Go Back





الإمام
الدكتور عبد الحليم محمود
الإسراء والمعراج
كار المعارف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أسرى به الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليريه من آياته الكبرى وعلى آله
وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهَب لنا من لدنك رحمة إنك
أنت الوهاب
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً

مقدمة
في مسجد مولانا الحسين رضي الله عنه في شهر رجب من سنة ۱۳۸۷ هـ احتفلت جمهورية مصر العربية عن طريق التليفزيون – في برنامج نور على نور - بليلة الإسراء والمعراج مشاركة بذلك العالم الإسلامي كله ومعبرة بهذا الوضع عن الأهمية الكبرى التي لهذه الليلة
المباركة
وقد حضر الحفل كثير من كبار السادة المسئولين في مختلف الوزارات وفي الأزهر وقد دعاني المشرفون على البرنامج – مشكورين – للحديث مع من دعى فى تلك الليلة المباركة وانتهزتها فرصة لأقول رأيي في نقطة من هذا الموضوع حيث أتيح إعلانها في أوسع من المستمعين في المسجد ومن المشاهدين على الشاشة
بصراحة
دائرة ممكنة

لقد كان المعراج مناجاة ووحياً ورؤية
أكانت المناجاة مع جبريل عليه السلام والوحى من جبريل عليه
السلام والرؤية الجبريل عليه السلام
أم كانت المناجاة
مع
الله سبحانه وتعالى والوحى من الله تعالى
والرؤية الله تعالى

لقد قلت في حديثي
إن محمداً لله وصل إلى أفق لم يعد فيه مكان الجبريل وارتقى
إلى مستوى من النور لم يكن لجبريل عليه السلام فيه مجال فكان محمد في الحضرة الإلهية دون واسطة
فناجی محمد عليه الصلاة والسلام ربه عز وجل
وأوحى إليه ربه ما أوحى
ورأى محمد ربه
ما كذب الفؤاد ما رأى
واستندت إلى ما جاء في حديث البخاري
ثم دنا الجبار ربِّ العزة فتدلى فكان منه قاب قوسين أو أدنى وقلت إن محمداً لله فى هذا الأفق كان وحده وكان جبريل
عليه السلام في أفق أقل فكانت المناجاة الله
وكان الوحى من الله
وكانت الرؤية الله تعالى
ولم يستغرق حديثى أكثر من ربع ساعة قلت فيها - في لمحات خاطفة كل ما كنت أريد أن أقول فى الموضوع عامة وفي هذه النقطة
خاصة
ثم نزلت من على المنصة وكأنني قد تخففت من حمل وكأنني قد
برئت من مسئولية

وظننت أن الأمر قد انتهى وأنني قد أسمعت وأن الكلمة ستأخذ مجراها وأن الله سيفتح لها آذاناً ويشرح لها صدوراً
وما إن انقضى الحفل حتى التف حولى كثير من ذوى البصائر
الرشيدة يرجون أن أكتب في الموضوع أفصل ما أجملت وأستفيض فما كان أشبه بلمحات وأوضح هذا الذي وقع من أنفسهم موقع الاستحسان والغرابة فى آن واحد من أن محمداً ل وصل إلى
أفق كان في الحضرة الإلهية وحده دون حجاب وعددت هذا منهم مجاملة قابلتها بمثلها وشكرت لهم حسن
ظنهم
ورجوت من الله التوفيق لى ولهم
ولكن الحديث عن الموضوع استمر وكثر طلب الناس هنا وهناك للكتابة في هذا الموضوع في صورة أوسع وفي زواياه المتعددة و حفزنى هذا إلى العودة إلى الموضوع من جديد
لقد عدت إلى القرآن الكريم وتفسيره في مختلف التفاسير وخصوصاً تفسير الإمام ابن كثير فى موضوع الإسراء والمعراج وكذلك تفسير وإلى صحيح الإمام
الإمام الألوسى وحاشية الإمام الصاوى

البخارى وشرح الإمام ابن حجر له فى مختلف الأمكنة التي تحدث فيها عن الإسراء والمعراج

وإلى صحيح الإمام مسلم وشرح الإمام النووى له
وإلى الخصائص الكبرى للإمام السيوطي
وإلى الشفاء للقاضي عياض

و إلى كتب السيرة وخصوصاً سيرة ابن هشام وتعليق السهيلي عليها
ولقد نعمت بفترة من البحث أحمد الله عليها
ولم أجئ بما لم
وما من شك في أنني لم أخترع رأياً ولم أبتدع فكرة يكن موجوداً وكل ما في الموضوع أنني حاولت في هذه النقطة - ا - التي كانت مثار سؤال وبحث - أن أبرز ما حاول البعض المرور عـلـيـه مـروراً عابراً وأن أظهر مالم يكن البعض يقف عنده وأن أعلن عما كان موجزاً لا يكاد يبين عنه بعض الكاتبين
لست إذن بدعاً في الرأي ولا مبتدعاً فيه
على أن هذه النقطة التى كانت مثار بحث ليست أبرز شيء في هذا الكتاب بل إنها لم تستغرق منه مكاناً كبيراً لقد أردت على الخصوص أن أبين أن قصة الإسراء والمعراج إنما تمثل
ا - منهج حياة في العقيدة

- منهج حياة في الأخلاق
إنها منهج الحياة الروحية في حياة المسلم

وهذه النقطة بالذات هى التى استفضت فيها والتي أرجو أن أكون
قد صاحبنى فيها التوفيق
إن بعض المسلمين يحتفلون بهذا الحادث على أنه حدث تاريخي مجيد ثم يمرون به على أنه معجزة وقعت لسيدنا محمد فأظهرت ما له من فضل وبينت ما له من مكانة فإذا ما شرحوها من هذا الجانب فكأنهم قد أوفوا الموضوع حقه
وقالوا فيه ما يمكن أن يقال ولكن أمر الإسراء والمعراج أوسع وأعم من أن يكون حدثاً تاريخياً انقضى وانتهى وذلك أنه رسم لحياة المسلم وفيه من العظات والعبر مالا يكاد يحيط به الإنسان وسنحاول بتوفيق الله أن نكتب عنه في هذه الجوانب والزوايا والله نرجو أن تمتد لهذا الكتاب الأعين وتتفتح له الآذان وأن يشرح الله له الصدور وأن يهدى له وأن يهدى به إنه سبحانه
قريب مجيب
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

الفصل الأول
بين يدى الإسراء والمعراج

سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه معجزة التاريخ وهو المنارة التي يهتدى بها الإنسان كلما انبهمت الأمور أو ضلت الآراء وحياته قبل البعثة كحياته بعدها عظة وعبرة وهداية ومثل أعلى لمن أراد الطريق الأقوم
إن من يتدبر حياته الله قبل البعثة ولا يكون عنده فكرة صحيحة عن النبوة من حيث إنها لا تكتسب اكتساباً وإنما توهب من الله تعالى يكاد يعتقد أنه اقتنص الوحى اقتناصاً واضطره إلى النزول
اضطراراً وأنه أبى إلا أن يظفر بما يريد فكان له ما أراد
بید
أن الصواب هو أن الله اصطفاه وفضله بالنبوة والرسالة على العالمين عندما حان الموعد الذى حددته العناية الإلهية لتتجلى بالهداية
عن طريق من اختارته رسولا
يقول الإمام المراغى رحمه الله
النبوة هبة لا تنال بالكسب لكن حكمة الله وعلمه قاضيان بأن
تمنح للمستعد لها القادر على حمايتها الله أعلم حيث يجعل رسالته
ومحمد علا الله أعد لأن يحمل الرسالة للعالم أجمعه أحمره
وأسوده وإنسه وجنه

وأعد لأن يحمل رسالة أكمل دين
ولأن يختم به الأنبياء والرسل وليكون شمس الهداية وحده إلى أن
تنفطر السماء وتنكدر النجوم وتبدل الأرض والسموات ۱
الأرض
أما هذا الإعداد فقد حاطه الله بعنايته التامة إنه أعده من ناحية أسرته أعنى من ناحية الوراثة وأعده من ناحية فطرته أعنى طبيعته
الشخصية أما من ناحية أسرته فهذا جده عبد المطلب كان سمح الطبع
رضى النفس سخى اليد حلو العشرة عذب الحديث وكان عبد المطلب أيضاً قوى الإيمان تملك قلبه وتسيطر على

نفسه نزعة دينية حادة عنيفة ولكنها غامضة يحسها ويخضع لها ولكنه لا يتبينها ولا يستطيع لها فهماً ولا تفسيراً كان فتى من فتيان قريش ولكنه يمتاز عن بقية فتيان قريش فيه ذكاؤهم وفطنتهم وفيه إباؤهم وعزتهم ولكن فيه دعة لم تكن مألوفة عندهم وفيه شدة من الدين قلما كانوا يرضونها أو
يبسمون لها
على أن خصلة أخرى ميزته منهم أشد التمييز فلم يكن يصدر في
۱ من مقدمة وحياة محمد للدكتور هيكل
انظر كتاب على هامش السيرة
١٤

حياته - كما كانوا يصدرون - ١- عن الروية والتفكير وطول التدبير وإنما كانت تدفعه إلى العمل والاضطراب في الحياة قوة خفية يحسها ويأبى عليها ويغلو فى الإباء ولكنه يضطر إلى أن يذعن لها ويصدع بأمرها
وكانت هذه القوة تصدر إليه أمرها في أشكال مختلفة تدفعه إلى العمل حيناً وكأنها إرادته الخاصة قد ملكت عليه حسه وشعوره فهو لا يستطيع عنها انصرافاً ولا يملك لها خلافاً
منی
وتتمثل له حيناً آخر شخصاً واضح المخايل بين الصوت يلم به إذا اشتمله النوم فيأمره أن يأتي كذا وكذا الأمر وكان في هذا الصوت غموض وكان في هذا الصوت إبهام وكان في هذا الصوت جلال مصدره هذا الغموض والإبهام وكان الفتى ينكره ويرتاع له وكان الصوت يغمره ويلح عليه وكان الفتى يخاف هذا الصوت ويهواه وكان هذا الصوت يتجنب الفتى حتى من نفسه ويلم به فيكثر الإلمام ولم يكن هذا الصوت يقع في أذن الفتى بألفاظ كالتي تقع في آذان الناس إنما كان يصطنع ألفاظاً خاصة غريبة الجرس غريبة المعنى ۱
يؤيسه
أما والده - عبد الله - فقد كان صورة طبق الأصل من جده
وكان شعاره
۱ انظر کتاب على هامش السيرة
۱۵

أما الحرام فالمات دونه
وتقول له فاطمة الخثعمية
إني لأعرف فيك نسك أبيك
قبيلته قريش وأسرته بنو هاشم وجده عبدالمطلب سيد
قريش إذ ذاك ووالده عبد الله فكان محمداً هو ولقد اختاره الله للرسالة ولكنه تعالى اصطنعه لنفسه قبل
أن
يمنحه النبوة
أجل ! وهذه الفترة من حياته التى سبقت البعثة كانت فترة جهاد وصراع روحى هادئ بكل معنى الهدوء عنيف أشد العنف مستمر لا ينقطع فيه الحزن وفيه الرجاء وفيه الكثير من الأمل الوثاب الذى يشحذ العزيمة ويسد على اليأس القانط كل منفذ إن هذه الفترة من حياته كانت - على حد تعبير الجنيد في تعريف التصوف - عنوة لا صلح فيها كان صلوات الله وسلامه عليه يتوج كل عام جهاده الروحي
المتصل بشهر يقضيه فى غار حراء حيث الخلوة التامة وحيث التجرد
المطلق أو شبه المطلق عن كل ما سوى الله وهناك في سجوة الليل
C
أو في رائعة النهار يحاول محمد أن يحطم الحجب وأن يخترق المساتير وأن ينفذ ببصيرته إلى عالم الغيب فيصل إلى سدرة المنتهى وإلى قاب قوسين أو أدنى حتى يشاهد الجمال فى سنائه والجلال في عظمته

وكبريائه وجلاله
ها هو ذا الرسول يبذل مجهوداً جباراً لا يكاد الإنسان يتصوره فضلا على أن يأتي بمثله
وها هو ذا يرى الهدف بعيداً لا يكاد الإنسان يفهمه فضلا على أن يصل إليه
ها هو ذا يرى الطريق وعثاء صعبة المرتقى بيد أن ذلك كله لم يكن إلا ليزيده عزماً على عزم وإرادة على إرادة ونشاطاً
مضاعفاً
إنه الجهاد الأكبر على حد تعبير الأثر المشهور عن جهاد النفس
لتتزكى
وتمضى السنون بطيئة سريعة فى آن واحد وجهاد الرسول لا يفتر حتى أصبح - أو كاد - روحاً خالصة أو قبساً من نور الله
وانتهى به الأمر إلى قرب يقول عنه الإمام الغزالي إنه أول حال رسول الله الله حين أقبل على جبل حراء حيث تبتل حين كان يخلو فيه بربه ويتعبد حتى قالت العرب إن محمداً
عشق ربه
ثم كانت الرسالة وكانت المعجزة التي غيرت مجرى التاريخ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك

الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ۱
ويقول الدكتور هيكل
ه وجد محمد فيه - فى التحنث - خير ما يمكنه من الإمعان فيما شغلت به نفسه من تفكير وتأمل كما وجد فيه طمأنينة نفسه وشفاء شغفه بالوحدة يلتمس أثناءها الوسيلة التي يبرح شوقه يشتد
إليه من نشدان المعرفة واستلهام ما في الكون من أسبابها
وكان بأعلى جبل حراء - على فرسخين من شمال مكة – غار هو خير ما يصلح للانقطاع والتحنث فكان يذهب إليه طول شهر رمضان من كل سنة يقيم مكتفياً بالقليل من الزاد يحمل إليه ممعنا في التأمل والعبادة بعيداً عن ضجة الناس وضوضاء الحياة
به
ملتمساً الحق والحق وحده

ولقد كان يشتد به التأمل ابتغاء الحقيقة حتى لقد كان ينسى طعامه وينسى كل ما فى الحياة لأن هذا الذي يرى في حياة الناس مما حوله ليس حقاً
وشارف محمد الأربعين وذهب إلى حراء يتحنث وقد امتلأت نفسه إيمانا بما رأى في رؤاه الصادقة وقد خلصت نفسه وقد أدبه ربه فأحسن تأديبه وقد اتجه بقلبه إلى الصراط المستقيم وإلى الحقيقة الخالدة وقد اتجه إلى الله بكل روحه أن يهدى قومه بعد أن ضربوا في
۱ سورة العلق ١ / ٥

تيهاء الضلال
وهو في توجهه هذا يقوم الليل يرهف ذهنه وقلبه ويطيل الصوم وتثور به تأملاته فينحدر من الغار إلى طريق الصحراء ثم يعود
إلى خلوته ليعود فيمتحن ما يدور بذهنه وما يتبين له فى رؤاه ولقد طالت به الحال ستة أشهر حتى خشى على نفسه عاقبة أمره فأسر بمخاوفه إلى خديجة وأظهرها على ما يرى وأنه يخاف عبث الجن به فطمأنته الزوج المخلصة الوفية وجعلت تحدثه بأنه الأمين وبأن الجن لا يمكن أن تقترب منه
ولم يدر بخاطرها ولا بخاطره أن الله يهيئ مصطفاه بهذه الرياضة الروحية إلى اليوم العظيم وإلى النبأ العظيم يوم الوحى الأول ويهيئه بها إلى البعث والرسالة وفيما هو نائم بالغار يوماً جاءه الملك وفي يده صحيفة فقال له
اقرأ 1
كانت اقرأ مفتتح عهد جديد فى حياة الرسول فمنذ تلك الآونة لم يترك رسول الله الله الدعوة إلى الله قط كان يدعو ليلا وكان يدعو نهاراً وكان يدعو في كل لحظة لحظاته
من
يروى الإمام أحمد عن ربيعة بن عباد – وكان جاهلياً أسلم –
يقول
۱ من حياة محمد للدكتور هيكل
۱۹

رأيت رسول الله ل بصر عيني بسوق ذي المجاز يقول
يأيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا
ويدخل فجاجها والناس متقصفون ۱ عليه فما رأيت أحداً يقول شيئاً وهو لا يسكت يقول
يأيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا
أقام رسول الله لا بمكة ثلاث سنين من أول نبوته مستخفياً ثم أعلن في الرابعة فأخذ يدعو الناس إلى الإسلام عشر سنين يوافى المواسم كل عام يتبع الحجاج في منازلهم في المواسم بعكاظ ومجنة وذى المجاز يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ولهم الجنة فلا يجد قبيلة تنصره أو رئيساً يجيبه حتى إنه ليسأل على
القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة ويقول يأيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب
وتذل لكم العجم وإذا آمنتم كنتم ملوكاً في الجنة

وكانت قريش تقف في وجه انتشار الدعوة معارضة لها ومنكلة
بمن يعتنقها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا
ولكن الدعوة كانت تنتشر شيئاً فشيئاً كان يعتنق الإسلام من تحرّر من رق العادة والإلف ومن طلب الحق والرشاد ومن يصبر على
إيذاء قريش ومن لا تؤثر فيه دعاية القرشيين
1 أى مجتمعون عليه

ونذكر من هذا مثالين
١ - كان ضماد رجلا من أزد شنوءة تخصص في معالجة الأمراض العقلية كان يعالج بالرقى ويعالج بالإيحاء ويعالج باللمس والدعاء وكانت مكانته فى ذلك الزمن مكانة من نسميهم نحن في
العصر الحاضر بالأطباء النفسيين
ويذكر الإمام مسلم والإمام البيهقى قصته
لقد قدم ضماد مكة فسمع سفهاء مكة يقولون
إن محمداً مجنون هذا الخبر هنا وسمعه هناك وعلم من الجو الاجتماعي ومن
سمع
الأخبار الكثيرة أهمية محمد القصوى في هذه المدينة
وصدق ضماد واهتم بها اهتماماً كبيراً وخيل إليه أنه إذا عالجه فقد اكتسب شهرة واكتسب مثوبة فقال أين هذا الرجل لعل الله
يشفيه على يدى
ثم يقول
فلقيت محمداً فقلت
إنى أرقى من هذه الرياح وإن الله يشفى على يدى من شاء فهلم أى أنه يدعوه إلى أن يستسلم له ليعالجه
فقال له رسول الله الله

إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن

يضلل فلا هادي له أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمداً رسول الله
وتعلقت عينا ضماد برسول الله الله وأنصتت أذناه وكان كيانه
كله مرهفاً مبهوراً
ثم قال
والله لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما
سمعت مثل هذه الكلمات ثم طلب من رسول الله ل إعادتها
وكان
يسمع يجميع
أقطاره
6
ولم تكفه الإعادة فطلب من جديد أن يسمعها للمرة الثالثة ثم قال
فور الانتهاء من سماعها
هلم يدك أبايعك على الإسلام فقد بلغت كلماتك هؤلاء قاموس
ومعنى أنها بلغت قاموس البحر أنها تغلغلت إلى أعمق أعماق نفسه وامتزجت بباطنه امتزاجاً كلياً وذلك أن قاموس البحر هو أعمق مكان فيه
ولم ينس المسلمون فيما بعد ضماد هذا فكانوا إذا مرت جيوشهم
على قوم ضماد أحسنوا إليهم وقالوا في مودة
إنهم قوم ضماد
وكثيرا ما كانت تبلغ الدعوة إلى التوحيد قاموس البحر – على حد

تعبير ضماد - فلا يبالى من آمن بإيذاء المشركين
- وهذا أبو ذر الغفارى بلغت به كلمات التوحيد قاموس البحر فأعلنها على الملأ من قريش غير مبال بما يناله في سبيلها من أذى
قال
ونترك الإمام البخاري يذكر قصة إسلامه
روى الإمام البخاري بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنهما -
لما
بلغ أبا ذر مبعث رسول الله الله قال لأخيه اركب إلى هذا الوادى فاعلم لى علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء فاسمع من قوله ثم ائتنى
له
فانطلق الآخر حتى قدم وسمع
من
کلامه ثم رجع إلى أبي ذر فقال
عنه حتى
رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وسمعت كلاماً ما هو بالشعر فتزود وحمل شنة ١ له فيها ماء حتى قدم مكة فأتى المسجد صل الله فالتمس رسول الله ع ولا يعرفه وكره أن يسأل أدركه بعض الليل فاضطجع فرآه على فعرف أنه غريب فلما رآه تبعه ولم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد دخل ذلك اليوم ولا يرى النبي الله حتى أمسى فعاد إلى مضجعه فمر به على فقال
1 أى قربة

أما آن للرجل أن يعلم منزله
فأقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى
إذا كان اليوم الثالث فعاد على على مثل ذلك فأقام معه فقال ألا تحدثنى بالذي أقدمك
قال إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدنى فعلت
ففعل فأخبره
قال
فإنه حق وإنه رسول الله الله فإذا أصبحت فاتبعنى فإن رأيت شيئاً أخاف عليك قمت كأني أريق الماء وإن مضيت فاتبعنى حتى
تدخل مدخلى
ففعل
فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي ودخل من
فسمع من قوله وأسلم مكانه
فقال له النبي الله
معه
ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمرى فقال والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثم قام القوم فضربوه حتى اضجعوه فأتى العباس فأكب عليه فقال ويلكم ! ألستم تعلمون أنه من
غفار وأنه طريق تجارتكم إلى الشام
٢٤

فأنقذه منهم ثم عاد من ا الغد بمثلها فضربوه وثاروا إليه فأكب
العباس عليه

كان المشركون كلما رأوا شخصاً يدخل الإسلام زاد نشاطهم واتخذوا كل ما يستطيعون من احتياطات حتى لا يدخل أحد بعد في
الإسلام وكان من احتياطاتهم
1 - التنكيل والتعذيب والإرهاب بكل الوسائل
الدعاية الكاذبة ضد محمد
٣ - الترغيب حيث لا يستطيعون الإرهاب أو حيث لا يكون
الإرهاب مجدياً
ولن نتحدث عن التنكيل والتعذيب الذي أوقعوه على المستضعفين
أمثال
ومع
بلال وعمار بن ياسر وسمية وأمثالهم
6
ولن نتحدث عن الإرهاب الذي استعملوه مع رسول الله الله الأسرة الهاشمية ولكننا نعرف أنهم استعملوا مع رسول الله الله
وسائل الترغيب أيضاً في أقوى وأخصب صورة
وبينما كانت وسائل التعذيب بالمستضعفين من المسلمين تجرى على قدم وساق لا فتور فيها ولا هدنة إذا بوسائل الترغيب والإغراء تكال
إلى رسول الله لكيلا
وهذه صورة منها

كان عتبة بن ربيعة سيداً فى قومه قال يوماً وهو جالس في نادى قريش ورسول الله الله جالس في المسجد وحده يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء
وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله
يزيدون ويكثرون
فقالوا يا أبا الوليد قم إليه فكلمه
فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله الله فقال يا بن أخى إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والكمال في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم وكفرت من مضى من آبائهم فاسمع منى أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منى
بعضها
فقال رسول الله
قل يا أبا الوليد أسمع
قال يا بن أخي
إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من
أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا
وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك
٢٦

وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا
وإن كان هذا الذى يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب
التابع على الرجل حتى يداوى منه
حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله ع يسمع منه قال
أفرغت يأبا الوليد
قال نعم
قال فاسمع مني قال أفعل
قال
بسم الل الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربياً لقوم يعلمون بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم
لا يسمعون
وقالوا قلوبنا فى أكنَّةٍ مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا
وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون
قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون

إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ١ ثم مضى رسول الله الله يقرؤها عليه فلما سمعها منه عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما منه يسمع ثم انتهى رسول الله ل إلى السجدة فسجد ثم قال
قد سمعت يأبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك
فقام عتبة إلى أصحابه
6
فقال بعضهم لبعض
نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به
فلما جلس إليهم قالوا
ما وراءك يأبا الوليد
قال
وراثى أني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط والله ما هو
بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة
يا معشر قريش أطيعونى واجعلوها بي وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به
قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم
۱ فصلت الآيات ۱ - ۸

قد يقول قائل إنه لو عرض على محمد ل هذا العرض من
هيئة تستطيع تنفيذه لقبل هذا القول ينقضه أن عتبة كان مفوضاً من زعماء قريش
وينقضه أيضاً الخبر الذي ترويه كتب السيرة
ولقد اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب والنضر بن الحارث - أخو بني عبد الدار - وأبو البخترى بن هشام والأسود بن عبد المطلب بن أ أسد وزمعة بن الأسود والوليد ابن المغيرة وأبو جهل بن هشام - عليه لعنة الله – وعبد الله بن أبي أمية والعاص بن وائل ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان وأمية بن خلف اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ثم قال بعضهم
لبعض
ه ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلموك فأتهم فجاء رسول الله ل سريعاً وهو يظن أن قد بدا لهم فيا كلمهم فيه وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم ويعز عليه عنهم حتى جلس إليهم
فقالوا له
یا محمد إنا بعثنا إليك لنكلمك وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفهت الأحلام وفرقت

الجماعة فما بقى أمر قبيح إلا جئته فيما بيننا وبينك
فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من
أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا
وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسودك علينا
وإن كنت تريد به
ملكاً ملكناك علينا
وإن كان هذا الذى يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك – وكانوا
يسمون التابع من الجن رئيا - بذلنا لك من أموالنا في طلب الطب لك
حتى نبرئك منه أو نعذر فيك
فقال لهم رسول الله الله
ما بي ما تقولون ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم
ولكن الله بعثنى إليكم رسولا أنزل على كتاباً وأمرنى أن أكون بشيراً ونذيراً فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم فى الدنيا والآخرة وإن تردوه على أصبر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم واستمر الأمر كذلك ولا يكف المشركون عن المعارضة والإيذاء
حتى كانت السنة الحادية عشرة من نبوته صلوات الله عليه وسلامه وكان الإسراء والمعراج فارتد من ارتد وثبت من ثبت كان حادث الإسراء والمعراج هو حادث التصفية الكاملة
٣٠

وكان الفيصل بين الطائفتين طائفة ثابتة على إيمانها لا تزعزعها الأعاصير تميد الجبال ولا تميد وطائفة مشركة قد أحكمت أمرها
ورتبت شئونها وجزمت العزم على أن تقضى على الإسلام مهما طال
الزمن ما الإسراء والمعراج كيف حدثا !
وماذا تضمنا من مبادئ
وما النتائج التي ترتبت عليهما

4

الفصل الثاني
الإسراء والمعراج من الكتاب والسنة
الإسراء والمعراج

نصوص قرآنية
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ماكذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على مايرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى
السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات الكبرى ٢
ربه
إنه لقول رسول كريم ذى قوة عند ذى العرش مكين مطاع ثُمَّ أمين وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالأفق المبين وما هو على
1 سورة الإسراء آية ١
سورة النجم الآيات ١ - ١٨

الغيب بضنين ۱
فقد
إن في آيات سورة النجم الشريفة تكريماً عظيماً للرسول
۱ - نزه الله علمه عن الضلال ما ضل صاحبكم ٢ - وعمله عن الغواية وما غوى
- ونطقه عن الهوى وما ينطق عن الهوى - وفؤاده عن التكذيب ما كذب الفؤاد ما رأى ه - وبصره عن الزيغ ما زاغ البصر أى ما التفت إلى غير
الجهة التي تعنيه
٦ - وعن الطغيان وما طغى والطغيان مجاوزة الحد ولقد أكد الله سبحانه وتعالى ذلك كله وأقسم عليه ولا ريب
أنه ثناء من رب العزة على رسوله الا الله في أروع صورة وستزيد هذه
الآيات شرحاً فيما بعد إن شاء الله
6
٣٦
۱ سورة التكوير الآيات ١٩ - ٢٤

الأحاديث النبوية
قال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت البنانى عن أنس بن مالك أن رسول الله الله
قال
أتيت بالبراق وهو دابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس فربطت الدابة فى الحلقة التى يربط فيها الأنبياء ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فأتاني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت
اللبن فقال جبريل أصبت الفطرة
قال ثم عرج بى إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل له من
أنت
قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لى

أنت
ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل له من
قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد
أرسل إليه قال قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى
فرحبا بي ودعوا لى بخير
إليه
ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل له من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل

قال قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلام وإذا هو قد أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا لى بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل فقيل ومن معك - قال محمد فقيل وقد
أرسل إليه
قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا
لى بخير يقول الله تعالى
ورفعناه مكاناً عليا ۱
ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقيل من أنت
۱ سورة مريم آية ٥٧
۳۸

إليه
قال جبريل فقيل ومن معك قال محمد فقيل قد أرسل
قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون فرحب بي ودعا
لى بخير
أنت
ففتح
لم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل من
قال جبريل قيل ومن معك
قال محمد فقيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه
أنت
لنا فإذا أنا بموسى
عليه السلام
فرحب بي ودعا لى بخير
تم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل
قال جبريل فقيل ومن معك

فقيل من
قال محمد فقيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام وإذا هو مستند إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه ثم ذهبت إلى سدرة المنتهى فإذا أوراقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشيها من أمر الله ما غشيها فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها من حسنها قال فأوحى الله إلى ما أوحى وقد فرض على
في كل يوم وليلة خمسين صلاة

۳۹

فنزلت حتى انتهيت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك
قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة قال ارجع إلى ربك

فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت أى رب خفف عن أمتى فحط أمتى خمساً عن
فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال ما فعلت فقلت حط عنى خمساً فقال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك
قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى ويحط عنى خمساً خمساً حتى قال يا محمد هن خمس صلوات فى كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشراً ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب فإن عملها كتبت سيئة واحدة
فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك فقال رسول الله

لقد رجعت إلى ربى حتى استحييت
رواه مسلم بهذا السياق

قال البيهقي وفى هذا السياق أن المعراج كان ليلة أسرى به عليه
الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس
ويقول ابن كثير عن ذلك
وهذا الذي قاله هو الحق الذى لا شك فيه ولا مرية

وقبل أن نبدأ أحاديث أخرى نذكر أنه
ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين إلى أن
الإسراء والمعراج
وقعا في ليلة واحدة في اليقظة
يجسد النبي وروحه
بعد البعثة

ولقد توارد على ذلك - كما يقول الإمام ابن حجر - ظواهر الأخبار
الصحيحة
يحيله
1
ولا ينبغى العدول عن ذلك إذ ليس في العقل ما
حتى يحتاج إلى تأويل
ولو كان ذلك مناماً أو بالروح فقط لما كذب رسول
مكذب الجواز وقوع مثل ذلك وأبعد منه لآحاد الناس إن الناس فى الرؤيا يرون أنهم سافروا وأبعدوا وذهبوا وجاءوا وعقدوا العقود ورأوا نتائج عقودهم وثمار عهودهم فلو كنا بصدد
۱ يفرضه مستحيلا
٤١

رؤيا لما ارتاب في صدق الصادق الصدوق صلوات الله وسلامه عليه
إنسان
ولما أشفقت السيدة أم هانئ رضى الله عنها على رسول الله لما أخبرها الخبر وقال إنه سيحدث الناس به فأرادت منه أن يعدل عن ذلك قائلة إنهم سيكذبونك فلم يستجب صلوات الله وسلامه عليه لنصيحتها لأن الحق ينبغى أن يذاع وأذاعه ل بين الناس وحدث ما حدث مما سنذكر بعضه فيما بعد إن شاء الله

وفي حديث عند الطبرانى والبزاز أنه عليه الصلاة والسلام مر على قوم يزرعون ويحصدون يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال الجبريل عليه السلام ما هذا
قال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف الحسنة إلى سبعمائة
ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ثم أتى على قوم ترضخ رءوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما
كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء
فقال ما هذا يا جبريل
قال هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة المكتوبة ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع
٤٢

يسرحون كما تسرح الأنعام يأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم
فقال ما هؤلاء
قال هؤلاء الذين لا يؤدون زكاة أموالهم وما ظلمهم الله وبما ربك بظلام للعبيد
ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر ولحم ني خبيث
فجعلوا يأكلون من الني الخبيث ويدعون النضيج
فقال ما هؤلاء يا جبريل
قال جبريل
هذا الرجل من أمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيب فيأتى امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح والمرأة تقوم من عند زوجها حلالاً طيباً فتأتى رجلا خبيثاً فتبيت عنده حتى تصبح
ثم أتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها
وهو يزيد عليها
فقال ما هذا يا جبريل
قال هذا الرجل من أمتك تكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها
ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما
قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء
قال ما هذا يا جبريل
٤٣

يريد
قال هؤلاء خطباء الفتنة
قال ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم فجعل الثور
أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع
فقال ما هذا يا جبريل
قال هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة يندم عليها فلا يستطيع أن
يردها
تم أتى على وادٍ توجد فيه ريح طيبة باردة وريح
صوتاً
فقال ما هذا يا جبريل
قال هذا صوت الجنة تقول
مسك وسمع
رب آتنى بما وعدتنى فقد كثرت غرفى وإستبرقى وحريرى و سندسی و عبقرى ولؤلؤى ومرجاني وفضي وذهبي وأكوابي وصحافى وأباريقى ومراكبى وعسلى ومائى ولبنى وخمری فآتنى بما وعدتني ! !
قال لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي وبرسلى وعمل صالحاً ولم يشرك بي شيئا ولم يتخذ من دون الله
أنداداً
ومن خشينى فهو آمن ومن سألنى فقد أعطيته ومن أقرضنى
جازيته ومن توكل على كفيته

إنني أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد قد أفلح المؤمنون
وتبارك الله أحسن الخالقين
قالت فقد رضيت
ثم أتى على وادٍ فسمع صوتا منكراً ووجد ريحاً منتنة
فقال ما هذا يا جبريل
قال هذا صوت جهنم تقول
رب آتنی بما وعدتني فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيرى
وحميمي وضريعي وغساقى وعذابي وقد بعد قعرى واشتد حرى فآتنى بما وعدتني
قال لك كل مشرك ومشركة وكافر كافرة وكل جبار لا يؤمن
بيوم الحساب
قالت قد رضيت
فسار حتى أتى بيت المقدس
وفي رواية أبي سعيد عند البيهقي دعانى داع عن يميني أنظرني
أسألك فلم أجبه
ثم دعانى آخر عن يسارى لذلك فلم أجبه وفيه

إذا امرأة حاسرة عن ذراعيها وعليها من كل زينة خلقها الله تعالى
فقالت
يا محمد أنظرنى أسألك فلم ألتفت إليها وفيه
أن جبريل قال له
أما
الداعي الأول فهو داعى اليهود ولو أجبته لتهودت أمتك وأما الثاني فداعى النصارى ولو أجبته لتنصرت أمتك وأما المرأة فالدنيا
وفي حديث أبي سعيد أنه رأى أخونة عليها لحم طيب ليس عليها
أحد وأخرى عليها لحم نتن عليها ناس يأكلون قال جبريل هؤلاء الذين يتركون الحلال ويأكلون الحرام وفيه أنه مر بقوم بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر
وأن جبريل قال له
هم
أكلة الربا
مر بقوم مشافرهم كالابل
وأنه
أسافلهم وأن جبريل قال
6
يلتقمون جمراً فيخرج من
هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً
وأنه مر بنساء تعلقن بثديهن وأنهن الزواني
وأنه مر بقوم يقطع من جنوبهم اللحم فيطعمون وأنهم الغمازون
اللمازون
٤٦

وفيه حتى أتيت بيت المقدس أوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء تربطها فيها فدخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصلى كل واحد
منا ركعتين
وفي رواية أنس عند مسلم
ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءنى
جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن
فقال جبريل
اخترت الفطرة - أى اخترت اللبن الذى عليه بنيت الخلقة - وقال
النووى
المراد بالفطرة هنا الإسلام والاستقامة
وفي رواية ابن مسعود نحوه وزاد
ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد ثم أذن مؤذن فأقيمت الصلاة فقمنا صفوفاً ننتظر من يؤمنا
فأخذ بيدى جبريل فقدمنى فصليت بهم
٤٧

وفي رواية أبي أمامة عند الطبراني ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمداً

وأخرج البزاز من طريق قتادة عن أنس أن محمداً رأى ربه عز وجل
وأخرج البخارى من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس
قال
هي رؤيا عين أريها رسول الله ليلة أسرى به وأخرج الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن ابن عباس أنه كان
يقول
إن محمداً رأى ربه مرتين مرة ببصره ومرة بفؤاده
وأخرج أيضاً عن ابن عباس قال
٤٨

نظر محمد إلى ربه قال عكرمة فقلت له نظر محمد إلى ربه
قال
6
جعل الكلام لموسى والخلة لإبراهيم والنظر لمحمد
وأخرج البيهقي في كتاب الرؤيا بلفظ
إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى
محمداً بالرؤيا
وأخرجه بلفظ
أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤيا لمحمد

وأخرج أحمد بسند صحيح عن ابن عباس قال قال رسول الله
رأيت ربي عز وجل
8

وأخرج مسلم عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

مررت ليلة أسرى بي على موسى عليه السلام قائماً يصلى في قبره
۱
وأخرج الطبرانى عن ابن عباس أن النبي مر على موسى
وهو قائم يصلى في قبره
1

وأخرج ابن مردويه من طريق قتادة عن أنس أن النبي فرضت عليه الصلاة ليلة أسرى به
١٤
عن
قال
وأخرج ابن مردويه من طريق قتادة عن مجاهد عن ابن عباس
أبي بن كعب عن رسول الله الله قال ليلة أسرى بي وجدت ريحاً طيبة فقلت يا جبريل ما هذه
هذه الماشطة وزوجها وابنها بينما هي تمشط ابنة فرعون إذ سقط المشط من يدها فقالت تعس فرعون فأخبرت أباها فقتلها ۱ وهذه رواية أخرى تؤيد السابقة رويناها متعمدين لما سنذكره من هذا الموضوع

وأخرج أحمد والنسائى والبزاز والطبراني والبيهقى وابن مردويه بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله
ولما ١ أسرى بي مرت بي رائحة طيبة فقلت
ما هذه الرائحة
قالوا ماشطة بنت فرعون وأولادها سقط مشطها من يدها
فقالت
بسم
الله
فقالت ابنة فرعون أبي
قالت ربي هو ربك ورب أبيك
قالت أولك رب غير أبي
قالت نعم
فدعاها فقال ألك رب غيرى
قالت نعم
ربي وربك الله
فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ثم أمر بها لتلقى فيها وأولادها
فألقوا واحداً واحداً حتى بلغ رضيعاً فيهم فقال
قعى يا أمه ولا تقاعسى فإنك على حق
۱ هذه رواية غير السابقة
۵۱

قال وتكلم أربعة وهم صغار هذا وشاهد يوسف وصاحب
جريج وعيسى ابن مريم
1
وأخرج الترمذى - وحسنه وابن مردويه من طريق عبد الرحمن عن
ابن مسعود قال قال رسول الله
لقيت إبراهيم ليلة أسرى بي فقال
يا محمد ! أقرئ أمتك منى السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولاحول ولاقوة إلا بالله العلى العظيم

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصارى أن رسول الله الله ليلة أسرى به مر على إبراهيم عليه السلام فقال له
إبراهيم ير أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها
واسعة فقال النبي الله
۵

وما غراس الجنة
قال لا حول ولا قوة إلا بالله

قال
وأخرج أحمد وأبو داود من طريق عبد الرحمن بن جبير عن أنس
قال رسول الله الله
الما
وصدورهم

عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخشمون وجوههم
فقلت
من هؤلاء يا جبريل
قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم
۱۹
وأخرج ابن مردويه من طريق قتادة وسليمان التيمي وثمامة وعلى ابن زيد عن أنس أن النبي قال
ليلة أسرى بي مررت بناس تقرض شفاههم بمقارض من نار كلما
قرضت عادت
فقلت من هؤلاء يا جبريل
قال هؤلاء خطباء أمتك يقولون ما لا يفعلون

وأخرج ابن ماجه والحكيم الترمذى في نوادر الأصول وابن أبي
حاتم وابن مردويه من طريق يزيد بن أبي مالك عن أنس قال
قال رسول الله الله

رأيت ليلة أسرى بي مكتوباً على باب الجنة الصدقة بعشر
أمثالها والقرض بثمانية عشر
فقلت لجبريل
ما بال القرض أفضل من الصدقة
قال لأن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من
حاجة

أخرج ابن مردويه عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله

رأيت ليلة أسرى في رجلا
فسألت من هذا
فقيل لي هذا آكل الربا
يسبح في نهر يلقم بالحجارة
٥٤

وجاء في رواية أبي سعيد الخدرى عن البيهقى وفى رواية أبي هريرة
عن ابن أبي حاتم
فيقول
فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر
الساعة
اللهم لا تقم وهم على سابلة آل فرعون قال فتجيء السابلة فتطؤهم قال فسمعتهم يضجون إلى الله قال
قلت يا جبريل من هؤلاء
قال هؤلاء من أمتك
الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه

1
الشيطان من المس
يقول
وأخرج الطبرانى عن ابن عباس قال سمعت رسول الله الله
لما أسرى بي انتهيت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها أمثال القلال
٥٥
۱ سورة البقرة من آية ٢٧٥

٢٤
وعن ابن عباس رضى الله عنها - فيما رواه الإمام أحمد قال
قال رسول الله
لما كانت ليلة أسرى بي وأصبحت بمكة فظعت أمرى
و عرفت أن الناس مكذبي
قال فمر عدو الله أبو جهل فجاء حتى جلس إلى فقال له
أبو جهل كالمستهزئ
هل كان من شيء
فقال رسول الله
نعم
قال ما هو
قال
إنه أسرى بي الليلة
قال إلى أين
قال
إلى بيت المقدس
قال ثم أصبحت بين ظهرانينا
٥٦

قال
" نعم "
قال فلم ير أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إذا دعا قال أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني
فقال رسول الله الله
" نعم "

فانطلق أبو جهل إلى قريش فقال
هيا يا معشر بني لؤى
قال فانتفضت إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما
فقال أبو جهل حدث قومك بما حدثتني
فقال رسول الله
إلى أسرى بي الليلة
قالوا إلى أين
قال
إلى بيت المقدس
قالوا ثم أصبحت بين ظهرانينا
قال
" نعم "
فإذا بالقوم بين مصفق وبين واضع يده على رأسه متعجباً !
۵۷

قالوا وهل تستطيع أن تنعت لنا المسجد

وفى القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد - فقال
رسول الله
فذهبت أنعت فما زلت أنعت حتى التبس على بعض النعت
فجيء بالمسجد وأنا أنظر حتى وضع دون دار عقيل فنعته وأنا أنظر
إليه
قال فقال القوم أما النعت فوالله لقد أصاب وعن الحسن أنه في يوم الحديث عن الإسراء ارتد كثير ممن كان أسلم وذهب الناس إلى أبى بكر فقالوا له هل لك يا أبا بكر فى صاحبك !
مكة !
يزعم
أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى
فقال لهم أبو بكر إنكم تكذبون عليه !
فقالوا لا ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس قال أبو بكر والله لن كان قاله لقد صدق فما يعجبكم من ذلك فوالله إنه ليخبرنى أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة
من ليل أو نهار فأصدقه فهذا أبعد مما تعجبون منه
ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله لا فقال يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم أنك أتيت بيت المقدس هذه الليلة
۵۸

قال
نعم
قال يا نبي الله فصفه لى فإني قد جئته
قال الحسن فقال رسول الله عه
فرجع لى حتى نظرت إليه فجعل رسول الله ع يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر صدقت أشهد أنك رسول الله قال حتى انتهى قال رسول الله لأبي بكر وأنت يأبا بكر
الصديق فيومئذ سماه الصديق
هذا هو الموجز الذى ترويه السنة مؤيدة القرآن عن هذا النبأ الجليل ولقد حاول ابن إسحاق أن يبين الحكمة في هذا الحادث فقدم - حسبما يروى ابن هشام - لحديث الإسراء بكلمة نفيسة يقول
فيها
وكان في مسراه وما ذكر منه بلاء وتمحيص وأمر من أمر الله في قدرته وسلطانه فيه عبرة لأولى الألباب وهدى ورحمة وثبات
لمن آمن بالله وصدق وكان من أمر الله على يقين
فأسرى به کیف شاء وكما شاء ليريه من آياته الكبرى ما أراده حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم وقدرته التي يصنع بها ما
يريد

أما الإمام البوصيرى فإنه يقول في همزيته المباركة
فطوى الأرض سائراً والسموا
ت
العلا
فوقها
له
إسراء
نصف الليلة التي كان
للمخ
ستار
فيها على البراق
استواء
وترقى
به
إلى قاب
قوسين
وتلك
السيادة
القعساء
تسقط
الأماني
حسری
دونها
ما وراء هن
وراء
ثم وافی يحدث الناس شكراً
إذ
أنته من
ربه
النعماء
وتحدى
فارتاب كل
مريب
أو يبقى
مع
السيول
الغثاء
هذا النبأ الجليل يسمعه قوم فلا يصل إلا إلى الجوانب الظاهرية
منهم فيأخذون في الجدل الشكلى أكان ذلك في اليقظة أم كان ذلك في النوم !
أكان ذلك بالروح والجسد
أم كان بالروح فقط
وهل كان ليلا

أم كان نهاراً
النفوس
1
وهذه كلها صور من الجدل الذى يثور حينما يخف وزن الإيمان في هذا النبأ قوم فيصل إلى أعماق قلوبهم فيتجهون ويسمع في صورة طبيعية إلى مغزاه العميق وإلى روحانيته السامية ويرون أن هذا النبأ ينطوى على توجيهات لا ينبغي يمر عليها الناس مر
الكرام من هذه التوجيهات
١ - لقد كان رسول الله صلوات الله عليه وسلامه خاتمة سلسلة من الأنوار التي يرسلها الله إلى العالم بين الفينة والفينة لتهدى إلى الرشاد ولتقود إلى الله ولتسمو بالمؤمنين درجات فى معارج القدس لتصل
۱ يقول شوقى رحمه الله فى قصيدته التي عارض فيها الإمام البوصيرى هذه الأبيات
الجميلة
يتساءلون - وأنت أطهر هيكل بالروح
نور
بها سموت مطهراً وكلاهما فضل عليك لذي الجلال ومنة والله
أم بالهيكل وروحـــــــانــــــيـــــــة
الإسراء
وبهاء
تغشی
الغيوب في كل منطقة
من العوالم كلما
طويت
يفعل ما یری قلدتك سماء
ويشاء
سماء
حواشی
نورها
نون
وأنت النقطة
الزهراء
أنت
الجمال
بها وأنت المجتلى
والكف
والمرآة
والحسناء
الله
هيا
من
حظيرة
قدسه
لذاتك نزلا
يجزه
علاء
العرش
تحتك
سدة
وقوائم
ومناكب
الروح
الأمين
وطاء
والرسل دون العرش لم يؤذن لهم حاشا
الغيرك
موعد
ولقاء

بالجديرين منهم إلى الكمال المرجو عن طريق الإرشاد الإلهي وكان الكتاب الذي أنزل عليه صلوات الله عليه وسلامه وهو القرآن خاتم الكتب وأكملها ومهيمناً عليها
ولأن رسول الله صلوات الله عليه وسلامه تخلق بأخلاق أكمل کتاب رباني فهو إذن أكمل رسول ومن هنا كانت إمامته صلوات الله عليه وسلامه بالرسل والأنبياء فى بيت المقدس
ولأنه صلوات الله عليه وسلامه أكمل رسول
كان من
أجل ذلك أقرب المقربين إلى الله سبحانه وتعالى
لقد تخطى الأرضين والسموات وتجاوز الكون كله ووصل إلى ما
لم يصل إليه بشر بل إلى ما لم يصل إليه جبريل نفسه عليه السلام لقد وصل صلوات الله وسلامه عليه إلى
قاب قوسين أو أدنى وكما أن المعنى الذى يدل عليه نبأ المعراج من وجود الأنبياء والرسل
أخذ
في السموات ومن أن الرسول صلوات الله عليه وسلامه يتجاوز هذه السموات الواحدة بعد الأخرى يتجاوز الأنبياء واحداً بعد الآخر نقول كما أن المعنى الذى يدل عليه النبأ معنى مكاني فإنه أيضا – بل بطريق أولى – معنى روحى أي أن الرسول صلوات الله عليه وسلامه فى تساميه الروحي في كل لحظة من اللحظات قد بلغ معراجه إلى درجات تجاوزت - في روحانيتها – آدم في سمائه الأولى ثم
۶

و
تجاوزت وهكذا حتى تجاوزت روحياً إبراهيم عليه السلام في سمائه السابعة لقد تجاوز رسول الله الله كل ذلك وتجاوز الكون كله إلى سدرة المنتهى إلى السدرة المنتهى إلى شجرة النهاية ثم إلى حيث لا يبلغ ملك مقرب ولا نبي مرسل إلى قاب قوسين أو أدنى ولقد رأى من آيات ربه الكبرى هذا هو مقام الرسول صلوات الله
وسلامه عليه ! !
ولكن بعض الناس ينزل بنا من هذه الآفاق العليا والسموات السامية ومن الرحاب الإلهى ينزل بنا منحدراً فيجادل في الإسراء
والمعراج
أكان رؤيا
أم كان يقظة
أستغفر الله وأتوب إليه !
إن ذلك الجدال إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف الإيمان في
قلب المجادل المارى
- وإذا كانت التوجيهات السابقة إنما كانت لتدلنا على مقام رسول الله صلوات الله عليه وسلامه فتزداد بذلك تقديراً وحباً واتباعاً فإن من هدى الله سبحانه وتعالى وتوجيهاته في نبأ الإسراء
۶۳

والمعراج هذه الرمزيات الأخلاقية التى تربط ربطاً محكماً والأخلاق
بين الدين
والواقع أن الأخلاق في جو الإسلام مرتبطة بالدين ارتباطاً لا ينفصل منه تنبع وعلى أساسه تقوم وعنه تصدر إنها جزء من الدين الإسلامي لا يتجزأ مصدرها هو مصدره إلهي رباني وبعض الناس فى العصر الحديث يريد أن يجعل للأخلاق مصادر
أخرى يريد بعضهم أن يجعل أساس الأخلاق الضمير بيد أن ذلك خطأ بين فالضمير يربى ويكون وتربيته وتكوينه هما شكله ونزعته واتجاهه الذى يتكيف بحسب الثقافة والبيئة والعصر والوسط إن الضمير يصنع كما تصنع المزيفات وهو إذن مقياس للأخلاق
خاطی
وبعض الناس يريد أن يرجع بالأخلاق إلى المصلحة العامة ولكن المصلحة المصلحة العامة كلمة غير محددة وكل من يتحدث باسم العامة إنما يتحدث باسم فكرته هو منحرفة كانت هذه الفكرة أو غير
منحرفة
والمصلحة العامة إذن كأساس للأخلاق إنما هي أساس غير
مضمون
وبعض الناس يريد أن
يرجع
بالأخلاق إلى المصلحة الشخصية أو

اللذة أو إلى المنفعة وكل هذا وارد الغرب عندما انحرف هذا الغرب
والحد
أما وارد الشرق الإسلامى أو بتعبير أدق وارد الإسلام الإلهى

فإن مقياس الأخلاق فيه إنما هو المبادئ الدينية إنما هو آيات
القرآن وإنما هو الفضائل التى أوحاها الله سبحانه وتعالى هذه الفضائل التي حددها القرآن فى أسلوب عربى مبين وتحدث عنها نبأ الإسراء والمعراج فى صور رمزية دالة هادفة مؤثرة وبينتها السنة النبوية الشريفة وركزها القرآن والسنة على أسس من الإيمان قوية ثابتة إنها في رحلة الإسراء والمعراج تكون منهج حياة مؤسسة على الإيمان بالله ورسوله وهذا المنهج هو الذى نريد رسمه الآن بتوفيق الله تعالى
الإسراء والمعراج

الفصل الثالث
منهج الحياة الذي رسمته أنباء
الإسراء والمعراج

ونعود من جديد إلى أسانيد حادث الإسراء والمعراج في السنة
الشريفة فنقول
6
إن حادث الإسراء والمعراج ورد فى روايات عدة منها الصحيح ومنها الحسن أخرجها أئمة الحديث رضوان الله عليهم يذكر بعضها ما لم يذكره البعض الآخر تتفق في جوهرها ولا تتعارض في جزئياتها يرويها بعضهم مختصرة ويرويها بعضهم متوسطة ويرويها بعضهم مطولة وكل صورة منها يتعدد سندها أى يختلف الرواة الذين رووها ومع ذلك تكون الصورة واحدة في جوهرها الجوهر إذن متواتر وإذا أخذنا برأى الإمام ابن حزم في أن المتواتر ما روى بروايتين فإن التفاصيل - فى أغلبها - تكون أيضاً متواترة

كل هذا مع ثبوت الأمر في جوهره بالكتاب العزيز ونحن إذن حينما نبدأ في الحديث عن الإسراء والمعراج على أنه منهج الحياة ونستمد الصورة أحياناً من الجزئيات والتفاصيل فإنما نقف في ذلك على أرض صلبة ونسير في الرسم على أساس من المروى

التوبة
وتبدأ قصة الإسراء والمعراج فى بعض روايات البخارى وفى بعض روايات غيره بشق الصدر من ذلك ما يرويه أحمد بسنده عن أنس بن
مالك قال
كان أبي بن كعب يحدث أن رسول الله الله قال
فرج سقف بيتى وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغها في
صدرى ثم أطبقه

هذا الحادث هو بالنسبة لنا التوبة فإن تطهير القلب الذي حدث
الرسول الله الا الله عدة مرات في حياته إنما هو بالنسبة لأتباعه بمثابة التوبة

والواقع أن حياة المسلم في طريقه إلى الله إنما تبدأ بالتوبة وليس قبل التوبة من درجة تسبقها والتوبة التى نتحدث عنها إنما هي التوبة الخالصة النصوح فإن الله تعالى يقول
يأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً ١
فأرشد سبحانه إلى أن التوبة المطلوبة إنما هي التوبة النصوح ولأجل أن تكون التوبة خالصة نصوحاً فإنه لابد من توفر شروط
۱ سورة التحريم آية
٧٠

ويتحدث الإمام النووى عن شروطها فى كتابه المبارك رياض
الصالحين فيقول
التوبة واجبة من كل ذنب فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمى فلها ثلاثة شروط
أحدها - أن يقلع عن المعصية
والثانى - أن يندم على فعلها
والثالث - أن أن لا يعود إليها أبداً
يعزم
فإن فقد أحد الثلاثة فلا تصح التوبة
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمى فشروطها أربعة هذه الثلاثة وأن يبرأ من أ من حق صاحبها فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه وإن كان حد قذف أو نحوه مكنه منه أو طلب عفوه وإن كانت غيبة استحله
منها
ولأن التوبة أول سلم في معراج السالكين إلى الله ولأنها واجبة من كل ذنب ولأنها تجب ۱ ما قبلها ولأنها تضع الإنسان فور تحققه بها في مرتبة البراءة والطهارة والنقاء فإن الإسلام حث عليها كثيراً يقول الله تعالى آمراً بها
وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ٢
1 أى تمحوه وتزيله
سورة النور آية ۳۱

وقد فتح الله بابها - خالصة نصوحا - على مصراعيه فقال في أسلوب يسيل رحمة ورأفة
قل یا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله
إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ١ إنه سبحانه يغفرها بالتوبة لأنه سبحانه يقول بعد ذلك موجهاً المسلمين إلى الطريق وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ويتابع القرآن فى التوجيه إلى التوبة في أسلوب كله رحمة ورأفة

ما جاء في حديث قدسي طويل رائع يقول الله تعالى فيه یا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم
ويتابع ذلك كله الأحاديث النبوية
إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار
ليتوب مسيء الليل
ورسول الله الله يعترف بالخطيئة كواقع لا يتأتى إنكاره فيقول
۱ سورة الزمر آية ٥٣
سورة الزمر الآيتان ٥٤ و ٥٥
۷

كل ابن آدم خطاء
ولكنه يرشد إلى الوسيلة التي تفضل بعض الخطائين وتجعل لهم منزلة
في الخير فيقول
وخير الخطائين التوابون
يقول الإمام القشيري
ومن
لطائف المعراج ما خص به أول حاله في تلك الليلة بالطهارة
على ما ذكرنا فى بعض الروايات فيما تقدم أن جبريل عليه السلام حمله إلى زمزم وشق صدره وغسل قلبه
وقد شق قلب النبي الله مرتين مرة في حالة صباه وهو بعد في
حجر حليمة والمرة الثانية ليلة المعراج
وفي تخصيص قلبه بالغسل دون غيره من البدن إشارات منها أن القلب محل العرفان وهو المضغة التى بصلاحها صلاح البدن وهو محل المشاهدة
ولكى لا يكون لغير الحق نصيب في قلبه
ولتنبيه الأمة على طهارة القلب
وإذا كان شق الصدر الذى سبق هذا الحادث الخطير - حادث الإسراء والمعراج - هو بالنسبة لنا التوبة فإنه أيضاً توجيه واضح لنا أن
نلجأ إلى الله تعالى تائبين عند الشروع فى أى عمل له قيمته إنه توجيه لنا أن نلجأ إلى الله تائبين عند الشروع في شراء وفى

34

بيع
في ارتباط بزواج فى بناء بيت في الشروع في سفر وليست التوبة فى مثل ذلك توبة من ذنب وإنما هي التجاء إلى
الله وتشفع إليه سبحانه بتأكيد صفاء النفس وطهارة القلب من أجل
أن
يسدد الخُطى ويمنح التوفيق
6
ويحفظ
من
الأخطاء
إنها توسل إلى الله بعمل صالح هو التوبة
الغاية فى منهج الحياة
ويمكن للإنسان أن يتعجل السؤال عن الغاية فيقول إذا كان بدء الرحلة الإسلامية إنما هو التوبة فما نهايتها
ونقول دون تردد ولا شك
ليس دون الله منتهى وذلك أن الله سبحانه وتعالى هو الغاية للمؤمن المتبصر ولقد أعلن الله صراحة أنه سبحانه إليه المنتهى فقال وأن إلى ربك المنتهى ۱
ويقول أبو سعيد الخراز رضى الله عنه معبراً عن شعور المؤمن بالنسبة
لله سبحانه
1 سورة النجم آية ٤٢

سوی الله
يسير وكل حظ لك سوى الله
كل ما فاتك الله
قليل
من
إن هجرة المؤمن إليه سبحانه
إني ذاهب إلى ربي سيهدين
1
وفرار المؤمن إلى الله ولقد أمر الله بالفرار إليه فقال
ففروا إلى الله ٢
وذهاب المؤمن إليه
إني ذاهب إلى ربى
ولقد كانت نهاية الرحلة التي نحن بصددها -
رحلة الإسراء
والمعراج - الانتهاء إلى الله سبحانه وتعالى فهى رحلة انتهت إلى غايتها
الحقيقية التي هي الله فحققت
وأن إلى ربك المنتهى
وإنه - إذا تحدثنا عن ثمرة السلوك إلى هذا المنتهى

بمقدار قرب
السالك من هذا المنتهى تكون رعاية الله له وعنايته به على أن هذه الرعاية وهذه العناية تبدأ منذ الخطوة الأولى التي
تتمثل في الاستغفار
۱ سورة الصافات آية ۹۹ سورة الذاريات آية ٥٠
Vo

والله سبحانه وتعالى يأمر بالاستغفار ويبين ما يترتب عليه من آثار وهی آثار ليست بالهيئة أو التافهة إنها آثار ضخمة يقول سبحانه استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا 1 ويقول سبحانه
استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ٢ وكلما ازداد الإنسان استغراقاً في السلوك إلى الله ازدادت رعاية الله
له وعنايته به حتى إذا ما انتهى إليه سبحانه كانت العناية المناسبة والرعاية الكافية في الدنيا والآخرة
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم 3
وليس معنى الوصول إلى هذا المنتهى - وهو الله سبحانه – الاستقرار الروحي كلا وإنما معناه من جانب زوال القلق والاضطراب النفسى وزوال هم الرزق وخوف الموت وزوال كل ما يصرف
۱ سورة نوح الآيات ۱۰ - ۱ سورة هود آية ٥٢
۳ سورة يونس الآيات ٦٢ - ٦٤

الإنسان عن الله أو يشغل بؤرة التفكير ويحل في أعماق النفس
ولكن الوصول إلى هذا المنتهى معناه من جانب آخر - الرقى
الروحي الدائم الفيوضات الإلهية المستمرة المعرفة اللدنية المتتالية

وصلوات الله وسلامه على من وصل إلى هذا المنتهى وأمر مع ذلك أن
يقول
رب زدنی علما ۱
وزيادة العلم فى عرف أولياء الله إنما هي زيادة السعادة ومن أجل ذلك يقول أحد العارفين
نحن في سعادة لو عرفها الملوك لجالدونا عليها بسيوفهم
وتتلون السعادة بلون المعرفة ولكل باب من أبواب المعرفة مذاق خاص فله إذن لذة خاصة - إذا أمكن التعبير بكلمة اللذة في هذا المقام – وهو يسلم إلى ما يليه وما يليه له مذاقه الخاص فله أيضاً لذته إنها جنة الدنيا فى سموها وجمالها وجلالها
ولا يحجب أولياء الله عن الله مال وقد يكونون في ثراء عريض
فلا يصرفهم
ذلك
الله
عن وما صرف سليمان ملكه
عن
الله وقد
يعرض عليهم الثراء العريض فلا يعيرونه أهمية
ولقد قال رسول الله
۱ سورة طه آية ١١٤
6
۷۷

خيرت بين أن أكون ملكاً رسولا أو عبداً رسولا فاخترت أن
أكون عبداً رسولا
من
يوم
ويتحدث الإمام أبو سعيد الخراز عن ذلك بالنسبة إلى رسول الله
فيقول
وهذا النبي ع
بينما جبريل عليه السلام عنده إذ تغير جبريل فإذا ملك قد نزل
السماء
لم ينزل قط
فقال جبريل عليه السلام خشيت أنه نزل في أمر فجاء إلى النبى الله بالسلام من عند الله عز وجل وقال له هذه مفاتيح خزائن الأرض تسير معك ذهباً وفضة مع البقاء فيها إلى
القيامة ولا تنقصك مما لك عند الله شيئا
فلم يختر النبي ذلك وقال أجوع مرة وأشبع مرة
ولا يحجب أولياء الله عن الله لذة حسية فهم في لذة دائمة مستمرة أسمى وأنفس إنهم لا يحجبهم عنه متاع دنيوى أياً كان فاستبشار قلوبهم بقربها إلى الله تعالى وسرورها به وهدوئها في سكونها إليه وأمنها معه
VA

ما بين البدء والغاية الجهاد
كيف الوصول إلى هذا المنتهى الذى فيه الرضا وفيه زيادة
الأنوار
4
وتلاحقها على الدوام وفيه السعادة التي لا تنقطع وفيه مرضاة الله سبحانه وتعالى وحفظه وعنايته ورعايته ومحبته هذا ما ترسمه الرحلة المباركة فيما بين شق الصدر أو التوبة وبين
ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى 1 وبمجرد أن تبدأ الرحلة المباركة يرى رسول الله ما أمراً عجيباً إنه يرى قوماً يزرعون ويحصدون في يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال النبي الجبريل عليه السلام ما هذا
الحسنة إلى
قال هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله تضاعف هم سبعمائة ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين
وتنقلنا هذه الرؤية من التوبة مباشرة إلى الجهاد وهذا انتقال طبيعي فإنه إذا كانت التوبة حقا خالصة نصوحاً استتبعت لا محالة الجهاد
ولا جهاد في الدين الإسلامى مكانة عظمى فقد روى الشيخان
۱ سورة النجم الآيتان ۸ و ۹

بسندهما
عن
أبي ذر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل
قال الإيمان بالله والجهاد في سبيله
والجهاد في سبيل الله أوسع وأعم من أن يقتصر على الجهاد الحربى إن من أنواع الجهاد في سبيل الله جهاد النفس حتى تستقيم على التوبة وجهادها على العموم حتى تتزكى من بعد التوبة قد أفلح من زكاها 1
ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه
وجهاد الأسرة حتى تستقيم على أمر الله
والله سبحانه وتعالى يقول
يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون
ما يؤمرون
4
وكان سيدنا إسماعيل عليه السلام يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان
عند ربه مرضياً
ولا يعنى جهاد النفس وجهاد الأسرة عن جهاد المجتمع
۱ سورة الشمس آية ٩
سورة فاطر من الآية ١٨ ۳ سورة التحريم آية ٦
A

وكل ذلك أنواع متناسقة من ميدان الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر
وهو مبدأ أساسى فى الدين الإسلامى ولأجل أن يبين الله سبحانه وتعالى أهميته الكبرى ذكره قبل الإيمان بالله مبينا أنه مناط خيرية الأمة الإسلامية فقال سبحانه
كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر
وتؤمنون بالله
وعلى العكس من ذلك اليهود فقد
لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم
ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون
ولقد بين الإسلام وسائل الجهاد بحسب الظروف والملابسات
وبحسب الإمكانات والاحتمالات
عن
أبي مسعود رضي الله عنه – فيما رواه الإمام مسلم – أن رسول
الله قال
ما من نبي بعثه الله فى أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره
ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون
ما لا يؤمرون
A1

خردل
فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن
ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن
ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة
وعن
أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه قال
سمعت رسول الله الله يقول
من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان
وصور رسول الله الله المجتمع ووجوب الأخذ على يد المفسد فيه – حتى لا يكون الهلاك - بالصورة الرائعة التالية التي رواها الإمام البخارى عن النعمان بن بشير عن رسول الله ل قال
مثل القائم فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم تؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً وروى الترمذى عن حذيقة رضى الله عنه عن النبي الله قال ه والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف والتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم
AY

وعن أبي سعيد الخدرى عن النبي ل قال أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر
وأن الله سبحانه وتعالى لا يخلى الأرض من الأمرين بالمعروف الناهين عن المنكر فقد جاء في الصحيحين
لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم

وهم
0
ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله كذلك أما الجهاد فيكفى - لبيان أنه من طبيعة الإسلام - أن نذكر فيه
حديثين أو ثلاثة وأن نذكر فيه آيتين من القرآن أو ثلاثاً
ونبدأ في ذلك بما رواه الإمام مسلم
عن
أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله
من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من
النفاق
وعن أبي هريرة رضي الله عنه - فيما رواه الترمذى - قال مر رجل من أصحاب رسول الله ل بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فأعجبته فقال
لو اعتزلت الناس فأقمت فى هذا الشعب ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله فذكر ذلك لرسول الله الله
فقال لا تفعل فإن مقام أحدكم فى سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة

اغزوا فى سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقة
له
الجنة
وروى أبو داود بإسناد جيد عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله ائذن لى فى السياحة فقال النبي
إن سياحة أمتى الجهاد في سبيل الله عز وجل
والقرآن يربط الجهاد بالإيمان بحيث لا يتأتى أن يوجد الإيمان الصادق إلا والجهاد من عناصره لقد اشترى الله - في عقد الإيمان - من المؤمنين أنفسهم وأموالهم
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقا في التوراة والإنجيل ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به
والقرآن
وذلك هو الفوز العظيم
والجهاد تجارة مع الله
يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم بر لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم
والجهاد داخل في صدق الإيمان
ΛΕ

إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم
وأنفسهم في سبيل الله أولئك
هم
الصادقون
إن الجهاد بأوسع معانيه إنما هو الخطوة الأولى بعد التوبة
حياة الأنبياء والشهداء بعد الموت
إن الصلاة فى ترتيب الرحلة المباركة يأتى رمزها بعد رمز الجهاد مباشرة ولكننا مراعاة لما بين هذا الموضوع وما قبله نذكره هنا ثم نعود للترتيب الطبيعى فى الرحلة المباركة
روى الإمام مسلم بسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أتيت - وفى رواية هداب مررت – على موسى ليلة أسرى بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلى في قبره وأخرج الإمام مسلم أيضا بعدة طرق عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال مررت على موسى وهو يصلى في
قبره
وقد أخرج الإمام مسلم في الصحيح من حديث عبد العزيز أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال
وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء
٨٥

فإذا موسى قائم يصلى فإذا رجل ضرب
1
جعد كأنه من رجال
شنوءة ٢ وإذا عيسى بن مريم قائم يصلى أقرب الناس به شبها عروة
ابن مسعود الثقفى
وإذا إبراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم - یعنی نفسه -
فحانت الصلاة فأممتهم

ولقد وردت السنة الصحيحة بأن أجسام الأنبياء لا تأكلها الأرض أى أنها لا تبلى فقد أخرج الإمام أحمد بإسناده عن أوس
ابن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا على من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة على قالوا وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت - يريدون بليت - فقال إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء عليهم السلام هذا الحديث أخرجه أيضاً الحاكم وصححه النووى ويقول البيهقى عنه أخرجه أبو داود السجستانى فى كتاب السنن وله شواهد
ثم يروى - من هذه الشواهد - بإسناده عن
أبي
الأنصارى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال
1 الضرب من الرجال هو الخفيف اللحم
شنوءة قبيلة من قبائل العرب
مسعود
٨٦

على
أكثروا من الصلاة على في
يوم
الجمعة فإنه ليس أحد يصلى
يوم الجمعة إلا عرضت على صلاته
وروى البيهقى - من هذه الشواهد أيضاً - بإسناده عن أبي أمامة
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أكثروا على من الصلاة فى كل يوم جمعة فإن صلاة أمتى
تعرض على فى كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم على صلاة كان أقربهم منى منزلة
وسواء كان الإنسان بجوار الضريح الشريف أم كان بعيداً عنه فإن صلاته تبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان والأصبهانى فى الترغيب عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

من صلى على عند قبرى سمعته ومن صلى على نائياً بلغته ومن هذا القبيل ما أخرجه الإمام البخاري في تاريخه عن عمار قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الله تعالى ملكاً أعطاه أسماع الخلائق قائم على قبرى فما من أحد يصلى على صلاة إلا بلغتها ولقد أثبت الإمام القشيرى حياة الأنبياء بعدة طرق وأورد أحاديث في ذلك نذكر منها حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم

ه إن الله ملائكة سياحين فى الأرض يبلغوني عن أمتى السلام ويقول الإمام القشيرى تعليقاً على هذا الحديث ولا يبلغ السلام إلا ويكون حياً
وعن أبي الدرداء رضى الله عنه - فيما رواه ابن ماجه بإسناد جيد - قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أكثروا
من الصلاة على يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة وإن أحداً لن يصلى على إلا عرضت على صلاته حتى يفرغ
منها
قال أبو الدرداء قلت وبعد الموت قال إن الله حرم على
الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إن الأنبياء أحياء في قبورهم بمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم لموسى عليه السلام وبرؤيته للأنبياء وحديثه معهم وصلاته بهم أما الصلاة التى كانوا يصلونها فإنها لم تكن فرضاً وتكليفاً وإنما كانت شكراً وحمداً لله على نعمه وليلس فى الآخرة تكليف وإن كان فيها أيضاً ترق روحى لا ينتهى لأن المدد الإلهى لا ينتهى ولكل درجة
من درجات هذا المدد شعور بالحمد والثناء على الله والشكر لله يتناسب مع درجته والله سبحانه وتعالى يقول
دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم
أن الحمد لله رب العالمين

وقد يتساءل إنسان عن هذه الحياة بعد الموت أهي خاصة
بالأنبياء
ونقول إن القرآن الكريم يثبنها فى يقين جازم للشهداء يقول
تعالى
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون وبمناسبة هذه الآية روى الترمذي وحسنه وابن ماجه بإسناد حسن أيضاً والحاكم وقال صحيح الإسناد إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما رأى جابر بن عبد الله مهتما لاستشهاد أبيه في غزوة أحد قال له مطمئناً مبشراً ألا أخبرك ما قاله الله لأبيك

فقال جابر بلى قال صلى الله عليه وآله وسلم ماكلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كفاحاً
والكفاح المواجهة قال سلنى أعطك قال أسألك أن أرد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب عز وجل إنه قد سبق منى القول بأنهم إليها لا يرجعون قال أى رب فأبلغ من وراثى أي أبلغهم هذه النعمة الكبرى في الجنة التي يتقلب فيها الشهيد فأنزل الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم
يرزقون

وقال تعالى
ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن
لا تشعرون
ويقول الإمام القشيرى فأخبر سبحانه أن الشهداء أحياء عند فالأنبياء أولى بذلك لتقاصر رتبة الكافة عن درجة النبوة ربهم
قال الله تعالى
فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء فرتبة الشهادة ثالث درجة النبوة ولقد وردت الأخبار الصحيحة والآثار المروية بما يدل على هذه الجملة
وبمناسبة الآيات القرآنية الشريفة عن الشهداء يقول ابن القيم إن الله تعالى عزى نبيه وأولياءه من قتل منهم في سبيله أحسن تعزية وألطفها وأدعاها إلى الرضا بما قضاه لهم بقوله ولا تحسبن الآيات فجمع
6
لهم إلى الحياة الدائمة منزلة القرب منه وأنهم أحياء عنده وجريان الرزق المستمر عليهم وفرحهم بما آتاهم من فضله وهو فوق الرضا بل هو كمال الرضا واستبشارهم بإخوانهم الذين باجتماعهم بهم يتم سرورهم ونعيمهم واستبشارهم بما يجدد لهم كل وقت من نعمته
وكرامته
ولقد أخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنديهما والطبراني بسند
1

حسن عن محمود بن لبيد عن ابن عباس مرفوعاً الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة غدوة
وعشية
وفى حياة الأنبياء والشهداء يقول القرطبي
انتقال
من
حال إلى حال
ه الموت ليس بعدم محض وإنما هو ا ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء يرزقون فرحين مستبشرين وهذه صفة الأحياء فى الدنيا وإذا كان هذا في الشهداء فالأنبياء أحق بذلك وأولى وقد صح أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء وأنه صلى الله عليه وآله وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفى السماء ورأى موسى عليه السلام قائماً يصلى في قبره وأخبره بأنه يرد السلام على كل من سلم عليه إلى غير ذلك مما يحصل من جملة القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أنهم غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياء وذلك كالحال في الملائكة فإنهم موجودون ولا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه الله بكرامته من أوليائه
والفقهاء يتحدثون عن الشهداء فى استفاضة ومما أثاروه بهذه المناسبة مسألة سؤال القبر بالنسبة للشهيد ولقد أفتى الإمام السيوطي بأن سؤال القبر ليس عاماً للخلق بل يستثنى منه الشهيد ففى
الحديث
۹۱

ه أنه صلى الله عليه وآله وسلم سئل أيفتن الشهيد في قبره فقال كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة
قال القرطبي في التذكرة نقلا عن الحكيم الترمذي معناه أنه لو كان عنده نفاق فر عند التقاء الزحفين وبريق السيوف لأن من شأن المنافق الفرار عند ذلك وشأن المؤمن البذل والتسليم لله فلما ظهر صدق ضميره حيث برز للحرب والقتل لم يعد عليه السؤال في القبر الموضوع لامتحان المسلم الخالص من المنافق
وقال القرطبي وإذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق من باب أولى لأنه أجل قدراً وممن يستثنى المرابط فقد ورد فيه أحاديث والمطعون والصابر في بلد الطعن محتسباً حتى مات بغير الطاعون - صرح به الحافظ ابن حجر في كتاب بذل الماعون ولعل هذه الحياة البرزخية ليست للأنبياء والشهداء فحسب وإنما هي لجميع الناس حتى الكفار منهم على أن القرآن والسنة يشيران إلى حياة الكفار بعد الموت قبل القيامة يقول تعالى عن آل فرعون النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب
ولا
في أن النار التي يعرضون عليها ليست نار ريب
يوم
القيامة
فما في القيامة غدو وعشى ومافيها شروق وغروب ثم إن العطف يقتضى المغايرة ومنطوق الآية إن آل فرعون يعرضون على النار في الصباح
۹

وفى المساء يرون مكانهم فيها ومصيرهم الذى سيصيرون إليه حتى إذا يوم القيامة نادى مناد آمراً أدخلوا آل فرعون أشد العذاب بعد أن كانوا يعرضون غدوا وعشيا أدخلوهم إلى إقامة
كان
أدخلوهم
مستمرة
على أن حادثة أصحاب القليب معروفة مشهورة رواها الإمام
هذه

البخاري بعدة روايات ورواها غيره بعدة روايات أيضاً من الروايات الرواية الآتية عن البخاري حدثنا عبد الله بن محمد سمع روح بن عبادة حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلة فشد عليها رحلها ثم مشى وتبعه أصحابه وقالوا ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن ويا فلان بن فلان فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا فقال عمر يا رسول الله أتكلم أجساداً لا أرواح فيها فقال النبي

صلى الله عليه وآله وسلم ه والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم
فلان

هذه الروايات كلها تتكاتف وتتساند مع الأحاديث التي رويت في عذاب القبر ونعيمه والتى تخبر أن القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار فتدل بمجموعها على أن كل إنسان إذا فارق الدنيا فإنما انتقل من طور إلى طور وأنه إذا كان الجسم سيبلى فإن الروح - مركز الشعور والإحساس والفكر - باقية تحس وتشعر وتفكر وعن المؤمنين عامة يحسن أن نورد القصة التالية
أخرج البيهقى فى البعث والطبرانى بسند حسن عن عبد الرحمن ابن كعب بن مالك قال لما حضرت كعباً الوفاة آتته أم بشر بنت البراء فقالت يا أبا عبد الرحمن إن لقيت بشراً فأقرئه منى السلام فقال لها يغفر الله لك يا أم بشر نحن أشغل من ذلك فقالت أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن نسمة المؤمن تسرح في الجنة حيث شاءت ونسمة الكافر فى سجين قال بلى قالت
فهو
ذاك
أما الحديث الذي صححه أبو محمد عبد الحق فهو ما رواه ابن
عبد البر فى الاستذكار والتمهيد من حديث ابن عباس قال قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم

ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا
عرفه ورد عليه السلام
ولعل السؤال الملح فيما نحن بصدده هو

ما نوع هذه الحياة التى يحياها الأنبياء والشهداء وغيرهم أجل الإجابة عن هذا السؤال نورد ما ذكره ابن القيم بهذا الصدد في كتابه النفيس الروح
ومن
إن الله سبحانه وتعالى جعل الدور ثلاثة دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار وجعل لكل دار أحكاماً تختص بها وركب هذا الإنسان من بدن ونفس وجعل أحكام دار الدنيا على الأبدان والأرواح تبع لها ولهذا جعل أحكامه الشرعية مرتبة على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح وإن أضمرت النفوس خلافه وجعل أحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبع لها فكما تبعت الأرواح الأبدان في أحكام الدنيا فتألمت بألمها والتذت براحتها وكانت هي التي باشرت أسباب النعيم والعذاب - تبعت الأبدان الأرواح في أحكام دار البرزخ في نعيمها وعذابها والأرواح حينئذ هي التي تباشر العذاب والنعيم فالأبدان ۱ ظاهرة والأرواح خفية والأبدان كالقبور لها والأرواح هناك ظاهرة والأبدان خفية في قبورها فتجرى أحكام البرزخ على الأرواح فتسرى إلى أبدانها نعيماً وعذاباً كما تجرى أحكام الدنيا على الأبدان فتسرى إلى أرواحها نعيماً وعذاباً فأحط بهذا الموضوع علماً واعرفه كما ينبغى يزل عنك كل إشكال يورد عليك
۱ في دار الدنيا في دار البرزخ
90

من داخل وخارج وقد أرانا الله سبحانه بلطفه ورحمته وهدايته من ذلك نموذجاً في الدنيا من حال النائم فإن ما ينعم به أو يعذب في نومه يجرى على روحه أصلا والبدن تبع له وقد يقوى حتى يؤثر في البدن تأثيراً مشاهداً فيرى النائم أنه فى نومه ضرب فيصبح وآثار الضرب فى جسمه ويرى أنه قد أكل وشرب فيستيقظ وهو يجد أثر الطعام والشراب فى فيه ويذهب عنه الجوع والظمأ وأعجب من ذلك أنك ترى النائم يقوم من نومه ويضرب ويبطش ويدافع كأنه يقظان وهو نائم لا شعور له بشيء من ذلك لأن الحكم لما جرى على الروح استعانت بالبدن من خارجه ولو دخلت فيه لاستيقظ وأحس فإذا كانت الروح تتألم وتتنعم ويصل ذلك إلى بدنها بطريق الاستتباع فهكذا فى البرزخ بل أعظم فإن تجرد الروح هناك أكمل وهى متعلقة ببدنها لم تنقطع عنه كل الانقطاع فإذا كان يـ حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم صار الحكم بالنعيم والعذاب
وأقوى
يوم
حقه
على الأرواح والأجساد ظاهراً بادياً ومتى أعطيت هذا الوضع تبين لك أن ما أخبر به الرسول من عذاب القبر ونعيمه وضيقه وسعته وضمه وكونه حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة مطابق للعقل وأنه حق لا مرية فيه وأن من أشكل عليه ذلك فمن سوء
فهمه
وقلة علمه
أما بعد فإنا نختم هذا البحث بكلمة يقولها حجة الإسلام الإمام
41

الغزالى عن تجربة شخصية يؤيد ما هو واضح من بدهيات الجو الإسلامي في هذا الموضوع وهى كلمة تعبر عن رأى جميع الصوفية
وجميع
فلاسفة الإشراق
ومن أول الطريق تبتدئ المكاشفات والمشاهدات حتى إنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد
ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها
نطاق النطق
الصلاة
أتى رسول الله الله على قوم ترضخ رءوسهم بالصخر وكلما
رضخت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من
فقال ما هذا يا جبريل
ذلك شيء
قال هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة المكتوبة أتى دور الفروض الدينية وبدأت هذه الفروض بالصلاة والصلاة هى الركن الثانى فى الإسلام إن منزلتها ومنزلة ما عداها إنما يأتى بعد الإيمان بالله وبرسوله
أتى دور الفروض الدينية وإن لم تكن قد فرضت بعد ذلك أن الرحلة المباركة ترسم الماضى والحاضر والمستقبل إنها ترسم الحياة

الإسلامية في جميع أدوارها الزمنية في جانب العقيدة والأخلاق منها والصلاة في الوضع الإسلامي عماد الدين فمن أقامها فقد أقام
الدين
ومن هدمها فقد هدم الدين مثلها في حياة المسلم كمثل نهر جار غمر 1 على باب أحدكم - على حد تعبير رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم - يغتسل منه كل يوم خمد مرات مس
وعن عبد الله بن قرط رضى الله عنه قال قال رسول الله
أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح
سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله
وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله ه لا إيمان لمن لا أمانة له ولا صلاة لمن لا طهور له ولا دين لمن لا صلاة له إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد ۳
وسنتحدث إن شاء الله
عن
الصلاة فيما بعد فنبين أهميتها الكبرى في
الوضع الإسلامي ولكنا قبل أن نفرغ إلى الزكاة نقول إن الرسول رأى يوماً فيما يراه النائم تمثيلا لتارك الصلاة يشبه التمثيل الذي
1 الغمر هو الكثير الماء
رواه الطبرانى فى الأوسط وقال لا بأس بإسناده إن شاء الله
۳ رواه الطبراني في الأوسط والصغير وقال تفرد به الحسين بن الحكم الحبرى
۹۸

تقدم يقول صلوات الله وسلامه عليه
فانطلقت فمررت على ملك وأمامه آدمى وبيد الملك صخرة يضرب بها هامة الآدمى فيقع دماغه جانباً وتقع الصخرة جانباً
ولما سأل عن ذلك قيل له
أولئك الذين كانوا ينامون عن صلاة العشاء الآخرة
6
الصلاة لغير مواقيتها فهم يعذبون بها حتى يصيروا إلى النار
وقبل أن نفرغ إلى الزكاة أيضاً نذكر ما يلى
يقول الإمام القشيري
ويصلون
سمعت الأستاذ أبا على الدقاق رضى الله عنه يقول إن نبينا عليه السلام أتى للأمة بالمعراج على التحقيق فإن الصلاة لنا بمنزلة المعراج وقد كان المعراج له عليه السلام ثلاث منازل من الحرم إلى المسجد الأقصى ثم من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى ثم منها إلى قاب قوسين أو أدنى
فكذلك لنا الصلاة ثلاث منازل القيام ثم الركوع ثم
السجود وهو نهاية القربة
قال الله تعالى
واسجد واقترب ۱
۱ سورة العلق آية ۱۹
44
45

الزكاة
وتأتى الزكاة بعد الصلاة في ترتيب منهج الحياة الذي نحن بصدده لقد أتى رسول الله الله على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام يأكلون الضريع
والزقوم ورضف جهنم
فقال ما هؤلاء
فقال جبريل عليه السلام هؤلاء الذين لا يؤدون زكاة أموالهم وما ظلمهم الله وما ربك بظلام للعبيد
والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام ولقد حارب عليها سيدنا أبو بكر رضى الله عنه وذلك أنه حينما انتقل الرسول ع إلى الرفيق الأعلى قال بعض القبائل من الأعراب

إنا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وسنستمر نؤدى
الصلاة ونصوم رمضان ونحج أما الزكاة فإنها مادة ومال ولا شأن للدين بذلك وأعلنوا الامتناع عن أدائها وكان هذا أول تفكير منحرف من بعض المسلمين في الإسلام يهدف إلى فصل الدين عن الدنيا أو المادة أو بالتعبير الحديث يهدف إلى فصل الدين عن الدولة فقال سيدنا أبو بكر رضى الله عنه
سأحاربكم

إنه يحارب من أراد فصل الدين عن الدولة فقيل له كيف تحارب من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
فكانت إجابته
أن الشهادتين لهما حقوق إذا امتنع إنسان عن أدائها فإنه يحارب
عليها
قال
وأن من حقوق الشهادتين أداء الزكاة
روى الإمام البخارى رضى الله عنه عن أبي هريرة نضر الله وجهه
لما توفى رسول الله وكان أبو بكر رضى الله عنه وكفر من كفر من العرب - بسبب عدم إخراجهم للزكاة وامتناعهم عن تأديتها فقال عمر رضي الله عنه كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله عه
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد
عصم منى ماله ونفسه وحسابه على الله فقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعونى عناقاً ١ كانوا يؤدونها إلى رسول الله الله لقاتلتهم على منعها قال عمر رضی الله عنه فو الله ما هو إلا أن شرح الله صدر 1 أى شاة صغيرة وفى رواية أخرى عقالا والمقصود أي شيء ولو كان يسيراً

أبي بكر رضى الله عنه فعرفت أنه الحق
هذا الحديث الشريف نعلم أن مانع الزكاة بهذا الوضع من
6
وعلى هذه الصورة كافر وأنه يحارب حتى يؤديها وإلا قتل وقد حارب سيدنا أبو بكر رضى الله عنه ما نعى الزكاة لأنه رأى أن الامتناع عن الزكاة - إنكاراً لها - ارتداد عن الإسلام ولم ينفعهم - فيما رأى سيدنا أبو بكر وفيما رأى الصحابة معه – صلاة أو صيام أو غير ذلك من الشعائر الإسلامية ذلك أن الزكاة ركن من أركان الإسلام والامتناع عن أدائها إنما هو هدم لركن من أركان
الدين
إنها الركن الثالث يدفعها من تجب عليه لمستحقيها و ليحيى بها
بها بطوناً نفوساً ويشبع
ويمسح بها دموعاً ويزيل بها آلاماً وينال
بها ثواباً وأجراً من الله تعالى
وما من شك فى أن الزكاة رابطة بين الإنسان وربه إنها رابطة
رضوان من الله وأجر وثواب ونماء وبركة
ورابطة شكر من الإنسان لله تعالى على ما أنعم به وتفضل وأحسن
وأكرم
وهى من ناحية أخرى رابطة بين الإنسان وأفراد المجتمع الذى
يعيش فيه
رابطة مودة وتعاطف وتراحم
۱,۰

وقد أنذر الله تعالى الممتنع عن أدائها وتوعده بعذاب أليم أما الذي يؤديها فقد ذكره الله سبحانه وتعالى فيمن رضى الله
عنهم وأجزل لهم ثوابه يقول سبحانه فأنذرتكم ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى
وسيجنبها الأتقى الذى يؤتى ماله يتزكى وما لأحد عنده تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ۱ ويقول سبحانه
من
نعمة
ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل
هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات
والأرض والله بما تعملون خبير
أو

الصدقة
وبجوار الزكاة يحسن الحديث عن الصدقة وسواء كنا بصدد الزكاة
بصدد الصدقة فإن الله سبحانه وتعالى يقول
مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع
علیم
۳
۱ سورة الليل الآيات ١٤ - ٢١ ۳ سورة البقرة آية ٢٦١ ۳ سورة سورة آل عمران آية ۱۸۰

ويقول سبحانه
فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما
من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغنى عنه ماله
إذا تردى

ويقول سبحانه
وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين لقد رأى رسول الله ل صورة الممتنعين على الزكاة ورأى
أيضاً - فيما يراه النائم - صورة آكلى الربا ورأينا أن نتحدث عن
الربا
بعد الحديث عن الزكاة والصدقة مباشرة لما بينهما من فرق هو الفرق بين الخير والشر
الربا
فقد رأى رسول الله نهراً من الدم يفور كفوران المراجل وعلى حافتي النهر ملائكة بأيديهم نار كلما طلع طالع قذفوه بها فتقع في فيه فيشتعل إلى أسفل ذلك النهر فلما سأل رسول الله الله عنهم قيل له أولئك الذين أكلوا الربا فهم يعذبون بها حتى يصيروا إلى
النار
أما في رحلة الإسراء والمعراج فإنه امر بقوم بطونهم أمثال
۱ سورة الليل الآيات ٥ - ۱۱
١٠٤

البيوت كلما نهض أحدهم خر على الأرض فلما سأل عنهم جبريل
قال
هم
أكلة الربا
وللصورة البشعة للربا آذن الله سبحانه المتعاملين به بالحرب لقد
آذن الله بالحرب صنفين من الناس

أكلة الربا
المعادون لأولياء الله
أعلن الحرب على أكلة الربا في القرآن الكريم فأذنوا بحرب من الله ورسوله ١
وأعلن الحرب على من عادى الأولياء في الحديث القدسي الذي
رواه الإمام البخاري
من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب
ورمز المرابي في ليلة الإسراء رجل يسبح في بحر من الدم ويلقى في فمه قطع من النار يبتلعها إنه يسبح فى الدماء التي امتصها ممن تعامل معهم وما أخذ من قطع النقود تلتهب ناراً تصير في جوفه تحترق وتشتعل
فيها
ولا
ريب الطرف المعارض للصدقة وللزكاة الطرف الذي
يبغضه الله ويبغض المتعاملين به هو الربا
ولقد حارب الإسلام الربا حرباً لا هوادة فيها حاربه لأنه مبدأ
۱ سورة البقرة آية ۷۹
الإسراء والمعراج ١٠٥٠

ليس بإنسانى واستعمل في محاربته من التعبير أقساه
لقد حاربه فى جملته وتفصيله يقول الله تعالى الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه
الشيطان من المس ۱
والمتعاملون بالربا
أولئك أصحاب النار
هم
والله سبحانه وتعالى يقول
فيها خالدون
يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار

أثيم "
ولكنه سبحانه وتعالى يفتح للمتعاملين بالربا أبواب توبته
يقول تعالى
يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ۳ ومما لا شك فيه أن الربا - على أية صورة من صوره – يتعارض مع
الروح الدينية العامة التى هى الرحمة والتعاون
۱ سورة البقرة آية ٢٧٥
سورة البقرة آية ٢٧٦
۳ سورة البقرة الآيتان ۷۸ و ۷۹

ونذكر فى نهاية الحديث عن الصدقة والربا والزكاة وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ۱
وفى هذه الآية الكريمة يشير الله سبحانه إلى أن الشح والبخل وعدم
الإنفاق فى سبيل الله إنما هو إلقاء بالنفس إلى التهلكة
ويقول سبحانه آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ٢
وفى هذه الآية الكريمة يرشد الله سبحانه وتعالى إلى أن أصحاب الأموال قد استخلفهم الله سبحانه وتعالى في ماله هو وأنهم مجرد مستخلفين وهذا يشير إلى أنهم إذا أساءوا فإنه يرفع استخلافهم على
المال فيصبحوا ولا مال لهم
ويقول سبحانه
من ذا الذى يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له وله أجر
كريم ۳
إنه سبحانه وتعالى يضاعفه له في الحياة الدنيا
1 سورة البقرة آية ١٩٥
سورة الحديد آية ۳ سورة الحديد آية ۱۱
١٠٧

ثم يجزل له الأجر
يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز
العظيم 1
الثبات على العقيدة
نقلتنا هذه الرحلة المباركة من التوبة إلى الجهاد مباشرة ثم كانت الصلاة والزكاة ممثلتين لبقية فروض العبادة
وقد تحدثت الرحلة عن أنواع من الآثام باعتبارها ممثلة لما عداها وأن الله سبحانه يحاسب عليها وعلى غيرها من المعاصي إذا لم يبادر الإنسان بالتوبة الخالصة النصوح وقبل أن تبدأ فى ذكر هذه الآثام نتحدث عن قوة الإيمان وثبات المؤمنين والتمسك بالعقيدة حتى ولو أدى ذلك إلى الموت على أية
كيفية
إن الشهداء من أجل عقيدتهم لهم رائحة زكية تستمر حتى يوم القيامة وإن الرائحة الزكية التى تنبعث من الأماكن التي استشهدوا فيها والأماكن التي وقفوا فيها لتدل دلالة واضحة على أنهم في رياض
1 سورة الحديد آية ٠١٢
1A

الجنة محاطين بروح من نسماته ومن رحمته لقد شم رسول الله ل في مسراه رائحة طيبة
فقال ما هذا يا جبريل
قال هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها
أما قصتهم فإننا نرويها على نحو غير السابق في بعض تفاصيله وإن كان الجوهر واحداً
لقد شم رسول الله له الا الله الرائحة الطيبة وسأل عنها جبريل فأخبره أنها رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها بينما كانت تمشط بنت فرعون إذ
سقط المشط من يدها
فقالت بسم
الله تعس فرعون
فقالت ابنة فرعون أو لك رب غير أبي
قالت نعم
قالت أفأخبر بذلك أبي
قالت نعم
فأخبرته فدعاها فقال أو لك رب غيرى
قالت نعم ربي وربك الله وكان للمرأة زوج وثلاثة أولاد
أصغرهم رضيع فأرسل إليهم فراود المرأة وزوجها أن يرجعهما عن دينهما
فاسا
فقال إنى قاتلكما
۱۰۹

قالت إحسانا منك إلينا إن قتلتنا أن تجعلنا في مكان واحد فتدفننا
جميعاً
فقال ذلك لك بما لك علينا من الحق
فأمر ببقرة من نحاس فأحميت بزيت ثم أمر بهم فألقوا فيها واحدا بعد واحد حتى بلغ الرضيع وكانت أمه تحمله ولشفقتها عليه تلكأت
وكادت ترجع لموافقة فرعون
فقال يا أمه قعى ولا تقاعسى فإنك على الحق
فكان هذا الرضيع ممن تكلموا في المهد خرقاً للعادة وإن لنا فى تاريخنا الإسلامى مواقف مشهورة مشهودة وقف فيها
الصحابة رضوان الله عليهم مواقف من لا يبالى على أي جنب كان في الله
مصرعه
ففي غزوة بدر استشار رسول الله ع الصحابة في الجهاد
6
فقام المقداد بن عمرو رضى الله عنه وكان من المهاجرين فقال يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد ١ لجالدنا معك دونه حتى
تبلغه
11
۱ مكان باليمن

وقام سعد بن معاذ رضي الله عنه وكان من الأنصار فسأل رسول الله عما إذا كان يعنى الأنصار باستشارته هذه فلما أجاب رسول الله بالإيجاب قال لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق
وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يارسول الله لما أردت فنحن معك فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ومانكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله
الرموز الخاصة باللسان
يقول العرب مقتل الرجل بين فكيه ومن المعروف أنه مما يكب الناس على وجوههم فى جهنم إنما هـ
حصائد ألسنتهم
ولقد حذر الله سبحانه في كثير من آي القرآن من آثام اللسان وحذر رسوله الله فى كثير من الأحاديث النبوية من آثام اللسان
يقول الله سبحانه وتعالى
يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا

۱۱۱

أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن
لم يتب فأولئك هم الظالمون ١
ويصور القرآن مثل المغتاب في صورة بالغة البشاعة
يقول تعالى
ولا يغتب بعضكم بعضاً أيجب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم ٢
فقد مثل الله سبحانه الاغتياب
بأكل لحم الإنسان

وجعل المأكول أخاً
وجعل الأخ ميتاً
وعقب على ذلك بقوله فكرهتموه
ولقد نالت آثام اللسان في رحلة الإسراء قدراً موفوراً من التشبيه
والتمثيل
۱ - لقد أتى رسول الله الله على قوم تقرض السنتهم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك
شيء !
قال ما هذا ياجبريل
۱۱
۱ سورة الحجرات آية ١٠
سورة الحجرات آية ٠١٢

قال هؤلاء خطباء الفتنة خطباء أمتك يقولون بما لا يفعلون ٢ – وأتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم فجعل الثور يريد أن
يرجع من حيث خرج فلا يستطيع !
فقال ما هذا يا جبريل قال هذا مثل الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها
فلا يستطيع أن يردها

- ورأى قوماً أظفارهم من نحاس يخمشون بها وجوههم
وصدورهم
فقال من هؤلاء يا جبريل
قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ورأى قوماً تقطع لحومهم من جنوبهم وتطعم لهم كرهاً
- 2
فقال من هؤلاء يا جبريل
قال هؤلاء مثل الغمّازين واللمازين
ه - وفى إحدى رؤاه رأى ملكاً وبين يديه آدمى وبيد الملك كلوب من حديد فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه حتى ينتهي إلى أذنه ثم
يأخذ في الأيسر فيلتئم الأيمن
فلما سأل جبريل عنه قال له
أولئك الذين كانوا يمشون بين المؤمنين بالنميمة ليفرقوا بينهم فهم
يعذبون بها حتى يصيروا إلى النار

آثام الجوارح
والجريمة الكبرى الجريمة الأساسية إنما هى الإلحاد
يقول سبحانه
قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا
الذين ضل سعيهم صنعاً أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم
في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون
فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً

ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلى هزوا ۱ وقد وضع الله سبحانه وتعالى للملحدين تمثيلا في القرآن الكريم بين فيه العلل والأسباب وأوضح فيه النتائج وأسفر عن الصورة صارخة
واضحة لا يحجبها قناع
فكان
يقول سبحانه
واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا
۱ سورة الكهف الآيات ١٠٣ - ١٠٦ سورة الأعراف الآيتان ١٧٥ – ١٧٦
١١٤

وجرائم الجوارح ذكر الله سبحانه وتعالى منها كثيراً في قوله تعالى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم
وإياهم
التي
حرم
ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون وأن هذا صراطى مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ولقد ذكرت الرحلة المباركة بعض الرموز التي تمثل آثام الجوارح ذكرت البعض ولم تذكر الكل وذلك أنها ما كانت بصدد الإحصاء
والاستقصاء
1
1 - من ذلك مثلا أن رسول الله ل أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر ولحم نيء في قدر خبيث فجعلوا يأكلون من النيء
ويدعون النضيج
فقال ما هؤلاء يا جبريل
قال هذا الرجل من أمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيب فيأتي
۱ سورة الأنعام الآيات ١٥١ - ١٥٣
١١٥

امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح والمرأة تقوم من عند زوجها
حلالاً طيباً فتأتى رجلاً خبيثاً فتبيت عنده حتى تصبح
والله سبحانه وتعالى يقول
الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابها
طائفة
من المؤمنين ١
- ثم أتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع
حملها وهو يزيد عليها
فقال ما هذا يا جبريل
قال هذا الرجل من أمتك تكون عليه أمانات الناس لا يقدر
على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها
ورسول الله يقول
لا إيمان لمن لا أمانة له
- وفى حديث أبي سعيد أنه رأى أخونة عليها لحم طيب ليس
عليها أحد وأخرى عليها لحم نتن عليها ناس يأكلون قال جبريل هؤلاء الذين يتركون الحلال ويأكلون الحرام وأنه مر بقوم مشافرهم كالإبل يلتقمون حجراً فيخرج من
-¿
أسفلهم
۱ سورة النور آية ٢
١١٦

وأن جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً أما جزاء أصحاب الآثام إذا لم يتوبوا فهو دخولهم في جهنم حيث العذاب ألواناً
وعن جهنم نقول إن رسول الله لا أتى على واد فسمع صوتاً
منكراً ووجد ريحاً منتنة
فقال ما هذا يا جبريل
قال هذا صوت جهنم تقول
رب آتنى بما وعدتني فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيرى
وحميمي وضريعي وغساقى وعذابي وقد بعد قعرى واشتد حرى فآتنى بما وعدتني
قال لك كل مشرك ومشركة وكافر وكافرة وكل جبار لا يؤمن
بيوم
الحساب
قالت قد رضيت
الوصول إلى بيت المقدس
ووصل رسول الله لا إلى بيت المقدس وفي رواية أنس عند مسلم
ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل
عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن

فقال جبريل اخترت الفطرة أى اخترت اللبن الذي عليه بنيت
الخلقة 1
وقال النووى المراد بالفطرة هنا الإسلام والاستقامة والخمر في التعبير الإسلامى هى أم الخبائث وأخبر الله سبحانه وتعالى أنها رجس من عمل الشيطان وقد لعن الله شاربها وبائعها وحاملها والمحمولة إليه ولعن عاصرها والمتجر فيها على أى وضع كان والبيرة من أنواع الخمور وكل ما أسكر كثيره فقليله حرام وفى رواية ابن مسعود نحوه - أى نحو رواية أنس السابقة - ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد ثم أذن مؤذن فأقيمت الصلاة فقمنا صفوفاً ننتظر من يؤمنا فأخذ بیدی جبریل
فقدمنی فصلیت بهم وفي رواية أبي أمامة عند الطبراني ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمداً لله
عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى
ثم عرج الله إلى السموات العلا فتجاوزها سماء سماء حتى تجاوز الكون كله وكان عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى الجنة التي يأوى إليها المتقون من عباد الله وشم رسول الله ريحاً طيبة باردة كريح
۱ انظر كتاب الأنوار المحمدية ليوسف النبهاني
۱۱۸

المسك
وسمع صوتاً فقال ما هذا يا جبريل
قال هذا صوت الجنة تقول رب آتنى ما وعدتني به فقد كثرت
غرفى وإستبرقى وحریری وسندسی وعبقرى ولؤلؤى ومرجانى وفضتى وذهبي وأكوابى وصحافي وأباريقى ومراكبى وعسلى ومائى ولبنى وخمري فأتني ما وعدتني ! قال لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي وبرسلى وعمل صالحاً ولم يشرك بي شيئاً ولم يتخذ من دونى أنداداً ومن خشينى فهو آمن ومن سألني فقد أعطيته ومن أقرضنى جازيته ومن توكل على كفيته إننى أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد قد أفلح المؤمنون وتبارك الله أحسن الخالقين
قالت قد رضيت
إذ يغشى السدرة ما يغشى
في إبهام ما يغشى من التفخيم مالا يخفى فكأن الغاشى أمر لا يحيط به نطاق البيان ولا تسعه أردان الأذهان وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية استحضاراً لصورتها البديعة وجواز أن يكون للإيذان باستمرار الغشيان بطريق التجدد
۱۱۹

وورد في بعض الأخبار تعيين هذا الغاشي فعن الحسن
غشيها نور رب العزة جل شأنه فاستنارت
ونحوه ما روى عن أبي هريرة

يغشاها نور الخلاق سبحانه عن الألوسي
المشاهدة
يقول الله تعالى
ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى
ويقول الحديث الشريف ودنا الجبار رب العزة فتدلى فكان منه
قاب قوسين أو أدنى
ويقول الإمام ابن حجر
وقد أخرج الأموى في مغازيه ومن طريق البيهقي عن محمد بن عمرو وعن أبي سلمة عن ابن عباس في قوله تعالى ولقد رآه نزلة أخرى
قال دنا منه ربه
يقول الإمام ابن حجر وهذا سند حسن وهو شاهد قوى لرواية
شريك ويكون المعنى على غرار ينزل ربنا
بعد ذلك نسأل

هل رأى محمد ربه
۱۰

هل شاهد الجلال والجمال
نقول أولا إن الإمام الصاوى ذكر بمناسبة تفسير قوله تعالى ومامنا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسيحون إن هذه الآيات حكاية عن اعتراف الملائكة بالعبودية رداً على عبدتهم والمعنى ليس منا أحد إلا له مقام معلوم في المعرفة والعبادة وامتثال ما يأمرنا الله تعالى به
قال ابن عباس ما فى السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلى ويسبح ثم يقول
قيل إن هذه الآيات الثلاث نزلت ورسول الله عند سدرة
المنتهى فتأخر جبريل فقال النبي
أهنا تفارقني
فقال جبريل ما أستطيع أن أتقدم من مكانى هذا
وأنزل الله تعالى حكاية عن
الملائكة
وما منا إلا له مقام معلوم
ووقف جبريل واقترب محمد الله

ويذكر الإمام الصاوى في قوله تعالى
ما كذب الفؤاد ما رأى أن محمداً ع رأى ربه مرتين مرة
في مبادئ البعثة ومرة فى ليلة الإسراء واختلف في تلك الرؤية
۱۱

فقيل راه
بعينه
1
حقيقة وهو قول جمهور الصحابة والتابعين
6
منهم ابن عباس وأنس بن مالك والحسن وغيرهم وعليه قول العارف
البرعى
وإن قابلت لفظة لن ترانی
بـ ما كذب الفؤاد فهمت معنى
فموسى
خر
مغشياً
عليه
وأحمد لم يكن ليزيغ
ذهنا

وقيل لم يره بعينه وهو قول عائشة رضي الله عنها والصحيح الأول لأن المثبت مقدم على النافي أو لأن عائشة لم
يبلغها حديث الرؤية لكونها كانت حديثة السن
لقد ذهب غير واحد في قوله تعالى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده

ما أوحى إلى أنه في أمر العروج إلى الجناب الأقدس ودنوه سبحانه منه عله ورؤيته عليه السلام إياه جل وعلا فالضمائر في دنا وتدلى ۱ سيأتي فيما بعد رآه على الوجه اللائق وهذا يعنى أن الرؤية ثابتة أما الكيفية فإنها غير معروفة ومن المؤكد أنه صلوات الله وسلامه عليه كان يشعر شعوراً واضحاً يقينياً أنه في حضرة الله تعالى المحيط الذى ليس كمثله شيء اللطيف النور
ولعل هذا الشعور هو المقصود بالمشاهدة وعلى ذلك فلا معنى للنقاش في هذا الموضوع ونحن هنا إنما روينا ما قيل وبالله التوفيق

و كان و أوحى وكذا الضمير المنصوب في رآه الله عز وجل ويشهد لهذا ما فى حديث أنس عن البخاري من طريق شريك بن
عبد الله
ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأولى إليه فيما أوحى خمسين صلاة الحديث فإنه ظاهر فيما ذكر واستدل بذلك مثبتو الرؤية كحبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما
وغيره
والظاهر أن ابن عباس لم يقل بالرؤية إلا عن سماعها وقد أخرج
عند أحمد أنه قال
قال رسول الله
رأيت ربي "

1
ذكره الشيخ محمد الصالحي الشاملي تلميذ الحافظ السيوطي في الآيات البينات وصححه
ثم إن القائلين بالرؤية اختلفوا فمنهم من قال إنه عليه الصلاة والسلام رأى ربه سبحانه بعينه وروى ذلك ابن مردويه عن ابن وهو مروى أيضاً عن ابن مسعود وأبي هريرة وأحمد ابن
عباس
حنبل
۱ انظر فى كل ذلك تفسير الإمام الالوسى
۱۳

ومنهم من قال رآه عز وجل بقلبه وروى ذلك عن أبي ذر يقول العلامة الطيبي فيما يرويه الإمام الألوسى
ولا يخفى على كل ذى لب إباء مقام فأوحى الحمل على أن جبريل أوحى إلى عبد الله ما أوحى إذ لا يذوق منه أرباب القلوب إلا معنى المناغاة بين المتساويين مما يضيق عنه بساط الوهم ولا يطيقه نطاق الفهم وكلمة ثم على هذا للتراخي الرتبي والفرق بين الوحيين أن أحدهما وحى بواسطة وتعليم والآخر بغير واسطة بجهة
التكريم وعن جعفر الصادق عليه الرضا أنه قال لما قرب الحبيب غاية القرب نالته غاية الهيبة فلاطفه الحق سبحانه بغاية اللطف لأنه لا تتحمل
غاية الهيبة إلا بغاية اللطف وذلك قوله تعالى
فأوحى إلى عبده ما أوحى
وأسر إليه ما
أي كان ما كان وجرى ما جرى قال الحبيب للحبيب ما يقول الحبيب لحبيبه وتلطف به تلطف الحبيب بحبيبه الحبيب إلى حبيبه فأخفيا ولم يطلعا على سرهما أحداً وإلى نحو هذا يشير
يسر
ابن الفارض بقوله
ولقد خلوت مع
الحبيب
وبيننا

سر
أرق من النسيم إذا
سری

ومعظم الصوفية على هذا فيقولون بدنو الله عز وجل من النبي
ودنوه سبحانه على الوجه اللائق
وكذا يقولون بالرؤية كذلك
وقال بعضهم في قوله تعالى
ما زاغ البصر وما طغى ما زاغ بصر النبي وما التفت إلى الجنة ومزخرفاتها ولا إلى الجحيم وزفراتها بل كان شاخصاً إلى الحق وما طغى عن الصراط المستقيم
وقال أبو حفص السهروردى ما زاغ البصر حيث لم يتخلف عن البصيرة ولم يتقاصر وما طغى لم يسبق البصيرة ويتعدى مقامه ونحن نقول كما يقول الإمام الألوسي في صراحة لا لبس فيها أنا أقول برؤيته على ربه سبحانه وبدنوه منه سبحانه على الوجه اللائق ذهبت فيما اقتضاه ظاهر النظم الجليل إلى ما قاله صاحب الكشف أم ذهبت فيه إلى ما قاله الطيبي فتأمل والله تعالى الموفق إن كلمة على الوجه اللائق تفض كل نزاع والله أعلم

خاتمة
في بغض آثار الإسراء والمعراج

ومن الثمار التى جنتها الأمة الإسلامية والتي كانت من مقاصد
إذاعة النبأ
انفصال ضعاف النفوس والشاكين والمترددين انفصال كل
هؤلاء عن الأمة الإسلامية الناشئة
لقد كفر - -- عند سماع النبأ - من كفر بعد إسلامه وارتد من ارتد بعد إيمانه وما كان هؤلاء لو بقوا إلا عاملا من عوامل الضعف أكثر من أن يكونوا عاملا من عوامل القوة إن هؤلاء المكيين الذين آمنوا وصبروا على الحوادث القاسية على التعذيب وعلى الآلام وعلى الفتنة مظاهرها إن هؤلاء المكيين الذين صبروا وصابروا جميع وتخلصت أنفسهم من جميع النزعات المادية ومن جميع الأهواء فأصبحت خالصة لله وحده إن هؤلاء المكيين الذين كان في تقدير الله سبحانه وتعالى أن تقوم عليهم الدولة في نشأتها والذين من أجل ذلك يجب أن يكونوا مهيئين لأن يصمدوا لكل ما يمكن أن يعترضهم من عقبات نقول إن هؤلاء المكيين يجب أن يصفوا تصفية تامة
كاملة
ومن وسائل هذه التصفية إذاعة نبأ الإسراء والمعراج ! لينتكس من ينتكس وليبقى من يبقى عن بصيرة وبينة وعن إيمان
لا يتزعزع مهما كانت الحوادث إيمان يصدق الرسول صلوات الله
۱۹

وسلامه عليه فى كل ما يأتى به يصدقه بمجرد إنبائه والمثل الأعلى فى ذلك إنما هو سيدنا أبو بكر حينما يعلن في غير تردد
ولا فتور
لئن كان قاله فلقد صدق فما يعجبكم من ذلك فو الله إنه
من
ليخبرني أن الخبر ليأتيه السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه فهذا أبعد مما تعجبون منه
هذا الإيمان المطلق بالرسول هو الذى جعله صلوات الله عليه وسلامه يطلق على أبي بكر رضوان الله عليه الصديق و الصديقية مرتبة من مراتب الإيمان لا ينالها إلا من جاهد نفسه جهاداً تخطى به إيمان العامة وسما في إيمانه درجة إلى أن أصبح قائماً بالله متجهاً إليه عاملا على مرضاته في جميع ما يأنى وما يدع والأمة الإسلامية بأكملها مطلوب منها بالنسبة إلى أخبار رسول الله صلوات الله عليه أن تكون على غرار الصديق رضوان الله عليه تلقى بقيادها إلى إخباره وتسلم نفسها إلى إنبائه مصدقة تصديقاً كاملا تصديقاً يحملها على العمل بما جاء به وعلى اتباع كل ما جاء به وعلى الانتهاء عن كل ما نهى عنه تصديقاً إيجابياً يحقق للأمة الإسلامية المجد الذى ترجوه تصديقاً ينفى عن وجودها هؤلاء الذين المنحرفين واستجابوا لنداء أعداء الإسلام فأخذوا يشككون مع الناس في أقوال الرسول صلوات الله وسلامه عليه
انحرفوا
في
١٣٠

أحاديثه وفى سننه زاعمين أنهم من المجددين وما هم في الواقع إلا
أبواق من أبواق المستشرقين والمبشرين إن هذه الأقلام التي تشكك فى السنة وفي الأحاديث النبوية ليست إلا أقلاماً مقلدة لا تحمل طابع الأصالة ولا طابع التجديد وإنما تحمل طابع التقليد وطابع الشك والتردد الذي يتنافى مع الإيمان
ويتنافى
مع الصديقية
أما ثمرة الإسراء والمعراج وأما هدية الإسراء والمعراج وأما أعظم المنح الإلهية فى الإسراء والمعراج أعظمها على
الإطلاق !
أما النعمة العظمى والتجلى الإلهى الأكبر في الإسراء والمعراج فإنه
الصلاة
ولا يتأتى لنا - عجزاً وقصوراً - أن نتحدث عن الحمد وعن على هذه النعمة التي أنعم الله بها على الأمة الإسلامية في هذه
الشكر
الليلة المباركة
فالصلاة هي الصلة به سبحانه وهى الكيفية وهي الطريقة وهي الوسيلة وهى اللحظات الجليلة التي تتم فيها الصلة وتتحقق إنها فترة مناجاة فترة انقطاع كامل ويجب أن يكون كاملا عن
عالم المادة وعن عالم الشهوات عالم الفتنة لتخلص النفس إلى المنعم حتى تنعم فى رحابه بسعادة الصلة به والقرب منه !
۱۳۱

الدين
ومن أقام الصلاة فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم إن إقامة الصلاة أو إقامة الدين إنما هي إقامة الصلة بالله وتحقيق ذلك هو المثل الأعلى والغاية العظمى والسعادة الكاملة التي يجرى وراءها المؤمنون ليحققوا بها معراجهم نحو الله تعالى وما من شك في أن الصلاة يقيمها الإنسان كما أراد الله ورسوله من أنجح الوسائل في القرب إلى الله إنها البراق الذى يجتاز به المؤمن فى سرعة سريعة طبقات البعد عن الله سبحانه ليتقرب إليه تعالى فينعم في رحابه هذه وغيرها من عبر الإسراء والمعراج ومن توجيهات الله فيهما هي التي يجب أن ننتبه إليها وأن نأخذ في تأملها والانسجام معها إن الله سبحانه وتعالى أخذ يتحدث في سورة النجم عن
عليا
آفاق
وعن أجواء إلهية جديدة وعن مشارف من السمو ترتد عنها الأماني حسرى ذاهلة لقد أخذ سبحانه يتحدث عن سدرة وعن جنة المأوى وعن آياته سبحانه الكبرى لقد أخذ
المنتهى
سبحانه يتحدث عن
رتب تسقط الأماني حسرى دونها ما وراءهن وراء ثم ثم هوى بنا سبحانه فى عنف عنيف هوى بنا في سرعة سريعة دون سابق إنذار ليفتح أعيننا على مهازل ومهاو من الشرك يضل فيها هؤلاء الذين هم كالأنعام أو أضل سبيلا فقال سبحانه
بعد
ذكر هذه التجليات الإلهية
۱۳

أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى
لقد أرانا سبحانه بهذه الكلمات البشرية المسكينة في ضلالها الديني وانحرافها الذهني
إن كل من يترك هذه الآفاق العليا ويتجاوزها ليتحدث عن أن الرسول أسرى به بجسمه وروحه أو بروحه فقط أو أسرى به يقظة أو مناما إنما هو بذلك ينحدر بنفسه مختاراً من التجلى الإلهى ليهوى بها منتكساً إلى جو اللات والعزى وينحدر بها منتكساً من جو سدرة المنتهى إلى الجو المادى ومن مجالات النور السماوى المتلألئ إلى ظلمة الجدل وزيغ الماراة فى الدين فلننصرف عنه ولنتركه وما اختار مبتعدين عن الجدل مع
المارين ولندع الله قائلين
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
۱۳۳

الصفحة

۳۳
٦٧
۱۷
الموضوع
مقدمة
الفصل الأول
بين يدى الإسراء والمعراج
الفصل الثاني
الإسراء والمعراج من الكتاب والسنة
الفصل الثالث
منهج الحياة الذي رسمته أنباء الإسراء والمعراج
خاتمة

يُعد الإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم
محمود صاحب ورائد مدرسة الفكر الإسلامي والتصوف في العصر الحديث ولقب بأبي التصوف في العصر الراهن فقد أثرى المكتبة العربية بأمهات الكتب بين تحقيق وتأليف وترجمة فمنها دراساته القيمة عن الإمام الغزالي من الضلال و دلائل
وكتابه
النبوة

المنقذ
و القرآن في شهر القرآن إلى
جانب ما كتبه عن رواد التصوف على مر العصور الإسلامية المختلفة
محمود
والإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم له عمق وغزارة الآراء الفقهية ودقة الاجتهادات مما جعله يكسب صفوف المعارضين قبل المؤيدين إلى جانب اللباقة والدراية الكاملة في عرض أي موضوع أو مسألة تتعلق بأمور الدين وأيضا يمتاز بقوة ورصانة الأسلوب والعبارات مما يدل على المهارة الفائقة والملكة اللغوية فلهذا اكتسب هذا العالم الجليل احترام كل الفرق والمذاهب الإسلامية في شتى بقاع وسيبقى هذا العالم وتراثه في قلوبنا على
العالم
العصور
909/1
دار المعادة