Go Back





الإمام
الدكتور عبد الحليم محمود
العارف بالله
أبو الأنوار شمس الدين الحفنى
دار المعارف

ألا إِنَّ أولياء الله لا خَوْفٌ عليهم ولا هُم يَحْزَنُونَ
صدق الله العظيم
[ يونس الآية ٦٢]

O
بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
العلاقة بين الصوفية والسلفية
إذا أردنا تعريفا دقيقاً للسلفية لا ينكره شخص من
فيمكننا أن نقول
إنها حب
الله

الأشخاص
واتباع رسول الله فيما أمر وفيما نهى
والحب والاتباع مرتبطان ارتباطاً وثيقاً فمن أحب الله ورسوله اتبع التوجيهات الإلهية التي تنزلت على
لسان الرسول
ولهذا الارتباط يقول القرآن الكريم ﴿قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله 1
وإذا نظرنا إلى السلف وجدنا الصحابة يتوافر فيهم حب
ورسوله ويتوافر الاتباع
وإذا نظرنا إلى الصوفية ابتداءً من الإمام الكبير الفضيل بن عياض أو الإمام الكبير إبراهيم بن أدهم فإننا نجد أنه يتوافر فيهم الحب

والاتباع
دقيقة
السنة دراسة
أما فيما يتعلق بالاتباع فإن الفضيل بن عياض درس وكان من كبار المحدثين ثقة حافظا ثبتاً يثق فيه

۱ آل عمران ۳۱


ما
كل هؤلاء الذين كتبوا الحديث من أمثال الإمام البخارى والإمام وكان في سلوكه صورة تحاول مسلم وغيرهما من المحدثين استطاعت إلى ذلك سبيلا – أن تحاكي وأن تتابع وأن تتأسى
وتقتدي برسول الله

وما عرفته الدنيا في يوم من
--
الأيام
6
6
متهالكا عليها وما جرى وراء مادة - وإنما شغلته العبادة والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ونشر العلم الموضح عن أمور الدنيا والآخرة وكان الجميع يحترمونه وكان ناصحا للأمراء

والوزراء منهم
لأحد

C
والملوك وكانوا يذهبون إلى بيته المتواضع ولا يذهب هو كذلك كان الأمر فيما يتعلق بالإمام الكبير إبراهيم بن أدهم وسواء أكنا بصدد هذا أو ذاك فإنهما يتفقان على الخطوة الأولى عند الصوفية جميعًا إنها الانتفاضة الصادقة العازمة التي اتجهت بهما إلى التوبة الصادقة التي محت كل ما يمكن أن يكون من شهوات النفس وأهواء الشعور وبهذه الانتفاضة ينتقل الإنسان في لحظة إلى القصد العازم في الاتجاه إلى الله سبحانه وتعالى والفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم هما من الأئمة الأول للتصوف
الأئمة الأول سار الصوفية
وعلى نسقهما ونسق من شابههما من الذين أتوا من بعد وهؤلاء الصوفية الذين أتوا من بعد كانوا -
مثل جميع الصوفية - يمتازون بأمرين متلازمين فيهما
أحدهما العبادة كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ
هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ١
۱ الذاريات ۱۷
۱۸

وكانوا تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا
وطمعاد 1
<
أما الأمر الثاني فهو العلم وإذا نظرنا إلى كتاب من كتب طبقات الصوفية مثل كتاب السلمي الذي وصل بالتأريخ بالصوفية إلى نهاية القرن الرابع الهجرى تقريبا فإننا نجد جميع من ذكرهم يتسمون بهاتين السمتين العبادة والعلم بعضهم
كان من كبار المفكرين أمثال سهل بن عبد الله التسترى كان وبعضهم من العلماء الذين يجمعون بين التفسير والحديث أمثال الجنيد ولكنهم جميعًا كانوا يمتازون بصفتين
والعربية
العلم والعبادة
وما كان يحملهم على العبادة إلا الحب
وما كان يحملهم على العلم إلا الحب
الحب لرسول الله ونشر أثره
فالإمام الجنيد
مثلاً كان يحضر درسه اللغويون من أجل اللغة
والأدباء من أجل الأسلوب
والفقهاء من أجل الفقه
والمتكلمون من أجل مسائل علم الكلام
والحكماء من أجل الدقة في تحرير المسائل
1 السجدة ١٦

وكل هؤلاء كانوا من العلماء وكل منهم كان يستفيد من درسه
الجنيد
في موضوع تخصصه وحين يتحدثون عن دروس يقولون كان يحضر درسه ثلاث مائة محبرة وذلك أن
جميع
من كانوا يحضرون درسه كانوا يكتبون ما يسمعونه مما يتعلق
باتجاهاتهم
وإنه ليسرنا في هذا المجال أن نذكر أيضا الحارث بن
المحاسبي
الأسد
صاحب كتاب الرعاية لحقوق الله لقد كان شعاره العلم والعبادة ونزل إلى ميدان المجتمع في قوة مبينا وموضحا وناقدا ومهاجماً واقفا كالطود الراسخ في وجه كل بدعة وفى كل انحراف بكتبه الكثيرة ورسائله المتعددة وكان شعاره دائما حب الله ورسوله واتباع ورسوله أما فيما يتعلق بالصلة بين الصوفية وأهل السنة والجماعة
الله
فإن صاحب كتاب التبصير في الدين وهو الإمام الإسفراييني الإمام الكامل والفقيه الأصولى المفسر وهو معنى أشد عناية بالرد على كل من يخالف مذهب أهل السنة يذكر في كتابه ما يمتاز

والروافض
به أهل السنة عن غيرهم من الخوارج فيذكر أن سادس ما امتاز به أهل السنة هو
والإشارات وما لهم فيها من الدقائق والحقائق
والقدرية
علم التصوف
لم يكن قط لأحد من أهل البدعة فيه حظ بل كانوا محرومين والحلاوة والسكينة والطمأنينة ويستمر الإمام
مما فيه من الراحة
الإسفراييني

وهو من قمم أهل السنة فيقول
Λ

ألف
وقد ذكر أبو عبد الرحمن السلمى فى مشايخ الصوفية قريبا من وجمع إشاراتهم وأحاديثهم ولم يوجد في جملتهم قط
من ينسب إلى شيء من بدع القدرية والروافض والخوارج ثم يقول هذه الكلمات الدقيقة الموزونة وكيف يتصور فيهم من هؤلاء وكلامهم يدور على التسليم

C
والتفويض والتبرى من النفس والتوحيد بالخلق والمشيئة وأهل البدع ينسبون الفعل والمشيئة والخلق والقدر إلى أنفسهم وذلك بمعزل عما فى الدين وهو من رؤساء أهل السنة لا يخالف في ذلك مخالف من المؤرخين للفكر الإسلامي إلى أى حد يبلغ حرص الصوفية على الاتباع وما هي آثارهم في
ذلك

يقول أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه من دعا إلى الله تعالى بغير ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بدعى ويقول أيضا إذا لم يواظب الصوفى على حضور الصلوات الخمس في الجماعة فلا تعبا به
ومن أجمل كلماته قوله ما ثُمَّ كرامة أعظم من كرامة الإيمان
ومتابعة السنة أما أبو يزيد البسطامى فإنه يقول في قوة حازمة ومنطق صادق لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرقى في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة

سنته
والإمام الجنيد يقول الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول واتبع ولزم طريقته وكان الجنيد لا يمل الحديث عن الحب و الاتباع وكان يقول مَنْ لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر - أى أمر التصوف - لأن علمنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة ومما يغفل الناس عنه ولا يتحدثون به لأنهم يجهلونه أن الإمام ابن تيمية يقدر تقديرًا عظيما الإمام عبد القادر الجيلاني ويتحدث عنه باحترام بالغ في رسالة العبودية وكلما ذكره يقول قدس الله سره وللامام عبد القادر الجيلاني كتاب عميق في التصوف اسمه فتوح الغيب وهذا الكتاب مطبوع ومتداول ويخصص الإمام ابن تيمية ما يقرب من مائة صحيفة الشرح بعض فقرات هذا الكتاب والإشادة بالإمام عبد القادر الجيلاني

والإمام عبد القادر الجيلاني هو التصوف كله من اعترف
به فقد اعترف بالتصوف وهو يمثل مكانة الأستاذية بالنسبة لابن تيمية ابن تيمية في الحديث وأسانيد المحدثين هي
لأنه
أسانيد من
أستاذية لمن يتخذهم إسنادا ومن ناحية أخرى فإن الإمام أحمد بن حنبل يشيد إشادة كبيرة ببشر الحافي وبشر الحافي من كبار أئمة التصوف وكان بينه وبين الإمام ابن حنبل صداقة متبادلة وتقدير متبادل الإمام أحمد بن حنبل للسيدة الكريمة أخت بشر الحافي
من بينكم يفيض الورع
ويقول

وكل هذا يدل على أن أئمتنا

السابقين منهم واللاحقين -
ما كانوا يفرقون بين السلفية والصوفية
ومما

هو معروف أن الإمام أبو عبد الله الأنصارى الهروى
من كبار زعماء الحنابلة كان يقول
كان

أنا حنبلى ما حييت وإن أمت فنصيحتي للناس أن يتحنبلوا من أئمة الصوفية وللإمام أبو عبد الله الأنصارى الهروى الذي كانوا يسمونه شيخ الإسلام - كتاب من أشهر كتب التصوف اسمه منازل السائرين يسير بالإنسان في مقامات الصوفية وفى من منزلة إلى منزلةٍ حتى يصل به إلى القرب من الله سبحانه
أحوالهم وتعالى

ولقد احتوى هذا الكتاب المختصر والموجز التصوف كاملاً مقامات وأحوالاً

وجاء الإمام الكبير ابن القيم أكبر التابعين لمدرسة ابن تيمية فألف كتابا ضخمًا أسماه مدارج السالكين شرح فيه كتاب الهروى منازل السائرين والأصل والشرح أيضا يعبران عن التصوف كاملاً يشيدان به ويحثان عليه ويبينان أنه هو السلفية الصادقة لأنه الحب
والاتباع لماذا يحاول من ينتسبون إلى السلفية أن يجعلوا بينها وبين الصوفية فرقة واختلافًا
هو
نحب أن نقول في غير إسراف أن ما يسمونه السلفية الآن فكرة ممسوخة لا تمثل السلفية فى قليل ولا في كثير إنهم يتحدثون

عن فوقية وعن جهة ويتحدثون عن أمور لا يتحدث فيها السلف عليهم رضوان الله تعالى
وأيضا نحب أن نقول إنها أصبحت حرفة يحترفها قوم من أجل
ولو لم تمسخ

ولو لم تصبح حرفة لما حدثت هذه
النفع المادى المناقشات ولما حدث هذا الجدل الذي هو سمة سمات البعد
السلفية في الكتب وعلى صفحات الجرائد عن

من
ويختتم الدكتور عبد الحليم محمود حديثه بقوله
يكفى أن نرد على هؤلاء بكلمة قالها الشيخ محمد عبده الذي يتمسحون فيه كثيرا وهو بصدد الحديث عن الأولياء وعن حال
القرب قال
أما أرباب النفوس العالية والعقول السامية من العرفاء ممن لم تدن
نال حظه
من

الأنس
مراتبهم من مراتب الأنبياء ولكنهم رضوا أن يكونوا لهم أولياء وعلى شرعهم ودعوتهم أمناء – فكثير منهم يقارب تلك الحال حال القرب في النوع أو الجنس لهم مشارفهم في بعض أحوالهم على شيء من عالم الغيب ولهم مشاهد صحيحة في عالم المثال لا تنكر عليهم لتحقيق حقائقها في الواقع فهم لذلك لا يستبعدون شيئًا مما يحدث به عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
ومن ذاق عرف ومن حُرم انحرف
ودليل صحة ما يتحدثون به وعنه ظهور الأثر الصالح منهم وسلامة أعمالهم مما يخالف شرائع أنبيائهم وطهارة فطرتهم مما ينكره العقل الصحيح أو يمجه الذوق السليم وانتفاعهم بباعث من الحق
۱

الناطق في سرائرهم المتلألى في بصائرهم إلى دعوة من
العامة إلى ما فيه خير
6
وترويح قلوب الخاصة

يحف
بهم
هذا ما يقوله الشيخ محمد عبده في رسالة التوحيد إنه يقول بالحرف الواحد من ذاق عرف
أما هؤلاء الذين اتخذوا السلفية حرفة ولم يتذوقوا فإنهم لم يعرفوا ويقول ومن حُرم انحرف وهؤلاء قد حرموا فانحرفوا
ونرجو
الله سبحانه وتعالى لهم الهداية
وبعد فإننا في هذا الكتاب نقدم شيخ الأزهر شيخ الإسلام والمسلمين الشيخ محمد الحفنى نقدمه مثلاً كريماً للصوفى الصافي والسلفى النقى مثلاً كريماً للحب والاتباع إننا نقدمه إماما من أئمة الحب والاتباع يسير على نسق الهروى ابن القيم

أسلافه
المحبين المتبعين عبد القادر الجيلاني وعشرات غيرهم ممن كان رائدهم الحب والاتباع وما من هدف لنا فيما نكتب عن التصوف إلا أن نبين الحقيقة في الوحدة بين مذهب الحب المتبع

ومذهب الاتباع المحب
وإذا كانت بعض الطبائع تركز دائما على الاختلاف تخترعه
وتجسمه وتضخمه وتتخذه ديدنا وشعارًا

فإننا نركز دائما على التوحيد والوحدة ونرى أنه لا يتأتى مطلقاً
الحب دون الاتباع

وإنه مما لا مرية فيه بين المستبصرين أنَّ الصوفية من أعلام المحبين

فهم إذن من أعلام المتبعين وأن السلفية من أعلام المتبعين فهم
إذن من أعلام المحبين

أن ماندعو إليه ويدعو إليه كل مخلص أن نسير
والنتيجة هي جميعا في ظلال علم الاتباع والحب
هذا وبالله التوفيق۱
١٤
۱ إنها مقدمة وهي خاتمة أيضا

أبو الأنوار
شمس الدين الحفنى
الشيخ شمس الدين محمد بن سالم الحفنى۱ رضی الله عنه شيخ الأزهر وعلم الإسلام الخفاق !
لقد كان الشيخ شمس الدين الحفنى مصدر جاذبية عظمى في
عدة زوايا من شخصيته
لقد كان السمت أنيقا
حسن

وكان في حديثه بارعا مالكا لزمام التوجيه !
وكان على علم غزير فى العلوم الكسبية فهو محدث مع المحدثين علماء المنطق وفقيه مع الفقهاء !!

ومنطقى مع وهو إمام على كل حال فى علوم الكتب التي تتصل بالدراسة في الأزهر ولكن الجاذبية الكبرى فى الشيخ الحفني كانت تتمثل في أنه شخصية تتجه بكل ما تستطيع إلى الله لم تفتنه الدنيا وقد كانت عند قدميه ولم يفتنه المنصب وقد احتل رأس المناصب الدينية !

۱ في كتاب الأعلام هامش يقول في ترجمته للشيخ اشتهر صاحب الترجمة بالحفنى والحفناوى وكان يتسمى بهما وعندى مخطوطة من رسالته في أسماء أهل بدر يقول في مقدمتها فقير ربه المغنى عبد مولاه محمد الحفنى ونموذج من خطه محمد بن سالم الحفناوى فكلاهما صحيح

>>>
ويتحدث عنه الإمام الدردير فيرسم له هذه الصورة المشرقة
الإمام المهيب الذى كانت الملوك تخضع لهيبته السخي الذي شهد الأعداء بهمته وسخائه بحيث يقر كل إنسان
بأن الملوك لا قدرة لهم على أن يجودوا كما كان يجود !
الحسن الخلق الذى كان كل من جالسه لا يشبع من وداده حتى الحسود !
الجميل الذي كان وجهه كالشمس في رابعة النهار حتى
إن كل من رآه ذكر الله العزيز الغفار !
الذي كانت العامة والخاصة يتبركون برؤيته ويتسارعون لتقبيل راحته !
الجامع بين تحقيق العلوم الظاهرية والأسرار الإلهية ! المتكلم على الخواطر كما كان يشهده من سلك على يده السنية أصحابه باللحظ والدلالة وله بينهم مهابة لا توجد في كثير يربى
من
الأبطال
كما قيل
إذا ما سطا دع عنك تذكار عنتر إن جاد لا تذكر مكارم حاتم ولد رضي الله عنه ببلدة حفنا وهي بلدة من محافظة الشرقية
بمركز بلبيس منغمسة في جو جميل من المزارع الخضراء والحدائق الغناء يشع في جوها تيار من الروحانية لما بها من كثير من الرجال الذين ينتسبون إلى التصوف على أسلوب الطريقة
1 أبو البركات الدردير سبق أن كتبنا عنه كتابا مستقلا

الخلوتية
والنسبة إلى هذه البلدة هي حفنى وحفنوى
وحفناوى وإليها ينتسب شيخنا
نشأ
الشيخ بهذه البلدة من أسرة كريمة شريفة فقد كان الشيخ شريفا حُسَيْنِيًّا من جهة أم أبيه وهى السيدة ترك ابنة السيد سالم بن محمد بن على بن عبد الكريم بن السيد برطع المدفون بـ بركة الحاج وينتهي نسبه إلى الإمام الحسين رضي الله عنه۱ وكان أبوه يقيم بالقاهرة عندما كان الحفني في طفولته وبدأ الحفني في تعلم القرآن في كتاب البلدة وكانت هذه الكتاتيب المنتشرة في البلاد والقرى المصرية إنما هي مراكز تشع
أنوار القرآن الكريم وتشع معها أضواء الهداية والصلاح والتقوي
وليس مثل القرآن الكريم مؤثراً في المثقف وفى الأمى تأثيرًا حسنًا يحبه الله ورسوله !
وليس مثل القرآن الكريم مؤثراً في إصلاح المجتمع وفي النهضة الاجتماعية من جميع زواياها وإنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِي
أقوم

إن هذه الكتاتيب كانت تنتشر كالواحات النضرة تبعث بالنسيم الروحي يلطف القلوب وبالروح يلمس القاحل من الأفئدة
فيحيلها إلى صورة يعبر الله تعالى عنها فيقول
۱ الجبرتي الجزء الثاني ص ٢٥٧
الإسراء ٩

وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا معَ الشَّاهِدِينَ ١
ويقول سبحانه
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِر الله وجلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ

عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ٢
وقراءة القرآن لها ثوابها الجم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ قرأَ حَرْفًا مِنَ القرآنِ فَلَهُ حَسَنَة والحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام
حرف وميم حرف
أما تعلم القرآن وتعليمه فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك خيركُم مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ
وهل قرأت هذا الحديث الفذ النفيس الرائع الذي رواه الحاكم وقال عنه صحيح الإسناد
إِلَيْهِ
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مَنْ قَرَأ الْقُرْآنَ فَقَدْ اسْتَدرجَ النُّبُوَّةَ بَيْنَ جَنْبَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُوحَى
لا ينبغى لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد۳ ولا يجهل
۱ المائدة ۸۳
الأنفال ٢
۳ يجد أى يحزن من الوجد وهو الحزن والهم لا ينبغى أن يحزن مع من حزن

مع من جهل وفى جوفه كلام الله وإذا اجتمع قوم لقراءة القرآن سواء أكانوا كبارًا أم صغارًا فإنه يصدق عليهم ما رواه وأبو داود عن أبي هريرة رضى الإمامان مسلم

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
الله
عنه
أن
ما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بيت مِنْ بُيُوتِ الله يَتْلُونَ كِتَابَ الله ويَتَدَارِسُونَهُ فيما بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيهم السَّكِينَةُ وَغَشِيتهم الرَّحْمَةُ وَحَفْتهُمُ الْمَلائِكَةُ وَذَكَرَهم الله فيمن عِنْدَهُ
أما
من شغله القرآن فإنه ينال سوله دون سؤال عن
أبي سعيد
رضی
الله
عنه قال قال رسول الله
يقول الرب تبارك وتعالى من شَغَلَهُ الْقُرْآنُ عَن مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَل مَا أَعْطى السَّائِلِينَ وَفَضْل كَلام الله على سائر الكلام كَفَضل
الله عَلى خَلْقِه ۱
وهذان الحديثان التاليان أرجو أن يتدبرهما القارئ

ويقف
عندهما طويلا إن كان يحب الخير لنفسه ولوالديه
عن سهل بن معاذ
عن
أبيه
رضی
الله عنه أن رسول الله قال
مَنْ قَرَأَ القُرآن وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
ضَوْرُه أَحْسَنُ من ضَوءِ الشَّمْس في بُيُوتِ الدُّنيا فَما ظَنُّكم بالَّذِي
عمل بهذا
۱ رواه الترمذى قال حديث حسن غريب رواه أبو داود وقال الحاكم صحيح الإسناد

۱۹

D
وعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يجىء صاحبُ الْقُرآنِ يوم الْقِيامَةِ فَيَقُولُ الْقُرْآنُ يَارَبِّ حَلَّه
فَيَلْبَسُ تاج الكرامة ثم يقول
فيُرْضَى
يَارَبِّ زِدْهُ فَيُلْبَس حُلَّةَ الكرامة ثم يقول يَاربِّ ارْضَ عَنه
عنه فيقال له اقرأ وارق ويزداد بكل آية حسنة ۱ في القرآن الكريم يقول الله تعالى وَلَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَل لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله
وقد سبق أن كتبنا تحت عنوان وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ یلی يقول الله سبحانه عن ليلة نزول القرآن
ا إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَة إِنَّا كُنَّا مُنذرين فيها يُفْرَقُ كُلُّ أمرٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحمَةٌ مِن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
حكيم العليم ۳
وهذه الليلة المباركة هى ليلة القدر وعنها يقول الله سبحانه هو أنا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ من كُلِّ أمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ٤
۱ رواه الترمذي في سننه وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح الإسناد
الحشر من الآية ٢١
۳ الدخان من ٣ ٦
٤ سورة القدر

كيف حدث ذلك
في أوائل كتاب البخاري – أصح الكتب بعد كتاب الله
وصف كيفية نزول القرآن عن عروة بن الزبير
أم المؤمنين أنها قالت
سبحانه
عن عائشة
أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصالحة
في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ قال ما أنا بقارئ !
قال فأخذني فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال
اقرأ قلت ما أنا بقارئ !
فأخذني فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ !
C
فأخذني فغطنى الثالثة ثم أرسلني فقال واقرأ باسم ربِّكَ الَّذِي خلق خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكرم ١ وكما وصف الله سبحانه ليلة نزوله بأنها مباركة فإنه وصف القرآن نفسه بأنه
مبارك

كِتابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبارك ليدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَليَتَذَكَّرَ أُولُو الألباب ٢
۱ العلق من ۱ ۳
ص ۹

عن
ولقد استفاض القرآن الكريم فى وصف القرآن ونبدأ الحديث هذه الأوصاف بملاحظة نرجو القارئ أن يتدبر معناها
إن الله سبحانه وتعالى يختم سورة الشورى بهذه الآيات الكريمة ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنَ يُكَلِّمَهُ الله إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاء حِجَاب أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ وكذلكَ أَوْحَيْنَا إِليكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ ولا الأيمانُ وَلَكنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِى بِهِ مِنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وإِنكَ لَتَهْدِي إلى صراط مستقيم صِرَاط الله الذي لَهُ ما في السَّمَواتِ وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ۱
في هذه الآيات الكريمة يذكر الله سبحانه صفتين من
صفاته
تعالى إِنَّهَ على حَكِيمٌ وهو سبحانه على في الأرض وهو على في السماء وهو سبحانه أحكم الحكماء إنه على حكيم دون تشبيه أو تمثيل وبعد هذه الآيات الكريمة يبدأ القرآن مباشرة في سورة الزخرف والآيات الأولى منها

لوحم وَالْكَتابِ الْمُبِين إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عربيا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ في أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ٢ وفي هذه الآيات يصف سبحانه وتعالى القرآن بالوصفين اللذين وصف بهما نفسه ولكنه
يريد شيئًا من التأكيد
۱ الشورى ٥١ ٥٣
الزخرف من ١ ٤

إن القرآن على على كل ما عداه من قول إذا نظرت إليه من الناحية اللفظية وجدته في أعلى مستوى من مستويات البلاغة وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر البشر لقد أعجز البلغاء في كل عصر وتحداهم في كل بيئة
وإذا نظرت إليه من ناحية المعنى فإنك تجده
ولا يأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۱
لقد أتى الباطل على كتب الله السابقة حين غيرت وبدلت ولقد أثبت علم تاريخ الأديان في أوربا وأمريكا هذا التغيير والتبديل
بما لا مجال للشك فيه !
لقد أثبته مثلا في فرنسا الأستاذ شارل جنيبير في عدة كتب والأستاذ شارل قمة من قمم التحقيق العلمي وقد
من مؤلفاته

احتل أكبر المناصب العلمية في علم تاريخ الأديان في فرنسا وهو منصب رئيس قسم تاريخ الأديان في جامعة باريس وأثبته الأستاذ لودس وهو من كبار أساتذة تاريخ الأديان في فرنسا أيضا في عدة كتب من مؤلفاته وأثبته غيرهما
أما القرآن فإن الأستاذ

ديمومبين وعشرات غيره من
المستشرقين الغربيين قد قالوا إن القرآن الذي نقرؤه الآن هو القرآن الذي أنزل على محمد - وصدق الله العظيم إذ يقول
إنَّا نَحْنُ نَزَلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
١ فصلت ٤٢
الحجر ۹

ولم يدخل عليه الباطل من جانب المبادئ ولئن كان التغيير والتبديل في الكتب السابقة قد أفسد المبادئ التي أتت بها الأديان السابقة فإن المبادئ التي رسمها القرآن هداية للإنسانية باقية على الدهر تعلن عن مصدرها وأنها تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيم حميد ١ وأى نظرة إلى هذه
المبادئ تثبت صدقها
إنها في التشريع ترتكز على العدالة
ط ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَقانُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ
للتقوى
هو إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبِي وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ والْمُنْكَر والْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۳ وفي الأخلاق
ترتكز على الرحمة
ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ٤
وفي العلاقات الاجتماعية ترتكز على الأخوة ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
°
إخوة 0
وفي العقائد ترتكز على الأساس الثابت للعدل والرحمة والأخوة
١ فصلت ٤٢
٢٤
المائدة ۸

۳ النحل ٩٠
٤ الأنبياء
۱۰۷
٥ الحجرات ١٠

وهو التوحيد والإنسان الموحد حقا هو الإنسان الذي أحب الإسلام أن يكون مثلاً للإنسانية أجمع
وفي الآيات الكريمة التي نحن بصددها وصف القرآن بأنه نور
أسماء الله من
النور
ويقول الله سبحانه وق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ۱ ويقول بَلْ
هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ٢ ومن أسماء الله المجيد ومن أوصاف القرآن أنه
أسماء الله تعالى العزيز
عزيز وَإِنَّهُ لكتاب عزيز انه ۳ ومن
وفى نهاية الحديث عن هذه الأوصاف التي سجلت في القرآن والحديث نتبين أن الله سبحانه وتعالى أقسم على وصف نفيس للقرآن هو أنه كريم وهو أيضا وصف يعبر عن اسم من
سبحانه وتعالى
أسمائه
وفَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لقرآن كَرِيمٌ في كِتَابٍ مُكْنُونِ لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ من رَّبِّ الْعَالَمِينَ 2
يقول صاحب لطائف الإشارات إِنَّهُ لقُرآن كريم والكرم نفى الدناءة أى أنه غير مخلوق ويقال هو قرآن كريم لأنه
۱ ق ۱
البروج ۱
۳ فصلت ٤١
٤ الواقعة من ۷٥ - ۸۰

من عند رب كريم على رسول كريم على لسان ملك كريم في كتاب مكنون الله يقال فى اللوح المحفوظ ويقال في المصاحف وهو محفوظ عن التبديل ولا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرون عن الأدناس والعيوب والمعاصى وقال هو خبر فيه معنى الأمر أي لا ينبغي أن المصحف إلا كان متطهراً من الشرك وعن الأحداث ويقال من
يمس

لا يجد طعمه وبركته إلا من آمن به ويقال لا يقربه إلا الموحدون فأما الكفار فيكرهون سماعه فلا يقربونه وقرئ المطهرون أى الذين يطهرون نفوسهم عن الذنوب والخلق الدنيء ويقال خيره إلا من طهر من الشقاوة
У
يمس
ويقال لا
الطائفه
يفهم من طهر سره ويقال المطهرون سرائرهم عن غيره ويقال المحترمون له القائمون بحقه ويقال إلا من طهر بماء السعادة
ثم بماء الرحمة
زوايا
قال
ولقد تحدث الرسول عن القرآن في استفاضة ومن عدة ونقتصر هنا على ذكر أربعة أحاديث

۱ - عن عبد
الله
بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مَنْ قرأَ الْقُرْآنَ فَقَد استدْرجَ النُّبُوَّةَ بَيْنَ جَنْبِيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُوحَى إلَيْهِ ولا ينبغى لصاحب الْقُرْآنِ أَنْ يَجِد مَع مَنْ وَجَدَ ولَا يَجْهَل مَعَ
مَنْ جَهل وفى جَوْفه كلام الله رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد
الله
٢ - عن عبد بن مسعود رضی الله عنه عن النبي
قال

٢٦

إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأدبةُ الله فَاقبلوا مأدبتَه مَا اسْتَطَعْتم إِنَّ هَذَا الْقُرْآن حَبلُ الله والنُّور المبينُ والشَّفاء النافع عصمَتَهُ لمن تَمَسكَ
به ونجاة لمن اتبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضى عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرَّد اتلوه فإنَّ الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إنى لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولأم حرف وميمٌ حرف رواه الحاكم وقال هو صحيح
٣ – عن أنس رضى
الله
عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنَّ لله أَهْلِينَ منَ النَّاسِ قَالُوا مَنْ هُمْ يَارَسُولَ الله قال أهل القُرآنِ هُمْ أَهلُ الله وخاصته رواه النسائي وابن ماجه والحاكم
وقال المنذري إسناده صحيح
- 2
عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
إِنَّ الَّذى لَيسَ في جَوْفه شيءٌ مِنَ القُرآنِ كَالْبَيْتِ الخَرب رواه الحاكم وقال صحيح الاسناد والترمذي وقال حسن صحيح ولقد نهض القرآن بالأمة الإسلامية نهضة لامثيل لها في التاريخ حينما طبقته تحت قيادة الرسول الله وأخرجته عن وضع النظريات إلى الواقع المطبق في المجتمع ولقد كان مجتمعا تبطن والتحف
التوحيد
وهذا المجتمع القرآني فعل الأعاجيب وفي ذلك يقول المستشرق
دی بور
أفلح
محمد هو وخلفاؤه الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان

تحضرا من
وعلى في أن بعثوا في نفوس أبناء الصحراء وفى نفوس من هم أكثر منهم الاتحاد أهل البلاد الواقعة في الأطراف روح في العمل وإلى هذا البعث الروحى يرجع الفضل في المكانة التي يتبووها الإسلام كدين عالمي ولقد صدق الله المسلمين وعده بالنصر وكأنما تأييده لهم استجابة لندائهم عند لقاء الأعداء الله أكبر وكأنما قد صغرت رقعة الدنيا فطووها في فتوحهم طيًّا ولم يمض زمن طويل حتى فتحت بلاد الفرس كلها وانتزع العرب من الإمبراطورية الرومانية الشرقية أحسن ولايتين فيها وهما الشام
ومصر
إن هذا المستشرق یری أن هذه الفتوحات – التي كانت – لنشر الخير والحق لا تفسر إلا بأحد أمرين
إما أن تكون الكرة الأرضية قد صغرت في عهدهم فحاموها بهذه السرعة وإما أن الأرض كانت تطوى من تحت أرجلهم ولكنه الإيمان ولكنه مجتمع القرآن
ومجتمع
القرآن
يتسم
بصفتين
الأولى أنه مجتمع قوى
الثانية أنه مجتمع سعيد وذلك أن الله
العزة بالله

سبحانه وتعالى قد في القرآن طريق
رسم
ورسم طريق السعادة فإذا طبق المجتمع المبادئ القرآنية
في أي عصر من العصور فإنه يسعد وينهض والأمة الإسلامية في العصر الحاضر لاسبيل لنهضتها إلا إذا أسلمت

قيادها للقرآن الكريم تستمد منه الطريق إلى السعادة والقوة ولن يصلح أمر هذه الأمة في عصر من عصورها إلا بما صلح به أولها وإن كبار علماء المسلمين على مرّ العصور يعلمون هذه الحقيقة إنهم يعلمون أنه لا نجاة ولا إنقاذ للأمة الإسلامية إلا بالقرآن - فعكفوا عليه مفسرين وموضحين ومستنتجين وداعين به إلى به إلى الحق فجزاهم الله أحسن ما يجزى العلماء عن
الله
أمتهم
وإننا في فترة النهضة هذه من حياة أمتنا ندعو أن يوفق الأمة الإسلامية للأخذ بوسائل السعادة والقوة
الله

وهادين
سبحانه
وندعو
زعماء العالم الإسلامى إلى أن يكون القرآن الكريم أساس النهضة
الاجتماعية حتى تكون الأمة الإسلامية قوية سعيدة
ونعود

أن
i
بعد ذكرنا ما سبق نشره فنقول

كانت الكتاتيب منتشرة في جميع أرجاء القطر المصرى وكان ضوء القرآن يشع من كل مكان في القطر المصرى وكان في القلوب تقوى وفي النفوس ورع وفى السلوك استقامة وفى الناس وداعة وذلك كله آثار أضواء القرآن من
والقرآن يفيد الإنسان مبادئ الدين ويفيده شعورًا ومعرفة بأسمى قواعد الأخلاق أما العقيدة فإنها العقيدة التي أحبها الله للأمة
الإسلامية
وشهد الله أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُو وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْم ١
۱ آل عمران ۱۸

وما أرسلنا من قبلكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إلهَ
إلا أنا فَاعْبُدُون ۱
إنها عقيدة التوحيد الخالص المطلق
وقل هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن
لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٢
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا سُبْحانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ 3 وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا لَّقَدْ جِيْتُمْ شَيْئًا إِذَا تَكَادُ السَّمواتُ يتفطَّرْن مِنْهُ وتَنْشَقُ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَذَا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ ولَدًا وَمَا يَنْبَغِى للرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلدًا إِن كُلُّ مَنْ فِي السَّمواتِ والأرض إلاءاتى الرَّحْمن عبدا ٤
إنها عقيدة التوحيد فى صفائها ونقائها ونضرتها وسموها ونفاستها
أما التشريع فإنه ولا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكيم
حمید ۹

وإذا تعلم الإنسان القرآن أفاده أسلوبًا عربيا ممتازا وأفاده معرفة
۱ الأنبياء ٢٥
سورة الإخلاص
۳ الأنبياء ٢٦
٤ مريم الآيات من ۸۸ - ۹۳
٥ فصلت ٤٢

باللغة العربية في مفرداتها وفى تراكيبها ولن نجد كاتباً عربياً ممتازاً أو أديبا له أصالته إلا وكان السر في ذلك معرفته بالقرآن مفردات وتراكيب وما دخلت كلمات من القرآن في أسلوب كاتب إلا وأشرقت وأضفت على الأسلوب أثارة من البهاء
كانت الكتاتيب تُؤدى رسالة ضرورية للأمة الإسلامية دينا ولغة وأخلاقاً وأخذت هذه الكتاتيب تتناقص شيئًا فشيئًا إلى أن كادت تنتهى
بلاد
وما من شك في أن أهل الخير في مصر وفي غيرها من العالم الإسلامي كثيرون ولعلهم لم يتنبهوا فيما مضى إلى خفوت نور القرآن بتناقص الكتاتيب ونرجو أن يكون هذا تذكرة لهم
C
أن
للإسهام في فتح هذه الكتاتيب من جديد يتدرجون بها إلى تعم القطر المصرى كما كانت وإن كل من يسهم في فتح أحد الكتاتيب فإن له الثواب الجزيل عند الله تعالى لأنه يسهم في نشر كلامه المبارك وفى توعية الناس بدينهم وفى زيادة الشعور
بالتقوى
ومن
الأمور المؤسفة أن كثيرًا من أهل الخير أوقفوا أموالاً
كثيرة على تعلم القرآن وعلى الكتاتيب واستولت وزارة الأوقاف

لم ترع في ذلك حرمة الوقف
على هذه الأوقاف وأكلتها ولم ترع في ذلك حرمة القرآن وما زالت على مر السنين تأكلها ولا تفكر في توزيعها على الكتاكتيب الموجودة ولا في إنشاء كتاتيب بها وقد ألف رجال الوزارة ذلك حتى وصل الأمر إلى أن وزراء

الأوقاف الذين يحبون خدمة القرآن لا يتنبهون إلى هذه الأوقاف التي يستفيد منها المشرفون عليها ولا يكتفون بالأكل منها وإنما يُؤكلونها لأتباعهم وعملائهم وهم إنما يأكلون في

يأكلونها بطونهم نارا
القرآن
ومن
الأمور المؤسفة أيضا أن وزارة التربية لا تشعر بفائدة أجل اللغة ولا تشعر بفائدة القرآن من أجل الأسلوب من ولا تشعر بفائدة القرآن من أجل العقيدة ولا تشعر بفائدة القرآن وكأن الله جعل من بين أيديهم أجل الأخلاق ولا ولا من سدا فأغشاهم فهم يبصرون
لا
سدا ومن خلفهم وعلى الرغم من أنه يتولى وزارة التربية من آن لآخر وزير صالح فإن بطانته تستمر في تعمية الأمر فلا تنصح له ولا تنير له الطريق ولو أسلمت وزارات التربية فى العالم الإسلامي لأفادت المجتمع الإسلامي علما ودينا وأخلاقاً وأسهمت إسهاما فعالاً في نشر الأمن والطمأنينة على الأنفس والأعراض والأموال ونرجو الله لها الهداية والتوفيق
ونعود إلى الشيخ الحفنى
لقد تعلم القرآن في كتاب البلدة إلى سورة الشعراء وكان والده كما قلنا مقيماً بالقاهرة فاستقدمه إلى القاهرة ليكون تحت رعايته وأخذ الغلام في حفظ القرآن إلى أن استكمله ثم أخذ يسير في التعليم على النهج المتبع وكان في النهج المتبع كثير من الحكمة المنبعثة عن التجربة لقد
44

أبانت التجربة أن خير وسيلة لتعلم علم الأزهر إنما هو البدء
بحفظ المتون والمتون هي كتب في كل فن مختصرة موجزة مركزة تركيزا قويا بحيث أصبح بعضها من شدة التركيز – وكأنه ألغاز
هذه المتون تحفظ عن ظهر قلب وهي بطبيعة الحال صغيرة
الحجم نسبيا وفى بعض الأحيان لا تعدو أن تكون ورقات قليلة

وكانت الطريقة أن يكتب العلماء على المتون شروحا توضحها وتشرحها مفصلة ما أجمل وموضحة ما استغلق ومبينة ما يشبه أن يكون – في المتون إشارات وفى الأحيان يكتب من

العلماء حواشي على الشروح
وكان المتن الواحد يكتب علية عدة شروح والشرح الواحد تكتب عليه عدة من الحواشى ويجتهد جميع الباحثين في التمحيص والتحرير والوصول إلى الغاية في الدقة
كان الطلبة يحفظون المتون وكان المدرسون يدرسون الشروح
ولا يغفلون الحواشى وحفظ فتانا المتون لقد حفظ
ألفية ابن مالك وهى خير متن فى النحو والصرف وعليه
شرح ممتاز هو شرح ابن عقيل
وحفظ السلم في أصول الفقه
والجوهرة في التوحيد
والرحبية

وأبا شجاع في الفقه الشافعى وهو متن مشهور ما زال يدرس
في الأزهر للآن وحفظ غير ذلك من المتون
وكل ذلك قبل أن يبدأ الدراسة في الأزهر
بعد حفظ المتون بدأ فتانا يدرس على أعلام العلم في الأزهر
وكان الأزهر إذ ذاك

كما هو في كل عصر

يقوم على طائفة
من أعلام العلماء أخلصوا وجوههم لله ثم للعلم ووطنوا أنفسهم
على أن يكونوا جند الله يحفظون على لغة القرآن

ويجندون أنفسهم
أجل نشر قواعد الدين الإسلامي مفسرين للقرآن شارحين من
للحديث
وكانوا

مبينين لمسائل الفقه موضحين للدين في جميع زواياه ومازالوا - يرقبون المجتمع بعين يقظة حتى لا ينحرف
عن الجادة يبذلون فى ذلك كل ما يستطيعون
وإذا كان الشيطان وأعوانه والنفس وأهواؤها يفسدون جهدهم وإذا كان المنحرفون في المجتمع يسعون في الأرض فسادا

ويقفون
فإنه مما لا شك فيه
الأحيان عقبة في سبيل الهداة في كثير من أن لعلماء الأزهر دورهم الضخم في الإبقاء على الدين واللغة العربية
ورسول الله يقول
لا تزال طائفةٌ من أُمَّتِى ظَاهِرين عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرِّهِم مَنْ خَذَهُم
وَلا مَن نَاوَأهم حتى تقوم السَّاعة
إن هذه الطائفة هم أهل الله
من
علماء الأزهر ومن سار على
نهجهم في بلاد الإسلام

وكانت الدراسة في الأزهر حرة طليقة تتناسب حقاً مع
ما يجب للعلم من مكانة سامية
كان الأستاذ يختار المادة والمستوى

والكتاب والزمن

وكان التلميذ يختار هو أيضا المادة والمستوى والكتاب
والزمن
ويزيد على ذلك أنه كان يختار الأستاذ الذي
أكثر فائدة له
نحن شيئاً ذلك
أنه
یری
وكانوا يبدءون الدرس بعد صلاة الفجر مباشرة وقد أدركنا من فلقد كنا نحضر درس المرحوم العالم الكبير العارف بالله فضيلة الشيخ الدجوى في الرواق العباسي بعد صلاة الفجر وكان درسا فى التفسير وكان درسا رائعا حقا وكان درسا يجمع بين الدراسة الكسبية والإلهامات الربانية وإنه مما يؤسف له أنه لم يدون أحد هذه الدروس ولو دونت لأفادت علما وأفادت دررا من الإلهامات
دخل فتانا الأزهر يتلقى العلم على أعلام الأزهر النابهين فتتلمذ على
6
الشيخ
أحمد الخليفي
والشيخ محمد الديربي
والشيخ عبد الرءوف البشبيشى وغيرهم وغيرهم
بید
أن الذي كان له أثر كبير فى حياة فتانا العلمية الكسبية
إنما هو الشيخ محمد البديرى الدمياطى الشهير بابن الميت۱
۱ انظر الجبرتي ج ص ٢٥٨

لقد أخذ عنه تفسير القرآن الكريم
C
والقرآن هداية يرسم
للإنسانية - الإنسانية جمعاء - عقيدتها ويبين لها أخلاقها – أسمى ما تكون الأخلاق وأصفاها - ويفيد العربي لغة ويفيده أسلوبًا – أبلغ ما يكون الأسلوب إنه الأسلوب الإلهي في روعته وجماله
وأفصح
وإشراقه وتتلمذ عليه في الحديث والحديث مبين للقرآن الكريم
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ۱
وقد بينه رسول الله بقوله

وبينه بحاله وبينه بسلوكه
ولقد كانت أقوال رسول الله وأحواله وأعماله أضواء قرآنية وأنواراً ربانية ولم تكن دراسته مع شيخه للحديث دراسة موجزة وإنما كانت مستفيضة جدا لقد درس عليه
الله
الله
عن إمامنا البخارى ونضر
۱ - صحيح البخارى ورضى وجهه جزاء ما بذله من جهد ووقت في جمع الصحيح
الثابت من كلام رسول الله الله وإننا لا نستطيع أن نوفى الإمام الثناء والمدح على قيامه بما قام به من خدمة السنة
من
البخاري حقه
ولا نملك إلا أن
الله
ندعو
تعالى
أن
يحشره مع من رضى عنهم من
النبيين والصديقين

ونحن حينما يُذكر الإمام البخارى إمام المحدثين وشيخهم في كل عصر لا يفوتنا أن نذكر أن بعض المفتونين المغرورين بأنفسهم وبأهوائهم حاولوا فى العصر الحاضر أن ينالوا من الإمام البخارى
وقد ذكر ذلك لأحد شيوخنا الأفاضل فقال
١ النحل ٤٤
٣٦

إن الخنافس إذا سولت لها نفسها أن تنال من الأسود فإن ذلك لا يخرجها عن نوعية الخنافس وعن أنها خنافس وسوف لا تشعر الأسد بها وإذا شعرت الأسود بها فإنها تبتسم في سرية وازدراء ويذكرنا موقف الذين ينالون من الإمام البخاري خادم السنة وشيخ المحدثين بقول الله تعالى
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوا مَنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ
هَادِيًا ونصيرا ۱
وبقوله تعالى
أفَمَن زُيَّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسنا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ويهدى منْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا
يصْنَعُونَ ٢
ودرس
فتانا الحفنى صحيح مسلم ولقد قام الإمام مسلم في خدمة السنة بمثل ما قام به الإمام البخاري ولكل منهما منهجه الله للإمام مسلم ما رجوناه للإمام البخاري أن
وطريقته
ونرجو
يحشره مع من رضى عنهم من النبيين والصديقين فتانا في مجال السنة أيضا
ودرس

سنن
أبي داوود
وسنن النسائي

وسنن ابن ماجه
۱ الفرقان آية ۳۱
فاطر آية ۸

ودرس الموطأ للإمام مالك ومسند الإمام الشافعي
ومعاجم الطبراني الأكبر والأوسط

والصغير

Λ
۹
و درس صحيح ابن حبان
۱۰ - ودرس المستدرك للنيسابورى درس كل هذه الكتب في السنة
وقد كان الأزهر فى أيام فتانا معنيا بالسنة كل العناية لا يدرسها في مختصرات أو موجزات أو مختارات وإنما يدرسها في الأمهات الأصيلة
إن السنة دعوة بالحسنى إلى الرقى الأخلاقي الذي تجرى وراءه الإنسانية المهذبة إنها دعوة إلى التاجر أن يكون صادقًا فيحشر مع النبيين والصديقين والشهداء

وإلى العامل أن يتقن عمله لأن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً
أن يتقنه
وإلى الصانع أن يؤدى العمل كما يجب حيث أخذ الأجر
أخذ الأجر حاسبه الله على العمل ومن

وهي دعوة إلى الأب باعتباره أبا وإلى الأم فى وضعها كأم وإلى الأخ في مهمته كأخ وإلى غيرهم من أفراد المجتمع أن يرعى كل منهم ما وكل إليه من أمر رعيته لأنه مسئول عن رعيته وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته وهي دعوة للناس إلى الأمانة حيث أنه لا إيمان لمن لا أمانة

٣٨

له وإلى الصدق وأن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله
وسلامه
صديقا
وإلى الرحمة الرحمة العامة الشاملة وصلوات
على من قال إنما أنا رحمة مهداة
الله
ومن قال ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وخذ أي خلق كريم تتمنى أن يسير عليه المجتمع فستجد
في السنة دعوة إليه بوسيلة وبأخرى وبثالثة
الأمة الإسلامية في
وهي في هذه الدعوة تنبه دائما إلى دور الأخلاق العالمية إن دورها إنما هو دور الرائد الداعية وعلى
الرائد دائما أن يكون المثل الأعلى والأسوة الكريمة
الصالحة

والقدوة

ولقد كان رسول الله ع الصورة الحية الناطقة التي طبقت - كمبادئ إنسانية ممكنة - الخلق الذي رسمه الله وأحبه للإنسانية جمعاء والذي عبرت عنه السنة أجمل تعبير وأبلغه
أجل هذا التقدير الكريم للسنة الشريفة كان العلماء المستنيرون ومن الأخلاق أجل مكارم
في كل عصر يجاهدون من
أجلها
ومن
علماء السنة
وكان هؤلاء العلماء التي تعبر عنها

يعرفون
بسيماهم فقد كانوا من الزهد فى حطام الدنيا بحيث لا ينازعون الناس في دنياهم
لقد كانوا مشغولين عن جمع المال بخدمة الدين وكانوا مشغولين عن الجاه بغرس الخلق الصالح الكريم وكانوا مشغولين عن السلطان
۳۹

بمن بيده السلطان يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء مالك الملك ذي الجلال والإكرام
وكانوا صادقين لقد كان الصدق ديدنهم وفطرتهم
وكانوا صابرين على الحياة وصابرين على العمل لقد أقاموا نهارهم وأسهروا ليلهم عملاً على مرضاة الله ورسوله الله كصورة لهؤلاء القوم – هو
الإمام
والمثل الذي نحب أن نسوقه
أحمد

بن حنبل
رضی
الله
عنه

إنه المحدث الذي حاول
أن يكون صورة صادقة لما كان عليه الرسول في الزاوية
الأخلاقية
وسيرة الإمام رضوان الله عليه مثل أعلى في التمسك بما يراه
حقاً وفى الصبر على ما يناله في سبيل التمسك بالحق على أن كل من تشبع بالسنة حقاً إنما هو صورة قريبة بقدر المستطاع من الإمام احمد ولقد كان الإمام البخارى وغيره ممن أشربت نفوسهم حب السنة أمثلة كريمة للخلق الكريم
والأمثلة الكريمة للخلق الكريم هي دائما هدف لسهام النماذج الأثيمة التي استهواها الشيطان في قليل أو في كثير إنه النزاع الدائم بين الفضيلة وأصحابها وبين الممثلين لنزعات الهوى والضلال ولولا وجود هذه المثل العليا لمكارم الأخلاق في كل عصر ا الإنسانية الثقة بنفسها ولما اطمأن إنسان لإنسان ولما وثق شخص
باخر
لفقدت

لقد ربت السنة رجالاً وخصائصها التي ربت بها الرجال ما تزال موجودة فيها لأنها من طبيعتها ومن ذاتها ولقد شاهدت الإنسانية
واعترفت بسمو هؤلاء الرجال وأولتهم ثقتها وتقديرها
إن الإمام أحمد بن حنبل وإن الإمام البخارى وإن أمير المؤمنين في الحديث الإمام سفيان الثورى وأمثال هؤلاء رضى الله
عنهم
من
منارات يهتدى بهم عشاق المثل العليا الأخلاقية
لابد إذن من العمل على نشر السنة وإذاعتها ومحاولة الإكثار النفوس التي تتشربها وتحققها وتتمثلها وتحياها
لا بد من نشرها وطنية
ولابد من نشرها إنسانية لأنها تعبر عن أرقى مستوى إنساني
ولابد من نشرها دينا
ولابد من نشرها ذوقًا أدبيا
ولابد من نشرها للثروة اللغوية
وما من شك في عن إصلاح المجتمع وعن عوامل الهدم التي تعمل على تقويضه وعن عوامل البناء التى تعمل على إقامته على قواعد سليمة ويتحدث عن النظم التي ينبغى أن تسود المجتمع الإنساني وعن الأوضاع
أن للسنة جوا فكريا فالرسول يتحدث
التي يجب
أن
تستقيم
وللسنة جو لغوى فالرسول قد أوتى جوامع الكلم وكلامه له أبلغ الكلام البشرى ونشر السنة عامل من أهم العوامل على ترقية اللغة التي يكتب بها الكتاب ومن أهم العوامل
٤١

على وضع الناشئين والمثقفين فى وضع أدبى ممتاز من حيث اللغة ومن حيث الأسلوب
وللسنة جو روحى إنها تهذيب للنفس وتربية للروح وسمو بالأخلاق إلى درجة لاتجارى وصلى الله وسلم على من قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
ورحم
الله شوقى إذ يقول
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
أجل ذلك كله كان نشر السنة واجبًا دينيا وعملاً اجتماعيا ومن
كريماً وواجباً وطنيا حتميًّا وإصلاحًا أخلاقيا ساميا
فيه
أن
وهو على كل حال ضرورة وطنية ملحة في عصر تحاول الرذيلة الانحلال الخلقى فى كل أسرة وفي كل بيت ويحاول الفساد أن يأتى على مقدسات الأمة ومقوماتها من عرض وشرف
وكرامة
تعمم
لقد أحب الله للإنسانية مثالا أخلاقيا كريما رسمه سبحانه في القرآن الكريم قولاً فكان الرسول الله الصورة التطبيقية الكاملة
للرسم الإلهى وكان بذلك الإنسان الكامل

لقد كان المثل الأعلى في الرحمة والمثل الأعلى في الكفاح والمثل الأعلى في الصبر الجهاد المتفائل والمثل الأعلى في الصدق وفى الإخلاص وفى الوفاء وفى البر وفي الكرم
ولقد وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله
٤٢

وإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم ۱
ولا ريب فى أن الأمة الإسلامية حينما تقتدى بالرسول
إنما تقتدى بأعظم البشر رجولة وإنسانية
أحب الله وتقتدى بمن
سبحانه أن تقتدی به
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فى رسُول الله أسْوَةٌ حَسَنَةٌ لَمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّه واليوم الآخر وذكر الله كثيرا
وإن العمل على نشر السنة إنما هو توجيه للاقتداء بالرسول الله وإذا كانت السنة تحتل هذه المكانة الضخمة في منهج دراسة الأزهر فإن مادة أخرى في غاية النفاسة كانت تحتل أيضا مكانة لا بأس بها وهذا من الطرافة ومن الحكمة بمكان تلك
التصوف

هی
مادة
مادة التصوف موضوعا أخلاقيا ومادة التصوف منهجا ومادة التصوف تزكية نفسية وكذلك أيضا مادة
سلوكيا

التصوف رجالاً أخلصوا دينهم لله !
والتصوف له كتبه كموضوع وهي كثيرة كثرة مرضية وله رجاله كشخصیات أخلصوا وجوههم الله تعالى وأصبحوا
مثلاً كريمة في العلم وفى تزكية القلوب وكان الأستاذ في الأزهر يختار - إذا شاء – كتابا في الموضوع
۱ سورة القلم ٤
سورة الأحزاب ۱
٤٣

أو يختار - إذا شاء - كتابا عن الشخصيات أو يختار كتابين أحدهما عن الموضوع والآخر عن الشخصيات
ولقد اختار الشيخ محمد البديري كتابين أحدهما في الموضوع والآخر في الشخصيات وهما من أنفس ما كتب في الموضوع والشخصيات إن لم يكونا أنفسها
أما الكتاب الخاص بالموضوع فهو كتاب
إحياء علوم الدين لحجة الإسلام الإمام الغزالي
ودرس

فتانا في انتباه وفي متعة روحية وفى تقدير كبير كتاب الإحياء على الشيخ محمد البديرى وكتاب الإحياء أهم كتب
الإمام الغزالي ولقد قال فيه الإمام النووى
كاد الإحياء يكون قرآنا
وقد ألفه الإمام الغزالي فى الفترة التي اعتزل فيها الناس متعبدا ومما يؤيد ذلك مارواه الإمام أبو بكر بن العربي في كتاب القواصم والعواصم من أنه التقى بالإمام بمدرسة السلام في جمادى الآخرة سنة تسعين وأربعمائة وكان قد راض نفسه بالطريقة الصوفية من سنة ست وثمانين إلى ذلك الوقت نحوا من خمسة أعوام فقرأت عليه جملة من كتبه وسمعت كتابه الذي سماه الإحياء لعلوم الدين أما فيما يتعلق بالبواعث التى من أجلها ألف الإمام كتاب
الإحياء
وأما فيما يتعلق بالهدف الذى من أجله ألف كتاب الإحياء

وأما فيما يتعلق بجوهر موضوعه فإن ذلك كله يتلخص في كلمة واحدة هي الإخلاص
ولقد روى ابن الجوزى أن بعض أصحاب أبى حامد سأله قبيل الموت قائلا
فوجد
أوصني فقال له عليك بالإخلاص ولم يزل يكررها حتى الموت عليك بالإخلاص !! لقد تلفت أبو حامد يوما إلى نفسه أنه متجرد من الإخلاص وأن كل همه إنما هو الشهرة
والصيت

والجاه والمنزلة عند الناس وعند الحكام

وانتفض
أبو حامد انتفاضته التي وضع بها نفسه في محيط الإخلاص

وتلفت أبو حامد - بعد ذلك فيما حوله فوجد أن عن قوله تعالى ألا الله الدِّينُ
الناس صم بكم
الْخَالِص 1
عمى
وعن قوله تعالى وما أمروا إلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدين وقوله تعالى فَادْعُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ۳
وغير ذلك الآيات الكثيرة التي تدعو إلى الإخلاص في الدين من وإلى إخلاص الدين الله وحده وهي في دعوتها إلى الإخلاص إنما
تدعو إلى التوحيد !
۱ الزمر ٣
البينة ٥
۳ غافر ١٤

أن ووجد الشيطان قد استحوذ على أكثر الناس واستغواهم الطغيان وأصبح الدين في نظر بعض علمائه فضلاً عن غيرهم - فتوى حكومية أو جدلاً للمباهاة والغلبة والإفحام أو سجعا مزخرفا
يتوسل به الواعظ إلى استدراج العوام
لما رأى أبو حامد ذلك ألف كتابه النفيس
وألف ليستعيد الإخلاص إلى القلوب ليستعيد مادرج عليه السلف الصالح من اتخاذ الإخلاص أساسا وشعارًا وما من شك في إخلاص الدين لله وحده هو التوحيد وما من شك في أن التوحيد هو جوهر الدين الإسلامي وهو طابعه وهو هدفه
أن
وغايته
وألف الإمام كتابه إذن ليبين فيه الإخلاص أسسا ونتائج
وأسبابا وغايات ورتب الكتاب أقساماً والأقسام كتبا والكتب أبوابا والأبواب فقرات كل ذلك ليسهل تناوله
فأما أقسام الكتاب فهى أربعة

۱ - قسم العبادات يذكر فيه من خفايا آدابها ودقائق سننها وأسرار معانيها كل ما يحتاج العالم العامل إلى معرفته من وجوه الإخلاص فيها وإقامتها على الأسس التي يحبها الله سبحانه
ورسوله
- قسم العادات يذكر فيه أسرار المعاملات الجارية بين الخلق وأغوارها ودقائق سنتها وخفايا الورع في مجاريها وذلك مما لا يستغنى عنه متدين

ទេ។

- قسم المهلكات وهي الأخلاق المذمومة التي ورد القرآن بتطهير القلب منها يُعرِّفُ بها ويذكر أسبابها وما ينشأ
عنها من مضار ثم يذكر طرف العلاج منها

- قسم المنجيات يذكر فيه كل خلق محمود ويشرح الوسائل
التي بها يكتسب والثمار التي تجنى من التخلق به وهو في كل هذه الأقسام يبتدئ كل موضوع يعالجه بذكر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة والتابعين
وأخبار الصالحين
أما

عن تقدير هذا الكتاب فإن الإمام الحافظ العراقي يقول إنه من أجل كتب الإسلام فى معرفة الحلال والحرام جمع فيه بين ظواهر الأحكام ونزع إلى سرائر دقت عن الأفهام لم يقتصر فيه على مجرد الفروع والمسائل ولم يتجر في اللجة بحيث يتعذر الرجوع إلى الساحل بل مزج فيه علمى الظاهر والباطن ومزج معانيهما في أحسن المواطن وسبك فيه نفائس اللفظ وضبطه وسلك فيه من النمط أوسطه مقتديا بقول على كرم ا خير هذه الأمه النمط الأوسط يلحق بهم التالى ويرجع إليهم
الغالي
الله
وجهه
وقال الزبيدي شارح الأحياء وأنا لا أعرف له نظيرًا فى الكتب التي صنفها الفقهاء الجامعون

في تصانيفهم بين النقل والنظر والفكر والأثر
٤٧

وقال
ابن السبكي

وهو من الكتب التي ينبغى للمسلمين الاعتناء بها وإشاعتها

ليهتدى بها كثير من الخلق وقل من ينظر فيه إلا ويتعظ به في
الحال
وقال الشيخ عبد القادر العيدروس في كتاب تعريف الأحياء بفضائل الإحياء
اعلم أن فضائل الإحياء لا تحصى بل كل فضيلة له باعتبار حيثياتها لا تستقصى
وكان عبد الله العيدروس رضى الله عنه يكاد يحفظه وروى عنه أنه قال مكثت أطالع كتاب الإحياء كل فصل وحرف وأعاوده وأتدبره فيظهر لى منه في كل يوم علوم وأسرار عظيمة ومفهومات غزيرة غير التي قبلها ولم يسبقه أحد ولم يلحقه أحد ومن کلامه
منه
عليكم يا إخوانى بمتابعة الكتاب والسنة أعنى الشريعة المشروحة في الكتب الغزالية خصوصاً كتاب ذكر الموت وكتاب الفقر والزهد وكتاب التوبة وكتاب رياضة النفس وقد ألزم الشيخ عبد الله العيدروس أخاه قراءة الإحياء فقرأه عليه مدة حياته خمسا وعشرين مرة !
ونختم هذه التقديرات برأى أعتقد أنه فيصل الحق في موضوع كتاب الإحياء وهو رأى فضيلة الإمام الجليل الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر السابق وهو عالم لا يتهم
٤٨

بعصبية والآراء مجمعة على أنه العلماء الذين حاولوا جاهدين أن من
يكون كل ما يصدر عنهم إنما يراد به وجه الله يقول
وإذا وجد العلماء في كتاب الإحياء مآخذ معدودة فإنه من صنيع بشر غير معصوم من الزلل وكفى بكتاب الإحياء فضلاً وسمو منزلة أن تكون درر فوائده فوق ما يتناوله العد وأن يظفر وعشاق الفضيلة بما لا يظفرون به من كتاب
منه طلاب العلم
غيره

وَمَنْ يُونَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتى خَيْرًا كَثِيرًا 1
و درس فتانا الشيخ الحفنى على الشيخ نفسه كتاب
حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني

وابو نعيم محدث معروف وكتابه هذا أوسع المراجع فيما يتعلق بالشخصيات إلى نهاية القرن الرابع الهجرى تقريباً ويقع في عشرة
أجزاء كبار وقد بدأه بالصحابة رضوان الله عليهم مبتدئًا بالصديق رضى
الله
ورضى
عنه وذكر فيه كبار المحدثين الصوفية وأئمة مذاهب الفقه أبي نعيم فقد أرضى التاريخ وأرضى الأرواح وكتابه
الله
عن
من العوامل المؤثرة لتزكية النفس
درس
فتانا هذه الكتب واستكمل دراسة العلوم التقليدية من الفقه والأصول والمنطق وغيرها مما كان يدرس في الأزهر
١ البقرة ٢٦٩

وظهر نبوغه في سن مبكرة فقد كان مجدا مجتهدا بعيدا كل البعد عن توافه الأمور وعن اللغو وعن إضاعة الوقت فيما لا يجدى وكان مكبا على الكتب ملازماً لأشياخه كل وقته استفادة إما عن طريق المطالعة وإما عن طريق السماع من أشياخه

وقدره أشياخه تقديرًا كبيرًا وهو مازال بعد في بواكير شبابه
فأجازوه بالإفتاء والتدريس وهو لم يتجاوز بعد الثالثة والعشرين من عمره المبارك
عندما انتهى الشيخ الحفنى من الدراسة تلميذا واستأنف حياة الدراسة أستاذا بدأ يشعر بوطأة الحياة المادية
فلم يكن الشيخ وارثا ثراء عريضاً ولم يكن تاجرا غنيا وإنما كان طالب علم أثناء أن كان يتعلم وكان طالب علم أيضا أثناء أن كان يُدَرسُ وكان العلم والعبادة جوهر حياته وهو وإن كان قد تدخل فيما كان يحدث بين الحكام إذ ذاك أو فيما كان يحدث بين الحكام والشعب فإنه ما كان يدخل دخول السياسي المحترف وإنما كان يدخل دخول الأب الناصح المرشد كان يدخل من قمة التوجيه والإرشاد كان يدخل قرآنيا محمديًا وهو بهذه الصفة كان مخلصا لم تكن عنده شهوة الحكم هذه الشهوة التي تفسد على المصلحين كل شيء والتي لا تأتى إلا بنتيجة حتمية هي الصراع بين المصلح وبين المجتمع أيضا من بيدهم زمام الحكم ومن وراء ذلك يحدث

الاضطراب في المجتمع وتسيل الدماء ويكون الوبال على الطرفين وعلى المجتمع أيضاً
والشيطان دائما يدخل على المصلحين ومن زاوية أنه لا طريق للإصلاح إلا بتولى أمر الحكم وتنفيذ الإصلاح بالقوة وبالقانون وذلك خداع ينتهى بتدمير الحاكمين والمصلحين والمحكومين وأحيانًا يلبس الشيطان على المصلحين بأنهم يقومون الله في وجه الطغاة والظلمة ولو أخلصوا وجوههم حقيقة الله لأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر دون أن يكون من وراء ذلك شهوة الحكم وإذا فعلوا ذلك كان تأثيرهم فى المجتمع كبيرًا وكان الحكام أنفسهم من خير الأعوان لهم وينتهي بهم أمر الدعوة إلى أن تعم المجتمع وتكون الاستجابة فيصلح أمر المجتمع ويتولى قيادته الصالحون وكما تكونوا يول عليكم وهذا الطريق طريق الابتعاد عن شهوة الحكم هو الطريق الذي سار فيه الأئمة الأعلام من كبار الداعين إلى الله تعالى
أمثال
الحسن البصري وسعيد بن المسيب وسفيان الثورى وعبد القادر الجيلاني والرفاعي وأبي الحسن الشاذلي وأبي العباس المرسى وابن عطاء الله السكندرى وعشرات
والأوزاعي
غيرهم
لقد كانوا قمة شامخة فى العلم وكانوا قمما شامخة في الدعوة إلى الله تعالى وعاشوا حياتهم داعين إلى الله تعالى يحترمهم الحكام ويحترمهم الشعب وهدوا إلى الله تعالى نفوسا ضالة وقادوا إليه سبحانه أفئدة حائرة
۵۱

ولأن يهدى الله بك رجلا خير لك الدنيا وما فيها من
ولأن يهدى الله بك رجلا خير لك
حمر
النعم ۱ وعلى نمط من
هؤلاء سار شيخنا الحفنى
سار في حياته غير متطلع الحكم ولا لدنيا ولكن واقعه كان شديد الوطأة من ناحية مطالب الحياة المحدودة التي لا ترغب في
أكثر
أحمد
الكفاف من
ماذا يفعل
لقد بدأ في اتخاذ حرفة وهذه الحرفة اتخذها الإمام الكبير بن حنبل من قبله وهى نَسْخُ الكتب وبيعها والإنفاق من ثمنها ويستفيد الإنسان من نسخها علماً ويستفيد من بيعها مالاً يكفى - على ضالته - ما يمسك الرمق ويفيد من ذلك الآخرين
الذين يشترون الكتاب المنسوخ

واشترى شيخنا أقلاما واشترى محابر وبدأ العمل ولكنه رأى - عن طريق التجربة - أن ذلك يصرفه في قليل أو كثير عن الاستزادة من العلم وربما كان الكتاب المطلوب كتابا عاديا لا يستفيد منه جديدا وهو يريد أن يستفيد جديدا في كل لحظة ثم طريقة البيع هل يساوم هل يعلن عن الكتاب وبأى أسلوب يعلن وعلى أي أساس يساوم
ولكن لابد مما ليس منه بد لقد استمر صاحبنا في هذه الحرفة
۱ وأخرج الطبراني في الكبير حديثًا لفظه لأن يَهْدِي اللَّهُ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلاً خَيْرٌ لك مما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ وهو حديث حسن
۵

مدة لم تكن طويلة يقول الجبرتي عن الشيخ في بدء حياته في
التدريس
حين جلس للإفادة لازمه جل طلبة العلم ومن بهم يسمو
المعقول والمنقول
وكان إذ ذاك في شدة من ضيق العيش والنفقة
فاشتری دواة وأقلاما وأوراقاً واشتغل بنسخ الكتب فشق عليه ذلك خوفا انقطاعه
من
عن العلم
فبينما هو في بعض الدروس إذ جاءه رجل وانتظره حتى فرغ من الدرس فقال له
يا سيدى أريد أن أكلمك كلمتين
وأشار إلى مكان قريب فسار معه حتى انتهيا إلى المدرسة العينية فدخلاها ثم جلسا فأخرج الرجل محرمة ملانة بالدراهم وقال له
يا سيدى فلان يسلم عليك وقد بعث لك معى بهذه الدراهم
أن ويريد
فأخذها
يحظى بقبولها
منه وفتحها وملأ كفه من الدراهم وأراد إعطاءها لحاملها فامتنع وحلف لا يأخذ منها شيئًا ثم فارقه ذلك الرجل
وذهب الشيخ إلى البيت وكسر الأقلام والدواة فاقبلت عليه الدنيا
من حينئذ

وكان يتردد إلى زاوية سيدى شاهين الخلوتي بسفح
الجبل ويمكث فيها الليالي متحننا
٥٣

وأقبل على العلم وعقد الدروس وختم الختوم بحضرة جمع
العلماء
تدريس
ولقد شمر الشاب الطموح عن ساعد الجد وهجم مباشرة على أمهات الكتب إنه لم يبدأ بالكتب السهلة كتب المبادئ الأولى في الفنون وإنما اتجه مباشرة إلى الكتب الدقيقة كالأشموني وجمع الجوامع والمنهج ومختصر السعد وغير ذلك الفقه والمنطق والأصول والحديث والكلام وكان ذلك عام اثنتين
وعشرين۱
وبدأ الطلبة يكثرون في درس الشيخ

من
كتب
وبدأت شهرته تذيع

وبدأ ينتشر صيته
يقول الجبرتي
وحين جلس للإفادة لازمه جل طلبة العلم ومن بهم يسمو
المعقول والمنقول
ويقول الجبرتي وقرأ المنهاج مرات وكتب عليه وكذلك جمع الجوامع والأشموني ومختصر السعد وحاشية حفيدة عليه كتب عليها وقرأها غير مرة
إليه
وكان الشيخ العلامة مصطفى العزيزى إذا رفع إليه سؤال يرسله
واشتغل بعلم العروض حتى برع فيه وعانى النظم والنثر
۱ انظر الجبرتي
٥٤

وتخرج عليه غالب أهل عصره وطبقته ومن دونهم كأخيه العلامة الشيخ يوسف والشيخ إسماعيل الغنيمي صاحب التأليف البديعة والتحريرات الرفيعة المتوفى سنة إحدى وستين وشيخ الشيوخ على العدوى والشيخ محمد الغيلاني والشيخ محمد الزهار نزيل المحلة الكبرى وغيرهم كما هو في تراجم المذكورين منهم
أه
وكان على مجالسه هيبة ووقار ولا يسأله أحد لمهابته وجلالته
وطابت حياة الشيخ واستقرت وأصبح في تفرغ كامل للعلم يفيد ويستفيد
ولكنه كان متفرغاً أيضًا للعبادة يقول الجبرتي

وكان يتردد إلى زاوية سيدى شاهين الخلوتي بسفح الجبل ويمكث فيها الليالي متحنثًا كان عالماً وكان عابدا والعلم النافع الذي يثمر في النفس الطيبة الاتجاه نحو الله تعالى وإذا لم يكن العالم عابدا فإن علمه وبال عليه
هو
في

وقد تحدث الرسول الله وتحدث أسلافنا
C
عن العلم والعبادة
استفاضة ذلك ما يلى وهو بعض ما أخرجه الإمام السيوطى

من
عند تفسيره لقوله تعالى
وإنما يَخْشَى اللَّه مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماء ۱
۱ فاطر ۸
٥٥

أخرج
ابن المنذر عن ابن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالى
وإنما يَخْشَى اللَّه مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ الله قال
رضی
الله
>>
العلماء بالله الذين يخافونه
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن صالح أبي الخليل عنه في قوله إِنَّما يَخْشى الله مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاء قال
الله
أعْلَمُهم بِالله أَسْتُهُم لَهُ خَشْيَةٌ
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدى عن مالك بن أنس رضى
عنه قال
القلب
قال

إِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ إِنَّمَا الْعِلْمُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّه في
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن رضى
الإيمان من خشي وزهد فيما أسخط الله
بعمله
الله
الله
عنه
بالغيب ورغب فيما رغب الله فيه

ثم تلا إِنَّما يَخْشَى اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ
وأخرج عبد بن حميد عن مسروق قال
كفَى بِالْمَرْءِ عِلْمًا أن يخشى الله وَكَفَى بِالْمرء جَهْلاً أَن يَعْجَبَ
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذى والحاكم عن الحسن رضى الله
عنه قال قال رسول الله رسول
0

العِلم عِلْمَان عِلْمٌ فِى الْقَلْبِ فَذَاكَ الْعَلمُ النَّافِعُ وَعِلْمٌ عَلَى
النِّسَانِ فَذَلِكَ حُجَّةُ الله
على خلقِهِ
وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة قال
بحسب المرءِ مِنَ الْعِلْمِ أَن يَخْشَى الله
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرآنِ أَنْ يُعْرِفِ بِلَيْلِهِ إِذَا النَّاسُ نَائِمُونَ وَبَنَهَارِهِ إذا النَّاسُ يُفطرون وبِحُزْنِهِ إِذَا النَّاس يَفْرَحُونَ وَبَبُكائِهِ إِذَا النَّاسُ يضحكونَ وَبَصَمْتِهِ إِذَا النَّاسُ يَخْلِطُونَ وَبِخُشُوعِهِ إِذَا النَّاسُ
يُخْتَالُون

أقبلت
ويَنْبَغى لِحَامِلِ الْقُرْآنِ ألا يكُونَ صحابًا وَلَا صَيَّاحًا وَلَا حَدِيدًا وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن وهب بن منبه قال
مع
عكرمة أقود ابن عباس رضى الله
عنهما
بعد ماذهب
بصره حتى دخل المسجد الحرام فإذا قوم يمترون في حلقة لهم
عند باب بنی شیبه فقال
أمل بي إلى حلقة المراء

فانطلقت به حتى أتاهم فسلم عليهم
C
فأرادوه على الجلوس فأبى عليهم وقال انتسبوا إلى أعرفكم

فانتسبوا إليه فقال
أما
علمتم
أن الله عبادا أسكتهم خشيته من غير عى ولا بكم
إنهم لهم الفصحاء النطفاء النبلاء العلماء بأيام الله غير أنهم إذا
ذكروا عظمة الله طاشت عقولهم من ذلك

وانكسرت قلوبهم
۵۷

وانقطعت ألسنتهم حتى إذا استقاموا من ذلك سارعوا إلى الله بالأعمال الزاكية فأين أنتم منهم ثم تولى عنهم فلم ير بعد ذلك رجلان اشتغل الشيخ بالعلم والعبادة وعمل بما علم فأفاده العمل صفاء
العلم وأفاده صفاء العلم حسن العمل !
وتكاتف في حياة الشيخ العلم النافع والعمل الزاكي فكان إماما وكان قدوة !
أصبح الشيخ قمة في كل العلوم التي تدرس في الأزهر والتي نبغ فيها في بواكير شبابه ثم زاده مر الأيام تجربة وصقلا وكان هو تخريج جيل من العلماء الذين يتوافر فيهم الخلق
همه الأكبر

عن كثرة
والعلم النافع الكريم وانصرف إلى ذلك انصرافا شغله التأليف فلم يبلغ فى ذلك مبلغ المكثرين أمثال حجة الإسلام الغزالي
أو الإمام الشعراني
ولقد سئل مرة أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه

وكان قمة
في العلوم الإسلامية العلوم المكتسبة والعلوم اللدنية سئل
لم لا تؤلف الكتب
فقال كتبى أصحابي
أما الشيخ الحفنى فإنه كان يمكن أن يقال له
لم لم تكثر
التأليف من
وكان من الممكن أن يقول شغلتنى تربية المريدين عن كثرة التأليف
يقول الجبرتي عنه
C
۵۸

ولم يعان التأليف لاشتغاله بالإلقاء والإقراء أن تتضمن كلمة الجبرتي هذه نصائح الشيخ للمريدين
ويمكن
والأتباع والسير بهم بتوفيق الله - في طريق الهداية
ومع
ذلك فإن الشيخ الحفنى ألف مجموعة لا بأس بها من
نفائس الكتب لقد ألف

رسالة موجزة كل الإيجاز فى ضبط أسماء الذين حضروا
غزوة بدر من الصحابة وقد اقتصرت الرسالة تقريبا - على ضبط الأسماء وسماها الثمرة البهية فى أسماء الصحابة البدرية
٢ – حاشية على شرح الإمام شهاب الدين أحمد بن حجر
على متن الهمزية في مدح خير البرية
الهيثمي
والهمزية قصيدة طويلة هي أطول قصائد الإمام البوصيرى وهى
قصيدة البردة أنفس قصائد البوصيري
وتبتدئ الهمزية بقول البوصيري رضي الله عنه كيف ترقى رقيــك الأنبياء يا سماء ما طاولتها سماء لم يساووك في عُلاك وقد حا ل سنا منك دونهم وسناءُ والهمزية هذه كلها درر ومن الخير أن يتدارسها الدارسون وأن يحفظها عشاق الأدب الرفيع والمحبون الرسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها ألف النسك والعبادة والخل وة طفلاً وهكذا النحبـــاءُ وإذا حلت الهداية قلبًا نشطت في العبادة الأعضاء
۵۹

ومنها
لا تَخَل جانب النبي مُضاما حين مسته
منهم
الأسواء
كل أمـــــر ناب النبيين فالشد دة فيه محمودة والرخـــاءُ
لو يمس النضار هوت من النا
ر لما اختير للنضار الصلاءُ
ومنها
رحمة
كله
ووقار وعصمة وحياءُ وحزم وعزم لا تَحُلُّ البأساءَ منه عُمر الصبر ولا تستخفـــــه السَّرَّاءُ كرمت نفسه فما يخطر السوء على قلبه ولا الفحشاء
ومنها
لا تكذب أن اليهود وقد زا غوا عن الحق معشر لُوْمَاءُ جحدوا المصطفى وآمن بالطا غوت قوم هم عندهم شرفاء قتلوا الأنبياء واتخذوا العجــ ـل إلا إنهم هم السفهاء وسفيه من ساءه المن والسلـ ـوى وأرضاه القوم والقثاء ملت بالخبيث منهم بطون فهي نار طباقها الأمعاء لو أُريدُوا في حال سبت بخير كان سبتا لديهم الأربعاء هو يوم مبارك قيل للتص ريف فيه من اليهود اعتداء فيظلم منهم وكفر عدتهم طيبات في تركهن ابتلاء وقرب نهايتها يقول
حص
ساء
إن من معجزاتك العجز عن وصفك إذ لا يحدّه الاحـ كيف يستوعب الكلام سجاياك وهل تنزح البحار الركاءُ ١
۱ الركا جمع ركوة – وعاء صغير

والهمزية لنفاستها - حاول الشعراء معارضتها أي تأليف قصيدة
على وزنها ومن رويها وفى موضوعها وهكذا يفعل الشعراء الفحول بالنسبة للقصائد التي تسير فى العالم سرى الضوء لفصاحتها وبلاغتها ونفاسة معانيها
ومن خير من عارض هذه القصيدة أمير الشعراء أحمد شوقى
وقد سمى قصيدته الهمزية النبوية
ساء
وهي قصيدة من نفائس غرر شوقى مطلعها ولد الهدى فالكائنات ضياءُ وفم الزمـ ان تبسم وثناء الروح والملأ الملائك حَوْلَهُ للدين والدنيــــا بـه بُشَراءُ والعرش يزهو والحظيرة تزدهي والمنتهى والسِّدْرَةُ العصم وحديقة الفرقان ضاحكة الربا بالترجـ ان شَذِيَّةٌ عَنَّاءُ والوحى يقطر سَلْسَلاً من سلسل واللوح والقلم البديع رواءُ نُظمت أسامى الرُّسل فهى صحيفة في اللوح واسم محمد طغراء اسم الجلالة في بديع حروفه ألف هنالك واسم طه الباء
ومنها هذه الأبيات الفاخرة الجميلة الثاقبة الحسنة
فإذا سَخَوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الأنواء وإذا عفوت فقادرًا ومقدرا لا يستهين بعفوك الجهلاء وإذا رحمت فأنت أُمّ أو أب هذان في الدنيا هما الرُّحَمَاءُ وإذا غضبت فإنمـا هـي غَضِبَة في الحق لا ضغن ولا بغضاء وإذا رضيت فذاك في مرضاته ورضى الكثير تحلم وريـاءُ وإذا خطبت فللمناب هزة تعرو الندى وللقلوب بكاءُ
٦١

وإذا قضيت فلا ارتیاب
كأنما
جاء الخصوم من السماء قضاء
وإذا حميت الماء لم يُورَدُ ولو أن القياصر والملوك ظمــاءُ وإذا ملكت النفس قُمْتَ ببرها ولو أن ما ملكت يداك الشاءُ وإذا بنيت فخيرُ زَوْجٍ عِشرة وإذا ابتنيت فدونك الآباء وإذا صحبت رأى الوفاءَ مُجَسَّمًا فى بردك الأصحاب والخلطاء وإذا أخذت العهد أو أعْطَيْتَه فجميع عهدك ذِمَّة ووفـــــاء وتمد حِلْمَك للسفيه مُداريا حتى يضيق بعرضك السفهاء في كل نفس من سطاك مهابة ولكل نفس في نـداك رجــاءُ
ومنها
بك يا ابن عبد الله قامت سَمْحَةٌ بالحقِّ من مِلل الهـــــدى غرَّاءُ
حقيقة
نادى بها سقراط والقدماء عنه كثير من الكتاب
بنيت على التوحيد وهى وقد شرح قصيدة الهمزية للبوصيرى رضى ا الله وممن شرحوها العالم الكبير الإمام شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي
ويقول عنها قصيدته الهمزية المشهورة العذبة الألفاظ الجزلة المباني العجيبة الأوضاع البديعة المعاني العديمة النظير البديعة التحرير إذ لم أحد على منوالها ولا وصل إلى حسنها وكمالها حتى الإمام البرهان
ينسج القيراطى المولود سنة ست وعشرين وسبعمائة والمتوفى سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فإنه مع جلالته وتضلعه من العلوم النقلية والعقلية وتقدمه على أهل عصره في العلوم العربية والأدبية لا سيما علم البلاغة ونقد الشعر وإتقان صنعته وتمييز حلوه من مره ونهايته من بدايته

أراد أن يحاكيها ففاته الشنب ۱

وانقطعت به الحيل عن أن يبلغ من
معارضتها أدنى أرب وذلك لطلاوة نظمها وحلاوة رسمها وبلاغة جمعها وبراعة صنعها وامتلاء الخافقين بأنوار جمالها وإدحاض دعاوى أهل الكتابين ببراهين جلالها فهى دون نظائرها الآخذة بأزمة العقول والجامعة بين المعقول والمنقول والحاوية لأكثر المعجزات والحاكية للشمائل الكريمة على سنن قطع أعناق أفكار الشعراء عن
تشرئب إلى محاكاة تلك المحكيات

أن
والهمزية البوصيرية التي شرحها ابن حجر الهيثمي والتي كتب حاشيتها الشيخ الحفنى موضوعها مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن مدح رسول الله يقول الهيثمي
فمما يتعين على كل مكلف أن يعتقد أن كمالات نبينا لا تحصى وأن أحواله وصفاته وشمائله لا تستقصى وأن خصائصه ومعجزاته لم تجتمع قط في مخلوق وأن حقه على الكمل فضلاً عن غيرهم أعظم الحقوق وأنه لا يقوم ببعض ذلك إلا من بذل وسعه في إجلاله وتوقيره وإعظامه واستجلاء مناقبه ومآثره وحكمه وأحكامه وإن المادحين لجنابه العلى والواصفين لكماله الجلى لم يصلوا إلا إلى قُلّ من كل لاحد لنهايته وغيض من فيض لا وصول إلى غايته ومن ثم كان أبلغ بيت هذا المطلع ٢ الآتى كما يعلم مما يأتى
فيه وفي بردة المديح
C

1 الشنب عذوبة الأسنان وحسنها قائمة جمال الفم
مطلع الهمزية هو
كيف ترقي رقيك الأنبياء یا سماء ما طاولتها سماء
٦٣

دع
فإن فضل رسول الله ليس له حد فيعرب عنه ناطق بفم
ثم يليه
ما ادعته النصارى فى نبيهم واحكم بماشئت مدحا فيه واحتكم ثم يليه
فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهـم فاق النبيين في خلق وفي خلق ولم يدانوه في علم ولا كرم
فهم مقصرون عما هناك قاصرون عن أداء كل ما يتعين من ذلك كيف رأى الكتاب مفحصة عن علاه بما يبهر العقول ومصرحة من كل صفاته بما لا يستطاع إليه الوصول وقد قيل الشعراء اليوم تمدحه من بعد ما مدحت
ماذا
عسى
حم
تنزيل
فعلم من ذلك أنه لو بالغ الأولون والآخرون في إحصاء مناقبه لعجزوا عن استقصاء ما حباه به مولاه الكريم من مواهبه ولكان المسلم بساحل بحرها مقصرًا عن حصر بعض فخرها ولقد صح لمحبيه أن ينشدوا فيه
وعلى تفنن واصفيه بوصفه يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
وإنه لحقيق بقول القائل
فأبلغت كف امرىء متناولاً من المجد إلا والذي نال أطول ولا بلغ المهدون في القول مدحة ولو حذقوا إلا الذي فيه أفضل

ولابن خطيب الأندلسي
مدحتك آيات الكتاب فما عسى يثني على علياك نظم مديحي وإذا كتاب الله أثنى مفصحا كان القصور قصار ۱ كل فصيح
>>>
ويقول الشيخ الحفني في ابتداء حاشيته
بسم
الله الرحمن الرحيم حمدا لمن جعل أحبابه أدلاء على سبيل الهداية وأمدهم بلوامع الأنوار وسواطع الأسرار في البداية والنهاية وصلاة وسلاماً على صاحب الرتب العلية وعلى آله وأصحابه كنوز المعارف الإلهية
وبعد فيقول فقير المغنى عبد مولاه محمد الحفنى هذه حواشی تفوق نفائس الدرر على شرح الهمزية للعلامة الشهاب ابن حجر جاد بها الكريم الوهاب أيام قراءتي المتن ومطالعتى عليه هذا الكتاب ضاعف الله لى ولمؤلفيهما الأجور إنه جواد كريم غفورا أ هـ
وحاشية الشيخ الحفنى تتجه في الغالب الأعم إلى الناحية اللغوية ويدل ذلك دلالة واضحة على تمكن الشيخ تمكنا عميقا من الجانب اللغوى ولكنه من آن لآخر يتحدث عن الجانب الروحي وعن آراء تتصل بالتصوف ونحن هنا نعطى بعض الأمثلة في مسائل ذات أهمية
يقول الإمام البوصيري في همزيته
ليته خصنى بروية وجــــــه زال عن كل من رآه الشقاء
۱ جهده وغاية

أنه
ويتحدث الإمام الحفنى عن ذلك فيقول
بأن يرى روحه الشريفة المتشكلة شكل جسده الشريف المنطلقة الانطلاق الكلى أو جسده الشريف فإنه حي في قبره ولا مانع من إكرام الله بعض عبيده برفع الحجب بينه وبين رسول الله له فيراه في قبره وإن بعدت داره فليس المراد برؤيته يقظة يخرج من قبره بروحه وجسده ويمشى في الأسواق ويأتى لمكان الرائي ويخفى عمن لم يرد الله له رؤيته كالملائكة وإنما المراد أن الحجب تزول خرقًا للعادة بأن تجعل تلك الحجب كالزجاج الذي يحكى ما وراءه فيراه أولياء الله بعين بصرهم مع كونه في قبره ويحادثونه ويسألونه عن أشياء ويجيبهم ويسمعون وإن بعدت أماكنهم لأنه حي في قبره
قوله بخ بخ فيه لغتان إسكان الخاء وكسرها منونا وهى كلمة تطلق لتضخيم الأمر وتعظيمه في الخير ا هـ شرح مسلم
للنووى

وقال في الصحاح هي كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء وتكرر للمبالغة فيقال بخ بخ فإن وصلت خفضت ونونت فقلت بخ بخ وربما شددت كالاسم أ هـ
وقال الهروى فى غريبه وسكنت الخاء كما سكنت في هل
و بل ويقال بخ بخ بالخفض منونا فمن فعل ذلك شبهها كصه وما أشبه ذلك وقال ابن السكيت بخ
بالأصوات
بخ و به به بمعنى واحد اهـ
٦٦

هو
قوله هذا الناموس هو صاحب سر الخير والجاسوس الشر ولم يقل الناموس الذي أنزل على عيسى وحكمه بشريعته بعد نزوله لأن ورقة كان نصرانيا
صاحب سر مع قربه
وإنما
لاعتقاده
والنصارى لا يقولون في عيسى إنه نبي ياتيه الوحي يقولون إن أقنوما من الأقانيم الثلاثة حل في ناسوت المسيح وهو أقنوم الكلمة والكلمة عندهم عبارة عن العلم فلذلك كان المسيح عندهم يعلم الغيب فلذا عدل إلى ذكر موسى أن جبريل كان ينزل عليه وأيضا موسى متفق على نبوته عند أهل الكتابين وأما عيسى فكثير من اليهود ينكرون نبوته قوله مسيلمة الكذاب اللعين ويروى عن اللعين أنه قيل له إن محمدا إذا تفل فى الماء الملح صار عذبا فهلا تتفل في هذا البئر الملح فيصير عذبًا مثله فتفل فيه ففار ماؤه وأتى له بأعور فدعا الله تعالى أن تعود فغارت الصحيحة فقيل ما هذا فقال إن محمدًا بعث بالعمار وبعثت بالخراب وقد أنزل الله تعالى فيه ومن أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى على الله الكذب ۱ الآية وقتل فى أيام أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه زمن
له
عينه العوراء
خلافته لما غزا اليمامة وقتله وحشى قاتل حمزة بن عبد المطلب قال قتلت بحربتى خير الناس وقتلت بها شر الناس يعنى مسيلمة ويعني بخير الناس حمزة رضى الله عنه ولعل الله أن يكفر هذا بذاك
قوله لكل كلمة ظهر مما قيل في معنى البطن
۱ الصف ۷
والظهر أن

٦٧

ظاهر الكلمة لفظها وباطنها تأويلها أن

ومنه القصص التي قصها
الله
وباطنها
عن الأمم الماضية وما عاقبهم بها ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين وباطنها وعظ الآخرين وتحذيرهم أن يفعلوا كفعلهم فيحل بهم مثل ما حل بهم ومنه أن ظاهرها ما ظهر من معانيها الأسرار التي اطلع عليها أرباب الحقائق ما تضمنته من وقوله وحد أي أحكام الحلال والحرام
وقوله ومقطع سبق قلم والظاهر بدله مطلع أى إشراف على الوعد والوعيد كذا في الإتقان قوله الأب والابن إلخ إنما يناسب هذا لو قال الشارح أن الله أجزاء ثلاثة وأما قوله أن الله ثالث ثلاثة إنما يناسب أن يقول بعده ما في الجلالين من تفسير قوله إن الله ثالث ثلاثة ونص ما فيهما أي آلهة ثلاثة أي أحدها والآخران عيسى وأمه وقد يقال هذا
ظاهر على ما ذكره السنباطى يريدون بالأب الوجود وبالابن العلم

وبروح القدس الحياة والذى ذكره الخازن في تفسيره الأقانيم ما ملخصه أن أقنوم الأب ذات وأقنوم الابن عيسى وأقنوم روح
القدس الحياة الحالة فيه ا هـ وفيه أن الحياة الحالة في عيسى ليست إلها حتى يكون ماذكره الخازن مناسبا لما فى الشرح اللّهم إلا أن يقولوا إن الحياة المذكورة إله وحينئذ فتظهر مناسبته لما في الشرح تأمل وحينئذ فعبارة السنباطى وقول الشارح الأب إنما يناسبان قول فرقة أخرى من أهل الضلال إن الله مركب من أقانيم ثلاثة الأب والابن وروح
القدس
المبينة في شرح السنباطى وهذه الفرقة هى النسطورية من النصارى
٦٨

ويقولون أيضا إن المسيح ابن الله والفرقة القائلة بأن الله ثالث ثلاثة المبينة في الجلالين وهم المرقوسية وهم نصارى نجران
قوله نسطورية بضم النون وفتحها أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر في زمن المأمون وتعرف فى الإنجيل برأيه وقال إن الله واحد ذو أقانيم ثلاثة وأن المسيح ابن الله وقوله ويعقوبية أصحاب يعقوب راهب القسطنطونية قالوا إن المسيح هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء وقوله وملكيه أصحاب ملكان الذي ظهر ببلاد الروم قالوا المسيح عبد الله ونبيه كذا في البيضاوي في سورة
مريم ۱ عند قوله فاختلف الأحْرَابُ مِنْ بَيْنِهم الآية زاد الثعالبي والمرقوسية وهم نصارى أهل نجران قالوا الله ثالث ثلاثة والآخران عيسى وأمه وسيأتى أن الناظم أشار لفرقة خامسة بقوله أم أردتم بها الصفات كما في شرح السنباطى على ما يقتضيه ظاهر عبارته وسيأتى نقلها هناك وإمكان رد ماذكره مذهب اليعقوبية قوله إن مثل أهل بيتي إلخ وما ألطف قول بعضهم يمدح
يوم
المعاد
أهل البيت يا بحار الندى أ أخشى وأنتم سفن للنجاة لست أخشى يا آل أحمد ذنبًا مع حبى قوله لأن الله ورسوله أثنيا الخ ولله در شيخنا العلامة
الشبراوى
من قصيدة يمدح بها آل البيت
۱ مريم ۳۷
اعتقادی لكم وحسن

قال لي قائل رأيتك تهوى آل طه ودائما تجتبيهـ إن حقا عليك تستغرق العمـ مديحا فيهم وفيمن يليهم قلت ماذا أقول والكون طرا يستمد العطاء من أنا لا أستطيع أمدح قومـــــا كان جبريل خادما لأبيه
ناديهم
وفى نهاية الحاشية يقول الشيخ الحفنى وهذا آخر ما من به الملك الوهاب وإليه سبحانه وتعالى المرجع فضله أن يجعلها هداية نافعة لكل قلب منيب من
والماب نسأله
كاشفة ظلمات الأوهام عن كل صب مصيب والحمد
الله
رب
العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين حقيقة الصلوات للكلمات محمد جامع الإجمال الذاتي القرآني حاوى
وروح
تأليفها
التفصيل الصفاتي الفرقاني وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأحبابه ثم يقول رحمه الله معبرا عن الزمن الذي فرغ فيه من قال جامعها حفظه الله وكان الفراغ من تعليقها يوم
الأربعاء
غرة شعبان سنة سبعين ومائة وألف من هجرة أشرف المرسلين عليه
أفضل الصلاة والسلام وأسأل الله فضله
ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
سبق

من حسن الختام ولا حول

أن كتبنا عدة مرات عن الطريق الصوفي في عدة
من كتبنا والطريق الصوفي نوعان
۱ – نوع خاص بكل طريقة
نوع عام تلتزمه كل الطرق

والنوع الخاص هو الطريق الذى اتبعه شيخ الطريقة فوصل به إلى القرب من الله تعالى ولذلك فهو يرسمه لأتباعه ومريديه وما كان يتأتى غير ذلك إذ أنه وقد وصل إلى القرب عن طريق معين - يرى قيادة أتباعه في هذا الطريق وخصوصا وأنه
لا يعرف غيره
ومن
هنا كان اختلاف الطرق ولكنها كلها تنتهى
اختلافها – إلى القرب !
على
والقرب في العرف الصوفى هو التوحيد والتوحيد واحد ومن هنا يقول الإمام الشبلى بدوه معرفته ونهايته توحيده
ومن هنا يقولون عبارتهم المشهورة
التوحيد واحد والطرق إلى الله كنفوس بني آدم ! ويقول ابن سينا في ذلك عن الطريق الصوفي أو عن الصوفي

في سيره منته إلى الواحد ثم وقوف ! أى أن الغاية التى ينتهى إليها الصوفي هي التوحيد والتوحيد

وهذه
هو مركز الدائرة للجميع وهم يشبهون الطرق بدائرة الدائرة لها بالضرورة محيط ومركز ومن المحيط تخرج خطوط تصل إلى المركز وهذه الخطوط فى مبدإ خروجها من محيط الدائرة تكون متباعدة قليلاً أو كثيرًا ولكنها في سيرها نحو المركز تتقارب باستمرار حتى إذا ما وصلت إلى المركز اتحدت !

والمركز هو التوحيد والخطوط هي الطرق بيد أن هذه الطرق يشترط فيها أن تسير من المبدإ إلى النهاية

۷۱

في إطار التعاليم الدينية فإذا ما انحرفت فقد خرجت عن أن تكون طريقة وعن تكون تصوفا
والتصوف يتكون من هذين العنصرين الطريق والغاية
والطريق وحده لا تصوفاً والغاية وحدها لا تتأتى يسمى إلا بالسير والسير لا يكون إلا في ضوء الدين وفي أنوار الوحى هذا عن الطريق الخاص
أما
عن النوع العام الذى تلتزمه كل طريقة فهو ما يسمى بالمقامات التي تنتج عنها الأحوال

والأحوال وإن كانت ثمرة للمقامات فإنها تكون – أيضا استشرافًا إلى مقام أعلى فهي إذن ثمرة وتوجيه إلى ما هو أسمى فالتوبة مقام أول المقامات وفى مقام التوبة أحوال أى إلهامات
سريعة عابرة توجه إلى الصدق فى التوبة وتستشرف إلى مقام الورع وما من شك في أن الإنسان يتسامي في التوبة نفسها من سام
إلى أسمى فهناك التوبة عن كبائر الذنوب ثم التوبة عن صغائرها

ثم التوبة عن اللمم ثم التوبة عن الخواطر السيئة ثم التوبة عن وهكذا ! وفي اثناء الأحوال
النقص
الغفلة ثم التوبة عن الخاصة بالتوبة تمر بالإنسان الأحوال الموجهة إلى الورع وتستمر الأحوال الموجهة إلى الورع تقرع الشعور مستشرفة إلى الورع حتى يصبح الإنسان ورعا فإذا كان مقام الورع أخذت الأحوال تتوالى دقة في الورع نفسه واستشرافًا إلى مقام الزهد وتستمر الأحوال في تسام في الورع
۷

وفى استشراف إلى الزهد حتى إذا ما تمكن الإنسان في مقام الورع أخذت به الأحوال حاثة وموجهة إلى مقام الزهد وهكذا ! هذا النوع العام من الطريق هو في جوهره النوع الأخلاقي أسمى ما تكون الأخلاق
بيد أن السلوك الظاهرى واضح فى المراحل الأولى إنه واضح في الإقبال على الأشياء وفي الانتهاء عنها واضح في الإيجاب والسلب فى الأخذ والترك ويضاحبه في ذلك الجانب القلبى

فإذا ما تقدم الإنسان فى الطريق فوصل إلى التوكل الذى هو في حقيقة الأمر أول المقامات الصوفية الأصيلة كان الشعور القلبي هو اللب والجوهر
ولقد سار أبو الأنوار فى الطريق الخاص وسار في النوع العام وسنتحدث بتوفيق الله عن الأمرين عنده ونبتدئ بالطريق الخاص وطريق أبي الأنوار الخاص هو الطريق الخلوتي لقد كان
أبو الأنوار خلوتيا في نهجه الصوفي العام
ولكنه كان سعة الأفق من
ومن رحابة الصدر ومن التمكن
في الولاية بحيث يروى عن كبار الصوفية من ويثني عليهم وينقل عنهم
إنه مثلاً ينقل عن أبي العباسي المرسى
أية طريقة كانوا
الله
- رضی
عنه -
قوله جلت في الملكوت فرأيت أبا مدين معلقا بساق العرش
فقلت ما مقامك

قال رأس الأبدال

قلت فالشاذلي
قال ذاك بحر لا يحاط به !
وسنری

إن شاء الله – حينما نتحدث عن مقام المحبة إنه
ينقل عن الشاذلى رضى
الله
عنه
كثيرا من
الكلمات الجميلة النفيسة
التي تتعلق بالمحبة ويكاد يقتصر على ما قاله الشاذلي في ذلك
ثم إنه كتب حاشية على همزية الإمام البوصيرى والإمام البوصيرى
شاذلي الطريقة
لم يكن الحفنى يتحرج من أن يمدح الأولياء أو ينقل عنهم
أو يشرح كلامهم
وهذا شأن كل من وصل إلى الولاية الحق
وذلك أن
التوحيد

من وصل إلى القرب من الله سبحانه فقد وصل إلى مركز الدائرة وفى التوحيد تلتقى كل الطرق وتمتزج
وتأتلف وتصبح وحدة

الله تعالى
إنها إذا افترقت فى المبدإ فإنها تتقارب كلما قربت من من التوحيد وبمقدار قربها من التوحيد يكون تقاربها حتى إذا انتهت إلى الواحد أصبحت واحدة وفى هذه المنزلة يكون الولى
شاذليا وأحمديًّا ورفاعيا وقادريا وما شئت من طرق ومن أجل ذلك فإن كبار الأولياء أخوة متحابون في الله يعملون جميعا لهداية الخلق إلى الحق باتباع إمامهم المعصوم صلوات الله
وسلامه عليه
ونصل الآن إلى رسم طريقة أبى الأنوار الخاصة مبتدئين معها من نشأتها وإذا أراد الله أمرا هيأ له أسبابه

ومن الأسباب المباشرة لاندفاع أبى الأنوار في أضواء التصوف
أن وفقه الله إلى شيخ صادق

ومسألة الشيخ الصادق لها أهميتها الكبرى في طريق القوم ومن
توفيق الله أنه

في سنة ۱۱٣٣ حضر إلى القاهرة الأستاذ الكبير العارف بالله الشيخ مصطفى البكرى وكان للشيخ مصطفى شخصية قوية علم غزير وعبادة لا تفتر ومنطق جذاب ونظرات نفاذة

وكان له هيبة وكان له مع الهيبة جاذبية تجعل المريدين يلتفون به ويتجهون إلى الله على يديه تائبين منيبين وتتغير حياتهم بين يوم وليلة من معصية إلى طاعة ومن انحراف إلى استقامة وهكذا حياة
أولياء الله
أما

إنها في ليلهم ونهارهم هداية إلى الله ودعوة إلى سبيل المؤمنين التعريف بالسيد البكرى فهو
عن
الله عنه

مصطفى يقول عنه العارف بالله الشيخ عمر الشبراوى رضى

علم على المصنف وهو من المختار مأخوذ من الصفوة وهى الخلوص
رضی
ابن
الله
أسمائها ومعناه
كمال الدين ويقول عنه العارف بالله الشيخ الشرقاوى
عنه
الله
وكان رضى تعالى عنه عالما صالحا قليل الاختلاط بالناس
Yo

عن
الأوراد نشأ متعبدا مصاحبا للعفة والديانة
أشياخ كثيرين

وأخذ العلم
ابن على يقول الشيخ الشرقاوى كان صاحب أخلاق مرضية وقلب سليم وممن شهد له بالفضل العارف بالله الشيخ عبد الغني النابلسى وأخذ طريق النقشبندية عن العارف المحقق الشيخ الكردى اللارى وطريق الخلوتية عن العارف بالله قرة باش على أفندى ابن كمال الدين يقول العارف عمر الشبراوى لقب وضع علما على والد جد المصنف وقال العارف الشرقاوى نقلاً

عن
الثقات

إنه كان شافعى المذهب تقيًّا دينا ورعًا على أثر أسلافه هينا لينا لطيف الصفات حسن الخلق والخلق يتقرب كثيرا
بصلة الأرحام ويتودد لقلوب الخواص والعوام
ابن محيى الدين يقول الشيخ عمر الشبراوى
لقب لجد جد المصنف واسمه عبد القادر بن محمد بدر
الدين وكان شافعياً وكان عالماً ورعًا تقياً نقياً على أثر

أجمعين وينتهي نسبه من جهة أبيه
أجداده
الله
رضی
عنهم
6
إلى الصديق رضي الله عنه فهو بكرى نسبة إلى خليفة رسول الله
أما
من
جهة ا
ة أمه
فإن نسبه يتصل بمولانا الإمام الحسين رضى
الله عنه

ومن جهة
أم
أحمد
جده زين الصديقي فإن نسبه يتصل
بمولانا الإمام الحسن رضى الله عنه فهو بكرى۱ حسنی حسینی

۱ وعن الشيخ مصطفى البكرى يقول صاحب كتاب الأعلام ما يلى مصطفى بن كمال الدين بن على البكرى الصديقى الخلوتى طريقة الحنفى مذهباً أبو المواهب متصوف من العلماء كثير الرحلات والتصانيف والنظم ولد فى دمشق ورحل إلى القدس سنة ١٠٢٢هـ وزار حلب وبغداد ومصر والقسطنطينية والحجاز ومات بمصر رأيت من كتبه مجموع رسائل رحلاته خ في مجلد كبير أكثره بخطه ويشتمل هذا المجموع على
الرسائل الآتية
الخمرة المحسية في الرحلة القدسية
الخطوة الثانية الأنسية للروضة الدانية القدسية
برء السقام في زيارة برزة والمقام
لمع برق المقامات العوالى فى زيارة حسن الراعي وولده عبد العال
الحلة الذهبية في الرحلة الحلبية
النحلة النصرية في الرحلة المصرية
الحالة الحقيقية لا المجازية فى الرحلة الحجازية أردان حلة الإحسان في الرحلة إلى جبل لبنان
الحلة الرضوانية الإنجازية الدانية فى الرحلة الحجازية الثانية الحلقة الرضوانية الإنجازية الدانية فى الرحلة الحجازية الثانية العرائس القدسية المفصحة عن الدسائس النفسية
وفي تاريخ المرادي أسماء كتبه كلها منها والسيوف الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد ط والذخيرة الماحية للآثام في الصلاة على خير الأنام ط والمورد العذب لذوى الورود في كشف معنى وحدة الوجود خ رسالة والصلاة الجامعه ط فى فضائل الخلفاء الأربعة
أدعية
والفتح القدسي خ وبلغة المريد ط أرجوزة في التصوف ۱۳ بيتا
وأرجوزة في الشمائل خ
"
VV

وله نظم كثير وقصائد جمة خارجة عن الدواوين تقارب اثنى عشر ألف بيت۱

وطريقته - كما قلنا - الخلوتية وفى ذلك يقول العارف بالله الشيخ عمر الشبراوى وهى طريقة العارف بالله تعالى الشيخ الجنيد رضى الله عنه التي سلكها أى المصنف على يد شيخه الشيخ عبد اللطيف الحلبي وأجازه بالإرشاد قبل وفاته بسنتين أو أكثر ثم بعد وفاته أجازه الشيخ عبد الغني النابلسي بطريقة القادرية والنقشبندية ذكره المصنف في الشرح الكبير للورد والمصنف الذي يعنيه هو الشيخ مصطفى البكرى نفسه
=
C
و التواصى بالصبر والحق خ تصوف
وشرح القصيدة المنفرجة خ
وفوائد الفرائد ط منظومة فى العقائد شرحها الدردير
واللمحات ط في صلوات ابن مشيس
ومنظومة الاستغفار ط مع شرح لها
والمنهل العذب السائغ لرواده في ذكر صلوات الطريق وأوراده ط لمرادی ٤ ۱٩٠ ۰۰ وفيه بلغت مؤلفاته ما بين مجلد وكراستين واقل وأكثر
۱ والجبرتي 1 ١٦٥
و جامع كرامات الأوليا ٢ ٢٥٤
وبيت الصديق ١٥٥
وفهرس الفهارس ۱
۱۰۹
والتيمورية ٣ ٣٧
ومعجم المطبوعات ٥٨٢
وكتابه الأخير المنهل من مخطوطات خزانة السيد أحمد خيرى
ذكره في إزالة الشبهات ۱
وانظر مخطوطات الظاهرية ٦٩
وفهرس المؤلفين ٣٠٠
VA

وأما مذهبه فإنه المذهب الحنفى
يقول الشيخ حسن شمة عن السيد البكرى نشأ ببيت المقدس
على أكرم الأخلاق وأكملها وأحسنها وصفًا وأعدلها

رباه شيخه الشيخ عبد اللطيف الحلبى المتقدم ذكره في الطريق وغذاه بلبان أهل المعرفة والتحقيق ففاق ذلك الفرع الأصل وظهرت
به في الأفق شمس الفضل فبرع فهما وعلما وأبدع نثرا ونظما ورحل إلى جل الأقطار لبلوغ أجل الأوطار كما دأب على ذلك السلف لما فيه من اكتساب المعالى والشرف وفي مرحلته إلى إسلامبول لبس فيها ثياب الخمول ومكث فيها سنة لم يؤذن له بارتحال ولم يدر كيف الحال فلما كان آخر السنة قام ليلة فصلى على عادته من التهجد ما شاء الله أن يصلى ثم

جلس لقراءة الورد السحرى وفى نهاية تلك الليلة أذن له بالرحيل
ويقول أيضا ورحل أيضا إلى جبل لبنان وإلى البصرة
وبغداد وما والاهما وحج مرات وكان الشيخ البكرى مكثرا في التأليف وعن ذلك يقول الشيخ حسن شمة وتاليفه تقارب المائتين وأحزابه وأوراده أكثر من ستين وأجلها ورده السحرى إذ هو باب قواعد الفتح وله عليه ثلاثة شروح أكبرها في مجلدين وقد شاد أركان هذه الطريقة رسومها وأبدى فوائدها وأظهر فرائدها ومنحه الغيب مالا يدخل تحت حصر ولكن رغم كثرة التأليف فإن الشيخ البكرى حين يذكر مباشرة ورد سحر وإذا ذكر ورد سحر يذكر مباشرة الشيخ البكرى
الله
وأقام
من خزائن

حقا وهو كما سبق وشرحه كثير غيره ومن خيار الذين شرحوه الشيخ الشرقاوى والشيخ عمر الشبراوى رضى
ورد مبارك شرحه الشيخ البكرى نفسه ثلاثة شروح
الله عنهما
وفي مقدمة هذا الورد يقول الشيخ البكرى
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الذى أورد من أراد المقام المورود وخص أهل الأوراد
العباد بنفحات الجود ومنحهم من الواردات الإلهية مارقاهم به إلى منازل السعود أحمده على ما تفضل به من ملازمة الأوراد

مع كمال الأدب والشهود وأصلى وأسلم على الحبيب الشاهد المشهود
C

صاحب المقام المحمود واللواء المعقود الذي عرفنا ما نقول من

الأذكار في القيام والركوع والسجود وعلى آله وأصحابه ذوى المنهل المقصود وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ما اهتزت الأغصان قدود وسلم تسليما كثيرا ما دام الوجود
من
أما بعد فاعلم أيها المريد الملازم على اقتطاف أزهار الأوراد من رياض الأمداد فى حضرات الإسعاد أني لما رأيت النفوس متعشقة في ذلك راغبة فيما هنالك لتنوير المسالك تمن لى أن أصنع للإخوان وردا يقتبسون من نوره عجائب في حندس الأوهام ۱ ويتلقون من تفريد شمروره غرائب تدق على الأفهام
۱ ظلمات الأوهام
٢ أى تغريد طائر معروف بحسن صوته
A

فشرعت في ذلك معتمدًا على السيد المالك فأقول في ترجمته
راجيا فيض فضله ومنته
هذا ورد يتلى فى السحر نافع - إن شاء الله تعالى – لمن واظب عليه مع التدبر لمعانيه والتفهم لمبانيه فتح به على العبد الفقير والعاجز الحقير مصطفى بن كمال الدين بن على بن كمال الدين بن محيى الدين الصديقى نسبًا الخلوتي طريقة الحنفى مذهبا وكان ذلك في أوائل شهر ربيع الأول أيام زيارتنا لبيت المقدس وكمل في مجلس لطيف وأضفت إليه بعد ذلك قصيدة ميمية فتح على بها سابقا وصلوات على النبي - م - زدتها الآن وقصيدتي التي سميتها بالمنبهجة فى الطريقة المنبلجة التي على وزن المنفرجة وزدته بعض توسلات وقد رتبته على حروف المعجم في أوائل توسلاته ليكون ذلك أسهل في حفظ كلماته والله أسال أن ينفع به من لازم تلاوته ولم يخل مصنفه من دعواته إنه ولى من يناديه على الخصوص في الأسحار بلسان الذل والانكسار فإنه لا يزال مغموراً بالائه وأياديه - فأقول أول ما يبدأ التالي بقوله أعوذ بالله
الرجيم بسم
الشيطان من الله الرحمن الرحيم وتقرأ الفاتحة مرة وأوائل سورة البقرة إلى قوله تعالى والْمُفْلِحُونَ ١ وإلهكم إله واحدٌ لا إله إلا هو الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ وآية الكرسي إلى قوله تعالى وهم فيها خالدون ۳ وخواتيم البقرة ويكرر واعف عنا واغفر لنا وارحمنا
۱ تقرأ خمس آيات من أول السورة
٢ الآية ١٦٣ – من سورة البقرة ۳ أي الآيات من ٢٥٥ – ٢٥٧ البقرة

ثلاثا ولقد جاءكم رسُولٌ مِّن أنفسكم ۱ إلى آخرها ويكرر فإِن تَولَّوْا إلى آخرها سبعا وسورة الإخلاص ثلاثا والمعوذتين مرة مرة ثم يقول أستغفر الله العظيم سبعين مرة ثم يقول أستغفر الله العظيم الذى لا إله إلا هو الحى القيوم بديع السموات والأرض وما بينهما من جميع جرمى وظلمى وما جنيت على نفسى وأتوب إليه ثلاثا بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاثا
ثم يتوالى الورد بحسب ترتيب الحروف الهجائية ففي حرف التاء مثلا يقول
إلهى تولَّنى بالهداية والرعاية والحماية والكفاية إلهى تب على توبة نصوحا لا أنقض عقدها أبدًا واحفظني في ذلك لأكون من
جملة السعداء
ويقول في حرف الدال
إلهى داوني بدواء من عندك كي يشتفى به ألمى القلبى وأصلح منی یا مولاى ظاهرى ولبى إلهى دلني على من يدلني عليك
وأوصلنى إلى من يوصلني إليك
ويقول في الميم
إلهى مخص ذنوبنا بظهور آثار اسمك الغفار وامح من ديوان الأشقياء شقينا واكتبه عندك في ديوان الأخبار
نقول جاء الشيخ مصطفى البكرى إلى القاهرة تسبقه أنواره
1 الآيتان الأخيرتان من سورة التوبة
۸

وكان الشيخ محمد الحفني – إذ ذاك

قد بلغ من العمر ثلاثا وثلاثين
تلامذة السيد
سنة ويقول الشيخ حسن شمة قدم السيد البكرى من الشام عام ثلاث وثلاثين وماية وألف فكان بمصر رجل من هو السيد عبد السلفيني فأراد الشيخ الحفنى الاجتماع بالسيد البكرى فسأل السيد عبد الله المذكور أن يجمعه به فتوجه معه

إليه فسلم عليه ثم جلس فجعل السيد ينظر إليه وهو كذلك ينظر إليه ومال كل بقلبه جهة الآخر وحصل بين القلبين ارتباط وتعارف على ما أشير إلى ذلك بقوله الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجنَّدَةٌ الحديث ثم إنه قام وجلس بين يدى مولانا السيد البكرى بعد طلبه للانتظام في سلك طريقته فأخذ عليه العهد حالاً وكانت عادة السيد إذا أراد أحد الأخذ عنه أمره بالاستخارة قبل ذلك وهو لم يأمره بها ففيه إشارة إلى شدة الارتباط وحين أخذ عليه قيل لبعض علماء عصره وهو الشيخ العالم العلامة الحبر البحر الفهامة الشيخ مصطفى العزيزي إن الشيخ الحفناوى قد أخذ طريق الفقراء ومراده يذكر الله تعالى ويشتغل عن العلم يريدون بذلك لومه على ما وقع منه فقال له إن الشيخ الحفناوى نطفة مطهرة من الأصل لا يحتاج إلى ذكر وتذكير وإنما يحتاج إلى ذلك أمثالنا أهل الأدران قلت أشار إلى ذلك سيدى عبد الوهاب الشعرانى فى المتن فمن حينئذ اشتغل
بالذكر والمراقبة والفكر والمجاهدة
ويقول
ثم سار في طريق القوم أتم لقنه الشيخ العارف أستاذنا
سير حتى

حين
السيد البكرى الصديقى الاسم الأول والثاني والثالث ومن أخذ عليه لم يقع منه في حق الشيخ إلا كمال الأدب والصدق التام وهو الذي قدمه وبه ساد أهل عصره فمن ذلك أنه كان لا يتكلم في مجلسه أصلاً إلا إذا سأله فإنه يجيبه على قدر السؤال ولم يزل يستعمل ذلك معه حتى أذن له بالتكلم في مجلسه في بعض رحلاته إلى القاهرة وسببه لما رأى إقبال الناس عليه وتوجههم إليه قال له انبسط إلى الناس واستقبلهم
لأن
يهدى الله بك رجلاً واحدا خير لك من حمر النعم
آدابه وامتثاله لأمر السيد شيخه أنه قال له مرة ومن

تعال الليلة مع الجماعة واذكروا عندنا في البيت فلما دخل الليل نزل مطر شديد فذهب أستاذى إليه حافيا والمطر يسكب عليه وهو يخوض في الوحل فقال له
كيف جئت في هذه الحالة
فقال يا سيدى إنكم أمرتمونا بالمجيء ولم تقيدوه بعذر وأيضا لا عذر والحالة هذه لإمكان المجيء وإن كنت حافيا فقال له أحسنت فهذا أول قدم في الكمال والصدق
وكان جالسا معه وهو يحرز فى الصلاة على خير البرية فتثاءب أستاذى فقال له كيف تتثاءب وأنت في هذه الحضرة ماذا صنعت حتى دخل معك الشيطان فإن التثاؤب من الشيطان وحضرة الشيخ حضرة الله تعالى وحضرة الله لا يدخلها الشيطان
٨٤

ثم قال له إما في هذا المجلس أو في مجلس آخر إن التثاؤب
على قسمين
إما من الشيطان وإما من غلبة نوم أو كسل فلما علم صدق حله وحسن فعاله قدمه على خلفائه وأولاه حسن ولائه ودعاه بالأخ الصادق ومنحه أسرارا وأراه عيون الحقائق فمن ذلك أنه ذكر في رحلته المصرية ما يدل على أنه أعطاه الاسم الأعظم أ هـ ويقول قلت وبعد تلقينه الاسم الثالث كما تقدم سافر شيخه السيد الصديقي إلى بيت المقدس فلما كان عام تسع وثلاثين توجه السيد من بيت المقدس قاصدًا الحجاز للحج فأرسل مكتوبا في أثناء الطريق وفيه دائرة فيها اسم حق وكتب له برز الإذن الإلهى بأن تكون خليفة عنا وتأخذ العهود وتلقن الذكر وتربى المريدين أذن الشيخ البكرى للشيخ الحفنى بأخذ العهود وتلقين الذكر وتربية المريدين ويحتاج هذا الموضوع إلى شيء من الشرح
رضی
عنه
الصامت
روى الإمام البخارى رضى من حديث عبادة بن الله عنه وكان عبادة شهد بدرًا وهو أحد النقباء ليلة العقبة
أن رسول الله قال وحوله جماعة

من أصحابه
بايعونى على أن لا تُشْرِكُوا بِالله شَيْئًا ولا تسْرِقُوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكُمْ ولا تأتُوا بِبُهْتَان تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ولا تَعْصُوا فى معْرُوف فَمَنْ وفى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى الله ومَنْ أَصَابَ مِنْ ذلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ في الدُّنْيا فَهُوَ كَفَّارة ومن أصاب

٨٥

مِنْ ذَلِك شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ الله فَهُوَ إلى الله إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك
وروى الإمام أحمد من حدیث سلمى بنت قيس وكانت إحدى خالات رسول الله وقد صلت معه إلى القبلتين وكانت
إحدى نساء بنى عدى بن البخاري قالت
جيْتُ رَسُولَ الله ل تُبَايِعُه في نِسوَة مِن الأَنْصَارِ فَلَمَّا شرط علينا ألا نُشْرِكَ بالله شَيْئًا ولانسرق وَلا نَزْنِي ولا نقتل أولادنا وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانِ نَفْتِرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وأَرْجُلنا وَلَا نَعْصِيهِ فِي معروف قال ولا تَغْشُشن أزواجكُنَّ
قالت فبايَعْنَاهُ ثم انصرفنَا فَقُلْتُ لامرأة منْهُنَّ ارجعي فسلى رسول الله ما عَشُ أَزْواجِنَا فَسألته فقال تَأْخُذُ مالَهُ فتحایی به غَيْره
ولقد وردت بيعة النساء في القرآن الكريم بقوله تعالى يأيها النبيُّ إذا جاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ على ألا يُشركن بالله شَيْئًا ولا يسْرِقُنَ وَلاَ يَزنين ولا يقتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ ولا يأتين بِبُهتان يَفْتَرِينَهُ بين أيديهنَّ وأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ في معروف فَبَايِعْهُنَّ
واستغْفِرْ لَهُنَّ الله إن الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۱
وهذه بيعة عامة
1 الممتحنة آية ۱
٨٦

فيها
وقد تكون البيعة بيعة خاصة كبيعة الرضوان التي يقول الله تعالى
ولقد رضی
الله عن الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجرةِ فعلم ما فى قلوبِهِمْ فَأَنزَل السكينة عَلَيهِمْ وأثابهمْ فَتحا قريبان ۱
ويقول الله سبحانه وتعالى لرسوله
إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبايِعُونَ الله يدُ اللَّه فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نكث فإنَّما ينكث على نَفسِهِ ومن أوفى بِمَا عاهد عَلَيْهُ الله فَسيوتيه أجرا عظيمًا ٢ ولقد بين رسول الله الله أن البيعة تتخذ صورا مختلفة مادام أساسها طاعة الله ورسوله فهى بيعة الله تعالى
وذلك
ومن صور البيعة مثلاً أن يمتشق الإنسان الحسام في سبيل الله
أو أن يطلق المدفع جهادًا للعدو يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه
ابن أبي حاتم بسنده عن أبي هريرة رضى
الله
عنه
6
مَنْ سَل سَيْفهُ في سَبيل الله فَقَدْ
بايع
الله
وروى ابن كثير بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله في الحجر [ الأسود]
والله ليبعثنه عز وجلَّ يوم القيامة لَهُ عيْنَانِ يَنظُرُ بهما
ولسان
۱ الفتح ١٨
٢ الفتح ١٠

ينطق بِهِ ويشهد على منْ اسْتَلَمَهُ بِالْحَقِّ فَمَنِ اسْتَلَمَهُ فَقَدْ
بایع
الله تعالى

ثم قرأ رسول الله
وإِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنما يبايِعُونَ الله يدُ اللَّه فَوْقَ أَيْدِيهِم الله
قرأ رسول الله هذه الآية الكريمة بعد بيانه أن
الحجر الأسود فقد بايع الله تعالى

كل هذه ألوان من البيعة والبيعة أوسع من ذلك
ومن
فقد بايع
من استلم
عاهد الشيخ فقد بايعه على الطاعة ومن بايع على الطاعة
الله سبحانه وتعالى وليست البيعة على الطاعة الصادقة
بأقل من البيعة على امتشاق الحسام أو استلام الحجر الأسود
بل إن امتشاق الحسام واستلام الحجر الأسود أجزاء من البيعة على
الطاعة أي إن العهد بيعة

ويتحدث الإمام الرازى الحجة فى مذهب أهل السنة صاحب تفسير القرآن المعروف عن الشيخ ويشترط فيه أن يكون مخلصاً قد انتهج الصراط المستقيم وأن يكون سالكا
صادقًا
أما السالك فلان الوصول تارة بالجذبة على ما قال والسلام
جذبة من جذبات الحق توازى عمل الثقلين
وأخرى بالسلوك
والأول لا

أن

يقتدى به لأنه مثل من وجد كنزا فصار يصح
۸۸

فإنه وإن كان ذا مال لكنه غير عالم بكيفية اكتساب المال فلا ينتفع به التلميذ الطالب لتعلم كيفية الاكتساب وأما الثاني فهو الذي يصلح لتربية المريد لأن من سلك الطريق
"
وعرف مراحلها ومنازلها واطلع على متالفها ومعاطبها أمكنه إرشاد الغير إلى سواء السبيل والإخبار عن كيفية تلك الأحوال على
التفصيل
أو
وفى ذلك يقول الشيخ عبد الواحد يحيى
لا بد من التصوف من شرط جوهرى هو التأثير الروحي أدق البركة وهى لا تتأتى إلا بواسطة شيخ
بتعبير
شيخا
ومن هنا كانت الطرق ومن هنا كانت السلسلة وهل السلسلة إلا بركات تنتقل من شيخ إلى مريد يوشك أن فيؤثر بدوره في مريد أو مريدين
يصبح

على أنه لا جدال أو يجب أن لا يكون جدال فيما رآه سيد الطائفة الإمام الجنيد في الشروط التي يجب أن تتوافر في إنه يقول لا يستحق الرجل أن يكون شيخًا يأخذ حتى
الشيخ
حظه
من كل علم شرعی وأن يتورع عن جميع
وأن يزهد في الدنيا

المحارم
وألا يشرع في مداواة غيره إلا بعد فراغه من مداواة نفسه وحتى يكون على علم يهدى به العباد فإذا مرض مريده بسبب شبهة في علم التوحيد داواه وإذا تحير في مسألة من مسائل الفقه
أفتاه

ويشترط أن يكون لديه القناعة بالغنى عن الناس وأن يخاف
ويخشى من المعاصى والأدناس
وأن يلازم العمل بالكتاب والسنة
أن بعد
بين الإمام الجنيد صفات الشيخ أخذ يبين للمريد ما
يجب عليه التزامه فى الطريق حتى يسير على هدى فقال وإياك ومتابعة من لم يكن على غير هذه الصفات فإنه من
جنود الشيطان
ثم يأمر الجنيد المريد بهذا الأمر الواضح الذي يحمل في نفسه دليل الصدق ويتسم بسمة الحق
زن أقواله وأفعاله بميزان الشريعة فإن رأيت منه شيئًا مخالفًا
للشرع فاتركه
حتى
وإن كان ذا حال صحيح فما عليك في رده
بحكم الشرع من بأس ولا تتخذه مرشدا
ويتحدث ابن عطاء الله رضوان الله عليه عن الشيخ يتحدث عنه بأسلوبه الشائق وبعبارته الجميلة وبروحانيته الجذابة فيقول
ليس شيخك من واجهتك عبارته وإنما شيخك من سرت
فيك إشارته

وليس شيخك من واجهك مقاله وإنما شيخك من نهض بك
حاله !
وليس شيخك من دعاك إلى الباب بينك وبينه الحجاب
وإنما
شيخك
من
کشف

شيخك هو الذى ما زال يجلو مرآة قلبك حتى تتجلى فيها أنوار ربك أنهضك فنهضت وزج بك في نور الحضرة وقال لك ها
أنت وربك
ويقول أيضا فى أسلوبه المتسم دائما بإشراقاته الوضاءة

وإنما
والاقتداء لا يكون بولى مجهول العين في كون الله يكون الاقتداء بولى ذلك الله عليه وأطلعك على خصوصيته انطوى عنك شهود بشريته في وجود خصوصيته فألقيت إليه القياد وسلك بك طريق الرشاد يعرفك مكنونات نفسك وكمائنها ودقائقها ويدلك على الجمع على الله ويعلمك الفرار مما سواه ويسايرك حتى تصل إلى الله
أما الشيخ شهاب الدين السهروردى صاحب الكتاب الجميل النفيس عوارف المعارف فإنه يقول
ولابد للمريد من شيخ مرشد إلى الحق يرشده ويلقنه الذكر ويلقى في روعه النور فإن تلقين الشيخ يلقح باطن المريد ويسرى فيه كأنما يلقح من سراج فعلى المريد اختبار الشيخ الصالح المشهود له بالعلم والمعارف واتقاء المحارم

ونعود إلى الشيخ الحفنى لقد وجد بخطه ما يلى
هذه صورة أخذ العهد أرسلها إلى أستاذى وملاذى السيد البكرى الصديقي الخلوتي حين أذن لى بأخذ العهود على طريق السادة الخلوتية ونص ما كتب كيفية المبايعة للنفس الطائعة يجلس المريد للولى الحميد بين يدى الأستاذ الذى به لاذ ويلصق ركبته بركبته متعلقاً
۹۱

بمودته ومحبته والشيخ مستقبل القبلة لأنها جهة الوصلة ويقرأ فاتحة للأبواب الإمدادية فاتحة ويضع يده اليمنى في يده مسلما له امداده ويقول له المربى الألمعي قل معى أستغفر الله العظيم أستغفر الله العظيم أستغفر الله العظيم ويتعوذ ويقرأ
مستمداً
من
آية التحريم ويَأْيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى الله تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبِّكُمْ أَنْ يُكفِّر عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ويُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخزى الله النَّبِيُّ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا واغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُل شَيْءٍ قدیر ۱
ثم يقرأ آية المبايعة التى فى الفتح ليزول الاشتباه اقتداء برسول
الله وهى
إن الَّذينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُون الله يدُ اللَّه فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نكث فإنَّمَا يَنْكُث عَلَى نَفْسِهِ ومَن أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهُ فَسَيُؤْتِيهِ أجرا عظيما ٢ ثم يقرأ الفاتحة ويدعو الله تعالى لنفسه وللأخذ بالتوفيق ويوصيه بالقيام بأوراد الطريقة والدوام على ذوق أهل هذا الفريق وعرض الخواطر وقص الرؤيات العواطر وإذا وقعت الإشارة بتلقين الاسم
۱ التحريم ۸ الفتح ١٠
۹

الأسماء
الثاني لقنه ليبلغ الأمانى وفتح له باب توحيد الأفعال إذ لا غيره فعال وفى الثالث توحيد الأسماء ليشهد السر في وفي الرابع توحيد الصفات ليدرجه إلى أعلى الصفات وفي الخامس توحيد الذات ليحظى بأوفر اللذات

وفي السادس والسابع يكمل له التواضع ونسأل الله تعالى
الهداية والرعاية والعناية والدراية والحمد لله رب العالمين
ويزيد الشيخ الحفنى الأمر إيضاحاً في هذا الموضوع عن شيخ الإسلام العارف بالله الشيخ الأنصارى فيقول
ثم رأيت في الفتوحات الإلهية في نفع أرواح الذوات الإنسانية وهو كتاب نحو كراس شيخ الإسلام زكريا الأنصاري مانصه وإذا أراد الشيخ أن يأخذ العهد على المريد فليتطهر وليأمره الحدث والخبث ليتهيأ لقبول ما يلقيه عليه من الشروط
بالتطهر من في الطريق ويتوجه إلى الله تعالى ويسأله القبول لهما ويتوسل إليه في ذلك بمحمد لأنه الواسطة بينه وبين خلقه ويضع يده اليمنى على يد المريد اليمنى بأن يضع راحته على راحته ويقبض إبهامه بأصابعه ويتعوذ ويبسمل ثم يقول
الحمد لله
رب العالمين أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
وسلم
ويقول المريد بعده مثل ما قال ثم يقول له قل
وصحبه

اللَّهُمَّ إنى أشهدك وأشهدُ ملائكتك وأنبياءك ورسلك وأولياءك
أني قد قبلتك شيخًا لي في الله ومُرشِدا وداعيًا إليه
ثم يقول الشيخ اللَّهُمَّ إنى أشْهِدُك وَأُشْهِدُ مَلائكتك وأنبياءك وَرُسُلَكَ وأولياءك أنى قد قبلته ولدا في الله فاقبله وأقبل عليه وأصلح بنا واهدنا واهد بنا وأرشدنا وارشد بنا
اللهم أرنا الحق حقا وألهمنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا
اجتنابه
الله
إلى القرب
اللهم اقطع عنا كل قاطع يقطعنا عنك ولا تقطعنا عنك ولا تشغلنا بغيرك عنك ا هـ أما الأسماء السبعةُ التي تلقن للمريد فإن الصوفية على وجه العموم يربطونها بسير النفس من البعد عن منه ومن المعصية إلى التوبه ومن الطاعة إلى القرب والنفس في أحوالها المختلفة وفى سيرها إلى الله تعالى تتسم بصفات وهذه الصفات ذكرت في القرآن الكريم وهى تطلق على النفس محددة بعدها وقربها وسيرها في مراتب الصفاء وتحدد بالتالى بعدها وقربها من الله تعالى والاسم الأول من الأسماء السبعة هو
لا إله إلا الله
والله سبحانه وتعالى يقول على لسان امرأة العزيز
وَمَا أُبرّئ نَفْسى إِنَّ النَّفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربى إن
غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۱ ربی
1 يوسف ٥٣

وإذا كانت رحمة الله تعالى تأتى أحيانا اجتباء وتأتى أحيانًا
إنابة
الله يجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ ويَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ يُنيب ۱
وإذا كان الاجتباء بفضل وكرم وإذا كانت الإنابة تحتاج إلى وسائل فإن من وسائل الإنابة الذكر بـ لا إله إلا الله والاسم الأول تثبيت للتوبة واستكمال لها هداية ونورا
ويقول رسول الله
أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله
والله سبحانه وتعالى يقول

فاعْلَمْ أَنَّهُ لا إله إلا الله واسْتغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات
والله يعْلَمُ مُتَقلبكُمْ ومثواكُمْ ٢
والثاني الله
وتسمى فيه النفس لوامة يقول الله تعالى

طولا أُقْسِمُ بِيوْم الْقِيامةِ ولا أُقْسِمُ بِالنَّفْس اللوامة ٣ ٤
والثالث هو
وتسمى فيه النفس ملهمة يقول الله تعالى
۱ الشورى ۱۳
محمد ۱۹
۳ القيامة ١

٤ واللوامة هي النادمة على الشر إذا فعلته والآسفة على الخير لم لم تستكثر منه
۹۵

فَالْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ۱
والرابع حق
وهو
0
أول قدم يحله المريد من الولاية - كما مرت الإشارة إليه
تسمى النفس فيه مطمئنة يقول الله تعالى
يأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمئنَّةُ
والخامس حى حی
وتسمى النفس فيه راضية يقول الله تعالى
وارجعي إلى ربك راضية مرضية
والسادس قيوم

وتسمى النفس فيه مرضية والله تعالى يقول
وارجعي إلى ربك راضية مرضية الله
والسابع
قهار
وتسمى النفس فيه كاملة وهو غاية التلقين وكلها يلقن في الأذن اليمني إلا السابع ففى اليسرى وتلقينها بحسب ما يراه
الشيخ من أحوال المريدين
وبذلك تكون النفس قد وصلت إلى التزكية التامة
ووصلت
بذلك إلى الفلاح ودخلت في نطاق قوله تعالى
۱ الشمس ۸
الفجر ۷
۸
9

وقَدْ أَفَلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۱
وفى نطاق الحديث الشريف الذى يتجه فيه صلوات الله وسلامه

عليه إلى الله قائلاً اللهم آتِ نَفْسي تقواها وزكها أنتَ خَيْرُ من زكاها أنت
وليهَا وَمَوْلاهَا ورسول الله الحين يدعو بهذا الدعاء

مع
ما هو معروف من أنه إمام المتقين ومن أن نفسه زاكية فإنما يهدف رسول الله إلى توجيه الأمة نحو الإقبال على الله سبحانه وتعالى
والأخذ بذلك في طريق الكمال

لقد ارتبط الشيخ الحفنى بشيخه العارف بالله الشيخ البكرى

برباط وثيق لقد فتنه الشيخ البكرى فتنه بعلمه وفتنه بورعه وفتنه بتقواه لقد فتنه عالما وفتنه عابدا وفتنه ملهما وفتنه
نورا وضياء وحينما سافر الشيخ البكرى عائدا إلى بيت المقدس كانت روح الشيخ الحفنى متعلقة به تعلقا شديدًا
يذكره إذا أشرق الصبح

ويذكره في الآصال ويذكره إذا
هبت نسائم السحر ويذكره إذا جنه الليل
وهو حينما يذكره فإنما يذكره كقمة من القمم التي تهدى إلى
الله ورسوله
واتباعًا
وتوجه إلى القرآن الكريم حفظا وفهما

وتدبرا
وتهدى إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأسياً واقتداء وترشد
۱ الشمس ۹

إلى طريق القرب من الله تعالى وتشرح منازل السائرين ومدارج السالكين ومعارج القدس ومنازل الأرواح في سيرها في درجات
الفلاح وتشوق الشيخ إلى أستاذه فوفقه الله إلى السفر إليه
وعن ذلك يقول الجبرتي نقلا عن كتاب المجموع للشيخ حسن بن
على المكي

لما أذن له السيد البكرى بأخذ العهود وتلقين الذكر لم يقع
كله
إلى
له تسليك أحد فى هذه الطريقة إنما كان شغله وتوجهه العلم وإقرائه لكن ذلك بجسمه وأما قلبه فلم يكن إلا عند

شيخه السيد الصديقي فحن جسمه إلى زيارة شيخه وأنشد لسان حاله
ولم يزل كذلك إلى عام تسع وأربعين
أخذتم فؤادى وهو بعضى فما الذي يضركم لو كان عندكم الكل فأرسل إليه السيد يدعوه لزيارته فهام إذ فهم رمز إشارته وتعلقت نفسه بالرحيل فترك الإقراء والتدريس وتقسف وسافر إلى

أن وصل بالقرب من بيت المقدس فقيل له إذا دخلت بيت المقدس فادخل من الباب الفلاني وصل ركعتين
وزر محل كذا
فقال لهم أنا ما جئت قاصدًا بيت المقدس وما جئت قاصدًا إلا أستاذى فلا أدخل إلا من بابه ولا أصلى إلا في بيته
فعجبوا له فبلغ السيد كلامه فكان سببا لإقباله عليه وإمداده
ثم سار حتى دخل بيت المقدس فتوجه إلى بيت الأستاذ

فقابله
۹۸

بالرحب والسعة وأفرد له مكانا ثم أخذ في المجاهدة الصلاة من والصوم والذكر والعزلة والخلوة قال فبينما أنا جالس في الخلوة إذا بداع يدعونى إليه فجئت إليه فوجدت بين يديه مائدة فقال أنت صائم قلت نعم فقال كل فامتثلت أمره وأكلت فقال اسمع ما أقول لك إن كان مرادك صوما وصلاة وجهادًا أو رياضة فليكن ذلك في بلدك وأما عندنا فلا تشتغل بغيرنا ولا تقيد أوقاتك بما تروم من المجاهدة وإنما يكون ذلك بحسب الاستطاعة وكل واشرب وانبسط

قال فامتثلت إشارته ومكثت عنده أربعة أشهر كأنها ساعة غير أني لم أفارقه قسط خلوة وجلوة ۱ ومنحه في هذه المرة الأسرار وخلع عليه خلع القبول وتوجه بتاج العرفان وأشهده مشاهد الجمع الأول والثاني وفرق له فرق الفرق الثاني فحاز من التداني أسرار المثاني ثم لما انقضت المدة وأراد العود إلى القاهرة ودعه وما ودعه وسافر حتى وصل إلى غزة فبلغ خبره أمير تلك القرية وكانت الطريق مخيفة فوجه معه قافلة ببيرقين من العسكر فساروا فلقيهم في أثناء الطريق أعراب فخافوهم فقالوا لأهل القافلة لا تخافوا فلسنا من قطاع الطريق وإن كنا منهم أن فلا نقدر نكلمكم وهذا معكم وأشاروا إلى الشيخ ولم يزالوا سائرين حتى انتهوا إلى مكان في أثناء الطريق بعد مجاوزة العريش بنحو يومين فقيل لهم إن طريقكم هذا غير مأمون الخطر ثم
۱ خلوة وجلوة أى فى مجالسه الخاصة والعامة يعني في السر والعلن
۹۹

تشاوروا فقال لهم أعراب ذلك المكان نحن نسير معكم ونسلك بكم طريقًا غير هذا ولكن اجعلوا لنا قدرًا من الدراهم نأخذه منكم إذا وصلتم إلى بلبيس فتوقف الركب أجمعه فقال الأستاذ أنا أدفع لكم هذا القدر هنالك
فقالوا لا سبيل إلى ذلك كيف تدفع وأنت ليس لك في القافلة شيء والله ما نأخذ منك شيئًا إلا إن ضمنت أهل القافلة فقيل ذلك فاتفق الرأى على دفع الدراهم من أرباب التجارات بضمانة الشيخ فضمنهم وساروا حتى وصلوا إلى بلبيس ثم منها إلى القاهرة فسرت به أتم سرور وأقبل عليه الناس من حينئذ أتم قبول ودانت لطاعته الرقاب وأخذ العهود على العالم وأدار مجالس الأذكار بالليل والنهار وأحيا طريق القوم بعد دروسها وأنقذ من ورطة الجعل مهجا من في نفوسها فبلغ هديه الأقطار كلها وصار له في كثير من قرى مصر نقيب وخليفة وتلامذة وأتباع يذكرون الله تعالى ولم يزل أمره في ازدياد وانتشار حتى بلغ سائر أقطار الأرض وصار الكبار والصغار والنساء والرجال يذكرون الله تعالى بطريقته وصار خليفة الوقت وقطبه ولم يبق ولى من أهل عصره إلا أذعن له وحين تصدى للتسليك وأخذ العهود أقبل عليه الناس من كل فج وكان في بدء الأمر لا يأخذون إلا بالاستخارة والاستشارة وكتابة أسمائهم ونحو ذلك فكثر الناس عليه وكثر الطلب فأخبر شيخه السيد الصديقي بذلك أحدا يأخذ عنك ولو نصرانيا من غير شرط وأسلم على يديه خلق كثير من النصارى وأول من أخذ عنه الطريق وسلك على يديه الولى الصوفى العلامة المرشد الشيخ أحمد البناء الفوى
فقال له لا
تمنع

وفي وفاة السيد البكرى يقول الشيخ حسن المكي الله ثم حج مولانا السيد الصديقى عام إحدى وستين ومائة وألف وعاد من الحجاز إلى القاهرة فمرض عقب دخوله مدة شهر فحان مولد السيد البدوى فأراد الشيخ أستاذنا أن يتخلف عن الذهاب إليه لأجل السيد فأشار له بعدم التخلف فتوجه أستاذنا إلى المولد الشريف فتوفى السيد الصديقى وهو فى المولد ليلة الثاني عشر من شهر ربيع الثاني عام اثنين وستين ومائة وألف ودفن بالقرافة الكبري خارج القاهرة وقبره هناك مشهور وبزيارته تضاعف الأجور وقد عمل له أستاذى في شهر شعبان من العام مولدًا عظيما شدت إليه الرحال وحطت لديه الثقالُ وتطاولت دونه الآمال وعزم على ترتيب ذلك
كل عام هذا عن الطريق الخاص
أما
النوع العام تلتزمه كل الطرق فإن للشيخ فيه لمحات جميلة يكتبها
بنفسه أو ينقلها عن غيره
الطريق الصوفى العام
الله
مما اتفق عليه أئمة التصوف من قدماء ومحدثين ضرورة العمل بكتاب وسنة رسوله ولأئمة التصوف فى ذلك مالا يكاد يحصى من النصوص التي تختلف في اللفظ وتتحد في المعنى إنهم يرون أن محل جواز العمل بما ألهم به الولى فى نفسه وغيره إن وافق الشريعة فإن لم يجده منصوصاً في الشرع ترك العمل به في نفسه وغيره ۱
۱ حاشية الحفنى على الجامع الصغير جـ ٢ ص ١٦٧

وتبدأ الطرق جميعها في التوجه إلى الله تعالى بالتوبة الصادقة وللتوبة في الجو الإسلامى مكانة كبيرة وقد فتح الله أبوابها على مصاريعها للتائبين فى الليل والنهار وفي كل وقت وحين د يا عِبَادِى إِنَّكُمْ تُخْطِفُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وأنا أغْفِرُ الذُّنُوبَ
جميعًا فَاسْتَغْفِرُونى أَغْفِرْ لَكُمْ ۱
ويقول
إِنَّ الله تعالى يَسطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسىءُ النَّهارِ وينسطُ يده بِالنَّهَارِ ليتوب مُسىءُ اللَّيْلِ حتّى تطلع الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبها والتوبة المقصودة هنا هي التوبة التي استوفت أركانها وشروطها
يقول الإمام النووى عن شروط التوبة الصادقة
قال العلماء
التوبة واجبة من كل ذنب فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمى فلها ثلاثة شروط
أحدها أن يقلع عن المعصية
والثاني أن يندم على فعلها والثالث أن
ألا
يعود إليها أبدا فإن فقد أحد الثلاثة يعزم
لم تصح توبته
۱ من حديث قدسي صحيح رواه أبو ذر جندب بن جنادة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن الله تبارك وتعالى وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه
الله عنه
أخرجه الإمام أحمد في مسنده والإمام مسلم في صحيحه عن أبي موسى رضى
۱۰

وإن كانت المعصية تتعلق بآدمى فشروطها أربعة هذه الثلاثة وأن يبرأ من حق صاحبها فإن كانت مالا أو نحوه ردّه إليه وإن كان حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه وإن كان غيبة
استحله منها
ويجب
أن يتوب من جميع الذنوب فإن تاب من بعضها صحت
توبته عند أهل الحق ذلك الذنب من
"
وبقى عليه الباقي
وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب
التوبة أ هـ
ويقول رسول الله فيما رواه ابن عمر
تُوبُوا إلى الله تعالى فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مائَةَ مَرَّةٍ
وحينما كتب الشيخ الحفنى على هذا الحديث الشريف في حاشيته على الجامع الصغير جدا ص ٤٠٥ قال قوله تُوبُوا إِلَى الله خطاب لكل الناس سواء
D
العوام وتوبتهم الرجوع عن الذنوب
والخواص وتوبتهم الرجوع عن
عن
طاعة الله الغفلة

والاشتغال بالدنيا ولو أمرا مباحا

وخواص الخواص وتوبتهم الرجوع عن الالتفات إلى ما سواه تعالى فأقسام التوبة ثلاثة وتوبته ليست من الثلاثة بل إنه إذا ترقى إلى مرتبة تاب من التي قبلها بمعنى أنه
ينسب نفسه
إلى التقصير حيث لم يبذل الجهد فى الوصول إلى تلك المرتبة التي
وصل إليها

وقوله مائةَ مَرَّةٍ للتكثير فلا ينافي الزيادة كما في قوله تعالى وإِن تَسْتغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِين مرة ﴾ 1 أى أو ألف مرة - مثلاً - فلن يغفر الله لهم فلا مفهوم للتقييد بالسبعين
روح
على أن الإنسان قد يقع في الإثم فإذا ما فعل فلا ييأس يجدد التوبة صادقاً مخلصاً
الله
ويجب عليه أن
من
وفي حاشية الحفنى عند كتابته عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَأُحْدِتْ عِنْدَهَا تَوْبَةً السر بالسِّرِّ وَالْعَلانِيَةُ
بالعلانية
يقول
قوله السرُّ بالسِّ يصح نصبهما ورفعهما أى إذا وقع منه ذنب في السر بأن كان قلبيًّا كالعزم على المعصية أو كان بالجوارح ولم يطلع عليه أحد يطلب أن يتوب توبة في السر لتحصل المناسبة بين المكفر والمكفّر ليكون كالدواء فى المرض الجسى فإن كل مرض له دواء يناسبه هذا هو الأولى وإلا فتوبة السر تكفر ذنب العلانية وبالعكس لكن الأولى المناسبة ولذا يطلب ممن عصى في مكان أن لا يفارقه حتى يعمل فيه عملاً صالحاً ليعادل الذنب وربما غلب العمل الصالح فيشهد له به ولا يشهد عليه بما وقع منه من فيه ويطلب ممن ارتكب ذنبًا أن لا يزيل شيئًا من شعره وظفره حتى يكفره بنحو التوبة ٣
۱ التوبة ۸۰
الإمام أحمد في الزهد عن عطاء مرسلا
۳ حاشية الحفنى ج ۱ ص ۷۹
المعصية
١٠٤

وينقل الحفنى عن الشاذلي وعن غيره رضى الله عنهم أجمعين
ما يلى
وقال العارف بالله الشاذلى رضى الله عنه
كل شهوة تدعوك إلى الرغبة فى مثلها فهي عدة الشيطان وسلاحه وكل شهوة تدعوك إلى طاعة الله والرغبة في سبيل الخير فهى محمودة وكل حسنة لا تثمر نورًا أو علما في الوقت فلا تعد لها أجرا وكل سيئة أثمرت خوفًا وهربًا إلى الله ورجوعا إليه فلا تعدلها وزرا ا هـ
ومن مقام العارفين ما حكى عن الإمام أبي محمد النيسابوري أنه دخل المسجد مرة يعتكف في رمضان فرأى المتعبدين يجتهدون والقراء يقرءون فقطع الاعتكاف وخرج فقيل له في ذلك فقال لما رأيت تعظيمهم بعبادتهم واعتمادهم عليها دون الله لم يسعنى إلا الخروج خوفا من نزول البلاء عليهم
وينقل عن أبي العباس المرسى رضى الله عنه ما يلى
قال المرسى
كنت جالسا بين يدى أستاذى الشاذلى فدخل جماعة فقال هؤلاء الأبدال فنظرت ببصيرتي فلم أرهم أبدالاً فتحيرت

فقال الشيخ من بدلت سياته حسنات فهو بدل فعلمت أنه أول مراتب البدلية
١٠٥

بعد
الذكر
يأخذ الشيخ على المريد عهد الله على التوبة الصادقة
يوجهه إلى الذكر
والشيخ الحفنى يتحدث كثيرًا عن الذكر ولقد ألف فيه رسالةٌ
وكتب عنه هنا وهناك في كثير كتبه من
آرائه في الذكر نقول
وقبل
أن نتحدث
عن
إن الذكر هو أساس الوصول إلى الله تعالى ومن أجل ذلك فإن كل الطرق الصوفية تعطى للذكر عناية خاصة وكلها تذكر أسماء معينة الله تعالى يُرددها المريد آلاف المرات وينتقل فيها من اسم إلى اسم بحسب توجيه شيخه وذلك فضلاً عن الذكر بالقرآن الكريم وبالصلاة على رسول الله - ألوان من الذكر كالتهليل والتسبيح والتكبير وغيرها
يقول الإمام القشيرى
وبغير ذلك
والذكر ركن قوى في طريق الحق سبحانه وتعالى - بل هو العمدة في هذا الطريق ولا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر
والذكر على ضربين
ذكر اللسان وذكر القلب
فذكر اللسان به يصل العبد إلى استدامة ذكر القلب والتأثير

لذكر القلب فإن كان العبد ذاكرًا بلسانه وقلبه فهو الكامل في وصفه في حال سلوكه
ولم يتحدث الصوفية عن الذكر بالأسلوب النثرى فحسب وإنما تحدثوا عنه شعرا جميلاً ومن ذلك ما كان الشبلى ينشده في مجلسه
ذكرتك لا أني نسيتك لمحة وأيسر ما في الذكر ذكر لساني وكدتُ بلا وجد أموتُ من الهوى وهام على القلب بالخفقان فلما أراني الوجدُ أنك حاضرى شهدتك موجودا بكل مكان فخاطبت موجوداً بغير تكلم ولاحظت معلوما بغير عيــانِ ومن خصائص الذكر ما ذكر الإمام القشيري من أنه غير مؤقت بل ما مِنْ وقت من الأوقات إلا والعبد مأمور بذكر الله إما فرضا وإما ندبًا والصلاة وإن كانت أشرف العبادات – فقد لا تجوز فى بعض الأوقات والذكر بالقلب مستدام
1
الحالات في عموم والصوفية فى موقفهم هذا من الذكر إنما يتابعون ما أمر الله سبحانه وتعالى به وما حث عليه فى كتابه الكريم – إن الله سبحانه وتعالى يصف أولى الألباب فيقول
الَّذِين يذكرونَ الله قِيَامًا وقعودًا وعلى جنوبهم وَيَتَفَكَّرُونَ في
خلق السَّمَواتِ والأرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنَا عَذَابَ
النار 1
۱ آل عمران ۱۹۱
۱۰۷

ويقول الإمام القشيري
ومن خصائص الذكر أنه جعل فى مقابلته الذكر قال الله تعالى
فَاذْكُروني أذكركُمْ 1
ويقول الإمام القشيري
وفي خبر أن جبريل عليه السلام قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الله تعالى يقول أَعْطَيْتُ أُمَّتَك ما لم أُعطِ أمة من الأم فقال وما ذاك يا
جبريل فقال قوله تعالى فَاذْكروني أذكرُكُمْ لم يقل هذا لأحد
هذه الأمة
ولقد استفاض رسول الله الله في الحديث عن الذكر استفاضة ملأت كتبا بأكملها وألفت فى ذلك كتب كثيرة وأبواب مستفيضة في كتب السنة
لقد تحدث رسول الله له عن الذكر في صورة الاستغفار وعن الذكر في صورة الصلاة على الرسول وعن الذكر في صورة التسبيح وعن الذكر في صورة الحمد وعن الذكر في صورة التكبير وعن الذكر بلا إله إلا الله فائدة الذكر

وعن
وحث رسول الله الله على الذكر وأبان أن مجالس الذكر
إنما هي رياض من رياض الجنة
ومن الحق أن نقول مع الإمام القشيرى
۱۰۸
۱ البقرة ١٥٢

إن الذكر هو العمدة في طريق القوم
ونعود ثانية فنقول إننا قبل أن نتحدث عن آرائه في الذكر ينبغى لكل قارئ لكتب الصوفية فيما يتعلق بمقام الرجاء ولكل قارئ لكتب أبى الأنوار أن يتأمل شرحه للحديث الشريف التالي قال الله تعالى إنني أنا الله لا إله إلا أنا من أقرَّ لى بالتَّوْحِيدِ دخل حصني ومن دَخلَ حِصْنِي أُمِنَ مِنْ عَذَابِي
عن على
الشيرازي
قوله من أقرَّ لى بِالتَّوحيد بأن من قال لا إله إلا الله معتقدا معناها وفضلها مشهور فإن من قالها ولازمها تحاتت خطاياه ودخل ساحة الرضا والأحاديث الدالة على الترغيب في ذلك لا ينبغي الاغترار بظاهرها بأن ينهمك فى المعاصي ويقول أنا أقول لا إله إلا الله فتغفر ذنوبي لأن القصد تلك الأحاديث من إنما هو منع الشخص من اليأس وإلا فأهل الله تعالى لا ينفكون عن مقام الخوف وإن بلغوا ما بلغوا ولذا دخل حماد على سفيان

الثوري يزوره وهو مريض فقال سفيان أيغفر لى ربى مع
تقصيري هذا
فقال له حماد إن خيرت بين محاسبة ربى لى ومحاسبة والدى
فقد لأنه تعالى أرحم بي من والدى
لى اخترت محاسبة ربي خفف عنه الخوف رضى الله تعالى عنهما ۱
وهذا الشرح لهذا الحديث الشريف نموذج واضح لشرح مقام
۱ حاشية الحفنى على الجامع الصغير جـ ٢ ص ١٦١
۱۰۹

الرجاء ويؤيده في قوة ما ورد فى هؤلاء القوم الذين تكاسلوا عن العمل وقالوا نحن نحسن الظن بالله ويرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيقول وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل
وبعد فها هي ذى فقرات مما كتب أبو الأنوار عن الذكر
تعقبها رسالته الخاصة بالموضوع يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ أهله وصليا ركعتين كتبا من الذاكرين والذاكرات

قوله من الذاكرين أى بعض الذاكرين المذكورين في الآية فإنهم أنواع أعلامهم الذاكر للحضرة القدسية منهم من لم يفتر طرفة عين ومنهم المداوم على التفكر فى مصنوعاته تعالى ومنهم
المشتغل بالذكر بلسانه ويدخل فيهم المشتغل بعلوم الشرع وآلاته وإذا كتبا من الذاكرين ترتب لهما ما أعده الله تعالى للذاكرين بقوله تعالى أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ۱ وعبارة العزيز الذاكرون الله كثيرا والذاكرات من لا يكاد يخلو بقلبه أو بلسانه أو بهما وقراءة القرآن والاشتغال بالعلم من الذكر
وقال القاضي عياض ذكر الله بأن يذكر بالقلب وباللسان
وذكر القلب نوعان
أحدهما

وهو أرفع الأذكار وأجلها الفكر في عظمة الله
1 الأحزاب ٣٥

تعالى وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سماواته وأرضه

ومنه الحديث خير الذكر الخفى والمراد به هذا والثاني ذكر بالقلب عند الأمر والنهي فيمتثل ما أمر به ويترك ما نهى عنه ويقف فيما أشكل عليه وأما ذكر اللسان مجردا فهو أضعف الأذكار لكن فيه فضيلة عظيمة كما جاءت به
الأحاديث ا هـ

بحروفه
وقوله كتبا من الذاكرين الله كثيرا إلخ
المراد بالذكر ما يشمل التسبيح والتحميد والتكبير والاستغفار ويقول الحفنى في حاشيته على الجامع الصغير
ذكر الله فهو أفضل شيء يتقرب به إليه تعالى والاشتغال بالقرآن أفضل لمن يتدبر معانيه فيحصل له بتلاوته الزجر والتطهير أما الملوث بالمعاصى الذى يقرؤه بلسانه فقط فينبغي له الاشتغال بالذكر الذي يطهره من المعاصي وأفضل أنواع الذكر لا إله إلا الله أى للنفس الأمارة وقول أهل التصوّف يطلب الذكر المفرد – أعنى الله الله الله وهكذا محمول على النفس اللوامة فإنه ثبت فيها أنه لا إله إلا الله تعالى حتى يصح كونها تلوم صاحبها على المعاصي فالمناسب لها الذكر المفرد لتلاحظ الذات المقدسة فتنتقل من اللوامة إلى المطمئنة أما الأمارة فالمناسب لها الذكر المشتمل على إثبات ونفى۱ وعلامة الأمارة أنها كلما فعلت ذنباً أحبت فعلاً آخر وهكذا فلا يغتر
الإنسان ويصف نفسه بأنها لوامة أو مطمئنة بل يختبرها
1 أي لا إله إلا الله

إِنَّ الله تَعَالى يَقُول أَنَا مَع عَبْدِي مَا ذَكَرنى وتَحَرَّكت
شفتاه عن أبي هريرة
قوله ما ذكرني أى مدة ذكره لى والذكر أنواع ثلاثة ۱ - ذكر اللسان وإن كان القلب غافلاً فهو ذكر العوام
وفيه ثواب
- وذكر الخواص ذكر اللسان مع
في مصنوعاته ونحو ذلك
وذكر خواص الخواص وهو أن
حضور القلب بالتفكر
يغيب في الشهود عن
كل ما سواه تعالى ولم يخطر به غيره تعالى وهذا يناسبه الذكر المفرد نحو الله الله وهكذا إذ ليس في ذهنه غيره تعالى حتى يحتاج للنفى والإثبات فهذا إنما يكون لأهل هذا المقام وإن كان أهل الشريعة يقولون لا يثاب إلا بملاحظة نحو معبود أو موجود لأن هذا ملحظ صوفى لأهل الحقيقة فلو أراد الجمع بين الظاهر والباطن لاحظ هذا المقدر
لأنه
مقدم
قوله خير الدعاء أى الذكر الاستغفار لمن هو ملوث بالذنوب من باب التخلية وبقية الأذكار من باب التحلية والأول ألا أن تنظيف الثوب أولى من تبخيره مثلاً الأمر بترك الأذكار للملوث بالذنوب لأن المراد أن الأولى
لا يقتضى
تری
وهذا
له الإكثار من الاستغفار أكثر من بقية الأذكار فهو مثاب على الجميع جددوا إيمانكم أكثروا من قول لا إله إلا الله عن أبي هريرة عنه قوله من قول لا إله إلا الله فإنها تزيد
رضی
الله
۱۱

القلب نورا
وهي كالسيف القاطع للنفس الأمارة الملازم لها إلى أن تكون نفسه لوامة ثم مطمئنة
الله

فإنها ترقى
حتى يقولوا مجنون عن أبي سعيد
ولذا

أكثروا ذكر قوله أكثروا ذكر الله أى بأى نوع كان والأولى لأهل النفوس الأمارة لا إله إلا الله فإن لها سرا عجيبًا في التطهير اختارها أولا أهل الله الملقنون للأذكار فإنها كالسيف القاطع ولاسيما عن شيخ قوله أكثروا ذكر الله الخ ولذا كان السلف يلقن بعضهم بعضا الذاكر لأخذ ذلك بالحديث المسلسل فإذا لقن الشيخ تلميذه انهزت تلك السلسلة وفاض عليه النور منها بقدر اعتقاده في شيخه وينبغي للذاكر أن يبتدئ بالنفى من جهة يمينه لأن الشيطان فيها يذكر لفظ الله جهة يساره لأن القلب جهة يساره فالتحرك في الذكر وارد عن السلف بخلاف التحرك في قراءة القرآن والعلم فالأولى تركه أى أن تقصده خلاف الأولى فإن غلب الحال على الشخص فلا بأس به ويسن الجهر بالذكر حيث لم يخف رياء ولم يشوش على نائم وإلا أسر فلا يطلق القول وذلك لأن الجهر ينشط ولذا قال شخص لشخص يذكر فى المسجد جهرًا بحضرته إن هذا رياء فقال له دعوه فإنه مهيم

رسالة في فضل الذكر والتسبيح والتهليل
L
حمدا لمن غرس أشجار التوحيد في بساتين قلوب الأحباب ورفع ألوية التمجيد لمن اشتغل بذكره فحافظ على شروطه والآداب وصلاة وسلاماً على موصل الخصوصيات وعلى آله وأصحابه ما مدح الذاكرون في الأحاديث والآيات

وبعد فيقول فقير ربه المغنى الراجي عفو مولاه محمد الحفنى هذه رسالة في فضل التسبيح والتهليل مشتملة على أحاديث سرها يشفى العليل وعلى ما يطلب من التمايل في ذكر الحق الجليل وعلى وجه الابتداء بالنفى من الجهة اليمنى والختم بالإثبات من الجهة اليسرى وفى بيان حكم الإسرار والجهر به نفع بسرها الأحباب إنه كريم جواد وهاب
أما الأحاديث فمنها قال رسول الله
الله
إذا قال الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ لا إِلَهَ إِلا الله خرقتِ السَّمواتِ حتى تقف بين يدى الله تعالى فَيَقُولُ لَهَا اسكني فتَقُولُ كيف أسكن ولَمْ تَغْفِرْ لِقائِلي فقال مَا أُجريتك على لسانه إلا وقد لَهُ رواه الديلمي بسند يعمل به في الفضائل
غفرت

١١٤

وقال رسول الله
D
إنَّ الله عهِدَ إلى ألا يأتينى أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِى بِلا إله إلا الله لا يخلط بها شيئًا إلا أوْجَبَ الله له الجنَّة قالوا يارسول الله وما الَّذِي يخلطه بلا إله إلا الله قال حِرْضًا عَلَى الدُّنْيا وجمعا لها ومنعا لَها يقُولُ قَوْلَ الأنبياء ويَعْمَل عملَ الْجَبابرة رواه الحاكم والترمذى
بسند يعمل به في الفضائل
الله
وقال رسول الله
قَالَ لا إله إلا الله وجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ قالَ سُبحان ومن وبحمدهِ كُتِب لَهُ مائَةُ الْفِ حَسَنَة وأربعة وعشرون ألف حسنة
فقالوا يارسول الله إذا لا يَهْلِك مِنَّا أَحدٌ قَالَ بلى إِنَّ أَحَدَكُمْ ليجيءُ بِالْحَسَنَاتِ لَوْ وضعت على جبل لأتقلتُه ثم تَجِيءُ النقم فتذهب بتلك ثمَّ يتطاولُ الرَّبُّ بعد ذلك برحمته رواه الحاكم في
المستدرك بسند صحيح وروى الحاكم عند شداد بن أوس قال كنا عند رسول الله
فقال
فقلنا
ارْفَعُوا أيديكم فقولوا لا إله إلا الله
<
فقال اللَّهُمَّ إِنَّكَ بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنَّةَ إِنَّكَ لا تخلِفُ الْمِيعَاد ثم قال أَبْشِرُوا فَإِنَّ الله قد غفر لكم
١١٥

وقال رسول الله
من قال - إذا أصبح - سبحان الله وبحمده ألف مرة فقد اشترى نفْسَه مِن الله سُبْحانَهُ وَتَعَالى وكان آخِرُ يَوْمِهِ عَتيقا من النَّارِ
أخرجه الطبراني والخرائطى
وقال
يوم
ليْسَ مِنْ عبد يَقُول لا إله إلا الله مائة مرة إلا وبعثه الله القيامة ووجهه كالقمر ليْلَةَ الْبَدْرِ ولَمْ يرفع لأحدٍ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلَ من عمله إلا من قال مثل قوْلِهِ أَوْ زَاد رواه الطبراني بسند يعمل
به في الفضائل

وقال رسول الله
لا تَزَالُ لا إله إلا الله تَحجِب غضبَ الرَّبِّ عَنِ النَّاسِ ما لم يبالوا بما ذهب مِنْ دينهم إذا صلحت لهُمْ دِنْيَاهُمْ فَإِذَا قَالُوها عند ذلِكَ قيل كَذَبْتُمْ لَسْتُمْ مِنْ أهلها رواه البخاري بسند
يعمل به في الفضائل
وقال رسول الله
من قال لا إله إلا الله يبقى ويفنى كُلُّ شَيْءٍ عُوفِي مِن
الهم والْحُزنِ رواه الطبراني
وقال رسول الله الله اذكرِ الله فَإِنَّه عون لك على ما تطلب رواه ابن عساكر
عن عطاء مرسلاً
١١٦

وقال رسول الله
اذْكُرُوا الله ذكرًا حتى يَقُول المنافِقُونَ إِنَّكُمْ تُراءون رواه
الطبراني عن ابن عباس
وقال رسول الله الله
اذكروا الله ذِكْرًا حَامِلاً قيل وما الذكر الحامل قال
الذِّكْرُ الْخَفِيُّ رواه ابن المبارك عن حمزة مرسلاً
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الله
أَفْضَلَ الْعِبَادِ دَرَجَةً
عند يوم القيامة الذاكرون رواه الإمام
أحمد في مسنده والترمذي عن أبي سعيد
وفي الحديث القدسي لا إله إلا الله حصنى ومن دخل
حصنى أمن عذابي
وقال رسول
أفضل الذِّكرِ لا إله إلا الله وهي أفضل الحسناتِ وقال أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا
الله خالصة مِنْ قَلْبِهِ
وقال
ما مِنْ عَبْدِ قالَها ثُمَّ مات علَى ذَلِكَ إِلا دخل الجنَّةَ وإنْ
زنا وإن سرق قال ذلك ثَلاثاً
وقال رسول الله
إذا مَرَرْتُم بِرِياضِ الجِنَّةِ فَارْتَعُوا

قالوا وما رياض الجنة
قال
وهي
حلقه - حلق الذكر بكسر ففتح جمع بفتح فسكون
جماعة من الناس يستديرون كحلقة الباب
وجاء في حديث آخر تفسير رياض الجنة بمجالس العلم
وجاء في حديث تفسيرها بالمساجد
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين لكل قوم ما يناسبهم
وقال ما مِن قَوْمٍ جلسُوا مَجْلِسًا وتَفَرَّقوا عنه ولَمْ يَذْكُرُوا الله فيه إلا كأنما تفرقوا عن جيفةِ حِمار وكان عليهم حسرة يوم
القيامة
التمايل في الذكر وأما التمايل عند التهليل فقد قال الإمام الشعراني في الأجوبة
المرضية عن
أئمة الفقهاء والصوفية ما نصه
ومما أنكروه على القوم تمايلهم يمينا وشمالاً عند قول لا إله إلا الله وقالوا لم يرد بذلك نص إنما ورد الحث على ذكر
الله
من غير ذكر تمايل

والجواب أن الحافظ أبا نعيم روى عن الفضيل بن عياض أنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكروا الله تعالى تمايلوا يمينا وشمالا كما تتمايل الشجرةُ فى الريح العاصف إلى قدام ثم ترجع إلى وراء فاعلم ذلك يا أخى وإن كنت ولابد منكرا فأنكر على أهل المحرمات بالنصوص التي تراها في بلدك وغيرها ولا تنكر
على أهل
الله
انتهى
۱۱۸

والسر فى الابتداء بالنفى من الجهة اليمنى كما ذكره بعض العارفين أن النفس الأمارة فيها وهى نفس خبيثة قال يوسف عليه الصلاة والسلام وإن النفس الأمارة بالسوء وقال فيها نبينا عليه الصلاة والسلام أعدى أعدائِكَ نفسك التي بين جنبيك وذكروا أن جندها لا يقدر على الدخول على الإنسان إلا بواسطتها وهي تخيل للعبد كل القبائح حتى الشرك فرد عليه بنفيه والقلب في الجهة اليسرى وهو محل الأسرار والأنوار فجعل لفظ الجلالة الشريفة عليها ليتلقى أنواره وأسراره
الشيطان من
وأما حكم الإسرار والجهر به فاعلم أن الذكر سرا أفضل لمن خاف رياء وأذية نائم أو مصلّ أو قارئ وإلا فالجهر أفضل لأن العمل فيه أكثر وفائدته تتعدى للسامع وتوقظ قلب الذاكر وتجمع
همته إلى الفكر وتصرفُ همته إليه ويطرد النوم ويزيد في الأنوار وأما قوله تعالى واذكر ربك في نفسك ۱ الآية فأجيب عنه بأن الآية مكية نزلت حين كان النبي لا يجهر بالقرآن فيسمعه الكفار فيسبون القرآن وَمَنْ أنزله فأمر بالترك وقد زال ذلك والأمر خاص به الكامل المكمل الذي
روحه
أفضل الأرواح
المقدسة

وأما غيره ممن هو محل الوسواس والخواطر الرديئة فمأمور بالجهر
لأن له تأثيرًا في دفعها
وأما قوله تعالى وادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِب
1 الأعراف ٢٠٥
۱۱۹

الْمُعْتَدِينَ ١ فذلك في الدعاء لا في الذكر والأفضل في الدعاء الإسرار لأنه أقرب للإجابة ولذا قال تعالى وإِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خفيا وأما ما نقل عن ابن مسعود أنه رأى قوما يهللون برفع الصوت في المسجد فقال ما أراكم إلا مبتدعين وأمر بإخراجهم فغير ثابت بدليل ما في كتاب الزهد بالسند إلى أبى وائل أنه قال هؤلاء الذين يزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر ما جالسته مجلسًا قط إلا ذكر الله أى جهرًا ومما يدل على طلب رفع الصوت بالذكر
خبر
البيهقي أن
رسول الله - ع - مرَّ برجل في المسجد يرفع
عسى

صوته بالذكر فقيل له يارسول الله أن يكون هذا مرائيا قال لا ولكنه أوَّاه وخبره عن جابر أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل لو أن هذا خفض صوته فقال رسول الله إنه أواه أى كثير التوجع من حرارة العشق الله فلم يطق إلا رفع الصوت بذكره وبالجملة فأكثر الأحاديث دالة على طلب الذكر سراً وجهراً لإطلاقها وأما الأحاديث المقيدة بالسرِّ فقد تقدم وجهه وأفضله وأنفعه
ما كان بحضور قلب ومجرد ذكر اللسان الغفلة لا يحرم الآتي مع به من الثواب فلا ينبغى لمن حُرم فضيلة حضور القلب أن يترك
الذكر اللسانى وقد يوسوس الشيطان له فيقول له ما فائدة ذكرك غفلة قلبك فلا تمل إليه ودم على ذكرك مجاهدا في ذلك اللعين
مع
1 الأعراف ٥٥
مریم ۳
١٢٠

وارج وصول ذلك إلى القلب فيتحلى بالكمال وإن كان الكل
هـ
يكرهون الذكر مع الغفلة نظرا لحالهم ا فإذا ما صدقت التوبة وبدأ المريد على الذكر أثمر ذلك التقوى
وعن التقوى يقول أبو الأنوار التقوى ثلاثة أقسام
۱ - تقوى العوام التنزه عن الكفر
٢ - تقوى الخواص التنزه عن كل معصية
٣ - تقوى خواص الخواص التنزه عن كل ما
سوی
الله تعالى
وبمناسبة ما رواه زين بن سلمة عن رسول الله من قوله
اتَّقِ الله فيما تَعْلَم

يقول أبو الأنوار
وقوله اتَّق الله أى خفه واخش عقابه والتقوى جَعْلُ وقاية بين العبد وبين غضبه تعالى وهى امتثال الأوامر واجتناب
النواهي وسمى امتثال ذلك تقوى لأنه يقى الشخص من النار
فعليه
قوله فيما تعلم قيد به إشارة إلى أنَّ الجاهل لا يتأتى منه تقوى أولا المأمورات والمنهيات ثم يمتثل ذلك ا هـ
أن
يتعلم
وإذا ما صدقت التقوى أنتجت الاستقامة
والحديث الشريف الذى رواه الإمام أحمد وغيره عن
الصحابة وهو
عدة
من
۱۱

>>
اسْتَقِيمُوا ولن تُحْصُوا واعْلَمُوا أَنَّ خَيْر أَعْمَالِكُم الصَّلاة
ولا يُحافظ عَلَى الْوُضوء إِلا مُؤْمِنٌ
يقول عنه أبو الأنوار ما يلى

قوله واعلموا إلخ أشار إلى أن من لم يقدر على أنواع الاستقامة فليحرص على أقوى أسباب الاستقامة وهو الصلاة والوضوء وأطلق الوضوء ليشمل الطهارة الحسية والمعنوية قال العلقمي خاتمة قال السهيلي رأيت النبي في المنام فقلت له روى عنك يارسول الله أنك قلت شيبتني هود فما الذي شيبك منها أشيبك منها قصص الأنبياء وهلاك الأمم فقال لا ولكن إنما شيبني قوله تعالى فاستقم كما أمرت كه 1 | إذ قوله كما مرت يدل على أن الاستقامة تُكون المعرفة فمن كملت معرفته بربه عظم عنده أمره ونهيه فإذا سمع كما أمرت علم أنه طولب باستقامة تليق بمعرفته بكمال الأمر وحقيق لمن فهم ذلك أن إذ لا يطيق أحد أن يأتى بعبادة على حسب ما يعرف من ربه بل لابد أن يستصغر جميع ما يأتى به وإن كان كاملاً بالإضافة إلى عظمته ولذلك لما نزل اتقوا الله حق تُقَاتِهِ قلقت الصحابة خوفًا من كونهم لا يقدرون على القيام بمعنى ذلك فأنزل الله رحمة لهم فَاتَّقُوا الله ما اسْتَطَعْتم الله ۳ انتهى بحروفه بخط الشيخ عبد البر الأجهوري

۱ هود ۱۱

آل عمران ۱۰
۳ التغابن ١٦
3
يشيب
عظمة

ومن
المقامات العامة بالنسبة للصوفية الزهد
وعن الزهد يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
ازهد في الدنيا يُحِبُّك الله وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِى النَّاسِ يُحِبُّك
الناس 1

ويشرح الشيخ الحفنى هذا الحديث فيقول
قوله ازهد من الزهد وهو لغة ترك الشيء احتقارًا له سواء كان محتاجًا له أولا واصطلاحًا ترك ما زاد على حاجته من الحلال والورع ترك الحرام والشبهة في الدنيا أى الشاغلة الله تعالى المترتب عليها ضياع حقوق الخلق والحق وهي المعنية بـ
حديث تعس إلخ ٢
وحديث الدنيا ملعونة إلخ ۳
أما المعينة على الطاعة فممدوحة كما في حديث
عن
طاعة
نعمت الدنيا مطية المؤمن بها يصل إلى الخير وينجو من الشر
الله
وجهه أزهد
قال المناوي وليس من الزهد ترك الجماع فقد قال سفيان بن عيينة كثرة النساء ليست من الدنيا فقد كان على كرم الصحابة وله أربع زوجات وتسع عشرة سرية
۱ رواه عدة من المحدثين عن سهل بن سعد
أخرج البخاري عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة و الخميصة إن أعطى رضى وإن لم يعط لم يرض ۳ روى الترمذى وابن ماجه عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا ملعونة ملعون مافيها إلا ذكر الله سبحانه وما والاه وعالما أو متعلما وقال الترمذى حديث حسن
۱۳

وقال ابن عباس خير هذه الأمة أكثرها نساء
وكان الجنيد شيخ القوم يحب الجماع ويقول إنى أحتاج إلى المرأة كما أحتاج إلى الطعام ا هـ بحروفه في شرحه الصغير 1 ويلتبس على بعض الناس مفهوم الزهد ومفهوم الثراء وحينما شرح الشيخ الحفنى الحديث الشريف الذى رواه الحسن مرسلا
وهو
حُبِّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ

قال مميزا الفرق بين مفهوم الثراء الممدوح ومفهوم الثراء
المذموم
بأى
قوله حب الدنيا أى تعلق القلب بها والانهماك على تحصيلها وجه كان كالمكاسين والتجار الذين يحلفون كذبا لترويج السلعة أما إذا أحب جمعها لصرفها في مصارفها كإطعام الجائع فهو محمود لا خطيئة فضلاً عن كونه رأس كل خطيئة ولذا ورد نعمت الدنيا مطية المؤمن بها يصل إلى الخير وينجو من الشر وهذه نصيحة لأمته وإلا فكل واحد لا غنى له عن الدنيا
منه
اتَّقُوا الدُّنْيا واتَّقُوا النَّساءِ فَإِنَّ إبليس طلاع رصادٌ وما هو
بِشيءٍ مِنْ فُخُوخِهِ بأوثقِ لِصيْدِهِ في الأتقياءِ مِن
النساء
الله تعالى من
قوله اتقوا الدنيا المراد بها كل ما يشغل عن ذهب وفضة وغيرهما ومنه تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار
۱ حاشية الحفنى على الجامع الصغير جدا ص ۱۱۷

بخلاف مالا يشغل عن الله تعالى بل يستعين بها على مصالحه
نعمت الدُّنْيا مطيَّةُ الْمُؤْمِن الحديث
فهى ممدوحة ومنه نعمت فهى من حيث ذاتها لا تذم ولا تمدح
يعرض لها قال الشاعر أسدية
وإنما هما
من حيث ما
هي الدنيا تقول بملء فيها الخ فهى كحية فيها ترياق وسم فلا يسلم من سمها ويأخذ ترياقها إلا الحكيم الماهر
١٢٥

يحب
رسالة في فضل الذكر والتسبيح والتهليل
إذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته
عن والد أبي الأحوص إذا آتاك مالا فلير عليك فإن الله یری أثره على عبده حسنا ولا يحب البؤس ولا التباوس
أن
والضياء عن زهير بن أبي علقمة

قوله آتاك بمد الهمزة فلير الخ
أى فالبس الثياب الحسنة بقصد حسن كإظهار نعمة الله تعالى ويدخل في قوله تعالى ولئن شكرتم لأزيدنكم 1 أي اقصد باللبس شكر الله على نعمه ومحله إن لم تكن تحت يد شيخ مرب لك لأجل أن يطهرك فالأولى لك حينئذ لبس الخشن فإذا طهر قلبك فالأولى لك لبس الثياب الحسنة ونقل أن سيدنا الحسن لبس ثوبا بأربعمائة دينار فقال له بعض أهل الله تعالى ثوبك لين فقال له سيدنا الحسن إن قصدت به شكر نعمة الله فكم من لبس أغلى الثياب وقلبه فى التواضع والخشوع وورد أنه البس حلة بثمن نيف وثلاثين ناقة إظهارا لنعمة الله والاقتداء به
۱ إبراهيم ٧
١٢٦

<
في ذلك مطلوب لكن بالشرط السابق قوله البوس أى التخشن في الملبس واظهار الفاقة ولا التباوس أى إظهار التحزن والتخلقن ا هـ الحاشية ص
أما

المحبة فإن أبا الأنوار ينقل عن عن
عدة نصوص
المحبة من

إنه يقول
أبي الحسن ما يلى من

قال العارف بالله تعالى أبو الحسن الشاذلي في رسالة القصد۱ الله أخذه لقلب عبده من كل شيء سواه فترى النفس مائلة لطاعته والعقل متحصناً بمعرفته والروح مأخوذة في حضرته والسر مغمورًا فى مشاهدته والعبد يستزيد فيزاد ويعالج بما هو لذيذ مناجاته فيكسى حلل التقريب على بساط القربة
من

أعذب ويمس أبكار الحقائق وثيبات العلوم وقال رضى الله عنه أوصاف المحب أن يكون دائم الفكر كثير الذل قليل العبادة دائم الصمت لا يخاف ولا يرجو إذا نودى ولا يبصر إذا نظر يسمع
لا
له
وقال رضى الله عنه
المحب على الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه ولا مشيئة
مشيئته
وقال رضى الله عنه
1 رسالة القصد هي رسالة القصد إلى الله ومنها مخلوطة في المكتبة التونسية وهي عبارة عن مجموعة من كلام أبى الحسن لا تكاد تخرج عما في الكتب المطبوعة
ويبدو أنها من جمع أحد المريدين

۱۷

حرام عليك أن تتصل بالمحبوب ويبقى لك في العالمين
مصحوب
لك
وقال رضى الله عنه
إذا منعك مما تحب وردك إلى ما يحب فذلك من علامة محبته
وينقل الحفنى عن الشبلى ما يلى
عن الشبلى أنه قال مرة لتلميذه الحصري في بداية أمره يا حصرى إن خطر في بالك من الجمعة الثانية غير الله فلا تحضرني فإنه لا يجيء منك شيء
وللحلاج سهم موفور فى المحبة والحفنى ينقل عنه هذه الدرر
النفسية في مقام المحبة فيقول
ومن كلام الحلاج إذا تخلص العبد إلى مقام المعرفة أوحى
إليه بخواطره وحرس سره عن أن
ثم قال
و من
يسبح فيه غير خاطر الحق
علامات العارف أن يكون فارغاً من أمور الدنيا والآخرة
مستقلاً بالله
وسئل عن صفة المريد فقال هو الرامي بأول قصده إلى الله فلا يعرج حتى يصل وسئل عن التصوف وهو مصلوب فقال أهونه ماترى
وكان يقول من لاحظ الأعمال حجب عن المعمول له وهو
الله تعالى ومن لاحظ المعمول له حجب عن الأعمال

۱۸

وكان يقول لا يجوز لمن يرى غير الله أن يدعى أنه عارف
بالله عز وجل
وكان يقول من أسكرته أنوار التوحيد حجبته عن عبادة التجريد ومن طلب الحق بنور الإيمان كمن طلب الشمس بنور الكواكب
يريد
أن يقول
اطلب الحق بنور الحق لا تجعل بينك وبين الحق واسطة فهو
أقرب إليك من حبل الوريد

وكان يقول من شرط التوكل ألا يأكل شيئًا وهو يعلم أن في
بلده من هو أحوج
منه
وللصوفية أبحاث عميقة جميلة عن اليقين في مختلف درجاته وعن ذلك يقول الحفنى قوله يقينًا في الفتوحات الإلهية في نفع أرواح الذوات الإنسانية لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري ما يوضح المقام ونص عبارته اليقين ظهور نور الحقيقة في قلب المؤمن عند كشف الأستار البشرية بشهادة الوجدان والذوق لابد لآلة العقل والنقل وذلك يحصل بالجزم ومطابقة الواقع ويطلق اليقين مجازا على نتيجة ذلك وهى اطمئنان القلب ووثوقه بموعود الله تعالى ليستريح العبد من تعب الشقاء في تحصيل المرافق الدنيوية فيكون حقيقة فيما هو من قبيل الأحوال والمقامات مجازا في ثمراتها وقيل مشترك بينهما وعلم اليقين ما حصل عن نظر واستدلال وعين اليقين ما حصل عن مشاهدة وعيان وحق اليقين ما حصل
۱۹

عن عيان ومباشرة

فالأول منها كمن علم بالدليل وجود الجنة
والثاني كمن حضرها وشاهدها والثالث كمن شاهدها ودخلها
ويزيد الشيخ الحفنى الأمر وضوحا فيقول
قوله علم اليقين قال الشيخ قاسم في كتابه السير والسلوك علم اليقين هو العلم الحاصل من الدليل العقلى وعين اليقين هو العلم الحاصل بالمشاهدة وحق اليقين هو فناء صفات العبد في صفات الحق وبقاؤه به علما وشهودًا وحالاً لا علمًا فقط فالذي يفنى على التحقيق صفاته لاذاته فحينئذ لابد من بقاء عين العبد الفاني فلا تفنى ذاته فى ذات الحق كما يفهمه الجاهلون الذين كذبوا على الله بل إن العبد كلما تقرب إلى الله بالعبودية وإظهار العجز والفناء عن جميع الصفات المناقضة للعبودية وهبه الله تعالى فضلاً منه صفات حميدة حقيقية عوضا عما فنى منه من الذميمة الخلقية والله تعالى هو القادر على كل شيء والعبد هو العاجز عن كل شيء فمتى شاء أذهب عن العبد ما فيه من الخبائث وأمده بما يعجز عنه كل ما سوى الله تعالى فلا مانع لما أعطى ولا معطى لما منع ولا راد لما قضى ولا مبدل لما حكم فإذا وهب عبده العاجز ما وهبه تصرف في الأكوان بإرادة سيده ا هـ
الله
C
الصفات
وبمناسبة الحديث عن اليقين يتحدث الشيخ عن سيدنا على كرم
وجهه فيقول
وقوله من البراهين هذا بيان لعلم اليقين المتصف به هذا وجهه كاتصافه باليقين نفسه قبل نظره في الدليل
الإمام كرم
الله
١٣٠

الله
الحاله
من
فإنه قد ظهر نور الحقيقة فى قلبه عند إزالة شراك البشرية عنه في حال تميزه ولذلك بادر بالإسلام قبل بلوغه فتأمله قوله ومن ثم فاختص عبارة الشارح فى الفتوى وجه اختصاص على بذلك أى كرم الله وجهه ] عوضا عن الترضى [أى رضى عنه ] أنه لم يسجد لصنم قط فناسب أن يدعى له بما هو مطابق والمراد به حقيقته أو الكناية عن تكرمة الوجه الذات أي حفظه أن يتوجه لغير الله في عبادته ويشاركه في ذلك أبو بكر فإنه لم يسجد لصنم أيضا كما حكى عنه فناسب أن يدعى له بذلك وإنما كان استعمال ذلك في حق على أكثر لأن عدم سجوده لصنم عليه لأنه أسلم وهو صبي مميز فإن قلت كثير من مجمع الصحابة لم يوجد منهم سجود لصنم كالعبادلة ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وغيرهم ومع ذلك لا تقول الناس فيهم ذلك بل الترضى كغيرهم قلت هؤلاء ونظراؤهم إنما ولدوا بعد اضمحلال الشرك وخمود نار الضلالة والفتنة فلم يشابهوا ذينك الإمامين في تركهما أكبر فتن الشرك من السجود للصنم مع دعاء أهله للناس لذلك ومبالغتهم في إيذاء من ترك ذلك وكان في الترك حينئذ مخالفة الآباء والأقارب وتحمل المشاق التي لاتطاق الدلالة على الصدق
أمر
من
ما ليس فيه بعد ظهور الإسلام وزهوق الضلال فناسب حالهما أن يميزا عن بقية الصحابة بهذه الخصوصية العظمى رضى
عنهما وكرم وجههما

الله
وينبه الشيخ الحفنى إلى معنى المعية حيثما وردت ويبين مفاهيمها
۱۳۱

في مختلف زواياها وذلك بمناسبة عدة أحاديث وردت في ذلك
منها
قال الله تعالى عَبْدِى أَنَا عِنْدَ ظَنِّكَ بي وَأَنا مَعَكَ إِذَا ذكرتني
ك عن أنس
قوله وأنا معك المعية ثلاثة أنواع معية العوام معية علم ومعية
الخواص معية انصباب الرحمة ومعية خواص الخواص معية الحفظ
والعصمة من كل ما لا يليق فإذا قيل الله مع العوام أى بالعلم ومع الخواص أى بانصباب الرحمات عليهم بخلاف العوام فليسوا أهلاً لانصباب الرحمة عليهم وإثابتهم الثواب الجزيل كالخواص وإذا قيل الله مع خواص الخواص أى يحفظ جوارحهم عما لا يليق بمقامهم في ساحة
القرب منه تعالى إذا سألوه أعطاهم إلخ
ومن هذه الأحاديث
أَفْضَلُ الإيمانِ أَنْ تَعْلَم أَنَّ الله مَعَكَ حَيْثُمَا كُنت قوله أفضلُ الإيمان أى أفضل الثمرات التي يتحلى بها المؤمن من ثمرات الإيمان أن تعلم الخ أى علما شهوديًا لا علما برهانيًا لأن أفضل الثمرات إنما هو علم الشهود بحيث لا يشغله عنه ملأ ولا خلاء ولا نعم ولا نقم ومن كان ذا حاله كان شاكرًا في حالة السراء صابرًا فى حالة الضراء راضيا في حالة الفقر وإذا وقع في ذنب أقلع
وصبر على منع نفسه من شهواتها وإذا كان في طاعة جد فيها أنَّ الله مَعَكَ أى بالمعونة والالطاف والإسعاد
قوله أن تعلم والإسعاف والمعنى أنه معك ومطلع عليك في سائر الأوقات ومن
۱۳

علم أن الله كذلك لزم الأدب وراعى الحقوق على وجهها التي أمر بها ونهى عنها وقال بعض السادة لتلميذه خذ هذا الطائر واذبحه في
محل لا يراك فيه أحد فأخذه وتوجه لما أمر به فدخل محلا خربا لا يطلع عليه أحد بذبحه قال في نفسه أستاذى
من الخلق فلما
هم

أمرني بذبحه بمحل لا يرانى فيه أحد والله مطلع على فأرده إليه بلا ذبح فرجع إليه بلا ذبح فقال لِمَ لمْ تفعل ما أمرتك به فقص عليه الأمر هـ بخط الشيخ
فعند ذلك عرف الشيخ أنه قد وصل والله أعلم ا
الأجهوري
ومنها
الله مع القاضى ما لم يجر فإذا جار تخلَّى الله عنه ولزمه الشيطان ت عن عبد الله بن أبي أوفى
قوله مَعَ القاضي أى بالعون والنصر بقرينة المقام إذ لو قيل معه
الناس
بالعلم والإحاطة كما هو القاعدة لم يكن له خصوصية بل جميع كذلك وإنما كانت القاعدة ما ذكر لأن ابن شاهين سأل الجنيد عن المضافة له تعالى فقال له إن كانت في جانب الرسل نحو مع
إني معكما أسمع وأرى ونحو الأولياء المحفوظين فمعناها النصر والحفظ وإن كانت في جانب العامة نحو ما يكون من نجوى ثلاثة الخ فمعناها العلم والإحاطة قوله فإِذا جَارَ الخ ليس في زماننا هذا بل وقبله بأمد طويل من قاض إلا والله تعالى متخل عنه غير راض والشيطان ملازم له بالغواية التي منها الجور في الحكم وأكل أموال الناس بالباطل أولئك الذين طبع الله على قُلُوبِهِم وسمعهم وأبصارِهِمْ
۱۳۳

وأولئك
الغافلون لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُون ۱ وقد قسم بعضهم القضاة على ثلاثة أقسام أحدها في الجنة والآخران في النار فالأول من علم الحق وعمل به وقد تعسر بل تعذر وجوده فيما أعلم والثاني من علم الحق ولم يعمل به وهو كثير والثالث
من جهل الحق ولم يعمل به وهو أكثر عافانا الله ذلك
من

ونختم هذا الطريق العام بتوجيه نفيس لرسول الله وهو قوله في الرخاء يعرفك في السُّدَّةِ أبو القاسم بن
تعرف إلى
الله
بشران في أماليه عن أبي هريرة

ويشرح الحفنى هذا الحديث فيقول
قوله في الرخاء أى فى حالة الغنى وصحة البدن والأمن فالتعرف في حال الغنى بالصدقات ونفع الناس بماله والتعرف في حالة الصحة بالعبادات والتعرف في حالة الأمن وخلو الذهن الاشتغال بمولاه تعالى لخلو ذهنه عن العدو والخوف ولذا لما عرف الذين سد
الله
عليهم الغار ربهم في الرخاء وذكر كل عمله الذي قصد به وجه تعالى فرج عنهم في الشدة وكذا سيدنا يونس لما عرف الله تعالى في الرخاء بالتسبيح وغيره نجاه من شدة الحوت ولما لم يتعرف فرعون ربه في الرخاء لم ينجه من الغرق حيث استغاث وتعرف أهل الله تعالى الاشتغال به تعالى على الدوام وترك ما سواه فيعرفهم وقت الموت والقبر
ونحو ذلك

۱ النحل ۱۰۸ ۱۰۹

١٣٤

الحفنى شيخًا للأزهر
وبعد حياة طويلة نحوا من سبعين عاما تولى الحفنى مشيخة
الأزهر لقد كان منصب شيخ الأزهر في عهد الشيخ الحفنى له جلاله وله قداسته وقد سبق أن كتبنا ما يلى
لقد كان منصب شيخ الأزهر يمثل في مصر الخلافة وقد كان شيخ الأزهر يعرف للمنصب حقه وكان يشعر بأنه أب لجميع المسلمين وهو باعتباره أبا يحتل مكان الأبوة في شعور واضح به
شعباً
إنه مسئول عن سلوك أبنائه عن سلوكهم أفرادا وعن سلوكهم وعن سلوكهم حكامًا وكان الشعب يلجأ إلى أبيه إذا نزلت به نازلة وكان الحكام
يلجئون إلى شيخ الأزهر في أمورهم الخطيرة

وكان شيخ الأزهر قويًّا فى تواضعه عزيزاً في حكمته في ذلك الزمن كانت الخلافة الرسول الله صلى الله عليه وسلم في تركيا وكانت تركيا معقد آمال المسلمين بسبب الخلافة وكانت أعين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تمتد إلى تركيا راجية ومتوسلة مستنصرة
أو ناصرة إن الخلافة في تركيا جعلت المسلمين يتطلعون إليها كرمز لرسولهم
١٣٥

وقائم على دينهم وساهر على مصالحهم وكان الكثير من هؤلاء الخلفاء يشعرون بالمسئولية الملقاة على عاتقهم ويعملون ما استطاعوا الخدمة المسلمين ونشر رسالة الله

وكان جيش الخلفاء معدا – بقدر الاستطاعة لإغاثة المظلومين من المسلمين أينما كانوا
لقد كان للخلفاء قداسة وكان لهم هيبة في الشرق والغرب وكانوا يقولون فتصغى الدنيا لقولهم
وكان شيخ الأزهر في مصر يحمل نفس الإجلال والتقديس إنه خليفة رسول الله فى هذه البقاع وكانت تتمثل فيه صفات يقوم الاختيار على أساسها كان يتمثل فيه
- العلم المكتسب الذى يُحصله الإنسان بذكائه من الكتب الخاصة بالعلوم الإسلامية كتب التفسير والحديث والفقه وأصول الفقه والتوحيد وعلوم العربية وكان يمتاز على الأقل في
علم أو علمين
هذه العلوم مع إتقانه لبقيتها من لأنه كان يواصل الليل بالنهار في التحصيل

وما كان ذلك إلا
لقد كان العلماء إذ ذاك يستيقظون قبل الفجر ويتعبدون ويتهجدون ويبدءون الدراسة بعد صلاة الفجر مباشرة يبدءونها على طهر وروحانية وكان شيخ الأزهر طالبًا وأستاذا على هذا الغرار
إنه كان عالماً

وكان على ثقة في الله سبحانه ومن أجل ذلك لم يكن
یخشی
أحدا إلا
الله
إنه كان من هؤلاء الذين يخشون الله ولا يخشون
١٣٦

أحدا غيره وكانت ثقته في الله هذه تذلل له الأمور وتملأ قلوب
الآخرين هيبة والثقة في الله ينبثق عنها أمور كلها سامية ينبثق عنها طاعته سبحانه وكان شيخ الأزهر دائماً
من
العباد
وكان ينبثق عنها الإخلاص في السر والعلن والإخلاص من
المبادئ الأولى الواجبة في الإسلام
وكان ينبثق عنها التوكل عليه سبحانه يتوكل عليه
لأنه
إذا وثق به به فإنه
من
ومن يتوكل على الله فهو حسبه ۱ وكان ينبثق عنها فضائل أخرى كلها سام ونافع
٣ - ولم يكن فى ذلك الوقت شيخ الأزهر عالة على الحكومة وذلك أن الأزهر حفظ على الأمة لغتها وإيمانها فوفت له الأمة
أجل ذلك بإجلالها واحترامها وبأوقاف كثيرة وقفتها عليه
لقد كان موقوفا على الأزهر ما لا يكاد يحصى من أموال وكان الأزهر يعيش في حدود أوقافه كريم النفس رافع الرأس وما كان يشعر بضيق في دنيا

إنه يعرف ماله وفى حدود دائرته ينفق ولا يتجاوز دائرته وكان صدر الحاكمين يضيق بذلك أحيانًا فما كان لهم في إخضاع الأزهر من سبيل من ناحية الرزق
۱ الطلاق ۳

۱۳۷

وأخذ الحاكمون في عصر دولة محمد على يحتالون للأمر حتى أمكنهم بالمكر والخديعة أن يستولوا على أوقاف الأزهر ويعطوه
مالاً
نمو
من خزينة الدولة يضيق عليه فيه سنويا ولا تساير الدولة الأزهر وتطوره وأصبح الأزهر في ضيق يزداد ضيقا كل عام أما أوقاف الأزهر التي أخذت منه بالمكر والخديعة فإنها شرعًا ما زالت له لأن أوقاف البر لا تؤخذ هكذا ولا بغير مصرفها وكل هؤلاء الذين استولوا عليها إنما يأكلون حراماً ومن يأكل وإِنَّ الرَّجُلَ لَيقْذِفَ بِالنُّقْمَةِ الْحرام
الله
منه
عملاً

حراما لا يقبل في جوفه ما يتقبَّلُ مِنْهُ أربعينَ يَوْمًا كما يقول رسول الله الله ولا يتقبل الله ممن يأكل أوقاف الأزهر – ولو كان قد اشتراها دعاء فشرط استجابة الدعاء طيب المطعم كما قال رسول الله الله حينما طلب منه سيدنا سعد يدعو الله له ليكون مستجاب الدعوة
روی ابن مردويه بسنده عن ابن عباس قال تُليتُ هذه الآية عند رسول الله يأيُّها النَّاسُ كُلُوا مِمَّا في الأرضِ حَلالا طيبار ۱ فقام سعد بن أبي وقاص فقال يارسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نَفْسٍ مُحمَّد بيدِهِ إِنَّ الرَّجلَ لَيَقْذِفُ اللُّقمةَ الْحَرامَ في جوفه ما يُتَقَبَّلُ مِنْهُ أربعين يومًا وأيما عبد نبتَ لَحْمُهُ السخت والربا فالنَّارُ أُولى بهِ
من
وإن هذا الذى يأكل أموال الأوقاف إنما يتقلب في حرام دائم
۱ البقرة ١٦٨
۱۳۸

وبهذه المناسبة نقص هنا قصة لها مغزاها الصادق جاء عصفور إلى سيدنا سليمان عليه السلام وقال له إنى مع ماترانى عليه من صغر وضعف يمكنني أن أهدم ملكك ويبتسم سليمان عليه السلام ويسأله كيف
هدما تاما

فقال أذهب إلى البحر فأبتل فيه ثم أتى إلى أرض من أرض الأوقاف وأتمرغ فيها فيعلق بي من ترابها ثم أتى إلى قصرك فأنفض نفسي فيه فما إن يحصل في بيتك من أرض الأوقاف شيء إلا كان ذلك سببًا فى خراب قصرك وملكك
ومعنى
القصة صادق وثمرة المعنى الصادق رهبة
ويقول أسلافنا رضوان
الله
عليهم
حينما تخرج من
أرض أوقاف كنت سائرا فيها فنفض رجليك
وملابسك حتى تخرج منها وأنت على ما يشبه اليقين من
آثارها
النقاء من
إن الأوقاف الخيرة لأهلها لاتباع ولا تصرف في غير مصارفها إنها لما وقفت عليه وإلا فهى دمار يصيب المتسبب والأكل والمالك والمحيط كله
ولابد من رد مال الأزهر إليه حتى تكون البركة ويكون النماء ويكون الخير وهذه الأوقاف ثابتة في حجج ومازالت هذه الحجج
محفوظة وكما اغتصبت دولة محمد على هذه الأوقاف فإنها يجب
ترد ثانية
ان

هل من خيرين يتبنون الفكرة
هل من محبين للأزهر يعاونون على رد أوقافه إليه
هل من محتسب يبدأ
لعل وعسى والخير في الناس ما زال باقيا

- وكان علماء الأزهر وكان شيخه عازفين عن دنيا يتكالب عليها الناس وعن رئاسات يجرى وراءها الكثيرون
وخذ مثلاً الشيخ عبد الرحمن الشربيني الخطيب لقد عرضت عليه مشيخة الأزهر فأبى فعرضت على غيره من امتناعه العلماء فلم يقبلها واحد منهم وعلل كل منهم عن القبول إن الشيخ الشربيني أحق بها منه واجتمع الجميع على أنه
بينهم
لهذا المنصب
المقدم
وقبل الشيخ الشربينى هذا المنصب على أن يعين له وكيل ولكنه ما لبث بعد هذا أن استقال بعد أن استقر في هذا المنصب اثنا عشر
عاماً وكان له نشاط علمی بارز
لقد كتب على المطول في البلاغة وكتب على البهجة في فقه الشافعية وكتب على جمع الجوامع في أصول الفقه وتوج ذلك كله بتفسيره الكبير
ومثال آخر إنه الشيخ سليم البشرى
لقد تولى المشيخة عام ۱۳۱۷ هـ وزار مع الخديوى عباس معاهد الأزهر وكان قبل توليه المشيخة رئيسا للجنة إصلاح الأزهر
١٤٠

وقدم مشروع الإصلاح الذى أصبحت تبعا له رئاسة الأزهر لشيخ
الأزهر
أما

وأصبحت مشيخته مشيخة نظامية
عن نشاطه العلمي فقد كان يقرأ في الفجر صحيح البخاري وكان له إسناد في الحديث وألف عدة كتب في الأدب والتوحيد والنحو ومنها شرح البردة وغيرها
ولما هدم مصطفى كمال الخلافة بناء على تخطيط محكم لتمزيق المسلمين وإضعافهم زاد تطلع الناس إلى الأزهر وأملهم فيه
الله
لقد عُرض على السلطان عبد الحميد رحمه مبالغ ضخمة عشرات الملايين للدولة العثمانية وعشرات الملايين لنفسه شخصياً
C
ليسمح بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين فأبى السلطان إباء المسلم المؤمن وكلما ألحوا عليه وأكثروا من الأرقام المالية التي تدفع كلما كان إيمانه بربه أكبر ومنذ ذلك الزمن وضع التخطيط لهدم الخلافة أما الأداة المنفذة فى كثير من الخسة فهى أتاتورك
ماذا فعل أتاتورك وماذا كان موقف المسلمين منه لقد أقامت الدعاية لمصطفى كمال العالم الإسلامي للعطف عليه وأعلنت أنه مسلم يعمل لنهضة الإسلام وتثبيت الإيمان
ولما استتب له الأمر أبان عن نواياه الشيطانية فأزال الخلافة وإزالة الخلافة أمر فى غاية الضرر بالنسبة لتركيا فقد نزل بها دولة فى الدرجة الأولى يخشى حسابها إلى دولة في الدرجة
أولاً
من
١٤١

الثالثة أو الرابعة أو العاشرة

6
ونزل بها ثانيا من دولة تتزعم العالم الإسلامي تأمر فيستجيـ إلى دولة لا دينية وفقدت تركيا بذلك الزعامة ثم أخذ أتاتورك يضرب بمعاوله في وجه التشريع الإسلامي وفي رأسه وفي جسمه فأزال القانون الإسلامي وأحل محله القانون الوضعى حتى الأحوال الشخصية أفسدها إفسادًا يغضب الله ورسوله فأباح زواج المسلمة بالمسيحى ووصل به الأمر إلى أن كان يضرب بالرصاص من لبس الزى الإسلامي وأعلن لا دينية الدولة التركية وفصلها عن ماضيها وجعلها بكل ذلك دولة لا في العير ولا في النفير وحينما يكتب التاريخ الإسلامي على حقيقته سیرى الناس أن أتاتورك كان من المفسدين أما اللغة العربية فكأن بينه وبينها ثارًا لقد غير الحروف العربية وكتب التركية بالحروف اللاتينية فأزال بذلك ما كان بين اللغة العربية واللغة التركية فى ناحية الكتابة ثم قام بما سماه تصفية اللغة فأزال منها الكلمات الكثيرة العربية التي كانت بها وباعد بذلك بين اللغتين في ناحية الموضوع
وحينما حدث هذا في تركيا
تطلعت العيون إلى الأزهر إذ لابد للناس من أب روحى ونظروا إلى شيخ الأزهر على أنه شيخ الإسلام وكان شيخ
الأزهر في المستوى المأمول فيه عالا كأحسن ما يكون العلماء
زاهدا إيجابيا كأفضل ما يكون الزهاد الإيجابيون مؤمنا بالله
واثقا فيه

١٤٢

إنه يشهد أن لا إله إلا الله يشهدها بحقها فيرتفع إلى المستوى
اللائق بالأب الروحي

واحتلت مصر منذ ذلك الحين مركز الزعامة الدينية في العالم الإسلامي احتلت مركز الزعامة بسبب الأزهر الموجود فيها والواقع أن الأزهر مكث ألف عام يقوم على الحفاظ على اللغة العربية وعلى الدين الإسلامي
وحفظ اللغة العربية بهذا البحث الدائب الدائم في اللغة العربية
ووقف في وجه كل النزعات التي أرادت بها شرا
إنه وقف في وجه الدعوة - ياللسخافة

إلى العامية
ووقف في وجه الدعوة الملحدة إلى الكتابة بالحروف اللاتينية
إن طائفة من المنحرفين أرادت أن تغير الحروف العربية لتفصل الكتابة عن ماض من التراث عميق والله يعلم أنها ما أرادت
إلا الإفساد
وبدأ بهذا الانحراف أتاتورك وكان فى أساس هذه الحركة كل
أعداء الإسلام أخذت بعض الدول

مستجيبة إلى مخطط
الاستعماريين والملاحدة والمنحرفين على أى وضع والبعض الآخر يفكر في تغييرها
بالفعل

تغير الحروف
وإني أعلن هنا في غير لبس ولا غموض أن كل دولة فعلت هذا إنما فعلت ما يغضب الله ورسوله بل ما يمقته الله ورسوله وأن الذي يبوء بالإثم إنما هم المنفذون والراضون بالتنفيذ وأنه

١٤٣

يجب وجوبا دينيا أن يثور المؤمنون ضد هذا ويعارضوه كما أمكن
التغيير إلى الحروف اللاتينية فإنه يمكن – وبصورة أسهل إلى الحروف العربية

التغيير
وقام الأزهر طيلة قرون على الحفاظ على العقيدة الإسلامية ووقف في وجه كل انحراف في العقيدة آت من الشرق أو من الغرب
الغرب

ووقف في وجه هذا الغزو الفكري الآتي الشرق أو من من
إن للأمة الإسلامية رسالة هى رسالة الله إلى العالم آخر الرسالات طبعها الرحمة لكل عوالم الله فى الأرض وفي السماء ومن مبادئها العلم وتزكية النفس ويُعلِّمُهُمُ الكتاب والحكمة ويزكيهم ۱ وهذه الرسالة - نقية صافية - هي المبرر لوجود الأمة الإسلامية فإذا ما نجح الغزو الفكرى فى الخروج بهذه الرسالة عن طابعها الرباني فإنه لا يوجد ما أمة يبرر وجود
الإسلام
ولقد قام الأزهر طيلة قرون فى وجه الزحف الفكرى ليعلن للناس رسالة الله آخر الرسالات صافية نقية
ومن هنا كان المسلمون - في مشارق الأرض ومغاربها – يدينون للأزهر بالفضل يدينون جميعًا له بالفضل في عقيدتهم وتدين له
الدول العربية بالفضل في الدين واللغة

وكان الأزهر ومازال مقدسا عند هذه الشعوب وإذا سار شيخ
١٤٤
۱ البقرة ۱۹

الأزهر فيها امتدت إليه الأعين وأصغت إليه الأذن وهفت إليه
الأفئدة وغمره الناس بحبهم وتقديسهم
وكذلك يفعلون مع المشايخ المتخرجين من الأزهر والذين يلبسون الزي الأزهرى

وهذه المكانة للأزهر يعترف بها المستعمرون والمبشرون يقول أحدهم إن العمامة البيضاء في أفريقيا السوداء أخطر علينا من
القنبلة الذرية
ويقول آخر
لا يتأتى لنا الاستقرار في هذه البلاد مادام الأزهر موجودا
وتتساءل
لماذا لم يستمر الأزهر على ما كان
والواقع أن هناك عوامل كثيرة تكاتفت على النزول بالأزهر عن أهم هذه العوامل هذا الاستعمار وهذا التبشير ونتبين أنه كان لابد في نظر أعداء الإسلام من هدم الأزهر
مكانته ومن
مما
سبق
وبدأت عوامل الهدم
بدأت السخرية بعلماء الأزهر سواء أكان ذلك في المراحل الأولى من التعليم أو فى المراحل النهائية أو من المتخرجين والعلماء بدأ ذلك في التمثيليات وفى الأفلام وفي الصحف وفي
المجلات
وكان المثل الصارخ هو تلك القصة التي كتبها أحد كبار الكتاب
١٤٥

بفرنسا واتخذ من قسيس فيها مجالا لسخريته وتهكمه فإذا بالتليفزيون يخرجها أياما متوالية متخذا فيها شيخاً مجالاً لتهكمه وسخريته ولم يجد المخرج أو المشرف من يقول له إن هذا انحراف ولم يعاقبه أحد ولم يسى إليه إنسان

وهذه الأقلام المأجورة التى تكتب هنا وهناك عن التشكيك في الدين وفي القيم الأخلاقية وفي الهجوم على التشريع الإلهي !! إنها لا تجد من يقول لها إنك أقلام مأجورة وإن أقل ما يمكن في أمثال أصحابك أن يزجوا في السجن لتخرس منهم الألسن
ومن
إن لكل بلد مقدسات ومن مقدسات أمريكا مثلا النظام الرأسمالي مقدسات روسيا النظام الشيوعى وهذه المقدسات لا تمس
أليست العقيدة من المقدسات التي لاتمس

إن المنحرفين عقديًّا والمنحرفين أخلاقيا والمنحرفين اجتماعيا على اختلاف ألوانهم يسرحون ويمرحون كيفما شاءوا في الأقطار
العربية فلا يجدون من يردعهم
وتتكاتف الأقلام المأجورة والأقلام المستوردة أو المنحرفة ووسائل الإعلام في العمل على التشكيك في العقيدة والقيم الأخلاقية والتشريع الربانى ونشر التحلل الأخلاقي بكل الطرق
وهذه الآراء المستوردة التي تتنافى مع الدين ومع الفضيلة والتي يروجها اليهود في كل مكان هل تجد من يقف في وجهها إن قراءة كتاب بروتوكولات حكماء صهيون مفيد كل الإفادة لمعرفة المخطط الخبيث الذى يقوم بتنفيذه اليهود
៩ ។

إنهم يتبنون كل فكرة منحرفة وكل رأى ضال ويحاولون عن طريق الصحافة والكتب والإذاعة الترويج لكل منحل وإذاعة
كل فاسد
الذين
لقد تعاهدوا في مواثيقهم على نشر آراء طائفة معينة من اتخذوا مهنة إبليس في العمل على إفساد العالم والترويج لها إنهم يقولون
نحن الذين رتبنا نجاح كارل ماركس
لقد رتبوا نجاحه لأنه يفسد على الناس النظام الطبيعي والرباني
في الاقتصاد عن طريق المذهب الشيوعي وهو مذهب يتنافى مع
الطبيعة ومع
وهو
الأديان
- من أجل معارضة الأديان له
ويقول عنه إنه أفيون الشعوب
"

يدعو إلى إزالة الدين
لما قيل له ولكن لابد من بديل عن الدين لأن الناس لا يعيشون بغير عقيدة قال إن البديل للدين هو المسرح الهوهم بالمسرح انشروا المسرح في كل مكان فيجد فيه الناس البديل عن الدين ثم إن الشيوعية عقيدة
وأخذت معاول الهدم الشيوعية تنال من الدين في كل مكان تسود فيه الشيوعية وهي لا تنال من الدين بأسلوب فيه هوادة وإنما تنال من الدين ومن رجال الدين بأسلوب عنيف قاس
ورأفة

وسجون تملأ
إنها مجازر تقام ودماء تسفح التعذيب أما الخراب فإنه ثمرة كل ذلك

وتفنن في
١٤٧

و کارل مارکس یهودی
ويقول اليهود في بروتوكلاتهم
نحن الذين رتبنا نجاح دارون
ودارون هو صاحب نظرية التطور أو النشوء والارتقاء أو كما يقول
التعبير الشعبي الإنسان
أصله
قرد
وهي نظرية تتنافى مع كل الأديان التي ارتقت بالإنسان معبرة عن الحقيقة الكريمة الإنسانية أصلها آدم خلقه الله بيديه ونفخ فيه من روحه وبدأ إقامته بالجنة
و فرق هائل بين النظرتين
وسواه
ونظرية دارون لم تثبت وهي في كل يوم تزداد ضعفا وتوشك الأوساط العلمية أن تلفظها نهائيا
إن الإنسانية متطورة فى العلوم المادية المكتسبة وهذه حقيقة لا جدال فيها لقد تطورت من الإبرة إلى ماكينة الخياطة
الماكينة التي تطورت هي الأخرى من حال إلى حال
وتطورت في وسائل طهي الطعام

هذه
وتطورت ومازالت في جميع أدوات الطب وآلات الهندسة عقيدة وأخلاقا وتشريعا – والذهن والذكاء
ولكن الفكر

والعقل إن كل ذلك لا تطور فيه وانف عن الإنسانية الحالية علومها المادية وما اكتسبته من ثقافة حسية متوالية ومرتب بعضها على بعض تجدها هي الإنسانية التي كانت قبل التاريخ فكرًا وعقلاً
وذكاء

١٤٨

هذا هو الواقع أما إذا قلت إن الإنسانية متطورة عقلاً وذكاء وذهنا فإنك تكون قد هدمت كل القيم الفاضلة بجرة قلم وذلك أنه مادامت الإنسانية - فكرًا وعقلاً وذكاء وذهنا - متطورة فإن كل قيمها الفاضلة الحالية نسبية متطورة معها فلا يتأتى الحديث عن حق في العقيدة أو عن حق في الأخلاق أو عن حق في التشريع أو عن حق في نظام المجتمع وتنهار بذلك الأخلاق والأديان والقيم والمثل ولا يصبح للإنسانية إلا الشهوات والغرائز إذا أخضعت القيم العليا للنسبية وللتطور فلا قيم وثمرة نظرية
دارون أو خرافة دارون إنما هي هدم القيم العليا
ومن أجل ذلك رتب اليهود نجاحها
ويقول اليهود
نحن الذين رتبنا نجاح فرويد
وفرويد هو
العالم اليهودى المزيف ونظريته أكبر مثل على التزييف
الذي يتحالف فيه المزيف مع الشيطان ليفسدا الإنسانية في النظرة إلى فضائلها ومثلها ومكارم الأخلاق فيها

إنه يعزو
=
ياللسخافة

كل عمل وكل سعى إلى باعث من
الغريزة الجنسية وليس سعى الإنسانية إلا نوعا من إرضاء هذه
الغزيرة
ورتب اليهود نجاحه ليخطوا بالإنسانية من مثل عليا وقيم ومكارم أخلاق إلى غريزة هي الغريزة الجنسية
الرحمة الرأفة العطف على اليتيم والمسكين الشعور بضرورة
١٤٩

العدالة الإنصاف تزكية النفس المروءة كل ذلك في أساسه – إنما هو الغريزة الجنسية
وليس بغريب أن يقول فرويد اليهودى ذلك وليس بغريب أن يرتب اليهودى نجاحه من أجل ذلك لأن في ترتيب نجاحه هدم
بمعاول من فولاذ لكل المثل الدينية الكريمة
ويقول اليهودى نحن الذين رتبنا نجاح نيتشه
ونيتشه هو المنكر للأديان وللألوهية وللأخلاق وهو يجدد دعوة أبيقور بالاستمتاع على أية وسيلة كان الاستمتاع

إنه يقول إذا كان استمتاعك في أن تسيل الدماء أنهارا وأن تمشى على رءوس بني البشر فلتفعل وهو الذى يقول إن ما تعارف عليه الناس من
إنما هو ضعف في الطبيعة
أخلاق وفضائل
ومن سخرية المقادير أن هتلر طبق على اليهود نظريات نيتشه فأقاموا الدنيا وأقعدوها صريحًا وولولة واستغاثة وكان ما فعله هتلر
هو نوع من ثمرة دعايتهم لنيتشه
رتبوا نجاحه

فلقد طبق عليهم نظريات من
إن اليهود رتبوا نجاح هؤلاء ورتبوا نجاح كل مفسد ونشروا كل موبقة ودعوا إلى كل انحراف وفعلوا ذلك عن تخطيط ويتمكنوا ويسيطروا
هو إفساد الإنسانية ليسودوا من وراء ذلك
على العالم
"
ووقف الأزهر في وجه كل ذلك وقف كالطود الراسخ يدافع
١٥٠

عن
الذاتية الإسلامية ويحاول في صمود لا يلين أن ينفى عن الذاتية الإسلامية الدخيل والغزو الفكرى وما لانت قناته يوما ما وكان لابد من النيل منه في أسلوب متستر أو في أسلوب سافر – ودأب الذين استجابوا للانحراف على النيل منه مرارا وتكرارًا وهذا الدأب الملح جعل بعض الطيبين ينساقون – عن غير شعور – إلى نقد الأزهر متسترين أو معلنين وأصبحت مصيبة الأزهر بهم
هم
الآخرون كبيرة
والذى أحب أن أقوله عن ملاحظة دقيقة هو أن كل شخص يحاول النيل من الأزهر إنما في قلبه دغل وفى نفسه شر سواء من الطيبين المنفعلين الذين خدعهم
أكان
المنحرفين بالفعل أو من
كثرة نقد المنحرفين فساروا وراءهم

والذى أحب أن أقوله أيضا إن الأزهر في محنته الحالية لايجد
من يأخذ بيده من هؤلاء المؤمنين النابهين

وفي مصر - والحمد لله - من المؤمنين النابهين الكثير ولكنهم انصرفوا في إهمال غير شاعر أو في نوع من السلوك اللاشعورى
عن
الأخذ بيد الأزهر والحدب عليه
"
وهم
بذلك اثمون
وأحب أن أعلنها سافرة وأقول إذا تكاتف المبطلون على النيل الأزهر في الإذاعة أو فى التليفزيون أو في الصحف أو في ميزانيته أو في سيره في نهضته فإنه يجب أن يتكاتف الخيرون على أن ينصروه مجاهدين بذلك في سبيل الله فإذا لم يفعلوا ذلك
فهم آثمون آثمون فرادی
C
وأثمون جماعات
١٥١

هو
الأزهر
إنه الممثل للإسلام القائم على نشره
منه فإن على
إنه رمز الإسلام فإذا أهين رمز الإسلام أو نيل هؤلاء الذين يشعرون بالإسلام يملأ جوانحهم أن يهبوا مدافعين عنه
وهم بذلك إنما يدافعون عن الإسلام وينصرونه
وهؤلاء الذين يملأ حب الوطن أفئدتهم يجب عليهم أن يأخذوا بيد الأزهر لأنه هو الذي مكن لمصر أن تحتل مركز الزعامة بين
الدول الإسلامية
خير
أما أبناء الأزهر فيجب عليهم أن يمثلوا الأزهر تمثيل سلوكا عن الاستقامة سلوكا وعلما
وعلما وكل من حاد أبناء الأزهر من فإنه في مقت وفي غضبه وإثمه عند الله أكثر من إثم غيره يجب على أبناء الأزهر طلابًا وأساتذة أن يمثلوا حقا الخلافة
لرسول الله وقد كان
ورب زدني علما ۱
من شعاراته

وكان منها
>>
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
تولى مشيخة الأزهر وهو في أوج جهاده في ثلاثة ميادين

ميدان الجهاد في المجتمع حتى تستقيم
الأمور
١٥٢
ميدان تربية المريدين
1 طه ١١٤

الميدان العلمى وإثراء الفكر العربي والإسلامي أما الميدان الأول فقد كان أشق الميادين وذلك أن النزاع بين المماليك بعضهم وبعض كان مستمراً والنزاع بينهم وبين الشعب أيضا كان مستمراً
كانت شهوة الحكم والسيطرة والسلطان في نفس كل زعيم من زعماء المماليك ومن هنا كانت المؤامرات والغدر والحروب مستمرة لا تكاد تهدأ وكانت الإتاوات والضرائب تفرض على الشعب الذي ينوء بحملها ومن أجل ذلك كان تذمره
كيف يستقر الأمر وكيف يهدأ المجتمع لقد شغل ذلك كثيرًا من وقت الشيخ وجهده ولم تكن الأمور ميسرة ولكنه لابد مما ليس منه بد وما ليس منه بد هو حمل الرسالة
التي نيطت به وهي الجهاد للإصلاح في جو المماليك فيما بينهم وللإصلاح فيما بينهم وبين الشعب وحمل الشيخ الرسالة في قوة ونأخذ ذلك مثالاً واحدًا من يبين الصورة القوية التى كان يتدخل الشيخ بها فيما بين المماليك لقد كان النزاع بين المماليك على قدم وساق وانقسموا كما هي العادة إلى فريقين متعارضين مسلحين وها هي الحرب إحدى الحروب - توشك أن تبدأ ويصور الجبرتي ذلك في دقة ونقتطع من الجبرتى فى قطعة من حديثه منفصلة عن السابق لها واللاحق بها إذ أنها على هذا النسق كافية في بيان المطلوب يقول الجبرتي
١٥٣

فعمل الأمراء جمعية وعزموا على تشهيل تجديده وتكلموا وتشاوروا فى ذلك فتكلم الشيخ الحفناوى في ذلك المجلس وأفحمهم بالكلام ومانع فى ذلك وقال أخربتم الأقاليم والبلاد في أي شيء هذا الحال وكل ساعة خصام ونزاع وتجاريد على بك هذا رجل أخوكم وخشداشكم أى شيء يحصل إذا أتى وقعد
في بيته واصطلحتم مع بعضكم وأرحتم أنفسكم والناس وحلف أنه لا يسافر أحد بتجريده مطلقا وإن فعلوا ذلك لا يحصل لهم خير أبدًا

فقالوا إنه هو الذى يحرك الشر ويريد الانفراد بنفسه ومماليكه وإن لم نذهب إليه أتى هو إلينا وفعل مراده فينا فقال لهم الشيخ أنا أرسل إليه مكاتبة فلا تتحركوا بشيء حتى

يأتي رد الجواب فلم يسعهم إلا الامتثال فكتب له الشيخ مكتوبا ووبخه فيه وزجره ونصحه ووعظه وأرسلوه إليه
فلم يلبث الشيخ بعد هذا المجلس إلا أياما ومرض ورمى بالدم وتوفى إلى رحمة الله تعالى فيقال إنهم أشغلوه وسموه ليتمكنوا من أغراضهم ا هـ
<<
بعد أن مات الشيخ الحفنى قام الأمراء بما أرادوا ولكن كلمة الشيخ الحفنى لهم وإن فعلوا ذلك لا يحصل لهم خير أبدا تحققت تحققاً كاملاً وذلك أنهم لم يحصل لهم خير وهزموا
ونكتفى بهذا لنبين مكانة الشيخ الذي لم يجرؤ أحد
منهم

على
154

مواجهته علانية مع ما فيهم من غطرسة وكبرياء ومع مالهم من
وسيطرة
سلطان
وإذا كانوا قد أسروها في أنفسهم واتبعوا أسلوب الخيانة والغدر بالنسبة للشيخ فإن الله سبحانه أراهم عاقبة مكرهم ولا يحيق المكر
السيئ إلا بأهله

وكان الشيخ إذ ذاك في الثمانين من عمره تقريبا هذا نموذج مما كان يقوم به الشيخ من جهد في إصلاح أمر المجتمع وإعادة الوحدة له - وفي صدد صلاح المجتمع أيضا من الناحية الشعبية أخذ الشيخ في تربية المريدين لقد أخذ في تربية المريدين من قبل مشيخة الأزهر ومن بعدها ولقد أخذ فى تربية المريدين بعد أن أمره شيخه بذلك وقد كان قبل هذا الأمر ممتنعا امتناعا تاما الأمر ذلك ! لابد من الإذن ولابد من عن أما الوعظ العام وأما النصيحة فقد كان الشيخ قائما بهما من قبل أن يكون مريدا ومن بعد أن كان مريدا ومن قبل أمر الشيخ له بأخذ العهود ومن بعد وذلك أنهما لا يحتاجان إلى أمر فهما داخلان في نطاق الدعوة العامة التي أمر المسلمون بها
وادْعُ إِلَى سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والمَوعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي
هي أحسن 1
ويقول الشيخ حسن شمه
۱ النحل ١٢٥
١٥٥

اعلم
أنه
من
حين تصدى للتسليك وأخذ العهود أقبل عليه الناس من كل فج عميق لأخذ الطريق وكان في بدء الأمر لا يأخذون إلا باستخارة واستشارة وكتابة أسمائهم ونحو ذلك آداب فكثر الناس عليه وكثر الطلب فأخبر شيخه السيد الصديقي بذلك فقال له لا تمنع أحدا يأخذ عنك ولو نصرانيا من غير شرط قال رضى الله عنه فنزلت عقب ذلك لزيارة سيدي أحمد البدوى فلقيني خلق كثير لأخذ العهود فرأيت فيهم نصرانيا فمنعوه قال فتذكرت قول أستاذنا لا تمنع أحدا ولو نصرانيا فقلت لهم دعوه لعل الله يهديه فكان كذلك قلت تقدم أنه أسلم على يديه خلق كثيرون من النصارى فحينئذ كثر الناس ولم يمنع أحدا أبدا الآن حتى
أن
کبار
ولقد عد الشيخ حسن شمه ما يقرب من ثلاثين عاما من العلماء أخذوا العهد عليه وهؤلاء العلماء كانوا هداية للمجتمع
إرشادا وسلوكا

لقد كانوا دعاة بعلمهم الغزير وتأليفهم النفيسة وكانوا دعاة بسلوكهم المستقيم وكانوا دعاة بالموعظة تخرج من قلب أسلم مقاليده الله سبحانه
ولقد أرّخ الشيخ حسن شمه لكل منهم بترجمة مناسبة وأرّخ للكثير منهم الجبرتي بكلمات تعلن عن سماتهم وعن جهادهم في
سبيل
الله
ونكتفى نحن هنا من بين هؤلاء بنقل ترجمتين من هذه التراجم أولاهما ترجمة الشيخ الدردير رضى الله عنه وللشيخ الدردير مكانته
10

ومنزلته فى العلم والتصوف إنه مؤلف من خيار المؤلفين وهو قدوة يأتم برسول الله في سلوكه وله مكانته في الأجواء المصرية على اختلاف درجاتها فى الثقافة وقد كان من كبار المحبين لشيخه وقد كتبنا عنه كتابا مستفيضا
يقول الشيخ حسن شمه عنه
ومنها شيخ الفروع والأصول الجامع بين المعقول والمنقول الحائز قصب السبق فى مضمار العلوم علامة الزمان والحامل في وقته لواء العرفان خاتمة المحققين وإنسان عين المدققين الشيخ أحمد العدوى الملقب بدردير اشتغل رضى الله عنه بالعلم على مشايخ كثيرين وأخذ في المعقول والمنقول حتى برع وفاق معاصريه وأذن له بالافتاء والتدريس فدرس وأفاد وألف فأجاد ثم جذبته العناية إلى نادى الهداية فجاء إلى الشيخ وطلب منه تلقين الذكر فلقنه وسار أحسن سير وسلك أحسن سلوك ثم لبس التاج وصار خليفة مجازا بأخذ العهود والتلقين والتسليك مع المجاهدة والعمل المرضى
عنهم
الموافق للكتاب والسنة سمعت أستاذى يثنى عليه فيقول ماله نظير وحاله جميل وهو من الصدق في درجة عليا ومن الأدب والتواضع في أعلى منها وسمعته يقول لأستاذى كنت قبل اليوم أقول وأنا اليوم أكثر مرادى منكم لو أن تعرفوا واحدا يقال له أحمد الدردير في الوجود أى فإن ذلك غايته عزه وشرفه رضى الله عنه وعنا به

أما الترجمة الثانية فيتحدث عنها الشيخ حسن شمه قائلاً أخذ عن الشيخ الحفنى علامة وقته وأوانه الآخذ
ومنهم ممن
١٥٧

من كميت البلاغة بعنانه الولى الصوفي من صفا فصوفی المدره البارع الملسان المحقق الإنسان الشيخ حسن الشبيني ثم الفوى رحل من بلدته فوه إلى الجامع الأزهر للاشتغال بالعلم وأخذه عمن يؤخذ منهم فحين دخله حضر مجلس العالم العلامة الفقيه المدرس الشيخ أحمد الديربي فجعله محليا عليه في الدرس
قرأ
فقيل له فى ذلك فقال هذا عالم ما جاء من بلده حتى الأشموني والمختصر ونحو ذلك أخبرني نفعنا الله به أنه كان

ملازما لولى من أولياء الله تعالى فحين تعلقت نفسه بالجامع الأزهر هذا الولى لزيارة ثغر دمياط فنام إلى جانبه ليلة فرآه في النوم وقد أسقاه من إبريق لبنا أو ماء وقال له هذا علم النحو
توجه مع
وهو

قال لى ثم انتبهت فقلت له
أصعب العلوم في الأزهر يا مولانا الشيخ رأيت ما هو كذا فقال لى على الفور أسكت أضغاث أحلام لأن الولى المذكور من الملامتية لا يحب أن يظهر

لنفسه حالاً ثم أنه جاور عقب ذلك بالجامع الأزهر فحين اشتغل بهذا العلم فتح عليه في أقرب مدة ثم اشتغل بأخذ علم الفقه وغيره من حديث وتفسير وأصول ومنطق ومعانى وبيان وغيرها من سائر العلوم العقلية والنقلية حتى برع وفاق على أقرانه وصار علامة زمانه وجذبته أيدى العناية إلى حضرة أستاذى فأخذ عليه العهد ولقنه أسماء الطريق السبعة – على حسب سلوكه في سيره ثم ألبسه التاج وأجازه بأخذ العهود والتلقين والتسليك وصار خليفة
محضاً فأدار مجالس الأذكار ودعا الناس إليها في سائر الأقطار

١٥٨

وفتح
الله
عنه وهو
الله عليه باب العرفان حتى صار ينطق بأسرار القرآن ويتكلم في الحقائق فيعيي الصامت والناطق سمعت أن أستاذى قال وقد ورد عليه منه مكتوب الحمد لله الذى جعل في أتباعنا من هو كمحيى الدين بن العربي قلت وسمعت منه رضى يقول في حقه الشيخ حسن الشبينى هذا أكبرى أعطاه الله قوة في معرفة علم أهل العرفان وإنه أعلم منى بهذا الفن وإذا تكلمت معه فيه فإنما هي مشاركة وإلا فأنا لا أفهم كفهمه وناهيك بهذه الشهادة !
ورأيت له تأليفا على أسماء الله الحسنى شرحها بلسان الحقيقة من ذوقياته فأبدع وأغرب وبرع وأعرب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاع ۱ أنه لابس ثياب الخمول وسالك من باب الذل في
غير
الوصول كثر الله فى الوجود من أمثاله وأفاض عليه وابل إفضاله ٣- أما الأمر الثالث الذي كان الشيخ معنيا به أثناء توليه مشيخة

الأزهر فهو الجانب العلمى وقد كان معنيا بهذا الجانب قبل توليه مشيخة الأزهر ولكنه حين تولى مشيخة الأزهر عنى على الخصوص بسنة رسول الله الله وبرع في ذلك براعة فائقة وأصبح في هذا من كبار المحدثين رواية ودراية لقد شرح في هذه الفترة كتاب الجامع الصغير للإمام السيوطى وكتاب الجامع الصغير هذا رتبه الإمام السيوطى على حروف المعجم وذكر فيه الأحاديث مرتبة بحيث إذا عرف الإنسان أول
۱ الجمعة ٤
١٥٩

الحديث يمكنه أن يكشف عليه فى الكتاب المذكور فيعرفه ويعرف
درجته
عنه
أيضا
من الصحة والحسن والضعف وهو كتاب لا يستغنى وفيه أكثر من محدثًا كان أو فقيها
عالم من علماء الشرع عشرة آلاف حديث
وقد انتهى أبو الأنوار من شرحه قبل أن ينتقل إلى رحمة الله تعالى بعامين تقريباً إذ يقول أحد مريدى الشيخ في نهاية الكتاب وكان الفراغ من قراءة شيخنا العلامة محمد الحفنى لهذا الجامع في يوم السبت المبارك السابع من شهر ربيع الأول من شهور سنة تسع وسبعين ومائة الألف بعد من الهجرة النبوبة على صاحبها الصلاة والسلام وهذا الشرح أو هذه الحاشية - على اختصارها – تبين أن الشيخ برع في كل العلوم الإسلامية من حديث وفقه وغيرها وفى العلوم العربية من نحو وصرف ولغة
والذي يعنينا هنا على الخصوص هو الحفنى محدثا
ومن أجل ذلك تركز على ماورد في شرحه للجامع الصغير ونكتفى بنماذج وإلا فإن الكتاب بأجمعه جدير بالتأمل المتبصر ونبدأ بتعريفه للسنة إنه يقول

۱ – تطلق السنة على ما أخذ الأحاديث صريحا من الأحكام من التي لا يمكن أخذها الكتاب إلا بمزيد مشقة اجتهاد واستنباط من
ومن ذلك قولهم دل على هذا الحكم الكتاب والسنة
وتطلق السنة على ما ثبت كونه مطلوبا مقابلاً للغرض سواء
ثبت بالكتاب أو السنة أو الإجماع
١٦٠

وتطلق على ما واظب عليه
فلها ثلاث اصطلاحات
٤ - لكن في الفقه تطلق على ما فعله سواء واظب عليه أم لا فالأول المؤكد والثاني المستحب فيكون اصطلاحًا رابعا ۱ كتب السنة المتداولة فإنه يقول عن بعضها
أما
عن
الجامع الصحيح للبخاري ألفه في مكة وكان لا يضع فيه حديثًا إلا إذا اغتسل من ماء زمزم وتطيب وصلى ركعتين
وأُخِذ
ستمائة ألف حديث من ومسلم أخذه ثلاثمائة ألف حديث من
وقد ألان الله تعالى الحديث لأبي داود كما ألان الحديد لسيدنا داود وكتابه من الكتب الأربع
وفيها الصحيح والحسن والضعيف بخلاف البخاري ومسلم ليس فيهما الضعيف بل الصحيح والحسن
أما
عن مسند الإمام أحمد فإنه يقول
أى الأحاديث المسندة وفيه نحو ثلاثين ألف حديث وقيل أربعين ألفاً وليس فيه موضوع إلا أربعة منها حديث دخول عبد الرحمن بن عوف الجنة زحفاً كما ذكر المناوى وإن وجد في كتب الأفاضل
۱ حاشية الحفنى على الجامع الصغير جـا ص ٣٢٠
١٦١

وعن الحلية لأبي نعيم وهو ليس كتاب حديث ولكن به
أحاديث كثيرة يقول
نعیم
بضم الميم
ولشدة تعلق الناس بالحلية لما ألف بيع
بأربعمائة دينار
ولا يأخذ الشيخ الحفنى أحاديث الجامع الصغير على أنها مسلمة صحيحة أو حسنة وإنما يزنها بموازين المحدثين ومن ذلك الحديث
التالي
فتنزل
إن الله تعالى إذا أراد بالعباد نقمة أمات الأطفال وعقم النساء النقمة وليس فيهم مرحوم الشيرازي في الألقاب عن
بهم
حذيفة وعمار بن ياسر معا
معنی
هذا
بن
قوله نقمة أى انتقاما وهذا الحديث موضوع كما نقله الحافظ حجر ويدل لوضعه ما ورد فى البخارى أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله فقال نعم إذا كثر الخبث فهو يدل على حصول الانتقام ولو مع وجود أهل الرحمة من الصلحاء والأطفال فيعارض هذا الحديث ولا يحتاج إلى تأويل حديث البخارى إلا لو صح وما ورد لولا شيوخ ركع إلخ لا ينافيه لأن حصول الرحمة بسبب هؤلاء لا ينافى أنه قد ينزل بنا وبهم الانتقام في بعض الأحيان وقوله وعقم النساء بتشديد القاف يقال عقم كفرح ونصر وعنى وعقمها الله وأعقمها ورحم معقومة أى مسدودة لا تلد ا هـ بخط بعض الفضلاء والمؤلفون يفتتحون كتبهم بحديث إنما الأعمال بالنيات
وكرم

١٦٢

وكان البادئ بذلك هو الإمام البخاري حينما بدأ
صحيحة بهذا الحديث الشريف
عن
بالرفع
رحمه
الله تعالى
C
وقد ذكر الإمام السيوطى هذا الحديث في ختام مقدمته وتحدث الإمام الحفنى عن هذا الحديث من جهة السند ومن جهة المعنى فقال السند قوله عن أبي سعيد الخدري وقوله ابن عساكر أي ورواه ابن عساكر عن أنس بن مالك وكذا الرشيد أى رواه الرشيد عن أبى هريرة فهو مروى عن أربعة من الصحابة عمر بن الخطاب وأبي سعيد وأنس وأبي هريرة لكن لم يصح غير طريق عمر رضى الله تعالى عنه فذكر المصنف للثلاثة الأخر أنها صحيحة أيضا مع أنه تكلم في أسانيدها بالضعف إلا أن يقال ذكرهم لاتفاق الأربعة على لفظ الحديث أي فهذه الطريق وإن كانت ضعيفة لم تخالف الطريقة الصحيحة ولا يقال إن هذا الحديث رواه نيف وثلاثون صحابيا فلم اقتصر على الأربعة لأنهم إنما رووا حديث النية ولم يذكروا هذا اللفظ بتمامه كالأربعة فلذا
يوهم
اقتصر عليهم ۱ ا هـ
أما
من جهة المعنى فإنه يقول
وقوله إِنَّما الأعمالُ الخ ختم خطبته بهذا الحديث اقتداء بالسلف والخلفاء الأربعة فإنهم ذكروه في خطبهم على المنبر فاقتدت ينبغي للشارع
بهم المؤلفون وجعلوه آخرًا الخطبة وإشارة إلى أنه
تأليف أن يحرر نيته فيه
من
۱ الحفنى على الجامع الصغير جـ ٦
١٦٣

قوله بالنيات أى لا أعمال إلا بنية أى لا صحة أو لا فضيلة وكمال إذ صورة العمل توجد بدون نية والمراد الأعمال
المتصفة بالعبادة فخرج نية الكافر فلا تصح إذ عمله لا يتصف
بالعبادة والمراد غالبًا فلا يرد نحو الصدقة
الميت

وإزالة النجاسة

والوقف وغسل وترك الزنا فإن ذلك يصح بدون نية
لكن لا يحصل الثواب إلا إذا نوى ذلك فلا يحصل له ثواب إزالة النجاسة إلا إذا قصد امتثال الشارع فى الواجبة والمندوبة وقس
الباقي ۱
لما
ويقول
قوله فَمَنْ كَانتْ هِجْرَتُهُ هذا بيان للسبب في الحديث وتوضيح يترتب على الجملتين السابقتين وزجر للمهاجر بهذا القصد فإنه لا ينبغي التلبس بالطاعة ظاهرًا وفى الباطن قصد غيرها فالذم إنما جاءه من جهة أنه في الظاهر مهاجر الله ورسوله وفي الباطن قاصد غير ذلك فلا يقال إن تحصيل الدنيا مباح لا يذم عليه بل يكون عبادة إن قصد بتحصيل النكاح الإعفاف مثلاً أو قصد بتحصيل المال كفاية عياله وأصل الهجرة الانتقال من وطنه إلى مكان آخر والمراد هنا المكان المعنوى لا الحسى أى من كان انتقاله من شهوات نفسه إلى طاعة الله تعالى الخ

قوله لدنيا فى رواية إلى دنيا ويجوز كسر الدال وهى جميع المخلوقات وذلك أظهر من القول بأنها الأرض وما عليها
۱ الحفنى على الجامع الصغير ص ٦
١٩٤

والجو والهواء لخروج السماء وأهلها

وتطلق الدنيا على الذهب
والفضة
وعلى ما يتمتع به ويتبسط به من ذهب أو فضة أو امرأة أو ملبوس وهذا الأخير هو المراد هنا۱
ويصحح الشيخ الحفنى بعض الأحاديث التي تدور على ألسنة بعض العامة بزيادة لفظ يفسد معناها وذلك مثل
حُبِّب إلى مِنْ دنياكُمُ النِّساءُ وَالطِّيبُ وَجعلت قرة عيني في
الصَّلاة رواه أحمد وغيره عن أنس
فإن العامة تقول حبب إلى من دنياكم ثلاث
قوله حُبب لم يقل أحبت إشارة إلى أن جبلته المجبولة على حب أمور الآخرة دون أمور الدنيا ولكن الله تعالى حببه لهذين الشيئين أمور الدنيا لكثرة ما يترتب عليهما من الخير فإن النساء يترتب من على حبهن كثرة التناسل وأيضا هناك أمور يستحيا من ذكرها فلم يبلغنا تشريعها إلا من زوجاته الا الله فلولا محبة النساء وتزوجه بهن لما بلغنا ذلك والطيب وإن كان فيه تنعم في الدنيا إلا أنه قوت أرواح الملائكة وأيضا طيب النساء يترتب عليه جماعهن المترتب عليه كثرة النسل وما اشتهر من زيادة لفظ ثلاث هكذا حبب إلى من دنياكم ثلاث لا أصل له إذ لفظ ثلاث يغير المعنى لأنه إنما ذكر اثنين وفصل الأخير بقوله وجعلت قرة الخ فالصلاة وإن كانت تقع في الدنيا إلا أنه ع المجبول على حبها لا أنها حببت إليه وفي قوله دنياكم دون دنياى أو دنيانا إشارة إلى أنه إنما يضاف إليه أمور الآخرة
۱ الحفنى على الجامع الصغير ص ٦
١٦٥

ويحل الشيخ رضى الله عنه الكثير من المسائل التي تثير جدلا كثيرا بألفاظ يسيرة ووضوح في الحل وذلك مثل يمين الرحمن في الحديث التالي إِنَّ الْمُقْسِطِين عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ على مَنابِرَ مِنْ نورٍ عَنْ يَمِين الرحمن وكلنا يديهِ يَعِين الذين يعدلونَ في حُكْمِهِم وأهْلِيهِمْ وما ولوا الإمام أحمد وغيره عن ابن عمرو

قوله منابر مِنْ نُور من النبر وهو الارتفاع فسميت بذلك لارتفاعها وهذا حقيقة ويحتمل أنه كناية عن ارتفاع مراتبهم عنده تعالى كمن هو مرتفع فوق منبر

قوله عن يمين الرَّحْمن مذهب السلف أن ذلك عبارة عن صفة تسمى يمين الرحمن لا تعلم حقيقتها ومذهب الخلف يؤولون ذلك بأن المراد شدة قربهم منه تعالى قربا معنويا ولما كان يتوهم من إثبات اليمين إثبات اليسار دفع ذلك بقوله وكلتا يديه يمين والتثنية ليست على حقيقتها بل المراد التكثير على حد لبيك أى صفاته يمين أى جميل وذلك أن تجرى الاستعارة التمثيلية جميع حيث شبه حال هؤلاء بحال خدام ملك بذلوا الجهد في خدمته فقدم لهم كراسي وأجلسهم عليها غاية الإكرام قوله وَمَا وُلُوا بضم الواو وتشديد اللام أو بفتح الواو وتخفيف اللام وعلى كل عطفه على حكمهم من عطف العام أي عدلوا في

حكم القضاء وفيما ولوا عليه ولو غير حكم القضاء كنظر على
وقف
١٦٦

ويتحدث شيخنا عن بعض زوايا الإصلاح في المجتمع فمن ذلك
شرحه للأحاديث الشريفة التالية
أبي
موسی
إِنَّا لَن نَسْتَعْمِلَ عَلَى عَمَلَنَا مَنْ أَرَادَه الإمام أحمد وغيره عن موسی قوله إنا لن وفي رواية لا نستعمل وسبب الحديث أن أبا الأشعرى دخل مع ابني عمه فقال أحدهما يا رسول الله إن البلاد كلها لك فأمرنا على بعض البلدان وقال الآخر مثله فذكر الحديث أى لأن من أراد الإمارة وطلبها كان فيه ريبة فمن أراد شيئًا وكل لنفسه ومن أريد منه شيء أعانه الله عليه وفرق ما بينهما فمن طلب القضاء ونحوه السلطان من لم يجبه إلا إذا تعين للقضاء أو كان مستحقا في بيت المال ولم يصل إلى حقه إلا بالتولية أو كان خاملاً ولا يمكنه نشر علومه إلا بهذه التولية فيجاب في هذه الأحوال الثلاثة وما عداها يرد فيحمل هذا الحديث على أن ابني عم أبي موسی الأشعرى ليس
C
فيهما أحد الخصال الثلاث

4
تداوُوا عِبَادَ الله فَإِنَّ الله تعالى لم يضع داء إلا وَضَعَ لَهُ دَواءٌ
غير دَاءٍ واحدٍ الهرم الإمام أحمد وغيره عن أسامة
بن شريك
قوله تداووا إلخ فلا ينبغى إهمال التداوى للتوكل ولذا مرض فقالت له بنو إسرائيل تداو بكذا فقال لا أتداوى بقولكم
سيدنا موسى
بل بالوحي وإنما أنتظر الشفاء من الله تعالى فلم يحصل له الشفاء فنزل الوحى عليه أتريد أن تبطل حكمتى التي وضعتها في العقاقير فمن خلق العقاقير غيرى فأنا الذي خلقتها وأخلق الشفاء عند تعاطيها ولا يرد على ذلك قول الصديق رضى الله تعالى عنه حين
١٦٧

قالوا له أنأتي لك بطبيب فقال نظر لى فقالوا له ماذا قال فقال قال لى أنا الفعال لما أريد أى لأنه علم بنور قلبه أنه قرب أجله فلم ينفعه الدواء وكذا أهل الله تعالى منهم من
يطلعه الله تعالى على عدم نفعه بالدواء فيتركه أما من لم يبلغ المقام فلا يترك التداوى نظرا للتوكل
هذا
تعلَّمُوا الْعِلْمَ وتَعلَّموا لِلْعِلْم السَّكِينَةَ وَالْوقَارَ وَتَوَاضَعُوا لمن تَعلَمونَ
مینه الطبراني في الأوسط وغيره عن أبي هريرة قوله تَعلَّمُوا العلم أى خذوا فى أسباب المعرفة للعلوم النافعة من العلوم الشرعية وآلاتها وقوله الوقار أى المهابة فلا يفعل ما يخل بالمروءة فضلاً العدالة فالعالم الذي يؤخذ العلم من وشربه وملبسه ودابته ومعنى أخذ العلم من الدابة أن لا يحملها
عن
ما لا تطيق وأن لا يجيعها وهكذا وقس على ذلك

کلامه
قوله لِمَنْ تَعلَمُونَ مِنهُ ولذا كان إمامنا الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يقلب الورق بحضرة سيدنا مالك خوفا من سماعه قرقعته أدبا معه وكان يفتخر بمشيخة سيدنا مالك وهو يفتخر بتلمذته وكان الربيع الجيزى لا يشرب الماء بحضرة إمامنا خوفاً أدبا معه وكان بعض العلماء لا تسأله تلامذته إلا بعد قولهم له كذا وقد أخذ ابن عباس رضى الله عنهما
أتأذن لنا في السؤال عن
بركاب سيدنا زيد لكونه شيخه

من
سماعه صوته
إِنَّ الله تعالى يقول أَنَا عِنْدَ ظَنُّ عَبْدِي بِي إِن خيرًا فَخَيْر وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌ الطبراني في الأوسط وغيره عن واثلة
١٦٨

قوله عند ظَنَّ عبدى إلخ يحتمل المراد بالظن حقيقته أى الطرف الراجح أى إذا ترجح عنده أني أغفر له إذا استغفر وأتوب عليه إذا تاب وأرزقه إذا طلب الرزق وأعافيه إذا طلب
الصحة إلخ وإذا ترجح عنده أني لا أغفر له الخ كان كذلك وهو معنى إن
خيرا فخير وإن شرا فشر

ويحتمل أن المراد بالظن العلم واليقين ويكون إشارة إلى التوحيد الخالص أى إذا علم عبدى وتيقن أنى متصف بالغفران والإعطاء الخ أعطيته ذلك بخلاف ما إذا كان عنده ريبة في اتصافي بذلك فلا ينال منى ما طلبه وفى هذا الحديث إشارة إلى طلب الرجاء ولذا قال بعض الأمراء لبعض العلماء ما تقول في مالنا وفي إنفاقنا له في الخير فسكت متأملاً الشيخ في جواب مناسب ثم أجاب بقوله أصبح الأمير عالما بأن اكتسب مالاً حلال وأنفقه من في الخير كان موفقا سعيدا
من
فقال الأمير أنا أحسن ظنا بالله منكم فأنت تعلم أني أكتسب وإنما سترت العبارة عنى فقال الشيخ أسألك بالله
من الشبه

أتعلم أن رسول الله أحسن ظنا بالله خلقه قال نعم من جميع
فقال هل كان يكتسب من الشبهات فقال لا

فقال ينبغي لك أن تكون على ما كان عليه رسول الله بالأمراء فينبغى له الملاطفة شأن من اجتمع وهو
فهذا من الشيخ لطف
معهم
١٦٩

وموقف شيخنا من الصحابة هو موقف أهل السنة على وجه
العموم ولقد شرحه بمناسبة الأحاديث التالية
أَبو بَكْر وعُمر سَيِّدَا كهول أهْلِ الجَنَّةِ مِنَ الأولين والآخرين
إلا النَّبِيِّين والمرسلين الإمام أحمد وغيره عن على عن أبي جحيفة أبو بكر وعُمَر مِنّى بمنزلة السمع والبصر من الرأس ع

الله
عن المطلب بن عبد وماله غيره حل عن ابن عباس خط عن جابر
بن حنطب عن أبيه عن جده قال ابن عبد البر
أبو بكر خير الناس إلا أن يكون نبي طب عد عن سلمة
الأكوع

بن
أبو بكر صاحبي ومؤنسى فى الغار سدُّوا كل خوخة في المسجد غَيْر خُوخة أبي بكر عم عن ابن عباس أبو بكر مني وأنا منه وأبو بكر أخي في الدنيا والآخرة
فر عن عائشة
أبو بكر في الجنَّةِ وعمر في الجَنَّة وعُثْمَان في الجَنَّة
وعلى في الجنة وَطَلْحَة فِي الْجَنَّة
وعبد الرحمن بن عَوْفِ فِي
C
والزبير في الجنة الْجَنَّةِ وسَعْد بن أبي وقاص في الجنة
وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة الإمام أحمد وغيره عن سعيد بن زيد والترمذي عن عبد الرحمن
6

ابن عوف ص ١٧ ويشرح الشيخ ذلك فيقول قوله كهول الأحسن أن المراد بالكهول الشجعان الكرماء لا حقيقتهم باعتبار وقت الموت كما قال الشارح لأن ذاك أبلغ فى المدح قوله بمنزلة السمع الخ
۱۷۰

سمعی
أى أنتفع بهما كنفعى بالسمع إلخ أو أحبهما كما أحب الخ ولا يقال إنه لا ينتفع جميع الناس به ولا ينبغي أن يقال
C

ولم
ينتفع هو بالناس لأنا نقول هذا قاله بيانا لفضلهما حتى يعترض بذلك قوله المطلب بصيغة الفاعل عزيزي
تقله الأمة
وهو
من
الله

وقوله أبو بكر كان اسمه عبد الكعبة فسماها عبد له صحبة وكذا لأبويه وولده وولد ولده صحبة ولم يجتمع هذا لأحد الصحابة وروى مائة واثنين وأربعين حديثا له في الصحيحين ثمانية عشرة انفرد البخارى بأحد عشر ومسلم بواحد قوله إلا أن يكون أى وجد نبى فهى تامة قوله غير خوخة بالنصب صفة لكل وفيه إشارة إلى أن أبا بكر يكون خليفة بعدها فيحتاج للمسجد قوله أبو بكر في الجنة إلخ لم يجمع من المبشرين بالجنة فى عبارة إلا العشرة المذكورين فلا ينافي بشر غيرهم كالحسنين وأمهما وجدتهما خديجة رضى فلا ينافي أنه ومعنى البشارة بذلك عدم دخولهم النار يمكن لهم حصول مشقة الحساب والموقف فلذا كانوا على شدة خوف على أنه يمكن أن خوفهم لظنهم أن هذه البشارة معلقة
عنهم
منهم
الله
تعالى
على وجود أمر وإنما ذكر لفظ في الجنة بعد ولم يوجد أنه يكفى ذكرها آخرًا فيقول أبو بكر وعمر الخ في الجنة
كل مع
لأن المقام مقام إطناب لأنه للرد على الزاعمين أن بعضهم من
النار ووقاص بالتشديد
وعن سيدنا على يشرح الحديث التالي
على عيبة علمى عد عن ابن عباس
أهل
۱۷۱

قوله عيبة علمى أى وعاء علمى الحافظ له فإنه مدينة العلم ولذا كانت الصحابة تحتاج إليه فى فك المشكلات ولذا كان يسأله
سيدنا معاوية في زمن الواقعة عن المشكلات فيجيبه فتقول له

جماعته مالك تجيب عدونا فيقول أما يكفيكم أنه يحتاج إلينا له فك مشكلات ووقع سيدنا عمر فقال ما أبقاني الله إلى مع أن أدرك قوما ليس فيهم ابو الحسن أو كما قال فقد طلب أن لا يعيش بعده وقد حصل وجاء رجل لسيدنا عمر وهو يطوف
وقال له
عن
خذ لى حقى من على فقد لطمنى لطمة فلما سأله سيدنا عمر قال نعم لطمته لكونه يتطلع إلى النساء فقال لقد
لطمه
أحسنت يا أبا الحسن
وقد أمر سيدنا عمر برجم زانية فمر عليها سيدنا على في أثناء الرجم فخلصها فلما أخبر سيدنا عمر بذلك قال إنه لا يفعل ذلك إلا عن شيء فلما سأله قال إنها مبتلاة بني فلان أي مصابة بالجنون فلعل وقت زناها كانت مجنونة أى والشبهة تسقط الحد وقد قال
رفعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةِ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يستيقظ وَعَن الْمَجنُونِ حَتَّى يبرأ فقال سيدنا عمر لولا على لهلك
عمر
۱۷
وعن
الصحابة على وجه العموم يشرح الحديث التالي

ه إذا أراد الله برجل من أمتى خيرًا القى حب أصحابي في
قلبه ۱
قوله حب أصحابي في قلبه أى جميع أصحابي لا فرق بين من عاشرها وبين غيره لأنه إذا اجتمع شخص به لحظة حصل له نور في قلبه بسببه يتصف بالعدالة وإن حصل منه هفوة تاب لوقته وقول الماوردى إن الحث على المحبة العظيمة إنما هي فيمن عاشرها أما من اجتمع به لحظة فقط فهو وإن طلبت محبته لكنها لم يحث عليها لعدم اتصافه بالعدالة بمجرد اجتماع اللحظة
مردود
إِذَا أَرَادَ الله بقَوْمٍ عَذابًا أصاب العذابُ مِنْ كانَ فيهِم ثُمَّ بعثُوا
على أعمالهم ۳
أو
قوله من
كان فيهم أي من استحق منهم ممن فعل المعصية رضى بها أو لم يرض لكن قدر على إزالتها ولم يفعل وظاهر هذا الحديث أن البلاء لا ينزل على الطائعين منهم وهو يخالف قوله
وَاتَّقُوا فتنةً لا تُصيبنَّ الَّذِينَ ظلموا منكم خاصة الله
ويجمع
بأن الحديث محمول على ما إذا لم تغن المعاصى وتعم
والآية محمولة على ما لو فشت فإن البلاء حينئذ
1 النسائي عن أنس رضى الله عنه
الحاشية
ص
٦٠
۳ البخاري ومسلم عن ابن عمر
يعم
الطائعين

۱۷۳

وغيرهم لكنه نقمة للعاصين أو تطهير لهم وثواب للطائعين يدل على هذا الجمع حديث
أنهلك وفينا الصالحون قَالَ نَعَم إِنْ كَثرَ الْخَبِيث أى إن فشت المعاصى وكثرت فيهلك الجميع من صالح وغيره قوله على أعمالهم أى للعقاب عليها فعذاب الدنيا لكونه نقمة لا يدفع عذاب الآخرة أي لم يعف عنهم
عن
۱
ابن عمر استقيموا ولَنْ تَحْصُوا واعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعمَالَكُم الصلاة ولا يُحافظ عَلى الوُضُوءِ إِلا مُؤْمِنٌ الإمام أحمد وغيره
عن ثوبان وعن ابن عمر وعن
سلمة
بن الأكواع
قوله واعلموا إلخ أشار إلى أن من لم يقدر على أنواع الاستقامة فليحرص على أقوى أسباب الاستقامة وهو الصلاة والوضوء وأطلق الوضوء ليشمل الطهارة الحسية والمعنوية
قال العلقمي خاتمة قال السهيلى رأيت النبي في المنام فقلت له روى عنك يارسول الله أنك قلت شيبتني هود فما الذي شيبك منها أشيبك منها قصص الأنبياء وهلاك الأمم
فقال لا ولكن إنما شيبني قوله تعالى فَاستَقمْ كَمَا أُمِرْت إذ قوله كما أمرت يدل على أن الاستقامة تكون بحسب المعرفة فمن كملت معرفته بربه عظم عنده أمره ونهيه فإذا سمع كما أمرت
١٧٤
۱ الحاشية ص
هود ۱۱
۶۱

علم أنه طولب باستقامة تليق بمعرفته بكمال الأمر وحقيق لمن فهم ذلك أن يشيب إذ لا يطيق أحد أن يأتى بعبادة على حسب عظمة ربه بل لابد أن يستصغر جميع ما يأتى به
ما يعرف من
وإن كان كاملاً بالإضافة إلى عظمته ولذلك لما نزل اتقوا الله تقاته ۱ قلقت الصحابة خوفًا من كونهم لا يقدرون على
حق
16
القيام بمعنى انتهى بحروفه بخط الشيخ عبد البر الأجهوري إن فيك لخصلتين يحبهما الله تعالى الحلم والأناة الإمام مسلم والإمام الترمذي عن ابن عباس قوله إن فيك خطاب للأشج لأنه الله كان جالسا مع عمر وبعض الصحابة فقال له سيقدم عليكم ركب من خير خلق الله تعالى فقام سيدنا عمر وبادر إلى لقائهم فقال لهم من أنتم فأخبروه فقال قد أثنى عليكم رسول الله وسلم وذكركم بخير فلما قدموا بادروا إلى مقابلته بثياب السفر إلا الأشج فتأتى إلى أن لبس أحسن الثياب
ذلك فأنزل الله رحمة لهم فَاتَّقُوا الله ما استطعتم
6
وتنظف لأن شأن الدخول على الملوك أن يكون على أحسن الأحوال فلما قدم وجلس يتحدث فأمعن المصطفى النظر لوجهه لكونه غير جميل ففهم فقال له يارسول الله إنما يراد من الرجل الأوفران عقله ولسانه وأما الجمال فهو للنساء فقال له أريد مبايعتك وقومك على الإسلام ونصر الحق فقال له أعلم أن اعتناءك بالدين أما أنا ومن معى فنبايعك على ذلك وأما قومى فنعلمهم بذلك فإن
۱ آل عمران ۱۰
٢ التغابن ١٦
۱۷۵

من
أجابوا فذاك وإلا قاتلناهم فقال له الله صدقت فعلم وفارة عقله كلامه والأناة من تأنيه فى القدوم عليه فذكر له الحديث فقال هاتان الصفتان خلقت بهما أم اكتسبتهما يارسول الله فقال بل خلقت بهما فقال الحمد لله الذى جعل في صفتين يحبهما هو
ورسوله

قوله الحلم أى العقل وينشأ عنه العفو وغيره من الخصال الحميدة إِنَّمَا أَنا بَشَرٌ تَدَمْعُ العين ويَخْشع القلب ولا نَقُولُ ما يُسخِطُ الرب والله يا إبراهيمُ إِنَّا بِك لَمَحْزُونون ابن سعد عن محمود بن
لبيد
قوله وَيَخْشَعُ القُلبُ أى يخضع ويذل إظهارا لصفة الشفقة والرأفة والحاصل أن أهل الله تعالى قسمان قسم تظهر عليه صفة العبودية فيرضى بالقضاء ويظهر البشر عند المصيبة وقسم تظهر عليه صفة الشفقة والرحمة فتدمع عينه ويخشع قلبه حينئذ ولذا روى بعضهم يضحك عند المصيبة فقيل له لم فقال خفت أن تغلب على صفة الرحمة فأظهرت صفة العبودية ولما كان فيه وهو آمن من غلبة إحداهما على الأخرى أظهر كلا منهما
الصفتان
وهو
فأشار إلى إظهار صفة العبودية بقوله ولا نقول ما يسخط الرب
وأظهر الثانية بدمع العين
حُسْنُ الْمَلِكَةِ يُمْنٌ وسُوءُ الْخُلُق شُومٌ وطَاعَةُ الْمَرْأَة نَدَامَةٌ والصدقة تدفع القضاء السوء ابن عساكر عن جابر

١٧٦

قوله ندامة أى لنقص عقلهن ودينهن فلا ينبغي لشخص أن يفعل ما أشارت به عليه امرأة حيث لم يعلم أنه خیر قوله تدفع القضاء أى تمنع البلاء ولذا احتطب شخص ففك حطبه فإذا فيه أفعى فقيل له ماذا صنعت حتى نجاك الله منها
فقال تصدقت بكسرة والمراد بمنع البلاء بأن ترفعه إن كان معلقا وتخففه إن كان مبرما وحكى أن بعض السلاطين أمر بشخص
من
ليقتله فجيء به وقد تصدق في طريقه بنصف رغيف وقال إنه قال اتقوا النار ولو بشق تمرة ونار السلطان أخف نار جهنم فهذا يرفعها بالأولى فلما قدم عليه والناس مجتمعون أمره بالانصراف فسأله بعض أعوان السلطان ماذا نجا صنع فأخبره بما وقع وقال إن نصف الرغيف أكبر من نصف التمرة

ونار السلطان أخف من نار جهنم وهكذا شأن المخلصين إذا قضى أحدكم الصَّلاةَ في مَسْجده فَلْيَجْعَلْ لِبيتهِ نَصِيبًا مِنْ
صلاته فإنَّ الله تعالى جَاعِلٌ في بيته مِنْ صلاتِهِ خَيرًا رواه الإمام أحمد والإمام مسلم وغيرهما حم م ٥ عن جابر
وعن أنس

قوله فليجعل لبيته الخ أى فالأفضل صلاة النفل في البيت إلا ما استثنى قال العلقمي فليجعل الفرض في المسجد والنافلة في البيت لحديث أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وإنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد عن الرياء وأصون من المحبطات وتبرك أهل البيت بذلك وتترك فيه الرحمة والملائكة
۱۷۷

وتنفر الشياطين قلت إلا ما استثنى من النوافل كسنة الجمعة القبلية وركعتي الإحرام والطواف وصلاة الضحى والاستخارة وصلاة
منشئ السفر والقادم منه والمكث في المسجد لتعلم أو تعليم أو اعتكاف والخائف فوت الراتبة ا هـ
إِنَّ الله تعالى تجاوز لأمتى عَمَّا حدثت بِهِ أَنْفُسُهَا مَالَمْ تُكلّم أوْ تَعْمَلْ بِه ق ٤ عن أبى هريرة طب عن عمران بن
حصين
يجرد

قوله أنفسها بالرفع وهو ظاهر وبالنصب على التجريد بأن نفسه ويحدثها والحاصل أن المراتب خمسة هاجس من
شخصا
وخاطر وحديث نفس وهم وعزم فالشيء إذا وقع في القلب ابتداء ولم يجل في النفس سمى هاجسا فإذا كان موفقا ودفعه من أول الأمر لم يحتج إلى المراتب التي بعده فإذا جال أى تردد في نفسه بعد وقوعه ابتداءً ولم يتحدث بفعل ولا عدمه سمى خاطرًا فإذا حدثته نفسه بأن يفعل أو لا يفعل على حد سواء من غير ترجيح لأحدهما على الآخر سمى حديث نفس فهذه الثلاثة لاعقاب عليها إن كانت في الشر ولا ثواب عليها إن كانت في الخير فإذا فعل ذلك عوقب أو أثيب على الفعل لا على الهاجس والخاطر وحديث النفس فإذا حدثته نفسه بالفعل وعدمه مع ترجيح الفعل لكن ليس ترجيحا قويا بل هو مرجوح كالوهم سمى هما فهذا يثاب عليه إن كان في الخير ولا يعاقب عليه إن كان فى الشر فإذا قوى ترجح الفعل حتى صار - جازمًا مصمماً بحيث لا يقدر على الترك سمى عزما
فهذا يثاب عليه إن كان فى الخير ويعاقب عليه إن كان في الشر
۱۷۸

إذا شَهِدَتْ إحداكنَّ الْعِشَاء فَلا تمس طيبا رواه الإمام أحمد
والإمام مسلم وغيرهما عن زينب الثقفية

قوله فلا تمس طيبا أى لأن ذلك يورث الفتنة لأن الطيب
يهيج الشهوة
ومثل العشاء وغيرها
وكذلك الخروج ولو لغير صلاة
وإنما قيد بالعشاء لأن تطيب النساء لا يكون إلا ليلاً وقوله إذا شهدت أى أرادت حضورها مع الجماعة وعبارة العلقمي قال النووى معناه إذا أرادت شهودها أما من شهدتها ثم عادت
إلى بيتها فلا تمنع من التطيب بعد ذلك ا هـ
إذا أحب أحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلِيعْلِمْهُ أَنَّهُ يُحِبُّه رواه الإمام أحمد معد يكرب وعن أنس بن
المقداد وغيره عن قوله أخاه أي في الإسلام فليعلمه ندبًا مؤكدا بأن يقول له إني أحبك وينبعى الجواب بأن يقول له أحبك الله كما أحببتني لله تعالى ومحل ذلك إن كان يحبه الله تعالى كأن كان لعلمه أو صلاحه فإن كان لأجل إعطاء مال ونحوه فلا يطلب أخباره بأنه يحبه لأن ذلك يزول بقطع ذلك والمراد بالأخ الشخصى ذكرا كان أو أنثى ومحله إذا كان ذكرًا مع ذكر وأنثى مع أنثى أو ذكر مع أنثى محرم أو زوجة فإن كانت أجنبية وأحبها الله تعالى كصلاحها فلا ينبغى إعلامها لما فيه من الريبة قال الغزالي إنما أمر الرجل بإعلامه بحبه لأن يوجب زيادة الحب فإن الرجل إذا

۱۷۹

عرف أن أخاه
يحبه
أحبه بالطبع لا محالة ثم إذا عرف أيضا أنه
يحبه ازداد حبه لا محالة فلا يزال الحب يتزايد بين المحبين وذلك
مطلوب بالشرع انتهى بخط الأجهوري
ص

إذا أصابَ أَحَدُكُم مُصِيبَةٌ فَلْيَذكر مصيبته فَإِنَّهَا مِن أعظم
الْمَصائب
عن ابن عباس

من التراب من
دفنه
بسبب
حتى
طلعته
أنكرنا
قوله من أعظم لا ينافى هذا أنها أعظم على الأطلاق لأن كون الشيء من أعظم الأمور لا ينافى أنه أعظمها على الإطلاق فقد ورد أنه كان من أحسن الناس وجهًا أو خلقًا ولا شك أنه أحسنهم على الإطلاق وإنما كان ذلك أعظم المصائب لأنه ترتب عليه انقطاع الوحى الذى هو رحمة ونقص الأنوار التي في قلوب الصحابة ولذا قال أنس ما نفضنا أيدينا قلوبنا أي لم نجد فيها من النور ما كان النور قبل موته ولا ينافي كون موته أعظم المصائب بسبب انقطاع الخير المذكور ما يأتى أن موته قبل لأن الجهة مختلفة إذ كون موته يترتب عليه انقطاع الخير المذكور لا ينافي أنه يخلفه خير غيره وهو تهييء المراتب لأمته والاستغفار لهم إذا عرضت عليهم سياتهم فموته قبل أمته خير بهذا الاعتبار
أمته
خير
لهم
وكتب العلقمي على قوله من أعظم المصائب أى أعظم من كل مصيبة يضر بها المسلم بعده إلى يوم القيامة انقطع بموته الوحى
وماتت النبوة وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك
وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه ١ هـ ص ٦٧

۱۸۰

إذا انتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَجْلِسَ فَلْيُسَلِّم فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يجلس فليجلس ثُمَّ إِذا قَامَ فَلْيُسَلَّم فَلَيْسَت الأُولَى بِأحَقِّ مِن الآخرة رواه
الإمام
التعليل
أحمد
أنه
وغيره ره عن أبي هريرة
هذا
ينصرف
قوله ثم إذا قام فليسلم ويجب عليهم الرد أى لأن السلام الأول معناه أمنتكم من شرى حال حضوري فيسن السلام عند الانصراف ليؤمنهم من شره حال غيبته بل أولى ويؤخذ من لوجاء وسلم عليهم ووقف لحظة ثم أراد أن من غير أن يجلس سن له السلام قبل الانصراف وهو كذلك وإجماع المسلمين أن ابتداء السلام سنة وأن رده فرض وأقله السلام عليك والأفضل السلام عليكم وأكمل منه أن يزيد ورحمة ولو قال سلام عليكم أجزأه ويشترط إسماع له برفع الصوت به بحيث يسمع كل منهما واتصال الرد بالابتداء كاتصال الإيجاب بالقبول في العقود والإلزام ترك جواب الرد فإن كان هناك نيام خفض صوته بحيث لا يتيقظون انتهت علقمى
الله
وبركاته
وقوله وأقله السلام عليك قال العزيزي لعل مراده إذا سلم على واحد ولا يكفى رد صبى مع وجود مكلف والفرق بينه وبين الصلاة على الميت حيث يكتفى بصلاة الصبي مع وجود أن القصد بالصلاة على الميت الدعاء ودعاء الصبى أقرب إلى الإجابة والقصد بالسلام الأمان والصبي ليس أهلاً له وفى أن يجلس وقياسه أن يسلم قبل
الرجال
الحديث دلالة على
أن يقوم
يسلم قبل

۱۸۱

>>
قلت وفي رواية أبى داود فإذا أراد أن يقوم فليسلم وهي صريحة
ذلك فلتحمل هذه عليها انتهى بحروفه ص ٧٤
إذا دَخَل شهر رمضان فتحت أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وغُلِقَت أَبْوَابُ جَهَنَّم وسُلْسِلَت الشَّياطين رواه الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة قوله فتحت أبواب الجنة كناية عن هبوط غيث الرحمة وتوالى صعود الطاعة بلا مانع وكذلك تغليق أبواب جهنم كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الآثام ورمضان مأخوذ من الرمضة وهو الحر لأنه تحرق فيه الذنوب وتزول عن صائمه

قوله وسلسلت أى غلت حقيقة أو أنه كناية عن عدم تجرئهم على الصائمين فالمراد بالسلسلة لازمها وأما ما يقع في رمضان من الوسوسة فهو من النفس أو من الرئيس من الشياطين لأنه منطلق وقال الشارح سلسلت أي قيدت وشدت بالأغلال كيلا توسوس للصائم وآية ذلك إمساك أكثر المنهمكين في الطغيان عن الذنوب وعبارة العزيزى وسلسلت الشياطين أي قيدت وشدت بالأغلال لئلا توسوس للصائم وآية ذلك أى علامته إمساك أكثر المنهمكين في الطغيان عن الذنوب فيه وفي نسخة شرح عليها العلقمی صفدت بدل سلسلت بالصاد المهملة المضمومة بعدها فاء ثقيلة مكسورة أى شدت بالأصفاد الأغلال وهى
قال شيخنا قال القاضى يحتمل أنه يحمل على ظاهره حقيقة ويحتمل المجاز ويكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل إغراؤهم وإيذاؤهم فيصيرون كالمقيدين قال ويحتمل أن يكون
۱۸

فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه العباده
من الطاعات في هذا
الشهر مما لا يقع في غيره عمومًا كالصيام والقيام وفعل الخيرات
كثير من
والانكفاف عن وكذلك تغليق أبواب النار
المخالفات وهذه أسباب لدخول الجنة
C
وقال القرطبي يصح فتحت وزخرفت لمن مات فى رمضان الفضل هذه العبادة الواقعة فيه
حمله على الحقيقة ويكون معناه أن الجنة قد
وغلقت عنهم أبواب النار فلا يدخلها منهم أحد مات فيه وصفدت
الشياطين لئلا تفسد على الصائمين فإن قيل قد نرى الشرور والمعاصى تقع فى رمضان كثيرًا فلو كانت الشياطين مُصفّدة ما وقع شر فالجواب من أوجه أحدها إنما تغل عن الصائمين إذا حوفظ على شروطه وروعيت
آدابه أما إذا لم يحافظ عليها فلا يغل عن فاعله الشيطان

يقع
الثاني لو سلم أنها مصفدة عن كل صائم فلا يلزم أن لا شر لأن لوقوعه أسبابا أخر غير الشياطين وهي النفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الأنسية
والثالث أن المراد غالب الشياطين والمردة منهم وأما غيرهم
فقد لا يصفدون والمراد تقليل الشرور وذلك موجود في رمضان
فإن وقوع الشرور والفواحش فيه قليل بالنسبة إلى غيره من الشهور
أما عن آل البيت فيقول الشيخ
والمراد بآل البيت كل تقى لا خصوص الأشراف لحديث آل
البيت كل تقى

۱۸۳

الكرامات
وبعد فإن كرامات الشيخ كثيرة مشهورة ذكر بعضها الجبرتي وجمعها الشيخ حسن شمه فى كتابه الكبير الذي لم يطبع وذكر بعضها في مختصره
وأما صاحب كتاب كرامات الأولياء فإنه ذكر منها مقدارًا
مستفيضاً ومن هذه الكرامات ماذكره الشيخ حسن بقوله وأخبرني أستاذى نفسه رضى الله عنه أنه متى نام على جوع غالبا يرى في نومه موائد قدمت بين يديه فيأكل وينبسط ثم يستيقظ فيجد اثر ذلك الأكل والشبع قلت لا يخفى أن هذا المحمدية المشار إليه بقوله إنى أبيت عند ربي يطعمني
ويسقيني

ومن كراماته أن ظالما حكام مصر بلغه أن
من
من
الأطوار
عند بعض جماعة
الشيخ خاتما فصه ثمين جدا فأرسل إليه يطلبه فما وسعه إلا إرساله إليه خوفًا منه لكن قال للرسول المرسل به مر على حضرة أستاذنا الحفناوى وقل له
إن فلانا أرسلني إلى تابعك فلان في شأن خاتم عزيز عليه وها هو قد أرسل به إليه فمر به الرسول وكان جالسا على المائدة فقام وامتزج بجلال وصار يقول
١٨٤

ما كان يحتاج يا فلان ويسمى ذلك الظالم ظلم فلان يكرر
ذلك ثم قال نطلب من أهل الله أن يضيقوا عليه مصر ضيق الخاتم فما لبث ذلك الظالم إلا قليلاً حتى أخلع من مصر وضاقت عليه حتى لم يجد له من سبيل إلى أحد فيها فما وسعه إلا الهروب فتولى
الفرار وتاه في الفضاء والقفار
ومنها أن أحد مريديه تذاكر مع آخر الدنيا ومن الكيمياء الذي
يحول المعادن إلى ذهب يقول وتواعدنا بالاشتغال بذلك ثم جئنا إلى الشيخ وجلسنا عنده فذكر الكيمياء والدنيا وقال

إن هي إلا هوسان وخزعبلات ثم أنشد ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها تريد أم الدنيا وما في زواياها لقال غبار من تراب نعالها أحب إلى قلبى وأشفى لبلواهــا والشيخ في هذا الشعر يقول لهما
إن المحب الصادق هو الذى يكون قلبه معلقا بالله تعالى لا بغيره
١٨٥

وفاته
وأما بعد فقد توفى الشيخ رضى
الله
عنه يوم السبت السابع
والعشرين من ربيع الأول سنة ١١٨١هـ وقد بلغ الثمانين من حياته المباركة توفاه الله بعد جهاد طويل في سبيله لم يقصر
فيه ولم يفتر
ودفن يوم
الأحد بقرافة المجاورين بالقاهرة
يقول الشيخ حسن شمه
وضريحه مشهور بزيارته تضاعف الأجور رضي الله عنه ونفعنا به في الدارين ثم أما بعد فيقول الله تعالى
ألا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وكانوا يَتَّقُونَ لَهُم البَشْرَى فى الْحَيَاةِ الدُّنْيا وفي الآخرة لا تبديل لِكَلِمَات الله ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ العظيم ۱
القاهرة في ۱۹ ذى الحجة سنة ١٣٩٦ هـ
القاهرة في ١٠ ديسمبر سنة ١٩٧٦ هـ
1 يونس ٦٢ - ٦٤
١٨٦

بهم
خاتمة
التصوف الإسلامي وحياة أبى الأنوار رضى الله عنه
سئل الشبلى رحمه
الله

لم سميت الصوفية بهذا الاسم
فقال لبقايا بقيت عليهم من نفوسهم ولولا ذلك لما لاقت
الأسماء ولا تعلقت بهم

إن التصوف فى قمته العليا هو ألا تبقى على الإنسان بقية من نفسه أي ألا تبقى عليه بقية من نزعات أو شهوات أو
مطامع أو تطلعات إلى غير الحق والخير

ومن معالم ما يقوله الصوفية في هذا الطريق
إن السالك يأخذ فى إزالة الرذائل من نفسه شيئًا فشيئًا وتتهافت الرذائل واحدة بعد الأخرى ولكن رذيلة تظل معتصمة بقوتها في النفس ولا تزول بسهولة تلك هى رذيلة حب الرياسة وحينما تزول فإن السالك يصبح خالصا لله تعالى فإنه وهو يجاهد في إزالة الرذائل يجاهد في الوقت نفسه في التحلى بالفضائل وهذا الطريق - طريق محو الرذائل والتحلى بالفضائل حتى يصبح
۱۸۷

خالصا لله تعالى

يعبر عنه الجنيد حينما سئل عن تعريف التصوف
فقال
التصوف أن يُميتكَ الْحَقُّ عَنْكَ ويُحْيِيكَ بِهِ
والحق هو الله تعالى
"
يقول سبحانه
ويعلمون أنَّ الله هُوَ الْحَقُّ الْمُبين ۱
و يميتك عنك أى نفسك الأمارة يمحو كل ما
يمحو
فيك من نزعات الكبرياء بل يمحو مجرد الرغبة في الإثم وأما يحييك به فإنه التخلق بأخلاق الله تعالى
أخلاق الجمال !
إنه سبحانه في صفاته الجمالية السلام المؤمن الغفار العدل اللطيف الكريم الحليم الرؤوف الرحيم فإذا أماتك الحق عنك وأحياك به فقد أصبحت صوفيا بما في قمة الصوفية ! وإذا وصل الإنسان إلى هذه الحالة فإنه يكون قد ارتبط بالله تعالى برباط وثيق أو أصبح كما يقول رويم بن أحمد حينما
سئل عن تعريف التصوف التصوف
الاسترسال مع
الله
على
مَا يُرِيدُه
وحينما يسترسل الإنسان مع
الله
على ما
يريده
الله
تعالى فإنه
لا تكون له رغبة إلا فيما أمر الله تعالى به أو فيما أباحه ولا تكون
له كراهية إلا فيما نهى الله تعالى عنه نهى وجوب أو
۱ النور ٢٥
نهی
۱۸۸

كراهية ! وهذا المعنى هو الذي أراده أبو يزيد الله
حينما قال معرفا بالصوفي
>>
رضی
عنه -
للنَّاس أحوال ولا حَال للعارِفِ لأنه مُحيَت رُسُومه وفنيت
هويته بِهَويَّة غَيْره وغيرت آثاره بآثار غيره !
أماته
والعارف في عرف أبى يزيد هو الصوفي و الغير الذي عناه أبو يزيد هو الله سبحانه وتعالى وقل في المعنى الْحَق عَنه وأحياه به أو قل تخلق بأخلاق الله أو قل إنه
استجاب لقوله تعالى
فَاسْتَقمْ كَما أُمَرْتَ وَمَنْ تَابِ مَعَك ۱ أو قل في المعنى إِنَّهُ استرسل مَعَ الله تعالى على ما أراده إن كل ذلك يمكن أن يكون شرحا لما أراده أبو يزيد !
ويتناسق الإمام أبو يعقوب مع كل هذه المعاني فيقول
معرفا بالتصوف
التصوف حال تضمحل معها معالم الإنسانية
والمعنى لذلك أن تكون بشرية الإنسان – التي تسيطر عليه فتكون هي القائدة وتستولى عليه فتكون هي المتصرفة – تضعف شيئًا فشيئًا لتحل محلها الربانية إنها تضمحل ! أتدرى ما هي الربانية !
إن الله سبحانه وتعالى يقول مبينا وموضحا
وما كانَ ليشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنُّبوَّة ثم يقُول
۱ هود ۱۱
۱۸۹

لناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كُنتُمْ
تعلمون الكتاب وبما كُنتُم تدرسون ۱
و الربانيون في العرف الإسلامي – أعنى العرف الصادق -
كما يقول ابن عباس رضى الفقهاء المعلمونَ
الله عنهما هم
ويقول قتادة هم هم الْفُقَهَاءُ الْعُلَمَاءُ الْحَكَمَاء
ويقول سيدنا على كرم الله وجهه
هم الذين يُعَدُّونَ النَّاسِ بِالْحِكمة
العلماء بالحلال والحرام

ويُربونهم عليها وقد
ذكر أسلافنا كثيرًا من الأقوال في معنى الربانيين منها أيضا أنهم
ومنها إنهم الذين جمعوا بينَ عِلْم البصيرة والعِلم بسياسة
الناس
ويقول سيبويه
الرباني المنسوب إلى الرب بمعنى كونه عالما به
على طاعته
ومواظبا
ولما مات حبر الأمة ابن عباس – رضي الله عنه قال محمد بن
الحنفية

رضی
عنه -
--
۱۹۰
اليوم مات رباني هذه الأمة
۱ آل عمران ۷۹
!

وتفسير الربانى مهما تعدد واختلف فإن معناه لا يتعارض وإنما ينسجم ويتناسق ولا ينفى بعضه بعضاً والقرآن الكريم يشير إلى معنی ربانى حينما يقول بِمَا كُنتُم تُعلِّمُون الكتاب وبما كنتُمْ تدرسون فالرباني يعلم الكتاب ويدرسه ويعمل به فيصبح وثيق الصلة بالجو الروحى جو الكتاب والوحى ومن أتاه الله الكتاب والحكم والنبوة لا يأمر الناس أن يتخذوا الملائكة والنبيين أربابا وهل يتأتى أن يأمر الناس بالكفر بعد أن يكونوا مسلمين ! الربانية هي المقصودة من كل التعاريف التي ذكرناها
هذه
فيما مر وهذه التعاريف تتناسق جميعًا لتؤدى في الذهن معنى إسلام أو هي في الحقيقة منبثقة من كلمة إسلام ! كلمة إسلام ومن هو المسلم
ما معنى
كلمة
أما إذا نظرت إلى المعنى اللغوى فإن ابن الانبارى المتوفى سنة
۳۸ هـ يقول في المعنى اللغوى للكلمة
المسلم معناه المخلص في عبادته من قولهم سلم الشيء
لفلان خلص له فالإسلام معناه
إخلاص الدين والعقيدة الله تعالى
هذا هو المعنى لكلمة مسلم وهو المعنى الذي حاول في
خلاص
أن يصل إلى تحقيقه كل الصوفية

وهذا المعنى متناسق تماما مع المعنى الذي تحدث عنه الرسول حينما سئل
۱۹۱

د ما هو الإسلام
فقال الإسلام أن يسلم الله قلبك وأن يسلم الْمُسْلِمون مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِك
وإسلام القلب هو الاستسلام الكامل الله تعالى فيما أمر والاستسلام الكامل لله تعالى فيما نهى بتجنبه ومن هنا كان نتيجة طبيعية ينبه عليها كعلامة لصدق إسلام القلب الله تعالى وهى
من
أن يسلم المسلمون من لسان الله أسلم قلبه ومن يده ! والنتيجة الدقيقة لإسلام القلب الله تعالى في سعتها وشمولها - تتمثل في قول الله تعالى لرسوله
وقل إن صلاتي ونسكي ومَحْياى وَمَمَاتِي لله ربِّ العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ۱

وهذا الشعار إنما هو المنارة التي يسير نحوها كل مسلم ! وإذا كان الأمر لرسول الله فإنه صلوات الله وسلامه عليه الأسوة والقدوة لكل مسلم وكل مسلم إذن عليه أن يسعى في جد ليجعل
صلاته ونسكه ومحياه ومماته الله رب العالمين لا شريك له !
إنه لن يصل إلى تحقيق ذلك كاملاً كما تحقق به الرسول الله
ولكن عليه أن
السعى !

C
وأن يستمر في السعى يسعى
١ الأنعام ١٦٢
١٦٣
ويجتهد في
۱۹

وعن ذلك الأسلوب يقول الإمام الجنيد في حديثه عن التصوف
إنه عنوة لاصلح فيها
أى أنه جهاد
لا انقطاع
له جهاد في سبيل الله جهاد الله
جهاد يستمر ما استمرت الحياة

وإسلام القلب الله تعالى والاسترسال
مع الله تعالى على ما يريده
الله تعالى
هو
التوحيد الصادق
من
والشبلي حينما سئل عن التصوف قال
بدوه معرفته ونهايته توحيده
والرئيس ابن سينا يتحدث عن جهاد الصوفي في سيره للقرب سبحانه وتعالى ويختم حديثه عن الجهاد بقوله عن غاية
الله
الصوفي من جهاده الذي لا صلح فيه
منته إلى الواحد إن غاية الصوفي هي
التحقق بالتوحيد ومن هنا قول الصوفية في تعبيراتهم الجميلة التوحيد واحد والطرق إلى الله كنفوس بني آدم
التوحيد الذي هو الغاية واحد لا اختلاف فيه ولكن الطرق التي يسلكها المريدون تتعدد وتختلف ولا بأس من تعددها واختلافها مادامت تنتهى جميعا إلى التوحيد وللصوفية في ذلك تمثيل دقيق التمثيل بالدائرة والمركز دائرة تمتد من محيطها خطوط هذه الخطوط حينما تبتدئ من المحيط متباعدة قليلاً ولكنها تتقارب
۱۹۳

كلما قربت من المركز حتى إذا ما وصلت إليه التقت واتحدت في
نقطة المركز والمركز هو التوحيد والخطوط هي الطرق
هذا كله نتبين ومن
أن
التصوف هو الإسلام في صورته المثلى وأنه مذهب واحد
هو التوحيد

وبيانا لهذا المذهب الواحد كانت حياة أبي الأنوار شيخ الإسلام الحفنى كانت حياته سلوكا بيانا لهذا المذهب وكانت حياته علمًا
بيانا لهذا المذهب

ويمكن أن نقول كانت حياته تعبيرًا عن إسلام القلب الله رضى
الله عنه ونفعنا به
١٩٤

الصفحة

١١٤
۱۳۵
١٨٤
١٨٦
۱۸۷
١٩٥
فهرس الكتاب
الموضوع
العلاقة بين الصوفية والسلفية
أبو الأنوار شمس الدين الحفنى
رسالة في فضل الذكر والتسبيح والتهليل
الحفنى شيخا للأزهر
الكرامات
وفاته
خاتمة التصوف الإسلامي وحياة أبي الأنوار

يُعد الإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم
محمود صاحب ورائد مدرسة الفكر الإسلامي والتصوف في العصر الحديث ولقب بأبي التصوف فى العصر الراهن فقد أثرى المكتبة العربية بأمهات الكتب بين تحقيق وتأليف
وترجمة فمنها دراساته القيمة عن الإمام الغزالى من الضلال و دلائل
المنقذ
وكتابه النبوة و القرآن في شهر القرآن إلى جانب ما كتبه عن رواد التصوف على مر العصور الإسلامية المختلفة
والإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود له عمق وغزارة الآراء الفقهية ودقة الاجتهادات مما جعله يكسب صفوف المعارضين قبل المؤيدين إلى جانب اللباقة والدراية الكاملة في عرض أي موضوع أو مسألة تتعلق بأمور الدين وأيضا يمتاز بقوة ورصانة الأسلوب والعبارات مما يدل على المهارة الفائقة والملكة اللغوية فلهذا اكتسب هذا العالم الجليل احترام كل الفرق والمذاهب الإسلامية في شتى بقاع العالم وسيبقى هذا العالم وتراثه في قلوبنا على
مر
العصور
۰۳۱۹۳۰/۰۱

3
دار المعارف