Go Back





الإمام
الدكتور عبد الحليم محمود
مع الانبياء والرسل
M NXI

لآية لقوم يسمعون وإن لكم فى الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصًا سائغا للشاربين ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سَكَرًا ورزقًا حسنًا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلى من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون النحل آية ٦٥-٦٩
وشيء آخر ما هو
- يجول في أذهان بعض الناس أن هذا الترابط الهادف وهذا التماسك المقصود قد تحقق بقوانينه الثابتة وقواعده التي لا تتغير وسنته التي لا تتخلف وأن الله سبحانه وتعالى انتهى منه خلقًا وتدبيرا وإحكامًا فهو يسير الآن على التقدير الذى قدره الله يسير آليا إلى الغاية المرسومة يسير تبعا لنواميس انتهى الله منها ولا يتدخل سبحانه فيها أي أن العالم يسير الآن وحده دون إرادة من الله تصاحبه فى كل حركة أو سكون وفى كل نطق أو صمت
وليس الأمر كذلك إن النظرة الاسلامية هي أن الله سبحانه يمسك النظام المترابط في كل لحظة وفى كل ثانية وأنه سبحانه لو تخلف عن شيء منه طرفة عين لتلاشى وفى ذلك يقول سبحانه

والفضيلة أو بتعبير آخر على الإيمان فما كان الإيمان في يوم من الأيام إلا الحق والخير والفضيلة لا على الأنساب ورسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول عن سلمان الفارسي
سلمان منا آل البيت
وما كان سلمان رضى الله عنه ذا صلة نسبية بالرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه من آل البيت بخلقه ودينه بخيريته وفضائله وعلى العكس من ذلك أبو لهب فإنه مع صلته بالرسول صلى الله عليه وسلم فإن القرآن يقول عنه
سيصلي نارا ذات لهب

والدين في أكثر من مناسبة يبين أن العبرة عند الله إنما هي التقوى
إن أكرمكم عند الله أتقاكم
سارت السفينة في موج كالجبال ولكنها سارت باسم الله مجربها ومرساها أي أن عناية الله رافقتها في سيرها فلم يحدث لها مايسىء ولقد كانت عناية الله ورعايته ترافق نوحًا فى كل خطواته ففى صنع
السفينة يقول الله تعالى واصنع الفلك بأعيننا ووحينا أى على مرأى منا وبارشادنا فى كل الخطوات فعناية الله كانت ترافقه
في بناء السفينة

ويقول الله عن سير السفينة
تجرى بأعيننا
أي أن سيرها كان فى مجال الرعاية الإلهية والملاحظة الربانية ولم تترك السفينة للعواصف تلعب بها ولا للأعاصير تدمرها
هذه الرعاية والعناية كان يرافقها ويقابلها من نوح عليه السلام وصفان ذكرهما الله سبحانه حيث يقول عنه
إنه كان عبدا شكورا
لقد حقق نوح عليه السلام العبودية لله سبحانه والعبودية لله سبحانه أشرف ما يوصف به الإنسان بالنسبة لله وإن من حققها فقد حقق الذي
من
أجله خلق الله الإنسان والجان يقول سبحانه
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
أي ليتحققوا بالعبودية فإذا ما تحققوا بالعبودية كفاهم الله كل ما أهمهم أترى إلى التعبير القرآنى كيف استعمل كلمة عبد وقال أليس الله بکاف عبده
لقد تحقق نوح عليه السلام بالعبودية لله ومن أجمل مظاهر العبودية الشكر لله سبحانه وتعالى
ولم يكن نوح عليه السلام عبدا شاكرًا وإنما كان عبدا شكورا وذلك
۱۰۱

أن شكورًا أبلغ فى الشكر من شاكر والله سبحانه وتعالى يقول
وقليل من عبادى الشكور
ولقد كان من مظاهر شكره لله سبحانه وتعالى كثرة صيامه
روى ابن ماجه بسنده عن عبد الله بن عمرو قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى وصام داود نصف الدهر وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر وأفطر الدهر
ومعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم عن إبراهيم عليه السلام صام الدهر وأفطر الدهر أنه ما دامت الحسنة بعشر أمثالها فصوم يوم إنما هو بمثابة صوم عشرة أيام وصوم ثلاثة أيام من كل شهر إذن إنما بمثابة صوم كل شهر فكأن إبراهيم عليه السلام قد صام الدهر كله ومع ذلك فإنه لم يصم من كل شهر إلا ثلاثة أيام وهى أيام قليلة فكأنه قد أفطر
الدهر كله
تثير قصة سفينة سيدنا نوح عديدا من التساؤلات كم يوما سارت السفينة أين موقع الجودى الذى رست عليه هل شمل الطوفان الأرض
جميعها هل كان سكان الأرض بعد الطوفان كلهم مؤمنين عندما جاء النداء الإلهى للأرض أن تبتلع ماءها وللسماء أن تكف عن
۱۰

إرسال المطر أخذ الماء فى النقصان واستوت السفينة على الجودي والجودى - كما يقول صاحب القاموس - جبل بالجزيرة استوت عليه
سفينة نوح عليه السلام ويسمى فى التوراة أراراط ا هـ
أما
عن عدد
الأيام التي سارتها السفينة فعلم ذلك عند الله وكل قول
فيه إنما هو ضرب من التخمين
فإذا عدنا للتساؤل عن الطوفان هل كان عاما شمل المعمورة كلها أو كان خاصا بالإقليم الذي كان به نوح نجد أن الإمام محمد عبده يعرض لهذا الموضوع ويبين أن أهل الكتاب وعلماء الأمة الإسلامية يجمعون على أن الطوفان كان عاما لكل الأرض وقد وافقهم على ذلك كثير من أهل النظر واحتجوا على رأيهم بوجود بعض الأصداف والأسماك المتحجرة في أعالى الجبال لأن هذه الأشياء مما لا يتكون إلا في البحر فظهورها في رؤوس الجبال دليل على أن الماء صعد إليها مرة من المرات ولن يكون ذلك حتى يكون قد عم الأرض
ولكن بعض أهل النظر من المتأخرين يرى مخالفة هذا الرأي ويقول إن الطوفان لم يكن عاما ولهم على ذلك شواهد يطول شرحها
وأيا كان الأمر فإنه عندما رست السفينة قيل
يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك ونزل نوح ومن معه في رعاية الله وعنايته وقد ظهرت الأرض من الشرك ومن الأوثان والأصنام ومن الشر على جميع أنواعه

نزلوا وليس على وجه الأرض كافر وأخذوا يعملون ويعبدون
ولقد ذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث صحيح
أن
نبی
الله نوح
لما حضرته الوفاة قال لابنه
إنى قاص عليك وصية آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين
معناه
آمرك بلا إله إلا الله فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله
إلا الله
وآمرك بسبحان الله وبحمده فإن بها صلات كل شيء وبها يرزق
الخلق
وأنهاك عن الشرك والكبر
قيل يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه فما الكبر هل هو أن يكون
لاحدنا نعلان حسنان وشراكان حسنان
فقال لا
قيل أهو أن يكون لأحدنا حلة يلبسها
قال لا
قيل أهو أن يكون لأحدنا دابة يركبها
قال لا
12

قيل هل هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه
قال لا
قيل يا رسول الله فما الكبر
قال سفه الحق وغمط الناس أى التكذيب بالحق والتعالى على الناس
مما تقدم ومن حديث النبي عليه الصلاة والسلام عن نوح عليه السلام يتبين أن الله سبحانه ظهر الأرض من الكفر بالطوفان وعاد بنو البشر إلى
التوحيد
عندما جاء الطوفان على أيام سيدنا نوح طهر الله العالم الأرضى مادة وروحا طهره مادة بهذا الطوفان الذى كان فيه الموج كالجبال وطهره روحا بأن دمر الشرك بالغرق الذي لم يترك على ظهر البسيطة كافرا بالله وعاش هذا الجيل من المؤمنين مع سيدنا نوح فى أمن روحي وفي نعيم مادى ولقد كانت الثقة متبادلة وكان التعاون تاما وكان الإيمان مسيطرا وكانت تعاليم السماء مطاعة والزمن يمر في رخاء
- ولكن كم استمرت هذه الحياة السعيدة لا شك أنها استمرت بطبيعة الحال مدة حياة نوح عليه السلام استمرت طيلة حياة الجيل
الأول
۱۰۵

- ولكن الناس هم الناس أينما كانوا فما أن نشأ الفتيان والفتيات حتى بدأ التنافس والتنازع من أجل المال والثراء ومن أجل الجمال
والاستمتاع به
ومن أجل الجاه والنفوذ والسيطرة والاستعلاء فالتحكم في النزعات والأهواء ليس من السهولة بمكان والتسامى بالغرائز صفة لا ينالها إلا أولو العزم
وما من شك في أن الانحراف لم ينشأ طفرة بل نشأ بصورة تغلغلت على مر الزمن وأخذ طريقين متلازمين متفاعلين يزيد كل منهما بزيادة
الآخر وهما طريق العقيدة وطريق الأخلاق
- ولا
ريب
أن أساس الانحراف إنما هو العقيدة ومن أجل ذلك كان
إصلاح العقيدة إصلاحًا للأخلاق وكان فساد العقيدة فسادًا للأخلاق
- بدأ الانحراف في العقيدة متجها نحو الشرك
- بدأ الانحراف في الأخلاق متجها نحو الكبرياء والتفاخر والترف
الفاسد
وتركز هذا الانحراف أقوى ما يكون في إقليم عربى سماه القرآن بالأحقاف فبلغ فيه قمته
كان هذا الإقليم في اليمن بين عمان وحضر موت وكان أرضًا

ووديانا مطلة على البحر تسمى الشحر وقد هذا الوادى أيضا باسم
سمى
له مغزاه وهو اسم مغيث فقد كان غينا بالخير والنعم
نعمه
- كان يسكن هذا الوادى قبيلة تسمى عاد وقد منحها الله من الكثير أما من ناحية إقليمهم فقد هيأ الله لهم واديًا أمدهم فيه بأنعام وبنين ومتعهم فيه بجنات وعيون وزادهم الله في الخلق بسطة فجعلهم ضخام الأجسام أقوياء وكانوا من القوة بحيث قالوا يوما ما في خيلاء
وفخر
من أشد منا قوة
- ولما كان الله قد وفر لهم كل أسباب الحياة الهنيئة الناعمة وعبر عن
ذلك سبحانه بقوله
وأترفناهم في الحياة الدنيا
كان من المنتظر أن يحمدوا الله ويشكروه على هذه النعم الظاهرة
والباطنة
ولكن صدق الله العظيم إذ يقول
إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى
أى أن الإنسان إذا رأى نفسه في غنى ونعيم طغى وبغي وقد كان هذا
شأن عاد
۱۰۷

هود
عليه السلام
يروى ابن حبان بسنده عن أبي ذر عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديثاً طويلاً خاصا بالأنبياء والمرسلين يقول فيه
منهم أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أباذر وهود عليه السلام هو النبى العربى الذى أرسله الله إلى عاد القبيلة العربية وهى من العرب العاربة
هم
والعرب العاربة العرب الذين كانوا قبل نشأة إسماعيل عليه السلام ومنهم عاد وثمود
أما العرب الذين كانوا بعد إسماعيل ومن ذرية إسماعيل فهم العرب المستعربة
ولقد بلغ الانحراف بقوم عاد أن أشركوا بالله وعبدوا الأصنام فكانوا بذلك أول من عبد الأصنام بعد الطوفان فأرسل الله لهم هودا عليه السلام
۱۰۸

- وأخذ هود يبشر بالتوحيد شأنه شأن الأنبياء جميعا فقال لهم يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون الأعراف آية
0
وكان موقف السادة الكبراء أو على حد التعبير القرآني كان موقف الملأ الذين كفروا من قومه العداوة والبغضاء والرمى بالسفاهة والكذب - ولم ييأس هود منهم وإنما أخذ يذكرهم بنعم الله الظاهرة والباطنة التي يتقلبون فيها والتي تستوجب الحمد والشكر
وأعلن لهم قانون الاستغفار والتوبة مبينا زاوية أخرى – غير الزاوية التي ذكرها نوح عليه السلام من قبل وهى زاوية زيادة القوة

- ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم هود آية ٥٢
ثم هددهم بالقانون الإلهى الثابت وهو أنهم إذا أعرضوا ورفضوا وأبوا واستكبروا فإن عقاب الله لا مناص نازل بهم وتلك سنة الله في خلقه
- ومع
ذلك فلم يستجيبوا لنعمه ولا لتهديده واستمروا يتابعون أهواءهم فيبنون على الروابى والمرتفعات قصورا هي آيات في الفن ويصنعون من أدوات الزينة والترف كل ما تهفو إليه النزعات وتتطلبه
الأهواء
۱۰۹

إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا فاطر آية ٤١
أمسكهما
هذه العقيدة تحتاج إلى إيضاح أكثر
في سورة فاطر نجد الآية الكريمة
إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا
وهو سبحانه الذي يمسك الطير في جو السماء يقول سبحانه ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون النحل آية ۷۹

ويقبضن
ويقول سبحانه أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير الملك آية ١٩ وهو سبحانه مالك الملك يؤتيه في أية لحظة من
يشاء
يشاء وينزعه في أية لحظة ممن
وهو سبحانه الذي يصرف الليل والنهار كلما أشرق فجر وكلما غربت
شمس
وهو الذي يهب الحياة أو يسلبها كلما تنسم كائن الحياة وكلما فارقها
يقول سبحانه
قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك
من تشاء وتنزع
الملك ممن
تشاء
تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير وتعز من
11

وظلوا سادرين في غيهم لا يستجيبون لنداء الحق ولا يرجعون عن
الباطل
- بل تمادوا فى باطلهم وسخروا من هود عليه السلام ومن اتبعه وأعلنوها صريحة سافرة
- إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين المؤمنون آية ۳۷
وطلبوا من هود عليه السلام أن يعجل لهم العذاب الذي وعدهم به

وفى يوم من الأيام رأوا فى أفق السماء شيئا أشبه بسحابة داكنة ظنوها سحابة ممطرة لكنها كانت الريح المدمرة المهلكة لقد أهلكهم الله باردة شديدة سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام متتابعة لا تهدأ ولا تفتر فصرعتهم جميعا ولم تبق من الكافرين أحدا ونجي الله هودا ومن
بريح
آمن معه
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا عصفت الريح اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك
من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به
11

صالح
عليه السلام
انفصل جيش المسلمين عن المدينة مسرعًا في اتجاه تبوك وكان على رأسه الرسول صلى الله عليه وسلم فلما وصل إلى الحجر عند بيوت ثمود بعد أيام من رحلته نزل الناس يستقون من آبارها ويتزودون من مياهها وعجنوا منها ونصبوا القدور بها أما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لما قرب منها قنع رأسه وأسرع راحلته ونبه الناس إلى أن دخول مثل هذا المكان يقتضى التفكر لما أحداث وعظات وعبر تدمع لها العين ويحزن لها القلب وتملأ الإنسان بخشية الله والخوف من عذابه ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المسلمين تزودوا من مياه الآبار وعجنوا منها وجعلوها فى طعامهم ينضجونه على النار نادى الناس
قائلا
مر به من
لا تشربوا من مائها شيئًا ولا تتوضأوا منه للصلاة وما كان من عجين

عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئًا ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له
ويقول ابن هشام لما مر الرسول صلى الله عليه وسلم بالحجر سجى
ثوبه على وجهه - أي غطاه

به واستحث راحلته ثم قال لا تدخلوا
بيوت الذين ظلموا إلا وأنتم باكون خوفًا أن يصيبكم مثل ما أصابهم
ما قصة هذا المكان ومن هم أهله
أما المكان فهو الحجر فيما بين الحجاز وتبوك أما أهله فثمود وهى قبيلة من العرب العاربة كانوا زمنيا بعد عاد قوم هود وقد انحرفت بهم العقيدة وانحرفت بهم الأخلاق ونزلوا إلى المستوى الذي لا يتناسب مع بني الإنسان فعبدوا الأصنام
وأرسل الله لهم النبى العربى الثانى الذى نشأ في الجزيرة وهو صالح
عليه السلام وأخذ صالح يبشر برسالة التوحيد
قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيرهم هود آية ٦١
وأخذ صالح يذكرهم بنعم الله عليهم ويقول
لقد جعلكم الله خلفاء الأرض بعد أن عادا دمر حين كذبت برسولها ولقد أحلكم الله في إقليم من الأرض تتخذون فيه قصورا تشيدونها فيها الترف والنعيم ولقد مكنكم الله من الجبال تنتحتون فيها البيوت التي تمتاز
۱۱

منهم إلا أن يتقوا الله ويطيعوه فطاعته إنما هي طاعة الله لأنه مجرد رسول
من لدنه
و آمن به بعض الذين استضعفوا ووقفوا جبهة واحدة في وجهه جميع الملأ الذين استكبروا من قومه يناقشون ويجادلون ويكذبون ويقولون
للذين استضعفوا لمن آمن منهم
أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه
فيردون عليهم إنا بالذي آمنتم به کافرون
وفى يوم من الأيام دخل عليهم صالح وهم مجتمعون في ناديهم وأخذ يدعوهم فأعلنوا أنهم لن يؤمنوا إلا إذا أتى لهم بمعجزة قائلين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين الشعراء
آية ١٥٤
ولم يكتفوا بهذا بل اختاروا هم المعجزة وذهب بهم خيالم ما شاء لهم أن يذهب لقد اقترحوا عليه أن يأتيهم بناقة ضخمة تشرب ماء البئر اليوم لتحيله إلى لبن في الغد
وكان نبي الله صالح حريصًا على هدايتهم محبا لصلاحهم فأخذ يدعو الله متضرعًا أن يحقق المعجزة أخذ يدعو الله وهو الذي أعلن
وإن ربي قريب مجيب
١١٤

واستجاب له القريب المجيب وأرسل الناقة وأعلن صالح أنها ناقة الله دعوها تسرح وتأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم الأعراف آية ۷۳
لكنهم لم يؤمنوا فإن الكبرياء كانت قد تمكنت من قلوبهم بحيث أصبح لا فكاك لهم عنها وكمن للناقة أحدهم فرماها بسهم أصاب ساقها وشد عليها آخر بسيفه فنحرها ووصل بهم الاستهتار أن طلبوا إلى صالح عليه السلام أن يحقق لهم ما وعدهم به من عذاب فقال صالح
0
تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب هود آية
فلما انقضت الأيام الثلاثة وعند شروق الشمس أخذت الذين ظلموا صيحة من السماء من فوقهم يصحبها رجفة من الأرض من تحتهم فماتوا عن آخرهم
ونجى الله صالحا والذين آمنوا معه برحمة منه

يقول الله تعالى
إبراهيم
عليه السلام
واذكر فى الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا مريم آية ٤١ نشأ سيدنا إبراهيم بإقليم بابل وعاصر عهد الملك الجبار النمرود وشب سيدنا إبراهيم على عين الله ورعايته وآتاه الله رشده في سن مبكرة ثم آتاه الله النبوة ووصفه بأنه صديق
وصديق كلمة لها جانبان جانب الصدق وجانب التصديق
ولقد كان إبراهيم عليه السلام صادقًا لا يكذب
أما جانب التصديق فإنه الإيمان اليقينى المباشر السريع بالأخبار التي ترد عن الله سبحانه أو عن أحد المعصومين وهو الاعتقاد اليقينى التام فيما لا يقتضى عملاً وتنفيذ ما يترتب على الاعتقاد من عمل فيما إذا
اقتضى عملا
١١٦

وما من ريب في أن الاعتقاد اليقينى يتمخض حتما عن عمل إذا استلزم الأمر ذلك
ولقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا أبا بكر بالصديقية ولقد كان سيدنا أبو بكر صادقًا لا يكذب وكان يسارع إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل ما يخبر به وكان يسارع إلى العمل بما تقتضيه الأخبار إن كانت تقتضى عملا وكان وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبى بكر بالصديقية في مكة قبل الهجرة بمناسبة حادثة
معينة
هی حادثة الإسراء
ففي يوم من الأيام رأى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا فجاء حتى جلس إليه وقال له كالمستهزئ
هل كان من شيء
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم
قال ما هو
قال إنه أسرى بي الليلة
قال إلى أين
قال إلى بيت المقدس
قال ثم أصبحت بين ظهرانينا

قال نعم
قال فلم ير أن يكذبه مخافة أن ينكر الحديث إذا دعا قومه إليه
قال أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم بما حدثتني
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم
عندئذ انطلق أبو جهل إلى قريش فقال هيا يا معشر بني كعب بن لؤى فانتفضت إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليها
فقال أبو جهل حدث قومك بما حدثتني
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنى أسرى بي الليلة
قالوا إلى أين
قال إلى بيت المقدس
قالوا ثم أصبحت بين ظهرانينا
قال نعم
فإذا بالقوم بين مصفق وبين واضع يده على رأسه متعجبا
يقول الحسن إنه فى يوم الحديث عن الإسراء ارتد كثير ممن كان أسلم وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا له هل لك يا أبا بكر في صاحبك إنه يزعم أن قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى
مكة
۱۱۸

فقال لهم أبو بكر إنكم تكذبون عليه
فقالوا لا ها هو ذاك فى المسجد يحدث به الناس
قال أبو بكر والله لئن كان قاله لقد صدق فما يعجبكم من ذلك
فوالله ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه فهذا أبعد مما تعجبون منه
ومن يومئذ سمى أبو بكر رضى الله عنه بالصديق
ولقد كان سيدنا إبراهيم عليه السلام صديقًا يتمثل فيه جانبا الصديقية وهما الصدق وسرعة التصديق لخبر الله تعالى

لقد تساءلنا في نهاية الحديث الماضى عن مظاهر الصديقية في حياة سيدنا إبراهيم وأول مظهر نتحدث عنه هو امتثاله عليه السلام لأمر الله في مجابهة قومه بأن دينهم باطل وأن عبادتهم فاسدة وأن آلهتهم مزيفة لقد كانوا يعبدون الأصنام كانوا يعبدون أحجارًا ينحتونها بأيديهم ثم يسجدون لها واتجه إبراهيم عليه السلام أول ما اتجه إلى أبيه وكان حريصًا على هدايته محباً لصلاحه فخاطبه قائلا
يا أبت لم تعبد ما لا يسمع
ولا يبصر
ولا يغنى عنك شيئًا مريم
آية ٤٢
۱۱۹

تولج الليل في النهار وتولج النهار فى الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب آل ان آية عمر
٢٦-٢٧
لعل القارئ الكريم يلاحظ استعمال الفعل المضارع في هذه الآيات القرآنية ودلالة الفعل المضارع إنما هي للحاضر وللمستقبل
والآيات القرآنية من هذا القبيل كثيرة يقول سبحانه وهو الذي يصوركم فى الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز
الحكيم آل عمران آية ٦
ويقول سبحانه
ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجرى الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون الروم
آية ٤٦
ويقول سبحانه
الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابًا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفًا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيى الموتى وهو على كل شيء قدير الروم آية ٤٨-٥٠
۱

وشرح لأبيه أنه
مرسل من قبل الله وأنه يعلم عن الله ما لا يعلمه
الله
أبوه وأنه يدعو إلى الله وأن من اتبعه فإنما يتبع الطريق الذي رسمه للهداية والرشد وشرح لهم أن عبادة الأصنام إنمـا هـي اتباع لاغواء
الشيطان وسير في طريق إبليس فهى فى الواقع عبادة لابليس نفسه لأنه الذى زين هذا الطريق وحببه إلى نفوس الضالين
ثم بين أن مآل العصاة أن يحل بهم عذاب الله وأنه يخاف على أبيه أن يمسه عذاب منه من أجل ذلك يدعوه إلى الأسلوب الرباني في العبادة ولكن الالف والعادة كانا قد تمكنا من نفس أبيه ولهما منطقهما الذي
لا يستند إلى غير الإلف والعادة فقال لابراهيم أراغب أنت عن آلهتى يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك مريم
آية ٤٦
ثم أمره بأن يذهب عنه ويفارقه إذا لم يكف عن دعوته تلك
وما كان إبراهيم عليه السلام أحمق أو سفيها وما كان عاقا لأبيه ومن أجل ما فطر عليه من هذه الصفات الكريمة كانت إجابته لأبيه سلام عليك أى أننى بالنسبة لك سلام تام فلن أسيء إليك ولن أحاول القيام بما تكره بل بالعكس من ذلك سأستغفر لك ربى عسى أن يغفر لك ويتوب عليك فإنه سبحانه كان بي حفيا أي لطيفًا وهو سبحانه دائما لطيف بعباده الذين يحققون العبودية له لا لغيره
۱۰

على أنني سوف أعتزلكم فى عبادتكم ولن أدنس جبهتي بالسجود لصنم وإنما سأتجه بعبادتي ودعائى إلى الله وحده وأرجو أن أنجو من عذابه فلن أكون بدعاء ربي شقيا
واستمر إبراهيم يستغفر لأبيه برا به وشفقة عليه فلما تبين له أنه الله كف عن الاستغفار وتبرأ منه
عدو
روى الإمام البخاري بسنده عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال
يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له
إبراهيم
ألم أقل لك لا تعصنى
فيقول له أبوه فاليوم لا أعصيك
فيقول إبراهيم يارب إنك وعدتني أن لا تخزينى يوم يبعثون فأى خرى
أخزى
من
أبى الأبعد
فيقول الله إني حرمت الجنة على الكافرين
ثم يقال يا إبراهيم ما تحت رجليك فينظر فإذا هو بذبح متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار
لم يستسلم إبراهيم إلى اليأس حين رأى موقف أبيه منه أنه أقرب
مع
۱۱

الناس إليه وما من شك فى أن أصحاب الهمم العالية لا يستسلمون إلى اليأس فإذا ما سدت في وجوههم بعض النوافذ حاولوا أن يعالجوا نوافذ أخرى علهم ينجحون في فتحها بل إن العقبات تزيد أرباب الهمم العالية ونشاطًا مضاعفا
عزما على عزم اتجه سيدنا إبراهيم إلى قومه بعد أن لم ينجح مع أبيه اتجه إلى قومه
قائلا
اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون العنكبوت
آية ١٦
ثم أخذ يبين لهم أن الذى يعبدونه إنما هو أصنام نحتوها بأيديهم وأنهم حينما يسمونها آلهة فإنهم يكذبون على أنفسهم وعلى الحق فهؤلاء الذين تعبدونهم من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه وحده لا شريك له واشكروا له إحسانه فإنكم راجعون إليه
لا محالة
وإذا كذبتم فإن ذلك له أمثلة سبقتكم إن أمما من السابقين كذبوا رسلهم فأتاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويندمون حيث
لا ينفعهم الندم
ثم ما شأن هذه الأصنام
هل يسمعونكم إذ تدعون

هل ينفعونكم أو يضرون
بل أيملكون لأنفسهم نفعًا أو يمنعون عن أنفسهم ضرا إنني برىء منهم جميعًا إنهم عدو لى إلا رب العالمين إنه هو الذى خلقنى وهو الذي يهديني سواء السبيل
ثم إنه هو الذى يرزقنى فيطعمني ويسقين وهو الذي يملك الشفاء وإذا مرضت فهو يشفين
وهو الذي بيده أمر الإنسان إماتة واحياء وهو الذي يأمر باتباع
سبيله
أطمع أن يغفر لى خطيئتي
اليوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
وما كان جواب قومه إلا أن قالوا
وجدنا آباءنا لها عابدين
لقد أقروا باجابتهم هذه أن أصنامهم لا تسمع لمن يدعوها ولا تنفع من عبدها ولا تضر من كفر بها أو اعتدى عليها ولم يأخذهم الخجل حينما اعترفوا بأن الحامل لهم على عبادتها مجرد الاقتداء باسلافهم الذين سبقوهم في الضلال والانحراف
والواقع أن التقليد والعادة والالف هى العقبات الصعبة في طريق
۱۳

المصلحين وقد كان ذلك منذ أن بدأ المصلحون دعوتهم ولقد كان بعض ما صادف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دعواته لقد قالوا له هم
أيضا
حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا
ويرد القرآن عليهم في صورة لاذعة فيقول
١٠٤
أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا ولا يهتدون المائدة آية
إن النفوس إذا ألفت شيئًا فترة طويلة من الزمن لم يكن من السهل
انصرافها عنه
والإلف - لا العقل ولا المنطق - هو الذى يعرقل دائما المصلحين خلال التاريخ وإن الذي يزلزل الإلف إنما هو شعور الإنسان بالمسئولية أجل ذلك حاول كل الأنبياء أن يشعروا الإنسان بأنه مفكر وأنه مسئول عن كل تصرفاته ومحاسب على أعماله وكل إنسان بما كسب رهين جاء الأمر الإلهى إلى إبراهيم عليه السلام أن يحطم الأصنام
ومن
وأخذ إبراهيم ينتظر إتاحة الفرصة التى تمكنه من تنفيذ الأمر الإلهى وما كان تنفيذ هذا الأمر بالشيء الهين فإنه لو بدأ في تحطيمها على مرأى منهم الحطموه قبل أن يحطمها فلا مناص من انتظار الفرصة

ولقد كان يعلم أن هذه الفرصة وشيكة الحدوث فقد كان لهم عيد
يحتفلون به في كل عام خارج مدينتهم وكانوا يذهبون إليه فتخلو المدينة أو تكاد ولما جاء يوم العيد وخرجوا يلهون ويعبثون ويحتفلون أسرع إبراهيم عليه السلام بعدته التي كان أعدها من قبل إلى قصر الأصنام فوجد عجبا
لقد وجد القوم قد وضعوا طعاما أمام الأصنام قربانا إليها فأخذ يسخر من عقليات قومه التى صبغتها العادة وأثر فيها الإلف إلى هذا الحد يخاطب الأصنام قائلاً
حتى
ألا تأكلون مالكم لا تنطقون ﴾ الصافات آية ۹۱ ۹ ثم أخذ يحطمها صنا صنا وأخذت تتهاوى تحت معوله واحدا واحدًا أصبحت حطاما اللهم إلا الصنم الأكبر فإنه لم يصبه بسوء وذلك
لحكمة قدرها في نفسه
ورجع القوم من عيدهم ورأوا ما حل بالأصنام وتساءلوا من فعل هذا بالهتنا إنه لمن الظالمين ! الأنبياء آية ٥٩
وجاء الرد من البعض
سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم الأنبياء آية ٦٠
وأسرعوا إلى إبراهيم في غضب وغيظ وأتوا به في الساحة الكبرى

وكانت قد امتلأت بالناس وهذا ما كان يتوقعه وبوجود إبراهيم
تكون المناقشة علنية وفى أكبر جمع ممكن وسألوه
أأنت فعلت هذا بالهتنا يا إبراهيم الأنبياء ٦٢
وبلغت سخريته بهم قمتها فقال
بل فعله الصنم الأكبر الذى تبقى سالما لقد ثار غضبه عليهم فقام إليهم وفتك بهم فلم يدع منهم إلها إلا حطمه واسألوهم عن السر فهم به أعلم لأنهم هم الذين نالهم الأذى وهم يعرفون من الذي فعل اسألوهم إن كانوا ينطقون
بهم
ذلك
وأدركت القوم عند ذلك حيرة شديدة وعادوا إلى أنفسهم باللوم والعتاب وجالت بارقة من التفكير المستقل الحر بأذهانهم وأوشكوا أن يعترفوا بالحق المحض بل لقد قالوا لأنفسهم إنكم أنتم الظالمون لكن سرعان ما استعاد الالف والتقليد والعادة المكانة الأولى من نفوسهم فنكسوا على رءوسهم وعادوا إلى ضلالهم وقالوا في انفعال
وغضب
لقد علمت ما هؤلاء ينطقون الأنبياء آية ٦٥
وكانت فرصة نفيسة أن يسأل إبراهيم هذا الجمع وهذا الملأ قائلا في
تهكم لاذع
١٢٦

أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئًا ولا يضركم أف لكم
ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون الأنبياء آية ٦٦ ٦٧
حطم إبراهيم الأصنام تبعًا لأمر الله فأتي به قومه على أعين الناس ليحاكموه وليشهد الناس محاكمته فجادلهم وسخر منهم فما كان منهم إلا أن قالوا احرقوه وانصروا آلهتكم
لقد استقر رأيهم على إلقائه في النار ليموت حرقًا
ولقد روى القرآن عنهم أنهم قالوا أيضًا
ابنوا له بنيانًا فألقوه في الجحيم الصافات آية ۹۷
لقد كان الجو في غاية من التوتر فقد سفه إبراهيم أحلام الملأ من قومه وسخر بآلهتهم فأثار في نفوسهم غيظًا مكبوتاً وما أن صدر الحكم حتى حاول كل واحد أن يساهم فيه
القصة
وما من شك فى أن التفاصيل التي يذكرها من كتبوا عن لا يستند كثير منها إلى أصل موثوق به ولكن لا بأس من أن تذكر من هذه التفاصيل أنه حينما اجتمع الملأ الذين كفروا من قوم إبراهيم وعلى رأسهم النمرود وأصدروا الحكم أخذوا يهيئون وسيلة التنفيذ فحبسوه في بيت وبنوا بنيانًا بقرية يقال لها كوش ثم جمعوا – كما يقول الشيخ الصاوى - صلاب الحطب وأصناف الخشب مدة شهر حتى كان الرجل يمرض فيقول لو عوفيت لأجمعن حطبًا لإبراهيم وكانت المرأة تغزل
۱۷

وتشترى الحطب بغزلها احتساباً في دينها وكان الرجل يوصى بشراء
الحطب وإلقائه فى المكان الذى ستشعل فيه النار
واشتدت حتى
فلما جمعوا ما أرادوا أشعلوا في كل ناحية من الحطب نارا فاشتعلت النار أنه كان الطير ليمر بها فيحترق من شدة وهجها وحرها فلما أرادوا أن يلقوه فيها أعيتهم الحيل في كيفية إلقائه فصنع لهم رجل من الأكراد يسمى هيزن منجنيقا فعمدوا إلى إبراهيم فأخذوا يقيدونه ويكتفونه وهو يقول – حسبما رواه العالم الثقة الإمام ابن كثير – لا إله
إلا أنت سبحانك لك الحمد ولك الملك لا شريك لك
ويروى الإمام البخاري بسنده عن ابن عباس أنه قال حسبنا الله ونعم الوكيل
قالها إبراهيم حين ألقى فى النار وقالها محمد حين قيل له إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء آل عمران آية ١٧٣-١٧٤
أما الشيخ الصاوى فإنه - من جانب – رأى إبراهيم صورة من صور الإخلاص لله والاستجابة له والتفانى فى طاعته وهو يوشك أن يلقى في النار ورأى من جانب آخر أعداء طغاة ظلمة يوشكون أن يلقوا به في النار فأخذ يذكر الأمر فى صورة شاعرية وذلك أنهم حينما كانوا على وشك
۱۸

- وما من شك في أن الله خلق وقدّر ووضع النواميس وقعد القواعد وذلك شيء وإمساك كل ذلك والقيومية عليه شيء آخر فمع الخلق الإمساك الإمساك مستمر لا ينتهى وهذا هو معنى القيومية وهي من صفات الله تعالى والقيوم اسم من أسمائه سبحانه
ومعنى القيوم أنه القائم بنفسه وأنه الذي يقوم به كل موجود حتى لا يكون للأشياء وجود ولا دوام وجود إلا به
أنه
أهي قيومية إمساك فحسب
كلا إنها قيومية علم وتدبير قائم على العلم
فضلا
عن كونها قيومية
إمساك
اللهم
- إن قيومية الله على العالم هي قيومية إمساك للعالم وإلا لتلاشي ومن هنا كان المعنى العميق للدعاء الذي يدعو به كثير من الصالحين وهو لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك
إذ أن الله لو وكل إنسانًا إلى نفسه لتلاشي فهو ممسك له ماديا ولو وكله إلى نفسه روحيًّا لصار فريسة سهلة للنفس الأمارة بالسوء وللشيطان الموسوس بالشر
وقيومية الله على العالم قيومية علم محيط شامل فهو سبحانه كما يقول في كتابه ويعلم السر وأخفى

من السماء وبمياه تنفجر من الأرض ورد عليه إبراهيم بأن لا حاجة بي
إليك
الله ونعم الوكيل حسبی
وأتاه ملك الهواء وعرض عليه أن يرسل الريح عاصفة مزلزلة فتطير
النار في الهواء فقال له إبراهيم
لا حاجة بي إليك حسبي الله ونعم الوكيل
وأتاه جبريل عليه السلام يعرض عليه كثيرا من وجوه الإنقاذ وقال
له ألك
من حاجة ويرد عليه إبراهيم
أما إليك فلا
ويرى جبريل الموقف ويشفق على إبراهيم ويؤمن أن إبراهيم لو دعا
ربه لاستجاب ولكنه لا دعاء ولا يرى تضرعًا فيقول له فاسأل
ربك !
يسمع
ويرد إبراهيم حسبى من سؤالي علمه بحالي
هذه الصورة لإبراهيم هي حقا صورة الرجل الذي ألقى بقياده تاما كاملاً إلى الله سبحانه إنه الرجل الذى ينفذ ما يؤمر به من غير تردد
ولا فتور وينتهى عما ينهى عنه في تصميم وعزم ولا يسأل غير الله أحدا بل إن ثقته بعلم الله الكامل المطلق الشامل تمنعه من سؤاله والله سبحانه
وتعالى يقول في حديث قدسي
۱۳۰

من
شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين
ولقد كان إبراهيم عليه السلام مشغولاً بذكر الله عن مسألته وكان إبراهيم عليه السلام مفوضًا الأمر إلى الله تفويضا كاملا مسلما وجهه إليه إسلاما تاما ومن أجل ذلك جاء النداء الإلهى
يا نار کونی بردا وسلاما على إبراهيم
وانظر إلى التعبير الإلهى إنه سبحانه لم يقل يا نار كونى بردا على إبراهيم ولو كان هذا هو التعبير لآذته النار ببردها ولكنه سبحانه – وهو أحكم الحاكمين - أضاف إلى البرد السلام فكانت بردًا غير ضار وكانت
سلاما ممتعا
وما من شك في أن الله سبحانه لا يتخلى عن عباده المخلصين في هذه اللحظات الحاسمة وهو سبحانه الذي يقول
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب الطلاق آية ٢
أى يجعل له مخرجًا من كل ضيق ومن كل أزمة ومن كل كرب ومن له وسائل الرزق بحيث يأتيه من حيث لا ينتظره
كل غم وييسر
لقد ألقى إبراهيم في النار ولا يتأتى أن نحرم القارئ الكريم من التصوير اللطيف الذي رسمه أسلافنا لفترة مكث إبراهيم في النار
۱۳۱

قضية إبراهيم عليه السلام هي قضية داع إلى الله أمره سبحانه بتحطيم الأصنام فحطمها طاعة لأمر الله وهو في سلوكه محب الله متفان
فيه يجاهد بكل ما يملك في سبيل هداية الناس إلى الله وهاهم أولاء الطغاة يوثقونه كتافًا ويلقونه في النار وليس له من ذنب إلا أن يقول ربي الله
ولا يجول بخلد إنسان أن الله سبحانه يتركه دون إنقاذ ولقد أمر الله
النار أن تكون بردا وسلاما عليه
هل فعل الله به غير ذلك
لقد أراد المفسرون للقرآن الكريم أن يشرحوا إكرام الله له في هذا
الموقف فقالوا
إن الملائكة تلقته تحمله في رفق حتى وضعته على الأرض فإذا عين ماء عذب وإذا ورد أحمر وإذا نرجس يحيط به وأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة وأتاه بأريكة يجلس عليها وألبسه القميص وأجلسه على الأريكة وجلس معه يحدثه ويؤنسه ويقول له فيها يقول
يا إبراهيم إن ربك يقول لك أما علمت أن النار لا تضر أحبابي ويمكث إبراهيم في النار بضعة أيام ويتحدث المفسرون أيضًا عن شعوره فيخبرون عنه أنه قال
ما كنت أياما قط أنعم من الأيام التي كنت في النار
۱۳

ومهما يكن من شيء فإن الله قد حفظ إبراهيم فلم تضره النار
ويتحدث الله عن أعداء الله فيقول عنهم
فأرادوا به كيدًا فجعلناهم الأخسرين الأنبياء آية۷۰
ويقول سبحانه
فأرادوا به كيدًا فجعلناهم الأسفلين الصافات ۹۸
لقد أرادوا أن ينتصروا فكان نصيبهم الخذلان الواضح ولقد أرادوا الرفعة فكان عاقبة أمرهم أن اتضعوا ولقد وطنوا أنفسهم على الغلبة قدارت عليهم الدائرة وغلبوا
وهكذا كانت حادثة إبراهيم تحقيقًا للوعد الأزلي بنجاة رسله وبنجاة
المؤمنين
يقول سبحانه
OF
ثم ننجى رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين
يونس آية ۱۰۳
ثم ماذا كان بعد ذلك
إن الذي كان بعد ذلك هو ما أخير الله عنه بقوله
ونجيناه ولوطًا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين الأنبياء
آية ۷۱
۱۳۳

فلنتابع إبراهيم في مقره الجديد
ولكننا نقول فى ثقة كاملة إن حادثة إبراهيم لم تمر دون دون أن تترك أثرا
هائلا بين عباد الأصنام هؤلاء
لقد رأى الناس أن رب إبراهيم حفظ إبراهيم وأن آلهتهم لم تتمكن
من حماية نفسها فضلا
هي
عن حماية غيرها وتزلزلت العقيدة في أنفسهم
ولابد أن يكون التيار الإيماني في هذه البقعة قد غير اتجاهه وأخذ يستشرف
إلى الوضع الصحيح
إن حادثة إبراهيم لم تمر دون أن تتر رك أثرا عميقا ودون أن تزلزل الشرك من جذوره وحكمة الله فوق كل حكمة وتدبير الله أسمى من كل
تدبير
قد
يقول شاعرنا العربي هذا البيت من الحكمة العميقة ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبكى الله بعض الناس بالنعم وقد أنعم الله على إبراهيم عليه السلام بمحاولة قومه أن يقتلوه حرقًا
بالنار وفى مقابل ذلك ابتلي الملك الطاغية نمرود بالملك
لقد ابتلاه بالملك فلم يقل كما قال سليمان عليه السلام هذا من فضل ربى ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم النمل آية ٤٠
١٣٤

كلا لم يقل ذلك وإنما كان مثله كمثل فرعون فقد استخف نمرود قومه
فأطاعوه
أنا ربكم الأعلى
فقالوا سمعا وطاعة
ولما رأى هذا الطاغية سيدنا إبراهيم يدعو لتأليه غيره استدعاه وسأله
شأنه عن
وعن ربه فقال إبراهيم
ربي الذي يحيي ويميت
وحاول الطاغية المغالطة فقال
أنا أحيى وأميت
وفي تفسير مغالطته يقول محمد بن إسحاق
یعنی
أنه إذا أتى بالرجلين قد تحتم قتلها فإذا أمر بقتل أحدهما وعفا
عن الآخر فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر اهـ
وما إلى هذا قصد سيدنا إبراهيم ورأى عليه السلام أن الاستمرار في هذه الحجة لا طائل تحته فإن الطاغية سيمارى ويجادل فعدل عليه السلام عن ذلك حجة لا يتأتى للمتأله الرد عليها قال
فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ! البقرة
آية ٢٥٨
۱۳۵

يريد أن يقول إن هذه الشمس التي خلقها الله من قبل أن تولد أنت وسخرها تجرى لمستقر لها وجعلها تشرق كل صباح من المشرق وتغرب كل مساء في المغرب
إن هذه الشمس التي جعلها ربى تسير على هذا النسق حاول أنت أن تعكس سيرها فاجعلها تدور فى طريق عكسى بحيث تشرق مما نسميه نحن المغرب وتغرب فيها نسميه المشرق
أما
٢٥٨
رد
الطاغية على هذا فهو ما صوره الله تعالى بقوله
فبهت الذي كفر والله لا يهدى القوم الظالمين﴾ البقرة آية
وبعض الناس في كل زمان ومكان يغزوهم الكبرياء وتشتاق نفوسهم إلى التأله ويصلون من ذلك إلى قليل أو كثير وذلك إن الكبرياء تأله
والخيلاء تأله فيعاتبهم الله لمنازعتهم إياه في صفات الألوهية ولقد عاقب الله هذا الطاغية وجعل عقابه يأتي عن طريق خلق الله ضعيف هو الناموس
لقد عذبه الله بالناموس وأهلكه بالناموس وكان مصيره مصير جميع
الطغاة
غضب من الله في الدنيا وعذاب أليم في الآخرة

١٣٦

منذ أن خلق الله الكون والبشر يحبون معرفة سر الحياة والموت وكيفية إحياء الموتى والأنبياء وهم محبون الله وهم محبوبون من الله يحبون دائما أن يعرفوا من أسرار الله ما خفى عنهم
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دائما
ومن
رب زدنی علما
هذا القبيل - قبيل زيادة العلم والاطلاع – طلب سيدنا إبراهيم
من الله أن يريه كيف يحيى الموتى فقال مخاطبا ربه
رب أرنى كيف تحيي الموتى
ويرد الله عليه قائلا
أو لم تؤمن
أى أو لم تؤمن بالبعث والقدرة المطلقة الشاملة
وكان إبراهيم عليه السلام مؤمنًا أقوى ما يكون الإيمان بيد
أن
بين
الإيمان والمشاهدة فارقًا ملموسًا ومن أجل ذلك كان المثل الأعلى في
الإسلام يعبر عنه بالشهادة فيقال أشهد أن لا إله إلا الله وأجاب إبراهيم في سرعة سريعة إلى مؤمن وما أردت بالمشاهدة إلا الاطمئنان القلبى الذى يحدث عن المشاهدة يقول الإمام ابن كثير وقد كان إبراهيم عليه السلام يعلم قدرة الله على إحياء الموتى علما
۱۳۷

يقينيا لا يحتمل النقيض ولكن أحب أن يشاهد ذلك عيانا ويترقى من علم اليقين إلى عين اليقين فأجابه الله إلى سؤاله وأعطاه غاية مأموله
اهـ
لقد قال الله له
خذ أربعة من الطير فاضممهن إليك والقهن بحيث يأتينك إذا ناديت وتأمل أشكالها وهيئتها لئلا تلتبس عليك بعد الإحياء أو تتوهم أنها غير ذلك ثم اذبحها واجعلها أجزاء وفرقها على الجبال المحيطة بك فاجعل على كل جبل منهن جزءًا وبعد ذلك ادعهن فسيأتينك سعيًا واعلم أن الله عزيز حكيم
والواقع أن القرآن معنى كل العناية بإقامة الأدلة على إثبات البعث وإحياء الموتى وقد عالج الموضوع من زوايا متعددة وأقام عليه مختلف الأدلة ومثل له بعدة ألوان من التمثيل
وقد سأل الجاحدون للبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلين من الذي يحيى العظام بعد أن أصبحت بالية
ویرد
الله سبحانه بأن الذى يحيى العظام هو الذي أنشأها أول مرة
موجود إنما كان عدما وجد فإذا
ولقد أنشأها أول مرة من العدم وكل كان الله ينشئ من العدم فإنه من باب أولى يعيد جمع ما تفرق وأن ذلك
الله أسهل ويعبر
عن
ذلك في إيجاز بليغ جميل فيقول
۱۳۸

۷۹
قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم يس آية -
ثم أيتأتى في الذهن أن الذى خلق السموات والأرض في عظمتها وسعتها وفى إبداعها وتنسيقها لا يمكنه إعادة ما مات وإيجاد ما تفرق مع أن ذلك أسهل من خلق السموات والأرض
إن الله سبحانه يخلق فى كل لحظة خلقًا جديدًا نراه ونؤمن به وما البعث إلا ظاهرة هي أسهل من الخلق والإنشاء وما يجحد بها إلا الذين لم يتدبروا صنع الله الذي أتقن كل شيء
خلقه
كان إبراهيم عليه السلام معنيا بتطهير العقيدة عن الله من كل ما يحيط بها من شرك
وما من شك في أن عبادة الأصنام إشراك بالله سبحانه ولا يفيد في هذا المقام أن يقول عبّادها
ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى
فإن ذلك لا ينفى أنهم يعبدونها من دون الله أو مع الله وعبادتها من دون الله كفر بالله وعبادتها مع الله إشراك به
بعض
وقد يندهش بعض الناس من موقف الإنسانية في بعض الأزمنة وفي الأمكنة من عبادة الأصنام ويتساءل
۱۳۹

أما السر فأمره معروف وإنما الأخفى من السر فهو ما في دائرة
اللاشعور
وهو سبحانه
يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
وهو سبحانه
عالم الغيب والشهادة
الله يعلم ماتحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار الرعد آية ۸-۱۰
وعلمه سبحانه ليس مقصورًا على الماضى أو الحاضر فحسب ولكنه شامل للمستقبل أيضًا يقول تعالى
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من
قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير الحديد آية وإذا كان الله سبحانه وتعالى أعلن أن علمه عام شامل بقوله عالم الغيب والشهادة إذ أن عالم الغيب هو ماوراء الطبيعة وعالم
الشهادة هو الطبيعة فإن الله سبحانه قد فصل الأجزاء والجزئيات وبين
أنه
١٤

أما كان لهؤلاء العابدين للأحجار من عقل يعقل أو فؤاد يدرك أيجوز في أفهام الناس أن يعبدوا أحجارًا أو معادن صنعوها لا عقل لها ولا شعور فيها
أيتأتى أن تهوى الإنسانية إلى هذا المستوى من البلاهة وهنا نأتى إلى تفسير هذه العقيدة في بعض الأقاليم التي نشأت بها
Z
إن الكواكب فى السماء تشرق متلألئة وضاءة ترتاح النفس إلى ضوئها وتستريح إلى لمعانها
والنور يرسل شعاعه الفضى إلى الأرض فيبدد الظلمات ويكون هاديًا ودليلا ويفتن الشعراء والعاطفيين بنوره الخافت وأضوائه ثم ها هي ذى الشمس ترسل شعاعها الذهبي حينما تشرق وترسل شعاعها الذهبي في ساعة الأصيل وهى فيما بين ذلك تتلألأ في قوة هائلة وتتوهج في جبروت طاغ وفي كل لحظاتها تبعث الدفء والحياة في جميع أرجاء المعمورة كانت هذه الكواكب على مر الزمن مثار جاذبية وتأمل ثم مثار حب وافتتان ثم مثار إكبار وتقديس وانتهت الإنسانية في أمرها إلى العبادة أثر من آثار معبوده وصورة له أو
والإنسان دائما يحب أن يكون معه
تمثال له صغير أو كبير
وصورت الكواكب واتخذت لها التماثيل وكانت الأصنام على شكل
١٤٠

الهياكل العلوية على ما يقول الشهر ستانى وكانوا يعبدونها باعتبارها رمزًا للهياكل العلوية وهذه الهياكل العلوية التي هي النجوم والكواكب ما كانت فى أذهانهم إلا مقرا للأرواح ومجالاً للعقول الروحانية
ولقد كانوا يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى
فأصل عبادة الأصنام ناشئ

في بعض أسبابه - عن عبادة
الكواكب
أما عبادة الكواكب فلأنها مقر الأرواح العالية التي هي – في عرفهم - الملائكة فقد كانوا يعتبرون أنفسهم أحقر من أن يتجهوا مباشرة إلى الخالق العظيم بالعبادة فتوسلوا إليه بملائكته ليشفعوا لهم عنده في القرب وفى الرزق وفى السلامة من الكوارث وفى العافية على وجه العموم
ولقد بين الإسلام أن الله أقرب إلى الإنسان ممن يكون بجواره وأنه مع الإنسان أينما كان وأنه هو وحده الذى يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف
السوء
له
ولقد صادف سيدنا إبراهيم هذا الفريق أيضًا من عبدة الكواكب وكان معهم موقف محدد
لقد صادف سيدنا إبراهيم ألواناً من الانحرافات في عقيدة الألوهية فقد صادف أولاً عيدة الأصنام ثم صادف نموذجًا من المدعين للألوهية أنه يحيي ويميت ولقد أبان سيدنا إبراهيم لكل من هذين الفريقين يزعم
١٤١

درجة الحق في عقيدة الألوهية
ثم صادف فريقًا ثالثًا يعبد الكواكب في أسلوب سافر ودون وساطة من أصنام وأوثان
وكانت العقيدة فى الكواكب متغلغلة في نفوسهم بحيث لا يتأتى مجابهتها بأسلوب مباشر من الرفض يبدأ به الإنسان في أول كلامه وكان لابد من استعمال الافتراض ومن إفساح المجال للأخذ والرد في
الموضوع
وافترض إبراهيم عليه السلام افتراضًا لا يؤمن به ولا يتمشى مع الحقيقة افترضه ليقود الخصم إلى الصدق الصادق والحق الواضح
معبدهم
لقد جلس مع هؤلاء الذين يعبدون الكواكب وربما كانت الجلسة في الذي يجتمعون فيه إذا أمسى المساء يتطلعون إلى الكواكب في صورة شاعرية وفى نوع من التأمل في هذه الكائنات الظاهرة الخفية الواضحة المجهولة التي يرونها مضيئة لامعة ولكنها مقنعة لا تبدى أسرارها ولا تعلن عن خفاياها وأمسى المساء وبدأت النجوم تظهر الواحدة تلو
الأخرى
وما أن أشرق أول كوكب حتى أشار إليه إبراهيم عليه السلام مفترضا أنه الله فهش الجميع وبشوا وبدأ على وجوههم الأنس به والمودة له إنهم يعرفونه رجلًا ناضجا حكيما متبصرا وها هو ذا يعترف بالهتهم
١٤٢

وأخذوا يتطلعون إلى الكوكب فى مسيره ثم فى انحداره إلى الغروب ثم ها هم أولاء يرونه قد زال عن أعينهم واختفى وبدأ الامتعاض على
وجه إبراهيم وقال
لا أحب الآفلين
لا أحب إلا الحاضر باستمرار أما ما يغيب ويختفى ويزول فلا تكون له صفة الثبات والدوام والخلود فإننى لا أقدسه ولا أعتبره إلها فالإله باق
مستمر
خالد قريب
بدأوا يفكرون ويتشككون ويضيقون ذرعا بالهتهم وبإبراهيم وخانهم المنطق فى الرد عليه وأبت عاداتهم ومألوفاتهم أن تستجيب
للعقل والمنطق فكان الضيق البادى عليهم
ولكن إبراهيم فاجأهم بما خفف عن عقولهم ونفوسهم بافتراضه حينما رأى القمر بازغا أنه الله وسرت فى القوم همسات الارتياح وأصوات الاستحسان وتطلعوا إلى القمر مفتونين بشعاعه الفضى وبجماله المتألق ولكنهم رأوه هو الآخر ينحدر فأخذت قلوبهم تخفق مع انحداره وتوقعوا الخاتمة وتوقعوا ما سيقوله إبراهيم الذى أعلن لهم حينما زال القمر
واختفى
ولئن لم يهدنى ربى لأكونن من القوم الضالين
مبينًا بذلك أن هدى الله ليس فى عبادة الكواكب ولا في عبادة القمر
١٤٣

وما كان الركب متعجلاً في رحلته إنها رحلة إلى الله ولذلك كانوا ثلاثتهم ينتهزون الدعوة إلى الله كلما حانت الفرصة وإذا اقتضت الدعوة الاقامة أياما أو أسابيع أقام الركب يدعو بسلوكه المتسامى وبقوله العذب وبمنطقه الفصيح
ثم استقر المقام في النهاية بالشام وهى ما عناه الله سبحانه بالأرض المباركة في قوله تعالى
ونجيناه ولوطًا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين الأنبياء
آية ۷۱
أقام إبراهيم في أرض الشام ما شاء الله له أن يقيم ثم جاءت فترة أمسكت السماء فيها مطرها وأجدبت بسبب ذلك الأرض فلم تنبت ولم تثمر فهاجر إبراهيم ومن معه إلى مصر
أقام في مصر يدعو إلى الله ويتاجر ويبدو أن تجارته نمت وأصبحت له شهرة ويبدو أن صلة قامت بينه وبين القصر الملكي في مصر بيد أن دعوة التوحيد تزعج دائما الطغاة والجبارين ومدعى الألوهية ومن أجل ذلك لم تطب الإقامة لإبراهيم فى مصر فقد تنكر له الملك وتنكرت له الحاشية ولكنه مع ذلك خرج من مصر على مودة ظاهرية شكلية بادية وكان من مظاهرها إهداء القصر لإبراهيم عليه السلام هاجر تقوم على خدمته
وخدمة أسرته
١٤٥

وكان أبو هريرة رضى الله عنه يذكر هاجر ويقول لقريش
تلك أمكم يا بني ماء السماء
وتذكر كتب السير أن إبراهيم عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض الشام ومعه أنعام وعبد ومال جزيل وصحبتهم هاجر القبطية المصرية
فلما استقر به المقام من جديد بأرض الشام وكان لوط عليه السلام في هذه الفترة قد بلغ من النضج بحيث يمكنه أن يستقل بالدعوة رأى إبراهيم عليه السلام - لمصلحة الدعوة - أن يرسل لوطا إلى بقعة أخرى ليكون للدعوة مركزان
مركز يقوم عليه إبراهيم عليه السلام ومركز يقوم عليه لوط عليه
السلام
ولعل لوطا كان قد نبئ في تلك الآونة
ولعله لم ينبأ إلا في مكانه الجديد
ومهما يكن من شيء فقد ارتحل لوط إلى سدوم ليدعو إلى الله
وسندعه مؤقتاً مستغرقًا في دعوته ونواصل مرافقة إبراهيم عليه السلام

فارق إبراهيم عليه السلام ديار مصر إلى الشام هو ولوط وسارة ومعهم
١٤٦

هاجر وكان مال كثير واستقر إبراهيم في أرض الشام فأرسل لوطًا معهم
إلى سدوم
فلما استقر بإبراهيم المقام وهدأت الأمور رأت سارة أن حياة إبراهيم عليه السلام بدون ولد يلعب فى البيت ويبتسم ويضحك حياة ينقصها عنصر من عناصر البهجة ورأت أن حياة الدعوة محتاجة إلى ولد يشرب مبادئها ويشب في جوها ويسير على قواعدها ثم يتابع الرسالة ويحمل الدعوة بعد أبيه فعرضت على إبراهيم أن يدخل بهاجر
وماذا في ذلك

إن هاجر فيما رأت سارة وفيها رسم لها تفكيرها - خادمتها وستستمر هي رغم دخول إبراهيم بهاجر سيدة البيت الأولى وستستمر منزلتها من هاجر هى منزلة ربة البيت وبجوارها خادمة قد كرمتها فوهبتها لزوجها لمجرد مهمة محددة هي إنجاب الولد
وتم الزواج وحملت هاجر وشعرت هاجر بأن الوضع قد تغير بسبب هذا الحمل وشعرت بأنها وشيكا ستكون أما وسيكون زوجها أبا أى شديد الصلة بها وثيق الرابطة بابنها وشعرت بأنها تمتاز بما ينقص سارة وأنها لم تعد مجرد الخادمة التابعة بل أصبحت من الأسرة لها حقها ولها كرامتها
وربما كانت في كل ذلك لا هم لها إلا تمهيد جو كريم يشب فيه ابنها
١٤٧

بحيث لا يرى أثرًا لماضى أمه المتواضع ولا يرى جوا تكون أمه فيه أقل
من باقي الزوجات
ولعلها لم تكن في كل ذلك ناظرة إلى نفسها وإنما ناظرة إلى هذا الأمل الحلو الذي يوشك أن يتحقق وإلى هذه السعادة التي توشك أن تنبثق إنها
يهب
ستعطى إبراهيم ما تمناه حين دعا الله أن له ولدا من الصالحين وستسعد هي بأن تكون أما
وشعرت سارة بالوضع الجديد ولاحظت فى مسلك إبراهيم عليه السلام من هاجر تغييرا لقد أصبح يعاملها كزوجة بعد أن كان يعاملها كخادمة أنه لم يكن يهينها أو يمتهنها فيما مضى لأنه على خلق كريم ومع
ومع
أن نضجه واتزانه ورويته كانت تمنعه إظهار ألوان
من
من
الخفة
تبدو في مسلك من حرم الولد فترة طويلة من الدهر ثم إذا به فجأة وعلى لهفة إلى الولد يرى الأمل العذب يوشك أن يتحقق أنه كان رفيقا بسارة محباً لها متودّدًا إليها ومع
مع كل ذلك شعرت سارة بأن الموقف قد تغير
وها هي ذي تتبع حركات هاجر الصغيرة منها والكبيرة بفؤاد يقظ تسمع أذنها ما تقول هاجر وما لم تقله وترى عينها ما تفعل هاجر وما لم تفعل وكذلك كانت أيضًا – بل ومن باب أولى بإبراهيم عليه السلام وكبتت عاطفتها أول الأمر ولكنها في النهاية

فيما يتعلق
١٤٨

لم تحتمل كبت عاطفتها وأخذت تبدى ما خفي في نفسها شيئًا فشيئًا وأخذت هاجر تتلطف وتتستر حتى لتقول الروايات
إنها اتخذت أثوابا طويلة الذيل لتعفى أثرها على سارة أى لتخفى سيرها ومواضع أقدامها فتضيع المعالم ولا يتأتى لسارة أن تعلم خط سيرها
حينما تتبعها في حلها وترحالها
إلام انتهى هذا الوضع بالنسبة لها
ذلك ما سنتحدث عنه
اتجه إبراهيم إلى الله متضرعًا وقال
رب هب لى من الصالحين الصافات آية ١٠٠
واستجاب الله دعاءه وبشره بغلام حليم
ولد هذا الغلام بأرض الشام ولدته هاجر التي وهبتها سارة لإبراهيم زوجة له فلما دخل بها حملت وجاء يوم رأى فيه بيت إبراهيم عنصراً جديدًا في حياته هو إسماعيل المولود الجديد
ودبت الغيرة في قلب سارة فلم تحتمل رؤية إسماعيل وأمه فأشارت على إبراهيم أن يتخير لها مكاناً آخر واستخار إبراهيم ربه ثم حمل الأم وطفلها إلى المكان الذى أمره الله باقامتها فيه إلى مكة
لقد وضعهما عند شجرة كبيرة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة
١٤٩

يعلم اليسير والصغير والكبير
يقول سبحانه
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون الأنعام آية ٥٩-٦٠
ويقول سبحانه
يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربى لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين سبأ آية -۳
أما الأصغر من الذرة الذي ذكره الله سبحانه في الآية الكريمة فلك أن تقول عنه في سهولة ويسر أنه البروتون والألكترون ويكون القرآن
بذلك قد أشار إلى تفتيت الذرة من قبل أن تفتت
وهذه قيومية العلم وهى لا تنفك عن قيومية التدبير إن قيومية التدبير قائمة على قيومية العلم لا تنفك عنها وهي تلازمها حتى لكأنها صفة واحدة اس

يومئذ أحد وليس بها ماء إذ لم يكن ماء زمزم قد تفجر بعد لقد وضعها هنالك وترك لهما شيئًا يسيرًا من الزاد يتمثل في جراب من تمر وفى سقاء من ماء
وهم إبراهيم بالعودة من حيث أتى وتطلعت هاجر هنا وهناك وأجالت بصرها شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوباً فلم تر أنيسا ولم تلمح أثرا للحياة فتعلقت بإبراهيم ترجوه فى أن لا يتركها بهذا الوادي الذي لا أنيس به وصمت إبراهيم عليه السلام وأعادت هاجر الرجاء وصمت إبراهيم عليه السلام وكررت هاجر الرجاء فلم تجد إلا صمتا صمتاً تتمثل فيه الرحمة والمودة والحب والحنان ولكنه صمت مصر وسكوت عازم
فقالت هاجر الله أمرك بهذا
فقال نعم
فقالت إذن لا يضيعنا
وتركته ينصرف وعادت إلى ابنها تضمه بين ذراعيها في حنان وحب وسرحت بخيالها في المستقبل المجهول وفى تصاريف القدر وكلها ثقة عناية الله ورعايته
انطلق إبراهيم عائدا حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا الله رافعا يديه قائلا
١٥٠

ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من
الثمرات لعلهم يشكرون إبراهيم آية ۳۷
وهدأت نفسه وسار في طريقه مفوضًا الأمر إلى الله لا تهمس في الكون
همسة ولا تطرف فيه عين إلا بعلمه وإرادته
أما أم إسماعيل فقد انفردت في هذا المكان مع ابنها الرضيع تجول نظراتها في عالم الإشفاق ويجول إيمانها في جو الثقة تجرها طبيعتها إلى
الخوف وينزع بها يقينها إلى الأمن ثم ألقت بقيادها إلى الله وضمت طفلها إلى صدرها وأغمضت عينيها وأرسل الله النعاس انقاذا لها من التردد بين ما توحى به طبيعتها وفطرتها وما يوحى به إيمانها
ويقينها
وعاشت أم إسماعيل على جراب التمر وسقاء الماء مقتصدة مسرفة في
الاقتصاد ولكن جراب التمر وسقاء الماء ما لبثا أن نفدا
وضع إبراهيم عليه السلام ابنه الرضيع إسماعيل وأمه هاجر عند بيت الله الحرام وتركهما ومعهما زاد قليل لم يلبث أن نفد وجاعت الأم وعطشت وجاع ابنها وعطش وجعل يتلوى باكيا صارحًا في منظر يفتت القلوب ولم تتحمل الأم رؤيته على هذه الحالة فانطلقت كراهة أن تنظر إليه على هذه الحالة فوجدت الصفا أقرب المرتفعات إليها فأسرعت نحوه

وارتقت عليه وأخذت تجيل بصرها في الوادي هل ترى من أحد فلم تر
أحدا
الصفا فهبطت من حتى إذا بلغت الوادى رفعت طرف ثوبها مشمرة ملابسها ثم سعت سعى الإنسان المجهود لقد كانت تسعى وقد أنهكها الجوع والعطش تدفعها عاطفة الرحمة بابنها كانت تسعى وكلها رحمة بهذا الرضيع الذي يلوح أمام عينيها وفى ذهنها منظره يتلوى جوعًا وعطشًا لقد أخذت تسعى حتى جاوزت الوادى ووصلت إلى جبل المروة فارتقته وأخذت تنظر وعادت من جديد هابطة وهكذا أخذت تتردد والهةً حيرى بين الأكمتين سبع مرا مرات
وهذا هو أساس منسك السعى بين الصفا والمروة في شعيرة الحج قال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلذلك
سعی الناس بينها
والله سبحانه وتعالى يقول
إن الصا والمروة من شعائر الله
إن الحاج إلى بيت الله الحرام يسعى بين الصفا والمروة سبع مرات إنه في هذا يترسم خطا هذه السيدة إنه يرسمها مستشعرا ما كانت تشعر به
من رحمة وحنان
١٥٢

وإذا كانت رحمتها وحنانها إنما كانا من أجل ابنها الرضيع المسكين فإن
الرحمة التي ينبغي أن يستشرف إليها الحاج راجيا أن تملأ نفسه وأن تفعم جوانحه إنما هي الرحمة بالإنسانية جمعاء الرحمة بكل من يحس بالألم أو يشعر بالضيق بسبب ما يحل به من جوع أو ظمأ أو بسبب ما يحيط به من مكر وكيد أو بسبب ما يشعر به من خوف وقلق الرحمة بكل من كان في حاجة إلى الرحمة
الأمل فها
هي
ذي
ونعود إلى أم إسماعيل فنجدها يلوح لها بريق من تسمع صوتا وخيل إليها - وهى فى عنفوان عاطفتها - أن نبضات قلبها أو خفقان ثوبها يعكر عليها السماع فقالت صه أي أسكت – وكانت ثم تسمعت وكلها آذان وصمتت وكلها شعور صوتا من من جديد فصاحت بأعلى صوتها مستنجدة في لهفة قائلة
تريد نفسها بذلك
فسمعت

قد أسمعت إن كان عندك غوث
فإذا هي بالملك عند موضع زمزم يهز الأرض فإذا بالماء يظهر وإذا بالنبع يتفجر وإذا بالسعادة كلها تلوح عند هذا الماء المتلألئ في شعاع
الشمس
وإذا بقلب هذه السيدة يسجد لله شكرًا وإذا بلسانها ينطلق ثناء وحمدا
ثم إذا بها تسمع الملك يقول
قال الملك لأم إسماعيل
١٥٣

أهله
إن الله لا يضيع
شربت أم إسماعيل وأرضعت ولدها - وقال لها الملك

كما روی
الإمام البخاري - لا تخافوا الضيعة فإن هذا البيت يبنيه هذا الغلام وأبوه
وأن الله لا
أهله
يضيع
هل كان بيت الله مبنيا قبل ذلك ومن بناه
إن إبراهيم عليه السلام يقول
ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك
المحرم
فهل كان بيت الله المحرم موجودا قبل إبراهيم
إن حديث الإمام البخاري يقول
وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرابية تأتيه السيول
فتأخذ
عن يمينه
وشماله
ويقول الله تعالى في تحديد لا لبس فيه
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا
وبكة في قول الله تعالى هى مكة فمتى بنى البيت
یروى الإمام البيهقي في دلائل النبوة بسنده عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال
١٥٤

بعث الله جبريل إلى آدم فأمره ببناء البيت فبناه آدم
ثم أمره بالطواف به وقيل له
أنت أول الناس وهذا أول بيت وضع للناس
وروى عبد الرزاق عن عطاء رضى الله عنه أن آدم أول من بنى البيت
بيت
والأحاديث النبوية متسقة مع القرآن الكريم تشير إلى أن أول وضع للناس إنما هو البيت الحرام وأن أول من بناه هو آدم وما من شك في أن البيت كان يهمل ويترك أحيانًا فيتهدم ولكن معالمه تبقى حتى يأتى من يجدده
وقد جدده سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل والله سبحانه وتعالى يقول وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل
ولم يقل سبحانه
وإذ يضع إبراهيم القواعد
وإبراهيم وإسماعيل كانا إذن يرفعان القواعد التي وضعها آدم عليه
السلام
ولا بأس بأن نتعجل سير التاريخ من أجل تكميل قصة البيت حتى
لا تكون متفرقة مشتتة
١٥٥

لا بأس من أن نتعجل سير التاريخ فنصل إلى إسماعيل عليه السلام وقد أصبح شابا فتيا يأتيه أبوه فيقول له – كما يروى الإمام البخارى
الله أمرني بأمر
قال فاصنع ما أمرك ربك
قال وتعينني
قال وأعينك
قال فإن الله أمرنى أن أبنى ها هنا بيتًا وأشار إلى أكمة مرتفعة على
ما حولها
قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبنى حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه
وهو يبنى وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم
قال فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم
قال إبراهيم عليه السلام
إني ذاهب إلى ربي سيهدين

وحزم أمره فغادر العراق متجها إلى الشام وفي أثناء الطريق أحس إبراهيم بأنه يسير دون أن يكون في صحبته ولد يؤنسه ويعينه لقد شعر بالحاجة إلى وريث للدعوة معين فيها أحس بالشعور الفطرى شعور الأبوة يريد أن تتحقق الأبوة والحنين إلى الأبوة كالحنين إلى الأمومة فطري في الانسان
ولم يكن إبراهيم عليه السلام قد أنجب إذ ذاك أولادا فاتجه إلى الله في
تبتل وضراعة وخشوع وقال
ورب هب لي من الصالحين
الصالحين للدعوة والصالحين للحياة والصالحين في أنفسهم والصالحين
إن كلمة الصالحين فيها من المعانى ما فيها
ويجيب الله سبحانه وتعالى دعاءه قائلا
فبشرناه بغلام حليم
وما من شك في أن الحلم من
الأسس الأصيلة للنجاح في الدعوة
أتى هذا الغلام على كبر من سن والده وأتى وله لهفة للولد وأتى بكر والده وكان وحيدا وكان أمل والده فيه وفي مستقبله كبيرا وخصوصا لأن الله منحه عقلاً وذكاء ونجابة ومن أجل ذلك كان قرة عين والديه وكان
١٥٧

حبها له كبيرا
أخذ الغلام يشب ويترعرع حتى بلغ السن التي يتمكن فيها من السعى والعمل وبلغ أيضًا من حب والديه مبلغا عظيما وكان الحب يزداد مع الأيام ويكبر على مر السنين وإذا بوالده يرى فيما يراه النائم أنه يذبح ابنه وكان الوالد يعلم أنها إشارة له بذبح ابنه إنها إشارة إلهية فما كان للشيطان عليه من سبيل إنه ابتلاء جديد من نوع الابتلاء الذي اختبره الله به من تحطيم الأصنام والإلقاء في النار لقد نجح في الاختبار السابق واجتازه فى ثقة بالله لاحد لها
ينبغي
بيد أن الابتلاء السابق كان واضح المعنى وكان سافر الملامح لقد كان أمرًا صريحًا بتحطيم الأصنام وكان تحطيما مفهوم الدلالة فما الله أحد وما يجوز فى منطق العقل والقلب والشعور
أن
يعبد مع
السليم أن ينصرف الإنسان عن مانح النعم وكان الإلقاء في النار أيضًا واضح المعنى إنه في سبيل الله وفي سبيل الله يهون كل ألم
لقد نجح في الابتلاء الماضى وحفظه الله سبحانه وكتب له النجاة كما يفعل سبحانه بكل من والاه
ولكن هذا الابتلاء الجديد غير مفهوم المعنى وليس واضح الملامح إنه قتل إنسان إنه ذبح إنسان وهذا الانسان ابن والوالد هو الذي يذبحه
١٥٨

سبحانك
ربی
لقد حفظت هذا الغلام رضيعًا وفجرت له الماء رحمة به وقد كان من الممكن أن تنتهى به الحياة إذ ذاك ولكنك سبحانك جلت حكمتك أبقيته وحفظت حياته فكان من المفروض أن تستمر به الحياة إلى أن تبلغ غايتها
لعل مثل هذه الآراء جالت بذهن إبراهيم أو بذهن إسماعيل ولكنها كانت في مقابلة الإشارة الإلهية بالذبح كالهباء في الهواء لم تثبت ولم تقف على قدميها وكان لابد مما ليس منه بد وتهيأ إبراهيم عليه السلام لذبح ابنه بگره وحيده لقد تهيأ لذبح إسماعيل فما هي الحكمة
أشار الله إلى إبراهيم في الرؤيا بذبح ابنه
والحكمة في ذلك كما يقول الإمام ابن القيم أن الله سبحانه أجرى العادة البشرية أن بكر الأولاد أحب إلى الوالدين ممن يولد بعده
وإبراهيم لما سأل ربه الولد ووهب له تعلقت شعبة من قلبه بمحبته والله سبحانه وتعالى قد اتخذه خليلا والخلة منصب يقتضى توحيد المحبوب بالمحبة وأن لا يشارك بينه وبين غيره فيها
فلما أخذ الولد شعبة من قلب الوالد أحب الله سبحانه الخليله أن يكون له كلية فأمره سبحانه بذبح هذا الذي أخذ حبه شعبة من قلبه وذلك ليخلص له كاملاً وجاء إبراهيم عليه السلام في يوم من الأيام إلى
ابنه قائلاً
١٥٩

بجوها الرطب فى الصيف فتقيكم الحر وتمتاز بجوها الدافع في الشتاء فتقيكم البرد
أتتركون فيما ها هنا آمنين فى جنات وعيون ونخيل محملة بالثمار أتتركون في هذا النعيم الذى أسبغه الله عليكم ثم تكفرون وتعبدون
غيره
هل يتأتى ذلك في منطق الحق
كلا لابد من أن تعودوا إلى الله حتى يستمر في الإنعام عليكم وحتى يبقيكم في هذا النعيم وإلا فلا تلومن إلا أنفسكم
واستمر صالح يبشر برسالة التوحيد والخير فاستجاب له أهل الصدق من نمود
بدأ نبي الله صالح يبشر برسالة التوحيد في وسط مشرك يعبد الأصنام ولقد اجتهد ما شاء الله له أن يجتهد مذكرا بنعم الله تعالى التي تتوالى على هؤلاء الذين أقامهم الله فى جنات وعيون مبينا أنه في دعوته رسول أمين ويعلن وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين
الشعراء آية ۱۰۹
إنه لا يطالب بدين ولا مال ولا يزاحمهم فى جاه ولا رياسة ولا يريد

قذف إبراهيم عليه السلام في النار صاحت كما يذكر - السماء والأرض
ومن فيهما من الملائكة وجميع الخلق إلا الثقلين صيحة وحدة أى ربنا إبراهيم خليلك يلقى فى النار وليس في أرضك أحد يعبدك غيره فأذن لنا في نصرته
فقال الله تعالى إنه خليلي ليس لى خليل غيره وأنا الإله ليس له إله غيرى فإن استغاث بأحدكم أو دعاه فلينصره فقد أذنت له في ذلك وأن لم يدع غيرى فأنا وليه وأنا أعلم به فخلوا بيني وبينه
وماذا جرى بعد هذا
إنه جميل ذلك التصوير العاطفى الذى صورت به تلك اللحظة الحاسمة التي أوشك الطغاة أن يلقوا فيها بإبراهيم فى النار فإن إبراهيم – فيما رأى هؤلاء الكاتبون – صورة للبراءة البريئة التى يوشك الغاشمون أن ينكلوا بها في صورة بشعة إرضاء لاهوائهم وإشباعًا لجبروتهم وهذه الصورة على هذا الوضع تستثير دائما كتاب العاطفة فيتفننون في التصوير والعرض
لقد كان إبراهيم عليه السلام فى هذه اللحظة محل عناية الخلائق ماعدا الثقلين وكان على الخصوص محل عناية الملائكة وقد استأذنوا الله في
نصرته فأذن الله لهم بشرط ألا يتدخلوا في الأمر إلا إذا طلب إليهم إبراهيم ذلك وأتاه الملك الموكل بالمياه والمطر وعرض عليه أن يطفئ النار بأمطار
۱۹

وعلا وجوه القوم سهوم ولزموا الصمت واستمروا في تأمل إلى الصباح
وإذا بالشمس تشرق ساطعة جميلة فيقول إبراهيم
وهذا ربي هذا أكبر
ولكنها هي
الأخرى غير مستقرة إنها إلى زوال فلما زالت قال
يا قوم إنى برىء مما تشركون إنى وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين الأنعام آية ۷۹ خلص إبراهيم عليه السلام عقيدة الألوهية من جميع ألوان الشرك
المعروفة لعهده
لقد خلصها من عبادة الإنسان وخلصها من عبادة الأصنام وخلصها من عبادة الملائكة وخلصها من عبادة الكواكب وأعلن في النهاية إنى وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين
إلى التوحيد الخالص كان يدعو منذ أن آتاه الله رشده في سن مبكرة وهو فى بابل وإلى التوحيد الخالص كان يدعو وهو في رحلته من بابل إلى بلاد الشام
أول
كان يرافقه في رحلته زوجته وكان يرافقه لوط عليه السلام وكان من
آمن به وقد كان ابن أخيه من
122

- وقيومية التدبير هذه نبدأ الحديث فيها ببيان أنها قيومية نعمة وأن التدبير الإلهى كان ولايزال معنيا بالإنسان مدبّرا له ما يكفل له الحياة النعيم في الحياة
- وأنه سبحانه قد كيف الأمور بحيث تتناسب مع الإنسان

وإذا كنا الآن قد اقتصرنا على استعمال كلمات الترابط الهادف أو الترابط الغائي والإمساك والتدبير فإننا الآن سنستعمل كلمة العناية

إن الله سبحانه معنى بالعالم وعنايته بالكون سارية في جميع أجزائه وذا كانت كلمة العناية لا تخرج بنا عن جو الترابط الهادف والإمساك والتدبير فإنها تلون الحديث عن دليل الترابط على وجود الله بلون آخر وإذا تلون هذا الدليل باللون الرحيم الرقيق سمى دليل العناية والقرآن غاص بتوجيه الأنظار إلى عناية الله بالكون وعلى الخصوص
بالإنسان
رحاب الكون
فمن أجل الإنسان كانت رحمة الله فياضة بالنعم إنها فياضة بالنعم على
الإنسان في نفسه
يقول سبحانه
ألم نجعل له عينين ولسانًا وشفتين وهديناه النجدين البلد
آية ۸-۱۰
ويقول سبحانه
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل

لقد حطم الأصنام استجابة لأمر الله وأرادوا حرقه بالنار فكانت النار عليه برداً وسلامًا ونجاه الله من بلاء ذبح ابنه وفداه بذبح عظيم
ولقد حاول حبر الأمة الصحابي الجليل ابن عباس رضى الله عنه وعن أبيه أن يحدد الجوانب التي تتضمنها كلمة وفى ورأى أن إبراهيم عليه السلام وفى بجميع شعب الإيمان التي يسميها ابن العباس سهام الإسلام خبر الأمة بثلاثين جانبًا أو شعبة أو سها تتضمن عشرا منها
ولقد حددها
آية
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة
التوبة آية ۱۱۱
ففى هذه الآية الكريمة يذكر الله سبحانه الإيمان باعتباره الأساس ثم
يصف المؤمنين بأنهم
التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله التوبة آية ۱۱
وقد يسأل إنسان عن السائحين في هذه الصفات الكريمة
والسائحون فى العرف الدينى هم الذين يهاجرون في سبيل الله سواء أكان ذلك للعبادة أم كان للجهاد

من الأخلاق فإذا سأله سائل لم العبادة ولم التقوى ولم العمل الصالح فإنه يقول
ولكن أعبد الرحمن ربى لیغفر ذنبي الرب الغفور فتقوى الله ربكم احفظوها متى ما تحفظوها لا تبور ترى الابرار دارهم جنان وللكفار حامية سعير وخزى في الحياة وأن يموتوا يلاقوا ما تضيق به الصدور وأحيانًا يتخذ الموت واعظًا ويذكر من يمر به عن طريق غير مباشر بأن
الموت مصيره كما هو مصير كل مخلوق وأن الحكمة كل الحكمة يتجنب الإنسان فعل الشر فيقول
هي
أن
عجبت وفي الليالي معجبات وفى الأيام يعرفها البصير بأن الله قد أفنى رجالاً كثيرا كان شأنهم الفجور
ولكنه يعجل فيقول إنه اذا عثر الإنسان فأتى الآثام فإن باب التوبة
مفتوح -
وبينا المرء يعثر ثاب يوما كما يتروح الغصن النضير
·
ويتحدث عن عاقبة الآثام فى هذه الحياة الدنيا تقول السيدة أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنها
سمعت زيد بن عمرو بن نفيل وهو مسند ظهره إلى الكعبة يقول
۱۹۰

وظلم فكانت عاقبتهم هي عاقبة الشر والمعاصي والآثام وهى ما سبحانه وتعالى عنه بقوله
عبر
الله
ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود هود آية ٩٤-٩٥
٢٠٥

روی يزيد الرقاشي قال
سمعت أنس بن مالك - ولا أعلم إلا أن أنسا يرفع الحديث إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول
إن يونس النبي عليه السلام حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت قال
اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فأقبلت هذه الدعوة تحت العرش فقالت الملائكة يارب صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة فقال
أما تعرفون ذاك قالوا لا يارب ومن هو قال عبدى يونس قالوا عبدك يونس الذى لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مجابة
د العمالية
قالوا يا ربنا أو لا ترحم ما كان يصنعه في الرخاء فتنجيه من البلاء
قال بلى
ن مقال ولا حيله
فأمر الحوت فطرحه في العراء
أمر الله الحوت أن يلقى بيونس فألقاه الحوت بالعراء وهو ضعيف البدن وأنبت الله عليه شجرة من يقطين - قراع - ليأكل منها - وهى غذاء مفيد - دون أن يسعى لنيل غذائه وهو بهذه الدرجة من الضعف
وعناية الله فوق كل عناية يقول ابن كثير قال بعض العلماء

رحمته والله سبحانه وتعالى يقول
أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء النمل ٦٢
يقول أبو العباس المرسى الصوفى فى اضطرار دائم إنه دائما اضطراره إلى الله من أجل ذلك فهو مستجاب الدعوة
مستشعر
وما من شك في أن الالتجاء إلى الله عن طريق العبودية سبيل صادق في
الاستجابة
أليس الله بكاف عبده م الزمر آية ٣٦
من هو عبده
إنه الذي لا يغفل عن العبودية الحقة التي تستجيب للأمر وتنهى عن المنهيات وتكون دائما في إطار الطاعة
كان موسى مضطرا فاستجاب الله نداءه ونجاه من القوم الظالمين سمته نحو مدين - بالسؤال أو بالحدس وقد كان يسمع
أخذ
موسی
عنها وما كان يدرى الطريق إليها وتضرع إلى الله في ابتداء طريقه قائلا أن عسى ربی يهديني سواء السبيل القصص آية إنه مضطر أيضًا - وما من شك في ذلك - واستجاب الله دعاءه فهداه
إلى هدفه
ووصل مدين وحينما دخلها وجد جمعا كثيرا من الرعاة يسقون أنعامهم
٢٣٦

إلا إذا كان قلبه عامرا بخشيته مليئًا بهيبته
أما القاعدة الثالثة للواعظ فهي
فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى طه ٤٤
والقاعدة الرابعة هي
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي
أحسن النحل ١٢٥
وهي آية تجمع من الآداب الكثير
ما هي رسالة موسى إلى فرعون
إنها أن أرسل معنا بني إسرائيل الشعراء ۱۷
إن موسى
عليه السلام لم يكن صاحب دعوة عامة إنه لم يرسل إلى
المصريين وإلا لمكث فى مصر يدعو إلى الله
لقد أساء اليهود إلى مصر وعانوا فيها فسادًا على طريقتهم في كل مكان وفي كل زمن فأخذ فرعون في قسوة قاسية وفي عنف عنيف ينكل بهم يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم
وربما كان هذا العنف بسبب مؤامرة - وهم أصحاب المؤامرات - من
٢٥١

فإذا ترك الإنسان الاقتصاد والصدق فإنه يكون قد انصرف عن طريق الهدى إلى طريق الضلال ل لهنا مهم لمادا
وهذه القضايا كلها إنما تندرج تحت قانون عام هو قوله تعالى ات امنا ل لعبه اي ايه
من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام
للعبيد فصلت ٤٦
مارين رينا ريد
ثم قال مؤمن آل فرعون نصيحة في غاية النفاسة يجب ألا يغفل عنها أي صاحب سلطان صغر سلطانه أو كبر
ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس
الله إن جاءنا
وانظر معى أيها القارئ الكريم فى تعبير هذا المؤمن إنه قال في الملك لكم الملك ثم قال فى العذاب ينال الأمة فمن ينصرنا هل انا لتنمية الاقاً مخیله اينوا بينا بوله وفي هذا التعبير دقة دقيقة استعمال اومتيتها
إن الذين يفسدون ويظلمون هم فئة قليلة نسبيا وهم هنا آل فرعون ولكن العذاب إذا نزل فإنه يعم لكم ينصرنا
الب النجد
سيا إن لكم خاص وإن ينصرنا عام ومن هنا كان حديث السفينة روى البخاري بسنده عن النعمان بن بشير رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
حتلة
٢٦٧

اما ويقول سبحانه ان لا يباع امة امثلة اعلى الهمس كا السقف ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين الأعراف آية ١٤٨ لسان الحالة هدية معا
وكان
موسی

قبل ذهابه للمناجاة
- قد استخلف على قومه هارون
فلما اتخذوا العجل معبودا هم أخذ هارون عليه السلام يقول لهم
يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمرى
طه آية ۹۰
قيا والقدأ نابعة ممية ا fies
وكانوا يقولون له
تھا اس امت مهيل ملعب
نه لذا سيقا
ولن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى طه آية ٩١ ولم تجد معهم نصائح هارون لقد استضعفواه ما لم يبالوا به حدا
وها نحن نرى هنا من جديد جهل اليهود المطلق بالشعور الديني الصادق ونرى طمس بصيرتهم الروحية لقد أحبوا أن يعبدوا إنها مجيدا ولو قال لهم موسى إنه إله لعبدوه ولقد كانوا قريبي عهد ببيئة استخف ملكها قومه فأطاعوه وقال لهم ما علمت لكم من إله غيرى فعبدوه
لم يكن عند اليهود الشعور الديني ولم يكن عندهم العقل الذي يزن ويقدر ويعلم أن الإله لا يمكن أن يكون محسدًا أو مصنوعان صنعه الإنسان كيف يصنع الإنسان مصنوعًا مركبا يبلى على مر الزمن وينتهى ثم يعبده

موسی
قال الله تعالى
عليه السلام يطلب العلم
وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقبا فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله فى البحر عجباً قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصًا فوجدا عبدًا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معى صبرا وكيف تصبر على مالم تحط به خبراً قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرًا قال لاتؤاخذني بمانسبت ولاترهقني
۹۸

إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به
وما رواه أحمد ومسلم والترمذى - بسندهم – عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إنى بما تعملون عليم وقال ﴿ يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشر به حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك
ومن الهبات التي منحها الله لداود عليه السلام هبة القوة يقول
سبحانه
واذكر عبدنا داود ذا الأيد ص ۱۷
والأيد القوة
لقد كان داود عليه السلام قوياً في كل ما يأتي من الأمور لقد كان قويا في أمور العبادة وهذا هو المراد هنا على ما ذكره أكثر
المفسرين
۳۱

إنما هو تخمين وظن
لقد قال بعض المفسرين إنه جبريل عليه السلام
وقال أكثر المفسرين إنه آصف بن برخيا كاتب سليمان أو وزيره
صديقا عالماً وكان كما يقولون

وقال البعض إنه الخضر
وليس هناك ما يشبه الدليل القطعى على شيء من هذا
أما وسيلته إلى ذلك فلم يتحدث عنها القرآن ولا السنة الصحيحة وإنما أشار إليها القرآن في أسلوب غاية في الدقة والإحكام
إن القرآن وصف الآتى بالعرش بأنه الذي عنده علم من الكتاب وهذا يشير – بكل سهولة - إلى أنه من العلماء ويكون معنى الإشارة أن عرش بلقيس كان إحضاره عن طريق العلم وأن طريق العلم أسرع
من طرق الشياطين ومردة الجن
والوسيلة - إذن - فى إحضار عرش بلقيس إنما كانت الوسيلة العلمية أما كيف أما التفاصيل أما دقائق التنفيذ فإن ذلك كله لا سبيل إلى معرفته ولعل تقدم العلم يكشف فى يوم من الأيام الأسلوب الذي أتى
به عرش سلیمان أو على الأقل يقربه من الأفهام والله أعلم
۳۸

كذلك ما شاء الله أن يمكث والجن لا تعلم بموته ولكن السوس أخذ ينخر في عصاه فتكسرت فخر فظهر للجن موته وكانوا لا يعلمون قال أصبغ بن الفرج وعبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم
قال قال سليمان لملك الموت
إذا أمرت بي فأعلمنى فأتاه فقال يا سليمان قد أُمرت بك قد
بقيت لك سويعة
فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحًا من قوارير ليس له باب فقام يصلى فاتكاً على عصاه قال
يصنع
فدخل عليه ملك الموت فقبض روحه وهو متوكيء على عصاه ولم ذلك فراراً من ملك الموت قال والجن تعمل بين يديه وينظرون إليه
أنه يحسبون
حي
قال فبعث الله دابة الأرض يعنى إلى منسأته فأكلتها حتى إذا أكلت جوف العصا ضعفت وثقل عليها فخر فلما رأت الجن ذلك انفضوا وذهبوا
قال فذلك قوله
ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين
٣٤٣

أما
من ناحية كفالتها فقد تولى ذلك زكريا وكان لذلك قصة
قال السدي
انطلقت بها أمها في خرقها وكانوا يقترعون على الذين يؤتون بهم فقال زكريا وهو نبيهم يومئذ
أنا أحقكم بها عندى أختها فأبوا وخرجوا إلى نهر الأردن فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها فجرت الأقلام وثبت قلم زكريا فكفلها قال ابن عباس
كانوا سبعة وعشرين رجلا فقالوا نطرح أقلامنا فمن صعد قلمه مغلبا للجرية فهو أحق بها فصعد قلم زكريا فعلى هذا القلم كانت غلبة زكريا بمصاعدة قلمه
وعلى قول السدى بوقوفه في جريان الماء
وقال مقاتل
كان يغلق عليها الباب ومعه المفتاح لا يأمن عليه أحدا وكانت إذا حاضت أخرجها إلى منزله تكون مع أختها أم يحيى فإذا طهرت ردها إلى بيت المقدس
والأكثرون على أنه كفلها منذ كانت طفلة بالقرعة
وأخذت الطفلة تشب وتترعرع في كفالة زكريا
٣٥٩

وإذا ما حدثت كل هذه الانحرافات وشاعت كان ذلك
الساعة
علامات من
وإذا كانت هذه العلامة وهى تضييع الأمانة عامة شاملة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فصل الأمر تفصيلا في أحاديث عدة ومن أطولها الحديث الشريف الذي روته كتب الصحاح عن على رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
العلامة الأولى فيه أنه
إذا كان المغنم دولاً أى إذا كان مال الدولة لقوم دون آخرين يستمتع به أفراد دون أفراد
والعلامة الثانية هى أن تكون الأمانة مغنا أي إذا عدها الذي
وضعت عنده غنيمة يستبيحها ويتصرف فيها ويخونها
والعلامة الثالثة أن تكون الزكاة مغرماً أى أن من تجب عليه الزكاة في ماله لا يعتبر إخراجها فضيلة دينية وخلقية وإنما يعتبره غرامة فلا يخرجها
والعلامة الرابعة أن يطيع الرجل زوجته ويعق أمه أى يطيع زوجته فيها تديره لأمه من مكر ومن مكائد فيعق أمه التي حملته صابرة على المشيقة ووضعته صابرة على المشقة وأرضعته وربته وحنت عليه وآثرته على نفسها
٣٧٤

وقرن الثعالب مكان على بعد يوم من مكة فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فنادانی فقال
إن الله قد قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث لك ملك سمع الجبال فلتأمر شئت فيهم ثم نادانى ملك الجبال فسلم على ثم قال
يا محمد قد بعثني الله إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال قد بعثني إليك ربك لتأمرني ما شئت إن شئت أطبق عليهم الأخشبين والأخشبان جبلان يشرفان على مكة فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم
أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا هذا الحديث الصحيح تعلم أن الله قد وكل بالجبال ملكًا يطبقها
ومن
جزئيا أو كليا على من يشاء الله إهلاكه
أما
رد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو في غاية الروعة لقد أساء إليه قومه بالكثير من وسائل الإساءة فلم يحاول أن يقابل السيئة بالسيئة وإنما كان رجاؤه أن يخرج الله منهم ومن أولادهم من يؤمن بالله ويوحده ولقد كان صلى الله عليه وسلم يقول فى مواقف كهذا الموقف
اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
وإذا كنا قد ذكرنا هذا الموقف بالذات للرسول صلى الله عليه وسلم
۳۹

يجب
إن قصة خلق الإنسان وما أحاط بها من ظروف فيها عظات وعبر
ألا نمر عليها غافلين
من قبل الخلق وحينما كان في تقدير العزيز العليم أن خلق آدم على وشك التحقيق خاطب الله الملائكة قائلا
إني خالق بشرًا من صلصال من حما مسنون
وبين لهم وظيفته وعمله فقال سبحانه
إني جاعل في الأرض خليفة
لقد أخبرهم الله بذلك كما يعلن عن الأمر العظيم قبل حدوثه وما من شك فى أن خلق الإنسان أمر هائل وحدث ضخم له حكمته ولم يكن الملائكة يتوقعون ذلك ولم يكونوا ينتظرونه إنهم كانوا يرون أنهم يسبحون الله ويعبدونه لا يفترون وأنهم لا يعصونه سبحانه فيما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ولم يدر بخلدهم أن الكون دون الإنسان كان ناقصاء وأنه لابد لكماله من وجود الإنسان
صلصال من من
كلمة ولقد نبهتهم حمأ مسنون والصلصال هو الطين هو المتغير منه الشديد السواد من طول مجاورته للماء والمسنون هو
والحماً
المصور أو المصبوب مثله مثل الجواهر المذابة تصب في القوالب ونبهتهم أيضًا كلمة في الأرض إلى طبيعة هذا الكائن الذي يوشك الله سبحانه أن يحقق وجوده لقد نبهتهم هذه الكلمات إلى أن طبيعة هذا الكائن وفطرته

يسلم وجهه الله ولأنه لم يسلم وجهه الله فإنه لا مكان له في الجنة
فإذا ما كان إسلام الوجه لله كانت الوحدة الروحية
إن الله سبحانه وتعالى يقول
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا
فاعبدون
يشاء
وحدة الدين منذ أن وجدت الإنسانية إلى أن يقضى الله في أمرها بما
وهذا الكتاب - إذن - يبين كيفية إسلام الوجه الله ويبين وحدة الدين ويوضح الخلق الكريم في قمته فإذا ما أعطى صورة للهداية في جو صادق هو جو الأنبياء فإنه يكون قد أدى بعض الأهداف التي نرجوها من
تأليفه
وإذا ساعد على الهداية لفرد أو لأفراد فإنه يكون قد أثمر ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه
لأن يهدى الله بك رجلًا خير لك من الدنيا وما فيها
ولأن يهدى الله بك رجلا خير لك من حمر النعم
والله الموفق وإليه يرجع الأمر كله

الإمام عبد الحليم محمود

عليه السلام
سنطوى الآن الزمن فى وثبة هائلة لا ندرى مداها فنصل إلى نوح عليه
السلام
وإذا تساءل متسائل عن الزمن بين آدم ونوح عليهما السلام فإننا نقول في يسر إن جميع ما يقال فى ذلك إنما هو ضرب من التخمين وأن الآثار التي رويت في ذلك يمكن تأويلها على أنحاء شتى فتكون ألفا وتكون آلافا من السنين ولا يقين في الموضوع لقد أهبط الله آدم وهو على عقيدة سليمة من عالم الألوهية وعالم الجنة وعالم الملائكة وأهبطه مزودًا بالمبادئ الأخلاقية الصالحة وبث آدم ذلك في أبنائه واستجاب له من هداه الله وشذ عنه كل من أواه الشيطان وأخذ هؤلاء المنحرفون يزيدون شيئًا فشيئًا على مر الزمن وعلى توالى العصور
حتى شاع الانحراف في العقيدة نفسها فعبد الناس الأصنام وانغمسوا في الضلالة والكفر
Vo

يابني إني أرى فى المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى﴾ الصافات
آية ۱۰
أما قوله لابنه فانظر ماذا ترى فإنه لم يكن تخييرا له وإنما أحب الوالد أن يأتى بابنه رغبة وطاعة فيكون له الأجر والثواب
ولو تردد الابن أو أبي أو خالف أباه لأخذه رغم أنفه يقول الامام الرازي
الحكمة في مشاورة الابن فى هذا الباب أن يطلع ابنه على هذه الواقعة فيظهر له صبره في طاعة الله فتكون فيه قرة عين لإبراهيم حيث يراه قد بلغ في الحلم إلى هذا الحد العظيم وفى الصبر على أشد المكاره إلى هذه الدرجة العالية
ويحصل للابن الثواب العظيم في الآخرة والثناء الحسن في الدنيا سمع إسماعيل عليه السلام من أبيه هذا الخبر وكان يشعر شعوراً واضحا أن أباه لا يسير في حياته إلا بتوجيه إلهى وأن الشيطان
وحينما
لا سبيل له على أبيه أجاب فورا
يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين
الصافات آية ۱۰
ماذا حدث بعد ذلك
1

عن ابن عباس رضی الله عنهما قال
قال الابن يا أبت اشدد رباطى كيلا أضطرب والفف ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمى شيء فينقص أجرى وتراه أمى فتحزن
واستحد شفرتك وأسرع بها على حلقى ليكون أهون على وإذا أتيت أمى فاقرأ عليها السلام منى وإن رأيت أن ترد عليها
قمیصى فافعل فإنه عسى أن يكون أسلى لها عنى
فقال ابراهيم عليه السلام نعم العون أنت يابني على أمر الله لقد تهيأ كل شيء لتنفيذ الرؤيا ومع ذلك فإن الذبح لم يتم فماذا
حدث
هم سيدنا ابراهيم بذبح ابنه وتهيأ كل شيء لتنفيذ الذبح الأب موقن بأن رؤياه إلهام من الله والابن موقن بأنه على صواب حينما رضى بالموت تنفيذا لأمر الله
لقد استسلم الأب لأمر الله واستسلم الابن لأمر الله والقرآن حينما
تحدث عن حالتهما هذه قال
فلما أسلما
لقد أسلما رغم محاولة الشيطان أن يلعب دورا في هذا الاختبار والابتلاء لقد جاء الشيطان س إلى إبراهيم عليه السلام موحيًا بأن الأمر
يوسوس
11

لا يخرج عن أن يكون رؤيا وكم فى الرؤى من أضغاث أحلام وهل من
العقل أن يذبح إنسان ابنه مطيعا رؤياه
لعلها وهم من الأوهام ولعلها خيال مجرد خيال
على أنه في الرؤيا - حسب وسوسة الشيطان - لم يؤمر بذبح ابنه ولكنه رأى أنه يذبحه وفرق بين أن يؤمر بذبحه وبين أن يرى أن يذبحه وأحس سيدنا ابراهيم بالشيطان يريد أن ينفذ إلى قلبه وإلى تفانيه في الله وإلى موطن اليقين والرضا من قلبه فرجم الشيطان حصیات بسبع
ورده
خاسا مدحورا
ولم ييأس الشيطان وهو العنيد اللجوج لقد انصرف عن الأب إلى
الابن قائلا
إنها مجرد رؤيا أيذبحه أبوه من أجل رؤيا
وأحس الابن بالمحاولة الخبيثة وعرف أنها محاولة شيطانية فرجم الشيطان بسبع حصيات
ولم ييأس الشيطان وهو العنيد اللجوج فذهب مسرعا إلى الأم أدركي ابنك إن أباه يريد أن يذبحه استنقذيه منه قبل فوات الأوان
رجمته
ورحمته لثقتها بأن زوجها لا يتصرف إلا في إطار الوحي لقد هي الأخرى بسبع حصيات لقد رجم الجميع مصدرًا من أهم مصادر الشر
١٦٢

وهو الشيطان وهذا الرمز الجميل أعنى رجم مصدر من مصادر الشر هو الذي يتكرر كل عام حينما يوشك الحجاج إلى بيت الله الحرام أن ينتهوا
من حجهم
إن حكمة رمي الجمار فى الحج إنما هي رجم مصدر من أهم مصادر الشر والإثم والمعصية وهو إبليس
رجمه مرارا وتكرارا
أعمال وتنتهى الحج بهذه الصورة الرائعة صورة العزم المصمم على الابتعاد المطلق عن الإثم والمعصية وذلك تسجيل مؤكد وإعلان مشهود وإشهاد سافر على أن الحاج قد عزم عزما لا تزعزعه أعاصير الشهوة أو مغريات الفتنة على أن يصبح خير كله لا مجال لنزغات الشيطان للتسلل إلى نفسه فقد أصبح - بتطهير نفسه وبرجم الشيطان – من عباد الله المخلصين الذين لا سلطان للشيطان عليهم
اللحظة
لقد أسلم ابراهيم واسماعيل عليهما السلام فلما أسلما أي خلصا لله كلية واستسلما إليه استسلامًا مطلقًا جاء النداء وذلك أنه في الأخيرة نودى ابراهيم عليه السلام
يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظیم الصافات آية ١٠٤-١٠٧
لقد أسلما إسلامًا استتبع الفداء والإسلام الله على هذه الصورة أى
١٦٣

الاستسلام الكامل لله يستتبع حتما الفداء في كل عصر وفي كل مصر
إن من أسلم نفسه الله عاملاً في سبيله قائما بما يرضيه تكفل الله حماية ونصرا عناية ورعاية في الدنيا والآخرة
به
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة يونس آية
٦٢-٦٤
لقد تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرؤى ونذكر من ذلك الأحاديث الصحيحة التالية
النبوة
الرؤيا الصادقة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من
وأن رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة وأنه لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا وما المبشرات

ن قال الرؤيا الصالحة
هذه الأحاديث التى نقلناها عن الإمام البخاری رضی الله عنه تساندها أحاديث أخرى وينتهى الأمر بالأحاديث إلى تقسيم مايراه النائم إلى ثلاثة
أقسام
قسم من الله وهو الرؤيا الصادقة
12

وقسم من الشيطان
وقسم مما يحدث به الرجل نفسه فى اليقظة فيراه في النوم
وهذه الأقسام تشتمل على جميع مايراه الانسان في النوم
أما العلم الحديث فقد بين في وضوح تام أثر العوامل الخارجية والعوامل الداخلية الباطنية فى الرؤيا وجعلها كلها أثرًا لحديث النفس أى للشعور فتكون امتدادًا لجو اليقظة أو للاشعور فتكون تنفيسًا للكبت وهذا الذي يذكره العلم الحديث تفسيرًا للرؤيا حق لامراء فيه والدين يذكر كل ما يذكره العلم الحديث ويزيد عليه ما هو بديهي عند كل إنسان من وجود نوع ثالث
وهذا النوع من الرؤيا الصادقة تعترف به الأديان السماوية الكبرى جميعها فهى تتحدث عن رؤيا يوسف عليه السلام ورؤيا الملك الذي استدعى يوسف عليه السلام من السجن لتأويل رؤياه ويقول القرآن الكريم في شأن رسولنا عليه الصلاة والسلام لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون الفتح آية
۷
بيد أن الطريف في موضوع الرؤيا أن لها أو مؤولين أو معبرين مفسرين فإنها في الأغلب الأعم رمزية وحل هذه الرموز إنما هو فن قائم
بنفسه اشتهر به رجال وكتبت فيه كتب
10

ولقد كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يسأل الصحابة رضوان الله عليهم عن رؤياهم ويعبرها لهم ويحدثهم هو أحيانا عن رؤيا له
وتعبير الرؤيا وتفسيرها فن يشترك فيه الآن علماء التحليل النفسي
وهؤلاء الذين يلهمهم الله التعبير من الصالحين
بيد أن علماء التحليل النفسى يقتصرون على تعبيرها في جوانبها الحسية المادية ويكتفون بذلك أما الآخرون فإنهم يعبرونها في جوانبها الغيبية الصادقة
يسجن
ولا يضير الحق أن يسجن علماء التحليل النفسى أنفسهم وأن العلم الحديث نفسه في سجن المادة والحواس فإن الحق في أمر الرؤيا

من شرقيين وغربيين ومن قدماء ومحدثين
واضح أبلج والناس يلاحظون وجود الرؤيا الصادقة ووقوعها يجرى في دائرة تجاربهم

إن الله لا أهله يضيع ومن وأمه هاجر وما أن تفجر الماء حتى حام حوله الطير وكأنه كان منه على ميعاد وكان من تدبير الله سبحانه أن مرت في هذه الفترة بالقرب من الماء المتفجر قافلة من جرهم فلما رأوا الطيور تحوم حول مكان زمزم أخذتهم الدهشة لأنهم يعلمون أن الطيور لا تحوم إلا على ماء ويعلمون من جانب
أجل ذلك فجر ماء زمزم رحمة باسماعيل
آخر أن هذا المكان
١٦٦

وقد مروا به من قبل

لا ماء فيه

ولأجل أن يقطعوا الشك باليقين أرسلوا رسلا منهم يستنبئون الخبر فإذا
هم بالماء فرجعوا إلى قومهم فرحين متهللين وأخبروهم فأقبل الجميع
وكانت أم اسماعيل على الماء
فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عندك
قالت نعم ولكن لاحق لكم فى الماء وقبلوا شرطها ونزلوا بجمعهم ثم أرسلوا إلى أهليهم فجاءوا ونزلوا معهم
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فآنس ذلك أم اسماعيل وهى تحب الأنس
أنست أم إسماعيل بهم وعاشروها فأحسنوا معاملتها وشب ابنها بينهم وكانت لغتهم العربية فأخذها اسماعيل عنهم وأصبحت لغته ولغة ذريته
من بعده
ولقد اشتهر بالعربية الفصيحة البليغة حتى لقد قال بعضهم إن عربيته كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان
شب اسماعيل عليه السلام بين جرهم فيه الفتوة والرجولة والذكاء والمروءة وأعجبتهم أخلاقه فزوجوه فتاة منهم
وكانت أم اسماعيل قد تقدمت بها السن فاختارها الله لجواره
وكان ابراهيم عليه السلام يأتى بين الفينة والفينة يطالع تركته على
١٦٧

حد تعبير الحديث الشريف أن يتفقد حال من تركهم بجوار البيت الحرام وذات يوم جاء ابراهيم على عادته وكانت هاجر قد ماتت وكان اسماعيل قد تزوج وطرق إبراهيم الباب فخرجت له زوجة اسماعيل فسألها عنه فقالت خرج يطلب الرزق فسألها عن عيشتهم فقالت له
نحن بشر حال نحن في ضيق شديد وشدة محزنة وأخذت تشكو إليه أمرها ضيقة بحياتها بطرة بعيشها
ولقد رأى من خلال حديثها أنها ترى العالم بمنظار أسود وتغلب على كل شيء فيه جانب التشاؤم وتجرى بخيالها في أودية الهموم حتى وإن كانت الهموم بعيدة عنها ورأى أن هذا النوع من النساء يجعل الحياة بعيدة عن
السعادة
وما من ريب في أن من آيات الله أن خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة فإذا فقد ذلك فإن الزواج يكون مأساة مستمرة رأى ابراهيم كل ذلك فقال لها إذا جاء زوجك فاقرني السلام وقولي له يغير عتبة بابه
عليه
وكما قابلته بتجهم فقد ودعته باستخفاف هيك ليد فلما جاء اسماعيل كأنه أنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد قالت نعم جاءنا شيخ من صفته كذا وكذا وكانت في حديثها كالمستخفة به وقالت كالمتحدية وأخبرته أننا في جهد وشدة
٢٦٨

فقال اسماعيل هل أوصاك بشيء
قالت نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك قال ذاك أبي وقد أمرنى أن أفارقك فالحقى بأهلك فطلقها
لقد وصل الأمر بسيدنا ابراهيم عليه السلام أن كان خليل الله سبحانه
وتعالى يقول عز وجل
واتخذ الله إبراهيم خليلا النساء آية ١٢٥
وقد يتساءل إنسان عن الصفات التي أهلت ابراهيم عليه السلام لهذه المنزلة العظمى وهذا يجرنا إلى الحديث على شخصية سيدنا ابراهيم من
الناحية الخلقية
يقول عبيد بن عمير فيما رواه ابن أبي حاتم
كان ابراهيم عليه السلام يضيف الناس فخرج يوما يلتمس انسانا يضيفه فلم يجد أحدًا يضيفه فرجع إلى داره فوجد فيها رجلًا قائما فقال
يا عبد الله ما أدخلك دارى بغير اذنى
قال دخلتها بإذن ربها
أنت
قال ومن
قال أنا ملك الموت أرسلني ربى إلى عبد من عباده أبشره بأن الله قد
اتخذه خليلا
١٦٩

بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون الروم آية ٢١
ويقول تعالى
ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا الاسراء آية ۷۰
ويتحدث الله سبحانه عن نعمه العديدة التى أسداها إلى الانسان فنعمة الليل والنهار بينها الله سبحانه بقوله
قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون القصص آية ۷۱-۷۳

إن دليل العناية هذا من أجمل الأدلة على وجود الله الذي يقول
ألم تروا أن الله سخر لكم ما فى السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير لقمان آية ۰
وسنذكر مسترسلين مع التيار القرآنى أقوالاً لبعض الحكماء تؤيد هذا الدليل من حيث الترابط الهادف أو من حيث العناية

قال من هو فو الله إن أخبرتنى به ثم كان بأقصى البلاد لأتينه ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت
قال ذلك العبد أنت
قال أنا قال نعم
قال فيم اتخذني ربي خليلا
قال بأنك تعطى الناس ولا تسألهم
هذه القصة التي رويناها من أجله أن ابراهيم عليه السلام كان وجوهر يعطى الناس ولا يسألهم
وما من شك فى أن ذلك عامل من أهم العوامل التي تقرب إلى الله سبحانه ومعنى ذلك أنه كان يعطى الناس ولا يسألهم إنه كان يضحى
ويبذل ولا ينتظر من وراء ذلك من الناس جزاء ولا شكورا
وهذه الصفة من مظاهر الكرم وقد كان سيدنا ابراهيم عليه السلام كريما وصفه الكرم فيه مشهورة معروفة يقول صاحب كتاب الصدق
روى العلماء أن إبراهيم الخليل صلوات الله عليه كان لا يأكل إلا مع الضيف فربما لا يأتيه الضيف ثلاثة أيام فيطويها وربما كان يمشى الفرسخ
الفرسخ قريب من ثلاثة أميال أوأقل أو أكثر تلقيا للضيف
على أن الله سبحانه وتعالى قد أشار إلى كرم سيدنا ابراهيم وذلك حينما
۱۷۰

أنته الملائكة فى صورة بشر فقدم لهم عجلاً سمينا مشويا يقول سبحانه ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ هود آية ٦٩ أي بعجل سمين مشوى لقد ظن ابراهيم عليه السلام أن هؤلاء بشر فلما قدم لهم العجل الشهى لم يمدوا أيديهم إليه فلما رأى ذلك منهم أحس بشيء من الخوف من عادة الناس إذ ذاك - أن العدو لا يأكل من طعام عدوه وأن
وذلك

من هم بفتك إنسان لا يأكل طعامه
شرا
فلما رأى الملائكة ما بدا على وجهه طمأنوه وعرفوه أنهم لا يريدون به
ولا ريب في أن من أسلم وجهه الله لا يتأتى منه إلا أن يكون كريماً ولقد روى الله سبحانه عن قوم أخلصوا وجوههم الله فكانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان خصاصة
بهم
وما من شك أن صفة الكرم من الصفات التي تقرب إلى الله ولكنها وحدها لم تكن السبب الذي جعل ابراهيم خليلا وسنذكر بعض الصفات الأخرى إن شاء الله
لقد تحدث الله سبحانه عن ابراهيم عليه السلام في القرآن الكريم في حوالى خمسة وثلاثين موضعًا ومن أجمعها فيما يتعلق بشخصيته وبخلقه وفيها
يتعلق بالثناء عليه قوله تعالى
۱۷۱

ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين البقرة آية ۱۳۰ ۱۳۱
ومفتاح الأمر في خلق ابراهيم عليه السلام وفي الثناء عليه أيضا هو اسلامه وهو لم يكتف بأن أسلم في نفسه وإنما قد وصى بهذه العقيدة بنيه
يقول تعالى
ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابنى إن الله اصطفى لكم الدين
فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون البقرة آية ۱۳ والإسلام الذي دان به ابراهیم علیه السلام ووصى به بنيه إنما هو إسلام الوجه الله سبحانه أي التسليم لله في جميع الأمور ما صغر منها وما
إن الله سبحانه وتعالى نظاما معينا الأوضاع الأخلاقية والأوضاع
الاجتماعية في العالم الإنساني
ونبتدئ هذه الأوضاع بإسلام الوجه لله سبحانه وهذا هو أساسها ولقد حدد ابن الأنبارى المتوفى سنة ۳۸ هـ معنى الإسلام من الناحية اللغوية
البحتة فقال
المسلم معناه المخلص الله في عبادته من قولهم سلم الشيء لفلان
خلص له فالإسلام معناه إخلاص الدين والعقيدة الله تعالى
۱۷

ولقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى الإسلام فقال
أن يسلم الله قلبك وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك
والإسلام بهذا المعنى لا يختص ولا يشير إلى بيئة معينة ولا إلى شخص
معين ولا إلى زمن معين
إن هذه الكلمة مجرد الكلمة تضعنا مباشرة فى جو عالمی مطلق بل في جو عالمى يتخطى حدود هذا العالم الأرضى - إذا أمكن ذلك – فلا يتقيد
به ولا يتحدد بحدوده
إن إسلام الوجه لله هو دين الملائكة وهو دين الأنبياء وهو دين الله الذي لا دين غيره وهل لله دين غير إسلام الوجه الله سبحانه
ومن أجل ذلك كانت كلمة إسلام وكلمة دين بمعنى واحد إن الدين في أي عصر وفى أى زمن معناه الخضوع لله والاستسلام له والعمل على مرضاته وهذا نفسه هو معنى الإسلام والدين والإسلام
إذن بمعنى واحد

هذا المنهج من إسلام الوجه لله والخضوع له إنما كان المنهج الإبراهيمي وهو المنهج الذي رسمه الله سبحانه دينا للإنسانية أجمع ومن هنا كان قول الله تعالى
ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه
۱۷۳

وملة ابراهيم هي منهجه فى الحياة ومنهجه فى الحياة هو الإلقاء بقياده كلية إلى الله سبحانه
الإلقاء بقياده إلى الله فى القول والإلقاء بقياده إلى الله في القلب والإلقاء بقياده إلى الله في العمل
وإذا ما ألقى الإنسان بقياده إلى الله سبحانه في حياته كلها كان مسلما
وحفظه الله كما حفظ إبراهيم عليه السلام
ويصف الله سبحانه وتعالى سيدنا ابراهيم عليه السلام فيقول وإبراهيم الذي وفي النجم آية ۳۷
وكلمة وفي من الكلمات التي تتضمن معان لا تكاد تحد يقول الإمام ابن كثير وفى جميع ما أمر به وقام بجميع خصال الإيمان وشعبه وكان لا يشغله مراعاة الأمر الجليل عن القيام بمصلحة الأمر القليل ولا ينسيه القيام بأعباء المصالح الكبار عن الصغار
وشرح الإمام ابن كثير لهذه الكلمة هو أيضًا شرح عام يتضمن ما لا يكاد يعد من الجزئيات ولا ريب أن ابراهيم كان دائما عند مرضاة الله لا يوجد إلا حيث يحب الله تعالى ولا يتكلم إلا بما يحب الله سبحانه
ولقد اختبره الله سبحانه فصبر على الاختبار ونجح فيه وابتلاه الله سبحانه فتحمل الابتلاء وأرضى الله فى شأنه وكان كلما نجح في اختبار كافأه الله سبحانه بالحياة
١٧٤

ويستمر ابن عباس رضى الله عنه في تعداد السهام التي وفى بها ابراهيم عليه السلام ويرى أن عشرة أخرى منها ذكرتها سورة الأحزاب في الآية
الكريمة التي تبتدى بقوله تعالى
1
إن المسلمين والمسلمات
ومن السهام فى الآية الصدق والصبر والخشوع والذكر ولقد تضمنت سورة المؤمنون من أولها ستة سهام منها أداء الزكاة ومنها مراعاة الأمانة ٢
أما السهام الأربعة الباقية فإنها في سورة المعارج تبتدى بقوله تعالى والذين يصدقون بيوم الدين
۳
۱ الأحزاب آية ٣٤ وهى إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما
قال تعالى وقد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون
۳ المعارج آية ٢٦ والآيات هي إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون
١٧٦

والرأى الذى نراه هو ما قال به الحسن رضى الله عنه وهو
الله تعالى بشيء إلا وفى به
من

أنه ما أمره
الصفات البارزة عند سيدنا إبراهيم كثرة التجائه إلى الله سبحانه
وتعالى بالدعاء والدعاء صورة محببة إلى الله سبحانه إلى درجة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول
من لم يدع الله يغضب عليه
وهذا الحديث يسير في انسجام مع ما رواه الإمام بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ
أحمد
عن النعمان
بن
وقال ربكم ادعونى أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن
عبادتی سیدخلون جهنم داخرين غافر ٦٠
رءوف
ولقد وصف الله سبحانه وتعالى نفسه بأنه قريب وبأنه مجيب وبأنه
رحیم
وبأنه ودود وقال
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان
البقرة ١٨٦
ومنزلة الدعاء بهذه المثابة لأنه تضرع إلى الله والتجاء إليه وحده
۱۷۷

وتحقيق لقوله تعالى
وإياك نستعين
وذلك إنما هو تحقيق لإسلام الوجه لله هو أخص خصائص التدين
السليم ولقد كان سيدنا ابراهيم يدعو الله ويلجأ إليه في كل أموره حتى أنه في الحالات التى كان يغلبه فيها الحياء من الله فيصمت لسانه كان حاله فيها ناطقا بالدعاء لقد دعا الله من أجل انجاب الأولاد فقال
رب هب لى من الصالحين الصافات ١٠٠
ولما ذهب لرؤية ابنه ووجده غائباً سأل زوجه عن طعامهما فقالت
اللحم
فسألها
عن شرابهما فقالت الماء فدعا الله قائلا
اللهم بارك لهم في اللحم والماء
ولما بنى هو وابنه الكعبة أخذا في الدعاء قائلين
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم البقرة آية ۱۷
ولقد كانت هذه الكلمة فى مفتتح دعائهما وكانت بين كل فقرة من
الدعاء وأخرى وكانت في مختتم الدعاء
ولقد كان من دعائهما وهما يبنيان
ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا
۱۷۸

مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم البقرة ۱۸ أما الدعاء الذي يشكر عليه كل مسلم سيدنا إبراهيم فإنه الدعاء الجميل الذي دعا به سيدنا ابراهيم عند البيت وفي وسط الجزيرة العربية ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب
والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ۱۹
وكان الله سبحانه وتعالى يستجيب دائما دعاءه فإذا ما صمت سيدنا ابراهيم ولم تنطق شفتاه بالدعاء أدركته أيضاً رحمة الله فأذهبت عنه السوء
وقد يتساءل إنسان عن السر في أن الله سبحانه وتعالى كان دائماً
يستجيب دعاء نبيه إبراهيم
ولاستجابة الدعاء شروط إذا توافرت تمت الاستجابة منها ما رواه
ابن عباس رضي الله عنهما قال
تليت الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم
يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا
فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلنى
مستجاب الدعوة فقال
ياسعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما وأيما عبد نبت لحمه السحت والربا فالنار أولى به من
۱۷۹

إن عناية الله السماوية فى الكون كله والتى يلاحظها الإنسان في عينيه تبصران وفى أذنيه تسمعان وفى عقله يفكر وفى لسانه ينطق إن عناية الله التي يلاحظها الإنسان فى كل ما يحيط به ويغمره من نعم الله تنفى المصادفة والاتفاق
وإن الترابط الهادف يلغى المصادفة والاتفاق
وأن القصد الظاهر في نظام الكون ينفي المصادفة والاتفاق
ولنتحدث الآن عن التركيب وكيف أنه يرشد إلى الصانع - خذ شيئًا من أيسر الأشياء فى تركيبه خذ الفأس مثلا التي يستعملها الفلاح في حقله أو المعول الذى يستعمله العامل في عمله إذا مر إنسان على الفأس فرأى قطعة من الخشب ملساء مستطيلة قد ثبتت فيها بطريقة محكمة قطعة الحديد على هيئة خاصة أتراه يظن أن ذلك وليد المصادفة من البحتة وإذا كان ذلك الظن لا يتأتى فى اليسير السهل فإنه من باب أولى لا يتأتى في المعقد الكثير التركيب كالساعة أو جهاز الراديو مثلا والآن قدر في ذهنك كما يقول المرحوم الدكتور محمد عبد الله دراز - بيتا منسق البنيان فاخر الأثاث والرياش قائماً على جبل مرتفع تكتنفهما غابة كثيفة وقدر أن رجلاً جاء إلى هذا البيت فلم يجد فيه ولا
حوله ديارا ولا نافخ نار فحدثته نفسه بأنه أن تكون صخور الجبل
عسى
قد تناثر بعضها ثم تجمع ما تناثر منها ليأخذ شكل هذا القصر البديع
١٨

والشرط الأساسي في استجابة الدعاء أن يحقق الإنسان العبودية في نفسه بالنسبة الله وحده تحقيقا صادقًا وتحقيق العبودية ليس كلمة تقال
وليس عملاً بدون نية ولا نية بدون عمل وإنما تتكاتف الجوارح واللسان والقلب فتتحقق
هی
إياك نعبد وإياك نستعين
أن
يؤدى الإنسان الفروض ويكثر من النوافل ويخلص قلبه الله
وجماع كل ذلك إنما هو ما يقوله الله تعالى في حديث قدسي
من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى من أداء ما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب لي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألني أعطيته ولئن
استعاذ
به لأعيذنه
ولقد حقق سيدنا إبراهيم العبودية فكان الله في صدق فكان الله له استجابة ورعاية وعناية وتوفيقا
جاهد إبراهيم عليه السلام فى سبيل الله ما شاء الله له أن يجاهد وأخذت السنون تمضى فإذا به يرى الشعيرات البيضاء تتناثر في رأسه وفي لحيته ويسأل عن مغزاها فيقال له إنها علامة الوقار فيقول اللهم زدنى
وقارا
۱۸۰

مرضيا
وانتهت به الحياة كما تنتهى بكل مخلوق انتهت به راضيا عن ربه عنه من ربه انتهت به الحياة وقد تجاوز المائة عام بكثير أمضاها كلها في عمل دائب فى سبيل الله وتولى دفنه ابناه اسماعیل و اسحاق
صلوات الله عليهم أجمعين
يقول الإمام ابن كثير
فقبره وقبر ولده اسحاق وقبر ولد ولده يعقوب في المربعة التي بناها سلیمان بن داود عليه السلام ببلد حبرون وهو البلد المعروف بالخليل
اليوم
وهذا متلقى بالتواتر أمة بعد أمة وجيلا بعد جيل من زمن بنى إسرائيل وإلى زماننا هذا إن قبره بالمربعة تحقيقا فأما تعيينه منها فليس فيه خبر صحيح معصوم فينبغي أن تراعى تلك المحلة وأن تحترم احترام مثلها وأن تبجل وأن تجل أن يداس فى أرجائها خشية أن يكون قبر
الخليل أو أحد أولاده الأنبياء عليهم السلام تحتها
أنه وجد عند قبره هذه الأبيات السهلة الجميلة العميقة ویروی
المغزى
إلى جهولاً أمله
جا أجله بموت من
دنا
ومن
من
حتفه
لم تغن عنه حيله
وكيف يبقى آخرًا
من مات عنه أوله
والمرء لا يصحبه في القبر إلا عمله
۱۸۱

وخير ما يمكن أن يتأتى تقديرًا لحياة سيدنا إبراهيم إنما هو قول الله
تعالى
ولقد اصطفيناه فى الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين وإن للسادة الصوفية شرحًا جميلاً لكلمة الصالحين حينما ترد في مثل
هذه المقامات
إنهم يقولون الصالحون للحضرة الإلهية فيكون معنى الآية الكريمة وانه في الآخرة لمن الصالحين لحضرتنا
ولقد أتت عدة أوصاف لإبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم نذكر
منها أنه كان مسلماً أى أسلم وجهه الله وأخلص له العبادة وأنه كان أمة والأمة والجماعة من كان على الحق ولو كان وحده فهو
قدوة يقتدى بها في الحق وهو إمام
وأنه كان قانتا والقانت هو الخاضع الخاشع
وأنه كان حنيفا والحنيف هو الذى لا ينحرف ولا يميل ميل نزعات أو
ميل شرك
وأنه كان حليا
وأنه كان أوّاها والأواه كثير التأوه وذلك يعنى رقة القلب وأنه كان منيبا والمنيب هو الراجع إلى الله في كل أموره
۱۸

كان شاكرا لأنعم الله أي قائما بشكر الله على نعمه التي لا تحصى وأنه في النهاية كان خليل الله يقول سبحانه واتخذ الله إبراهيم خليلا ولقد امتد أثر سيدنا ابراهيم حتى وصل فى الجزيرة العربية إلى عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لقد كان في الجزيرة العربية أريج طيب لا يزال باقيا ينبعث شذاه أثناء العصر الجاهلى إنه أثر الدين الدين الذي بشر به إبراهيم عليه السلام
وكان فيها عبير زكى من الخلق الكريم ممثلا في هذا أو في ذاك ممن يمكن أن نسميهم الإبراهيميون
والإبراهيميون هم هؤلاء الذين يسمون الحنفاء وهى تسمية تطلق على كل من كان يبحث عن دين ابراهيم ويتبعه وكانوا متناثرين في الجزيرة العربية هنا وهناك تجمعهم غاية واحدة هي البحث عن دين ابراهيم وكان من أنبه هؤلاء زيد بن عمرو بن نفيل وكان الخطاب -
والد سيدنا عمر
أخاه لأمه
وتبدأ قصة زيد مع دين إبراهيم على الكيفية التالية
اجتمع زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وعثمان ابن الحويرث وعبدالله بن جحش فى عيد لقريش عند وثن لهم كانوا يذبحون عنده الذبائح فلما اجتمع القرشيون وبدأوا ينحرون الذبائح
ويشربون ويلهون انفرد زيد وصحبه وقال بعضهم لبعض
۱۸۳

تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض
فلما أعطوا المواثيق والعهود على الصدق والإخلاص والكتمان قال قائلهم تعلمن والله ما قولكم على شيء لقد أخطأوا دین وخالفوه ما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع فابتغوا لأنفسكم
ابراهیم
والتزموا فيما بينهم أن يبحث كل ما استطاع عن دين ابراهيم وأن
يخبر كل واحد منهم الآخرين بما أدى إليه بحثه
يقول كتاب السير عن هؤلاء مقارنين بينهم ولم يكن فيهم أعدل أمرًا وأعدل ثباتاً من زيد بن عمرو بن نفيل وبدأ هؤلاء الأربعة باعتزال الأوثان وفارقوا الأديان من اليهود والنصارى والملل كلها بحثًا عن دين ابراهيم أو – بتعبير آخر – بحثاً عن الحقيقة والحنيفية هى دين ابراهيم اعتزل زيد دين قومه وكان لابد أن ينطوي على نفسه نوعًا ما فلما اعتزلهم وما يعبدون
من
ذلك بسبب شق عليهم ذلك واعتبروه إهانة لهم أن يعتزل آلهتهم وكان أشدهم عداوة له وايذاء هو أخوه لأمه الخطاب
لقد آذاه الخطاب كثيرًا حتى لقد أخرجه إلى أعلى مكة ووكل به شبابًا من قريش وسفهاء من سفهائهم وأمرهم أن يمنعوه من دخول مكة مخافة أن يفسد عليهم دينهم أو يتابعه أحد على ما هو عليه
وحال الشبان بينه وبين مكة فكان لا يدخلها إلا سرا فإذا علموا به
١٨٤

أخرجوه ونالوا منه الإيذاء ولكن الإيذاء لم يفت من عضده ويوهن
عزيمته كلا
آذت قریش زيد بن عمرو وكان الخطاب أشدهم في ذلك وصمد زيد وقد كان يرجو أن يجد في زوجته المعين وقد عز المعين والنصير حيث عز النصير ولكنها كانت مثل امرأة نوح عونا لأعدائه ونصيرا لهم لقد كانت عينًا للخطاب عليه ولكن ذلك كله لم يصرفه عن البحث عن الحق وها هو ذا يغادر مكة طلبًا للحق فقد خرج إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل الكتاب الأول ابراهيم وسأل عنه دین
ولم يزل في ذلك حتى أتى الموصل والجزيرة كلها ثم أقبل حتى أتى الشام فجال فيها حتى أتى راهبًا ببيعة من أرض البلقاء كان ينتهى إليه – كما تذكر كتب السير - علم النصرانية فيما يزعمون فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم
فقال له الراهب إنك لتسأل عن دين ما أنت بواجد من يحملك عليه لقد درس من علمه وذهب من كان يعرفه ولكنه قد أظل خروج نبى
اليوم
وهذا زمانه
وفرح زيد حين علم أنه فى زمن يخرج فيه نبي يهدي إلى الحق ولكنه مع ذلك لم ييأس من الوصول إلى دين إبراهيم في انتظار النبي الجديد وكان كلما سمع براهب عالم أو حَبر ضليع يمم شطره يسأل عن دين
١٨٥

ابراهيم وكانت إجابتهم تقريباً واحدة فقد قال له راهب آخر أراك تريد دين ابراهيم يا أخا مكة إنك لتطلب دينًا ما يوجد اليوم أحد يدين به وهو دين أبيك ابراهيم كان حنيفا لم يكن يهوديا ولا نصرانيا كان يصلى ويسجد إلى هذا البيت الذي ببلادك فالحق ببلدك فإن الله يبعث من قومك في بلدك من يأتى لدين ابراهيم الحنيفية وهو أكرم الخلق على الله
ورغم ذلك ما وهن لزيد عزم ولا فترت له همة
وفي يوم من الأيام رأته أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنها مستدا ظهره إلى الكعبة يقول
يا معشر قريش والذي نفس زيد بيده ما أصبح أحد منكم على دين
ابراهيم غيرى
ماذا كانت عقيدته ما الذي وصل إليه ما هي ثمرة أبحاثه
وسياحاته
لقد وصل حقا إلى جوهر عقيدة ابراهيم عليه السلام
وهذا الجوهر هو إسلام الوجه الله لقد نظر زيد إلى الكون فوجده محكوما بنواميس لا تتخلف ووجد أن هذه النواميس رتبت بحكمة حكيمة وبتدبير متقن لا حظ فيها للمصادفة فعلم أنها استجابة للحكيم
١٨٦

الذي أحكمها وطاعة للخبير الذى فصلها لقد أسلمت الأرض فكانت
حسبها أراد الخالق سبحانه فما له لا يسلم هو
انظر اليه يقول
وأسلمت وجهى لمن أسلمت له الأرض تحمل صخرا ثقالا ودحاها فلما استوت شدها سواء وأرسى عليها الجبالا ولقد أسلمت السحاب حاملة المياه العذبة فماله لا يسلم هو ويعبر عن ذلك قائلاً
وأسلمت وجهى لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا إذا هي سيقت إلى بلدة أطاعت فصبت عليها سجالاً ولقد أسلمت الريح فما له لا يسلم هو ويصوغ ذلك في قوله وأسلمت وجهى لمن أسلمت له الريح تصرف حالاً فعالاً
كل شيء في الكون استجاب فما له لا يستجيب والاستجابة هي الإسلام الذي هو جوهر العقيدة الإبراهيمية وقد أسلم زيد فحقق بذلك جوهر العقيدة الإبراهيمية بيد أن هذا الجوهر لا يغنى عن ذكر شيء من
التفاصيل
لقد أسلم زيد بن عمر و وجهه الله تعالى ومن أول الواجبات نحو هذه العقيدة أن لا يشرك الإنسان بربه غيره في العبادة
۱۸۷

ومن أجل ذلك أعلن زيد بن عمرو في شعره أنه اعتزل عبادة الأصنام
إنه يقول
عزلت اللات والعزى جميعا كذلك يفعل الجلد الصبور فلا العزى أدين ولا ابنتيها ولا صنمی بنی عمرو أزور يقول محمد بن اسحاق وكان زيد بن عمرو قد ترك عبادة الأوثان وفارق دينهم وألزمته عقيدة إسلام الوجه الله أن لا يأكل مما ذبح للأصنام أو باسم الأصنام وكان لا يأكل إلا ما ذبح على اسم الله وحده
قال موسى بن عقبة
سمعت من أرضى يحدث عن زيد عمر و أنه كان يعيب على قريش
ذبائحهم ويقول
الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء ماء وأنبت لها من الأرض لم تذبحونها على غير اسم الله إنكارا لذلك وإعظاما له
ويروى بعض من رأى زيدا عند عودته من الشام أنه كان يراقب الشمس حتى إذا زالت استقبل الكعبة فصلى ركعة سجدتين - ثم
يقول

هذه قبلة ابراهيم واسماعيل لا أعبد حجرًا ولا أصلى له ولا أكل ما ذبح له ولا أستقسم بالأزلام وانما أصلى لهذا البيت حتى أموت
۱۸۸

من
وكان زيد يحج فيقف بعرفة ويلبي قائلا
لبيك لا شريك لك ولاند لك
ثم يندفع من عرفة ماشيا وهو يقول
لبيك متعبدا مرموقاً
وحجه هذا وكلماته تلك في حجه من أجمل المظاهر الإسلام وجهـ وجهه الله كلماته فى هذا المجال أيضًا لبيك حقا حقا تعبدا ورقا
وكان يقول في ذلك أيضًا
أمنت بما آمن به ابراهيم وهو يقول أنفى لك عان راغم مهما تجشمنى فإني جاشم ثم يخر فيسجد
ولقد شغل زيد نفسه أيضًا بالجانب الأخلاقي في مكة لقد كان يأتي للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته - وكانت العرب تفعل ذلك – فيقول له
لا تقتلها ادفعها إلى أكفلها فإذا ترعرعت فخذها إن شئت وروى الإمام البخارى أن زيدًا كان يحيى الموءودة يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته لا تقتلها أنا أكفيك مؤنها فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤنتها
كانت جلسة زيد بن عمرو بن نفيل المفضلة هي أن يجلس مسندا ظهره إلى الكعبة متحدثًا إلى المقبل والمدير بالطيب من القول وبالكريم
۱۸۹

بما فيه من مخادع ومقاصير وأبهاء ومرافق وأن تكون أشجار الغابة قد تشققت بنفسها ألواحاً وتركبت أبوابًا وسررًا ومقاعد ومناضد ثم أخذ كل منها مكانه فيه وأن تكون خيوط الثياب وأصواف الحيوان وأوباره قد تحولت بنفسها أنسجة موشاة ثم تقطعت طنافس فانبثت في حجراته واستقرت على أرائكه وأن المصابيح جعلت تهوى إليه بنفسها من كل مكان فنشبت في سقفه زرافات ووحدانًا ألست تحكم بأن هذا حلم نائم أو حديث خرافة قد أصيب صاحبه باختلاط في عقله فما ظنك بقصر السماء سقفه والأرض قراره والجبال أعمدته والنبات زينته والشمس والقمر والنجوم مصابيحه أيكون في حكم العقل أهون شأنا البيت الصغير أو لا يكون أحق بلفت النظر إلى بارئ مصور حي قيوم خلق
فسوى وقدر فهدى
ذلك من
- إن الاستدلال على وجود الله سبحانه بدليل العناية قديم قدم الإنسانية نفسها فكل إنسان يشعر بأنه مغمور بنعم ا الله سبحانه في داخل نفسه وفي خارجها ويقول الله تعالى معبراً عن حقيقة يلاحظها كل إنسان
بتدبر يسير
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إبراهيم آية ٣٤
ويقول أيضا
وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة لقمان آية ٢٠
۱۹

يا معشر قريش إياكم والزني فإنه يورث الفقر
وخلص زيد إلى التوحيد الحق وإلى الإخلاص المخلص وهو يعبر عن
ذلك بقوله
إلى الله أهدى مدحتى وثنائيا وقولاً رضيا لا يني الدهر باقيا إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقه إله ولا رب يكون مدانيا ولقد أثارت حالته هذه اهتمام بعض علماء الكلام من قديم الزمان وهم من أجل ذلك يذكرونه عند تعريفهم للنبي صلى الله عليه وسلم ويتساءلون أهو خارج عن التعريف أم داخل فيه
يقول الجلال الدواني في تعريف النبي صلى الله عليه وسلم
هو إنسان بعثه الله تعالى إلى الخلق لتبليغ ما أوحاه إليه وعلى هذا لا يشمل من أوحى إليه ما يحتاج إليه لكماله في نفسه من غير أن يكون مبعونًا إلى غيره كما قيل في زيد بن عمرو بن نفيل اللهم إلا أن يتكلف
ولقد كان سعيد بن المسيب يذكر زيدا فيقول
توفى وقريش تبنى الكعبة قبل أن ينزل الوحى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين ولقد نزل به وإنه ليقول أنا على دين ابراهيم فأسلم ابنه سعيد بن زيد واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى عمر
۱۹۱

ابن الخطاب وسعيد بن زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن زید بن عمرو بن نفيل فقال غفر الله له ورحمه فإنه مات على دين إبراهيم
قال فكان المسلمون بعد ذلك اليوم لا يذكره ذاكر منهم إلا ترحم عليه واستغفر له ثم يقول سعيد بن المسيب رحمه الله وغفر له
4
۱۹

لوط
عليه السلام
نا
قلنا فيما سبق إن لوطًا عليه السلام غادر الشام إلى سدوم منفصلا عن إبراهيم عليه السلام ليكون مركزا ثانيًا للدعوة وكان ذلك بإذن إبراهيم
وبأمره
أما السبب فى تصرف ابراهيم عليه السلام هذا التصرف فهو أن أهل سدوم اشتهر عنهم فى المدن والأقاليم المجاورة أن القاعدة عندهم إنما هي الفساد وأن من الشذوذ أن تجد للخير فيهم أثراً
لقد كانوا يقطعون الطريق ولا يدعون أحدًا يمر فيه إلا إذا أخذوا منه العشر هذا إذا لم ينهبوا ماله كله
هی
حتى
القد
ولم يكن للأمانة عندهم من وزن وكانت الخيانة القاعدة كانوا يخونون الرفيق والصديق وقد كانوا يأتون في ناديهم المنكر ناديهم هو مكان اجتماعهم وحديثهم - وكان ما يدور فيه إنما هو الغيبة والنميمة
۱۹۳

وهو البذيء من الأقوال والسيئ من الأفعال
هذا كله فضلا
عن تلك الجريمة الخلقية المنافية للطبيعة الإنسانية التي
درجوا على ممارستها حتى نسبت لقومهم والتي أصبحت في هذا المجتمع القاعدة العامة والطريقة الشاملة
وكان من الواضح البديهي أن اللعنة حلت على هذا المجتمع وأنه إذا لم
يغير ما هو عليه من رذيلة فإن التدمير سيلحقه حتما
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم الرعد آية ۱۱ وهذه الآية الكريمة كما تعنى الجماعات فإنها أيضًا تعنى الأفراد أي أن
الله لا يغير ما بشخص حتى يغير ما بنفسه
ولما شاع أمر هذه المدن السبع التي كانت تسمى سدوم واشتهر أمرها أحب إبراهيم عليه السلام أن يهديهم إلى الله ولأن يهدى الله بك رجلا
خير
لك
من الدنيا وما فيها
أحب ابراهيم ذلك وصادف ذلك هوى فى نفس لوط عليه السلام وكان
أن سافر لوط إليهم هاديا وناصحا ومرشدا
وذهب لوط إليهم في قوة الشباب وتحمس المؤمنين الصادقين وإخلاص النية في سبيل الله وأخذ ينصح ويرشد ويذكر بأيام الله ومعاقبة المفسدين ولكنه فوجئ بقلوب فى جمود الصخر وقسوته وبنفوس أشربت حب الرذيلة إلى درجة أنهم حينما كان لوط يذكرهم بالله كانوا
١٩٤

يتداعون إلى إخراجه يقولون
أخرجوا آل لوط من قريتكم
ثم يذكرون العلة في ذلك فيقولون
إنهم أناس يتطهرون
فكان الطهر والصفاء والنقاء في نظرهم من الأسباب التي تدعو إلى الطرد من مدنهم ورغم ذلك فقد استمر لوط يذكر بالله وباليوم الآخر وكان موقفه فى ذلك مثل الموقف الذى قصه الله سبحانه وتعالى حينها
يقول
كلها
لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون الاعراف ١٦٤
وكان لا مناص من تدمير سدوم وتظهير الأرض من فساد
عم
سدوم
يقول تعالى
وإن لوطًا لمن المرسلين إذا نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ثم دمرنا الآخرين وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون الصافات ۱۳۳-۱۳۸
۱۹۵

IK
إسماعيل
عليه السلام
ونكمل هنا الحديث عن اسماعيل عليه السلام
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ة ا ا اتخذوا الخيل أى اقتنوها أو ربوها واعتقوها أي توارثوها منتجين لها
غير مهملين السلالتها فإنها ميراث أبيكم إسماعيل
ويقول أصحاب السير والأخبار إن إسماعيل عليه السلام أول من استأنس الخيل لقد كانت من قبله وحشية تنفر من الناس وتفر منهم فآنسها اسماعيل ورباها وعلمها وركبها وهذا يضعنا مباشرة أمام اسماعيل الفارس وكان اسماعيل بطبيعته وفطرته فارسا وجاءت ظروف الحياة فألجأته أيضًا لأن يكون فارساً وذلك أنه كان يحب الصيد ومن أجل هذه الهواية التي كانت في الوقت نفسه ضرورة للعيش وللحياة في هذا المكان الذي لا زرع فيه ولا ضرع والذى يضطر الإنسان فيه إلى
١٩٦

اقتناص رزقه اقتناصاء من أجل هذه الهواية كان إسماعيل عليه السلام يبرى النبل ومن أجلها ذلل الخيل وسط الميا العالق الله والفروسية نوع من الشهامة ومن الشهامة أن يصبر الإنسان على ما يصادفه من مصاعب ولقد كان من صفات سيدنا إسماعيل الصبر إنه تهيأ بالصبر لأن يضحى بنفسه فى سبيل مرضاة الله ومن الشهامة أن يكون الإنسان حليا ولقد وصف الله سيدنا اسماعيل بالحلم من قبل أن يولد
ويبدو
أن سيدنا اسماعيل كان أنيقًا حتى في أسلوبه ولغته فلقد كانت اللغة العربية من قبله يتحدث بها كلغة تفاهم فطوعها سيدنا إسماعيل للشاعرية وللخيال وللكناية والمجاز ولذلك يقولون إنه أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة ويقولون إنه أول من تكلم بالعربية البينة
ولعل مما يرجع إلى شهامته وإلى أناقته هذه الصفة الكريمة التي تحلى بها طيلة حياته والتى هى من أخص خصائص الرجولة الحقة ألا
الوعد يقول تعالى
وهى
صدق
واذكر في الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً
نبيا مريم ٥٤
ثم يذكر الله تعالى عملين من أعماله لهما مغزاهما العميق فيقول
وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة مريم ٥٥
لقد كان يتحلى بالصلاة ويأمر بها أهله ويتحلى بالزكاة ويأمر بها أهله
۱۹۷

أي
كان حريصًا على حسن صلته بالمجتمع ومظهر ذلك الزكاة والزكاة هنا معناها البذل والتضحية في سبيل الله فى أعم صورة وأوسع نطاق لقد كان حسن الصلة بالله حسن الصلة بالمجتمع ومن أجل ذلك يعقب الله سبحانه وتعالى على صفاته وأعماله بقوله سبحانه
وكان عند ربه مرضيا مریم ٥٥
وبعد فلقد روى عن سيدنا عمر بن عبد العزيز أنه قال شكا اسماعيل عليه السلام لربه عز وجل حر مكة فأوحى الله إليه أن سأفتح لك بابا من الجنة إلى الموضع الذى تدفن فيه ويجرى عليك روحها
إلى
القيامة يوم
۱۹۸
هله

شعیب
عليه السلام
روى ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه
شعیب عليه السلام قال
ذاك خطيب الأنبياء
وسلم
كان إذا ذكر
وذلك من أجل ما اشتهر به شعیب علیه السلام من الفصاحة والبلاغة وإدارة الكلام الحق المقنع متناسقا مع الظروف والمناسبات
ويقول الله تعالى
وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هود آية مدين ٨٤
ومدين مدينة وإقليم فى أطراف الشام مما يلى ناحية الحجاز ومدين أيضًا قبيلة كانت تقطن هذه البقعة من الأرض التي سميت باسم القبيلة
۱۹۹

الدكتور
عبد الحليم محمود
في رحاب الكون مَعَ الأنبياء والرسل

بهذا الدليل نفسه يقيم أحد الحكماء الحجة على أحد المنكرين لوجود الله كان ذلك في العصر اليونانى وكان المنكر هو أرسطو ديموس وهو غير أرسطو الشهير وجرى الحديث بينه وبين سقراط أبي الفلاسفة على النحو
التالي
قال سقراط أفى الناس من يعجبك براعته في الصنائع قال نعم ! وسمى من الشعراء والمصورين ممن كان يعده أبرع من غيره فقال سقراط أيهما عندك أرفع شأنا من يصنع التماثيل العارية عن
الحركة والعقل أم من يصور الأشباح الحية المتحركة
فقال من يصنع الصورة الحية اللهم إلا إذا كانت تلك الصور من عمل الاتفاق لا من عمل العقل
قال سقراط إذا فرضنا أشياء لا يظهر المقصود منها وأشياء أخرى بينة القصد والمنفعة فما قولك فى تلك الأشياء ما هي التي عندك من فعل العقل وما هى التى عندك من فعل الاتفاق
قال لا شك أن ماظهر قصده ومنفعته من فعل العقل
قال سقراط أو لست ترى أن صانع الإنسان في أول نشأته جعل له آلات الحس لما في تلك الآلات من المنفعة الظاهرة فأعطاه البصر والأذنين ليبصر ويسمع ما يكون لعيشه نافعا صادقًا وما فائدة الروائح لو لم تكن
۰

ولقد أرسل الله لهم شعيباً عليه السلام ليعالج أمراضا اجتماعية وخلقية
ودينية انتشرت فيهم
والله سبحانه وتعالى يرسل الرسل ليبينوا للناس أمرين الأول منها رسم طريق الهداية في أصوله وقواعده طريق الهداية في العقيدة وطريق الهداية في الإخلاق وطريق الهداية في التشريع أي رسم الطريق الذي يسود به الأمن فى المجتمع وتكون به السعادة وهو طريق لا يرسمونه من عند أنفسهم ولا يخترعونه من بنات أفكارهم وإنما يتلقونه عن الله فيبلغونه للناس ويعملون جهدهم على نشره وتحقيقه والأمر الثانى الذى من أجله أرسل الرسل هو بيان الآثام التي أمر الله سبحانه وتعالى باجتنابها وهى آثام تضر بالفرد في نفسه وتضر
بالمجتمع وإذا كانت بعض هذه الآثام منتشرة فى البيئة التي يرسل فيها الرسول
فإنه يعني بها عناية خاصة
ولقد انحرف أصحاب مدين في جميع المجالات الروحية أي في العقيدة وفي الأخلاق وفى التشريع فكان من العدل الإلهى أن لا يعذبهم حتى يرسل لهم رسولاً يقول سبحانه
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا الاسراء آية ١٥
ولقد سمى الله قوم شعيب أصحاب الأيكة فقال
كذب أصحاب الأيكة المرسلين الشعراء آية ١٧٦ عليه

والأيكة شجرة من الأيك كانوا يعبدونها من دون الله وهذا هو الانحراف والفساد في العقيدة وهذا الانحراف هو أول شيء ينبه عليه الرسل ويعملون على إزالته
أنفسهم
ولقد حاول سيدنا شعيب عليه السلام اقتلاع هذه العقيدة من بشتى الوسائل فهو ينبههم أولا إلى رسول أمين وكان ذلك
البدهيات عندهم فهم لم يعلموا عنه خيانة
وينبههم
من
ثانيا إلى أنه لا يسألهم عن دعوته أجرًا فهو يحتسب أجره
عند الله وهذه صفة المخلصين
إنهم لا يطلبون دنيا ولا يكنزون مالاً ولا يطلبون ثراء بسبب دعوتهم أو رسالتهم التي ينشرونها وإنه لمن الواضح أن الفرق بين الداعية المخلص والداعية المزيف هو أن الداعية المخلص لا ينظر إلى دنيا يجمعها أو إلى ملاذ ينغمس فيها
أما الداعية المزيف فهمه كل همه اكتناز المال والاستمتاع بالثراء ولكن قومه - في الأغلب الأعم منهم - لم يستجيبوا لدعوته وأخذوا في معارضته ووصل الأمر أن كانوا يجلسون في كل مكان أهل بالمارة بهم يهددون من تحدثه نفسه باتباع شعيب ويصدون عن سبيل الله من آمن به وذلك من أجل أن يستمر الجميع على طريق واحد هو طريقهم المعوج المنحرف ولقد كان مما قاله لهم عة
۰۱

ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن
به وتبغونها عوجا الأعراف آية ٨٦
ثم أخذ يذكرهم بنعم الله عليهم
واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم الأعراف آية ٨٦
وأخذ يذكرهم بعاقبة من لم يؤمن قائلا
وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين الأعراف آية ٨٦
وأخذ
مع كل ذلك يحاول اقتلاع جذور الفساد في المجتمع
لقد كان مجتمع مدين في غاية الفساد وكان لابد من أن يغير قوم مدين ما بأنفسهم من السوء إلى صفات الخير خشية أن يدمرهم الله تدميرا
أخذ
ومن أجل أن لا يهلكهم الله بعذاب من عنده ومن أجل أن لا يأخذهم عزيز مقتدر منتقم حاول سيدنا شعيب إصلاحهم وكانت الخطوة الأولى في الإصلاح وهذه الخطوة الأولى فى كل إصلاح روحي ديني أخلاقي إنما هي الاستغفار والتوبة
وقال لهم سيدنا شعيب عليه السلام
واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه
ثم ذكر لهم صفتين من صفات الله أرق ما يكون وأرأف ما يكون إن ربي رحيم ودود هود آية ٩٠
۰

وهو لرحمته ووده سيتجاوز عما سلف إذا رجعوا إليه بالاستغفار والتوبة
الخالصة النصوح أما موضوع التوبة فهو هذه الجرائم الكثيرة التي كانوا يأتونها في مجتمعهم ومنها الإفساد في الأرض ولقد قال لهم شعيب ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها الاعراف آية ٨٥
وقال لهم ولا تعثوا فى الأرض مفسدين الشعراء آية ۱۸۳ والإفساد في الأرض جريمة من أكبر الجرائم في النظرة الدينية وهى جريمة تؤسس عادة على الإلحاد أو على الانحراف في الدين وكلما ظهر في المجتمع ضعف الإيمان أكثر أهله الإفساد فى الأرض وقد بين الله سبحانه جزاء المفسدين في الأرض فقال
إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض المائدة آية ۳۳
أما الاسم الذى اشتهر به أهل مدين والذي كرر شعيب عليه السلام
الحديث عنه معهم أمرًا وناهيا فهو اسم يتصل بالتجارة
لقد كانت التجارة عندهم في غاية السوء فقد كانوا يطففون الكيل والميزان فيزيدون إذا أخذوا وينقصون إذا أعطوا فأخذ سيدنا شعيب
يقول لهم
أوفوا المكيال والميزان بالقسط هود آية ٨٥
۰۳

ويقول أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا
بالقسطاس المستقيم الشعراء آية ۱۸۱-۱۸

وبين لهم أن بقية الله - أى رزقه الحلال خير لهم من أخذ أموال
من
الناس بالباطل ولكن ظاهرة تطفيف الكيل والميزان كانت متمكنة نفوسهم حيث لم تكن الاستجابة إلا فى الأفراد القلائل الذين آمنوا بشعيب عليه السلام وظاهرة التطفيف والآثام التي حذر القرآن الكريم منها وبين جزاءها فقال في أسلوب فيه إنذار وتهديد
ويل للمطففين
L
والويل واد في جهنم ذو عذاب أليم
ا ثم بين سبحانه وتعالى المطففين بقوله
الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم
يخسرون
ثم أخذ الله سبحانه يعجب من أمرهم فيقول من
ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب
العالمين
لجنان
واستمر شعيب عليه السلام يعالج الأمراض المتنوعة بأسلوبه المنطقي وبسلوكه المستقيم فاستجاب له من أراد الله له الهداية والرشد وصد عنه الغالبية العظمى من قومه واستمروا على ما هم عليه من فساد وجور
٢٠٤

أيوب
عليه السلام
تتجاور فى رحاب الكون منذ وجد الكون ظواهر الخير والشر والحس الأخلاقي والقبح الأخلاقي كما يتجاور النعيم والشقاء والسعادة
والبؤس
وقد يرى الإنسان من خلال التاريخ مظهرا بلغ الذروة في الوفاء وفى الصبر فيسعد برؤية نموذج للفضيلة قد تحقق بالفعل
وقد يرى الإنسان من خلال التاريخ مظاهر للغدر والخيانة وقعت هنا أو هناك فيبتئس ويحزن
وفى التاريخ وهو يحدثنا عما يجرى فى رحاب الكون عظة وعبرة
وذكرى
نقول هذا بمناسبة حديثنا عن قصة أيوب صلوات الله وسلامه
٢٠٦

عليه والقرآن الكريم يحدثنا عن أيوب عليه السلام في عدة من السور
فيقول في سورة الأنبياء
وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين
الأنبياء آية ۸۳
وفي هذه الآية الكريمة لا يطلب أيوب شيئًا بصيغة الطلب الصريحة وإنما يتجه إلى الله معلنا حالته ذاكرًا أنه مسه الضر ثم يخاطب الله سبحانه أنه صفاته سبحانه أرحم الراحمين ولا شك أن صورة هي الالتجاء إلى الله على هذه الكيفية إنما هى صورة من صور الأدب العالى في
بصفة من
الدعاء
وما من شك فى أن أيوب عليه السلام لم يتجه إلى الله بهذا النداء إلا وقد بلغ من الاضطرار إلى الحد الأعلى والله سبحانه وتعالى يقول أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء النمل آية ٦٢
ومن أجل التجائه إلى الله واضطراره قال الله سبحانه وتعالى مبينا نتيجة التجائه إليه فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين الأنبياء آية ٨٤
ما هي قصة أيوب
۰۷

لقد آتاه الله ثراءً عريضًا ونعمة موفورة وكان ثراؤه ألوانا عدة كان
عنده من الثروة الزراعية متمثلة فى المزارع والحدائق والرياض الشيء الكثير ويتحدث الإمام ابن كثير عن الأراضى المتسعة بأرض الثنية من أرض صوران التي كانت له ثم يذكر عن ابن عساكر أنها كلها كانت له
وكانت له أموال من الأنعام والمواشي لا تكاد تعد
ومنحه الله نعمة القوة والصحة والوسامة ووهبه زوجة يتمثل فيها كل ما يتطلبه الرجل من الزوجة من خلق كريم ومن رقة وجمال ولم يبطر أيوب ولم يتكبر إن النعمة لم تبطره وإن الغنى لم ينحرف به لم يكن من هذا النوع الذي قال الله فيه
إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى
ولم يكن من هذا النوع الذى يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين ذلك النوع الذى يصفه الله بأنه يكذب بالدين كلا لقد كان صابرًا على النعمة والصبر على النعمة هو شكر لها
ومن شكرها ومن الصبر عليها أن يؤدى الإنسان حق الله فيها ولقد كان أيوب يؤدى حق الله فى النعمة كان يطعم الجائع ويكسو العارى وينجد ذا الحاجة الملهوف
وهذا الصبر على النعمة - وقد يبتلى بعض الناس بالنعم - والصبر فيما بعد على الشدة والمرض هما اللذان كانا السبب في اتخاذ صبر أيوب مثلاً
۰۸

والله سبحانه وتعالى يقول
منح
إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب
والوسامة
الله أيوب عليه السلام الثراء العريض والنعمة الموفورة والصحة
ثم أخذ المال يتناقص وأخذت النعمة فى الزوال وضعفت الصحة شيئًا فشيئًا ثم جاءت لحظة من اللحظات وقد زال تماما ذلك كله جاءت وقد باع أيوب آخر ما عنده مما يمتلك وأنفق أيوب آخر ما يقتنى وأصبح من الفقر بحيث لا يجد ما يسد جوعه ومن المرض بحيث لا يستطيع أن يعمل
وأشفق عليه في المبدأ الأهل والاصدقاء من ذوى الثراء والنعمة ثم
أخذ اشفاقهم يفتر وأخذ عطفهم يتلاشى وأخذت صلتهم به تزول
فشيئًا
شيئًا بحسب ما تتضمنه نفوسهم من عوامل الوفاء قوة وضعفا ثم زال كله بمرور الزمن وذلك أن مرضه طال وابتلى جسده - كما يقول الإمام ابن كثير - بأنواع من البلاء وطال مرضه حتى عافه الجليس وأوحش منه الأنيس وانقطع عنه الناس
غالب
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ابن أبي حاتم أن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من اخوانه كانا من أخلص إخوانه له كانا يعدوان إليه

لنا أنوف نشمها وكيف ندرك المطاعم ونفرق بين المر والحلو والمز لو لم
يكن لنا لسان نذوق به
إن بصرنا معرض للآفات أو لست ترى كيف اعتنت القدرة الإلهية بذلك فجعلت الأجفان كالأبواب لتمنع ما يصيب البصر وجعلت الأهداب كالمناخل لتقيها من أضرار الرياح
وما قولك في آلة السمع وهى تقبل جميع الاصوات ولا تمتلى أبدا أما رأيت الحيوانات وكيف رتبت أسنانها المقدمة وأعدت لقطع الأشياء فتلقيها إلى الأضراس فتدقها دقا
فإذا تأملت في ترتيب ذلك أيمكنك أن تشك هل هي من فعل الاتفاق أم هي من فعل العقل
قال أرسطو ديموس نعم إذا تفكرنا فى ذلك فإننا نؤمن أنها من فعل صانع حكيم كثير العناية بمصنوع عاته
I
تحدثنا من قبل عن المصادفة ولكننا لم ننته منها بعد متى أقامت المصادفة قصرًا بل متى كونت غرفة واحدة ببابها
ونوافذها بل ومتى كونت بابا مجرد باب محكم الصنع
أرأيت لو جاء إنسان بآلاف من حروف الطباعة أو بملايين منها وأخذ يحركها يوما بعد يوم وأسبوعًا بعد أسبوع وسنة بعد سنة أتراه يظفر منها

ويروحان فقال أحدهما لصاحبه
تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد من الصالحين
قال صاحبه وما ذاك
قال منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به
فلما راحا إليه لم يصبر الرجل على ذكر ذلك له
فقال أيوب لا أدرى ما تقول غير أن الله عز وجل يعلم أنى كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكر ان الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنها كراهية
أن يذكر إلا في حق
ومعنى
ذلك أن أيوب عليه السلام وصلت به شفقته على الناس ووصل به تقديسه الله سبحانه وتعالى إلى درجة أنه كان حين يسمع رجلا يقسم بالله
على أمر
من الأمور يذهب إلى بيته فيخرج كفارة اليمين إشفاقا على الرجل أن يكون قد حلف كذبا وتقديسا الله أن يقسم به على زور دون أن
يكفر عن القسم

وقد كان أيوب عليه السلام يتحلى بصفات جامعة منها أنه كان لا يبيت قط ليلة وهو شبعان مع علمه بمكان جائع
ومنها ما أخبر به من أنه لم يكن قط له قمصان وهو يعلم بمكان عار ومنها الصفة التى ذكرها القرآن الكريم مثنيا عليه بها وهى أنه أواب
۱۰

أوقاته
يرجع
والأواب هو الذي يرجع إلى الله سبحانه وتعالى في جميع إليه بالحمد على نعمه وآلائه ويرجع إليه بالتفكر في جميل صنعه والتدبر في
بديع

آياته ويرجع إليه بالذكر حتى يكون لسانه دائما رطبا بذكر الله
وقد كان أيوب عليه السلام في عنفوان محنته وفى شدة ابتلائه ذاكرًا الله سبحانه وتعالى عالماً أن ما به إنما هو نعمة من الله يسديها له
يقول الإمام ابن كثير مصورا مرض أيوب
عمل
لم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر الله عز وجل وهو في ذلك كله صابر محتسب ذاكر لله عز وجل فى ليله ونهاره وصباحه ومسائه
يقول الله تعالى
ونبلوكم بالشر والخير فتنة
ويقول رسولنا صلوات الله وسلامه عليه أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل
ويزيد رسولنا صلى الله عليه وسلم موضوع الابتلاء وضوحًا فيقول يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وهذا الابتلاء إنما هو اختبار وامتحان من الله وهو عادة يتمخض عند الصادقين عن رضا من الله سبحانه يغمر الصابر المحتسب وعن رحمة من الله سبحانه تحيط بمن نجح في الاختبار وتكون التجليات الإلهية والآلاء
۱۱

الربانية وتكون السعادة العظمى
ولقد نجح أيوب في الاختبار فكشف الله ما به من وينكشف ابتلاء أيوب عن قصة أجمل قصص الوفاء عن قصة من للوفاء لا تكاد تجد لها مثيلاً في خلال التاريخ شرقيه وغربيه إنها قصه وفاء
زوجته
لقد لازمته هذه الزوجة الكريمة ملازمة تامة وكانت الوحيدة التي جنت عليه طيلة ابتلائه فقد كانت تقدر حق الزوجية كل التقدير وتقوم بواجبها خير قيام إنها تذوقت معه السعادة في أيام نعمته وهاهي ذى تتوفر بكل جهدها عليه في أيام ابتلائه لقد أخذت أمر المعيشة له ولها تدبر بكل وسيلة شريفة حتى اضطرتها الظروف فى النهاية إلى أن تعمل عند ذوى النعمة فخدمت بعد أن كانت مخدومة وترددت على الأثرياء بعد أن كان قصرها يزدحم بالمترددين عليها وكان الناس يشفقون عليها فيستخدمونها حتى ولو لم يكونوا في حاجة إلى خدمة من أجل أن يعطوها القليل الذي يسد جوعها وجوع زوجها

بلية في
ذلك فإن القضاء لم ينته فى أمرها وأمر زوجها إلى هذا الحد ومع فحسب فقد ترددت اشاعة في جميع الارجاء أن من يستخدم أمرأة أيوب ربما ناله من بلائه وحل عليه من شقائه وترددت على الأبواب فلم تفتح الأبواب لها وبحثت عن عمل فلم تجد وطوت هي وزوجها اليوم وباتا جائعين وفى جوارهما القصور والنعيم وبالقرب منها ذوو الثراء من
۱

الأقارب والأباعد وفكرت هذه السيدة وأطالت التفكير فكرت في أمر الخروج من هذا المأزق المفاجئ ومن هذه الشدة الجديدة وكانت ذات شعر طويل جميل فرأت وهى في محنتها أن لا حاجة لها بهذا الشعر وماذا تصنع به وحياتها وحياة زوجها على أبواب النهاية التلال الص
m
يقول الإمام ابن كثير فلما لم تجد من يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الاشراف احدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير فأتت به أيوب
فقال
من أين لك هذا وأنكره
فقالت خدمت به أناسا فلما كان الغد لم تجد أحدا فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به فأنكر أيضا وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام فكشفت عن رأسها خمارها فلما رأى رأسها محلوقا قال في
دعائه
رب إنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين
ولعل أيوب عليه السلام لم يقلها من أجل نفسه وإنما قالها من أجل زوجته من أجل وفائها من أجل اخلاصها من أجل الجميل الذي
أسدته
واستجاب الله للنداء وهو الذى يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وعادت الحياة باسمة فيها الثراء وفيها النعمة وفيها ذكريات
۱۳

للوفاء وللصبر وشعور غامر برضوان من الله ومحبة منه سبحانه
يروى
أنه حينما دعا بدعائه أوحى الله إليه قد رددت عليك أهلك
ومالك ومثلهم معهم فاغتسل بهذا الماء فإن فيه شفاءك وقرب عن صحابتك قربانا واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك

یونس
عليه السلام
روى الإمام البخارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى
لا ينبغي
ويونس بن متى هو صاحب الدعوة المشهورة التي يقول عنها رسول
الله صلى الله عليه وسلم
لم يدع مسلم ربه في شيء قط بها إلا استجاب له
وهذه الدعوة هي
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وهي دعوة تبدأ بالتوحيد الخالص يتمثل في قوله تعالى لا إله إلا أنت وتثنى بالتنزيه تنزيه الله عن كل ما يتنافى مع
يتمثل في قوله سبحانك
الكمال وذلك
ثم تنتهى بالاعتراف الخاشع الخاضع المتمثل في قوله
٢١٥

إنى كنت من
الظالمين
وهذه الكلمات القليلة التى يتمثل فيها الإيجاز المعجز في اللفظ والتي يتمثل فيها السمو السامى فى المعنى لا تطلب شيئًا في صراحة ولا تنادى بشيء بأسلوب مباشر ولكنها مفعمة بالطلب مفعمة بالاستغاثة,
لقد دعا بها سيدنا يونس وهو في بطن الحوت
ويحسن أن نبدأ القصة من أولها
ولقد أرسل الله سيدنا يونس عليه السلام إلى أهل نينوى من أرض الموصل وكان سيدنا يونس ككل الأنبياء متحمسا لدعوته قائما بها في الصباح والمساء وكلما استطاع إلى ذلك سبيلا ومتخذا لها كل الوسائل التي في إمكانه لتنتشر وتعم
ولكن قومه قابلوا تحمسه بفتور وقابلوا دعوته إلى الإيمان بالكفر الأصم وقابلوا عنايته بعناد لا يلين
وإذا كان سيدنا نوح فى مثل هذا الموقف الذي لا بارقة من أمل في إصلاحه دعا على قومه قائلا
حالا یه سال است
ورب لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا
عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارا نوح آية ٢٦-٢٧
واسعة
فإن سيدنا يونس رأى أن لا فائدة فى المكث بينهم فأنذرهم بحلول
٢١٦

العذاب بهم بعد ثلاثة أيام وخرج من بينهم معلنًا أنه يخرج من أجل النجاة من عذاب الله الذى يوشك أن يحل بهم الكفرهم وطغيانهم وغادر المدينة متعمدا أن يكون ذلك على مرأى ومشهد من أهلها وما أن فارقهم نبي الله حتى بدأ الخوف بل الرعب يدب إلى قلوبهم ويتغلغل في نفوسهم ولقد أخذتهم ذاكرتهم في إلقاء الضوء على صدقه وأمانته وعلى فضائله ومكارم أخلاقه وعلى أنه لم يعهد عليه الكذب ولا الخديعة وترجح عندهم صدقه ثم أيقنوا بهذا الصدق وتأكدوا أن العذاب لا محالة نازل بهم وأخذ خيالهم يصور لهم العذاب وألوانه وفجائعه فاجتمعوا وتشاوروا فيما بينهم وانتهوا إلى اتفاق عام هذا الاتفاق أسلافنا في صورة أخاذة يرويها الإمام ابن كثير على الوضع
العام يصوره
التالي
قال ابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد
بهم
من
السلف
والخلف فلما خرج من بين ظهرانيهم وتحققوا نزول العذاب قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم فليسوا المسوح وفرقوا بين كل بهيمة وولدها ثم لجأوا إلى الله عز وجل وصرخوا وتقربوا إليه وتمسكنوا لديه وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات وخارت الأنعام والدواب والمواشي ورغت الإبل وفصلانها وخارت البقر وأولادها وثغت الغنم وحملاتها وكانت ساعة عظيمة هائلة وهذه هي الصورة التي رسمها أسلافنا فماذا كان من أمره وماذا كان بعد
من أمرهم
۱۷

فارق يونس عليه السلام قومه بعد أن أنذرهم بعذاب مدمر فتضرعوا
إلى الله سبحانه بالتوبة والإنابة والاستغفار مقدمين بين يدى ذلك كله الإيمان الصادق فكانت ثمرة ذلك نجاتهم التي صورها الله بقوله
إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين يونس آية ۹۸
وهذا الذي صنعه الله بهم يساير نواميس الله سبحانه التي سنها نظاما عاما للبشرية وهي أن عذاب الله سبحانه ينزل على الأفراد أو على المجتمعات بنسبة بعدهم عن الإيمان وأن رحمته تغمر الأفراد والمجتمعات بنسبة قربهم من الإيمان والنجاة دائما مكفولة في نواميس الله للمؤمنين
الصادقين
أما
یونس
بالعذاب
عليه السلام فإنه لما ضاقى بقومه ذرعا فارقهم مغاضباً منذرًا
ولم تكن هذه المفارقة عن استئذان من الله سبحانه أو عن أمر منه وإنما ظن هو أن هذا في شريعة الله أوسع من أن يحتاج إلى إذن وأنه غير مضيق عليه من قبل الله فى المكث أو في المفارقة أي أنه في مجال المباح وعزب عن ذهنه فى ساعة مغاضبته لقومه أن المفارقة بدون استئذان إذا جازت بالنسبة للأفراد العاديين فإنها لا تجوز بالنسبة لمن يصطفيهم الله للعبودية الخالصة ومن يجتبيهم مرسلين من قبله
۱۸

إن هؤلاء لا يتحركون إلا به ولا يسكنون إلا عن أمره وهم في كل ما يأتون به وما يدعون قد ألقوا بمقاليد أمورهم بين يديه يصرفهم حسبها
يشاء
29
ولعل ذلك هو ما تعنيه الكلمة القرآنية الكريمة في قوله تعالى فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت سورة القلم آية
وصاحب الحوت هو سيدنا يونس الذي لم يصبر على كفر قومه وعنادهم ففارقهم عن غير إذن من الله فكان من تقدير الله سبحانه أن وصل يونس عليه السلام إلى شاطئ البحر وركب مركبا مشحونا ثقيل الحمولة وهبت ريح جعلت المركب على حافة الغرق بمن فيها فكان لابد من تخفيف حمولتها حتى يستقيم أمرها
واستهم الركاب على من يلقون به فى البحر تخفيفا للحمولة فوقعت
القرعة على يونس عليه السلام وألقوه في البحر
ولما ألقوه في البحر ابتلعه حوت كبير وفجأة رأى سيدنا يونس نفسه
في بطن الحوت فأسرع مستغيثا
فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
الظالمين سورة الأنبياء آية ۸۷
۱۹

- مصادفة بتركيب لها هو كتاب من كتب الأدب أو الفلسفة أو
الرياضة
إنه كما يقول المستشرق سانتلانا لو دام على تحريكها السنين والدهور لما حصل من كده إلا على حروف

وإذا كان الأمر كذلك فكيف يتصور كما يقول سانتلانا أيضا- حدوث هذا الوجود العالم بما هو عليه من الإتقان والإحكام وتضافر الأجزاء وعجيب مناسباتها بعضها البعض من حركات اتفاقية في خلاء لا نهاية له كما يقول الماديون
وما من شك فى أن أصحاب العقول المتزنة يتفقون مع أرسطو في قوله من أن كل نظام يدل على العقل
أما الكندي الفيلسوف العربى الذى كان أول فيلسوف نشأ في الإسلام والذي ولد سنة ١٨٥ هـ ومات سنة ٢٥٢هـ فإنه يرى

سریر
من
تأليف
أن الصنعة في باب أو أو كرسى بما يظهر فيها وترتيب متقن محكم ليست أدل على الصانع من دلالة الكون عليه سبحانه إن ذوى العقول الصافية لا يشكون في ذلك إننا إذا نظرنا إلى هذا العالم في جملته - كما يقول الكندى - وجدناه مترابطًا مقدرا على النحو الأنفع الأحكم ووجدنا بعضه علة لكون بعض وبعضه مصلحة للبعض وكل ذلك ظاهر لمن كان في مرتبة إدراك الصورة العامة

في إنبات القرع عليه حكم جمة منها أن ورقه في غاية النعومة وكثير وظليل ولا يقربه ذباب ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره نيا ومطبوخا وبقشره وببذره أيضا وفيه نفع كثير وتقوية للدماغ وغير
ذلك اهـ
اما
أما هذه العناية من الله بيونس فإن الله سبحانه يحدث عن سببها إذ
اله
يقول
فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون
الصافات آية ١٤٣-١٤٤
لقد كان يونس عليه السلام مسبحاً أى منزها لله سبحانه والتعبير
الذي يدل عليه التنزيه هو
سبحان الله أو سبحان الله وبحمده
ا مادة
أما نداء يونس وهو في بطن الحوت أي
لا
إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
فإنه - دعوة في غاية الحق
إنها أولاً توحيد لا إله إلا أنت
وثانيا سبحانك

امية السنة نية الحال
وثالثا اعتراف وصف فيه نفسه بالتقصير في حق الله

إنى كنت من الظالمين
ومع كل ذلك فإن يونس عليه السلام ككل الأنبياء والرسل في قمة الخلق الكريم
والتسبيح إذن من وسائل النجاة والحفظ والحماية
أما دعاء يونس عليه السلام فقد روى سعيد بن المسيب قال سمعت ابن مالك - وهو ابن أبي وقاص يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اسم الله الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى دعوة يونس
ابن متى قال
فقلت يا رسول الله هى ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين قال هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا بها ألم تسمع قول
الله تعالى
فنادى فى الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين الأنبياء الآية ۸۷
فهو شرط من الله لمن دعاه به أهـ
أما عن يونس عليه السلام نفسه فإن الله سبحانه وتعالى يقول عنه

وإن يونس لمن المرسلين
واخرج الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال
ما ينبغى لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى على رسولنا وعليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم
۳

يقول الله تعالى
موسی
عليه السلام
وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين وهكذا نرى من مبدأ قصة موسى عليه السلام عناية الله به ورعايته له وهذه العناية والرعاية ليست خاصة بموسى وإنما يقدرها الله سبحانه وتعالى لكل من يصطفيهم إنه يقدرها لهم أزلاً فيأتون إلى العالم وقد خططت حياتهم ورسمت في حكمة دقيقة لقد رسمت من قبل أن يولدوا بحيث اختار الله لهم الآباء الشرفاء والأمهات الأطهار
يقول إمامنا البوصيرى عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم تزل في ضمائر الكون تختار لك الأمهات والآباء
وانظر إلى السيدة مريم رضى الله عنها حينما استعاذت بالرحمن من هذا
٢٢٤

الذي تمثل لها بشرا سويا فقال مطمئنا ومهدئًا
إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا
فلما استغربت ذلك قائلةً
أنى يكون لي غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا
بين لها أن المقادير الإلهية رسمت الحياة منذ الأزل قائلا كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرًا مقضيا
فقد كان أمرًا مقضيا قبل أن يولد عيسى عليه السلام وكان أمرًا مقضيا شاءت أمه أو أبت
يربى
ونعود بعد هذا إلى سيدنا موسى عليه السلام فنرى أن حكمة الله اقتضت أن يولد في عام يقتل فيه المواليد من أبناء اليهود عقاباً لهم على بغيهم وطغيانهم وإفسادهم وكان من تدبير هذه الحكمة في ذلك أن هذا الوليد في القصر الملكى حيث العناية التامة صحيا وحيث العناية التامة ثقافيا وحيث الفرصة متاحة في القصر لمعرفة السياسة وأسرار الحكم وتصريف الأمور وتدبير شئون الدولة وقيادة الأفراد
لقد كان سيدنا موسى يعد للنبوة والنبوة قيادة لجميع أقطار الإنسان وقيادة الجميع زوايا المجتمع فى الجانب السلوكى والاجتماعي في الإرادات
٢٢٥

والنوايا في الأخلاق والتصرفات وفى كل ما يأتيه الإنسان أو يدعه من
مسائل العقيدة والأخلاق والتشريع
ودبرت العناية الإلهية الأمور على الوضع الذي يقصه الله تعالى في أكثر
من سورة من سور القرآن
ومن الواضح السافر الذى لا لبس فيه أن الله سبحانه وتعالى كان
يصطنعه لنفسه كما يقول سبحانه
واصطنعتك لنفسي
وأنه سبحانه كان يصنعه على عينه كما قال سبحانه
ولتصنع على عينى
وتبدأ قصة موسی به عليم لقد سرح بها خيالها في مستقبل هذا الحمل وفيها ينتظره من مصير لقد كانت تفكر في الأمر نهارًا وكانت تفكر فيه ليلا وأصبحت فريسة للهواجس لا تفارقها
عليه السلام بأن أمه حملت به فأصابها من الهم ما الله
فطمأنها الله سبحانه وأمرها أن تأخذ الأمر في يسر تام لقد أمرها إذا ما تم الوضع أن ترضع الوليد رضعة مشبعة ثم تضعه في صندوق وتلقيه في
النيل
وأحكمت أم الأمر إحكاما أحكمته من جهة الصندوق موسی وكيفيته وأحكمته من جهة الإلقاء ووقت الإلقاء ثم ألقته داعية الله له
٢٢٦

بالحفظ وما أن بعد عنها وتوارى عن نظرها حتى أضحت فريسة للهواجس مرة أخرى وأخذ الشيطان يهمس في أذنها فحدثت نفسها
من
قائلة ماذا فعلت يابني لو ذبح عندى فواريته وكفنته كان أحب إلى من أن ألقيه إلى دواب البحر وحيتانه لقد أصبح قلبها معلقًا به فارغا غيره وكادت تعلن الأمر وتذيع الخير حتى يرد ولدها عليها ولو كان مذبوحا ولكن الله عصمها وثبتها وربط على قلبها لتكون من المؤمنين

عن ابن عباس رضي الله عنها

حسبها روى الثعالبي قال
إن بني إسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس وعملوا بالمعاصي ووافق خيارهم شرارهم ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر فسلط الله عليهم القبط فاستضعفوهم وساموهم سوء العذاب فذبحوا أبناءهم
ورأى ابن عباس هذا هو الرأى الاشبه بالحق في سبب سوء التفاهم الذي حدث بين المصريين واليهود عندما كان سيدنا موسى على وشك أن يتنسم الحياة
لقد أفسد اليهود في أرض مصر حينئذ إفسادا كان من المحتم معه إضعاف شوكتهم وفى هذه الفترة ولد سيدنا موسى وكان من ثمار ميلاده في هذه الفترة أو من حكمة الله لولادته فى هذه الفترة أن تسير به المقادير
۷

في عناية تامة إلى أن تضعه فى القصر الملكى يربى فيه ويعد لمواجهة هذا
الظلم الفاجر والفساد العنيد
وولد
فخافت أمه أن يقتل وألقته فى النهر وانطلق الماء بموسى موسی

يرفعه الموج مرة ويخفضه أخرى حتى أدخله – كما يذكر النيسابورى - بين الأشجار عند دار فرعون إلى روضة هي مستقى جوارى فرعون وكان بالقرب منها نهر كبير فى دار فرعون داخل في بستانه
فخرجت جواری فرعون يغتسلن ويستقين فوجدن الصندوق قد حمله التيار إلى مستقاهن ومغتسلهن فأقبلن عليه يتنافسن في التقاطه فلما أصبح بين أيديهن أخذن فى التنبؤ بما فيه أهو كنز من ذهب أهو مجموعة من الجواهر أهو أي شيء آخر
وانتهى بهن
الرأى إلى أن الأسلم فيما يتعلق بهن أن يذهبن به إلى سيدتهن ربة القصر امرأة فرعون فحملنه على حالته حتى أدخلنه على آسية امرأة فرعون هذه السيدة التي ضرب الله بها مثلا للمؤمنين
فقال
وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لى عندك بيتا في الجنة ونجنى من فرعون وعمله ونجني من القوم
الظالمين
ولقد وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكمال مسويا في ذلك
۸

بينها وبين السيدة خديجة الزوجة الأولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم
والسيدة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسيدة السيد المسيح رضى الله عنهن أجمعين
مريم
أم
وحينما وصلت الجوارى إلى مكان السيدة آسية وضعن الصندوق أمامها فأمرتهن بفتحه ففتحته فرأت غلاماً وسيا قسياً وألقى الله تعالى في قلبها
محبته كما قال الله سبحانه
وألقيت عليك محبة مني
لقد أشفقت عليه السيدة الكريمة ورحمته وأحبته حبا لأول نظرة حبا قويا كان من أثره أن وطنت العزم على أن تستنقذه من براثن فرعون
وعصابته
وذهبت بالطفل فى طفولته النضرة وفى منظره البرىء إلى فرعون وقالت قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وذكرت له أن طفلًا واحدًا لا يُزيد في بني إسرائيل واستوهبته إياه
ولم تزل ترجو وتتعطف وتسترحم حتى وهبه لها
وسعدت آسية بفوزها ونعمت بتحقيق رغبتها ومكثت هنيهة تداعب الطفل وتدلله ثم سمته مو - شى وهو اسم مركب من كلمتين كلمة مو ومعناها الماء وكلمة شى بالامالة ومعناها الشجر وذلك أن عليه السلام وجد فى الصندوق بين الماء والشجر ثم عربت الكلمة
موسی
۹

ويقول الكندى أيضا
إن في الظواهر والمظاهر التي تبدو للحواس لأوضح الدلالة على تدبير مدبر أول
فإن في نظم هذا العالم وترتيبه وفعل بعضه في بعض وانقياد بعضه لبعض وتسخير بعضه لبعض وإتقان هيئته على الوجه الأصلح في كون كل كائن وفساد كل فاسد وثبات كل ثابت وزوال كل زائل لأعظم دلالة على أتقن تدبير ومع كل تدبير مدبر وعلى أحكم حكمة حكمة حكيم وذلك أن اقتضاء التدبير للمدير والحكمة للحكيم أمر
لا يختلف فيه اثنان
ومع
كل
إن هذا النهج الاستدلالى الذى سرنا عليه للآن هو النهج الذي يقول فيه كنت فيلسوف ألمانيا الأكبر
إنه أوضح الأدلة وأقواها على وجود الله وهو نهج قرآنى إسلامي بيد أن في الإسلام نهجًا آخر في موضوع وجود الله سبحانه وتعالى
عنه
إن دليل القصد أو دليل العناية أو دليل الترابط الذي سبق أن تحدثنا بألوانه المتعددة لا يعدو أن يكون دليلا واحدًا يسمى باسم اللون
الغالب الذي يظهر فيه
وهو
لا يعدو
أيضًا أن يكون دليل الأثر على المؤثر ودلالة الأثر على
المؤثر دلالة سهلة واضحة

فأصبحت موسى
سعدت السيدة آسية رضى الله عنها بموسى هنيهة من الزمن حينما وهبه انقلبت سعادتها قلقًا واشفاقًا وذلك حين أحضرت المرضع
فرعون
لها
ثم
فلم يقبل على ثديها فأحضرت مرضعًا ثانية فامتنع عليها وأحضرت ثالثة فرفض الرضاع منها وهكذا وأشفقت السيدة الكريمة أن يمتنع عن اللبن فيموت جوعا وتنتهى حياته فى ساعات فأحزنها ذلك كل الحزن وأخذت تفكر في أمره الغريب لقد نجا من الموت غرقًا وقد كان من الممكن أن ينقلب الصندوق بموجة واحدة فيصير الطفل فى عالم الموتى وقد كان من الممكن أن يقتل قبل إلقائه فى النهر وكان من الممكن ألا يهبه فرعون لها لقد نجا الطفل من كل ذلك أفتكون الأقدار قد ادخرت له الموت جوعا وأمرت السيدة في محاولة تجريبية أن يؤخذ إلى السوق وأن يعرض عليه كل كانت حديثة عهد بالولادة لعله يرضع من إحداهن ولكنه امتنع وتحقق
من
بذلك قوله تعالى
وحرمنا عليه المراضع
وكان الله سبحانه قد وعد أم موسى برده إليها قائلا إنا رادوه
إليك
تتبعى
ومن أجل تحقيق هذا الوعد تصرفت المقادير على النحو التالي
حينها ألقى موسى عليه السلام في اليم قالت أمه لأخته قصيه أى
أثره فأخذت أخته
تتبع أثره ه معتمدة ألا
يبدو منها الاهتمام الخاص
۳۰

به واستمرت فى ذلك صابرة منتبهة يقظة إلى كل ما يدور مما يتعلق بموسى حتى إذا كان فى السوق تعرض عليه المراضع تدخلت أخته قائلة
وهل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فالتفوا حولها وقالوا لها
وما يدريك بنصحهم له ولعلك قد عرفت هذا الغلام فلتدلينا على أهله فقالت ما أعرفهم وإنما نصحى له وشفقتى عليه رغبة فى ورجاء منفعته وأملا في رضاه وهباته
الملك سرور
فأرسلوها لتحضر من أشارت بها فذهبت إلى أمها وأخبرتها الخبر
فجاءت يملؤها الحنان والشوق ويغمرها الفرح والرضا
وما أن قدمت له ثديها حتى التقمه وأخذ يمتص منه إلى أن امتلأ شبعا وريا وطار المبشرون إلى امرأة فرعون يبشرونها أن قد وجدنا للطفل مرضعا فغمرها الفرح وأرسلت فأتت بها و به وشاهدت الرضاع وتثبتت بنفسها من الأمر ثم قالت لأمه أقيمى هنا في القصر لأجل أن ترضعى ابني هذا وكل أمورك مكفولة وستجدين الراحة وستنعمين بما يتنعم به ساكنو القصر فتذكرت أم موسى وعد الله لها
إنا رادّوه إليك
وعلمت أن الله لا يخلف وعده فقالت في غير تردد ولا خوف لا أستطيع أن أدع ولدى فإن طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلى
۳۱

بيتى فيكون معى لا آلوه خيرا ولما رأت امرأة فرعون تصميم أم موسى
سمحت لها بأخذه فرجعت به إلى بيتها من يومها وتحقق بذلك وعد الله لها
إنا رادّوه إليك
أمه مدة الرضاع وأنبته الله نباتا حسنًا وحفظه من مكث موسى مع كل سوء فلما انقضت المدة التى كانت امرأة فرعون تتعجل نهايتها حدد يوم لعودته إلى القصر وأعلنت امرأة فرعون يوم عودته واستعدت لذلك
واستعد من حولها وكان يوما مليئًا بالزينة ومواكب المهنئين أما ما حدث بعد ذلك في سنوات الطفولة وأوائل الشباب فإن التاريخ يصمت عنه وما من شك في أنه أحسن ما تكون التربية ويصمت القرآن أيضا عن هذه الفترة ثم يفاجئنا به وقد بلغ أشده واستوى فيقول
ربی
ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين القصص آية ١٤
ونقف قليلا عند قوله تعالى وكذلك نجزى المحسنين لأنها ترشد إلى أن الله كان قد أتاه حكما وعلما فإن موسى عليه السلام قد قدم ما جعله جديرا بذلك وهو أنه كان من المحسنين كان ينصر المظلوم ويعين العاجز ويساعد من كان فى حاجة إلى عونه وكان سريع الرجوع إلى الله أى أنه كان حسن الصلة بالله وكان حسن الصلة بأفراد المجتمع ومن كان
كذلك فإن الله سبحانه يثيبه خير مثوبة يقول سبحانه
۳

للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون يونس آية ٢٦
ويقول سبحانه إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون النحل آية ۱۸
إنه سبحانه مع المحسنين بالرعاية والتوفيق ومعهم بالعناية والهداية
ومعهم بالرحمة وإن رحمة الله قريب من المحسنين
ومكث موسى عليه السلام فى القصر ماشاء الله أن يمكث ثم اقتضت الحكمة الإلهية أن يغادر القصر وأن يغادر مصر كلها فارا خائفًا
أما السر في ذلك فإنه دخل المدينة في وقت هدأ فيه السير وانقطع السائرون واستكنَّ كل إنسان في بيته يطلب الراحة والهدوء وإذا به يجد رجلين يقتتلان أحدهما من شيعته والآخر من أعدائه وكان موسى معروفاً لدى جمهور الشعب فأخذ الذي من شيعته يستغيث به ويستنصره وقرب منها موسى ليفض النزاع ويحسم الخصومة وإذا به عن غير قصد يلطم الذي هو عدو له لطمة لم يكن يقصد أن تكون قاتلة – وحاشا لنبي أن يقصد ذلك

فإذا فيها القضاء عليه وإذا به يخر ميتًا
وما أن حدث هذا حتى رجع موسى إلى الله بالندم والتوبة الخالصة النصوح والاستغفار الخارج من القلب فى أسف شديد على ما حدث
۳۳

ويذكر الله سبحانه ذلك على لسان موسی الذي يقول
هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم القصص آية ١٥
١٦
۱۷
ثم
عاهد الله عهدًا مؤكدا فيها يستقبل من حياة قائلا رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرًا للمجرمين القصص آية
وأيقن موسى أنه لابد من القصاص منه وأن الأمر سيعرف إن قريبا وإن بعيدًا وأنه لا مفر من مغادرة مصر
أخذ موسى يفكر في أمر القصاص وأنه لا مفر منه وسار في هم وبات في ضيق وأصبح خائفا يترقب لقد أصبح حذرا مرتابًا
وإذا به يفاجأ مرة أخرى بالذى استنصره بالأمس يطلب منه العون والنجدة ويستصرخه من جديد ولم يكن ضمير موسى
قد هدأ
بعد من
حادث الأمس فتطلع إليه فى غضب ونظر إليه في استياء وقال له في
تأنيب
إنك لغوى مبين القصص آية ۱۸
وأراد أن يعاقبه على كثرة اشتباكه بالآخرين من أجل أن يلتزم السكينة وأن يثوب إلى حسن المعاملة وإذا بالرجل يقول
٢٣٤

يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسًا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارًا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين القصص
آية ۱۹
وهكذا أفشى الرجل سر القتيل وهذا الرجل يمثل صنفًا من الناس
عربيدا جبانا لا يحفظ جميلا ولا يمثل الاتزان
وبينما كان موسى عليه السلام مأخوذا بالمفاجأة التي ما كان ينتظرها من إفشاء سره إذا به يرى رجلا آتياً من أقصى المدينة يسعى متجها إلى
قائلا موسی
يا موسى إن الملأ - أى الرؤساء - يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج
إنى لك من الناصحين القصص آية ٢٠
وأصبح الأمر بالنسبة لموسى واضح المعالم
لا مفر من الخروج من مصر إلى أين بم يسافر ما الطريق إنه
لا يدرى
ولكنه خرج من مصر خرج خائفًا يترقب متجها إلى الله تعالى في تضرع واستغاثة قائلا
رب نجنى من القوم الظالمين القصص آية ۱ كانت تتمثل فى موسى إذ ذاك الحاجة إلى عون الله والاضطرار إلى
۳۵

عند بئر مدين وأخذ ينظر إلى الرعاة فوقع بصره على فتاتين منعزلتين تقريباً وتمنعان أغنامهما عن السقيا وسألهما عن أمرهما فقالتا
۳
لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير القصص آية
أى لا نسقى أنعامنا حتى ينتهى الرعاة من سقى أنعامهم وذلك لضعفنا عن الاقتحام في الزحام
ويبدو أنهما توقعتا منه سؤالاً عن رجال الأسرة فقالتا وأبونا شيخ كبير القصص آية ۳
واستولت المروءة على موسى هذه المروءة التي هي من شيمة المؤمنين
والتي تلزم الإنسان نجدة المحتاج
فسقى لهما القصص آية ٢٤
وكان مجهدًا وكان بالمكان شجرة لها ظل ظليل فتولى إليها موسی وجلس ملتجنا إلى الله مرة أخرى قائلا
رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير القصص آية ٢٤
أخرج ابن مردويه – عن أ أنس بن مالك - رضى الله عنه - قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم
۳۷

لما سقى موسى عليه السلام للجاريتين ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير إنه يومئذ فقير إلى كف من
وعن ابن عباس قال
لقد قال عليه السلام رب إني لما أنزلت إلى من خير
موسی
فقير وهو أكرم خلقه عليه ولقد افتقر إلى شق تمرة ولقد لصق بطنه بظهره من شدة الجوع
وفي رواية أخرى عنه أنه عليه السلام سأل فلقا من الخبز يشد بها صلبه
من الجوع وكان عليه السلام قد ورد ماء مدين ومن أجمل ما روى فى ذلك ما قاله الحسن رضى الله عنه السلام سأل العلم والحكمة
من
أنه عليه
ومهما يكن من شيء فإن موسى عليه السلام كان يلجأ إلى الله في كل أموره ولقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول
من لم يسأل الله يغضب عليه رواه ابن ماجه
وينصح بأن يسأل الإنسان الله فى اليسير من الأمور والعظيم منها
وكان عليه الصلاة والسلام يقول
إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله
رواه الترمذى وقال حسن صحيح
۳۸

جلس موسى في الظل وما لبث أن جاءته إحدى الفتاتين تمشى على
استحياء وقالت له
إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لناكم القصص آية ٢٥ يقول ابن كثير
أي جزاء سقيك على أن ما مصدرية ولا يجوز أن تكون موصولة لأن ما يستحق عليه الأجر فعله لا ما سقاه إذ هو الماء المباح وأسندت الدعوة إلى أبيها وعللتها بالجزاء لئلا يوهم كلامها ريبة وفيه من الدلالة
على كمال العقل والحياء والعفة ما لا يخفى
أنه روی
عليه السلام أجابها فقام معها فقال لها
امشی خلفی وانعتى لى الطريق فإنى أكره أن تصيب الريح ثيابك
فتصف لى جسدك ففعلت
يقول الله تعالى
فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين القصص آية ٢٥
عن
ومن أجمل ما روى عندما التقى موسى بالشيخ ما أخرجه ابن عسكر
أبي حازم قال
لما دخل موسى على شعيب عليهما السلام إذ هو بالعشاء فقال له
شعیب
۳۹

وإذا كان أثر القدم يدل على المسير كما قال الأعرابي قديما فإن سماء ذات أبراج وأرضا ذات فجاج يدلان - لا ريب – على الحكيم الخبير
وهذا النهج من وضع وجود الله موضع الاستدلال ليس هو النهج الوحيد في الجو الإسلامي
وذلك أن الله سبحانه وتعالى فى أعراف المؤمنين ظاهر ظهورا واضحا إنه أظهر من كل ما سواه إن المؤثر فى أعراف المؤمنين أظهر من الأثر والخالق أوضح من الخلق والمكون أجلى من الكون وإن من أسماء الله اسم الظاهر
ويتفاعل الإمام الكبير إمام الشريعة والحقيقة تاج الدين بن عطاء الله السكندرى هذا المعنى فيقول - متفننا في التعبير والمعنى - جملة من مع التعبيرات تتحد ألفاظها إلا لفظا واحدًا أو لفظين فيتغير المعنى بسبب ويكون للعبارات فى مجموعها معنى لطيف إنه يقول
ذلك
- كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء

كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء
- كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أقرب إليك من كل شيء

كيف يتصور أن يحجبه شيء ولولاه ما كان وجود شيء
٢٤

كل
قال
موسی
أعوذ بالله تعالى
قال ولم ألست بجائع
قال بلى ولكن أخاف أن يكون هذا عوضًا لما سقيت لهما وأنا
من
أهل بيت لا نبيع شيئًا من عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً قال لا والله ولكنها عادتى وعادة آبائى نقرى الضيف ونطعم الطعام
فجلس موسی عليه السلام فأكل
ثم يقول الله تعالى متابعا النبأ
قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى
الأمين القصص آية ٢٦
يقول الإمام الألوسي
إن كلامها هذا كلام حكيم جامع لا يزاد عليه لأنه إذا اجتمعت الخصلتان - أعنى الكفاية والأمانة - فى القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم
مرادك
وقال عمرو بن عباس وشريح القاضى وأبو مالك وقتادة ومحمد ابن اسحاق وغير واحد لما قالت ذلك قال لها أبوها وما علمك بهذا
٢٤٠

فقالت إنه رفع صخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة وأنه لما جئت معه تقدمت أمامه فقال
كونى من ورائي فإذا اختلفت الطريق فاحذفي لى بعصاة أعلم بها كيف
الطريق
ورأى شعيب عليه السلام شاباً قوياً يبدو عليه القوة ويبدو عليه الأمانة وفي وجهه نور وفى سمته وقار فأحب أن يربطه به برابطة وثيقة
فقال له
إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين القصص ۷
وأجاب
موسی عليه السلام
ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على والله على
ما نقول وكيل القصص ۸
يقول الإمام البخاري
حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا مروان بن شجاع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال
سألني يهودي من أهل الحيرة أي الأجلين قضى موسى
٢٤١

فقلت لا أدرى حتى أقدم على حبر العرب فأسأله فقدمت فسألت
ابن عباس فقال
قضى أكثرهما وأطيبهما أن رسول الله إذا قال فعل
وروى ابن جرير من طريق محمد بن كعب أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم سئل
أي الأجلين قضى موسى
قال أوفاهما وأتمها
قضی موسی
الأجل وأحب أن يغادر مدين فقد اشتاق موسى إلى
مسقط رأسه وإلى أهله إنه الحنين إلى الأهل والوطن وأحب زيارتهم في
خفية من فرعون وقومه فلما صح عزمه أمر زوجته أن تسأل أباها أن يمنحها من ماله ما يعيشون به فأعطاها قدرا كبيرا
عصا
من
غنمه
وأخذ موسى طريقه - ومعه غنمه وأهله - واتخذ من أجل رعاية الغنم
عصاه المشهورة وسيأتي ذكرها هي
لقد أخذ طريقه في ليلة شاتية باردة وأراد أن يوقد نارا ليستدفئ هو
وأهله فلم يتمكن من
ذلك
الشتاء
بسبب
٢٤٢
وأخذ يتلفت هنا وهناك
آنس من جانب الطور نارًا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلى

آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون القصص ۹ وحينما وصل إلى المكان الذى أنس فيه نارًا إذا به يسمع النداء المدوى في الجو والمدوى في أعماق نفسه يسمعه
من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة
القصص ٣٠
قائلا له
يا موسى إنى أنا الله رب العالمين القصص ٣٠ ولقد ذكر الله ذلك فى سور متعددة واختلف التعبير من سورة إلى سورة ومن ذلك
فلما جاءها نودى أن بورك من فى النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم النمل ۸ ۹
وقال تعالى في سورة طه
فلما أتاها نودى يا موسى إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردی طه ١١ - ١٦
٢٤٣

لقد كانت المفاجأة السعيدة الكبرى لموسى وكانت مفاجأة لم يكن
موسی
عليه السلام يتوقعها
وهل يتوقع الأنبياء النبوة
إن الله يصطفيهم للنبوة منذ الأزل ثم يفاجئهم في الوقت الذي تقتضى حكمته أن يبعثهم فيه
وما كان الذي رآه موسى نارا وإنما كان نورا إنه النور الذي يراه كل من يتجلى الله عليه برحمته يقول صاحب كتاب لطائف الإشارات
ويقال ألاح له نارا ثم لوح له نورا ثم بدا ما بدا ولا كان المقصود
النار ولا النور وإنما سماع نداء
وإني أنا الله
رب العالمين
ويقول ابن كثير في ذلك
إن الذى يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين الفعال لما يشاء لا إله
غيره ولا رب سواه تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة المخلوقات - في ذاته
وصفاته وأقواله وأفعاله

سبحانه
ويقول الله سبحانه عن هذه الحادثة المشرقة
فلما أتاها نودى يا موسى إنى أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله
٢٤٤

إلا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى إلى قوله فتردى
ونحب أن نتحدث عن فاخلع نعليك
انه خلع حقيقى للنعلين ولكن الكلمة تشير إلى اخلع الأدنى
وكلما خلع الإنسان الأدنى كان هناك أيضًا أدنى فيخلعه وهكذا يكون الإنسان في سمو مستمر وفى ترق دائم وشعار الإسلام

من استوى يوماه فهو مغبون ومن لم يكن إلى زيادة فهو إلى نقصان -
وتشير
أيضا إلى
تبرأ من نفسك الأمارة بالسوء ومن الشيطان الذى يوسوس
واخلع نعليك تشير على وجه العموم إلى
بالسوء
اخلع الرجس اخلع كل ما هو ملوث بالرياء وسر في طريق الله على طهر ونقاء مادى ونفسى فإن طريق الله هو طريق الطهر والصفاء
ثم خاطب الله سبحانه عليه السلام قائلاً
موسی
وما تلك بيمينك يا موسی طه ۱۷
فقال موسى
هى عصاى أتوكاً عليها وأهش بها على غنمي ولى فيها مآرب
أخرى طه ۱۸
٢٤٥

وأمره الله سبحانه بإلقائها فألقاها موسى وإذا بها حية تسعى فلما رآها موسى تهتز كأنها جان ولى مدبرًا وإذا به يسمع النداء الإلهى يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين القصص ۳۱
وهل يخاف من اصطفاه الله أو اجتباه أو كان عنه راضيا ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون يونس ٦٢
وأولياء الله هم
الذين آمنوا وكانوا يتقون يونس ٦٣
فإذا ما كانوا كذلك فإن لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفي الآخرة إن الله سبحانه وتعالى يرعاهم ويحميهم وهم آمنون في الدنيا وآمنون في الآخرة
ورجع موسى وأعاد الله العصا سيرتها الأولى
أمر الله تعالى موسى أن يدخل يده في جيبه ثم يخرجها ففعل
موسى وإذا به يرى يده بيضاء من غير سوء
وما كانت هاتان الآيتان من الله لموسى إلا تمهيدًا لبعثه ورسالته إنها برهانان على صدقه
اسلك يدك فى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك
٢٤٦

جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا
قوما فاسقين القصص ۳
وأمر الله
بالذهاب إلى فرعون
موسی
إنه طغى
ومن رسالة موسى كما هو من رسالات الأنبياء تحذير الطغاة من غضب الله إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى العلق ٦ - ٧ أى أن الإنسان إذا كان في صحة وفى ثراء وفي حكم – يسيرا كان هذا الحكم أو كبيرا فإنه ينزع للطغيان ويستخف قومه فلا يبالى بهم ويستعبدهم فيطيعونه ويذلون له خوفا منه ورهبة
ورسالات الأنبياء تحذر من ذلك وتعلن إن الله يمهل ولا يهمل
وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته
ورأى
أنه سيقابل طاغية مستبدا استخف قومه فأطاعوه موسی
فتضرع إلى الله قائلا
لسانی
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من يفقهوا قولى واجعل لى وزيرا من أهلى هارون أخي اشدد به أزرى وأشركه في أمرى كى نسبحك كثيرًا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا طه آية ٢٥ - ٣٥
٢٤٧

واستعطفه أيضًا قائلاً
رب إني قتلت منهم نفسًا فأخاف أن يقتلون وأخى هارون هو أفصح منى لسانًا فأرسله ردءًا يصدقني إني أخاف أن يكذبون معی
القصص ۳۳ -
٣٤
وأهل الله وأولياؤه يلجأون إليه في كل أمر يهمهم إنهم يسألونه ويلجأون إليه في اليسير من أمرهم وفى العظيم منه يقول صلى الله عليه
وسلم
ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع
رواه الترمذي وابن حبان عن أنس
واستجاب الله دعاءه قائلا
سنشد عضدك بأخيك القصص ٣٥
ومن طريف ما يروى فى ذلك أن السيدة عائشة رضى الله عنها سمعت رجلا يقول لأناس وهم سائرون فى طريق الحج أي أخ آمن على أخيه
فسكت القوم
فقالت عائشة لمن هم حول هودجها
هو موسى بن عمران حين شفع في أخيه هارون فأوحى إليه قال الله
تعالى
ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا مريم ٥٣
٢٤٨

بأخيه وصمما على أن يؤديا الرسالة في صورة من العزم
واجتمع موسى المصمم ولكن صورة فرعون كانت واضحة في نفسيهما
إنها صورة الباطش الذى لا يبالى فاتجها إلى الله في تواضع وانكسار
قائلين
وربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى فقال سبحانه
وتعالى
لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى طه ٤٥ - ٤٦
ونصحهما الله سبحانه وتعالى قائلا
فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى طه ٤٤
والواقع أن هذه النصيحة ليست لموسى وحده وإنما هي لكل داع إلى الله سبحانه
عنده
إن الداعي حينما يغلظ فى القول فإنما يرضى بذلك نزعة الكبرياء
الدعاة وأن بعض
يسير على أساس
من
هذه النزعة
إن فيه بعضا من صفات إبليس في كبريائه وإن لم يشعر بذلك وأنه لمن البديهة بمكان أنه بمقدار ما عند الواعظ من حدة يكون غير أهل للوعظ
وبمقدار ما عنده من حدة يكون عنده من كبرياء
ومن طريف ما يروى فى ذلك أن واعظا وعظ المأمون وعنف له في
٢٤٩

أما عن الاستدلال بالأثر على المؤثر فإن ابن عطاء الله يقول في
مناجاته
إلهى كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك
والمفتقر إلى الله فى كلمة ابن عطاء الله هو الكون كله هو هذه الآثار
كلها فى وجودها وفى ارتباطها وفى إمساكها وفى العناية بها ويتابع ابن عطاء الله مناجاته فيقول متجها إلى الله أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى
غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك

ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك
هل هذا نهج انتهجه ابن عطاء الله مبتدعا له مخترعا له أم أنه نهج عام تتبعه طائفة كبيرة
إن ابن عطاء الله السكندرى صاحب كتاب الحكم وهو الكتاب
الذي قال فيه الشيخ محمد عبده
كاد الحكم أن يكون قرآنًا إن ابن عطاء الله السكندرى هذا لم يكن صاحب فكرة ظهور الله ظهورًا لا يحتاج إلى برهان أو استدلال وإنما كان سائرا في تيارها مقرا له ومؤيدا
وقد كان أحد أفراد طائفة من الخاصة أو خاصة الخاصة ترى أن

القول فقال يا رجل ارفق فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو
شر منى وأمره بالرفق قال تعالى
فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى طه ٤٤ ولقد أبان الله سبحانه وتعالى قواعد الوعظ وبين المنهج الذي يجب أن يلتزم به الواعظ وأولى هذه القواعد ما عبر الله سبحانه وتعالى عنها في أمره لرسوله
قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان
الله وما أنا من المشركين يوسف ۱۰۸
عالا
قال
الدعوة على بصيرة أى على علم ولا مناص من أن يكون الداعى لا يوقع جمهورًا من الناس الضلال
حتى
ولقد كان من شيم علمائنا الأجلاء أنه إذا سئل أحدهم فيما لا يعلم
لا أدري
وأما القاعدة الثانية فهى ما عبر الله عنه بقوله
الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله
الأحزاب ۳۹
وهذه قاعدة جليلة إن من يبلغ رسالات الله لا ينبغي أن يفعل ذلك
٢٥٠

مؤامراتهم لقلب نظام الحكم وربما أخذوا يسيطرون على اقتصاد البلد ويمتصون دماء أهلها وربما حاولوا السيطرة على مصر وأخذ الحكم فيها
وربما
ونكل فرعون في نوع من الجبروت وكانت مهمة موسى
بهم
السلام إنقاذهم

ان أن أرسل معنا بني إسرائيل رسالة واضحة
ويقول الله تعالى
عليه
فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى طه ٤٢
ومع
وما من شك في أن موسى عليه السلام كان يسعده أن يؤمن فرعون ذلك فإن رسالته كانت محددة ببني إسرائيل
ولما قال وهارون لفرعون إنا رسولا ربك دار حديث بين
موسی
فرعون وموسى في موضوع الإلهية قال فرعون
فمن ربكما يا موسى
قال ربنا الذى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى طه ٤٩-٥٠
أى أن الله سبحانه هو الذى خلق كل ما فى الكون وهو كل شيء في
الكون إلى الغاية من وجوده
٢٥٢

ويريد موسى بذلك أنه سبحانه فعل ما لا تقدر على فعله
وعاد فرعون يسأل إذا كان ربك بهذه المثابة من الوضوح والجلاء فما بال القرون الأولى التي لم تهتد إليه
وقال موسى علمها عند ربى فى كتاب لا يضل ربي ولاينسى طه ٥٢
وسيجازى كلا بعمله ثم أخذ موسى يتحدث عن الله وعظمته وآلائه الذي جعل لكم الأرض مهدًا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجًا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن
في ذلك لآيات لأولى النهي طه ٥٣ - ٥٤
ويقص الله سبحانه أيضا حوارًا طريفًا بشكله وموضوعه جرى بين
فرعون وموسى عليه السلام
لقد قال موسى لفرعون
وإنا رسول رب العالمين الشعراء ١٦
فقال فرعون
وما رب العالمين الشعراء ٢٣
وهذا السؤال الذى بدأه فرعون بـ وما بدل أن يبدأه بـ ومن يدل على أن فكرة الألوهية كانت مختلطة مشوشة عند فرعون
٢٥٣

ولقد مر على الإنسانية أزمنة عبدت فيها الكواكب وأزمنة عبدت فيها الحيوانات وقدست البقر والعجل وغيرها وأزمنة عبدت فيها الأصنام
٢٤
ويدل سؤال فرعون على أنه لم يكن على علم بالحق
وأجاب موسى عليه السلام
رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين الشعراء
ويتجه فرعون إلى من حوله متعجباً من قول موسى
ألا تستمعون الشعراء ٢٥
قائلا
أنه انصرف في خطابه عن موسى فإن موسى لم يمهله وإنما قال ومع
ربكم ورب آبائكم الأولين الشعراء ٢٦
ولجأ فرعون إلى السفه فقال
وإن رسولكم الذى أرسل إليكم لمجنون الشعراء ۷
ولم يثن ذلك السفه
بالله فقال
عليه السلام عن الاستمرار في التعريف موسی
رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون﴾ الشعراء
YA
٢٥٤

فقال فرعون
لئن اتخذت إلها غيرى لأجعلنك من المسجونين الشعراء ٢٩
فقال موسی
أولو جئتك بشيء مبين الشعراء ٣٠
قال فرعون
وفات به إن كنت من الصادقين الشعراء ۳۱
وأتاه
موسی
بالمعجزة التي بهرت الناس وآمن من أجلها السحرة وهى
العصا التي تلقفت السحر وكشفت الباطل فهل آمن

وملاحظة أخرى فيما يتصل بقصة موسى وهارون
إن الله سبحانه يقول
اذهب أنت وأخوك بآياتى ولا تنيا في ذكرى طه ٤٢
فيقرن الأمر بالدعوة إلى الله بالأمر بالذكر
والله سبحانه يحث دائما على الذكر فى كل لحظة ومن ذكر الله في الرخاء ذكره الله في الشدة
وان من أنواع الذكر التي تنجى فى الشدائد تسبيح الله سبحانه ولقد
٢٥٥

قال سبحانه فى شأن ذى النون حينما ابتلعه الحوت
فلولا أنه كان من المسبحين للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون
الصافات ١٤٣ - ١٤٤
وقال في شأن أصحاب الجنة حينما طاف عليها طائف من ربك قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون القلم ۸
أما الاستغفار فإنه أمان من العذاب
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون الأنفال ۳۳
وهو من عوامل السعة في الرزق
استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا نوح
۱ - ۱۰
ويقول الله تعالى
يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم
تفلحون الأنفال ٤٥
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه
إن عبدى كل -عبدى الذي يذكرني وهو ملاق قرنه
٢٥٦

وطلب فرعون من موسى آيات تثبت رسالته
فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء
للناظرين الشعراء ۳ -
۳۳
وظن فرعون أن ذلك سحر وأراد أن يجابه السحر فيما زعم بسحر مثله فجمع كبار السحرة وكانت حفلة المباراة التي حضرها فرعون وكبار رجال الدولة وبذل السحرة ما استطاعوا
لقد بذلوا جهد طاقتهم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم قائلين
بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون الشعراء ٤٤
الناس بسحرهم
فلما ألقوا حبالهم وعصيهم خيل إلى موسى أنها تسعى فخاف أن يغتر وأن يكون هناك مؤامرة لا تمكنه من إلقاء عصاه فسمع النداء الإلهى ولا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف

ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى طه
9
- 4
فألقى
عصاه قائلا موسی
ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون یونس
٢٥٧
۸ - ۸۱

وإذا بعصا تلقف ما يأفكون" موسی
نامعة
علم و ذهل الناس حينما رأوا عصا حية تلتهم الحيات ولكن أشد
موسی
الناس ذهولاً وأكثرهم دهشة كانوا
هم
السحرة
مالی تاها را
لقد رأوا شيئًا ما هو بالسحر ولا بالشعوذة رأوا شيئًا لا زور فيه ولا ضلال رأوا ما لا يملك البشر الإتيان بمثله فأعلنوا في عزم وإصرار على الملأ في وضح النهار وآمنا برب هرون وموسى طه السيد الباقي لنا لنا أعلنوا ذلك بعد أن خروا الله ساجدين حمدا وشكرا على أن هداهم للإيمان وأبان لهم سبيل الحق فكانت المفاجأة التى لم يكن ينتظرها أحد كانت مفاجأة لفرعون وملئه وكانت مفاجأة للشعب وكانت مظهر الكرياً للشجاعة الأدبية منانے کا ان الله ن با نام
سنة أرأيت إلى قوم مستضعفين - وما كان السحرة بالنسبة سبة الفرعون کا إلا مستضعفين - يقفون فجأة فى وجه طاغية يعلنون الحق الذي يدينون
إنهم يعلنون الحق مع علمهم بأنه سينكل بهم
Ar - FL
مقالة
وأعلن الطاغية حكمه ساعد حلف کا لانها ملعب انا معا في متنبه له آمنتم به قبل أن أذن لكم طه ۷۱
ن جاء ما الملاب
في اني اسفل
والطاغية يحب أن يشارك الله فى صفاته وهو هنا يوجب الاستئذان حتى
٢٥٨

في مسائل الإيمان وفيها تخفى السرائر
لعاات
اتم اتهمهم بالتآمر أى اتهمهم بالخيانة العظمى قائلاً مالم ينه
إن هذا المكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف
تعلمون الأعراف ۱۳
وقال عن موسى عليه السلام
صفا
نهاد بده
إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فتآمرتم معه على إضلال العامة وانصرفتم عن الملك إلى موسى وهارون ولابد من العقاب
أما ما هو العقاب إنه ان
لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابًا وأبقى طه ۷۱
وأجاب السحرة في قوة لا تلين قالوا
لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات الواضحة ولن تؤثرك على الذي
فطرنا
لقد تبين لنا الحق فاتبعناه وآمنا بالله الذى فطرنا فافعل ما أردت واحكم فينا بما تهوى إنما تقضى هذه الحياة الدنيا وهي فانية متاعها
قليل وأيامها محدودة الشرع بالدي هنت إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله
٢٥٩

الاستدلال على وجود الله من شأن العامة والجمهور وليس من الخاصة والصفوة
شأن
- يقول ابن عطاء الله معبرًا في ذلك عن رأى الصفوة وأرباب الدليل والبرهان عموم عند أهل الشهود والعيان لأن أهل الشهود والعيان قدسوا الحق فى ظهوره عن أن يحتاج إلى دليل يدل عليه وكيف يحتاج إلى دليل من نصب الدليل وكيف يكون معروفا به وهو المعروف له
وهذه الطائفة ترى أن الدليل على الله هو الله
ولقد سئل أحد العارفين عن الدليل على وجود الله فقال

هو الله
فقيل له فما العقل
فقال العقل عاجز لا يدل إلا على عاجز مثله
بل يرى هؤلاء الصفوة أن الله هو الدليل على العالم فهم يستدلون بالله على وجود العالم ولا يستدلون بوجود العالم على وجود الله
يقول ابن عطاء الله معبرا ذلك عن
شتان بين من يستدل به ومن يستدل عليه المستدل به عرف الحق لأهله
٢٦

خير وأبقى إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا يأته مؤمنًا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات ومن
عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى طه
V
- ۷۳
لقد أثار الإيمان قلوبهم وعمرت التقوى صدورهم ورأوا الحق واضحًا فاستمسكوا به وتجلى عليهم الله بنور الإيمان فانقلبوا في لحظات إلى رجال آخرين إلى رجال مؤمنين والمؤمن الحق يقول
إنا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين الأعراف
١٢٦ - ۱۵
عنهم
قال عكرمة والأوزاعي وغيرهما رضى الله لما سجد السحرة رأوا منازلهم وقصورهم في الجنة تهيأ لهم وتزخرف
لقدومهم ولهذا لم يلتفتوا إلى تهويل فرعون وتهديده ووعيده
وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد قص علينا أمر سحرة فرعون فإن المسلمين قد حقق الكثير منهم أمثلة كريمة لإعلان إيمانه ولا يبالون بما يصادفونه من عذاب وتنكيل
أرأيت إلى بلال رضى الله عنه يعذب وينكل به وهو لا يفتر عن قول
أحد أحد
٢٦٠

يقول ابن كثير في سيرت رته وكان أمية بن
خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة ثم يأمر بالصخرة
العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له
لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات
والعزى
فيقول وهو في ذلك
أحد أحد
قال ابن اسحاق فحدثني هشام بن عروة عن أبيه قال
كان ورقة بن نوفل يمر به وهو يعذب لذلك وهو يقول أحد أحد فيقول أحد أحد والله يا بلال ثم يقبل على أمية بن خلف ومن يصنع
به من بني جمع فيقول
ذلك
أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانا أى لا تخذن قبره
منسكا
وهل قرأت تاريخ ياسر وسمية وعمار هذه الأسرة التي أكرمها الله بالإيمان فأعلنته وأوذيت في الله فلم يثنها العذاب عن إيمانها قال ابن أسحاق
وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه وكانوا أمل
٢٦١

بيت إسلام إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة فيمر بهم رسول الله
صلى الله صلى الله عليه وسلم فيقول
فيما بلغني ميدا
صبرا آل ياسر موعدكم الجنة يسية
جینه استعمال
وقد روى البيهقي عن الحاكم عن ابراهيم بن اعصمة العدل حدثنا السرى بن خزيمة حدثنا مسلم بن ابراهيم حدثنا هشام بن أبي عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعمار وأهله يعذبون فقال
ه الله
أبشروا آل عمار وآل ياسر فإن موعدكم الجنة فأما أمه فيقتلونها فتأبى إلا الإسلام
وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال
أول شهيد كان فى أول الإسلام استشهد أم عمار سمية طعنها أبو جهل بحربة في قلبها والله يا الله ته بينا مان معلما وإمام المسلمين في الشجاعة الأدبية هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواقفه الكثيرة فى ذلك مشهورة وقد ذكرنا بعضا منها في كتابنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم له تبديل سهلة التكالي ان الأنا مالة
ل أراد الله بالسحرة خيرًا فآمنوا ولكن الملأ من قوم فرعون أى
٢٦٢

كبراء القوم وسادتهم - وقد رأوا أن ما يعظ به موسى لا يتسق وما هم فيه من الترف والشهوات أخذوا يحرضون فرعون على التنكيل به وهذا شأن اكل المترفين في كل زمان ومكانن به را
إن الشهواتهم تسيطر عليهم ومن أجل ذلك يتقربون للسلطان يداهنونه ويتملقونه وينحرفون به عن طريق الاستقامة وذلك ليستمروا غارقين في شهواتهم وملذاتهم وهكذا سارت الأمورا مع فرعون في موقفه من موبينينا ريتشعب محبت الأعاليه علي تباع مينة مسلمة الأغلة علي نال مفسدان
لقد صوروه
في الأرض فقال فرعون - وقد أوغروا صدره
على موسى ذروني اقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد غافزا الله رقه
وهكذا انقلبت الامور مزيفة معكوسة في مافي به لسفی کا نا مين سلالة ولا نسمع
ولكن ماذا كان موقف موسى
نا لينه به ناوت لفه
لقد فعل ما يفعل الرسل والأنبياء والصالحون إنهم يلجأون إلى الله فهو دائما في ذهنهم وقلبهم لا يغفلون المحله نا ولا ليغيب عنهم الله
تبع
لقد قال موسى في مواجهة ذلك
the wives 1 6
ل إنى عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب الغافرة المجلسا بالعما تعيقية ما لم يظل عيني
٢٦٣

ولكن العالم لا يخلو من عناصر الخير وقد يوجد الخير في بعض الأشخاص في الوسط الذى يغص بالشر والإثم لقد كان في الوسط الفرعونى رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه وكان هذا المؤمن منطقيًّا في تفكيره متزنا في قوله وسلوكه فقال لهم في منطق واضح هذه الكلمات الحكيمة
أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبًا فعليه كذبه وإن يك صادقًا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا غافر ۸ -
وفى هذا الكلام قضايا
۹
إن موسى يقول ربى الله يقولها في صدق مضحيًا بنفسه في سبيلها ومن كان كذلك فإنه أمين لا يفسد في الأرض بل يصلح فيها
وصفات المؤمنين معروفة منها أنهم
التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر
المؤمنين التوبة ۱۱
وهؤلاء جدير بأصحاب السلطان أن يقربوهم وأن يستشير وهم فإنهم يشيرون بالخير وبما يرضى الله فيقربون أصحاب السلطان من الله وإذا
٢٦٤

ما تقرب أصحاب السلطان من الله فإنه يرعاهم ويوفقهم ويتولاهم فيدوم
سلطانهم وتسعد رعيتهم
أما القضية الثانية فهي
وقد جاءكم بالبينات من ربكم
إن دعواه التي يدعو بها أيدها بالبراهين إنه لم يلق كلاما لا يؤيده
لقد برهن عليه فهو إذن رجل صادق
والقضية الثالثة هي
وإن يك كاذبا فعليه كذبه
إن هذه القضية يؤيدها الوحى ويؤيدها الواقع إنه يقال على الباغي تدور الدوائر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم
ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر رواه ابن أبي حاتم
والله سبحانه وتعالى يقول
وذلك بما قدمت أيديكم الانفال ٥١
أى أن المصائب التي تصيب الإنسان إنما هى من صنعه هو إنه إن كذب
٢٦٥

فعليه كذبه وإن سرق فعليه
هو
ما تعنيه هذه القضية
شر رقته وإن خان فعليه خيانته وهكذا وهذا
أما القضية الرابعة فهي
حالت ماما لها
وإن يك صادقًا يصبكم بعض الذي يعدكم غافر ٢٧
إن الناصح إذا كان رسولاً أو كان مجرد مؤمن مخلص يوجه دائما إلى طريق الخير فإذا خالفه قومه فهم يتجهون إلى طريق الشر فيصيبهم بعض ما أنذرهم به وهذا مبدأ إلهى
متاليا تنتقال
أما القضية الخامسة فهي وسيلة مبلغة الانة سلا tele إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب
وهذه القضية هي نفس القضية التي قالها موسی حينما وعظهم قائلا
عليه السلام للسحرة
ويلكم لا تفتروا على الله كذبًا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افتری طه ٦١
وهى نفس القضية التي قالها موسى وهارون عليهما السلام إنا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى طه ٤٨
إن الله وضح الخير والشر ومن الخير الاقتصاد ومن الخير الصداق
٢٦٦

مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا
وروى الترمذى بسنده عن حذيفة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال
يأيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية
يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن بعقاب منه رواه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان
يعمهم
الله
إن الإنسان الذى يمتلى قلبه بالخير لابد أن يبشر به وإن مسئوليته لا تنتهي إلا إذا قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يفعل ذلك بحسب
مكانته في المجتمع وسلطته فيه
٢٦٨

وعند هذا تدخل فرعون قائلا
۹۱
ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد غافر
فقال الذي آمن مستدركًا
يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ويا قوم مالى أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ماليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار لاجرم أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد
غافر ٣٨-٤٤
أما النتيجة لموقفه هذا فهي
فوقاه الله سيئات ما مكروا
وأما النتيجة بالنسبة لآل فرعون فهي
وحاق بال فرعون سوء العذاب
ويبدو أن فرعون وإن تظاهر فى الملأ بالقسوة فإنه وصل إلى قلبه بعض
٢٦٩

فأثبت الأمر عن وجود أصله والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه
وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه
ومتى بعد حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه
ومن قبل ابن عطاء الله تحدث أيضًا على هذا النهج العالم الجليل الشيخ أبو الحسن الشاذلي إنه يقول
وإذا كان من الكائنات ما هو غنى بوضوحه عن إقامة دليل فالمكون أولى لغناه عن الدليل منها
ويقول وكيف تكون الكائنات مظهرة له وهو الذي أظهرها وكيف
تكون معرفة له وهو الذي عرفها
ويتعجب الشاذلى رضى الله عنه من هؤلاء الذين يتخذون الكائنات والكون دليلا على الله فيقول على الأسلوب الصوفي
لها
ومن أعجب العجب أن تكون الكائنات موصلة إليه فليت شعري هل وجود معه حتى توصل إليه أو هل لها من الوضوح ما ليس له حتى تكون هى المظهرة له وهذا هو النهج الصوفى
ومهما يكن من شيء فإنه سواء سار الانسان على النهج الصوفي أو على نهج الاستدلال فالله موجود وقد كان سبحانه في أزل ولا شيء معه ثم خلق الخلق فكيف بدأ ذلك

الخوف من أن يسيء إلى موسى فأرجأ العقاب وترك موسى حرا طليقا إلى
أن يتروى في الأمراب كا معينة المعرفة
وقال تعالى
15
4
ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقًا في البحر يسا لطه حبيبة لي علشا وليس محمه أن يعة
وما
من شك فى أن موسى مكث عدة أيام يدبر أمر الإسراء أى
خروج اليهود يص
من مصر
الطلب
رينا مدد الجرنا اما انه لا بالسبع بيغو لو ولكن من البديهي أنه أينما سار بهم موسى سيدركهم فرعون بجيشه ولكن عناية الله التي تتولى الصالحين ادركته فقال لموسى في الوحي نفسه
ضرب لهم طريقا فى البحر يبسايه ن أو قية ال
أى أنه سيستطيع فى أسلوب معجر أن يجعل لهم لا لهم طريقا في البحر يعبرونه طريقا في الماء يكون طريقا يبسًا أى أنه سيسير في البحر على اليبس ثم يفصل البحر بين هؤلاء وهؤلاء ثم قال سبحانه لا
لا تخاف درگا ولا تخشیان له تاليها القمة
وسار موسی
مطمئنا هادئا في وعاية الله تبالي لتنجيتنا الأم
وان النعال وجاء النبأ إلى فرعون فاتبعهم بجنوده وأوشك أن يصل إليهم ورأه

قوم موسى فقالوا ماه همدان کا عالم

إنا لمدركون تنها وهنا ما داتا فقال موسى وهو على علم بالتصريف الإلهي با من سلسلة
كلا إن معى ربي سيهدين الله ما رے ملک وإذا تأمل القارئ في كلمة موسى فإنه يرى أنه قال معى ولم يقل
معنا والمعنى واضح الدالله ال لية وي با مدينة له ريسا إن الله معه وهو تخصيص لا يحتمل التعميم جميلة خايفة ونة
الله اعلم
ولعل القارئ يذكر فى هذا المقام ما قاله الله تعالى في هجرة سيدنا محمد الصلى الله عليه وسلم وكان معه أبو بكر رضى إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله العزيز حكيم التوبة ٤٠٧ لو اين قبيلة وحمد نتيجنا بنا نبدا ما يلة لا لبدء من
إنه هنا يقول معنا إنه سبحانه رت ام که نصف ا ا م م ع كل مسلم صادق في إسلامه لسيا و أدركهم فرعون فعلا ويقول القرآن الكريم معبرا عن ذلك فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل
فرعون قومه وما هدى
ولكن فرعون في طغيانه وجبروته حينما أدركه الغرق عاد مؤمنًا وقال

آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من
المسلمين يونس ٩٠
وكان مثله في ذلك مثل الذين يقول الله تعالى عنهم
وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبًا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسى ما كان يدعو إليه من قبل وجعل الله أندادا ليضل عن سبيله قل
تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار الزمر ۸
ويقول
فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هى فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون الزمر ٤٩
ويقول
هو الذي يسيركم فى البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا
مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون یونس -۳
وكان رد الله سبحانه
الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك
۷

لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرًا من الناس عن آياتنا الغافلون
یونس ۹۱ - ۹
ونجا موسى ومن معه ووصلوا إلى الشاطئ الثاني وبمجرد أن وصلوا إلى الشاطئ الثانى وانتشروا يستريحون ويستجمون وجدوا قوما هنا
وهناك يعبدون آلهة من الأصنام
وبمجرد
أن شاهدوا ذلك قالوا لموسى
اجعل لنا إنها كما لهم آلهة
يقول سبحانه
وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ماهم فيه وباطل ما كانوا يعملون الأعراف
۱۳۹ - ۱۳۸
الدین
وهذا يدل على أن هؤلاء اليهود لم يكن عندهم فكرة صادقة عن الحق في أبسط مبادئه وأنهم حينما كانوا فى مصر لم يكن عندهم شعور بالخلق الكريم لأن الشعور بالخلق الكريم لا يتأتى إلا عن إيمان عن قلب عامر بالإيمان
ولأنهم لم يكن عندهم الإيمان الحق فإنه لا يستغرب أن يعيثوا في مصر فسادا وأن فرعون كان يستند على أسس قوية من فسادهم ومؤامراتهم
۷۳

حينما نكل بهم وطلبهم من موسى أن يجعل لهم آلهة أثار الحزن في نفس
رسول الله موسی
عليه السلام فقال لهم
إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون من
ولما نجاهم الله سبحانه ذكرهم بنعمه التى أسداها إليهم وطلب إليهم
الاستقامة فقال
TAX
نعلبي التهم
۸۳
يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبى ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى طه ۸۰ - ولقد ليكان تعقيب الله سبحانه وتعالى على هلاك فرعون قوله كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قومًا آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين الدخان ٢٥ - ٢٩
ید باد الخام
ويذكر الإمام ابن كثير أنه لما خرج بنو اسرائيل من البحر اخذت أخت هارون الدف وضربت عليه وخرج النساء في أثرها كلهن بدفوف
وطبول وجعلت مريم ترتل لهن ثم يقول
وضربها بالدف فى مثل هذا اليوم الذي هو أعظم الأعياد عندهم دليل على أنه قد كان شرع من قبلنا ضرب الدف في العيد وهو مشروع لنا
٢٧٤

أيضًا في حق النساء الحديث الجاريتين اللتين كانتا عند عائشة تضربان بالدف في أيام منى ورسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجع حول ظهره إليهن ووجهه إلى الحائط فلما دخل أبو بكر زجر هن وقال أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
Give Ilass
فقال دعهن يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا
ie the a
تیاد
بال وهكذا يشرع عندنا في الأعراس ولقدوم الغياب كما هو مقرر في
ولما انفصل موسى عن البحر ويم وجهه شطر بيت المقدس علم موسى وما الى بيت المقدس قوماً جبارين فنكص قومه على أدبارهم وحينما
وقومه أن في أمرهم موسى بدخول بيت المقدس محاربين لإخراج من فيها جبنوا جبنا ويصون القرآن ذلك في صورة تعبر عن بعض صفاتهم قائلاً
كاملا
ا قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فى الأرض فلا تأس على ا س على القوم الفاسقين
جند
المائدة ٢٢

لقد كان عقاب الله سبحانه وتعالى لهم أن يتيهوا في الأرض أربعين
سنة ثم قال لموسى عليه السلام
فلا تأس على القوم الفاسقين
وهذه القصة تبين الفرق بين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأصحاب موسى عليه السلام لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم المصادرة قافلة من قوافل قريش وذلك لما كانت قريش تستولى على أموال المسلمين بكل طريقة وتغتصبها ظلما وعدوانًا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أفلتت معه القافلة وواجهوا جيش قريش وهو عدة وعددًا لقد كانوا ثلاثة أمثالهم في العدد وأضعافهم في العدة فماذا كان من أمر المسلمين
أكثر
منهم
منهم
قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن مخارق بن عبد الله الأحمس عن طارق هو ابن شهاب أن المقداد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر
يا رسول إنا لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون
وعن طارق بن شهاب قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه لقد شهدت من المقداد مشهدًا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلى مما عدل
٢٧٦

به أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو إلى قتال المشركين فقال
والله يا رسول الله لا نقول لك كما قال بنو اسرائیل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكننا نقاتل عن يمينك وعن يسارك
ومن بين يديك ومن خلفك فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وسُر بذلك
ولما جاء دور الأنصار فى الحديث ردًّا على قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم أشيروا على أيها الناس قام سعد بن معاذ فقال كأنك تعرض بنا يا رسول الله فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخصته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا إنا لصبر فى الحرب صدق فى اللقاء لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله
فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ولم تكن طبيعة اليهود تسمح بمثل ما سمحت به طبيعة أصحاب محمد فكان عقاب الله لهم
وبعد فترة طالت أو قصرت أمر بالاستعداد لمناجاة ربه موسی والاستعداد لهذا إنما هو نوع من التزكية التى تنتهى بالإنسان إلى صفاء يجعل المرء جديرا بمناجاة ربه ومنح موسى فترة تزكية هي ثلاثون ليلة
۷۷

ولكن هذه الفترة لم تؤد إلى المستوى المطلوب فأتمها الله بعشر يقول
سبحانه
وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه
أربعين ليلة
بأية متنقلة
وسار موسى للمناجاة راجيا أن يستنير في أمر التكاليف والشعائر والمبادئ المتعلقة بصلة الإنسان بربه وبصلته بالمجتمع على الله صعد موثقی عليه السلام الجبل للمناجاة ويقول ابن كثير في ذلك قال الله تعالى ولما جاء موسى الميقاتنا أي في الوقت الذي أمر بالمجيء فيه وكلمه ربه أى كلمه الله من وراء حجاب إلا أنه أسمعه الخطاب فناداه انا جاه وقربه وأدناه وهذا مقام رفيع ومعقل منيع و منصب شريف ومنزل منيف فصلوات الله عليه تترى وسلامه عليه في الدنيا والأخرى امل فيك اا ا ا ناہی پسا ولما أعطى هذه المنزلة العلية والمرتبة السنية وسمع الخطاب سأل رفع الحجاب فقال للعظيم الذى لا تدركه الأبصار القوى البرهان لحة رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ثم بين تعالى أنه لا يستطيع أن يثبت عند تجليه تبارك وتعالى لأن الجبل الذي هو أقوى وأكبر ذاتا وأشد نباتا من الإنسان لا يثبت عند التجلى من الرحمن ولهذا قال
ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانی -
۷۸

ويخبر الله بعد ذلك عما كان فيقول سال
فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا وخر موسى صعقًا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين الأعراف ١٤٣
وتاب موسى إلى الله في صدق وإخلاص فأعطاه الألواح التي يقول الله
سبحانه وتعالى عنها
کا
وكتبنا له فى الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل
شيء الأعراف ١٤٥
وأمره سبحانه أن يأخذ بقوة فى العمل بما فيها ونشرها وتعميمها والقيام في قومه على العمل بها ثم بين الله سبحانه وتعالى له بعض قوانينه الإلهية
قائلا
the late
تلنية سعة
سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا
ما كانوا يعملون الأعراف ١٤٦ - ١٤٧
وكان في الألواح الكلمات العشر وهي
قال الن
ا الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والنهي عن الحلف بالله كذبًا والأمر بالمحافظة على السبت الو معناه تفريغ أيوم من الأسبوع للعبادة
۷۹

إن الناس في كل زمان ومكان يشتاقون إلى معرفة كيفية خلق العالم الأول من
عن
ويكثر تساؤلهم بمتى وكيف ويريدون تحديدا محددا المخلوقات وعما بعده إنهم يريدون ترتيباً يكون فيه التعيين والتحديد لقد شغلت هذه المسألة الكثير من الصحابة فأخذوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها بل إن الوفود كانت تأتيه من بعيد يدفعها حب الاستطلاع ويتجشمون السفر من أجل المعرفة هاهم أولاء ناس من أهل اليمن – كما يروى الإمام البخارى رضى الله عنه – يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون جئنا نسألك عن هذا الأمر أي أمر الخلق خلق الكون لقد جاءوا من اليمن يسألون عن

متى وكيف
لقد روى الإمام البخارى أيضًا عن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله
عنه قال
قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاما فاخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم حفظ ذلك حفظه
من نسيه
من
ونسيه
ومعنى كلام سيدنا عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يحدث الصحابة عن بدء الخلق متدرجًا مع الترتيب حتى انتهى إلى نهاية العالم ومصيره والبعث والحساب حتى دخل الذين نالتهم رحمة الله الجنة والذين
اكتسبوا السيئات عاقبهم الله بما كسبت أيديهم فأدخلهم النار

وهذا حاصل بيوم الجمعة الذي نسخ الله به السبت
أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض
الذي يعطيك الله ربك
لا تقتل
لا تزن
لا تسرق
لا تشهد على صاحبك شهادة زور
لا تمد عينك إلى بيت صاحبك ولا تشته امرأة صاحبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئًا من الذي لصاحبك ومعناه النهي
عن
الحسد
وهذه الكلمات لها ما يماثلها فى كتاب الله سبحانه في آيتين منه يقول الله
تعالى
الله
قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانًا ولاتقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ماظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون * ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لانكلف
حرم
۸۰

نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا
ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون الأنعام ١٥١-١٥٢
وعاد موسى إلى قومه فإذا به يجد المأساة التى أخبره الله تعالى بها حين
قال له
إنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري
وعبر القرآن عن شعور موسى بقوله
فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا طه آية ٨٥-٨٦
لقد اتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا لقد صنعوه من الذهب الذي كان معهم والذي سرقوه أو اختلسوه أو استعاروه من
المصريين صنعه لهم السامرى في غيبة موسى عليه السلام لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى
لقد
صنع
هذا الإله وذهب يبحث عنه وهو ها هنا معهم موسی
فنسی
ويقول الله سبحانه وتعالى
أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولاً ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا طه
آية ۸۹

ولم يكن عند اليهود ذوق ولو كان هناك قليل من الذوق لما عبدوا عجلا له خوار وإن أرقى ما فى الوجود الإنسان ومع ذلك فإنه مركب
مولود يبلى ويفنى شيئًا فشيئًا ثم يموت وقد كان يمكن لليهود صنع إله على فيكون صنعا أرقى من عجل مصنوع وما من
هيئة
شك
في أن العجل الحى أرقى من العجل المصنوع ولو كان من ذهب وآثر إنسان ثم يعبدونه فيكون الة المراعي
ة متخلفة
اليهود العجل المصنوع على العجل الحى وآثروا العجل على الإنسان
جاء موسى عليه السلام ليرى العجل ويرى العابدين للعجل وكانت توارثه في المبدأ على من استخلفه على قومه على هارون عليه السلام ويعبر
ثم
القرآن الكريم عن ذلك في صورة طريفة يقول سبحانه ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا قال بنسما خلفتمونى من بعدى أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفونى وكادوا يقتلونني فلا تشمت
ولا تجعلنى مع القوم الظالمين الأعراف آية ١٥٠
لب ويقول سبحانه في ذلك أيضا
تتبعن
بی
الأعداء
أفعصيت
قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا أمري قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولى طه آية ٩٢-٩٤
ب وهدأ موسى عليه السلام من ناحية أخيه وقال

رب اغفر لى ولأخى وأدخلنا فى رحمتك وأنت أرحم الراحمين
الأعراف آية ١٥١
واتجه موسى إلى قومه قائلاً
يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدًا حسنًا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدىطه آية ٨٦
وأعلن
إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة
الدنيا وكذلك نجزى المفترين الأعراف آية ١٥٢
وهذا - أى وكذلك نجزى المفترين - يصدق على كل انحراف يحدث في دين إنه يناله من الله غضب وذلة فى الحياة الدنيا وهو في الآخرة في
مقت الله
أما قوم موسى فيتحدث الله عنهم قائلا
ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا
ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين الأعراف آية ١٤٩ وفتح الله باب التوبة وهو سبحانه يفتح هذا الباب لكل من يلتجئ
إليه فى اخلاص وقال سبحانه في ذلك
والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من
٢٨٤

بعدها لغفور رحيم الأعراف آية ١٥٣
بيد أن شخصية أخرى لم تنل شيئًا من الرفق إنها شخصية صانع
العجل
واتجه موسى إليه في غضب قائلا
فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لى نفسى قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لتنسفنه في اليم نسفا طه آية
٩٥
ولكن كيف يعالج موسى غفور لمن تاب وأناب وسلك موسى باب التوبة باب التضرع إلى الله فاختار سبعين رجلا من قومه منهم هارون ويوشع ليستغفروا الله عن
الأمر فيما يتعلق بغضب الله إنه سبحانه عفو
بني إسرائيل الذين عبدوا العجل يقول سبحانه
واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا الأعراف آية ١٥٥
قال محمد بن اسحاق
اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلاً الخير فالخير وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه بما صنعتم وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم صوموا وتظهروا وظهروا ثيابكم
٢٨٥

وأراد الله سبحانه وتعالى أن ينالهم بشيء من العقاب على عبادة العجل فأخذتهم الرجفة وأفزعهم الأمر فسارع موسى يدعو الله ويتضرع إليه رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياى أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء أنت ولينا
فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة املة وفي الآخرة إنا هدنا إليك الأعراف آية ١٥٥-١٥٦
ية الق
ال
illa
إن موسى يتضرع إلى الله مبينا الأمر والله أعلم به – قائلا إنا جئنا تائبين ولو شئت سبحانك لأهلكتهم قبل السعى إلى التوبة بل لو شئت لأهلكتني معهم فإنك لا تسأل عما تفعل وحكمتك فوق كل حكمة
لقد اتخذ العجل بعض السفهاء إلها وعبدوه وجئنا نستغفر ونتوب تهلكنا سبحانك بما فعل السفهاء منا
أو
وما كانت عبادتهم إلا بقضاء منك وقدر اختبارًا لهم وامتحانا فما هي إذن إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى بها من تشاء
وبدأ
موسی
عليه السلام في التضرع والدعاء قائلاً
أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك الأعراف آية
10-100
يقول ابن عباس وغيره أى تبنا إليك ورجعنا وأنبنا
٢٨٦

لا وقال الله سبحانه فى أعظمة وجلال ورحمة
والفستااا
عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها
للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون باستان
والواقع أن مسألة رحمة الله التي وسعت كل شيء لها
مجالها ال
L
الكبير في
الإسلام وإن من أجمل ما قرأت في آدابنا الإلهية ما رواه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه یا این آدم مرضت فلم تعدنيه في الحنا ما لم بالتمام
قال يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين نت قال أما علمت أن عبدى فلاناً مرض فلم تعده أما علمت أنك لو
عدته لوجدتني عنده
يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمنى تملها تست وبالة قال يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين كنا بحالة الة
أطعمته
قال أما علمت أنه استطعمك عيدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك ته لوجدت ذلك عندي تا به الى الايات متنوع يا ابن آدم استسقيتك فلم تسلقنى ارسفلا يهلت الملا
قال يارب وكيف أسقيك وأنت رب العالمين لمه أريد منكم

قال استسقاك عبدى فلان فلم تسقه أما أنك لو سقيته لوجدت ذلك
عندی رواه مسلم
وللحديث عن الرحمة مجالات نتحدث عنها فيما بعد
وقد تتساءل لمن سيكتب الله رحمته
إنه سبحانه بين ذلك وذكر أنه سيكتبها لمن تتوافر فيهم شروط
وأولها الذين يتقون
ولقد سئل أحد الصحابة عن التقوى فقال للسائل
أما
سرت في مكان فيه شوك
قال بلى سرت
قال فما فعلت
قال شمرت واجتهدت
قال فذلك التقوى
إنها تشمير عن السيئات واجتهاد في الطاعات
ويؤتون الزكاة وهذا هو الشرط الثانى إنه أداء الزكاة والزكاة تطهير
للمال وتطهير للنفس يقول تعالى
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها التوبة آية ١٠٣
۸۸

ومن طريف ما يروى أن كثيرين من العلماء سئلوا عن قوله تعالى
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ماكنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون التوبة آية
٣٤-٣٥
فكانوا يجيبون أن المال المزكى لا يقال عنه أنه مكنوز أو كنز
والزكاة هنا إنما هي رمز لبقية الفروض
ثالثا والذين هم بآياتنا يؤمنون وما من شك في أن العمل الذي لا يكون صادرا عن الإيمان لا قيمة له والله سبحانه وتعالى يقول عن
المشركين وأعمالهم وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا يوم يرون الملائكة
لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا الفرقان آیة ۱-۳
ثم نوه الله سبحانه وتعالى فى هذا المقام بمحمد صلى الله عليه وسلم
وبأتباعه
يقول صاحب كتاب محاسن التأويل قال العلامة البقاعي لما تراسلت الآي وطال المدى فى أقاصيص موسى عليه السلام
۸۹

ولقد روى عن بعض الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم في ذلك من العصر إلى أن غربت الشمس ويبدو أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم خطب في ذلك عدة مرات
فقد روى الإمام مسلم عن أبي زيد الأنصاري قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ثم نزل فصلى بنا الظهر ثم صعد المنبر فخطبنا ثم صلى العصر غابت الشمس فحدثنا بما كان وما هو كائن فأعلمنا أحفظنا
كذلك
حتى
ولقد روت الأحاديث الصحيحة جملة من القضايا منها ما رواه الإمام البخاري عن عمران بن حصين رضى الله عنها وهي إجابة الرسول صلى
الله عليه وسلم على سؤال وفد اليمن
والقضية الأولى من ذلك
كان الله ولم يكن شيء غيره

القضية الثانية
كان عرشه على الماء
القضية الثالثة
أنه سبحانه وتعالى كتب في الذكر كل شيء أى في محل الذكر أي
اللوح المحفوظ

وبيان مناقبه العظام ومآثره الجسام وكان ذلك ربما أوقع في بعض النفوس أنه أعلى المرسلين منصباً وأعظمهم رتبة ساق سبحانه هذه الآيات هذا السياق على هذا الوجه الذي بين أعلاهم مراتب وأزكاهم مناقب الذي خص برحمته من يؤمن به من خلقه قوة أو فعلا وجعل سبحانه ذلك في أثناء قصة بني إسرائيل اهتماما به وتعجيلا له مع ما سيذكر مما يظهر أفضليته ويوضح أكمليته بقصته مع قومه فى مبدأ أمره وأوسطه ومنتهاه في
سورة الأنفال وبراءة بكمالها وإن من المؤمنين بآيات الله الذين سيكتب سبحانه رحمته لهم هؤلاء الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى حدثهم الله سبحانه وتعالى عنه في التوراة الصادقة التي أنزلها على موسى عليه السلام وفي الإنجيل الذي أنزله على عيسى عليه السلام
وما من شك في أن كتب الله ورسله يبشرون بأشياء تحدث في المستقبل وينذرون بأشياء
يجب
ينبغي أن تتحاشى في المستقبل
من هذه البشارات ما بشر به الله سبحانه في التوراة والإنجيل بمحمد صلى الله عليه وسلم
وهو سبحانه يذكر أيضًا بشارات بعض ما سيقوم به بإذن الله ومنها يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر
وقد كان صلوات الله وسلامه عليه يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر
بقوله وفعله ومن قوله في الحث على ذلك
۹۰

والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرًا ولتقصرنه على الحق قصرًا أو ليضر بن الله بقلوب
بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم رواه أبو داود والترمذي وقال
حديث حسن
ومن ذلك أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم
ما من نبي بعثه الله في أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل رواه مسلم
ومن
ذلك قوله صلى الله عليه وسلم
من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم
والقرآن الكريم يقول
لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون والآية من سورة المائدة ۷۸-۷۹
ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث
۹۱

ولقد اهتم الإسلام بذلك بشدة
وانظر إلى البيعة بيعة المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم على
الإسلام
عن
بن
عبادة الصامت رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه
بايعونى على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم
من
ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له أصاب ومن من ذلك شيئًا ثم
ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك
رواه البخاري
ويقول الله سبحانه
يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولايزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم الممتحنة آية ١٢
وانظر على الخصوص فى قوله تعالى ولا يعصينك في معروف
وقول الصحابي رضى الله عنه ولا نعصى في معروف
۹

إن الأمر ليس أمر طاعة مطلقة وإنما هي الطاعة في المعروف إنها طاعة محددة بالمعروف والله طيب لا يقبل إلا طيبا روى ابن مردويه بسنده عن ابن عباس قال
تليت هذه الآية عند النبى صلى الله عليه وسلم يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً فقام سعد بن أبي وقاص فقال يارسول الله ادع الله أن يجعلنى مستجاب الدعوة فقال ياسعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم
أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إنى بما تعملون عليم
وقال
ويأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فأنى
يستجاب له
٢٩٣٠

وتحريم الخبائث في الإسلام باب طويل مستفيض ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم
يقول الإمام جمال الدين القاسمي عن ذلك
إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم جاء بالتيسير والسماحة كما ورد الحديث من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
بعثت بالحنيفية السمحة
وقال صلى الله عليه وسلم لأميريه معاذ وأبي موسى رضى الله عنهما لما بعثهما إلى اليمن
بشروا ولا تنفروا أو يسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا
والإصر هو ما يشق على الإنسان من الأعمال والتكاليف ثم تحدث سبحانه عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعما يجب
بالنسبة له فقال تعالى
أولئك
فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل
هم
المفلحون الأعراف آية ١٥٧
معه
والإيمان بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الأمور التي لها أسباب
و علل واضحة وذلك
1 - لأنه الرسول الوحيد الذي حفظت آثاره وحفظ الكتاب الذي
٢٩٤

أرسل به في صورة لا تقبل الشك والرجوع إليها رجوع إلى معروف
صادق من التاريخ والبحث فيها مبسور لا صعوبة فيه
٢ - ولأن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم كان يلتزم ما يأمر به بل ويزيد عليه لقد كان يصلى أكثر مما يصلى الآخرون ويصوم أكثر مما يصوم الآخرون وكان ينفذ كل القواعد التى أمر ببنائها وينتهى عن كل المنهيات التي ينهى عنها
٣ - ولقد أتى القرآن بالأدلة العقلية التى تثبت نبوته فأخذ منها
المؤلفون في دلائل النبوة المنهج والموضوع الذي ساروا عليه ٤ - لقد أتى بمعجزات حسية كثيرة بيد أن المعجزة الكبرى له إنما كانت القرآن كتاب الهداية الأكبر كما أنه كتاب العربية الأكبر إنه الكتاب الذي يأمر بالتي هي أقوم في الأخلاق والعقيدة والتشريع ونظام
المجتمع
ه - كان صلى الله عليه وسلم بحياته كلها مثلا للكمال الإنساني في أعلى ذروة من ذراه وكان مع الله دائما فى كل تصرفاته ولم تؤثر عنه كذبة ولقد كان يمثل الصدق فى أتم صورة رة ١
۱ ولقد ألفنا كتاباً كاملاً عن دلائل النبوة أوضحنا فيه فى أسلوب واضح دلائل نبوته
صلى الله عليه وسلم
٢٩٥

قال تعالى
بقرة بني إسرائيل
وإذ قال موسى هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ماهي قال إنه يقول إنها بقرة لافارض ۱ ولابكر عوان بين ذلك فافعلوا ماتؤمرون قالوا ادع لنا ربك يبين لنا مالونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ماهي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لاذلول 4 تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لاشية٥ فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وماكادوا يفعلون وإذ قتلتم نفسا
لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا
۳
٤
1 أي لا كبيرة هرمة ولا صغيرة أي لم يطرقها فحل وسط بين الكبيرة والصغيرة أقوى ما يكون من الدواب 3 أى شديدة الصفرة تكاد من صفرتها تبيض ٤ غير مرهقة بالعمل كالحراثة وسقى الأرض ٥ ليس فيها لون غير لونها سالمة من العيوب
٢٩٦

۱
فادار أتم فيها والله مخرج ماكنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون﴾ البقرة آية
كذلك يحيى
٦٧-٧٣
روی ابن جریر بسنده - عن ابن عباس رضى الله عنهما قال لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم
وقال ابن جرير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا شدد الله عليهم وأيم الله لو أنهم لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد
ولم يهتد بنو إسرائيل إلى البقرة المطلوبة إلا حينما سلموا أمورهم إلى الله طالبين الهداية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
لولا أن بني إسرائيل قالوا وإنا إن شاء الله لمهتدون لما أعطوا ولكن استثنوا وفي رواية عنه قال لولا أن بني إسرائيل قالوا وإنا إن شاء الله لمهتدون ما أعطوا أبدا ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم ولكن
شددوا فشدد الله عليهم
1 اختصمتم
۹۷

من أمرى عسرًا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جنت شيئا نكرًا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبنى قد بلغت من لدنى عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل القرية استطعمها أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض فأقامه قال لوشئت لاتخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرًا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ومافعلته عن أمرى ذلك تأويل مالم تسطع عليه صبرا سورة الكهف ٦٠-٨٢ وروى البخاری باب قول وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ
مجمع البحرين أو أمضى حقبًا - زمانًا - وجمعه أحقاب
حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار قال أخبرني سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل فقال ابن عباس كذب عدو الله حدثني أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول
۹۹

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم
الدين
وربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا
فى رحاب الكون
من أي زاوية
إن الكون مبسوط الرحاب متعدد الجوانب ولا يتأتى لفرد أو أفراد كثيرين أن يفسروا لنا رحاب الكون فى دقائقها ومن أجل ذلك كان البحث على الأيام مستمراً
ذلك
مر
وكلما كشف البحث عن بعض القوانين أو عن بعض الأسرار كشف
عن مجهولات جديدة
ومن المعروف أنه كلما زاد التعمق في المعرفة زاد الشعور بضخامة

القضية الرابعة
أنه تعالى خلق السموات والأرض
القضية الأولى تثبت أنه سبحانه لم يكن - في الأزل – شيء غيره
لم يكن الماء ولم يكن العرش ولم يكن شيء سواه سبحانه أما القضية الثانية فإنها تدل على أنه سبحانه خلق الماء سابقا ثم خلق العرش على الماء
أما القضية الثالثة فيفسرها ما ورد في حديث آخر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم خلق القلم فقال له اكتب ما هو كائن
وكان خلق السموات والأرض وما فيهن بعد ذلك
الماء والعرش إذن كانا مبدأ هذا العالم لكونها خُلقا قبل السموات
والأرض
وللقرآن شيء من التفصيل في مسألة خلق السموات والأرض
يقول الله سبحانه
- قل أئنكم لتكفرون بالذى خلق الأرض في يومين وتجعلون له رب العالمين فصلت آية ۹
أندادا ذلك

إن موسى قام خطيبًا فى بنى اسرائيل فسئل أي الناس أعلم قال
أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه إن مجمع البحرين هو أعلم منك
قال موسى يارب فكيف لى به
عبدا
قال تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم فأخذ حوتا في مكتل ثم انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله فى البحر سربا وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسى صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومها وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال لفتاه آتنا موسی غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً
قال ولم يجد موسى
النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به فقال له
فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً
قال فكان للحوت سربًا والموسى ولفتاه عجبا
فقال موسى ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصاً قال رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى ثوباً فسلم عليه فقال الخضر وإنى بأرضك السلام
موسی
٣٠٠

قال أنا موسی
قال موسی بنی اسرائیل
قال نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا
قال إنك لن تستطيع معى صبرًا ياموسى إنى على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه
ذكرا
فقال موسى ستجدنى إن شاء الله صابرًا ولا أعصى لك أمرًا فقال له الخضر فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبا في السفينة لم يفاجأ إلا والخضر قد خلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرا ! قال ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمرى عسرا قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت
الأولى من موسى
نسيانا
قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر ما علمى وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر
ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر
۳۰۱

غلاماً يلعب مع
الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله
فقال له موسى أقتلت نفسًا زكية بغير نفس لقد جنت شيئًا نكرا
قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبراً
قال وهذه أشد من الأولى
قال إن سألتك
عن شيء بعدها فلا تصاحبنى قد بلغت من لدنى عذرا
فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعها أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض قال مائل فقام الخضر فأقامه فقال موسى قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لاتخذت عليه
أجرا
بیده
قال هذا فراق بيني وبينك - إلى قوله – ما لم تستطع عليه صبرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما
۳۰

ابتداء ظهوره
داود
عليه السلام
أغار الغزاة على بنى اسرائيل فقتلوا منهم خلقا كثيرا وسبوا نساءهم ويتموا أطفالهم فجاءوا إلى نبيهم الذى كان بينهم ثائرين قائلين ابعث لنا ملكًا نوليه علينا فتكون له القيادة والزعامة ويجمع كلمتنا
على قتال الأعداء الذين أذلونا وقتلوا منا الكثير
وكان نبيهم على علم بجبنهم وتخاذلهم فقال لهم مثبتا أحقا ستقاتلون إن كتب عليكم القتال وأصبح الأمر جدا فأجابوه مؤكدين قائلين
روما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا
البقرة ٢٤٦
ولكن ظن نبيهم فيهم كان صادقًا فإنه بمجرد أن كتب عليهم القتال
۳۰۳

تولوا إلا قليلا منهم ويعقب الله على ذلك بقوله تعالى والله عليم بالظالمين وبيان الأمر أن نبيهم أعلن لهم أن الله قد بعث لهم طالوت ملكاً فجادلوا مباشرة في الأمر ومن طبعهم الجدال وقالوا كيف يكون له الملك
علينا
إننا أحق بالملك منه على أنه ليس بغنى إنه لم يؤت سعة
من
المال
وكان تقديرهم للمال كبيرًا كما هو دائما هذا الطبع الذي يعبد المال ويتخذ
من الذهب إلها
ولم يشأ
نبيهم
أن يجاريهم في الجدل فقال في صورة حاسمة
إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة فى العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم البقرة ٢٤٧
وقال لهم نبيهم أيضًا ا إن من علامات ملكه أن يأتيكم التابوت فيه
سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل
ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين
موسی وآل هرون
تحمله الملائكة إن في
وسار طالوت بالجنود لحرب الأعداء وأحب طالوت أن يجرى تجربة
ليرى مدى استعداد بنى اسرائيل للحرب فقال لجنوده
إن الله مبتليكم بنهر البقرة ٢٤٩
٣٠٤

قال ابن عباس رضی الله عنه
هو نهر الأردن وهو المسمى بالشريعة
فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى إلا من اغترف غرفة بيده البقرة ٢٤٩
كان هذا اختبارًا وسقط فى هذا الاختبار الكثير يقول تعالى
فشربوا منه إلا قليلاً منهم البقرة ٢٤٩
لقد تعمدوا أن يشربوا حتى لا يذهبوا إلى قتال وحتى يرجعوا دون جهاد فقد طبعوا على الجبن والله تعالى يقول عنهم
ولا يقاتلونكم جميعًا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون
الحشر ١٤
ولقد أصبحت الطائرات بالنسبة لهم هى القرى المحصنة أو هي الجدر التي يختبئون وراءها أما الحرب وجها لوجه فإنهم أجبن من أن يمارسوها
والتقى الجيشان وبرز جالوت مناديًا للقتال فخرج إليه داود عليه وكان جنديا في الجيش ولم يشرب من النهر
السلام

وقتل داود جالوت
وحينما جاء وقت النبوة
٣٠٥

آتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء
ويعقب الله سبحانه على ذلك كله بقوله
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين
منهم
ويقص الله سبحانه وتعالى ذلك كله في القرآن الكريم قائلاً ألم تر إلى الملأ من بنى إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبى لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال الاتقاتلوا قالوا ومالنا ألانقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً والله عليم بالظالمين وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكًا قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة فى العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل وآل موسی هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لاطاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا
٣٠٦

ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء البقرة ٢٤٧-٢٥١
لقد قتل داود جالوت وانهزم جيش جالوت فتطلعت الأعين إلى داود وهفت إليه الأفئدة وعظم في أعين الاسرائيليين فولوه عليهم ملكًا وقوله تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين إنما يعنى والله أعلم - أنه لولا إقامة الله تعالى للحكام الذين يعملون على استتباب الأمن وإنصاف المظلومين وفرض العدالة لولا ذلك لفسدت الأرض لأن غرائز الملك والسيطرة والاستعباد تجعل القوى يأكل الضعيف ويغتصب القادر أموال غير القادر
وهكذا
ومن هنا كان قول سيدنا عثمان رضی الله عنه
إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن
هنا كانت الحكمة ومن
السلطان ظل الله في أرضه
نعم الله على داود
كان داود نبيًّا ملكا ولقد آتاه الله هباته ونعمه الكثير ذلك أنه
من
من
كان رسولاً صاحب كتاب إنه الزبور وهو كتاب من كتب الله المنزلة
۳۰۷

وإذا كان إبراهيم عليه السلام أوتي صحفًا وأوتى موسى عليه السلام الألواح فيها التوراة فإن داود أوتى الزبور وآتاه الله سبحانه صوتا جميلا وهو منحة فى غاية النفاسة وجمال الصوت عند داود ليس على المعنى العادى الآلى في الأنغام والألحان ونسبها المحددة ليخرج الصوت جميلا
لقد كان هذا عند داود ولكن صوت داود كان له طابع آخر هو الذى أعطى له تلك النفاسة الهائلة التي كانت له
إن الأصوات الجميلة تمتزج بأرواح قائليها وكلما صفت الروح وكلما تركت النفس وامتزجت بالغناء والترتيل كان الصوت أجمل وكانت جاذبيته أقوى
وكلما كان الشعور مرهفًا وكان الحس متأثرا بما يقال كان الصوت أكثر تأثيرا
وما كان داود يشعر بنفسه وهو يرتل الزبور ويتغنى به وإنما كان فانيا فيما يعبر عنه من كلمات الزبور
إنه كان مستغرقا في الزبور – أى أنه كان الله وهو يتغنى بكلمات مع الكتاب المقدس - بل لقد كان فانيًا في الله جل جلاله لقد كان يتغنى
ويبكي لقد كان زبورًا مترنا فكان لحنا ربانيا
يعبر القرآن – في صور جميلة عن تأثير داود البالغ أثناء تغنيه وهو
سبحانه يسمى
ذلك تسبيحا فيقول
٣٠٨

إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق والطير محشورة
كل له أواب ص ۱۸-۱۹
۷۹
ويقول سبحانه
يا جبال أوبي معه والطير سبأ ١٠
ويقول سبحانه
وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين الأنبياء
ولقد تابع المفسرون القرآن الكريم فى الحديث عن صوت داود عليه السلام فيقول الأوزاعي
حدثني عبد الله بن عامر قال أُعطى داود من حسن الصوت مالم يعط أحد قط حتى أن كان الطير والوحش ينعكف حوله حتى يموت عطشا
وجوعًا
أن الأنهار لتقف وحتى
ويقول الإمام ابن كثير
وذلك أنه كان الله تعالى قد وهبه من الصوت العظيم ما لم يعطه أحد بحيث أنه كان إذا ترنم بقراءة كتابه يقف الطير في الهواء يرجع بترجيعه
ويسبح بتسبيحه وكذلك الجبال تجيبه وتسبح صلوات الله وسلامه عليه
معه
بكرة وعشيا كلما سبح
۳۰۹

ثم صورها شكلها وجعل فيها رواسى أى الجبال التي سماها أيضا أوتادا وبارك فيها وقسم أرزاقها ونظم مصادرها ومواردها ورتبها كيفا
في يومين آخرين فتكون الأرض مادة وتنظيمها كما وكيفا قد استغرقت
أربعة أيام
يقول تعالى
وجعل فيها أى الأرض رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين فصلت آية ١٠ وكلمة سواء للسائلين معناها أنه سبحانه جعلها مستوية معتدلة
مذللة للطالبين للرزق والمعاش وفى هذا المعنى يقول الله تعالى هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها أي في
أرجائها وكلوا من رزقه وإليه النشور الملك آية ١٥
ولعل القارئ الكريم يتساءل عن مقدار اليوم من هذه الأيام والواقع أنه غير معروف وذلك أن الله سبحانه وتعالى يقول وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون الحج آية ٤٧
ويقول أيضا عن يوم عروج الملائكة والروح إليه
تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
فاصبر صبرا جميلا المعارج آية ٤-٥

وعن
عائشة رضي الله عنها قالت
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت أبي موسى الأشعرى وهو
يقرأ فقال
لقد أوتى أبو موسى من مزامير آل داود
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لقد أعطى أبو
موس من مزامير داود
وتغنى داود بالزبور جعل الفقهاء يتساءلون
يقول عبد الرازق ناقلا عن ابن جريج قال سألت عطاء من القراءة على الغناء فقال
وما بأس بذلك
وهبة أخرى من هبات الله سبحانه لداود يعبر عنها القرآن بقوله
وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم
شاکرون الأنبياء ۸۰
لقد علمه الله سبحانه صناعة الدروع لتقى المحاربين من سهام
الأعداء
ويقول سبحانه وتعالى
وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحاً
إنى بما تعملون بصير سبأ ١٠-١١
۳۱۰

ويقول عكرمة ومجاهد وغيرهما في قوله تعالى
وقدر في السرد
أى لا تدق المسمار فيغلق ولا تغلظه فينفصم
ومعنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى علمه صناعة الدروع في إجمالها وفى تفاصيلها وكانت صناعة الدروع مهنته التى كان يتكسب منها لعيشه وهو رغم ما كان فيه من ملك وأبهة ورغم ما كان تحت يده من مال كثير كان
يعيش من عمل يده
فقال
ولقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم كمثل كريم للكسب الحلال
إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن نبي الله داود كان يأكل من
کسبه رواه البخارى بنحوه
ولقد أوجب الإسلام فى الكسب أن يكون من حلال وحث على ذلك بشتى الطرق ومن ذلك ما رواه ابن مردویه - بسنده عن ابن عباس
قال
تليت هذه الآية عند النبى صلى الله عليه وسلم يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلنى مستجاب الدعوة فقال
يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده
۳۱۱

في الصلاة والصيام وغيرهما وقد ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى رواه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وكان قويا في بكائه – إن صح هذا التعبير - حينما كان يرتل الزبور وكان قويا في السيطرة على مملكته ومن أجل ذلك يقول الله تعالى عنه
وشددنا ملکه
أما العقل والمنطق فيقول الله عنه
وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ص ۰
وهذا من القوة
وهو الذي قتل جالوت وكان جالوت جبارا قويا
قضاؤه في الخصومة
أما ما نحب أن ننبه إليه فهو القصة التى قصها الله سبحانه وتعالى
بقوله
وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا
۳۱۳

بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزّني في الخطاب قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغى بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخرّ راكعًا وأناب فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ص ٢١-٢٥

لقد كان داود عليه السلام - يعتكف أحيانًا ويترك أمر الملك دون تصريف وللناس مصالح وعلى الملك للجمهور تبعات وبينما هو معتكف إذ دخل عليه رجلان واشتكى أحدهما من الآخر وفصل داود بينها فلما ذهبا فكر داود في الأمر وظن أن الله سبحانه وتعالى فتنه بأن حبب إليه الاعتكاف حتى بلغت حاجة الناس إليه أن تسوروا عليه المحراب وظن داود أنه أساء إساءة بالغة فأخذ فى الاستغفار وخر راكعا وأناب يقول
تعالى
فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب
يقول الإمام جمال الدين القاسمي

وفي قضائه عليه السلام هذا من الحكمة وفصل الخطاب مايهيج
الأفئدة ويقر عين المغبون ذلك أنه صدع بالحق أبلغ صدع فجهر بظلم خصمه وبغيه جهرا لا محاباة فيه ولا مواربة فأقر عين المظلوم وعرف الباغي ظلمه وحيفه وأن سيف العدل والإنصاف فوقه ثم نفس عن قلب
٣١٤

المظلوم البائس وروّح عن صدره بذكر ما عليه الأكثر من هذه الخلة خلة البغى وعدم الإنصاف – مع الخلطة والخلة ليتأسى ويتلى كما قيل إن التأسى روح كل حزين ثم أكد الأمر بقلة القائمين بحقوق الأخوة ممن آمن وعمل صالحا فكيف بغيرهم وكلها حكم وغرر ودرر حقائق تنطبق على أكثر هذا السواد الأعظم من الناس الذين يدعون المحبة والصداقة ولعظم شأن حقوق المحبة أسهب في آدابها علماء الأخلاق إسهابا نوعوا فيه الأبواب ولوّنوا فيه الفصول ومع ذلك لا تزال الشكوى عامة وقد امتلأت من منظومها ومنثورها كتب الأدب كما
لا يخفى على من له إلمام به وبالله التوفيق
وظن داود أنما فتناه أى ابتليناه بتلك الحكومة فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك أى ما استغفر منه وإن له عندنا لزلفي أي لقربي وحسن مآب أى مرجعا حسنًا وكرامة في الآخرة
داود والعدالة
يقول تعالى
ياداود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ص ٢٦
ولقد تحدث القرآن الكريم وتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم
٣١٥

والصحابة وعلماء الإسلام بالكثير يقول تعالى في العدالة مع الأعداء فضلا
عن الأولياء والمؤمنين
وولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن
تعتدوا المائدة
ويقول
يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين الله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله
خبير بما تعملون المائدة آية ۸
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يقسطون فى أهليهم وحكمهم وما ولوا رواه مسلم
وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسًا إمام عادل وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذابًا إمام جائر رواه
أحمد والترمذي
من حكمه
ولقد روت كتب التفسير وكتب التاريخ شيئًا من حکمه
من
ذلك
٣١٦

ما رواه عبد الله بن المبارك فى كتاب الزهد أنبأنا سفيان الثورى عن رجل عن وهب بن منبه قال
إن في حكمة آل داود حق على العاقل ألا يغفل أربع ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يصغى فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه وساعة يخلى بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل فإن هذه الساعة عون على هذه الساعات وإجمام للقلوب وحق على العاقل أن يعرف زمانه ويحفظ لسانه ويقبل على شأنه وحق على العاقل ألا يظعن إلا فى إحدى ثلاث زاد المعاده
ولذة في غير محرم
ومن حكمه أيضًا
يا زارع السيئات أنت تحصد شوكها وحسكها
وعن ابن شهاب قال قال داود
ومرمة لمعاشه
الحمد لله كما ينبغى لكرم وجهه وعز جلاله فأوحى الله إليه إنك
أتعبت الحفظة يا داود
ومن أجمل ما روى عن داود عليه السلام ما رواه أبو عمران الجوني عن أبي الجلد قال
قرأت في مسألة داود عليه السلام أنه قال يارب كيف أشكرك وأنا
لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك
۳۱۷

قال فأتاه الوحى أن يا داود ألست تعلم أن الذى بك من النعم منى
قال بلى يارب
قال فإني أرضى بذلك منك
۳۱۸

سلیمان
عليه السلام
نسير - إن شاء الله - مع القرآن الكريم فى سورة ص في حديثه عن
سليمان عليه السلام يقول سبحانه
ووهبنا لداود سليمان - نعم العبد - إنه أواب
وقوله سبحانه إنه أواب - أى كثير الرجوع إلى الله والرجوع إلى الله يكون قبل العمل وفى أثناء العمل وبعد العمل – أى الرجوع إلى الله بالاستخارة وإخلاص النية قبل العمل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه رواه البخارى وغيره أما في أثناء العمل فإن الأواب لا يأخذ أعماله على أنها وسائل حتمية
۳۱۹

ومن الجائز أن يكون اليوم الذى كان فيه الخلق مثل ذلك أو أقل منه أو
أكثر وكل تحديد في هذا الموضوع إنما هو ضرب من الخيال ومن المعلوم أن أيامنا هذه لم تكن قد وجدت بعد فلم تكن هناك بعد الدورة الشمسية أو الأرضية أو القمرية لأن كل ذلك إنما وجد بعد تكامل الخلق ولم يكن الخلق إذ ذاك قد تكامل
ثم خلق الله سبحانه سبع سموات وأوحى في كل سماء أمرها أي رتبها كيفا ونظمها تدبيرا ووضع للسماء الدنيا زينة تتألق وتتلألاً
الكواكب والنجوم
يقول سبحانه
هي
فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم فصلت آية
۱
ومن الواضح في القرآن والأحاديث النبوية الشريفة أن الكواكب والنجوم ليست سماوات وإنما هي زينة للسماء الدنيا وهي على سعتها وعلى مساحتها الهائلة وما بينها من أبعاد يذهل الانسان أن يعرف مداها وعلى الرغم من كل ما يقوله علماء الفلك عن سرعة الضوء وعما بيننا وبين بعض النجوم من سنوات ضوئية لا تكاد تعد على الرغم من كل ذلك فإن هذه النجوم والكواكب إنما هى زينة السماء الدنيا ومصابيح حفظ وهداية إنها ليست السماء والسماوات من بعدها

مؤدية إلى نتيجة لاشك فيها وإنما يأخذ الأمر على أنه يرجع إلى الله هداية
وتوفيقًا
إليه
يرجع الأمر كله
وأما النتيجة فإنها بيد الله إليه المصير
أجل
وما من شك فى أن الإحكام والإتقان وعمل كل ما يمكن من النجاح مطلوب بل واجب ولكن ذلك شيء واعتقاد أن الأمر كله الله وبالله
شيء آخر
كان سليمان أوابا
وفى يوم من الأيام أخذ يستعرض خيله الصافنات الجياد أي التي بلغ من قوتها ومهارتها أنها تقوم على طرف سنبك يد أو رجل وكلها جيدة سريعة في جريها
النفس
استغرق سليمان عليه السلام فى هذا الاستعراض منشرح مسرورا لم يشعر بمرور الزمن ولم يفى إلى نفسه إلا عندما رأى الشمس توارت خلف الأفق فعرف أن الخيل صرفته بجمالها وبحسنها عن عبادة
الله المفروضة في هذه الفترة من الزمن

فترة العصر

فقال
إنى أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب
والمراد بالخير أى إنى أحببت الخيل واستغرقني حبها حتى نسيت ذكر
ربي في هذه اللحظات التى مرت قبل غروب الشمس
۳۰

وكأن ذلك جعله يشتاق إليها من جديد فقال
ردوها على فطفق مسحا بالسوق والأعناق
يقول على بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما
أعراف الخيل وعراقيبها حبالها
جعل يمسح وهذا التفسير الجميل هو الذي اختاره ابن جرير الطبري فإنه يقول
لأنه لم يكن ليعذب حيوانا بالعرقبة وملك مالاً من ماله بلا سبب
أنه سوی
اشتغل عن
صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها
وللرازي تفسير آخر جميل إنه يقول
إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم كما أنه كذلك في دين الإسلام ثم إن سليمان عليه السلام احتاج إلى الغزو فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها وذكر أنى لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس وإنما أحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه وهو المراد من قوله عن ذكر ربي ثم إنه عليه السلام أمر بإعدادها وتسييرها حتى توارت بالحجاب - أى غابت عن بصره ثم أمر الرائين بأن يردوا تلك الخيل إليه فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها والغرض من ذلك المسح أمور الأول تشريف لها وإبانة لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع
العدو
۳۱

والثاني أنه أراد أن يظهر أنه فى ضبط السياسة والملك يتضح هذا حيث أنه يباشر أكثر الأمور بنفسه
الثالث أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها فكان يمتحنها
ويمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض وقال فهذا التفسير الذي ذكرناه ينطبق عليه لفظ القرآن انطباقًا مطابقا موافقًا ولا يلزمنا نسبة شيء من تلك المنكرات والمحذورات
مع
قال وأنا شديد التعجب من الناس كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة أن العقل والنقل يردها وليس لهم في إثباتها شبهة فضلا عن حجة
فإن قيل إن الجمهور فسروا الآية بذلك الوجه فما قولك فيه
فنقول لنا ههنا مقامان
المقام الأول أن ندعى أن لفظ الآية لا يدل على شيء من تلك الوجوه التي يذكرونها وقد ظهر - والحمد لله - أن الأمر كما ذكرناه وظهوره لا يرتاب العاقل فيه
المقام الثاني أن يقال هب أن لفظ الآية لا يدل عليه إلا أنه كلام
ذكره الناس فما قولك فيه
وجوابنا أن الأدلة الكثيرة قامت على عصمة الأنبياء عليهم السلام ولم يدل دليل على صحة هذه الحكايات ورواية الآحاد لا تصلح معارضة
۳

للدلائل القوية فكيف بالحكايات عن أقوام لا يبالى بهم ولا يلتفت إلى
أقوالهم والله أعلم
ويقول صاحب كتاب محاسن التأويل إن الإمام ابن حزم سبق الإمام الرازي في هذا الرأي يقول ابن حزم
تأويل الآية على أنه قتل الخيل إذ اشتغل بها عن الصلاة خرافة موضوعة مكذوبة سخيفة باردة قد جمعت أفانين من القول لأن فيها معاقبة خيل لا ذنب لها والتمثيل بها وإتلاف مال منتفع به بلا معنى ونسبة تضييع الصلاة إلى نبي مرسل ثم يعاقب الخيل على ذنبه لا على ذنبها وإنما معنى الآية أنه أخبر أنه أحب حب الخير من أجل ذكر ربه حتى
توارت الشمس أو تلك الصافنات بحجابها ثم أمر بردها فطفق مسحًا بسوقها وأعناقها بيده برا بها واكراما لها هذا هو ظاهر الآية الذي لا يحتمل غيره وليس فيها إشارة أصلاً إلى ما ذكروه من قتل الخيل وتعطيل الصلاة وكل هذا قد قاله ثقات المسلمين فكيف ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ
تعالى
ونأتى الآن إلى قصة أخرى عن سليمان اختلف فيها المفسرون يقول
ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب قال رب
اغفر لى
۳۳

يقول الإمام الألوسي ذلك
أظهر ما قيل فى فتنته عليه السلام أنه قال لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تأتى كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله تعالى ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة وجاءت بشق رجل وقد روى ذلك الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة مرفوعًا وفيه فو الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله الجاهدوا فرسانا لكن الذي في صحيح البخاري أربعون بدل سبعين وأن الملك قال له قل إن شاء الله فلم يقل وغايته ترك الأولى فليس بذنب وإن عده هو عليه السلام ذنبًا فالمراد بالجسد ذلك الشق الذي ولد له ومعنى إلقائه على كرسيه وضع القابلة له عليه
ليراه
فلما رأى سليمان ذلك رجع إلى الله بالاستغفار ثم أتبع ذلك بالدعاء
قائلاً
وهب لى مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعدى إنك أنت الوهاب
واستجاب الله سبحانه لسليمان وعرفنا بذلك قائلا ۱ - فسخرنا له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب ٢ - والشياطين كل بناء وغواص
وآخرين مقرنين في الأصفاد
ثم عقب الله على كل ذلك بقوله تعالى
٣٢٤

هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب
وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ص آية ٣٩ ٤٠
ويذكر الله سبحانه وتعالى مرة أخرى عطاءه لسليمان رضي الله عنه
فيقول
ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له مايشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرًا وقليل من عبادى
الشكور سبأ آية ۱-۱۳
يقول الحسن البصری رضی الله عنه
كان يغدو من دمشق فينزل باصطخر فيتغذى بها ويذهب رائحا منها فیبيت بكابل وبين دمشق وبين اصطخر مسيرة شهر وبين اصطخر وكابل
مسيرة شهر
ولقد روى الامام البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال
إن عفريتاً من الجن تفلت على البارحة ليقطع على صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخى سليمان
٣٢٥

رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدى فرددته
خاسا
وفي قوله تعالى هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ص آية ۳۸-۳۹
قال
يقول الإمام ابن كثير
ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليه وأسداه من النعم الكاملة العظيمة إليه
من شئت
هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب أي اعط واحرم من شئت فلا حساب عليك أى تصرف فى المال كيف شئت فإن الله قد سوغ لك ما تفعله من ذلك ولا يحاسبك على ذلك وهذا شأن النبي الملك بخلاف العبد الرسول فإن من شأنه أن لا يعطى أحدًا إلا بإذن الله له في ذلك
وقد خير نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه بين هذين المقامين فاختار أن يكون عبدًا رسولاً
وفى بعض الروايات أنه استشار جبريل في ذلك فأشار إليه أن تواضع فاختار أن يكون عبدًا رسولاً صلوات الله وسلامه عليه وقد جعل الله
الخلافة والملك من بعده في أمته إلى القيامة فلا تزال طائفة
يوم
ظاهرين حتى تقوم الساعة فالله الحمد والمنة
من
أمته
٣٢٦

ولما ذكر تعالى ما وهبه لنبيه سليمان عليه السلام من خير الدنيا نبه على ما أعده له في الآخرة من الثواب الجزيل والأجر والقربة التي تقربه إليه
والفوز العظيم والإكرام بين يديه وذلك
تعالى
يوم المعاد والحساب حيث يقول
وإن له عندنا لزلفي وحسن مآب

ونأتى الآن إلى الحديث عن قصة سليمان مع ملكة سبأ يقول صاحب البحر المحيط عن اسم الذى أحضر عرش بلقيس بعد أن ذكر كثيرا من الأقوال في ذلك
وهذه أقوال مضطربة وقد أبهم الله اسمه فكان ينبغي أن لا يذكر
اسمه حتى يخبر به نبی
وهذه الكلمة الرشيدة لهذا الإمام الجليل ينبغي أن تكون شعارا في كل ما لم يصرح به القرآن مما ليس للتاريخ فيه مقال ولا للعقل فيه مجال
إن الظن لا يغنى عن الحق شيئًا وإن كل قول في اسم الذي أحضر
عرش بلقيس والذي عبر عنه الله تعالى بقوله
والذي عنده علم من الكتاب
۳۷

سليمان والعلم
الواضح من الجو القرآنى أن سليمان عليه السلام كان يعيش في حضارة متقدمة وأن سليمان عليه السلام كان على معرفة واسعة عميقة
إن سليمان عليه السلام يقول
ويأيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء
ثم يعترف بنعمة الله تعالى عليه وعلى أبيه قائلا
وإن هذا لهو الفضل المبين النمل آية ١٦
ويقول الله تعالى مبينا ما منح سبحانه سليمان وأباه من العلم ولقد آتينا داود وسليمان علما النمل آية ١٥
أهو العلم الوهبي
أم
هو
العلم الكسبي
الواقع أنه لا يتأتى الاقتصار على أحد نوعى العلم
۳۹

هذا الخلق المتكامل يتحدث الله عنه سبحانه في هذه الصورة الجميلة
من الحديث حيث يقول سبحانه
أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل
زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ونزلنا من السماء ماءً مباركًا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقًا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج ق آية ٦-١١
ولقد تحدثنا عن الخلق المادى متى بدأ الخلق الروحي الخلق الحى
الملائكة والجن والإنسان

متی
كان الله ولا شيء غيره وكان عرشه على الماء
بدأ خلق الملائكة
أكان خلقهم قبل العرش والماء أم كان بعد العرش والماء أكان خلقهم قبل السموات والأرض أم بعد خلق السموات
والأرض
إن الأمر المقطوع به هو أن الملائكة كانت قبل خلق آدم وذلك أن الله
سبحانه وتعالى قبل خلقه خاطب الملائكة قائلا
إني جاعل في الأرض خليفة
۳۳

والواقع من ناحية أخرى إننى كنت أعتقد أن العلم الوهبي مقصور على الجانب العقدى والجانب الأخلاقى ثم تبينت أن هذا الرأى خطأ
صريح حينما التقيت بالشيخ الحارون الحجار
لقد كان شيخاً سوريا من من محبى سيدنا الدين بن عربي وكان من
محيى
الأفراد القلائل الذين يفهمون الشيخ الأكبر ويتذوقون آراءه ويسيرون
في تياره
كان ملهما في علوم الدين وهذا ما كنت أعتقد أنه طبيعي ولكنه كان ملها أيضًا في علوم المادة الزراعية الطبيعية الأحياء وهذا هو
ما فوجئت به
ومن
مخطئًا
أجل ذلك فإن من يقصر الإلهام على علوم الدين فإنه يكون
وكان سليمان عليه السلام ملها فى علوم الدين والدنيا ولكنه كان يضيف إلى ذلك العلم الكسبى تعلما وتجربة وملاحظة واستقراء وكانت مظاهر الحضارة المادية بادية واضحة كما ذكرنا بعضها من قبل
ومن مظاهر علم سليمان ما ذكره القرآن بقوله
علمنا منطق الطير النمل آية ١٦
وفى يوم من الأيام أعطى سليمان الأمر بتجمع جيشه جميعه ويذكر
۳۳۰

القرآن ذلك قائلا
وحشر السليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون
من قولها
حتى إذا أتوا على وادى النمل قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لايشعرون فتبسم ضاحكًا وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين النمل آية
۱۹-۱۷
وأخذ سليمان عليه السلام يستعرض الجيش من الجن والإنس والطير فرأى الهدهد غائبا إنه لم يستجب للحضور وكان من الطبيعي أن ينال جزاءه ولا يتأتى أن تمنع النبوة رحمتها ورأفتها أن ينال المهمل أو المقصر
جزاءه
ومهما امتلأ قلب الزعيم أو القائد رأفة ورحمة فإن ذلك لا يمنع من فرض الجزاء على كل مقصر وإلا فسد الأمر ومن هنا كان قول سليمان عليه السلام لأعذبنه عذابًا شديدًا أو لأذبحنه النمل آية ۱
ولكن الأمر لا طغيان فيه وإنما هى العدالة ومن أجل ذلك قال
سليمان عليه السلام
أو ليأتيني بسلطان مبين
۳۳۱

أي سبب مقنع للعفو حتى يكون العفو
وجاء الهدهد فقال لسليمان عليه السلام
أحطت بما لم تحط به النمل آية
وهي كلمة في غاية الجمال تعنى
إنني أنا الهدهد الضعيف الذى لا يكاد يكون شيئًا بجوار النبي الملك سليمان العظيم قد أحطت من العلم بما لم يحط به نبي الله وذلك أن العلم لا نهاية له وأن الإحاطة به مستحيلة والناس يتقاسمون بعضه يحيط منهم فريق بما لم يحط به الآخر وهم جميعًا لا يحيطون إلا بالبعض الضئيل وما أوتيتم من العلم إلا قليلا الإسراء آية ٨٥
ويستمر الهدهد في حديثه
وجئتك من سبأ بنبأ يقين
إنى وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله
ثم
أخذ الهدهد يعلل استمرار هذا العمل الضار فقال
وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون
وتابع الهدهد حديثه مبينا الصراط المستقيم
۳۳

ألا يسجدوا لله الذى يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم
وقال سليمان عليه السلام
سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين
ثم كتب سليمان كتابا وأعطاه للهدهد قائلا
اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون ولما وصل الكتاب إلى الملكة جمعت رؤساء مملكتها وحدثتهم قائلة ويأيها الملأ إنى ألقى إلى كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم
الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على وأتونى مسلمين
ثم قالت
يأيها الملأ أفتوني
لقد شاورتهم في الأمر لتتبين الرأى الرشيد ولكيلا تتحمل مسئولية
الرأى وحدها
إذا كنت ذا رأى فكن ذا مشورة
وأخذت تقلب الرأى معهم فقالوا
نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظرى ماذا
تأمرين لقد كانوا في طاعة تامة لها
۳۳۳

وفكرت في الأمر طويلا وانتهت إلى رأى فيه حكمة وفيه عمق وهو رأى ناضج قالت
إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون وإنى مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون
وأرسلت الهدية
ماذا كانت الهدية
أنها هدية ملكة غنية خائفة تريد أن تتحاشى كارثة تلم بها في نفسها ومن يدري أو تلم بعرشها فتذهب به
وما من شك في أنها كانت عظيمة
قال ابن عباس مائة وصيف ومائة وصيفة قال وهب وغيره عمدت بلقيس إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية فألبست الجوارى لبس الغلمان الأقبية والمناطق وألبست الغلمان لبس الجواري وجعلت في أيديهم أساور الذهب وفى أعناقهم أطواق الذهب وفي آذانهم أقراط وشنوق مرصعات بأنواع الجواهر وحملت الجوارى على خمسمائة رمكة أى الفرس والغلمان على خمسمائة برذون على كل فرس سرج من الذهب مرصع بالجواهر وأغشية الديباج وبعثت إليه لبنات من الذهب ولبنات من الفضة وتاجًا مكللا بالدر والياقوت وأرسلت بالمسك والعنبر والعود واليلنجوج وعمدت إلى حق جعلت فيه درة بقيمة ثمينة غير
٣٣٤

مثقوبة وخرزة جزع معوجة الثقب ودعت رجلا من أشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالاً من قومها أصحاب عقل ورأى وكتبت مع المنذر كتاباً تذكر فيه الهدية وقالت
إن كنت نبيا ميز بين الوصفاء والوصائف وأخبرنا بما في الحق قبل أن تفتحه واثقب الدرة ثقباً مستويا وأدخل في الخرزة خيطا من غير علاج
إنس ولا جن وأمرت بلقيس الغلمان فقالت
إن كلمكم سليمان فكلموه بكلام تأنيث وتخنيث يشبه كلام النساء وأمرت الجوارى أن يكلمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال ثم قالت
للرسول
انظر إلى الرجل إذا دخلت فإن نظر إليك نظرا فيه غضب فاعلم أنه ملك فلا يهولنك أمره ومنظره فأنا أعز منه وإن رأيت الرجل بشاشا لطيفا فتفهم قوله ورد الجواب فانطلق الرسول بالهدايا وأقبل رعًا إلى سليمان فأخبره الخبر فأمر سليمان الجن أن يضربوا
فائهم
الهدهد
أنه
مسر
نبی
لبنا من الذهب والفضة ففعلوا وأمرهم بعمل ميدان مقدار تسعة فراسخ وأن يفرشوا لبن الذهب والفضة وأن يخلوا مقدار تلك اللبنات التي معهم
وأن يعملوا حائطًا شُرَفه من الذهب والفضة ففعلوا ثم قال
أى دواب البر والبحر أحسن فقالوا يا نبي الله ما رأينا أحسن من دابة من دواب البحر يقال لها كذا وكذا مختلفة ألوانها لها أجنحة وأعراف
ونواص
۳۳۵

قال على بها الساعة فأتوا بها قال شدوها بين يمين الميدان وشماله ثم قال للجن
على بأولادكم فاجتمع منهم خلق كثير فأقامهم عن يمين الميدان وشماله ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره ووضع له أربعة آلاف كرسى على يمين الميدان وعلى شماله أمر الانس والجن والشياطين والوحوش والطير والسباع فاصطفوا فراسخ عن يمينه وشماله فلما دنا القوم إلى الميدان ونظروا إلى ملك سليمان رأوا أول الأمر الدواب التي لا يرى مثلها تروث في لبنات الذهب والفضة فلما رأوا ذلك تقاصرت أنفسهم وخبأوا ما معهم من الهدايا وقيل إن سليمان فرش الميدان بلبنات الذهب والفضة وترك على طريقهم موضعا على قدر ما معهم من ذلك الموضع فلما رأى الرسل موضع اللبنات خاليًا خافوا أن يتهموا بذلك فوضعوا ما معهم من اللبن في ذلك الموضع ولما رأوا الشياطين هالهم ما رأوا وفزعوا فقالت لهم الشياطين جوزوا لا بأس عليكم فكانوا يمرون على كراديس جماعات الإنس والجن والوحش والطير حتى وقفوا بين يدى سليمان فأقبل عليهم بوجه طلق وتلقاهم تلقيا حسنًا وسألهم عن حالهم فأخبره رئيس القوم بما جاءوا فيه وأعطوه كتاب الملكة فنظر فيه وقال أين الحق فأتى به فحركه فجاءه جبريل فأخبره بما فيه فقال لهم إن فيه درة ثمينة غير
مثقوبة وخرزة معوجة الثقب فقال رسول الملكة صدقت
فثقب الدرة وأدخل الخيط في الجزعة فقال سليمان
٣٣٦

من لى بثقبها وسأل الإنس والجن فلم يكن عندهم علم ثم سأل
الشياطين فقالوا
نرسل إلى الأرضة فلما جاءت الأرضة أخذت شعرة في فيها ودخلت
فيها حتى خرجت من الجانب الآخر
فقال لها سليمان ما حاجتك
قالت تصير رزقي في الشجر
فقال لك ذلك
ثم قال من لى بهذه الخرزة
فقالت دودة بيضاء أنا لها يا نبي الله فأخذت الدودة الخيط في فيها و دخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر
فقال لها سليمان ما حاجتك
قالت يكون رزقي في الفواكه
قال لك ذلك
ثم ميز بين الغلمان والجوارى بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم فجعلت الجارية تأخذ الماء بيدها وتضرب بها الأخرى وتغسل وجهها والغلام يأخذ بيديه ويغسل وجهه وكانت الجارية تصب الماء على باطن ساعدها والغلام على ظاهره فميز بين الغلمان والجوارى اهـ
ووصلت الهدية إلى سليمان فقال
۳۳۷

أتمدونن بمال فما آتانى الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون النمل آية ٣٦
وأحب سليمان أن يرد الهدية في صورة صاخبة مرعبة حتى يكون للجو الذي ردت فيه الهدية أثره الفعال فتكون النتيجة كما أرادها
ألا تعلوا على وأتوني مسلمين
وقال سليمان من هذا المنطلق
ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون النمل آية ۳۷
ولم يشك سليمان في أنهم - بلقيس والملأ من قومها – سيأتون مسلمين ولعل سليمان عرض جيشه على رسل المملكة وأراهم ما هو فيه من قوة وبأس أراهم الجيش فى الجن والإنس والطير وأفزع الرسل بهذا العرض فرجعوا فى فزع وفى رجفة وتحدثوا بما رأوا من ملك فخم شامخ وها هو ذا سليمان عليه السلام يجلس بين أصفيائه ذات يوم معهم عن ملكة سبأ وعن عبادتها للشمس من دون الله وعن رده للهدية التي أرسلتها إليه ملكة سبأ تريد بذلك أن يغض الطرف عنها وعن زيفها وضلالها قائلاً حين ردها
ويتحدث
يأيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين

فرد علیه عفريت من الجن قائلا
أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإنى عليه لقوى أمين وأجاب شخص آخر يتحدث عنه القرآن الكريم على الوضع التالي قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك
طرفك
ونفذ الذي عنده علم من الكتاب ما قال وجاء بالعرش في لمح البصر
فلما رأى سليمان العرش مستقرا عنده قال
هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم
والقرآن يعرفنا بهذه القصة أن العلم يفعل الأعاجيب وأنه يفعل ما لا تفعله الجن وأن مقدرة العالم تصل إلى ما لم تصل إليه مقدرة
عفريت من الجن وأنه بالعلم تطوى الأرض وتزول المسافات وتتحقق
المعجزات
والقرآن الكريم حينما يقول
الذي عنده علم من الكتاب
فإنه من الواضح أنه لا يقصد العلم الوهبي وإنما العلم الكسبي إنه
علم من الكتاب إنه ليس بوحى
۳۳۹

وكانت الأرض إذ ذاك مخلوقة تنتظر من يعمرها
ومن المرجح أن الملائكة خلقت قبل العرش والماء وذلك أن الله سبحانه يتحدث عن الملائكة حملة العرش ومادام العرش تحمله الملائكة
فمن المعقول أن تكون الملائكة خلقت قبله لتحمله فور خلقه
وقد يتساءل إنسان عن الطبيعة الجسمانية للملائكة وعن عملهم
أما
عن
طبيعتهم الجسمانية فإن الإمام مسلم يروى عن عائشة رضى
الله عنها قالت
أما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقت الملائكة من نور عن عملهم فإن الله سبحانه أقامهم في أعمال يقومون بها ويتصرفون فيها بإذنه فمنهم حملة العرش ومن الطريف أن حملة العرش مع قيامهم بمهمتهم فإنهم لا يفترون عن التسبيح بحمد ربهم ويؤمنون به أي يترقى إيمانهم به في كل لحظة تمر بسبب تسبيحهم بحمده المستمر
من الملائكة أم من بني البشر قد جعله
ولا ريب أن الذكر سواء أكان الله سبحانه سببًا في زيادة الإيمان ورقيه
ثم أن حملة العرش هؤلاء - فضلاً
من بني البشر ومن غيرهم
عن ذلك
يستغفرون للذين آمنوا
سلة ملف فيه الامام العبد
ومن الطريف أنهم يعللون طلبهم للمغفرة بأن الله سبحانه قد وسعت

وهذا يجعلنا نتساءل
إلام بلغت الحضارة في عهد سليمان
إن الاتيان بالعرش ليس معجزة والجو القرآنى لا يشير إلى معجزة ولو كان الأمر أمر معجزة لكان سليمان أولى بها إنه هو النبى الرسول إنها إذن ثمرة علم من الكتاب وكل ما كان ثمرة من الكتاب فهو کسبى إنه حضارة بكل ما تتطلبه الحضارة من جهد في الملاحظة والتجربة والاستقراء وبكل ما تتطلبه الحضارة من تعمق في الأسرار والظواهر والتصرف في قوانين الكون باستخدام قوانين أخرى للتغيير والتبديل والتعديل والإلغاء أو التقوية
والقرآن الكريم يعلمنا بهذه القصة فبالعلم - كما قلنا - تُطوى الأرض وتزول المسافات أو يزول الزمن الذي يتطلبه – في نظرة الجاهلين - قطع المسافات والأمكنة
كم من الزمن يستغرقه الآن انتقال الصوت عبر آلاف الأميال التي تفصل بين قطر وقطر حينما يتحدث الإنسان في التليفون أو في الإذاعة
والصور عبر الأمكنة حينما يستخدم الإنسان التليفزيون
ومهما يكن من شيء فإن مردة الجن تعجز عما يستطيعه الإنسان بالعلم وبلغ سليمان أن بلقيس فى الطريق وأحب سليمان أن لا تتلكأ الملكة أو يتلكأ ملؤها فى الإيمان فأراد أن يفاجئها بأمور خارقة فأمر
٣٤٠

نكروا لها عرشها
أي غيروا شيئًا من زينته وما حلى به من جواهر
لماذا
ننظر أتهتدى أم تكون من الذين لا يهتدون
وهو اختبار لفطنتها وذكائها
وأراها سليمان العرش وقال لها
أهكذا عرشك
فقالت متحفظة فطنة ذكية
كأنه هو
ويقول سليمان عن نفسه وقومه
أما
وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين
فقد ألفت الكفر ونشأت فيه ولم تفكر فيها ألفته هي
وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين
لقد منعها ما منع العرب الذين قالوا
إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون
ويصدق عليها ما صدق عليهم حينما قال القرآن الكريم ساخراً من
عقليتهم
٣٤١

أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون ﴾
ولم يكتف سليمان بذلك فقد أمر أن يبنى لها صرح - أرضه من زجاج يجرى من تحتها الماء وفيه سمك وحيوا انات تسير تحت الزجاج وتظهر
صورتها منه
وقيل لها ادخلي الصرح أي القصر
فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها
لقد كان من الإتقان فى الصنع بحيث حسبته لجة
إنه صرح ممرد من قوارير
وأتت المفاجأة ثمرتها فقالت
رب إني ظلمت نفسي وأسلمت
مع سليمان الله
رب العالمين
لقد آتي الله سليمان ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده وسخر له الجن وسخر له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب وسخر له الريح عاصفة تدمر ما يشاء وعاش سليمان فى هذا الملك مسيطرا على الجن والإنس والطير ثم جاء ملك الموت وقبض روحه
أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة
وكان موت سليمان عبرة فإنه اتكأ على عصاه ومات متكنا ومكث
٣٤٢

أهـ
٣٤٤
قال أصبغ وبلغنى عن غيره أنها مكثت سنة تأكل من منسأته حتى خر
وقد روى نحو هذا عن جماعة من السلف وغيرهم والله تعالى أعلم

زكريا
عليه السلام
روى الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال
كان زكريا نجارا
لقد كان يأكل من عمل يده كان يتطلب الحلال الصافي ويتحراه فكان
يعمل بيده
ولقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم داود عليه السلام في معرض
المدح قائلاً

الله
ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يديه وأن نبي داود صلى الله عليه وسلم كان يأكل من عمل يده رواه البخاري عن
أبي هريرة
وليس المراد حتما حرفة يدوية وإنما المراد الجهد الإنساني في العمل
٣٤٥

والأكل الحلال مدحه الله تعالى فى القرآن الكريم ومدحه رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الشريفة
يقول الله سبحانه
يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين البقرة آية ١٦٨
ويقول تعالى
يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن
كنتم إياه تعبدون البقرة آية ۱۷
وقال سبحانه
وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيباً واتقوا الله الذي أنتم به
مؤمنون المائدة آية ۸۸
ويقول تعالى
فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم
الأنفال آية ٦٩
وقال جل شأنه
فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه
تعبدون النحل آية ١١٤
٣٤٦

ومن أسس القربى إلى الله ومن قواعد استجابة الدعاء وهو على العموم من أجواء الصالحين
^0
وقد كان زكريا من الصالحين يقول تعالى
وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين الأنعام آية
وقد عاش فترة طويلة من حياته لا ينجب أولادًا وكان يحب أن يكون له ولد يرثه في النبوة
وكان من تصاريف القدر أنه هو الذي كفل مريم البتول فكان كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقًا فيسألها قائلاً
یا
أنى لك هذا مریم
فتقول هو من عند الله
ثم تضيف إن الله يرزق من يشاء بغير حساب
إنه سبحانه يرزق من يشاء رزقًا ماديا ويرزق من يشاء رزقًا معنويا ويرزق من يشاء ما يشاء ويقدر ويصف الإنسان بالتقتير قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربى إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورًا الاسراء آية ١٠٠
٣٤٧

وقد بين الله سبحانه مفاتيح الرزق فكان منها الضرب في الأرض وكان منها العمل وكان منها الدعاء
سميع
هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك الدعاء فنادته الملائكة وهو قائم يصلى في المحراب أن الله يبشرك مصدقًا بكلمة من الله وسيدًا وحصورا ونبياً من الصالحين آل عمران آية ۳۸-۳۹
بيحيى
أما استجابة الدعاء هذه فإن الله سبحانه وتعالى قال عنها وعن سرها
وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين الأنبياء آية
۹۰ - ۸۹
أرأيت إلى من يسارع في الخيرات ويدعو الله والشعور يغمره بالرغب والرهب وهو إذا أمسى كان خاشعًا لله وإذا أصبح كان خاشعًا الله أرأيت إلى مثل هذا یرده الله خائبا إذا دعا
حاشا لله وهو السميع للدعاء المجيب لمن حقق شروط العبودية يقول الله سبحانه في حديث قدسي عن سر استجابة الدعاء
من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا
٣٤٨

أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه رواه البخاری
ولا يتأتى أن يعادى إنسان الله فتكون هذه العداوة سببا في استجابة الدعاء اللهم إلا إذا كان دعاء خالصًا بالتوبة والإنابة مستعينا بالله على قبول التوبة النصوح
لقد استجاب الله دعاء زكريا ونادته الملائكة مبشرة له بيحيى وفرح زكريا فرحة غامرة وكان فى سعادة وأخذ يسأل ليطمئن قلبه وليستزيد من سعادة وضوح الرؤية
قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال
كذلك الله يفعل ما يشاء آل عمران ٤٠
وعاد زكريا يسأل
قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرًا وسبح بالعشى والإبكار آل عمران ٤١ ويقص الله سبحانه أمر زكريا مرة أخرى في أول سورة مريم فيقول
سبحانه
بسم الله الرحمن الرحيم كهيعص ذكر رحمة ربك عبده ذكريا إذ نادى ربه نداء خفيًّا قال رب إنى وهن العظم منى واشتعل الرأس
٣٤٩

رحمته كل شيء ووسع علمه كل شيء ويلجأون إلى الله بالدعاء والضراعة طالبين منه المغفرة لكل من تاب واتبع الطريق الذي بينه الله ليسير فيه المؤمنون ويلجأون إلى الله أيضًا بالضراعة طالبين منه سبحانه أن يجنب التائبين المتبعين لطريق الهدى عذاب جهنم وأن يدخلهم جنات عدن التي وعدهم وأن يقيهم السيئات والآيات القرآنية التي ذكرت ذلك في غاية الجمال أسلوبا ومعنى
يقول الله تعالى
الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم غافر آية ۷-۹
وإذا كيف الانسان ظروفه بحيث جعلها لا تمنعه من ذكر الله ومن
الدعاء للمؤمنين فقد تشبه بحملة العرش وما ذكرت القصة في القرآن إلا لتكون مثلاً يحتذى
أتلك

أعمال الملائكة فحسب كلا هي
إن الله سبحانه وتعالى قد أقام الملائكة في أعمال يتصرفون فيها

واجعله رب
شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإنى خفت الموالى من ورائي وكانت امرأتى عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب رضيا يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئًا قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقياً وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا مريم ١ - ١٥
٣٥٠

نادت الملائكة زكريا
يحيى
عليه السلام
إن الله يبشرك بيحيى
وتسميته بهذا الاسم إنما هي من الله سبحانه
أما صفاته فإن الله سبحانه وتعالى يقول عنها
وريا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا وحنانا
لدنا من
وزكاة وكان تقيًّا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا وسلام عليه يوم
ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا
ويقول سبحانه
وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين
وتقول الملائكة عن يحيى
مصدقًا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبياً من الصالحين
٣٥١

ويقول الإمام ابن كثير
عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك
الولد
وحنانًا من لدنا أى رحمة من عندنا رحمنا بها زكريا فوهبنا له هذا
وعن عكرمة وحنانا أى محبة عليه ويحتمل أن يكون ذلك صفة لتحنن يحيى على الناس ولا سيما على أبويه وهو محبتهما والشفقة عليهما وبره بهما
أما الزكاة فهى طهارة الخلق وسلامته من النقائص والرذائل والتقوى طاعة الله بامتثال أوامره وترك زواجره
ثم ذكر بره بوالديه وطاعته لهما أمرًا ونهيًا وترك عقوقهما قولاً وفعلاً
فقال
وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيام
ثم قال ﴿وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياكم هذه الأوقات الثلاثة أشد ما تكون على الإنسان فإنه ينتقل في كل منها من عالم إلى عالم آخر فيفقد الأمل بعد ما كان ألفه وعرفه ويصبر إلى الآخر ولا يدرى ما بين يديه ولهذا يستهل صارخا إذا خرج من بين الأحشاء وفارق لينها وضمها وينتقل إلى هذه الدار ليكابد همومها وغمها
٣٥٢

وكذلك إذا فارق هذه الدار وانتقل إلى عالم البرزخ بينها وبين دار
القرار وصار بعد الدور والقصور إلى عرصة الأموات سكان القبور وانتظر هناك النفخة في الصور ليوم البعث والنشور فمن مسرور ومحبور ومن محزون ومثبور وما بين جبير وكسير وفريق فى الجنة وفريق في السعير ولقد أحسن بعض الشعراء حيث يقول
ولدتك أمك باكيا مستصرخا والناس حولك يضحكون سرورًا فاحرص لنفسك أن تكون إذا بكوا في ضاحكا مسرورا
يوم
موتك
ولما كانت هذه المواطن الثلاثة أشق ما تكون على ابن آدم سلم الله
على يحيى في كل موطن منها فقال
وسلام عليه يوم ولد
ويوم يموت
ويوم يبعث
حيا
وقال سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة أن الحسن قال إن يحيى وعيسى التقيا فقال له عيسى استغفر لى أنت خير مني سلمت على
نفسی وسلم الله عليك فعرف والله فضلها
وأما قوله في الآية الأخرى
وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين
فقيل المراد بالحصور الذى لا يأتى النساء وقيل غير ذلك وهو أشبه
بقوله
٣٥٣

هب لي من لدنك ذرية طيبة
وتكاد دعوة يحيى تتلخص في الآتى
قال الإمام أحمد حدثنا عفان أنبأنا أبو خلف موسى بن خلف وكان يعد من البدلاء حدثنا يحيى بن أبي كثير عن زيد عن سلام عن جده ممطور عن الحارث الأشعرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فإما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن فقال
يا أخي إنى أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي قال فجمع يحيى بنى اسرائيل فى بيت المقدس حتى امتلأ المسجد فقعد على الشرف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
إن الله عز وجل أمرنى بخمس كلمات أن أعمل بهن وأمركم أن تعملوا بهن وأولاهن أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئًا فإن مثل ذلك مثل من اشترى عبدا من خالص ماله بورق أو ذهب فجعل يعمل ويؤدى غلته إلى غير سيده فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك !! وإن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئًا
وأمركم بالصلاة فإن الله ينصب وجهه قبل عبده مالم يلتفت فإذا
صليتم فلا تلتفتوا
٣٥٤

وأمركم بالصلاة فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في
عصابة كلهم يجد ريح المسك وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من
ريح
المسك
وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يده إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال
هل لكم أن أفتدى نفسى منكم فجعل يفتدى نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه
وأمركم بذكر الله عز وجل كثيرا فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينًا فتحصن فيه وإن العبد أحسن ما يكون
من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل
٣٥٥

عیسی
عليه السلام
جلست السيدة حنة وعلى وجهها سمات الاهتمام والحزن ونظراتها معلقة بطائر يحنو على فرخه ويطعمه وأخذ خيالها يسرح يسرح عبر هذه السنين التي تقضت من عمرها الذى لم تتخلله البهجة بالأولاد ويمرحون ويملأون البيت حبا وضجيجًا حبيبا ومودة وفرحة
يسرحون
إنها حياة جدباء تلك التي لم تملأ جنباتها البهجة بالأولاد على هذا النسق كان يدور خيالها وعيناها ممتدتان إلى الطائر يطعم فرخه فى حنان ومداعبة
استمر خيالها يسير مع هواها واستمر شعورها بالرغبة في الولد يقوى ويتركز وإذا بها فجأة تسيل دموعها وتتجه إلى الله ضارعة في حرارة داعية في شوق ولهفة أن لها ولدا وقالت يهب
اللهم لك على إن رزقتنى ولدًا أن أتصدق به على بيت المقدس
٣٥٦

يقول ابن اسحاق
كان السبب فى نذرها أنه أمسك عنها الولد حتى
أسنت
واستجاب الله دعاءها فلما شعرت بالحمل اتجهت إلى الله في شكر وفي
عرفان تؤكد من جديد نذرها ويعبر القرآن عن ذلك بقوله وإذ قالت امرأة عمران رب إنى نذرت لك ما في بطنى محررًا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم
وعمران الذي ذكرته الآية الكريمة ليس بعمران أبي موسى وبين
موسى وعيسى بون شاسع من الزمن
أما قولها في الآية الكريمة محررًا فمعناه معتق وهى تقصد بذلك أن يكون عبدا للدنيا ليعبدك وحدك
أنه معتق من
يقول الزجاج
كان على أولادهم فرضًا أن يطيعوهم فى نذرهم فكان الرجل ينذر في ولده أن يكون خادمًا فى متعبدهم 1
۱
لقد سعدت السيدة حنة بهذا الجمل فهى تفكر فى الجنين في سعادة إنها
1 يقول القاضي أبو يعلى والنذر فى مثل ما نذرت صحيح في شريعتنا فإنه إذا نذر الإنسان أن ينشئ ولده الصغيرة على عبادة الله وطاعته وأن يعلمه القرآن والفقه وعلوم الدين صح النذر
٣٥٧

تفكر في صورته وتفكر فى تنشئته وتفكر فى تربيته وثقافته كما تفكر في بسماته وفي مداعباته وما كان خيالها يسرح جو هذا الجنين على
مطلقا

أنه أنثى وإنما كان يسرح باستمرار – في وجوه على أنه ذكر هاهو ذا قد أصبح شابا ذكيا فتيا يأخذ مكانته بين فقهاء المعبد وسدنته بين المسيرين لدفة الأمور الدينية والموجهين لها ثم هاهو ذا حبر من كبار الأحبار له الكلمة المسموعة و و
وجاء أوان الوضع وفوجئت السيدة حنة مفاجأة لم تكن متوقعة لقد كان المولود أنثى
ارتبكت السيدة حنة لحظة من الزمن وفكرت في نذرها وفكرت في المقادير وفى عة اتجهت إلى الله تعالى وكأنها تعتذر أو تستغفر قائلة
سر
رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم آل عمران آية ٣٦
أما مريم هذه التي يحرص المفسرون على بيان أنها ليست مريم أخت موسى فإن الله سبحانه أضفى عليها عنايته وشملها برعايته ويعبر
سبحانه
عن ذلك فيقول
فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا آل عمران آية
۳۷
٣٥٨

بإذنه وما من شك في أن جميع حركاتهم هي بإذن الله ولقد روى الإمام
البخاري عن ابن عباس رضی الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل ألا تزورنا أكثر مما
تزورنا
قال فنزلت الآية الكريمة
وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا مريم آية ٦٤
فهم في كل ما يأتون وما يدعون إنما يصدرون عن أمر الله ولقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه يرسلهم أحيانًا لنصرة المؤمنين في
الحرب
إنه يرسلهم أحيانًا لتثبيت المؤمنين كما فعل ذلك في غزوة بدر فثبتوا الذين آمنوا
قائلا
ويرسلهم أحيانًا مددًا كما فعل ذلك في غزوة بدر أيضًا يقول سبحانه
من
الملائكة
ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف منزلين بل إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين آل عمران آية ١٢٣-١٢٥
٣٦

فلما بلغت السن التي تستطيع فيها الخدمة أخذت بتوجيه زكريا عليه السلام تعمل في المعبد توفية لنذر أمها وتتعبد فيه إنها عاملة عابدة واتخذت مريم عليها السلام محراباً قال الأصمعي والمحراب ها هنا الغرفة والمحراب فى اللغة الموقع العالى الشريف كما يقول الزجاج اتخذت مريم عليها السلام محراباً تعتكف فيه متعبدة متهجدة وكان زكريا عليه السلام يدخل عليها من آن لآخر محرابها رعاية لها وعناية بها وتفقدًا لأحوالها فكان – على دهشة منه - يجد عندها رزقاً ويعبر القرآن عن ذلك فيقول
كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا قال يا مريم
أنى لك هذا
قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ۱
۱ يقول صاحب محاسن التأويل في الآية دليل على وقوع الكرامة لأولياء الله تعالى كما وجد عند خبيب بن عدى الأنصارى رضى الله عنه - استشهد بمكة - قطف عنب - كما في البخارى وفى الكتاب والسنة لهذا نظائر كثيرة ومن اللطائف هنا ما نقله الإمام الشعراني في اليواقيت عن العارف بالله أبى الحسن الشاذلي قدس سره أنه قال إن مريم عليها السلام كان يتعرف إليها في بدايتها بخرق العوائد بغير سبب تقوية لإيمانها وتكميلاً ليقينها فكانت كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا فلما قوى إيمانها يقينها ردت إلى السبب لعدم وقوفها معه فقيل لها وهزى إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا
اه
أما عن قصة خبيب وقطف العنب فقد رواها الإمام البخاري في حديث صحيح جليل عن

أبي هريرة رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية عينـا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصارى جد عاصم بن عمر بن الخطاب فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهداة وهو بين عسفان ومكة ذكروا لحى من هزيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم فريقا من مائتى رجل كلهم رام فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة فقالوا هذا تمر يثرب فاقتصوا آثارهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد وأحاط بهم القوم فقالوا لهم أنزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا فقال عاصم ابن ثابت أمير السرية أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر اللهم أخبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصاً في سبعة فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم حبيب الأنصارى وابن دثنة ورجل آخر فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فاوثقوهم فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن في هؤلاء لأسوة يريد القتل فجردوه وعالجوه على
أن
قلبت حبيب عندهم
يصحبهم فأبى فقتلوه فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد موقعة بدر فابتاع خبيبا بنو الحارث ابن عامر بن نوفل بن عبد مناف وكان خبيب هو الذى قتل الحارث بن عامر يوم بدر أسيرا فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فاعارته فأخذ ابنا لى وأنا غافلة حين ا أتاه قالت فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي فقال تخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وأنه لموثق فى الحديد وما بمكة من ثمر وكانت تقول أنه لرزق من الله رزقه خبيبا فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحال قال لهم خبيب ذروني أركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين ثم قال لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها اللهم أحصهم عددا ما أبالى حين أقتل مسلما على أي شق كان الله مصرعى وذلك في ذات الاله وأن يشاً يبارك على أوصال شلو ممزع فقتله ابن الحارث فكان خبيب هو الذى سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبراء فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم
٣٦١

وتزكت مريم عليها السلام بالعبادة وصفت نفسها ورق شعورها
فأصبحت
من
الصفاء بحيث ترى الملائكة
ورؤية الملائكة ومخاطبتهم أمر أقره القرآن الكريم إن الله سبحانه
وتعالى يقول
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم فصلت آية ۳۰-۳
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى الملائكة ويتحدث
معهم ولا يراهم من بجواره
والإمام الغزالي عن تجربة يقول
إن السالكين في ابتداء الطريق حينما تصفو نفوسهم وتتزكى يرون
الملائكة
وتزكت
وبدأت ترى الملائكة وبدأت الملائكة تتحدث إليها مریم
= وما أصيبوا وبعث ناس من كبار قريش إلى عاصم حسين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعـرف وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر فبعث على شيئا فتح البارى يشرح صحيح الإمام
البخاري جـ ٦ ص ١٢٤ ١٢٥
٣٦٢

وتسدى إليها النصيحة وتوجهها إلى طريق الحق وطريق الطاعة يقول
سبحانه
وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك
على نساء العالمين آل عمران آية ٤٢
قال ابن عباس والحسن وابن جريج
اصطفاها على عالمى زمانها قال ابن الأنباري
وهذا قول الأكثرين
وبعد أن أثنت عليها الملائكة هذا الثناء الجميل قالت یا مریم اقنتي لربك واسجدى واركعى مع الراكعين آل عمران
آية ٤٣
ثم يقول سبحانه وتعالى لنبيه وحبيبه وصفيه ومصطفاه
وذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون آل عمران
آية ٤٤
وتعود الملائكة إلى مريم تتحدث إليها ولم تكن في هذه المرة موجهة أو آمرة وإنما تزف إليها بشرى مذهلة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مریم آل عمران آية ٤٥
٣٦٣

يقول صاحب زاد المسير
وفى المراد بالكلمة ها هنا ثلاثة أقوال أحدها إنه قول الله له كن فكان قاله ابن عباس وقتادة
الثاني أنها بشارة الملائكة حكاه أبوسليمان بعیسی
والثالث أن الكلمة اسم لعيسى وسمى " كلمة لأنه كان
وقال القاضي أبو يعلى
لأنه يهتدى به كما يهتدى بالكلمة من الله تعالى
عن
الكلمة
ثم تحدثت الملائكة إلى مريم عن صفة هذا الذي بشرتها به فقالت عنه وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين آل عمران آية ٤٥ ٤٦
فوجئت مريم بذلك فقالت في تعجب واستفهام
رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسنى بشركم
وكانت إجابة جبريل عليه السلام لها حاسمة واضحة
قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن
فيكون
واستمرت الملائكة فى ذكر بركات الله عليه فقالت
٣٦٤

ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولاً إلى بنى
إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وماتدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ومصدقا لما بين يدى من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجنتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم آل عمران آية ٤٨-٥١
وإذا تأملنا قليلاً في النص الإلهى وجدنا أن عيسى عليه السلام يقول
إنه يفعل ما يفعل بإذن الله ومعنى ذلك أنه ليس له
على الخلق أو الإبراء وإنما ذلك كله بإذن الله
ويقول
إنه رسول بني إسرائيل
من نفسه القدرة
لم وأنه مصدق
بين يديه من التوراة
ويختتم بقوله
إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم
ونعود إلى مريم عليها السلام من جديد لقد كنا مع مريم وعيسى عليهما السلام من خلال سورة آل عمران
٣٦٥

والآن نصاحبهما من خلال سورة مريم التي ذكرت بعض تفاصيل لم تكن
فيما مضى
يقول الله سبحانه وتعالى
واذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابًا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرًا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيَّا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلامًا زكيًّا قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضيّاً فحملته فانتبذت به مكانًا قصيا فأجاءها المخاض
إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فناداها من تحتها ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا وهزى إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيًّا فكلى واشربي وقرى عينًا فإما ترين من البشر أحدًا فقولى إنى نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيا فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئًا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا فأشارت إليه قالوا كيف تكلم من كان في المهد صبيا قال إنى عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلنى مباركًا أين ما كنت وأوصانى بالصلاة والزكاة مادمت حيا
ويوم
وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا والسلام على ولدت يوم ويوم أبعث حياً ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه
أموت
٣٦٦

يمترون ما كان الله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم سورة مريم آية ١٦-٣٦
أرأيت إلى هذا التكريم الذى أحاط الإسلام به مريم عليها السلام وعيسى عليه السلام
إنهما في التكريم السامى الذى أنزل الله فيه المصطفين من عباده
المقربين
وبينهما يفترى اليهود على مريم افتراء نزهها الله عنه وبينما يرميها قتلة الأنبياء بالفاحشة ويتهمونها بالزنا إذ بالقرآن وبالجو الإسلامي كله قديمه وحديثه يعتبرها قديسة صديقة
وبينما ينكر اليهود على عيسى عليه السلام نبوته ويرمونه بالكذب إذ بالإسلام يعترف بنبوته وبأنه عبد الله ورسوله وبأنه مبارك وبأنه وجيه في الدنيا والآخرة
وبينما ينكر بعض مؤرخي الأديان مجرد وجود المسيح عليه السلام إذ لم تثبت لديهم الأدلة التاريخية على وجوده وعللوا المسيح والمسيحية بأنهما من اختراع القديس بولس وأن المسيح ليس إلا أسطورة لم يقع لها وجود إلا في خيال القديس بولس إذ بالإسلام يوجب على أتباعه وجوبًا
٣٦٧

حتميا الإيمان بعيسى عليه السلام نبياً ورسولاً ومباركًا ووجيها في الدنيا والآخرة
إنه جزء من إيماننا نحن المسلمين نبي معصوم مبرأ من المعصية وأمه صديقة اصطفاها الله وطهرها واصطفاها على نساء العالمين في زمنها ومجمل القول فى أمر السيد المسيح عليه السلام هو ما يقوله القرآن
الكريم واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من مشهد يوم عظيم
هذا الأساس ننطلق ونسير فى هذا الكتاب نسير بحسب واقع من بالفعل أي أننا نصور واقعا لا نخترعه ونكتب عن حقائق لم نبتدعها ونخط صفحات ناشئة عما حدث بالفعل والله نرجو أن يهدى لها وأن يهدى بها وأن يفتح لها قلوبًا ويرشد بها عقولاً ويجعلها في ميزان حسناتنا
إنه سميع قريب مجيب
٣٦٨

النهاية
إن الانسان دائما مولع بالغيب ويرجو معرفته
إنه يسأل عن الماضي البعيد عن أول الخلق وعما قبل الخلق وعن الزمن ومتى بدأ وعن الكون وكيف تكون
ويسأل عن المستقبل البعيد عن المصير والغاية
إلى أين يسير هذا العالم وما هى النهاية التي نحن ذاهبون إليها
ماذا بعد الموت كيف ينتهى الكون
ومن أجل هذا الواقع بالغيب تكونت الفلسفة ومن أجل ذلك يقال دائما إن الفلسفة في شطرها الأكبر إنما هي محاولة الإجابة على من أين وإلى أين
أى الإجابة على سؤال عن المبدأ وسؤال عن المصير
ولا تزال الفلسفة منذ العهد اليونانى إلى الآن تحاول الإجابة على
٣٦٩

ومعنى مسومين أى لهم سمات وعلامات يعرفون بها

ولعل القارئ الكريم قد لاحظ أن من الشروط التي علق الله عليها إرسال الملائكة الصبر والتقوى
ومن طريف ما تروى كتب السيرة من عمل الملائكة في غزوة أحد القصة التي ننقلها كما وردت
دخل حنظلة بن أبي عامر على زوجته أول ما دخل بها فنودى بالجهاد
مسر
في غزوة أحد من ليلته فخرج
رعا إلى المعركة وأظهر ضروبا من
البسالة والشجاعة حتى أتاه
سهم
الرسول صلى الله عليه وسلم
مفاجئ فاستشهد وبعد المعركة قال
لقد رأيت حنظلة بن أبي عامر تغسله الملائكة بماء المزن في صحاف
الفضة بين السماء والأرض
"
فذهب الصحابة إليه وهو فى القتل فوجدوا شعره يقطر ماءً فقالوا
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال
اذهبوا إلى زوجته فاسألوها
فذهبوا إليها فقالت
إنه لما سمع الداعي إلى الجهاد خرج مسرعًا وهو جنب دون أن يغتسل فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال

من أين وإلى أين
ولا يزال الناس كذلك يريدون تعمقًا أكثر واستقصاء أعمق
مع
الفائدة
ولقد تحدثت الأديان عن المبدأ والمعاد في إجمال يتناسب العامة بالنسبة لبنى البشر وفي عموم تقتضيه الحكمة الإلهية لقد تحدثت الأديان عن المبدأ للعلم والمعرفة وبيان قدرة الله وعظمته
وتحدثت عن المعاد للعلم والمعرفة وللإنذار والتبشير
وكما كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن المبدأ فإنهم كانوا يسألونه عن المعاد أيضًا
ولقد سبق أن بينا صورة مجملة لرأى الدين في المبدأ ونذكر الآن في
حلقات متتالية صورة مجملة لرأى الدين في إلى أين
كان الصحابة يسألون عن موعد نهاية العالم لقد كانوا يريدون تحديدًا
محددا وتاريخا يقينيا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيبهم على ذلك
إجابة تتناسب
ومع
المصلحة العامة وهي مع
ذلك
مصلحة السائل مع
لا تجافي الحق ولا تتنافى مع
الصدق
لقد سأله مرة رجل فقال يا رسول الله
متی
الساعة
وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين له أن من الخير أن
لا يشغل نفسه بالموعد وإنما يشغل نفسه بالإعداد للساعة أي بالعمل
۳۷۰

الصالح الذي ينفعه عند قيام الساعة فقال له ماذا أعددت لها فقال الرجل ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام إلا أنى أحب الله
ورسوله
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب وفرح الصحابة رضوان الله عليهم بهذه الكلمة من رسول الله صلى الله
عليه وسلم فرحًا كبيرًا حتى لقد قال أنس رضي الله عنه
فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم بذلك وما من شك في أن الإنسان إذا أحب في إخلاص الله ورسوله فإنه يعمل جاهدا في مرضاتهما ومرضاتهما إنما تكون في اتباع الوحي والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فعل الإنسان ذلك كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاتها
ا
والروح العامة للدين الإسلامى هى أن علم الساعة إنما هو عند الله
تعالى
إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت
وقد وجه الله سبحانه وتعالى الأذهان إلى الطريق الأمثل فقال
سبحانه
۳۷۱

يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا
إلا عشية أو ضحاها
وفيما رواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما بارزا للناس فأتاه جبريل فقال
یا رسول الله متى الساعة
فقال ما المسئول عنها بأعلم من السائل ولكن سأحدثك عن
أشراطها
إن لنهاية العالم - المعبر عنها بالساعة - أشراطا – أي علامات تنذر بوقوعها ولا ريب فى أنها - بنص القرآن - تأتي بغتة يقول تعالى
فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها
محمد آية ۱۸
وهذه البغتة إذن ليست مطلقة مادامت هناك أشراط تنذر بوقوع الساعة ونبدأ في بيان هذه الأشراط بما رواه البخارى رضى الله عنه قال
بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال متى الساعة فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم بل لم يسمع حتى
۳۷

إذا قضى حديثه قال أين السائل عن الساعة قال ها أنا يا رسول
الله
قال عليه الصلاة والسلام إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة
قال الأعرابي كيف إضاعتها
قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة وتفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمانة يتضمن معان كثيرة فوضع الوديعة عند خائن توسيد للأمر إلى غير أهله والوظيفة يليها من ليس أهلا لها توسيد للأمر إلى غير أهله والحكم في القرية والمدينة يليه من ليس أهلا له توسيد للأمر إلى غير أهله والمرأة تتخلى عن طبيعتها لتلبس طبيعة الرجل أو الرجل يتخلى عن طبيعته يلبس طبيعة المرأة توسيد للأمر إلى غير أهله
كل هذا مناف للأمانة الفردية والأمانة الاجتماعية ولقد ربط الإسلام
برباط محكم بين الأمانة والإيمان فقال صلى الله عليه وسلم
ومعنى
لا إيمان لمن لا أمانة له رواه أحمد وابن حبان والطبراني في الأوسط ذلك أنه لا إيمان لمن أفشى سر صديقه ولا إيمان لمن تجسس على الناس يتتبع عوراتهم وزلاتهم ولا إيمان لمغتاب لأنه لا أمانة له ولا إيمان لمرتش لأنه لا أمانة له
۳۷۳

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الجنة تحت أقدام الامهات
رواه ابن ماجه والنسائي بنحوه
يقول الله تعالى
يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد الحج آية ۱
ولقد ذكر الله سبحانه أحداث القيامة في كثير من سور القرآن ففى سورة الرحمن يخبر سبحانه أن السماء ستنشق وتصبح في لون الورد الأحمر وفى سيولة الزيت
وفي سورة الانفطار يبين الله سبحانه أن السماء ستنشق وأن الكواكب ستنتثر متساقطة متهاوية زائلة وأن البحار ستنفجر وأن القبور ستبعثر فيخرج ما فيها ومن فيها
وتتحدث سورة التكوير عن زوال الشمس عن فلكها وعن الجبال يسيرها الله إلى مصيرها وعن البحار تسجر أي تتفجر مشتعلة باللهب متأججة بالنار
والمعنى العام من ذلك أن هذا النظام الذي قدره الله تقديرا محكما في عالمنا هذا سيتغير ويتبدل في صورة رهيبة مذهلة وينتهى الأمر بأن يقف

الناس في المحشر من أجل الحساب
ويتفاوت الناس في المحشر بحسب أعمالهم كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه
أما
يبعث كل عبد على ما مات عليه
أى أن من من ختم الله له
من
بحسن الخاتمة فإنه يبعث على حال حسنة سارة
مات على السوء فإنه يبعث في حالة سيئة
عن جابر رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم - فيما رواه
البزاز

قال
يوم
يبعث الله القيامة ناسا في صور الذر يطؤهم الناس بأقدامهم فيقال ما بال هؤلاء فى صور الذر فيقال هؤلاء المتكبرون في الدنيا وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الأنبار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال رواه النسائي
والترمذي وقال حديث حسن
ويقول الله سبحانه وتعالى مصورًا حالة طائفة أخرى من أصحاب
المعاصي
٣٧٦

الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانًا وأضل
سبيلا الفرقان آية ٣٤
وإذا كان هذا مصير الجبارين والذين اقترفوا الآثام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين مصير سبعة أنواع من الناس في هذا اليوم فيقول أبي هريرة رضي الله عنه فيما رواه الشيخان عن

سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله رجل قلبه معلق بالمساجد ورجل دعته امرأة ذات منصب فقال إني أخاف الله ورجلان تحابا إلى الله ورجل غض عينه عن محارم الله وعين حرست في سبيل الله وعين بكت من خشية الله رواه البيهقي في الأسماء
وقد يتساءل إنسان عن هذا اليوم كم ساعة هو وعن ذلك يروى الإمام أحمد عن أبي سعيد رضى الله عنه عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال
يوما كان مقداره خمسين ألف سنة
فقيل ما أطول هذا اليوم !!
قال النبي صلى الله عليه وسلم
والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه
۳۷۷

إننا لم ننته بعد من علامات الساعة وذلك أن العلامة العاشرة هي لبس الحرير والمراد بالحرير هنا الحرير الطبيعى الخالص والمراد بلبسه
للرجال

خصائصها
والأديان على وجه العموم لا تحب للرجل أن يسير في حياته على سنة الترف المترف وإنما تحب له الرجولة الكاملة التي من ينغمس في أدوات الزينة وفي المظهر الشكلي
ألا
وما من شك فى أن الله جميل يحب الجمال وفى أن الكتاب الكريم
يقول
قل من حرم هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة الآيات لقوم يعلمون الأعراف ۳
زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل
يوم
القيامة كذلك نفصل
يقول يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد الأعراف ٣١ ولكن ذلك كله شيء والانغماس فى الترف شيء آخر ولقد حرم الإسلام لبس الحرير الطبيعى الخالص على الرجال اللهم إلا لضرورة ولم يحرمه للنساء
والعلامة الحادية عشرة هي اتخاذ القينات والمعازف أى إذا انكب الناس على قينات اللهو وآلات الطرب وهذا الجو المثير للغرائز الصارف عن العمل الجدى وعن الاتزان الأخلاقي
۳۷۸

والعلامة الثانية عشرة إذا لعن آخر هذه الأمة أولها وأول هذه الأمة هو سلفها الصالح إنه الجيل الذى حقق المثل العليا في الأخلاق الفاضلة وفي البطولة الحقة فإذا سخر به ساخر أو تهكم عليه متهكم أو لعنه لاعن فذلك من أشراط الساعة
وبعد أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه العلامات أنذر من تتحقق فيهم قائلا
فلیر تقبوا عند ذلك ريحا حمراء أو خسفا أو مسخا والخسف والمسخ قد يكون جزئيا فيكون تدمير مدينة أو تدمير شخص وقد يتسع نطاقه فيكون تدمير عدة مدن وقد يكون ذلك بفعل صواعق وقد يكون بفعل الزلازل
وعن عمران بن حصين رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف
فقال رجل من المسلمين يا رسول الله ومتى ذلك
قال إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة الخسف والمسخ فسألته السيدة عائشة رضوان الله عليها قائلة
۳۷۹

من أجل ذلك غسلته الملائكة
وللملائكة أدوار جميلة منها ما رواه الإمام البخاري
عن
أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب جبریل فینادی جبريل في أهل السماء إن الله يحب
أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض
فلانا فأحبه فيحبه فلانا فأحبوه فيحبه
ولا يسعنا ونحن نقص بعض الأعمال التي أقام الله سبحانه فيها الملائكة وأذن لهم في التصرف فيها إلا أن نقص القصة التالية التي رواها
الإمام البخارى وغيره من كتاب السنة وكتاب السيرة
قالت السيدة عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم
أحد
وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص عليها ما لقيه من قومها مبينا أن أشد يوم كان يوم العقبة إذ عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالته على عبد ياليل وطلب فى الوقت نفسه معاونته على تأدية الرسالة وتبليغها فلم يجبه ورده ردا فيه سخرية وفيه قسوة
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
فانطلقت وأنا مهموم على وجهى فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب
۳۸

يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحو
قال نعم إذا ظهر الخبث
ومن العلامات التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أن يرفع العلم ويظهر الجهل
والعلم المقصود هنا هو العلم بالله أى العلم بالأساس الأول للعقيدة والأخلاق والخير والحق
من
وإذا طغت الماديات على الاتجاه الروحي فأصبح صوت الدين خافتا وضعف الشعور الدينى شيئا فشيئا حتى انتهى الأمر بالدين إلى أن أصبح غريبا وانتهى الأمر بالمجتمعات إلى أن أصبحت مادية فإن ذلك أشراط الساعة ومعنى كل ذلك أن السمة العامة في أشراط الساعة إنما هى انتشار الفساد والبعد عن الله وعن الحق والخير والفضيلة كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس
هنا ومن
ان مما روته كتب الصحاح أنه لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل
ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القاتل
هو
أن
والجو العام في الأحاديث التي تعبر عن أشراط الساعة المجتمعات الإنسانية سائرة على وجه العموم فى طريق التخلى عن الدين وإذا تخلى الإنسان عن الدين اتبع هواه وانقاد لغرائزه فساد الشر وكثر
۳۸۰

شقاء الإنسانية وعن ذلك يعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول
لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله
وهذه الحالة تأتى تدريجا وذلك أن الصالحين يذهبون الأول فالأول وتبقى حثالة الشعير أو التمر ولا يباليهم الله بشيء على حد تعبير رسول الله صلى الله عليه وسلم
بل إن الله سبحانه وتعالى - على ما رواه الإمام مسلم – يبعث ريحا من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدًا في قلبه مثقال حبة من إيمان
إلا قبضته
فإذا ما ارتفع الإيمان كانت الخاتمة المحتومة بالنسبة للكون وهي التدمير المطلق أو بتعبير آخر كان المصير هو يوم القيامة

وإنه لمن المعلوم من الجو الإسلامى أن الله سبحانه وتعالى يشقى الأفراد ويسعدها بنسبة إيمانها نقصًا وزيادة هذه سنته سبحانه وتعالى فيمن سلف ولن تجد لسنة الله تبديلا
هذه الأخبار سمعتها السيدة عائشة رضوان الله عليها فأثارت في نفسها سؤالاً وجهته لرسول الله صلى الله عليه وسلم روى الإمام مسلم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى
۳۸۱

فقالت عائشة يا رسول الله كنت أظن حين أنزل الله هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أن ذلك تام - أي سيستمر زمانًا ومكانا إلى نهاية العالم
فقال صلى الله عليه وسلم إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ثم يبعث الله ريحا طيبة فتو فى كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين
آبائهم
ويصف رسول الله صلى الله عليه وسلم شقاء الإنسانية في آخر الزمان
بسبب ضعف الإيمان شيئاً فشيئاً فيقول فيما رواه الشيخان
والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل بالقبر فيتمرغ
عليه فيقول
يا ليتنى مكان صاحب هذا القبر وليس به الدين ما به إلا البلاء فانه لا يتأتى - ونحن بصدد الحديث عن أشراط الساعة - أن نغفل
الحديث الذي فيه بشرى للمسلمين
فعن أبي هريرة رضى الله عنه - فيما رواه الإمام مسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
۳۸
لا تقوم
الساعة
حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى

يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبدالله هذا یهودی خلفی فتعال فاقتله
وهذا الحديث حديث صحيح وبشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لاشك فيها وستنتصر إن شاء الله الأمة الإسلامية بإيمانها وجهادها وثقتها في الله وإعزازها لدينه وتتحقق بذلك بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المفروض أن نكتب عن رسول الله صلى الله عليه بعد أن كتبنا عن سيدنا عيسى ولكننا كتبنا عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كتابا بعنوان الرسول صلى الله عليه وسلم لمحات من حياته وأضواء من هديه وترجمنا كتاباً بعنوان محمد رسول الله
وطبع كلاهما عدة مرات
ومن أجل ذلك نتخطى الزمن فنصل إلى النهاية ثم إلى خاتمة الكتاب
۳۸۳

المعرفة نوعان
خاتمة
معرفة مادية مثل قوانين الطبيعة والكيمياء والفلك
وهذا النوع من المعرفة من كسب الإنسان عن طريق العقل وهو النوع الذي يعبر عن الحضارة في شطرها المادى ومعرفته تتأتى عن استنتاج العقل من نتائج وسائل المعرفة وهي الملاحظة والتجربة
والاستقراء
وهذا النوع هو مظهر الحضارة الحالية الغالب
أما النوع الثانى من المعرفة فإنه الخاص بالعقيدة والأخلاق والتشريع ونظام المجتمع
رسله
وهذا النوع هو من صنع الله سبحانه وتعالى يوحى به ويبينه على ألسنة
ورسالة الرسل عليهم الصلاة والسلام هى أن يبينوا عن الله المبادئ
٣٨٥

الخاصة بالعقيدة والقوانين التي بها ينتظم المجتمع أفرادا وجماعات
وجاء هذا البيان منذ آدم عليه السلام
وكانت دعوة آدم تتجه على الخصوص إلى أساسين من أسس المجتمع
الصالح
١ - أما أولهما فهو عقيدة التوحيد والحق أن هذه العقيدة هي عقيدة أرسل بها كل الرسل
لقد تحدثوا جميعًا عن التوحيد توحيد الألوهية في الذات وتوحيدها في
الفعل
وقل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا
أحد
الله لا إله إلا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلى العظيم البقرة ٢٥٥
قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك تشاء
من وتنزع
الملك ممن
تشاء
وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير
آل عمران ٢٦
٣٨٦

إليه يرجع الأمر كله هود ۱۳
ولا إله إلا هو إليه المصير غافر
أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون * أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون * أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجًا فلولا تشكرون * أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين فسبح باسم ربك العظيم الواقعة ٥٨-٧٤
فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حباً وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلاً وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعًا لكم ولأنعامكم عبس ٢٤ - ٣٢
التوحيد
إنه دين الأنبياء جميعا
وآدم باعتباره الأب للبشرية جميعًا كان يبشر بالتوحيد ويبشر بأمر آخر يستلزمه التوحيد هو أساس ثان من أسس المجتمع الصالح ذلك هو
۳۸۷

التوبة الصادقة إنه الرجوع الفورى إلى الله فى صدق حينما يحس الإنسان أنه انحرف عن الصراط المستقيم إنه الإنابة إلى الله عند الهفوة
والمثل الكريم في ذلك هو آدم نفسه الذي نادي في صدق
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين الأعراف ۳
ويمضى الزمن بالإنسانية فتغفل نوعًا ما عن الاستغفار والتوبة والرجوع إلى الله عند الهفوة فيرسل الله نوحا عليه السلام ليصحح في المجتمع عقيدة التوحيد ويحيى فى المجتمع الشعور بالاستغفار يقول
سبحانه
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم هود ٢٦ - ٢٧
ويقول سبحانه على لسان نوح عليه السلام
فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا نوح ۱۰ – ۱
وأخذ نوح يدعو ليلا ونهارا سرا واعلانا ثم
وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن
۳۸۸

فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني
معالجتهم
في الذين ظلموا إنهم مغرقون هود ٣٦ - ٣٧ ولقد أرسل الله رسلا يعالجون أمراضًا معينة في المجتمع ومع لهذه الأمراض كانوا يصححون التوحيد أو قل انهم يحاولون معالجتهم للمجتمع على أساس من تصحيح التوحيد فلوط عليه السلام كان يعالج في مجتمعه الشذوذ الجنسي يقول تعالى
ولوطًا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين الأعراف آية
AE - A1
ولما جاءت رسلنا لوطًا سيء بهم
وضاق
يوم
ذرعًا وقال هذا بهم عصيب وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتى من أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد قال لو أن لى بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن
٣٨٩

موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك
وما هى من الظالمين ببعيد هود ۷۷ - ۸۳
وقال تعالى
فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون وأتيناك بالحق وإنا لصادقون فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون وقضينا إليك ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفى فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون قالوا أو لم ننهك عن العالمين قال هؤلاء بناتى إن كنتم فاعلين لعمرك إنهم لفى سكرتهم يعمهون فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم إن في ذلك لآية للمؤمنين
الحجر ٦١ - ٧٧
وقال تعالى
كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إنى لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين أتأتون الذكران من العالمين وتذرون
٣٩٠

ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون قالوا لئن لم تنته
يا لوط لتكونن من المخرجين قال إنى لعملكم من القالين رب نجنى وأهلى مما يعملون فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ثم دمرنا الآخرين وأمطرنا عليهم مطرًا فساء مطر المنذرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك هو العزيز الرحيم الشعراء
180 - 1
ويقول سبحانه
ولوطًا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون أثنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين وأمطرنا
عليهم مطرا فساء مطر المنذرين النمل ٥٤-٥٨
وقال تعالى
ولوطًا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين قال ربي انصرني على القوم المفسدين ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطًا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله
۳۹۱

وضاق بهم
إلا امرأته كانت من الغابرين ولما أن جاءت رسلنا لوطًا سی برهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون العنكبوت ٢٨-٣٥
ويونس عليه السلام كان يجدد بعمله وقوله التسبيح
فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم
يبعثون
الصافات ١٤٤
وشعيب عليه السلام كان يعالج تطفيف الكيل والميزان
يقول الله تعالى
وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين الأعراف ٨٥
ويقول تعالى
وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إنى أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا
۳۹

الناس أشياءهم ولاتعشوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن
کنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ هود ٨٤-٨٦
ويقول سبحانه
كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إنى لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين الشعراء
١٧٦-١٨٤
وموسى
عليه السلام كان يعالج قلوب بنى إسرائيل المتحجرة وإيمانهم الهش الذي استعصى عليه وهم الذين وصل بهم الأمر أن قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون الأعراف
۱۳۹ - ۱۳۸
وعيسى عليه السلام حاول أن يبعث في قلوب اليهود الرحمة
أما محمد صلى الله عليه وسلم فكان يعالج المجتمع ككل
يعالج فيه العقيدة ويعالج فيه الأخلاق
۳۹۳

ويعالج فيه التشريع ويعالج نظام المجتمع
ويدفعه إلى العلم
أهداف رسالته أنه ومن
يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم
يقول الله سبحانه وتعالى
هو الذي بعث فى الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين
الجمعة آية ٢ ويمتن الله على أن بعث في العرب رسولاً منهم لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل
لفي ضلال مبين آل عمران ١٦٤
ويقول سبحانه
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين الأنبياء ۱۰۷
لقد كان صلوات الله وسلامه عليه يعالج المجتمع ككل ويسوقه إلى
حضارة يتكامل فيها
العلم والإيمان
٣٩٤

حضارة علمية مؤسسة في أسسها وفي سيرها وفي أهدافها على الإيمان
هنا كانت رسالته الخالدة وكان خاتم الرسل ومن ولقد حفظ الله كتابه
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾ الحجر آية ٩ وحفظ هذا الذكر دون تغيير أو تبديل وضمان الله أن لا يصيبه تغيير أو تبديل معناه أن محمدًا رسول خالد لأن الرسول رسالة وما دامت الرسالة قائمة كاملة فإنها رسول قائم
وانتفت الحاجة إذن إلى رسول جديد وكما يقال من قاديانية ومن بهائية ومن زيف كثير بدأ بمسيلمة ومدعى النبوة من العرب المزيفين كل هذا هراء لا قيمة له وقد أثبت الزمن وما زال يثبت أن النبوة ختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم
وأخرج محمد صلى الله عليه وسلم المجتمع القرآني إلى واقع إنه واقع استمر وطبق محمد صلى الله عليه وسلم المبادئ الإلهية القرآنية في مجتمع فسدت فيه الفضيلة والقيم المثالية
وليس هناك من عقبة حقيقية في سبيل إخراج هذا المجتمع من جديد اللهم إلا النفوس والشهوات
ولقد ضمن الله سبحانه وتعالى السعادة والنصر والفوز للمجتمع القرآني المؤسس على الإيمان والعمل الصالح
٣٩٥

من عمل من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون النحل ۹۷
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض الأعراف ٩٦
ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر
والله عاقبة الأمور الحج ٤٠ ٤١
لقد سافرنا في رحاب الكون الروحية مدة طويلة سافرنا فيها زمانًا مبتدئين من يوم كان الله ولا شيء معه وسافرنا في هذه الرحاب مكانًا متنقلين مع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم من إقليم إلى إقليم
وكما أن أرجاء الكون تمتلئ بالظواهر المادية فإنها أيضا مليئة بالظواهر الروحية وكما أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون ماديا فأبدع خلقه وتكوينه ورسم قوانينه ومظاهره فى احكام واتقان فإنه سبحانه عنى بالكون روحيا ورعاه في زواياه الأخلاقية والعقيدية فأرسل إليه الرسل والأنبياء منذرين ومبشرين وقد آن لهذه الرحلة أن تنتهى وأن نتحدث عن
المعجزة الكبرى وهى القرآن الكريم لنجعلها بتوفيق الله مسك الختام
٣٩٦

يروى قتادة رضى الله عنه وهو من خيار التابعين أن موسى
السلام قال
موسی
عليه
عليه
يارب إني أجد فى الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونها وكان من قبلهم يقرأون كتبهم نظرًا حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا ولم يعرفوه وأن الله أعطاهم من الحفظ شيئا لم يعطه أحدًا من الأمم قال السلام رب اجعلهم أمتى قال الله تعالى تلك أمة أحمد ومما تعنيه كلمة سيدنا موسى عليه السلام أن ما يميز الأمة الإسلامية عن غيرها من أهل الديانات الأخرى أنها تحفظ كتابها وهو القرآن الكريم عن ظهر قلب وهذه الميزة حقيقة واقعة وذلك أن حفظ القرآن شائع في مختلف الأقطار والجاليات الإسلامية
وقد بدأ الصحابة رضوان الله عليهم بحفظ القرآن مع العمل به لقد كانوا يحفظونه ويطبقونه في الأخلاق وفى التشريع وفي العقيدة لقد حكم حياتهم فيها فاستناروا في طريقهم به واهتدوا في حياتهم بهديه
أما السبب في اهتمامهم به على هذه الصورة فلأنه كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا
عليكم بكتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله هو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو

الذي لا تزيغ به الأهواء ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن خاصم به دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم
أفلح ومن ولقد كان من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن رسم لهم في القرآن طريق السعادة في دنياهم وفى أخراهم وهو طريق لا استحالة فيه ولا مشقة وقد جربه الكثيرون ففازوا بالسعادتين
لقد استراحوا في هذه الحياة الدنيا لقد غمرهم الرضى وأحاط الاطمئنان ولفتهم أردية السعادة
بهم
يوم لا ظل
الخلائق
ولقد ضمن الله لهم حياة هنيئة فى الآخرة يظلهم الله بظله إلا ظله ويكفل لهم عدم الخزى حين يغمر الخزى كثيرا من ويدخلهم الجنة برحمته ويريهم وجهه الكريم تفضلا منه سبحانه هذه السعادة في الدنيا والآخرة وعد الله بتحقيقها لكل من توافر فيه شرطان
الأول الإيمان لسانها
الثاني العمل الصالح
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة
ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون
ونسأل الله سبحانه التوفيق والهداية ونرجوه السعادة والرشاد وهو
حسبنا ونعم الوكيل
۳۹۸

صفحة

٤١
2
Yo
۱۰۸
۱۱۱
١١٦
۱۹۳
19
۱۹۹
٢٠٦
٢١٥
٢٢٤
٢٩٦
۳۹۹
محتويات الكتاب
مقدمة
ما قبل الإنسان الإيمان بالملائكة آدم عليه السلام
نوح عليه السلام
هود عليه السلام صالح عليه السلام
إبراهيم عليه السلام
لوط عليه السلام
إسماعيل عليه السلام
شعیب علیه السلام أيوب عليه السلام
يونس عليه السلام
موسى عليه السلام بقرة بني إسرائيل

موسی
عليه السلام يطلب العلم
داود عليه السلام سليمان عليه السلام سليمان والعلم
زكريا عليه السلام
عليه السلام يحيى
عیسی النهاية
خاتمة
عليه السلام
محتويات الكتاب
صفحة
۹۹
٣٠٤
۳۱۹
۳۹
٣٤٥
٣٥١
٣٥٦
٣٦٩
٣٨٥
۳۹۹
١٩٩٩/١٦٥٣
IBN
9-02-526-5
١/٩٨/١٢٤
رقم الإيداع
الترقيم الدولى
طبع بمطابع دار المعارف ج م ع

المجهول المجهول فى السماء المجهول فى البحار المجهول في الكون
الذي لا يحد الخيال نهاياته
من أي تيار سنتناوله
إننا سنحاول أن نتحدث من الزاوية الروحية وهذه الزاوية تبدأ منذ أن بدأ الأنبياء والرسل
والحديث عن الأنبياء والرسل طويل مستفيض لا نستطيع أن نلم به
شخصية ورسالة
ومن أجل ذلك سنتحدث عنهم على النسق القرآني وعلى نسق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم
ولقد اقتصر القرآن الكريم واقتصرت السنة الشريفه غالبا على جوهر الأمور في هذا وعلى مافيه العبرة والعظة والتوجيه لبنى الإنسانية
بيد أن الكون سبق وجود الأنبياء والرسل متى كيف إن هذه الأسئلة دارت في كثير من الرءوس منذ أن وجد الإنسان وأخذ الإنسان يحاول أن يجد لها حلا
ولقد تحدثنا عن ذلك في الإطار الذي التزمناه وهو إطار القرآن
من
والسنة ونحن - إذن - حينما نؤلف هذا الكتاب فإنما نؤلف كتابًا خلا الأساطير التي أغرم بها كثير من المؤلفين وخلا من الخرافات التي غصت بها بعض الكتب التي ألفت في الموضوع

فلأن هذا الموقف الذي ذكرناه يتمشى مع قوله تعالى
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
ومع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنا رحمة مهداة

يُعد الإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم
محمود صاحب ورائد مدرسة الفكر الإسلامي والتصوف في العصر الحديث ولقب بأبي التصوف في العصر الراهن فقد أثرى المكتبة العربية بأمهات الكتب بين تحقيق وتأليف وترجمة فمنها دراساته القيمة عن الإمام الغزالي المنقذ الضلال و دلائل
وكتابه
النبوة
"
من
وه القرآن في شهر القرآن إلى
جانب ما كتبه عن رواد التصرف على مر العصور الإسلامية المختلفة
والإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود له عمق وغزارة الآراء الفقهية ودقة الاجتهادات مما جعله يكسب صفوف المعارضين قبل المؤيدين إلى جانب اللباقة والدراية الكاملة في عرض أي موضوع أو مسألة تتعلق بأمور الدين وأيضا يمتاز بقوة ورصانة الأسلوب والعبارات مما يدل على المهارة الفائقة والملكة اللغوية فلهذا اكتسب هذا العالم الجليل احترام كل الفرق والمذاهب الإسلامية في شتى بقاع 1 العالم وسيبقى هذا العالم وتراثه في قلوبنا على
مر
العصور
تصميم الغلاف محمد أبو طالب
٠١٨٨٩٦/٠١
دار المعارف

الإيمان بالملائكة
إن الإيمان بوجود الملائكة حقيقة واقعة والإيمان بأن الله وكل إليهم في العالم أدوارًا يقومون بها ويتصرفون فيها بإذنه إن ذلك من أصول الإيمان
ومن أجل أنه من أصول الإيمان الإسلامي نزيد الأمر وضوحا
عن أبي هريرة رضى الله عنه فيما رواه الإمام البخاري قال كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزًا يومًا للناس فأتاه جبريل فقال
ما الإيمان
قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث لقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح
الإيمان بالملائكة جزءًا من الإيمان والقرآن الكريم يتحدث عن الملائكة فى كثير من سوره وآياته يقول
تعالى
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا
٤١

تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفى الآخرة فصلت آية ۳۰ - ۳۱
إن القرآن الكريم يرشد فى هذه الآية إلى أن الملائكة تنزل نزولاً حقيقيا تبشر هؤلاء الذين آمنوا واستقاموا بعدم الخوف وعدم الحزن وتبشرهم بالجنة وتؤكد لهم أنها معهم بالمرافقة والرعاية والعناية في الدنيا والآخرة وفى هذا المعنى يقول الإمام الغزالى فى كتابه المنقذ من الضلال عن
تجربة ومن أول الطريق الطريق الصوفى تبتدئ المكاشفات والمشاهدات أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد
حتى
وإذا كانوا ينزلون على المؤمنين المستقيمين فهم من باب أولى ينزلون
على الأنبياء والرسل مبشرين ومؤانسين ومؤيدين
وهاهو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى جبريل يقظة ومما هو معروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يناجي الملائكة وكان لا يأكل البصل والثوم من أجل ذلك يقول ابن خلدون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك
إنه بجبلته يتنزه عن المطعومات المستكرهة فقد كان صلى الله عليه
وسلم لا يقرب البصل والثوم فقيل له فى ذلك فقال إنى أناجي
لا تناجون
من
٤٢

ومن الطريف الجميل الغريب ما حدث من محاولة السيدة خديجة رضوان الله عليها في أول بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل تجارب على الملائكة لتتثبت من أنهم ملائكة حقا
لقد أخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتيان الملك وعرفها بالوحى وأن الملك يأتيه حتى وهى معه فى البيت فقالت أخبرني به حينما يأتي وأخبرها حينها حضر
فقالت اجعلنى بينك وبين ثوبك فلما فعل ذلك ذهب عنه
فقالت رضوان الله عنها إنه ملك وليس بشيطان ومعناه - كما يقول
ابن خلدون

أنه لا يقرب النساء
وكذلك سألته عن
أحب الثياب إليه التى يأتيه فيها فقال البياض
والخضرة فقالت إنه الملك
ويقول ابن خلدون في ذلك يعنى أن البياض والخضرة من ألوان الخير
والملائكة والسواد من ألوان الشر والشياطين
خلق الله الملائكة قبل خلق الإنسان وعن خلق الإنسان سنبدأ إن شاء
الله الحديث

تبينا مما سبق أن الخلق الماء والعرش والملائكة والجن والأرض
والسماء كل ذلك كان قبل خلق الإنسان
٤٣

ليست نورا بحثا كطبيعتهم وفطرتهم
بجهد
وما من شك فى أنهم عرفوا بصورة سهلة أن هذا الكائن يمكنه متواصل – التغلب على الطبيعة الطينية فيسمو في منازل الأرواح بيد أنه
في الأكثر الأعم ستغلب هذه الطبيعة فتنزل به إلى مستوى تتفاوت درجاته ولكنه مستوى دون مستوى الملائكة
وتصور الملائكة ما سيحدث من هذه المستويات التي تغلبت عليها الطبيعة الطينية من تنافس غير شريف ومن تناحر وتنازع فقالوا سائلين عن وجه الحكمة مستفسرين عما عزب عنهم من حكمة الله لا معترضين ولا محتجين أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء
ثم بينوا من طبيعتهم ما الله أعلم به قائلين
ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك
أى أننا ننزهك ونحمدك ونقدسك على أن يعصيك منا أحد
فلم يوضح سبحانه وتعالى لهم الحكمة فى خلق الإنسان وأخر سبحانه قوله الحاسم الذي سيفهمهم إياه بطريق عملى وإنما أجابهم سبحانه بقوله الحاسم الذي يسد الطريق أمام كل تساؤل
إني أعلم مالا تعلمون

آدم
عليه السلام
لقد فاجأ الله الملائكة باعلان خلق آدم ثم فاجأهم بأمر آخر لم يكونوا يتوقعونه أيضًا وذلك بأن أمرهم بالسجود لآدم فور خلقه
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين وكان الملائكة أمام أمر صريح من الله لهم بالسجود وكان هذا الأمر معللا واضحة أسبابه عند ذوى البصائر النورانية فما دام الله سبحانه قد سواه بيديه وما دام الله سبحانه قد نفخ فيه من روحه فإنه كائن لا شك شريف لقد كان الأمر بالسجود معللاً مسببا
وهب أنه لم يكن معللاً ولا مسببا وكان الأمر من الله مجردا عن ذكر
الأسباب والعلل ماذا كنت تظن الملائكة فاعلين
إن طبيعتهم النورانية وتقديسهم الله سبحانه تقديسا تاما يفرضان عليهم في صورة انبعاثية تلقائية استجابة الأمر الإلهى
٤٦

ومن أجل كل ذلك كانت الاستجابة من الملائكة فورية
فسجد الملائكة كلهم أجمعون
وكان مختلطا بهم من يعبد الله على حرف - وهو إبليس - كان يعبده سبحانه في زهو وخيلاء فى فخر وكبرياء وينتظر من وراء ذلك مدحا وتكريماً ولم تكن عبادته خالصة لوجه الله وإنما كانت مراءاة ومباهاة
الأمر
فلما صدر الأمر الإلهى وكان عاما لجميع الموجودين لم يسجد وخالف علمه بأن الأمر يشمله بقوله تعالى مع
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه
وهذه الآية الكريمة تبين فى صراحة صريحة أن إبليس كان من الجن وأن الأمر كان له أيضًا لأنه أمر للجميع وأنه فهم أن الأمر له ولكنه فسق عن أمر ربه أى خرج عن أمره سبحانه بترك السجود يقول الإمام البيضاوي في تفسير هذه الآية
وفيه دليل على أن الملك لا يعصى البتة وإنما عصى إبليس لأنه كان جنيا في أصله
ولابد لنا من وقفة عند هذا الموضوع
إن سيدنا موسى عليه السلام اجتمع بأبينا آدم عليه السلام في الملأ
الأعلى فكان من حديثه معه
٤٧

أنت آدم أبو البشر الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه
وأسجد لك ملائكته
وهذه الكلمات التي هي تمجيد لآدم ذكرت في حديث آخر فقد ذكر الشيخان البخاري ومسلم عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم
فيقولون له فيما يقولون
أنت أبو البشر خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته ولقد فهم الجميع أن هذه الأوصاف كلها تشريف لآدم عليه السلام وهي كذلك فعلا ولكنها أيضا تشريف للجنس البشرى كله في صورة آدم فهذه النفخة الإلهية في أبينا آدم هي نفخة في كل ذريته إن كل فرد من أفراد ذرية آدم فيه من هذه النفخة الإلهية نصيب إن فينا جميعا نفخة من روح
الله
وسجود الملائكة إذن لم يكن سجودًا لجسم آدم الذي هو من طين وإنما
كان سجودا
۱ - لبديع صنع الله سبحانه
- ولهذا القبس من روح الله في آدم
٣ - وللأمر الإلهى الصريح لهم بالسجود
ΕΛ

وسجودهم إنما كان - إذن

الله سبحانه والسجود لله دائما تشريف
للساجد لقد سجد الملائكة ولم يسجد إبليس
ما مغزى ذلك
بقوله
لقد سجدت الملائكة ولم يسجد إبليس ويعبر الله سبحانه عن
إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين
ويبين الله سبحانه السبب الأصيل لعدم سجوده فيقول إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين
ذلك
أما التعلة الكاذبة التى تعلل بها إبليس وأما المنطق المزيف الذي توهم إبليس أنه عار له في عدم السجود فهو قوله
وأنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين
ونقول إنه منطق مزيف لأن إبليس جعل مناط الخيرية المادة والجسم مع أنها في أبسط مبادئ العقول ترجع إلى الروح التي هي النفخة الإلهية لا إلى المادة التي لا قيمة لها في موازين الخير
وهذه القصة التي نمر عليها فلا نكاد نعيرها التفاتا جديرة بالتأمل والاعتبار
والقضايا التي نريد أن نذكرها عظة واعتبارا وهي في نفس الوقت
ذات دلالات عميقة هي ما يلي

أما أهمية الموضوع بالنسبة للحديث عن الأنبياء فإنه واضح وذلك أن
الأنبياء هم
القمة في الخلق
الإخلاص الشجاعة الأدبية الرحمة الحرص على الأخذ بيد الآخرين لإنقاذهم من الضلال والحيرة والهموم الدعوة إلى الأخوة العامة
وهم
القمة في الدعوة إلى الوحدة الإنسانية تحت شعار الأخوة والدين لقد دعا الأنبياء إلى التوحيد والتوحيد ثمرة وأساس لدعوة أخرى جميع هي إسلام الوجه الله أو هى الإسلام الإسلام الله إسلام القلب له إسلام الجوارح له إسلام الكيان الإنساني كله لله
وهذا الإسلام الله هو الدين ولن يمارى أحد في صدق هذا المعنى للدين ومن أجل ذلك كان صدق قضية
وإن الدين عند الله الإسلام إسلام الوجه الله
إنها قضية صادقة شرقا وغربا وجنوبا وشمالاً في الماضى وفي الحاضر
وفي المستقبل
وصدقت بالتالي قضية
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
إنه من البديهي أن من يأبى إسلام الوجه الله لا يقبل تدينه لقد تمرد إبليس على إسلام الوجه لله فكانت نهايته الطرد من الجنة وبين الله سبحانه أنه لا مثوى فى الجنة للمتكبرين والمتكبر هو الذي لم

۱ - لقد صدر أمر إلهى بالسجود فاستجاب له طائفة فنعموا برضوان الله وشد فرد فطرد من رحمته سبحانه
- انه طرد لانه لم يستجب للامر الألهى علمه بأنه أمر الهى مع ٣ - كان عدم استجابته ناشئا عن كبرياء في نفسه وعن تمرد في
فطرته
٤ - لم تلغ عبادته كبرياءه فهى اذن لم تكن خضوعا لأنها لو كانت خضوعا لنفت الكبرياء وأزالتها انها اذن لم تكن عبادة بالمعنى الصحيح لأن العبادة والكبرياء لا تجتمعان
هذه الكبرياء كما تمثلت فى مخالفة الامر الالهى تمثلت في المحاولة التي أراد هذا المتمرد أن يبرر بها موقفه مستنجدا بمنطقه وعقله قائلا
أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين
ولم يكن هذا إلا منطق الهوى ومنطق الكبرياء فسجوده لآدم ليس
عبادة له وإنما هو عبادة الله لأنه خضوع لأمر الله وحسب
٦ - والمغزى لما سبق وهو ما يرشد إليه روح القصة بل وتعبيرها إنه عند الأمر الإلهى يجب أن تكون الاستجابة فورية وربما كان هذا هو ما ترشدنا إليه في صراحة كلمة إذ فى قوله تعالى وما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك وهذه الفورية طبعا هى فى كل أمر بما يناسب وضعه الزماني والمكاني

۷ - والقضية التي تختتم بها هذه القضايا أو هذه المفاهيم المستنتجة القصة من هی أن الله إذا كان قد أمر الملائكة والجن بالسجود للإنسان الأول فليس معنى ذلك إلا التصريح الصريح بأن طبيعة هذا الإنسان فيها الاستعداد الكافي للرقى من مدارج السمو الروحي درجة فدرجة حتى تسمو على الملائكة وعلى الجن ولا معنى إذن بعد هذا الأمر الإلهى للملائكة والجن بالسجود للإنسان لأن يختلف علماء الإسلام في المفاضلة بين الإنسان والملك فإن الفيوضات الإلهية على الإنسان لا تنتهى إلى حد ما وسعنى أرضى ولا سمائى ولكن وسعنى قلب عبدى المؤمن وباب الفيوضات الإلهية مفتوح على مصراعيه والقرب منه ميسور ور وإذا سجد الإنسان الله رفعه الله إليه وقربه منه وغمره برضوانه إن المبدأ الهام الذى نريد أن يجعله كل مؤمن نصب عينيه هو الإيمان ليس معرفة وحسب ذلك أن إبليس كان يعرف أن الله موجود وقد عرف فيما بعد أنه أرسل نوحا وإبراهيم ومحمدًا عليهم الصلاة والسلام أنه يعرف أن لا إله إلا الله ويعرف أن محمدًا رسول الله ويعرف أن عيسى
ما
وموسى وبقية الأنبياء رسل الله ومعرفته بهذه المسائل هي من القوة والثبات بحيث تزيد على معرفة كثير من المؤمنين
ولكنه
ذلك مطرود من رحمة الله ذلك أن الإيمان ليس معرفة مع
فحسب إنما خشوع واستجابة إنه سجود فإذا لم يتأت السجود فلا إيمان يشهد لذلك قوله تعالى
۵۱

فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليما النساء آية ٦٥
لقد كان سعيد بن جبير رضى الله عنه يقول
ما آسى على شيء من الدنيا إلا على السجود
السجاد لكثرة
أما على بن عبد الله بن عباس فقد كانوا يسمونه ا سجوده وقد كان يكثر من السجود - كما هو المتبادر إلى الذهن ليكون على النقيض من إبليس
وما من شك في أن السجود بمعناه الحقيقي – أي سجود القلب والجوارح لله تعالى إنما هو استجابة لله سبحانه وخضوع له وهو بهذا

المعنى يقود الإنسان إلى الجنة يروى الإمام مسلم رضى الله عنه في صحيحه عن أبي فراس ربيع ابن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل الصفة
رضي الله عنه

قال
كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته فقال سلنى فقلت أسألك مرافقتك في الجنة فقال أو غير ذلك قلت
هو
ذلك قال أعنى على نفسك بكثرة السجود
والسجود إذن مما يعين على ترويض النفس لتتزكي وهو بذلك من
الوسائل التي توصل إلى الجنة
۵

وفي هذا المعنى يروى الإمام مسلم أيضًا عن أبي عبد الرحمن ابن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عليك بكثرة السجود
فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة وحط عنك بها خطيئة
والسجود الذي يريده رسول الله صلوات الله عليه والذي ورد في هذه الأحاديث ليس هو مجرد الحركة المعروفة وإنما هو – مع هذه الحركة – المعنى العميق في النفس الذى يتمثل فيه جلال الله وعظمته ورحمته ووده ويتمثل فيه الخضوع لهذا الجلال وهذه العظمة والانقياد المطلق لرحمة الله التي تتمثل في الرسالة الإسلامية أوامرها ونواهيها
فإذا ما كان السجود تعبيرًا عن التطامن والتذلل لله سبحانه وتعالى معناه وذلك هو الصحيح عندما يكون السجود عبادة ويكون خضوعا له سبحانه فإنه يكون سبيلا إلى الجنة وإلى أكثر من الجنة وهو القرب من
الله سبحانه يقول الله تعالى
واسجد واقترب أى اقترب من الله بالسجود
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد
وهذا المعنى للسجود هو الذى حققته الملائكة وهو الذي أباه إبليس لم يسجد إبليس بسبب كبريائه لقد أبى واستكبر وكان من الكافرين وقادته

كبرياؤه إلى الإصرار على ما فعل مبررا له ولو أنه رجع إلى نفسه فندم واستغفر وتاب لقبل الله توبته ولكنه عاند وأصر فطرده الله من رحمته وأخرجه من جه من رياض رضوانه ورأفته حارمًا إياه من نعمه وقال له
ووده
فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من
الصاغرين الاعراف ۱۳
له
ويعبر الله
عن
ذلك بصورة أخرى تشرح نسقا آخر من الخطاب الإلهى
فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين
الحجر آية ٣٤ -
٣٥
يقول الإمام ابن كثير
وقوله تعالى لإبليس اهبط منها و اخرج منها دليل على أنه كان في السماء فأمر بالهبوط منها والخروج من المنزلة والمكانة التي كان قد نالها بعبادته وتشبهه بالملائكة فى الطاعة والعبادة ثم سلب ذلك بكبره وحسده ومخالفته لربه فاهبط إلى الأرض مذموما مدحورا أى مذموما مطر ودا
وإلى هنا كان يمكن أيضًا أن يلجأ إبليس إلى الله منيبا مستغفرا وذلك أن الله سبحانه وأن كان قد صب عليه اللعنة فإنه سبحانه حددها بيوم
الدين
*

وقد كان من الممكن لو رجع إبليس إلى الله أن يعفو عنه سبحانه بعد يوم الدين
ولكن إبليس أصر أيضًا ولج في عناده والتمس من الله أن ينظره إلى
يوم يبعثون أى إلى نهاية العالم
ماذا يريد من وراء ذلك
إنه يوضح غرضه فيقول
است
لأزينن لهم فى الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم
المخلصين الحجر آية ٣٩-٤٠
ويوضح
أيضًا غرضه فيقول
لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لاتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين الأعراف
آية ١٦-١٧
ومنذ هذه اللحظة بدأت فى العالم - بالنسبة للإنسان - محاولة لا تفتر
لقيادة الإنسان إلى المعصية والإثم والجريمة
لقد بدأ الصراع بين الخير والشر منذ تلك اللحظة ولكن رحمة الله سبحانه قد أدركت الإنسان منذ أن وجد وذلك بأن فتح
له سبحانه باب المغفرة والعفو والرحمة وذلك عن طريق التوبة التوبة
الخالصة النصوح
٥٥

إن الله سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي وفي أسلوب أرق
ما يكون الأسلوب
يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا
فاستغفروني أغفر لكم
ويقول تعالى في القرآن الكريم
قل یا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم
وأسلموا لهم الزمر آية ٥٣-٥٤
يغفرها سبحانه بالتوبة الخالصة النصوح
هذا ما كان من شأن إبليس

لقد فاجأ سبحانه الملائكة بقوله إني جاعل في الأرض خليفة
وفاجأهم بقوله
اسجدوا لآدم

ثم فاجأهم بأمر ثالث وذلك أن الله سبحانه حينها خلق آدم لم يخلقه على سنة الخلق التدريجي نطفة فمضغة فعلقة فوليدًا فطفلا يتدرج
ד。

مع المعرفة بتدرج الزمن ويكتسب على مر الزمن ما يحتاج إليه من معرفة تختلف تفصيلاً واجمالاً بحسب حاجته وظروفه كلا إنه لم يخلقه كذلك وإنما سواه ونفخ فيه من روحه فنشأ خلقه مكتملاً
هذا الخلق المكتمل تتردد فيه النفخة الإلهية نضرة يانعة تتألق بالمعرفة الروحية وتنعم بمشاهدة الملأ الأعلى
أما عالم الأرض فلم يكن عند آدم عليه السلام من
ولا كثير

علمه قليل
ومن أجل ذلك واعدادًا له ليكون صالحا للإقامة على وجه الأرض
علمه سبحانه الأسماء كلها
يقول ابن عباس رضی الله عنها
هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس إنسان ودابة وأرض هی وسهل وبحر وجبل وجمل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها اهـ
ويؤيد الإمام ابن كثير رأى ابن عباس فيقول
والصحيح أنه علمه أسماء الذوات وأفعالها مكبرها ومصغرها كما أشار إليه ابن عباس رضى الله عنهما ولما كانت الملائكة إنما خلقوا للسماء كان مثلهم مثل آدم فى مبدأ أمره يجهلون شئون الأرض
ومن أجل ذلك كانت المفاجأة الثالثة لهم حين طلب إليهم سبحانه
إخباره بأسماء الأمور التي تتعلق بعالم الأرض فقالوا
۵۷

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
البقرة آية ۳
وهنا أمر الله آدم بأن يقف منهم موقف المعلم قائلا
يا آدم أنبتهم بأسمائهم البقرة آية ٢٤
وفى هذه المفاجأة الثالثة إشارة للملائكة وتنبيه للبشر إلى شيء من
حكمة الله تعالى في خلق الإنسان وهذه الحكمة هي المعرفة المعرفة المتكاملة والمعرفة بعالم السماء وعالم الأرض المعرفة بالطبيعة وبما وراء
الطبيعة
إن
من
الحكمة في خلق الانسان أن يوجد المخلوق المتكامل المخلوق الذي فتح الله له آفاق المعرفة الدنيوية والمعرفة الأخروية بأن منحه
الوسائل لذلك وهى البصر والبصيرة
ولقد أطلق الله سبحانه له العنان ليسير بوسائله التي منحها إلى ما لا حدود له وإن من أجمل شكر الله على منحة الخلق والحياة أن يتزود الإنسان بالمعرفة وأن يتحلى بالعلم وشعار المسلم هو شعار رسول الإسلام رب زدنی علما
روى الإمام الترمذى فى حديث صحيح عن أبي موسى الأشعرى رضى
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما
إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم
OA

على قدر الأرض جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن أى الصعب وبين ذلك والخبيث والطيب وبين ذلك أما كلمة آدم فقد تعود الناس أن يقولوا في سبب التسمية بها إنه بآدم لأن جسده خلق من أديم الأرض أى وجهها أو لأن لونه يميل
سمی
إلى السمرة يقال رجل آدم أى مائل لونه إلى السمرة
له

أما الرأى الجميل في سبب التسمية فهو أنه بذلك سمی
لما طيب به من الروح المنفوخ فيه المذكور في قوله تعالى وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا الإسراء آية ۷۰
ذلك
من قولهم الإدام وهو ما يطيب به الطعام ومن

ولقد استشار رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزواج فقال
لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما أي يؤلف ويطيب فالتسمية بآدم على هذا الوجه الذى نرتضيه إنما هي إشارة وتوجيه نحو التحلى بالكمال المستطاع وذلك بالخلق وبالعقل وبالفهم والرواية وبكل حسن طيب
وأنزل الله آدم فى دار ضيافته وهى الجنة وحيدا فريدًا لا أنيس له فكان يمشى فيها كما يقول ابن عباس وابن مسعود وغيرهما رضى الله
۵۹

عنهم مستوحشًا ليس له فيها زوج يسكن إليها فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله ضلعه فسألها أنت
قالت امرأة
قال ولم خلقت
من
من
قالت لتسكن إلى
ويتابع ابن عباس القصة فيقول فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من
علمه ما اسمها يا آدم
قال حواء
قالوا ولم كانت حواء
قال لأنها خلقت من شيء حي
وعن هذه القصة الجميلة تتتابع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

فلقد بين الله سبحانه حكمة خلق المرأة وحكمة الزواج فركز الهدف في سكن النفس أى طمأنينتها وفى المودة وفى الرحمة بين الزوجين
فقال
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون الروم آية
۱

ليس الزواج فى الإسلام صفقة تجارية أو استغلالاً من أحد الطرفين والرسول صلى الله عليه وسلم يقول فاظفر بذات الدين
وإنما هو سكن ومودة ورحمة

كان آدم وحواء مبدأ الخلق الإنسانى وكانا في الجنة منعمين كيف
خرجا منها
قال الله تعالى لآدم
اسكن أنت وزوجك الجنة الأعراف آية ١٩
أباح الله لهما أن يستمتعا فيها بما شاءا من روح وريحان ومن فاكهة وأزهار وضمن الله له أن لا يجوع فيها ولا يعرى أي لا يتألم باطنه ولا ظاهره بالعرى وضمن له أن لا يظمأ فيها ولا يضحى أي لا يتألم من حر الظمأ في الباطن ولا من حر الشمس على ظاهره
ولكن الله سبحانه وتعالى حدد لها شجرة معينة وأمرهما بأن لا يقر باها وما من شك في أن عالم الإطلاق إنما هو عالم الألوهية أما عالم الإنسان
فإنه عالم الحدود والقيود
بید
أن
حدود الإنسان الدينية وتكاليفه التى أوجبها الله عليه إنما هي أجل رقيه وكماله وكلما التزم الإنسان ما أحبه الله منه كان سائرا نحو الكمال والصفاء والطهر
حدود من
وأنه لمن المعروف أن آدم - وهو سائر على ما أحب الله من الامتناع
٦١

الأكل من الشجرة - كان ينعم هو وزوجته بطمأنينة النفس وراحة عن البال وهدوء الضمير كما ينعم بذلك أصحاب الضمائر النقية والسرائر
الصافية
لقد كان يقضى حياته ناعما بسعادة البراءة وسكينة الأطهار مع رفيقة حياته وأصحاب هذه الحياة - حياة البراءة - لا يرون عورة ولا يحسون بالخجل يغمرهم من أجل سيئة
أترى الطفل يحس بذلك
إنهم - وهم فى براءة الأطفال - لا يشعرون بخزى ولا ينوء ضميرهم
بتأنيب
وسوس
وكان آدم وحواء على ذلك حتى وسوس إليهما إبليس لقد إليهما حتى يخرجهما عن براءة الظهر ونقاء العصمة فيريا ما لم يكن قد أتيح لهما رؤيته من الشر والقبح والعورات والسوءات وحتى يشعرا بما لم يتأت الشعور به من قبل من تأنيب ومن شقاء بالمعصية وإن صاحب السيرة السيئة معنى أبدًا بأن يجر الآخرين إلى مستواه وأن ينزل إلى حضيضه وأن يهوى بهم إلى مزالقه بهم
لقد
إليهما الشيطان آتيا من جانب الضعف في الإنسان وهو وسوس
حب الخلود وحب الملك وقال لهما متسائلاً مستفسرا متجها لأدم
هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى طه آية ۱۰

وأتى لهما في صورة الناصح وأقسم لهما على إخلاصه وصدقه ونصحه
فصدقاه
صدقاه أولا لأنهما في براءتهما اعتقدا إخلاصه ونصحه وصدقاه لأن ميولهما كانت إلى الخلود والملك كميول الأفراد من بني جنسهم
وأكلا من الشجرة المنهى عنها وزالت عنها مباشرة براءة العصمة وسكينة الظهر وأحسا بشقاء المعصية وعذاب الإثم ويقول الله تعالى معبرا
عن ذلك
فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من
ورق الجنة الأعراف آية
وكان هذا أول نجاح لإبليس فى عالم الإنسان بيد أن نجاحه انقلب إخفاقًا وإذا كان قد فرح بنجاحه فإن فرحه لم يطل

النداء
لقد حل بآدم وحواء الشقاء بسبب أكلها من الشجرة وأخذ آدم يجرى فى الجنة من مكان إلى مكان بائسا حزينا وهو أينما حل الإلهى يتردد في جنبات الجنة ويخترق أذنيه رهيبا مدويا قال الحر
يسمع
وألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين الأعراف آية
٦٣

ويجرى آدم في الجنة وتتعلق بشعره الأشجار أو يتعلق شعره بها ولكنه
يسمع
النداء الإلهي من جديد
أفرارًا منى يا آدم
فيقول في خجل وفى حزن بل حياء منك يارب
لقد شقى آدم بالمعصية وكذلك يشقى كل عاص بسبب ما اقترف من
الإثم روى الترمذى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تصيب عبدا نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب وما يعفو الله عنه قرأ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم
أكثر ثم وروى الطبرى وابن عساكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج
عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر
ومن الرموز الجميلة في قصة آدم ما رواه ابن عساكر عن مجاهد قال أمر الله ملكين أن يخرجا آدم وحواء من جواره فنزع جبريل التاج عن رأسه وحل ميكائيل الإكليل عن جبينه وتعلق به غصن فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة فنكس رأسه يقول العفو العفو فقال الله أ أفرارًا منى
قال بل حياء منك يا سيدى
ولجأ آدم إلى الله مستغفرا نادما منيبًا فلما كان كذلك تاب الله عليه

يقول سبحانه فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم البقرة آية ۳۷
أما هذه الكلمات التي اتجه بها آدم إلى الله فكانت نتيجتها توبة الله عليه فهي ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين الأعراف آية ۳
ظلمت
وقد رويت فى ذلك كلمات لا تخرج عن هذا المعنى منها ما قاله مجاهد الكلمات هى اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك نفسي فاغفر لى إنك خير الراحمين
رب إني
اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسى فتب على إنك أنت التواب الرحيم
لقد كانت نتيجة التجاء آدم إلى الله هي ما عبر عنه بقوله ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى طه آية ۱
وإنه لقانون إسلامي عام أن من ارتكب المعصية ثم رجع إلى الله في إخلاص وصدق فإن الله سبحانه وتعالى يفتح له أبواب توبته
عفا الله عن آدم حين التجأ إليه ولكنه سبحانه لم يبقه في الجنة وإنما أنزله إلى الأرض قائلا
ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين الأعراف آية ٢٤
0

أكان نزوله إلى الأرض عقابًاً حقيقياً أم كان نتيجة لسبب ظاهر شكلي أكان أكله من الشجرة معصية حقيقة أم هي مقادير رتبت من
أجل نتيجة أرادها الله سبحانه وهى عمارة الأرض
لقد قال الله للملائكة من قبل خلق آدم إني جاعل في الأرض خليفة إنه سبحانه لم يقل إنى جاعل فى الجنة خليفة أو إني جاعل في
السماء خليفة وإنما قال
وإني جاعل في الأرض خليفة
وهذه الجملة حددت مصير آدم إنه الأرض
ومن أجل ذلك تحدث علماؤنا فى الموضوع ورويت فيه آثار ما رواه خالد الحذاء قال
من
ذلك
خرجت خرجة لى فجئت وهم يقولون قال الحسن فلقيته فقلت
يا أبا سعيد آدم للسماء خلق أم للأرض
فقال ما هذا يا أبا منازل للأرض خلق قلت أرأيت لو اعتصم فلم يأكل من الشجرة
قال للأرض خلق فلم يكن بد من أن يأكل منها
ومن
أجمل الآراء في قصة آدم وأعمقها رأى الإمام أبي الحسن الشاذلي
لقد شعر أبو العباس المرسى فى يوم بضيق شديد ولم يعلم له سببا فذهب

إلى أبي الحسن الشاذلي فلما رآه الشاذلي قال له مباشرة آدم خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته وأسكنه الجنة نصف يوم - خمسمائة عام ثم نزل به إلى الأرض

والله ما نزل بآدم إلى الأرض لينقصه ولكن نزل به الأرض ليكمله ولقد أنزله إلى الأرض من قبل أن يخلقه بقوله
إني جاعل في الأرض خليفة
وما قال في الجنة ولا في السماء فكان نزوله إلى الأرض نزول كرامة لا نزول إهانة فإنه كان يعبد الله فى الجنة بالتعريف فأنزله إلى الأرض ليعبده بالتكليف فلما توافرت فيه العبوديتان استحق أن يكون خليفة
وأنت أيضًا لك قسط من آدم كانت بدايتك في سماء الروح في جنة المعارف فأنزلت إلى أرض النفس لتعبده بالتكليف فلما توافرت فيك العبوديتان استحققت أن تكون خليفة
والناس على مر الزمان يعتمل في نفوسهم نوع من الأسف على الأكل من الشجرة وقد كانوا يتمنون أن آدم لم يكن قد أكل منها حتى يكونوا في الجنة حيث النعيم والسعادة
ولقد عبر سيدنا موسى حينما التقي في عالم الأرواح بسيدنا آدم أسف الناس قائلا
عن
٦٧

أنت آدم الذي خلقك الله بيده وأسكنك الجنة وأسجد لك ملائكته ثم
صنعت ما صنعت
ولم يلتزم سيدنا آدم الصمت وإنما قال متسائلا
أنت الذي كلمه الله وأنزل عليه التوراة
قال نعم
قال فهل تجده مكتوبًا على قبل أن أخلق
قال نعم
وكانت الغلبة في النقاش لآدم عليه السلام

وقبل أن نترك موضوع آدم عليه السلام نعرج على مسائل تساءل عنها الأقدمون ويتساءل عنها أيضًا كثير فى الأوساط المعنية بالدين منها مثلاً
السؤال التالي

هل كان آدم نبيا أم أنه لم يصل إلى مرتبة النبوية
لقد جال هذا السؤال في ذهن الصحابي الجليل أبي ذر فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحدث هو عن ذلك فيقول
قلت يا رسول الله كم الأنبياء
ד

قال مائة ألف وأربعة
ألفا وعشرون
قلت يا رسول الله كم الرسل منهم
قال ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير أى عدد كثير قلت يا رسول الله من كان أولهم
قال آدم
قلت أو نبيا كان
قال نعم نبی مکلم
وفي الحديث الشريف تفرقة بين الأنبياء والرسل
ولعل القارئ الكريم يتساءل وما الفرق بين النبي والرسول
والفرق بينها أن النبى لا يأتى بشرع جديد وإن كان يلهم من قبل الله
ويوحى إليه
أما الرسول فإنه يأتى بشرع وكتاب وصحف ويبشر بمبادئ جديدة
أوحاها الله إليه
ومن
هنا كان الرسل أقل في عددهم من الأنبياء هذا والأمر الثانى الذى نريد أن نتحدث عنه هو أمر يثيره حب
الاستطلاع في بني البشر
9

ماقبل الإنسان
إن الإسلام آخر الأديان السماوية نزولاً فإذا اتجهنا إليه في نظرة
الله
شاملة كلية لنرى فيه الصلة بين الكون وما وراء الكون أى بين والعالم بين الخالق والمخلوق بين المكوّن والكون فنرى نظرته إلى الكون
المادى والكون الحسى والكون الاجتماعي والكون الأخلاقي
ونحن في رحاب الكون نحتاج إلى معرفة زواياه وأركانه مادية كانت أو روحية ونحتاج إلى معرفة صلته بما وراءه مما هو فوق الطبيعة
الأمر
ونحن في هذه الدراسة سنبتعد كل البعد عن الأساطير والأوهام ولن نسير وراء الخيال ومتاهاته وإنما سندرس من منابعه الأصلية وهى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة
فإذا ما كنا بصدد آية كريمة فسنلتزم أصح التفاسير وإذ كنا بصدد
حديث شريف فسنلتزم صحة الحديث أو حسنه على الأقل ونبدأ أول ما نبدأ ذلك بالابتداء الطبيعي العادي النظرى وهو أن من
هذا الكون لم ينشأ مصادفة ولم يوجد اعتباطًا ولم يكون اتفاقاً

لقد تساءل قوم عن شكل آدم ومكانته من ناحية الجمال الجسماني وإنه لمن المعروف المتداول بين الناس وتؤيده الآثار والأخبار أن يوسف عليه السلام كان غاية في الجمال
فهل كان آدم عليه السلام مثله أو أقل منه
والإمام ابن كثير يثير الموضوع ويقول
قال بعض العلماء فى قوله صلى الله عليه وسلم
فمررت بيوسف أى ليلة الإسراء وإذا هو قد أعطى شطر الحسن قالوا معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام الأن
الشطر هو
النصف
يقول ابن كثير وهذا مناسب فإن الله خلق آدم وصوره بيده الكريمة
ونفخ فيه من روحه فما كان ليخلق إلا أحسن الأشياء أما العبرة الأخيرة التي نأخذها من قصة آدم فهي أن الله سبحانه أشار غير مرة في القرآن الكريم أنه خلق بني البشر جميعا من نفس واحدة هي آدم عليه السلام وأنه جعل من هذه النفس نفسًا أخرى هي حواء ليسكن إليها وأنه بث منهما رجالاً كثيراً ونساء
هذه الإشارات المتكررة التى ذكرها الله في القرآن إنما كانت ليدل الله بها على أنه لا عبرة بالأنساب وإنما العبرة بالعمل والتقوى ومن بطو به
عمله لم يسرع نسبه
۱۰
٧٠

ا وإن أكرمكم عند الله أتقاكم
كلكم لأدم وآدم من تراب
يقول الله تعالى
يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها
زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء النساء آية ١ كيف بث منهما رجالاً كثيرًا ونساء لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث صحيح في كيفية الزواج والتناسل في المبدأ ولم يرد في ذلك تفصيل في القرآن الكريم ولكن روى عن كثير من الصحابة تفصيل في ذلك نرويه على ما ورد إذ ليس ما يمنع من الدين أو العقل تصديقه
ومجمل الأمر
أنه ما كان يولد لآدم عليه السلام مولود ذكر إلا ولدت معه أنثى فكان يزوج غلام هذا البطن فتاة البطن الآخر ويزوج فتاة هذا البطن غلام البطن الآخر
وقد انجبت حواء بطونا كثيرة توائم ذكرا وأنثى ومن هنا كثر التناسل وعمرت الأرض وبمجرد أن شب الفتيان والفتيات بدأ التنافس والحسد بين الخير والشر
وإذا كان آدم قد استعصى على إبليس بعد توبته الخالصة النصوح
۷۱

وإذا كان بعض بنى آدم من ذوى الفطر الطاهرة قد استعصى على إبليس أيضا فإن البعض الآخر من بنى آدم قد استجاب لتسويل إبليس
القرآن أول جريمة قتل وقعت في العالم على النسق التالي ويصور
كان لآدم ابنان هما قابيل وهابيل وكان قابيل وهو الأكبر قاسي القلب غليظ الطبع لا يستشعر التقوى ولا يتحرك للصالحات وكان هابيل وهو أصغرهما على العكس من ذلك تقيا صالحا مرضياً عنه من الله تعالى وتنافسا في تقديم ما يتقرب به إلى الله وقدم قابيل شيئًا تافها ردينا لا قيمة له وقدم هابيل من أنفس ما عنده فتقبل الله من هابيل ولم يتقبل من قابيل فحز ذلك في نفس قابيل
فقال لأخيه لأقتلنك
فكان جواب هابيل نصيحة يسديها إلى أخيه يوجهه بها إلى عمل
الخير
إنما يتقبل الله من المتقين
وما أراد بذلك هابيل إلا أن يوجه أخاه إلى الطريق لمرضاة الله وتقبله للعمل وهو التقوى ثم قال محاولاً بقوله إرشاد أخيه إلى خشية الله إذا هممت بقتلى ومددت يدك لذلك فإني لن أحاول قتلك ولن أتعمده
لأنى أخاف الله رب العالمين
۷

لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك إنى أخاف الله رب العالمين المائدة آية ۸
وذكره بعد ذلك بأن القتل إثم عظيم يتحمله القاتل فوق ما اقترف من
إثم سابق وأن القاتل جزاؤه النار والنار جزاء كل ظالم
ولكن قابيل لم يرق قلبه ولم يخشع فؤاده وطوعت له نفسه قتل أخيه وهو ابن أمه وأبيه فقتله وأصبح بذلك من شيعة إبليس في الشر والإثم وأصبح بذلك من الخاسرين في دينه ومن الخاسرين في دنياه فقد زال عنه الهدوء وزالت عنه السكينة وكانت جثة أخيه أمامه ينغص منظرها عليه حياته ولا يدرى ماذا يفعل بها فبعث الله غراباً يحفر في الأرض ليدفن غراباً آخر ميتا ففعل قابيل مثلما فعل الغراب ليخفى بذلك آثار الجريمة هذه الجريمة إن ظاهر النص القرآنى يفيد أن السبب هو حقد سبب النفوس الخبيثة على النفوس الصافية الطاهرة وهو سبب يوجد في كل
ما
زمان ومكان وهو سبب عام يدخل في نطاقه أسباب خاصة ولقد التمس بعض أسلافنا سببًا خاصا يدخل في نطاق السبب العام وهو أن هابيل لما أراد - على سنة الزواج عندهم – أن يتزوج تلك التي ولدت مع قابيل في بطن واحدة وكانت جميلة فاتنة أبي عليه ذلك قابيل مدعيًا أنه أحق لأنه أقرب إليها من هابيل فكان التنافس وكان النزاع وكان القتل وهذا السبب أيضًا سبب يقع في كل زمان ومكان إذ يترك فيه

القاتل نفسه مسرحًا للشر ومجالا لتسويل إبليس فيرتكب الإثم ويطرد
بذلك من رحمة الله
ومن يقتل مؤمنا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا النساء آية ۹۳

كيف بدأ الانحراف فى العقيدة وكيف دخل الشرك على التوحيد لقد كان آدم يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا فكيف انحرف بنوه إن التفسير القديم والحديث تفسير أسلافنا وتفسير بعض علماء النفس الحديثين فيما يتعلق بهذه الظاهرة على اختلاف العصور والبيئات أنه من الطبيعي أن ينشأ من آن لآخر في بيئة من البيئات شخص صالح يحبه الناس لصلاحه وتقواه ويحبونه للخلق الكريم من بذل وعون وتضحية بالنفس والمال في سبيل إسعاد الآخرين ويحبونه لما يشيع فيهم من جو الثقة والطمأنينة والأمن الأخلاقى الذى يفتقدونه فلا يكادون يجدونه فيكون له أتباع يقتدون به ويسيرون على خطاه
هو
وحينما يموت يعكفون على قبره في أوقات معينة يستعيدون ذكراه آثاره ويسترجعون أقواله ويحاولون أن يكون لديهم أثر
ويمجدون
آثاره
من
ويطغى عليهم الشوق فيصورونه ويجعلونه فى منازلهم ومنتدياتهم وكلما الزمن أضافوا إلى مآثره مآثر من خيالهم وإلى مفاخره مفاخر من ابتداعهم تكريماً وزيادة قداسة
مر
حتى إذا بلغ التقديس منتهاه بتوالى الزمن عبد هذا الذي كان في ابتداء أمره داعية إلى الله وإلى التوحيد الخالص
والإنسانية إذن بدأت بالتوحيد ثم انتهت شيئًا فشيئًا إلى الشرك

والتعدد وهذه النظرية على هذا الوضع تقرها الأديان الإلهية الكبرى كلها ويقرها كثير من الباحثين في علم الاجتماع وهى تقلب نظرية أوغسط كونت رأسًا على عقب فقد كان أوغسط كونت يرى أن الإنسانية
بدأت بالتعدد والشرك ثم كان التوحيد خاتمة المطاف فيها
وهذه النظرية لأغسط كونت لم تقف أمام الأبحاث الحديثة فانهارت كما انهار غيرها من نظريات هذا المفكر الذى كان يحتل يوما مكان الصدارة بين المفكرين والذى أصبحت تدرس آراؤه الآن على أنها أثر تاریخی فحسب
ومهما يكن من شيء فإنه حينها انحرفت الإنسانية في عقيدتها شاءت رحمة الله أن يرسل نوحًا عليه السلام مبشراً بالحق في مجال العقيدة وبالخير في مجال الأخلاق وبالعدالة في مجال التشريع

تضعنا النصوص الصحيحة والأخبار أمام نوح عليه السلام وهو رجل ناضج مكتمل أرسله الله لهداية قومه
أما طفولته وشبابه وكل ما كان قبل الرسالة فليس لنا به علم ولكن الله سبحانه وتعالى له سنن خاصة بمن بعثهم أنبياء ورسلا وذلك
أن الله سبحانه يختارهم من ناحية النسب من أشرف الأسر ولقد سأل هرقل أبا سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا
۷۷

كيف هو فيكم
فرد أبو سفيان قائلاً هو فينا حسب
فقال هرقل وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها
ويعلل ابن خلدون سنة الله في بعث الرسل في أحساب قومهم بأن ذلك إنما هو لأجل أن يكون للرسول أسرة ذات شوكة ومنعة تحميه من أذى الكفار حتى يبلغ رسالة ربه ويتم مراد الله من إكمال دينه وملته
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حديث صحيح
ما بعث الله نبيا الا في منعة من قومه
من هذه السنة الإلهية توقن - وان لم تكن لدينا نصوص صريحة - أن نوحا كان من أسرة كريمة هذا من ناحية الأسرة
أما
من ناحية الإعداد التربوى فإن الله سبحانه يصطنعهم لنفسه
يقول الله تعالى لسيدنا موسى
واصطنعتك لنفسي
ويصنعهم على عينه
ولتصنع على عينى
أما سيدنا يحيى فإنه كان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا
وسيدنا
جعله الله مباركًا أينما كان عیسی
VA

ورسولنا صلوات الله وسلامه عليه يقول له الله وإنك لعلى خلق
عظیم
من هذا وغيره نؤكد أيضًا أن نوحا عليه السلام لم يكن بدعا
الرسل وأنه كان على خلق كريم
يقول ابن خلدون عن الأنبياء والرسل عامة
من
ومن علاماتهم أنه يوجد لهم قبل الوحى خلق الخير والزكاة ومجانبة المذمومات والرجس أجمع وهذا هو معنى العصمة وكأنه مفطور على التنزه عن المذمومات والمنافرة لها وكأنها منافية لفطرته
كان نوح على خلق كريم ما فى ذلك من شك فلما انتهى إعداد الله له إلى غايته فاجأه الوحى وتلك أيضًا سنة الله في أنبيائه فإنه حينما تصبح نفوسهم – بتربية الله وعنايته - أهلا للتلقى عنه يفاجئها الوحي مثلا وهي سائرة فى الوادى المقدس وفى البقعة المباركة كما حدث لسيدنا موسى بينما هو سائر مع أهله رأى نارا فقال لأهله امكثوا هنا وذهب نحو الضوء فإذا النداء الإلهى يسمع
به
٢٤
إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى طه آية
أو يفاجئ الوحى النبي وهو في الغار فيأتي الملك أمرا
اقرأ باسم ربك الذي خلق

إننا ونحن في رحابه نشاهد الترابط بحيث يمكن أن يقال في يقين جازم إن الكون كله سماواته وأرضه وما بين السموات والأرض إن الكون
بحاره وأنهاره جباله ووديانه نباته وحيوانه
إن جميع
أجزاء الكون تؤلف وحدة متكاملة مترابطة
هذا التكوين المترابط فى ملايين الجزيئات الكونية في بلايين بلايين هذه الجزيئات ينفي في تأكيد مؤكد فكرة الطبيعة العمياء أو فكرة المصادفة
والاتفاق
وإذا انتفت فكرة المصادفة والاتفاق فإن النتيجة التي تترتب على ذلك هي أن للكون مكونا
الله وجود
ولعل القارئ يلاحظ مما سبق أننا نبدأ الحديث بمسألة والاستدلال على هذا الوجود وأن ترابط الكون هو من الأدلة على وجود
الله سبحانه وتعالى
انظر إلى هذا الترابط في قوله تعالى
فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقًا فأنبتنا فيها حباً وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعًا لكم ولأنعامكم ﴾ سورة عبس آية ٢٤-٣٢ وانظر إلى الترابط بين السماء والأرض وبين الماء والنبات في قوله
تعالى

وفاجأ الوحى نوحا عليه السلام على نحو من هذه الأنحاء لقد فاجأه بالأمر أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم
بماذا ينذرهم
بعث الله سيدنا نوحا حينما عم الفساد ليبشر بالحق والخير والعدل وبدأ سيدنا نوح بالعقيدة
يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم الأعراف آية ٥٩
وهذا الذي قاله سيدنا نوح لقومه هو التبشير بالتوحيد والتوحيد هو جوهر الرسالات السماوية جميعًا والله سبحانه يؤكد لسيدنا محمد خاتم النبيين ذلك قائلا
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون الأنبياء آية ٢٥
والتوحيد هو ما نعبر عنه في الإسلام بأشهد أن لا إله إلا الله وقد جعله العالم الكبير أبو الريحان البيرونى العلامة الأصيلة والطابع الحقيقي للدين الإسلامي ولكنه فى الواقع هو جوهر كل دين سماوي صادق والمعنى الحقيقى للتوحيد هو الاعتقاد اليقينى أن كل ما في الكون من خلق ورزق وعطاء ومنع وحياة وموت وغنى وفقر وقوة وضعف وعز
A

وذل مرده إلى الله سبحانه
وإذا آمن الإنسان بالتوحيد لم ينظر إلى غير الله فيكون خوفه منه ورجاؤه إليه وثقته به واتكاله عليه وإذا اعتقد التوحيد رأى أن كل سوی الله مسخر لله وإذا اعتقد التوحيد ر من ذل العبودية لمخلوق لأن كل مخلوق مسخر لله إن الكون كله فى قبضة الله إنه في قبضة الله بالعلم والقدرة والإرادة والحكمة والتدبير
ما
وتتكاتف آيات الله وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم على دعوة
الإنسانية إلى التوحيد حتى تتحرر من رق العبودية
يقول ربيعة بن عباد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصر عينى
بسوق ذى المجاز يقول
يأيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا
ويدخل فجاجها والناس متقصفون عليه مجتمعون حوله فما رأيت
أحدا يقول شيئا وهو لا يسكت
يقول يأيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا
أما النموذج الجميل الذى يسيل رقة وعذوبة في الدعوة إلى التوحيد أى إلى الالتجاء إلى الله في كل أمر فإنه الحديث القدسي الذي كان يرويه أبو مسلم الخولاني فلا يرويه على الكيفية التي يروى بها الأحاديث
۸۱

الأخرى وإنما يرويه وهو جاث على ركبتيه تقديسًا للحديث واحتراما له وهو الآتى
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسى وجعلته محرما فلا تظالموا یا عبادی كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم یا عبادی كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم یا عبادی كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم
یا عبادي إنكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى ولن تبلغوا نفعى فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب
رجل واحد منكم مازاد في ملكي شيئًا
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجناكم كانوا على أفجر
قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر
يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد
۸

خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه

بشر سيدنا نوح بالتوحيد وبشر بالتوحيد جميع الرسل وإذا فهم التوحيد على حقيقته واتخذته الإنسانية شعارًا لها يكون علاجا لكثير من ألوان الضعف في المجتمعات
والإنسانية في مختلف أزمنتها وأمكنتها تخاف الموت وتخشاه هذا يقودها
إلى الاستعباد للأقوياء والذلة أمام الطغاة
ولكن هذا الوضع لا يتمشى قط مع عقيدة التوحيد فإن مالك الملك إنما هو وحده الذي يملك الموت والحياة
إنه يملك إماتة الطغاة أو تركهم لحكمة يعلمها سبحانه وهو الذي قدر الآجال وحددها فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون والحرص على الحياة أو الجبن ليس من أسباب إطالة الأجل والشجاعة والإقدام ليسا من أسباب تقصير الأجل وقد بين الله ذلك في كتابه الكريم الذي يعبر عن جميع الرسالات السابقة إبانة تامة وكما أنه لكل أجل كتاب فإنه لكل أمة أجل
أما هؤلاء الذين قالوا
لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا

فإن الله سبحانه يرد عليهم
قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى
مضاجعهم آل عمران آية ١٥٤
وهؤلاء الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا
لو أطاعونا ما قتلوا
فإن الله سبحانه وتعالى يأمر رسوله صلوات الله عليه وسلامه أن يرد
عليهم قائلا
1A
فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين آل عمران آية
أما الذين يفرون أمام أعداء الله فهؤلاء
إنما استذلهم الشيطان ببعض ماكسبوا آل عمران آية ١٥٥ إذن المؤمن الصادق الإيمان لا يعرف الجبن ولا يستذله الشيطان موسوسا له بالخوف من غير الله تعالى
وإذا كان خوف الموت هو الدعامة الأولى في ذلة الإنسان واسترقاقه فإن الدعامة الثانية هي هم الرزق
والناس عادة ينتابهم القلق ويغمرهم الحرص على أقواتهم ويلجأ بعضهم إلى وسائل لا تليق بالكرامة الإنسانية بل يصل الأمر بالبعض إلى
ΛΕ

مستوى التملق والمداهنة والمراءاة وبعضهم يصل به الأمر إلى الغش والرشوة والاختلاس وتستعبد المادة والحصول عليها الإنسان فيصبح لها
عبدا مسترقا
ولكن الدين وقد حرر المجتمع من خوف الموت فقد حرره أيضًا من
هم الرزق فالرزق بيد الله
وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها هود آية ٦
وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الرزق فى السماء محدد مقسوم وأقسم سبحانه على أن ذلك حق واقع لقد أقسم سبحانه لما يعلم من الطبيعة البشرية وإشفاقها وقلقها بالنسبة لأمر الرزق يقول سبحانه
ضعف
وفى السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق
مثل ما أنكم تنطقون الذاريات آية -۳
على أن صاحب الثراء العريض الذى يعتمد على ثرائه غير ناظر إلى الله تعالى واهب الرزق والثراء وقد يخسف الله به وبداره الأرض كما صنع بقارون أو يطوف ببساتينه ومزارعه طائف منه سبحانه فتصبح خاوية على عروشها كما فعل سبحانه بأصحاب الجنة الذين قص علينا أمرهم في القرآن الكريم في سورة القلم قبيلة هيت
وما من شك في أن السعى على الرزق مطلوب وأن العمل الجاد
Ло

الكادح إنما هو من سمات الإسلام كل ذلك حق وإذا كان الرزق بيد الله تعالى وإذا كان العمل مطلوباً فإن ما ينهى عنه الإسلام إنما هو هذه الصورة الجشعة القلقة التى تحاول اقتناص المال من السبل غير المشروعة أو التي ترى أن عبدا عباد الله بيده الرزق إعطاء ومنعا وبيده الرزق من زيادة ونقصا أو أخذا وتركا
والتوحيد إذن علاج للجبن وعلاج للقلق من أجل الرزق أخذ سيدنا نوح يدعو إلى التوحيد في همة لا تفتر وفى نشاط لا يتوانى أخذ يدعو ليلا ونهارا وأخذ يدعو جهرا حينما تتيح له الظروف الدعوة الجهرية ويدعو سرا حينما يستلزم الأمر الدعوة سرا لم يكن يدع فرصة تمر إلا ويشرح فيها رسالة الله مبشرا ونذيرا
مرغبا في ثواب الله وجنته ومخوفا من عقابه وعذابه
لقد أخذ يشرح لهم قدرته وشمول علمه قائلا
أنه ألا ترون
خلقكم فى بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق لقد كنتم
ترابا
نطفة
ثم
علقة
ثم
مضغة
كنتم أجنة وكنتم في جميع
هذه
الأطوار في رعاية الله محفوظين بحفظه محاطين بعنايته وبعد ذلك كنتم أطفالاً فشبانًا وهكذا وستعودون إليه من جديد في أية لحظة شاء فارجعوا إليه بالتوبة والإنابة والطاعة قبل أن تواجهوه وهو عنكم غير راض
ثم ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقًا وجعل القمر
فيهن نورا وجعل الشمس سراجًا نوح آية ١٥-١٦
Α

ثم ألم تروا كيف جعل لكم الأرض بساطا وجعل لكم فيها مسالك وسبلا للإقامة والانتفاع وفى كل ذلك ما نرى في خلق الرحمن من
تفاوت
الله وأخذ سيدنا نوح يعدد نعم منبها إلى اليسير منها والعظيم الظاهر منها والباطن ونعم الله كثيرة لا تحصى
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها النحل آية ۱۸
القانون
هذه
أعلن لهم قانون الاستغفار وسيدنا نوح أول من أعلن هذا
استغفروا ربكم إنه كان غفارا نوح آية ١٠
مقدمة القانون أو قاعدته وأساسه هی
فإذا ما كان الاستغفار الخالص النصوح وإذا ما كان الالتجاء إلى الله بطلب المغفرة في صدق كانت النتيجة
والنتيجة هي
يرسل السماء عليكم مدرارا أى ينزل الغيث المحيى لأرضكم الجدباء والذي يملأ أنهاركم الجارية بالخير والنماء
ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا
نوح آية ۱

إن الإمداد بالأموال والبنين وقد أتى بهما القرآن بصيغة الجمع -
مترتب على الاستغفار
وإن هبة الجنات والأنهار - وقد أتى بهما القرآن بصيغة الجمع أيضًا - مترتبة على الاستغفار
هذا هو قانون الاستغفار الذي أعلنه سيدنا نوح عليه السلام وهذا القانون عام لا يحدده زمن ولا يحدده مكان فمن التجأ إلى الله في العصر الحاضر بالاستغفار الخالص النصوخ الصادق فإن الله سبحانه يهيئ له من الظروف ما يجعله يعيش فى سعة من الرزق وفي يسار من المال إنه وعد الله الذي أوحاه إلى رسوله نوح ليعلنه للناس ووعد الله
لا يتخلف
ولقد أوضح رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما بعد زاوية مهمة من زوايا قانون الاستغفار وهي عدم وقوع العذاب على المستغفر يقول تعالى وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون الأنفال آية۳۳
إن سيدنا نوحا عليه السلام كان ينبه قومه إلى الظروف والملابسات التي تشير إلى صدقه
إنه لا يسألهم على دعوته أجرا
ياقوم لا أسألكم عليه مالاً إن أجرى إلا على الله هود آية ۹

إنه إذن لا يطالب مالاً ولا يدعو بدعوته من أجل النقود وإذا ما سأله سائل عن السبب فى قيامه بهذه الدعوة فإنه يقول
1 - أبلغكم رسالات ربى

وأنصح لكم
- وأهديكم إلى ما أعلمه عن الله وذلك لأنى أعلم من الله مالا تعلمون وهل من العجيب أن يأتيكم ذكر من ربكم فيه لكم هدى ونور على لسان رجل منكم من أجل أن ينذركم ومن أجل أن تتقوا ومن أجل أن يرحمكم الله
إن الإنذار يقود عادة ذوى النفوس الخيرة إلى التقوى والتقوى سبب في رحمة الله فهل من العجيب أن يرسل الله لكم – وهو أرحم الراحمين - من يقودكم بإنذاره إلى رحمة الله
كان هذا هو منطق نوح عليه السلام ولقد استجاب له بعض الأشخاص من قومه وكانوا من عامة الناس وضعفائهم
إن عامة الناس وضعفاء هم دائما هم أتباع الرسل في مبدأ أمرهم وقد كانوا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم فى مبدأ أمره ولقد سأل هرقل
أبا سفيان عن أمر سيدنا محمد فقال له
أأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم

ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعًا مختلفًا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولى الألباب الزمر آية ۱
هذا الترابط أهو ترابط غائي أي ترابط هادف هذا الترابط بين بلايين أجزاء الكون الذى يعتبر دليلا باهرا على وجود الله إنما هو ترابط غائى على حد تعبير الفلاسفة أي ترابط له غاية إنه ليس مجرد ترابط فقط بل هو ترابط هادف فيه القصد وفيه الغاية ومن أجل ذلك اعتبر هذا دليلا على وجود الله ولقد سمى هذا الدليل أيضًا الدليل الغائي إذ أن كل شيء له غاية وسمى أيضًا دليل القصد وذلك أن كل ما في العالم مقصود لادخل للاتفاق فيه هادف لادخل للمصادفة فيه وانظر إلى القصد والغاية في قوله تعالى
أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهیج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ونزلنا من السماء ماء مباركًا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقًا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج ق آية ٦-١١
وانظر إلى قوله تعالى
والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك

هو
فقال أبو سفيان ضعفاؤهم فقال هرقل هم أتباع الرسل
ولا يقصد بعامة الناس وضعفائهم إلا هؤلاء الذين ليسوا من أصحاب الثروات الطائلة والجاه العريض والنفوذ والواسع وتعليل هذه الظاهرة أن أشراف الناس على حد تعبير هرقل لهم مصالح ومنافع وأغراض شخصية تحول بينهم وبين اتباع الحق فمكانتهم وثروتهم تتيح لهم الجرى وراء الشهوات في إسراف والدين لا يبيح من ذلك إلا الحلال الطيب ومكانتهم تتيح لهم التعالى واستعباد الضعفاء واستغلال النفوذ والدين يسمح بذلك ولا يقيم وزنا إلا للتقوى
لا
إن أكرمكم عند الله أتقاكم
أما الضعفاء فقد خلصت نفوسهم من ذلك كله فكانت أقرب إلى اتباع
الحق وكانت مهيأة للاستجابة سهوا
شهوة ولا يمنعها من ذلك مصلحة
لة
لا تصرفها عن ذلك ويسر
وشيء آخر له وزنه يكثر في محيط الأثرياء ولا يكاد يوجد عند ذوى المكانة المتواضعة وذلك هو الكبر الكبر الذي بسببه طرد إبليس من الجنة الكبر الذي يمنع ذوى الشرف أن يتابعوا شخصًا من بينهم يرون أن لا ميزة له عليهم فيصبحوا تابعين بعد أن كانوا متبوعين وهذا هو ما عبر عنه
نوح بقوله

ياقوم إن كان كبر عليكم مقامى وتذكيرى بآيات الله فعلى الله توکلت يونس آية ۷۱
لقد استجاب لنوح قليل من الضعفاء فماذا كان موقف السادة والأشراف
اتبع نوحًا بعض ضعفاء قومه وكانوا قلة وقد عبر القرآن عن ذلك بقوله
وما آمن معه إلا قليل هود آية ٤٠
كان هذا القليل هو الذى أمكنه أن يستخلص نفسه من ترغيب السادة الكبراء ومن إرهابهم إنهم الذين لم تؤثر فيهم رغبة أو رهبة لقد خلصوا
للحق
على أن هذا القليل من المؤمنين كان من أسباب النفور الذي أبداه الملأ من قوم نوح
وكلمة الملأ تعبير قرآنى يستعمله القرآن كثيرا في قصة نوح ويريد به السادة الكبراء على حد شرح الإمام ابن كثير للكلمة لقد كان الملأ يقول لنوح كلما دعاهم
۱ - ما نراك إلا بشرًا مثلنا
٢ - وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى أي اتبعوك
۹۱

منذ اللحظة الأولى للدعوة دون تفكير - وما نرى لكم علينا من فضل
ولقد غفل هؤلاء أو تغافلوا عن أن الرسل ما كانت - ولا يتأتى أن تكون - إلا بشرًا من البشر وما كان اتباعهم إلا من تمحض للخير وكل من تمحض للخير فإنه فى الذروة من الفضل مهما كانت مكانته من الثراء
وألح الملأ على نوح أن يطرد هؤلاء الذين اتبعوه فقال في ثقة ويقين وما أنا بطارد الذين آمنوا
استمر نوح في دعوته وجدله مع قومه لا يفتر ولا يلين حتى استخلص من بينهم كل من شاء الله له الهداية وحينئذ أوحى الله إليه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون هود آية ٣٦
ولما علم نوح بذلك نادى ربه
رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا نوح آية ٢٦
ثم علل سبب هذا الدعاء قائلا
إنك إن تذرهم أى تتركهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا نوح آية ۷
واستجاب الله إلى دعاء نوح ولكنه لم يهلك الكافرين فور الدعاء وإنما
۹

أمر نوحا بأن يصنع سفينة وأخبره أنه سيغرق أعداءه
وسنة الله سبحانه أن يرسل من يبشر بالهدى وينذر الطغاة بالعذاب فإذا كانت الاستجابة كانت رحمة الله وكان فضله أما إذا كان الإباء والتمرد على الأوامر الإلهية فإن الله يهلك الظالمين تلك سنته أجراها في قوم نوح وفي قوم هود وفى قوم صالح وفى غيرهم ولقد قص الله سبحانه في القرآن أخبار هؤلاء سواء كانوا أفراداً مثل قارون أو كانوا أمماً
عاد وثمود والله سبحانه يقول لموسى عليه السلام
وذكرهم بأيام الله
وأيام الله إنما هى التاريخ وما فيه من عبر وعظات
مثل
وجاء يوم لم ير فيه الملأ الذين كثروا من قوم نوح على عادتهم كل صباح وعلى عادتهم على مدار الأيام في سنوات عدة لم يروا نوحاً يجوس بينهم على عادته مبشرًا ومنذرًا وافتقدوه وبحثوا عنه ملحين وكأن مجتمعهم لا يستقيم أمره بغير وجود نوح بينهم يسخرون به ويهزأون منه ومن أتباعه وكأن ذلك قد صار عادة لا غنى لهم عنها
وفي خاتمة المطاف وجدوه فوقع منظره منهم موقع الغرابة العظمى في أول الأمر
لقد وجدوه مع بعض أتباعه يعالجون قطعا من أخشاب الأشجار ويصنعون ما يصنع النجارون نشرا وقطعًا وتسوية وتهذيبا وتشذيبا

وعن
وعقدت الدهشة ألسنتهم ثم أخذوا يتساءلون عن الأسباب والعلل الأهداف والنتائج ولم يخف نوح شيئًا أمره وإنما أعلن في
من
صراحة أنه يبنى سفينة لينجو فيها هو وأتباعه من الغرق حينما يعم الفيضان الأرض وحينما يهلك الله الكافرين
كان الجو صحوا وكانت السماء صافية ولم تكن العادة قد جرت في هذه
من
هذه
المنطقة بفيضانات جارفة أو سيول مدمرة فكانت النفوس مطمئنة الجهة وكانت القلوب قاسية لا تؤمن بالمعجزات ولا خوارق العادات فأخذت الابتسامات تدور على الشفاه وأخذت السخرية تجرى على الألسنة ووجد المشركون مجالاً جديدا للتندر والسخرية فواجههم نوح
مؤكدا
إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم هود آية
۳۹ - ۳۸
وأخذ نوح يعمل في بناء السفينة في هدوء وطمأنينة غير متعجل وغير متباطئ حتى أتمها
فكيف كانت السفينة طولا وعرضا وارتفاعًا
اتفق المتحدثون عن كيفية السفينة على ارتفاعها وأنه كان ثلاثين
ذراعا وأنها كانت ثلاث طبقات كل طبقة عشرة أذرع وقد تخصصت كل

طبقة فيها لنوع معين فالطبقة السفلى للحيوانات والطبقة الوسطى لنوح
وأهله
مغطاة
ومن
آمن
معه
أعلاها من
والطبقة العليا للطيور وكان بابها في عرضها وكانت
وإذا كانوا قد اتفقوا على ذلك فإنهم اختلفوا في نوع الخشب واختلفوا في طول السفينة وفي عرضها أما التوراة فإنها حددت الخشب بأنه من خشب الصنوبر وحددت التوراة أيضًا طول السفينة بأنه ثلاثمائة ذراع وحددت عرضها بأنه خمسون ذراعًا وقد قال بذلك بعض علماء المسلمين وليس في نصوص الدين الإسلامي الصحيحة ما يتعارض مع وبالرغم من هذا فقد قال مثلا الحسن البصري
إن طولها كان ستمائة ذراع وعرضها ثلاثمائة ذراع
ذلك
وقال ابن عباس غير ذلك ولا يسند واحد منهم رأيه إلى نص من قرآن أو سنة
ومما ينبغى ذكره فى هذا المقام أن البعثات العلمية أوربية وأمريكية لا تزال توالى البحث عن السفينة ولم تنته بعد إلى نتيجة مرضية

أمر الله نوحا أن يصنع الفلك حسب إرشاد الله وتعاليمه لينجو فيه ومن آمن معه وعرفه أنه سيهلك الملأ من قومه غرقاً
فلما أتم نوح بناء السفينة جاء أمر الله إلى الأرض أن تتفجر بالماء
۹۵

والى السماء أن ترسل بالماء هطالاً وأمر نوحًا أن يحمل في سفينته من كل أنواع الحيوانات والطيور ذكرًا وانثى وأن يستوى هو ومن معه في السفينة وأن يعلن بأن الحمد التام الكامل إنما هو الله الذي نجاه ومن معه من القوم الظالمين
وما أن بدأت السفينة تتحرك وتحملها المياه ونوح في غمرة من الرضا والحمد حتى حدث أمر لم يكن يتوقعه نوح ولم يكن له على بال لقد رأى أحد أبنائه على مرتفع توشك المياه أن تغمره فصرخ فيه مناديًا
له
يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين
ولم يكن ابنه هذا قد آمن به ونداء نوح له إنما كان نداء للإيمان أولا
وبالذات
وما من شك في أن كلمة يا بنى فيها الشفقة وفيها العطف ولكن الشفقة والعطف لم يبلغا بنوح عليه السلام إلى أن يتسامح مع ابنه في الركوب ولو لم يؤمن كلا إنه يقول له في لغة مفهومة
الحق بالمؤمنين فى إيمانهم لتنجو في سفينتهم ولا تمكث مع الكافرين في كفرهم فيحيق بك سوء خاتمتهم ولو أراد نوح أن يأخذ ابنه رغما عنه في السفينة لفعل إنه لو أراد أن يطرحه أرضًا ويوثقه كتافًا فيلقيه في السفينة لأمكنه ذلك ولكن الأمر لم يكن أمر نجاة جثمانية وإنما كان أمر إيمان
9

ولم يكن لنوح على قلب ابنه من سبيل ولم يستجب الابن لأبيه ولكنه أبي وعاند وقال
ساوى إلى جبل يعصمنى من الماء
فقال له الأب في شفقة متزايدة
لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم
أى أنه لا رحمة اليوم ولا عصمة من أمر الله إلا للمؤمنين وأنه
سيعم
الغرق جميع ولم يفقد نوح الأمل فى هداية ابنه وفى نجاته بسبب هذه الهداية فاتجه إلى الله راجيا متضرعًا مستعطفاً قائلا
الكافرين هذا البيان استمر الابن معاندا متكبراً ومع
رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين وقول نوح عليه السلام وإن وعدك الحق إنما هو إشارة إلى وعد الله له بنجاته ونجاة أهله معه وفهم نوح أن أهله إنما هم أهله من النسب وعزب عنه في تلك الساعة وهو يرى ابنه يوشك على الغرق أن الله أهله ومن سبق عليه القول
استثنى من أى من لا يهتد بنور الله فكان في سابق علم الله من الهالكين المغرقين وعزب عنه شيء آخر هو أن أهل الرسول إنما هم المهتدون بهديه أما من لم يؤمن ولم يتبع هدى الرسول فإنه ليس من أهله ولقد نبهه الله

سبحانة إلى ذلك فقال له إنه ليس من أهلك
علل الله سبحانه ذلك بقوله
إنه عمل غير صالح
إن الإيمان في الجو الديني رابطة أقوى من رابطة النسب

عندما أمر الله سيدنا نوحا أن يبنى سفينة ويأخذ فيها من آمن
معه نفذ
كالجبال
نوح ما أمره به الله سبحانه وتعالى وسارت السفينة في موج وحال الموج بين نوح وابنه الذى لم يؤمن برسالته وأبي أن يركب معه وغرق الابن مع الغارقين
وكما غرق الابن فقد غرقت الزوجة ولقد ضرب الله بها المثل للذين كفروا هي وامرأة لوط مذكرا الكفار بأنهما حين خانتا زوجيهما فإن
الزوجين نوحا ولوطًا عليهما السلام - لم يغنيا عنها من الله شيئًا فقد
أخذهما الله بذنبهما وقيل لهما ادخلا النار مع الداخلين
وقد يتساءل إنسان عن خيانة امرأة نوح ماذا كانت والأمر في هذا سهل إن النظام الإلهى فى الزواج أن تكون الزوجة سكنا لزوجها وأن
تكون مودة ورحمة فإذا كانت سببا فى الضيق والشر والسوء فإنها تكون
قد خانت أى انحرفت عن الوضع الإلهى الخاص بالزواج
۹۸

هذه الخيانة قد يكون أمرها هينا فى الوضع العام للزوج حين يكون
الزوج من الأفراد العاديين ولكنها تبلغ الذروة في السوء حين يكون الزوج من النبيين المرسلين لأنها إذ ذاك تكون خيانة فى حق الرسالة نفسها التي كلف الرسول بنشرها فتكون الخيانة كفرًا وقد كانت خيانة امرأة نوح
كفرا به وبرسالته لقد كذبته وكذبت برسالته
ولقد سئل ابن عباس رضى الله عنه عن خيانة امرأة نوح ما هي فقال كانت تقول زوجي مجنون ولقد كان مصيرها الغرق
ولم يغن نوح عن ابنه رغم حبه له شيئًا
ولم يغن نوح عن امرأته – رغم صلتها به -
ولقد أبان الله سبحانه عن ذلك لأمور عدة
شيئًا
الأمر الأول أن العدالة الإلهية تأخذ المجرم بجريمته وتعاقب الآثم بإثمه لا تنظر فى ذلك إلا إلى العدل فى ذاته ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم معبرا عن الوضع الصادق
والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها
وما ينبغي أن تكون القرابة أو الصلة أو الشفاعة سببا في اهمال الآثم أو سبيلا إلى عدم الضرب على يد المجرم
الأمر الثاني أن الروابط فى المجتمع يجب أن تقوم على الحق والخير
۹۹