المشكلة الأخلاقية والفلاسفة
لاندريه كريسون
ترجمة
الإمام عبد الحليم محمود الأستاذ أبو بكر ذكرى
۱۳۹۹ هـ - ۱۹۷۹ م
مطابع دار الشعب بالقاهرة
نيسم الله الرحمن الربييم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه الى يوم الدين
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهييء لنا من أمرنا رشدا
قرآن کریم
•
مقدمة في
الفلسفة والحقيقة
للإمام الأكبر
C
اصل كلمة فلسفة
عبد الحليم محمود
يقول ابن أبي أصيبعة عن مفهوم الفلسفة عند الفارابي اسم الفلسفة يوناني وهو دخيل في العربية وهو
على مذهب لسانهم فيلا سوفيا ومعناه ايثار الحكمة وهو في لسانهم مركب من فيلا و سوفيا
D
فيلا الايثار و سوفيا الحكمة
والفيلسوف مشتق من الفلسفة وهو على مذهب لسانهم فيلوسوفوس فان التغيير انما هو تغيير كثير من
الاشتقاقات
عندهم ومعناه المؤثر للحكمة
والمؤثر للحكمة
عندهم هو الذي يجعل القصد عن حياته
وغرضه من عمره الحكمة
تعريف الكندي للفلسفة
وقد تحدث الكندى
فيلسوف العرب - عن معنى الفلسفة
وقد كان الكندى متواضعا أنه لم يرد أن يذكر تعريفا شخصيا
وانما ذكر المعاني المتداولة التي أوردها القدماء ولا ينسب الكندي
كل معنى من هذه المعاني الى قائله
•
وربما كان هدفه من ذكر هذه التعريفات جميعها دون الاقتصار على واحد منها - أن يشير الى أن كلا منها لو أخذ منفردا كان قاصرا وأنه باجتماعها يتبين المعنى فى دقة ومن أجل ذلك أضاف الى كل معنى من المعاني الجانب الذي يشير اليه المعنى ذلك ان بعضها يشير الى الاشتقاق وبعضها يشير الى السلوك وبعضها يشير الى العلة وهكذا
•
•
ومهما يكن من شيء فانها - باجتماعها - تعنى بالمعرفة النظرية والسلوك العملي وهى - على كل حال - بحث عقلى وسلوك ارتياضي بید اننا نعجل فتقول ان الكندى لم يسلك السبيل الارتياضي وان كان يقره وانما سلك السبيل المقلى ومثله في ذلك مثل ابن سينا ولنذكر الآن المعاني التي ذكرها الكندي للفلسفة
1 اذا نظرنا الى الاشتقاق فمعناها حب الحكمة ب واذا نظرنا اليها من جهة السلوك الانسانى فانها التشبه بأفعال الله تعالى بقدر طاقة الانسان أرادوا أن يكون الانسان كامل الفضيلة
جـ ويمكن أن ينظر اليها من جهة السلوك الانساني أيضا فيقال انها العناية بالموت
ويقصدون امانة الشهوات فهذا هو الموت الذي قصدوا اليه لأن امانة الشهوات - السبيل الى الفضيلة ولذلك قال كثير من أجلة القدماء اللذة شر !
د وحدوها من جهة مكانتها وحكمة الحكم
فقالوا صناعة الصناعات
هـ وحدوها من جهة معرفة الانسان لنفسه فقالوا و هي
معرفة الانسان نفسه
وارادوا بذلك ان الانسان جسم ونفسر وعرض فاذا
عرف ذلك تماما فقد عرف كل شيء ولذلك
الانسان العالم الأصفر
سمی
الحكماء
و اما حدها التقليدى فهو أنها علم الأشياء الأبدية الكلية انباتها ومائيتها وعللها بقدر طاقة الانسان
وسواء عرفنا الفلسفة بهذا التعريف أو ذاك فاتها على كل حال أعلى الصناعات الانسانية منزلة وأشرفها مرتبة اما تعليل ذلك فيذكره الكندى بقوله
ه لان غرض الفيلسوف فى علمه اصابة الحق وفي عمله العمل
بالحق
سابقا
•
واذا كانت هذه التعريفات تشير الى جوانب كما ذكرنا فان هذه الجوانب متفاوتة فى الشرف والمنزلة وأشرف الفلسفة واعلاها مرتبة - فيما يرى فيلسوفنا - الفلسفة الأولى اعنی علم الحق الأول الذى هو علة كل حق ولذلك يجب أن يكون الفيلسوف التام الأشرف هو المرء المحيط بهذا العلم الأشرف لأن علم العلة أشرف من علم المدلول لأننا انما تعلم كل واحد من المعلومات علما تاما اذا نحن احطنا يعلم علته
اذا كان الأمر كذلك فبحق ما سمى علم الصلة الأولى ه الفلسفة الأولى اذ جميع باقي الفلسفة منطو في علمها واذ هي أول بالشرف وأول بالجنس وأول بالترتيب من جهة الايقن علمية واول بالزمان اذ هي علة الزمان
راينا
أما نحن فنقول انه ليس كل دراسة عقلية تسمى فلسفة فان الرياضيات من المباحث العقلية اليقينية ولا تعد في العصر الحاضر من مباحث الفلسفة
ونحن حينما نتحدث هنا عن الفلسفة فانما نعنى البحث العقلى البحث فيما وراء الطبيعة وفى الاخلاق
•
ونعني بما وراء الطبيعة الالهيات أو ما يسمى في عرف المتكلمين العقائد ونعنى بالأخلاق معناها الشامل الذي يتضمن التشريع الذي يحرم المنكر ويردع الذين يفعلونه
وقد يخالفنا هذا الباحث أو ذاك في هذا الذي نعنيه بالفلسفة ولكننا أحببنا أن نتفق مع القارىء على اصطلاح محدد وفي اطار هذا الاصطلاح يسير بنا البحث ونحن على كل حال نتفق في هذا
التعريف مع كثير من القدماء الأكثرية العظمى من المحدثين ومع
رأى الاستاذ كرسون
يقول الأستاذ اندريه كرسون فى كتابه المشكلة الاخلاقية
والفلاسفة ما يلى
ان الفلسفة بمعناها الخاص قد دارت - ولاتزال تدور -
حول طائفتين أساسيتين من المسائل
1 - المسائل النظرية
ما الكائن
ما أصله
ما المصير الذي ينتظره هو وما تفرع منه
افي طوق العقل الانسانى أن يضع حلولا لهذه المسائل أم أن
ذلك في حكم المستحيل
كل هاتيك المسائل تعتبر مسائل ميتافيزيقية ما وراء
الطبيعة
- المسائل العملية
كيف يجب أن يكون مسلكنا في الحياة !
كيف نربي الناشئين تربية حسنة
ماذا يجب لقيادة الدولة حتى تسير على النهج المستقيم كل هاتيك المسائل عليها تتوقف الاخلاق أو تستمد هي الاخلاق من
وهذا الذي ذكره الاستاذ الدريه كريسون هو راينا الذي نسير على ضوئه في موضوعنا هذا
الجو الفلسفي في الاسلام ان كل من يتصفح تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام يجد مجموعة كبار المفكرين بحثوا في تعمق الموضوعات الفلسفية هذه من وانتجوا فيها انتاجا يتفاوت كما وكيفا بحسب شخصياتهم وبدات هذه المجموعة - في الاسلام - بفيلسوف العرب أبو يعقوب الكندى
وقد نال أبو يعقوب الكندى تقديرا كبيرا ونال شهرة ذائعة في الشرق والغرب وفيه يقول الفيلسوف ان کوردان وهو فيلسوف من فلاسفة النهضة توفى سنة ١٥٧٦ م أن الكندى واحد من اثنى عشر مفكرا هم انفذ المفكرين وأرجحهم عقلا وتفكيرا وانه واحد من ثمانية هم أئمة العلوم
الفلكية في القرون الوسطى وعنه يقول القفطى فيلسوف العرب واحد أبناء ملوكها
ونال جميع فلاسفة الاسلام مثل ما نال الكندى من شهرة
ومن تقدير بيد أن شهرتهم وتقديرهم لم يمنعا أن يكنون لهم
خصوم هم من المكانة بالمنزلة الرفيعة بل أن خصومهم أكثر من انصارهم وعلى رأس خصومهم - المحدثون وعلى رأس المحدثين الامام أحمد بن حنبل ومن خصومهم المتعمقين - الامام ابن تيمية ! على أن الخصم الذى كان لكتابته شهرة لا حد لها وتأثير عظيم هو حجة الاسلام الامام الغزالى صاحب كتاب تهافت الفلاسفة وكلمة تهافت تعنى السقوط والانهيار ! ولكننا نتساءل الآن لماذا كان المحدثون وكثير غيرهم خصوما للفلاسفة وما حكمتهم في ذلك
•
ان موقفهم من الوضوح بمكان وذلك أن موضوع الفلسفة هو نفسه موضوع الدين ان الدين الهيات واخلاق تستند الى الوحى والوحى
معصوم
•
والعقل
والفلسفة الهيات واخلاق تستند الى العقل يخطىء ويصيب وهو حينما يخطىء لا يعلم يقينا انه اخطأ وحينما يصيب لا يعلم يقينا أنه أصاب !
ويقولون أو لسان حالهم يقول
لقد ضمن الله لنا العصمة فى الوحى ولم يضمن لنا العصمة في الآراء العقلية وحينما أخذ المتفلسفون يترجمون كتب اليونان وغيرهم قال معارضو الفلسفة اذا كان ما عند اليونان في العقائد حقا فعندنا ما هو أحق منه وهو عقائد الاسلام لأنها بالأسلوب الالهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ونحن اذن في غنى عن
عقائدهم ! واذا كان ما عندهم باطلا فتحن في غنى عن الباطل !
1
وكذلك كان موقفهم من الاخلاق بمعناها العام ان كانت اخلاق انيونان فاضلة فعندنا ما هو أفضل منها وأم تتم مكارم الاخلاق الا في العهد الاسلامي انما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق
وان كانت اخلاق اليونان فاسدة فنحن نعوذ بالله من كل
فساد
وعارضوا الترجمة في الجانب الالهى وعرضوها في الجانب الاخلافي ولكنهم لم يعارضوها في جانب العلوم المادية وانما شجعرا عليها مثل الطبيعة والكيمياء والفلك وعارضوا التفلسف بكل ما أوتوا من قوة
ولكن التيار الفلسفي استمر في المجتمع الاسلامي واذا كان قد تهافت في المشرق بتأثير حجة الاسلام فانه قد ازدهر في المعرب على لسان ابن باجه وابن طفیل وابن رشد
تبرير ابن طفيل للموقف الفلسفي
اما تبرير الفلاسفة لموقفهم فى مواجهة معارضة خصومهم فانه بلخصه ما كتبه ابن طفيل فى رسالته حي بن يقظان وما كتب ابن طفيل رسالته هذه أو قصته الا ليبرر موقف الفلاسفة ويشد من أزرهم بالنسبة لما يعترض عليهم به من مخالفة الفلسفه للدين و تحرى ابن طفيل فيما كتب اربعة اهداف
1- هل يصل الانسان بعقله الى اثبات وجود الله تعالى والي رسم طريق للسلوك يرضى عنه الله سبحانه
هل يصل الانسان روحيا الى القرب من الله تعالى والى المعرفة عن طريق مباشر أو بتعبير آخر هل الطريق الصوفي طريق موصل وان كان ابن طفيل لم يستعمل كلمة تصوف - هل يلتقى الطريق العقلى والطريق الروحي في انسجام لا اختلاف فيه
11
- هل يلتقى ذلك كله ومبادى الوحي أو الطريق والديني في
تناغم ووحدة وائتلاف
ومن أجل الاجابة على هذه الأسئلة كتب ابن طفيل قضنة خيالية عقلية لطيفة
انها قصة طفل نشأ فى جزيرة طفولته الأولى واخذ ابن طفيل يتدرج معه في تطوره الجسمى الى أن اكتمل جسميا وأخذ يتدرج معه فى تطوره العقلى من فكرة الى فكرة ومن مبدأ الى مبدأ حتى وصل الفتى الى اثبات وجود الله بطريق العقل المحض والحق أن ابن طفيل كان بارعا في تسلسله بالأفكار والمبادىء إلى أن انتهى الى غايته وهى أن الانسان يستطيع بعقله أن يثبت
وجود الله
وبدا فتانا يفكر فرأى أن كل موجود يمكن الاتصال به على وضع يلبق به فاخذ يفكر في كيفية الاتصال
ونحب أن ندع ابن طفيل نفسه يتكلم انه يرى أن هناك رتبة من المعرفة ينتهى اليها بطريق العلم النظرى والبحث الفكرى وهذه الرتبة تعتبر طورا من أطوار حي بن يقظان
فانه بعد أن شب وترعرع وبلغ دور التمييز وانتهى الى مرحلة التعقل والاستدلال والبرهان - أدرك بطريق النظر حقيقة الجسم وأنه متناه وأدرك أبدية العالم وحصلت عنده فكرة نظرية عما وراء الطبيعة واستقام له الحق بطريق البحث
والنظر
فلما انتهى من هذه المرحلة بدأ في المرحلة الثانية
مرحلة الوصول الى الحكمة بطريق الرياضة
وكان مما يقوم به من الارتياض
۱
ا انه كان يلازم الفكرة فى الوجود الواجب الوجود نم يقطع علائق المحسوسات ويغمض عينيه ويسد اذنيه ويضرب جهده عن نتبع الخيال ويروم بمبلغ طاقته الا يفكر في شيء سواه ولا يشرك به احدا ويستعين على ذلك بالاستدارة على نفسه وبالاستحثاث فيها فكان اذا اشتد في الاستدارة غابت عنه جميع المحسوسات وضعف الخيال وسائر القوى التي تحتاج الى الآلات الجسمانية وقوى فعل ذاته التي هي بريئة من الجسم
فكانت فكرته في بعض الأوقات تخلص عن الشوب ويشاهد بها الموجود الواجب الوجود
تم تكر عليه القوى الجسمانية فتفسد عليه حاله ونرده الى أسفل السافلين فيعود من ذي قبل فان لحقه ضعف يقطع به عن فرضه تناول بعض الأغذية بحسب شرائط معينة ثم انتقل الى شانه !
تم راى ان الحركة من أخص صفات الأجسام وكان يريد طرح أوصاف الجسمية عن ذاته فأخذ يقتصر على السكون في مفاوته مطرقا غاضا بصره معرضا عن جميع المحسوسات والقوى الجسمانية مجتمع الهم والفكرة في الموجود الواجب
الوجود وحده دون شركة
فمتى سنح لخياله سانح سواه طرده من خياله جهده و دافعه وراض نفسه على ذلك وذهب فيه مدة طويلة بحيث تمر عليه عدة ايام لا يتغذى فيها ولا يتحرك !
ربما كانت تغيب عن ذكره
وفي خلال شده مجاهدته هذه و فكره جميع الأشياء الا ذاته فانها كانت لا تغيب عنه في وقت استغراقه بمشاهدة الموجود الأول الحق الواجب الوجود فكان
يسوءه ذلك ويعلم أنه شوب فى المشاهدة المحضة وشركة في
الملاحظة
ومازال يطلب الفناء عن نفسه والاخلاص في مشاهدة الحق حتى تأتى له ذلك وغابت عن ذكره وفكره السموات والأرض وما بينهما وجميع الصور الروحانية والقوى الجسمانية وجميع القوى المفارقة للمواد والتى هى الذوات العارفة بالموجود الحق وغابت ذاته فى جملة تلك الذوات وتلاشي الكل واضمحل وصار هباء منثورا ولم يبق الا الواحد الحق الموجود الثابت الوجود وهو يقول بقوله الذى ليس معنى زائدا على ذاته
لمن الملك اليوم الله الواحد القهار 1
فقهم كلامه وسمع نداءه ولم يمنعه عن فهمه كونه لا يعرف الكلام ولا يتكلم واستغرق في حالته هذه وشاهد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وكان كل ما وصل اليه ابن طفيل عن طريق الرياضة منسجما
تماما
فيما يزعم
وما وصل اليه عن طريق العقل
تبرير ابن سينا
وابن طفيل في هذا يسير على نمط سار فيه ابن سينا من قبله وهذا التوافق بينهما بالغ الأهمية انهما من كبار المفكرين و یکاد فكرهما يكون متطابقا تماما فى أن العقل الانساني يصل الى الله بالدليل والبرهان وفى أن القلب الانساني يصل الى الله بالرياضة الروحية العبادة صلاة وصياما وذكرا لقد أثبت أبن سينا وجود الله بالمقل ودليله المرتكز على الامكان والوجوب معروف مشهور أما جانب الرياضة الروحية فيقول عنها في كتابه الذي كان
۱ سورة غافر الآية ١٦
١٤
يعتز به كثيرا والذى الله في أواخر حياته وهو كتاب الاشارات ثم اذا بلغت به الارادة والرياضة حدا ما عنت کا خاسات
من اطلاع نور الحق لذيذة كانها بروق تومض اليه ثم تخمد عنه ثم انه تكثر عليه هذه الغواشي اذا أمين في الارتياض فكلما لمح شيئا عرج عنه الى جناب القدس فيذكر من أمر أمرا فيغشاه غاش فيكاد يرى الحق في كل شيء
ثم انه لتبلغ به الرياضة مبلغا ينقلب له وقته سكينة فيصير المخطوف مألوفا والوميض شهابا بينا وتحصل له معارفه مستقرة كانها صحبة مستمرة
الى ما وصفه - على حد تعبير ابن طفيل من تدرج المراتب وانتهائها الى النيل بأن يصير سره مرآة مجلوة يحاذى بها شطر
الحق
وحينئذ تدر عليه اللذات العلا ويفرح بنفسه لما يرى بها من اثر الحق ويكون له فى هذه المرتبة نظر الى الحق ونظر إلى نفسه وهو بعد متردد ثم انه ليغيب عن نفسه فيلحظ جناب القدس فقط وان لحظ نفسه فمن حيث هي لاحظه وهناك يحق الوصول ! ونعود الى بن طفيل
انه بعد أن وصل الى الله بطريق العقل وبطريق الرياضة الروحية - تأمل فى ثمرة الطريقين فوجد أن نتيجتها واحدة وأنهما لا يختلفان الا فى درجة الوضوح وأبان عن ذلك وبذلك يكون قد وصل الى الاجابة عن السؤال الثالث
وأتاحت المصادفة لحي بن يقظان أن يلتقى هو ورجل يدين بدين منزل صحيح وتفاهما في كل ما وصل اليه عقله وما وصل اليه
قلبه فوجد التطابق التام
e
الدين
ووصل ابن طفیل برسالته اللطيفة الحجم الى كل ما كان يرجو أن يصل فيه الى جواب صحيح يرضى العقل ويرضى وكانت آمال وأماني فلاسفة الاسلام الوصول - عن طريق المحاولات العقلية المستمرة - الى التوفيق بين الدين والفلسفة والفلسفة في الفكر الاسلامى اذن تحاول جاهدة أن تعلن في نوع من الدعاية المزخرفة أنها تتفق مع الدين فيما أتى به الدين وأنها لا تختلف هي والدين في مبادئها
وعند كل فيلسوف في الاسلام وعند كل مؤرخ للفلسفة الاسلامية فقرات و فصول بعنوان التوفيق بين الدين والفلسفة سواء ا كان هذا العنوان ظاهرا أم مستورا
انجحت الفلسفة في هذا ام اخفقت
·
ومن أجل الاجابة عن هذا السؤال نحب أن نتحدث أولا عن
الجو الذي نشأت فيه الفلسفة
الجو الذي نشأت فيه الفلسفة
•
انها نشأت عند قدماء اليونان قبل الميلاد وكانت اليونان فيما قبل الميلاد بقرون تدين بدين وثني كانوا يؤمنون بمجموعة من الآلهة قابلة للزيادة عن طريق الزواج والتناسل ! وهي آلهة تحب وتبغض وتتنازع وتتشاحن ويحاول بعضها أن يعتدى على الأعراض وعلى السلطان وهي في نزاع مستمر ثم هي تحابي من البشر من يقدم لها القرابين والأضاحي ! وتخذل من لم يفعل ذلك ! وكانت في مستواها الأخلاقي العام بعيدة الكمال والفضيلة وكان الألف والتكرار والتعود يجعل هذا الوضع للآلهة وضعا عاديا لا يثير نقدا ولا استنكارا ! بيد أنه نشأ في القرون الخامس والرابع والثالث قبل الميلاد في بلاد اليونان مجموعة كثيرة من المفكرين النابهين بل من العباقرة
من
و فكروا وتأملوا ونقدوا واستنكروا وانفصلوا عن الدين يعلنون ذلك في صخب او في هدوء وفي كثير من الأحيان يسرون ذلك ويخفونه فى نفوسهم ولكنهم على اى وضع كانوا الفوا مذاهب آمنوا بها واعتقدوها مذاهب بشرية لم تؤسس على وحى وام ينزلها الله على لسان أنبيائه ورسله !
الفوا مذاهب تتصل بالله سبحانه وبالآخرة وبالسلوك الانساني
الذي يجب ان يلتزمه الانسان
انها مذاهب مؤسسة على العقل عنه تصدر ومنه تنبع وعليه تقوم
ان العقل ينشئها ويسير معها خطوة فخطوة حتى يصل بها في تدرج - الى غايتها انها مذاهب عقلية انها مذاهب بشرية انها في المستوى البشرى
واذا كانت أسطورية الدين اليوناني هي التي دفعت هؤلاء المفكر بن الى ما اقدموا عليه فان الأمر لم يكن كذلك فيما قبل كان الوضع فيما قبل التفرقة بين مجالين من مجالات المعرفة
مجال المعرفة الحسية وهو مجال آلات المعرفة فيه الحواس وموضوعه المادة والعقل يجول فيه مستنبطا ومستنتجا فيؤلف فيه ويركب ويعيد تأليفه وتركيبه ويستخرج قوانينه وقواعده فتكون الحضارة ويكون العلم بمفهومه الغربي الحديث او بمفهومه الكونى المادى طبيعة وكيمياء وفلك
مجال المعرفة الروحية والأخلاقية وهو مجال ليست
الحواس مصدره وليس العقل ومنشئه او مبتدعه وانما مرده
الى الوحي ينزله الله على السنة من يصطفيهم لحمل الرسالة من
خلفه انه من اختصاص الله تعالى ببینه على السنة رسله
وسار الأمر على هذه الكيفية الى العهد اليوناني القديم فخاض الانسان فى مجال الحس - وهو اختصاصه وخاض في مجال الروح بعقله وليس للعقل في مجال الغيب الا محاولة الفهم اذ التقرير والبيان في هذا المجال ليس للانسان وليس من اختصاصه !
وجاءت المسيحية فردت الأمر الى حالته الطبيعية عالم الحس للانسان أن يفكر فيه ويستنبط وعالم الروح ليفهمه الانسان عن طريق الوحى
ولكن التيار الفلسفي اليوناني غزا - على استيحاء شديد في اول الأمر - الجو المسيحى واخذ مكانته شيئا فشيئا بين المفكرين الغربيين فنشأ فيهم الفلاسفة ونشات في أجوائهم الفلسفة ولكن مكانة القساوسة كانت قوية مسيطرة وكانت الفلسفة منهجا مبتدعا وفكرا عقليا بجوار الوحى
فاخذ فلاسفة العرب يحاولون التوفيق بين المسيحية والفلسفة ويعلنون أنه لا خلاف بين الدين والفلسفة ! واذا قرات دیکارت تجده كانه كان يمشى على الشوك وهو يتفلسف محاولا ما استطاع الى ذلك سبيلا مداراة القساوسة وعلماء الدين والجو العام الفلسفي اذن يعلن فى مجاملة بالغة - أنه يؤيد الدين ولا ينحرف عنه وأنه يقدم انتاجه ويعرضه على علماء الدين متقبلا ملاحظاتهم التي يوليها عنايته الفائقة وكان هذا ديكارت وغيره
موقف
وجاء الاسلام يهدى للتي هي أقوم وليخرج الناس من الظلمات الى النور وليقود الانسانية نحو مرضاة الله تعالى ووضع الامبوان
في نصابها مبينا باسلوب لا لبس فيه - ان المقيدة والإحلاة ونظام المجتمع والتشريع من امر الله تعالى وقد شاءت وحده سبحانه آن للإنسانية طريفها المعصوم فى كل ذلك فارسل الرحمة المهداة خاتم النبيين محمدا صلى الله عليه وسلم
ير
يقول الله تعالى
الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا فيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا مالهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم ان يقولوا الا كذبا
ولكن الفلسفة اليونانية دخلت على استحياء – في عهد المنصور - وقوى جناحها في عهد المأمون واصبح فى الامة الاسلامية فلاسفة
سمات الفلسفة
والآن نتساءل ما السمات العامة للفلسفة
وانه لا يتأتى أن نحدد في صورة مقنعة الصلة بين الفلسفة والحقيقة نفيا أو اثباتا قبل تحديد سماتها العامة فما هذه
السمات
السمة الأولى
والسمة الأولى من هذه السمات وهى اهمها وتعتبر كالمنبع الذي منه تفيض السمات الأخرى هي أن الفلسفة لا مقياس لها للتفرقة بين الحق والضلال بين الصواب والخطا فاذا اختلف فيلسوفان في أمر من أمور الفلسفة فانهما لا يجدان مقياسا يرجعان اليه للحسم بينهما في موضوع الخلاف
19
أما في العلم فان المقياس هو التجربة فاذا اختلف عالمان في أمر كوني رجعا الى التجربة وهى تعلن في صراحة مشاهدة خطا هذا وصواب ذاك
ما هو - في عالم الفلسفة - الذى يجرى مجرى التجربة في مجال العلم لا شيء
·
ما الذى يحسم الخلاف في عالم الفلسفة لا شيء !
ما هو المرجع من أجل الاتفاق فى عالم الفلسفة لا مرجع ! ولقد شعر الفلاسفة بذلك فقام اثنان من كبار عباقرة الفلسفة بمحاولة لايجاد هذا المقياس وهما أرسطو في الماضي و ديكارت في العصور الحديثة ولقد اخفق كل منهما اخفاقا تاما
کاملا !
يسمى
ونبدا الحديث عن أرسطو - ولا ننسى اننا في عالم الالهيات مجال الفلسفة الرئيسي لقد فكر أرسطو و قدر ثم فكر و قدر وخرج على العالم بما المنطق الأرسطي أو المنطق الصوري واخذ هذا المنطق في عالم الفكر الفلسفي مجالا من الشهرة والعناية لا حد له واخذ في الجو الاسلامى شهرة ذائعة الصيت وتبناه جميع فلاسفة الاسلام ابتداء من الكندى فى الشرق الى ابن رشد في المغرب !
ولكن كثيرا من المسلمين ذوى الأصالة فى الفكر الإسلامي أبانوا في وضوح أن المنطق الأرسطى منهار وأنه متهافت وان الخلل في جوهره واركانه وأنه خلل لا يصلح !
وكان من هؤلاء ابن تيمية الذى كتب كثيرا في نقد المنطق ونقضه لقد كتب فى ذلك كتبا وكتب فى ذلك فقرات منثورة هنا وهناك
في خلال كتبه الكثيرة وفتاواه المستفيضة !
و ممن كتب في نقد المنطق ونقضه - ابن حزم والمحدثون جميعا لا يجد المنطق عندهم ترحابا ولا قبولا ! وقد كتبنا نحن ننبه على ان المنطق لا يحسم خلافا ولا يفصل حقا عن باطل ومما كتبناه فى المنهج الحديث والمنهج الأرسطي ما يلي
ان المقياس بالنسبة لمعرفة الحق هو
1 الاستقراء
ب القياس
اما الاستقراء - وهو اساس المفهومات العامة والقضايا الكلية
قانه
- مبنى كله على الحس انه استقراء محسات انه تتبع نطاق الواقع
جزئيات لا تخرج عن
أما الالهيات فهو برىء من البحث فيها كل البراءة لأنها لا تدخل في دائرة اختصاصه فهو عاجز عن أن يخترق الحجب ليصل الى ما وراء الطبيعة
٢ - ثم ان الاستقراء تام وناقص والتام - كما يعترف المناطقة - لا غناء فيه ولا فائدة !
وهو
أما الناقص وهو المهم في نظرهم فانه - في رأيهم ـ ظني لذلك - عرضة للتغيير فى كل آونة كل معدن يتمدد بالحرارة هذه قضية من قضايا الاستقراء أنها قضية عامة شاملة ولكن المعادن لم تكتشف - بعد ـ باكملها !
ومن الجائز أن يكتشف فى الغد معدن لا يتمدد بالحرارة أنها اذن قضية مؤقتة ظنية تتبرا من اليقين الفلسفي
•
والعلم - كما يقول احد المفكرين - لا يعرف الكلمة الأخيرة
في مسألة مسائله وانما حقائقه كلها اضافية موقوتة لها من قيمتها حتى يكشف البحث عما يزيل هذه القيمة أو يغيرها وهكذا قضايا الاستقراء أنها
خاصة بالطبيعة ولا شأن لها بما وراءها
٢ - ظنية لا تعرف اليقين !
أما القياس
فانه مبنى على الاستقراء اذ هو منطو دائما على كلية
كلية استقرائية وما دامت قضايا الاستقراء ظنية كما رابسا - فنتائج القياس ظنية كذلك وميدانها
و ميدانها المحسات
المحسات
٢ - ان المناطقة لا يشترطون فى مقدمات القياس أن تكون مسلمة صادقة فى نفسها وأنما يشترطون أن يسلمها المتجادلون فحسب وقد تكون - كما يقول صاحب البصائر النصيرية - منكرة كاذبة في
نفسها وفى هذه الحالة يكون القياس صحيحا ونتيجته باطلة ! واذا كان الأمر كذلك فما فائدة القياس ما قيمته اذا كان لا يعول فيه الا على ان تكون المقدمات مستوفية لشروط الانتاج بحيث تستلزم النتيجة وان لم تطابق النتيجة الواقع
ما قيمته اذا كان لا يحفل بصدق النتيجة أو كذبها
انك اذا قلت الكثير من العلم يؤدى الى الاستقلال الفردي وكل ما يؤدى الى الاستقلال الفردى مضر بالمجتمع فالكثير من
العلم مضر بالمجتمع - كان هذا قياسا صحيحا في نظر المناطقة
•
واذا قلت ان الكثير من العلم يؤدى الى التماسك الاجتماعي وكل ما يؤدى الى التماسك الاجتماعي مفيد للمجتمع فالكثير من
العلم مفيد للمجتمع - كان هذا ايضا فياسا صحيحا عند المناطقة ذلك فالنتيجتان متعارضتان ! ومع
- ومع كل هذا فلقباس استدلال دوری فاسد العلم بالنتيجة في نحو قولنا محمد انسان وكل انسان ناطق فمحمد ناطق متوقف على العلم بالكبرى والعلم بالكرى متوقف على العلم بالنتيجة لانك لا تستطيع أن تحكم بالناطقية على جميع افراد النوع الانساني الا اذا تيقنت نوت الناطقة لمحمد ولو كنت فى شك من ذلك لما استطعت تعميم الحكم على جميع أفراد الانسانية واذن تكون الكبرى متوقفة على النتيجة وتكون النتيجة متوقفة على الكبرى وعلى ذلك يكون القباس استدلالا دور با فاسدا فلا يعول عليه !
- واخيرا فالمفروض أن نتيجة القياس جديدة كل الجدة فانها استنتاج مجهول - هو النتيجة - من معلوم هو المقدمات ولكن النتيجة متضمنة في المقدمات انها ليست مجهولة والقياس اذن لا يؤدى الى معرفة جديدة أو الى استنتاج مجهول من معلوم أنه - اذا اردت الدقة استنتاج معلوم من
معلوم !
تلك هي موازين العقل وهى موازين لا غناء فيها ولا جدوى منها فيما يتعلق بالالهيات ! العقل اذن قاصر فيما يتعلق بالأخلاق وهو قاصر على الخصوص فيما يتعلق بالالهيات !
هنا كانت الحكمة في نزول الأديان ومن
ومن هنا كان السبب في اقتصارها على الاخلاق والالهيات واذا كانت قد تحدثت فى التشريع فان التشريع داخل في
نطاق الاخلاق
اخفق اذن منطق ارسطو واستمر الاختلاف بين الفلاسفة كما كان من قبل واستمر الخلاف حتى بين المناطقة الأرسطبين - الكبار
منهم والمغمورين - بل حدث الاختلاف بين تلاميد ارسطو نفسه
وهم أتباع مدرسة واحدة هي المدرسة الأرسطية
ومرت العصور وتوالت القرون وجاء دبکارت وبدا دیکارت يتفلسف على استحياء وعلى حذر بالغ فما كان جو زعماء المسيحية في الغرب اذ ذاك يوحى بالاطمئنان والسكينة لقد كان جوا رهيبا يؤاخذ على الظنة وينكل على الشبهة لا يتحرى عدالة ولا يستشعر رحمة !
وأخذ ديكارت يتحسس طريقه فى حيطة بالغة مداريا مجاملا مادحا متواضعا !
وذات يوم أعلن أنه عثر على المنهج المعصوم !
وانه على أساس من هذا المنهج سيقود الانسانية الى الحق ! ورأى أن هذا المنهج صالح للكشف عن الحق في الكون وفيماوراء الكون في الطبيعة وفيما وراء الطبيعة ! وكان من سخرية الزمن أن التجربة اظهرت خطاه في اثناء حياته
وأن الخلاف استمر حول آرائه فى الالهيات وآراء معاصر به وآراء من قبله كما كان الأمر من قبل أن يولد منهجه واخفق منهج ديكارت كما اخفق من قبل منهج أرسطو !
وبقيت الحقيقة التي لا شك فيها وهي أن الفلسفة
لا مقياس لها !
هذه هي السمة الأولى
السمة الثانية
•
ما دامت الفلسفة لا مقياس لها فهى اذن ظنية أنها ظنبة وان عجنت بمنطق ارسطو الذى اخفق وهى ظنية وان خبزت بمنهج
٢٤
ديكارت الذى لم ينفع فى قليل ولا فى كثير انها ظنية لأنه لا يتالي
بين الحق والضلال وستستمر
ان تفرق فيها - ولا مقياس
هكذا الى الأبد
السمة الثالثة
ما دام لا سبيل الى اليقين في موضوعات الفلسفة فان من البدهى أن و اختلاف الآراء فيها دائم
وهذا هو الواقع حينما يتصفح الانسان الفكر الفلسفي عبر القرون ان الاختلاف والجدل دائم مستمر منذ ان نشأ الفكر الفلسفي ! انهم يختلفون حتى في المدرسة الواحدة !
وانظر مثلا الى مدرسة سقراط فستجد تلاميذه يقرون باستاذيته في احترام بالغ وفى تبجيل يشبه التقديس ! فاذا جئت الى آرائهم في الالهيات أو في الاخلاق - فستجد الاختلاف والافتراق الاختلاف والافتراق بينهم وبين أستاذهم والاختلاف والافتراق بين بعضهم وبعض !
بل ان الأمر يصل بالشخص الواحد الى أن يختلف هو ونفسه بحسب تطور حياته او اختلاف بيئته أو اختلاف ما يقرأ من مصادر ثقافية
•
وكل هذا واضح عبر العصور
ومن غرائب الأمور أن الفلاسفة يعلمون ذلك علما يقينيا ويعلمون ان كل فيلسوف أتى من قبلهم هدم آراء سابقيه جميعا انه لم يعترف بوصول احدهم للحق أنه يخطتهم جميعا ولو لم يكن الأمر كذلك لاخذ بآرائهم واكتفى بما حبروه أو بما انشاه أحدهم من قبل !
- ٢٥
ولكنه
مین علمه بأن الفلسفة دائما الى نقد ونقض مانه لا يابه بهذه المعرفة ويقيم مذهبه على انقاض مذاهب سابقه فياتي من بعده ويهدمه ويقيم مذهبا ماله السقوط وهكذا دواليك السمة الرابعة
وما دام الاختلاف مستمرا فان المسائل التي هي موضوع
الفلسفة تستمر هي هي !
ان مسائل الفلسفة لم تتغير على مر الدهور
ما مسائل الفلسفة انها
الله سبحانه وصفاته وصلته بالعالم خلقا وتصريفا وصلته بالانسان قربا وتوجيها والبعث وكيفيته وهل هو بالزوح فحسب
أو هو بالروح والجسد
والخلق الكريم الذي يمثل الفضيلة والكمال
والخلق السيء الذي يمثل الشر والفساد
والنبوة والصلة بالله عن طريق الوحى اثباتا وانكارا
ثم هل المعرفة ممكنة وفى كل هذه الموضوعات الكبرى وغيرها مما يتصل بها اختلف الفلاسفة وما زالوا واستمرت هذه المسائل على مدى سبعة وعشرين قرنا تقريبا منار بحث وجدل الى الآن لم يصل الفلاسفة في واحدة منها اليقين ولم توضع واحدة منها موضع الاتفاق !
السمة الخامسة
منها التي
ان الاختلاف في مسائل الفلسفة لبس اختلافا في الايجاب نحسب وذلك انه قد يجوز أن يكون المسألة ما عدة حلول كلها
ايجابية
٢٦
وليس اختلافا في السلب فحسب وذلك انه قد يجوز أن
يكون المسألة واحدة عدة حلول كلها سلبية كلا ! ان الخلف عام في الايجاب وفى السلب وانه ليصل الى الانكار المطلق والى الاثبات المطلق فى كل مسألة وانه ليصل بك أحيانا الى طرق مسدودة ! اتحب ان تعرف شيئا من ذلك
ان الأستاذ البيرريفو يقول في كتابه الفلسفة اليونانية
أما
عن
العقل فان سلسلة الآراء الرواقية المتتالية نفسها
البنت بسهولة انه ليس له قدرة مطلقة حازمة
فهل في أمكاننا أن نعرف عن حبات من القمح متى تكف عن
تكوين اكوام
والى اي حد نثق فى اعتراف الكذاب الذي يعترف بانه کذاب
وعندما نقرر أن دليلا منطقيا هو من الصحة الى الحد المقنع ألا يتعين علينا أن نقيم دليلا آخر على صحة حكمنا بأنه
صحيح ثم على الحكم الأخير وهكذا الى مالا نهاية وكيف يمكن التمييز بين الفكرة الجلية الواضحة وسواها على ان الصور التي نراها في الأحلام تفرض علينا بالقوة المقنعة التي لصور اليقظة نفسها فالوحش الذي يطاردنا في
الاحلام ليس أقل ترويعا لنا من وحوش الغابة ! ثم اذا نظرنا الى المجانين أفلا نجد لديهم أيضا ادراكا واعيا
جليا
- وعندما نجد أنفسنا - بالمصادفة - أمام شيئين متشابهين تماما كورقتى شجرة أو بيضتين أو توامين فأى وسيلة مصطنعة تمكننا من تمييز أحدهما من الآخر
- وحتى فى العلوم الرياضية هل يمكن أن نجد بين قضاياها ما هو جلى بحيث يضطر الشعور الى التسليم نصحته
ومع ذلك فانه اذا كان ذلك يحتمل في الحياة العقلية البحتة - فانه لا يحتمل في الحياة التي تتصل بالسلوك الملح الذى تحت نحتاج الحياة العملية الى الفصل فيه سريعا فما موقعنا النوع وما موقف الفلسفة منه
هذا من
أنها تكتفي في الحياة العملية بالترجيح ! يقول كاريناد ايق ومع ذلك فلابد لكي نحيا حياة عملية من وجود معادل يساوى ما هو قاطع و جازم ثم يقول كاريناد انتا نستطيع أن نجد ذلك المعادل فى الرجحانية ان دراكنا على وجه الترجيح يمكن أن يسمح لنا بالحكم على الأشياء في الأمور العملية بطريقة وضعية
وتصل بك الفلسفة أحيانا الى معقولات يكذبها الواقع أو الى واقع يكا به المنطق المقلى انه واقع مشاهد مع
أتحب أن تتسلى بشيء من ذلك
أن الأستاذ البيرريفو يقول
·
ان التغير بحدث في المكان او فى الزمان واذا تصورنا المكان قابلا للتجزئة الى مالا نهاية فان المتحرك لن يبلغ ابدا قاية سيره مادام ان بقطع اولا نصف المسافة ثم نصف
يلزمه - للوصول اليها
النصف وهكذا دواليك الى مالا نهاية !
السلحفاة
ولن يبلغ أبدا أشيل ذو القدمين السريعتين اذا كانت تسبقه ولو بمسافة ضئيلة ذلك أنه بينما يجتاز نصف هذه المسافة تسقه هى ايضا بمسافة يجب عليه بدوره أن يقطع نصفها على حين تتقدم هي من جديد !
وهناك حجة أخرى تنكر امکان تكوين الكل من اجزاء فان كومة من القمح تحدث عندما ترش على الأرض صوتا يسمع على بعد ومع ذلك فنحن لا نسمع الصوت الذي تحدثه حبة القمح الواحدة وهي تسقط واذا كان الأستاذ البيرريفو موجزا مركزا لا يذكر المسائل في سهولة ويسر فان صاحب قصة الفلسفة بسطها في شيء من الوضوح فيقول متحدثا عن زينون الأيلى
الدليل على بطلان الكثرة
ان كانت الكثرة حقيقة واقعة - ونعنى بالكثرة أن الكون ليس شيئا واحدا بل وحدات كثيرة متراكمة - كان الكون لا متناهيا في الكبر ولا متناهيا في الصغر لأنه مؤلف من وحدات كما فرضت اولا ولابد أن تبلغ تلك الوحدات من الصفر حد اللانها به بحيث لا يكون لها حجم لأنه ان كان للوحدة حجم سقطت عنها صفة الوحدة واصبحت قابلة للانقسام الى وحدات اصغر منها فإذا سلمنا بأن كل وحدة على انفراد لا حجم لها لزم أن يكون الكون الذي يتكون منها لا حجم له كذلك لانه حاصل جمعها ! وكذلك يكون الكون لا متناهيا في الكبر لان له جرما لا شك فيه وكل جرم قابل للانقسام الى جزيئات لا نهاية لعددها ومهما بلغت تلك الجزئيات من الصغر فهى اذا ضربت في عدد لا نهائي كان الناتج كونا عظيما يمتد الى ما لا نهاية !
واذن ففرض الكثرة يؤدى الى نتيجتين متناقضتين لا يسلم بهما معا منطق سليم ! فلم يعد أمامك من سبيل الا أن تنكر انكارا بانا الكثرة وأن تسلم بأن الكون كله شيء واحد لا يقبل التجزئة وأن هذه الأجزاء التي تراها متفرقة - باطلة ليس لها وجود !
الدليل على بطلان الحقيقة
1 اذا اردت ان تقطع مسافة ما فستقطع نصفها الأول ويبقى امامك نصفها الثاني ثم ستقطع نصف هذا النصف ويبغى نصفه الآخر وهكذا ستظل تقطع نصف ويبقى نصف الى ما لا نهاية واذن فلن تصل الى غايتك المقصوده الى الأبد !
ب تسابق رجل وسلحفاة فهب ان السلحعاد تقدمت عشرة امتار قبل أن يبدأ الرجل نظرا لبطء سيرها وكانت سرعة الرجل عشرة امثال سرعة السلحفاة فلما بدا الرجل وقطع عشره الامتار وجد أنها قد تقدمت مترا | ای عشر
السلحفة
التي تفصله عن المسافة التي قطعها هو فلما قطع هذا المتر كانت السلحفاة تقدمت عشر المتر فاذا قطع هذا العشر تكون قد تقدمت جزءا جزء من المتر وهكذا يظلان الى ما لا نهاية فلو ظل
من
مائة
المتسابقان الى آخر الدهر فلن يلحق الرجل السلحفاة اجـ اذا انطلق سهم فى الهواء فلابد أن يكون في أية لحظة زمنية ثاننا في مكان معين لأنه لا يجوز ان يكون في اللحظة الواحدة في مكانين مختلفين ولكن اذا كان السهم فى كل جزء زمنی ساكنا في مكان بعينه لزم أن يكون فى مجموع الفترة الزمنية ساكنا كذلك لان استمرار السكون ينتج سكونا ولا يولد حركة !
من
هذه الأمثلة الثلاثة يتضح أن الحركة مستحيلة وان خيل لنا أنها حقيقة واقعة لانك - كما ترى - ان فرضت حدوث الحركة تورطت في سلسلة من المتناقضات لا تستقيم مع العقل
والمنطق
وان الفكر الفلسفي ليصل بك أحيانا الى انكار السماء والأرض وما بين السماء والأرض ويقول لك ليس فى الوجود - يقينا - غيرك انت وحدك !
"
خر السمات
أما السمة الأخيرة فهي سمة تؤدى اليها لا مناص السمات
السابقة
واذا كانت السمات السابقة يسلم كل منها الى الآخر - فانيا جميعا تتعاون لتؤدى الى هذه السمة الأخيرة
D
هذه السمة الأخيرة هي ان
الفلسفة لا رأي لها !
وقد تكون هذه السمة مفاجأة لبعض الناس كيف يتأتى ان تكون هذه الفلسفة التي ملأت الدنيا صياحا منذ ان نشأت ولم تكف منذ أن شأت للآن عن الصياح لا رأي لها
والأمر ايسر من أن يحتاج الى استفاضة
اما اولا فلان الفلسفة لا رأى لها نتيجة واضحة
لكل ما قدمنا
وأما ثانيا فخذ اى مسألة من مسائل الفلسفة فستجد الآراء التي تنكر والآراء التي تثبت انك ترى الرفض والقبول في كل امر ! والرفض فلسفة ! والقبول فلسفة !
وقد يكون الراى توقفا عن الرفض والقبول وهو فلسفة ! وقد يكون شكا في الرفض وشكا فى القبول في آن واحد وهوا
أيضا فلسفة 1
والشك اما ان يكون شكا في قيمة الآراء التي تعرض نفيا
أو الباتا واما أن يكون شكا في قيمة وسيلة المعرفة نفسها وهى الحواس والعقل وكل ذلك فلسفة في كل مسألة !
واذا نساءت وانت على علم بالجو الفلسفي جو المتاهات والوهم - ما الرأى الفلسفي في هذه المسألة او تلك فستجد كل ما قدمناه ماثلا امامك يثبت لك بما لا مرية فيه انه لا رأى
للفلسفة
وقبل أن نخلص إلى الخاتمة نذكر أمرا في منهج الفكر الفلسفي
فيه عظة وفيه عبرة
محاورة فيدون
ان محاورة فيدون لافلاطون لها أهميتها لأكثر من وجه
منها أنها
{
محاورة بدور البحث فيها حول خلود النفس
وهي
محاورة لا تتعارض فيها أهداف المناقشين وانما تتحد وتتفق ويحب المناقشون أن يصلوا فيها الى نتيجة محببة إلى نفوسهم وهى أن النفس خالدة
- ان الذين يدور بينهم الحوار فلاسفة من الذين لهم وزنهم واعتبارهم واحدهم يسمونه أيا الفلسفة ويسمونه أبا الفلاسفة
المتحاورون ليسوا من مدرسة واحدة وانما هم من مدرستين مختلفتين هما مدرسة سقراط ومدرسة فيثاغورس وهما - وان كانتا متقاربتين - ما من شك في أن جو سقراط
العقلى يختلف هو وجو فيثاغورس الروحي
ولهذا الاختلاف فان اتفاقهما على غاية واحدة اثبات
خلود الروح ومحاولتهما الاستدلال عليها له اهميته
٢٢
الخاصة
بيد أن الأمر الأساسى الهام الذى من اجله نتحدث في هذا الموضوع هو اتفاق المدرستين على أن الوحى فيما يتعلق
بما بعد الطبيعة هو السفينة الأمينة المتينة وأن العقل الالهيات ان هو الاعبارة عن لوح من الخشب اذا قابلته أو اذا وازنته بالوحى ان الوحى سفينة والعقل لوح من
خشب !
لقد كان الحوار يدور بين سقراط والنين من الفيثاغوريين هما سیمیاس و قابس وهما من كبار فلاسفة المدرسة الفيثاغورية وأخذ الجميع يجهدون ذهنهم فى البرهنة على خلود النفس ويقيمون ادلة وتنقسم بعض أدلتهم الى فروع ثم ويسكت سقراط ويسكت الجميع وبعد هنيهة يقول
سیماس
ان العلم بحقيقة مثل هذه الأمور ممتنع او مسير جدا في هذه الحياة ولكن من الجبن اليأس من البحث قبل الوصول الى
آخر مدى العقل فيجب
أما الاستيثاق من الحق
وأما - ان امتنع ذلك
في اجتياز الحياة
كشف الدليل الأقوى والتذرع به
كما يخاطر المرء بقطع البحر على لوح خشب مادام لا سبيل لنا الى مركب أمتن وآمن أعنى الى وحى الهى
وبعد ذلك يعودون الى البحث من جديد حتى
۳۳
يقتنع قابس ويعلن سيماس انه مقتنع أيضا الا أن شعوره المزدوج بعظم المسألة والضعف البشرى يضطره إلى بعض التحفظ بازاء هذه الأدلة على وجاهتها
فيسلم له سقراط بحقه فى هذا التحفظ ويزيد قائلا
بل ان المقدمات انفسها مفتقرة الى بحث أوكد !
أن هناك بحر الالهيات وهناك البحر المائي
وكما أن للبحر المائى آلة عبور هى السفينة ـ فان لبحر الالهيات آلة عبور هي الوحى فاذا استعمل الانسان العقل في عبور بحر الالهيات فانه يكون كانسان يستعمل لوحا من خشب في عبور البحر المائي !
ولكن المضطر - حيث لا وحي ـ يستمسك بلوح الخشب كما يقول سيماس ما دام لا سبيل الى مركب أمتن وآمن أعنى الى وحى الهى ولوح الخشب هنا هو العقل 1 1
رأى الامام الغزالي في الفلاسفة
القدماء
رايتهم اصنافا ورأيت علومهم اقساما وهم على كثرة اصنافهم - تلزمهم وصمة الكفر والالحاد وان كان بين منهم والأقدمين وبين الأواخر منهم والاوائل تفاوته عظيم في البعد عن الحق والقرب منه !
اصناف الفلاسفة وشمول وصمة الكفر لهم كافة
اعلم انهم - على كثرة فرقهم واختلاف مذاهبهم
ثلاثة اقسام
1 يوسف كرم تاريخ الفلسفة اليونانية
نقسمون
الدهريون
والطبيعيون
والالهيون
الصنف الأول الدهريون وهم طائفة من الاقدمين جحدوا الصانع المدير العام القادر وزعموا أن العالم لم يزل موجودا كذلك بنفسه وبلا صانع ولم يزل الحيوان من النطفة والنطفة من الحيوان كذلك كان وكذلك يكون ابدا وهؤلاء هم
الزنادقة
والصنف الثاني الطبيعيون وهم قوم أكثروا تحتهم عن عالم الطبيعة وعن عجائب الحيوان والنباته وأكثروا الخوض في علم تشريح أعضاء الحيوانات
فراوا فيها من عجائب صنع الله تعالى وبدائع حكمته - ما اضطروا معه الى الاعتراف بفاطر حكيم مطلع على غايات من الأمور ومقاصدها ولا يطالع التشريح وعجائب منافع الاعضاء مطالع الا يحصل له هذا العلم الضرورى بكمال تدبير الباني لبنية الحيوان ولا سيما بنية الانسان
العاقلة
غير أن هؤلاء لكثرة بحثهم عن الطبيعة ظهر عندهم - لاعتدال المزاج - تأثير عظيم في قوام قوى الحيوان به فظنوا ان القوة من الانسان تابعة لمزاجه أيضا وأنها تبطل ببطلان مزاجه فينعدم ثم اذا انعدم فلا يعقل اعادة المعدوم كما زعموا فذهبوا إلى أن النفس تموت ولا تعود ! فجحدوا الآخرة وأنكروا الجنة والنار والحشر والنشر والقيامة والحساب فلم يبق عندهم للطاعة ثواب ولا للمعصية عقاب فانحل عنهم اللجام وانهمكوا في الشهوات انهاك الانعام !
وهؤلاء أيضا زنادقة لأن أصل الايمان هو الايمان بالله واليوم الآخر وهؤلاء جحدوا اليوم الآخر وأن آمنوا بالله
وصفاته
D
الصنف الثالث الالهيون وهم المتأخرون منهم مثل سقراط وهو استاذ أفلاطون و أفلاطون وهو استاذ ا ارسطاطالیس و ارسطاطاليس هو الذى رتب لهم المنطق وهذب لهم العلوم وحرو لهم ما لم يكن محررا من قبل وانضج لهم ما كان نجا من علومهم
و هم بجملتهم ردوا على الصنفين الأولين من الدهرية والطبيعية وأوردوا فى الكشف عن فضائحهم ما اغنوا به غيرهم وكفى الله المؤمنين القتال بتقاتلهم
نم رد ارسطاطاليس على أفلاطون و سقراط ومن
كان قبله من الالهيين ردا لم يقصر فيه حتى تبرأ عن جميعهم الا أنه استبقى أيضا من رسائل كفرهم وبدعتهم بقايا لم يوفق للنزوع عنها فوجب تكفيرهم وتكفير شيعتهم من الاسلاميين كابن سيناء والفارابي وأمثالهما !
المنفلسفة
متفلسفة
على أنه لم يقم بنقل علم أرسطاطاليس أحد من الإسلاميين كقيام هذين الرجلين وما نقله غيرهما ليس بخلو تخبيط وتخليط يتشوش فيه قلب المطالع حتى لا نفهم وما
لا يفهم كيف يرد او يقبل
أوس
و مجموع
من
ما
عندنا
فلسفة
صح
من
طاطاليس بحسب نقل هذين الرجلين ينحصر في ثلاثة
اقسام
قسم يجب التكفير به
•
وقسم يجب التبديع به
•
- وقسم لا يجب انکاره اصلا فلنفصله
•
ولكن مجموع ما غلطوا فيه يرجع الى عشرين اصلا بب تكفيرهم في ثلاثة منها وتبديعهم في سبعة عشر ولابطال مذهبهم في هذه المسائل العشرين صنفنا كتاب
التهافت
أما المسائل الثلاث فقد خالفوا فيها المسلمين كافة وذلك
في قولهم
ا - ان الاجساد لا تحشر وانما المثاب والمعاقب هي الأرواح
المجردة والمثوبات والعقوبات روحانية لا جسمانية ! ولقد صدقوا في اثبات الروحية فانها كائنة أيضا ولكن
كذبوا في انكار الجسمانية وكفروا بالشريعة فيما نطقوا به !
٢ - ومن ذلك قولهم أن الله تعالى يعلم الكليات دون
الجزئيات وهذا أيضا كفر صريح بل الحق انه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض
- ومن ذلك قولهم بقدم العالم وأزليته فلم يذهب أحد من المسلمين الى شيء من هذه المسائل
وأما ما وراء ذلك من نفيهم الصفات وقولهم انه عليم بالذات لا يعلم زائدا على الذات وما يجرى مجراه - فمذهبهم
فيها قريب من مذهب المعتزلة
oooooooo000
وقد يتساءل انسان اذا كان الأمر كذلك فلم اتنشرت العلوم
الفلسفية في العالم الاسلامي
يقول فى ذلك الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه سنة ٦٨٧
بعد احد التثار بغداد - عمل الخواجا نصير الطوسي الرصد وعمل دار حكمه فيها فلاسفة لكل واحد فى اليوم ثلاثة دراهم ودار طب فيها للحكيم در همان وصرف لأهل دار الحديث لكل محدث نصف درهم في اليوم ومن ثم فشا الاشتغال بالعلوم الفلسفية وظهر
الامم الغزالي والفلسفة
والفلسفة التي تعنيها هنا انما في المحاولات المستمرة التي بدأت منذ العهد اليونانى القديم ولا تزال - لبناء ما وراء الطبيعه على العقل انها هي المحاولات العقلية لاختراع ما وراء الطبيعة وابتدامه بحيث يأخذ العقل حريته في الاثبات والنفى غير متأثر الاسمه بيسه هو التي يفرضها واذا كان العقل قد اشتغل بالطبيعة والرياضيات واذا كانت الطبيعيات والرياضبات قد ادخلت في فان الهدف الأول للامام الغزالي انما هو
الفلسفة كأجزاء لها
جانب ما وراء الطبيعة
•
ومما لاشك فيه أن العقل قد انتج ثمارا بائعة في الطبيعيات والرياضيات لقد أقام القواعد المحكمة ونظم المبادىء المتقنة وانتهى به الأمر الى ان شيد الطبيعيات والرياضيات على اسس متينة وكان الأمر كذلك في هذين الميدانين لأن العقل يعمل في دائرة اختصاصه ودائرة اختصاصه انما هي الماديات والمحسوسات أو ما يتمثل فيهما حينما يوجد خارج الذهن
کالرياضيات
وغر هذا النجاح فوما فاعتقدوا أن فى استطاعة العقل أن يجول في كل ميدان في استطاعته أن يجول فى الطبيعة وفى ما وراء الطبيعة ! في العالم وفى ما وراء العالم ! فى المادة وفى المجردات ! في
۳۸
عالم الشهادة وفى عالم الغيب ! وكانت النتيجة ان أقدموا العقل في عالم ما وراء الطبيعة فكايت الفلسفة الالهية العقلية وكان الاخفاق التام للعقل في هذا الميدان ! وهذه الفلسفة العقلية التي تبحث في الغيب انما هي انحراف عن الطريق المستقيم وهذا الانحراف حديث العهد نسبيا فهو يقتدى كما قلنا بالعهد اليونانى وأشهر من تولى أمره في ذلك العهد انما هو ارسطو
بمعر
وأرسطو هذا الذي يعتبره بعض المؤرخين أكبر عقلية فلسفية ظهرت على وجه التاريخ - هو أيضا أشهر الذين انهار مذهبهم في عالم ما وراء الطبيعة ! وكان اخفاق عقله هذا الكبير فيما يختص فة الغيب من أوضح الأدلة على أن عالم الغيب أسمى من ان يتناوله العقل البشرى الخطاء ولقد كانت الاعتراضات على مذهبه قوية عامة شاملة حتى أن تلاميذه دب الياس في نفوسهم من اقامة عالم ما وراء الطبيعة على أساس العقل فلم يمكنهم أن يردوا على الاعتراضات ورأوا انه اذا كان أستاذهم قد أخفق هذا الاخفاق في عالم الغيب فانهم سيخفقون من باب اولى لو حاولوا اقامة مذهب في الالهيات جديد ! يقول الأستاذ سانتلانا بعد أن ذكر الاعتراضات على مذهب أرسطو
ان ذلك حمل التلامذة بعد موته على الاياس ما الالهيات والتفرغ الى علم الطبيعة وعلم الاخلاق اختصوا بهما في القرن الثالث قبل الميلاد حتى لقبوا بالطبيعيين ولا سيما شيعة ناو فرسطيس و استوالون اللذين خلفا أرسطو في رئاسة دار العلم و التي كانت للمشائين يأتينا
D
انصرف اذن تلاميد ارسطو - يائسين - عن عالم ما وراء الطبيعة الى عالم الطبيعة والأخلاق واذا كان مذهب زعيم العقليين
۳۹
قد انهار فمن باب أولى أن ينهار مذهب غيره ممن هم اقل منه ولكن هذا الانهيار المتتابع للمذاهب العقلية فى الالهيات لم يصرف الناس عن هذا النمط من المحاولات التي مالها دائما الاخفاق !
وتتابعت هذه المحاولات فى الشرق والغرب الى عهد الامام الغزالي
وراى الامام الغزالي ببصيرته النقادة وبحدسه الملهم - ان هذا الطريق الذي انحرفت اليه الفلسفة وسارت فيه انما هید طريق مسدود ولابد أذن من محاربة هذا العبث الذي يسمونه الفلسفة العقلية لابد من محاربته لأسباب عدة فهو اضاعة الوقت وهو تشكيك للبشرية وزعزعة للايمان وليس له من نتيجة الا التفرق والاختلاف وتوهين المقدسات !
على انه اذا كان يلتمس لليونان العذر في معالجة هذا الموضوع لعدم وجود الوحي المعصوم الذي يهديهم الطريق وينير لهم الجادة فليس هناك من عذر للمسلمين وبين ايديهم رسالة السماء ممثلة في القرآن 1
وهو كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير
ا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وقد تكفل الله بحفظه انا نحن نزلنا الذکر وانا له لحافظون
ليس للمسلم اذن - فيما يرى الامام الغزالي - ان يحاول ابتداع عالم ما وراء الطبيعة أو اختراعه عقليا ولكن المسلمين اخذوا فيما أخذ فيه اليونان واعتمدوا على العقل والقوا قيادهم اليسه فتفرقوا مذاهب شتى وطرائق قددا وأصبح للفلسفة برغم هذا بريق فى الابصار ولمعان كالسراب يجذب
الكثيرين
ε
لابد اذن من التشمير عن ساعد الجد وهدم هذا الزيف وأبطال هذا السحر حتى يعود الناس الى الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق
قط
وحمل الامام الغزالي على الأساس الذى تقوم عليه الفلسفة وهو المقل حملة عنيفة وهجم عليه هجوما قويا ولم يفتر فة مهاجمته منذ أن ألف كتابه القيم " تهافت الفلاس عن في محاولة موفقة كل التوفيق جريئة كل الجراة طريقة كل الطرافة وما كان المقصد الأول والهدف الاساسي لهجومه هدم الآراء في نفسها فبعضها صحيح موافق للدين ذلك ومع فقد هدم الامام الغزالى المنهج العقلى الذى استندت اليه هذه الآراء فخلود النفس مثلا رأى يقول به الغزالي ويقول به الفلاسفة ولكن الامام الغزالي حمل مقوله على طريقة الفلاسفة في اثبات خلود النفس وهدم أدلتهم وضرب بمعوله فيها فانهارت وتهافتت ومع ذلك فقد كان هو مؤمنا بهذا الخلود انه لم يلتزم في هذا الكتاب الا تكدير مذهبهم والتعبير في وجه أدلتهم بما يبين تهافتهم !
ومقصوده تنبيه من حسن اعتقاده في الفلاسفة وظن أن مسالكهم نقية عن التناقض ببيان وجوه تهافتهم
ويقول أنا لا أدخل في الاعتراض عليهم إلا دخول مطالب منكر لا دخول مدع مثبت فأبطل عليهم ما اعتقدوه مقطوعا
بالزامات مختلفة
فالزمهم تارة مذهب المعتزلة
وثانية مذهب الكرامية
وطورا مذهب الوقفية
ولا أنهض ذابا عن مذهب مخصوص
٤١
ويقول الاستاذ بلاسيوس حق ان الغزالي حينما سمى کتابه تهافت الفلاسفه كان يريد ان ممثل لنا ان تعمل الانساني يبحث عن الحقيقة ويريد الوصول اليها كما يبحث البعوض من ضوء النهار ماذا ابصر شعاع شبه نور الحقيقة الخدع به فرمی بنفسه عليه وتهافت فيه ولكنه تحطى مخدوعا باقيسة منطقية خاطئة فيهلك كما يهلك البعوص
فكان الغزالي يريد ان يقول ان الفلاسفة خدعوا باشياء أسرعوا اليها بلا اعمال روبه فنها فتوا هلكوا الهلاك الأبدى ولى كتاب التهافت هدم الامام الغزالي عمليا ما بناه الفلاسفة معتمدين على عقولهم ونها فتت الآراء نحب فلمه ومن الحق ان نقول ان ادلة الامام الغزالي فيها من القوه ومن الرسوخ بحيث
لا تقل من وجهة النظر العقلية
من ادلة الفلاسفة العقليين
•
وما من شك في أن حمله الامام الغزالى ايما كانت موجهه اولا وبالذات الى العقل والقضية المتنازع عليها هي قضية استطاعة العمل الوصول الى المعرفة اليعينية في عالم ما وراء الطبيعة الامام الغزالي ينكر ويثبت انكاره بالاحصاق المتتابع للفلاسفة ويثبته ايضا بهدم العقل لكل ما بناه العقل نفسه في هذا الميدان
والتعارض اذن بين الامام الغزالي والفلاسفة انما هو تعارض کلی ولذلك فان المحاولات الكثيرة المتعدده لتصحيح آراء الفلاسفة أو لتصحيح بعضها ونقد الامام الغزالي في حملته على هذا الراي أو ذاك والانتصار لوجهة النظر الفلسفية في هذه او تلك - ان ذلك كله غير مجد في القضية التي اثارها الامام الغزالي وهي محاولات
جهل القائلون بها موضوع النزاع على حقيقته او تجاهلوه ! و من هنا كانت محاولة ابن رشد - وهو أكبر المدافعين عن تصویب آراء الفلاسفة في كتابه تهافت التهافت
الفلاسفة
1-
٤٢
عملا غير مفيد في حسم النزاع اذ ان دائره النزاع الحقيقيه انما الأساس الذي بنيت عليه الآراء وليست الآراء نفسها والواقع می ان فكرة الامام الغزالي لاتزال للآن تتسم بالسهولة والوضوح والقوة ا لقد أخفقتم أيها المقليون والدليل على اخفاقكم اختلافكم المستمر هذا الاختلاف الذى اصبح وكأنه القاعدة والمبدأ العام ! واذا اردنا في النهاية تقدير مدى الآثار التي كانت ولا تزال ثمرة لفكرة الامام الغزالي هذه فان خير ما نفعل فيما يتعلق بذلك وخير ما نختم به هذه الكلمة هو أن ننقل رأى الدكتور محمد اقبال وهو راى يتسم بالرصانة والعمق يقول محمد اقبال في كتابه تجديد التفكير الديني في الاسلام
على انه لا سبيل الى انكار أن الدعوة التي نهض لها الغزالي تكاد تكون دعوة للتبشير بميدا جديد مثلها في ذلك مثل الدعوة التي قام بها كانت في المانيا في القرن الثالث عشر
ففى المانيا ظهر المذهب المقلى لأول عهده حليفا للدين ولكن سرعان ما تبين أن جانب العقيدة من الدين لا يمكن البرهنة عليه حسيا فكان الطريق الوحيد اذن أن تمحى العقيدة الدينية من سجل المقدسات !
وقد جاء مع محو العقيدة مذهب المنفعة في فلسفة الأخلاق ولذا مكن المذهب العقلى من سيادة الالحاد
•
تلك كانت الحال في المانيا عندما ظهر كانت وكشف كتابه العقل الخالص عن قصور العقل الانساني فهدم بذلك ما بناه أصحاب المذهب العقلى من قبل وصدق عليه القول بأنه كان اجل نعم الله على وطنه وان التشكك الفلسفى الذى اصطنعه الغزالي على تطرفه بعض الشيء قد انتهى الى النتيجة نفسها في العالم الاسلامي اذ قضى
٤٣
ذلك على المذهب العقلى الذى كان موضع الزهو على الرغم من ضحالته وهو المذهب الذي سار في الاتجاه اليه نفسه المذهب العقلي في المانيا قبل ظهور كانت
غير أن هناك فارقا هاما بين الغزالي و كانت فان كانت تمشى مع مبادئه تمشيا لم يستطع معه أن يثبت أن
معرفة الله ممكنة
أما الغزالي فعندما خاب رجاؤه فى الفكر التحليلي ولى وجهه شطر الرياضة الصوفية والفى فيها مكانا للدين قائما بنفسه
وبهذه الطريقة وفق لأن جعل للدين حق الوجود مستقلا العلم وعن الفلسفة الميتافيزيقية
عن
تجربتي مع الفلسفة
ان هذه الخاتمة تجربة شخصية
ولعل القارىء الكريم يسمح لي بأن اتحدث عن الجو الذي عشته في بواكير حياتي الفلسفية
لقد كان ذلك لأول عهدى بجامعة باريس حينما ذهبت الى
فرنسا للدراسة
أحب أن أصف الجو الذي عشته وكيف تصرفت - بتوفيق
الله - في أثنائه
ودخلت الجامعة وبدأت الدراسة في علم الاجتماع وعلم
النفس ومادة الاخلاق وتاريخ الأديان
وكانت هذه المواد يتزعم دراستها وتدريسها الأساتذة اليهود
او الذين تتلمذوا على الأساتذة اليهود
وكانت هذه المواد كلها تسير في تيار مجدد دو انها و علوم مجتمع أي أنها لا تتقيد بوحي السماء ولا تتقيد بالدين على انه وضع الهی فهي تدرس موضوعاتها على أنها ظواهر اجتماعية وظواهر انسانية
وبدانا في الدراسة نسمع مختلف الآراء فى نشأة الدين ومختلف الآراء في تفسير النبوة وينتهى الأمر برأى الأستاذ في الموضوع وليس في هذه الآراء - على اختلافها وتعددها - ما يتجه الى ان الدين وحى من السماء أو أن النبي موصول الاسباب بالسماء! واذا انتظرنا من الأستاذ أن يصحح الوضع فيدلي في النهاية برايه مثبتا الألوهية والنبوة هادما للآراء الأخرى واصفا لها بأنها نلال !
العشرات
اذا انتظرنا ذلك منه فاننا نكون واهمين فانه واحد من هؤلاء الأساتذة في هذه المواد وما شابهها المنغمسين في تيار من المادية ! لقد فسرت الجامعات الأوربية العلم على أنه القواعد التي تقوم على التجربة والملاحظة والتزمت بأن تفسر وان تشرح علم الاجتماع وعام النفس وجميع الظواهر في الآفاق وفي الانفس على هذا الأساس والتزمت ذلك ايضا في تاريخ الأديان
•
هذه العلوم بالذات وفروعها تتعاون - فى جامعات الغرب - لنقود الانسان متسائدة الى الالحاد ! ان للدين - فيما يزعمون - نشأة انسانية اجتماعية وان للخلق فيما يرون - نشأة انسانية اجتماعية وقد تواضع الناس على سلوك معين سموه فضيلة وعلى سلوك آخر سموه رذيلة ودراسة الدين والأخلاق اذن تتجه الى النشأة والمظاهر وعوامل التطور وظواهر التطور وليس للسماء في الدراسة من
D
نصيب اللهم الا الوصف لظاهرة نشأت في المجتمع
•
وكل الظواهر والمظاهر في هذه الدراسات اعتبارية نسبية متغيرة متبدلة لا تثبت على حال ولا تستقر على وضع لأنها في كل يوم تتبدل حالا بحال
وهذه الافكار تتكرر فى هذه المواد تسمعها في علم الاجتماع وتسمعها في علم النفس وتسمعها في دراسة الاعلام ونسمعها في دراسة تاريخ الاديان وتسمعها في دراسة العلوم المتفرعة من كل ذلك
والشاب الذي انتقل من الاقسام الثانوية الى الجامعة بتأثر بأستاذه فاذا كان الأساتذة متعاونين على هدم القيم الثانية والمثل العليا التي يقررها الدين وتقررها الأخلاق اذا كان الأمر كذلك - فان الطالب الذي يعيش فى أجواء تتعاون كلها على هدم عقائده ومثله وقيمه ينتهى به الأمر - في الأغلب الأعم من الحالات - بأن تنهار هذه القيم في شعوره !
ومن هنا كانت الظاهرة التي تجدها فى طلبة الجامعات في اوربا من الاستحفاف بكثير من العقائد وبكثير من القيم وينتهى الطالب بالالحاد أو على اقل تقدير بالايمان الكامن الذي لا فاعلية له ولا تأثير في سلوك الانسان !
و كنت - من غير ما شك - اضيق بكل ما يجرى في هذه الدراسات ولكن الله سبحانه وتعالى ألهمنى التفكير في قيمة آراء الأساتذة انفسهم في هذه المواد
وبدات افصل بين عالمين من المعرفة عالم الماديات كالطب والطبيعة والكيمياء وهذه أمور تحكمه التجربة ولا تتعارض في والدين ولا اختلاف فيها وعالم التفكير المجرد في الدين والاخلاق
والمجتمع
واخذت أدرس في اناة هذا الجانب الأخير من الزاوية التاريخية فوجدت انه منذ بدأ التفكير المقلى فيها بدأ في اللحظة الأولى الاختلاف فيه وبدأ كل زعيم من رعمائه ينتقد الآخرين في عصره وكل مفكرى عصر ينتقدون المفكرين في العصر السابق عليه وهكذا
الأمر
وما من شك في أن هؤلاء الأساتذة الذين يدرسون لنا ينتقد بعضهم بعضا في آرائهم ويخطىء بعضهم بعضا كما نتقدون السابقين عليهم ويخطئونهم ! وسيصنع من بعدهم صنيعهم فيوجهون اليهم النقد وبخطئونهم وهكذا الى ان يرث الله الأرض ومن عليها
لقد أخذ دوركايم اليهودي يعمل بمعاول هدامة في كل القيم والمفاهيم الدينية والأخلاقية وأخذ تلميذه الأكبر اليهودي ليفي بروهل ينهج منهجه ويسير على طريقه في علم الاجتماع وفي علم الاخلاق وكتاب لیفی بروهل الاخلاق وعلم العــــــادات - مثل واضح لهذا النوع من هدم القيم ومحاولة القضاء على كل المثل
·
فكرت اذن في اختلاف الآراء أو في هدم بعضها بعضا في مواجهة كل ما يقوله الاساتذة وكنت أقول في نفسى ـ في مواجهة كل أستاذ سيهدمك المعاصرون لك وسيهدمك الذين يأتون من
بعدك !
ولكني في مواجهة كل هذه الآراء الالحادية - كنت أتشبث بيقين لا شك فيه
كنت أقول في نفسي اذا كانت الأخلاق نسبية فهل يأتي الزمن الذي نعتقد فيه ان الصدق رذيلة ! أو أن الشهامة شر ! أو ان الشجاعة سوء ! أو أن العفة جريمة أو أن كذا أو كذا ثم أعود الى نفسى فاقول كلا
٤٧
واتساءل من جديد فى مجال العقائد هل سيأتي اليوم الذي
لا نقول فيه بوحدانية الله أو لا نقول فيه بارادته وعلمه واعود الى نفسى وأقول كلا
كنت أحاول دائما ان أردد ان هؤلاء القوم يسيرون في طرق
لا تنتهى
الى غاية
•
ما هدفهم من ذلك ما غايتهم
وما كنت اجد الاجابة عن هذا السؤال آنئذ لكني عرفت فيما بعد أن هذا هو المنهج اليهودى الذى رسموه بعد تفكير طويل والتزموا القيام به بكل الوسائل أو بكل الطرق وهو منهج التشكيك ! في القيم والمثل والعقائد والاخلاق !
يستخدمون هذا المنهج فى المجالات المختلفة لافساد المجتمعات وتحللها اخلاقيا ودينيا ويضيفون اليه العمل على اثارة العمال على أصحاب الأموال وعلى ايجاد الضغائن والفتنة بين مختلف رعوس فئات الشعوب والثمرة التي يعملون دائبين على الوصول اليها ان تكون المجتمعات شاكة مملوءة بالفتن وذلك سبيلهم الى السيطرة
ان اليهود يهدفون من وراء كل ذلك الى السيطرة على العالم أنهم يحطمون القيم والمثل حتى لا يكون في المجتمعات قوة من عقائد أو قوة من خلق ومن أجل ذلك تعاونوا على أن تكون لهم الكلمة الأولى في الجامعات في علم الاجتماع وفى علم النفس وفى مادة الاخلاق وفي تاريخ الأديان وفي الفلسفة ولم يكن من السهل على في اثناء هذه الدراسة الاستمساك الواثق بالقيم والمثل التي نشات عليها ولولا عون من الله سبحانه وتوفيق منه ولولا لطف لصرت كواحد من هؤلاء الألوف الذين يدرسون في الجامعات الأوربية ثم يخرجون منها وقد تحطمت في نفوسهم المثل الدينية
الله
الكريمة !
٤٨
وانتهيت من هذه الدراسة ثم كانت المرحلة التالية هي مرحلة
الدكتوراه
وبعد تجارب هنا وهناك في مجالات مختلفة من الموضوعات وبعد تردد بين هذا الموضوع او ذاك مدانى الله وله الحمد والمنة - الى دراسة موضوع التصوف الاسلامي ولم يكن ذلك مصادفة وانما هي بداية وتوفيق من الله سبحانه وتعالى وهى عناية اعجز عن شكر الله سبحانه وتعالى عليها وانغمست في العنصر الأساسي في موضوع الرسالة وهو دراسة الحارث بن اسد
المحاسبي انغمست في جو مجموعة من المخطوطات لهذا العالم الكبير المستنير ورأيت أنه قد مرت به - هو الآخر - فترة من الضيق لاختلاف الآراء وتفرقها والحيرة فى ايها الأحق وأيها الأصوب ثم هداه الله سبحانه الى الطريق الأقوم
ووجدت في جو الحارث بن أسد المحاسبي الهدوء النفسي أو الطمانينة الروحية ولكنه هدوء اليقين وطمأنينة الثقة بما يعلم
فقد القى بنفسه في معترك المشاكل التي يثيرها المبتدعون والمنحرفون واخذ يصارع مناقشا ومجادلا وهاديا ومرشدا متخذا الأساس الأصيل والمصدر الأول القرآن والسنة متخذا ذلك مقياسا وحاكما متحكما في كل ما يقال أو يفعل
وانتهيت من دراسة الدكتوراه وانا اشعر شعورا واضحا
بمنهج المسلم في الحياة وهو
منهج الاتباع
ان ابن مسعود رضى الله عنه يقول كلمة موجزة عن هذا المنهج
كانها اعجاز من الاعجاز انه يقول
1
اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم
وهي كلمة حق وصدق ثرية بالمعاني الطويلة العريضة يبرهن آخرها على أولها والنهى في وسطها يبرهن عليه ايضا آخرها اى اتبعوا فقد كفيتم والكافى هو الله سبحانه وتعالى الذي أوحى المبادىء والأصول والقواعد وطبق رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذلك وبينه فكان تطبيقه مقياساً وبيانا ومرجعا يرجع اليه المختلفون ولا تبتدعوا فقد كفيتم ان الذي يبتدع هو من لا كفاية له ولكن الله سبحانه وتعالى بعد أن أكمل الدين واتم النعمة ليس هناك مجال ولا من حاجة الى الابتداع من
لقد كفانا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كل ما يصلحنا من
أمر الدين
اخلت
لقد كفينا وعلينا اذن الاتباع ولا منهج لنا الا الاتباع وبعد أن وقر هذا المنهج في شعوری واستيقنته نفسی أدعو اليه كاتبا ومحاضرا ومدرسا ثم اخرجت فيه كتابا خاصا هو كتاب التوحيد الخالص أو الاسلام والعقل وما فرحت بظهور كتاب من كتبى مثل فرحی يوم ظهر هلا الكتاب لأنه هو خلاصة تجربتي في حياتي الفكرية
•
وكل ما كتبته عن التصوف وعن الشخصيات الصوفية - يسير في فلك هذا المنهج منهج الاتباع هذا وبالله التوفيق
قائما
عبد الحليم محمود
الانانية
المشكلة الأخلاقية
والمشاعر التي تؤدى إليها
عندما نجد في شيء أو فى شخص أو في عمل سببا السرورنا خاصة أو عندما نتذكر انه كان كذلك بل وعندما نتخيل أنه من الممكن أن يكون سبببا لذلك السرور فاننا نشعر نحوه برغبة تحملنا على البحث عنه أو على القيام به
وحينما نشعر أن في شيء أو في شخص أو في عمل سببا لا لامنا حاصة أو حينما نتذكر انه كان سببا لهذه الآلام بل وعندما نتخيل أنه من الممكن أن يكون سببا لهذه الآلام فاننا
نشعر نحوه ببغض يحملنا على الفرار منه أو على تحاشيه
ولقد أبان سبينوزا من قبل عن هذه الفكرة وافاض عليها نورا ساطعا ولا يزال ما قاله بصددها محتفظ بكل ما له
من
نفاسة
و من هنا يلاحظ أن لذاتنا وآلامنا لبست جميعا من قبيل
واحد
이
ان بعضها مرتبط بارضاء ما يسمى الميول الانانية أو بمعارضتها كل فرد يسعى الى الاحتفاظ بحياته بل هو يعمل فوق ذلك على أن يمكن لنفسه في سلم الحياة مكانة خاصة فاذا أتيح له ما يرضى ميوله شعر بالسرور واذا ما حالت الحوائل دون ارضاء تلك الميول قلق وتألم ومن هنا ينشأ عالم من النزعات ذلك العالم الذى لو انفرد بنفسه لحملنا على أن نتخل الأنانية التامة شعارا لنا كل شيء لى ولو كان ذلك على حساب
الآخرين
الايثار أو المشاركة الوجدانية
ذلك فليست الأنانية هي المصدر الوحيد لآلامنا ومع
وملذاتنا
ان كثيرا من الناس قد وهبوا رقة العاطفة المشاركة الوجدانية أى أنهم يتألمون لآلام الآخرين وانهم يسرون لسرورهم ما أكثر أولئك الذين ليس فى طوقهم أن يشاهدوا حادثة أو يروا الدم يسيل أو تقع عيونهم على منظر عملية جراحية أو يسمعوا نحيبا دون أن يعصر الألم قلوبهم عصرا اليما ودون أن تسيل عبراتهم مع الباكين بل ربما وقعوا في حالة انماء ثم اليس سرور الآخرين وضحكهم ومرحهم يشيع في نفوس سواهم نفس الحالة ولا اخالنا بحاجة الى اكثر من ذلك لتلطيف الميول الأنانية أن ذلك الذى يألم لآلام الآخرين ليتحاشى ايلامهم انه ليبذل وسعه لتخفيف آلامهم كما ان من يسعد بمسرات الآخرين يتحاشى أن يعكر عليهم صفوها بل انه ليفكر جادا فى إنمائها وهذا منبع ثان للذة والألم لو فرضناه وحده لحملنا على تحقيق المثل الآتى كل شيء للآخرين ولو كان ذلك علی حسابی
i
۰
وحي التعمير
وليس هذا كل ما نريد قوله فالأكثرية من الناس بل ربما جميعهم يكون لهم ضمير متى أدركوا سن الرشد فحينما يشرعون في عمل فانهم يشعرون بأن هذا العمل أما أن يكون واجب التنفيذ واما أن يكون واجب الترك واما أن يكون من قبيل المباح وحينما يقومون بالعمل سواء اراعوا الضمير أم لم يراعوه فانهم يشعرون اثر القيام به بمشاعر مختلفة فاذا كانوا قد خنسموا لحكم الضمير فيما أوجبه فانهم يشعرون بتقدير لانفسهم تصحبه لذة ظاهرة الرضا الاخلاقي اما اذا كانوا لم يستجيبوا لصوت الضمير فانهم يشعرون باحتقار لانفسهم شديد الايلام تبكيت الضمير
ومن هنا كان عند الذين يشعرون شعورا قويا بهذه العواطف مصدر ثالث هو وحى الضمير وهؤلاء غايتهم استشعار الرضا الاخلاقي والانسجام مع أنفسهم والاعتزاز بها وفوق ذلك أن يتحاشوا تأنيب الضمير وأن يكونوا من أنفسهم غير
ملومين
و من هنا نشا منبع جديدة للذة والألم لو وجد وحده عند الفرد لكان منهجه فى الحياة ارضاء ضميره اولا وقبل كل شيء والطاعة في كل الأحوال لما يأمر به والخشية من تأنيبه وعمل كل ما يشعر النفس بكرامتها
اساس المشكلة الاخلاقية
•
•
وسواء أكانت اللذات أنانية أم كانت ايثارية أم منبعثة عن الضمير فان قلب الانسان المتزن يستشعرها جميعا والنتيجة لكل هذا هى أن يتجاذب الانسان مختلف الرغبات التي تنشأ عن دافع داخلی واحد وان تكن تلك الرغبات لا تكاد تنسجم فيما بينها حقيقة أنها تنشأ جميعها عن اللذة والألم ذلك المنبع
۰۳
الذي نشعر به او نكون قد شعرنا به او نتخيل انه من الممكن أن نشعر به غير ان تلك اللذة وذلك الألم تتعدد أسبابهما وتختلف وتتشابك حتى ان نفوسنا في كل لحظة لينالها من تجاذبها ما نال من التمزيق جسم رافاياك التمس ۱ ذلك هو أساس المسألة الأخلاقية مطامح مختلفة تنبعث فينا فماذا يجب اتباعه منها انلتزم وحى الأنانية انستسلم لعاطفة الرحمة ورقة الشعور أم يجب أن نضع في المقام الأول من 1 عنايتنا طمأنينة الضمير والاعتزاز المشروع بالكرامة
ان هذه المسألة قد ظهرت على مجرى التاريخ بمظهرين مختلفين أحدهما خفيف الوقع نسبيا والآخر محزن ومفجع ۳
•
1 - المظهر الخفيف الوقع نسبيا ان جميع الفلاسفة الذين عنوا بالمسألة الأخلاقية قد أدركوا هذه الحقيقة ان الأساس الأول للحياة الاخلاقية انما هو
الإرادة الخيرة
لكن ما هذه الارادة الخيرة لقد فسرها كانت بمعنى 1 رجل فرنسی قتل هنرى الرابع وحكم عليه بالقتل العريقا بربطه بين لربعة من الخيل سيق كل منها في ناحية فتقطع جسمه قطعا لان أكثر ما فيه هو أن فريقا من الفلاسفة لم يعتقدوا عصمة الضمير الذي هو الوسيلة الوحيدة للهداية في الطبيعة الانسانية وراحوا يبرهنون عجزه عن ضبط السلوك الانساني في كثير من الاحيان ولكنهم مع ینکروه انکارا تاما ولم يجردوا الانسانية من القيم الاخلاقية كما فعل اصحاب
المظهر المحزن المفجع
·
ذلك
لم
۳ اصحاب هذا المظهر كما سيأتي فريق من الفلاسفة الماديين انكروا الضمير والعضيلة وجميع القيم الاخلاقية وأبوا أن يعتقدوا ان الانسانية في عدالتها وتواصلها وتراحمها يمكن أن ترتفع من مستوى النحل والنمل الذي سخرته الطبيعة تسخيرا فهو يأتي بأروع مظاهر التضحية والتعاون ولا شيء في ذلك سوى البلاهة والغفلة
٥٤
معين ۱ بيد أن لها معنى آخر اکثر شمولا لكي يكون المرء ذا ارادة خيرة عليه أن يقوم بأمرين
يجب عليه قبل الشروع في العمل أن يتحقق باخلاص ما يجب عمله لكي يكون سلوكه احسن ما يمكن في الأحوال
التي تعرض له
- انه عندما يتكون له رأى صادق فيما ينبغى فعله يجب عليه أن ينفذ فى اخلاص تام ما بدا له انه الافضل
ان الانسان الذي يسير هكذا يكون قد حاول حقا كل يمكنه لكي يكون عمله خيرا ويكون قد حقق الشروط التي اذا فقدت لم يكن العمل اخلاقيا وله اذن أن يكون راضيا عن نفسه وأنه لغير ملوم فيما اختاره لنفسه من مبادىء خلقية لكن من أجل ذلك ايمكن أن يقال انه سلك سلوكا حسنا
لقد حاول بعض الفلاسفة اقناعنا بهذا وذهبوا وفي مقدمتهم
•
چان چاك روسو الى اننا نملك بصيرة تعرفنا الخير والشر وقد رأوا أن ضميرنا هو خاصية فطرية يمكننا أن نثق بها في اطمئنان نام هاد موثوق به و معصوم من الخطأ
•
۱ هي عند كانت القوة المنفذة لما يوحى به الضمير فاذا كانت
واذا
خيرة اعرضت من وحى الشهوات ونقلت وحى الضمير بكامل حريتها كانت شريرة سيئة التكوين أعرضت عن ذلك الوحى الخير دائما من الضمير وجرت وراء الشهوات وهي مناط الخيرية والشرية أما الضمير فخير دائما ويرى ان الارادة الخيرة متى
هكذا يرى كانت في الضمير تماما اطاعت الضمير وحاولت بكل قواها أن تنفذ وحيه فقد أدت ما عليها وكانت خيرة
ولو لم تصل الى فرضها المقصود بأى سبب من الأسباب
•
00
ولو أن أولئك الفلاسفة أصابوا الحقيقة لما احتيج الى عرض المسألة الأخلاقية على بساط البحث ۱ لكنهم لم يصيبوا في هذا الراى فمنذ بدا المفكرون رحلاتهم شاهدوا أن الناس في كل العصور وفى جميع الأقطار يستشيرون ضمائرهم ولكنها لا تسمعهم جميعا لحنا واحدا اذ أن ما يظهر عدلا وخيرا لبعض النفوس الخلصة في عصر خاص لا يظهر عدلا ولا خيرا لنفوس اخرى هى ايضا مخلصة ولكنها عاشت في عصر آخر أو مكان آخر
وهل يراد لذلك أمثلة أن الأمثلة لتجل عن الحصر اننا لنجد بعض تلك المثل عندما نوازن بين أحوال الضمير خلال مختلف العصور ففى العصور القديمة اليونانية - اللاتينية كان نظام الرق مشروعا أن أشرف القلوب اذ ذاك كانت تجد الطبيعي أن يباع الرجال والنساء والاطفال وأن يعاملوا معاملة وكانت القوانين الرومانية القديمة تجعل من المرأة والأطفال ملكا للزوج كما لو كانوا أمتعة أو انعاما ولهذا كان للأب من بين الحقوق الأخرى الحق في أن يعرض ابنته المولودة حديثا في السوق العام اذا كانت له بنت أخرى
من
السوائم
•
ولسنا بحاجة الى أن نذهب بعيدا فهاهم أسلافنا كانوا يرون شرعية تطبيق العقوبة على مجرد ظن الجريمة وكانوا
1 أى لكان حلها سهلا جدا بحيث لا يبقى محل للجدل حول خيرية الاشياء وشريتها لان الضمير المعصوم بطبيعته سيرشد جميع الناس إلى طريق الهدى وهذا الاعتراض هو بدء الهجوم من الفريق الذي يهزا من دعوى عصمة الفمير وعلى رأسهم مونتينى و لوك و بوجنفيل
ويجنيهم طريق الضلال
و دیلرو
•
اسلافنا اى الفريسيين القدماء أسلاف المؤلف
0
بلا أدنى قلق يشاهدون الفرد مشنوقا من اجل اختلاس تافه
وكذلك نشاهد هذا الفرق بمقارنة احوال الضمير في الاقطار المختلفة فالشعوب التي يسود فيها نظام تعدد الزوجات لا تعتبر من يتزوج بعدد منهن بريسا فقط بل انها فوق ذلك لتعد هذا العمل منه ساميا ومشرفا الى حد كبير ۱ وان مشاعر الحياء القوية جدا عند الشعوب المتحضرة لا تهم قليلا ولا كثيرا عند شعوب مثل زنوج الكونغو وسكان جزائر تایتی ومن ناحية أخرى فانه لا شيء أغرب من مشاهدة بعض الالتزامات التي تقتضيها حياة بعض البدائيين وليس من المجهول ما يعد من المحرمات الدينية عندهم مثل تحريم بعض أنواع اللحوم أو بعض أنواع الأشربة أو خروج النساء بدون حجاب وأمر الطقوس السائدة في البلاد الأوقيانوسية معروف مشهور فهن تعتبر من الأنام ما قد يظهر لنا طبيعيا بل فوق ذلك ما يظهر لنا ضروريا انها تحرم تناول الطعام تحت سقف والمكث في المسكن اذا كان المرء مريضا واستعمال الأيدي في التغذية بعد فراغ المرء من حلق شعره أو بعد فراغه من صنع
زورق
بل يرى مثل ذلك من مظاهر اختلاف الضمير في الجماعة الواحدة المتحضرة وهل الرأسمالي الذي يدافع عن نظام الميراث
1 اما ضمير الرجل الغربي فيؤلمه نظام تعدد الزوجات والحكم هنا بأن ذلك العمل يعتبر مشرفا عند جميع الامم التي تبيح تعدد الزوجات تفوح منه سخرية لاذعة فضلا عن أنه يدل على تسرع في الحكم لأن جميع المثقفين والخواص لا يؤثرن ذلك من غير ضرورة والشريعة الاسلامية لم تبحه الا
oy
بقيود
يبيع
انواعا من
اقل اخلاصا من الشيوعي الذي يهاجمه أم هل الديموقراطي الذي يقرر ضرورة الانتخاب العام أقل اخلاصا من الارستوقراطي اللى يعلن عدم ملاءمة هذا النظام هل فیلانت عندما الكلب اقل اقتناعا برأيه من السست عندما يحرمها ۱ ان شارلوت کردی عندما قضت على حياة مارا كانت ترى ولا شك أنها أنما تقوم بعمل اخلاقي عظيم بلا مراء فهل المواطنون الذين ساقوها الى المقصلة كانوا أقل ايمانا منها بالقيمة الأخلاقية لعملهم هذا
حقا أنه لا يكفى أن يكون الانسان ذا ارادة طيبة لكي يكون عمله اخلاقيا وانه حتى مع وجود خير ارادة في الدنيا واصدق مجهود لتحرى الصواب وأقوى عزيمة قد يكون من الممكن أن يحطيء الانسان خطأ فاحشا في نظره الى الخير والشر والعدل والظلم وليس يكفى أن يريد الانسان من أعماق نفسه عمل ما يحب عمله بل انه لمن الضروري أن يعرف ذلك وأن تلك المعرفة الأصعب هذه الأمور غالبا
وهذه الفروق التي لاحظها الفلاسفة من أقدم العصور حدت بهم الى تكوين أول صورة للمسألة الاخلاقية وبعد فرض وجود الخير والشر والعدل والظلم فما هو اذن بعد البحث والتمحيص ذلك الخير وذلك الشر وذلك العدل وذلك الظلم
1 فیلانت والست شخصیتان ورد ذكرهما في قصة ميرانتروب للشاعر الفرنسي موليير
هي قناة ولدت عام ١٧٦٨ وضربت مارا بالخنجر في الحمام لتنتقم
ته لما عمله من شر في مواطنيها
•
- المنظر المحزن المفجع
ان ما تقدم آنفا ليس الا الصورة الظاهرة للمسألة الاخلاقية وهناك صورة أخرى لها
ان مقارنة الضمائر الانسانية بعضها ببعض لا تظهر فقط الاحتلافات التي تعطينا صورة من تفاوت هذه الضمائر بل انها التوضح كذلك التشابهات التي تدل على توافقها ۱ ومهما تكن تلك الضمائر من الاختلافات في العصور الماضية ومهما يكن من امر اختلافها في عصورنا هذه فانها لتتفق جميعا على هذه المسألة انها تتفق جميعا فى أن تقول للفرد كن عادلا كن طيبا فأما الأمر باتباع العدالة فمعناه حسب اختلاف الزمان والمكان احترم أبناء قبيلتك أو احترم مواطنيك او احترم ابناء الانسانية مهما اختلفت أجناسهم ومن ناحية اخرى نجد أن الأمر باتباع العدل وباستشعار الطيبة يعنى احترم وساعد الآخرين جهد طاقتك فى حياتهم وفى ملكيتهم وفى حريتهم ان فى التفكير أو في الحديث أو في العمل وفيما يتعلق بكراماتهم وفي كل هذا ترينا الملاحظة اختلاف الضمائر وعدم ثباتها على مبدا واحد
ومع ذلك فهنا حقيقة تبدو من ثنايا ذلك الاختلاف ان ضمير المرء حينما يأمره بالتزام العدل فإن ما يأمره به دائما ليس الا الأمر يعمل اخلاقی متحد النوع انه في الواقع يأمره باحترام عدد من الناس يختلف في القلة والكثرة بيد أن الجوهر هو دائما وذلك أن الأمر باتباع العدل وباستشعار الطيبة
1 سيتضح لنا مما يأتى أن هذا التوافق ليس كالتوافق الذي ادعاء سابقا ا جان جاك روسو ومتابعوه انه هنا توافق في صورة مزرية بالانسانية انه وضوع الانسانية كلها لصوت الطبيعة الذي يسخر تسخيرا مزريا بعض افرادها لبعض كما سخرت النمل والنحل فى العمل لبقاء النوع
•
09
•
انما يعنى دائما كف عن ارضاء جميع نزعاتك وعن الخضوع لها خضوعا فوضويا احمل نفسك على ان تحدد بعض رغباتك وأن تتخلى عن بعضها من أجل مصلحة الآخرين ضح بشيء من مطامحك ومن غواياتك من أجل أشـ باهك أو من أجل بعضهم كف نفسك هذب نفسك
وانه ليكفى أن يتأمل المرء حتى فى اسس الحياة الاجتماعية لكي يدرك أن أوامر كهذه هي ذات معنى خفی 1
ما معنى جماعة هي مجموعة كائنات حية ولكن عصابة من الأفراد الذين يعيشون معا لا يكونون لهذا السبب هيئة اجتماعية حقيقية
ان طائفة من الناس لا يمكن أن تصير هيئة اجتماعية بالمعنى الصحيح الا منذ اللحظة التي يتقرر فيها بين أفرادها الذين يؤلفونها نوع من تقسيم الأعمال وكلما كان هذا التقسيم في قدم فان الجماعة تأخذ صفاتها المميزة وحينئذ فالحياة الاجتماعية كما هو معلوم لا يمكن أن تتحقق الا اذا تحققت بعض
الأسس لتكوينها لنفرض أن عددا من الأفراد لم يكن بينهم أي استعداد لان يحترم بعضهم بعضا ويساعد بعضهم بعضا ولنفرض أنهم انما يقضون حياتهم فى التقاتل أو تبادل السرقة والتشـاتم ايستطيعون على هذا أن يمضوا في عمل الصالح العام ان ما يمكن أن يسود بينهم لن يكون الا ذلك الذي سماه هوبز
•
۱ سيتضح هذا المعنى الخفى اذا فهمنا بتحديد واضح معنى كلمة جماعة وهذا المعنى الخفى هو ما تريده الطبيعة بهذه الأوامر انها تريد منها تسخر القطيع الانساني في صمت وبلا شعور ليخدم بعضه بعضا ويضحى بعضه بنفسه
لبعض لكي يبقى النوع الانساني ما يقى الزمن والمكان
•
1
حرب الكل ضد الكل صراع محتدم من اجل الحياة حق الأقوى والخراب
ان جماعة من الجماعات لا يمكن أن تتحقق ما لم يتحقق بين اعضائها احترام متبادل كما ان تلك الجماعة تكون غير ممكنة اذا ما انعدم التعاون بين افرادها غير ان وجود تلك الجماعة لا يتوقف على أن يكون بين اعضائها كمال الاحترام وتمام التعاون ولا أن يكون ذلك الاحترام وذلك التعاون بدرجة واحدة الأعضاء وأنها لحقيقة تعضدها التجربة انه بدون
عند جميع
حد ادنى من الاحترام والتعاون بين الأفراد سواء أكان طواعية ام عن خوف السلطان لا يمكن لجماعة ما ان تتابع حياتها
وعلى هذا عندما يهتف صوت الضمير اضبط نفسك هذب نفسك احترم الآخرين ساعدهم فان هاتيك الأوامر تكون ذات معنى خفى هو أعمل ما لا توجد اية جماعة بدونه كن اجتماعيا فى حياتك وهنا تبدو فجأة الصورة الثانية للمسألة الأخلاقية ۱ أن مترلنك ليدعونا بعد ماندفیل الى ان نختبر خلية نحل ان مشهدا من المشاهد الرائعة لي يكون أبلغ منها تعليما لباحث اخلاقي ان خلية النحل يعمرها ثلاثة أنواع من الحشرات
الملكة أو بتعبير أدق واضعة البيض الذكور أو بعبارة أخرى ذوات الطنين الفارغ العاملات وعلى هذا عندما نتابع حياة هذه الحشرات نجد انفسنا مأخوذين بعجائبها ان هذه الحشرات لتتابع حياة تضحية مستمرة فالملكة لا تخرج حرة
1 الصورة التي تقدم أنها مظهر محزن ومفجع ومعنى انها تبدو فجأة أن التضحية المفروضة من الطبيعة تظهر سافرة بلا نقاب لان اسلوب الحل في تضحيته سيوضحها تماما والانسان كالنحل في الضحيته وفى حفله السيء وفى بلاهته التي تجعله يرضى بهذه التضحية
·
11
من الكوارة الا مرة واحدة والغرض من هذا الخروج هو أجراء عملية التلقيح انها تطير وفى أثرها الذكور يتعقبونها ويدركها احد الذكور فيمسك بها ويلقحها ثم تعود الى الكوارة حاملة ذلك الحين تظل تتردد من نخروب الى نخروب
ومن
ذلك اللقاح حيث تضع هنا بيضة غير ملقحة ينتج منها ذكر وتضع هناك أخرى ملقحة ينتج منها انثى وهكذا وهي لا تنقطع عن هذا العمل الا بعد أن تكون الخلية بطريقة نجهلها قد أتمت اعقابها ثم يقودها العمال المنهمكون وهى أشبه بمجنونة الى مكان جديد حيث تبدأ من تلك اللحظة الى أن تموت في وضع
بيضها
أما الذكور فانها لا تعمل عملا حتى ليظن أنها هي السعيدة بين سكان الخلية وان الذكر الوحيد الذي حظى من بينها جميعها بالاتصال بالملكة في عملية التلقيح اثناء طيرانها الزواجي لمقضى عليه بدفع حياته ثمنا لذلك الشرف اذ انه ينقسم الى قطعتين اثناء عملية التلقيح ومن جهة أخرى عندما تكون الخلية قد اقتمت بأن اعقابها قد تم تصبح الذكور لا عمل لها اذ انه لا يكون ثمة ملكات جديدات فى حاجة الى اللفاح ولذا تنقض طائفة العاملات على تلك الذكور العاطلة فتبيدها دون رحمة اما عن العاملات فانها اناث قد غذتها الخلية بطريقة خاصة عندما كانت لا تزال ديدانا وهذا النوع محروم من خاصية الجنس لا ذكورة ولا انوثة وهذه الطائفة العاملات تستمر من مد وجودها الى ساعة موتها الواحدة منها لا تعيش الا قرابة أربعين يوما فى شغل شاغل عناية بالديدان وعمل على افراز الشمع وبناء تخاريب جديدة وحراسة باب الخلية والقيام على نظافتها وتهويتها وقطف العسل ولقاح النبات حسب نظام معين وانه لعمل مرهق مستمر وشغل لا ينقطع دون لحظة فراغ أو فترة من راحة كل شيء يقدم في سبيل الخلية كل
من
شيء يؤدى على حساب الفرد ولا شيء الفرد ذلك هو قانون النحل الملكة والعاملات والذكور جميعها تخضع له دون اى مظهر للشكاية ياله من مشهد امام نظرنا الانساني !
•
والام يؤدى كل هذا الجم من التعب ومن الجهد ومن التضحية ان كل ذلك يقود الى غابة لا لبس فيها فاذا كان جميع أفراد الخلية قد كتب عليهم هذا النظم الساحق فما ذاك الا لغاية وحيدة هي أن يكون هناك نحل آخر کی اسحق بدوره في سبيل اعقاب نحل آخر يأتي من بعده وهكذا حتى يرث
الله الأرض ومن عليها
ان النحلة عندما تقبل هذا الحظ الذى كتب لها من هذه الحياة بدل أن تثور عليه لا يدل عملها هذا على أكثر من حماقة تامة والا فأى خير فى جهد كهذا من اجل نتيجة كهذه
ولنمتحن اذن الآن حال الانسان على ضوء هذه التجارب اذا كان لمجتمعاتنا الانسانية ان تعيش فما ذاك الا على تقدير أن كل فرد منها يهذب نفسه وبتحكم في شهواته حيث يكلف نفسه احترام الآخرين ومساعدتهم على حسابه وبالاختصار حيث يضحى لكن أيضا ما الغاية من تضحية كهذه هنا اليست هي عندما نتعمق في البحث مطابقة للغابة المسيطرة على هذا المصير الذي كتب للنحل اليست هذه الغاية هي أن لا يفنى النوع الانسانی وان يوجد اناسی آخرون يضحون بأنفسهم كذلك في سبيل وجود آخرین وهكذا من يأتي بعدهم حتى يمحق الفناء هذا العالم الأرضى فيقطع دابر النوع الانساني كما بقطع دابر النحل واذا كان الأمر كذلك فهل نحن في اليوم الذي نأخذ فيه انفسنا بمبادىء العدالة والطيبة تكون أقل حظا مما عرفناه عند النحل من ذلك الخضوع الاعمى
$
٦٣
انه عندما يأخذ الانسان براى كهذا فلن يكون همه ان يسأل نفسه ما الواجب وانما يسأل نفسه سؤالا هو من الخطورة بمكان اليس الشعور بالواجب هو نفسه خدمة
هذا
ان ما هو شر من هذا انما هو الجواب الذي لم يتردد بعض الفلاسفة في أن يجيب به على هذه المسألة الاخلاقية 1 فى وضعها ولقد أطلق على أولئك الفلاسفة اسم اللااخلاقيين وشرح افلاطون مذهبهم فى كتابه جورجياس على لسان كليكليس تلميذ السوفسطائيين اما ف نيتشه فقد وضعها في قالب عصری منذ نصف قرن واكسبها الطابع الألماني في بلاغة لاذعة
يوجد في الدنيا نوعان من الناس طائفة القطيع الدهماء المتشابهون والطبقة الراقية جسميا وعقليا وخلقيا
الصفوة
وادر فالطبيعة قد وضعت قانونا هو القانون الأعلى
•
لك
أن القوة هي صاحبة كل شيء والمسيطرة على كل شيء وان الضعف يستخذى للقوة ويطيعها وهذا هو ما شعرت به طائفة القطيع فأرادوا أن يتفادوا عسف ذلك القانون بهم ذلك اخترعوا التربية الاخلاقية ان كل طفل يولد كان يستطيع
ومن أجل
1 أى الصورة الثانية للمسألة الاخلاقية وحاصل هذه المسألة أن تضحية الفرد من أجل الجماعة ليس الا بلاهة كيلاهة النحل انا الذكاء فهو فلسفة
القوة
لقد عرف نيتشة كيف يستغل رأى أولئك الماديين المتكرين لالقيم الاخلاقية فما دامت الانسانية في نظرهم قطيعا مسخرا ابله فلماذا لا يتحرر هو ايضا من القيم الاخلاقية ويدعو الأقوياء الى تسخيره
ان يكون من الصفوة 1 ولتقى الف القطيع اوین دارد ولقنه منذ نعومة أظفاره تعاليم خداعة وضيعة انهم يرددون على مسمعه دون انقطاع ان شيئا واحدا هو الجميل وهو الطيب وهو الجدير بالتشريف ذلك أن يحترم افراد انقطع وان يعمل من أجلهم دون أن يكون له من عمله ابة غابة مادية
انهم يؤكدون له أن استعمال القوة للسيطرة والسيادة شيء جدير بالمقت انهم يعلمونه أن العادل ليس هو العادل حسب قانون الطبيعة وانما الصادل هو دائما العادل حسب القانون الذي وضعوه انهم بذلك يبردون انياب الشبل ويعلمون أظفاره أنهم يصوغون من هذه الطفولة أولئك العبيد من طبقة الدهماء التي بسمونها جمهرة الناس
ولهذا السبب يدعونا كليكليس وأتباعه و نيتشه وأتباعه الى حمل راية الثورة ان الاخلاق ليست إلا اختراع الضعفاء لكي يقيدوا بها سلطان الأقوياء فلنكن حربا على الاخلاق يجب أن نحطم هذين القيدين تحطيما قيد العادل والظالم حسبما جاء فى القانون الموضوع ولنتخط في نظرنا الى الأشياء ذلك الخير وذلك الشر يجب أن نترك العنان يجب أن تكون كذلك في بنيننا الطبيعية وفى
لطبيعتنا المطلقة
•
قوتنا العقلية وفى مزايانا الخلقية يجب أن يكون انا من الجسارة ما به نحيا حياة حرة سافرة وفي وضح النهار
واذا ما اقتضى ذلك ان نسير فوق طريق من الجماجم فعلينا ان نسحقها بأقدامنا دون أن يتحرك ضميرنا بملام يجب أن
1 سفسطة ظاهرة من نيتشه يريد منها حفز ابناء شعبه الالماني الى
ان يحاولوا أن يكونوا من الصفوة ويسودوا العالم بأخلاق القوة
10
تكون لنا قلوب قاسية يجب أن ترسل صرخة التربه دون وجل أو ندم فى وجه مصطلحات العالم ومصطلحات اخلاق القطيع يجب أن نرسلها من البوق النشوان بخمرة النصر وحميا الكبرياء بوق سيجفريد الذى ترنم به واجنر ذلك البطل الذي لم يعرف قلبه ما عاش معنى الخوف
•
وعلى هذه المبادىء لن تكون القوانين الأخلاقية الا مبتدعات جديرة بالازدراء هى واصحابها الذين وضعوها ولن تكون المعاهدات الدولية أكثر من قصاصات اوراق ان الارادة الوحيدة الصحيحة انما ارادة القوة وان الحق الحقيقي الذي يعلو ولا يعلى عليه أن القوة هي كل شيء وهي هو
انما
هی
وحدها التي تقرر الحق
تعليق من المؤلف على ما تقدم
كيف ندهش امام اعتبارات كهذه اذا كانت المسألة الأخلاقية في نظر الفلاسفة بكل زمان ومكان قد حازت كل هذا الاهتمام الذى ظفرت به
انه المثار لرغبتنا أن نعرف ما اذا كان العالم محدودا ام غير محدود متناهيا أم غير ذى نهاية ولكن التجربة تظهر أنه يمكن ان نميش دون أن نصل الى راى قاطع فى ذلك على العكس هذا كيف يمكن أن نتجاهل المشكلة الأخلاقية ايجب أن من نحلها على وجهة النظر هذه أم تلك انه باتباع هذا أو ذاك
يتغير كل شيء في اتجاه السلوك الانساني المثل الأعلى الذي بمقتضاه نحدد سلوكنا والتهذيب الذى يؤخذ به النشء ونظام الحكم والاتجاه السياسي ومن هنا كانت الرغبة التي عولجت
។។
بها المسألة الأخلاقية على مر النسور وكانت الجهود التي القلب لحايا وكانت السهولة التي اعتقد بها بعض المفكرين يحسن نية انهم قد وطدوا قواعد مذاهبهم وكان أيضا ذلك الفشل السائل المؤلم
والذي سنحاوله في الصحائف الآتية ليس هو از اقدام للقراء جميع المحاولات التي بذلت لكشف حل مقنع لما عرضنا له من مسائل وانما هو أن نذكر اعظم هذه المحاولات أهمية واجدرها بالتأمل سنحاول ان نرتبها ونستخلص قواعدها وننير حججها ونبين الاعتراضات التي أثيرت حولها
المذاهب الأخلاقية اليونانية - اللاتينية
يرجع الفضل الأول فيما كونه العالم الغربي من فلسفة اخلاقية إلى اليونانيين واللاتينيين غير ان علمنا بكثير من هذه الفلسفة يكتنفه غموض ونقص بسبب ضياع كثير من المؤلفات فنحن أحيانا لا نجد أمامنا الا شذرات من كتب وأحيانا أخرى لا تعرف أحد الفلاسفة الا ما نقله عنه خصومه أو ما نقله المعجبون
عن
ذلك
به علی تفاوت بین هؤلاء وأولئك فى الفهم والتقدير ومع فهناك حقيقة لا ريب فيها وهى أن كل الأخلاقيين في تلك العصور القديمة اتفقت بواعثهم واتفق منهجهم تجاه المشكلة الاخلاقية انهم جميعا يبنون على اساس واحد سواء اذكر هذا الأساس صراحة ام فهم اثناء البحث هذا الأساس هو أن الانسان لا عمل له في الحياة الا أن يعيش وفق الطبيعة وكما ان كائنا من كان لا يدور بخلده أن يلوم شجرة البلوط على نموها حسب طبيعة نوعها فكذلك الانسان لا يلام على حياة تسير وفق طبيعته اذا انتهى الاخلاقي اقامة هذا الأساس فانه لا مناص - للوصول الى الغاية - من أن يجيب على سؤالين لا ثالث لهما أما أولهما فهو ما الذي تصبو اليه الطبيعة الانسانية و ضرورة هذا السؤال ناشئة عن وجوب تحاشى الخطأ في توحيه
من
1
الذي
محدد
الإنسان سلوكه وحياته وهو لا يستطيع تحاشيه ما دام الهدف اليه بغريزته والذى ينسجم مع طبيعته الانسانية غير یرمی هذه المشكلة هى فى الواقع مشكلة تعريف الخير الأعظم المطلق ولا بأس بأن نتعجل الاجابة اذ الاتفاق عليها عام بين الجميع الكل يرى ان الانسان يسعى بغريزته وراء السعادة وكل ما يطمع اليه ليس الا سلما يرقى فيه ليصل الى السعادة والخير المطلق والسعادة في نظره شيء واحد
والى هنا ينتهى الاتفاق بين الاخلاقيين ويبدأ النزاع حول خصائص السعادة نفسها
أما السؤال الثاني فهو اذا كان الخير المطلق هو السعادة والسعادة هي الخير فما السبيل إلى الحصول عليها ألا يعرف الانسان أحيانا المكان الذي يريده ولكنه يجهل السبيل الموصل اليه فبضل انه لا يكفى اذن ارشاد الانسان الى ما تتطلع اليه طبيعته بل يجب انارة الطريق الموصل الى ذلك وحينئذ فقط يمكن أن يقال انه يعرف ما ينبغي عليه عمله انه بهذا يعرف برنامج هذه المشكلة الثانية هي مشكلة الواجب
الحكمة
•
ليست المذاهب الأخلاقية القديمة يونانية كانت أم لاتينية الا محاولات مختلفة لحل هاتين القضيتين الأساسيتين ١ ونحن مضطرين - على بعض النماذج القيمة من أبحاث
هنا سنقتصر
الاخلاقيين
1 اي فضية تحديد الخير الأعظم وقضية تحديد الواجب اى السلوك
٧٠
مذهب سقراط
•
يكاد يتفق جميع مؤرخى الفلسفة على أن سقراط كان مؤسس اطلسفة الأخلاقية فى العالم الغربى على أنه من الصعب جدا أن نعرف بالضبط والتحديد رأيه الاخلاقي فهو لم يكتب شيئا ولم تخرج تعاليمه عن أن تكون محادثات وتأثيرات شخصية وقد غمرته الأساطير واذا كان افلاطون قد جعل منه العضو الأساسي في المناقشات التي دارت في كتبه فان سقراط ام يكن الا اداة للتعبير عن الرأي الذي يريد أفلاطون اذاعته وقد ترك لنا اكزنوفون من ناحية أخرى مذكرات عن سقراط وهي مجموعة من المحادثات الرائعة غير أننا لا نعلم مقدار ما فى هذه المحادثات السقراطية من صحة أو خطأ في النقل كيف السبيل الى اليقين اذن أمام هذه المصادر ان الباحث فيها كالذي يريد تكوين صورة تامة من ركام تكدس من جرئيات غير كاملة فقد يمكنه أن يكون بعض أجزاء الصورة ويرى أن طريقة تكوينها صواب لأن كل جزء معقول ومنسجم مع نفسه غير انه ليس من السهل دائما أن تتفق وتنسجم تلك الاجزاء بعضها مع بعض على ان هناك صعوبة أخرى ناشئة من ان سقراط هو الواضع للقواعد التي قامت عليها مختلف المذاهب وقد انتسب اليه كل الاخلاقيين الذين أتوا
یرون
•
الاخلاقية القديمة
فيما
بعده الى عصر ظهور المسيحية وهذا الانتساب فيما يظهر لم يتر بعيدا عن الصواب غير ان ذلك نفسه لا يمكننا من رؤية مذهب اخلاقی سقراطي كامل الانسجام
۷۱
وسواء أنشأ سقراط مذهبا أخلاقيا كامل الانسجام أم لم ينشيء فاننا لا يمكننا والحالة على ما نرى الا تكوين أجزاء فقط
لتلك الصورة التي كنا نريد تكوينها
موقف سقراط من فلاسفة عصره
في العصر الذي ظهر فيه سقراط كان في اليونان نوعان من
الفلاسفة
الميتافيزيقيون وهؤلاء اتجهوا نحو العالم وحاولوا فهمه ولذلك كونوا مذاهب فلسفية وقد حاول البعض ككل أن يشرح حركات الكواكب وتكوين الأرض وتطور
منهم الأشياء واتجه البعض نحو الكائن وخلوده وعدم تغيره وعلق آخرون آمالهم فى فهم العالم على دراسة الأعداد ورأوا أن تلك الدراسة تنتهى بشرح كل شيء وفهمه ومنهم اعتمد على التجربة أو على مجرد الأدلة المنطقية غير من ان الكل كانوا من أرباب المذاهب
السوفسطائيون وقد وجههم اختلاف المذاهب وتعارضها
•
الى التفكير والتساؤل عما اذا كان منشأ النقص والقصور عند من سبقهم انما مرجعه ضعف آلات التفكير عندهم فنظروا في السبل التي تأتينا بواسطتها المعلومات وفى طرق البرهنة ورأوا عدم كفايتها وانتهوا الى آراء مثل الآراء التي تلخصها قضايا جورجياس الثلاث الشهيرة وهي لا شيء موجود وان كان هناك شيء فلا سبيل الى معرفته ولو عرفناه فليس في مقدورنا أن نعرف الاخرين به ۱
۱۱ اولاها تمثل مذهب المنادية والثانية مذهب اللاأدرية والثالثة
ملعب العندية
VI
لنا صوره
بين هؤلاء وأولئك وقف سقراط - حسب ما اكزنوفون - واتخذ طريقا سويا فراى ان الميتافيزيقيين اخذوا في عمل مستحيل فضلا انه من رجس وعبث ابتعد عن أن يبحث في العالم بأجمعه كما كان يفعل الكثيرون وابتعد عن أن يبحث فيما سماه السوفسطائيون أصل العالم والعلل الضرورية التي أوجدت الأجسام السماوية بل لقد أخذ يبرهن على جنون من يبحثون في ذلك ويسأل نفسه ايبحثون ذلك لاقتناعهم بأنهم انتهوا من معرفة العلوم الانسانية ام انهم يرون من الحكمة أن ينصرفوا عما هو في متناول الانسان ليتعمقوا في مساتير الآلهة
اما السوفسطائيون فلا جاد لهم على المعرفة ولذلك عدلوا عن العلوم ثم هم آئمون الم يزعموا ان كل المعارف الانسانية ترجع في النهاية الى اقناع الآخرين بما نريده بواسطة البلاغة والفصاحة ليس الا لا ان فى مقدورنا بلا ريب أن نأتى بما هو خير من هذا
العبث
•
حقيقة ان المعرفة الشاملة التامة ليست في متناولنا غير أن هناك نوعا من المعرفة فى مقدرونا الوقوف عليه أعنى معرفة المدركات الكلية التى اذا حددت وعرفت كانت نبراسا نوجه حياتنا على ضوئه وأخذ سقراط - فيما يروى اكزنوفون - يبحث فيما هو في متناول الانسان لا يحيد عن ذلك ولا يتغير فبحث في الصالح والطالح في الشرف والوضاعة في العدل والظلم في الحكمة والجنون فى سمو النفس وصغرها في الدولة ورجل الدولة فى الحكومة وتوجيهها وبالاختصار كان يبحث في كل ما يكون الرجل الصالح الشريف وفي كل ما بدونه لا يستحق الانسان الا اسم العبد الرقيق على أن المقدرة على هذا البحث ليست خاصة بشخص دون
غيره
فکل انسان بدون شعور منه عنده فكرة طبيعية عن مله
•
المدركات الكلية ويمكنه ان يستخلصها اذا عرف كيف ينتبه اليها واستعمل الطريقة المناسبة اذ الأرواح جميعها تحمل الحقيقة الأخلاقية التي لا تعدو أن تكون من مستلزمات العقل السليم كما تحمل المرأة الجنين وكل ما يلزم انما هو معرفة كيفية التوليد وقد كان هذا هدف سقراط فى مناقشاته هذه المناقشات التي كانت تسير على نسق لا يكاد يتخلف وذلك أن سقراط يبحث عن محادث يعتقد أنه يعرف شيئا كمعرفة العدل مثلا فيقوده بالمناقشة في الأمثلة - الى الاعتراف بجهله ثم يقوده - بتحليل الامثلة - الى ان يكشف بنفسه عن تعريف محدد لا يقبل الشك هذه هي طريقة سقراط
·
•
وعلى هذا الأساس وحسب هذه الطريقة سار سقراط
فماذا اكتشف من حقائق اخلاقية
قيمة معرفة النفس عند سقراط
رای سفراط أولا ان الانسان لا يمكنه أن يعيش كما ينبغي الا اذا حقق عمليا القاعدة المكتوبة على معبد جزيرة دلفی ه اعرف نفسك بنفسك وفى الواقع اليس من الواضح أن الانسان يجد في هذه المعرفة اعظم الفوائد وان أكبر المضار تنتج من جهل الانسان بنفسه كل من يعرف نفسه يعلم النافع له ويميز بين ما فى امكانه وبين ما لا يحتمله فاذا لم يشرع الا فيما يعلم فانه يحصل على الضرورى ويعيش سعيدا وحينما يمتنع عما لا يعلم فانه يتجنب الخطأ ويكون بمعزل عن الآلام أما هذا الذي لا يعرف نفسه ويسرف فى استعمال ملكاته وقواه فانه لا يعرف أن يقدر الأشخاص بل ولا الأشياء ولا يخرج من خطأ الا ليقع في خداع فلا يصل الى خير وينوء كاهله بالشقاء
معرفة النفس اذن الشرط الضروري ليستمد الانسان من
الحياة ما يمكنها أن تعطيه بل ما يجب أن تعطيه
آراء سقراط في السعادة
سهولة
واذا ما تنبه الانسان الى مطامحه الفزيرية فانه يلاحظ في ان هذه الطبيعة الانسانية لا تهدف الا الى شيء واحد لا تريد عنه بديلا السعادة ولا ريب أن بعض الناس ينغمس في السعادة مصادفة وأولئك هم سعداء الحظ غير ان الحصول عليها باستخدام الدكاء والارادة هو عين الحكمة اذا وجدت ما يلزمك بدون أن تبحث عنه فذلك ما اسميه الحظ السعيد أما اذا كنت مدينا بالسعادة الى عنايتك وبحثك فهذا فيما ارى هو السلوك الحسن والسعداء بهذه الكيفية هم المحسنون 1
حقا
هل الانسان يطلب السعادة نعم ولكن ما هي السعادة انها ليست الجمال ولا القوة ولا الثراء ولا المجد ولا شيئا يماثل ذلك لكم مرمر مرة كان الجمال فيها ضحية لغاو متهتك وكم من مرة فرت القوة أشخاصا فتهوروا في مشاريع لا طاقة لهم بها فناء كاهلهم بالشقاء وكم من أشخاص بعث فيهم الثراء نوعا من الرخاوة طغت مضارها على ما كانوا يأملونه من نعيم وكم من اشخاص كان اسمهم ملء السمع والبصر فكان مجدهم وثقة الناس فيهم عاملين في ضياعهم
ان السعادة لا تنجم عن شيء مادى وانما هي أثر لحالة نفسية اخلاقية هى الانسجام بين رغبات الانسان وبين الظروف التي يوجد فيها هذا هو رأى سقراط أو هذا على الأقل هو ما
1 دقة في البحث قد تفوت أدق الفلاسفة المصريين فما أعجبها من فيلسوف يرجع تاريخه الى أكثر من الفين من السنين
Va
نعتقد انه نتيجة لحديث جرى بين سقراط و انتيفون ذكره اكزينو فون في الفصل السادس من ذكرياته عن سقراط
وهاك الحديث
هاجم انتيفون سقراط قائلا كنت اعتقد ان هؤلاء الذين يعتنقون الفلسفة هم اسعد الناس غير أنه يظهر لي أنك تستمد الحكمة ما يناقض السعادة ولا ينتابني شك في أن العبد لو انك ترضى بغليظ الطعام
من
•
غذى كتغذيتك لهرب من عند سيده وارد الشراب وتستخدم صيفا وشتاءا معطفا واحدا لا يساوى شروى نفير انك لا تنتعل ولا تلبس قميصا ثم اضاف انتيفون اذا كان هؤلاء الذين تخالطهم يشبهونك فتاكد أنك تعلم فن الشقاء فأجاب سقراط أولا بأنه لا يشعر بالحرمان مما لا يرغب فيه اتحتقر طعامى هل يقل عن طعامك من الناحية الصحية أو من الناحية الغذائية أصعب الحصول عليه أنادر هو اهو أغلى أتجهل أن الشهية لا تحتاج الى التوابل وأن من شرب بلذة لا يفكر فيما لا يستطيع الحصول عليه من انواع الشراب و ارایتنی قط معتصما بالبيت من البرد أو منازعا حدا لظل عند اشتداد الحر او غير قادر على الذهاب حينما اشاء بسبب جرح في قدمي وأجاب ثانيا بأنه اذا كان لا يبحث عما يشيد به انتيفون من ملاذ فذلك لأنه يعرف ملاذ أخرى اعلب واحلى أترى لذة تضارع الأمل في أن يصير الانسان أكثر عزة وكرامة وان يصادق أفاضل الناس ذلك هو الأمل العذب الذي يرافقني طيلة حياتي
وأجاب اخيرا بأن انتيفون يخطىء فى فهم طبيعة السعادة الرفاهية والأبهة تلك هى السعادة في نظرك أما انا فاني اعتقد نه اذا كان من خصائص الاله أنه لا يحتاج الى شيء فان مما
يقرب من الألوهية أن لا يحتاج الانسان الا الى مايل وبما أنه الله فان القرب منه قرب من الكمال
لا اكمل من على أن هذه الفكرة توجد في محادثة أخرى مع الدم من هم الفقراء ومن هم الأغنياء في رأيك الفقراء في رايي هم من لا يوجد عندهم من المال ما يكفى لنفقاتهم الضرورية والأغنياء من يزيد دخلهم على ما يلزمهم الم تلاحظ ان بعض الناس ليس عندهم من المال الا النزر اليسير ومع تكفيهم ويدخرون منه وآخرون لا يجدون مع ثروتهم العظيمة ما هم في ضرورة اليه هذا صحيح وانك لمصيب في توجیه انتباهي اليه
ذلك فهو
ليست الثروة اذن وليست السعادة الا الانسجام بين رغبات
الانسان وظروفه وكلما قلت الرغبات كثر امكان الوصول اليها ليس موطن الثراء والفقر كما يقول انتيستين في بيوتنا وانما في نفوسنا وليست السعادة فى اكتناز الذهب والفضة 1 وانما هي في سلوكنا الحكيم تجاه حاجاتنا ورغباتنا
•
حول ذلك بلا ريب تركزته الاخلاق السقراطية
ومهما يكن من شيء فان ما نقل معزوا الى سقراط يستنتج مما ذكرناه سابقا أو ينسجم معه
بقى أن نتحدث عن جملتين من كلام سقراط بلوح عليهما
الغرابة ولكنهما يظهران في غاية الوضوح اذا نظرنا اليهما على
ضوء ما تقدم قال سقراط
1 أي لمجرد الاكتناز ولحب الاكتناز أما أن يكون الاكتناز الغرض شريف
VV
فقد يكون من الحكمة
1 - لا يعمل الانسان الشر باختياره
--
الفضيلة ثمرة العلم
لقد راينا فيما سبق أن السلوك الخير حسب راي سقراط هو أن الانسان يسلك السبل المؤدية الى السعادة بعد معرفة طبيعتها معرفة واضحة أما الشر فهو الحيدة عن ذلك واذا شرحنا على ضو- هذا الجملة لا يعمل الانسان الشر باختياره فان معناها لا يتعدى أن يكون لا ينصرف الانسان عن سعادته باختياره ۱ وبذلك تزول غرابتها بل تصبح بديهية كذلك يفهم الانسان في سهولة كيف تكون الفضيلة ثمرة العلم فان من يجهل طبيعة السعادة الحقيقية ويجهل السبل والطرق الموصلة اليها لا يمكنه الا أن يخطىء ما يبحث عنه ولكنه اذا عرف السعادة وعلم السبل الموصلة اليها فكيف يتصور انصرافه عن الخير الذى يتطلع اليه بطبيعته والذي بعمل محقا على نيله اليس ذلك هو عين ما ينقله اكزنوفون من كلام سقراط ان من يميز من بين كل الأعمال الممكنة العمل الذي يتلاءم مع مصلحته فانه لا يتردد في الاختيار وحينما يعمل الانسان الشر فانه يكون جاهلا بمقدار ما هو الم
لا غرابة اذن والأمر كما ذكرنا من وضع سقراط فضائل معينة في المرتبة الأولى
1 لان العاقل لا يختار طريق الجحيم على طريق السعادة الا جاهلا أو
متخدها
ولم يفت عبقرية سقراط
حقا انه المجبور فيما وقع فيه بسبب جهله ان تواخذه مع ذلك على جرمه لانه كان يستطيع أن يتعلم
•
۷۸
راونی داره السائل في نقارن قال الز اية التي اد بها ثيرا ووضعها من نفسه موضع التنفيذ والى تعال من
ضبط الانسان نفسه ضبطا قلل ريهاب الى أبعد حد ممكن العواطف والرغبات بل والحاجات لقد عود جسمه ونفسه على نظام أو اتبعه أی انسان لماش بمعزل عن القلق والخطر العاش في غير حاجة الى كثير من النقد الانفاق لقد كانت قناعته بحيث لا بعجز الانسان قط أن يكتسب ما بازم لسد مطالبه مهما ضول مصدر الكسب واذا كان قد سلك هذا المسلك فلم يكن ذلك لانه اراد قهر الجسد بل لأن القناعة هي المصدر الحقيقي لأكبر اللذة ويقول في ذلك لماذا بجد الانسان لذة في ازالة الظلما وفى سد حاجة الشهبة وفى الاستعلام الى الراحة بعد التعب وفى النوم وفي الإتيان بما تتطلبه النزعة الجنسية ما ذلك الا لأن شدة الحرمان مهدت له أن القناعة وحدها هي التي تعلمنا الصبر عند ضغط وهي وحدها التي يمكنها أن ترشدنا إلى اللذات
اللذة
المطالب
الخالصة
لم تقتصر اشادة سقراط فيما يتعلق بالفضائل على القناعة ولكنه اشاد ايضا بالعمل فهو السبيل لاكتساب ما يلزم للانسان في حياته ولمعرفة ما ينبغى معرفته اترى أن الرضا وعيشة البطالة يساعدان على تعلم ما يلزم معرفته وعلى الاحتفاظ بما تعلمه الانسان وعلى المحافظة على الصحة وعلى تقوية الجسم وعلى الوصول الى اليسار والمحافظة عليه وان العمل والجد لا دخل لهما فى ذلك وأشاد كذلك بالرياضة البدنية فما من شك في أن الصحة والقوة والاتزان والشجاعة أعلم أنك فى أى صراع أو في أي مشروع أخذت
ترتكز عليها
فيه سوف لا تندم على قيامك برياضة قواك 1 وأن ثمرة هذه الرياضة لا تنكر حتى في الأعمال التي يظن أن دخل الجسم فيها محدود جدا مثل الأعمال الذهنية التي لا يجهل أحد أن الخطأ فيها يكثر عند عدم تطهير الجسم بالرياضة
و كذلك أشاد بالعدل وهو يرى أن القوانين نوعان قوانين مكتوبة وضعها الناس ليسود في المدينة السلام
والعمران
ب قوانين غير مكتوبة وهى صادرة عن ارادة الآلهة
فالأولى خاصة بزمن واقليم معينين والثانية عامة في كل الازمنة والأمكنة مثل القانون الذي يدعو الى تقديس الآلهة القانون الذى يوجب على الابناء احترام الآباء والقانون الذي تحرم على الآباء والأمهات الزواج بأبنائهم وعلى الأبناء الزواج بمن كانوا السبب في حياتهم
هذه القوانين الالهية يخضع لها العاقل أما من حاد عنها فانه ينال جزاء ما قدمت يداه فجزاء الزواج بالأقارب المحرمين قربة مريضة وجزاء الجحود للجميل فقدان الأصدقاء وهكذا قضى العدل الالهى ان كل قانون تتضمن نفس مخالفته العقاب
على ان العاقل يخضع أيضا للقوانين الانسانية اذ الثورة عليها ليست الا تقويضا وهدما للمدينة التي نشأتنا وليست الا قطعا لصداقة بنى الانسان مع أن صداقتهم شرط أساسي الطمأنينة الحياة
۱ زاول كثير من الأمم القديمة التاريخ الرياضة على انها لهو وتسلية
أما الشعب الاغريقي فقد رفعها حتى وضعها بين مباديء الاخلاق
A
كل هذا فى النهاية ينسجم انسجاما حسنا ومما لا شك وه انه لا يكون مذهبا فلسفيا موطد الدعائم غير أنه على الأقل ينبعث عن اتجاه واحد لا لبس فيه
أن ما قدمناه من محادثات وآراء تتمثل فيها جميعا الروعة ز نمثل فيها السمو لذلك يدهش الانسان عند قراءته الزنوفون من أن يرى بجانبها آراء أخرى لا تسمو عن التذكير العامي واذا اعتمدنا اكزنوفون في كل ما يذكر فاننا تلاحظ أن سقراط يستدل على قيمة بعض الفضائل بأدلة عامية خا مثلا فضيلة الصداقة
اذا قورن الصديق المخلص بأي شيء يمتلكه الانسان الا يرجح الصديق اليس أكثر منفعة من الحصان أو من فرسين ان ما تتيحه أرجلنا وأيدينا وأعيننا وآذاننا من فوائد غاية في الأهمية لا يفضل قط معاونة الصديق الصدوق لأنه اذا حالت الحوائل بينك وبين عمل ينفعك واذا لم تتمكن من ان ترى أو تسمع ما يهمك فان صديقك يعمل ويسمع ويرى من أجلك انك تغرس الأشجار لتجنى ثمارها وتهمل في شيء من عدم الاكتراث الآئم الحديقة التى توتى اكلها شهيا في كل حين أعنى
الصداقة
اهذا الذي يتحدث ويفكر هذا التفكير الرخيص 1 هو نفسه الذي قدر فى دقة طبيعة السعادة الحقة ان مثل هذا
من
1 لا توافق المؤلف على أن هذا تفكير رخيص لماذا لا نعد هذا سفراط تنولا منه مع سامعيه يشير فيه الى أن أثمن الماديات لا نقرن بالصداقة ولقد فات المؤلف أن تسعة أعشار الناس يبيعون الصداقة بحصان واحد وربما
•
بنصف حصان ان لم يكن ربحهم من الصداقة أرجح
A
التفكير بصدد الصداقة يدهشنا ولا ينسجم مع سمو ما ذكرناه
سابقا
من
آراء
ومهما يكن من شيء فلا يفوتنا أن نذكر الحقيقة التالية
وهى
ان مذهب سقراط الاخلاقي لم يخل من العنصر الديني فهو
بدعي العاقل الى الاعتقاد في وجود الآلهة والى تقديسها
•
•
ويجب
نعم يجب الاعتقاد في وجودها السنا نرى ان الأمين جعلت للرؤية والأيدى للاخذ والعطاء والاجنحة للطيران والماء لأزالة الظماً هذه الغايات ترشد الى أن كائنا خلق ذلك تقديسها بتقديم القرابين حسب الشعائر الموجودة في اقليمنا غير ان القربان ليست له قيمة ذاتية وانما قيمته تتبع اخلاص القلب وكان سقراط يحدث عن تلك الأشياء كما تتحدث الكاهنة بيتى نفسها حينما يأتيها من يريدون استشارتها في اضاحيهم وفيما يقدمونه لأرواح أسلافهم وفى كل الشعائر الدينية فكانت تجيبهم التزموا نظم اقليمكم فبذلك وبذلك فقط تبرهنون على اخلاصكم للالهة هذا نفسه هو ما كان يعمله سقراط وينصح الآخرين بعمله أما صلاته فكانت بسيطة لا تعدو طلبه من الآلهة ان يمنحوه الخير فهم أعلم بالاضلح للانسان ذلك وأن كان فيه كثير من عدم التحديد
الكامل هو مبلغ علمنا عن فكرة سقراط ولا ريب في أن ما عندنا من وثائق لا يقدم لنا صورة كاملة عن مذهب فلسفى اخلاقي بكل معنى الكلمة غير أننا نجد فيها على الأقل المبادىء
الأساسية التي ذكرناها
۸
ا - ليس للانسان من غاية فى الحياة الا السعادة والفضائل ان هي الا طريق مباشر أو غير مباشر لجعل
الانسان سعيدا
والايمان مكمل للحياة الاخلاقية غير ان الاخلاق لا ترتكز عليه اذ الحياة الأخلاقية هي الحياة التي ترتكز على الحكمة ولا يحياها الا من فهم حقيقة ما يريده بطبيعته وفهم السبل الموصلة اليه
مذهب أفلاطون
ان عرض المذهب الأخلاقي لا فلاطون ليس أسهل من تلخيص مذهب أستاذه سقراط
وذلك ان مقدارا كبيرا من النصوص الافلاطونية تتصل بالا خلاق غير ان افلاطون ألفها فى أزمنة مختلفة ويظهر من ثنايا المحاورات التي دونها أن رأيه خضع لتغيرات لا تخلو من
الاهمية
ثم ان محاورات افلاطون تعليمية عامة كتبت لجمهور لذلك لم يأخذ أفلاطون نفسه
يجذبه كل ما هو براق لامع دائما بوضع الانسجام بينها
وأخيرا كان هدف بعض المحاورات الأفلاطونية الاشادة بسقراط وبآرائه حتى اننا لنسأل أنفسنا أحيانا أكانت الآراء خلال هذه المحاورات آراء سقراط حقيقة أم هي آراء افلاطون نفسه
--
على أن دراسة النصوص تدل رغم هذا على شيئين مخالفة افلاطون لسقراط فى عدة مسائل مهمة
تشابه قوى بين التلميذ واستاذه في طريقة وضع المسائل
الاخلاقية
فمن المسائل التي خالف فيها افلاطون إستاذه مسألة الصلة بين الفضيلة والعلم فقد أنكرها أفلاطون في كتابه مينون ورأى ان العلم ينتقل من عقل الى عقل عن طريق البراهين والأدلة
وليست الفضيلة كذلك فان أفاضل أثينا لم يمكنهم لمجرد الدروس التعليمية أن يصيروا أبناءهم فضلاء مشاهم ليس العلم اذن هو الذى يصير الرجل فاضلا وانما الفضيلة ترجع الى الهام وبصيرة بشوبهما قبس من التحمس الديني ثم مما ينبغي ملاحظته أن افلاطون فيما يظهر جعل الدين في الاخلاق مكانة اكثر اهمية مما فعل سقراط فهو يلخص الأدلة السائدة في عصره على خلود الروح ويكملها غير أن محاورته لا تؤدى في النهاية الا الى هذه العبارة المشهورة أنها لمخاطرة جميلة تجذب المرء اليها
ثم انه يقص في مختلف الأساطير التي أبدع فيها ما تصير اليه الأرواح بعد الموت وما ستلاقيه من حساب وما سينالها ثواب أو عقاب أليم ويؤكد أننا سنعود مرة أخرى لنحيا من حياة جديدة في أجساد لم يلبسها البلى بعد ان نقضى في العالم الآخر ألف عام منعمين أو معذبين جزاء ما قدمناه من خير
أو شر
ويوحى الينا بأن حياتنا الحالية قد اخترناها بانفسنا قبل مولدنا من بين آلاف الحيوات الممكنة ولذلك فالله برىء
مما نعمل
•
وهو يدعونا بعد ذلك الى التفلسف حتى لا نخدع اذا ما حان موعد الاختيار لحياة جديدة والا تمثلنا السعادة الحقيقية في حياة الطغاة البراقة الخادعة وتكون النتيجة أن تمكث بعد الموت الثاني ألف عام أخرى في عذاب وبؤس
ماذا تحمل من جد هذه الأساطير الشعبية الساحرة وماذا يعتقد افلاطون حقيقة من كل هذا أن التهكم يكاد يتخلل كل
سطر
ومن المستحيل معرفة رأى افلاطون في ذلك
•
Ло
غير ان هذا التهكم لا يلبث أن يختفي في التحليلات التي
انتبها افلاطون في مؤلفه فيليب وليس موجودا كذلك في بعض اجزاء الجمهورية حيث جابه افلاطون مسألة الحياة السعيدة في كتاب فيليب وهو من أهم كتب افلاطون في الفلسفة الأخلاقية يحدد أفلاطون معنى الخير وهو لا يتردد كما لم يتردد سقراط في القول بأن الخير المطلق هو السعادة وقد اتفق كل من تحدث على لسانهم أفلاطون على ذلك وأخذ كل منا نحن الاثنين في شرح الحالة النفسية التي يكون الانسان فيها سعيدا والطريقة الموصلة اليها كيف ستكون اذن هذه الحياة السعيدة ان لها خاصية تامة الوضوح ذلك ان الانسان الذي يحياها لا يريد بها بديلا طبيعة الخير لها كما يقول سقراط ميزة عن كل ماسواها
•
وعندما سأله بروتارك عن تلك الميزة اجاب هي ان الكائن الحي الذي ينعم بها تامة كاملة مستمرة طيلة حياته لا يحتاج الى شيء آخر سواها لأن فيها غنى عما عداها هذا هو المبدا
هاك الآن النتائج أعتقد بعض الناس أن الحياة السعيدة في حياة الملاذ غير اننا اذا عرضنا على شخص متمتع بكل ملاك
الحياة ومحروم من العلم كله ان يضيف الى هذه الملاذ العلم الذي
•
يجهله فانه بلا شك يفضل العلم والملاذ معا على الملاذ وجدها واذن يكون الخير في العلم والملاذ مما أكثر مما في الملاذ وحدها
وآخرون رأوا السعادة في العلم غير أننا اذا مرضنا علي شخص ملك ناصية كل ما يمكن تصوره من العلم اضافة اللذة الى ما يملك فانه يفضل العلم مع اللذة على العلم مجردا عنها وبنتهى افلاطون بالنتيجة التالية
•
وحده
ليس الخير وليست السعادة فى اللذة وحدها أو في العلم وينبغي الا نبحث عن السعادة في عنصر واحد نعتقد أنه هو المكون لها وانما يجب البحث عنها في ائتلاف عنصري العلم واللذة غير أن العلم كثير متنوع واللذة مختلفة الانواع والمراتب هل نتخير بين العلوم لا شك أن بعضها أهم وانقى من البعض الآخر غير انه اذا كان العلم خيرا فهل يزعم انسان ان الزيادة فيه اسراف
يقول سقراط لبروتارك أتريد أن أكون فيما يتعلق بالعلم مثل بواب خضع لضغط جمهور من الناس فأفتح الباب على مصراعيه لتدخل كل العلوم النقى منها وما ليس فاجابه بروتارك انى لا أرى بأسا من تحصيل كل
بنقى
العلوم طالما عرف الانسان النقى الصافي منها
اكذلك الأمر في اللذات
•
وما هي الا
هنا يقف أفلاطون موقفا لا لبس فيه فيميل تمييزا تاما اللذات ويدعونا الى أن نميز الصالح منها من الخبيث مین فبعض اللذات ليس لها من اللذة الا الاسم فترات تفصل بين المين كلذة الأجرب حينما يحك جسده أو الرجل الذي يأكل لأنه يحس الم الجوع ويشرب لأنه يجد الم هذه اللذات واضرابها لا تعدو أن تكون بهيمية كدرة
الظما
مثقلة بالألم والاضطراب
ان هناك لذات صافية نقية ليست افاقة بين المين لم
تسبقها أية رغبة وذلك مثل اللذات التي تحدثها فينا الفنون
AY
الجميلة فى نغمة جميلة ۱ نسمعها أو لون رائع يجتذب بصرنا أو رائحة ذكية تعطر ما نتنسمه من هواء ليست الشهوة هنا مصدرا لما نجده من لذة ولا دخل للالم وازالته فيما نشعر به
من متعة
•
ومن هنا كانت النتيجة الآتية أن من أدرك أن العلم يجب أن يكون عنصرا أساسيا فى سعادته يجب أن يتحاشى السير وراء هذه الشهوات البهيمية الوضيعة التي تثبت لا محاولة الاضطراب في النشاط العقلى وتعكر طمأنينته وما من شك في أن العلم والحكمة بأبيان الانسجام مع الشهوات يقول العلم والحكمة لسقراط في ذلك كيف يمكننا الانسجام مع الشهوات ما دامت تضع العقبات التي لا عدد لها في سبيلنا بما تبعثه من ملاذ عنيفة تترك الأرواح التي تحل بها مضطربة مشوشة ليس هذا شأن اللذات الصافية فهي خالية من العنف بل ان بعضها ليصحب بطبيعته المعرفة ألا تشعر بلذة سامية ترافق التعلم ومما لا ريب فيه ان البحث عن اللذات الصافية الأخرى لا يتعارض معها والحكيم يمكنه بل يجب عليه أن يتذوقها من غير أن يخشى أي تنغيص
ما هو اذن هذا الخير المطلق الذي هو السعادة المطلقة هو تأليف موفق بين العلم وبين طائفة من اللذات اعتبر اللذات الصافية الحقيقية التي تحدثت عنها كأصدقاء لنا وأضف اليها ما يرافق الصحة والاعتدال اللذين يسيران في موكب الفضيلة ويتبعانها دائما كحاشية الهة يسيران في ركابها اني سارت
13 يجب أن تتنبه هنا إلى أن بعض النغمات الجميلة قد يكون من
الشهوات الحادة وهذا يجب أن يلحق بالنوع السابق
•
يقرر العلم اذن ويشاهد أن الخير المطلق ان هو الا تنسيق وانسجام بين العناصر التي يتكون منها أما العلاقة بين تلك العناصر فهي علاقة تتصل بناحية الجمال ۱
•
هذه المباديء تتجاوز فى الموضوع المبادىء السقراطية ولكن الا يجد الناظر فيها نفس الاهتمام بالسعادة الموجود عند سقراط والطريقة والعناية
على أن ما تقدم من آراء يجده الباحث كذلك في أهم كتب افلاطون الأخلاقية أعنى الجمهورية ولنترك التفصيلات الكثيرة والتفريعات المتعددة التي اشتمل عليها هذا الكتاب الشهير ولنأخذه فى جملته فنرى انه يرتكز كله على موازنة دائمة بين الفرد والجماعة الانسانية
فاذا كنا بصدد الفرد فاننا نلحظ أن عنده ثلاث طوائف من
الاستعدادات السيكولوجية
العقل الذي يقوم على التفكير ويقر في الرأس
٢ - العواطف الكريمة وهي تنبع من القلب
ثلاث
- الشهوة ومصدرها البطن
•
واذا كنا بصدد الجماعة الانسانية فانها لا تنتظم الا بتضامن
من الطبقات الاجتماعية
1 يتجلى افلاطون هنا في اروع مواهبه الغنية فينسق عناصر الخير
فنسيها فنيا لا يطاوله فيه أحد نفس الطريقة وخالف في بعضها استاذه فلم يكن جد موفق
ولقد مزج أرسطو أيضا عناصر الخير على
41
الطبقة الذهبية 1 وهى طبقة الحكام الذين يسيرون
أمور الدولة
الطبقة الفضية وهى طبقة الجند المكلفين بالدفاع عن
الوطن
الطبقة النحاسية وهى طبقة الزراع والصناع والتجار
وسواء كنا بصدد الفرد أو بصدد الدولة فان المسألة التي
يتطلب حلها واحدة بالنسبة لهما وهى ما السبيل الى الحياة لسعيدة أما الجواب فواضح يجب أن يتوفر في الفرد كما يجب أن يتوفر فى الدولة شروط للانسجام وهي في الوقت نفسه شروط للصحة العامة فاذا تحققت انتظم كل شيء وساد العدل ورافقته السعادة أما اذا لم تتحقق فان الفوضى تسود ومعها لظلم الشقاء
•
من
ما تلك الشروط هي عند الفرد قيام كل طائفة الاستعدادات السيكولوجية بدورها المخصص لها والذي
1 الطبقة الذهبية الخ تقسيم تنبو منه المجاملة الوطنية بين أبناء الوطن المشتركين في المزايا والمصالح وهى نزعة اريستوقراطية لم يتحرر منها افلاطون بحكم نشأته الاريستوقراطية بيد أن افلاطون لما جعل أساس هذا الترتيب حينيا على الاهلية العلمية والكفاية العقلية فخص الفلاسفة بالاهلية للحكم وجعل الطبقة الحاكمة منهم برمن بذلك على أنه لم يضع الطبقة الدنيا في مكانها الا لرضا افرادها بالجهل وقناعتهم بالانتاج المادي فكانت اریستوقراطينه حلبية أكثر منها مادية وهذا يعطيه بعض العذر يمانع في أن يتولى سقراط الفقير رياسة الجمهورية
لانه بهذا الأساس ما كان
•
على أنه يبدو جليا أن خضوع الطبقة الثانية للاولى والثالثة لهما معا دون تذمر ودون اعتراض أمر بعد حلما من أحلام الفلاسفة من الذي يضمن أن لا يطلب الجند أن يكونوا حكاما والزراع والصناع ان يكونوا جندا على الاقلي !
ใ
01
خصص لها بسبب طبيعتها واهميتها وهي في الدولة أن ؤلف كل طبقة من الأفراد الذين هم أهل بالطبيعة لها وان تقوم الطبقة بدورها في دقة كل على استعداد لما يتلاءم معه وكل رجل في المكان الذي يستحقه ذلك هو البرنامج الذي يجب السير فاذا تحقق عند الفرد وعند الدولة فانهما يحصلان على التوازن النفسي والتوازن الاخلاقي والانسجام والصحة والسعادة
عليه
•
ماذا يجب لتتحقق تلك الحالة عند الفرد أولا خذ كمثال عربة من طراز قديم بها سائق وحصان طيب وآخر خبيث ۱ هذه العربة لا ينتظم سيرها الا اذا سيطر السائق تماما على
الحصانين فأطاعاه
•
هذه
فاذا نظرت الى النفس وجدت السائق هو العقل والحصان الطيب هو العواطف والحصان الخبيث هو الشهوة النفس تنتظم اذا احتل العقل مركز القيادة فمنع العاطفة من أن نثور والزم الشهوة الاعتدال والسير فى الطريق السوى فاذا سارت الأمور على هذا النسق حصل الفرد على الصحة الاخلاقية وحاز كل الفضائل أجل انه يستشعر التبصر بسبب هذا الجزء الصغير في نفسه الذى يعلم بطبيعته كل طائفة بمفردها من الاستعدادات الثلاثة وما ينبغى للكل كوحدة ويستشعر الشجاعة اذ أن جزء النفس الذى عنه يصدر الغضب يتبع
1 الطيبة والخبث في الحصانين لا ينتظم المراد بها تماما الا أن يكون المراد بالطيبة قوة العدو والمراد بالخبث الاضطراب في السير لما به من سوء الطبع حتى يتلاءم ذلك مع قوله فيما يأتي فمنع العاطفة من أن تؤثر والوم الشهوة
11
•
الاعتدال الخ
دائما ساءت الأمور أم سرت أوامر العقل الهادية الى ما يخشى وما لا يخشى ويستشعر الاتزان بواسطة هذا الانسجام السائد بين الجزء الآخر وهو العقل وبين الجزاين الخاضعين وهما العواطف والشهوة ما دام قد أسلما له القيادة ولم ينازعاه السلطة يمتلك الفرد كل هذا لأن شئونه تسير
تبعا للعدل 1 فكل جزء من أجزائه يقوم بما هو أهل له
وانه ما دام المرء مالكا كل هذا فانه يتمتع بالخير الأسمى وبالصحة وبالسعادة فالصحة تنشأ عن وجود الانسجام الطبيعي بين العناصر المختلفة المؤلفة للبنية الانسانية ذلك الانسجام الذي يخضع بعضها لبعض أما المرض فانه ينشأ من اغتصاب اى
عنصر من عناصر السيطرة والسيادة بدون حق طبيعي له ينشأ العدل من الترتيب الذي وضعته الطبيعة بين تلك
نعم
العناصر وينشأ الظلم من أعطاء عنصر فيها سيادة ليست له بالطبيعة فالعدل في النفس ليس الا هذا الانسجام وهذا الاتزان اللذين يصير انها سليمة وليست السعادة الا اثرا طبيعيا ونتيجة
اذ
منطقية له هذا نفسه هو المثال الذى يجب تحققه في الجماعة بدونه لا تكون الجماعة سليمة ولا تكون سعيدة يجب اذن السعادة الجماعة وسلامتها أن تكون الطبقة الذهبية هي الطبقة التي يسود عندها العقل وأن تكون الطبقة الفضية هي الطبقة التي تسود عندها العواطف اما الطبقة النحاسية فتتكون من هؤلاء الذين غلبت عليهم شهواتهم وأن يخضع المواطنون الذين يكونون الطبقة الفضية والطبقة النحاسية خضوعا تاما
1 المدل هنا التعادل بين القوى النفسية والانسجام بينها
ما أعسر تمييز كل طبقة من هؤلاء على حدة لأن العلم باستعدادات كل نفس في المجتمع عقلية وعاطفية وشهوية يعز على الطاقة البشرية
۹
كام من الطبقة الذهبية المكلفين بالسهر في اخلاص وحكمة على
رية الصالح العام
على هذا الأساس قام افلاطون بوضع مشروع كامل للتربية وانتنظيم في الدولة يقدم اذا طبق للجماعة الطبقات الثلاث التي هي بحاجة اليها فالمحاربون الذين يعدون للطبقة الفضية ب أن يسود بينهم الاتحاد التام لهذا اراد افلاطون ان يزيل من طريقهم كل سبب يؤدى الى الشقاق فمنعهم من الملكية بتانا سواء في ذلك النقود والسلاح والملابس والزوجة والولد ازل شيء بينهم مشاع وليس لتربيتهم من هدف الا ان تفرس فيهم صفة كلاب الحراسة اشداء غلظاء على الأجانب خاضعون لادتهم وديعون معهم اما تربية الحكام فانها عدا هذا تزيد نوعا خاصا من التربية نعم انهم يتعلمون كالجند حمل السلاح غير انه يجب عليهم أن يكونوا على علم بكل العلوم وهذا شرط اساسى لجدارتهم لا غنى لهم عنه ثم يجب أن يكونوا قد أعطوا البرهان على اخلاصهم وتضحيتهم للمصلحة العامة وما من شك فى أن مواقفهم ستكون في كل الظروف الحرجة أشد المراكز خطرا لذلك يجب أن تمتحن شجاعتهم وروح النظام فيهم ومهما يكن من شيء فانه لا يجوز أن يقبلوا في ادارة قطر الا بعد بلوغهم سن الخمسين هذه المباديء اذا طبقت اثمرت وجود مدينة تسير حسب العدالة فكل شخص يشغل فيها المكان الذى يتلاءم مع كفايته وينسجم مع وحي قلبه و فتكون المدينة متزنة سليمة سعيدة
ذلك هو ما ذكره افلاطون فى أهم نصين تحدث فيهما عن الاخلاق وما من شك فى أن النصين لا يتحدان في معناهما الى حد التطابق غير أنهما لا يتعارضان وليس ببعيد أن يكون أفلاطون قد نظر اليهما كوحدة منسجمة الا أن كل محاولة
لاكتشاف ذلك ستبقى مهما كان مبلفها من الدقة والاستقصاء عرضة للشك لنقنع اذن بما نجده فى المحاورات نفسها ورغم أننا لا نجد فيها مذهبا متحدا كل الاتحاد فانها تظهر أن قلاطون نحا منحى سقراط فى أن الاعتبارات الدينية لا دخل لها
في حسن السلوك وانما الشأن كل الشأن للحرص على السعادة تلك السعادة التي لا تتحقق الا بالعمل الحسن
مذهب ارسطو
حتى اذا ما وصلنا الى ارسطو طاليس فاننا نجد انه في العصور القديمة أول من مذهب الأخلاق حقيقة
وكتابه الاخلاق الى نيقوماخوس ذو أهمية عظمى فيما
نحن بصدده
الغاية من علم الاخلاق
لنفرض ان شخصا يريد أن يتعلم رمى السهام فماذا يجب عليه تتحقيق ما يريد اثباته مرمى يكون هدفا للسهام ويكون بحيث يراه الرامي كل شخص فيما يتعلق بحياته كالرامي امام المرمى كلنا يومى الى ما يراه خيرا له غير أن هذا الخير لا يمكن
اصابته اذا جهلناه وجهلنا الطرق التي تسمح لنا بالوصول اليه
ومن
•
هنا تتحد غاية الاخلاق فهي لا تعدو انارتنا فيما يتعلق
بهاتين المسألتين ۱
الخير عند ارسطو
ما الخير اذن كل الناس حسبما يرى أرسطو طالبس متفق على أن الخير هو السعادة
وفى الواقع انه اذا كان لأعمالنا من غاية نريدها لنفسها ولا ترغب فيما عداها الا من أجلها هي فمن الواضح أن تلك الغاية
لا يمكن أن تكون الا الخير الذاتي بل الخير المطلق
۱ جما مسألة تحديد الخير ومسألة السلوك الموصل اليه الذاتي اى الثابت المطلوب لذاته فالذاتي والمطلق هنا متقاربان
ا متقابلان
ولا شك أن ذلك هو السعادة فاننا نريدها دائما لذاتها
لا لغاية اخرى وراءها حقيقة اننا نرغب في احترام الآخرين وفى الملاذ وفى الذكاء وفى كل ما نسميه فضيلة أو جدارة ترغب فى كل ذلك لذاته غير اننا نرغب فيه وتبحث عنه من اجل السعادة وذلك لما نتخيله فيه من طريق موصل اليها الاتفاق اذن تام على هذه المسألة الأساسية بقى أن تتساءل ما السعادة وهنا يبدا الاختلاف وتظهر اصالة ارسطو طاليس
•
ذلك هو
بعض الناس يرى السعادة في الحياة الحيوانية رأى العبيد ولا يعيره أرسطو طاليس أية أهمية بل لا يذكره الا في هؤلاء العامة من بني البشر الذين عندما وصلوا الى القوة والتعظيم استعبدتهم الشهوات كما استعبدت الشهوات سر دنبال ۱ وبعض الناس يرى السعادة في الثراء غير أنهم خاطئون فليس للثراء ای نفع مباشر عاجل بحيث تنشأ عنه السعادة في الحال ان الثراء لا يطلب لذاته وأنما لما يحققه وبعض الناس يرى السعادة في المجد ولكن المجد ليس رهن ارادتنا مع أن السعادة يجب أن تكون الى حد ما ارادة الذى يبحث عنها ٢ ومع ذلك فان هؤلاء الذين وصلوا في المجد إلى قمته هم أحيانا بؤساء كم من مشاهير يشعرون بآلام ممضة ويصيبهم من الملمات مالا طاقة لهم به وبعض الناس يزعم أن السعادة هي اللذة وانه ليكفي أن يقرأ الانسان كتاب افلاطون فيليب الذي تحدثنا عنه سابقا ليعرف ضلالهم ان الانسان ليرقب في العلم مع اللذة أكثر مما يرغب في اللذة وحدها ليست اللذة اذن هى الخير الوحيد كل التعريفات الجارية
•
1 شخصية تضرب مثلا للفجور وطغيان الشهوة
كذلك التراء ليس دائما رهن ارادة طالبه
•
•
11
الخاصة بالسعادة هي اذن خطا ويجب البحث عن تعريف
آخر
لا شك أن السعادة تستلزم النشاط اذ لا يمكن تصور الرجل الفارق في سبات عميق طيلة حياته سعيدا لا سعادة اذن بدون نوع خاص من العمل ما هذا النوع الخاص
هنا تتجلى الفكرة الجوهرية للاخلاق الأرسطو طاليسية فكرة المهنة أو الوظيفة
لكل من الموسيقى والنحات والحذاء والنجار مهنة خاصة به فالنحات يصنع التماثيل والحذاء يقوم بصنع الأحذية والنجار يصنع السقف وكل واحد منهم أما أن يحسن في عمله أو يسيء
فاذا أحسن استحق أن يسمى النحات نحاتا طيبا والنجار نجارا اذ كل منهم يؤدى ما تفرضه عليه
موفقا والحذاء حذاء ماهرا
·
طبيعة عمله ويؤديه فى جدارة
كذلك الأمر في العين واليد والرجل لكل منها وظيفة خاصة تحسن في القيام بها أو تسيء وتوفق فى أدائها أو يخطئها التوفيق فوظيفة العين الرؤية ووظيفة اليد الأخذ أو الاعطاء ووظيفة الرجل حمل الجسم
به
اذا كان الأمر كذلك فهل للانسان بصفته انسانا وظيفة خاصة
في امكانه باعتباره انسانا أن يؤديها
وفى تأديته لها يكون قد قام بعمل من أخص شئونه هو
کانسان
اذا كان للانسان وظيفة خاصة به فانه تبعا لطريقة تأديتها يكون محسنا أو مسينا ويحقق أو لا يحقق جوهره الذاتي
فيعمل ما يتلاءم حقيقة مع طبيعته فيعيش سعيدا أو ما يعارضها
فيعيش بالسا
لنختبر اذن على ضوء هذه الفكرة السلوك الانساني أن الحياة عند كل انسان تتمثل في ثلاث صور
•
حياة نباتية
حياة حيوانية
- حياة عقلية
أما الحياة النباتية فتتمثل في التنفس والهضم والانتاج وبها وهذه الحية
تتعلق المحافظة على الفرد والمحافظة على النوع
ليست خاصة بالانسان فالنبات والحيوان يشاركانه فيها
L
فاذا ما قام الانسان بهذه الحياة النباتية فان ذلك لا يعنى أنه قام
بوظيفته الخاصة به
أما الحياة الحيوانية فهي حياة الاحساسات ولا شك أن النبات بمعزل عنها غير انها ليست حياة انسانية خاصة فالحصان والثور وجميع أفراد الحيوان تشارك الانسان فيها وقيام الانسان بها لا يعني قيامه بشيء هو من مميزاته
متى يقوم الانسان اذن بشيء هو من شئون الخاصة ! ذلك يكون حينما ينتهج الحياة العقلية حسبما يرى أرسطو حياة يمكنه أن يسلكها وهو وحده الذي يمكنه ذلك هي اذن
خاصة به
واذن ما هذه الحياة العقلية انها حسبما بری ارسطو
تتمثل في صورتين
أما في صورتها الأسمى فانها تسمى حياة التأمل اعنى الحياة الدهنية الحياة للمعرفة وللعلم والفلسفة وليس للانسان حياة
۹۸
اسمى منها أو أسعد اليست هي الحياة التي بها تتسق ستفا تاما ميول الانسان المميزة له
ذلك فلابد من بعض الملاحظات ومع
ان حياة التأمل هي حياة الله نفسه انها تفكير بدرك به
استعداد اتنا
ذاته ويفكر به في نفسه فى احاطة وشمول هي اذن الى حد ما لا تتلاءم مع ومع ذلك فليست النتيجة لهذا انه يجب أن لا نطمع فيها كلا يجب أن لا نتبع نصائح هؤلاء الذين يريدوننا على الا نستشعر الا ما هو انسانی ما دمنا من بني البشر وأن لا نتطلع الا الى حياة كائن يموت لاننا كائنات
تموت
انه
من
الواضح أن حياة الانسان المتعلم أرقى من حياة غيره انه يقضى وقته بطريقة أجمل مما يقضيه بها هؤلاء الذين يسعدون في الحياة جاهلين
وعنده اكثر من غيره المقدرة على أن يكفى نفسه بنفسه
وعنده الفضائل الجوهرية تلك التي لا تتحول بالافراط فيها او الاسراف الى رذائل أعنى الذكاء وهو عادة الادراك الدقيق للقواعد العلمية هو الخبرة الجيدة باستنباط النتائج التي تترتب على قاعدة منها ومنها التبصر وهو عادة التقدير الصحيح لكل شيء
وأخيرا الحكمة والمهارة وهما فى العلوم أرقى درجات الكمال
•
حقا ان الانسان لينجذب نحو الحياة الفكرية أكثر مما ينجذب
نحو غيرها ومع ذلك فان أرسطو يقرر انه مهما كانت تلك الحياة مدعاة الى الميل نحوها فانها ليست في متناول الجميع
غير أنه من حسن الحظ أن الحياة العقلية لها صورة أخرى فما من شك في أن الحياة المنظمة حسب المقل هي أيضا حياة عقلية يضعها أرسطو في الدرجة الثانية وهي حياة تنميز حسبما يعتقد بنمو الفضائل الأخلاقية 1 تلك الفضائل التي تغابر ما سماه ارسطو سابقا بالفضائل الديزنويتية
والفضائل الأخلاقية لا تسمى فضائل اخلاقية الا اذا كانت عادات مستمرة وكما أن ظهور خطاف واحد لا يدل على بدء الربيع فانه لا يكون الانسان كريما لأنه أتى الكرم مرة واحدة في حياته ولا يكون الانسان سكيرا لأنه ثمل مرة فالانسان كريم اذا كانت عنده عادة الكرم وسكير اذا كان مدمنا
وجميع الفضائل الأخلاقية لا تعدو أن تكون أوساط الأمور ففي كل حالة من احوال الحياة جانب افراط يجب تحاشيه
و جانب تفريط يجب اتقاوه والفضيلة هي التوسط بينهما ان التمرين الرياضي العنيف يأتي على القوة - وعدم التمرين يأتي عليها كذلك
والخطة التي تتلاءم مع العقل هى أن يقوم الانسان بالتمرين اللازم بدون أن يفرط فيه أو يفرط هذه هي القاعدة التي تصدر عنها الفضائل الأخلاقية
وقد عمل أرسطو قائمة كبيرة بالرذائل والفضائل منها
رذائل الافراط مثل
التهور
٢ - الشهوانية
•
1 يمكن أن نسميها هنا الفضائل العملية أو فضائل الارادة لانها تنشأ عن ضبط السلوك حسب العقل أما الصورة السابقة فيمكن أن نسميها الفضائل العقلية أو النظرية لانها نظر و عقل محض
•
الادعاء الكاذب
المجابهة
البلادة
ضعة النفس
الملق
•
{
។
{
٣ - الغرور
ه - الشراسة
ورذائل التفريط مثل
الجين الخسة
الضعف
و فضائل أوساط مثل
الشجاعة
٢ - الاعتدال ٤ - السراوة
٣ - العزة
الحلم
។
المجاملة
اذا نظم الانسان حياته تبعا لهاتيك القواعد عاشر عبشة عقلية وما من شك فى أن من يعيش هكذا لا يسعد بنشوة الحياة التأملية بيد انه على الأقل يحصل على الاتزان السعيد الدي هو ثمرة حياة تسير حسب المنطق
ویری ارسطو أن هذه الحياة لا تمنع الانسان من اخذ حفله اللذة 1
1 يحاول هنا أرسطو أن يبدو مدققا اكثر من استاذه افلاطون ولو دقق النظر لعلم أن افلاطون نبه ايضا على مثل هذه اللذات وسماها التذات الصافية وجعلها كما جعلها ارسطو تماما رفيقة العلم أو العمل الفاضل
11
وقد رأى افلاطون فى اللذة ظاهرة من ظواهر الحركة والتغير بید انها شيء آخر انها حالة بها يترجم الى الشعور بعض ما يحصل في داخل الانسان من تغيير
انها زيادة تضاف الى العمل كما تضاف الزهرة في التزين الى نضره الشباب هذه الزيادة تنتهى اليها الحياة التأملية كما تنتهى اليها الحياة المتزنة التي سارت حسب العقل والعاقل ينعم بها تامة غير منقوصة بل ان العاقل حقيقة هو فقط من ينعم بكونه عاقلا وأن من لا يجد لذة في العمل الخير لا يوصف في الواقع بأنه رجل اخلاقی كما لا يوصف الرجل الذي لا يحلو له العدل والحرية بأنه عادل حر وهكذا وينتهى أرسطو الى القول بأن أنواع الخير ثلاثة
خير خاص بالنفوس
وخير خاص بالاجسام
وخیر خارجی
أما النوع الأول فانه اساسى جوهرى وما عداه تابع له
ومع
ذلك فانه
يجب أن لا نقلل من أهمية الخير التابع فمن الواجب أن ينعم الجسم بالصحة ويجب أن يكون في قدرة الانسان الحصول على القوت وعلى جميع ما يلزمه نعم أنه لا يلزم لهذا تراء عظيم غير انه من الخطأ أن يهمل الانسان البحث عن الضروري أو يهمل الاحتفاظ به
وبالاختصار السعادة عند أرسطو هي أن يكون الانسان رجلا بمعنى الكلمة حسن الصورة سليما متزنا مالكا لثروة تكفيه محفوظا بجماعة مسالمة وأن يكون فضلا عن ذلك
ستنيرا معتادا التفكير والبحث عالما يقدر الامكان
•
۱۰
اما طريق الوصول الى ذلك فإن أساسه اولا واخيرا
الاخلاقية
•
هو
انه لا شيء اكثر انطباعا بالروح اليونانية من هذه الطريقة التي تشيد بسعادة مكتسبة عن طريق الاتزان والامتياز في الناحية الذهنية غير انه لا شيء أكثر منها عرضة للجدل في نظر من هو على ذكر بمذهب سقراط فيما يتعلق بالسعادة 1 وهذا هو على ما يظهر ما رآه الابيقوريون والروافيون الذين اخذوا بعد ارسطو في تحليل الخير المطلق والبحث عن واذا كان افلاطون وأرسطو قد ابتعدوا عن مذهب سقراط فان الرواقيين والابيقوريين قد اقتربوا منه على اختلاف بين المدعين في طريقة ذلك
الحكمة
OOO,
1 لم يخضع سقراط السعادة للحظوظ المادية بل جعلها أمرا نفسيا داخليا يدور مع الفضيلة وحدها وجودا وعدما أما أرسطو فقد دعمها باللذات المشروعة والحظوظ الدنيوية المادية فبرهن أرسطو على أنه واقعي وان كان هذا يجعله عرضة للنقد في نظر الفلسفة المثالية التي تميل الى الحد من ميول الانسان الشهوية بتمجيد القناعة والاستكفاء
من المفيد أن ننبه هنا على أن ابتعاد افلاطون عن سقراط لا يعدو
الطريقة على حين أنه معه في الحقيقة أما أرسطو فقد تباعد في الناحيتين
•
١٠٣
مذهب أبيقور
ان مذهب أبيقور الاخلاقى من أشهر المذاهب القديمة اليونانية
اللاتينية ولقد أثار تحمسا واعجابا وأثار نقدا حادا
ان شيئين حسبما يرى أبيقور يعملان في خطورة على شقاء ۱ الانسان الايمان بأن الآلهة يهتمون بأمر بني البشر ثم الفزع من الموت الذي يتهددنا فى كل آونة ويقترب منا على مر الزمن أن من يعتقد أن الآلهة تراقبه لا يلبث أن تتركز عناه فكرة ما تمييز يريدون والعمل على ارضائهم والحضوع لهم وهو في قيامه بذلك ينسى أن ينظم حياته أن من يخاف الموت يشعر في كل لحظة بهم يستولى عليه شيئا فشيئا فيزداد لذلك يجب تحرير النفوس من هاتين الفكرتين
واحدة
به الفزع
المؤرقتين
•
ان الآلهة لا يشغلون انفسهم بأمور بنى البشر نعم انهم
1 لعل أبيقور هو أول اخلاقي فكر في أصل الشقاء قبل أن يبحث عن طريق السعادة فهو يبدأ عملية تفريغ قبل أن يفكر في الملء أو بعبارة أخرى عملية تخلية قبل أن يفكر في التحطية
•
حقا ان خوف الموت وشدة الفزع مما بعده عامل من أقطع عوامل الشقاء الانساني كثيرا ما يؤدى بصاحبه الى الجنون والهوس والقنوط من رحمة الله
ولا الى ملاحظة أبيقور في هذه النقطة بالذات لها حظها من الاعتبار
18
موجودون لأنهم 1 يظهرون من آن لآخر للاشخاص يدان مسائل العالم الأرضى لا تعنيهم وما من عامة تدل على أنهم يعنون بعقاب الآثم واثابة الصالح ايمكن اعتقاد ندخلهم هذا مع ما تراه في هذا العالم أن جوبيتير يرسل الآن بالصواعق على معبده فهل سحق أبيقور الذي يجدف به قد يعترض مال من الطبيعي أن يكون الآلهة مهتمين بامر العالم والا فكيف نفسر بدون ذلك وجوده ووجود ما حواه من عجائب وهذا الاعتراض لا وزن له فليس هناك من ضرورة لفهم العالم تقضى بافتراض تدخل الآلهة فعلم الطبيعة يرى أن العالم تفسره مبادىء علمية بسيطة ذرات لا عدد لها دقيقة لا ترى ازابة غير
و فضاء لا يحده حد
لها بالحركة يسمح
•
وثقل
متجانسة طبيعي يحملها على الهبوط وهبوطها يكون على خط مستقيم إلا أنها تنحرف قليلا فليلتقى بعضها بالبعض فيتكون منها مركبات
1 لانهم يظهرون من آن لآخر هذا دليل من أبيقور كله سخرية لاذعة فهو يريد أن يتفادى أمام العقيدة الشعبية انكار الهتم فأظهر لحمه لاثباتها بالدليل وهذا الدليل المضحك لا يعدو ان بعض الناس يرونها أحيانا أما هو فلم يرها ولم يكلف عقله اثبات وجودها بدلیل عقلی ومع ذلك فقد تخلص من هذا إلى فرضه المهم وهو أن هذه الآلية لا شأن لها بهذا العالم الغاني لانها صاحبة عالم السماء
الشعبية
هذا هو أخطر دليل مقلى بل الخطر قنبلة يوجهها أبيقور الى العقيدة انها لمشاهدة لا يمكن انكارها و أن الصواعق تصيب معبد جوبيتر أحيانا ولا تسحق ابيقور الذى لا يعترف بسلطانه على الارض
10
ومن هذه المركبات يتكون العالم لا حاجة اذن لعناية الهية 1 ان الآلهة يعيشون بعيدين
•
•
توجه الأشياء وتصيرها الى ما هي عليه عن العوالم ولا يهتمون الا بشئونهم هم فلا تعنيهم أمورنا انهم يعيشون حكماء سعداء ويعظوننا بهذا المثال الذي يجب أن نسير على منواله فلنعظمهم كمثل عليا يقتدى بها غير أنه يجب علينا أن لا نشغل انفسنا بما يريدونه منا فانهم لا يريدون منا شيئا هم لا يعيروننا الا فلنفعل نحوهم كما يفعلون نحونا
•
أما خوف الموت فانه ليس أقل من هذا افراقا في الضلال واذا كان الموت يلقى بالرعب في قلوب الناس فما ذلك الا لتخيلهم أنهم سيذهبون ليذوقوا العذاب ألوانا نحو مصير مجهول مفعم بالوعيد حقا انه لادراك مفرق فى السذاجة فليست الروح
۱ الى هنا نجد أن أدلة أبيقور تحاول أن تقرر نتيجة لها خطورتها على كل عقيدة سماوية ونحن معه في أن آلهتم الشعبية لا عناية لها بهذا العالم بل نريد نحن أنها لا وجود لها أصلا أما أن توافقه على ان لا حاجة بالعالم إلى أية عناية الهية على الاطلاق فهذا غير ممكن اللهم الا أن نعتقد معه صحة مبادى علم الطبيعة الذي يحتج به وهنا يجب أن نسأل أبيقور من الذي أوجد هذه الذرات الدقيقة التي لا ترى واذا كانت لا ترى ناية ضرورة عقلية تثبت وجودها وأية قوة أعطتها خاصية تكون الكائنات منها أهي قوتها من ذاتها انها ممكنات لابد لها من مخصص غير ذواتها كيف يمكن اذن أن تستغنى فى وجودها أولا وفي خواصها ثانيا من عناية الهية هذا ما لا دليل عليه لدى أبيقور وكل الفلاسفة الماديين قديما وحديثا الله وعداهم الى سواء السبيل
مداتا
في نفس الحين كان أبيقور يستغل سذاجة العقيدة الشعبية لمواطنيه والا لما استطاع أن يمعن فيها هدما وتقويضا ولوجد من يطالبه بالادلة القطعية على دعواه انحلال الروح بعد الموت قياسا على البدن ولى كما لم يجد دليلا من قبل على انكار المناية الالهية ولو انه اقتصر على نقد المبالغة فى الفرع من الموت واستبقى شيئا من العظمة والخشية لهذا المصير ودعا بها الناس الى سبيل الفضيلة لكان أقوم للأخلاق واهدى
يجد دليلا
•
سيبلا
الا مجموعة من الذرات كالجسم تماما وعند الموت ينحلل الجسم وينتقض وكذلك الروح كيف اذن والأمر ماذكرنا يخاف الموت أو برهب طالما كنا على قيد الحياة فالموت غير موجود فاذا وجد فاننا نكون قد صرنا الى اللاوجود اذا فهم الانسان هذا فانه يكون قد انقذ نفسه أن الموت عند المحتضر ليس له
•
شأن يذكر وهو لا يبعث الاضطراب الا في نفوس الجهلة
ما تبينا أمره فاننا ننظر اليه اشد ما تكون اطمئنانا
اذا
ای سبيل اذن نسلك فى الحياة ان كل الحكماء قد اتفقوا على ذلك السبيل الملائم للطبيعة لكن ما السبيل الملائم للطبيعة على هذا يجيب أبيقور بدون تردد كل حيوان يرغب في الملاذ ويستمتع بها كخير اسمى ويستبشع الآلام كشر محض ويبتعد عنها كلما أمكنه ذلك
الخير المطلق اذن هو اللذة - والشر المحض هو الألم
وبالنظر الى هاتين القضيتين يتحدد معنى السعادة فهي لا تعدو أن تكون الحصول على اللذات والابتعاد عن الآلام الا يشعر كل انسان بذلك في وضوح كما يشعر بأن النار حارة وأن الثلج أبيض
الألم
من هنا يتحدد عمل الاخلاقي
فهو تعليم بني البشر من الحصول على اللذة وتحاشي
واذا كان الوضوح في المذهب الى هنا تاما فان أبيقور
بعد أن قرر ما سبق ادخل فى مذهبه مبدا هو غاية في الأهمية
•
هذا المبدا بذكره شيشرون ويؤكده الخطاب المرسل الى مينيسيه
۱۰۷
وبمقتضاه يوازن ابيقور بين اللذات ويفرق بين نوعين منها
ما شأنه الحركة
وما من
شأنه السكون والطمأنينة
أما ما شأنه الحركة فهو كل ما تعودنا على تسميته لذة لذة الأكل ولذة الشرب ولذة التناسل الخ
•
أما ما من شأنه السكون والطمانينة فهو من نوع آخر هو انعدام الألم وانعدام الألم تمنع أن الحياة لذاتها في الواقع لطيفة ولهذا فان من يعيش بمعزل عن الآلام يعيش في متعة
عظيمة
على أن أبيقور يذهب الى أبعد من ذلك فهو يذهب الى ان عدم الألم ليس مجرد تمتع فحسب وانما هو تمتع بلغ القمة نعم ان اللذة التي من شأنها الحركة تتنوع معها المتع وتتغير بيد أن ذلك لا يستتبع زيادة في جانب العمق ما الذى يجب اذن ليكون الانسان سعيدا ان ذلك لا ينتج عن الاكثار الملاذ العارضة وانما ينتج عن أن الانسان يحيا حياة من متزنة خالية من الألم وهذا ما كتبه أبيقور الى منيسيه قال أليس من الحق أن الهدف لكل أعمالنا انما هو الهرب من الألم والقلق حتى اذا ما وصلنا الى ذلك تخلص الانسان من كل بواعث الاضطراب تخلصا تاما وأعتقد لذلك انه مغمور في محيط النعيم ومن هنا كانت النتيجة الآتية هدف الاخلاق الوحيد هو تعليمنا تحاشى الألم ما الذي يثير هذا الألم عند الانسان أن سقراط مصيب فيما يرى من أن السبب انما هو الرغبات التي لم تجد سبيلها الى التحقق فاذا اردنا التخلص من الألم فعلينا أن نتعلم تنظيم
رغباتنا
من
۱۰۸
دعا ذلك أبيقور الى التفكير فى هانيك الرغبات فرأى أنها
ثلاثة أنواع
ا - الرغبات الطبيعية الضرورية وهى الرغبات التي يجب أن تحقق والا تعرض الانسان للمرض والموت وذلك مثل الرغبات الخاصة بالأكل والشرب والنوم
الرغبات الطبيعية التي ليست بضرورية وهي الرغبات التي ليس من الضروري تحققها لضمان الحياة الانسانية يد أنها تصدر عن غرائز قوية وذلك مثل الرغبة الجنسية
الرغبات التي ليست طبيعية وليست ضرورية وهي الرغبات التي تنمو في الانسان بسبب تأثير البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها أو بسبب ارادته في أن يدهش الآخرون منه أو بسبب حاجته الى الظهور والشهرة وذلك مثل الرغبات الخاصة بالبخل وبالطموح
بعد هذا التقسيم ماذا علينا لنظفر بالسعادة
لا شك ان الامتناع عن الرغبات الطبيعية الضرورية انما هو
والحكيم من
لا
يمتنع
القاء بالنفس بين أحضان الالم والموت عن أرضاء هذه الرغبات على أن ارضاءها ليس بعسير قليلة العدد بسيرة المطلب وانه ليكفى لارضائها قطعة خبز وكوب من ماء وقطعة من خشب منبسطة للنوم عليها
قهی
من
أما فيما يتعلق بالرغبات التي ليست بطبيعية وليست بضرورية فان من الجنون ارادة ارضائها انها كثيرة لا تحصى غالية لا ترضى متعطشة لا تروى انها تتطلب من المتاعب ما لا يكاد ينتهى وما هي الا تغرير دائم وخداع مستمر وليس على
4
الحكيم الا أن يعدل عنها عدولا باتا
•
19
أما فيما يتعلق بالرغبات الطبيعية التي ليست ۱ بضرورية العبث أن يتحاشاها الانسان تحاشيا تاما فانه وله عند سنوح الفرصة أن يرضى بعضها فان ذلك لا يخرجه عن أن
من
يكون حكيما
بيد أنه كلما ازداد تخليا عنها كان أحكم ذلك أن خطر هذه الرغبات العظيم هو أن يتعودها الانسان فيصبح خاضعا لها وكلما كثرت الرغبات التي يتعودها كثر خضوعه وخرج زمام الأمر لذلك كان أحكم الناس هو الذي يتواضع فيما يتطلع
من بده
اليه
•
ولقد أصاب سقراط في قوله لانتيفون معارضا له أن القناعة تسعد القائع
•
ان البحث عن السعادة فى حياة الدعارة اذن جنون فما السعادة من فراس ذلك الوادى
عجیب
•
انها هي تنظيم للرغبات وحد من شأنها واتباع دائم
للاعتدال
•
ولعله بعد هذا يتضح أن لا غرابة فى الشبه القوى الموجود
دين الفضائل الأبيقورية والفضائل السقراطية
ومرد جميع الفضائل الى التبصر
•
التبصر هو الذي يسعدنا لأنه هو الذي يصيرنا حكماء
وبم ينصحنا التبصر
انه ينصحنا أولا بالاعتدال
•
هذا الاعتدال الذي هو السر
كما يرى سقراط لا فى اضعاف لذاتنا بل فى تقويتها وزيادتها
•
1 أخرها المؤلف منا وكان من حقها أن تذكر في الترتيب قبل سابقتها لان فيها تفصيلا يستدعى شيئا من العناية الخاصة
11
لم ينصحنا بالشجاعة هذه الشجاعة التي نحن في اشد الحاجة اليها للقدرة على تنظيم رغباتنا حتى اتمبشر بمعزل عن الهم والخوف
ثم ينصحنا بالعدل والنصفة والاخلاص
ذلك
هو الأساس الأول الذى تقوم عليه الجماعة الانسانية تنك الجماعة التى لا يجول بخلد الحكيم ان يعتزلها ان الحاجة الاجتماعية و هي التي عنها نشات في مختلف الأقطار القواعد التي وضعت لفائدة المواطنين التي بحسبها يعيشون آمنين لا نرر ولا ضرار
ثم ان التبصر هو ايضا الذي يرشدنا الي الصداقة حسن وقيمتها السامية التي ندين لها وسط أعاصير الحياة وخداعها
بأصفى اوقات أمننا وطمأنينتنا
على أن ذلك ليس كل شيء
•
فهناك آلام لا يمكن تحاشيها
•
بید آن معرفتنا بالأشياء تقدم لنا الوسائل الناجعة المقاومتها وانه لمن الممكن التغلب عليها اذا ما أخذ الانسان في تذكر فئرات السعادة التي مرت به فيعارض الألم الحاضر بذكريات الفرح والسرور السابقة ولا يبعد عن ذهنه أنه اذا كان الألم عادا فانه سريع الزوال ۱ واذا كان بطىء الزوال فانه غير قامر اما آلام الروح فانها اقسى وأشد ذلك أنها لا تختص بالحاضر فحسب وانما تمد ظلالها على الماضى والمستقبل بید ان اللذة الروحية هي أسمى اللذات للسبب نفسه والحكيم
هو الذي يبحث عنها ويستكين الى السعادة في ظلالها
·
111
1 ای ولو بالموت
واذا ما أصبحت آلام الحياة بحيث لا تحتمل فان عما بسيطا يكفى لازالتها كلية اذ ليس من الضروري أن يستمر الإنسان على قيد الحياة ازالة الألم أذن في مقدور الانسان له أن يحققها اذا ما حلا له ذلك
•
تلك هي في أظهر مجاليها صورة الحكيم ليس عنده
الا رغبات محدودة انه يحتقر الموت وآراؤه عن الآلهة الخالدين فاذا ما رأى الخير في ترك الحياة
آراء حقيقية لا يشوبها خوف فانه لا يتردد في الاقدام على تركها
كل هذه الصفات تجعله أكثر من مجرد انسان الا
بنفس المزايا التي تسعد الآلهة
حقا ان الفضيلة ليست حرمانا وايلاما
يتمتع
واذا ما أراد الحكيم أن يكون متبصرا معتدلا شجاعا عادلا مخلصا لاصدقائه فما ذلك الا لأن هذا هو الطريق الموصل الى السعادة
ليست الفضائل رهبنة ان هى الا جوار تسعى في خدمة
اللذة
فائدتها القيمة هي أن تجعلنا بمعزل عن عدم النبصر الذي
يؤدى الى اضعاف لذة الانسان أو زيادة الله
ثم ان الفضائل تضمن لمن يقوم بها السعادة الحقيقية او اذا شئت اللذة و الساكنة التي تنساب الى النفس متى
ما تحررت من الألم
۱۱
مذهب الرواقيين
اما المذهب الرواتي فانه ذو نغمة أخرى وهو لم يتكون في
يوم وليلة
•
فقد اخذ أوائل الرواقيين ينامون سواء السبيل
•
وانه لمن الطريف أن نبحث في تاريخ هذا التلمس غير أن هذا الكتاب وطابعه يحولان بيننا وبين هذا سيكون حديثناء حجم
اذن منصورا على المذهب مكتملا
وهذا المذهب قد عبر عنه ابيكتيت في قوة لا تضارع
ان المبدأ الأساسي للاخلاق الرواقية هو المبدا الذي اعتاد قدماء الأخلاقيين أن يرددوه ليس للانسان من عمل الا أن يحيا حسب طبيعته غير ان الرواقيين بسبب آرائهم الميتافيزيقية يفهمون هذا المبدأ فهما خاصا بهم انهم ينظرون الى العالم كحيوان هائل يتكون من عنصرين عنصر منفعل وهو المادة وعنصر فاعل يحرك المادة من داخلها ويقوم على نموها وهذا العنصر الفاعل هو نار عاقلة تسير في أعمالها بحكمة
من
آنها روح تبعث الحياة في الأشياء غير أنها ليست منفصلة هذه الأشياء التي تبعث فيها الحياة انها عناية منبثة موجودة في كل مكان تعمل في العالم كما تعمل الخميرة في العجين واذا نظرنا الآن الى الانسان فاننا نجده هو أيضا مكونا من جزءين الجسم والروح فباعتبار روحه هو جزء من النار العاقلة التي تسير العالم
حتى اذا فارق الحياة عاد جسمه الى المادة وقنى فيها وعادت ورحه الى هذه النار ذات العناية الفاعلة وامتزجت بها ليس الفرد أذن في هذا العالم الذى يترعرع فيه الا شيئا يشبه بر عما أو زائدة فى شجرة 1 من الأشجار
والحياة حسب الطبيعة هذا يعنى اذن شيئين أن ما تتطلع اليه طبيعتي هو ما تتطلع اليه ذاتي الفردية بيد أن ما تتطلع اليه طبيعتي ليس الا جزءا مما تتطلع اليه الطبيعة كلها الطبيعة المسيرة بالعناية
•
وأن من يعرف ما تتجه اليه طبيعته ويعمل حسبما تنطلب لا يكون قد حقق فقط الحياة التي يريدها وانما يكون قد سار في حياته منسجما مع ما تريده النار العاقلة ذات العناية ومصدر الحياة لكل كائن انه يكون قد قام بما تتطلب العناية منه وسار على النهج الذي يريده الاله
أما من يسلك خلاف ذلك فانه يكون كقرحة خبيثة أو وباء يحل بالعالم ومن هنا كان هذا الطابع الديني الذي كثيرا ما يبدر فى الحكم الرواقية
•
ومع ذلك فيجب الا نترك انفسنا تخدع بهذا المظهر فالاخلاق الرواقية لم تؤسس حسب اعتبارات دينية وكل ما هنالك هو أن الحياة الاخلاقية في نظر الرواقيين لا تختلف عن
الحياة الدينية
•
۱ ای انه جزء من الكل متصل به تمام الاتصال
٥١٤
وعندما أقام الرواقيون مبداهم الأساسي اخذوا في المباحث التي عنى بها السابقون
1 - يجب على الانسان أن يريد الحياة المنسجمة مع طبيعته فالام تتجه الطبيعة الانسانية
- وماذا يجب عمله حتى يحصل الانسان على ما تتجه الين
طبيعته لا
أجاب الأبيقوريون على السؤال الاول بما ذكرناه سابقا من ان الطبيعة تتجه نحو السعادة وأن السعادة مكونة 1 من الاذات انهم لم يتخطوا الصواب فى القضية الأولى ولكن التوفيق اخطأهم في القضية الثانية
أن اللذة والألم يفترضان وجود ميول ارنیت او عورضت واذا أنعمنا النظر نجد أن الميول التي بدونها لا يكون الالم ولا اللدة ممكنين لا يمكن أن تكون ميولا نحو اللذة أو ميولا اتعاشي ٢
الألم
ليس الحصول على اللذة اذن ولا تحاشى الألم هو ما تنتجه اليه في الأصل النفس الانسانية ان تطلع النفس الانسانية أنما هو الى الخير الثابت ولا يمكن أن تكون اللذة هذا النوع من
منها
1 خطأ الأبيقوريين هنا هو أنهم جعلوا اللذات أصلا والسعادة ناشئة بينما يرى الرواقيون أن اللذات والآلام أمور تبعية للميول الانسانية التي می بطبيعتها متجهة نحو الخير والسعادة فاذا ارضيت هذه الميول نشأت السعادة واذا لم ترض نشأ الالم اما انحراف الميول من الخير والسعادة به
فليس الا خروجا عن أصل الفطرة ومرضا وشذوذا من الطبيعة
٢ أي أنها ميول كما قلنا لها وجهتها الأصلية في الطبيعة والألم واللذة
لا يمكن أن يوجدا الاتبعا لوجودها لكنها لا تتجه نحوهما ولا تعتبرهما فرضا اصليا اها فهي الاصل وهما النتيجة الحتمية
الخير فانها في جوهرها متأرجحة وسريعة الزوال ان السعادة هي
حقيقة الخير المطلق ولكن بقى أمر التحديد
أعتقد الرواقيون أنهم بحالة تمكنهم من هذا التحديد ورأوا ان السعادة هي عدم وجود الاضطراب
واذا أردنا أن نعبر عنها بطريقة أدق فهي تعنى السلام الداخلي الطمانينة الاتزان الاخلاقى لنفس قد رضيت عن ذاتها ورضيت عن الأشياء انها هدوء القلب انها ما يسميه ديكارت الرضى ويسميه اسبينوزا الغبطة ومهما يكن من شيء فانه اذا لم يكن هذا هو السعادة الكاملة فانه على الأقل يحوى أحد عناصرها الجوهرية
•
كيف الحصول على هذه الحالة التي نتمناها جميعا
ينبغي أن ننظر للاجابة على هذا السؤال لا في مختصر , أبيكتيت فقط بل في أحاديثه أيضا ومن ذلك يتبين أن الرواقيين رأوا مبعث الاضطراب عند الانسان أمرين أما أولهما فهو الشعور بنقص ما فيما نعتبر انه بالنسبة لنا من الشرف والنبل
وأما الآخر فهو تشبع النفس برغبات في أمور لا يقدر لها التحقيق
ان فن السعادة كله يتركز فى ازالة هذين الباعثين للاضطراب وما من شك في أن ازالة الباعث الأول تتعلق بنا بل هي لا تتعلق الا بنا وفى مقدورنا ازالة هذا الباعث حينما نشاء وكيف نشاء وفي الواقع أنه لا يتعلق الا بنا أن نبحث في كل الظروف التي تعرض عما ينسجم مع الشرف وأن نقوم به
•
١١٦
اذا كنت تريد أن تحترم نفسك وأن تكون
بدون ادنی تردد شريفا فمن يمنعك من ذلك
ولعلك تتساءل من يهديني الى الصواب من يعرفني أن
هذا ينسجم مع الشرف
على ذلك يجيب ابيكتيت كيف يشعر الثور وحده عند اقتراب الاسد بالقوة التي بين جنبيه فيلقى بنفسه في مقدمة القطيع كله ان من الواضح أنه وجد عنده لأول لحظة شعور
بالقوة الطبيعية المسلح بها أجل وهكذا الأمر فيما يتعلق بنا فان كل موهوب يعرف ماعنده هبة ونحن عندنا بمسيرة امن تهدييا الى ما ينسجم مع شرفنا وليس علينا بجانبها الا أن نستعمل بعض الوسائل لنكون أكثر استبصارا وحذفا ولهذا ينصح ابيكتيت باتخاذ احتياط بسيط ابحث المعرفة ما يجب عمله العلاقات الطبيعية التي بينك وبين الآخرين هذا الشخص مثلا والدك يجب عليك اذن رعايته والخضوع له في كل امر واحتمال ما ينالك منه من شتم ولطم أنه اب الخلق - ليس لك أن تهتم بمعرفة ما اذا كانت الطبيعية قد میی منحتك أبا طيبا ١ وانما يجب عليك فقط أن تعرف ان ما منحتك اياه انما هو أبوك
أخوك غير عادل نحوك ابحث عن علاقتك الطبيعية به
لا تفكر فيما يفعله بك انما فكر فيما يجب عليك نحوه لنكون في علاقتك به منسجما مع الطبيعة
1 أي لان هذا تدخل منك فيما لا يتعلق بك لانه حظك الذي قسم لك يد القدر أما الذى يتعلق بك فهو ما ينسجم مع الشرف وهو ازار می نحوه واجب الابرة كيفما كان سلوكه هو معك
LIV
ا وعن هذا الطريق تعرف فى وضوح ما ينبغي عليك اذا كان
اك جار واذا كنت مواطنا واذا كنت قائدا حربيا بذاك يزول السبب الأول فى اضطراب النفس وفي جعلها بمنأى عن السعادة
أما السبب الآخر ۱ ففى مقدورنا ايضا ازالته ولكي نفهم نظرية الرواقيين الخاصة بذلك فهما واضحا يجب ان يتنبه الانسان الى مبدأين من مبادئهم السيكلوجية 1 - أنهم يرون أن العواطف لا تخرج عن كونها أحكاما وهى ربعة أساسية الحب والكراهية والأمل - والخوف
وكلها تثول الى آراء
اليس حب شيء ما يعنى الحكم بأنه حسن وبأنه يجب أن
يطليب
اليس كره شيء ما معناه الحكم على هذا الشيء بانه سييء وانه يجب أن يتحاشي
اليس الأمل في شيء معناه الحكم بأن ما تعتبره قيما قد يكون نه حظ من التحقق وان ما نعتبره سينا قد يكون من الممكن
تحاشيه
اليس الخوف من شيء يعنى الحكم بأن ما نعتبره حسنا قد لا يكون له حظ من التحقق وأن ما نعتبره سيئا قد يحدث ليست العواطف اذن الا أحكاما
- انهم يرون أيضا ان الانسان حر في أحكامه فانها في الواقع موافقة النفس على أمن ما هذه الموافقة لنا دائما أن
1 وهو تتبع النفس برغبات يتعذر ارضاؤها غاليا
۱۱۸
نصدرها وأن نرفضها ان الافئدة قد تؤخذ على غرة لاول وهلة ولكن بمجرد مرور اللحظات الأولى يمكن للانسان أن يرجع الى نفسه وأن يستعيد الاتزان ۱
ما النتيجة لهذا
•
من
اولا - الحقيقة التالية ليست الأشياء هي التي تبعث فينا الاضطراب بل ان الباعث للاضطراب إنما هو الآراء التي عندنا الأشياء لنأخذ كمثال الموت انه ليس مخيفا مرعبا والا لراه سقراط بهذه الكيفية واذا كان الموت يلوح رهيبا فما ذلك الا لانك تتخيله كذلك
وفي الواقع انى اذا كنت أرى أن الموت شر فان اقترابه يبعث في نفسي الضيق اما اذا كنت أرى أنه خير فان اقترابه يبعث في نفسى السرور واذا كنت أرى أن الحياة والموت يستويان فاني لا أمير الموت آية اهمية
تم
ماذا اذن لتحاشى الاضطراب
يجب
تنظيم الرغبات وضبط العواطف ضبطا حكيما واستخدام
المعارف في الصالح
·
۱ ملاحظة بدل على المعية ودقة بيد أن الذين يستعيدون الوانهم بعد أما الدهماء فتحملهم أمواج العاطفة من
الصدمة الاولى انما أولو الألباب هم
المنيع إلى المصب وهم لا يشعرون
•
حقيقة أن الفرع من الموت لذات الموت ليس الا المراقا في الوهم وهذه الصفة يندر أن تكون من صفات الحكماء والعلماء والعارفين والخور بحقائق الأمور اللهم الا ان يخافوا آلاما أخرى قد تقارن الموت وكثيرون من العقلاء يخافونها كان يكون مصحوبا بالتعذيب والتمثيل أو تشريد الابناء مثلا أما الذين لا يخافونه حتى على هذه الفروض قهم اما فلاسفة أو أبطال مؤمنون بميادي عالية أو متهورون لا يبالون بالحقائق
وما دام أن العواطف ليست الا أحكاما وآراء فانه ينفى
لكي تكون حكيما أن تعرف إجادة الحكم
وكيف تصل الى اجادة الحكم
للاجابة عن هذا السؤال فرق الرواقيون تلك التفرقة المشهورة بين ما يتعلق تنفيذه بنا وبين ما لا يتعلق بنا تنفيذه اذا قدر الانسان أن الأمور التى لا تخضع لارادته بعضها
خير وبعضها شر فهل يكون بمعزل عن الاضطراب انه دون شك لن ينجو من الاضطراب لأنه سيرغب فيما يراه خيرا ويضيق لعجزه عن الوصول اليه وسيخشى دائما أن يعيبه ما يراه شرا
أجل لنفرض الآن شخصا آخر يستوى عنده وجود كل ما لا يخضع لارادته وعدم وجوده انه لا ريب لا يشعر
بضيق ولا باضطراب
لنفرض أن ثروتي أنت عليها الحوادث أو أن صحتى قــد
أعتات أو أن مكانتى الاجتماعية قد زالت
اني اذا كنت أعتبر أن ثروتى وصحتي ومكانتي خير أقع
ولا بد في الألم المعض
•
اما اذا استوى عندى وجودها والعدم فقد صرت بمناي التأثر بتقلبات الدهر ولا يؤثر زوالها في نفسي الا كما يؤثر غيم خفیف ابيض وسط سماء زرقاء ۱
1 شبيه بالغ حسد الابداع والدقة وهو اعتراف شمای من حكماء الرواقيين رغم انكارهم الالام ورغم كبريائهم بأنه لا بد من تأثر بالآلام وأن
كان تانها
IT
ماذا يجب اذن للحصول على الغبطة الكاملة
هو ان لا نعتبر خيرا أو شرا الا ما هو خاضع لارادت ذلك كرنياتنا وآرائنا وعواطفنا او بالاختصار كل ما عر من نمانه
نحن
اما ما يكون الحصول عليه غير خاضع لارادتنا فيجب أن بستوى لدينا امتلاكه وعدمه وذلك كالثروة والجمال والأجـد والحياة أو بالاختصار كل ما ليس من عملنا 1 ان تعود النظر الى الأشياء بهذا المنظار هو في رأي ار و انبين عين الحكمة والمصدر الوحيد للفضيلة والسعادة وتطبيقا على هذا المبدا أخذ الرواقيون يفيضون في الداء
النصائح وليس كتاب المختصر لا بيكتيت إلا مثالا من هادة النبيل بين يدى المريد من الرواقيين انه كتاب يحوى وحساب طلبيدية وهو يدعونا الى أن نبدا بالأمور الصغيرة لا انهم بلتون بزيتك الى الأرض أنهم يسرقون نبيذك قل لنفسك أنه بهذا الثمن يشترى السلام الداخلى وتشترى النجاة من الاضطراب
رائعة
•
1 وبهذا يظهر لنا أن الرواقيين يعزلون السلوك عن النتيجة فعلى المرء ودائما لا ينتظر أية سيجا
·
ان يعمل ما ينسجم مع الشرف والواجب دائما على من دعى الى وليمة أن يلبى دامى الواجب فيذهب هذا ما يوجيه الترف أما أن يكون في هذه الوليمة ما يرضى ذوقه اولا پرشیه فشيء لا يتعلق بارادته ولا يسوغ له أن يفكر فيه وهذا طبعا في أمر الانسان نفسه مع أما بالنسية للاخيار فيجب عليه أن يقدر لهم نتائج أعمالهم كما يقضى به أدب السلوك ولو كانوا هم لا يفكرون فيها وايضا ليس معنى ما تقدم ان الرواقي برفض الثيرات والمنافع التي تجيء اليه نتيجة لسلوكه انه يأخذها ويستمتع بها وان لم يكن
قد انتظر حصولها ولا عد حصولها خيرا ولا فقدها شرا
Fri
انك تدعو عبدك فلا يجيبك قدر انه لم يسمعك أو انه سمعك ولم يجبك الى ما تريد وسواء أكان هذا أو ذاك فعليك أن توطن نفسك على ان الذي ليس في امكانه انما هو أن يبعث الاضطراب في نفسك
ويوصينا عند استعمالنا لشيء ما أن نتصور مقدما طبيعته وما هو عرضة له من خطر يصيبه انك تحب آلية قل لنفسك أن ما أحبه ليس الا آنية فاذا كسرت فلا يمرونك اضطراب واذا كنت تحب ابنك او زوجتك فقل لنفسك ان ما أحبه ليس الا مخلوقات بشرية حتى اذا ما أصابهما الموت فلا بمرونك اضطراب
ويريد اذا ما شرعنا فى عمل أن نكون قد قدرنا ما قد يحدث عنه من نتائج سيئة قد تفجونا انك ذاهب الى الحمام قاب کر ما قد يحدث فيه هؤلاء الناس الذين يلقون المساء عليك وهؤلاء الذين يرتطمون بك وهؤلاء الذين يشتمونك وهؤلاء الذين يسرقونك اذا توقعت هذا فانك تفعل مطمئنا ما انت ذاهب اليه وهو ينصحنا بالتالى وبعض الحكماء كان ينصح بأن يدين الانسان لسانه في فمه سبع مرات قبل أن ينطق
•
و المختصر يلزمنا عند تسويل النفس ان نبحث عن اسم الفضيلة التي نحن بحاجة اليها ويذكرنا بأن لكل شيء عروتين من احداهما يمكن حمله ولا يمكن من الأخرى وانه يجيه علينا لذلك أن نأخذ الأشياء من عروتها الطيبة
أخوك ظالم لك لا تأخذه من هذه الجهة وانما خذه على
أنه أخوك وعلى انكما قد غذيتها من ثدى واحد
وهو يستفيض في اسداء النصائح التي يجب أن يجملها الحكيم
نصب عينه
لا تحاول أن تجعل الأمور تسير منسجمة مع رغبتك وانما حاول أن ترضى بما يقع فانك اذا فعلت تنعم بالسلام الداخلي اقنع أزهد حكمة رائعة غير أنها تبدو ذات تقشف مفرط ومع ذلك فانها ليست في الواقع كما تبدو لأول وهلة نعم انه يجب ألا ننظر إلى الأشياء الخارجة عنا 1 على أنها شر او خير ولكن هذا لا يعني انه يجب علينا الا نستمتع بها أن هذه الاشياء التي يستوى عندنا وجودها وعدمها بعضها مفضل وجوده وبعضها مفضل تحاشيه ان الحياة مفضلة على الموت والصحة مفصلة على المرض والثروة مفضلة على الفقر واذا خير الرواقي بين حياتين لا تزيد احداهما على الأخرى الا امتلاك قدر تافهة القيمة فانه لا يتردد في اختيار الحياة التي تزيد قدرا ان الرواقي لا يشبه فى شيء الراهب الذي يعتزل في انه يحيا كما يحيا المجتمع ويعيش وسط المجتمع
الصحراء
غير انه يتعهد بالعناية حديقته الداخلية أعنى نفسه
مثلا
۱ اى الخارجة عن ارادتنا والتي هي من يد القدر وحده ان التعبير منها بالحرية والشرية أحيانا انما هو تعبير لغوى كالفني والصحة والنجاح أما الخير في نظر الاخلاق فهو ما كان نتيجة للسلوك الطيب والقصد الحسن واما الشر فهو ما يقابل هذا من السلوك بالاختصار ليس خيرا ولا شرا في السان فلسفة الاخلاق الا العمل وحده دون نظر الى نتائجه كالطبيب يبلل كل ما في وسعه لشفاء مريضه ثم تأتي النتيجة غير ما أراد فعله خير رغم سوء
التنيجة التي هي في العرف العام تر ولكنها في اصطلاح الاخلاق ليست كذلك ای ما دامت قد تحصلت لنا من عمل مشروع أو سيقت الينا من يد
القدر تفضلا فلا مانع من التمتع بها بل التمتع بها أولى من اهدارها والزهد
فيها زهدا تام لأنها انما وجدت في الكون لحكمة أرادها موجدها جلت آثاره
۱۳
انه ينعم بما يتيح له الحظ من أشيا غير انه ينعم بها كما ينعم المسافر الذي يحل بفندق انه يستمتع بما في الفندق ولكنه لا يتأثر به وهو مستعد في كل لحظة للرحيل عنه بدون أن يأسف على تركه او يرغب فى البقاء فيه وبدون أن تسيل عبراته المغادرته
واذا ما توعدني طاغية ودعانى تابلته فاني اقول له
من تهدد
ساكيلك بالحديد
انك انما تهدد اذن يدى ورجلي
ساقطع عنقك
انك انما تتوعد عنقى
·
سألقينك في غيابات السجن
انك لا تتوعد الا هيكلي
وكذلك الأمر اذا ما توعدني بالنقى
اجل ! ان كل هذا التهديد لا يتوجه الى طالما كنت انظر الى
هذه الأمور غير عابي بها ولكنني اذا تركت الخوف من احدها ينساب الى نفسى فان
التهديد يتوجه الى
يقولون لك اترك حلتك الموشاة بالعصابة الأرجوانية
العريضة
هاكم الحلة ولم يبق لى الا الحلة ذات العصابة القليلة العرض
اترك هذه ايضا
•
ها كها ولم يبق لى الا المنزر
اترك المنزر
ها که وها أنا ذا عريان
انك لا تطاق ولا تحتمل
خان جسمي كله اذا ششت وكيف اخاف من يمكنني أن القي له جسمی
أنها تعاليم أخلاقية رائعة بيد أنها اذا أثارت فينا شيئا قائما نتي ملكة الحساب لتحدد الربح والخسارة من هذه الصفتة 1 من هو في النهاية الحكيم الرواقي
هو الشخص المستعد لقبول كل ما يحدث كنتيجة لعمله الشخص الذى راض نفسه على الزهد في كل ما لا يخضع
لإرادته
*
هو الشخص الذي تأهب لجعل رغباته تتبع الظروف اذا
لم يستطع أن يجعل الظروف تتبع رغباته
•
بيد أن هذا الشخص لا يفعل ذلك الا لانه يرى أن فيه سلامة
وسعادة ٢
•
والروائيون يشيدون بحالة حكيمهم السامية انه حسب ما يرون الكائن الوحيد الذي انفرد بالقدرة وانفرد بالغنى
1 اذا راعينا أن الروائيين قد قرروا أن سلوكهم هكذا ليس الا قصد توافق الانسان والطبيعة العاقلة لم تأخذ فيهم براى المؤلف ولن نعد هذا منهم نفعية لسير بمحرك الربح والخسارة بل انما نعد هذا منهم جهدا مشكورا
في سبيل تحقيق الخير وتبقى تعاليمهم كما اعترف المؤلف تعاليم اخلاقية
رائعة
•
لكن
لو كان هذا من أجل السلامة والسعادة فقط لكان منفعة تماما الحق ان الرواقي يرى أن يفعل ذلك أولا كواجب على من يريد أن يساير طبيعته ثم يأتي بعد ذلك ما يترتب على
العاقلة ويحقق وجوده كانسان عاقل مكلف سعادة العمل من
۱۵
الكامل وانفرد بالحرية الكاملة وانفرد بالسعادة الكاملة انه
يماثل الآلهة 1 بيد أنه منطقى اذا نظرنا الى تحديد زعم غريب مشهور نظرنا الى الرواقيين للقوة والثروة والحرية والسعادة
الانسان من
ان الثراء حسبما يرى الرواقيون هو أن يكون عند المال ما يمكنه من الوصول الى رغباته ولو فرضنا أن نيرون رغب فى الخلود فان كل ما يملك من ذهب لا يمنع من أن رغبته تمكث مجرد رغبة ليس نیرون اذن بشری کامل
الثراء
لارادته
•
من
أما الحكيم الرواقي فانه لا يرغب قط الا فيما هو طوع ولو لم يكن عنده الا درهم فانه يجدفيه الفنى المستحيل اذن أن يوجد من هو أثرى منه ذلك هو المبدا ومن
السهل بسطه و توضيحه
والسعادة هي أن يكون الانسان قادرا على الحصول على كل ما يرغب فيه والقوة هى القدرة على تحقيق كل مطمع والحرية هي القدرة على أن يعمل الانسان ما يشاء أما عدم القدرة على شيء مما سلف فذلك البؤس والعجز والعبودية هذه التعريفات يتبعها استدلال يكررونه بنفس الأسلوب ان الحكيم لا يرغب الا فيما يخضع لإرادته وهو يحصل عليه اذن بمجرد ارادة
1 ما أكثر ما يعبر الفلاسفة الاغريقيون واللاتينيون بمثل هذه العبارة التي لا نجدها تنسجم مع ما عرف لهم من حكمة وسعة أفق في البحث والتفكير عرف هذا لسقراط زعيم الحكماء كما عرف لغيره وما نظن سقراط ولا غيره من أولئك الفلاسفة كانوا يعتقدون بهذه الالهة الاسطورية كما كان يعتقد العامة من سواء الشعب اذن لا يعدو الأمر أن يكون هذا من الاساليب البلاغية التي فرضتها البيئة عليهم مجاراة للشعور العام
١٢٦
الحصول عليه وهو اذن يملك مباشرة السعادة الكاملة والحرية الكاملة والقوة الكاملة وكل ما حرمه هؤلاء الذين يتركون رغباتهم تضل في ثنايا الأمور التي لا تخضع لارادتهم وأخيرا يرى الرواقيون أن حكيمهم ينجو حتى من سينارة الآلهة بل يصير مثيلا لهم وكيف يفجعونه لا وهم يماتون التصرف الا فيما هو غير خاضع لارادته وذلك مثل ثروته ومجده وصحته وحياته مع أن كل هذا لا يستبرد الحكيم الرواقي خيرا ولو سقطت السماء على رأسه فسحق نيت وكامها فانه لا يضطرب ولا ينال قلبه ضعف أو خور حقا أن هذا المذهب يحوى عدة عناصر من الاخلاق الخالدة على الدهر ولا عيب فيه الا خطوه السيكولوجي في المزادات وغلوه فيما يمنحه للارادة من قدرة على الاعتقادات والعواطف رمهما يكن من شيء فان مبادئه الأساسية لا تزال حية يجدها الانسان مع تغيير قليل او كثير عند اعاظم الكتاب الحديثين نذكر منهم على سبيل المثال دیکارت و قینی و ماترلينك
تلك هي بعض المذاهب التي كونها فلاسفة العصور القديمة اليونانية - اللاتينية وهى المذاهب الأكثر لمعانا والاكثر تمايزا وقد وجد في تلك العصور مذاهب أخرى غير أن تأثيرها كان ضعيفا وما من فائدة في دراستها اللهم الا فائدة تاريخية علمية
فقط
•
افى حاجة نحن الى القول بأن تلك المذاهب الفلسفية تحتفظ رغم تعددها واختلافها بطابع الأسرة الواحدة ان الملاحظة البسيطة تثبت ذلك
وانه من الخطأ الصراح الزعم بأن فلاسفة اليونان واللاتين قد احتقروا الآراء الدينية انهم على العكس قد اجتمعوا كلهم
۱۷
تقريبا على اشادة بالتقوى وبالشعائر الدينية بيد أن ذلك لا يعنى أنهم بنوا الأخلاق على الدين فانهم لم يتجهوا قط الى ذلك ولم يقل أحد منهم للناس ان الآلهة لم تخلقكم الا لتقوموا بهذا الواجب أو ذاك انهم يراقبونكم ويصبون عليكم العذاب ان لم تطيعوهم يجب اذن العمل على اكتساب رضائهم والتضحية بكل شيء في سبيل ذلك هذا النحو من التفكير غريب على أولئك الفلاسفة أو هو على الأكثر لا يلعب فى مذاهبهم الا دورا اضافيا
ثانوية انهم يؤسسون الأخلاق على اساس آخر انهم يرون ان الانسان مزود بطبيعة خاصة سواء كانت تلك الطبيعة قد وهبتها له الآلهة أو وهبتها له قوة أخرى لا تشعر به ولا يعنيها من أمره هذه الطبيعة تتميز ببعض المطامح وقد وجه كل الأخلاقيين في العصور القديمة همهم الى انارة الانسان فيما يتعلق بمعرفة نفسه واشعاره بما يريد حقيقة أو جعله يستخلص من ذلك قواعد السلوك يطبقها فى حياته حتى يصل الى ما يريد
تی
"
ولقد لحظوا جميعا ان الانسان انما يبحث عن السعادة لا عن
شيء آخن غير أنهم اختلفوا في تحديد تلك السعادة
ومن هنا كان الاختلاف في الصور التي رسموها للحكيم
•
ومع هذا فلم يحدث اختلاف بينهم بصدد مبدئهم الأساسي القائل أن قيمة الفضيلة انما هي في الثمار التي تتيح لنا الحصول
عليها
وليست الفضيلة اذن في نظرهم هي سيطرة من الارادة على الطبيعة كما يرى كانت أنها على الضد من ذلك السبيل الوحيد لتحقيق طبيعتنا الكاملة غير منقوصة ومنحها عن طريق مؤكدة ما تأمل وما تريد
۱۸
الأخلاق اليهودية المسيحية
لا شك في أنه يوجد فرق اساسی بین المذاهب الاخلاقية اليونانية والرومانية التي عرفت في المهد الوثني وبين ناد رجال الفلسفة اليهودية - المسيحية
فعلا سفة العهد الوثني لروما - سواء منهم المناء بن وغير المتدين - لا يتخذون عند تفكيرهم فى الدين مبدأ يقيمون على أساسه مروحهم لقد تحاشوا ذلك ولم يستندوا في كل ما يبنونه من
الاخلاقية آراء الا على العقل والتجربة لذلك كانت آراؤهم ناشئة عن العقل وعن العقل وحده ولا تتجه الا الى مخاطبة العقل اما رجال الفلسفة اليهودية - المسيحية ذوو الصبغة اليهودية المسيحية فهم يرتكزون على عنصر آخر
انهم يرون أن عالمنا هذا كان موطن وحى سماوى وقد تجلى فيه
الاله بذانه ۱ وجاء وسط بنى الانسان فعرفهم ببعض الحقائق
1 هذه العقيدة لفريق من المسيحيين وقد أبي كثيرون من قادة الفكر
المسيحي أن يضحوا بعقولهم في سبيل الايمان بها فأعلنوا انشقاقهم على معتقديها
أما الأولون المؤمنون بها فيعدون المنشقين كفرة ملاحدة لايثارهم جانب العقل على
۱۹
ما جاء به الدین
حصل هذا الوحى - حسبما يرى اليهود في مرة واحدة على
طور سيناء حينما ألقى الله الى موسى بالألواح أما المسيحيون فانهم يرون أن الوحي حدث مرتين فكان ما انزل على موسى شريعة مؤقتة
•
حتى اذا ما حل الله فى شخص عيسى كمل هذه الشريعة ونشرها على الملأ كشريعة نهائية تامة
•
وسواء نظرنا الى الشريعة الموسوية ام الى الشريعة المسيحية فاننا نجد مبدأ لا نزاع فيه هو ان الانسان لا شأن له باكتشاف
اذا اراد معرفتها
القواعد الاخلاقية وما عليه نحو النصوص المقدسة يقرؤها ويتدبرها
w
الا أن يتجه
واذا نظرنا الى تلك النصوص المقدسة فماذا نجد بماذا يأمر العهد القديم ۱ وبماذا ينصح العهد الجديد
أما الشريعة اليهودية فانها منثورة فى ثلاثة أسفار اساسية من
أسفار العهد القديم تلك الأسفار هي
۱ سفر الخروج
سفر الأخبار
۳ سفر التثنية
•
وهى تحتوى كثيرا من الأوامر والنواهي
وبعض هذه الأوامر والنواهي يتحدث عن الطقوس الدينية ويبين
كيفية ادائها
كيف يجب بناء تابوت العهد
وكيف يجب أن تصنع المسرحية ذات السبعة الفروع
وكيف يجب أن يلبس الحبر وكيف تحرق القرابين الى كثير من
هذا النوع
•
1 العهد القديم شريعة موسى عليه السلام والعهد الجديد شريعة عيسى
عليه السلام
۱۳۰
وبعضها يختص بالطهارة الخاصة والعامة كالأوامر الشرعية الخاصة بالطهارة والنجاسة وكيفية معاملة الأبرص والنهي عن اكل لحوم بعض الحيوانات
•
ثم النواهي التي كان التحديد والخطأ فيها مثار دهشة كثير من المفسرين ومبعث فرح لكثير من 1 النقاد من كل أنواع الحيوانات التي تسير على اربع لا تأكلوا الا ما كان مجترا وكان ظلفه مشقوقا أما ما كان مجترا غير ذي ظلف مشقوق كالجمل وغيره فلا تأكلوه بل اعتبروه نجسا والأرنب يجتر ولكنه ذو ظلف غير مشقوق فهو نجس وكذلك الأمر في الارنب الجبلى وأخيرا كثير منها خاص بالأخلاق يتقدمها في ذلك النص
الشهير الذي يشتمل على الوصايا العشر فضلا عن كثير من الأوامر الدينية وهو نص لا ترجع أهميته فقط الى قوة أسلوبه وروعة ادائه وانما الى ما فيه من المعاني
تحدث الرب بعد ذلك بما يأتي أنا الرب الهكم الذى اخرجكم من أرض مصر موطن الذلة فلا تتخذوا ما دوني آلهة تعبدونها حرمت عليكم الأصنام والتماثيل وتصوير ما في السماء أو في
1 مر ذلك أن النقاد كثيرا ما يعدون العثور على مواطن الضعف نصرا علميا له قيمته والنقاد الذين يحكمون العقل لا بد أن يفرحوا بظواهر التناقض العقلي في تشريع يبدو للعقل غير متسق ان الجمل والارنب عند المقل لا يخرجان من
غيرهما من أنواع الحيوان
أما علة التحريم وهي عدم شق الظلف في الجمل والارنب مع انهما مجتران فانها علة تبدو لعقل الناقد غير مقنعة ولا يمكن ان لصفر من تشريع صحيح النسبة الى السماء لانها لا تعدو أمرا خلقيا في شكل الاعضاء وما أكثر اختلاف اشكالها فلو أن العلة مثلا كانت قدارة لحم الحيوان او فردا ينتج منه أو قبحا تتقزز منه النفس لكان التعليل عقليا مستقيما اما نظير ذلك في الشريعة الاسلامية فعلى الم انسجام قل لا أجد فيما أوحى الى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دعا مسفوحا أو لحم خنزير فاته
رجس
۱۳۱
الأرض أو في قاع البحر لا تعبدوا شيئا منها ولا تقيموا الشعائر لها لاني الرب الهكم الاله القوى الفيور الذى يثأر من الآباء العصاة ويأخذ بجريرتهم 1 أبناءهم واحفادهم الى الجيل الثالث والرابع حيث انهم أبغضوه بالمعصية يمنح الغفران لمن أحبوه وحافظوا على فروضه وبسببهم يمنح هذا الغفران لأبنائهم وأحفادهم الى الف جيل من ذريتهم لا تتخذوا اسم الرب الهكم هزوا بينكم لأن الرب لا يعتبر من يتخذ اسمه هزوا من البراء
لا تنسوا أن تقدسوا يوم السبت اشتغلوا طيلة سنة أيام واعملوا فيها ما تريدون عمله أما اليوم السابع فانه يوم راحة تخصصونه للرب الهكم لا تقوموا بعمل فى هذا اليوم وكذلك ابناؤكم وخدمكم وخادماتكم وحيوانكم العامل بل والغريب الذي يكون في بلدتكم اذ أنى الرب الذى خلق السماء والأرض والبحر وما فيهن فى سنة اليام ثم استراح فى اليوم السابع لذلك قد بارك الله يوم السبت وقدسه
احترموا آباءكم وأمهاتكم لتعمروا طويلا على الأرض التي منحها
لكم الله
لا تقتلوا قط ولا تزنوا قط ولا تسرقوا قط ولا تشهدوا
۱ هنا مر أهمية هذا النص في نظر الناقد المقلى لان أخذ الولد بجريرة أبيه ضرب من التشريعات البدائية أما أخذ الجيل الثالث والرابع بتلك الجريرة فهو عند النقاد لا يسوغه عقل أما التشريع الاسلامى هنا فظاهر الانسجام والاستقامة مع المنطق لا تزر وازرة وزر أخرى قال معاذ الله أن نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده انا اذا لظالمون يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته و بنيه لكل امرىء منهم يومئد شأن يغنيه
كذلك منح الغفران لألف جيل من أبناء الصالح مراعاة لخاطره يبدو للنقاد
العقليين أكثر من سابقه فرابة وأوفر تناقضا
۱۳
الزور قط على جاركم ولا ترغبوا فى زوجته أو خادمه او خادمته
او ثوره او حماره أو أي شيء يمتكله
ثم النص الآتي الذي يحوى قانون القصاص الرهيب من
قتل فمقابه القتل
ومن قتل حيوانا فانه يلزم بحيوان مثله
و من أهان أحد مواطنیه یهان بمثل اهانته العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص ثم النصوص التي يصل كثير منها الى حد من العظمة والانسانية له روعته وهى الخاصة بالرقيق والاختلاس والمغوين والأرامل واليتامى واحترام الشيوخ وواجبات القضاة اذا نظر الانسان الى هذه النصوص فان ما يدهشه انما هو طابع الأمر الصارم لم يخضع الانسان لكل هذه الفروض الدينية وهذه الفروض التي تتصل بالطهارة وتلك التي تتصل بالاخلاق لا تعطى الاسفار التي ذكرناها سابقا الاسببا واحدا لذلك هو اليانها من يهوه اله اليهود الذي اخرجهم من الذلة والاستعباد وهو يريد أن يطاع فمن أطاعه كوفىء ومن
عوقب
مصاه
انا الرب الهكم تلك هى الجملة التي تتردد عند كل أمر أو
نهى في العهد القديم وهذا هو السبب الذي يبرر كل شيء خاطب الرب موسی قائلا خاطب بنی اسرائيل وقل لهم كونوا قديسين لأنى انا الرب الهكم قدوس ليحترم كل منكم اياه وامه وليخفهما حافظوا على أيام سيتى أنا الرب الهكم ولا تولوا
وجوهكم شطر الأصنام ولا تصنعوا آلهة تتخذونها من معادن لصهرونها أنا الرب الهكم لا تتحدثوا عن الأصم بما يكره
۱۳۳
ولا تضعوا أمام الأعمى ما يرتطم به بل خافوا الرب الهكم لاني أنا
الرب
والرب يريد أن يطاع وليتحقق له ذلك يعد ويتوعد
فأما الوعد
أنا الرب الهكم اذا سرتم حسب أو امرى اذا حافظتم على ما أطلب منكم وعملتم به فانى انزل عليكم المطر المناسب لكل فصل فتنبت الأرض الحب وتثمر الأشجار فى خصوبة بائعة وتكادون
تذرون ما حصدتم في سنبله لأن نضوج العنب يشغلكم فى قطفه
ولا تكادون تفرغون من العمل فيه حتى يكون زمن زرع الأرض من جديد قد حان
وتأكلون وتتمتعون بالشبع والري
وتقطنون آمنين في أوطانكم ويسود السلام - رحمة منى بكم - قطركم بل اسير انا نفسى بينكم وأكون الهكم وتكونون شعبي واما الوعيد
فاذا لم تطيعونى ولم تقوموا بكل ما أمرکم به فهاكم موقفی منكم أعاقبكم بالجدب وبالقيظ الذى تذبل منه أعينكم والذي
ينهككم
•
سيكون من العبث أن تلقوا البدر في الأرض لأن أعداءكم
ستلتهمه
وسأوجه اليكم بنظرتي الغاضبة
•
•
سنفرعون أمام أعدائكم وستكونون رعية من يبغضكم
سألقي في قلوبكم الرعب فتهربون حتى حين لا يتبعكم أحد
١٣٤
فاذا لم تطيعونى بعد كل هذا فاني أعاقبكم عقابا يزيد على سبعة امثال ما تقدم وذلك بما عصيتم
ساسحق كبرياءكم وسأجعل السماء من فوقكم كالنار والأرض من تحتكم كالنحاس
•
كل ما تقومون به من عمل سيكون عديم الجدوى فلا تنبت
•
الأرض الحب ولا تثمر الأشجار لم يستمر النص ويتنابع الوعيد الحيوانات الوحشية والطاعون والمجاعة والنفي ومختلف الكوارث وكل ما يرهب ويخيف
•
اردنا أن نذكر نصوص العهد القديم بدون تغيير فيها ولا تبديل لنرى فى وضوح ان الاله بأمر كقائد حربي وكملك يجب أن يطاع لانه الاله
والطريقة الوحيدة لاكتساب عطفه ولاجتناب غضبه ليست
الا الخضوع له
والعهد القديم يشمل الشريعة وليست الفضيلة الا فهمها وتطبيقها في كل حالة تعرض والتزامها بانتظام وخضوع واذا ما نظرنا الآن الى الانجيل فاننا نجد فرقا كبيرا حقا انه لا يمكن أن يفصل المسيحى الانجيل عن العهد القديم فخير الأدلة على الوهية المسيح توجد في الظاهرتين الآتيتين
ا - تنبؤات ذكرت في العهد القديم
- وتحققت بوجود المسيح
•
فاذا لم تعترف للعهد القديم بأنه موحى به فان طبيعة المسيح
الالهية تكون موطنا للشك
١٣٥
ومع ذلك فان تعاليم المسيح تخالف تعالیم موسی
يقول عبسى في انجيل القديس متا لا تعتقدوا اني أتيت الأمحو الشريعة والانبياء من المحتمل أنه لا يمحو ولكن من المؤكد انه يغير واذا مانظر الانسان في الأخلاق الانجيلية فانه يرى لأول وهلة فكرة تسودها هي أن المهم للانسان انما هو سعادته ولكن السعادة ليست في هذا العالم فليست الارض الا منفى أما مملكة الله فليست في عالمنا الأرضى بل هي في عالم آخر الاهتمام بهذا العالم الآخر اذن هو الذى يجب أن يوجه سلوكنا وأعمالنا
ه لا تجمعوا النفائس حيث السوس والصدأ يتلفان كل شيء وحيث اللصوص ينقبون ويسرقون
ه لكن أجمعوا واكنزوا النفائس فى السماء حيث السوس والصدا لا يتلفها وحيث اللصوص لا ينقبون ولا يسرقون ماذا يجب اذن
يجب عيسى اغرسوا الفضائل التي تحتقرها كبرياء الانسان مثل بساطة القلب والتواضع والطهارة
ل سعداءهم السذج لأن مملكة السماء لهم سعداء هم المرضى لأنهم سيواسون سعداء هم الحكماء لأنهم سيرثون الملك سعداء جاعوا وظنوا الى العدل لانهم سيشبعون سعداء هم الرحماء سعداء أطهار القلوب لأنهم سيرون الله
من
لأنهم سيرحمون
•
هم
سعداء من عذبوا في سبيل العدل لان مملكة السماء لهم
•
•
واذا كانت شريعة موسى تعزو الى الطقوس في مظهرها الخارجي بعض القيم فان الانجيل يرى ان لا قيمة لها على الاطلاق الا اذا صدرت عن روح طاهرة
١٣٦
ه اذا حملت قربانك الى الهيكل ثم تذكرت أن في نفس اخيك منك شيئا فاترك قربانك أمام الهيكل وعد التصلح ما بينك وبين أخيك اولا وبعد ذلك عد الى الهيكل وقدم القربان
•
واذا كانت شريعة موسى تمدح القصاص بالمثل فانه في
الانجيل غير مستساغ
اقول
سمعتم انه قيل العين بالعين والسن بالسن ولكنى
لا تقابلوا من يسيئونكم بالمثل بل اذا ضربك احد على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر واذا ادعى أحد ملكية توبك فاتركه له واذا كانت الشريعة الموسوية تحث على حب الأصدقاء وبغض الأعداء فان الانجيل يقول
ولكني أقول لكم أحبوا أعداءكم وباركوا من يلعنكم واعملوا الخير لمن يبغضكم وصلوا لمن يسيئكم ويعذبكم وهكذا نرى الاخلاق اليهودية يسود فيها فكرة العدل الثاري ۱
·
اما اخلاق الانجيل فتسود فيها فكرة الحب والاحسان والعفو فحب الآخرين وعدم مقابلة الشر بمثله والتمسك بطهارة القلب
تلك هي الروح السائدة في الانجيل ان طهارة القلب هي العماد
•
1 أي أن يثار للمعتدى عليه من المعتدى فيوقع به ما اوقعه هر به دون زيادة على قدر الامكان صيانة للعدل وهذا أيضا هو روح التشريع الاسلامي مع الدعوة إلى حسن الاقتضاء وايثار العفو اختيارا وطواعية بلا اجبار ولا الحاح ونصوص الكتاب والسنة فى ذلك لا تخفى على من يلتمسها
۱۳۷
انتقال التعاليم اليهودية - المسيحية الى الغرب
دخلت المذاهب الدينية والأخلاقية الناشئة عن أصل يهودى - مسيحى الى العالم اليونانى - اللاتينى عن طريق جد
متواضع
فقد حملها واذاعها وعمل بها أولا طائفة من عوام الشرقيين الذين كانوا يقطنون منذ نشأة الامبراطورية الرومانية في أطراف
المدن المهمة بها ولم يكن للخاصة نصيب في هذه الأمور وقد كان بالامبراطورية الديان أخرى كدين میترا الذي لا يزال يدهشنا ما خلفه من آثار على شكل نصب لم سادت الاعتقادات اليهودية - المسيحية واندثرت الاعتقادات الأخرى
لا يزال الجواب عن هذا السؤال رغم كثرة البحث والاستنتاج - من الصعوبة بمكان ذلك ان اسباب تلك الظاهرة معقدة كل التعقيد 1
1 يمكن أن يعلل لهذا بان التدين الشعبي الوثني لليونان واللاتين كان على
ولقد كانت واذا كانت قد حازت
صورة لجاني العقل مجاناة تامة ولا ينسجم الا مع عقليات بدائية عقائد تلك الديانات الشعبية أكثرها أساطير محضة مكانها من عقليات امم سلفت وعصور أفلت شموسها خلال عدة قرون قبل الميلاد وبعض قرون بعده فانها بدون ما شك ما كانت تستطيع أن تساير التطور العقلي الطبيعي للانسانية ولذا لا يكون لمة موضع للدهشة اذا كانت تعاليم المسيحية قد قهرتها بعد تضحيات جمة من مبشرى المسيحية وبعد اصرار منهم على بث عقائدهم رغم ما كان ينزل بهم من عنت وعذاب وكم كانت الانسانية المحرومة من عاطفة الاخاء الانساني العام اذ ذاك بحاجة ماسة الى مثل الدعوة المسيحية التي بهرتها بتلك النغمة الرطبة الحنون نغمة الاخاء والمحبة والتسامح فلا عجب اذن أن يسارع اليها أولئك الذين دخلوا فيها أفواجا ويستبدلونها بديانات لم
يكن فيها للانسانية مقنع
۱۳۸
غير أنه من المؤكد أن الاعتقادات اليهودية - المسيحية اخذت في الانتشار باستمرار وتسربت شيئا فشيئا إلى الرياء المواطنين الذين لم يعودوا يعتقدون في آلهة أسلافهم ولم يعودوا يؤمنون بقدرة القرابين
•
وكان ـ من غير ما شك
فيما يلاقيه المسيحيون من تعذيب وموقف الشهداء المطمئن من ذلك بل وغضب رجال الشرطة
نوع من الاعلان والدعاية للافكار الجديدة بدل أن يقضى عليها واخيرا فرضت تلك الاعتقادات نفسها على الخاصة المثقفة
استمداد المسيحية من الفلسفة
•
•
وحينئذ حدثت ظاهرة ليست فى الواقع غريبة غير أنها رائعة كان المثقفون فى الامبراطورية الرومانية على علم بآراء شيشرون وبما للفلاسفة من مذاهب كانوا على علم بأفلاطون وارسطو وأبيقور والرواقيين فلما قدمت لهم الأخلاق الجديدة الموحاة من اله التوراة والانجيل كمجموعة من الاعتقادات لا تحمل ایى دليل عقلى راحوا يسائلون انفسيهم اليست هذه الاعتقادات في جوهرها على الأقل - تتفق مع بعض ما لفلاسفة اليونان وروما من مذاهب مبرهنة مدعمة
يعلن العهد القديم وجود اله واحد قوى خلق العالم ولا يزال يحيطه بالالتفات الا يوجد عند أفلاطون وعند الرواقيين براهين تنحو نحو اثبات اله موصوف بما تقدم من صفات
حقيقة أن اله افلاطون واله الرواقيين لا يماثلون تمام المماثلة اله العقيدة اليهودية - المسيحية
غير أن الأدلة والبراهين التي استخدمت لاثبات وجوده وحقيقته من الممكن أن تستخدم من جديد ولعل لها معنى لم يقصده
۱۳۹
المحتجون بها فلم لا تؤخذ فتهذب وتعدل وتكمل وتستخدم لغاية دينية محضة
يدعو الانجيل من اتبعوه الى التفكير فى حياة أخرى وان يجمعوا التروة التي لا تفنى والتي يستمتعون بها بعد أن يفارقوا هذا العالم فهو يؤكد بذلك خلود الروح والجسم
الم يحاول أفلاطون أن يبرهن على هذا الخلود في كتابه فيدون الم يستعمل شيشرون بلاغته في البرهنة عليه هذه المذاهب اختلطت بدون شك
فيما نحن بصدده
بالفيثاغورية على اننا اذا أهملنا بعض مافيها فقد يمكن - لتأكيد وتقوية الايمان الناشيء استعارة بعض أدلة عباقرة الفلاسفة الوثنيين فيما يتعلق بالخلود
يصور العهد القديم ويصور الانجيل الها يأمر الانسان بالسير على نمط خاص اليس عند أفلاطون وتلامذته أراء تلقى بعض الضوء على ما تأمر به تلك الكتب المقدسة بشرح أفلاطون في كتابه طيماوس كيفية تكون العالم فيذكر أن الله كلف بذلك العقل الفعال وكان هذا العقل يعمل على طريقة من يصنع التماثيل وبما أن من يصنع التماثيل يكون عنده أصل يعمل على نسقه ومادة يصوغها فقد كان لدى العقل الفعال المثل الخالدة لكل الممكنات وتحت يده مادة يتصرف فيها فيجعل منها مشخصات تشبه الأنواع الخالدة التي يتأملها وقائده في كل ذلك هو المثال الأعلى أو مثال الخير
تلك هى فلسفة أفلاطون فيما يتعلق بتكوين العالم ما علينا او غيرنا قليلا فى الألفاظ الا يمكننا بتلك الطريقة أن نلقى ضوءا على فكرة العهدين القديم والجديد فيما يتعلق بهذا الخالق للاشياء
الذي خلق الانسان أيضا ليعمل الخير ويتطهر
نشأ هذا الاتجاه العام منذ القرن الأول الميلادي
18
وظهر في قوة عند الآباء اليونانيين والأباء اللاتينيين ورغم ما كان بينهما من فروق بسيطة فان الغاية التي كانت تقودهما واحدة انه لا جدال ولا مشاحة فى الايمان لأن الوحى معصوم وليس في العهدين القديم والجديد كلمة واحدة ليست حقا وكل فلسفة لا تلتقى مع احدهما فهى خطأ محض لانها تتعارض مع
•
ما أنزله الله ولكن ايستلزم هذا العدول عن كل فاسفة لا كلا فالايمان في حاجة دائما ألى الفهم وفى حاجة الى الأدلة العقلية التي تبرهن عليه وتجعله أكثر خصوبة فلم الابتعاد اذن عن كل فلسفة لا ولم العدول عن براهين اذا مذبت وحورت اقنعت الوثنيين والملاحدة لا لا شك ان العقل واحد وأن الاعتقادات التي ذكرتها الكتب المقدسة هي
نفس الآراء التي تفرضها علينا الأدلة والبراهين العقلية البينة غير ان هذا المقل نفسه لاشك أنه محدود ولاشك أن بعض الحقائق فوق العقل مثل الحقائق التي تتضمنها المساتير الا أنه مما لا ريب فيه أن الايمان لا يناقض العقل هناك اذن جانب لا نفهمه ولكننا نعلم أنه حق لأنه منزل ونعلم أنه لا يدخل في دائرة اللامعقول واذا لم ندركه فما ذلك الا لقصور في عقلنا
ذلك هو التيار الذي نشأ منذ أن بدأت الفلسفة المسيحية واستمر خلال العصور المتطاولة ولا يزال الى اليوم عند المسيحيين
الخلص
أما ما اقامه العقل على أساس الاخلاق اليهودية - المسيحية من مذاهب وآراء حاكى فيها الفلسفة اللاتينية أو استمارها منها فقد كان خصبا مزهرا في عدة فترات
وأولى هذه الفترات هى الخمسة القرون الأولى في تاريخ المسيحية حيث ظهر الانتاج اليوناني للقديس كليمان الاسكندري و أوريجين و اتناز والقديس جريجوار دی نازینز والقديس
١٤١
جربجوار دی نیس وحيث ظهر الانتاج اللاتيني لجوستين وترتولين وارنوبا ولكتانس والقديس امبرواز والقديس
جيروم والقديس أوغسطين وبويس وكيودور
•
بسبب
أما الفترة الثانية فقد كانت بعد الخمول الذي نشأ الغو البربري أى فيما بين القرن التاسع والقرن الثاني عشر حيث الجدال حول وجود الكليات أو المثل الأفلاطونية في الخارج وحيث تعــارض من يقولون بذلك مثل جان اسکت اریجین والقديس انسلم وجيوم دى شمبو مع من يقولون ان هي الا اسماء سميتموها مثل روسلين ومع من يتوسطون فيقولون بوجودها في الذهن فقط مثل ابيلارد الذى كان زعيمهم في ذلك وأما الفترة الثالثة فقد كانت في القرن الثالث عشر حينما أخذ الغربيون في الاطلاع على الشروح العربية لفلسفة ارسطو وعلى الخصوص شروح ابن رشد وكانت تلك الفترة فترة عظيمة الشأن حيث تكونت فيها مدارس البير الكبير والقديس توماس اكويني والقديس بون افنتور ودن سكوت وأخيرا مدرسة جیوم دو کام كانت فترة صراع وتدقيق وغضب وانقسامات دينية وضغط مختلف ألوانه فلم يغير كل ذلك من الفكرة الأساسية التي استمر تيارها خلال العصور
استمر العهد القديم والعهد الجديد اذن المقياس للحقيقة الأخلاقية اما ماعداهما من فلسفة تؤيدهما فليس الا أبهة من السهل التخلى عنها غير أنها مفيدة فى اقناع الملحدين وضعاف الايمان هذه الفلسفة التي تؤيدهما ليست مجهولة المصدر بل اخذت عناصرها الأولى من افلاطون والرواقيين والأفلاطونية الحديثة وكلمت فيما بعد بفلسفة أرسطو رغم انها تكاد تكون على طرفى نقيض مع المسيحية ولذلك اقتضت عملا مجهدا منهكا مؤلما حتى ذالت فأمكن التوفيق الذي قام به القديس توماس آکوینی واتباعه
١٤٢
نصهروا كل ذلك فكونوا منه مذهبا واحدا يرجع الفضل في توضيح
أصالته الى المؤرخ المعاصر الأستاذ جيلسن
•
ماذا انتج هذا المجهود الهائل فيما يتعلق بالاخلاق المسيحية لكي يستند أساسها الى العقل لقد بدا أولا في البرهنة على وجود الله واستعمل فى ذلك البرهان الذى يلجأ اليه الكثيرون والذي قال به شيشرون في بعض مؤلفاته وقال به غيره من الفلاسفة حينما أرادوا اثبات اله كله عناية وكله قوة وكله رحمة واعنى به البرهان بطريق العالم
العالم موجود فله اذا علة أوجدته
هذه العلة لابد أن تكون قوة قادرة على صنعه ولا يمكن ان تكون
كذلك الا اذا كانت الها
لم أن العالم مادة والمادة لا تتحرك بنفسها فلابد اذن من وجود
كائن يبعث فى العالم الحركة وفي العالم نظام بديع يسود سير الكواكب والنجوم فهل يفسر
بشيء آخر غير كائن ذكي قادر على صنعه والاحتفاظ به وهذه الحيوانات الم تخلق اعينها الرؤية وآذانها للسماع وأرجلها للمسير وأجنحتها لتطير بها أمن الممكن تعليل ذلك بدون أن نلجأ الى صانع حكيم خلق كل كائن الحياة خاصة وجهزه - من اجل ذلك - بأعضاء وغرائز ضرورية لحياته ولاستمرار نوعه اعتمدت المسيحية كل هذه الأدلة وابتدعت غيرها وذلك كالاستدلال على وجود الله بالممكن أ- الممكن جوهر انه فكرة عن نوع من الأشياء يجوز حدوثه ولكن الفكرة لاتوجد من نفسها ولا توجد قط الا في ذهن كائن يحملها ويفكر فيها ولما كان عندنا ما تحقق وجوده فقد ثبت وجود الممكن والبتة توجد جواهر مادام
١٤٣
هناك وجودات وكذلك يوجد الكائن الذي يفكر في الممكنات والجواهر كل ممكن أبدى الوجود فيجب أن يتصف ذلك الكائن
بوجود ابدی
هكذا الدليل التجريدى الذى وضعه القديس أنسلم وأخذ به ديكارت بعد حين
الله وحده الكمال المطلق الكمال المطلق مجموع الكمالات الممكنة التصور الوجود كمال فكيف يمكن اذن الا يتعلق بذات الله وأن الكلى الكمال لن يمكن أن يكون الا الموجود الكلى
الكمال
من
ذلك قواعد أساسية المنطق حولها من ناحية وبلاغة الوعظ ناحية أخرى ۱ وكم من أجيال ذات افكار عالية قد اعتبرتها
قواعد عقلية
وانه ليس وجود الله فقط هو كل ما ادعى برهنته بهذه الطريقة بل كذلك ادعى فى البرهان على خاود الروح
وانه من غير المستطاع فى الحقيقة أن يعاد ذكر جميع الحجج التي صاغها أفلاطون فى كتابه فيدون وان بعضها الذات طابع سو فسطائي صريح لكن على الأقل يمكن أن يعاد ويستكمل
بعضها
1 يعني أن رجال المسيحية كانوا يحاولون بشتى الوسائل أن يصلوا الى فرضهم من تبرير دعاواهم الدينية تدفعهم الحماسة الى ابتکار شتى الوسائل
كل
ومختلف الأساليب من بلاغة في الوعظ وتفنن في الصياغات المنطقية ومع هانيك الجهود فان الفلاسفة المقليين لم يبهرهم ذلك الطلاء الملون بشتى الألوان ولا منعهم من المضى في نقدهم المدمر حتى أن تلك القواعد طالما حسبتها الاجيال
قواعد عقلية حقيقية
اى من الممكن في نظر رجال المسيحية استعداد بعض ادنة افلاطون في
هذا الموضوع مع بعض تعديل في أسلوبها يكسبها قوة
188
ولقد وضعها افلاطون هكذا الجسم يمكن أن يفنى دون أن
تفنى الروح وان بينها وبينه فى الحقيقة لتمايز بعيد المدى هي متحدة به ولكنها ليست ناتجة عنه وأنها ليست بالنسبة اليه كانسجام اللحن بالنسبة الى المزهر لن يقال فقط أن من الممكن أن توجد الروح بعد انحلال البدن بل انه لواجب أن تحقق الروح ذلك الوجود
اذا كان البدن يفنى فذاك لأنه يمكن ان ينحل واذا كان يمكن ان ينحل فذاك لأنه مركب فيه أجزاء أما الروح فهي اصلا من عالم البسائط انها ليست ذات اجزاء كيف يمكن اذن ان تتفرق ان روحا لا يمكن أن تخلق الا من العدم انها لا يمكن ان تختفى الا اذا دخلت في العدم وادخالها فى العدم حينثل محال وأن الله في رحمته ما كان ليريد ذلك ولذا يشعر الانسان شعورا عميقا انه مخلوق للخلود اليس ينال نصيبه من الخلود بمعارفه العقلية الا يشعر أنه مكلف بأن يسعى ابدا لتكميل نفسه 1
ومن المقرر علاوة على ذلك أن الانسان حر الارادة انه يشعر في نفسه بتجربة مباشرة بالقدرة على أن يثبت أو ينفى شيئا من الأشياء وأن يعمله أو لا يعمله
►
وان هذه القدرة فى رأى المسيحية لذات أهمية رئيسية بدون تلك القدرة لن يحكم بأهلية ولا بعدمها
كما انه لن يستطاع الكلام فى بيان الخطيئة الأصلية ولا الكلام على ظهور الشر فى العالم كعقوبة راصدة عليها
1 تلك هي براهين افلاطون التي ارضت رجال الكنيسة لم ير فيها الفلاسفة مقنعا للمقل لان أكثر دعاواها لم يقم عليها برهان مقلى حاسم فهو مثلا لم يدال على ضرورة عدم فناء الروح كما يفنى الجسم ولا على كونها
١٤٥
غير ناتجة عنه مع انها متحدة به وهكذا
بدون تلك القدرة كيف يمكن أن يطمان الى العدل في عقاب الانسان على جرائمه وثوابه على حسناته
وانه المؤكد أن المطابقة بين قدرة العبد النافذة وسابق علمه تعالى الأزلي يستلزم شيئا من التكلف وكذا التوفيق بين جبروته ورحمته اللانهائية بيد أن رجال الدين يقررون أن مصير ذلك كله إلى التوفيق في كل دعوى تمسك جيدا بالعصى من الطرفين 1 نفسه بحرية فاعلة والعقيدة والعقل يؤكدان وجود كلنا يحس من فاذا ما بقى شيء من الغموض حول الطريقة التي ينسجمان الله بها فان هاتين الحقيقتين أرفع من أن ينالهما ارتياب وها هو ذا العمل المتوج لكل هذه الفلسفة انه نفس الفكرة التي ندعى الى اعتقادها في الله ان طيماوس كما قلنا سابقا يقدم لنا العقل الفعال مسويا العالم على ضوء المثل الخالدة من المادة وان هذه الأسطورة لنابية عن الذوق انها التي لم تصور بعد
1 أي تؤمن بالشيء ونقضيه فتؤمن بحريتنا أولا ثم تقرر انه لا تنافي بين ذلك وبين وجود الله الذى يستتبع أن مرد كل عمل وكل شيء اليه والحق اللي لا مربة فيه أن محاولة اقناع الفلاسفة العقليين في هذا الموضوع على هله الصورة لا يعد أمرا ممكنا واذن فلا بد اذا ما حاولنا اقناعهم من طريق العقل ان نقول بـ الاقدار أى ابناء الله تعالى العيد قدرة على الفعل وعلى الترك فتتبت له بذلك الحرية التي هي مناط التكليف ولن يكون في هذا ما ينسانا قدرته تعالى وهي المقدرة والواهية القدر والتي تستطيع أن تسلب في كل حين وعندئذ لا يبقى وجه لاعتراض القائل كما تستطيع أن تهب
القاه في اليم مكتوفا وقال له
اياك اياك أن تبتل بالمـ
اء
وكذلك مسألة تعلق علمه تعالى الازلى على الوجه الذى قررناه لا تساق
أن يكون للانسان ارادة مخلوقة له تعالى وان يكون علمه الازلي متعلقا بما يصدر
منها من سعادة العبد أو شقاوته جزاء وفاقا
•
لقد كان برهان الكنيسة بهذه الطريقة مدعاة لتلك السخرية اللائمة
مع ذلك تعطى عنه صورة أولية من الحقيقة فلنجردها عما فيها من غلو مادى لكى ندرك مع طبيعته تعالم الحقيقية المفتاح الحقيقي لهذا الكون ومفتاح الاخلاق انه تعالى يملك علما
وارادة وأن علمه تعالى يكشف له أبدا
ا - الممكنات ونعنى بهذا نوعين من الأشياء أحدهما انواع الممكنات الجواهر التي كان أفلاطون يسميها المتل الخالدة للاشياء 1
•
ثم تلك الجماعات من افراد الممكنات التي تؤلف كثيرا من العوالم المتحققة العالم الحس والتي يمكن تحقيقها وان منها لما يجل عن الحصر
•
٢ - الحقائق الأبدية وهي أيضا تتجلى في نوعين
فمنها قواعد نظرية كما في هذا المثال الكميتان اللتان تساوى كل منهما كمية ثالثة من نوعهما تكونان متساويتين ٢ ومنها
1 هنا تتورط الفلسفة المسيحية في مأزق خطير اذ تقلد افلاطون في القول بهذه النظرية التي لم يقم عليها أي دليل عقلى مقنع بل التي قام الدليل على بطلانها من صنيع أرسطو نفسه فليست بهذا صالحة حتى لمجرد القول بوجودها فضلا عن صلاحيتها لان تكون متعلق علم الله بأنها موجودة أو بعبارة أخرى لان تكون ركنا من أركان علمه تعالى كما تدعى الفلسفة المسيحية وهي الممكنات الجواهر وافرادها والحقائق الابدية بنوعيها النظري والعملي وهكذا يقود حب الظهور الفلسفى الى حشر نظرية المثل الافلاطونية الخيالية لكي تكون قاعدة من فوائد المعتقدات الدينية بعد ما أصبحت في عالم الفلسفة اسطورة من الاساطير ولو أن المدعى كان قاصرا على الحقائق الكلية للممكنات والحقائق الجزئية لافرادها لكان أوفق
·
ونحو زوايا المثلث المتساوى الاضلاع تكون متساوية وهكذا جميع
النظريات الرياضية التي أصبحت من الضروريات العقلية
•
١١٤٧
قواعد عملية كما في هذا المثال لا تعامل أحدا بما لا تحب أن تعامل به ۱ كل ذلك يعلمه الله أبدا بعلم لدنى ليس علمنا النظري بالنسبة اليه أكثر من صورة هزلية باهتة
أما ارادته تعالى فوجهتها الخير المطلق وليس هذا الخير شيئا آخر غير الله ٢ وانه تعالى ليحب ذاته فوق كل كائن ٢ ومن أجل ذلك يكمل كل ما يعمل
•
يجب ان نميز بين زمنين فى فعله تعالى الارادي
في الأول تكون الارادة مهيئة هى تتجه نحو الخير الأعلى وفي الثاني تكون الارادة منفذة
والله سبحانه لا يمكن ان يخاق الخير المطلق لأن ذلك سيكون معناه أن يبدأ من جديد خلق نفسه وحينئذ هو سبحانه يحقق
1 تمثيل غير موفق ولا يصلح للتقعيد فان من خواص القواعد أن لا تخرق ولا تختلف نتائجها عند التطبيق أما في هذا المثال فأدنى تأمل يظهر ما فيه من عدم الاضطراد أن في منطوقه وان في مفهومه الا يحدث أحيانا أن تكون طبيعة المرء تكره بعض اطايب المأكول والمشروب ثم يكون من المتعين عليه أدبيا ان يقدمها احيانا لضيفه وخصوصا في الولائم العامة ان الاذواق تكاد تختلف بعدد اختلاف الاشخاص وبالتالي يكون ما يعجب هذا غير مستساع في نظر سواء وبالعكس د وهنا تحتاج المعاملة الى خبرة ودراية شخصية وبصر بالظروف والمناسبات أما أن يقيس المرء جميع الناس بقياس شخصية فأمر يدعو الى الخلل في ادب السلوك واذن لا يصدق هذا المثال الا بوجه جزئى وهو أن تكون الاهواء والطبائع بين المتعاملين متفقة وأن يكون الأمر المحبوب لا تأباه الاخلاق ولا يحرمه
الشرع
•
هذا بعينه نظرية أفلاطون فان مثال الخير عنده يساوى الله ۳ أي ولما كانت ذاته ليس شيئا آخر سوى هذا الخير فانه يحبها حيا
فوق كل شيء ولما كان حبه لها حيا للخير كانت ارادته تقتضى دائما تكميل كل ما يعمل لان الكمال خير
1{A
كل ما هو اكثر اتجاها الى الخير المطلق تعنى بذلك تحقيقه الكون على أحسن ما يمكن
وانه بالضبط لما كان الله سبحانه يريد الخير كما يريده كان كل ما في العالم على وفق مراده ولقد خلق سبحانه كل شيء ميسرا لغاية مقدورة له ۱ وهذا الحظ المقدور محتم في كل خلقية اعطى الطائر جناحان وما ذاك الا لان الله خلقه ليطي ومنحت العنكبوت قدرة نسج بيتها وما ذاك الا لأن الله قدر لها أن تعيش على تصيد الذباب
اما الانسان فقد منح عقلا نظريا وما ذاك الا لأن الله اراد اعداده لادراك الكون والايمان بمبدعه
وللانسان أيضا شعور اخلاقي وما ذاك الا لأن الله أراد منه ان يعرف كيف يجب أن يسير فى حياته لكي يسير في الحقيقة
كما يجب
اى مذهب هذا انه ناشيء على التحقيق من الميتافيزيقا الأفلاطونية ولكنها أفلاطونية معدلة منقاة من عناصر الوثنية موافقا بينها وبين الغاية المطلوبة التي يسرونها في أنفسهم وهي تجهيز الأخلاق اليهودية - المسيحية بما ينقصها من الحجج الضرورية لكى يمكن بمساعدة أدلة ذات ظاهر عقلى اقناع النفوس بضرورة الخضوع لقواعدها
•
وفي الحقيقة اذا كان الله قد منحنا ضميرا أخلاقيا لنشعر به باطنيا بما هو الخير والشر والعدل والظلم كما منح الخطاف جناحيه واذا كان سبحانه بنعمة سابقة قد أراد فوق ذلك أن يجيء على هذه الأرض ليوحى بواسطة موسى وعيسى ما يجب علينا في
1 أى وهذا دليل على أن العالم بجميع ما فيه خير لانه كان مرادا لله الذي ارادته خير ولا تريد الا خيرا
181
سيرتنا فأى شك بعد ذلك يبقى فى طريق اتجاه كل انسان الى ان يطبع حياته بما يجب ۱
والآن عندنا ما نقنع به بازاء هذه النقطة أكثر المماحكين جدلا وستكون العناية الأولى للواعظ المسيحي ان يلجا الى المقيدة وسوف يقول لمريديه خذوا انفسكم بكذا من السلوك ان ذلك هو الاحسن لأن الكتاب المقدس يؤكده والكتاب المقدس تنزيل من عند الله ولن يكتفى بذلك انه سيقصد الى عقول سامعيه و سيبذل قصارى جهده في اقناع عقولهم لو أنه يملك مبادىء الفلسفة المسيحية فلا شيء سيكون أسهل عليه من ذلك أن الأفهام والطبائع ليست بدرجة واحدة من العلو ان منها الخارق ومنها المتوسط والضعيف
•
ان المبادىء الدينية تفضى لحسن الحظ الى اقناع هؤلاء وأولئك ان العقل ليشعر فى الحقيقة بأنه يجب أن يخضع الله عن تعظيم له وعن محبته وعن خوف من غضه ثلاثة أوتار معدة لأن نحرك وسوف يكون لها صداها بعضه تؤثر في بعض النفوس السض يصلح لنفوس أخرى
انه لواجب أن يقدم التعظيم الله وان تطاع رادثه ذاك هو ما تستشعره النفوس الرزينة المعتدلة الله ! اليسر ابا الطبيعة وأبانا على الخصوص اليس حكيما بلا نهاية وبصيرا بلا نهاية وعادلا في أوامره
1 تملك هي دعوى فلاسفة المسيحية تمضى في سبيلها على أمل أن تجد طريقها الى العقول فلا يستعصى عليها غرض
الاديان
•
هذا الفريق وما بعده من الضربين الآتيين لا يكاد يخلو منهم دين من اذ من الواضح أن الدوافع الدينية لا تتحد في نفوس جميع الناس على السواء اذ منهم المدرك لجلال الله وكماله وما يجب من الطاعة وجوبا لا تشويه نه
•
له
۱۵۰
يجب أن نحب الله وان نفنى فى أوامره ذاك هو مالا تخلو من الشعور به النفوس المرهفة الحس اليس الحنان المنان اليس اله الحب اليس اله الرحمة اليس الاله الذي أراد ان يذوق الألم كانسان لكى يعطى القدوة ويخلص الانسانية
يجب ان نخشى الله وأن نرهب نقمته وأن نسترضيه هاك ما نحسه ايضا ادنى النفوس واصغرها تلك النفوس التي لا يرهف حسها سوى تجاوب الاصداء الانانية في أشد الطبائع حذرا التمرد على الله ! أن ذلك معناه ان يتعرض الانسان لنقمته الخالدة طاعته ! ان معنى ذلك أن يربح الانسان لنفسه سعادة لا تنتهى ابد الآبدين
تلك مباحث آية فى الاعجاب نجد فلاسفة المسيحية ووعاظها قد استخدموها طيلة عدد من القرون ولا يزالون على ذلك حتى اليوم
وان أولئك المقرظين لا يختلف بعضهم عن بعض الا بأنهم يخاطبون اما شعبا جد مفكر أو جد حساس أو جد دهمائی و من هنا يتخذ بعضهم لهجة تعظيم وتقديس مؤثرة وآخرون في لهجتهم جذبة الحب وسواهم يعمد الى التنزل الى لهجة الحذر ولكن
راك
هی
شائبة ومنهم الرفاق الطباع الميالون الى الانجذاب العاطفى والغناء في المحبوب کما ان منهم فريقا أقوى دوافعهم تنحصر فى طلب الثواب أو الخوف من العذاب خليقة الناس وجبلتهم في كل زمان ومكان ولكن الفلاسفة العقليين يسخرون من هذه الظواهر ومن أساليب الوعظ المختلفة التي أعدها لهم فلاسفة المسيحية كل بما يناسبه والحق أن رجل الدين في كل زمان ومكان لا يجد مندوحة من هذا المسلك بازاء تلك الطبائع اذ لو مسلك معها على ما يعجب أولئك الفلاسفة من مخاطبة العقل وحده لاستعمى الاصلاح وانتشر الفساد أضعافا
مضاعفة
101
نواحي حجتهم لا يعارض بعضها بعضا انها تنسجم ويكمل بعضها بعضا وتتمازج وأنه ليس فقط تلك البرهنة المتعارفة هي كل ما تؤدى اليه الأخلاق الدينية اليهودية - المسيحية بل انها لتعطى فوق كل ذلك قاعدة أخرى للحصول - في كل حالة - على المبادىء الضرورية للسير بهذا التقديس وهذا الحب وهذا الحذر يجب أن تتوجه الارادة الى ارضاء الله ولكن ما الذي نعمل لكي نصل الى رضاه ان الله قد تجلى على الناس ظاهريا في شخص المسيح عليه السلام
وانه ليتجلى باطنيا على كل فرد في ضميره الاخلاقي وما نرى المقام بحاجة الى توضيح اكثر لكى نسير سيرة حسنة يجب في كل حال ان نتخذ المسيح عليه السلام مثالا يحتذى يجب ان نطبق ساوكنا على سيرته
هاك المبدا ومن ورائه المفسرون يظهرون أكثر أو أقل شدة أكثر أو أقل تفلسفا أن يتخذ المسيح قدوة هذا أمر يحتم خطة حاسمة في نظر بعضهم خطة تجعل من الانسان ناسكا
وراهبا
•
ولنقرا هذا السفر الطريف محاكاة المسيح
انه مسفر من أكبر أسفار التبتل المسيحي ولنطلب بين صحائفه مظاهر الحياة المسيحية بمعناها الصحيح وان ما نجده فيها المعبر عن الحال بابلغ عبارة
احتقار أساسي لكل علم وحتى ليشمل ذلك علم الالهيات
4
احتقار أصيل لكل ما نسميه خيرات هذا العالم الثراء
والشرف والمركز الاجتماعي حتى المركز الوسط
وانه لحتم أن نستشعر دائما التواضع والندم
•
١٥٢
وان نمارس عمليا على الدوام التضحية وكل مظهر تمليه
الرحمة
وان نشتغل اشتغالا دائما وقاهرا بالصلاة
وان نجمع حواسنا في صمت وذهول تام وتأمل ديني ينسى المرء
فيه كيانه
يجب أن نقتل فينا كل ميل دنيوى يجب أن يموت عالم الرغبة يجب أن نبدا من هذا العالم الزائل ماسوف يكون لنا الوجود
الأبدى
عظمة وعلاء ! ولكن قضاء قاس على الانسانية وأن التطبيق الكامل لمثل تلك المبادىء ليمكن ان يملا الأرض بأديرة فيها الرجال من جهة والنساء من جهة أخرى ينتظرون في طهارة وتأمل الزوال النهائى للنوع الانساني ولكن أسفار الاخلاق المسيحية العادية أقل تنسكا واقل طلبة للتكاليف يمكن أن يقتدى بالمسيح دون التواري خلف أسوان
الأديرة والكتب المقدسة تحوى قواعد اخلاقية شرعها الله نفسه
14
وضمائرنا تشعرنا من ناحية أخرى بكل ما لها من جلاء فلنتخذها تقواعد عملية من فوق كل شك وارتياب ولنضرب مثلا بتلك العبارات المأثورة لا تعاملوا الناس بمالا تحبون أن يعاملوكم به احب للناس ما تحب لنفسك ليحب بعضكم بعضا ومثل هذه المبادىء التي تضعها الكنيسة الكاثوليكية تحت اسم وصايا الله وان الانسان لسوف يكون مسيحيا ما دام حيا في هذا العالم لو أنه يعتمد في كل مقاصده على تلك القواعد الجوهرية للسلوك وسوف يكون - اذا ماعمل ذلك ليرضى ربه ـ مستعدا لقبول أحكامه و لقبولها بسرور ان الرهبانية الكاملة ليس تكون الا لبعض الناس اما الحياة الدينية فانها للجميع بلا استثناء
•
١٥٣
فلاسفة المسيحية الحقيقيون
وبجانب الوعاظ الأخلاقيين العاديين يوجد من جهة أخرى الفلاسفة الحقيقيون وهؤلاء لا يقولون بغير ما يقول أولئك الوعاظ انفسهم ولكنهم ينقبون عن أعمق المعانى للوعظ المسيحى ولنقرا مثلا مبحث الأخلاق تألیف مالبرانش انه يلخص ويحدد فيه خلاصة المذهب العقلى المسيحى ان علم الله يدرك بازلية - ابدية تامة أعداد الأشياء وأشكالها ومعانيها الكلية أنه يدرك علاقاتها انه يعلمها فى صورة حقائق نظرية خالدة لاتبديل لها ولا تحويل ولكنه يعلم أيضا مافوق ذلك انه يوجد بين الحقائق التي يعلمها نسب فى الكمال بعضها نازل وبعضها سنيف وان الله لا يمكن أن يرى أو يخلق الكرة مكعبا ولا المثلث دائرة انه لا يمكن أن يرى أو يخلق نسبة تجعل الحجر أرقى من النبات ولا النبات أرقى الحيوان ولا الحيوان أرقى من الانسان وهناك حقائق خالدة من نظرية 1 كما توجد حقائق خالدة عملية والأولى تسمى قواعد العقل النظرى اما الأخرى فتسمى حقائق النظام الادبي
واذن فالله يريد النظام الأدبى بكل ما لذاته تعالى من قوة لان النظام هو العدالة والطريق الوحيد لارضائه تعالى هو أن نتابعه بأن نريد النظام كما يريده هو نفسه فيجب ان تعامل الحجر كحجر والبهيمة كبهيمة والانسان كانسان ان الذي يعني بحصانه أكثر من خادمه لخارج عن النظام عامل على غضب الله
•
1 الحقائق النظرية كنظريات العلوم أما الحقائق العملية فالمراد بها ما يختص بالسلوك الانساني الاخلاق
108
وكذلك من يفضل عالما أو بحالة فى التاريخ أو كاتبا نابها على مبشر تقى رقيق الحال
ان الذي يستطيع ارضاء الله هو وحده الذي يعرف كيف ينظم بفضل عنايته بالنظام واحترامه وحبه ومراعاته لانه يعيش حسب روح التوراة والانجيل وكنيسة الاله الذي هو عقل محض انه يعيش حسب العقل
وانه لجد مؤكد ان المتبتل الخالص والمؤمن الساذج والمسيحى العقلى الفيلسوف يختلف بعضهم عن بعض اختلافا
ظاهرا ومع ذلك تبقى فكرتهم الأولى واحدة الى الوحى اليهودي - المسيحى والى هذا الوحى الداخلي الذي يسمى الضمير يجب أن تطلب المبادىء التي يعتمد عليها في السلوك
انها تفهم بوساطة هذا الانسجام العجيب للتقليد المسيحي الذي جلته حياة المسيح فى مجالى مجده وهذا الالهام المباشر للحقيقة الأخلاقية ذات الشعور الواضح فى القلب واذن فهذه النتائج الأولى اذا ما استخلصت تماما فلا شيء أخف على القلب من تطبيقها عمليا انه ليكفي أن يعرف المرء كيف يفكر بطريق الاستنتاج المنطقى ان ظروف الحياة العادية لاصعوبة فيها وان مأثور الدين والضمير المتفقان على هذه القاعدة الأولية لا تعامل الناس بما لا تحب ان يعاملوك به
•
واليك الآن اسئلة تترتب على ذلك أيمكنني ان اسرق ایمکننی ان اشتم ايمكنني ان اخدع أيمكنني ان اجرح غيرى الجواب حاضر انت لن تريد أن يسرقك احد ولا ان يشتمك ولا أن يخدعك ولا أن يجرحك فلا تسرق اذن ولا تشتم ولا تخدع ولا تجرح غيرك
100
الأخلاق تؤسس كما تؤسس العلوم الرياضية الرياضي يرتب حدوده وقواعده ومسلماته ثم لا يكون عليه بعد الا ان يستخلص منها النتائج المنطقية الضرورية وعلى الأخلاقي ان يستنتج مثله إن الهامات ضميره ودراسة الكتب المقدسة يجب أن تمده بالقواعد الأولية ولن يكون عليه بعد الا ان يستخلص منها النتائج باستنتاج حقا انه أحيانا فى الحياة قد توجد ظروف معقدة وأن صعوبة الاهتداء الى ما هو عادل وطيب قد تصير اعظم فماذا نصنع أمام حالة كتلك
قیاسی صحیح
وأكبر
الفلسفة الكاثوليكية تجيب استشر العارفين
•
والعارفون هم ساسة الضمير هم القساوسة والرهبان المتمرسون بأعمال الاستنتاج الأخلاقي وانه ليشاهد منذ الوثبات الأولى للمطبعة ١ كيف تتكاثر تلك الأسفار التي تبحث في المسائل الأخلاقية
أنها معاجم مدهشة فى الأخلاق ليسير على هديها معلمو
الاعتراف
·
بين صفحاتها يطالع المرء جميع خوالج الضمير الانساني التي يمكن للخيال ان يلم بها
وفيها يمكن أن يمتحن في كل حالة ماهو موافق أو مناف لشرعية الأخلاق وما هو من الخطايا من قبيل اللهم أو من الموبقات وفيها تدرك الخطايا الاندر وقوعا فالرذائل الاوفر دقة والمخازى الاكثر ريبة
1 أي منذ بدأت المطابع بعد اختراعها تنشط بدأت تلك الاسفار الدينية
تتكاثر وتتكدس وقد كان لاختراع المطبعة آثار بعيدة المدى فى تقدم الفكر الأوربي وبعدها البعض عاملا من عوامل النهضة الحديثة
•
10
ثم عديد من القروح الأخلاقية قد يكون منها فرصة للتدقيق ولابتكار ادوية ولاختراع طرق للعلاج تلك هي كتب الطب الاخلاقي وتلك هي مباحث الافتاء واذن في النهاية ما هذه الأخلاق اليهودية - المسيحية مع
كل مشيداتها الفلسفية
انها ولاشك بناء فخم الطراز وهو حتى على حاله التي يبدو اقيها ان قواعده على آخر تحليل قليلة الثبات ۱ قد ادى إلى الانسانية أجل الخدمات طيلة عدد من القرون
وكل ما فيها يتقرر فى النهاية على هذا التأكيد يجب ان ينظر الى الحياة على أنها ابتلاء والعالم ليس شيئا آخر غير حجرة فسيحة الأرجاء لامتحان الاخلاق
والله يتولى الأمر هو يريد من كل فرد أن يسير حسب قواعد ثابتة وهذه القواعد قد عرفها الله له بطريق الرسالات وبطريق العقل وكل فرد له من القدرة ٢ ما يجعله حرا في ان يطيع الله أو يعصيه وفى كل ظرف من ظروف حياته اذن فرصة لكى يبدى ماله من اهلية ٤ أو عدمها
1 قد يبدو هنا أن في هذه العبارة شيئا من التناقض ولكن التأمل يظهر أن لا شيء من ذلك لان المراد من قلة الثبات قلته في نظر الفلاسفة العقليين وهذا لا ينافي أن يكون البناء في نظر المؤمنين بها فخم الطراز وأن يبدو لعيونهم آية في الجمال والعظمة وأن ينتفع بها العالم المسيحى انتفاما ظاهرا طيلة عقد
من القرون
•
أي أن العالم كله خاضع لامتحان دائم أمام الله وهو الذي يتولى لمر هذا الامتحان يبتلی به عباده لیري عملهم وليعلم المطيع من العامي فالعالم هنا مشبه بتلك الحجرة الهائلة
•
۳ بناء على الاصل المسيحى في حرية الارادة وقد سبق الكلام عليه
101
1 اني اهليته لاستحقاق الثواب وعده من الاخيار
ايتصرف كما يجب انه اذن يرضى الله ويحقق لنفسه
رحمته
أما في حالة العكس فانه يسخطه ويجهز لنفسه شقاء الخلود وحينئذ على كل انسان أن يفكر فى ذلك دائما وعليه في كل حال أن يسائل نفسه عما يريد الله منه أن يعمله ثم لينفذ جهد استطاعته ما يعتقده متفقا مع توكيدات الارادة الالهية ومهما يحدث له بعد ذلك فعليه أن يرضى بقضاء غیر مردود عليه أن يحتمله بسرور لا يقول فقط أن لي سيدا يجب أن اقبل أحكامه بل عليه أن يقول ان سيدى سيد طيب فاذا ما سرت سيرة طيبة فان كل شيء سيتحول الى خير من أجلى لأنه تحت اله كامل العدل كل شيء سيكون خيرا لأجل الاخيار
تلك العبارات مضت قرون والفلاسفة والوعاظ المسيحيون يرددونها على مسامع الانسانية المعدية
الاختلاف
ان هذا النمط من التعاليم المسيحية مذهب مختلف جد من تلك المذاهب التي اقامها اخلاقيو العصور 1 القديمة الوثينة لأن هؤلاء كانوا يبحثون ليكشفوا عن مرامي الطبيعة الانسانية وعن الوسائل التي تقنعها على هذه الأرض انهم يدعوننا الى تفكير مستمر فى حياتنا حيث لا يكون الدين
فيها الا دور ثانوي
اما ما يصير الرجل مسيحيا فانه شيء آخر انه التفكير المستمر في الموت في الله وفى الدين
۱ أي مسقراط وتلاميذه ومن قلدوهم من الاخلاقيين في طريقه بحثهم عن
اقوم سبل السلوك بطريق العقل قبل كل شيء
•
101
مفكروا القرنين الـ ۱۷ والـ ۱۸ م
وحتى بدء القرن ۱۷ كانت المسألة الأخلاقية لاتزال هي بنفسها طريقة المفكرين بالروح الدينية انها لم تتوار طيلة ذلك العصر ولقد ظللت الى ذلك الحين وهى تمد ببيانها المعهود المواعظ المشوبة كثيرا أو قليلا بالفلسفة التي كان يطرد سيرها في العالم المسيحي
م طريقة التفكير والبحث في
ومع
ذلك منذ بدء القرن ۱۷ م قد استشعر بعض الفلاسفة
الفلاسفة شكا عميقا نحو تلك الطريقة التي تفهم بها الاخلاق ۱
اما في القرن ۱۸ م فقد أخذت الحركة تزداد حدة واصبحت تهدد بتدمير كل شيء عداوة عارمة نحوها بعد كل ما أدركت من مجد وأين اذن الأسباب الأساسية لذلك ان الأسباب كلها ليست من قبيل واحد
السبب الأول تناقض النصوص الدينية
ان السبب الأول من بين أسبابها هو ظهور التصانيف الأولى لتفسير العهد القديم تفسيرا مستقلا حرا
1 أي في تعاليم المسيحية
أي غير خاضع للسلطة الدينية القائمة التي تفرض سلطانها على مثل تلك التعاليم وغير مقلد للطرق التي كانت متبعة في ذلك عند المفسرين الدينيين واذن فلا بد من تمحيص تلك النصوص تمحيصا تاريخيا كاية لصوص اخرى يمكن أن يلحقها الزيادة والنقص والتغيير والتبديل والتحريف والتشويه ومعنى ذلك اعطاء العقل كامل الحرية والاستقلال في أحكامه عليها
109
وكان منذ قرون قد أسسنت بعض قضايا في صورة عقائد غير قابلة للجدل فقد سلم بدون اية منازعة
·
ا - بأن الكتب المقدسة على اختلافها صحيحة
حماية خاصة مضروبة من تحويها تلك الكتب وعلى جميع تفاصيلها
الله على النصوص التي
لكن أكان يمكن أن يسلم ان
تلك قضايا لها مشابه بالحق الله بعد ان انزل على الناس وحيه بما يجب أن يعملوا قد ترك الزمن والديدان تتلف ماكان سجلا لارادته ۱
•
وفي القرن ۱۷م لأول مرة ثارت شكوك مكينة حول هذه المسألة ان نصوص العهد القديم يجب أن تدرس على نفس النمط الذي تدرس به الأسانيد التاريخية ولكنها لم تصمد لذلك الامتحان وان مؤلفات سبينوزا لهى خير مثل لهذه
الروح الجديدة
يوجد في العهد القديم كما يقول لنا سبينوزا بعض ما هو الهی ذاك هو بيان الشريعة الاخلاقية الواجبة الاتباع والانبياء جميعا على ذلك مجمعون وهم يرددون جميعا يجب أن نطيع الله بقلب خالص أى أن نحقق بأعمالنا العدالة والايثار يجب
تخلقها الله
1 ليس ثم شك في أن جميع السجلات عرضة لأن يتلفها تطاول العهد ومينت الديدان ولهب النيران وكل ما هو من قبيل ذلك تلك قوانين طبيعية ولیست تتخلف آثارها الا بمعجزة لكنه لا يعد الزاما عقليا انه كلما أحرقت النار مثلا كتابا من كتب الوحي السماوي كان ذلك دليلا على انه ليس من عند الله لأن العبرة في ذلك انما هي بقاء ذلك الوحي محفوظ ولی في كتب أخرى غير ما أخرق أو في صدور الحفظة وأن هذا الاعتراض من الفلاسفة انما يكون له خطره لو أن سجلات ذلك الوحى قد زالت برمتها من الوجود وزالت معالمه من صدور حفظته
•
1
تلفات و ان نحب الله من فوق كل شيء وأن نحب جيرانها كما
نحب أنفسنا
وللنمس ذلك التعليم فى العهد القديم حيث يتمثل فيه ولننظر اليه كما لو كان قدسيا لأنه هو نفس تعليم العقل بيد انه في العهد القديم علينا الا نداب وراء شيء آخر انه لا يحرى شيئا مما يطلب غالبا لا علم الالهيات النظري لا علم الطبيعيات ولفات توهم أن كل ما يحويه الكتاب المقدس ۱ هر جميعه منزه عن الخطا لا شيء أدخل من ذلك فى باب البطلان عند مبينوزا فلا التوراة المعزوة الى موسى ولا السفر المعزه الى يوشيم ولا سفر القضاة ولا سفر روت ولا صمويل ولا سفر الملوك كتبت بأيدى المؤلفين الذين نسبت اليهم ولا في التاريخ الذى تعينه النقول الدينية لهذه الكتب
ان صفر التوراة كان حسبما ورد فيه هو نفسه مسطرا بید موسی ولكن بينما يتكلم عنه سفر التثنية بضمير المتكلم فان سائر الأسفار تتكلم عنه بضمير الغائب وفى هذا تباين
ظاهر
وايضا يشاهد أن سفر التثنية يحوى قصة موسى ورثاءه
وهذا التأكيد الموحى لم يأت نبی مثله من بعده وفوق ذلك نرى التوراة قد عينت أماكن بأسماء لم توضع لها الا بعد ازمان متطاولة
وان القصص لتمتد في هذا السفر بدون انقطاع حتى الى
1 العهد القديم بجميع أسفاره
١٦١
ما بعد وفاة من ادعى أنه مخرجه ۱
وان هناك لأسبابا مشابهة تثير كذلك شكا حول صحة اغلب كتب العهد القديم انها جميعا تشبه أن تكون قد أخرجت متأخرا جدا عن الوقائع التي ترويها وبأسلوب مؤلف واحد وان سبينوزا ليوحى الينا باسمه انه على ما يعتقد هيراس ولقد ادعى أن جميع نصوص العهد القديم كانت بيئة لا لبس
فيها وأنها فيما بينها على انسجام وتلك دعوى باطلة ان كثيرا منها لعلى تناقض فيما بينها وكثير تافه المعنى ومع كل ذلك فاللسان العبرى لسان فيه كثير من اللبس وحروفه يختلف بعضها عن بعض وحروف العطف والظروف لها معان متعددة أما الأفعال المضارعة فليس لها الأزمان المستعملة في اللغات الأخرى كما انها خالية من الحركات خالية من اما المعنى فغامض دائما ودائما عسير التحديد ونحن نجهل كل شيء عن كتبة التوراة - يمكن أن ثم كيف تعرف بأى روح كانوا يكتبون أننا عندما نقرأ أرسطو او
الترقيم
•
1 يرى أولئك النقاد في هذا كله أدلة تؤكد شكوكهم في أن تكون نسبة تلك الاسفار إلى موسى عليه السلام صحيحة واذن فلا بد أن تكون تلك الاسفار اذ كيف يتأتي على الخصوص أن قد كتبت بيد من جاءوا بعده ونسبت اليه تمتد القصص وترتبط حوادثها بأشخاص ووقائع لم توجد الا بعد موته ثم يكون هو مخرج ذلك السفر الذى يحوى تلك القصص هذا ما يراه أولئك النقاد من أما نحن فلا نرى رغم وجاهة اعتراضهم أن توافق على ما قالوه دون جانبهم أن التوراة بشهادة القرآن الكريم کتاب سماوی معترف به فلو قلنا تحفظ مع النقاد بوضعه بعد موسى عليه السلام لوقعنا في اشكال خطير ولا عدونا اصلا ولكن ورد أيضا ما يفيد بالنصوص القرآنية تحريف التوراة من أصول الاديان ما أخذه النقاد على التوراة الموجودة الآن فيجب أن ينصب
وتبديلها
·
قالا
صبح
على الصورة المحرفة المشوهة أو بعبارة أخرى على ما أضيف إلى الأصل من
تحريف وتشويه
١٦٢
أو قيد فاننا نجد انفسنا في التو واللحظة واقفين على مقاصدهما نحن نعرف ان احدهما كان باهو بقصص و
تصوراته والآخر بأساطير طريقة لها أحيانا مرام سياسة
لكن أية فكرة نأخذ عن الأقاصيص التي نجدها في العيد القديم عن قصة شمشون الذى وحيدا وبدون جيش يقال الوفا من الرجال ۱ وعن قضية ابليا الذي رفع الى السماء على عربة من نار أيجب ان نرى فى ذلك قصصا ذات دماري ناريخية ايجب ان نرى فيها شيئا آخر لا أساطير كذبا شطة
•
•
1 ايسر يخالج العقل شك في أن تلك القصة تحوى من المبالغة شيئا كبيرا ومن يرجع يطرفه الى سير الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بجد صحائف لا تشوبها شائبة من مثل تلك المبالغات لم يكن هناك الا شجعان كما جرت العادة بأن يكون الشجعان في نظر العقل والقرآن الكريم لم يطلب اليهم في أمر ما أن يكونوا أكثر من شجعان واقعی ما كلفوا به من ذلك أن نثبت كل جماعة مقاتلة أمام مثلى عددها لعشرة أمام عشرين ومائة أمام مثتين والطريف في قصة شمشون هذا انه لم يكن من المؤيدين من قبل السماء حتى يقال أن الملاثرية تناصره انه لم يكن سوى جبار من الجبابرة الشعبيين حيكت حول حياته قصار الغرام السوقي الممجوج الذى يتجلى في ثوب أحط ما يسمع من الأساطير ومن هنا يحق لنا أن نفخر الفخر المشروع بأن تعاليم الاسلام السامية لم تزاحم على الأرض دينا يستحق البقاء وانما جاءت في ابان مسيس الحاجة اليها واذا كان هدنا ما تأسف له أحيانا من تسرب كثير من تلك الأساطير المسماة عند المحققين بالاسرائيليات دست في شتى نواحى ثقافتنا الدينية فان من فضل الله علينا أن كتاب الله الذي أنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم سيبقى على الكارد حما پناجى العقول السليمة بأبهى ما ازدان به النفس الانسانية من عقائد ومعارف يضاف اليه كتب السنة المنقاة من الدس والوضع الخبيث بفضل رجال الاسلام
•
المخلصين من يرجع الى الأساطير الافريقية أيام هوميروس وبعض قرون بعده بجد شبها واضحا بينها وبين هذه الأساطير الاسرائيلية التي كانت على التقريب معاصرة لها وفى هذا ما قد يرجح أحد أمرين قاما أن تكون تلك الأساطر قد تتوقلت بين ذينك العالمين واما أن يكون أفق ذلك العصر في معارفه وتصوراله بحيث =
١٦٣
ذلك مرده الى معرفة الروح التي كانت مسيطرة على الكتاب الذين الفوا تلك الصحائف وتلك الروح من ذا الذي يعرفها ذلك فأية ثقة يستحقها كلام الأنبياء أنهم ليسوا علماء وقع أنهم فقط قوم وهبوا خيالا جادا وملكة عجيبة يستشعرون بها اكثر من سواهم شريعة الأخلاق وما لها من تقدير لنصدقهم عندما يقولون كيف يجب أن ينظم قانون الحياة أما حينما يقولون لنا أن العالم قد خلق فى ستة أيام أو أن يوشع قد أوقف
الشمس فيجب أن نحتفظ برابنا
•
تنشأ عنه تلك المتشابهات من الاساطير التي تدل على طفولة العقل الانساني ال ذالك ولم يتورع كتبة العهد القديم أن يضيقوا منها الى جانب الوحي ولماذا الغرابة والكلب للعظة مازالت تعانيه كثير من المؤلفات الدينية حتى اليوم أما سن نية واما لحاجات في نفوس أصحابها لا يعلمها الا الله ومن يقرأ كتاب بدائع عمر المنسوب الى السيوطى يجد العجب العجاب ولعل من يفتش يجد
أعجب منه
1 يفرق الفلاسفة بين الأنبياء والعلماء بأن الأنبياء مهمتهم مجرد الدعوة إلى السلوك الأخير وتشريع قوانين لهذا السلوك من املاء فطرتهم أما العلم وهو استنباط الحقائق الكونية بعد أن كانت مجهولة بطريق العقل والمنطق ووضع القوانين لها وبيان التطبيقات عليها فذلك شأن العلماء وحدهم ليس هذا رای سبينوزا وحده ولا رأيا خاصا له ولا شباهه من مفكرى عصر النهضة الذين فتنوا بنهضتهم العقلية المشبوبة بنار الحقد على رجال المسيحية انه راى سبق القول به لبعض فلاسفة العصر الاسلامي وهم اخوان الصفا منذ عشرة قرون على التقريب فقد كانوا يفرقون بين الأنبياء والفلاسفة بأن تعاليم الانبياء تقليدية وتعاليم الفلاسفة نظرية وبفروق أخرى ليس هذا محلها ونحن من جانبنا تؤكد أن هذا العلم الذى يخفر به الفلاسفة على الانبياء لم يكن يوما من رسالة ان واجب الرسالات العليا لم یکن مادیا صرفا كما
·
ان واجب القواني
النبوة ولا موضع عنايتها هي وجهة العلوم المادية كعلم الطبيعة والكيمياء والهيئة وما اليها الرسالات العليا كان أهم من ذلك بكثير وأشمل كان جهادا في السامية للسلوك الانساني الخير الذى لولاء لاعقمت العلوم والطمست القلوب وعم
رسم
١٦٤
أما عن الطقوس العبرية فيجب ان لا نعزو اليها قيمة
خاصة ان الشعب العبراني ليس البتة شعب الله المختار انه ليس له مزية في ذكاء ولا في اخلاق وأنه ليمكن أن يمارس المرء شعائرهم دون أن يصير بذلك اشرف أو فضل وانه ليمكن أن يكون المرء شريفا طيبا دون أن يمارسها أن تلك القواعد لتلك الطقوس لم يكن لها من غاية الا أن تأخذ العبرانيين
•
•
بالنظام الذى كانوا بحاجة اليه أما عن المعجزات فان سبينوزا لينكرها بصراحة أن كل ما يظهر فى الطبيعة انما يظهر بضرورة لا تتخلف عندما تنهيا اسباب معينة تظهر النتائج الاتى تترتب عادة على تلك الأسباب وان بعض الناس اذا ما اعتقدوا أنهم رأوا خوارق ذلك الا لأنهم يجهلون الأسباب الحقيقية لتلك الظواهر التي
يشاهدونها 1
•
فلیسر
ويضيف سبينوزا أن الفكر الفلسفية التي تتخلص من
العهد القديم متضاربة
الخراب والدمار وكفى برسالتهم انها تمسك بعيدا كل شيء ونهايته ترسم لكل علم وكل في كيف يجب أن يبدا وأين يجب أن ينتهى وكل بداية لا تخضع لتوجيهها مروق وضلال وكل نهاية لا تقف عند حدودها لا تعدو الزلاقا في طريق المهالك وبعد هذا الا يكون عجيبا أن تلق الانسانية بكلام العلماء ولا تثق بكلام الانبياء وأما شك سبينوزا ومن تابعوه في الخبار الرسالات من الأمور الغبية تخلق الأرض في ستة أيام ونحوه فالحق أنه لا أدلة مقلبة يمكن أن تقنع الفلاسفة بهذا غير أنه لما كان ذلك من عالم ما فوق الطبيعة كان الفيصل فيه من هم اسمى طبيعة من جميع الأناس وهم الأنبياء ذلك عالمهم وهم به اوسل و به اعلم
3
ومتى قالوا فقد وجب الإيمان بما قالوا 1 بريد سبينوزا رد المعجزات الى الطبيعة باعتبار أن لكل فيها بسيدا طبيعيا نشأت عنه والناس به جاهلون وان لو أحيا عيسى عليه السلام أمامه مينا مائة مرة يموت في كل منها ويحيا لزعم أن سر ذلك أمر طبيعي أيضا وغاية الأمر أن لا أحد يدركه ومثل هذا الرقم ان صح عنده قلى يصلح في عقل سلم
13
والله لم يتخذ لنفسه صفة المشرع أنه لم يفرض على بني الانسان تكاليف لتظهر ارادته وانه لا يراقبهم لكي يعاقب هؤلاء أو يثيب أولئك أنه لا يفعل الا ما توجيه ضرورة طبيعته ۱ 2 وأنه لجد مؤكد أن أى امرىء بدرك طبيعة الله فانه سيجد في هذه المعرفة ما به ينظم حياته ويصيب السلام الروحي لكن هذا مرده الى سبب آخر جد مختلف عما توحى
الكنيسة به
·
•
۱ هذا على التقريب يكاد يكون اجماعا من الفلاسفة المؤامين انهم لا ينكرون الله انکارا تاما كالفلاسفة الماديين ولان الضرورة المقايسة نلزم عقولهم الاعتراف بالعلة الأولى التي نشأ عنها هذا العالم فانهم يجدون أنفسهم ملرمين بالتسليم بما تفرضه الضرورة العقلية فأما الذين كانوا منهم يحيون في عهود وثنية فانهم لم يصفوا هذه العلة بما هي أهل له من صفات الربوبية أنها عندهم الصلة الأولى وكفى وأما الذين عاشوا منهم في بيثات دينية ذات أصليل سماوي وتعاليم دينية منظمة فقد سايروا الوسط الذي يعيشون فيه وقالوا بالالوهية أمير أنهم مع ذلك فاربوا بين هذه الألوهية وبين العملة الأولى التي قال بها الفريق الأول لان الاله عندهم له طبيعة عنها تصدر الأشياء بالضرورة دائما وعلى وجه لا يتغير ولا يتخلف لا نقض ولا ابرام ولا مفاضلة بين أمرين ولا اختيار احدهما على الآخر أما نحن قندعوهم الى ضرورة مقلية أخرى مكملة للضرورة السابقة اليس العالم مملوما بما لا يحصى من الممكنات المشاهدة التغير والتردد بين الوجود والعدم أي دليل لهم اذن على أن هذا صادر من محض الضرورة امع أن الأقرب الى العقل والتصور أن يكون من ارادة كاملة ومشيئة حرة مصداقها قوله تعالى وربك يخلق ما يشاء ويختار پسر هذا في مذهب سبينواز أن الانسان متى آمن بهذا فانه لا یاسی على هالك ولا يجزع المصاب لأن كل صغيرة وكبيرة فى الكون ناشئة من الطبيعة الالهية
بقضاء لا
مرد
له
۳ يعني أن السلام الروحى هنا عند سبينوزا ثاني من عقيدة المرء في القضاء والقدر الذي يصدر من الاله كصدور المعلول عن ملته دون أن يعتقد المرء أن وراءه الها مشرعا محاسبا مراقبا يتهدده بالعقاب وبقريه بالثواب ويريد هذا الفلاسفة ولا يريد ذالك ويؤثر هذا على ذلك وسبينوزا هنا ومعه كثيرون من
يرون
١٩٦
ان مثل تلك الملاحظات لتبدو جارحة للمبتدئين المسيحيين واليهود المسحورين بالمأثور انهم يعدون سبينوزا زنديقا ويلحدا ولكن تلك الآراء لم تكن في شق طريقها الى النفوس بالني تفتر أو تقتصر
·
انها لتظهر من جديد وتشتد حدتها عند اتباع بايل وأتباع فولتير واتباع ديدرو واتباع دولباخ والانسيكلوبيديين الزنادقة
وأنها خسارة كبيرة للفلسفة المدرسية أن تؤسس قراءة
الاخلاق وان ينادي بها ۱
ان المبدا اليهودى - المسيحي لن يكون له معنى مالم يسلم بصحة بعض الكتب وبعض الأدلة لكن هل هذه الكتب وهذه الأدلة لها ما يعزى اليها من قيمة لقد اصبحت هذه المسألة موضوع جدل مذداك فصاعدا وبدا بدأ الشك يعمل عمله
السبب الثاني تناقض الفلسفة المشيدة على الدين
•
انه لم يكن المبدا اليهودى - المسيحي فحسب هو الذي تعرض فى ذلك العهد لحملة قاسية بل ان البناء الذي شيدته
في نظريتهم سبيلا للسعادة أوثق مما جاء فى التعاليم اليهودية - المسيحية المحمودة بالتشاريع والتكاليف والتهديد بالوعيد للعصاة مما هو من عوامل الشفاء أكثر منه من عوامل السعادة وقد تقدم هذا الرأى للفيلسوف الاغريقي أبيقور
مصحوبا بالرد عليه
·
1 الفلسفة المدرسية هي فلسفة الكنيسة في العصور الوسيطة وهي ترى أن من الخسارة تخطى النصوص الدينية الاخلاقية الموحى بها من عند الله وتأسيس
قواعد الاخلاق من عمل العقل البشرى
•
مل ذاك اى مل بدأ النقاد في القرن ۱۷ م يهاجمون من طريق العقل نصوص العهد القديم والعهد الجديد لبيان ما فيهما من متناقضات يأباها العقل
١٦٧
الفلسفة في الوقت المناسب على قواعد الدين قد بدا بنجامه
يتصدع ان قاعدة البناء هي الجزم باله خالق والايمان بعنايته وهذا الاله كما يقال لانهائى الذكاء لانهائى الرحمة لانهائى القدرة اله يفرض على الناس سلوكا خاصا أنه سيحكم عليهم نبها
الأهليتهم وعدم أهليتهم لثواب
أهذه قواعد يمليها العقل أهذه قواعد يمكن أن يدافع المستقل
عنها
وجميع
ان أحد أتباع سبينوزا يضنع ذلك موضع الشك الانسيكلوبيديين يضربون معه على هذا الوتر اننا لنجد أنفسنا جد مرغمين على أن تؤكد أن الشر يقيم فى هذا العالم
شر ميتا فيزيقي 1 كالنقص الخلقي في الخليفة
وشر فيزيقي ٢ يشمل الآلام على جميع ضروبها
وشر أدبى ۳ هو الخطيئة والأجرام
•
وهذا الشر الذي في العالم ليس وجوده فيه على جهة الندرة انه موفور انه منشور فى كل مكان حيث الضمير
والشذوذ
۱ مینافزيقي لانه صادر عن قوة ما فوق الطبيعة فمن ولد منقوص الخلق في عقله أو جسمه فان الشر الذى اصابه ليس بيد أحد ولا بسبب طبيعي
تحت حسنا
نسبة الى الميتافيزيقا أى ما فوق الطبيعة
•
فيريقي اى طبيعى نسبة الى الفيزيقا أى عالم الطبيعة كالام القتل
والمرض والضرب والجروح والاهانات وسواها
شر ادبی ای سببه عدم مراعاة قوانين السلوك وهو الشر الاخلافي وتعاليم الاخلاق لا تسمى سواه فرا لأن النقص فى الخلقة ومختلف الالام قد تصيب خير الناس وتتخطى افرارهم
١٦٨
لا يعدو برهما 1 قد طعم على دوحة الحياة
اليست الأرض أشبه شيء بمقبرة فسيحة الأرجاء
اليست الأنواع النباتية من الحيوان تعيش على حساب النبات
اكانت الأنواع المفترسة تستطيع البقاء اولا عدوانها المستمر على الأنواع النباتية من الحيوان وعلى ما تستضعفه من أفراد نوعها المفترس
كيف يمكن ان يوفق بين اعمال كهذه وبين العناية الإلهية
المفروضة ٢
ان الفلسفة الالهية الدينية تتخلص من هذه الورطة بالساده على مسألة الخطيئة الأصلية ان الانسان قد بريء طلبا وق
1 ما أصفر البرعم بالنسبة الى الشجرة وهكذا أمر الضمير الذي هو موحى الخير في محيط الانسانية والذي هو خيط النور الوحيد في محيملها الزاخر بالشرور أنه في نظر أولئك الفلاسفة لا يعدو منبت غصن صغير في جنب روحة
هائلة
والان ما قيمة مثل هذا الضمير الخير وسط عالم طافح بالشرور يبدو من هذا أن الفلاسفة يريدون من العناية الالهية عناية توافق واذا كانت العناية معناها أن لا يعدو
•
أهواءهم لا على ما أراد صاحبها سبحانه قوى على ضعيف وأن لا يمس الألم كالنا حيا فأى نوع من العوالم يكون ذلك العالم أين الالم الذي لولاه لما عرف للذة طعم والظلم الذي لولاه لما كان للدال قيمة والواقع أن الخير ما كان يكون خيرا لولا الشر الذي يقابله
11
اتران تام فى عالم خال من الشرور ولكن الانسان قارف الخطيئة ۱ ولأنه قارف الخطيئة صار ممانيا ولأنه سار معاقبا مالا العالم
بالشرون
•
لكن هل يمكن المقل أن يقتنع بمثل تلك التأكيدات ما الراي أولا فى الم الحيوان أنا مثلا أضراب كليا انه يعوى من الألم واذا كان يتألم فهل يجب أن يقال انه انحدر من صلب أبيه الأول الذى اكل هو أيضا من طعام محرم أم هل يجب أن يعد معافيا من اجل غلطة آدم مع أنه لم يكن للكلاب في هذا شأن يذكر وهذا ظلم بالغ حد القسوة أيمكن أن يسلم بانه لا يتألم وانه على منهج ديكارت وخلافا للمعقول انما يصادر من مجرد عمل میکانیکی
ومن ناحية أخرى ماذا يقال عن الام الانسانية يقول بسكال لا شيء يزحم العقل الانساني بالألم كعقيدة الخطيئة الأصلية وانه ليبدو أبعد ما يكون عن العقل أن يعاقب انسان من أجل خطيئة اقترفها أحد أسلافه منذ أربعة آلاف سنة 1 وكم يبدو غريبا ان يحكم على طفل بالألم من أجل خطيئة لم يكن هو نفسه قد ارتكبها ولم يكن قد غمس فيها أصبعا بأية وسيلة بل لم يعرف عنها شيئا الا من التاريخ وبعد زمن من حياته
•
1 أى خطيئة آدم بتخطيه أمر ربه واكله من الشجرة والتعاليم اليهودية المسيحية تقيم لها ضجة وتجعل منها عقيدة أصلية تبنى عليها نروع هامة أما مندنا في الاسلام فلم تكن أكثر من زلة تذكر للعبرة والعظة وعبارة المسيحية عنها هنا متناقضة في نفسها اذ كيف يكون قد بری طیبا وفی اتزان تام وفى عالم خال من الشرور ثم هو في نفس الحين يقارف الخطيئة أنها كما قلنا ليست أكثر من
زلة مغفورة من رب رحيم
هذا تمثيل معناه طول المدة
وانه لحق أن تعليل الشر بالخطيئة الأصلية من ينمسك تعلقه
أنما هو من الفروض المتعذرة
•
وانها لنهاية لا يمكن تحاشيها كلما فكرنا اكر في طبيعة هذه الخطيئة نفسها
لتي يكون المرء مسئولا ومعاقبا بالعدل يجب أن يكون المرء جوا في مقاصده وبدون ذلك فليس ثم مكان للأهلية بالفضيلة ولا السقوط بالاثم
ولكن كيف يمكن التوفيق بين الحرية الانسانية وبين العلم الألبس الأبدى المحيط بما كان وما سيكون ولنفرض أن آدم كان مرا في أن يخطيء أو لا يخطىء أكان يمكن أن يعلم الله أنه سوف بخطىء اذا كان لا يمكن أن يعلم ذلك من قبل 1 أذان يمكن أن يعلم الله قبل أن يخلق هذا العالم ما سوف
•
يكون عليه هذا العالم الذي كان يتهيا لتحقيقه ثم لنفرض على العكس أن الله كان بحال يعلم فيها بخطيئة
1 ای بسبب كونه حر الارادة وكون العمل مرددا بين الوقوع وعدمه نی فالعلم لو وجه واحد بحالة واحدة واما الارادة التي توقع المعلوم فانها ذات وجهين تستطيع الايقاع وتستطيع هدمه وفى هذا تناقض ولسنا ندري لماذا يحتم أولئك الفلاسفة تنافى العلم الأولى وحرية العبد ! ان تلك الحرية لا نعلو استعدادا وصلاحية للعمل ولعدمه المماذا لا يتعلق علم الله بأن العيد سيعدل عن عمل كذا الى سواء في حين أنه كان في الأصل وبدون مراعاة هذا التعلق يمكنه أن يختار ما عدل عنه ويعدل عما اختاره
وردنا على هذا أن عدم التحقق بالفعل لا ينافي العلم بأنه سيتحقق على مقتضى العلم أن العلم قديم كما أن الارادة قديمة ومنذ كانت الارادة السابقة بابرازه على حسب المشيئة كان العلم متعلقا بذلك ويعلم ما سيكون عليه قبل أن يكون
فلماذا لا يعلمه
۱۷۱
آدم في المستقبل انه حينئذ كان يعلم أنه معطيه الطبيعة التي فرضها ۱ عليه فان آدم كان اذن مجبرا على الخطيئة
واذن فلماذا أعطاه الطبيعة التي جعلت من المحتوم ونوع
الخطيئة وجميع الشرور التي تتبعها
•
وكيف يعذر اله كان يستطيع أن لا يخلق اى عالم ولكنه خلق واحدا فى حين أنه يعلم أن ذلك العالم سوف يكون مسرح نگلی الآثام والآلام خيار الناس فيه نزر وشرارهم أكثرية ساحقة من خلفه أو
ويحب أن لا يقال ان الله كان غير قادر على الكف
على ايجاد عالم أفضل منه لأن الله تام القدرة
كما يجب أن لا يقال ان الأمور كانت تكون أقل كملا لو أنه أمتنع عن خلق العالم لأنه هو بذاته الكمال المطلق وبوجوده كان الكمال المطلق محقق الوجود
ولا ينال انه تعالى انما صنع ما صنع ليختبر خلائقه لاته تعالى وهو بكل شيء محيط كان يعلم من قبل ما سوف تعمل خليقته فى كل لمحة من لمحات حياتها فلا حاجة به الى
1 هذا اذا سلمنا أنه فرض عليه طبيعة خاصة لا أثر فيها لاختبار اصل اما اذا كانت الطبيعة التي حباه الله بها حرة في أن تعمل وأن لا تعدل نان تعلق علم
الله بها لن يؤدى الى هذا الجبر
كل هذا كان يتضح لو اننا استطعنا ان تكشف حقائق عالم الارادة وتمحص الشرور والخيرات وتعرف أيها خير للعالم وأيها شر أو بعبارة أخرى لو أن علينا وادراكنا كان من النفاذ بحيث يعلو على علم صانع العالم جل وعلا هما يقول المغرورون
•
۱۷
•
اختبار 1
وفي ملك المشكلات راح فلاسفة الانهيات في القرن ۱۷ م
LM
ي خبطون في لحج أهوائهم وكلما راحوا يحاولون التماص الشبائل أجاوا الى التعسفات وكلما لجأوا الى التعسفات بعضهم بعضا
•
تنك
کفر
ثم آل الأمر إلى أن يساهموا في قدم نفس الحجج الدينية التي يبدو أن الأخلاق الدينية تستند اليها ولفت أمعنوا في هدمها امعانا جعل بعض العقول لم تقتنع بأن تضع موضع الشك قواعد الأخلاق الدينية لذلك أعلن
•
بطانتها باسم العقل نفسه الذي تنتسب اليه ولتأمل في هذا المقام أولا الاحكام التي يصدرها سبينوزا
على فكرة العناية الالهية ثم من بعد ذلك تلك التي يصدرها اتباع لامنرى واتباع دیدرو وشيعة دولباخ
•
1 أما مسألة الاختبار هذه فقد وردت أيضا في النصوص الدينية الاسلامية وهي التي يعبر عنها كثيرا في القرآن الكريم بالابتلاء والحق أنها لو أخلت على ظاهرها لكان اعتراض الفلاسفة واردا عليها واذن فليس المراد بالاختبار والابتلاء علم ما لم يكن معلوما الله الاستحالة الجهل عليه تعالى وعلى هلا يتعين أن يكون المراد بالابتلاء والامتحان أخذ العبد يقدر من تلوف الخطوب ليتم له بذلك نوع من المرانة على تحملها فاذا ما عاناها وهو معرض لها دائما في هذه الحياة عاناها بجلد وصبر واتزان وثبات على الايمان بالله فتكون النتيجة النهائية أن يصبر فوزا وان يجرع هزيمة وهلاكا وى هذا ما يشيه الامتحان تماما ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين أما ما يعمد إليه بعض المفسرين بأن المراد بالامتحان إظهار أمر الممتحن أمام الخلائق لتشهد عليه فيعترض عليه أيضا بأن الله يكون اذن محتاجا الى من يشهد له أو يبرر عدالته وهو غني سبحانه من كل هذا
۱۷۳
لقد احتفظ سبينوزا باسم الجلالة الله كما هو معروف
•
بيد أن اله سبينوزا ليس بينه وبين الله بلسان المسيحية الديني من صلة الا فى مجرد الاسم ان هذا الاله لا يتبع في الحقيقة فى اعماله أية غاية اخلاقية أو شعورية أنه لا يعمل شيئا من أجل غاية أنه يصدر في كل ما يصدر عنه بضرورة طبيعته كما يحوى المثلث ماله من خواص انه الطبيعة بذاتها والكون بذاته اما ان يفرض عكس ذلك فان ذالك كما يقول سبينوزا يسلب الكمالات الالهية لأنه اذا كان الله يصدر من احل غابة فان معنى ذلك أن يشتهى ضرورة ما هو بحاجة انه لا يكون حينئذ لا نهائيا ولا كاملا وأنها لعقيدة مضحكة بكل معنى الكلمة 1
اليه
وبعض الانسيكلوبيديين يذهبون في الانكار الى ابعد حد انهم يدعوننا حتى الى حذف اسم الله نفسه ۳ وفي هذا
الصنيع
1 سبق أرسطو بذلك سبينوزا وحاول أن ينفى عن الله كل نكثر في ذاته
وفي صفاته وغير أرسطو من الفلاسفة المؤلهين كثيرون عرف لهم مثل هذا وكاد المعتزلة الحرصهم على وحدانية الله أن يكونوا من الذاهبين هذا المذهب ووجهة جميع القائلين بهذا هي المبالغة في تنزيه الله من أن يكون له مثل صفات الحوادث وهذا ما بعده سبينوزا عقيدة مضحكة
•
ذلك ضرب من هوس فلاسفة عصر النهضة فى الغرب اغراهم به ضعف تعاليم الكنيسة وتجافيها في كثير من مواقفها عن المنطق واعراضها من ضروريات العقل ولعل دولباخ لو تأمل منهج الاسلام الحق لوجده بقدم اليه تاليها معقولا لا تشويه المتناقضات كما شابت كثيرا فكرة التالية و الوسط المسيحي حيث يكون الاله مرة بشرا يمشى بين الناس ومرة من أقانيم ثلاثة ذات حقائق مستقلة عند العقل ومرة من عنصر بن لاهولي وناسوتی د وعكذا مما أطمع أولئك المنهوسين فى التمادى على محاربة الدين اين كان وكيفما كان
١٧٤
يقول در لباخ أن عقيدة الله المأثورة نسيج من الانتاذ سات
ان فكرة الله می الضلالة المشتركة للنوع الانساني أي الله طيب ذلك الذي يحتدم غضبا بلا انقطاع الاله التام القدرة رعو أبد الدهر لا يستطيع تنجيز ما يرسم من مقاصد لا الإك إلى محا النظام وهو أبد الدهر لا يستطيع أن يمسك بزمامه الزله العادل الذي يرضى لعباده الأبرياء أن يكابدوا مقام از سندا ای موجود شامل العلم ذلك الذى يجد نفسه مضمارا ا آن بهتر خلائقه ای موجود كامل القدرة ذلك الذى لا تطيع أن يفيض على مصنوعاته الكمال الذي يريد أن تكون عليه لا أي موجود متحل بكل صفة من خواص الألوهية ذلك الذي يسلك دائما مسلك البشر أى موجود ذلك الذي يقدر على كل شيء ولا ينجح في شيء والذى يعمل دائما بطريقة لا تليق بمكانه ۱ وانه مؤكد أن هناك اشياء تفوت قوانا ومع ذلك فلا شيء سوى المادة تلك المادة التي تنتج ما تنتج دون غاية ودون شعور
والان نسال دولباخ سؤالا ما نظر عليه جوابا اذا كان حال الإنسانية اليوم على ما يرى وأكثرهم لا يعبد الله الا خوفا أو طبعا فكيف يكون حالها اذا ما حذف اسمه تعالى كما يدعو اليه دولياخ أيمكن أن يبقى هذا العالم ثرنا واحدا دون أن يقضى عليه بالحرب الشامل 1
من
الدينية
۱ پرید دولباخ بهذا أن يثير التناقض بين ما تدعيه تعاليم المسيحية ما يشاهد في الكون من مظاهر لا يمكن أن تنفق وتلك الدعاوى
كالات وبين
أن الكون في نظر دولباخ علي بالمظالم والشرور ومظاهر البني والعدوان والفساد الخلقي فاذا كان الله يبغض ذلك كله وهو قادر على منعه فلماذا لا يمنعه أيليق هذا ما أسندت اليه تعاليم مع مكانة المسيحية من نجل من الادراك وقد قدمنا في الرد على مثل هذا ان حكمتنا وعلينا أقصر من از بطاولا علمه تعالى وحكمته وأن يصادراه في خلقه ونظامه ومن منا لا يمكن موافقة دولباخ وأشياعه على أن ذلك مناف لمكانه تعالى من الحكمة والعظمة
اللانهائية
Ho
بل بنوع من الاختمار والتفاعل ۱
ويجب أيضا ان نتأمل رأى أولئك الفلاسفة انفسهم في مسألة القضاء والقدر أن رأيهم هنا ليس بأقل تأكيدا منه فيما سلف أن الناس ليظنون انفسهم أحرارا وانهم كما يقول سبينوزا ليحلمون وعيونهم مفتوحة ان الانسان ليس البتة دولة في
·
داخل الدولة أنه ليس مركزا للكون كما تصوره له سذاجته انه ليس خليقة ذات امتیاز خاص ان كل ما يحدث ليس الا نتيجة ضرورية للطبيعة الالهية وكل ما يتحرك انما يتحرك هو كائن مستصحيا سببه الاضطراري الخاص به كيف يمكن أن يتحقق اتجاه بحسب أمر لا يمكن أن يكون 1 ومن المؤكد أننا مجبولون على أن ننسب لانفسنا حرية فاعلة وما ذاك الا لاننا ضحايا خدعة ولنفرض حجرا مقذوفا في
بلسي
ما
1 الاختمار والتفاعل ظاهرتان تجلى عملهما وفاضت آثارهما في الطبيعة والكيمياء منذ عصور وبشكل منتظم واضح في مصر النهضة الحديثة وكان في ذلك ما شجع علماء المادة والفلاسفة الماديين على اثارة كثير من الشكوك وعرض كثير من الدعاوى المريضة التي أضخمها على الاطلاق ادعاؤهم رجوع
•
•
الكون كله إلى أصل مادي اي كيف يمكن أن يكون للانسان اتجاه حر مختار في سلوكه هذا لا يكون الا اذا فرض حرا وفرضـه حـــرا أمر لا يمكن أن يكون وكلام سبينوزا هنا في الجبرية واضح لا لبس فيه انه لم يسر فيه على طريقة الاصول الدينية كماهو صنيع الجبريين القدماء الذين تفادوا القول بحرية العبد الاصطدامها بشمول قدرته تعالى وارادته دون أن يناقشوا موضوع الطبيعة الانسانية نفسها كما هو صنیع سبينوزا واذا كان هو قد بنى الجبرية على أساس ميتافيزيتي ايضا فان دولباخ المادي العريق سياتي وبدا يتحصل لنا ثلاثة اتجاهات في مذاهب
له كلام في الجبرية المادية
الجبرية الاتجاه الديني
•
•
الاتجاه الفلسفي الميتافيزيقي الاتجاه المادي
١٧٦
الفضاء بيد طال ولنفرض أن ذلك الحجر يانس بستر ننه وانه يجب أن يتحرك وأنه يجهل اليد التي دفعته انه سيتخيل انه الفاعل لحركاته وما نحن في كل اعمالنا سوى هذا الحجر انه يخيل الينا أننا نعمل أعمالنا تلقاء أنفسنا هذا
من
صحيح من
بعض الوجوه هو لاننا نحن الذين نقوم بالعمل ولكن هل نحن الذين صنعنا انفسنا على ما هي عليه
انه لصحيح حقا اننا نعتزم العمل إن ذلك
انما
نحن نجد من قبل عند دولباخ النظريات انتي المرت فيما بعد كل منا يعمل ما يعمل بسبب
۱ - مؤثرات غريزية تفاعلها يطبع نفسه بما يفسر اعماله عندما يوجد في الحياة
٢ - أحوال كثيرة تحفه حيث يوجد كالبيئة الطبيعية
والبيئة الاجتماعية
ان فلانا اذن فاضل لأنه أتيح له حظ طيب ۱ في حياته وسواه شرير لانه ضحية حظ سی اذن لا أهلية ولا سقوط يوجد فقط أناس أولو خلقية عالية كما توجد نساء ذوات جمال وأناس ذوو خلقية سافلة كما يوجد نساء قبيحات الوجوه وليس ذنب فريق منهم بأكبر من ذنب الفريق الآخر
کیا
1 حق طيب أي من المؤثرات الغريزية ومؤثرات البيئه الطبيعية الخ ومن اصاب من هذه حظا طيبا كان ذا خلقية عالية بالضرورة لا بالاختيار از من نصيبه من ذلك حفلا سيئا فيرث من اياله غرائز سينة او بولد في مناخ ردي أو بيئة اجتماعية منحطة فان اخلاقه ستكون بالضرورة الخلاقة سيئة هذه النظرية ما يعرف بنظرية الجمود أي عدم قابلية الاخلاق للتغير وهي
النظرية التي قال بها شوبنهور صراحة في مذهبه الاخلاقي المشهور
سق الجميع في هذا المحقق الاخلاقي ابن مسكويه
بقول بها في بعض الناس لا في جميعهم
·
•
دق
وقد
بد أن هذا الأخير انما
۱۷۷
تم ما الرأى في مسألة خلود الروح
ان سبينوزا ليتمسك بأن فينا شيئا خالدا ولكنه فقط الجانب الروحي منا العقل والعلم يعنى الجانب الغير الشخصي فينا ۱ كل ما يكون شخصيتنا يفنى
ان هذا النمط من الفلسفة قد تحددت معالمه خلال القرن ومهما بدا قولتير مؤمنا بفكرة وجود الله فانه كان مع
ذلك يأنف من أن يعتقد بخلود الروح
انه يرى ان
اما دولباخ فيتخذ طريقة أخرى ابرز طابعا الاعتقاد في خلود الروح كان شوما فقد حمل الانسانية على أن تهمل في اصلاح هذا العالم بناء على أنه سوف يكون هناك عالم آخر سيكون فيه كل شيء على ما يرام ۳ انه اذن يلفت الانسان عما كان يجب أن يكون شغله الشاغل
۱ الغير الشخصي أي الذي هو عام مشترك لا ينفرد به شخص دون آخر وليس من مشخصات الفرد
الانفة
۳ يأنف كلمة تبدو غريبة لان الاعتقاد بخلود الروح اذا لم يكن مشرفا جدا فانه على الأقل لا يدعو للاشمئزاز والاستصغار ولكن ما سر هذه من القول بخلود الروح هند مفكر يعترف بالالوهية مر ذلك ولا شك أن أولئك الفلاسفة كانوا يجدون دليل وجود الصانع دليلا لا يمكن أن يجابه فلم يستطيعوا أن يغفلوه اما خلود الروح فليس عندهم ضرورة مقلية وانما عمـــــــاده النصوص الدينية التي لم تقنعهم يوما ما في جدالهم رجال وهم يعتقدون أن أكثر تعاليمها فلو في الاعتقاد لا ضرورة له وأن
المسيحية التقليد فيه لا يليق بفيلسوف
•
•
۳ حقا ان دولباخ هنا يبدو في جرأنه فيلسوفاء لا يفيد بأي فيد لكنه لا يبدو فيلسوفا حقا اذ يرمى بالقول متسرما دون تدير ولنسأله أولا ما الذي حمل الانسانية على أن تعتقد هذا الاعتقاد الذى يعده شوما أكان الدافع اليه بطر الانسانية وأثرها وجها للبغى والفساد أم كان الدافع اليه =
۱۷۸
على أن ما قد قيل في هذا المرسون
بیستم المشكلة الحماية
ان شيئا واحدا سيكون مثار اهتمامنا ذلك أن نجد انها في عالم آخر تصاحبنا فيه ذكرى ما كنا قد عملنا في هذا العالم وبدون ذلك لن يكون فى حيز الامكان عقوبة ولا مثوبة
لنفرض انسانا يتألم أيمكن أن يعتقد نفسه معاقبا اذا كان لا يتذكر ماقد كان منه من جرم او ان انسانا يحس بسعادة ايمكن ان يعتقد نفسه مثوبا اذا كان لا يتذكر ما قدم من الصالحات
وايضا في حياة أخرى هل سأكون أنا هو انا نفسي اذا كنت لا أتذكر وقائع هذه الحياة الحاضرة كيف أعرف نفسى هناك اذا كنت لا اذكر شيئا وكيف بغير ذاكرة أستطيع أن أعرف أولئك الذين كنت عرفتهم أو الذين كنت أحببتهم أن المسألة التي تهم الأخلاق ليست هي الخلود ای خارد كان انها على الخصوص خلود الذكرى لكن ما رأى التجربة
نزعة خيرة من التعقل والتدبر تحاول تقرير اساس خالد للعدالة التي تنيرة ما يعز الناس وجودها على الارض لم اليس في ذلك الاعتقاد اعظم حائز على الفضائل وأبلغ واعظ يدعو الى الاستقامة وحسن المعاملة بين الناس وماذا كان مدير العالم ينتهى اليه في هذه الحياة لو أن الانسانية كلها اخطأها التوفيق قلم تدن بهذا المبدأ لا عن طريق الفلسفة العقلية السليمة ولا عن طريق الاديان يوم لا يؤمن أمرؤ الا بان المبدأ والمصير هو في هذه الدار وفي المرة هذا العالم المادي أكان يتسامح أحد الاحد في حق وان كان كلمة يزيد عليه بها بل اكان يسمح أحد الأحد بأن ينال من اله من حق وايم الله لو أن أخيار العالم في أي زمان و مدار بسوا من الآخرة كما بئس الكفار من أصحاب القبور وبدا لهم ان ليس وراء هذه الدار من حياة الحاول كل منهم أن يفنى جميع من في الأرض ليفرز هو بالبقاء وحده وماذا اذن سيجعله يبقى على معالم الخير في نفسه ويبقى لابسا رداء الفضيلة ما دام أن هذه الفضيلة لن تكون له الا تمينا لا عوض له وخسارة لا ربح وراءها
۱۷۹
ان الذاكرة مرتبطة أوثق ارتباط بحياة البدن انها لتضعف عند الشيخوخة وأنها لتختفى فى بعض أحوال المرض ايجب أن يعتقد انها تبقى بعد انحلال البدن ايجب أن يعتقد أن الموت يردها على أولئك الذين كانوا قد فقدوها من قبل 1
ان هذه الشكوك نفسها لتتدفق حول مسألة الضمير الاخلاقي اهو حقا في داخلنا صوت الله
1 خلاصة كلام الفلاسفة في هذا الايراد الذى يعتبرونه مشكلة لا حل لهاء هي أنهم يرون أن مسألة الخلود في نفسها غير ممكنة لعدة أمور بديهية
أولا - أن هذا الخلود لا قيمة له ما لم يستصحب الذكرى أي تذكر المره حياته الأولى وملابساتها وشخصيته التي كان يمارس بها تلك الحياة الأولى وأن يكون على يقين من أن شخصه في الأخرى هو نفس شخصه في
الحياة الأولى
·
ولانيا - أن يشعر بأن العذاب الذى يحل به في الآخرة هو من أجل ذنوبه التي اقترفها في الدنيا وأن ثوابه الذى ينعم به فيها هو أيضا من أجل أعماله وبدون ذلك الشعور لن يكون لذلك العذاب ولا لذلك النعيم
الخيرة في الدنيا
معنى
ثالثا -
يجزم العقل بالتجربة أن هذه الذكرى غير ممكنة لان التذكر رمين بسلامة الذاكرة التي هي مرهونة بسلامة البنية الطبيعية فاذا ما أصيبت البنية الطبيعية ولو بصدمة شديدة فان الذاكرة تزول
رابعا
اذا كانت هذه الذاكرة لزول حتى بسبب صدمة فكيف يمكن
بقاؤها بعد الموت الذي هو الحلال تام للاعضاء
هذا هو ايضاح كلام الفلاسفة وجوابه ان ذلك مسلم لو قرض أن ليس
هناك الها قادرا على أن يجمع ما تفرق من شمل البدن الميت وأن يعيد اليه
الذكرى وهو ما يغفل عنه الفلاسفة دائما ولا يغفل عنه العارفون
۱۸۰
انه منذ نهاية القرن الـ ۱۷م أخذ لوك متبعا طريق مونتينى يسجل بفضول ضروب الاختلاف بين الضمائر حسبما كان يكشف عن غوامضها قصص السائحين وتقارير البحوث التبشيرية
وفي القرن الـ ۱۸ م أخذ الناس يقرأون بدهشة رسائل سياحات كوك و بوجنفيل ان ما يعتبره المتحضرون الغربيون خيرا أو شرا ليس هو كذلك عند البدائيين الأمريكيين وسكان الأوقيانوسية الذين يرون مخلصين غير ما يرى متحضرو الغرب
ولنقرأ من مؤلفات ديدرو سفره المعروف تكملة رحلة بوجنفيل اذا كان الله يوحى الى الناس ما هو خير وما هو شر عن طريق صوت الضمير فلماذا يوحى الى بعض الناس بأن نوعا من السلوك أمر واجب والى آخرين بأنه من قبل المباح والى سواهم بأنه الم
ان رجلا ممن يرون تعدد الزوجات لا يحمر خجلا من تحقيق ذلك التعدد
ان الزنجية لا تخجل من عربها
ان رجلا من سكان جزر تايتي لا يستشعر من الخجل شيئا عندما يأتي العمل الجنسي أمام الجماعة التي ترشده دينيا
الى ما ينبغي أن يعمل
حقا ان المبادىء الميتافيزيقية التي عليها نقوم الاخلاق الالهية المأثورة لم يكن شيء أبعد منها عن الطابع العقلى
•
ان فلاسفة القرن الـ ۱۸ م لم يذهبوا مع ذلك الى حد
اعلان بطلانها فكثيرون من بينهم قد وقفوا موقفا أكثر اعتدالا
•
۱۸۱
على أن مذهبهم في ذلك رغم اعتدالهم ليس أقل تهديما بالنسبة للأخلاق الالهية اليهودية - المسيحية 1
ان فلسفة ميتافيزيقية الهية كهذه تدعى لنفسها أساسا من العقل كما ان الفلسفة الميتافيزيقية الالحادية لا تدعى غير ذلك لكن هل الفلاسفة الدينيون وأضدادهم الملاحدة قد ترووا جيدا
- انهم يعتقدون جميعا لانفسهم لا فرق بين هؤلاء وأولئك انهم على مكانة تمكنهم من البرهنة على أن مبادئهم لها قيمتها التي لا جدال فيها اليس ذلك من الطرفين سذاجة ظاهرة انه لا المذهب التأليهى ولا المذهب الالحادي بقابل للبرهنة
1 توضيح هذا ان بعض فلاسفة القرن ١٨ م لم يصرحوا ببطلان المبادىء المسيحية في الاخلاق بل أوصوا بالابقاء عليها لفائدتها في مجرى اليهودية الحياة العامة ولكنهم عندما ناقشوا أسسها من الناحية العقلية أصدروا عليها ولعل خير مثال لذلك هو صنيع كانت أكبر فلاسفة ذلك حكما قاسيا
القرن فانه دعا الى الابقاء على العقائد الدينية المسيحية الكبرى باعتبار أنها لا تنافى الضمير ولكنه قرد من ناحية أخرى أنها ليس لها أي دليل يمكن أن يدعى انه عقلى ولقد سوى كانت في هذا الحكم بينها وبين جميع القضايا الميتافيزيقية سواء أكانت دينية ام الحادية وثنية فجميع ما شاد الفلاسفة من ميتافيزيقيات من عهد سقراط و افلاطون حتى مهد كانت انما كانت حججهم العقلية عليه محض محاولات لا صحة لشيء منها على النقد الصحيح لان عالم الميتافيزيقا غير قابل للبرهنة العقلية بحال واذا كان هذا شأن حجج أساطين الفلاسفة في هذا الموضوع فمن باب أولى حجج رجال الدين ان العقل النظرى في نظر كانت يستطيع أن يخطو خطوة واحدة فيما وراء الطبيعة
لانه يستمد قضاياه وبراهينه من عالم الطبيعة الذي لا صلة بينه وبين عالم
ما بعد الطبيعة
۱۸
وان هذه الفكرة قد صارت في القرن الـ ۱۹ م ركنا من الأركان الأساسية للفلسفة الوضعية ۱ ومن قبل ذلك كانت قد عرفت عند بعض الانسيكلوبيديين
امها فى مؤلف كانت المسمى نقد العقل الخالص فانها تدوى كالصاعقة ولقد تصرمت قرون عدة والفلسفة الالهية
الميتافيزيقية تجهد فى أن تجد لها قواعد مسلمة
ومنذ قرون ايضا نرى الفلسفة الالحادية الميتافيزيقية تحاول ان تبرر تعاليمها بطريقة لا تخطىء
منذ قرون يحتدم النزاع دون التقدم خطوة واحدة ومن اليس هذا بكل بساطة لأننا عندما نضع لانفسنا مسائل ميتافيزيقية فاننا نضع في الوقت نفسه معضلات لا أصل في قبولها الحل أمام عقلنا الانساني المسلح بالوسائل التي لديه للعلم والبرهنة
ان ميزة كانت هو أنه أقدم على المسألة في صراحة انه أيضا قد انتهى فيها الى رأى يجرح كبرياء الانسانية اننا لا نملك على رأي كانت الا ثلاث قوى للعقل الادراك الحسي والادراك الكلى والعقل
•
فبالحس نتلقى مادة المدركات ونعني بهذا الاحساسات والصور المفككة واذن فحسنا أمامه صور ولكنه لا يستطيع
۱ الفلسفة الوضعية هي التي لا تفهم المسائل الكونية الا على أساس علمی تجريبي اما جميع الدعاوى التي لا يمكن أن تفسر على هذا الاساس فهى جديرة بأن تكون مسائل ميتافيزيقية احتمالية فمثلا تقرير نهاية العالم لان خالقه هو مستحق الخلود وحده يعتبر من قضايا الفلسفة الميتافيزيقية تقرير نهاية له لان الشمس مادة لا بد أن يدركها الحمود يوما ما فتنتهى الحياة فهو من قبيل الفلسفة الوضعية
اما
۱۸۳
"
أن يدرك في الخارج 1 الا من خلال عدسات الزمان والمكان المشوهة للصور انه لا يستطيع أن يدرك في الداخل الا من خلال قالب الزمان واذن فمادة الادراك والمحسنات المسلمة ليست الا مجموعة ظواهر انها أشباح وظلال اشبه باشباح كهف افلاطون
·
اما ادراكنا فهو ملكة تركيب انه يجمع مواد المدركات ويني بمساعدتها الصور التي يكونها عن الأشياء وعن نفسه ولكن له طبيعته الخاصة أنه لا يستطيع أن يكون المدركات الكلية التي ينجزها الا بالنظر الى مدركات حسية بنظرات منحرفة بمساعدة مناظير خاصة وعلى ضوء بعض المقولات انه لا يستطيع ان يدرك الأشياء الا تحت صور الكمية والصفة والنسية والكيفية انه حينئذ لا يستطيع أن يدرك عالما الا مصبوها بألوان خاصة مرتبا على نظام خاص خاضعا لقوانين
۱ اى خارج الذين كادراك المرئيات وغيرها من المحسوسات التي لا تدرك
الا و مکان خاص أو زمان خاص يغيران من صورها ويمسخان من مظاهرها فكم من جميل في مكان أو زمان هو بالعكس في مكان آخر أو زمان آخر
كيف افلاطون ورد ذكره في كتابه الجمهورية وقد أراد افلاطون ان
•
يضرب به مثلا الفرق بين المعارف اليقينية وبين سواها من الضلالات والاوهام وقد مثل لتلك المعارف الموهومة بحال جماعة من الناس يعيشون مرغمين في كيف وانظارهم الى داخله المظلم وظهورهم الى بابه الوحيد المطل على العالم ومن باب الكهف تلج اليهم ظلال ناس وكالتنات أخرى يمرون بين نيران تشتعل قبالة بابه ولان النيران تلقى اليهم بظلال تلك الأحياء على حوائط الكهف المظلمة ولما كانوا يروا في حياتهم سوى تلك الظلال قائهم سيظنونها حقائق خصوصا اذا ولجت اليهم أصواتها مع ظلالها المتحركة فلى يستطيعوا أن يتصوروا أن وراءها حقائق اوثق منها ولكنهم لو خلى منهم فتركوا هذا الكهف الى العالم الخارجي لعلموا الحقائق الأصلية وادركوا أنهم
كانوا جد مخدومين يحسبون الأوهام حقائق وما هي الا اشباح خادمة
١٨٤
خاصة وهذه القوانين هو منطبع بعمومها وضرورتها وانها في الحقيقة لتعبر عن الشروط اللازمة لامكان التفكير الشعوري انها لا يمكن أن تقصر من شرح القواعد التي يخضع وسيخضع لها دائما العالم المتصور عالم الظواهر لأنه عالم مدرك
•
اما عقلنا فانه القوة المطلقة أنه يطلب بكل قواه الميدا الأولى ۱ الذي يصير كل شيء جليا والذي لا شيء يشرحه انه يستولى من أجل ذلك على ما يقدمه له الادراك الكلى من المبادىء العامة الضرورية انه يطمع بمساعدتها أن يدرك المطلق لكن ياله من جهد
من البداية محكوم عليه بالفشل أن المبادىء التي تعبر عن الشروط التي يدونها أية ظاهرة لن
1 أي المبادىء المسلمة عند كافة العقلاء بالبداهة أن العقل يبذل كل جهده في محاولة رد الحقائق كلها إلى أشياء جلية واضحة لا يمكن أن يشرحها ني لأن الشرح لن يكون الا تحصيل حاصل وماذا يمكن أن يضاف من الشرح لايضاح هذا المبدأ الواضح الكل أكبر من جزئه ان الشرح والبرهان لن
يكون ايضاحا بل قد يكون تعقيدا لبداهتها
أي من اجل طموحه الى تحقيق مبدا الجلاء والوضوح والبداهة
۳ يطمع فيما لا قبل له به
مما يجيه
أن طبيعة العقل هي
ان
ان هذا عند كانت يعتبر طموحا أكثر
يستمد من المدركات والمشركات مؤلفة من
المحسات المقيدة بقيود الزمان والمكان فبای مسوع يحاول ذلك العقل أن يتخطى طبيعته لكي يدرك المطلق الذي هو طبيعة اخرى لا علاقة بينه وبين عالم المدركات ولا عالم المحسات التي تؤلفه وتغذيه ا ان عالم المطلق ليس الا غيبيات لا رابطة بينها وبين عالم الظواهر كيف يمكن اذن لهذا العقل أن يجول فيها كما يريد له فلاسفة الكنيسة لكي يقدم لهم على مدعياتهم في عالم الالهيات براهين مقنعة
تكون ممكنة لهي مبادىء صالحة بجلاء لكل الظواهر حاضرها
وماضيها ومستقبلها
•
لكن ما الذي تستطيع أن تحققه لنفسها من قيمة بازاء الغيبات التي هي بكل ضبط ليست مما يتصوره الشعور
ان جهد المقل هنا يجب أن يفشل وانه لفاشل فعلا
انه
دائما قياسا كاذبا
ليتروى في نفسه وفى العالم وفى الله انه حينما يتروى فى نفسه فانه يستخرج ان الآنية 1 تبدو للشعور وحدة بسيطة منسجمة والعقل يؤكد حينئذ بأنها كذلك وحدة بسيطة منسجمة لكن باى حق يسوغ له الانتقال من الاحتمال الى الحقيقة الواقعة أما حين يتروى في العالم فانه يقع فى المتناقضات انه قد يبرهن في آن واحد على قضيتين متناقضتين براهين متكافئة
وفيها
1 الانية هي ما يعبر عن ذاتية كل انسان كما يشعر هو بها من حيث تحديدها وطبيعتها يرى بعضهم أن شخصية المرء
خلاف بين
الفلاسفة
وعلى
انيته متغيرة دائما وقال بعضهم ببقائها من مبدأ حياته الى منتهاها الخلاف تترتب أمور هامة كالمسئولية والجزاء والحرية وسواها ويزعم بعض الحسيين أنها مجموعة شعور ويرى غيره منهم انها سلسلة حالات وجدانية ومنهم من يقول انها مظهر من مظاهر التركيب الجسماني ويرى غير الحسيين ان شعورنا يدل على وحدة ذاتيتنا وبقائها بدليل ذكرى الشخص ما مضى من حياته بما فيه من أحاسيس ومشاعر وجدانية وعقلية ثم كيف يتصور وجود حالات من الشعور أو سلسلة وجدانات بدون ذات تشعر وتجد كما يدعى الحسيون ولعل أقدم من قال بتغير الذوات هيراقليطس الفيلسوف الافريقي فيما قبل الميلاد بنحو ستة قرون وكان يمثل لتغير الكائنات بلهب الشمعة الذي لا يبنى على حال واحد لحظتين متعاقبتين وكان النظام من زعماء المعتزلة يرمى بهذا القول اما تقولا عليه من خصومه واما زللا كان منه واين الا في مطارح
التفلسف
١٨٦
انه يبرهن على أن العالم يجب أن يكون محدودا بحدود القوة المكان والزمان ويبرهن على أنه لا يمكن أن يكون كذلك ويبرهن على أنه يحب أن يكون مؤلفا من اجزاء بسيطة وعلى أنه لا يمكن أن يكون كذلك وعلى أنه توجد علة فاعلة حرة وانه لا يمكن أن توجد وعلى أنه يوجد موجود واجب الوجود وله لا يستطاع لا أن يقطع بوجود أى من هذا القبيل
•
ان العقل حينما يجهد في البرهنة على وجود الله فانه لا يتمخض الا عن سفسطات ان برهان الطبيعيات وبرهان العلل النهائية يظهر انهما لا يبرهنان على وجود الله إلا لأنهما في لحظة بدحلان اختلاسا البرهان التجريدي 1 في التدليل في حين أن البرهان التجريدي انما هو منطق مزيف انه يعتمد على ان الوجود هو الكمال الذى يمد الجوهر بكماله مع ان الوجود ليس الا تصويرا خارجيا هو من حيث نفسه لا يستطيع تكميل ای شي
ذلك هو على رأى كانت نقد قوى المعرفة ان اية تجربة مباشرة سواء أكانت من خارجنا أو من داخل انفسنا لا يمكن أن تقدم لنا سوى احتمالات وان ای تفکیير منطقي لن يستطيع ان يقدم لنا دليلا على وجود الله ولا على خلود الروح ولا على حرية الارادة التي تستمد منها الاخلاق الالهية المأثورة كل مقرارتها وأدلتها
·
وان كانت ليدعونا بدون شك من أجل أسباب أدبية
1 هو الدليل الذي الله القديس السلم
الى العقيدة في الله والى ذلك الخلود وتلك الحرية التي لا يمكن البرهنة عليها ولكن ذلك ليس الا عكسا لنظام الفلسفة الدينية لقد كان يظن أنه يمكن أن تؤيد بعض الاعتقادات الاخلاقية بمساعدة بعض الأدلة الميتافيزيقية ان العكس في ذلك كله هو ما يجب أن يكون
•
انه التروى في شريعة الواجب ۱ فقط وفى مرماها هو وحده الذي يمكن أن يبرر ما تدعونا اليه التعاليم الدينية في الناحية الميتافيزيقية انه ليس في عالم الميتافيزيقا أن نأخذ انفسنا بالبحث عن أسس للاخلاق
۱ یری كانت أن التماس أدلة عقلية في عالم الميتافيزيقا ليس الا بحنا وراء أوهام فالبرهنة على وجود الله وخلود الروح والحياة الآخرة لا يمكن أن تتم من طريق هذا العقل النظرى ومع ذلك فانه يمكن أن تؤيد تلك المعتقدات من طريق المبادىء المسلمة التي أساسها الأول هو قانون الواجب الذي تشبت كانت بأنه فطرى فى النفس الانسانية وبدهى الى حد أنه لا حاجة به الى شرح او بيان كل نفس انسانية يوجد فيها هذا القانون الذي يدفع الى السلوك الاخلاقي الفاضل وما يستلزمه من تضحيات دون انتظار مكافاة
لم
أو خوف عقوبة ذلك مبدا مسلم به دون جدال تلك هي الخطوة الأولى لما كان هذا المبدا لم يوجد عبثا ولم يوجد له جزاء في هذه الحياة كان لابد من حياة أخرى ليؤلى فيها هذا القانون الماره ويلقى فيها من يتبع هذا القانون ما هو أهل له من ثواب وتلك هي الخطوة الثانية ولما كان الوصول الى مثل تلك الحياة لا يتأتى الا بخلود الروح كان خلودها ايضا مبدها مسلما به وتلك هي الخطوة الثالثة ولما كان هذا الخلود لا يحقق وحده ذلك الثواب كان لا بد من الله يفيض الخير على أولئك الذين استحقوه وسعوا اليه بذلك الخلود وتلك هي الخطوة الرابعة التي يتضح فيها وجود الله كمبدا مسلم ايضا لا حاجة به الى دليل بل لا يستطيع دليل أن يشرحه لانه لن يريده وضوحا
۱۸۸
وهذه خاتمة ذات مكانة من التخمة على ما أبا من نتائج
عامة
اذا كان كانت قد أصاب فلن يكون الملاحدة الانسيك اور دبون على حق فى اعلانهم بطلان الأخلاق ۱ الالهية
ولكن الأخلاق الدينية تكون معتومة اذا هي فتيات أن موضوعاتها التي تعلن بها عن نفسها هي موضوعات قابلة للبرهنة العقلية
واذن فان نتيجة حتمية تلزم الانسيكلوبيديين الممهدين للفلسفة الوضعية كما تلزم كانت نفسه ۳ مستحيل أن يوضع موضع الثقة تلك الأدلة الكلاسيكية التي تدعى انها قد برهنت بما لا يقبل النقض على وجود الله وعلى خلود الروح وعلى حرية الارادة وعلى الطابع الالهى فى الضمير الاخلاقي ومستحيل وبالتالي اذا اريد اعطاء الاخلاق قاعدة ثابتة أن يستمد على القاعدة وعلى وجهة النظر الالهية اليهودية - المسيحية
1 أي اذا كان كانت مصيبا في مجموع آرائه ومنها تبرير هذه المعتقدات الدينية التي رأى الابقاء عليها ولو أنها لا يمكن البرهنة عليها عقليا فان الفلاسفة الانسيكلوبيديين يكونون مخطئين في اعلانهم بطلان الاخلاق الدينية أعلانا لا تحفظ فيه ولا مجاملة
یعنی انه ليس معنى ابقاء كانت على المقررات الدينية انه يكون في الامكان أن تدعى لنفسها أساسا من العقل لان كانت أبطال ذلك وقضى عليه قضاء لا مرد له
۳ أي مهما كانت مجاملة كانت في ابقائه على أسس الاخلاق الدنية فانه لا فرق بينه وبين الانسيكلوبيديين الذين رفضوها دون مجاملة لان كانت يتفق معهم في استحالة بنائها على أسس عقلية وعليه فان النتيجة التي تلزم كلا الطرفين واحدة وهى أنه لا لقة بعد اليوم في تلك الادلة الفلسفية التي لانا جهد فلاسفة الكنيسة لكي يلبسوها الطابع العقلى فاذا هي بعد الامتحان العقلى لا سند لها من العقل
149
السبب الثالث تقدم الأبحاث الاجتماعية
ان نمطا ثالثا الأسباب يبدو أنه قد ساهم في تقوية هذه من الحركة انه منذ بدء القرن الـ ۱۷م ظهرت آراء جديدة عند بعض الاخلاقيين ان تلك الآراء بالتأكيد قد ساهمت في توجيه العقول وجهة أخرى فى الاخلاق وليقرا في هذا المقام لقد كان تأثيره عظيما في وسط الفلاسفة
مؤلفات هویز
وان أثره ليشاهد فى الكتاب الرابع من اخلاق سبينوزا وان هذا الأثر ليرى أيضا عند غالبية الأخلاقيين في القرن الـ ١٨ م يرى هوبز ان هناك مبررا لاعتبار عصرين مختلفين في التاريخ
الانساني
عصر
الحالة الطبيعية السابقة لتكوين الجماعات
ثم عصر الحالة الاجتماعية حيث الأفراد يتجمعون ويتعاونون اما في الحالة الطبيعية فان منى الانسان كانوا متفرقين منعزلا بعضهم عن بعض وكان لكل منهم بناء على ذلك حق طبيعي بشمل كل شيء كان يجتاز الفرد ما انه بری نافع له وان يصنع به ما بشاء وان يستخدم اية وسيلة مهما كان نوعها لنمله وقد كانت المساواة اذ ذاك كاملة بين الأفراد ومهما عمل انسان ضد انسان آخر فلیس ظالما حرب الكل ضد الكل و سلطة الكل على كل شيء
وفي حال كهذه يجب أن يستأثر الأقوى وحيازة القوة كانت اذ ذاك هى الوظيفة التي تعلو فوق كل شيء ونتيجة ذلك أنه في هذه الحالة الطبيعية لم يكن الانسان الا ذئبا على
19
اخيه الانسان ۱ وانه لذو حق فى ان يخونه ما دامت تلك
الحالة قائمة
ومن
هنا نشأت تلك النتيجة في عصر الحالة الطبيعية يسود
الرعب بين بني الانسان
وان دماءهم لتجمد في عروقهم منه
انه يذهلهم انهم لذلك يريدون أن يضعوا حدا لتلك الحالة
•
وكان
1 يرى أولئك الفلاسفة الوضعيون وعلى الاخص اصحاب مذهب التطور ان الانسان لم يكن له في الأصل شيء من هذه الانسانية التي نشاهده عليها اليوم انه لم يكن الا وحش غاب كبقية الوحوش الأخرى لم يكن له من العلم شيء ولا من الشرائع شيء أصلا كان سبعا بكل ما للسيدية من معنى قبل السبعية خليقة أحط من السباع دركات ثم بقانون الترقي والتطور تحت دوافع الحاجة وقسوة البيئة بدا يكون فطيعا تم بدا القطيع تتطور بدافع الحاجة الى التعاون والتساند ثم انتقل بعد ذلك الى مرحلة التشريع البدائي الذي يعطى صاحب القوة كل شيء ثم انتقل الى مراحل من التشريع أرقى
فارقي حتى وصل الى ما نراد عليه اليوم أما قصة أن آدم عليه السلام وجد انسانا سويا راقيا فليس يعيرها أولئك الفلاسفة ادنى التفات انها عندهم قصة ميتافيزيقية تنظم سلك الاساطير لأن فلسفتهم التجريبية لا تبالي
بما لم يقم عليه دليل من العلم والتجارب
ولكنا نسائلهم أي دليل لكم في هذه التجارب ٢ ان الامم حقيقة فيها الراقون وفيها المنحطون وفيها المتوسطون بين هؤلاء وأولئك ومع ذلك عندما ترجع الى تواريخهم البعيدة في القدم نرى أن أرقى الأمم اليوم كانت احطها فيما مضى وان بعض الأمم المتوسطة أو دون المتوسطة كانت أرقى الأمم فليست العبرة اذن بقانون التطور بل أن وراء ذلك اسبابا أخرى ساعدت بعض بنى الانسان على النهوض وأسبابا قعدت بالبعض الآخر ثم أن دعوى وحشية بني الانسان لان منهم اليوم من لا يزالون قساة كما كان
فيما مضى
"
منهم قديما أخرى على الشر وأقسى ليست تقوم بالتجربة برهانا قاطعا لان الانسانية قديما وحديثا منها الطيبون الأطهار البراه بل الذين يفضلون الملائكة كالانبياء والقديسين
۱۹۱
ومن
هنا تنشأ الجهود فى ايجاد خلطاء لكي لا يبقى الفرد منعزلا ضد الجميع بدون ظهير ولا معين
وهاك ما رآه القدماء قبل هويز في فهم اساس الجماعة كان أرسطو يتخيل ان الانسان مدنى بالطبع وهذا حق بالنسبة للنحل والنمل وليس هذا حقا بالنسبة الى الانسان
•
بينهم
حقا
وآخرون اعتقدوا أن بنى الانسان قد ترابطوا فيما بسبب تعاطف طبیعی او بسبب اهتمامهم برغد العيش ان هذه الأشياء تلعب دورا هاما في التطور الاجتماعي أنها تقوى المجتمع الذي قد كان أنها ليست هي التي خاقته اية تجربة تلك التي دعت بنى الانسان قبل تجمعهم الى ان يكون لهم رغبات و فوائد بجنونها من تجمعهم ! انه فقط الرعب المتبادل بين نى الانسان بعضهم من بعض دفعهم الى الخروج من العزلة والى تكوين الجماعات
C
ومن المؤكد أن الحياة الاجتماعية لها أساسها الطبيعي لان الطبيعية هي في الحقيقة التي تحدونا الى اختيار أقل ما يمكن من الألم انها في الحقيقة هى التى تحملنا على أن نتمنى الحصول على زوجة وعلى أبناء وهي التي تربطنا برغد العيش كثمرة للحياة الجماعية
ان الكلمة الأخيرة في ذلك ليست دائما متفرقة اذا كان نو الانسان قد كونوا جماعات فما ذاك الا بسبب حب الذات وليس بسبب تعاطف قوى بحملونه لأمثالهم ان الطوائف الاجتماعية انما نشأت عن حاجة كل فرد الى الشعور طمانينته ومهما تكن الأمر في هذه المسالة الجدلية فان حقيقتين تظهران
يبدو قبل كل شيء أن تجمع بني الانسان لا يمكن الا شروط مخصوصة ولو أن فردا استطاع أن يحقق حريته الأولى كاملة
۱۹
فانه ما كان يستطيع متابعة حياة الاجتماع بالآخرين وانه لن يستطيع ذلك الا بتحديد مطامعه وحقوقه التي يعتقد أنها تشمل
كل شيء
ولكي تتلو الحالة الاجتماعية الحالة الطبيعية فلابد من توفر
شرط أن يوضع عقد اجتماعي بين الأفراد يتنازل فيه كل منهم
من شيء من حقه الخاص و ويقدم للآخرين بعض المزايا
•
كيف يمكن اذن أن ينظم مثل هذا العقد لنلجا الى العقل فهو يهدينا انه يملى علينا ما يسميه هوبز القانون الطبيعي ونعني به ما يجب عمله وما يجب الامتناع منه لكي يمكن الابقاء على حياة الجماعة وعلى أعضائها أطول مدة ممكنة ويرى هوبز أن ينظم مواد ذلك القانون على هذه الصورة التزام باحترام هذا العقد والمحافظة على حدوده التزام بالاخلاص لشركائه الذين تعاقد معهم التزام بأن يكون المرء سهلا وعلى استعداد لخدمة مواطنيه التزام باظهار الرحمة وان لا تكون عقوبة إلا بقصد ضمان المستقبل وانه يكف عن الإساءة وعن كل صلف جارح للشعور وأن يمنح الآخرين من المزايا مالا يفن هو به على نفسه وأن يظهر الانصاف وأن يختار محكمين في أحوال المجادلة والمخاصمة هذه الالتزامات كلها من يريدها تسيعرف مصدرها انها جميعا مقتبسة من وصايا الانجيل ا عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به على المرء أن يضع نفسه موضع من يريد أن يعامله بأى نوع من أنواع المعاملة الا يعملن احد في الآخرين ما يبدو له هو نفسه كريه المذاق ان القانون الطبيعي مأخوذا على هذه الصورة هو على رای هوبز قانون الاخلاق
•
•
وقد دعاه ذلك الى ابداء هذه الملحوظات منذ اللحظة التي بعدل فيها بنو الانسان عن حقهم الطبيعي الأول الممتد الى كل
۱۹۳
شيء ويضعون عقدا اجتماعيا مبنيا على العقل ويشرعون في السير على مبادئه فانهم يحققون لحياتهم الخاصة صفات لا نهاية لسموها على حياتهم الطبيعية الأولى قبل التجمع لم يكن الانسان لأخيه أكثر من حيوان مفترس
والفضل لحياة التجمع أن أصبح كل للآخرين ملاكا حارسا وان قبول الفرد أن يطيع هذا القانون الطبيعي الذي هو في نفس الوقت قانون الأخلاى لا فرق بين أحدهما والآخر ما هو الا
لأن هذا القانون هو الأساس الذي يجعل الاجتماع أمرا ممكنا
وليس هو من أجل كل فرد امرا نافعا فقط بل أنه أكثر من
ذلك ضرورى لكل حركاته وسكناته
·
•
وهكذا تحت تأثير هذا النظام تتولد في العالم الفكرة التي ستشق طريقها
هل الأخلاق بعد البحث هى ما أرادت النصوص الدينية ان تفهمه منها لقد فهمت على أنها ذات أصل الهى اليست هي بكل بساطة ذات اصل اجتماعی
•
ولقد اعتقد ايضا أنها مؤسسة على الخوف من الله اليست قابلة للاعتبار والتقدير بما فيها من المنفعة التي تقدمها للجماعة التي بدونها بنقرض النوع الانساني
ومهما يكن من شيء فأنه عندما يشرع بعض الفلاسفة في بث فكر من هذا القبيل فان الحلول القديمة لتأرجح والمسائل تتطور ولو لم يصلوا الى النتائج التي تتضمنها هذه الفكر كما ترى في
صنيع هویز هذا
١٩٤
السبب الرابع سلوك رجال الكنيسة
عرفنا فيما مضى ثلاثة أسباب قلة ثقة في ناحية التعاليم الدبنية المأثورة وقلة ثقة في الناحية الفلسفية الميتافيزيقية ذات الطابع الديني وتقرير للطابع الاجتماعي للاخلاق ذاك هو ما عرض للخطر في نظر المفكرين في القرنين ۱۷ ۱۸ م قواعد الأخلاق الدينية اليهودية - المسيحية
بيد ان المفكرين كانوا اذ ذاك قليلين كما أنهم لا يزالون كذلك في عصرنا هذا ان تفكير الفلاسفة لا يتحرك الا في دائرة ضيقة انهم لا يؤثرون فى الجمهور الا بعد أن يصير من الأهلية بحيث يفهم فكرتهم ومكانتها وان النقد العقلى الدقيق لا يعد الجمهور للتاثر بالفكر الا على ندرة
•
أما الذي يستهوى الجمهور ويهزه فهو الشناعات الشناعات ! أن الأخلاق الدينية كانت عرضة لها في أغلب
الأحيان خلال القرن ۱۷ انها أضرت بها بأكثر مما نالها من افكار الفلاسفة جميع
•
ذلك النزاع
وليس يغيب عن الذاكرة أهم صورة من صور تلك المنازعة المؤثرة الدائمة بين الجزوبت وبين الجنسينست ان الجدال هنا لم يبق مجرد برهنة علمية بين باحثين دينيين واخلاقيين متعمقين أنه نزل الى الصالونات أولا ثم نزل مع كتب بسكال وعمليات البوليس الخشن الى الشارع ان کتاب بسكال PROVINCIALE لكتاب مرعب
انه ليحوى آراء واضحة منطقية مملوءة باصفى عقلية فرنسية
ساخرة مستهزئة
•
۱۹۵
•
وعلى أثره ساد في القصر وفى المدينة تلك الحالة حول أصعب المسائل الالهية الأخلاقية عم الاضطراب وانه الطريف أن أولئك الذين يظن بهم الاتحاد لم يتفقوا الا على الألفاظ التي يتكلمون بها أما على الحقائق فآراؤهم
متناقضة
•
فعند الجنسينست أن آدم عادل ولكن اخطاه التوفيق وفى هذا ما يتضمن العقيدة القائلة بالقضاء والقدر الجبر أما عند الجزويت فان الانسان له من التوفيق دائما قدر كاف ليعبد ويتضرع والله لا يمنع قط توفيقه الناجع عمن يضرع اليه وفى هذا ما يذهب الى أن للعبد قدرة وحرية اما اتباع توماس اكوين فانهم يقولون ما يقوله الجزويت ولكنهم يفهمونه على وجهة نظر الجنسينست أغباء هذا ام نفاق تلك نتيجة جارحة للشعور تماما
لكن ما الرأى في تفسيرات الجزويت للاخلاق المسيحية يجب ان تدرس هذه الأخلاق عند آباء الكنيسة انها مذهب صارم من الاحترام والحب جميع الواجبات فيها واجبات نحو الله ولكن لاسبيل الى ارضاء الله الا بممارسة مكينة لأعمال التقوى والعدالة والتضحية تلك اخلاق تبدو بعيدة عن الاحتيال والنفاق كل شيء فيها مضبوط وصارم وسام ومشروع
والام صار هذا المذهب عند فقهاء الاخلاق جماعة المسيح
لقد شرح بسكال للجمهور الذاهل المبهوت
وهذا هو شرحه لقاعدة الآراء الأصوب
أنت تتردد مثلا امام مشكلة اخلاقية فتلجا الى ضميرك تستنصحه بعناية انه يجيبك بوضوح عما عرضته عليه وانت اذن تعتقد انك قد أصبحت عارفا بما يجب عليك
١٩٦
ومن بينهم يتميز
لكن لنفرض أن ما قد عرفته يتكلف جهدا لتنفيذه انك لم تكن على استعداد لذلك انك لن تكون ملزما حرفيا بعمله هناك علماء الاخلاق الذين تمرسوا بالواجبات علماء وقورون فانظر اذن بماذا أفتوا في هذا الموضوع الذي يشغلك فاذا ما أصدر أحد هؤلاء العلماء الوقورين كاننا كان رأيه فى هذا الموضوع بما يخالف وحى ضميرك فالسبب معروف ولك الحق في أن تتبع رايه حتى ولو خالف كل ما افتاك عقلك وقلبك
من
•
تتبع ثبت العلماء الوقورين وهذا الثبت مخيف الى حد كبير مثلا انا أقول أيها الأب عندما جئتم توارى من الوجود سانت أوغسطين و سانت كريسوستوم و سانت امبرواز و سانت جيروم وسواهم ممن كانوا يرجون للتعريف بما هو ولكن على الأقل يجدر بي أن أعرف أولئك الذين
من الاخلاق
•
جاءوا من بعدهم
فمن ياترى اولئك الخبراء الجدد
انهم قوم مهرة مشاهير هكذا يجيبني
خذ مثلا فيالوبس كونينك لاماس اشوکیه ديالکوزیه دیلاکریز فيراكريز ایجولان تامبورات فيرنانديز مارتينيز سواريز هرنیگیز فاسكيز لوپیز جومير سانشيز دی فیشیز دی جراسیس دی جر اسالیس دی بینجیانس دی جرافاییس سیکلانتی بیزوزیری بارکولادی بوباديلا سیمانشا بیری دی لارا الدنيا لوركا دی سكاريسيا کارتنا سكو فرا پیدریترا
کایرینزا بیسی دیاس دی کلا فاسیو فیلامی
آدام آماند ایربارن بينسفیلد فولفانجی افوربیر فواری ستريفورف
آه أيها الأب هكذا اجيبه مرعوبا اكل هؤلاء الناس كانوا مسيحيين حقا
وهكذا يشرح بسكال طريقة التقييد الذهني
يطلب منك مثلا هل كذبت
وأنت في الحقيقة قد وقع منك الكذب ولاتريد ان تعترف بصدوره منك هنا تكون على حق فى أن تجيب بأنه لم يصدر منك كذب لأنه يكفي لكي تكون فى وفاق مع ضميرك أن تتحفظ بعض التحفظ مثلا قبل أن تجهر بقولك لم اكذب تقول فى سرك - كلمة المنى أو أني أو ليتنى أو بطريقة احسن بعد أن
تجهر بقولك لم اكذب تلحقها في سرك بكلمة اليوم
ذلك هو التمرين المرذول الذى يجعل من التناعات بكافة ضروبها أمرا مشروعا
وهنا بنفجر بسكال فيقول وسيقول لك الاب ها أنت ذا ترى انك انما قلت الحقيقة وانا اقول له اعترف بذلك أيها الاب ولكن فقط يظهر لى أن ذلك معناه حقيقة في السر
وكذب في العلانية
وهكذا
يشرح بسكال مسالة توجيه المقاصد
اذا كنت تقتل لتسرق فلن تجد لك عذرا يقبل اما اذا كنت تقتل دفاعا عن نفسك فما عليك من ملامة ولا تاثيم
•
انها اذن هي النية التي تصير عقلك برينا او غير بريء ولا شيء يلزم لذلك أكثر من هذه النية فاذا ما أردت عملا يجر
عليك اللوم فان في استطاعتك أن تعمله بلا جريرة تلحق بك أبحث فقط عن خير طريق لتوجيه مقصدك فى هذا الامر اتخذ لنفسك القصد الذى به يجب به أن تصير خطبئتك التي ترتكبها لما لا ضير فيه وان في هذا غالبا لمنفعة جسيمة مثلا انت ترى الاخلاق تحرم المبارزة وتبيسح الدفاع عن النفس اذن فخذ سيفك واذهب فى موعد المبارزة الذي يحدده خصمك ومكن يدك من قبضته وانتظر أول بادرة من هجومه عليك فيكون لك الحق في قتله بنية الدفاع وهكذا تقتل هذا العدو اللدود وبنفس الطريقة يستطيع مستحق فى وقف أن يتمنى موته المتسلط عليه وكذلك أن يتمنى الابن موت ابيه لكي يظفر كل منهما بما يريد و لكل منهما أن يسر بوقوع هذا الموت لانه انما
كان يقصد بتمنى الموت فائدة ينتظرها ولم يكن لعداء شخصي
•
ويشرح بسكال ايضا العمليات الصغيره التي تقوم مقام الدين الصحيح
انه ليكفي أن يحمل المتدين بعض ايفونات وان يرنل بعض ادعية وأن يعد بمسبحته بعض عشرات وان يركع بعض ركعات وأن يعمل طبقا لطائفة من الطقوس الدينية الصبيانية الدليلة وهكذا ينال رضا العذراء ورضا القديسين ورضا المسيح نفسه
اما العدالة والايثار ومحبة الله فلا تأتي الا اخيرا
وان بسكال ليجبه هذا المذهب مذهب الغفران الرخيص الذي يوافق أهواء الناس والذى يسمح لقاء بعض شعائر دينية بكل ضروب الخطيئة وغواياتها ذلك الغفران الذي يلقى في روع الناس أن من يقوم بهذه العمليات دون أن يغير من سلوكه الشائن سوف يرد الله الى الايمان الصحيح بعد موته او ان الله سيبعثه
خلقا آخر وفي ذلك ما يبدو لي مورطا لأصحاب الخطايا في فوضى خطاياهم بسبب هذه الفكرة الباطلة التي تقوم على أسس تلك الثقة الجريئة أكثر مما يبدو لي آخذا بيدهم الى التوبة الحقة التي تأتي كثمرة للتوفيق الالهي وحدة
المؤمن
كل ذلك قد تفجر كما تنفجر القنبلة وسط هذا الشعب
•
ان أولئك الذين هم اصحاب الحظوة في القصر ليسوا هم الجنسينست الشرفاء الى حد الصرامة
انهم الجزويت أنفسهم الذى لينوا الاخلاق الدينية حتى أحنوها أمام جميع مقتضيات الحياة الانسانية
فالاضطهاد نصيب أولئك الجنسينست المتشددين
اما الجزويت ذوو الرخاوة فهم اصحاب المكانات السامية الكهنونية وأصحاب الحق المنيف في أن يعدوا من بين رتبهم رتبة
تلقى الاعتراف من الملك
•
وما ثم شك في أن الجزويت قد عارضوا الرس الصغيرة ليسکال بردود فوق ردود وانهم ليحتجون التأويلات التي أعطيت عن فكرهم وتعاليمهم ولكن ذلك لم
جدوى
فقد اراد الله ان
وكانت النتيجة أخطر مما توقعه بسكال يفرق بين الاخلاق المسيحية وشروحها عند الجزويت فكان سوء الحظ ان تستمر نار الجدل متجاوزة كل حد ان عجلة الاخلاق الدينية المأثورة قد انزلقت الى حماة انها قد خرجت منها ولكنها بقيت بعد ذلك جد ملطخة
لو أن تلك الشنعة كانت الوحيدة ! اذ انه قبل ان يتوارى
شيحها بدا فى الأفق دوى أخرى وان تكن هذه اخف بدون
شك فانها ليست أقل نتائج
•
ان الاخلاق المسيحية تدعو المؤمن كما يبدو لنا الى
محبة الله
وكيف يجب اذن أن نحب الله
ان هذا يستدعى تأملات وتأويلات
A
هو
وأيضا ماذا نرى بصدد ذلك
نرى والحق يقال سيدة نصف مجنونة اعنى مدام چيون تتخذ تعاليم وتعطى مثلا فيها من جذبة الحب بمقدار ما فيها من بلبلة الخاطر ان حب الله الذي نظريه وتمجده أنه اتحاد الروح بالله ليس فقط بتجرد عن الغايات ولكنه فوق ذلك الى حد الوله والمسيحى لا يكون مسيحيا حقا الابان يفنى فى الله ويدع الله يتحرك فيه وان الطريقة الحقة لمناجاة الله تتلخص في أن يغرق المؤمن في تأملات فى الله دون قول او عمل أو طلب يرجى منه منتظرا تجلياته وهذه الحال اذا تحققت تماما فانها تملأ الروح من الله أما الأعمال حينئذ فلا قيمة لها ان تقاء الحب يجعل كل شيء نقيا وعلى هذا عندما تصل الروح الى ذلك المقام تصبح خاضعة لجميع مظاهر العناية الربانية انها لن تحب سوى المحن والتهم والرضا بالمخازى بل انها لتقبل فوق ذلك من أجل حب الله أن يحكم عليها بالهلاك الله وباقصائها عن حضرته أبد الدهر
الأبدى من
•
•
ومع هذا فقد كانت مدام جيون تنقل الى من يتصل بها هذه المعديات لقد كانت تبشر وكانت تنشر حولها بمجرد ظهورها ما كانت تفيض به من الخيرات ولقد كان لها مريدون متحمسون
51
وكنيسة صغيرة وكل ذلك استرعى انتباه بوسيه واستدعى
تدخله في الأمر
وما كان ثمت من خطر لو استقرت الأمور عند هذا الحد ولكن انظر كيف خاض حبر من الأحبار مثل فينلون في هذا الموضوع انظر كيف كان يظهر التشبث بآراء بوسيه ويظهر الاتفاق معه ومع ذلك أخرج كتابه شرح حكم القديسين وهو يميز فى كتابه على الترتيب درجات كثيرة من الحب الإلهى اننا نحب الله على خمس صور مختلفة ولكنها ليست جميعها سواسية
بعض الناس لا يحبون الله الا لانه يرسل المطر الزروعهم ويبارك في حصادهم ذلك ليس الا حبا رقيا ليس من الاخلاق ولا من الدين في شيء و آخرون يحبون الله خوفا من غضبه وطمعا في نعيم جناته وذاك ليس الا حبا لشهوة صغيرة ولاشيء فيه من الأخلاق بمعناها انه حب خاضع للحساب
الحق
·
وسواهم يحبون الله لذاته ويضمون إلى ذلك الطمع في ثوابه وخوف عقابه ان لم يحبوه ولنسم هذا الحب حب الرجاء وفيه يستمر الحساب الأناني متغليا
وبعض الناس يحبون الله بطريقة هي تقريبا مجردة عن الغاية بيد أنهم لا يتجردون تماما من بعض دوران حول شخصيتهم ومن بعض التفات الى فائدة ذلك الحب واولئك أيضا ليسوا كاملين في خاقبتهم ولا في تدينهم كل الكمال
ان الطريقة واحدة من الحب هي التي تهب الأعمال ملأها من الخلقية تلك هي محبة الله المجردة والله حينئذ يكون محبوبا لذاته دون شريك اما اعتبار المنافع والمضار التي يمنحنا اياها أو التي يقدر على أن يمنحنا اياها فلا تلعب هنا ای دور انه
۰
حينئذ وحينئذ فقط لا يوجد سوى سيطرة الحب المجرد الذي له وحده المجد الأعلى وهو وحدة الخلقية الكاملة والتدين الكامل وماذا تقول بعد
ان مدام جيون ليست هي وحدها التي تعرضت لغضب السلطة الكنسية ومضايقات السلطة المدنية ان فينلون أصيب ايضا بهذه الضربة وصودر كتابه
وقضى حياته في نصف منفى مذهب هو أسقفية كامبريه ان تقريظة الحب المجرد لم يكن هو كل ما اقترف فقد اجترا على ان اخرج كتابا لتربية دوق بورغونى ملك فرنسا المنتظر إسماه تليماك ظاهره ملطف وفى باطنه ما فيه وكان مع ذلك عند من يحسن القراءة كتابا يبطن غير ما يظهر انه لم يكن فقط محاكاة دقيقة لهوميروس بل لقد كان فوق ذلك نقدا انتقاميا لسيرة الملك لويس الرابع عشر وضع لتربية حفيده هذا وفي هذا ايضا تتجمع حماة ذات أوحال ملطخة
وها هي ذى الشناعة الأخيرة التي حولها لم يكف قولتير و معاصروه حملاتهم ذلك هو التناقض بين السيرة التي كان عليها كبار رجال الكنيسة وبين الأخلاق التي كانوا يعلمونها ويوصون
بتعليمها في الكنائس ان التناقض بين تلك القواعد التي تقعد بالشفاه وبين تطبيقاتها العملية لم تغلته تلك العقلية الشيطانية للشعب الفرنسي منذ زمن بعيد وان المؤلفات الكوميدية الهزلية للقرون الوسطى وللقرن الـ ١٦ م مليئة بذلك التناقض ولكن الأمور لم تكن قد بلغت من التناقض ما بلغته في القرن الـ ١٨ م كانت الفضائل المسيحية كالفقر والتواضع والقناعة والصوم والورع والسذاجة والرحمة وارادة السلام بالعدل ومحبة الله الخالصة كل ذلك كان خيرا للمؤمنين والقسيسين والقديسين وللخطب والمواعظ
اما اساقفة البلاط والشخصيات الكهنوتية الكبيرة فقد كان لهم شيء آخر البذخ والأحاديث المتأنقة مع النساء والشهرة في مجالس الخاصة والعجلات والخدم والأرباح الجسيمة والموارد والمناصب وأنه ما كان ليصدر عن النبل ولا عن الصلاح
والتقوى أن تتقلد رياسة الكنيسة ورتبتها العليا في سن الثلاثين
ولم يكن ثم وسيلة أنجح من التخويف بالله من ناحية وبالشيطان من ناحية أخرى لابقاء الشعب فى خضوعه وسكونه وجره إلى أقدام السلطة في طاعة واحترام
لكن ما الذي يستشعره من قدرة الله ومن خوف الشيطان أولئك الأخبار الموكلون بحكم الشعب انها لدعاية عجيبة 1 تلك القدوة التي يعطونها لنشر الأخلاق التي يطرونها في الكنائس ولنشر الحجج التي يقيمونها لترويج تلك الاخلاق وانه لاكيد ان كل مبالغة هنا ستكون من الخطورة بمكان ان هاتيك الشناعات ليست هي التي نبهت أفكار الفلاسفة و صرفت الأخلاق اليهودية - المسيحية ٢ لكن هل كان يتم
ظائفة منهم عن
لحججهم ما تم لها من تأثير لو لم تكن تلك العواطف التي كانت اتحرك الجمهور تحت مشاعر تلك الشناعات
1 وجه العجب فيها أنها كانت تقدم للناس ليعملوا بها دون أن يعمل بها أولئك الذين يشرعونها
۳ يعنى من الخطر أن يبالغ فى الأمر على غير حقيقته لان ذلك عدوان على الحقيقة التي أراد المؤلف بكتابه أن يخدمها ۳ أي من المبالغة أن يدعى أن تلك الشناعات هي التي صرفت الفلاسفة امن احترامهم للتعاليم المسيحية وأخرتهم بأن يحملوا عليها حملاتهم الشعراء لانهم في الحقيقة حتى يصرف النظر من تلك الشناعات كانوا بدافع من عقولهم لا يحترمون تلك التعاليم وغاية ما في الأمر أن تلك الشناعات ساعدت حملات الفلاسفة وزادتها قوة في نظر الجمهور المثقف وجعلت لها من التأثير ما لم يكن فيتم لولا وجود تلك الشناعات
٢٠٤
ان عاصفة لا تستطيع أن تهوى بدوحة مئوية السنين اذا ما
كانت جذورها سالة
أما اذا كانت جذورها قد بليت بفعل
الحشرات والتعفن فانها تخر بكل ما عليها 1
•
ذلك هو تاريخ الصرح الفلسفي للاخلاق المسيحية لكن كيف استطاعت تلك الاخلاق ان تتمالك امام عقل يتكالب عليها في ازدياد مستمر متواصل على حين كانت قداستها لا تستند الى قوة البراهين بقدر ما تستند الى سلطان المقرارات الأخلاقية ذات التاريخ البعيد التي يخيل للعقل بسبب تطاول الزمان عليها ان لها من تلك البراهين ما يبررها ذلك السلطان الذي كان يتأرجح في هواء العاصفة التي اثارها تفسير العهد القديم وشناعات
الكازويستيك
۳ يشبه المؤلف التعاليم اليهودية - المسيحية بتلك الدوحة ثم يعجيم كيف استطاعت تلك الدوحة الصمود لتلك العواصف مع أن سندها كان واهيا من ناحية العقل ان لباتها طبعا يرجع الى أن لها مبررات طال عليها الزمان والناس يعتقدون أن لها حججا ومبررات وفى هذا ما أمانها على البقاء لأن العقائد المأثورة لها سلطانها
٢٠٥
القسم الثالث
الأخــ
لاق
في الفلسفة الحديثة
منذ اللحظة التي رأى الفلاسفة فيها صرح الاخلاق الدينية
المأثورة بتقلقل بدأوا بانفسهم مترددين بين طريقين 1 - احداهما أن يكشف في الأخلاق عن أساس مغنع واضعين بناءه على أساس علمي بعيد عن كل فلسفة ميتافيزيقية - ان تعتبر مسألة الأساس الاخلاقي مسالة قد رثت واصبحت عتيقة غير صالحة وأن يتخذ بازاء الاخلاق وضع هو بكل ما فيه جديد
ومن هنا نشا نوعان من البحث مختلفان في الحقيقة اختلاف بينا في نظريات الاخلاق وفى طبيعتها وفى قواعدها
وستجرى هنا على اصطلاح لغوى كان الأستاذ ليقى برول أول من استعمله مجردين لفظه من كل معنی سیی ننسمي المذاهب الأولى ما بعد الاخلاق فى الفلسفة الحديثة كما تسمى الأخرى و المذاهب المنشقة
JV
ما بعد الأخلاق في الفلسة الحديثة
عندما ترى الانسانية نفسها في حاجة الى التجديد فانها احاول دائما - على التقريب - ان تجدد ما كتب له الرواج من قبل وتلك ظاهرة بارزة فى تاريخ الفن كما أنها ليست أقل يروزا في تاريخ الاخلاق
ولما نال الفلاسفة من سأم في مذاهب العصور الوسطى رأى الكثيرون منهم ان يرجعوا الى وجهة المذاهب القديمة ولذا بدأوا يفكرون في الخير الاعظم ويحاولون تجديد فكرته بتحليل الامال الانسانية وأن يستخلصوا من ذلك نتائج منطقية لما يجب أن
تكون عليه الحكمة والفضيلة
وقد بدات فعلا هذه الحركة ترتسم في الأفق منذ القرن ۱۷ عند بعض أولئك الفلاسفة الذين وان لم يكونوا قد زهدوا في الميتافيزيقا فانهم شادوا أعظم المذاهب
۰۸
مذهب دیکارت
وخير مثال لهذا يتجلى فى صنيع ديكارت لقد كان يعتبر الاخلاق اطيب ثمرة لدوحة الفلسفة التي تكون الميتافيزيقيا جذورها وتكون الفيزيقيا جذعها ولكنه كان ايضا يعتقدان تلك الثمرة لا يمكن أن ينال جناها الا أخيرا ولعل ذلك الاعتقاد
وحده كان السبب فى أنه لم يضع فى الاخلاق اى مؤلف كامل وعلى كل حال فقد كتب الى كانيت أن أفكاره في هذه المسألة جد مرتبة واذن فنحن نعرف افكاره تلك في بعض نواحيها من كتابه ا مقال عن المنهج ومن مقدمة كتابه المبادىء ومن مراسلاته الى المملكة كريستين والأميرة اليزابث ان تلك الأفكار مشوبة بعناصر قديمة الخير الأعظم هو السلام الروحي ومع أن ديكارت يعتقد أنه قد استمد بعض أشياء من أرسطو و أبيقور فان هذا السلام الروحي لا يختلف في نظره عن اللاحساسية الرواقية ولقد كان ديكارت يعلم الأميرة اليزابت فن استشعار هذا السلام الروحي وان مقارنة النصوص المختلفة لتدل على أن مذهبه الاخلاقي مستمد في بعض نواحيه من تعاليم ابيكتيت
انها العواطف هي التي تعكر صفونا انها هي التي يجب أن تعرف كيف نسوسها واذن فنحن نملك بازائها وسيلتين
للعمل
ان تأخذ البدن ببعض المطهرات أو الأدوية المناسبة وأن نطبق
فيما بقى القواعد الرواقية فمن أجل ذلك نحتفظ بارادة قوية لعمل الخير وما ناحية اخرى نعرف كيف نضع رغباتنا في وفاق مع الاشياء حينما لا نجد قدرة على وضع الأشياء وفق رغباتنا و أن السلام الروحى هو رهين بذلك الثمن وانه لمن المؤكد ان ديكارت كان جد عصرى حين كتب لو انه ممكن ان نعثر على بعض وسائل تصير الناس على العموم أحكم وأمهر مما كانوا الى اليوم فاني أعتقد أن أفضل طريق لذلك انما هو طلبها بالبحث في الطب
ولكنه يبدو قديم النزعة جدا عندما يدعونا لأن نعتبر كل الخيرات الخارجية كأشياء بعيدة عن سلطتنا وأن ننظم رغباتنا بطريقة أن لا نرغب فى شيء لن نحصل عليه وفى النهاية أن نتخلص هكذا من مملكة الخير الدنيوي
وعلى كل حال نرى ديكارت فى طيبته وفي رواقيته نانيا عن وجهة النظر المسيحية المأثورة
۱۰
مذهب سبينوزا
انه لمن المؤكد أن ليس من أجل الزهد في كل ميتافزيقيا اسس
سبينوزا اخلاقه على تلك الصورة التي اختارها ولكنه حقا اصدر على الميتافيزيقيا المسيحية حكما صارماً
انه قد اتخذ السبل التي سلكها من قبله الأخلانيون القدماء ان الشيء الوحيد الحرى بالطلب هو في رأى سبينوزا السلام الروحي السلام الداخلى المتزن المشوب بالغبطة ان ما يمكن أن ينال به ليس هو الطب وليس هو تنظيم العواطف بالارادة الحرة انه ايماء الذكاء نفسه أن الادراك والارادة اليسا شيئين مختلفين انهما شيء واحد يعبر عنه باسمين مختلفين أن السير من النسوع الاول من المعرفة الى النوع الثاني ثم من النوع الثاني الى النوع الثالث ذاك هو الارتفاع وهدة الضلال الى الحقيقة الجزئية ومن الحقيقة الجزئية الى الحقيقة الكاملة انه بنفس هذه الدفعة تتحقق السيطرة على القلب رويدا رويدا في أول درجات المعرفة يكون المرء متارجحا بأمواج العاطفة وفى الدرجة الثانية يعود حذرا وموطأ الأكناف ذا نزعة اجتماعية
من
•
أما في الدرجة الثالثة فانه يصل الى الغاية من الغبطة وراحة الضمير وما ذاك الا لأن معرفة الدرجة الثالثة تمنح المرء الادراك الصحيح الذي يجب أن يطل منه على الكون انها تبرهن له على انه لا يوجد الا جوهر واحد الجوهر الالهى المتحلى بما لا يتناهى من الخصائص التي هي في ذاتها لا تتناهى والتي لاندرك منها سوى صورتين الامتداد والفكرة انها تبرهن له على أن الله وهو جوهر كل شيء وعلته لا يعمل شيئا لغاية وان ما يوجد لا يوجد الا فيه وكل ما يوجد انما يوجد بالفاعلية
۱۱
L
الضرورية لذاته كل ما يوجد اذن فما يمكن أن لا يوجد انها تعد المرء هكذا لأن يربط بكشف نفسانی باطنی كل ظاهرة كونية
بهذه العلة الأولى التي يتعلق بها كل شيء بالضرورة
إنها تطرد من
ذهنه كل فكرة للصدفة أو الامكان أو حرية
•
الارادة انها ترى الانسان كل شيء متجليا في مظهر الخلود وليس يلزم أكثر من هذا الامداد الحكيم بتلك الطوبي التي
ينشدها
•
ولقد فهم ذلك جيدا ديكارت والرواقيون
فاذا ما وجدت
أن الذي يعكر صفو الانسان انما هو عواطفه من حب وبغض ورجاء وخوف ومع ذلك فالعواطف لها علاج اية عاطفة عند المرء فعليه أن يشتغل بالتفكير في طبيعتها وان يجد فى تحديدها وأن يستخلص السبب فيها وأن يصرف فكره عن الموضوع الذي يثيرها مطبقا انتباهه على بعض الموضوعات الأخرى وليدرك أن الأمر الذى نابه لم يكن الا نتيجة حتمية الأسباب أخرى ما كان يمكن اجتناب وقوعها وليعرض على ذاكرته سلسلة الأسباب التي لم يكن ما يثيره الا نتيجة لها وليصرف هكذا عاطفته بدل أن يركزها في هذا المثير وليتذكر الموجود الأبدى الذي صدرت عنه تلك الحالة القائمة وليقهر بسرور التأمل في ذلك الموجود الخالد كل انفعالاته الأليمة وليستحضر الحكم الاخلاقية ذات الفائدة المحققة التي ترد على انفعالاته ذاك هو ما يهدى ثورات نفسه ذاك هو ما سيحقق التوازن الروحي وهاك بالضبط السبب في أن الدرجة الثالثة من المعرفة تحرر المرء من عواطفه وتمنحه السلام الروحى لنفرض رغم التحريف التاريخي أن دون دييج كان من اتباع سبينوزا اكان تحت التأثر بالاهانة يسل سيفه أكان
۱
يسائل ذراعه هل هي ضعيفة أكان يسال رودريج هل له قلب 1 كلا ان الاهانة التي وقعت له كانت بعمل المعرفة الملهمة ستسند إلى الله الجوهر اللانهائى والملة الضرورية لكن شيء والذي عند تصدر المتلاحقات الدائمة من الصور المحدودة للخليقة
·
انه كان سيفكر في تحديد هذا الغضب وفي تحديد الشرف وفى هذا أول ماء بارد ينصب فوق نار غضبه
انه كان سيتخيل عينى شمين الجميلتين وقوة رودريك الرقيقة انه كان سيبتسم لصورة اطفاله الصفار وتلك تسلية مفيدة لقلبه انه كان سيسند الصفعة التي أصابته الى النظام الذي لا دافع له انها حلقة صغيرة من سلسلة لا نهائية للعال والنتائج التي يجب أن تظهر على مسرح الكون دون أن يكون في المستطاع تغيير الصورة التي ظهرت بها
انه كان سيقبلها كما يقبل العقل أن الطفل لن يكون له سوى خصائص طفل قبل أن تكون له خصائص رجل ان غضبه كان سيتوزع على كثير من الأسباب حتى لا يلبث أن يتبخر
انه كان سيتذكر أخيرا تلك الحكمة القائلة لن نقهر الغيظ بالغيظ بل نقهر الفيظ بالحب فيقدم للصفعة خده الآخر ومن هنا يكون الفضل كل الفضل لهذه المعرفة حيث يجيء على اثرها الهدوء والفصح لكن ليس هذا كل شيء أنه بالصعود في سلسلة العلل فان ا سينتهى اليه كل تفكير
الله هو
1 دون دپیچ و رودريج من شخصيات مسرحية كورنيي السيد
۱۳
واذن كل من يتفكر فى الله فانما يتفكر فيه بسرور
اليس الله هو المفتاح الذى يسهل ادراك كل شيء وادراك كل شيء أليس هو أعظم اللذات العقلية الباهرة وكيف اذن بتفكرنا في الله هكذا لا نحبه بكل روحنا السنا نحب كل موضوع تحمل الفكرة الينا منه سرورا واذن أليست اللذة التي تقارن في نفوسنا فكرة الله هي أعظم اللذات قاطبة
وها هو ذا السر في أن دون دييج الذى من اجل صفعته حقد وغضب وبارز وقتل وأوجد البؤس والشقاء لو كان سبينوزيا لما بدا عليه سوى الصفاء والسلام الروحي
اذن لا حاجة بنا أن نفكر لماذا يكون الناس جد تعساء انه لان السواد الأغلب فيهم لم يصل الى الدرجة الثالثة من المعرفة ان هذا الفريق يعيش دائما بفكرة تقليدية وبجهالات يحسبها علما ذاك لأنهم لا يعرفون أن ينظروا الى الأشياء في وضعها الحقيقي ذاك لأنهم لم يحدقوا من الصمود لكي يحيطوا بتلك الصغائر الانسانية التعسة ذلك لأنهم لم يتمرسوا بتلك العادة المحررة عادة التأمل في كل شيء وان كان صفة
مذهب كهذا مذهب جليل الشأن ولكنه موضع الشكوك في نظر الفلاسفة العصريين شأنه كشأن الالهيات التي تحرر منها سبينوزا اليس اليقين الذى يفكر في استمداده من الضرورة المطلقة الملازمة للاشياء هو الذى يمد الحكيم السبينوزي بأصفى ما يبدو من تسامحه واتزانه لكن هذه الضرورة كيف يمكن البرهنة عليها بدون برهان من الميتافيزيقا التحكمية وأية ميتافيزيقا تحكمية تستطيع يوما أن تبرر قضاياها بطريقة لا تتقبل النقض
اخلاق المنفعة
لقد تأثر مفكرو القرن الثامن عشر خطى الفلاسفة القدماء ولا غرابة في ذلك اذا لاحظنا الحقائق التي شرحناها آنفا فهم لم بحجموا عن بعض افكار لا تثبت على النقد لتلك التي رأيناها هنا لسبينوزا انهم لم يريدوا أن يجشموا أنفسهم عناء التاملات التي لا تؤمن غوائلها كما فعل سبينوزا بل كانوا يأملون ـ في انجلترا
كما كانوا يأملون في فرنسا - الوصول الى الغاية بأيسر كلفة انهم كانوا يدعوننا الى نسيان الميتافيزيقيا وهواجسها لكي نتجه إلى شيء بسيط الى المنفعة على شرط أن تفهم جيدا
•
وقد ورد في كتاب ديدرو الذي رد به على كتاب هلفسيوس المسمى الانسان 1
انني مقتنع أنه حتى فى وسط مجتمع سييء النظام كهذا الذي أعيش فيه حيث الرذيلة الناجحة تلقى الأعجاب غالبا والفضيلة المخفقة تقريبا على الدوام تثير الضحك انني مقتنع كما قالت بأنه ليس ثمة وسيلة للظفر بالسعادة أفضل من أن يكون الانسان خيرا ذاك فى نظرى هو أهم ما يجب أن يكتب من المؤلفات وأحسنها قيمة
ويضيف ديدرو الى هذا انه كان يملك الوسائل اللازمة لعمل كتاب في هذا الموضوع ومع ذلك لم يجسر على أن يخرج مثل هذا الكتاب الذى كان يحلم به الى هذا الحد ذلك لانه كما يقول كان يخشى أن يظهره ناقصا وأن يفسد بذلك اعظم الحقائق واقدسها
وهاذا الكتاب الذى لم يستطع ديدرو اخراجه قد حاول اخراجه فلاسفة من الانجليز فى القرن ۱۸ م وطائفة من الأخلاقيين الانسيكلوبيديين
۱٥
دولباخ وبعض المنفعيين
ونجد كتاب دولباخ المسمى الاخلاق العامة يلخص
ويكمل احسن ما جاءوا به من حجج
وهل ندهش لكتاب كهذا اذا ما تذكرنا المحاورات المألوفة حيث كان ديدرو و دولباخ يخوضان معا ويتنافسان في مواضع يبديان فيها الانسجام وروح التعاون الحقيقية
وتلك
كل انسان لا يرغب قط الا فى سعادته الخاصة الحقيقة قد أعلنها جميع الفلاسفة القدماء وفلاسفة الالهيات في العصور الوسطى لم ينتقصوها اليس رجاء السعادة في دار اخرى هو ما زينوه لعيون المؤمنين اليس هو دعامتهم التي استندوا اليها لحمل أولئك المؤمنين على الفضيلة
ان هذا لابعاد في البحث وراء شيء هو في قبضة اليد ان التروى في السعادة الدنيوية وأسسها لكاف عن سواها
لكن ما هي هذه السعادة
ان الأبيقوريين كادوا يكونون قد فهموها
ان الفرد ليملكها منذ اللحظة التي يتم له فيها أعظم قدر من اللذات وأقل قدر من الآلام وان تحصيل الأولى وتجنب الأخرى ليهينا الفن الذي نعيش به سعداء
•
ان بعض الناس يعتقدون أن السعادة هي أن نندفع بشراهة
على كل لذة عارضة وانهم ليخدعون انفسهم شر خدعة
•
٢١٦
قد توجد لذات عاجلة تنطوي على آلام أجنة والام عاجلة
تنطوي على لذات آجله
يجب أن نتحاشى النوع الأول واخبار
النوع الثاني يجب العمل من أجل المنفعة لكن بعد أن أعرف جيدا هذه المنفعة
·
من اجل ذلك نضع قاعدة وهي أن تعنى بالنظام في حساب
الثلات والآلام
والنظام عند دولباخ ليس هو النظام عند مالبرانش انه لا شيء فيه من النفوذ العلوى ولا من الميتافيزيفا انه بكل بساطة هو الطريقة التى بها يساهم كل جزء من كل في تحصيل الغاية التي ترسمها له طبيعته فمثلا نرى النظام يسود في الجسم الحي حينما تؤدى جميع الأعضاء فيه وظيفتها باعتدال و انتظام ويسود كذلك في جسم اجتماعى حينما تؤدى جميع اجزائه المختلفة الأعمال الضرورية المتبادلة لخير المجموع وعندما تلك الأسس يظهر الخلل عند الفرد والخلل في الجمعية والخلل هنا معناه المرض وتلك اعتبارات رئيسية في نظر دولباخ
وهاك السبب في تخير اللذات والآلام ان اللذة ليست لذة حقيقة الا اذا اتفقت مع النظام أما اذا كان طلبها مفسدا لهذا النظام فانها تكون شرا وبالتبادل يمكن أن ينقلب الألم خيرا انه يكون خيرا عندما يتعين تحمله أما لحفظ النظام أو لاقامته من
جدید
واذن فقد كان سقراط على صواب كما يردد ذلك دولباخ أن السعادة ليست تكثير اللذات بضرب من الأفراط الجنوني أنها تكون في الاعتدال انها لا تستدعى غير شيء واحد نسبة عادلة بين الرغبات وبين الحالة التي يكون فيها الراغب وقد كتبه دو لباخ وكلما كان للناس رغبات تعذر عليهم أن يصيروا
۱۷
سعداء
ان الهناءة توجد فى التناسب بين الرغبات والقدرة على اشباعها والأساس الحقيقى للسعادة انما هو هذا لا رغبة الا في حدود القدرة
ماذا نستخلص ذلك من
قبل كل شيء لا سعادة بدون هذا الاعتدال الذي مجده سقراط مر قبل ثم الأبيقوريون والرواقيون من بعده والذي اعتبره موتینی فوق كل شيء والذي فيه تغنى لابرويير باغنية فريدة الحكماء اذن هم الذين ينظمون رقابتهم
وبعد فان دو لباخ سيحددها بسهولة لا سعادة ممكنة ما لم يساهم المرء في سعادة الأغيار ان الجهل وعدم التبصر هما السببان الوحيدان اللذان يمنعان المرء من أدراك الرابطة بين سعادته وسعادة من يحيطون به أن طرد هذا الجهل واكمال ما يجب أن يعمل أو يترك لحفظ الفرد كيانه وعيشه سعيدا في الجماعة لهو الجهد الواجب على الأخلاقى ولأجل براءة ذمته دعا دولباخ قراءه الى أن يتأملوا في ثلاثة أنواع من الادلة
ان كلا منا يملك ضميرا أخلاقيا وهذا الضمير ليس
•
حاسة فطرية ولا طبيعة الهية ولا حسا أخلاقيا ممتنع التغير انه ليس الا ثمرة تخلقها التربية ولكنه سريع النمو جدا عند كل فرد بسبب التأثيرات التي يطبعه المجتمع بها واذن نهادا حق ان الضمير يدفعنا الى احترام الآخرين ومعاونتهم وهذا جد متحقق أيضا اننا عندما نعصى هذه المقررات فاننا نحس منه بتأنيب جد اليم أما عندما نطيعها فاننا نشعر أن لنا عند أنفسنا موفور الغبطة
•
ان الضمير الطيب هو مكافاة الفضيلة أنه يقوم على الثقة في ان أعمالنا يجب أن تمنحنا الاعجاب والاحترام والمحبة من الناس
۱۸
الذين تعاشرهم كيف ندهش اذن لهذا ان الضمير الطيب هو أحد العناصر الأساسية للسعادة هل يعتبر غير مقنع أن يعيش المرء بريئا من اللوم وأن يستطيع في كل لحظة أن يستعيد ذكرى الخير الذي اسداه الى اشباهه وأن لا يجد في سيرته الا جميع الطيبات التي له بها الحق في أن يعجب بنفسه اما الضمير الخبيث فانه على الضد يفسد حتى اللحظات السعيدة ان الشقى لا يستطيع أبدا أن يتمتع بسعادة صافية في الدنيا هنا تبدو النتيجة التي عبر عنها دالمبرت في عبارة بليغة ان المبدا الأصفى للفضيلة هو اذا لم أكن مخدوعا الرغبة في أن يكون المرء راضيا عن نفسه وهل تلك الرغبة الا نتيجة للأنانية بمعناها الصحيح
ومن
لو لم يكن شيء بعد هذا من الحجج لكان في هذا الكفاية أن جان جاك روسو مع كونه انخدع فى الأصل الحقيقي للضمير قد كان على حق فى قوله ان السعادة تغادر المرء بمجرد أن يرتكب الائم
ولكن هذه الحجة ليست الوحيدة
يعيش الا في الجماعة وبها
•
فان المرء لا يمكن أن
وأولئك الذين تخيلوا حالة للطبيعة يوجد فيها الفرد مستقلا انما تصوروا حلما انه ليس الا بطريق تجريدي أن يتصور أن الفرد يمكن أن يوجد فى حالة عزلة تامة مجردا من كل علاقة تربطه ببنى نوعه وهذا الذى يسمونه الحالة اللاطبيعية لن يكون الاضد الحالة الطبيعية انه بالانعزال عند كل هيئة اجتماعية يكون الفرد الانساني أن يتلاشى في تعاسة ايمكن ان يبقى قليلا ربما ولكنه لن ينسل وبهذا ينتهى نوعه الى الانقراض
مصير
أنه ليس الا من الجماعة أن تستمد الانسانية حياتها
•
۱۹
ولكن الجماعة لن تكون ممكنة الا ببعض الشروط وقد فهم
هويز ذلك جيدا
نظرية العقد الاجتماعي
اذا كان الجماعة أن توجد فما ذاك الا بفضل عقد اجتماعی يتقرر بين اعضائها فاذا كان مصير ذلك العقد الاطراح والاهمال فان الجماعة تتمزق ويصير أفرادها ثم أعقابهم الى الزوال وما العقد الاجتماعي هذا انه عند دولباخ مجموعة الشروط المنطوقة أو الملحوظة التي بمراعاتها يتعهد كل فرد من اية جماعة للآخرين منها بأن يعمل على خيرها وأن يحترم من أجلهم واجبات العدالة هو مجموع الواجبات الذي تفرضه الحياة الاجتماعية على من يعيشون معا لفائدتهم العامة ومن هنا ينشأ اصل الخير والشر والعدل والظلم وما يحددهما
•
ذاك
ان الالتزامات الأخلاقية ليست مؤسسة قط على عقود مبرمة بين الناس ولا على ارادات وهمية لكائن فوق الطبيعة بل على العلاقات الخالدة التي لا تتغير والتي توجد بين ابناء النوع الانساني الذي يعيش في جماعة والتي سيبقى ما بقى الفرد والجماعة انها الضرورة الدافعة لأن يعمل المرء أو يجتنب بعض الأعمال مراعاة للخير الذى يبحث عنه في الحياة الاجتماعية ان اى فرد يكون قد فهم هذه الحقائق ووزنها سيفهم هذا بجلاء ا اذا كان يهتم تماما بمنفعته الشخصية فعليه أن يظهر بمظهر العدالة والخيرية أما أن يضر بالآخرين فليس ذلك الا مخاطرة وطيشا وجنونا لأن عمل الفرد ضد الجماعة ليس في نظر المنطق الصحيح الا عملا ضد نفسه
وهنا يتمم دولباخ هذه الاعتبارات بحجة منحطة وسوقية وأجدر بمطابقته لاعتبارات هلفيثوس أن هناك خيرات نتمسك
۰
بها على الخصوص كحب الآخرين ايانا واحترامهم وعطفهم والشهرة التي تنالنا منهم من كل ذلك نحن نجني اشهر اللذات واذن ما الذي يحصل لنا هذه اللذات وما الذي يسلبنا اياها ان التجربة تجيب أن الفضيلة هي التي تحققها وان الرذيلة هي التي تقضى عليها
•
ومن هنا نصل الى نتائج جديرة بالذكر يجب أن لا نعتقد أن الفضيلة تضحية شاقة على حساب منافعنا فانه لا أحد يعرف جيدا كيف يحب نفسه الا ذاك الذي مارسها أنه ليس سوى رجل الخير ورجل العقل والرجل النافع للأغيار يستطيع أن يقول انني أحيا
ان کتاب دولباخ الأخلاق العامة هو تقريبا افضل المرافعات التي أبرزتها الفلسفة لصالح مذهب المنفعة الشخصية وماذا اضاف اليه فى الحقيقة أولئك الفلاسفة الانجليز الذين لا ينسى مجهودهم كلما وضع نظام هذا المذهب موضع البحث جرمی بنتام و جون استيورات مل
مذهب بنتام ومذهب مل
ان كتاب الديونتولوجيا لم يظهر الا بعد موت بنتام سنة ١٨٣٤ م وان بنتام ليبدو فيه متفقا تماما مع التفعيين الذين تقدموه على هاتين الحقيقتين
1 - كل فرد لا يرغب الا في سعادته الشخصية
- السعادة هي تحصيل اللذات وتجنب الآلام
اما خطته الأخلاقية فهي بالتالي محددة بوضوح
وانه لغير ذى جدوى أن تكلم بنى الانسان عن واجباتهم ان ذلك لمستهجن تلك الواجبات التي لا يهتمون بها بل يبتعدون
۱
•
عنها في اصرار أن الواجب هو السير على غير هذا السبيل يجب ان نرشدهم الى الطريقة التي ينالون بها تلك السعادة التي تحوى من السرور ما يميلهم نحوها وما لا يملكون معه الا أن يميلوا بكل ما في طبيعتهم من قسوة ومن هنا كان اسم الكتاب الديولتولوجيا علم ما ينبغي عمله ليس لأنه يجب بل لأن الانسان انما هو انسان ولأنه من طبيعة الانسان بسبب انه انسان أن يطمح الى ما هو مجبور بطبيعته على أن يطمح اليه وان المسألة التي يعرضها بنتام لهي بعينها المسألة التي عرضها دولباخ ما السبيل الى توفير أكبر نصيب ممكن من تجنب الآلام بقدر الامكان يتفق بنتام هنا مع دولباخ على مبدا الحل انه لخطأ ان يهجم المرء على اللذات بدون تبصر وبدون تخير بل لكى يسلك الانسان سلوكا حسنا يجب عليه ان يعد حسابا للذات والآلام ولقيمها النسبية يجب أن يكون قائد المرء في حياته حساب اللذات وانتبصر بهذا الاهتمام اللذات والآلام انها تختلف بعضها عن بعض في عدة يوجد أولا من اللذات لذات أقوى أثرا من سواها وطبيعي لما كانت هى الأفضل فانها لاجدد بأن تطلب كما أن الآلام الاشد جديرة بأن يبتعد عنها بعناية أكثر من سواها ويوجد ايضا لذات و آلام اطول اجلا واقرب حدوثا واكد وقوعا من سواها ومن الطبيعى أن تكون اللذات الأفضل هي الأطول والأقرب والأكد اما الآلام فتكون أقل رهبة اذا كان ذلك كله فيها على أقل درجة
نواح
ولنتامل الآن الأعمال التي تنتج لذائذ والاما في أبعد نتائجها ان هناك بعض لذات غير صافية تلك التي تثير ردحا من الزمن آلاما اكثر او اقل حدة وهناك بعض الام غنية بالفوائد تلك التي تكون نتائجها البعيدة طيبة الثمرات مثلا السكر لذة غير صافية العمل الم غنى بالفوائد
واللاحظة تشعرنا بالعنصر الأخير فى التقدير الامتداد
في اللذات والآلام ان رفة الشعور تربطنا بأمثالنا كما رأى ذلك 1 سميت اننا نتألم لرؤية من يتألم ونسر برؤية من يسر واذن فان بعض أعمالنا تثمر لنا وحدنا اللذة او الالم وبعضها قد يكون سببا في ايجاد تلك الحالات لنا أو لجماعات سوانا كبيرة كانت ام صغيرة فكيف نهمل مثل تلك الظاهرة في حسابنا ان رقة الشعور تزيد في لذاتنا وفي الامنا
ان حساب اللذات يجب أن يدخل فيه كل هذه المسلمات فاذا هو فعل فانه سيستخلص حقيقة اخلاقية بعتبرها بنتام قطعية ان التبصر يؤدى الى الرعاية وبعبارات أخرى نقول أن الحساب الدقيق المنفعة المسرء الخاصة برر في كل حال مسلك كل من يلتفت فى عمله مبدئيا الى مراعاة السعادة العامة لكي يعيش المرء سعيدا فليس له الا وسيلة واحدة ان يكمل المرء كل عمل منقوص وان بؤيد كل عمل خاص او عام بحيث تكون نتيجته وغايته تحقيق أعظم قدر من اللذات لاكبر عدد من الناس
۳
مذهب مل
•
ولذا لم يضف جون ستيوارت مل الى هذا في الحقيقة الا شيئا واحدا ان بنتام قد أهمل في حساب اللذات عنصرا ذلك أنه نسي أن اللذات لا تختلف فقط في الكمية اساسيا وانما تختلف أيضا فى الكيفية هذا معلوم فلأن يكون المرء سقراط الساخط خير له من أن يكون خنزيراً راضياً وذاك لأنه كما توجد لذات رقيقة وسامية كذلك توجد لذات غليظة وسوقية وقد يفضل بعض الناس لذة واحدة سامية على عدة لذات غليظة ولنكمل ما قاله بنتام فى هذا المقام
لكن يقال كيف يمكن تقدير هذا السمو النسبي في اللذات والآلام ويجيب ستيوارت مل انه يوجد فى العالم ناس خبراء أولئك الذين أتيح لهم أن يفهموا بتجاربهم الشخصية وأن يقارنوا تقدات مختلفة مثلا نجد ناسا عاشوا في الضعف الخلقي لهذا
من
•
•
العالم ثم انغمسوا أخيرا فى طهر الفضيلة وصاروا قديسين الخبراء لأنهم بالقياس عرفوا الفرق بين اللذات الفاضلة أولئك واللذات المنحلة ومنهم القديس أوغسطن و بسكال واذن فعلينا أن نستشير هؤلاء الخبراء انهم جميعا متفقو الرأى على انه يوجد بين لذاتنا لذة لا يتناهى سموها تلك هي الرضا الاخلاقي ومن بين آلامنا يوجد ألم على كما يستشعره ضمیر مطمئن الخصوص شديد القسوة انه ألم تأنيب الضمير
•
ان النتيجة لن تتأخر طويلا كل انسان يريد أن يكون سعيدا کل انسان عليه أن يستعد لكي يكون دائما بمنجاة من تأنيب ضميره وأن يحتفظ بضمير مطمئن فاذا ما تحقق هذا الاحتياط فليس ثم
٢٢٤
من سبب الحرمان المرء نفسه من اية لذة توجد ولا سبب بتقول
دون تحاشى اى الم ممكن الاجتناب
والسير على هذا النمط معناه حساب الحياة ولقد كان القدماء على صواب ان أول الفضائل هو الحذر المستنير بالذكاء انه يقود المرء الى ارادة أن يكون عادلا وخيرا أعنى فاضلا بالمعنى المالوف للكلمة
وانه لمؤكد أن هذه المؤلفات لها مذاقها الخاص وبرودها الاخلاقي الانجليزي المطمئن الأمر الذى ينقض كتاب دونباخ الأخلاق العالمية لكن أمن أجل هذا هي تختلف عنه بطريقة محسوسة
كل هاتيك المذاهب التي تختلط فيها العقلية القديمة بالميول الانسانية العصرية تبدو على التحقيق ذات روعة ولكنها مع ذلك قد اثارت عاصفة من الغضب وفى الحقيقة اذا كانت هذه المذاهب غير قابلة للنقض كلية فان الأخلاق ستؤسس على أساس مستقل عن الدين وفى هذا صدمة قاسية لأولئك الذين يدافعون هذه الناحية ۱ لافتين الأنظار الى أن الأخلاق بدون الدين
عن
ستكون ميتة
هنا نشبت حرب عوان فى الاخلاق الدينية المأثورة وفى ومن مذاهب التوفيق الروحية ضد مذهب المنفعة ومن هنا أيضا ثار رد منظم في سموط من النقد بينها من ناحية قيمتها اختلاف
ملحوظ
وقبل كل شيء علينا أن نعرف كيف نفهم هذا أنه مهما يكن خصوم مذهب المنفعة الشخصية من قوة المعارضة ضد مبادئه فانه يحوي عناصر للحقيقة لاجدال فيها
۰
•
1 تأسيس الاخلاق على الدين
ولنتأمل في الحقيقة حال الأفراد المعتدلين المثقفين في العالم المنمدين اواسك بطريق الوراثة وبطريق التربية قد تم لهم ضمیر اخلاقی حساس فاذا كنا لا تفكر الا فيهم وحدهم فلا شيء يكون أتم ضبطا من قواعد أولئك المنفعيين وفي الحقيقة نجد الأفراد الذين تكون ضميرهم بالتربية الطيبة يحسون تماما بتأنيبات ملهبة عندما يعصونه كما أنهم يشعرون جيدا بسرور سام وعميق عندما يحسون بتجردهم من الأدناس الأدبية والمادية واذن بالنسبة لفرد كهذا كيف لا تكون الفضيلة حسابا طيبا والرذيلة والاثم حسابا مشئوما انه اذا كان لا ينفذ الضروري لكى يقره ضميره فانه سيكون أولى الضحايا لسلوكه وأوفرها الما وان هذا ليس حقا فقط بالنسبة لأولئك الذين تحكمهم ضمائرهم انه كذلك عند أولئك الذين أوجدت المدنية والثقافة عندهم بعض استعدادات ظاهرة من رقة الشعور ان هؤلاء يتألمون كثيرا اذا ما رأوا أو تذكروا آلام الأغيار الى حد أنهم يتجنبون المساهمة فيها بل انهم يعلمون ما يمكنهم للتخفيف كما أنهم يكونون جد سعداء لسعادة الآخرين حتى ليحترمونها حين توجد ويجتهدون اذا لم توجد في أن يوجدوها
عنهم
•
ان العناية بابراز مثل هاتين الحقيقتين لعمل جليل القيمة وأن خصوم مذهب المنفعة كثيرا ما ينسون هذا أن مؤلفى هذه المذاهب ليشعروننا بأنهم كانوا ذوى روح طيبة ان خطأهم الأساسي ليس في أنهم اعتبروا أنهم سيكونون تعساء اذا لم يكونوا فضلاء انه انما كان فى أنهم اعتقدوا أن جميع العالم سيكونون تعساء مثلهم اذا لم يكونوا فضلاء مثلهم وعلى نفس طريقتهم
اننا نلمس هنا نقطة الضعف
ولنسلم مبدئيا أن الناس جميعا ذوو ضمائر مهذبة الى حد
٢٢٦
انهم جميعا يضعون فى المكان الأول من اهتمامهم البعد عن دنيان الضمير وأن يتمتعوا بالرضا الأخلاقي فهل يمكن القول بأنهم جميعا سيتفقون في نمط سلوكهم لنتذكر هنا الفصل الأول من مؤلفنا هذا اذا كانت الضمائر الانسانية هي على التقريب متحدة على هذه القواعد الأساسية الزم العدالة الزم الخيرية فهي لا تفسر هاتين العبارتين بتفسير واحد وهل الرجل الذي يبيح تعدد الزوجات يمكن أن يحس بتأنيب الضمير لارتكابه هذا التعدد أم هل امرأة من قبائل الهوتنتوت نحس خجلا مؤلما من اجل تجولها عارية كما ولدتها أمها ام هل يستشعر متعصب الله ضيقا اذا ما سرق او قتل نصرانيا وفضلا عن ذلك فاى اضطراب يستشعره ضمير امراة عربية تفاجأ متجردة من الحجاب الذى يجب عليها أن تتقى به جميع الأعين ! وای باس يستولى على نفس رجل بدائي حين يمس قدسية بعض المقدسات عنده فتتولاه بالتعذيب آلهة الجحيم
لكي يحقق المرء سعادته الخاصة يجب عليه أن يسلك بحيث يجنب آلام تأنيب الضمير وان يحصل على سرور الرضا الاخلافي تلك قاعدة سامية ولكنها لا تحقق التوافق بين الناس الا اذا كانت ضمائرهم في انسجام وانا لنعلم أن ذلك غير متحقق ويلاحظ ذلك كثير من الناس على التحقيق لهم ضمائر
أدهى من ولكن هل للجميع مثل ذلك الضمير ان من يتأمل سلوك كثير من الأشخاص سيجد نفسه مضطرا إلى التساؤل في ذلك هل دقة الحس بالرضا الأخلاقي وتوقع لوم الضمير أمر شائع إلى حد ادعاءات المختصرات الاخلاقية ان بعض العيارين والسفاحين قد يحققون لانفسهم نصراً بأن يطعنوا بعض الناس لكى يجربوا نصـلا جديدا وقع في أيديهم أو بأن يلقوا الى الماء لكي يربحوا رهانهم أول امراة يصادقونها فوق قنطرة وبصرف النظر عن التفكير فى هذه الأحوال الشاذة اليس خوف
۷
رجال الشرطة وخوف الرأى العام وخوف العقوبة الالهية هو الذي عند كثيرين من الناس يقوم مقام الفضيلة ثم الامتناع عن عمل أو تكليف النفس به لنوال الرضا الأخلاقي أو الفرار من وخذ الضمير أهو بالنسبة للرجل السوقي قاعدة ام شذوذ
العاطفة
وما هو حق عن الضمير هو أكثر من ذلك حق عن الرقيقة المشاركة الوجدانية ان بعض الناس يسرون بسرور الناس ويتألمون لآلامهم لكن هل ذلك ظاهرة كثيرة الشيوع كم في الناس من يسر في اعماق نفسه بآلام الآخرين وكم منهم لن يجدوا في تلك الآلام الا فرصة لاشباع فضولهم ! وكم فيهم من يكون موقفهم في ذلك على ادق تحليل موقف من يستوى عنده الأمران تماما ! ۱
تم
يجب أن لا نسير وراء الأوهام ! ان من يعمل حساب سعادته على الطريقة المنفعية فانه لن يجدها تتحقق في الفضيلة الا اذا له ضمير أدبى كامل و استعدادات قوية من رقة العاطفة المشاركة الوجدانية وبالاختصار روح اجتماعية قوية صقلت بعوامل الوراثة والتربية ولسنا نرى شيئا جديدا فى تلك التحديدات التي حاول ادخالها في حساب المنفعة بنتام و ستيوارت مل اللذان عملا على اصلاح امره ان ستيوارت مل ينصحنا بأن ترجع الى مشورة الخبراء والى القدوة بهم يا اسفا ! وهل أولئك الخبراء متفقون اذن فيما بينهم على القيمة النوعية للذات والآلام لنفرض أن رجلا ذا تربية عالية حل بباريس ولنقده الى متحف اللوفر ثم الى ملهى شعبي لكي يحتسي كأسا من رحيق مغلفل انه لن يتردد بعد
1 أى لا فرق عندهم بين آلام الناس ومرورهم
۸
في ان يعتبر الجمال الفني الذي رآه في المتحف لذة أسمى وارجع وأن اللذة التي اجتناها في الملهى ليست الا لذة سوقية الى حد كبير ولنفرض الآن ان زنجيا قد احضر من الكونغو ولتعده بدوره اولا الى متحف اللوفر ثم الى الملهى فهل نظن أن تقديره ه لقيمة اللذات التي شعر بها سيكون هو بعينه تقدير الأول وانه مع ذلك قد صار من الخبراء الم يوضع بين امرين مرغوبين لكي يستشعر درجتين مختلفتين من اللذائذ له القدرة على المفاضلة بينهما وانا لنخشى ان يكون ستيوارت مل قد اظهر نفسه بسذاجة في مظهر المتفائل كل امرىء حسبما يقول المثل يأخذ لذاته حيث يجدها وكل امریء فضلا ذلك انما يقيس قيمتها بمقياس التهذيب الذى أتيح له كيف يمكن لتجربة فرد أن تحصل لنا حسابا يقاس به سلوك سواه ٤ ام كيف نجمل جلفا من الاجلاف يستشعر من نشوة الفن ما يستشعره أحد هواة الفن أمام الجيو كنده وكيف يمكن اشعار امری ذی ضمیر بدائي ما يستشعره المتمدين من لذات اخلاقية يجدها في الفخر بنضحيته وبعبوديته من أجل وطنه ومواطنيه
عليه
عن
أما عن قواعد حساب اللذات التي وصفها بنتام فهل نراها محققة تماما وفي كل الظروف للمطلب الرئيسي من المذهب البنتامي التبصر يقود الى الرعاية 1 هاك هو ما يجب أن يبرهن ومن المعلوم أن الذين هم في حاجة الى الاقتناع ليسوا هم الذين يملكون ضميرا مهذبا ورقة عاطفة مشاركة وجدانية ان أولئك مقتنعون من قبل أما الذين هم في حاجة الى ذلك فانما هم اصحاب الضمائر المنحطة والذين ليسوا منها على شيء اصلا واذن فهل الموضوع يبدو دائما سهلا
لنتذكر في هذه الفرصة مثلا اخلاقيا قديما هو وان كان باليا مع ذلك لا يزال محتفظا برونقه
ومرددا فانه
1 أى مراعاة العدالة في السلوك
النفرض أن في الصين جابيا واسع الغنى ولنفرض أنه شرس ومبغوض من جميع الناس وأيضا فلنصفه بجميع النقائص مطاوعة للمشهور عنه وبجميع ما هو في طبعه من أبغض صفات القسوة ولنفرض في أوربا صعلوكا ١ وحيدا في حجرته ولنفرض انه مشيرف على الموت جوعا وانه مريض مثقل بالديون ذو زوج واطفال يصطرخون من قسوة البؤس ثم لنفرض أن تحت يد هذا البائس زرا كهربائيا وانه يعرف انه بالضغط على هذا الزر الكهربائي سيصعق هذا الجابي البغيض الى كل العالم ويعرف ايضا انه ان يعلم بعمله لا الشرطة ولا أى كائنا من يكون وأنه سيرث عنه فورا بلا منازعة ولا خصومة قضائية ثروة هائلة ماذا يجب عليه أن يعمل أيضغط على الزر الكهربائى أم سيكون له من الشجاعة ما يجعله يمسك عن عمله
لنستشر هنا الاخلاق المأثورة انها ستجيب بلا تردد
•
ستحكم بأن قتل هذا الجابي يكون حوبا كبيرا ان الشراح وحدهم هم الذين يختلفون تبعا لما يختارون من المذاهب ان الممثل الاخلاق الدينية يذكر هنا ارادة الله وخشيته أن الله يأمر باحترام
حياة كل بنى الانسان انه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور انه يجازى على الجناية دون وحمة كما ان الممثل الخلقية الواجب المجرد ليس هو بأقل ايمانا أن العقل يملى علينا أن نحترم اشخاص الآخرين انه يتطلب منا الامتناع عن كل قتل وخصوصا القتل المقترن بالأسباب الأوفر جشعا والاظهر سفالة ان دولباخ و ستيوارت مل لهما هنا رأيهما انك اذا استسلمت لقصدك الحاضر فانك ستحكم على نفسك أبد الحياة بأشد تأنيبات ضميرك احراقا انك ستحمل الى كل مكان وشم عارك حتى ولو كان النير يجهل ما كان فانك أنت تعرفه اما اذا كنت قد ثبت في وجه
1 الصعلوك الفقير
۳۰
تصدك فانك على الضد ستشعر بسرور اخلاقي لا يندر انك ستحفظ في نفسك بانفعالات تشيع بالأضواء لانك حققت عملا جميلا لكن لنفرض أن صعلوكنا هذا كان من أولئك الذين كانت تربيتهم
الاخلاقية فوضوية فهو لا ضمير لهن أو ضمیره کثیف صفیق و بدانی هو من الطراز الخشن المتعود على الفظاظة لنفرضه الآن كان مساحا بقائمة حساب اللذات التى ارتاها بنتام ولنفرض انه قبل ان يضغط الزر الكهربائي او قبل أن يرجع عن قصده كان قد رتب میزان ارباحه وخسائره فهل كان سيجد في عملية كهذه ما يثبت ميله الى العدالة والمراعاة لكي لا يحجم عن قصده انه يقتل الجابي وهكذا يتحصل مورد من اللذات القريبة المؤكدة الطويلة العميقة الأثر ولن يكون العمل الذي ارتكب ممنوعا من اللذات التالية للعمل فقط بل انه لخصب من اللذات المستقبلة الدائمة بدوام الحياة ان هذه اللذات لن تكون متعة له وحده بل لزوجته وأطفاله والبائسين الذين ربما يساعدهم بل حتى اولئك التعساء الذين يكونون قد تخلصوا من الجابي الذي يظلمهم سيكون لهم نصيبهم من هذه اللذات ان الحاصل الحسابي هنا ! ثم ماذا يخشى في هذه الناحية
من
جد جسیم أهو تأنيب الضمير ! لكن أى تأنيب يكون مع انه لم يقتل الارجلا شريرا ولنفرض أن شخصيتنا هذه تمتنع عن قتل الجابي انه ربما يستخلص من الامتناع لذة وقتية الرضا الاخلاقي او من كبريائه ولكن كم من حسرات بعد ذلك على اللذائذ التي ضاعت بسبب غلظته ولمنظر بوسه وبؤس عياله وأى انفعال ممض يساوره اسفا منه على انه كان قد أصبح فى يده حظه وحظ ذويه فلم يكن الحماسة ما يفيد به من تلك الفرصة الفريدة في بابها
له
من
حقا انه بالنسبة لبنتامى يمكن أن يوجد سبب المتردد في ارتكاب هذا الجرم فاذا فرضنا أن صعلوكنا الذي مثلنا به كان
٢٣١
بنتاميا فأين كان يجد السبب الذى يدعوه الى التردد في قصده ! اکان سیری بوضوح أنه فقط فى الظهور بمظهر العدالة والمراعاة
نحو الجابي يكون قد فهم المنفعة بالطريقة العقلية الوحيدة لكن ربما قيل أن الأمور لا تجرى فقط بهذا المجرى اذ ان المجرم لن يكون واتقا بسرية جريمته ولا بفراره من العقوبة لاريب في ذلك
ولكن هل نعجز أن نأتى بأمثلة من نوع آخر هي على الخصوص اشد زعزعة الضمير لأنها من وقائع الأمس وربما من وقائع الغد تلك حرب او تلك ثورة مثلا الى أى ناحية يلتجيء المرء أيتمم واجبه كجندی بأن لا يتردد فى تضحية حياته لخير الجماعة أبودى واجبه كمواطن بأن لا يتردد فى أن يختار الكفاح في سبيل ما هو عدل مخاطرا بأن يفقد كل شيء ماله وحريته وحياته ام يجب على الضد من ذلك في زمن الحرب أن يفكر فقط في الاختفاء أيجب في زمن الثورة أن يتوارى وراء سياج حقير من النفاق حتى تنتهي العاصفة ما الذي تحكم به على هذا اخلاق المنفعة الذاتية
من المؤكد انه اذا ما نظرنا الى أولئك الذين لهم قلوب شريفة فان لهذه الاخلاق ما تقوله انها ستجعلهم يفهمون ان الاختفاء والنفاق ربما كان فيهما ظفرهم بالحياة ولكنهم سيفقدون في نظر أنفسهم تلك الكرامة التي من أجلها ضحى سيرانو دى برجراك
بنفسه انهم سيحكمون على أنفسهم باشمئزاز اليم من انفسهم
•
انهم لن يستطيعوا قط أن يحيوا انه بالنسبة لاشخاص من هذا القبيل اشخاص منحتهم الوراثة والتربية الضمائر الحية الاسعادة مع الاثم على الرغم ما أداء باربی دوریگلی ان مثلهم هو تماما المثل الذي أورده رينان الموت ولا العار
٢٣٢
لكن هل لكل الناس قلوب شريفة أم هل بلغت درجة الماسية عند الناس جميعا حد التألم عند عمل الشر ا هل كل الذين تغفر زمن الحرب أحسوا بتانيب الضمير ! اكل الجبناء خزايا لأنهم جبناء ان التجربة لا ندز في تمام وضوح الا على العكس انهم ليوا قليلين اولئك الذين تمتعوا بحياة أطول بعد الحرب أو بعد الثورة لأنهم عرفوا كيف يتوافقون مع مقتضبات الاحوال بأن يعيشوا مطمورين صامتين ومن بين الذين اختاروا تلك الخطة كم هم أولئك الذين يلومون أنفسهم او ما عنيفا ومن منا لم يعرف من بينهم أولئك الذين يفخرون يعملهم هذا كما لو كان مفخرة ملحوظة وانه لحق الى حد كبير انه في مسائل الاخلاق والشرف يوجد العمى كما يوجد أولو الأبصار فهل يستوى الاعمى والبصير ام هل تستوى الظلمات والنور
العاطفة
انه مؤكد ان مذهب المنفعة الشخصية ليس مذهبا زائفا بكل ما فيه وان خصومه قد أفرطوا فى رميه بتلك التهمة انه يفود راسا الى الفضيلة كل من يملك ضميرا مهذبا حريا بأن يؤنب وان يثيب بالرضا الأخلاقي وكل من يملك استعدادات الرقيقة وميولا من الرحمة انه يقود اليها بأسهل من ذلك من يكون قد فهم الطبيعة الحقة للسعادة والتناسب العادل بين اللذات وظروفها والقناعة والاعتدال
من
لكن هل مثل حجج دولباخ و بنتام و ستيوارت مل يمكن أن تقنع داعرا مفعم الحلق بالخمر مفسودا بالبطالة سافلا منذ النفولة بأن منفعته الحقة هى فى أن يسير على عكس ما كان قد تعود وأنه يجب عليه من اجل لذات الفضيلة التي يجهلها ان يزعد في تلك اللذات الفظة السهلة التي يعرفها ان متمدينا في حالته الطبيعية يجد نفسه جد تعيس اذا ما اغتال احدا أو سرق أو ارتكب بعض الأخطاء لكن هل يكون كذلك تعيسا اذا اخان
۳۳
زوجته أو تغفل المكاسين فى تهريب بعض السلع أو كذب للمجاملة وكيف ندهش حينئذ اذا كان بعض أفراد هم أنزل من الحالة الطبيعية لا بلومون أنفسهم كلية على تلك الفظاظة التي نرى من في حالته الطبيعية يلوم نفسه عليها انهم لا يلومون أنفسهم عليها كما أن الرجل المحتفظ بتوازنه الطبيعي اذا ما كان في سن الستين هو لا يلوم كذلك نفسه على هفوات الشبيبة
وبالاختصار نقول ان مذهب المنفعة الشخصية ليس مذهبا عديم القيمة انه فقط جد متفائل وليس فى تفاصيله قواعد للمساوك موثوق بها الى حد الكفاية ان اطمئنان الضمير بالنسبة الى النفوس المهذبة تهذيبا عاليا هو المطلب الأول لكن هل كل النفوس
عالية التهذيب
٢٣٤
مذاهب الواجب الخالص
ان الأسباب التي أوردناها آنها لیست هی الأسباب الوحيدة
التي اثارت عند خصوم مذاهب المنفعة ارتيابا عميقا حول مباديه
ان هنا سببا آخر على جانب عظيم من الاعتبار انه في الحقيقة قد أحدث رد فعل ينم عن اشمئزاز عند بعض العقليان ليس نقط ضد مذاهب المنفعة الماثلة بل ضد جميع مذاهب الحكمة الأرضية وجميع المذاهب التي تستمد من الالهيات نحن نرى مثلا منقذا يلقى بنفسه فى الماء اننا نمتدح نضحينه ولكن هانحن أولاء نكشف أمرا كنا عن مثله غافلين هانحن اولاء نجد أن كل منقذ له دافع يبغيه اذا كان منقذنا هذا قد القى بنفسه في الماء فان ذاك لأنه يأمل فى نوال المكافاة الموعودة وليس للواجب ولا للرحمة بالضحية ولن ننقطع حقا من أجل هذا عن أن نقدر القيمة العادلة لعملية التخليص في ذاتها ولكن شعورا يفرض نفسه علينا ان هذا المنقذ لا يصل من القدر الى ما يظهر لنا أنه
يساويه أنه لم يخاطر بحياته الا من اجل منفعة مادية انه لم يصنع غير صنيع التاجر الذي مرن على التسليم والتسلم انه لا أثر في عمله لا للخلقية ولا للفضيلة
ان هذه الملاحظة لبينة وكان ينبغي أن يكون فيها الكغابة في نظر بعض الاخلاقيين لصرف انظار فلاسفة الاخلاق المأثورة عن عرض الاخلاق على بساط البحث
ان جميع أولئك الذين ابتدعوا مذاهب من تعاليم الحكمة الأرضية وفى الرحيل الأول من بينهم أصحاب الاخلاق المنفعية قد ارتكبوا
جميعا نفس الخطأ انهم طالما دعوا الناس الى السلوك على أساس انتهج هذا السبيل لكي تحصل على السعادة واذا أنت لم تنتهج ذلك السبيل الذي رسمناه لك فلن تصل الى شيء منها اليس هذا دعوة الى الاخلاقية في نظير أجرة تقدم
وحتى أولئك الذين أسسوا الأخلاق على اعتبارات دينية لم يفضلوا الآخرين بأن يعملوا لتجنب هذا الخطأ انهم هم كذلك ينتهون دائما الى ان يقولوا لكل انسان كن فاضلا لأنك اذا کنته فسوف تنال مكافاتك من يد الله وان لم تكنه فسوف تنزل بك عقوبته الصارمة اليس ذلك تحريضا له ايضا على ان يكون
مثل منقذنا هذا يسلك السلوك الفاضل فى نظير ثمن يقبض بالها من طريقة عجيبة حقا أن يدعى الى الاخلاق بدفع الناس الى اتيان اعمال مادلة وطيبة بناء على اسباب ودوافع نتيجتها الصريحة هي بالضبط تصغير قيمتنا الاخلاقية أو اسقاطها ! وكيف ندهش بعد هذا المشهد العجيب اذا ما رأينا أرواحا ثائرة وكيف ندهش اذا ما رأيناها تنقب عن مذاهب أخرى ذات طابع جذید
ان هذا الاهتمام قد بدا واضحا كل الوضوح عند كانت
واتباعه
لكن والحق يقال يجب التنبيه على أن جان جاك روسو من قبل كانت قد أبرز فى الأخلاق آراء تعتبر هامة وغريبة على العصر الذي كان يعيش فيه
وانه في العصر الذي كان يبدو فيه أن فلسفة لوك قد ربحت القضية حيث كان أكثر الفلاسفة يرفضون أن يسندوا الى الفرد ای استعداد فطری قد نادى جان جاك روسو بأن الفرد يملك
٢٣٦
الناحية
ضميرا اخلافيا يحمله منذ ولادته وان افراد الحيوان تملك غريزة نظرية توجهها وتقودها وأنه لا أحد قد كان علم كلب روسو ان يطارد الخلد وبقتله بينما هو لا ياكله ان الناس من الخلقية مزودون بتلك الغريزة الفطرية كما هو النسان في الحيوان ان لهم حاسة تدرك الخير والشر تظهر عند أول فرصة ذاك هو الضمير الاخلاقي الغريزة الالهية والدليل الثقة الذي لا يخطىء ولكي يسلك المرء سلوكا خيرا يكفيه ان يستنصحه انه يوحى الينا الواجب دون تشريع آخر وفى الاخلاق كانت القاعدة المأثورة هي الأمثل أما اذا اريد جعل الاخلاق علما فما ثم سوى شيئين ان نشرح وصايا الغريزة الأخلاقية التي تتحرك فينا بعبارات تتكون منها قواعد ثم نستخلص منها بمنطق استنتاجی نتائج لجميع الأحوال وانه لا حاجة الى العلم والفلسفة لكي يكون المرء حكيما وفاضلا أن الالهام والادراك الطيب لكفاية أن الأول يقدم المبادى والآخر يستخلص النتائج
فقط نجد روسو لم يتحرر تماما من الاعتبارات المتعاقة بالمنفعة لكى تكون سعيدا فانه لا يكفي ان تطيع وحى الضمير في جميع الأحوال ان هذا موضوع قد أخطأ فيه المنفعيون او وقعوا في المبالغة لكن على الأقل هم أدركوا الحقيقة في نقطة رئيسية كل امری يهمل نصائح ضميره يحكم على نفسه بالتعاسة ولن يتيسر له لا الصفاء ولا الراحة ولا الرضا الأخلاقى ان جميع المسرات ستموت فى قلبه كما تصير أطايب الاطعمة ممجوجة في نظر من بجد المرارة في فمه
واذن فالانسان الفاضل لن يسلك دائما بحسب منفعته المادية بل ان ما يعمله يكون دائما فى وفاق مع منفعته الأخلاقية أن السلوك السيء معناه أن يحكم المرء على نفسه بالياس الصادر من احتقاره لنفسه اما السلوك الخير فمعناه أن يحقق المرء لنفسه حتى حال
۳۷
بوسه سرورا لا يوصف مصدره اعتزازه بنفسه واذن فالرذيلة بادق تحليل ليست الا حسابا رديئا والفضيلة ليست الا حسابا طيبا واذن لس كل مبادى مذهب المنفعة بعد باطلا
انه في هذه المسألة يخالف كانت جان جاك روسو ان روسو قد ادرك أحد عناصر الحقيقة الاخلاقية ولكن هنساك عنصرا آخر لم يفطن له ان كانت هو الذي يسد ذلك الفراغ أو هو يعتقد أنه سيسده بنزعته البروتستانتية البروسية التقية
۳۸
- مذهب كانت
قبل كل شيء نرى أن موقف كانت من المسألة الأخلافية موقف مريح جدا
ان كتابه نقد العقل النظرى الخالص يؤدى كما راينا الى نتيجة رئيسية ان اية ميتافيزيقا لا يمكن أن توضع في وضع علمي قط أن أية منها لن تستطيع ابدا أن تظهر قضاياها الجدلية کمبادی مسلمة ولا ان تبررها كقاعدة تجريبية وان الفلاسفة الذين يدعون بناء تعاليمهم الاخلاقية على الميتافيزيقا الهية كانت قد حكموا على أنفسهم بالفشل ام الحادية
•
ومن ناحية أخرى نجد كانت بسبب طبيعته الخاصة وبسبب التربية التي نشأ عليها قد رفض أن يؤسس الاخلاق على اعتبارات منفعية السنا اذ ندعو المرء إلى الفضيلة عن طريق حساب المنافع كما أوضحنا انما نحرضه على أن يمارسها بناء على بواعث ليس لها من نتيجة مباشرة الا ما يمحق الفضيلة ولهذا يبدو أن الغرض الذي يريده المنفعيون انما هو مستحيل ان الاخلاق يجب أن تكون علما والعلم لا يكون علما الا بقوانين عامة بينما اللذة والألم يتعلقان بالاحساس والاحساس هو على العموم شخصى فمن ذا الذى يستطيع اذن أن يقول ان العمل الفلاني يقود حتما الى السعادة كل من سيلزم نفسه بالقيام به ذلك فهذا هو صنيع المنفعيين كانوا يجرون عليه ومع لو كانوا قد فكروا جيدا
ان المسألة التي يتعين على كانت أن يبحثها هي اذن جد محددة واليك بيانها ان الفرض هو أن يضع للاخلاق أساسا
٢٣٩
هو في نفس الحين عقلى ومجرد من كل اعتبار منفعى ولقد اعتقد كانت ان الأمر فى حيز الامكان وانه من اجل ذلك قد أدخل على الفلسفة تصورا يعتقدهو انه اخترعه ذاك هو العقل العملي انه سيكون في غير حدود المنطق ان يعصى المرء ذلك العقل كما قال ذلك احد شراح كانت واذا ما أمكن أن نقرر هذين المبداين فلن
يكون أمامنا بعد صعوبة
عملية
ا - ان هذا العقل بطبيعته وبسبب انه هو هو له أوامر
- ان اوامره هذه تتلخص فى بعض قواعد واضحة
وفى هذا المنحى يتركز مجهود كانت
انه يبدأ بتقرير ظاهرة من الظواهر النفسية ان كل العالم يتفق على هذه الحقيقة الأساسية ان الشيء الوحيد الذي يجب ان يكون خيرا تماما انما هو الارادة الخيرة وما تلك الارادة الخيرة التي تجذب نحوها جميع مظاهر التقدير ان الدليل على أن ارادة ما هي ارادة خيرة ليس هو النجاح فى عمل من الاعمال ان خير ارادة في هذا العالم ربما كان نصيب صاحبها أن لا يوفق فيما اراده فلا ينجو
غريق أراد أن ينجيه ولا يتصالح قوم أراد أن يصلح ذات بينهم ان الذي يحدد معنى الارادة الخيرة انما هو شيء آخر انها العزم على أن يحيط علما في جميع الأحوال بما يجب عليه أن يعمله انها ارادة تنفيذه باستخدام جميع الوسائل التي يملكها تلك اولى الخطوات فى التحليل الاساسي انها ستقودنا الى هذه النتيجة ان مبدأ الارادة الخيرة لا معنى له الا بالقياس الى ما يجب علينا فعله ان ذلك المبدا حينئذ ملازم لمبدأ الواجب ومتساند معه
•
لكن حينئذ ما تلك العناصر التي يحويها مبدا الواجب هذا لنحلل ذلك المبدأ ونحن واجدون فيه عنصرين
٢٤٠
ان الواجب شو مبدئيا أمر صريح والأمر احد صبغ الفعل الزمانية وتلك الصيغة يستعملها من يأمرنا بان نعمل شيئا فقط هذه الصيغة لا تستعمل دائما بطريقة واحدة
في أكثر الأحيان يكون الامر شرطيا او احتماليا غير جازم انه ت يارنا بعمل شيء الا اذا كنا نريد من ورائه غاية مثلا اذا كنت تريد أن تعرف القواعد الرياضية فادرس الجبر اما فى احوال أخرى فانه يأمر بدون شرط انه يدل اذن على أمر مطلق لا تقتل لا تسرق لا تكذب
ان خاصية الواجب بالضبط هي أن يتجلى في صورة أوامر
ا
من النوع الثاني انه الزام انه طلب إنه يجب عليك لكن ذلك ليس كل شيء انه فى الحين الذي نستشعر فيه واجبا نجد انفسنا مأخوذة بشعور آخر واضح كل الوضوح ان الواجب الذى تشعر به ليس فرضا علينا وحدنا أنه فرض على كل كائن عاقل يوجد في ظروف كالتي نوجد فيها انه سيفرض من بعد على كل انسان سيكون له حال مطابقة لحالنا وما معنى ذلك معناه أن أى واجب لا يتمثل في نفوسنا الا اذا كانت له قيمته العالمية قيمته في نظر كل كائن يعقل سواء أكان ذلك في الحاضر أم في الماضي ام في المستقبل
والان ما الملكة التي تختص بما هو عالمى اليست هي نفس ما نسميه العقل وما دمنا نحس في داخلنا اوامر تتمثل لنا في شكل التزامات عالمية فلننظر اذن اليها كنتيجة تصدر عن العقل أو أنها مظهر له ولذا يستنتج كانت ان العقل له خاصية العمل من تلقاء نفسه وعنه ينشأ ذلك الالزام الذي ينطوى في معناه السامي ذلك المبدا اعمل دائما بحيث يمكن ان يكون وحي ارادتك قانونا عاما يعني اعمل بحيث يمكن أن يسير جميع الناس
٢٤١
عن
حسب ذلك الوحى الذى هو من تشريعها الخاص دون أن ينشأ ذلك آية استحالة منطقية ذلك هو القانون الأساسي الذي يوحيه
العقل العملي الخالص
تلقاء
انه مقرر داخل نفوسنا من انه من قبيل المسلمات الرياضية غير قابل للبرهنة
نفسه ولكنه مع ذلك واضح ومقنع انه يخاطبنا بمثل صلصلة الجرس ولو أننا طلبنا الى هذا المقل لماذا كان هكذا يعمل من تلقاء نفسه قانه سيجيبنا بلا تردد تلك هى ارادتی وذاك هو أمرى
هكذا المبدأ وتلك هي النتائج
النتيجة الأولى تتعلق بالتمييز بين ما سماه كانت المشروعية من جهة والاخلاقية من جهة أخرى لنفرض أن انسانا اراد ان يسرق انه اذا ما استسلم لشهوته يكون عمله بعيدا عن المشروعية وعن الأخلاقية معا ولنفرض الآن أنه امتنع عن السرقة انه بذلك يكون قد حقق المشروعية لانه سلك مسلكا مطابقا للقانون لكن هل هو لهذا السبب يعتبر متصفا بالأخلاقية علينا هنا ان تمحص الأسباب التي من أجلها يمكن أن يمتنع انسان من السرقة انها بالطبع ليست من نوع واحد انه قد يمتنع عن السرقة خوف سطوة الجرس الأرضي أو خوفا من الله الحارس السماوي أو خشية أن يفقد اعتباره عند أولئك الذين يعيش معهم في بيئة واحدة اولانه استحضر قبل العمل في خياله ما سيكون من الم ينزل بضحيته التي يستشعر نحوها شيئا من الرحمة أو لأنه يخشى تأنيب الضمير وأخيرا قد يكون المانع أن يقول لنفسه ان واجبي هو الا اسرق يجب أن أحترم هذا الواجب لأنه هو الواجب ولان العقل العملى هو الذي أمرني بطاعته هنا يقول كانت ان من يمتنع من السرقة لواحد من الأسباب الخمسة الأولى هو في الحقيقة داخل القاعدة من حيث انه مطيع للقانون ولكن عمله مع ذلك يبقى عاريا عن صفته الأخلاقية ان لم يكن له من دافع في سلوكه هذا
٢٤٣
سوى الحساب الشخصى ومراعاة المنفعة وارضاء الأنانية اما الذي يعد مسلكه على سنا الأخلاق فهو الذي امتنع عن الرف احتراما للواجب أعنى خضوعا للعقل أنه لمقرر أن لا قناة بني مجاهدة النفس ومن غير أن تتغلب الارادة على الطبيعة كما أنه لاسمو بدون هذا التأدب النفسى الذى به يباح للمرء أن يتبت إلى امر بينما رغبته تدفعه إلى سواه انه بهذا الاعتبار يبدو ذا أهلية وجديرا بالمدح وذا سمو اخلاقی ومن هنا نأتي هذه العبارة المشهورة انه لا يكفى أن يعمل المرء واجبه بل عليه ايضا أن يعمله بدافع انه الواجب
•
ومن هنا أيضا تاتي هذه التكملة ان أمرا لن يكون ذا خلقية في عمله مالم يكن يحمل بين جوانحه من القوى الضرورية مابه يرفض في شمم كل مسايرة لنزعات طبيعته وانه لكي يكون المرء ذا خلقية فانه يجب ان يكون قادرا على ان يسيطر على ميوله بفكرة عقلية مجردة دون اى دافع حسي واذن فان موقفا كهذا يستدعى كشرط أولى حرية الارادة وكيف يتصور بدونها ان نختار بأنفسنا قانون السلوك الذي نسير عليه
وكيف يمكن أن تظهر فينا كقوة مستقلة ان الاصرار على طاعة شريعة الواجب وعلى الخضوع لها باحترام خالص دون أي سبب آخر وعلى أن يضحى فى سبيلها بكل الرغبات وبجميع الشهوات النفسية لهو ما يضفى على الانسان قيمته الاخلاقية ويلبسه تاج وان جميع ذلك ليستدعى تأهل المرء لضبط نفسه
عظمته
بعزيمة حرة
لمان
وأيضا عندما يتصف سلوك المرء بأنه صادر عن حرية واحترام لا بعده مطابقا لشريعة الواجب فلن يكون ذلك خلقية صحيحة الا اذ كان عالما تماما بما تفرضه تلك الشريعة
٢٤٣
وفى هذا المقام أيضا يعتقد كانت أنه وجد الدواء المطلوب ان جان جاك روسو كان من قبل قد قال بقدسية الضمير غير أن مبالغاته في ذلك التقديس وهنت موقفه امام خصومه في الرأي من اتباع موتينى الذين أظهروا على صورة من الخبث والدهاء اختلاف الاخلاق تبعا لاختلاف الازمنة والأمكنة والاشخاص أما كانت فقد اعتقد انه تخلص من مثل هذا النوع في النقد الأنه رای ان فى جميع الضمائر عنصرا لا يتغير هو نفس الالتزامات الاخلاقية ان تلك الالتزامات قد تبدو أحيانا في صور مشوهة
ید ان النداء الخير للضمير هو فيها ثابت لا يتحول أبد الدهر
ان كلمة واجب ليس لها من معنى فى كل زمان ومكان الا انها التزام عام ومن هنا يبدأ كانت طريقه انه يستخلص من هذه الملاحظة الأولية ثلاث قواعد للسلوك وعلى هذه القواعد يقيم الدعائم
الأساسية لفلسفة الاخلاق الخالدة
انها قواعد تبدو لعينيه متكافئة وهى مظاهر أخلاقية مختلفة تعبر عن حقيقة واحدة لا تتغير ان أولى تلك القواعد هی ما ذکرناه آنها أعمل بحيث يمكن ان يكون عملك الصادر عن وحى ارادتك قانونا عاما
•
اما الثانية فهذا نصها انظر الى الانسانية دائما ان في شخصك وان في غيرك كما لو كانت غاية ولا تنظر اليها كما لو كانت
وسيلة
•
وأما القاعدة الثالثة فتتلخص في هذه الكلمات القلائل اجعل ارادتك حرة دائما وكمصدر للتشريع العام
ان استعمال هذه القواعد يبدو في نظر كانت واضحا وضوح القواعد الرياضية وأن عرض بعض المثل ليكفي لان بصيرها
•
واضحة جلية
٢٤٤
مثلا هل استطيع ان انتل نفسى لا وليجرب وضع العبارة
صفة
الآتية في قاعدة تتخذ مبدا للتشريع العام يجب على جميع الناس ان يقتلوا أنفسهم ولنفرض أن الجميع قد نفذوا هذا المبدا فلى يكون هناك جماعة واذن فتشريع كهذا يصبح مستحيلا في المنطق بقدر ما هو عقيم - هل لى أن أصبح ذا عبيد لا ان شراء العبيد واستخدامهم في صورة بهائم يكون معناه اننا ننظر الى اشخاصهم كما او كانوا وسائل ولم ننظر اليهم كما لو كانوا غايات تحترم لذاتها هل لي ان اكذب لا لأنى حين اكذب أكون قد اتخذت من الانسانية في شخصى وسيلة لنيل أوطار أو للفرار من اخطار وفى هذا اكون قد جعلت شخصى وسيلة لا غاية ولنفرض ايضا ان مجتمعنا يطبق فيه كتشريع عام هذه المادة يجب على الجميع أن يكذبوا أن هذا التشريع حينئذ يواجه الاستحالة المنطقية لأنه لا أحد يكذب الا لكي يخدع فهل يمكن لانسان ان يرضى لنفسه بعد هذا أن يكون ضحية فينخدع لاية كلمة تلك طريقة استنتاجية بمساعدتها اسم كانت مذهبا كاملا للتشريع والفضيلة ولنضف الى ما تقدم أن كانت قد مزج هذه المباديء بثناء له قیمته اطرى به العقائد الدينية اننا نلمس في داخلنا شريعة الواجب واذن فمن المحتم أن نكون أحرارا والا فاننا لن نستطيع أن تكون في وفاق معها
•
كما انه من المحتم أيضا أن تكون الروح خالدة اذ بدون ذلك لن يتيسر لنا الزمان الكافي لتحصيل الكمالات التي تقتضيها شريعة الواجب هذه وكذلك نجد من المحتم الجزم بوجود الله وبدون وجوده لن يتحقق الخير الأعلى الذي يستدعى التلازم بين السعادة والفضيلة والذي نحس أننا بحاجة الى ان نتصل به وما ثم شك أن عالمنا المادى هذا بما فيه من ظواهر حسية لن يتاح فيه لضميرنا وهو لايرى فيه الا من خلال المكان والزمان أن يكون من الاشراف بحيث
٢٤٥
يبدو له ان الحرية وخلود الروح والتلازم بين السعادة والفضيلة أمور مؤكدة ان هذه الأمور يمكن أن توجد وتثمر في ذلك العالم المينا فيزيقي الذي هو اسمى مما تصل اليه مداركنا لنعتقد اذن أنها توجد فى ذلك العالم وتؤتى فيه ثمارها حقا ا لاننا نشعر في داخلنا بشريعة الواجب وهذا الواجب يستلزم أن يكون في وسعنا تلبية ندائه وطاعة أوامره
واخيرا يقرر كانت اننا نكون مخطئين اذا لم نعتقد في مسلمات الدين التقليدية هذا الى ان وجود القانون الاخلاقي في انفسنا يوحى هو نفسه بهذه العقائد ويبررها ولكن هذا القانون لا يستمد سلطته منها لأن سلطانه مستمد ذاته
من
هذه المعتقدات
•
من
هو
ان هذا المذهب له شهرته المستفيضة كما انه كان له اثره في نفوس الكثيرين على اختلاف مشاربهم من أمثال فخته وبرودون وسكريتان ورينوفييه ومع ذلك فقد آثار حوله نقدا حادا ان مبادله هي وحدها التي تعنينا هنا ولنترك جانبا خضم المناقشات الثانوية انها ليست قليلة ولننبه على أن هذه المبادىء قد ورطت كانت باستلزامها نتائج لا ترضى ضمائرنا اليوم انه يلزم على هذا مثلا الا يكون هناك داع العقوبة مجرم لا بقصد اصلاحه ولا يقصد ارهابه لأن في هذا ما يجعل من شخصه وسيلة لا غاية وأيضا لن يمكن التسامح في أي نوع من أنواع الكلب لا الكذب للمجاملة ولا الكذب للعظة ولا الكذب التهذيبي ولا الكذب في سبيل الوطن ولا الكلب الذي يعد بطولة وسموا وانه ليلزم من هذا أن يكون الكذب محظورا على حتى بصدد بری لجا الى حماى ثم جاء جلادوه يطالبونني به لاني اذا كذبت منكرا وجوده عندى أكون قد اتخذت من شخصى وسيلة ولم انظر اليه كفاية
٢٤٦
ان مثل هذه الصرامات الاخلاقية الجديرة ان تملأ نفوسنا ضيفا وحرجا انها لتشيرنا أكثر من حيث أن كانت لما رغب في أن يستخلص من مبادئه هذه نتائج لا تحتملها جعل هذه المبادىء تنطق بما يريد ويشتهى مستعملا في ذلك ذلاقة لسان ذلك مثلا أن كانت لما أراد أن يبرد الغانة المنكوبين
مدهشة
ومن
رجع ظاهرا الى قاعدته الأولى لنفرض ان جماعة من الجماعات قد اتخذت كمبدا للتشريع هذه المادة يجب أن لا يغيث أحد احدا بأية حال ان كانت كان من الواجب عليه أن يقرر ان مثل هذا المبدأ التشريعي يستلزم الاستحالة المنطقية بيد انه يخترع شيئا آخر من ابتكاره يقول لنفرض اننا كنا نعيش في مثل هذه الجماعة واننا كنا فيها من المنكوبين اننا سنكون في هذه الحالة من أول الضحايا لأنه يخف الى غوثنا أحد اهذه هي الاستحالة المنطقية المدعاة مثل آخر انه بحيلة تكاد تكون من نوع الكوميدى قد أظهر أن الزوجين فى حالة الزواج الشرعي يكونان قد نظر كل منهما الى الآخر كفاية لا كوسيلة أما في المعاشرة الحرة فان الخليلين يكونان قد اتخذ كل منهما صاحبه وسيلة لا غاية ! ان كانت بمثل هذه الطرق يعطينا مثالا عجيبا لما يستطيع المنطق ان يفعل ان لم يكن بدافع الشهوات فعلى الأقل بدافع مسايرة الأوهام الباطلة وذاك فن لا شعوري بدون شك ولكنه وايم الحق مدهش فن استعمال منطق سوفسطائی و مضحك لكى يستخرج من القواعد الموضوعة ما كان قد أريد بناء على رغبة نفسية سابقة أن يستخرج منها لكن ليس هذا هو أهم ما يعنينا ان الذى يعنينا هو الموضوعات الأصيلة لمذهب كانت تلك الموضوعات التي يبدو لنا انها بالامتحان والتمحيص ستكون موضع الشك
ولنتأمل أولا تفريقة بين المشروعية والاخلاقية ان هذا التفريق في بعض نواحيه حق لاريب فيه ولكنه مع هذا
٢٤٧
ليس من بنات افكار كانت ان هذا الذي لا يمارس أعمال العدالة والرحمة الا خوف عقوبة أو طمعا في مكافأة خارجية ک خوف المشنقة أو الطمع في وسام وخوف الجحيم أو الطمع في الفردوس أو خوف احتقار الناس أو الطمع في احترامهم ليس هو من يصلح لأن يكون رجل اخلاق ولقد ادرك سبينوزا هذا المعنى من قبل وتكلم فيه وليس كانت الا مرددا له وحاكيا بيد أن كانت لم يقتصر على هذا بل أبعد السير وأمعن في انه ليرى أيضا أن أولئك الذين يؤثرون العدالة والرحمة بدافع العاطفة الطيبة أو بدافع الغيرية أو خوف تأنيب الضمير أو الرغبة في ان يكونوا مسرورين بحظهم الخلقي هم ايضا لاخلاق لهم باله من تفسير عجيب
الطريق
أن أرسطو قد ذهب الى عكس هذا ان المرء عنده لا يكون عادلا حقا الا بقدر ما يكون مسرورا بأنه عادل وانه ليكون أكثر عدالة كلما كان أوفر احساسا بالتعاسة اذا ما أخطأه يوما هذا الوصف وقد أعلن ذلك جان جاك روسو اذ يقول ان هذا الذي يراعى في سلوكه ان يجتنب وخذات ضميره وان يحتفظ بصفائه الداخلى يكون خاضعا لفائدته الأدبية ولكن ذلك لن ينال من فضيلته لا في قليل ولا في كثير
كما أن الشاعر شلار قد أعلن هذه السخرية أني لأشعر انني اجد سرورا كلما أسديت لجارى معروفا ولذا أشعر بقلق عظيم لخوفى على خلقيتي
من
اذن المحق هنا ومن المبطل ايتحتم ان نقول انه كانت ا يجب أن نحكم بأن العواطف الطيبة تذهب بخيرية العمل انا لنخشى أن يكون مذهب كهذا قد بنى على خلط خطير العاقبة بين الكفاية والفضيلة ولنفرض اننا بازاء رباعين يتعين على كل منهما ان يحمل بذراعه المبسوطة مازنته مائة كيلو ان احدهما يتناول
٢٤٨
•
ذلك
الحمل ويرفعه كما لو كان ذلك غير شيء أما الآخر فلا يرفعه الا بعد معاناة وعرق من دم وماء ولكنه فى النهاية يفوز ببغيته أيهما يكون أقوى الأول هو الأقوى بلاشك لكن أيهما صاحيب الجدارة انه الثاني ولا ريب لانه صارع طبيعته وتغلب على ضعفه في النهاية وأيضا لنفرض ان حلية كانت ملقاة على نفد وأن أحد الناس قد مر بها وأنه كان متين الأخلاق فلم ياق اليها بالا انه لم يفكر في احتيازها بل كل ما استرعى فكره هو أن ترك حلية مثلها هكذا يعد اهمالا اما الاخر فحين مر بها التقطين ووضعها في جيبه انه كان يخرجها ثم ينظر اليها ثم يعيده الى جيبه وبعد صراع نفسی تغلب على ميله الذي استولى عليه بعض الوقت فتركها اى هذين الآن أفضل اننا لن ننكر - مهما كان سلطان كانت أن الأول هو الأفضل انه هو الذي كان سيصير تعيسا او اقدم على فعل الشر ومن اجل ذلك لم يفكر حتى في أن يهم به لكن أيهما صاحب الجدارة اليس هو الثاني الم يكن ذا شجاعة وذا عزيمة في صراعه ضد نفسه والآن لنفرض أن أمامنا حدثا بحاجة الى التربية على أي الخطتين يجب ان ننشئه انوثر ان يكون من صحة الخلق والبعد عن الشر بحيث لا تفاجئه عادة الميل الى الاثم قط ام تؤمل ان براه دائما مبتلى بالجرائر کی تتحصل له بالمرانة المستمرة على مغالبة ميوله جداراته الأخلاقية ايه ايتها الخلقية كم فيك من طلاسم ومعميات ! ولكن هذا أيضا يعد هينا ان الحيرة كل الحيرة لهى فى تصورنا العقل العملى أن أمرءا قد يبدو لنا مجنونا أو معتوها في حالتين ا - حينما يتخذ وسائل مضحكة لكى يدرك غاية
وذلك كان يقطع أنفه أو أذنيه مثلا لكي يكون جميلا
من
الغايات
٢٤٩
- حينما نراه يقوم بأعمال دون وجود الحامل عليها كان ينب فجأة فيجلس فوق منضدة أو أن يعوى أو يأتي بحركات
مضحكة
•
ولنبدا من هذه النقطة فنسأل العقل العملي لماذا يوجب علينا ان كانت يجيب هنا
•
هذا الذي يوجبه على رأى كانت لان العقل اذا وجه اليه هذا السؤال فان جوابه يكون دائما هكذا و هكذا أريد هكذا افعل ولكن حينئذ لا بد من احد مرين أما أن هذا العقل الذي نحن بصدد الكلام عنه لديه اسباب الزامنا بما يلزمنا به ولكنه يرفض أن يطلعنا عليها شانه شان حاكم مستبد واذن يكون وضعه لا منطقيا ثم اليس هو حين يدعونا الى طاعة ما لم نفهمه انما يدعونا إلى اتخاذه مبدأ جد مخالف للمنطق - وأما أن هذا العقل ليس لديه من سبب لالزامنا يما يلزمنا به وحينئذ هل يمكن أن يقال أنه يصدر ما يصدر عن نطق وتعسفه هذا هل يكون عقلا أم هل يكون جنونا ان عده لورطة لا مخرج منها يبقى محبوسا فيها كل ما قرره كانت في مبدا العقل العملى أن الأستاذ ا فوييه قد أبان هو أيضا عن ذلك اد يقول ان كانت قد هدم مذهبه هذا دون شعور بجملة ساخرة اننى أسمع في كل مكان قائلا يقول لا تستشر الضابط يقول لا تستشر عقلك بل أطع الأمر والجاني يقول لا تستشر عقلك بل ادفع ما عليك والقسيس يقول لا تستشر عقلك بل آمن واعتقد ولكن هنا نسأل كانت وما الذي يقوله العقل العملى اذا لم يكن ما يقوله هو نفس ما قد رآه كانت من قبل مثيرا للضحك والسخرية انا آمر فأطيعوا لكن شاذا تأمرنا بما تأمرنا هنا تتجمع المشكلة و كانت لم يوفق
عقلك
تحلها
واذن فيجب أن لا يعد قليلا ما كان من تناقض كانت كما نبه على ذلك استاذ يريشار انه بنقده العقل النظري قد
٢٥٠
ذلك
قضى على كل امل لاقامة قواعد ميتافزيقية للاخلاق الدينية المأثورة إنه سيكون من المحتم اذن أن يؤدى ذلك الى هذه النتيجة يجب أن تزهد الأخلاق فى قاعدة الالهام والاستنتاج التي البسها التعليم الديني ثوب المنطق والعقل لكن كانت ما كان يريد انه ليدعى أنه صان للاخلاق اسمها ونتائجها وحفظ عليها لهجتها الآمرة ومن أجل هذا يجب أن تكون لمبادئها الأولية قدسية تجعلها بمناي من المساس بها أن صنيع كانت هذا الذى يبدو أنه عمل لاشعورى لهو أشبه بما روي في كتاب يوميات شارل التاسع الذي ألفه مريميه عن ذلك الذي أراد أن يأكل يوم الجمعة المقدسة دجاجة فقام بتعميدها سمكة قبل ان يأكلها أجل لقد صنع كانت نفس هذا الصنيع أن كانت رأى أن كلمة العقل كلمة لها قدسيتها المأثورة وعظمتها انتي تستدعى الاحترام بيد أنه نسي أن العقل لم يستمد هذه الصفة الا الفلسفة التي تعتبر العقل طائفة الحقائق الخالدة
من
من
التي كان العلم بها يعد عند بني الانسان منحة قدسية من الله انه نسي أن نقده للعقل النظري قد افسد الى حد كبير مثل تلك العقيدة وهكذا نرى أنه قد تأتى للعقل ان يظفر بعد جهود كانت بصفة عملية أساسية وهكذا نرى المبادىء التي اراد أن يشيد عليها القواعد الاساسية للأخلاق قد استحالت الى نتائج بدل أن تكون أسسا وهكذا نرى أن ذلك البناء الذي تعودت الانسانية أن تضعه موضع التقديس لأسباب متضافرة لم يبق له من قيمة أكثر من أن يستخدم فى أمور تافهة لأنه قد فقد ما كان له من معنى ايه ايها العقل العملى أيها السلطان الذي لا يتجلى في أكثر من كلام !
مذهب أوجست كونت
ان هذا الذي قد حاوله كانت واتباعه من تجريد الأخلاق عن كل اعتبار منفعى قد حاوله أيضا 1 كونت وان يكن قد سلك اليه سبيلا آخر ان هذا المذهب يجب أن يكون أساسا لما يسميه 1 کونت ديانة الانسانية تلك الديانة التي يجب أن تصير ديانة الجمعية الانسانية الجديرة بأن تسمى الجمعية
الوضعية
ان مبدا الأخلاق التي يبشر بها ١ كونت يتلخص كله في هذه العياره عش من أجل غيرك أن هذا المعنى سيبدو مرسوما على رايات المذهب الوضعي ان تعاليمه تتجلى في منهج من النظام الاجتماعي الحب هو المبدأ والنظام هو القاعدة والتقدم هو الغاية
ان مذهبا كهذا ليختلف اختلافا بينا عن مذهب كانت ان مذهب كانت يرى أن العواطف مفسدة للخلقية وان الشيء الوحيد فيه الذي يبدو انه قد تجافى عن الأذى انما هو احترام القانون لأنه القانون أما عند أ كونت فالحق هو عكس ماراه كانت ان 1 كونت يقرر أن رقة العاطفة هي منشأ الحب ومصدره وأنها هي التي يجب أن ينتظر منها الجميع الوان التراحم والتعاون والتضحيات وهي التي يجب أن تنمى في قلب الطفل منذ أيامه الأولى انها هي التي ستحقق الروح الاجتماعية الحقيقية التي هي أم العصر الاجتماعي الحقيقي واذا كانت المرأة هي افضل صورة للانسانية فذاك لأنها هي ارق النوعين الانسانيين عاطفة وأوفرهما حنوا
٢٥٢
ان 1 كونت مقتنع كل الاقتناع بأن مذهبه بعد مناقضا المذاهب المنفعة والاخلاق المسيحية ولقد كان ا كونت كلما سنحت فرصة يوجه اللعن والسباب الى هلفتيوس كأن يقول مخاطبا هلفتيوس ان تعليم الأفراد ان الاخلاق هي على قاعدة اعملوا من أجل غيركم إنما هي خير وسيلة تستطيعها لكي تعمل من أجل شخصك ان هذا المذهب مشئوم ان الغاية التي تريدها الأخلاق هي وجوب تنمية الغيرية في نفوس الأفراد الى أقصى حد فيالها من وسيلة عجيبة أن يقال لهم تعلموا الاصغاء الى انانيتكم فأن هذا سيجعلكم غيربين ان هذا ليشبه تحريضهم على أن يكونوا فضلا بأن يسلكوا دائما متباعدين عن طريق الفضيلة
وعلى الرغم من الاعجاب الذي كان 1 كونت يبديه نحو النظم الكاثوليكية الدينية فانه كان ينحي باللائمة على الاخلاق الدينية كان يقول اليست دعوة الأفراد الى ان يفكروا دائما فى نجاتهم وأن لا يفكروا الا فيها وحدها هي في هذه الناحية عين ما صنعه ها فتيوس فى تعاليمه الاخلاقية اللاسماوية اذا كان أي أمرى لن يكون صالحا الا لخوفه غضب الله أو لطمعه في انعامانه عليه فانه في الحقيقة لن يكون صالحا ولا محبا للخبر أنه لن يعمل ذلك أجل حبه لغيره فى الحقيقة بل من اجل حبه من لنفسه ولن تكون اعماله وحركاته الا ثمرة لحساب يراعى ادق المنافع و 1 كونت يذهب بنتائج هذه الأفكار الى ابعد حد ان ممارسة بعض الفضائل ليعود على الفرد بمنافع لاشك فيها لكل فرد يلتزم بممارسة تلك الفضائل ومن ناحية أخرى ليس من هذه الفضائل فضيلة يمكن أن يقال ان المجتمع لا يستفيد منها فائدة رئيسية واذن يمكن أن تعلم تلك الفضائل منظورا فيها إلى ما يعود منها على الفرد وعلى المجتمع الانسانى من منافع ان 1 كونت يعلم
ذلك ولكنه متشدد فى مذهبه يحرم على المربى أن يطري فضيلة
لا
من
فائدة
•
كائنة ما كانت بسبب ما يمكن أن يجنى الفرد منها مثلا ربما يقال للطفل كن نظيفا من أجل احتفاظك بصحتك اجتهد لكي تكون من الكبراء وذوى الرفعة ولكن 1 كونت هذا المسلك انه يحتم أن لا تمجد اية فضيلة للطفل الا لما يعود منها على المجتمع وعلى ذلك يجب ان يقال له كن نظيفا كيلا يتأذى بك الغير اجتهد كي يكون منك للانسانية عضو نافع وكل مسلك غير هذا يكون خدعة في طيها جنابة
يبيح
·
تلك قواعد جد واضحة وليس ثمة ماهو أفضل منها لتحقيق ما ذكرناه قبل الاهتمام بتخليص الاخلاق من كل اعتبار للمنفعة
الشخصية
بيد أنه يلاحظ فقط أن 1 كونت قد اصطدم بمشكلة مقلقة لا مفر له منها هل يكفى أن يقال للأفراد عيشوا من اجل غيركم فيجيبوا النداء مقتنعين وكيف يمكن أن يبرهن لهم على ان هذه القاعدة الاساسية هي في الحقيقة ما يجب عليهم أن يعملوا بها كيف يقرر أنها هي القاعدة التي تحوى المعنى الحقيقي للخلقية
•
بيد أن 1 كونت امام سؤال على هذا الوضع يلتزم عادة جانب الصمت انه بعدها مسألة ميتافزيقية لاطائل وراء البحث فيها هو يعتقد أن هناك بدهيات سريعة الوقور في النفس وأن مبدا الاخلاق هو واحد منها هل يمكن ان يكون ثم نزاع حول المبادىء الأولية للعلوم الرياضية انها يتخذ منها مبدا السير لكي يشاد البناء كله وهكذا ليس ثم مكان للجدال قط في مثل هذه العبارة عش من أجل غيرك انه لمعنى يقر في كل روح مخلصة ومع هذا حتى اذا كانت تلك الحالة تمثل استعداد 1 كونت في هذه الناحية فانه لم يتمسك بها بطريقة قطعية انه في الحقيقة
٢٥٤
قد صاغ نوعين من البرهنة مختلفين هما على التساوي جديران باقناع العقليات المعاندة وقد راح اتباعه يلتمسونهما من تعاليمه ولقد عملوا على أكمال تلك الحجج ونظموها ولكن موضع العجب انه كلما دقق البحث فيها ظنه ا كونت وانباده مؤيد لأخلاقهم الإبشارية كانت نتيجة الامتحان اقتناعا من جميع الباحثين بأنهم لم يفعلوا شيئا أكثر من العودة بعد لف ودوران الى طريق المنفعيين التي طالما قسا 1 كونت في نقدها
هو
وبعض الصفحات من مؤلفات 1 كونت تحوى في هذه الموضوع بعض فكر واضحة الدلالة ان کلوتلد دی تو التي كان 1 كونت يحبها الى حد التقديس قد لفتت يوما نظره الى هذه العبارة لأن يحب المرء الآخرين أفضل بكثير من ان يكون محبوبا منهم وقد وجد 1 كونت فى هذه العبارة الصوفية عنصرا مهما لتدعيم مذهبه
ولقد تنبأ ا كونت بأن بعض أصحاب المقاصد السيمة سيوجهون اللوم الى القواعد التي وضعها للتربية أنهم سيلومونه على أنه يجعل ممن يربون بمبادئه اغرارا اليس يكون القاء بهم الى اقتى انواع الخديمة أن تنمى فيهم روح الغيرية المفرطة وأن تملأ قلوبهم بعبادة اشخاص الآخرين وحب التضحيات لهم اليس يكون هذا القاء بهم فى حال جنونية تشبه حال دون کیشوت
ان كلو تلد دي فو تتولى الجواب عن هذه المسألة والفضل لها في ان يدرك ذلك 1 كونت ويتحرك وجدانه ان خير المسرات
•
يجيء من التضحيات أن الذى يقدم من نفسه قربانا للآخرين بدافع الحب يشعر لذلك بلذة لا توصف انه لن يفعل بذلك شيئا ضد منفعته انه ليسلك فى الحقيقة حسب أصح ميوله الطبيعية
وأصلها
دد
ولكن أليس هذا تكرار لما عرفناه من تعاليم الاخلاقيين المنفعيين
وأن يكن بعبارات اخرى وبأسلوب صوفى لم تعرفه لهم
وانه لمن الغريب أن يكون ذلك هو بعينه ما ذهب اليه اكبر متصوفة القرن التاسع عشر من الأخلاقيين وهو ليون تولستوی ولننظر كتابه الوحيد الذي يعد فلسفيا حقا من بين مؤلفاته وقد ترجمة سافين بعنوان من الحياة
ان تولستوى يقول لنا كلما كان المرء محروما من عاطفة الحب وكلما كان على جهل بالتضحية المتبادلة بين بني الانسانية وكلما عدم قلبه مسيس الرحمة وكلما عز عليه أن يقوم هو بالتضحية فانه حرى أن يجهل السرور الوحيد الذي هو في الحقيقة وعلى الخصوص انسانی ولن يدرك قط لماذا هو موجود انه يشبه طائرا قد وقف على حافة عشه ولما يطر ومن أجل ذلك يعروه الاضطراب ويتوقع أنه اذا ما القى بنفسه في الهواء كان الهلاك لكنه لا يكاد يلقى بنفسه في الهواء ويستعمل جناحيه الا وقد شعر بطبيعته الحقيقية وتذوق الفرح بأداء الدور الذي خلق له أو يكون اشبه بناهد يعروها الاضطراب عندما يتفجر فيها ينبوع الأنوثة فجأة ولكنها تجد بعد ذلك انواعا من المسرات سواء كان ذلك بقيامها بدورها كزوجة أو كان بقيامها بدورها بكام هكذا يصدف المرء من التضحية فى المبدا لاعتقاده أنه لم يخلق لها ويعتريه الوجل
مصيره
عليه اذن أن يطرح جانبا أنانيته التعسة ! وسيكون حينئذ اشبه بالفراشة التي تم تكوينها وكمل استعدادها وبدأت تطير ان
حياتها تبدأ وتبدأ هي الاستمتاع بتلك الحياة
•
٢٥٦
واذن فماذا صنع أولئك الذين حبسوا انفسهم طيلة أعمارهم سجناء انانيتهم انهم حسبما يقول تولستوی قد جهلوا الاستعداد الذي كان في داخلهم انهم جعلوا وجودهم ابتر أما الذين انفردوا بالحياة الحقيقية فهم أولئك الذين عاشوا للتضحيه والايثار انهم هم وحدهم الذين تمتعوا بنعيم لا بوصف أنهم هم وحدهم الذين تذوقوا أجمل ما يمكن للحياة أن تهبه تلك عبارات صوفية ولكنها جديرة بالاعجاب انها عبارات تشرح بعض الأحاسيس التي يشعر بها على التحقيق بعض الناس لكن اليست هذه العبارات هى نفس ما يراه دولباخ من قبل كونوا عادلين كونوا طيبين كونوا هكذا لانكم اذا ما كنتم كذلك فانكم ستذوقون بفضل الحب لذات لا توصف والا تكونوا كذلك فان حياتكم ستكون حياة بائسة اليس هذا بعد التأمل الدقيق هو ما تعطيه عبارات کلوتلددی فو و 1 کونت و تولستوی واذا ما كان هذا هو معناها فهل هي اكثر من تعبير جديد الخلقية المنفعة
"
بيد أنه لا يمكن القول بأن تلك الاعتبارات الصوفية للسعادة بطريق المحبة هي كل ما دعم به ۱ کونت قواعد مذهبه الايثارى ان هناك عبارات أخرى قد استرعت انتباه فريق من أتباعه اننا نولد كما يقول مفطورين على التزامات شتى نحو الجماعة وفى هذا ملخص فكرة الدين الاجتماعي الذي يجثم على كامل كل فرد منا اليس هذا بنفس الطريقة ايحاء بنوع من
الاعتبارات التى يتسنى لخلقية الايثار أن تستفيد منها ذاك هو ماراه مؤسسو هذا المذهب التضامني الذي كان الأستاذ ليون بورجوا أحد المشاهير من ممثليه في فرنسا
·
يجب أن يدرس كل فرد نکسه جسمیا وعلقيا وخلقيا ! وليستوضح كل ما هو من دواعي سروره وليحاول أن يحدد
Toy
6
ما يجب عليه من هذا كله للجماعة ! انه سيدرك من هذا ان عظم التزاماته نحو الانسانية ونحو الهيئة الاجتماعية أمر يجل عن التقدير انا مثل اكتب بريشة من الصلب والى من يمكن ان اتجه في امدادی بمثل هذا انها من الصلب انني اذن مدين لكل أولئك الذين ساهموا في استخراج الحديد من معدنه والذين قاموا بتنقيته والذين قاموا بسقيه لعمال مناجم الحديد ومناجم الفحم للصناع وللمهندسين وللكيمائيين القدماء منهم والمعاصرين أولئك الذين لولا جهودهم لما كانت مادة هذه الريشة قد اصبحت على ما هي عليه الآن انها صنعت بآلة ميكانيكية واذن فأنا مدين لكل الذين ساهموا في اختراعها وجعلها في متناول الأيدي التي تستخدمها مدين لكل الذين اخترعوا وكملوا نظرية تعاشق التروس والذين ابتدعوا استخدام البخار ومساقط المياه والكهرباء والذين اعدوا دواليب الصناعة وكل ما في الميكانيكا العصرية ومن درجة الى درجة فى استعمال هذه الريشة ما الذي لا يجعلني مدينا نحو بروميتيه خاطف النار من
السماء
وأيضا لمن أنا مدين بالمعارف التي يختزنها عقلى وبالقواعد التي يرجع اليها وبالات التفكير التي تسمى المدركات الكلية تلك التي صقلتها تجارب القرون المتطاولة وبالمنطق اللساني الذي بھی لی دون ريب أن أفهم الآخرين بل وان اتروى في نفسي لادراك أخفى دواخلها
لمن أنا مدين باشياء أخرى أحسها بالنظر السطحي من مزایای الشخصية كمشاعر الجمال والاحساسات الاخلاقية والدينية أكانت هذه كلها يمكن ان تكون كما هي عليه عندى الآن لولا التربية التي تلتها والتي نقلت الى فى هذه النواحي كلها ما تعده الجماعة التي أعيش بينها من أعظم المقررات التي تعلمتها
٢٥٨
انه كلما تروى المرء باخلاص فى هذه الامور وقدر ما فيه من عناصر شخصية وما فيه من عناصر اجتماعية فسوف يشاهد انه سوف يرى كم هو عظيم وهائل
دینه
ويضيف الأستاذ ليون بورجوا أنه عندما يكون هناك دين فان التزاما ينشأ عنه الالتزام بادائه وهو يصف لنا ما يجب أن يعمل للخلاص من هذا الدين أن الجماعة ليس أساسها قائما على تعاقد صريح ولم يجتمع الناس يوما ما ليكونوا جماعة اساسها مواثيق مرواة ۱
ان اية جماعة انسانية انما تعتمد في تجمعها على أعمال متعارفة وعلى نوع من التعهدات المضمرة التي لا يقرر شروطها الا العرف والعادة ولنضرب لذلك مثلا فى كل أسرة نجد الاب والأم والأبناء متفقين فيما بينهم على أعمال خاصة بكل منهم يقيم تلقاء نفسه وهذا كل ما هنالك ومن المؤكد أن هذا لم یکن اساسه عقدا صريحا بينهم بل انما هو نمط من مألوف الحياة الاجتماعية بين أفراد تجمعوا بحسب سنة خاصة
بها من
•
وما هو مقرر عند كل أسرة هو ايضا كذلك بالنسبة لكل جماعة وذلك العرف الذي تعتمد عليه حياة الجماعة في كل زمان وليس هو الا الاخلاق السائدة في ذلك الزمان ومن أجل هذا كان هناك اخلاق للاسبارطيين في القرن الرابع قبل الميلاد واخلاق أخرى كانت سائدة في فرنسا أيام الحملة الصليبية الثالثة وهكذا يسود في كل دور من أدوار التاريخ الانساني نمط الاخلاق في كل امة وفى كل قبيلة
من
1 ای ذات خطة مرسومة
٢٥٩
ومن
هذا يستخلص الأستاذ ليون بورجوا مظهرین ضرورین اولا - ان تتبع القواعد التي يجرى بمقتضاها العمل المتعارف الذي يرجع اليه الفضل في تكوين الجماعة واذا ما كان لورقة تزدهر فوق ساق شجرة أن تريد يوما قطع ذلك الساق الذي يحملها فان ذلك سيعد منها جناية وحماقة كما أن الفرد الذي يعيش في الجماعة وبالجماعة لن يكون اقل حماقة واجراما اذا ما سعى في تدمير القواعد التي يقوم عليها أساس جماعته واذن فمن المحتم على كل فرد خشية الحكم عليه بالحماقة والجحود أن يحترم نظم الجماعة التي هو أحد أعضائها
وثانيا - لنفرض أن أسلافنا لم يفعلوا شيئا لاصلاح حالتهم الاجتماعية لو كان الأمر كذلك لكنا اليوم لا نزال في بربرية وفى نمنمية 1 ان من واجبنا نحوهم اذن أن نحافظ على تراثهم وأن نبنى كما كانت أوائلنا تبنى ونفعل مثل ما فعلوا
نظام وتقدم اليس هذا من اعظم المبادىء التي يجب أن تطالعنا بها الفلسفة الوضعية
لقد كان لهذه الآراء نجاحها الملحوظ ومكانتها المحترمة التي نالتها بجدارة انها تحوى عناصر مهمة من الحق بيد أنه يجب ان لا ننسى أن نؤكد انها ليست من الجدة بقدر ما يعتقده البعض من جدتها ان دولباخ ومعاصريه قد عرضوا لها من قبل وفكروا فيها ولذا لن يكون الأخذ بها هنا من أجل الخير الأعظم لمذهب الايثار أكثر من سير في نفس الطريق الذى سلکه رواد مذهب
المنفعة
من قبل
1 النمنمية عادة اكل لحوم البشر
٢٦٠
وهنا بالضبط مصدر التشويش لأنه اذا ما كان مذهب الايثار التضامني يعطى نفس النتائج التي يعطيها مذهب المنفعة فانه يكون مثله ايضا فيما له من مغبات واضرار
أن روح الدليل السابق يتلخص في هذه العبارة أن كل ذى دين يجب أن تكون له ارادة الوفاء بدينه لكن كيف يمكن اذن تبرير ذلك ان من يعتقد أنه مأخوذ بواجب لن يكون بحاجة الى مثل ذلك التبرير لاقناعه بواجبه انه مسلم ولا بد يأمر مسلم لا جدال فيه لكن ماذا يمكن أن يقال لذلك الذي لا يعتقد انه مكلف باى واجب لا يجب بالنسبة اليه ان يصاب النجاح فيما حاوله دولباخ أن تقنع كل فرد بأن ذلك الذي يعمل الشر في غيره انما يعمله فى نفسه وأن نبرهن له على أن من يضرب غيره انما لقد ردد التضامنيون المحدثون هذا المعنى وتسابقوا
•
يضرب نفسه في تصويره فهل يا ترى كانت حججهم من الدقة والصحة بما لم يتيسر لسابقيهم اننا اذا ما أردنا معالجة الموضوع بفحص فلسفي ذي درجة عالية فيستضح لنا ان هذا القول له ما يبرره ان بعض المفكرين قد اعتقدوا ان الطبيعة كان فيها من القسوة على النوع الانساني ما تطمع به في قطع دابره انهم قد بالغوا في ذلك ان الطبيعة في الواقع لم يكن موقفها من الانسان أكثر من اللافارقية أمام ما قدر له كما قال ۱ دى فيني انها تحمل يجهل لا يتأثر البحار والغابات كما تحمل قرى النمل والمدن انها تتطور بدون علة ولغير مقصد ان هذا الذي يصلح وحده أن يحتفظ ببقائه فيها هو ما يكون صالحا لاستمرار حياته ولأن يكون ينبوعا للحياة واذا كان النوع الانساني قد نجح فى أن يتشبث بالوجود فيها وأن يمكن لنفسه فيها مكانة كما هو مشاهد من امره فما الفضل في ذلك كله الا الفرصة صغيرة كانت مواتية بالنجاح تلك هي تكون الجماعات وتوزيع الأعمال التي كانت تعرض لها والتربية التي
٣٦١
كانت تحفظ على الجامعات اصلاحاتها ومجهوداتها من أن تضيع مدی بفضل هذا استطاعت الانسانية أن تحتفظ ببقائها وأن تتجدد اعقابها وأن تتقدم وأن تظهر الأرض رويدا رويدا من النباتات الضارة والحيوانات المؤذية وان تحمى وتنمى في كل مكان كل ما تجده نافعا كالاشجار المثمرة والنباتات المغذية والحيوانات الأليفة وفى هذا المعنى يبدو نوعنا الانساني كله تضامنيا وانما كنا كذلك لأننا نعيش في أحضان طبيعة قد تتجه الى أن تصير خطرا علينا كنا كذلك لأن تضافر جهودنا يتجه منا نحو السيادة على جميع العوالم الأرضية وذاك هو ما أدركة قبل الانسيكلوبيديون في القرن الثامن عشر ذاك هو الجانب
القوى اللاجدالى فى النظرية التضامنية
•
من
لكن يمكن فقط ان يقال هل مثل هذه الآراء العامة تعتبر كافية في اقناع كل امرىء ايا كان بأنه عندما يرتكب شرا على أى حال كان فانما يرتكبه ضد نفسه أم هل تعتبر كافية لاقناعه بقبول ما قد تجره من الخسائر تضحية حاضرة مفعمة بالآلام لكي يتحاشى الما مستقبلا بعيدا جدا ولا يكاد الحس يستشعره اننا في الحقيقة نستشعر بكل مالنا من شعور وقع الآلام التي تحل بجيراننا وأصدقائنا ومواطنينا لكن هل نحس بنفس الكيفية اضرار طوفان يكتسح بلادا بعيدة ولا نعلم حتى بمجرد وقوعه بينما يكون هو قد أغرق الوفا من الجنس الأصفر أو الجنس الأسود هل نحن نألم للشر يحل بقطر مجاور انا لكنه لم يكن لنا صديقا بل كان عدوا أو منافسنا وبدون أن نبعد في اللف والدوران هل سعادة الفنى ينشأ عنها سعادة الفقير وألم الفقير ينشأ عنه الم
٢٦٢
الفني ان هذه التصاديات ۱ ربما تحدث لكن هل تكون عميقة وواضحة ومباشرة الى حد تحمل روحا من الدرجة المتوسطة على الزهادة من أجلها فى لذات هى فى الحين نفسه تتشبث بها وتأخذ بخطامها
ان مذهب الايثار مذهب جميل وعظيم ونبيل انه يخاطب القلب ويستهويه لماذا كان من المحتم أن تكون مبادىء الاخلاق بحاجة الى مخاطبة العقل وأن تقام عليها البراهين ولماذا كان الاخلاقي مضطرا كلما حاول البرهنة على قيمة مباديه الى أن يفكر في الطبقة المتوسطة لماذا كانت الحاجة الى الاقناع تلجيء دائما الى معاودة التمسك بالحجج نفسها أن الفرد من أفراد المرتبة الثانية ٢ موفور الأنانية الى درجة أنه لن يعمل قط سوى العمل الذي يتفق ومنفعته واذن فلنحاول أن نبرهن لفرد من الدرجة المتوسطة على أن المنفعة الشخصية لكل من يجيد الحساب لابد أن تحمله على المساهمة في اسعاد الآخرين اليس هذا مهما كانت المحاراة وقوعا في أخطاء مذهب المنفعة بكل ما فيه من الصعوبات التي يحتملها والتي تكلمنا عنها من قبل
و تلك أيضا نفس النتيجة التي تلزم عندما ندرس تلك المحاولات التي بذلها أولئك الذين حاولوا لكى يحرروا مذهبهم من كل اعتبار منفعى أن يشيدوا مذهبهم على أساس من الاعتبارات الجمالية وآراؤهم هذه لا تبدو موحدة المنحى
ان بعضها يبدو في صورة هوايات بسيطة عش في عالم من الجمال ذاك هو مثلهم المحتذى انه مثل جدير بأن يكون من قبيل
1 الاحساسات المتبادلة
مرتبة العامة
٢٦٣
المسليات ولكنه ليس من الأخلاق في شيء انه يمكن ان يؤول على صور لا نهاية لها اذ ان الظروف التي تتيح لنا الحكم على شيء بالجمال ليست واحدة دائما ولن يكون من اجل باعث واحد ان أقول مثلا هذا الصوت جميل او ان اقول هذه الصورة جميلة أو هذه البلورة جميلة لكن على الأقل توجد حالة نستشعر فيها امام عمل انسانی شعورا خاصا من مشاعر الجمال وهذا الشعور انما يكون عندما تطالعنا منه فكرة النجاح ان هذا الشعور يستولى علينا عندما ندرك الانسجام الحقيقي بين الوسائل المتخذة وبين الغاية المطلوبة ولنضرب لهذا مثلا برجل أراد أن يقفز من فوق سور فتتعثر قدماه ويقع ان عمله لم يصب توفيقا لانه يقفز ببطء ولا يمسك نفسه الا بطريقة خرقاء عوجاء ان حركته لن يكون فيها شيء من الجمال ولكنه على الضد من هذا يبدو لنا مثيرا للاعجاب اذا ما استطاع أن يقفز بسهولة وأن يمسك نفسه برشاقة وخفة وان لا يظهر مجهودا تعسفيا ولنتأمل الآن صورة انها تبدو لنا جميلة فهل سبب جمالها هو جمال قسمات المصور كلا وكم من ناس ذوى دمامة ظهرت لهم صور رائعة
أم سبب جمالها هو فى دقة المشابهة بين الصورة وأصلها كلا فكم من صور كاريكاتورية كانت دقيقة المشابهة ان قصدا وان عفوا ومع ذلك لا جمال فيها وكم من أخرى نراها جميلة جدا على حين أننا نجهل من هى لهم وبالتالي نجهل التشابه بين هذه الصور واصولها ان الشيء الذي يجعل صورة من الصور تروقنا أنما هو أمر آخر غير ما تقدم انه هو الطريقة التي أبرز بها الفنان
•
انه
تقاطيع وجه انساني وعبر بها عن شعوره الباطني العميق الانسجام الحقيقي بين الوسائل التي استخدمها وبين سيما ذلك الوجه التي أراد الفنان ابرازها بالتصوير أو التخطيط
ومن
هنا تتحصل هذه النتيجة أنه منذ اللحظة التي يقدر
٢٦٤
فيها للحياة أن تصير ذات انسجام تكون تلك الحياة قد صارت ذات
جمال
•
ومن
هنا تتقرر هذه النتيجة انه منذ اللحظة التي يتم فيها لحياة أن تكون منسجمة فانها بالتالي تكون حياة ذات جمال يمكن مثلا أن يصير الانسان رواقيا جميلا ويمكن لمن يتأثر في نظام سلو که خطی ابيكتيت ان يكون ذلك الرواقي الجميل لأنه سيخون رواقيا ناجحا ولكن أيضا يمكن اذن أن يكون المرء رئيسا
سياسيا جميلا أو متأننا جميلا أو لما جميلا
ولكي يعيش المرء فى جمال فانه يكفى لذلك أمران
ان يختط المرء لنفسه منهجا من السلوك أي منهج يختاره
على الاطلاق
وأن يطابق ما بين سلوكه وبين هذا المنهج تمام المطابقة
•
فهل يكون معنى ذلك أن تكون حياة كهذه حياة اخلاقية ! حقا انها لحياة جميلة حياة القديس فرنسوا داسيز أو القديس فانسان دی پول وكذلك ايضا مثل حياة ابيقور و مارك اوريل فهل تعد كذلك جميلة حياة كحياة يوليوس قيصر و نابليون و دون جوان حقيقة أن كل حياة اخلاقية لها نصيبها من الجمال لأنها دائما تسير حسب مبدا بينها وبينه تمام الانسجام لكن هل يكفي ان تكون الحياة منسجمة وجميلة لكي يقال انها حياة اخلاقية واذن فمن الممكن أن يقال جميلة هي تلك الجناية الجميلة كما أنه قد يوصف بالجمال ضفدعة سامة او دمل خبيث
ان الصعوبة هنا واضحة حتى لقد حاول زعماء مذاهب الجمال الاخلاقية أن يتفادوها فلم يكتفوا بهذه العبارة عش في
٢٦٥
عالم من الجمال بل نجد انهم ادخلوا فى مذهبهم فكرة من الجمال الانساني الحقيقي
تلك هى العبارة القديمة التي تعتبر من عبارات الفروسية
نبل يترفع عن الدنايا
•
ولماذا لا ينتفع بها هنا أن كلامنا له نصيبه من الكرامة الانسانية انها نوع من النبل المرتبط بطبيعتنا نفسها وبالقوى التي بين جوانحنا ان هذه الكرامة تحملنا على التباعد عن بعض الاعمال لأنها بهيمية وقبيحة كما أنها تحدونا الى أن تحذو حذو بعض الأعمال الأخرى لانها ذوات سمو ولاننا ذوو نشاط حيوى وهل بعد خيانة ! جيو ان تستعار في معنى كهذا عبارته الجذابة ان كانت يدعو كل انسان الى التروى في هذه القضية انا يجب على أنا ملزم اذن أنا أقدر أما جيو فيعكسها الله يريدنا على أن نقول أنا أقدر اذن انا يجب على اراء قد اختلطت اخيرا بفلسفة الشرف أن للانسان لشرفا وبهذا وحده كان انسانا ومن أجل هذا كان عليه لنفسه واجب هو ان يعيش للشرف ولنتذكر فيما تقدم آنفا شرف ا سيرانو كل امرىء له شرفه الذى يضفى عليه جماله ومن أجل هذا الشرف وذلك الجمال يجب أن يضحي بكل شيء كل شيء في سبيل الشرف أليس هذا هو الاخلاق كلها
•
تلك
من ذا الذي يجرؤ أن يقول ان هذه العبارة باطلة برمتها بل كيف يمكن أن نفهمها وان نبررها
وهناك آخرون قد فهموها بطريقة جد خاطئة ان الدافع المحرض على اتخاذ مثل هذا الرأى كقاعدة للسير عليها انما هو في رأيهم الظفر باحترام الأغيار انهم لذلك يدعون الفرد الى تكييف سلوكه وفق ما يعد مشرقا في نظر الجماعة التي هو عضو
٢٦٦
فيها وهذا رأى مضاعف الخطر ان ما يعد مشرفا ليس مجمعا عليه من كل البيئات والأوساط ان هناك شرفا حربيا لا يسوغ مسه عند رجال الحرب كما ان هناك شرفا تجاريا للتجار وهناك ايضا شرف سافل لعصابة من اللصوص سافلة
ومن ناحية أخرى تلك قاعدة اخلاقية غريبة حيث تدعو المرء الى أن لا يبالي بغير شيء واحد ما الذى يقول الناس فيك ان حياة كهذه لا تعد حياة من اجل الشرف الحقيقي ولكن فقط من أجل الشهرة وحدها واذن فان ما هو مشرف حقا وما يرى مشرفا في هذه البيئة أو سواها لن يكون شيئا واحدا
أما الذين يفهمون فهما حقيقيا معنى الشرف فانهم ينظرون الى مباديهم الشرفية نظرة أخرى بعيدة كل البعد انه لمن الممكن ان ينال المرء احترام الأغيار بينما هو مطوى على ما يلوم نفسه ومن المقرر أنه لا يمكن أن يكون المرء مستحقا للتشريف تماما اذا كان مطويا على بعض موجبات اللوم من نفسه
عليه
وعبارة عش من أجل الشرف سيكون معناها اذن عش بحيث يمكنك أن تكون فخورا بنفسك المرء سيكون كذلك منذ
اللحظة التي يتكون فيها شعوره ببلل ما في وسعه لتحسين سلوكه
•
ولقد عاب الاخلاقيون والحق معهم الفخر الممقوت انهم لم يبالغوا في بيان هذه الحقيقة ان الكبر الذي يثمر الشر هو بعينه الذى يثمر خيرا لا نهاية له اذا ما أحسن استعماله وهذا الأخير هو الكبر وشاحه
والخلاصة أن الكبر عند ما يساء استعماله يصير رذيلة وأما
عندما يوجه وجهة خيرة فانه يغدو من اسمى مبادىء الفضيلة وأخيرا هل يمكن القول بأننا توصلنا الى راى مقنع ان الفيلسوف يستطيع أن يرمى هناك الى هدفين
•
٢٦٧
ان يحلل تحليلا سيكولوجيا الحالات النفسية للرجل الفاضل
•
وان يوجد مبدا مبررا لنوع خاص من انواع السلوك ولنؤكد انه من الثابت المقرر أن الذي يحدد سلوك أكثرية الناس الفضلاء بحق فيجعلهم يعملون ما يعملونه دون سواه انما هو في الواقع اهتمامهم بالشرف أن الذي يقود خطاهم هو
على الخصوص ارادتهم أن لا يكونوا محتقرين عند انفسهم
•
هو ارادة أن يكونوا فخورين بأنفسهم فأنا مثلا اذا فعلت هذا الأمر سأكون غير راض عن نفسى سأشعر بأنني أتيت امرا اذا لم أسر على الطريقة المثلى يجب أن أسير هكذا والا فانني سأشعر
·
باحتقارى لنفسي تلك هي التعبيرات التي تصف بغاية الضبط الاستعداد السيكولوجي للمرء الشريف حقا
لكن هل الدقة في تحليل سيكولوجى كهذا تكفي لأن تقدم للأخلاق الأساس الذي نبحث عنه لكي نفهم هذا فعلينا أن نتذكر ما قلناه من قبل أن اخلاق الشرف لم تصنع شيئا أكثر من أن تصوغ أخلاق الضمير في عبارات جمالية 1 ومن هنا تقوم في طريقها تلك الصعوبات المستوعرة نفسها كما عرف في اخلاق
الضمير
وفي الحقيقة نجد الناس مهما كانوا عليه من الاخلاص ليسوا جميعا على نمط واحد في استماعهم لصوت الشرف الداخلي ان ما هو مطابق للشرف في نظرهم انما هو ما يحترمونه اما يضاد الشرف فهو ما يحتقرونه واذن فعلى
1 أي عبارات مذهب الجمال هذا
٢٦٨
أي أساس يحترمون بعض الأعمال ويحتقرون سواها ان هذا الأمر معلوم لنا ان ضميرهم هو نفسه الذي يشعرهم بتلك
•
المعاني النفسية التي يجدونها في هذه الناحية ولكن الضمائر قد عرف أنها ليست متفقة وبالتالي تكون الأحاسيس بازاء ما هو مشرف وما هو مخز غير متماثلة في كل مكان ان الشرف المعروف فى زمان ما أو قطر ما أو طبقة ما من الطبقات الاجتماعية ليس هو هو في زمان آخر أو قطر آخر أو طبقة أخرى
ولنتذكر ما قدمناه عن هذا في المقدمة
عش من اجل الشرف هذا مبدأ قد أحسن التكلم به لكن هل من المستطاع أن يعتبر المرء نفسه معصوما من الخطأ بسبب ذلك الشعور الذي يجده نحو الشرف على حين يشعر سواه من الناس بما يخالف شعوره أم هل له الحق أن يدعى أنه الملهم الذي يتحصل بالهام على الحقيقة
وحتى عندما أطيل التروى لأنير مشاعرى ولأقوم بصيرتي هل أتون بعد على يقين بأنني غير مخدوع
من
وكيف والحال كما نرى يمكن اقناع الجاحدين بمبادىء مذهب كهذا ان بعض الناس يبدون لنا مجردین تماما أحاسيس الشرف وليس لهم من التفكير فى كرامتهم الشخصية الا بمقدار ما يمكن أن يكون عليه وجاحة أو ارنت أولئك يسخرون الحياة على مقتضبات الشرف ان جمال سيرتهم لهو آخر ما يفكرون فيه كيف يمكن أن يقنعوا بأنهم على خطأ في السلوك الذي يتخيرونه على غير سنن الاخلاق حقا أن من يتنسم ربح
من
٢٦٩
كبريائه يؤثر النار على العار لكن هذا الذي لم يرح 1 من ذلك ريحا قط هل يمكن أن يستشعر مثل ذلك الفرق ليس ثمة مخلص من هذا الا بأمر واحد ذاك اشعاره بكرامته الشخصية واقناعه بأنه سيكون احمق اذا لم يحسب لها حسابا وانه لعمل شاق عندما يكون الأمر بازاء اجلاف من النوع اللا تهذیبی يبهظ طبائعهم حمل ثقيل من عوامل الوراثة ذلك عمل لن يكون فى الامكان اكماله الا بأن نترك میدان اخلاق الجمال هذه وأن نستأنف مرة أخرى التفكير في الاقناع من طريق
المنفعة
وهنا يجب ان ندرك هذا ان الشعور الجمالي بالفخر الداخلي حقا صاحب السيطرة على سيرة أغلب الأفراد المهذبين لكن كيف يمكن حث جبلة لا تلين كى نذكى فيها حسا وذوقا للكرامة
هو
الشخصية
حقا أن الكبر والزهو امران طبيعيان في الانسان بيد انه ليس من الطبيعي أن يضع الانسان دائما كبرياءه وفق ما يقتضيه العدل وانكار الذات والتضحية وتهذيب النفس تلك هي أهم الآراء التي تجلت فيها فلسفة ما بعد الاخلاق بمعناها الخاص بين فلسفات العصر الحديث
أنها جميعا تتسم بطابعين بارزين
أولا أنها كلها قد جعلت مهمتها أن تبرر مهما كلفها ذلك وان بسفسطة بها بعض الغلو الفكر المأثورة التى اصبحت كالغرائز تركزا في نفوس المفكرين المحدثين تلك النفوس التي تأثرت بمؤثرات الأجيال المتطاولة المسيحية
1 أي لم يشم
•
اى النوع الذي يتعلو اصلاح اخلاقه
•
۷۰
ومن
ناحية أخرى هي تهدف جميعا الى تبرير تلك الفكر دون الرجوع الى ماكان يقنع أسلافنا الا وهو الاعتماد على الوحي
الالهى والتزام الأدلة الميتافيزيقية المشرفة على السقوط
•
ذلك وايم الحق عمل عظيم أظهر أصحابه أنهم ذوو ارواح طيبة مدفوعة بأطهر النوايا لكن هل يمكن ان يقال أن الثمرة المتحصلة متناسبة مع عظمة هذا المشروع الذي اختطوه
۷۱
المذاهب المنشقة
ان المذاهب التي تكلمنا عنها منذ البداية حتى الآن مهما كان اختلافها تتفق جميعها في ناحية هامة أنها جميعا تسودها
الفكرة العملية
•
بيان الطريقة التي يجب على بنى الانسان أن ينظموا سلوكهم على وفقها والبحث عن الحجج التي من شأنها أن تقنعهم بذلك والظفر بهدايتهم الى احتذاء المبادىء الموضوعة بتطبيقها على
اعمالهم
وبالجملة أن يسلكوا سبيل الهدى والاصلاح وتلك هي الغاية المنشودة للاخلاقيين من أصحاب المذاهب الاخلاقية الماثورة سواء أكانت تلك الغاية مظهرة أم مضمرة اما القرن التاسع عشر فقد كان من خصوصياته أن تولد فيه تلك الفكر التي نسميها هنا المذاهب المنشقة اننا نسمى بهذا الاسم تلك الآراء التي تدعونا عن شعور منها أو عن غير شعور
وهي مرغمة الى أن ننظر الى الأشياء من وجهة نظر أخرى وفلاسفة هذه التعاليم يرون من العبث محاولة تعديل السلوك الانساني فكل جماعة في كل دور تاريخي لها مقرراتها الأخلاقية التي ما كان يمكن أن تتخلف عن الظهور في الدور الخاص بها من التاريخ كما ان كل فرد فى كل لحظة من حياته له اخلاقه التي ماكان يمكن أن يتخطى ظهورها تلك اللحظة ان محاولة بعض
۷
الأخلاقيين تغيير الاخلاق الانسانية ماهو اذن الا دليل على منهم عليه من السذاجة المفرطة نوعا ما
من الممكن فقط بل من الواجب أن تكون المعادات الإنسانية موضوع دراسة جدية ويرى شوبنهور انه ولاريب لا يمكن تغيير تلك العادات ولكن من الممكن أن يحكم عليها بالقيمة انني
تستحقها
والنشونيون الجبريون المنطقيون يقررون انه من الممكن دراسة
تلك العادات فى نشأتها وفى تطورها وفى تلاشيها
وفى رأى الأستاذ ليقى برول وأصحابه من انصار المدرسة السوسيو لاوجية انه يمكن أن يكون من دراسة العادات علم خاص ولن يبقى هذا العلم على الدوام عقيما فانه عندما تتوطد قواعده سيصير ينبوعا لفن اجتماعی سیاسی منطقی له أهميته الانسانية الملحوظة
ان موقف شوبنهور هذا يدل على الاقتناع التام بفكرنه ويعتبر غاية من الوضوح
انه يبدأ السير بنا على فكرة اساسية لكل فرد طابعه الأخلاقي الذي لا يتغير
وكل محاولة لدفع الفرد الى ان يعدل سلوكه وكل تعليم اخلاقي يؤخذ به وكل امل في صيرورته صالحا انما هو انكثر الحقيقة لا جدال فيها ليس من الممكن تعليم المرء كيف يريد
ان الاتجاه الاخلاقي لكل امرىء هو ماقد كان منذ أول عهده بالحياة لاشيء يستطيع أن يغير من ذلك أبدا
•
۷۳
وهل يكون معنى ذلك أن تصير دراسة الاخلاق حرية بالتراك
هنا يرفض شوبنهور هذه النتيجة أنه يرى أن علم الاخلاق سيبقى علما أساسيا بيد أن قيمته لن تكون أكثر من قيمة نظرية ان دراسة العادات الانسانية تكشف لنا عن هذه الحقيقة
ان الناس يعيشون على طرائق من السلوك مختلف بعضها عن هذه الطرائق لن تكون قيمها قط متساوية
وجميع
بعض واذا نظرنا في الجملة الى النسب التي رتبها شوبنهور في كتابه أساس الاخلاق والى النسب التي جاءت في كتابه
العالم كارادة فانا نرى أن شوبنهور يميز ما بين خمسة أنواع مختلفة
السلوك الانساني من
الفظاظة يعتبر فظا ذلك الداعر الذي يتلذذ بايلام
الآخرين وينشر من الشر حوله كل مافى طوقه
- الأنانية ويعتبر انانيا ذلك الفرد الذي هو وان لم يبادىء الآخرين بالأذى فانه لا يعنى بغير نفعه الشخصي ولا يتردد في أن يسحق بقدميه كل شيء وكل انسان يقف في طريق منفعته
العدالة
ويعتبر عادلا ذلك الشخص الذي يتخذ للعمل
تلك الحكمة اللاتينية لا تعمل عملا يؤذى غيرك ومن هذا شأله يتجنب ما أمكنه أن ينشر الشر حوله ولكنه يقف عند ذلك
الحد دون زيادة
الطيبة ويعد طيبا ذلك الذى لا يكتفى بمجانبة الاضرار
بغيره بل هو يعمد في جميع الظروف الى مساعدة الاغيار بكل مافي
وسعه
ه وأخيرا التنسك ويعد ناسكا ذلك الذي يزهد من ناحيته في حطام الفانية فهو يحتقر الفنى بكل ضرورية ويمارس الصوم
٢٧٤
والحرمان وهو يزهد فى النسل ويتابع حياة طهارة تامة وهذا هو شأن الفقير الهندي الذي يجعل من حياته بداءة اللافارقية 1 وحمود الموت
وليس هذا كل شيء ان الملاحظة تظهر لنا حقيقتين اخريين هناك اجماع عام على أن نوعين من أنواع السلوك التي حددناها آنفا بعدان بشعين أو بعيدين عن الأخلاق فالفظاظة في نظر كل انسان مشئومة وغير جديرة بأن يلتمس لها عذر والأنانية هي على أصح الآراء أعظم ينبوع للرذيلة وهذا الذي فررناه بشأنهما حق لا جدال فيه
•
وأيضا قد يكون من الممكن أن يتظاهر المرء بالعدل وبالطبية وبالنسك من أجل أسباب مختلفة ولقد نبه على ذلك مالبرانش أطنب فيه كانت أنه ربما اتخذ سمات العدالة والطيبة والتنسك اما قرارا من الموت واما خوفا من عذاب جهنم وأما لكسب حسن السمعة وأما لخداع الناس وهذا الضرب من السلوك انما هو سلوك باعثه الأنانية وحساب المنفعة وما ثمة شك أن عملا يتم على هذا الوجه هو حقا موافق للقانون ولكنه لن يدل على أن القائم به متصف باية خلقية حقيقة
والنسك
من
هناك طريقة أخرى وما ثم سواها لممارسة العدالة والطيبة تلك هى أن تمارس بدافع الرحمة بدافع الرحمة أجل أولئك الذين ينالهم الألم اذا لم يتأدب المرء ويكف عن بعض الأعمال التي تؤذيهم بدافع الرحمة من أجل أولئك الذين كرنتهم الآلالم فهم بحاجة الى من يخف لمساعدتهم بدافع الرحمة من أجل
1 كلمة معناها الحال التي تستوى فيها عند المرء جميع الاشياء الصحة كالمرض والفقر كالفنى والحياة كالموت لا فرق بين ضد وضده
٢٧٥
الألم الذي يحل بالانسانية عامة وبه يتعذب كل حي حينئذ وحينئذ فقط يأخذ العمل الذى يتم على هذا الوجه صفته الأخلاقية في نظر شوبنهور
ما معنى هذا معناه ان كانت كان على صواب في تفريقه بين مشروعية العمل وبين أخلاقيته بمعناها الحق
لكن ايضا يعد كانت على خطأ فيما قرره من أن العمل الأخلاقى الحق انما هو الذى يؤدى بدافع من الطاعة العمياء نحو الالزام المتجلى في طبيعة القانون الاخلاقي
ان الذي يهب العمل قيمته الحقة انما هو أمر آخر غير هذا الذي براه كانت أنه الشعور العميق على أساس المشاركة الوجدانية ذلك الشعور الذي يهيج القلب الى التفكير في ألم كل
من يتألم انه الرحمة التي تبلبل القلب وتخزه يمثل الخناجر هي القاعدة ولكن أين الحجة التي تبررها
تلك
•
يعتقد شوبنهور أنه واجد الدليل على ذلك في آرائه
الميتافيزيقية
ان الميتافيزيقا تدل حقيقة فى نظر شوبنهور على أمن
جوهری
لا توجد كائنات متعددة فى هذا الوجود بل يوجد واحد لا تعدد فيه
وكذلك يوجد طريق واحد الى الحقيقة المطلقة هو التجربة الداخلية التي ندركها من انفسنا وهذه التجربة تجابهنا بما هو
•
الحقيقي فينا ان هذا الحقيقى انما هو هذه الارادة ارادة الحياة الدائبة النشاط والتصميم الارادة التى هى فى ذاتي والتي هي ذاتي
نفسها
فقط ينبغي أن ننبه على أن هذه الارادة ليست قط خاصة بي كل كائن من هذا الكون انسانا كان أم خير يا أم نباتا ام قوى مادية هو ايضا ارادة كما انا ارادة
•
وتلك الارادة التي هي هذه الكائنات نفسها لیست نیست آخر يغاير الارادة التي هي أنا
الارادة وحدة لا تتجزأ هى فى كل مكان بل هي هي نفسيا
في كل مكان هي كل شيء
والأفراد لا يختلف بعضهم عن بعض الا كما تختلف براهم
الشجرة الواحدة
وحده
•
والفارق الذي يميز كلا منهم عن الآخرين انما هو الحال
ونظرة كل فرد الى هذه الارادة انما تكون تبعا لنذیره در ولاستعداده الخاص ومشاعره الخاصة
عندما ينظر الى شيء واحد من خلال زجاجة ذات وامح 1 متعددة فان الناظر يجد أمامه أشياء متعددة بمقدار ما في الزجاجة
من لوامح
ان أوضاع المكان والزمان بالنسبة الى المدارك الانسانية التي تفهم الارادة على انها مختلفة الصور هي ما مثلنا له باللوائح المتعددة في الزجاجة أن هذه الأوضاع ترينا وهم الكثرة والحركة بينما لا يوجد الا الوجـدة المستقرة واذن فتحولات الاشخاصر
1 اللوامع هنـــا جمع لامحة وهي الكلمة التي اخترناها للمسر دوم السطوح المتعددة للزجاجة والتي اذا ما استقبلت شخصا التقطت صدرا متعددة تبعا لتعددها وسواء أكانت تلك السطوح افلاما أم مسطحات ناشئة من الكسر مثلا فاز بعضها قد يلمح سير الاشياء وبعضها لا يلمح وبلا ميرنا
بكلمة اللوامع لانها هي المرادة
۷۷
و تمايزهم ليس الا تخييلا باطلا بلغ حد الاعجاز وانه من الممكن ان نقول لشخص فى حين نشير الى الآخرين انت هؤلاء الأشخاص واذا هو لم يصدق ذلك على الفور فما ذاك الا لأنه يبصر من خلال دخان من الوهم من خلال قناع وليس يلزم أكثر من هذا لكي نفهم هذه الحقيقة ان من يصدف عليه القول بأنه هو وحده السالك في اخلاقه حسب الحقيقة لهو ذلا
الأشياء
الذي يضع ثقته في الرحمة وينظم سلوكه وفق وحيها
وفي الحقيقة من يكون ذلك الانسان الفظ وذلك الانسان الأناني إلا أنه لا أحد أشد منهم سقوطا في مهوى الضلال انهم يعاما الناس معاملة الشر والقساوة انهم يعاملونهم كما لو كانوا منفص تماماً عنهم أليس هذا برهانا على أنهم كانوا في ذلك لعبة لاخ العمايات حيث اعتبروا أنفسهم منفصلين عن سواهم بينما جو الكائنات ليست الا كاننا واحدا
4
"
L
وعلى الضد من هذا من أولئك الذين يتأون عن ايلام الآخر وينهون عنه ويبذلون لهم العون ما استطاعوا سبيلا إلى بذل ويعفون عن مكاسبهم وعن حقهم الخاص في أن يعيشوا ولاد ع لهم الى ذلك سوى الرحمة الخالصة القوية ان أولئك هم الله يعاملون الناس كما يعاملون أنفسهم انهم لا يقيمون فارقا بين وبين أولئك الآخرين هم يعملون اذن كما لو كانوا بوحي تعد قد وضعوا في أعماق قلوبهم هذا المعنى الميتافيزيقي لا هذه الحقيقة ان جميع الكائنات ليست الا كائنا واحدا
عجیب
ان الآخرين هم انا آلام الآخرين هي آلامي و بلواهم هي بوای و سرورهم هو سرورى هذا ما يجب أن يعتقد ومن يكون قد وصل من هذه الحقائق إلى هذا الحد تتقشع سحابة الوهم عن ناظره ويسقط عن عينيه القناع
۷۸
واذن كيف يمكن أن تتجاهل هذه الحقائق ان الطيب
الذي هو طيب بدافع من ميول الرحمة لهو أقل تفريقا بين شخصه واشخاص الآخرين من ذلك الذي لا يمارس الا اعمال العدالة فقط وايضا المننسك الذي يكون نسكه بدافع من الرحمة هي اعلى ويلقاها في لحمه ودمه فلنتأمل اذن في هذا الناسك الذي يزهد في الحياة رحمة ورثاء للألم العام أنه أعجب واسمى صورة السلوك الانساني ولنضع بعده على الترتيب محب الانسانية والانسان العادل
من
ليس في هذا بالطبع اكثر من أمور نظرية ان شوبنهور لن يدفع بهذا احدا الى ان ينمي في نفسه ميل الرحمة ولا الى ان يمارس تحت تأثيرها أعمال العدالة والطيبة والتنسك
•
انه يعرف جيدا أن الأخلاق لا تتغير وسيبقى هنا أمر هو من الحقيقة بمكان ان اكثرية الناس ليسوا أكثر من ضحايا للوهم والضلال والأقلون منهم هم الذين يدركون الحقيقة كالشمس المجلوة فى ضحاها ويسيرون على هدى ضوئها
انه لصرح جميل ورائع ذلك الذي شاده هنا شوبنهوور بيد أن أجمل الصروح ليس هو دائما امتنها
•
هل الخلق له من الثبات والرسوخ ما يعزوه اليه شوبنهور ویینی علیه ارسخ موضوعاته أسا وأبعدها عن الأخلاق المألوفة ولتوافق على أن عناصر الخلق الباطنية لكل فرد هي على حد ما من الثبات وانه لمثل يشاهد تحققه كثيرا ذلك المثل الذي يقول اطرد الطبع يرجع اليك بأسرع من لمح البصر
لكن هل معنى ذلك أن الخلق لا يمكن تعديله ابدا الا يغير مرض شديد في المعدة أو فى الكبد أو في الطحال حالة المريض
۷۹
من الانشراح الى الحزن السوداوى الا يمكن أن يجعل المره المتوقد نشاطا انسانا آخر متهالكا او ان يحول رجلا هادئا الى آخر نضوبا بل انه لا حاجة بنا الى ادخال المرض في هذا الموضوع هل انسى لا تكفى لهذا التغير اليس الحزن المتتابع يغير الى حد كبير طرائق حسنا وطرائق رجعنا ما نحسه ۱ الا يمكن أن يقول أن المرء الذي يتخذ لنفسه مثلا من المثل العليا وينظم حياته في سبيل الوصول اليه ويسير دائما على رسم من السيرة معين هو أيضا لن ينجح في تعديل خلقه
حقا انه ليس ثمة شك في أن خلق المرء الذي يتخذ الناسه مثالا هو نفس خلقه لم يزد عليه شيء أكثر من أنه تجلى بطريقة من الطرق في هذا المثال الذي اختاره
لكن بماذا تحكم على عملية الاختيار نفسها وتنظيم حرفاته كلها لكي تكون فى وفاق مع هذا المثال المختار ايكون ذلك كله عديم التأثير في تطور العادات العقلية والأدبية التي تخلق من المرء للك الشخصية التي سيكونها
أن التربية التي تأتينا على ايدى الآخرين لها آثارها فينا بأكثر مما يخيل الينا أن شوبنهور يسلم به
واذن هل التهذيب الذى يأخذ به كل امرىء نفسه يعد أكثر من نوع من التربية الذاتية التي ترقيه قليلا قليلا انا لنخشى أن يكون شوبنهور في هذه المسألة الأولى التي
هي أساس انشقاقه قد بالغ مبالغة جاوزت الحد ومن المؤكد أن الترتيب الذي وضعه شوبنهور الأنواع السلوك وتلك الأهمية التي علقها على العاطفة وعلى الرحمة هما أمران حريان بالاعتبار
1 وجع الاحساس هو ما يعبر عنه رد الفعل
۸۰
لكن هل كل ما يعمل بدافع الرحلة يكون دائما على متن الأخلاق كم من مرة كانت فيها هذه الساطعة الجميلة جادة ترجمة للإسعافات والعمايات ۱ !
وليست هذه النقطة مع ذلك هي اضعف المغامر في هذا المذهب بل هناك المبررات الميتافيزيفية لالممذاهب تريد ان تعرف ما قيمتها أنها أمور احتمائية كما هو الشأن في جميع الأراء وجميع الهواجس الميتافيزيقية بل انها لاعرق من كثير منهسا في مذا الوصف
ولنسلم جدلا اننا بهذه الارادة التي في سر طبیعتنا انسا تكون كاننا واحدا فهل من الممكن أن أستنتج من ذلك أن ثم ضميري هو لهذا السبب ألم ضمير غيری وان سرور شایر غیرى هو لهذا السبب سرور ضمیری ان تعبیرات تردد مره بان تمد البلاغة والشعر الروائى لكن هل البلاغة والعر الروين يكونان الحقيقة ان طبيعة شوبنهور تحمله دائما ان أن يعي لنفسه الحق بسهولة أكثر مما ينبغي
يجب أن نعرف مع ذلك ان شوبنهور قد كن في هذا الصنيع صاحب عذر أنه في تكوينه هذا المذهب الذي يجده ويعريه كان يسير في الحقيقة على حدى رأى من تلك الآراء الفيسة المأثورة للانسانية وكان والحق يقال مملوءة بالثورة قد عادات العالم العربي بيد انه لم يقم بتلك المدارية من مسيح الا لأنه يجد من نفسه موافقة لحكمة الشرق الأقصى كانت تلك الحكمة منتشرة في التعاليم القديمة للبوذية الهندية وتلك التعاليم تستحق أن يفرد لها بحث خاص
والحسينية
ستقل
•
•
"
1 أى كثيرا ماتدل الرحمة على أنها صادرة عن ضعف وهي خيالي في افرای وكم من رحمة أمرت باطلا واضاعت حقا
F4
كانت العناصر المتناقضة تختلط فيها فيها ترى ديانة شعبية وعبادة للأرواح التي تستدعى وتسترضى وعبادة للمولى شبيهة يتلك العبادة التي ظهرت عصرا طويلا في الجاهلية الاغريقية اللاتينية ولكن يرى فيها ايضا تعاليم ميتافيزيقية وحكمة جديرة بالاعتبار ان الديانة الشعبية التي سميت بالبوذية لا يصاب فيها من البوذية الحقة الا اقل كثيرا مما يوجد منها فى طائفة من الآراء الفلسفية التي استمالت اليها عددا من الأتباع والتى أشرب شوبندور حبها
والميدا الأساسي للحكمة البوذية يمكن تلخيصه في بعض قضايا
بسيطة
1 - أن الشر هو الألم في جميع
اشكاله وفى جميع مظاهره
- الألم يصدر عن الاشهوة وهذا الذى يشتهي شيئا قط لا يمكن أن بعد محروما من شيء واذن لاشيء يمكنه ان يجد سبيلا الى تحديه ومن أى شىء اذن يمكن أن يتألم
- أن البلسم الشافي من الألم هو بالتالي ان يقضى على
الشهوة
ومن اين تأتى الشهوة
ان الميتافيزيقا البوذية ترجع ذلك الى الغرور الأعمى
ليست الشهوة الا جهدا يبذله فرد للوثوب على آخر في سبيل منفعته الفردية بيد أن هذا الفرد ليس الا خيالا كما أن الأفراد الذين يبحث عنهم كل فرد ليسوا الا خيالات كما ان الفرد الباحث هو ايضا خيال !
علينا ان نلقي نظرة على المخيط إنه بطبيعته واسع ثابت
•
وعلى سطحه ترى امواج مندفعة أن هاتيك الأمواج بالنسبة اليه
لیست اكثر من تجاعيد زائلة
YAY
ماله
اما هو في نفسه وبالرغم من تلك الأمواج فانه محتفظ بكل من ثبات وهذه النسبة بين المحيط والأمواج هي بعينها النسبة بين الوجود وبين الشخصيات التي يحويها
•
انه الخالد الدائم الذي لا يتغير موجة ترتفع ثم
أن الوجود هو جوهر الحياة وليس الفرد أكثر من موجة على صفحه انه
•
لا يلبث أن تتلاشى بعد لحظة من وجودها هو مظهر حائل ورهم زائل وكل من يفهم هذا فانه سيقدر على ضوء هـذا الواقع قيمة الغرور المضحك لهذه الشهوة انه سيمسك اذن عن قشه ای شیء ولن يخاف كذلك شيئا بعد ولن تكون الحركة والكثرة في نظره أكثر من تخيلات وهمية يشيعها لدقة إدراكه لسر الوجود بلتسامة ساخرة وهناك تكون اللافارقية المطلقة والحرية المطلقة والراحة المطلقة
وما ثم شك في أن هناك فروقا بين الطرائق التي تفسر بها التعاليم البوذية الأخلاقية
•
تفريق منهم يمجد اعمال الرحمة والتضحية الكاملة والتجرد
من كل غرض دنیوی ليس لخير بنى الانسان فقط بل الخير كل
كائن حي
وآخرون يضعون في المرتبة العليا السلام الروحي والسلامة
الفردية للضمير المتحرر من الشهوات والرغبات الجامحة
وليس هناك ان في نظر هؤلاء وان في نظر أولئك الا صورة واحدة للحكيم انه هو ذلك الذى يزهد في كل شيء لأنه لا يرى في الكثرة المتحركة الا ضلالا وكذبا والما
وليسمح لنا بأن نعرض هنا لذكر لى نزو تلميذ الاوشانج الذي هو أيضا من المتشيعين لآراء لا و تزو ان احد النصوص
TAP
الصينية التي ترجمها ر ب ليون ويجر تقص علينا مراقى النجاح التي صعد فيها لى تزو سابقا عندما كان تلميذا انفق ثلاثة اعوام في نسيان طريقة الحكم على الأشياء ووصفها
بطريق الكلام وعندئذ شرفه معلمه لاوشانج بالتفاتة
وفي نهاية خمسة أعوام لم يعد يحكم على الأشياء أو يصفها بطريق الوجدان الباطني وعندئذ ابتسم له استاذه لاوشانج لأول مرة اما في نهاية سبعة أعوام حيث نسى الفرق بين نعم وبين لا وبين النجاح والاخفاق فان استاذه ادناه لأول مرة فاجلسه على حصيره
وفي نهاية تسعة أعوام كان قد نى كل تصور للصواب والخطأ وللخير والشر وللانانية وللخيرية حيث كان قد أصبح لا فارقيا ۱ امام كل شيء وعندئذ تجلت له السلة بين عالم الفلواهر وبين حقيقته المحجبة ومذ ذاك استغنى عن جميع آلات الحس و نمت روحه بقدر ما كان ينحل من جسمه اما عظمه ولحمه فقد صارا من السوائل بل تأثيرا ٢ انه فقد الحسن بالمقعد الذي
·
كان جالسا فوقه وبالأرض التي كانت قدماه ترسوان عليها وفقد كل علم بالفكر المصوغة في عبارات وكل علم بالكلمات التي تصاغ منها العبارات أنه وصل الى ذلك المقام حيث العقل الساكن لا يستطيع شيء أن يحركه
ذاك
هو
الرجل الحكيم والرجل المقدس بين جميع
وتلك هي حكمته التي يطربها لنا شو بنهور
الكائنات
1 لانارقيا أى منسوبا الى اللافارقية وهى الحال التي ببلوغها استوى
عند المره جميع الاشياء والاحوال
۳ أي صار البرا لاكتافه لهما
٢٨٤
•
ان الشرقيين في نظره قد تحرروا بأحسن منا من القناع لقد أدركوا جيدا أن الكل ليس الا واحدا ساكنا وغير
متغير وتخلصوا بأحسن منا من قيد الزمان والمكان والصيرورة وأوهام التشخص الفردية الحكيم الحقيقي هو الفني وصل بقلبه دفعة واحدة الى مقام من العلم يطلب الأنقل منا للوصول الى مثله أن نتروى في كل شيء انه اذن اكثر من انسان أنه شيء خالد لا فارقي أمام كل شيء ا لذلك بذراعيه اليبيستين ونبات الامليقى الذي يأخذ في التسلق
حول ساقيه
انه
ولنتذكر هنا العبارات التي يختم بها شوبنهور کتابه العالم كارادة لو كان لك ملك العالم ثم فقدته فلا يحزنك ذلك ان هذا ليس شيئا
واذا ما غدا لك ملك العالم فلا يفرحك ذلك ان هذا ليس
شيئا
الضراء والسراء الى ذهاب فاذهب انت ايضا أمام هذا العالم ان هذا ليس شيئا تلك كلمات سامية لكن هل هذا هو كل ما تريد ان تقوله الحكمة الانسانية هل الدواء الوحيد للألم هو الموت الكامل الشهوة وأن نقضى ليس فقط على ميول الفردية بل ايضا على تلك الارادة الكونية نفسها بينما طبيعتها بالضبط هي ضد الموت
ان حكماء الجاهلية الافريقية - اللاتينية كانوا أظهر اعتدالا ومنطلقا في تقريراتهم انهم كذلك قد فهموا أخطار الشهوات ونصحتونا بأن نعدلها وأن نضبطها بيد انهم كانوا يعتقدون أن تعاليمهم صالحة الى حد ما وان حكمتهم أكثر اعتدالا من أن
٢٨٥
تمدح
عظمی
لنا الناسك الشائه المنظر ذلك الحي المتمثل في هيكل
من
وهناك صورة أخرى من المذاهب المنشقة تختلف اختلادا بينا من مذهب شوبنهور انتهى اليها جماعة من النشوئيين الجبريين عنوا بالمسألة الأخلاقية وكان لهم من العام ومن الاستقلال مكانة ملحوظة تؤهلهم لأن يتابعوا طريقهم حتى النهاية ولقد كان يتعين منطقيا أن يدرس أولئك الفلاسفة أخلاق كل شعب في كل دور تاريخى له وخلقية كل فرد في كل ساعة ساعات حياته كما لو كانت تلك الاخلاق نتائج لا يمكن أن تتخلف عن مواعيد ظهورها وعلى اعتبار أنها نتائج قابلة للشرح ولكن دون أن يكون فى الامكان استخلاص أية قاعدة للارشاد أو للعمل من بين ثناياها ولقد كتب تين من قبل ان الفضيلة والرذيلة ليستا مجهولتي المصدر انهما تشبهان السكر والسلفات وهذه العبارة نفسها هي ما يجب أن يكون أساسا للاخلاق النشوئية الجبرية
بيد أنه يجب فقط أن لا نخدع أنفسنا أن زعماء هذا المذهب جميعا لم يبلغوا نهاية ما ترمى اليه فكرهم وهذا ينطبق بالخصوص علی هربرت سبنسر انه أوضح فكرته
من
في كتابه قواعد الاخلاق النشوئية والكتاب في ذاته أمتع الكتب لاكن هل يحويه هذا الكتاب وما يوحى به بعد
النتيجة الطبيعية للمبادىء الأساسية المعترف بها في المذاهب
•
ليس ثمة شك أن سينسر على الرغم من جبريته ونشوئبته لم يتصد للمسالة الأخلاقية بنفس الروح التي عرفت
٢٨٦
عند فلاسفة الأخلاق الكلاسيكية والأخلاق المأثورة وهذا هو ما يتحصل من مقدمة الكتاب نفسها أنه أشار فيها الى أنه يعتبر كضرورة ملحة أن توضع على أساس علمی قواعد السلوك المستقيم
وهو يشكو من سابقيه من الأخلاقيين الذين قدموا القاعدة الأخلاقية في صورة منفرة حيث شادوا أساسها على الخرافة وعلى الزهد وهو يتشدد بازاء أولئك الذين قدموا للانسانية مثلا أعلى بعد مثبطا لانه فى الواقع بعيد المنال ولقد تعهد سبنسر بعلاج ذلك كله وهو فى هذا الكلام يشبه المؤلفين في الاخلاق النظرية الكلاسيكية
يد أن سبنسر يفترق عنهم من بدء شروعه في تنفيذ خطته يوجد بناء على رأى سبنسر تطور في كل شيء تطور في عالم الجماد وتطور فى عالم الحياة العضوية وتطور عقلى وتطور في نظام الجماعة واذن يكون هناك تطور في السلوك
واذن ما هو قانون التطور العام للعالم انه يتحدد بهذه الكيفية ان التطور كمال للمادة يكون مقرونا بتلاش مصحوب بحركة وفي أثناء ذلك يمر هذا الكائن المتطور من البساطة الى التركيب ومن اللامتنوع الى المتنوع ومن اللامحدد الى المحدد ومن اللامتناسق الى المتناسق بينما تخضع الحركة المذكورة أيضا لتطور ممائل لتطور المادة
وهذا القانون يجده سبنسر في كل مكان
أنه كما وضحه بالضبط الأستاذ لالاند ينتهى بأن يصير من نوع سریر بروکیست اهــــــذا من سبنسر عمل ارادى أهو نوع من الأوهام يبدو في شكل أنكار ان سبنسر لم يرقط في كل أمر سوى الأعمال التي تبدو كانها تمده
۸۷
بالصواب أنه ينسى سريعا وينسى غالبا أولئك الذين ينبهون
على أخطائه أحيانا أما العوامل التي تعمل على سير التطور في كل شيء فانها في نظر سبنر بسيطة
أما أول هذه العوامل فهو أثر البيئة على الفرد عن طريق
السادات التي تتكون فيها والوراثة التي تستبقى تلك العادات
وفي المرتبة الثانية من هذه العوامل هذا القانون المسمى بقاء الأصلح - الذى نبه عليه داروين حينما وضح قانون الانتخاب الطبيعي
وادن بهذا يتم التطور ره هي نتيجة طبيعية وحتمية للقوى الميكانيكية التي تسلط العناصر الكونية بعضها على بعض بتفاعل ذاتي
انه ليس وليد ارادة تخلقه وتنظم
واذن فانلاحظ السلوك متذكرين هذه الحقائق ولنلاحظه في الانسانية بل في كل مكان لنتأمله عند الاميبيا وهي الخلية الأولية المضوية للحياة بقدر ما نتأمله فى اشد الجماعات
الانسانية تركيا
•
لنتأمله عند الشعوب البربرية الحربية وعند الجماعة
المتمدينة ذات النظام الصناعي
•
أن مقارنة هذه الملاحظات تعطينا علی رای سبنسر ما سيكون عليه كل شيء في المستقبل فكلما تبعنا درجات الحياة أعلاها فأعلاها رأينا السلوك يبدو متناسقا أكثر فأكثر
و مجددا أكثر فأكثر ومتنوعا أكثر فأكثر ومركبا أكثر فاكثر
•
لكن ليس هذا أهم ما يسترعى النظر ان دراسة السلوك
تظهر قبل كل شيء هذه الحقيقة
۸۸
كل نوع من الانواع لن يستطيع متابعة وجوده ما لم يكن هناك صلاحية في الأفراد الذين يكونونه لكى يحافظ على بقائه وتقدمه هو نفسه من ناحية ومن ناحية أخرى لكي بلد أعقابا ويعمل على أن تتابع هي أيضا حياة مستمرة
وما لم يكن الفرد على درجة خاصة من الأنانية فانه لن يدافع عن كيانه وتكون نهايته الفناء
وكذلك ما لم يكن هذا الفرد على درجة خاصة من الغيرية فانه لن يعمل شيئا من أجل نوعه فتكون نهاية نوعه الانقراض ويلاحظ أن التطور يتجه وجهة تستلفت النظر فالانواع المنحطة تسود فيها الأنانية وما يعمله الفرد فيها من أجل نوعه انما يكون عملا لا شعوريا أما القاعدة العامة فهي أنه يضحى من اجل انانيته الفريزية بكل ما يعوقها ويضايقها
ولكن الأمر يكون على العكس كلما صعدنا في سلم الحياة لتنك الأحياء حيث نجد تحولات ظاهرة هناك تظهر ميول
من
الغيرية وتتضح بعد أن كانت من قبل ابتدائيات تافهة انها تعظم وتفرض سلطانها على نفوس عدد من الأفراد تعظم أهميتهم تباعا وفي هذه الحالة جهة أخرى يتحول ضمير الفرد الى درجات من التنبه الى الغيرية أعلى فأعلى ففى الحب الجنسي والحب الوطنى وفى حب الأمومة تبدو هذه الظاهرة سافرة أوضح فاوضح
•
أما في الأنواع الجماعية فان هذه الظاهرة تدرك أسمى أوجها وهي في الجماعات الانسانية أظهر منها في الجماعات
الحيوانية
كما أنها في الأمم الصناعية أظهر منها في الأمم ذات النزعة
الحربية
٢٨٩
ومتى اصبحت الغيرية ذات تفوق فانها تبعا لذلك تترجم من نفسها فينا في صورة هذه الميول التي نحسها من المشاركة الوجدانية وحب العدل والتضحية تلك الميول التي تسئولى على ضمائرنا مع مالها من سلطان وايلام
وليس هذا كل ما هنالك
•
انه كلما توطدت الغيرية في
نفوس الأفراد تراءت فى احساسهم ظواهر هامة انهم يبداون بحسون بلذات أنانية وشخصية عندما يجففون بالعمل بعض المبادىء العبرية كما انهم يشعرون بالألم والسام حين يخالفونها الى العمل بما يناقضها وتأخذ هذه الظاهرة طابعها البارد عندما نرى اناسا جد تعساء لأنهم لم يرضوا عاطفتهم العيرية ولو على حسابهم الخاص أليس هذا هو حال اولئك الانسانين الممتازين الذين تدعوهم مشاركتهم الوجدانية | الي الرثاء الجميع الآلام الانسانية رثاء يجعلهم لا يستطيعون أن تعشوا الا للعمل على تحقيقها اليس هدا هو حال اولئك المجرمين الذين تتملكهم ندامات الضمير حتى يبدو لهم أن من المستحيل عليهم منابعة الحياة فيعمدون إلى الانتحار تخلصا من ذلك الألم الذي يطاردهم اليس هو أيضا حال كثير من الوجدانات التي رفت الى حد أنها تشعر قبل كل شيء بالحاجه الى ان تكون راضية عن نفسها والى الظهر بذلك الاطمئنان الأدبي الذي بدونه من سعى
لها لذة
وما اوفر الدلائل الشاهدة بأن التطور يتخذ هذه الوجهة التي اوصحناها الى ان يحقق لنفسه في العالم غيرية انانية 1 وعلى هذا الاساس لا يتردد سبنسر في أن يشيد من الصروح ما شاء إن التطور الذى تم الى هذا الحد سيتابع سيره
۱ مراد بالغيرية الانانية هنا استعداد المرء للتضحية في سبيل اسعاد غيره لكي يسعد هو شخصيا من طريق سعادة غيره
۹۰
وسوف تكون الانسانية في المستقبل أوفر غيرية بما لم يتيسر للانسانية في عصرنا هذا وسوف يتذوق أفرادها ايضا من لذة تلك الغيرية بما لم يعرفه الافراد في عصرنا هذا وسوف يتألمون اذا نقصتهم تلك الغيرية بأشد مما يتألم لذلك اهل
عصرنا الحاضر
ويتنبأ سینسر بوجود عالم اخلاقي يغاير تماما عالمنا هذا فمثلا نحن في عالمنا الحالي نشعر بثقل التضحية في اطراح انانيتنا لتحقيق أعمال العدالة والرحمة أما في الانسانية الآتية فسوف تكون الحال غير الحال سوف يكون كل فرد هكذا مزودا بعاطفة العيرية البليغة الأنانية الى حد انه يخاطر بأن يثور لكي بسهم ابلغ مساهمة في سعادة الآخرين
وفي ذلك الحين لن تكون ممارسة الأعمال الغيرية هي ما يحسه الفرد عبنا على كاهله بل ستكون هذه الأعمال نفسها في الحقيقة موضع منافسة
•
وسوف يكون البقاء داخل حدود هذه الأنانية الوضعية هو ذلك الأمر الذى يتباعد عنه كل فرد ويأنف منه اليس هذا هو المشاهد فى الجماعات المهذبة واذا لم تكن هناك الا حبة من
•
الثمار لعدة من الضيفان فلن يكون شأن ايهم ان يطلبها لنفسه واخيرا ستكون هذه الصورة نفسها هي هي بعينها أمام جميع حيرات الدنيا سيكون سمة الانسانية المستقبلة كما تصفه لنا هذه العبارة المعروفة من أخلاق الفروسية أبدا أنت فضلك لن أقوم بعمل ما لم تبدأ 1
من
وها هو ذا سبنسر يفجانا بادخال نتائج تتناسب وخططه التي اشتملت عليها مقدمته تلك الخطط التي يخيل أنها قد
۱ ای لی ابدال بالهجوم ولا اشربك الا اذا بدات انت
۹۱
صارت نسبيا أن المرء الذي يحس بتعاسته من أجل انه لم يمر أعمال العدالة والطيبة حقها من التفاته لهو الرجل الأكمل نطورا وهو أضبط مقياس جدير بالاعتبار في انسانيتنا الحاضرة وانه أيضا لهو انسان المستقبل وأناس كهؤلاء هم الجديرون بالثناء وأن يكونوا موضع القدوة وهنا فقط تنشأ مشكلة هل مثل هذه الايحاءات يعتبر خيرا بالنسبة لمذهب كهذا نشوئى وجبرى فى الوقت نفسه أهي في الحقيقة ما كان يجب ان يستخلصه سبنسر من المبادىء التي طالما اعتمد عليها ورجع اليها
أن الابتسار ۱ ليس بذي ضرر في العلوم الرياضية فتحديدات قوس الدائرة مثلا تعتبر من البساطة بحيث أن نتائجها لا تحتمل الشك اما فى جميع العلوم الأخرى فانها بليغة الأضرار وهي في أية ناحية ليست بأبلغ ضررا منها في أبحاث التطور
الاجتماعي
ولنسلم وهذا غير مؤكد ان السلوك قد تطور الى هذا الحد في اتجاه خاص ولنسلم بأن هذا الاتجاه هو نفسه عين ما راه سینسر ان هذا لن يدل قط على أن التطور الذي ابتدا على هذه الصورة سيتابع سيره فى هذا الاتجاه نفسه ان ما يسمح قانون التطور بالابقاء عليه انما هو الكائنات الأصلح لكن من الذى يستطيع أن يتنبأ بما سوف تكون عليه البيئات الطبيعية والبيئات البيولوجية والبيئات الاجتماعية
والبيئات المنحلة الروابط فى عالم الغد من الذي يستطيع ان يرجم بالتالى بما سيكون عليه غدا افضل الاستعدادات ومن الذي يستطيع الحدس بما يجب أن يكون عليه غدا تواعد السلوك لكى تظل واقيا من السقوط ولنفرض مثلا ان الشمس
1 الحكم قبل الاستقراء الكافي
۹
قد ضعفت طاقتها بدرجة مهمة وبصورة دائمة وان الهواء قد تغير في صورة قوامه أو فى نسب عناصره الكيميائية وأن الجماعات الانسانية قد تحولت الى النظام الصناعى كلها منتجة أو غزيرة الإنتاج فهل يكون اذن من المؤكد أن الأسباب الخاصة التي حققت للافراد وللأنواع بقاءها الى اليوم ستبقى دائما صالحة لهذه المنح وهل من المؤكد أن ما يجعل الأفراد أصلح للبقاء اليوم لن يصيرها غدا اقل صلاحية أم هل من المؤكد انه لن يحدث في سلسلة التطور ما يقطع احدى حلقاتها هكذا نجد سبنسر بتخمينه هذا لا يحقق عملا من أعمال العلم وانما هو يمضى في عمل من أعمال العقيدة
•
وهل هو يحقق غير ذلك عندما يقرر أن ناس الغد سوف يكونون أفضل من ناس هذا الزمان أن التطور في رأى سبنسر هو عامل اصلاح بيد أنه ليس هناك من القضايا ما هو أجدر بالمعارضة من هذه القضية التي يدعيها
ان هذا الذي يقضى عليه قانون الانتخاب الطبيعي بالانقراض انما هو طبقة الأفراد والانواع والجماعات التي هي من رداءة الاستعداد بحيث لا تصلح للبقاء في البيئة التي تكتب لها ولا تصلح لان يكون منها أصل من أصول الأحياء فهذا القانون يحقق اذن البقاء والتفوق لهذا الذى يستطيع أن يعيش وينسل على خير ما يمكن في ظروف خاصة ولا شيء يحققه غير هذا ان نجاحا نسبيا ينشأ عن ذلك ولا شك لأن الذي يكتب له البقاء هو وحده الذى يعرف كيف يعدل نفسه على وفاق البيئة التي يتطور فيها لكن هل يتحصل من ذلك نجاح مطلق ذا الذي من بجسر على ادعاء هذا فى بعض الأحوال تكون القوة المهيئة للبقاء هي الضعف والبلاهة واللاخلقية ونحن نرى انه في زمن الحرب مثلا انما يكون جديرا بالبقاء من تعفيه صحته الضعيفة
۹۳
من تجنيده ومن يتاح له فرصة بقائه بحكم مهنته حبيسا بين جدران مصنع بينما مواطنوه الآخرون يقاتلون ومن يعرف في كثير من الأحيان كيف يتخفى بجبن وكيف يتوارى حتى
•
يتخلص من الخطر واذن هل الأصلح للبقاء هو الافضل أحيانا يكون هو الأفضل ولا ريب ولكن على وجه التأكيد ليس دائما هو
الأفضل
•
وحتى على فرض أنه من المستطاع الحدس بأن الانسانية المقبلة ستكون على هذه الحال او تلك فباى حق يدعى أو يوحي بأنها لهذا السبب سوف تكون أفضل من الانسانية الحاضرة في هذه المسألة أيضا يدخل سينسر عملا من أعمال العقيدة
•
وحينئذ يمكن أن نرى فى ايحاءات سبنسر التربوية هذه لا منطقية اخرى
واذا كان سبنسر قد أبان عما سوف يكون عليه انسان الغد فالام يدعونا أيدعو انسانية اليوم منذ اليوم الى أن تكون انسان الغد يا لها من نتيجة عجيبة
•
•
أن الحرى فى رأيه بالاعتبار انما هو وحده العمل الذي يمكن أن يكون سببا اللذة والحرى في رأيه بالاطراح انما هو العمل الذي يكون سببا للالم ولنسلم بهاتين القضيتين انهما تستتبعان نتائج اذا كان الناس في المستقبل سيجدون اللذة في الغيرية فانهم سيكونون حمقى اذا لم يطيعوا دواعيها واذا كان يوجد بين الناس اليوم بعض افراد قد اتيح لهم أن يكونوا التهذيب على ما سيكون عليه انسان الغد فالحق أنهم سيرتكبون خطأ فادحا اذا لم يطلبوا في أعمال العدالة والطيبة والرحمة ينابيع السرور التي تشيعها في نفوسهم تلك الأعمال
•
من
٢٩٤
ولكن ما الرأى فى أولئك الذين لم يصيبوا شيئا من هذه المرية الا يكون من التغرير بهم أن نقول لهم اعملوا عما لو كنتم متصفين بها بينما قلوبهم خواء منها
ان كل ما يسمح به المنطق لـ سبنسر في هذه النقطة لا يعدو
حث الناس على أن يتطوروا بطريقة يستشعرون بها تلك المزية لكن يبقى فقط أن يقال وهل هذا التطور الذي يحدث فينا موكول الى اردتنا واذا كنا نشعر بأننا سعداء بما نحن عليه في الحال الماثلة لنا فما الذى يدعونا إلى البحث عن أحوال أخرى لكي نكون على غير ما نحن عليه
كيف يتغاضى عن فهم تلك الشبه الخفية التي عوجت منطق اسينسر في هذا الموضوع وكيف ندهش لهذا ان الحقيقة هي ان مذهب التطور الجبرى لا يستتبع تلك النتائج الاخلاقية التي نری سبنسر یکد نفسه في استخراجها منه ان له نتائج اخرى جد مخالفة لهذا وها هى ذى المبادىء المهمة للمذهب ان كل ما هو خطر في أية بيئة من البيئات على الأفراد أو الأنواع أو الجماعات يكون عاملا من عوامل فنائها وتلاشيها كما ان كل ما هو نافع في أية بيئة للافراد أو الأنواع أو الجماعات في حفظ حياتها واعقابها يكون على العكس محققا لنجاحها و تكاثرها وسيادتها ومن ناحية أخرى ليس يوجد في هذا الكون شيء دون أن يكون هناك سبب لوجوده وكلما وجدت أسباب للوجود مهيأة نتج عنها باطراد تلك النتائج نفسها من وجود الأشياء
ولنسلم بهذا لكن ما الذى يمكن أن يكون في مذهب كهذا من
الاخلاق الحية
ان الاخلاق تتألف من طائفة من المعتقدات الاجتماعية التي تتملك ضمائر جماعة من الجماعات في دور من أدوار تطورها
٢٩٥
وهذه المعتقدات تحمل على مراعاة ما هو واجب الفعل وتجنب ما هو واجب الترك انها تكون مجموعة من الالتزامات التزامات تتعلق بالطريقة التي يؤدى بها كل انسان واجبه نحو نفسه ونحو اسرته ونحو وطنه ونحو أشباهه ونحو دينه ونحو حكومته ونحو مهنته وسائر واجباته الأخرى
•
وهذه الالتزامات قد نشأت رويدا رويدا وكثير منها قضى زمنا من الحياة ثم قضى والبعض الآخر يتدفق تياره في فترات معينة من التاريخ ولكنه لا يدوم سرمدا ولهذا ترى التزامات للحرب والتزامات للسلام وأخرى لعهود الرخاء وسواها لأيام المجاعات ومن هنا يبدو جليا ان نشأة هذه الالتزامات وبقاءها وسيادتها انما تصدر عن سبب واحد هو ما فيها من منفعة للمجتمع مباشرة أو غير مباشرة وان تعيش جماعة ما لم تكن على توافق مع بيئتها الطبيعية وبيئتها البيولوجية وبيئتها الانسانية حيث تتابع تطورها
وهذا هو السبب في أن بعض المعتقدات الأدبية تسود بينها وتنتشر فما كان منها مقويا للجماعة دام وثبت وما كان من عوامل ضعفها وفنائها تماحى واختفى وهذا هو بالضرورة السبب الحقيقي الذي يعلل به مذهب التطور الجبري وجود المشاعر الأخلاقية والرواج الذى يكتب لبعضها في بعض الأدوار التاريخية وفى بعض البيئات
أما الفرد فانه يشابه الجماعة فى هذا أيضا انه يبدا حياته وليس له سوى تكوين جسمانی و عقلی و اخلاقى ما يزال في بدء نشأته وهذا التكوين انما يفسر بتلاقى طائفة من عوامل الوراثة
فيه وبتمازج هذه العوامل فيما بينها يتكون منه منذ ولادته
٢٩٦
ذلك المخلوق الوراثى ومع ذلك هو يحل بالضرورة في بيئة طبيعية وادبية ويتأثر بمؤثراتها وأمام هذه المؤثرات نراه يرد عليها بمافيه من هذه الاستعدادات الأولى ومن هنا ينشأ التطور الذي تكون عليه حياة كل فرد انه يظهر في بعض الأفراد رذيلة واجراما ويظهر فى البعض الآخر سموا وفضيلة وفي جميع الأفراد من هؤلاء وأولئك ليس هذا سوى نتيجة للوراثة التي تهيأت للفرد وتطورت تطورا آليا في بيئة كتبت له هذا هو ما يتعين أن يسلم به مذهب تطور جبرى كهذا المذهب
هذا
من
ان مهمته هي ان يبين كيفية تكون المشاعر الأخلاقية التي نسود في كل بيئة فى كل دور من ادوار التاريخ وأن يبحث في سلوك كل فرد فى كل لحظة من لحظات حياته أما الحكم على هذه المشاعر أو على انواع السلوك بناء على مبدء مطلق فليس شانه وكل ما يمكن هو على الأكثر أن يقال انه على فرض أن الحياة شيء مرغوب فيه يكون أولئك الذين بتوافقون مع بيئتهم بطريقة تحقق لهم السيادة محقين فيما يصنعون ان هذه العبارة جد قاسية اليست حكما قاسيا على أولئك الذين لأنهم رفضنوا التوافق مع بيئتهم كما فعل سقراط راحوا شهداء فى سبيل ما اقنعهم ضميرهم بسموه و علائه أليس حكمها مشرفا لجميع الضعفاء والمداهنين الذين يحسنون الانحناء أمام الظروف القاسية أو المفعمة بالنكبات لكي يفوزوا بالنجاة
۹۷
المذاهب الأخلاقية في القرنين ١٩ - ٢٠ م
ليس بين جميع المذاهب التي عرفت في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ما هو أجدر بالاعتبار من هذا المذهب الذي وضع اسسه الاستاذ ليفى برول فى كتابه المسمى الاخلاق وهذا الكتاب بالنظر الى موضوعاته الأساسية
وعلم العادات
يتالف
من
من
ثلاثة اقسام
في القسم الأول منه حاول المؤلف أن يبرهن على أن الأخلاقيين أصحاب المذاهب المأثورة قد دأبوا وراء غاية لا سبيل الى تحقيقها ان غايتهم المعروفة هى أن يضعوا قواعد السلوك الأخلاقي على أساس علمى وهذه الغاية هي تأسيس ما يسمى العلم التقديري واضعين لهذه الغاية قواعد للسلوك مقررين مثلا أعلى يتبع ولكن فكرتهم عن العلم التقديري كما یفهمونه هی موضع تناقض ولنمتحن العلوم المختلفة التي جاوزت
طور التكوين وتوطدت دعائمها كالعلوم الرياضية وعلم الطبيعة أن ما تكشف عنه هذه العلوم هو دائما من نوع واحد هو الحقيقة الناتجة من ظواهر مؤكدة فالذى يشغل الرياضي انما هو مثلا تعيين الخواص الحقيقية للمثلث والذى يشغل الطبائعي مثلا إنما هو ضبط قوانين انتشار الأشعة وليس ثم من شك انه عندما تعلم الحقائق النظرية لعلم من العلوم فانه يصبح من الممكن أن تستفاد منها تطبيقات عملية بيد انه يتعين أن لا نخلط بين العمل العلمي بمعناه الصحيح
وبين التطبيقات التي يمكن عملها تبعا لحقائق اكتشفت
٢٩٨
علمية
وحيث كانت المحاولات الانسانية تقديرية فليس يمكن عدها
•
انه بالضبط لما كان المؤلفون لمذاهب الأخلاق المأثورة قد فهموا نقطة البدء فهما معكوسا فقد أوقعوا انفسهم في ورطة ولكى يتوصلوا الى حل لمشكلتهم كما فرضوها فانهم لم يجدوا قط سوی مسلکین أن يؤلفوا فلسفة ميتافيزيقية رجاء ان يتخذوا منها مبررا لقضايا الاخلاق التي اسسوها أو أن يضعوا المبادىء التي يريدون أن يمنحوها سلطة مطلقة في صورة قواعد معصومة من الخطأ لكن ما الذي كان يمكنهم أن يحققوه بمثل هذه للجهود من ذا الذي يستطيع اليوم أن يتصور أن مذهبا ميتافيزيقيا يمكن أن يتجلى في صورة علمية والواقع أنه من عهد كانت و ا کونت لم يعد هناك رجاء في ذلك
•
•
وماذا عسى أن يكون جواب أولئك الذين يحيكون بعض مبادىء ثم يعطونها اسم القواعد لو انهم سئلوا لماذا هم يعتبرون هذه المبادىء غير موضع للشك
ومع
هذا فاننا نرى جميع الأخلاقيين من أصحاب مذاهب الأخلاق المأثورة قد أدخلوا في مذاهبهم نفس هذه المسلمات التي تعد اختلاسية وجدلية انهم جميعا قد فرضوا وجودا لطبيعة انسانية ثابتة على حال واحدة يمكن أن يشرع لها شريعة من عالم المجردات والمعاني دون أن يحسبوا حسابا للظروف والأزمنة والأمكنة والجنسيات والشخصيات انهم جميعا فرضوا أن الضمير الاخلاقي وحدة مترابطة الأجزاء ليست أوامره الا تطبيقات مختلفة صادرة عن التزام داخلی اساسی متحد
واذن فلا شيء أولى بالبطلان من هدين المسلكين والحقيقة
۹۹
هی انه ليس هناك انسان هو مستقل بنفسه كما فرضوه يمكن أن توضع من أجله حقائق أخلاقية مسلم بها دون جدال
أما الضمائر فانها نشأت من التزامات امتزج بعضها ببعض كما انها ترجع الى أصول متنوعة بل وبينها في الغالب مناقضة
تامية
واذن فما هي الأخلاق النظرية بمعناها المأثور المتعارف يقول الأستاذ ليفى برول انها عمل عجيب ان العلوم يبدا فيها عادة بتقرير حقائق نظرية ثم يتلو ذلك تجارب لاستخلاص نتائج عملية من هذه الحقائق اما فى الاخلاق المأثورة فيبدا بتقرير نتائج عملية قد اعتزم من قبل اعتبارها صحيحة ثم يخترع لها بعد ذلك بناء مزوق من التصورات لكي يبدو للانظار أنها قد صار لها ما يبررها وكيف يعلل بغير هذا ذلك الاتجاه الموحد للمذاهب الأخلاقية انها ذات مبادىء مختلفة ونتائج متحدة أكان من الممكن أن يقع هذا لولا أن واضعى هذه المذاهب قد وضعوا من قبل على اساس مسلم به تصريحا أو تلويحا نفس هذه النتائج التي يريدون تبريرها
أما القسم الثاني من هذا الكتاب السالف الذكر فله وجهة اخرى ان المحاولات التي بذلها بناة الأخلاق النظرية ليست اكثر من محاولات عقيمة لكن ليس معنى هذا أن الأخلاقيات يجب من الممكن بدلا من هذه الاخلاق
طائفة كاملة من
أن تستبعد من دائرة العلم اذ النظرية أن يوضع علم مستمد من العادات لنبحث مثلا النظم ومن العقائد الاخلاقية التي تبنى عليها تلك النظم النظم المتعلقة بالزواج والنظم المتعلقة بالارث وتلك التي تتعلق بالرق أو بتنظيم العمل أو بالدفاع عن الوطن أو بمنع الجرائم او بغير هذا من الأمور ان البحث ليدلنا على أن لكل نظام منها تاريخا وأنها جميعا تتغير حسب اختلاف
r
مرتبة
الأزمان وانها تختلف باختلاف الجنسيات وباختلاف المواطن واذن من الممكن أن تشاهد وأن تقارن وان تصنف أصناف وأن تدرس مقتضيات الأحوال التي اوجدتها أو التي قضت بزوال ما زال منها واذا كان هذا المشروع يبدو هائلا فان تنفيذه ماميا يعد في حيز الامكان لأن ذلك ليس الا دراسة لظواهر تضبط وتقارن ومن الممكن ان يستخلص منها بدراسة كهذه نتائج لا تقل انضباطا عن تلك التي تستخلص من دراسة علم الفلك او علم النبات أو علم الحيوان
•
وعلينا أن لا نستخف بنتائج علم كهذا عظيم الشان !
اما القسم الثالث من هذا الكتاب فان الأستاذ ليفى برول يعطى فيه فى الحقيقة فكرة سبق أن أشار اليها 1 كونت
باختصار
عندما كان علم البيولوجيا لا يزال متأخرا كان المرضى لا يكاون أمر العناية بهم الا الى السحرة والمتطببين الذين لم يكن لمجهودهم فائدة الا لمن يواتيه الحظ بيد أنه منذ اللحظة التي وجد فيها على التشريح وعلم وظائف الأعضاء وعلم تشخيص الأمراض كعلوم مرتبة الى حد الكفاية فقد قام على أثر ذلك فن طبي وفن جراحی استفادا من اكتشافات تلك العلوم نتائج هامة
•
وهكذا الشأن في الاجتماعيات وما بقى علم العادات منقوصا كيف يمكن أن تعرف معرفة علمية تلك المقاييس الجديرة بأن تستخدم لاصلاح حال المجتمع الانساني ان السياسة والتربية الأخلاقية لم يقوما على كفاية من البحث والتروى ان الذين حملوا عبء تأسيسهما لم يكونوا أكثر من أولئك السحرة وأولئك المتطببين ولو ان قد حان مجىء اليوم الذي ستعرف فيه الأحوال التي تكون نتيجتها وجود بعض العادات في مجتمع او زوال بعضها لكان فى ذلك فرصة مواتية للعمل من طريق آخر
٣٠١
·
احسن واجدى واذن كان يمكن فى الحقيقة أن يطبق فن اجتماعی و فن سیاسى بنى كل منهما على قواعد علمية ولن تكون نتائجها أقل شهرة ولا أقل انضباطا من تلك النتائج التي يمتاز بها اليوم فن الطب وفن الجراحة هاك ما يمكن أن يكون عملا علميا بحق فيما يتعلق بالاخلاق والعادات اما ما عدا ذلك من ضروب البحث الأخلاقي فلا يعدو بعض آراء مضطربة وبعض تعبيرات بيانية تختلف درجة بلاغتها قوة وضعفا ولباقة وبراعة
وبعض الفلاسفة يحكم على هذه الآراء بأنها مدعاة لخيبة الأمل
فتجادلوا حولها بعنف انها لقضايا محيبة للأمل وها هو ذا موقفها امام مشاكل الحياة العملية ولنعرض أن أحدا من خاصتى قد ارتكب بعض فأي موقف يتحتم على ان اتخذه بازاء ذلك انعين
الحماقات
•
على ان آخذه بالشدة لكى يتأدب ام اتركه ضحية للمعونات الطبيعية واذا كان لى ابن فبأي خطة من التهذيب آخذه ايجب أن أعوده مصارعة الخطوب ام يجب أن اربيه على العدالة والرحمة واذا قدر لي يوما أن أكون مضطلعا عبء من سياسة بلادي فما الذى يجب على نحوها لكى تتجه السلطات وجهة موفقة ايجب على أن امنح صوتى لأولئك الذين يعملون على صون الأمن العام ا ام لاولئك الذين يوسعون دائرة المشروعات الاستعمارية أم الذين يحددون على هذا الاعتبار أو ذاك نظام الضرائب ايجب على ان اميل الى القضاء على شرب الكحول وان قضى بذلك على بعض الحربات لا ايجب ان اميل الى نظام استقلال الكنائس م الى ديانة تسيطر عليها الحكومة وتعتبر فساونسته موظفين هذه المشاكل وكثير سواها يتعرض لها كل امرى في حياته على الدوام وكل امری ملزم ان تخذ حيالها موقفا معينا وعند كل انسان شعور بأنه يمكنه اتخاذ ذلك
الموقف واذن فلا بد له من مبادىء معتبرة يمكنه أن يرجع اليها عند الحاجة وهذه الضرورة هي التي حضرت الأخلاقيين من اصحاب المذاهب المأثورة الى وضع مبادئهم الاخلاقية دفعا سا عساه أن يعرض من هذه الاحتياجات وماذا عسى الاستاذ ليقي برول أن يكون جوابه اذا ما سأله سائل في مثل هذه الأحوال المختلفة عما يكون من الصواب أن يعمل ان الاستاذ بيلو وقد دفق المناقشة في هذه المسألة بما يدل على شدة تأثره وسيضطر المنطق الاستاذ ليفي برول أن يتكلم هكذا ان الاجيال المقبلة سوف تعيش في عصر بلغ فيه علم العادات مبلغ الكفاية من التقدم وانهم سيكونون في احوال كافية لكي تميزوا بجلاء ما كان يجب ان يتبع في هذه الظروف الحاضرة اما انتم يا ابناء هذا الزمان فما انتم سوى بواكير زمن لا يزال هو ايضا في دور طفولته انكم لن تقدروا على أن تعريرة معرفة علمية ما هو الخير لكم فيما يجد لكم من ! أحوالكم اعملوا اذن ما يبدو لكم انه الأحسن حسب ما توحيه اليكم طباعكم ومأثور تعاليمكم الاخلاقية خطا كان ذلك ام صوابا على قدر ما يتيحه الحظ وتلك بدون شك نتيجة مؤلمة ! انها على الأخص مؤلمة كما يرى الاستاذ بيلو لان نمو الأبحاث التاريخية وعلم العادات الاجتماعي نقویان مشاعرنا الاخلاقية التي نستشعرها من طبيعتنا ومأثور عاداتنا بل يبدو لنا ان تلك الأبحاث هي بطبيعتها عامل يعمل في هدم هاتيك المشاعر واتلافها انها تعرفني مثلا ان اصل مشاعرى الأخلاقية كتلك التي تثور ضد الزنا بالمحارم انما يرجع أصلها الى معتقدات البدائيين البعيدة عن المنطق بل البالعة احيانا غاية السخافة
فهل تكون هذه المعرفة مما ساعدني على تقوية كراهاتى النبيلة ضد الزنا ومما يساعدني على السير سيرة حميدة متزنة
ولنفرض أننا تابعنا على خير ما يطلب منا قواعد علم العادات فهل ستكون قواعد هذا العلم حلا نهائيا للمشكلة الأخلاقية يمنع ظهورها في المستقبل بشكل مؤلم
وفوق ذلك يقال وكم ردد هذا القول ان آمال الأستاذ ليفي برول هذه انما كان منشؤها منطقية فاسدة
•
ان الذي يجعل تكوين قواعد فن الطب سهلة نسبيا انما هو لأننا نجد في البيولوجيا علما واضحا هو علم الصحة الجسمية وعلى الطبيب ان يعرف ما هو الجسم الحى العادي المتزن وأن يعرف عن الشخص الذى يعالجه ما فيه من كل ما هو مخالف لحالة الحي العادي وان يعرف الدواء الذى يعيد الى حالة الاتزان كل كائن غير عادي ان المهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة أن الكائن العادي هنا فى الحقيقة ممكن التحديد وعمل الأعضاء وتوازنها أمر يدركه العقل وليس موضوع جدال
لكن هل هذا الوضوح متحقق فى النظم الاجتماعية انه لكى یعنی بجماعة ما عناية علمية يتعين الوقوف على هذه الأمور
الحال التي يجب أن تكون عليها جماعة من الجماعات لكي يقال انها جماعة صحيحة
فيم تفترق هذه الجماعة عن الجماعة الصحيحة
- بأى علاج يمكن أن تعالج جماعة غير صحيحة حتى ترد الى حالة الصحة وبدون ان تحل هذه المشاكل كيف يمكن تطبيق الفن السياسي الذي يريده الاستاذ ليفي برول
ولهذا لا مناص هنا من مجابهة صعوبة خطيرة كيف يمكن في الحقيقة أن نحكم بصحة جماعة من الجماعات من غير أن يكون لدينا من قبل مبدا اخلاقی محدد ها نحن اولاء نجد
٣٠٤٠
فيلسوفا يقرر أن الغاية من الحياة الانسانية يجب أن تكون هي السعادة وان كان فى ذلك جور على العقل واهمال له وآخر يرى ان غايتها يجب ان تتجه نحو تقوية الضمير وتكميل المعارف وان كان فى ذلك تجاهل للسعادة وآخر يرى ان هذه الحياة يجب أن تضع نصب عينيها التزام الافراد حياة الطهر والقداسة ولو كان ذلك اهمالا لسعادتهم ولمعارفهم فهل يمكن أن يحكم ثلاثتهم حكما متوفقا اذا أصدروا حكما على مدى الصحة في جماعة ما كيف يمكن التغلب على هذا الخلاف انه سيكون محتما للتغلب عليه أن يبرهن على أن الحياة الانسانية يجب أن تكون لها هذه الوجهة مثلا وأن ليس لها أن تتجه الوجهة الأخرى ولكن اين السبيل هذا اذا كانت مشكلة الاخلاق الماثورة لا تزال باقية دون حل تلك المشكلة التي قرر الأستاذ ليفي برول انها لا حل لها ومن أجل هذا كم دافع الأستاذ ليقى برول ان هذا الاعتراض لم يكن له ما يبرره الا الان علم العادات ما زال متأخرا أما عندما يتقدم الى درجة كافية فسيصبح العلم بالصحة الجماعية ون الضبط الى حد أن تجتمع الآراء على حقائقه هذا التنبؤ ولتؤكد أنه يعتمد على عمل من أعمال العقيدة لا أعمال العلم عمل من أعمال العقيدة يمكن أن يكون وأن لا يكون
•
ولنسجل هنا
من
وسوف يكون في يد المستقبل وحده أن يحكم بما يمكن أن يكون
له من قيمة
مهما يكن شأن هذا الخلاف وهذا الجدل فان هنا حقيقة غير متكورة تبدو واضحة اذا كان مفكر جليل كالاستاد پارودی مازال يوالى جهوده و اشتغاله بمشـ
كلة
٣٠٥
الاخلاق المأثورة محاولا أن يبرز فيها مذهبا من المؤكد أن أصوله كانتية ١ فان أكثر أولئك الذين عنوا بالدراسة الاخلاقية
بعد الاستاذ ليقى برول قد انتحوا بتفكيرهم منحى جديداً ومن ذلك المنحى الجديد ما ذهب اليه روه في كتابه التجربة الاخلاقية حيث يرى ان مشكلة الاخلاق المأثورة برمتها
غير قابلة للحل ما دامت على وضعها المأثور بيد أنه يعني بتحديد سيكولوجية من يبدو عمله اخلاقيا في نظر نفسه وفى انظار الآخرين انه يعطينا وصفه في ذلك العمل الثلاثي الذي يقع منه في كل حال تعرض انه يبحث فى نفسه ويستخلص مشاعره العارضة ثم يطبقها عمليا لدرسها واصلاحها كما هو صنيع التجربي حين يختبر فروضه العلمية بمقارنة الظواهر
وعلى هذا النمط يعتقد دوركيم انه يوجد في كل جماعة وفي كل دور من أدوار التاريخ ما يسمى الضمير الاجتماعي الذى يرجع تكوينه الى أصول شتى بعضها من لوازم الحياة الاجتماعية دائما وبعضها الى حد ما يعتبر نافعا للجماعة في بعض الأوقات من أدوار ترقبها والبعض الآخر عارض وقتى وليس له ادنى استقرار وعلى هدى هذا الضمير تخضع الجماعة أفرادها التربية الاخلاقية تختاره لهم أحيانا بطريقة لا شعورية من وأحيانا بعد البحث والتروى ومن هنا تنشأ في نفس كل فرد طائفة من الالتزامات الحتمية التي لا يمكنه أن يتملص من ربقتها الا بنوع من انتهاك الحرمات والتى هى فى الحقيقة حرية بأن تكون موضع طاعتهم واحترامهم بسبب ما للمبدأ الاجتماعي من سلطان على الفرد لا جدال فيه
لنمط
1 نسبة الى الفيلسوف كانت
٣٠٦
وفي هذا المعنى ايضا وضع الاستاذ برجسون نظرية تعد جديدة ودقيقة أنه يضع فروقا بين اخلاق الجماعات المغلقة و اخلاق الجماعات المفتوحة ان كل جماعة خاصة انما تعمل على تقوية نفسها من أجل نفسها وضد الجماعات الأخرى ومن هنا تنشأ طائفة من النظم تهدف الى غرض ظاهر تحقيق المحافظة على حياة الجماعة وهذه النظم تنشأ في كل جماعة وتنمو
من
فيها كما يقول علماء الاجتماع انها تكون فى كل جماعة نوعا الصلان القانوني الخاص بها ذى الطابع القدسي بيد أن هناك نوعا من الاخلاق الانسانية المطلقة يسندعي ممارسة العدالة والرحمة من أجل الانسانية كلها دون فرق بين الاجناس أو اللغات أو بين نوعى الرجال والنساء أو بين الأوطان وهذا النوع من اخلاق ليس منشوه سلطان الجماعة على الأفراد انه مجمرة لنوع من الادراك الذاتي الذي يحدثه في نفوس بعض الصفوة استعداد حيوى خالق واعنى الصفوة الذين يقودون وراء خطاهم تحت تأثير نوع من الاستشراف العلوى أولئك الذين هم أهل الاقتباس من نوره والسير على أثره
ان مباحث كهذه لتعد جد مثيرة للاعجاب ولكنها جميعا على خطأ في بعض النقط أما أن هذا النوع من العمل الذي وصفه روه سابقا هو عمل المرء الذى يعتقد نفسه شيريغا ويعتقده الناس كذلك فهذا ليس موضع الشك لكن هل معنى هذا ان مثل تجربته الاخلاقية هذه ستكون عصمة من الخطأ لمن يهتدى يهديها الى حد أنه لن يخدع قط وانه فى جميع الأحوال سيكون سلوكه وفق ما يجب
وأيضا ليس لم جدال فى أن التربية التي يؤخذ بها افراد الجماعة هى بالنسبة للكثيرين منهم تتمثل في المشاعر الأخلاقية
۳۰۷
التي يستشعرها الأفراد وفى الالتزامات التي يحسون بها بين جوانحهم لكن اذا صح الادعاء بأن هذه المشاعر الفائضة بهذه الالتزامات لا أصل لها سوى التربية التى ينالها المرء بعد ميلاده فكيف وبماذا تفسر عدم القدرة على جعل حيوانات سهلة التهذيب كالقرد والفيل ذات ضمير اخلاقي كالذي ينمو سريعا عند صفار الأطفال وأيضا من ذا الذى يوضح لنا السبب في أن هناك كثيرين من الأفراد يثورون على اخلاق بيئتهم داعين الى اخلاق أخرى تغايرها كل المغايرة
وكذلك لا جدال في أن أخلاق الجماعات المغلقة تغاير اخلاق الجماعة المفتوحة لكن هل هناك جماعة الا وهي تتجمع على شيء ما ان اخلاق جماعة صغيرة هي بالطبع ضمان شرعى ضد الجماعات الصغيرة المجاورة لها بل ان اخلاق الانسانية اذا
ما أصبحت جماعة واجدة لن تكون الا اخلاقا ضد الطبيعة تلك العدوة الأبدية التي يجب علينا أن نقهرها اذا كنا لا نريد أن نصبح وماذا نقول في ذلك الوقر الثقيل من الأحمال
•
حطاما تحت اقدامها التي تهبط بها الأفراد طبيعة جماعتهم المغلقة بأحكام اليس في هذا ما يفسر بطريقة بعيدة عن التصوف ذلك الحلم الذي يساورهم من اجل جماعة أخف وطأة على أفرادها لأنها ليس لها من تعدهم أعداء ولأنها ستكون ضمن الجماعة الانسانية في وحدة تامة بين أفرادها تسعى بها للتغلب على ما في العالم من قوى وحشية وليسمح لنا القارىء بأن نعرج على ما كنا قد حاولنا البرهنة
لا
عليه منذ عام ۱۹۳۱ م فى مؤلفنا المسمى النوع وخادمه أن ما يقوله علماء الاجتماع فى اصل الاخلاق ومنشئها هو حق ريب فيه بيد أن هناك امرا آخر لم يعنوا به العناية الكافية ان ضمائر الأفراد تدين بالنصيب الأوفر فيما هي عليه لوجود هذه الالتزامات التي تطبع الجماعة بها روح الطفل باستمرار وبعد
أن يولد فيها أن الأسرة والدين والمدرسة والبيئة والأصدقاء وقوانين البلد وقوانين الدولة وقوانين المهنة لهي امور تشترك كلها فى اقناع الناشيء بسلطانها وفي اشعاره بان هناك ما يعد خيرا وما يعد شرا وأن هناك ما هو محتم وما هو محرم بيد أن هذه الالتزامات ليست هي كل شيء ان هذا الضمير الأدبى الذى يتكون للناشيء سريعا كما قلنا ولا يمكن أن يتكون في العجماوات الصالحة للتهذيب ما كان من المستطاع تكونه لولا هذه الاستعدادات الفطرية التي ليس لعوامل التربية فيها سوى العمل على انهالها ومثل هذه الاستعدادات ستغلل في على الخفاء اذا لم يتح لها أن تنتظم في وسط يحوى الظواهر التي تماثلها وتتلامم معها الى حد بعيد
طائفة
أن الأنواع الحية مؤلفة من أفراد وشأن كل فرد من افرادها ان يولد وان ينمو ثم يموت وهذه الأنواع لن يستمر بقاؤها ما لم تقم افرادها ببعض عمليات خاصة وفى تكوين كل فرد ما يشعر بأن الطبيعة قد حصنته ضد هذا الخطر ولكن مع نوع من التحايل والسخرية وفى كثير من الأحياء يكون بقاء النوع مرتبطاً ببعض عمليات طبيعية بسيطة كانقسام الخلية الحية أو التبرعم أو البيض غير الملقح أو الاخصاب الاتفاقى بتلاقي لقاح الأنثى ولقاح الذكر أو الانتشار الآلى لحبوب اللقاح أو صغار الحشرات, ولكن بقاء النوع عند انواع أخرى من الحيوان يتخذ صورا أخرى أن نوعها يكون عرضة للانقراض اذا لم تخضع افرادها لبعض موجبات من غرائزها القوية تلك الغرائز التي تحملها على الجد في تحقيق نمط اجتماعی خاص أن في تزاوجها وان فى تعشيشها وان في بيضها أن في تموينها عشها وان في حضانتها بيضها وأن فى ارضاعها وان في تضحياتها من أجل حماية الصغار أو من أجل تربيتها أن هذه الغرائز جميعها متشابهة
J
وهي تستدعى من الفرد كدحا يقوم به على حسابه الخاص من أجل تحقيق الخير الأعظم لصالح النوع ولا شك ان الطبيعة في هذا أن مخادعة وان مخلصة تطلى للفرد حبة الدواء بطلاء من الذهب اذ تقرن الأعمال التي يتحقق بها وجود النوع ببعض ضروب اللذة والأعمال الضارة به ببعض ضروب من الألم والنتيجة من النهائية في كل هذه الاحوال هي دائما واحدة ان الفرد يجهد من أجل نوعه دون أن يفهم بالضبط معنى هذا الكدح وكثيرا
ما يكون في هذا الكفاح مخدوعا بأنه انما يعمل من أجل نفسه
ولنمتحن على ضوء هذه الأسس الفطرية لاستعداداتنا الاخلاقية تلك الاستقرارات التي تدفعنا بوساطة المشاركة الوجدانية أو الرضا الأخلاقي أو تبكيت الضمير الى التباعد الاضرار بسوانا والى معاونتهم ابعد هذا شيئا آخر اكثر عن من أنه عبارة عن مبادى جد عريقة فى الانسانية ساعد على تأصلها اثناء احيال طويلة تربية اجتماعية تقوم من العادات الوراثية مقام الأم والتي هي أصل الغريزة التي تعمل على أن تتخذ من افراد خداما النوع من أجل الخير الأعظام للحياة
اننا كنا نجد أنفسنا ملومين لو لم نعرض لذكر المشاكل التي
ظورت على هذه الصورة فى الفلسفة الحديثة المعاصرة ولكننا أيضا كنا بعد انفسنا ملومين لو توسعنا فيها بأكثر مما فطنا ان دراستها في الحقيقة لا تكون جزءا اصيلا من موضوع بحثنا أنها لا تكون منه الا بحثا ثانويا ولو أنه كان من الممكن معرفة منبع المشاعر الاخلاقية تماما لكان هذا موضوعا مهما دون شك لكن هل هذه المعرفة بهذا المنبع مستكون كافية يوما ما لإمدادنا بما نحن بحاجة اليه من القواعد الأخلاقية ان اصحاب المذاهب المنشقة على اختلاف مشاربهم يمكنهم أن يقولوا ما شاءوا وأن يبرهنوا كيفما أرادوا وان يشرحوا آراءهم حسبما
۳۱۰
يتراءى لهم بيد أنهم لن يقضوا بهذا على المشكلة الاخلاقية وهل ستكون نظرياتهم مانعة من حاجة الفرد يوما إلى أن يسأل في تلهف ما الذي يجب على أن أعماله لاكون على سنن الأخلاق وای موقف اقفه من الماضى ٤ وأى قرار حاسم اسير عليه في الحال ولعله من الحق اننا عندما نعرض مشكلة كهذه المشكلة الاخلاقية بقية حلها قائما نخدع بالأماني المعسولة قدرتنا وحريتنا هذا فان هذه المشكلة تلاحقنا كرفيق أبدى في كل لحظة من لحظات حياتنا أن علم الهيئة يبرهن لنا على أن الأرض متحركة ونحن لا نشعر إلا بأنها ثابتة من تحتنا وعلم النفس وعلم الاجتماع الجبريان يقرران ربما بنفس الطريقة أن مشكلة الأخلاق المأثورة غير ذات موضوع وغير قابلة للحل اننا من بعد هذه العلوم ومن قبلها لعلى شعور بأننا نترنح أمام الضرورة الملحة للعمل وصعوبة الاقدام علية
ومع
•
٣١١
•
أن البلاغة الحقة تسخر من علم البلاغة كما أن الاخلاق الصحيحة تسخر من علم الاخلاق هذه الفكرة المسائورة من بسكال حرية بمالها من الشهرة فليس النحاة هم الدين وضعوا اللغات لأنها كانت تتكون رويدا رويدا من الفريزة الاجتماعية وتبعا للحاجة التي تستلزمها الحياة في المجتمع وبعد ذلك جاء النحاة وفصاغوا طرق استعمالها في قوانين وعملوا على نشرها وليس العروضيون هم الذين خلقوا الشعر ان الشعر كتعبير عن عواطف انسانية وليس وضاع قواعد الخطابة هم الذين خلقوا ان الفصاحة انما تنشأ عن الرغبة القوية التي تدفع ذا حاجة من الحاجات الى أن يترجم عنها وأن يقنع الغير بما ثم من بعد ذلك يأتى علماء الخطابة انهم يلاحظون الطرق التي تكون فوائدها جزيلة فى فن الخطابة ثم يضعونها في قواعد
الفصاحة
يقول
علمية
•
•
وليس الشأن في الأخلاق الا ما قلناه فى هذه العلوم اذ ليس الفلاسفة هم الذين اخترعوا أخلاق الناس ان اخلاق الناس انما نشأت فى الكون كثمرة طبيعية للضرورة الناشئة عن الحياة في عمومها وعلى الخصوص الحياة الاجتماعية ولما كان هناك شروط بدونها لا يمكن أن تتحقق حياة اجتماعية كانت الأخلاق في كل زمان ومكان تتشابه في بعض نواحيها ولكن أيضا كيف نستغرب وجود اختلافات في هذه الاخلاق من نواحي أخرى مادام هناك اصول وبيئات طبيعية وحاجات وظروف تاريخية دائمة أو مؤقتة وكلها يعتبر غاية فى التباين والاختلاف وهذا هو السبب الذي يدعو كل جماعة الى أن تعيش على نمط من الاخلاق خاص بها كما ان هذا هو السبب في أنه يمكن عمل جغرافيا و تاريخ للاخلاق التى هى اليوم والتي كانت فيما مضى سائدة
۳۱
في تلك الجماعات فقط هناك أيضا كان يوجد محل لفرصة تأسيسها على قواعد العقل ولم تكن تلك الفرصة سوى أولئك الفلاسفة الذين أخذوا انفسهم بذلك وعن هذا نشأت تلك المذاهبيه التي صنفنا أهمها وأبنا عن تنوعها وعما فيها من نواحي القوة ونواحي الضعف
·
ومن العسير البحث عن قواعد لتنظيم السلوك الاخلاقي ان الشهواته السياسية والدينية لها مكانها في هذه الناحية ومن ثم نشأته تلك الاختلافات المهمة التي تسود اليوم بين الباحثين الذين تخصصوا بدراسة هذا النوع من الفلسفة ولكن من حسن الحظ كذلك أن الاخلاق الحقة تسخر من علم الأخلاق ولكن هل يمكن القول بأن تلك الجهود الهائلة التي بذلها الفلاسفة في الناحية الأخلاقية تعتبر عقيمة تماما ان قولا كهذا لبعد نهاية في الظلم ان عمل الفلاسفة وان لم يؤد إلى تكوين مذهب كامل تام الانسجام فقد توصلوا في الحقيقة الى استخلاص حقائق بنسجن بعضها مع بعض انها حقائق تلخص التجارب الاخلاقية للانسانية على مر القرون وهذه الحقائق يمكن ان توضع تحت نوعين مختلفين أحدهما الاخلاق الذاتية والآخر الأخلاق الموضوعية أما حقائق الاخلاق الذاتية فقد كانت معروفة ومشهورة منك أقدم العصور وكانت تروى على مر القرون عن كبار الاخلاقيين ما بين شرقيين وغربيين كانت تلك الحقائق اشبه بالصرخة التي تنبعث في صوت الحكماء
•
1- لا يوجد خلق طيب بدون ارادة طيبة والارادة الطيبة تعتمد على أمرين مجهود صادق في كل أمري الأمور لاستبانة ما هو الأجدر بأن يعمل ثم ارادة منضبطة لكي ينفذ بالفعل ما أظهرت الروية انه الأجدر بأن يعمل هذا
من
هو الشرط الضرورى فى كل عمل اخلاقي بيد ان هذا الشرط لا يكفى دائما انه حتى مع خير ارادة فى الدنيا قد يكون المرء عرضة للضلال اذا لم يكن عالما تماما بخيرية ما يريد
•
•
- لیست السعادة ممكنة بدون السلام الروحي والحصول على هذا السلام هو بدوره مشروط بشرطين انه الغير ممكن أن يسعد المرء به دون أن يكون مطمئن النفس الى انه قد تحرى جهد طاقته لكي يستنير فى قصده دائما وانه ينقل ما بدا له انه الخير وايضا لا بد هنا من أمر آخر يراعى وهو ان تكون وغبات المرء دائما معدلة وفق الظرف الذي يكتنفه أن من يشعر أنه في عمله منقوص الحظ من الارادة الطيبة لا يمكن ان يشعر نحو نفسه بغير المقت والاحتقار اما ذلك الذي يشعر بأنه واد الخير جهد طاقته فان شعوره نحو نفسه سيكون شعون الاعجاب شعور العظمة المستساغة المشروعة وهذا الذي التسلط عليه رغبات ليست على وفاق مع الظرف الذي يحف به بوون حياته كامرة قلقة ١٣ ذاك الذى لا يرغب في شيء الا في محدود طاقته فانه يحيا حياة مطمئنة وعلى عليا المعنى تكل امرىء يستطيع أن يكون الصانع الذى يصوغ بيده سعادته الخاصة أنه يكونه بما يبديه من حرص على حسن سيرته وسلوكه انه يكونه بما له من مهارة يستطيع بها أن يهذب مطامحه ويعد لها - لا حكمة بدون قناعة من المؤكد أن القناعة ليست فضيلة دائما واذن فليس من الحكمة أن يرضى المرء بأمر يكون في طوقه أن يتفاداه انه لواجب كما قال مترلنك أن يعرف المرء القرع على كل باب يؤدى الى المثل الأعلى أن أى بحث وراء الصحة والفنى والجمال والمجد ليس بمحرم على الحكيم فقط عندما يحدث من حدوثه فانه يجب أن تعدل جميع الرغبات على وفاق ما حدث ان الأمر اذن يكون كما قال فيني ان الصراخ والاسترحام
مفی
٣١٤
•
والبكاء ليس الا ضعفا وان ذلك الذى يصرخ أو يبكي أو يتضرع ان يعمل شيئا أكثر من أنه يزيد في آلام نفسه تلك القضايا الثلاث يعرفها جميع الحكماء بيد أن هذا لا يكفي فمن الممكن أن يكون للمرء ارادة طيبة ثم لا يمنع ذلك من أن يخطىء في سلوكه كلما شرع في عمل من الأعمال فهل استطاع تفكير الفلاسفة أن يعمل شيئا لجل هذا المظهر المتناقض وهل نجح تفكيرهم في تحليل الخلفية الذاتية الا لكى ينهزم هزيمة مؤلمة أمام
محاولته تحديد قواعد للاخلاق الموضوعية قابلة للتطبيق ويمكن القول أيضا ان تفكير أولئك الفلاسفة قد نجح في ذلك حقا أن النتائج التي انتهى إليها أقل متانة النتائج التي تكلمنا عنها آنفا ومع ذلك فانه لظلم مبين أن تعتبر تلك النتائج كلا شيء
الى حد ما
•
من
تلك
انه محبب الى النفس أن يوجد فى مذهب اخلاقي دليل على صحة المبادىء الأخلاقية لا ينازع فيه منازع ويه تبدو جلك المبادىء كحقائق منضبطة وقابلة للتطبيق فى كل زمان ومكان وكم يكون مريحا أن ترى قواعد من هذا النوع ميسرة لنا ! انها تسمح لكل ذى ارادة طيبة بأن يحل جميع المعقدات وجميع المنازعات التي تعرض له حول الواجب ولكم صيعت عقود المديح لكثير من هذه الآراء ! وكم ظهر عند الاستعمال أنها فارغة ! ولنتأمل المثل الآتية لا تعامل الناس بما لا تحب أن يعاملوك به اذا علمت مثلا أن حاسبا سرق مبلغا ما من رئيسه الفني الذي يجهل ما حدث فهل يكون واجبي أن أسدل بسكوتي سترا على تلك الجريمة وهل بالقياس على هذا التزم السكوت عندما أعلم بخيانة امرأة زوجها او بخيانة رجل زوجته لانني انا نفسى أكره ان يشتهر مثل ذلك عنى
من
أعمل بحيث يمكن أن يكون عملك قانونا عاما وهنا نقول وما الذي يقنع المرء بأن هذا التشريع أو ذاك يستتبع نتائج مستحيلة الحصول هل هذا فكر منطقى خالص اليس هذا بالأحرى مجموعة من التصورات التي يمكن بسهولة أن تعزى الى تأثير البيئة التي نشأت فيها أنا مثلا لا ابيح تعدد الزوجات انني اذن ساعد كل جماعة تسير على هذا التشريع لكل رجل أن يتزوج أكثر واحدة جماعة وضيعة الاخلاق لكن هل يعد من المنطق مثل هذا الحكم اليس هناك جماعات عاشت ولا تزال تعيش تحت نظام تعدد الزوجات دون مائق أو مانع يؤثر فى نظام حياتها وأية استحالة نراها في نظام حياة تلك الجماعات التي من شرائها الأساسية مثلا أن تطبق عقوبة الاعدام من أجل بعض أنواع من السرقات مهما كان شأنها أو أن تباد المواليد الذين يولدون مشوهى الخلقة وأن أية جماعة مؤسسة على تشريعات كهذه لن تكون مستحيلة ان عاداتنا علينا تشريعا من المستحيل أن يصلح لجعله قانونا عاما أيعطى كل امرىء على قدر حاجته ولكن من له حاجاته
•
أكبر لا يعمل شيئا
•
ماله اكل بحسب
من
اعتبار فهناك
من له اعتبار ولكن قليل
المهارة
·
أيعطى كل بحسب عمله ولكن هناك اختلافات في القدرة
العقلية والجسمية والخلقية
هكذا الحال كلما نادت اخلاق بأنها قد توصلت الى عبارة
من هذا القبيل مضبوطة ضبطا تاما فان هذه المشكلة تعترضها ان الاخلاق اذن ليست علما رياضيا انها تتحقق بعيدا عن التجارب في عالم المجردات الخالصة
بيد أن ذلك ليس معناه أن البحث في المشكلة الاخلاقية الموضوعة كان باطلا وعقيما اناما هو اعتياد المهارة الفنية
٣١٦
من
مستنيرة بالتجربة وتلمس سبيل النجاة أن الأمر هو على هذا تماما فى الاخلاق الموضوعية انها تلقى الضوء على بعض الحقائق المتألقة وتلك الحقائق كافية فى أن يعرف المرء الذى له حظه الارادة الطيبة أى طريق رئيسى يجب عليه أن يوجه فيه سفينة حياته بيد أنها لا تكفى دائما فى جميع الظروف والأحوال لتعريفه ما يجب عليه أن يعمله لكي ينجو من الفرق
من
حقا انه ليوجد في الاخلاق الموضوعية كما يوجد في الأخلاق الذاتية بعض قضايا تفرض سلطانها على العقل بقوة لا تقاوم بدون الجماعة لا يوجد ناس تلك العبارة المعروفة لبخنر تاخص ما رای طبقات من الفلاسفة أنفسهم مسوقين الى نماییده لنفصل فردا بعيدا عن كل جماعة انه سيجد نفسه مكتنفا الصعوبات بما يتعذر معه الحياة اللهم الا في ظروف شاذة كذلك بدون اخلاق لن تكون جماعة وكيف يتاني لبنى الانسان أن تربطهم رابطة الحياة المشتركة وكيف يتاح لهم المساهمة فيها بتقسيم الأعمال وكيف يستطيعون أن يشيدوا بالنسبة الى الأمور الضرورية التي تتطلبها حياة الجماعة بيد أنه يعد من غير الممكن أن توجد حياة اجتماعية بدون أن يكون فيها قدر ما من العدالة أو من الرحمة أو من الأعمال التي تبدو كما ني كانت صادرة عن هاتين العاطفتين أن من يرضى لنفسه بأن يكون ظالما وشريرا يستبيح لنفسه اذن أن يجر الى نفسه
•
المغانم على حساب الجماعة عاملا بذلك ما هو مجلبة لتدميرها انه اذن بسلوكه هذا يعتبر جاحدا وأحمق
أما بالنسبة الى ذلك الذي أتيح له أن يفهم أن السعادة الحقيقية انما توجد في السلام الروحى الذي ينشأ من سروره بنفسه من ناحية ومن اعتدال رغباته من ناحية أخرى بقول انه بالنسبة اليه لن يكون هناك شك فى هذه الحقيقة الأخيرة أن الجماعة التي تتوق اليها نفس الحكيم انما هي الجماعة التي
۳۱۷
يقوم أساسها على اتحاد تام بين افرادها يسعون اليه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ان جماعة كهذه لن توجد ما لم يشعر أفرادها بأن كلا منهم غير معامل من الآخرين معاملة شاذة قاسية انها ان توجد اذن ما لم يطبق كل فرد من أفرادها من ناحيته هو ذينك المبدأين اللذين ايان عنهما شوبنهور
۱ - لا توقع ضررا بأحد
قوة
ذلك ساعد الآخرين بأقصى ما تستطيع من على الضد من
ذاك هو ما لا يسمح لنا الذكاء المستنير بتجارب القرون والأجيال أن نجهله ذاك هو ايضا السبب الذي من اجله يوجه وجهة خاصة سكان سفينة الحياة ذاك هو ما أمكن أن تستخلصه الاخلاق الموضوعية من حقائق مؤكدة انها ترلم لنا خط السير ثم تكلنا بعد ذلك الى ما لنا من تجربة واحتياط
***
•
ويجب في الحقيقة أن نسلم بهذه الحقيقة ان الشأن في الاخلاق كما هو الشأن فى علوم الطبيعة انها لا يمكن أن تكون يوما موضوعة على صورة كاملة تماما
ففی کل دور تاریخی معين وفى كل لحظة من لحظات الحياة يجد افراد كل جماعة انفسهم تجاه طائفة من المشاكل الحيوية وهاتيك المشاكل مرتبطة بالحالة التي توجد عليها الجماعة حالتها الباطنة وحالتها الظاهرة وفى هذه الناحية ما يشمل حالتها الاقتصادية وحالتها السياسية وحالتها الدينية وحالتها العمرانية وحالتها الدولية وحالتها الوطنية وحالتها الأسرية ونظام المهن فيها الى غير ذلك من الحالات وفي كل زمن نجد اصحاب الارادة الطيبة يبحثون عما يجب أن يعملوا للابقاء على الجماعة
۳۱۸
ولتحقيق التقدم الاجتماعي والسلام الانساني أعني الشروط المادية الأوفر فائدة فى تكوين حياة هادئة صافية انهم يبتدعونة بعض العبارات ويشرحونها ويعطونها فى أكثر الأحيان صورة قواعد أنهم يضعون منها تعاليم اخلاقية مطلقة وحسبما يعرضونها للعمل نراهم ينفذون ولو مرغمين تلك التجارب الاخلاقية التي لفت روه اليها انظارنا
الخلاصة
ان التفكير الفلسفى كاف في أن يعطى وجهة عامة للسلوك وبعد ذلك يجب أن يترك الى بديهة كل امرىء الحل الخاص الذي
يختاره لكل حالة تعرض له
٣١٩
فهرس
الصفحة
اه
ΛΕ
۱۳۹
الموضوع
مقدمة في الفلسفة والحقيقة للامام عبد الحليم محمود مقدمة المؤلف عن المشكلة
الأخلاقية والمشاعر التى تؤدى اليها ي القسم الأول المذاهب
الأخلاقية اليونانية - اللاتينية
مذهب سقراط
مذهب افلاطون
مذهب أرسطو
مذهب أبيقور مذهب الرواقين
القسم الثاني الاخلاق
اليهودية - المسيحية
انتقال التعاليم اليهودية المسيحية الى الغرب ۱۳۸
فلاسفة المسيحية الحقيقيون
مفكرو القرنين الـ ١٧ والـ ۱۸ م القسم الثالث الاخلاق في الفلسفة الحديثة ما بعد الاخلاق في الفلسفة الحديثة
المذاهب المنشقة
المذاهب الأخلاقية في القرنين ١٩
ملاحظات عامة
* رقم الإيداع بدار الكتاب ٧٩/٣٩٥١ الترقيم الدولى ۱۳۸ - ۹۹ - ۹۷۷
10%
٢٠٧
V
۰۸
۷
۰ م
IBN
٣١٢