ذخائر العرب
۸
لطائف المنن
تأليف العارف بالله ابن عطاء الله السكندرى
تحقيق وتعليق
الإمام الدكتور عبد الحليم محمود
الطبعة الثالثة
دار المعارف
الاهداء
إلى الأخ الفاضل
الأستاذ عبد الحليم مجاهد - الذي كرم ابن عطاء الله السكندرى فشيّد على ضريحه المبارك قبة
تتناسب
عنده مسجدا لطيفا مكانة صاحبه وأقام مع تشرق على الداخل فيه أنوار الولاية وأضواء الهداية
جزى الله الأخ الفاضل أجزل الثواب ومنحه خير ما
يمنح العاملين للخير ابتغاء وجهه سبحانه
عبد الحليم محمود
رَبَّنَا ابْنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَى لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
يوم
مقدمة المحقق
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه إلى
الدين وبعد
فإن آثار الهداة المهديين الذين رسموا الطريق عن خبرة ودعوا إليه على بصيرة كثيرة ومن أَنفُسِها كتاب لطائف المنن ألفه الإمام الجليل ابن عطاء الله السكندري الذي جمع بين رئاسة علوم الشريعة وعلماء الشريعة ورئاسة علوم الحقيقة وعلماء الحقيقة فكان متشرعا متحققا بل رأس علماء التشريع وعلماء التحقيق
ويقول الإمام أحمد زروق رضى الله عنه
هو الشيخ الإمام العالم العامل العارف بالله المحقق الكامل أبو الفضل تاج الدين وترجمان العارفين أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسيني بن عطاء الله الجذامى نسباء المالكى مذهبا الإسكندرى دارا القاهرى مزارا توفى بالقاهرة سنة سبعمائة وتسع فى جمادى الآخرة وكان أعجوبة زمانه في التصوف وغيره كما قيل حلف الزمان ليأتين بمثله حنت يمينك يا زمان فكفر
ويذكر الشيخ زروق من تأليفه
التنوير فى إسقاط التدبير و لطائف المنن و تاج العروس و مفتاح الفلاح و القول المجرد في الاسم المفرد به أخذ العهد على الإمام الكبير أبي العباس المرسى الذى قال عنه القطب الشاذلي إنه أعلم بطرق السماء منه بطرق الأرض
وقال فيه
هذا أبو العباس منذ أن عرف الله لم يحجب عنه ولو طلب الحجاب لم يجده !! ويقص ابن عطاء الله فى كتابه اللطيف الشائق لطائف المنن قصة صلته بأبي العباس
فيقول
كنت لأمره أى لأمر الشيخ أبي العباس من المنكرين وعليه من المعترضين لا لشيء سمعته منه ولا لشيء صح نقله عنه ولكن جرت المخاصمة بينى وبين أصحابه فقلت فيهم قولاً عظيماً ثم قلت في نفسي دعنى أذهب أنظر هذا الرجل فصاحب الحق له أمارات لا يخفى شأنه فأتيت إلى مجلسه فوجدته يتكلم فى الأنفاس ومسألة درجات السالكين إلى الله ومدى معرفتهم به وقربهم منه
فقال
الأول إسلام وهو درجة الانقياد والطاعة والقيام بمراسم الشريعة
وثانيها الإيمان وهو مقام معرفة حقيقة الشرع بمعرفة لوازم العبودية
وثالثها الإحسان وهو مقام شهود الحق تعالى في القلب وإن شئت قلت الأول عبادة والثاني عبودية والثالث عبودة
وإن شئت قلت الأول شريعة والثانى حقيقة والثالث تحقق فما زال يقول وإن شئت قلت وإن شئت قلت إلى أن بهر عقلى وسلب لبي فعلمت أن الرجل يغترف من فيض بحر إلهى ومدد ربانى فأذهب الله ما كان عندى ثم أتيت تلك الليلة إلى المنزل فلم أجد فى شيئا يقبل الاجتماع بالأهل على عادتى ووجدت معنى غريبا لا أدرى ما هو فانفردت في مكان أنظر إلى السماء وكواكبها وما خلق الله فيها من عجائب قدرته فلمس قلبي أشياء لم أعرفها من قبل فحملني ذلك على العودة إليه مرة أخرى فأتيت إليه فاستؤذن لى عليه فلما دخلت إليه قام قائما وتلقاني ببشاشة وإقبال حتى دهشت خجلاً واستصغرت نفسي أن أكون أهلا لذلك فكان أول ما قلت له يا سيدى أنا والله أحبك فقال أحبك الله كما أحببتني ثم شكوت له ما أجده من هموم وأحزان فقال
أحوال العبد أربع لا خامسة لها النعمة والبلية والطاعة والمعصية فإن كنت في النعمة فمقتضى الحق منك الشكر وإن كنت في البلية فمقتضى الحق منك الصبر وإن كنت بالطاعة فمقتضى الحق منك شهود منته عليك وإن كنت بالمعصية فمقتضى الحق منك وجود الاستغفار فقمت من عنده وكأنما كانت الهموم ثوباً نزعته ثم سألني بعد ذلك بمدة كيف حالك فقلت أفتش عن الهم فما أجده فقال لیلی بوجهك مشرق وظلامه في الناس سارى والناس في سدف الظلا م ونحن في ضوء النهار الزم فوالله لئن لزمت لتكونن مفتيًا فى المذهبين في علوم الظاهر وحقائق الباطن وعن هذه الملازمة يروى ابن عطاء الله القصة التالية قال
خرجت يوما من عند الفقيه مكين الدين الأسمر رضى الله عنه وخرج معى أبو الحسن الجزيري وكان من أصحاب الشيخ أبي الحسن فسلمت عليه فسلم على ببشاشة وإقبال فقلت له من أين تعرفني
فقال كيف لا أعرفك كنتُ يوما جالسًا عند الشيخ أبي العباس وكنت أنت عنده فلما نزلت قلت له يا سيدى إنه يعجبنى هذا الشاب انقطع فلان وفلان عن الملازمة وهذا الشاب ملازم قال فقال الشيخ يا أبا الحسن لن يموت هذا الشاب حتى يكون داعيا يدعو إلى الله فكان كما قال الشيخ ولله الحمد
أخذ ابن عطاء الله العهد على أبي العباس ولازمه وكانت بينه وبينه أمور توضح شيئًا من صلتهما وتلقى بعض الأضواء على سيرته منها مثلاً ما يدل على أن جد ابن عطاء الله كان فقيها معارضا للنزعة الصوفية
جاء في لطائف المنن وأخبرني بعض أصحابه قال قال الشيخ أبو العباس يوما إذا جاء ابن عطاء الله فقيه الإسكندرية فأعلمونى به فلما أتيت أعلمنا الشيخ بك فقال تقدم فتقدمت يديه ثم قال
بين
جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله ومعه ملك الجبال حين كذبته قريش فقال له جبريل عليه السلام هذا ملك الجبال أمره الله أن يطيع أمرك في قريش فسلم عليه ملك الجبال وقال يا محمد إن شئتَ أطبق عليهم الأخشبين فَعَلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا ولكن أرجو أن يخرج من أصلابهم مَنْ يوحد الله ولا يشرك به شيئًا فصبر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاءَ مَنْ يخرج من أصلابهم كذلك صبرنا على جد هذا الفقيه لأجل هذا الفقيه اهـ
ولكن الأمور فى الاطمئنان إلى المسلك الصوفي لم تكن تسير فى كل ظروفها رخاء فإن ابن عطاء الله كان طالبا محبا للعلم مشغوفًا بقراءة الكتب وبينما هو مندمج في الجو الطلابي إذا بالطلبة يتحدثون عن العلم الظاهر والتصوف ويروى هو القصة كما يلى
وكنت أنا سمعت الطلبة يقولون من يصحب المشايخ لا يجىء منه في العلم الظاهر شيء فشقّ على أن يفوتني العلم وشقَّ على أن تفوتني صحبة الشيخ رضي الله عنه فأتيت إلى الشيخ فوجدته يأكل لحما بخل فقلت في نفسي ليت الشيخ يطعمنى لقمة من يده فما استتمت المخاطر إلا وقد دفع في فمي لقمة فى يده ثم قال نحن إذا صَحِبَنا تاجر ما نقول له اترك تجارتك وتعال أو صاحب صنعة ما نقول له اترك صنعتك وتعال أو طالب علم ما نقول له اترك طلبك وتعال ولكن نقرّ كل أحد فيها أقامه الله فيه وما قسم له على أيدينا فهو واصل إليه وقد صحب الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما قال التاجر اترك تجارتك ولا لذى صنعة اترك صنعتك بل أقرهم على
أسبابهم وأمرهم بتقوى الله فيها
ولكن يبدو أن ابن عطاء الله حينها اندمج في جو الأستاذ ولازمه حاول محاولةً ردَّهُ الأستاذ عنها يقول ابن عطاء الله
ودخلت أنا عليه يوما وفى نفسى ترك الأسباب والتجريد وترك الاشتغال بالعلم الظاهرة قائلا إن الوصول إلى الله لا يكون إلا على هذه الحالة فقال من غير أن أبدى له شيئًا صحبنى بقوص إنسان يقال له ابن ناشيء وكان مدرسا بها ونائب الحاكم فذاق من هذا الطريق شيئا على أيدينا فقال يا سيدى أترك ما أنا فيه وأتفرغ لصحبتك فقلت له ليس الشأن ذا ولكن امكث فيها أقامك الله فيه وما قسم لك على أيدينا هو لك واصل ثم قال وهذا شأن الصديقين لا يخرجون من شيء حتى يكون الحق سبحانه هو الذي يتولى إخراجهم فخرجت من عنده وقد غسل الله تلك الخواطر من قلبى وكأنما كانت ثوباً نزعته ورضيت عن الله فيما أقامني
فيه
ولقد قدر الإمام أبو العباس تلميذه النابه وتبنى قيادته إلى المكانة الجدير بها ويشير إلى ذلك
القصتان التاليتان يقول ابن عطاء الله
وكنت قلت لبعض أصحاب الشيخ أريد لو نظر إلى الشيخ بعناية وجعلني في خاطره فقال ذلك للشيخ فلما دخلت على الشيخ رضى الله عنه قال
لا تطالبوا الشيخ بأن تكونوا في خاطره بل طالبوا أنفسكم أن يكون الشيخ في خاطركم فعلى مقدار ما يكون الشيخ عندكم تكونون عنده ثم قال أي شيء تريد أن تكون والله ليكونن لك شأن والله ليكونن لك شأن عظيم والله ليكونن لك كذا والله ليكونن لك كذا لم أثبت منه إلا قوله ليكونن لك شأن عظيم فكان من
فضل الله سبحانه ما لا ننكره
ويقول وأخبرنى سيدى جمال الدين ولد الشيخ قال قلت للشيخ هم يريدون أن يصدروا ابن عطاء الله في الفقه فقال الشيخ
هم يصدرونه فى الفقه وأنا أصدره فى التصوف ودخلت أنا عليه فقال لى إذا عوفي الفقيه ناصر الدين يجلسك فى موضع جدّك ويجلس الفقيه من ناحية وأنا من ناحية وتتكلم إن شاء الله فى العلمين فكان ما أخبر به رضى الله عنه
وابن عطاء الله هو الذى كان له الفضل الكبير فى بيان كثير مما يعرفه الآن من آثار أبي العباس
المرسى
وفى بيان الكثير أيضًا مما نعرفه عن القطب الكبير الحجّة أبى الحسن الشاذلي رضي الله عنه وابن عطاء الله هو الذى جند قلمه للدعوة إلى طريق الله فكتب هذه الدرر التي تركها مصابيح وأنجما تهدى السائرين إلى الله تعالى
والكتاب الذى نقدمه الآن كتاب مبارك إذ إنه يتحدث عن شخصيتين هما في القمة من السمو الروحي إنه يتحدث عن الإمام الكبير أبي الحسن الشاذلى رضى الله عنه وعن الإمام الكبير أبى العباس المرسى رضى الله عنه
وما كان الوصول إلى القمة في السمو الروحى - فى يوم من الأيام - سهلا ميسورا كلا وإنما له ثمنه الباهظ من مجاهدة النفس ومن قيام الليل وصيام النهار والعمل في كل لحظة لمرضاة الله سبحانه
ولقد كافح كل منهما في سبيل الله طيلة حياته
أما أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه فقد بدأ حياته بأمرين لابد منها لكل من يريد سلوك
طريق الله وهما
۱ - العلم
- والعبادة
أما العلم فلأنه لابد من التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لما أفلح السالك أبدا
والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم لابد له من دراسة السنة دراسة متمعنة
ودراسة السيرة النبوية دراسة متأملة ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان شعاره وكان طابعه وكان أساسه وكانت وجهته كتاب الله سبحانه ومن هنا كان لابد للقرب من الله تعالى من اتخاذ القرآن شعارا وطابعا وأساسا ووجهة وقد درس كل ذلك أبو الحسن الشاذلى أحسن وأجمل ما تكون الدراسة فكان عالما قمة في العلم
وكانت له كتب مفضلة يداوم على دراستها لتلاميذه ومريديه ومن هذه الكتب ١ - كتاب إحياء علوم الدين وهو كتاب ألفه الإمام الغزالي في فترة خلوته وفي أيام عبادته وقربه من الله تعالى إنه ثمرة من ثمار القرب وهو من خير ما يتخذ الإنسان من الذخائر ويقول عنه الإمام النووى كاد الإحياء يكون قرآنا
وذلك أنه يستمد من القرآن والإمام النووى حجّة في السنة وحجة في الفقه وكلمته لها وزنها
الكبير كان أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقرأ هذا الكتاب ويدرسه لتلاميذه - كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكي وهو كتاب ينص الإمام الغزالي على أنه من الكتب التي قرأها وهو بصدد السلوك الصوفى ويقول عنه أبو الحسن القوت قوت ويقول عنه القوت يفيد النور كان أبو الحسن يقرؤه ويُدرسه
ألفه
٣ - كتاب الرسالة القشيرية وهو الكتاب الذى يعتبر دستور الصوفية وقد أ الإمام القشيري لا لهدف المعرفة فحسب وإنما ليكون ميزانا للصوفية ومقياسًا لأعمالهم ويقول في ذلك ۱ ثم اعلموا رحمكم الله أن المحققين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم ولم يبق في زماننا هذا هذه الطائفة إلا أثرهم كما قيل
من
كان
هم
أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحتى غير نسائها حصلت الفترة فى هذه الطريقة لا بل اندرست ۳ الطريقة بالحقيقة مضى الشيوخ الذين الاقتداء وقل الشباب الذين كان لهم بسيرتهم وسنتهم اقتداء وزال الورع وطوى بساطه واشتد الطمع وقوى رباطه وارتحل عن القلوب حرمة الشريعة فعدوا قلة المبالاة بالدينأوثق ذريعة ورفضت التمييز بين الحلال والحرام ودانوا بترك الاحترام وطرح الاحتشام واستخفوا بأداء العبادات واستهانوا
۱ ص ۷ من الرسالة القشيرية
الفترة التراخي والتفريط
۳ اندرست زالت ومحيت
۱
بالصوم والصلاة وركضوا في ميدان الغفلات وركنوا إلى اتباع الشهوات وقلة المبالاة بتعاطى المحظورات والارتفاق ٤ بما يأخذونه من السوقة والنسوان وأصحاب السلطان ثم لم يرضوا بما تعاطَوْهُ من سوء هذه الأفعال حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق والأحوال وادعوا أنهم تحرروا عن رقّ الأغلال وتحققوا بحقائق الوصال وأنهم قائمون بالحق تجرى عليهم أحكامه وهم محو وليس الله عليهم فيما يؤثرونه أو يذرونه عتب ولا لوم وأنهم كوشفوا بأسرار الأحدية واختطفوا عنهم بالكلية وزالت عنهم أحكام البشرية وبقوا بعد فنائهم عنهم بأنوار الصمدية
والقائل عنهم غيرهم إذا نطقوا والنائب عنهم سواهم فيما تصرفوا بل صرفوا ولما طال الابتلاء فيها نحن فيه من الزمان بما لوّحت ببعضه من هذه القصة وكنت لا أبسط إلى هذه الغاية لسان الإنكار غيرة على هذه الطريقة أن يذكر أهلها بسوء أو يجد مخالف لثلبهم مساغًا إذ البلوى في هذه الديار بالمخالفين لهذه الطريقة والمنكرين عليها شديدة ولما كنت أؤمل من مادة هذه الفترة أن تنحسم ولعل الله سبحانه يجود بلطفه في التنبيه لمن حاد عن السنة المثلى في تضييع آداب هذه الطريقة ولما أبى الوقت إلا استصعابًا وأبى أكثر أهل العصر بهذه الديار إلا تماديًا فيها اعتادوه واغترارا
بما ارتادوه
أشفقت على القلوب أن تحسب أن هذا الأمر - على هذه الجملة ٥ - بني قواعده وعلى هذا النحو سار سلفه
فعلقت هذه الرسالة إليكم أكرمكم الله وذكرت فيها بعض سير شيوخ هذه الطريقة في آدابهم وأخلاقهم ومعاملاتهم وعقائدهم بقلوبهم وما أشاروا إليه من مواجيدهم وكيفية ترقيهم من بدايتهم إلى نهايتهم لتكون لمريدى هذه الطريقة قوة ومنكم لى بتصحيحها شهادة ولى في نشر هذه الشكوى سلوة ومن الله الكريم فضلا ومثوبة وأستعين بالله سبحانه فيها أذكره وأستكفيه الخطأ من فيه وأستغفره وأستعفيه ٦ وهو بالفضل جدير وعلى ما يشاء قدير اهـ وهذه الرسالة كتاب موفق كل التوفيق قسمه مؤلّفه إلى أربعة أقسام معرفتها ضرورية لكل
وأستعصمه
سالك
القسم الأول قسم العقائد ذكر فيه للمؤلف عقائد الصوفية من أقوالهم وبين بما لا لبس فيه أنها هي نفس عقائد أهل السنة والقسم الثاني ذكر فيه تراجم كبيرة من أعلام التصوّف حتى يكونوا مثلًا يحتذيها السائرون
إلى الله
والقسم الثالث تحدث فيه عن مصطلحات الصوفية وللتصوّف مصطلحاته الخاصة به كما أن لكل فن مصطلحاته والواقع أن عدم فهم بعض الناس لمصطلحات الصوفية هو الذي يوقعهم في
٤ الانتفاع
٦ أطلب العفو ردة عن الخطأ
٥ جملة مزاعمهم وادعاءاتهم
عدم فهم التصوف ولو فهمت هذه المصطلحات من أمثال الزهد والتوكل والفناء والحقيقة والشريعة وعلم اليقين وعين اليقين وحق اليقين إلخ أقول لو فهمت هذه المصطلحات ونحوها على حقيقتها لما كان هناك سوء فهم للتصوف وهذا القسم من أهم الأقسام أما القسم الرابع فإنه في بيان المقامات التي يتدرّج الإنسان فيها من مقام روحي إلى مقام أسمى حتى يصل إلى أسمى المقامات الروحية
ثم يكون الحديث عن الشيخ وسماته وعن المريد وآدابه
كان أبو الحسن يقرأ هذا الكتاب ويدرسه
وهذا الكتاب هو الذى كان يقرؤه مع كبار العلماء في أثناء الليالي التي دارت فيها معركة المنصورة الشهيرة وذلك حينما كانوا يفرغون من أمور الجيش والحرب ويأوون إلى خيمة من خيام الجيش يصلون ويدعون ويبتهلون إلى الله داعين بالنصر ثم يتحدثون في العلم ويقرءون الرسالة
القشيرية
٤ - وكان أبو الحسن رضي الله عنه يقرأ لتلاميذه كتاب الشفاء للقاضي عياض في السيرة النبوية وهو من أحسن ما كتب فيها ه - وكان يدرس المريديه كتاب ختم الأولياء وهو من الكتب التي أثارت ثورة في الفكر الإسلامي وفي الجو الروحى وقد طبع في لبنان للمرة الثانية
٦ - أما فى التفسير فكان الإمام يدرس المريديه كتاب المحرر الوجيز وهو كتاب أقر بفضله القدماء والمتأخرون وقد أُعِدَّ للطبع من عدة جهات ونرجو الله سبحانه أن ييسر طبعه - وكان الشيخ رضى الله عنه يدرس للمتعمقين المتخصصين كتاب المواقف وهو من الكتب التي تحتاج إلى استعداد خاص
وكان يدرس غير ذلك وما أردنا الاستقصاء وإنما أردنا أن نبين أن التصوف الصادق يعنى بالجانب العلمى عناية كريمة ويعنى بصفوة من الكتب التى تسير على النسق السلفى الكريم ولقد سار أبو العباس على نسق أستاذه وكانت هذه الكتب وغيرها مما يدرس المريديه
يقول ابن عطاء الله
وكان كتابه في أصول الدين الإرشاد
وفى الحديث كتاب المصابيح
وفي الفقه كتاب التهذيب و الرسالة
وفي التفسير كتاب ابن عطية
أما فيما يتعلّق بالصلة التي بين أبي الحسن وأبي العباس رضى الله عنهما فتصورها خير تصوير
الرؤيا الآتية
يقول ابن عطاء الله أخبرني بعض أصحابنا قال
١٤
رأى إنسان من أهل العلم والخير كأنه بالقرافة الصغرى والناس مجتمعون يتطلعون إلى السماء وقائل يقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي ينزل من السماء والشيخ أبو العباس مرتقب لنزوله متأهب له فرأيت الشيخ أبا الحسن قد نزل من السماء وعليه ثياب بيض فلما رآه الشيخ أبو العباس ثبت رجليه في الأرض وتهيّاً لنزوله عليه فنزل الشيخ أبو الحسن عليه ودخل من رأسه حتى غاب فيه واستيقظت
في هذه الرؤيا أمور
1 - أبو الحسن ينزل من السماء
عليه ثياب بيض
٣ - أبو العباس يتهيأ لاستقباله ويثبت رجليه في الأرض
٤ - يدخل أبو الحسن من رأسه ويغيب فيه
ومعنى الرؤيا أن أبا الحسن وأبا العباس امتزجا حتى أصبحا كائنا واحدا أى أن أبا العباس استمرار لأبي الحسن
وهذه رؤيا معبرة كل التعبير عن الواقع وكل ما يقال عن أبى الحسن من آراء يمكنك أن تقول في يقين إن أبا العباس لا يخالفه والعكس صادق
ا عن هذين الإمامين كان كتاب لطائف المنن
وعهدى بكتاب لطائف المنن عهد قديم فقد قرأنه قراءة متأنية حينها شرعت في الإعداد للكتابة عن الإمام أبي الحسن الشاذلى رضى الله عنه ثم قرأته مرةً ثانية حينما شرعت في الإعداد للكتابة عن الإمام أبي العباس المرسى رضى الله عنه ورجعت إليه أكثر من مرةً بعد ذلك لظروف ومناسبات عدة منها مثلا حينها كتبت كلمات عن الإمام المؤلّف للكتاب ابن عطاء الله السكندرى رضي الله عنه عند نشر شرح الحكم للإمام ابن عباد وعند نشر شرح الحكم للإمام أحمد زروق وفى كل مرة قرأته أو رجعت إليه كنت أتمنى لو خرج هذا الكتاب إلى الناس في طبعة ميسرة
تحقيقا وتعليقا
والأمور مرهونة بأوقاتها وما تشاءون إلا أن يَشَاءَ الله
وتمضى السنون والكتاب دائما في متناول يدى أقلب صفحاته الفينة بعد الفينة ثم أضعه في مكانه حتى شاء الله سبحانه أن يكون ظهور الكتاب عند افتتاح مسجد ابن عطاء الله السكندرى لقد كان ضريح ابن عطاء الله السكندرى على صورة لا تتناسب مع مكانته وكان الزائر له لا يكاد يهتدى إلى مكانه واستمر ذلك قرونا إلى أن وجه الله سبحانه الرجل الصالح عبد الحليم مجاهد - الذي يحيط به الخير أينما سار ويفيض عنه سهلا ميسرًا - إلى بناء مسجد يتناسب ومكانة ابن عطاء الله السكندرى وبنى المسجد مباركًا مشرقا وأثلج ذلك صدور الصالحين عموما والشاذلية
خصوصًا فجزى الله الأخ عبد الحليم مجاهد خير الجزاء وأثابه على ما قدم أجزل الثواب ووفقه الله دائما لصالح الأعمال
تتسم
وإننا حين نقدم هذا الكتاب فإنما نقدم كتاباً من النوع النفيس الذي يقرؤه القارىء فينعم بأسلوب جميل ويستفي علماً نافعا وهكذا كتب ابن عطاء الله السكندري إنها في أساليبها بالفصاحة وفى معانيها تتسم بالنفاسة وهى بأسلوبها ومعانيها تنبثق عنها روحانية هي سمة مؤلفات أولياء الله وإذا كان أولياء الله هم الذين إذا رُؤُوا ذكر الله فإن مؤلفاتهم حينما تقرأ فإنها تهدى إلى الله وتقود إليه سبحانه ولقد قال أبو الحسن الشاذلى رضوان الله عليه كتاب الإحياء يفيد العلم وكتاب قوت القلوب يفيد النور وكلاهما يفيدان العلم والنور وكذلك الأمر في كتب ابن عطاء الله إنها تفيد العلم والنور وتفيد لذة تذوق الأسلوب الجميل وإذا كان أسلوب ابن عطاء الله قد بلغ القمة فى كتابه الحكم حتى ليقول الشيخ محمد عبده
کاد کتاب الحكم يكون قرآنا
فإن أسلوبه في بقية كتبه هو من الأساليب الممتازة فى البلاغة كلامه جواهر وجواهره لآلى ولآلئه ماس وماسه من النوع النادر
ولقد بلغ ابن عطاء الله القمة أسلوبًا ومعنى فى مناجاته التي يقرؤها الصالحون قبيل الفجر فيجدون ثمرتها إشراقا في صدورهم ونورا في قلوبهم
ولا يفوتنا ونحن بصدد الكتابة عن ابن عطاء الله أن نتوج كلمتنا عنه بهذه المناجاة الممتعة
الرائعة
مناجاة
إلهى أنا الفقير فى غناى فكيف لا أكون فقيرا في فقرى إلهى أنا الجهول فى علمى فكيف لا أكون جهولاً في جهلى إلهى إن اختلاف تدبيرك وسرعة حلول مقاديرك منعا عبادك العارفين بك عن السكون إلى عطاء واليأس منك في بلاء
إلهى منى ما يليق بلؤمى ومنك ما يليق بكرمك
إلهى وصفت نفسك اللطف والرأفة بى قبل وجود ضعفى أفتمنعني منها بعد وجود ضعفى إلى إن ظهرت المحاسن منى فبفضلك ولك المنّة على وإن ظهرت المساوئ منى فبعدلك ولك
الحجة على
إلهى كيف تكلني إلى نفسى وقد توكلت بي وكيف أضام وأنت النصير لى أم كيف أخيب وأنتَ الحفي بي ها أنا أتوسل إليك بفقرى إليك وكيف أتوسل إليك بما هو محال أن يصل إليك أم كيف أشكو إليك حالى وهي لا تخفى عليك أم كيف أترجم لك بمقالي وهو منك برز إليك أم كيف تخيب آمالى وهى قد وفدت إليك أم كيف لا تحسن أحوالي وبك قامت وإليك إلهى ما ألطفك بي مع عظيم جهلى وما أرحمك بي مع قبيح فعلى
إلهى ما أقربك منى وما أبعدني عنك
إلهى ما أرأفك بي فما الذي يحجبني عنك
إلهى قد علمت باختلاف الآثار وتنقلات الأطوار أن مرادك منى أن تتعرف إلى في كل شيء حتى لا أجهلك في شيء إلهى كلما أخرسنى لؤمى أنطقنى كرمك وكلما أيأستنى أوصافى أطمعتنى مننك إلهى من كانت محاسنه مساوى فكيف لا تكون مساوئه مساوئ ومن كانت حقائقه دعاوى فكيف لا تكون دعاويه دعاوى
إلهى حكمك النافذ ومشيئتك القاهرة لم يتركا لذى مقال مقالاً ولا لذى حال حالاً إلهى كم من طاعة بنيتها وحالة شيّدتها هدم اعتمادى عليها عدلك بل أقالنى منها فضلك إلهى إنك تعلم وإن لم تدم الطاعة منى فعلا جزمًا فقد دامت محبةً وعزمًا إلهى كيف أعزم وأنت القاهر وكيف لا أعزم وأنت الأمر
إلى تردّدي إليك فى الآثار يوجب بعد المزار فاجمعني عليك بخدمة توصلني إليك إلهى كيف يُسْتَدَلَّ عليك بما هو فى وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك
حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك
إلى عميت عين لا تراك عليها قريباً رقيباً وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا إلهى أمرت بالرجوع إلى الآثار فارجعنى إليها بكسوة الأنوار وهداية الاستبصار حتى أرجع إليك منها كما دخلت إليك منها مصون السر عن النظر إليها ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها إنك على كل شيء قدير
إلهى هذا ذلّى ظاهر بين يديك وهذا حالى لا يخفى عليك منك أطلب الوصول إليك وبك استدل عليك فاهدني بنورك إليك وأقمنى بصدق العبودية بين يديك
إلى علمني من علمك المخزون وصنى بسر اسمك المصون
إلهى حققنى بحقائق أهل القرب واسلك بي مسالك أهل الجذب
إلهى اغنني بتدبيرك عن تدبيرى وباختيارك لى عن اختيارى وأوقفنى على مراكز اضطراري إلهى أخرجني من ذل نفسي وطهرني من شکی وشركي قبل حلول رمسي بك أستنصر فانصرني وعليك أتوكل فلا تكلنى ولجنابك أنتسب فلا تبعدني وببابك أقف فلا تطردنى وإياك أسأل فلا تخيبنى وفى فضلك أرغب فلا تحرمني إلهى تقدس رضاك أن تكون له علة منك فكيف تكون له علة منى أنت الغني بذاتك عن أن يصل إليك النفع منك فكيف لا تكون غنيا عنى إلهى إن القضاء والقدر غلبنى وإن الهوى بوثاق الشهوة أسرنى فكن أنت النصير لى حتى تنصر في في نفسى وتنصر بي وأغننى بجودك حتى أستغنى بك عن طلبي أنت الذي أزلت الأغيار من قلوب أحبابك حتى لم يحبوا سواك ولم يلجئوا إلى غيرك أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم وأنت الذي هديتهم حتى استبانت لهم المعالم ماذا وجد من فقدك وما الذي فقد من وجدك لقد خاب من رضى دونك بدلاً ولقد خسر من بغى عنك حولاً
إلهى كيف يُرْجَى سواك وأنت الذى ما قطعت الإحسان وكيف يُطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة الامتنان يا من أذاق أحبابه حلاوة مؤانسته فقاموا بين يديه متملقين ويامن ألبس أولياء ملابس هيبته فقاموا بعزته مستعزّين أنت الذاكر من قبل ذكر الذاكرين وأنت البادئ بالإحسان من قبل توجه العابدين وأنت الجواد بالعطايا من قبل طلب الطالبين وأنت الوهاب ثم أنت لما وهبتنا من المستقرضين
إلهى اطلبني برحمتك حتى أصل إليك واجذبنى بمنتك حتى أقبل عليك إلهى إن رجائى لا ينقطع عنك وإن عصيتك كما أن خوفي لا يزايلنى وإن أطعتك إلهى قد دفعتنى العوالم إليك وقد أوقفنى علمى بكرمك عليك إلهى كيف أخيب وأنت أملى أم كيف أهان وعليك متكلى
إلهى كيف أستعزّ وفى الذلّة أركزتني أم كيف لا أستعز وإليك نسبتى إلهى كيف لا أفتقر وأنت الذى فى الفقر أقمتنى أم كيف أفتقر وأنت الذي بجودك أغنيتني أنت الذي لا إله غيرك تعرفت لكل شيء فما جهلك شيء وتعرفت إلى في كل شيء فرأيتك ظاهرا في كل شيء فأنت الظاهر لكل شيء يامن استوى برحمانيته على عرشه فصار العرش غيبا في رحمانيته كما صارت العوالم غيبا في عرشه محقت الآثار بالآثار ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك الأنوار يامن احتجب فى سرادقات عزّه عن أن تدركه الأبصار يامن تجلى بكمال بهائه فتحققت عظمته الأسرار كيف تخفى وأنت الظاهر أم كيف تغيب وأنت الرقيب المحاضر اهـ وبعد فلقد لازم ابن عطاء الله أستاذه أبا العباس رضى الله عنها ثم كان من بعده شيخ الطريقة الشاذلية إلى أن توفى فى جمادى الآخرة سنة ٧٠٩ وأما بعد فالله أرجو أن يهدى لهذا الكتاب وأن يهدى به إنه سميع قريب مجيب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم
الدين
كتاب لطائف المنن
في مناقب علم المهتدين وقدوة السالكين سيدى أبى
أحمد
العباس بن عمر الأنصارى المرسى وشيخه قطب الأقطاب ودستور عوارف المعارف بلا ارتياب سيدى أبى
الحسن الشاذلي
تأليف
شيخ الحقيقة وإمام الطريقة الشيخ الإمام تاج الدين أبي الفضل أحمد ابن الشيخ الهمام فخر الدين أبي بكر محمد ابن الشيخ الإمام العلامة رشيد الدين أبي محمد عبد الكريم بن عطاء الله رضى الله عنهم أجمعين ونفعنا آمين بهم
عن
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الحمد لله الذي فتح لأوليائه ۱ باب محبته وأنشط نفوسهم من عقال القطيعة" فقاموا ۱ إن من الأهمية بمكان - في ابتداء هذا الكتاب المبارك - أن تتحدث عن الولاية وذلك أن المؤلف رضى الله عنه يتحدث الولاية نظريا بكلام غاية فى النفاسة ويذكر كرامات وقعت بالفعل لكثير من الأولياء وليس لأحد أن يبتدع تعريفا للولاية بعد تحديد الله سبحانه وتعالى لها إنه سبحانه وتعالى يقول عن الأولياء إنهم الذين آمنوا وكانوا يتقون
ولقد أبان الله سبحانه وتعالى رعايته لهم وعنايته بهم فقال سبحانه
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
وزاد سبحانه وتعالى تفضلا بالنسبة لهم فقال ولهم البشرى فى الحياة الدنيا وفي الآخر
ثم أكد سبحانه ذلك بقوله تعالى ولا تبديل لكلمات الله !
ثم بين نفاسة النمار التي تجتنى من الولاية فقال وذلك هو الفوز العظيم يونس الآيات ٦٢-٦٤ وإن كل حديث عن الولاية إنما هو تفسير لهذه الآيات الكريمة ومن ذلك الحديث القدسي الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله إن الله تعالى قال من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه ومعني آذنته بالحرب أعلمته بأنى محارب له ومن ذلك ما يقوله صاحب كتاب تنقله هنا لأنه يعبر تعبيراً كاملاً عن وجهة نظرنا في هذا الموضوع - يقول فأما صفة الولى فقد دل -
بالنوافل حتى
أنس الفقير
رسول الله صلى الله عليه وسلم - على صفة الأولياء فقال الذين إذا رؤوا ذكر الله عز وجل سنن ابن ماجه والحلية ٦,١
وعلا
وفي هذا الحديث الشريف من الدلالة عليهم كفاية تامة فأولياء الله تعالى الذين إذا رأهم المؤمن عظم ربه وذكر ذنبه
ويقول
واعلم أن من امتثل أوامر الله تعالى واجتنب نواهيه ورزق الخوف من الله تعالى لا من خلقه واجتهد في طاعته - جل وبحث عن أمر كسبه ووقف عندما حد له ورجع عن كلّ مالا يعلم حكمه فهو الصالح وأعلى درجة من هذا حصول الورع التام وترك الطمع وبغض الدنيا ومن تمسك بها والقرار من دواعبها ومن أهلها والقناعة باليسير منها ودرجات الصالحين تختلف بالترقى في ذلك على حسب العناية من الله تعالى واعلم أن الكرامة ليست من شرط حصول الولاية فقد تحصل الكرامة لكن إن وقعت لولى فهي دالة على صدق عبادته وعلو مكانته بشرط أتباعه الحقيقة ما أمر به النبي عليه السلام وإلا فهى خذلان من الشيطان ومن الصالحين من يعلم بولايته ويعلم غيره بها ومنهم من لا يعلم بنفسه ولا يعلم به ومنهم من يعلم به ولا يعلم هو بنفسه والعالمون بها منهم من يكتمها جهد استطاعته ومنهم من يظهرها ويصرح بهاء اهـ ولا يستدل على الولى بالكرامة لاحتمال أن تكون من الشيطان وإنما يستدل على صدق الكرامة بصحة الولاية وكرامات الصحابة والتابعين لا تكاد تحصى ففى البخاري أن رجلين خرجا من عند رسول الله في ليلة مظلمة فإذا النور بين أيديها حتى تفرقا فتفرق النور معها ! وفى البخاري - أيضًا - أن عمران بن حصين كانت تكلمه الملائكة
ونادى عمر بن الخطاب ياسارية الجبل! يحضه على الرجوع إلى الجبل حذرا من العدو وبينها مسيرة أيام قرآء وسمعه سارية فرجع إلى الجبل وسلم من العدوه أي حل نفوسهم وفكها من أسر المعاصى التي تقطع الصلة بينهم وبينه
بوجوب خدمته وأمد عقولهم بنوره فعاينت عجائب قدرته وحرس قلوبهم من الأغيار ۳ ومحا منها صور الآثار حتى ظفرت بمعرفته !
كشف لأرواحهم عن قدس كماله ونعوت جلاله فهم سبايا حضرته ٤
متع أسرارهم بقربه بخطفات جذبه فتحققوا بشهود أحديثه
أخذهم منهم وأفناهم عنهم فغرقوافى بحر هويته
فرق جيوش التفرقة بكتائب الجمع ٥ لأهل خصوصيته وحمى حمى الأسرار بعدد الأنوار أن يكون مظهراً لغير فرديته !
أطلع كواكب العلوم فى سماء الفهوم تهدى السائرين لحضرة ربوبيته وأضاء قمر التوحيد في بيداء التفريد فانطوت الكائنات فى وجود أزليته وما كانت معه في أزله ٦ حتى تكون معه في أبديته بل هو الأول والآخر لا بالإضافة لبريته والظاهر والباطن كذلك وما الكون حتى يقاس
بقدوسيته !
أحمده والحمد واجب لصفات جلاله وعظمته وأشكره والشكر مستحق له بإسباغ نعمته
وأرجوه وكيف لا أرجوه وهو الذى وسع كل شيء برحمته ۷ وغمر العباد في الغيب والشهادة بطوائل منته وأعترف له بالتقصير عن القيام بحقوق أحديته
واعلم أنه لا يحاط بذاته وصفته
ليس للعبد منه إلا ما من به عليه ولا يضاف له من المحاسن إلا ما أضافه إليه ۸ ولا ينتصر ه ۳ الأغيار - أو ما يعبر عنه - بـ السوى هو كل ما سوى الله سبحانه وتعالى
وأولياء الله سبحانه وتعالى لا يستعيد قلوبهم صنم من الأصنام الكثيرة التي تتمثل في شهوة أو جاء أو ثراء وقلوبهم ملأى بالله
سبحانه
٤ سبايا أسرى
0 مما يجرى فى كلام الصوفية كثيرًا الجمع والتفرقة قال الأستاذ أبو على الدقاق الفرق ما نسب إليك والجمع ما سلب عنك ومعناه أن ما يكون كسبا للعبد من إقامة العبودية وما يليق بأحوال البشرية فهو الفرق وما يكون من قبل الحق من إبداء معان وإسداء لطف وإحسان فهو جمع هذا أدنى أحوالهم في الجمع والفرق لأنه من شهود الأحوال فمن أشهده الحق سبحانه أفعاله عن طاعاته ومخالفاته فهو عبد بوصف التفرقة ومن أشهده الحق - سبحانه - ما يوليه من أفعال نفسه سبحانه فهو عبد بشاهد الجمع
1 وقد روى البخارى مقدم أهل اليمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قبولهم الإسلام وقولهم له جئنا نسألك عن - أول - هذا الأمر ما كان فقال كان الله ولم يكن شيء غيره - وفى رواية ولم يكن شيء قبله - وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض - وذكر فى فتح البارى أن بعض الروايات فيها كان الله ولا شيء معه ويستفاد من هذه الروايات وغيرها أن الله سبحانه كان ولا عرش ولا كرسى ولا ماء ولا كون - وكل ما يقال عن قدم العرش أو الكرسي فهو من الأباطيل
۷ قال تعالى وور حق وسعت كل شيء
۸ إن الإنسان في كل ما يتعلق بالله سبحانه ذاتا وصفات - يجب عليه أن يلتزم التزاماً كاملاً بما ورد في الآثار الصحيحة =
في المصادر والموارد إلا بالتوكل عليه العزيز القادر الحكيم القاهر الرقيب على فعل كل فاعل ونظر كل ناظر لا يخفى عليه ما في الضمائر ولا يعزب عن علمه مستكنات السرائر أظهر في ملكه حكمته وفى مكوته قدرته وتعرف لكل شيء فلا شيء يجحد ربوبيته ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين1 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وكل شيء يشهد بأحديته في ألوهيته وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى من خليقته المشهود له في الغيب والشهادة بكمال خصوصيته القائم لمولاه بكمال الوفاء فى عبوديته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تدوم بدوام أبديته وسلم تسليما كثيرا
أما بعد
فإني قصدت في هذا الكتاب أن أذكر جملاً من فضائل سيدنا ومولانا الإمام قطب العارفين علم المهتدين حجة الصوفية مرشد السالكين منقذ الهالكين الجامع بين علم الأسماء والحروف والدوائر المتكلم بنور بصيرته الكاملة على السرائر كهف الموقنين ونخبة الواصلين مظهر شموس المعارف بعد غروبها ومبدى أسرار اللطائف بعد عزوبيها ۱۰ الواصل إلى الله والموصل إليه شهاب الدين أبي العباس بن عمر الأنصارى المرسى
أسكنه الله حظيرة قدسه ومتعه - على ممر الساعات - بموارد انسه وأذكر شيخه الذي أخذ عنه ومنازلاته ۱۱ التي نقلت عنه أو سمعها منه وكراماته وعلومه وأسراره ومعاملاته مع الله سبحاه وتعالى وما قاله من تفسير آية من كتاب الله عز وجل أو إظهار لمعنى خبر نقل عن رسول الله أو كلام على حقيقة - نقلت عن أحد من أهل الطريق - أشكل معناها ولم يفهم مغزاها وما نقله عن شيخه الشيخ أبي الحسن الشاذلى رضى الله عنه وما قاله هو من الشعر أو قيل بحضرته أو قيل فيه مما يتضمن ذكر الطريق وأهلها وأنقل ما يمكن إثباته من أخباره كثيرها
وقليلها را
وكان أصحاب الشيخ الإمام القطب أبي الحسن - قدس الله روحه - قد أثبتوا جملاً من كلامه وإن كان هو – رضي الله عنه - لم يضع كتابا وقد بلغنى عنه أنه قيل له يا سيدى لم لا تضع الكتب فى الدلالة على الله تعالى وعلوم القوم
فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما يحتاج الإنسان إليه في أمر العقيدة ولم يختلف المسلمون إلا عندما تعدوا النصوص وأخذوا يقولون بآرائهم أو أخذوا يضيفون إلى النصوص من عند أنفسهم وكل ما يتصل بالذات أو الصفات يجب الإيمان به على مراد
الله فيه فمثلا حينها يقول الله سبحانه هويد الله فوق أيديهم
تقول فيها إننا نؤمن بها على مراد الله سبحانه - وقوله تعالى الرحمن على العرش استوى
نقول فيها إننا نؤمن بها على مراد الله فيها وكل ما يتأتى من تأويل أو خروج عن هذا الموقف فإنه ليس سبيل أسلافنا - رضوان الله عليهم - وكلام المؤلف في ذلك من أحكم ما قيل
1 الأعراف ٥٤
20
۱۰ ذهابها
۱۱ جهاده في العبادة
فقال رضي الله عنه كتبي أصحابي
كذلك شيخنا أبو العباس - رضى الله عنه - لم يضع فى هذا الشأن كتابا والسبب في ذلك أن
علوم هذه الطائفة علوم التحقيق وهي لا تتحملها عقول الخلق
ولقد سمعت شيخنا أبا العباس - رضي الله عنه -
يقول
جميع ما في كتب القوم عيرات دموع من سواحل من بحر التحقيق ولا أعلم أن أحدا من أصحاب شيخنا أبي العباس رضى الله عنه تصدى إلى جمع كلامه وذكر مناقبه وأسرار علومه وغرائبه فحدانى ذلك إلى وضع هذا الكتاب بعد أن استخرت الله تعالى وطلبت منه المعونة وهو خير معين وسألته أن يهديني إلى الصراط المستبين وقسمته إلى مقدمة وعشرة أبواب وخاتمة
أما المقدمة فتشتمل على إقامة الدليل على أن نبينا محمدا لله أفضل بني آدم بل أفضل البشر بل أفضل الخلق كافة ١٢
وأفردت كل مقام بإقامة الدليل عليه من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه وبينت أن مدد الأولياء من الحقيقة المحمدية ۱۳ وأن الأولياء إنما هم مظاهر أنوار النبوة ١٤ ومطالع شوارقها ۱ يقول الله تعالى ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم
والتقوى درجات وأساسها انقاء الشرك ثم انقاء المعاصى ثم انقاء الغفلان ثم اتقاء الخطرات والدرجة العليا هي أن يسلم الله قلبك وأن يسلم الله قلبك في كمالها وتمامها لم تكن إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصورتها الصافية الصادقة هى ما عبر الله سبحانه وتعالى عنها بقوله لرسوله
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين وهذه الدرجة لم يبلغها نبي مرسل فضلا عن عامة البشر إنها خاصة برسول الله ومن هنا كان أفضل الخلق على
الإطلاق وكان العالم ناقصا قبل وجوده فلما وجد كمل العالم إنه اللبنة التي كان قبلى الملك في حاجة إليها ليكمل قال في الحديث الصحيح
مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بني بنيانا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون
به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين أخرجه البخاري ومسلم والإمام أحمد والترمذى - مع اختلاف بسير في الألفاظ ۱۳ يتحدث كثير من الناس عن الحقيقة المحمدية ويتساءل كثير من الناس عن هذه الحقيقة ماهي وينكر بعض الناس هذه الكلمة أو على الأقل يجادل فيها ويمارى
والواقع أن الأمر أيسر من أن يثير نقاشا وأوضح من أن يكون مصدر مماراة أو إنكار فالحقيقة المحمدية هي النبوة ومحمد صلى الله عليه وسلم حقيقته نيوته وهذه النبوة في علم الله منذ الأزل قدرها الله سبحانه وتعالى
بحكمته قبل خلق الكون وقبل وجود العالم وعلى هذا الأساس يمكنك أن تقول
إن الحقيقة المحمدية أزلية أو قديمة وتقصد أنها كذلك في علم الله ويمكنك أن تقول إن الحقيقة المحمدية حادثة وذلك يوم بعثته أي سنة ثلاث عشرة قبل الهجرة عندما أشرق فجر الهداية الخاتمة وبدأ النور يشرق مستفتحًا بـ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم والأمر على هذ الوضع لا يثير مماراة ولا إنكاراً والله أعلم
2
١٤ إن تفسيرنا السابق للحقيقة المحمدية يتناسق كما يرى القارئ مع كلام المؤلف عن الأولياء
وأعلمت أن أنوار الولاية دائمة الثبوت للزوم دوام أنوار النبوة وذكرت الفرق بين الرسالة والنبوة
والولاية ١٥
وبينت من هو الأولى بالميراث في قوله صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء وبينت ماهو العلم الذى أثنى الله عليه ومن هم العلماء الذين هم أولى بالزلفي لديه وبينت أن الأولياء الظاهرين في أوقات الظلمة أولى بأن يكثر الله أنوارهم ويجزل لهم من وجود اليقين ما يوجب انتصارهم ليدافعوا ظلمة الأوقات وليهزموا بعساكر أنوارهم جيوش الغفلات وذكرت أقسام الولاية غزارة قدر الولى وفخامة رتبته وشفوف ١٦ منزلته مما تضمنه الكتاب العزيز والأحاديث النبوية ليكون ذلك توطئة لك بتصديق ما يرد عليه من أخبار أوليائه وكرامات
أصفيائه
وأما الأبواب
فالباب الأول فى التعريف بشيخه الذى أخذ عنه هذا الشأن وشهادة من عاصره من العلماء الأعيان أنه قطب الزمان والحامل فى وقته لواء أهل العيان الباب الثانى فى شهادة الشيخ له أنه الوارث المقام والحائز قصب السبق بالتمام وإخباره هو
١٥ حينما يقطع الإنسان الطريق يصل إلى الولاية
والولى إما أن يمكث وليا فقط فتكون معرفته خاصة به أو يختاره الله لتأدية رسالة إلى الآخرين فيكون نبيا أو يكون
رسولاً
والرسول نبي ولكن رسالته تأخذ صبغة عالمية أما رسالة النبي فإنها محددة الأهداف محدودة المكان إن الرسول مظهر الصفة الإلهية الرحمن في جميع أنحاء العالمين إنه رحمة للعالمين فلا تقتصر رسالته على دائرة خاصة ولاشك أن النبوة أسمى من الولاية ومع ذلك فقد رأى بعضهم أن مقام الولى القرب من الله في حين أن النبي متجه بطبيعة رسالته إلى الخلق ولكن ذلك خطأ محض فإن النبوة تتضمن الولاية فهى متضمنة لمقام القرب ثم إنها أكثر من الولاية وعلى ذلك فإن حالة الولى ناقصة بالنسبة لحالة النبي إنها ليست قاصرة بالنسبة لطبيعتها الخاصة ولكنها قاصرة بالنسبة لدرجتها في العموم وهذا العموم يصل إلى أعلى درجات ازدهاره في الرسالة إذ هي عالمية والرسول - لاغيره - هو حقيقة الإنسان
العالمي
وللرسول - كما للنبي - اتجاهان 1- اتجاه داخلي إنه الاتجاه نحو الحق
- اتجاه خارجي إنه الاتجاه نحو الخلق
ودرجة الرسول العالمية أسمى من درجة النبي المحدودة ودرجة النبي المحدودة أسمى من درجة الولى الخاصة ومقام الجميع
القرب
١٦ نعود فنقول إن الأولياء هم
الذين آمنوا وكانوا يتقون
والذي يعاديهم إنما يعادى الإيمان والتقوى ولا يكون هذا إلا فيمن تمحض للشر والعياذ بالله وعلى هذا الأساس يفهم كلام
المؤلف رضى الله عنه سواء في ذلك الكلام فى هذا الموضع أو الكلام المشابه فيها يأتي في الكتاب
٢٦
عن نفسه بما من عليه من النعم الجسام وشهادة الأولياء له بأنه بلغ من الوصول إلى الله لأفضل
مرام
الباب الثالث فى مجرباته ومنازلاته وما اتفق لأصحابه
dro
ومكاشفاته
الباب الرابع في علمه وزهده وورعه ورفع همته حلمه وصبره وسداد طريقته الباب الخامس في آيات من كتاب الله تعالى تكلم على تبيين معناها وإظهار فحواها الباب السادس فيها فسره من الأحاديث النبوية وإبداء أسرار فيها على مذهب أهل
الخصوصية
من
الباب السابع في تفسيره لما أشكل كلام أهل الحقائق وحمله لذلك على أجمل الطرائق الباب الثامن فى كلامه فى الحقائق والمقامات وكشفه فيها عن الأمور المعضلات الباب التاسع فيما قاله من الشعر أو قيل بحضرته أو قيل فيه مما يتضمن ذكر خصوصيته الباب العاشر فى ذكره ودعائه عقب كلامه وحزبه الذى رتبه للآخذين في علومه وأفهامه ولوازم ذلك من ذكر شيخه أبي الحسن وحزبه ليتم العقد بنظامه وأما الخاتمة ففى اتصال نسبتنا إليه ووصاياه نثرا ونظما تنهض إلى الله وتجمع عليه وهي آخر
الكتاب
وليس كل شيء سمعته من الشيخ رضى الله عنه استحضرته وقت وضعى لهذا الكتاب ولا كل شيء استحضرته يمكن إثباته وقصدت بذلك أن تنتفع به هذه الطائفة ۱۷ خصوصا وغيرهم عموما ليؤمن بأحوال هذه الطائفة من قسم الله له نصيباً من المنة وجعل في قلبه نورا من الهداية وليرجع المكذب إلى الاعتراف والمكابر إلى وجود الإنصاف ولتستبين لمن أراد الله به الهدى المحجة وتقوم على من لم تنصره عناية الله الحجة فيكون للمصدق بتصديقه لهذه الطائفة نصيب من الولاية ودنو
من العناية
وقد قال الجنيد ۱۸ رضى الله عنه التصديق بعلمنا هذا ولاية وإذا فاتتك المنة في نفسك فلا
۱۷ الصوفية على وجه العموم وليس مقصوده الشاذلية فحسب ۱۸ سيد هذه الطائفة وإمامهم أصله من نهاوند ومنشؤه ومولده بالعراق وأبوه كان يبيع الزجاج فلذلك يقال له القواريرى وكان فقيها على مذهب أبي ثور وكان يفتى فى حلقته بحضرته وهو ابن عشرين سنة مات سنة سبع وتسعين
ومائتين ۹۷ هـ ببغداد
قال الروذباری سمعت الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة وقال أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله عز وجل فقال الجنيد إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال وهو عندى عظيمة والذي يسرق ويزنى أحسن حالاً من الذى يقول هذا فإن العارفين بالله تعالى أخذوا الأعمال عن الله تعالى وإليه رجعوا فيها ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة إلا أن يحال بي دونها
وقال الجنيد الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم
تفتك أن تصدق بها في غيرك فإن لم يصبها وابل فطل ۱۹ وقد قال بعض العارفين
التصديق بالفتح لا يكون إلا بفتح
مصداق ما قال هذا العارف قول الله تعالى
وومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ۰
وقال سبحانه وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ۱
وقال سبحانه إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقَى السمع وهو شهيد وقال إنما يتذكر أولو الألباب ۳
وإذا أراد الله خيرًا جعله من المصدقين لأوليائه فيما جاءوا به وإن قصر عقله عن إدراك ذلك فمن أين يجب أن لا يهب الله لأوليائه إلا ما تسعه عقول العباد وقد قالوا يخشى على المكذب لهم
سوء الخاتمة ٢٤
وقد قال أبو تراب النخشبي ۵ من لم يصدّق بهذه الكرامات فقد كفر ٢٦ أي قد غطى عليه الأمر وستر عنه شهود قدرة الله تعالى جعلنا الله وإياكم من المعترفين بفضله في عباده ومن المصدقين بآثار عنايته فى أهل وداده إنه ولي ذلك والقادر علية ولم أخل الكتاب من الكلام على الشيء المشكل وحل الأمر المعضل والتنبيه على أمور جليلة وإظهار أسرار أبصار من لم يؤمن بهذه الطائفة عنها كليلة
وقال من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به فى هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة وقال مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة وعلمنا هذا مشيد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ من تقديره أن كان الكتبة
الأدباء يحضرون مجلسه لألفاظه
والفقهاء لتقريره
والفلاسفة لدقة نظره ومعانيه
والمتكلمون لتحقيقه
والصوفية لإشارته وحقائقه
۱۹ البقرة ٢٦٥
٢٠ النور ٤٠
۱ الذاريات ٥٥
ق ۳۷ ۳ الزمر ۹
٢٤ إن المكذب للأولياء مكذَّبُ للإيمان والتقوى اللذين هما ماهية الولى وليرجع القارىء إلى ما كتبناه في مقدمة الكتاب ٢٥ هو أبو تراب عسكر بن حصين النخشبي من أجل مشايخ خراسان يتحدث عنه ابن الجلاء عن خبرة ومشاهدة ومعرفة فيقول لقيت ستمائة شيخ ما لقيت فيهم مثل أربعة أولهم أبو تراب النخشبي ويقول صاحب الكواكب الدرية كان شيخ عصره بالاتفاق جامعا بين العلم والدين والزهد والتصوّف بلا شقاق منقشفًا متوكلا منخشما متبتلا قد أضاء في سماء المعانى بدره واشتهر في سماء المعانى حسنه وذكره
٢٦ من معانى الكفر الستر والتغطية وكل شيء غطى شيئًا فقد كفره ويسمى الزارع كافرا لأنه يغطى البذر بالتراب ويسمى الزراع كفارا لذاك - وهذا هو المعنى الذى أراده أبو تراب ومن معانى الكفر بطبيعة الحال أنه ضد الإيمان وليس هذا هو المعنى المراد في هذه الكلمة
YA
فالله سبحانه وتعالى يجعل ذلك لوجهه خالصا ومن أوحال القطيعة مخلصا وأن يمن علينا بالصدق في الأقوال والأفعال والأحوال وأن يجعلنا من العارفين به في الحال والمآل وأن يتفضل
علينا بالفهم عنه وحسن الاستماع منه إنه الإله القدير وبالإجابة جدير
وسميته لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن وهذا أوان ابتدائى بما قصدت وإظهار ما أردت وبالله تعالى أستعين وعليه أتوكل وإليه بجاه محمد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم أتوسل وهو حسبنا ونعم الوكيل
أما المقدمة
فاعلم أن الله سبحانه وتعالى لما أراد إتمام نعمته وإفاضة فيض رحمته واقتضى فضله العظيم أن يمن على العباد بوجود معرفته وعلم سبحانه عجز عقول عموم العباد عن التلقي من ربوبيته جعل الأنبياء والرسل لهم الاستعداد التام لقبول ما يرد من ألوهيته يتلقون منه بما أودع فيهم من سرّ خصوصيته ويلقون عنه جمعا للعباد على أحديته فهم برازخ الأنوار ومعادن الأسرار رحمة مهداة ومنة مصفاة حرس أسرارهم في أزله من رق الأغيار ۷ وصانهم بوجود عنايته من الركون إلى الآثار لا يحبون إلا إياه ولا يعبدون سواه يلقي الروح من أمره عليهم ويواصل الإمداد بالتأييد إليهم ومازال فلك النبوة والرسالة دائرًا إلى أن عاد الأمر من حيث ابتدى وختم بمن له كمال الاصطفاء وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم السيد الكامل الفاتح الخاتم نور الانوار وسر الأسرار والمبجل في هذه الدار وفى تلك الدار أعلى المخلوقات مناراً وأتمهم فخارا دل على ذلك الكتاب المبين قال الله تعالى
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ۸
ومن رحم به غيره فهو أفضل من غيره والعالم كل موجود سوى الله تعالى وأما تفضیله علی بنی آدم خصوصا فمن قوله أنا سيد ولد آدم ولا فخر ۹ وأما تفضيله على آدم فمن قوله
كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ۳۰
ومن قوله
آدم فمن دونه من الأنبياء يوم القيامة تحت لوائى وأنا أول شافع وأنا أول مشفّع وأنا أول
تنشق عنه الأرض ۳۱
۷ أي ما سوى الله
۸ الأنبياء ۱۰۷
۹ رواه أحمد والترمذي وابن ماجه ورواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة من حديث بغير زيادة ولا فخره ۳۰ قال العلمى فى شرح الجامع الصغير حديث صحيح وأخرج أحمد والبخارى فى تاريخه والبغوي وابن السكن وأبو نعيم في الحلية وصححه الحاكم بلفظ كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد وفي الترمذي وغيره عن أبي هريرة أنه قال للنبي متى كنت أو كتبت نبيا قال كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد قال الترمذى حسن صحيح وصححه الحاكم أيضًا ۳۱ رواه أحمد والترمذي وابن ماجه ولفظه أنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ولواء الحمد بيدى يوم القيامة ولا فخر
وحديث الشفاعة المشهور الذى أخبرنا به الشيخ الإمام الحافظ بقية المحدثين شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن الدمياطي بقراءتى عليه أو قراءة عليه وأنا أسمع قال أخبرنا الشيخان الإمام فخر القضاة أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحباب التميمي وأبو التقى صالح بن شجاع بن سيدهم المدلجي الكناني قالا أخبرنا الشريف أبو المفاخر سعيد بن الحسين بن محمد بن سعيد العباسي المأمونى قال أخبرنا أبو عبد الله الفزاري قال أخبرنا عبد الغافر الفارسي قال أخبرنا أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي قال أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه قال حدثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى النيسابوري قال حدثنا الربيع العنكى قال حدثنا
حماد بن زيد قال حدثنا معبد بن هلال العنزي
قال
وحدثنا سعيد بن منصور واللفظ له قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا معبد بن طلال العنزي
انطلقنا إلى أنس بن مالك وتشفعنا بثابت فانتهينا إليه وهو يصلى الضحي فاستأذن لنا ثابت فدخلنا عليه وأجلس ثابتاً معه على سريره فقال له يا أبا حمزة إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك أن تحدثهم حديث الشفاعة قال حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له اشفع
لذريتك فيقول
لست لها ولكن عليكم بإبراهيم عليه السلام فإنه خليل الله
فيأتون إبراهيم عليه السلام فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى عليه السلام فإنه كليم الله فيأتون موسى عليه السلام فيقول
لست لها ولكن عليكم بعيسى عليه السلام فإنه روح الله وكلمته
فيأتون عيسى عليه السلام فيقول
لست لها ولكن عليكم بمحمد
فاوتى فأقول أنا لها فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لى فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليها إلا أن يلهمنيه الله عز وجل ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ا ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفّع فأقول رب أمتى أمتي فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أرجع إلى ربى فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لى يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع فأقول يارب أمتي أمتي فيقال لى انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أعود إلى ربى فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لى يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يارب أمتي أمتي فيقال لى انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل أعود إلى
تشفع
ثم
ان
ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أ له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع ! لك وسل تعط واشفع تشفع فأقوم يارب أمتى أمتي فيقال لى انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدًا فيقال لى يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يارب أمتي أمتي فيقال لى انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل ما هذا حديث أنس الذى أخبرنا به فخرجنا من عنده فلما كنا بظهر الجبان قلنا لو ملنا إلى الحسن فسلّمنا عليه وهو مستخف في دار أبى خليفة قال فدخلنا عليه فقلنا يا أبا سعيد خرجنا من عند أخيك أبي حمزة فلم نسمع بمثل حديث حدثناه في الشفاعة فقال هيه فحدثناه الحديث فقال هيه فقلنا ما زادنا قال قد حدثنا به منذ عشرين سنة وهو يومئذ جميع ۳ ولقد ترك شيئا ما أدرى أنسى الشيخ أو كره أن يحدثكم فتتكلوا فقلنا له حدثنا فضحك وقال و خلق الإنسان من عجل ۳۳
ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكم
ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لى يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يارب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله
قال
ليس ذلك لك أو قال ليس ذلك إليك ولكن وعزّتى وكبريائي وعظمتى لأخرجن من النار من قال لا إله إلا الله ٣٤ قال
۳ أي في أكمل قوته وتمام ذاكرته ونضرة رجولته
۳۳ الأنبياء ۳۷
العقيدة
٣٤ أى ليخرجنه سبحانه مالاً بعد أن يكون قد استوفى جزاءه عما قدم من معاصى اللهم إلا أن يتفضل سبحانه على البعض الحكمة وقد روى البخاري ومسلم رضی الله عنها في هذا قوله في حديث جامع وأنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون مم ذاك ! يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فينظرهم الناظر ويسمعهم الداعى وتدنو منهم الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون ما أنتم فيه إلى ما بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم !! فيقول بعض الناس لبعض أبوكم آدم فيأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه
وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه وما بلغنا فقال إن ربي غضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وإنه نهانى عن الشجرة فعصيت نفسی نفسی نفسی اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى الأرض وقد سماك الله عبدا شكورًا ألا ترى ما نحن فيه! ألا ترى ما بلغنا ! ألا تشفع لنا
إلى ربك
فيقول إن ربى غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه كانت لى دعوة دعوت بها على قومي
نفسی نفسی نفسی !!! اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت نبى الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه! =
فأشهد على الحسن أنه حدثنا به أنه سمع أنس بن مالك أراء قبل عشرين سنة وهو يومئذ
ro
جميع ٣٥
فانظر رحمك الله ما تضمنه هذا الحديث من فخامة قدره وجلالة أمره وأن أكابر الرسل والأنبياء لم ينازعوه في هذه الرتبة التي هي مختصة به وهى الشفاعة العامة في كل من ضمه المحشر فإن قلت فما بال آدم أحال على نوح في حديث وعلى إبراهيم في هذا ودل نوح على إبراهيم وإبراهيم على موسى وموسى على عيسى وعيسى على محمد صلى الله عليه وسلم ولم لم تكن الدلالة على محمد صلى الله عليه وسلم من الأل
فاعلم أنه لو وقعت الدلالة على محمد صلى الله عليه وسلم من الأول لم يتبين من نفس هذا الحديث أن غيره لا تكون له هذه الرتبة فأراد الحق سبحانه أن يدلّ كل واحد على من بعده وكل واحد يقول لست لها مسلما للرتبة غير مدع لها حتى أتوا عيسى فدل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنا لها وفى هذا الحديث من الفوائد أن الإيمان يزيد٣٦ وينقص
فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنى كذبت ثلاث كذبات نفسي نفسي
نفسی
فيه
اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك برسالاته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنى قد قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها نفسي
نفسی نفسی
اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى عيسى
فيأتون عيسى فيقولون يا أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلّمت الناس في المهد اشفع لنا إلى عیسی ريك ألا ترى ما نحن فيه فيقول عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله - ولم يذكر دنيا - نفسی نفسی نفسی اذهبوا إلى غيرى اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم
وفي رواية فيأتونى فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه فأنطلق فأتى تحت العرش فأقع ساجدًا لربي ثم يفتح الله على من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقال يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع فأرفع رأسى فأقول أمتى يارب أمتى يارب فيقال يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيها سوى ذلك من الأبواب ثم قال والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى ٣٥ والحديث في صحيح مسلم شرح النووى جـ ٣ ص ٢٦٣ ومعنى جميع مجتمع القوة والحفظ ٣٦ يقول الإمام البخاري عن الإيمان
هو قول وفعل ويزيد وينقص ثم أخذ يبرهن على رأيه بالآيات القرآنية تذكر منها قال الله تعالى
ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم
ويزيد الله الذين اهتدوا هدى
وزدناهم هدیه
والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ويزداد الذين آمنوا إيمانا
أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم فاخشوهم فزادهم إيانا
إيمانا
وفيه أن المعارف لا تتناهى من قوله لا أقدر عليه إلا أن يلهمنيه الله عزّ وجل ويشهد لذلك
قوله
لا أحصى ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ۳۷
ويشهد له قوله سبحانه وتعالى
ولا يحيطون به علما ۳۸
إلى غير ذلك من الفوائد التي لو تكلمنا عليها لخرجنا عن غرض الكتاب ولقد سمعت شيخنا أبا العباس رضي الله عنه يقول
جميع
الأنبياء خلقوا من الرحمة ونبينا عين الرحمة قال الله سبحانه وتعالى
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ۳۹
وشرف وكرم ومجد وعظم فدعا إلى الله بالبصيرة الواضحة ٤٠ والبيئة الفائقة وقرب المدارك وبين المسالك وحثّ على سلوك سبيل الهدى واجتناب سبيل الردى فما ترك شيئًا يقرب إلى الله إلا ودعا إليه ولا أدباً يصلح أن يكون العبد به مع الله إلا وحث عليه ولا شيئا يشغل العباد عن الله إلا وحدّر العباد منه ولا عملاً يقطعهم عن الله إلا وأخرجهم عنه لا يألوا نصحا ٤١ في تخليص العباد من أوخال القطيعة ومواطن الهلكة إلى أن ترحل ليل الشرك وانقضت آثاره وأضاء نهار الإيمان وأشرقت أنواره فرفع الله من الدين لواءه وتمم نظامه وقرر فرائضه وأحكامه وبين حلاله وحرامه وكما بين للعباد الأحكام كذلك فتح لهم باب الأفهام حتى قال الراوي لقد تركنا رسول الله وإن الطير ليتحرك في السماء فنستفيد منه علما فقد قال
سبحانه
ولا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ٤٢
وقال سبحانه
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ٤٣
وقال
۳۷ رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد في مسنده
۳۸ طه ۱۱۰
۳۹ الأنبياء ۱۰۷ - ويقول الرسول إنما أنا رحمة مهداة أي مهداة من الله سبحانه وتعالى إلى الإنسانية ٤٠ يقول الله سبحانه وتعالى ﴿قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وإن من أول شروط الدعاة أن يكونوا على بصيرة من أمر دعوتهم ومن أهم ما تتضمنه البصيرة العلم العلم بكتاب الله وسنة رسوله وسيرته الشريفة ٤١ يقول الله تعالى في بيان حرص رسول الله على هداية الناس فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ويقول سبحانه ولقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رفوف رحيم
٤٢ البقرة ٢٥٦
٤٣ المائدة ٣
تركتها بيضاء نقية ٤٤
۳۳
أمته عن
فجزاه الله خير ما جزى نبياً ولما أكمل البيان لسبيل الرشاد وأظهر المسالك الموصلة إلى الله للعباد توفاه الله إلى الدار التي هي خير له وأولى بعد أن خير فاختار الرفيق الأعلى ثم جعل الحق سبحانه الدعاء إلى الله فى أمته أبدًا ودائما سرمدا بما ورثوا منه وأخذوا عنه وقد
شهد لهم الحق بذلك وجعلهم أهلا لما هنالك قال الله سبحانه
قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى٤٥
وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه أي على معاينة يعاين سبيل كل واحد من الأتباع فيحمله عليها ودليل ما قال الشيخ رضى الله عنه اختلاف وصاياه لأصحابه على حسب اختلاف سبلهم فقال لبلال رضى الله عنه أنفق بلال ولا تخش من ذى العرش إقلالاً ٤٦
وقال لآخر أراد أن ينخلع عن ماله كله
امسك عليك مالك فإنك إن تدعُ ورَثَتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون
الناس ٤٧
وقال له رجل أوصنى فقال
استح من الله كما تستحى من رجل صالح من قومك ٤٨
وقال له آخر أوصنى فقال لا تغضب
وسمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول فتح الحق سبحانه بقوله أنا ومن اتبعنى باب البصائر للأتباع يريد الشيخ قول الله سبحانه قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى٤١ أى ومن اتبعنى يدعو إلى الله على بصيرة على ما يقتضيه اللسان لأنك إذا قلت زيد يدعو إلى
٤٤ رواه أحمد وابن ماجه بنحوه ونص الحديث عن العرباض بن سارية وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله إن هذه الموعظة مودع فماذا تعهد إلينا قال وقد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدى إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن كان عبدا حبشيا فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد ٤٥ يوسف ١٠٨
٤٦ البزار عن بلاط والطبراني عن ابن مسعود
٤٧ رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث كعب بن مالك
٤٨ رواه ابن عدی بنحوه بسند ضعيف
٤٩ يوسف ۱۰۸
السلطان على نصيحة هو وأتباعه أى وأتباعه يدعون إليه على نصيحة إذا ثبت هذا فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله على بصيرة الرسالة الكاملة والأولياء يدعون على
حسب بصائرهم قطبانية وصديقية وولاية وقد قال
العلماء ورثة الأنبياء ٥٠
وقال
إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهما وإنما ورثوا العلم ٥١
وقال
علماء أمتى كأنبياء بني إسرائيل
وههنا نكتة وهو أنه لم يقل علماء أمتى كرسل بني إسرائيل فمن الناس من ظن أن النبي هو الذي نبي ٥٢ فى نفسه والرسول هو الذى أرسل إلى غيره وليس الأمر كما ظن هذا القائل ولو كان كذلك فلماذا خص الأنبياء دون الرسل بالذكر فى قوله علماء أمتى كأنبياء بني إسرائيل ومما يذلك على بطلان هذا المذهب قول الله سبحانه وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ٥٣ الآية
فدل على أن حكم الإرسال يعمهما وإنما الفرق ما قال بعض أهل العلم إن النبي لا يأتي بشريعة جديدة إنما يجىء مقررًا لشريعة من كان قبله كيوشع بن نون فإنه إنما جاء مقررًا لشريعة موسى وأمرًا بالعمل بما في التوراة ولم يأت بشرع جديد والرسول كموسى عليه السلام إذ أتى بشرع جديد وهو ما تضمنته التوراة فقال علماء أمتى كأنبياء بني إسرائيل أي يأتون مقررين ومؤكدين وأمرين بما جنت به لا أنهم يأتون بشرع جديد
إعلام وبيان
اعلم أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
العلماء ورثة الأنبياء
و علماء أمتى كأنبياء بني إسرائيل
و إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهما وإنما ورثوا العلم
و ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم ٥٤ و وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم٥٥
۵۱۵۰ رواه أبو داود والترمذي
٥٢ كون النبي ما نبى فى نفسه أو بتعبير المتكلمين ما أوحى إليه ما يعمل به ولم يؤمر بتبليغه والرسول هو ما أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه هذا ما جرى عليه الغالبية من علماء علم الكلام وما ذكره المؤلف هنا أدق وأوضح ٥٣ الحج ٥٢ وتمام الآية ﴿ إلا إذا تمنّى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم
حكيم
٥٤ رواه الترمذي وقال حديث حسن
٥٥ رواه أبو داود والترمذي
۳۵
وقوله سبحانه شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط ٥٦
وقال والذين أوتوا العلم درجات ٥٧
و بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ٥٨
وحيثما وقع العلم في كتاب الله تعالى وكلام رسوله فإنما المراد به العلم النافع المحمد للهوى القامع الذى تكتنفه الخشية وتكون معه الإنابة قال الله سبحانه و إنما يخشى الله من عباده العلماء ٥٩
فلم يجعل علم من لم يخشه من العلماء علماء وقد قال داود عليه السلام يارب ما علم من لم يخشك وما خشية من لم يطع أمرك
فشاهد العلم الذي هو مطلوب الله الخشية وشاهد الخشية موافقة الأمر أما علم تكون معه الرغبة فى الدنيا والتملق لأربابها وصرف الهمة إلى اكتسابها والجمع والادخار والمباهاة والاستكثار وطول الأمل ونسيان الآخرة فما أبعد من هذا العلم علمه من أن يكون من ورثة الأنبياء وهل ينتقل الشيء الموروث إلى الوارث إلا بالصفة التى كان بها عند الموروث عنه ومثل من هذه الأوصاف أوصافه من العلماء كمثل الشمعة تضىء على غيرها وهي تحرق نفسها ٦٠ جعل الله العلم الذى علمه من هذا وصفه حجة عليه وسببا في تكثير العقوبة لديه ولا يغرنك أن يكون به انتفاع البادى والحاضر فقد قال صلى الله عليه وسلم
إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ٦١
د ومثل من يتعلم العلم لا كتساب الدنيا وتحصيل الرفعة فيها كمثل من يرفع العذرة بملعقة من ياقوت فما أشرف الوسيلة وما أخس المتوسل إليه
ومثل من قطع الأوقات في طلب العلم فمكث أربعين سنة أو خمسين سنة يتعلم العلم ولا يعمل به كمثل من قعد هذه المدة يتطهر ويجدد الطهارة ولم يصل صلاة واحدة إذ مقصود العلم العمل كما أن المقصود بالطهارة وجود الصلاة ولقد سأل رجل الحسن البصرى رضى الله عنه عن مسألة فأفتاه فيها فقال الرجل للحسن قد خالفك الفقهاء فزجره الحسن وقال ويحك وهل رأيت فقيها إنما الفقيه الذي فقه عن الله أمره ونهيه
وسمعت شيخنا أبا العباس رضي الله عنه يقول
٥٦ آل عمران ۱۸ - والقسط هو العدل ٥٧ المجادلة ۱۱
٥٨ العنكبوت ٤٩ ۵۹ فاطر ۸
٦٠ ولأجل هذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه - كما رواه الإمام أحمد - اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها
٦١ رواه الطبراني وصححه السيوطى وفى معناه قوله إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم رواه أحمد والنسائي
وابن حبان والطبراني
٣٦
الفقيه من
انفقاً الحجاب عن عينى قلبه وشاهد ملكوت ربه
وإذ قد عرفت أن الدعاء إلى الله لا يزال أبدا فاعلم أن الأنوار الظاهرة في أولياء الله إنما دى من إشراق أنوار النبوة عليهم فمثل الحقيقة المحمدية كالشمس وقلوب الأولياء كالأقمار وإنما أضاء القمر لظهور نور الشمس فيه ومقابلته إياها فإذا الشمس منيرة نهارا ومضيئة أيضا ليلا لظهور نورها في القمر الممدود منها فإذا هي لا غروب لها فقد فهمت من هذا أنه يجب دوام أنوار الأولياء لدوام ظهور نور رسول الله فيهم فالأولياء آيات الله يتلوها على عباده بإظهاره إياهم
واحدا بعد واحد
تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ٦٢
وسمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول في قوله عز وجل وما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ٦٣ أي ما نذهب من ولى الله إلا ونأت بخير منه أو مثله
وقد سئل بعض العارفين عن أولياء المدد أينقصون في زمن واحد فقال لو نقص منهم واحد ما أرسلت السماء قطرها ولا أبرزت الأرض نباتها وفساد الوقت لا يكون بذهاب أعدادهم ولا بنقص إمدادهم ولكن إذا فسد الوقت كان مراد الله سبحانه وقوع اختفائهم مع وجود بقائهم فإذا كان أهل الزمن معرضين عن الله مؤثرين لما سوى الله لا تنجع فيهم الموعظة ولا تميلهم إلى الله التذكرة لم يكونوا أهلا لظهور أولياء الله فيهم ولذلك قالوا أولياء الله عرائس ولا يرى العرائس المجرمون وقد قال
لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم٦٤ فإذا كان الله سبحانه وصانا على لسان رسوله الله أن لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فمن أولى بهذا الخلق الجميل منا وقد قال
إذا رأيت هوى مطاعا وشحا متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذى رأى برأيه فعليك بخويصة نفسك ٦٥ بلسان
فسمعوا وصية رسول الله فآثروا الخفاء بل آثر الله لهم ذلك مع أنه لابد أن يكون منهم في الوقت أئمة ظاهرين قائمين بالحجة سالكين الحجة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
٦٢ الجانية ٦ ٦٣ البقرة ١٠٦
ناية
٦٤ إن حديث الصوفية عن بعض آيات القرآن إنما هو إشارات تمر بوجدانهم لا تنفى من قرب ولا من بعد المعنى الذى يستمد من الآية بحسب اللغة وأسباب النزول وموازين المفسرين ولكن القرآن الكريم تبع فياض يلهم ويشير ويوجه وكل إنسان يأخذ منه بحسب صفاء نفسه ولا عليه في ذلك ما دام مؤمنا بالمعنى الذى تقرره الأوضاع الإسلامية الصادقة عاملا يه وفى ضوء ما قلناه - وهو الذي يعترف به جميع الصوفية - نرجو من القارئ الكريم أن ينظر إلى ما يأتي من حديث للصوفية في إشاعات الآية الكريمة وهذا المعنى هو الذي يؤخذ من قوله تعالى يؤتى الحكمة من يشاء وهى كلمة قرآنية لا منع فيها ولا تعميم ٦٥ أبو داود في الملاحم والترمذى في التفسير وابن ماجه في الفتن
لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من ناوأهم إلى قيام الساعة ٦٦ وقد قال على بن أبي طالب رضى الله عنه في مخاطباته لكميل بن زياد اللهم لا تخل الأرض من قائم لك بحجتك أولئك الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرًا قلوبهم معلقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في عباده وبلاده آه واشوقاه إلى رؤيتهم وروى الإمام الرباني محمد بن على الترمذى رضى الله عنه فى كتاب الختم ٦٧ له برفعه إلى ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمتى كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره ۱۸
وروى أيضا برفعه إلى أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ن خير أمتى أولها وآخرها وفي وسطها الكدر
وروى أيضا برفعه إلى عبد الرحمن بن سمرة قال
- جنت مبشرا من غزوة مؤتة فلما ذكرت قتل جعفر وزيد وابن رواحة بكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما يبكيكم فقالوا وما لنا لا نبكي وقد قتل خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا فقال لا تبكوا إنما مثل أمتى مثل حديقة قام عليها صاحبها فاجتلب رواكبها وهياً مسالكها وحلق سعفها فأطعمت عاما فوجا ثم عاما فوجا فلعل آخرها طعما يكون أجودها قنوانا وأطولها شمراخا والذي بعثني بالحق ليجدن ابن مريم من أمتى خلفا من حواريه ٦٩ أيضا وروی برفعه إلى سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال من أصحابى رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير
حساب ۷۰
ثم تلا
٦٦ متفق عليه
٦٧ هو كتاب ختم الأولياء للحكيم الترمذى وهو من الكتب التي كانت محل عناية كبرى من الشيخ أبي الحسن الشاذلي ومن الشيخ أبي العباس المرسى وقد نال هذا الكتاب عناية الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربي ووصلت عنايته به إلى درجة أنه تحدث عنه غير مرة وأجاب عن الأسئلة التي وجهها الحكيم الترمذى فى كتابه وهذا الكتاب طبع في لبنان ۱۸ رواه أحمد والترمذى والطبراني وأبو يعلى
٦٩ القنوان جمع قنو وهو العذق أى النخلة بحملها والشمراخ مثله
ومن خبر غزوة مؤتة ما ذكره ابن حزم في جوامع السيرة من أن المسلمين عندما دخلوا قرية مؤتة جعل المسلمون على ميمنتهم قطبة بن قتادة العذرى وعلى الميسرة عباية بن مالك الأنصارى وقيل عبادة واقتتلوا فقتل الأمير الأول زيد بن حارثة ملاقيا بصدره الرماح والراية في يده فأخذها جعفر بن أبي طالب ونزل عن فرس شقراء فقاتل حتى قطعت يمينه فأخذ الراية بيسراه فقطعت فاحتضنها فقتل كذلك وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فأخذ عبد الله بن رواحة الراية وتردد عن النزول بعض التردد ثم صمم فقاتل حتى قتل فأخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان وقال يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم فقالوا أنت قال لا فأخذها خالد بن الوليد وانحاز بالمسلمين فأنذر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الأمراء المذكورين قبل ورود الخبر في يوم قتلهم بعينه أهـ ۷۰ رواه ابن أبي حاتم في التفسير
۳۸
وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل
العظيم ۷۱
وروى أيضا يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
في كل قرن من أمتى سابقون ۷
واعلم جعلك الله تعالى من خاصة عباده وعرفك لطائف وداده أنه سواء منهم الظاهر والخفي والصديق والولى فساد الوقت لا يكدر أنوارهم ولا يحط مقدارهم لأنهم مع المؤقت لا مع الأوقات ومن كان مع المؤقت لا يتغير بتغير الوقت شيئا ومن كان مع الوقت تغير بتغيره وتكدر
بتكدره
ال
وقال الإمام أبو عبد الله الترمذى رضى الله عنه الناس صنفان صنف منهم عمال الله يعبدونه على البر والتقوى فهم يحتاجون إلى خير الزمان وإقباله ودولة الحق لأن تأييدهم من ذلك وصنف منهم أهل اليقين فيعبدون الحق على وفاء التوحيد عن كشف الغطاء وقطع الأسباب فهم غير ملتقين إلى إقبال الزمان وإدباره ولا يغيرهم إدباره وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم
إن الله عبادا يغذوهم برحمته يحييهم فى عافية تمر بهم الفتن كقطع الليل المظلم لا تضرهم وقوله
تكون في أمتى فتن لا ينجو منها إلا من أحياه الله بالعلم
قال الترمذي يعنى بالعلم بالله فيما نرى
لقد سمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول رجال الليل هم الرجال وإن أولياء هذا الوقت ليؤيدون بشيئين بالغنى واليقين فالغنى لكثرة ما عند الناس من الإفلاس واليقين لكثرة ما عند الناس من الشكوك
وقال بعض العارفين إن الله عبادا كلما اشتدت ظلمة الوقت قويت أنوار قلوبهم فهم كالكواكب كلما قويت ظلمة الليل قوى إشراقها وأين نور الكواكب من أنوار قلوب أوليائه أنوار الكواكب تتكدر وأنوار قلوب أوليائه لا انكدار لها وأنوار الكواكب تهدى في الدنيا إلى الدنيا وأنوار قلوب أوليائه لا انكدار لها وأنوار الكواكب تهدى فى الدنيا إلى الدنيا وأنوار قلوب أوليائه تهدى إلى الله تعالى ولنا في هذا المعنى
أمرتقب النجوم من السماء نجوم الأرض أبهر في الضياء وهذي لا تكدر بالخفاء
تخفی
فتلك تنير وقتا ثم هداية تلك في ظلم الليالي هداية هذه كشف الغطاء
وقال صوفى يوما بحضرة فقيه إن الله عبادا هم فى أوقات المحن والمحن لا تضرهم فقال ذلك
۷۱ الجمعة ٣ ٤
۷ الأحاديث السابقة خرجها الترمذى في كتابه ختم الأولياء
۳۹
الفقيه هذا مالا أفهمه أنا أريك مثال ذلك الملائكة الموكلون بالنار هم في النار والنار
لا تضرهم ۷۳
وسمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول الدنيا كالنار وهى قائلة للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي
واعلم أن شأن الولاية والولى عظيم والخطب فيها جسيم ويكفيك في ذلك ما حدثنا به الشيخ المسند الجليل شهاب الدين أبو المعالى أحمد بن إسحق بن محمد بن المؤيد الابرقوهي رحمه الله قال أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن سابور القلانسي الشيرازي بها سنة تسع عشرة وستمائة قال أخبرنا الإمام أبو المبارك عبد العزيز بن محمد بن منصور الشيرازي الأدمى قراءة عليه وأنا أسمع فى سنة ثلاث وخمسمائة قال حدثنا الشيخ الإمام أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد التميمي الحنبلي إملاء على في يوم السبت السادس عشر من صفر سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة بأصبهان قال أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدى الفارسي حدثنا أبو عبدالله محمد بن مخلد بن حفص العطار الخطيب الدورى حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الله عزّ وجل قال من عادى لى وليا فقد آذننى ٧٤ بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى عليها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدى عن نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه
وهذا الحديث أخرجه البخارى رضى الله عنه في صحيحه وقد روى هذا الحديث من طريق آخر فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ولسانا وقلبا وعقلا
ويدا ومؤيدا فاصغ رحمك الله إلى ما تضمنه هذا الحديث من غزارة قدر الولّى وفخامة رتبته حتى ينزله الحق هذه المنزلة ويحله هذه المرتبة كقوله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن الله
۷۳ وإن القارئ للقرآن ليعلم ما ذكره القرآن الكريم عن قصة إبراهيم عليه السلام حينما قال قومه حرقوه وانصروا الهتكم
ثم ألقوه في النار فكان الأمر الإلهى قلنا يانار كوئى بردا وسلاما على إبراهيم
إن الله سبحانه وتعالى قد حفظه لأنه كان مواليا لله سبحانه وتعالى فى أفعاله ومن كان مواليا لله سبحانه وتعالى كان متخذا الله وليا ومن اتخذ الله وليا وسار في حياته على ما أحبه الله سبحانه وتعالى فإن الله يحفظه فتمر به الفتن لا تضره أليس الله بکاف عبده ١٢
٧٤ رواية البخارى فقد آذنته الحرب وكلا الروايتين صحيح في المعنى إن من عادى ولى الله أذن الله بالحرب فأذنه الله بالحرب - أعاذنا الله من ذلك وعافانا
من عادى لي وليا فقد آذننى بالحرب
لأن الولى قد خرج عن تدبيره إلى تدبير الله وعن انتصاره لنفسه لانتصار الله وعن حوله وقوته بصدق التوكل على الله وقد قال الله سبحانه
ومن يتوكل على الله فهو حسبه ٧٥
وقد قال الله عز وجل وكان حقا علينا نصر المؤمنين ٧٦
وكان ذلك لهم لأنهم جعلوا الله تعالى مكان همومهم فدفع عنهم الأغيار ۷۷ وقام لهم بوجود
الانتصار
أخبرني الشيخ شهاب الدين الأبر قوهى قال دخلت على الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه فسمعته يقول يقول الله عزّ وجل عبدى اجعلنى مكان همّك أكفك كل همك عبدى ماكنت لك فأنت في محل البعد وما كنت بي فأنت في محل القرب واختر لنفسك وقد جاء في الحديث
شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين ۷۸ من فإذا كان الحق سبحانه قد رضى لهم أن يشغلهم ذكره عن مسألته فكيف لا يرضى لهم أن يشغلهم ذكره والثناء عليه عن الانتصار لنفوسهم ومن عرف الله سدّ عليه باب الانتصار لنفسه ۷۹ إذ العارف قد اقتضت له معرفته أن لا يشهد فعلا لغير معروفه فكيف ينتصر من الخلق من يرى الله فعالا فيهم وكيف يدع أولياءه من نصرته وهم قد ألقوا نفوسهم بين يديه مسلمين ومستسلمين لما يريد منهم حكما فهم في معاقل عزه تحت سرادقات مجده يصونهم من كل شيء إلا من ذكره ويقطعهم عن كل شيء إلا عن حبه ويحتازهم من كل شيء من وجود قربه ألسنتهم بذكره لهجة وقلوبهم بأنواره بهجة وطن لهم وطنا بين يديه فقلوبهم جائمة في حضرته وأسرارهم محققة أحديته بشهود
ولقد سمعت شيخنا أبا العباس رضي الله عنه يقول
ولى الله مع الله كولد اللبؤة في حجرها أتراها تاركة ولدها لمن أراد اغتياله
٧٥ الطلاق ٣ ٧٦ الروم ٤٧
۷۷ جمع غیر بمعنى سوى أي كل ما سوى الله
۷۸ البخاري في التاريخ والبزار في المسند والبيهقي في الشعب من حديث عمر بن الخطاب ۷۹ قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله كم
وقال والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين
وما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يغضب إلا الله
ومما يذكر أن المولى يقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم في الانتصار لله سبحانه وتعالى وما جوهر حياة الولى إلا الانتصار الله تعالى ينتصر الله من نفسه وينتصر الله في أسرته وينتصر الله في مجتمعه أنه يقوم بالمبدأ الإسلامي الواجب وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
٤١
وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان فى بعض غزواته وامرأة تطوف على ولدها رضيع فلما وجدته أحنت عليه وألقمته الثدى فنظر الصحابة إليها متعجبين فقال
الله أرحم بعبده المؤمن من هذه ۸۰ بولدها
ومن هذه الرحمة برز انتصار الحق لهم ومحاربة من عاداهم إذهم شمال أسراره ومعادن أنوار
وقد قال الله سبحانه
والله ولى الذين آمنوا ۸۱
وقال إن الله يدافع عن الذين آمنوا ۸
غير أن مقابلة الحق سبحانه لمن أذى أوليائه ليس يلزم أن تكون معجلة القصر مدة الدنيا عند الله ولأن الله لم يرض الدنيا أهلا لعقوبة أعدائه كما لم يرضها أهلاً لإثابة أحبائه وإن كانت معجلة فقد تكون قساوة في القلب أو جمودا فى العين أو تعويقا عن طاعة الله أو وقوعًا في ذنب أو فترة في الهمة أو سلب لذاذة خدمته وقد كان رجل فى بنى إسرائيل أقبل على الله ثم أعرض عنه فقال يارب كم ولا تعاقبني فأوحى الله تعالى إلى نبى ذلك الزمان أن قل لفلان كم عاقبتك ولا تشعر ألم أسليك
حلاوة ذكرى ولذاذة مناجاتي
أعصيك
وفائدة هذا البيان أن لا يحكم الإنسان أذى وليا من أولياء الله بالسلامة إذا لم تر عليه محنة في نفسه وماله وولده فقد تكون محنته أكبر من أن يطلع العباد عليها
وقوله حاكيا عن الله عز وجل
وما تقرب إلى المتقربون بمثل أداء ما افترضته عليهم
فاعلم أن الفرائض التي اقتضاها الحق من عباده على قسمين ظاهرة وباطنة فالظاهرة الصلوات الخمس والزكاة وصوم رمضان والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين إلى غير ذلك والباطنة العلم بالله والحبّ له والتوكل عليه والثقة بوعده والخوف منه والرجاء فيه إلى غير ذلك وهى أيضا تنقسم قسمين أفعال وتروك شىء اقتضى الحق منك أن تفعله وشيء اقتضى الحق منك أن لا تفعله وقد جمع ذلك فى آية واحدة قال الله سبحانه
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ۸۳
فهذا أمر طلب الله منك أن تفعله ثم قال
وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ۸۳
۸۰ رواه البخاري في الأدب ومسلم في التوبة وأبو داود في الجنائز وابن ماجه في الزهد
۸۱ البقرة ٢٥٧
۸ الحج ۳۸
۸۳ النحل ۹۰
٤٢
فهذا أمر اقتضى منك أن تتركه
ثم أعلم رحمك الله أن الله لم يأمر العباد بشيء وجوبًا أو يقتضيه منهم ندبًا إلا والمصلحة لهم في فعل ذلك الأمر ولم يقتض منهم ترك شيء تحرياً أو كراهة إلا والمصلحة لهم في أمرهم بتركه وجوبا أو ندباً ولسنا نقول كما قال من عدل به عن طريق الهدى إنه يجب ۸ على الله رعاية مصالح عباده بل إنما تقول ذلك عادة الحق وشرعته المستمرة فعلها مع عباده على سبيل التفضل فليت شعرى إذا قالوا يجب على الله رعاية مصالح عباده فمن هو الموجب عليه ثم إنا نظرنا فوجدنا كل مأمور به أو مندوب إليه يستلزم الجمع ۸۸ على الله وكل منهى عنه أو مكروه يتضمن التفرقة ٨٦ عنه فإذا مطلوب الله من عباده وجود الجمع عليه لكن الطاعات هي أسباب الجمع ووسائله فلذلك أمر بها والمعصية هي أسباب التفرقة ووسائلها فلذلك نهى عنها وأما الفرائض الظاهرة فلا تنفك عن فروض باطنة والفرائض الباطنة شروطها ومحمدة ۸ لها وبين الفرائض الظاهرة والباطنة ما بين الظاهر والباطن
وأفهم ههنا قوله
نية المؤمن خير من عمله ۸۸
٨٤ يشير بذلك إلى رأى المعتزلة
۸۵ الجمع ما كان من أقبل الحق من إبداء معاف وإسداء لطف وإحسان انظر الرسالة القشيرية والجمع في كل معانيه يقصد به القرب من الله سبحانه وتعالى وآثار القرب من الله سبحانه وتعالى لا حدود له ذلك أن كمال الله سبحانه وتعالى لا يتناهى ويكون معنى القرب من الله سبحانه وتعالى زيادة كمال وزيادة الكمال من آثار زيادة الإيمان وكلما زادت استقامة الإنسان زاد إيمانه فزاد بذلك كماله وزاد قربه من الله سبحانه وتعالى وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أكثر من مرة في كتابه الكريم زيادة الإيمان وتحدث سبحانه عن أهل اليمين وعن الأبرار وعن المقربين والمقربون هم قمة أهل الإيمان ودونهم الأبرار في المنزلة وأهل اليمين ناجون وكلهم فضلاء يتفاوتون في الفضل بحسب هممهم في طاعة الله والخضوع له والتفرقة هى البعد عن الله سبحانه وتعالى بالمعاصي وهي بعد عن الكمال ونقص في الإيمان
٨٦ أى رؤية الكسب من إقامة العبودية وما يليق بأحوال البشرية
۸۷ أي معينة عليها ۸۸ رواه القضاعي في مسند الشهاب وابن عساكر في أماليه وقال غريب والطبراني في المعجم الكبير قال الهيثمي رجاله موثقون إلا حاتم بن عباد بن دينار لم أر من ذكر له ترجمة وقال المناوى له عدة طرق تجير ضعفه وإنما كانت نية المؤمن خيرا
من عمله
لأن تخليد الله العبد في الجنة ليس بعمله وإنما هو لنيته لأنه لو كان بعمله كان خلوده فيها بقدر مدة عمله أو أضعافه لكنه جازاء بنيته لأنه كان ناويًا أن يطيع الله أبدا فلها اختر منه منيته جوزى بنيته وكذا الكافر لأنه لو جوزى بعمله لم يستحق
التخليد في النار إلا بقدر مدة كفر ولأنه نوى الإقامة على كفره أبدا لو بقى فجوزی بنيته ذكره بعضهم وقال الكرماني المراد أن النية خير من العمل بلا نية إذ لو كان المراد خير من عمل مع نية لزم كون الشيء خيرا من نفسه مع غيره أو المراد أن الجزء الذى هو النية خير من الجزء الذي هو العمل لاستحالة دخول الرياء فيها أو أن النية خير من جملة الخبرات الواقعة بعمله أو أن النية فعل القلب وفعل الأشرف أشرف أو لأن القصد من الطاعة تنوير القلب وتنويره بها أكثر
لأنها صفته
وقال البعض إنما قال النبي ذلك لأن النية عبودية القلب والعمل عبودية الجوارح وعمل القلب أبلغ وأنفع وهو أمير والجوارح رعية وعمل الملك أعظم وأبلغ ولأن العمل يدخل تحت الحصر والنية لا إذ المتحقق في إيمانه عقد نيته على أن يطيع الله ما أحياء ولو أماته ثم أحياء وثم ثم وهذا اعتقاد منبرم مستدام فيترتب له من الجزاء على نينه ما لا يترتب له على عمله
٤٣
وكذلك الذنوب الباطنة صغائرها وكبائرها أشد من الذنوب الظاهرة صغيرها من صغيرها وكبيرها من كبيرها ولما كانت الفرائض اقتضاها الحق من عبده اقتضاء إلزام حتمه عليه لم يدخل العبد فيها إلا باختيار الله له فاندفع هوى العبد فيها لأن الله سبحانه وقت أعدادها وآمادها وأسبابها فلما كان كذلك كان قيام العبد فيها مقطعا عن اختياره لنفسه راجعا إلى اختياره الله له فأوجبت من القرب إلى الله مالم يوجبه غيرها فلذلك قال ما تقرب إلى المتقربون بمثل أداء ما افترضته عليهم
ثم قال وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه
فاعلم أن النوافل هي الزيادة ولذلك سمّى النفل نفلا وهو ما ينفله الإمام لمن يراه زائدا على
نصبيه من الغنيمة وقال الله سبحانه
ومن الليل فتهجد به نافلة لك ۸۹
وقال بعضهم معناه أن المؤمن كلما عمل خيرا نوى أن يعمل ما هو خير منه فليس لنيته في الخير منتهى والفاجر كلما عمل شرا نوى أن يعمل ما هو شر منه فليس لنيته في الشر منتهى
وقال بعضهم في حديث آخر من نوى حسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر حسنات فالعمل في هذا الحديث خير من النية وليس ذلك مراداً للحديث الأول وإنما تكون النية خيرا من العمل في حال دون حال وقال بعض شراح مسلم أفاد هذا الخبر أن الثواب المترتب على الصلاة أكثر للنية وباقية لغيرها من قيام وغيره وفي رواية نية المؤمن أبلغ من عمله لما تقرر ولأن المؤمن في عمل ونيته عند فراغه لعمل ثان ولأن النية بانفرادها توصل إلى مالا يوصله العمل بانفراده ولأنها هي التي تقلب العمل الصالح فاسدًا والفاسد صالحا مثابًا عليه ويتاب عليها أضعاف ما يثاب على العمل ويعاقب عليها أضعاف ما يعاقب عليه فكانت أبلغ وأنفع وقيل إذا فسدت النية وقعت البلية
ومن الناس من تكون نيته وهمته أجل من الدنيا وما عليها وآخر نيته وهمته من أخس نية وهمة قالنية تبلغ بصاحبها في الخير والشر ما لا يبلغه عمله فأين نية من طلب العلم وعلمه ليصلى الله عليه وملائكته وتستغفر له دواب البر وحيتان البحر إلى نية من طلبه لمأكل أو وظيفة كتدريس لا
وسبحان الله كم بين من يريد بعلمه وجه الله والنظر إليه وسماع كلامه وتسليمه عليه في جنة عدن وبين من يطلب حقا خسيسا كتدريس أو غيره من العرض الفاني قال الحكيم والنية نهوض القلب إلى الله وبدوها خاطر ثم المشيئة ثم الإرادة ثم النهوض ثم اللحوق إلى الله تعالى مرتحلاً بعقله وعمله وذهنه وهمته وعزمه فمن هنا تتم النية ومنه يخرج إلى الأركان فيظهر على الجوارح فعله وإذا صح العزم خرج الرياء والفخر والخيلاء من جميع أعماله وبلغ مقام الأقوياء وأما غير الكامل فصدره مرج بستان من المروج ملتف فيه من النبات ما إذا تخطى فيه لا يكاد يستبين موضع قدمه أين يضعها من كثرة النفاق فهذا صدر فيه أشغال النفس وفنونها ووساوس شهواتها فمن أين يأتى النور
بألاء الله
وإنما يستثير قلب أجرد أزهر في صدره فسح قد شرحه الله للإسلام فهو على نور من ربه رطب بذكر الله ورحمته وصلب والناس في هذه النية على طبقات أما نية العامة فارتحالهم إلى الله بهذا العلم والعقل والذهن والهمة والعزم فبلغ ارتحالهم المحو ثم ليس لقلوبهم من القوة ما يرتحلون به فيطيرون لأنه لا ريش لقلوبهم والمحو مسدود لأن القلوب لما مالت إلى النفوس وإطاعتها أفسد طريقها إلى ربها وأما العارفون فنياتهم صارت كلها نية واحدة لأن القلب ارتحل إلى الله ووجد الطريق إليه فمرّ والقلب أمير والنفس أسير أهـ فيض القدير ٦ ص ٢٩٢ ۸۹ الإسراء ۷۹
M
أي زيادة لك من فضلنا على ما اقتضته الفرائض لك
واعلم أن الحق سبحانه لم يوجب شيئا من الواجبات غالبًا إلا وجعل من جنسه نافلة حتى إذا قام العبد بذلك الواجب وفيه خلل ما جبر بالنافلة التى هى من جنسه ولذلك جاء في الحديث أنه ينظر في صلاة العبد فإن قام بها كما أمره الله جوزى عليها وأُثبتت له وإن كان فيها خلل نافلته ۹۰ من حتى قال أهل العلم إنما تثبت لك نافلة إذا سلمت لك الفريضة
أكملت
ولما علم الله سبحانه أن في عباده المؤمنين أقوياء وضعفاء كما جاء في الحديث المؤمن القوى أحبّ إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف أو قال خير من المؤمن الضعيف وفى كل خير ٩١
ففسح الله على الضعفاء بالاكتفاء بالواجبات وفتح للأقوياء باب نوافل الخيرات فعباد أنهضهم إلى القيام بالواجبات خوف عقوبته فقاموا بها تخليصًا لأنفسهم من وجود الهلكة وملاقاة العقوبة فما قاموا لله شوقا له ولا طلباً بربوبيته فلو قوبلوا بالمحاققة لم يقبل منهم قيامهم هذا فإنهم لم ينهضوا إلا لأجل نفوسهم ولم يطلبوا إلا حظوظهم فقاموا بواجبات الله مجرورين بسلاسل الإيجاب لذلك جاء في الحديث
عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل ۹
وأما العباد الآخرون فعندهم من غليان الشغف ووجود الحب ما ليس تكفيهم الواجبات بل قلوبهم متلفتة إلى الله من عوائق هذه الدار فلو لما يحجر عليهم التنفل بالصلاة في أوقات النهي لسر مدوا الأوقات بها ولحملوا أنفسهم فوق ما يطيقون ومما يدلك على أن الناس انقسموا على هذين القسمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث بادروا بالأعمال سبعا هل ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيا أو فقرا منسيا أو مرضًا مفسدا أو هرما مفندا أو موتاً مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر ۹۳ فهذا الحديث يقتضى إنهاض الهمم إلى معاملة الله سبحانه وتعالى والحث على المبادرة إلى طاعته ومسابقة العوارض والقواطع قبل ورودها فهذا خطاب الفريق الأول فطالبهم الرسول بالمبادرة بالأعمال وجاءت أحاديث أخر آمرة للعباد بالاقتصاد في الطاعة لئلا يطيعوا باعث الشغف فيحملون أنفسهم فوق ما يطيقون فيؤدى ذلك إلى عجزهم عن طاعة الله أو قيامهم فيها
بوجود التكلف فقال
۱۰ رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم عن تميم الدارى بنحوه وصححه السيوطي ۹۱ رواه مسلم ونصه المؤمن القوى خير وأحب إلى من المؤمن الضعيف وفى كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل
الشيطان
۹ رواه أحمد والبخارى وأبو داود ۹۳ رواه الترمذي والحاكم وصححه
أكلفوا من العمل ما تطيقون فو الله لا يمل الله حتى تملوا ٩٤
وقال القصد القصد تبلغوا٩٥
وقوله إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ٩٦
وقوله ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله
ومثل القائم بالواجبات المكتفى بها والقائم بها وبالنوافل معها كمثل عبدين خارجها ۹۷ الملك على أربعة دراهم كل يوم فأما أحدهما فقام بها ولم يزد وأما الآخر فقام بها وعمد إلى طرف الفواكه وغرائب التحف فاشتراها وأهداها إلى السيد فهو لا شك أولى بود السيد من العبد الآخر وقوله فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث إلى آخره المعنى به وجود البقاء بعد الفناء فتمحى أوصافك وتطوى بظهور أوصاف المولى فيك وسمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول
إن لله عبادا محوا أفعالهم بأفعاله وأوصافهم بأوصافه وذواتهم بذواته وحملهم من أسرارهم ما يعجز عامة الأولياء عن سماعه وهم الذين غرقوا في بحر الذات وتيار الصفات فهي إذا فناءات ثلاث أن يفنيك عن أفعالك بأفعاله وعن أوصافك بأوصافه وعن ذاتك بذاته ولذا قال
قائلهم
وقوم تاهوا في أرض بقفر وقوم تاهوا في ميدان حبها
فأفنوا
ثم أفنوا
ثم
أفنوا
وأبقوا بالبقا من قرب قربه فإذا أفناك عنك أبقك به فالفناء دهليز البقاء ومنه يدخل إليه فمن صدق فناؤه صدق بقاؤه ومن كان عما سوى الله فناؤه كان بالله بقاؤه ولذلك قالوا من كان فى الله تلفه كان على الله خلفه فالفناء يوجب عذرهم والبقاء يوجب نصرهم الفناء يوجب غيبتهم عن كل شيء والبقاء يحضرهم مع الله في كل شيء فلا ينقطعون عنه بشيء الفناء يميتهم والبقاء يحييهم ومن دکت جبال وجوده استمع داعی شهوده قال الله سبحانه
ويسألونك عن ا
الجبال فقل ينسفها ربي نسفًا فيذرها قاعًا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمنا يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع
إلا همسان ۹۸
٩٤ رواه أحمد وأبو داود والنسائي ورواه الشيخان بنحوه
۹۵ رواه البخاري
٩٦ رواه أحمد عن أنس وصححه حناء
۹۷ أطلقها ليعملا حرين على أن يؤديا إليه أربعة دراهم كل يوم
۹۸ طه ۱۰۵ - ۱۰۸ ومما يذكر هنا أنه قد أشار القوم بالفناء إلى سقوط الأوصاف المذمومة
وأشاروا بالبقاء إلى قيام الأوصاف المحمودة به
وإذا كان العبد لا يخلو عن أحد هذين القسمين فمن المعلوم أنه إذا لم يكن أحد القسمين كان القسم الآخر لا محالة فمن فني عن أوصافه المذمومة ظهرت عليه الصفات المحمودة ومن غلبت عليه الخصال المذمومة استترت عنه الصفات المحمودة
وصاحب البقاء يقوم عن الله وصاحب الفناء يقوم الله عنه العمل وقوله وما تردّدت في شيء أنا فاعله أكثر من تردّدى فى قبض روح عبدى المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه
اعلم أن التردد يجب تأويله ولا يحمل على ظاهره وإنما التردد في المخلوقين إما لتقابل الجواذب وإما لانبهام العواقب وذلك محال في حق الله سبحانه وإنما المراد بالتردد ههنا أن سابق علم الله يقتضى وفاة العبد في الوقت الذى سبق العلم بتعيينه وصفة الرأفة تقتضى دفع ذلك لولا ما سبق العلم وقد أشار الحق سبحانه إلى صفة الرأفة بقوله يكره الموت وأكره مساءته وأشار إلى صفة العلم بقوله ولابد له
انعطاف
منه
واعلم رحمك الله بإقباله عليك وجعل أنواره واصلة إليك أنهما ولايتان ولى يتولى الله وولى يتولاه الله وقد قال الله عزّ وجلّ في الولاية الأولى
ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ۹۹
وقال في الولاية الثانية لو وهو يتولى الصالحين ١٠٠
وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه من أجل مواهب الله الرضا بمواقع القضاء والصبر عند نزول البلاء والتوكل على الله عند الشدائد والرجوع إليه عند النوائب
فمن خرجت له هذه الأربع من خزائن الأعمال على بساط المجاهدة ومتابعة السنة والاقتداء بالأئمة فقد صحت ولايته لله ولرسوله وللمؤمنين ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب
الله
هم
الغالبون
ومن خرجت له من خزائن المنن على بساط المحبة فقد تمت ولاية الله له بقوله وهو يتولى الصالحين
ففرق بين الولايتين فعبد يتولّى الله وعبد يتولاه الله فهما ولايتان صغرى وكبرى فولايتك لله خرجت من المجاهدة وولايتك لرسوله خرجت من متابعتك لسنته وولايتك للمؤمنين خرجت من الاقتداء بالأئمة فافهم ذلك من قوله
ومن يتول الله ورسوله الآية
واعلم رحمك الله بورود عواطفه ۱۰۱ وفهمك لطائف عوارفه أن الصلاح الذي في قوله عزّ
وجل
وهو يتولى الصالحين
۹۹ المائدة ٥٦ ١٠٠ الأعراف ١٩٦
۱۰۱ أي يمنحه وعطاياه
٤٧
ليس مرادا به الصلاح الذي يقصده أهل الطريق عند تفصيل المراتب فيقولون فلان صالح وشهيد وولى بل الصلاح هنا المراد به الذين صلحوا لحضرته بتحقيق الفناء عن خليقته ألم تسمع قول الله سبحانه حاكيًا عن يوسف عليه السلام
وتوفنى مسلما وألحقني بالصالحين أراد بالصالحين هنا المرسلين من آبائه لأن الله أهلهم لنبوته ورسالته فكانوا لها أهلاً وإن شئت قلت هما ولايتان ولاية الإيمان وولاية الإيقان فولاية الإيمان قول الله سبحانه الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ۱۰
وفى هذه الآية فوائد
الفائدة الأولى اختصاص اسم الله بالذكر فى هذا الموطن دون ما سواه من الأسماء فقال الله
سبحانه
والله ولى الذين آمنوا
ولم يقل الرحمن ولا القهار ولا غير ذلك من الأسماء التي تتضمن الأوصاف لأنه أراد أن يعرفك شمول ولايته لعباده المؤمنين من الاسم الجامع لجميع الأسماء فلو ذكر اسما من أسماء الأوصاف لكانت الولاية من حيثية ذلك الاسم
الفائدة الثانية ربط الولاية بالإيمان ليعرفك عزازة قدر الإيمان وعلو منصبه حتى كان سبباً لثبوت ولاية الله للعبد ولا يفهم من هذه الآية اختصاص الولاية بمن وقع منه الإيمان قبل نزول هذا الخطاب لإتيانه بصيغة الماضى بل المراد أن من قام به الإيمان وجبت ولاية الله له أي وقت كان ذلك الإيمان وقد تساق الأفعال على صيغة خاصة وليس المراد خصوص تلك الصيغة كما تقول قد أفلح من آمن وخاب من كفر ألا ترى أن المراد بالأول قد أفلح من كان منه إيمان وقد خاب من كان منه كفر من غير تعرض لزمن معين
الفائدة الثالثة دلّ سبحانه بقوله يخرجهم من الظلمات إلى النور على وسع رحمته وسبوغ
نعمته إذ لما قال
الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور علم أنهم قد يدخلون في الظلمات ولكن الله لولايته إياهم يتولى إخراجهم كما قال في الآية
الأخرى
والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون فساق ذلك مساق المدح للمؤمنين كما ساق قوله يخرجهم من الظلمات إلى النور مساق
۱۰ البقرة ٢٥٧
٤٨
البشارة لهم ولم يقل والذين لا يفعلون الفاحشة إذ لو قال ذلك لم يدخل فيه إلا أهل الاعتناء
الأكبر
وكذلك قوله
وإذا ما غضبوا هم يغفرون ۱۰۳
وكذلك قوله والكاظمين الغيظ ١٠٤
فمدحهم بالمغفرة بعد الغضب ولم يقل والذين لا يغضبون فيصفهم بفقدان الغضب أصلاً إذ البشرية التى هم متصفون بها لا تقتضى ذلك
الفائدة الرابعة إعلام الحق سبحانه في هذه الآية المؤمنين ببشارة عظمى تتضمنها ولايته لأنها تضمنت كل خير من خيور١٠٥ الدنيا والآخرة من نور وعلم وفتح وشهود ومغفرة ويقين وتأييد ووجود مزيد وحور وقصور وأنهار وثمار ورؤية الله ورضى عن الله ومن الله وما بين ذلك من الحشر مع المتقين وأخذ الكتاب باليمين وثقل ميزان الحسنات والتثبيت على الصراط وما سوى ذلك من المنح والمواهب التي تضمنتها ولاية الله لعباده المؤمنين فهي البشارة التي تضمنت كل بشارة
ا واعلم
ولاية الله تتضمن النفع والدفع
أما النفع فمن قوله
فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها ١٠٦
ومن قوله فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسناك ١٠٧ وفي هذه وصف الكافرين فمفهومه أن الإيمان ينفع المؤمنين ولو عند رؤية البأس وكذلك قوله ويوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنتُ من قبل أو كسبت في إيمانها
خيرا ۱۰۸ فمفهومه إذا كانت مؤمنةً من قبل نفعها ۱۰۹ بإيمانها
وأما الدفع فمن قوله
إن الله يدافع عن الذين آمنوا ١١٠
وتتضمن النصر لقوله وكان حقا علينا نصر المؤمنين ١١١
وتتضمن النجاة لقوله وكذلك تنجى المؤمنين ۱۱
۱۰۳ الشورى ۳۷ ١٠٤ آل عمران ١٣٤
١٠٥ جمع خير ١٠٦ یونس ۹۸ ۱۰۷ غافر ٨٥
۱۰۸ الأنعام ١٥٨
۱۰۹ أي انتفاعها بإيمانها
۱۱۰ الحج ۳۸
۱۱۱ الروم ٤٧ ۱۱ الأنبياء ۸۸
الفائدة الخامسة قوله
يخرجهم من الظلمات إلى النور أي يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان
ومن
ظلمات البدعة إلى نور السنة
ومن ظلمات الغفلة إلى نور اليقظة
ومن ظلمات المحظوظ إلى نور الحقوق
ومن ظلمات طلب الدنيا إلى نور طلب الآخرة
ومن
ومن
ظلمات المعصية إلى نور الطاعة
ظلمات الكتائف إلى نور اللطائف
ومن ظلمات الهوى إلى نور التقوى
ومن
ظلمات الدعوى إلى إشراق نور التبرى من الحول والقوى
ومن ظلمات الكون إلى شهود المكون
ومن ظلمات التدبير إلى إشراق نور التفويض
أوليان
إلى غير ذلك مما لا يحصره العد مما يخرجهم منه ويخرجهم إليه الولاية الثانية ولاية الإيقان وهى تتضمن الإيمان والتوكل وقد قال الله سبحانه ومن يتوكل على الله فهو حسبه ۱۱۳ قال
2
ولا يكون التوكل إلا مع اليقين ولا يكون يقين وتوكل إلا مع إيمان لأن اليقين عبارة عن استقرار العلم بالله فى القلب مأخوذ من يقن الماء في الجبل إذا سكن فيه فكل يقين إيمان وليس
كل إيمان يقينا
والفرق بينهما أن الإيمان قد تكون معه الغفلة واليقين لا تجامعه الغفلة
وإن شئت قلت هما ولايتان ولاية الصادقين وولاية الصديقين فولاية الصادقين بإخلاص العمل لله والقيام بالوفاء مع الله طلبا للجزاء من الله وولاية الصديقين بالفناء عما سوى الله والبقاء في كل شيء بالله وقد قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه في بعض كتب الله المنزلة على أنبيائه قال الله من أطاعني في كل شيء أطعته في كل شيء
فقال الشيخ أبو الحسن من أطاعنى فى كل شيء بهجرانه لكل شيء أطعته في كل شيء بأن أتجلى له فى كل شيء حتى يرانى أقرب إليه من كل شيء هذه طريق أولى وهى طريق السالكين
۱۱۳ الطلاق ۳
وطريق كبرى من أطاعنى في كل شيء بإقباله على كل شيء لحسن إرادة مولاه في كل شيء
أطعته في كل شيء بأن أتجلّى له في كل شيء حتى يراني كأني عين كل شيء وإذ قد عرفت هذا فاعلم أنهما وليان ولى يفنى عن كل شيء فلا يشهد مع الله شيئًا وولى يبقى في كل شيء فيشهد الله في كل شيء وهذا أتم لأن الله سبحانه لم يظهر المملكة إلا كي يشهد فيها فالكائنات مرايا الصفات فمن غاب عن الكون غاب عن شهود الحق فيه فما نصبت الكائنات لتراها ولكن لترى فيها مولاها فمراد الحق منك أن تراها بعين من لا يراها تراها من حيث ظهوره فيها ولا تراها من حيث كونيتها ولنا في هذا المعنى
ما أبينت لك العوالم إلا لتراها بعين من لا يراها فارق عنها رقى من ليس يرضى حالة دون أن یری مولاها فالناظر للكائنات غير شاهد للحق فيها غافل والفاني عنها عبد بسطوات الشهود ذاهل والشاهد للحق فيها عبد مخصص كامل وإنما ترفع الهمة عن الكون من حيث كونيته لا من حيث ظهور الحق فيه وذلك لعدم نفوذهم إليه فى كل شيء لا لعدم ظهوره في كل شيء فإنه ظاهر في كل شيء حتى إنه ظاهر فيها به احتجب فلا حجاب ولنا في هذا المعنى أرى الكل محتاجًا وأنت لك الغنى ومثلي من يخطى ومثلك من يعفو وأنت الذي تبدى الوداد تكرّما ومثلك من يرعى ومثلى من يجفو وما طاب عيش لم تكن فيه واصلا ولم يصف – لا والله - أنى له يصفو عزمت على أن أترك الكون كله وأقفو سبيل الحب والمجتبى يقفو شهودك يجلو والحجاب لأنه إذا حقق التحقيق صار هو الكشف وما أحسن الأحباب في كل حالة فلله ما يبدو والله ما يخفو وإن الأولى لم يشهدوك بمشهد قلوبهم عن نيل سرّ الهوى غلف ١١٤ وأنت الذي أظهرت ثم ظهرت في جميع المبادئ مثل ما شهد العرف ظهرت لكل الكون فالكون مظهر وفيه له أيضا كما جاءت الصحف فؤاد عن ودادك ينثنى وأية عين بعد قربك لى تغفو وأية نفس لم يملها هواك على حبكم طرا نفوسُ الورى وقف
فأي
وإن شئت قلت هما ولايتان ولاية دليل وبرهان وولاية شهود وعيان ولاية الدليل والبرهان
لأهل الاعتبار وولاية الشهود والعيان لأهل الاستبصار فلأهل الولاية الأولى قوله سبحانه
وستريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ١١٥
ولأهل الولاية الثانية
قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ١١٦
١١٤ أي مغطاة عن الحق
١١٥ فصلت ٥٣
١١٦ الأنعام ٩١
۵۱
وأرباب الدليل والبرهان عموم عند أهل الشهود والعيان لأن أهل الشهود والعيان قدسوا الحق في ظهوره أن يحتاج إلى دليل يدل عليه وكيف يحتاج إلى الدليل من نصب الدليل وكيف
يكون معروفا به وهو المعرف له
قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه كيف يعرف بالمعارف من به عرفت المعارف أم كيف
يعرف بشيء من سبق وجوده وجود كل شيء
وقال مريد لشيخه يا أستاذ أين الله فقال أسحقك الله أتطلب مع العين أين وأنشد بعض العارفين
لقد ظهرت فلا تخفى على أحد إلا على أكمه لا يبصر القمرا ثم استترت عن الأبصار يا صمد فكيف يعرف من بالعزة استترا فما احتجب الحق عن العباد إلا بعظيم ظهوره ولا منع الأبصار أن تشهده إلا قهارية نوره فعظيم القرب هو الذى غيب عنك شهود القرب
قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه
حقيقة القرب أن تغيب في القرب عن القرب لعظيم القرب كمن يشم رائحة المسك فلا يزال يدنو منها وكلما دنا منها تزايد ريحها فلما دخل البيت الذى هو فيه انقطعت رائحته عنه
وأنشد بعض العارفين
كم ذا تموه بالشعبين والعلم والأمر أوضح من نار على علم أراك تسأل عن نجد وأنت بها وعن تهامة هذا فعل متهم ووجدت بخط شيخنا أبي العباس رضي الله عنه أعندك
وينشر
من ليلى حديث محرر بإيراده يحيى الرميم فعهدی بها العهد القديم وإنني على كل حال في هواها مقصر وقد كان منها الطيف قدما يزورنى ولما يزر ما باله يتعذر فهل بخلت حتي بطيف خيالها أم اعتل حتى لا يصح التصور ومن وجه ليلى طلعة الشمس تستضى لي وفى الشمس أبصار الورى تتخير وما احتجبت إلا برفع حجابها ومن عجبي أن الظهور تستر
واعلم أن الأدلة إنما نصبت لمن يطلب الحق لا لمن يشهده فإن الشاهد غنى بوضوح الشهود عن أن يحتاج إلى دليل فتكون المعرفة باعتبار توصيل الوسائل إليها كسبية ثم تعود في نهايتها
ضرورية
منها
وإذا كان من الكائنات ما هو غنى بوضوحه عن إقامة دليل فالمكون أولى بغناه عن الدليل
وقد قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه
إنا لننظر إلى الله ببصائر الإيمان والإيقان فأغنانا ذلك عن الدليل والبرهان وإنا لا نرى أحدا
۵
من الخلق هل في الوجود أحد سوى الملك الحق وإن كان ولابد فكالهباء في الهواء إن
تجده شيئا
ومن
أعجب العجب أن تكون الكائنات موصلة إليه فليت شعري هل لها وجود معه حتى توصل إليه أو هل له من الوضوح ما ليس له حتى تكون هي المظهرة له وإن كانت الكائنات موصلة إليه فليس ذلك لها من حيث ذاتها ولكن هو الذى ولاها رتبة التوصيل فوصلت فما وصل إليه غير إلاهيته ولكن الحكيم هو واضع الأسباب وهي لمن وقف عندها ولم ينفذ إلى قدرته عين الحجاب وقد قال الراوى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثر سحابة كانت من الليل فقال
وكافر بی
أتدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال قال ربكم أصبح من عبادي مؤمن بي فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بى كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنجم كذا أو بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب رواه مالك فى موطنه ۱۱۷ فلابد من الأسباب وجودًا ولابد من الغيبة عنها شهودًا وكيف تكون الكائنات مظهرة له وهو الذى أظهرها أو معرفة له وهو الذي عرفها فإن قلت فقد جاء في الحديث من عرف نفسه عرف ربه فهذا يدل على أن معرفة النفس
موصلة إلى معرفة الله وهى كون من الأكوان ففيه إثبات توصيل الكائنات إليه فاعلم أنى سمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول في هذا الحديث تأويلان أحدهما أى من عرف نفسه بذلها وعجزها وفقرها عرف الله بعزه وقدرته وغناه فتكون معرفة النفس أولاً ثم معرفة الله من بعد والتأويل الثاني من عرف نفسه عرف ربه أى من عرف نفسه فقد دلّ ذلك منه على أنه عرف الله من قبل فالأول حال السالكين والثاني حال المجذوبين
واعلم بسط الله لك بساط منته وجعلك من أهل حضرته أن الله سبحانه إذا تولّى وليا صان قلبه من الأغيار وحرسه بدوام الأنوار حتى لقد قال بعض العارفين إذا كان الحق سبحانه قد حرس السماء بالكواكب والشهب كيلا يسترق السمع منها فقلب المؤمن أولى بذلك لقول الله سبحانه فيا يحكيه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تسعنى أرضى ولا سمائى ويسعنى قلب عبدى المؤمن ۱۱۸ فانظر رحمك الله هذا الأمر الأكبر الذى أعطيه هذا القلب حتى صار لهذه الرتبة أهلا ولقد قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه لو كشف عن نور المؤمن العاصي لطبق ما بين السماء والأرض فما ظنك بنور المؤمن المطيع ولقد سمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول لو كشف عن حقيقة الولى لعبد لأن
۱۱۷ ورواه البخاري ومسلم ۱۱۸ لعل أصل هذا الحديث ما رواه الطبراني من حديث أبي عتبة الخولاني من قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله آنية من أهل الأرض وأنية ربكم قلوب عباده الصالحين
٥٣
أوصافه من أوصافى ونعوته من نعوتى ولقد أخبرني بعض المريدين قال صليت خلف شیخی صلاةً فشهدت ما أبهر عقلى وذلك أنى شهدت بدن الشيخ والأنوار قد ملأته وانبتت الأنوار من وجوده حتى أننى لم أستطيع النظر إليه فلو كشف الحق عن مشرقات أنوار قلوب أوليائه لانطوى نور الشمس والقمر فى مشرقات أنوار قلوبهم وأين نور الشمس والقمر من أنوارهم الشمس يطرأ عليها الكسوف والغروب وأنوار قلوب أوليائه لا كسوف لها ولا غروب ولذلك قال قائلهم إن شمس النهار تغرب باللي ل وشمس القلوب ليست تغيب ونور الشمس يُشهد به الآثار ونور اليقين يشهد به المؤثر
ولنا في هذا المعنى
هذه الشمس قابلتنا بنور وَلَشَّمْسُ اليقين أبهر نورا فرأينا بهذه النور لكنا بهاتيك قد رأينا المنيرا لكن الحق سبحانه يوفى أعيان الكائنات حقها ويعطيها قسطها فيقدر لكن كون رتبته ويوفيه دولته فلذلك ستر سرّ الخصوصية فى وجود البشرية ولابد للشمس من سحاب وللحسناء من نقاب وهل يكون الكنز إلا مدفونا والسرّ إلا مصونا وضع ذلك سبحانه ليكون سرّ الولاية غيبا فيكون المؤمن به مؤمنا به مؤمناً بالغيب وأيضًا أجلَّ ولايته أن يُظهره في دار لابقاء لها فأرخى عليه ذيل الستر حتى إذا كانت الدار الآخرة التى رضيها أهلا لظهوره واقترابه ووجود کشف حجابه
كذلك يكشف الحجاب هنالك عن سرّ الولاية ويجل مقداره ويرفع مناره ۱۱۹ ۱۱۹ حين بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم الجهر بدعوته بعد نحو ثلاث سنوات من الإسرار بها فإنه صلوات الله وسلامه عليه لم يبدأ بإثبات وجود الله وإنما بدأ بالبرهنة على صدقه هو وتحدى العرب بصدقه ومن قبل ذلك حين فاجأه الملك فى الغار ونزل الوحى لم يبدأ الملك أو لم يبدأ الوحى بإثبات وجود الله وإنما بدأ بالأمر بأن يقرأ الرسول صلوات الله وسلامه عليه باسم ربه واقرأ باسم ربك الذي خلق ومضى القرن الأول كله ولم يحاول إنسان قط أن يتحدث حديثاً عابراً أو مستفيضا عن إثبات وجود الله - تعالى - ومضى أكثر القرن الثانى والمسألة - فيها يتعلق بوجود الله لا توضع موضع البحث ذلك أن وجود الله إنما هو أمر بدهى لا ينبغي أن يتحدث فيه المؤمنون نفيا أو إثباتا ولا سلبًا أو إيجابا ! إن وجود الله من القضايا المسلمة التي لا توضع في الأوساط الدينية موضع البحث لأنها فطرية وإن كل شخص يحاول وضعها موضع البحث إنما هو شخص في إيمانه دخل
وفي دينه انحراف فما خفى الله قط حتى يحتاج إلى أن يثبته البشر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ومن المعروف أن الدين الإسلامي لم يجىء لإثبات وجود الله وإنما جاء لتوحيد الله وإذا تصفحت القرآن أو التوراة - حتى على وضعها الحالى - أو الإنجيل - حتى في وضعه الراهن فإنك لا تجد أن مسألة وجود الله قد اتخذت في أي سفر منها مكانة تجعلها هدفًا من الأهداف الدينية أو احتلت مكانا يشعر بأنها من مقاصد الرسالة السماوية
والقرآن الكريم يتحدث عن بداهة وجود الله حتى عند ذوى العقائد المنحرفة يقول سبحانه ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن اللهم إنهم يقولون إن الخالق هو الله مع أنهم مشركون أو منحرفون بوجه من الوجوه في إيمانهم بالله تعالى وما نزلت الأديان قط لإثبات وجود الله وإنما نزلت لتصحيح الاعتقاد في الله أو لتصحيح طريق الوحيد
أما الآيات الكثيرة التى يظن بعض الناس أنها نزلت لإثبات الوجود فليست من ذلك فى قليل ولا فى كثير إنها تبين عظمة الله وجلاله وكبرياءه وهيمنته الكاملة على العالم ما عظم من أمره ودق منه لا تفوت هيمنته صغيرة ولا كبيرة ولا يخرج عن
=
٥٤
فاعلم رحمك الله أن من أراد الله به أن يكون داعيا إليه من أوليائه فلابد من إظهاره للعياد إذ
سلطانه ما دق وما جل
وقد أنت على هذا الوضع لتقود الإنسان إلى إسلام وجهه الله إسلاماً كاملاً بحيث لا يصدر ولا يرد إلا باسمه سبحانه ولا يأتي ما يأتي أو يدع ما يدع إلا في سبيله تعالى ومضى القرن الأول على ذلك ومضى القرن الثانى - أو أكثره - على الفطرة ثم كانت الفلسفة اليونانية والفلسفة اليونانية فلسفة وثنية لأنها تصدر عن العقل لا عن الوحى وكل فكرة تصدر عن العقل لا عن الوحى في عالم ما وراء الطبيعة أي في عالم العقيدة إنما هي فكرة وثنية أي أنها فكرة لا حق لها في الوجود لأن عالم العقيدة إنما هو من اختصاص الله ببينه على لسان رسله وكل تدخل من الإنسان في هذا العالم إنما هو تدخل فيها ليس للإنسان التدخل فيه لأنه اقتحام الساحة محرمة مقدسة لا ينبغي أن يدخلها الإنسان إلا دخول الساجد الخاشع الخاضع المسلم لما جاء به الوحي الإلهي إن الفلسفة اليونانية في عالم العقيدة فلسفة وثنية إنها وثنية حتى حين تثبت وجود الله ولا يخرجها إثباتها وجود الله عن أن تكون وثنية إنها وثنية بالمبدأ الذى قامت عليه وهو مبدأ تأليه العقل البشرى ويستوى بعد ذلك أن تكون قد أثبتت وجود الله أو أنكرته
وهي حينها تثبت وجود الله عقليا ليس في ذاك كبير فائدة ولا يبرر ذلك وجودها ولا قيمة لما تثبته وإثباتها والعدم سواء ذلك أن العقل الذي أثبت هو العقل الذى يمكنه أن ينكر وهو العقل الذي ينكر بالفعل ولا لزوم إذن للطنطنة والتصفيق الذي نحيي به كل عبقرية فكرية في الشرق أو فى الغرب تحاول فكريا أن تثبت وجود الله إننا لا نقيم عقيدتنا على فكر بشرى مهما كان هذا الفكر عبقريا
ويجب على المؤمن ألا يقيم وزنا - أي وزن - لأى نتاج فكرى فى عالم ما وراء الطبيعة سواء خالف معتقده أو وافقه إنه في معتقده يدين الله وحده وكفى بالله مصدرًا وكفى بالله هاديًا وكفى بالله مرشدًا ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم ومن يعتصم بالله فهو حسبه
إن كل ما عدا الهدى الإلهى فى عالم الدين إنما هو وثنية وضلال كانت الفلسفة اليونانية فلسفة وثنية بشرية وقد أرادت أن تجد لجاما يعصمها من الخطأ فاخترعت فنا وتنيا آخر هو فن
المنطق فما أجدى ولا أغنى ولا تقدّم بالفكر الوثنى فى عالم الصواب شروي نقير! وبقيت هذه الفلسفة الوثنية - عبر القرون على ما هي عليه فيها كل سمات الوثنية من ضلال وخرافات ولقد كانت الأمة اليونانية معذورة بعض العذر فما كان في ربوعها دين منزل من السماء تلجأ إليه مهتدية مستر شدة وما كان مثلها في ذلك إلا كمثل العصر الجاهلى فى الجزيرة العربية فلجأت إلى العقل والهته وأخذت تثبت به وتنكر فضلت وأضلت جاءت الديانة النصرانية مصححة للوضع فعزلت فكرة الألوهية من تدنيس الوثنية وسمت بالله جل جلاله عن أن تضع وجوده موضع البحث ثم تسلّلت إليها - كمكروب خبيث - وثنية اليونان فجعلت من وجود الله - مجرد وجود الله بابا ضخا من أبواب البحث أو من أبواب اللاهوت الكنسى ونزلت بذلك الفكر الدينية المقدسة عن الله إلى مستوى الجو الوثني البشرى وجاء الإسلام تطهيرا كاملا للعقيدة وتزكية تامة للإيمان وأعلن بمجرد التسمية الإسلام الحرب على التدخل البشرى في دين الله ورسالته فما جاء الإسلام إلا للاستسلام المطلق لله سبحانه وتعالى إنه الاسترسال مع الله على ما يرضيه وهل للإنسان غير هذا بالنسبة الله وهل للمؤمن أن يتصرف تصرفاً آخر وهل إذا تصرف تصرفا آخر سمى مؤمناً إن الاسترسال مع الله على ما يحب هو الإسلام وهو الدين لا دين غيره يقول الله تعالى إن الدين عند الله الإسلام ويقول سبحانه
لو ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منهم
وإن كل من لا يستسلم له فى وحيه استسلاما مطلقا فإنه يبتغى - في قليل أو في كثير حسب انحرافه - غير الإسلام دينا ولقد كان الإسلام توجيها وكان مبادئ
ومن توجيه الإسلام أن وجود اله لا ينبغي أن يوضع موضع البحث وكل من وضعه موضع البحث فإنه بذلك يعدل عن
توجيه الله تعالى إلى توجيه بشرى إنه يبتغى غير الإسلام موجها ! ولقد ابتغى المسلمون الأول الإسلام توجيها كما ابتغوه مبادئ وسار الأمر على ذلك إلى أن تسللت الفلسفة اليونانية - =
لا يكون الدعاء إلى الله إلا كذلك ثم لابد أن يكسوه الحق سبحانه كسوتين الجلالة والبهاء
كمكروب خبيث - إلى الجو الإسلامي تسللت في عهد المأمون وتولى كبر هذا التسلل المأمون وشجعه على ذلك معتزلة عصره وقابل المؤمنون ذلك بكثير من النفور وحق لهم ذلك فما كان منطق الدين ولا منطق الفطرة السليمة يقضى بأن تكون راية العصمة راية الدين الإلهى مرفوعة ترفرف على ربوع الأمة الإسلامية في محيط العقيدة فتميل بهذه الراية قليلا أو كثيرا الترفع بجوارها راية أرسطو أو راية أيقون ورفع المأمون راية الانحراف الوثنية بجوار راية الهداية المعصومة وعارض المؤمنون واحتجوا وبينوا أن الوثنية ولو وافقت الدين فهي وثنية
ولكن النهج الوثني أخذ يقوى شيئًا فشيئًا ثم طلب التصريح بالإقامة واستوطن ا ومعاذ الله أن تكون عقائد الإسلام
الكبرى - الإيمان بالله وبالرسالة وبالبعث
قد تلوثت بالوثنية !
كلا وإنما الذي تلوث بالوثنية - وإلى حد كبير - إنما هو النهج والنزعة والاتجاه في البحث ومنهج البحث وليس ذلك بالأمر الهين أو الذي لا يؤبه له كلا ! - فذلك له خطورته فى جانب قوة الإيمان وضعفه
وفرق بين أن تأخذ قضايا الوحى مأخذ المستسلم المسترسل معها على ما تريد وأن تأخذها محكما فيها عقلك مؤولاً لها أو عادلاً بها إلى اتجاه خاص أو شارحًا لها على نزعة معينة
وبتعبير آخر فرق بين أن تصدر عن الوحى متفهماً له بعقلك وبين أن تصدر عن عقلك متفهماً للوحى ولعل بعض الناس لا يرى فرقًا في التعبيرين ولكن الفرق كبير إذا نظرنا إلى الوضع الإنساني فهو إما أن ينطلق عن الوحي قائدا العقل إلى الخضوع له وإما أن ينطلق عن العقل محاولاً تأويل الوحى بما يوافق النتائج التي وصل إليها العقل والأول طريق المؤمنين المسلمين والثانى طريق الفلاسفة أو نهج الوثنيين والنهج الوثنى - نهج إثبات وجود الله عقليا - أتاح الانحراف الكامل أى إنكار وجود الله فمادام النهج الوثني قد أعطى حق الوجود فإن الوثنية – كمنهج – تأتى بالوثنية
كنتائج ا
هذه نتيجة !
هو
الذي
إن وضع مسألة وجود الله موضع البحث هو الذى هيا لذوى الفطر المنحرفة أن يلحدوا في دين الله وأن يكفروا به سبحانه ! أما النتيجة الثانية فإنها ضعف الإيمان وإذا كنت تضع الوجود الإلهي - مجرد الوجود – موضع بحث فمعنى ذلك أنك وضعته موضع شك وربية ولو لم يكن كذلك وضع موضع البحث وإذا كان الوجود الإلهى - مجرد الوجود - موضع شك ورببة فماذا بقى من أمور الدين لا يوضع موضع شك وريبة ! إن الإيمان في هذه الأوضاع الوثنية لا يتأتى له إلا أن يخبو شيئًا فشيئًا حتى يصبح كلا إيمانا وهذا هو ما حدث لبعض الأفراد في الأمة الإسلامية لقد وصل إيمانهم إلى درجة يشبه أن يكون معدوماً وما ذلك إلا لتغلغل النهجى الوثنى في بحث قضايا الدين ومبادئه لقد أصبحت قضايا الدين - كل قضاياه - موضع بحث وهل يتأتى أن تبقى قضية من قضايا الدين في مجال البقين بعد أن وضع وجود الله - مجرد وجوده سبحانه - موضع البحث نستغفرك اللهم ونتوب إليك ونعود فنقول إن الدين في نفسه محفوظ يحفظ الله لكتابه العزيز
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
ولكن الذي تشكو منه إنما هو النهج أو المنهج أو النزعة أو الاتجاه في البحث إن الذي تشكو منه إنما هو منهج البحث الوثنى وإن شئت قلت إنما هو منهج البحث اليونانى سئل أحد العارفين عن الدليل على الله فقال الله ! فقيل له فما العقل فقال العقل عاجز لا يدل إلا على عاجز مثله !
أما الإمام الكبير العارف بالله ابن عطاء الله السكندرى الذى جمع بين رئاسة الشريعة ورئاسة الحقيقة فإنه يقول إلهى كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك
أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء!
00
٥٦
أما الجلالة فليعظمه العباد فيقفوا على حدود الأدب معه ويضع له في قلوب العباد هيبة يبصره بها ليكون إذا أمر ونهى مسموع رعا أمره ونهيه وجعل هذه الهيبة فى قلوب العباد من تمكين الحق له ليعينه على القيام له بالنصرة قال الله سبحانه الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وأتُوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر والله عاقبة الأمور ۱۰
وهى من إظهار إعزاز الحق لعباده المؤمنين قال الله سبحانه ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ۱۱
وهذه الهيبة التى جعلها الحق فى قلوب العباد لأوليائه سرت إليهم لا تبساط جاه المتبوع عليهم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب مسيرة شهر ۱ ألبسهم الحق ملابس هيبته وأظهر عليهم إجلال عظمته كلما نزلوا إلى أرض العبودية رفعهم إلى سماء الخصوصية فهم الملوك وإن لم تخفق عليهم البنود ۱۳ والأعزّاء وإن لم تسر أمامهم الجنود
والله در القائل في مالك بن أنس رضي الله عنه
يأبي الجواب فما يُراجع هيبة والسائلون نواكس الأذقان ي أدب الوقار وعن سلطان التقى فهو المطاع وليس ذا سلطان ملكه الله أمر نفسه وهواه فقد آتاه الله الملك قال الله تعالى
ومن
وقل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء ١٢٤
و سمعت شيخنا أبا العباس رضي الله عنه يقول
قال ملك من الملوك لبعض العارفين تمن على
فقال له ذلك العارف إلى تقول ولى عبدان قد ملكتهما وملكاك وقهرتهما وقهراك وهما الشهوة
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شي!
كيف يتصور
أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر في كل شي!
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء!
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء
وكيف يتصور
أن يحجبه شيء وهو الواحد الذي ليس معه شي
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أقرب إليك من كل شيء
كيف يتصور أن يحجبه شيء ولولاء ما كان وجود شيء من يستدل عليه المستدل به عرف الحق لأهله فأثبت الأمر من وجود أصله والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه ومتى بعد حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه !
شتان
بين
۱۰ الحج ٤١ ۱۱ المنافقون ۸
۱ رواه البخاري ومسلم والنسائي ۱۳ أي ترفرف الرايات
١٢٤ آل عمران ٢٦ - وما ذكره المؤلف رضى الله عنه هو بعض ما تشير إليه الآية الكريمة وهي عامة فهي تشمل الملك في الآفاق - كل الآفاق - وفى الأنفس أنه سبحانه المالك للسماوات والأرض وما بين السماوات والأرض وهو سبحانه المملك من يشاء لمن يشاء ومع تمليكه ما يشاء لمن يشاء فهو المالك الدائم لكل ما خلق ويخلق
والحرص فأنت عبد عبدى فكيف أتمنى على عبد عبدى !
ov
الكسوة الثانية التى يكسوها الحق سبحانه لأوليائه إذا أظهرهم كسوة البهاء وذلك ليحليهم في قلوب عباده فينظرون إليهم بعين الألفة والمحبة فيكون ذلك باعنا لهم على الانقياد إليهم أفلا ترى كيف قال الله سبحانه في شأن موسی عليه السلام
وألقيت عليك محبة منى ١٢٥
الونيا
وقال سبحانه إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ١٢٦ ن فحلاهم بحلية الهيبة ليحبهم العباد فيجرهم حبهم إلى حب الله والحب في الله يوجب المحبة من الله لقوله صلى الله عليه وسلم حاكيًا عن الله وجبت محبتي للمتحابين في ۱۷
وهى مراتب أربع الحب الله والحب في الله والحب بالله والحب من الله الحب الله ابتداء والحب من الله انتهاء والحب فى الله وبالله واسطة بينهما
الحب الله هو أن تؤثره ولا تؤثر عليه سواه ۱۸ والحب فى الله أن تحب فيه من والاه والحب بالله أن يحب العبد من أحبه وما أحبه منقطعًا عن نفسه وهواه والحبُّ من الله هو أن يأخذك من كل شيء فلا تحب إلا إياه
وعلامة الحب الله دوام ذكره مع الحضور وعلامة الحب فى الله أن تحب من لم يحسن إليك بدنيا من أهل الطاعة والخير وعلامة الحب بالله أن يكون باعث الحظ بنور الله مقهورا وعلامة الحب من الله أن يجذبك إليه فيجعل ما سواه عنك مستورا
وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه
من أحب الله وأحب الله فقد تمت ولايته بالحب
والمحبُّ على الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه ولا مشيئة له غير مشيئته فإذا من ثبتت ولايته من الله لا يكره الموت وبعلم ذلك من قوله تعالى
وقل يأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء الله مِن دونِ الناس فتمنوا الموت إن كنتم
صادقین ۱۹
فإذا الولى على الحقيقة لا يكره الموت إن عرض عليه
وقد أحب الله من لا محبوب له سواه وأحب له من لا يحب شيئًا لهواه وأحب لقاءه من ذاق
أنس مولاه
۱۵ طه ۳۹ ١٢٦ مريم ٩٦
۱۷ قال النووى حديث صحيح رواه مالك في الموطأ
۱۸ يقول الله سبحانه
قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمرهم
۱۹ الجمعة ٦
۵۸
ويتمحض لك الحب له فى عشرة فاعتبرها فيها وراءها
في الرسول ۱۳۰ والصديق والفاروق والصحابة والتابعين والأولياء والعلماء الهداة إلى الله تعالى والشهداء والصالحين والمؤمنين
فإذا افترق الأمر بعد الإيمان إلى عشرة أشياء إلى السنة والبدعة والهداية والضلالة والطاعة والمعصية والعدل والجور والحق والباطل وميزت وأحببت وأبغضت فأحب له وأبغض له ولست تبالي بأيهما كنت وقد يجتمع لك الوصفان في شخص واحد ويجب عليك القيام بحقهما جميعا فإذا قد بان لك الحب الله فى العشرة الأول فانظر هل ترى للهوى هناك أثرًا فكذلك فاعتبر حب من حضر من إخوانك الصادقين والمشايخ الصالحين والعلماء المهتدين وسائر من حضر ومن لم يحضر ممن غاب عنك أو مات فإن وجدت قلبك لا متعلّق له بمن حضر كما لا متعلق له بمن غاب عنك أو مات فقد خلص الحب من الهوى وثبت الحب الله وإن وجدت شيئًا يتعلّق به فيمن تحب أو فيما تحب فارجع إلى العلم وأتقن النظر في الأقسام الخمسة من الواجب والمندوب إليه والمكروه والمحظور
والمباح واعلم أن قول الشيخ من ثبتت ولايته لا يكره الموت هذا ميزان أعطاه للمريدين ليزنوا به نفوسهم إذا ادعى فيهم أو أدعوا ولاية الله فإن من شأن النفوس وجود الدعاوى والتوثب إلى المراتب العالية من غير أن يسلك السبيل الموصلة إليها ولهذا قال سبحانه ﴿قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ۱۳۱
وقال هنا فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ۱۳
وقال الرسول الحارثة لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك لما قال الحارثة كيف أصبحت فقال أصبحت مؤمنا حقا ولا يحب الموت من فيه البقايا ولا من هو مصر على شيء من الخطايا
وجعل الله تمنى الموت شاهدا للولى بولايته وعدم تمنيه شاهدا للغوى بغوايته وقل سبحانه وأقيموا الوزن بالقسط ۱۳۳
والموت ميزان على الأفعال والأحوال كما هو ميزان في دائرة الرتب أما الرتب فكما تقدم وأما الأفعال والأحوال فإذا التبس عليك أمر أنت فيه لا تدرى هل رضا الله في تركه أو فعله أو
۱۳۰ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين رواه مسلم
ولقد قال سيدنا عمر مرة لرسول الله والله لأنت يا رسول الله أحب إلى من كل شيء إلا نفسي فقال لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال عمر فأنت الآن والله أحب إلى من نفسى فقال الآن يا عمر
۱۳۱ النمل ٦٤
۱۳ الجمعة ٦
۱۳۳ الرحمن ۹
حالة أنت بها لا تدرى هل قمت فيها بحق أو قمت فيها بهوى فأورد الموت على ما أنت فيه من أفعال وأحوال فكل حالة وعمل يثبت مع تقدير ورود الموت عليها ولم تنهزم فهي حق وكل حالة وعمل هزمها الموت فهى باطل إذ الموت حق والحق يهزم الباطل وبدمعه لقول الله عز وجل ابل نقذِفُ بالحق على الباطل فيدمعه فإذا هو زاهق ١٣٤
وقل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب ١٣٥
وقل جاء الحقُّ وَزَهَقَ الباطل إن الباطل كان زهوقا ١٣٦
وما كنت فيه قائاً بحق لم يهزمه الموت إذ هو حق والموت حق والحق لا يهزم الحق
وقد تجاريت الكلام أنا وبعض من يشتغل بالعلم فى أنه ينبغى إخلاص النية فيه وأنه لا يشتغل به إلا الله فقلت له الذى يقرأ العلم الله هو الذى إذا قلت له غدًا تموت لم يضع الكتاب من يده وربما غر الغافل من طلبة العلم قول من قال طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا الله وليس فى قول هذا القائل ما يستروح به من طلب العلم للرئاسة والمنافسة وإنما أخبر هذا القائل عن أمر من به عليه وفتنة سلمه الله منها لا يلزم أن يقاس عليه فيها غيره وذلك بمثابة من به مرض مزمن في المعى أعياه علاجه وضاق منه خلقه فأخذ خنجرا وضرب به مراق بطنه ليقتل نفسه فصادف ذلك المعى فقطعه فخرج الداء منه فهذا لا يستصوب العقلاء فعله وإن نجحت عاقبته وليست سلامة العواقب رافعة للعتب عن الملقين أنفسهم للتهلكة
ليس المغر بمحمود وإن سلما وقول الشيخ رضى الله عنه وقد أحب الله من لا محبوب له سواه فهو كلام يستدعى معرفة المحبة وما هي
اعلم أن المحبة هي من أجل مقامات اليقين حتى اختلف أهل الله أيهما أتم مقام المحبة أو مقام
الرضا
وإن كان الذى نقول به إن مقام الرضا أتم لأن المحبة ربما حكم سلطانها على المحب وقوى عليه وجود الشغف فأداه ذلك إلى طلب شهود ما لا يليق بمقامه ألا ترى أن المحب يريد دوام شهود الحبيب والراضى عن الله راضى عنه أشهده أم حجبه والمحب يحب دوام الوصلة والراضي عن الله راض عنه وصله أو قطعه إذ ليس هو مع ما يريد لنفسه بل إنما هو مع ما يريد الله له المحب طالب لدوام مراسلة الحبيب والراضى لا طلب له
ولنا في هذا المعنى
وكنت قديماً أطلب الوصل منهم فلما أتاني العلم وارتفع الجهل تيقنت أن العبد لا طلبا له فإن قربوا فضل وإن بعدوا عدل
١٣٤ الأنبياء ١٨
۱۳۵ سبأ ٤٨ ١٣٦ الإسراء ۸۱
٦٠
وإن أظهروا لم يظهروا غير وصفهم وإن ستروا فالستر من أجلهم يحلو وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه
متحصنا
المحبة آخذه من الله لقلب عبده عن كل شيء سواه فترى النفس مائلة لطاعته والعقل بمعرفته والروح مأخوذة في حضرته والسرّ مغمورًا فى مشاهدته والعبد يستزيد فيزاد ويفاتح بما هو أعذب من لذيذ مناجاته فيكسى حلل التقريب على بساط القرية ويمس أبكار الحقائق وثيبات العلوم فمن أجل ذلك قالوا
أولياء الله عرائس ولا يرى العرائس المجرمون
قال له القائل قد علمت الحب
فما شراب الحب
وما كأس الحب
ومن الساقي
وما الذوق
وما الشراب
وما الرى
وما السكر
وما الصحو
قال الشراب هو النور الساطع عن جمال المحبوب والكأس هو اللطف الموصل ذلك إلى أفواه القلوب
والساقى هو المتولى الأكبر للمخصوصين من أوليائه والصالحين من عباده وهو الله العالم بالمقادير ومصالح أحبائه فمن كشف له عن ذلك الجمال وحظى منه بشيء نفسا أو نفسين ثم أرخى عليه
الحجاب فهو الذائق المشتاق
ومن دام له ذلك ساعة أو ساعتين فهو الشارب حقا
ومن توالى عليه الأمر ودام له الشرب حتى امتلأت عروقه ومفاصله من أنوار الله المخزونة فذلك
هو الرى وربما غاب عن المحسوس والمعقول فلا يدرى ما يقال ولا ما يقول فذاك هو السكر وقد تدور عليهم الكئوس وتختلف لديهم الحالات فيردون إلى الذكر والطاعات ولا يحجبون عن الصفات ومع تزاحم المقدورات فذلك وقت صحوهم واتساع نظرهم ومزيد علمهم فهم بنجوم العلم وقمر التوحيد يهتدون في ليلهم
وبشموس المعارف يستضيئون في نهارهم
أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ۱۳۷
۱۳۷ المجادلة
قال الشيخ القطب عبد السلام بن مشيش شيخ الشيخ أبي الحسن رضى الله عنها الزم الطهارة من الشرك كلما أحدثت تطهرت من دنس حب الدنيا كلما ملت إلى شهوة أصلحت بالتوبة ما أفسدت بالهوى أو كدت وعليك بمحبة الله على التوقير والنزاهة وأدمن الشرب بكأسها مع السكر والصحو كلما أفقت أو تيقظت شربت حتى يكورك وصحوك به وحتى تغيب بجماله عن المحبة وعن الشراب والشرب والكأس بما يبدو لك من نور جماله وقدس كمال جلاله
من
ولعلى أُحَدِّثِ مَنْ لا يعرف المحبة ولا الشراب ولا الشرب ولا الكأس ولا السكر ولا الصحو قال له القائل أجل وكم من غريق في شيء لا يعرفُ بغرقه فعرفني ونبهني عما أجهل أو لما
به على وأنا عنه غافل
قلت لك نعم المحبة آخذة من الله تعالى قلب من أحب بما يكشف له من نور جماله وقدس
كمال جلاله
وشراب المحبة مزج الأوصاف بالأوصاف والأخلاق بالأخلاق والأنوار بالأنوار والأسماء بالأسماء والنعوت بالنعوت والأفعال بالأفعال ويتسع فيه النظر لمن شاء الله عز وجل والشرب سقى القلوب والأوصال والعروق من هذا الشراب حتى يسكر ويكون الشرب بالتدريب بعد التذويب والتهذيب فيسقى كل على قدره
فمنهم من يسقى بغير واسطة والله سبحانه يتولى ذلك منه له
ومنهم من يسقى من جهة الوسائط كالملائكة والعلماء والأكابر من المقربين فمنهم من يسكر بشهود الكأس ولم يذق بعد شيئًا فما ظنك بعد بالذوق وبعد بالشرب وبعد بالرى وبعد بالسكر بالمشروب
ثم الصحو بعد ذلك على مقادير شتى كما أن السكر أيضا كذلك والكأس مغرفة الحق يغرف بها من ذلك الشراب الطهور المحض الصافي لمن شاء من عباده المخصوصين من خلقه فتارة يشهد الشارب تلك الكأس صورة وتارة يشهدها معنوية وتارة يشهدها علمية فالصورة حظ الأبدان والأنفس والمعنوية حظ القلوب والعقول والعلمية حظ الأرواح والأسرار فياله من شراب ما أعذبه فطوبى لمن شرب منه وداوم عليه ولم يقطع نسأل الله من فضله وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ۱۳۸ وقد يجتمع جماعة من المحبين فيسقون من كأس واحدة وقد يسقون من كثوس كثيرة وقد يسقى الواحد بكأس وكئوس وقد تختلف الأشربة بحسب عدد الأكؤس وقد يختلف الشرب من
عنه
۱۳۸ الجمعة ٤
كأس واحدة وإن شرب منه الجم الغفير من الأحبة ١٣٩
۱۳۹ لقد حلق بنا المؤلف في موضوع المحبة في صورة أسمى ما تكون العواطف والواقع أن المحبة صراط الأولياء على حد تعبير الشبلي
إنها صراطهم الدائم حين يصلون إليها تلهج بها ألسنتهم وتمتلى بها قلوبهم إلى آخر نفس من حياتهم والناس في العواطف درجات فمنهم سلطان المحبين ومنهم سلطان العاشقين ومهما جمع بالإنسان أمر الحب ومهما كان سلطانه فإنه في الأوضاع الشرعية التي التزمها الصوفية له شروط وله علامات لن يتأتى أن يكون الحب بدونها يقول الله تعالى في حديث قدسي من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضه عليه وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بهاء وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه
وفى هذا الحديث الشريف يبدأ الله سبحانه بالتوجيه فى قوة إلى صفاء القلب وطهارة النية بالنسبة لأوليائه وأولياؤه هم
الذين آمنوا وكانوا يتقون
ومن عاداهم فإنما يعادى المؤمن النقي
ونتيجة هذه العداوة ما يقوله الله تعالى آذنته بالحرب
ثم يرسم الله سبحانه الطريق إلى حبه وأول خطوة في هذا الطريق
وأداء ما افترضه عليك
ولن يتأتى حب الله سبحانه دون الشرط الأول شرط القرب منه سبحانه وهو أداء الفرائض والحب دون أداء الفرائض زيف وكذب بل إن أداء الفرائض شرط لحسن الظن بالله لقد ترك قوم العمل وقالوا نحن نحسن الظن بالله - وكذبوا كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل!
لابد من أداء الفرائض وإلا لما كان لمهملها إلى القرب من الله تعالى من سبقي ومع أداء الفرائض - في وجوب القرب - الإكثار من النوافل فإذا أكثر من النوافل أحبه الله وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه
ويترتب على حب الله تعالى للعبد هذا الخير الكثير الذى ذكره الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي ويربط أسلافنا - رضوان الله عليهم - ربطا محكما بين محبة الله سبحانه واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم متناسقين في ذلك مع توجيه الله سبحانه وقل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وهذا الربط معناه الربط بين محبة الله تعالى والعمل ومقدمات محبة الله تعالى - في توفيقه
يقول الإمام أبو سعيد الخراز
طان النا
هی العمل ومن نتائج محبة الله سبحانه العمل
مال
وبلغنا عن الحسن البصرى رضى الله عنه أن ناسا قالوا - على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا رسول الله إنا نحب ربنا حبا شديدا فجعل الله تعالى لمحبته علما وأنزل عز وجل قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله
فمن صدق المحبة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه وزهده وأخلاقه والتأسي به في الأمور كلها والإعراض عن الدنيا وزهرتها وبهجتها فإن الله عز وجل جعل محمدا عليه الصلاة والسلام علما ودليلا وحجةً على أمته ومن صدق المحبة لله تعالى إيثار محبة الله عز وجل في جميع الأمور على نفسك وهواك وأن تبدأ في الأمور كلها بأمره قبل أمر نفسك
ويقول
فعلامة المحب الموافقة للمحبوب والتجارى مع طرقاته في كل الأمور والتقرب إليه بكل حيلة والهرب من كل ما لا يعينه
على مذهبه
انعطاف
ثم اعلم فتح الله بصيرتك لشهود أنواره ووالى عليك ورود معارفه وأسراره أن من أجل مواهب الله لأوليائه وجود العبارة
أما عن صلة المحبة بالإيمان فإن الإمام الغزالي يقول وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحب الله من شرط الإيمان في أخبار كثيرة إذ قال أبو زين العقيلي يا رسول الله ما الإيمان قال أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
وفي حديث آخر
لا يؤمن العبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين
وفي رواية ومن نفسه كيف وقد قال الله تعالى
قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين وإنما أجرى ذلك في معرض التهديد والإنكار اهـ
ومن أجمل تعبيرات المحبين عن شعورهم ما يقوله يحيى بن معاذ إلهى إنى مقيم بفنائك مشغول بثنائك صغيرًا أخذتني إليك وسربلتني بمعرفتك وأمكنتني من لطفك ونقلتني في الأحوال وقلبتنى فى الأعمال سترا وتوبة وزهدا وشوقاً ورضا وحبا تسقيني من حياضك وتمهلنى في رياضك ملازما لأمرك ومشغوفًا يقولك ولما طر شاربي ولاح طائري فكيف أنصرف اليوم عنك كبيرا وقد اعتدت هذا منك صغيرًا فلى ما بقيت حولك دندنة وبالضراعة إليك همهمة لأنى محب وكل محب بحبيبه شغوف
وعن غير حبيبه مصروف
وبعد
فإن ثمرة محبة الله تعالى هى ما قاله سبحانه عن أوليائه
ولهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم وهي أيضا أن يجد حلاوة الإيمان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلاث
من كن فيه وجد حلاوة الإيمان
1 - أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
- وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله
- وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يلقى في النار
ولقد سمع الناس كثيرا عن عاطفة الحب الإلهى عند السيدة رابعة العدوية رضى الله عنها وسمعوا عن حب الإمام ابن الفارض والإمام البرعى ونحب أن تضع بجوار هؤلاء شخصية نعتبرها نموذجا للصوفية في صلتهم بالله سبحانه إنها شخصية الإمام الشبلي وإذا كان الجم الغفير من الشعب الإسلامي قد أخذ فكرة عن الحب عند بعض الصوفية فإنه لم تتح له الفرصة لأخذ فكرة مستفيضة عن الحب عند الشبلى ولكن المؤرخين الحياة أبي بكر الشبلى يتحدثون عن حبه العميق وهيامه المستمر ومنهم مثلا
صاحب المحلية الذي يقول عنه ومنهم المجتذب الولهان والمستلب السكران الوارد العطشان اجتذب عن الكدور والأغيار واستلب إلى الحضور والأنوار وسقى بالدنان وأرتهن ممثلاً ريان أبو بكر الشهير بالشبلي وسيرى القارئ أن أسباب المحبة عنده وأن ثمارها وأن تصريفها وكل ما يحيط بها منغمس في جو من الاتباع الرسول الله وشعار من التزام الشريعة الغراء وهكذا يتخذ الصوفية الشريعة والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم أساسا لكل تصرفاتهم أما أسباب المحبة فإنها فيها يرى الشبلي نتيجة الهمة والهمة عند الصوفية هي التشمير والجد في العبادة
عن
ويقول الشبلي
إن من ملت همته ضعفت محبته
34
سمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول يكون الولى مشحونا بالعلوم والمعارف والحقائق الديه مشهودة حتى إذا أعطى العبارة كان كالإذن له من الله في الكلام ويجب أن تفهم أن من أذن له في التعبير بيت ١٤٠ في مسامع الخلق عبارته وحليت لديهم إشارته
وسمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول كلام المأذون له يخرج وعليه كسوة وطلاوة وكلام الذي لم يؤذن له يخرج مكسوف الأنوار حتى إن الرجلين ليتكلمان بالحقيقة الواحدة فتقبل أحدهما وترد على الآخر
ثم اعلم أن مبنى أمر الولى على الاكتفاء بالله والقناعة بعلمه والاعتناء بشهوده قال الله
سبحانه ومن يتوكل على الله فهو حسبه ١٤١ وقال سبحانه أليس الله بکاف عبده ١٤٢
فمع الهمة إذن صعودا وهبوطا تكون المحبة صعودا وهبوطا
ولقد جلس عنده جمع من المريدين فوجدهم غفلة لا يذكرون فقال في حزن كفى حزناً بالواله الصب أن يرى منازل من يهوى معطلة قفرا
وسئل مرة عن أعجب شيء فقال
من عرف الله ثم عصاه!
ولا يسر
المحب شيء
أكثر من موافقة من يحب
قال أبو القاسم عبدالله بن على البصرى قال رجل للشبلي
إلى ماذا تستريح قلوب المشتاقين قال إلى سرور من اشتاقوا إليه وموافقته وأنشد
بمهلكي فيه لأنى أسر بما يسر الإلف جدا
ولو سئلت عظامي عن بلاها لأنكرت البلى وسمعت جحدا ولو أخرجت من سقمى لنادى لهيب الشوق بي يسأله ردا ولابد للمحب من الأدب الكامل في القول فضلا الانبساط مع الحق بالقول ترك أدب
عن السلوك ويقول الشبلي
والمحبة رق للمحبوب وإذا سألت عن الفرق بين رق العبودية ورق المحبة فإن أحمد بن محم بن عمران قال سمعت الشيلى - وسئل - فقيل ما الفرق بين رق العبودية ورق المحبة فقال كم بين عبد إذا أعتق صار حرا وعبد كلما
أعنق ازداد رقا تم
أنشأ يقول
لتحشرن عظامي بعد إذ بليت يوم الحساب وفيها حبكم علق
وقد يسأل إنسان عن تعريف المحبة عند الشبلي ما هي
والجواب إنه يقول
المحبة اتباع أوامر المحبوب وتجنب نواهيه ومع ذلك فيجب الصدق والإخلاص وكتمان الحال مع بذل الجهد في المجاهدة ثم بعد ذلك لا توصل للمحبوب إلا بفضله قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوام
١٤٠ بهيت أي حسنت وراقت ١٤١ الطلاق ٣
١٤٢ الزمر ٣٦
0
وقال سبحانه ألم يعلم بأن الله يرى ١٤٣ وقال سبحانه أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ١٤٤ فمبنى أمرهم في بداياتهم على الفرار من الخلق والانفراد بالملك الحق وإخفاء الأعمال وكتم الأحوال تحقيقا لفنائهم وتثبيتا لزهدهم وعملا على سلامة قلوبهم وحبا في إخلاص أعمالهم لسيدهم حتى إذا تمكن اليقين وأيدوا بالرسوخ والتمكين وتحققوا بحقيقة الفناء وردوا إلى وجود البقاء فهنالك إن شاء الحق أظهرهم وإن شاء سترهم وإن شاء أظهرهم هادين لعباده إليه وإن شاء سترهم فاقتطعهم عن كل شيء
إليه وظهور الولى ليس بإرادته لنفسه ولكن بإرادة الله له بل مطلبه إن كان له مطلب الخفاء لا الجلاء كما قدمناه فلما لم يكن الظهور مطلبهم وأراد الله سبحانه إظهارهم فأظهرهم تولاهم في ذلك بتأييده و واردات مزيده لقوله يا عبد الرحمن بن سمرة لا تطلب الإمارة فإنك إن
أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت ١٤٥ إليها ومن تحقق منهم بالعبودية لله لم يطلب ظهورا ولا خفاء بل إرادته وقف على اختيار سيده له وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه من أحب الظهور فهو عبد الظهور ومن أحب الخفاء فهو عبد الخفاء ومن كان عبدا لله فسواء عليه أظهره أو أخفاه ولنختم هذه المقدمة بذكر كرامات أولياء الله جوازا ووقوعا وأقسام ذلك على سبيل الاختصار وكون هذا قد سبق إلى الكلام عليه بالإيعاب غيرنا قد أقام لنا الاعتذار لكنا ننبه على نكت ١٤٦ مفيدة لأولى الألباب ويكشف عن وجه حسنها ما أسدل عليه من نقاب ليكون ذلك مهيئا لك لقبول ما نورده عن هذه الطائفة من الكرامات وما نسنده إليهم من بواهر الآيات إن شاء الله
تعالى
١٤٣ العلق ١٤
١٤٥ رواه مسلم
١٤٤ فصلت ٥٣
١٤٦ أي مسائل
فصل في الكلام على الكرامات
اعلم أن الكلام في الكرامات ينحصر في طرفين
الطرف الأول الجواز والثاني الوقوع
أما الجواز فلا خفاء أن ظهور الكرامة من الأولياء من الممكنات لأنه لو لم يكن من الممكنات فإما أن يكون من الواجبات وما أن يكون من المستحيلات وباطل أن يكون من المستحيلات فإن المستحيل هو الذى لو قدر وجوده لزم منه محال عقلى ولا يلزم من تقدير وجود الكرامات محال عقلى وباطل أن يكون جريان الكرامات على الأولياء وجوبا إذا الطائفة مجمعة على أنه قد يكون الولى وليا وإن لم تخرق العادة له فتعين أن يكون من الجائزات وكل شيء كان من الجائزات لا يحيله العقل وكل ما لا يحيله العقل ولم يرد بعدم وقوعه نقل فجائز أن يكرم الله به أولياءه ثم إن هذه الكرامات قد تكون طيا للأرض ومشيا على الماء وطيرانا في الهواء وإطلاعا على كوائن كانت وكوائن بعد لم تكن من غير طريق العادة وتكثيرًا لطعام أو شراب أو إتيانا بثمرة في غير إبانها أو اتباع ماء من غير حفر أو تسخير حيوانات عادية أو إجابة دعوة بإتيان مطر في غير وقته أو صبرا عن الغذاء مدة تخرج عن طور العادة أو إثمارا لشجرة يابسة ما ليس عادتها أن تكون مثمرة له وهذه كلها كرامات ظاهرة حسية وكرامات هي عند أهل الله أفضل منها وأجل وهى الكرامة المعنوية كالمعرفة بالله والخشية له ودوام المراقبة له والمسارعة لامتثال أمره ونهيه والرسوخ فى اليقين والقوة والتمكين ودوام الثقة به وصدق التوكل عليه إلى غير ذلك
وسمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول
الطى على قسمين طى أصغر وطى أكبر فالطى الأصغر لعامة هذه الطائفة أن تطوى لهم الأرض من مشرقها إلى مغربها في نفس واحد
والطى الأكبر طى أوصاف النفوس
وصدق رضى الله عنه فإن طى الأرض لو أعجزك الله عنه وأفقدك إياه ما نقص ذلك من رتبتك عنده إذا قمت له بالوفاء في العبودية وطى أوصاف النفوس لو لم تقدم عليه به لكنت من المعتوبين وحشرت في زمرة الغافلين وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه إنما هما كرامتان جامعتان محيطتان كرامة الإيمان بمزيد الإيقان وشهود العيان وكرامة العمل على الاقتداء والمتابعة ومجانية الدعاوى والمخادعة فمن
أعطيها ثم جعل يشتاق إلى غيرهما فهو عبد مفتر كذاب وذو خطأ في العلم والعمل بالصواب كمن أكرم بشهود الملك على نعت الرضا فجعل يشتاق إلى سياسة الدواب وخلع الرضا وكل كرامة لا يصحبها الرضا من الله ومن الله فصاحبها مستدرج مغرور أو ناقص أو هالك مثبور واعلم أن اطلاع أولياء الله على بعض الغيوب لا يحيله العقل وقد ورد به النقل قال أبو بكر لعائشة رضى الله عنهما في مرض موته وزوجته حامل إنما هما أخواك وأختاك وبطن خارجة أراها جارية فأخبر بأن في بطن امرأته جارية وكان كما قال رضى الله عنه
وقال عمر رضى الله عنه يا سارية الجبل وسارية بأقصى العراق فسمع سارية صوته وكان قد أطلعه الله على سارية وقد أحاط به العدو فأمره بالانحياز إلى الجبل فانحاز هو والجيش الذي كان معه فانتصروا وظفروا وكان قد قال ذلك وهو في أثناء خطبته على المنبر فترك الخطبة وقال يا سارية الجبل وعاد إلى خطبته فجاء بعض الصحابة إلى على رضى الله عنه فقالوا له بينما عمر اليوم يخطب إذا ترك خطبته وقال يا سارية الجبل ثم عاد إلى خطبته فقال على ويحكم دعوا عمر فإنه ما دخل في شيء إلا كان له المخرج منه فبعد ذلك قدم سارية وأخبر عن ذلك اليوم أنه نداء عمر فى الوقت الذى نادى فيه عمر ١٤٧
سمع
وقول عثمان رضى الله عنه لداخل دخل عليه وكان قد نظر إلى محاسن امرأة في الطريق يدخل أحدكم وآثار الزنى بادية في وجهه
وأما على بن أبي طالب رضى الله عنه فقد جاء عنه في هذا الباب العجب العجاب حتى إنه ذكر الأخباريون عنه أنه أرجف بالكوفة أن معاوية قد مات فقال رضى الله عنه إذا بلغه ذلك والله ما مات ولن يموت حتى يملك ما تحت قدمى هاتين وإنما أراد ابن هند يشيع ذلك حتى يستثير علمى فيه فمن يومئذ كاتب أهل الكوفة معاوية وعلموا أن الأمر صائر إليه وحكايات الأولياء في كل عصر ومصر تتضمن ثبوت ذلك بما بلغ حد التواتر فلا يمكن جحده ثم أنا أدلك - رحمك الله - على أمر يسهل عليك التصديق بذلك وهو أن اطلاع العبد المخصوص على غيب من غيوب الله ليس بجثمانيته ولا وجود صورته وإنما هو بنور الحق فيه دليل ذلك قوله
١٤٧ يقول ابن خلدون في هذا المقام
وأما المتصوفة فرياضتهم دينية وعربة عن المقاصد المذمومة أو وإنما يقصدون جمع الهمة والإقبال على الله بالكلية ليحصل لهم أذواق أهل العرفان والتوحيد ويزيدون في رياضتهم إلى الجمع والجوع التغذية بالذكر فيها تتم وجهتهم في هذه الرياضة لأنه إذا نشأت النفس على الذكر كانت أقرب إلى العرفان بالله وإذا عريت عن الذكر كانت شيطانية وحصول ما يحصل من معرفة الغيب والتصرف لهؤلاء المتصرفة إنما هو بالعرض ولا يكون مقصودا من أول الأمر لأنه إذا قصد ذلك كانت الوجهة فيه لغير الله وإنما هي لقصد التصرف والاطلاع على الغيب وأخسر بها صفقة فإنها في الحقيقة شرك قال بعضهم ومن أثر العرفان للعرفان فقد قال بالثاني أى فقد قال بأن الله له ثان - أى أشرك بالله فهم يقصدون بوجهتهم المعبود
لا شيء سواء وإذا حصل فى أثناء ذلك ما يحصل قبالعرض وغير مقصود لهم
وكثير منهم يقر منه إذا عرض له ولا يحفل به وإنما يريد الله لذاته لا لغيره وحصول ذلك لهم معروف ويسمون ما يقع لهم من الغيب والحديث على الخواطر فراسة وكشفا وما يقع لهم من التصرف كرامة وليس شيء من ذلك بنكير في حقهم وقد ذهب
٦٨
اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ١٤٨
فكيف يستغرب أن يطلع مؤمن على غيب من غيوب الله بعد أن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إنما
ينظر بنور ربه لا بوجود نفسه وكذلك قوله في الحديث الذي تقدم
فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث إلى آخره ومن كان الحق بصره فليس الاطلاع على الغيب بمستغرب فيه وفى بعض طرق هذا الحديث فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا وقلبا وعقلاً ويدا ومؤيدا فإن قلت كيف تصنع بهذه الآية وهي قوله سبحانه
و عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ١٤٩ فلم يستثن أحدا إلا الرسول فاعلم أني سمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول وفى معناه أو صديق أو ولى ١٥٠ فإن قلت هذه زيادة على ما تضمنه الكتاب العزيز
فاعلم أنه إذا قيل إن السلطان لم يأذن اليوم إلا للوزير وحده ربما دخل مماليك الوزير معه
إلى إنكاره الأستاذ أبو إسحق الأسفراييني وأبو محمد بن أبي زيد المالكي - فرارا من النباس المعجزة بغيرها والمعول عليه عند المتكلمين حصول التفرقة بالتحدى فهو كاف وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إن فيكم محدثين وإن منهم عمر أى فيكم من يخبر بالأمر كأنه حدث به
وقد وقع للصحابه من ذلك وقائع معروفة تشهد بذلك في مثل قول عمر رضى الله عنه يا سارية الجبل – وهو سارية بن زنيم كان قائدا على بعض جيوش المسلمين بالعراق أيام الفتوحات وتورط مع المشركين في معترك وهم بالانهزام وكان بقربه جبل يتجهز إليه فرفع لعمر ذلك وهو يخطب على المنبر بالمدينة فناداه
يا سارية الجبل وسمعه سارية وهو بمكانه ورأى شخصه هنالك والقصة معروفة
ووقع مثله أيضا لأبي بكر - رضي الله عنه - في وصيته عائشة ابنته رضى الله عنها في شأن ما نحلها من أوسق التمر من حديقته ثم نبهها على جذاذه لتحوزه عن الورثة فقال في سياق كلامه وإنما هما أخواك وأختاك فقالت إنما هي أسماء فمن الأخرى فقال إن ذا بطن بنت خارجة أراها جارية فكانت جارية وقع فى الموطأ في باب ما لا يجوز من النحل ومثل هذه الوقائع كثيرة لهم ولمن بعدهم من الصالحين وأهل الاقتداء إلا أن أهل التصوف يقولون إنه يقل في زمن النبوة
إذا لا يبقى للمريد حالة بحضرة النبي حتى إنهم يقولون
إن المريد إذا جاء للمدينة النبوية يسلب حاله ما دام فيها حتى يفارقها والله يرزقنا الهداية ويرشدنا إلى الحق أهـ مقدمة ابن خلدون ٥٣٢/١ - ٥٣٥ مع تصريف يسير ١٤٨ رواه البخاري في التاريخ والترمذي عن أبي سعيد والحكيم الترمذى والطبراني وابن عدى عن أبي أمامه وابن جرير عن ابن عمر والفراسة بكسر الفاء دقة النظر ووفور العلم بنور البصيرة
١٤٩ الجن ٢٧٢٦
١٥٠ في تفسير الألوسي لهذه الآيات ظاهر الآية أنه تعالى عالم كل غيب وحده لا يظهر على غيبه المختص به وهو ما يتعلق بذاته تعالى وصفاته عزّ وجلّ بدلالة الإضافة إلا رسولاً وهوا كذلك فإن غيبه تعالى لا يطلع عليه إلا بالإعلام من رسول ملكي أو بشرى ولا كل غيبه تعالى الخاص مطلع عليه بل بعضه وأقل القليل منه فدلّ المفهوم على أن غير هذا النوع الخاص من الغيب لا منع من اطلاع الله تعالى غير الرسول عليه فهذا اهر الآية دون تعسف إلخ
9
وكان الإذن لمتبوعهم إذنا لهم كذلك الولى إذا أطلعه الله على غيب من غيو به فإنما ذلك لانطوائه في جاه النبوة وقيامه بصدق المتابعة فما رأى ذلك بنفسه وإنما رآه بنور متبوعه وأيضًا أن الآية تشير إلى نفى اطلاع العباد على غيب الله إلا من أطلعه الله وبين سبحانه سبب إطلاعه من أطلعه على غيب من غيو به وأن ذلك إنما كان لأنه مرتضى عنده بقوله إلا من ارتضى وقوله من رسول خص الرسول بالذكر ولم يذكر النبي ولا الصديق ولا الولى وإن كان كل منهم ممن ارتضى لأن الرسول أولى بذلك مما سواه
أمور تسهل عليك الإيمان بكرامات أولياء الله وأن لا تستكثرها عليهم الأول أن تعلم أن قدرة الله التى لا يكبر عليها شيء هى التى أظهرت الكرامة في هذا الولى فلا تنظر إلى ضعف العبد ولكن انظر إلى قدرة السيد فجحد الكرامة للولى جحد لقدرة القدير وعمى منعك من شهود عظمة وصفه سبحانه وتعالى
R
الثاني أنه ربما كان سبب إنكار الكرامة استكثارها على ذلك العبد الذي أضيفت إليه وذلك العبد إنما أظهرت الكرامة عليه شهادة بصدق طريق متبوعة فهى بالنسبة إلى من ظهرت عليه وهو ذلك الولى كرامة وهى بالنسبة إلى من ظهرت ببركات متابعته معجزة فلذلك قالوا كل كرامة لولى فهى معجزة لذلك النبى الذى هذا الولى متبع له فلا تنظر إلى التابع ولكن انظر إلى عظيم المتبوع الثالث أن تعلم أن الذى أعطاه الله سبحانه لأوليائه من الإيمان واليقين مما أنت مصدق به ومثبت له أعظم مما استغربته وأنكرته من اطلاع على غيب أو طيران في الهواء أو مشى على الماء فمثلك إذا استغربت ذلك على المؤمن كمثل من يستغرب على عبد من خواص الملك أعطاه الملك سفطًا ١٥١ مملوءا ياقوتاً ثمينا علمت أنت به كل يا قوتة تضمنها ذلك السفط تساوى عشرة آلاف دينار ثم قال ذلك العبد الذى هو من خواص الملك أو قيل عنه إن الملك قد أعطاه مائة دينار فاستغربت أنت ذلك فهل يستصوب استغرابك هذا ذو فهم ولب وما أكرم الله تعالى العباد في الدنيا والآخرة كرامة بمثل كرامة الإيمان به والمعرفة بربوبيته لأن كل خير من خيور الدنيا والآخرة إنما هو فرع الإيمان بالله من أحوال ومقامات وأوراد وواردات وكل نور وعلم وفتح ونفوذ إلى غيب وسماع مخاطبة وجريان كرامة وما تضمنته الجنة من حور وقصور وأنهار وثمار وكان به أهلها فيها من رضى عن الله ورضى من الله ورؤية الله فكل ذلك إنما هو من نتائج الإيمان ووجود آثاره وإمداد أنواره
جعلنا الله وإياك من المؤمنين بربوبية الإيمان الذى رضيه الخاصة عباده وبسطنا وإياك بالتسليم له في مراده
واعلم أن من الناس من واجهه الخذلان من الله فأنكر كرامات أولياء الله أصلا فنعوذ بالله من
١٥١ سفطا وعاء يعنى ليه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء مفتوح الأول والوسط
هذا المذهب وهو حقيق بأن لا يذكر لكن سبب ذكره أن تعلم أن الله إذا أراد أن يضل عبدا لم ينصره عقل ولم ينفعه ١٥٢ علم
قال الله سبحانه ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئًا ١٥٣ وقال سبحانه ﴿فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم ١٥٤ وقال سبحانه وهو يجير ولا يُجار عليهم ١٥٥
لذلك كانت الأحوال والأقوال والأفعال ومراتب الإنزال موقوفة على توفيقه لا توجب أنوارا ولا تستحق قبولاً ولا يستوجب صاحبها إقبالاً حتى ينصره التوفيق ولعزازة قدره عند الله لم يذكره في كتابه العزيز إلا فى موضع واحد فقال سبحانه ﴿وما توفيقي إلا بالله ١٥٦ والجالب للتوفيق وعلامته صدق الرجعى إلى الله فى أول كل فعل وترك بتحقيق الفقر والفاقة إليه والانغماس في بحر الذلة والمسكنة بين يديه واستصحاب ذلك إلى الفراغ ومن بعد ذلك أبدا وقد قال سبحانه
عنه
حالت
ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ١٥٧
وقال إنما الصدقات للفقراء والمساكين ١٥٨
فلا تدخل جنّة علمك وعملك وما أعطيت من نور وفتح فتقول كما قال من خذل فأخبر الله
لهرملا
ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظنُّ أن تبيد هذه أبدا ١٥٩ الآية ولكن ادخلها كما بين لك وقل كما رضى لك
لو ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ١٦٠ وافهم ههنا قوله عليه السلام لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة وفي رواية كنز من كنوز تحت العرش ١٦١
فالترجمة ١٦٢ ظاهر الكنز والمكنوز فيها هو صدق التبرى من الحول والقوة والرجوع إلى
حول الله وقوته
١٥٢ وفى ذلك يقول الشاعر
إذا لم يكن عون من الله للفتي فأول ما يجنى عليه اجتهاده
١٥٣ المائدة ٤١ ١٥٤ البقرة ٢٠٩
١٥٥ المؤمنون ۸۸ ١٥٦ هود ٨٨
۱۵۷ آل عمران ۱۳
١٥٨ التوبة ٦٠
١٥٩ الكهف ٣٥
١٦٠ الكهف ٣٩
١٦١ رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ولفظه فيها روى الشيخان عن أبي موسى قال قال لى رسول الله ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة فقلت بلى يا رسول الله قال لا حول ولا قوة إلا بالله ١٦٢ أي اللفظ والكلام المنطوق به
۷۱
ومن أنكر كرامات أولياء الله فالدلائل النقلية والعقلية تردّ عليه ويُخشى على من هذا مذهبه
سوء الخاتمة
ومن الناس فرقة أخرى صدقوا بكرامات الأولياء الذين ليسوا في زمنهم كمعروف وسرى والجنيد وأشباههم وكذبوا بكرامات أولياء زمانهم فهم كما قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه ما هي إلا إسرائيلية صدّقوا بموسى وعيسى عليها السلام وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنهم أدركوا زمانه وفرقة أخرى يصدّقون بأن في مملكة الله أولياء لهم كرامات من غير أن يسلموا ذلك لأحد من أهل زمانهم معينا فكل من ذكر لهم أنه ولى أو نسبت إليه كرامة دافعوا إثبات ذلك بمقاييس اقتضتها عقولهم المعقولة بعقال الغفلة المخدوعة بمتابعة الهوى فلن يجرى عليهم هذا التصديق وجود الاقتداء ولا إشراق نور الاهتداء إذ الاقتداء لا يكون بولى مجهول العين في كون الله بل الاقتداء إنما يكون بولى دلّك الله عليه وأطلعك على ما أودعه من الخصوصية لديه فطوى عنك شهود بشريته في وجود خصوصيته وألقيت إليه القياد فسلك بك سبيل الرشاد يعرفك برعونات نفسك وكمائنها ودفائنها ويدلك على الجمع على الله ويعلمك الفرار عما سوى الله ويسايرك في طريقك حتى تصل إلى الله ويوقفك على إساءة نفسك ويعرفك بإحسان الله إليك فيفيدك معرفة إساءة نفسك الهرب منها وعدم الركون إليها ويفيدك العلم بإحسان الله إليك الإقبال عليه والقيام بالشكر إليه والدوام على ممر الساعات بين يديه ١٦٣
فإن قلت فأين من هذا وصفه لقد دللتني على أغرب من عنقاء مغرب فاعلم أنه لا يعوزك وجدان الدالين وإنما قد يعوزك وجود الصدق في طلبهم جد صدقًا تجد مرشدا وتجد ذلك في آيتين من كتاب الله قال الله سبحانه
أمن يجيب المضطر إذا دعاه ١٦٤
وقال سبحانه ﴿فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ١٦٥
فلو اضطررت إلى من يوصلك إلى الله اضطرار الظمآن للماء والخائف للأمن لوجدت ذلك
فإمامه الشيطان
يأخذ
١٦٣ يجب على المريد أن يتأدب بشيخ فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبدا يقول أبو يزيد البسطامي من لم يكن له أستاذ وقال أبو على الدقاق الشجرة إذا نبتت بنفسها من غير غارس فإنها تورق لكن لا تتمر كذلك المريد إذا لم يكن له أستاذ منه طريقه نفسا فنفسًا فهو عابد هواه لا يجد نفاذا ويشترط الرازي في الشيخ أن يكون مخلصاً صادقاً قد انتهج الصراط المستقيم وأن يكون سالكا أما السالك فلأن الوصول تارة بالجذبة وقال تعالى الله يجنبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب وأخرى بالسلوك والأول لا يصح أن يقتدى به لأنه مثل من وجد كنزا غنيا فإنه وإن كان ذا مال لكنه غير عالم بكيفية اكتساب المال فلا ينفع به التلميذ الطالب لتعلم كيفية الاكتساب وأما الثانى فهو الذى يصلح لتربية المريد لأن من سلك الطريق وعرف مراحلها ومنازلها واطلع على متألفها ومعاطبها أمكنه إرشاد الغير إلى سواء السبيل والإخبار عن كيفية تلك الأحوال على التفصيل
١٦٤ النمل ٦٢
١٦٥ محمد ۱
۷
أقرب إليك من وجود طلبك ولو اضطررت إلى الله اضطرار الأم لولدها إذا فقدته لوجدت الحق منك قريباً ولك مجيباً ولوجدت الوصول غير متعذر عليك ولتوجه الحق بتبيين ذلك إليك فهذا الكلام في طريق الجواز والوقوع جميعا وذكر أعيان الكرامات التي اتفقت للسلف رضى الله عنهم لا يستطاع حصرها وقد أشبع القول فيها الأستاذ أبو القاسم القشيرى في رسالته وأفرد له بابا
واعلم أن الكرامة تارة تظهر للولى في نفسه
وتارة تظهر فيه لغيره
فإن ظهرت للولى فى نفسه فالمراد تعريفه بقدرة الله وفرديته وأحديثه وأن قدرته لا تتوقف على الأسباب وأن العوائد هو حاكم عليها ليس هي حاكمة عليه وإنما جعل العوائد والوسائط والأسباب حجب قدرته وسحب شمس أحديته فواقف عندها مخذول ونافذ منها إليه هو بالعناية موصول
وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه
فائدة الكرامة تعريف اليقين من الله تعالى بالعلم والقدرة والإرادة والصفات الأزلية بجمع لا يفترق وأمر لا يتعدّد كأنها صفة واحدة قائمة بذات الواحد
أيستوى من تعرف الله إليه بنوره بمن تعرف إلى الله بعقله ! ولأجل أنها تثبيت لمن أظهرت له ربما وجدها أهل البدايات في بداياتهم وفقدها أرباب النهايات في نهايتهم إذ ما عليه أهل النهاية فى الرسوخ فى اليقين والقوة والتمكين لا يحتاجون معه إلى مثبت وهكذا كان السلف رضى الله عنهم لم يحوجهم الحق سبحانه إلى وجود الكرامات الحسية لما أعطاهم من المعارف الغيبية والعلوم الإشهادية ولا يحتاج جبل إلى مرساة فالكرامة دافعة لزلزلة الشك في المنة ومعرفة بفضل الله فيمن أظهرت عليه وشاهدة له بالاستقامة الله سبحانه والناس في الكرامات على ثلاثة أقسام
قوم يجعلونها غاية الأمر فإن وجدوها عظموا من أظهرت عليه وإن فقدوها لم يتوجهوا بالتعظيم إليه
وقسم قالوا وما هى الكرامات إنما هى خدع يخدع بها أهل الإرادة ليقفوا على حدودهم وحتى لا يلجوا مقاما ليس هو لهم حتى قال أبو تراب النخشبي لأبي عباس الرقى ما يقول أصحابك في هذه الأمور التى يكرم الله بها عباده فقال ما رأيت أحدا إلا وهو يؤمن بها فقال من لم يؤمن بها فقد كفر إنما سألتك من طريق الأحوال
فقلت ما أعرف لهم قولاً فقال بلى قد زعم أصحابك أنها خدع من الحق وليس الأمر كذلك إنما الخدع في حالة السكون إليها فأما من لم يقترح ذلك ولم يساكنها فتلك مرتبة الربانيين
وكان هذا من أبى تراب بعد أن عطش أصحابه فضرب بيده الأرض فنبع الماء فقال فتى هنالك أريد أن أشربه في قدح
فضرب بيده إلى الأرض فناوله قدحا من زجاج أبيض فشرب وسقانا قال أبو العباس الرقى وما زال القدح معنا إلى مكة
والقول الفصل في ذلك أنه لا ينبغي أن تطلب أدباً مع
الله ومن أظهرت عليه عظم لأنها شاهدة
له بالاستقامة الله مع القسم الثاني وهو أن تظهر الكرامة فى الولى لغيره فالمراد بذلك تعريف ذلك العبد الذي شهدها بصحة طريق هذا الولى الذى أظهرت عليه الكرامة إما أن يكون جاحدا فيرجع إلى الاعتراف أو كافرًا فيعود إلى الإيمان أو شاكا في خصوصية ذلك العبد فأظهرت عليه ليعرفك الله بما فيه من ودائع الإحسان
وقد انبسط الكلام فى هذه المقدمة وما كان لنا باختيار ولكن قد تضمنت علوما وأسرارا وأطلعت على من له نصيب من المنة مشرقات أنوار وهذا أوان ابتدائنا بما قصدنا وإظهارنا ما إليه صمدنا ١٦٦ والله هو القائم بالبيان وهو ولى الفضل والإحسان له الحمد كما يجب لجلاله والشكر لتوالى نعمه وأفضاله وهو حسبنا ونعم
الوكيل
وأما الكتاب فهو ينقسم كما تقدم إلى عشرة أبواب
١٦٦ صمدنا قصدنا
الباب الأول
في التعريف بشيخه الذي أخذ عنه هذا الشأن وشهادة من عاصره من أهل زمنه من
العلماء الأعيان إنه قطب الزمان والحامل في وقته لواء أهل العيان
وهو الشيخ الإمام حجّة الصوفية علم المهتدين زين العارفين أستاذ الأكابر والمنفرد في زمانه بالمعارف السنية والمفاخر العالم بالله والدال على الله زمزم الأسرار ومعدن الأنوار والقطب الغوث الجامع تقى الدين أبو الحسن على بن عبدالله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف بن يوشع بن ورد بن بطال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه
عرف بالشاذلي
منشؤه بالمغرب الأقصى
ومبدأ ظهوره بشاذلة بلدة على القرب من تونس وإليها نسب
له السياحات الكثيرة والمنازلات الجليلة والعلوم الغزيرة لم يدخل في طريق الله حتى كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة ذا علوم جمة
ذكره الشيخ صفى الدين بن أبي المنصور رضى الله عنه فى كتابه وأثنى عليه الثناء الكبير وذكره الشيخ قطب الدين القسطلاني رضى الله عنه في جملة من لقيه من المشايخ وأثنى عليه
وذكره الشيخ أبو عبد الله بن النعمان رضى الله عنه وشهد له بالقطبانية وذكره الشيخ عبد الغفار بن نوح رضى الله عنه في كتابه الوصيد وأثنى عليه لم يختلف فى قطبانيته ذو قلب مستنير ولا عارف بصير جاء فى هذه الطريق بالعجب العجاب وشرع من علم الحقيقة الأطناب ۱ ووسع للسالكين الرحاب حتى لقد سمعت الشيخ الإمام مفتى الإسلام تقى الدين محمد بن على القشيري رحمه الله يقول ما رأيت أعرف بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلى رضى الله عنه
وأخبرني الشيخ العارف مكين الدين الأسمر رضى الله عنه قال
1 الأطناب جمع طنب وطنب هو حبل الخياء والسرادق ونحوهما وما يشد به البيت من الحبال بين الأرض والطرائق
Vo
حضرت بالمنصورة في خيمة فيها الشيخ الإمام مفتى الأنام عزّ الدين بن عبد السلام والشيخ مجد الدين بن تقى الدين على بن وهب القشيرى المدرس والشيخ محيى الدين بن سراقة والشيخ مجد الدين الأخميمي والشيخ أبو الحسن الشاذلى رضي الله عنهم ورسالة القشيري تقرأ عليهم وهم يتكلمون والشيخ أبو الحسن صامت إلى أن فرغ كلامهم فقالوا یا سیدى نريد أن نسمع منك
فقال أنتم سادات الوقت وكبراؤه وقد تكلمتم
فقالوا لابد أن نسمع منك
قال فسكت الشيخ ساعة ثم تكلم بالأسرار العجيبة والعلوم الجليلة
فقام الشيخ عز الدين وخرج من صدر الخيمة وفارق موضعه وقال اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله وأخبرني الشيخ أبو عبد الله بن الحاج قال أخبرني الشيخ أبو زكرياء يحيى البلنسي قال صحبت الشيخ أبا الحسن الشاذلى رضى الله عنه ثم سافرت إلى الأندلس فقال لى الشيخ أبو الحسن عند وداعى إياه إذا وصلت إلى الأندلس فاجتمع بالشيخ أبي العباس بن مكنون فإن أبا العباس بن مكنون اطلع على الوجود وعرف حيث هو ولم يطلع الناس على أبي العباس فيعلمون حيث هو قال فلما جئت إلى الأندلس جنت إلى الشيخ أبي العباس بن مكنون فحين وقع بصره على قال لى ولم يعرفنى قبل جئت يا يحيى جئت يا يحيى الحمد لله على اجتماعك بقطب الزمان يا يحيى الذى أخبرك به الشيخ أبو الحسن لا تخبر به أحدا أخبرني رشيد الدين بن الرايس قال تخاصمت أنا وبعض أصحاب المشايخ فأتيت إلى الشيخ أبي الحسن فذكرت مقاولتنا له فقال الشيخ كنت تقول له أنا رباني القطب ومن رباه القطب ربته أربعون بدلاً ۳ وأخبرني والدي رحمه الله قال دخلت على الشيخ أبي الحسن الشاذلى رضى الله عنه فسمعته يقول والله لقد تسألونى عن ن المسألة لا يكون عندى لها جواب فأرى الجواب مسطرا في الدواة
والحصير والحائط
وأخبرني بعض أصحابنا قال قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي يوما
والله إنه لينزل على المدد فأرى سريانه فى الحوت في الماء والطائر في الهواء وكان الشيخ أمين الدين جبريل حاضرًا فقال للشيخ أبي الحسن فأنت إذا القطب فأنت إذا القطب فقال الشيخ
٢ أي أنه ليس علم كتب ولا دراسة وإنما هو إلهامات وتجليات من الحق سبحانه في جانب المعرفة والله سبحانه وتعالى يقول عن عبد من عباده وعلمناه من لدنا علما ۳ ورد في السنة المطهرة أحاديث صحيحة وحسنة عن الأبدال نذكر منها قوله الأبدال في هذه الأمة ثلاثون رجلا قلوبهم على قلب إبراهيم خليل الرحمن كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا رواه الإمام أحمد الأبدال في أمتى ثلاثون بهم تقوم الأرض وبهم تمطرون وبهم تنصرون رواه الإمام أحمد
الأبدل في أهل الشام وبهم ينصرون وبهم يرزقون رواه الطبراني عن عوف بن مالك ورمز له السيوطى بالحسن
VV
أبو الحسن أنا عبدالله أنا عبدالله
وأخبرني بعض أصحابنا قال قال الشيخ أبو الحسن الشاذلى والله ما وَلَّى اللهُ وليا إلا وضع حبه في قلبي قبل أن يوليه ولا رفض عبدا إلا وألقى بغضه في قلبي قبل أن يرفضه وأخبرني بعض أصحابنا قال لما أبو الحسن من الحج أتى إلى الشيخ الإمام رجع الشيخ عز الدين بن عبد السلام قبل أن يأتي منزله فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم يسلم عليك قال فاستصغر الشيخ عز الدين نفسه أن يكون أهلا لذلك قال فدعا الشيخ عز الدين إلى خانقات الصوفية بالقاهرة وحضر معه محيى الدين بن سراقة وأبو العلم ياسين أحد أصحاب الشيخ العارف بالله محيى الدين بن عربي فقال الشيخ محيى الدين بن سراقة للشيخ عز الدين ليهنكم ما سمعنا يا سيدى والله إن هذا لشيء يفرح به أن يكون فى هذا الزمان من يسلم عليه رسول الله فقال الشيخ عز الدين الله يسترنا فقال الشيخ أبو العلم ياسين اللهم افضحنا حتى يتبين المحق من المبطل ثم أشاروا للقوّال أن يقول وهو من البعد بحيث لا يسمع ما دار بينهم فكان أول ما قال صدق المحدث والحديث كما جرى وحديث أهل الحق ما لا يفترى
فقام الشيخ عز الدين وطاب وقته وقام الجميع لقيامه وأخبرني الفقيه مكين الدين الأسمر رضى الله عنه قال سمعت مخاطبة الحق فقلت له يا سيدى كيف كان ذلك فقال كان فى الإسكندرية بعض الصالحين صحب الشيخ أبا الحسن ثم كثر عليه ما سمعه منه من العلوم الجليلة والمخرقات فلم يسع ذلك عقله فانقطع عن الشيخ أبي الحسن رضى الله عنه فإذا ليلة من الليالي وأنا أسمع أن فلانا دعانا في هذا الوقت بست دعوات فإن أراد أن يستجاب له فليوال الشيخ أبا الحسن الشاذلي دعانا بكذا دعانا بكذا حتى عينت لي الست دعوات قال ثم انفصل الخطاب عنى فنظرت إلى المتوسط في ذلك الوقت فعرفت الوقت الذى كان ذلك الرجل دعا فيه ثم أصبحت فذهبت إلى ذلك الرجل فقلت له دعوت الله البارحة بست دعوات دعوته بكذا دعوته بكذا إلى أن عددت له الست دعوات فقال نعم فقلت له أتريد أن يستجاب لك قال ومن لى بذلك فقلت له قيل لى إن أراد أن يستجاب له فليوال الشيخ أبا الحسن الشاذلي
وسمعت شيخنا أبا العباس يقول كان الشيخ قد قال لى
إن أردت أن تكون من أصحابي فلا تسأل من أحد شيئًا فمكثت على ذلك سنة ثم قال لى إن أردت أن تكون من أصحابي فلا تقبل من أحد شيئًا فكان إذا اشتد الوقت على أخرج إلى ساحل بحر الإسكندرية ألتقط ما يرميه البحر بالساحل من القمح حين يرفع من المراكب فأنا يوما على ذلك وإذا عبد القادر النقاد - وكان من أولياء الله - يفعل كفعلى فقال لى أطلعت البارحة على مقام الشيخ أبي الحسن
فقلت له وأين مقام الشيخ
فقال عند العرش
فقلت له ذاك مقام تنزل لك الشيخ فيه حتى رأيته
VA
ثم دخلت أنا وهو على الشيخ فلما استقر بنا المجلس قال الشيخ رضى الله عنه رأيت البارحة عبد القادر النقاد في المنام فقال لي
أعرشي أنت أم كرسي
فقلت له
دع عنك ذا
الطينة أرضية
والنفس سماوية
والقلب عرشي
والروح كرسي
والسر مع الله بلا أين in
والأمر يتنزل فيها بين ذلك ويتلوه الشاهد منه
وقدم بعض الدالين على الله إلى الإسكندرية فقال الشيخ مكين الدين الأسمر هذا الرجل يدعو الناس إلى باب الله وكان الشيخ أبو الحسن يدخلهم على الله وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه كنت مع الشيخ أبي الحسن بالقيروان
وكان شهر رمضان
وكانت ليلة الجمعة لة وكانت ليلة سبع وعشرين
فذهب الشيخ إلى الجامع وذهبت معه
فلما دخل الجامع وأحرم رأيت الأولياء يتساقطون عليه كما يتساقط الذباب على العسل فلما أصبحنا وخرجنا من الجامع قال الشيخ ما كانت البارحة إلا ليلة عظيمة وكانت ليلة القدر ورأيت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول
يا على ظهر ثيابك من الدنس تحظ بعدد الله في كل نفس
قلت یا رسول الله وما ثيابي
قال اعلم أن الله قد خلع عليك خمس خلع
خلعة المحبة
وخلعة المعرفة
وخلعة التوحيد
وخلعة الإيمان
وخلعة الإسلام
فمن أحب الله هان عليه كل شيء
ومن عرف الله صغر لديه كل شيء ومن وحد الله لم يشرك به شيئًا
ومن آمن بالله من كل شيء
ومن أسلم الله ما يعصيه وإن عصاه اعتذر إليه وإن اعتذر إليه قبل عذره ففهمت حينئذ معنى قوله عزّ وجل وثيابك فطهر
وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه
جلت في ملكوت الله فرأيت أبا مدين متعلقا بساق العرش وهو رجل أشقر أزرق العينين فقلت له ما علومك وما مقامك فقال أما علومى فأحد وسبعون علا وأما مقامى فرابع الخلفاء ورأس السبعة الأبدال قلت له فما تقول في شيخى أبى الحسن الشاذلي قال زائد على بأربعين علما هو البحر الذي لا يحاط به
وأخبرني بعض أصحابنا قال قيل للشيخ أبي الحسن من هو شيخك يا سيدى فقال كنت أنتسب إلى الشيخ عبد السلام بن مشيش وأنا الآن لا أنتسب لأحد بل أعوم في عشرة أبحر خمسة من الآدميين النبى وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى وخمسة من الروحانيين جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والروح الأكبر وأخبرني ولده سيدنا ومولانا الإمام العارف شهاب الدين أحمد قال قال الشيخ عند موته والله لقد جئت في هذا الطريق بما لم يأت به ومن الأمر المشهور أنه لما دفن بحميثرا وغسل من مائها كثر الماء بعد ذلك وعذب حتى صار يكفى الركب إذا نزل عليه ولم يكن قبل ذلك كذلك
أحد
وكتب إلى الشيخ أبو عبد الله بن النعمان رضى الله عنه أبياتا يوصينى فيها بالشيخ أبي العباس رضي الله عنه
عطاء إله العرش في الثغر أحمد سررت به فى الصحب فالله أحمد
ثم يقول في الشيخ أبي العباس رضي الله عنه
ووارث علم الشاذلي حقيقة وذلك قطب فاعلموه وأوحد رأيت له بعد الممات عجائبا تدلّ على من كان للفتح يجحد
فالذي عنى الشيخ أبو عبد الله بقوله رأيت له بعد الممات عجائبا أن الماء حلا فوق ما كان
وكثر لما غسل منه
وأخبرني بعض أصحابنا قال قال الشيخ قيل لى
ما على وجه الأرض مجلس فى الفقه أبهى من مجلس الشيخ عز الدين بن عبد السلام ولا على وجه الأرض مجلس في علم الحديث أبهى من مجلس الشيخ زكي الدين عبد العظيم ولا على وجه الأرض مجلس في علم الحقائق أبهى من مجلسك وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه لما نزلت بتونس حين أتيت من مرسية وأنا إذ ذاك شاب فسمعت بذكر الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه
فقال لى رجل تمضى بنا إليه
قلت حتى أستخير الله فنمت تلك الليلة فرأيت كأنى أصعد إلى رأس جبل فلما علوت فوقه رأيت هنالك رجلاً عليه برنس أخضر وهو جالس وعن يمينه رجل وعن يساره رجل فنظرت إليه فقال لى
معه
عثرت على خليفة الزمان
قال فانتبهت فلما كان بعد صلاة الصبح أتاني الرجل الذي دعاني إلى زيارة الشيخ فسرت
فلما دخلنا على الشيخ رأيته على الصفة التى رأيته فوق الجبل قال فدهشت فقال لي عثرت على خليفة الزمان ما اسمك
فذكرت له اسمى ونسبى
فقال لي رفعت إلى منذ عشرة أعوام
وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه لما قدمنا من المغرب إلى الإسكندرية نزلنا عند عمود السوارى من ظاهرها وكان وصولنا عند اصفرار الشمس وكانت بنا فاقة وجوع شديد فبعث لنا رجل من عدول الإسكندرية طعامًا فلما قيل للشيخ عنه قال لا يأكل أحد منه شيئا فبتنا على ما نحن عليه من الجوع فلما كان عند الصبح صلى بنا الشيخ وقال مدوا السماط وأحضر وا ذلك الطعام ففعلنا وتقدمنا فأكلنا فقال الشيخ رضى الله عنه رأيت في المنام قائلاً يقول لي أحل الحلال ما لم يخطر لك على بال ولا سألت فيه أحدا من النساء والرجال
وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه كنت ليلة من الليالي نائما بالإسكندرية وإذا قائل
يقول مكة والمدينة!
لى
فلما أصبحت عزمت على السفر
وكان الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه بالمقسم بالقاهرة فسافرت إليه فلما مثلت بين يديه قال
مكة والمدينة
فقلت لأجل ذلك جنت يا سيدى
قال اجلس فجلست وإذا رجل داخل عليه وقال
یا سیدى عزمت على الحج وما معى شيء من الدنيا فقال لى الشيخ أي شيء معك
قلت عشرة دنانير
قال ادفعها لهذا الرجل فدفعتها له
فقال لى الشيخ إذا كان غدًا أخرج إلى الساحل واشتر لى عشرين أردب قمح
۸۱
فأصبحت ونزلت إلى الساحل واشتريت عشرين أردبا قمعا وحملته إلى المخزن وأتيت إلى
الشيخ فقال لى
شيئًا
هذا القمح قيل لي أنه مسوس ما نأخذ منه فبقيت متحيراً لا أدرى كيف أصنع فبقيت ثلاثة أيام لا يطالبنى صاحب القمح بالثمن قلما كان اليوم الرابع وإذا رجل يطوف على فلما رآني قال
أنت صاحب القمح
قلت نعم
قال تأخذ فيه فائدة ألف درهم
قلت نعم
قال فوزن لى ألف درهم فوضع الله البركة فيها فلو قلت إنى أنفق منها إلى اليوم لصدقت
وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه
سافرنا مع الشيخ رضى الله عنه فى السنة التى توفى فيها فلما كنا عند أخميم قال لى الشيخ رأيت البارحة كأنى فى جلبة وأنا في البحر والرياح قد اختلفت والأمواج قد تلاطمت والمركب قد انفتح وأشرفنا على الغرق فأتيت إلى جانب المركب وقلت أيها البحر إن كنت أمرت بالسمع والطاعة لى فالمنة لله السميع العليم وإن كنت أمرت بغير ذلك فالحكم لله العزيز الحكيم فسمعت البحر يقول الطاعة الطاعة
فلما سافرنا وتوفى الشيخ رضى الله عنه ه ودفناه بحميثرا من صحراء عيذاب وكنا في جلبة فلما صرنا في وسط البحر اختلفت الأمواج وتلاطمت الرياح وانفتح المركب وأشرفنا على الغرق
ونسيت كلام الشيخ فلما اشتد الأمر ذكرت ذلك فأتيت إلى جانب المركب وقلت أيها البحر إن كنت أمرت بالسمع والطاعة لأولياء الله فالمنّة الله السميع العليم ما قلت كما قال الشيخ بالسمع والطاعة لى وإن كنت أمرت بغير ذلك فالحكم الله العزيز الحكيم فسمعت البحر
يقول الطاعة الطاعة وسكن البحر وطاب السفر
وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه كنت مع الشيخ في بحر عيذاب وكنا في شدة من الريح الأزيب٤ وكان المركب قد انفتح فقال الشيخ رأيت السماء قد فتحت ونزل منها ملكان أحدهما يقول موسى أعلم من الخضر والآخر يقول الخضر أعلم من موسى ونزل ملك آخر وهو يقول والله ما علم الخضر في علم موسى إلا كعلم الهدهد في علم سليمان حين قال أحطت بما لم تحط به ٥ ففهمت أن الله سلمنا في سفرنا فإن موسى سخر له البحر ٦
٤ الأزيب الشديد
٥ النمل ٢٢
٦ حيث انفلق البحر معجزة وكرامة لموسى ومن آمن معه حينها فروا هاربين من فرعون وقومه الذين تبعوهم قال تعالى و فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معى ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم الشعراء ٦٠ - ٦٣
۸
وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه قال رجل للشيخ ما تقول في الخضر أحى هو أم ميت فقال الشيخ رضى الله عنه اذهب إلى الفقيه ناصر الدين بن الأبياري فإنه يفتى أنه حتى وأنه نبي والشيخ عبد المعطى لقيه وسكت ساعة وقال أنا لقيته وسبابته ووسطاه سواء وأعلم أن بقاء الخضر قد أجمع عليه هذه الطائفة وتواتر عن أولياء كل عصر لقاؤه والأخذ عنه واشتهر ذلك إلى أن بلغ الأمر إلى حد التواتر الذى لا يمكن جحده والحكايات في ذلك كثيرة
وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه لقيت الخضر في صحراء عيذاب فقال لي يا أبا الحسن أصحبك الله اللطف الجميل وكان لك صاحبا في المقام والرحيل
وذكر الشيخ محيى الدين بن عربي رضى الله عنه أن أبا السعود بن الشبل كان يوما في مدرسة الشيخ عبد القادر الكيلاني رضى الله عنه يكنس فيها فوقف الخضر على رأسه وقال السلام عليكم فرفع أبو السعود رأسه وقال وعليكم السلام ثم عاد إلى شغله بما هو فيه فقال له الخضر ما بالك لم تهتبل بي كأنك لم تعرفنى فقال أبو السعود بلى قد عرفتك أنت الخضر فقال له الخضر فما بالك لم تهتبل ۷ بي قال فقال له أبو السعود - والتفت إلى الشيخ عبد القادر الكيلاني لم يترك في هذا الشيخ فضلة لغيره
وقال الشيخ محيى الدين بن عربی رضی الله عنه مخبرًا عن نفسه كنت أنا وصاحب لي بالمغرب الأقصى بساحل البحر المحيط وهناك مسجد يأوى إليه الأبدال فرأيت أنا وصاحبي رجلاً قد وضع حصيرا فى الهواء على مقدار أربعة أذرع من الأرض وصلى عليها فجئت أنا وصاحبي ووقفت تحته وقلت
شغل المحب عن الحبيب بسره في حب من خلق الهواء وسخره العارفون عقولهم معقولة عن كل كون ترتضيه مطهره فهم لديه مكرمون وعنده أسرارهم محفوظة ومحرره ۸ قال فأوجز في صلاته وقال إنما فعلت هذا لهذا المنكر الذى معك وأنا أبو العباس الخضر ولم أكن أعلم أن صاحبي ينكر كرامات الأولياء فالتفت إلى صاحبي وقلت يا فلان أكنت تنكر کرامات الأولياء قال نعم قلت فما تقول الآن
قال فما بعد العيان ما يقال وقال الشيخ عبد المعطى الإسكندرانى لتلميذه عند موته خذ هذه الجبة فطال ما عانقت فيها الخضر وقالت زوجة القرشى رضى الله عنه خرجت من عند الشيخ ولم أترك عنده أحدا فسمعت رجلاً يكلمه فوقفت حتى انقطع كلامه ثم دخلت فقلت يا سيدى ! خرجت وما كان عندك
عنده
۷ يعني لم لم تهتم بي وتغتنم فرصة وجودى
۸ معنى كلام ابن عربی رضى الله عنه أن العارف لا يهتم بخوارق العادات فإنها في الكون ومن الكون واهتمام العارف كل اهتمامه - أن يكون سره مع الله وسعادته - كل سعادته - أن يكون مع المكون وكأن ابن عربي بشعره هذا ينتقد هذا الذي يرتفع في الهواء ولكن هذا الذى يرتفع فى الهواء لم يكن يفعل ذلك لهوى فى نفسه ولذلك علل فعله تعليلا أرضى ابن عربي
أحد والآن سمعت كلاما عندك فقال الشيخ الخضر أتاني بزيتونة من أرض نجد فقال لي كل
هذه الزيتونة ففيها شفاؤك فقلت له اذهب أنت وزيتونتك لا حاجة لى بها
وكان الشيخ به داء الجذام
وقد جاء أنه لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعوا قائلا يقول من جوف البيت يسمعون صوته ولا يرون شخصه إن فى الله خلفا من كل هالك وعوضا من كل فائت وإن المصاب من حرم التواب قال الراوي كانوا يرون أنه الخضر 1
واعلم رحمك الله أن من أنكر وجود الخضر فقد غلط
أو من قال إنه غير خضر موسى
أو من قال لكل زمان خضر وأن الخضرية رتبة يقوم بها رجل في كل زمان والمنكر لوجود الخضر معترف على نفسه بأن منة الله بلقاء الخضر لم تواجهه وليته إذ فانه الوصول إليها لا يفوته الإيمان بها
ولا تغتر بما عساك أن تقف عليه من كلام أبي الفرج بن الجوزي في كتاب سماه عجالة المنتظر في شرح حال الخضر أنكر فيه وجود الخضر وقال من قال إنه موجود فإنما ذلك لهواجس ووساوس وهوس قام به واستدل على عدم وجوده بقوله سبحانه
فورما جعلنا لبشر من قبلك المخلد ١٠ فعجب لهذا الرجل كيف استدل بهذه الآية ولا دليل فيها لأن الخلد هو بقاء لا موت بعده وليس هو المدعى في الخضر إنما المدعى في الخضر طول إقامة يكون الموت بعدها فاعجبوا رحمكم الله لرجل يصدق بطول بقاء إبليس وينكر طول بقاء الخضر
۹ قال الحافظ البيهقي أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه حدثنا شافع بن محمد حدثنا أبو جعفر بن سلامة الطحاوي حدثنا المزى حدثنا الشافعي عن القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص عن جعفر بن محمد عن أبيه - الحديث بطوله - وفيه فلما توفى النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا صوتاً من ناحية البيت السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفًا من كل هالك ودركًا من كل فائت فبالله تقوا وإباء فارجوا فإنما المصاب من حرم النواب فقال على رضى الله عنه أتدرون من هذا هذا الخضر عليه السلام
وهذا الحديث مرسل وفي إسناده ضعف بحال القاسم العمرى هذا فإنه قد ضعفه غير واحد من الأئمة وتركه بالكلية آخرون ورواه الربيع عن الشافعي عن القاسم عن جعفر عن أبيه عن جده وفي الإسناد العمري المذكور وروى البيهقي عن الحاكم عن أبي جعفر البغدادي حدثنا عبد الله بن الحارث أو عبد الرحمن بن المرتعد الصغاني حدثنا أبو الوليد المخزومي حدثنا أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن جابر بن عبد الله قال لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد يسمعون الحس ولا يرون الشخص فقال السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبر ركاته إن فى الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل فائت ودركًا من كل هالك فبالله فتقوا وإياه فارجوا فإنما المحروم من حرم النواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم قال البيهقي هذان الإسنادان وإن كانا ضعيفين فأحدهما يتأكد بالآخر ويدل على أن له أصلاً من حديث جعفر والله أعلم
سيرة ابن كثير
١٠ الأنبياء ٣٤
Λε
وما يروونه عن رسول الله لو كان الخضر حيا لزارني فلم يثبته أهل الحديث
فإن قالوا لو كان ذلك لنقل
فاعلم أنه ليس كل شيء أطلع الله عليه رسوله يلزمه الإعلام به كيف وقد روى عنه أنه قال علمنى ربى ثلاثة علوم علم أمرني بإفشائه وعلم نهاني عن إفشائه وعلم خيرني في إفشائه وقال بعض عارفين إن الله سبحانه أطلع الخضر على أرواح الأولياء فسأل ربه أن يبقيه في دائرة الشهادة حتى يراهم شهادة كما رآهم غيبا
وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه كنت مع الشيخ في سفر ونحن قاصدون إلى الإسكندرية حين مجيئنا من المغرب فأخذنى ضيق شديد حتى ضعفت عن حمله فأتيت إلى الشيخ أبي الحسن رضى الله عنه فلما أحس بى قال أحمد قلت نعم يا سيدى قال آدم خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته وأسكنه الجنة نصف يوم خمسمائة عام ۱۱ ثم نزل به إلى الأرض والله ما نزل الله بآدم إلى الأرض لينقصه ولكن نزل به إلى الأرض ليكمله ولقد أنزله إلى الأرض من قبل أن يخلقه بقوله إني جاعل في الأرض خليفة ۱ ما قال فى الجنة ولا في السماء فكان نزوله إلى الأرض نزول كرامة لا نزول إهانة فإنه كان يعبد الله فى الجنة بالتعريف فأنزله إلى الأرض ليعبده بالتكليف فلما توفرت فيه العبوديتان استحق أن يكون خليفة وأنت أيضا لك قسط من آدم كانت بدايتك في سماء الروح فى جنة المعارف فأنزلت إلى الأرض النفس لتعبده بالتكليف فلما توفرت فيك العبوديتان استحققت أن تكون خليفة
وأخبرني بعض أصحاب الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه قال قال الشيخ ليلة اجتمع بي الشريف البونى وشرف الدين بن المجلى وأخبراني أنها دخلا على امرأة بغربي الإسكندرية قالا فقالت لنا أريانيى أيديكما فسمت أيدينا وقالت أخوان صالحان ثم قالت انتهيت في المعرفة إلى مقام الحيرة فقلت إلهى بم يخرج العارفون من الحيرة فقيل لى بالتوحيد فهل فيكم من يعرف هذا التوحيد الذى يخرج به العارفون من الحيرة قالا فقلنا لها إنما جئنا لنلتمس بركتك قال ثم قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه ألا دلوها على من ضيق عليه ألا دلوها على من ضيق عليه ثم توجه إلى جهتها وقال التوحيد الذى يخرج به العارفون من الحيرة لا إله إلا هو يخرج العارفون من الحيرة بلا إله إلا هو فأصبح بعض أصحاب الشيخ فذهب إليها فوجدها وهى تقول استغنيت استغنيت فعلمنا أن الشيخ أمدها في تلك الساعة وأخبرني بعض أصحاب الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه قال دخل على الشيخ أبي الحسن عبد القادر النقاد فقال له الشيخ يا عبد القادر أيعصى الولى فقال عبد القادر أي والله الذي لا إله إلا هو وهو يطالع عين الحقيقة فقال الشيخ أبو الحسن أشهد أنك ولي الله
۱۱ يقول الله تعالى وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون
۱ البقرة ۳۰
٨٥
وقال الشيخ أبو الحسن كنت فى بعض سياحاتى قد أويت إلى مغارة بالمغرب من مدينة للمسلمين فمكنت ثلاثة أيام لم أذق طعاما فبعد الثلاثة الأيام دخل على ناس من الروم كانت قد أرست سفينتهم هناك فلما رأونى قالوا قسيس من المسلمين ووضعوا عندى طعاما وإداما كثيرا " فعجبت كيف رُزقت على أيدى الكافرين ومُنعت ذلك من المسلمين فإذا قائل يقول لى ليس الرجل من نصر بأحيائه إنما الرجل من نصر بأعدائه وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه نمت ليلةً في سياحتى على راية من الأرض فجاءت السباع فطافت بي وأقامت إلى الصباح فما وجدت أنسا كأنس وجدته في تلك الليلة فلما أصبحت خطر لى أنه قد حصل لى من مقام الأنس بالله شيء فهبطت واديا وكان هنالك طيور حجل لم أرها فلما أحست بى طارت بمرة فخفق قلبى رعباً فإذا قائل يقول لى أيا من كان البارحة يأنس بالسباع مالك توجل من خفقان الحجل ۱۳ ولكنك البارحة بنا والآن أنت بنفسك وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه قلت يوما وأنا في مغارة في سياحتي إلهى متى أكون لك عبدا شكورا فإذا قائل يقول لى
إذا لم تر منعها عليه غيرك
فقلت إلهى كيف لا أرى منعاً عليه غيرى وقد أنعمت على الأنبياء قد أنعمت على العلماء وقد أنعمت على الملوك فإذا قائل يقول لى
لولا الأنبياء لما اهتديت
ولولا العلماء لما اقتديت
ولولا الملوك لما أمنت فالكل نعمة منى عليك
وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه جعت مرة ثمانين يوما فخطر لى أن قد حصل لى من هذا الأمر شيء وإذا بامرأة خارجة من مغارة ووجهها كأنه الشمس حسنا وهي تقول منحوس منحوس جاع ثمانين يوما فأخذ يدل على الله بعمله وها أنا لى ستة أشهر لم أذق طعاما وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه كنت في سياحتى فى مبدأ أمرى حصل لى تردد هل ألزم البراري والقفار للتفرغ للطاعة والأذكار أو أرجع إلى المدائن والديار لصحبة العلماء والأخيار فوصف لى ولى هناك وكان برأس جبل فصعدت إليه فهما وصلت إليه إلا ليلا فقلت في نفسي لا أدخل عليه فى هذا الوقت فسمعته يقول من داخل المغارة اللهم إن قوما سألوك أن تسخر لهم خلقك فسخرت لهم خلقك فرضوا منك بذلك اللهم وإنى أسألك اعوجاج الخلق على حتى لا يكون ملجئى إلا إليك قال فالتفت إلى نفسي وقلت يا نفس انظرى من أي بحر يغترف هذا الشيخ فلما أصبحت دخلت إليه فأرعبت من هيبته
فقلت له
یا سیدى كيف حالك
۱۳ الحجل بفتحتين إناث اليعاقيب واليعاقيب ذكورها
AT
فقال أشكو إلى الله من بعد الرضا والتسليم كما تشكو أنت من حر التدبير والاختيار فقلت يا سيدي أما شكواى من حر التدبير والاختيار فقد ذقته وأنا الآن فيه وأما شكواك من برد الرضا والتسليم فلماذا
فقال أخاف أن تشغلني حلاوتهما عن الله
قلت ياسيدى سمعتك البارحة تقول اللهم إن قوما سألوك أن تسخر لهم خلقك فسخرت لهم خلقك فرضوا منك بذلك اللهم وإنى أسألك اعوجاج الخلق على حتى لا يكون ملجئى إلا إليك فتبسم ثم قال
يا بني عوض ما تقول سخر لي خلقك قل يارب كن لى أترى إذا كان لك أيفوتك شيء
فما هذه الجناية
وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه كنت أنا وصاحب لى قد أوينا إلى مغارة نطلب الوصول إلى الله فكنا نقول غدا يفتح لنا بعد غد يفتح لنا فدخل علينا رجل له هيبة فقلنا له من أنت فقال أنا عبد الملك فعلمنا أنه من أولياء الله فقلنا له كيف حالك فقال كيف حال من يقول غدا يفتح لى بعد غد يفتح لى فلا ولاية ولا فلاح يا نفس لم لا تعبدين الله الله قال فتفطنا من أين دخل علينا فتبنا إلى الله واستغفرنا ففتح لنا
وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه كنت يوما بين يدى الأستاذ فقلت في نفسي ليت شعرى هل يعلم الشيخ اسم الله الأعظم فقال ولد الشيخ وهو فى آخر المكان الذي أنا فيه يا أبا الحسن ليس الشأن من يعلم الاسم الأعظم إنما الشأن من يكون هو عين الاسم فقال الشيخ من صدر المكان أصاب وتفرس فيك ولدى
وقيل للشيخ أبي الحسن رضى الله عنه لم لا تسمع السماع فقال السماع من الخلق جفاء وأخبرني بعض أصحابنا قال استشفع طالب بالشيخ أبي الحسن إلى القاضي تاج الدين بن بنت الأعز أن يزاد على مُرتبه عشرة دراهم فذهب الشيخ إليه فأكبر القاضي تاج الدين مجيء الشيخ وقال ياسيدى فيم جنت حل
قال من أجل فلان الطالب لنزيده في مرتبة عشرة دراهم
قال فقال له القاضى تاج الدین يا سيدى هذا له فى المكان الفلانى كذا وله في المكان الفلاني كذا وفى موضع كذا وكذا
قال فقال له الشيخ أبو الحسن يا تاج الدين لا تستكثر على مؤمن عشرة دراهم تزيده إياها فإن الله لم يقنع بالجنة للمؤمن جزاء حتى زاده النظر إلى وجهه الكريم فيها وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه سمعت الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة ١٤
١٤ أخرجه مسلم وأبو داود
فأشكل على معناه فرأيت رسول الله وهو يقول لى يا مبارك ذاك غين الأنوار لا غين
الأغيار
وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه سمعت الحديث المروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من سكن خوف الفقر قلبه قل ما يرفع ١٥ له عمل فمكثت سنة أظن أنه لا يرفع لى عمل أقول ومن يسلم من هذا فرأيت رسول الله فى المنام وهو يقول لى يا مبارك أهلكت نفسك فرق بين خطر وسكن وقال رضى الله عنه رأيت الصديق فى المنام فقال لي أتدرى ما علامة خروج حب الدنيا من القلب قال قلت لا أدرى قال علامة خروج حب الدنيا من القلب بذلها عند الوجد ووجود الراحة منها عند الفقد
وقال رضى الله عنه استنار قلبي يوما فكنت أشهد ملكوت السموات السبع والأرضين السبع فوقعت مني هفوة فحجبت عن شهود ذلك فتعجبت كيف حجبني هذا الأمر الصغير عن هذا الأمر الكبير فإذا قائل يقول لى البصيرة كالبصر أدنى شيء يحل فيها يعطل النظر
من
ولنقبض عنان المقال لئلا نخرج عن غرض الكتاب وإلا فكلام الشيخ رضى الله عنه أشهر أن ننبه عليه وأكثر ما ذكرته هنا لا يوجد فى الكلام المنسوب إليه وقد مضى من كلامه في المقدمة وسيأتي في أثناء الكتاب إن الله ١٦ وحسبك من كلامه ما ذكره من كرامات القطب وما ذكره من طريق الخصوص والعموم والعلوم والحقائق والأسرار وحلاوة اللفظ ووجازته مع الاشتمال على المعانى الكثيرة والهيبة التي تجدها عند ذكرك كلامه أو سماعك إياه قل أن نجد ذلك في شيء من كلام أهل الطريق
أما ما قال في كرامات القطب فقال رضى الله عنه للقطب خمس عشرة كرامة فمن ادعاها أو شيئا منها فليبرز بعدد الرحمة والعصمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش العظيم ويكشف له عن حقيقة الذات وإحاطة الصفات ويكرم بكرامة الحكم والفصل بين الوجودين وانفصال الأول عن الأول وما انفصل عنه إلى منتهاه ومن ثبت فيه وحكم ما قبل وما بعد وحكم من لا قبل له ولا بعد وعلم البدء وهو العلم المحيط بكل علم ولكل معلوم بدءا من السر الأول إلى منتهاه ثم يعود إليه فهذا معيار أعطاه الله الشيخ يختبر به من ادعى هذه الرتبة العظيمة القائمة بكفالة الأسرار والمحيطة بمدد الأنوار
وهذا نحو ما ذكره العارف بالله أبو عبد الله الترمذى الحكيم فى كتاب ختم الأولياء له إن من ادعى الولاية فيقال له صف لنا منازل الأولياء فذكر مسائل معيارا على من ادعى الولاية ۱۷
١٥ ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد ضمن الرزق وأقسم على ذلك فقال تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ١٦ انظر سيرة الإمام الشاذلى - رضى الله عنه - بالتفصيل فى كتابنا الذى كتبناه عنه – نشر دار الكتب الحديثة ۱۷ كتاب ختم الأولياء للحكيم الترمذى وهو من الكتب التي أثارت اهتمام الكثيرين في عالم الفكر الإسلامي واهتم به اهتماما كثيرا الإمام محيى الدين بن عربي وتحدث عنه أكثر من مرة - وقد طبع هذا الكتاب حديثا في بيروت
They
ولقد أخبرني الشيخ مكين الدين الأسمر قال مكنت أربعين سنة يشكل على الأمر في طريق القوم فلا أجد من يتكلم عليه ويزيل عنى إشكاله حتى ورد الشيخ أبو الحسن فأزال كل شيء أشكل على ولما قدم الشيخ صدر الدين القونوى إلى ديار مصر رسولا اجتمع بالشيخ أبي الحسن وتكلم بحضرته بعلوم كثيرة والشيخ مطرق إلى أن استوفى الشيخ صدر الدين كلامه فرفع الشيخ أبو الحسن رأسه وقال أخبروني أين قطب الزمان اليوم ومن هو صديقه وما علومه قال فسكت الشيخ صدر الدين ولم يرد جوابا وطريقه رضى الله عنه طريق الغنى الأكبر والتوصيل العظيم حتى أنه كان يقول ليس الشيخ من ذلك على تعبك إنما الشيخ من دلك على راحتك
ونشأ على يده رضي الله عنه رجال
منهم من أقام بالمغرب كأبي الحسن الصقلي وكان من أكابر الصديقين وعبد الله الجيبي وكان من أكابر أولياء الله ومنهم من أتى معه وهاجر إلى ديار مصر منهم سيدنا ومولانا حجة الصوفية علم أهل الخصوصية شهاب الدين أحمد بن عمر الأنصارى المرسى رضى الله عنه
ومنهم الحاج محمد القرطبي وأبو الحسن البجاوي وأبو عبد الله البجاني والوجهاني والخراز ومنهم من صحبه بديار مصر منهم الشيخ مكين الدين الأسمر والشيخ عبد الحكيم والشيخ الشريف البونى والشيخ عبد الله اللقاني والشيخ عثمان البورنجى والشيخ أمين الدين جبريل ولكل من هؤلاء علوم وأسرار وإشارات وأصحاب أخذوا عنهم تركنا تتبع كراماتهم وخصوصياتهم لئلا نخرج عن غرض الكتاب
وطريقته رضى الله عنه تنتسب إلى الشيخ عبد السلام بن مشيش والشيخ عبد السلام ينتسب إلى الشيخ عبد الرحمن المدنى ثم واحد عن واحد إلى الحسن بن على بن أبي طالب رضي الله عنه وسمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول طريقتنا هذه لا تنسب للمشارقة ولا للمغاربة بل واحد عن واحد إلى الحسن بن على بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أول الأقطاب وإنما يلزم تعيين المشايخ الذين تستند إليهم طريق الإنسان من كانت طريقته يلبس الخرقة فإنها رواية والرواية يتعين تعيين رجال سندها وهذه هداية وقد يجذب الله العبد إليه فلا يجعل عليه منة
لأستاذ ۱۸ وقد يجمع شمله برسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون آخذا عنه وكفى بهذا منة ولقد قال لى الشيخ مكين الدين الأسمر رضى الله عنه أنا ما رباني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عن الشيخ عبد الرحمن القناوى رضى الله عنه أنه كان يقول أنا لامنة لأحد على إلا لرسول الله وإذا أراد الله أن يتفضل على عبد يغنيه عن الأستاذ حتى لا يكون له فيه سلف
۱۸ يقول تعالى والله يجتبى إليه من يشاء
وقال ملك لبعض جلسائه إنى أريد أن أجعلك وزيرا قال ليس لى في هذا سلف قال إنى أريد أن أجعلك سلفا لمن بعدك ولنقتصر على هذا القدر فإنه كاف في التعريف بقدر الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه وما الأمر إلا كما قال القائل
وقد وجدت مكان القول ذا سعة فإن وجدت لسانا قائلا فقل وبدأنا بذكر الشيخ أبي الحسن رضى الله عنه وإن كان غرضنا في وضع هذا الكتاب ذكر مناقب شيخنا أبي العباس رضى الله عنه لكن فعلنا ذلك لأمرين أحدهما أن ذلك تعريف بقدر الشيخ أبي العباس رضى الله عنه لأن شرف التابع بشرف
المتبوع
ولأن الشيخ رضى الله عنه هكذا كان شأنه ذكر الشيخ رضى الله عنه والدلالة عليه والإعراض عن ذكر خصائصه هو فى نفسه حتى قال له إنسان يا سيدى نراك تقول قال الشيخ وقل أن تسند لنفسك شيئا فقال له الشيخ لو أردت على عدد الأنفاس أن أقول قال الله قلت قال الله ولو أردت على عدد الأنفاس أن أقول قال رسول الله قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو شئت على عدد الأنفاس أن أقول قلت أنا قلت أنا ولكن أقول قال الشيخ واترك ذكر نفسي أدبا معه
وقد تم الكلام في الباب الأول والحمد الله
رب العالمين
الباب الثاني
في شهادة الشيخ له أنه الوارث للمقام والحائز قصب السبق بالتمام وإخباره هو عن نفسه بما من به عليه من النعم الجسام وشهادة الأولياء له بأنه بلغ من الوصول إلى
ولنقدم أمام ذلك مقدمة
الله لأفضل مرام
ريبا
اعلم أن الوارث للرجل هو الظاهر بعلمه وحاله وهو الذى تظهر طريق الموروث على يديه يفسر مجملها ويبسط مختصرها يرفع منارها ويبت أنوارها يُعرف الناس بما كان ذلك الرجل الكبير عليه من العلم بالله والمعرفة والنفوذ إليه والاحتظاء من نوره حتى إذا فرط الناس في محبة ذلك الرجل الكبير وتعظيمه في حال حياته استدركوا ذلك بعد وفاته لأن كل ما هو مقدور عليه مزهود فيه وكل معجوز عنه متطلع إليه بالشغف حتى لقد سمعت الشيخ أبا العباس رضى الله عنه يقول يكون الرجل بين أظهرهم فلا يلقون إليه بالا حتى إذا مات قالوا كان فلان وربما دخل في طريق الرجل بعد وفاته أكثر مما دخل فيها في حياته والذي ظهر بهذه الأوصاف هو الشيخ أبو العباس رضي الله عنه
عليه
هو الذي بثّ علوم الشيخ أبي الحسن رضى الله عنه ونشر أنوارها وأبدى أسرارها وسار الناس إليه من أقاصى البلاد وأقبلوا مسرعين إليه من كل ناد فنشأت على يديه الرجال ونصرها وأظهرها بالمقال والفعال حتى انتشرت في الآفاق الأصحاب وأصحاب الأصحاب وظهرت علوم الشيخ في مظهرى لسان وكتاب وأخبرني الشيخ الصالح الأمين العدل زكى الدين الأسوانى قال قال لى الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه يا زكى عليك بأبي العباس فوالله إنه ليأتيه البدوى يبول على ساقيه فلا یسی المساء إلا وقد وصله إلى الله يا زكى عليك بأبي العباس فوالله ما من ولى الله كان أو هو كائن إلا وقد أطلعه الله عليه يا زكى أبو العباس هو الرجل الكامل وسمعت الشيخ أبا العباس يقول عن نفسه والله ما سار الأولياء والأبدال من قاف إلى قاف حتى يلقوا واحدًا مثلنا فإذا لقوه كان بغيتهم ثم قال وبالله الذى لا إله إلا هو ما من ولى الله كان كائن إلا وقد أطلعنى الله عليه وعلى اسمه ونسبه وكم وبلغنى عن الشيخ أبي الحسن أنه كان يقول أبو العباس شمس وعبد الحكيم قمر
أو
هو
من
الله
91
۹
وعبد الحكيم هذا ولى كبير من أصحاب الشيخ أبي الحسن وقد تقدم ذكره وسمعت الشيخ أبا العباس يقول قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه سمعت يقال لي لن تهلك أمة فيها أربعة إمام وولى وصديق وسخى
قال الشيخ أبو الحسن الإمام هو أبو العباس وسمعت الشيخ أبا العباس يقول ليس الشأن ملك الشأن ملك وملك أن يملك وأنا والله مَلَكُت وملكت أن أملك من ست وثلاثين سنة
من
وسمعته رضى الله عنه يقول الولى إذا أراد أغنى
من
وسمعته يقول والله ما بينى وبين الرجل إلا أن أنظر إليه نظرة وقد أغنيته وسمعته يقول قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه يا أبا العباس ما صحبتك إلا لتكون أنت
أنا وأنا أنت
وسمعته يقول قال لى الشيخ يا أبا العباس فيك ما في الأولياء وليس في الأولياء ما فيك وقد أخبرني بعض أهل البهنسا قال قدم علينا الشيخ أبو العباس فقال لي الآن خمس وعشرون سنةً ما حجبت فيها عن طاعة الله طرفة عين قال ثم غاب عنا خمس عشرة سنة ثم قدم علينا فقال لى الآن أربعون سنة ما حجبت فيها عن الله طرفة عين
وقال يوما والله لو حُجب عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسى من المسلمين وأخبرني بعض أصحابه قال دخل عليه بدمنهور إنسان فلما أراد أن يخرج قال يا سيدى صافحني فإنك قد لقيت بلادا وعبادا فلما خرج قال الشيخ ما الذي يعنى ببلاد وعباد فقال إنسان يريد أنك صافحت عبادًا وسلكت بلادا اكتسبت بركاتها فإذا صافحك حصل له منك بركة فضحك الشيخ ثم قال والله ما صافحت بهذه اليد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بنشيل القناطر رجل يقال له خليل وهو الآن مدفون بها وكان من أولياء الله قال دخل على الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه فتوضأ عندى ثم أخذ قوسا لى فجرها ثلاث مرات فقلت له يا سيدى من هو الخليفة بعدك فقال من يأتيك إلى ههنا ويتوضأ نحو وضوئى هذا ويجر هذا القوس ثلاث مرات فهو الخليفة بعدى قال فدخل على أصحاب الشيخ أجمعهم وأنا أترصد هل يفعل ذلك أحد فلم يتفق حتى دخل الشيخ أبو العباس رضي الله عنه على في ذلك المكان وتوضأ نحو وضوء الشيخ ورفع بصره فرأى القوس معلّقةً فقال ناولنى تلك القوس فناولته إياها فجرها ثلاث مرات ثم قال يا خليل جاءك وعد الشيخ وبلغنى عن الشيخ أبي الحسن رضى الله عنه أنه قال هذا أبو العباس منذ نفذ إلى الله لم يُحجب ولو طلب الحجاب لم يجده
وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه كنت ليلة من الليالي جالسًا بالإسكندرية أكتب كتاباً لبعض أصحابنا وإذا بالشيخ خليل هذا في الهواء فقلت له إلى أين انتهت سياحتك في هذه الليلة فقال خرجت من نشيل وانتهيت إلى جبال الزيتون بالمغرب الأقصى وأنا أريد أن أذهب إلى
البيت المقدس وأعود إلى بلدى ولو بسط لى أكثر من ذلك لانبسطت قال الشيخ فقلت له ليس الشأن أن تذهب إلى جبال الزيتون وتعود في ليلتك ولكن أنا الساعة لو أردت أن آخذ بيدك وأضعك على قاف وأنا ههنا لفعلت وأخبرني أبو عبد الله بن سلطان وكان من أولياء الله قال أردت أن أرسل إلى الشيخ أبى العباس عسلا فقلت لبعض أصحابي فقال لى عندى نصفيتان عسل فراخ أي جرتان صغيرتان وأتى إلى بها فسددتها وكتبت عليهما وديعة الشيخ أبي العباس المرسى وأتيت بها إلى بحر تونس فأدليتهما فيه فجاءنى الخبر من عنده أنها وصلتا إليه وأخبرني بعض أصحابه قال كان الشيخ يوما جالسا فقال لبعض أصحابه قم بنا فأتى إلى بحر السلسلة وأدلى يده وأخرج الجرتين منه وأخبرني عبد الدائم ابن الشيخ ماضى وماضى هذا أحد أصحاب الشيخ أبي الحسن رضى الله عنه وهو أخو أبي عبد الله بن سلطان قال صليت ليلة عند الشيخ أبي العباس قيام رمضان فلما فرغ من الصلاة قال لولده خذ ابن عمك واصعد به إلى فوق قال فطلعنا عند الشيخ فوضع لنا قطايف وعسلا وقال هذا العسل من عند عمك فلما ذهبت إلى والدى قال لى أبطأت الليلة لقد شغلت قلبی قلت له كنت عند الشيخ أبي العباس وأطعمنى قطايف وعسلا وقال هذا العسل من عند عمك فقال أبي عجيب هذا لي في ديار مصر عشرون سنة ما أرسل إلى أخي شيئا قط حتى بلغه أن وصول العسل كان على الوجه الذي تقدم
وكان يقول والله لو حجبت عن جنة الفردوس طرفة عين ما عددت نفسى من المسلمين وكان يقول والله لو فاتنى الوقوف بعرفة سنةً ما عددت نفسى من المسلمين وسمعته يقول كان الشيخ إذا أوذيت من بعض أصحابه يقول اصبر فوالله ما هي إلا لك أي
ما الوراثة إلا لك ووجدت بخط ابن ناشي أخبرنا الشيخ جلال الدين عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنه أنه قال ألبس اليوم أبو العباس ثياب البدلية حين مجيئهم من الحجاز بالمراسي بالجديد قال ابن ناشئ فكتبت إلى شيخى أبى العباس رضي الله عنه في ذلك
على ذلك الوجه الجميل تحيتي فيارب بلغني إلى باب قدوتى أقبل أقداما سعت نحو خلوة بها جلوة للشيخ أعظم جلوة فأخرج من ضيق الضلال إلى الهدى وصحح لى عقدى وعهدى ونيتى وأشرقت الأنوار من كل وجهة بتلقينه الأذكار في كل زورة وأبصرت ما أبصرت من ذلك الذي فلا تسألوا يا قوم عن تكلم التي أنوح عليها لا أبوح ببعضها ولكنني إن بحت نحت بعبرتی فسبحان من أعمى القلوب عن الذي تصرف في سر القلوب بهمتی ومن ذا الذي ربى بحضرة شيخه فأكرم بها من حضرة بعد حضرة وكان جديرا في الجديد بحلة غدت حلة الأبدال أول سفرة كذلك قال الشيخ وهو مسافر بلا وقفة للركب في عام وقفة
الوقت رباني كأحمد الذي أتاني قرباني على حين فترة
ومدحى
له
مدح
لأحمد الذي
علا في العلا أعلا مقام المحبة فصلى عليه الله ما سار سائر إلى قبره بعد القيام بحجة وأخبرني الشيخ الإمام العارف نجم الدين عبد الله الأصبهاني نزيل مكة قال قال لى شيخ صحبته - وأنا ببلاد العجم - إنك ستلقى القطب بديار مصر فخرجت من بلادى قاصدا لذلك فأنا في بعض الطريق وإذا بجماعة من التتار قد لاقونى فأمسكوني وقالوا هذا جاسوس فكتفوني ثم تشاوروا في قتلى فقال بعضهم نقتله وقال آخرون لا نقتله فبت مكتوفًا ففكرت في أمرى وقلت خرجت من بلادى أريد لقاء من يعرفنى بالله والله ما جزعي من الموت ولكن كيف
أموت قبل أن أنال ما قصدت فعملت أبياتا ضمنت فيها شعراً لامرىء القيس وقد أوطأت نعلى كل أرض وقد أتعبت نفسی باغتراب
وقد طوفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
ا فما استتممت الإنشاد إلا وأنا أرى رجلاً كث اللحية ظاهر الهيبة أتى إلى كالبازي إذا انقض على الفريسة فحل كتافى وقال قم يا عبد الله فأنا مطلوبك ثم إنى قدمت ديار مصر فقيل لي هنا رجل يقال له أبو العباس المرسى فذهبت إليه فإذا هو ذلك الرجل الذي حل وثاقي وقال لقد أعجبني نظمك ليلة أسرت وقولك وذكر الأبيات إلى آخرها
وأخبر في الشيخ نجم الدين أيضًا قال قال لى شيخي إذا لقيت القطب فلا تصلين وهو وراءك فجئت يوما إلى الشيخ أبي العباس رضى الله عنه وهو بالإسكندرية عند صلاة العصر فلما دخلت عليه قال أصليت العصر قال قلت لا قال قم فصل وفى المكان الذي هو فيه إيوانان قبلي وبحرى وكان الشيخ جالسًا في البحرى منها فلما قمت لأصلّى ذكرت ما قاله لي شيخي إذا لقيت القطب فلا تصلين وهو وراءك وعلمت أنى إذا صليت كان الشيخ خلف ظهرى فأقام الله في قلبی حاله وقلت حيث ما كان الشيخ هنالك القبلة فتوجهت لناحية الشيخ وأردت أن أكبر فقال الشيخ لا لا هو لا يرضيه خلاف السنة وقال رضى الله عنه ما أصنع بالكيمياء والله لقد صحبت أقواما يعبر أحدهم على الشجرة اليابسة فيشير إليها فتثمر رمانا للوقت فمن صحب هؤلاء الرجال ماذا يصنع بالكيمياء ١ وأخبرني بعض أصحابنا قال كنت أصحب بمدينة قوص الشيخ أبا عبد الله البجائي أحد أصحاب الشيخ أبي الحسن الشاذلى رضى الله عنه فكان يقع لى الأمر فأسأل عنه الشيخ أبا عبدالله فيقول لى ليس هذا الأمر لى ولكن إن جمع الله بينك وبين الشيخ أبي العباس المرسى تجد عنده ما تريد قال ورأيت في المنام كأن منه فعبرته فقيل لي هذا رجل كبير لك على يديه علوم كثيرة بعدما أتى وقتها فلما ورد الشيخ أبو العباس إلى مدينة قوص
معی
طبقا فيه بسر
وحوارى تأكل
1 إن الكيمياء بالمعنى القديم - وهو المراد هنا - هي تحويل العناصر إلى بعضها كتحويل النحاس مثلاً إلى ذهب وهذا هو المعنى المقصود من كلمة الكيمياء هنا وكان كثير من القدماء يعتقدون أن ذلك ممكن ويسعون وراء تحقيقه
۹۵
دخلت عليه فسألته عما كان يقع لى فأجابني عن ذلك وقال تذكر رؤياك البسر والحوارى تأكل منه أنا ذلك الحوارى٢
وتجاريت الكلام يومًا مع الشيخ مكين الدين الأسمر رضى الله عنه فقلت له عن الشيخ أبي العباس قال الشيخ كذا وقال كذا إلى أن تمادى بنا الكلام والفقيه مكين الدين يستغرب تلك الحقائق التي أقولها عن الشيخ إلى أن قال نقول لك الحق ما عرفنا الشيخ أبا العباس فهذا اعتراف من الشيخ مكين الدين ۳ الأسمر بعظيم شأن الشيخ أبي العباس وأنه لم يعرفه الشيخ أبا الحسن الشاذلى رضى الله عنه شهد للشيخ مكين الدين الأسمر أنه من السبعة
مع
الأبدال
وكنت يوما عند الشيخ أبي العباس الدمنهورى وعنده إنسان من أصحاب الشيخ أبي العباس فقال له إنسان يا سيدى هذا من أصحاب الشيخ أبي العباس المرسى فقال له الشيخ أبو العباس الدمنهورى سيدى أبو العباس المرسى ملك من ملوك الآخرة وأخبرني سليمان بن الباخس قال دخلت على الشيخ أبي العباس الدمنهوري فسمعته يقول يارب هذاك أبو العباس وأنا أبو العباس ويكرر ذلك فقلت يا سيدى من أبو العباس قال المرسى يابنى ما بين أسوان إلى الإسكندرية رجل مثله
ثم قال ما بين أسوان إلى دمياط إلى الاسكندرية رجل مثله وأخبرني سليمان هذا قال لقيت يوما الشيخ أبا العباس المرسى وقد خرج من الحمام فعزمت عليه فطلع عندى فقدمت له من البطيخ الصالحي فهو فى أثناء أكله سألته عن رجل كان كثير الشهرة يرحل بالخلق الكثير والرايات ولا يحضر صلاة الجمعة فلما ذكرته للشيخ تغير وقال والله لو أعلم أنك تذكره لى ما طلعت عندك تذكرون بين يدى الأبدال والأولياء أهل البدع وسمعته يقول والله ما كان اثنان من أصحاب هذا العلم في زمن واحد قط إلا واحدا عن واحد
إلى الحسن
وأخبرني جماعة من أهل أشموم قالوا قدم علينا الشيخ أبو العباس البجائي من أصحاب الشيخ أبي الحسن الشاذلى رضى الله عنه وكان يتكلم علينا فيعجبنا كلامه فإذا رأى إعجابنا بذلك
البسر جمع بسرة - أيسر النخل صار ما عليه بسر - أى بعد أن يكون طلعا ثم خلالاً ثم بلحا ثم بسرا والحوارى بالضم وتشديد الواو - وفتح الراء - الدقيق الأبيض وهو لباب الدقيق وأجوده وأخلصه ۳ والشيخ مكين الأسمر كما في جامع الكرامات العلية هو القطب الرباني صاحب المكاشفات والمجاهدات الحائز لأسرار أهل الحقائق والتمكين شيخ المشايخ الراسخين الفقيه المحدّث سيدي ومولاي أبو عبد الله بن منصور الإسكندرانى الشاذلي المقرى الشهير بمكين الدين الأسمر كان من أرباب المجاهدات وله مكاشفات عجيبة وأحوال غريبة ولد بالإسكندرية وبيها نشأ وحفظ القرآن وبرع فيه وفى علومه حتى صار أوحد أهل زمانه وشدّت إليه الرحال ووفدت عليه أكابر الرجال كان في بدايته يخيط الملابس ويتقوت من ذلك وهو مع ذلك يطلب العلم قال فيه أبو الحسن الشاذلي الشيخ مكين الأسمر أحد السبعة الأبدال وله كرامات ومكاشفات كان رضي الله عنه في زمنه شيخ القراء قرأ عليه ناس كثيرون وجماعة آخرون توفى نفعنا الله به بإسكندرية سنة ٦٩٢ ومولده بها سنة ٦١٠ ولت
9
قال كيف لو رأيتم الشيخ أبا العباس المرسى لو أطلق الشيخ أبو العباس لساني لتكلمت بالعلم
الغريب
وسمعته يقول كان يتكلم في هذا العلم ثلاثة شيوخ أبو الحسن وصاحبه الشيخ أبو الحسن الصقلي وأنا تو فى الشيخ رضى الله عنه وتوفى أبو الحسن الصقلى ولا أعلم اليوم على وجه الأرض أحدا يتكلم في هذا العلم غيرى
من
وكنت أنا حين توفى الشيخ أبو العباس بالقاهرة فدخلت يوما زاوية الشيخ صفي الدين بن أبي المنصور فجلست فيها فقال واحد من الفقراء٤ يخاطب آخر يا أخي قد مات رجل كبير اليوم فقال له الآخر من هو قال الشيخ أبو العباس المرسى وهما لا يعلمان أنني أصحاب الشيخ تدرى ما اتفق له من شيخنا صفى الدين قال لا قال سمع الشيخ ليلة ههنا ذكرا لا يعهده فقال لى اذهب فانظر من هذا فذهب فإذا هو الشيخ أبو العباس وأصحابه فرجعت إلى الشيخ صفى الدين فأخبرته فقال يأتى هذا الرجل إلى هنا ولا يزورنا ماهذا إلا أمر عجيب قال ثم أصبح الشيخ صفى الدين فقال لأصحابه رأيت البارحة كأنني في فلاة من الأرض وأبو العباس في موضع مرتفع وهو يقول لي يا أخى يأبى الله أن نجتمع إلا هكذا وقال الشيخ أبو عبد الله بن النعمان الشيخ أبو العباس المرسى وارث علم الشيخ الشاذلي
حقيقة
وأخبرنى بعض الفقهاء من أهل البهسا قال قال لى الشيخ أمين الدين جبريل تريد أن أريك وليا من أولياء الله قلت نعم قال امض بنا فأتى بى إلى الشيخ أبي العباس وقال هو هذا وأخبرني بعض أصحابه قال عزم على الشيخ إنسان فقدم له طعاما يختبره به فأعرض الشيخ عنه ولم يأكله ثم التفت إلى صاحب الطعام فقال إن كان الحارث بن أسد المحاسبي كان في أصبعه عرق إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة تحرك عليه فأنا فى يدى ستون عرفا تتحرك على إذا كان مثل ذلك فاستغفر صاحب الطعام واعتذر إلى الشيخ
ومن المشهور بين أصحاب الشيخ أبي الحسن وغيرهم أن الشيخ كان يوما بالقاهرة في دار الزكي السراج وكتاب المواقف ٥ للنفزى يقرأ عليه فقال أين أبو العباس فلما جاء قال يابني تكلم يابني تكلم بارك الله فيك تكلم ولن تسكت بعدها أبدا فقال الشيخ أبو العباس فأعطيت في ذلك الوقت لسان الشيخ
ولقد كان علماء الزمان يسلمون له هذا الشأن حتى كان شيخنا الإمام العلامة سيف المناظرين حجة المتكلمين شمس الدين الأصبهاني والشيخ العلامة شمس الدين الأيكى يجلسان بين يديه جلوس المستفيد آخذين عنه ومتلقين ما يبديه حتى سأله أحدهما عن بعض المشايخ الظاهرين في الوقت ياسيدى أتعرفه فقال الشيخ أعرفه هنا - وأشار إلى الأرض - ولا أعرفه هناك - وأشار إلى السماء
٤ المقصود الفقراء إلى الله وهم الصوفية ٥ كتاب المواقف من أعمق كتب التصوف بحيث لا يتناوله إلا خاصة الخاصة وهو مطبوع إلا أنه من الندرة بمكان
وسأله أحدهما عن إنسان كان بدمشق الغالب عليه السكر والغيبة فقال الشيخ رضى الله عنه كل من لا يكون له فى هذه الطريق شيخ لا يُفرح به وكان من مذهبه رضى الله عنه أنه لا يلزم أن يكون القطب شريفا حسنيا بل قد يكون من غير هذا القبيل
وتكلم يوما في القطب وأوصافه ثم قال وما القطبانية بعيدة من بعض الأولياء وأشار إلى نفسه وأخبرني بعض أصحابه قال استلقى الشيخ يومًا على ظهره وأمسك بلحيته وقال لو علم
علماء العراق والشام ما تحت هذه الشعرات لأتوها ولو سعيا على وجوههم وكان يقول والله ما نطالع كلام أهل الطريق إلا لنرى فضل الله علينا وقال في الإمام أبي حامد الغزالى رضى الله عنه إنا لنشهد له بالصديقية العظمى وكان الشيخ أبو الحسن يقول إذا عرضت لكم إلى الله حاجة فتوسلوا إليه بالإمام أبي حامد وكان يقول عن شيخه أبى الحسن رضى الله عنه كتاب الإحياء يورثك العلم وكتاب القوت٦ يورثك النور
وكان يقول عن الشيخ أبي الحسن عليكم بالقوت فإنه قوت وكان هو والشيخ أبو الحسن كل منها يعظم الإمام الربانى محمد بن على الترمذى۷ وكان لكلامه عندهما الحظوة التامة وكان يقول عنه إنه أحد الأربعة الأوتاد
و دخلت عليه يوما فوجدته مغموسًا في وارد ورد عليه فقال سمعت البارحة يقال لى السلام
٦ كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكي وهو من الكتب التي تعتبر من عمد التصوف وقد قرأه الإمام الغزالي واستفاد منه وكان الإمام الشاذلي يدرسه لمريديه ويحثهم على قراءته - وهو مطبوع متداول ۷ هو صاحب كتاب ختم الأولياء الذى أثار ثورة فكرية في الجو الصوفي وقد طبع له هذا الكتاب أخيرا في لبنان وطبع له من قبل كتاب نوادر الأصول وكتاب الصلاة وله كتب كثيرة تحت الطبع وقد كتب عنه أصحاب الطبقات فيقول عنه صاحب الرسالة القشيرية
من كبار الشيوخ وله تصانيف في علوم القوم صحب أبا تراب النخشبي وأحمد بن خضروية وابن الجلاء وغيرهم سئل محمد بن على عن صفة الخلق فقال
ضعف ظاهر ودعوى عريضة
وقال محمد بن على
ما صنفت حرفًا عن تدبير ولا لينسب إلى شئ منه ولكن كان إذا اشتد على وقتى اتسلى به والترمذي نسبته إلى ترمذ مدينة على طرف نهر بلخ المسمى بجيحون قال الحافظ بن النجار في تاريخه كان أماما من
أئمة المسلمين وله التصانيف الكثيرة فى التصوف وأصول الدين ومعانى الحديث وقال الكلاباذى فى التعرف - هو من أئمة الصوفية وقال ابن عطاء الله كان الشاذلي والمرسى يعظمانه ويقولان هو أحد الأوتاد الأربعة
ومن حكمه إذا سكنت الأرواح بالسر نطقت الجوارح بالبر
وقال الولى أبدا في ستر حاله والكون ناطق بولايته ومدعى الولاية ناطق بولايته والكون كله يكذبه وقال ما استصغرت أحدا من المسلمين إلا وجدت نقصا في معرفتي وإيمانى وما منع الناس من الوصول إلا تركضهم في
الطريق بغير دليل
۹۸
عليكم يا عبادي ثم قال وهذا قد أسمعه في السنة مرة أو مرتين
وهذا من الحديث الذى قال فيه أبو العباس بن العريف
بدا لك
سر
طال عنك اكتتامه ولاح صباح كنت أنت ظلامه
فأنت حجاب القلب عن سر وحيه ولولاك لم يطبع عليه ختامه فإن غبت عنه حل فيه وطنبت ۸ على موكب الكشف المصون خيام وجاء حديث لا يمل سماعه شهى إلينا نشره ونظامه
۸ طنبت أى شدّت بأطنابها وهي الحبال الطويلة
الباب الثالث
في مجرباته ومنازلاته وما اتفق لأصحابه معه
ومكاشفاته
سمعت الشيخ أبا العباس رضى الله عنه يقول كنت أنا وصبى عند المؤدب إذ جاء رجل فوجدني أكتب في لوح فقال لى الصوفى لا يسود بياضًا قال فقلت له ليس الأمر كما زعمت ولكن لا يسود بياض الصحائف بسواد الذنوب
وسمعته يقول عمل إلى جانب دارنا خيال الستارة وأنا إذ ذاك صبي فحضرته فلما أصبحت وأتيت إلى المؤدب وكان من أولياء الله أنشدني حين رآني
يا ناظرا صور الخيال تعجباً وهو الخيال بعينه لو أبصرا وقال رضى الله عنه رأيت ليلةً كأنى فى سماء الدنيا وإذا برجل أسمر اللون قصير الطول كبير اللحية فقال قل
من
اللهم اغفر لأمة محمد اللهم ارحم أمة محمد اللهم استر أمة محمد اللهم اجبر أمة محمد هذا دعاء الخضر من قاله كل يوم كتب من الأبدال فقيل لى هذا الشيخ ابن أبي شامة فلما انتهيت أتيت إلى الشيخ أبي الحسن رضى الله عنه فجلست ولم أخبره بشيء فقال اللهم اغفر لأمة محمد واللهم ارحم أمة محمد واللهم استر أمة محمد اللهم اجبر أمة محمد هذا دعاء الخضر قاله كل يوم كتب من الأبدال وقال رضى الله عنه كنت أخرج كل يوم من باب البحر إلى نحو المنار فخرجت يوما إلى المنار فنمت عند الجانب الشرقي وكان قد خطر فى نفسى ما سبب قلة رواية أبي بكر رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كثرة ملازمته له فإذا قائل يقول لى أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وإنما قلت
روايته عنه لتحققه به
وقال رضى الله عنه طالعت مقام الرحمة فإذا قائل يقول لى والله ليكونن من رحمة الله يوم القيامة ما ينال منها ابن أبى الطواجن وكان ابن أبي الطواجن هذا قد قتل الشيخ القطب عبد السلام بن مشيش شيخ الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنها وقال رضى الله عنه كنت مع الشيخ فى مدينة الرسول فأردت أن أزور حمزة رضى الله عنه فخرجت من المدينة فتبعنى رجل فأتينا إلى التربة فإذا الباب مغلق فانفتح ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلنا فوجدنا هناك رجلا من الأبدال فقلت للرجل الذي تبعنى ادع في هذا الوقت بما تريد فإنه
44
يستجاب لك فدعا ذلك الرجل أن يعطيه الله دينارا فلما رجعنا إلى المدينة لقيه رجل فأعطاه دينارا فلما دخلنا على الشيخ أبي الحسن رضى الله عنه قال له يا بطال صادفت وقت إجابة فسألت الله دينارًا ! هلا سألت الله كما سأله أبو العباس سأله أن يكفيه هم الدنيا وعذاب الآخرة
وقد استجاب الله له في ذلك وقال رضى الله عنه كنت يوما جالسا بين يدى الأستاذ فدخل عليه جماعة من الصالحين فلما خرجوا من عنده قال هؤلاء أبدال فنظرت ببصيرتي فلم أجدهم أبدالا فتحيرت بين ما أخبر به الشيخ وبين ما شهدته بصيرتى فبعد ذلك بأيام قال الشيخ من بدلت سيأته حسنات فهو بدل فعلمت أن الشيخ أراد أول مراتب البدلية
وأخبرني الشيخ العارف نجم الدين الأصبهاني قال قال لى الشيخ أبو العباس يوما ما اسم كذا وكذا بالعجمية فخطر لى أن الشيخ يجب أن يقف على لغة العجم فأتيت إليه بكتاب الترجمان قال فقال الشيخ ما هذا الكتاب فقلت كتاب الترجمان قال فضحك الشيخ وقال سل بالعجمية ما شئت أجبك بالعربية وسل ما شئت بالعربية أجبك بالعجمية فسألته بالعجمية فأجابنى بالعربية وسألته بالعربية فأجابنى بالعجمية وقال يا عبد الله ما أردت بقولى ما اسم كذا إلا مباسطتك وإلا فلا يكون صاحب هذا الشأن ويخفى عليه شيء من الألسنة وأخبرني أيضا قال قال الشيخ أبو العباس يوما كم بين بلدة كذا وبلدة كذا من نهر لبلدتين من بلاد العجم فقلت أربعة أنهر فقال والنهر الذي غرقت فيه فذكرت أني نسيت نهرا أتيت لأخوضه فكدت أن أغرق فيه
وأخبرني الشيخ العارف ياقوت قال عزم على إنسان فقدم لى طعاما فرأيت عليه ظلمة كالمكب فقلت في نفسي هذا حرام فامتنعت من أكله ثم دخلت على الشيخ أبي العباس رضى الله عنه فقال أول ما جلست ومن جهلة المريدين من يقدم له طعام فيرى عليه ظلمة فيقول هذا حرام یا مسكين ما يساوى ورعك سوء ظنك فى أخيك المسلم هلا قلت هذا طعام لم يردن الله به ودخلت أنا عليه يوما وفى نفسى ترك الأسباب والتجريد وترك الاشتغال بالعلم الظاهر قائلا إن الوصول إلى الله لا يكون إلا على هذه الحالة فقال من غير أن أبدى له شيئا صحبني بقوص إنسان يقال له ابن ناشئ وكان مدرسا بها ونائب الحكم فذاق من هذا الطريق شيئا على أيدينا فقال يا سيدى أترك ما أنا فيه وأتفرغ
لصحبتك
فقلت له ليس الشأن ذا ولكن امكث فيها أقامك الله فيه وما قسم لك على أيدينا هو لك
واصل
ثم قال وهذا شأن الصديقين لا يخرجون من شيء حتى يكون الحق سبحانه هو الذي يتولى
إخراجهم
فخرجت من عنده وقد غسل الله تلك الخواطر من قلبي وكأنما كانت ثوبا نزعته ورضيت عن الله فيها أقامني فيه
۱۰۱
وأخبرني بعض أصحابنا قال رأيت وأنا بالمغرب دائرة من الرجال ورجلا في وسطها وكل من
في تلك الدائرة متوجه إليه فقلت في نفسي هذ هو القطب وعرفت ذلك الرجل بصفته وبقيت كلما ذكر لي عن رجل آتى إليه وأقول عسى أن يكون ذلك الرجل الذى رأيته في وسط الدائرة حتى قيل لى عن الشيخ أبي العباس فأتيت إليه فإذا هو ذلك الرجل الذي رأيته في وسط الدائرة فأخبرته فقال نعم أنا القطب أما الذين يقابلون بطنى لهم المدد من باطن حقيقتي والذين يقابلون ظهرى لهم المدد من ظاهر علمى والذين يقابلون جنبى لهم المدد من العلوم التي بين جنبي وأخبرني بعض أصحابنا قال رأى إنسان من أهل العلم والخير كأنه بالقرافة الصغرى والناس مجتمعون يتطلعون إلى السماء وقائل يقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي ينزل من السماء والشيخ أبو العباس مرتقب لنزوله متأهب له فرأيت الشيخ أبا الحسن قد نزل من السماء وعليه ثياب بيض فلما رآه الشيخ أبو العباس ثبت رجليه فى الأرض وتهيأ لنزوله عليه فنزل الشيخ أبو الحسن عليه ودخل من رأسه حتى غاب فيه واستيقظت
وأخبرني الشيخ محمد السراج رحمه الله قال كنت ليلة من الليالى نائها وأنا أرى في المنام قائلا يقول لى اذهب إلى خارج الإسكندرية من باب السدرة فأول بستان تلقاه من الجانب الأيسر فادخل فيه فإنك تجد فيه جماعة من الناس الجالس منهم تحت أطول نخلة هناك رجل من الرجال ثم قيل إن في الجامع حلقة من دخل فيها فهو آمن فلما أصبحت خرجت إلى ظاهر الإسكندرية ودخلت أول بستان من الجانب الأيسر فوجدت حلقة هناك فرفعت بصرى لأنظر إلى أطولها نخلة فإذا قائل يقول لى كلها طوال فإذا الشيخ أبو العباس المرسى رضي الله عنه فسلمت عليه وجلست وقلت يا سيدى رأيت البارحة كذا وكذا وقصصت عليه الرؤيا فقال الجامع أنا والحلقة هم أصحابي ومن دخل فيها فهو آمن أى من دخل فى شروطنا فهو آمن ثم قال أنا الليلة آتيك فقلت يا سيدى أنتظرك على الباب أو أترك الباب لك مفتوحا فقال لا ولكن اغلق بابك وأنا
آتيك
قال فلما كان الليل أخذنى شبيه الوهم وصرت أقول من أين يأتي من هنا يأتي لا بل من هنا يأتى فلم أطق المكث فخرجت إلى رباط الواسطى وصعدت المأذنة ووقفت أصلي فأنا في الصلاة وإذا الشيخ أبو العباس قد أتى فى الهواء وقال يا محمد أتظن أنك إذا جئت هنا يخفى على مكانك فقلت يا سيدى إنما جئت هنا لأنى لم أطق المكث وهالنى الأمر وكان المخاطب له منى لسانا آخر غير الذي كنت أقرأ
وأخبرني بعض أصحابه قال كنا مع الشيخ بمدينة قوص وكان من أصحاب الشيخ أبى العباس أبو الحسن المرسى وكان في خلقه حدة فنزل ولد الشيخ يوما يلعب كما يلعب الصبيان فقال له الشيخ أبو الحسن المرسى اطلع لا أطلعك الله فسمعه الشيخ أبو العباس فنزل وقال
خلقك يا أبا الحسن حسن مع الناس بقى لك عام وتموت فمات إلى تمام العام وأخبرني أبو عبد الله الحكيم المرسى رحمه الله قال قدم علينا الشيخ بأشموم فلما جن الليل دعانى الشيخ وقال ادن منى يا حكيم فدنوت منه فوضع يده خلف ظهرى وفعلت أنا كذلك
۱۰
وضمنى إليه وبكى فبكيت لبكائه ولم أدر مم بكي فقال يا حكيم ما جئتكم إلا مودعا يا حكيم نذهب إلى المقسم نودع أخى ثم نعود إلى الاسكندرية نبيت بها ليلة وندخل في اليوم الثاني قبرى فسافر فأقام عند أخيه مدة يسيرة ثم انحدر إلى الاسكندرية فأقام بها ليلة ودخل في اليوم الثاني قبره كما قال رحمه الله
وأخبرنى سيدى جمال الدين ولد الشيخ رضى الله عنهما قال ورد رسول الإفرنج إلى الإسكندرية فذهبت لأنظره ولم أعلم الشيخ فلما جئت قال أين كنت قلت ههنا قال بل ذهبت تنظر رسول الإفرنج أتظن أن شيئا من أحوالك يخفى على كان الرسول لابسا كذا وكذا راكبا على كذا عن يمينه فلان وعن يساره فلان فوصف الحال على ما كانت عليه وأخبرني عبد العزيز المدبولى قال قال لى الشيخ يا عبد العزيز سقيت الفرس فقلت نعم فكرر ذلك مرارا وأنا أقول نعم ففى المرة الأخيرة قال يالله وطار في الهواء حتى غاب عن بصرى فلما كان في اليوم الثانى قال يا عبد العزيز ما الذى يحوج الإنسان منكم أن يقول غير الحق كنت تقول ما سقيتها وماذا كنت أصنع بك إذا لم تسقها وكنت أنا سمعت الطلبة يقولون من يصحب المشايخ لا يجيء منه في العلم الظاهر شيء فشق على أن يفوتنى العلم وشق على أن تفوتنى صحبة الشيخ رضى الله عنه فأتيت إلى الشيخ فوجدته يأكل لحما بِخَل فقلت في نفسي ليت الشيخ يطعمني لقمة من يده فها استتممت الخاطر إلا وقد دفع فى فمى لقمة في يده ثم قال
نحن إذا صحبنا تاجرا ما نقول له اترك تجارتك وتعال أو صاحب صنعة ما نقول له اترك صنعتك وتعال أو طالب علم ما نقول له اترك طلبك وتعال ولكن نقر كل أحد فيهما أقامه الله فيه على أيدينا فهو واصل إليه
وما قسم وقد صحب الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما قال لتاجر اترك تجارتك ولا لذي صنعه اترك صنعتك بل أقرهم على أسبابهم وأمرهم بتقوى الله فيها وسمعته يقول سافرت إلى قوص ومعى خمس أنفس الحاج سليمان وأحمد بن الزين وأبو الربيع وأبو الحسن المرسى وفلان فقال لى إنسان ما الذي تقصد بسفرك يا سيدى فقلت له
أدفن هؤلاء بقوص وأجيء فدفنت الخمسة بها أما الحاج سليمان فما مات حتى شرب من حوض الكوثر وأخبرني بعض أصحابه قال نزل عنده بعض الأعيان فقال في نفسه أشتهي من ينبهني قبل الفجر بمنزلة ويأتى بإبريق ماء سخن ويأتيني بسراج وبرينى محل الطهارة قال فما كان قبل الفجر إلا وطارق يطرق الباب فخرجت فإذا هو الشيخ فقال الوقت قبل الفجر بمنزلة وهذا إبريق فيه ماء سخن وهذه شمعة تعال حتى أريك محل الطهارة وكنت قلت لبعض أصحاب الشيخ أريد لو نظر إلى الشيخ بعناية وجعلني في خاطره فقال ذلك للشيخ فلما دخلت على الشيخ رضى الله عنه فقال لا تطالبوا الشيخ بأن تكونوا في خاطره بل طالبوا أنفسكم أن يكون الشيخ فى خاطركم فعلى مقدار ما يكون الشيخ عندكم تكونون
عنده
لي
١٠٣
ثم قال أي شيء تريد أن تكون والله ليكونن لك شأن والله ليكونن لك شأن عظيم والله ليكونن لك كذا والله ليكونن لك كذا لم أثبت منه إلا قوله ليكونن لك شأن عظيم فكان من
فضل الله سبحانه ما لا ننكره
وأخبرني سيدى جمال الدين ولد الشيخ قال قلت للشيخ هم يريدون يصدرون ابن عطاء الله في الفقه فقال الشيخ
هم يصدرونه في الفقه وأنا أصدره في التصوف
ودخلت أنا عليه فقال لى إذا عوفي الفقيه ناصر الدين يجلسك في موضع جدك ويجلس الفقيه من ناحية وأنا من ناحية وتتكلم إن شاء الله في العلمين فكان ما أخبر به رضى الله عنه سمعته يقول أريد أن أستنسخ كتاب التهذيب لولدى جمال الدين فذهبت أنا فاستنسخته من غير أن أعلم الشيخ وأتيته بالجزء الأول فقال ما هذا قلت كتاب التهذيب استنسخته لكم فأخذه فلما نهض ليقوم قال اجعل بالك الولى لا يتفضل عليه أحد تجد هذا إن شاء الله في ميزانك فلما أتيته بالجزء الثاني لقينى بعض أصحابه بعد نزولى من عنده وقال قال الشيخ عنك والله لأجعلنه عينا من عيون الله يقتدى به فى العلم الظاهر والباطن فلما أتيته بالجزء الثالث ونزلت من عنده لقينى بعض أصحابى وقال طلعت عند الشيخ فوجدت عنده مجلدة حمراء فقال هذا كتاب استنسخه لى ابن عطاء الله فوالله ما أرضى له بجلسة جده ولكن بزيادة التصوف
وأخبرني بعض أصحابه قال قال الشيخ يوما إذا جاء ابن عطاء الله فقيه الإسكندرية فأعلمونى به فلما أتيت أعلمنا الشيخ بك فقال تقدّم فتقدمت بين يديه ثم قال جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ملك الجبال حين كذبته قریش فقال له جبريل عليه السلام هذا ملك الجبال أمره الله أن يطيع أمرك فى قريش فسلم عليه ملك الجبال وقال يا محمد إن شئت أطبق عليهم الأخشبين فعلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ولكن أرجو أن يخرج ا الله من أصلابهم من يوحد الله ولا يشرك به شيئا فصبر عليهم رسول الله رجاء من يخرج من أصلابهم۱ كذلك صبرنا على جد هذا الفقيه لأجل هذا الفقيه وخرجت يوما من عند الفقيه مكين الدين الأسمر رضى الله عنه وخرج معى أبو الحسن الجزيري - وكان من أصحاب الشيخ أبي الحسن - فسلمت عليه فسلم على ببشاشة وإقبال فقلت له من أين تعرفني فقال وكيف لا أعرفك ! كنتُ يوما جالسا عند الشيخ أبي العباس
1 عندما لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الطائف الكثير من الأذى ودعا دعاءه المشهور اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس عند ذلك نزل عليه جبريل ومعه ملك الجبال وكما روى البخاري بسنده عن عائشة قالت للنبي هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من أحد فقال
لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم بعد يوم العقبة إذ عرضت نفسى على عبد ياليل بن عبد كلال فلم يحبني إلى ما أردت فانطلقت على وجهى وأنا مهموم فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسى فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وماردوا عليك وقد بعثت إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم على فقال يا محمد ذلك لك إن شئت أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا وانظر الروض الأنف ٥٦٧٤ - ٥٧
104
وكنت أنت عنده فلما نزلت قلت له يا سيدى إنه ليعجبني هذا الشاب انقطع فلان وفلان عن الملازمة وهذا الشاب ملازم قال فقال الشيخ يا أبا الحسن لن يموت هذا الشاب حتى يكون داعيا يدعو إلى الله فكان كما قال الشيخ ولله الحمد وأخبرني أبو الحسن هذا قال كنت ليلة عند الشيخ أبى الحسن وكان يقرأ عليه كتاب ختم الأولياء للترمذى الحكيم فرأيت واحدًا جالسًا لم يطلع معنا ولم يكن عند الشيخ وقت طلوعنا فقلت لإنسان إلى جانبي من هذا الرجل الجالس إلى جانب فلان فقال ما ههنا أحد غير الجماعة الذين تعرفهم فسكت وعلمتُ أنه لم يره فلما انصرف الجمع الشيخ أبا الحسن رضى الله عنه فقلت يا سيدى رأيت هنا رجلا لم يطلع معنا ولم يكن عندك قبل طلوعنا فقال الشيخ ذاك أبو العباس المرسى يأتى كل ليلة من المقسم حتى يسمع الميعاد ثم يعود من ليلته إلى مكانه والشيخ أبو الحسن إذ ذاك بالإسكندرية وكنت كثيرًا ما يطرأ على الوسواس فى الطهارة فبلغ ذلك الشيخ أبا الحسن فقال بلغني أن بك
سألت
وسواسا في الوضوء
قلت نعم فقال رضى الله عنه هذه الطائفة تلعب بالشيطان لا الشيطان يلعب بها ثم مكنت أياما ودخلت عليه فقال ما حال هذا الوسواس فقلت على حاله ال
فقال إن كنت لا تترك هذه الوسوسة لا تعد تأتينا فشق ذلك على وقطع الله الوسواس عنى ميلة وكان رضي الله عنه يلقن للوسواس سبحان الملك الخلاق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز
-
وعملت فيه قصيدة أمدحه بها سيأتي ذكرها إن شاء الله آخر الكتاب فقال - حين أنشدت أيدك الله بروج القدس ثم عملت قصيدة أخرى بإشارته - جواباً لقصيدة مدحه بها إنسان من بلاد أخميم وسيأتي ذكرها أيضا آخر الكتاب إن شاء الله تعالى - فلما قرئت عليه قال هذا الفقيه صحبنى وبه مرضان وقد عافاه الله منها ولابد أن يجلس ويتحدث في العلمين يشير الشيخ إلى مرض الوسوسة فقد انقطع عنى ببركة الشيخ حتى صرت أخاف أن أكون لشدة التوسعة التى أجدها قد تساهلت في بعض الأمور
والمرض الآخر كان بي ألم برأسى فشكوت ذلك إليه فدعا لى فعافاني الله وشفاني وبت ليلة من الليالي مهموما فرأيت الشيخ فى المنام فشكوت إليه ما أنا فيه فقال اسكت والله لأعلمنك علما عظيما فلما استيقظت أتيت إلى الشيخ رضى الله عنه فقصصت عليه الرؤيا فقال هكذا تكون إن شاء الله
وقدم يوما من السفر فخرجنا للقائه فلما سلمت عليه قال يا أحمد كان الله لك ولطف بك وسلك بك سبيل أوليائه وبهاك بين خلقه فلقد وجدتُ بركة هذا الدعاء وعلمت أنه لا يمكنني الانقطاع عن الخلق وأنى مراد بهم لقوله وبهاك بين خلقه
١٠٥
وكنت أنا لأمره من المنكرين وعليه من المعترضين لا لشيء سمعته منه ولا لشيء صح نقله عنه حتى جرت بيني وبين بعض أصحابه مقاولة وذلك قبل صحبتى إياه وقلت لذلك الرجل ليس إلا أهل العلم الظاهر وهؤلاء القوم يدّعون أمورًا عظاماً وظاهر الشرع يأباها فقال ذلك
الرجل بعد أن صحبت الشيخ تدرى ما قال لى الشيخ يوم تخاصمنا قلت لا قال دخلت عليه فأول ما قال لى هؤلاء كالحجر ما أخطأك منه خير مما أصابك فعلمت أن الشيخ كوشف بأمرنا ولعمرى لقد صحبت الشيخ اثنى عشر عاما فيما سمعت منه شيئًا ينكره ظاهر العلم من الذي كان ينقله عنه من يقصده بالأذى
وكان سبب اجتماعی به أن قلت في نفسي بعد أن جرت المخاصمة بيني وبين ذلك الرجل دعنى أذهب أرى هذا الرجل فصاحب الحق له أمارات لا يخفى شأنه فأتيت إلى مجلسه فوجدته يتكلم في
الأنفاس التي أمر الشارع بها فقال
الأول إسلام
والثاني إيمان
والثالث إحسان
وإن شئت قلت الأول عبادة
والثاني عبودية
والثالث عبودة
وإن شئت قلت الأول شريعة
والثاني حقيقة
والثالث تحقق أو نحو هذا
فمازال يقول وإن شئت قلت وإن شئت قلت إلى أن بهر عقلى وعلمت أن الرجل إنما يغترف من فيض بحر إلهى ومدد ربانى فأذهب الله ما كان عندى ثم أتيت تلك الليلة إلى المنزل فلم أجد في شيئًا يقبل الاجتماع بالأهل على عادتى ووجدت معنى غريبا لا أدرى ما هو فانفردت في مكان أنظر إلى السماء وإلى كواكبها وما خلق الله فيها من عجائب قدرته فحملني ذلك على العودة إليه مرة أخرى فأتيت إليه فاستؤذن على فلما دخلت عليه قام قائما وتلقاني ببشاشة وإقبال حتى دهشت خجلاً واستصغرت نفسى أن أكون أهلا لذلك فكان أول ما قلت له ياسيدى أنا والله أحبك
فقال أحبك الله كما أحببتني ثم شكوت إليه ما أجده من هموم وأحزان فقال رضى الله عنه
أحوال العبد أربعة لا خامس لها
النعمة والبلية والطاعة والمعصية
فإن كنتَ بالنعمة فمقتضى الحق منك الشكر
وإن كنت بالبلية فمقتضى الحق منك الصبر
وإن كنت بالطاعة فمقتضى الحق منك شهود منته عليك
وإن كنت بالمعصية فمقتضى الحق منك وجود الاستغفار
فقمت من عنده وكأنما كانت الهموم والأحزان ثوباً نزعته ثم سألني بعد ذلك بمدة كيف حالك فقلت أفتش على الهم فلا أجده فقال رضى الله عنه
لیلی بوجهك مقمر وظلامه في الناس سار
والناس في سدف الظلا م ونحن في ضوء النهار
الزم فوالله لئن لزمت لتكونن مفتيا في المذهبين يريد
مذهب أهل الشريعة أهل العلم الظاهر ومذهب أهل الحقيقة أهل العلم الباطن
١٠٦
الباب الرابع
في علمه وزهده وورعه ورفع همته وحلمه وصبره وسداد طريقته
كان رضي الله عنه لا تتحدث معه في علم من العلوم إلا تحدث معك فيه حتى يقول السامع إنه لا يحسن غير هذا العلم - لاسيما علم الحديث والتفسير
وكان يقول شاركنا الفقهاء فيها هم فيه ولم يشاركونا فيها نحن فيه وكان كتابه في أصول الدين الإرشاد وفى الحديث كتاب المصابيح وفي الفقه التهذيب والرسالة وفي التفسير كتاب ابن عطية ۱
منه
ولقد كان يقرأ عليه بعض المغرقين فى العربية فيرد عليه اللحن وأما علوم المعارف والأسرار فقطب رحاها وشمس ضحاها تقول إذا سمعت كلامه هذا كلام من ليس وطنه إلا غيب الله هو بأخبار أهل السماء أعلم بأخبار أهل الأرض وسمعت أن الشيخ أبا الحسن قال عنه أبو العباس بطرق السماء أعرف منه بطرق الأرض كنت لا تسمعه يتحدث إلا فى العقل الأكبر والاسم الأعظم وشعبه الأربع والأسماء والحروف ودوائر الأولياء ومقامات الموقنين والأملاك المقربين عند العرش وعلوم الأسرار وأمداد الأذكار ويوم المقادير وشأن التدبير وعلم البدء وعلم المشيئة وشأن القبضة ورجال القبضة وعلوم الأفراد وما سيكون يوم القيامة من أفعال الله مع عباده من حلمه وإنعامه ووجود
انتقامه حتى
لقد سمعته يقول
والله لولا ضعف العقول لأخبرت بما يكون غدا من رحمة الله
وإن تنزل إلى علوم المعاملة ففى الزمن اليسير لحاجة الخلق إلى ذلك ولذلك قل أتباع من هذه علومه وقد يكثر المشترى للمرجان وقل أن يجتمع على شراء الياقوت اثنان ولذلك كان يقول رضی الله عنه
أتباع أهل الحق قليلون وقد قال الحق سبحانه
وقليل ما هم
وقال سبحانه وقليل من عبادى الشكور
1 كتاب ابن عطية هو كتاب المحرر الوجيز وله من اسمه نصيب فهو محرر وهو في عرف ابن عطية وجيز وإن كان متوسط الحجم وما زال الكتاب مخطوطا ولكن عدة جهات تعمل على نشره ونرجو الله له التوفيق
١٠٧
۱۰۸
وقال سبحانه ولكن أكثر الناس لا يعلمون وقال في أهل الكهف هوما يعلمهم إلا قليل
فأولياء الله أهل كهف الإيواء فقليل من يعرفهم
وسمعته رضى الله عنه يقول معرفة الولى أصعب من معرفة الله فإن الله معروف بكماله وجماله ومتى حتى تعرف مخلوقا مثلك يأكل كما تأكل ويشرب كما تشرب
وأما زهده في الدنيا فيستدلّ على الزهد في الدنيا بالزهد في الرئاسة ويستدلّ على الزهد في الرئاسة بالزهد في الاجتماع بأهلها ولقد مكث رضى الله عنه بالإسكندرية ستا وثلاثين سنة ما رأى وجه متولّيها ولا أرسل إليه وطلب ذلك المتولّى بالإسكندرية فأبى الشيخ من ذلك وقال له الزكي الأسوانى يا سيدى متولى الإسكندرية قال إنه يريد الاجتماع بك ويأخذ بيدك فتكون شيخه
فقال له الشيخ يا زكى لست ممن يُلعب به والله إنى ألقى الله ولا يرانى المتولى ولا أراه
فكان كذلك وكان إذا نزل بلدة وقيل له متولى البلد يريد أن يأتيك غدا سافر هو ليلا ولقد كان يأتى إليه متولّى الثغر وناظره ومشدّ الدواوين به قليلة إتيانهم يغلب القبض عليه ولا ينبسط للكلام كحاله في عدم حضورهم حتى كنا نقول ليت ذلك الكلام الذي كان في غيبتهم كان ليلة حضورهم ولقد أتى إليه الشجاعي في بحبوحة عزّه وتمكنه من السلطنة فما ألوى إليه عنان همته ولا فوق إليه سهام عزيمته حتى لقد بلغنى أن الزكى الأسوانى لما استعرض للشجاعي حوائجه قال للشيخ يا سيدى اطلب منه أرضا يزرعها أصحابك
فقال يا زكي هذا ما لا يكون أبدا
ومن زهده رضى الله عنه أنه خرج من الدنيا وما وضع حجرًا على حجر ولا اتخذ بستانا ولا افتتح سببا من أسباب الدنيا ولا خلف وراءه ورقة مع أن الزهد وصف من أوصاف القلوب به قلب من أحبه ولكن له علامات تدل عليه
يصف الله
وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه رأيت الصدّيق فى المنام فقال لي أتدرى ما علامة خروج حب الدنيا من القلب قلت لا أدرى قال علامة خروج حب الدنيا من القلب بذلها عند الوجد ووجود الراحة منها عند الفقد
وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المنام فقلت يا أمير المؤمنين ما علامة حب الدنيا قال خوف المذمة وحب الثناء
فإذا كان علامة حبها خوف المذمة وحب الثناء فعلامة الزهد فيها وبغضها أن لا يخاف المذمة ولا يحب الثناء
۱۰۹
وأما ورعه فلقد أخبرني بعض أصحابه أنه دخل يوما بيت واحد من الجماعة في البرج الذي هو فيه فوجده يضرب فيه وتدا قال فاتفق للشيخ من الحرج الأمر الكبير وقال كيف يحل لك أن تتصرف في الحبس بأمر لم يؤذن لك فيه
وكان يقول والله ما دخل بطنى حرام قط وكان يقول الورع من ورعه الله
وقال رضى الله عنه عزم علينا بعض صلحاء الإسكندرية في بستان له بالرمل فخرجت أنا وجماعة من صلحاء الثغر ولم يخرج معنا صاحب البستان ذلك الوقت بل وصف لنا المكان فتجارينا ونحن خارجون الكلام فى الورع فكلّ قال شيئًا فقلت لهم إنما الورع من ورعه الله فلما أتينا البستان وكان زمن ثمرة التوت كلهم أسرع إلى الأكل وأكل وكنت كلما جئت لأكل أجد وجعا في بطنى فأرجع فينقطع الوجع عنى فعلت ذلك مرارا فجلست ولم أكل شيئًا فهم يأكلون وإذا كيف يحل لكم أن تأكلوا من ثمرة بستانى بغير إذنى فإذا هم قد غلطوا بالبستان
بإنسان يصيح
فقلت لهم ألم أقل لكم إن الورع من ورعه الله سبحانه واعلم رحمك الله أن ورع الخصوص لا يفهمه إلا قليل فإن من جملة ورعهم تورعهم عن يسكنوا لغيره أو أن يميلوا بالحب لغيره أو تمتد أطماعهم بالطمع في غير فضله وخيره ومن ورعهم ورثهم عن الوقوف مع الوسائط والأسباب وخلع الأنداد والأرباب ومن ورعهم ورعهم عن الوقوف مع العادات والاعتماد على الطاعات والسكون إلى أنوار التجليات
ومن ورعهم ورعُهم عن أن تفتنهم الدنيا أو توقفهم الآخرة تورعوا عن الدنيا وفاء وعن الوقوف مع الآخرة صفاء قال الشيخ عثمان بن عاشوراء خرجت من بغداد أريد الموصل فأنا أسير وإذا بالدنيا قد عرضت على بعزها وجاهها ورفعتها ومراكبها وملابسها ومزيناتها ومشتهياتها فأعرضت عنها فعرضت على الجنة بحورها وقصورها وأنهارها وثمارها فلم أشتغل بها فقيل لى يا عثمان لو وقفت مع الأولى لحجبناك عن الثانية ولو وقفت مع الثانية لحجبناك عنا فها نحن لك وقسطك من الدارين يأتيك
من
وقال الشيخ عبد الرحمن المغربي - وكان مقيماً بشرقي الإسكندرية – حججت السنين فلما قضيت الحج عزمت على الرجوع إلى الإسكندرية فإذا قائل يقول لى إنك العام القابل عندنا فقلت في نفسي إذا كنت العام القابل ههنا فلا أعود إلى الإسكندرية فخطر لى الذهاب إلى اليمن فأتيت إلى عدن فأنا يوما على ساحلها أمشى وإذا أنا بالتجار قد أخرجوا بضائعهم ومتاجرهم ثم نظرت فإذا رجل قد فرش سجادة على البحر ومشى على الماء فقلت في نفسي لم أصلح للدنيا ولا للآخرة فإذا قائل يقول لى من لا يصلح للدنيا ولا للآخرة يصلح لنا
الحبس هو الوقف - والمراد أنه يدق وتدا في بناء الوقف
وقال الشيخ أبو الحسن
الورع نعم الطريق لمن عجل ميراثه وأجل ثوابه
فقد انتهى بهم الورع إلى الأخذ من الله وعن الله والقول بالله والعمل الله وبالله على البينة
الواضحة والبصيرة الفائقة
فهم في عموم أوقاتهم وسائر أحوالهم لا يدبرون ولا يختارون ولا يريدون ولا يتفكرون
ولا ينظرون ولا ينطقون ولا يبطشون ولا يمشون ولا يتحركون إلا بالله والله من حيث يعلمون
هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فهم مجموعون فى عين الجمع لا يتفرقون فيها هو أعلا ولا فيما هو أدنى وأما أدنى الأدنى فالله يُوزّعهم عنه ثواباً لورعهم مع الحفظ لمنازلات الشرع عليهم ومن لم يكن لعلمه وعمله ميراث فهو محجوب بدنيا أو مصروف بدعوى وميراثه التعزز لخلقه والاستكبار على مثله والدلالة على الله بعلمه فهذا هو الخسران المبين والعياذ بالله العظيم من ذلك والأكياس يتورعون عن هذا الورع ويستعيدون بالله منه ومن لم يزدد بعلمه وعمله افتقارا لربه وتواضعًا لخلقه فهو هالك فسبحان من قطع كثيرا من الصالحين بصلاحهم عن مصلحتهم كما
قطع كثيرًا من المفسدين بفسادهم عن موجدهم فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم فانظر فهمك الله سبيل أوليائه ومن عليك بمتابعة أحبائه هذا الورع الذي ذكر الشيخ رضى الله عنه هل كان فهمك يصل إلى مثل هذا النوع من الورع ألا ترى قوله فقد انتهى بهم الورع إلى الأخذ من الله وعن الله والقول بالله والعمل الله وبالله على البينة الواضحة والبصيرة الفائقة فهذا هو ورع الأبدال والصديقين لا ورع المتنطعين الذي ينشأ الظن وغلبة الوهم وأما رفع همته فكان آتياً من ذلك بالعجب العجاب وقد تقدم من رفع همته عن ولاة الأمر مع استعراضهم لحوائجهم وتطارحهم عليه
عنه
سوء
وقال رضى الله عنه يوما لأصحابه جاءني اليوم الطواشي بهاء الدين وهو مشد الدواوين إذ ذاك والفقيه شمس الدين الخطيب - وهو يومئذ ناظر الأحباس ۳ - فقالا لى إن هذه القلعة
تحتاج إلى حصر وزيت وقناديل ويحتاج الفقراء فيها ما يأكلون ونحن حكام الوقت نطلق لها شيئًا
في كل شهر
قال فقلت لهم حتى أشاور أصحابى وأنتم أصحابي فماذا تشيرون
فلم يرجع إليه أحد جواباً فأعاد الأمر مرارا فلم يجبه أحد فقال اللهم اغننا عنهم ولا تغننا بهم إنك على كل شيء قدير ولم يجبهم إلى ما ذكروا ومات الشيخ رضى الله عنه وليس للمكان مرتب ولا معلوم
وسمعته رضى الله عنه يقول والله ما رأيت العز إلا في رفع الهمة عن الخلق وسمعته يقول رأيت كلبا فى المحجة ومعى شيء من الخبز فوضعته بين يديه فلم يلتفت إليه
۳ الأحباس الأوقاف
۱۱۱
فقربته من فيه فلم يلتفت إليه فإذا قائل يقول لى أنّ لمن يكون الكلب أزهد منه وسمعته يقول خرجت يوما أشترى حاجة من بعض من يعرفنى بنصف درهم فقلت في نفسي ولعله لا يأخذه منى فإذا قائل يقول لى السلامة في الدين بترك الطمع في المخلوقين قال فأتيت إلى الموضع الذى كنت مقيما به ودخلت وأغلقت الباب فأنا جالس وإنسان قد فتح الباب بمرة ٤ وقال بماذا تكون السلامة في الدين
قال فقلت بترك الطمع في المخلوقين فأخذها كأنما كانت ضالة وجدها فتبين من حاله أن الشيخ أبا الحسن كان قد قال له اذهب إلى موضع الغلة فاكتل لك ثلاث ويبات فذهب فاكتال لنفسه إردبا فبلغ ذلك الشيخ فقال دعوا ما اكتاله في موضعه وأعطوه ثلاث ويبات التي
أعطيناه إياها
أبدا
كنا
وقال رضى الله عنه الطمع ثلاثة أحرف كلها مجوفة فهو بطن كله فلذلك صاحبه لا يشبع
وكان يقول رحمه الله للناس أسباب وسببنا نحن الإيمان والتقوى قال الله سبحانه ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ٥ تنبيه وإعلام اعلم أن رفع الهمة عن الخلق شأن أهل الطريق وصفة أهل التحقيق ولقد سئل الجنيد أيزنى العارف فقال وكان أمر الله قدرًا مقدورًا ولعمرى لو سئل أيطمع العارف في غير الله لقال لا وإنما مراد الحق سبحانه أن يعبده العباد في كل شيء حُبًّا وثقةً وتوكلا وخوفا ورجاء وذلك الذى تستحقه فرديته
وكان بعض العارفين ينشد
حرام على من وحد الله ربِّه وأفرده أن يجندى 1 أحدا رفدا ويا صاحبي قف لى مع الحق وقفة أموت بها وجدا وأحيى بها وجدا وقل الملوك الأرض تجهد جهدها هذا الملك ملك لا يباع ولا يُهدى
ورفع الهمة إنما ينشأ عن صدق الثقة بالله
وصدق الثقة بالله إنما ينشأ عن الإيمان بالله على سبيل المعاينة والمواجهة فيوجب لهم إيمانهم
الإعزاز بالله قال الله سبحانه
والله العزة ولرسوله وللمؤمنين ۷
والنصر من
عند الله قال سبحانه
وكان حقا علينا نصر المؤمنين ۸
٤ مرة بكسر الميم أي قوة
٥ الأعراف ٩٦
٦ يجندى يطلب العطاء
۷ المنافقون ۸
٨ الروم ٤٧
۱۱
هداه
والنجاة من العوارض الصادّة عن الله قال سبحانه
كذلك حقا علينا ننج المؤمنين 1
فعزّ المؤمن بالله ثقته بمولاه ونصرته على نفسه وهواه ونجاته من العوارض أن تقطعه عن سبيل
وشعار أهل الإرادة ودثارهم الاكتفاء بالله ورفع الهمة عما سواه وصيانة ملابس الإيمان من أن تدنس بالميل إلى الأكوان والطمع في غير الملك المنان
ولنا في هذا المعنى
بكرت تلوم على زمان أجحفا فصدقت ۱۰ عنها علها أن تصدفا لا تكثرى عتبا لدهرك إنه ما أن يطالب بالوفاء ولا الصفا ما ضرني أن كنت فيه خاملا فالبدر بدر إن تبدي أو خفى الله يعلم أنني ذو همة تأبى الدنايا عنّةً وتطرّفا لم لا أصون على الورى ديباجتي وأريهم عز الملوك وأشرفا أأرهم أني الفقير إليهم وجميعهم لا يستطيع تصرفا أم كيف أسأل رزقه من خلقه هذا العمرى إن فعلت - هو الجفا شكوى الضعيف إلى ضعيف مثله عجز أقام بحامليه على شفا فاسترزق الله الذي إحسانه عم البرية منة وتعطفا والجأ إليه تجده فيما ترتجي لا تعد عن أبوابه متحرفا
والذي يوجب لك رفع الهمة عما سوى الله علمك بأنه لم يخرجك إلى مملكته إلا وقد كفاك ومنحك وأعطاك ولم يبق لك حاجة عند غيره وإذا كان قد اقتضى لهم الفهم عن الله أن يكتفوا بعلمه عن مسألته فكيف لا يوجب لهم الفهم عن الله الاكتفاء بعلمه عن سؤال خلقه ومن فاتحه الحق سبحانه بشيء مما فاتح به أحباءه فقد اقتضى منه رفع همته إليه كما اقتضاه من غيره وأولى
ألم تسمع قوله سبحانه
ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم لا تمدن عينيك ١١ الآية وكيف لا تكون منته فيك ومواهبه وفواتح عنايته وخصائص ولايته ناهية لك عن التعلق بغيره وكان بعض العارفين ينشد
أبعد نفوذي في علوم الحقائق و بعد انبساطي في مواهب خالقی وفى حين إشرافي على ملكوته أرى باسطًا كفا إلى غير رازقي
۹ يونس ۱۰۳
۱۰ صدقت أي أعرضت
۱۱ الحجر ۸۷ ۸۸ - وتمام الآيتين ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك
للمؤمنين
فإن كل ذى رتبة من المخلوقين لا يرضى منك أن تنسب له رتبة تضيف المنع والعطاء والولاية
والعزل فيها لغيره
فاحذر أن تكون من الذين قال الله سبحانه فيهم وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ۱
وقبيح
أن تكون فى دار ضيافته وتوجه وجه طمعك لغيره
ولنا في هذا المعنى
أيحسن
بی
أنى نزيل ذراكم ۱۳ وجه يوما للعباد رجائيا يلى إنني ألوى إليك أخلف فيها ما سواك وراثيا ولا تطلب ممن هو بعيد عنك وتترك الطلب من مولى هو أقرب إليك من حبل الوريد ألم تسمع قول الله تعالى
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ١٤ الآية
وقال سبحانه ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ١٥ الآية وقال سبحانه ادعوني أستجب لكم ١٦
وقال سبحانه واسألوا الله من فضله ۱۷
وقال سبحانه وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ۱۸
كل ذلك ليجمع همم عباده عليه وكيلا يرفعوا حوائجهم إلا إليه
وأما حلمه رضى الله عنه فكان من شأنه أنه لا ينتقم لنفسه ولا ينتصر لها ولقد دخلت عليه يوما فقال لى ما تقول فى فلان - رجل كان قد آذى الشيخ الأذى البالغ أتى إلى أصحاب فلان بعض من كان له الأمر فى ذلك الزمن وكان يتردّد إلى الشيخ وقالوا يا سيدى هذا الرجل الذى آذاك نسعى فى ضربه وإشهاره فى البلدتين مصر والقاهرة فماذا تقول أنت
قلت مصلحة
فقال كالمنكر لأى شيء قلتُ ذاك حتى يتشفى منه قال أنا ما أتشفى من أحد قلت إنما أردت الأتباع قال ولا نحمل أتباعى على التشفّى فأطرقت خجلا فما توجه أحد لنا بالأذى بعد ذلك فنزلت به نازلة فهمت النفس بالتشفّى منه إلا وذكرت كلام الشيخ أنا ما أتشفى من كأني قد سمعته ذلك الوقت فتخمد النفس عن التشفى بذلك واتفق بعد مدة نحو
حتى
۱ يوسف ١٠٦
۱۳ الذرى الكتف والضيافة والستر والدفء
١٤ البقرة ١٨٦ وتمامها أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون
١٥ ق ١٦ ١٦ غافر ٦٠
۱۷ النساء ۳
۱۸ الحجر ۱
١١٤
خمسة عشر
عاما أن الذى كان قد سعى فى أذية الشيخ سعى فى إذايتنا فاتفقت له نازلة فصانني الله
وسلّم
من التشفى منه وكان الشيخ يقول هذا الذى استشرتك فيه سيتفق لك معه مثل ما اتفق لى فافعل معه كما فعلت معه وهذا هو كلام الأكابر يطوى فى صحائف قلوب المريدين حتى إذا جاء وقته أظهره الحق سبحانه كأنك قد سمعته في ذلك الوقت وربما أحضر الله بفكرك شيخك الذي خاطبك به بهيئته وزيه وربما تمثل ذلك في الخيال المنفصل وربما حضر بوجوده الحسى عند وجود النوازل مثبتا للمريد ومعلما وسمعته رضى الله عنه يقول ما سمعتموه منى ففهمتموه فاستودعوه الله يرده عليكم وقت الحاجة وما لم تفهموه فكلوه إلى الله يتولى الله بيانه فكلام الأكابر مردود على المريدين وقت حاجاتهم فيظن المريد أنه ما أخذ ولقد أخذ ولكن للحكمة بذر ونبات ووقت البذر غير وقت النبات وقد يبذر فيك بذر الحكمة ويبقى النبات موقوفا على مجيء سحابة ماطرة فإذا جاءت أظهرت من الأرض ما كان فيها كامنا فتبقى الودائع مطوية في العباد حتى تجيء أوقاتها
وبلغنى عن الشيخ أبي الحسن أنه كان يقول لا حجاب إلا الوقت
وسمعته يومًا يقول كان إذا آذانى إنسان يهلك للوقت وأنا الآن لست كذلك قرآنى رضى الله عنه مستشرفا لسبب ذلك فقال اتسعت المعرفة وسمعته يقول لحوم الأولياء مسمومة ! العلم الذي يدلّ عليه وجعلك من الدائمين بين يديه أن انتصار الحق من لأوليائه ليس ذلك لهم لأنهم طلبوه من الله ولكن لما صدقوا التوكل عليه وأرجعوا الأمر إليه انتصر الحق لهم ألم تسمع قوله تعالى
واعلم
علمك الله
وكان
علينا نصر المؤمنين
وقوله عز وجل
ومن يتوكل على الله فهو حسبه
ولا تقولن هم ممن ينتصر لنفسه منك بل عدهم ممن ينتصر الله له فإنه الغالب الذي لا يغلب والقادر الذي لا يعجز والقاهر الذى لا قبل لأهل السموات والأرض بذرة من بلائه ولو وضع ذرات قهره على الجبال لأذابتها
ومعنى قول الشيخ اتسعت المعرفة أن المريد فى مبدأ إرادته بهمته وفي نهايته بوجود معرفته فإذا كان فى مبدأ إرادته توجه بصدق الهمة إلى الله لاجئا إليه فى الانتقام ممن آذاه فينتصر الحق له لتوجهه بصدق الهمة فى طلب النصرة ولضيق عطنه عن الصبر على تأخر الانتقام له والعارف اتسع عليه بحر المعرفة فانطوت همته وإشاءته وتدبيره في إشاءة الحق له وتدبيره إياه ومن غلب عليه شهود المشيئة فأتى همة تبقى لها
١١٥
وأيضا إنه إذا أخرت عقوبة من آذاه شهد حسن اختیار مولاه فلم يعجل له الانتصار لأنه لا يخشى عليه ما يخشى على المريد من عدم الصبر إذا أخر الانتقام له وأيضا إن العارف لما توجه لطلب الانتقام ممن ظلمه قامت الرأفة والرحمة القائمتان به لتخلقه من الانتصار وإن كان على ذلك قادرًا وكيف ينتصر من الخلق من يرى
بخلق معروفة ١٩ فمنعاه
الله فعالا فيهم !
ثم أولياء الله إذا ظلموا على طبقات
داع يدعو على من ظلمه استثار الأذى منه القرح واستخرج منه الاضطرار فهذا الذي
لا يرد دعاؤه ومنه قوله
واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ۰
القسم الثاني وهم الذين إذا ظُلموا لجئوا إلى الله سبحانه في طلب النصرة وتعجيل الإجابة غير أنهم علموا أن الله يعلم السر وأخفى فرفعوا أمرهم إلى الله سراً بسر وهؤلاء أولى بانتصار
الحق لهم لتوكلهم عليه ولإرجاعهم الأمر إليه وقد قال الله سبحانه وتعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه ۱
ولقد ذكر أن امرأةً كان لها دجاجة ليس عندها غيرها وكانت تتقوت من بيضها فجاء سارق فسرقها فلم تدع عليه وأرجعت الأمر إلى الله سبحانه فأخذ السارق الدجاجة فذبحها ونتف ريشها فنبت جميعه بوجهه فسعى فى إزالة ذلك فلم يستطع وسأل الناس فلم يقدر أحد على إزالة مانزل به إلى أن أتى حبرًا من أحبار بني إسرائيل فقال لا أجد لك دواء إلا أن تدعو عليك المرأة التي سرقت دجاجتها فإن فعلت ذلك شفيت
the
فأرسل إليها من قال لها أين دجاجتك التي كانت عندك
قالت سرقت
قالوا لقد آذاك من سرقها
قالت قد فعل
قالوا وقد فجعك في بيضها
قالت هو كذلك
فما زالوا بها حتى أثاروا الغضب منها فدعت عليه فتساقط الريش من وجهه
فقيل لذلك الحبر من أين علمت هذا
قال إنها لما سرقت دجاجتها لم تدع عليه ورجعت إلى الله فى أمره فانتصر الله لها فلما دعت ۱۹ أي لتخلقه بخلق الله سبحانه من الرحمة والرأفة
۰ رواه أحمد والبخارى فى الزكاة والجهاد والمظالم والمغازى ومسلم في الإيمان وأبو داود في الزكاة والترمذي في الزكاة والنسائي في الزكاة وابن ماجه فى الزكاة والدارمي في الزكاة ۱ الطلاق ۳
١١٦
انتصرت لنفسها فسقط الريش من وجه السارق
القسم الثالث عباد لما ظلموا لم يدعوا ولم يلجئوا إلى الله في طلب الانتقام ممن ظلمهم ولكن فوضوا الأمر إلى الله فكان هو المختار لهم
القسم الرابع وهم الطبقة العليا وهم الذين إذا ظلموا رحموا من ظلمهم وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه وإذا آذاك ظالم فعليك بالصبر والاحتمال واحذر أن تظلم نفسك فيجتمع عليك ظلمان ظلم غيرك لك وظلمك لنفسك فإذا فعلت ما ألزمت به من الصبر والاحتمال أثابك سعة الصدر حتى تعفو وتصفح وربما أثابك من نور الرضا ما ترحم به من ظلمك فتدعو له فتجاب فيه دعوتك وما أحسن حالك إذا رحم بك من ظلمك فتلك درجة الصديقين الرحماء فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ومن هذا القبيل الذى ذكره الشيخ أبو الحسن ما اتفق لإبراهيم بن أدهم - رضي الله عنه - أنه قال له جندي أين العمران فأشار إلى المقابر فظن أنه يهزأ به فضربه فشجه فطأطأ رأسه وقال اضرب رأسا طال ما عصت الله تعالى
فقيل للجندي هذا إبراهيم بن أدهم زاهد خراسان فانكب على رجليه يقبلها ويعتذر إليه فقال له ابراهيم بن أدهم والله ما رفعت يدك من ضربى إلا وأنا أسأل الله لك المغفرة لأنى علمت أن الله يثيبني على ما فعلت بي ويؤاخذك على ما فعلت فاستحييت أن يكون حظى منك الخير وحظك منى الشر
فقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه ليس هذا عين الكمال مافعله الصحابي سعد أحد العشرة وهو عين الكمال ادعت عليه امرأة أنه احتاز شيئًا من بستانها فقال اللهم إن كانت كاذبة فأعمها وأمتها في مكانها فعميت وجاءت يوما تمشى في بستانها فوقعت في بئر فماتت فلو كان ما فعله إبراهيم عين الكمال لكان الصحابى أولى به ولكنه كان سعد أمينا من أمناء الله نفسه ونفس غيره عنده سواء فما دعا عليها لأنها آذته ولكن دعا عليها لأنها آذت صاحب رسول الله وإبراهيم لم يصل إلى هذه المرتبة فترك الدعاء على الجندى لئلا يكون ذلك انتصارا لنفسه وسعد رضي الله عنه قد خلصه الله من نفسه وأبرزه إلى الخلق يخلص به من يشاء من عباده والصوفي لا يستقضى الحق لنفسه ولكن يستقضى الحق لربه
فائدة
إعلم أن أولياء الله تعالى حكمهم في بداياتهم أن تسلط الخلق عليهم ليطهروا من البقايا وتتكمل فيها المزايا وكيلا يساكنوا الخلق باعتماد أو يميلوا إليهم باستناد ومن آذاك فقد أعتقك من رق إحسانه ومن أحسن إليك فقد استرقك بوجود امتنانه ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جبلت
آل عمران ١٥٩
القلوب على حب من أحسن إليها
وقال من أسدى إليكم معروفًا فكافئوه فإن لم تقدروا فادعوا٢٣ له كل ذلك ليتخلص القلب من إحسان الخلق ويتعلق بالملك الحق وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه
اهرب من خير الناس أكثر مما تهرب من شرهم فإن خيرهم يصيبك في قلبك وشرهم يصيبك في بدنك ولأن تصاب فى بدنك خير لك من أن تصاب فى قلبك ولعدو تصل به إلى الله خير لك من حبيب يقطعك عن الله وعد إقبالهم عليك ليلا وإعراضهم عنك نهارًا ألا تراهم إذا أقبلوا فتنوا وتسليط الخلق على أولياء الله فى مبدأ طريقهم سنة الله فى أحبائه وأصفيائه ولذلك قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه اللهم إن القوم قد حكمت عليهم بالذل حتى عزوا وحكمت عليهم بالفقد حتى وجدوا فكل عز يمنع دونك فنسألك بدله ذلا تصحبه لطائف رحمتك وكل وجد يحجب عنك فنسألك عوضه فقد تصحبه أنوار محبتك
ومما يدلك على أن هذه سنة الله فى أحبائه وأصفيائه قول الله سبحانه ﴿وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ٢٤ وقال عز وجل
حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ٢٥
وقوله عز وجل
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ٢٦ وقوله عز وجل
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ۷
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هذا المعنى
فمن حالهم في بداياتهم طأطأ إبراهيم بن أدهم رأسه حين ضربه الجندي وقال اضرب رأسا طال
ما عصت الله تعالى
وقوله فرحت من عمرى مرتين
مرة كنت في مسجد فأصابني البطن فكنت أقوم وأقعد فجاء صاحب المسجد وأمرني أن أخرج فلم أستطيع لقوة الضعف فأخذ برجلي يجرنى حتى أخرجني
والمرة الثانية ركبنا في سفينة وكان هناك مضحاك فكان يقول كنا نأخذ العلج في بلاد الروم ۳ رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح بنحوه
٢٤ البقرة ٢١٤
٢٥ يوسف ١١٠
٢٦ القصص ٥
۷ الحج ٣٩ ٤٠
۱۱۸
هكذا ويمد يده إلى لحيتى فيهزها فأعجبنى ذلك إذ لم ير في السفينة من هو أحقر مني وهذا شأنهم في بداياتهم علما منهم بوجود البقايا فيهم فخافوا أن ينتصروا فينتصر وا لأنفسهم فيسقطون من عين الله تعالى فرجعوا إلى وجود الحلم كافين أيديهم عن الانتصار لعلمهم بآفات الانتصار للنفس وشرعة الحق سبحانه وعادته فى أصفيائه كثرة الأعداء والنصرة منه لهم عليهم قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه
آذاني إنسان مرة فضقت ذرعا بذلك فنمت فرأيت قائلا يقول لى من علامة الصديقية كثرة أعدائها ثم لا يبالي بهم ويجب أن تعلم أن النفوس شأنها استحلاء الإقامة فى مواطن العز والرفعة فلو تركها الحق سبحانه وما تريد لهلكت فأزعجها عن ذلك بما يسلط عليهم من أذى المؤذين ومعارضة الحاسدين وقال بعض العارفين الصيحة من العدو سوط الله يضرب به القلوب إذا ساكنت غيره لولا ذلك لرقد القلب في ظل العز والجاه وهو حجاب عن الله عظيم
وصدق رضى الله عنه
وهذا الصنع من حسن نظر الله تعالى لأوليائه وأحبائه وإظهار لآثار ولايته فيهم لقوله عز وجل والله ولى الذين آمنوا فإنما تمت أنوارهم وتطهرت من البقايا أسرارهم حكمهم في العباد فحينئذ يكون العبد المجتبى سيفا من سيوف الله تعالى ينتصر الله به لنفسه
من هذا الباب دعا سعد على المرأة التي ادعت عليه كذبا وقال اللهم أعم بصرها وأمتها في مكانها فاستجيب له ولما دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه الدار لطم إنسان وجه زوجته فقال له عثمان رضی الله عنه قطع الله يديك ورجليك وأدخلك في النار
فرتى ذلك الرجل بالشام وقد قطعت يداه ورجلاه وهو يقول دعوة عثمان استجيبت في اثنتين وبقيت الثالثة ولذلك قد تلتبس أحوال الرجال على عموم العباد فلا تفضّل وليا ظلم فصفح على ولى ظلم فانتصر أو دعا فقد يكون صفح من صفح لعلمه بالبقايا في نفسه ودعاء الداعي لعلمه بتطهيره من البقايا فدعا انتصارا لربه
وأما صبره فكان رضي الله عنه من الثابتين فى مركز الصبر وكان به أمراض عديدة لو وضع بعضها على الجبال لذابت كان به برد الكلى وكان به الحصى وكان به اثنا عشر باسورا وهو يجلس للناس ولا يقطع الجلوس لهم ولا يتأوه فى حين جلوسه ولا يعلم الجالس عنده أن به شيئا من الأمراض ولم تكن الأمراض أورثته صفرة فى الوجه ولا تغيرا في البدن حتى كان يقول لا تنظروا إلى حمرة وجهى فحمرة وجهى من قلبى
ودخل عليه إنسان فوجد ألما به فقال ذلك الرجل عافاك الله يا سيدي فسكت الشيخ رضی الله عنه ولم يجاوبه ثم مكث ذلك الرجل ساعة وقال الله يعافيك يا سيدى فقال الشيخ وأنا سألت الله العافية أنا قد سألته العافية والذى أنا فيه هو عين العافية
۱۱۹
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سأل العافية وقد قال رسول الله ما زالت أكلة خيبر تعتادنى فالآن قد
قطعت أبهرى ۸ عمر رضي الله عنه قد سأل الله تعالى العافية وبعد ذلك مات مطعونا عثمان رضى الله عنه قد سأل الله العافية وبعد ذلك مات مذبوحا
على رضى الله عنه سأل الله العافية وبعد ذلك مات مقتولا
فإذا سألت الله العافية فاسألة العافية من حيث يعلمها لك إنها عافية وكان رضي الله عنه يقول الصبر مشتق من الأصبار وهو الغرض الذي يرمى عليه بالسهام فالصابر من نصب نفسه غرضا لسهام القضاء
وكان هجيراه يسأل الله اللطف قل أن يفتر عن ذكر ذلك
ودخلت عليه يوما فوجدت ألما به فقلت يا سيدى أظنك ضعيفا فقال رضي الله عنه الضعيف
من لا إيمان له ولا تقوى واعلم أن الصبر على ثلاثة أقسام
صبر على الواجبات وصبر على المحرمات وصبر في البليات وصبر الأكبار على كتم الأسرار وفقد الركون إلى الآثار وعدم الوقوف صبرهم على حمل الأذى والثبوت تحت مجارى القضاء صبرهم على حمل أثقال العباد والصبر مع الله فيما أراد يا صبرهم على القيام بأحكام العبودية والثبوت المجارى أحكام الربوبية صبرهم على مكارم الأخلاق والقيام مع الله بشرط الوفاق صبرهم على جمع الهمم عليه والرجوع في كل أمرهم إليه
صبرهم على الجلوس للخلق والدلالة على الملك الحق
الأنوار مع
وكان الشيخ أبو العباس رضى الله عنه يقول والله ما جلست للخلق حتى هددت بالسلب وقيل لى لئن لم تجلس للناس لنسلبنك ما وهبناك
وأما سداد طريقته فكان رضي الله عنه شديد التحرز من حقوق العباد مسرعا للوفاء بها حتى
أنه يوفى الشيء قبل استحقاقه ويحمل أصحابه على التخلص من حقوق العباد إذا كان عليه دين أحسن القضاء وإذا كان له حق أحسن الاقتضاء منقطعا عن أبناء الدنيا والتردد إليهم لا يرفع قدمه لأحد منهم ولا يبعث إليهم ولا يكاتبهم إذا طلب منه أن يكتب إليهم قال لطالب ذلك أنا أطلب لك ذلك من الله فإن رضى الطالب بذلك نجح مسعاه ولطف به
۸ الأبهر عرق فى الظهر يقال هو الوريد في العنق وقال أبو عبيد الأبهر عرق مستبطن في الصلب والقلب متصل به فإذا انقطع لم تكن معه حياة اهـ
مولاه متبتلا إلى الجلوس للخلق لا تأتيه ليلا ولا نهارا إلا وجدته
ولقد أتيته يوما واستأذنت عليه فقيل لى اصبر قليلا فتشوشت من ذلك وقلت قد يكون بلغ الشيخ عنى ما أوجب تغيره
فبعد ساعة أذن لي فدخلت فقال الشيخ رضى الله عنه اعذرنى كانت ابنة الشيخ أبي الحسن رضی الله عنه عندى فكرهت أن أقطع كلامها والله ما أعد نفسى إلا خادما من خدامهم ! وكان ينهى أن يُعوق المريد إذا جاءه ويقول المريد يأتي بشعلة همته فإذا قيل له قف ساعة طفيت ما جاء به وكان لا يدلّ المريد على المتاعب والمشقات ولا يلزمه ذلك
the
وكان يقول عن شيخه أبى الحسن ليس الرجل من دلك على تعبك إنما الرجل من دلك
راحتك
على
ومبنى طريقته رضى الله عنه على الجمع على الله وعدم التفرقة وملازمة الخلوة والذكر ولكل مريد معه سبيل يحمل كل واحد على السبيل التي تصلح له
وكان لا يحب المريد الذي لا سبب له
وكان يدلّ المريدين على الانجماع فى حبه ولا يُلزم المريد أن لا يرى غيره وكان يقول عن شيخه رضى الله عنه أصحبوني ولا أمنعكم أن تصحبوا غيرى فإن وجدتم منهلا أعذب من هذا المنهل فردوا
وكان إذا دخل المريد فى أوراد بنفسه وهواه أخرجه عنها
به
وكان إذا مدح بقصيدة أو أبيات يجيز المادح بإقباله وربما واجهه بنواله وكان مكرماً للفقهاء ولأهل العلم وطلبته إذا جاءوه ! وكان يقول لأصحابه إذا جاء رئيس أو ذو وجاهة عَرَّفُونى وكان أزهد الناس فى ولاة الأمور فإذا جاءوه أكرمهم وربما مشى لهم خطوات وكان شديد التعظيم لشيخه أبى الحسن رضى الله عنه حتى إنك كنت تشهد منه أنه لا ثبات منه
لنفسه معه
وكان ينشد إذا ذكر الشيخ رضى الله عنه هذه الأبيات
لى سادة من عزّهم أقدامهم فوق الجباه إن لم أكن منهم فلى في حبهم عزّ وجاه
وكان من
شأنه أن ما عنى به لا يأكله
وكان يكره أن يعلم بطعام أو هدية قبل إتيانها
وكان لا يدعو للمحسن بحضرته بل إذا غاب دعا له بظهر الغيب
۱۱
وكان إذا أهدى له شيء يسير تلقاه ببشاشة وقبول وإذا أهدى إليه شيء كثير تلقاه بالعز
وكان لا يمن على مزيد ولا يرفع له علما بين إخوانه خشية عليه أن يحسد وكانت صلاته موجزة في تمام وكان يقول صلاة الأبدال خفيفة وكان إذا تلا تقول الكون كله مستمع له وصلى قيام رمضان سنة فقال قرأت القرآن في هذه السنة كأنما أقرؤه على رسول الله ثم جاء رمضان الثاني فقال قرأته في هذه السنة كأنما أفرؤه على جبريل عليه السلام ثم جاءت السنة الثالثة فقال قرأته في هذه السنة كأنما أقرؤه على
الله عز وجل وكان إذا كانت ليلة القدر أخبر بها أصحابه ودعا فيها بمقدار ما يدعو كل ليلة ثلاث مرات
وكان يقول أوقاتنا كلها والحمد الله ليلة قدر ٢٩
وأنشدنا بعض إخواننا لبعض أهل الطريق في المعنى
لولا شهود جمالكم في ذاتي ما كنت أرضى ساعة بحياتي ما ليلة القدر المعظم شأنها إلا إذا عمرت بكم أوقاتى إن المحب إذا تمكن في الهوى والحب لم يحتج إلى ميقات وجاء الفقيه مكين الدين الأسمر رضى الله عنه سنة فقال له يا سيدى رأيت ليلة القدر ولكن ليس كما أراها كل سنة رأيتها هذه السنة لا نور لها فقال له الشيخ رضى الله عنه نورك طمس
نورها يا مكين الدين
تلفد
۹ كانت هناك محاولات طريقة من بعض العلماء والصالحين لتحديد ليلة القدر فمثلا قال بعضهم إن عدد كلمات سورة القدر ثلاثون كلمة كعدد أيام رمضان وكلمة هي التي تشير إلى ليلة القدر في قوله تعالى في السورة نفسها سلام هي هذه الكلمة تمام سبعة وعشرين هذه محاولة ومحاولة أخرى هي
إن حروف ليلة القدر تسعة حروف وقد ذكرت ليلة القدر فى السورة ثلاث مرات وثلاث في تسع بسبع وعشرين أما الشيخ أحمد زروق رضى الله تعالى عنه فإنه يقول فيها
إنها لا تفارق جمعة من أوتار آخر الشهر وقد روى هذا أيضا عن ابن العربي هذه محاولات أما الثابت اليقين فهو أن القرآن لم يعينها تعينا واضحا وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحددها تحديدا تاما
ولقد قال أسلافنا رضى الله عنهم أخفى الرب أمورًا في أمور الحكم
ليلة القدر في الليالي لتحيي جميعها - وساعة الإجابة في الجمعة ليدعو في جميعها والصلاة الوسطى في الصلوات ليحافظ على الكل - والاسم الأعظم في أسمائه ليدعى بالجميع ورضاه في طاعته ليحرص العبد على جميع الطاعات وغضبه في معاصيه لينزجر عن الكل والولى فى المؤمنين ليحسن الظن بكل منهم ومجيء الساعة في الأوقات للخوف منها دائما وأجل الإنسان عنه ليكون دائما على أهبة
ويعقب الشيخ أحمد الصاوى على ذلك في حاشيته على الجلالين فيقول
فعلى هذا يحصل ثوابها لمن قامها ولو لم يعلمها نعم العالم بها أكمل هذا الأظهر ولقد رأينا في عصرنا الحاضر عن تجربة أكثر من واحد يعلمون بليلة القدر بعضهم يعلمها قبل إنيانها وبعضهم يعلمها في ليلتها وفضل الله أوسع من ذلك وأعظم
ولقد كنت مع الشيخ مكين الدين هذا بالجامع الغربي من الإسكندرية في العشر الأواخر من رمضان ليلة ست وعشرين فقال الشيخ مكين الدين أنا الساعة أرى ملائكة صاعدة وهابطة في تهيئة وتعبية أرأيت تأهب أهل العرس بليلة قبله كذلك رأيتهم فلما كانت الليلة الثانية وهي ليلة سبع وعشرين وكانت ليلة جمعة قال أنا الساعة أرى ملائكة معها أطباق من نور الطبق يوازى مئذنة الجامع وفوق ذلك ودون ذلك وهذه هى ليلة القدر فلما كانت الليلة الثالثة وهي ليلة ثامن وعشرين قال رأيت هذه الليلة كالمتغيظة وهى تقول هب أن لليلة القدر حقا يُرعى أما لى حق
يرعى !
وكان الشيخ مكين الدين - رضي الله عنه - من أرباب البصائر ومن النافذين إلى الله عزّ وجل كان الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه يقول عنه بينكم رجل يقال له عبد الله بن منصور أسمر اللون أبيض القلب والله إنه ليكاشفنى وأنا مع أهلى وعلى فراشي ومرة أخرى قال الشيخ أبو الحسن أيضًا فيه ما سلكت غيباً من غيوب الله إلا وعمامته تحت
قدمی
ولقد أخبرني الشيخ مكين الدين هذا قال دخلت مسجد النبي بالإسكندرية ٣٠ بالديماس فوجدت النبي المدفون هناك قائما يصلى عليه عباءة مخططة فقال لي تقدم فصل فقلت له تقدم أنت وصل قال تقدّم أنت وصل فإنكم من أمة نبي لا ينبغي لنا التقدم عليه ! قال فقلت له بحق هذا النبى إلا ما تقدمت فصليت قال فأنا أقول بحق هذا النب إلا وهو قد وضع فمه على فمى إجلالا للفظة النبي كيلا يبرز
في الهواء ! قال فتقدمت فصليت
وأخبرني الشيخ مكين الأسمر أيضًا قال بت بالقرافة ليلة الجمعة فلما قام الزوار قمت معهم وهم يتلون إلى أن انتهوا في التلاوة إلى سورة يوسف عليه السلام ومنها إلى قوله عزّ وجل وجاء إخوة يوسف وانتهوا في الزيارة إلى قبور إخوة يوسف فرأيت القبر قد انشق وطلع منه إنسان طويل خفيف شعر اللحية صغير الرأس آدم اللون وهو يقول من أخبركم بقصتنا هكذا كانت
قصتنا
ولقد كنت يوما مضطجعًا وأنا ساكن مطمئن وأجد فى قلبى انزعاجًا على بغته وباعنا يبعثنى على الاجتماع بالشيخ مكين الدين الأسمر رضى الله عنه فقمت مسرع عا فدققت الباب فخرج فلما وقع بصره على قال أنت ما تجيء حتى تسير الناس خلفك وتبسم قلت يا سيدى قد جئت فدخل وأخرج لى وعاء وقال هذا الوعاء اذهب به إلى الشيخ أبي العباس وقل له قد كتبت فيه آيات من القرآن ومحوتها بماء زمزم وشيء من العسل فذهبت بذلك للشيخ أبي العباس رضي الله عنه فقال ما هذا قلت أرسله إليكم الفقيه مكين الدين الأسمر فأدلى فيه إصبعًا واحدا وقال هذا
۳۰ هو نبي الله دانيال من أنبياء بني إسرائيل
۱۳
وكان الشيخ
عنهم
أجمعين
بحسب البركة وفرغ الوعاء وملأه عسلاً وقال اذهب به إلى الفقيه فذهبت بذلك إليه ثم عدت إليه بعد ذلك فقال لى رأيت البارحة ملائكة أتونى بأوعية من زجاح مملوءة شرابا وهم يقولون خذ هذا عوض ما أهديت للشيخ أبي العباس رضى الله أبو العباس رضى الله عنه كثير الرجاء لعباد الله الغالب عليه شهود وسع الرحمة وكان رضي الله عنه يكرم الناس على نحو رتبهم عند الله حتى إنه ربما دخل عليه مطيع فلا يهتبل ۳۱ به وربما دخل عليه عاص فأكرمه لأن ذلك الطائع أتى وهو متكثر بعمله ناظر لفعله وذلك العاصى دخل عليه بكسر معصيته وذلة مخالفته ۳ وكان شديد الكراهة للوسواس فى الطهارة والصلاة ويثقل عليه شهود من كان ذلك وصفه سئل يوما وأنا حاضر فقيل له يا سيدى فلان صاحب علم وصلاح كثير الوسوسة فقال وأين العلم والصلاح يا فلان العلم هو الذى ينطبع فى القلب كالبياض فى الأبيض والسواد في الأسود
۳۱ أي لا يهتم به
۳ ولابن عطاء الله فى ذلك حكمة جليلة يقولها فيها معصية أورثت ذلا وافتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا!
قال الله سبحانه
الباب الخامس
في آيات من كتاب الله تعالى
تكلم على تبيين معناها وإظهار فحواها
الحمد لله رب العالمين ۱
قال الشيخ رضي الله عنه علم الله عجز خلقه من حمده فحمد نفسه بنفسه في أزله فلما خلق الخلق اقتضى منهم أن يحمدوه بحمده فقال الحمد لله رب العالمين أى قولوا الحمد لله رب العالمين أي الحمد الذي حمد به نفسه بنفسه هو له لا ينبغى أن يكون لغيره فعلى هذا تكون الألف واللام عهديتين وسمعته يقول في قوله عزّ وجل
إياك نعبد وإياك نستعين ٢ إياك نعبد شريعة وإياك نستعين حقيقة إياك نعبد إسلام وإياك نستعين إحسان إياك نعبد عبادة وإياك نستعين عبودية إياك نعبد فرق وإياك نستعين جمع
واعلم رحمك الله بإقباله عليك بوده وجعلك من الراعين لعهده أن الله سبحانه طلب من العباد أن يعبدوه واقتضى منهم أن يسجلوا بذلك على أنفسهم نطقا كما قاموا به
واقتضى منهم أن يفردوه
عليا
أن تنتظم العبادة جميع جوارحهم الظاهرة وحقائق وجوداتهم الباطنة
واقتضى منهم واقتضى منهم الرجعى إليه من دعوى القيومية فى العبادة التبرّى من الحول والقوة فلما قام العبد الله بالعبادة عملا اقتضى الحق أن يعترف بها نطقا ليكون ذلك معاهدة بينه وبين الحق عز وجل حتى إذا انفلتت نفسه عن القيام بالعبادة وثقلت عليها ملامة التكليف قامت الحجة على العبد بما أعطى الله سبحانه من الاعتراف بالعبادة له وأنه لا يعبد غيره لقوله إياك نعبدك واقتضى من العباد أن تستوعب العبادة جميع جوارحهم الظاهرة وعوالمهم الباطنة بإتيانه بالصيغة هكذا وتعيد وإعراضه عن التعبير بالهمزة المفردة بالمتكلم لأن النون إنما تكون للواحد المعظم نفسه أو العظيم فى نفسه وليس هذا موضع هذين المعنيين إذ العبد لا يبتدئ بين يدى الله بوصف
۱ الفاتحة ٢
الفاتحة ٥
١٢٥
١٢٦
عظمة فلم يبق إلا أن يكون للواحد ومعه غيره وذلك ما أشرنا إليه من الجوارح الظاهرة والحقائق الباطنة
وإما أنه اقتضى منهم الرجعى إليه من دعوى القيومية في العبادة لأنه لما قال إياك نعبد فأضاف العبادة إليهم واقتضى منهم أن يعترفوا بذلك قياما بدائرة الفرق التي عليها يترتب التكليف أردف ذلك بقوله وإياك نستعين كيلا يدعى العباد أنهم قاموا بالعبادة بأنفسهم منه أن يوفوا الحقيقة حقها والشريعة حقها فلذلك جمع بين الأمرين القيام بالعبادة لربوبيته والتبرى من الحول والقوة الهيته مع
فأراد
معه
ثم قال سبحانه وتعالى
اهدنا الصراط المستقيم ۳
فقال الشيخ رضى الله عنه بالتثبيت فيها هو حاصل والإرشاد لما ليس بحاصل
وهذا الجواب ذكره ابن عطية في تفسيره وبسطه الشيخ رضى الله عنه فقال عموم المؤمنين يقولون اهدنا الصراط المستقيم أي بالتثبيت فيما هو حاصل والإرشاد لما ليس بحاصل فإنهم حصل لهم التوحيد وفاتهم درجات الصالحين
والصالحون يقولون اهدنا الصراط المستقيم معناه نسألك التثبيت فيما هو حاصل والإرشاد لما
ليس بحاصل فإنهم حصل لهم الصلاح وفاتهم درجات الشهداء والشهداء يقولون اهدنا الصراط المستقيم أى بالتثبيت فيها هو حاصل والإرشاد لما ليس
بحاصل فإنهم حصل لهم درجات الشهداء وفاتهم درجات الصدّيقية
والصديقون يقولون اهدنا الصراط المستقيم أى بالتثبيت فيما هو حاصل والإرشاد لما ليس بحاصل فإنهم حصل لهم درجات الصدّيقية وفاتهم درجات القطبية والقطب يقول اهدنا الصراط المستقيم أى بالتثبيت فيها هو حاصل والإرشاد بما ليس بحاصل فإنه قد حصل رتبة القطبانية وفاته علم إذا شاء الله أن يطلعه عليه أطلعه وقال في قوله عزّ وجل
الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ٤
كل موضع ذكر فيه المصلون في معرض المدح فإنما جاء لمن أقام الصلاة إما بلفظ الإقامة أو بمعنى
يرجع إليها قال الله سبحانه
الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة
٣ الفاتحة ٦
٤ البقرة 3
۱۷
و رب اجعلني مقيم الصلاة ٥ أقم الصلاة ٦
وأقام الصلاة ۷ وأقاموا الصلاة ۸
والمقيمي الصلاة ۹
ولما ذكر المصلين بالغفلة قال
فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ١٠
ولم يقل فويل للمقيمين الصلاة
والإقامة هو أنه إذا صلّى المؤمن صلاةٌ فتقبلت منه خلق الله من صلاته صورة في ملكوته راكعةً
ساجدة إلى يوم القيامة وثواب ذلك لصاحب الصلاة ١١
وقال في قوله سبحانه
وإن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ١٢
بقرة كل إنسان نفسه والله أمرك بذبحها ۱۳
وقال في قوله عزّ وجل
وما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ١٤ قيل إنما وقع التفصيل فى العبارة تأديباً من الله لنا فأضاف المحاسن إليه وأضاف المساوى إلينا
وإن كان فعل العبد كله خلق الله تعالى حسنه وسيله كما قال
فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ١٥ فأضاف ذلك إلى الله وقال في السفينة
فأردت أن أعيبها ١٦
ولم يقل فأراد ربك أن يعيبها أدبا في التعبير كما قال إبراهيم عليه السلام
٥ إبراهيم ٤٠
٦ الإسراء ۷۸
۷ التوبة ۱۸
۸ فاطر ۹
۹ الحج ٣٥
١٠ الماعون ٤ ٥
۱۱ إقامة الصلاة أداؤها كما يحب الله ورسوله وهو أن يتجرد فيها الله سبحانه وتعالى تجردا كاملا واقفًا بين يديه مستشعرا عظمته وجلاله وجماله وهذا النوع من الصلاة هو المأمور به وهو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر وهو الذي يفزع إليه الإنسان إذا حزبه أمر أو حزنه كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم فييسر الله الأمر ويقضى الحاجة ۱ البقرة ٦٧ ۱۳ إن أبا العباس رضى الله عنه يقول بالمعنى الأصلى للآية الكريمة وباب الإشارات فيه متسع ولا ضير ما دام المعنى الأصلى يقره المفسر وسيشير المؤلف إلى ذلك بعد
١٤ النساء ۷۹ ١٥ الكهف ٨٢
١٦ الكهف ۷۹
۱۸
وإذا مرضت فهو يشفين ۱۷
فأضاف المرض لنفسه والشفاء الله تعالى
ومنهم من قال إن ذلك داخل في مضمون القول وإن هذا التفصيل حكاه الله عنهم والتقدير فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا في قولهم
وما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك
ورد عليهم بقوله
قل كل من
عند الله
وقال رضى الله عنه في قوله سبحانه
يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ۱۸
يولج المعصية فى الطاعة ويولج الطاعة فى المعصية ۱۹ يطيع العبد الطاعة فيعجب بها ويعتمد عليها ويستصغر من لم يفعلها ويطلب من الله العوض عليها فهذه حسنة أحاطت بها سيئات ويذنب الذنب فيلجأ إلى الله فيه ويعتذر منه ويستصغر نفسه ويعظم من لم يفعله فهذه سيئة أحاطت بها حسنات فأيهما الطاعة وأيهما المعصية !
وقال رضى الله عنه الفتى من كسر الأصنام قال الله تعالى قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ٢٠
وقال رضى الله عنه في قوله عزّ وجل
أمن يجيب المضطر إذا دعاه ۱
الولى لا يزال مضطرا
ومعنى كلام الشيخ هذا أن العامة اضطرارهم بمثيرات الأسباب فإذا زالت زال اضطرارهم وذلك لغلبة دائرة الحس على مشهدهم فلو شهدوا قبضة الله الشاملة المحيطة لعلموا أن اضطرارهم إلى الله دائم لأن الاضطرار تعطيه حقيقة العبد إذ هو ممكن وكل ممكن مضطر إلى ممد يمده ومدد يمده به وكما أن الحق سبحانه هو الغنى أبدا فالعبد مضطر إليه أبداً ولا يزايل العبد هذا الاضطرار لا في الدنيا ولا في الآخرة ولو دخل الجنة فهو محتاج إلى الله فيها غير أنه غمس اضطراره في
۱۷ الشعراء ۸۰
۱۸ الحج ٦١ - لقمان ۹ - فاطر ۱۳ - الحديد ٦ ۱۹ نعود فنقول إن المعنى اللغوى العادى للآية الكريمة يقرّ به أبو العباس رضى الله عنه ويعتمده وهناك إشارات تفيض بها الآية الكريمة لا تتعارض مع المعنى العادي ولا تنقضه وفضل الله في هذه الإشارات واسع وهذا الذي يقوله يصدق على كل ما يأتى من باب الإشارة فى الآية الكريمة أو الأحاديث النبوية الشريفة وهو الذى سينبه عليه ابن عطاء الله بعد قليل
۰ الأنبياء ٦٠
۱ النمل ٦٢
۱۹
المنة التي أفرغت عليه ملابسها وهذا هو حكم الحقائق أن لا يختلف حكمها لافي الغيب ولا في
الشهادة ولا في الدنيا ولا في الآخرة
فالعلم صفته الكشف أى علم كان وفى أى وقت كان والإرادة صفتها التخصيص أي إرادة كانت وفى أى وقت كانت ومن اتسعت أنواره لم يتوقف اضطراره وقد عاتب الله قوما اضطروا إليه عند وجود أسباب ألجأتهم إلى الاضطرار فلما زالت زال
اضطرارهم قال الله سبحانه وتعالى
وإذا مسكم الضر في البحر ضلَّ مَن تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم الآية
وقال سبحانه وإذا مس الإنسان الضرُّ دعانا الجنبه أو قاعدًا أو قائما فلما كشفنا عنه إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ۳
وقال تعالى
ضره مر كأن لم يدعنا
قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعًا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن
من الشاكرين
قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون ٢٤
إلى غير ذلك من الآيات الواردة في هذا المعنى
ولما لم تصل عقول العوام إلى ما تعطيه حقائق وجوداتهم سلّط الحق عليهم الأسباب المثيرة للاضطرار ليعرفوا قهر ربوبيته وعظمة إلهيته وكبريائه
ومن الدليل على فخامة رتبة الاضطرار أن الحق سبحانه أوقف الإجابة عليه فقال أمن يجيب المضطر إذا دعاه ٢٥
وإذا أراد الله سبحانه أن يعطى عبدا شيئًا وهبه الاضطرار إليه فيه فيطلب باضطرار فيعطى وإذا أراد الله أن يمنع عبدا أمراً منعه الاضطرار إليه فيه ثم منعه إياه وقامت حجة الله على العبد لو اضطررت إلينا لأعطيناك فلا يخاف عليك أن تضطر وتطلب فلا تعطى بل يخاف عليك أن تحرم
الاضطرار فتحرم الطلب أو تطلب بغير اضطرار فتحرم العطاء
وقال في قوله عز وجل كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ٢٦ ثم قال بعد ذلك
وهرى إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ۷
الإسراء ٦٧ وتمامها وكان الإنسان كفورا ٢٥ النمل ٦٢ ٢٦ آل عمران ۳۷
۳ یونس ۱ ٢٤ الأنعام ٦٣ ٦٤
۷ مریم ۵
۱۳۰
فذكر بعض الناس في هذا تأويلا لا يرضى ولا ينبغى أن يلتفت إليه وهو أنه كان حبها الله وحده فلما ولدت انقسم حبها وليس الأمر كما قال هذا القائل لأنها صديقة كما أخبر الله عنها وأمه صديقة ۸ والصديق والصِّدِّيقة لا يتنقلان من حالة إلا إلى أكمل منها ولكنها كانت في بدايتها متعرفاً إليها بخرق العادات وسقوط الأسباب فلما تكمل يقينها أرجعت إلى الأسباب فالحالة الثانية أتم من الحالة الأولى وقال رضى الله عنه الفتوة الإيمان والهداية قال الله تعالى
وإنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدی ۹
وقال رضى الله عنه في قوله سبحانه حاكيا عن الشيطان
هوثم لاتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم
شاکرین ۳۰ ولم يقل من فوقهم ولا من تحتهم لأن فوق التوحيد وتحت الإسلام والشيطان لا يمكنه أن يأتى المؤمن من توحيد ولا من إسلام
وقال رضى الله عنه في قوله سبحانه
واتخذ الله إبراهيم خليلا ۳۱
قال سمّى خليلا لأنه خالل سره محبة الله تعالى قال الشاعر
قد تخللت مسلك الروح منى ولذا سمى الخليل خليلا
فإذا ما نطقت كنت كلامي وإذا ما صمت كنت العليلا
وقال رضى الله عنه في قوله تعالى
وإبراهيم الذي وفى ۳
قال وفى بمقتضى قوله
حسبي الله
وقال رضى الله عنه في قوله عزّ وجل
وبالأسحار هم يستغفرون ۳۳
قال من طاعاتهم ومن أعمالهم التي قاموا الله تعالى بها في ليلهم أن يشهدوها من أنفسهم ودليل ما قال الشيخ رضي الله عنه أن الله عزّ وجلّ وصفهم قبل ذلك بقوله كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ٣٤
۸ المائدة ٧٥
۹ الكهف ۱۳ ۳۰ الأعراف ۱۷
۳۱ النساء ١٢٥ ۳ النجم ۳۷ ۳۳ الذاريات ۱۸
٣٤ الذاريات ١٧
ثم قال
۱۳۱
وبالأسحار هم يستغفرون
فلم يتقدم منهم في ليلهم ذنوب يكون استغفارهم منها
وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم من صلاته استغفر الله ثلاثا
وقال الواسطى
العبادات إلى طلب العفو عنها أقرب منها إلى طلب الأعواض عليها
وقال رضى الله عنه في قوله تعالى
أي
قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو
من
طاعتهم وأعمالهم ومثل ذلك
ورحمة ربك خير مما يجمعون ٣٦ وقال رضي الله عنه في قوله عزّ وجل
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا
ولم يقل بنبيه ولا برسوله وهو نبيه ورسوله
خير مما يجمعون ٣٥
وإنما كان كذلك لأنه أراد أن يفتح باب السريان للأتباع فأعلمنا بأن الإسراء من بساط العبودية فالنبي و كان له كمال العبودية فكان له كمال الإسراء أسرى بروحه وجسمه وظاهره
وباطنه
والأولياء لهم قسط من العبودية فلهم قسط من الإسراء يسرى بأرواحهم لا بأشباحهم وسمعته رضى الله عنه يقول في قوله سبحانه وتعالى
إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ۳۷
إن المتقين في جنات ونهر في هذه الدار وفى تلك الدار في الدنيا في جنات العلوم وأنهار المعارف وفي الآخرة فى الجنة التي وعدوا بها في مقعد صدق في هذه الدار وفي تلك الدار عند
مليك مقتدر في هذه الدار وفي تلك الدار
وبسط كلام الشيخ رضى الله عنه هو
أن
نعيم الجنة الكائن فيها يكون رقائقه معجلة للمتقين في هذه الدار فما كان لهم في الجنة حسا
يكون لهم في هذه الدار معنى ومثل هذه الآية قوله سبحانه
إن الأبرار لفي نعيم ۳۸
۳۵ یونس ٥٨ ٣٦ الزخرف ٣٢
۳۷ القمر ٥٥٥٤
۳۸ الانفطار ۱۳ والمطففين
۱۳
أى في هذه الدار وفى تلك الدار في الدنيا في نعيم الشهود وفي الآخرة في نعيم الرؤية وكذلك قوله
وإن الفجار لفي جحيم
أي في هذه الدار وفى تلك الدار فى هذه الدار في جحيم القطيعة وفي تلك الدار في جحيم العقوبة وقوله
وفي مقعد صدق
أى في هذه الدار وفى تلك الدار في هذه الدار في مقعد صدق العبودية وفي تلك الدار في مقعد صدق الخصوصية
وعند مليك مقتدر
في هذه الدار وفى تلك الدار في هذه الدار لهم عندية الإمداد وفى تلك الدار لهم عندية الإشهاد
وقال رضى الله عنه في قوله تعالى وما خلق الله ذلك بالحق ۳۹ الحق الذى خلق الله به كل شيء كلمة
کن
قال الله سبحانه
ويوم يقول كن فيكون قوله الحق ٤٠
وقال رضى الله عنه في قوله سبحانه
وأن اشكر لي ولوالديك ٤١ إنما قرن شكرهما بشكره لأنها أصل في وجودك
وقال رضى الله عنه في قوله تعالى
وما تلك بيمينك ياموسى قال هي عصاى أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولى فيها مارب أخرى قال ألقها يا فألقاها فإذا هي حية تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها
الأولى ٤٢
موسی
يقال للولى وما تلك بيمينك أيها الولى
قال هي دنياى أتوكاً عليها وأهش بها على غنمي وغنمه أعضاؤه ولى فيها مآرب أخرى
فيقال له ألقها فناء عنها
فألقاها
فيكشف له عن حقيقتها فإذا هي حية تسعى
۳۹ یونس ۵
٤٠ الأنعام ٧٣
٤١ لقمان ١٤
٤٢ طه ۱۷ - ۱
ثم يقال له
۱۳۳
وخذها ولا تخف
فلا يضره أخذها لأنه أخذها بإذن الله كما ألقاها بإذن الله فأخذها من الوجه الذى به ألقاها
فأطاع الله في أخذها كما أطاعه في إلقائها
وقال رضى الله عنه في قوله سبحانه
ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن ٤٣ إنما قال للرحمن ولم يقل للقهار ولا للعزيز لأن تشقق السماء بالغمام وتنزل الملائكة مظهران من مظاهر القهر والسطوة فلو قال للقهار أو للعزيز لم يطق ذلك العباد وتفطرت قلوبهم فرفق بهم أن
قال
الملك يومئذ الحق للرحمن
وهكذا قوله
يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ٤٤
ولم يقل إلى القهار ولا إلى العزيز لأن الحشر وهو المطلع شديد فلاطفهم برحمانيته في ظهور سلطان قهره
وقال رضى الله عنه وقد سئل عن قوله تعالى
يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ٤٥ فقال له القائل من أين للعبد أن يتقى الله حق تقاته ومن أين له أن لا يموت إلا وهو مسلم فقال الشيخ رضى الله عنه قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى
فاتقوا الله ما استطعتم فكانوا قد خوطبوا أولا أن يتقوا الله حق تقاته وهو أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر ثم خفف عنهم بقوله
فاتقوا الله ما استطعتم
الى
قال الشيخ رضى الله عنه ويمكن الجمع بين الآيتين
فاتقوا الله ما استطعتم أى في جانب الأعمال وقوله
اتقوا الله حق تقاته أى في جانب التوحيد وقوله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
٤٣ الفرقان ٢٥ ٢٦
٤٤ مریم ٨٥
٤٥ آل عمران ۱۰
١٣٤
أى لا تتعاطوا من الأعمال إلا أعمالاً إذا
عليها
مسلمين
وقال رضى الله عنه صليت خلف الشيخ صلاة الصبح فقرأ بحم عسق حتى انتهى إلى قوله
تعالى
ويهب لمن يشاء إناثاً
فخطر لى أنها الحسنات
و وهب لمن يشاء الذكور
فخطر لى أنها العلوم
أو يزوجهم ذكرانا وإنانا لا لا لا
علوما وحسنات
ويجعل من يشاء عقيا
لا علم ولا حسنة
فلما سلّم الشيخ من الصلاة استدعانى وقال لقد وجدت فهمك في الصلاة يهب لمن يشاء إنانا الحسنات ويهب لمن يشاء الذكور العلوم أو يزوجهم ذكرانا وإناثًا علوما وحسنات ويجعل من يشاء عقيما لا علم ولا حسنة فعجبت من اطلاع الشيخ على ذلك
فقال أتعجب من اطلاعي على فهمك فى الصلاة قد فهم فلان كذا وفهم فلان كذا حتى عد أفهام الجماعة الذين خلفه
وقال رضى الله عنه في قوله تعالى
إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ٤٦
فقوم فهموا من هذا الخطاب أنهم أمروا بعداوة الشيطان فشغلهم ذلك عن محبة الحبيب وقوم فهموا من ذلك أن الشيطان لكم عدو أى وأنا لكم حبيب فاشتغلوا بمحبته فكفاهم من دونه قيل لبعضهم كيف صنعك مع الشيطان فقال وما الشيطان نحن قوم صرفنا هممنا إلى الله فكفانا من دونه وقال رضى الله عنه قرأت مرة والتين والزيتون إلى أن انتهيت إلى قوله تعالى لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين
ففكرت في معنى هذه الآية فكشف لى عن اللوح المحفوظ فإذا مكتوب فيه لقد خلقنا
الإنسان في أحسن تقويم روحًا وعقلاً ثم رددناه أسفل سافلين نفسا وهوى
وقال في قوله سبحانه
٤٦ فاطر ٦
۱۳۵
ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ٤٧
همت به
إرادة وهم بها هم ميل لا هم إرادة
وقال رضي الله عنه في قوله تعالى
ولقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم ٤٨
فقال عن شيخه أبى الحسن رضى الله عنه ذكر توبة من لا يذنب لئلا يستوحش من أذنب لأنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار ولم يذنبوا ثم قال
وعن الثلاثة الذين خلفوا
فذكر من لم يذنب ليؤنس من قد أذنب فلو قال أولاً لقد تاب الله على الثلاثة الذين خلفوا
لتفطّرت أكبادهم
وقال رضى الله عنه
التقوى في كتاب الله على أقسام تقوى النار قال الله سبحانه
واتقوا النار ٤٩
وتقوى اليوم
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ٥٠
وتقوى الربوبية
هو يأيها الناس اتقوا ربكم ٥١
وتقوى الألوهية
واتقوا الله ٥٢
وتقوى الأنية
واتقون يا أولى الألباب ٥٣ وقال رضى الله عنه في قوله عزّ وجل
سماعون للكذب أكالون للسحت ٥٤
نزلت في اليهود
ومن كان من فقراء هذا الزمان مؤثراً للسماع بهواه أكلاً مما حرمه مولاه فهي نزغة يهودية
٤٧ يوسف آية ٢٤ - ويفسر بعضهم الآية الكريمة فيقول لولا أن رأى برهان ربه لهم بها وهو تفسير تسيغه اللغة
ونتيجته أنه لم يهم بها لأنه رأى برهان ربه
٤٨ التوبة ١١٧ ٤٩ آل عمران ۱۳۱
٥٠ البقرة ۸۱
٥١ النساء ١
٥٢ النساء ١
٥٣ البقرة ١٩٧
٥٤ المائدة ٤٢
١٣٦
لأن القوال يذكر العشق وما هو بعاشق والمحبة وماهو محب والوجد وما هو متواجد فالقوال يقول الكذب والمستمع سماع له ومن أكل من الفقراء طعام الظلمة حين يدعى إلى السماع فهو
يصدق عليه قول الله تعالى
سماعون للكذب أكالون للسحت
وقال رضى الله عنه
عبر بعض الصحابة على بعض اليهود فسمعهم يقرءون التوراة فتخشعوا فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلمنزل عليه جبريل عليه السلام فقال اقرأ
قال وما أقرأ قال اقرأ
أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ٥٥
فعوتبوا إذ تخشعوا من غيره وهم إنما تخشعوا من التوراة وهى كلام الله فما ظنك بمن أعرض عن كتاب الله وتخشع بالملاهي والغناء
وقال رضى الله عنه وقد سأله سائل ياسيدى لم قال عيسى عليه السلام
وإن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ٥٦ ولم يقل الغفور الرحيم فقال الشيخ رضى الله عنه إنما عدل عن قوله إنك أنت الغفور الرحيم إلى قوله فإنك أنت العزيز الحكيم
لأنه لو قال وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم لكان شفاعة من عيسى عليه السلام لهم في المغفرة ولا شفاعة فى كافر ولأنه عُبِدَ من دون الله فاستحى من الشفاعة عنده وقد عبد معه
وقال رضى الله عنه في قوله تعالى
لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ٥٧ في هذه الآية مدح السيد المرسلين أى أن هذا القرآن لا تثبت له الجبال لو أنزل عليها وأنت يا محمد ثبت لنزوله بالقوة الربانية التي أودعناها فيك وفيها ذم للكافرين أى أن هذا القرآن لو أنزل على جبل لخشع وتصدع وأنتم ما خشعتم ولا تصدعتم
فائدة
اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله تعالى ولكلام رسوله بالمعانى الغريبة كما مضى من فهم الشيخ رضى الله عنه يهب لمن يشاء إنانا الحسنات وهب لمن يشاء الذكور العلوم أو يزوجهم
٥٥ العنكبوت ٥١
٥٦ المائدة ١١٨
٥٧ الحشر ٢١
۱۳۷
ذكرانا وإناثا علومًا وحسنات ويجعل من يشاء عقياً لا علم ولا حسنة وكما مضى أيضا من قوله
عز وجل
وإن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة
فقال الشيخ بقرة كل إنسان نفسه والله أمركم بذبحها وكما سيأتي إن شاء الله في تفسير الأحاديث فذلك ليس إحالة للظاهر عن ظاهره ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت له الآية ودلت عليه في عرف اللسان وثم أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث لمن فتح الله على قلبه وقد جاء أنه عليه الصلاة والسلام قال
لكل آية ظاهر وباطن وحد ومطلع
فلا يصدنك عن تلقى هذه المعانى منهم أن يقول لك ذو جدل أو معارضة هذا إحالة لكلام الله عز وجل وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فليس ذلك بإحالة وإنما يكون إحالة لو قالوا لا معنى للآية إلا هذا وهم لم يقولوا ذلك بل يقرون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها ويفهمون عن الله ما أفهمهم وربما فهموا من اللفظ ضد ما قصده واضعه كما أخبرنا الشيخ الإمام مفتى الأنام تقى الدين محمد بن على القشيري رحمه الله قال كان ببغداد فقيه يقال له الجوزى يقرى اثنى عشر علمها فخرج يوما قاصدا لمدرسته فسمع منشدا ينشد إذا العشرون من شعبان ولت فواصل شراب ليلك بالنهار ولا تشرب بأقداح صغار فقد ضاق الزمان على الصغار
فخرج هائما على وجهه حتى أتى مكة ولم يزل مجاورا بها حتى مات وقرى على الشيخ مكين الدين الأسمر رضى الله عنه قول القائل لو كان لي مسعد بالراح يسعدنى لما انتظرت لشرب الراح إفطارا الراح شيء عجيب أنت شاربه فاشرب ولو حملتك الراح أوزارا يامن يلوم على صهباء صافية خذ الجنان ودعنى أسكن النارا فقال إنسان هناك لا تجوز قراءة هذه الأبيات فقال الشيخ مكين الدين الأسمر للقارئ
اقرأ هذا رجل محجوب !
ويكفيك في هذا أن ثلاثة سمعوا مناديا يقول يا سعتر برى ففهم كل منهم عن الله مخاطبة
خوطب بها في سره
سمع الواحد اسْع تر برى
الآخر الساعة ترى برى وسمع
وسمع الآخر ما أوسع يرى
فالمسموع واحد واختلفت أفهام السامعين كما قال سبحانه
۱۳۸
وتسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل
وقال سبحانه
وقد علم كل أناس مشربهم ٥٨
فأما الذي سمع اسع تربرى فمُرِيد دُلَّ على النهوض إلى الله بالأعمال ليستقبل الطريق بالجد فقيل له اسع إلينا بصدق المعاملة تر برنا بوجود المواصلة وأما الثاني فكان سالكا إلى الله طاولته الأوقات فخاف أن تفوته الوصلة فقيل له ترويحا على قلبه لما أحرقته نار الشغف الساعة ترى برى
وأما الآخر فعارف كشف له عن وسع الكرم فخوطب من حيث أشهد فسمع ما أوسع برى وقال الشيخ محيى الدين بن عربي رضي الله عنه
دعانا بعض الفقراء إلى دعوة بزقاق القناديل بمصر فاجتمع بها جماعة من المشايخ فقدم الطعام وعجزت الأوعية ٥٩ وهناك وعاء زجاج جديد قد اتخذ للبول ولم يستعمل بعد فغرف فيه رب المنزل الطعام فالجماعة يأكلون وإذا الوعاء يقول منذ أكرمنى الله بأكل هؤلاء السادة منى لا أرضى لنفسي أن أكون بعد ذلك محلا للأذى ثم انكسر نصفين
قال الشيخ محيى الدين فقلت للجمع سمعتم ما قال الوعاء
قالوا نعم
قلت ما سمعتم
فأعادوا القول الذي تقدم
قال فقلت قال قولا غير ذلك
قالوا وما هو
قلت قال كذلك قلوبكم قد أكرمها الله بالإيمان فلا ترضوا بعد ذلك أن تكون محلا لنجاسة المعصية وحب الدنيا جعلنا الله وإياكم من أولى الفهم عنه والتلقى منه بمنه وكرمه
٥٨ البقرة ٦٠
٥٩ أي لم تكن الأوعية كافية
الباب السادس
فسره من الأحاديث النبوية وإبداء أسرار
فيها على مذهب أهل الخصوصية
قال رضى الله عنه فى قوله سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال إني أخاف الله ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه من خشية الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ۱
فقال الشيخ رضى الله عنه
الإمام العادل هو القلب
ورجل قلبه معلق بالمسجد حتى يعود إليه أى ورجل قلبه معلق بالعرش فإن العرش مسجد
قلوب المؤمنين
ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه أى خاليا من النفس والهوى
ورجل تصدق بصدقة أى فأخفاها عن نفسه وهواه
وكذلك قال في قوله عز وجل وإذ نادى ربه نداء خفيا ٢ أي من النفس والهوى فاعلم أن هؤلاء السبعة جازاهم الحق سبحانه من حيث معاملتهم إياه
أما الإمام العادل فإنه عدل في عباد الله فآوى المظلوم إلى ظل عدله فآواه الله في ظله يوم لا ظل
إلا ظله
وأما الشاب الذى نشأ في عبادة الله فإنه آوى إلى الله معرضا عن هواه أويا إلى كنف مولاه فصنع الحق معه ذلك في الآخرة جزاء كما صنع هو ذلك مع الله في الدنيا معاملة وأما الرجل الذى قلبه معلق بالمسجد حتى يعود إليه فإنه آثر طاعة الله وغلب عليه حب الله فلذلك صار قلبه متعلقا بالمسجد لا يحب البراح عنه لأنه يجد فيه روح القربة وحلاوة الخدمة فآوى إلى الله مؤثرا لربوبيته فآواه الله وأظله بظله يوم لا ظل إلا ظله جزاء لما سبق من معاملته وأما الرجلان اللذان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه فإنها تواصلا بروح الله وتآلفا بمحبة الله وكان ذلك منها انحياشا ۳ إلى الله فآواهما الله بظله يوم لا ظل إلا ظله
۱ رواه مالك والترمذى وأحمد والشيخان والنسائي ومسلم
3 أى ميلا ولجوها إلى الله سبحانه وتعالى
مریم
۱۳۹
١٤٠
وأما الرجل الذي دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال إنى أخاف الله فإنه صلى نار مخالفة الهوى مخافة من المولى وخالف بواعث الطبع المعارضة للتقوى فلما خاف من الله هرب إليه ولما هرب إليه ههنا معاملة آواه الله إليه فى الآخرة مواصلة فأظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله وأما الرجل الذي ذكر الله خاليا ففاضت عيناه فإنه لم تفض عيناه إلا من القروح التي أحرقت قلبه إما حياء من الله أو شوقا إليه أو خوفا من ربوبيته أو لشهود التقصير معه فلما فعل ذلك حيث لا يراه أحد إلا الله الواحد الأحد كان ذلك منه معاملة الله وانحياشا إليه بالاعتذار إليه أو بالشوق إليه فآوى إلى الله فأظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله
وأما الرجل الذى تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه فإنه قد آثر على نفسه ببذل الدنيا إيثارا لحب الله على ما تحبه نفسه لأن شأن النفس حب الدنيا وعدم البذل لها فلا يبذلها إلا من آثر الله عليها ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
والصدقة برهان ٤
أى برهان يدل على أن العبد أثر مولاه على نفسه وهواه فلما مال هذا العبد إلى الله بالمعاملة من الله عليه بأن أظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله
وتشترك الأقسام السبعة في معنى واحد فلذلك جوزوا جزاء واحدا اشتركت في أن كلا من هؤلاء السبعة صلي حر مخالفة الهوى فى الدنيا فلم يذقه الله حر الآخرة وقد قال حاكيا عن الله تعالى
لا أجمع على عبدى خوفين ولا أمنين إن أمنته في الدنيا أخفته في الآخرة وإن أخفته في الدنيا أمنته في الآخرة وقال رضى الله عنه في قوله
يسروا ولا تعسروا
أي دلوهم على الله ولا تدلّوهم على غيره فإن من دلك على الدنيا فقد غرّك ذلك ومن الأعمال فقد أتعبك ومن ذلك على الله فقد نصحك
وقال في قوله صلى الله عليه وسلم
على
رأيت الجنة فتناولت منها عنقودًا لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا فقال رضى الله عنه الأنبياء يطالعون حقائق الأشياء والأولياء يطالعون مثلها فلذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم
رأيت الجنة
ولم يقل كأني رأيت الجنة
وقال حارثة لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت يا حارثة
قال أصبحت مؤمنا حقا
٤ رواه مسلم
فقال لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك
١٤١
قال عزبت٥ نفسي عن الدنيا فاستوى عندى ذهبها ومدرها وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يتنعمون وكأني أنظر إلى أهل النار في النار يعذبون وكأني أرى عرش ربي بارزا من أجل ذلك أسهرت ليلى وظمات نهاری
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم یا حارثة عرفت فالزم
ثم قال عبد نور الله قلبه ٦ بنور الإيمان
فقال حارثة كأني أنظر ولم يقل رأيت لأن ذلك للأنبياء دونه وكذلك قول حنظلة الأسدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم تذكرنا بالجنة والنار حتى كأنا نراها رأى عين ۷ ولم يقل حتى نراها رأى عين
لما قدمناه
وفي حديث حارثة فوائد عشرة
الأولى أنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم حارثة فقال له
كيف أصبحت يا حارثة
لم يقل حارثة غنيًّا ولا صحيحًا ولا شيئًا من الأحوال البدنية أو الأمور الدنيوية لأن حارثة علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل من أن يسأل عن دنيا بل فهم عنه أنه إنما سأله كيف حاله مع الله
فلذلك قال الصحابي أصبحت مؤمنًا حقا
أما أبناء الدنيا إذا سئلوا فلا يخبرونك إلا عن دنياهم وربما أخبروك إذا سألتهم عن الضجر بأحكام مولاهم فالسائل لمن هذا وصفه مشارك له فيها استثاره بسؤاله الجريان سببه منه وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه لرجل أتى من الحج كيف كان حجكم فقال ذلك الرجل كثير الرخاء كثير الماء فسعر كذا كذا وسعر كذا كذا فأعرض الشيخ عنه وقال تسألونهم عن حجهم وما وجدوا فيه من الله من علم ونور وفتح فيجيبون برخاء الأسعار وكثرة المياه حتى كأنهم لم يسألوا إلا عن ذلك الفائدة الثانية أنه ينبغى للمشايخ أن يتفقدوا أحوال المريدين ويجوز للمريدين إخبار الأستاذين وإن لزم من ذلك كشف حال المريدين لأن الأستاذ كالطبيب وحال المريد كالعورة والعورة قد تبدو للطبيب لضرورة التداوى الله الفائدة الثالثة انظر إلى قوة نور حارثة فى قوله أصبحت مؤمنًا حقا فلولا أنه منور بنور البصيرة الموجبة لمحض اليقين والتحقق بالسنة ما أخبر بذلك وأبداه أثبت لنفسه حقيقة الإيمان بين
٥ أي عزفت وأعرضت كارهة ٦ رواه البزار بسند ضعيف عن أنس والطبراني في الكبير من حديث الحارث بن مالك وسنده ضعيف أيضا وكل منها
يقوى الآخر والمعنى في الجو الإسلامي صحيح
۷ رواه مسلم وسیأتی به ابن عطاء الله بعد ذلك
١٤٢
ایا
يدى صاحب المحو والإثبات وإنما أبدى ذلك حارثة لأنه علم أن طواعية رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة والرسول قد استخبره عن حاله فلم يسعه الكتم وأبدى ما علم أن الله تفضل به عليه ببركات متابعة رسول الله ليفرح له رسول الله صلى الله عليه وسلم منة الله فيشكر الله عنه ويسأله تثبيت ما أعطاه مثل هذا ما ذكره بعض العلماء العارفين قال وقعت زلزلة بالمدينة زمن خلافة عمر رضى الله عنه قال عمر ما هذا ما أسرع ما أحدثتم والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم فانظر رحمك الله هذه البصيرة التامة كيف أشهدته أن الزلزلة إنما هي من حدث كان وأن الحدث منهم وأنه برىء منه فهل هذا إلا من نور البصيرة الكاملة التي وهبها عمر رضى الله عنه وكذلك ضربه لأبي هريرة رضى الله عنهما في صدره حين وجد معه نعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمره أن من لقيه من وراء الحائط يشهد أن لا إله إلا الله أن يبشره بالجنة ورجوعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول عمر رضى الله عنه يا رسول الله أنت أمرت أبا هريرة أن يأخذ نعليك ويبشر من لقى من وراء الحائط يشهد أن لا إله إلا الله
قال نعم
قال لا تفعل يا رسول الله خلهم يعملوا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلهم يعملوا
وهاتان الواقعتان تعرفانك بعظيم قدر عمر رضى الله عنه ووفور أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم واختطافه من نوره وهذا الحديث مروى فى صحيح مسلم وإنما ذكرناه ههنا مختصر ۸ الفائدة الرابعة يفهم من هذا الحديث انقسام الإيمان إلى قسمين إيمان حقيقي وإيمان رسمي فلذلك أخبر الصحابي بقوله أصبحت مؤمنا حقا والحديث يشهد له أيضا
وروى البخارى يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
۸ ونصه كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال
كنا قعودا حول رسول صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر في نفر فقام رسول الله من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا فكنت أول من فزع فخرجت أبتغى رسول الله حتى أتيت حائطا للأنصار لبنى النجار قدرت به هل أجد له بايا فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجه - والربيع الجدول - فاحتفزت كما يحتفز التعلب فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو هريرة فقلت نعم يا رسول الله قال ما شأنك قلت كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب وهؤلاء الناس وراني فقال يا أبا هريرة وأعطانى تعليه قال اذهب بنعلى هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة فكان أول من لقبت عمر فقال ما هاتان النعلان يا أبا هريرة فقلت هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنى بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشرته بالجنة فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستى فقال ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أجهشت بكاء وركبني عمر فإذا هو على أثرى فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك يا أبا هريرة قلت لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة خررت لإستى قال ارجع فقال له رسول صلى الله عليه وسلم يا عمر ره ما حملك على ما فعلت قال يا رسول الله بأبي أنت وأمى أبعثت أبا هريرة بتعليك من لقى يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة قال نعم قال فلا تفعل فإنّي أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فخلهم
١٤٣
ذاق طعم الإيمان من رضى بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً وروى أيضا قال
ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان وطعمه أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحبّ المرء لا يحبه إلا الله وأن توقد نار عظيمة فكان أن يقع فيها خير له من أن يشرك بالله
وقد جاء في الحديث أيضا قال
المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير٩
وقد قال الله سبحانه
أولئك هم المؤمنون حقا ١٠
وهما صنفان عباد آمنوا بالله على التصديق والإذعان وعباد آمنوا بالله على الشهود والعيان وهذا الإيمان الثانى تارةً يسمى إيمانًا وتارة يسمّى يقينا لأنه إيمان انبسطت أنواره وظهرت آثاره واستمكن في القلب عموده وداوم السرّ شهوده وعنه يكون خالص الولاية كما أن على القسم الآخر يكون ظاهر الولاية
وليس يستوى إيمان مؤمن يغلب الهوى وإيمان مؤمن يغلبه الهوى ولا إيمان مؤمن تعرض له العوارض فيدافعها بإيمانه كإيمان مؤمن غسل قلبه من العوارض فلا ترد عليه لشهوده وعيانه ولأجل هذا اختلف أهل الطريق فى عبدين أحدهما يرد عليه خاطر الذنب فيجاهد نفسه حتى يذهب ذلك عنه والآخر لا يخطر له هذا الخاطر أصلا أيها أتم والذي لاشك فيه تفضيل هذا القسم الثانى فإنه أقرب لأحوال أهل المعرفة والأول هو حال أهل المجاهدة ولأنه لا يكون القلب على هذه الصفة إلا والنور قد ملأ زواياه فلأ جل ذلك لم يجد خاطر الذنب
مساغا
الفائدة الخامسة مطالبة رسول الله له الحارثة بإقامة البرهان على ما أثبته لنفسه فيدل ذلك أنه ليس كل من ادعى دعوى سُلمت له وقد قال الله سبحانه
فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ۱۱
قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ۱
فموازين الحقائق شاهدة للعباد أو عليهم وقد قال سبحانه
وأقيموا الوزن بالقسط ۱۳
فمن ادعى حالاً مع الله أقيم عليه ميزانها فإن شهد له سلّمناها له وإلا فلا وإذا كانت الدنيا
۹ رواه مسلم وتمامه احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان
۱۰ الأنفال ٤
١١ البقرة ٩٤
١٢ النمل ٦٤
۱۳ الرحمن ۹
١٤٤
على خساسة قدرها عند الله لا تسلم لك إلا ببينة تقيمها فمن الأحرى أن لا تسلم لك مراتب
الموقنين حتى يثبتها لك برهان أو تسلمها لك حقيقة الفائدة السادسة كان الشيخ أبو العباس رضى الله عنه يقول لو كان المسئول أبا بكر رضى الله عنه لم يطالبه الرسول الله بإقامة برهان على ما ادعى لأن عظم رتبة أبي بكر رضى الله عنه شاهدة له من غير إظهار برهان فأراد الرسول أن يعرفنا الفرق بين رتبة أصحابه فمنهم من هو كحارثة لما ادعى حقيقة الإيمان طولب ببرهانها ومنهم من هو كأبي بكر وعمر رضى الله عنها يثبت لها الرسول ل الرتب وإن لم يثبتاها لأنفسهما ألا ترى الحديث الوارد عن الرسول الله أن بقرة في بني إسرائيل ركبها رجل وأجهدها فقالت سبحان الله لم أخلق لهذا إنما خلقت للحرث فقال الصحابة سبحان الله أبقرة تتكلم فقال الرسول آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر ١٤ وهما غائبان
فانظر هذه المرتبة ما أفخمها وهذه المنزلة ما أعظمها وسمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه يقول معنى قوله صلى الله عليه وسلم آمنت بذلك أنا وأبو بكر
وعمر
أى من غير عجب وأنتم آمنتم متعجبين لأجل ذلك قالوا سبحان الله أبقرة تتكلم وكان أبو العباس يقول إن الملائكة لما بشرت زوجة إبراهيم عليه السلام بالولد قالت األد وأنا عجوز وهذا يعلى شيخًا إن هذا لشيء عجيب ١٥
فقالت الملائكة لها أتعجبين من أمر الله
أى أمر الله لا يتعجب منه فلم يسمها الحق صدّيقة ومريم لما بشرت بالولد من غير أب فلم تتعجب من ذلك سماها الله صديقة فقال سبحانه
وأمه صديقة ١٦
الفائدة السابعة استدلال الصحابي على حقيقة إيمانه بزهده في الدنيا وكذلك هو الإيمان إذا تحقق به من قام به أورثه الزهد فى الدنيا لأن الإيمان بالله يوجب لك التصديق بلقائه وعلمك بأن كل آت قريب يوجب لك شهود قرب ذلك فيورتك ذلك الزهد فى الدنيا ولأن نور الإيمان يكشف لك عن إعزاز الحق لك فتأنف همتك من الإقبال على الدنيا والتطلع إليها مع أن الحقيقة تقتضى أن الزاهد في الدنيا مثبت لها فإنه شهد لها بالوجود إذ أثبتها مزهودًا فيها وإذا شهد لها بالوجود فقد عظمها وهو معنى قول الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه والله لقد عظمتها إذ زهدت فيها
١٤ رواه البخاري بنحوه في أحاديث الأنبياء ۱٥ هود ۷
4
١٦ جزء من آية ٧٥ من سورة المائدة وتمامها كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أتى يؤفكون
١٤٥
ومثل هذا الزاهد فيها زهد فيه فناء الفاني عما فني عنه فإثبات أنك فان عن الشيء إثبات لذلك الشيء فما لا وجود له لا يتعلق به فناء ولا زهد ولا ترك ولنا في هذا المعنى أبيات كتبتها لبعض الأصحاب يسمى حسنًا
حسن بأن تدع الوجود بأسره حسن فلا يشغلك عنه شاغل ولئن فهمت لتعلمن بأنه لا ترك إلا للذي هو حاصل ومتى شهدت سواه فاعلم أنه من وهمك الأدنى وقلبك ذاهل حسب الإله شهوده لوجوده والله يعلم ما يقول القائل ولقد أشرت إلى الصرح من الهدى دلت عليه إن فهمت دلائل وحديث كان وليس شيء غيره يقضى به الآن اللبيب العاقل ۱۷ لا غير إلا نسبة مثبوتة ليدم ذو ترك ويحمد فاعل الفائدة الثامنة قول الصحابي رضى الله عنه عزبت نفسى عن الدنيا فاستوى عندى ذهبها
ومدرها
العزوب هو ترك الشيء بالتعزز له والإعراض عنه إذ لو قال تركت الدنيا لم يلزم من الترك عدم التطلع قرب تارك للشيء وهو له متطلع فالعزوب إعراض مع كراهة وتحقر ومن كشف الله له عن حقيقة الدنيا فهذا شأنه فيها وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم الدنيا جيفة قذرة وقال للضحاك ما طعامك قال اللحم واللبن
قال ثم يعود إلى ماذا قال إلى ما قد علمت يا رسول الله
قال فإن الله قد جعل ما يخرج من بني آدم مثلا للدنيا ١٨ فمن كشف له عن حقيقة الدنيا فشهدها جيفةً قذرةً فحرى أن يصرف همته عنها فإن قلت فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم الدنيا حلوة خضرة ۱۹
فاعلم أن الدنيا جيفة قذرة فى مرائى البصائر وحلوة في مرائى الأبصار فإن قلت فما فائدة الإخبار بأنها حلوة خضرة فاعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم أن الدنيا جيفة قذرة للتنفير وقوله الدنيا حلوة خضرة للتحذير أى فلا تغرنكم بحلاوتها وخضرتها فإن حلاوتها في التحقيق مرارة وخضرتها يبس ولهذا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولياء الله قال هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها الفائدة التاسعة وقوف الصحابي رضى الله عنه على مستحق رتبته بقوله وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يتنعمون ولم يقل نظرت وقد تقدم ذلك من أن الأنبياء يطالعون حقائق الأشياء
۱۷ المراد الحديث الذي رواه البخاري بسنده عن عمران بن حصين ونصه كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض ۱۸ رواه أحمد والطبراني وفيه على بن زيد بن جدعان مختلف فيه ورواه ابن حيان ۱۹ رواه الترمذى فى الفتن والزهد وابن ماجه فى الفتن والدارمي في الرقاق وأحمد في مسنده
12
والأولياء يطالعون مثلها
الفائدة العاشرة قوله فمن أجل ذلك أسهرت ليلى وأظمأت نهارى فحارثة عبد وصل بكرامة الله إلى طاعة الله ألا تراه كيف قال في الأول عزبت نفسي عن الدنيا ثم قال بعد ذلك فمن أجل ذلك أسهرت ليلى وأظمأت نهارى فسبق عزوب نفسه عن الدنيا معاملته لربه وكان الشيخ أبو العباس رضى الله عنه يقول الناس على قسمين قوم وصلوا بكرامة الله إلى طاعة الله وقوم وصلوا بطاعة الله إلى كرامة الله قال الله سبحانه
هو الله يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب ٢٠
ونور الله يرد على القلب فيوجب له الاتصاف بصفة الزهد في الدنيا والإعراض عنها ثم ينبث منه إلى الجوارح فيما وصل منه إلى العين أوجب الاعتبار وإلى الأذن أوجب حسن الاستماع وإلى اللسان أورث الذكر وإلى الأركان أورث الخدمة
والدليل على أن النور يوجب عزوب الهمة عن الدنيا والنأى عنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن النور إذا دخل الصدر انشرح وانفسح
فقيل يا رسول الله فهل لذلك من علامة
قال التجافى عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود ۱
وأما حديث حنظلة الأسدى فقد رواه مسلم في صحيحه قال لقى حنظلة أبا بكر رضى الله عنه
فقال نافق حنظلة
فقال أبو بكر رضى الله عنه وما شأن حنظلة قال نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكرنا الجنة والنار حتى كانا رأى عين فإذا خرجنا من عنده عافسنا الضيعات والزوجات نسينا كثيرا مهمة
فقال أبو بكر رضى الله عنه إنا لنلقى مثل ذلك يا حنظلة ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حنظلة یا رسول الله نافق حنظلة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شأن حنظلة
فقال تكون عندك يا رسول الله فتذكرنا الجنة والنار حتى كأنها رأى عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الضيعات والزوجات نسينا كثيرا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذی نفسی بیده یا حنظلة لو تدومون على ما تكونون عليه عندى وفى الذكر لصافحتكم الملائكة فى طرقكم وعلى فرشكم ولكن ساعة وساعة قال
ففى هذا الحديث ثمانى فوائد
۰ الشورى ۱۳
۱ رواه ابن أبي حاتم وابن جرير بنحوه وعبد الرزاق
أي اجتهدنا في شئون حياتنا ومع أهلينا فخالطناهم ولاعبناهم وعالجنا أمورهم
١٤٧
الأولى قول حنظلة نافق حنظلة النفاق مأخوذ من نافقاء اليربوع ۳ وهو أن يجعل لبيته بابين متى طولب من أحدهما خرج من الآخر كذلك المنافق يظهر بظاهر الإيمان وله مسرب من الكفر باطن إذا عاتبه أهل الكفر على ما أظهر ما الإيمان فتح مسرباً من باطن كفره ليسلم من عتبهم وإذا ظهرت عليه ريبة أهل النفاق فعوتب عليها تصوّن من ذلك بظاهر الإيمان الذى أظهره ولذلك أخبر الله عنهم بقوله وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ٢٤ فلما رأى حنظلة أنه يكون عند رسول الله له على حالة فإذا خرج وحاول أسباب الدنيا تغير حاله فلم يبق على نحو ما كان عليه عند رسول الله خاف أن يكون ذلك نفاقا لاختلاف حالتيه فشكا ذلك إلى رسول الله وحمله الإيمان على أن أظهر ذلك ليتطلب الشفاء منه ويشكو داءه لمن يجد الشفاء عنده فلما شكا ذلك لأبي بكر رضى الله عنه قال له أبو بكر إنا لنلقى مثل ذلك يا حنظلة ولم يجبه أبو بكر رضى الله عنه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين أظهرهم فلم ير أبو بكر أن يجيب حنظلة ولو أن حنظلة أتى أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجابه الفائدة الثانية يستفاد من حديث حنظلة أن من حمله الصدق على إظهار ما به حصل له الشفاء إما بأن يقال إن ما ظننته داء ليس بداء وإما أن يدل من الدواء على ما يزيل الداء فحنظلة قيل له إن ما ظننته داء ليس بداء الفائدة الثالثة قول حنظلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تذكرنا بالجنة والنار حتى كأنا رأى عين ولم يقل حتى نراهما رأى عين لما قدمناه من أن الأنبياء يطالعون حقائق الأشياء والأولياء يطالعون مثلها فلذلك قال حنظلة حتى كأنا رأى عين ولم يقل حتى نراهما رأى عين كما قال حارثة وكأني أنظر إلى أهل الجنة ولم يقل نظرت إلى أهل الجنة وقد تقدم هذا من قبل
الفائدة الرابعة ينبغى أن يقلل الدخول فى أسباب الدنيا ما أمكن فهذا الصحابي يقول فإذا خرجنا من عندك عافسنا الضيعات والزوجات فنسينا كثيرا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قليلا من الدنيا يلهي عن كثير من الآخرة
وقال ما طلعت شمس إلا وبجنبيها ملكان يناديان يأيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى
الفائدة الخامسة قوله صلى الله عليه وسلم لو تدومون على ما تكونون عليه عندى وفى الذكر لصافحتكم الملائكة في طرقكم وعلى فرشكم فيه إشارة إلى أن الدوام على تلك الحالة عزيز وأن عدم دوام العبد على تلك الحالة لا يوجب معتبة لما طبع عليه البشر من الغفلة فكان الدوام على تلك الحالة كالمعسور
۳ اليربوع أو الجربوع أو الدرص أو ذو الرميح حيوان صغير على هيئة الجرذ الصغير وفي حجمه تقريبا
٢٤ البقرة ١٤
١٤٨
الفائدة السادسة كان الشيخ أبو العباس رضى الله عنه يقول لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ذلك محال أن يكون أعنى ما رتب على تقدير الدوام وهو قوله الصافحتكم الملائكة في طرقكم وعلى فرشكم فقد يكون من أولياء الله من يهبه الله ذلك الفائدة السابعة إنما خص الرسول و الفرش والطريق لأن الفرش محل الشهوات والطرق محل الغفلات فإذا صافحتهم الملائكة فى طرقهم وفرشهم فمن الأحرى أن تصافحهم في محل طاعاتهم ومواطن أذكارهم
الفائدة الثامنة اقتضت حكمة الله سبحانه أن لا يستوى وقت كينونتهم عنده ووقت ذكرهم بما سواهما حتى يعرف عظيم قدر رتبة محاضرته وعزازة الذكر وجلالة منصبها وقال رضى الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يقرأ ويخفى صوته وسمع عمر يقرأ ويرفع صوته فقال لأبي بكر لم أخفضت صوتك فقال قد أسمعت من ناجيت وقال لعمر لم رفعت صوتك فقال لأوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال لأبي بكر ارفع قليلا وقال لعمر اخفض قليلا
قال الشيخ رضى الله عنه أراد أن يخرج كلا منها عن إرادته لنفسه المراد رسول الله صلى الله عليه وسلم له وقال رضى الله عنه فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنا سيد ولد آدم ولا فخر
أى ولا أفتخر بالسيادة وإنما أفتخر بالعبودية لله سبحانه
وكان كثيرا ما ينشد
یا عمرو نادی عبد زهراء يعرفه السامع والرائي لا تدعنى إلا بيا عبـدهـا فإنه أشرف أسمائي
وقال كان الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول المؤمن في الدنيا أسير ولا فكاك للأسير إلا بإحدى ثلاث إما بالحيلة وإما بالفدية وإما بالعناية
وما ذكره الشيخ مأخوذ من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
الدنيا سجن المؤمن ٢٥
وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه في تفسير هذا الحديث وشأن المسجون التحديق بعينيه والإصغاء بأذنيه متى يدعى فيجيب
وقال رضى الله عنه الأنبياء إلى أممهم عطية ونبينا هدية وفرق بين العطية والهدية لأن العطية للمحتاجين والهدية للمحبوبين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
٢٥ رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه
١٤٩
إنما أنا رحمة مهداة ٢٦
وقال في قوله صلى الله عليه وسلم السلطان ظلّ الله فى الأرض ۷ هذا إذا كان عادلاً فأما إذا كان جائرًا فهو ظل النفس والهوى
نار
وقال رضى الله عنه مات رجل من أهل الصفة فوجد في شملته ديناران فقال كيتان من
قال الشيخ وقد مات على عهد رسول الله كثير من الصحابة وتركوا أموالاً فما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم مثل ما قال فى هذا لأنهم لم يبطنوا خلاف ما أظهروا وهذا الذي كان من أهل الصفة أظهر الفاقة وكان عنده هذان الديناران فلما أظهر خلاف ما أبطن قال الرسول صلى الله عليه وسلم كيتان من نار وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التاجر الصدوق يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ۸ فقال رضى الله عنه بأى طريق يحشر مع النبيين وبأى طريق يحشر مع الصديقين وبأى طريق يحشر مع الشهداء وبأى طريق يحشر مع الصالحين الأنبياء فإن الأنبياء شأنهم أداء الأمانة بذل النصيحة فيحشر مع الأنبياء بهذا الوصف وهذا التاجر أدى الأمانة وبذل النصيحة ويحشر مع الصديقين لأن الصديق شأنه الصفاء فى الظاهر والباطن قد استوى ظاهره وباطنه والتاجر الصدوق كذلك فيحشر مع الصديقين بهذا الوصف
يحشر مع
ويحشر مع الشهداء فإن الشهيد شأنه الجهاد والتاجر الصدوق يجاهد نفسه وشيطانه وهواه فيحشر مع الشهداء بهذا الوصف ويحشر مع الصالحين فإن الصالح شأنه أخذ الحلال وترك الحرام فيحشر مع الصالحين بهذا الوصف ۹
٢٦ ابن سعد والحكيم عن أبي صالح مرسلاً والحاكم عن أبي هريرة وصححه
۷ رواه الطبراني والبيهقي في الشعب
۸ رواه ابن ماجه والحاكم والترمذي
۹ الدنيا المذمومة فى العرف الدينى هى الشهوات يقول الله سبحانه
وزين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرت ثم قال سبحانه عن كل ذلك وذلك مناع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب أما إذا استخدمت الدنيا من أجل الآخرة فإنها لا تصبح شهوات إنما تصبح معبرًا يعبر به الإنسان - في رضا من الله - إلى الآخرة ومن أجل ذلك يقول سبحانه ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فإذا ما صير الإنسان حياته تجارة وعبادة وغير ذلك وإذا ما صير حياته عبادة بالنية الصادقة فى الاتجاه إلى الله فقد استجاب إلى الغاية التى أحبها الله سبحانه وتعالى من الخلق وما ذكرناه هو نوع من الشرح لكلام الإمام الكبير أبي العباس المرسى رضى الله عنه
الباب السابع
في تفسيره لما أشكل من كلام أهل الحقائق وحمله ذلك على أجمل الطرائق
قال رضى الله عنه قال سهل بن عبد الله
لا تكونوا من أبناء الدهور ولا من أبناء العد والإحصاء وكونوا من أبناء الأزل أشقى أم
سعيد
ثم قال رضى الله عنه يقول أحدهم صليت كذا وكذا ركعة صمت كذا وكذا شهرا ختمت كذا وكذا ختمة حججت كذا وكذا حجّة فهؤلاء من أبناء العدّ والإحصاء فهم إلى عد سيئاتهم أحوج منهم إلى عد حسناتهم وأما أبناء الدهور فيقول أحدهم لى فى طريق الله سبعون سنةً لي في طريق الله ستون سنة وكونوا من أبناء الأزل أشقى أم سعيد يعنى لاحظوا ما سبق في علم الله ولا تتكلوا على مالكم من العلم والعمل ولكن ارجعوا إلى وجود الأزل
وقال رضى الله عنه قال بشر الحافي رضى الله عنه
منذ أربعين سنة أشتهى الشواء فما صفا لى ثمنه
فقال الشيخ رضى الله عنه من ظنّ أن هذا الشيخ مكث أربعين سنة ما وجد درهما حلالاً یشتری به شواء فقد أخطأ من أين له في الأربعين سنة ما يأكل وما يلبس وإنما المعنى في ذلك أن هؤلاء قوم أصحاب مراتب لا يأكلون ولا يشربون ولا يدخلون في شيء ولا يخرجون من شيء إلا بإذن من الله وإشارة فلو أذن له فى أكل الشواء لصفا له ثمنه وقال رضي الله عنه قوت القوم على أربعة أوجه مباح وحلال وطيب وصاف
فالمباح ما كان مستوى الطرفين ما على آخذه عقاب ولا في تركه ثواب والحلال هو ما لم يخطر لك ببال ولا سألت فيه أحدا من النساء والرجال والطيب هو ما أخذه العبد بوصف الفناء إذ لا وصف له مع مولاه والصافي هو ما عاينه العبد من المنبع يعنى من عين قدرة الله سبحانه وتعالى وقال رضى الله عنه قال الجنيد أدركت سبعين عارفًا كلّهم يعبدون الله على ظن ووهم حتى أخي أبي يزيد لو أدرك صبيا من صبياننا لأسلم على يديه
فقال الشيخ معنى قوله يعبدون الله على ظنّ ووهم لا يريد بذلك ظنا في المعرفة ووهما فيها
١٥٢
وكيف تجتمع المعرفة والظن والوهم وإنما المراد أنهم وصلوا إلى مقامات توهموا أن ليس وراءها للموقنين مقام فقال الجنيد لو أدرك صبيا من صبياننا لأسلم على يديه أي لبين له أن فوق ذلك المقام مقام وفوق ذلك مقام إلى مالا آخر له ومعنى لأسلم على يديه أى لانقاد له فالإسلام هو
الانقياد
وقال رضى الله عنه في قول أبي يزيد خضتُ بحرا وقفت الأنبياء بساحله إنما يشكو أبو يزيد بهذا الكلام ضعفه وعجزه عن اللحاق بالأنبياء عليهم السلام ومراده أن الأنبياء خاضوا بحر التوحيد ووقفوا من الجانب الآخر على ساحل الفرق يدعون الخلق إلى الخوض أى فلو كنت كاملا لوقفت حيث وقفوا وهذا الذي فسر الشيخ به كلام أبي يزيد هو اللائق بمقام أبي يزيد وقد قدمنا عنه أنه قال جميع ما أخذ الأولياء مما أخذ الأنبياء كزق مملوء عسلا ثم رشحت منه رشاحة فما في باطن الزق للأنبياء وتلك الرشاحة هي للأولياء والمشهور عن أبي يزيد التعظيم التام لمراسم الشريعة والقيام بكمال الأدب حتى أنه حكي أنه وصف له رجل بالولاية فأتى إلى زيارته فقعد في المسجد ينتظره فخرج ذلك الرجل وتنخم في حائط المسجد فخرج أبو يزيد ولم يجتمع به وقال هذا رجل غير مأمون على أدب من آداب الشريعة فكيف يؤمن على أسرار الله وما جاء عن الأكابر أولى الاستقامة مع الله سبحانه من أقوال وأفعال يشكل ظاهرها أولناها لهم لما علمناه من استقامتهم وحسن طريقتهم فقد قال صلى الله عليه وسلم
عنه
ولا تظنن بكلمة برزت من امرئ مسلم سوءًا وأنت تجد لها في الخير محملاً وقال رضى الله عنه كان الحارث بن أسد المحاسبى إذا مدّ يده إلى طعام فيه شبهة تحرك عليه إصبعه فسأل الشيخ سائل فقال يا سيدى قد جاء أن الصديق قدم إليه لبن فأكل منه فوجد كدرته في قلبه فقال من أين لكم هذا اللبن
فقال له غلام كنت تكهنت لقوم في الجاهلية فأعطوني ثمن كهانتي
فتقيأه أبو بكر رضى الله عنه ثم قال
والله لو لم يخرج بمصاريني لأخرجته ۱
فلم يكن على يد الصديق عرق يتحرك عليه إذا قدم له طعام فيه شبهة والصديق أولى بكل مزية من سائر الأمة وقد وزن بالأمة فرجحها !
فقال الشيخ رضى الله عنه الصديق رضى الله عنه كالوكيل المفوض إليه مطهر من البقايا فلا يحتاج إلى إشارة والحارث بن أسد بقيت عليه البقايا فلذلك ألزم الإشارة حتى لا يدخل في شيء بنفسه وهواه وأبو بكر رضى الله عنه ظهر من النفس والهوى فلا يحتاج إلى إشارة واعلم أن من حسن اختيار الله لأبي بكر أن تناول من ذلك اللبن حتى تكلف طرحه بعد شربه
1 رواه البخاري
١٥٣
فيثيبه الله على ذلك وأيضًا ليجعله قدوة للعباد فيقتدى به من أكل طعاما فيه شبهة ولم يعلم أن
الأولى له قينه وليس لقائل أن يقول قد ضمنه بأكله وقد تناوله وهو غير آثم إذ هو غير عالم فإن أبا بكر ما سأل عن اللبن إلا حتى وجد له كدرة في قلبه دلّ ذلك على أن الحرام الشبهة قد يؤثر في القلب كدرة أو قسوة وإن لم يعلم به متناوله وقت تناوله وهكذا هم أهل التخصيص إن وقع منهم أمر مثل هذا ونحوه فهو من حسن اختيار الله لهم حتى يفتح بهم السبيل للعباد كما كان من حسن اختيار الله لآدم أكله من الشجرة بعد أن نهى عنها حتى يتوب من الفعل فيكون قدوة للتائبين وحتى يتعرف إليه بحلمه فيعلم أنه أكرم الأكرمين ويوقفه على وجود ستره ولطفه فيعلمه أنه اللطيف بعباده المؤمنين وليكون أكل الشجرة سببا في النزول والنزول سببا في الخلافة فلذلك قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه أكرم بها معصية أورثت
الخلافة
وقال والله لقد أنزل الله آدم إلى الأرض من قبل أن يخلقه بقوله إني جاعل في الأرض خليفة وقد بسطنا القول في هذا الموضع فى كتاب التنوير ٢ فلا نعيده وقال رضى الله عنه إنما بدأ القشيرى فى رسالته بالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم لأنها كانا قد تقدم لهما زمن قطيعة ثم أقبلا فأقبل الله عليها فبدأ بذكرهما بسطا لرجاء المريدين الذين كانت تقدمت منهم الزلات وسبقت منهم المخالفات ثم رجعوا إلى استقراع أبواب العنايات إذ لو بدأ بالجنيد وسهل بن عبدالله التسترى وعتبة الغلام وأمثالهم ممن نشأ في طريق الله لقال القائل ومن يدرك هؤلاء هؤلاء لم تسبق منهم زلات ولم تتقدم منهم مخالفات وقال رضى الله عنه في الحكاية المشهورة عن سمنون المحب أنه كان ينشد
وليس لي في سواك حظ فكيفها ما شئت فاختبرني
فابتلى بعلة الأسر وهو احتباس البول فتجلد يوما فزاد الألم فتجلد الثاني فزاد الألم فتجلد ثالثاً ورابعا فزاد الألم فهو في صبيحة اليوم الرابع وإذا بإنسان من أصحابه قد أتاه وقال يا سيدى
قال ابن عطاء الله في كتابه التنوير
فائدة جليلة اعلم أن أكله عليه السلام للشجرة لم يكن عناداً ولا خلافا فإما أن يكون نسى الأمر فتعاطى الأكل وهو له غير ذاكر وهو قول بعضهم ويحمل عليه قوله تعالى ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزمام أو إن كان تناوله ذاكرًا للأمر فهو إنما تناوله لأنه قيل له ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين
فلحبه في الله وشغفه به أحب ما وديه إلى الخلود في جواره والبقاء عنده أو ما يؤديه إلى الملكية لأن آدم - - عاين قرب الملكية من الله فأحب أن يأكل من الشجرة لينال رتبة الملكية التي هي أفضل أو التى هى فى ظنه كذلك على اختلاف أهل العلم وأهل المعرفة أيضًا أيها أفضل الملكية أم النبوة لاسيما وقد قال الله سبحانه وتعالى وقاسمها إلى لكما لمن الناصحين
قال آدم عليه السلام ما ظننت أن أحدًا يحلف بالله كاذبًا فكان كما قال الله تعالى فدلاهما بغرور إلخ - التنوير
ص ٧٤ ٧٥
١٥٤
سمعت البارحة صوتك عند دجلة وأنت تستغيث إلى الله وتسأله رفع ما نزل بك فجاءه ثان وثالث ورابع لم يكن هو سأل فعلم أنها إشارة له من الله بالسؤال فصار يدور على صبيان المكاتب ويقول ادعوا لعمكم الكذاب
الت لا
فقال الشيخ رضى الله عنه رحم الله سمنونًا عوض ما قال فكيفها ما شئت فاختبرني كان يقول فكيفما شئت فأعف عنى فطلب العفو أولى من طلب الاختبار
وقال رضى الله عنه فى الحكاية المشهورة التي ذكرها الأستاذ أبو القاسم القشيري في رسالته قال الجنيد دخلت على السرى فوجدته متغيرًا فقلت ما بالك يا أستاذ متغيرا قال دخل على شاب آنفا فقال لى ما التوبة
فقلت له أن لا تنسى ذنبك فقال بل التوبة أن تنسى ذنبك فماذا تقول أنت يا أبا القاسم قال فقلت القول عندى ما قال الشاب لأنى إذا كنت في حال الجفاء ثم نقلني إلى حال الصفاء فذكر الجفاء وقت الصفاء جفاء
قال الشيخ رضى الله عنه كلام السرى أتم من كلاميها لأن كلام السرى يدل على مبادئ المقامات وكذلك القدوة يلزم بالكلام على مقامات العباد بداياتها ونهاياتها وإنما تأتى النهايات من
البدايات
والجنيد لم يكن في ذلك الوقت بمقام أن يكون قدوة وكذلك الشاب فتكلها على أحوال أهل الارتقاء في نهاياتهم فكلامهما يخص حالهما وكلام السرى مهيع ۳ مورد للسالكين هذا معنى كلام الشيخ رضى الله عنه
وقال رضى الله عنه فى قول بعضهم لا يكون الصوفى صوفيا حتى لا يكتب عليه صاحب الشمال شيئا عشرين سنة
ليس معنى ذلك أن لا يقع منه ذنب عشرين سنة ولكن معناه أنه إذا أذنب الذنب استغفر الله منه والملك الموكل بكتب السيئات لا يكتب السيئة حتى ينتظر العبد لعل أن يرجع أو يتوب وكلما أراد أن يكتبها قال له ملك اليمين امكث فعسى أن يتوب إلى أن يبلغ عددا إما السبع وإما العشر - الشك منى - فحينئذ يكتبها سيئة فلذلك جاء صاحب اليمين أميرا على صاحب الشمال
۳ المهيع الطريق الواسع المنبسط
الباب الثامن
في كلامه فى الحقائق والمقامات وكشفه فيها عن الأمور المعضلات
قال رضى الله عنه الشوق على قسمين شوق على الغيبة لا يسكن إلا بلقاء الحبيب وهو
شوق النفوس وشوق الأرواح على الحضور والمعاينة
فإذا رفعك إلى محل المحاضرة والشهود المسلوب عن العلل فذاك مقام التعريف إيمانا حقيقيا وذاك ميدان تنزل أسرار الأزل وإذا أنزلك إلى محل المثابرة والجهاد فذاك مقام التكليف المقيد بالعلل وهو الإسلام الحقيقي وذلك ميدان تجلى حقائق الأبدية والمحقق من لا يبالى بأى صفة يكون لأن صفتك تميل لا أنت والصفة من العين للعين وهو ظهورك والاسم للسان وهو نطقك والاسم حقيقة الصفة والصفة حقيقة الوجود والأسرار متنزلة عن الوجودية للصدّيقية والحقائق متجلية عن الصفات بالولاية لأهل العلوم الظاهرة عن الاسم بالدليل لأهل السعاية وإليه الإشارة بقوله لأبي جحيفة
يا أبا جحيفة سائل العلماء وخالط الحكماء وجالس الكبراء فالعالم يدلك بالعلم من الأسماء ونهايته الجنة والحكيم المقرب يحملك باليقين وبالحقائق من الصفات ونهايته منازل القربة وإليه الإشارة بقوله تعالى اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة والكبير يدلك بالأسرار من الوجود على طريق الصفاء والنزاهة ونهايته إلى الله
وتجتمع المراتب الثلاثة فى الكبير فجمل قوما بالعلم وقوما بالحقائق وقوما بالأسرار وهم خلفاء الأنبياء وأبدال الرسل وهم البصراء
قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى
أي على معاينة يعاين لكل صنف طريقهم فيحملهم عليها وهى النيابة وأما هو فقد انفرد بحالة لا تعرف لعظيم قربه
وكان ينشد رضى الله عنه
وغنى لي منى قلبى فغنيت كما غنى وكنا حيثما كانوا وكانوا حيثما كنا
وقال رضى الله عنه
١٥٥
١٥٦
أوقات العبد أربعة لا خامس لها النعمة والبلية والطاعة والمعصية
والله عليك فى كل وقت منها سهم من العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية فمن كان وقته الطاعة فسبيله شهود المئة من الله تعالى إذ هداه لها ووفقه للقيام بها ومن كان وقته المعصية فسبيله الاستغفار والتوبة
ومن كان وقته النعمة فسبيله الشكر وهو فرح القلب بالله ومن كان وقته البلية فسبيله الرضا بالقضاء والصبر والرضا رض النفس عن الشهوات والصبر مشتق من الأصبار وهو الغرض للسهام وكذلك الصابر ينصب نفسه غرضا لسهام القضاء فإن ثبت لها فهو صابر
والصبر ثبات القلب بين يدى الرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعطى فشكر وابتلى فصبر وظلم فغفر وظلم فاستغفر
ثم سكت فقالوا ماذا له يا رسول الله
قال أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ٤
أى لهم الأمن في الآخرة وهم مهتدون في الدنيا
وقال رضى الله عنه الناس على قسمين قوم وصلوا بكرامة الله إلى طاعة الله وقوم وصلوا بطاعة الله إلى كرامة الله قال الله سبحانه
والله يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من يُنيب ٥
ومعنى كلام الشيخ هذا أن من الناس من حرك الله همته لطلب الوصول إليه فسار يطوى مهامه ٦ نفسه وبيداء ۷ طبعه إلى أن وصل إلى حضرة ربه يصدق على هذا قوله سبحانه
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ۸
ومن الناس من فاجأته عناية الله من غير طلب ولا استعداد ويشهد لذلك قوله تعالى
يختص برحمته من يشاء 1
فالأول حال السالكين
والثاني حال المجذوبين
فمن كان مبدؤه المعاملة فنهايته المواصلة
٤ رواه ابن مردویه
٥ الشورى ۱۳
٦ مهامه جمع مهمه وهو الفلاة لا ماء بها ولا أنيس ۷ البيداء الصحراء الواسعة سميت بذلك لأنها تبيد من يحلها
۸ العنكبوت ٦٩ 1 آل عمران ٧٤
ومن كان مبدؤه المواصلة رد إلى وجود المعاملة
١٥٧
ولا تظنن أن المجذوب لا طريق له بل له طريق طوتها عناية الله له فسلكها مسرعا إلى الله
عجلا
وكثيرا ما تسمع عند مراجعات المنتسبين للطريق أن السالك أتم من المجذوب لأن السالك عرف الطريق وما توصل إليه والمجذوب ليس كذلك وهذا بناء منهم على أن المجذوب لا طريق
له
تفته
وليس الأمر كما زعموا فإن المجذوب طويت الطريق له ولم تطو عنه ومن طويت له الطريق لم ولم تغب عنه وإنما فاته متاعبها وطول أمدها والمجذوب كمن طويت له الطريق إلى مكة والسالك كالسائر إليها على أكوار المطايا
وقال رضى الله عنه العارف لا دنيا له لأن دنياه لآخرته وآخرته لربه وقال رضى الله عنه الزاهد جاء من الدنيا إلى الآخرة والعارف جاء من الآخرة إلى الدنيا وقال رضى الله عنه الزاهد غريب فى الدنيا لأن الآخرة وطنه والعارف غريب في الآخرة فإنه
عند الله
فإن قلت ما معنى الغربة في كلام الشيخ هنا وما معناها في الحديث الوارد بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء١٠ فاعلم أن الغربة المذكورة في الحديث معناها قلة من يعين على القيام بالحق فيكون القائم به غريبا لفقدان المساعد المعاضد فلا ينهض القائم حينئذ إلا قوة إيمانه ووفور إيقانه فلذلك
قال
وعدم
بدأ الدين غريباً وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء يريد أنهم قاموا بأمر الله في بلاده وعباده حيث تقاعدت همم الناس عن القيام به
وأما الغربة في كلام الشيخ رضى الله عنه فمعناها أن الزاهد يكشف له عن ملك الآخرة فتبقى الآخرة موطن قلبه ومعشش روحه فيكون غريبا فى الدنيا إذ ليست وطنا لقلبه عاين الدار الآخرة فأخذ قلبه فيها عاين من ثوابها ونوالها وفيها شاهد من عقوبتها ونكالها فاستغرب في هذه الدار وأما العارف فإنه غريب في الآخرة فإنه كشف له عن صفات معروفة فأخذ قلبه فيها هنالك فصار غريبا في الآخرة لأن سره مع الله بلا أين فهؤلاء العباد تصير الحضرة معشش قلوبهم إليها يأوون وفيها يسكنون فإن تنزلوا إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ فبالإذن والتمكين والرسوخ في اليقين فلم ينزلوا إلى الحظوظ بالشهوة والمتعة ولا إلى الحقوق بسوء | الأدب والغفلة بل كانوا في ذلك كله بآداب الله وآداب رسله وأنبيائه متأدبين وبما اقتضى منهم مولاهم عاملين وقال رضى الله عنه
۱۰ رواه مسلم وابن ماجه والترمذي والطبراني بنحوه
١٥٨
الخوف على قسمين خوف العامة وخوف الخاصة فخوف العامة على أجسادهم من النار
وخوف الخاصة على خلعهم التي كساهم مولاهم أن تدنس بالمخالفة
ومعنى كلام الشيخ هذا أن العامة لم تنفذ بصائرهم إلى شهود خلع الحق عليهم من إيمان وإسلام ومعرفة وتوحيد ومحبة وعلموا أن الله تعالى قد توعد أهل المعصية بعقوبته فخافوا الوقوع في المعصية لئلا يكون ذلك سبب وقوع العقوبة بهم فكان خوفهم إشفاقا على نفوسهم من عقوبة الله وأما أهل الخصوصية فأعطاهم الحق من نوره ما أشهدهم به ما كساهم من خلع مننه فعملوا على صيانتها ليقدموا عليها بها لم تدنس ولم تتغير طاهرة نقية مشرقة بهية وفهموا معنى قوله تعالى وثيابك فطهر ۱۱
فطهر وا ملابس إيمانهم وإيقانهم من دنس غفلتهم وعصيانهم وفهموا أيضا قوله تعالى يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير ١٢ فعبروا الدنيا وقد رفعوا ملابس المنن خشية أن تدنس بأوساخها كي يقدموا عليه بخلعه التي أنعم بها عليهم ونهضوا له بالوفاء فيها اقتضى منهم وبالأمانة والصيانة فيها استأمنهم وكان بعض العارفين ينشد
قالوا غدا العيد ماذا أنت لابسه فقلت خلعه ساق حبه جرعا فقر وصبر هما ثوبای تحتها قلب يرى ألفة الأعياد والجمعا لاة العيد لى مأتم إن غبت يا أملى والعيد ما كنت لى مرأى ومستمعا أحرى الملابس أن تلقى الحبيب بها يوم التزاور في الثوب الذي خلعا
وقال رضى الله عنه مني
العامة إذا خوفوا خافوا وإذا رجوا رجوا
والخاصة متى خوفوا رجوا ومتى ارجوا خافوا
و معنى كلام الشيخ أن العامة واقفون مع ظواهر الأمر فإذا خوفوا خافوا إذ ليس لهم نفوذ إلى ما وراء العبارة بنور الفهم كما لأهل الله وأهل الله إذا خافوا رجوا عالمين أن من وراء خوفهم وما به خوفوا أوصاف المرجو الذي لا ينبغي أن يقنط من رحمته ولا أن ييئس من مننه فاحتالوا على أوصاف كرمه علما منهم ما خوفهم إلا ليجمعهم عليه وليردهم بذلك إليه
أنه
وإذا رجوا خافوا يخافون غيب مشيئته التى هى من وراء رجائهم وخافوا أن يكون ما أظهر من الرجاء اختبارًا لعقولهم هل نقف مع ظاهر الرجاء أو تنفذ إلى خوف ما بطن في مشيئته فلذلك
١١ المدثر ٤ ۱ الأعراف ٢٦
١٥٩
استثار الرجاء خوفهم وحكمهم فى القبض والبسط كما قال الشيخ في الخوف والرجاء غير أن البسط مزلة إقدام الرجال فهو موجب لمزيد حذرهم وكثرة الجئهم قال بعضهم فتح لى باب من البسط فانبسطت فحجبت عن مقامي ثلاثين سنة وكان الشيخ رضي الله عنه ينشد
واقطع السير إليه السير إليه زميلا۱۳ فإذا ما نلت منه وصولا فاقرع الباب قليلا قليلا
غيره
واحذر البسط ونادى بالحبيب من على بعد تنادى من قريب فقوله واحذر البسط لما قدمناه فإن من رزق من الأنوار البسط فإنه يخشى على العبد أن يبغيه وجوده قال الله سبحانه
ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ١٤
والقبض أقرب إلى وجود السلامة لأنه وطن العبد إذ هو فى أسر قبضة الله وإحاطة الحق محيطة به ومن أين يكون للعبد البسط وهذا شأنه والبسط خروج عن حكم وقته والقبض هو الأليق بهذه الدار إذ هي وطن التكليف وإبهام الخاتمة وعدم العلم بالسابقة والمطالبة بحقوق الله تعالى ١٥ وأخبرني بعض الصوفية قال رأى شيخنا شيخه في المنام بعد موته مقبوضا فقال له يا أستاذ مالك مقبوضا فقال له يا بنى القبض والبسط مقامات من لم يوفها في الدنيا وفى بها في الآخرة وكان هذا الشيخ الغالب عليه في حياته البسط وقوله ونادى بالحبيب من على بعد أى من شهود استحقاق الإجابة أو من على بعد من دعواك لأوصاف الربوبية أو من على بعد لوجود شهود الإساءة
وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه ما طلبت من الله حاجة إلا وقدمت إساءتي أمامي فإن قلت فحديث الثلاثة الذين دخلوا الغار فانحطّت عليهم صخرة فسدت باب الغار فقالوا
۱۳ من زمل يزمل عدا وأسرع معتمدا في أحد شقيه رافعا جنبه الآخر
١٤ الشورى ۷
۱٥ قال القشيري في الرسالة القشيرية عن القبض والبسط وهما حالتان بعد ترقى العبد عن حالة الخوف والرجاء فالقبض للعارف بمنزلة الخوف للمستأنف والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمستأنف
ومن الفصل بين القبض والخوف والبسط والرجاء أن الخوف إنما يكون من شيء في المستقبل إما أن يخاف فوت محبوب أو هجوم محذور - وكذلك الرجاء إما أن يكون بتأميل محبوب في المستقبل أو يتطلع زوال محذور وكفاية مكروه في المستأنف وأما القبض فلمعنى حاصل فى الوقت وكذلك البسط فصاحب الخوف والرجاء تعلق قلبه في حالتيه بأجله وصاحب القبض والبسط أخذ وقته بوارد غلب عليه في عاجله ثم قال وقد عد أهل التحقيق حالقى القبض والبسط من جملة ما استعادوا منه لأنها بالإضافة إلى ما فوقها من استهلال العبد واندراجه في الحقيقة فقر وضر ا
1
مع
ليذكر كل واحد منكم أرجى عمل عمله الله فذكر أحدهم بره بوالديه والآخر عفافه عن ابنة عمه حبه إياها والتمكن منها وذكر الآخر تثميره لأجرة أجير استأجره فلما وجده دفع ذلك كله إليه فكشف الله عنهم ما نزل بهم وزالت الصخرة عن فم الغار فخرجوا هذا معنى الحديث مختصرا رواه مسلم في صحيحه ١٦
فاعلم أن هؤلاء الثلاثة لم يذكر وا طاعاتهم إلا وقد شهدوها فضلا من الله عليهم فتوسلوا بنعمة
إلى نعمة كما أخبر الله عن زكرياء
ولم أكن بدعائك رب شقيا
فتوسل إلى الله بسابق حسن عوائده فيه
وسألت امرأة بعض الملوك فقالت إنك قد أحسنت إلينا عام أوّل ونحن محتاجون لإحسانك إلينا هذا العام فقال أهلا بمن توسل لإحساننا بإحساننا وأعطاها وأجزل لها العطاء ومن فتح له هذا الباب جاز له الإخبار بطاعته ووجود معاملته لأنه حينئذ متحدّث بنعم الله
سبحانه
وقد كان بعض السلف يصبح فيقول صلّيتُ البارحة كذا كذا ركعة تلوت البارحة كذا كذا سورة فيقال له أما تخشى من الرياء فيقول ويحكم وهل رأيتم من يراثى بفعل غيره وكان آخر يفعل مثل ذلك فيقال له لم لا تكتم ذلك فيقول ألم يقل الله سبحانه وأما بنعمة ربك فحدث ۱۷ وأنتم تقولون لا تحدث
وقال رضى الله عنه كان الإنسان بعد أن لم يكن وسيفنى بعد أن كان ومن كلا طرفيه عدم
فهو عدم
ومعنى كلام الشيخ هذا أن الكائنات لا تثبت لها رتبة الوجود المطلق لأن الوجود المطلق إنما هو الله وله الأحدية فيه وإنما للعوالم الوجود من حيث ما أثبت لها واعلم أن من الوجود له من غيره فالعدم وصفه في نفسه وقد قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه الصوفى من يرى الخلق فى طى سرّه كالهباء فى الهواء لا موجودين ولا معدومين حسبها هم في علم رب العالمين
وقال أيضًا رضى الله عنه - و وقد تقدم وإنا لا نرى أحدًا من الخلق هل في الوجود أحد سوى
الملك الحق وإن كان ولابد فكالهباء فى الهواء إن فتشته لم تجده شيئا
وفي كتاب الحكم ۱۸ من كلامنا العوالم ثابتة بإثباته ممحوة لأحدية ذاته وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله اه كان لى صاحب كثيرًا ما يأتيني بالتوحيد فقلت له إن
١٦ ورواه البخاري في صحيحه ۱۷ الضحى ۱۱
۱۸ کتاب الحكم من أشهر كتب ابن عطاء الله السكندرى وهو - كما يدل سباق العبارة – أسبق في التأليف من لطائف المنن الذي هو موضوع التحقيق
١٦١
أردت التي لا لوم فيها فليكن الفرق على لسانك موجودا والجمع في باطنك مشهودا وأشبه شيء بوجود الكائنات إذا نظرت إليها بعين البصيرة وجود الظلال والظل لا موجود باعتبار جميع مراتب الوجود ولا معدوم باعتبار جميع مراتب العدم وإذا أثبت ظليه الآثار لم تنسخ أحدية المؤثر إذ الشيء إنما يشفع بمثله ويضم إلى شكله كذلك أيضًا من شهد ظليه الآثار لم تعقه عن الله فإن ظلال الأشجار فى الأنهار لا يعوق السفن عن التسيار ومن ههنا يتبين لك أيضا أن الحجاب ليس أمرا وجوديا بينك وبين الله ولو كان بينك وبينه حجاب وجودى للزم أن يكون أقرب إليك منه ولاشيء أقرب إليك من الله فرجعت حقيقة الحجاب إلى توهم الحجاب فما حجبك عن الله وجود موجود معه إذ لا موجود معه وإنما حجبك توهم موجود معه وذلك كرجل بات في مكان وأراد البروز فسمع صوت الرياح من كوّة هناك فظنّه زئير أسد فمنعه ذلك عن البروز فلما أصبح لم يجد هناك أسدًا وإنما هو الريح انضغط في تلك الكوة فما حجبه وجود أ أسد وإنما حجبه
ARC
توهم الأسد وسمعته يقول لو عذب الله الخلائق أجمع لم ينلك من عذابهم من شيء ولو نعمهم أجمع لم ينلك من نعيمهم شيء فكأنك فى الوحيد وحدك ثم انشد
أنت المخاطب أيها الإنسان فأصخ إلى بلح لك البرهان وسمعته يقول دخلت على الشيخ أبي الحسن وفى نفسى أن أكل الخشن وألبس الخشن فقال لى الشيخ يا أبا العباس أعرف الله وكن كيف شئت
ودخل على الشيخ أبي الحسن فقير وعليه لباس من شعر فما فرغ الشيخ من كلامه دنا من الشيخ وأمسك بملبسه وقال
ياسيدي ما عبدالله بمثل هذا اللباس الذي عليك
فأمسك الشيخ ملبسه فوجد فيه خشونة فقال
ولا عبد الله بمثل هذا اللباس الذى عليك ولباسى يقول أنا غنى عنكم فلا تعطوني ولباسك يقول أنا فقير إليكم فأعطوني
وهكذا طريق الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن رضى الله عنها وطريقة أصحابها الإعراض عن لبس زى ينادى على سر اللابس بالإفشاء ويفصح عن طريقه بالإبداء ومن لبس الزي فقد
ادعى
ولا تفهم رحمك الله أنا نعيب بهذا القول على من لبس زى الفقراء بل قصدنا أنه لا يلزم كل من كان له نصيب مما للقوم أن يلبس ملابس الفقراء فلا حرج على اللابس ولا على غير اللابس
إذ كانا من المحسنين
ما على المحسنين من سبيل ۱۹
وأما لبس اللباس اللين وأكل الطعام الشهى وشرب الماء البارد فليس القصد إليه بالذي يوجب
۱۹ التوبة ٩١
١٦٢
العتب من الله إذا كان معه الشكر الله
وقد قال الشيخ أبو الحسن يابنى برد الماء فإنك إذا شربت الماء السخن فقلت الحمد لله تقولها بكزازة وإذا شربت الماء البارد فقلت الحمد لله استجاب كل عضو منك بالحمد الله والأصل في هذا قول الله سبحانه حكاية عن موسى عليه السلام و فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير ۰
ألا ترى كيف تولى إلى الظل قصدًا لشكر الله تعالى على ما ناله من النعمة وسمعته يقول اختلف الناس في اشتقاق الصوفي فمنهم من قال إنه منسوب إلى الصوف لأنه
لباس الصالحين
وقيل هو منسوب إلى الصفة صفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ينسب إليها أهل الصفة
وهو نسب على غير قياس
یعنی
ثم قال وأحسن ما قيل فيه إنه منسوب لفعل الله به أى صافاه الله فصو في فسمّى صوفيا ثم أنشد رضى الله عنه تخالف الناس في الصوفى واختلفوا وكلهم قال قولاً غير معروف ولست أمنح هذا الاسم غير فتى صافى فصو في حتى سمى الصوفي وسمعته يقول الصوفى مركب من حروف أربعة الصاد والواو والفاء والياء
فالصاد صبره وصدقه وصفاؤه
والواو وجده ووده ووفاؤه
والفاء فقده وفقره وفناؤه
والياء ياء النسبة
إذا تكمل فيه ذلك أضيف إلى حضرة مولاه
وسئل رضى الله عنه عن قول عيسى عليه السلام يا بني إسرائيل بحق أقول لكم لا يلج
ملكوت السموات من لم يولد مرتين
فقال رضى الله عنه أنا والله ممن ولد مرتين الإيلاد الأول إيلاد الطبيعة والإيلاد الثاني إيلاد الروح في سماء المعارف
وسمعته رضى الله عنه يقول ولن يصل الولى إلى الله حتى تنقطع عنه شهوة الوصول إلى الله وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه لن يصل الولى إلى الله ومعه شهوة من شهواته أو تدبير من تدبيراته أو اختيار من اختياراته ومعنى كلام الشيخ رضى الله عنه لن يصل الولى إلى الله حتى تنقطع عنه شهوة الوصول إلى
٢٠ القصص ٢٤
١٦٣
الله
الله أي انقطاع أدب لا انقطاع ملل يغلب عليه التفويض إلى الله وشهود حسن الاختيار منه فيلقى القياد إليه ويترك نفسه سلما بين يديه فلا يختار مع مولاه شيئا لعلمه بما فى الاختيار مع من الآفات ولنا فى هذا المعنى من قصيدة ذكرناها في كتاب التنوير وكن عبده وألق القياد لحكمه وإياك تدبيرا فما هو نافع أتحكم تدبيرا وغيرك حاكم ا أنت لأحكام الإله تنازع فمحو إرادات وكل مشيئة هو الغرض الأقصى فهل أنت سامع كذلك سار الأولون فأدركوا على إثرهم فليمش من هو تابع وقال رضى الله عنه
اعلم أن الله خلق هذا الأدمى وقسمه على ثلاثة أجزاء
فلسانه جزء وجوارحه جزء
وقلبه جزء
وجعل على كل جزء حفيظا فقال سبحانه وتعالى
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ٢١
وقال سبحانه
ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تُفيضون فيه وتولى حفظ القلب بنفسه فقال عز وجل واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ٢٣
وسلط على الجوارح الشيطان
واقتضى من كل جزء وفاء ما ألزم به
فوفاء القلب أن لا يشتغل بهم دنيا ولا بمكر ولا حسد
۱ ق ۱۸
یونس ٦١ ۳ البقرة ٢٣٥
المراد بالتدبير المنهى عنه هو اعتقاد الإنسان أن له دخلا في النتيجة لأن الله سبحانه وتعالى يقول ولقه عاقبة الأمور والإنسان المؤمن يحكم الأمر إحكاما تاما كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أموره في الدعوة وفي الغزوات وفي العمل على الانتصار والفوز إنه صلوات الله وسلامه عليه كان يحكم أمر ذلك إحكاما تاما لا يدع صغيرة ولا كبيرة للمصادقة أو للحظ ثم هو صلوات الله وسلامه عليه يدع أمر النتيجة لله سبحانه وتعالى ويرضى بها ثم ينطلق منها مباشرة - فورا كانت أو غيره - إلى ما تستلزمه من عمل يترتب عليها يبدأ صلوات الله وسلامه عليه فى إحكامه وفى تصيف أوضاعه بحسب الحكمة الدقيقة ثم يترك النتائج إلى الله سبحانه وتعالى وهكذا وأئمة الصوفية جميعًا ومنهم أبو الحسن الشاذلي وأبو العباس المرسى وابن عطاء الله السكندرى - رضى الله عنهم جميعا وجزاهم عن الخير أحسن الجزاء - يسيرون على هذا النسق لأنهم يتخذون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة استجابة لقوله تعالى ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا
١٦٤
ووفاء اللسان أن لا يغتاب ولا يكذب ولا يتحدث فيها لا يعنيه ووفاء الجوارح أن لا يسارع بها إلى معصية ولا يؤذى أحدا من المسلمين
فمن وقع من قلبه فهو منافق
ومن وقع من لسانه فهو كافر
ومن وقع من جوارحه فهو عاص
وقال رضى الله عنه صلاح العبد في ثلاثة أشياء معرفة الله ومعرفة النفس ومعرفة الدنيا فمن عرف الله خاف منه ومن عرف نفسه تواضع لعباد الله ومن عرف الدنيا زهد فيها وقال رضى الله عنه قالى لى شيخي لا تصحب إلا من تكون فيه أربع خصال الجود من القلة والصفح عن المظلمة والصبر على البلية والرضا بالقضية
وقال رضى الله عنه من اشترى زيتاً من بياع فلما فرغ قال له زدني فزاده خيطًا فدينه أرق من ذلك الخيط ومن اشترى فحما فلما فرغ قال له زدنى فزاده فحمة فقلبه أسود من تلك الفحمة وقال رضى الله عنه الناس على ثلاثة أقسام قوم غلبت حسناتهم سيئاتهم فهم في الجنة قطعًا وقوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فلا يدخلون النار قطعا وقوم غلبت سيئاتهم حسناتهم فلا يخلدون في النار قطعا
وقال رضى الله عنه الدخول فى الجنة بالإيمان والخلود فيها بالنية والدرجات فيها بالأعمال والدخول فى النار بالشرك والخلود فيها بالنية والدركات فيها بالأعمال وقال رضى الله عنه لا يدخل على الله إلا من بابين إما من باب الفناء الأكبر وهو الموت الطبيعي وإما من باب الفناء الذى تعنيه هذه الطائفة وقال رضى الله عنه الكائنات على أربعة أقسام كثيف
وسر غريب
فالجسم الكثيف بمجرده جماد
جسم
وجسم
لطيف
شفاف
وروح
والجسم اللطيف بمجرده جان
والروح الشفاف بمجرده ملك
والسر الغريب هو المعنى المسجود له
فالآدمى بظاهر صورته جماد وبوجود نفسه وتخيلها وتشكلها جان وبوجود روحه ملك وأعطى زائدا على ذلك السر الغريب فلذلك استحق أن يكون خليفة وقال رضى الله عنه ليس العجب ممن تاه فى نصف ميل أربعين سنة إنما العجب ممن تاه في مقدار شبر الستين والسبعين سنة وهي البطن
وقال رضى الله عنه الأدنى يشرف على الأعلى ولا يحيط به والأعلى يحيط بالأدنى فالأولياء لهم الإشراف على مقامات الأنبياء وما لهم الإحاطة بمقاماتهم والأنبياء يحيطون بمقامات
الأولياء
١٦٥
وقال رضى الله عنه في قول بعض السلف لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا أي لو كشف الغطاء للنفس لم أزدد يقينا فيها طالعه القلب
وقال رضى الله عنه
أسماء الله إذا أسقطت منها حرفًا ذهبت دلالته على الله كالعليم والقادر والرحيم وغير ذلك جميع من أسمائه الحسنى إلا اسمه الله فإنك إذا أسقطت الألف بقى لله فإذا سقطت اللام الأولى بقى له فإذا أسقطت اللام الثانية بقى هو وهو النهاية في الإشارة وأنشد ابن منصور الحلاج أحرف أربع بها هام قلبي وتلاشت بها همومی وفکری ألف ألف الخلائق بالصن ع ثم تم على الملامة تجرى ثم لأم زيادة في المعالي ثم هاء أهيم أتدرى وقال رضى الله عنه كشف لى عن أرواح الصدّيقين صاعدة نحو الملأ الأعلى فإذا قائل يقول
لى يا على
وما جبنت خيلى ولكن تذكرت أى أنها ما فرّت جبنا من الخلق ولكنها تذكرت أوطان التعرف
مرابطها من بر يعص وميصرا
وقال رضى الله عنه الوحى إلقاء معنى في خفاء
وقال رضى الله عنه جميع أسماء الله للخلق إلا اسمه الله فإنه للتعلق
ومعنى كلام الشيخ هذا أنك إذا ناديته يا حليم خاطبك من اسمه الحليم أنا الحليم فكن عبدا حليا وإذا ناديته باسمه الكريم خاطبك من اسمه الكريم أنا الكريم فكن عبدا كريما وكذلك أسمائه اسمه الله فأنه للتعلق فحسب مضمونه الأولوهية والألوهية لا يتخلّق بها
سائر
أصلا
وقال رضى الله عنه السماء عندنا كالسقف والأرض كالبيت وليس الرجل عندنا من يحصره
هذا البيت
وقال رضى الله عنه نحن في الدنيا بأبداننا مع وجود أرواحنا وسنكون في الآخرة بأرواحنا مع وجود أبداننا
وسمعته يقول الفرق بين معصية المؤمن ومعصية الفاجر من ثلاثة أوجه المؤمن لا يعزم عليها قبل فعلها ولا يفرح بها وقت الفعل ولا يصرّ عليها بعد فعلها والفاجر ليس كذلك وقال رضى الله عنه لبعض أصحابه
ليكن ذكرك الله فإن هذا الاسم سلطان الأسماء وله بساط وثمرة فبساطه العلم وثمرته النور ثم النور ليس مقصودا لنفسه وإنما ليقع به الكشف والعيان وجاءه رجل فقال له يا سيدى هذا فتى فقال له الشيخ أنت فتى قال نعم
דין
فقال له الشيخ تدرى ما الفتوة ليست الفتوة الماء والملح وإنما الفتوة الإيمان والهداية قال الله سبحانه ﴿إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ٢٤
الام
والفتى كما قال الله سبحانه عن إبراهيم قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ٢٥ فسمى فى لأنه كسر الأصنام فمن كسر الأصنام فهو الفتى الخليل عليه السلام وجد أصناما حسّية فكسرها وأنت لك أصنام معنوية فإن كسرتها كنت فتى ولك أصنام خمسة النفس والهوى والشيطان والشهوة والدنيا فإن كسرتها فأنت الفتى وافهم ههنا لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا على
وسئل رضى الله عنه فقيل له يا سيدى لم بدأ صاحب الرسالة بإبراهيم بن أدهم دون غيره وربما كان غيره متقدما عليه في التاريخ
فقال الشيخ رضى الله عنه لأن إبراهيم بن أدهم كان من ملوك الدنيا فأصبح وهو كذلك فجاء وقت الظهر وهو من كبار الأولياء فبدأ به صاحب الرسالة ليعلم أن فضل الله ليس بعمل
وقال رضى الله عنه عبد هو في الحال بالحال
وعبد
هو في الحال بالمحول
فالذي هو في الحال بالحال هو عبد الحال
والذي هو في الحال بالمحول عبد المحول
وأمارة من هو في الحال بالحال أن يتأسف عليها إذا فقدها ويفرح بها إذا وجدها
والذي هو في المحال بالمحول لا يفرح بها إذا وجدها ولا يحزن عليها إذا فقدها ومعنى كلام الشيخ هذا أن من تحقق بالله ملك الأشياء ولم تملكه فيصير الحال تحت قهر تصريفه وإنما يكون ذلك للرجل لرسوخه فى العلم بالله والعلم حاكم على الحال وبه يوزن والحال إنما هو
فرع من فروع العلم والعلم قار ثابت والحال لا بقاء لها لذلك قالوا لو لم تحل ما سميت حالا وكل ما حال فقد زالا انظر إلى الظل إذا ما انتهى يأخذ في النقص إذا طالا والأكابر ملكهم الله أحوالهم وجعلهم حاكمين عليها ومن هنا لما قيل للجنيد ما لنا نرى المشايخ يتحركون فى السماع وأنت لا تتحرك فقال رضى الله عنه
وترى الجبال تحسبها جامدة وهى مر مر السحاب ٢٦
وقيل لبعضهم مالك لا تتحرك فى السماع فقال إنه إذا كان في الجمع كبير احتشمت منه فأمسكت على وجدى فإذا خلوت وحدى أرسلت على وجدى فتواجدت
فانظر كيف كان زمام حاله معه يمسكها إذا شاء ويطلقها إذا شاء اتسع القلب بمعرفة الله غرقت
٢٤ الكهف ١٣ ٢٥ الأنبياء ٦٠
٢٦ النمل ٨٨
١٦٧
فيه الواردات وإنما يبدو أثر الحال على من ضاق عن وسعها والعارف له وسع المعرفة فإن ورد الوارد عليه غرق في وسع معرفته وهل رأيت بحرًا فاض بمطر سحاب ولهذا جهلت أحوال الأكابر أرباب المقامات واشتهر أهل الأحوال لظهور آثار المواهب عليهم لضعفهم عن كتمها ولضيقهم عن وسعها فربما كان صاحب الحال أحظى بإقبال الخلق من صاحب المقام وبينه وبينه مثل ما بين
السماء والأرض وكلما تمكن الرجل فى العلوم الإلهية والمعارف الربانية استغرب فى هذا العالم فيقل من يعرفه
ويفقد من يحيط به فيصفه
وقال رضى الله عنه كل سوء أدب يثمر لك أدبا فهو أدب
*
وقال رضى الله عنه المؤمن لا يرضى عن نفسه بالخير إذا كان فيه لأن فوق الخير خيرات أتراه يرضى بالشر وقال رضى الله عنه كان الجنيد قطبًا فى العلم وكان سهل بن عبد الله التسترى قطبا في المقام وكان أبو يزيد البسطامي قطبا في الحال
وقال رضى الله عنه اللطف حجاب عن اللطيف ومعنى كلام الشيخ هذا أن اللطف إذا ورد على العبد فإن كان فى الدائرة النفسانية تلقته النفس بالبشاشة والفرح وإن كان فى الدائرة المعنوية تلقته الروح بالمحبة والمقة۷ فيقع الميل ويكون عن الميل السكون ويقع مع السكون الأنس بالمسكون إليه والله لا يحب لك أن تسكن لغيره ولا أن تأنس بشيء دونه فلذلك قال الشيخ رضى الله عنه اللطف حجاب عن اللطيف أى السكون إليه والإقامة عنده
وهذا كما تقدم عن الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه أنه دخل على بعض الرجال فقال له كيف حالك فقال له الشيخ أشكو إلى الله من برد الرضا والتسليم كما تشكو أنت من حرّ
التدبير والاختيار
فقال له الرجل أما شكواى من حرّ التدبير والاختيار فقد ذقته وأنا الآن فيه وأما شكواك أنت من برد الرضا والتسليم فكيف فقال أخاف أن تشغلني حلاوتهما عن الله وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام يا موسى نعم العبد برخ لولا أنه يسكن إلى نسيم الأسحار ومن عرفني لا يسكن لغيري وكان عندنا بالإسكندرية امرأة عارفة بالله أخبرتني أنها سمعت قائلا يقول لها أعوذ بك من
النور وفتنته ومن الغيب وتلفته
وأخبرتني أيضًا قالت كنت أمشى بالإسكندرية وإذا بناس في لهوهم وطربهم فقلت في نفسي هؤلاء في فرح ومسرة وحلم الله من ورائهم ونحن في ملاقاة النوازل وقهر الأحكام قالت فإذا قائل يقول لى ليس أهل الحضرة والأدب كأهل اللهو والطرب
۷ المقة المحبة
١٦٨
وأخبرتنى أيضًا قالت إذا كنت في حضرة أو موقف وأرادنى زوجى ليقضى إربه منى لا أمنعه ولا يستطيع ذلك كلما أراد منى أمرًا عجز عنه قالت حتى يضيق خلقه ويقول ما هذه إلا حسرة هذه الشابة في حسنها بين يدى ولا تمتنع منى ولا أصل إليها فأقول له في ذلك الوقت من هو الرجل فينا ومن هو المرأة !
قالت وإذا كان وقت ستر أمكنه منى ما يريد
وقال الواسطى استحلاء الطاعات سموم قاتلة وصدق رضى الله عنه وأقل ما فى ذلك أنك إذا فتح لك باب حلاوة الطاعة تصير قائما فيها متطلبا لحلاوتها فيفوتك صدق الإخلاص فى نهوضك لها وتحب دوامها لا قيامًا بالوفاء ولكن لما وجدت فيها من الحلاوة والمتعة فتكون فى الظاهر قائما الله وفى الباطن إنما قمت لحظ نفسك ويخشى عليك أن تكون حلاوة الطاعة جزاء تعجلته في الدنيا فتأتى القيامة ولا جزاء لك يوم
وقال رضى الله عنه لما قرأت عليه كتاب الحقائق للسلمى فقال فيه انتهى عقل العقلاء إلى الحيرة فقال الشيخ رضى الله عنه عن الشيخ أبى الحسن رضى الله عنه ولا حيرة عند المحققين فيها فيه الحيرة عند المؤمنين
وقال رضى الله عنه الناس على ثلاثة أقسام عبد هو بشهود ما منه إلى الله وعبد هو بشهود ما من الله إليه وعبد هو بشهود ما من الله إلى الله
ومعنى كلام الشيخ هذا إن من الناس من يكون الغالب عليه شهود تقصيره وإساءته فيقوم مقام المتعذرين بين يدى الله تعالى وتلازمه الأحزان وتحالفه الأشجان فيستولى عليه الكمد كلما بدت منه سيئة أو كشف له من نفسه عن أوصاف سوء
وعبد آخر الغالب عليه شهود ما من الله إليه من الفضل والإحسان والجود والامتنان فهذا تلازمه المسرة بالله والفرح بنعمة الله قال الله سبحانه
قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ۸
فالأول حال العباد والزهاد
والثاني حل أهل العناية والوداد
الأول شأن أهل التكليف
والثاني شأن أهل التعريف
الأول حال أهل اليقظة
والثاني حال أهل المعرفة
فلذلك قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه العارف من عرف شدائد الزمان في الألطاف الجارية من الله عليه وعرف إساءة نفسه فى إحسان الله إليه فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون
۸ یونس ٥٨
19
قال أيضا قليل العمل مع شهود المنّة من الله خير من كثير العمل مع رؤية التقصير من النفس قال بعض أهل المعرة لا يخلو شهود التقصير من الشرك في التقدير وقال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه قرأت ليلة من الليالي قل أعوذ برب الناس إلى أن انتهيت إلى قوله من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة
والناس
فقيل لي شر الوسواس وسواس يدخل بينك وبين حبيبك ينسيك ألطافه الحسنة ويذكرك أفعالك السيئة ويقلل عنك ذات اليمين ويكثر عليك ذات الشمال ليعدل بك عن حسن الظن
بالله ورسوله إلى سوء الظن بالله ورسوله
فاحذر هذا الباب فقد أخذ منه كثير من الزهاد والعباد وأهل الجد والاجتهاد ولذلك قل أن تجد الزاهد والعابد إلا مكمودًا حزينا لأنه علم أن الله طالبه بالعبودية وحمله أعباءها وألزمه ما أشفقت السموات والأرض والجبال من حمله قال الله سبحانه إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاً ۹ فعاين الزهاد ثقل ما حملوا ولم ينفذوا إلى شهود لطف الله الحامل للأثقال عن عباده المتوكلين عليه فلذلك لزمهم الكمد واستولى عليهم الحزن وأهل المعرفة بالله علموا أنهم حملوا من التكاليف أمرًا عظياً وعلموا ضعفهم عن حمله وعن القيام به متى وكلوا إلى نفوسهم قال الله سبحانه ﴿وخُلق الإنسان ضعيفا ٣٠ وعلموا أنهم إذا رجعوا إلى الله حمل عنهم ما حملهم قال الله سبحانه ومن يتوكل على الله فهو حسبه ۳۱ فرجعوا إليه بصدق الرجعي فحمل عنهم الأثقال فساروا إلى الله محمولين في محفّات المنن تروح عليهم نفحات اللطف والآخرون ساروا إلى الله حاملين لأثقال التكاليف تلازمهم المشقات وتطول بهم المسافات فإن شاء أدركهم بلطفه فأخذ بأيديهم من شهود معاملتهم إلى شهود سابق توفيقه لهم فطابت لهم الأوقات وأشرقت فيهم العنايات
الذين مع الله بشهود ما من الله إلى الله هؤلاء هم أهل التوحيد
وأما القسم الثالث وهم والداخلون في ميادين التفريد
فأما أهل القسم الأول وهم الذين عليهم شهود ما منهم إلى الله فلم يخرجوا عن باطن الشرك وإن خرجوا عن ظاهره لأنهم أقبلوا على نفوسهم مو بخين لها شاهدين لتقصيرهم وإساءتهم فلو لم يشهدوا الفعل لها أو منها ما توجهوا إليها بالتوبيخ إذا قصرت فلذلك قال العارف الذي سبق قوله لا يخلو شهود التقصير من الشرك فى التقدير
۹ الأحزاب ۷
۳۱ الطلاق ۳
۳۰ النساء ۸
۱۷۰
فإن قلت إذ كان توبيخ النفس وذمّها يستلزم دقيقة الشرك فكيف نصنع والله قد ذم النفس وأمرنا بتوبيخها إذا قصرت ووبخها هو إذا كانت كذلك فالجواب أن ذمها لازم لأن الله أمرك بذمها من غير أن تشهد لها قدرة أو تضيف لها فعلا تراها الفاعلة له هي
وأما القسم الثانى هو الذى يشهد ما من الله إليه فهو وإن كان خيرا من القسم الأول لكنه ما سلم من إثبات لنفسه إذ رأى نفسه مهداة إليها هدايا الحق فلولا إثباته لنفسه ما شهد ذلك فلأجل هذين المعنيين آثر أهل الله القسم الثالث وهو أن يكونوا بشهود ما من الله إلى الله فاقهم وقال رضى الله عنه العارف إذا خوّف خاف قال الله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام فقررت منكم لما خفتكم ٣٢ يريد الشيخ رضى الله عنه أن العارف لا يقطعه فضل الله عن شهود عدله ولا يحجبه شهود لطفه عن خوف ما بطن فى مشيئته ويجب أن تعلم أن أهل المعرفة في نهاياتهم ربما التبس حالهم بأهل البدايات في بداياتهم فإن المريد في مبدأ إرادته تؤثر فيه المخاوف لعدم استيلاء سلطان الحقيقة عليه فإذا تحقق فناؤه لم تؤثر فيه الواردات ولم يدخل تحت حكم العادات فإذا ردّ إلى حالة البقاء أثرت الأشياء فيه كحالة
في بدايته
ومنها خلقناكم وفيها نعيدكم ۳۳
فتجد المريد يخوف فيخاف والعارف يخوف فيخاف وليسا وإن استويا في الظاهر بسواء فخوف المريد لأجل ججبته وخوف العارف لكمال معرفته
ومن هنا لا نفضل عبدا واثقا بلطفه ومنته على خائف من غيب مشيئته وكذلك لا نفضل عبدا وقف مع ظاهر الوعد على عبد ردّ إلى وجود الأزلية فاقتطع عن الوقوف مع الوعد الجميل والنعيم ورد إلى ما سبق في القدم
وقد جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر - وقد رفع يديه إلى السماء
اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد ومازال يناشد ربه حتى سقط الرداء عن منكبيه فقال أبو بكر رضى الله عنه يكفيك بعض مناشدته لربك يا رسول الله فإنه منجز لك ما وعدك ٣٤ فالرسول صلى الله عليه وسلم لكمال علمه بالله كان بشهود المشيئة وأبو بكر رضى الله عنه كان بشهود الوعد
الجميل
ورسول الله صلى الله عليه وسلم علم ما علمه أبو بكر من الوعد الجميل
كيف والوعد إنما وصل أبي بكر على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم
۳ الشعراء ۱
۳۳ طه ٥٥
٣٤ سيرة ابن هشام والسيرة النبوية لابن كثير
۱۷۱
غير أنه سلك الله به المسلك الأتم من الرجوع إلى مشيئته التى لا تتوقف على شيء ويتوقف
عليها كل شيء وقال رضي الله عنه ليس الشأن من تطوى له الأرض فإذا هو بمكة أو غيرها من البلدان إنما الشأن من تطوى عنه أوصاف نفسه فإذا هو عند ربه
وقال رضى الله عنه عن شيخه خرج الزهاد والعباد من هذه الدار وقلوبهم مقفلة عن الله وقال رضى الله عنه عن شيخه من لم يتغلغل في هذه العلوم مات مصرا على الكبائر وهو لا يعلم وسمعته يقول عن شيخه أبي الحسن رضى الله عنه كل شيء نهاك الله عنه فهو شجرة آدم إلا أنه لما أكل من الشجرة نزل إلى الأرض للخلافة وأنت إذا أكلت من شجرة النهي تنزل لماذا إنما تنزل إلى أرض القطيعة
وقال رضى الله عنه كان ببلاد المغرب ولى من الأولياء يتكلم على الناس وكان بادنا فجلس يوما يتكلم على الناس فقال رجل مكشوف الرأس كبيرة هذا رجل يزهدنا في الدنيا وهو كالدب فکوشف به الشيخ فقال من فوق المنبر يا أبا رويس ما سمننى حبه أنشد تم
وقائل لست بالمحب ولو كنت محبا لذبت مذ زمن أجبته والفؤاد في حرق لم تذق الحب كيف تعرفني أحب قلبي وما درى بدنی ولو درى ما أقام في السمن
وقال رضى الله عنه عزم إنسان على الشيخ أبي الحسن رضى الله عنه فأتى إليه وأصحابه معه فلما أكلنا وعزمنا على الخروج ولم نشرب فقال الشيخ يا بخلاء من بخل الصوفى أن يأكل ولا يشرب ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سقى مؤمنا شربة ماء مع وجود الماء كان كمن أعتق سبعين من ولد إسماعيل
ثم قال الشيخ إذا أكلتم طعام إنسان فاشربوا عنده حتى ينال هذا الأجر العظيم وقال رضي الله عنه دخلت يوما على الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه فقال لى إن أردت أن تكون من أصحابي فلا تسأل أحدًا شيئا وإن أتاك شيء من غير مسألة فلا تقبله فقلت في نفسي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية وقال ما أتاك من غير مسألة فخذه كأنك تقول كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ٣٥ وقال ما أتاك
فقال الشيخ
فخذه النبي صلى الله عليه وسلم قال الله في حقه
من غير مسألة ٣٦
وقل إنما أنذركم بالوحى ۳۷
متى أوحى الله إليك إن كنت مقتديًا به فى الأخذ فكن مقتديًا به كيف يأخذ كان لا يأخذ شيئًا إلا ليثيب من يعطيه ويعوضه عليه فإن تطهرت نفسك وتقدست هكذا فاقبل وإلا فلا
۳۵ رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي ٣٦ رواه البخاري
۳۷ الأنبياء ٤٥
۱۷
وقال لبعض أصحابه لم تنقطع عنى قال يا سيدى استغنيت بك فقال الشيخ رضى الله عنه ما استغنى أحد بأحد ما استغنى أبو بكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقطع
عنه يوما واحدا
وقال رضى الله عنه إن الله لما خلق الأرض اضطربت فأرساها باجبال فقال عز وجل والجبال أرساها ۳۸ كذلك لما خلق الله النفس اضطربت فأرساها بجبال العقل فأى عبد توفر عقله واتسع نوره نزلت عليه السكينة من ربه فسكنت نفسه عن الاضطراب ووثقت بولى الأسباب فكانت مطمئنةً أى ساكنةً لأقداره ممدودة بتأييده وأنواره حائدة عن التدبير والمنازعة للمقادير اطمأنت لمولاها لعلمها أنه يراها
أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد
فاستحقت أن يقال لها
ل يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلى جنتی ۳۹ وقال رضى الله عنه عن شيخه الوقت ليل والشأن في الليل الحمود والسكون حتى تطلع شمس المعرفة أو قمر التوحيد أو نجوم العلم فيستضاء بها
وقال رضى الله عنه يقول الله عزّ وجل ابن آدم خلقت الأشياء كلها من أجلك وخلقتك من أجلى فلا تشتغل بما هو لك عمن أنت له وقال رضى الله عنه الأكوان كلها عبيد مسخرة وأنت عبد الحضرة
وسمعته يقول حقيقة النية
عدم
غير المنوى
وسمعته يقول قال عيسى عليه السلام يا بنى إسرائيل لا تقولوا العلم في السماء فمن ينزل به ولا في الأرض فمن يصعد به تأدبوا بآداب الروحانيين وتخلقوا بأخلاق النبيين أنبع لكم العلم من قلوبكم ما يغمركم ويغطيكم
وقال رضى الله عنه نحن إذا أنانا مريد له شيء من الدنيا لا نقول له أخرج عن دنياك وتعال ولكن ندعه حتى ترسخ فيه أنوار المعرفة فيكون هو الخارج عن الدنيا بنفسه ومثل ذلك قوم ركبوا سفينة فقال لهم رئيسها غدا تهب ريح شديدة لا ينجيكم منها إلا أن ترموا بعض أمتعتكم فارموا بها الآن فلا يسمع أحد قوله فإذا هبت العواصف كان الكيس من يرمى متاعه بنفسه كذلك إذا هبت عواصف اليقين يكون المريد هو الخارج عن الدنيا بنفسه
وكان يحكى عن الشيخ عبد الرزاق - الولى الكبير رضى الله عنه - أن رجلا من أهل المهدية أتاه فقال له الشيخ أرى عليك أثر نعمة فمن أين أنت وما قصتك قال يا سيدى كنت من أكابر المهدية وأعيانها وأكثر أهلها مالاً وعزا فورد علينا رجل يدعى أنه من الدالين على الله فجئت إليه
۳۸ النازعات ۳
۳۹ الفجر ۷-۳۰
۱۷۳
وأنا متطلع محترق على الوصول إلى الله فقال لى إنك لا تصل إلى هذا الأمر حتى تخرج عن مالك كله وحتى تطلق نساءك بتاتا وحتى تغير زيك ففعلت ذلك فما ازداد قلبي إلا قسوة فضاق صدرى وحرت في أمرى ولم أطق أن أقيم بالمهدية وقد ذهب ما كنت فيه من المال والجاه ولم أتعوض عن ذلك بشيء في باطنى فجئت إلى هنا قاصدًا للحج
فقال الشيخ عبد الرزاق دعوى على غير بصيرة قاتلهم الله امكث عندنا فلما جاء أوان الحج أرسله الشيخ مع بعض أهل الإسكندرية فحج ثم رجع إلى الشيخ بالإسكندرية فلما جاء أوان السفر إلى المغرب قال له الشيخ اذهب إلى بلدتك فإذا وصلت إليها فإن الناس يسمعون بك ويخرجون إليك مسرعين ويعرضون عليك الملابس والمراكب فخذ أفضلها ملبسا وأحسنها مركبا وادخل إلى المهدية فما حمل إليك من الدنيا فاقبله وسيعيد الله ما كان لك وأكثر منه وتجد زوجاتك قد طلقهن أزواجهن فتراجعهن وتنال من العزّ والرفعة والغنى أكثر مما كنت فيه فإذا تكمل لك ذلك كله فتح الله عينى قلبك
قال فسافر من عند الشيخ وأتى ساحل المهدية فسمع الناس أن فلانا أتى من المشرق وليس في البلدة إلا من له عليه يد ومعروف فخرجوا يهرعون إليه بالملابس السنية والمراكب البهية فلبس أحسنها ملبسًا وركب أفضلها مركبا ودخل المهدية فأهديت له الهدايا وحملت إليه التحف والأموال ووجد زوجاته قد طلقن وانقضت عدتهن فراجعهن فتكمل له جميع ما وعده به الشيخ في ذلك اليوم ثم فتح الله عينى قلبه
وتكلم يوما فى فضائل أبي بكر رضى الله عنه فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فضلكم أبو بكر بصوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره ثم قال ما هو هذا الشيء الذي وقر في صدره
فقال بعض الحاضرين المراقبة
فقال الشيخ هذا كلام هو قشور
من هو دون الصدّيق في الرتبة إذا وجد المراقبة يستغفر الله منها كما يستغفر العاصي من المعصية وذلك أنه إذا أضاف المراقبة لنفسه كأنه يقول أنت الرقيب وأنا الرقيب أإله مع الله تعالى الله
عما يشركون
وقال رضى الله عنه يوصى بعض أصحابه لما عزم على الحج
إذا وصلت إلى البيت فلا يكونن همك البيت وليكن همك رب البيت ولا تكن ممن يعبد الأصنام
والأوثان
وقال من عرف الله لم يسكن إلى الله لأن في السكون إلى الله ضرب من الأمن ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ومثل هذا ما قال الشيخ الحسن رضى الله عنه قيل لى لا تأمنن مكرى في شيء وإن أمنتك فإن علمى لا يحيط به محيط وهكذا كانوا
١٧٤
وكان يقول إن الولى فى فنائه لابد أن تبقى معه لطيفة علمية عليها يترتب التكليف وذلك كما يكون الإنسان فى البيت المظلم فهو عالم بوجوده وإن كان غير مشاهد له وكان يقول والله ما جلست حتى جعلت الطيران فى الهواء والمشى على الماء وطى الأرض تحت
سجادتي
وقال رضى الله عنه وقد قرأتُ عليه الرعاية للمحاسبى كل ما في هذا الكتاب يغنى عنه
کلمتان اعبد الله بشرط العلم ولا ترض عن نفسك بشيء
ثم لم يأذن في قراءته بعد الم المالية
وسئل عن بعض المشايخ الكائنين في وقته فقال ضيق الله عليه بالورع ونحن وسع الله علينا
بالمعرفة
وكان يقول في قول بعض أهل الطريق
العارف وسعته المعرفة والورع ضيق عليه الورع
لا تظنن أن قولهم العارف وسعته المعرفة أنه يأكل حراماً أو مافيه شبهة ولكن العارف ذو بصيرة منيرة يكشف له ما غطّى عن الورع فيمد يده إلى ذلك الطعام لعلمه بحله وسلامته من الشبهة على ما أشهدته بصيرته والورع مستور ذلك عنه فلذلك ربما مد العارف يده إلى ما قبض المتورع يده عنه
وكان رضي الله عنه يقول من اشتاق إلى لقاء ظالم فهو ظالم
وكان رضي الله عنه يفضل الغنى الشاكر على الفقير الصابر وهو مذهب ابن عطاء ومذهب أبي عبد الله محمد الترمذى الحكيم ويقول
الشكر صفة أهل الجنة والصبر ليس كذلك
وسمعته يقول القبض على قسمين قبض له سبب وقبض لا سبب له القبض الذي له سبب له لا يكون إلا لأهل التخصيص
يكون للعموم والخصوص والقبض الذي لا
وكان رضي الله عنه يقول
الشكر انفتاح القلب الشهود منة الرب
سبب
يقال شكر ومقلوبه كشر يقال كشرت الدابة إذا كشفت عن أنيابها وقال بعض العارفين لو علم الشيطان أن طريقًا يوصل إلى الله أفضل من الشكر لوقف فيها ألا تراه كيف قال
هو ثم لاتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم
شاکرین ٤٠
ولم يقل ولا تجد أكثرهم صابرين ولا خائفين ولا راجين
٤٠ الأعراف ۱۷
۱۷۵
ولما اجتمعت بالسلطان الملك المنصور بالإسكندرية لاجين رحمه الله قلت له يجب عليكم الشكر الله فإن الله تعالى قد قرن دولتكم بالرخاء فانشرحت قلوب الرعية بكم والرخاء أمر لا تستطيع الملوك تكسبه ولا استجلابه كما يتكسبون العدل والجود والعطاء
فقال وما هو الشكر
قلت الشكر على ثلاثة أقسام شكر اللسان وشكر الأركان وشكر الجنان فشكر اللسان التحدث بنعم الله قال الله سبحانه
وأما بنعمة ربك فحدث ٤١
وشكر الأركان بالعمل بطاعة الله قال الله سبحانه
اعملوا آل داود شكرا
وشكر الجنان الاعتراف بأن كل نعمة بك أو بأحد من العباد هى من الله قال الله سبحانه وما بكم من نعمة فمن الله ٤٢
ومن القسم الأول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
التحدث بنعم الله شكر
ومن الثاني أنه قام رسول الله حتى تورمت قدماه فقيل له أتتكلف ذلك وقد غفر الله لك
ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال
أفلا أكون عبدا شكورا ٤٣
ومن الثالث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك وهذه الأحاديث لم أستحضرها وقت مخاطبتي له
فقال وما الذي يصير به الشاكر شاكرا
قلت له إذا كان ذا علم فبالتبيين والإرشاد وإذا كان ذا غنى فبالبذل والإيثار للعباد وإذا كان ذا جاه فبإظهار العدل فيهم ودفع الأضرار والأنكاد عنهم وقال رضى الله عنه إن الله ملكًا يملأ ثلث الكون وإن الله ملكًا يملأ ثلثى الكون وإن الله ملكًا يملأ الكون كله وإن الله ملكا لو وضع قدمه فى الأرض لم يجد أين يضع الثانية ثم قال يقول القائل إذا كان ملك يملأ الكون كله فأين يكون الذي يملأ ثلث الكون والذي يملأ ثلثى الكون فقال رضى الله عنه جواباً عن ذلك اللطائف لا تتزاحم كمثل سراج أدخلته بينا فملأ البيت نوره ولو أتيت بعد ذلك بألف سراج لوسع ذلك البيت أنوارها وسمعته يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر يا أبا بكر أتريد أن أدعوك لأمر قال وما هو يا رسول الله قال هو ذاك ٤١ الضحى ١١
٤٢ النحل ٥٣
٤٣ متفق عليه
١٧٦
وسمعته يقول
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر أتعلم يوم يوم
قال نعم يا رسول الله سألتني عن يوم المقادير ولقد سمعتك حينئذ وأنت تقول
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
وقال رضى الله عنه
خلفاء الرسول وعثمان وعلى خلفاء النبوة
أبو بكر وعمر وقال رضي الله عنه العامة إذا رأوا إنسانًا يـ ا ينسب إلى طريق الله جاء من البراري والقفار أقبلوا عليه بالتعظيم والتكريم وكم من ولى الله وبدل بين أظهرهم فلا يلقون إليه بالا وهو الذي يحمل أثقالهم ويدافع الأغيار عنهم فمثلهم في ذلك كمثل حمار الوحش يدخل به البلدة فتطوف الناس به متعجبين لتخاطيط جلده وحسن صورته والحمر التي بين أظهرهم وهى التي تحمل أثقالهم لا يلتفتون
إليها
وقال قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه
يا أبا العباس إذا قال أحد فيك ما ليس فيك فقل
الله يعلم منى ما يعلم وإلى الله عاقبة الأمور
وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه
علم الله ما يقال في أوليائه والصدّيقين فبدأ بنفسه فقضى على قوم أعرض عنهم فنسبوا إليه الزوجة والولد
فإن قيل فى صديق إنه زنديق أو قيل فى ولى إنه غافل عن الله غوى فإن ضاق الولى أو الصديق بذلك ذرعا قيل له الذي قيل فيك هو وصفك لولا فضلى عليك وقد قيل في ما لا يستحقه جلالي
وقال رضى الله عنه الهالك بهذه الطائفة أكثر من الناجي واعلم أن الله تعالى ابتلى هذه الطائفة بالخلق ليرفع بالصبر على أذاهم مقدارهم ولتكمل بذلك أنوارهم وليتحقق الميراث فيهم ليؤذوا كما أوذي من قبلهم فيصبروا كما صبروا ولو كان من أتى بهدى إطباق الخلق على تصديقه هو الكمال فى حقه لكان الأولى بذلك رسول الله وقد صدقه قوم هداهم الله بفضله وحرم من ذلك آخرون حجبهم الحق عن ذلك فانقسم العباد في هذه الطائفة إلى معتقد ومنتقد ومصدق ومكذب وإنما يصدق بعلومهم وأسرارهم من أراد الحق سبحانه أن يلحقه بهم والمعترف بتخصيص الله وعنايته فيهم قليل لغلبة الجهل واستيلاء الغفلة على العباد وكراهية الخلق أن يكون لأحد عليهم شفوف فى منزلة أو اختصاص بمنة ألم تسمع قول الله سبحانه وتعالى ولكن أكثر الناس لا يعلمون ٤٤ ومن أين للعباد أن يعلموا أسرار الحق في أوليائه
٤٤ الروم ٦
۱۷۷
و شروق نوره فى قلوب أحبائه وسبب هلاك الهالك أن من أظهره الله منهم لابد وأن يظهره بهم ببواهر المنن وخوارق العادات فتستغرب عقول العموم أن يعطى ذلك غير الأنبياء وأن تظهر الخوارق إلا في أهل العصمة وهؤلاء لم يعلموا أن كلّ كرامة لولى هى معجزة لذلك النبي الذي هذا الولى تابع له فظن هؤلاء أن جريان الكرامة على الولى مساهمة لمقام النبوة وحاشا لله أن يشترك النبي والولى فى مقام كيف وقد قال أبو يزيد جميع ما أخذ الأولياء مما هو للأنبياء كزق ملىء عسلاً فرشحت منه رشاحة فما انطوى عليه الزق فهو مثل علوم الأنبياء وتلك الرشاحة هي حظ
الأولياء منهم
واعلم رحمك الله أن من اعتز بعزيز لم يشاركه فى العز فأولياء الله اعتزوا بالأنبياء الذين اهتدوا بهداهم واقتفوا سبيلهم فلا يشاركونهم فى عزّهم لأن بهم اعتزازهم ألم تسمع قول المولى تعالى ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ٤٥ فلم يكن إثبات العزّة الرسول الله وللمؤمنين من عباده يوجب شركة الله في عزه
وحكمة الله اقتضت عدم اتفاق العباد على الولى بل انقسم الأمر فيه كما بيناه لما بيناه ولأمر آخر وهو أنه لو كان الخلق كلهم مصدّقين للولى فاته الصبر على تكذيب المكذبين له ولو كان الخلق كلهم مكذبين له فاته الشكر على تصديق المصدّقين له فأراد الله سبحانه بحسن اختياره لأوليائه أن يجعل العباد فيهم على قسمين مصدق ومكذب ليعبدوا الله فيمن صدقهم بالشكر وفيمن كذبهم بالصبر والإيمان نصفان نصفه صبر ونصفه شكر واعلم أنه لعزازة قدر الولى عند الله لم يجعله إلا محجوبا عن خلقه وإن ظهر بينهم لأنه ظهر لهم من حيث ظاهر علمه ووجود دلالته وبطن بسر ولايته
وقد قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه
لكل ولى حجاب وحجابى الأسباب
فمنهم من حجابه ظهوره بالسطوة والعزة والنفوس لا تحتمل صحبة من هذا وصفه وسبب ظهور ذلك الولى بذلك تجلى الحق عليه بصفة ظهر بها فإذا غلبت عليه شهودا غلبت عليه ظهورا فلا يصحبه ولا يثبت معه إلا من محق الله نفسه وهواه
ومن هذا الصنف كان شيخنا أبو العباس رضى الله عنه لا تجلس بين يديه إلا والرعب قد ملك
قلبك
ومن
خلصه الله من نفسه وهواه فلا يستغرب ظهوره بالعز وأى ملك أعظم من هذا الملك هذا ملك أعوز الملوك وجوده
أفلا
تری
أنه لم يزل فى كل قطر وعصر أولياء تذلّ لهم ملوك الزمان ويعاملونهم بالطاعة والإذعان ومنهم من يكون حجابه كثرة الترداد إلى الملوك والأمراء في حوائج عباد الله فيقول القصير الإدراك لو كان هذا وليا ما تردد إلى أبناء الدنيا
٤٥ المنافقون ۸
۱۷۸۰
وهذا جورٌ من قائله بل انظر تردده إليهم إن كان لأجل عباد الله وكشف الضر عنهم وتوصيل ما لا يستطيعون توصيله إليهم مع الزهد واليأس مما في أيديهم والتعزّز بعز الإيمان وقت مجالستهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فلا حرج على من هذا شأنه لأنه من المحسنين وقد
قال الله سبحانه هوما على المحسنين من سبيل ٤٦
وهكذا كان سبيل شيخ شيخنا القطب الكبير أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه حتى لقد سمعت الشيخ الإمام مفتى الأنام تقى الدين محمد بن على القشيرى رضى الله عنه يقول جهل الناس وولاة الأمور بقدر الشيخ أبي الحسن الشاذلى رضى الله عن حسن كثرة ترداده إليهم في
الشفاعات
ويجب أن تعلم أن هذا الأمر لا يقدر عليه إلا عبد متخلق بخلق الله قد بذل نفسه وأذلها في مرضاة الله وعلم وسع رحمة الله فعامل بالرحمة عباد الله ممتثلا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من فى الأرض يرحمكم من في السماء ٤٧ ولقد بلغني عن الشيخ أبي الحسن رضى الله عنه أنه استدعى يهوديا كحالا ليداوى بعض من عنده فقال له اليهودي لا استطيع أن أعالجه إلا بإذن فإنه جاء مرسوم من القاهرة أن لا يداوى أحد الأطباء إلا بإذن من رئيس الطب بالقاهرة فلما خرج اليهودي من عنده قال الشيخ لخدامه هيئوا آلة السفر وسافر لوقته إلى القاهرة وأخذ لهذا الطبيب إذنا وعاد ولم يبت بها ليلة واحدة ثم جاء إلى الإسكندرية فأرسل إلى ذلك اليهودى فاعتذر له بما اعتذر به أولا فأخرج له الشيخ مكتوباً بالإذن فأكثر اليهودى التعجب من هذا الخلق الكريم
من
فأراد
بعض
وقد يكون حجاب الولى كثرة الغنى وانبساط الدنيا عليه وقال بعض المشايخ كان رجل بالمغرب من الزاهدين في الدنيا ومن أهل الجد والاجتهاد وكان عيشه مما يصيده من البحر وكان الذى يصيده يتصدق ببعضه ويتقوت ببعضه أصحاب هذا الشيخ أن يسافر إلى بلد من بلاد المغرب فقال له هذا الشيخ إذا دخلت إلى بلد كذا فاذهب إلى أخى فلان فأقره منى السلام وتطلب الدعاء منه لى فإنه ولى من أولياء الله تعالى
قال فسافرت حتى قدمت تلك البلدة فسألت عن ذلك الرجل فدللت على دار لا تصلح إلا للملوك فتعجبت من ذلك وطلبته فقيل لى هو عند السلطان فازداد تعجبي فبعد ساعة وإذا هو أتي في أفخر ملبس ومركب وكأنما هو ملك في موكبه قال فازداد تعجبى أكثر من الأول قال فهممت بالرجوع وعدم الاجتماع به ثم قلت لا يمكننى مخالفة الشيخ فاستأذنت فأذن لي فلما دخلت رأيت ما هالني من العبيد والخدم والشارة الحسنة
فقلت له أخوك فلان يسلم عليك عليه
قال جئت من عنده
٤٦ التوبة ٩١
٤٧ أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وأبو داود
۱۷۹
قلت نعم
قال إذا رجعت إليه قل له إلى كم اشتغالك بالدنيا وإلى كم إقبالك عليها وإلى متى لا تنقطع رغبتك فيها فقلت هذا والله أعجب من الأول
فلما رجعت إلى الشيخ قال اجتمعت بأخى فلان قلت نعم قال فما الذي قال لك قلت لا شيء قال لابد أن تقول لى فأعدت عليه ما قال فبكى طويلا وقال صدق أخى فلان هو غسل الله قلبه من الدنيا وجعلها في يده وعلى ظاهره وأنا أخذها من يدى وعندي إليها بقايا التطلع ومن حجب أولياء الله قبولهم من الخلق فإذا قبل الرجل ما يعطى صغر عند الخلق وهم لا يكبر عندهم إلا من لا يقبل دنياهم ومن إذا أعطوه ردّ عليهم وأبى من القبول منهم ولعل فاعل ذلك إنما فعله زواقًا وزندقة واستيلافا لقلوب العباد عليه وليتوجه بالتعظيم إليه ولتنطلق الألسنة بالثناء عليه وقد قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه من طلب الحمد من الناس بترك الأخذ منهم فإنما يعيد نفسه وهواه وليس من الله في شيء
ومما قد يصدّ عقول العموم عن أولياء الله وقوع زلة ممن تزيًا بزيهم أو انتسب إلى مثل طريقهم والوقوف مع هذا حرمان ممن وقف معه وقد قال الله سبحانه ﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ٤٨ فمن أين يلزم لما أساء واحد من الجنس أو ظهر عدم صدقه في طريقه أن يكون بقية أهل
الطريق كذلك
وقد أنشدنا الشيخ علم الدين الصوفى لنفسه رحمه الله تعالى استتار الرجال في كل أرض تحت سوء الظنون قدر جليل ما يضير الهلال في حندس الليـ ل سواد السحاب وهو جميل
وأشد حجاب يحجبه عن معرفة أولياء الله شهود المماثلة وهو حجاب قد حجب الله به الأولين قال الله سبحانه حاكيا عنهم
وما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ٤٩
وقال سبحانه حاكيا عنهم أبشرا منا واحدا نتبعه ٥٠
وقال سبحانه وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق ٥١
٤٨ الأنعام ١٦٤ ٤٩ المؤمنون ٣٣
٥٠ القمر ٢٤
٥١ الفرقان ۷
۱۸۰
وإذا أراد الله أن يعرفك بولى من أوليائه طوى عنك شهود بشريته وأشهدك وجود خصوصيته
وصية وإرشاد
إياك أيها الأخ أن تصغى إلى الواقعين فى هذه الطائفة والمستهزئين بهم لئلا تسقط من عين الله وتستوجب المقت من الله فإن هؤلاء القوم جلسوا مع الله على حقيقة الصدق وإخلاص الوفاء ومراقبة الأنفاس مع الله قد سلّموا قيادهم إليه وألقوا أنفسهم سلما بين يديه تركوا الانتصار لنفوسهم حياء من ربوبيته واكتفاء بقيوميته فقام لهم بأوفى ما يقومون لأنفسهم وكان هو المحارب عنهم لمن حاربهم والغالب لمن غالبهم ولقد ابتلى الله هذه الطائفة بالخلق خصوصا أهل العلم الظاهر فقل أن تجد منهم من شرح الله صدره للتصديق بولى معين بل يقول لك نعم نعلم أن الأولياء موجودون ولكن أين هم فلا يذكر له أحد إلا وأخذ يدفع خصوصية الله فيه طلق اللسان بالاحتجاج عاريًا عن وجود التصديق فاحذر من هذا وصفه وفرّ منه فرارك من الأسد جعلنا الله وإياك من المصدقين لأوليائه بمنه
الباب التاسع
فيما قاله من الشعر أو قيل بحضرته أو قيل
فيه مما يتضمن ذكر خصوصيته
قال رضى الله عنه أطلعنى الله على الملائكة وهى ساجدة لآدم عليه السلام فأخذ بقسطى من ذلك فإذا أنا أقول ذاب رسمي وصح صدق فنائی وتجلت للسر شمس ضيائي وتنزلت في العوالم أبدى ما انطوى في الصفات بعد صفائی فصفائي كالشمس يبدو سناها ووجودي كالليل يخفى سوائی أنا معنى الوجود أصلا وفصلا من رآني فساجد لبهائی أي نور لأهله مستبين أشهدوني فقد كشفت غطائي
وسئل رضى الله عنه عن الروح والنفس فقال
إن كنت سائلنا عن خالص المنن وعن تعلّق ذات النفس بالبدن وعن تشبتها بالخط مذ ألفت أدرانها فغدت تشكو من العطن وعن تنزلها في حكمها ولها علم يفرقها بالقبح والحسن وعن بواعثها بالطبع مائلة تهوى بشهوتها في ظلمة الشجن وعن حقيقتها في أصل معدنها لا ينثنى وصفها منها إلى وثن فاسمع هديت علومًا عزّ سالكها عن العيان ولا يغررك ذو لسن قصدًا إلى الحق لا تخفى شواهدها قامت حقائقها بالأصل والفنن
با سائلى عن علوم ليس يدركها ذو فكرة بفهوم لا ولا فطن لكن بنور على جامع خمدت له العقول وكل الخلق فى وسن خذها إليك بحق لست جاهله والأمر مطلع والحق قيدنى عن الحقيقة خذ علم الأمور ولا تحجبك صورتها في عالم الوطن تطور النفس سر لا يحيط به عقل تقيد بالأوهام والدرن لكنها برزت بالحكم قائمة حتى تألفها السكان بالسكن وكى يقال عبيد قائمون بما ألقى من الأمر قبل الخلق والمحن والنفس بين نزول في عوالمها کآدم وله حواء في قرن والروح بين ترق في معارجها وهي الموافق للتعريف والمنن مثالها في العلا مرآة معدنها ألطافها خفيت كالسر في العلن زيتونة زيتها نور لشاربها مدت هدايتها في الكون والكين
۱۸۱
والكل أنت بمعنى لا خفاء به والنور يحجبه كالماء في اللبن
والعبد محتجب في وكان ينشد رضى الله عنه
مالکه
دقت معارفه في الدهر والزمن
لو عاينت عيناك يوم تزلزلت أرض النفوس ودكت الأجبال لرأيت شمس الحق يسطع نورها حين التزلزل والرجال رجال وقال الأرض أرض النفس والجبال جبال العقل والشمس شمس المعرفة وكان ينشد رضی الله عنه
وقفت على التوباذ حين رأيته فكير للرحمن حين رآني فقلت له أين الذين عهدتهم حواليك في أمن وحفظ زمان فقال مضوا واستودعونى ديارهم ومن ذا الذي يبقى على الحدثان
وكان ينشد رضى الله عنه لست من جملة المحبين إن
أجعل القلب بيته والمقاما
وطوافي إجالة السر فيه وهو ركني إذا أردت استلاما
وكان ينشد رضی الله عنه
وقد بقينا مذبذبین حیاری نطلب الوصل ما إليه سبيل فدواعي الهوى تخف علينا وخلاف الهوى علينا ثقيل وكان ينشد رضى الله عنه للسهر وردى رضي الله عنه أبدا تحن إليكم الأرواح ووصالكم ريحانها والراح وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم وإلى كمال جمالكم ترتاح يا رحمة للعاشقين تحملوا ثقل المحبة والهوى فضاح بالسر إن باحوا تباح دماؤهم وكذا دماء البائحين تباح
وكان ينشد رضى الله عنه
مرت لنا بمنى والخيف أوقات وطيب عيش قطعناه ولذات لأسلكن ولو أن الأسود بها قوافل ورماح الخط غابات
وكان ينشد قول امرئ القيس
یکی صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصرا فقلت له لا تبك عيناك إنما نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا وكان يقول نحاول ملكا بالبقاء أو نموت فنعذر وكان ينشد من قصيدة ابن العطار
الفناء بوجود
رفعت مقامات الوصال حجابي حتى احتجبت بكم عن الحجاب
۱۸
۱۸۳
خذ
من
وينم
كالمسك العبيق شذاه
ولزمت محرابی لزوم مجمع فرأيت وجه الحق في المحراب وخرقت لوح سفينتي لأعيبها فنجوت من ملك لها غصاب وقتلت من نفسي غلاما قتله سبب النجاة وأعظم الأسباب وكشفت عن قلبي جدار حجابه عن كنزه الباقي بغير ذهاب ورقيت في السبع السموات العلا حتى دنوت فكنت مثل القاب وأنشد بين يديه وأنا حاضر أسمع کلامی ما یلد جناه ذكر الإله الزم هديت لذكره فيه القلوب تطيب والأفواه واجعل خلاك تقاه إن أخا الحجا يا صباح من كانت حلاه تقاه ولتعمل الأفكار في ملكوته مستغرقا في الكشف عن معناه ولتخلع النعلين خلع محقق خلا عن الكونين في مسراه عين البقاء فعند ولتفن حتى عن فنائك إنه ذاك تراه وإذا بدا لك فاعلم أنك لست هو كلا ولا أيضا تكون سواه شینان ما اتحدا ولكن ههنا سر يضيق نطاقنا عما هو يا سامعا ما قد أشرت له ألا قلب يفكر ما وعت أذناه ازل الحجاب حجاب حسك ينكشف لك سر ما قد غاب عنك سناه إن الإله أجل ما متعرف من لم يراه قد استبان عماه فيه يراه ذوو البصائر والنهي ما غاب عنهم لحظة مرآه أنى يغيب وليس يوجد غيره لكن شديد ظهوره أخفاه
ولما انتهى في الإنشاد إلى قوله
وإذا بدا لك فاعلم أنك لست هو كلا ولا أيضا تكون سواه شيئان ما اتحدا ولكن ههنا سر يضيق نطاقنا عما هو قال الشيخ رضى الله عنه ولا نستطيع أن نبينه أبدا
وقرأت عليه القصيدة المنسوبة لابن الفرس
الله
ربی
لا أريد
سواه هل في وجود الحق إلا الله ذات الإله بها قوام ذواتنا هل كان يوجد غيره لولاه لا غرو في أنا رأيناه به فالنور يظهر ذاته فتراه فالسالكون مشاهدون لصنعه مستغرقون بفكرهم إياه والعارفون مشاهدون لذاته حتى كأن قلوبهم مثواه يا غائبا والحق فيه حاضر أتغيب عنه وما شهدت سواه من لم يشاهد بالبصيرة ذاته فلقد أحاط به حجاب عماه من لا يرى في كل حال غيره فمن المحال عليه أن ينساه
١٨٤
من كان فى الملكوت يسرى فكره فالفوز بالحسنى ثواب سراه سبحان من خرق الحجاب لعبده وهداه منهج قصده فراه سبحان من ملأ الوجود أدلة ليلوح ما أخفى بما أبداه سبحان من لو لم تلح أنواره تعرف الأضداد والأشباه مولاى أنت الواحد الصمد الذي في حضرة الملكوت شاهدناه مولاى أنسك لم يدع لى وحشة إلا محا ظلماتها بسناه مولاي عبدك لا يخاف تعطشا ايخافه والحق قد رواه مولای لا أوى لغيرك إنه الهدى من لم تكن مأواه أنت الذي خصصتنا بوجودنا أنت الذي عرفتنا معناه لم أفش ما أودعتنيه فإنه ما ذاق سر الحق أفشاه من من كان يعلم أنك الفرد الذي بهر العقول فحسبه وكفاه فقال الشيخ كل هذا تحويم وليس هو عين القصد ووجدت بخط ابن ناشى قال كتب إلى سيدى وشيخى أبى العباس المرسى وكان قد ورد سلامه على فقلت
حرم
ورد السلام من الإمام فسرنى أني مررت بخاطر لم ينسنى إن كنت تعلم يا رسول بأنه باق على العهد القديم فهنني شيخي أبو العباس واحد وقته خضر الزمان ورب عين الأعين أسفى على وقت لديك قطعته بالباطن الربي قد ربيتني ما كنت إلا حائدًا فرددتني وإلى الطريق المستقيم هديتني وسقيتني ماء الحياة وكنت لي كالخضر لما أن رويت سقيتني ولو استطعت قطعت عمرى عنده لأعيش بعد الموت في عيش هنى يا أيها المرسى ببحر معارف سافر إلى المرسى بريح لين فهو الطريق إلى النبي محمد إن كنت يوما بالإرادة تعتنى صلى عليه الله ما ذكر اسمه في عالم من عالم متفنن ومدحه الأديب الفاضل شرف الدين البوصيري بقصيدة منها أما المحبة فهي بذل نفوس فتنعمی یا مهجتي بالبوس بذل المحب لمن أحب دموعه وطوى حشاه على أحر رسيس ثم مر فيها إلى أن قال
صدق وقل من لم يقم كقيامه لم ينتفع منه أمرؤ بجلوس قبل الإله تقربي بمديحه وتوجهى الجنابه المحروس رمت المسير له فأعجزني السرى وأباحي مراه غير بئوس الأربعاء زيارة فكأنه عندى كألف خميس
أكرم بيوم
١٨٥
كل اتصالات السعيد سعيدة بمثابة التثليث والتسديس
ثم مر فيها إلى أن قال
شرفا لشاذلة ومرسية سرت لهما الرئاسة من أجل رئيس ما إن نسبت إليهما شيخيهما إلا جلوتها جلاء عروس وكنت في مبدأ الشبيبة عملت فيه قصيدة وأنشدت بين يديه فلما فرغ من إنشادها قال أيدك الله بروح القدس وهى هذه برزت سلمى بأثناء الخيم فارتنا البدر من تحت اللمم وحدا الحادون لما أبصروا وجهها في الليل صبحا قد ألم وعذرناهم وماذا عجب أن يرى وجه لسلمى في الظلم كضياء الصبح أو بدر الدجى وجهها أكمل نورا وأتم لو رآها البدر أثنى راجعا خجلا من وجهها ومحتشم أو رأتها الشمس لم تطلع ضحى ثم صارت خدن هم وندم عذبت قلبی بهجران به عذب العشاق قبلى في القدم وكستنى ثوب هم وضنى صرت بين الناس فيه كالعلم إلا صدودا دائما فأبى دمعي إلا أن يُنم فسهرت الليل أرعى نجمه أذكر الوصل الذي قد انصرم كلما رمت لعينى هجعة قال لى القلب رويدا لا تنم تدعى العشق وتأتى ضده إنما العشق سهاد وسقم لازم الباب بذل وأسى فهما في العشق شرط يلتزم ودع التقصير في خدمته الذيل ولا تخش الألم واجتهد علك أن تنجو غدًا من عذاب الله خلاق الأمم لا تقل لى إن هذا زمن فيه وجود من سلم
وأبت
أولياء الله لم ينقرضوا إن حزب الله غير منهزم قد رأينا كلهم في واحد ذی
بهاء ووفاء وهمم
من علم وحكم
في أبي العباس مجموع الذي منحوه بأبي العباس زاحت كربة عن قلوب الخلق وانجابت ظلم
وبه شمس الهدى قد ظهرت وبه در العلوم قد نظم لأهله أي علم قد بدا لمن فهم
نور بدا
ولقد فضله
العلا رب
وكساه حللا من النعم
قل لأقوام أرادوا شأوه أقصروا إن الإله قد قسم ليس هذا الأمر أمرًا هينا فتنالوه إنما هي قسمة قد قسمت أعطيت أحمد في حال العدم
بجد وهمم
١٨٦
نازعوا الله تعالى حكمه إذ أرادوا ستر ذا النور الأتم إن يكونوا أنكروا شمس الضحى إذ تبدى النور منها واستتم فهم إخوان جهل وهوى وهم إخوان هم وندم وقديما قال فيه شيخه وهو قطب الأرض ذو العلم الأعم إنما أنت أنا فاعلم بذا إن هذا ليس أمرا مكنتم وحديث الشيخ عنه شائع ذائع ما بين عرب وعجم لو بسطناه لطال بسطه ولزاد الشرح فيه وعظم إنهم لن يستطيعوا جحده فتراهم مازجی شهد بسم فلیدم غيظهم وحقدهم وليموتوا كلهم موتة غم دمت في عز على رغم العدا ما رقى القمرى فى غصن سلم وحين انتهى فى الإنشاد إلى قولنا
قد رأينا كلهم في واحد ذى بهاء ووفاء و همم في أبي العباس مجموع الذي منحوه من علوم وحكم قال الشيخ رضى الله عنه والله لقد قال لى الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه يا أبا العباس فيك ما فى الأولياء وليس في الأولياء ما فيك
ولما انتهى في إنشادها إلى قوله
وقديما قال فيه شيخه وهو قطب الأرض ذو العلم الأعم إنما أنت أنا فاعلم بذا إن هذا ليس أمرا مكتتم قال الشيخ رضى الله عنه والله لقد قال لى الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه يا أبا العباس ما صحبتك إلا لتكون أنت أنا وأنا أنت ومكثت بعد ذلك مدة سنين ثم أتى الشيخ رضى الله عنه من الصعيد فلما اجتمعت به أراني قصيدة عملها فيه إنسان من أهل أخميم وقال أجبه فذهبت فتوقف على القول فقلت عجبا يأمرنى الشيخ ويتوقف على القول هذا والله من عدم صدقى فلما قلت ذلك فتح الله باب الكلام كأنما كانت سيلا تدفق إلى أن تكلمت قصيدة فلما قرئت عليه وقعت منه موقع الرضا حتى كان يمكث المدة من الزمان ويستعيدها وقال لما قرئت عليه هذا الفقيه صحبنى و به مرضان وقد عافاه الله منها يعنى وجعًا فى الرأس والوسوسة فى الطهارة ولابد أن يجلس ويتحدث في العلمين وهى
حتى
هذه
قف بالديار فقد بدا مغناها فلمن تسير وما المراد سواها وأرح قلوصك قد بلغت المنحنى فلطال ما جهدت ودام سراها ولطال ما قطعت مهامه واغتدت أرساغها مخضوبة بدماها تمسي وتصبح لاتمل من السرى حتى تشكت أنها ووجاها رفقا بها يا أيها الحادي ولا تغری بها فالشوق قد أغراها
JAY
يكفي الذي لاقته من ألم السرى وكفى بها وصد بها وكفاها أو ما تراها كيف تذرى دمعها حتى تبل من الدموع ثراها يحدو بها نحو الديار غرامها ويقودها نحو الحبيب هواها فازت بأن وصلت إلى أحبابها فتمايلت والشوق حشو حشاها حنت وأنت إذ رأت وادى النقا واستبشرت فيه بنيل مناها فسرورها كسرور أيام غدا فيها أبو العباس شمس ضحاها تاهت بأحمد إذ أتاها رحمة وغدت به بين الورى تتباها وتشرفت أوقاتها بمجيئه وتحلت الأيام وغدا يسدد أمر دين محمد فأزاح عنها كربها وجلاها إن تلقه تلق إماما راسخا حبرا منيبا صادقا أواها قد كملت فيه الفضائل كلها وتجمعت فيه على أخراها سنة ماتت فأحيى رسمها كم بدعة عقدت فحل عراها كم من أناه والمعاصي دأبه قد قيدته نفسه بهواها سحائب ظلمة بدجاها
كم
فأزال
عنه ما
فتقشعت به
عنه
منه
حلاها
كم من قلوب قد أميتت بالهوى أحيا بها من بعد ما أحياها أحببت علم القوم في زمن به قل المساعد فانجلت ظلماها وأتيت غونا للأنام وقبل ذا ركبت محارم واستبيح حماها وغدوت ترفل في ثياب معارف ولبست حلل التقى أسناها من مازلت حتى طاوعتك نفوسنا فأزلت عنها جهلها وعماها من بعد ما ظفرت بنا وتحكمت فينا وزلت عن سبيل هداها ذللتها حتى أتت منقادة من بعد ما جمعت وعز شفاها فلذاك أضحى ودها لك خالصا بشرى لها في ودها بشراها فغدوت أعلى همها في جهرها وكذاك أيضا أنت في نجواها ما زلتم تهدون أمة أحمد فيكم تكمل برها وتقاها قد كان قدما بالبرية حيرة حتى أتى قطب الورى فهداها بالشاذلي تقشعت ظلماؤها وتنورت بمجيئه أفقاها كنز التقى علم الهدى بحرى الندى قطب البرية غوثها ملجاها من كان إن خطب ألم حماها وزوى بها عن صرفه ووقاها کهف تلوذ به البرية كلها ترجوه في لأوائها ورخاها حتى توفاه الإله فيالها من بغية قد حازها وحواها وخلفته في حاله ومقامه بالإرث منه فارتقيت علاها الله أبقى للبرية أحمدا وأقامه فيها لكي يرعاها إن الذين تعرضوا لفخاره طبقت جفونهم على أقذاها
۱۸۸
إن تنكروا الآيات وهى ظواهر فلقد تبدت واستبان سناها هم يعلمون بأنه قطب الورى لكنه غلب النفوس هواها أو ما ترى قوم النبي محمد جحدوا ولجوا في الجحود سفاها مع علمهم أن النبي محمدا كان الرسول أتى لها بهداها فأدام غيظهم المليك ولم تزل في حالة يرضى بها مولاها تهدى إليك المكرمات بأسرها وتنال من رتب العلا أقصاها وكان يعجبه منها
كم من قلوب قد أمينت بالهوى أحيا بها من بعد ما أحياها فكان يستعيد القصيدة إلى هذا البيت فإذا انتهى فى الإنشاد إليه استعاده جعل الله مدحنا هذا موضوعا في الميزان وموجباً للرضوان بمنه وكرمه
الباب العاشر
في ذكره ودعائه عقب كلامه وحزبه الذي رتبه للآخذين من علومه وأفهامه وشيء من دعاء الشيخ أبي الحسن رضى الله عنه وحزبيه وبهما يكون لهذا الباب وجود ختامه
كان من ذكره رضى الله عنه لا إله إلا الله الأول الآخر الظاهر الباطن محمد رسول الله السيد الكامل الفاتح ومن ذكره أيضا
الخاتم
يا الله يا نور يا حق يا مبين أحى قلبى بنورك وأقمنى بشهودك وعرفني الطريق إليك ومن ذكره أيضا
ربِّ اغفر لي واجعلنى لك عبدا ذائب النفس بأنوارك مطموس الحس بجلالك واغفر لى
وللمؤمنين والمؤمنات ومن دعائه
اللهم اغفر لى واسترني ولا تفضحنى فى الدنيا والآخرة وعلمنى وذكرني وفهمنى وأرحنى وفرحنى وبرنى وفرغنى من كل شيء إلا من ذكرك وطاعتك وطاعة رسولك ومحابك ومحاب
رسولك
ومن دعائه عقب كلامه
اللهم كن بنا رءوفا وعلينا عطوفا وخذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك اللهم قومنا إذا اعوججنا وأعنا إذا استقمنا وخذ بأيدينا إذا عثرنا وكن لنا حيثما كنا ومن دعاء الشيخ أبي الحسن رضى الله عنه
اللهم إن الدنيا حقيرة حقير ما فيها وإن الآخرة كريمة كريم ما فيها وأنت الذي حقرت الحقير وكرمت الكريم فأنى يكون كريما من طلب غيرك أم كيف يكون زاهدا من اختار لدنياه معك فحققنى بحقائق الزهد حتى أستغنى عن طلب غيرك وبمعرفتك حتى لا أحتاج إلى طلبك إلهى كيف يصل إليك من طلبك أم كيف يفوتك من هرب منك فاطلبتي برحمتك ولا تطلبني بنقمتك يا عزيز يا منتقم إنك على كل شيء قدير ومن دعاء الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه اللهم اسلبنى عقلا يحجبنى عنك وعن فهم آياتك وعن فهم كلام رسولك وهب لي من العقل
۱۸۹
۱۹۰
الذي خصصت به أنبياءك ورسلك والصديقين من عبادك واهدنى بنورك هداية المخصصين بمشيئتك ووسع لي في النور توسعة كاملة تخصنى بها برحمتك فإن الهدى هداك وإن الفضل بيدك تؤتيه من تشاء وأنت ذو الفضل العظيم
ومن دعاء الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه
يا واسع یا علیم یا غنی یا كريم ياذا الفضل العظيم
اللهم أجلسنا على بساط القرب منك بالفناء عن غيرك وبالبقاء بنورك أو بالتقرب بالأخذ عما هو لنا إلى ما هو لك من جهة العلم أو العقل ومن جهة العمل والحال وهيمنا في برزخ الصنع ناظرين بك إليك ومنك إلى غيرك إنك على كل شيء قدير
ومن دعاء الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه
یا عزیز یا رحیم یا حکیم یا غنی یا کریم يا واسع يا عليم ياذا الفضل العظيم اجعلنى عندك دائما وبك قائما ومن غيرك سالما وفى حبك هائها وبعظمتك عالما وأسقط البين بيني وبينك حتى لا يكون شيء أقرب إلى منك ولا تحجبني بك عنك إنك على كل شيء قدير ومن دعائه أيضا رضى الله عنه
اللهم هب لى من النور الذى رأى به رسولك ما كان ويكون ليكون العبد بوصف سيده لا بوصف نفسه غنيا بك عن تجديد النظر لشيء من المعلومات ولا يلحقه عجز عما أراد من المقدورات ومحيطا بذات السر بجميع أنواع الذوات ومرتبا للبدن مع النفس وللقلب مع العقل وللروح مع السر وللأمر البصيرة والعقل الأول الممد من مع الروح الأكبر المنفصل عن السر الأعلى
اللهم ارزقني من كنز لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة واضربني بها ضربا تمحق بها من قلبي كل قوة واغننى بذلك الرزق عن ملاحظة النفس والخلق وأخرجنى به عن ذل الفقر والتدبير والاختيار وعن الغفلة والشهوة ومشيئة النفس والقهر والاضطرار إنك على كل
شيء قدير
ومن دعائه رضي الله عنه
باسم المهيمن العزيز القادر أجل كل شيء وهو ناصرى ق ج ن ص انصرني فإنك خير الناصرين وافتح لى فإنك خير الفاتحين وارزقنى فإنك خير الرازقين واهدنى ونجنى من القوم الظالمين
ومن دعائه رضى الله عنه
يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بينى وبين طاعتك على بساط مشاهدتك وفرق بيني وبين هم الدنيا وهم الآخرة ونب عنى فى أمرهما واجعل همي أنت وأملأ قلبى بمحبتك وبهجة بأنوارك
وخشع قلبي بسلطان عظمتك ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك وها نحن نثبت حزب سيدنا ومولانا الشيخ الإمام قطب العارفين وعلم المهتدين شهاب الدين
۱۹۱
أبي العباس أحمد بن عمر المرسى رضى الله عنه وإن كان بعضه من كلام شيخه الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضى الله عنهما وبعده نذكر حزب الشيخ أبي الحسن رضى الله عنه المسمى حزب النور وبعدها حزب آخر له أيضا
وإنما ذكرنا حزب الشيخ أبي العباس الذى رواه عن شيخه وحزبي الشيخ أبي الحسن هذين حزب النور والذي بعده لأن هذه الأحزاب الثلاثة لم تشتهر شهرة حزبي الشيخ أبي الحسن حزب البحر وحزب وإذا جاءك فلذلك أفردنا هذه الثلاثة بالذكر وتركنا ذكر ذينك الحزبين فإنها سارا مسير الشمس والقمر وأشيد ذكرهما في البدو والحضر
فأما حزب الشيخ أبي العباس رضى الله عنه فهو هذا وهو ورد شيخه بعد العشاء الآخرة وحزب وإذا جاءك بعد الصبح وحزب البحر بعد العصر هكذا رتبها الشيخ أبو العباس رضى الله عنه
وهذا مبدأ الحزب
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين والله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاءَ
عنده الذي يشفع - وسع كرسيه السموات والأرض ولا يتوده حفظهما وهو العلى العظيم ۱ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين الم الله لا إله إلا هو الحى القيوم نزّل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان ۳ يأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك
فاصبر ٤
اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ٥
الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر
۱ البقرة ٢٥٥ البقرة ٢٨٥ - ٢٨٦ ۳ آل عمران ١ - ٤
٤ المدثر ١ - ٧
٥ العلق ١ - ٥
۱۹
يسجدان والسماءَ رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان ٦ وتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ۷
سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم
و سبح الله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السموات والأرض يحيى وعيت وهو على كل شيء قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل فى النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم
بذات الصدور ۸
هو الله الذى لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم1 وقل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحدكم
قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد
قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس
اللهم يا من هو كذلك وعلى ما وصفه به عباد الله المخلصون من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والعلماء الموقنين والأولياء المقربين من أهل سماواته وأرضه وسائر الخلق أجمعين أسألك بها وبالآيات والأسماء كلها وبالعظيم منها وبالأم ۱۰ والسيدة ۱۱ وبخواتم سورة البقرة
وبالمبادئ والخواتيم وبآمين على الموافقة وبحاء الرحمة وميم الملك ودال الدوام محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظياً ۱
احون قاف أدم رحم هاء أمين
كهيعص
اغفر لي وارحمني برحمتك التي رحمت بها أنبياءك ورسلك ولا تجعلني بدعائك رب شقيا
٦ الرحمن ۱ - ۸
۷ الرحمن ۷۸ ۸ الحديد ١ - ٦ ۹ الحشر ٢٢ - ٢٤
10 الأم هنا هي الفاتحة
۱۱ سيدة آي القرآن آية الكرسى
۱ الفتح ۹
۱۹۳
وإني خفت وأخاف أن أخاف ثم لا أهتدى إليك سبيلاً فاهدنى إليك وأمنى بك من كل خوف ومخوف فى الدين والدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير
اللهم يا بديع السموات والأرض يا قيوم الدارين ويا قيوم بكل شيء يا حي يا قيوم يا إلهنا لا إله لنا إلا أنت كن لنا وليا ونصيرا وأمينا وأمنا بك من كل شيء حتى لا نخاف إلا أنت واجعلنا فى جوارك واحجبنا بالذي حجبت به أولياءك فترى ولا يراك أحد من خلقك واصبب
علينا من الخير أكمل وأجمله واصرف عنا من الشر أصغره وأكبره
طس حم عسق مرج البحرين يلتقيان بينها برزخ لا يبغيان اللهم إنا نسألك الخوف منك والرجاء فيك والمحبة لك والشوق إليك والأنس بك والرضا عنك والطاعة لأمرك على بساط مشاهدتك ناظرين منك إليك وناطقين بك عنك لا إله إلا أنت سبحانك ربنا ظلمنا أنفسنا وقد تبنا إليك قولاً وعقدًا فتب علينا جودا وعطفا واستعملنا بعمل ترضاه وأصلح لنا في ذرياتنا إنا تبنا إليك وإنا من المسلمين
یا غفور یا ودود یا بر یا رحیم اغفر لنا ذنوبنا وقربنا بودك وصلنا بتوحيدك وارحمنا بطاعتك ولا تعاقبنا بالفترة ولا بالوقفة مع كل شيء دونك واحلمنا على سبيل القصد واعصمنا من جائرها إنك على كل شيء قدير
اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيننا وبين الصدق والنية والإخلاص والخشوع والهيبة والحياء والمراقبة والنور واليقين والعلم والمعرفة والحفظ والعصمة والنشاط والقوة والستر والمغفرة والفصاحة والبيان والفهم في القرآن وخصنا منك بالمحبة والاصطفائية والتخصيص والتولية وكن لنا سمانا وبصرا ولسانا وقلبًا ويدا ومؤيدا واتنا العلم اللدني والعمل الصالح والرزق الهنى الذى لا حجاب به فى الدنيا ولا حساب ولا سؤال ولا عقاب عليه في الآخرة على بساط علم التوحيد والشرع سالمين من الهواء والشهوة والطبع وأدخلنا مدخل صدق وأخرجنا مخرج صدق واجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا
يا الله يا علي يا عليم يا عليم يا سميع يا بصير يا مريد يا قدير يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم يا من هو هو هو يا هو أسألك بعظمتك التي ملأت أركان عرشك وبقدرتك التي قدرت بها على خلقك وبرحمتك التي وسعت كل شيء ويعلمك المحيط بكل شيء وبإرادتك التي لا ينازعها شيء وبسمعك وبصرك القريبين من كل شيء يا من هو أقرب إلى من كل شيء قد قل حيائي وعظم افترائي وبعد منائی واقترب شقائى وأنت البصير بمحنتى وحيرتي وشهوتى وسوءتي تعلم ضلالتي وعمايتي وفاقتى وما قبح من صفاتي آمنت بك وبأسمائك وصفاتك وبمحمد رسولك فمن ذا الذي يرحمني غيرك ومن ذا الذى يسعدنى سواك فارحمنى وأرنى سبيل الرشد واهدنى إليه سبيلا وأرنى سبيل الغى وجنبني إياه سبيلا واصحبنى منك الحق والنور والحكم والفصل والبيان واحرسني
بنورك
يا الله يا نور يا حق يا مبين افتح قلبي بنورك وعلمنى من علمك وفهمنى عنك وأسمعنى منك وبصرنى بك إنك على كل شيء قدير
١٩٤
اللهم إنى أصبحت وأنا أريد الخير وأكره الشر وسبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فاهدنى بنورك لنورك فيما يرد على منك وفيما يصدر منى إليك وفيها يجرى بينى وبين خلقك وضيق على بقربك واحجبني بحجب عزتك عن حجبك وكن أنت حجابى حتى لا يقع شيء منى إلا عليك وسخر لى أمر هذا الرزق واعصمني من الحرص والتعب في طلبه ومن شغل القلب وتعلق الهم به ومن الذل للخلق بسببه ومن التفكر والتدبر في تحصيله ومن الشح والبخل بعد حصوله وما يعرض فى النفس من ذلك وتخلقه بقدرتك على وفق إرادتك وعلمك ومن ضرورات الحاجات إلى خلقك فاجعله اللهم سببا لإقامة العبودية ومشاهدة الأحكام الربوبية وهب لى خفية من خفياتك ونورا من أنوارك وذكرا من أذكارك وسرا من أسرارك وطاعةً من طاعات أنبيائك وصحبة لملائكتك وتولّ أمرى بذاتك ولا تكلني إلى نفسى طرفة عين ولا أقل من ذلك واجعلنى حسنة من حسناتك ورحمة بين عبادك تهدى بها من تشاء إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور اللهم اهدنى لنورك وأعطنى من فضلك وامنعني من كل لك ومن كل شيء يشغلني عنك وهب لى لسانا لا يفتر عن ذكرك وقلبًا يسمع بالحق منك وروحا يكرم بالنظر إليك وسرا ممتعاً بحقائق قرة وعقلا جائلاً بجلال عظمتك وزين ما ظهر وما بطن منى بأنواع طاعتك سميع یا علیم یا عزیز یا حکیم
یا
عدو
اللهم كما خلقتنى فاهدنى وكما أمتنى فأحينى وكما أطعمتهم فأطعمنى واسقنى ومرضى لا يخفى عليك فاشفنى وقد أحاطت بي خطيئاتي فاغفر لى وهب لى علما يوافق علمك وحكما يصادف حكمك واجعل لي لسان صدق بين عبادك واجعلنى من ورثة جنتك ونجنى من النار بعفوك وأدخلني الجنة حالاً ومالاً برحمتك وأرنى وجه محمد نبيك وارفع الحجاب فيما بيني وبينك واجعل مقامى عندك دائما بين يديك وناظرًا منك إليك وأسقط البين عنى حتى لا يكون شيء بيني وبينك واكشف لى عن حقيقة الأمر كشفًا لا طلب بعده لعبدك مع المزيد المضمون بكريم وعدك إنك على
كل شيء قدير
يا الله يا عزيز يا حكيم إنك قد أيدت من شئت بما شئت كيف شئت على ما شئت فأيدنا بنصرك بحرمة أوليائك ووسع صدورنا لمعرفتك عند ملاقاة أعدائك واجلب لنا من رضيت عنه حتى نخضع له ونذل كما جلبته لمحمد رسولك واصرف عنا كيد من سخطت عليه كما صرفته عن إبراهيم خليلك وآتنا أجرنا فى الدنيا بالعافية من أسباب النار ومن ظلم كل جائر جبار وبسلامة الأغيار وبغض لنا الدنيا وحبب لنا الآخرة واجعلنا فيهما من الصالحين إنك على
قلوبنا من جميع كل شيء قدير
يسمع
يا الله يا عظیم یا علیم یا بر یا رحيم عبدك قد أحاط به خطيئاته وأنت العظيم وندائى كأنه لم وأنت السميع وقد عجزت عن سياسة نفسى وأنت العليم وأنى لى برحمتها وأنت البر الرحيم كيف يكون ذنبي عظيما عظمتك أم كيف تجيب من لم يسألك وتترك من سألك أم مع كيف أسوس نفسى بالبر وضعفى لا يعزب عنك أم كيف أرحمها بشيء وخزائن الرحمة بيديك إلهى عظمتك ملأت قلوب أوليائك فصغر لديهم كل شيء فاملأ قلبي بعظمتك حتى لا يصغر
١٩٥
ولا يعظم لديه شيء واسمع ندائى بخصائص اللطف فإنك السميع من كل شيء إلهى سُتر عنى مكانى منك حتى عصيتك وأنا فى قبضتك واجترحت ما اجترحت فكيف لى
الاعتذار إليك
إلهى جذبك لى أطمعنى فيك وحجابى عنك آيسنى من غيرك فاقطع حجابي حتى أصل إليك واجذبني جذبة لا أرجع بعدها لغيرك
إلهى كم من حسنة ممن لا تحب لا أجر لها وكم من سيئة ممن تحب لا وزر لها فاجعل سيئاتي سيئات من أحببت ولا تجعل حسناتى حسنات من أبغضت فإن كرم الكريم مع السيئات أتم منه مع الحسنات فأشهدني كرمك على بساط رحمتك ورضى بقضائك وصبرني على طاعتك فيها أجريت على من أمرك ونهيك وأوزعنى شكر نعمتك وغطنى برداء عافيتك حتى لا أشرك بك غيرك وامنن على بالفهم عنك إنك على كل شيء قدير
عصيانك
إلهى معصيتك نادتني بالطاعة وطاعتك نادتني بالمعصية ففى أيهما أخافك وفي أيهما أرجوك إن قلت بالمعصية قابلتني بفضلك فلم تدع لى خوفا وإن قلت بالطاعة قابلتني بعدلك فلم تدع لى رجاء فليت شعرى كيف أرى إحسانى مع إحسانك أم كيف أجهل فضلك مع قاف جيم سران مع سرك وكلاهما دالان على غيرك فبالسر الجامع الدال عليك لا تدعنى لغيرك إنك على كل شيء قدير
يا الله يا فتاح یا غفار یا منعم يا هادی یا ناصر یا عزیز هب لي من نور أسمائك ما أتحقق به حقائق ذاتك وافتح لى واغفر لى وأنعم على واهدنى وانصرني وأعزّنى يا معز لا تذلنى بتدبير مالك ولا تشغلني عنك بما لك فالكل كلك والأمر أمرك والسر سرّك عدمى وجودى وجودى عدمى فالحق حقك والجعل جعلك ولا إله غيرك وأنت الله الحق المبين
يا عالم السر وأخفى يا ذا الكرم والوفاء علمك قد أحاط بعبدك وقد شقى في طلبك فكيف لا يشقى من طلب غيرك تلطفت بى حتى علمت أن طلبي لك جهل وطلبي لغيرك كفر فأجرني من الجهل واعصمنى من الكفر يا قريب أنت القريب وأنا البعيد قربك أيأسنى من غيرك وبعدى عنك ردنى للطلب لك فكن لى بفضلك حتى تمحو طلبي بطلبك يا قوى يا عزيز إنك على كل شيء قدير
الدنيا
اللهم لا تعذبنا بإرادتنا وحبّ شهواتنا فنشغل أو نحجب أو نفرح بوجود مرادنا أو نحزن أو نسخط أو نسلم تسليم النفاق عند الفقد وأنت أعلم بقلوبنا فارحمنا بالنعيم الأكبر والمزيد الأفضل والفوز الأكمل وغيبنا وغيب عنا كل شيء وأشهدنا إياك بالإشهاد وانصرنا في الحياة ويوم يقوم الأشهاد يا الله يا قدير يا مريد يا عزيز يا حكيم يا حميد إنا نسألك بالقدرة العظمى وبالمشيئة العليا وبالآيات والأسماء كلها وبهذا العظيم منها أن تسخر لنا هذا البحر وكل بحر هو لك في الأرض والسماء والملك والملكوت كما سخرت البحر لموسى وسخرت النار لإبراهيم وسخرت الجبال والحديد لداود وسخرت الريح والشياطين والجنّ لسليمان وسخر لنا كل شيء يا من بيده ملكوت كل شيءٍ وهو يجير ولا يجار عليه يا على يا عظیم یا حلیم یا علیم احون قاف أدم حم هاء آمين
اهـ
وهذا حزب النور للشيخ الولى الصالح سيدى أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
يا الله يانور ياحق يامبين افتح قلبي بنورك وعلمنى من علمك وفهمنى عنك وأسمعنى منك وبصرنى بك وأقمنى بشهودك وعرفنى الطريق إليك وهونها على بفضلك وألبسنى التقوى منك إنك على كل شيء قدير
اللهم اذكرني وذكر ني وتب على واغفر لى مغفرةً أنسى بها كل شيء سواك وهب لى تقواك واجعلنى ممن يحبك ويخشاك واجعل لي من كل هم وغم وضيق وهوى وشهوة وخطرة وفكرة وإرادة ومن كل قضاء وأمر فرجا ومخرجا
أحاط علمك بجميع المعلومات وعلت قدرتك على جميع المقدورات وجلت إرادتك أن يوافقها
أو يخالفها شيء من الكائنات
الله وأنا بريء مما سوى الله حسبي
الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم
لا إله إلا الله نور عرش الله
لا إله إلا الله نور لوح الله
الله نور قلم الله
الله نور رسول الله
الله نور سر ذات رسول الله الله آدم خليفة الله
لا إله الله نوح نجى الله لا إله إلا الله إبراهيم خليل الله لا إله إلا الله موسى كليم الله
لا
الله عيسى روح
الله
لا إله إلا الله محمد حبيب الله لا إله إلا الله الأنبياء خاصة الله لا إله الله الأولياء أنصار الله
لا إله إلا الله الرب الإله الملك الحق المبين خالق كل شيء وهو الواحد القهار رب
السموات والأرض وما بينها العزيز الغفار
لا إله إلا الله العلى العظيم
١٩٦
۱۹۷
لا إله إلا الله الحليم الكريم
سبحان رب السموات السبع ورب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين باسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون حسبي الله آمنت بالله رضيت بالله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله أتوب إليك بك منك إليك ولولا ماشئت ما نبت إليك فامح من قلبى محبة غيرك واحفظ جوارحي من مخالفة أمرك
وتالله لئن لم ترعني بعينك وتحفظني بقدرتك لأهلكن نفسي ولأهلكن أمةً من خلقك ثم لا يعود ضرر ذلك إلا على عبدك
أعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ برضاك من سخطك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك بل أنت أجلّ من أن أثنى عليك وإنما هي أعراض تدل على كرمك قد منحتها لنا على لسان رسولك لنعبدك بها على أقدارنا لا على قدرك فهل جزاء الإحسان الأول الكامل إلا الإحسان منك
يا من به ومنه وإليه يعود كل شيء أسألك بحرمة الأستاذ بل بحرمة النبي الهادى بل بحرمة السبعين والثمانية بل بحرمة أسرار مامنك إلى محمد النبى الأمى بل بحرمة سيدة آي القرآن من كلامك بل بحرمة السبع المثانى والقرآن العظيم بل بحرمة كتبك المنزلة بل بحرمة الاسم الأعظم الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم بل بحرمة قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد اكفنى كلّ غفلة وشهوة ومعصية فيما تقدم وفيها تأخر واكفنى كل طالب يطلبنى بالحق وغير الحق فى الدنيا والآخرة فإنه لك الحجة البالغة وأنت على كل شيء قدير واكفنى هم الرزق وخوف الخلق واسلك بى سبيل الصدق وانصرني بالحق واكفنى كل هم وغم دون الجنة واكفنا كل عذاب من فوقنا أو من تحت أرجلنا أو يلبسنا شيعا أو يذيق بعضنا بأس بعض واكفنا شر ما تعلق به علمك مما كان ويكون إنك على كل شيء قدير
سبحان الملك الخلاق سبحان الخلاق الرزاق سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون سبحان ذى العزّة والجبروت سبحان ذى القدرة والملكوت سبحان من يحيى ويميت سبحان الحى الذى لا يموت سبحان القائم القادر سبحان القاهر وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير سبحان القائم الدائم قل حسبی الله عليه يتوكل المتوكلون
أعوذ بالله من جهد البلاء ومن سوء القضاء ومن درك الشقاء ومن شماتة الأعداء وأعوذ بالله ربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب يا من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه أنصرف بالخوف منك والتوكل عليك حتى لا أخاف غيرك ولا أرجو غيرك ولا أعبد شيئًا سواك
أشهد أنك على كل شيء قدير وأنك قد أحطت بكل شيء علا نسألك بهذا الأمر الذى هو أصل الموجودات وإليه المبدأ والمنتهى وإليه غاية الغايات أن
۱۹۸
تسخر لنا هذا البحر بحر الدنيا وما فيه ومن فيه كما سخَّرت البحر لموسى وسخرت النار لإبراهيم وسخرت الجبال والحديد لداود وسخرت الريح والشياطين والجن لسليمان وسخر لى كل بحر وسخر لي كل جبل وسخر لي كلّ جديد وسخر لي كل ريح وسخر لي كلّ والإنس وسخر لى نفسي وسخر لي كل شيء يامن بيده ملكوت كل شيء
شيطان
من
الجن
وانصرني باليقين وأيدنى بالروح الأمين
صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده
طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلا الرحمن على العرش استوى له مافي السموات وما فى الأرض وما بينها وما تحت الثرى وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر واخفى
الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى نسألك بهذا الاسم العظيم الذي حفظت به أولياءك الكرام إنك أنت الملك العلام أن تجعلنى بالأسوة الحسنة التي كانت في إبراهيم عليه السلام والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده
جل ربي أن يوجد بشيء أو يفقد بشيء إنه لن يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء وهو
السميع العليم
حزب الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضى
الله عنه
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين الله لا إله إلا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا ينوده حفظهما وهو العلى العظيم
آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين
ألم الله لا إله إلا هو الحى القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا فى السماء هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم
قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذلُّ من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيءٍ قدير تولج الليل فى النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب
الميت وتخرج الذي خلقني فهو يهدين والذى هو يطعمنى ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين رب هب لى حكما وألحقني بالصالحين واجعل لى لسان صدق فى الآخرين واجعلنى من ورثة جنة النعيم واغفر لأبى إنه كان من الضالين ولا تخزنى يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين
سبح الله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السموات والأرض يحيى ويميت وهو على كل شيءٍ قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم هو الذي خلق السموات والأرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير له ملك
144
۰۰
السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم
بذات الصدور
هو الله الذى لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلي وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلا فأغنى فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث
ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب إن الله اشترى المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدّقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما إن الإنسان خلق هلوعًا إذا مسه الشر جزوعًا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك العادون والذين هم الأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشَهَادَاتِهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون اللهم إنا نسألك صحبة الخوف وغلبة الشوق وثبات العلم ودوام الفكر ونسألك سر الأسرار المانع من الإصرار حتى لا يكون لنا مع الذنب أو العيب قرار واجتبنا واهدنا إلى العمل بهذه الكلمات التي بسطتها لنا على لسان رسولك وابتليت بهن إبراهيم خليلك فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدي الظالمين
هم
۰۱
فاجعلنا من المحسنين من ذريته ومن ذرية آدم ونوح واسلك بنا سبيل أئمة المتقين باسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وعلى الله فليتوكل المتوكلون حسبى الله آمنت بالله رضيت بالله توكلت على الله لا قوة إلا بالله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رب اغفر لى وللمؤمنين والمؤمنات والحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم
ولا الضالين
قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
رب إني ظلمت نفسي ظلما كثيرًا فاغفر لى وتب على لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
الظالمين
يا الله يا علی یا عظیم یا حلیم یا علیم یا سمیع یا بصیر یا مرید با قدیر یا حی یا قیوم یا رحمن یا رحیم یا من هو هو يا هو يا أول يا آخر یا ظاهر یا باطن تبارك اسم ربك ذى الجلال والإكرام
اللهم صلنى باسمك العظيم الذى لا يضر معه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهب لي منه سرا لا تضر معه الذنوب شيئا واجعل لى منه وجها تقضى به الحوائج للقلب والعقل والروح والسر والنفس والبدن ووجها ترفع به الحوائج من القلب والعقل والسر والروح والبدن والنفس وأدرج أسمائى تحت أسمائك وصفاتي تحت صفاتك وأفعالى تحت أفعالك درج السلامة وإسقاط الملامة وتنزل الكرامة وظهور الإمامة وكمل لى ما ابتليت به أئمة الهدى من كلماتك واغننى حتى تغني بى وأحينى حتى تحيى بى ما شئت ومن شئت من عبادك واجعلنى خزانة الأربعين ومن خلاصة المتقين واغفر لي فإنه لا ينال عهدك الظالمين
A
طس حم عسق مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد تم الحزب بحمد الله
خاتمة
وأما الخاتمة
فكنت منذ عشر سنين وأنا بالقاهرة بجامع الحاكم أتى إلى الولى أبي عبد الله وكان الحكيم هذا يجله الشيخ ويحبه فقال لى كنت في سفينة فذكرتك فنسبك بعض من كان فيها إلى بعض المشايخ فقلت أنا إنما هو من أصحاب شيخنا أبي العباس المرسى رضى الله عنه فإن كان الأمر كما قلت لهم فاكتب لى ذلك بخطك فكتبت له فى ذلك الوقت ما أنا أذكره إن شاء الله تعالى وهذا الكتاب لما كان موضوعًا لمناقب الشيخ أبى العباس المرسى رضى الله عنه وهذه اللامعة سوارًا لزند هذا الكتاب وياقوتة نختم بها عقد هذه الأبواب ويتبع ذلك وصية كتبت بها إلى إخواننا بالإسكندرية وأنا إذ ذاك بالقاهرة مستهل ربيع الأول الذي هو من سنة أربع وتسعين وستمائة ثم بعد ذلك قصيدة تضمنت وصايا ومطالبات من الحق تعالى لعبده مختتمة بمدح رسول الله وبها نختم الكتاب إن شاء الله تعالى جعل الله ذلك كله لوجهه الكريم بفضله
وهذه اللامعة المنيرة والدرة الخطيرة هى القسم الأول من الخاتمة الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما بسم أما بعد حمدا لله الواجب حمده الثابتة علياؤه ومجده الباهرة آياته الظاهرة دلالاته الذي أشرق نوره في قلوب أوليائه فاستنارت به سموات أرواحهم وأرض نفوسهم وأشباحهم الله نور السموات والأرض نور سموات الأرواح بمشاهدته ونور أرض النفوس بطاعته وخدمته وجعل قلوبهم مجلاة لذاته ولظهور صفاته أظهرهم ليظهر فيهم خصوصًا وهو الظاهر في كل شيء عموما ظهر فيهم بأسراره وأنواره كما ظهر فيهم وفيما عداهم بقوته واقتداره ألسنتهم بذكره لهجة وقلوبهم بنوره بهجة إن نطقوا فعنه وإن استمعوا فمنه فكم من لواء ولاية يخفق عليهم وكم من منشور خلافة قد خرج إليهم أدخلهم إليه مدخل صدق بالفناء عمن سواه وأخرجهم للخليقة مخرج صدق باقين بنوره وسناه فهم برازخ الأنوار ومعادن الأسرار وصلهم لما قطعهم وفرقهم لما جمعهم وغيبهم عنهم وعلى أسراره أطلعهم فلو قسم نور واحد منهم على أهل الأرض لوسعهم ولا عجب من اتساع أنوارهم ولا من إحاطة أسرارهم فإن نور قلوبهم من نور الله قال صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ۱
وأما إحاطة أسرارهم فلقوله تعالى وإن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق
أيديهم
فلهم على قدر إرثهم من نبيهم صلوات الله وسلامه عليه التحقق بمقام الفردانية والدخول إلى
حضرة الوحدانية
۱ رواه البخارى فى التاريخ والترمذي وابن جرير
٢ الفتح ١٠
٢٠٢
وسمعت رحمكم الله أن ودكم على اختلاف مراتبه عندنا مسباره ولدينا اعتباره فيميل القلب إليك على حسب ميلك إليه وإن تزدد من المدد على يد عبد بحسب ما تزيد من الود فيه كذلك رتبة الإله الحكيم والقادر العليم وبالجملة فأعيان المطلوبات من الأدب الباطن وامتثال الأمر الظاهر لا تحصرها الوصايا إلا إجمالا ويشمل جميع ذلك التقوى قال الله سبحانه ويأيها الناس اتقوا ربكم ۳ والوفاء بالعهد قال الله تعالى ﴿ يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ٤
والتوبة قال الله تعالى وتوبوا إلى الله ٥
والإنابة والاستسلام قال الله تعالى وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا لهم ٦ والاستجابة قال الله سبحانه واستجيبوا لربكم ۷
والاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله سبحانه ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ۸ وشهود كل نعمة من الله قال الله سبحانه ﴿وما بكم من نعمة فمن الله ۹ وشهود الهدى من الله قال الله سبحانه وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ١٠ لا جعل الله ما نقوله وما نسمعه حجّةً علينا وجعلنا وإياكم من العباد المهتدين بحبه الباقين على وده المنعمين بقربه وأفرغ علينا وعليكم من نور عنايته وجعلنا من أهل ولايته بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وأزواجه وسلم تسليما كثيرا وسمعت شيخنا أبا العباس رضی الله عنه ينشد
وغنى لى منى قلبى وغنيتُ كما غنى
وكنا حيثما كانوا وكانوا حيثما كنا
والمظهر الأعلى والبرزخ الأسنى ومشرق الأنوار ومعدن الأسرار من له الفتح والختام الحائز للمقامات العلية بالتمام رسول رب العالمين وسيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين فهو نور الأنوار وسرّ الأسرار إليه تنزل الأسرار الربانية وعنه تؤخذ المعارف الإلهية أخذ أهل الظاهر عنه ظاهرهم وأخذ أهل الباطن منه باطنهم وقال العلماء ورثة الأنبياء ۱۱ فكل على قدر إرثه وإرثه على قدر نوره ونوره على قدر فتحه وفتحه على قدر صفاء قلبه وصفاء قلبه على قدر معرفته بربه ومعرفته بربه على حسب ما سبق له من وجود حبه غير أن علماء الباطن أحق بالإرث وأولى وأقرب نسبة وأعلى لأن علمهم تلزمه الخشية وتكتنفه العظمة وحقيقة
۳ النساء ١
٤ المائدة ١
٥ النور ٣١
٦ الزمر ٥٤
٧ الشورى ٤٧ ۸ آل عمران ۳۱
۹ النحل ٥٣ ۱۰ الأعراف ٤٣
۱۱ رواه أحمد وأبو داود الترمذى وآخرون عن أبي الدرداء مرفوعًا وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما
٢٠٤
الإرث أن ينتقل الشيء الموروث إلى الوارث على الصفة التى كان بها عند الموروث عنه فكل صاحب علم لا تصحبه خشية فليس بأهل لأن يكون وارثا وقال العلماء ورثة الأنبياء أى العلم بالله لأن العلم بالله يورث الخشية له قال الله تعالى وإنما يخشى الله من عباده العلماء ۱
ولم تزل سلسلة الصلاح والشهادة والولاية والصدّيقية والقطبانية تمتد من ذلك البرزخ الأعلى المحيط صلوات الله وسلامه عليه إلى وقتنا هذا ولن تزال كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين
وسمعت شيخنا أبا العباس رضى الله عنه فى قوله تعالى ﴿وما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ۱۳ أى ما نذهب بولى إلا ونأتي بخير منه أو مثله وكل من لم يكن له أستاذ يصله بسلسلة الأتباع ويكشف له عن قلبه القناع فهو في هذا الباب لقيط لا أب له دعى لا نسب له فإن يكن له نور فالغالب غلبة الحال عليه والغالب عليه وقوفه مع ما يرد من الله إليه لم ترضه سياسة التأديب والتهذيب ولم يقده زمام التربية والتدريب وشيخنا وإمامنا وقدوتنا في هذا الشأن أوحد وقته وعلامة زمنه علم العارفين قطب المهدين مظهر سناء الحقيقة ومبين معالم الطريقة العالم بالأسماء والحروف والدوائر الجامع لعلم الظواهر والسرائر سيدنا ومولانا شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عمر الأنصارى المرسى الشاذلي قدس الله روحه ونور ضريحه هو الذي اقتبسنا من أنواره وسلكنا على نهج آثاره وهو الذي أسرع بأسرارنا حتى لحقت وفتق السنتنا حتى نطقت غرس غراس المعرفة في قلوبنا فأينعت ثمراتها
وفاحت زهراتها
هذا
وهو الذي بفضل الله وعدنا وبالكلام في العلمين أشار لنا لا تنتسب إلا إليه ولا نعتمد في الشأن إلا عليه فمن نسبنا إلى غيره فهو بأمرنا جاهل أو عارف متجاهل ومن نسب تلميذا إلى أستاذه فهو كمن نسب ولدًا إلى غير أبيه وهذه الأبوة أحق أن يرعى نسبها وأجدر أن يحفظ
غير
سببها إذ تلك الأبوة تفتقر إلى هذه وهذه لا تفتقر إلى تلك وليس شيخك من سمعت منه إنما شيخك من أخذت عنه
وليس شيخك من واجهتك عبارته إنما شيخك الذي سرت فيك إشارته وليس شيخك من دعاك إلى الباب إنما شيخك الذى رفع بينك وبينه الحجاب وليس شيخك من واجهك مقاله إنما شيخك الذي نهضك حاله
شيخك هو الذي أخرجك من سجن الهوى ودخل بك على المولى شيخك هو الذى مازال يجلو مرآة قلبك حتى تجلت فيها أنوار ربك نهضك إلى الله فنهضت إليه وسار بك حتى وصلت إليه ومازال محاذيًا لك حتى ألقاك بين يديه فزج بك في نور الحضرة وقال ها أنت وربك هنالك محل الولاية من الله ومواطن الإمداد من الله وبساط التلقى من الله ثم إن
۱ فاطر ۸
۱۳ البقرة ١٠٦
٢٠٥
شاء أبقاه في بحر الفناء غريقا وإن شاء أرجعه إلى ساحل البقاء تحققا وتحقيقا فصاحب الفناء له التلقى من الله وصاحب البقاء له الإلقاء عنه
وصاحب البقاء ينوب عن الله وصاحب الفناء ينوب الله عنه وصاحب الفناء قد طمست دائرة حسّه وانفتحت حضرة قدسه وصاحب البقاء باق بربه في
حضرة قدسه
وصاحب الفناء مدعو إلى الله وصاحب البقاء داع إلى الله وهو محل الخلافة والنيابة مع الإذن والتمكين والرسوخ فى اليقين داع إلى الله على بصيرة من الله قال الله سبحانه ﴿قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى ١٤ أى على معاينة ومطالعة ومشاهدة لا أدعو إليك وأنا غائب عنك بل أدعو إليك وأنا ناظر إليك
وهذا الطريق طريق الأنبياء والمرسلين وأكابر الصدّيقين وهى المقام الأكمل والمنهج الأفضل فمن نسبنا إلى غير هذا الإمام مع العلم بنسبتنا فهو مكابر ومعاند ومن نسبنا إلى غيره مع الجهل بنسبتنا أيضا فهو عن سبيل الرشد حائد مخالف لأمر ربه غير مراقب لقلبه ألم تسمع إلى ما قال المولى سبحانه ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ١٥
فالله سبحانه ١٦ يحقق نسبتنا من هذه الطائفة وأن يتوفانا على محبتهم وأن يجعلنا دارجين على مدرجتهم وأن يزيدنا فيهم ودا ولا يجعلنا ممن نقض لهم عهدا بمنه ولطفه والحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم
١٤ يوسف ١٠٨
١٥ الإسراء ٣٦
١٦ لعل النص هنا فاقه سبحانه وتعالى نسأل أن يحقق بدليل ما بعده
وأما الوصية المكتوب بها إلى بعض إخواننا
بالإسكندرية فهى هذه
الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم بسم سلام الله ورحمته وبركاته على الإخوان المحبين والأوداء المحبوبين حفظهم الله وتولاهم وحرسهم ورعاهم وأوسع عليهم من فضله وأفرغ عليهم من عطائه وبذله وأحلّ قلوبهم محل
المؤانسة والتفهيم والمفاتحة والتكريم ورزقهم الطاعة والقبول والسير إلى الله والوصول والإذن من الله والدخول وقدس أرواحهم وفسح في غيبه مراحهم وبث لهم من نوره ما يكون لهم هاديًا وأعطاهم من حفظه ما يكون لهم من أغيار الدنيا والآخرة واقيا اعلموا رحمكم الله أن العناية الإلهية وإن كانت غيبا فلها شهادة تدل عليها ودلالة تهدى إليها فتلمحوا عناية الله فيكم بوقوفكم على حدوده ورعايتكم لعهوده ألا وإن من علامة محبة الله للعبد محبة العبد إياه ومن علامة محبة العبد الله أن لا يؤثر عليه شيئا سواه ومن علامة عدم الإيثار على
الله النظر إلى الدنيا بعين الاحتقار وإلى الأكوان ببصر الاعتبار
والسعيد من أعطاه الله قلبا مفكرًا وبصرا معتبرا وأذنا تسمع من الله ونفسا ناشطة إلى خدمة الله وأحق ما يفتقد العباد من حقوق الله سبحانه الشكر له والشكر له ظاهر وباطن فظاهره
الموافقة وباطنه شهود النعمة فما شكره من لم يمتثل أوامره وحدوده وما حفظه من ضيع عهوده
فعليكم رحمكم الله بالشكر النعمه فيكم
ألا إن أرباب الغفلة والعمى يطلبون من الله مجدّدات النعم وهم لما أعطاهم غير شاكرين وكيف يجدّد عليك نعمة أنت طالبها وقد ضيعت شكر نعمة طلبتك حتى وصلت إليك فالطالب لنعم الله أولى ما طلب به الشكر لله والشكر يطلب لك من المشكور وإن كنت صامنا ويستجدى لك ممن شكرته وإن كنت عن الطلب ساكتا وقد ضمن الله المزيد للشاكرين وما استثنى فقال عز من قائل لئن شكرتم لأزيدنكم ۱ فإذا كان قد ضمن لهم الزيادة على ما أعطاهم فكيف لا يديم لهم ما كان منحهم أولاً ألا إن أحب بقاء شيء عنده قيده بعقاله خيفة زواله فقيدوا نعم الله فيكم بوجود الشكر ويستعان على الشكر بالنظر في أيادى المحسن وكثرة صنائعه وسوابق مننه ولواحقها وبداية نعمه وخواتمها فإنك لم ترم بصر الإيمان إلا وقع على نعمة سابقة ومنة منه لاحقة ويؤكد ذلك عندك نظرك لمعاملتك معه وشهودك لمعاملته معك فإنك إن نظرت ما منه إليك لم
من
تجد إلا فضلا وإحساناً وإن نظرت ما منك إليه لم تجد إلا غفلة وعصيانا وأصل الخيرات ومعدن البركات العمل بطاعة الله والتجنب لمعصية الله وعليكم بتصحيح التوبة فإنه ينبني عليها ما بعدها وتعود بركاتها على ما قبلها وما من مقام إلا وهو مفتقر إليها
۱ إبراهيم ۷
۰۷
وما زكت الأحوال ولا قبلت الأعمال ولا ثبتت مراتب الإنزال إلا بتصحيح التوبة وعمومها
يدل على خصوصها
ألم تسمع إلى قول الله عزّ وجلّ وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون فعم جميع المؤمنين بالخطاب بالتوبة فدل ذلك على عظيم قدرها ويستعان على التوبة بالفكرة ويستعان على الفكرة بالخلوة ويستعان على الخلوة بمعرفة آفات الخلطة ومن علامات الوصول إلى الغايات وجود تصحيح البدايات ولأن يصحح الله لك مقام التوبة خير لك من أن يطلعك على سبعين ألف غيب ويفقدك إياها اذكر الله تعالى بلسانك وراقبه بقلبك فما ورد عليك من الله من خير قبلته وما ورد عليك من ضده دفعته رجاعًا إلى الله فى الدفع والجلب فإن خامر سرك شيء من ذنب أو عيب أو نظر إلى عمل صالح أو حال جميل فبادر إلى التوبة والاستغفار من الجميع أما من الذنب والعيب فواجب شرعا وأما من العمل الصالح أو الحال الجميل فألقه
واعتبر باستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم بعد البشارة واليقين بمغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر هذا في معصوم لم يقترف ذنبا قط وتقدس عن ذلك فما ظنك بمن لا يخلو من ذنب في وقت من
الأوقات !
واعلموا أن الله قد أودع أنوار الملكوت فى أصناف الطاعات فأى من فاته من الطاعة صنف أو أعوزه من الموافقة جنس فقد فقد من النور بمقدار ذلك فلا تهملوا شيئًا من الطاعات ولا تستغنوا عن الأوراد بالواردات ولا ترضوا لأنفسكم بما يرضى به المدعون من جرى الحقائق على ألسنتهم وخلو أنوارها من قلوبهم وإن الحق بحكمته جعل الطاعة الجارية على العباد مستقرعة لباب الغيب فمن قام بالطاعة والمعاملة بشرط الأدب لم يحتجب الغيب عنه
وإنما حجاب الغيوب وجود العيوب فالتطهر من العيب يفتح لك باب الغيب فلا تكن ممن يطالب الله لنفسه ولا يطالب نفسه الله فذلك حال الجاهلين الذين لم يفقهوا عن الله ولا واجههم
المدد
الله من
والمؤمن ليس كذلك بل المؤمن من يطالب نفسه لر به ولا يطالب ربه لنفسه فإن توقف الوقت عليه استنبط أدبه ولا يستبطئ مطلبه
وإن ملكوت الله لا يؤذن بالدخول فيه إلا لمن ظهر من آفات البشرية وقام بوفاء العبودية والتطهر من آفات البشرية بالتخلق بأخلاق الله ووجود الفناء عما سوى الله والتحقق بالعبودية بالامتثال لأوامر الله والاستسلام لأحكام الله فإن تصل إلى ذلك فلك منفسح في الغيب
ومستوطن في الملكوت وواصلك الإمداد وقابلك من الله الازدياد وتتوصل إلى ذلك بإقلال النظر إلى الظواهر ورعايتك للسرائر وأنه لا يشفى السرائر برهان الظواهر إلا أن يكون معها خالص حب يباشر القلوب وإشراق نور يذهب بظلمة الذنوب وإنما طال عليهم الطريق لأنهم لم يسلكوها على منهج حق ولم يدخلوا فيها مدخل صدق ولو أنهم فعلوا لم تحتجب عنهم المطالب وكان ما يطلبونه لهم طالب
بيان واعتبار وإشراق أنوار
لا تتفقد الوقت بظهور الواردات ولا بكثرة الطاعات ولكن انظر إلى ثقتك بالله وإجلالك لأوامر الله وترك الاختيار مع الله فإن وجدت ذلك عندك ولا يوجد واحد منها إلا وجد بقيتها فاعلم أن الله بك عناية أبداها وودائع أخفاها وأشكره على ما أسدى واحمده على ما أهدى واعلموا رحمكم الله أن ودكم على اختلاف مراتبه عندنا مسباره ولدينا اعتباره فميل القلب إليك على حسب ميلك إليه ولن يزاد من المدد لعبد على يد عبد إلا بحسب ما يزيد من الود فيه كذلك رتبه الإله الحكيم والقادر العليم
وبالجملة فأعيان المطلوبات من الأدب الباطن وامتثال الأمر الظاهر لا تحصرها الوصايا إلا إجمالاً ويشمل جميع ذلك التقوى قال الله سبحانه ﴿ يأيها الناس اتقوا ربكم والوفاء بالعهد قال الله تعالى ﴿ يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود والتوبة قال الله سبحانه وتعالى ﴿وتوبوا إلى الله جميعاكم والإنابة والاستسلام قال الله سبحانه وتعالى وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا لهم والاستجابة لله قال الله عزّ وجل استجيبوا لربكم والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم قال الله سبحانه وقل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وشهود كل نعمة من الله قال الله جل ذكره هو وما بكم من نعمة فمن الله وشهود الهدى من الله قال الله عز وجل الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لا جعل الله ما نقوله وما نسمعه حجّة علينا وجعلنا وإياكم من العباد المهتدين الدائمين على حبه الباقين على وده المنعمين بقربه وأفرغ علينا وعليكم من نور عنایته۱ وجعلنا من أهل ولايته بمنه وكرمه آمين
والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا ومولانا محمد نبيه وحبيبه وعبده كثيرا وهذه القصيدة الموعود بها
فلا والله ما طابت حياة سوى بالقرب من كنف الحبيب عن الأجــارع والكتيب من حبات القلوب
فلا تختر سوی دارا لسعدى وعد وما لاقى الأحبة مثل بعد تفتت ومن يعشق معززة شرودا فلا يسأم مقاساة الكروب ودونك فاستبق نحو المعالي ولا ترضى بدون من نصيب
المصيب
ولا تقنع بغير العز مرقى وسدد نحوه سهم وأنهض همة إن لم تثرها أقمت بموطن النكس الكثيب ولا تينس وإن طالت ليال فكم شمس بدت بعد الغروب ولا تسأم من التداب يوما فإن العز في ذاك الدءوب
۱ تكرر من أول قوله وبالجملة فأعيان المطلوبات في اللامعة المنيرة والدرة الخطيرة وفي وصيته للإخوان بالإسكندرية ولا مانع من تكراره في كليهما
٢٠٨
ولا تحزن إذا ما فات فان فذاك الفتح في نظر الأريب ولا ترضى بغير الله ذخراً فنعم الرب من مولى مجيب ولا تشكو لغير الله ضر فليس لغيره كشف الكروب ولا تركن لغير الله يوما فتقطع عنك نفحات الغيوب فكم من كربة عظمت وجلت تجلت فيك عن فرج قريب ولا يمنعك ذنب من رجاء فإن الله غفار الذنوب ولا تحزن إذا ما ضاق عيش فتحرم رتبة الرجل اللبيب وكم لطف خفي في كفاف وكم الله من سر غریب وكم من محنة في اليسر تردى وتمنع عنك موفور النصيب ولابس حلة للوفر يزهو ويلهو عن مراقبة الرقيب يجهله الغنى وصف افتقار أحاط به فعجبك من عجيب تعلم بأن الله فرد فتخشی قهر علام الغيوب يخلقه من ماء مهين مهين إن يدع نهج الأريب يودعه في الأرحام دهرا ألم يخرجه من غم الكروب يجرى له الثديين رزقا وعرفه التناول للنصيب ألم ينعم عليه بمهد لطف وأعطاه مودات القلوب وهذا المهد ليس له براح يسائره إلى وقت المشيب وأسقط عنه تكليفا وأمراً إلى أن يرتدى ثوب الأريب فحين أتى البلوغ أتى بلاغ من الرحمن ينذر من قريب رضيع اللطف لا تنسى ودادي ودادا كان في غيب الغيوب ربيئة فضلنا والجود أسرع ولا تجنح إلى مرأى قشيب لطيفة كوننا لا تنس عهدى ويوم الست فاذکر یا حبيب وقد أعطيتني عهدا وثيقا وحفظ العهد من شيم ألم أجعلك سرا في وجودي ونقطة دارة الأمر الغريب ألم أظهر صفاتي فيك جهراً وأستر ذاك بالأمر العجيب ألم يأتك إرسالي وأمرى فليتك لو أجبت لمستجيب أتاك كلامنا لتجد سيرا لحضرتنا وتعمل في الديوب كلام ليس يشبهه كلام وهيبته تقلقل للقلوب لطائفه على الأسرار أحلى من العذب الجنى المستطيب إذا تليت مثانيه أديرت كتوس اللطف من كنف الحبيب وأية آية تُليت تراها عروس الحسن تُجلى للبيب تراها إذا ألقيت سمعك من قريب
اللبيب
وأنوار وأسرار إذا ناديت کلا یا عبادی ترى الأسرار تسرع للقريب
۱۰
عجیب
وليس إجابتي قولاً ولكن ببذل الجهد في طوع الحبيب وقد أرسلت خير الخلق طرا ليمحو نوره القلوب أتى بالمنهج المختار يدعو إلى الرحمن بالسر الغريب أتى والأرض قد ملئت ظلاما وكل الخلق في أمر مريب فكشف ظلمة كانت وظلا بشمس هدى تنزه عن غروب وخصصه الإله بكل فضل وأعطاه مودات القلوب وقال ومن يطع خير البرايا يطعني هكذا فعل الحبيب وفيما قال لما بايعوه فخار بان للفطن الأريب أزال الكاف كاف ذاك كاف وحسبك منه من سر هو السباق غايات المعالى هو الكشاف أزمات الكروب وإن القول يقصر عن علاه كفاه ثناء علام الغيوب فصل ربنا أبدًا عليه وسلم في الصباح وفي الغروب على آل النبي وكل صحب صلاة لا تمل من الدءوب فهم خير القرون ومن هدانا رب العباد من الذنوب بهم وأحمد ليس يرجو في معاد سوى جاء النبي لذى الكروب ووالده محمد فاعف عنه ودار که بلطف من قريب وعبدك يا كريم فجد عليه وبلغه إلى أوفي نصيب الله والده أبحه منالاً منك ستار العيوب على الإسلام فاقبضني سليما من الآفات بمحو الذنوب كذاك جميع من واليت فيكم ووالانى بإجزال النصيب
عطاء
وهذا آخر الكتاب والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى
يوم الدين وحسبنا الله ونعم الوكيل اهـ
صفحة
1
۱۹
٤١٠
٤٦
٤٧
ΕΛ
ہ کہ کر کہ کب کے سے کئے کے
۵۱
۵
٥٤
۵۷
۵۸
٦١
٦٣
محتويات الكتاب
مقدمة المحقق
مناجاة
كتاب لطائف المنن لأبي العباس المرسى
مقدمة المؤلف
الولاية بحث للمحقق
منهج المؤلف في الكتاب
حديث الشفاعة
الإيمان يزيد وينقص
الأنبياء خلقوا من الرحمة ومحمد صلى الله عليه وسلم عين الرحمة
إعلام وبيان
شأن الولاية والولى
مقابلة الحق لمن أذى أولياءه
انعطاف الولاياة ولايتان ولى يتولى الله وولى يتولاه الله
فوائد في قوله تعالى الله ولى الذين آمنوا الفائدة الأولى والثانية والثالثة
الفائدة الرابعة
الفائدة الخامسة
الولاية الثانية ولاية الإيقان
حقيقة القرب
تأويل حديث من عرف نفسه عرف ربه
بحث للمحقق حول برهنة الرسول على صدقه وتحدى العرب بصدقه
دون الجنوح إلى إثبات وجود الله سبحانه
الداعي إلى الله يكسوه الله كسوتين الجلالة والبهاء
مراتب الحب الله وفى الله وبالله ومن الله
الحب الله في عشرة
شراب المحبة
بحث للمحقق في المحبة
انعطاف من مواهب الله لأوليائه
فصل في كرامات الأولياء
بحث للمحقق في الكرامة
٦٧
۱۱
صفحة
9
۷۱
۷
۷
Yo
AY
۹۱
۹۹
۱۰۷
١١٦
١٢٥
۱۳۹
١٤١
١٤٦
١٥١
١٥٥
۱۸۱
۱۸۹
١٩٦
۱۹۹
٢٠٢
٢٠٦
۰۸
۰۸
۱۱
۱
أمور تسهل الإيمان بالكرامة سوء خاتمة من ينكر الكرامات الكرامة تظهر للولى وتظهر لغيره الناس في الكرامة على ثلاثة أقسام
الباب الأول فى التعريف بالشيخ الشاذلي شيخ أبي العباس المرسى
كرامات القطب خمس عشرة
الباب الثاني في شهادة الشيخ لأبي العباس بأنه الوارث للمقام والحائز قضب السبق بالتمام الباب الثالث فى مجريات ومنازلات أبي العباس المرسى
الباب الرابع في علمه وزهده وورعه
فائدة حكم أولياء الله في بدايتهم الباب الخامس في بيانه لبعض الآيات الباب السادس في بيانه لبعض الأحاديث
في حديث حارثة عشر فوائد
في حديث حنظلة ثماني فوائد
الباب السابع في تفسيره لما أشكل من كلام أهل الحقائق
الباب الثامن في كلامه في الحقائق والمقامات الباب التاسع فيهما قاله من الشعر أو قيل بحضرته
الباب العاشر في ذكره ودعائه
حزب النور لأبي الحسن الشاذلي حزب الشيخ أبي الحسن الشاذلي
خاتمة
الوصية إلى الإخوان بالإسكندرية بیان واعتبار وإشراق أنوار
القصيدة الموعود بها
محتويات الكتاب
طبع بمطابع دار المعارف
دار المعارف
باقة تجمع بين حسن الاختيار ودقة التحقيق العلمي وجمال الإخراج الفنى تلتقى فيها جهود كبار المحققين ورغبة دار المعارف فى بعث وتقديم الثمين والمفيد من تراثنا في ثوب لائق مع طموح القارئ المعاصر إلى التعرف على أفضل ما خلفه الأسلاف مما يشحذ وعينا ويُثرى خبرتنا ويدفع حياتنا الحاضرة دائما إلى الأمام
دار المعارف
1VA/1