Go Back





مام الدكتور الحليم محمود
الإسلام
9
الإيمان
دار غریب
للطباعة
القاهرة
لتوزيع

الإسلام والإيمان
بفلم العارف بالله الإمام عبد الحليم محمود
دار غريب للطر
النشر والتوزيع
القاهرة

بسم الله الحر الحين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
خير المرسلين وعلى آله وصحبه ومن اتبع يوم الـ

مقدمة
-1-
إن رجال الأمم الإسلامية ترتفع أصواتهم في كل مكان في الآونة الحاضرة منادية بالإصلاح وعاملة على الأخذ في سبيله من أجل ما يتمناه الجميع من نهضة نرجو الله أن تأخذ طريقها السليم
ولا ريب في أن مشكلة الإصلاح الإسلامي ما تزال في
حاجة إلى معالجتها في إجمالها وعمومها
ما هو الأساس وما هى العناصر التى يقوم عليها الإصلاح الإسلامي في الأسرة في المدرسة في الجامعات في المجتمع الكبير مجتمع الأمة الإسلامية وإن أمل المسلمين الغيورين أن يوفق الله المصلحين والباحثين وحملة الأقلام إلى أن يصدروا في توجيهاتهم وفي إصلاحهم عن الإسلام يتخذونه أساسا يستنيرون بمبادئه وأهدافه

ومن أجل المساهمة فى معالجة هذا الموضوع أتقدم بهذا
الكتاب مبينا حسبما أراه الأساس والعناصر

أتقدم به وكل ما أرجوه من ورائه هو أن أثير الموضوع وأن
أوجه إليه وأن أجعل منه مادة تتناولها أقلام المصلحين وألسنتهم ويتناولها أصحاب الآراء بالدراسة والبحث
والله أسال أن ينير الطريق أمام المصلحين وأن يوجههم إلى
اتباع سبيله
وبعض الناس حينما يثار موضوع الإصلاح يتجهون عادة إلى أوربا وأمريكا أى إلى الحضارة الحديثة يستلهمونها التوجيه في المنهج والموضوع إنهم يستلهمون أوربا في منهج الإصلاح وموضوع الإصلاح الذي يرون تطبيقه في الأمم الشرقية الإسلامية غير مراعين فى ذلك اختلاف البيئة واختلاف الدين واختلاف العرف والتقاليد واختلاف الماضي الحضاري
ومن أجل ذلك يتساءل كثير من الناس
ما موقف المسلم من الحضارة الحديثة
وما موقف الإسلام منها
-Y-
والواقع أن هذا الموضوع أثار كثيرا من الجدل والنقاش في مختلف الأقطار الإسلامية والشرقية ولم ينته الحديث فيه بعد
--

فلا يزال الجدل حتى الآن فيه مستمرا ولا تزال الندوات تعقد هنا أو هناك والمقالات تحبر في هذه المجلة أو تلك يرى قوم أن سبيل الإصلاح هو أن نأخذ الحضارة الحديثة ككل نأخذها بما لها وما عليها نأخذها بدون تمييز ولا تخير
ومنذ عهد ليس ببعيد وقف أحد كبار الشرقيين في ندوة
جمعت بين كبار رجال الفكر وكبار علماء الدين وأعلن
لم نتنكر للحضارة الحديثة

هذه الطائرات التي نستخدمها هذه الأدوية التي نستعملها مستحضرات التجميل هذه التي نسعد بها أليست ثمار الحضارة الحديثة
إنه يجب علينا عرفانا بالجميل أن نأخذ الحضارة
الحديثة ككل نأخذها وحدة لا تنفصم

وليس هذا رأى هذا المفكر وحده وإنما هو رأى طائفة
كبيرة فى الشرق تدعو إلى أخذ الحضارة الحديثة ككل دون
استثناء شيء منها
١ - إن الحضارة الحديثة فى رأيهم حضارة متكاملة
مادة ومعنى شكلا وجوهرا فلنأخذها ككل
٢ - ويعارض هؤلاء كثيرون يرفضون الحضارة الحديثة
- V -

جملة وهذا الرفض قد يكون كثيرا فى الأفراد بيد أن بعض
الدول تبنته أيضا

حاولت بعض الدول فى الماضى أن ترفض الحضارة الحديثة كلية وأن تغلق في وجهها الأبواب ولم توفق الدول ولم يوفق الأفراد أيضا فيما يتعلق بهذه المحاولة
٣ - والرأى الثالث يرى أنه علينا أن نأخذ الحضارة المادية أما الحضارة النظرية فإننا نأخذ منها الصالح ونترك
منها غير الصالح
وهذا الرأى يبدو أنه رأى الأغلبية
هذه هي مجموعة الآراء فيما يتعلق بالموضوع بل هي
تقريبا مجموعة الاحتمالات العقلية فى ذلك ومع هذا فإنني
شخصيا لم أرتض منها رأياً
أما فيما يتعلق بأخذ الحضارة كلاً لا يتجزأ فأظن أن
المسألة فى الجو الإيماني وفى الجو الإسلامى السليم لا تحتاج
إلى مناقشة كثيرة

هذه الحضارة الأوربية فيها الكثير مما يخالف المبادئ
الإيمانية والمبادئ الإسلامية فلا يتأتى أن يسود رأى كهذا في
الجو الإسلامي
-A-

أما فيما يتعلق برفضها كلية فإن هذا - واقعيا - لم يتحقق لا فى الأفراد ولا فى الجماعات ولا في الدول ولا في الأقطار أيا كانت
ليس هناك قطر لم يستفد من الحضارة الحديثة وليس هناك إنسان لم يستفد من الحضارة الحديثة

الإنسان والأقاليم والأقطار بل بنو آدم كلهم قد
يسود
استفادوا من هذه الحضارة الحديثة فلا يتأتى قط أن الرأى برفض الحضارة الحديثة وهذه الفكرة لم تتحقق في
الواقع
ويأتى الرأى الوسط الرأى الوسط الذي ساد ويسود في
كثير من الأوساط والذى يبدو لكثير من الناس أنه الرأى السليم
الصحيح
نأخذ من الحضارة الحديثة الصالح ونترك من
الحضارة الحديثة الضار والفاسد

وبتأمل بسيط يمكننا أن نرى أن هذا الرأى فاسد أيضا إذ
يعتمد على الاختيار العقلى وعلى الميول البشرية للإنسان دون
ملاحظة للدين

إذا قلنا بأخذ الصالح فما هو الصالح وفى رأى من
إن الصالح يختلف من إنسان إلى آخر

إذا قلت مثلا ٦ فائدة البنوك ثم تساءلت أهذا
- 4-

صالح أم غير صالح يقول لك كثير من الناس بحسب عقولهم
4
وأفكارهم وآرائهم يقولون لك إنه لا بأس بذلك لا بأس بستة
في المائة في البنوك
ويرفض ذلك آخرون

فهل ٦٪ في البنوك صالح أخذها أم ليس بصالح يختلف الناس ونأتى إلى مسائل أخرى متحدثين بأسلوب العقل لا بأسلوب الدين ونقول شرب قليل من الخمر هل هو صالح أو ليس بصالح
وسنجد لا محالة من يقول لك إنه لا بأس بشرب قليل من
الخمر
الاستحمام المختلط على الشواطئ جماعات رجالا ونساء
هل هو صالح أو ليس بصالح
هل نأخذه من الحضارة الغربية أم لا نأخذه من الحضارة الغربية سنجد أيضاً أصحاب الأهواء الشيطانية وأصحاب الآراء الجنسبة يقولون لك إن هذا صالح الجسم صحته تتوافر فى ضوء الشمس ويستفيد من الفيتامينات في إشعاع
ضوئها و
هذه القضايا - وكثير غيرها مما لا يقرها الدين - سنجد
لها أتباعا يقرونها من هؤلاء الذين يتبعون أهواءهم وسنجد من
يقول إن ذلك صالح
-1-

إذا قلنا بأخذ الناحية الصالحة فى الحضارة الحديثة
ورفض الناحية غير الصالحة فإن الرأى لا يستقيم لأن الناس يختلفون فيه اختلافا كبيرا ولا يتأتى التحديد تحديد الصالح وتحديد غير الصالح لا يتأتى الاتفاق على التحديد ما دمنا في مجال العقل فحسب وما دامت المسألة آخذة وضعها العقلى الفكري فقط !!
ما المخرج إذن من هذا
ما هو إذن موقفنا من الحضارة الحديثة إذا كنا لا نقبلها
ولا نرفضها ولا نقبل التوسط فيها
--
وأريد أن آخذ الآن في إبداء رأينا الشخصى فيما يتعلق بالموضوع ونحن فيما يتعلق بمجال الحضارة الحديثة نرى كما يرى غيرنا - والآراء فيما سنذكره لا تختلف تقريبا
إن الحضارة الحديثة تنقسم إلى قسمين
القسم المادى قسم المعامل والمصانع قسم الطب قسم الكيمياء قسم الطبيعة
هذه الناحية المادية البحتة التي تتأتى عن طريق الملاحظة
والتي تحكمها التجربة هذه الناحية المادية من الحضارة الحديثة
-11-

لا يتأتى لنا قط أن نقول أن أوربا ابتدعتها ابتداعا أو
اخترعتها اختراعا
وهذه الناحية نفسها - الناحية المادية - لها جانبان
جانب المنهج
وجانب الموضوع

أما فيما يتعلق بجانب المنهج فإنه منهج الاستقراء وهو منهج تتبع الجزئيات للوصول إلى نتيجة كلية
هذا المنهج الاستقرائى - أو المنهج العلمى أو منهج السمع والبصر أى منهج الملاحظة - منهج إسلامي لقد سار عليه الإسلام وسار عليه المسلمون قبل أن تنشأ الحضارة
الأوربية
إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كلُّ أُولَئِكَ كَانَ عنه مسؤولا ۱ والسمع والبصر أساس الملاحظة والتجربة أو عنهما تنشأ الملاحظة والتجربة إن عدم اتباع الظن والسير وراء الملاحظة ووراء التجربة - هذا منهج الإسلام اتخذه المسلمون
منذ زمن بعيد وقد اعترف الغربيون أنفسهم بأن الإسلام هو
الذي بدأ بوضع المنهج التجريبى واعترفوا بأن روجيه بيكون
۱ سورة الاسراء آية ٣٦
4
-۱-

الذي يعتبر في أوربا المؤسس الأول للمنهج التجريبي أخذه عن العرب وبأنه لم يكن إلا تلميذا من تلاميذ العرب لم يكن إلا طالبا فى مدرسة العرب اعترفوا بهذا صراحة يقول أحد كتابهم فيما يتعلق بالمنهج الخاص بالتجربة والملاحظة أي منهج الاستقراء الذي بنيت عليه الحضارة المادية الحديثة وهو الأستاذ بريفولت فى كتابه بناء الإنسانية يقول
ليس لروجيه باكون ولا لفرانسيس باكون الذي جاء بعده الحق في أن ينسب إليهما الفضل فى ابتكار المنهج التجريبي فلم یکن روجيه باكون إلا رسولا من رسل العلم والمنهج الإسلاميين إلى أوربا المسيحية وهو نفسه لم يمل قط من التصريح بأن تعلم معاصريه في أوربا اللغة العربية وعلوم العرب هو الطريق الوحيد للمعرفة الحقة
ويقول في مكان آخر من كتابه

ولقد كان العلم أهم ما جادت به الحضارة العربية على
العالم الحديث
ويقول أيضا
ولم يكن العلم العربى وحده هو الذي أعاد إلى أوربا الحياة
بل إن مؤثرات كثيرة من الحضارة الإسلامية بعثت باكورة
أشعتها إلى الحياة الأوربية
-1-

ويستفيض المؤلف فيما يتعلق بما للعرب وبما للمنهج
العربي من أثر فيما يتعلق بالحضارة الحديثة
لا أريد أن أطيل فى سرد نصوصه وهى كثيرة كلها تثبت أن هذا المنهج التجريبى إنما هو المنهج الذى قامت عليه الحضارة
العربية وأن أوربا إنما أخذته من العرب ولم تبتدعه ابتداعا
ولم تكتشفه اكتشافا
هذا فيما يتعلق بالمنهج
اما فيما يتعلق بالموضوع فإن المؤلف نفسه الذي ألف هذا الكتاب الذي تحدثنا عن بعض آرائه يقول فى صراحة لا لبس فيها إن العلم الأوربى مدين للعلم الإسلامي العربي في كثير من موضوعاته إنه ليس مدينا فى المنهج فحسب و وإنما في
الموضوعات أيضا

ومما هو معروف أنه كان فى الحضارة الإسلامية أفذاذ
فيما يتعلق بالعلم الطبيعى كان هناك ابن الهيثم وكتابه في البصريات وفى الأضواء
ويرى كثير من المؤرخين للحضارة الأوربية أن كتاب
باكون نفسه فى الحرارة والضوء ما هو إلا نسخة من كتاب
ابن الهيثم في البصريات

كان عندنا ابن الهيثم فى الطبيعة
-12-

وكان عندنا الرازي وابن سينا في الطب
وكان عندنا جابر بن حيان فيما يتعلق بالكيمياء
وكان عندنا الكندى فيما يتعلق بالرياضيات
كان عندنا كل هؤلاء العلماء الأفذاذ الذين تعترف أوربا
بأنها مدينة لهم إلى الآن فيما يتعلق بمنهجهم التجريبي المبنى
على الملاحظة وعلى التجربة
وفيما يتعلق بالموضوعات التى تطرقوا اليها واستنتجوا
منها النتائج التى لا تزال لها قيمتها حتى الآن
هذا الموضوع موضوع الطبيعة إذا أردنا التعبير الإسلامي عنه هو على حد الكلمة التي أطلقها الشيخ محمد عبده وهى الكلمة التى تعبر التعبير الصحيح الإسلامي سنن
الله الكونية

فالطبيعة وقوانينها واكتشافاتها وموضوعاتها البحث فيها إنما هو البحث في سنن الله الكونية واكتشاف قوانينها
إنما هو اكتشاف لسنن الله الكونية
هذا الجانب المادى من الحضارة جانب إسلامي في
موضوعه جانب إسلامى فى منهجه إنه منهجا وموضوعا ناحية إسلامية على أن الإسلام قد حثنا على كشف سنن الطبيعة
-١٥-

إن الله سبحانه وتعالى يمن علينا فى القرآن الكريم بأنه
سخر لنا البحار والأنهار وسخر لنا الأرض وسخر لنا السماء وسخر لنا الكواكب وسخر لنا القمر وسخر لنا الشمس وسخر
لنا الكون كله
لقد سخره للإنسان وهو بهذا الامتنان يطلب من الإنسان أن يجوب الفضاء وأن يغوص فى الماء وأن يخترق كل المعميات في هذا الكون حتى يزداد إيمانا على إيمان وإقرارا على إقرار فيزداد في خضوعه وفى خشوعه لعظمة الله العظيمة
ولهيمنته هذه التى لا يند عنها شيء فى هذا العالم المسخر

تتبع آيات الله في الأنفس وفي الآفاق كل هذا دعــوة
إسلامية وتتبع آيات الله والتسخير لا يتأتى إلا عن طريق
الملاحظة وعن طريق التجربة
المنهج التجريبي المنهج الحديث هذا هو منهج الإسلام ويدعونا الإسلام أيضا إلى أن نكون فى هذا الجانب المادى أقوى
ما نكون

وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ ﴾ ١
والاستطاعة لا تكاد تحد وكلما وصل الإنسان إلى حد من
الاستطاعة تفتحت أمامه آفاق استطاعات جديدة يجب عليه أن
۱ سورة الأنفال آية ٦٠
-1-

يلجها فهو في كل آونة مترق فى عالم الطبيعة وهو في كل آونة متتبع لهذه القوانين مترق فيها حتى يظل دائما في القمة فيكون مركزه دائما وباستمرار فى القمة من القوة المادية
وإذا كان المسلمون قد تأخروا في هذا الجانب فليس ذلك ذنب القرآن الكريم ولا ذنب الإسلام وإنما هو ذنب تكاسلهم وخمولهم
وهم بهذا التأخر آثمون إسلاميا إنهم آثمون في نظر الإسلام وفى نظر القرآن الكريم فهم أصحاب دعوة والقرآن أعدهم من قديم إلى هذه الدعوة هم أصحاب رسالة وأصحاب الرسالات إن لم يكن عندهم القوة القوية إن لم يكن عندهم السلطان المسيطر إن لم تكن عندهم السيطرة المتحكمة من أجل الخير ومن أجل العدل ومن أجل الحق إن لم يكن عندهم هذا فإن رسالتهم تستمر حبرا على ورق
ولم يرد الإسلام أن تكون الرسالة الإسلامية أو أن تستمر الرسالة الإسلامية حبرا على ورق

فالإسلام يدعو المسلمين إلى أن يكونوا أقوى دولة في العالم فإذا ما ضعفوا كانوا آثمين فى نظر الإسلام كانوا آثمين وكانوا مقصرين في حق رسالتهم التى كلفهم الله سبحانه وتعالى
بها
-1-

إنها آخر الرسالات إنها الرسالة الأبدية إنها الرسالة الدائمة ولابد من قوة دائمة فى هذا العالم تسندها فإذا لم تكن هذه القوة فإن هذه الرسالة لا يكون لها من التأثير ومن النفوذ
ما يريده الإسلام منها ومن أصحابها
الجانب المادى إذن جانب إسلامي وماعلينا إلا متابعة الإسلام في هذا الطريق بكل وسيلة ممكنة وبكل طريقة تتيسر ولا يقال إذن حينما نسير فى الحضارة المادية مكتشفين ومخترعين ومتبنين الاكتشافات والاختراعات أننا أخذنا الحضارة الأوربية وإنما يقال إننا تابعنا الخطوات التي تابعها وسار فيها أسلافنا وإذا كنا فى هذا المجال نستعين بهذا أو ذاك فإن هذه الاستعانة ليس معناها أخذا من حضارة لأن هذا الجانب لا لون له أي أن الرقى المادى لا لون له لا يقال هذه الكيمياء
ألمانية أو فرنسية أو إنجليزية وإنما هى الكيمياء أينما كانت وأينما وجدت لا تتسم بلون فإذا استعنا بهذا أو ذاك في سبيل متابعة أسلافنا فيما يتعلق بهذا المجال فلسنا متابعين وإنما نحن نواصل هذه المجهودات التى بدأها أسلافنا وانقطعنا عنها فترة ونريد أن نعود إليها من جديد
4
- E-
ويأتي بعد ذلك القسم الآخر من أقسام الحضارة الأوربية
-14-

وهو القسم الثقافي

وهذا القسم الثقافي نبتدئ فيه بشيء من تاريخ الإسلام
نفسه أو ببعض الحوادث التي حدثت في ربوع الإسلام
لقد حل رسول الله له بالمدينة التي نورت به وأخذ يعمل جاهدا على نشر الدعوة الإسلامية متخذا كل وسيلة لبيانها وإيضاحها
وفى يوم من الأيام كما يروى الإمام أحمد – بإسناد صحيح عن جابر رضى الله عنه أتى سيدنا عمر بن الخطاب النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم قال فغضب وقال أتتهوكون ۱ فيها يابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني هذا الحادث رواه الإمام أحمد بوجه آخر عن سيدنا عمر الله عنه وفيه يقول رسول الله
رضی

والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه
وتركتمونى لضللتم إنكم حظى من الأمم وأنا حظكم من
النبيين
1 أى أتتشككون في شريعتكم
-19-

قال
ولم يكتف رسول الله بذلك بل قام خطيبا وكان مما
يا أيها الناس إنى قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لى اختصارا وقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون ثم أمر بتلك الصحيفة فمحيت حرفا حرفا ويبدو أن هذه الحادثة تكررت بصورة أخرى فقد روى
ابن جرير وغيره قال

جاء أناس من المسلمين بكتب كتبوا فيها ما سمعوه من اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عما جاءهم
به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره

وتكررت المسألة مرة ثالثة فقد أخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقى فى شعب الإيمان عن الزهرى أن حفصة جاءت إلى النبى الله بكتاب من قصص يوسف فى كتف فجعلت تقرؤه عليه والنبى عليه الصلاة والسلام يتلون وجهه ثم أعاد عليها ما سبق أن قال للآخرين وهو
والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا نبيكم فاتبعتموه وتركتمونى ضللتم أنا حظكم من النبيين وأنتم حظى من الأمم
وفي مرة رابعة قال رسول الله هذه الكلمة التي تبين
مدى ما يجب على المسلمين نحو تعاليم نبيهم
-Y-

14
لقد قال
والله لو كان موسى حيا ما حل له إلا اتباعى
ولقد أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون المسألة فيما يتعلق
بأخذ المسلمين عن غيرهم حاسمة باتة
فلقد
مر الصحابة فى يوم من الأيام على اليهود وهم يتلون التوراة فتخشع المسلمون ! فعاتبهـم رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا الآية
القرآنية الكريمة
أ ولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك
لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون
وتمضى السنون وينتقل رسول الله لا إلى الرفيق الأعلى ويتبع الصحابة هديه فى ألا يكون لغير كتابهم وهدى نبيهم
مجال في توجيههم
4
وفى يوم من الأيام بينما كانت السيدة عائشة رضى الله عنها فى بيتها إذا بها تتلقى هدية فظنت أنها أهديت لها من عبد الله بن عمرو فردتها وذكرت السبب في ردها قائلة عن عبدالله بن عمرو إنه يتتبع الكتب وقد قال الله تعالى
أ ولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك
لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون
-۱-

فقال لها حامل الهدية إنها ليست من عبد الله بن عمرو
ولكنها من عبد الله بن عامر فتقبلتها

ويمضى الزمن والمسلمون يضعون أمام أعينهم قوله تعالى كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لَدُنَّا ذكرا *
من أعرض عنه فإنَّهُ يحمل يوم القيامة وزرا * خالدين فيـــــــه وساء لهم يوم
القيامة حملا
يقول الإمام ابن كثير
يعنى من أعرض عن هذا القرآن فاتبع غيره من الكتب
فإنه يناله هذا الوعيد كما قال في الحديث المروي في المسند
والترمذي عن أمير المؤمنين على مرفوعا وموقوفا
من ابتغى الهدى في غيره أضله الله
ولما تولى سيدنا عمر بن عبد العزيز الخلافة رأى أن المسلمين في حاجة إلى معرفة أوسع بعالم الطب ووسائل العلاج وفكر فى تيسير الاستعانة لأطباء المسلمين بثقافات الأمم الأخرى فى هذا المجال ففكر في ترجمة كتاب أو كتب في هذا الموضوع ولكنه قبل أن يقدم على الأمر سأل نفسه إن هذا عمل لم يفعل مثله رسول الله ولم يفعل مثله أحد الخلفاء الراشدين فهل يجوز له أن يقوم بذلك وتردد في الأمر ثم
4
--

الله
صدره لتنفيذ
استخار الله فترة طويلة من الزمن حتى شرح ا الترجمة فأمر بها وكان الكتاب بين أيدى المسلمين ولم يذكر أحد من المسلمين لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه نهيا ولم يرفع أحد منهم صوتا بالإنكار عليه لا لأنه الخليفة ولكن لأنهم لم يروا في هذا العمل من بأس
وقد يتساءل إنسان عن السر في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف عائشة رضوان الله عليها من الإنكار على الذين يتبعون الكتب وهو موقف يختلف عن موقف المسلمين من عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنه حيث كانت موافقتهم له عامة كاملة وهنا وقبل أن نمضى فى البحث نسارع بالعودة بالقارئ
إلى ما سبق أن ذكرناه من التفرقة بين مجالين
أولهما المجال المادى مجال الطبيعة مجال المادة مجال
الأرض والسماء وما بين الأرض والسماء
وهذا المجال لا يطبع ذاتية الأمة بطابع خاص ولا يعطيها لونا معينا لأن القوانين المادية والمبادئ الحسية لا تختلف من
قطر لقطر ولا من بيئة لبيئة

وإذا سايرت أمة أمة فى هذا المجال فإنها لا تكون بذلك قد
فعلت ما يضر بذاتيتها أو يقلل من شأن شخصيتها
والمسلمون في عصورهم الزاهرة اندفعوا إلى كشف
-۳-

المساتير في المجال المادى فكونوا حضارة مادية خصبة وأفادوا الإنسانية فى الطبيعة وفى الكيمياء وفى الطب وفي الصيدلة وفى غير ذلك من ميادين الحس ومن جوانب المادة وهم - وإن بلغوا حينئذ مرتبة القيادة والزعامة فإنهم لم يكونوا يتحرجون من الاستفادة فى هذا المجال بكل ما أنتجته الإنسانية من مكتشفات والمجال الثانى هو المجال الروحى وهو مجال يتضمن في
خطوطه العامة العقيدة والأخلاق والتشريع
وهذا المجال هو الذى يكون ذاتية الأمة ويطبعها بطابع
معين ويعطيها لونا خاصا
لقد استخار الله سيدنا عمر بن عبد العزيز أربعين يوما في ترجمة كتاب فى الطب ثم شرح الله صدره كما سبق أن بينا وكتاب الطب كتاب من كتب الحضارة في جوها المادي إنه

كتاب من الكتب ذات الطابع المادى ولا بأس أن يترجم كتاب من هذا النسق أو أن يتابع أو أن يقتبس منه أو أن يؤخذ في الجو الإسلامي من مبادئه
وتسير الحياة بالمسلمين هادئة في جوانبها الحضارية إلى
أن يأتى العصر العباسى وتبدأ الترجمة
والترجمة لم يعترض عليها معترض فيما يتعلق بجانب
-٢٤

الطب وبجانب الطبيعة أو بجانب الكيمياء ۱ ولكن المسلمين
۱ لقد كتبنا فى هذا الموضوع عدة مرات في الكتب والجرائد والمجلات ومما كتبناه في ذلك ما يلى إن الحقيقة التى لا يختلف فيها الدارسون للدين الإسلامي هي
أن الإسلام منذ نشأته يناصر العلم ويحث عليه ويوجبه إنه يوجب العلم في جميع الميادين وفى شتى النواحى إنه يوجب العلم بمعناه الحديث ! الأمة العلم بالطبيعة وبالكيمياء وبالطب إنه يوجبه على صورة بحيث تصبح الإسلامية كلها آثمة إذا لم تصل فى هذا الميدان إلى أرقى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان والله سبحانه يمن علينا بأن سخر لنا البحار والأنهار وسخر لنا الشمس والقمر والكواكب والنجوم وسخر لنا البحار وسخر لنا السماء وسخر لنا ما بين الأرض والسماء وبعبارة مختصرة يمن | الله علينا بأن سخر لنا هذا الكون بأكمله وأنه من شكر الله تعالى على نعمائه أن نستجيب إليه سبحانه فنسخر ما سخر لنا نسخره بالعلم ونتسلط عليه بالمعرفة ونمتلكه بالبحث ونتابع كل ذلك في تطور مستمر وفى تجديد متتابع
ومما لاشك فيه أنه لا يتحدث أحد من المستنيرين والغيورين على الإسلام عن الغزو الفكرى فى هذا المجال وهذا المجال هو المجال الوحيد الآن الذي يعبر عنه فى الحضارة الغربية الحديثة بالمجال العلمي سواء في ذلك روسيا وأمريكا وأوربا
وهو المجال الذى يعبر في العصر الحاضر عن التقدم والتأخر بحسب
رقيه في أمة أو ضعفه فيها
فالأمة - في العصر الحاضر - متقدمة إذا كان الجانب العلمي المادى
فيها متقدما وهي متأخرة إذا كان الجانب العلمى المادى فيها متأخرا
110-

ولكن الإسلام مع اعترافه بالجانب العلمى المادى ومع إيجابه له لا يعترف به كمقياس لتقدم الأمة أو تأخرها ولكن تقدم الأمة وتأخرها بحسب المقياس الإسلامي إنما هو بتحقيقها أو عدم تحقيقها للمثل العليا في الأخلاق التى أتى بها الإسلام وهنا نصل إلى الجانب الآخر من جوانب الحضارة الغربية أو نصل إلى القضية الثانية من القضايا التي نريد أن نحدد موقف الإسلام منها وهي قضية الثقافة
والناس حينما يتحدثون عن الحضارة الحديثة يتحدثون عن جانبين تتكون منهما الجانب العلمي المادى وقد شرحنا موقف الإسلام منه والجانب الثقافي النظرى وهو ما نريد أن نتحدث عنه الآن وفي هذا المجال
نبدأ بذكر حقيقتين
أما الأولى فهى أن النتاج البشرى كله فى الجانب الثقافي النظرى هو نتاج ظني ولا يتسم باليقين فى قليل ولا فى كثير وهو - لأنه ظني - متعارض
ومتغير ومتطور
هي
وكل شخص يقول إن هذه القضية أو تلك - في الجانب النظري قضية يقينية إنما هو شخص مخطئ عرف ذلك أم لم يعرفه
أما الحقيقة الثانية فهى أن الإسلام له نظام أصيل مستقل إنه نظام إلهى إنه من وحى السماء معصوم وهو دين وهو عقيدة ومن القصص ذات المغزى العميق أن الرسول صلوات الله عليه وسلامه رأى صحيفة بيد أحد الصحابة يقرأ فيها فسأله عنها فقال إنها قطعة من التوراة فظهر الغضب على وجه الرسول صلوات الله عليه ونهاه عن الاستمرار فى القراءة وقال له لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعى
-٢٦-

في أول العهد العباسى كانوا نافرين كل النفور من أن تترجم ما وراء الطبيعة اليونانية
إن ما وراء الطبيعة يعنى بالأبحاث التي تتصل بالعقيدة وأجمع المسلمون على أنه إذا كانت عقيدة اليونان حقا فعندنا ما هو أحق منها وهو القرآن الكريم في الأسلوب الإلهى
وإذا كانت باطلا فإننا في غنى عنها
وكذلك شأنهم وموقفهم فيما يتعلق بالأخلاق كانوا يعتزون بأخلاقهم ويعتزون بعصبيتهم وأخلاقهم المنزلة الموحاة لقد كانوا يعتزون بذلك إلى درجة أنهم لا يرون أن يكون هناك أى كتاب أو رأى يقوم بجوار هذه المبادئ الإلهية الإسلامية سواء أكانت عقيدة أم أخلاقا

ولم يترجموا كتب الأخلاق إلى أن جاء المأمون
وهنا نلحظ فى وضوح تفرقة فى موقف الإسلام من الجانب العلمي المادي وموقفه من الجانب الثقافي النظرى فهو في الجانب العلمي المادي موجب وفارض ومشجع وحات
أما في الجانب الثقافى النظرى المتغير المتطور الظني القابل للخطأ والصواب فإن كل دعوة للأخذ به واعتناقه والإيمان به إنما هي دعوة عابثة وهي دعوة آثمة إذا ما طغت على الجو الفكرى الإسلامى وهي دعوة منكرة
إذا ما أراد إنسان إحلالها محل المبادئ الإسلامية
-TV-

والمأمون بتربيته الفارسية كان عنده من التهاون القليل أو الكثير ولم يكن عنده من التحرج ما كان عند غيره فأمر بترجمة الكتب التى تتصل بما وراء الطبيعة والكتب التي تتصل
بالأخلاق
لقد قام بترجمة هذا على الرغم من النفور العام بين المسلمين المؤمنين المتدينين
لقد ترجم كتب ما وراء الطبيعة وترجم كتب الأخلاق على نفور من هؤلاء الذين يرون أن العقيدة الإسلامية يجب ألا يكون بجوارها شيء آخر وأن الأخلاق الإسلامية يجب أن تكون مستقلة لا يكون بجوارها شيء ولا تدنس ولا تتلوث بما يتوهم أنه حق بجانب الحق
لكن الترجمة ترجمة ما وراء الطبيعة أخذت - شيئا فشيئا - مجالها وترجمة الأخلاق أخذت شيئا فشيئا مجالها بل أصبحت مألوفة فى البيئة الإسلامية وأصبحت وكأنها شيء عادى وليست ترجمة الأخلاق وليست ترجمة ما وراء الطبيعة أقل شأنا فيما يتعلق بالجو الإسلامي الصحيح من الورقة التي كانت بيد سيدنا عمر
إن العقيدة الإسلامية والأخلاق الإسلامية هي التي
تكون ذاتية المسلم أى أن ذاتية الأمة الإسلامية لا تتكون
-۸-

بكيمياء أمريكية كما قلنا لا لون لها ولا تتكون بطبيعة لأن
الطبيعة لا لون لها
حقيقة أنه لابد من الكيمياء ولابد من الطبيعة كما قلنا
للقوة وللغلبة وللسلطان ولتأدية الرسالة من أجل الحق والخير
إن الذي يكون ذاتية الأمة إنما هو اللون الثقافي فيها
وقد رأينا موقف الرسول الله وموقف المسلمين الأول منه

·
وعلى أى وضع إذا نظرنا إلى هذه الثقافة في نفسها - الثقافة النظرية - وهذا هو الجانب الذى أهتم به كثيرا وأريد أن أنبه الأذهان من جديد إلى أني أتحدث عن ثقافة لا تتصل بالملاحظة ولا بالتجربة أى أنها ثقافة ليست بحسية أتحدث إذن عن الثقافة النظرية البحتة - عن الفلسفة عن الأخلاق عن هذا الجانب في علم الاجتماع الذى لا يتصل بالملاحظة والتجربة عن الجانب في علم النفس الذى لا يتصل بالملاحظة والتجربة - عن هذه الجوانب فى أى علم وفي أي موضوع التي لا تتصل بالاستقراء

إن التجربة تتحكم فتكون فيصلا فيما يتعلق بالحق والخطأ لكن المجالات النظرية البحتة ليس لها هذا الفيصل الذي يفرق بين الحق والباطل
ما وراء الطبيعة مجال نظري بحت وهو يختلف من فرد
إلى آخر ويتعدد بعدد اختلاف الأفراد

-۹-

بتصور
إذا جئنا للجو اليونانى فإننا نجد أن أفلاطون فيما يتعلق الآلهة يختلف عن أرسطو وتصور أرسطو يختلف عن تصور الرواقيين وتصور الرواقيين يختلف عن تصور أبيقور أو الأبيقوريين
يصور أفلاطون الإله على أنه مثال للخير على رأس المثل أو مثال للجمال على رأس المثل ومع أن أرسطو من مدرسته فإنه يصور الله سبحانه وتعالى بصورة أخرى
ويرى أنه المحرك الأول وهذا المحرك الأول ليس هو
يحرك العالم بإرادته وليس هو الذى خلق العالم وليس هو
صور العالم وكونه بل إنه لا يعلم عن العالم شيئا مطلقا

الذي
الذي
إنه لا يعلم عن العالم شيئا يستوى في ذلك التافه من
أمره والعظيم منها إنه لا يعلم حتى مجرد وجود العالم وتأتى الرواقية فترى الله سبحانه وتعالى يمتزج بالكون امتزاجا كاملا فهو سره وهو فى كل ذرة من ذراته وفي كل
خلية من خلاياه

ويأتي أبيقور ويقول ليس هناك شيء اسمه الله وليس
هناك إله
وتختلف هذه المدارس باختلاف أفرادها وباختلاف
رؤسائها

وقبل أن نستمر فى شرح موضوع هذه الثقافة النظرية
عن
قصة
البحتة قبل أن أستمر فيها طويلا - أريد أن أتحدث لها مغزاها العميق كي تكون أمام أنظارنا حينما نضرب الأمثال
فيما بعد

هذه القصة يرويها مؤرخو الفلسفة اليونانية
اجتمع سقراط باثنين من الفيثاغوريين من كبار فلاسفة الفيثاغورثية أحدهم اسمه سيمياس وكان من كبار الفلاسفة اجتمعوا يتناقشون فيما يتعلق بخلود الروح هل هي باقية بعد الموت هل هي مستمرة أم أنها فانية
هل الإنسان حينما يموت يموت مادة وروحا أم أنه
يموت مادة فقط وتبقى الروح
وهل الروح خالدة
كانوا يتحدثون في هذا الموضوع ويحاولون ما استطاعوا
أن يقيموا الأدلة على خلود الروح على أنها باقية بعد الموت ثم
تنتهى بهم الأدلة وينقطع بهم البرهان
يقول سيمياس ويقول سقراط - وسقراط معروف بأنه
أبو الفلاسفة - يقول سيمياس لسقراط إن الموضوع ما زال في
حاجة إلى بحث أكثر
ولكن هذا جهد العقل وهذا غاية ما يستطيعه العقل

ويوافق سقراط ثم يقول متأسفا
إن العقل في مجال ما وراء الطبيعة مثله مثل لوح من خشب يريد الإنسان أن يقطع به البحر في يوم عاصف أما مثل الدين بالنسبة لما وراء الطبيعة فإنه المركب إنه السفينة الأمينة لقطع البحر ويأسفون جميعا على أنه لم ينزل دين يحدد الموضوع تحديدا تاما يحدد مسألة خلود الروح ويعترفون بأنه لو كان قد نزل دين يحدد هذا الأمر فإنهم كانوا يستجيبون إليه ويؤمنون به ويستسلمون وتهدأ نفوسهم فيما يتعلق بهذا الأمر
ولا جدال فى أن العقل في محيط ما وراء الطبيعة لوح من خشب لقطع البحر ولكنه فى حقيقة الأمر لوح من خشب في كل علم نظرى لا مجال للتجربة ولا للملاحظة فيه
وخذ أي مادة من المواد النظرية خذ ما وراء الطبيعة خذ الأخلاق خذ التشريع خذ هذه النواحى الكثيرة المتعددة التي سميت بأسماء علوم مختلفة وهى كلها نظرية فإنك ستجد العقل دائما هو لوح الخشب الذى لا يتأتى أن يقطع به الإنسان البحر مهما احترس ومهما كان يحاول أن ينجو بهذا اللوح والفلسفة فيما يتعلق بالعالم الحديث كل فلاسفة العصر الحديث مختلفون على أنفسهم ليس بينهم فيلسوف واحد يتفق مع الآخر وإلا لما كان فى حاجة أن ينشئ فلسفة جديدة لو اتفق مع زميله

-۳-

ومعنى الفلسفة أنها ابتداع دين بجوار الدين أو عقيدة
بجوار عقيدة كذلك الأمر فيما يتعلق بالأخلاق إنها على هذا النسق وكذلك الأمر فيما يتعلق بالتشريع إنه على هذا النسق
وإذا ترك التشريع للعقل فسيكون هناك الاختلاف وإذا
ترك ما وراء الطبيعة للعقل فسيكون هناك الاختلاف أيضا والمخرج أن نصدر فى كل هذه الأمور عن الدين ولا مجال لرأى آخر إذا أخلصنا لابد من أن نعتمد في هذه المجالات
الثلاثة
مجال ما وراء الطبيعة
مجال الأخلاق
مجال التشريع
على الدين
هذه المجالات ثابتة فى الدين مستقرة لا تقبل التطور
مجال العقيدة لا يقبل التطور العقيدة هي هي لا تختلف العقيدة الدينية الإسلامية من بيئة إلى أخرى ولا من قطر إلى آخر ولا من زمن لزمن ولا من مكان لمكان
ولا تختلف الأخلاق الإسلامية أيضا من بيئة إلى أخرى
ولا من مكان لمكان ولا من زمن لزمن فهي هي

أما فيما يتعلق بالتشريع فإن كثيرا من الناس يعتقدون أن
-۳۳ -

التشريع الإسلامي متطور ولكن التشريع مبادئ ووسائل قد يترك الإسلام بعض الوسائل غير محددة يتركها للزمن ولكن المبادئ أو الغايات هي هي
مثلا مبدأ الشورى لم يحدد وسيلته الإسلام أي أن الشورى نفسها مبدأ إسلامى ثابت ووسيلة الشورى لم يحددها الإسلام وتركها للبيئات وتركها للأزمان يحددونها عن طريق البرلمان عن طريقة أخرى يحددونها كيفما شاءوا
لكن الغايات المبادئ القواعد إنها ثابتة

ويتساءل كثير من الناس وما شأن الاجتهاد إذن
إن المجتهدين في الإسلام كثيرون فما شأن الاجتهاد في
الدين إذن
والواقع أن هذا الجانب يضل فيه كثير من الناس أو يزل
فيه كثير من الناس
الاجتهاد في الإسلام معناه أن يحاول المجتهد ما استطاع أن يحاول ما أمكنه أن يربط بين حادثة حدثت جديدة وبين قاعدة إسلامية موجودة أو أن يدخل فى نطاق قاعدة إسلامية
عامة حادثة من الحوادث التي حدثت جديدة فليس الاجتهاد إذن
ابتداعا أو اختراعا أوتطورا ليس فيه شيء من هذا القبيل
وإنما هو محاولة جاهدة كادحة دائبة مستمرة للوصول إلى ما

-٣٤

كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أو ما كان يمكن أن يكون رأى الرسول صلى الله عليه وسلم
لو كان الرسول موجودا
وإذا صح الحديث فهو مذهبي
قاعدة تنقض كل شبهة من الشبهات التي ترمي إلى أن
الاجتهاد إنما هو ابتداع أو هو اختراع أو هو شيء من هذا
القبيل

ليس إذن في الجانب الإسلامى تطور أقول هذا لأنه من أخطر الأمور على العقيدة الإسلامية وعلى الجو الإسلامي الفكرة التي تسود في كثير من الأوساط والتي هي سائدة في الثقافة الأوربية الآن أعنى فكرة التطور وفكرة التطور تتناسب
الثقافة في أوربا مع

والثقافة في أوربا - الثقافة النظرية - التي لا تتصل
بالتجربة أو بالملاحظة الثقافة النظرية في أوربا متطورة وهذا حقيقى متطورة لأنها بشرية وكل ما هو بشرى من نتاج العقل
البشرى فإنما هو نسبى وهو إذن متطور
إنه نسبى متطور وقد يكون هذا التطور تطورا إلى القديم - لا تطورا إلى شيء جديد - يعنى مثلا مذهب الوجودية الحالي الذي يقال أنه مذهب جديد كل الجدة إنما هو مذهب السفسطائية القديم لا أكثر ولا أقل - إنه المذهب الذي يرى أنه
-٣٥-

ليس هناك حقيقة مطلقة وإنما الإنسان يكيف نفسه ويكون
نفسه ويوجه نفسه
وهو ليس في هذا إلا فردا من الأفراد له رأيه الخاص ولذلك لا يسرى رأيه على الآخرين لأنه ليست هناك حقائق مطلقة فهو عودة إلى المذهب القديم - مذهب السفسطائية القديم - المذهب الذى لفظته كل البيئات السليمة إنه عودة إلى مذهب تلفظه كل البيئات السليمة

ومذهب الوجودية فى الحقيقة والواقع لا يسود إلا في البيئات المريضة التى لا ترى وزنا للقيم الأخلاقية ولا للدين ولا للحقائق المطلقة وترى أن الإنسان يكون نفسه من الألف إلى الياء مستقلا عن التقاليد وعن الدين وعن الحقائق وعن كل شيء
في المجتمع
ونعود إلى فكرة التطور
لقد نشأت مع دارون وكانت لها شهرة قوية في أوساط أوربا وفي أوساط الشرق ولكن هذه الفكرة نفسها - باعتراف كل العلماء - فيها الفجوات التى تجعلها ظنية لا يقينية إنها فكرة ظنية لم تصبح يقينا وكثير من العلماء هاجمها وعارضها وأقام الأدلة على انهيارها ولكنها مع ذلك سادت في بعض الأوساط الشرقية وأصبحنا الآن - وهذا هو الخطر الذي نحذر
-٣٦-

منه - أصبحنا الآن نرى كتبا بأقلام المسلمين وبأقلام المفكرين
الكبار تقول بفكرة التطور وكأنها حقيقة موجودة
وما من شك فى أن هناك التطور المادى لا ينكر ذلك أحد هناك التطور من الفحم إلى وابور الغاز إلى البوتاجاز وهناك التطور من السيارة إلى الطائرة إلخ هناك التطور المادى لا ينكر ذلك أحد إطلاقا ولكن هذا التطور المادى لا دخل له مطلقا ولا شأن له مطلقا بتطور العقل من حيث عقل الإنسان
إن الإنسان من حيث هو الإنسان لم يتطور عقله من حيث هو عقل - لم يزد - لم يكن مثلا عشر درجات ثم أصبح خمسين درجة أو ما شاكل ذلك
الإنسان لم يتطور إلى كائن آخر إنه ما يزال هو الإنسان الذي وجد من عهد آدم إلى الآن ولكن من المؤسف أن بعض المفكرين فى الشرق يسيرون فى الأمر وكأن التطور حقيقة واقعية وكأن التطور العقلى حقيقة واقعة وكأنه يقين مطلق وفى هذا خطورة كبيرة
أضرب مثلا للخطورة حينما تدخل فكرة التطور في مسائل الدين أن أحد كبار المفكرين الإسلاميين وله شهرة ذائعة في الجو الإسلامى حينما أراد أن يفسر القرآن وحين أراد أن يفسر قصة سيدنا آدم وخلق سيدنا آدم وأمر الله سبحانه
-rv-

وتعالى بالسجود وكان فى ذهنه فكرة التطور وأن الانسانية بدأت
بكذا وكذا

وأن آدم ليس هو أول الإنسانية مباشرة يعنى أن الانسانية لم تبدأ بآدم مباشرة كان فى ذهنه كل ذلك فلما جاء يفسر القرآن ويفسر قصة آدم فسرها على أنها تصوير مجرد تصویر
مجرد تمثيل مجرد قصة
مجرد
قصة لماذا
مجرد تمثيل لماذا
مجرد تصوير لماذا
ليخرج من فكرة التطور وحتى لا يلتزم قضية إن آدم إنما هو أول البشرية حقا أول البشرية خلق خلقا جديدا أنشأه الله سبحانه وتعالى سواه بيديه ونفخ فيه من روحه
وإذا كانت قصة آدم تمثيلا وإذا كانت تصويرا فلا يبقى شيء في القرآن لا يمكن أن يؤول إذا أولنا قصة آدم إذا أولنا قصة سجود الملائكة إذا أولنا كل ذلك وقد ذكرت في القرآن عدة مرات إذا أولناها فإنه لا يبقى فى القرآن أو في الإسلام شيء لا يمكن أن يؤول وفى تأويل كل شيء القـ ضاء على الإسلام وعلى هذا ففكرة التطور يجب ألا تدخل في المحيط الفكرى الديني للمسلمين
-۳۸-

وكل من أدخلها في المحيط الفكرى الديني الإسلامي إنما
يضر الإسلام ويكون خطرا على الإسلام أكثر من العدو العاقل
هذا الصديق الجاهل يكون خطرا على الإسلام أكثر من
العدو العاقل
وهذا مثل مجرد مثل من الأمثلة الكثيرة وعلى كل حال
فإن الكتب الحديثة تجدها دائما قائلة بفكرة التطور وأن الإنسانية تطورت وأنها إلخ
كل هذه النواحي إذا أدخلناها في محيط العقيدة أو أدخلناها في محيط الأخلاق أو أدخلناها في محيط الدين فإنها تجعل من الدين مجموعة من المبادئ النسبية ومعنى مجموعة من المبادئ النسبية أنها ليست حقائق مطلقة وأنها يمكن أن تتطور وتتطور إلى اللانهاية ويأتي يوم من الأيام وقد انفصلنا عن الدين وعن المبادئ الدينية الانفصال الكامل والانفصال التام
فكرة التطور فيما يتعلق بالحضارة الحديثة قال بها دارون ويعترف اليهود أو يعترف الصهيونيون في كتابهم أو مبادئهم بروتكولات حكماء صهيون يعترفون بأنهم هم الذين وضعوا دارون فى الأفق على المنصة وهم الذين أعلنوا عنه وهم الذين أذاعوا فكرته وهم الذين حبذوها وهم الذين
-۳۹-

نشروها في كل مكان ولقد فعلوا ذلك لأنها تقوّض الأديان من
أساسها
وهى مع ذلك - كما قلنا - فكرة ظنية
وكلما تقادم الزمن بها وكلما تقادم العهد بها ازداد الشك
فيها
الثقافة الحديثة أو الحضارة الحديثة في جانبها الثقافي
إذا رحبنا بها وأخذنا بها فإن ذلك يعد من الحجب التي تحجب شيئا فشيئا الفكرة الإسلامية والذاتية الإسلامية وإنه لمن المعقول أننا وعندنا القرآن وعندنا السنة وقد طبق القرآن وطبقت السنة فكان ازدهار الأمة الإسلامية وكان مجدها من المعقول أن نصدر في ثقافتنا عن ذاتية إسلامية عن قرآن وسنة وكل هذا البريق فيما يتعلق بالحضارة الحديثة في جانبها الثقافي يجب ألا يخدعنا مثلا الحرية والمساواة من الغريب أن الأوربيين أنفسهم من كبار المفكرين فى أوربا نفسها يرون أن هذين المبدأين متعارضان
يرون أنه إذا وجدت الحرية فلا مساواة
وإذا وجدت المساواة فلا حرية
يرون التعارض في المبدأين وأنهما لا يجتمعان لأنه إذا وجدت المساواة فكيف يتأتى أن توجد الحرية
ومن هذه الأشياء في الجانب الثقافى أيضا ما يقال من أن
-2-

العلم للعلم أو الأدب للأدب أو الفن للفن كل هذه لهـ
خطورتها فيما يتعلق بالأجواء الإيمانية

في جو الإيمان لا يتأتى مطلقا أن يكون الأدب للأدب
وإنما الأدب للأخلاق وللفضيلة لترقية الفطرة لإثارة الشعور الديني الكريم لكل هذه المعاني
أما فكرة الأدب للأدب فإنه لا يستسيغها مطلقا عقل أو
قلب مؤمن
كذلك فيما يتعلق بالفن بالفن الفن للفن معناه أنك ترسم الصورة العارية كما شئت أو ترسم الصورة التي تثير الغرائز كما
شئت
الفن للفن أيضا فكرة لا يتأتى للمؤمن أن يقول بها وأن يمتدحها أو أن يتبناها شعارا له هذه النواحي كلها وكثير غيرها فيما يتعلق بالثقافة الغربية الحديثة الثقافة النظرية يجب أن نكون بعيدين عنها كل البعد وأن نتبع في هذا الجانب الإسلام وحده نجعله الأساس نجعله المصدر الموجه

إن هذه الآراء الثقافية النظرية الحديثة هي كما يقول أحد
كبار المفكرين فى أوربا مثلها كمثل الموضة وأزياء النساء تتبدل
من عام إلى عام ومن فترة إلى فترة
-21-

إن موضة هذا العام فى علم النفس مثلا هي كذا هي نظرية فلان أو هي نظرية فلان والموضة في العام المقبل أو في العام الماضى نظرية أخرى وهكذا الأمر فيما يتعلق بالفلسفة أو فيما يتعلق بالتشريع إلخ
هذه النواحي كلها تجعلنا حذرين فيما يتعلق بالقسم الثقافي في الحضارة الحديثة بل يجب أن نكون بعيدين عنه كل البعد وأن نقرأه لا على أنه حقائق ومبادئ وإنما على أنه نتاج بشرى متغير متطور نسبى لاثبات له وإذا قرأناه على هذا الوضع انتفى بعض الضرر منه

ويجب أن نصدر عن ذاتية إسلامية وعن مبادئ إسلامية
عن قاعدة إسلامية عن جو إسلامي
والنتيجة التي أريد أن أنتهى إليها وهى الخاتمة إنما هي
العودة إلى الإسلام
العودة إلى الإسلام
۱ - ملاحظة وتجربة ومنهجا وقوة مادية وأعدوا لهم ما
استطعتم من قوة
العودة إلى الاسلام من تسخير الأرض وتسخير السماء
وتسخير ما بين الأرض والسماء وتسخير الكواكب وتسخير
الشمس والقمر وتسخير البحار والأنهار
-EY-

العودة إلى الإسلام أقوى ما تكون في الجانب المادي والعودة إلى الإسلام والاعتزاز بالإسلام أقوى ما تكون

في الجانب الثقافي سواء اتصل ذلك بالعقيدة أو اتصل ذلك
بالتشريع أو اتصل ذلك بالأخلاق
وإذا أردنا أن نفصل فى بعض ما أجملنا وأن نحدد المنهج الذي نسير عليه فى تكوين الشخص المسلم والمجتمع المسلم فما هي المبادئ التي نسير عليها وما هو المنهج الذي نتبعه
من أجل ذلك ألفنا هذا الكتاب
*
* *
-٤٣

هذا وبالله التوفيق

الباب الأول
الإسلام
وشخصية المسلم

الفصل الأول
جوهر الشخصية الإسلامية
1 - إسلام الوجه لله
إن كلمة الإسلام بمعناها اللغوى والشرعي هي الدليل الهادى لنا إلى التعريف بشخصية المسلم ذلك أننا حينما نتحدث عن شخصية المسلم فإننا لا نتحدث عن فطرة وطبع وإنما
نتحدث عن طابع مكتسب وهذا الطابع هو الطابع الإسلامي

وما دام الأمر كذلك فإنه لا مناص من الحديث عن
الإسلام
ولأن الشخصية الإسلامية قد تحققت أكمل ما تكون في
رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن المنطق يقودنا إلى اتخاذه صلوات الله
وسلامه عليه منارة نسترشد بضوئها في خطواتنا
عن

ويتحدد منهج التعريف بشخصية المسلم إذن في أن نكتب
۱ - الإسلام من الزوايا التى تعنينا في الموضوع
-EV-

- وأن نكتب عن الرسول من حي
الإسلامية

ولقد كان الإمام البخاري رضى الله عنه متابعا للقرآن
الكريم مستدلا به حينما فرق بين
۱ - الإسلام إذا لم يكن على الحقيقة
- والإسلام إذا كان على الحقيقة
فإذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل فهو الذى يؤخذ من قول الله تعالى
قَالَت الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ ۱
أما إذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره
إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ
وعلى قوله سبحانه

ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
۱ وقريب من هذا الذي ذكره الإمام البخارى ما ذكره الراغب الأصفهاني في
المفردات من أن الإسلام فى الشرع على ضربين
أحدهما - وهو الذى تذكره الآية الشريفة دون الايمان وهو الاعتراف
باللسان وبه يحقن الدم حصل معه الاعتقاد أو لم يحصل وإياه قصد بقوله قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا أ هـ
أما الضرب الثانى فهو الذي ذكرناه بعد رأى الإمام البخاري
-EA-

ولسنا هنا بصدد الإسلام إذا لم يكن على الحقيقة ذلك
أنه ليس من الإسلام - الدين الخالص - في شيء وانما نحن بصدد الإسلام الذي يقول عنه الراغب الأصفهاني أنه فوق الإيمان وهو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب ووفاء بالفعل واستسلام لله فى جميع ما قضى وقدر كما ذكر عن إبراهيم عليه السلام في قوله
إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسلم قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمين
وقوله تعالى
إِنَّ الدين عند الله الإسلام وما اختلف الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِن بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ
الحساب
وقوله توفني مسلما
أي اجعلني ممن استسلم لرضاك ويجوز أن يكون معناه
اجعلني سالما عن أسر الشيطان حيث قال
قال رب بما أغويتني لأزيننَّ لَهُم في الأَرْضِ وَلَأُغْوِينَهُم أَجمعين *
إلا عبادك منهم المخلصين
وقوله إن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُسْلِمُون
أى منقادون للحق مذعنون له
يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا
-ε9-

أي الذين انقادوا من الأنبياء الذين ليسوا من أولى العزم لأولى العزم من الرسل الذين يهتدون بأمر الله ويأتون بالشرائع ۱ وهذا المعنى الذي ذكره صاحب المفردات يرتبط ارتباطا وثيقا بالمعنى اللغوى لكلمة إسلام
يقول ابن الأنبارى المتوفى سنة ٣٢٨هـ في المعنى اللغوى
للكلمة
المسلم معناه المخلص لله
في عبادته من قولهم سلم الشيء
لفلان خلص له فالإسلام معناه إخلاص الدين والعقيدة الله
تعالى
يسلم
ولقد سئل رسول الله الله عن الإسلام ما هو فقال أن
لله
وجهك وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك

وسواء نظر الإنسان إلى المعنى الشرعى للكلمة أو إلى
المعنى اللغوى فإنه يجد أن هذا اللفظ لا يشير
١ - إلى شخص معين كما تشير البوذية مثلا إلى بوذا
والزرادشتية إلى زرادشت
٢ - ولا إلى شعب معين كما تشير اليهودية إلى شعب بذاته
٣ - ولا إلى اقليم أو بلد معين كما تشير النصرانية
۱ مفردات القرآن للراغب الأصفهاني
تفسير الفخر الرازى الجزء الثانى ص ٤٢٣ المطبعة الخيرية سنة ١٣١٨هـ
1011

والدين الذى يدل أو ينتسب أو يشير إلى شخص معين أو
إلى شعب معين أو إلى إقليم معين يتحدد زمنه ضرورة بابتداء الشخص أو الشعب ويتحدد بالمكان ولكن كلمة الإسلام
لا تدل على زمان ولا مكان فهى
٤ - لا تشير إلى زمن يحدها
ولا إلى مكان تتقيد به

وتضعنا هذه الكلمة مباشرة في جو عالمي مطلق بل في

جو عالمي يتخطى حدود هذا العالم الأرضي – إذا أمكن ذلك - فلا يتقيد به ولا يتحدد بحدوده
إنها لا تحد بالبعثة المحمدية فسيدنا نوح عليه السلام
يقول لقومه
فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن
أكُونَ مِنَ المُسلمين 1
وسيدنا إبراهيم يقول عنه القرآن الكريم
ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وَمَا
كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
۱ سورة يونس آية ۷ سورة آل عمران آية ٦٧
1011

وحينما كان سيدنا إبراهيم يرفع القواعد من البيت هو
وسيدنا إسماعيل أخذا يدعوان الله سبحانه قائلين
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسلمين لَكَ ومن ذُرِّيَّتَنَا أُمَةً مُسلمةَ لَك وأرنا مناسكنا وتب علينا إِنَّكَ أَ ت التَوَّابُ الرحيم 1
ولم ينس سيدنا إبراهيم وسيدنا يعقوب أن يوصيا بنيهما
بالإسلام يقول تعالى
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ
فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
وحينما حضر سيدنا يعقوب الموت قال لبنيه مستفسرا
ليذهب إلى ربه مطمئنا
ما تعبدون من بعدى
قالوا
نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَها واحداً

ونَحْنُ لَهُ مُسلِمُونَ ٢
4
۱ سورة البقرة آية ۱۸
سورة البقرة آية ۱۳ ۱۳۳
-٥٢ -

وقال سيدنا موسى لقومه
يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمينَ 1
وسيدنا يوسف يتجه إلى الله بالحمد والشكر والدعاء رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليبي في الدنيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحَقْنِي

بالصالحين
وأوحى الله إلى الحواريين أن
آمنوا بي وبرسولي
قالوا
آمنا واشهد بأننا مسلمون ۳
ولما أحس عيسى من قومه الكفر سألهم قائلا
مَنْ أَنصاري إلى الله أَمْ
قال الحواريون
نَحْنُ أَنصار الله آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
۱ سورة يونس آية ٨٤
سورة يوسف آية ١٠١
۳ سورة المائدة آية ۱۱۱
٤ سورة آل عمران آية ٥٣
٥٣-
2

على أن تسمية أتباع الدين الإسلامي في العصر الحاضر
بالمسلمين كانت تسمية سابقة على وجودهم الزمني فلقد بين الله سبحانه في آية من القرآن بعض جوانب الرسالة الملقاة على عاتق الأمة الإسلامية وأشار فيها إلى سيدنا إبراهيم - وهي آية من آيات التوجيه الإلهى الذى يجب أن يكون شعار كل مسلم - فقال سبحانه
وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَمَا جَعَلَ عَليكُمْ فِي الدين من حرج مَلَةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ
وآتُوا الزَّكَاةَ واعتصموا بالله هو مولاكُم فَنعم المولى ونعم النصير
ومن البديهي أن يكون الإسلام بهذه المكانة من العموم والشمول فى المكان ومن عدم التحديد بالبعثة المحمدية فإن أساسه لا يختلف فيه اثنان وإن مبادئه الجوهرية حينما تعرض على النفوس المخلصة لا تجد إلا القبول والإذعان

والقرآن يعرض الإسلام في أساسه وجوهره في كلمات قليلة لا مناص من الإيمان بها عندما يوجد الإخلاص يقول تعالى أمرا
رسوله الكريم
قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُم إِلَهُ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ۱
1 سورة الأنبياء آية ۱۰۸
1021

ويأمره فى خطابه مع أهل الكتاب أن يقول لهم

قُلْ يَا أَهل الكتاب تعالوا إِلَى كَلِمَةٍ سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا
الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أَرْبَابًا مَن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا
فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾
1
ويبين لهم الله سبحانه إحدى علامات الصادقين والمرسلين
مفرقا بهذه المناسبة بين الكفر والإيمان فيقول
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكُم وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولُ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لَي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعْلَمُونَ الْكِتَابَ وبما كنتم تدرسون ٣٩ وَلا يَأْمركُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا
أيأمركم بالكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُسْلِمُونَ
الله ويبين
في عموم شامل وفى شمول عام في صورة
استفهام تقريرى جوهر التدين فيقول سبحانه
لله
ومن أَحْسَنُ دِينَا مِمَّنْ أَسلَم وَجَهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِن !
ومن هذه الآيات السابقة نعرف أن جوهر الإسلام هو 1 - في العقيدة إسلام الوجه لله ومعنى إسلام الوجه هو الإيمان بوحدانيته كما ترشد إليه الآية الأولى مما أوردناه
۱ سورة آل عمران آية ٦٤ سورة آل عمران آية ۷۹ - ۸۰
1001

سابقا ووحدانيته سبحانه تقتضى أَلَا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ به
شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا
إنها تقتضى ألا نتخذ الملائكة والنبيين أربابا
وتقتضى أن نكون ربانيين والربانية في العقيدة أن يكون
الله وحده هو المقصود والمرجو
- أما في الأخلاق فإن جوهر الإسلام هو الإحسان والربانية كما تكون فى العقيدة فإنها تكون فى الأخلاق والربانية
في الأخلاق أن يتخلق الإنسان بالأخلاق التي أمر الله بها
والإسلام إذن كلمة شاملة لإسلام الوجه الله وللإحسان والإحسان في الحقيقة يؤسس على إسلام الوجه لله وينبع منه فإسلام الوجه لله في النهاية هو الإسلام ولن يتأتى أن يعارض أحد أو يرفض إسلام الوجه الله اللهم إلا هؤلاء الذين خلت
قلوبهم من الشعور بمعنى التدين

ومن البديهى إذن أن الإسلام - إسلام الوجه الله - هو
طريق الهداية
فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يهديه يشرح صدره للإسلام ۱
۱ سورة الانعام آية ١٢٥
10-

ومن شرح الله صدره للإسلام - إسلام وجهه لله
على نور من ربه
فهو
أفمن شرح الله صدره للإسلام فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِية
قُلُوبُهُم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين 1
ومعنى إسلام الوجه لله قد فسره الله سبحانه حينما وضح ذروته ممثلة في شخص الرسول إذ يقول
قُلْ إِنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين *
لا شريك له وبذلك أُمِرْتُ وأَنا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
ولعل أول آية نزلت من القرآن الكريم تشير إلى هذا المعنى أيضا وكانت بذلك توجيها من أول الأمر إلى أن يكون العمل باسم الله لا باسم شيء آخر أو كائن آخر
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خلق
۳
وآيات أخرى أشارت إلى المعنى الذي نقصده ناهية عن أكل
ما لم يذكر اسم الله عليه
ولا تأكلوا مما لم يُذكر اسم الله عليه وإِنَّهُ لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجاد لوكم وإن أطعتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُون
۱ سورة الزمر آية ٢٢
سورة الأنعام آية ١٦٢
۳ سورة العلق آية ١
101-

أما ما ذبح على النصب فإنه فسق أيضا لأنه لم يذكر اسم
الله عليه أو لأنه

بتعبير آخر - لم يرد به وجه
الله تعالى

والإسلام إذن وفى ضوء ما سبق - هو الدين في إطلاقه المطلق وفى تحديده المحدد فمما لا شك فيه أنه لا دين خارج إسلام الوجه لله وأن الدين فى معناه الصحيح إنما هو إسلام الوجه لله
وسواء عرفت الدين بهذا التعريف أو ذاك فإن معناه الصادق
هو إسلام الوجه لله
ومن هنا كان لفظ الإسلام أصدق تعبير عن الدين وكانت
القضية
إن الدين عند الله الإسلام ۱
قضية لا شك فيها
وكانت القضية المترتبة على هذه
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من
الخاسرين ٢
قضية هي الأخرى لا شك فيها
۱ سورة آل عمران آية ۱۹
سورة آل عمران آية ٨٥
-04-

إن كل من يرفض إسلام الوجه لله إنما يرفض الدين
وبمقدار بعد الإنسان أو قربه من إسلام الوجه الله يكون
قربه أو بعده من المعنى الصادق للدين
وليس بغريب - والأمر كذلك - أن يتحدث القرآن الكريم عن طائفة من أهل الكتاب انطوت جوانبهم على الإخلاص فيعلنون إسلامهم بمجرد أن يتلى عليهم القرآن بل يعلنون أنهم كانوا من قبله مسلمين يقول تعالى
ولَقَدْ وَصَلْنَا لَهُمُ الْقَولَ لَعَلَّهُم يتذكَّرُونَ ٥١ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قبله هم به يُؤْمِنُونَ CD وإِذا يتلى عليهم قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبَّنَا إِنَّا كُنَّا من قبله مسلمين OD أُولئك يُؤتون أَجْرَهُم مَّرَّتَين بمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بالحسنة السَّيِّئَة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ CD وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوِ أَعْرَضُوا عَنْهُ
وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عليكم لا نبتغي الْجَاهِلِينَ 1 والنتيجة المنطقية لما سبق ما أعلنه القرآن الكريم بقوله تعالى ﴿ شَرعَ لَكُم مَن الدَينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وصينا به إبراهيمَ وَمُوسَى وعيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّين ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب
۱ سورة القصص آية ٥۱ - ٥٥
-09-

ويقول سبحانه
قُل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أُوتي موسى وعيـــــ والنَّبيُّونَ من ربهم
لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون
1
وإسلام الوجه لله هو التوحيد وإذا كانت سمة النصرانية
في وضعها الراهن - على ما يروى البيرونى - هي التثليث فإن سمة الإسلام - حسبما يقول بحق - هي التوحيد إنها توحيد الله بالربوبية بالخلق بالإيجاد بالإعطاء بالمنع
قُلِ اللَّهُمَّ مالك الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُذِلُّ تشاء بيدك الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
تشاء وتعز من قدیر
إنه
من
سبحانه يملك الملك فى اليسير منه والعظيم الصحة في القوة فى الجاه فى الرزق في الغنى
في
وهو يملكه فى الناحية القلبية وقلب الإنسان بين أصبعين من أصابع الرحمن وهو يملكه فى الهداية ومن يهد الله فلا مضل له
۱ سورة آل عمران آية ٨٤
سورة آل عمران آية ٢٦
--

وهو يملكه في الآخرة مالك يوم الدين
إنه سبحانه المتصرف المطلق فى الصغير والكبير
لا يعزب عن علمه ولا عن قدرته ولا عن إرادته وحكمته مثقال
ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر
وهيمنته شاملة عامة مطلقة
ونعود فنذكر قوله تعالى

قُلْ يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا
الله ولا نُشْرِكَ به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أَرْبَابًا مَن دُونِ اللَّهِ فَإِن تولوا فقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ ۱
أى فإن لم يعترفوا معكم بأنه يجب أن تخصص العبادة لله وحده وأن ينتفى الشرك به سبحانه وألا يتخذ المخلوقون بعضهم بعضا أربابا أى فإن لم يعترفوا بهذا التوحيد وأعرضوا
فأعلنوا أنكم مسلمون أي موحدون

والإسلام - كما كانت الأديان فى نقائها وصفائها من قبل
- إنما هو التوحيد وهو دعوة إلى التوحيد فالتوحيد - أو إسلام
الوجه
لله

جوهره وأساسه وكل تعاليمه ومبادئه إنما هي
توحيد وهى وسائل ومناهج للوصول بالإنسان إلى التوحيد أشهد أن لا إله إلا الله إنها رسالة السماء الخالدة
۱ سورة آل عمران آية ٦٤
4
-1-

وأشهد أن محمدا رسول الله الذي بلغ الرسالة فأدى
بهذا التبليغ الصادق الأمانة التى وكلت إليه وهي التوحيد

التوحيد هو مبدأ الإسلام وجوهره ولكن التوحيد ليس
مجرد قول وليس مجرد كلمة لا أساس لها في القلب والشعور

وإذا لم يؤمن الإنسان بالتوحيد إيمانا يملك عليه جميع أقطاره فيتغلغل في جميع أنحاء شعوره ووجدانه ويغمر قلبه ونفسه ويكيف جسمه ويوجهه الوجهة السليمة فإنه لا يكون
كامل الإيمان
ومن أجل إيجاد الإنسان الموحد في صورة واقعية كانت
تعاليم الإسلام
فالصلاة إنما
هي انفصال عن كل ما سوى الله من أجل
الاتصال بالله فهى توحيد
ومن هنا كان بدؤها الله أكبر لتشعر الإنسان من المبدأ أن جميع ما في العالم من سادة وجميع ما فى العالم من بشر تتعلق بهم الآمال أو يناط بهم الرجاء فإن الله أكبر منهم وأجل وأعظم فيجب أن تتعلق الآمال به وحده وأن يقتصر الرجاء عليه سبحانه
ثم تتوالى جميع الأوضاع في الصلاة من قراءة وركوع وسجود وتشهد لتعلن بكل حركة وبكل وضع الانفصال عما
-٦٢-

ى الله من أجل الاتجاه إلى الله وحده ومن أجل إسلام الوجه
سوى إليه سبحانه
والصوم - إنما هو تنزه عن المادة وعن السوء في القول والعمل فترة من الزمن من أجل مرضاة الله إنه تنزه عن النقص البشرى الذى يتمثل فى شهوات المعدة لتخلص الروح فترة إلى التأمل في كمال الله إنه محاولة للتخلق بأخلاق الله لأنه سبحانه الكمال المطلق الذي لا يحتاج إلى شيء لابد لمن يأمل في شيء من الكمال - من أن يتحلى بما أراده سبحانه إنه تنزه عن النقص في سبيل التوحيد
والزكاة إنما هي بذل المادة فى سبيل الله إنها بذل المادة
التي يجرى وراءها البشر ويكادون يعبدونها بذلها بعد امتلاكها بذلها وقد كان فيها - لو -أراد الوسيلة للملاذ والشهوات إنها تجرد عن المادة توحيدا لله سبحانه
أما الحج - والله نسأل أن يكتبه لنا كل عام - فإنه تجرد كله إنه تجرد عن الماضى فهو في بدايته التوبة عن الذنوب والآثام أى عن الفترات التي غفل الإنسان فيها عن ذكر الله فأشرك معه غيره واتخذ إلهه هواه فنسى الله فوقع في المعصية
والإثم
وهو تجرد حتى عن ملابس الماضى وهو تلبية من أول
-٦٣-

لحظاته تلبية هي استجابة لله وحده أو هي توحيد خالص
إنها استجابة كاملة للأمر بنفى الشريك

لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد
والنعمة لك والملك لا شريك لك
إن هذا النداء الذى يتعالى وله عبير طيب وله سناء متألق فيصعد إلى السماء فتفتح له أبوابها إن هذا النداء إنما هو الانضواء الكامل تحت راية التوحيد وتتوالى أعمال
الحج كلها واضحة سافرة أو رمزية مستعلية معلنة التوحيد منادية به طائفة وراءه ساعية من أجله واقفة تستشرفه راجية من الله سبحانه وتعالى أن يقبل أصحابها في زمرة
الموحدين يقول الله تعالى
فاعبدون
ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا
هذه بعض معالم التوحيد في العقيدة
4
ومعالم التوحيد فى الأخلاق ألا يصدر عن الإنسان
ولا يرد في سلوكه الشخصى أو في سلوكه الاجتماعي أمر إلا عن
توجيه إلهى
ومعالم التوحيد في النية أن يكون الإنسان في كل ما يأتي
وما يدع قاصدا الله وجه تعالى هو أن تكون حياته كلها لله
وليست الحياة وحدها وإنما الممات أيضا
4
-2-

والتوحيد على العموم هو أن يهب الإنسان نفسه لله في
قيامه وجلوسه في نومه ويقظته فى حديثه وصمته في غضبه ورضاه فى صداقته وعداوته فى بيعه وشرائه في عمله وراحته فى أفكاره وآرائه فى توجيهه وإشاراته في نصائحه وتحذيراته فى كل نفس يتنفسه أو طرفة عين
يطرفها
ونعود فنذكر - كقانون جامع - أن توحيد الإنسان هو أن تكون صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين لا شريك له
ويقترب الإنسان من المثل الأعلى الإسلامي بمقدار قربه من
هذه المعاني
عقيدة وأخلاقا ونية

وقوله تعالى
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِص
إنما يشير بها إلى خلوصه من كل شائبة شرك سواء أكان
الشرك فى العقيدة أم كان في الأخلاق والنية

والله سبحانه أغنى الشركاء فمن عمل عملا لله
ولغيره
فإن الله سبحانه برىء من عمله وكذلك من اعتقد شريكا لله
فالله
برىء منه
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت
4
1901

هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه وذلك كله يسلمنا إلى أن المعنى الحقيقى للإسلام هو كما
ذكرنا إسلام الوجه لله

ويعبر عن هذا في وضوح جميل الحديث الشريف الذي رواه
الصحابي الجليل عمر بن عبسة الذي ذكرناه سابقا قال قال رجل يا رسول الله ما الإسلام
قال صلوات الله وسلامه عليه أن يسلم لله قلبك وأن
يسلم المسلمون من لسانك ويدك ۱
وما من شك فى أن سلامة المسلمين من لسان الإنسان ويده إنما ترجع إلى إسلام قلبه الله وأنها على حد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
لو خشع قلبه لخشعت جوارحه
وعلى حد قوله صلى الله عليه وسلم
ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب
۱ رواه الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح
--

وقد يتساءل إنسان وما كيفية إسلام الوجه لله
ما هي الوسائل لذلك
ما الطريق
أما الوسائل فإنها المبادئ الإلهية التي قررها الله
على لسان رسوله
قرآنا كانت أو سنة قولية أو عملية
سبحانه
ولا مناص لكل من يريد أن يسلم وجهه لله سبحانه من أن يرجع فى ذلك إلى القرآن ومن أن يرجع فى ذلك إلى السنة أى أنه لا مناص لكل من يريد الهداية أو التدين أو الحق من أن يلجأ
إلى القرآن والسنة

وذلك أن القرآن الكريم إنما هو النص الوحيد في العالم الآن الذي احتفظ - بحفظ الله له - بالتعبير الإلهي الذي يشرح الدين ويوضحه دون تحريف بزيادة أو نقص والقرآن لم يحتفظ بما أوحاه الله بالمعنى فحسب وإنما احتفظ بالتعبير نفسه وهذه منزلة لا تدانيها منزلة ودرجة فى الدقة والصدق لا يضارعها غيرها حتى ولا من قرب
وإنها لمفخرة للمسلمين كبرى أن يكون الدين الذي يدينون به
إنما يرجعون فيه إلى النص الإلهى نفسه فى دقته وفى نضارته وفى بركته وفى سنائه ولألأئه
وإنها لمفخرة للغة للعربية أن تحتفظ بالنص الإلهي الوحيد
4
-V-

في العالم أن تحتفظ بالكتاب الذى أحكمت آياته ثم فصلت من
لدن حكيم خبير
أما النتيجة الأولى التى نريد أن نصل إليها فهي أن الدين وإسلام الوجه لله والتوحيد والإسلام كلها بمعنى واحد يفسر بعضها بعضا ويشرح بعضها بعضا وكلها مطلقة عامة لا يحدها زمان ولا مكان وكلمة الإسلام خير ما يعبر عنها في جرسها وفي
كمالها
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم
الإسلام دينا
4
والنتيجة الثانية هى أن جوهر الشخصية الإسلامية أو شخصية المسلم إنما هى إسلام الوجه لله أو التوحيد أو التدين
الصادق أو الإسلام
وبمقدار قرب المسلم من الإسلام يكون كمال شخصيته
وما من شك فى أن أكمل شخصية إسلامية إنما هي شخصية الرسول الله الذى وصفه الله بأنه أول المسلمين ولم يصف أحدا غيره بذلك وعنها نبدأ الآن الحديث - إن شاء الله - لنتبين أيضا من طريق الرسول ا أن جوهر الشخصية
الإسلامية إنما هو إسلام الوجه لله
-9A-

- أول المسلمين
ونعود إلى الموضوع من جديد نعود إليه لنعالجه من زاوية الرسول ل كنمط واقعى تحقق بالفعل بعد أن تحدثنا عن الموضوع من الجانب النظرى لقد طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام تطبيقا واقعيا طبقه فى نفسه وطبقه فى وسطه المحيط به وانتقل الإسلام بهذا التطبيق من دائرة النظريات إلى دائرة الواقع ومن دائرة المبادئ إلى دائرة التحقيق وبذلك برئ الإسلام من طابع المبادئ الخيالية أو المستحيلة التحقيق
لقد تحقق الإسلام فى أشخاص وتحقق في بيئة
ونعالج الموضوع الآن من زاوية أكمل شخصية حققته
ونعتذر عن بعض التكرار الذى حدث نتيجة لافتراضنا أننا نعود إلى الموضوع من جديد وكأننا لم نكتب فيه من قبل إذ بذلك يتأتى لنا شرح الفكرة كاملة من طريقين الطريق النظرى والطريق الواقعى
ولنأخذ الآن فى الحديث عن أول المسلمين
سئلت السيدة عائشة رضوان الله عليها عن خلق رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقالت

كان خلقه القرآن
ومع أن هذا الوصف من أم المؤمنين واضح وضوحا لا لبس
-4-

فيه فإننا مع ذلك نحاول له تحديدا نراه ضروريا وبيانا نراه
حتما
ذلك أن الأخلاق القرآنية تحدد الخلق الكريم في حده الأدنى وترسم الفضيلة فى درجاتها الأولى ثم لا يقتصر القرآن على ذلك وإنما يرسم القمم من مكارم الأخلاق ويوجه إلى السنام منها ويقود إلى المشارف العليا من درجات المقربين
إنه يتحدث عن المقتصد
وعن السابق بالخيرات
إنه يتحدث عن أصحاب اليمين
ويتحدث عن المقربين ويبين أن المقربين أقل عددا من
أصحاب اليمين فهم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين
أما أصحاب اليمين فإنهم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين على حد التعبير - عن أصحاب اليمين وعن المقربين - في سورة
الواقعة
ولنضرب لذلك مثالا -
إن مقابلة السيئة بالسيئة عدل
يقول الله تعالى
وجزاء سيئة سيئة مثلها
-V

ولكن القرآن - مع بيان عدالة هدا - يذكر درجة أعلى من
الخلق الكريم تلك هي
درجة كظم الغيظ
وهذا الذى - مع مقدرته على مقابلة السيئة بالسيئة - يكظم غيظه أسمى فى ميزان الأخلاق الكريمة من الذي يقابل السيئة بالسيئة
ولا يقف القرآن عند هذا الحد ذلك
أنه يرسم درجة ثالثة من الخلق الكريم وذلك أنه يتجاوز
مقابلة السيئة بالسيئة
وكظم الغيظ
إلى العفو
والعفو مع المقدرة أسمى من مقابلة السيئة بالسيئة
وأسمى من كظم الغيظ
ثم يتجاوز القرآن كل ذلك إلى الدرجة العليا درجة
المقربين وهى الإحسان
يقول تعالى
فمن عفا وأصلح فأجره على الله إِنَّهُ لا يُحب الظالمين
-VI-

ويقول تعالى
والكاظمينَ الْغَيْظَ والْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين
إنها درجات من الخلق الكريم كلها كريمة بيد أنها
تتفاوت فيما بينها من كريم إلى أكرم كتفاوت الناس في
الشرف
من شريف إلى أشرف
ويحق لنا الآن أن نتساءل

هل تريد السيدة عائشة رضى الله عنها حينما تصفه
بأن خلقه القرآن
هل تريد الخلق القرآني الكريم في حده الأدنى
أم تريده في حده الأوسط أم تريده في حده الأسمى
ويحل لنا القرآن هذه المسألة فيحدد - بصورة عامة
وبطريقة مجملة - الدرجة التى وصل إليها الرسول من
الخلق القرآني
فيقول سبحانه لرسوله
وإنك لعلى خلق عظيم
يقول صاحب الشفاء
أثنى عليه بما منحه من هباته وهداه إليه وأكد ذلك
تتميما للتمجيد بحرفى التأكيد فقال تعالى
-VT-

وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم
قيل القرآن
وقيل الإسلام
وقيل الطبع الكريم
وقيل ليس لك همة إلا الله أ هـ
قال الواسطى
أثنى عليه بحسن قبوله لما أسداه من نعمه وفضله
بذلك على غيره لأنه جبله على ذلك الخلق
وقد تحدث الصحابة والتابعون عن هذه الآية الكريمة قال ابن عباس رضي الله عنهما معناه على دين عظيم لا دين
أحب إلى الله ولا أرضى عنه منه وهو دين الإسلام
وقال قتادة

هو ما كان يأتمر به من أوامر الله وينتهى عنه من نهى الله تعالى والمعنى إنك على الخلق الذي أمرك الله به في القرآن أ هـ
ومع ذلك ومع كل ما قيل في هذه الآية الكريمة من أنها تكريم وتمجيد ومدح وثناء ومع إيماننا بأنها تتضمن كل المعاني الكريمة التي قيلت والمعانى الشريفة التي ستقال فإننا
نرى أن الأمر ما زال بحاجة إلى بيان الدرجة بيانا تاما

-۷۳-

فقد يتساءل بعض الناس عن هذا الخلق العظيم أكان
يشارك رسول الله ل فيه نبى مكرم أكان يشاركه فيه
رسول مجتبی
أكان يشاركه فيه ملك مقرب
ألم يكن سيدنا إبراهيم على خلق عظيم وهو الحليم الأواه
المنيب
ألم يكن سيدنا إسماعيل على خلق عظيم وكان عند ربه
مرضيا
ألم يكن سيدنا عيسى على خلق عظيم وقد جعله الله مباركا أينما كان
على نبينا وعليهم جميعا أفضل الصلاة وأزكى التسليم والملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما
يؤمرون ومنهم جبريل وميكائيل وحملة العرش أليسوا على
خلق عظيم
أيشارك أحد من هؤلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في درجته
أيماثلون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلق العظيم
ويسعفنا القرآن الكريم بهذا التحديد إسعافا يرضى التطلع
إلى المعرفة ويشرح صدور المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم

-VE-

إن القرآن يحسم الأمر حسما لا يدع فيه مجالا للبس ويسفر عنه إسفارا لا يدع مجالا لريب يقول الله تعالى لرسوله
الكريم
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *
لا شريك له وبذلك أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسلمين
هذه الآية القرآنية الكريمة تحدد درجة الأخلاق القرآنية
التي وصل إليها الرسول الله إنها ذروتها وسنامها ولقد بعث ليتمم مكارم الأخلاق
إنه بعث ليتمم المكارم الأخلاقية
ليتممها بذاته بسلوكه

وليتممها بقوله برسالته
إنه لم يبعث لينشر الأخلاق الكريمة فحسب وإنما بعث ليتمم مكارمها ومكارم الأخلاق لم تكن - قبل الرسول صلوات الله وسلامه عليه - قد تمت إن أول المسلمين لم يكن قد وجد بعد وكانت بذلك مكارم الأخلاق ناقصة كان ينقصها أكمل
صفة لمكارم الأخلاق وهى إسلام الوجه الله إسلاما تاما
إن الكائنات لم تكن قد وصلت - لا في نبي مرسل ولا في ملك مقرب - إلى الذروة من إسلام الوجه لله والذروة من إسلام
-10-

الوجه لله أو أول المسلمين - والتعبيران سواء - إنما هو الذروة من
مكارم الأخلاق

إن الكائن الرباني إن أول المسلمين أولهم بإطلاق أولهم بالنسبة للملائكة وأولهم بالنسبة لبنى آدم أولهم قديما وأولهم حديثا وأولهم إلى الأبد إن أول المسلمين لم يكن قد وجد بعد وكانت الإنسانية بذلك ناقصة وكانت الكائنات كلها بذلك
ناقصة
كان الكون ناقصا مادة ومعنى كان ينقصه أن تتعطر أرضه بأزكى الأجساد وأن يتعطر جوه بأزكى الأرواح وكان لابد من وجود كائن بهذه المثابة يكمل الله به الدين ويتم به النعمة ويرضى رسالته دينا عاما خالدا للإنسانية أجمع هو إسلام الوجه الله وينزل القرآن محددا إسلام الوجه الله وسائل ومحددا إسلام الوجه لله غايات محددا إسلام الوجه لله طرقا وأساليب ومحددا له بواعث وأهدافا ومن أجل أن الإسلام هو إسلام الوجه لله والتسليم له والاستسلام لما يحبه ويرضاه
كان من يبتغى غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
وكيف يقبل منه ما يتنافى مع إسلام الوجه لله
إن إسلام الوجه لله هو جوهر التدين إنه دين القيمة إنه
-1-

الدين الخالد والنص الوحيد النص الإلهى الفريد في العالم كله
الذي يبين كيفية إسلام الوجه لله إنما هو القرآن
وإذا ما وصل الإسنان إلى إسلام الوجه لله كان بذلك في
ذروة الإنسانية وفى الذروة من مكارم الأخلاق
ويتفاوت الناس فى إسلام وجوههم لله ولابد من أن يكون أحدهم أول فكان رسول الله ل أولهم بإطلاق مطلق قُلْ إِنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين *
لا شريك له وبذلك أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسلمين

ولم يصف القرآن بأول المسلمين شخصا آخر غير الرسول ولو لم يوجد أول المسلمين المتمم لمكارم الأخلاق ذلك الذي كانت صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين لو لم يوجد هذا الكائن الربانى لظل العالم مستشرفا إليه ليكمل به ولظل العالم ناقصا مادة وروحا
فلما وجد صلى الله عليه وسلم انتهت حكمة الله بوجوده وبرسالته إلى
ما
بينه الله تعالى بقوله
الإسلام دينا
اليومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتممتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ

صلوات الله وسلامه عليك يا سيدى يا رسول الله
* *
*
-VV-

۱ - العلم
الفصل الثاني
أسس إسلام الوجه لله
يقول الله تعالى
إنما يخشى الله من عباده العلماء
وإنه بمقدار تعمق الإنسان في الجانب العلمي في صدق وإخلاص تكون خشيته لله تعالى ذلك أنه يرى من نواميس
الكون ومن الإتقان فى الصنع ومن الحكمة في التدبير مــا يجعله ساجدا لمبدعه ومنسقه

وإن هؤلاء الذين يتصلون مثلا بعلم التشريح من قرب أو
يتخصصون فيه يرون من الإحكام المحكم ومن الدقة الدقيقة في مختلف الأجهزة الجسمية وفى مفردات هذه الأجهزة ما يضطرهم اضطرارا إلى السجود لرب هذا التنسيق والترتيب
والإبداع
وليس علم التشريح وحده هو الذي يبهر العالم المتبحر فيه وإنما يبهر علم الفلك العالم الفلكي ويبهر علم الأحياء عالم
-19-

الأحياء وهكذا تجد انبهار النفس في كل ميدان من ميادين
المعرفة الكونية أرضها وسمائها وما بين الأرض والسماء تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير الَّذِي خَلَقَ الموت والحياة ليبلُوكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الَّذِي خَلَقَ سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن مِن تَفَاوُت فَارجع البصر هل ترَىٰ مِن فُطُور ۳ ثُمَّ ارجع البصر كرتين ينقلب إِلَيْكَ البَصَرُ حَاسِنَا وَهُوَ
خبير 1
وصدق الله سبحانه إذ يقول
إنما يخشى الله من عباده العلماء
وخشية الله التى هى ثمرة العلم أساس من أهم أسس
إسلام الوجه لله

ومن هنا كانت ضرورة العلم فى الإسلام إنه ضرورة وليس
ترفا فهو من أسس الإسلام نفسه
ومن أجل ذلك كان من مقومات شخصية المسلم العلم

العلم بالكون وبالإنسان وبالنفس وبكل ما تتسع له الكلمة
من معنى كريم
۱ سورة الملك آية ١ - ٤
-^-

موقف الإسلام من العلم
إلام تؤدى الخشية
إلام ينتهى العلماء الصادقون المؤمنون
يقول الله تعالى
شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائما
بالقسط لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم ﴾
إنهم يصلون عن طريق العلم الذي يثمر الخشية إلى التوحيد التوحيد الذى هو سمة الدين الإسلامي - كما يرى البيروني - والذي هو فى حقيقة الأمر سمة التدين الصادق
ويشهد العلماء بالتوحيد مع الله سبحانه ومع
الأطهار !
الملائكة
إن الله سبحانه قرن العلماء به وبملائكته في شهادة التوحيد وهذا أسمى ما يمكن أن يصل إليه تكريم العلماء من
مكانة
وشهادة التوحيد التى هى قمة الركن الأول للإسلام وهو أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله لا يشهدها
إلا العلماء المؤمنون
وشهادة التوحيد التى هى منتهى ما يمكن أن يصل إليه
-^-

السالك في معراجه إلى الله سبحانه لا تتحقق إلا في العلماء
المؤمنين
ان شهادة التوحيد هذه قد وجه الله الأنظار إليها بأساليب
شتی
ومن هذه الأساليب ما لا يقدره فى دقته وروعته الرائعة
إلا العلماء
قل الْحَمْدُ لِله وَسَلامٌ على عباده الَّذِينَ اصْطَفَى اللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا
يُشْرِكُونَ
أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرض وأنزل لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتَنَا بِهِ حدائق ذات بهجة ما كَانَ لَكُمْ أَن تُنبتوا شجرهَا أَإِلَهُ مَعَ اللَّه بَلْ هُمْ قَوْمٌ يعدلون
4
أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي
وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون أمن يُجِيبُ الْمُضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء
الأرض أَإِلَهُ مَعَ اللهِ قَليلاً مَا تَذَكَّرُونَ
أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يُرسل الرياح بشرا بين
يدي رحمته أإله مع الله تعالى اللهُ عمَّا يُشْرِكُونَ
أمن يبدأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ ومن يرزَقَكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهُ مَعَ
الله قُلْ هَاتُوا بُرهانَكُمْ إِن كُنتُم صادقين 1
۱ سورة النمل آية ٥٩ - ٦٤
-AY-

ثم يعقب الله على هذه الآيات بأنه مهما بلغ العلماء بعلمهم
فإن المجهول كثير وأنه لا يعلم هذا المجهول المغيب إلا الله سبحانه والتعقيب الكريم معناه أن العلم لا ينتهى إلى غاية وأن كشف المجهول رسالة لا تنتهى ما دامت السموات والأرض فيقول
سبحانه
قُل لا يعلم من في السَّموات والأرضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ
أَيَّان يبعثون
ومن أجل شهادة التوحيد أومن أجل وصول الإنسانية إلى أقصى ما ينتهى إليه - بالنسبة للإنسانية كل بحسب استطاعته في معارج القدس حث الإسلام على العلم ووجه إليه وجعله من أسس الدين نفسه
لقد حث عليه فى صور بلغت من الروعة حدا لا يجارى
والآيات والأحاديث التي وجهت الأمة الإسلامية إلى العلم كثيرة مستفيضة وإذا كان العلماء يشهدون التوحيد مع ا الله الملائكة فإن منزلتهم بالمكان السامى ودرجاتهم سامية في الرفعة
والعلو
يرفع اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا منكم والذين أُوتُوا العلم درجات
ومع
ولهذه الجوانب من فضل العلم والعلماء أمر الله سبحانه
وتعالى رسوله - وهو قدوة المسلمين وأسوتهم - أن يقول
-AT-

رب زدني علما
رب زدنی علما فى كل يوم بل في كل لحظة ذلك ما يجب أن يكون شعار المسلم وإذا ما زاد المسلم علما ازداد خشية وإذا ما ازداد خشية تحقق فيه إسلام الوجه لله على صورة أكمل ومن الملاحظات التي يجب أن تراعى أن الكلمة الأولى التي نزل بها الوحى على المصطفى مبشرة بعهد من النور
جديد هي كلمة اقرأ
وإذا نظرنا الآن إلى الأحاديث الشريفة الخاصة بالعلم فإننا
نرى عجبا
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو داود والترمذي
وغيرهما
العلماء ورثة الأنبياء
ويقول - فيما رواه الترميذي -
وفضل العالم على العابد كفضلى على أدنى رجل من
أصحابي ۱
وفيما رواه الإمام أحمد والحاكم وصححه وغيرهما أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما يصنع
۱ رواه الترمذي من حديث أبي أمامة وقال حسن صحيح
-^2-

ومن أجمع الأحاديث في فضل العلم ما رواه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول
من
سلك طريقا يبتغى فيه علما سهل الله له طريقا إلى
4
الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من فى السموات ومن في الأرض حتى الحيتان فى الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وأن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر
وقد روى أبو نعيم حديثا ليس بموضوع وهو وإن لم يبلغ درجة الصحة فإن الجو الإسلامي كله يؤيده عن ابن عباس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم وأهل الجهاد أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل وأما
أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل
ولقد تابع المسلمون القرآن والحديث الشريف في الحث على العلم ونكتفى في هذا بما قاله سيدنا معاذ بن جبل رضى الله
عنه
روى الامام الغزالي في الإحياء قال
1441

قال
عن معاذ بن جبل رضى الله عنه - ورأيته مرفوعا ۱ -
تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبل أهل الجنة وهو الأنيس فى الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث فى الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلام على الأعداء والزين عند الاخلاء ويرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة تقتفى آثارهم ويقتدى بفعالهم وينتهى إلى رأيهم ترغب الملائكة فى خلتهم وبأجنحتها تمسحهم ويستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البحر وأنعامه لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة والتفكير فيه يعدل الصيام ومدارسته تعدل القيام به توصل الأرحام وبه يعرف الحلال من الحرام وهو إمام العمل والعمل تابع يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء
وكانت نتيجة ذلك كله أن اندفع المسلمون إلى البحث في
۱ يعلق الحافظ العراقي على هذا الحديث بأن قد رواه أبو الشيخ وابن حبان فى كتاب الثواب وابن عبدالبر وقال ليس له إسناد قوي
ونحن هنا يكفينا أن يكون من قول سيدنا معاذ رضى
الله عنه
-4-

جميع ميادين الحياة روحية كانت أو عقلية أو مادية ونشأ عن ذلك الحضارة الإسلامية التي أنتجت أمثال جابر بن حيان في الكيمياء وابن الهيثم فى الطبيعيات وأبى بكر الرازي في الطب وابن سينا فى الطب كذلك والفلسفة والغزالي في الجانب الروحى وابن رشد فى الفلسفة العقلية وابن خلدون في الاجتماع والتاريخ والخوارزمى فى الجبر وكثيرين غيرهم
المناهج العلمية بين الإسلام والحضارة الحديثة
ولا ريب فى أن الحضارة الحديثة بدأت في قوة جارفة بمنهجين فى العلم يختلفان ويتعارضان ويتنازعان أحدهما
المنهج الحسى التجريبى أو المنهج البيكونى

والثاني المنهج العقلى البديهى أو المنهج الديكارتي أو
المنهج الحدسي حينما نفسر الحدس كما فسره المناطقة بأنه
انتقال الذهن إلى المطلوب بسرعة

وكل من المنهجين نشأ معارضا لمنهج القياس الأرسطى
وكل منهما يرى أن القياس الأرسطى إنما يعنى بالصورة والشكل ولا شأن له بالواقع والتطبيق ومن أجل ذلك سمى
بالمنطق الصوري أى منطق الصورة لا الجوهر
والمنهج البيكونى هو منهج علمي
-AV-

أما المنهج الديكارتي فإنه منهج فلسفى والمنهج التجريبي هو المنهج الذى قامت عليه الحضارة الحديثة ومن أجل ذلك سنقصر حديثنا عليه
إنه منهج الاستقراء أى تتبع الجزئيات عن طريق التجربة فيما يمكن أن يخضع للتجربة وعن طريق الملاحظة فيما لا يتأتى أن يخضع للتجربة للوصول إلى الحكم عليها في صورة من صورها حكما كليا أو - بعبارة أخرى - للوصول إلى اكتشاف القوانين العامة أو للوصول إلى معرفة نواميس الكون
ومجال الاستقراء إنما هو الطبيعة لأنه ملاحظة جزئيات
في عالم الطبيعة

وأداته الحس فهو ملاحظة محسوسات
وعلى أساس من هذا المنهج قامت الحضارة الأوربية الحديثة بكل ما فيها من صناعة فى الطبيعة ومن اكتشافات في الكيمياء ومن قوانين فلكية ومن اختراعات في جميع المجالات المادية والحسية
وعلى أساس من هذا المنهج أيضا ستتطور هذه الحضارة
وترقى وتتسع كما وكيفا إلى ما شاء الله
وهذا المنهج في المشهور المتعارف يدين في وجوده إلى فرنسيس بيكون ولكنه عند الدارسين لتاريخ الفكر الأوربي
-AA-

يدين لروجر بيكون أكثر مما يدين لغيره والملاحظون الدارسون للعلوم يرون ان روجر بيكون كان أدق وأعمق في بيان المنهج وفي
تطبيقه بيد ان روجر بيكون - على خلاف كثير من مواطنيه

يعترف في صراحة لا لبس فيها وفى وضوح لا شائبة فيه أنه
مدين فى منهجه للعرب وللحضارة العربية

وهذه الحقيقة التي حاول الغربيون جاهدين أن ينكروها
ذا
ويخفوها فيما مضى يعلنها الآن بعض المنصفين منهم فها هو الأستاذ بريفولت يتحدث فى كتابه بناء الإنسانية عن أصول
الحضارة الغربية فيقول
إن روجر بيكون درس اللغة العربية والعلوم العربية في مدرسة أكسفورد على خلفاء معلميه في الأندلس
وليس لروجر بيكون ولا لسميه الذى جاء بعده الحق في أن ينسب إليهما الفضل فى ابتكار المنهج التجريبي فلم يكن روجر بيكون إلا رسولا من رسل العلم والمنهج الإسلاميين إلى أوربا المسيحية وهو لم يمل قط من التصريح بأن تعلم معاصريه اللغة العربية وعلوم العرب هو الطريق الوحيد للمعرفة الحقة والمناقشات التي دارت حول واضعى المنهج التجريبي هي
طرف من التحريف الهائل لأصول الحضارة الأوربية

وقد كان منهج العرب التجريبى فى عصر بيكون قد انتشر
-19-

انتشارا واسعا وانكب الناس في لهف على تحصيله في ربوع
أوربا
ويقول بريفولت أيضا
لقد كان العلم أهم ما جادت به الحضارة العربية على
العالم الحديث ولكن ثماره كانت بطيئة النضج
إن العبقرية التي ولدتها ثقافة العرب فى أسبانيا لم تنهض
في عنفوانها إلا بعد مضى وقت طويل على اختفاء تلك الحضارة وراء سحب الظلام
ولم يكن العلم وحده هو الذي أعاد إلى أروبا الحياة بل إن مؤثرات أخرى كثيرة من مؤثرات الحضارة الإسلامية بعثت باكورة أشعتها إلى الحياة الأوربية
أخذت أوربا المنهج العلمى المادى عن الإسلام باعتراف
واضع هذا المنهج نفسه وباعتراف المنصفين من المؤرخين وليس بعد اعتراف واضع المنهج نفسه مقال لقائل ومع ذلك فإن المنهج الإسلامي أكمل وأتم وأشمل وقد أخذته أوربا ناقصا

ان المنهج التجريبي يقف عند الطبيعة وهو منهج إسلامي ولكنه ليس بالمنهج الإسلامى الكامل فالمسلم لا ينتهى إلى الطبيعة كغاية ولا يقتصر عليها كهدف وإنما غايته وهدفه هو ما عبر عنه سبحانه بقوله
-9-

وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهى
وإذا اقتصرت أوربا علي العلم المادى فإن الإسلام لا يقف عند ذلك وإنما يوجه الإنسانية إلى مصدر آخر للعلم والمعرفة
هو القلب أو هو الروح والبصيرة
إن الإسلام يوجه الإنسانية إلى المعرفة الإشراقية أو الكشفية أو الإلهامية ويجمع الإسلام الاتجاه العلمي الحديث إلى
الاتجاه البصيري في قوله
إِنَّ السَّمع والبصر والفؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولا
فالسمع والبصر هما أساس العلم المادى علم التجربة
والملاحظة أما الفؤاد فانه أساس العلم الإلهامي

إن الله سبحانه وتعالى يوجه المسلم إلى الملاحظة والتجربة ويوجهه أيضا إلى الاستشراف للهداية والنور القلبى عن طريق الخلق الكريم والتقوى والإخلاص وحب الإنسانية والمعاونة في
الخير
وإذا كان الإسلام أوسع نظرة فى الجانب العلمي عن الحضارة الحديثة وأدق وأشمل فإنه يختلف معها اختلافا جذريا حاسما في مسألة الإرادات والنوايا وفي أمر الأسباب والبواعث وفى اتجاه الغايات والأهداف
-91-

إن الحضارة الحديثة تقول العلم لا صلة له بالأخلاق
أو تقول العلم لا أخلاقى والعلم فى نظرها لا شأن له بالخير
والشر
ولكن الإسلام يجعل أسس العلم متسمة بالخير ويجعل غاياته منغمسة فى الخير ويجعل من العلم قربي إلى الله ويجعل منه عبادة الله إنه سبحانه يجعله باسمه الكريم إن العلم
في الجو الإسلامي قراءة باسم الله

خرافة التعارض بين الإسلام والعلم
ولا يتأتى - والأمر كما صورنا - أن يكون هناك تعارض
بين الإسلام والعلم
على أن مشكلة التعارض بين الدين والعلم إنما نشأت في أوربا بعيدة عن الجو الإسلامى إنها تصور نزاعا في بيئة بعيدة كل البعد عن الروح الإسلامية التي حثت الإنسانية على التعليم والتعلم والتى نشأ المنهج العلمى الذى يعتبرونه حديثا بين ربوعها قديما بقدمها والتى أنشأت على أساس من هذا المنهج حضارة ضخمة لا نزال نكشف كل يوم الكثير من أنحائها العميقة
وما من شك في أن الحضارة الإسلامية هي - كما يقول الأستاذ بريفولت - التي قدمت إلى الحضارة الغربية الحديثة
-9-

المنهج العلمى وأصول العلم نفسه أى الحقائق المكتشفة في
المجالات المختلفة
والأمر العام الذى نريد أن ننبه عليه هو أن مسألة التعارض بين الدين والعلم إنما هي مسألة وهمية إذا نظرنا إلى
حقيقة الأمر
ذلك أن العلم وممثليه الحقيقيين يعترفون في صراحة لا لبس فيها وفى وضوح لاخفاء فيه بأن دائرة أبحاثهم إنما هي المادة وإنما هى المحس وأنهم يعتمدون فى ذلك على التجربة وعلى الملاحظة إنهم يعتمدون على الاستقراء على وجه العموم وليس الاستقراء إلا تتبع جزئيات محسة تتبعها بالملاحظة أو بإجراء التجارب عليها
والمنهج العلمى إذن إنما هو منهج لمعرفة كيفيات المادة وإذا
ما خرج الأمر عن دائرة المادة فقد خرج عن دائرة العلم وعلى هذا الأساس فليس للعلم مطلقا دخل في أمور الدين إثباتا وإقرارا أو نفيا وإنكارا وإذا ما قال قائل إن العلم يثبت كذا من الأمور الروحية فإنه يكفينا منه هذه الكلمة لنسحب ثقتنا به كعالم وإذا ما قال إن العلم ينكر كذا من الأمور الروحية فإن هذه الكلمة تكفى أيضا لنسحب ثقتنا به كعالم إذ إن العلم فى المجال الروحى لا يثبت ولا ينفى وهذا واضح مما سبق أن ذكرناه
-۹۳-

ومع ذلك فقد يتيح العلم بأبحاثه فى ارتباط الكون وتنسيقه
وإبداعه والتناغم الذى يسوده والدقائق الباهرة التي يبينها علم التشريح مثلا في التركيب الحيواني قد يتيح العلم من كل ذلك لعلماء الدين وسائل يبنون عليها تذكيرهم وعظاتهم وبيانهم القائم على أن العالم لم يكن نتيجة الصدفة العمياء أو الاتفاق
الأصم ويبينون من نتائج العلم أن الآيات فى مجال المادة نفسها
تشهد أنها من صنع الله الذي أتقن كل شيء

ستريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لَهُم أَنَّهُ الْحَقُّ أو
لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد
إن العلم في الروح الإسلامية من أسس إسلام الوجه لله ونختم هذا الحديث عن العلم بما بدأنا به الحديث عنه من قوله
تعالى
إِنَّمَا يَخشى الله من عباده العلماء
٢ - العبادة
يقول الله تعا
J
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
وإذا أراد الإنسان أن يذكر كل التفصيلات التي وضح بها
القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هذه الآية الكريمة
لتوجيه الإنسان للتحقق بها فإنه يحتاج إلى كثير
-92-

لقد أراد الإسلام أن يصير الحياة - في شكلها وجوهرها
إلى عبادة وليس معنى ذلك أن كل إنسان يلزمه أن يعتكف في المسجد عابدا وإنما معنى ذلك أن كل ما يأتيه الإنسان وكل
عمل يدعه الإنسان يجب أن يتوافر فيه أمران
سنة
الأول أن يصدر فى العمل أو فى الترك عن الدين قرآنا أو
الثاني أن يريد بعمله أو بتركه الله
وجه
فإذا ما كان الأمر كذلك كان عبادة

يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الإمام البخاري
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه
إن هجرة الإنسان بعمله إلى الله أى إرادته بعمله وجـه الله تجعل من عمله عبادة يؤجر عليها ويثاب
أما

من كانت هجرته بعمله - أى إرادته به – لدنيا يصيبها
أو امرأة ينكحها فهجرته أى عمله المترتب على إرادته إنما هو
عمل دنيوى لا أجر عليه ولا ثواب حتى ولو كان العمل يتفق في مظهره مع الأعمال الصالحة
-90-

والحديث التالى له مغزاه العميق فى الدلالة على ما نريد
إيضاحه
روى الإمام مسلم رضى الله عنه عن أبي ذر رضى الله عنه أن ناسا قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور 1 بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال
أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهى عن المنكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر
قال أرأيتم لو وضعها فى حرام أكان عليه وزر فكذلك
إذا وضعها في الحلال كان له أجر !
يقول فيما رواه الإمامان البخاري ومسلم رضى الله عنهما عن أبى هريرة وعن عائشة رضى الله عنهما
فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته 1 أصحاب الثراء
-9-

فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة
الله
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول

أنه خلق كل إنسان من بنى آدم على ستين وثلاثمائة
مفصل فمن كبر الله
وحمد
الله وهلل الله
وسبح
الله
واستغفر الله وعزل حجرا أو شوكة أو عظاما عن طريق الناس
أو أمر بمعروف أو نهي عن المنكر عدد الستين والثلاثمائة
فإنه يمشى يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار
K
ولقد بدأ هذا التوجيه لجعل الحياة عبادة منذ اللحظة
الأولى التى اتصلت فيها السماء بالأرض عن طريق محمد صلوات الله وسلامه عليه أى بدأ هذا التوجيه منذ
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
إن الرسول والمسلمون معه يقتدون به قد وجهوا منذ اللحظة الأولى لأن تكون القراءة باسم الله أى لتكون القراءة
عبادة
4
ثم وجهوا إلى ألا يأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه فما لم
يذكر اسم الله عليه فسق
-9V-

ولا تأكلوا مما لم يُذكر اسم الله عليه وإِنَّهُ لفسق
وما ذبح على النصب أيضا فسق يحرم الأكل منه وكذلك
ما أهل لغير الله به
F
حُرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهل لغير الله به والمنخنقة والموقودة والمتردية والنطيحة وما أَكل السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَيْتُم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الَّذِينَ كَفَرُوا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فَإِنَّ الله غفور رحيم 1
ولقد ألف أسلافنا كتبا في عمل اليوم والليلة بينوا فيها كيفية عبادة المسلم دعاء كانت أو ذكرا فرضا من الفروض أو نقلا من النوافل في كل فترة من فترات اليوم والليلة ولقد بينوا الاتجاه إلى الله فى التجارة والزراعة فى المعمل والمصنع في المأكل والمشرب فى دخول البيت وفى الخروج منه في الذهاب إلى المسجد وفى دخول المسجد وفى المسجد وعند الخروج من المسجد وعند التحلى بالملابس الجديدة وعند رؤية الهلال
۱ سورة المائدة آية ٣
-9A-

وبالجملة في القول والصمت فى الحركة والسكون في
النوم واليقظة
ويريد
أسلافنا رضى الله
عنهم من ذلك أن يرشدوا
المسلمين إلى الكيفية التى كان بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي يعبر عنها القرآن الكريم حينما يقول الله تعالى موجها الخطاب إلى رسوله
قُلْ إِنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ET
لا شريك له وبذلك أُمِرْتُ وأَنا أَوَّلُ الْمُسلمين ۱

وقد جعل الله طريق القرب إليه فى أداء الفرائض ! وجعل
طريق حبه للعبد في الإكثار من النوافل يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيما يرويه عن ربه
من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدى
بشيء أحب إلى مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألني أعطيته وإن استعاذني لأعذته
والأولياء الذين آذن الله بالحرب من عاداهم هم
۱ سورة الانعام آية ١٦ - ۱٦٣
رواه البخارى
-99-

الذين آمنوا وكانوا يتقون
والتقوى تؤول في النهاية إلى ألا يعمل الإنسان عملا ولا
ينتهى الإنسان عن عمل إلا هو مراع الله في الإيجاب والسلب
طالبا رضاه في كل منهما أى من كانت حياته عبادة

والأساس في القرب من الله الأساس الذي بدونه لا يكون
الرضا من الله ولا القرب منه فى أى درجة من درجات القرب إنما هو أداء الفرائض
ثم تكون درجة حب الله للعبد بالإكثار من النوافل ونافلة
شهادة أن لا إله إلا الله إنما هى | الذكر
ونافلة شهادة أن محمدا رسول الله إنما هي الصلاة على
رسوله
وللصلاة نوافلها
وللزكاة نوافلها وهى الصدقة بجميع أنواعها صدقة الوقت وصدقة الجاه وصدقة المال وصدقة القول وصدقة الذكاء وصدقة كل نعمة أنعم الله بها على العبد وهى الإنفاق
من النعمة
وللصوم نفله ومنه الصوم عن اللغو والصوم عن الباطل
كما أن منه الصوم النفل المعروف
4
-1-

وإذا كانت الواجبات والفروض محددة فإن النوافل لاحدود
لنهايتها اللهم إلا أن تكون حدود الاستطاعة الإنسانية ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة فى كل ذلك كان يقوم من الليل حتى تنفطر قدماه
روى الإمامان البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها أن النبي كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقلت له لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك
ما تقدم من ذنبك وما تأخر
قال أفلا أكون عبدا شكورا
وكان رسول الله جوادا ولقد كان أجود الناس على العموم وكان أجود ما يكون فى رمضان حتى يعارضه جبريل عليه السلام القرآن فلرسول الله ل حينئذ أجود بالخير
من الريح المرسلة

وكثرة صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم معروفة مشهورة
وإذا كانت العرب قد وصفت رسول الله قبل البعثة
بأنه قد عشق ربه وذلك لما رأته من كثرة عبادته وتحنثه وخلوته فإن هذا الوصف بعد البعثة أصدق عليه
ورسول الله إنما هو التطبيق الواقعى للمبادئ

-11-

الإسلامية إنه صلوات الله وسلامه عليه الصورة الواقعية
كأكمل ما تكون لقوله تعالى
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
وهذه الصورة الواقعية هى النموذج الذي احتذاه ويحتذيه
من وطن العزم على أن يسلم وجهه لله حقا
والواقع أن تناسق العبادة مع إسلام الوجه لله وانسجامها بديهى إلى درجة أن مفهومها عندما تصبح العبادة عبودية فعبودة
يكاد يلتقى ويتحد
ومهما يكن من شيء فإنه كلما تعمق الإنسان في عبوديته
الله عن طريق كثرة عبادته كان إسلام وجهه الله أكمل فأكمل ومن أجل أن يستحث الإنسان الخطا إلى الحضرة الإلهية في شوق وفى تحمس ومن أجل أن ينشط هؤلاء الذين ينتابهم الفتور أحيانا ومن أجل بيان النتائج التي رتبها الله على الطاعات وعمل الخير فإنه سبحانه أوضح فى كثير من الآيات والأحاديث رعايته سبحانه وعنايته بمن يتجهون إليه عابدين متبتلين
والقاعدة العامة ما رواه البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم
فيما يرويه عن ربه عز وجل
إذا تقرب العبد إلى شبرا تقربت إليه ذراعا وإذا تقرب إلى ذراعا تقربت منه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة
- 1-

ويبدأ السير إلى الله تعالى بالاستغفار المخلص النصوح
فإذا كان الاستغفار كان ما رتبه الله سبحانه عليه
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كان غفارا يُرسل السماء عليكم مدرارا ١١ ويُمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم
أنها را 1
و یا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا
ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ٢
فاذا ما كانت التوبة
ف ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التوابين ﴾
والإيمان الصادق أى الإيمان المتضمن للعمل الصالح
في النجاة
سبب
ثُمَّ نُنجِي رُسُلَنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين ۳
والنصر حليف من ينصر
331
الله
ولينصرت الله من ينصره إن الله لقوي عزيز به
يا أَيُّها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم 4
۱ سورة نوح آية ١٠ - ١٢
سورة هود آية ٥٢ ۳ سورة يونس آية ١٠٣ ٤ سورة محمد آية ٧
-1-

والسعادة يمنحها الله للإنسان بشرطين
۱ - الإيمان
العمل الصالح
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا من ذكر أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنحيينه حياةً ولنجزينهم أجرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
والتقوى سبب فى الخروج من كل ضيق وحرج ومن كل
مأزق ومن كل هم وغم وسبب في سعة الرزق
3030

ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيثُ لا يحتسب
أما من يتوكل على الله فإن له فى الله الكفاية
ومن يتوكل على الله فهو حسبه
والذكر أو التسبيح له أثره في الإنقاذ والنجدة
فلولا أنه كان من
المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون
والجماعات والقرى إذا آمنوا واتقوا فتح الله عليهم أبواب
رحمته نازلة من السماء ونابعة من الأرض
والأرض
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء
أما أولياء الله - وهم الذين آمنوا وكانوا يتقون - فإن
البشريات والرحمات والبركات تتوالى علهيم فى الدنيا والآخرة
-12-

أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ET الَّذِينَ آمَنُوا
وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديـــــل
لكلمات الله ذلك هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمِ ﴾ ١
وإذا أردت أن تعرف رعاية الله للذين قالوا ربنا الله ثم
استقاموا فإن الله سبحانه يقول
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَا
033
تَخَافُوا ولا تحزنوا وأبشرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ 3 نَحْنُ أَولَيَاؤُكُمْ في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما
تدعُونَ ٣١ نُزُلاً مَنْ غَفُورٍ رَّحِيم ﴾
والأحاديث النبوية غاصة بألوان من العبادات قد رتب الله
عليها نتائج من رعايته
ونتبين من كل ما كتبناه سابقا أن العبادة عنصر من عناصر شخصية المسلم ولن يتأتى الزعم بأن شخصية المسلم تتحقق دون عنصر العبادة وكلما اتجه المسلم بحياته إلى أن تكون عبادة كلما حقق فى صورة أكمل الشخصية الإسلامية
*
*
-10-
۱ سورة يونس آية ٦٢ ٦٤

الفصل الثالث
عقبات مزيفة فى طريق إسلام الوجه لله
أو الإسلام وتحرير الشخصية
إذا فهم التوحيد على حقيقته واتخذه الإنسان شعارا له وطابعا فإنه يتحرر من رق العبودية لغير الله في مختلف ألوانه
وأشكاله
والإنسانية في مختلف أزمنتها وأمكنتها تخاف الموت وتخشاه وهذا يقودها إلى الاستعباد للأقوياء والذلة أمام الطغاة ولكن هذا الوضع لا يتمشى قط مع عقيدة التوحيد فإن مالك الملك إنما هو وحده الذى يملك الموت والحياة إنه يملك إماتة الطغاة أو تركهم لحكمة يعلمها سبحانه وهو الذي قدر الآجال وحددها فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا
يستقدمون
والحرص على الحياة أو الجبن ليس من أسباب إطالة
الأجل والشجاعة والإقدام ليسا من أسباب تقصير الأجل وقد
-1V-

بين
الله ذلك في كتابه الكريم إبانة تامة وكما أنه لكل أجل كتاب
فإنه لكل أمة أجل
أما هؤلاء الذين قالوا
لو كان لنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٍ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا ﴾
فإن الله سبحانه يرد عليهم
مضاجعهم
قل أو كنتم في بيوتكم لبرز الدين كُتب عليهم القتل إلَى
وهؤلاء الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا
ولَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا
فإن الله سبحانه وتعالى يأمر رسوله صلوات الله عليه
وسلامه أن يرد عليهم قائلا
فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾
أما الذين يفرون أمام أعداء الله فهؤلاء
إِنَّمَا اسْتَزلَهُمُ الشَّيْطَانُ ببعض مَا كَسَبُوا
إذن المؤمن الصادق الإيمان لا يعرف الجبن ولا يستزله الشيطان موسوسا له بالخوف من غير الله تعالى
وإذا كان خوف الموت هو الدعامة الأولى في زلة الإنسان
واسترقاقه فإن الدعامة الثانية هى هم الرزق
- ۱۰۸ -

والناس عادة ينتابهم القلق ويغمرهم الحرص على أقواتهم
ويلجأ بعضهم إلى وسائل لا تليق بالكرامة الإنسانية بل يصل الأمر بالبعض إلى مستوى التملق والمداهنة والمراءاة وبعضهم يصل به الأمر إلى الغش والرشوة والاختلاس وتستعبد المادة
والحصول عليها الإنسان فيصبح لها عبدا مسترقا
ولكن الإسلام وقد حرر المجتمع الإسلامي من خوف الموت
فقد حرره أيضا من هم الرزق فالرزق بيد الله
وما من دابة في الأرض إلا على الله رِزْقُها ويعلم مستقرها
ومستودعها
و ما يفتح اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمةِ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكَ فَلَا مُرْسَلَ
له من بعده وهو العزيز الحكيم
وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الرزق في السماء محدد مقسوم وأقسم سبحانه على أن ذلك حق واقع لقد أقسم سبحانه لما يعلم من ضعف الطبيعة البشرية وإشفاقها وقلقها
بالنسبة لأمر الرزق يقول سبحانه
وفي السَّمَاءِ رِزْقُكُم وما تُوعَدُونَ ET فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ
لحق مثل ما أنكم تنطقون
على أن صاحب الثراء العريض الذي يعتمد على ثرائه غير
ناظر إلى الله تعالى واهب الرزق والثراء قد يخسف الله به
- 19-

وبداره الأرض كما صنع بقارون أو يطوف ببساتينه ومزارعه طائف منه سبحانه فتصبح خاوية على عروشها كما فعل سبحانه بأصحاب الجنة الذين قص علينا أمرهم في القرآن الكريم في
سورة القلم

وما من شك فى أن السعى على الرزق مطلوب وأن العمل الجاد الكادح إنما هو من سمات الإسلام كل ذلك حق وإذا كان الرزق بيد الله تعالى وإذا كان العمل مطلوبا فإن ما ينهى عنه الإسلام إنما هو هذه الصورة الجشعة التى تحاول اقتناص المال من السبل غير المشروعة وهذه الصورة القلقة التي ترى أن عبدا من عباد الله بيده الرزق إعطاء ومنعا وبيده الرزق زيادة ونقصا أو أخذا وتركا فتستخزى أمامه وتذل
وقد حرر الإسلام بموقفه هذا المجتمع الإسلامي من أن
يكون هم الرزق سببا في ضعفه أو ذلته
والمصدر الثالث من مصادر استعباد الإنسان وذلته إنما هو وهم الحرص على الوظيفة أو المكانة الاجتماعية ومن أجل ذلك يسير بعض الناس في هذه الحياة وكل همه الاحتفاظ بوظيفته أو المحافظة على مكانته فيتزلف ويرائي ويعيش مطأطئ الرأس منحنيا فى ذلة وهوان وتلك نزعة يحاربها الإسلام ويحاول أن يجتثها من الوسط المسلم
وفى الحديث تلك النصيحة الحكيمة
-11-

واعلم أنه لو اجتمع أهل السموات والأرض على أن
يضروك بشيء ما ضروك إلا بشيء قد قدره الله عليك
ويقول
الله سبحانه وتعالى
إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِب لَكُمْ وَإِن يَخْذُلُكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي
ينصركم من بعده
وبعد فإنه إذا تحررت الشخصية من هم الخوف على الحياة فلا يكون الإنسان جبانا ومن هم القلق على الرزق حتى لا ينحرف الإنسان في طلبه ومن الحرص على الوظيفة الذي يقود إلى التسامح في الكرامة الإنسانية

إذا استجاب الإنسان إلى الله فى ذلك يكون قد حقق التحرر
الذي أراده الله ورسوله للمسلمين
*
*
*
-111-

۱ - الجهاد
الفصل الرابع
من نتائج إسلام الوجه لله
إن إسلام الوجه لله جوهر شخصية المسلم وهذا الجوهر
يقوم على دعامة ذات عنصرين هما
العلم والعبادة

فإذا ما تحقق هذا الجوهر فإن له نتائج تنبثق عنه ومن
أولى هذه النتائج
الجهاد في سبيل الله
أى الجهاد حتى يسود إسلام الوجه لله أو الجهاد من أجل سيادة إسلام الوجه لله
وما من شك في أن المبدأ الذى يغمر جميع أقطار النفس فتتشبع به يفيض عنها منتشرا فى الأفق أو الآفاق على حسب قوته الدافعة فإذا ما تشبعت النفس بإسلام الوجه لله فإنه
لا مناص من أن تجاهد في سبيل نشره
-۱۱-

على أن الإسلام لم يترك أمر الجهاد للحرية الفردية أو
للاختيار الشخصى أو للاتفاق والمصادفة وإنما أراد أن يجعل منه طابعا للمسلم وشارة ملازمة وعنصرا في شخصيته لقد أراد الإسلام أن تتحقق بالفعل ثمرة إسلام الوجه لله عند جمهور المسلمين وأن يتبينها من غفل عنها وأن تتضح في ذهن من لم يكن متنبها إليها فمن أسلم وجهه لله حقا لا مناص من أن يعمل على أن يسلم الآخرون وجههم ! لله سبحانه وإلا كان إسلام لله أشبه بالنظرى منه بالحقيقي
وجهه
لقد حدد الإسلام بتسميته نفسها رسالة الأمة الإسلامية بأنها الإسلام أو هي أن تسلم الإنسانية وجهها لله ولقد كلف الإسلام الأمة الإسلامية بذلك ووضع مبدأ الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر موضع المبادئ الدينية المقررة بل جعله من تقوم عليها خيرية الأمة الإسلامية وتميزها عن غيرها
الأسس
س التي
فالأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس لأنها تأمر
بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله يقول تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمُرُونَ بِالْمَعْرُوف وتنهون عن
الْمُنكَر وتُؤْمِنُونَ بالله
ويلاحظ - من ترتيب الآية الكريمة مدى الاهتمام الكبير
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد ذكرهما الله سبحانه قبل
-112-

الإيمان به لينبه الأذهان إلى أهميتهما وإن كان من المعلوم أن الإيمان بالله أساس كل عمل صالح وأنه بدونه لا تكون النجاة ولا الفلاح
وفي مقابل ذلك يلعن الله الذين كفروا من بنى إسرائيل
لأنهم لم يكونوا يتناهون عن منكر فعلوه يقول تعالى لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ٢٨ كانوا لا يتناهون عن منكر فَعَلُوهُ لبئس ما كَانُوا يَفْعَلُون
ومــا الأمر بالمعروف وما النهي عن المنكر في الأمة الإسلامية إلا وسيلة من وسائل الجهاد في سبيل الله
والجهاد في سبيل الله أوسع دائرة وأبعد مدى من أن يقتصر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد يكون المنكر مستقرا ثابتا أو قويا جارفا بحيث لا يجدى فيه الكلام والوعظ والنصائح ولابد من استعمال آلة القتال يدا كانت أو
سيفا أو مدفعا

إن الشر أحيانا يحتاج إلى وسيلة أقوى من الكلام وفي
هذا النوع من الشر يقول شوقى
والشر إن تلقه بالخير ضقت به ذرعا وإن تلقه بالشر ينحسم
11101

ولقد بين الإسلام وسائل الجهاد بحـ
والملابسات
وبحسب الإمكانيات والاحتمالات
الظروف
عن ابن مسعود رضى الله عنه - فيما رواه الإمام مسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
ما من نبي بعثه الله فى أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل

إن الدين الإسلامي رسالة أوجب الله نشرها وإذاعتها على الأمة الإسلامية وكما أوجب الله نشرها وإذاعتها في جانب العقيدة فقد أوجب نشرها وإذاعتها في جانب الأخلاق في جانب الخير في جانب الفضيلة في جانب العدالة في جانب الرحمة وهذا الحديث الشريف بيان لأصل من الأصول الإسلامية الكبرى في إصلاح المجتمع وفى القيام على توجيهه
التوجيه الصحيح
والمجتمع أى مجتمع كان تختلف إمكانيات أفراده بحسب
۱ رواه مسلم
-11-

أوضاعهم وإمكانيتهم فى المجتمع فبعض الناس مسيطرون مهيمنون فى أيديهم سلطة القانون وسلطة تنفيذه وهؤلاء عليهم واجب الجهاد باليد أى الجهاد بسلطة القانون الذي بأيديهم وأن يقوم جهادهم على أساس من الدستور الإسلامي وهو القرآن الكريم وسنة رسول الله القولية والعملية

وبعض أفراد المجتمع هيا الله لهم جو المعرفة والعلم فنهلوا من هذا المعين العذب وهؤلاء عليهم أن يبشروا بالفضيلة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا عن طريق الموعظة والإقناع
والحجة والبرهان
وتأتى بعد ذلك الطبقة التى تجاهد بقلبها وهذه الطبقة وإن كانت - فى المرتبة الأولى - طبقة الذين لا يستطيعون الجهاد باليد ولا الجهاد باللسان فإنها في حقيقة الأمر تعم جميع أفراد الأمة أي أن المجاهد بيده يجب أن يكون فى الوقت نفسه مجاهدا
بقلبه
والمجاهد بلسانه يجب فى الوقت نفسه أن يكون مجاهدا
بقلبه وينتفى الإيمان في وضعه السليم الصادق بانتفاء الجهاد
4
القلبى والجهاد القلبى معناه عدم الرضا عن فعل المنكر ومظهر عدم الرضا إنما هو اعتزال فاعل المنكر إذا لم يرعو ولم يأخذ بالنصيحة فإذا كان تاجرا لا يشترى الإنسان منه وإذا كان مشتريا لا يبيعه وإذا كان صديقا يقطع صداقته فلا يؤاكله
-۱۱۷-

ولا يشاربه ولا يجالسه وإذا كان مرشحا لأية هيئة نقابية مثلا
لله
حرم
لا يساعده ولا يعينه ولا ينتخبه وذلك أن المجاهر بالمنكر محاد ورسوله وجزاء الذين يحادون الله ورسوله معروف وقد الله سبحانه أن يعقد المؤمن صداقة ومودة بينه وبين الذين يجاهرون بالمنكر فقال سبحانه لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوَادُّونَ من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قُلُوبهم الإيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحِ مَنْهُ وَيُدْخِلُهُم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أُولئك حزب الله أَلا إِنَّ حزب الله هم المفلحون
هذا هو الجهاد القلبى إنه ليس جهادا سلبيا بمعنى الكلمة وإنما هو في حقيقة الأمر علاج حاسم للمجاهرين بالمنكر
وذلك أن المجاهر بالمنكر حينما يشعر بنفسه مهينا في المجتمع وحينما يشعر بأن الناس يتحاشونه كما يتحاشون وباء خبيثا فإنه يعود مضطرا أو مختارا إلى الجادة
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكرا
فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه
وذلك أضعف الإيمان ۱
6
4
۱ رواه مسلم
-114-

وصور رسول الله المجتمع ووجوب الأخذ على يد
المفسد فيه - حتى لا يكون الهلاك - بالصورة الرائعة التالية التي
رواها الإمام البخارى عن النعمان بن بشير عن رسول الله
قال
مثل القائم فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا 1 وروى الترمذي عن حذيفة رضى الله عنه عن النبي
قال
والذي نفسي بيده لتأمر بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب
لكم
قال

وعن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبي
أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ۳
۱ رواه البخاري
رواه الترمذي
۳ رواه الترمذي وأبو داود
4
-119-

ولقد هدد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة الإسلامية إذا تهاونت في
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال له فيما رواه أبو داود
عن ابن مسعود رضى الله عنه
إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض
ثم قال
لعن الَّذِينَ كَفَرُوا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن
YA
ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ۸ كانوا لا يتناهون عن منكر فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يفعلون ۷۹ ترى كثيراً منهُم يَقُولُونَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُم أَنفُسهمْ أَن سخط اللهُ عليهم وفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتَّخَذُوهُم أولياء ولكن كثيرا منهم فَاسِقُونَ ﴾ ۱
ثم قال كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم
ليلعنكم كما لعنهم ٢
۱ سورة المائدة آية ۷۸ - ۸۱
رواه أبو داود والترمذي

-1-

وقد بين سيدنا أبوبكر رضى
الله عنه
الأخذ
وجوب
على يد الظالم
فعنه
رضی الله عنه قال
يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية
يا أَيُّها الذين آمنوا عليكم أنفُسَكُمْ لا يَضُرُكُم مِّن ضَلَّ إِذا اهتديتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن
الله بعقاب منه ۱ يعمهم
بينه
وسبيل الله الذى من أجله كان الجهاد بوسائله المختلفة قد الله في القرآن الكريم تفصيلا إن الله قد بين بالتفصيل ما
يتضمنه إسلام الوجه لله
"
إن إسلام الوجه لله يتضمن التوحيد في العقائد

والعدل في المعاملات
والرحمة في الأخلاق
ويتضمن النصفة من النفس في كل الأحوال
وما خالف ذلك فإنما هو المنكر إنه

۱ رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة
-۱۱-

معانيه
الشرك في العقائد
وإنه الظلم في المعاملات
وانه الغلظة وقساوة القلب في الأخلاق
ومن أجل إزالة المنكر بجميع ضروبه كان الجهاد بأوسع

ولقد بين الله سبحانه بعض أنواع المنكر التي شرع الجهاد لإزالتها ومن الآيات التالية نتبين بعض هذه الأنواع
يقول تعالى
A

فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف تؤتيه أَجْرًا عَظِيمًا ٢٤ وما لَكُمْ لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين
يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا
واجعل لنا من
لدنك نصيرا
ويقول تعالى
الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل
الطَّاغُوت فقاتلُوا أُولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا
أما الآية الأولى التي أذنت بالجهاد وأباحته فقد تضمنت
أيضا بعض أسباب هذا الإذن وهذه الإباحة
-۱-

أذن للذين يُقَاتِلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نصرهم لقدير ٣
الَّذِينَ أُخْرِجُوا من ديارهم بغير حق إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا الله ۱ وقد جاء هذا الإذن حينما أصبحت الأمة الإسلامية بحالة
تمكنها من رد الظلم والدفاع عن الحق ونشر رسالة السماء ولأن الأمة الإسلامية قد كلفها الله تكليفا وفرض عليها فرضا أن تبلغ رسالته سبحانه وأن تقوم عليها وتتكفل بتحقيقها في نفسها والعمل على إذاعتها وتحقيقها في خارج أقطارها حتى يكون الدين كله لله وحتى لا تكون فتنة ولا ظلم وحتى يزول الشرك أجمع

نقول لأن الأمة الإسلامية هذه رسالتها وهذه الرسالة لابد لها من الكفاح المستميت فقد أوجب الإسلام الجهاد إيجابا وشجع عليه بكل السبل الممكنة واستعمل - في جعله من الخصائص المميزة للأمة الإسلامية - كل الوسائل حتى يصبح
وكأنه من طبيعة الأمة
لقد بين الاسلام

غايات الجهاد الشريفة وأنه من أجل رسالة
هذه الرسالة ليست من صنع بشر يخطئ ويصيب وإنما
هي صنع الله وأنزلها على لسان رسوله بالتعبير الإلهى نفسه
۱ سورة الحج آية ٣٩ - ٤٠
-۱-

أى أنها فى غاية الإحكام والدقة أسلوبا وشكلا كما أنها في غاية الدقة والإحكام جوهرا ومعنى لأنها من لدن حكيم خبير لقد أحكم آياتها حكيم وفصل آياتها خبير فهى متضمنة في كتاب أحكمت آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾
ولقد تكفل الله بحفظه على مر العصور والأيام فلا يتغير
ولا يتبدل

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون ﴾
- وبين سبحانه أن الشجاعة لاتقصر الأجل وأن الجبن
لا يطيل الأجل ذلك أن الآجال محددة فإذا جاء أجلهم لا

يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وقد بينا ذلك فيما سبق ٣ - وبين سبحانه أن التفرغ للقتال لا يصرف عن الإنسان الرزق فالرزق مضمون قد ضمنه الله تعالى وأقسم سبحانه على ذلك حتى لا يغمر القلق أقطار النفس الإنسانية من أجل الرزق وقد بينا ذلك أيضا فيما مضى
٤ - وبين الله سبحانه أن الاستئذان في التخلف عن الجهاد يتنافى مع الإيمان بل يتعارض معه بل ينتفى الإيمان
عند التخلف
مع القدرة
لا يستئذنُكَ الذين يُؤْمِنُونَ باللَّه وَالْيَوْمِ الآخر أَن يُجَاهِدُوا
بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين ٤٤ إِنَّما يَستَتَذنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون
-11E-

وموالاة الأعداء كفر
لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أُولئك كتب في قُلُوبِهِمُ الإيمان وأيدهم بروح منهُ ويُدخلهم جنات تجري من تحتها الله الأنهار خالدين فيها رضي عنهم ورضوا عنهُ أُولَئِكَ حزب الله أَلا إِنَّ حزب الله هُمُ الْمُفْلِحُونَ
- والجهاد تجارة مع الله وهى تجارة رابحة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُكُمْ عَلَى تجارة تُنجيكُم مَنْ عَذاب أليم تُؤْمِنُونَ بِاللَّه ورسوله وتُجَاهِدُونَ في سبيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذلكم خير لكم إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ 11 يغفر لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتِ تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيـ وأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصر من الله وفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
- وإذا انتهى الجهاد إلى الاستشهاد فالمصير الجنة
والقرب من الله وفى القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أروع
وأجمل تصوير لمكانة الشهيد في الآخرة
يقول تعالى
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ
يرزقون 119 فرحين بما آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا
-10-

بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنُونَ ١٧٠ يستبشرون بنعمة من
الله وفَضْل وأَنَّ الله لا يُضيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِين
تشعرون
ويقول سبحانه
ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا
أما الأحاديث فمنها هذا الحديث الرائع حقا
يحدث ابن كثير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى جابر بن
عبد الله مهتما لاستشهاد أبيه فى غزوة أحد قال له مطمئنا
ومبشرا
ألا أخبرك ما قال الله لأبيك فقال جابر
قلت بلى قال
ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب وأنه كلم أباك
كفاحا والكفاح المواجهة ۱
قال
سلني أعطك
۱ رواه الترمذي وحسنه وابن ماجة بإسناد حسن أيضا والحاكم وقال
صحيح الإسناد
-1-

قال
أسألك أن أرد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية
فقال الرب عز وجل
إنه قد سبق منى القول بأنهم إليها لا يرجعون
قال
أى رب فأبلغ من ورائى
أى أبلغهم بهذه النعمة الكبرى التى يتقلب فيها الشهيد في
الجنة
فأنزل الله تعالى
re
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ١٦٩ فرحين بما آتَاهُمُ اللهُ من فضله ويستبشرون بالذين لم يلْحَقُوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ١٧٠ يستبشرون بنعمة من الله وفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضيعُ أَجْرَ الْمُؤمنين ﴾ ١
فالشهيد سعيد باستشهاده ويتمنى أن لو أعيد إلى الدنيا
مرة أخرى ليكون شهيدا من جديد
ومن الأحاديث أيضا أن حارثة بن سراقة قد استشهد في
۱ سورة آل عمران آية ١٦٩ - ۱۷۱
-۱۷-

غزوة بدر فأتت أمه - وهى بنت البراء - رسول الله
4
فقالت
يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء
فقال
يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس
الأعلى
وروى الإمام البخارى والإمام مسلم عن أنس رضى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
الله
ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما
على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا
فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة

وفى رواية لما يرى من فضل الشهادة

- أما الآية الكريمة التى يقول عنها صاحب الكشاف
ولا ترى ترغيبا فى الجهاد أحسن ولا أبلغ من هذه الآية
إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة
يُقَاتِلُونَ في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوراة والإنجيل

-YA-

والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك
هو الفوز العظيم

بشر
يقول صاحب الكشاف
ولا ترغيبا فى الجهاد أحسن ولا أبلغ من هذه الآية
لأنه أبرزه فى صورة عقد عاقده رب العزة
وثمنه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب
ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط بل إذا كانوا قاتلين أيضا لإعلاء كلمته ونصر دينه وجعله مسجلا في الكتب السماوية وناهيك به من صك
وجعل وعده حقا ولا أحد أوفى من وعده فنسيئه أقوى من
نقد غيره
تمثيلية

وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم وهو استعارة صور جهاد المؤمنين وبذل أموالهم وأنفسهم فيه وإثابة الله لهم على ذلك الجنة بالبيع والشراء
وأتى بقوله يقاتلون إلخ بيانا لمكان التسليم وهو
المعركة وإليه الإشارة بقوله
1
1 أخرجه البخارى فى - كتاب الجهاد وفى باب الجنة تحت بارقة
السيوف عن عبد الله بن أبي أوفى
۱۹

الجنة تحت ظلال السيوف
ثم أمضاه بقوله ذلك هو الفوز العظيم
۹ - أحاديث عن الجهاد
عن أبي ذر رضى
الله عنه قال
قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل
قال الإيمان بالله والجهاد في سبيله

۱
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله
من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة
من النفاق

وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله يقول والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لاتطيب أنفسهم أن يتخلفوا عنى ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في
سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل
۳
1 أخرجه مسلم
رواه البخاري ومسلم
۳ أخرجه البخارى
-1-

وعن أبي هريرة رضى
الله عنه

فيما رواه الترمذي - قال
مر رجل من أصحاب رسول الله ل بشعب فيه عيينة
من ماء عذبة فأعجبته فقال
4
لو اعتزلت الناس فأقمت فى هذا الشعب ولن أفعل حتى
أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم

فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ! قال
لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته بسبعين عاما ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة ! اغزوا في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة
وروى أبو داود بإسناد جيد عن أبي أمامة رضى
الله عنه
أن رجلا قال يا رسول الله ائذن لي في السياحة فقال
النبي إن سياحة أمتى الجهاد في سبيل الله عز وجل ٢
وروى أبو داود بإسناد صحيح عن أبي موسى رضى الله
عنه أن النبي كان إذا خاف قوما قال
اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم
۱ رواه الترمذي
رواه أبو داود
۳ رواه أبو داود
-11-
۳

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته الكثيرة التي قادها
بنفسه وفى أوامره للقادة حينما لا يذهب مع الحملة مثلا
تطبيقيا واقعيا لما يحبه
الله للمسلم مجاهدا شجاعا لا يولى
يوم الزحف ولا يوالى الأعداء
ورسول الله لم يتراجع في موقعة قط إنه صلوات الله وسلامه عليه لم يتراجع فى أحد وهو صلوات الله
وسلامه عليه لم يتراجع يوم حنين
وإذا أسلم المسلم وجهه لله مؤسسا ذلك على العلم المستنير
وعلى العبادة الصادقة فإنه لا محالة مجاهد بنفسه وماله في
سبيل الله
والجهاد إذن طابع المسلم الصادق
وإذا كان العلم من أسس إسلام الوجه لله فإن الجهاد من
ثمار إسلام الوجه الله
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بأموالهم وأنفُسهم في سبيل الله أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون
**
*
-۱-

٢ - الرحمة
إن الرحمة من الصفات التى يوصف بها الله سـبـحــانـه وتعالى ويوصف بها الإنسان
فإذا نظرنا إليها باعتبارها صفة الله تعالى كان معناها الصفة التى بها الإنعام والتفضل والإحسان
أما إذا نظرنا إليها باعتبارها صفة للإنسان فإن معناها الرقة في القلب والتعطف
وللرحمة مكانة كبرى فى الإسلام ففيها يتركز هدف الرسالة الإسلامية يقول الله تعالى لرسوله الكريم
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين

والقرآن الكريم حينما حدد هدف الرسالة الإسلامية بالرحمة لم يقل رحمة الأهل أو العشيرة وإنما قال
و رحمة للعالمين
فشملت كل العوالم فى ملك الله تعالى فهى رحمة ليست
4
خاصة بالإنسان

ومن النماذج الرائعة في الحث على الرحمة بالإنسان قوله
فيما رواه الإمام مسلم

-۱۳۳-

إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت
فلم تعدني

قال يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين
قال أما علمت أن عبدى فلانا مرض فلم تعده !! أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده
يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني !!
قال يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين !!
قال أما علمت أنه استطعمك عبدى فلان فلم تطعمه ! أما علمت أنك لو اطعمته لوجدت ذلك عندى
يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني !
قال يارب كيف أسقيك وأنت رب العالمين !
قال استقاك عبدى فلان فلم تسقه
أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندى !
ونتحدث الآن عن الرحمة من ثلاثة جوانب !
۱ - من حيث كونها صفة الله تعالى
- من حيث كونها صفة للرسول صلى الله عليه وسلم
- من حيث المبادئ الإسلامية

-12-

لقد سمى
الله نفسه الرحمن وسمى نفسه الرحيم وبدأ كل سورة من سور القرآن الكريم ببسم | الله الرحمن الرحيم وطلب إلينا حينما نشرع فى عمل أو نبدأ في أمر من أمور الخير بل من الأمور العادية المباحة أيا كان أن نسمى |
سبحانه ونضيف إليه تعالى صفة الرحمن الرحيم فنقول في مفتتح كل شيء بسم الله الرحمن الرحيم
الله
ولقد كان الرسول صلوات الله عليه وسلامه يذكر المؤمنين دائما برحمة الله ليقتدوا به
4
وفى مرة - بينما كان الرسول صلوات الله عليه وسلامه عائدا من غزوة ذات الرقاع - جاء رجل بفرخ طائر فأقبل أحد أبوى الفرخ حتى طرح نفسه بين يدى الذى أخذ فرخه فعجب الناس من ذلك فانتهز رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرصة كعادته ليعظهم ويذكرهم بالله ويحببهم فيه فقال
أتعجبون من هذا الطائر ! أخذتم فرخه فطرح نفسه
رحمة لفرخه والله لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه

وفي مرة رأى رسول الله امرأة تضم طفلها إلى صدرها فى حنان بالغ وحب عميق فالتفت إلى أصحابه وقال
لهم
اترون هذه طارحة ولدها في النار
قالوا لا والله يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم
110-

والله الله أرحم بعباده من هذه بولدها
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في وصف الله
بالرحمة وفى التحدث عن رحمته سبحانه كثيرة
يقول الله تعالى
وَكَانَ بالْمُؤْمِنِينَ رحيما
ويقول تعالى
إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيم
والله سبحانه وتعالى
خير الراحمين
وهو سبحانه خير الغافرين
وقد كتب ربكم على نفسه الرحمة
ومن آياته سبحانه وتعالى أن
ورحمة
1
1
خَلَقَ لَكُم مَنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً
ويأمر سبحانه الذين أسرفوا على أنفسهم ألا يقنطوا من
رحمة الله تعالى فيقول سبحانه
۱ سورة المؤمنون آية ۱۱۸
سورة الأعراف آية ١٥٥ ۳ سورة الأنعام آية ۱
-١٣٦-

قُلْ يَا عِبَادِي الذين أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّه
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۱
ويأخذ الله سبحانه على الإنسان بخله حتى ولو ملك
خزائن رحمته التى لا تنفد فيقول سبحانه
قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربِّي إِذًا لأمسكتم خشية الإنفاق

وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُورًا 1
أما من يقنط من رحمة ربه فإنه من الضالين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ٣
والله سبحانه في النهاية أرحم الراحمين
يقول سيدنا موسى - كما عبر عنه القرآن الكريم -
رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم
الراحمين ٤
ويقول سبحانه على لسان سيدنا يعقوب
۱ سورة الزمر آية ٥٣
سورة الإسراء آية ١٠٠
۳ سورة الحجر آية ٥٦ ٤ سورة الأعراف آية ٦٤
۱۳۷-

فَاللَّهُ
خیر
حافظا وهو أرحم الراحمين 1
ويقول تعالى على لسان سيدنا يوسف
قَالَ لا تثريب عليكم اليوم يغفرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرحم الراحمين
وسيدنا أيوب يدعو ربه فيقول
أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين
ونختم الحديث عن رحمة الله تعالى بقول سيدنا شعيب
عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم مخاطبا قومه
واستغفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحيمٌ ودُود
وإن وصف الله سبحانه بالرحمن الرحيم وبأنه أرحم
الراحمين وبأنه رحيم ودود لينقض باطل المستشرقين أصحاب الهوى فى زعمهم أن الدين الإسلامى دين لا رقة فيه وهل هناك أرق من وصف الله تعالى بالرحمن الرحيم ووصفه بأنه أرحم الراحمين وإن الرقة كلها لتتمثل في قوله تعالى
إن ربي رحيم ودود
ومن الأحاديث نذكر ما أخرجه الترمذي وصححه عن
۱ سورة يوسف آية ٦٤
سورة يوسف آية ٩٢ ۳ سورة الانبياء آية ٨٣
4
4
-۱۳۸-

عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول
قال الله تعالى
أنا الرحمن خلقت الرحمة وشققت لها اسما من اسمى
فمن وصلها وصلته ومن قطعتها قطعته
رسول الله صلى الله عليه وسلم والرحمة


ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رحمة للعالمين
ويتحدث الرسول عن وضعه في هذا العالم فيقول
إنما أنا رحمة مهداه ۱

ويروى الإمام مسلم في صحيحه أنه
قيل يا رسول الله ادع على المشركين
قال إنى لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة
ولقد اتصف رسول الله له بالرحمة طيلة حياته
إن السيدة خديجة رضوان الله عليها تصفه فتقول
في تأكيد وفي ثقة
۱ ذكر ابن كثير أسانيد هذا الحديث عند تفسير قوله تعالى وما أرسلناك
إلا رحمة للعالمين
-19-

إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدم وتقرى
الضيف وتعين على نوائب الحق

وهذا الوصف الذى رواه الإمام البخاري في الحديث الذي وصف بدء الوحى إنما يتبلور في كلمة الرحمة
وفي يوم من الأيام رأى أحد الأعراب رسول الله
يقبل أحد أحفاده فقال مندهشا
أتقبلون أبناءكم
إن لى عشرة من الأولاد ما قبلت واحدا منهم قط فعرفه صلوات الله عليه وسلامه في نوع من الاستهجان أن الله قد
نزع الرحمة من قلبه

ولقد تعدت رحمته الإنسان إلى الحيوان وكتب
السيرة تروى أنه صلوات الله عليه وسلامه مرد ذات
يوم
على
بستان رجل من الأنصار فدخله فإذا جمل يئن وتذرف عيناه
فأتاه النبي فمسح عليه فسكت ثم قال صلوات الله
وسلامه عليه
من رب هذا الجمل
فجاء فتى من الأنصار
فقال هذا لي يا رسول الله
6
-12-

فقال له ألا تتقى الله عز وجل في هذه الـبـهـيـمـة التي
ملكك الله إنك تجيعه وتدئبه أى تتعبه وتجهده
فخجل الشاب الأنصارى وتغير سلوكه مع الجمل

ونختتم الكلام عن رحمة الرسول ل بقول الله تعالى
لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَليهِ مَا عَنتُمْ حَرِيص عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رَحِيمٌ ۸ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ حسبي

توكلت وهو رب العرش العظيم ٢٩
المؤمنون وصفة الرحمة
يقول صلوات الله عليه وسلامه معرفا بعض صفات
المؤمنين
مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل
الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر
والحمى
ويقول الله تعالى
وجعل بينكم مودة ورحمة
ومن القصص ذات المغزى العميق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحدث عن الرحمة ويحث عليها ويدعو إليها ويعرف منزلتها من الدين فقال بعض الصحابة رضوان الله عليهم إننا نرحم
-121-

أزواجنا وأولادنا وأهلينا فلم يرض هذا القول رسول الله لأنه فهم قاصر محدود لما ينبغى أن يكون عاما شاملا ولذلك رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله
ما هذا أريد إنما أريد الرحمة العامة
وما من شك فى أن من الرحمة رحمة الأزواج والأولاد والأهل وقد حث على ذلك رسول الله ل بيد أن ما أراده الرسول إنما هو أن تتغلغل الرحمة فى الكيان الإنساني كله حتى تصبح وكأنها من فطرته وطبيعته وجبلته فيكون الإنسان وكأنه قبس من الرحمة الإلهية ينثرها إذا سار وينثرها أينما كان وينثرها حيثما حل وإذا كان كذلك فإنه يكون قد حقق الطابع العام للرسالة الإسلامية واستحق أن يغمره الله برحمته
يقول صلوات الله وسلامه عليه
الراحمون يرحمهم الرحمن
ويقول الله في حديث قدسي

اطلبوا الفضل من الرحماء من عبادي فإني جعلت فيهم رحمتى ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإني جعلت فيهم
سخطی

أما من لم ينبض قلبه بالرحمة ولم يتخذها شعارا له فإنه والعياذ بالله مطرود من رحمة الله يقول صلوات الله
وسلامه عليه
-١٤٢-

لا تنزع الرحمة إلا من شقى
والأعمال الإنسانية التي تصدر عن هذا الطابع العام والتي
يدعو إليها الإسلام لا حصر لها
وأولها لاشك إنما هو رحمة الإنسان بنفسه
ورحمته بنفسه إنما تتلخص في كلمتين عمل ما أمر
الله به واجتناب ما نهى الله عنه
لقد رسم الدين مبادئ للفضيلة وقواعد للنجاة
L
وحدد معالم الجريمة والمعصية وحذر من الوقوع فيها
وجعل السعادة فى الدنيا والآخرة منوطة بعمل ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه ولن يكون الإنسان على هدى ولن يصل إلى أن يكون قبسا من الرحمة الإلهية إلا إذا التزم التزاما كاملا بالتعاليم الدينية
وهذا يسلمنا إلى الفكرة الواضحة البديهية وهى أن العمل الإنساني فى أى اتجاه من اتجاهاته إنما حدده أحكم الحاكمين فى كتابه الكريم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا
من خلفه
وما من شك في أن من ابتغى الهدي فـي غـيـره أضله الله
لأنه حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم
4
-١٤٣

وإذا كان الواجب الأول على الإنسان إنما هو رحمته بنفسه بالمعنى الذى وضحنا فإن هذا الواجب يتضمن ما لا يكاد يحصى من الواجبات الأخرى الإنسانية ومن أوائلها صلة الرحم عن أبى هريرة رضى الله عنه فيما رواه البخاري عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال
إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم
هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم أما ترضين أن
أصل من وصلك وأقطع من قطعك
قالت بلى يارب
قال فهو لك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقرءوا إن شئتم
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوليتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتَقْطَعُوا أَرْحَامَكُمْ أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم
ومن بديهيات صلة الرحم أن يبدأ الإنسان بوالديه وقد قرن الله تعالى صلتهما - لأهميتها - بعدم الإشراك به في
العبادة فقال تعالى
وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وبالوالدين إحسانًا
وقال صلوات الله وسلامه عليه
-122-

الجنة
من بر والديه وأحسن إليهـ ا فليس له من جزاء إلا
ويقول صوات الله وسلامه عليه في الحث على صلة
الرحم عموما
رحمه
من أراد أن يبارك الله له في رزقه وأجله وعمله فليصل
و من الرحمة الرحمة بالجار وقد وردت في ذلك أحاديث
كثيرة يقول صلوات الله وسلامه عليه
ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه
وإذا كان الدين قد عين بعض الطوائف بالذات فإنه لم يرد بذلك أن تقتصر الرحمة عليها لأن المقصود كما يقول رسول الله
الرحمة العامة الرحمة التى تعم العالم التي تعم البشرية بأكملها بل وتتجاوزها إلى العوالم الأخرى كل العوالم الأخرى
ولذلك قال تعالى
وما أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين
بصيغة الجمع لا بصيغة المفرد
ومن أجل ذلك تتضمن الرحمة في الجو الإسلامى الرحمة
بالحيوانات أيضا
-120-

عن ابن عمرو رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت امرأة النار فى هرة ربطتها فلم تطعمها ولم
تدعها تأكل من خشاش الأرض
وفى رواية عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت لا
هي أطعمتها وسقتها إذ هى حبستها ولا هي تركتها تأكل من
خشاش الأرض ۱
وعن سهل بن الحنظلية رضى الله عنه قال مر رسول
الله صلى الله عليه وسلم
ببعير قد لصق ظهره ببطنه فقال
اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة
وكلوها صالحة ٢
وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دنا رجل إلى بئر فنزل فشرب منها وعلى البئر كلب يلهث فرحمه فنزع إحدى خفيه فسقاه فشكر الله له فأدخله الجنة ۳
۱ رواه البخارى وغيره ورواه أحمد من حديث جابر فزاد في آخره
فوجبت لها النار بذلك
رواه أبو داود
۳ رواه ابن حبان في صحيحه ورواه مالك والبخارى ومسلم وأبو داود
-12-

أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم في الرحمة عن جرير بن عبد الله رضى الله عنه قال قال رسول الله
يقول

من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ۱
وعن أبي موسى رضى الله عنه أنه سمع النبي
لن تؤمنوا حتى تراحموا

قالوا يا رسول الله
كلنا
رحيم
! قال
إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمة العامة ٢
وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال سمعت رسول الله
يقول
يقول
من لم يرحم الناس لم يرحمه الله ۳
وعن جرير رضى الله عنه قال سمعت رسول الله
من لا يرحم من فى الأرض لا يرحمه من في السماء ٤
۱ رواه البخارى ومسلم والترمذي وأحمد
4
رواه الطبراني
۳ رواه الطبراني
٤ رواه الطبراني
-12V-

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي ا الله عنهما أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
4
الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض
يرحمكم من في السماء
1
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال سمعت الصادق المصدوق صاحب هذه الحجرة أبا القاسم يقول
لا تنزع الرحمة إلا من شقى
*
وقال
المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ٣
وعن عائشة
رضی
الله عنها قالت قدم ناس من الأعراب
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا أتقبلون صبيانكم فقال نعم
قالوا لكنا لا نقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

أو أملك أن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة
وقال
إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف
۱ رواه أبو داود والترمذي
رواه أبو داود والترمذي وابن حبان
۳ رواه البخاري ومسلم
٤ رواه البخاري ومسلم
-1EA-

والسقيم والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال

المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله فى حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج
الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره
الله
يوم القيامة

وقال صلى الله عليه وسلم

المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه التقوى ها هنا
بحسب المسلم من الشر أن يحقر أخاه المسلم ۳
وقال
لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ٤
۱ رواه البخاري ومسلم
رواه البخاري ومسلم
۳ رواه الترمذى وقال حديث حسن
٤ رواه مسلم
-129-

ومن رحمة الله تعالى بالبشرية إذن أن أرسل رسوله
وأنزل كتابه رحمة وسلاما وهداية يقول تعالى
١٥
قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ 10 يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ
رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى
صراط مستقیم ۱
من سمات الدين الإسلامى إذن ومن سمات الرسول
ومن سمات المبادئ ومن سمات الذين يحققون هذه المبادئ في
أنفسهم سمة الرحمة وهى نتيجة لازمة لإسلام الوجه لله
لأن من أسلم وجهه
لله

۱ - انتفى من قلبه الغل والحسد والحقد والكراهية وبرئ من كل ما يمكن أن يكون شرا بالنسبة للآخرين
- ومن أسلم وجهه لله تحلى بما أحبه الله ورسوله
وفى سنام ذلك الرحمة

والرحمة لذلك من ثمار إسلام الوجه الله وهى من أجل
ذلك عنصر من عناصر شخصية المسلم
أما إذا انتزعت الرحمة من قلب إنسان فإنه شقى والشقى
لا يمثل المسلم العادى فضلا عن أن يعبر عن الشخصية
الإسلامية
۱ سورة المائدة آية ١٥ - ١٦
"
1101-

والنتيجة التي حاولنا الوصول إليها من كل ما سبق هي أن
جوهر الشخصية الإسلامية إنما هو
إسلام الوجه لله
وهذا الجوهر يمهد له أمران
العلم والعبادة
وثمرته أمران
الجهاد والرحمة
ومن حقق في نفسه الجوهر والمقدمات له والنتائج التي
يثمرها فقد حقق شخصية المسلم
خاتمة الباب الأول
أ إن كل إصلاح - سواء نظرنا إلى الفرد في خـاصـة نفسه أو إلى المجتمع فى مجموعه - إنما يبدأ بالعلم العلم الديني والعلم المادى العلم بالمعنى الإسلامي أي العلم بالله والعلم بسننه الكونية التي تشمل الأرض والسماء وما بين الأرض
والسماء
وسواء أكان العلم الذى يبدأ منه الإصلاح نظريا أم ماديا فإنه - فيما نرى - يجب أن يكون موجها وتوجيهه إنما هو
1101-

سبيل فرضه الدين أى فرضته العقيدة الإسلامية نفسها يجب أن يكون العلم أساسا وهدفا في سبيل الله بأوسع ما تتضمنه كلمة سبيل الله من معان

أى أنه يجب أن يشعر المتعلمون - كل بقدر استعداده - أنه في تعلمه العلم إنما يعبد الله على نحو من الأنحاء وأنه في تعلمه العلم مجاهد بلون من ألوان الجهاد الإسلامي
ب ويبدأ الإصلاح أيضا بالعبادة علما في جانبها العلمي
وعملا في جانبها العملي
وجانب العبادة العلمى يبدأ كجزء من العلم وجانبها العملي يبدأ بمجرد استطاعة الطفل إدراك ما يعمل والقيام بما يدرك وكما تكون المدرسة دارا للعلم فإنه في الأوضاع السليمة يجب أن تشتمل على ما يعطى التلميذ تأهيلا في العبادة نظريا في الجانب النظري وعمليا في الجانب العملي وإذا كانت المناهج ترى ضرورة إعطاء التلاميذ تطبيقات لا تكاد تنتهي في العلوم الرياضية وفى العلوم العربية فإنه يجب ألا تهمل هذه التطبيقات
في الجانب الديني
ومن العبادة العلمية - فيما نرى - توجيه الأنظار إلى حكمة الله السارية فى الكون وإلى إبداعه سبحانه في كل مجال من مجالات ملکه
-١٥٢-

جـ والعلم الموجه بالله وسننه الكونية وجهته خشية الله
وإسلام الوجه إليه
والعبادة الموجهة غايتها وهدفها مرضاة الله وخشيته
والالتجاء إليه وإسلام الوجه إليه

وجوهر الإصلاح الذى نطلبه إنما هو هذا إسلام الوجه إليه سبحانه نعمل له فى كل ميادين العلم ونوجه إليه في كل ما
يمكن من مسائل الدين والعبادة النظرية والعلمية
فإذا تحقق إسلام الوجه له سبحانه كانت النتائج التي
تترتب عليه وكان من هذه النتائج

د الجهاد الذي هو من ثمار إسلام الوجه لله ومن لوازمه التى لا تنفك عنه بأشمل ما تتضمنه كلمة الجهاد سواء تمثلت فى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو تمثلت في الإعداد
الحربي وفي الحرب بالفعل

هـ وكانت الرحمة في عمومها وشمولها

*
*
*
-10-

وبعد
فهذه فكرة عن عناصر شخصية المسلم تتضمن بيان الإصلاح الذي نرجوه لكل الدول الإسلامية بيانه في جوهره وفى مقدماته وفى ثماره ونرجو الله سبحانه أن يكون قد كتب لنا التوفيق فيما رسمنا من خطوط
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا
*
*
*
-102-

الباب الثاني
الإيمان

بسم الله الحر الحيمة
الحمد لله رب العالمين وصلاة الله وسلامه
على أكمل الخلق الرحمة المهداة المبعوث
ليتمم مكارم الأخلاق سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله ورضى الله
عن
أصحابه
ومن اتبع هديه إلى يوم الدين

الفصل الأول
التعريف بالإيمان
يقول الله تعالى
وقد أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ والذين هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ والَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ٤ وَالَّذِينَ هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم فَإِنَّهُم غير ملومين E فَمَنِ ابتغى وراء ذلك فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأماناتهم وعهدهم راعُونَ والذين هم على صلواتهم يُحافِظُونَ أُولَئكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الذين يرثُونَ الْفردوس هُم فِيهَا خَالِدُون
ويقول سبحانه
إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إذا ذكر اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ
آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكَّلُونَ الذين يُقيـ مُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا
رزقناهم ينفقون
ويقول رسول الله فيما رواه البخاري عن أنس
لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه
-109-

وفيما رواه البخاري
عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه
من والده وولده
وفيما رواه البخارى عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم

لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده
والناس أجمعين
وفيما رواه البخاري
مر على
عن سالم بن عبدالله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
دعه فإن الحياء من الايمان
وقد كتب الإمام البخارى رضى الله عنه في صحيحه كتابا عن الإيمان سار فيه على هدى الكتاب والسنة والصحابة والتابعين وسلف الأمة وقد قدم الكتاب بمقدمة يستدل فيها بآيات من الكتاب الكريم وكانت أحاديث كتاب الإيمان كلها موجهة لليقين بأن الإيمان قول وفعل يقول الإمام البخاري عن الإيمان
وهو قول وفعل ويزيد وينقص ثم أخذ يبرهن على رأيه
بالآيات القرآنية نذكر منها
-1-

قال الله تعالى
ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم 1
وزدناهم هدى
ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ٣
والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ٤
ويزداد الذين آمنوا إيمانا و ٥
۱ هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَاللَّهُ جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما ك ليُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتِ
تجري من تحتها الأنهار خالدين في ا ويُكفَرَ عَنهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذلكَ عِندَ اللَّهِ فَوْرًا سورة الفتح آية ٤ ٥٠
نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنّهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى 15
وربطنا على قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا ربنا ربُّ السموات والأرضِ لَن نَدْعُو مِن دُونِهِ إِلَهَا لَقَدْ
قُلْنَا إِذًا شَطَطًا
سورة الكهف آية ١٣ ١٤
۳ ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك
ثوابا وخير مردا
سورة مريم آية ٨٦
٤ سورة محمد آية ۱۷
٥ وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدى من
يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر المدثر آية ٣١
-11-

أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وقوله جل ذكره فاخشوهم فزادهم إيمانا ه ٢
وقوله تعالى وما زادهم إلا إيمانا وتسليما
٤
قد أفلح الْمُؤْمِنُونَ 1
د
وإذا كان هذا رأى البخارى رضى الله عنه فإن أبا الحسن على بن خلف يقول فى شرح صحيح البخاري
مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها أن
الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص
ويقول عبد الرزاق حسبما يذكره الإمام النووي في شرح
0

مسلم
۱ وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون سورة التوبة آية ١٢٤ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوه فزادهم سورة آل عمران آية ۱۷۳ ۳ ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما سورة الأحزاب آية
إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل
وفعل
٤ سبق ذكر هذه الآية وفيها الدليل الواضح على أن الإيمان قول
٥ ص ١٤٦ الجزء الأول
-١٦٢-

سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا سفيان الثورى
ومالك بن أنس وعبد الله بن عمر والأوزاعي ومعمر بن راشد
وابن جريج وسفيان بن عيينة يقولون الإيمان قول وعمل
ويزيد وينقص

وهذا قول ابن مسعود وحذيفة والنخعي والحسن البصرى وعطاء وطاوس ومجاهد وعبد الله بن المبارك
ويتابع عبد الرزاق الحديث فيقول
فالمعنى الذى يستحق به العبد المدح والولاية من المؤمنين هو إتيانه بهذه الأمور الثلاثة التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح وذلك لأنه لا خلاف بين الجميع أنه لو أقر وعمل على غير علم منه ومعرفة بربه لا يستحق اسم مؤمن ولو عرفه وعمل وجحد بلسانه وكذب ما عرف من التوحيد لا يستحق اسم مؤمن وكذلك إذا أقر بالله تعالى وبرسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولم يعمل بالفرائض لا بالإطلاق وإن كان فى كلام العرب يسمى مؤمنا بالتصديق فذلك غير مستحق فى كلام الله تعالى لقوله عز وجل
يسمى مؤمنا
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكر اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ
آياته زادتهم إيمانا وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقيـ مونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رزقناهم ينفقُونَ أولئكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حقًّا
4
4
-١٦٣-

فأخبرنا سبحانه وتعالى أن المؤمن من كانت هذه صفته
وما ذكره عبد الرزاق يؤيده ابن بطال في باب من قال
الإيمان هو العمل من شرح صحيح البخاري فيقول
فإن قيل قد قلتم أن الإيمان هو التصديق

قيل التصديق هو أول منازل الإيمان ويوجب للمصدق
الدخول فيه ولا يوجب له استكمال منازله ولا يسمى مؤمنا
مطلقا

هذا مذهب جماعة أهل السنة أن الايمان قول وعمل
قال أبو عبيد وهو قول مالك والثورى والأوزاعي ومن بعدهم من أرباب العلم والسنة الذين كانوا مصابيح الهدى وأئمة
الدين من أهل الحجاز والعراق والشام وغيرهم
قال ابن بطال وهذا المعنى أراد البخارى رحمه الله إثباته
في كتاب الإيمان وعليه بوب أبوابه كلها فقال
باب أمور الإيمان

وباب الصلاة من الإيمان
وباب الزكاة من الإيمان
وباب الجهاد من الإيمان وسائر أبوابه
-12-

وإنما أراد الرد على المرجئة فى قولهم إن الإيمان قول بلا
عمل وتبيين غلطهم وسوء اعتقادهم ومخالفتهم للكتاب والسنة ومذاهب الأئمة
وينهج الإمام الطبرى هذا النهج أيضا فيقول
الإيمان - كلمة جامعة - الإقرار بالله وكتبه ورسله
وتصديق الإقرار بالفعل أ هـ
بيد أن العامة - وهى دائما الأكثرية - انتهت بالإيمان إلى أن أصبح - على حد تعبير الشيخ محمد عبده - يطلق عند الناس على ذلك الاستسلام التقليدى الذى لم يأخذ من النفس إلا ما أخذ اللفظ من اللسان وليس له أثر فى الأفعال لأنه لم يقع تحت نظر العقل ولم يلحظه وجدان القلب بل أغلقت عليه خزانة الوهم ومثل هذا الذى يسمونه إيمانا لا يفيد في إعداد القلب للاهتداء بالقرآن
وهذا الذي غلب على العامة من معنى الإيمان أثر على بعض
علماء الكلام أنفسهم فتناقشوا نقاشا طويلا في معنى الإيمان وهل هو التصديق بالقلب فحسب بالغا ما بلغ هذا التصديق من الضعف والسلبية أو أنه تصديق وفعل وقد أراق المتكلمون كثيرا من المداد لتحبير العشرات من الصفحات في هذا الموضوع وإذا تدخل العامة فى الشئون العلمية وإذا تأثر العلماء
4
110-

بآراء العامة متخلين بذلك عن القيادة الرشيدة فإن الأمر ينتهى لا محالة بنزول العلماء إلى المستوى الشعبى شاعرين بهذا النزول أو غير شاعرين ومن هنا كان الرأى الذى يسود في بعض أوساط المتكلمين إن الإيمان مجرد التصديق مهما كانت منزلة هذا التصديق من الهزل والسلبية وكان من فضل الله علينا أن بين لنا سبحانه مقاييس للإيمان في كتابه الكريم

والصور الإيمانية في هذا الكتاب الخالد لا تكاد تحصى
وكان من فضل الله أيضا أن الرسول صلوات الله وسلامه
عليه بكلامه وفعله وسيرته يحقق مثلا أعلى للإيمان كما أراد الله ورسوله ونريد - بتوفيق الله - في حديثنا عن الإيمان أن نتخذ الأساس القرآن الكريم وأحاديث صحيحة رواها الإمام البخاري والإمام مسلم فى أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى وقد ذكرنا بعض الآيات القرآنية فيما سبق أما الأحاديث

فعن أبي هريرة رضى الله عنه يقول رسول الله صلوات
الله عليه وسلامه
الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان
رواه الإمام البخاري
وروى الإمام مسلم عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
-1-

الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها
قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء
شعبة من الإيمان ۱
وحينما بين سادتنا العلماء المحققون - الذين أخلصوا لله ورسوله - تلك الشعب عن طريق الأحاديث الشريفة التي وضحت
الإيمان
وعن طريق الآيات القرآنية الكريمة التي تحدثت عن
الإيمان قسموا تلك الشعب إلى ما يختص منها بالقلب وما يختص باللسان وما يختص بالبدن أى أن الإيمان يغمر الكيان الإنساني كله اعتقادا وقولا وفعلا
الأحاديث الشريفة نتبين أن الحب في ومن
الله والبغض في
الله من الإيمان

وأنه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما
لنفسه
يحب
وأن الذي يؤذى جاره ليس بمؤمن ۳
۱ رواه الإمامان البخارى ومسلم رضى الله عنهما
أخرجه البخارى رضى الله عنه
۳ أخرج الشيخان عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره
بوائقه
وروى الشيخان أن رسول الله قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
-11-

وليس بمؤمن من شبع وجاره جائع
وأن الجهاد من الإيمان يقول صلوات الله عليه وسلامه انتدب الله لمن خرج فى سبيله لا يخرجه إلا الإيمان بي وتصديق برسلى أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو أدخله الجنة ولولا أن أشق على أمتى ما قعدت خلف سرية ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل 1
ومنها نتبين أيضا أن قيام ليلة القدر من الإيمان
والإنصاف من النفس من الإيمان
د

٤
9
وبذل السلام للعالم من الإيمان
والإنفاق من الإقتار من الإيمان
۱ أخرجه الإمام البخارى رضى الله عنه عن أبى هريرة رضي الله عنه أخرج البخارى رضى الله عنه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من
ذنبه
۳ أخرج البخارى عن عمار رضى الله عنه ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان الإنصاف من النفس وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار ٤ أخرج البخاري عن عبد الله عن عمرو رضى الله عنهما أن رجلا سأل النبي أى الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف
٥ يقول عمار رضى الله عنه ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان
-14-

والإنفاق من الإقتار

وتطوع قيام رمضان من الإيمان
وصوم رمضان إيمانا واحتسابا من الإيمان
والصلاة من الإيمان بل لقد عبر الله عنها بالإيمان في
قوله تعالى
ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ ٣
۱ عن أبى هريرة رضى الله عنه فيما رواه الإمام البخارى رضى الله عنه - أن رسول الله قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم
من ذنبه
عن أبي هريرة رضى الله عنه - فيما رواه الإمام البخارى رضى الله عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما
تقدم من ذنبه

۳ يقول الإمام البخارى باب الصلاة من الإيمان وقول الله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم يعنى عند البيت وحدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير قال حدثنا أبو إسحاق عن البراء أن النبي كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو قال أخواله من الأنصار وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أول صلاة صلاها العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلى قبل بيت المقدس وأهل الكتاب فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك قال زهير حدثنا أبو إسحاق عن البراء في حديثه هذا أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم فأنزل ا الله تعالى وما كان الله ليضيع ايمانكم

-14-

ويتغلغل الإيمان في الحياة الاجتماعية حتى يصل إلى السهل من أمرها والميسور فتكون إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان ويكون إفشاء السلام - تعارفا وتوددا - من الإيمان وإذا ما تغلغل الإيمان فى النفس وجد المؤمن حلاوة الإيمان
وهو لا ينعم بحلاوة الإيمان إلا
أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن
يقذف في النار ۱

وأساس الإيمان على كل حال هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره
وهذا الأساس كأساس القصر بالضبط وكما لا يطلق على أساس القصر أنه قصر فكذلك لا يطلق على أساس الإيمان أنه إيمان كامل وكما لا يكون القصر بدون الأساس فإنه لا يوجد
الإيمان بدون الشهادتين
وهذا الأساس نفسه يتبلور فى فى شهادة أن لا إله إلا
الله وأن محمدا رسول
۱ رواه الإمام البخاري
الله

-۱۷۰-

الفصل الثاني
أساس الإيمان
۱ - أشهد أن لا إله إلا الله
1
إننا نشاهد الترابط في الكون بحيث يمكن أن يقال في يقين جازم أن الكون كله سماواته وأرضه وما بين السماوات والأرض أن الكون بحاره وجباله ووديانه نباته وحيوانه أن جميع أجزاء الكون تؤلف وحدة متكاملة مترابطة هذا التكوين المترابط في ملايين الجزئيات الكونية بل في بلايين بلايين هذه الجزئيات ينفى فى تأكيد مؤكد فكرة الطبيعة العمياء أو فكرة المصادفة والاتفاق
وإذا انتفت فكرة المصادفة والاتفاق فإن النتيجة التي
تترتب على ذلك هى أن للكون مكونا انظر إلى هذا الترابط في
قوله تعالى
فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامه TD أنا صببنا الماء صبا ٢٥ ثُمَّ شـ
شققنا
-11-

الأرض شَقًّا TT فأنبتنا فيها حبًّا CD وعنبا وقضبا CD وزيتونا ونخلا ٢٩
وحدائق غلبا CD وفاكهة وأبا مَتَاعًا لَكُمْ وَلَأَنْعَامِكُم ۱ وانظر إلى الترابط بين السماء والأرض وبين الماء والنبات
في قوله تعالى
ألم تر أنَّ اللَّه أَنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأَرْضِ ثُمَ
يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثُم يهيج فتراه مصفرا ثُمَّ يَجعلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذلك لذكرى لأولي الألباب ٢
هذا الترابط هو ترابط غائى على حد تعبير الفلاسفة أى ترابط له غاية إنه ليس مجرد ترابط بل هو ترابط هادف فيه القصد وفيه الغاية ومن أجل ذلك سمى هذا الدليل أيضا الدليل الغائي وسمى دليل القصد وذلك أن كل ما في العالم
مقصود لا دخل للاتفاق فيه هادف لا دخل للمصادفة فيه
وأنظر إلى القصد والغاية في قوله تعالى
"
أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوقَهُمْ كَيف بنيناها وزَيَّنَاهَا وما لها مِن فُرُوج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تَبْصِرَةً وَذِكرَى لِكُلِّ عبد منيب 1 وَنَزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا
۱ سورة عبس آية ٢٤ ٣٢٠
سورة الزمر آية ۱
-۱۷-

فأنبتنا به جناتِ وَحَبَّ الْحَصِيدِ والنَّخْلَ بِاسْقَاتِ لَهَا طَلْعُ نَضِيدٌ رِزْقًا
للعباد وأحيينا بِهِ بَلْدَةً مِّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ۱
وانظر إلى قوله تعالى
والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك
لآية لقوم يسمعون
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبرةً نُسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرَتْ وَدَمِ لبنا خالصًا سَائِعًا للشاربين ومن ثمرات النخيل والأعناب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا ورزقًا حَسَنًا إِنَّ في ذلك لآية لقوم يعقلُونَ 1 وَأَوْحَى رَبُّكَ إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ١٨ ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخْرُجُ مِن بُطُونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون
- وشيء آخر
ب
يجول فى أذهان بعض الناس أن هذا الترابط الهادف وهذا التماسك المقصود قد تحقق بقوانينه الثابتة وقواعده التي
۱ سورة ق آية ٦ - ١١
سورة النحل آية ٦٥ - ٦٩
۱۷۳-

لا تتغير وسننه التى لا تتخلف وأن الله سبحانه وتعالى انتهى منه خلقا وتدبيرا وإحكاما فهو يسير الآن على التقدير الذي قدره الله له يسير آليا إلى الغاية المرسومة يسير تبعا لنواميس انتهى الله منها ولا يتدخل سبحانه فيها أى أن العالم يسير الآن وحده دون إرادة من الله تصاحبه فى كل حركة وفي كل نطق أو
صمت
وليس الأمر كذلك إن النظرة الإسلامية هي أن الله سبحانه يمسك هذا النظام المترابط فى كل لحظة وفي كل ثانية وأنه سبحانه لو تخلى عن شيء منه طرفة عين لتلاشي وانتهى يقول سبحانه
إِنَّ الله يُمْسكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ
أَمسكهما من أحد من بعده إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ ۱
وهو سبحانه الذى يمسك الطير جو السماء يقول
سبحانه
ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السَّمَاء مَا يُمسكهن إلا الله

إِنَّ في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ٢
۱ سورة فاطر آية ٤١ سورة النحل آية ٧٩
-١٧٤-

ويقول سبحانه
أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يُمسكهن
الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بصير ٣
وهو سبحانه مالك الملك يؤتيه في أية لحظة من يشاء
وينزعه في أية لحظة ممن يشاء وهو سبحانه الذي يصرف الليل
والنهار كلما أشرق فجر أو غربت شمس وهو الذي يهب الحياة أو يسلبها كلما تنسم كائن الحياة وكلما فارقها
يقول سبحانه
قل اللهم مالك الملك تؤتي الملكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخيرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيــــــر تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتُخْرِجُ الْحَيَّ من الميت
وتخرج الميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب ١
ولعل القارئ الكريم يلاحظ استعمال الفعل المضارع في هذه الآيات القرآنية ودلالة الفعل المضارع إنما هي للحاضر وللمستقبل والآيات القرآنية من هذا القبيل كثيرة يقول سبحانه
4
۱ سورة الملك آية ۱۹
سورة آل عمران آية ٢٦ - ٢٧
110-

الحكيم
الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيـ
ويقول سبحانه
و من آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري
الْفُلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ۳
ويقول سبحانه
الله الذي يُرسل الرياح فتثير سحابا فيبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ
ويجعله كسفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ من خلاله فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ
0-0
عباده إِذَا هُم يستبشرون
وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنزَلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ 9 فَانظُرْ إِلَىٰ
آثار رحمت الله كيف يُحيي الأرض بعد موتها إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ على كل شي قدير ٤
وما من شك فى أن الله خلق وقدر ووضع النواميس وقعد القواعد لكل شيء وإمساك كل ذلك والقيومية عليه شيء آخر فمع الخلق الإمساك والإمساك مستمر لا ينتهى وهذا هو
۱ سورة آل عمران آية ٦
سورة الروم آية ٤٦ ۳ سورة الروم آية ٤٨ - ٥٠
-18-

معنى القيومية وهى من صفات الله تعالى والقيوم اسم من
أسمائه
ومعنى القيوم أنه القائم بنفسه وأنه الذي يقوم به كل موجود فلا يكون للأشياء وجود ولا دوام وجود إلا به
أهي قيومية إمساك فحسب
كلا إنها قيومية علم وتدبير قائم على العلم فضلا عن
كونها قيومية إمساك

إنها قيومية إمساك للعالم وإلا لتلاشى ومن هنا كان المعنى
العميق للدعاء الذي يدعو به كثير من الصالحين وهو
اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك
إذ إن الله سبحانه لو وكل إنسانا إلى نفسه ماديا لتلاشي
فهو ممسك له ماديا ولو وكله إلى نفسه روحيا لصار فريسة سهلة للنفس الأمارة بالسوء وللشيطان الموسوس بالشر
وقيومية الله على العالم قيومية علم محيط شامل
فهو سبحانه كما يقول في كتابه
يَعْلَمُ السَّرَّ وَأَخْفَى 1
۱ سورة طه آية ٧
-۱۷۷-

أما السر فأمره معروف وأما الأخفى من السر فهو ما في
دائرة اللاشعور وهو سبحانه
يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
وهو سبحانه عالم الغيب والشهادة
1
اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ
عنده بمقدار O عَالِمُ الغيب والشَّهَادَةِ الكبير المتعال O سَوَاءٌ مِّنكُم مِّنْ أَسرَ القول ومن جهر به ومن هو مستخف باللَّيْلِ وسارب بالنهار
وعلمه سبحانه ليس مقصورا على الماضى أو الحاضر
فحسب ولكنه شامل للمستقبل يقول تعالى
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أَنفُسِكُمْ إِلا في كتاب من
قبل أن نبرأها إِنَّ ذلك على الله يسير ﴾ ٣
وإذا كان الله سبحانه قد أعلن أن علمه عام شامل بقوله عالم الغيب والشهادة إذ إن عالم الغيب هو ما وراء الطليعة وعالم الشهادة هو الطبيعة فإن الله سبحانه قد فصل وذكر هذه
۱ سورة غافر آية ۱۹ سورة الرعد آية ٨ - ١٠ ۳ سورة الحديد آية ٢٢
-۱۷۸-

الأجزاء والجزئيات وبين أنه يعلم اليسير والصغير والكبير يقول
سبحانه
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا في كتاب مبين 1 وهو الذي يتوفَّاكُم بِاللَّيْلِ ويعلم ما جرحتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثُمَّ إِلَيْهِ مرجعكُمْ ثُمَّ ينبئكم بما كنتم
تعملون 1
ويقول سبحانه
يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا
يعرجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِينَكُمْ عَالِم
الغيب لا يعرب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من
ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ٢
والأصغر من الذرة الذي ذكره الله سبحانه في الآية الكريمة
لك أن تقول عنه في سهولة ويسر أنه البروتون والإلكترون ويكون
القرآن بذلك قد أشار إلى تفتيت الذرة من قبل أن تفتت
۱ سورة الأنعام آية ٥٩ ٦٠
سورة سبأ آية ۳۰
-119-

هذه قيومية العلم وهى لا تنفك عن قيومية التدبير
إن قيومية التدبير قائمة على قيومية العلم لا تنفك عنها
إنها تلازمها حتى لكأنهما صفة واحدة
وقيومية التدبير هذه نبدأ الحديث فيها ببيان أنها قيومية نعمة إن التدبير الإلهى كان ولا يزال معنيا بالإنسان مديرا له يكفل له الحياة والنعيم فى الحياة والله سبـحـانـه قـد كـيف الأمور بحيث تتناسب مع الإنسان

وإذا كنا حتى الآن قد اقتصرنا على استعمال كلمات
الترابط الهادف أو الترابط الغائى والإمساك والتدبير فإننا
الآن سنستعمل كلمة العناية
جـ
إن الله سبحانه معنى بالعالم وعنايته بالكون سارية في جميع أجزائه وإذا كانت كلمة العناية لا تخرج بنا عن جو الترابط الهادف والإمساك والتدبير فإنها تلون الحديث عن دليل الترابط على وجود الله بلون أرق وإذا تلون هذا الدليل باللون الرحيم الرقيق سمى دليل العناية

والقرآن غاص بتوجيه الأنظار إلى عناية الله بالكون وعلى
الخصوص بالإنسان فى رحاب الكون فمن أجل الإنسان كانت
-14-

رحمة الله فياضة بالنعم إنها فياضة بالنعم على الإنسان في
نفسه
يقول سبحانه
ألم نجعل له عينين A ولسانا وشفتين وهديناه النجدين ۱
ويقول سبحانه
ومن آياته أَنْ خَلَقَ لَكُم مَنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لَتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ٢
ويقول تعالى
ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من
الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ۳ ويتحدث الله سبحانه عن نعمه العديدة التي أسداها إلى
الإنسان

فنعمة الليل والنهار يبينها الله سبحانه بقوله
قُل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إِلَهُ
رُ الله يَأْتِيكُم بِضَيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ
۱ سورة البلد آية ٨ - ١٠
سورة الروم آية ۱ ۳ سورة الإسراء آية ۷۰
-141-

قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرُونَ ٢ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليل والنهار لتسكُنُوا فِيهِ ولتبتغوا من فضله ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ ۱
يقول
إن دليل العناية هذا من أجمل الأدلة على وجود
الله الذي
ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ
عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى
ولا كتاب منير ٢
إن الاستدلال على وجود الله سبحانه بدليل العناية قديم قدم الإنسانية نفسها فكل إنسان يشعر بأنه مغمور بنعم الله سبحانه في داخل نفسه وفى خارجها ويقول الله تعالى معبرا عن
حقيقة يلاحظها كل إنسان بتدبر يسير
وإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تُحْصُوهَا ﴾
ويقول أيضا كما سبق
۳
وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ٤
۱ سورة القصص آية ۷۱ ۷
سورة لقمان آية ٣٠
۳ سورة النحل آية ۱۸
٤ سورة لقمان آية ٣٠
-۱۸-

بهذا الدليل نفسه يقيم أحد الحكماء الحجة على أحد
المنكرين لوجود الله
كان ذلك في العصر اليوناني وكان المنكر هو أرسطو
ديموس وهو غير أرسطو الشهير

وكان المثبت هو سقراط أبو الفلاسفة
قال سقراط أفى الناس من يعجبك براعته في الصنائع
فقال نعم وسمى من الشعراء والمصورين من كان يعده أبرع من
غيره
فقال سقراط
أيهما عندك أرفع شأنا أمن يصنع التماثيل العارية عن الحركة والعقل أم من يصور الأشباح الحية المتحركة
فقال من يصنع الصور الحية اللهم إلا إذا كانت تلك
الصور من عمل المصادفة والاتفاق لا من عمل العقل
قال سقراط
إذا فرضنا أشياء لا يظهر المقصود منها وأشياء أخرى بينة القصد والمنفعة فما قولك فى تلك الأشياء وما هي التي عندك
من فعل العقل وما هى التى عندك من فعل الاتفاق
قال لا شك أن ما ظهر قصده ومنفعته من فعل العقل
-۱۸۳-

قال سقراط
أو لست ترى أن صانع الإنسان فى أول نشأته جعل له آلات الحس لما فى تلك الآلات من المنفعة الظاهرة فأعطاه البصر والأذنين ليبصر ويسمع ما يكون لعيشه صادقا وما فائدة الروائح لو لم تكن لنا الخياشيم وكيف ندرك المطاعم ونفرق بين المر والحلو لو لم يكن لنا لسان نذوق به
إن بصرنا معرض للآفات
أو لست ترى كيف اعتنت القدرة الإلهية بذلك فجعلت الأجفان كالأبواب لتمنع ما يصيب البصر وجعلت الأهداب
كالمناخل لتقيها من أضرار الرياح
وما قولك في آلة السمع وهى تقبل جميع الأصوات ولا
تمتلئ أبدا
أما رأيت الحيوانات كيف رتبت أسنانها المقدمة وأعدت
لقطع الأشياء فتلقيها إلى الأضراس فتدقها دقا

فإذا تأملت في ترتيب ذلك أيمكنك أن تشك هل هي من
فعل الاتفاق أم من فعل العقل
قال أرسطو ديموس
نعم إذا تفكرنا في ذلك لا نشك فى أنها من فعل صانع
حكيم كثير العناية بمصنوعاته من مخطوط سنتلانا

-142-

إن عناية الله السارية فى الكون كله والتي يلاحظها الإنسان فى عينيه تبصران وفى أذنيه تسمعان وفي عقله يفكر وفي لسانه ينطق إن عناية الله التى يلاحظها الإنسان في كل ما
يحيط به ويغمره من نعم الله تنفى المصادفة والاتفاق
وإن الترابط الهادف ينفى المصادفة والاتفاق

وإن القصد الظاهر فى نظام الكون ينفى المصادفة والاتفاق وإن التركيب الذي ينتهي بتحقيق غرض معين ينفى
المصادفة والاتفاق
د
ولنتحدث الآن عن التركيب وكيف أنه يرشد إلى الصانع
خذ شيئا من أيسر الأشياء فى تركيبه خذ الفأس مثلا التي يستعملها الفلاح فى حقله أو المعول الذي يستعمله العامل في عمله إذا مر إنسان على الفأس فرأى قطعة من الخشب ملساء مستطيلة قد ثبت فيها بطريقة محكمة قطعة من الحديد على هيئة خاصة أتراه يظن أن ذلك وليد المصادفة البحتة وإذا كان ذلك الظن لا يتأتى فى اليسير السهل فإنه من باب أولى لا يتأتى فى المعقد الكثير التركيب كالساعة أو جهاز الراديو مثلا
11401

والآن قدر في ذهنك - كما يقول المرحوم الدكتور محمد عبدالله دراز - بيتا منسق البنيان فاخر الأثاث والرياش قائما
على جبل مرتفع تكتنفه غابة كثيفة

وقدر أن رجلا جاء إلى هذا البيت فلم يجد فيه ولا حوله
ديارا ولا نافخ نار

فحدثته نفسه بأنه عسى أن تكون صخور الجبل قد تناثر بعضها ثم تجمع ما تناثر منها ليأخذ شكل هذا القصر البديع بما فيه من مخادع ومقاصير وأبهاء ومرافق وأن تكون أشجار الغابة قد تشققت بنفسها الواحا وتركبت أبوابا وسررا ومقاعد
ومناضد ثم أخذ كل منها مكانه فيه وأن تكون خيوط النبات وأصواف الحيوان وأوباره قد تحولت بنفسها أنسجة موشاة ثم تقطعت طنافس ووثائر وزرابي فانبثت فى حجراته واستقرت
على أرائكه
وأن المصابيح جعلت تهوى إليه بنفسها من كل مكان
فنشبت في سقفه زرافات ووحدانا
ألست تحكم بأن هذا حلم نائم أو حديث خرافة قد أصيب صاحبه باختلاط في عقله فما ظنك بقصر السماء سقفه والأرض قراره والجبال أعمدته والنبات زينته والشمس والقمر والنجوم مصابيحه أيكون في حكم العقل أهون
6
-14-

شأنا
من ذلك البيت الصغير أو لا يكون أحق بلفت النظر إلى بارئ مصور حي قيوم خلق فسوى وقدر فهدى أ هـ
إننا لم ننته بعد من المصادفة

متى أقامت المصادفة قصرا
بل متى كونت غرفة واحدة ببابها ونوافذها
بل متى كونت بابا مجرد باب محكم الصنع
أرأيت لو جاء إنسان بآلاف من حروف الطباعة أو بملايين منها وأخذ يحركها يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوع وسنة بعد سنة أتراه يظفر منها - مصادفة - بتركيب لها هو كتاب من كتب الأدب أو الفلسفة أو الرياضة
- كما يقول المستشرق سانتلانا إنه -

لو دام على تحريكها
السنين والدهور لما حصل من كده إلا على حروف
وإذا كان الأمر كذلك فكيف يتصور - كما يقول سانتلانا أيضا - حدوث هذا الوجود العالم بما هو عليه من الاتقان والإحكام وتضافر الأجزاء وعجب مناسباتها بعضها لبعض من حركات اتفاقية في خلاء لا نهاية له كما يقول الماديون
وما من شك في أن أصحاب العقول المتزنة يتفقون مع
أرسطو في قوله أن كل نظام يدل على العقل
-۱۸۷-

أما الكندى الفيلسوف العربى الذى كان أول فيلسوف نشأ
في الإسلام والذي ولد سنة ١٨٥ هـ ومات سنة ٢٥٢ هـ فإنه
يرى
إن أثر الصنعة في باب أو سرير أو كرسى بما يظهر فيها
من تأليف وترتيب متقن محكم ليس أدل على الصانع من دلالة
الكون عليه سبحانه إن ذوى العقول الصافية لا يشكون في ذلك
إننا إذا نظرنا إلى هذا العالم فى جملته كما يقول الكندى وجدناه منضدا مترابطا مقدرا على النحو الأنفع الأحكم ووجدنا بعضه علة للبعض وبعضه مصلحا للبعض وكل
ذلك ظاهر لمن كان فى مرتبة إدراك الصور العامة
ويقول الكندى أيضا إن فى الظواهر والمظاهر التي تبدو
للحواس لأوضح الدلالة على تدبير مدبر أول
فإن في نظم هذا العالم وترتيبه وفعل بعضه في بعض وانقياد بعضه لبعض وتسخير بعضه لبعض وإتقان هيئته على الوجه الأصلح في كون كل كائن وفساد كل فاسد وثبات كل ثابت وزوال كل زائل لأعظم دلالة على أتقن تدبير – ومع كل تدبير مدبر - وعلى أحكم حكمة ومع كل حكمة حكيم وذلك أن اقتضاء التدبير للمدبر والحكمة للحكيم أمر لا يختلف فيه

-1AA-

اثنان

إن هذا النهج من الاستدلال الذى سرنا عليه حتى الآن هو النهج الذي يقول فيه كانت فيلسوف ألمانيا الأكبر أنه أوضح الأدلة وأقواها على وجود الله وهو نهج سار عليه كثيرون من شرقيين وغربيين بيد أن فى الجو الإسلامي نهجا آخر في
موضوع وجود
الله
٢ - وأشهد أن لا إله إلا الله
الله أظهر من أن يستدل عليه

إن دليل القصد ودليل العناية ودليل الترابط التي سبق
أن تحدثنا عنها لا تعدو أن تكون دليلا واحدا يسمى باسم اللون
الجميل الذي تظهر فيه
وهى لا تعدو أيضا أن تكون دليل الأثر على المؤثر ودلالة
الأثر على المؤثر سهلة واضحة

وإذا كان الأثر يدل على المسير كما قال الأعرابي قديما
فإن سماء ذات أبراج وأرضا ذات فجاج يدلان – لا ريب على
الحكيم الخبير
الله وهذا النهج من وضع وجود موضع الاستدلال ليس هو
النهج الوحيد فى الجو الإسلامي بل يمكننا أن نقول دون أن
-149-

شى فى ذلك لومة لائم أن ذلك ليس هو الوضع السليم الصادق بل نستطيع أن نقول إنه ليس النهج الديني وإننا بعد أن بينا النهج الاستدلالى تمشيا مع الأوضاع السائدة في عصرنا الحاضر نبدأ الآن - بتوفيق الله - فى بيان الوضع السليم في هذا
الموضوع إن الله سبحانه وتعالى فى أعراف المؤمنين ظاهر ظهورا واضحا إنه أظهر من كل ما سواه إن المؤثر في أعراف المؤمنين أظهر من الأثر والخالق أوضح من الخلق والمكون أجلى من المكون وأن من أسماء الله اسم الظاهر

ويتفاعل الإمام الكبير إمام الشريعة والحقيقة تاج الدين ابن عطاء الله السكندرى مع هذا المعنى فيقول متفننا في التعبير والمعنى جملة من التعبيرات تتحد ألفاظها إلا لفظا واحدا أو لفظين فيتغير المعنى بسبب ذلك ويكون للعبارات في
مجموعها معنى لطيف
اسمعه يقول
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر في كل شيء
-19-

شيء
شيء
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الواحد الذي ليس معه
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أقرب إليك من كل
كيف يتصور أن يحجبه شيء ولولاه ما كان وجود شيء
شتان بين من يستدل به أو يستدل عليه المستدل به عرف الحق لأهله فأثبت الأمر من وجود أصله والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه ومتى بعد حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه
أما عن الاستدلال بالأثر على المؤثر فإن ابن عطاء الله
يقول في مناجاته
إلهى كيف يستدل عليك بما هو فى وجوده مفتقر إليك
والمفتقر إلى الله في عرف ابن عطاء الله هو الكون كله
هو هذه الآثار كلها إنها تفتقر إلى الله في وجودها وفي
ارتباطها وفى إمساكها وفي العناية بها
4

-191-

ويتابع ابن عطاء الله مناجاته فيقول متجها إلى الله
أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر
لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك
إن مسألة
وجود الله لم تكن في يوم الأيام محل بحث عند
ذوى الشعور الديني السليم
ولم ينشأ الجدل فى هذه المسألة إلا فى العصر اليوناني فهو العصر الذي جعل منها مشكلة قابلة للأخذ والرد والقبول
والرفض
والواقع أن ظروف العصر اليونانى القديم هي التي جعلت
منه مثلا سيئا فى كل ما يتعلق بالدين والخلق
لقد كان عصرا خلا من الدين الحق ولم ينعم بالمعرفة
الصحيحة عن طريق الوحى

فحاولت طائفة منه أن تصل إلى الوحى عن طريق الكهانة
ومن ذلك كاهنات معبد دلفي المشهورات

وحاولت طائفة أخرى أن تصل إلى الوحى عن طريق النسك والعبادة والذكر ومن هؤلاء فيثاغورث وأتباعه وأفلاطون والأفلاطونيون القدماء منهم والمحدثون لقد حاولوا أن يقتنصوا
-۱۹-

الوحى اقتناصا وأن يكشفوا عن الحجب وأن يزيلوا الأقنعة
وأن يصلوا إلى الله فيتصلوا بالجمال والجلال والخير المطلق

بيد أن الطريق الذي سلكوه إنما هو طريق خاطئ لأنه لم يؤسس على وحى يرسم طريق الهداية الصحيح وإنما أسس على نهج عقلى بشرى أو على تقاليد متوارثة ومن أجل ذلك لم ينتج الثمرات المرجوة ثم هو طريق صعب المرتقى لأنه يعارض النزعات الحيوانية فى الإنسان ويحاول السمو بها وإعلاءها ويريد أن يرقى بالإنسان إلى ما يقرب من المستوى الروحى
الملائكي
ولكن بني البشر فى الأغلب منهم يخلدون إلى الأرض ويتبعون أهواءهم لذلك كانت قلة قليلة تلك الفئة التي حاولت
اتباع هذا التيار في صرامة وإخلاص

أما الأغلبية العظمى من اليونان فقد اتبعوا التيار الذي يعتمد على العقل البشرى اعتمادا كليا وكان زعيمهم الأكبر في ذلك أرسطو فهو الذي وطد أركان العقل البشرى وأشاد به كأساس للبحث فى عالم ما وراء الطبيعة وفى عالم الفضيلة أو
الخير
وما كان العقل في يوم من الأيام - عند حكماء المصريين أو
حكماء الهنود - أهلا لأن يكون مصدر المعرفة في عالم الغيب

-19-

وأخذ العقل - عقل أرسطو ومن لف لفه - يجادل ويمارى
في الحقائق صغرت أو كبرت ودقت أو جلت واضحة كانت
كوضوح النهار أو خفية كأنها غلفت بقطع من الليل المظلم وتجرأت أقلامهم على تناول عالم الغيب وعالم الخير بالإنكار أو
الشك أو ترجيح الوجود أو ترجيح العدم
وحاول كل زعيم أن يصور الأمر في هذين الميدانين - ميدان ما وراء الطبيعة وميدان الأخلاق - بحسب مزاجه وأهوائه ما تمليه عليه ثقافته وبيئته وبحسب ما تمليه عليه
ويحسب
طبيعته الجسمانية وجبلته الخلقية
وانتهى الأمر بأن حاول المثبتون الرد فحاول المنكرون تعليل
الرفض وزالت قدسية الموضوع وأصبحنا أمام جو من اللجاج والمماراة لا يليق بجلال الله وعظمته و وما قدروا الله حق
قدره
ولو قيض الله للبيئة اليونانية جوا من الخير والهدى ولو أنعم الله عليهم بنشأة رسول فيهم لما كان هذا الانحراف الذي انتشر فيهم منذ أرسطو انتشار الوباء الخبيث والذي تغلغل حتى وصل به الأمر وهو انحراف منحرف إلى أن أصبح وكأنه الوضع الطبيعي فساد في كل بيئة وغزا كل عقل وكلما تقدم به الزمن ازداد رسوخا وثباتا وازداد انتشارا حتى لقد غزا الأديان نفسها التي تأبى أن تقره أو تعترف به لقد تغلغل في المسيحية
4
-192-

فوضع رجال المسيحية مسألة,
وجود
الله وقضية الفضيلة موضع
البحث ونزلوا بها إلى مجال المجادلة والمماراة
وأخذ هذا الوضع يتخطى القرون حتى جاء الإسلام فوضع الأمر في نصابه ووجه الأذهان إلى أن الأمر الأساسي إنما هو مسألة الوحدانية أشهد أن لا إله إلا الله وجه الإسلام الأذهان في عنف وفى قوة إلى التوحيد لا إلى إثبات الوجود لقد وجه الأذهان إلى أن الله لا يحتاج في إثباته وفي وجوده إلى دليل وهو - على العكس - الدليل على غيره فغيره ثابت به والعالم ثابت به والسماوات والأرض والعرش والكرسى كل ذلك موجود بوجوده ثابت بثباته والوجود بأكمله محتاج في كل لحظة إليه فضلا عن احتياجه إليه فى نشأته الأولى ووجوده الأصلى
إِنَّ اللهَ يُمسك السَّموات والأرض أن تزولا ۱ إنه يمسكهما
في كل آونة وفى كل لحظة فإذا ما تخلى عنهما طرفة عين تلاشتا فكانتا هباء وكانتا عدما وكل ذرة فى العالم وكل خلية في كائناته إنما ثباتها بالله وقيامها به
ومثل الإنسان كمثل أى كائن آخر من حيث وجوده وقيامه بالله وقد كرمه الله وأعطاه الكثير من المنح والمزايا ووهبه هذا التمييز والفهم وسخر له الكثير من العوالم الأخرى وجعله
۱ سورة فاطر آية ٤١
-190-

خليفة فى الأرض ومن أجل ذلك كانت مسئوليته فيما يتعلق
بتصحيح الصلة بينه وبين الله عظيمة خطيرة
أما تصحيح هذه الصلة فإن ذروتها العليا ومثلها الأسمى إنما هو ما أمر به صلوات الله وسلامه عليه في قوله تعالى قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ED
لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أوَّلُ الْمُسلمين ١
وفرق هائل بين من يتخذ هذه الآية القرآنية شعارا ومن يحاول - متجاوزا قدره - الاستدلال على وجود الله بمخلوق من مخلوقاته إن الفرق بينهما هو الفرق بين طريق الهدى والصواب وطريق الجدل والشك وجاء الإسلام - كما قلنا – ليضع الأمور في نصابها وليصحح الأوضاع التي انحرفت

ومن هذه الأوضاع المنحرفة الشرك بالله والإنسان يشرك بسبب الضعف على وجه العموم وقد يكون هذا الضعف فقرا وقد يكون جهلا وقد يكون طمعا وجشعا وقد يكون خوفا وفزعا وقد يكون غير ذلك ومهما يكن من أمر الشرك فإنه أينما وجد ليس إلا مظهرا من مظاهر الضعف
وحاول الإسلام أول ما حاول أن يطهر النفوس من هذا
الضعف وأن يعيدها - بالتوحيد إلى مجالات العزة والكرامة
۱ سورة الأنعام آية ١٦٢ ١٦٣
-19-

ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ١
فكانت دعوته للتوحيد
أما ما في القرآن مما تخيله بعض الناس استدلالا على
الله
وجود الله وظن أن القرآن قصد بذكره الاستدلال على وجود فليس إلا بيانا لمظاهر قدرة الله وعنايته بالعالم ومن ذلك مثلا وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يُسقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنَفَضَلُ بعضها عَلَى بَعْضٍ فِي
الأكل ٢
وإن الله سبحانه وتعالى جعل
الأَرْضَ مِهَادًا والجبال أوتادا وخلقناكُمْ أَزْوَاجًا
وجعلنا نومكم سباتا ® وجعلنا اللَّيْلَ لبَاسًا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعاً شدادا IT وجعلنا سرَاجًا وَهَاجًا ۳ وَأَنزَلْنَا مِنَ

المعصرات ماء تجاجا ١٤ لنخرج به حبا ونباتا ۱٥ وجنات ألفافًا ﴾ ٣
و تَبَارَكَ الَّذي بيده الملك وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الموت والحياة ليبلُوكُمْ أَيُّكُم أحسن عملاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الَّذِي خَلَقَ
۱ سورة المنافقون آية ٨
سورة الرعد آية ٤ ۳ سورة النبأ آية ٦ - ١٦
-19V-

سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فُطُور ۳ ثُم ارجع البصر كرتين يتقلب إليك البصر خاسئا وهو
1
وما مثل هذا في تصوير قدرة الله إلا كمثل
ويسألُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسفُهَا رَبِّي نَسَفًا ٥ فَيَذَرُهَا قَاعًا
10
صفصفا لا ترى فيها عوجاً ولا أمنا 1 يومَئِذٍ يَتَبَعُونَ الدَّاعي لا عوج له وخشعت الأَصْوَاتُ للرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا يَومَئِذٍ لَا تَنفَعُ الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي لَهُ قَولاً يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يُحيطون به علما 110 وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من
حمل ظلما
وقدرته
إن ذلك وكثيرا غيره إنما ذكر ليبين عظمة الله وجلاله ويبين رحمته بعباده وعنايته بهم
وما من شك في أنه يمكن أن يؤخذ من ذلك أدلة كثيرة على
وجود الله
وما من شك فى أن الأدلة التى تؤخذ من ذلك يمكن أن
تصاغ فى أسلوب منطقى قياس يشتمل على المقـدمــات
۱ سورة الملك آية ١ - ٤
سورة طه آية ١٠٥ - ١١١
-194-

والنتائج ويكون متفقا مع قواعد المنطق الأرسطى ومبادئه ولكن ذلك لن يكون قط تصويرا لهدف من أهداف القرآن فالقرآن لا يضع
قط
الله وجود موضع شك حتى يحتاج إلى الاستدلال عليه ومن القصص التي تروى على أنحاء شتى وبأساليب مختلفة تتفق في الجوهر وتختلف فى الرسم ما يحكى من أن بعض مشاهير العلماء ألف كتابا ضخما في إثبات وجود الله فأقام له أصدقاؤه حفلة تكريم من أجل عمله هذا الضخم ومر بهم بعض الصالحين فأخذوا يحدثونه عن عبقرية المؤلف فسأل -
ومتى غاب الله حتى يكون فى حاجة إلى إثبات !
فوجم الجميع ولم يستطع المؤلف الإجابة وتركهم الرجل
الصالح وهو يردد
قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي حَوضِهم يلعبون ﴾ ١
قال رجل للنورى الصوفى المعروف
ما الدليل على الله
قال الله
قال الرجل فما العقل
قال العقل عاجز والعاجز لا يدل إلا على عاجز مثله
۱ سورة الأنعام آية ۹۱
-199-

كل ذلك يؤيد قول الشاعر
من رامه بالعقل مسترشدا سرحه في حيرة يلهو وشاب بالتلبيس أسراره يقول من حيرته هل هو
إن روح القرآن إذا هي قيادة النفوس إلى التوحيد
ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِله إِلا أَنا
فَاعْبُدُون ۱
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ١٠٧ قُل إنما يُوحَى إِلى أَنما إلهكم
إله واحد فهل أنتم مسلمون

وتأتى مشكلة الملاحدة والوجوديين المنكرين لوجود الله
ماذا نفعل بإزائهم
إن مثل هؤلاء لا وجود لهم فى مجتمع سليم طاهر ويكفى اعتزالهم كمرض خبيث ينفر الإنسان منه ويكفي عزلهم عن أن يفسدوا الآخرين تلاميذ كانوا أو طلبة أو عمالا أو مزارعين ولن تمر فترة طويلة عليهم فى هذا الوضع حتى يرتدعوا ويعدلوا
عن اتباع أهوائهم وشهواتهم
۱ سورة الأنبياء آية ٢٥ سورة الأنبياء آية ۱۰۷ ۱۰۸

وما الوجودية إلا الهوى إنها هوى النفس التي لا تحتمل
القيام بالواجب الاجتماعي والديني

والإلحاد ضعف لأنه محاولة للفرار من التكاليف
ومع كل ما تقدم فإنه لا يتأتى لى أن أترك هذا المجال دون أن أذكر قصة سمعتها حديثا هزتنى من الأعماق ووقعت من نفسى موقعا من الروعة والجلال لا يمكنني تصوير مداه
لقد ذكر لي هذه القصة فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ مدثر الحجاز وكيل جامعة أم درمان الإسلامية ورئيس الطريقة التجانية بالسودان وهو رجل عالم من كبار علماء الدين المتثبتين ورجل صالح من كبار الصالحين ومن أئمتهم قال
وفى إحدى القرى النائية المنعزلة من قرى السودان كان
يعيش رجل عابد صالح وكان يقضى وقته بين المسجد والبيت لم يحدث له أن فارق القرية يوما ما والقرية في انعزالها كأنها
بالنسبة له العالم كله
وفي يوم من الأيام ولظروف معينة غادر هذا الرجل
الصالح القرية بصحبة صديق له وجدا في السير حتى وصلا إلى
الطريق الذي يؤدى إلى المدينة

وما أن وصلا إلى الطريق حتى رأيا - بطريقة المصادفة -
رجلا من رجال الجيش الإنجليزى بملابسه العسكرية مترف
-Y 1-

المظهر متحليا بكل ما يمكن أن يتزين به رجل الجيش المترف
الأنيق
ولم يكن الشيخ الصالح قد أتاحت له الظروف رؤية مثل هذا المنظر في قريته أو في عالمه المنعزل النائي الذي اختصره الشيخ - مع صغره - من قرية إلى بيت ومسجد
وتأمل الشيخ رجل الجيش الإنجليزى في دهشة ثم سأل
صديقه مشيرا إلى هذا الشيء الغريب فى نظره
- ما هذا
فقال له صديقه هذا خواجه ولم تكن كلمة خواجه قد دخلت فى قاموس الشيخ فعاد يسأل من جديد وما خواجه
فقال له صديقه هذا كافر

وعاد الشيخ يسأل في دهشة أشد وفى استغراب أقوى
أهو كافر بالله
فقال صديقه نعم
وما أن نطق صديقه بذلك حتى تملك الشيخ
بالاشمئزاز منعه من أن يتلفظ أو ينطق
"
وغمره إحساس بالغثيان أخذ يقوى ويزداد بسرعة سريعة
وإذا بالشيخ يتقاياً اشمئزازا وغثيانا وتقززا من هذا الكافر

-YY-

هذه هي القصة
أترى تصويرا أدق للشعور بالنسبة للملحد من هذا الاشمئزاز أترى صدقا أصدق من الغثيان من الكافر وأى قلم
يبلغ في التعبير ما بلغ هذا الشيخ وأى أسلوب
إن جميع الأعراف فى جميع أرجاء الكون تتفق في الاشمئزاز ممن ينكر الجميل وهذا الاشمئزاز يتفاوت بنسبة قيمة الجميل الذى يسدى وبنسبة درجة النكران التي تقابله وبنسبة صفاء النفس التى تعلم أو ترى هذا النكر

والإنسان إيجادا وتصويرا وخلقا من صنع الله وهو بصرا وسمعا وذوقا وإحساسا وشعورا من صنع الله وهو عقلا وفكرا من صنع الله وكل نعمة ظاهرة وباطنة - ونعم الله لا تعد – إنما هي من صنع الله
وَإِن تَعدُّوا نعمة الله لا تحصوها
1
ومَا بِكُم مِّن نَعْمَةٍ فَمِن الله
إن الإنسان مادة ومعنى حسا وعقلا شعورا وفكرا -
ما بالإنسان من نعم يتقلب فيها ليلا ونهارا صباحا ومساء
كل ذلك الله من
۱ سورة النحل آية ١٨
سورة النحل آية ٥٨
إن
- ۰۳ -

فإذا ما كفر إنسان بالله فإنه يكون أخس من أن يعاقبه
الإنسان بالصفع وأحقر من أن يبصق الإنسان في وجهه ولا
يستأهل إلا الاشمئزاز إلى درجة التقايو

أما الجزاء فى الدين الإسلامى فإنه معروف
يستتاب فإن لم يتب قتل مرتدا

ومما لاشك فيه أن من الوسائل الكريمة التي تحول دون انتشار هذه القيادات الفاسدة الملحدة في المجتمع ما يرجع إلى علماء الدين فإنهم وقد هيأ الله لهم أن يتولوا قيادة المجتمع دينيا لاشك يكون تأثيرهم جارفا إذا كانوا مثلا عليا للفضيلة للفضيلة في أسمى معانيها وأشملها أى إذا كانوا حقا بالمنزلة التي ترضى الله ورسوله علما وخلقا وحبا للخير وإصلاحا في كل ما يأتون

وما يدعون وقد بين الله مقاييس الخير وموازين الفضيلة وبين طريق الشر وسبل الضلال وعلماء الدين أعرف بذلك من غيرهم فمسئوليتهم أشد وواجباتهم أصرم وتأثيرهم في المجتمع باديه وحاضره لاشك كبير والله يهدينا جميعا سواء السبيل
*
*
*
-Y E-

- وأشهد أن لا إله إلا الله
أ
إن درجات المعرفة لا حصر لها وليس في اللغة ما يسد الحاجة فى التعبير عن كل درجة منها ولكن فى اللغة كلمات تعبر عن مراحل طويلة تبتدئ بالمعرفة التى تشبه أن تكون جهلا لتنتهى بالمعرفة التى هى اليقين الكامل وتبتدئ بالمعرفة السلبية التي لا تدفع إلى العمل لتنتهى بالمعرفة الإيجابية الفعالة
وفيما يتعلق بمعرفة أن لا إله إلا الله يمكن أن نورد بعض
التعبيرات المتدرجة فى الرسوخ والثبات تبعا لتفاوت حالة الأفراد
فبعض الناس يقول لا إله إلا الله
وبعضهم ينطقها

وبعضهم يقتنع بها
وفريق يؤمن بها

وثلة تعتقدها
وقليل يوقن بها
ولكن المثل الأعلى في الإسلام أن نشهد أن لا إله إلا الله
ونشهد تلك هي ذروة اليقين أو على حد التعبير الصوفى حق اليقين
140-

والوصول إلى مرتبة الشهادة ليس بالأمر الهين ولكنه
ليس بالمستحيل
فإذا ما تاب الإنسان إلى بارئه وقتل نفسه وأحيا روحه وشرب من العين التى يشرب بها عباد الله والتي يفجرونها بأنفسهم تفجيرا بالتوبة الخالصة وبما ذكره القرآن من وسائل هذا التفجير إذ يقول شارحا هذه الوسائل
يُوفُونَ بِالنَّدْرِ وَيَخَافُونَ يوما كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيــــــرا 1 ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيما وأسيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لوَجهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ منكم جزاء ولا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبَّنا يوما عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ 1 إذا ما أخلص الإنسان التوبة وأناب إلى الله ولجأ إليه رق قلبه وصفت روحه فيحدث له فى لحظات أن يغيب عن العالم وعما حوله وعن نفسه ويتلاشى كل شيء ويضمحل ويصير أثرا بعد عين أو هباء منثورا عند ذلك يشهد أن لا إله إلا ويصير بذلك شاهدا ويصير بذلك شهيدا والشهيد من
الله
شهد
ومن شهد وهو في هذا العالم أعرق فى صفة الشهيد ممن
شهد أثناء الوفاة أو بعد الممات
۱ سورة الإنسان آية ۷ - ۱۰

-4-

ومن شهد أن لا إله إلا الله فقد رفعه الله إليه رفعه إليه
وهو ما يزال في عالم الكون والفساد
وإذا ما رفعه إليه بالشهادة صار ربانيا وامتنع عليه حينئذ أن يشرك بالله فأصبح أحديا أو أصبح من الموحدين
ب
والتوحيد هو شهادة أن لا إله إلا الله وهو عقيدة وحالة وليس هناك من صعوبة كبيرة فى أن يصبح التوحيد عقيدة
ولكن الصعوبة كل الصعوبة في أن التوحيد حالة يصبح

إن نفى الشرك من أقوال الإنسان وأفعاله مؤسسا ذلك على نفيه من قلبه ومن نفسه درجة لا ينالها إلا الأقلون وهم الذين تحرروا من رق المادة ومن عبادة الأوثان

ورق المادة وعبادة الأوثان هما من السمات العامة التي تسود
البشرية فى مختلف ظروفها يتمثل ذلك في عبادة المال وعبادة
الجاه
وما من شك في أن الخضوع للشهوات وهي كثيرة إنما هو عبادة لها والإنسان بطبعه يخلد إلى الأرض ويتبع هواه وتستعبده الأرض ويستبعده هواه ويبتعد بذلك – وبمقياس
درجة استعباده - عن الله سبحانه وتعالى
-YV-

الله سوی شرك بالله
وكل خضوع لغير الله وكل عبودية لما إنها تتنافى مع التوحيد إنها لا تنسجم مع لا إله إلا الله
والشرك الخفى كثيرة ألوانه وصدق الله العظيم إذ يقول وما يُؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ١
أما الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم فهؤلاء قلة
ومن الظلم فى الإيمان أو من الإشراك في الإيمان مثلا أن
يتصدق الإنسان للمراءاة والفخر أو يصلى ويصوم غير ناظر إلا
للناس وما يقولون عنه

عن أبي هريرة - فيما رواه الإمام مسلم - سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول
إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد
فأتى به فعرفه نعمته فعرفها
قال فما عملت فيها
قال قاتلت فيك حتى استشهدت
قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال هو جرىء فقد قيل
ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار
۱ سورة يوسف آية ١٠٦
-YA-

ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه
نعمته فعرفها
قال فما عملت فيها
قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن
قال كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في
النار
ورجل وسع
الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتى به
فعرفه نعمته فعرفها
لك
قال فما عملت فيها
قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها
قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار
1
وكل عمل صغر أو عظم لا يراد به وجه الله وإنما يراد به
غيره فهو إشراك به سبحانه

۱ رواه مسلم والنسائى ورواه الترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه
وكلاهما بلفظ واحد
-9-

والتلبيسات الآن كثيرة وقد أتت بسبب الجانب الثقافي
اللاديني من المدنية الغربية وقد تسربت إلينا في خفاء وغزتنا غزوا لا شعوريا وكان من أثر تردادها أن ألفناها وأصبح ما
يخالفها في نظرنا باطلا واتسم ذلك الباطل بسمة الحق وانعكست الآية
وقد صورت لنا هذه المدنية أن من أسمى الأعمال إنما هي
الأعمال التى يأتيها الإنسان إرضاء لضميره
بيد أن إرضاء الضمير ليس هدف المؤمن الحقيقي فهدفه الوحيد إرضاء الله وإرضاء الضمير إذا كهدف للعمل إنما هو
تلبيس وانحراف
وأما السبب فى أنه تلبيس وانحراف فهو أننا إذا أخذنا
إرضاء الضمير قائدا وباعثا وهدفا ضللنا سواء السبيل ذلك أن الضمير متغير متقلب متحول مختلف من إنسان لآخر ومن بيئة
لأخرى
ومن ثقافة لأخرى وهو فى الجملة لا استقرار له ولا ثبات فلو عملنا الأعمال إرضاء للضمير لأسسناها على شفا
جرف هار
وقد أنزل الله قواعد للأخلاق ثابتة خالدة على الدهر
فهى المقياس واتباعها واجب سواء وافق الضمير أو خالفه وهذا الاتباع نفسه يجب أن يكون الملحوظ فيه أنه طاعة الله وخضوع له واتباع لأمره
-۱ -

ومن التلبيسات أيضا ما يقال الآن كثيرا من أن هذا العمل
أو ذاك إنما يراد منه المصلحة العامة والمصلحة العامة هذه يقولها كل إنسان ويتمسح فيها بالحق والباطل وكل إنسان يقيسها بمقياسه هو الشخصى وبمنفعته هو الذاتية وهى مصلحة عامة إذا اتفقت مع مصالحه أما إذا اختلفت فهي باطل
وهي فساد فى نظره وفى قوله
وهى على كل حال تتأرجح وتميل نفيا وإثباتا مع القائل أو
المدعى ومع ميوله وأهوائه
وإذا أردنا أن نخرج عن دائرة الذبذبة والميل مع الهوى فعلينا بالتزام المبادئ التى حددها الوحى فهى وحدها التي تعرفنا بالمصلحة العامة أو بالصالح العام وهي وحدها التي تقودنا في كل الأحوال إلى الخير والحق وهي وحدها التي ننال بها تزكية أنفسنا إذا أردنا بها وجه الله
ومن هذه التلبيسات الاعتداد بالنفس أو الاعتزاز بالنفس في مسائل الدين وذلك هو ما يمكن أن تعبر عنه الآن بالدين العقلي ومعنى ذلك في حقيقة الأمر تحكيم العقل في الدين وإخضاع الدين للعقل وهذه النزعة تسود عند هؤلاء الذين لا يسيطر عليهم الشعور الديني السليم
وعادة تنتهى هذه النزعة بجعل الدين فلسفة وجعله نظرا عقليا أكثر منه خضوعا وطاعة وإيمانا ويصبح الدين بذلك
-۱۱-

مجرد معرفة تختلف فيها الأنظار والعقول وتتضارب فيها الآراء والأفكار ويصبح الأمر أمر هوى ومزاج وذوق ويخضع الإنسان لعقله لا لله فيبتعد بذلك قليلا أو كثيرا عن لا إله إلا الله ويدخل في زمرة
أفرأيت من اتَّخَذَ إِلَهَهُ هوَاهُ ١
جـ
والوسائل التي عالج بها الإسلام موضوع قيادة الناس ليشهدوا أن لا إله إلا الله كثيرة ويمكن أن يقال بصفة عامة أن الإسلام كله قائم على الشهادتين ونذكر من هذه الوسائل أن القرآن يشرح في كثير من الآيات أن الله سبحانه
مباشرة
ضمن الزرق
وحدد الآجال
فهو سبحانه يقول في ضمان الرزق
وفي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ
ويؤكد ذلك بالقسم بنفسه سبحانه وتعالى فيقول بعد ذلك
۱ سورة الجاثية آية ٢٣
سورة الذاريات آية ٢٢
-۱-

فوربَ السَّماء والأرض إِنَّهُ لَحَقِّ مَثْلَ مَا أَنَّكُمْ تنطقُود ۱
ويقول سبحانه
وما من دابة في الأَرْضِ إِلا عَلَى اللهِ رِزْقُها
ويقول لمن كانوا يقتلون أولادهم خوف الفقر
وَلَا تَقْتُلُوا أَولادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقِ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم
أما تحديد الآجال فيقول الله فيه
إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كُنتُم تعلمون ٤
لكُلِّ أَجل كتاب ٥
ويقول الله تعالى للذين آمنوا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لَا تَوَانِهِمْ إِذَا
ضربوا في الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُرَى لَوْ كَانُوا عندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت واللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بصير
"
۱ سورة الذاريات آية ٢٣
سورة هود آية ٦ ۳ سورة الإسراء آية ٣١
٤ سورة نوح آية ٤ ٥ سورة الرعد آية ۳۸ ٦ سورة آل عمران آية ١٥٦
-۱۳-

وإذا كان سبحانه ضمن الرزق وطلب أن نسعى إليه
فَامْشُوا في مناكبها وكلوا من رزقه ۱
فكل جشع وقلق وحيرة واضطراب ولجوء إلى غير الله في
الرزق إشراك بالله وإذا كان الله قد حدد الآجال فإن الجبن
والفرار إشراك بالله
والمؤمن إذا مطمئن إلى الرزق ساع إليه وهو يعلم أن
الأجال
بید
الله
فليس إذا بجبان
وإذا ما اطمأن إلى رزقه واطمأن إلى أن كائنا من كان لن ينقص من أجله زالت العقبات فى طريق وصوله إلى التوحيد
عقيدة وحالا
وإذا ما كان موحدا عقيدة وحالا فقد شهد أن لا إله إلا الله وكان بذلك متأسيا برسول الله هو الذي قال له رب العزة
جل وعلا
قُلْ إِنَّ صلاتي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٦
لا شريك له ٢
۱ سورة الملك آية ١٥
سورة الأنعام آية ١٦٢ ١٦٣
*
*
-٢١٤

٤ - وأشهد أن محمدا رسول الله ۱
وأشهد أن سيدنا مجمدا رسول الله ولا مفر من هذه الشهادة بل إنه لا تقبل - فى الأوضاع المستقيمة - شهادة أن لا إله إلا الله دون شهادة وأن محمدا رسول الله وهما إقرار
متكامل بالايمان إقرار لا يتجزأ
كيف نشهد أن محمدا رسول الله
يقول الإمام الغزالي
فإن وقع لك الشك فى شخص معين أنه نبي أم لا فلا يحصل لك اليقين إلا بمعرفة أحواله إما بالمشاهدة أو بالتواتر والتسامع فإنك إذا عرفت الطب والفقه يمكنك أن تعرف الفقهاء والأطباء بمعرفة أحوالهم وسماع أقوالهم وإن لم تشاهدهم ولا تعجز أيضا عن معرفة كون الشافعي رحمه الله فقيها وكون جالينوس طبيبا معرفة بالحقيقة لا بالتقليد عن الغير بل بأن تتعلم شيئا من الفقه والطب وتطالع كتبهما
۱ لقد سرنا فيما يتعلق بوجود الله على أن الأمر لا يحتاج إلى إثبات أما فيما يتعلق بإثبات صدق الرسول له الا الله فإن القرآن الكريم وجهنا إلى ظروف وملابسات وإلى أدلة وبراهين تثبت صدقه فإذا حاولنا هنا الاستفاضة فى إثبات صدقه فإنما نتبع في ذلك التوجيه القرآني الكريم
-٢١٥-

وتصانيفهما فيحصل لك علم ضرورى بحالتهما فكذلك إذا
فهمت معنى النبوة
ونريد الآن أن نشرف بمرافقة الرسول صلوات الله وسلامه عليه لنشـهـد بعض سناء النبوة ولألائها فيه - صلوات الله عليه إنه سليل أمجاد يحدثنا التاريخ عن شرفهم وعراقة أصلهم وعن المكرمات التى كانوا يقومون بها من أجل الإنسانية ومن أجل الخير

فقصى - أحد أجداده - ابتنى دار الندوة وجعل بابها إلى البيت وكانت دار الندوة هذه هى مجلس الشورى وهى البرلمان وهى المجلس التنفيذى بل إنها كانت أوسع من ذلك كله ففيها كان يكون أمر قريش كله وما أرادوا من نكاح أو حرب أو مشورة فيما ينوبهم ولا يعقدون لواء حرب لهم ولا لقوم غيرهم إلا في دار الندوة يعقده لهم قصى
ولا تخرج عير من قريش فيرحلون إلا منها ولا يقدمون
إلا نزلوا فيها تشريفا له لقصي وتيمنا برأيه ومعرفة بفضله ويتبعون أمره كالدين المتبع لا يعمل بغيره في حياته وبعد موته
وقصى هذا من أجداد الرسول
وتابعه ابنه عبد مناف فاضل هو الآخر في الذروة
والسنام شرفا في قومه
4
-٢١٦-

وكذلك كان أمر هاشم بن عبدمناف الذي أنقذ أهل مكة
من الموت جوعا فى السنين الجدباء التي أصابتهم والتي ذهبت
بأموالهم أما عبد المطلب الجد المباشر للرسول فقد كان من حكماء العرب وكان من حكام قريش
وتؤثر عنه سنن جاء القرآن بأكثرها كالمنع من نكاح
المحارم وقطع يد السارق والنهي عن قتل الموءودة
وإذا نظرنا إلى رسول الله من ناحية والده أو ناحية والدته فإنهما خلقا وعراقة أصل من أشرف بيوت مكة وأكرمها وأسماها بشهادة المؤرخين عن بكرة أبيهم
فكان الرسول صلى الله عليه وسلم - كما يقول ابن هشام أوسط قومه
نسبا وأعظمهم شرفا من قبل أبيه وأمه

وولد - صلوات الله عليه - فأرخ ميلاده ابتداء التمهيد لما أرادته الحكمة الإلهية من إخراج البشرية من الظلمات إلى النور كان ميلاده تمهيدا لذلك بمعنى أن الله سبحانه وتعالى
في هذه الفترة التى سبقت الرسالة أحاط رسول الإسلام برعايته وعنايته ليكون أهلا لأن يحمل أعظم رسالة ولأن يبشر بالدين العام ولأن يبين للإنسانية أجمع عن المعنى الصحيح فيما يتعلق بأمر الصلة بينه وبين الله وفيما يتعلق بأمر سلوك كل شخص
-۱۷-

بالنسبة لنفسه وبالنسبة للآخرين وليحدد مسئولية كل شخص في المجتمع حاكما كان أم محكوما ورزوجا كان أو أبا أو ابنا أو أخا أو رئيسا فى العمل أو عاملا إلى غير ذلك مما يشتمل على بعضه الحديث التالي
كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل فى بيته راع ومسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع ومسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ومنذ ميلاده صلوات الله وسلامه عليه بدأت تتزلزل جميع أسس الضلال والانحراف وترمز إلى ذلك السيرة النبوية برموز جميلة فتحدثنا
أنه في ليلة ميلاده غاضت بحيرة ساوي وتصدع إيوان كسرى وخبت نار الفرس أما الأصنام التي كانت على ظهر الكعبة فإن مصيرها المحتوم وتحطيمها المؤكد قد تحدد موعده بالسنين والأيام
إن عمد الشرك والضلال والانحراف والظلم والاستعباد بدأت تتهاوى وتنهار منذ ميلاد الرسول وأصبح أمر النور والهداية والرشاد وشيك الظهور والانتشار وسمى المولود
محمدا
۱۸-

أما
سبب هذه التسمية فهو من جانب أن آمنة أتاها -
فيما يروى - آت حين حملت به فقال لها
فقولي
إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع إلى الأرض
أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمدا
ومن جانب آخر فهو حينما جاء جده عبد المطلب ليراه
قيل له
ما سميت ابنك
فقال محمدا
فقيل له
وكيف سميت باسم ليس لأحد من آبائك وقومك
فقال إني لأرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم وذلك
حسبما يروى لرؤيا كان قد رآها عبد المطلب وقد ذكر حديثها على القيروانى فى كتاب البستان قال إن عبد المطلب قد رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف فى الأرض وطرف فى المشرق وطرف في المغرب ثم عادت كأنها شجرة وعلى كل ورقة منها نور وإذا أهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلقون بها
4
-۱۹-

فقصها فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل
المشرق والمغرب ويحمده أهل السماء والأرض فلذلك سماه
محمدا
وأخذت حليمة السعدية رسول المستقبل إلى بادية بني سعد وليس هناك من غرابة فى أن يكون رسول النور هذا قد ملأ
رحلتها من مكة إلى البادية بالبهجة والنشاط والأمل والتفاؤل
وإن الأبحاث الحديثة نفسها وتجارب الإنسانية منذ أن وجدت الإنسانية تؤيد أن هناك إشعاعات عند بعض الناس تضفى على المرافقين لهم بهجة ونشاطا فلا غرابة إذن أن تنشط حليمة وينشط زوجها وتنشط دوابهما وأن تسير الرحلة رخاء وأن يكون محمد فى براءته وطهارته وفى طفولته الباسمة ونضارته
المتألقة هو سبب
ذلك كله

ويملأ محمد بيت حليمة بهجة وسرورا يدب
النشاط في جميع أرجاء البيت وسكانه ويبارك الله في كل شيء
فيه وتنعم هذه الأسرة بحياتها هنيئة فيزيد عطفها على محمد
ويزيد حنانها عليه فينمو في جو من الرحمة والود والحنان
وينغرس كل ذلك فى نفسه ويمتلئ قلبه الناشئ ببذور أسمى
العواطف والشيم
وفي عامه الرابع فى هذه السن التي يبتدئ الإنسان
4
-۰-

فيها بنوع من التمييز حصنته رعاية الله بما تعبر عنه السيرة النبوية بشق الصدر وهذا الرمز هو كما يرويه الإمام مسلم صاحب الصحيح قال
عن أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل
وهو يلعب مع الغلمان فأخذه وصرعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك
ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده
إلى مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعنى مرضعته
محمدا قد قتل
فاستقبلوه وهو ممتقع اللون

لقد استخرج جبريل حظ الشيطان من قلبه في هذه السن
المبكرة فكان كما تقول السيدة آمنة
والله ما للشيطان عليه من سبيل
وحقيقة أنه صلوات الله عليه وسلامه لم يكن للشيطان
عليه من سبيل فقد عصمه الله عصمة تامة عن الرجس حياته
كلها
لقد كانت مكة - حينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شابا فتيا
قويا تعج بمختلف الملاذ الشهوانية الدنسة
۱-

لقد كانت بيوت الخمر منتشرة فيها وكذلك البيوت المريبة وفى هذه وتلك المغنيات والراقصات الماجنات وكان الشباب يتهالك على كل ذلك ويتهافت عليه وأراد الله أن يكون رسوله بمنأى عن كل ذلك
ذكـ
وسلامه قال
البخارى رضى الله عنه أنه صلوات الله عليه
ما هممت بشيء من أمر الجاهلية إلا مرتين

إحدى المرتين أنه كان فى غنم يرعاها هو وغلام من
قريش فقال لصاحبه
اكفنى أمر الغنم حتى أتى مكة وكان بها عرس فيه لهو
وزمر فلما دنا من الدار ليحضر ذلك ألقى عليه النوم فنام
حتى ضربته الشمس عصمة من الله له

وفى المرة الأخيرة قال لصاحبه مثل ذلك وألقى عليه النوم
فيها كما ألقى فى المرة الأولى وهذا الخبر الذي يفيدنا عصمة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه من شرور الجاهلية ومفاسدها يعرفنا بأمر آخر وهو رعاية محمد صلى الله عليه وسلم للغنم قبل
بعثته
لقد كان صلوات الله وسلامه عليه يرعاها في بادية بني
سعد وقد كان يرعاها في مكة وقد أخبر صلوات الله وسلامه
-

عليه أن موسى عليه السلام بعث وهو راعى غنم وبعث داود عليه السلام وهو راعى غنم وبعثت وأنا راعى غنم أهلى بأجياد وإنما جعل الله هذا فى الأنبياء كما يقول صاحب الروض
الأنف

تقدمة لهم ليكونوا رعاة الخلق ولتكون أممهم رعاية لهم
ومضت فترة الشباب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو طاهر زكى
صلوات الله وسلامه عليه

*
* *
ه - وأشهد أن محمدا رسول الله
وصفه قومه بالأمين لما رأوه ولاحظوه وحققوه وأيقنوا به من صفات تتمثل فيها الأمانة واضحة وضاءة
لقد كان أمينا على نفسه فلم يسلمها إلى مهاوى الشرك أو
الشهوة أو الرجس
وكان أمينا على الناس فلم ينتهك عرضا ولم يوقع بعض
القوم في بعض بالنميمة ولم يغتب
وكان أمينا على الأموال التى تودع عنده ليتاجر بها أو
ليحفظها فلم يختلس ولم يغش ولم يسرق
وكان أمينا على الحديث إذا تحدث فلا كذب ولا مغالاة
-۳-

وكان أمينا على الأسرار فلم يفشها ولم يذعها

إنه الأمين أجمع عليها القرشيون وقالوها حينما اختلفوا في رفع الحجر الأسود واستلوا السيوف وأوشكت الحرب أن تقع بينهم ثم استقر رأيهم على الاحتكام لأول آت فغمرتهم الفرحة حينما رأوا محمدا وصاحوا
إنه الأمين
والأمين كلمة تعنى الصادق المخلص فالصدق والإخلاص عنصران تتكون منهما الأمانة وكانت هذه الأمانة معروفة عنه صلوات الله عليه وسلامه فى شبابه وفى حياته كلها وهو القائل فيما بعد لا إيمان لمن لا أمانة له
وعند بدء دعوته جهرا حينما نزل قوله تعالى
وأنذر عشيرتك الأقربين 1
صعد رسول الله على الصفا فقال
يا معشر قريش فقالت قريش
محمد على الصفا يهتف
فأقبلوا واجتمعوا فقالوا
مالك يا محمد
۱ سورة الشعراء آية ٢١٤
-٢٢٤-

قال
أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بـ
بل أكنتم
تصدقوني
قط
قالوا نعم أنت عندنا غير متهم وما جربنا عليك كذبا

قال فإني نذير لكم بين يدى عذاب شديد يابني عبد المطلب يابنى عبد مناف يابني زهرة حتى عدد الأفخاذ من قريش - إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين وأنى لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيبا إلا أن تقولوا لا إله إلا الله

وإذا كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه قد طرح الثقة بنفسه على قريش برفعه علم الأمانة هذا في وجوههم فإنه كان مطمئنا واثقا من أن حياته هي من الصفاء بحيث لم يشبها
ما يجعل رأى قريش فيه قبيحا

لقد كانت حياته البراءة الكاملة والطهر التام وهذا ما
دعاه إلى أن يتحدى فى صراحة وأن يعلن في وضوح إن حياته تثبت صدق ما يقول
ولو تمثلت الأمانة - الصدق والإخلاص – في كل من
يحيطون به من المكيين لما كان فى حاجة إلى رفع علمه هذا فقد
كان يكفى الإخبار بأنه رسول فتكون الاستجابة
-٢٢٥ -

وقد آمن بمجرد هذا الإخبار كثيرون لما توافر فيهم من الصدق والإخلاص لأنفسهم وللآخرين أى لما توافر فيهم من الأمانة لقد آمنت خديجة وآمن أبو بكر وآمن ورقة وغيرهم بمجرد أن أخبرهم بأمره آمنوا لما يعرفون فيه ولما يعلمونه من
حياته
ولقد أقر بهذه الصفة - صفة الأمانة - أبو سفيان في
وقت كان فيه من أشد أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم
سأله هرقل قائلا
هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال
فقال أبو سفيان
لا
غدر
وكان استنتاج هرقل
أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله
سأل هرقل أبا سفيان أيضا عما إذا كان قد أثر عن محمد
فأجاب أبو سفيان بالنفي
فقال له هرقل

سألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر
-٢٢٦-

وحديث هرقل هذا مع أبي سفيان الذى رواه البخارى وروته
كتب الحديث وكتب السيرة جدير بالتأمل فهو استنتاج عاقل ومنطق مروى ونأخذ منه الآن ما يتصل بحياة الرسول وندع
ما يتصل بالرسالة لما بعد يقول هرقل لأبي سفيان
سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب فكذلك
الرسل تبعث في نسب قومها
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول
فذكرت أن لا
4
فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يتأسى
بقول قيل قبله
ابيه
"
وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا

قلت فلو كان من آبائه من ملك لقلت رجل يطلب ملك
أهـ
وإذا نظرنا إذن إلى حياة الرسول ل من ناحية الوراثة
أو من الناحية النفسية فإننا نجد أنها تحقق صدقه
لقد كانت حياته صلوات الله وسلامه عليه شرحا
مستفيضا وتوضيحا كاملا وتعبيرا تاما لما ذكره ابن خلدون
وما يتفق عليه العقلاء ويجمع عليه أصحاب البصائر المستنيرة من أن علامات الأنبياء

-۷-

أنه
يوجد لهم قبل الوحى خلق الخير والزكاء ومجانبة المذمومات والرجس أجمع وهذا هو معنى العصمة وكأنه مفطور على التنزه عن المذمومات والمنافرة لها وكأنها منافية
لحيلته
ويضرب ابن خلدون بعض الأمثلة من حياة الرسول
صلوات الله وسلامه عليه مبينة لهذه القاعدة فيقول
وفى الصحيح أنه حمل الحجارة وهو غلام مع عمه العباس لبناء الكعبة فجعلها فى إزاره فانكشف فسقط مغشيا عليه حتى استتر بإزاره
ودعى إلى مجتمع وليمة فيها عرس ولعب فأصابه غشى
النوم إلى أن طلعت الشمس ولم يحضر شيئا من شأنهم بل لقد نزهه الله عن ذلك كله حتى أنه بجبلته يتنزه عن المطعومات المستكرهة فقد كان ل لا يقرب البصل والثوم
فقيل له في ذلك فقال
إننى أناجي من لا تناجون أ هـ
ومن الملاحظات الدقيقة التى وجه ابن خلدون الأذهان إليها مشيرا بها إلى أن الملابسات والظروف والجو الذي عاش فيه الرسول ه وحياته قبل البعثة وبعدها إنما كان كل ذلك خيرا وفضيلة سواء من ناحية سلوكه الشخصى أو من ناحية صلته بملك الوحى يقول ابن خلدون
-۸-

وانظر لما أخبر النبي خديجة رضي الله عنها بحال
الوحى أول ما فاجأته وأرادت اختباره فقالت
اجعلني بينك وبين ثوبك فلما فعل ذلك ذهب عنه
فقالت إنه ملك وليس بشيطان
ومعناه أنه لا يقرب النساء وكذلك سألته عن أحب الثياب
إليه أن يأتيه فيها
فقال البياض والخضرة
فقالت إنه ملك
يعنى أن البياض والخضرة من ألوان الخير والملائكة
والسواد من ألوان الشر والشياطين وأمثال ذلك أهـ

هذا النهج الذي نهجناه فى هذا البحث والذي اتجه إليه ابن خلدون واتجه إليه من قبله هرقل هو نهج الفطرة ونهج العقل وهو النهج القرآنى إنه نهج الفطرة ولذلك قالت السيدة خديجة رضي الله عنها - على البداهة للرسول - حينما
فاجأها بخبر الوحى وقال لها
لقد خشيت على نفسى
قالت له
كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم
-۹-

تحمل الكل وتكسب المعدم وتقرى الضيف وتعين على نوائب
الحق
ونحن إذن حينما ننهج هذا النهج فإنما نتأسى بالقرآن الذي بين أن حياته صلوات الله وسلامه عليه تقف دليلا واضحا على أنه صادق فى كل ما يقول فهو على خلق عظيم
وإِنَّكَ لَعَلَى خُلق عظيم ۱
ويقول صلوات الله وسلامه عليه
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
وهذا الجانب الخلقى فيه يعرفه قومه ومواطنوه حق
المعرفة فقد كانوا يعرفون محمدا كما يعرفون أبناءهم وإخوتهم
لا تخفى عليهم من سلوكه خافية
الذين آتيناهُمُ الكتاب يعرفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقا
منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون

ويوجه القرآن تفكيرنا إلى أنه صلوات الله وسلامه عليه
كان أميا فما كان يتلو من قبله من كتاب ولا يخطه بيمينه
إذن
4
لارتاب المبطلون

۱ سورة القلم آية ٤
سورة البقرة آية ١٤٦
-Y-

المبطلون
وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن لارتاب
۱
ثم إن مما يلفت النظر في قوة أنه مكث فيهم أربعين سنة لا يتحدث عن رسالة ولا نبوة ومضى عهد الشباب الطموح لم يعلن فيه شيئا ولم يتحدث فيه بزعامة ولا ملك ولا نبوة فلما اكتمل نضجا وعقلا تحدث عن اجتباء الله واختياره لأداء الرسالة
330
قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أَدْرَاكُم به فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمرا
مَن قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ٢
ويتحدى القرآن المنكرين فى صدقهم وإخلاصهم وإن شئت فقل في أمانتهم فيعرض عليهم أمرا واحدا سهلا لا يشق
عليهم تنفيذه

قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا
ما بصاحبكُم مِّن جِنَّةِ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُم بين يدي عذاب شديد
ويزيد القرآن على ذلك كله التحدى بالقرآن الكريم
r
1 سورة العنكبوت آية ٤٨
سورة يونس آية ١٦
۳ سورة سبأ آية ٤٦
*
*
*
-۳۱-

٦ - وأشهد أن محمدا رسول الله
وما من شك في أن كل شخص مخلص يستمع إلى الدعوة الإسلامية يقر مع النجاشى أن الذى جاء به محمد
والذي جاء به عيسى عليه السلام يخرج من مشكاة واحدة
لقد كان النجاشي يؤمن بعيسى عليه السلام إيمانا لا
يخالجه فيه شك فلما سمع وصفا لموضوع الدعوة الإسلامية
آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام إيمانا كإيمانه بعيسى عليه في صدقه وفى أنه يستمد دعوته من
السلام
الله
لقد قالها النجاشي حينما سمع جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه يقص عليه أمر الجاهلية وأمر الإسلام وقد عاش جعفر بن أبى طالب حياة الجاهلية وعاش حياة الإسلام وكل الأخبار والوثائق تؤيده فيما يتعلق بالجاهلية

4
والقرآن الكريم والأحاديث الشريفة تؤيده فيما يتعلق
بالإسلام بقول جعفر
أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل
الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل
القوى منا الضعيف
فكنا على ذلك حتى بعث الله رسولا منا نعرف نسبه
-۳-

وصدقه وأمانته وعفافه فدعا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع
ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان
وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم
وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء
ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا

الله
وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام وعدد عليه أمور فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من وحده فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم الله علينا
الإسلام
فعبدنا الله
وأحللنا ما أحل لنا
فلما
سمع النجاشى ذلك وقر فى قلبه يقين لا يتزعزع
بصدق محمد فقال كلمته المشهورة السابقة
أما هرقل فيما رواه البخارى فإنه حينما سأل أبا سفيان
عن الدعوة الإسلامية ذكر له أبو سفيان أن محمدا يأمر الناس أن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئا وينهاهم عن عبادة
الأوثان ويأمرهم بالصلاة والصدق والعفاف وصلة الرحم فقال هرقل
إن كان ما تقول حقا فسيملك ما تحت قدمي هاتين وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم فلو أني أعلم أننى
أخلص إليه لتحينت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه
۳۳-

هذا النهج من الاستدلال بالدعوة على الصدق وجعل
النظر في الدعوة إحدى الوسائل التى تسلم - مع غيرها من الملابسات - إلى اليقين بصدق الداعى هذا النهج الذي اتخذه هرقل والنجاشي هو النهج الذى أقره الإمام الغزالي فإنك إذا أكثرت النظر في القرآن والأخبار يحصل لك العلم الضرورى بكونه على أعلى درجات النبوة
وأعضد ذلك بتجربة ما قاله فى العبادات وتأثيرها في
تصفية القلوب وكيف صدق في قوله
من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم
وكيف صدق في قوله
من أعان ظالما سلطه الله عليه
وكيف صدق في قوله
من أصبح وهمومه هم واحد - هو التقوى - كفاه الله هموم الدنيا والآخرة فإذا جربت ذلك فى ألف وألفين وآلاف حصل لك علم ضرورى لا تتمارى فيه بنبوته عليه الصلاة والسلام أ هـ
إن النظر إلى الدعوة الإسلامية فى نظر الإمام الغزالي هو إحدى الوسائل التي تثبت صدق الرسول وقد تابع هذا الاتجاه في الاستدلال العالم الاجتماعى الكبير ابن خلدون وهو
-٢٣٤-

يستوعب - فى نظرة عامة - الكثير من الاتجاهات المستقيمة في شأن النبوات وننقل هنا ما كتبه خاصا بموضوع الاستدلال بالدعوة - حينما تكون الدعوة خيرا محضا كالدعوة الإسلامية - على صدق الرسول فيما يدعيه يقول
ومن علاماتهم أيضا

دعاؤهم إلى الدين والعبادة من الصلاة والصدقة والعفاف وقد استدلت خديجة على صدقه له بذلك وكذلك أبو بكر ولم يحتاجا في أمره إلى دليل خارج عن حاله وخلقه وفي الصحيح أن هرقل حين جاءه كتاب النبي لا يدعوه إلى الإسلام أحضر من
وجد في بلده من قريش وفيهم أبو سفيان يسألهم عن حاله فكان
فيما سأل أن قال
بم يأمركم
فقال أبو سفيان بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف إلى
آخر ما سأل فأجابه فقال
هاتين
إن يكن ما تقوله حقا فهو نبى وسيملك ما تحت قدمي
والعفاف الذى أشار إليه هرقل هو العصمة
فانظر كيف أخذ من العصمة والدعاء إلى الدين والعبادة
دليلا على صحة نبوته و لم يحتج إلى معجزة فدل ذلك على
أن ذلك من علامات النبوة أ هـ
-٢٣٥ -

والواقع أننا إذا نظرنا إلى موضوع الرسالة الإسلامية فإننا
نجده يحقق في صورة دقيقة الهدف الذي حدده الله من إنزالها
وهو الرحمة العامة يقول تعالى لرسوله الكريم
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ۱
C
والرحمة إذن هي الطابع العام لكل التعاليم الإسلامية سواء في ذلك ما يختص بالمجتمع أو ما يختص بالفرد وسواء في ذلك ما يتصل بالجانب العقلى أو الجانب الأخلاقي أو الجانب
التشريعي
وهذه الرحمة تظهر في مختلف ميادين النشاط الإنساني بصور متعددة فتظهر فى المجتمع بمظهر العدالة والأخوة وقد ربط الإسلام المجتمع بعضه ببعض برباط كرباط البناء المحكم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا
ويتماسك كتماسك الجسد الحى الذى يسعد جميعه أو
يشقى جميعه بسعادة أعضائه أو بشقائها

مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل
الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر
والحمى
۱ سورة الأنبياء آية ۱۰۷
-٢٣٦ -

وهذا الإحكام وهذا الترابط إنما كان بسبب العدالة السارية التى تكبح شهوات الجموح وترد غرب الطامع وتفيء
بالمسرفين إلى سبيل الاعتدال
والأخوة بجوار العدالة عامل ثان من عوامل الترابط
والتماسك
والمؤمنون لوحدة أهدافهم ولوحدة آمالهم هم إخوة
متعاونون
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخوة ١
وتظهر الرحمة فى الفرد - فى أسمى معانيها - في صورة
التجرد لله سبحانه وتعالى
ألا لله الدين الخالص
وهذا الدين الخالص إنما هو العبودية الكاملة لله وحده
وإذا ما وجدت هذه العبودية وجد الإيثار والتضحية والبذل
والفداء ويوجد كل خلق كريم وكان البعد عن كل خلق ذميم وأصبح الإنسان الذى يتمثل فيه ذلك رحمة أينما حل وحيثما أقام ولكنه هو نفسه يصبح أيضا بعبوديته هذه في كنف الله
۱ سورة الحجرات آية ١٠ سورة الزمر آية ٣
-۳۷-

تعالى وفى رعايته وكان آمنا على نفسه وعلى ذويه سعيدا
بعناية الله تعالى به وتوفيقه له فهو إذن مغمور برحمة الله
والمثل الأعلى الذي تمثلت فيه الرسالة الإسلامية خير تمثيل إنما هو رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان خلقه القرآن كما جاء على لسان عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها لقد خالط القرآن لحمه ودمه وتلألأ نور القرآن فى روحه وبدنه وامتزج صلوات الله وسلامه عليه بالرسالة الإسلامية وامتزجت به فكانت هي الرحمة المرسلة وكان هو الرحمة المهداة
وإذا نظرنا إذن إلى الرسالة الإسلامية فإننا نشهد أن محمدا رسول الله صلوات الله ورحمته وبركاته وتحياته
وسلامه عليه
*
۳۸-

الفصل الثالث
صور إيمانية
ومن صور الإيمان السامية التي نتطلع إليها كنبراس مضىء وكمثل أعلى ننظر إليه فى احترام وقداسة ونحاول أن
نتخذ منه أسوة وقدوة الصور الآتية
-1-
تروى كتب السيرة النبوية وكتب الأحاديث الشريفة أن رجالا من أشراف قريش مشوا إلى أبى طالب فقالوا له يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم
آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك فى ذلك حتى يهلك أحد الفريقين
ثم انصرفوا عنه فى عزم مصمم وفى إرادة مريدة
فعظم على أبي طالب من جانب فراق قومه وعداوتهم له
ولكنه من جانب آخر لم يطب نفسا بإسلام رسول الله لهم
4
۳۹ -

ولا خذلانه ووقع في حيرة مريرة واستغرق في تفكير عميق ثم بعث إلى رسول الله وقص عليه نبأ قومه ثم قال له يا ابن أخى أبق على وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر
ما لا أطيق
فظن رسول الله أنه قد بدا لعمه رأى جديد وأنه خاذله ومسلمه أنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه وفى لمحة فكرية عميقة مستغرقة تكشف لرسول الله المستقبل بدون نصرة عمه فإذا به يزداد ثقة بالله وإيمانا بنصره وإذا
به يقول
والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما
تركته

ثم قام واثقا بالله تعالى ثقة لا تزعزعها الأعاصير ثقة تميد دونها الجبال ولا تميد فلما ولى ناداه أبوطالب فقال أقبل يا بن أخي فأقبل رسول الله ل فقال له اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبدا

وإن الشجاعة الأدبية المؤمنة لا تتمثل إلا إذا كان هناك معارضة قوية وكلما زادت المعارضة وكلما قويت حتى تصبح تهديدا منذرا ووعيدا مهددا كانت الشجاعة الأدبية عند
-YE-

المؤمنين بالحق والمؤمن بالصواب مثلا أعلى ورجولة كاملة وهذه الحادثة التي رويناها لا تمثل ظاهرة عابرة في حياة الرسول صلوات الله وسلامه عليه وإنما تمثل شعارا دائما
--
قال عتبة بن ربيعة يوما وهو جالس فى نادى قريش ورسول الله جالس في المسجد وحده يا معشر قريش
ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل
بعضها فنعطيه أيها شاء
وذلك
حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله
يزيدون ويكثرون
فقالوا بلى يا أبا الوليد قم إليه فكلمه
فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والكمال في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم
وكفرت من مضى من آبائهم فاسمع منى أعرض عليك أمورا
تنظر فيها لعلك تقبل منى بعضها

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل يا أبا الوليد أسمع

-٢٤١-

قال يا ابن أخى إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا
الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن
كنت إنما تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك
وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك
رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ! وبذلنا
فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه
ولما فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال أقد
فرغت يا أبا الوليد
قال نعم
4
4
قال فاسمع مني
قال أفعل

قال بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم رحم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرحيم كتاب فَصَلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عربيًا لقوم يعلمون - بشيرا ونذيراً
33
فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قُلُوبَنَا فِي أَكِنَّةٍ مَمَّا تَدْعُونَا
إليه 1
ثم مضى رسول الله يقرؤها عليه فلما سمعها منه
۱ سورة فصلت آية ١ - ٥
-٢٤٢-

عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع
منه
ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد ثم قال
قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك

فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به
فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائي أني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط والله ما هو
بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة
يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس
به
قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه
قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدالكم
قد يقول قائل إنه لو عرض على محمد هذا العرض من هيئة تستطيع تنفيذه لقبل هذا القول ينقضه أن
-٢٤٣-

عتبة كان مفوضا من زعماء قريش وينقضه أيضا الخبر الآخر
الذي ترويه كتب السيرة
لقد اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان ابن حرب والنضر بن الحارث - أخو بني عبد الدار- وأبو البخترى ابن هشام والأسود بن المطلب بن أسد وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام عليه لعنة الله وعبد الله ابن أبي أمية والعاص بن وائل ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان وأمية بن خلف اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ثم قال بعضهم لبعض
ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه فبعثوا إليه إن أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلموك فأتهم
فجاءهم رسول الله ل سريعا وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه وكان عليهم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه
عنتهم
حتى جلس إليهم فقالوا له
يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنكلمك وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفهت الأحلام
وفرقت الجماعة فما بقى أمر قبيح إلا جئته فيما بيننا وبينك
فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من
4
-٢٤٤

أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تطلب به الشرف
فينا فنحن نسـودك علينا وإن كنت إنما تريد به ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذى يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن رئيا - فربما كان ذلك بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما
بی
4
ما تقولون ما جئت بما جئتكم أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثى إليكم رسولا وأنزل على كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه على أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم
--
وصورة من صور الإيمان حققها الصحابة رضوان الله
عليهم وكم حقق الصحابة من صور إيمانية

لقد خرج الرسول ه مع الجيش ليعترض طريق قافلة قريش ردا على ما أخذوه من أموال المسلمين ظلما واغتصابا فأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا قافلتهم فاستشار
الناس وأخبرهم عن قريش فقام أبوبكر الصديق فقال وأحسن
4
-٢٤٥-

ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول
لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا
4
هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال له رسول الله لا خيرا ودعا له ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سمع قول الأنصار ولم يكن أحد منهم قد تكلم بعد فقال أشيروا على أيها الناس - وإنما يريد الأنصار وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دورنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا
نمنعك مما نمنع منه آباءنا ونساءنا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصرة إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو خارج بلادهم فلما قال ذلك رسول الله قام سـ سعد بن معاذ - ونذكر كلمته بأكملها لأنها من الدساتير الرائعة الواجبة التحقيق في الجيش المخلص وقائده المؤمن
الصلة
بين
قال سعد والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال أجل قال فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فو الذي بعثك بالحق
-٢٤٦ -

لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله
فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال سيروا وأبشروا فإن الله وعدنى إحدى الطائفتين والله لكأني
الآن أنظر إلى مصارع القوم
وكان السير على بركة الله وكان النصر بتوفيق الله
- E-
ومن الصور الإيمانية التى قصها القرآن الكريم غير مرة ووضعها وضاءة متلألئة أمام أنظار المسلمين فكانت عبرة وكانت حافزا قصة السحرة المصريين الذين أتى بهم فرعون مغالبا بهم سيدنا موسى فإنه لما تبين لهم الحق قالوا على ملأ من الأشهاد وفي وجه فرعون
آمنا برب هارون وموسى
وثارت ثائرة فرعون وغلا مرجل غضبه وهددهم بإنزال
أفظع ألوان العذاب عليهم فما جبنوا وما تخاذلوا

ولنترك مجال الحديث للقرآن يصور لنا هذه القصة في
سورتين كريمتين سورة الأعراف وسورة طه

-YEV-

يقول تعالى في سورة الأعراف
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بعدهم مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرعون وملكه فَظَلَمُوا بِهَا
فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ۱۰۳ وقال مُوسَىٰ يَا فِرْعَونُ إِنِّي رَسُولٌ مَن رب العالمين ١٠٤ حقيـق على أن لا أقول على الله إِلا الْحَقَّ قَد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل ١٠٥ قَال إِن كُنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين ١٦ فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ١٠ ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ١٠٨ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مَنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ 11 قَالُوا أَرْجِهُ وَأَخَاهُ وأرسل في المدائن حاشرِينَ 11 يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحر عليم ١١٣ وجاء السحرة فرعون قَالُوا إِنَّ لَنا لأجرا إن كنا نحنُ الْغَالِبينَ 13 قَالَ نعم وإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 14 قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِي وَإِمَّا أَن تَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ 119 قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بسحر
عظم
قلبوا
D وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ۱۱ فَوقَعَ الْحَقِّ وبطل ما كانوا يعملون IIA فَغَلَبُوا هنالك وانـ صاغرين ۱۱۹ وأُلْقِي السَّحَرَةُ ساجدين ۱ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ٢١ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ۱ قَالَ فِرعون آمنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرَ مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون CD لأقطعن
-٢٤٨-

أيديكم وأرجلكم من خلاف ثُمَّ لأصلبنكم أجمعين CTD قَالُوا إِنَّا إِلَى ربنا مُنقَلِبُونَ CTD وما تنقمُ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبَّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا
صبرا وتوفنا مسلمين 1
ويقول الله تعالى متحدثا عن فرعون في سورة طه
ولقد أريناهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّب وأبى 3 قَال أَجِئتَنا لِتُخْرِجنَا مِنْ
أرضنا بسحرك يا موسى ٥ فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا
Jo
لا تخلفه نحنُ ولا أنت مكانا سوى ٥ قَالَ مَوعِدُكُمْ يومُ الزِّينَةِ وَأَن يُحشر النَّاسُ ضُحَى ٥٩ فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجمع كيدَهُ ثُمَّ أَتَى قَالَ لَهُم مُوسَىٰ
ويلَكُمْ لا تفترُوا عَلَى اللَّه كَذِبًا فَيُسحتكُم بِعَذَابِ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ TD فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بينهم وأَسَرُّوا النَّجْوَى CD قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مَنْ أَرْضكُم بسحرهما ويذهبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى T فَأَجْمَعُوا كيدكم ثُمَّ انتواصفًا وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم من استعلَىٰ E قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِي وَإِما أَن تَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى CD قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالَهُم وَعِصِيهِم يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحرِهِمْ أَنَّها تسعى فَأوجس فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى CD قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى CD وأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى 3 فَأَلْقِي السَّحَرَةُ سُجداً
۱ سورة الأعراف آية ۱۰۳ - ١٢٦
-٢٤٩ -

53
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَرُونَ وَمُوسَى قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكبيرُكُم الَّذِي عَلَمَكُمُ السَّحْرَ فَلأُقَطَعَنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّينَكُمْ فِي جذوع النخلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جاءنا من البيئات والَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضِ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيا إِنَّا آمَنَّا بِرَبّنَا ليَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهتنا عَلَيْهِ مِنَ السَّحْرِ وَاللَّهُ خير وأبقى إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى ومن يأته مؤمنًا قَدْ عمل الصالحات فأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى ٢٥
جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيــــــها وذلك جـــــزاء من ترکی ۱
*
*
*
ه - مؤمن آل فرعون
ويقص القرآن علينا قصة مؤمن أخفى إيمانه ليكون أكثر فعالية في مساعدة المؤمنين إنه مؤمن آل فرعون
قال الله تعالى
ولَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بآياتنا وسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢٣ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ
330
وقَارُونَ فَقَالُوا ساحر كذاب TED فلما جاءهم بالحق من عندنَا قَالُوا اقْتُلُوا فَلَمَّا مِنْ
۱ سورة طه آية ٥٦ - ٧٦
-YO-

330
أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهُمْ ۱ وَمَا كَيْدُ الكافرين إلا في ضلال ٢٥ وقال فرعون ذروني ٢ أَقْتُلْ مُوسَى وَلَيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبْدَلَ دينكم أو أن يُظهر في الأرض الفساد TT وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُدْتُ ۳ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبَر لا يُؤْمِنُ بِيوم الحساب TD وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنْ مِنْ آلِ فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا ٤ أن يقول ربي الله وقَدْ جَاءَكُم بالبينات ٥ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ CD يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهرين في الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ 19 وَقَالَ الَّذِي آمَن يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مثل يوم الأحزاب ٦ ٢ مِثْلَ دَأْب٧ قَوْمٍ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والَّذِينَ مِن بعدهم وما اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لَلْعِبَادِ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ
1 أي واستبقوا نساءهم
٢ أي اتركوني أقتله
۳ التجأت إليه متحصنا به
٤ بسبب أنه يقول ربى الله

٥ بالحجج الواضحات وهى المعجزات التي شاهدوها
٦ الأحزاب = الأمم والطوائف التى هلكت من قبل وأبادها | الله الإشراك به والتكذيب بأنبيائه وإتيان المعاصي
۷ مثل الجزاء الذي نزل بقوم نوح وعاد وثمود ومن أتى بعدهم
بسبب
-Pol-

يوم التناد ١ ۳ يوم تُولُونَ مُدبرين ما لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ من هاد ۳۳ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شك مما جاءكُم به حتَّى إِذَا هَلَك قلتم لن يبعث اللَّهُ مِنْ بعده رَسُولاً كذلك يُضِلُّ اللَّهُ مَن هُوَ مُسْرِفٌ مُرتَابٌ ٣٤ الذين يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله بغيرِ سلطان ٢ أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قلب متكبر جَبَّارٍ ٣٥ وَقَالَ فرعون يا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا ۳ لَعَلَى أَبْلُغُ الأسباب ٤ ٣٦ أَسباب السموات فَأَطلَعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ٥ وَمَا كَيْدُ فِرْعَونَ إِلَّا فِي تباب ٦ ۳۷ وَقَالَ الَّذِي آمَن يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ CD يَا قَوْمِ إِنَّما هذه الْحَيَاةُ الدُّنْيا مَتَاعٌ وإِنَّ الآخرة هي دارُ الْقَرارِ 39 من عمل سيئة فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَها ومن عَمِلَ صَالِحًا مَن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ

يدخلون الجنة يرزقون فيـ ها بغير حساب E وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى
1 يوم القيامة حيث ينادى كل إنسان للحساب وحيث ينادى الكفار بالويل
والخسران وينادى المؤمنون بالشكر والسعادة
بغير حجة ولا برهان
۳ بناء عاليا
٤ الأسباب أسباب السموات أى طرقها ومسالكها
٥ طريق الهدى والرشاد
1 خسار
-۵-

النجاة وتدعونني إلى النار ٤ تدعوني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ED لا جرم 1 أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردْنَا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُم أَصْحَابُ النَّار ET فَسَتَذكرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأَفَوَضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بصير بالعباد ED فَوقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَونَ سُوءُ
العذاب و

*
*
*
۱ حقا إن الذى تدعوننى لعبادته من دون الله هو النقص بحيث لا يستجيب
إلى الدعاء في الدنيا ولا في الآخرة
سورة غافر آية ٢٣ - ٤٥
-٢٥٣-

الفصل الرابع
صور تتعارض مع الإيمان
۱ - مثل الملحد
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ
مِنَ الغاوير فَمَثَلُهُ كَمَثَل الكلب إِن تَحْمِلْ عَليه يَلْهَتْ أو تتركهُ يَلْهَتْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ
١٧٥ وَلَوْ شئنَا لَرَفَعْنَاهُ بهَا ولَكنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصُ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ ۱

إن آيات الله محيطة بالإنسان من جميع أقطاره فالسموات من آيات الله والأرض من آيات الله والأشجار من آيات الله والأنهار والجبال والمحيطات والنجوم والكواكب كل ذلك من آيات الله هذا الإبداع المحكم الذى يحيط بالإنسان من جميع أقطاره هذه الآيات التى تحيط بالناس أينما كانوا والتي تنادي بجلال الله وعظمته حاول بعض الناس الانسلاخ من أحكم وأدق وأروع
۱ سورة الأعراف آية ١٧٥ - ١٧٦
-٢٥٥ -

بهم
ما يكون لقد حاولوا الانسلاخ منها وهى ملتصقة التصاق جلد الإنسان بالإنسان وانسلخوا منها بعد لأى وعلى خلاف
الفطرة وعلى وضع لا يتلاءم مع النظام الطبيعي وانسلخوا بذلك من محيط الألوهية إنهم خرجوا عن سرادق الألوهية وخرجوا عن أن يكونوا من عباد الله فتهيأوا بصنيعهم هذا ليكونوا من أتباع الشيطان وسهل على الشيطان غزوهم فغزاهم بحيله ودهائه فكانوا من الغاوين ولو شاء الله لرفعهم بآياته ولكن العيب جاء منهم إذ أخلدوا إلى الأرض واتبعوا أهواءهم وسواء كنا بصدد من أخلد إلى الأرض أو بصدد من اتبع هواه فإن مثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه
يلهث
ولكن لم يلهث في كلتا الحالتين !
إن الذي أخلد إلى الأرض مهما بسط الله له في الرزق فهو ضيق بحياته لأنه لا يطمئن إلى شيء روحى بقنعه والمادة - مهما أوتى الإنسان منها - فإنها - ما دام الإنسان جشعا - لا تنتهى إلى إرضائه لو كان لابن آدم واد من ذهب لطلب ثانيا ولو كان له واديان لطلب ثالثا وإذا ضيق الله عليه فى الرزق فإنه يلهث وذلك واضح
ومن آثر اتباع الهوى فإنه لا يعتمد على هاد يطمئنه ولا
4
-٢٥٦ -

على اطمئنان يسكنه وهو ضيق بالحياة ذرعا لأن هواه لا تحده حدود ولأن خياله لا يكبح جماحه مبدأ ولا خلق كريم ولا مثل أعلى ثابت فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وان تتركه
يلهث
وهذا المثل إنما هو مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله وقد
أنزله تعالى ليتفكر فيه الناس وليتعظوا به ولعله يقود إلى الهداية
والرشاد هؤلاء الذين انحرفوا عنهما

* *
*
- من صفات الذين لم يعمر الإيمان قلوبهم
لقد بينا فى مفتتح هذا الكتاب بعض صفات المؤمنين كما عبر عنها سبحانه وتعالى ولقد أبان عز وجل عن الكثير من صفات غير المؤمنين فقال تعالى في سورة ن
A
و
فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ۱ ۸ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ٢ 1 وَلَا
۱ الذين كذبوا بآيات الله وكذبوا برسله
ودوا لو تلين لهم فيلينون لك أى ود هؤلاء المكذبون أن تمالئهم بإجابتك إياهم إلى الركون إلى باطلهم فيمالئونك باتباع بعض ما تقول دون إيمانهم
به
-٢٥٧-

تطع


هَمَّارٍ مَّشَاء بنمي مهين
مناع للخير معتد
0
أثيم ۳ عُتُل بعد ذلك زنيم ٤ CD أَن كَانَ ذَا مَالَ وبنين CD إِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ٥ سنسمه على ٦ الخرطوم
V
هذه بعض أوصاف غير المؤمنين تكون فيهم متفرقة أو
مجتمعة كل بحسب درجته فى الإشراك بالله والإلحاد ثم يقول تعالى بعد هذه الآيات مباشرة إِنَّا بِلَوْنَاهُمْ كَمَا
بلونا أصحاب الجنة
1 كثير الحلف حقير

عياب يمشى بين الناس بالنميمة للإفساد بينهم
۳ يمنع الخير - كلما استطاع - عن الغير ويتجاوز العدالة إلى الظلم والتعدى على الناس كثير المعاصى
٤ العمل الجاف في المعاملة الغليظ في السلوك والزنيم الدعي في نسبه أى من ينسب إلى غير أبيه ومعنى بعد ذلك أى ومع كل هذه القبائح والآثام فإن هناك ما هو أقبح منها وهو أنه زنيم ٥ يقول صاحب الكشاف عن هذه الآية إنها متعلقة بقوله ولا تطع يعنى ولا تطعه مع هذه المثالب لأن كان ذا مال وبنين أى ليساره وحظه من الدنيا ويجوز أن يتعلق بما بعده على معنى لكونه متمولا مستظهرا بالبنين كذب بآياتنا
٦ المعنى سنطبع بعلامة على أنفه أى سنجعله في غاية الذل والمهانة جزاء
بما كذب وتكبر
۷ سورة القلم آية ٨ - ١٦
-٢٥٨-

وصورة أصحاب الجنة من الصور التي تتعارض مع الإيمان
الصحيح
*
*
- صورة أصحاب الجنة
القرآن يقص علينا قصة أصحاب الجنة
وهى قصة قديمة حديثة إننا نقرؤها على أنحاء متعددة في آثار الماضين ونشاهدها على ألوان مختلفة في حوادث
عصرنا الراهن
ومجمل القصة أن جملة من الأولاد ورثوا عن أبيهم بستانا
يانعا ناضرا إنه جنة
فلما حان قطاف الثمار الناضجة الشهية وطنوا العزم وصمموا الإرادة وأقسموا على أن يستأثروا بجميع ما حملت وأن يخصوا أنفسهم بالثمين والحقير ولا يدعوا لفقير فيها ولا لمسكين من حظ
وسولت لهم أنفسهم وسول لهم الشيطان أنهم أحق بكل ثمرة فيها من الفقراء والمساكين أليسوا أصحاب عيال أليسوا أصحاب أسر ضخمة وكيف يطمئنون على رزقهم في الغد إن الغد مجهول ولا يدرى الإنسان ما يأتى به المستقبل من أحداث
-٢٥٩ -

فعليهم إذن أن يمنعوا تسرب أية ثمرة من هذه الثمار إلى أيد محتاجة أو بطون جائعة تتمثل فى الفقراء والمساكين
ولما ارتفع صوت أوسطهم يدعوهم إلى حق الله زجروه ولم
تجد كلمة الحق عندهم آذانا مصغية ولا قلوبا مفتحة

لقد بيتوا هذا العزم بليل وقدروا أمرا وقدر الله أمرا
فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت جنتهم خرابا لا شجر فيها ولا ثمر
وجاء هؤلاء الذين دبروا المؤامرة بليل جاءوا متلصصين حذرين جاءوا وهم يتخافتون ألا يدخلنها اليوم عليكم مسكين فلما رأوها وقعوا فى حيرة وظنوا أنهم ضلوا الطريق وتبلبلت أفكارهم أخذا وردا فلما تيقنوا من الأمر أسقط في أيديهم وكان ذلك درسا قاسيا وكان عبرة وكان عظة
وفى حالة من التركيز الواعى أصبح عندهم الاستعداد الكافي لأن يرجعوا إلى الله وينيبوا إليه وهنا ارتفع صوت
أوسطهم
ألم أقل لكم لو لا تسبحون
ووجد هذا النداء آذانا مصغية وقلوبا متفتحة فنطقوا في
إخلاص
سبحان ربنا إنا كنا ظالمين
--

وأخذوا يستعرضون أمرهم
فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون
لقد تدارسوا فيما بينهم الأمر واستنتجوا منه العظات والعبرة وانتهوا إلى الوصف الصادق الذي ينطبق عليهم في مؤامرتهم ضد الإنفاق في سبيل الله فقالوا
يا ويلنا إنا كنا طاغين
ثم تابوا توبة خالصة ورجعوا إلى الله في صدق وكانت
نهاية قولهم
إنا إلى ربنا راغبون
والله قد يربي بالابتلاء كما أنه قد يبتلى بالنعم والمؤمن الحق الذى لا يفرح بالنعمة إلا على أساس أنها توصله إلى مرضاة الله ولا يقنط للابتلاء لأن الصبر عليه إنما هو مرضاة الله وإن المال قد يكون ابتلاء إذا أقبل وقد يكون ابتلاء إذا أدبر وقد يكون نعمة إذا أقبل وقد يكون نعمة إذا أدبر والمثل الأعلى هو ألا نجعل المال في إقباله وإدباره إلها يعبد من دون الله وأن نسمو بأنفسنا حتى لا نجعلها من عبيد المال وحتى نحررها من رق الذهب والفضة وذلك بأداء حق الله والإنفاق في سبيله
4

عن أبي واقد الليثى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوحى
إليه أتيناه يعلمنا مما أوحى إليه فجئته ذات يوم فقال إن الله
-٢٦١-

عز وجل يقول إنا نزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد من ذهب لأحب أن يكون له ثان ولو كان له الثاني لأحب أن يكون له الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب الله على من تاب ويقول صلوات الله وسلامه عليه
ويتوب
خلتان يحبهما الله عز وجل وخلتان يبغضهما الله وجل فأما اللتان يحبهما الله فحسن الخلق والسخاء
عز
وأما اللتان يبغضهما الله فسوء الخلق والبخل وإذا أراد
بعبد خيرا استعمله فى قضاء حوائج الناس
والصورة التي تتعارض مع الإيمان فى هذه القصة إنما
هي صورة الشح والبخل التي غمرت أصحاب الجنة قبل التوبة وقبل العودة إلى الله ولقد كان الابتلاء خيرا إذ إنه كان سببا في
أن تعمر قلوبهم بالإيمان
4
*
*
*
٤ - قارون
كان قارون من قوم موسى وقد نشأ في ربوع مصر وآتاه الله ثراء عريضا ورزقه من المال ما لا يكاد يحصى ولا يعد وهيأ له من وسائل الحياة الهانئة وأسبابها الشيء الكثير فكان مع ثرائه الواسع قوى الجسم وضيء الصورة إلى درجة أنه كان
-٢٦٢-

ر وكان إلى ذلك طلق اللسان جذاب الحديث آتاه يسمى المنور
الله كل ذلك وآتاه أكثر من ذلك فكان منطق الحكمة أن يؤدى لله حق الشكر على نعمه وأن يتصرف فيما منحه الله إياه تصرف المتعرف بالفضل الذي لا ينكر الجميل
ولكن نفسه كانت تتطلع إلى غير ذلك لقد أجال بصره في بيئته وفى عشيرته فلم يجد ما يساعده على أن يكون حاكما أو صاحب ولاية ورئاسة فأخذ ينسلخ من عشيرته وينفصل عن قومه ويتقرب إلى فرعون يداهنه ويتملق كبرياءه ويتزلف إليه حتى أصبح من جلسائه
وفي فترة من الفترات وجد نفسه ينعم بجاه الثروة ويستمتع بجاه السلطان
فانتشى بهذا المجد الزائف وملأه الغرور واستولى عليه
الكبر ورسخ في نفسه أن السعادة إنما هي الثراء والجلوس مع
فرعون
ولما وقر في نفسه ذلك نسى الله أو تناساه فتعود عادات الذين لا دين لهم ازدراء العشيرة واحتقار الفقراء ونضوب معين الرحمة من القلب واعتبار أن الحياة الدنيا هي كل شيء وأن المثل الأعلى إنما هو الاستمتاع على أى وضع كان وفي أي صورة
-٢٦٣-

حدثت

وسارت الحياة به على هذا النمط رخاء فترة من الزمن
فاعتقد أنها ستسير به هكذا إلى النهاية ولكن
وفي يوم من الأيام بينما كان يجلس قارون مع فرعون
وهامان دخل موسى عليه السلام يعرض عليهم الرسالة التي
كلفه الله بتبليغها
ولقد أرسلنا مُوسَى بآياتنا وسلطان مبين CD إِلَى فَرْعُونَ وَهَامَانَ
وقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَاب
لقد كان المنتظر من قارون أن يدافع عن موسى إن لم يكن من أجل الحق الواضح فمن أجل العصبية والجنسية ولكنه ضرب بالحق وبالعصبية عرض الحائط وجارى فرعون حرصا على
ماله واحتفاظا بثروته وقال كما قال فرعون ساحر كذاب

ومن أجل الإبقاء على ثروته جارى فرعون في إسرافه
وطغيانه فقال موافقا له اقتلوا الذين آمنوا معه مع موسى واستحيوا نساءهم
ولما قال فرعون ذروني اقتل موسى لم يحاول قارون الدفاع
عن رسول الله وإنما الذي فعل ذلك رجل مؤمن من آل فرعون
يكتم إيمانه
وارتكب قارون كل ذلك إيثارا للمال وخوفا على الثروة من
أن يصادرها فرعون لو خالفه فيما يرى من رأى وغاب عنه أن
-٢٦٤-

الثروة والملك والدنيا والآخرة بيد
الله
وحده كما أنه سبحانه
المانح الوهاب فإنه تعالى المانع القابض
ولما رأى بعض الصالحين من قوم قارون أن الثروة والجاه أفسداه تشاوروا فيما بينهم واتفقوا على أن يسدوا إليه
4
النصيحة فلما اجتمعوا به تلطفوا فى القول ما استطاعوا وأجملوا النصيحة فى أمور خمسة هى فى الواقع القواعد العامة المثالية لما ينبغى أن يكون عليه الأثرياء وهى القانون الذي يجب أن يخضع له أهل الغنى قالوا له
١ - إنك مباه بثروتك فخور بها فرح بكثرة المال وما
ينبغي أن يكون الفرح بالمال إلا لأنه وسيلة النفع فلا تفرح بكثرة
المال فرح بطر فإن الله لا يحب الفرحين الذين يتمثل فيهم ذلك

٢ - وقد أتاك الله الكثير المتنوع فابتغ فيما آتاك الله الدار
الآخرة واتجه فى كل ما تأتى وما تدع إلى تقوى الله ومرضاته
- والدنيا مزرعة الآخرة وطريقها فلا تنس نصيبك من الخطوات فى هذا الطريق بالعمل الصالح الذى سيكون رصيدك
يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
٤ - وأحسن كما أحسن الله إليك فاجعل زكاة مالك

مساعدة الفقير وزكاة قوتك نصرة الضعيف وزكاة جاهك
معاونة المظلوم حتى يسترد حقه
-٢٦٥-

ه - ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين
ولكن هذه المبادئ السامية التى إذا عممت كانت الدستور لكل صاحب جاه أو نعمة لم تلق أذنا صاغية لدى قارون الذي ألهاه التكاثر فقال ساخرا متحديا لا يبالى إنما أوتيته على علم
عندى
لقد أوتيت هذا المال بسبب تدبيرى وحكمتي وحسن تصريفى للأمور وحدسى الذى لا يخطئ في شئون التجارة ورأيي الصائب في ارتفاع الأسعار ونزولها وأنكر بذلك أي أثر إلهى للنعمة التي ينعم بها وفيها
وتناسى قارون وهو فى نشوة الثراء وحماسة الجدل الأخبار الصحيحة التي تدل على أن الله سبحانه أهلك كل ذى جاه
لم يتق الله فيما أنعم به عليه ولم يؤد حق النعمة مالا كانت أو
قوة أو رئاسة

أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو
أشد منه قوة وأكثر جمعا
وأراد قارون أن يتحدى وأن يسخر وأن ينعم بالتحدى والسخرية ممن نصحوه فخرج يوما على قومه في موكب كأبهى ما يكون من الزينة والأبهة وكأضوأ ما يكون بريقا وزخرفا لقد خرج على قومه فى زينته - فى كل زينته - فمدت إليه الأعين
-٢٦٦-

وأخذ بريق الذهب الذى يتحلى به الركب يخطف بالأبصار ولمعان
الفضة المحلاة بها سروج الخيل يخلب الأفئدة
وتهادى الركب بقارون وهو ينظر يمينا وشمالا في كبرياء سافر وفى غرور مكشوف ولما رأى هذا المنظر أولئك الذين يسيرون بحسب قانون الغرائز ويريدون الحياة الدنيا فتنهم بريق الذهب ولمعان الفضة وزخرف الموكب فقالوا في شهوة غلابة وفى جوع إلى المال نهم يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون إنه
لذو حظ عظيم

ولكن الذين هداهم الله إلى صراطه المستقيم ردوا عليهم منبهين ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا وسنة الله لا تتخلف عادة نذكر منها فيما نحن بصدده
قوله تعالى
حَتَّى إِذَا أَخَذَت الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاها حصيدا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ۱
وقال تعالى
وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها فَفَسَقُوا فيها فحق عليها
الْقَولُ فَدَمرناها تدميرا ٢
۱ سورة يونس آية ٢٤
سورة الاسراء آية ١٦
-٢٦٧-

وإذا كانت هذه هي سنة الله فى الأرض وفي القرى فماذا
ينتظر أن تكون في قارون وأمثاله إنها فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من
المنتصرين
ولما رأى الذين تمنوا مكان قارون بالأمس ما حل به رجعوا
إلى الله وأنابوا إليه ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخـ سف بنا ويكأنه لا يفلح
الكافرون
أما العبرة من كل ذلك فيلخصها القرآن - عند انتهاء قصة
قارون - تلخيصا جميلا موجزا
تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوا فِي الْأَرْضِ وَلَا
فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين
وإلى هنا انتهت قصة قارون وكان يمكننا أن نقف عند هذا الحد ولكن هنا بعض الطرائف والملاحظات يقول الله عن قارون
وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة
۱ - يقول صاحب البحر المحيط سميت أمواله كنوزا لأنها لم تؤد منها الزكاة وعلى ذلك فإن الأموال التي تؤدى فيها الزكاة لا تدخل تحت قوله تعالى الذين يكنزون الذهب والفضة
-٢٦٨-

- أما عن المفاتح التى تنوء بالعصبة أولى القوة فقد قال أبو مسلم رأيا طريفا جدا فى تفسيرها فقد قال المراد من المفاتح العلم والإحاطة كما في قوله تعالى وعنده مفاتح الغيب والمراد وآتيناه من الكنوز ما إن حفظها والاطلاع عليها ليثقل على العصبة أى هذه لكثرتها واختلاف أصنافها تتعب حفظتها القائمين على حفظها
- يذكرنا ثراء قارون بأثرياء المسلمين في العصور الماضية وكان من هؤلاء عبد الرحمن بن عوف ولكنه رضى الله عنه كان يؤدى حق الله كاملا فى ماله حتى لقد تبرع يوما لفقراء المدينة بقافلة كاملة مكونة من خمسمائة جمل بما تحمل من تجارة وإذن - فالمال إنما يكون فتنة إذا لم يؤد حق الله كاملا فيه وكذلك الأولاد إنما تكون فتنة إذا لم يؤد الوالد حق الله والوطن
فيهم بتربيتهم خير تربية

**
*
-٢٦٩-

الفصل الخامس
قوانين إلهية خاصة بالإيمان
والقانون معناه علة ومعلول سبب ومسبب مقدمة ونتيجة أى أن هناك ارتباطا بين المقدمات التي تسمى عللا وأسبابا وبين نتائج تسمى معلولات أو مسببات
وإذا كانت قوانين العالم المادى وهى أيضا قوانين إلهية تطرد عادة فإن القوانين التي سنذكرها أثبت وأقوى لأن الله
سبحانه أعلن صدقها وصحتها
وهذا الفصل إنما نقدمه لهؤلاء الذين يعتقدون أو يسيرون
في حياتهم كما لو كانوا يعتقدون أن العمل الصالح والتقوى والتوكل والصدق والإخلاص إنما هي أمور من أجل الآخرة
فقط ونفعها إنما يكون يوم الحساب

ومما لا شك فيه أن نفعها يوم الحساب كبير ولكن الله
سبحانه وهو أصدق القائلين يبين لنا أن نفعها في الحياة الدنيا يكون أيضا نفعا كبيرا وأن فائدتها في سلوكنا اليومي وفى
-۷۱-

تصرفاتنا وفى أمننا وفى السكينة تغمر قلوبنا وفي إزالة الحيرة والخوف من قلوبنا فى كل ذلك وفي غير ذلك من وجوه
الخير بالنسبة لنا وبالنسبة لأهلنا كبير
القوانين الإلهية والإيمانية المتعلقة بالفرد
وإذا تحقق المؤمن بالإيمان الصادق فإنه يكون قد فاز بخيرى
الدارين
ومن أعظم ما يفوز به أن الله يصبح وليه ويخرجه من
الظلمات إلى النور
الله ولي الذين آمنوا يُخرجهم من الظلمات إلى النور
ويهديه
الله الصراط المستقيم
وَإِنَّ الله لهاد الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُستقيم
ويتكفل الله بنجاته

ثُمَّ تُنجى رُسُلَنا والذين آمنوا كذلك حَقًّا علينا ننج الْمُؤْمِنِينَ ﴾
ويتكفل
الله بنصره في الدنيا والآخرة
إن الله سبحانه ينبه أولا على أن النصر من عند الله
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ﴾
وينبه ثانيا إلى ﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالب
-۷-

ثم يرشد إلى أن نصر المؤمنين حق عليه سبحانه
و وكان حقا علينا نصر المؤمنين

ويؤكد ذلك مبينا أن نصره سبحانه يتضمن النصر في
الحياة الدنيا ولكنه لا يقتصر عليها وإنما يتحقق في الآخرة
أيضا يقول سبحانه
و إِنَّا لَنَ رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يَقُومُ
الأشهاد
ولكنه سبحانه يبين فى صورة لا لبس فيها هؤلاء الذين
ينصرهم فيقول
ولينصرن الله من ينصرهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
والتقوى داخلة في نطاق الإيمان ومن قوانينها
يا أَيُّها الذين آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّه يجعل لَكُمْ فُرقانًا ويُكفر عنكم
سيئاتكم ويغفر لكُم وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظيم ﴾
روم

ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيثُ لا يحتسب
والتوكل داخل في نطاق الإيمان وقانونه ومن يتوكل على الله فهو حسبه
ومن الإيمان الرحمة ولها قوانين
۱ - الراحمون يرحمهم الرحمن
-۷۳-

- ارحموا من فى الأرض يرحمكم من في السماء
٣ - لا تنزع الرحمة إلا من قلب شقى
٤ - عدم الخزى فى الدنيا والآخرة وهذا القانون أعلنته السيدة خديجة رضوان الله عليها حينما أقسمت للرسول صلى الله عليه وسلم
قائلة
كلا والله ما يخزيك الله أبدا
ثم عللت عدم الخزى بقولها
إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدم وتقرى
الضيف وتعين على نوائب الحق
مفصلة
وهذا الوصف إنما هو تفصيل لأوضاع أو هو الرحمة
ومن القوانين التى تتصل بالرحمة ما يلى
۱ - من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة
من كرب يوم القيامة

٢ - ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة
- ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة
٤ - والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه
-YVE-

وما من شك فى أن التوبة أول المعارج في سلم الإيمان
الصادق ومن قوانينها
1 - إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾

- استغفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا
* ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَكُمْ أَنْهَاراً ويرسم رسول الله ل كيفية تحقيق الإيمان الصادق في طى حديث رواه إمام المحدثين الإمام البخارى رضى الله عنه في أصح كتاب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى
يخبر رسول الله في حديث قدسي عن رب العزة
من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب
وما تقرب إلى عبدى بمثل أداء ما افترضت عليه

وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه
مهتدون
ويتوج كل ذلك قوله تعالى
"
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمِّنُ وَهُم

الفصل السادس
الإيمان والمجتمع
أما الأمن في المجتمع فإنه يقاس بدرجة الإيمان في الأفراد فكلما ازداد إيمان الأفراد أمن الناس على دمائهم وأعراضهم وأموالهم وكلما خف وزن الإيمان في النفوس اضطرب الناس واستولى عليهم القلق فيما يتعلق بدمائهم وأعراضهم وأموالهم مهما كانت سيطرة القانون وقوته فالقوانين
لا تمس من الإنسان إلا الشكل والظاهر
أما الإيمان فإنه يسيطر على الكيان الإنساني كله ومن هنا كانت ضرورة الإيمان للمجتمع وحاجة المجتمع للإيمان وإذا ما سيطر الإيمان على الكيان الإنسانى كله كان المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يتوادون ويتعاطفون ويتآخون في الله ويصور رسول الله صلوات الله عليه وسلامه هذه الولاية خير تصوير فيقول
المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا
4
-۷۷-

ويقول في روعة رائعة
مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل
الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء
بالحمى والسهر
ويقول الله تعالى
230
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف
30 3
وينهون عن الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أولئك سيرحمهم اللهُ إِنَّ الله عزيز حكيم
والمؤمنون قوامون إذن على المجتمع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولكنهم من قبل ذلك ومن بعده يأتمرون في أنفسهم بالمعروف وينتهون في أنفسهم عن المنكر لأنهم مؤمنون ويقيمون الصلاة تزكية لنفوسهم وتطهيرا لقلوبهم ويكررون الصلاة استدامة لهذه التزكية واتباعا لما أمر الله
إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا
إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

وهم يؤتون الزكاة تطهيرا وتزكية لأموالهم ونفوسهم وإعانة
للفقير والمسكين وصاحب الحاجه

ومن خصائص المؤمنين التى ذكرت فى الكتاب والسنة وفى
الآية السابقة أنهم يطيعون الله ورسوله والقرآن يقرن عادة
-۷۸-

طاعة الرسول بطاعة الله عز وجل بل يجعل طاعة الرسول
طاعة لله عز وجل
من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهُ ﴾
ومن هنا كانت نزعة شيطانية ذلك التيار الذي ينساب كالأفعى مشككا في أحاديث رسول الله ل مزلزلا لمنزلتها في النفوس باسم البحث العلمى وما هو من البحث العلمى في شيء وإنما هو حب الظهور وحب الشهرة واتباع الهوى على حساب الحق وعلى حساب الإيمان والأمن والسلام الروحى
وإنه لمن المعروف أن حب الشهرة إنما هو من مركبات النقص التي تقود الإنسان إلى ارتكاب كل موبقة ولسنا بصدد الحديث عن هؤلاء الآن إنما نريد أن نبين أن الآية الكريمة السابقة التي أضفت على المؤمنين هذه الأوصاف السامية تنتهى بقوله تعالى تفضلا عليهم وتبشيرا لهم
أُولَئِكَ سيرحمهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم
إنهم إذن ناجون وهم منتصرون وهم في فيض من رحمة الله لا ينقطع وما ذلك إلا لإيمانهم وليس إيمانهم الذي نالوا
به هذه المنزلة بالأمر الهين
فالإيمان بضعة وسبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن
6
الطريق
-YVA-

ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب
لنفسه
والمؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأعراضهم واموالهم
والمؤمن كله منفعة إن شاورته نفعك وإن شاركته نفعك
وإن ماشيته نفعك فأمره كله منفعة
ولقد كان صحابة رسول الله ورضى الله عنهم
يجلسون حوله وإذا بهم يسمعونه يقول
والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن فاستفسر
الصحابة رضوان الله عليهم عن الأمر فقال
من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم
ويقول صلوات الله وسلامه عليه
ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره وليصل
رحمه وليقل خيرا أو ليصمت
وهكذا الإيمان لو تتبعنا جميع جوانبه لوجدنا أثره في
المجتمع كبيرا ولوجدناه إيجابيا لا سلبية فيه
الإيمان

وللإيمان موازين لا تخطئ يزن بها نفسه كل من يدعي
ويزعم أنه في زمرة المؤمنين
نذكر من ذلك قول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه
يسأل بعض أصحابه رضوان الله عليهم

-YA-

أتصبرون عند البلاء قالوا نعم قال أتشكرون عند
الرخاء قالوا نعم قال أتثبتون عند الحرب واللقاء قالوا
نعم قال مؤمنون ورب الكعبة
أما بعد فإن الله سبحانه أوجز لنا تحديد المؤمنين في
كلمات قليلة تتضمن من المعانى الشيء الكثير فقال سبحانه في
كتابه الكريم
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا
بأموالهمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون ﴾ وهذه الآية
مبتدأة بأداة الحصر هى المقياس الصحيح للإيمان

فمن ظن بنفسه الإيمان فلينظر إلى هذه الآية فإن وجد
أنها لا تتحقق فيه فليعمل على إكمال نفسه ومن رأى أنه يمثلها الله مصدر الهداية والتوفيق ويشكره سبحانه على ما
فليحمد
تفضل به عليه

*
**
-YAI-

الخاتمة
۱ - آيات من القرآن الكريم
من عمل صالحا من ذكر أو أُنثَى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة1
ولنجزينهم ٢ أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَا تَخافُوا ولا تحزنوا ۳ وأبشروا بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَولَيَاؤُكُمْ في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أَنفُسَكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا
تدعون ٣ نُزُلاً مَنْ غَفُورٌ رَّحِيم
تَدْعُونَ
ولَوْ أَنَّ أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات٤ مَنَ السَّمَاء
والأرض ولكن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
۱ في هذه الدنيا والحياة الطيبة هي ما يسمى رف فلاسفة الأخلاق
السعادة
في الآخرة
۳ تنزل عليهم فى هذه الحياة الدنيا وعند الموت مبشرة بعدم الخوف وعدم الحزن ومبشرة بالجنة
٤ الآية صريحة فى أن البركات تنزل عليهم أثناء حياتهم وتنزل على الأفراد وتنزل على الجماعات وتنزل على الأمم
-۸-

303
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مَنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُوله وتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذلكم خير لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ 11 يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتِ تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيـ وأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشَرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
- وأحاديث
يقول
۱
في الإسلام والإيمان
عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله
ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا
4
وبمحمد رسولا

عن أبى هريرة عن النبي قال
الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان

عن الزهري عن سالم عن أبيه سمع النبي يقول الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من
الإيمان
۱ الأحاديث رواها الإمام البخارى وكتب الصحاح
-۸۳-

عن الزهري عن سالم عن أبيه سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يعظ
أخاه فى الحياء فقال الحياء من الإيمان

عن سفيان بن عبدالله الثقفى قال قلت يا رسول الله
قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك
وفي حديث أبي أسامة غيرك
قال قل آمنت بالله ثم استقم
6
عن عبدالله بن عمرو أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي
الإسلام خير
تعرف
قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم
عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير قال من سلم المسلمون من
لسانه ويده
عن جابر يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول المسلم من سلم
المسلمون من لسانه ويده

عن أبي موسى قال قلت يا رسول الله أي الإسلام أفضل
قال
من سلم المسلمون من لسانه ويده
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن
-YAE-

يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن
أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار
عن أنس قال قال رسول الله ل لا يؤمن عبد وفي
حديث عبد الوارث الرجل حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين
عن أنس بن مالك أنه ل قال لا يؤمن أحدكم حتى
يحب لأخيه - أو قال لجاره - ما و يحب لنفسه
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلون
الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنون حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم
قال أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لا يزني الزنى حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق
حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو
مؤمن
قال ابن شهاب فأخبرنى - وهو عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن - أن أبا بكر كان يحدثهم هؤلاء عن أبى هريرة ثم
يقول وكان أبو هريرة يلحق معهن ولا ينتهب نهبة ذات شرف
يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن

عن أبي هريرة أن النبي الله قال

-YAO-

لا يزني الزانى حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن والتوبة معروضة بعد
عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع من
كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها
إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا
خاصم فجر
عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال آية المنافق ثلاث إذا
حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان
عن عبدالله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر
4
عن عبد الله بن عمر عن النبي أنه قال في حجة
الوداع ويحكم أو قال ويلكم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب
بعضكم رقاب بعض
عن زيد بن خالد الجهني قال صلى بنا رسول الله صلاة الصبح بالحديبية في أثر السماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال قال أصبح من عبادى مؤمن بي وكافر
-PAT-

فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي کافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن
بالكواكب
عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تروا إلى ما قال ربكم قال ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون الكواكب وبالكواكب
عن أبي سفيان قال سمعت جابرا يقول سمعت النبي
يقول إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة
روى عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك
الصلاة
قال رجل يا رسول الله أى الذنب أكبر عند الله
قال أن تدعو
لله ندا وهو خلقك
قال ثم أي
قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك
قال ثم أي
قال أن تزانى حليلة جارك
فأنزل الله عز وجل تصديقها
۸۷-

والَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا آخَرَ وَلَا يَقْتَلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ
إِلا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾
عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
ومن حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا
عن همام بن الحارث قال كان رجل ينقل الحديث إلى الأمير فكنا جلوسا في المسجد فقال القوم هذا ممن ينقل الحديث إلى الأمير قال فجاء حتى جلس إلينا فقال حذيفة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يدخل الجنة قتات

عن أبى هريرة قال كان النبي بارزا يوما للناس فأتاه
جبريل فقال ما الإيمان
قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله
وتؤمن بالبعث
4
قال ما الإسلام
قال الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به وتقيم الصلاة
وتؤدى الزكاة المفروضة وتصوم رمضان
قال ما الإحسان
قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
قال متى الساعة
-۸۸-

قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن
أشراطها
البنيان
"
إذا ولدت الأمة ربها وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في
في خمس لا يعلمهن إلا الله
ثم تلا النبي
إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكس غدا وما تدري نفس بِأَيِّ أَرْضِ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
خبير
ثم أدبر فقال ردوه فلم يروا شيئا فقال هذا جبريل جاء
يعلم الناس دينهم
قال أبو عبد الله جعل ذلك كله من الإيمان

وأخيرا ها هي ذي مرتبة الصدق فى الإيمان يحددها الله
سبحانه وتعالى بقوله
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يرتابُوا وَجَاهَدُوا
بأموالهم وأَنفُسهم في سبيل الله أُولَئِكَ
هم
الصَّادِقُونَ ﴾
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله
وصحبه وسلم
-YA9-

تم بحمد الله

٤٧

۱۰۷

١٥٥
١٥٩
۱۷۱
۳۹
٢٥٥
۷۱
۷۷
۸
مقدمة
المحتويات
الباب الأول الإسلام وشخصية المسلم الفصل الأول جوهر الشخصية الإسلامية
الفصل الثاني أسس إسلام الوجه لله الفصل الثالث عقبات مزيفة فى طريق اسلام الوجه لله أو الاسلام وتحرير الشخصية
الفصل الرابع من نتائج اسلام الوجه لله
الباب الثاني الإيمان
الفصل الأول التعريف بالإيمان
الفصل الثاني أساس الإيمان
الفصل الثالث صور إيمانية

الفصل الرابع صور تتعارض مع الإيمان
الفصل الخامس قوانين الهية خاصة بالإيمان
الفصل السادس الإيمان والمجتمع
"
-۹۱-
الخاتمة

هذا الكتاب
أن رجال الأمم الإسلامية ترتفع أصواتهم في كل مكان في
4
الأونة الحاضرة منادية بالإصلاح وعاملة على الآخذ في سبيله
من أجل ما يتمناه الجميع من نهضة نرجو الله أن تأخذ طريقها السليم وإذا أردنا أن نحدد المنهج الذى نسير عليه في تكوين الشخص المسلم والمجتمع المسلم فما هي المبادئ التي نسير عليها وما هو المنهج الذى نتبعه من أجل ذلك ألفنا هذا الكتاب
هذا وبالله التوفيق
عبد الحليم محمود