المسجد يعد واحة في صحراء الحياة ففيه يجتمع المريدون كل يوم على الذكر وعلى العلم تحفهم الملائكة وتنزل عليهم الرحمة ويذكرهم الله فيمن عنده أما عمله الخالد حقا فهو تربية هؤلاء الصفوة الذين تتلمذوا عليه وعلى
رأسهم خليفته الشيخ عبد الجليل قاسم وابنه الأستاذ سليمان القاضي الله نفع وجعلهم منارة يستضىء بها المهتدون
بهم
۳ - جهاده
أساس طريقته رضى الله عنه هو أساس الطريقة الشاذلية عادة وهو مايلي 1 - أستغفر الله مائة اللهم صل على سيدنا محمد عبدك وبنيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسَلَّم تَسْلِيمًا بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين
مائة لا إله إلا الله مائة سيدنا محمد رسول الله لا مرة وإذا فات لا يقضى ولكن القضاء أولى من تركه إذا فاته اضطرارا وهذا الأساس هو الورد اليومى للشيخ وللمريد على حد سواء ومن أوراد الشيخ
اليومية
1 - المشبعات
٢ - سفينة النجاة لسيدى أحمد زروق
أما الأسماء التي يجب على المريد سلوكها في بدايته فهي
١ - الأصول لا إله إلا الله الله هو حى واحد عزيز ودود - الفروع حق قهار قيوم وهاب مُهيمن باسط
٣٨٦
يقرأ كل اسم مائة مرة على مدى الأيام حَسَبَ قدرته وفراغه ولا ينتقل من اسم إلى آخر قبل تمام العدد إلا إذا رأى رؤيا وعرضها على شيخه ووجد منها الانتقال نقله وإلا فليتم العدد
ولكن الشيخ رضى الله عنه لم يكن يكتفى بهذا وقد جمعت أوراده فيما عدا ماسبق - فى كتاب طبعه السيد / حسن عباس زكي بعنوان كنوز الأسرار في الصلاة والسلام على النبي المختار وفى هذا الكتاب صلوات الشيخ عبد الله الهاروشي الفاسي وقد اقتطفنا منها زهرات ا سبق وفى الكتاب صلوات أخرى مباركة كثيرة وفيه تسبيح ودعاء مأثور ووصايا للنبي وفيه من الأحزاب للشاذلي رضي الله عنه حزب اللطف وحزب الإخفاء وحزب الشكوى
و حزب البحر وفيه مناجاة واستغاثات وقصائد وصيغ لتفريج الكروب وكان الشيخ رضى الله عنه يداوم على قراءته ويجتهد في أن يقرأه يوميا و مما كان يقرؤه يوميا فى هذا الكتاب حزب اللطف لسيدى أبي الحسن الشاذلي نثبته هنا بتمامه لما فيه من لطف ولما لثمرته من لطف الله ورعايته لمن
يقرؤه
حزب اللطف
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين
عليهم
اللهم اجعل أفضل الصلوات وأنمى البركات في كل الأوقات على سيدنا
۳۸۷
محمد أكمل أهل الأرض والسموات وسلم عليه ياربنا أزكى التحيات في
الحضرات
جميع
اللهم يامن لطفه بخلقه شامل وخيره لعبده واصل لا تخرجنا عن دائرة الألطاف وآمِنًا من كل ما نخاف وكن لنا بلطفك الخفى الظاهر يا باطن ياظاهر يالطيف نسألك وقاية اللطف فى القضاء والتسليم مع السلامة عند نزوله والرضا اللهم إنك أنت العليم بما سبق في الأزل فحفنا بلطفك فيما نزل يالطيفا لم يزل واجعلنا في حصن التحصن بك يا أول يا من إليه الالتجاء وعليه المعول اللهم يا من ألقى خلقه فى بحر قضائه وحكم عليهم بحكم قهره وابتلائه اجعلنا ممن حمل في سفينة النجاة ووقى من جميع الآفات إلهنا من رعته رعايتك كان ملطوفًا في التقدير محفوظاً ملحوظا بعنايتك ياقدير
ياسميع يا قريب يا مجيب الدعاء ارعنا بعين رعايتك ياخير من رعى إلهى لطفك الخفى ألطف من أن يرى وأنت اللطيف الذي لطفت بجميع الورى حجبت سريان سرك فى الأكوان فلا يشهده إلا أهل المعرفة والعيان فلما شهدوا سر لطفك بكل شيء آمنوا به من سوء كل شيء فأشهدنا هذا اللطف الواقي مادام لطفك الدائم الباقى
إلهنا حكم مشيئتك فى العبيد لا ترده همة عارف ولا مريد لكن فتحت لنا أبواب الألطاف الخفية المانعة حصونها من كل بلية فأدخلنا بلطفك تلك الحصون يامن يقول للشيء كن فيكون
إلهنا أنت اللطيف بعبادك لاسيما بأهل محبتك وودادك فبأهل المحبة والوداد خصنا بلطائف اللطف ياجواد إلهنا اللطف صفتك والألطاف خُلُقك وتنفيذ حكمك على خلقك حقك
ورأفة لطفك بالمخلوقين تمنع استقصاء حقك في العالمين
۳۸۸
إلهنا لطفت بنا قبل كوننا ونحن للطف غير محتاجين أفتمنعنا
وأنت أرحم الراحمين حفنا بلطفك الكافى وجودك الوافى
منه
مع
الحاجة له
الهنا لطفك هو حفظك إذا رعيت وحفظك هو لطفك إذا وقيت فأدخلنا سرادقات لطفتك واضرب علينا أسوار حفظك يالطيف نسألك اللطف أبدا يا حفيظ قنا السوء وشر العدا يالطيف ثلاثاً من لعبدك العاجز الخائف الضعيف اللهم كما لطفت بي قبل سؤالى وكونى كن لى لا على يا أمين وعونى الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوى العزيز
L
آيسني بلطفك يالطيف أنس الخائف في حال المخيف تأنست بلطفك يالطيف وقيت بلطفك الردى وتحجبت بلطفك عن العدا بالطيف يا حفيظ والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ
نَجَوْتُ من كل خطب جسيم بقول ربى ولا يؤوده حفظهما وهو العلى العظيم سلمت من كل شيطان وحاسد بقول ربي وحفظاً من كل شيطان مارد كفيت كل هم في كل سبيل بقولى حسبي الله ونعم الوكيل الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له مافى السموات وما فى الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظها وهو العلى العظيم لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب
النار هم
فيها خالدون لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين
۳۸۹
العظيم
فإن تولوا فقل حسبى ا
الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش
بسم الله الرحمن الرحيم لايلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف اكتفيت بكهيعص واحتميت بحمعسق قوله الحق وله الملك سلام قولاً من رب رحيم أحون ق أدُم حُمَّ هاء آمين اللهم بحق هذه الأسرار قنا الشر والأشرار وكل ما أنت خالقه من الأكدار قل من يكلؤكم بالميل والنهار بحق كلاءة رحمانيتك اكلانا ولا تكلنا إلى غير إحاطتك
رب هذا ذُلُّ سؤال في بابك لاحول ولاقوة إلا بك
اللهم صل على من أرسلته رحمة للعالمين محمد خاتم النبيين ومجد وعَظُمَ وَشرف وكرم سيدى لاتخليني من الرَّحْمَة والأمان ياحنان يامنان وسلام على جميع الأنبياء والمرسلين والحمد لله رب العالمين
من
أما الوسيلة الكبرى لتقرب الشيخ من الله سبحانه وتعالى فهى مالاحظناه نحن قلبه دائماً بالله سبحانه وتعالى
تعلق
لقد كان مجلسه ذكر الله وكانت خلواته ذكر الله
لقد كان من أولى الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك إن ذكر الله سبحانه وتعالى كان شعاره الدائم وطابعه وديدنه الذي لا ينفك عنه والذكر كما يقول القشيرى ركن قوى فى طريق الوصول إلى الحق سبحانه بل هو العمدة فى طريق القوم ولا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر وقد وصل شيخنا بدوام الذكر إلى الله سبحانه وتعالى وللشيخ رضى الله عنه مبادئ ونصائح نفيسة في أصول الطريق وفيما يعين على
وتعالى
۳۹۰
الطاعة ويقرب إلى الله وفى آداب الذكر وكتبها بخطه ننقلها على صورتها
حرفياً
أصول الطريق
يقول رضى الله عنه مما يجب على المريد
1 - أن يتقرب إلى الله تعالى بما شرعه وسنه رسول الله
٢ - أن تكون عبادته لوجه الله تعالى مخلصًا فى قوله وعمله دون رياء مكتفيا بعلم الله فيه وإياه وحب الظهور فإنه يقصم الظهور - أن يحفظ جوارحه عن المحرمات وليدع الفضول في الأقوال والأفعال والتدخل فما لا يعنيه وأن يطهر قلبه من الرذائل والخواطر النفسية وألا يشغل
نفسه بهم الرزق وخوف الخلق فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين
- 2
ألا يعترض على الخلق وألا يركن إلى دنيا أو جاه وإنما يعتمد على الله وحده وأن يفوض الله تعالى في جميع أموره ويرضى عنه في السراء والضراء - أن يكون عفوا صفوحًا عن زلات أخيه ناصحا إن أمكن وألا يهجر أخاه فوق ثلاث وأن يبدأه بالسلام إذا التقى به
P
٦ - أن يتحلى بالصدق فى الأقوال والأفعال وأن يتجمل بالصبر في كل
أموره
- أن تلازمه مراقبة الله تعالى في السر والعلن
- أن يحسن الظن بربه والناس
-1
31
أن يكثر من الصدقات فإنها أقرب الطرق الموصلة إلى الله تعالى
أن يجدد التوبة كلما وقع في هفوة أوشهوة أو غفلة
- أن يديم الاستغفار ويكثر من الصلاة على الرسول الأعظم
۳۹۱
١٢ - أن يحاسب نفسه ويتهمها في كل شيء متوسلا بجاه سيد البشر وبعترته
الطاهرة
١٣ - وعليه التسليم الكامل لشيخه والتفاني في مته اتباع أوامره وألا يعزم على أمر حتى يستأذنه فإذنه سبب نجاحه
١٤ - أن يشغل اوقات فراغه بمجالسة أهل التحقيق أو مطالعة كتبهم
ومما يعين على الطاعة ويقرب إلى الله تعالى أن يملأ بطنه من طعام حلال وأن يبتعد عما فيه شبهة من طعام أو شراب أو قول أو عمل واجتناب اللغو من الكلام والفرار من أهل الدنيا ما أمكن وألاً يسهر إلا في طاعة ربه ولاينام إلا عن غلبة وعليه باستعمال السواك ودوام الوضوء وكلما أحدث توضأ وكلما توضأ صلى ركعتين مع المواظبة على الصوات الخمس في أول وقتها مع الجماعة وألا يتخلف عن رباط الصوفية إلا لعذر وإلا حرم بركتهم وأن يصوم من كل شهر عربى ثلاثة أيام الثالث عشر والرابع عشر
والخامس عشر وتلاوة ماتيسر من القرآن يوميًّا وعليه بقيام الليل فهو سبب الخير
ومن آداب الذكر فيما يرى الشيخ رضي الله عنه ألا يتلو وردًا إلا بإذن من شيخه أو يلقنه إياه وأن يجلس في الذكر على هيئة المتشهد متوضئًا مستقبل القبلة ما أمكن مغمضًا عينيه وان يشغل قلبه حال الذكر بالمذكور وأن يراقب صورة شيخه في عباداته وأن يستمد بقلبه جميع من شيخه وأن يلاحظ أن استمداده من شيخه هو الاستمداد من النبي الله لأن الشيخ الصادق نائب عنه
۳۹
وألا يشرب عقب الذكر مباشرة ولينتظر قليلا في مكانه بعد الذكر صامتا مستحضرًا لتلقى مايرد عليه من وارد الذكر وليؤد أوراده كاملة في أوقاتها وإلا حرم المدد وينبغى ألا يتقدم أحد المريدين في بدء ذكر ولا حزب ولاورد على من قدمه شيخهم مادام حاضرًا
- {
إلهامات عن الطريق
وطريق الشيخ يتلخص – المحافظة على الفروض – في أمرين
1 - ذكر كثير
خلق كريم
وكان مما يذكر رضى الله عنه لمريديه ما قاله أبو العباس المرسى رضى الله عنه طريقنا المداومة على الذكر وترك الغيبة وترك سوء الظن بعباد الله فمن
واظب على ذلك رزقه الله من حيث لا يحتسب
ومن وارداته رضي الله عنه في شأن المريد
1 - لزوم الجد في الطاعات وارتكاب خطر أهوال المجاهدات وذبح النفوس بسكين المخالفات وحبسها في سجن الرياضة حتى يفتح الله عليه بالسراج في
رياض المعرفة
٢ - ومن شأنه أيضًا المريد أن يذكر في كل وقت حتى يصل إلى الغيبة والحضور والغيبة عمّا دون الحق حتى يغيب عن نفسه إلى درجة ألا ينظر إلى نفسه في حال غيبة نفسه والحضور مع الحق فإن الغيبة عن النفس حضور مع
وموقف المريد من العلوم ظاهرة وباطنة قد حدده الشيخ فيما يلى
الحق
من لم يستعد بالعلوم الظاهرة تكون العلوم الحقيقية بالنسبة له ظلمات في القلب ومن لم يستعد بالعلوم الباطنة تكون الظاهرة بالنسبة له ظلمات في القلب
أيضًا
۳۹۳
إن المريد يحتاج في البداية أن يكون عارفًا علميًّا فتكون نهايته عارفا حقيقيا وينصح الشيخ المريد قائلا
راقب صورة شيخك وأنت تقرأ صورة وردك واستمد منه واعلم أن الرسول محيط بكما والله محيط بالكل فهذه أسس الجمعية التي بها يتم الفلاح والنصيحة الحقة بالنسبة للمريد هي
المجاهدة فى إزالة رذيلة وإحلال فضيلة محلها كمحو البخل وإحلال الكرم محله أو استبدال الكبر بالتواضع وقد نصح الشيخ مرة مريديه - وكان ذلك يوم الجمعة ٢٤ من ذي الحجة ۱۳۸۱ هـ - فقال
من عمل بهذه النصائح أبشره بدخول الجنة
حفظ الجوارح جميعها إلا فيما يرضى الله ترك الغيبة أو نهش أعراض الناس عدم
الاعتماد على حب الشيخ من غير عمل
أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك
المجذوب والسالك
والإنسان في سيره إلى الله إما أن تكون بدايته جذبة من جذبات الحق وإما
أن تكون سلوكا وفي المجذوب والسالك يقول الشيخ رضى الله عنه المجذوب من جذبه الله إليه ولذلك كان سيره من أول خطوة في الطريق بالله لا بنفسه وهذا جاء من باب القدرة كن فيكون ويوضح ذلك من فاجأته العناية فتغيرت حاله فجأة وانقاد إلى طريق مولاه وهذا هو المجتبى مباشرة
٣٩٤
أما السالك فأنواع
۱ نوع قدر الله له الوصول وهذا يقال له مجتبى من وراء حجاب لأنه أتى من باب الحكمة
ب نوع ظل سائرًا ولم يصل وفاجأته المنية وذلك يكمل الله سبحانه له الوصول في قبره
جـ نوع لم يقدر الله له الوصول وذلك هو النوع المستدرج والعياذ بالله والسالك المقدر له الوصول أفضل من المجتبى مباشرة لأن المجتبى لم يجاهد والمجاهد يجاهد نفسه وهواه وهذا هو مقام الجهاد الأكبر
والمجذوب فاته هذا المقام والدليل على ذلك قوله سبحانه لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكُلا وعد الله الحسنى والله بما تعلمون خبير وهناك مرتبة أعلى من المرتبتين
مرتبة المجذوب المجاهد وهى مرتبة المجاهد الذي سلك بنفسه ثم أدركته العناية فجُذب واجتبى قبل الوصول فقد أحرز المنزلتين
البصيرة
وينتهى السلوك بتوفيق الله بالكشف عن
البصيرة
والبصيرة ناظر القلب والبصر ناظر القالب وهى أى - البصيرة - أقسام بصيرة فاسدة للكفار إذ أنها أنكرت نور الحق وبصيرة مسدودة لمرض أصابها إنها محاطة بالنور ولكنها لا تقوى على مشاهدته ولا تشهد قربه منها ولا بعده عنها وهى لعامة المسلمين فالمسلم نطق
٣٩٥
بالشهادتين وأقر بالوحدانية لكنه لا يرى هذه الوحدانية لماران على قلبه بما سد ناظر
بصيرته
وهناك قسمان آخران للبصيرة وهما
1 - عين البصيرة
٢ - حق البصيرة وهما داخلان فى نطاق مقام الإحسان
۱ فعين البصيرة نور الإحسان لأهل المشاهدة
ب وحق البصيرة نور الإحسان لأهل المكالمة
وكل ما بعد ذلك ترقى في مقام الإحسان وقد أشار إلى ذلك ابن عجيبة وانفرد محيى الدين برأى خاص به بأن هناك مقاماً فوق مقام الإحسان وهو ما بعد الصديقية الكبرى وقبل مرتبة النبوة وهو مقام الإيقان الذى فيه الخضر وقد ذاقه ابن عربي والحق أنها ترقيات في مقام الإحسان وليس بعد مقام الإحسان إلا مقام
النبوة ويشهد لذلك حديث الإسلام والإيمان والإحسان
ويجمع الطريق الوارد التالي
لذ
بجنابنا واطرح أثقالك برحابنا واجعل مطالبك مطالبنا تجعلك إماما لنا أي من أمتنا في الأرض الموالين لنا
يقول الشيخ إن هذا الوارد يقصد بذلك المشايخ السالكين وهذا الوارد كما يقول - جمع الطريق كله مختصرا
٣٩٦
ه - إلهامات في التفسير
ونبدأ بعون الله الآن في ذكر ما تحدث به الشيخ رضى الله عنه في تفسير آيات من القرآن الكريم ۱ - بسم الله الرحمن الرحيم
افتتح السور بالبسملة لأن السور بيوت ومنازل فباب كل بيت البسملة ومعناه أن من دخل آمن لأنه طمأنه بالرحمة التى فى البسملة التي هي الباب - وإذ قال رَبُّكَ ِللْمَلائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم
مالا تعلمون وموقف الملائكة من خلق آدم عدم منهم
والأمر بالسجود للخليفة تشريف للخليفة
وإبليس زعيم فرقة النار ومحمد علل زعيم فرقة الجنة
إبليس من الجن وعلا بالعبادة إلى رتبة الملائكة فلما أمرت الملائكة بالسجود
أما
له وهو معهم شمله الأمر فغلبت عليه نفسه باعتبار أصله فلم يسجد الملائكة فلأنهم أرواح محضة سجدوا ١ واذكروا نعمة الله عَليْكُمْ وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور أى اشكروا نعمته الكبرى الرسول ع ووارثه في كل عصر وشكره التأدب في حضرته والعمل بما يحبه والرسول خير نعمته إنما أنا رحمة مهداة - إِنْ تُعذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُم فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحكيم
۳۹۷
الحكمة تقتضى عدم المغفرة لهم فكيف يخالف الحكمة
المراد الستر في المواقف من الفضيحة
-
لا تدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وهو يدرك الأبصار وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِير العارفون يدركونه ببصائرهم والآية نفى للإدراك بالبصر لا البصيرة أهل الأعراف وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُم وَنَادَوا
- 1
أَصْحَابَ الجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ مدحوا بقوله رجال سواهم الله بيدى الجلال والجمال فهم بين الغضب والرحمة النار والجنة فلو مال أحدهم إلى أيهما لا يكون كاملا بل إن وضعه كالميزان لا يميل إلى الجنة ولا إلى النار ويسلمون على أهل الجنة
لا مع الجنة
ويقول الشيخ مرة أخرى
وقلوبهم مع
الله
هناك من خلقه الله بيد إما جمال محض أو جمال محض وهناك من خلقه الله بيدين الجمال والجلال فهو الخليفة كآدم يقول الله تعالى ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى فكل من جعله الله خليفة يكون مخلوقا باليدين جسما وروحا وله تسجد
الملائكة كآدم - قَدِ افْتَرِينَا عَلَى الله كَذِبًا إِنْ عُدْنَا في مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نجانَا الله منها وَمَايكون لنا أن نعود فيها إِلا أَنْ يَشَاءَ الله رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كل شيء علمًا على الله توكَّلْنَا
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَق وَأَنْتَ خَيْرُ الفاتحينَ
ذلك المعصوم فكيف يرجع إلى ملة الكفر وذلك ينافي العصمة هذا من باب ملاحظة العلم المطلق فليس هناك فيه قيد ولا عصمة
ولا غيرها لأن الشرع مقيد وعلمه المطلق لا اطلاع لأحد عليه
۳۹۸
ومنه دعاء النبي يوم بدر
ومنه قول أبي بكر لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي في الجنة ومنه قوله وإنَّا أَوْ إِيَّاكُم لَعَلى هُدى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينِ الأفعال الله من يحبهم ويحبونه
-λ
ففي الحقيقة ما أحب إلا نفسه لأنه لا يحبهم إلا لفعلهم وهو منه
نعم الأفعال كلها منه والفعل في حالة صدوره من الله لا يكون إلا خيرًا ولكن الوعاء الذي تنزل عليك تلك الأفعال هو الذى يشكلها فلذا نسب الله في الصدور إن كان خيرا وللعبد في الظهور إن كان شرا لأن العبد هو الذى شكله ٩ - مَنْ كَان يُريدُ الحياة الدنيا وزينتها نُوَفِّ إِلَيْهِم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبْخَسُون أولئك الذين ليس لَهُم فى الآخِرَةِ إِلا النَّار وَحَبِطَ ما صنعوا فيها وَباطِل ما كانوا يعملون دليل على زيادة أرزاق الظلمة وكل من كان يريد بعمله الدنيا
-1
وقوله تعالى أولئك الذين ليس لهم فى الآخرة الخ قضاء عليهم وقصم لهم وبيان لضياعهم فيما هو أهم في الآخرة - وَيَصْنَعُ الفُلْك وكلما مر عليه مَلأُ مِّن قَومِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تسخروا منا فإنَّا نَسْخَرُ منكُم كما تَسْخَرُون لما كان نوح يصنع السفينة في البرية ويقول لهم سأعمل بينا يسير على الماء فكانوا يسخرون منه وكذلك المصلح يكون ظاهر حاله يدعو للاعتراض والعجب ولكنه على حق والعبرة بالنتيجة 11 - قول لوط قال لو أَنَّ لى بِكُمْ قُوَّةً أَو آوِى إِلَى رُكُن شَدِيد فهو يقول لو أن لى بكم قوة يعنى الجلال والغضب عليهم شديد
۳۹۹
والرحمة التي عليه خاصة فهى أقل فيقول لو أن الرحمة التي معى تغلب الغضب الذي عليكم أو آوى إلى ركن شديد معناه أو يتجلى على مولاى بالرحمة العامة فتغلب كل غضب ولقد كان لوط فى كل حال يأوى إلى مولاه ولم الحضرة الإلهية ولا يليق بنبي إلا كذلك ولذا قال الرسول الله أخي لوطا كان يأوي إلى ركن شديد
يبرح
رحم
فيشير إلى أنه كان دائماً آويًا إلى مولاه وإنما كان يطلب غلبة الجمال الجلال أو الرحمة الكلية العامة الغضب والله أعلم ۱ - فاستقم كما أُمِرْتَ وَمَن تَابَ معك ولا تَطْغَوْا إِنه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير شيبتني هود وأخواتها لقوله تعالى فاستقم كما أمرت فالذي شيبه قوله أمرت لأن الأمر خلاف الإرادة الأمر قد يُعْصَى ولكن الإرادة لا تُعْصَى أبداً فلو قال كما أردت لما شيبه ذلك ولم يكن ذلك له بل لأمته لأنه قائم بالأمر وزيادة لأنه مراد الإرادات
قوله
وَإِذْ قال إبراهيم ربِّ اجعل هذا البلد آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام كيف ذلك لإبراهيم المعصوم المراد بالأصنام الأغيار والعلائق وكل ما يشغل عنه إذ أن ما يشغل العبد عنه يأسره ويكون الإنسان عبدا له تعس عبد الدرهم ١٤ - ولله غيب السَّموات والأرض وَمَا أمْرُ السَّاعة إلا كلمح البصر أو هُوَ أقرب إِنَّ الله على كل شيء قدير
أو للتحقيق فأمر الساعة للناس كلمح البصر وهو أقرب للأنبياء والمرسلين ما عِندَكُم ينفد وما عند الله باق ولَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم
بأَحْسَنِ ما كانوا يَعْمَلُون الذي عند نفسه فان والذي عند الله في مقام العندية
لا ينفد علمه ولا يغني عرفانه
٤٠٠
١٦ - وإذا أَرَدْنَا أن نهلكَ قَرْيَةً أمرنا مُترفيها فَفَسَقُوا فيها فحق عَلَيْها القَوْل فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا هناك أمر تشريعي وهو ما جاء على لسان الرسل وهناك أمر الإرادة والاخير لابد من وقوعه وتحققه والأمر قد يقع وقد لا يقع ومثل
الأول الأمر بطاعة الله ومثل الثاني أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فهو أمر الإرادة أما قوله إن الله لا يأمر بالفحشاء فهو أمر تشريعي ظاهرى وآدم عليه السلام رأى أمر الإرادة فأكل من الشجرة وكان الأمر الظاهري مخالفاً
لذلك فتركه لأنه رأى أنه غير واقع ولذا نال بعد ذلك الخلافة ۱۷ - وَتَحْسَبُهُم أيقاظا وَهُم رُقُود ونُقلِّبهم ذاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَال وَكَلْبُهُم باسط ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ لَو اطَّلَعْتَ عَلَيْهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم
رعبا
وذلك لما أليسهم الله من الهيبة والهيئة التي كانوا عليها من طول الشعر والأظفار
۳
وغير ذلك ولم يتجل الله على سيدنا محمد بمثل ذلك وكانت أعينهم مفتحة كالمستيقظ الذي يريد
أن يتكلم ۱۸ - لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغُوا إِلا سَلَامًا وَلَهُم رِزْقُهُم فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا الجنة فى الدنيا والمراد الحث على الأوراد لأنها تسبب الأرزاق المعنوية والحسية وفى جنة الآخرة التى سقفها عرش الرحمن وهم يعلمون مقدار اليوم
بعلامات
أخرى
- قَالَ هِيَ عَصَاى أَتَوَكَّا عَلَيْها وَأَهش بها عَلَى غَنَمِي وَلَيَ فِيها مَارِبُ
قول سيدنا موسى عليه السلام هي عصای معرفتي بك
۳ بل تجلى الله عليه بالهيئة والمحجبة معا
أعتمد عليها
21
أَهش بها على غنمي أولادى في التربية
ولى فيها مآرب أخرى من باب لى وقت مع ربى لا تسعني فيه أرض
ولا سماء
۰ - فأكلا منها فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَ اتُهمَا وَطَفِقَا يَحْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ
الجنة وعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى فكيف يعصى وهو معصوم الحق أن هناك أمرًا إراديا لا يعصى أبدًا وأمرا شرعيا وهو قد يعصى وقد لا يعصى وعصمته تقتضى عدم عصيانه إذ أنه اطلع على ما في علمه ورأى عدم وقوع ذلك الأمر فعصى الأمر الظاهري وغوى أمر الإرادة فهو طائع إذ أنه يعلم أن ما فعله هو الواقع حتماً
والفرق بيننا وبين أمثال الأنبياء والمطلعين على علمه وعلى ما في اللوح أنهم قبل الإقدام على العمل يرون مافى علم الله ويشاهدونه ويأتون ما أراده الله سواء وافق الأمر الظاهري أم خالفه ومثلنا لا اطلاع له فلا يدرى ما في الإرادة وإنما يعلم أن هذا كان في العلم بعد وقوع المقدور والعقاب والحساب على القدوم وعلى مخالفة الأمر وهو لا يدرى ما أراد الله أما فيرون ما في علمه ويأتون الأمر
هم
الإرادى استجابة لما فى العلم لا لشهوة ولا لهوى ونحوه ۱ - وَذَا النُّون إذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُماتِ
أن لا إله إلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
أي خرج من قومه من غير إذن لن نقدر عليه
لن نقتر عليه بالرحمة ونضيق وهناك غلب الرجاء والميزان استواء الرجاء
والخوف
- ومن آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُون
٤٠٢
ولم يقل بالنهار دليل على أننا في غفلة تامة بالليل والنهار لأن النوم غفلة غفلتنا التامة عنه وعن شهوده و معرفته نرجوه ونطلب منه
ومع
- ۳
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين إنك ببشريتك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء سأله مرة سائل في قوله تعالى
- ٢٤
إِنَّ الله عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْتَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٍ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ومَا تَدْرِى نَفْس بأَى أَرْضِ تَمُوت إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٍ خَبِير قائلا كيف يتفق أن النفس لا تدرى ما تكسب غدا ما يختص الله به من أسرار ومغيبات المستقبل فكان جوابه في إيجاز بليغ لقد قال سبحانه وماتدرى نفس ولم يقل
أولياءه
روح وإيضاح ذلك كما سمعناه منه ونرويه بالمعنى لا باللفظ أن النفس بما غطي عليها من ران الطباع وما غشاها من كثافة ذميم الخصال لا يمكن أبدا أن تدرك شيئًا من أسرار الله وهذه هي النفس المرادة فى الآية فإذا ما ارتقت من نفس أمارة بالسوء إلى نفس لوامة ومن لوامة إلى ملهمة ومن ملهمة إلى مطمئنة ومن مطمئنة إلى راضية ومن راضية إلى مرضية دخلت في حيز النفس الكاملة وحينئذ تكون قد تخلصت من ران الطباع وكثافة ذميم الخصال وتحكم سجن الجسد فيها فيكون لها الشفافية والإطلاق فتتحكم هي في الجسد ولا يتحكم الجسد فيها ويكون صاحبها روحانيا وهذه المرتبة هي التي تسمى فيها النفس روحا والروح سر من أسرار الله ولأنها سر الله فهى دراكة عالمة بما كان ومايكون فإذا ما وصل صاحبها إلى هذه المرتبة انكشف الغطاء ورأى أمامه غرائب الماضى وخفايا الحاضر وعجائب المستقبل وكل روح في أصلها كذلك فإذا ما غيبت فى الجسد سيطر عليها بكثافة وغطى ما تحويه من أسرار فمن
٤٠٣
جاهد وأخرجها من هذه الكثافة عاد بها إلى أصلها واستحقت أن تنادى يأيتها النَّفْسُ المُطمئنة ارجعى إلى رَبِّكِ راضية مرضية فادْخُلِي في عبادى وادْخُلى جنتى
وأولياء الله الذين اختصهم بأسراره منهم من وصل إلى هذه المرتبة ومنهم من تجاوزها وبذلك تنجلى الشبهة فى السؤال ولا تعارض الآية ما يختص الله به أحبابه من أسرار فهم علماء الله بحق الذين عناهم بقوله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم وهم بعينهم الذين تناولتهم الآية الكريمة إنما يخشى الله عباده العلماء ٤
من
٢٥ - إنا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ على السَّمَواتِ والأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَملها الإنسانُ إنه كانَ ظَلُوما جهولاً الأمانة المعرفة الحقة وهى للغوث فما فوق وهى الخلافة الحقيقية والإنسان الحق كان قبل حملها ظلوما جهولا
٢٦ - إنما أَمْرُهُ إِذا أَرَادَ شَيْئًا أَن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده
ملكوت كل شيء وإليه ترجعون كيف يكون شيئًا ويقول له كن فإن كان موجودًا فلا داعى لوجوده وإن لم يكن موجودا فلمن يقول له كن ومن يخاطب يخاطب هذا الشيء المعلوم لله الموجود في علمه الحاضر لديه المعدوم في ذاته الذى لم يأت أوان خلقه إذ أن العلم تعلق بالمعلومات كلها وإلا كان علما لأن العلم لابد له من معلوم يتعلق به إلا أن هذا المعلوم الله معدوم
في
ذاته في حاجة إلى تكوين وبروز فيخاطب هذا المعلوم بالتكوين والخروج إلى حيز
الوجود
٤ من مذاكرت الأستاذ سلمان القاضي عن والده
-۷
٤٠٤
- فَلَمَّا بلغ معه السعى قال يابنى إلى أرى في المَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُر ماذا ترى قال يا أَبَتِ افْعَلْ ماتُومَر سَتَجِدُنِي إِنْ شَاء الله من الصابرين قوله تعالى إني أرى في المنام أني أذبحك
قال إسماعيل يا أبت افعل ما تؤمر
ولم يقل ما رأيت فلم يكن ما رآه أمرًا ولو كان رأه أمرًا لقال إلى أمرت وكيف يذبحه ولم يؤمر بذلك إنما ذلك شدة مسارعة لتنفيذ مارأى رؤيا الأنبياء والصالحين على قسمين
۱ - رؤيا كشف
- رؤيا تحتاج إلى تأويل
فالأول لابد من حصوله كما هو والثاني يؤول
فرؤيا الخليل عليه السلام من الثاني إلا أنه لم يوقن أنها منه من الثاني فسارع إلى تحقيقها ولذا قال تعالى صدقت الرؤيا ولم يقل صدقتنا أما الرسول الله فكان عنده علامة يعرف بها رؤيا الكشف من الرؤيا التي تؤول مثال ذلك لما رأى أنه شرب لينا وأعطى الفضلة لسيدنا على فقالوا له ما أدلته قال العلم ومثله رؤيا يوسف عليه السلام رأيت أحد عشر كوكباً
احتاجت إلى تأويل الكواكب إخوته
أما
عن عروج النبي الليله ليلة الإسراء والمعراج فقد كان لا يرقى جسمه الشريف ويتلطف بما يتناسب والروحانية العلوية فكان يرقى تدريجياً من سماء إلى سيماء حتى يصير فى شفافية ملائكة كل سماء حتى وصل مع جبريل إلى سدرة المنتهى فكان غاية فى الشفافية والروحانية وهنا توقف جبريل وطلب منه سيد
البشر
أن يواصل سيره فقال
٤٠٥
۸ - ومامنا إلا له مقام معلوم تقدم أنت يامحمد فهذا مقامك وهنا زج بسيدنا محمد في الأنوار فوصل إلى حيث لا أين ولا بين ولا زمان ولا مكان فقد انتفى حين ذلك المكان وهنا لا مجال للقول ولا للعقل وكل ما يمكن أن يقال إنه رأى مولاه يعين بصيرته ويمكن تفسير قوله صلى الله عليه
وسلم
رأيت ربي بعينى رأسى أى أنه قد انعكس نور بصيرته على بصره فرأت
"
عيناه بنور بصيرته من ليس كمثله شيء
۹ - وقال رَبَّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
قال رضي الله عنه إجابة عن سؤال كيف نعبد الله بلا علاقة
مع
أنه تعالى قال ادعونى أستجب لكم قال ادع الله ائتمارًا لا للطلب ولكن إظهارا للعبودية والتذلل ومثل ذلك سيدنا أبي الحسن مخاطبا الشيطان
حتى
أستعيذ منك
أعوذ بالله منك أنت ومن ولولا ما أمرني ربي ما استعذت بالله منك
۳۰ - ولمن خاف مقام ربه جنتان
المراد جنة في الدنيا وهي جنة المحبين العارفين وهي معنوية لما
يستشعرونه من لذة ومتعة في عباداتهم وأنسهم بربهم ومن هنا يدرك معنى قولهم نحن في لذة لو علمها الملوك - لجالدونا عليها بالسيوف وهذا هو المعنى المراد من جنة الدنيا وهو الأنسب والأليق
وهل المراد بجنة الدنيا الجنة الحقيقية الحسية فالله يطعم أحبابه في الدنيا من الجنة هذه وذكر رضوان الله عليه قصة الولى الذى استضافه ملك فقدم إليه فاخر الطعام فعزف الولى عن هذه الألوان فسأله الملك عن سبب امتناعه
٤٠٦
فقال مثلى لا يأكل من هذا الطعام ثم أمسك بنوع منه وعصره فكانت عصارته دما وأمسك اللحم وعصره فكانت عصارته قيحا وصديدًا فتعجب ثم نظر إليه العارف قائلا أترضى أن أكل من هذا الطعام كله من
الملك
طعاماً على
رأسه
حرام ومثلى لا يأكل الحرام فسأله الملك ماذا تأكل فأجاب طعامى سيأتيني وإذا بالباب يطرق ثم يفتح فيدخل خادم يحمل ويقدمه للولى قائلا سيدى الأكبر أمرني أن أقدمه إلى سيدى الأصغر ثم وضعه الولى أمامه وأخذ يمسك ببعضه ويعصره فتنزل العصارة لبنا خالصا ويمسك ببعض ثان ويعصره فيجده عسلا خالصا وببعض ثالث فيجده خمرا لا غول فيها ولاهم عنها ينزفون وببعض رابع فيجده ماة غيرآ آسن وهي من أنهار الجنة الأربعة ولعل الولى عمل هذا لحكمة وهى عمل الملك ليحثه على البعد عن الحرام عن طريق هذا التصوير البشع فجنة الدنيا إما المتعة واللذة المعنوية التي تفوق كل لذة وإما جنة المأكولات والملذات وكثير من الأولياء كان يخرج إلى الناس ويشم منه ريح الشواء وغيره من ألوان الأطعمة ولم يعهد أنها عنده أو طبخها في بيته إذ لم يكن لديه المال لجلب ذلك ولذا كان الرسول يقول إنى أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني والمراد طعامًا حقيقيًّا حسيا يشبع منه أما الجنة الثانية فهى جنة الآخرة -٣١ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ قُرئت هذه الآية أمام أبي يزيد البسطامي رضي الله عنه فقال إن بطشى أشد
بطش
وسئل رضوان الله عليه في معنى ذلك فقال حقا ما يقوله أبو يزيد الله ممزوج بالرحمة أما بطش أبي يزيد فخالٍ من الرحمة ۳ - وَوَجَدَك صَالاً فَهدَى
لأن
مع قوله كنت نبيًّا وآدم بين الماء والطين فكان نبيا للأرواح وعلم علومًا
٤٠٧
لا تحصى
فلما جاءت البشرية كانت لا تعرف شيئًا فكان يجب موافقة البشرية للروحانية فالبشرية ضالة عما في الروحانية
وموسى عليه السلام قال فعلتها وأنا من الضالين أي الضالين لطريقتكم الهاكم التكاثر حب المال الخلق عن الخالق المعرفة عن صاحب المعرفة الصفات عن الذات والأخيرة رحمة لأنه لولا ذلك
- ۳۳
لأحرقوا
٢٤ - ثم لَتَسْأَلُنَّ يومئذٍ عَنِ النَّعِيمِ السؤال يشير إلى رحمة الله لأن فيه أنعم الله بها على العبد في الدنيا وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
تعداد النعم
التي
-
واردات
ا - من غلبته شهوته فهو حيوان ومن غلبت شهوته فهو إنسان ومن غلبت ناسوتيته روحانيته فهو من الغافلين ومن غلبت روحانيته ناسوتيته فهو من
الأوابين الأول معاملات يعامل نفسه والثانى عبادات سائر في مقام العبودية - اعلم أن ابن آدم طلسم لا يدرى به إلا من اجتباه الله وأطلعه على سره الغامض فيه فمن السر أنه مرقوم على كفه الأيمن رقم ١٨ وعلى كفه الأيسر رقم ومجموع الرقمين ۹۹ أعنى أسماء الله الحسنى يتجلى بها عليه على حسب استعداده من الأزل
أما خليفة الله في كل عصر الغوث فهو متجل بها عليه على رأى منه وهذا سر قوله تعالى لإبليس عليه اللعنة مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بيدَيَّ يعنى كان السجود لآدم شكلا ولكنه فى الحقيقة كان الله لا لآدم عليه السلام
٤٠٨
وهذه الأسماء جامعة لليدين أعنى الجمال والجلال والقبض والبسط والأنس والهيبة والعز والذل والفقر والغنى والكمال فمن أسعده الله وتحقق بهذه الأسماء كان العبد الكامل ونطق بالحكمة وخرج صندوق نفسه إلى جوهر روحانيته و دررها ولؤلؤها ويواقيتها وكان خليفة الله في ومن غفل عن ذلك فهو فى مشيئة الله تعالى وعاش كحيوان يرتع في
أرضه
الفلاة
وإذا أفردت الرقم الذى فى الكف الأيمن نطق باسمه الحى وإذا أفردت الرقم الذى فى كفه الأيسر نطق باسمه الأحد المحيى
"
فين عبد الله باسمه الحى ودام عليه واستغرق فيه ليلا ونهارًا شاهد حياة كل شيء وكوشف بسر الملك والملكوت ومن عبد باسمه الأحد المحيى وأكثر منه ولاحد لأكثره شاهد حياة كل شيء ومحييه ومن ذكر بهم جميعًا صعدت روحه إلى الملأ الأعلى وصعدت روحه إلى العرش ليكتب عند الله من الكاملين الصديقين وكان أعجوبة زمانه عرف من عرف وأنكر من أنكر ٣- أكمل الكمال أن تعبد الله لله بالإخلاص وتغنى عن الإخلاص بالإخلاص
لله بالله
فالأول لمن له تطلع للمقامات في البداية
والثاني لمن طريقه عبودية الربوبية فهو النجم الذي لا يدرك
٤ - أهل الخصوصية مزهود فيهم أيام حياتهم متأسف عليهم بعد مماتهم
وهناك يعرف الناس قدرهم حين لم يجدوا عند غيرهم ما كانوا يجدونه عندهم
ولات حين مندم
-0
رأى من يقول له اكتب هذا الكتاب الجامع لميزان الأعمال
·
فقال له نعم
٤٠٩
فقال ليس لعبد أن يشغل قلبه بالاختيار بفعل شيء أو تركه في المستقبل وإنما عليه أن يعطى ما أبرزناه على يديه حقه فإن كان طاعة حمدنا عليها واستغفرنا من تقصيره فيها وإن كان معصية استغفرنا من ارتكابه لمخالفة أمرنا وإن كان غفلة أو سهوا فعل ما هو اللائق بمقامه وقد قربنا لك طريق الأدب معنا في كل ما تجويه عليك سلم سلاما باطنيا وظاهريا تسلم وتغنم ٦ - لا تركن إلى عمل ولا علم واركن إلى حب من يحبهم الله ورسوله وسارع في هواهم تفلح دنيا وأخرى والسلام - الله الصادق الوعد الأمين ويتجاوز عن الوعيد لأحبابه المخلصين - القلب للمشاهدة واللسان للعبارة عن المشاهدة فمن لم يشاهد فهو
شاهد زور
بوابنا
- أدم قرع بابنا يدخلك علينا بوابنا وثق أنك لا تدخل علينا إلا بواسطة
واعلم
أن
بوابنا حبيبنا وهو لكل خلقنا ١٠ - الأقطاب الأربعة هم السيد البدوى سيدى إبراهيم الدسوق
سيدي الرفاعي سيدى الجيلاني
حاله
أما السيد البدوى فهو حى فى قبره يجلس ويضطجع ويقابل جميع زواره هذا
أما سيدى إبراهيم الدسوقى فهو من الأفراد والمراد أنه ترك المقامات وزهد فيها
حتى الغوثية تولاها وتركها زاهدًا فيها
1 السر في الأشياخ لا في الأذكار
ب ومعنى قولهم السر في الأشياخ يعني في الإذن بالذكر جـ الورد الحقيقي الذي يبلغ المريد هو المحبة من المريد لشيخه محبة صادقة
21
د كل إنسان مركب من عقل نفس روح فكر قلب وما عدا ذلك فهو للأرض
فؤاد
هـ الأولياء عرائس مخدرة من نظر إلى محمد رسول الله آمن به ومن نظر إلى يتيم قريش كفر به
و الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة لأن مدة الرسالة ٢٣ سنة والمنام نصف اليقظة ف ۳ × ٢ = ٤٦ والله أعلم كم من مصباح أطفأته
الريح ز من لا أول له ولا آخر هو الله سبحانه جل شأنه ومن له أول وليس له آخر الروح وملائكة العذاب والنعيم
ومن له أول وآخر الإنسان والجن والحيوان والطير ح من طلب الحكمة لذاتها وكله الله إليها ومن طلبها له وكلها إليه ۱۱ - قلوبهم أعجب من ذكر النائم ربه معناه والله أعلم أن قلوب أحبابه أعجب شيء إذ صاحب هذا القلب ذاكر ربه وهو نائم
-۱
وجد بخط فضيلة مولانا الشيخ - فى كتاب متن أبي شجاع فقه شافعی ويظهر أنه كتب أيام الخلوة الأولى أو الثانية – مكتوبا وارد اليوم الإخلاص هو الشكر بالعمل والعمل بالشكر وله ظاهر وباطن فظاهره العمل وباطنه الشكر والحافظ له ولنموه باطنه أخلص لى عملك ولا تسألني وأنا أعطيك أفضل ما أعطى السائلين وأما الشكر فهو تصرف كل جارحة لما خلقت له ثم ينسى ذلك وإن لم ينس فيما شكر لئن شكرتم لأزيدنكم فالإخلاص يقتضى العطاء والشكر يقتضى المزيد فالإخلاص هو الأب الصالح والشكر هو الابن الفالح والفاعل لهما هو المقرب النافع فاعرف قدر ما وصل إليك واعمل به تكن من الناجحين
٤١١
۱۳ - العبادات كالحلواء المعجونة بالسم فكما لا ترضى النفس بالقليل منها فتسلم كذلك لا تصبر على الكثير منها فتغنم ١٤ - أشد العذاب سلب الروح وأكمل النعيم سلب النفس وألذ العلوم معرفة الحق وأفضل الأعمال الأدب وبداية الإسلام التسليم وبداية الإيمان
الرضا
ثم الإيمان يتلون بحسب الجسد والجسد بحسب المضغة والمضغة بحسب إصلاح الطعمة إياكم والجزع فى مواطن الامتحان يمتحنكم الحق بأشد من ذلك لا يكمل المريد حتى يحمل عن شيخه فإن رمى أشغاله على شيخه فهو سيئ الأدب أنه إذا تعود ذلك ألفت نفسه ذلك فينقص استعداده مع
فإذا جاءته صدمة هدت جداره وشيخه ليس بمقيم له لا تأكل أبدًا طعام أحد إلا إن كنت وليه فى التربية أو من أهل آية ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم فإن كل لقمة نزلت في جوفك تنقص من عبوديتك بقدرها وتسترقك لصاحب تلك اللقمة
من اجتمع فيه خصال أربع الكبر والنفاق والغرور والبخل لابد من العلاج فإن دواء الكبر التواضع والنفاق دواؤه الإخلاص والغرور دواؤد العجز والانكسار وأما البخل فدواؤه التسخي
فلا يصلح أبدا إلا بهذا العلاج ويحتاح إلى جهاد كبير وعناية ربانية وطريقه
وعر وأعوذ بالله من غضب الله
١٥ - وارد بصيغة سؤال
س ۱ ماملاك الجسم
ح ملاكه العقل والعقل عقلان عقل للنفس لتدبير أموال الدنيا
٤١٢
وعقل للروح لتدبير أمور الآخرة فإذا طغى عقل النفس على عقل الروح اندمجا معا وصارا عقلاً واحدًا وكانا محلاً لهواجس النفس ووساوس الشيطان
وإذا طغى عقل الروح على عقل النفس اندمجا معا وصارا عقلا واحدا وكانا محلا للتنزلات الإلهية والمعارف الربانية وسعدا سعادة لاشقاء بعدها س وما ملاك العقل ح ملاكه الدين والدين هو التوحيد المطلق الكامل والوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة واعتبار الأكوان كلها رسلا إليك تؤدى مالديها من من خير وشر ولذا وجب شكرك لها وأما شكرك للمكون الجميع ما وصل إليك من الرسل لأنها منه برزت وجميع ما وصل إليك منه من القدرة أن اشكر لي ولوالديك
س ۳ وماملاك الدين
الأمانة
حد ملاكه النور المحمدى والنور المحمدى هو أول التعينات الربانية والتجليات الذاتية وأول ظهور المظاهر الذاتية في وجود العمائية س ٤ وما ملاك النور المحمدى ح ملاكه الله جل جلاله وهنا تنطمس العقول والأبصار والقلوب والبصائر ما قدروا الله حق قدره
تنشغل
١٦ - الله أكبر في الصلاة لها معنيان 1 - التنبيه من الغفلة لأن الله أكبر من كل شيء فلا أن ينبغي أذهاننا في الصلاة بشيء من شئون الدنيا وإلا فلا معنى لقولك الله أكبر إذا لم يكن أكبر مما يشغلنا عنه ومن ذلك تتكرر التكبيرة في كل ركعة نحوست مرات وينطق بها المصلى فى كل ركعة فهي تتخلل أعمال الصلاة وكأنها ناقوس
٤١٣
يدق بين الحين والحين ينبه الإنسان من غفلته ويوقظه من انشغاله
٢ - وهناك معنى ثان لا يخاطب به إلا أهل الخاصة وهو مقام المتوسطين منه ويتلخص في أن كل ركن إذا أداه الإنسان بخشوع يتدبر كامل ينال به من الله درجة فختامه بلفظ الله أكبر بمعنى أنه سبحانه وتعالى أكبر من أن يقتصر عطاؤه على هذه الدرجة فإذا أنت أديت ركن الوقوف مع الفاتحة والسورة بالتدبير المطلوب حين ذاك تنطق الله أكبر وتركع ومعناه أن عطاء الله أعظم ثم تؤدى ركن الركوع بخشوع فتنال درجة أرقى ثم تعتدل لتكبر من جديد ويكون معنى ذلك أن الله أكبر من يقتصر عطاؤه على ذلك المقام أو تلك الدرجة فكلما أديت ركنا نلت درجة وسلمك هذا الركن إلى ركن ثان وهكذا تصعد من درجة راقية إلى درجة أرقى حتى تتم ! الصلاة وكمالات الله لا تتناهى وذلك هو العروج إلى أسمى المقامات الذي قصده الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله الصلاة معراج أمني والخلاصة أن معنى الله أكبر فى هذا المقام أن تجلى الله في صلاتك – وهي مما بورده عليك - أكبر من صلاتك التي تؤديها أى ما يورده عليك من تجليات أكبر
وهذا مقام المتوسطين
مما تورده من عملك
أما
مقام
المنتهين الصديقين المقربين فهو عند تكبيرة الإحرام التي يدخل بها في
الصلاة يحس كل منهم بما يأتي عند ألف لفظة الجلالة يحس أنه تدبر كل مافي الصلاة من حركات وتكبير وتسبيح وقراءة إلخ
وإذن فقد تدبر الصلاة عند نُطْقِهِ بألف لفظ الجلالة وتكون بقية الصلاة بعد ذلك من أولها إلى آخرها شهودًا لذى الجلال والعظمة يترقون في مقام الشهود عند
كل تكبيرة حتى يفنى الحس فلا يكون فى الشعور إلا الله
وبالطبع كل ركن ينال فيه مقامًا من مقامات الشهود ويسلمه ذلك الركن إلى
٤١٤
ركن آخر ينال فيه مقاماً أسمى وهكذا حتى يخرج العبد من الصلاة ومعه من العلوم والمعارف أبكار الأفكار التي لم تدون في كتاب
أما الاستغفار بعد الصلاة كاستغفار الرسول عليل الله واستغفار الأولياء بطريق
الميراث من
أنه
ليغان على قلبي لتراكم المقامات والأنوار
واستغفاره لترقيه من الأدنى إلى الأعلى ومعنى ذلك أن ما كان فيه من مقام أدنى غير لائق فيستغفر الله لذلك وهكذا وكل استغفار للرسول الله من هذا
القبيل
مقدمة
وخاتمة 1
L
في هذا العصر الذي أخذت فيه الأرض زخرفها وزينتها من العناصر المادية وقامت فيه الحضارة الأوربية على المنهج الحسى المادى ولا تكاد تعترف بغيره من المناهج مازال في البيئات الإسلامية والحمد لله طوائف من أصحاب الفطر السليمة الذين يرجون للبشرية مستقبلا يضرب بأسهم وافرة في عالم الخير والحق عالم الدين والروح عالم الإخاء والإيثار وهذا العالم الذي تنبع أصوله من وحى السماء والذي يسير أفرادا أو جماعات -- هادفاً إلى تحقيق المنهج الإلهى والمبادئ الإلهية يمثله كنماذج أضواً ماتكون النماذج أئمة التصوف وأعلام الصوفية إنهم يمثلونه في المنهج الذي اتبعوه ويمثلونه كحقائق واقعية في المبادئ والقواعد إن حياتهم - منهجا وموضوعاً - تترسم التربية الإلهية وهدى الرسول مع لعل الله فيما عظم من الأمور وفيما هو سهل يسير وهم يحاولون ما أمكن أن يكونوا بقدر الاستطاعة ورثة الأنبياء وورثة الأنبياء أحوالا ومقامات بيد أن
علما وورثة الأنبياء سلوكا
•
بعض
الناس لا يتبين فى وضوح معنى التصوف ولامدى الصلة بين الإسلام والتصوف
۱ لقد فكرت في أن أجعلها مقدمة وفكرت فى أن أجعلها خاتمة ثم سألت نفسي إذا كانت هذه هي المقدمة فما هي الخاتمة فوجدت نفسى تشير إليها فعدت إلى نفسى وسألتها إذا كانت هذه هي الخاتمة فما هي المقدمة فوجدت نفسى تشير إليها إنها في حقيقة الأمر مقدمة وخاتمة وإنها من الأهمية عندى بحيث لو كان استساغاً أن أكتبها مرة كمقدمة ثم أعود فأكتبها مرة أخرى كخاتمة لفعلت فلتكن مقدمة ولتكن خاتمة وأرجو الله أن ينير بها بصائر وأن يهدى بها قلوبا
٤١٥
٤١٦
ويتساءل عن ذلك بمناسبة الكتابة عن الشاذلي مثلا أو عن أبي العباس المرسى ويقولون في صراحة
هل هذا النوع من السلوك الذى أخذوا فيه والذي يسمى التصوف من الإسلام أو ليس من الإسلام ولقد تساءل عن ذلك الكثيرون بمناسبة إخراجنا كتاب الشاذلي رضي الله عنه وكتب بعضهم في المجلات كتابة تنبئ عن عدم وضوح الرؤية فى موضوع التصوف وتنبئ عن حصول لبس في مدى صلته
بالإسلام
وكل ذلك يحدث كلما ظهر كتاب عن شخصية صوفية وكلما نشر كتاب عن التصوف نفسه وسيحدث حتما - والزمن يكرر نفسه - فى مناسبات أخرى ومن أجل ذلك نكتب هذه المقدمة عن صلة الإسلام بالتصوف ونحاول ما أمكن الاستدلال فيها بالنصوص الشرعية وبأقوال الصوفية مبينين - في غير تحيز ولا عصبية - وجهة النظر السليمة ليهتدى من يهتدى عن بصيرة وليسلك من يشاء طريقهم على هدى وعلم وهى مقدمة أصبحت ضرورية ولعلها تأخرت نوعا ما بعد أن نشرت سلسلة أعلام العرب عدة كتب عن كبار الصوفية فنقول
وبالله التوفيق
1 - ماهو المنهج الملائم
إن صلة التصوف بالإسلام - منهجاً وموضوعاً - لا يتأتى فهمها صحيحا إلا إذا عرفنا التصوف تعريفا ينطبق على حقيقته أكمل مايكون الانطباق بيد أن تعريفه ليس من السهولة بمكان ذلك أن تعريفات التصوف - كما يقول مؤرخو التصوف القدماء - أريت على الألف وكلها تعريفات لها وزنها وقيمتها إذ أنها بأقلام الصوفية أنفسهم وإذا كانت هذه التعريفات بأقلام أرباب الشأن فإنه من
٤١٧
الصعوبة بمكان أن يقف الإنسان منها موقف الحكم يفضل بعضها على بعض ويجعل بعضها في المرتبة الأولى ويجعل البعض الآخر ثانويا ثم ينتهى بتعريف جامع مانع ما هو المقياس وما هو الفيصل ثم بأي سلطان يتدخل الإنسان بين هؤلاء القوم ذوي المذافات الرقيقة والمشاعر الروحية الدقيقة أبسلطان العلم ملاحظة واستقراء ! أم بسلطان العقل بحثا واستنتاجا ! أم بسلطان الروح
إشراقاً وإلهاما !
٢ - التصوف والعلم هل يلج العلم بملاحظته واستقرائه حصن التصوف إنه إذا فعل ذلك فإنه لن يلاحظ إلا الشكل الخارجى ولا يستقرئ إلا المظهر الشكلي ! ولاشيء بعد ذلك من روح التصوف وجوهره ومعنى هذا الإخفاق التام
وحقاً لقد أخفق – إلى الآن – علم النفس وأخفق علم الاجتماع إخفاقا كاملا فى الوصول إلى كنه التصوف وحقيقته
بل إن الدراسات النفسية الحديثة والدراسات الاجتماعية المعاصرة أفسدت الفكرة عن التصوف إفسادا تاما شأنها في ذلك شأن كل ما اتصلت به من الدراسات التي تتصل بالروح وبالوحى وبالإلهام السماوى وبالدين على وجه
العموم إن الدراسات النفسية والاجتماعية الحديثة حددت نفسها بالمادة وتقيدت بالظواهر المادية المحسة الملموسة المرئية أو المسموعة أو المذاقة مذاقاً حسيا
أو المشمومة !
وهي تعترف اعترافاً صريحاً لا لبس فيه أن مجالها إنما هو المجال المادى وأن كل
٤١٨
ما خرج عن المجال المادى فإنه لا يدخل تحت مرصدها ومخبرها ومسيرها وإذن لا يدخل في إطار بحثها
والتصوف روح وإلهام وإشراق فلا يدخل في مجالها ومن هنا كان اكتفاء هذه الدراسات بالمظهر والشكل ومن أجل ذلك كان إخفاقها كاملا وفشلها يفجأ النظر
إن مانسميه العلم الحديث إنما هو العلم السائد في أوربا وفي أمريكا وفى العصر الحاضر وقد ألزم نفسه إلزاماً تاماً ألا يخرج عن دائرة المادة وحدد - مختارا - دائرته تحديدا دقيقا بأنها المادة وربط نفسه بذلك ربطاً محكماً إلى درجة أن كل من يخرج عن المادة لا يسمونه عالماً وأن كل بحث في غير دائرة الملاحظ المحس لا يسمونه بحثا علميا ولسنا - الآن - بصدد تخطئة العلم الحديث أو تصويبه فيما ألزم نفسه به وإنما نريد أن نبين فى وضوح أن هذا الالتزام ينفى نفياً بانا أن يتصل العلم الحديث - من قرب أو بعد - بجوهر التصوف ومفهومه الحقيقى ومن أجل ذلك فإن كل ما قيل بلسان العلم عن التصوف لا يمس منه إلا المظهر والشكل ولا فائدة فيه بتانا من حيث الروح والجوهر
- التصوف والعقل
أنلجأ إذن إلى العقل ببحثه المنطقى القياسي وإلى استنتاجاته الناشئة عن المقدمات والأقيسة
أيقودنا العقل - آمنين - فى بحار التصوف اللامحدودة وفي رياضه التي لا تنتهى من حيث كونها نفحات من التجليات الإلهية اللانهائية ولكن المعروف أن العقل لا يدور إلا في فلك المادة إنه يتسامى إلى السماء فيبحث بأقماره وسفنه وصواريخه بين أرجائها الشاسعة وساحاتها الرحبة ويغوص في أعماق البحار فيظهر
٤١٩
مكنوناتها ويكشف عن أسرارها ويتعمق في طبقات الأرض فيخرج منها
أثقالها ويزيل الغموض عن معمياتها
إنه مبتدع الصناعة من الإبرة إلى الصاروخ ومخترع الكيماويات سهلة كانت أو معقدة ومكتشف النواميس الكونية في الأرض وفي السماء وهو أساس العلم والاستنتاج والاستنباط على أشكاله المختلفة ومناهجه
الكسبي
علم التوالد
المتعددة ولكن العقل - ومجاله المادة استنتاجا واستنباطاً
لا شأن له بالغيب الغيب الإلهى
لا شأن له بالمساتير مساتير الملأ الأعلى
لا شأن له بكشف المحجوب المحجوب الروحي لا شأت له بمعارج القدس ولا بمنازل الأرواح
لقد أخفق العقل في إيجاد مقياس عقلى يقيس به الصحة والخطأ في عالم الروح وعجز عن اختراع فيصل يفصل به بين الحق والباطل في مجال الغيب لقد أخفق منهج أرسطو وأخفق - منهج ديكارت وأخفق إلى الآن – كل منهج عقلى يراد منه أن يصل بنا إلى عالم الإلهية يعرفنا أسراره ويسير بنا في مساتيره وإخفاق العقل في عالم التصوف قضية اعترف بها اعترافًا صحيحًا فيثاغورث وأفلاطون وأفلوطين واعترف بها الكندى والفارابي وابن سينا واعترف بها الغزالي وجميع الصوفية على الإطلاق وقد اعترفوا بها لما علموا أن العقل لا يتأتى له أن يخرج عن دائرة المادة بل إن الخيال نفسه بل الوهم كل ذلك لا يخرج عن دائرة المادة واعترفوا بها لما رأوه من خلال التاريخ الفكرى للإنسانية من أن العقل وقف أمام منازل الروح ومعارج القدس عاجزا لا يحير جوابًا لقد اعترفوا بها وبرهنوا وكان منطقهم من
٤٢٠
السلامة بحيث صدقه الواقع التاريخى وليس ذلك بكادح في العقل فله مجاله الضخم في رحاب الكون وفى أغوار الأرض وفي أقطار السماء وعليه وبه
قامت الحضارة المادية الحديثة متسلطة غلابة
٤ - المنهج الصوفي وإذا عجز المنهج العلمي المادى عن دراسة التصوف في حقيقته وجوهره
وعجز المنهج العقلى كذلك فإن الصوفية جميعًا وفلاسفة الإشراق منذ فيثاغورث وأفلاطون إلى الآن يعلنون منهجًا محددًا يقرونه جميعا ويثقون فيه ثقة تامة ذلك هو المنهج القلبي أو المنهج الروحى أو منهج البصيرة وهو منهج معروف أقرته الأديان جميعها واصطفته مذاهب الحكمة القديم منها والحديث يقول الله سبحانه إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا إنه سبحانه ذكر الفؤاد على أنه مسئول مثله فى ذلك مثل السمع في محيطه والبصر في محيطه والإمام الغزالي معبرًا عن رأى الصوفية وعن رأى فلاسفة الإشراق يرى أن الدليل القاطع على أن هناك معرفة ليس مرجعها إلى الحس ولا إلى العقل إنما هما أمران أحدهما عجائب الرؤيا الصادقة فإنه ينكشف بها الغيب وإذا جاز ذلك في النوم فلا يستحيل أيضًا في اليقظة فلم يفارق النوم اليقظة إلا في ركود الحواس وعدم اشتغالها بالمحسات فكم من مستيقظ غائص لا يسمع ولا يبصر لاشتغاله
بنفسه
الثاني أخبار رسول الله الله عن الغيب وأمور في المستقبل وإذا جاز ذلك للنبي الا الله جاز لغيره إذ النبي عبارة عن شخص كوشف بحقائق الأمور وشغل بإصلاح الخلق فلا يستحيل عليه أن يكون في الوجود
٤٢١
D
شخص مكاشف بالحقائق ولا يشتغل بإصلاح الخلق وهذا لا يسمى نبيًّا بل يسمى وليا اهـ
فمن آمن بالأنبياء وصدق الرؤيا الصحيحة لزمه لا محالة أن يقر بالبصيرة أو بتعبير آخر يقر بباب للقلب ينفتح على عالم الملكوت هو باب الإلهام والنفث في الروع والوحى والإمام الغزالي يتشبث بالرؤيا كبرهان ودليل على أن هناك آلة للمعرفة غير
الحسن والعقل ويردد ذلك في كثير من كتبه
إنه يتحدث في المنقذ عن النبوة فيقول
وقد قرب الله تعالى ذلك على خلقه بأنه أعطاهم أنموذجا من خاصية النبوة وهو النوم إذ النائم يدرك ما سيكون من الغيب إما صريحًا وإما في كسوة مثال يكشف عنه التعبير وهذا لو لم يجربه الإنسان بنفسه وقيل له إن من الناس من يسقط مغشيا عليه كالميت ويزول عنه إحساسه وسمعه وبصره فيدرك الغيب لأنكره وأقام البرهان على استحالته وقال القوى الحساسة سبب الإدراك فمن لا يدرك الأشياء مع وجودها وحضورها فبألا يدركها مع ركودها أولى وأحق وهذا نوع قياسى يكذبه الوجود والمشاهد ا هـ ولكن الإمام الغزالي لا يكتفى بهذين الوجهين من الاستدلال بل يأتى بشواهد الشرع ويذكر التجارب والحكايات
أما الشواهد فيما يرى فهى قوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وقوله الله من عمل بما علم ورثه الله علم مالم يعلم " وقوله تعالى يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا
انظر تحقيقنا للمنقذ من الضلال وتعليقنا عليه نشر دار المعارف
٤٢٢
قيل نور يفرق به بين الحق والباطل وتخرج به من كل الشبهات وسئل رسول الله الله عن قوله تعالى
أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ماهذا الشرح فقال هو التوسعة إن النور إذا قذف به في القلب اتسع له الصدر وانشرح وقال عليه الصلاة والسلام
إن من أمنى محدثين ومعلمين ومكلمين وإن عمر منهم والمحدث هو الملهم والملهم هو الذى انكشف له الحق في باطن قلبه من جهة الداخل لا من جهة المحسات الخارجية والقرآن مصرح بأن التقوى مفتاح الهداية والكشف
الرباني
ولم يكن علم الخضر عليه السلام علمًا حسيًّا أو عقلياً وإنما هو ا وإليه الإشارة بقوله تعالى وعلمناه من لدنا علماً
ه - المنهج الصوفي منهج إسلامي
العلم العلم
المنهج إذن منهج إسلامي صحيح سليم لا غبار عليه ثم هو منهج فلسفى برغم معارضة الفلاسفة العقليين يقره الكثير من كبار الفلاسفة الغربيين والشرقيين ومن القدماء والمحدثين
ثم هو منهج جرب فنجح جربه الإمام الغزالى فنجح وجربه غيره فنجح وعنه يقول الإمام الغزالي وانكشف لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها والقدر الذى أذكره لينتفع به أني علمت يقينا أن السالكون لطريق الله خاصة وأن سيرتهم أحسن السير وطريقهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا شيئًا من سيرتهم
الصوفية
هم
٤٢٣
وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلا فإن جميع حركاتهم وسكناتهم في ظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به وبالجملة فماذا يقول القائلون في طريقة طهارتها - وهى أول شروطها - تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى ومفتاحها - الجارى منها مجرى التحريم من الصلاة - استغراق القلب بالكلية بذكر الله وآخرها الفناء بالكلية في الله
وهذا آخرها بالإضافة إلى ما يكاد يدخل تحت الاختيار والكسب من أوائلها
وهى على التحقيق أول الطريقة وما قبل ذلك كالدهليز للسالك إليه ومن أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى في الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق ا هـ
وعن هذا المنهج يقول الأستاذ رينيه جينو الحكيم الفرنسي - في محاضرة ألقاها في جامعة باريس - يقول متهكما بهؤلاء الذين – يشكون في هذا النهج ساخرا من موقفهم الذي يصور الكسل المزرى - يتساءل قوم أمن الممكن أن نتخطى الطبيعة فنصل إلى ما وراءها إننا لا نتردد فى أن نجيهم في وضوح واضح ليس ذلك ممكنا فحسب ولكن ذلك واقع وموجود سيقولون تلك قضية تفتقر إلى برهان ولكن أى برهان يمكن أن يقدمه الإنسان على وقوع هذا الأمر ووجوده إنه لمن الغريب حقاً أن يطلب البرهان على إمكان نوع من المعرفة بدلا
من
أن يحاول الإنسان أن يصل إليها بتجربته الشخصية سالكا إليها ما تتطلبه
إن الشخص الذى وصل إلى هذه المعرفة لا يعنيه فى قليل أو كثير ما يثور حولها
٤٢٤
من جدل ونقاش وإنه لمن الواضح أن إحلال نظرية المعرفة محل المعرفة
نفسها إعلان صريح على عجز الفلسفة الحديثة ا هـ
-
لا يكتسب التصوف عن طريق القراءة والمنهج إذن إنما هو تزكية النفس أو إجلاء البصيرة
كيف يتأتى ذلك
هل يتأتى ذلك عن طريق القراءة والدرس هل السبيل إلى معرفة الغيب مباشرة هو البحث والدرس والاستقصاء ويتفاوت الناس في الإشراق بتفاوتهم في شمول الدراسة وعموم التحصيل كلا قطعا
يقول الإمام الغزالى معبرًا عن الرأى الصحيح المبنى على التجربة نفسها ه ابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم مثل قوت القلوب لأبي طالب المكي رحمه الله وكتب الحارث المحاسبي والمتفرقات المأثورة عن والشبلي وأبى يزيد البسطامي قدس الله أرواحهم وغير ذلك من كلام مشايخهم حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلية وحصلت ما يمكن أن يحصل من طريقهم بالتعلم والسماع فظهر لي أن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه
الجنيد
بالتعلم
بل بالذوق والحال وتبدل الصفات
يعلم
وكم من الفرق بين أن حد الصحة وحد الشبع وأسبابهها وشروطهما وبين أن يكون صحيحاً وشبعان وبين أن يعرف حد السكر وأنه عبارة عن حالة تحصل من استيلاء أبخرة تتصعد من المعدة على معادن الفكر وبين أن يكون سكران بل السكران لا يعرف حد السكر وعلمه وهو سكران وما معه من علمه شيء والطبيب في حالة المرض يعرف حد الصحة وأسبابها وأدويتها وهو فاقد
الصحة
٤٢٥
كذلك فرق بين أن تعرف حقيقة الزهد وشروطها وأسبابها وبين أن يكون حالك
L
الزهد وعزوف النفس عن الدنيا فعلمت يقينًا أنهم أرباب أحوال لا أصحاب أقوال وأن ما يمكن تحصيله بطرق العلم فقد حصلته ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعلم بل بالذوق والسلوك
وابن سينا حينما أراد أن يحدد طريق البصيرة حتى يصير سر الإنسان – على حد تعبيره - مرآة مجلوة لم يحدده بقراءة وبحث وإنما حدده بإرادة ورياضة
وأبو الحسن النوري يرى فى صراحة أن التصوف ليس علما ويعلل ذلك بأنه
لو كان علما لحصل بالتعلّم ولكن الأمر ليس كذلك وليس طريقه تزكية النفس
إذن العلم كسبى
- التصوف والأخلاق أهو الأخلاق الطيبة
إن الكثير من الكتاب الحديثين - متابعين فى ذلك الكثير من الصوفية - قد حددوا التصوف نفسه - لا تزكية النفس وحسب - بأنه الخلق الطيب يقول أبو بكر الكتانى [ المتوفى سنة ٣٢٢ هـ ] التصوف خلق فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الصفاء ٣
ويقول أبو محمد الجريري [ المتوفى سنة ٣١١ هـ ] - وقد سئل عن التصوف -
الدخول في كل خلق سنى والخروج من كل خلق دنى ٤ أما أبو الحسن النورى فإنه ينفى عن التصوف أن يكون رسما منهجيا تخطيطيا أو أن يكون علمًا كسبيا ويجزم بأنه خلق ويعلل النفس والإثبات فيقول
۳ الرسالة القشيرية ص ١٤٩
٤ الرسالة القشيرية ص ١٤٨
٤٢٦
وليس التصوف رسمًا ولا علما ولكنه خلق لأنه لو كان رسما لحصل بالمجاهدة ولو كان علما الحصل بالتعليم ولكنه تخلق بأخلاق الله ولن تستطيع أن تقبل على الأخلاق الإلهية بعلم أو رسم على أن أبا الحسن النورى نفسه يحدد الأخلاق التي يرى أنها التصوف فيقول في موضع آخر معرفا التصوف
التصوف الحرية والكرم وترك التكلف والسخاء على أن هؤلاء الذين ذكروا هذه التعاريف الأخلاقية للتصوف ذكروا هم أنفسهم تعاريف أخرى وذلك – على الأقل - يدل دلالة لا لبس فيها على أنهم لم يروا كفاية الجانب الأخلاقي في تحديد التصوف وتعريفه والواقع أننا لو نظرنا إلى كثير من الأشخاص الذين اشتهروا بالسمو في الجانب الأخلاق الكريم واتصفوا بأروع الصفات الأخلاقية واتخذوا الفضيلة مذهباً وشعارًا فإننا نجدهم أشخاصا مثاليين فى المحيط الأخلاق وفى المجتمع
ولكن ليس معنى ذلك أنهم لا محالة من الصوفية ولو نظرنا في البيئة لوجدنا
داعية إلى الفضيلة ومتمذهباً بها ومحاولا نشرها بشتى الوسائل وبمختلف الطرق
سواء أكان ذلك بالدعوة الإقناعية أم بالمنطق الجدلى أم بالأسوة الكريمة ذلك هو ذلك فإن سقراط هذا لم يكن صوفيا بالمعنى الدقيق لكلمة
سقراط صوفى
وإذا انتقلنا إلى البيئة الإسلامية فإننا نجد الحسن البصرى - رضي الله عنه - من أروع وأجمل الشخصيات الأخلاقية العالية لقد كان مثلا صادقا للشعور الأخلاقي في طهره وصفائه وكان ينشر الفضيلة بوعظه المؤثر ومنطقه القوى وسلوكه ذلك فلم يكن الحسن البصري صوفيا بالمعنى الدقيق لكلمة صوفى الطبيعي أن تكون الأخلاق الكريمة أساسا من أسس التصوف وأن
المثالي
على أنه
من
٤٢٧
تكون الأخلاق في أسمى صورة من صورها ثمرة التصوف ومن الطبيعي أيضًا أن تكون الأخلاق الكريمة شعار الصوفى فيما بين الأساس والثمرة فهي إذن ملازمة للتصوف وللصوفى ملازمة تامة لا تتخلى عنه ولا يتخلى عنها ويعبر ابن سينا عن بعض ما يتحلى به الصوفى من أخلاق معللاً ذلك فيقول العارف شجاع وكيف لا وهو بمعزل عن تقية الموت ! وجواد وكيف لا وهو بمعزل عن محبة الباطل ! وصفاح وكيف لا ونفسه أكبر من أن تجرحها زلة بشر ونساء للأحقاد وكيف لا وذكره مشغول بالحق ! ولكن ليس معنى ذلك أنها هي التصوف
- التصوف والزهد
هل الطريق هو الزهد
أننا
إن كثيرا من الناس لا يكادون يفرقون بين التصوف والزهد وكثير منهم يرون أن الزهد هو الطريق المؤدى إلى التصوف أو هو هو الطريق المؤدى إلى جلاء البصيرة والواقع حينما نفكر في الزهد نرى منه ألواناً عديدة إن منه هذا اللون المنطقى الفلسفى الذى يرى صاحبه أن أسمى ما في الحياة إنما هو الهدوء والسكينة وراحة البال وطمأنينة النفس ولا يتأتى ذلك بالجرى
وراء الدنيا والكفاح فى سبيل الثراء والانغماس من ورائه في الملاذ إن الناس يتكالبون على الدنيا تكالبًا شديدًا وإلقاء الإنسان بنفسه في المعركة - معركة التنازع على الدنيا - لا ينتج غالبًا إلا انشغال البال والهم والفكر والقلق وسبيل السكينة والراحة إنما هو البعد مصدر النزاع وهؤلاء الذين يفكرون هذا التفكير فيؤديهم إلى الزهد يكون زهدهم زهدا منطقيا فلسفيا يقول ابن سينا المعرض عن متاع الدنيا وطيباتها يخص باسم
٤٢٨
الزاهد وهذا الزاهد إما أن يكون هدفه سكينة في الدنيا لا يتطلع إلى غير واما أن يتخطى الدنيا فلا تخط له على
ذلك
وهو ماسبق أن تحدثنا عنه
بال أو يكون أمرها في نظره ثانويا ويتجاوزها إلى الآخرة يزهد من أجلها ويعرض عن متاع الدنيا وطيباتها من أجل نعيم الآخرة فيكون الزهد عنده – على
وغاية
حد تعبير ابن سينا - معاملة ما كأن يشترى بمتاع الدنيا متاع الآخرة هذا الزاهد من الامتناع عن طيبات هذا العالم أن يمنحه الله في الدار الآخرة طيبات ألذ وأمتع إن مثله فيما يروى ابن سينا كمثل التاجر الذي يشترى بمتاع الدنيا متاع الآخرة وهؤلاء الزهاد لهم أجرهم وثوابهم عند الله في الآخرة ولهم سكينتهم فى الدنيا ولكن هذه الطريقة من الزهد المنظور فيه إلى الجزاء والمكافأة والأجر - فيما يرى الصوفية - لا يقصد الله فيها مباشرة بالعمل ليكون الله سبحانه وحده هو المطلوب وإنما يقصد فى قليل أو كثير بطريقة شعورية أو لاشعورية إلى
نعيم
الآخرة وملاذها والزهد الفلسفي وزهد الراغبين في الأجر لا يؤدى إلى أن يصبح السر مرآة مجلوة وما من شك فى أن طريق الكشف عن البصيرة ينطوى على الزهد ويتضمنه ولكنه زهد هو تسامى عن أن يكون لغير الله شأن يشغل نفسه به فكل ماسواه سبحانه لايساوى جناح بعوضة إنه تنزه ما إن الطريق ينطوى على الخلق الكريم وعلى الزهد الخاص ولكنه يتجاوزهما إلى شيء آخر
- التصوف والعبادة
هل هذا الشيء الآخر هو العبادة !
هل الطريق هو المواظبة على فعل العبادات فرائض ونوافل هل هو الإكثار من النوافل قيامًا بالليل وصومًا بالنهار ونحو ذلك
٤٢٩
إن للعبادة أثرًا لا ينكره أحد في تصفية النفس وتزكية الروح ولكنها إذا كانت تهدف من وراء ذلك إلى دخول الجنة ونيل الأجر والثواب بقيت عبادة مشكورة مأجورًا صاحبها مثابًا عند الله سبحانه ولا يتجاوز للقائم بها - على هذا الوضع وبهذه الصورة - وصف العابد إلى وصف الصوفي
ووصف العابد من غير شك منزلة عظمى ولكن العبادة على هذا النمط كأنها معاملة ما ٥ والعابد على هذا الوضع كأنه يعمل في الدنيا لأجرة يأخذها في الآخرة هي الأجر والثواب ٦
أما الصوفى فإنه يريد الحق الأولى لالشيء غيره ولا يؤثر شيئًا على عرفانه وتعبده له فقط ولأنه مستحق للعبادة ولأنها نسبة شريفة إليه لا لرغبة أو رهبة وتعبر السيدة رابعة العدوية عن هذا المعنى فتقول إلى إذا كنت أعبدك رهبة من النار فاحرقنى بنار جهنم وإذا كنت أعبدك رغبة في الجنة فاحرمنيها وأما إذا كنت أعبدك من أجل محبتك فلا تحرمني يا إلهي من جمالك
الأزلى
وتقول رضوان الله عليها ما عبدته خوفًا من ناره وحبا لجنته فأكون كالأجير السوء بل عبدته حباً وشوقا إليه والواقع
أن الله سبحانه وتعالى إذا عبد رغبة فى الجنة أو عبد رهبة من النار فإنه سبحانه لا يكون المطلوب الأول ولا يكون الغاية التي يسعى إليها العابد وإنما يكون سبحانه كأنه واسطة بين العابد ومارغبه وهو الجنة أو رهبة وهو لنار وعبادة العباد التى على هذا الوضع إذن لا تنتهى إلى أن السر مرآة مجلوة يحاذى بها شطر الحق
بهم
يصبح
٦٥ الإشارات لابن سينا
٤٣٠
١٠ - وأن إلى ربك المنتهى
والصوفي عابد وهو زاهد وهو على خلق كريم ولكنه يتجاوز ذلك كله
إلى شيء آخر هو هذه الإرادة والرياضة الإرادة المصممة الإرادة التي لاتلين الإرادة التي تزيل - لقوتها وتصميمها - كل ما يقف أمامها من عقبات في
سبيل الوصول إلى الله سبحانه
والرياضة التي تتخذ الله هدفها والتي تتمثل - فى وضوح - في معانى الهجرة إلى الله والذهاب إليه سبحانه - والفرار إليه جل وعلا الإرادة والرياضة لتحقيق المعنى الجليل للآية القرآنية الكريمة
وأن إلى ربك المنتهى
وتتعاون الإرادة والرياضة فى الوصول - بتوفيق الله - إلى هذا المنتهى الذى لا بد من الوصول إليه لتستقر الإرادة وتسكن
إن الله سبحانه وتعالى يأمرنا - على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم - بالفرار إليه ففروا إلى الله إلى لكم منه نذير مبين والإنسان يفر إلى الله من الكفر إلى الإيمان ويفر إلى الله من الطاعات إلى ويفر من الكون إلى المكوّن ومن النعمة إلى المنعم ومن المخلق إلى
القربات
الخالق ومن نفسه إلى ربه إن الفرار إلى الله لانهاية له لأن الترقى لانهاية له وكما أن الفرار إلى الله مستمر دائم فإن الهجرة إليه سبحانه مستمرة دائمة يقول سيدنا إبراهيم صلوات الله
عليه
إنى مهاجر إلى ربى إنه هو العزيز الحكيم
إنه صلوات الله عليه مهاجر إلى ربه بكل عمل يعمله إنه مهاجر إليه بحركاته
٤٣١
أنفاسه
رب العالمين
وسكناته وأنفاسه مهاجر إليه بنومه وصحوه مهاجر إليه بكل نفس من والهجرة إلى الله والفرار إليه بمعنى واحد وهو بمعنى مستغرق شامل يشرحه - في عمومه وشموله - قول المصطفى صلوات الله عليه وسلامه ممتثلا أمر الله سبحانه وتوجيهه في قوله تعالى قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي الله لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين وصلاة الإنسان إذن نسكه ومحياه ومماته إنما تكون – في الوضع الإسلامي السليم - لله سبحانه وحده حيث لاشريك له من حب مدح أو ثناء أو زلفى أو جنة أو بعد عن النار واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا
ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا والرياضة ذكر دائم أى تذكر له سبحانه في كل لمحة ونفس وهى اتجاه بكل الأعمال إلى الله وهى هجرة لا تنقطع إليه سبحانه وقد تتعذر في المبدا وتشق فى أول الطريق فكان لابد من تهيئة الجو المناسب للمران والتعبد فترة من الزمن وهذه التهيئة تتمثل في الخلوة والعزلة فترة تطول أو تقصر بحسب طبيعة الإنسان فقد لا تعدو أن تكون أسبوعاً أو ثلاثة أسابيع أو أربعين يوما كأنها إجازة روحية مثلها في ذلك - بالنسبة للروح - مثل الإجازة الجسمية التي يستمر الإنسان فيها فى الصيف ما يقرب من ثلاثة أشهر
على
أنه
بينما تتكرر الإجازة الجسمية كل عام أكثر من شهر لا تتكرر الإجازة الروحية اللهم إلا في الاعتكاف في شهر رمضان عشرة أيام من كل عام اتباعاً
لسنة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه بالنسبة لكل مسلم
الإرادة والرياضة ومع ذلك فإن الأمر - كما يرى الصوفية – مرده الأخير
إلى فضل الله وإحسانه
٤٣٢
۱۱ - منهج التصوف فيما يرى الغزالي وابن خلدون
وهذه المعانى يلخصها الإمام الغزالي فيقول
إن الطريق إلى ذلك إنما هو تقديم المجاهدة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى ومهما حصل ذلك كان الله هو المتولى لقلب عبده المتكفل له بتنويره بأنوار العلم
وإذا تولى الله أمر القلب فاضت عليه الرحمة وأشرق النور في القلب وانشرح الصدر وانكشف له سر الملكوت وانقشع عن وجه القلب حجاب الغرة بلطف الرحمة وتلألأت فيه حقائق الأمور الإلهية فليس على العبد إلا الاستعداد بالتصفية المجردة وإحضار الهمة مع الإرادة الصادقة والتعطش التام والترصد بدوام الانتظار لما يفتحه الله تعالى من الرحمة
فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر وفاض على صدورهم النور لا بالتعلم والدراسة والكتابة للكتب بل بالزهد فى الدنيا والتبرى من علائقها وتفريغ القلب من شواغلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى " فمن كان لله كان الله له وهو بفعله هذا يصير متعرضًا لنفحات رحمة الله وليس له اختيار في استجلاب هذه النفحات وليس له إلا الانتظار لما يفتح الله من الرحمة - كما فتحها على الأنبياء والأولياء بهذه الطريقة وإذا صدقت إرادته وصفت همته وحسنت
مواظبته - تلمع لوامع الحق في قلبه ويرتفع الحجاب بلطف خفى من الله تعالى فينكشف له الغيب ويحصل على اليقين
ويلخصها ويحملها ابن خلدون فيقول
ثم إن هذه المجاهدة والخلوة والذكر يتبعها - غالبا - كشف حجاب
٤٣٣
أن
الحس والاطلاع على عوالم من أمر الله ليس لصاحب الحس إدراك شيء منها والروح من تلك العوالم وسبب هذا الكشف أن الروح إذا رجعت عن هذا الحس الظاهر إلى الباطن ضعفت أحوال الحس وقوى الروح وغلب سلطانه وتجدد نشوه وأعان على ذلك الذكر فإنه كالغذاء لتنمية الروح ولايزال في نمو وتزيد إلى يصير شهودًا بعد أن كان علما ويكشف حجاب الحس ويتم وجود النفس الذي لها من ذاتها وهو عين الإدراك فيتعرض حينئذ للمواهب الربانية والعلوم اللدنية والفتح الإلهى وتقرب ذاته فى تحقيق حقيقتها من الأفق الأعلى أفق الملائكة وهذا الكشف كثيرًا ما يعرض لأهل المجاهدة فيدركون من حقائق الوجود مالا يدرك سواهم وكذلك يدركون كثيرًا من الواقعات قبل وقوعها ويتصرفون بهممهم وقوى نفوسهم في الموجودات السفلية فتصير طوع إرادتهم فالعظماء منهم لا يعتبرون هذا الكشف ولا هذا التصرف ولا يخبرون عن حقيقة شيء لم يؤمروا بالتكلم فيه بل يعدون ما وقع لهم من ذلك محنة ويتعوذون منه إذا وقع لهم ولقد كان الصحابة رضى الله عنهم على مثل هذه المجاهدة وكان حظهم من هذه الكرامات أوفر الحظوظ ولكنهم لم يقع لهم بها عناية وفى فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلى – رضى الله
عنهم
كثير
منها وتبعهم في ذلك أهل الطريقة ممن اشتملت رسالة القشيرى على ذكرهم
ومن تبع طريقتهم من بعدهم
وهكذا نرى أن المنهج منهج إسلامى وأن وسيلة المنهج أو طريقة تحق المنهج أو بتعبير أصح - خطوات المنهج - إنما هي خطوات إسلامية
٤٣٤
١٢ - ثمرة المنهج
إلام يؤدى هذا المنهج
إذا اتبعنا هذا المنهج ووفق الله فماهي النتيجة وماهو الهدف الذي يسعى الصوفى للوصول إليه
إننا في سبيل الوصول إلى رأى سليم نبدأ أولا بتقسيم الإسلام للبشر من ناحية
درجتهم عند الله والأساس في ذلك إنما هو قوله تعالى
أحد
إن أكرمكم عند الله أتقاكم وطريق التقوى فى ترقيه وتساميه لا يكاد يقف عند حد وإكرام الله للإنسان إذن مستمر كلما زادت التقوى حتى يصل هذا الإكرام إلى درجات لا يكاد يتصورها ويعبر عنها ويشرحها الحديث القدسي الذي رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله عن رب العزة جل وعلا من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه ومايزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألنى أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه
وأولياء الله هؤلاء قسمهم الإسلام - بحسب قربهم من الله - إلى طوائف بعضها أقرب من بعض وكلها قريبة منه سبحانه تنعم في رضاه وفى رضوانه فقال سبحانه ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما هناك إذن أنبياء وصديقون وشهداء وصالحون هناك السابقون
٤٣٥
وهناك أهل اليمين هناك المقربون وهناك الأبرار والناس منهم ظالم لنفسه مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله وتفاوتهم في التقوى مرتب على
ومنهم
تفاوتهم في التوحيد
وقمة التوحيد أن يشهد الإنسان أن لا إله إلا الله وهؤلاء الذين يشهدون أن لا إله إلا الله هم أولو العلم يقول سبحانه شهد الله أَنَّهُ لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم هذه الشهادة فى قمتها ليست مجرد كلمة تقال ولا مجرد لفظ ينطق به إنسان من بين شفتيه فيمر كما يمر أي لفظ آخر إن لكلمة الشهادة معنى محددًا هو هذا المعنى الواقعى الذى يحدث حينما يكون هناك شاهد ومشهود لابد في الشهادة من شاهد ولابد من مشهود ولابد من أن يشاهد الشاهد المشهود وإلا فهى شهادة تجاوزا ولقد شهد الله على الحقيقة وتشهد الملائكة على الحقيقة ويشهد أولو العلم على الحقيقة أنه لا إله إلا الله ولقد اختص أولو العلم من بين البشر بهذه الشهادة فحققوا بها قمة التوحيد ذلك في الذروة من الإكرام الإلهى
وكانوا بسبب
فشهدوا
الله سبحانه ومع الملائكة بأنه تعالى لا إله إلا هو وشهادة
التوحيد هي الغاية فى الدين وهى دعوة الأنبياء جميعا وهذه الغاية نفسها هى التى يلتمسها المتصوفة بكل وسيلة وهي التي يسعون
إليها جاهدين إنها أملهم ممسين وأملهم مصبحين وهي – لاغيرها – التي تنأى يجنوبهم عن المضاجع بل تجعل جنوبهم نفسها تتجافى عن المضاجع يدعون خوفا وطمعا خوفًا من الحرمان وطمعا في القرب ربهم
وغاية الصوفى إذن هى الغاية الإسلامية وجوهر
أهدافه
أهداف هو جوهر
٤٣٦
الإسلام إنها الشهادة إنها شهادة أن لا إله إلا الله إن الطريق إنما هو تزكية النفس والغاية الشهادة أشهد أن لا إله إلا الله
والشهادة على حقيقتها وهذا هو التصوف طريقا وغاية
۱۳ - تعريف التصوف
ولقد عبروا عن ذلك في صراحة لا لبس فيها وفى وضوح لا غموض فيه
ونبدأ بذكر أقوالهم في تعريف التصوف منظورا إليه باعتباره منهجاً وهذه التعريفات إما أن تصور المنهج شاملا وإما أن تصور جزءا منه الصوفى من صفا قلبه ۷ تزكية النفس
٢ - التصوف تمام الأدب ۸ المنهج في جانبه الأخلاقي ٣ - الصوفي من صفى ربه قلبه فامتلأ قلبه نورا ومن حل في عين اللذة بذكر الله ۹
٤ - التصوف أن يختصك الله بالصفاء فمن اصطفى من كل ماسوى الله فهو الصوفى ١٠
ه - وللجنيد بالنسبة لتعريف التصوف أكثر من تعريف كل منها يوضح جانبًا من الجوانب منهجا كان أو غاية وقد بلغت تعريفاته أكثر من عشرة تعريفات والتعريف الآتي يصور جوانب كثيرة ولكنه مع ذلك لا يأتى كل الجوانب يقول
۷ بشر الحافى المتوفى سنة ٢٢٧ هـ ۸ أبو حفص الحداد المتوفى حوالى ٢٦٥ هـ 9 أبو سعيد الخراز المتوفى قبل ۹۷ هـ 10 الجنيد البغدادي المتوفى سنة ٢٩٧ هـ
٤٣٧
التصوف تصفية القلوب حتى لا يعاودها ضعفها الذاتي ومفارقة أخلاق الطبيعة وإخماد صفات البشرية ومجانبة نزوات النفس ومنازلة الصفات الروحية والتعلق بعلوم الحقيقة وعمل كل ماهو خير إلى الأبد والنصح الخالص لجميع الأمة والإخلاص فى مراعاة الحقيقة واتباع النبي في
الشريعة وهناك بعض تعريفات تتصل بالغاية فقد سئل الشبلي مابدء هذا الشأن وما انتهاؤه فقال بدوه معرفته وانتهاؤه توحيده أى نهايته أشهد أن لا إله إلا الله بيد أن هذه التعريفات كلها تعتبر قاصرة وقيمتها الكبرى في أنها تصور جانبًا من الجوانب أو زاوية من الزوايا وهى حينما تصور المنهج وحسب فإنها لا تصور التصوف كاملا وحينما تصور الغاية وحسب فإنها لا تصور التصوف على ما يراه القدماء والمحدثون وهؤلاء القدماء والمحدثون - سواء أكانوا من الصوفية أم من مؤرخى التصوف - يتجهون إلى أن التصوف منهج وغاية إنه
طريقة وحقيقة إنه سلوك ونتيجة
والصوفية يشبهون الوحدة التي تجمع بين المنهج والغاية بالدائرة ومركزها ويقول الشيخ عبد الواحد يحيى إن الطريقة هى الخط الذاهب من الدائرة إلى المركز وكل نقطة على الدائرة هى مبدأ الخط وهذه الخطوط التي لا تحصى - كلها - إلى المركز إنها طرق وهى طرق تختلف تبعا لاختلاف الطباع البشرية ولهذا يقال الطرق إلى الله كنفوس بني آدم
ومهما اختلفت فالهدف واحد لأنه لا يوجد إلا مركز واحد وإلا حقيقة واحدة على أن هذه الاختلافات الموجودة فى المبدإ تزول شيئًا فشيئًا زوال مع الآنية وذلك حينما يصل السالك إلى درجات عليا تزول فيها صفات العبد التي ليست إلا سجنا الفناء فلا تبقى إلا الصفات الربانية البقاء
٤٣٨
والطريقة والحقيقة مجتمعتان يطلق عليهما التصوف وهو ليس مذهباً خاصًا لأنه الحقيقة المطلقة وليست الطرق مدارس مختلفة لأنها طرق أي سبيل
موصلة جميعها إلى الحقيقة المطلقة و التوحيد واحد
١٤ - تعريف التصوف فيما نرى
وفي خاتمة ماسبق نقول إن التعريف الذى نراه والذي يجمع جوانب التصوف إنما هو تعريف الكتانى الذى يقول التصوف صفاء ومشاهدة ونقول فى يقين ناتج من كل ماسبق وهو يقين يسد الطريق في وجه كل من يحاول أن يثير أوهاما ضد التصوف والصوفية إن المنهج الصوفى إنما هو تحقيق واقعي لقوله تعالى قد أفلح من زكاها
فتزكية النفس هي صفاؤها وتصفيتها إنها الوصول بها إلى الصفاء والمنهج محاولة للقرب - ما استطاع الإنسان ذلك سبيلا - من قوله تعالى قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول
المسلمين
أما الغاية فإنها الوصول إلى المشاهدة التي يقول الله تعالى في بيان من حققوها وتحققوا بها شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم إن الغاية هى الوسول إلى أشهد أن لا إله إلا الله
صفحة
10
٤٢
ΛΕ
٩٦
115
۱۱
١٦٣
۱۷۵
۱۷۵
۱۸۷
۱۹۸
٢٠٦
۱۱
مقدمة
الفصل الأول العارف بالله أبو الحسن الشاذلي
۱ - حياته
- شخصيته
٣- العمل بالكتاب والسنة
- الاستدلال على وجود الله - أجواء في القرآن الكريم
٦ - الطريق الصوفي
- معارج ومراء
- الذكر والدعاء والأحزاب والأوراد
- خاتمة واعترافات
الفصل الثاني العارف بالله أبي العباس المرسى
۱ - حياته
- المربى
- العالم - المكافح
ه - الصوفي
٤٣٩
صفحة
۰
٢٤٨
٢٥٩
٢٦٩
۷۸
۸۱
۸۱
٢٨٥
۸۸
٣٠٥
٣١٤
٣٦٣
٣٦٣
۳۷۰
٣٨٥
۳۹
٣٩٦
٤٠٧
٦ - المفسر
- وحدة الوجود عند أبي العباس والصوفية على وجه العموم
إلهامات ۸ - شخصیات
عادات
۹ - الأحزاب والأوراد
٤٤٠
۱۰- مسجده وضريحه
الفصل الثالث العارف بالله الشيخ عبد الواحد يحيى ۱ - كيف عرفت عبد الواحد يحيى
- جيد وجينو
٣ - حياة جينو
- دفاعه عن الإسلام
ه - في المعرفة
الفصل الرابع العارف بالله الشيخ عبد الفتاح القاضى ا كيف عرفت الشيخ عبد الفتاح القاضي
- حياته
- جهاده
- إلهامات عن الطريق
ه - الهامات في التفسير
٦ - واردات
صفحة
٤١٥
٤١٦
٤١٧
٤١٨
٤٢٠
٤٢٢
٤٢٤
٤٢٥
٤٢٧
٤٢٨
٤٣٠
٤٣٢
٤٣٤
٤٣٦
٤٣٨
مقدمة وخاتمة
۱ - ما هو المنهج الملائم
٢ - التصوف والعلم
- التصوف والعقل
٤ - المنهج الصوفي
19
المنهج الصوفي منهج إسلامي
- لا يكتسب التصوف عن طريق القراءة
- V
التصوف والأخلاق
- التصوف والزهد
- التصوف والعبادة
10 - وأن إلى ربك المنتهى
۱۱ - منهج التصوف فيما يرى الغزالي وابن خلدون
١٢ - ثمرة المنهج
۱۳ - تعريف التصوف
١٤ - تعريف التصوف فيما نرى
يعد الإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم
محمود صاحب ورائد مدرسة الفكر الإسلامي والتصوف في العصر الحديث ولقب بأبي التصوف في الشهر الراهن فقد أثرى المكتبة العربية بأمهات الكتب بين تحقيق وتأليف
وترجمة فمنها دراساته القديمة عن الإمام الغزالي و کتابد المنقذ من الضلال و دلائل
海
النبوة و القرآن في شهر القرآن إلى
جانب ما كتبه عن رواد التصرف على مر العصور الإسلامية المختلفة
والإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود له عمق وغزارة الآراء الفقهية ودفة الاجتهادات مما جعله يكسب صفوف المعارضين
قبل المؤيدين إلى جانب اللباقة والدراية الكاملة في عرض أي موضوع أو مسألة تتعلق بأمور في الدين وأيضا يمتاز بقوة ورصانة الأسلوب والعبارات مما يدل على المهارة الفائقة والملكة اللغرية فلهذا اكتسب هذا العالم الجليل احترام كل الفرق والمذاهب الإسلامية في شتى بقاع وسيبقى هذا العالم وتراثه في قلوبنا على
العالم
مر العصور
51VV/1