Go Back





الإمام
الدكتور عبد الحليم محمود
أبو البركات
سَيْدي أَحْمَدَ الدَّرْدِيرُ
A
دار المعارف

الدكتور عبد الحليم محمود
أبو البركات سيدى أحمد الدردير
I
دار المعارف

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد الداعي للحق والهادى إلى صراطك المستقيم وعلى آله وصحبه والتابعين آمين
رَبَّنَا ءَاتِنَا مِن لَدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا سورة الكهف - الآية ١٠

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى
يوم
الدين
وبعد
فقد بدأت التفكير فى الكتابة عن الإمام الدردير في شهر ربيع الأول سنة ١٢٩٣هـ وذلك أثناء زياراتى لضريحه المبارك وأخذت في الشهر نفسه أجمع المراجع من هنا وهناك وقد يسرا الله جمعها أو جمع الأهم منها في أيام قليلة وما إن تم جمع الأهم منها حتى هيا الله الظروف لزيارة الحبيب المصطفى فى شهر مولده الشريف فأخذت المراجع معى وفي الروضة الشريفة بدأت الكتابة عن سيدى أحمد الدردير ولما انتهت مدة الإقامة بالمدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام و سافرت معتمرًا إلى مكة المشرفة أخذت فى الدراسة والكتابة عن سيدى الدردير بجوار بيت الله الحرام
ولقد وضعنى البحث والدراسة عن سيدى الدردير في أجواء ما كان
يخطر ببالي - قبل دراسته - أن أتعرض لها
لقد وضعنى البحث عن أبي البركات بقوة في ۱ - جو الأزهر ومشيخة الأزهر وأوقاف الأزهر

ووضعني في قوة في
٢ - جو الخلافة الرسول الله
ووضعني في قوة في
- جو الطرق الصوفية والإصلاح الصوفي
والغريب في الأمر أنني بدأت طبيعيًّا في الكتابة عن والده ثم في الكتابة عنه وفى أثناء الكتابة عنه جرى القلم - دون سابق تخطيط – في هذه الأجواء وتركت القلم يسير دون محاولة التحكم فيه ولعلى لو أردت التحكم فيه لما استطعت إلى ذلك سبيلاً وبعد أن أكملت اللمسات الأخيرة بالقاهرة نظرت فإذا في الكتاب ما يشبه الاستطراد في موضعين وهذا الاستطراد هو في هذه الأجواء التي ذكرتها والتي لم أكن قد خططت لها من قبل ولكني فوجئت بأن هذا الاستطراد يزول إذا جعلت البعض منه مقدمة والبعض الآخر خاتمة وظهرت أمامى معالم المقدمة واضحة كل الوضوح بدءًا ونهاية ومعالم الخاتمة واضحة كل الوضوح بدءا ونهاية
كيف كانت مكانة الأزهر فى عهد الإمام الدردير – شيخ مشايخ المالكية - وكيف كان وضع شيخ الأزهر
لقد كان منصب شيخ الأزهر - إذ ذاك - له جلاله وله قداسته لقد كان يمثل في مصر الخلافة وقد كان شيخ الأزهر يعرف للمنصب حقه وكان يشعر بأنه أب لجميع المسلمين وهو باعتباره أبا يحتل مكان الأبوة في شعور واضح به
إنه مسئول عن سلوك أبنائه عن سلوكهم أفرادا وعن سلوكهم شعبا وعن سلوكهم حكامًا

وكان الشعب يلجأ إلى أبيه إذا نزلت به نازلة وكان الحكام يلجئون إلى شيخ الأزهر في أمورهم الخطيرة
وكان شيخ الأزهر قويا في تواضعه عزيزا في حكمته
في ذلك الزمن كانت الخلافة الرسول الله صلى الله عليه وسلم في تركيا وكانت تركيا معقد آمال المسلمين بسبب الخلافة وكانت أعين المسلمين في مشارق
الأرض ومغاربها تمتد إلى تركيا راجية ومتوسلة مستنصرة أو ناصرة
إن الخلافة فى تركيا جعلت المسلمين يتطلعون إليها كرمز لرسولهم وقائم على دينهم وساهر على مصالحهم وكان الكثير من هؤلاء الخلفاء يشعرون بالمسئولية الملقاة على عاتقهم ويعملون ما استطاعوا لخدمة المسلمين ونشر رسالة الله
وكان جيش الخلفاء معداً
المسلمين أينما كانوا

بقدر الاستطاعة

لإغاثة المظلومين من
لقد كان للخلفاء قداسة وكان لهم هيبة فى الشرق والغرب وكانوا يقولون فتصغى الدنيا لقولهم
وكان شيخ الأزهر فى مصر يحمل نفس الإجلال والتقديس إنه خليفة رسول الله في هذه البقاع وكانت تتمثل فيه صفات يقوم الاختيار على أساسها كان يتمثل فيه
6
- العلم المكتسب الذى يحصله الإنسان بذكائه من الكتب الخاصة بالعلوم الإسلامية كتب التفسير والحديث والفقه وأصول الفقه والتوحيد وعلوم العربية وكان يمتاز على الأقل في علم أو علمين من هذه العلوم مع إتقانه لبقيتها وما كان ذلك إلا لأنه كان يواصل الليل بالنهار في التحصيل

لقد كان العلماء إذ ذاك يستيقظون قبل الفجر ويتعبدون ويتهجدون ويبدءون الدراسة بعد صلاة الفجر مباشرة ويبدءونها على طهر وروحانية وكان شيخ الأزهر طالبًا وأستاذا على هذا الغرار
إنه كان عالما
- وكان على ثقة فى الله سبحانه ومن أجل ذلك لم يكن يخشى أحدًا إلا الله إنه كان من هؤلاء الذين يخشون الله ولا يخشون أحدا غيره وكانت ثقته في الله هذه تذلل له الأمور وتملأ قلوب الآخرين هيبة والثقة في الله ينبثق عنها أمور كلها سامية ينبثق عنها
طاعته سبحانه وكان شيخ الأزهر دائما من العباد
وكان ينبثق عنها الإخلاص فى السر والعلن والإخلاص من المبادئ الأولى الواجبة في الإسلام
وكان ينبثق عنها التوكل عليه سبحانه ولأنه إذا وثق به فإنه يتوكل عليه
وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
وكان ينبثق عنها فضائل أخرى كلها سام ونافع
٣ - ولم يكن في ذلك الوقت شيخ الأزهر عالة على الحكومة وذلك أن الأزهر حفظ على الأمة لغتها وإيمانها فوقت له الأمة من أجل ذلك بإجلالها واحترامها وبأوقاف كثيرة وقفتها عليه لقد كان موقوفا على الأزهر ما لا يكاد يحصى من أموال وكان الأزهر يعيش في حدود أوقافه كريم النفس رافع الرأس وكان لا يشعر بضيق في دنيا إنه يعرف ماله وفى حدود دائرته ينفق ولا يتجاوز دائرته
۱ سورة الطلاق الآية 3

وكان صدر الحاكمين يضيق بذلك أحيانًا فما كان لهم في إخضاع الأزهر
من سبيل من ناحية الرزق
وأخذ الحاكمون في عصر دولة محمد على يحتالون للأمر حتى أمكنهم بالمكر والخديعة أن يستولوا على أوقاف الأزهر ويعطوه مالاً من خزينة الدولة يضيق عليه فيه سنويًا ولا تساير الدولة نمو الأزهر وتطوره وأصبح الأزهر في ضيق يزداد ضيقا كل عام
أما أوقاف الأزهر التي أخذت منه بالمكر والخديعة فإنها شرعًا ما زالت له لأن أوقاف البر لا تؤخذ هكذا ولا يغير مصرفها وكل هؤلاء الذين استولوا عليها إنما يأكلون حرامًا ومن يأكل حراما لا يقبل الله منه عملا وإن الرجل ليقذف باللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما كما يقول رسول الله ولا يتقبل الله ممن يأكل أوقاف الأزهر - ولو كان قد اشتراها - دعاء فشرط استجابة الدعاء طيب المطعم كما قال رسول الله حينما طالب منه سيدنا سعد رضي الله عنه أن يدعو الله له ليكون مستجاب الدعوة
روی ابن مردويه بسنده عن ابن عباس رضى الله عنه قال تليت هذه
الآية عند رسول الله يَتأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيْبًا فقام سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلنى مستجاب الدعوة فقال يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به
وإن هذا الذي يأكل أموال الأوقاف إنما يتقلب في حرام دائم
۱ سورة البقرة الآية ١٦٨

وبهذه المناسبة نقص هنا قصة لها مغزاها الصادق
جاء عصفور إلى سيدنا سليمان عليه السلام وقال له
إني مع ما تراني عليه من صغر وضعف يمكنني أن أهدم ملكك
هدما تاما
ويبتسم سليمان عليه السلام ويسأله كيف
فقال أذهب إلى البحر فأبتل فيه ثم أتى إلى أرض من أرض الأوقاف وأتمرغ فيها فيعلق بي من ترابها ثم أتى إلى قصرك فأنفض نفسي فيه فما إن يحصل في بيتك من أرض الأوقاف شيء إلا كان ذلك سببا في
خراب قصرك وملكك
ومعنى القصة صادق وثمرة المعنى الصادق رهيبة
ويقول أسلافنا رضوان الله عليهم
حينما تخرج من أرض أوقاف وكنت سائرا فانفض رجليك وملابسك حتى تخرج منها وأنت على ما يشبه اليقين من النقاء من آثارها
إن الأوقاف الخيرة لأهلها لا تباع ولا تصرف في غير مصارفها إنها لما وقفت عليه وإلا فهى دمار يصيب المتسبب والآكل والمالك والمحيط كله
ولابد من رد مال الأزهر إليه حتى تكون البركة ويكون النماء ويكون الخير وهذه الأوقاف ثابتة فى حجج وما زالت هذه الحجج محفوظة وكما اغتصبت دولة محمد على هذه الأوقاف فإنها يجب أن ترد ثانية
هل من خيرين يتبنون الفكرة
هل من محبين للأزهر يعاونون على رد أوقافه إليه

- 2
هل من محتسب يبدأ
لعل وعسى والخير في الناس ما زال باقيا
وكان علماء الأزهر وكان شيخه عازفين عن دنيا يتكالب عليها
الناس وعن رئاسات يجرى وراءها الكثيرون
وخذ مثلا الشيخ عبد الرحمن الشربينى الخطيب رحمه الله لقد عرضت عليه مشيخة الأزهر فأبى فعرضت على غيره من العلماء فلم يقبلها واحد منهم وعلل كل منهم امتناعه عن القبول إن الشيخ الشربيني أحق بها منه واجتمع الجميع على أنه المقدم بينهم
لهذا المنصب
عاما
وقبل الشيخ الشربيني هذا المنصب على أن يعين له وكيل ولكنه ما لبث بعد هذا أن استقال بعد أن استقر في هذا المنصب اثنى عشر وكان له نشاط علمی بارز
لقد كتب على المطول في البلاغة
وكتب على البهجة في فقه الشافعية
وكتب على جمع الجوامع في أصول الفقه
وتوج
ذلك كله بتفسيره الكبير
ومثال آخر إنه الشيخ سليم البشري رحمه الله
لقد تولى المشيخة عام ۱۳۱۷هـ وزار مع الخديوي عباس معاهد الأزهر وكان قبل توليه المشيخة رئيسًا للجنة إصلاح الأزهر وقدم مشروع الإصلاح الذي أصبحت تبعًا له رئاسة الأزهر لشيخ الأزهر وأصبحت مشيخته
مشيخة نظامية

أما عن نشاطه العلمي فقد كان يقرأ في الفجر صحيح البخارى وكان له إسناد في الحديث وألف عدة كتب فى الأدب والتوحيد والنحو ومنها شرح البردة وغيرها ولما هدم مصطفى كمال الخلافة بناء على تخطيط محكم التمزيق المسلمين وإضعافهم زاد تطلع الناس إلى الأزهر وأملهم فيه
1 كتب الأستاذ سعيد الأفغاني مقالا في غاية النفاسة يصحح به كثيرا من الأفكار الخاطئة عن الدولة العثمانية وعن السلطان عبد الحميد بالذات ونحن نغتبط بنقله هنا عن مجلة العربي العدد ۱۹
سبب خلع السلطان عبد الحميد وثيقة بتوقيعه فريدة مجهولة تصرح بالسبب كانت الصهيونية هي خالعة السلطان ومقوضة الدولة العثمانية لعل من نجهل من ضحايا التاريخ أضعاف من نعرف ولم يكن الأقدمون بعيدين عن الصواب حين جعلوا التاريخ ظنيا غير يقيني وإذا أمعن الإنسان في سيرة من عايشهم وخبرهم من المشهورين رأى بونا شاسعا بين حقيقتهم التي عرفها والتراجم التي سطرت لهم فيما بعد وما يزال عمل المؤرخ اللاحق تصحيحا واستدراكا لأعمال من سبقه من مؤرخين
على هدى أضواء جديدة تسلط
و تاريخ السلطان عبد الحميد - كما عرض غير مرة – من الأمثلة الصارخة على تزوير وسائل الدعاية والإعلام للحقائق ونحن اليوم وقد انبسط سلطان الإعلام بما اخترع العلم من وسائل زوده بها كالإذاعة والتليفزيون والأخبار المصورة - أحوج ممن قبلنا إلى الشك واتهام الإشاعات والإذاعات والتحرى والتروى فيما يشاع ويذاع إذ كانوا في عهد السلطان مثلا لا يملكون من هذه الوسائل إلا صحف الأخبار على ما كانت عليه من بطء ومع هذا استطاعت تشويه سيرته وصورته على غير ما خلقه الله فكيف لو أدركته هذه الوسائل الحديثة وما يصدر عنها مما هو اليوم أخبار وإذاعات حتى إذا أودع غذا بطون الأسفار صار تاريخا وحقائق معالم في سيرة عبد الحميد
لابد من التعرض لهذه الوثيقة التى تنشر لأول مرة من المامة خاطفة نثبت بها بعض المعالم في سيرة هذا السلطان الذي امتد حكمه بين سنتی ۱۸۷۶م - ۱۹۰۹م كانت السلطة حين جلس عبد الحميد على العرش مثقلة بالمتاعب تواجه أشد الأزمات فشهدت في عهده =
۱

=
نشاطا كبيرا في العراق وامتدت السكك الحديدية فى ولاياتها الأوروبية والآسيوية وأقيمت المرافىء المتعددة وأنشىء الخط الحجازي بين دمشق والمدينة المنورة ولم يكن للأجنبي فيه صلات مالية
وبرز في عهده كثير من رجالات العرب فى مناصب رفيعة حساسة وأكثر السلطان من تقريب العرب وعظمائهم حتى كانت لهم كفة مرجحة فى الحكم فالكاتب الثاني للسلطان هو أحمد عزة باشا العابد عربي من دمشق وشيخ السلطان أبو الهدى الصيادي عربي من ضواحي حلب والسلطان شديد المحبة للعرب قوى الاعتقاد فيهم أكثر منهم في ضباطه وحرسه الخاص وموظفى سراياه حتى جلب على نفسه نقمة العنصريين من الأتراك وكان يحلم بـ الجامعة الإسلامية تحت لواء الخلافة حتى عرفت سياسته العامة الداخلية بأنها إسلامية تعطف على العرب وكثيرًا ما هدد الدول الأجنبية برفع راية الجهاد التي إذا رفعها وجب على كل مسلم فى الأرض الانضواء تحتها مجاهدًا في سبيل الله
أما سياسته الخارجية فهي التي مدت فى عمر المملكة نحو جيل ولم تكن سياسة جهالة وغباوة وعواطف كما وصفها الاتحاديون الذين خلفوا عبد الحميد على السلطة وإنما كانت سياسة عقل ناضج وخبرة كاملة وشهد خصمه جمال الدين الأفغاني فقال
رأيته يعلم دقائق الأمور السياسية ومرامى الدول الغربية وهو معد لكل هوة تطرأ على الملك مخرجا وسلما وأعظم ما أدهشنى ما أعده من خفى الوسائل وأمضى العوامل كيلا تتفق أوربا على عمل خطير فى الممالك العثمانية ويريها عيانا محسوسا أن تجزئة السلطنة العثمانية لا يمكن إلا بخراب يعم الممالك الأوروبية بأسرها وكلما حاولت أوروبا أن كلمة البلقان للخروج على الدولة بحرب كان السلطان يسارع بدهائه العجيب لحل عقد
ما ربطوه وتفريق ما جمعوه من كلمة وكيده هرتزل يساوم السلطان
تجمع
في سنة ۱۸۹۷م عرض هرتزل مؤسس الصهيونية على السلطان عبد الحميد فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وأن هذا كاف للقضاء على حركة القومية العربية وسيكون من تأسيسه فوائد جمة للمملكة وأن هرتزل يتعهد بتسديد ديون الدولة كلها وبتقديم مبلغ ضخم للسلطان خاصة لقاء هذا السماح فلم يكن من السلطان إلا الرفض الشديد المشروح في وثيقتنا التي ننشرها وكانت الدول الأوروبية روسيا وإنكلترا وفرنسا في غيظ من ميل السلطان إلى منح امتياز الخط الحديدي الواصل بين إستانبول وبغداد لألمانيا فدأبت جميعا =

على تحريك العناصر المختلفة فى الدولة ومدها بالمعونات السرية لإعلان العصيان كما فعلت في الولايات البلقانية وعلى هذا تأسست أحزاب مناوئة للسلطان وكان بعض اليهود المتظاهرون بالإسلام على رأس الساعين في الفساد وانعقدت الاجتماعات السرية في المحافل الماسونية المختلفة وكان مؤسسو جمعية الاتحاد والترقى قد عقدوا اجتماعاتهم الأولى في المحفل الماسوني الإيطالي وفتحت السفارات الأجنبية أبوابها لكل مخطط للعصيان على السلطان وعمل الضباط ذوو الأصل اليهودى من أعضاء جمعية الاتحاد والترقى على تخطيط الانقلاب الذي يخلعون فيه السلطان وكانت إنكلترا وفرنسا سابقتين إلى إيواء اللاجئين من معارضى الحكم الحميدى وتركتهم يعملون في بلاده
علنا لإسقاط السلطان التخطيط لخلع السلطان
آمن هرتزل وأعوانه اليهود ألأ أمل لهم في الوطن القومي بفلسطين والسلطان على عرشه وأن خيرهم فى بعثرة المملكة وتقويض أركانها فعملوا في میدانین میدان خارجی بما لهم من نفوذ ومؤسسات وتحكم فى الدول الأوروبية وميدان داخلي في تغذية الروح القومية الانفصالية لعناصر المملكة المختلفة من عرب وأكراد وشركس وأرنؤوط وأرمن إلخ وأحزاب وجمعيات سرية زودتها الصهيونية بـ عقائديات حسنة الظاهر ولها في كيان الأمة فعل الديناميت المفجر حتى اتت الحركات والجهود المختلفة ثمارها فجعل حزب الاتحاد والترقى اليهودى الماسونى مركز عمله سرًا فى سلانيك اختارها لأن فيها عدا الجوالي الأجنبية الكبيرة عددا من المحافل الماسونية كانت عونا لهم على تشكيلاتهم وعلى كتمان مساعيهم ثم قويت حركات المعارضين حتى صارت علنية بعد السرية وتجاوب مع معارضى سلانيك الأرمن وسائر الأقليات تحت شعار الدستور ولما علم السلطان أن مدينة سلانيك أعلنت في يومي ٢٣ و ٢٤ تموز سنة ۱۹۰۸م الدستور إجابة لطلب جمعية الاتحاد والترقى وذلك بمظاهرة صاخبة وأن البرقبات الموجهة للصدارة من أجناد سلانيك ومناستير وأسكوب وسرس لا تزال تلح فى المطالبة بإعلان الدستور وتهدد بالزحف على العاصمة بينما كان الجو السياسي الدولى ينذر بالخطر من جراء المؤامرات التي تبنتها الدول الأجنبية ضد السلطنة أصدر إرادته بإعادة الدستور يوم ٢٤ تموز ۱۹۰۸م
أما شبان العرب فقد أهداهم التجسس القومى الذى كان الأجانب يورثونه من حيث لا يشعر بهم وكانت الإرساليات الأجنبية ومدارسها والقنصليات تنفخ في رماد هذا الوعى =
١٤

القومى واغتنمت المدارس الأجنبية المنتشرة فى المملكة فرصة استثنائها من رقابة الدولة فألقت في أفئدة تلاميذها النصارى الرعب من المسلمين لتنفرهم من الإمبراطورية العثمانية ولتكتسب قلوبهم مستعينة على ذلك ببعض التأليف التي لم تتورع عن الطعن في الإسلام والتشهير برسوله
فإذا علمت أن الجامعة الإسلامية ملهج السلطان أدركت ما الذي جمع الدول والأقليات والأحزاب الزنيمة والمغفلين من أصحاب المطامع على هوى واحد هو خلع السلطان
عبد الحميد
تخطيط
كان لابد لهذه المعارضات من شعارات محببة إلى الجماهير تتستر وراءها شأن كل فيه اليهود كالقومية للعناصر غير التركية ورفع الظلم والاستبداد ورد الأمر يسهم شورى للأتراك فرفع حزب الاتحاد والترقى شعار الحرية والعدالة والمساواة وأكثروا من اختلاق الأخبار والشائعات عن كثرة من أصابهم ظلم عبد الحميد ألوف القتلى والغرقى في البوسفور وعشرات الألوف ازدحمت بهم سجون المملكة حتى اعتقد الناس من كثرة التكرار والترداد لهذه الإشاعات أنهم يعيشون في جو خانق من إرهاب السلطان الأحمر كما لقبوه وآلت الأمور – كما يعرف القراء الكرام - إلى أن زحفت فرقة الجيش من سلانيك ودخلت العاصمة وأحاطت بالقصر وأبلغت السلطان قرار الخلع ولم يكن المبلغ إلا قرة صو عضو الحزب اليهودى الأصل ولم يكن سبب خلع السلطان عبد الحميد بحاجة لهذا الإبلاغ إذ كان موقنا أنه دفع ثمن رفضه إنشاء الوطن اليهودى فى فلسطين كما ستعلم من الوثيقة بعد قليل
بعد الخلع
أعلنت الأفراح فى الأنحاء القربية والبعيدة من المملكة العثمانية بخلع السلطان وتبارى المطبلون في ذم السلطان وتسويد صحيفته واختلاق الطم والرم من الأخبار عن ظلمه و استبداده وبطشه وسفكه الدماء وسجنه الأبرياء الأحرار كما تباروا في الإشادة بالضباط الأحرار ضباط الانقلاب وبالحزب الحاكم الاتحاد والترقى ثم نشطت الأحزاب التي لم تخف تطرفها فى عصبيتها التركية لفرض نظريتها في تتريك العناصر كلها ولفق للسلطان تاریخ درس في المدارس والجامعات وحفظنا - في طفولتنا - من مساوئ السلطان =

= ما شحنوا به الكتب المدرسية والصحف والمجلات وخلاصة ذلك كله – كما زعموا حينئذ أن حزب الاتحاد والترقى أنقذ البلاد من الظلم والاستبداد والإرهاب وأن الذي حفزهم على الثورة إعادة الحرية والعدالة والمساواة ونشرها بين الناس ثم أظهر الزمان زيف ذلك
كله وأن هذا الحزب التقدمى كان المتفجرة التي أطاحت بالمملكة كلها فبعثرتها أباديد
ولم يطل الزمن بالناس حتى حلت كارثة فلسطين وتكشفت الحوادث لذوى البصائر عن الحقيقة الصارخة المؤلمة كان اليهود وراء كل حزب وكل دعوة عنصرية في الإمبراطورية العثمانية ولو سمح السلطان للوطن القومى اليهودى لبقى الحكم حكمه إلى أن يأتيه أجله ولم تكن تلك الأحزاب والعنصريات إلا من الوسائل للقضاء على الدولة وتمهيد الأمر للوطن الصهيوني لقد ذهبت المعلومات التي لقننا إياها عن عبد الحميد وحزب الاتحاد والترقى معلمونا المخدرون بالدعاية الإعلانية الحزبية أيام الاتحاديين أدراج الرياح واستبدلنا بها الحقيقة الماثلة عارية محسوسة لكل ذي عينين أدركناها الآن
وكأن عبد الحميد يراها رأى العين قبل ٦٠ سنة ولكنه لم يجد من يفهم عنه كما سيتضح لك
ذلك من رسالته
لقد كان عرشه فريسة الصهيونية المدمرة المخربة فكان الضحية الأولى في سبيل فلسطين مأثرة السلطان في حقن الدماء يحفظ المعمرون في دمشق عن أحد باشوات الدولة العثمانية المرحوم زاهد باشا الهبل وكان يرويه لجلسائه آخر مآتى السلطان في قصره يوم الخلع قال
لما اضطربت الحوادث وتمرددت فرقة سلانيك أخبر الصدر الأعظم سلطانه بعصيان جيش سلانيك فقال السلطان طيب ولم يزد عليها ثم أخبره باتجاه العصاة نحو العاصمة استانبول فقال طيب ولم يأمر بشيء ثم أخبره بدخولهم العاصمة ثم باتجاههم نحو قصره ثم بحصارهم القصر فى كل ذلك يقول طيب ولا يزيد عليها وكان الصدر الأعظم شديد الهيبة للسلطان ثم دخل آمر القوى فى القصر يستأذن السلطان بضرب العصاة والمقاومة فمنعه ثم عاوده القول يريدون إذنه بالمقاومة فقال لهم
أعرف جيدا أن كل ما يرومون هو خلعى أو قتلى وأنا شخص واحد فإذا أمرتكم بالمقاومة سقط مئات القتلى منكم وأنتم جميعًا أفراد من هذه الأمة والأمة ستحتاج إليكم فيما ينزل بها من شدائد

= ثم دخل العصاة ولم يقاومهم أحد وأبلغوا السلطان قرار الحزب خلعه ونقلوه إلى قصر في سلانيك بعيدا يقيم فيه حتى الممات
الوثيقة وقصتها
في زاوية الشاذلية فى حى القنوات بدمشق يرقد تحت قبة عالية الشيخ محمود أبو الشامات شيخ الطريقة الشاذلية اليشرطية وأول خليفة لصاحب الطريقة الشيخ على اليشرطي المشهور أسسها في مدينة عكا
كان الشيخ أبو الشامات جميل الصورة حسن السمت مهيبا حلوه البشرة نديما محاضرا للناس - والعوام منهم خاصة - عقيدة فيه صالحة يقيم الحضرة مجلس الذكر كل ليلة جمعة في زاويته الفخمة
من مريدى الشيخ راغب رضا بك مدير القصر السلطاني أيام السلطان عبد الحميد وكلما زار الشيخ إستانبول نزل عند مريده مدير القصر والظاهر أن السلطان الذي لا تخفى عليه خافية من شئون حاشيته اطلع على الأمر فسأل مدير قصره عمن يكون ضيفه فأخبره أنه شيخه في الطريق ووصف له من حاله ما ملأ سمع السلطان وأهاجه لاستزارته فلما اجتمع به ملأ عينه وقلبه وطلب منه الطريق فلباه وأصبح السلطان من تلاميذ الشيخ في الشاذلية وأورادها وأذكارها وقد عرفت أن الشيخ حسن المحاضرة من أمراء المجالس تتقبله القلوب فتعلق به السلطان كما أخذ عنه الطريق جملة من وجهاء إستانبول وموظفى القصر السلطاني وجنوده وحراسه فلما خلع السلطان ووضع في قصر في سلانيك كان من الحراس الذين أقيموا عليه أحد تلاميذ الشيخ أبي الشامات وعن طريقه تتم المواصلة السرية الكتابية بين الشيخ والسلطان المخلوع وحفظ الزمان لنا هذه الرسالة التي أرسلها السلطان إلى الشيخ وفيها البيان الصريح عن سر خلعه كشفه الشيخه
احتفظ الشيخ بهذه الرسالة سرا مكتوما طول عهد الاتحاديين حتى إذا زال الحكم التركي عن سورية اطلع عليها بعض خلصانه ثم حافظ عليها بعد وفاته أبناؤهم من بعده إذ كانت من أنفس التحف التي يحرص عليها الحريصون لا يطلعون عليها إلا الثقات من أهل ودهم حتى إذا قدم العهد وظهر عليها آثار الأيام ضنوا بها على الجميع وقد سعى بعض وجهاء دمشق من أصدقاء أبناء الشيخ حتى أقنعهم باطلاعى عليها إذ لا يجوز كتمان أمرها الآن حتى لا يضيع الحق وحتى يصحح كثير من الباحثين والعلماء خطأ ورطتهم فيه =

الدعايات الباطلة قلبى الورثة الطلب مشكورين وأعارونيها في مطلع هذا العام ٧٢ ريثما صورتها ورددتها لهم
أما الترجمة العربية للرسالة فقد قام بها صديق لهم من أهل العلم يتقن اللغتين العربية والتركية وكتبها لهم بخطه الفارسي الجميل المعروف وهم يحتفظون بالترجمة احتفاظهم بالأصل التركي ولا تنس ما قدمت لك من أن الرسالة موجهة من السلطان المريد إلى شيخه في الطريق فلابد إذا من الطمأنينة على التزام الأذكار الشاذلية والتزام التقاليد في مخاطبة الشيخ وإليك الرسالة المترجمة
يا هو
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين وأفضل السلام وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلى يوم
الدين
أرفع عريضتي هذه إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية إلى مفيض الروح والحياة إلى شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفندى أبى الشامات وأقبل يديه المباركتين راجيا دعواته الصالحة بعد تقديم احترامي أعرض أننى تلقيت كتابكم المؤرخ فى مارس في السنة الحالية وحمدت المولى وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمتين
سیدی
إنني بتوفيق الله تعالى مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية ليلا ونهارًا وأعرض أنني مازلت محتاجا لدعواتكم القلبية بصورة دائمة
بعد هذه المقدمة أعرض لرشادتكم وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة المسألة المهمة الآتية كأمانة في ذمة التاريخ
إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما سوى أننى بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم جون تورك وتهديدهم - اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة
إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا على بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في
الأرض المقدسة فلسطين ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف وأخيرًا
=

وعدوا بتقديم ١٥٠ مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهبا فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضا وأجبتهم بهذا الجواب القطعي الآتى إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهبا - فضلا عن ١٥٠ مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهبا فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعى لقد خدمت الملة الإسلامية والأمة المحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلم أسود صحائف المسلمين آبائى وأجدادى من السلاطين والخلفاء العثمانيين لهذا لن أقبل تكليفكم بوجه قطعى أيضًا وبعد جوابي القطعى اتفقوا على خلعى وأبلغونى أنهم سيعيدونني إلى سلاتيك فقبلت بهذا التكليف الأخير هذا وحمدت المولى وأحمده أننى لم أقبل بأن الطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدى الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة فلسطين وقد كان بعد ذلك ما كان ولذا فإنى أكرر الحمد والثناء على الله المتعال وأعتقد أن ما عرضته كاف في هذا الموضوع الهام وبه أختم رسالتي هذه
ألثم يديكم المباركتين وأرجو وأسترحم أن تتفضلوا بقبول احترامي بسلامي إلى جميع
الإخوان والأصدقاء
يا أستاذى المعظم
لقد أطلت عليكم التحية ولكن دفعني لهذه الإطالة أن تحيط سماحكم علما وتحيط جماعتكم بذلك علمًا أيضا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خادم المسلمين
عبد الحميد بن عبد المجيد
ما أظن هذه الوثيقة التاريخية بحاجة إلى تعليق فليس بعد بيان السلطان نفسه عما جرى له بيان ولا بعد هذه الصراحة بوقاحة اليهود وعملائهم الاتحاديين صراحة ونحن الذين نعيش فى سنة ۱۹۷م بعد أن رأينا تتابع الأحداث منذ وعد بلفور سنة ١٩١٧ م وما لحقه صححنا كثيرا من نظراتنا السابقة إلى الحلفاء ومواعيدهم والممنا بأثر اليهود في الحوادث العالمية إلماما نظريًا وصرنا نرتاب بل نخاف أشد الخوف كلما رفع حزب شعارات نعشقها بعد أن علمنا علم اليقين ما كان وراء شعارات الحرية والعدالة والمساواة التي رفعها حزب الاتحاد والترقى من استعباد واضطهاد وظلم وتفريق وإراقة دماء وشنق ضحايا لقد كان الاتحاد الذى سمى به الحزب نفسه تشتيتا للأمة الواحدة وتمييزا -
=
۱۹

لقد عرض على السلطان عبد الحميد رحمه الله مبالغ ضخمة عشرات الملايين للدولة العثمانية وعشرات الملايين لنفسه شخصيًا ليسمح بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين فأبى السلطان إباء المسلم المؤمن وكلما ألحوا عليه وأكثروا من الأرقام المالية التى تدفع كلما كان إيمانه بربه أكبر ومنذ ذلك الزمن وضع التخطيط لهدم الخلافة أما الأداة المنفذة في كثير من الخسة فهى أتاتورك
بين عناصرها وإضاعة لبعض بلادها وكان الترقى انحدارًا إلى الهاوية حيث لفظت
المملكة عندها نفسها الأخير
الهدف من الرسالة
نتساءل - بعد ما تقدم - ما أرب السلطان من عرضه على أصحاب السماحة والعقول السليمة هذه المسألة الهامة وجعلها في ذمة التاريخ إننا إذا ذكرنا أن السلطان بشهادة خصومه وشهادة المسلمين الأجانب كان من الدهاة أصحاب الأناة والتدبير عرفنا بأنفسنا الجواب لقد أراد أن يرمى عصفورين - كما يقولون بحجر واحد وذلك أنه باستشارته العلماء والمشايخ وذوى العقول السليمة يكون قد حرك جهازا له خطره البالغ فى تلك الأيام فيثير أولئك - فى خطب المساجد ومجالس الوعظ وحلقات المشايخ - الجماهير وقدسية فلسطين حساسة جدًّا يوم كان للدين حكمه النافذ على القلوب فيعى الشعب ويغلى ويثور فتموت فكرة الوطن القومى في مهدها بعد تنبيه الجماهير لها ويزاح الانقلابيون بأهون السبل بعد حصول هذه التوعية وخاصة في العاصمة والأناضول وبذا ينقذ السلطان فلسطين ويقضى على الانقلابيين إذ كان الجيش الذي ساقوه فقام بالانقلاب وأوهموه إنما يحاربون به الاستبداد الحميدي – سيصبح بعد توعيته وتنبهه للغرض الحقيقى واطلاعه على هوية الاتحاديين منقلبا عليهم لا يرضى دون تعليقهم على المشانق لقاء خدعهم وتضليلهم له
لكن الشيخ أبا الشامات وجماعته وأصحاب السماحة لم يكونوا من الوعي والشعور بالمصالح العليا للأمة بحيث ظن السلطان نعم إني أعلم أن حركات مضادة للاتحاديين قد بدأت تذر قرونها وأن الجمعية المحمدية التي صار لها فروع في بعض الأمصار طالبت متحمسة بإلغاء الدستور والرجوع إلى الشرع الإسلامي لكن لم يكن بأكثر من فورة حماسة لم تلبث أن انطفأت بالإرهاب الأحمر الذى حكم به الاتحاديون إذ لم يحسن القائمون بها والداعون لها تخطيطها ولا تعميمها ولم يكن وعى الشعب يومئذ كافيا ليدرك مصالحه وكان المطبلون للاتحاديين من المنافقين المرتزقة أكثر من أولئك بكثير
۰

ماذا فعل أتاتورك وماذا كان موقف المسلمين منه
لقد أقامت الدعاية لمصطفى كمال العالم الإسلامي للعطف عليه وأعلنت أنه مسلم يعمل لنهضة الإسلام وتثبيت الإيمان
ثم
ولما استتب له الأمر أبان عن نواياه الشيطانية فأزال الخلافة – وإزالة الخلافة أمر في غاية الضرر بالنسبة لتركيا فقد نزل بها أولا من دولة في الدرجة الأولى يخشى حسابها إلى دولة فى الدرجة الثالثة أو الرابعة أو العاشرة ونزل بها ثانيًا من دولة تتزعم العالم الإسلامي تأمر فيستجيب إلى دولة لا دينية وفقدت تركيا بذلك الزعامة - أخذ أتاتورك يضرب بمعاولة في وجه التشريع الإسلامي وفي رأسه وفى جسمه فأزال القانون الإسلامي وأحل محله القانون الوضعى حتى الأحوال الشخصية أفسدها إفسادًا يغضب الله ورسوله فأباح زواج المسلمة بالمسيحى ووصل به الأمر إلى أن كان يضرب بالرصاص من لبس الزي الإسلامي وأعلن لا دينية الدولة التركية وفصلها عن ماضيها وجعلها بكل ذلك دولة لا فى العير ولا في النفير وحينما يكتب التاريخ الإسلامي على حقيقته سيرى الناس أن أتاتورك كان من
المفسدين
أما اللغة العربية فكأن بينه وبينها ثأرا لقد غير الحروف العربية وكتب التركية بالحروف اللاتينية فأزال بذلك ما كان بين اللغة العربية واللغة التركية فى ناحية الكتابة ثم قام بما سماه تصفية اللغة التركية فأزال منها الكلمات الكثيرة العربية التي كانت بها وباعد بذلك بين
اللغتين في ناحية الموضوع
وحينما حدث هذا في تركيا
تطلعت العيون إلى الأزهر إذ لابد للناس من أب روحى

ونظروا إلى شيخ الأزهر على أنه شيخ الإسلام وكان شيخ الأزهر في المستوى المأمول فيه عالا كأحسن ما يكون العلماء زاهدًا إيجابيًا كأفضل ما يكون الزهاد الإيجابيون مؤمنًا بالله واثقا فيه

إنه يشهد أن لا إله إلا الله يشهدها بحقها فيرتفع إلى المستوى اللائق بالأب الروحى
واحتلت مصر منذ ذلك الحين مركز الزعامة الدينية في العالم
الإسلامي احتلت مركز الزعامة بسبب الأزهر الموجود فيها
والواقع أن الأزهر مكث ألف عام يقوم على الحفاظ على اللغة العربية وعلى الدين الإسلامي
وحفظ اللغة العربية بهذا البحث الدائب الدائم فى اللغة العربية ووقف في وجه كل النزعات التي أرادت بها شرا
إنه وقف في وجه الدعوة - يا للسخافة - ! إلى العامية
ووقف في وجه الدعوة الملحدة إلى الكتابة بالحروف اللاتينية إن طائفة من المنحرفين أرادت أن تغير الحروف العربية لتفصل الكتابة عن ماض من التراث عميق والله يعلم أنها ما أرادت إلا الإفساد وبدأ بهذا الانحراف أتاتورك وكان فى أساس هذه الحركة كل أعداء الإسلام ثم أخذت بعض الدول مستجيبة إلى مخطط الاستعماريين والملاحدة والمنحرفين على أى وضع تغير الحروف بالفعل والبعض
الآخر يفكر في تغييرها

وإني أعلن هنا في غير لبس ولا غموض أن كل دولة فعلت هذا إنما فعلت ما يغضب الله ورسوله بل ما يمقته الله ورسولة وأن الذي يبوء بالإثم إنما هم المنفذون والراضون بالتنفيذ وأنه يجب وجوبا دينيا أن يثور

المؤمنون ضد هذا ويعارضوه وكما أمكن التغيير إلى الحروف اللاتينية فإنه
يمكن - وبصورة أسهل - التغيير إلى الحروف العربية
وقام الأزهر طيلة قرون على الحفاظ على العقيدة الإسلامية ووقف في
وجه كل انحراف في العقيدة آت من الشرق أو من الغرب
ووقف في وجه هذا الغزو الفكرى الآتي من الشرق ومن الغرب إن للأمة الإسلامية رسالة هى رسالة الله إلى العالم آخر الرسالات طابعها الرحمه لكل عوالم الله في الأرض وفى السماء ومن مبادئها العلم وتزكية النفس
لا
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ ١
وهذه الرسالة - نقية صافية - هي المبرر لوجود الأمة الإسلامية فإذا ما نجح الغزو الفكري في الخروج بهذه الرسالة عن طابعها الرباني فإنه يوجد ما يبرر وجود أمة الإسلام ولقد قام الأزهر طيلة قرون في وجه الزحف الفكرى ليعلن للناس رسالة الله آخر الرسالات صافية نقية
ومن هنا كان المسلمون - فى مشارق الأرض ومغاربها - يدينون للأزهر بالفضل يدينون جميعًا له بالفضل في عقيدتهم وتدين له الدول العربية بالفضل في الدين واللغة
وكان الأزهر ومازال مقدسًا عند هذه الشعوب وإذا سار شيخ الأزهر فيها امتدت إليه الأعين وأصغت إليه الآذان وهفت إليه الأفئدة وغمره الناس بحبهم وتقديسهم وكذلك يفعلون مع المشايخ المتخرجين من الأزهر والذين يلبسون الزى
الأزهرى
۱ سورة البقرة الآية ۱۹

وهذه المكانة للأزهر يعترف بها المستعمرون والمبشرون يقول أحدهم
إن العمامة البيضاء فى أفريقيا أخطر علينا من القنبلة الذرية
ويقول آخر
لا يتأتى لنا الاستقرار في هذه البلاد ما دام الأزهر موجودا
وتتساءل
لماذا لم يستمر الأزهر على ما كان
والواقع أن هناك عوامل كثيرة تكاتفت على النزول بالأزهر عن مكانته
ومن أهم هذه العوامل هذا الاستعمار وهذا التبشير ونتبين مما كان لابد في نظر أعداء الإسلام من هدم الأزهر
وبدأت عوامل الهدم
أنه
سبق
بدأت السخرية بعلماء الأزهر سواء أكان ذلك في المراحل الأولى من التعليم أو فى المراحل النهائية أو عن المتخرجين والعلماء بدأ ذلك في التمثيليات وفى الأفلام وفى الصحف وفي المجلات
وكان المثل الصارخ هو تلك القصة التي كتبها أحد كبار الكتاب بفرنسا واتخذ من قسيس فيها مجالا لسخريته وتهكمه فإذا بالتليفزيون يخرجها أيامًا متوالية متخذا فيها شيخًا مجالاً لتهكمه وسخريته ولم يجد المخرج أو المشرف من يقول له إن هذا انحراف ولم يعاقبه أحد ولم يسيء إليه إنسان
وهذه الأقلام المأجورة التي تكتب هنا وهناك عن التشكيك في الدين وفي القيم الأخلاقية وفى الهجوم على التشريع الإلهي !! إنها لا تجد من يقول لها إنك أقلام مأجورة وإن أقل ما يمكن في أمثال أصحابك أن يزجوا في السجن لتخرس منهم الألسن
٢٤

إن لكل بلد مقدسات ومن مقدسات أمريكا مثلا النظام الرأسمالي ومن مقدسات روسيا النظام الشيوعي وهذه المقدسات لا تمس أليست العقيدة من المقدسات التي لا تمس إن المنحرفين عقيديا والمنحرفين أخلاقيا والمنحرفين اجتماعيا على اختلاف ألوانهم يسرحون ويمرحون كيفما شاءوا في الأقطار العربية فلا يجدون من يردعهم
وتتكاتف الأفلام المأجورة والأفلام المستوردة أو المنحرفة ووسائل الإعلام في العمل على التشكيك في العقيدة والقيم الأخلاقية والتشريع الرباني ونشر التحليل الأخلاقي بكل الطرق
وهذه الآراء المستوردة التي تتنافى مع الدين ومع الفضيلة والتي يروجها اليهود في كل مكان هل تجد من يقف في وجهها إن قراءة كتاب بروتوكولات حكماء صهيون مفيدة كل الإفادة لمعرفة
المخطط الخبيث الذي يقوم بتنفيذه اليهود
إنهم يتبنون كل فكرة منحرفة وكل رأى ضال ويحاولون عن طريق
الصحافة والكتب والإذاعة الترويج لكل منحل وإذاعة كل فاسد لقد تعاهدوا في مواثيقهم على نشر آراء طائفة معينة من الذين اتخذوا مهنة إبليس في العمل على إفساد العالم والترويج لها
إنهم يقولون
نحن الذين رتبنا نجاح كارل ماركس
لقد رتبوا نجاحه لأنه يفسد على الناس النظام الطبيعي والرباني في
الاقتصاد عن طريق المذهب الشيوعي وهو مذهب يتنافى مع
الطبيعة
الأديان
ومع
۵

وهو - من أجل معارضة الأديان له - يدعو إلى إزالة الدين ويقول عنه إنه أفيون الشعوب ولما قيل له ولكن لابد من بديل عن الدين لأن الناس لا يعيشون بغير عقيدة قال إن البديل للدين هو المسرح الهوهم بالمسرح انشروا المسرح
في كل مكان فيجد فيه الناس البديل عن الدين ثم إن الشيوعية عقيدة
وأخذت معاول الهدم الشيوعية تنال من الدين في كل مكان تسود فيه الشيوعية وهي لا تنال من الدين بأسلوب فيه هوادة ورأفة وإنما تنال من الدين ومن رجال الدين بأسلوب عنيف قاس
إنها مجازر تقام ودماء تسفح وسجون تملأ وتفنن في التعذيب
أما الخراب فإنه ثمرة كل ذلك
وکارل مارکس یهودی
ويقول اليهود في بروتوكلاتهم
نحن الذين رتبنا نجاح دارون
ودارون هو صاحب نظرية التطور أو النشوء والارتقاء أو كما يقول
التعبير
الشعبي الإنسان أصله قرد
وهي نظرية تتنافى مع كل الأديان التي ارتقت بالإنسان معبرة عن الحقيقة الكريمة الإنسان أصله آدم خلقه الله بيديه وسواه ونفخ فيه
من روحه وبدأ إقامته بالجنة
وفرق هائل بين النظرتين
ونظرية دارون لم تثبت وهى فى كل يوم تزداد ضعفا وتوشك الأوساط
العلمية أن تلفظها نهائيا
٢٦

إن الإنسانية متطورة في العلوم المادية المكتسبة وهذه حقيقة لا جدال
فيها
هی
لقد تطورت من الإبرة إلى ماكينة الخياطة هذه الماكينة التي تطورت
الأخرى من حال إلى حال
وتطورت في وسائل طهي الطعام
وتطورت ومازالت في جميع أدوات الطب وآلات الهندسة
ولكن الفكر – عقيدة وأخلاقا وتشريعا - والذهن والذكاء والعقل إن كل ذلك لا تطور فيه وأنْفِ عن الإنسانية الحالية علومها المادية وما اكتسبته من ثقافة حسية متوالية ومرتب بعضها على بعض تجدها هي الإنسانية التي كانت قبل التاريخ فكرا وعقلا وذكاء
هذا هو الواقع أما إذا قلت إن الإنسانية متطورة عقلاً وذكاء وذهنا فإنك تكون قد هدمت كل القيم الفاضلة بجرة قلم وذلك أنه مادامت الإنسانية - فكرًا وعقلاً وذكاء وذهنا - متطورة فإن كل قيمها الفاضلة الحالية نسبية متطورة معها فلا يتأتى الحديث عن حق في العقيدة أو عن حق في الأخلاق أو عن حق في التشريع أو عن حق في نظام المجتمع وتنهار بذلك الأخلاق والأديان والقيم والمثل ولا يصبح للإنسانية إلا الشهوات والغرائز
إذا أخضعت القيم العليا للنسبية وللتطور فلا قيم وثمرة نظرية دارون أو خرافة دارون إنما هي هدم القيم العليا
ومن أجل ذلك رتب اليهود نجاحها
ويقول اليهود
نحن الذين رتبنا نجاح فرويد

وفرويد هو العالم اليهودى المزيف ونظريته أكبر مثل على التزييف الذي يتحالف فيه المزيف مع الشيطان ليفسدا الإنسانية في النظرة إلى فضائلها ومثلها ومكارم الأخلاق فيها
إنه يعزو - يا للسخافة - كل عمل وكل سعى إلى باعث من الغريزة
الجنسية وليس سعى الإنسانية إلا نوعًا من إرضاء هذه الغريزة ورتب اليهود نجاحه لينحطوا بالإنسانية من مثل عليا وقيم ومكارم أخلاق إلى غريزة هي الغريزة الجنسية
الرحمة الرأفة العطف على اليتيم والمسكين الشعور بضرورة العدالة الإنصاف تزكية النفس المروءة كل ذلك - في أساسه – إنما هو الغريزة
الجنسية

وليس بغريب أن يقول فرويد اليهودى ذلك وليس بغريب أن يرتب اليهودى نجاحه من أجل ذلك لأن في ترتيب نجاحه هدم بمعاول من
فولاذ لكل المثل الدينية الكريمة
ويقول اليهود نحن الذين رتبنا نجاح نيتشه
ونيتشه هو المنكر للأديان وللألوهية وللأخلاق وهو يجدد دعوة أبيقور بالاستمتاع على أية وسيلة كان الاستمتاع
إنه يقول إذا كان استمتاعك في أن تسيل الدماء أنهارا وأن تمشى على رءوس بني البشر فلتفعل وهو الذي يقول إن ما تعارف عليه الناس من أخلاق وفضائل إنما هو ضعف في الطبيعة
ومن سخرية المقادير أن هتلر طبق على اليهود نظريات نيتشه فأقاموا الدنيا وأقعدوها صريحًا وولولة واستغاثة وكان ما فعله هتلر

هو نوع من ثمرة دعايتهم لنيتشه فلقد طبق عليهم نظريات من
رتبوا نجاحه
إن اليهود رتبوا نجاح هؤلاء ورتبوا نجاح كل مفسد ونشروا كل موبقة ودعوا إلى كل انحراف وفعلوا ذلك عن تخطيط هو إفساد الإنسانية ليسودوا من وراء ذلك ويتمكنوا ويسيطروا على العالم

ووقف الأزهر في وجه كل ذلك وقف كالطود الراسخ يدافع عن الذاتية الإسلامية ويحاول في صمود لا يلين أن ينفى عن الذاتية الإسلامية الدخيل والغزو الفكرى وما لانت قناته يوما ما وكان لابد من النيل منه فى أسلوب متستر أو في أسلوب سافر - ودأب الذين استجابوا للانحراف على النيل منه مرارا وتكرارًا - وهذا الدأب الملح جعل بعض الطيبيين ينساقون - عن غير شعور – إلى نقد الأزهر متسسترين أو معلنين وأصبحت مصيبة الأزهر بهم هم الآخرون
كبيرة
والذي أحب أن أقوله عن ملاحظة دقيقة هو أن كل شخص يحاول النيل من الأزهر إنما فى قلبه دغل وفى نفسه شر سواء أكان من المنحرفين بالفعل أو من الطيبين المغفلين الذين خدعهم كثرة نقد المنحرفين فساروا وراءهم والذي أحب أن أقوله أيضًا إن الأزهر فى محنته الحالية لا يجد من يأخذ بيده من هؤلاء المؤمنين النابهين
وفي مصر – والحمد لله - من المؤمنين النابهين الكثير ولكنهم انصرفوا في إهمال غير شاعر أو في نوع من السلوك اللاشعورى عن الأخذ بيد الأزهر والحدب عليه وهم بذلك آثمون

وأحب أن أعلنها سافرة وأقول إذا تكاتف المبطلون على النيل من الأزهر فى الإذاعة أو في التليفزيون أو في الصحف أو في ميزانيته أو في سيره في نهضته فإنه يجب أن يتكاتف الخيرون على أن ينصروه مجاهدين بذلك فى سبيل الله فإذا لم يفعلوا ذلك فهم آثمون آئمون فرادی وآثمون جماعات
ما هو الأزهر
إنه الممثل للإسلام القائم على نشره
بذلك
إنه رمز الإسلام فإذا أهين رمز الإسلام أو نيل منه فإنه على هؤلاء الذين يشعرون بالإسلام يملأ جوانحهم أن يهبوا مدافعين عنه وهم إنما يدافعون عن الإسلام وينصرونه وهؤلاء الذين يملأ حب الوطن أفئدتهم يجب عليهم أن يأخذوا بيد الأزهر لأنه هو الذي مكن لمصر أن تحتل مركز الزعامة بين الدول
الإسلامية أما أبناء الأزهر فيجب عليهم أن يمثلوا الأزهر خير تمثيل سلوكا وعلما وكل من حاد من أبناء الأزهر عن الاستقامة سلوكا وعلما فإنه في مقت الله وفى غضبه وإثمه عند الله أكثر
من إثم غيره
يجب على أبناء الأزهر طلابًا وأساتذة أن يمثلوا حقا الخلافة لرسول
الله وقد كان من شعاراته
٣٠
رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا
1
وكان منها
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ۳
1 سورة طه الآية ٠١١٤
متفق عليه

الفصل الأول
عن والد
سيدى أحمد الدردير

عن والد سيدى أحمد الدردير
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا
محمد
وعلى آله
وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين
إن الله سبحانه وتعالى هو الذى يهيئ الأسباب للالتقاء بالصالحين وقد كان في بلدة بنى عدى فى أوائل القرن الثاني عشر الهجرى رجل صالح قد أكتمل النمو والنضج يكاد يكون مقيما
في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا أَسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُةِ وَالْأَصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَرَةٌ وَلَا بَيْعُ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَوَةِ وَإيتاء الزكوة يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَرُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم
من فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
وقدر الله لكثير من الموعودين أن يروه لقد كانوا يرونه بعيدا كل البعد عن لغو الكلام ذلك أنه كان
كان
كثير السكوت لا يتكلم إلا نادرا
كما يصفه ابنه
لقد كان بعيدا عن لغو الكلام ولكنه كان ينصح ويرشد ويعلم ذلك أنه
عالما وزكاة العلم الإرشاد والنصح والتعليم
۱ سورة النور الآيات ٣٦ - ٣٨
سيدي أحمد الدردير
۳۳

ومع
أنه كان قليل الكلام فإنك لا ترى لسانه يفتر عن الذكر بمختلف أنواع الذكر فإذا أصغيت إليه في انتباه وجدته يقرأ القرآن أو يستغفر أو يصلى على رسول الله
بسم
الله الرحمن الرحيم اللهم صل على من منه انشقت الأسرار وانفلقت الأنوار وفيه ارتفعت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق ولا لاحق فرياض الملكوت بزهر جماله مونقة وحياض الجبروت يفيض أنواره متدفقة ولا شيء إلا وهو منوط إذ لولا الواسطة لذهب - كما قيل – الموسوط صلاة تليق بك منك إليه كما أهله هو اللهم الحقني بنسبه وحققنى بحسبه وعرفني إياه معرفة أسلم بها من موارد الجهل وأكرع بها من موارد الفضل واحملني على سبيله إلى حضرتك حملا محفوفا بنصرتك واقذف بي على الباطل فأدمغه وزج بی في بحار الأحدية وانشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس بها واجعل الحجاب الأعظم حياة روحى وروحه سر حقیقتی وحقيقته عوالمي بتحقيق الحق الأول يا أول يا آخر یا ظاهر یا باطن اسمع ندائی بما سمعت به نداء عبدك زكريا وانصرنى بك لك وأيدنى بك واجمع بيني وبينك وحل بيني وبين غيرك
الله الله الله إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا إِنَّ اللهَ وَمَلَتْبِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيَّ يَنَايُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا صلوات الله وسلامه وتحيته ورحمته وبركاته على
۱ سورة الأحزاب الآية ٥٦

سيدنا محمد وعلى آله وصحبه عدد الشفع والوتر وعدد كلمات التامات المباركات ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
ربنا
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
وهذه الصيغة هي صلاة ابن مشيش قدس الله سره وقد ربى بها ابن مشيش الكثيرين من الصالحين وما زال رضى الله عنه يربى بها الكثيرين
إنها من آثاره والله سبحانه وتعالى يقول عن الآثار
1
وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَاثَرَهُمْ إن الآثار يكتبها الله سيئة أو حسنة إلى يوم القيامة ويأتى قوم أغنياء القيامة – في الخير - بآثارهم الحسنة ويأتي قوم فقراء في الخير بسبب آثارهم السيئة ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها
يوم
إلى
القيامة يوم
ذلك الشيخ هو الشيخ محمد الدردير والد القطب سيدى أحمد الدردير وكلمة الدردير إنما كانت اسمًا لأحد زعماء قبيلة من العرب مشهور وردت على بنى عدى فى ليلة اتفق أن ولد فيها جد سيدى أحمد فسمى الجد باسم زعيم القبيلة وأصبح هذا الاسم لقبا للأسرة
وما كان الشيخ محمد في حاجة إلى الكدح من أجل حياته فقد يسر الله عليه أمر الحياة بيد أنه لابد له من عمل ينفع الناس به وخير
الناس أنفعهم للناس
ما
هو العمل خير عمل ينفع الناس في دينهم ودنياهم
۱ سورة يس الآية ١٢

إن التفكير في ذلك لم يطل بالنسبة للشيخ محمد وذلك أن تخصصه المتخصص فيه إنما هو إتقان القرآن

ومن هنا اتخذ مهنة هي – في نفسها – عبادة وهي تعليم القرآن وتعليم القرآن لا مثيل له في
1 - إتقان اللغة وحسن الأسلوب وجمال التعبير
- حسن الأخلاق فإن في القرآن القمم العليا من مكارم الأخلاق والرسول لم يقل إنما بعثت للأخلاق أو لأتمم الأخلاق
وإنما قال
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
ولم تكن مكارم الأخلاق قد تمت قبل بعثته فهو الذي تمم مكارم الأخلاق أى وصل بها إلى الذروة
إنه وصل بها إلى الذروة عن طريق القرآن الكريم وعن طريق تمثله للقرآن الكريم وتطبيقه له في نفسه فتعليم القرآن الكريم إنما هو تعليم للآخلاق بل لمكارم الأخلاق ومن أجل ذلك كان واجبًا على الدول الإسلامية أن تعنى بالقرآن عناية تامة تعنى به وطنية فإنه يعنيها أن تسود الأخلاق الكريمة في المجتمع
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا وإن تعجب فعجب أمر هذه الأمم التي تزعم أنها إسلامية
إنها تعلم علم اليقين أن القرآن يهذب النفس ويربي الخلق وأن ذلك من الضرورة بمكان بالنسبة للمجتمع
٣٦
۱ متفق عليه

ومع
ذلك فإن وزارات التربية فى أكثر الدول الإسلامية - إذا لم نقل كلها – تقف عقبة دون تعليم القرآن وكأن بينها وبينه ثأر وبينما تجدها تخلى مكانًا كبيرًا للرقص التوقيعى وغير التوقيعى والرسم و فإن اهتمامها بالقرآن في غاية الفتور
ومع أن الاستعمار قد تقلص - والحمد لله - عن أراضيها هذا الاستعمار الذي جاء ليبعدها عن القرآن - فإنها مازالت وكأن يدا خفية تحركها نحو البعد عن القرآن نرجو الله لها الهداية ونرجو كل من يملك من الأمر شيئًا وفى قلبه مثقال حبه من إيمان أن يتحرك ليزيل الحجب والسدود التي حجبت وزارات التربية فى الأمم الإسلامية عن ترقية الأخلاق عن طريق القرآن
إن القوانين لا تربی أخلاقا ومن أجل ذلك فإنه مع وجود القوانين الشديدة فإن الرشوة والاختلاس والفساد في كل مرافق الدول والتحلل الأخلاقى والانهيار فى القيم عام منتشر لم تهذبه القوانين ولم تزله
C
لابد من تربية الشعور الأخلاقى وتربيته لا تتأتى إلا عن طريق تعليم الدين وأساسه القرآن الكريم
- أما الأمر الثالث الذي يثمره تعليم القرآن فهو قوة العقيدة ولقد علم القاصي والدانى الآن أن الأساس الأول لكل صلاح للفرد ولكل استقامة للجماعة إنما هو العقيدة والأخلاق نفسها - التي تحدثنا عن أهميتها - لا تبنى ولا تقوم إلا على أساس من العقيدة
والملحد لا أخلاق له ولا يؤتمن ولا يوثق فيه وهو جبان وهو
خسيس ولقد صوره الله في صور كثيرة منها

وَأَتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَهُ وَايْدِينَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَنَةٌ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ
تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِايَتِنَا فَأَقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
1
ومن أجل كل ذلك عزم الشيخ محمد الدردير أن يعلم القرآن وأن يذكر لتلاميذه ما قاله القرآن عن القرآن مثل قوله تعالى

وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقوله وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيرٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَنطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ "
وقوله إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّلِحَتِ أَنْ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
1
وقوله لنكن اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَتْبِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيدًا
0
وقوله بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ في لوح محفوظ
1 سورة الأعراف الآيتان ١٧٥ ١٧٦ سورة الأنعام الآية ١٥٥
۳ سورة فصلت الآيتان ٤١ ٤٢
٤ سورة الإسراء الآيتان ۹ ۱۰
٥ سورة النساء الآية ١٦٦ ٦ سورة البروج الآيتان ۱
۳۸

وأن يذكر ما قاله الرسول الله عن القرآن وعن معلم القرآن ومن ذلك ما رواه الترمذي بسنده عن الحارث الأعور قال
مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلت على على فقلت يا أمير المؤمنين ألا ترى الناس قد خاضوا في الأحاديث قال أو قد فعلوها قلت نعم
قال أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
ألا إنها ستكون فتنة
فقلت ما المخرج منها يا رسول الله
قال كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانَّا عَجَبًا يَهْدِى إِلـ الرُّشْدِ فَامَنَّا بِهِ من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم الله بن مسعود رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عبد
1
من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف 1
۱ سورة الجن الآية 1
رواه الترمذي وقال حسن صحيح غريب

۳۹

وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي
قال
خيركم من تعلم القرآن وعلمه
3
وعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده
وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام الله ۳ لم يكن الشيخ محمد من المحفظين الآليين وذلك أنه كان عالما وكان علمه يضفى على كتابه الكثير من الفوائد
ولكن الشيخ محمد لم يكن عالماً فقط وإنما كان صوفيا وكانت صوفيته تضفى على كتابه الكثير من الروحانية
ومن أجل كل ذلك كثر الإقبال على كتابه وتخرج على يديه الكثير الذين منحهم الله مددا من لدنه فأصبح سلوكهم إسلاميا
ولقد وصلت صوفية الشيخ أن كان له كرامات
ونحن نثبت هنا ما قاله سيدى أحمد الدردير عن والده هذا وهو يوجز
ما قدمناه
۱ رواه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه
رواه مسلم وأبو داود
۳ رواه الحاكم وقال صحيح
الإسناد

في الشرح الصغير
الدردير لقب اشتهر به كأبيه وجده بين الناس وكان الوالد رحمه الله تعالى رجلاً صالحاً عالماً متقنا للقرآن
فقد بصره في آخر عمره فاشتغل بتعليم الأطفال كتاب الله تعالى فحفظ القرآن على يده خلق كثير وكان يعلم الفقراء حسبة الله تعالى لا يأخذ منهم صرافة ولا غيرها بل ربما واساهم من عنده
وكان كثير السكوت لا يتكلم إلا نادرا
وورده في غالب أوقاته صلاة سيدى عبد السلام بن مشيش رضى الله
تعالى عنه
وكان يبشرني في صغرى بأن أكون عالماً
مات
رحمه الله شهيدًا بالطاعون سنة ثمان وثلاثين بعد الألف ومائة
وعمرى نحو عشر سنوات
وشوهدت له كرامات
٤١

الفصل الثاني
عن حياة
سيدى أحمد الدردير

حياته
سيدى أحمد الدردير
ولد سيدى أحمد الدردير سنة ۱۱۳۷ هـ أى قبل وفاة والده بعشر سنين ولد في وسط جو من الصلاح والتقوى وفى وسط جو من العلم والمعرفة
إنه ولد في وسط الجو القرآني
وكان الكتاب هو مركز اتجاهاته منذ بدأ يخطو وأخذ في بواكير حياته يسمع القرآن ويتعلمه كتابة وحفظا وكانت عناية والده به شديدة وكان يرى فيه بداية عالم جليل بدأ بنيانه على أسس قوية من القرآن الكريم
لقد غرس والده فيه مكارم الأخلاق وسار به في طريق الله عقيدة وسلوكا ولما انتقل إلى الرفيق الأعلى انتقل إليه وهو مطمئن على أن بشارته لابنه بأن يكون عالما قد وضع أسسها قوية متينة
وأخذ أحمد يتابع الدراسة بعد وفاة أبيه إلى أن أهلته بنى عدى ليبدأ دراسته بالأزهر الشريف وذلك أنه أكمل حفظ القرآن وأتقن تجويده ولعله تعلم في بنى عدى أيضا أوليات بعض العلوم
جاء الفتى إلى القاهرة ولعل أضواء القاهرة بهرته أول الأمر ولعل شيئًا من الحيرة قد ألم به فى أول عهده بالقاهرة ولكن النبراس الذي كان دائما يضيء في صدره هو بشارة والده له بأنه سيكون من العلماء

إنه يعتقد فى والده الصلاح بل والولاية – وقد كان كذلك البشرى الصادرة منه هي بشارة حقيقية

فهذه
ودخل رحاب الأزهر بعزيمة سبقتها بشارة دخل رحاب الأزهر وفى نفسه إجلال له وفى نفسه حب له
الأزهر !
بسمتهم
يا له من فخار أحس به الفتى فى نفسه حينما رأى العلماء المهيب وصورتهم الربانية يسيرون وعلى وجوههم النور إنهم رمز الإسلام وهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في إذاعة الرسالة ونشرها إن وظيفتهم الدعوة إلى الخير ورسالتهم هي الأخذ بيد الناس إلى
طريق الله
واندمج الفتى في الدروس ورأى زملاء له في قلوبهم أمل وفي أنفسهم رجاء يتعلمون فى جد ويدرسون في تفاؤل وكان مثلهم الكريم فى عهد فتانا الإمام إنما هو الشيخ شمس الدين الحفني شيخ الأزهر وعلم الإسلام الخفاق
1
ولقد كان الشيخ شمس الدين الحفنى مصدر جاذبية عظمى بعدة زوايا من شخصيته
لقد كان حسن السمت أنيقاً وكان في حديثه بارعا مالكا لزمام
التوجيه
وكان على علم غزير فى العلوم الكسبية فهو محدث مع ومنطقى مع علماء المنطق وفقيه مع الفقهاء
المحدثين
۱ هو السيد العلامة الكامل والإمام الجهبذ الواصل شمس الدين محمد بن سالم الحفناوى رضى الله عنه ولد سنة ۱۱۰۱ هـ / ١٦٩٠ م ومات سنة ١١٨١ هـ / ١٧٦٧ م

وهو إمام على كل حال فى علوم الكتب التي تتصل بالدراسة في
الأزهر
ولكن الجاذبية الكبرى فى الشيخ الحفنى كانت تتمثل في أنه شخصية تتجه بكل ما تستطيع إلى الله لم تفتنه الدنيا وقد كانت عند قدميه ولم یفتنه المنصب وقد احتل رأس المناصب الدينية
يتحدث عنه الإمام الدردير فيرسم له هذه الصورة المشرقة
الإمام المهيب الذي كانت الملوك تخضع لهيبته السخي الذي شهد الأعداء بهمته وسخائه بحيث يقر كل إنسان بأن الملوك لا قدرة لهم على أن يجودوا كما كان يجود الحسن الخلق الذى كان كل من جالسه لا يشبع من وداده حتى الحسود الجميل الذى كان وجهه كالشمس في رابعة النهار حتى إن كل من رآه ذكر الله العزيز الغفار الذي كانت العامة والخاصة يتبركون برؤيته ويتسارعون لتقبيل راحته الجامع بين تحقيق العلوم الظاهرية والأسرار الإلهية المتكلم على الخواطر كما كان يشهده من سلك على يده السنية يربى أصحابه باللحظ والدلال وله بينهم مهابة لا توجد في كثير من الأبطال كما قيل
6
إذا ما سطا دع عنك تذكار عنتر وإن جاد لا تذكر مكارم حاتم وإذا عدنا من كل ذلك إلى شيخنا الدردير فإنا نرى في حياته المثل الكريم لما يحبه الله ورسوله
كان عالما كأحسن ما يكون العلماء ومربيًا كأفضل ما يكون المربون
وكان شيخ الأزهر أيام الشيخ الدردير هو الشيخ الحفني
ولقد كان الشيخ الحفنى له كلمته هنا وهناك وهي كلمة مسموعة وهذه المكانة لا تتوافر إذا كانت العلوم الشكلية الرسمية - علوم الكتب
13
٤٦

الدراسية - هي الأساس والهدف وإنما توافرت في الشيخ الحفني لأنه
كان صوفيا مربيا صاحب طريقة له أتباع ومريدون
لقد كان حديثه مشربا بالتصوف وكانت دروسه عليها طابع التصوف
وكان سلوكه يتمثل فيه الإخلاص والطهر وكان من المقربين
ولقد كان الأزهر تسوده هذه الروح روح الخلافة الرسول الله
وروح
الخلافة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العمل
القول
وأخذ الفتى


أحمد الدردير يدرس الحديث على يد الشيخ
شمس الدين الحفني يقول الجبرتي
وبه تخرج في طريق القوم
أى أن الشيخ الحفنى لم يكن مدرسًا للشيخ الدردير فحسب وإنما كان شيخا له في الطريق الخلوتى الذى يتخذ من القطب الكبير السيد أحمد
البدوى شيخ الطريق
ويقول الجبرتي أيضا
وتلقن الذكر وطريق الخلوتية من الشيخ الحفنى وصار من أكبر
خلفائه
أما الفقه فقد لازم فيه الشيخ الصعيدى يقول الجبرتي في ذلك وتفقه على الشيخ على الصعيدي ولازمه في جل دروسه حتى أنجب وأفتى في حياة شيوخه مع كمال الصيانة والزهد والعفة والديانة ولقد حضر الفتى على هذا وذاك من علماء الأزهر ولكن جل اعتماده وانتسابه على الشيخين الحفنى والصعيدى واستمر الشيخ في الدراسة إلى أن أصبح من العلماء المعدودين ولقد ألف في أكثر العلوم التي كانت تدرس آنذاك
٤٧

لقد ألف في الفقه والتفسير والتوحيد والسيرة والقراءات وآداب البحث والبلاغة وجملة من الكتب في التصوف
وكتبه في الفقه تدرس الآن فى الأزهر وكتابه المسمى بالشرح الصغير في أربعة أجزاء كبار يدرس فى الفقه المالكي على سنوات وكتابه الجميل الصغير الحجم السهل المأخذ وهو الخريدة يدرس في علم الكلام لقد أصبح فتانا شيخًا يشار إليه في العلم وشيخا يشار إليه في السلوك وكان لابد أن يحتل المكان الذي يليق به
وحينما توفى الشيخ على الصعيدى نظر الناس هنا وهناك ليجدوا من ينصبونه مكانه فما وجدوا غير تلميذه النابه الشيخ أحمد الدردير وعين السيد أحمد الدردير شيخًا على المالكية ومفتيًا على المذهب المالكي وناظرا على وقف الصعايدة وشيخا على طائفة الرواق
ويقول الجبرتي عندما ذكر مشيخته على طائفة الرواق بل شيخا على أهل مصر بأسرها في وقته حسا ومعنى ويعلل الجبرتي رأيه فيقول
فإنه كان رحمه الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصدع بالحق
ولا يأخذه في الله لومة لائم وله فى السعى على الخير يد بيضاء وهذا الذي ذكره الجبرتي من صفات له لم تكن غريبة في ذلك الزمن فإنها كانت الصفات المفهومة من معنى الخلافة لرسول الله صلى الله عليه وسلم التي تتمثل في العلماء ولم يكن نادرًا فى العلماء هذه الصفات لقد كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقومون بهذا المبدأ خير قيام وذلك أن الله سبحانه وتعالى ورسوله استفاضا في الحث على القيام بهذا المبدأ
يقول تعالى


كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ
1
عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ
وقال من جانب آخر
لعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
VA

وكان الناس يسمعون لهم وكان الحكام يسمعون لهم عن إيمان وتقدير
أو عن خشية من الشعب الذي يقدسهم
ويقول الجبرتي عن شيخنا
وله في السعى على الخير يد بيضاء
وهذه الكلمة من الجبرتي في الشيخ الدردير تفسر جانبا من أهم جوانبه لقد أخذ السعى فى الخير من نفسه مأخذا كبيرا فكان يسعى في قضاء حوائج الناس بالليل وبالنهار وكان يسعى بالأسباب العادية فكان يركب ويذهب هنا وهناك ولهذا وذاك في قضاء حوائج الناس
ومن هنا كانت هذه العبارة المشهورة عند كثير من أفراد الشعب حينما يتعذر عليهم أمر من الأمور فلا يستطيعون حله
إنهم يذهبون إلى الضريح الشريف يزورونه ويتبركون به ثم يقولون يا سيدي أحمد يا دردير اركب الحمارة واقض العبارة
۱ سورة آل عمران الآية ۱۱۰ سورة المائدة الآيتان ۷۸ ۷۹

إن هذه الكلمة إنما هي صدى لما كان يقوم به في حياته من جهد مشكور في سبيل قضاء حوائج الناس
لقد صاحبته هذه الصفة فى حياته وأضفاها عليه الناس بعد انتقاله والله سبحانه وتعالى يقول عن أوليائه
وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أَوْلَبِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
الَهُم
مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَ م ذَالِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ
1
ولم يحدد سبحانه ذلك بزمن أو مكان ولا بحياة أو موت
ولقد أضفاها الناس عليه عن تجربة
وأحب هنا أن أنقل ما كتبه صاحب جامع الكرامات عنه إنه
يقول
الشيخ
أحمد الدردير المالكي الخلوتى المصرى أحد الأئمة من أولياء
الله العارفين والعلماء العاملين وشهرته بكثرة العلم والعمل والولاية والإرشاد وكثرة المناقب والفضائل على تعدد أنواعها تغنى عن الإطالة بشرح حاله فهو شمس العرفان وعارف الزمان المجمع عند المسلمين كافة على اختلاف المذاهب والمشارب على جلالة قدره وولايته وإرشاده واتساع نفعه في سائر بلاد المسلمين ذكره شيخنا الشيخ حسن
علمه وعموم
العدوى فى كتابه النفحات الشاذلية في شرح البردة البوصيرية فمما قاله أن شيخه الشيخ محمد السباعى كان يبشره بالفتح وتكرر منه مرارا في أيام متعددة قوله له
والله أو وعزة ربي إنك لمحبوب الدردير قال
۱ سورة الزمر الآيتان ٣٣ ٣٤

فتعلقت آمالي بمحبة هاتيك الأعتاب وأكثرت زيارته أي الدردير والتوسل به إلى رب الأرباب وقد جددت الطريق الخلوتية عن أستاذى الشيخ السباعى المذكور وهو قد أخذها عن والده وأستاذه الولى الشهير الشيخ صالح السباعي وهو عن القطب الدردير
محمد
ثم بعد انتقاله جددت العهد عن شيخى وأستاذي سيد أهل عصره الإمام الأوحد العارف بالله تعالى الشيخ فتح الله وهو عن العارف الكبير والولى الشهير الشيخ أحمد الصاوى وهو عن القطب الدردير قال ومن غريب ما اتفق لى مما يؤيد التبشير السابق أنه قد حصل معى أمر يتعلق بالحكومة المصرية وخافت على الأحبة والإخوان فبعد توسلى بهذا القطب الشهير وهو سيدى أحمد الدردير رأيت أني في قصر منفرد مغلق الأبواب ممتلئ من الحيات الكبار والأفاعي وصغار الثعابين فتجاسرت على قتل الصغار ثم تفكرت فى نفسى فوجدت أني لا أستطيع الصبر في ذلك المكان لحظة خوفا من الكبار ولم أجد مساغا إلى الخروج بغلق الأبواب جميعها فإذا بشباك مفتوح في أعلى القصر فنظرت فرأيت قصرًا آخر مقابلاً للقصر الذي أنا فيه يسمى قصر الأمان فتحيرت في الوصول إليه لبعد المسافة التي بينه وبين الذي أنا فيه وإذا بجوهرة يتلألأ نورها في جو السماء إلى الأرض فخاطبتني بقولها أنا روح الدردير افتح فمك حتى أدخل جوفك أو حتى أمتزج بلحمك ودمك ففتحت فمي فدخلت فيه فوجدت قوة عظيمة جدًا وقلت في نفسی سر کیف شئت حينئذ ووضعت إحدى رجلى فى الهواء والأخرى في قصر الأمان قائلاً الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع بسم العليم واستقررت في قصر الأمان وانتبهت فانصرف عني ما أجد وحصل لى النصر التام وإنما ذكرت ذلك تحدثا بنعم الرحمن وترغيبا للإخوان في التوسل في مهماتهم بهذا الإمام رضى الله عنه وأرضاه وأمدنا
۵۱

بمدده ونظمنا في سلك أهل مودته بجاه سیدنا محمد وآله وصحبه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون
انتهى كلام شيخنا العدوى رحمه الله تعالى وكانت وفاة سيدى الشيخ أحمد الدردير سنة ١٢٠١ هـا في مصر وقبره فيها مشهور يزار ويتبرك به رضى الله عنه ونفعنا ببركاته اهـ
والواقع أنه مادمنا نؤمن بقوله تعالى فيما يتصل بمريم عليها السلام فَتَقَبَّلَهَا رَبَّهَا بِقَبُولٍ حَسَنِ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زكريا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَــــــد
1
عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَمَرْيَمْ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ
ما دمنا نؤمن بهذا ونؤمن بقوله تعالى
لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ
T
فلا معنى لأن نمارى في الكرامات بصفة عامة
أما أن نجادل في هذه الكرامة بالذات أو تلك بالذات فهذا لا قيمة له إذا آمنا بالمبدأ العام
ولا مناص من الإيمان بالمبدأ العام - مبدأ الكرامة - ما دمنا نؤمن
بالمعجزة
والإيمان بالمعجزات جزء من الإيمان يختل الإيمان باختلاله ورضى الله
عن أبي البركات
۱ سورة آل عمران الآية ٣٧
سورة الزمر الآية ٣٤
۵

ونحب بعد هذا أن ننقل هنا ما كتبه الجبرتي عن إمامنا رضي الله عنه
يقول الجبرتي
توفى الإمام العالم العلامة أوحد وقته فى الفنون العقلية والنقلية شيخ الإسلام وبركة الأنام الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد بن حامد العدوى المالكي الأزهرى الخلوتي الشهير بالدردير
دروس
العلماء
ولد ببنى عدى كما أخبر عن نفسه سنة سبع وعشرين ومائة وألف وحفظ القرآن وجوده وحبب إليه طلب العلم فورد الجامع الأزهر وحضر وسمع الأولية عن الشيخ محمد الدفرى بشرطه والحديث على كل من الشيخ أحمد الصباغ وشمس الدين الحنفي وبه تخرج في طريق القوم وتفقه على الشيخ على الصعيدى ولازمه في جل دروسه أنجب وتلقن الذكر وطريق الخلوتية من الشيخ الحفنى وصار من أكبر خلفائه كما تقدم وأفتى في حياة شيوخه مع کمال الصيانة والزهد والعفة والديانة
حتى
وحضر بعض دروس الشيخ الملوى والشيخ الجوهري وغيرهما ولكن جل اعتماده وانتسابه على الشيخين الحفنى والصعيدى
وكان سليم الباطن مهذب النفس كريم الأخلاق وذكر لنا عن لقبه أن قبيلة من العرب نزلت ببلده كبيرهم يدعى بهذا اللقب فولد جده عند ذلك فلقب بلقبه تفاؤلاً لشهرته
وله مؤلفات منها
۱ - شرح مختصر خليل أورد فيه خلاصة ما ذكره الأجهوري والزرقاني واقتصر فيه على الراجح من الأقوال
- ومتن في فقه المذهب سماه أقرب المسالك لمذهب مالك
- ورسالة في متشابهات القرآن
٥٣

- ونظم الخريدة السنية في التوحيد وشرحها ه - وتحفة الإخوان في آداب أهل العرفان في التصوف
- ورسالة على وارد الشيخ كريم الدين والخلوتي ۷ - وشرح مقدمة نظم التوحيد للسيد محمد كمال الدين البكرى
- ورسالة في المعاني والبيان
٩ - ورسالة أورد فيها طريق حفص
١٠ - ورسالة في المولد الشريف
۱۱ - ورسالة في شرح قول الوفائية يا مولاى يا واحد یا مولای یا دائم
يا على يا مكين
۱ - شرح على مسائل كل صلاة بطلت على الإمام الأصل للشيخ البيلي ۱۳ - وشرح على رسالة فى التوحيد من كلام دمرداش
١٤ - ورسالة في الاستعارات الثلاث
١٥ - وشرح على آداب البحث
١٦ - ورسالة وشرح صلاة السيد أحمد البدوى
۱۷ - وشرح على الشمائل لم يكمل
۱۸ - ورسالة فى صلوات شريفة اسمها الورد البارق في الصلاة على أفضل
الخلائق
۱۹ - التوجه الأسنى بنظم الأسماء
الحسنى
۰ – مجموع ذكر فيه أسانيد الشيوخ
۱ - رسالة جعلها شرحًا على رسالة قاضى مصر عبد الله أفندى المعروف بططرزاده في قوله تعالى ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ
٥٤

نَفْسًا إِيمَدنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَنِهَا خَيْرًا
وله غير ذلك
ومما سمعت من إنشاده
من عاشر الأنام فليلزم سماحة النفس وذكر اللجاج وليحفظ المعوج من خلقهم أي طريق ليس فيه أعوجاج
1
ولما توفى الشيخ على الصعيدى تعين المترجم عنه شيخًا على المالكية ومفتيًا وناظراً على وقف الصعايدة وشيخا على طائفة الرواق وشيخا على بأسرها في وقته حسًا ومعنى فإنه كان رضي الله عنه يأمر
6
أهل مصر بالمعروف وينهي عن المنكر ويصدع بالحق ولا تأخذه في الله لومة لائم وله في السعى على الخير يد بيضاء
كذلك
تعلل أياما ولزم الفراش مدة حتى توفى سادس شهر ربيع الأول من هذه السنة ۱۰۱ هـ وصلى عليه بالأزهر بمشهد عظيم حافل ودفن بزاويته التي أنشأها بخط الكعكيين بجوار ضريح سيدي يحيى بن عقبة وعندما أسسها أرسل إلى وطلب منى أن أحرر له حائط المحراب على القبلة فكان وسبب إنشائه للزاوية أن مولاى محمد - سلطان المغرب - كان له صلات يرسلها لعلماء الأزهر وخدمة الأضرحة وأهل الحرمين في بعض السنين وتكرر منه ذلك فأرسل على عادته في سنة ١١٩٨ هـ مبلغا للشيخ وكان لمولاى محمد ولد تخلف بعد الحج وأقام بمصر مدة حتى نفد ما عنده من النفقات فلما وصلت تلك الصلة أراد أخذها ممن هي في يده فامتنع عليه وشاع خبر ذلك فى الناس وأرباب الصلات وذهبوا إلى الشيخ بحصته فسأل عن قضية ابن السلطان فأخبروه عنها وعن قصده وأنه لم
يتمكن من ذلك فقال
1 سورة الأنعام الآية ١٥٨
٥٥

والله هذا لا يجوز وكيف أننا نتفكه في حال الرجل ونحن أجانب وولده يتلظى من العدم هو أولى وأحق اعطوه قسمى فأعطاه ذلك
C
منها
ولما رجع رسول أبيه وأخبر السلطان والده بما فعل فيه الشيخ الدردير شكره على فعله وأثنى عليه واعتقد صلاحه وأرسل له في ثاني عام عشرة أمثال الصلة المتقدمة مجازاة للحسنة فقبلها الأستاذ وحج ولما رجع من الحج بنى هذه الزاوية مما بقى ودفن بها رحمه الله فإنه لم يخلف بعده مثله اهـ
وبعد
فإن الإمام الدردير لو بقى على علوم الكتب فإنه ما كان يزيد على هذا أو ذاك ممن كان في عهده أو ممن سبقه أو أتى بعده ممن طواهم الزمن دون أن يخلدهم التاريخ ولكن أساس الخلود في أمر الشيخ الدردير إنما هذه الروح التي بثها في الأتباع والمريدين والتي مازال يبثها في
هی
أتباعه ومريديه
إنها الروح الصوفية والشعور الصوفى والطريقة الصوفية التي مثلها ومازال يمثلها إلى الآن والتي سيستمر يمثلها ما بقيت السماء والأرض روح الإخلاص روح إياك نعبد وإياك نستعين روح الربانية وإذا أردنا - إذن - أن نلتمس شخصية الإمام الدردير الحقيقية فإننا نلتمسها في صوفية
وهي صوفية متناسقة مع المحيط العام الصوفي ولكن الذي يعطيها مكانتها النفسية أنها نابعة عن شيخ علماء المالكية وعن مفتى المالكية العالم القمة السيد أحمد الدردير
0

الفصل الثالث
الاتباع والأسوة

وقبل أن نبدأ الحديث عن الإمام الدردير الصوفي نضع أمام القارئ
صورة مجملة غاية في الإيجاز عن الإمام الدردير العالم المؤمن المتبع المتأسى برسول الله إنها صورة عامة عن الأسس التي يقوم عليها دينه وإيمانه وهى صورة عامة عن المبادئ التي التزمها في حياته وهي شعار المؤمن الصادق وهى منهج أهل اليمين
نذكرها هنا ليعلم القريب والبعيد أن إمامنا يصدر في تصوفه عن الكتاب
والسنة ويسير في حياته في جو من النور الإيماني الصافي
ذكرها إمامنا في نهاية كتابه أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك وهو كتاب في الأحكام الشرعية في جو مذهب إمام أهل السنة الإمام مالك ووضعها فى هذا المكان له دلالته الخاصة
إنه بعد أن أبان عن الأحكام الشرعية أوجز مبادئه في كلمات محدودة وكأنه يقول إن دراسته للشريعة كانت ثمرتها هذه الكلمات التي تتحدث عن شعار كل مسلم إنه يقول
خاتمة
الله تعالى
كل كائنة في الوجود فهى بقدرة الله تعالى وإرادته على وفق علمه القديم ولا تأثير لشيء ولا فاعل غير وكل بركة في السماوات والأرض فهى من بركات نبيا محمد الذي
هو أفضل الخلق على الإطلاق
ونوره أصل الأنوار
والعلم بالله تعالى وبرسله وشرعه أفضل الأعمال
وأقرب العلماء إلى الله تعالى وأولاهم به أكثرهم له خشية وفيما عنده رغبة الواقف على حدود الله تعالى من الأوامر والنواهي المراقب له في
جميع أحواله
۵۸

إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَدكُمْ "
1
واعلم أن الدنيا دار ممر لا دار مقر وأن مردنا إلى الله
وأن المسرفين هم أصحاب النار
فينبغي للعاقل أن يتجافى عن دار الغرور بترك الشهوات والفتور ويقتصر على الضروريات تاركاً لفضول المباحات شاكرا ذاكرا صابرا
مسلما الله تعالى أمره وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ

والنية الحسنة روح العمل ولربما قلبت المعصية طاعة
وكثرة ذكر الله تعالى موجبة لنور البصيرة وأفضله
لا إله إلا الله
فعلى العاقل الإكثار من ذكرها حتى تمتزج بدمه ولحمه فيتنوع من مجمل نورها عند امتزاجها بالروح والبدن جميع أنواع الأذكار الظاهرية والباطنية التي منها
1 - التفكر فى دقائق الحكم المنتجة لدقائق الأسرار

ومنها التفكر في دقائق الكتاب والسنة الموصل لمعرفة الأحكام
الشرعية
٣ - ومنها مراقبة الله عند كل شيء حتى لا يستطيع أن يفعل المنهى عنه
1 سورة الحجرات الآية ١٣
سورة الطلاق الآيتان ٢ ٣
۵۹

٤- ومنها طمأنينة القلب بكل ما وقع في العالم من غير انزعاج
ولا اعتراض فيتم له التسليم للعليم الحكيم
ه - ومنها وفور محبة الله تعالى حتى تميل إلى عالم الغيب والقدس أكثر من ميلها إلى عالم الشهادة والحس فتشتاق إلى لقاء بارئها أكثر من اشتياقها لأمها وأبيها فإذا تم أجلها جازاها ربها بالقبول وحسن
الختام وهيألها دار السلام وناداها ربها يَتَأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً
TV
۸
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي دار السلام بسلام دَعْوَنهُمْ فِيهَا سُبْحَنَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَءَاخِرُ دَعُونَهُمْ أَن الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "

ولقد درس الإمام الدردير السيرة النبوية الشريفة فكتب في استفاضة عن الإسراء والمعراج وذلك في الحاشية التي كتبها على قصة المعراج للعلامة نجم الدين الغيطى وهو في شرحه لهذه القصة وتعليقه عليها يكتب في استقلال يتبع فيه النصوص والوثائق ومن أجل ذلك كان يوافق أحيانًا العلامة نجم الدين فى رأيه ويخالفه أحيانًا أخرى مؤسسا المخالفة على ما يثبت لديه من النصوص والإمام الدردير بدراسته للسيرة النبوية إنما كان من أجل الناس برسول الله اتباعا لقوله تعالى لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ
r
الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا
۱ سورة الفجر الآيات ۷ - ۳۰ سورة يونس الآية ١٠
۳ سورة الأحزاب الآية ٢١

ولقد كتب أيضًا رسالة عن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ننقل منها ما يلى إنه
يبدؤها بقوله
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواجب الوجود الواسع الكرم والجود المنزه عن الوالد والمولود الذي بعث فينا نبيه وحبيبه محمدا بالآيات البينات والمعجزات الباهرات فأظهر به دینه القويم وهدى به الصراط المستقيم وخصه بالشفاعة العظمى والمقام الأسنى وأخذ على أنبيائه المواثيق والعهود لئن جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه حتى يبلغ رسالة الملك المعبود فلما أقروا بذلك قال اشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فدل ذلك على أنه أفضل خلق الله وأشرف رسل الله من أحبه أحبه الله ومن عصاه فقد عصى الله قال تعالى قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ۱ وقال أنا
حبيب الله والمصلى على حبيبى فمن أراد أن يكون حبيبا للحبيب
T
فليكثر من الصلاة على الحبيب ويكفى العاقل اللبيب والحاذق النجيب في بيان عظم هذا النبي الكريم وبيان قدر الصلاة عليه والتسليم قول الله العلى العظيم إنَّ اللَّهَ وَمَلَتْبِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيُّ يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلَّمُوا تَسْلِيمًا
ولقد أحسن من قال شعرا
۳
فأنت رسول الله أعظم كائن وأنت لكل الخلق بالحق مرسل
۱ آل عمران الآية ۳۱
متفق عليه
۳ سورة الأحزاب الآية ٥٦
٦١

عليك مدار الخلق إذ أنت قطيه وأنت منار الحق تعلو وتعـدل فؤادك بيت الله دار علومه وباب عليه منه للحق يدخل ينابيع علم الله منه تفجرت ففي كل حي منه الله منهل منحت بفيض الفضل كل مفضل فكل له فضل به منك يفضل
نظمت نثار الأنبياء فتاجهم لديك بأنواع الكمال يكمل فيما مدة الإمداد نقطة خطة وياذروة الإطلاق إذ يتسلل محال يحول القلب عنك وإنني وحقك لا أسلو ولا أتحول عليك صلاة الله منه تواصلت صلاة اتصال عنك لا تتنصل ولما كان أفضل خلق الله كان أول خلق الله وآخر أنبياء الله روى عبد الرازق بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصارى قال قلت یا رسول الله بأبى أنت وأمى أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء قال يا جابر إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله ولم يكن فى ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس فلما أراد الله تعالى أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء فخلق من الأول القلم ومن الثاني اللوح ومن الثالث العرش ثم قسم الرابع إلى أجزاء فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين ومن الثاني نور قلوبهم وهى المعرفة بالله تعالى ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله ۱
وطهر الله هذا النسب الشريف من سفاح الجاهلية قال ما ولدني من سفاح الجاهلية شيء ما ولدنى إلا نكاح الإسلام وقال صلى الله عليه وسلم
۱ متفق عليه
رواه البخارى والترمذي وابن ماجه

خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي
1
النسب
وأمي لم يصبنى من نكاح الجاهلية شيء فهو سلالة الطيبين الطاهرين ونتيجة الكرام الموحدين النبي العربي الهاشمي القرشي المنتخب من خير بطن العرب وأعرقها في النسب محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصی بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وهو قريش وإليه تنسب قريش فمن كان فوقه فکنانی لا قرشی بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان هذا هو المتفق عليه وما بعده لا يعول عليه ولما أراد الله تعالى إبراز هذا السر المصون السارى في الظهور والبطون من عالم الخفاء إلى عالم الظهور ليتم بذلك كمال الصفاء ومزيد السرور ألهم عبد المطلب بأن ذهب إلى ابن عبد مناف بن زهرة وهو يومئذ سيد بنى زهرة نسبًا وشرفا فخطب منه ابنته آمنة لولده عبد الله وهي يومئذ أفضل امرأة من قريش نسبًا وموضعًا فزوجها له وبنى بها في شعب أبي طالب فحملت برسول الله وظهر لحمله عجائب ولوضعه غرائب
وينقل إمامنا شيئًا من شعر البوصيري قائلاً
ولله در البوصیری رضي الله عنه حيث قال
ومحيا كالشمس منك مضىء أسفرت عنه ليلة غراء
ليلة المولد الذي كان للدي
ن سرور بیومه وازدهار وتوالت بشرى الهواتف أن قد ولد المصطفى وحق الهناء وتداعى إيوان كسرى ولولا آية منك ما تداعى البناء
۱ رواه مسلم والنسائي وابن ماجه وأبو داود
٦٣

وغدا كل بيت فيه نار فيه كربة من خمودهـا وبــلاء
وعيون للفرس غارت فهل کا ن لنيرانهم بها إطف مولد كان في طالع الكف ر وبال عليهم ووبـــــاء
فهنيئا به لآمنة الفض
من لحواء أنها حملت أحمد
يوم
ل الذي شرفت به حواء
أو أنهــا بــه نفســـــــاء
نالت بوضعه ابنة وهب من فخار مـا لـم تنله النساء
وأتت قومها بأفضل
11
ا حملت قبل مريم العذراء شمتته الأملاك إذ وضعته و شفتنا بقولها الشـ
فاء
رافعا رأسه وفي ذلك الرف ع إلى كل سؤدد إيماء
ويختتم الشيخ رضى الله عنه كلماته عن المولد الشريف بقوله جعلنا الله من خير أتباعه وختم لنا بالوفاء على أكمل حالات
أتباعه آمين

الفصل الرابع تصوفه
سیدی
أحمد الدردير

تصوفه
تثقف الإمام الدردير فى علوم الشريعة والعربية كأحسن ما يكون العلماء وكان بذلك عالما من علماء الدين فى العلوم الكسبية يشار إليه
بالبنان
وفي عام ١١٦٠ هـ بدأ حياته الصوفية في جد
إنه من غير شك لم يبدأها من ألفها فإنه - وقد كان يحضر دروس الشيخ الحفني - كان يسمع بعض إيضاحات من آن لآخر من الشيخ عن الصوفية وعن التصوف ثم إن كتب التصوف كانت شائعة في ذلك الزمن وكانت فى متناول الأيدى ولاشك أنه - متأثرا بنزعة أبيه الصوفية ومتأثرا بالشيخ الحفنى – قد قرأ الكثير منها
ولكن التصوف ليس – في جوهره - قراءة وإنما هو في - جوهره – عمل
أسد
والإمام الغزالي يحدثنا عن تجربة فيبين أنه قرأ كتب الحارث بن المحاسبى وقرأ المتناثرات عن الجنيد وعن الشبلى وقرأ كتاب قوت القلوب لأبى طالب المكى وقرأ غير ذلك ولكنه يعترف بأن هذه القراءة لم تجعل منه صوفيا فاتخذ الطريق الذي يؤدي إلى الغاية وهو الطريق العملي
كذلك كان الأمر بالنسبة لإمامنا الدردير
لقد حزم أمره وقد بلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاما على أن يسلك
الطريق العملي في التصوف

فذهب في سنة ١١٦٠ هـ إلى شيخه في الحديث الشيخ الحفناوى لأخذ الطريق وقد ترك لنا بقلمه وثيقة نفيسة في ذلك إنه يقول
وقد كان سبقت لى إشارة قبل الاجتماع عليه أني سأسير بسيره فلما كان أوائل المحرم الذى هو مفتتح سنة ٦٠ ستين ذهبت إليه بعد عصر الخميس وذكرت معه الورد ثم بعد أن ختمه تقدمت إليه لقصد التلقين فوضعت يدي في يده فقال بعد الاستغفار والدعاء اسمع منى الذكر ثلاثا واغمض عينيك وقله بعدى ثلاثا ثم قال لا إله إلا الله ثلاثا وقلت ذلك بعده ثلاثا ومن ذلك الوقت رجعت عن الخواطر الرديئة التي
حتى
كانت تكثر منى فى حب الدنيا من بركته ثم مكثت نحو ستة الأشهر أحرق الذكر جسمى وأذهب لحمى ودمى حتى صار مجرد جلدی على عظمى لقننى الاسم الثاني هو الله بأن وضع فاه على أذني اليمين ثم قال الله ثلاث مرات بمد وهمة حتى غبت عن وجودى ثم قلت ذلك بعده ثلاثا وفى ليلة الجمعة وبعد صلاة المغرب لعشر خلت من رمضان الذى هو من شهور سنة ٦٣ ثلاث وستين لقننى الاسم الثالث وهو هو بمد وهمة في أذني اليمنى كذلك وكنت في هذا المقام كثير الأحزان ذاهلاً عن حالي متلذذا بذلى فرحا بمسكنتي كثيرا ما يرد على لا أدرى ما يفعل بي
وفي صبيحة يوم الاثنين قبل طلوع الشمس الذي هو ثالث عشر ذي الحجة الحرام لقننى الاسم الرابع وهو حق في أذني اليمني كذلك وقال لى هذا أول مقام يضع المريد فيه قدمه في طريق أهل الله فلتكن على حالة طيبة أو كلاما معناه ذلك وفي سنة ٦٤ أربع وستين يوم الأحد الذي هو خامس شهر رجب قبل طلوع الشمس لقننى الاسم الخامس وهو حى في أذني اليمني كذلك
TV

وفي ليلة الجمعة التي هي خامس ليلة من شوال لقننى الاسم السادس وهو قيوم في أذني اليمنى كذلك وكنت في هذا المقام لا أعى شيئًا مع أنى كنت أخاطب الناس بأحسن خطاب ولكن لا أدرى بغالب أحوالى حتى لو تكلم الناس وأنا معهم بكلام وخاطبونى به لا أدرى ما قالوا وهم لا يعلمون منى هذا الحال لأن صورتي الظاهرية صورة العاقل الصاحي وهذا أمر عجيب لا يعرفه إلا من ذاقه
وفي ليلة الاثنين التي هي ليلة السادس والعشرين من رمضان سنة ٦٥ خمس وستين لقننى الاسم السابع وهو قهار في أذني اليسرى لسر يعلمونه وفيه حصل لى بعض صحو ومع ذلك فإني الآن واقف على الباب منتظر رفع الحجاب قائلا
أروم وقد طال المدى منك نظرة وكم من دماء دون مرمای طلت فإذا أسعفت العنايات أدخلنا حضرة الحضارات وهي الحضرة الجامعة
التي ليس بعدها حضرة وما ذلك على الله بعزيز
والإمام الدردير معنى كل العناية بهذه الأسماء السبعة ومعنى بصلتها بالنفوس السبعة وإذا كنا سنتحدث عن رأيه في النفوس السبعة وشرحه لها فإننا نعجل الآن فنذكر رأيه فى صلة هذه النفوس بهذه الأسماء قال
رضي الله عنه
واعلم أن الأسماء السبعة على عدد النفوس السبعة أي أطوار النفوس السبعة فكل واحدة يناسبها من الأسماء ما يقتضى فناءها على صفاتها
المذمومة وتمزيق حجبها الحائلة بينها وبين مشاهدة الحق تبارك وتعالى وأولها النفس الأمارة بالسوء ذات الحجب الظلمانية ومقامها ظلمات الأغيار يوافقها الاسم الأول وهو لا إله إلا الله
TA

الثانية النفس اللوامة كثيرة اللوم لصاحبها ومقامها مقام الحجب النورانية لأنها ليست كثيفة ويناسبها الاسم الثاني وهو الله الثالثة النفس الملهمة التى ألهمت فجورها وتقواها ومقامها مقام الأسرار وصاحبها نشوان يغلب عليه المحبة والهيمان والحزن والتواضع والإعراض عن الخلق والتعلق بالحق ويناسبها الاسم الثالث وهو هو للتخلص من ورطتها وينبغى له كثرة التعلق بالشيخ وكثرة الذكر فيه لأن لها في هذا المقام دسائس خفية ربما أوبقته والعياذ بالله
الرابعة النفس المطمئنة ومقامها مبدأ الكمال متى وضع السالك قدمه فيه عد من أهل الطريق واستحق لبس خرقتهم لانتقاله من التلوين إلى التمكين وصاحبها سكران هبت عليه نسمات الوصول يخاطب الناس وهو عنهم في بون لشدة تعلقه بالحق تعالى ويناسبه الاسم الرابع وهو حق وهذا المقام لا يمكن الوصل إليه عادة لغير السالكين ولو أتى بعبادة الثقلين لأن غير السالك مقيد بقيود الشهوات والشرك الخفى لا ينفك عنها إلا بأنفاس المشايخ الكبار العارفين مع المجاهدة والتزام الأدب على أيديهم وغير هذا لا يصح
الخامسة
النفس الراضية ومقامها مقام الوصال والفناء والجمع صاحبها غريق في السكر لا باقيًا بنفسه بل بربه يخاف من شاغل يشغله عن حاله لما هو فيه من التلذذ والصفاء والأنس كثير الرضا بالقضاء والتسليم والشكر وغير ذلك من الصفات المحمودة ويناسبه حينئذ الخلوة المخصوصة بذلك وأما قبل ذلك فإنما يناسبه الاسم الخامس وهو حى
لتحيا به نفسه
السادسة
النفس المرضية مقامها مقام تجليات الأفعال صاحبها لا يرى صدور الأفعال إلا من الله تعالى فلا يمكنه حينئذ أن يعترض على
9

أحد أبدًا - حسن الخلق يتلذذ بالحيرة التي أشار لها العارف سيدى عمر
ابن الفارض بقوله
زدنی بفرط الحب فيك تحيراً وارحم حشا بلظى هواك تسعرا
ويناسبه الاسم السادس وهو قيوم
السابعة النفس الكاملة ومقامها مقام تجليات الأسماء والصفات يناسبها الاسم السابع وهو قهار فيحصل لها تمام القهر ويزول ما فيها من بقايا النقص وحالها البقاء بالله تسير بالله إلى الله وترجع من الله إلى الله ليس لها مأوى سوى أن تأخذ بالله وتعطى بالله مشاهدة من الله شؤونها كلها لدى الله دخلت في عباد الله إلى جنة مشاهدة الله لما طلع عليها الفجر في ليال عشر فرقت بين الشفع والوتر كما قيل الفنا بالله كن كيفما تشاء فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر وبقى الإمام الدردير مريدًا يذكر ويتلقى الأسماء الواحد تلو الآخر على فترات متفاوتة إلى أن كانت سنة ١١٧٢ هـ وهنا رأى الشيخ أنه قد بلغ مرحلة النضج فأجازه وفى ذلك يقول سيدى أحمد الدردير لقن العبد الفقير الذكر المعروف عندهم وهي الأسماء السبعة على التدريج والإرشادات الإلهية مع الكد والسهر والجوع وأذن لي في التلقين والإرشاد من غير أن أقول له أجزنى فى ذلك ونص هذه الإجازة
وبعد
ما يلي حمدًا لمولانا العلى السند وصلاة وسلامًا على من يقربه للراوى على
السند وعلى آله الفائزين برضاه وصحبه الأعلام نجوم هداه
أما
بعد فقد لازمني فى قراءة كتب جمة بمزيد تدقيق وتحقيق وعلو همة العلامة الهمام واسطة عقد العلماء الأعلام من له القلب البار مظهر أنوار الأسرار اللوذعى الألمعي التحرير مولانا الفهامة الشيخ
٧٠

أحمد الدردير صاحب الدروس المفيدة والتحريرات الفريدة وقد أجزته بما تضمنه هذا الثبت من العلوم لأنه حرى بإدراك المنطوق منها والمفهوم

وسائر ما تجوز لى روايته أو ثبتت لدى درايته وقد تلقن منى على طريقة السادة الخلوتية إلى منتهى الأسماء السبعة المعلومة عند السادة الصوفية وأذنته أن يلقن من دام سلوك الطريق والانتظام في سلك هذا الفريق أدام الله نفعه والنفع به منظوما في عقد أهل قربه وأتم صلاة وسلام على أكمل رسل السلام وعلى آله الكرام وصحبه خلص أهل الإسلام كتبه محمد بن سالم الحفناوى بلدًا الشافعى مذهبا الخلوتي مشربا الأحمدى خرقة سبط الإمام الحسين في ثامن عشر من محرم افتتاح سنة ۱۱۷ هـ اثنتين وسبعين ومائة وألف أحسن الله ختامها
ولقد عنى الشيخ الدردير عناية خاصة بإثبات سند شيخه في الطريق سند الشيخ الدردير نفسه عن طريق الشيخ الحفني
هذا السند هو الحفنى الحفناوى كلاهما صحيح
إنه يقول عن هذا السند
ثم إن شيخنا المذكور - الشيخ الحفنى - ضاعف الله له عظيم الأجور - تلقن الذكر عن الشيخ الكبير العارف التحرير السيد مصطفى بن كمال الدين البكرى الصديقي صاحب ورد السحر وهو تلقن من العارف بالله تعالى الشيخ عبد اللطيف الخلوتى الحلبي وهو تلقن من العارف بالله تعالى مصطفى أفندى الأدرنوى وهو تلقن من الشيخ على قراباش أفندى واشتهرت الطريق به وهو تلقن من الشيخ إسماعيل الحرومي وهو تلقن من السيد عمر الفؤادى وهو تلقن من محيى الدين القسطموني وهو تلقن من الشيخ شعبان أفندى القسطموني وهو تلقن من خير الدين النوقادى وهو تلقن من جلبى سلطان الأقشدائى الشهير بجمال الخلوتي وهو تلقن من محمد بن بهاء الدين الأرونجاتي وهو تلقن من سيدي يحيى
۷۱

الباكوبي وهو تلقن من صدر الدين الخيالي وهو تلقن من سيدى الحاج عز الدين وهو تلقن من عمر الخلوتي وهو الذي انبلجت الطريق على يديه وهو تلقن من أبي محمد الخلوتي وهـو تلقـن مـن إبراهيم الزاهد التكلاني وهو تلقن من سيدى جمال الدين التبريزي وهو تلقن من شهاب الدين محمد الشيرازى وهو تلقن من ركن الدين محمد النجاشي وهو تلقن من قطب الدين الأبهري وهو تلقن من أبي النجيب السهروردى وهو تلقن من عمر البكرى وهو تلقن من وجيه الدين القاضى وهو تلقن من محمد البكرى وهو تلقن من محمد الدينوري وهو تلقن من ممشاد الدينوري وهو تلقن من سيد الطائفة أبي القاسم الجنيدي بن محمد البغدادي وهو تلقن من السرى السقطى وهو تلقن من معروف الكرخى وهو تلقن من داود بن نصير الطائي وهو تلقن من حبيب العجمى وهو تلقن من الحسن البصرى وهو تلقن من الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو تلقن من سيد الكائنات سيدنا محمد وهو من جبريل عليه السلام وهو من رب العزة جل جلاله وتقدست أسماؤه
وأخذ الشيخ الدردير منذ ذلك الحين يكتب عن التصوف يوجز أحيانًا ويستفيض أخرى يذكر كلمة هنا وفقرة هناك ويكتب الكتب والرسائل ومن إيجازه فى رسم الطريق ما يلى وقال بعض الصوفية إذا أراد الله أن يوالى عبدا من عبيده فتح عليه باب ذكره فإذا استلذ بالذكر فتح عليه باب قربه ثم رفعه إلى مجالس الأنس ثم أجلسه على كرسى التوحيد ثم رفع عنه الحجب فأدخله دار الفردانية وكشف عنه حجاب الجلال والعظمة فصار فى حفظه سبحانه من دعاوى نفسه ورعونات طبعه فعند ذلك تصح له الولاية ويكون الحق وليه
على التحقيق
۷

وكما اختتم إمامنا أبحاثه في الفقه بهذه النبذة الجميلة التي أوردناها في الفصل الثالث فإنه اختتم أبحاثه في التوحيد بالحديث عن التصوف وكأنه يقول إن نهاية التوحيد هى التصوف وأن من لم يتصوف لم يذق
التوحيد
إن الأمر فى التفرقة بين اعتقاد التوحيد ومذاق التوحيد دقيق وكلاهما فيما يتعلق بالجوهر وفيما يتعلق بالمبدأ لا يختلفان ولكنهما يختلفان في الشعور وفى السلوك وما دامت درجة الإيمان تختلف من شخص إلى شخص فإنه لا غرابة فى أن يكون هناك الإيمان الاعتقادي وهناك الإيمان الذي رسخ فأصبح شعورًا ومذاقاً إن الإمام الدردير حينما توج كتابه الخريدة ببحث التصوف إنما جعل التصوف تاج علم الكلام
ومن قبل الإمام الدردير توج ابن سينا أبحاثه في الفلسفة في كتابه الذي يعتبر بالنسبة له أهم الكتب وهو كتاب الإشارات بأبحاثه عن التصوف وكأنه هو الآخر يعلن أن التصوف تاج الفلسفة وما من شك في أن التصوف هو القمة لمن أراد السلوك إلى الله سبحانه وتعالى وإذا كان الفلاسفة قد ضلوا الطريق إليه فإن الصوفية متابعين لرسول الله ملتزمين لسنته قد ساروا على الصراط المستقيم
والإمام الدردير يمهد للحديث عن التصوف بفكرة مركزة جميلة تلخص في كلمة كل ما ذكره في كتابه من عقائد في الإلهيات وفى النبوات أي في علم الكلام إنه يقول وينطوي في كلمة الإسلام ما قد مضى من الأحكام وهذا البيت من الشعر هو أحد أبيات الخريدة وكلها شعر ثم يبدأ الإمام بشرح هذا البيت فيقول

ينطوى أى يندرج في معنى كلمة الإسلام أي الدالة على
الإسلام وهي
لا إله إلا الله محمد رسول الله فإضافتها للإسلام من إضافة الدال
للمدلول سميت كلمة لدلالتها على معنى واحد وهو الإسلام
ما قد مضى ذكره من سائر أى جميع الأحكام الإلهيات والنبويات والسمعيات
بيان ذلك أنهما جملتان الجملة الأولى لا إله إلا الله والإلـه هـو
المعبود بحق فالمعنى لا معبود بحق - موجود أو في الوجود – إلا الله فقد دلت هذه الجملة على نفى الألوهية التي هي استحقاق المعبود للعبادة كما عرفت عن كل ما سواه منطوقا وعلى ثبوتها له تعالى وحده
مفهومًا وهذا يستلزم
استغناؤه تعالى عن كل ما سواه
وافتقار كل ما سواه إليه تعالى
أما استغناؤه عن كل ما سواه فيوجد له تعالى الوجود والقدم والبقاء ومخالفته للحوادث وقيامه بنفسه إذ لو ماثل شيئًا منها للزمه ما لزمها من الافتقار وهو محال ولو قام بغيره لكان مفتقرا إلى ذلك الغير
ويوجب له أيضًا التنزه عن النقائص وهو يستلزم وجوب السمع والبصر والكلام والتنزه عن الأغراض فى الأفعال والأحكام وإلا لكان مفتقرا إلى ما يتكمل به من ذلك الغرض وعدم وجوب فعل شيء من الممكنات أو تركه وعدم كون شيء من الممكنات يؤثر بقوة أودعها الله فيه وإلا لم یکن مستغنيا عن كل ما سواه كيف وهو الغنى بالإطلاق عن كل ما سواه

وأما افتقار كل ما سواه إليه تعالى فهو يوجـب لـه تعالى

القدرة والإرادة والعلم والحياة والوحدانية لما تقدم من أن التعدد يوجب العجز
ويؤخذ منه حدوث العالم بأسره
ونفى تأثير شيء منه بالطبع أو بالعلة وإذا وجب شيء استحال ضده ثم يقول الإمام الدردير هذا حاصل ما بينه الإمام السنوسي رضی الله عنه
والإمام يقره ثم يعود يوجزه في سطرين فيقول
ولك أن تقول
الله علم على الذات الواجب الوجود الخالق للعالم وقد دلت هذه الجملة على حصر الألوهية فيه تعالى وظاهر أن كونه واجب الوجود وخالق للعالم يتضمن جميع ما ذكر
ثم يبدأ الإمام في الحديث عن الجملة الثانية التي تكمل معنى الإسلام
فيقول
وأما الجملة الثانية وهو قولنا محمد رسول الله فقد دلت على ثبوت الرسالة له وذلك يستلزم صدقه في كل ما أخبر به وأمانته وتبليغه للعباد كل ما أمر بتبليغه من الأحكام وفطانته إذ الرسول لا يكون إلا معصوماً واستحالة أضدادها عليه وجواز كل ما لا يؤدى إلى نقص في علو مرتبته من الأعراض البشرية
ووجوب صدقه يستلزم الإيمان بكل ما جاء به ومن ذلك إرسال الرسل وهو يستلزم ما يجب فى حقهم وما يستحيل وما يجوز والإيمان بسائر الكتب السماوية واليوم الآخر والحساب وما عليه مما مر من جميع
Yo

السمعيات ولتضمنها جميع عقائد الإيمان جعلها الشارع ترجمة على ما في القلب ولم يقبل من أحد الإسلام إلا بها ومن ثم كانت أفضل الأذكار قال
أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله ۱
وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة ولذلك اختارها السادة الصوفية في السلوك إلى الله تعالى على غيرها من الأذكار
وبعد هذا التمهيد يبدأ إمامنا في إيضاح التصوف فيقول فأكثرن من ذكرها بالأدب ترقی بهذا الذكر أعلى الرتب ثم يبدأ كعادته في شرح ذلك فيقول
إذا علمت ذلك فأكثرن بنون التوكيد الخفيفة من ذكرها أى كلمة الإسلام بالأدب أى مع الآداب التي ذكرها القوم
وهذا شروع منه سامحه الله تعالى في فن التصوف الذي هو حياة القلوب رتبه على معرفة عقائد الإيمان لأنه لا يمكن السير إلى الله تعالى إلا بعد معرفتها
وهنا نقف قليلاً لنتأمل فكرة الإمام إنه ينبه إلى أنه لا تصوف إلا بعد معرفة عقائد الإيمان الصادقة وهو حينما وضحها في الخريدة فإنما وضحها على نهج أهل السنة وكأنه لا يرى لغير أهل السنة مجال في هذا الميدان والواقع كذلك فالمعتزلة لا تصوف عندهم أما غيرهم من النحل التي تبعد عن مذهب أهل السنة فإنهم أبعد عن التصوف بدرجة بعدهم عن مذهب أهل السنة لا تصوف إذن عند الملل والنحل الأخرى وذلك أن هذه الملل والنحل لا تمثل دينا صحيحًا وكلها حرفت وبدلت
ولم تعد صالحة للوصول بالإنسان إلى الله سبحانه

۱ متفق عليه

ويؤخذ من كلمة الشيخ أيضًا أنه ما لم يلتزم الإنسان الكتاب والسنة فإنه لا يكون سائرا في طريق التصوف
والواقع أن سادتنا الصوفية نبهوا بشدة إلى أنه لا تصوف ما لم يلتزم الإنسان الشريعة ويتخذها أساسا وستأتى توضيحات لذلك
ما هو التصوف
ما حده
إن المؤلف يعرف التصوف علما ويعرف التصوف عملاً فيقول
وَحَدُّ
- تعريف - التصوف علما هو علم بأصول يعرف به صلاح القلب وسائر الحواس وعملاً هو الأخذ بالأحوط من المأمورات واجتناب المنهيات والاقتصار على الضروريات من المباحات
ولا يكتفى المؤلف بهذا التعريف ولكنه يذكر تعريفات أخرى فيقول
ويقال هو الجد في السلوك إلى ملك الملوك
ويقال هو حفظ الحواس مراعاة الأنفاس والمعنى متقارب وهذه كلها تعريفات تتصل بالوسيلة والطريق ولا تتصل بالغاية والهدف ومن أجل
ذلك قال
وغايته صلاح القلب وسائر الحواس فى الدنيا والفوز بأعلى المراتب
في العقبي وهذه الغاية صحيحة ولكنها لا تنفى أن يكون هناك غايات أخرى عبر عنها سادتنا الصوفية منها مثلا قول أبي بكر الكتاني التصوف خلق فمن زاد عليك فى الخلق فقد زاد عليك في الصفاء وقول أبي محمد الجريري
الدخول في كل خلق سني والخروج من كل خلق دني
۷۷

وقول أبي الحسين النوري
ليس التصوف رسما ولا علمًا ولكنه خلق لأنه لو كان رسما لحصل بالمجاهدة ولو كان علما لحصل بالتعليم ولكنه تخلق بأخلاق الله ولن
تستطيع أن تقبل على الأخلاق الإلهية بعلم أو رسم وقوله أيضًا
التصوف الحرية والكرم وترك التكلف والسخاء
وموضوعه الأخلاق المحمدية من حيث التخلق بها
وهو الذي قاله الشيخ فى موضوع التصوف في غاية الجمال والدقة وإذا تساءلت الآن عن الفرق بين الطريقة والشريعة والحقيقة فإنك مهما بحثت فلن تجد تفرقة أيسر وأدق من تفرقة مؤلفنا إنه يقول
واعلم أن التصوف بمعنى العمل هو الطريقة
وأما الشريعة فهى الأحكام التي وردت عن الشارع المعبر عنها بالدين وأما الحقيقة فهي أسرار الشريعة ونتيجة الطريقة فهي علوم ومعارف تحصل لقلوب السالكين بعد صفائها من كدرات الطباع البشرية
ما هي الوسيلة التي تؤدى إلى صفاء القلب حتى تحصل المعارف لا شيء أقرب لصفاء القلب من كثرة ذكر لا إله إلا الله التي ذكرها أهل الله رضى الله تعالى عنهم
مع
الآداب
الآداب
وهذه الآداب ضرورية إذ إنه متى ترك السالك الآداب أو أكثرها يعد عليه الوصول إلى مطلوبه وقد قسمها المؤلف إلى ثلاثة أقسام فهي
إما قبلية وإما مصاحبة وإما بعدية
VA

فالقبلية أن يجدد التوبة مما وقع فيه من المخالفات أو الخواطر
الرديئة
وأن يتطهر من الحدث والخبث
وأن يتوجه إلى الله تعالى برغبة ليحصل له الجمعية في الذكر
وأن يستغفر الله تعالى بما تيسر بأي صيغة كانت
وأن يصلى على النبي كذلك
وأن يستقبل القبلة لأنها أفضل الجهات
وأن يستحضر شيخه ليكون رفيقه في اليسر ثم يسرع في الذكر
وأما الآداب المصاحبة له
فأن يستحضر معناها إجمالاً وأن يحقق الهمزة ويمد ألف لا مدا متوسطا ويفتح ها إله فتحة خفيفة ويمد ألف الله وألف إلهمدًا طبيعيا ويأتى بالهاء من الله ويقف عليها
وأن يذكر بهمة وقوة وأن يكون ذكره رغبة في مرضاة الله ومحبته
وامتثالاً لأمره لا لرياء ولا لسمعة ولا لأمر دنيوى أو أخروي وأن ينفى الأكوان من قلبه لأن ملاحظة شيء منها قاطع عن الله تعالى ولولا أن للشيخ مدخلاً في السير ما سوغوا له ملاحظته في حال
البداية
وأن يجلس كجلوسه في التشهد إلا لتعب فيجوز التربع وأن يغمض عينيه لأن له تأثيرًا فى تنوير القلب وأن يبتدئ بلا جهة اليمين ويرجع بإله ويختم بالله جهة اليسار مشيرا إلى قلبه فإذا أراد ختم الذكر ختمه بمحمد رسول الله

وأما الآداب البعدية فإنه يسكت ويسكن بخشوع فإن للذكر واردات ترد على قلب الذاكر ولا يتمكن الوارد من القلب إلا بذلك فإذا كان الوارد وارد زهد وجب التمهل حتى يتم ويتمكن من القلب فتستوى عنده الدنيا أقبلت أم أدبرت
وإذا كان وارد توكل صار بعد ذلك مفوضًا أمره إلى ربه في كل شيء وإذا كان وارد صبر صار بعد ذلك لا ينزعج من تفاقم الأهوال وهكذا من الواردات
قال الإمام الغزالي رضى الله عنه ولهذه السكتة آداب مراقبة الله تعالى وإجراء معنى الذكر على
قلبه ونفى الخواطر كلها وجمع حواسه كلها بحيث لا تحرك منه شعرة كحال الهرة عند اصطياد الفأرة وأن يكتم نفسه بقدر الطاقة مرارا أقلها ثلاثة إلى سبعة حتى يدور الوارد في جميع أركانه وألا يبادر بشرب الماء عقب الذكر فإنه يطفئ ما يحصل من أنواره فإن داومت على الذكر بهذه الآداب ترق بهذا الذكر المشتمل على الآداب والترقى إلى أعلى الرتب جمع رتبة وهى الخليقة الحسنة
المحمودة عاقبتها
أدنى الرتب وأعلاها
وأدنى الرتب الإسلامية لوم النفس على ما صدر منها من
المخالفات
وأعلاها رتبة الصديقية ينالها العبد بعد دخوله في مقام الإحسان وهو
أن تعبد الله كأنك تراه

رتبة الصديقية
ورتبة الصديقية في نفسها مراتب متفاوتة بعضها أعلى من بعض وأعلاها رتبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
ولا يعلو مقام الصديقية إلا مقام النبوة فصاحب مقام الصديقية لو تخطى مقامه لنزل فى مقام النبوة إلا أن النبوة قد ختمت بنبينا محمد والصديقية لم تختم فمقام الصديقية مقام الولاية الكبرى والخلافة العظمى وهذا المقام تترادف فيه الفتوحات وتعظم التجليات وتتم المشاهدات والكشوفات لكمال النفس وحسن صفائها
۱
الوصول إلى رتبة الصديقية
ولا يمكن الوصول إليه إلا بعد الفناء وهو زوال صفات النفس المذمومة
لا بالكلية حتى تصير ملتفتة إلى شيء منها بل تزهدها كما تزهد أكل
الجيفة مثلا وصفاتها المذمومة هى الحسد والحقد وحب الجاه والصيت والمحمدة والرئاسة والشهوات والكبر والرياء والعجب والنفاق والغرور وبغض أحد من الخلق لغير غرض شرعى ونحو ذلك فإذا زالت عنه هذه الأوصاف القبيحة اتصف بأضدادها من الصفات الحميدة كالشفقة والرأفة على الخلق حتى يحب لغيره ما يحب لنفسه والإخلاص وحسن الخلق والسخاء والمسكنة التي طلبها النبي بقوله اللهم أحيني مسكينًا وأمتنى مسكينا واحشرنى فى زمرة المساكين وهذه المسكنة هي خضوع النفس لمقام الألوهية وخفض الجناح للبرية حتى لا يشم صاحبها للرئاسة رائحة وصاحبها هو العبد الحقيقي الصديق فمن لم يتصف بها لم تخل نفسه من منازعة الحق تعالى في أخص أوصافه
۱ متفق عليه
1
۸۱

لأن الرياسة إنما تكون للفاعل المختار الغنى على الإطلاق وهي لا تفارق الإنسان إلا بعد المجاهدة الكبرى فعرقها لا ينقطع عن أحد إلا من خصه الله بالعبودية المحضة
ولذلك قالوا آخر ما يخرج من قلب الصديقين حب الرياسة ولا يسهل الوصول إليها عادة إلا بمداومة ذكر لا إله إلا الله ليلا ونهارا من تعلق القلب بالله وحده والجوع والسهر والاعتزال عن الناس والصمت إلا عن ذكر الله تعالى وملاحظة بقية أركان الطريق التي سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى وهو المسمى بالمجاهدة وقال تعالى وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
الطريق إلى الله
1
وهذا الترقى هو المسمى بالسلوك إلى ملك الملوك عند الطائفة وأما السير إلى الله تعالى فهو توجه القلب إلى الرب مع مخالفة النفس في شهواتها ولو مباحة طلبًا لمرضاة الله تعالى وإيثارا له على ما سواه فالسير كالسبب في السلوك وقد يطلق السلوك على المعنى الثاني أيضًا والسلوك إلى الله تعالى طريقة النبيين والصديقين والعلماء العاملين إلا أنه
مختلف
سلوك الأنبياء

فسلوك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مبدؤه الترقى من نفوس مطهرة كمالية إلى ما لا نهاية له من المقامات الإحسانية وهو في نفسه متفاوت فسلوك أولى العزم منهم أعلى وأجل من سلوك غيرهم وسلوك سيد أولى
1 سورة العنكبوت الآية ٦٩
۸

العزم عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام أعلى من غيره إذ مبدؤه نهاية غيره وأما سلوك غيرهم فمن نفوس أمارة أو لوامة ظلمانية إلى نفس كاملة صديقية والنهايات تختلف في الإشراق بحسب اختلاف البدايات فيإحراق البداية يكون إشراق النهاية
النفوس سبعة بحسب أوصافهم وإلا فهى واحدة
النفس الأمارة
النفس الأمارة بالسوء وهى لا تأمر صاحبها بخير
النفس اللوامة

فإذا جاهد صاحبها وخالفها فى شهواتها حتى أذعنت لا تباع الحق وسكنت تحت الأمر التكليفى ولكنها تغلب صاحبها في أكثر أحوالها ثم
ترجع إليه باللوم على ما وقع سميت لوامة وهي الثانية
النفس الملهمة
فإذا أخذ فى المجاهدة والكد حتى مالت إلى عالم القدس واستنارت بحيث ألهمت فجورها وتقواها سميت ملهمة وهي الثالثة وعلامتها أن يعرف صاحبها دسائسها الخفية الدقيقة من الرياء والعجب وغير ذلك
النفس المطمئنة
فإذا لزم المجاهدة حتى زالت عنها الشهوات وتبدلت الصفات المذمومة بالمحمودة وتخلقت بأخلاق الله تعالى الجمالية من الرأفة والرحمة واللطف والكرم والود سميت مطمئنة وهى الرابعة وهذا المقام هو مبتدأ الوصول إلى الله تعالى ولكنها لا تخلو من دسائس خفية جدًا كالشرك الخفى وحب الرياسة إلا أنها لخفائها ودقتها لا يدركها إلا أهلها الذين نور
الله

بصائرهم لأن ظاهرها الصلاح والاتصاف بالصفات الحميدة من الكرم والحلم
مع
انکشاف
والتوكل والزهد والورع والشكر والصبر والتسليم والرضا بالقضاء بعض أسرار وانخراق بعض عادات وظهور بعض كرامات فلربما ظن صاحبها أنه الإمام الأعظم وأن مقامه هو المقام الأفخم وهذا من جملة
الدسائس
النفس الراضية
فإذا أدركته العناية الإلهية واستند إلى شيخه بالكلية ولازم المجاهدة حتى تمكن من الصفات المحمودة وانقطع عنه عرق الرياء وصارت نفسه ذليلة واستوى عنده المدح والذم ودخلت فى مقام الفناء ورضيت بكل ما يقع فى الكون من غير اعتراض أصلاً سميت راضية وهى النفس المرضية
الخامسة
ولكن رؤية الفناء والإخلاص ربما أوقع في شيء من الإعجاب فيرجع به القهقرى فليستعذ بالله من ذلك من مداومة الذكر والالتجاء إلى الله
مضى
وملاحظة أنه لا يتم له الخلاص إلا بمدد الشيخ فإذا فني عن الفناء وخلص من رؤية الإخلاص تجلى عليها بالرضا وعفا عن كل ما وتبدلت سيآتها حسنات وانفتح لها أبواب الأذواق والتجليات فصارت غريقة فى بحار التوحيد وانستها بلابل الأسرار والتغريد ولذا سميت مرضية لأنها بعنايات الله مرعية وهي السادسة
النفس المطمئنة
إلا أن صاحب الهمة العلية لا يرضى بالوقوف عند هذه المقامات وإن كانت سنية بل يسير من الفناء إلى البقاء ويطلب وصل الوصل بتمام اللقاء فتناديه حقائق الأكوان إنما نحن فتنة فلا تكفر وأن إلى ربك المنتهى
٨٤

فإذا سار إلى منازل الأبطال وخلف الدنيا وراء ظهره ناداه ربه
بأحسن مقال يتأيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً © فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي
1
YA
فيدخلها ربها في عباد الإحسان ويخلع عليها خلع الرضوان ويدخلها جنات الشهود ويجلسها في مقعد صدق عند الملك المعبود وفى هذا المقام قد تمت المجاهدة والمكابدة لأن صفات الكمال صارت لها طبعا وسجية وتسمى النفس فيه بالكاملة وهى السابعة وهي أعظم النفوس قدرًا
وأكملها فخرًا
عين اليقين
ذلك لا ينقطع ترقيها أبدًا لأن الكامل يقبل الكمال فلم تزل تترقى ومع حتى تشهد الحق تعالى قبل الأكوان ومشاهدته تعالى قبل كل شيء هو المسمى عندهم بالمعاينة وهذا هو عين اليقين بعد أن حازت علم اليقين الذي هو معرفته تعالى بالبراهين
حق اليقين
ثم حق اليقين وهى مشاهدته تعالى في كل شيء من غير حلول ولا اتحاد ولا اتصال ولا انفصال كالمرآة ترى فيها وجهك من غير حلول الوجه فيها ولا اتحاد وهذا مشهد ذوقى لا يدركه إلا أهله وصاحب هذا المقام لا يفتر عن العبادة لأنها صارت طبعه إما باللسان وإما بالجنان وإما بالأركان فحركاته حسنات وأنفاسه عبادات ولذا قال سيدى محمد وفا أبو سيدى على وفا رضى الله عنهما
۱ سورة الفجر الآيات ۷ - ۳۰
٨٥

وبعد الفنا بالله كن كيفما تشاء فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر فهو محفوظ من الوقوع فى المخالفات لحضوره دائما مع الله في جميع الحالات واعلم أن الكاملين في الناس من أقل الأقل إذ السالكون إلى الله تعالى من المؤمنين قليلون والواصلون منهم قليلون والكاملون منهم قليلون إذ السير إلى الله تعالى صعب جدا لا يقدر عليه إلا ذو همة علية وصدق كامل المال إذ ترك المألوفات من الطعام والمنام وجمع وحب الجاه وسائر الشهوات لا يقدر عليه إلا القليل من الأبطال والطريق فيها مفاوز ومهلكات فالناجي فيها قليل ولذا قيل
كيف الوصول إلى سعاد ودونها قلل الجبال وبينهن حتوف والرجل حافية ومالى مركب واليد صفر والطريق مخوف والخوف والرجاء
ثم بعد ذلك
فقال
تحدث المؤلف عن شعور الإنسان السالك كيف يكون
وغلب الخوف على الرجاء وسر لمولاك بلا تن ثم أخذ يشرح ذلك فيقول
ناء
وغلب فى حال اشتغالك بالذكر المذكور الخوف من الله تعالى مادمت في حال الصحة على الرجاء في رحمته وعفوه يريد أنه لابد للعبيد من الخوف والرجاء معًا لأنهما كجناحى الطائر متى فقد أحدهما سقط إلا أنه في حال الصحة والسلامة ينبغى تغليب جانب الخوف على جانب الرجاء لأنه كالسوط ينساق به إلى الاعتناء بالعبادة وبه تزول الرعونات النفسية عن القلب إن شاء الله تعالى
فإذا نزل به المرض واشرف على الموت فينبغى تغليب جانب الرجاء
على الخوف لأنه حال القدوم على الكريم والخوف هم وقلق لما هو آت
٨٦

والحزن هم
لما فات والرجاء تعلق القلب بمرغوب يحصل في المستقبل مع الأخذ في الأسباب فإن لم يأخذ في الأسباب قطع وهو مذموم شرعًا وس سيرًا حثيثا لمولاك أى سيدك وخالقك بلا تناء أي بلا تباعد عن الطريق المستقيم الموصل إلى الله تعالى بأن تعلق قلبك بغيره تعالى وتقدم أن السير عبارة عن تعلق القلب بالله تعالى مع مخالفة النفس في شهواتها إيثارا له تعالى على غيره وهذا هو الطريق المستقيم الموصل إلى الله تعالى وهى طريق الشطار من أهل المحبة والشوق إلى بارئ النسم ومبناها على الموت بالإرادة الخبر موتوا قبل أن تموتوا ولذا قال سيدى عمر
ابن الفارض ونفسي كانت قبل لوامة متى أطعها عصت أو أعص كانت مطيعتى فحملتها ما الموت أيسر بعضه وأتعبتهـ ا كيما تكون مريحتي فعادت ومهما حملته تحملت منى وإن خففت عنها تأنت الطريق المستقيم الموصل إلى الله تعالى
ثم أخذ المؤلف في رسم الطريق المستقيم إلى الله تعالى وأصول هذا الطريق
عشرة
أولها التوبة إنه يقول
لا تيأس من رحمة الغفار وجدد التوبة للأوزار وأصولها عشرة الأول التوبة من كل ذنب ولو صغيرة على التحقيق وإليه أشار بقوله وجدد وجوبًا التوبة أي الرجوع إلى الله تعالى للأوزار أي من أجل ارتكابك الأوزار جمـع وزر وهو
المعصية
أركان التوبة
وأركانها ثلاثة

أ الندم على ما وقع منه من المخالفات المراعاة حق الله سبحانه وتعالى ب والعزم على ألا يعود لمثله وهذان لابد منهما في كل توبة جـ والثالث الإقلاع عن الذنب في الحال وهذا إنما يتأتى في ذنب لم ينقض فيجب الكف عن استتمام الزنا وشرب الخمر وعن أذية ورد المظالم إلى أهلها واستسماح المظلوم إن أمكن وإلا استغفر وتصدق له بما يمكنه فإن الله تعالى إذا علم صدق العبد أرضى الله
يصح
أحد
له
عنه خصماءه
وتصح التوبة من ذنب دون آخر بخلاف السير إلى الله تعالى فإنه إنما
بالتوبة عن الجميع
وتجب المبادرة بها فتأخيرها ذنب آخر
وتوبة الكافر عن كفره بالإسلام مقبولة قطعًا والمؤمن المذنب من ذنبه مقبولة ظنا وقيل قطعا ولا تنتقض التوبة بالرجوع إلى الذنب ولو رجعت
إليه في اليوم ألف مرة ويجب تجديدها عند كل رجوع إليه لا تيأسن من رحمة الغفار أى الغفار للذنوب فإن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء والولى هو الذي كلما وقع تاب قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ وهم الذين كلما أذنبو تابوا ومن أحبه الله تعالى
1
6
يُحِبُّ التَّوَّابِينَ قربه وأدناه وليس شيء أشد على الشيطان من تجديد المؤمن للتوبة واليأس
أى القنوط من رحمة الله تعالى كبيرة أو كفر قال تعالى
T
إِنَّهُ لَا يَأْيْمَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَفِرُونَ
ويصل المؤلف إلى الأصل الثاني وهو الشكر على النعم فيقول وكن على
آلائه شكورا
۱ سورة البقرة الآية ٢٢٢
سورة يوسف الآية ٨٧
۸۸

ويشرح ذلك بقوله الثانى شكر المنعم جل وعز وهو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من عقل وسمع وبصر ولسان وغيرها إلى ما خلق لأجله وإليه أشار بقوله وكن على آلائه جمع ألى كظبي بمعنى النعمة أي كن على نعمائه التي أنعمها عليك ظاهرية كانت كالسمع والبصر وسلامة الأعضاء أو باطنية كالإيمان والعلم
شكورا أى كثير الشكر فهو يرجع إلى اعتقاد بالجنان وخدمة بالأركان ونطق باللسان بأن يعتقد ألا نعمة إلا منه تعالى وينطق بلسانه بأنه لا إله إلا هو وبغيره من الأذكار ويعمل بجوارحه كل ما طلب منه من المأمورات واجبة كانت أو مندوبة
ومن النعم التي يجب الشكر عليها التوفيق للتوبة والشكر على الشكر والشكر لا نهاية له ولذا قال عليه الصلاة والسلام سبحانك لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
والشكر بهذا الاعتبار عزيز جدا لأنه طريق الصديقين ولذا قال تعالى وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ
1
أما الأصل الثالث فهو ما عبر عنه المؤلف بقوله وكن على بلائه صبورا الثالث الصبر على البلاء وهو حبس النفس على ما أصابها مما لا يلائمها رضا بتقدير المالك المختار من غير انزعاج وإليه أشار بقوله وكن على بلائه من مرض وضيق عيش وفقد مال وعيال وأذية أحد وغير ذلك ومنه الأحكام التكليفية كالصلاة والصوم
صبورا أي كثير الصبر فإنه تعالى يحب عبده الصبور قال تعالى
۱ سورة سبأ الآية ۱۳
٨٩

3
وَبَشِّرِ الصَّبِرِينَ
T
وقال تعالى إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ والصبر وصف أولى العزم والهمم العلية وقد ورد فيه وفي الشكر من الآيات والأحاديث الشريفة ما لو تتبع لأدى إلى مزيد التطويل المخرج عن المقصود وبالجملة يندرج تحتهما كل الدين من المأمورات والمنهيات فناهيك بهما مدحا لمن اتصف بهما فتأمل ثم علل طلب الصبر بقوله فكل أمر بالقضاء والقدر وكل مقدور فما عنه مفر أي وإنما طلب منك الصبر لأن كل ما برز فى الكائنات فهو بالقضاء أى بسببه وهو عند الأشاعرة إرادة الله المتعلقة أزلاً بتخصيص الكائنات ببعض ما يجوز عليها أي على طبق علمه و بسبب القدر بفتح الدال وهو عندهم إيجاد الله تعالى الأمور على طبق إرادته
وقال الماتريدية القضاء علم الله تعالى المتعلق أزلاً بوجود الأشياء والقدر إيجاد الأمور على طبقه وعلى كل فالقضاء صفة ذات يفيد تعلقها والقدر صفة فعل ونظم ذلك العلامة الأجهوري بقوله
إرادة الله
التعل مع
ـق في أزل قض اؤه فحقق
والقدر الإيجاد للأشياء على وجه معين أراده عـــلا وبعضهم قد قال معنى الأول العلم مع تعلق في الأزل
والقدر الإيجاد للأمور على وفاق علمه المذكور وكل مقدور أى أمر قدره الله تعالى أى أبرزه إلى الوجود بما سبق في سابق علمه وقضائه فما عنه مفرا أى لابد من وقوعه على طبق ما أراد
۱ سورة البقرة الآية ١٥٥
سورة الزمر الآية ١٠

وَعَلِمَ ولا محيص عنه فيجب إذن الصبر والتسليم لما قدره العليم الحكيم فإن لم يصبر وانقلب على وجهه فقد خسر الدنيا والآخرة من غير تخفيف عنه ولا ناصر ينصره
وثمرة الإيمان بالقضاء والقدر الرضا ويقول المؤلف في ذلك
فكن له مسلما
کی تسلما ويقول شارحًا
الرابع الرضا وهو الخروج عن رضا نفسه بالدخول في رضا ربه بالتسليم للأحكام الأزلية والتفويض للتدبيرات الأبدية بلا إعراض ولا اعتراض وإليه أشار بقوله مفرعًا على ما قبله فكن أيها الطالب لرضا مولاه له تعالى مسلما فى كل ما قدره وقضاه أو أمر به من أحكام الدين أو نهى عنه بأن ترضى بذلك من غير إعراض ولا اعتراض كى أى لأجل أن تسلما من آفات الدنيا والآخرة
ثم يبدأ الشيخ فى الأصل الخامس معبرا عنه بقوله واتبع سبيل الناسكين العلما ويقول في الشرح
الخامس اتباع شيخ عارف قد سلك طريق أهل الله على يد شيخ كذلك إلى أن ينتهى إلى رسول الله ومن لم يصحب شيخا يدله على الطريق إلى الله واشتغل بما عنده من عبادة أو علم فقد تعرض لإغراء الشيطان له ولهذا قيل من لا شيخ له فالشيطان شيخه وبالجملة من لم يسلك على يد شيخ عارف فلا يمكنه الترقى إلى منازل القرب ولو أتى بعبادة الثقلين وعلامته السخاء وحسن الخلق والشفقة على خلق الله تعالى وعدم انكبابه على جمع الدنيا وعدم الدعوى ولو بالتكلم بمصطلح القوم إلا لأمر اقتضى ذلك وعدم الشكوى من ضيق الدنيا أو عن إعراض الناس عنه وأن يُرى عليه مخايل الذل والانكسار وحب الخمول وأن تظهر على أصحابه البركة والصلاح وهذا مأخوذ من قولنا واتبع في
۹۱

سيرك سبيل أى طريق الناسكين جمع ناسك أي عابد العلما جمع عالم وهو العارف بالأحكام الشرعية التي عليها مدار صحة الدين اعتقادية كانت أو عملية والمراد بهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان وسبيلهم منحصر في اعتقاد وعلم وعمل طبق العلم وافترق من جاء بعدهم من أئمة الأمة الذين يجب اتباعهم على ثلاث فوق
أ فرقة نصبت نفسها لبيان الأحكام الشرعية العملية وهم الأئمة الأربعة وغيرهم من المجتهدين لكن لم يستقر من المذاهب المرضية سوى مذاهب الأئمة الأربعة
ب وفرقة نصبت نفسها للاشتغال ببيان العقائد التي كان عليها السلف وهم الأشعرى والماتريدي ومن تبعهما
جـ وفرقة نصبت نفسها للاشتغال بالعمل والمجاهدات على طبق ما ذهب إليه الفرقتان المتقدمتان وهم الإمام أبو القاسم الجنيد ومن تبعه فهؤلاء الفرق الثلاثة هم خواص الأمة المحمدية ومن عداهم من جميع الفرق على ضلال وإن كان البعض منهم يحكم له بالإسلام فالناجي من كان في عقيدته على طبق ما بينه أهل السنة وقلد في الأحكام العملية إماما من الأئمة الأربعة المرضية ثم تمام النعمة والنجاة في سلوك مسلك الجنيد وأتباعه بعد أن أحكم دينه على ما بينه الفريقان المتقدمان ممن سلك مسلكه القطب الرباني الإمام سيدي أحمد بن الرفاعي وأتباعه والقطب الرباني الإمام سيدى عبد القادر الجيلاني وأتباعه والقطب الرباني السيد أحمد البدوى وأتباعه والقطب الرباني السيد إبراهيم الدسوقى وأتباعه والقطب الرباني السيد على أبو الحسن الشاذلي وأتباعه والقطب الرباني سيدي محمد الخلوتى وأتباعه والقطب الرباني سيدي عبد الله النقشبندى وأتباعه فهؤلاء كلهم سادات الأمة المحمدية رضى الله
۹

عنهم وعنابهم آمين فالشيخ الذى يدل على الله تعالى يجب أن يكون قد سلك على طريقة شيخ من مشايخ الطريق وتعب وجاهد نفسه حتى تهذبت وزالت عنها الرعونات البشرية وإلا فيجب اجتنابه فإن كثيرا من الناس من قلد إمامًا من الأئمة الأربعة رضى الله عنهم ولكنه في عقائده زاغ عن اعتقادهم فلم يعتقد معتقد أهل السنة وهم فرق شتى قد ضلوا فى عقائدهم كالقدرية وغيرهم ومن الناس من لم يرض بتقليد إمام من الأئمة الأربعة ولا باعتقاد أهل السنة وهم أضل ممن قبلهم ومن الناس من يزعم أنه سالك طريق أهل الله تعالى فيتزيا بزيهم ويتكلم بما يوهم الناس أنه منهم والحال أنه بطال يملأ بطنه من الطعام سواء كان حلالاً أو حرامًا وليله من المنام ويثب على الدنيا وثوب الأسد على الفريسة وربما جعل نفسه شيخا وله أتباع يصطادون له بشرك مشيخته قاذورات أحطام الفاني ويزعمون أنهم على شيء أولئك هم الكاذبون وقد أشار لهم العارف بالله تعالى سيدى عمر بن الفارض رضى الله عنه بقول
رضوا بالأماني وابتلوا بحظوظهم
وخاضوا بحار الحب دعوى
فما ابتلوا
فهم في السرى لم يبرحوا من مكانهم
وما طعنوا في السير عنه وقد كلوا
بل تأخروا ورجعوا القهقرى لأنهم تبعوا هوى أنفسهم والشيطان يقودهم
إلى كل ما يحبه منهم كما قال
وعن مذهبى لما استحبوا العمى على الـــ
هدى حسدا من عند أنفسهم ضلوا

حتى صار من أخلاقهم أن من تصدق عليهم بصدقة أو أكرمهم بكرامة اتخذوا ذلك عادة وطلبوا بها من فعل معهم الإحسان حتى يضيقوا عليه المسالك ويقولون أعطنا عادتنا وإلا نتشوف عليك فيوهمون الناس أنهم أرباب أحوال وأن الله تعالى يصدقهم في المقال كلا ما هذه طريقة الفقراء أهل الله إنما طريقتهم التواضع والانكسار وحب الخمول والعفة والزهد والورع والإيثار والتوكل وأما هؤلاء فهم أشرار الناس يأكلون أموال الناس بالباطل ويدعون المراتب العلية وهم فى الدركات السفلية وقد كثروا في هذا الزمان حتى ملئوا طباق الأرض فى كل قطر ومكان نعوذ بالله منهم قال أستاذنا السيد البكر في ألفية التصوف
وقد نما فى ذا الزمان شرهم حتى سما في الناس جدا ضرهم ولم يكن لهم هنا من يردع من أجل ذا الدين الحنيفي ودعوا ولما نظر أهل الله إلى كثرتهم وكثرة فسادهم واختلال عقائدهم أغلقوا أبواب زوايا الإرشاد وفوضوا الأمر إلى رب العباد واختفوا فى الناس فلم يعرفهم إلا من خصه الله بالأنوار الإلهية والسعادة السرمدية فعلى من تشوقت نفسه إلى سلوك طريق التجريد حتى يستغرق في بحار التوحيد ملازمة التقوى والالتجاء إلى الله والتوسل إليه برسوله في أن يجمعه على شيخ عارف يربيه ويخرجه من الظلمات النفسية ويصفيه ويسقيه من خمر المحبة ويصافيه فإذا علم الله صدقك أطلعك عليه فإذا اجتمعت به فشد يدك عليه وكن كالميت بين يديه وقل الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ثم خذ فى الجد والابتهال وجد بنفسك
لا بالمال
كما قال
فنافس ببذل النفس فيها أخا الهوى فإذا قبلتها منك يا حبذا البذل

الصمت إلا عن ذكر الله تعالى فإن الكلام يوجب التفرق والمطلوب الجمعية وهذا عن تقدير مخالطة الناس لضرورة وهذه مأخذوة من قولنا وخلص القلب من الأغيار أى مما سوى الله تعالى من مال وزوجة وولد وجاه وعلم وعمل وغيرها من كل مشغل عن تعلق القلب بالرب بالجد بكسر الجيم أى الاجتهاد أى بسببه قال تعالى وَالَّذِينَ جَهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۱ والمجاهدة تكون بمخالفة النفس في هواها مع الخوف من الله تعالى بعد التوبة قال تعالى ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ
ألا يكون
خائفا
أى جنة الشهود في الدنيا وجنة الخلود في العقبي إلا أن شرط السير من عذاب الله وإلا كان عبد سوء لا يعمل إلا إذا خاف العقاب بل يخافه إجلالاً ومهابة ولذا قال تعالى ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ولم يقل عذاب ربه فأفهم
T
الأصل التاسع
التاسع السهر فلا ينام الثلث الأخير من الليل للتهجد والاستغفار وذكر الله تعالى وإليه أشار بقوله والقيام في الأسحار وخصه بالذكر وإن دخل فيما قبله لمزيد الاعتناء به
وقد مدحهم
الله تعالى في غير آية قال تعالى كَانُواْ قَلِيلًا مِّنَ
٤
أَلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وللذكر في
٩٦
1 سورة العنكبوت الآية ٦٩
سورة النازعات الآية ٤٠
۳ سورة الرحمن الآية ٤٦
٤ سورة الذاريات الآيتان ۱۷ ۱۸

ذلك الوقت تأثير أكثر منه في غيره
العاشر الفكر والذكر
العاشر التفكر في بديع صنع الله لإدراك دقائق الحكم لتزداد علما وحبًّا والذكر قياما وقعودا واضطجاعًا على سبيل الدوام وإليه أشار بقوله والفكر والذكر على الدوام
واعلم أن الذكر أعظم أركان الطريق لأن المقصود منها تخليص القلب مما سوى الله تعالى وهو أعظمها فى ذلك لأن كثرته توجب استيلاء المذكور على القلب حتى لا يكون فيه سواه بل جميع الأركان تنشأ عنه لأنه يورث القلب نورا ساطعا به يزهد الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة ولذا قالوا
من أعطى الذكر فقد أعطى منشور الولاية
فالمداومة عليه دليل ولاية المشتغل به ولكونه أعظم الأركان وقع الحث عليه في القرآن المجيد أكثر من غيره من الأركان قال تعالى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ
1
وقال تعالى ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَدمَّا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَنطِلًا
سُبْحَنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
وقال تعالى ﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي حَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
1 سورة البقرة الآية ١٥٢ سورة آل عمران الآية ۱۹۱
۳
۳ سورة الأنعام الآية ٩١
سيدي أحمد الدردير

وقال تعالى إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ
1
وقال تعالى وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا وَأَنتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا
۳
وقال تعالى وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَر
٤
وقال تعالى وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ
إلى غير ذلك والذكر نوعان
T
الأول الذكر باللسان وهو شأن أصحاب البدايات فيجب عليهم موالاة الذكر باللسان مع تكلف الحضور بالقلب حتى يصير الحضور طبيعة له ولا يترك الذكر لوجود الغفلة فيه فلرب ذكر مع غفلة يرفعه إلى الذكر مع الحضور ولرب ذكر مع الحضور يرفعه إلى الذكر مع الغيبة عما سوى المذكور فإذا غاب عما سوى المذكور استغرق فى عين بحر الوحدة فيصير القلب حينئذ بيت الرب تعالى فينشأ عنه الذكر من غير قصد ولا تدبر لامتزاجه بروحه وجسمه
وأنواع الذكر اللسانى كثيرة منها التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن وغير ذلك وأسرعها إجابة للمبتدى لا إله إلا الله مفردة عن محمد رسول الله على التحقيق فيما عدا الختم فإذا أراد الختم ختم بها وفي بعض الطرق الشاذلية انه يذكرها على رأس كل مائة هذا إذا ذكر وحده أما إذا ذكر مع جماعة فلا يذكرها إلا عند الختم مع إخوانه ولهذا درج أرباب الطرق المحمدية على الاقتصار عليها
۹۸
۱ سورة الأنفال الآية ٤٥
سورة الشعراء الآية ۷
۳ سورة العنكبوت الآية ٤٥ ٤ سورة الأحزاب الآية ٣٥

فإذا كمل السالك فالأفضل له أن يضم معها محمد رسول الله والأفضل
مع
حينئذ الاشتغال بتلاوة القرآن ليتخلق به وتفاض عليه العلوم اللدنية أسراره فإن لم يكن يحفظ القرآن اشتغل بسماعه ممن يقرؤه وإن كان القارئ صاحب غفلة ويكون الأمر على حد قول العارف بالله تعالى سيدى عمر بن الفارض رضى الله عنه يا أخت سعد من حبيبي حبيتني برسالة أديتهـ ا بتلطف فسمعت ما لم تسمعى ونظرت ما لم تنظرى وعرفت ما لم تعرفي النوع الثاني الذكر بالقلب وهو شأن أرباب النهايات ومنه الفكر في بدائع المصنوعات وأعظمها للمراقبة الآتي بيانها
عمدة الأصول
وبعضهم يعد الأصول أكثر من ذلك وبعضهم يعدها أقل وفي الحقيقة كلها أمور لابد منها وعمدتها الذكر والصدق فى التوجه بمخالفة النفس في شهواتها ومقاساة الصبر على يد شيخ كامل
السالك والمعاصي
يقول الشيخ عن السالك مجتنبا لسائر الآثام
مجتنبا حال من فاعل خلص لسائر أى لجميع الآثام كبائرها وصغائرها ظاهرها كالقتل والزنا وشرب الخمر وأكل الحرام والغيبة والنميمة والنظر إلى محرم وغير ذلك وباطنها كالحسد والحقد والغرور والرياء والعجب والكبر والبخل والنفاق وحب الجاه والرياسة
مراقبة الله
مراقبا لله في الأحوال أى جميع أحوالك فإنك بالمراقبة ترتقى إلى
المشاهدة وبالمشاهدة ترتقى إلى المعاينة
۹۹

والمراقبة ملاحظة الحق تعالى عند كل شيء مثلا إذا لاحظته حال قصد النفس الوقوع في المعصية وجدته تعالى مطلعًا عليك فترجع عنها حياء منه وإذا لاحظته حال أكلك وجدته تعالى هو الذي ساق إليك ذلك الطعام من غير حول منك ولا وقوة لك ثم وجدته حرك يدك إلى تناوله وجعل فيك القدرة على رفعه لفمك ثم حرك فمك وأجرى فيه الريق ثم خلق فيك قوة اللذة فساقه إلى المعدة ثم رتب على ذلك قوة في جسمك ورباك فجعل منه للحم نصيبا وللعظم نصيبا وللعصب نصيبا وما فضل مما لا منفعة فيه أخرجه فتعلم بذلك أنه لا فاعل سواه فإذا قوى هذا المعنى فيك سمى وحدة الأفعال وصرت مشاهدًا لله في كل شيء فإذا قويت هذه المشاهدة حتى غبت عما سوى الله سميت معاينة ووحدة الذات فإذا زاد التمكين شاهدت بعد ذلك أنه خالق لعبده وما عمل وهذا معنى قولهم
مشاهدة الله قبل كل شيء وهذه أمور ذوقية من وراء طور العقل لا يعرفها إلا أهل العنايات والنفوس الله القدسية رضى عنهم وعنا بهم
من آداب السالكين
عليها
وعدم
ومن آداب هذه الطائفة التي يحصل بها الكمال ملازمة الطهارة والنوم كشف العورة المغلظة في الخلوات حياء من الله الملائكة ومن ومنها توقير الكبير والشفقة على الصغير والأرامل والمساكين بل على جميع الخلق
ومنها الأدب مع أهل العلم خصوصا خدمة الشريعة ومشايخ الطريق فإنهم ورثة الأنبياء
ومنها أن لا يزور أحدًا من الصالحين مادام تحت التربية قبل الكمال خوفا من أن يرى كرامة أو خُلقا في أحدهم لم يره في شيخه فيعتقد في
شيخه النقص فيحرم مدده

ومنها سوء الظن بنفسه وحسنه بغيره حتى يرى أن كل أحد أحسن
منه حالا
ومنها أن لا ينتصر لنفسه في أمر
ومنها أن يرى عبادته دائما قد دخلها الخلل من الرياء والخواطر الردية ومثلها يستحق عليها العقاب لولا مسامحة الله تعالى له فيستغفر من عبادته ومن استغفاره ومنها لا يتكلم بكلام العارفين من الفرق والجمع والفناء والبقاء
ما لم يكمل على أن الأولى للكامل ترك ذلك إلا لحاجة تقتضى ذلك ومنها محاسبة النفس على ما ارتكبته من المحرمات والمكروهات وفضول المباحات وعلى ما وقع في نفسه من الخواطر النفسانية والشيطانية والاستغفار منها
والفرق بين الخاطر النفسانى والشيطاني أن الأول يكون بإلحاح على المعصية أو الشهوة كالطفل الذى يلح على أمه حتى تعطيه ما يريد فيجب
قمعها عن ذلك بملازمة الذكر وبيان عاقبة هذا الأمر والتوجه إلى الشيخ والثاني يكون من غير إلحاح بل يأمر بالمعصية ويزينها فإن طاوعه الشخص وإلا انتقل لآخر لأن قصده الغواية على أى حالة تكون لا معصية
بخصوصها
وأما الفرق بين الخاطر الربانى والخاطر الملكى أن الأول ما فيه تنبيه على الخير من غير حث ولا يؤدى إلى حيرة
والثاني ما فيه حث على الطاعة
لترتقى معالم الكمال وقل بذل رب لا تقطعنى عنك بقاطع
ومنها مدح
أعدائه
وعدم التكدر من ذكرهم والدعاء لهم بالمغفرة
والتوفيق
۱۰۱

ومنها الدعاء لعصاة المؤمنين كذلك
ومنها مطالعة كتب القوم ليتعلم منها الأدب ويعرف منها حال أهل الله تعالى فبالآداب ترتقى إلى مقام الأحباب وأنشدنا شيخنا
ما وهب
الله لامرئ هبة
أحسن من
عقله
ومن
أدبه
هما حياة الفتى فإن عدما فإن فقد الحياة أجمل بـه
فإذا جاهدت النفس بما مر هان عليها إن شاء الله تعالى الخلوص من ظلمة الأغيار وتبدلت صفاتها المذمومة بالصفات الممدوحة فيخلع الحق تبارك وتعالى عليك خلع الأخلاق المحمدية من الحلم والعلم والشفقة والرأفة والخضوع والزهد والورع والسخاء وغير ذلك من مكارم الأخلاق كما أشرت إلى ذلك بقولى الترتقى معالم الكمال أي إلى معالم هي الأخلاق المحمدية وحينئذ يكون هذا العبد خليفة الله في أرضه
وهي
علامة صفاء القلب
الكمالات
وعلامة زوال الرعونات البشرية من القلب والتحلى بالأخلاق المرضية أن يستوى عنده المدح والذم والمنع والإعطاء وإقبال الناس عليه وإدبارهم بل يرجح الذم والمنع والإدبار على مقابلها وقل متضرعًا إلى ربك قولاً ملتبسا بذل فإن الله تعالى عند المنكسرة قلوبهم يا رب لا تقطعنى عنك بقاطع من كل فتنة يشتغل القلب بها عن العبودية من حب المال والولد والجاه
1
والشهوات إِنَّمَا أَمْوَلُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ
ولا تحرمني من سرك الأبهى المزيل للعمى زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ
۱ سورة التغابن الآية ١٥
۱۰

الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَدمِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَدعُ الْحَيَوةِ
1
الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَتَاب
يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَلَكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن
T
يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَتِبِكَ هُمُ الْخَسِرُونَ "
بعض القواطع عن الله
ومن القواطع الكبر والحقد والرياء والعجب
ومنها العبادة لأجل حصول ثواب أو حصول فتح لدنى ليكون من أولياء الله وإنما شأنهم أن يعبدوا الله تعالى لذاته وامتثالا لأمره ونهيه ثم إن حصل لهم فتح فذلك من فضله وإن حجبوا فذلك من عدله إذ ليس للعبد على مولاه حق وإنما الحق له تعالى على العبد فالعبد مطلوب بأن يخلص نفسه من الرعونات النفسية وليس على الله تعالى أن يهبه المعارف القدسية والذى يعبده لذلك معدود عندهم من عبيد السوء الذين إذا لم يؤجروا لم يعملوا وهذا ينافي كونه عبدًا محضًا قال العارف بالله تعالى ابن عطاء الله السكندرى في الحكم تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير من تشوفك إلى ما حجب عنك
من الغيوب

لا يقال إذا كانت العبادة لأجل الفتح من القواطع فكيف يصح أن تأمره بطلبه بقولك وقل بذل رب لا تقطعنى عنك بقاطع
مع
لأنا نقول طلب الفتح من فيض فضل الله تعالى لا في مقابلة شيء لكن الاستقامة أمر مطلوب شرعًا كطلبك منه سعة الرزق وصحة البدن
۱ سورة آل عمران الآية ١٤
سورة المنافقون الآية 4

والشفاء من الأمراض الحسية ألا ترى أنه أوجب عليك طلب الهداية في
كل يوم وليلة سبع عشرة مرة في قوله تعالى
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
وطلب منك ندبا غير ذلك فى النوافل كثيرًا بلا حد وهذا غير العبادة لأجل حصول شيء فإنها ليست طريق المقربين فافهم
النور الإلهى
و قل بذل يا رب لا تحرمنى بفتح التاء من حرم أو بضمها من أحرم بمعنى منع أى لا تمنعني من إعطاء سرك المراد به النور الإلهى الذى يفرق به العبد بين الحق والباطل في نفس الأمر المشار إليه بقوله تعالى يَتأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ
فُرْقَانًا
1
أى نورا في قلوبكم تميزون به بين الحق والباطل على ما هو عليه في نفس الأمر
الأبهى أي الأنوار من كل نور فإن علم اليقين وهو معرفة الأشياء بالبرهان نور وأنور منه حق اليقين وهو معرفتها بالمشاهدة من غير مخالطة وممازجة فليس من استدل على وجود نار برؤية الدخان كمن شاهدها على بعد وليس من شاهدها كمن خالطها وعلم وقودها وما هي عليه
المزيل للعمى يعنى الجهل
۱ سورة الأنفال الآية ۹
١٠٤

فائدة الدعاء
وفي كلامه إشارة إلى أن الدعاء ينفع وهو مما لا شك فيه عند أهل الحق والقرآن العظيم مشحون به وهو في السنة أكثر من أن خلافا يحصى
للمعتزلة
الا يكون بممتنع عقلاً أو شرعًا أو عادة ويجب
وينبغي أن يكون مصاحبًا للذل والانكسار وأن يكون في الأوقات الشريفة كالأسحار وعقب الصلوات وألا يكون فيه تحجير على الله تعالى كأن يسأل قضاء حاجة بخصوصها في هذا الوقت بعينه مثلا ما لم يشتد الكرب كالخلاص من ظالم مثلا ثم إن الدعاء في ذاته هو مخ العبادة لأن فيه إظهار الفقر والفاقة إلى الله تعالى وأن الله هو الغنى القادر على كل شيء وإن لم تحصل
استجابة
وعدم حصول الإجابة إما لتخلف شرط وإما لعلم الله أن
عدم الإجابة
خير
له أو غير ذلك
اللهم حسن الخاتمة
و قل بذل يا رب اختم لنا أعمالنا وأحوالنا وأعمارنا بخير حتى لا تقبضنا إليك إلا على أتم حالات التوحيد على شوق إليك ورغبة فيك واقبض أرواحنا بيدك وبدل سيئاتنا حسنات وخذ بأيدينا عند العثرات ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين
يا رحيم أي يا أرحم الرحما فيه إشارة وتلميح إلى قوله الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم

١٠٥

من في السماء ١ ولا يخفى ما فى الكلام من حسن الاختتام هذا وأقول
متمثلا بقول صاحب البردة
غير
استغفر الله من قول بلا عمل لقد نسبت به نسلا لذى عقم أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به وما استقمت فما قولى لك استقم نعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ومن الطمع في مطمع وجهنا إليك مطايا الآمال فلا تحرمنا لذة الوصال واحملنا على مطايا التوفيق واسلك بنا أنفع طريق إنك أنت الجواد الكريم الرءوف
6
الرحيم ولما كان تأليف هذا الكتاب والإقدار عليه من نعم الله تعالى وكان شكر المنعم واجبًا ختم كتابه بحمد الله تعالى بقوله
والحمد لله على الإتمام لهذا الكتاب ولما كانت كل نعمة وصلت إلينا ولاسيما نعمة علم التوحيد فهى بواسطته عليه الصلاة والسلام وجب عليه أن يصلى عليه بقوله
وأفضل الصلاة والسلام أى وأعظم أنواع النعم والتحية من رب البرية على النبي أى المخبر عن الله تعالى بطلب التوحيد وعبادة الواحد العدل في جميع الأمور بما يؤول إليه عاقبة أمر الممتثل وعاقبة أمر المخالف الهاشمي نسبة لهاشم جد أبيه عليه الصلاة والسلام الخاتم أي المتمم للأنبياء والمرسلين
و على آله أى أتباعه و على صحبه عطف خاص على عام الأكارم جمع أكرم فقد جادوا بأنفسهم في نصرة الله ورسوله مع ما اشتملوا عليه من الأخلاق الحسنة والرأفة والرحمة محمد رسول الله
۱ متفق عليه
١٠٦

من الله
والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدًا يبتغون فضلا ورضوانا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون رضى الله عنهم وعنا بهم آمين وسلام على
المرسلين والحمد لله رب العالمين
سبع وسبعين
أنهاه مؤلفه عفا الله عنه فى شهر جمادى الأولى سنة ومائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام
آداب الطريق أما عن آداب الطريق فإن الشيخ رضى الله عنه كتب كثيرا في متناثرات هنا وهناك ثم اختصه برسالة لطيفة سماها تحفة الإخوان في آداب الطريق وهذه الرسالة تنقسم إلى قسمين القسم الأول في آداب الطريق عامة أما القسم الثاني فإنه خاص بالطريقة الخلوتية ونحن هنا نذكر القسم الأول إنه يقول
بسم
الله الرحمن الرحيم وبه ثقتى واعتمادي الحمد لله الذي طهر قلوب أحبابه من ظلم الأغيار ونور بصائرهم بلطائف المعارف ولوامع الأسرار والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد أفضل الأخيار وعلى آله وأصحابه وأمته السادة الأبرار
C
وبعد - فهذه نبذة لطيفة فى بيان السير إلى الله الواحد القهار جعلتها تبصرة لإخواني وتذكرة لخلاني نفعنى الله تعالى وإياهم بأهل محبته وسقاني وإياهم كؤوس مودته
اعلم يا أخى أن الطريق عزيزة لا يهتدى فيها سوى المختار
وطريق القوم هي تقوى الله تعالى التى أمرنا بها في كتابه العزيز على لسان نبيه ورتب عليها سعادة الدارين وحصول المعارف والأسرار
1 الأغيار كل ما سوى الله
۱۰۷

الإلهية والتكفل بالرزق من غير مشقة وحكم سبحانه وتعالى أن كل من تمسك بها أكثر من غيره كان عند الله أكرم واتقوا الله ويعلمكم ! الله تعالى
يَتأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُواْ اللَّهَ وَعَامِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ
1
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَدَكُمْ "
وانظر إلى قوله تعالى أتقاكم ولم يقل أعملكم ولا أنسبكم ولا أصحبكم ولا أجملكم إلى غير ذلك
وفسر العلماء التقوى بأنها امتثال الأمر واجتناب النهي وقد أمر الله تعالى بأعمال باطنية تتعلق بالقلب وأعمال ظاهرية تتعلق بالجوارح الظاهرة ونهانا عن أمور باطنية وأمور ظاهرية
فالباطنية - التي أمرنا بها الإيمان بالله ورسوله وهو تصديق النبي في كل ما جاء به مما علم من الدين بالضرورة والإسلام وهو انقياد القلب وخضوعه لقبول الأحكام الشرعية والرضا بالقضاء والقدر والتسليم الله تعالى والصبر على البلوى واعتقاد أن كل نعمة عليك فهي منه تعالى والاعتماد على الله تعالى في جميع الأمور وحسن الخلق والتواضع والخضوع والخوف والرجاء فى الله تعالى والإخلاص فى العمل لله تعالى وحب تعالى ورسوله وأوليائه وبغض أعدائه من حيث إنهم أعداؤه وكف النفس
۱ سورة الحديد الآية ۸
سورة الطلاق الآيتان ٢ ٣
۳ سورة الحجرات الآية ١٣
الله
١٠٨

عن اتباع الهوى والشهوات ومحبة العبد لأخيه ما يحب ومحاسبة النفس على ما وقع منها من المخالفات
لنفسه
والباطنية - التي نهانا عنها الكبر والعجب والرياء وحب المحمدة والسمعة وحب الرياسة والجاه والتفاخر والحقد والبخل والحسد وهو تمنى زوال نعمة الغير عنه والمكر والشح وضد جميع ما تقدم
محمدا
البيت
وأما الظاهرية - التي أمرنا الله بها فشهادة أن لا إله إلا الله وأن عبد الله ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج للمستطيع وجميع الفروع المتعلقة بها وبقية الأحكام المذكورة في الفقه وأما الظاهرية - التي نهانا عنها فكثيرة
منها فعل الزنا وشرب الخمر وأكل أموال الناس بالباطل وقتل النفس وأذية الناس
ومنها الغيبة والنميمة والسب والطعن فى الأعراض وما يتعلق بذلك كله بما بينه الشرع الشريف فمن لم يتمسك بذلك فليس بمتق ومن يتمسك بها كان من المتقين وفتح له من التقوى معرفة الله عز وجل على الوجه الخاص عند أهل الله تعالى والأسرار الإلهية
والمكاشفات الخفية
ولما رأى أهل الله تعالى أن التمسك بالتقوى على الوجه الأكمل لا يتيسر للنفس إلا بأصول و آداب شرطوا على من أراد أن يتمسك بها تلك الأصول والآداب فالأصول ستة
أولها الجوع ولكن المبتدئ لا قدرة على ذلك غالبا فيلزم الصوم في
ابتداء أمره حتى ترتاض النفس على ذلك وفي الحديث
۱ مما أمرنا الله به
۱۰۹

يكفى ابن آدم من الطعام لقيمات يقمن صلبه
أو كما قال فبالجوع تنكسر النفس والله عند المنكسرة قلوبهم والثاني العزلة عن الخلق إلا لضرورة من علم أو بيع أو شراء لمن احتاج لذلك
والثالث الصمت ظاهرا وباطنا إلا عن ذكر الله تعالى
والرابع السهر للذكر والفكر وأقله من ثلث الليل الأخير إلى طلوع الشمس فعلم أن من شأنهم ترك فضول الطعام والكلام والمنام والخامس دوام الذكر الذى لقنه له شيخه لا يتجاوزه إلى غيره
إلا بإذنه والأولاد المخصوصة بطريق شيخه
والسادس الشيخ الذي سلك طريقهم وعلم ما فيها
وأما الآداب فهي كثيرة جدًا فنقتصر منها على المهمات بعضها يتعلق بحق الشيخ وبعضها يتعلق بحق الإخوان الذين معه في الطريق وبعضها يتعلق بحق العامة وبعضها آداب تتعلق بحق الشخص في نفسه وبالتي نذكرها يتيسر له إن شاء الله تعالى معرفة ما لم نذكره
فالآداب التي تطلب من المريد فى حق شيخه أوجبها تعظيمه وتوقيره
أنه
ظاهرا وباطنا وعدم الاعتراض عليه فى أى شيء فعله ولو كان ظاهره حرام ويؤول ما انبهم عليه وتقديمه على غيره وعدم الالتجاء لغيره من الصالحين فلا يزور وليا من أهل العصر ولا صالحا إلا بإذنه ولا يحضر مجلس غيره إلا بإذنه ولا يسمع من سواه حتى يتم سقيه من ماء سر شيخه وخطابي بهذا للصادقين المجدين المهتمين لا كل من تلقن الذكر عليه فهو مخطئ ويعلم من ذلك أنه ليس بشيخ في طريق أهل الله ومنها ألا يقعد وشيخه واقف ولا ينام بحضرته إلا بإذنه في محل الضرورات ككونه معه في مكان

ولا
يسبح
ومنها ألا يكثر الكلام بحضرته ولو بواسطة ولا يجلس على سجادته بسبحته ولا يجلس فى المكان المعد له ولا يلح عليه في أمر ولا يسافر ولا يتزوج ولا يفعل فعلا من الأمور المهمة إلا بإذنه ولا يمسك يده لسلام مثلا ويده مشغولة بشيء كقلم أو أكل أو شرب بل يسلم بلسانه وينتظر بعد ذلك ما يأمره به وألا يمشى أمامه ولا يساويه في مشى إلا بليل مظلم ليكون مشيه أمامه صونًا له من مصادفة ضرر وألا يذكره بخير عند أعدائه خوفا من أن يكون وسيلة لقدحهم فيه
ومنها أن يحفظه في غيبته كحفظه في حضوره وأن يلاحظه بقلبه في أموره سفرا وحضرًا لتعمه بركته
جميع

ومنها ألا يعاشر من كان الشيخ يكرهه أو طرده الشيخ عنه
وبالجملة يحب من أحبه الشيخ ويكره من يكرهه الشيخ
ومنها أن يرى كل بركة حصلت له من بركات الدنيا والآخرة فببركته ومنها أن يصبر على جفوته وإعراضه عنه ولا يقول لم فعل بفلان كذا ولم يفعل بي كذا وإلا لم يكن مسلما له قياده إذ من أعظم الشروط تسليم قياده له ظاهرا وباطنا أخاطب بذلك أهل الله الصادقين
ومنها أن يجعل كلامه على ظاهره فيمتثله إلا لقرينة صارفة عن إرادة الظاهر فإذا قال له اقرأ كذا أوصل كذا أو كذا وجب عليه المبادرة
صم
وكذا إذا قال له وهو صائم أفطر وجب عليه الفطر أو قال لا تصل كذا إلى
غير ذلك
واعلم أن الشيخ العارف ربما باسط تلامذته وخفف عليهم العبادة فإذا شم منهم رائحة الصدق والاجتهاد ربما شدد عليهم وأعرض عنهم وأظهر لهم الجفو لتموت أنفسهم عن الشهوات وتفنى فى حب الله تعالى وربما اختبرهم هل يصدقون معه أم لا
۱۱۱

ومنها ملازمة الورد الذي رتبه فإن مدد الشيخ في ورده الذي رتبه فمن
تخلف عنه فقد حرم المدد وهيهات أن يصح في الطريق الا يتجسس على أحوال الشيخ من عبادة وعادة فإن في ذلك
ومنها
هلاكه والله أعلم وألا يدخل عليه في خلوة إلا بإذنه وألا يرفع الستارة التي فيها الشيخ إلا بإذنه وإلا هلك كما وقع لكثير وألا يزوره إلا وهو على طهارة لأن حضرة الشيخ حضرة الله وأن يحسن به الظن في كل حال وأن يقدم محبته على محبة غيره ما عدا الله ورسوله فإنها المقصودة بالذات ومحبة الشيخ وسيلة لها وألا يكلفه شيئًا حتى لو قدم من سفر لكان هو الذي يسعى ليسلم عليه ولا ينتظر أن الشيخ يأتيه للسلام عليه وفي هذا القدر كفاية والموفق يقيس ما لم يقل على ما قيل
وأما الآداب التي عليه في حق إخوانه أن يكون محبا لهم كبيرهم وصغيرهم وألا يخصص نفسه بشيء دونهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه وأن يعودهم إذا مرضوا ويسأل عنهم إذا غابوا ويبتدئهم بالسلام وطلاقة الوجه وأن يراهم خيرا منه وأن يطلب منهم الرضا عنه وألا يزاحمهم على أمر دنيوى بل يبذل لهم ما فتح عليه به وأن يوقر الكبير ويرحم الصغير ويعضدهم على ذكر الله ويتعاون معهم على حب الله ويرغبهم فيما يرضى الله كافا عن عيوبهم مسامحا لهم فيما وقع منهم وليجعل رأس ماله مسامحة إخوانه ظاهرا وباطنا لا يعاتبهم على شيء صدر منهم يعادى من يعاديهم ويحب من يحبهم ويرشدهم إلى الصواب إن كان كبيرا ويتعلم منهم إن كان صغيرا ولا يوسع على نفسه وهم في ضيق ويخدمهم ولو بتقديم النعال لهم وأن يكون بشوشا لهم في مخاطبته ومجاوبته
۱۱

وأما الآداب التي تتعلق به في حق نفسه
"
فأن يكون مشغولاً بالله زاهدًا فيما سوى الله يحب كل ما أحبه الله ويكره كل ما نهى عنه مولاه غاضًا طرفه عن المحارم كريما سخيا ليس للدنيا عنده قيمة تاركاً لفضول الحلال كالتوسعة في المأكل والمشرب والملبس والمنكح والمركب مقتصرًا على قدر الكفاية إذا سافر لا يشتغل بسوى الضرورات مديم الطهارة فإنها نور لا ينام على جنابة ولا يفضى بيده إلى عورته إلا فى الضرورة مثل استنجاء أو غسل ولا يكشف عورته ولو بخلوة في ظلام ولا يطمع فيما فى أيدى الناس يفرح لإعراضهم عنه أكثر من إقبالهم عليه يحاسب نفسه على الدوام ويداوم على ذكر الله سرا وجهرًا ولابد من مجلس لنفسه يذكر فيه الاسم الذي تلقنه بهمة ونشاط يوبخ نفسه ويحثها على السير كلما وقفت ولا يأكل إلا حلالاً وهو ما جهل أصله وأكل الحلال منشأ كل خير وأكل الحرام لا ينشأ منه إلا المعاصى واسوداد القلب وأكل الشبهات لا ينشأ منه إلا أفعال مشوبة بالرياء والكبر ويكابد نفسه ويكفها عن النظر إلى الصور الجميلة من النساء والأحداث إذ كل ذلك قواطع من الله تسد باب الفتح أجارنا الله من ارتكابها
ومنها أن يأخذ بالأحوط فى العبادة ولا ينتظر بذكره وعبادته ثوابًا ولا فتحا وإنما يعبد الله لا يرجع عن ذلك فتح عليه أم لا وأن يكون متواضعًا لله نظيفا في ظاهره وباطنه صابرًا شاكرا عابدا ناسكا لكنه لا يشتغل إلا بأوراد الطريق وما أذن له الشيخ خائفا من الله راجيا عفوه عنه لا يرى لعبادته ولا ذكره وجودًا بل يرى أنه يستحق العقاب لولا فضل الله عليه وذلك لما يحصل فيها من رياء وسمعة فإن ارتقى للإخلاص والحضور خاف رؤية ذلك إذ هى من القواطع فإن ارتفع إلى الفناء عن رؤية الإخلاص لم يشاهد حينئذ إلا أن الفعل من الله فلم يكن له إيجاد

وإنما له مجرد اختيار وكسب بمعنى مقارنة قدرته المخلوقة لهذا الفعل المخلوق فلا ينسب فعل للعبد إلا من هذه الجهة فقط ومخاطبة العبد بافعلوا ولا تفعلوا إنما هو عند الله سدل الحجاب ورؤيتهم أنهم الفاعلون فالمعتزل حجابه كثيف والسنى تأمل فعرف الحق بالدليل والولى شاهد لما ارتقى إلى عين اليقين وأما الجبرى فقد أعرض عن تلك النسبة المتقدم ذكرها بالكلية فوقع فى جهل عظيم يلزمه لزوما بينا تكذيب الرسل فافهم هذه المسألة فكم وقع فيها من جهابذة وفحول
ومنها أن يكون توابا عن الخطرات والهفوات حتى يرتقى إلى مقام
المتطهرين
ثم لا يستحق الطرد إلا بذم الشيخ وطريقته أو بقلة احترامه للشيخ أو لعدم حضوره مجلسه من غير ضرورة وتكرر ذلك منه والشيخ ينهاه أو بتركه الفرائض كالجمعة أو كجمع الصلاة الأخرى اختيارا أو تكرر مع منه ذلك أو بتآمره على الشيخ أو بمجادلته ثم إذا طرده في الحقوق لا يطرد بالقلب بل في الظاهر لأنهم لا يحبون إتلاف الإنسان إلا إذا خرج عن دين الإسلام والعياذ بالله
وأما الآداب – التي في حق العامة
فالتواضع وبذل الطعام وإفشاء السلام والصدق معهم في جميع الأحوال
وأكثر ما تقدم من الآداب المتعلقة بالإخوان يجرى هنا والله أعلم وفي هذا القدر كفاية لكن لابد للمريد من مطالعة كتب القوم الموضوعة في الآداب ليتعلم أخلاق القوم منها فيسايرهم وذلك ككتب سيدنا عبد الوهاب الشعرانى رضى الله عنه كالعهود والمنن وغير ذلك وككتب سيدنا مصطفى البكرى رضى الله عنه وكالإحياء للغزالى ومختصره وكالحكم لابن عطاء الله والتنوير في إسقاط التدبير له وكرسالة
١١٤

القشيرى وكالسير والسلوك وغير ذلك وحاصل ما هنالك أن طريق القوم سداها هذه الآداب ولحمتها الذكر فلا يتم نسجها إلا بها
وللذكر آداب لابد من ملاحظتها أن يكون على طهارة كاملة من

المكان
الحدث وأن يستقبل القبلة إن كان وحده وإلا تحلقوا فإن ضاق بهم اصطفوا وأن يستحضر شيخه ويلاحظه ليكون رفيقه في السير إلى الله تعالى وهذا من أهم الآداب وأن يفرغ قلبه عما سوی الله حتى لا يطلب دنيا ولا ثوابًا ولا ترقيًا وإنما يذكر الله حبا في الله كما قال أحبك لا لي بل لأنك أهله وما لي في شيء سواك مطامع وأن يغمض عينيه لأنه أسرع في تنوير القلب وأن يكون المكان مظلما حتى لو كان هناك سراج أطفؤوه وأخرجوه إن كانوا في خاصة أنفسهم وأن يذكر بهمة تامة ويميل برأسه إلى الجهة اليمنى بلا ويرجع بإله إلى جهة صدره وبإلا الله إلى جهة القلب وهى اليسار وينتعها من سرته إلى قلبه حتى ينزل الجلالة على القلب لتحرق سائر الخواطر الرديئة ويحقق الهمزة ويمد الألف مـدا طبيعيا أو أكثر ويفتح الهاء من إله ويسكن الهاء من الله وكذلك الاسم الثانى وهو الله وكذا بقية الأسماء فينتعها من سرته وينزل بها على قلبه وأن يصغى حالة الذكر إلى قلبه مستحضرا للمعنى حتى كأن قلبه هو الذاكر وهو يسمعه ولا يختم حتى يحصل له نوع من الاستغراق بأن يحس من نفسه بحلاوة الذكر ويحصل له شوق وهيمان ثم إذا ختم سكت وعكـن واستحضر الذكر بإجرائه على قلبه مترقبا للوارد المذكور فلعله يرد عليه وارد في لمحة فيعمر وجوده ما لم تعمره المجاهدين ثلاثين سنة وهذا الوارد إما وارد زهد أو ورع أو تحمل أذى أو كشف أو محبة أو غير ذلك فإذا سكت وسكن وكتم نفسه مرارا دار الوارد في جميع عوالمه
١١٥

حتى
كأنه
قال الإمام الغزالي ولهذه السكتة ثلاثة آداب مراقبة الله بين يديه وأن يجمع حواسه بحيث لا تتحرك منه شعرة كحال الهرة عند اصطياد الفأرة وأن يزم نفسه مرارا حتى يدور الوارد في جميع عوالمه ويجرى على قلبه معنى الله ومن آداب الذكر تطييب المكان والبدن والفم وبعد الروائح الكريهة لأن الروحانيين لا يقبلون الروائح الكريهة فبانقطاعهم عن مجلس الذكر ينقطع المدد كما هو مشاهد بالذوق
ومن الآداب المؤكدة عدم شرب الماء أثر الذكر أو في أثنائه لأن للذكر حرارة تجلب الأنوار والتجليات الواردات وشرب الماء يطفئ تلك الحرارة وأقل ذلك أن يصبر نحو نصف ساعة فلكية وكلما أكثر كان أحسن حتى إن الصادق لا يكاد يشرب إلا عن ضرورة قوية هذا ما يتعلق بطريق القوم
على العموم
ثم يتحدث الإمام بعد ذلك فى الرسالة المذكورة عن أمور اختصت بها
فيما يرى الطريقة الخلوتية
١١٦

الفصل الخامس
أوراد سيدى أحمد الدردير

بين يدى الأوراد
يبدأ ورد سيدى أحمد بالمسبعات وتبتدئ المسبعات بـ
۱ - الفاتحة والفاتحة هي الفاتحة لكل مغلق إنها تفتح الأبواب الأقفال بإذن الله وهى أم القرآن وهي الشافية وهى
وتفتح
وهى الواقية وهى النور وهى
الشفاء
وقد ورد فيها من الأحاديث قول الرسول لأبي بن كعب
الكافية
أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل لا فى التوراة ولا في الإنجيل ولا في
الزبور ولا في الفرقان مثلها
قال أبي نعم
فقال ما تقرأ في الصلاة
قال فقرأت عليه أم القرآن
قال والذي نفسي بيده ما أنزل اله فى التوراة ولا في الإنجيل ولا في
الزبور ولا في الفرقان مثلها إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي
أعطيته
1
وروى البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري قال
كنا
في لنا فجاءت جارية فقالت إن سيد الحيى سليم لدغ
مسير
وإن نفرنا غيب فهل منكم راق فقام معها رجل ما كنا نأبه برقيه فرقاه فبرأ فأمر له بثلاثة شاء وسقانا لبنا فلما رجع قلنا له أكنت تحسن
رقية أو كنت ترقى
۱ رواه أحمد وغيره
۱۱۸

قال لا ما رقيت إلا بأم الكتاب
قلنا لا تحدثوا شيئًا حتى نأتي ونسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال
وما كان يدريه أنها رقية اقسموا واضربوا لي بسهم
وروى مسلم والنسائي عن ابن عباس قال
بينا رسول الله وعنده جبرائيل إذ سمع نقيضا ۱ فوقه فرفع
جبريل بصره إلى السماء فقال
هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط فنزل منه ملك فأتى النبي فقال أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لم تقرأ حرفا منها إلا أوتيته
- ثم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ
- ثم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ
وقد ورد فيهما ما رواه مسلم بسنده عن عقبة بن عامر قال قال رسول
الله
ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
الناسي و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ
وفي رواية لأحمد عنه قال
أمرني رسول الله الله أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة
وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
1 أى صوتا كصوت الباب إذا فتح
۱۱۹

إن الناس لم يتعوذوا بمثل هذين قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس
وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من أعين الجان وأعين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما
- ثم ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقد ورد فيها عن عائشة رضى الله عنها أن النبي بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي فقال سلوه لأى شيء يصنع ذلك فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي أخبروه أن الله تعالى يحبه
وروی
أحمد بسنده عن أنس قال
1
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أحب هذه السورة ﴿ قُلْ هُوَ
اللهُ أَحَدٌ فقال رسول الله حبك إياها أدخلك الجنة ه - ثم قُلْ يَتأَيُّهَا الْكَشْفِرُونَ وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لبعض أصحابه
اقرأ قُلْ يَتأَيُّهَا الْكَنفِرُونَ ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من
الشرك
٦ - ثم آية الكرسي وقد ورد فيها عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله أي آية في كتاب الله أعظم قال الله ورسوله أعلم فرددها مرارا ثم
قال آية الكرسي
قال ليهنك العلم أبا المنذر
۱ متفق عليه
۱۰

وروى الحاكم - بسنده - عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه آية الكرسى
وروى الإمام أحمد بسنده عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هاتين الآيتين اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ و المَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ إن فيها اسم الله الأعظم - ثم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وقد قال كثير من الصحابة عنها إنها المعنية بكلمة الباقيات الصالحات في الآية الكريمة
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَالْبَقِيتُ الصَّلِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا
1
وهي
أفضل
- ثم الصلاة على الرسول و كما وردت في التحيات صلاة على رسول الله فقد سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نصلى عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم
إنك حميد مجيد

ولقد أمر الله سبحانه وتعالى بالصلاة على رسوله فقال
آل
إنَّ اللهَ وَمَلَتَبِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيُّ يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
۳
۱ سورة الكهف الآية ٤٦
رواه أحمد وأصحاب الكتب سوى الترمذي
۳ سورة الأحزاب الآية ٥٦
۱۱

٩ ١٠ – ثم يتلو ذلك الدعاء بعد أن مهد له كل ذلك وأوجد جوا مناسبا للاستجابة ويتلو المسبعات بعض الأدعية الجميلة التي يستمتع
القارئ بقراءتها وتكاد تكون كلها من المأثورات
ثم ينطلق المؤلف من قوله تعالى
إنَّ اللهَ وَمَلَتيكتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيُّ يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا "
ينطلق منها إلى الصلاة على رسول الله
والقسم الثاني من أوراد سيدى أحمد هو الصلوات على رسول الله وهذه الصلوات ألوان شتى كلها جميلة منها
1 - الصلاة البحتة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل
اللهم صل على سيدنا محمد عدد ما في علم الله صلاة دائمة بدوام
ملك الله
أو
*
بكماله
أو
*
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد كمال الله وكما يليق
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد عبدك عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك
*
٢ - الصلاة على الرسول مع ذكر صفة من صفاته الكريمة مثل اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الناطق بالصدق والصواب وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد أفضل من أوتى الحكمة وفصل
الخطاب
۱ سورة الأحزاب الآية ٥٦

ومنها الصلاة على الرسول مع ذكر دعاء يتمنى المصلى
حصوله مثل
*
اللهم لك الحمد بقدر عظمة ذاتك
فصل وسلم وبارك على هذا النبي الكريم بقدر عظمة ذاتك
واجعلني من خاصة المحبوبين لديه
وعطفه على
اللهم آمين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وهب لنا قلبا شكورا وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد واجعل سعينا مشكورا
وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ولقنا نضرة وسرورًا وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد واسلك بنا سبيل الرشاد وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وابقنا بك لابنا في جميع
اللحظات
2
- بيد أن الصورة التي نريد أن ننبه إليها هي صورة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي صلاة وعبادة وهي تتضمن في الوقت نفسه توجيها في إصلاح النفس وإصلاح المجتمع وهذا النوع من الصلاة كثير عند أئمتنا منه فيما يتعلق بالإمام الدردير
قوله
۱ - اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد القائل
إنما الأعمال بالنيات
۱ متفق عليه
1
۱۳

- اللهم وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وأزل من قلوبنا حب
الرئاسة
وجميع الشهوات
- اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وأصلح ولاة أمورنا بالعدل
والسداد
٤ - اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي لم يرض بلين الفراش
ه - اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي تبرأ من الغاش ٦ - اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الآمر بالعدل والناهي عن

التفريط والإفراط
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الناهي عن التبذير
والإسراف
2
- اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة تزيل بها عنا الوهم والنفاق
۹ - اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أولى
البأس الشديد عند التلاق
۱۰ - اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد الذي
ما نطق عن الهوى
۱۱ - اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد الذي ما ضل عن الحق وما غوى
وكما ختم الإمام الدردير المسبعات بالدعاء فإنه ختم الصلوات بالدعاء وأتى بجملة منه في غاية النفاسة مثل
رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَأَغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
۱ سورة التحريم الآية
1

رَبَّنَا ءَامَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّهِدِينَ اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به
مناه
اللهم أرنا الحق حقا فنتبعه وأرنا الباطل باطلا فنجتنبه برحمتك يا أرحم الراحمين والحق أن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبي في المجتمع حاجات كثيرة إنها عبادة وهي عبادة من أكرم العبادة على الله
وهى تكميل للنقص فى الفرد حينما تكون مصحوبة بدعاء يخص
الداعي
وهي تذكير بما كان عليه الرسول من خلق كريم وهو الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق
وهي توضيح لكثير مما في المجتمع من رذائل تنبيها عليها واحتجاجا على إتيانها وتضرعًا إلى الله فى أن يهيئ الأسباب لإزالتها ومن هنا كانت استفاضة الإمام الدردير فى الصلوات على خير البشر حتى لقد رتبها على حروف الهجاء ليسهل تنوعها وليكون ذلك من
العوامل التي تيسر قراءتها
القسم الثالث من الأوراد
أما القسم الثالث فهو منظومته رضى الله عنه التي تبتدئ بـ
تباركت يا الله لك الثنا
ربی
ويختمها المؤلف بقوله
۱ سورة آل عمران الآية ٥٣
فحمدًا لمولانا وشكرا لربنا
١٢٥

وصل وسلم سيدى كل لمحة على المصطفى خير البرايا نبينا وصل على الأملاك والرسل كلهم والهم والصحب جمعا وعمنــا وسلم عليهم كلما قال قائل تباركت يا الله لك الثنا ربی فالشطر الأول الذي ابتدأت به هو الشرط الأخير الذي اختتمت به ثم أضاف إليها الذين أتوا بعد أبياتا للتوسل بمشايخ الطريقة
وهذه المنظومة راجت رواجًا كبيرًا فى جميع الأوساط الصوفية وهى تساير التوجيه القرآني يقول سبحانه
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بهَا
ويقول
1
T
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنُ أَيَّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ وقد شرحها الشيخ أحمد الصاوى الذى يعتبر المريد الأول للشيخ رضى الله عنهما ويقول في أوائل شرحه
لما كانت منظومة أسماء الله الحسنى لشيخنا وشيخ مشايخنا إمام العصر ووحيد الدهر القطب الشهير والشهاب المنير أبي البركات ومهبط الرحمات الذي عم فضله الكبير والصغير أحمد بن محمد الدردير المالكي العدوى الخلوتي عديمة النظير لاحتوائها على الدعوات الجامعة والأسرار اللامعة ولذلك
قال مؤلفها إن كل بيت منها حزب مستقل جامع لخيري الدنيا والآخرة صارف لسوئهما وهى آخر العلوم الإلهية التي ظهرت على لسانه وقد ألقيت عليه فى ليلة واحدة فقام من فراشه وكتبها
1 سورة الأعراف الآية ۱۸۰
سورة الإسراء الآية ١١٠
١٢٦

وقال العارفون أنفع علم يؤخذ عن أهل الله آخر كلامهم معارفهم وجوامع أسرارهم
وأخبرني أنه يقرؤها في اليوم والليلة ثلاث مرات
لأنه زبدة
وقد تعلق بها أتباعه وشاعت بينهم وامتزجت بأرواحهم وسرت
فيهم سريان الماء في العود الأخضر
وهاك الآن الأوراد مع المنظومة دون الزيادات التي ألحقت بها
۱۷
*
*
*

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد فهذه المسبعات العشر تروى عن الخضر عليه السلام وتروى عن سيدى محمد بن سليمان الجزولى صاحب دلائل الخيرات وجاز أن يكون رواها عن الخضر عليه السلام وهى من أوراد الطريق تقرأ صباحا ومساء أو كل يوم مرة أو كل جمعة مرة أو كل شهر مرة أو كل سنة مرة وهى الفاتحة سبعًا
بسم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ الرَّحْمَدن الرَّحِيم مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ سبعًا
بسم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إليهِ النَّاسِ مِن شَرَ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ سبعًا بسم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّقْدِقَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن
شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ سبعًا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدُ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ
۱۸

يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ
قُلْ يَتَأَيُّهَا الْكَنفِرُونَ سبعًا
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿ قُلْ يَتَأَيُّهَا الْكَنفِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ
O
وَلَا أَنتُمْ عَدِيدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلَا أَنتُمْ
عيدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِى دِينِ
وآية الكرسي سبعًا
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم سبعًا
آل
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد سبعا
اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات سبعا
اللهم افعل بي وبهم عاجلاً وآجلاً في الدين والدنيا والآخرة ما أنت له أهل ولا تفعل بنا يا مولانا ما نحن له أهل إنك غفور حليم جواد كريم
رؤوف
رحيم سبعا ثم يقول
سيدى أحمد الدردير ۱۹

رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك
من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ثلاثا اللهم إني أعوذ بك من الفقر والعيلة وأعوذ بك من كل بلية اللهم إني أعوذ بك من الفقر إلا إليك ومن الذل إلا لك ومن الخوف إلا منك وأعوذ بك أن أقول زورا أو أغشى فجورًا أو أكون بك مغرورا وأعوذ بك من شماتة الأعداء وعضال الداء وخيبة الرجاء وزوال النعمة وفجأة النقمة اللهم إني أعوذ بك من شر الخلق وهم الرزق وسوء الخلق اللهم إني أعوذ بك من العطب والنصب وأعوذ بك من وعثاء السفر وسوء المنقلب اللهم إني أعوذ بك من الزيغ والجزع وأعوذ بك من الطمع في غير مطمع اللهم إني أعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما
بطن ثلاثا
من جميع
6
أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا اللهم إني أعوذ بك من أن أظلم أو أظلم أو أبغى أو يبغى على أو أطغى أو يطغى على اللهم إني أعوذ بك من الشك والشرك الظاهر والخفى والظلم والجور منى وعلى اللهم اجعلني منك في عياذ منيع وحرز حصين خلقك حتى تبلغنى أجلى معافا من كل بلية في ديني ودنياي وبدني وأهلي وأصحابى وأحبابي يا رب العالمين اللهم إني أسألك لى ولهم من كل خير سألك منه محمد نبيك ورسولك وأعوذ بك من كل شر استعاذك منه محمد نبيك ورسولك ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما اللهم اجعل أفضل صلواتك أبدا وأنمى بركاتك سرمدًا وأزكى تحياتك فضلاً وعددًا على أشرف
۱۳۰

وصحبهم
الخلائق الإنسانية ومجمع الحقائق الإيمانية وطور التجليات الإحسانية ومهبط الأسرار الرحمانية واسطة عقد النبيين ومقدم جيش المرسلين وقائد ركب الأنبياء المكرمين وأفضل الخلق أجمعين حامل لواء العز الأعلى ومالك أزمة المجد الأسنى شاهد أسرار الأزل ومشاهد أنوار السوابق الأول وترجمان لسان القدم ومنبع العلم والحلم والحكم مظهر سر الجود الجزئى والكلى وإنسان عين الوجود العلوي والسفلى روح جسد الكونين وعين حياة الدارين المتحقق بأعلى رتب العبودية المتخلق بأخلاق المقامات الاصطفائية الخليل الأعظم والحبيب الأكرم سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وعلى آلهم أجمعين كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرهم الغافلون اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد شجرة الأصل النورانية ولمعة القبضة الرحمانية وأفضل الخليقة الإنسانية وأشرف الصورة الجسمانية ومعدن الأسرار الربانية وخزائن العلوم الاصطفائية صاحب القبضة الأصلية والبهجة السنية والرتبة العلية من اندرجت النبيون تحت لوائه فهم منه وإليه وصلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه عدد ما خلقت ورزقت وأمت وأحييت إلى يوم تبعث من أفنيت وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين اللهم صل على من منه انشقت الأسرار وانفلقت الأنوار وفيه ارتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق ولا لاحق فرياض الملكوت يزهر جماله مونقة وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة ولا شيء إلا وهو به منوط إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط صلاة تليق بك منك إليه كما أهله اللهم إنه سرك الجامع الدال عليك وحجابك الأعظم القائم لك بين يديك اللهم ألحقني بنسبه وحققنى بحسبه وعرفني إياه معرفة أسلم بها من موارد الجهل وأكرع بها من مواهب الفضل واحملني على سبيله إلى
6
هو
۱۳۱

حضرتك حملاً محفوفًا بنصرتك واقذف بي على الباطل فأدمغه وزج بي في بحار الأحدية وانشلنى من أوحال التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها واجعل الحجاب الأعظم حياة روحي وروحه حقيقتى وحقيقته جامع عوالمی بتحقيق الحق الأول يا أول يا آخر يا ظاهر یا باطن اسمع ندائى بما سمعت به نداء عبدك زكريا وانصرنى بك لك وأيدني بك لك واجمع بيني وبينك وحل بيني وبين غيرك الله الله الله
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَآدُكَ إِلَى مَعَادٍ
1
رَبَّنَا ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
T
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما اللهم صل على الذات المحمدية اللطيفة الأحدية شمس سماء الأسرار ومظهر الأنوار ومركز مدار الجلال وقطب فلك الجمال اللهم بسره لديك وبسيره إليك آمن خوفى وأقل عثرتي وأذهب حزني وحرصى وكن لى وخذني إليك منى وارزقنى الفناء عنى ولا تجعلني مفتونا بنفسي محجوبا بحسى واكشف لى عن كل سر مكتوم يا حى يا قيوم اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وآدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وما بينهم من النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا جبريل ومكائيل وإسرافيل والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين اللهم صل على سيدنا محمد بحر أنوارك ومعدن أسرارك ولسان حجتك مملكتك وعروس وإمام حضرتك وطراز ملكك وخزائن رحمتك وطريق شريعتك المتلذذ
۱ سورة القصص الآية ٨٥
سورة الكهف الآية ١٠
۱۳

بتوحيدك إنسان عين الوجود والسبب فى كل موجود عين أعيان خلقك المتقدم من نور الوجود والسبب في كل موجود عين أعيان خلقك المتقدم من نور ضيائك صلاة تدوم بدوامك وتبقى ببقائك لا منتهى لها دون علمك صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا رب العالمين
ملك اللهم صل على سيدنا محمد عدد ما في علم الله صلاة دائمة بدوام الله ثلاثا اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات وتقضى لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات وترفعنا بها أعلى الدرجات وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات ثلاثا
اللهم صل على سيدنا محمد صلاة الرضى وارض عن أصحابه رضاء الرضى ثلاثا
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الرءوف الرحيم ذى الخلق العظيم وعلى آله وأصحابه وأزواجه في كل لحظة عدد كل حادث وقديم
ثلاثا
لما
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم سبق والناصر الحق بالحق والهادى إلى صراطك المستقيم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه حق قدره ومقداره العظيم ثلاثا
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النور الذاتي والسر السارى في سائر الأسماء والصفات ثلاثا
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد كريم الآباء والأمهات ثلاثا

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد كمال الله وكما يليق بكماله ثلاثا
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد إنعام الله وإفضاله ثلاثا
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله كما لا نهاية لكمالك وعد كماله ثلاثا
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله صلاة تليق بجماله وجلاله وكماله وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأذقنا بالصلاة عليه لذة وصاله
اللهم صل على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان
وشفائها ونور الأبصار وضيائها وعلى آله وصحبه وسلم ثلاثا اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي الحبيب العالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وصحبه وسلم ثلاثا اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم عدد ما فى السموات وما فى الأرض وما بينهما واجر يا رب لطفك الخفي في أمورنا والمسلمين أجمعين ثلاثا اللهم صل على سيدنا محمد صلاة أهل السموات والأرضين عليه وأجر
يا رب لطفك الخفى فى أمرى والمسلمين ثلاثا
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى
آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
آله
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وأزواجه أمهات المؤمنين وعلى
وصحبه أجمعين
١٣٤

اللهم صل على سيدنا محمد النبى الأمى الطاهر المطهر وعلى آله وصحبه وسلم
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ذى المعجزات الباهرة وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ذى المناقب الفاخرة وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد في الدنيا والآخرة وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وخلقنا بأخلاقه الطاهرة
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وأعطه الوسيلة والفضيلة وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ذي المقامات الجليلة وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وخلقنا بأخلاقه الجميلة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وهب لنا قلبا شكورا وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد واجعل سعينا مشكورا وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ولقنا نضرة وسروراً وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وألق علينا منك محبة ونورا وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وهب لنا سرا بالأسرار مسروراً اللهم صل وسلم على سيدنا محمد الصادق الأمين وصلّ وسلم على سيدنا محمد الذي جاء بالحق المبين وصلّ وسلم على سيدنا محمد الذي أرسلته رحمة للعالمين وصلّ وسلم على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى آلهم وصحبهم أجمعين كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى سائر أنبيائك وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى ملائكتك وأوليائك من أهل أرضك وسمائك عدد ما كان وعدد ما يكون وعدد ما هو كائن في علم الله أبد الآبدين ودهر الداهرين واجعلنا بالصلاة عليهم من الصديقين الآمنين يا رب العالمين
۱۳۵

حرف الهمزة
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما في الأرض والسماء وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع الملائكة والأنبياء وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وعلى سائر العلماء والأولياء وصلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله صلاة تملأ سائر الأقطار والأرجاء وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وحققنا بحقائق الصفات والأسماء وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله صلاة تقينا بها شر الحساد والأعداء

حرف الباء
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الناطق بالصدق والصواب وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد أفضـل مـن أوتـى الحكمة وفصل الخطاب وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد باب الأبواب ولباب اللباب وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وأزل عن قلوبنا بنوره ظلمة الحجاب وصل وسلم وبارك على سيدنا وألهمنا الحكمة والصواب وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد واسقنا من لدنك صافى الشراب وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وفهنا أسرار الكتاب وصل وسلم وبارك على سيدنا وأدخلنا حظيرة القدس في جملة الأحباب وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى سائر الأنبياء والأصفياء والآل
محمد
محمد
والأصحاب
١٣٦

حرف التاء
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي جاء بالآيات البينات وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد المؤيد بجلائل المعجزات وصلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد القائل إنما الأعمال بالنيات وصلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد السارى سره في سائر الكائنات وصلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وكفر بها عنا السيئات وصلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وأيدنا بالكرامات وصلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وجملنا بجميل الصفات وصلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وأزل من قلوبنا حب الرياسة وجميع الشهوات وصلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وأنعم علينا بتجلى الأسماء والصفات وصلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وأغرقنا في عين بحر الوحدة السارية في جميع الموجودات وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وأبقنا بك لا بنا في جميع وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وانشر علينا نعمتك المخصوصة بأهل العنايات وصلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وأذقنا لذة تجلى الذات وأدمها علينا ما دامت الأرض والسموات وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته وعلى كل من صدق رسالته والطف بنا وبوالدينا وبسائر المسلمين والمسلمات في الحياة وبعد الممات
حرف الثاء
اللحظات
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد كل قديم وحادث وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد صلاة يعم نورها جميع الحوادث وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ما صدق صادق ونكث ناكث وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد واكفنا شر الحوادث
سيدى أحمد الدردير ١٣٧

حرف الجيم
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد المخصوص بالإسراء والمعراج وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وتوجنا من القبول أبهج تاج صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المحفوظين من الأعوجاج
حرف الحاء
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد زين الملاح وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد معدن الجود والسماح وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما تعاقب الغدو والرواح وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد إمام أهل حضرة الكريم الفتاح وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد واجعلنا بالصلاة عليه من أهل الفوز والفلاح وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أولى الفضل والرباح
حرف الخاء
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي بسره استقامت البرازخ وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد كل منسوخ وناسخ وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعمر قلوبنا بالنور الراسخ صل الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم في محبته كالجبال الرواسخ
حرف الدال
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد أشرف داع إلى الله وهاد وصل وسلم وبارك على محمد واسلك بنا سبيل الرشاد وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد واخلع علينا خلع الرضوان والوداد وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وتوجنا بتاج القبول بين العباد وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وارأف بنا رأفة الحبيب بحبيبه يوم التناد وصل وسلم وبارك
۱۳۸

على سيدنا محمد وانشر طريقتنا فى البلاد وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعمر بسواطع أنوارها كل من اشتغل بها من كل حاضر وباد وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وقنا شر الحساد وأهل البغي والعناد وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وأصلح ولاة أمورنا بالعدل والسداد وصل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ذوى الفضل والإمداد
حرف الذال
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد أستاذ كل أستاذ وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ملاذ كل ملاذ وصل وسلم وبارك على سيدنا - محمد وعلى آله وأصحابه وأعذنا من كل ما منه استعاذ
حرف الراء
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد معدن الأسرار وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد مظهر الأنوار وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما أظلم عليه الليل وأضاء عليه النهار وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وقنا عذاب النار وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه السادة الأخيار
حرف الزاى
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي تشرفت به أرض الحجاز وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي من اتبعه فقد فاز وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد واكشف لنا عن أسرار المنع والجواز وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه المختصين
بحسن المفاز
۱۳۹

حرف السين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد طيب الأنفاس وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وابسط لنا الرزق واغننا عن الناس وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وطهرنا من الأدناس وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الذين أزلت عنهم الالتباس
حرف الشين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي لم يرض بلين الفراش وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي كان من خلقه البشاش وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي تبرأ من الغاش وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وارزقنا ببركته طيب المعاش
حرف الصاد
الأمر
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد بالتقوى والإخلاص وصل وسلم وبارك على محمد وعلى آل سيدنا محمد واجعلنا بالصلاة عليه من عبادك الخواص وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أولى القرب والاختصاص
حرف الضاد
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد الذي أزهرت ببركته الرياض وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صاحب المدد الفياض وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد الذى أعرض عما سوى الله كل الإعراض وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وانزع من قلوبنا حب
١٤٠

الشهوات والأغراض وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وأصحابه المطهرة قلوبهم من الأمراض
حرف الطاء
وعلى آله
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد الهادى إلى سواء الصراط وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد الآمر بالعدل والناهي عن التفريط والإفراط وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلمنا ببركته من الانحطاط وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الذين ربطوا قلوبهــم بمحبـتـه كـل
الارتباط
حرف الظاء
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد عدد کل محفوظ وحافظ وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد عدد كل موعوظ وواعظ وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الذين اتعظوا منه بجميل المواعظ
حرف العين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النور الساطع وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي تلتذ بحديثه المسامع وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي هو لكل خير جامع وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وأزل عن قلوبنا البراقع وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الذين كان مجمعهم خير
المجامع
١٤١

حرف الغين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صاحب الرسالة والبلاغ وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة تملأ السموات والفراغ
حرف الفاء
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد الآمر بالعدل والانصاف وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد الناهي عن التبذير والإسراف وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد البحر الخضم الذى منه الاغتراف وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وأسعفنا به كل الاسعاف وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الذين ارتشفوا من فیض نوره جميل الارتشاف
حرف القاف
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد خير خلق الله على الإطلاق وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة تزيل بها عنا الوهم والنفاق وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة تدخلنا بها حضرة الإطلاق وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أولى البأس الشديد
عند التلاق
حرف الكاف
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ما تحركت الأفلاك وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا
محمد عدد تسبيح الأملاك
١٤٢

حرف اللام
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد بطل الأبطال وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد معدن الجود والنوال وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وأذقنا لذة الوصال وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه كملة الرجال
حرف الميم
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد السيد الهمام وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد أفضل الرسل الكرام عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام على ممر الليالي والأيام وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة تنجينا بها من الشكوك والأوهام وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الأئمة الأعلام
حرف النون
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد سيد الأكوان وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة تملأ الأمكنة والأزمان وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة نرتقى بها إلى مقام المعرفة والإحسان وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الأئمة الأعيان
حرف الهاء
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد العالى القدر العظيم الجاه وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وأطلعنا على أسرار لا إله إلا الله
١٤٣

حرف الواو
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد الذي ما نطق عن الهوى وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد الذي ما ضل عن الحق وما غوى وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وألبسنا بالصلاة عليه لباس التقوى وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وطهرنا بها من الشكوى والدعوى وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وكف عنا بها الأسواء والبلوى وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد والطف بنا ببركتها في السر والنجوى
حرف اللام ألف
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ذي المقام الأعلى والسر الأجلا وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد في الخلا والملا وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد سيد أهل العلا وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد واكشف لنا عن مقامات الولا والاستجلا
حرف الياء
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى كل نبي وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى كل ملك وولى وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى كل عالم وتقى وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وعلى سائر المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وتابع بيننا وبينهم بالخيرات والبركات إنك قريب مجيب
الدعوات يا رب العالمين
١٤٤

لقائك ربنا أتمم لنا
اللهم اجعل خير أ أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدیر ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا
الرسول فاكتبنا مع
الشاهدين
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم
به منا
اللهم أرنا الحق حقا فنتبعه وأرنا الباطل باطلا فنجتنبه برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك
اللهم يسر
لنا أمورنا مع الراحة لقلوبنا وأبداننا والسلامة والعافية في ديننا ودنيانا وآخرتنا إنك على كل شيء قدير
اللهم ارزقنا حسن التوكل عليك ودوام الإقبال عليك واكفنا شر وساوس الشيطان وقنا شر الإنس والجان واخلع علينا خلع الرضوان وهب لنا حقيقة الإيمان وتول قبض أرواحنا عند الأجل بيدك مع شدة الشوق إلى لقائك يا رحمن اللهم إنا نسألك علما نافعا وقلبًا خاشعًا ونورا ساطعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وأسألك الغنى عن الناس رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولى رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلنى برحمتك في عبادك الصالحين رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله
العالمين
رب
١٤٥

منظومة سيدى أحمد الدردير
تباركت يا الله رب لك الثنها ربی فحمدًا لمولانا وشكراً لربن بأسمائك الحسنى وأسرارها التي أقمت بها الأكوان من حضرة الفنا فندعوك يا الله يا مبدع الورى يقينا يقينا الهم والكرب والعنا و یا رب یا رحمان هبنا معارفاً ولطفا وإحسانا ونوراً يعمنا وسر یا رحيم العالمين بجمعنا إلى حضرة القرب المقدس واهدنا ويا مالك ملك جميع عوالمـــــــى الروحى وخلص من سواك عقولنا
وقدس أيا قدوس نفسـي مـن الهـوى وسلم جميعـي يـا ســلام مـن الضنــا ويا مؤمن هب لى أمانا و وجمل جنانی یا مهيمن بالمنا
وبهجة
وجد لي بعز يا عزيز وقوة وبالجبر يا جبار بدد عدونا
وكبر شئونى فيك يا متكب
ويا خالق الأكوان بالفيض عمنا ويا بارئ احفظنا من الخلق كلهم بفضلك واكشف يا مصور کربنا وبالغفر يا غفار محص ذنوبنا وبالقهر يا قهار اقهر عدونا وهَب لى أيا وهاب علما وحكمة وللرزق يا رزاق وسع وجد لنـــــا وبالفتح يا فتاح عجل تكرما وبالعلم نور يا عليم قلوبنا
ویا قابض اقبضنا على خير حالة ویا باسط الأرزاق بسطاً لرزقن ويا خافض اخفض لى القلوب تحببًا ويا رافع ارفع ذكرنا وقدرنا وبالزهد والتقوى معـ معز أعزنا وذلل بصفو يا مذل نفوس ونفذ بحق يا سميع مقالتي وبصر فؤادي يا بصير بعيبنا
ـنا
١٤٧

ويا حكــم يـا عـدل حكم قلوبنــا بعدلك في الأشيا وبالرشد قونا وحف بلطف يا لطيف أحبتى وتوجهموا بالنور كي يدركوا المني وكن يا خبيرا كاشفا لكروبنـــــا وبالحلم خلق يا حليم نفوســــــنا وبالعلم عظم یا عظیم شئوننا وفي مقعد الصدق الأجل أحلنا غفور شكور لم تزل متفضلا فبالشكر والغفران مولای خصنا على كبير جل عن وهم واهم فسبحانك اللهم عن وصف من جنى وكن لى حفيظا يا حفيظ من البلا مقيت أقتنا خير قوت وهننا وأنت غياثي يا حسيب من الردى وأنت ملاذي يا جليل وحسبنا وجد یا كريما بالعطا منك والرضا وتزكية الأخلاق والجود الغنى رقيب علينا فاعفُ عنا وعافنا ويسر علينا يا مجيب أمورنا ويا واسعا وسع لنا العلم والعطا حكيمًا أنلنا حكمة منك تهدنا ودُودُ فَجد بالود منك تكرما علينا وشرف یا مجید شئوننا ويا باعث ابعثنا بخير حالة شهيد فأشهدنا علاك بجمعنا ويا حق حققنا وكيل توكلنا عليك بك اكفنا قوی متین قو عزمی و همتی ولى حميد ليس إلا لك الثنـــــا ويا محصى الأشياء يا مبدى الورى تعطف علينا بالمسرة والهنا أعدنا بنور يا معيد وأحينا على الدين يا محيى الأنام الفنــا مميت أمتنى مسلما وموحــــــدا وشرف بذا قدرى كما أنت ربنا ويا حي يا قيــــوم قـوم أمورنا ويا واجد أنت الغني فأغننا ويا ماجد شرف بمجدك قدرنا ويا واحد فرج كروبي وغمنا ويا صمد فوضت أمري إليك لا تكلنى لنفسي واهدنا رب سبلنا
مقدس بسر
١٤٨

ویا قادر اقدرنا على صدمة العدا ومقتدر خلص من الغير سرنا وقدم أمورى يا مقدم هيبــة وأخر عدانا يا مؤخر بالعنا ويا أول من غيــر بــدء وآخر بغير انتهاء أنت في الكل حسبنا
ويا ظاهرا في كل شيء شئونه ويا باطنا بالغيب لا زلت محسنا ويا واليا لسنا لغيرك ننتم فبالنصر يا متعاليا كن معزنا ویا بیا تواب جد لي بتوبة نصوح بها تمحو عظائم جرمنا ومنتقم هاك انتقم من عدونا عفو رءوف عافنا وارأفـــن بنـــــا ويا مالك الملك العظيم بقهره ويا ذا الجلال الطف بنا في أمورنا ويا مقسط بالاستقامة قونا ويا جامع فاجمع عليك قلوبنـــــا غنى ومغن أغننا بك سيدى و مانع امنع كل كرب يهمنا
ويا ضار ضر المعتدين بظلمهم ويا نافع أنفعنا بنور دینن ویا نور نور ظاهری وسرائری بحبك يا هادى وقوم طريقنا بديع فأتحفنا بدائـــع حكمـــــة ويا بقيا بك ابقنا فيك أفننا ويا وارثا ورثنى علما وحكمــة رشيد فأرشدنا إلى طرق الثنا وأفرغ علينــا الصبر بالشكر والرضا وحسن يقين يا صبور ووفنــــــا بأسمائك الحسنى دعوناك سيدى تقبل دعانا ربنا واستجب لنا بأسرارها عمر فؤادى وظاهری وحقق بها روحى لأظفر بالمني ونور بها سمعى وشمى وناظری وقو بهـا ذوقـــى ولمسي وعقلنــا ربهــا أمـــرى وقـــــو عزائمى وزك بها نفســـي وفــــرج كـوبنـــــا
بها علمی ورزقی و همتی وحسن بها خَلْقى وخُلقى مع الهنه وهب لى بها حباً جليلاً مجملاً وزدني بفرط الحب فيك تفننا
١٤٩

الفنا
وهب لى أيا رباه كشفا مقدسا لأدرى به سر البقاء مع ا وجد لى بجمع الجمع فضلاً ومِنَّة وداو بوصل الوصل روحى من الضنا وسر بي على النهج القويم موحدا وفي حضرة القدس المنيع أحلنــــــا ومن علينا يا ودود بجذبـــــــة بها نلحق الأقوام من سار قبلنا وصل وسلم سـيـدى كـل المـحـــة على المصطفى خير البرايا نبينا وصل على الأملاك والرسل كلهم وآلِهمو والصَّحْبِ جمعا وعُمنا وسلم عليهم كلما قال قائل تباركت يا الله لك الثنا
ربی
١٥٠

خاتمة
من المسائل التي تدعو إلى إنعام النظر السؤال التالي
هل كان سيدى أحمد الدردير خلوتيا فحسب
إنه كان خلوتيا ما في ذلك ريب بيد أن كبار المشايخ لا تحكمهم طريقة حقيقة إنه لابد للمريد من أن يلتزم طريقة واحدة مادام مريدا سالكا وإلا تشعبت به السبل وتخبط في طريقه ولم ينتفع بسيره إنه لابد للمريد من طريقة واحدة
أما الأساتذة الكبار فإنهم أكبر من أن تقيدهم طريقة ولذلك تجدهم يأخذون العهد على بعض من يرون فيه أنوار الله استعدادًا للنور من مصادر عدة ولهم مع ذلك أصالتهم وأنوارهم
وسيدي أحمد الدردير من هؤلاء الأساتذة الكبار وطابعـه العـام
الخلوتية
ومع
هذا الطابع العام فقد ألف رسالة فى شرح شعار السادة الوفائية
سماها مشكاة الأسرار في بيان معاني
یا مولای یا واحد یا مولای یا دائم یا علی یا حکیم
شعار السادة الوفائية
وفيها يقول
يقول العبد الفقير والراجي رحمة القدير أحمد بن محمد الدردير
C
المالكي الخلوتي
١٥١

الحمد لله الذي أدخل أهل الوفا رياض الأنس والصفا وسقاهم من كئوس محبته شرابا طهورا وأزال عنهم الجفا وجعلهم من أهل الخفا وأولاهم من جميل مودته لواء الخافقين منشورا
ويقول في الرسالة المذكورة
وبعد فقد التمس منى بعض الأحباب الذين لا تسعنى مخالفتهم أن أتكلم على بعض شيء مما حواه قول العارف الأكبر والعلم الأشهر والغوث الفرد الجامع الأنوار مَنْ أجمع العلماء والعارفون على إمامته وصديقيته وأنه القطب الأوحد والسيد الأمجد سيدى محمد وفا أبو العارف الأكبر سيدى على وفا الأنوار رضى الله عنه وعن والديه وأولاده وعَنا بهم آمين وهو قوله في توجهاته وتوسلاته وتنقلاته في حزبه وأحواله
یا مولای یا واحد یا مولای یا دائم یا علی یا حکیم ما سر اختياره لهذه الأسماء بخصوصها وما سر ترتيبها وما سر كثرة استعمالها في تلك الأطوار حتى صارت من شعاره وشعار آل بيته وأتباعه يوم القيامة فأجبته متطفلا على باب كرمه لما لى من نسبة بساداتنا بنى الوفا في العالم الروحاني وتمسكاً بحبل بـركاتهم في المعدن
إلى
الجسماني
إنه – كما يقول له نسبة إلى السادة الوفائية في العالم الروحاني ويتمسك بحبل بركتهم في المعدن الجسماني
وحينما يبدأ الشرح يقول فى الإمام القطب سيدى محمد وفا
فأقول مستمدا من الله ومن بركة هذا الإمام الجامع
لعل هذا القطب الفرد لما أدخله الله تعالى في مخدع التقريب وأجلسه
6
في منصة القدس وخلع عليه خلع الرضا وتوجه بتاج الكمال والبهاء
١٥٢

وسقاه من صافى خمرة وداده فعرفه نفسه وما يليق بها من آداب العبادة
فعرف ربه بما يليق بجلال جماله وجمال جلاله في حضرة القدس الأنزه فقام بذلة العبد بين يدى المعبود وهذا المقام هو المقام المحمود يستحقه الوارث بالوراثة من حضرة محمد فهو المقام المحمدى الأحمدى خاطب ربه تعالى بهذا الخطاب العجيب تلذذا بمقام التقريب واختار الخطاب بهذه الأسماء لما فيها من تمام الأنس والتلذذ بلذيذ ذكرها ولما فيها من القيام بحق المعبود والعبد على ما سيظهر – إن شاء الله تعالى - في شرحها
والسادة الوفائية شاذلية
إنه مما لا شك فيه أن الإمام الدردير بقى خلوتيا بحثا خالصا لا شائبة فيه لغيره منذ سنة ١١٦٠ هـ إلى سنة ١١٧٣ هـ أي في هذه الفترة التي كان فيها مريدًا ولكنه بعد أن أخذ المشيخة وأصبح أستاذا ماذا كان شأنه
إنه بقى لاشك في جوهره خلوتيا ومع ذلك فقد كان بجوار خلوتيته مكانا لأنوار أخرى وكان فى ذلك يتأسى بشيخه الشيخ الحفناوي الذي مع اتباعه للطريقة الخلوتية له سند إلى الطريقة الشاذلية والإمام الحفناوي يذكر في صراحة سنده إلى الطريقة الشاذلية فيقول في وضوح
كان
سند أحزاب الشاذلي بالنسبة للشيخ الحفناوى
أجازني بذلك شيخنا البديري قال أجازني بجميع ما ينسب إلى تاج العارفين القطب الشيخ أبي الحسن الشاذلى من أحزاب وأوراد وأدعية وغير ذلك ومما ينسب للولى الصالح محمد بن سليمان الجزولي من دلائل الخيرات والمسبعات العشر وحزب الفلاح وغير ذلك شيخنا القطب الربانى سيدى محمد بن أحمد المغربي المكناسي المصطارى عليه رحمة
١٥٣

أحمد
البارى وهو قد أخذ الطريق عن العارف الرباني أبي القاسم بن أ السفياني صاحب الكرامات الظاهرة وهو عن شيخه العارف بالله تعالى سیدی محمد الشرقي وهو عن شيخه سيدى عبد الله بن ساسي وهو عن شيخه عبد الله القرواني وهو عن شيخه عبد العزيز التباع وهو عن شیخه سیدی محمد بن سلیمان الجزولى صاحب دلائل الخيرات وهو عن شيخه السيد عبد الرحمن الشريف عن شيخه سيدى عثمان عن شيخه عبد الرحمن الرجراجي عن شيخه سيدى عينوس البدوى عن شيخه الإمام القرافي عن شيخه عبد الله المغربي عن شيخه تاج العارفین سیدی على أبي الحسن الشاذلى الشريف الحسيني وهو عن شيخه عبد السلام ابن مشيش وهو عن شيخه سيدى عبد الرحمن المدني عن أبي بكر الشبلي عن أبي القاسم الجنيد شيخ الطريقة عن خاله سرى السقطي عن أستاذه سيدى حبيب العجمي عن سيد التابعين الحسن البصري عن سيد شباب أهل الجنة الحسن بن على بن أبي طالب وهو عن جده المعظم سيدنا ونبينا محمد وكذا أروى حزب البحرى عن شيخنا المذكور عن شيخه الملى إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكردى ثم المدني قرأه عليه يوم عيد النحر في مني وهو عن الفقيه الشيخ سلطان المزاحى وعن المحدث الشيخ محمد البابلى بإجازتهما العامة له وهما عن سالم السنهورى عن النجم الغيطى عن شيخ الإسلام زكريا الأنصارى عن العز بن الفرات عن تاج الدين بن عطاء الله السكندرى عن أبي العباس أحمد بن عمر الأنصارى المرسى سماعًا عن تاج العارفين سيدى أبي الحسن الشاذلي قال الملى إبراهيم المذكور وسمعت الحزب أيضًا عن الشيخ عيسى بن محمد بن محمد بن عامر الجعفري المغربي ثم الجزائري قائلاً أرويه سماعا من لفظ أبي الصلاح على بن عبد الواحد الأنصاري ما لا يحصى كثرة عن الفخر أحمد بن محمد بن أحمد المقرى عن عمه

١٥٤

الشيخ سعيد بن أحمد المغربي التلمساني عن عبد الله التونسي عن والده الحافظ محمد بن عبد الله التونسى الأموى عن الحافظ البحر أبي عبد الله محمد بن زروق التلمساني الشهير بالحفيد عن الشيخ أبي الطيب محمد ابن علوان التونسي عن الشيخ الصالح أبى الحسن اليطروني قال أخبرنا الشيخ الرباني أبو العزم الشيخ ماضى وهو خادم الشيخ أبي الحسن بالحزب عن شيخه أبي الحسن الشاذلى رضى الله عنه وعنا به وبهم آمين وجعلنا بهم من الواصلين آمين والحمد لله رب العالمين
ونعود إلى الإمام الدردير إنه في أوراده في صيغ الصلاة على الرسول الله صلواته الخاصة التي رتبها على الحروف الأبجدية ولكنه أورد قبلها صيفًا كثيرة في الصلاة على الرسول هي صيغ مشهورة معروفة لكبار الأولياء
لقد أورد صيغة للإمام الغزالى وأخرى للإمام الشاذلي وثالثة لسيدى عبد السلام بن مشيش ورابعة لسيدى إبراهيم الدسوقى وهكذا أورد ثلاثين صيغة من صيغ الصلاة على خير الرسل ليست له
ومن الحق أن نقول إن اختياره لهذه الصيغ من بين الفيض النوراني في صيغ الصلاة على السراج المنير إنما كان لمعان خاصة رآها فيها وما كان ذكرها إنما هو مجرد اتفاق وإنما كان اختيارا متدبرًا فهو يرشد إلى أن الأئمة الكبار هم من سعة الأفق بحيث لا يتحكم فيهم تيار معين إنهم هم الذين يتحكمون في التيارات كما يتحكمون في الأحوال والفرق بين الشيخ والمريد هو أن الشيخ يتقلب فى أنوار والمريد يسعى بفضل الله في تيار من النور معين
وهؤلاء الأئمة الكبار في مستوياتهم العليا لا ينزلون إلى مستويات الموازنة والتفضيل بينهم وبين غيرهم كلا إنهم يتخذون الشعار الكريم
١٥٥

وكلهم من رسول الله ملتمس غَرْفًا من البحر أو رَشْفَا من الدِّيمِ إن الموازنة والتفضيل والمدح فى شيخ والحط من غيره من شيم الذين لم يتنسموا الروحانية وهي طريقة لا ترضى الأئمة ومن الخير أن يتخلى عنها كلية الأتباع والسالكون حتى تسود بين كل هذه الطرق وحدة منسجمة وتعاون في قيادة الناس إلى الله تعالى
والشيخ رضى الله عنه يقول في كتابه الخريدة حرفيا

إن ممن سلك المسلك المستقيم القطب الرباني الإمام سيدي أحمد بن الرفاعي وأتباعه والقطب الرباني الإمام سيدى عبد القادر الجيلاني وأتباعه والقطب الربانى السيد أحمد البدوى وأتباعه والقطب الرباني السيد إبراهيم الدسوقى وأتباعه والقطب الربانى السيد على أبو الحسن الشاذلي وأتباعه والقطب الربانى سيدى محمد الخلوتي وأتباعه والقطب الرباني سيدي عبد الله النقشبندى وأتباعه فهؤلاء كلهم سادات الأئمة المحمدية رضى الله عنهم وعنا بهم آمين
إن دعاة الخير الذين أخلصوا وجوههم لله وفى سبيل الله لا يفترقون أحزابا شتى يتنازعون ويتعارضون كلا بل يتساندون ويتعاونون ويجمعهم الهدف السامي الهداية
فإذا لم يوحدهم الهدف السامى فإنهم طلاب دنيا وليسوا في دعوتهم بمخلصين إن أهل الله حقا لا يسيئون إلى أهل الله
الله تعالى
وأسلوبهم أن يأخذوا بيد الضعيف وأن يهدوا الضال وأن يقودوا إلى الله من انحرف عن الطريق وأن يسيروا بالإنسانية نحو حب وحب رسوله وأن يجمعوا القلوب على المودة والرحمة والأخوة والثقة
في الله سبحانه
ورسالة الصوفية لأنفسهم ورسالتهم لغيرهم واضحة إنها
١٥٦

التأسي برسول الله
يقول تعالى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا
وهذا التأسى بخير الخلق له جوانب منها
١ - العلم
إن شعار رسول الله صلى الله عليه وسلم هو
رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا

ولا يتأتى - في البداهة البديهية - التأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يعلم
الإنسان سيرته
لابد من دراسة سيرته ودراسة أحاديثه عليه الصلاة والسلام ولن يتأتى العلم بسيرته ما لم تدرس أحاديثه
وإذا كانت دراسة سيرة رسول الله في القمة من الشعار الإسلامي رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا
۳
فإن هذا الشعار مع ذلك عام
ولابد – إذن – من أن يكون الصوفى - مريدًا وشيخا – عالما وإذا كان ذلك واجبا في المريد فهو أوجب في الشيخ
بل إنا نقول إن الشيخ لا يكون شيخًا ما لم يعلم سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاديثه وتفسير القرآن الكريم وفقه العبادات
1 سورة الأحزاب الآية ۱
سورة طه الآية ١١٤
۳ سورة طه الآية ١١٤
١٥٧

فإذا لم يكن كذلك فقد ضل وأضل وطلب الدنيا عن طريق دينه أو بتعبير آخر عن طريق عدم المبالاة بدينه وذلك أسلوب يمقته الله ورسوله والصالحون

ولقد كان أسلافنا من الصوفية رضوان الله عليهم من كبار العلماء
وكانوا يقولون
علمنا هذا مشيد على الكتاب والسنة
وكلمة الكتاب والسنة تختصر ما يجب أن يقوم عليه التصوف الكتاب والسنة وفيهما كل ما يحتاج إليه المسلم في دينه
إن الصوفى داعية وهاد وقد بين القرآن الكريم شروط الداعية الهادى وأول شرط أن يكون على بصيرة من أمره يقول سبحانه
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوَاْ إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَن اتَّبَعَنِي وَسُبْحَنَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
1
والدعوة على البصيرة هى الدعوى على أساس من العلم ومن أهم ما يعين الصوفى على أداء رسالته الكتب التالية
١ - تفسير القرآن الكريم ويمكن أن يكتفى بتفسير الجلالين
- رياض الصالحين
- الترغيب والترهيب
٤ - السيرة النبوية لابن كثير ه - إحياء علوم الدين للإمام الغزالي
٦ - الرسالة القشيرية
1 سورة يوسف الآية ١٠٨
١٥٨

وهذه المجموعة من الكتب هي | الحد الأدنى الذي لا يطمئن الإنسان
على الصوفى بدونه وكلما شرح
الشعار الإسلامي
رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا
ومن جانب التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم
- إسلام الوجه لله تعالى
الله
صدره للاستزادة كان متمشيا
مع
وإسلام الوجه لله تعالى هو ثمرة الإسلام أو هو الإسلام فقد سئل رسول
الله عن الإسلام فقال
I
T
أن يسلم الله قلبك وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك فإسلام القلب الله أو إسلام الوجه لله أو التوحيد إن كل ذلك يعبر عنه الله سبحانه شارحا له بقوله لرسوله
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَريكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
ومن رسالة الصوفية - إذن - لأنفسهم ولغيرهم إسلام القلب لله يجب على الصوفى أن يبشر في نفسه وفي غيره بالمعنى الذي تتضمنه الآية الكريمة السابقة وهو أيضًا المعنى الذي يعبر عنه القرآن الكريم بقوله ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَأَتْبَعَ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا
1
۱ سورة طه الآية ٠١١٤
متفق عليه
۳ سورة الأنعام الآيتان ١٦٢ ١٦٣ ٤ سورة النساء الآية ١٢٥
١٥٩

وهناك من أسلموا وجههم لله وهناك من أسلموا وجههم للشيطان ومن مهمة الصوفي أن يسنقذ من أسلموا وجههم للشيطان ويقودهم إلى الله ولأن يهدى الله بك رجلا خير لك من حمر النعم ۱
ومن المسائل المهمة في التأسي برسول الله له والتي تجب على الصوفي قبل أن تجب على غيره
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وهو مبدأ من مبادئ الإسلام الكبرى جعله الله من أسس خيرية الأمة
الإسلامية حيث قال
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله
ولقد كان الرسول آمرًا بالمعروف ناهيا عن المنكر طيلة حياته وهو الذي يقول فيما روى مسلم عن ابن مسعود رضى الله عنه
ما من نبي بعثة الله فى أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل وهو الذي يقول فيما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم
يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان
۱ متفق عليه
سورة آل عمران الآية ۱۱۰
١٦٠

وهو الذي يقول فيما رواه الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعوة إلى سبيل الله وفي ذلك يقول الله تعالى مبينا كيفيتها
أدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَيدِلْهُم بِالَّتِي من أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ
1
ويصف سبحانه طريق التبليغ فيقول
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَلَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا الله
وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا
T
ولابد للصوفي من أن يتبع هذا المبدأ في نفسـه وفـي أسرته وفـي
مجتمعه وإلا لما حقق التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم
- شعار الرحمة
يقول سبحانه لرسوله الكريم
۳
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَلَمِينَ
ويقول صلوات الله وسلامه عليه متناسقا مع القرآن الكريم
1 سورة النحل الآية ١٢٥
سورة الأحزاب الآية ٣٩ ۳ سورة الأنبياء الآية ١٠٧
151

إنما أنا رحمة مهداة
والرحمة من أصول الأخلاق الإسلامية ويصف الله سبحانه الرسول ومن معه بقوله
محَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَتَهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَنًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرَ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَنَةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْتَهُ فَتَازَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَأَسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزراع لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا

السلف
وفي الرحمة ما لا يكاد يحصى من النصوص والآثار في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة وفى سلوك رسول الله وفى الصالح رضوان الله عليهم أجمعين
سیر
ولابد للصوفى من أن يسير على الدرب وأن يكون رحمة ينثرها أينما حل وحينما كان ولا تنزع الرحمة إلا من قلب شقى والراحمون يرحمهم الرحمن
وبعد فإنا إذا كنا قد رسمنا بعض ما ينبغى للصوفى فإنما كنا في كل ذلك نصف الإمام الدردير
لقد كان عالماً كأجمل وأعمق ما يكون العلماء
وكان
مسلما
وجهه
لله
۱ متفق عليه
سورة الفتح الآية ٢٩
١٦٢

وكان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وله في ذلك وقائع مشهورة مع المماليك أصحاب الحكم والسلطان ومع
الشعب
وكان رحيما ومن رحمته أنه كان في خدمة الناس وقضاء مصالحهم وعلى القائمين على التصوف أن يشعروا شعورًا واضحا برسالتهم ويسيروا فى الطريق إذا كانوا حريصين على أن تستمر رسالة التصوف رسالة الهداية والرحمة وإسلام الوجه الله وهي رسالة تنفع الفرد والمجتمع والإنسانية
وأما بعد فإننا إذا كنا قد تحدثنا عن بعض ما ينبغي للصوفي فإن المنهج العام للمؤمنين - والصوفية على رأسهم – هو ما رسمه الله سبحانه بقول
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَنَةِ والإنجِيلِ وَالْقُرْءَانَ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَأَسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
1
1 سورة التوبة الآية ۱۱۱
١٦٣

فهرس الكتاب
الصفحة
O

٤٣

VA
۸۱
۸
۸

٨٥
Ло
١٦٥
الموضوع
مقدمة
عن والد سيدى أحمد الدردير
عن حياة سيدى أحمد الدردير
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الاتباع والأسوة
تصوفه
الآداب
رتبة الصديقية
الطريق إلى الله
سلوك الأنبياء
النفوس سبعة بحسب أوصافهم
عين اليقين
حق اليقين

الصفحة
Α
۸۷

۹۹

۱۰
160
۱۰۷

۱۱۸
١٣٦
١٣٦
۱۳۷
۱۳۷
۱۳۸
۱۳۸
۱۳۸
الموضوع الخوف والرجاء
الطريق المستقيم الموصل إلى الله تعالى
أركان التوبة
مراقبة الله
من آداب السالكين
علامة صفاء القلب
النور الإلهي
فائدة الدعاء
اللهم حسن الخاتمة
آداب الطريق
أوراد سيدى أحمد الدردير
بين يدى الأوراد
حرف الهمزة
حرف الباء
حرف التاء
حرف الثاء
حرف الجيم
الفصل الخامس
حرف الحاء
حرف الخاء
١٦٦

الموضوع حرف الدال
الصفحة
حرف الذال
حرف الراء
حرف الزاى
حرف السين
حرف الشين
حرف الصاد
حرف الضاد
حرف الطاء
حرف الظاء
حرف العين
حرف الغين
حرف الفاء
حرف القاف
حرف الكاف
حرف اللام
حرف الميم
حرف النون
حرف الهاء
حرف الواو

۱۳۸
۱۳۹
۱۳۹
۱۳۹
12
١٤٠
١٤٠
12
١٤١
١٤١
١٤١
١٤٢
١٤٢
١٤٢
١٤٢
١٤٣
١٤٣
١٤٣
١٤٣
١٤٤
١٦٧

الصفحة
١٤٤
١٤٤
١٤٧
١٥١
٢٠٠١/٧٢٧٤
IBN
9-02-6133-5
١/٩٣/٩٨
الموضوع
حرف اللام ألف
حرف الياء
منظومة سيد أحمد الدردير
خاتمة
رقم الإيداع
الترقيم الدولى
طبع بمطابع دار المعارف ج م ع
١٦٨

يُعد الإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم
محمود صاحب ورائد مدرسة الفكر الإسلامي والتصوف في العصر الحديث ولقب بأبي التصوف في العصر الراهن فقد أثرى المكتبة العربية بأمهات الكتب بين تحقيق وتأليف وترجمة فمنها دراساته القيمة عن الإمام الغزالي من الضلال ه و دلائل
وكتابه
النبوة

المنقذ
و القرآن في شهر القرآن إلى جانب ما كتبه عن رواد التصوف على مر العصور الإسلامية المختلفة
والإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود له عمق وغزارة الآراء الفقهية ودقة الاجتهادات مما جعله يكسب صفوف المعارضين قبل المؤيدين إلى جانب اللباقة والدراية الكاملة في عرض أي موضوع أو مسألة تتعلق بأمور الدين وأيضا يمتاز بقوة ورصانة الأسلوب والعبارات مما يدل على المهارة الفائقة والملكة اللغوية فلهذا اكتسب هذا العالم الجليل احترام كل الفرق والمذاهب الإسلامية في شتى بقاع وسيبقى هذا العالم وتراثه في قلوبنا على
العالم
مر العصور
تصميم الغلاف محمد أبو طالب
٠٣١٥٤٤/٠١