قطنا المغرب
سيدي عبد السلام ابن بشيـ
كان مقامه بالمغرب كمقام الشافعي بمصر
ابن عياد
للإمام الأكبر
الدكتور عبد الحليم محمود
شيخ الأزهر
دار الكتاب المصرى
القاهرة
الناشرون
دار الكتاب اللبناني
بيروت
تقديم
في رمضان عام ١٣٩٤ تلقيت دعوة كريمة من سليل الأشراف
الحسن الثاني ملك المغرب للمشاركة في الدروس الحسنية وحينما وصلت إلى الرباط أبديت رغبتي في زياررة القطب
الشهيد سيدي عبد اللام بن بشيش
وبعد أيام قيل لي إن طائرة هليوكبتر ستكون تحت تصرفك في الغد وسيكون زملاء الرحلة السيد الشريف وزير القصور الملكية والسيد الفاضل وزير الأوقاف بذلك أمر سليل الأشراف الحسن
الثاني ومثل هذا الأمر لا يستغرب على آل البيت إن الأريحية شيمتهم
والمروءة طابعهم
وسافرنا بتوفيق الله - وزرنا وحضرنا حضرة صوفية أقامها آل
ابن بشيش وسعدنا
وفي نهاية المقام وزع السيد وزير القصور الملكية منحة كريمة
ملكية ضخمة بمناسبة زيارتنا
بشيش
وعادت بنا الطائرة ﴿بِسْمِ اللَّهِ بَحْرِنَهَا وَمُرْسَهَا
كانت هذه الزيارة حافزاً قوياً للعزم على الكتابة عن سيدي ابن
والبيان عن سيدي عبد السلام بن بشيش ضروري بالنسبة لمن يكتب عن المدرسة الشاذلية على وجه العموم وبالنسبة لمن يكتب عن الشاذلي رضي الله عنه على الخصوص
وقد سبق أن كتبت عن الإمام أبي الحسن بناء على رؤيا
قصصتها في أوائل الكتاب
وقد ذكرت في مبدأ الكتاب حديثاً عابراً عن سيدي عبد السلام وأعجبني إعجاباً شديداً حديثه عن الحب الإلهي وأخذت فترة طويلة أبحث عن مراجع لهذا القطب ولم يكن الأمر سهلاً إن كتب الطبقات بها نزر يسير لا يكاد يغني
أسأل
ولما سافرت إلى المغرب ويسر الله لي زيارة القطب أخذت عن مخطوطات عنه وعلمت أن مكتبات المغرب لا تخلو من
مناقب عن القطب
ورجوت هذا ورجوت ذاك من رجال المغرب في أن يساعدوني على الحصول على بعض المراجع وأخيراً وصلتني مخطوطات ورأيت أن ما جمعته من كتب الطبقات وما في المخطوطات كاف في التعريف بابن بشيش وأخذت أتحين الفرص للبدء في التأليف حتى كان أمر السفر
لحضور الاحتفال بتنصيب شيخ العلماء في يوغوسلافيا وأخذت المراجع ومنذ أن استقر بي المكان في الطائرة أخذت
أكتب
كتبت في الطائرة وكتبت في فترات الفراغ في بلجراد ولما
وصلت إلى سيراييفو معقل المسلمين ومكان تجمعهم المبارك كنت أستفيد مما يتاح من أوقات الراحة لأكتب وكان الوقت المفضل هو حينما استيقظ في الفجر على صوت المؤذن يدوي في أرجاء المدينة مجلجلاً مخترقاً السكون والصمت
الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله حي على الفلاح حي
على
حي على الصلاة حي على الصلاة الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله كانت هذه الكلمات الجميلة تنعشني وتبعث في نفسي شعوراً
بالراحة والروح شأنها في كل مكان وفي كل الأوقات إن هذه الكلمات التي دوت في المدينة المنورة على لسان بلال رضي الله عنه أخذت تدوي عبر القرون في الشرق وفي الغرب إلى أن دوت في أثناء العبور ودوت على أرض سيناء فبعثت في جنودنا البسالة والنضال والتفاؤل وأصابت جنود إسرائيل روح بالهلع والرعب كانت الله أكبر الله أكبر تدوي في الفجر في سيراييفو والفجر في هذه المدينة يبدأ في الساعة الثالثة بل قبلها في هذا الشهر
شهر مايو
6
وكنت أستيقظ مع الكلمات الأولى للمؤذن وبعد الصلاة أجد فراغاً ـ لا بأس به - للكتابة وأجد انتعاشاً أحدثه الأذان وأحدثته
الصلاة
وكانت الكتابة سهلة ميسرة ببركة الأذان وببركة الصلاة وببركة
سيدي عبد السلام فكان القلم يجري وكأن الكتاب يكتب نفسه وما إن انتهت إقامتي بيوغوسلافيا وما إن نزلت من الطائرة على أرض مصر الطاهرة إلا وكنت قد انتهيت من مسودة هذا الكتاب اللهم إلا ما كان محتاجاً منه إلى بعض المراجع في القاهرة
إن الله سبحانه يضع - أحياناً ـ البركة في الزمن كما يضع البركة في الطعام مثلاً هل سمعت بما يسميه الصوفية انفسـاح الزمن !
ولا أظن أن هذه الصورة التي رسمتها عن سيدي عبد السلام ستتغير في يوم من الأيام ذلك أني جمعت عنه كل ما يمكن جمعه ولم يعد - بعد البحث ـ أمل في مزيد من النصوص
أما هذا الذي يريد المزيد فعليه بأقطاب المدرسة الشاذلية فإنهم الامتداد الموفق للتيار الصوفي النقي الصادق الذي رسمه
القطب الشهيد
الفصل الأول
بين أبي الحسن الشاذلي
عبد السلام بن بشيش
شعر أبو الحسن الشاذلي بالرغبة الملحة في القرب من الله وفي أن يستضيء قلبه بنور المعرفة وفي أن يكشف الله له الحجب
كيف يروي هذه الرغبة
كيف يسير في الطريق من أين يبدأ
القد
الأول الطريق
رسم
إن البدء البدء الميسر السهل البدء الذي يأمن الإنسان عواقبه
إنما يكون طرقه خبير سبر الطرق ومحص السبل وكشف عن المزالق والأخطار واستنار قلبه بالطريق القاصد إلى الله
أين يجد هذا الشيخ ما السبيل إليه
إن بغداد - منذ عهد العباسيين - كانت دائماً محط أنظار طلاب
الدنيا وطلاب الدين
لقد كانت تضم كبار الفقهاء وأعلام المحدثين والقمم العوالي
من الصوفية كما تضم كبار الساسة والقادة
كان ذلك في عهدها الزاهر فهل يا ترى هي كذلك في القرن
السابع الهجري
وإذا لم يكن لها كل البريق المادي الأول فهل بها على الأقل من الصوفية من يرسم الطريق عن خبرة ومن يسلك بالمريد السبل دون
أخطاء
وتحمل الرغبة الملحة أبا الحسن على السفر إنها هجرة إلى
الله إنها هجرة النفس الطموح الشفافة
وهي هجرة يسير بها الأمل ويتخللها الإشفاق وتصاحبها في كل
الأوقات أسئلة لا جواب لها
هل سيجد الشيخ وكيف يكون
وهل سيتقبله الشيخ بقبول حسن وبم سينصحه وإذا لم يجده في بغداد فأين يجده انتهى به المطاف إلى بغداد والتقى بالأولياء وكان قمتهم في
نظره هو أبو الفتح الواسطي يقول أبو الحسن
لما دخلت العراق اجتمعت بالشيخ الصالح أبي الفتح الواسطي فما رأيت بالعراق مثله
ولكن همة أبي الحسن كانت تسمو إلى البحث عن القطب ذاته إنه كان يريد أن يكون قائده هو القطب نفسه أين يجد القطب ها هو ذا بالعراق وها هم أولاء الصالحون وأولياء الله يتردد عليهم كل يوم وها هو ذا يرى النور على وجوههم والصلاح يرتسم على سيماهم ولكنه لم يجد القطب وهو مطلوبه وذات يوم وذات قال له أحد الأولياء
يوم
۱
إنك تبحث عن القطب بالعراق مع أن القطب ببلادك ارجع إلى بلادك تجده وعاد أبو الحسن من حيث أتى عاد يحدوه الأمل ويغمره الرجاء لقد صدق الولي الذي أنبأه بأن القطب في بلاده وبأنه
سيجده عند عودته
وعاد
يسرع الخطا ويستحث الوصول ها هو ذا بغمارة من جديد يسأل عن القطب إنه يسأل عنه المقبل والمدبر والراحل والمقيم
أقول أكاد اليوم أن أبلغ المدى فيبعد عني ما أقول أكاد
أسائلكم عنها فهل من مخبر فمالي بنعم مذ نأت دارها علم فلو كنت أدري خيم أهلها وأي بلاد الله - إذ طعنوا - أموا إذن لسلكنا مسلك الريح خلفها ولو أصبحت نعم ومن دونها النجم
وذات يوم ! كان لهذا اليوم قصة وكان فيها طرافة وكان لهذا اليوم آثاره الضخمة وذلك أن الشيخ عبد السلام كان يسكن في مغارة بأعلى
الجبل يتعبد فيها ويبيت بها
ولما استأذن عليه أبو الحسن قال له
اذهب فاغتسل
وكان بجوار المغارة ماء للاغتسال وللوضوء فذهب أبو الحسن
واغتسل ثم عاد إلى الشيخ فقال له
اذهب فاغتسل
وذهب أبو الحسن مرة أخرى فاغتسل ثم عاد إلى الشيخ فقال
6
له من جديد
اذهب فاغتسل
وفكر أبو الحسن في الأمر وركز انتباهه في الموضوع وتبين له في وضوح أنه يعتز بعلمه ويعتد بعبادته
كان أبو الحسن - إذ ذاك - فتى فيه طموح إلى العلم وتزود منه
بقدر كبير وكان فيه شغف بالعبادة فكان يقوم ليله ويصوم نهاره وكان فرحاً بعلمه مسروراً بعبادته فكان في نفسه شيء من آثار ذلك
عزة بالعلم اعتداد بالعبادة
ولما فكر فيما يجول بشعوره ووضح له الأمر غمره نوع من الخجل فتاب وأناب واغتسل من عزته بعلمه ومن اعتداداه بعبادته ووطن نفسه على أن يلتقي بالأستاذ وهو على طهارة من كل ما يتصل
بالفخر والخيلاء
أرأيت إلى موسى ع حينما التقى بالخضر عليه السلام وقال له
هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا
إن موسى ع حينما ابتدأ بكلمة هل تجرد بذلك حتى من الإرادة نفسها فهو لم يقل إني أريد أو إني عازم بل ولا إني
أرغب أو أحب
إن كلمة هل نفت كل ذلك ونفت الإنية وجردت
موسى ع من تصميم المعتزين ومن إرادة المعتدين
وتلت كلمة هل كلمة أخرى تثبت التواضع وتنفي الكبر
١٤
وهي أتبعك إذ أن موسى عليه السلام لم يقل أرافقك أو أزاملك أو
أصاحبك وإنما أتبعك
إن المريد مع شيخه والتلميذ مع أستاذه ليس له إلا
هل أتبعك
فإن كان شعوره يخالف ذلك فإنه لا يصلح أن يكون مريداً ولا يصلح أن يكون تلميذاً وهو بحاجة إلى الأمر الحاسم
اذهب فاغتسل
فإن ذهب واغتسل فقد تأهل للخير وإلا فلا فائدة فيه
4
والاغتسال كما يكون من خلجات النفس ومن همسات الشعور
يكون - ومن باب أولى - من المعصية
والاغتسال من المعصية إنما يكون بالعودة إلى الله في تواضع وفي تضرع وفي عبودية تلجأ إلى الله تعالى طالبة العفو والمغفرة فإذا غتسل الإنسان واتجه إلى الله في صدق قائلاً
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَسِرِينَ ﴾ فَإِن الله تعالى يقبله في عباده ويصبح بذلك في جو الرضا الإلهي أما إذا لم
يغتسل فليس له إلا الطرد من رحمة الله
إن قصة آدم وقصة إبليس فيها عظة وعبرة
وهذا الطهر من المعصية هو أول ما يلقنه الشيخ للمريد بل إن الشيخ في تلقينه التوبة للمريد يتوب هو الآخر معه ويستغفر مع مريده وفي كل مرة يعطي العهد يشعر هو في نفسه بالنقص والتقصير ويلجأ إلى الله تعالى سائلاً العفو والمغفرة
۱۵
وإن من الأمور الملاحظة العميقة الدلالة أن الأولياء في نهاياتهم همهم - كل همهم - طلب العفو كما يقول ذلك أبو يزيد البسطامي إنهم يتأسون في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه صلوات الله وسلامه عليه حينما نزلت سورة النصر التي تنعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَابَ ۱ أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذكر بقوله
سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب إليه
حتى لقد لاحظت ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها روى الإمام أحمد بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله يكثر في آخر أمره من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله
وأتوب إليه وقال
إن
ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي وأمرني إذا
رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان تواباً فقد رأيتها
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا ونعود بعد ذلك إلى أبي الحسن إنه يقول
خرجت عن علمي وعملي وطلعت إليه فقيراً وإذا به هابط
۱ سورة النصر
سورة النصر
علي وعليه مرقعة وعلى رأسه قلنسوة من خوص فقال لي مرحباً بعلي بن عبد الله بن عبد الجبار وذكر نسبي إلى رسول !
الله ثم قال لي
يا علي طلعت إلينا فقيراً من علمك وعملك فأخذت منا غنى الدنيا والآخرة فأخذني منه الدهش فأقمت عنده أياماً إلى أن فتح الله
على بصيرتي
من هو ذلك العارف بالله من هو هذا القطب
الفصل الثاني
حياة ابن بشيش
من هو هذا القطب
إنه الولي الكبير سيدنا عبد السلام بن بشيش۱ يقول عنه
صاحب الدرر البهية هو القطب الأكبر والعلم الأشهر والطود الأظهر العالي السنام
وهو البدر الطالع الواضح البرهان الغني عن التعريف والبيان
المشتهر في الدنيا قدره والذي لا يختلف في غوثيته اثنان وطريقة ترياق شاف لأدواء العباد وذكره رحمة نازلة في كل ناد
جمع
سری سره في الآفاق وسارت بمناقبه الركبان والرفاق قضى عمره في العبادة وقصده للانتفاع به أهل السعادة وكان رضي الله عنه في العلم في الغاية وفي الزهد في النهاية الله له الشرفين الطيني والديني وأحرز الفضل المحقق اليقيني
۱ ابن بشيش بالياء وبالميم يقال بشيش ويقال مشيش وقد سرنا على التسمية بابن
بشيش بالباء
ويتحدث ابن عباد عن مكانته المرموقة بالمغرب فيقول ولقد كان مقام ابن بشيش في المغرب كمقام الشافعي بمصر
ويتحدث ابن الكوهن في كتابه طبقات الشاذلية عن ابن بشيشش فيقول كان علاوة على علو همته وحاله عالماً فاضلاً جليل القدر لا ينحرف عن جادة الشريعة قيد شعرة متحمساً للدين عاملاً على نشر فضائله وهو رجل من آل البيت فيه ما فيهم من صفات الاتجاه إلى الله الزهد الشجاعة الأريحية ويتصل نسبه بسيدنا الحسن رضي الله عنه
يوم
واتجه ابن بشيش منذ بواكير حياته إلى الله وألف العبادة والنسك من صغره حتى ليقول أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه إنه سلك الطريق إلى الله منذ أن كان عمره سبع سنين وهو في هذا يشبه الولي الكبير الالم العابد سهل بن عبد الله التستري فكلاهما وكثير غيرهما دخل فيمن يظلهم الله في ظله لا ظل إلا ظله يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري وغيره سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه
نشأ
لقد كان ابن بشيش واحداً من هؤلاء إذ يصدق عليه أنه شاب
في عبادة الله وأنه ممن ذكر الله خالياً ففاضت عيناه
وبعد أن سار ابن بشيش في العبادة أشواطاً وبلغ مبلغ الفتيان
ظهر له ـ كما يقول أبو الحسن الشاذلي - من الكشف أمثال الجبال
وهو ما زال بعد في بواكير شبابه
ثم خرج إلى السياحة وأقام في السياحة ست عشرة سنة كاملة والسياحة كلمة شريفة وصف الله بها المؤمنين ذكوراً وإناثاً قال
سبحانه في أوصاف المؤمنين
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَاهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةُ يُقتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَكَةِ والإنجيلِ وَالْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التَّحْبُونَ الْعَدُونَ الْحَمدُونَ السَّتَبِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّجِدُون الأَمرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ
وَالْحَفِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ١
وهذه الكلمة الشريفة من معانيها ۱ - السفر عبادة إن الإنسان في وطنه تشغله مشاغل كثيرة ولا بد له من خلوة مع الله والله وفي الله سبحانه خلوة يستجم فيها روحياً كما يستجم إنسان جسمانياً من تعب الجسم فيسافر مستجماً روحياً أي إنها سفرة عبادة وتقرب وسفرة عظة وعبرة وما من شك في أن إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
1 التوبة ۱۱۱ ۱۱
سورة البقرة الآية ١٦٤
والعظة والعبرة في سفر النسك كثيرة وقد أكثر بعض الصوفية من السفر عبادة ومن هؤلاء ذو النون المصري وكانوا يسافرون على شواطىء الأنهار أو على مشارف الصحراء تظلهم السماء وتقلهم الأرض ونهارهم صيام وتفكر وليلهم قيام وتهجد يمكثون على ذلك أسبوعاً أو أسبوعين ثم يعودون وعلى وجوههم إشراقة المؤمنين ونور الصالحين يتحدثون عن العبر والعظات التي صادفتهم في سياحتهم فينفع الله بهم ويكتب لهم ثواب الهادين المرشدين - ونوع آخر من معاني السياحة هو السفر في طلب العلم لقد كانت الأمة الإسلامية مترامية الأطراف وكانت أمة واحدة لا تفصل بينها حدود ولا تقف فيما بينها عقبات وكانت كما أحب الله لها ورسم في قوله تعالى
وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ ۱
وفي قوله تعالى
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَارَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
وهذه الأمة المترامية الأطراف توزعت - في وضع طبيعي لا افتعال فيه - التخصصات العلمية لم يكن كبار المتخصصين في إقليم واحد وإنما كانت القمم في أقاليم متعددة وكان لا بد للطموحين من السياحة لتلقي العلم على القمم الشوامخ فعل ذلك الإمام الغزالي وغيره كانوا يسافرون إلى مكة والمدينة وبغداد والقاهرة ودمشق
1 سورة الأنبياء الآية ۹ سورة المؤمنون الآية ٥٢
٢٤
وغيرها من عواصمم العلم والفكر
وكما تعني السياحة - إذن - السفر استجماماً روحياً وتجديداً روحياً فإنها تعني السفر من أجل العلم ولذلك كانت الكلمة كلمة شريفة يوصف بها المؤمنون
أما الآن فإن الكلمة مسخت في معناها وأصبحت تعني السفر للهو والعبث وللازدياد من الإثم والانغماس في المعاصي وهذا الهدف من السياحة الآن جعل الدول توفر للسائحين كل ما
يتطلبه هذا الهدف من ألوان الفسق ووسائل الفسق
إن الدول الإسلامية - نفسها - توفر للسائحين الشراب بل ولا تكتفي باستيراد هذه المادة المحرمة في كل ظروفها ولكنها تنتجها وتصنعها وتصدرها أيضاً
إن الخمر في الجو الإسلامي ملعونة كمادة سائلة إنها في نفسها ملعونة وكما لعنها الله تعالى في نفسها فإنها ملعونة في شاربها وفي حاملها وفي تاجرها وفي عاصرها وفي معتصرها حتى الخادم الذي يحملها من البار إلى الزبون داخل في إطار اللعنة عند حملها ولكن الدول التي تعمل على أن تكون السياحة مورداً مالياً توفر الخمر بكل الوسائل لا تراعي في ذلك ديناً ولا خلقاً
وإنه لمن المعلوم لدى الخاص والعام أن البيرة نوع من الخمر وبذلك قالت تقارير المؤتمرات الدولية في أوروبا وأميركا التي يحضرها الصيادلة والأطباء وعلماء النفس وعلماء الاجتماع باحثين في الخمر وضررها وتوفر الدول للسائحين الدعارة والصلات الجنسية في الكباريهات والنوادي الليلية وغيرها ولا تراعي في ذلك أيضاً ديناً ولا
خلقاً
۵
وأصبحت كلمة السياحة هي المفتاح السحري الذي يفتح على كل محرم ويبيح كل محرم
والمسلمون يعلمون - وإلا فيجب أن يعلموا ـ هذا اليقين المؤكد وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْ نَهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ١
وليعلم المسلمون أنه إذا كانت السياحة مورداً لمال محرم فإن هناك آفات تمحق ما تأتي به السياحة بل وتمحق أضعافه في آفات تنزل من السماء وتنبع من الأرض وهناك الهزائم التي تأتي على الأموال ممثلة في السلاح وعلى الأرواح وهناك تخلى الله سبحانه عن
المتنكبين عن صراطه
وبينما تكون حماية الله ورعايته وتوفيقه وعنايته وبركاته موفورة للمستجيبين له يكون مقته وغضبه موفوراً لمن حادوا عن الطريق لقد كتبت صحيفة عربية في يوم من الأيام أن إنتاج البيرة حقق ربحاً مليون جنيه وأعلنت شركة إنتاج البيرة ذلك في فخر وخيلاء في الأسبوع نفسه كتبت الصحيفة نفسها أن السينما حققت خسائر ثمانية ملايين من الجنيهات إن الربح المحرم يقابله خسائر
مضاعفة ولكن
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوَةً طَيِّبَةٌ
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ٢
ويقول تعالى
1 سورة الأعراف الآية ٩٦ سورة النحل الآية ۹۷
٢٦
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
فهو حسبه ۱
ونعود إلى الشيخ ابن بشيش
لقد سار على سنة أسلافه فسافر متعبداً وسافر متعلماً يقول
أحد مؤرخيه
أنواره منذ كان في المهد صبياً ثم طوى في السياحة في صباه
الأرض طياً
شیخه
ومما وقع له أثناء سياحته أنه بات ليلة في مغارة وبينما هو يتعبد إذ رأى شيخاً يدخل عليه المغارة فقال له
أنت
من
فقال الشيخ
أنا شيخك منذ أن كنت ابن سبع سنين وكل ما كان يصلك من
كذا وكذا فحدثه النازلات فهو مني وهي
الأمور
ما بجميع جری
له
من
وشيخه الذي حدث عنه هو سيدي عبد الرحمن بن الحسين المدني الشريف المدعو بالزيات سكناه بحارة الزياتين بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام
ولم يذكر له صاحب الطائف المنن سوى هذا الشيخ
ولكن المؤرخين يقولون
۱ سورة الطلاق الآية ٢ ٣
أخذ الطريق عن أكابر منهم الشيخ عبد الرحمن المدني وسواء أكنا بصدد الشيخ عبد الرحمن المدني أم كنا بصدد
شيوخه الآخرين فإننا لا نكاد نعلم من أمرهم شيئاً
ولكن المهم هو أن نقف قليلا عند أمر الشيخ
لقد حمل كثير من أعداء التصوف على وضع الشيخ عند
الصوفية
بید
أن
وضع الشيخ عند الصوفية أمر طبعي إنه خبير درس الطريق وسار فيه وسلكه وعرف مزالقه ومخاطره عرفه دراسة وعرفه ممارسة عرفه ذوقاً وعرفه حافلا وعرفه شعوراً وهو برسمه لمن يريد السلوك ويقود المريد فيه مرحلة مرحلة إلى أن ينتهي به إلى القرب ثم يكون المريد بعد ذلك شيخاً
للمريدين
يقول صاحب الرسالة القشيرية
پرسم
الطريق
يجب على المريد أن يتأدب بشيخ فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبداً هذا أبو يزيد يقول من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان وسمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول
الشجرة إذا نبتت بنفسها من غير غارس فإنها تورق لكن لا تثمر كذلك المريد إذا لم يكن له أستاذ يأخذ منه طريقته نفساً فنفساً فهو عابد
هواه لا يجد نفاذاً
ويقول الحكيم الفرنسي رينيه جينو الذي أسلم وحسن إسلامه
وعاش في مصر فترة طويلة من الزمن
ولا بد في التصوف من شرط جوهري هو التأثير الروحي أو
بتعبير أدق البركة وهي لا تتأتى إلا بواسطة شيخ ومن هنا كانت السلسلة وهل السلسلة إلا بركات تنتقل من شيخ إلى مريد يوشك شيخاً فيؤثر بدوره في مريد أو مريدين
أن
يصبح
إن التصوف ليس عملاً علمياً ولا بحثاً نظرياً
إنه لا يتعلم بواسطة الكتب على الطريقة المدرسية بل إن ما كتبه كبار مشايخ الصوفية أنفسهم لا يستخدم إلا كحافز مقو للتأمل والإنسان لا يصير بمجرد قراءته متصوفاً على أن ما كتبه كبار الصوفية لا يفهمه إلا من كان أهلاً لفهمه
ويقول
إن من شروط التصوف الانتساب إلى سلسلة صحيحة إذ أن البركة التي تحصل من الانتساب إلى السلسلة الصحيحة هي الشرط الأساسي الذي لا يصل الإنسان بدونه إلى أي درجة من درجات التصوف حتى البدائية منها
ثم يأخذ المتصوف الطيب الفطرة الذي باركه شيخه في الجهاد الأكبر التأمل الروحي وفي الذكر أي استحضار الله في كل ما يأتي وما يدع وفي تركيز الذهن في الملأ الأعلى فيصل - موفقاً - من درجة إلى درجة حتى يصل إلى أعلى الدرجات وهي على حدود الوجود المؤقت فيصبح ربانياً ذلك هو الصوفي
المحقق
هذا ما كان من أمر الشيخ
حالة تسمو
ولقد كان الشيخ عبد الرحمن المدني شيخ ابن بشيش وكان ابن بشيش شيخاً للشاذلي ثم كان الشاذلي شيخاً لأبي العباسي
المرسي وغيره وهكذا
أما عن حياته بعد السياحة - رضي الله عنه ـ فإنه لم يكن يتطلع إلى شهرة ولا إلى زعامة وقد نفض قلبه من حب الرياسة وذلك أن
وجهته الله ومن كان كذلك لا يتطلع إلى الناس لقد بالغ في إخفاء
نفسه حتى
يكون سره مع
الله دائما
يقول أحد مؤرخيه
توارى عن الأعين وتباعد عن الظهور وتجرد للعبادة وفر بنفسه عما الناس فيه من الفتن وغاب عن الخلق في شهود جلال
الحق
ولقد كان ابن بشيش يدعو الله في السحر أن يصرف عنه الخلق وأن يجعله بمعزل عنهم ومما يدل على بعض ذلك ما ورد عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي قال رضي الله عنه
الغار
كنت في سياحتي فأتيت إلى غار لأبيت فيه فسمعت فيه حس رجل فقلت والله لا أشوش عليه في هذه الليلة فبت على فم فلما كان عند السحر سمعته يقول
اللهم إن أقواماً سألوك إقبال الخلق عليهم وتسخيرهم لهم
فسخرت لهم خلقك فرضوا منك بذلك
اللهم إني أسألك إعراضهم عني واعوجاجهم علي حتى لا
يكون لي ملجأ إلا إليك
قال ثم خرج فإذا هو أستاذي ابن مشيش فقلت له يا سيدي إني سمعتك البارحة تقول كذا كذا فقال لي يا علي أيما خير لك أن تقول كن لي
أو تقول سخر لي قلوب خلقك
فإذا كان لك كان لك كل شيء
الله
كان ابن بشيش رضي الله عنه مكتفياً بالله محباً للخلوة مع ا مشوقاً دائماً إلى أن يكون في حضرة الجلال والجمال مستعذباً
الوحدة
ولعل مما يفسر حبه - أيضاً - للخلوة وصيته لأبي الحسن رضي
الله عنهما حينما قال له يوماً ما أوصني
قال اهرب من خير الناس أكثر مما تهرب من شرهم فإن شرهم يصيبك في بدنك وخيرهم يصيبك في قلبك ولأن تصاب في بدنك خير لك من أن تصاب في قلبك
وكأن هذا الكلام بيان سؤاله من الله اعوجاج الخلق عليه فيضاف
إلى تعليل الشيخ نفسه حينما قال
حتى لا يكون لي ملجأ إلا إليك
ومما يمكن أن يذكر في ذلك أيضاً أن أبا الحسن حينما أوشك
على فراق أستاذه قال له
يا سيدي أوصني فقال
يا علي الله الله والناس الناس نزه لسانك عن ذكرهم وقلبك عن التماثيل من قبلهم وعليك بحفظ الجوارح وأداء الفرائض وقد تمت ولاية الله عندك ولا تذكرهم إلا بواجب هو الله عليك وقد تم ورعك وقل اللهم أرحني من ذكرهم ومن العوارض من قبلهم ونجني من شرهم واغنني بخيرك عن خيرهم وتولني بالخصوصية من سيئهم إنك على كل شيء قدير
ومن أجل ذلك لم يكتب عنه المؤرخون وأكثر كتب الطبقات
أغفله وذكره لا يكاد يوجد إلا عند المؤرخين للشاذلي رضي الله عنه أمثال ابن عطاء الله في لطائف المنن وابن الصباغ في درة
الأسرار
ولكن كراماته الكبرى توجد في أمرين
۱ - تربيته للشاذلي وفي ذلك يقول أحد مؤرخيه هذه الكلمات
النفيسة الشاذلي درة في جملة عقود نحره
ولما أخفاه الله في عالم الشهود جعل تلميذه بدلاً عنه في عالم الظهور العياني فكان التعريف بالتلميذ شرحاً لخاصية الأستاذ في الحقيقة ولا سبيل إلى تصورها للتصديق بها إلا من تلك الطريقة إذ
لم يثبت أن أحداً لقيه سواه أو أن لأحد حديثاً في حقه عن غيره
رواه
أرشد إليه من العراق بعد أن ضرب يتطلب القطب في بعيد الآفاق مع أنهما في النشأة من بلد واحد رأس كل منهما غير متباعد ونسبتهما أيضاً متحدة فالأستاذ من بني الخليفة محمد بن إدريس رضوان الله عليهم فلولا أنه اخترق في طلب الخفاء السبع الطباق لما بلغ أبو الحسن في طلبه حد العراق وبعد ما بينهما
مسيرة بعض اليوم في المحلة المتصلة بأطراف القوم
قال القطب مولانا أبو الحسن علي بن عبد الله عبد الجبار المدعو الشاذلي الحسني الإدريس نفع الله به على نقل ابن الصباغ
رحمه الله -
لما دخلت العراق اجتمعت بالشيخ الصالح أبي الفتح الواسطي فما رأيت بالعراق مثله وكان مطلبي على القطب فقال لي بعض
الأولياء
أنت تطلب القطب وهو ببلادك ارجع إلى بلادك تجده
قال ابن الصباغ
فرجع إلى بلاد المغرب إلى أن اجتمع بأستاذه وهو الشيخ الولي العارف الصديق القطب الغوث سيدي أبو محمد عبد السلام بن
بشيش الشريف الحسني
ورسم ابن بشيش حياة أبي الحسن فيما يستقبله من وذلك أنه حينما انتهت مدة إقامة أبي الحسن عنده قال له
أيام
يا علي ارتحل إلى إفريقية واسكن بها بلداً تسمى شاذلة فإن الله عز وجل يسميك الشاذلي وبعد ذلك تنتقل إلى أرض
المشرق وبها ترث القطابة
إن هذا المنهج الذي رسمه ابن بشيش وهو ينظر إلى الغيب
بنور الله قد تحقق حرفياً
وتربيته للشاذلي إحدى كبير كراماته ذلك أن الشاذلي رضي الله عنه ربى وما زال يربي أجيالاً
إن طريقته التي انتشرت - شرقاً وغرباً ما زال رجالها يتابعون الجهاد في سبيل الله بهداية الناس إليه وهي طريقة
تلتزم الشريعة وتلتزم الدعوة إلى العلم
وتلتزم - أسوة بزعمائها - الجهاد الحربي حينما يدعو الداعي
كما فعل أبو الحسن وأتباعه في معركة المنصورة التي كللها الله بنصر
مؤزر
وتلتزم في كل ذلك الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم
۳۳
وهؤلاء الملايين من أتباع الطريقة الشاذلة وهم أبناء الشاذلي هم ـ في الوقت نفسه - عن طريق الشاذلي أبناء عبد السلام بن بشيش
إنها كرامة لابن بشيش كما هي كرامة للشاذلي وتسير الحياة بابن بشيش رخاء من قبل لقاء الشاذلي به ومن
بعده
لقد كان سعيداً بعبادته بصيامه بقيامه بفكره في خلق السموات
والأرض
كان راضياً مطمئناً في بهجة بالأنس بالله ومن طريف ما يروى مصوراً هذه الحياة الراضية أن أبا الحسن ـ رضي الله عنه ـ دخل عليه
ذات يوم مغارة ويقول أبو الحسن
فأرعبت من هيبته فقلت
يا سيدي كيف حالك
فقال أشكو إلى الله من برد الرضا والتسليم كما تشكو أنت من
حر التدبير والاختيار
فقلت يا سيدي أما شكواي من حر التدبير والاختيار فقد ذقته
وأنا الآن فيه
وأما شكواك من برد الرضا والتسليم فلماذا
فقال أخاف أن تشغلني حلاوتهما عن الله تعالى لقد كان في برد الرضا والتسليم بل كان يشكو إلى الله برد الرضا
والتسليم ولكن
وهنا نبدأ الحديث عن الكرامة الثانية
٢ - أما الكرامة الثانية فإنها التي أخرجت ابن بشيش من خلوته وقفزت به من العزلة إلى صدر المجتمع هائجاً مزمجراً أرأيت إلى الأسد الغضوب أرأيت إلى البطل يلقي بنفسه في خضم المعركة مستميتاً لا يهاب السيوف ولا يخشى الملاقاة
لقد كان ذلك حال ابن بشيش حينما علم أن ابن أبي الطواجن الكتامي ادعى النبوة
لم يكتف ابن أبي الطواجن الكتامي بالقيام بثورة متزعماً لها وإنما خرج على الحكم مدعياً النبوة وأتى بحيل وألاعيب مدبرة محكمة ليظهر بها وكأنه صاحب معجزات وخيل إلى بعض السذج أن سحره حقائق
لقد سحر أعين الناس واسترهبهم فاتبعوه
اتبعه البعض مخدوعاً
واتبعه البعض
طمعاً وشهوة
واتبعه البعض رهبة
فعاث في الأرض فساداً قاتلاً سافكاً مستحلاً ما
حرم
الله
ولقد سار في تيار ادعاء النبوة كثيرون تقودهم نزعات عدة فبعضهم سار فيها حسداً للرسل وكبراً وكان إمامهم مسيلمة الكذاب وكانت إمامتهم سجاح وتقاسما النبوة حينما تزوج
مسيلمة سجاح لقد سلمت له وسلم لها لقد سلما لبعضهما واتفقا على أن يستمرا في المسرحية الكاذبة وفي الكذب الذي خال على بعض الناس حتى هزمهم الله شر هزيمة
وبعضهم
أقامه الاستعمار نبياً
۳۵
أحدهما
وقد بعث الاستعمار بنبيين بعثهما بالدعاية وبالمال الكثير
غلام
أحمد القادياني
C
كان عبداً من عبيد الاستعمار وعميلا له وخادماً ذليلا للإنكليز في الهند لقد كان عند المسلمين في الهند إباء وشمم وكانوا يحاربون الإنكليز في مهارة وبسالة مؤمنين بالجهاد فقام غلام أحمد يعلن أن الجهاد في الدين الإسلامي قد انتهى لقد ألغى الجهاد
كمبدأ من مبادىء الإسلام
ولكن الجهاد فرضه نبي مرسل فلا يلغيه إلا نبي مرسل فادعى النبوة وكان لا مناص من ادعاء النبوة لإلغاء الجهاد فما أتى به نبي لا
ينسخه إلا نبي ماذا يفعل في قول القرآن الكريم عن الحبيب المصطفى
وَخَاتَمَ النَّبِينُ
لقد زيف لها تفسيراً وهي لا تحتمل التزييف لأن القرآن يتحدث عن هذا في غير موضع ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم تحدث عن هذا وتحدث الصحابة ومن حكمة القراءات أن كلمة خاتم في الكلمة القرآنية الكريمة قرئت بفتح التاء وقرئت بكسرها فسدت كل منافذ الزيف
والضلال
ولقد ضمن الله حفظ القرآن
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ
لقد ضمن الله سبحانه حفظه بالأسلوب الإلهي نفسه لم تتبدل منه
كلمة بكلمة ولا حرف بحرف
والقرآن هو الرسالة ومعنى حفظه أنه رسول دائم للإنسانية ولقد
٣٦
كانت حاجة الإنسانية إلى رسل تبشر بالتوحيد لأن كتب الرسل السابقين كانت تحرف وتبدل بعد انتقالهم إلى رحمة الله حتى إذا ما كانت إرادة الله في ختم النبوات أنزل القرآن وضمن حفظه فلم يعد هناك ولا حاجة لبعث رسول جديد
ولكن غلام أحمد ضرب بكل ذلك عرض الحائط وأطاع أسياده الإنكليز وادعى النبوة وألغى الجهاد
ولقد أحسنت حكومة الباكستان كل الإحسان حينما أعلنت بعد
دراسة محكمة - أن القاديانية أقلية غير إسلامية
وبعث الإنكليز نبياً آخر هو زعيم البهائية وقد ادعى النبوة هو
الآخر وألغى الجهاد
وإلغاء الجهاد طابع مميز لعملاء الاستعمار والبهائية يغمرها الاستعمار بأمواله ويغمرها برعايته بل وتغمرها إسرائيل برعايتها وعنايتها وذلك أنها تؤدي - بخبث - كل ما يتطلبه اليهود في العرب
والمسلمين
التفرقة وإلغاء الجهاد
وكل حركة تقوم في العصر الحاضر تلغي الجهاد أو تؤجله أو تربطه بشرط كذا أو كذا من شروط لا تتصل باستكمال الإعداد
والاستعداد فهي حركات يبعثها الاستعمار ويمولها في سخاء لقد ختمت النبوات برسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الاعتقاد من فروض العقيدة الإسلامية وكل من يقوم مدعياً النبوة يجب على المسلمين
مقاومته
ومن هنا كانت ثورة الإمام ابن بشيش على ابن أبي
الطواجن
لقد حمل ابن بشيش عليى ابن أبي الطواجن وعلى أتباعه بالمنطق وبالأدلة الدينية لقد حمل عليهم بالقول والعمل حملات شعواء حفزتهم على الكيد له وتدبير مؤامرة لقتله ليتخلصوا من
حملاته
لقد أرادوه على السكوت فلم يسكت لم يسكت مع الترغيب ولم يسكت مع الترهيب وأدى حق الله في الوقوف في وجه المنكر وانتهت به الحياة غيلة في سنة ٦٢٣١ تقريباً فكان شهيد الذود عن الإسلام وعن شريعة الله آخر الشرائع وخاتمة الرسالات
ويقول الإمام الشاذلي إنه حين أقام عنده رأى له
خوارق عادات وكرامات
فمنها - مثلاً - رسمه لحياة أبي الحسن من الذهاب إلى تونس وغضب السلطان عليه فيها ثم الذهاب إلى مصر ووراثة القطبانية بها ومنها كما يقول أبو الحسن نصاً
كنت يوماً جالساً بين يديه وفي حجري ابن له صغير يلعب فخطر لي أن أسأله عن اسم الله العظيم الأعظم قال فقام إلى الولد
وأمسك بيده في طوقى وهزني وقال يا أبا الحسن إنك أردت أن نسأل الشيخ عن اسم الله الأعظم ليس الشأن أن تسأل عن اسم الله الأعظم إنما الشأن أن تكون أنت هو اسم الله الأعظم يعني أن سر الله مودع في قلبك
قال فابتسم الشيخ وقال لي جاوبك فلان عني وكان إذ ذاك
قطب الزمان 1 هناك اختلاف لدى المؤرخين في سنة استشهاده قال البعض سنة ٦٢٢ هـ وقال آخرون سنة ٦٢٣ هـ وقال فريق ثالث سنة ٦٢٥ هـ وهي تواريخ متقاربة
۳۸
بين الطريقة والطرق
يمكن أن يقال إن طريقة الإمام ابن بشيش هي طريقة الإمام
الشاذلي ولكن يمكن أن يقال من زاوية - من النظر ـ أخرى
إن عبد السلام رضي الله عنه له طريق وليس له طريقة إنه كان مبتعداً عن الناس لا يعطي عهوداً ولا يكلف أوراداً ولا أحزاباً فلم يؤسس طريقة وإنما كان يرسم في كل لحظة من لحظات حياته الطريق وطريقه هو الطريق الشرعي
وجوهر هذا الطريق هو الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الانتهاء عما
نهى الله عنه والقيام بما فرض الله تعالى
ونحن نبدأ هنا مباشرة بذكر الصلاة البشيشية نذكرها أولاً جملة ثم نذكر شرحاً لها مختصراً من شرح الشيخ الصاوي وهو الـعـالـم الجليل الذي ألف كتباً من أنفسها تعليقه على تفسير الجلالين وفيه الكثير من الإشارات الإلهامية التي توضح بعض معاني الآيات
الكريمة
وها هي الصلاة البشيشية
اللهم صل على من منه انشقت الأسرار وانفلقت الأنوار وفيه ارتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق ولا لاحق فرياض الملكوت بزهر جماله مونقة وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة ولا شيء إلا وهو به
منوط إذ لو لا الواسطة الذهب - كما قيل - الموسوط صلاة تليق بك
منك إليه كما هو أهله
۳۹
6
اللهم إنه سرك الجامع الدال عليك وحجابك الأعظم القائم لك بين يديك
اللهم ألحقني بنسبه وحققني بحسبه وعرفني إياه معرفة أسلم بها من موارد الجهل وأكرع بها من موارد الفضل واحملني على سبيله إلى حضرتك حملاً محفوفاً بنصرتك وأقذف بي على الباطل فأدمغه وزج بي في بحار الأحدية وانشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها واجعل الحجاب الأعظم حياة روحي وروحه سر حقيقتي وحقيقته جامع عوالمي
6
يا أول يا آخر يا ظاهر یا باطن اسمع ندائي بما سمعت به نداء عبدك زكريا وانصرني بك لك وأيدني بك لك واجمع بيني
وبينك وحل بيني وبين غيرك
الله الله الله
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ تَرَادُكَ إِلَى مَعَادٍ ۱
رَبَّنَا ابْنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَى لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَ كَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسليمًا ۳
وهذا شرح الصلاة اختصرناه من شرح الإمام الصاوي العالم العارف صاحب التعليق المشهور على تفسير الجلالين وفيه من الإلهامات الكثير يقول الإمام الصاوي
1 سورة القصص الآية ٨٥
سورة الكهف الآية ١٠ ۳ سورة الأحزاب الآية ٠٥٦
ثم شرع في صلاة بحر الحقائق والعلوم سيدي عبد السلام بن
بشيش - بالباء الموحدة والميم - فقال
اللهم صل ارحم رحمة مقرونة بالتعظيم
على من الموصول عائد على النبي وأبهمه للعلم به وإشارة إلى مزيد تعظيمه لأن الإبهام قد يؤتى به للتعظيم كما في قوله
تعالى
فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمَ مَا غَشِيَهُمْ ۱
الْحَاقَّةُ الا مَا الْحَاقَّةُ ٢
الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ ۳
منه انشقت الأسرار صلة من أي انفتح باب الأسرار وهي
جمع سر ضد الجهر والمراد اتضح به كل ما كان خفياً وانفلقت الأنوار أي انفتح باب الأنواب الحسية والمعنوية
وتعبيره أولاً بانشقت وثانياً بانفلقت تفنن دفعاً للثقل
وفي ارتقت الحقائق أي في المصطفى ظهرت حقائق الأشياء
فهو بمنزلة السماء والحقائق بمنزلة الكواكب
وتنزلت علوم آدم أي وفيه نزلت علوم آدم
والمراد بعلوم آدم علم جميع الأسماء
فأعجز بذلك الملائكة حيث أمرهم الله تعالى بقوله جل ذكره
۱ سورة طه الآية ۷۸ سورة الحاقة الآية ۱ ۳ سورة القارعة الآية ۱
٤١
أَنْبِتُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ ﴾ ١
فعجزوا فقال
يَتَنَادَمُ أَنْبِتْهُم بِأَسْمَاءِ يم ٢
فجميع العلوم التي نزلت على آدم نزلت على المصطفى الله
وزاد علم حقائق المسميات
فأعجز جميع
الخلائق أي المخلوقات ملائكة وغيرهم حتى آدم فعلم آدم لم يعجز إلا الملائكة وعلمه أعجز الأولين والآخرين وله تضاءلت الفهوم أي تصاغرت أفهام الخلائق عن إدراك حقيقة النبي ولذلك قال الله صلى الله عليه وسلم لا يعلمني حقيقة غير ربي وهذا معنى
قول البوصيري
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى للقرب والبعد فيه غير منفحم ولذلك علله بقوله
فلم يدركه منا سابق ولا لاحق
أي معشر المخلوقين من أول الزمان إلى آخره فلم يقف له أحد على حقيقة في الدنيا أما في الآخرة فتدرك حقيقته لكشف الحجاب عن
الخلائق قال البوصيري
إنما مثلوا صفاتك للنا س كما مثل النجوم الماء
وقال في البردة
1 سورة البقرة الآية ۳۱ سورة البقرة الآية ٣٣
٤٢
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته قوم نیام تسلوا عنه بالحلم فرياض الملكوت بزهر جماله مونقة إضافة الرياض إلى ما بعده
من إضافة المشبه به للمشبه
والرياض جمع روضة بمعنى بساتين
والملكوت ما غاب عنا كالجنة والعرش والكرسي وإضافة زهر للجمال اسم للنور الذي يكون في البساتين
ومونقة مزينة فشبه تزيينه للملكوت بتزيين الزهر للرياض فكما أن البساتين مزينة بالزهر فالملكوت مزين بجماله
وحاصل ما في المقام أن العوالم أربعة
عالم الملك وهو ما ظهر لنا
وعالم الملكوت وهو ما غاب عنا من المحسوسات كالجنة والنار والعرش والكرسي
وعالم الجبروت وهو عالم الأسرار والعلوم والمعارف
وعالم العزة وهو ما اختص به من علم ذاته وصفاته
وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة جمع حوض وهو في الأصل محل صب الماء وتقدم أن الجبروت هو عالم الأسرار
والعلوم
والباء في بفيض بمعنى من
والتدفق الامتلاء فشبه قلوب العارفين بالحياض وشبه علومه
بالبحر فتلك الحياض أي القلوب متدفقة ممتلئة من ذلك البحر الذي هو علم النبي
٤٣
ولا شيء إلا وهو به منوط أي معلق
إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط هذا علة لقوله ولا شيء إلا وهو به منوط
وليس المراد من قولنا قيل صيغة التضعيف وإنما المراد النسبة أي كما قال العارفون قولاً قوياً يعتمد عليه ومنه قول بعضهم وأنت باب الله أي امرىء أتاه من غيرك لا يدخله صلاة تليق بك منك إليه كما هو أهله صلاة مفعول مطلق
لقوله صل
وما بينهما اعتراض
وقوله تليق بك أي بجنابك وإحسانك
ومنك إليه أي واصلة منك إليه
وقوله كما هو أهله الكاف تعليلية أي لأجل أنه أهله لأنه لا
يعرف قدره إلا أنت
اللهم أي يا الله
إنه أي المصطفى
سرك أي المسمى بهذا الاسم
الجامع أي لجميع ما تفرق في غيره من الكمالات والعلوم والمعارف والبركات والمعجرات
الدال عليك أي الذي يدل الخلائق ويوصلهم إليك وحجابك الأعظم أي المانع الأعظم فهو حجاب بين الله وبين خلقه فلا يمكن أحداً الوصول لله إلا بواسطته أو حجاب بمعنى
مانع المضار الدنيوية والأخروية عن أمته
والأعظم صفة لحجاب
ووصفه بالأعظم لأن الأنبياء حجب أيضاً لأممهم فهو أعظمهم وكذا الشيخ حجاب تلاميذه فتلك حجب خاصة والمصطفى هو
الحجاب الكلي
القائم لك بين يديك أي الداعي الخلق إليك بك من غير واسطة بينك وبينه والمراد أنه قائم بحضرة القرب المعنوي منهمك طاعتك ۱ في
۱ ولا يقتصر تعظيم المصطفى الله على أمثال الشيخ بل لقد بهرت عظمته كبار المفكرين من غير المسلمين فقد كتب الأستاذ أحمد خاكي في مجلة الكتاب الجزء العاشر من السنة الخامسة مقالاً عن محمد مسرحية حاول كتابتها برناردشو
ومما قال فيه أما المثل الأعلى للشخصية الدينية عنده فهو محمد فهو يتمثل في النبي العربي تلك الحماسة الدينية وذلك الجهاد في سبيل التحرر من السلطة وهو يرى أن خير ما في حياة النبي أنه لم يدع سلطة دينية سخرها في مأرب دنيوي ولم يحاول أن يسيطر على قلوب المؤمنين ولا أن يحول بين المؤمن وربه ولم يفرض على المسلمين أن يتخذوه وسيلة الله تعالى ولسنا ندري على التحقيق في أي الكتب درس برناردشو تاريخ النبي ولا التطور العقلي الذي درج فيه حتى وصل إلى هذه المبادىء
ولكن لعله قد نقل الفكرة - أول ما نقلها - عن توماس كارليل حين اتخذ حياة النبي مثلاً لبطولة الرسل والأنبياء ولعله بعد ذلك قرأ حياة النبي في بعض ما كتبه المستشرقون على أن شيئاً واحداً يثبت عندنا من كل ذلك هو أ أنه قرأ القرآن الكريم قراءة الفاحص الدارس وتشبع بروح القرآن الكريم في كثير مما كتبه عن النبي وعن
الإسلام
كان برناردشو معجباً بالنبي وكان يرى في حياة الجهاد التي عاشها النبي شبهاً بالحياة المثالية التي أراد هو نفسه أن يعيشها وبلغ به الإعجاب أن حاول قبل سنة
۱۹۱۰ أن يكتب مسرحية عن محمد
إنه يعلم أن التمثيل أقوى أنواع الدعاية وأن كتابة المسرحية أسمى أنواع الفن فلا =
ولما استحضر عظمة المصطفى و بتلك الأوصاف المتقدمة التي
لم تكن لمخلوق سواه تضرع لربه بقوله
اللهم أي يا الله
ألحقني أوصلني
بنسبه هو دين الإسلام ولذا فقال آل محمد كل تقى وحققني بحسبه المراد بالحسب هنا التقوى أي ارزقنا تقواك بطاعتك وطاعة رسولك فأكون محققاً بها فإن الحسب ما يفتخر به من
مكارم الأخلاق قال تعالى
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَنْقَلَكُمْ
عليه بعد ذلك إذا حاول أن يصور بطله الديني في مسرحية عامة ثم هو يعلم أيضاً أن المسرحية لا تكتب لتمثل فقط ولا ليراها الناس فحسب بل هو يعلم إلى ذلك أنه سيكتب للمسرحية مقدمة وسينشر في هذه المقدمة آراءه الدينية من حيث الكفاح في سبيل حرية الرأي ومن حيث الخلاص من التعصب الأعمى ومن حيث التحرر من
استعباد السلطة
لقد أراد أن يكتب مسرحية محمد ليلقي بآرائه هذه في صعيد واحد وحينما بدت منه هذه الرغبة جابهته التقاليد التي درجت عليها انكلترا في مسائل المسرح ففي انكلترا وظيفة ورثها البلاط الانكليزي من عهد الملكة اليزابت وعلى صاحب هذه الوظيفة أن يقرأ كل مسرحية قبل تمثيلها وعليه بعد ذلك أن يصادق عليها
أو يلغيها
وتقدم برنادرشو برغبته في كتابة مسرحية عن محمد إلى صاحب هذه الرقابة لكن صاحب الرقابة رفض التصريح له بذلك وقال في رفضه إنه لا يجوز أن يمثل النبي العربي على خشبة المسرح فقد يحتج على ذلك السفير التركي وقد يؤدي ذلك إلى الجفوة بين انكلترا وتركيا ولعل صاحب الرقابة قد أخذ رأي السفير التركي ولعل السفير التركي هو الذي أبدى امتعاضه لمجرد التفكير في تمثيل النبي لأنه أسمى من
أن يكون موضوعاً للتمثيل
۱ سورة الحجرات الآية ۱۳
٤٦
وقال البوصيري في حق آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم سدتم الناس بالتقى وسواكم سودته البيضاء والصفراء وعرفني إياه أي يا الله عرفني ذلك الحبيب معرفة مفعول مطلق لقوله عرفني
أسلم بها أي بسبب تلك المعرفة
من موارد الجهل الموارد جمع مورد وهو مكان ورود الماء والجهل ضد العلم والمراد الجهل الضار في الدين فشبه الجهل بماء من سم فكما أن السم مهلك للأبدان الجهل مفسد
للأديان
وأكرع أشرب
بها أي بتلك المعرفة
من موارد الفضل ضد الجهل فقد شبه العلم النافع بالماء
6
الزلال بجامع أن كلا فيه حياة فإن العلم فيه حياة القلوب والأرواح
والماء فيه حياة الأجساد والأشباح
واحملني على سبيله إلى حضرتك حملا محفوفاً بنصرتك
الحمل في الأصل هو الركوب
والسبيل الطريق
فقد شبه الطريق بدابة تركب إلى دار الملك وطوى ذكر المشبه
به ورمز له بشيء من لوازمه وهو الحمل
والمعنى اسلك طريقته واجعلني
بي
من كل عائق حتى أصل إليك بعنايتك
عاملاً بشريعته محفوظاً
٤٧
واقذف بي على الباطل فأدمغه أي اجعل الحق معي ومصحوباً بي فأذهب به إلى الباطل فأدمغه قال تعالى
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَطِلِ فَيَدْ مَعَهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ
الباطل كل ما شغل عن الله تعالى
والمعنى اجعلني مهدياً في نفسي مهدياً لغيري
وزج بي في بحار الأحدية أي أدخلني في توحيد الأحدية الشبيه بالبحر وهو الفناء عن سوى الذات العليا فلا يشهد سواها في ظاهره وباطنه ويقال لصاحبها هو في مقام الفناء وفي عين الجمع
المعبر عنه بتجريد التوحيد
وانشلني أي خلصني سريعاً
من أوحال مخاوف
التوحيد إنما قال ذلك عقب قوله وزج بي الخ لأن صاحب الفناء إن لم تدركه العناية أنكر ثبوت الآثار ومنها الرسل وما جاؤا به والعالم برمته
ومعنى تخليصه من تلك الأوحال نقله لمقام البقاء فلذلك قال
واغرقني أي واجعلني مستغرقاً
في عين ذات
بحر توحيد
الوحدة وهو شهود الذات متصفة بالصفات ويسمى صاحبه في مقام البقاء وفي مقام جمع الجمع فيستدل على الصنعة بالصانع لكونه لا يشهد إلا الله وصفاته والصنعة آثار صفاته فلذلك قال
٤٨
لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها فيكون بين مقام الفناء ومقام البقاء كمن أحيى بعد الموت وقال
حتى جامعاً
العارف بالله سيدي محمد بن وفا رضي الله عنه
وبعد الفنا في الله كن كيفما تشا فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر
تنبيه
قد علم مما تقدم من قوله واحملني على سبيله إلى هنا ثلاثة مقامات مقام المحجوبين السائرين إلى الله المستدلين بالصنعة على الصانع أفاده بقوله واحملني على سبيله إلى حضرتك إلى آخره ومقام أهل الفناء المحض الذين غرقوا في توحيد الأحدية فلم يشهدوا سوى ذات الله تعالى وقد أفاده بقوله وزج بي في بحار الأحدية
6
ولما كان مقام سكر وخروج عن طور البشرية وعن حد التكليف قال وانشلني الخ
ومقام أهل البقاء بعد الفناء وهم الذين يشاهدون الصنعة بوجود الصانع لكونهم شهدوا قبل كل شيء ذات مولاهم وصفاته وأسماءه وقد أفاده بقوله وأغرقني في عين بحر الوحدة الخ وهذا معنى
حديث
لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها الخ
فأشار في الحديث إلى مقام السائرين بقوله ولا يزال عبدي
يتقرب إلي بالنوافل
وإلى مقام الفناء المحض بقوله حتى أحبه
ومعناه
وإلى مقام البقاء بقوله فإذا أحببته كنت سمعه الخ كنت مشهوده قبل سمعه و مسموعه وبصره ومبصره ويده وبطشها ورجله ومشيها لكونه يشهدني قبل كل شيء وهذه آثاري لا ترى له إلا بعد شهودي وهو معنى قول يعض العارفين عن الحضرة العلية
تلك آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار
فقوله تلك آثارنا أمرنا بالسير لمن يستدل بالصنعة على الصانع
وقوله فانظروا بعدنا أي بعد الفناء فينا بسيركم إلينا إلى الآثار أي فاشهدوا آثارنا بعد شهودنا وهذا مقام البقاء وهذا المعنى هو الذي قال فيه سيدي عبد الغني النابلسي
كل شيء عقد جوهر
حلية الحسن المهيب
ولما كان كمال العبودية وكمال التوحيد والمعرفة لا
إلا بالاستقاء من يد المصطفى صلى الله عليه وسلم قال
واجعل الحجاب الأعظم حياة روحي
المراد بالحجاب هو المصطفى صلى الله عليه وسلم كما تقدم
الأعظم والبرزخ الكلي وبغير ذلك
يتم
لصاحبه
أنه يسمى الحجاب
والمعنى مد روحي من النبي صلى الله عليه وسلم كما تمد العود الأخضر عند الماء فكما أن المياه حياة الأبدان والنباتات هو حياة الأرواح وروحها فالأرواح التي لا تشاهده ولا تستقي منه كأنها أموات وهي
أرواح أهل الكفر والعصيان
وروحه سر حقيقتي أي اجعل روحه ذاكرة لإنسانيتي في الملأ الأعلى وجد لي بكل خير لأني إذا لم يتوجه إلى خسرت وندمت
وحقيقته جامع عوالمي أي اجعل كل أجزائي مشغولة به ظاهراً
وباطناً ولا أتعلق بغيره بل أكون تابعاً له في كل ما أمر به ونهى عنه كما قال أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه
لو غاب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من
المسلمين
بتحقيق الحق الأول أي العهد الأول يوم ألست بربكم يحتمل أن تكون الباء للقسم والمعنى أقسم عليك يا رب بتحقيق الحق الأول أن تستجيب لي ما دعوتك به
ويحتمل أن الباء للمصاحبة متعلقة بالدعوات المتقدمة من قوله وزج بي إلى هنا فيصير المعنى زج بي في بحار الأحدية زجة موافقة لتوحيدي الأول وانشلني من أوحال التوحيد نشلة مصاحبة للتوحيد الأول وأغرقني في عين بحر الوحدة غرقة موافقة للتوحيد الأول واجعل الحجاب الأعظم حياة روحي جعلا مصاحباً للتوحيد الأول وهكذا
يا أول الذي ليس قبله شيء أو الذي لا افتتاح لوجوده يا آخر الذي ليس بعده شيء أو الذي لا انقضاء لوجوده يا ظاهر الذي ليس فوقه شيء أو الذي ظهر بصنعه وأفعاله يا باطن الذي ليس دونه شيء أو الذي تحجب عنا بحلاله اسمع ندائي سماع قبول وإجابة
بما سمعت به نداء عبدك زكريا أي بمثل ما سمعت به نداء عبدك زكريا حيث قال رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ 1
قال تعالى
۱ سورة الأنبياء الآية ۸۹
۱
۵۱
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى عليهما الصلاة والسلام ۱ وإنما خص زكريا دون غيره من الأنبياء لأنه طلب أمراً عظيماً وهو يحيى عليه السلام فورثه في النبوة والعلوم والمعارف فطلب الشيخ من الله أن يهبه خليفة وارثاً له مثل خليفة زكريا فأعطاه الله القطب الكبير أبا الحسن الشاذلي فورثه في الطريق والعلوم
والمعارف
وانظرني بك أي قوني بحولك وقوتك
لك أي لوجهك لا لأغراض نفسي
وأيدني بك أي بسر من عندك قوة إيمان وصبر على البلاء بحيث تصير البلايا عطايا فأصبر شاكراً على السراء حامداً على
الضراء
لك أي لمرضاتك
واجمع بيني وبينك أي أزل حجاب الغفلة وكل شاغل يشغلني عنك ولا تحجبني عن مشاهدتك طرفة عين
وحل بيني وبين غيرك من كل قاطع يقطعني عنك فالجمل
الأربع متقاربة والدعاء محل إطناب
ثلاثاً
الله الله الله كرره ثلاثاً إشارة إلى أن المراتب ثلاثة
توحيد الأفعال والصفات
وقيل الحكمة في ذلك أن النبي الهلال لو كان يلقن أصحابه الذكر
۱ سورة الأنبياء الآية ۹۰
٥٢
وقيل الحكمة في ذلك أن درج المنبر النبوي ثلاث فكان
النبي كلما صعد على درجة قال الله فاقتدي به وقيل في الحكمة في ذلك أن الله وتر
وقيل الحكمة في ذلك أن النفوس ثلاثة أمارة ولوامة
ومطمئنة
فإذا قال الله أولاً خرج من الأمارة وإذا قال الله ثانياً خرج من اللوامة وإذا قال الله ثالثاً وصل إلى المطمئنة إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ تَرَادُكَ إِلَى مَعَادٍ ۱
الحكمة في ذكر الآية أن الآية قيلت للنبي فكأن المصنف يقول أصدقت وعد حبيبك فأصدق وعدي بأن تلحقني به
ربنا آتنا من
لنا
وهيء
والغي
لدنك رحمة أي أعطنا رحمة من عندك
من أمرنا رشداً أي يسر لنا والرشاد ضد الضلال
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَه كَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيَّ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
ختم بهذه الآية دليلاً لصلاته فكأنه يقول إنما وضعت تلك الصيغة وصليت بها على النبي وذكرته بتلك الأوصاف لأن الله وملائكته يصلون على النبي والمؤمنون - جميعاً - مأمورون بذلك فاقتديت به وامتثلت لأحوز الشرف
۱ سورة القصص الآية ٨٥ سورة الأحزاب الآية ٥٦
٥٣
ونعود إلى الطريقة والطريق عند ابن بشيش
يقول الشيخ أبو الحسن دخل رجل على أستاذي فقال له
وظف لي وظائف وأوراداً
فغضب الشيخ منه وقال له
رسول أنا يوجب الواجبات !
الفرائض معلومة والمعاصي مشهورة فكن للفرائض حافظاً وللمعاصي رافضاً واحفظ قلبك من إرادة الدنيا وحب النساء وحب الجاه وإيثار الشهوات واقنع من ذلك كله بما قسم الله لك إذا خرج لك مخرج الرضا فكن الله فيه شاكراً وإذا خرج لك مخرج السخط فكن عنه صابراً وحب الله قطب تدور عليه جميع الخيرات وأصل
جامع للأنوار والكرامات
من
ومصدر ذلك كله أربعة
صدق الورع وحسن النية وإخلاص العمل ومحبة العلم ولا تتم لك هذه الجملة إلا بصحبة أخ صالح أو شيخ ناصح ذلك نرى أن الشيخ الشيخ لا يوجب أوراداً ولا أحزاباً ويبدأ بالأساس
والأساس أمور
أولها أداء الفرائض والفرائض معلومة إنها من البداءة في الجو الإسلامي ومع أداء الفرائض يجب رفض المعاصي جملة والمعاصي مشهورة معروفة وأداء الفرائض ورفض المعاصي هو التقوى ويقول الله تعالى في حديث قدسي وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضته عليه ولقد سئل أحد الصحابة رضوان الله عليهم عن التقوى فقال للسائل
٥٤
أما سرت في طريق فيه شوك
قال نعم سرت
قال له ماذا فعلت
قال شمرت واجتهدت
قال فذلك هو التقوى
إنها تشمير عن المعاصي واجتهاد في الطاعات
فإذا ما فعل الإنسان ذلك حقق التقوى وإذا ما حقق التقوى
أصبح في رعاية الله
ومع
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۱ أداء الفرائض واجتناب النواهي هناك أمور هي كالتفصيل لهذا
الإجمال إنه يقول واحفظ قلبك من إرادة الدنيا
والدنيا في الجو الإسلامي يفسرها آيات من القرآن الكريم
يقول تعالى
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَسْعُ
الحيوةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَتَابِ
ويقول سبحانه
أَنَّمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَهَوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرُ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرُ فِي الْأَمْوَلِ وَالْأَوْلَدِ كَمَثَلِ غَيْبِ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَكَهُ مُصْفَرًا ثُمَّ يَكُونُ حُطَمَا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانُ وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ۳
۱ سورة الطلاق الآية - ۳ سورة آل عمران الآية ١٤
۳ سورة الحديد الآية ۰
۵۵
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر
كيف تعلمون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ۱
وقال وهو يقرأ أَلْهَنكُمُ التَّكَاثُرُ ٢
يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت ۳
وروى ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح عن سهل
ابن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها
شربة ماء
وروى مسلم عن المستورد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم اصبعه هذه في
اليم
فلينظر ثم يرجع ومن جو القرآن ومن جو السنة نعلم أن كل ما اتصل بالشهوات والنزغات والأهواء إذا خرج عن حدود الشرع فهو الدنيا المحرمة
أما الثراء الحلال وأما الاستمتاع الحلال فليس من الدنيا المحرمة ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ
۱ رواه مسلم والنسائي سورة التكاثر الآية ١ ۳ رواه مسلم
0
امَنُوا فِي الْحَيَوَةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَمَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ۱ وحينما نصح أهل التقوى والصلاح قارون لم يقولوا له تخل
عن المال والثراء وإنما قالوا
وَابْتَغِ فِيمَاءَ اتَلكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةٌ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْعَ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
وفي هذه المعاني يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
نعم المال الصالح للرجل الصالح
ويقول فيما رواه أحمد والبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه
لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار فسمعه جار له فقال ليتني أوتيت مثل ما أوتى فلان فعملت مثل ما يعمل ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقال
رجل ليتني أوتيت مثل ما أوتى فلان فعملت مثل ما يعمل
٢ - وحب النساء والرسول الله يقول فيما رواه أحمد والشيخان
وغيرهم عن أسامة رضي الله عنه
ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ويقول فيما رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه صنفان من أهل النار لم أرهما بعد
قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات
عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن
۱ سورة الاعراف الآية ۳
الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها ۱
وروى أبو داود والترمذي عن أبي موسى رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال
كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي
وكذا يعني زانية
وروى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت
كذا
بينما رسول الله الله جالس في المسجد دخلت امرأة من مزينة
ترفل في زينة لها في المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم
يا أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المسجد فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة
و تبختروا في المسجد
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة
لعنوا في الدنيا والآخرة وأمنت الملائكة
زكريا
رجل جعله الله تعالى ذكراً فأنث نفسه وتشبه بالنساء وامرأة جعلها الله تعالى أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال
والذي يضل الأعمى
ورجل حصور ولم يجعل الله تعالى حصوراً إلا يحيى بن
۱ رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه
ол
وروى البخاري ومسلم والترمذي عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار أفرأيت الحم ۱ قال الحم الموت
وقال في رواية البخاري ومسلم
لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم
والواقع أنه لا بد من كلمة صريحة في هذا المجال كلمة بعيدة عن القصد السيء وعن التشويه والزيف
6
إن اختلاط النساء بالرجال والشباب بالفتيات وخلوة النساء بالرجال والشباب بالفتيات من أخطر الأمور على الرجال والنساء على حد سواء وإنه ما من خلوة لرجل بأنثى إلا كانت عواقبها وخيمة إذا تعددت بل حتى إذا لم تتعدد وإن كل من يرى ما يحدث ويتحدث عنه الخاص والعام وتلوكه الألسنة مما يوجب الحرص الشديد في هذه الصلاة وعلى الآباء والأمهات آباء الشباب وأمهاتهم وآباء الفتيات
وأمهاتهن وعلى الأزواج والزوجات أن يوقنوا بالآثار السيئة للاختلاط
وإذا كان المجتمع يتساهل عادة مع الشباب فإن جرمهم ليس
الفتاة التي
تسقط وكل ما يقال عن الحرية في هذا المجال
بأقل من جرم إنما هو فتنة وهو دعوة إلى الرجس
وانظر إلى أي مدى يقول الشعراء عن تجربة فيما يبدو في وصفهم لنتائج الاختلاط وآثار الخلوة يقول بشار ونعوذ بالله مما يقول
لا يؤيسنك من مخدرة قول تغلظه وإن جرحا عسر النساء إلى مياسرة والصعب يمكن بعدما جمحا
1 الحم أبو الزوج ومن أدلى به كالأخ والعم وابن العم
۵۹
لحم
ويقول غيره ونعوذ بالله مما يقول
إن النساء وإن وصفن بعفة فيما يظاهر في الأمور ويكتم أطاف به سباع جوع مالا يزاد فإنه يتقسم اليوم عندك دلها وحديثها وغداً لغيرك كفها والمعصم كالخال يسكنه وتصبح غاديا ويحل بعدك فيه من لا تعلم ولقد ابتلينا بالاختلاط في الجامعات وابتلينا بالداعين إلى
الاختلاط حتى في المدارس الثانوية وهم بذلك ييسرون مهمة
إبليس
الأغوينهم
أجمعين إلا عبادك
منهم
المخلصين
ونحن لسنا ضد تعليم الفتاة وإنما ندعو إلى جامعات للفتيات أو كليات ككلية بنات جامعة عين شمس وكلية البنات الإسلامية ومهما قيل عن هذه الكليات ومهما أشاع ذوو الأغراض الخبيثة فإنه مما لا شك فيه أن الضرر في هذه الكليات أخف من الضرر في
الكليات المختلفة
فليتق الله الداعون إلى الاختلاط وليتكاتف أهل الطهر والصفاء حتى تكون فتياتنا ونساؤنا بمعزل عن كل ما يمكن أن يزج بهن فيما لا
يحمد عقباه
إنها لكلمة صريحة رأيت أنه لا بد من إعلانها حتى لا نكون في عداد من يرون المنكر فيسكتون عنه وعلى أجهزة الإعلام تقع المسؤولية الضخمة في هذا المجال وبصفة خاصة الصحافة ۱
۱ حرية الصحافة
الصحافة حرة في حدود القانون
وهي حرة في حدود الدستور
ولكنها من قبل ذلك ومن بعده حرة في حدود الإسلام
ثم هي من قبل ذلك ومن بعده حرة في حدود الأخلاق على أن القانون والدستور قائمان على أن دين الدولة الإسلام وعلى أن الخلق أساس المجتمع وعلى أن كل تيار يهوى بأفراد المجتمع نحو الشذوذ والانحراف إنما هو تيار
آئم
نقول ذلك بمناسبة الحديث عن حرية الصحافة والحديث عن أدب الجنس ومما لا شك فيه أن أدب الجنس لا يرتبط بالخلق الكريم إلا بالرباط العكسي وأن الرجل الكريم على نفسه وعلى الله لا ينحدر إلى هذا المستوى المكشوف الذي لا يتمثل فيه السمو الروحي وإنما تتمثل فيه الغريزة الشهوانية الجنسية في أحط مظهر يمكن أن تظهر فيه
وهذا الأدب الجنسي يجد رواجاً لدى المراهقين وهذا الرواج معناه ثروة طائلة للمؤلف ومن أجل ذلك من أجل المال المكتسب بطريق خبيث يكتب الكتاب المنحرفون عن أدب الجنس وهؤلاء الكتاب لا يعرفون المثل العليا ولا المبادىء الشريفة وإنما كل همهم من أجل اللذات ومن أجل الجنس أما الوطن ومصلحته وأما إفسادهم المراهقين ونشرهم الفساد متأثرين بأدب الجنس فذلك لا يثير ضميرهم المنحل في كثير ولا
المال
قليل ولقد سارت فرنسا في هذا الاتجاه بعد الحرب العالمية الأولى فكانت النتيجة أن دمرتها ألمانيا في أيام معدودة ولقد أعلن زعيمها المريشال بيتان إذ داك السبب في انهيارها فلم يكن إلا تطبيق أدب الجنس والسير وراء كتاب أدب الجنس لتحقيق
السافلة
مثلهم هؤلاء الكتاب مثلهم في الوطن كمثل الميكروب الخبيث بل إن خطرهم أشد وكما تحارب الدولة الميكروب فتقضي عليه بالوسائل المناسبة فكذلك الأمر بالنسبة لهؤلاء الكتاب الذين تتمثل فيهم العداوة الكاملة للفضيلة وبالتالي للوطن ولا يجوز قط أن تتخذ حرية الصحافة دعامة ليقول الكاتب ما يشاء فإن مقدسات الأمة إذا هدمت بالأقلام الخبيثة فإن مصير الأمة إلى الانهيار وعلى هذا يجب - في منطق الأخلاق والوطن ولمصلحة الأخلاق والوطن - أن تضرب الدولة بيد من حديد على كل من يعيث فساداً في مقدساتها أخلاقاً وديناً مسمياً الدعوة السافرة إلى الانحلال أدباً وما هي إلا انعكاسات نفس ضحلة ظهرت على =
=
٦١
ولقد وصل الأمر بكثير ممن يرون هذا المنكر أن لا ينبسوا بكلمة خوفاً من أن يتهموا بالرجعية مع أن كل من ينكر الاختلاط والخلوة إنما يعبر عن رأي الدين ويعلن الوضع الإيماني الصادق
ولقد تحدث الإمام ابن بشيش أكثر من مرة عن البعد عن النساء ونرجو أن تكون كلماته شعاراً للصوفية على وجه الخصوص وللمسلمين على وجه العموم ولقد تحدث عن هذا في أيام كانت النساء فيها كاسيات فما بالك بنساء اليوم وهذا التبرج الفاضح وهذا الاندفاع في تيار الفتنة دون نظر للعواقب وكثير من وسائل الإعلام تشجع وتثير الغرائز ولا ضمير ولا حساب للدين ولا مراعاة للفضيلة وما يقال من الصداقة البريئة بين ذكر وأنثى زيف وخداع والحب
العذري في زمننا خرافة
ونعود فنقول
إننا لسنا بصدد الحديث عن تعليم الفتاة وإنما حديثنا منصب
على الاختلاط وخلوة الرجل بالمرأة
- وحب الجاه من طلب الرياسة وكله الله لها
وروی مسلم بسنده عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها
قلم كاتب لا يمت إلى الفضيلة بصلة ورجاؤنا إذاً - حفاظاً على الدين والأخلاق والوطن وانقاذاً للمراهقين - أن تكون في الدولة رقابة خاصة بالكتب والصحف ووسائل الاعلام تراعى المثل العليا والمبادىء
الشريفة
وبالله التوفيق
بحقها وأدى الذي عليه فيها
ويقول سادتنا العلماء إن آخر ما يخرج من قلب الإنسان الذي
يسير في معارج القدس هو حب الرئاسة
وما تفرق المسلمون إلى دول ودويلات وإمارات إلا لحب الجاه والرئاسة ولقد سفك في حب الرئاسة من الدماء ما لا يحصيه إلا الله ولقد قتل في سبيل الرئاسة الأبرياء وسجن كثير على مجرد الظن وارتكبت آثام وهتكت أعراض وذبح أطفال وكان ما كان من عسف شديد وما يزال الأمر على هذا النسق ولا عاصم إلا الله وإيثار
الشهوات وإن في الحلال ما يغني عن الحرام
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به وإيثار الشهوات يقود إلى كل موبقة حتى إنه ليخرج الإنسان أحياناً من دائرة الإيمان
وإيثار الشهوات هو اتباع الهوى وفي ذلك يقول الله تعالى أَفَرَعَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَنَهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى
بَصَرِهِ عَشَوَة فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ ۱
وفي بعض من آثر الشهوات واتبع هواه يقول الله تعالى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى ءَاتَيْنَهُ وَايَنَيْنَا فَأَنسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ
۱ سورة الجاثية الآية ٢٣
٦٣
فكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَنَةٌ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِنَايَتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ۱
ويختم ابن بشيش هذه النصائح بنصيحة تقننها وهي
القناعة في كل هذه الأمور بما قسم الله تعالى وهو ما كان في
إطار الشرع من الرزق الحلال
وقد يكون ما قسم الله تعالى هو ما يحبه الإنسان ويرضاه وهنا
على الإنسان الشكر الله تعالى
وقد يكون ما قسمه الله تعالى لا يسير مع رغبة الإنسان وآماله
وهنا على الإنسان الصبر
والشكر والصبر من الفضائل الإسلامية وفيهما يقول الله تعالى
لَمَن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
ويقول سبحانه
ولين صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلكَ بِرِينَ ۳
ويقول تعالى
إِنَّمَا يُوفَى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ٤
ويقول
1 سورة الأعراف الآية ١٧٥ - ١٧٦ سورة إبراهيم الآية ۷ ۳ سورة النحل الآية ١٢٦
٤ سورة الزمر الآية ١٠
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَوةُ ۱
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن يتصبر يصبره الله وما أعطى أحد عطاء خيراً وأوسع من
الصبر ٢
الله صلى الله عليه وسلم
وعن صهيب بن سنان - فيما رواه مسلم - قال قال رسول
عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه والوصب
المرض
وروى الشيخان عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقى فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال
يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا
لقيتوهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف وروى أحمد بسنده عن أبي رجاء العطاردي قال خرج علينا عمران بن حصين وعليه مظرف من خز لم نره عليه قبل ذلك ولا
۱ سورة البقرة الآية ٤٥ متفق عليه
10
بعده فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
خلقه
من أنعم الله عليه نعمة فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على
وروى أحمد بسنده عن أنس قال
أتى النبي سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها وأتاه آخر فأمر
له بتمرة فقال سبحان الله تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للجارية اذهبي إلى أم سلمة فأعطيه الأربعين درهماً
التي
عندها
ثم يبين الشيخ عبد السلام أن حب الله تعالى هو القطب الذي تدور عليه جميع الخيرات لأنه إذا كان حب الله آثر الإنسان الله على
كل ما سواه ومن سواه
الله وحب
هو الأصل الجامع للأنوار والكرامات وهل يتأتى أن تكون أنوار وكرامات دون مقدماتها الأصلية وهي حب الله
وسنفرد المحبة بفصل خاص - فيما بعد ـ إن شاء الله
وكل ذلك له أسس يقوم عليها
أولها صدق الورع
والورع هو أن تدع كل ما يريبك إنه التحرج في المأكل والمشرب والملبس والقول والفعل ليكون كل ذلك حلالاً روی الترمذي بسند حسن صحيح عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال
حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم
دع
ما يريبك إلا ما لا يريبك
ويفسر الإمام النووي ذلك فيقول
٦٦
معناه اترك ما تشك فيه وخذ ما لا تشك فيه
أما الورع في الحديث فإنه التورع عن اللغو بجميع ضروبه إنه ترك كلمات الفضول وترك كل حديث ليس من شأنه إلا قطع الوقت دون فائدة أو ثمرة
والورع في الحديث ليس سهلاً ويقول فيه الإمام القشيري
الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة
ولا تدخل الغيبة والنميمة فيما نحن فيه وذلك أننا في مستوى لا ينزل إلى مستوى الأثام والذنوب
والورع في القلب هو عدم انشغاله بالتوافه من الخطرات ويتسامى الورع في القلب حتى يصل إلى ما يقوله الإمام الشبلي وهو من كبار أئمة التصوف
الورع أن تتورع عن كل ما سوى الله
أما الورع في الأفعال فإنه يتضمن التحري فيما يتعلق بالمأكل
والمشرب والملبس حتى يكون كل ذلك من حلال طيب ولقد كان أسلافنا - رضوان الله عليهمم - يتحرون في ذلك ما استطاعوا وذلك أن النور في القلب والصفاء في العبادة والتيسير فيما يأتي الإنسان وفيما يدع كل ذلك له علاقة قوية بطيب المطعم والمشرب والملبس
والجو الإسلامي كله يحث على ذلك ومن الأحاديث النبوية الشريفة التي تجمع بين توجيه القرآن الكريم وتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم متناسقاً مع القرآن الكريم ما يلي
عن ابن عباس قال تليت هذه الآية عند النبي لا لا لا له
TV
يَتَأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَلًا طَيِّبًا ۱ فقام سعد بن أبي
وقاص فقال
یا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفسي محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوماً وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى
به
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال
يَتَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَلِحَا إِنِي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ٢
وقال
يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَكُمْ ۳
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء
يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي
بالحرام فأنى يستجاب لذلك
ومن كلام أئمتنا
في الورع
يقول القشيري
۱ سورة البقرة الآية ١٦٨ سورة المؤمنون الآية ٥١ ۳ سورة البقرة الآية ۱۷
أما الورع فإنه ترك الشبهات ويقول إبراهيم بن أدهم
الورع ترك كل شبهة وترك ما لا يعنيك
وقال أبو سليمان الداراني
الورع أول الزهد كما أن القناعة طرف من الرضا وينتهي حديثنا عن الورع بهذه الكلمات العميقة لابن مشيش
وكل ورع وثاني الأسس حسن النية
لا يصحبه العلم والنور فلا تعد له أجراً
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه
وثالث الأسس إخلاص العمل ولقد سأل معاذ رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذلك حين كان على
أهبة السفر إلى اليمين - قائلاً يا رسول الله أوصني
فقال له
أخلص دينك يكفك العمل القليل
والله تعالى يقول
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۱
۱ سورة الزمر الآية ٣
9
والأخلاص أساس قبول الأعمال
ومعنى ذلك وجوب الاتجاه بالأعمال إلى الله تعالى وحده لا
شريك له يقول تعالى فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَلِحَا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ۱
ورابع الأسس محبة العلم
وإن من مفاخر الإسلام أن يكون العلم من أسس الخير ولقد كانت الآيات الأولى من الوحي حاثة على العلم دافعة له وأشاد الإسلام بالعلم إشادة لم يقاربها مذهب حديث أو قديم
ولا نحلة حديثة أو قديمة
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَموا ٢
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۳
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَتْ ٤
و شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَتَيكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ ٥
ورسول الله صلى الله عليه وسلم شعاره
رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ٦
ويقول
من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة
۱ سورة الكهف الآية ۱۱۰
سورة فاطر الآية ۸ ۳ سورة الزمر الآية ۹ ٤ سورة المجادلة الآية ۱۱ ٥ سورة آل عمران الآية ۱۸
٦ سورة طه الآية ١١٤
وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر
ومن المعروف في الجو الإسلامي أن الله لا يعبد بالجهل ومن شروط العبادة - إذن - العلم وهو ـ في أدنى حدوده -
تصحيح الدين حتى يعبد الله على بينة من الأمر وتمام هذه الأمور إنما يكون بصحبة شيخ ناصح أو أخ صالح
وهنا يمكن أن يقال
إن الإمام ابن بشيش يقر الوضع العادي للطرق الصوفية وذلك أن الشيخ الناصح ليس إلا الشيخ الذي يربي المريدين وهل السير بهم في طريق القرب من الله إلا نصيحة متوالية تنقلهم من مقام إلى مقام ومن درجة إلى درجة ومن حال إلى حال وماذا يكون شيخ الطريقة إلا هذا
على أن عبد السلام - رضي الله عنه - لم ينصح الشاذلي بالبعد عن المشيخة وإن كان هو لم يتخذ مريداً إلا شخصاً واحداً هو
الشاذلي الذي تخرج على يديه ما لا يحصى من المريدين ولقد استأذنه رجل في المجاهدة لنفسه فلم يقل له تقدم لأعطيك
العهد وإنما أجابه بقوله تعالى
لَا يَسْتَعْدِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنفُسِهِمْ ۱
۱ سورة التوبة الآية ٤٤
۷۱
الزهد
ونسير مع الطريق
الزهد والتوكل
لقد سبق أن كتبنا عن الورع وفي ترتيب المقامات للصوفية يأتي
الزهد بعد الورع ويأتي التوكل بعد الزهد
وقد تحدث ابن بشيش أكثر من مرة عن الزهد والتوكل ومن
ذلك قوله ناصحاً لأبي الحسن
عليك بالزهد في الدنيا والتوكل على الله
فإن الزهد في الدنيا أصل في الأعمال
والتوكل على الله رأس في الأحوال
ويتحدث ابن بشيش عن أفضل الأعمال ويحصرها في ثمانية
ويعد منها
الزهد في الدنيا
والتوكل على الله
ومن طريف ما يروى فيما يتعلق بالزهد في الدنيا ما يرويه أبو الحسن قال فتح الله في شيء من الدنيا علي فهرعت لأستعين وأعين بها فجعلت أحمد الله وأشكره فواظبت على ذلك وقتاً من الليل
ونمت فرأيت أستاذي يقول لي استعذ بالله من شر الدنيا إذا أقبلت ومن شرها إذا أدبرت ومن شرها إذا انقضت ومن شرها إذا أمسكت فجعلت أقول ذلك فوصل الشيخ كلامي فقال
۷
من المصائب والرزايا والأمراض البدنية والقلبية جملة وتفصيلا بالكلية وإن قدر شيء فاكسني حلل الرضا والمحبة والتسليم وأثواب المغفرة والتوبة والإنابة المرضية
وقد يتساءل قول
وماذا عن العمل والضرب في الأرض واكتساب الرزق وأول ما نلاحظه في ذلك بعض ألقاب الصوفية
القصار الوراق الخراز الخواص البزاز الحلاج الزجاج
الحصري الصيرفي المقرىء الفراء
وهذه ألقاب مأخوذة من مهن لهم
ولقد كان الصوفية كغيرهم منهم الفقير ومنهم الغني ومنهم العازف عن الثراء العريض ومنهم أصحاب الثروات الضخمة التي يؤدون فيها حق الله وينفقون منها في سبيله إنهم يؤتون حق المال يوم
حصاده
وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم
وهذا مثل أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه وهو من صفوة
الصفوة الصوفية كانت له مزارع
ونقول مزارع بالجمع لنتابع في هذا التعبير حديث المؤرخين عنه وكان له ثيران وحصاد ودراس وكان يقتني الخيول ويركبها ولكن لم يستعبده شيء من ذلك ومن دعائه فيما يتعلق بالدنيا
اللهم اجعلها في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا
اللهم وسع على رزقي في دنياي ولا تحجبني بها عن أخراي
وابن عطاء الله السكندري يقص هذه القصة
قال بعض المشايخ
كان رجل بالمغرب من الزاهدين في الدنيا ومن أهل الجد والاجتهاد وكان عيشه مما يصيده من البحر وكان الذي يصيده يتصدق ببعضه ويتقوت ببعضه فأراد بعض أصحاب هذا الشيخ أن يسافر إلى بلد من بلاد المغرب فقال له هذا الشيخ
إذا دخلت إلى بلد كذا فاذهب إلى أخي فلان فأقرئه مني
السلام وتطلب الدعاء منه لي فإنه ولي من أولياء الله تعالى قال فسافرت حتى قدمت تلك البلدة فسألت عن ذلك الرجل فدللت على دار لا تصلح إلا للملوك فتعجبت من ذلك وطلبته فقيل لي هو عند السلطان فازداد تعجبي فبعد ساعة وإذا هو آت في أفخر ملبس ومركب وكأنما هو ملك في موكبه
قال فازداد تعجبي أكثر من الأول
قال فهممت بالرجوع وعدم الاجتماع به ثم قلت لا يمكنني مخالفة الشيخ فأستأذنت فأذن لي فلما دخلت رأيت ما هالني من
العبيد والخدم والشارة الحسنة فقلت له
أخوك فلان يسلم عليك
قال جئت من عنده
قلت نعم
قال إذا رجعت إليه قل له
إلى كم اشتغالك بالدنيا وإلى كم إقبالك عليها وإلى متى لا
تنقطع رغبتك فيها
فقلت هذا والله أعجب من الأول فلما رجعت إلى الشيخ قال
اجتمعت بأخي فلان
قلت نعم
قال فما الذي قال لك
قلت لا شيء قال لا بد أن تقول لي
فأعدت عليه ما قال فبكى طويلاً وقال
صدق أخي فلان هو غسل الله قلبه من الدنيا وجعلها في يده وعلى ظاهره وأنا أخذها من يدي وعندي إليها بقايا التطلع
وقد شرع الإسلام للتجارة والمعاملات المالية
وأحد أركان الإسلام الزكاة فمن لم يكن عنده مال يؤدي منه الزكاة فقد ركناً من أركان الإسلام
وما من شك في أنه لا إثم عليه ولكن من الأفضل استكمال الأركان ومن لم يكن له مال لا يستطيع أداء الحج وما من شك في أن الحج لا يجب إلا عند الاستطاعة ولكن من الأفضل استكمال ركن الحج أي من الأفضل أن يعمل إنسان ويكدح ليكون غنياً يستطيع أداء الحج ويخرج الزكاة
ونريد أن نقول - من وراء كل ذلك - إن الإسلام لا يكره الغنى والجو الإسلامي يحتاج إلى أغنياء يبذلون من أموالهم في سبيل الله يزكون ويحجون ويبنون المساجد ويفتحون المدارس ويقيمون المستشفيات ويتصدقون وينشئون المشروعات التي تثمر وتفيد ولكنه محتاج إلى أغنياء أحرار لم تستعبدهمم المادة وإنما
Vo
تكون خادمة لهم يستعملونها فيما يرضي الله ورسوله يقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم
من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج على مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره
الله
يوم
القيامة
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
كرب يوم
من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان
مسلماً ومن ستر
العبد في عون أخيه
وقد تحدث القرآن الكريم عن فضل الإعطاء والإنفاق والبذل في
آيات كثيرة يقول تعالى
ويقول
الله
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَأَلقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُسَرُهُ لِلْيُسْرَى ۱
لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ وعن ابن عمر رضي الله عنهما - فيما رواه الشيخان - قال رسول
لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته
في الحق ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين
۱ سورة الليل الآية ٥-٧ سورة آل عمران الآية ۹
أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا
ذهب أهل الدثور الأموال بالدرجات العليا والنعيم المقيم فقال وما ذاك فقالوا يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم
ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم قالوا بلى يا رسول الله قال تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله فقال رسول الله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
أما عن التوكل فإن الإمام ابن بشيش يقول
أما التوكل فإنه رأس في الأحوال
والواقع أن التوكل هو القدم الأول في التصوف بالمعنى الدقيق
لكلمة التصوف وإذا كان الزهد أثار نقاشاً وجدلاً فإن التوكل كذلك أثار نقاشاً مستفيضاً وأثار جدلاً محتوماً
6
وما كان ينبغي ذلك فإن القرآن الكريم وإن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته الشريفة إن كل ذلك يبين - بما لا شك فيه - معنى التوكل ونقول أولاً إن التوكل واجب بنص القرآن الكريم يقول تعالى
وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۱
ويقول
۱ سورة المائدة الآية ٢٣
VV
فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۱
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ
ويقول فيما رواه الترمذي وحسنه
لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير
تغدو خماصاً وتروح بطانفا
وروى الشيخان بسندهما عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما
وروى البخاري عن ابن عباس قال
حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَأَخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ
إِيمَنَا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ونحب بهذه المناسبة أن نبين وجهة النظر الإسلامية في شيء من الاستفاضة فيما يتعلق بمعنى التوكل وفيما يتعلق بصلة التوكل بالحركة
وبالعمل
۱ سورة آل عمران الآية ۱۵۹ سورة الفرقان الآية ٥٨
۷۸
التوكل
-1-
الإسلام أن يسلم الله قلبك إنه التوحيد
إنه ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
إنه إسلام الوجه الله
وذلك يقتضي التوكل على الله كجزء لا يتجزأ من الإسلام ويتلون التوكل بحسب درجاته ويأخذ اسماً تبعاً لدرجته فيكون توكلاً
ويكون تسليماً
ويكون تفويضاً
والتوكل بداية هذا المقام الروحي والتسلم واسطة
والتفويض نهاية - إن كان للثقة في الله نهاية
ومع
ذلك فإن كلمة التوكل تطلق على كل درجاته وتستعمل في
كل أنواعه
وعلى هذا الوضع يأمر سبحانه وتعالى به جاعلاً منه صفة لا تنفك
عن الإيمان قائلاً
وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۱
ويأمر سبحانه به ـ أمراً مطلقاً - كل مؤمن فيقول
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
وإذا توكل الإنسان على الله سبحانه فإن ثمرة ذلك أمران الأمر الأول هو حب الله له - يقول سبحانه و إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ۳
والأمر الثاني هو كفاية الله له يقول سبحانه وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ ٤
وهناك ثمار هي تفصيل لهذين الأمرين أو هي نتائج لهما نتحدث
عنها إن شاء الله
ومع
أن أمر التوكل في الجو القرآني وفي جو السنة واضح كل الوضوح فإن الناس جعلوا من التوكل مشكلة يتجادلون فيها ويختلفون وتتجدد المشكلة كلما جاء ذكر للتوكل ومن أجل ذلك نحب بتوفيق الله - مع أن الأمر بين واضح - أن نلقي ببعض الأضواء في
هذا المجال
لقد سئل يحيى بن معاذ - وهو من أئمة الصوفية - متى يكون
الرجل متوكلاً
1 سورة المائدة الآية ۳ سورة إبراهيم الآية ١١ ۳ سورة آل عمران الآية ١٥٩ ٤ سورة الطلاق الآية 3
z
فقال إذا رضي بالله تعالى وكيلاً
ويتحدث القرآن الكريم عن بعض الظروف التي ظهر فيها أن المؤمنين الصادقين هم الذين يتخذون الله وكيلاً يقول سبحانه وتعالى عن المؤمنين في غزوة أحد الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ
فَأَخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَنَا ۱
وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل
ماذا كانت النتيجة إنها ما عبر الله سبحانه عنها بقوله
فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءُ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ
ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ
من هؤلاء إنهم
الَّذِينَ اسْتَجَابُو لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْح
ما هي قصتهم
أحد
إن مشركي مكة لما أصابوا من المسلمين ما أصابوا يوم أخذوا في العودة إلى مكة فلما استمروا في سيرهم ندموا لِمَ لَمْ
يتمموا على أهل المدينة ويجعلوها الفيصلة وكان من كلامهم لا محمداً قتلتم ولا الكواعب أردفتم بئسما صنعتم ارجعوا
وأرادوا العودة إلى المدينة
ولكن أبا سفيان لم ينس يوم بدر ولم ينس أن الفئة القليلة يوم بدر غلبت ثلاثة أمثالها مع وفرة العدة في الكثرة فأحب أولاً أن
عود المسلمين
۱ سورة آل عمران الآية ۱۷۳ سورة آل عمران الآية ١٧٤
يعجم
۸۱
وكان من المصادفات أن مرّ به ركب من بني عبد القيس فقال
أين تريدون قالوا نريد المدينة قال ولمه
قالوا نريد الميرة
قال فهل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكم إبلكم هذه غداً زبيباً بعكاظ إذا وافيتموها
قالوا نعم
قال فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السفر إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم
فمر الركب برسول الله لا الله هو وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال
أبو سفيان فقال
قال
حسبنا الله ونعم الوكيل
ويروي الإمام البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه
وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قالها ابراهيم عليه السلام حين
ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا
إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا
الله ونعم الوكيل قالوا ذلك واستعدوا - مباشرة - للقتال من جديد من كان مجروحاً ضمد جرحه ومن - جرحه ومن كان قد كلّ سيفه أحده ومن كان أمره متفرقاً في نفسه أو ماله أصبح أمره جميعاً واستعدوا لخوض المعركة بكل
ما يملكون من وسائل
۸
وكان أبو سفيان ينتظر نتيجة الرسالة وما تحدثه من صدى ورجع
واحد من وفد عبد القيس يقول لأبي سفيان
لقد رأيتهم كالأسد الموتورة عازمة على الأخذ بالثأر وفي هذه الأثناء مر معبد بأبي سفيان آتيا من الطريق الذي يمر بجيش المسلمين فلما رآه أبو سفيان قال
ما وراءك يا معبد
قال محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على ما صنعوا فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله
قط
قال ويلك ما تقول
قال والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل قال فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل شأفتهم قال فإني أنهاك عن ذلك ووالله لقد حملني ما رأيت على أن
قلت فيه أبياتاً من الشعر
قال وما قلت قال قلت
كادت تهدُّ من الأصوات راحلتي إذا سالت الأرض بالجرد الأبابيل تردى بأسد كرام لا تنابلة عند اللقاء ولا ميل معازيل فَظَلْتُ عدواً أظن الأرض مائلة لما سموا برئيس غير مخذول فقلت ویل ابن حرب من لقائكم إذا تغطمطت البطحاء بالجيل ١ إني نذير لأهل البسل ضاحية لكل ذي إربة منهم ومعقول
۱ تغطمطت اهتزت الجيل الصف أهل البسل قريش
من
الناس
من جيش أحمد لا وخُشُ ۱ قنابله وليس يوصف ما انذرت بالقيـل أبو سفيان ذلك أخذ في العودة إلى مكة طلباً
ولما سمع
للسلامة والتوكل - إذن - والمتوكلون يتخذون الأسباب ويستعدون أتم
ما يكون الاستعداد وأدق ما يكون الاستعداد
وبعد فإن الإمام القشيري - من أئمة الصوفية - يقول -
واعلم أن التوكل محله القلب والحركة بالظاهر لا تنافي التوكل بالقلب بعد ما تحقق العبد أن التقدير من قبل الله تعالى فإن تعسر
شيء فبتقديره وإن اتفق فبتيسيره
التقدير من قبل الله تعالى إذا آمن الإنسان بذلك ـ ولا بد أن
يؤمن به ـ فهو متوكل
والمتوكل يتخذ الأسباب اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم
--
وصورة أخرى للتوكل إنها التوكل تحت عنوان التسليم
وإننا إذا سرنا مع السيرة النبوية الشريفة بعد غزوة أحد لنصل إلى امع
غزوة الأحزاب فنرى الحق تبارك وتعالى يقول
وَلَمَّارَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
ووَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَنَا وَتَسْلِيمًا ٢
ولهذه الآية قصة
۱ الوخش الرديء والقنابل جمع قنبلة الطائفة من الناس والخيل
سورة الأحزاب الآية
ΛΕ
وقصتها أنه كان من حديث الخندق أن نفراً من اليهود منهم
سلام بن أبي الحقيق النضري وحيي بن أخطب النضري وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس الوائلي وأبو عمار الوائلي في نفر من بني النضير من بني وائل وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله الله وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله
فقالت لهم قريش يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه فهم الذين
أنزل الله فيهم أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبٌ مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا سَبِيلًا أَوْ لَيْكَ الَّذِينَ لَعَنْهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ١ الآيات من سورة النساء
فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا لذلك واستعدوا له
ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى حرب النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروهم أنهم يكونون معهم عليه وأن قريشاً قد تابعوهم على ذلك واجتمعوا معهم فيه
فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة والحارث بن عوف بن
۱ سورة النساء الآية ٥١
۸۵
أبي حارثة المري في بني مرة ومسعر بن رحيلة بن نوير بن طريف بن سحمة بن عبد الله هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث ابن غطفان بن
فيمن تابعه من قومه من أشجع
فلما
سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في الخندق بنفسه ويحمل التراب على كتفه الشريف وكذلك كان يفعل أبو بكر وعمر وكبار الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وما أن انتهى حفر الخندق حتى جاءت جيوش الأعداء ورأى المسلمون هذه الجيوش الجرارة التي أتت لتهدم المدينة وتقتل من فيها فما زادتهم هذه الرؤية إلا إيماناً وتسليماً
وماذا فعلوا لقد سهروا ليلا وأقاموا نهاراً من وراء الخندق يرقبون حركات العدو ويستعدون لكل شأن من شؤونه لبسوا دروعهم وتسلحوا بسيوفهم وأقواسهم وسهامهم
لقد أحكموا كل أمر من أمور الحرب بحسب طاقتهم الأمر فيما يسلمون به الله كله إليه يرجع الأمر كله
ولكن
وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً إيماناً قلبياً وتسليماً قلبياً وإن من الملاحظات التي لا تخفى على قارئي القرآن أن آية
الأحزاب هذه سبقها - مباشرة - قوله تعالى
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ
وذكر الله كثيرا
ولقد تابع المؤمنون الرسول الله في توكله واتبعوه مسلمين في استعداده وتأهبه لقد اتخذوه أسوة
ويقول الإمام سهل بن عبد الله - من أئمة التصوف ـ هذه الكلمات
الجميلة حقاً الصادقة حقاً
التوكل حال النبي والكسب سنته فمن بقي على حاله فلا
يتركن سنته ويقول
من طعن في الحركة فقد طعن في السنة ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان أما كيف عرف سهل نفسه التوكل فإنه قال
سبحانه
التوكل الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد
وهي
كلمة نفيسة الاسترسال مع الله على ما يريد في كل ما أراد
في الجهاد في الضرب في الأرض طلباً للرزق في التزود من
العلم في حسن الخلق
إنه الاسترسال مع الله على ما يريد وهذا يقتضي أن يسكن الإنسان إلى النتائج بعد أن يكون قد اتخذ الأسباب بقدر طاقته ويقتضي أمراً آخر هو الابتعاد عن كل ما لا يريد سبحانه
وبعد فإن هذا التعريف لسهل رضي الله عنه يتناسق مع تعريف الإمام حمدون القصار من كبار الصوفية - حيث سئل عن التوكل فقال إنه الاعتصام بالله تعالى في اتباع أوامره وهو الاعتصام بالله تعالى في اجتناب نواهيه وهو الاعتصام بالله تعالى في الحركة وهو الاعتصام بالله في النتائج أي السكون إليه في كل ذلك مع السكينة فيما يتعلق
بالنتائج
۸۷
-۳-
وقصة ثالثة يقصها القرآن الكريم قصة رجل مؤمن صادق الإيمان وقف ناصحاً فى وجه الطغيان والجبروت يدعو إلى الله ويبشر بالتعاليم الصادقة وينذر ويهدد بعقاب الله في أسلوب قوي لا يخشى فيه لومة لائم تلك هي قصة مؤمن آل فرعون الذي بعد أن نصح
وبشر وأنذر قال
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأَفَوَضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۱
وكانت النتيجة ما قصه الله تعالى بقوله
فَوَقَتْهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِتَالِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ويحسن أن نذكر القصة بتمامها من كتاب الله سبحانه كما وردت في سورة غافر يقول الله تعالى وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِ أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ وَ إِنْ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنُ مِنْ عَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمَنَهُ أَنَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَ كُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفُ كَذَّابٌ يَقَومِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَ نَأَ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ وَقَالَ الَّذِى ءَامَنَ يَنقَومِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ مِثْلَ
1 سورة غافر الآية ٤٤ سورة غافر الآية ٤٥
۸۸
دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ اللَّهِ وَيَقَومِ إِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ النَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِرٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ ا فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَلَقَدْ جَاءَ كُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَ كُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفُ مُرْتَابُ الَّذِينَ يُجَدِلُونَ فِي ءَ ايَتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَنٍ أَنْهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ ءَامَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبَرِ جَبَّارٍ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَهَمَنُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلَى أَبْلُغُ الْأَسْبَبَ أَسْبَبَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سوء عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ وَقَالَ الَّذِى ا مَن يَقَومِ أَتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ يَقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا مَتَعُ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَيْكَ يَدْخُلُونَ الجنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابِ وَتَقَومِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَوْةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكَفَرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمُ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْعَفَرِ لَاجَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَبُ النَّارِ لَ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأَفَوَضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرُ بِالْعِبَادِ الفَوَقَدَهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِنَالِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ۱
ومن كل ما تقدم ننتهي كما بدأنا بأن التوكل جزء لا يتجزء من الإيمان والصورة المثلى فيه هي صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان إمام
۱ سورة غافر الآية ٢٦ ٤٥
المتوكلين وكان إمام المناضلين ومن بعده صورة أبي بكر رضي الله عنه والصحابة الأجلاء الذين كانوا متوكلين وكانوا مناضلين في
الحرب وفي التجارة وفي الزراعة
وبعد فيقول الله تعالى
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِينَ ۱
۱ سورة آل عمران الآية ١٥٩
9
الله ۱
أبت المحبة أن يشتغل محب بغير محبوبه
يقول ابن بشيش رضي الله عنه
۱ إن الحديث عن الله تعالى تتعدد زواياه والحديث الصوفي عن الله تعالى يتجه على الخصوص إلى محبته سبحانه وللصوفية في ذلك نفائس لا تحصر وحديثهم يختلف عن حديث أصحاب علم الكلام وعن حديث الفلاسفة وهم في حبهم الله تعالى يتأسون برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كانت العرب تقول عنه إن محمداً قد عشق ربه وما يصدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب الله يصدق دون تشبيه ومع الفارق على السيدة رابعة وعلى الإمام الشبلي وعلى الإمام ابن بشيش وعلى الأكثرية من الصوفية حتى لقد قيل التصوف حب إنه حب الله ورسوله وطاعتهماه ومن الناس من يتحدث عن الله تعالى مبرهنا على وجوده والصوفية لا يتحدثون عن
4
وجود الله مستدلين أو مبرهنين وقد سبق أن كتبنا عن ذلك ما يلي
يقول ابن عطاء الله السكندري معبراً عن رأي المدرسة الشاذلية وإذا كان من الكائنات ما هو غني بوضوحه عن إقامة دليل فالمكون أولى بغناء عن الدليل منها ۱ هـ وهذه الفكرة إنما هي عودة إلى الطريق الصواب فيما يتعلق بما سماه المتكلمون وإثبات وجود الله
وهي فكرة وجه إليها الشيخ أبو الحسن مريديه أكثر من مرة فهو يقول
۱ لطائف المنن ص ٢٧ الطبعة الفرنسية
۹۱
كيف يعرف بالعارف من به عرفت المعارف أم كيف يعرف بشيء من سبق وجوده
وجود كل شيء۱ ويقول أيضاً
إنا لننظر إلى الله يبصائر الإيمان فأغنانا ذلك عن الدليل والبرهان وإنا لا نرى أحداً من الخلق هل في الوجود أحد سوى الملك الحق
وإن كان ولا بد فكالهباء في الهواء إن فتشته لم تجده شيئا اهـ ويتابع أبو الحسن الحديث فيقول ومن أعجب العجب أن تكون الكائنات موصلة إليه - فليت شعري ـ هل لها وجود معه حتى توصل إليه أو هل لها من الوضوح ما ليس له حتى تكون هي المظهرة له
ويقول
وكيف تكون الكائنات مظهرة له وهو الذي أظهرها أو معرفة له وهو الذي عرفها هذا الاتجاه التي علمه أبو الحسن لتلاميذه ونشره بينهم أخذ ابن عطاء الله
السكندري في إذاعته وكتابته على أنحاء شتى فمن ذلك قوله
وأرباب الدليل والبرهان عموم عند أهل الشهود والعيان لأن أهل الشهود والعيان قدسوا الحق في ظهوره أن يحتاج إلى دليل يدل عليه وكيف يحتاج إلى الدليل من نصب الدليل وكيف يكون معروفاً به وهو المعرف
له اهـ
إن أبا الحسن عاد بأتباعه إلى النهج الإسلامي الصادق فيما يتعلق بوجود الله إن وجوده سبحانه أوضح وأظهر من أن يحتاج إلى دليل وإن تقديس الله سبحانه يناي بالمؤمن عن أن يتخيل مجرد تخيل - أن يحتاج إلى إثبات وجوده وإن جلال الله - وهو جزء من عقيدة المؤمن - يسمو بالمؤمن عن أن ينزل إلى هذا المستوى من الانحراف والواقع أن كل محاولة لإثبات وجود الله إنما هي انحراف عن النهج الإسلامي
السليم
وإذا كان أبو الحسن قد وجه أتباعه إلى هذا النهج فإنما يتبع في ذلك المنهج
القرآني
وذلك أن القرآن الكريم وجميع الرسل صلوات الله عليهم قد نزهوا الله
۱ لطائف المئن ص ٢٦ الطبعة الفرنسية
عن
أن
۹
يحاولوا الاستدلال على وجوده وقدسوه عن أن يكون وجوده في حاجة إلى حجة أو
برهان
ولقد سار الإمام الشاذلي على هذا النسق متبعاً ومقتدياً بيد أن فكرته أصبحت الآن غامضة كل الغموض ذلك أن بدعة إثبات وجود الله بدعة شائعة حتى في الأوساط المستغرقة في التدين ومن أجل ذلك يتساءل الكثيرون أكان أبو الحسن محقاً في رأيه هذا
ومن أجل إيضاح فكرة أبي الحسن ولأن الموضوع في نفسه جدير إلى حد بعيد بالاهتمام فإننا نستفيض هنا في شرح هذا الموضوع عسى أن يسود توجيه أبي الحسن فيرجع الناس عن البدعة إلى التوجيه السليم - على أن من حق أي الحسن علينا - ونحن نكتب عنه ـ أن نستفيض في شرح فكرة من أفكاره كان للعادة والإلف وكان للزمن والظروف دخل في أن أصبحت غير مفهومة فهماً واضحاً أو غير مقدرة تقديراً صحيحاً
حين بدأ الرسول الجهر بدعوته بعد نحو ثلاث سنوات من الإسرار بها فإنه صلوات الله وسلامه عليه لم يبدأ بإثبات وجود الله وإنما بدأ بالبرهنة على صدقه هو وتحدى العرب بصدقه ومن قبل ذلك حين فاجأه الملك في الغار ونزل الوحي لم يبدأ الملك أو لم يبدأ الوحي بإثبات وجود الله وإنما بدأ بالأمر بأن يقرأ الرسول صلوات الله وسلامه عليه باسم ربه اقرأ باسم ربك الذي خلق
ومضى القرن الأول كله ولم يحاول إنسان قط أن يتحدث حديثاً عابراً أو مستفيضاً عن إثبات وجود الله تعالى ومضى أكثر القرن الثاني والمسألة - فيما يتعلق بوجود الله - لا توضع موضع البحث
ذلك أن
وجود
الله إنما هو أمر بدهي لا ينبغي أن يتحدث فيه المؤمنون نفياً أو إثباتاً ولا سلباً أو إيجاباً إن وجود الله من القضايا المسلمة التي لا توضع - في الأوساط الدينية - موضع البحث لأنها فطرية
وإن كل شخص يحاول وضعها موضع البحث إنما هو شخص في إيمانه دخل وفي دينه انحراف فما خفى الله قط حتى يحتاج إلى أن يثبته البشر تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً ومن المعروف أن الدين الإسلامي لم يجىء لإثبات وجود الله وإنما جاء لتوحيد الله وإذا تصفحت القرآن أو التوراة - حتى على وضعها الحالي - أو الإنجيل حتى في وضعه الراهن فإنك لا تجد مسألة وجود الله اتخذت في أي سفر منها مكانة
تجعلها هدفاً
السماوية
من
الأهداف الدينية أو احتلت مكاناً يشعر بأنها من مقاصد الرسالة
والقرآن الكريم يتحدث عن بداهة وجود الله حتى عند ذوي العقائد المنحرفة يقول سبحانه وتعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله إنهمم يقولون إن الخالق هو الله مع أنهم مشركون أو منحرفون بوجه من الوجوه في إيمانهم بالله تعالى وما نزلت الأديان قط لإثبات وجود الله وإنما نزلت لتصحيح الاعتقاد في الله أو لتصحيح طريق التوحيد
من
ذلك
أما الآيات الكثيرة التي يظن بعض الناس أنها نزلت لإثبات الوجود فليست في قليل ولا في كثير إنها تبين عظمة الله وجلاله وكبرياءه وهيمنته الكاملة على العالم ما عظم من أمره ودق منه لا تفوت هيمنته صغيرة ولا يخرج عن سلطانه ما
دق وما جل
بحيث
وقد أنت على هذا الوضع لتقود الإنسان إلى إسلام وجهه الله إسلاماً كاملاً لا يصدر ولا يرد إلا باسمه سبحانه ولا يأتي ما يأتي أو يدع ما يدع إلا في سبيله
تعالى
ومضى القرن الأول على ذلك ومضى القرن الثاني أو أكثره على الفطرة ثم ثم كانت الفلسفة اليونانية
والفلسفة اليونانية فلسفة وثنية لأنها تصدر عن العقل لا عن الوحي وكل فكرة تصدر عن العقل لا عن الوحي في عالم ما وراء الطبيعة أي في عالم العقيدة إنما هي فكرة وثنية أي أنها فكرة لا حق لها في الوجود لأن عالم العقيدة إنما هو من اختصاص الله بينه على لسان رسله وكل تدخل من الإنسان في هذا العالم إنما هو تدخل فيما ليس للإنسان التدخل فيه لأنه اقتحام لساحة محرمة مقدسة لا ينبغي أن يدخلها الإنسان إلا دخول الساجد الخاشع الخاضع المسلم لما جاء به الوحي
الإلهي إن الفلسفة اليونانية في عالم العقيدة فلسفة وثنية إنها وثنية حتى حين تثبت وجود الله ولا يخرجها إثباتها وجود الله عن أن تكون وثنية إنها وثنية بالمبدأ الذي قامت عليه وهو مبدأ تأليه العقل البشري ويستوي بعد ذلك أن تكون قد أثبتت وجود الله
أو أنكرته وهي حينما تثبت وجود الله عقلياً ليس في ذلك كبير فائدة ولا يبرر ذلك وجودها ولا قيمة لما تثبته وإثباتها والعدم سواء ذلك أن العقل الذي أثبت هو العقل الذي يمكنه أن ينكر وهو العقل الذي ينكر بالفعل
ولا لزوم - إذن - للطنطنة والتصفيق الذي نحيي به كل عبقرية فكرية في الشرق أو الغرب تحاول فكرياً أن تثبت وجود الله إننا لا نقيم عقيدتها على فكر بشر مهما كان هذا الفكر عبقرياً ويجب على المؤمن أن لا يقيم وزناً - أي وزن - لأي نتاج فكري في علم ما وراء الطبيعة سواء أخالف معتقده أم وافقه إنه في معتقده يدين الله وحده وكفى بالله مصدراً وكفى بالله هادياً وكفى بالله مرشداً ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم ومن يعتصم بالله
فهو حسبه
إن كل ما عدا الهدى الإلهي في عالم الدين إنما هو وثنية وضلال كانت الفلسفة اليونانية فلسفة وثنية بشرية وقد أرادت أن تجد لجاماً يعصمها من فناً وثنياً آخر هو فن المنطق فما أجدى ولا أغنى ولا تقدم
الخطأ فاخترعت بالفكر الوثني - في عالم الصواب - شروى نقير وبقيت هذه الفلسفة - عبر القرون على ما هي عليه فيها كل سمات الوثنية من ضلال وخرافات ولقد كانت الأمة اليونانية معذورة بعض العذر فما كان في ربوعها دين منزل من السماء تلجأ إليه مهتدية مسترشدة وما كان مثلها في ذلك إلا كمثل العصر الجاهلي في الجزيرة العربية فلجأت إلى العقل وألهته وأخذت تثبت به وتنكر فضلت
وأضلت
وجاءت الديانة النصرانية مصححة للوضع فعزلت فكرة الألوهية عن تدنيس الوثنية وسمت بالله جل جلاله عن أن تضع وجوده موضع البحث ثم تسللت إليها - كمكروب خبيث - وثنية اليونان فجعلت من وجود الله - مجرد وجود الله - باباً ضخماً من أبواب البحث أو من أبواب اللاهوت الكنسي ونزلت بذلك الفكرة الدينية المقدسة عن الله إلى مستوى الجو الوثني البشري !!! وجاء الإسلام تطهيراً كاملا للعقيدة وتزكية تامة للإيمان وأعلن بمجرد التسمية الإسلام الحرب على التدخل البشري في دين الله ورسالته فما الإسلام إلا الاستسلام المطلق الله سبحانه وتعالى إنه الاسترسال ما يرضيه وهل للإنسان غير هذا بالنسبة الله وهل للمؤمن أن يتصرف تصرفاً آخر وهل إذا تصرف تصرفاً آخر يسمى مؤمناً
مع
الله على
إن الاسترسال مع الله على ما يجب هو الإسلام وهو الدين لا دين غيره يقول الله
تعالى
إن الدين عند الله الإسلام
۹۵
=
ويقول سبحانه
ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منهم
وإن كان من لا يستسلم الله في وحيه استسلاماً مطلقاً فإنه يبتغي ـ في قليل أو في في
كثير حسب انحرافه - غير الإسلام ديناً
ولقد كان الإسلام توجيها وكان مبادىء
ومن توجيه الإسلام أن وجود الله لا ينبغي أن يوضع موضع البحث وكل من وضعه موضع البحث فإنه بذلك يعدل عن توجيه الله تعالى إلى توجيه بشري إنه يبتغي غير الإسلام وجها
وابتغى المسلمون الأول الإسلام توجيهاً كما ابتغوه مبادىء وسار الأمر على ذلك إلى أن تسللت الفلسفة اليونانية - كمكروب خبيث - إلى الجو الإسلامي تسللت في عهد المأمون وتولى كبر هذا التسلل المأمون وشجعه على ذلك معتزلة عصره وقابل المؤمنون ذلك بكثير من النفور وحق لهم ذلك فما كان منطق الدين ولا منطق الفطرة السليمة يقضي بأن تكون راية العصمة راية الدين الإلهي مرفوعة ترفرف على الأمة الإسلامية في محيط العقيدة فنميل بهذه الراية قليلاً أو كثيراً لنرفع بجوارها راية أرسطو أو راية أبيقور
ربوع
ورفع المأمون راية الانحراف والوثنية بجوار راية الهداية المعصومة وعارض المؤمنون واحتجوا وبينوا أن الوثنية ولو رافقت الدين فهي وثنية ولكن النهج الوثني أخذ يقوى شيئاً فشيئاً ثم طلب التصريح بالإقامة واستوطن ومعاذ الله أن تكون عقائد الإسلام الكبرى - الإيمان بالله وبالرسالة وبالبعث ـ قد تلوثت بالوثنية كلا وإنما الذي تلوث بالوثنية - وإلى حد كبير - إنما هو النهج والنزعة والاتجاه في البحث ومنهج البحث وليس ذلك بالأمر الهين أو الذي لا يؤبه له كلا! فذلك له خطورته في جانب قوة الإيمان وضعفه وفرق بين أن تأخذ قضايا الوحي مأخذ المستسلم المسترسل معها على ما تريد وأن تأخذها محكماً فيها عقلك مؤولاً لها أو عادلاً بها إلى اتجاه خاص أو شارحاً لها
على نزعة معينة
وبتعبير آخر فرق بين أن تصدر عن الوحي متفهماً له بعقلك وبين أن تصدر عن عقلك متفهماً للوحي ولعل بعض الناس لا يرى فرقاً في التعبيرين ولكن الفرق كبير إذا نظرنا إلى الوضع الإنساني فهو إما أن ينطلق عن الوحي قائداً العقل إلى الخضوع له وإما أن ينطلق عن العقل محاولاً تأويل الوحي بما يوافق النتائج التي
وصل إليها العقل
9
والأول طريق المؤمنين المسلمين والثاني طريق الفلاسفة أو نهج الوثنيين والنهج الوثني - نهج إثبات وجود الله - هو الذي أتاح الانحراف الكامل أي إنكار وجود الله فما دام الوثني قد أعطى حق الوجود فإن الوثنية - كمنهج - تأتي بالوثنية
لا
مسألة
الله
كنتائج إن وضع وجود موضع البحث هو الذي هيا لذوي الفطر المنحرفة أن يلحدوا في دين الله وأن يكفروا به سبحانه وهذه نتيجة أولى أما النتيجة الثانية فإنها ضعف الإيمان وإذا كانت تضع الوجود الإلهي - مجرد الوجود موضع بحث فمعنى ذلك أنك وضعته موضع شك وريبة ولو لم يكن كذلك لما وضع موضع البحث وإذا كان الوجود الإلهي - مجرد الوجود موضع شك وريبة فماذا بقي من أمور الدين يوضع موضع شك وريبة إن الإيمان في هذه الأوضاع الوثنية لا يتأتى له إلا أن يخبو شيئا فشيئا حتى يصبح كلا إيمان وهذا هو ما حدث في الأمة الإسلامية لقد وصل إيمانها إلى درجة يكاد معها أن يكون معدوماً وما ذلك إلا لتغلغل النهج الوثني في بحث قضايا الدين ومبادئه لقد أصبحت قضايا الدين - كل قضاياه - موضع بحث وهي يتأتى أن تبقى قضية من قضايا الدين في مجال اليقين - بعد أن وضع وجود الله - مجرد وجوده سبحانه - موضع البحث نستغفرك اللهم ونتوب إليك ونعود فنقول إن - الدين في نفسه - محفوظ بحفظ الله لكتابه العزيز
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
ولكن الذي نشكو منه إنما هو النهج أو المنهج أو النزعة أو الاتجاه في البحث إن الذي نشكو منه إنما هو منهج البحث الوثني وإذا شئت قلت إنما هو منهج البحث اليوناني سئل أحد العارفين عن الدليل على الله
فقال الله
فقيل له فما العقل فقال العقل عاجز لا يدل إلا على عاجز مثله أما الإمام الكبير العارف بالله ابن عطاء الله السكندري الذي جمع بين رئاسة الشريعة ورئاسة الحقيقة فإنه يقول
إلهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك
الله قطب تدور عليه جميع الخيرات وأصل جامع للأنوار وحب والكرامات وقد كان حب الله تعالى وحب رسوله هو مركز الدائرة في
حياة ابن بشيش
ومن وصاياه للشاذلي
6
لا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ثواب الله ولا تجلس إلا حيث تأمن - غالباً - من معصية الله ولا تجالس إلا من تستعين به على طاعة الله ولا تصطف لنفسك إلا من تزداد منه يقينا بالله وقليل ما هم
وهو في ذلك يتناسق مع القرآن الكريم ومع السنة النبوية
الشريفة يقول الله تعالى قُلْ إِن كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَلُ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتَجَرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّن اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْفَسِقِينَ ١
كيف يتصور
أن
أن
يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء
وكيف يتصور يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء كيف يتصور أن يحبجه شيء وهو أظهر من كل شيء وكيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الواحد الذي ليس معه شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أقرب إليك من كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء ولولاه ما كان وجود شيء اشتان بين من يستدل به أو يستدل عليه المستدل به عرف الحق لأهله فأثبت الأمر من وجود أصله والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه ومتى بعد حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه الله أبا الحسن وجزاه الله ومدرسته خير الجزاء على هذا التوجيه السليم
رحم
۱ سورة التوبة الآية ٢٤
۹۸
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده
والناس أجمعين
ولا يجد المؤمن حلاوة الإيمان إلا بأن يكون الله ورسوله أحب إليه
مما سواهما كما في الحديث الصحيح
وحب الله تعالى يتضمن حب رسوله وحب الرسول صلى الله عليه وسلم يتضمن حب الله تعالى فإذا أتى في أثر من الآثار حب الله فإنه يحمل على ذلك وإذا أتى في أثر آخر حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يحمل على
ذلك أيضاً
ويربط أسلافنا - رضوان الله عليهم - ربطاً محكماً بين محبة الله تعالى واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم متناسقين في ذلك
وتعالى
و قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ۱
مع توجيه الله سبحانه
وهذا الربط معناه الربط بين محبة الله تعالى والعمل
ومقدمات محبة الله تعالى هي العمل ونتيجة محبة الله تعالى هي
العمل يقول الإمام أبو سعيد الخراز
وبلغنا عن الحسن البصري رضي الله عنه أن ناساً قالوا على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا رسول الله إنا نحب ربنا حباً شديداً
فجعل الله تعالى لمحبته علماً وأنزل عز وجل
۱ سورة آل عمران الآية ٣١
۹۹
و قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ۱
فمن صدق المحبة اتباع الرسول في هديه وزهده وأخلاقه والتأسي به في الأمور والإعراض عن الدنيا وزهرتها وبهجتها فإن الله عز وجل جعل محمداً علماً ودليلا وحجة على أمته
ومن صدق المحبة الله تعالى إيثار محبة الله عز وجل في جميع الأمور على نفسك وهواك وأن تبدأ في الأمور كلها بأمره قبل أمر
نفسك ويقول فعلامة المحب الموافقة للمحبوب والتجاري مع طرقاته في كل الأمور والتقرب إليه بكل حيلة والهرب من كل ما لا يعينه على
مذهبه أما عن صلة المحبة بالإيمان فإن الإمام الغزالي يقول
وقد جعل رسول الله من شرط الإيمان في أخبار كثيرة إذ قال
أبو رزين العقيلي
یا رسول الله ما الإيمان
قال
أن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما
وفي حديث آخر
لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
وفي حديث آخر
لا يؤمن العبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس
أجمعين
۱ سورة آل عمران الآية ۳۱
والقرآن الكريم هو دستور المحبين الله ومن هنا كانت ثورة ابن مشيش على كل من ينصرف عن القرآن إلى غيره ومن طريف ما يروى ذلك ما يرويه أبو الحسن الشاذلي قال
في
رأيت أستاذي وفي يده اليمنى كتاب فيه القرآن وحديث رسول
الله وفي يده اليسرى أوراق فيها شعر مرجز وهو يقول لي
كالناصح لي أتعدلون عن العلوم الزكية إلى علوم ذوي الأحوال الردية فمن أكثر من هذا فهو عبد مرقوق هواه وأسير شهوته ومناه يستفزون بها قلوب أهل الغفلة والنسيان وأهل الضلالة والعميان ولا إرادة لهم في عمل الخير واكتساب الغفران يتمايلون عليها كتمايل الصبيان لئن لم ينته الظالم ليخسفن الله به وبداره الأرض
عليك بكتاب الله الهادي وبكلام رسوله الشافي فلن تزال بخير ما آثرتهما وقد أصاب الشر من عدل عنهما وأهل الحق إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وإذا سمعوا الحق أقبلوا عليه
ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً
ونعود فنقول
إن حب الله تعالى وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مركز الدائرة في حياة
ابن بشيش إنه يقول
لا تتهم
الله في شيء وعليك بحسن الظن به في كل شيء لا
تؤثر نفسك على الله في شيء
ويقول
الزم باباً واحداً تفتح لك الأبواب واخضع لسيد واحد تخضع
۱۰۱
لك الرقاب قال الله
وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآينه
فأين تذهبون
ويقول
خف
من
شيء لأنه
الله خوفاً تأمن به من كل شيء فلا معنى للخوف من
عند كل شيء
ومع كل شيء وفوق كل شيء
وتحت كل شيء
وقريب من كل شيء
ومحيط بكل شيء
تعالى عن الحدوث عن الأماكن والجهات وعن الصحبة
والقرب بالمسافة وعن الدور بالمخلوقات
وامحق الكل بوصف الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل
شيء عليم
كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان
ويقول أبو الحسن الشاذلي
أوصاني أستاذي رحمه الله تعالى فقال
حدد بصر الإيمان تجد الله
في كل شيء وعند كل شيء
۱۰
ومع كل شيء وفوق كل شيء
وقريباً من كل شيء ومحيطاً بكل شيء
بقرب هو وصفه وبإحاطة هي نعته
وعد عن الظرفية والحدود وعن الأماكن والجهات
وعن الصحبة والقرب بالمسافات وعن الدور بالمخلوقات
وامحق الكل بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن كان الله ولا
شيء معه
أما صاحب لطائف المنن فإنه يروي عنه حديثاً جميلاً حديثاً جميلاً عن المحبة حديثاً يشعرك بأن المتحدث قد جال في ميدان المحبة جولة صادقة وسار في طرقاتها سيراً موفقاً ورتع في رياضها وشرب من حياضها فأطال الشرب وقبل أن ننقل كلام صاحب اللطائف نقول
إن حديث ابن بشيش عن المحبة فيه ذكر الشراب والشرب
ونحب أن يركز القارىء انتباهه في أن الشراب عند ابن بشيش هو التخلق بأخلاق الله أن يكون الإنسان ربانياً ومن هنا يقول عن الشراب
إنه
مزج الأوصاف بالأوصاف والأخلاق بالأخلاق
أي إنه تخلقوا بأخلاق الله أخلاق الجمال من كرم ورأفة
وسلام وإيمان ومغفرة وعلم
بل إن ابن بشيش يجعل ذلك من خصائص الإيمان إنه يقول
عن الإيمان
محو الصفات بالصفات والأسماء بالأسماء وتفريق الذات بالذات لتحقيق ما هو الأول والآخر والظاهر والباطن فأي شيء كان
معة
أولاً حتى يكون آخراً
وأي شيء كان معه ظاهراً حتى يكون معه باطناً
فما يثبت من المخلوق فبإثباته وما يمحى فبمشيئته وإرادته
وخذ ذلك من قوله
يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَبِ
وهو الأول وصدر عنه كل علم وكتاب
والكلام بعد ذلك يصبح مفهوماً يقول صاحب اللطائف
وقال الشيخ القطب عبد السلام بن مشيش شيخ الشيخ أبي
الحسن رضي الله عنهما
الزم الطهارة من الشرك كلما أحدثت تطهرت من دنس حب الدنيا وكلما ملت إلى الشهوة أصلحت بالتوبة ما أفسدت بالهوى أو
كدت
وعليك بمحبة الله على التوقير والنزاهة وأدمن الشرب بكأسها السكر والصحو كلما أفقت أو تيقظت شربت حتى يكون سكرك وصحوك به وحتى تغيب بجماله عن المحبة وعن الشراب والكأس
مع
بما يبدو لك من نور جماله وقدس كمال جلاله
ولعلي أحدث من لا يعرف المحبة ولا الشراب ولا الشرب
ولا الكأس ولا السكر ولا الصحو
١٠٤
قال له القائل
أجل وكم من غريق في شيء لا يعرف بغرقه فعرفني ونبهني
عما أجهل أو لما من به علي وأنا عنه غافل
قلت لك نعم المحبة آخذة من الله تعالى قلب من أحب بما
يكشف له من نور جماله وقدس كمال جلاله
وشراب المحبة الأوصاف بالأوصاف والأخلاق بالأخلاق مزج والأنوار بالأنوار والأسماء بالأسماء والنعوت بالنعوت والأفعال بالأفعال ويتسع فيه النظر لمن شاء الله عز وجل
والشرب سقى القلوب والأوصال والعروق من هذا الشراب حتى يسكر ويكون الشرب بالتدريب بعد التذويب والتهذيب فيسقى كل على قدره فمنهم من يسقى بغير واسطة والله سبحانه يتولى ذلك منه له
ومنهم من يسقى من جهة الوسائط كالملائكة والعلماء والأكابر
من المقربين
فمنهمم من يسكر بشهود الكأس ولم يذق بعد شيئاً فما ظنك بعد بالذوق وبعد بالشرب وبعد بالري وبعد بالسكر بالمشروب ثم الصحو بعد ذلك على مقادير شتى كما أن السكر أيضاً كذلك
والكأس مغرفة الحق يغرف بها من ذلك الشراب الطهور
المحض الصافي لمن شاء من عباده المخصوصين من خلقه فتارة يشهد الشارب تلك الكأس صورة
وتارة يشهدها معنوية
وتارة يشهدها علمية
فالصورة حظ الأبدان والأنفس
والمعنوية حظ القلوب والعقول
والعلمية حظ الأرواح والأسرار
فيا له من شراب ما أعذبه فطوبى لمن شرب منه وداوم عليه ولم
يقطع عنه
نسأل الله فضله من
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
وقد يجتمع جماعة من المحبين فيسقون من كأس واحدة
وقد يسقون من كؤوس كثيرة
وقد يسقى الواحد بكأس وكؤوس
وقد تختلف الأشربة بحسب عدد
الكؤوس
وقد يختلف الشرب من كأس واحدة وإن شرب منه الجم الغفير
من الأحبة
حكم ووصايا
أجمل الطاعات أن يدخلك عنده ويرخي عليك الحجاب
وحكي عنه أيضاً أنه قال
أربع من كن فيه احتاج الخلق إليه وهو غني عن كل شيء
المحبة الله والغنى بالله والصدق واليقين
فقال
الصدق في الصمودية
واليقين بأحكام الربوبية
ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون
سألته عن حديث يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا
دلوهم على الله ولا تدلوهم على غيره فإن من ذلك على الدنيا فقد غشك ومن دلك على العمل فقد أتعبك ومن دلك على
الله فقد نصحك
حکمه ومن
المرء إذا شرب الماء الساخن قال الحمد الله بكزازة وإذا شرب
۱۰۷
البارد وقال الحمد لله استجاب كل عضو منه بالحمد لله
ومما أوصاه به
6
ولا تصحب من يؤثر نفسه عليك فإنه لئيم ولا من تؤثر نفسك عليه فإنه قل ما يدوم واصحب من إذا ذكر ذكر الله فالله يغنى به إذا شهد وينوب عنه إذا فقد ذكره نور القلوب ومشاهدته مفاتيح الغيوب وقال الشيخ أبو الحسن إنه سمع ابن مشيش يقول لرجل استأذنه في المجاهدة لنفسه فأجابه بقوله تعالى
لَا يَسْتَعْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمُ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَعْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ 1
وقال الشيخ أبو الحسن
سألت أستاذي رحمه الله عن ورد المحققين فقال
عليك بإسقاط الهوى وصحبة المولى وآية المحبة ألا يشتغل
محب بغیر محبوبه
وسألته عن قول النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن لا يذل نفسه
فقال لي لهواه
وعن أبي الحسن عن أستاذه قال
الأنفس ثلاثة
۱ - نفس لم يقع عليها البيع لحريتها يقول تعالى
1 سورة التوبة الآية ٤٤ - ٤٥
۱۰۸
فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ الله فَرَوْحُ وَرَيْحَانُ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ
- ونفس وقع عليها البيع لشرفها يقول تعالى
وَ إِنَّ اللَّهَ أَشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةُ يقتلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَةِ والانجيلِ وَالْقُرْءَ إِنْ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي
با يَعتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ۱
٣ - ونفس لا يعبأ بها يقول تعالى
وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِينَ لا فَنَزَلَ مِنْ جَمِيمِل وَتَصْلِيَةُ
وفي الطائف المنن وغيره بدل قوله لا يعبأ بها لم يقع عليها البيع لخستها
وفي بعض المرويات ونفس مهملة لا حرية فيها ولا شرف ثم زاد
صاحب اللطائف على درة الأسرار ما نصه فالتي لم يقع عليها البيع لحريتها أنفس الأنبياء والتي وقع عليها البيع لشرفها أنفس المؤمنين والتي لم يقع عليها البيع لخستها أنفس الكفار قال أبو الحسن رضي الله عنه فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما تقدم منهما الشرك قال هما على الحرية وإنما هما كمن أسر وهو حر
وقال ابن مشيش
۱ سورة التوبة الآية ۱۱۱
سورة الواقعة الآية ٩٢ - ٩٣ - ٩٤
۱۰۹
شيئان قلما ينفع معهما كثرة الحسنة
السخط لقضاء الله
والظلم لعباد الله
وحسنتان قلما يضر معهما كثرة السيئة
الرضا بقضاء الله
والصفح عن عباد الله
وقال ابن مشيش
أفضل الأعمال أربعة بعد أربعة
المحبة الله
والرضا بقضاء الله
والزهد في الدنيا والتوكل على الله
هذه أربعة
وأما الأربعة الأخرى
فالقيام بفرائض الله والاجتناب لمحارم الله والصبر على ما لا يعني
والورع من كل شيء يلهي
قال الشيخ أبو الحسن يحكي عن أستاذه رضي الله عنه قال
عبادة الصديقين عشرون
كلوا
واشربوا
والبسوا
وانكحوا
واسكنوا
وضعوا كل شيء حيث أمركم الله
ولا تسرفوا
واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً
واشكروه
وعليكم بكف الأذى
وبذل الندى
فإنها نصف العقل
والنصف الثاني
أداء الفرائض واجتناب المحارم
والرضا بالقضاء
وإن عبادة الله التفكر في أمر الله والتفقه في دين الله
وعين العبادة الزهد في الدنيا
ورأسها التوكل على الله فهذه عبادة الأصحاء المؤمنين
وإن كنتم مرضى فاستشفوا واسترقوا بالعلماء واختاروا منهم
الأتقياء الهداة المتوكلين على الله
يروي أبو الحسن عن أستاذه
لا تختر من أمرك شيئاً واختر أن لا تختار وفر عن ذلك
المختار ومن فرارك ومن كل شيء إلى الله
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ
وكل مختارات الشرع وترتباته فهي مختار الله ليس لك منه شيء
111
ولا بد لك منه ١ واسمع وأطع وهذا موضع الفقر الرباني وهو أرض
1 إن الصوفية جميعاً يدعون إلى إقامة شرع الله كما رسمه الله تعالى إن مختارات الشرع هي مختار الله وليس للمؤمن إلا تطبيقها دون زيادة أو نقص وقد سبق أن كتبت في هذا وحاضرت فيه في كل جامعاتنا المصرية وفي نادي القضاة وفي نادي محامي الحكومة وفي بعض عواصم المحافظات وننقل هنا إحدى المحاضرات في ذلك وهي محاضرة ألقيت بنادي الحكومة يوم السبت الموافق ٢٣ نوفمبر سنة ١٩٧٤
بسم
الاجتهاد والثبات في الشريعة الإسلامية
الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين
أنها الأخوة المؤمنون منذ زمن بعيد وأنا أتمنى أن ألفي هذا الموضوع في أحد النوادي الخاصة بالقضاء ثم أتيحت هذه الفرصة فكنت سعيداً بها ولكنني بعد أن ذكرت العنوان أقول لكم بصراحة ترددت كثيراً وخيل إلى أنها مغامرة ولكن هذا التردد زال عندما فكرت في بعض الأمور فكرت أولاً في أني مهما كانت محاضرتي مغامرة فما هي نتيجتها سأفترض أن الذي يوافقني على الرأي واحد أو اثنان يكفيني هذا لست طموحاً إلى أكثر من ذلك يكفيني أن اجتذب من هذا المجتمع الكريم شخصاً أو شخصين إلى هذا
الفكر
القضية هي
أما المنطلق الثاني الذي بعث في نفسي الهدوء التام فهي أنني ابتدىء بقضية مسلمة عند الجميع لا يشك فيها مؤمن ولا يرتاب فيها مسلم أن الدين نزل هادياً للعقل إننا - جميعاً - نؤمن بهذه القضية الدين نزل هادياً للعقل لكن حينما نقول الدين نزل هادياً للعقل يتساءل كثير من الناس في أي المجالات ونحن لا نريد أن نقول نزل هادياً للعقل في مجال الماديات فالدين أطلق للعقل الحرية الكاملة فيما يتعلق بالبحث والكشف في مجال الماديات في السماء وفي الأرض وفيما بين السماء والأرض وفقط قيده بأن يكون ذلك في خير الإنسانية إنه ما دام الأمر فيما يتعلق بمجال الماديات والبحث فيها والكشف فيها في خير الإنسانية فللعقل الحرية الكاملة في هذا بل إن أسلافنا رضوان الله عليهم =
۱۱
كانوا يسمون هذه العلوم المادية الطبيعة والكيمياء والفلك والأحياء كانوا يسمونها علوم الكشف عن سنن الله الكونية وما دامت كشفاً عن سنن الله الكونية فهي كشف عن بعض صفات الله سبحانه وتعالى وما دام الأمر كذلك فهي عبادة إن هذا الجانب العلم بالماديات الكشف عن سنن الله الكونية في الماديات زيادة إيضاح لصفات الله تعالى فهو عبادة لكن الأمر فيما يتعلق بـ نزل الدين هادياً للعقل إنما هو في أمور المجتمع ومجالاته العقيدة نزل الدين هادياً فيها الأخلاق نزل الدين هادياً فيها نظام المجتمع نزل الدين هادياً فيه التشريع أيضاً نزل الدين هادياً فيه هذه الهداية فيما يتعلق بالتشريع أحياناً تكون مفصلة تفصيلا دقيقاً كالميراث مثلا وككتابة الدين وأحياناً تكون كليات تضم تحتها جزئيات كثيرة ولا ريب في أنه نزل الدين هادياً للعقل في جميع مبادىء التشريع لكن في وسائل التشريع أحياناً يكون الدين مفصلاً لها إن وسائل المبادىء أحياناً يكون الدين مفصلاً لها وأحياناً يتركها للعقل الإنساني يتصرف فيها بحسب الظروف مثلاً الشورى مبدأ من المبادىء التي أقرها الإسلام وسيلة الشورى تركها الإسلام للعقل الإنساني يحددها بحسب ظروفه ويحسب أمكنته وأزمنته أما المبدأ الشورى فهو مبدأ لا يتغير وحينما نقول نزل الدين هادياً للعقل فإنما نعني بذلك أن العقل لا يتحكم في الدين إنما يهتدى به ومعنى أيضاً نزل الدين هادياً للعقل أن العقل يفهمه ويتقبله ولا يتعارض الدين مع العقل ولا يتناقض مع العقل لأنه نزل هادياً له ولأنه نزل هادياً له ولأننا نؤمن بأن الدين من قبل الله سبحانه وتعالى فهناك القضية التي تتلو ذلك وهي أن هذه الهداية معصومة لأنها من قبل الله وما دامت معصومة لأنها من قبل الله فلا بد من اتباعها لا مناص من اتباعها من أجل ذلك كانت الآيات التي تدل على وجوب الاتباع في غاية الصرامة أو في
غاية القوة
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون
ويقول سبحانه
هم
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك ويقول ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك
الفاسقون
الكافرون
هم
ويقول أيضاً فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في
أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً
هذه الصرامة لماذا
لماذا هذا التحديد وهذه الدقة فيما يتعلق بوجوب اتباع هذه المبادىء التي نزلت من
السماء
أما
عن ضرورة ذلك فإن كل من درس تاريخ الفكر البشري منذ أن كتب هذا الفكر في الأزمنة القديمة إلى الآن كل من درسه تتبين له قضية في غاية السهولة هذه القضية التي في غاية السهولة هي أن هذا الفكر البشري على تتابع الأزمنة بل في الزمن الواحد وفي العصر الواحد وفي القرن الواحد وفي الأمة الواحدة هذا الفكر البشري متعارض متضارب متناقض مختلف أين هو الحق فيما يتعلق بهذا التضارب وهذا التعارض وهذا الاختلاف
الاختلاف والتعارض والتضارب في جميع المجالات الفكرية البحتة لنسا بصدد المجالات المادية لأن المجالات المادية تحكمها التجربة فالتجربة فيصل ولكننا بصدد المجالات النظرية التشريع الأخلاق العقيدة نظام
المجتمع
اين
هر
الحق وأين هو الباطل في الآراء البشرية الخاصة بهذه الموضوعات ليس هناك مقياس للحق والباطل كل المقاييس التي حاولت الإنسانية أن تخترعها منذ الأزمنة القديمة كل هذه المقاييس أثبتت فشلها وبطلانها من أوائل هذه المقاييس ممثلاً الفصل بين الحق والباطل فيما يتعلق بالآراء النظرية ومنها التشريع بطبيعة الحال من أوائل هذه المقاييس منطق أرسطو لقد أخفق إخفاقاً كاملاً في تمييز الحق عن الباطل ومنها مقياس ديكارت إنه أخفق إخفاقاً كاملاً أيضاً فيما يتعلق بالتمييز بين الحق والباطل هذا من جانب
ومن جانب آخر ما دام لا سبيل إلى القطع بأن هذا الرأي حق وهذا الرأي باطل كان هناك المجال المتسع الكبير لتزييف الآراء تزييف الآراء أو صناعة الآراء وفي علم الاجتماع وفي علم النفس كثير من المباحث التي تتحدث عن صناعة الرأي
العام الرأي العام يصنع عن طريق الصحف ويصنع عن طريق الإذاعة ويصنع عن طريق التكرار يصنع بوسائل مختلفة ويصنع تزييفاً أو إحقاقاً الرأي العام يصنع وما دام الرأي العام يصنع فهناك هذه الوسائل التي تصنع الرأي العام هذه الوسائل التي تصنع الرأي العام هناك كثير من الناس استخدموها ولكن الذين استخدموها في قوة هم اليهود استخدموا صناعة الرأي العام في قوة بالنسبة
١١٤
=
لأغراضهم وهم يقولون مثلاً في تكييفهم الرأي العام بالنسبة لشخصيات معينة نحن الذين رتبنا نجاح كارل ماركس يقولون هذا في كتبهم ويقولون هذا في كتاب بروتوكولات حكماء صهيون لقد رتبوا نجاحه ونجاح آخرين لماذا رتبوا نجاحهم
لأنه
هدم لكل الأفكار الروحية وهم يريدون ألا تسود الأفكار الروحية في الإنسانية ويقولون أيضاً في البروتوكولات نحن الذين رتبنا نجاح دارون صاحب نظرية التطور ونحن الذين رتبنا نجاح نيتشه صاحب نظرية الأخلاق إنه يرى أن ليس هناك فضيلة ولا شجاعة أو عفة أو كرم أو ما شاكل ذلك كل هذه ألفاظ اخترعتها الإنسانية من أجل حماية الضعفاء فقط وليس الأمر أكثر من ذلك أو اخترعها الضعفاء وتشبثوا بها من أجل حماية أنفسهم أراد اليهود أن تسود هذه الفكرة في العالم لتتحلل الأخلاق ولينتهوا من تحلل الأخلاق إلى السيادة في العالم نعود فنقول هناك صناعة الآراء ما هو المقياس الذي نفصل به بین الحق والباطل ليس هناك هذا المقياس ولقد حاول - في مواجهة الوحي الإلهي وفي مواجهة التشريع الإلهي - حاول بعض الناس عمل نظم اجتماعية حاول مثلاً أفلاطون أن يكون جمهورية على ما ينبغي بأدق ما يمكن أن يكون من تفكير فلسفي وألف أفلاطون جمهوريته كتبها ونسقها ودرسها وعقد فيها ندوات كثيرة ودعى أفلاطون لتحقيق جمهوريته في جمهورية صغيرة وذهب أفلاطون إلى هذه الجمهورية وقيل له إنك مفوض تفويضاً مطلقاً في تحقيق جمهوريتك وحاول أفلاطون أن يحقق جمهوريته فأخفق إخفاقاً كاملاً وبعد عشرين سنة بعد فترة من النضج دعى مرة أخرى ليحقق جمهوريته مرة أخرى بعد التجربة وبعد هذا الإخفاق الذي ناله وبعد أن اكتسب معرفة وخبرة فأخفق إخفاقاً كاملاً مرة أخرى أما الإسلام فقد طبق في جمهورية أو في دولة أو في أمة إن هذه الألفاظ اللفظ المستعمل فيها
إسلاميا - هو كلمة أمة إن هذه أمتكم أمة واحدة
طبق الإسلام في أمة وانتهى هذا التطبيق بأن انتقل الإسلام من النظرية إلى الواقع لقد أصبح واقعاً وأصبح واقعاً في أمة تمتد من كذا إلى كذا لا تكاد تغرب عنها الشمس طبق بالفعل وانتقل من النظرية إلى الواقع لكن كل الآراء التي قيلت فيما يتعلق بالأنظمة التي اخترعت أو ابتدعتها البشرية كلها عرضت وأخفقت وعليها النقد وتتعارض مع بعضها
ولتوضيح ذلك نقول النظام الرأسمالي اختراع بشري في أمريكا يتعارض تعارضاً =
۱۱۵
كاملاً مع النظام الشيوعي الذي هو اختراع بشري فيما يتعلق بروسيا ولكن أي هذين النظامين حق لا سبيل مطلقاً إلى أن يثبت أن هذا أحق من هذا نظرياً بالدليل والبرهان وكل ما يقام من أدلة أو براهين في أمريكا تنقده روسيا وكل ما يقام من أدلة أو براهين في روسيا تنقده أمريكا
إذن من
هنا ومن
هذا كانت الصرامة فيما يتعلق بالدعوة إلى اتخاذ الإسلام أساساً كانت هذه الآيات التي تتحدث عمر لا يحكم بما أنزل الله بالظلم مرة وبالفسق مرة وبالكفر مرة ثالثة ونزل الدين كما قلنا هداية للعقل هذه الهداية للعقل ليست قاصرة على زمن دون زمن ولا على مكان دون مكان إنها في الوضع الديني الإلهي لكل المؤمنين تتبلور في قضية نتحدث عنها في كل وقت وفي كل آن هذه القضية هي أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان وهذا هو منطق الدين خصوصاً حينما يكون هذا الدين هو آخر الأديان بإعلانه سبحانه وتعالى عن ذلك هي إذن صالحة لكل زمان ومكان هذه الكلمة أو هذه القضية صالحة لكل زمان ومكان إذا كانت في معناها السطحي أو الشكلي أو معناها اللغوي واضحة فإن بعض الناس قد اتخذها أساساً لتفسير منحرف كل الانحراف من هؤلاء مثلا إنها صالحة لكل زمان ومكان لأنها تتكيف بحسب الزمان والمكان ثم انتقل نقلة أخرى فقال إنها صالحة لكل زمان ومكان لأننا نكيفها بحسب الزمان والمكان كيف يكون التكييف
من
قال
قال بعضهم وعمل على ذلك جاهداً نحن الآن في بعض الأقطار نعمل في بناء الدولة وبناء الدولة جهاد أكبر وإذا كان الجهاد الأصغر يبيح الإفطار في رمضان
فالجهاد الأكبر وهو بناء الدولة من باب أولي يبيح الإفطار في رمضان وحاول أن يطبق الإفطار في رمضان على الدولة فأخفق وأخفق لأن الناس كان شعورهم إيماني ديني فلم ينصاعوا ولكنه حاول وبذل وجند الشرطة وجند الجيش وجند كل شيء فيما يتعلق بتطبيق الإفطار في رمضان فكان يقدم للمدارس الثانوية الداخلية وللجامعات والجيش ونحوها الوجبات العادية في شهر رمضان بدلاً من الإفطار والسحور ولكنه في النهاية برغم كل ما بذله من جهد
أخفق
ونعود فنقول نكيفها بحسب الزمان والمكان كيف نمنع تعدد الزوجات منع تعدد الزوجات حصلت حادثة أمام سمعه وبصره هذه الحادثة أن شخصاً من -
١١٦
الأشخاص متزوج وعنده أولاد من زوجته ثم أصبحت زوجته في وضع غير صالح لاستمرار الزوجية من الناحية الجنسية فكان هو بين أمرين إما أن يزني وإما أن يتزوج والتعدد ممنوع فماذا يصنع امرأته الأولى لم تزن ليس مسؤولة عما حدث لها هذا قضاء الله بالنسبة لها فما ذنبها لتطلق ولم يطلقها إنها لم تسيء إليه ولم يطلق وإنما ذهب وعقد عقداً شرعياً على امرأة وتزوحها بحسب الشرع
وأسكنها في مسكن وكان يذهب إليها ويبيت عندها وبلغ عنه أنه تزوج امرأة أخرى والقانون في هذه الناحية لا يتساهل وذهبت الشرطة وضبطوه متلبساً بالجريمة جريمة زواج بامرأة أخرى وأتي به للتحقيق وقالوا له هل تزوجت امرأة أخرى فقال كلا
فقيل له ولكنك كنت عندها
قال نعم
وتنفق عليها
نعم
وقد استأجرت لها هذا المسكن
- نعم
وتبيت عندها
وأبيت عندها
ماذا تكون إذن إنها عشيقة
فقيل له تفضل اذهب لا ملام عليك لا لوم عليك
حرموها زوجة وأباحوها عشيقة بقانونهم
حدث هذا بالفعل والتحقيق تحقيق البوليس ويأتي أيضاً فيما يتعلق بالتعدد أن اتيين دينييه مستشرق فرنسي كان قد ذهب إلى الجزائر في عهد الفرنسيين وهو فرنسي وأقام في الجزائر في بلدة اسمها بو سعادة استراح إلى الجو واستراح إلى الناس واستراح إلى الخلق وكلها أغرته الجو الطبيعة الصحراء الناس كلها أغرته بأن يقيم في الجزائر فأقام أقام في عهدين عهد كان فيه التعدد مسموحاً به وعهد حدث فيه عدم التعدد أو الدعوة إلى عدم التعدد أو الإقلال من
التعدد
وبعد ذلك لاحظ ثلاث ملاحظات كتبها باللغة الفرنسية في أحد الكتب كتب يقول ا منع التعدد والطلاق وجدت ظواهر لم تكن موجودة أيام كانت إباحة التعدد
حينما
والطلاق
ذلك ما هي هذه الظواهر هذه الظواهر التي وجدت عندما
منع
أولاً كثرة العوانس هذا أمر الأمر الثاني كثرة اللقطاء
الأمر الثالث كثرة الأمراض السرية
هذه المسائل الثلاثة حدثت بعد أن التعدد وبعد أن
منع
الطلاق وليس معنى
منع إباحة التعدد أنه مفروض وليس معنى ذلك أنه لا بد من التعدد كلا وأنتم تعلمون أنه مع إباحة التعدد الآن في القاهرة يمكن أن يكون نصف في هم الذين يعددون الزوجات إذا ارتفعت عن أكثر من الاثنين يمكن أربعاً في
الألف
الألف وهكذا الأمر يعني يكاد يكون التعدد إباحته معدوماً مع ولكن من الوجهة النظرية لو فرضنا أن شخصاً من الأشخاص إما أن يتزوج وإما أن يزني فيباح له أن يتزوج هذا رأي الكاتب الفرنسي الذي يقول ويشاهد بالتعداد وبالتجربة ماذا حدث وماذا كان لكننا نتساءل الآن ما هو إذن المعنى الصحيح للقضية الشريعة صالحة لكل زمان ومكانه إن الشريعة أنزلت للإنسان من حيث هو إنسان إنسان لا للإنسان من حيث هو مصري أو من حيث هو فرنسي أو من حيث هو كذا أو كذا فيما يتعلق بالوطن
إنها أنزلت للإنسان من حيث هو إنسان وما دامت قد أنزلت للإنسان من حيث هو إنسان فإنها صالحة لكل زمان ومكان لا تتغير لأن الإنسان هو هو أينما كان الإنسان هو الإنسان في عواطفه وفي إنفعالاته وفي سلوكه في تصرفه في عقله في ذكائه في إحساسه وأنزلت الشريعة إذن للإنسان من حيث هو إنسان فهي إذن صالحة لكل زمان ومكان صالحة في مبادئها وصالحة في وسائلها إذا حددت وكل خروج عليها إنما يكون انحرافاً
لكن ماذا حدث عندنا نحن في مصر الذي حدث عندنا نحن في مصر أننا كنا نطبق نظام الشريعة الإسلامية ثم جاء الاستعمار ونسف الشريعة الإسلامية من القطر المصري وأحل محلها القانون الوضعي واستقدموا قضاة ومستشارين من الأقطار الغربية ثم كان أن وجد أن هذا النظام لا يتأتى أن يستمر كثيراً فأنشأ مدرسة الحقوق وكانت تسمى مدرسة قبل أن تكون كلية فأنشأ مدرسة الحقوق لتخريج قضاة أو محامين أو مستشارين إلى آخره ليحكموا بالقانون الوضعي وكان لا بد أن يكون المنهج والبرنامج هو القانون الوضعي
وزال الاستعمار وحاولنا أن نتخلص من كل آثار الاستعمار ولكننا ألفنا كليات الحقوق وألفنا مدرسة الحقوق فخيل إلينا أن الأمر عادي ولكن
۱۱۸
الأمر في حقيقته ليس بعادي إنه في غاية الغرابة أن نقيم نحن في بلدنا في قطرنا كليات للغزو الفكري لتتابع آثار الاستعمار ولتعمل على استمرار آثار الاستعمار تنفق عليها ونربي فيها أبناءنا ونضع أبناءنا في جو ليغزوهم هذا الجو فكرياً وليكونوا أوربيين أكثر منهم مسلمين أو أكثر منهم وطنيين لأن الوطنية تقتضي أيضاً أن تتخلص من الغزو الفكري ومن آثار الاستعمار ولكننا ألفنا الأمر وذهبت إلى كلية حقوق عين شمس لإلقاء محاضرة وسألت كم عدد المحاضرات في الكلية في الأسبوع فقيل اثنتان وعشرون محاضرة كم منها للشريعة الإسلامية درسان في الأسبوع وعشرون درساً للقوانين
الوضعية لو كانت هذه الكلية في فرنسا ما كانت تزيد على ذلك أو لو كانت في انجلترا ما كانت تزيد على ذلك وأحب أن أقول إنه لو كانت في إسرائيل أيضاً ما كانت تزيد على ذلك محاضرتان للشريعة الإسلامية في بلد إسلامي في وطن إسلامي محاضرتان فقط في مقابل عشرين محاضرة لاستمرار الاستعمار أو لاستمرار آثار الاستعمار أو للغزو الفكري فيما يتعلق بالاستعمار هذا لا يتأتى أن يستمر طويلاً ولكن لأننا ألفنا ولأننا لم نفكر في الوضع ولأننا ألفناه كما ألف ناس التعارض والتناقض الفكري ولكنهم الفوه واستمروا عليه ولم يفكر فيه أحد
من أجل ذلك كانت الأمانة الآن موضوعة في أعناقكم أنتم إنني تحدثت عنها ولكن الحديث عنها كان في مجالات ربما لا تتصل كثيراً بمجالات القانون ولكن مجالات القانون حينما نفكر في الأمر وحينما تبصر في هذا الموضوع فإنه تصبح مسؤوليتا كبيرة خصوصاً حينما نقرأ ونحن من المؤمنين ومن غير ما شك هنا ومجموعة كبيرة إن لم يكن الكل من الصالحين المؤمنين
كيف يتأتى أن يسكت الصالحون المؤمنون وهم يسمعون
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك
هم
هم
الطالمون
الفاسقون
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون فلا وربك لا يؤمنون حتى - يحكموك يحكموك في حياتك ويحكموك بعد مماتك بسنتك ـ حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم في صدورهم في قلوبهم حرجاً مما قصيت ويسلموا تسليماً
۱۱۹
يسلموا تسليماً بحكم الله بتشريع الله
تقول أين القانون الذي تحكم به وهذا سؤال من أسخف الأسئلة كيف وأنت مسلم وتتحدث اللغة العربية تقول أين القانون القانون أمامك في الكتب موجود في كتب الفقه وفي كتب التشريع الإسلامي هل يتأتى أن يكون شخص تخصص في التشريع ثم لا يفهم كتاباً في التشريع باللغة العربية ليس بلغة لاتينية ولا أعجمية أو شيء من هذا القبيل إنما هو باللغة العربية ليس في ذلك حجة ليس في ذلك مطلقاً أي مستند للتقاعس عن تطبيق التشريع الإسلامي ومع ذلك فهناك هذه المقومات الكثيرة التي كتبت فيما يتعلق بالموضوع والتي تيسر كثيراً فيما يتعلق بالموضوع وأحب أن أقول إن مجمع البحوث الإسلامية قنن القانون المدني كله على مذاهب مختلفة وقنته وكان في لجانه المختلفة مستشارون من القانونيين وفيه علماء وفقهاء في كل مذهب من المذاهب وهو الآن بصدد تقنين القانون الجنائي لكن ذلك أنا أعتقد أنه عمل ما كان ينبغي أن يكون مع أنني أنا شخصياً الذي بديت به والذي شرعت فيه لكن الآن ما كان ينبغي أن يكون لأنه ما دامت كتب التشريع باللغة العربية وما دامت هي في التشريع وما دامت فيها الفصول والأبواب والفقرات فعلماء التشريع المشرعون المستشارون القضاة من السهل عليهم جداً أن يستخرجوها من هذه الكتب التي باللغة العربية
نعود فنقول إن الدين نزل هداية للعقل
نعود فنقول إن الآيات فيما يتعلق بهذا الموضوع صارمة قد يتساءل إنسان ما هو موقع الاجتهاد فيما يتعلق بهذا الموضوع أليس الاجتهاد فتحاً لباب التصرف عقلياً فيما يتعلق بالتشريع وعن هذه النقطة أتحدث الآن أولاً فيما يتعلق بالاجتهاد هناك فكرة في الواقع خاطئة عند الكثيرين حتى عند كبار المثقفين إن الاجتهاد إما أن يكون في أمر سبق في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وإما أن يكون في أمر استحدث من بعده حدث في العصر الحاضر ومعنى الاجتهاد أن الأمور التي كانت في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام ينبغي أن يبذل الإنسان جهده وطاقته في البحث ليصل عن طريق المراجع الكتب السيرة والأحاديث النبوية وتفاسير القرآن إلى ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام ليس ابتداع ولا اختراع ولا تصرف عقلي ولا شيء من هذا القبيل وإنما هو
في
ذلك
يبحث ليصل إلى الحقيقة
ومعنى الحقيقة عنده فيما بحثه أن يصل إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا ما وصل إلى ما كان الرسول الله فقد انتهى البحث وسلم الأمر
۱۰
أما الاجتهاد فيما يتعلق بالمسائل التي ما كانت في عهد الرسول وإنما حدثت في العصر الحاضر فليس معناه مطلقاً ابتداع أو اختراع أيضاً وإنما معناه بذل الجهد لوضع هذا النمط الحديث أو المشكلة الحديثة أو المسألة الحديثة وضعها تحت
يعني
قاعدة كلية من القواعد القرآنية أو النبوية تحريماً أو تحليلاً مثلاً مسألة الحشيش لم يكن موجوداً الحكم فيه والمجتهد فيما يتعلق بأمر الحشيش يبذل جهده ليضع الحشيش تحت قاعدة كلية من قواعد الدين إما تحريماً وإما تحليلاً لأنه في المدأ لا يدري إن كان هذا الأمر محرماً أو حلالاً فيبذل جهده ليضع هذا الأمر تحت قاعدة كلية البيرة مثلا لم تكن موجودة وكل هذه الأنواع من الخمور ويسكي وغيره لم يكن
موجوداً ما هو موقف المجتهد فيما يتعلق بالحكم في هذه المسألة أو تلك موقفه هو أن يبذل جهده مع التقوى مع الإخلاص مع النزاهة الكاملة يبذل جهده مع عدم التحيز يبذل جهده ليضع هذه المسألة أو تلك تحت القاعدة الكلية المحرمة
أو المحللة فإذا أدى به اجتهاده إلى أنها توضع في قاعدة كلية نحرم يصبح الحكم حراماً وإذا أدى به اجتهاده مع الإخلاص مع التقوى مع النزاهة إلى أن هذه المسألة تدخل في قضية محللة تدخل تحت التحليل أو الحل هذا ولكن هذا الاجتهاد أيضاً له مقدمات وله وسائل هذه المقدمات بديهية ليس فيها
هو
الاجتهاد
شيء من التعقيد معرفة اللغة العربية إن من أوائل الشروط فيما يتعلق بالمجتهد معرفة اللغة العربية معرفة تمكنه أو تصل به إلى مستوى فهم القرآن فهم القرآن العربي المبين معرفة الأحاديث النبوية ولا بد لمعرفة الأحاديث من الإلمام بالأحاديث إلماما يجعله على معرفة فيما يتعلق بجو الأحاديث النبوية لأنه يجوز أن يفتي ويكون هناك حديث الأحاديث معارض أو مخالف لفتواه معرفة السيرة النبوية لمعرفة الواقع الذي كان عليه الرسول وما دام الدين قد طبق عملياً طبق في فترة طويلة من الزمن طبقه الرسول وطبقه الصحابة رضوان الله عليهم في عهد الخلفاء الراشدين وتحدث عنه الصحابة وتحدث عنه الرسول
من
ما دام قد طبق فإننا إذا اختلفنا في أمر من الأمور لا نلجأ إلا إلى التطبيق ما هو الواقع الذي كان في عهد الرسول ماذا كان النتيجة التي أريد أن أنتهي
إليها وبها تكون الخاتمة ما هو الموقف
الموقف لخصه أحد الصحابة في كلمة تشبه أن تكون إعجازاً يقول اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم فقد كفيتم هذه برهان كامل على اتبعوا وهي
أيضاً
برهان
۱۱
هو
كامل على ولا تبتدعوا اتبعوا فقد كفيتم ولا تبتدعوا فقد كميتم لأن من يبتدع إنما الشخص الذي لا يكون عنده الكفاية ونحن عندنا الكفاية منذ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا عندنا الكفاية إذن الخاتمة أو النتيجة التي نحب أن ننتهي إليها هي اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتكم
إذا اتبعنا ولم نبتدع ما هي النتيجة
النتيجة
هي
ما تحدث الله سبحانه وتعالى عنه وضمنه لمن اتبع شريعته ضمن له السعادة في الدنيا وفي الآخرة وضمن له الفوز وضمن له النصر وضمن له سعة الرزق وضمن له كفالته وعنايته سبحانه ورعايته ضمن له كل هذه النواحي ووعد الله سبحانه وتعالى لا يتخلف
وأريد أن أختم بواقعة حدثت في هذه الأيام الأخيرة حدث في هذه الأيام الأخيرة أن وفداً من أوروبا من كبار علماء أوروبا من فرنسا وفيه واحد من إيطاليا وواحد من انجلترا وفداً على مستوى رفيع جداً ذهب إلى السعودية ذهب بالفعل وقبل أن يذهب تكاتب وتراسل مع وزير العدل السعودي وزير العدل السعودي رجل نابه متطور متفتح الأفق تراسلوا معه واتفقوا على أن هذا الوفد الأوروبي يذهب إلى السعودية ليتحدث مع علماء السعودية فيما يتعلق بحقوق الإنسان في الإسلام وذهب الوفد والتقى بالوفد العربي كان وزير العدل وكان مستشار الملك معروف الدواليبي وكان محمد بن مبارك من سوريا وكان بعض علماء السعودية وأخذوا يتحدثون فيما يتعلق بحقوق الإنسان في الإسلام انبهر الوفد الأوروبي وما كان متصوراً مطلقاً أن هذا الذي يقال هو حقوق الإنسان في الإسلام وصل الإسلام محقوق الإنسان إلى ما لم تصل إليه أوروبا في نهاية الجلسة الجلسة التي تعددت طبعاً عدة مرات وفي نهاية الأبحاث سأل الوفد الأوروبي ولكن ماذا عن قطع يد السارق وأجاب معروف الدواليبي الذي كان رئيس الوزراء سابقاً في سوريا وهو الآن مستشار جلالة الملك فيصل وكانوا في الرياض قال له انظر إلى الصحراء يمكن إذا اتجهت في الوسط إذا كنت في الوسط واتجهت يمينا تجد ألف كيلومتر ويساراً ألف كيلومتر وأماماً ألف كيلومتر وخلفاً ألف كيلومتر وتصور أن سيارة قامت من الرياض وهذه السيارة محملة بالذهب والفصة قامت من الرياض لتذهب إلى مكان على بعد عشرين كيلومتراً لا يتأتى مطلقاً أن يتعرض لها متعرض في هذه الصحراء التي لا بلدة فيها ولا شرطة ولا حرس ولا بوليس ولا شيء من هذا القبيل في هذه الصحراء الشاسعة تقوم سيارة محملة بالذهب وبالفضة لتذهب من الرياض إلى هذه =
=
=
على الحقيقة المأخوذ عن الله لمن اهتدى فافهم واقرأ وَادْعُ إِلَى ربِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ وَإِن جَدَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ۱ وعليك بالزهد في الدنيا والتوكل على الله فإن الزهد أصل في الأعمال والتوكل رأس في الأحوال واشهد بالله واعتصم به في
الأقوال والأفعال والأخلاق والأحوال
وَمَن يَعْنَصِيم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ٢
وإياك والشك والشرك والاعتراض على الله في شيء واعبد الله على القرب الأعظم تحظ بالمحبة والاصطفائية والتخصيص والتولية من الله والله ولي المتقين
المدينة الأخرى لا يتعرض لها متعرض لماذا لأننا نطبق الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بقطع يد السارق لكن انظر إلى بلد مثل نيويورك التي يقولون عنها إنها وصلت قمة الحضارة كم فيها من القتلى في ساعة واحدة من أجل السرقة وكم فيها من القتلى في اليوم الواحد في أربع وعشرين ساعة بسبب السرقة قتلى وجرحى وقطع أكباد أمعاء بالسكاكين وضرب بالنار وبكل شيء في أربع وعشرين ساعة ثم تعال
وقطع
إلى المملكة السعودية بأكملها كم قطعنا من يد فيها في مدة عشرين سنة قطعنا أيدي تعد على أصابع اليد الواحدة وتقول بعد ذلك إن الإسلام قاس فيما يتعلق بقطع يد السارق هناك القتل والذبح والسحل وكل ما يتأتى أن يكون من أجل السرقة وهنا لا شيء قطع يد سارق أو عدد من السارقين في مدى عشرين سنة وأجمع الوفد الأوروبي أن هذا أحكم نظام فيما يتعلق بمنع السرقة وقالوا لو طبقناه لكان الأمن على كل حال وفي نهاية كلمتي أقول كما قلت في المبدأ لو كان هناك شخص أو اثنان أو ثلاثة يوافقونني على الفكرة فأنا أعتبر أن المحاصرة قد نجحت والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما الأثر الذي ترتب على هذه المحاضرة فهو تصفيق حاد استمر مدة طويلة وأعلن الحاضرون أن الكل يوافق على جوهرها وتفاصيلها والحمد الله
1 سورة الحج الآية ٦٧ - ٦٨
سورة آل عمران الآية ۱۰۱
۱۳
6
ارجعوا إلى الله في أوائل التدبير والتقدير تحظوا منه بمدد التيسير ويحال بينكم وبين التقصير وكل ورع لا يصحبه العلم والنور فلا تعدله أجراً وكل سيئة يعقبها الخوف والهرب إلى الله فلا تعد لها وزراً ثم أشار وقال
خذ رزقك من حيث أنزلك الله فاستعمل العلم ومتابعة السنة
ولا ترق قبل أن يرضى به فتزل قدمك
اللهم من وجبت عليه الشقاوة فلا يصل إلينا ومن وصل إلينا
فشفعني فيه يوم القيامة۱
ويقول صاحب المخطوطة معلقاً على ذلك
ورأيت منقولاً عن شيخ الجماعة أبي محمد سيدي عبد القادر
اللهم لا يفت على قبرنا من وجبت عليه شقاوة
قلت ووقعت حكايات تشهد لهذا من بعض الكفرة حيث قارب الضريح ورجوع بعض الفئة الذاهبين بقصد الزيارة بعد أن لم يبق بين الضريح وبينهم إلا يسير لأسباب اتفقت لهم فأسأل الله السلامة
1 من كفاية المريد للخروبي
۱۹
۹۱
۱۰۷
فهرس
تقديم الفصل الأول
بين أبي الحسن الشاذلي وعبد السلام بن بشيش
الفصل الثاني حياة ابن بشيش
التوكل
الله حكم ووصايا
۱۵
قطنا المغرب
المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها
خطب الشهيد
أبو الحسن الشاذلي
الإمام الأكبر
الدكتور عبد الحليم محمود
شيخ الأزهر
دار الكتاب المصرى
الناشرون
القاهرة
دار الكتاب اللبناني
بيروت
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجميعن
هذا الكتاب
لقد اضطررت إلى كتابته اضطراراً لقد حملت على تأليفه حملاً وما كان لي في تحديد زمن كتابته من إرادة حرة أو اختيار يبيح لي
التأجيل الطويل
وسأذكر قصة تأليفه سواء أسخر الناس منها أم لم يسخروا
وسواء أصدقوها أم أنكروها
إنني أروي هنا ما وقع لي شخصياً أرويه كما حدث دون زيادة أو نقص وما من شك في أن مثله بل وأغرب منه يحدث كل يوم ومع ذلك فإن المنكرين والشاكين والساخرين لا يزيدهم ذلك إلا شكاً وإنكاراً واستمراراً في السخرية
فلنصرف النظر عنهم ولنرو الأمر كما حدث
منذ أكثر من خمس عشرة سنة كنت في زيارة أحد الأصدقاء وأخذ الحديث مجراه في نواح عدة ثم تطرق إلى أبي الحسن الشاذلي وكنت في ذلك الوقت أجهل الكثير عن هذا القطب الكبير كنت أسمع اسمه في كل مكان ولكن الظروف لم تكن قد أتاحت لي بعد أن أتصل به اتصالاً يزيد على سماع الاسم إلا قليلاً
وسألت الصديق عما إذا كان عنده من المراجع ما يعطيني صورة
موجزة صادقة عن الشيخ تزيل بعض الجهل به
أبي العباس
وقدم لي الصديق كتاب الأستاذ السندوبي عن أبي المرسي وذلك لأن المؤلف كتب فيه عن أبي الحسن الشاذلي صفحات
عدة ولم يكن عند الصديق غيره للتعريف بأبي الحسن
وأخذت في قراءة ما كتبه الأستاذ السندوبي فوجدت في نفسي رغبة ملحة في أن ازداد معرفة بالشاذلي وفي أن أكتب عنه إذا يسر الله
ذلك
وأخذت أسأل عن المراجع هنا وهناك ووجدت في دار العشيرة المحمدية كتاب المفاخر العلية لابن عياد مخطوطا بقلم الشيخ العروسي نفسه بخط جميل على ورق جميل فاخر وقد راجعه الشيخ بعد كتابته وأثبت ما نسيه وصحح ما أخطأ في نقله ولم يبخل فضيلة رائد العشيرة المحمدية علي به
ووجدت في الدار أيضاً الكتاب النادر كتاب درة الأسرار وهو من أنفس المراجع عن أبي الحسن الشاذلي استقى فيه مؤلفه أخبار أبي الحسن عمن التقوا به مباشرة وعن أصحاب أصحابه
ولقد سافر من أجل ذلك إلى عدة أقطار وبين في مقدمة كتابه
كيفية جمعه إذ يقول
وكان من جملة منن الله سبحانه علي وعلى من سلف لي هو تتبع ما لسيدنا الشيخ الولي الصديق العارف المحقق الغوث القطب الشريف الحسني أبي الحسن علي المعروف بالشاذلي من الآثار وتقييد ما له من الدعوات والأذكار
وكنت أطلبها وأجهد في جمعها وأصرف الرغبة في التوجه إلى
من عرف بها
فمنها ما أخذته تلقيا بتونس من سيدنا الشيخ الصالح أبي العزائم
ماضي بن
سلطان تلميذ سيدنا الشيخ أبي الحسن وخادمه
ومنها ما أخذته بأرض المشرق من سيدنا الشيخ أبي عبد الله محمد المدعو بشرف الدين ولد سيدنا الشيخ الصالح ياقوت الحبشي رضي الله عنه
ومنها ما أخذته عن غيرهم من معتقدي طريق الشيخ وأصحاب أصحابه من أهل المشرق والمغرب حتى اجتمع عندي من ذلك ما سماعه ويعز اجتماعه اهـ
يبهج
ولم تبخل علي العشيرة المحمدية أيضاً بهذا الكتاب النادر
وأخذت
- مع الزمن - استكمل المراجع فكان من أهمها كتاب لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن تأليف ابن عطاء الله السكندري
وهو تلميذ أبي العباس المرسي أكبر تلاميذ أبي الحسن والخليفة
بعده وقد حصلت على الطبعة المصرية حينئذ
الأزهر
واستغرقت في القراءة والدراسة فترة من الزمن وكتبت في مجلة بعنوان أبو الحسن الشاذلي ومعركة المنصورة
مقالاً
ثم صرفتني الصوارف وطويت صحف أبي الحسن وشغلت بأمور أخرى ومضت الأيام والسنون وصحف أبي الحسن مطوية حتى إذا كانت سنة ١٩٦٢ دعيت إلى تونس أستاذاً زائراً ـ لمدة شهر - بجامعة الزيتونة فتجددت عندي الذكريات عن أبي الحسن وأخذت أتنسم عبيره في تونس لقد صعدت إلى الجبل الذي كان يتعبد به ودخلت المغارة التي كان يعتكف بها وهي مغارة تتسع في المبدأ المجموعة من الناس ثم ينزل بها الإنسان فيصل إلى مكان يتسع لأفراد قليلين وينزل فيها من جديد حتى يصل إلى المكان الأخير الذي لا يتسع إلا لشخص واحد ونزلت إلى نهايتها وجلست خاشعاً متعبداً حيث كان يتعبد أبو الحسن وحيث كان يقضي الساعات الطوال ليلاً ونهاراً وحيث كان يخلو - فريداً - بربه متضرعاً يغلبه الشوق وتغمره المحبة ويعمر قلبه اليقين
وشعرت في المغارة بطمأنينة النفس وبالسكنية تملأني وبتجمع خواطري بصورة عجيبة وبالتركز الذهني الذي يندر ويعز وجوده
وترددت على المغارة في أعلى الجبل
وفي كل مرة أزور فيها المغارة تتردد ذكريات الكتاب على ذهني
والصحف التي طويت وتتجدد
الحسن
ومع
مع ذلك الرغبة في الكتابة عن أبي
ذلك بقيت الصحف مطوية بيد أن المراجع عن أبي الحسن قد ازدادت فها أنا أجد طبعة تونسية لكتاب لطائف المنن
Λ
وها هو ذا شيخ الجامع الذي في أعلا الجبل عند المغارة يزودني بأحزاب أبي الحسن التي طبعوها في تونس
وها أنا ذا أحضر الحضرات الشاذلية في المكان نفسه الذي كان
يقيمها فيه أبو الحسن رضي الله عنه
وفي
هذه الفترة كان الأستاذ علي سالم عمار ينشر دراسة مستفيضة
مرواة في جزأين عن أبي الحسن
كل ذلك جعل عدتي للكتابة عن أبي الحسن تزداد أبي الحسن تزداد عتاداً وتزداد
قوة ولكن الصحف ما تزال مطوية
ثم كانت ملابسات عديدة وظروف متناسقة جعلتني آخذ الطريق الشاذلي وأندمج في جو المريدين وأواظب على الأوراد والأذكار
الشاذلية ومكثت كذلك إلى أن كان شهر مارس سنة ١٩٦٤
كنت في ليبيا أستاذاً زائراً للجامعة الإسلامية هناك وكنت قد انتهيت من إلقاء المحاضرات في الدار البيضاء وبني غازي وزليطن وطرابلس وكنت قد اتخذت الإجراءات للسفر حاجاً إلى بيت الله
الحرام
بي
وبينا أنا في طرابلس انتظر أن أبحر منها إلى الأراضي المقدسة إذا أرى - فيما يراه النائم - شخصاً أعرفه - اسمه توفيق أراه في ملابس غير ملابسه العادية أراه يلبس ملابس شرطي ويمسك بيده قيداً ويقول لي آمراً
أكتب عن أبي الحسن الشاذلي
وتلكأت في الاستجابة وأردت أن أهمل الموضوع وأن أتحدث
۹
معه في شيء آخر فإذا به يهدد بوضع القيد في يدي وإذا به ينذر
ويتوعد فقلت له
هل معنى ذلك أن أترك ما بيدي من أعمال لأكتب عن أبي الحسن
الشاذلي فقال
نعم اترك ما بيدك من أعمال واكتب عن أبي الحسن ورضي
توفيق حينما وعدت بالكتابة واستيقظت
ويسر الله أمر الحج والحمد لله
وحينما عدت إلى القاهرة حاولت - مع وضوح الرؤيا في ذهني ومع تذكري لها - أن أرجىء أمر الكتابة عن أبي الحسن لماذا لست أدري وأخذت في دراسة سهل بن عبد الله التستري فقد كنت موطناً النفس على أن أعطي لطلبة كلية أصول الدين محاضرات عن التفسير الصوفي وأن آخذ الأمثلة من سهل بن عبد الله ورأيت أن من الخير أن يكون بين يدي الطلبة كتاب عن هذا الصوفي الذي لم ينل حظه من
الدراسة
وبينما أنا سائر في البدايات الأولى من الدراسة والكتابة إذا بعاصفة من هذه العواصف التي تمر بالإنسانية من آن لآخر تبعدني عن التستري وعن التفسير الصوفي تبعدني عنه في المكان وتبعدني عنه في الجو الروحي وطويت صحف التستري بل زالت من نفسي - وأرجو أن يكون ذلك مؤقتاً - الطاقة الدافعة التي كانت تحفزني على الكتابة عنه وعند ذلك تذكرت الرؤيا وتذكرت توفيق وهو يقول اترك كل شيء واكتب عن أبي الحسن الشاذلي
ومضت أسابيع لم أشتغل فيها إلا بالقراءة السهلة في مختلف
۱۰
الموضوعات كيفما اتفق
وفي خلال هذه الأسابيع أخذ الانفعال الذي سببه تذكر الرؤيا والرؤيا نفسها يزول من نفسي شيئاً فشيئاً وبمرور الزمن لم تعد الرؤيا
في بؤرة الشعور وأصبحت في الهامش البعيد
ثم رأيت - ولست أدري الآن كيف جاءت الفكرة حينئذ ـ أنني كتبت فيما مضى في فترات متباعدة عن موضوع الإيمان وأن هذا الموضوع - وقد فكرت فيه فيما مضى وكتبت في زوايا منه وتحدثت عنه في الإذاعة وفي التليفزيون - يسهل على تناوله بالبحث والدراسة ويتيسر أن أعود فيه إلى المراجع من جديد وإلى ما كتبت فأنسق وأضيف وأحذف وأزيد أملاً أن أنشر دراسة لعلها تفيد في العصر الحاضر أخذت بعض المراجع عن موضوع الإيمان في رحلة إلى الريف آمل أن أجد في هدوء الريف وصفائه ما يساعد على التركيز الذهني والسرعة في إنجاز الموضوع وكنت مع بعض الأصدقاء ونزلنا من السيارة - سيارة أجرة - أمام القرية وعادت السيارة من حيث أتت عادت بداخلها المراجع ولم نتذكرها إلا بعد أن أصبحت السيارة بحيث لا أثر لها من رقم أو عنوان أو غير ذلك من آثار وكما تذكرت الرؤيا عند عاصفة التستري تذكرتها عندما أصبحت السيارة لا عيناً ولا
أثراً
وذات يوم
اترك ما بيدك واكتب عن الشاذلي
وقلت في نفسي لنكتف بهذه الدروس ولنبدأ ـ والله المستعان وبه التوفيق - بالشاذلي ثم يكون ما يريده الله بعد ذلك من مؤلفات وعدت إلى الشاذلي ووجدت المراجع مستكملة
المراجع الأصيلة والمراجع الثانوية
وكتب الطبقات
وجدت المراجع القديمة والمراجع الحديثة
لقد وجدت كل ما أحتاج إليه عن الشاذلي في متناول يدي ووجدت العمل ميسراً سهلاً ووجدت الصدر منشرحاً والحمد لله هذه قصتي مع أبي الحسن رويتها كما حدثت دون زيادة أو نقص
ولقد كان لأبي الحسن أثر هائل في هداية الناس على مر الزمن لقد كان له أثر ينتقل أريجه الزكي من شخص إلى شخص ومن عصر إلى عصر حتى وقتنا الحاضر ولقد بدأ هذا الأثر بالثمرة اليانعة في العارف بالله القطب الكبير أبي العباس المرسي وفي من حول الشيخ أصدقاء من ومريدين وأسلم أبو العباس المشعل - مشعل الهداية - إلى العلماء وشيخ الصوفية في عصره ابن عطاء الله السكندري صاحب الحكم التي قال عنها أحد كبار العلماء كاد الحكم أن يكون
شیخ
الله عنه
قرآناً رضي لقد حمل ابن عطاء الله المشعل فأنار به من حوله واستنار به من بعده وبقي النور للآن في كتبه يضيء الطريق للسالكين وبقي متنقلاً من جيل إلى جيل يشير بسنائه إلى أبي الحسن كمنبع من منابع الهدى وكعلم من الأعلام الذين اتبعوا هدى الله في كتابه العزيز واقتفوا أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وعملاً واتخذوه أسوة في سلوكهم في اليسير من الأمور والعظيم منها لقد بقي نور أبي الحسن للآن وإن المدرسة الشاذلية الحديثة في
۱
عصرنا الراهن بقادتها وهم كالنجوم وبمريديها يسيرون في ضوئهم دليل على الأثر الضخم الذي تركه أبو الحسن رضي الله عنه
يقول الله تعالى
ه وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَءَ أَثَرَهُمْ *
لخير
ومن من شك في أن آثار أبي الحسن ستملأ سجلات وسجلات بمن هداهم الله إلى سلوك طريق الحق على يديه وعلى يدي أتباعه
سلسلة بعد سلسلة إلى ما شاء الله
ولقد رأينا بمشيئة الله أن نبين في وضوح أثر الإمام الشاذلي في العصر الحديث خاصة فتخطينا القرون منذ أن دعا الشاذلي إلى الله حتى وصلنا إلى القرن الرابع عشر الهجري
والقرن الرابع عشر الهجري مليىء بالمقربين من أعلام الشاذلية الذين أرضوا الله ورسوله فتخلقوا بأخلاق الله واتبعوا سنة رسوله ولكننا تخيرنا بتوفيق الله من بين أولياء الله المقربين شيخين جليلين لاتصالنا بهما عن قرب وكان هذا الاتصال هو السبب في اختيارهما أعماق فرنسا عاش شبابه في
أحدهما
من أوروبا فرنسي من
باريس ثم تابع حياته في القاهرة يعرفه الغرب كله أمريكا وأوروبا لأنه من نابهي قادة الاتجاه الصوفي الأصيل يذكره المؤرخون للأديان ويذكره المتصلون بالروحية ويذكره أئمة الدعاة إلى إصلاح الحضارة الحديثة والسمو بها إلى المستوى المثالي إنه العارف بالله الشيخ عبد
الواحد يحيى
1 سورة يس الآية ۱
وهو من الذين أخذوا العهد الشاذلي أخذه على يد العارف بالله
المرحوم الشيخ سلامة الراضي إن الكبار في السن من أتباع الشيخ سلامة الراضي عليه رضوان الله لا يزالون يذكرون ذلك الشيخ الأوروبي بجبته الخضراء وعمامته البيضاء وقامته الفارعة الأقرب إلى النحافة منها إلى السمنة ولا يزالون يذكرون وجهه المشرق بالنور وسمته الملائكي ومشيته الوقورة وجلوسه بين يدي الشيخ متواضعاً مهذباً محاولاً أن يسكت كل سائل في تلطف ظاهر حتى يستمر الشيخ في حديثه منطلقاً المدد لا تحد حدود الأسئلة ولا ينزل به مستوى الأفهام البشرية إنه شاذلي من الغرب عن هذا الشاذلي سنكتب الباب الثاني من هذا الكتاب إن شاء الله
مع
6
والثاني شاذلي من الشرق وعنه سنكتب إن شاء الله الباب الثالث إنه العارف بالله الشيخ عبد الفتاح القاضي وهو برهان واضح على قوله عليه الصلاة السلام الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة وعلى قوله فيما رواه البخاري بإسناده عن معاوية لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ما يضرهم من كذبهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك
لقد استمسك الشيخ عبد الفتاح القاضي بالحق منذ سنه المبكرة استمسك به في الصورة القرآنية التي أتقنها حفظاً وعلماً وعملاً واستمسك به في الصورة النبوية التي أحبها روحاً وسلوكاً وتأسى بها حساً ومعنى واستمسك به في صور الصالحين وسلوكهم
لقد جاهد واختلى وذكر وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام وصلى واستمر على ذلك مواصلا ليله بنهاره حتى استوت سفينته على
١٤
الجودي فقال الحمد لله رب العالمين ثم انبسط في الخلق هاديا ومرشداً وفي المريدين مهذباً ومعلماً وقائداً إلى الله سبحانه لقد جاهد في الحياة هادياً إلى الله فكان كوكباً تألق في سماء
الروح وانعكس ضوؤه على أتباعه ومريديه
إنه باق بروحه في هؤلاء الدعاة إلى الله الذين يجمعهم كل يوم مسجد القاضي بشبلنجة هذا المسجد الرائع الذي وضع الشيخ رسمه فاشترى أرضه وتم المسجد بعد وفاته وبقي أثراً من آثاره ونرجو من الله التوفيق فيما نكتبه عن إمامنا الشاذلي وعن تابعيه
ولقد اقتصرنا في أحزاب الشاذلي - معتمدين ـ على ما أورده ابن الصباغ في درة الأسرار وما أورده ابن عطاء الله في لطائف المنن بيد أن بعض إخواننا طلب في إلحاح أن نضع ضمن الأحزاب حزب اللطف
على الأقل
أنه
والواقع أن هذا الحزب الجليل يدل بأسلوبه وبروحه على للإمام الجليل ومن أجل ذلك ودون أن نخل بما التزمناه عمداً فإننا نلبي في سرور رغبات الأصدقاء
وسيجد القراء حزب اللطف باعتباره من أوراد الشيخ القاضي ونعتذر إلى الأصدقاء إذ فعلنا ذلك رعاية لما التزمناه
وسيجد القراء مجموعة من نصائح الإمام الشاذلي نوردها بعد أحزابه وهذه الوصايا ذكرها الكمال الدميري عند الكلام على الإنسان
وقد نقلناها عن الكتاب المبارك
المختصر في معاني أسماء الله الحسنى للأستاذ محمود سامي
بك الذي قال عنها إنها جمعت خير الدنيا والآخرة
۱۵
ونحن لا نعتقد أن هذه الوصايا قد ألفها الإمام الشاذلي مجموعة مرتبة على وضعها في الكتاب بل قد جمعها - فيما نرى - أحد أتباع الإمام من درره المتناثرة هنا وهناك أو جمعها الكمال الدميري نفسه
وهي على كل حال من نفيس كلام أبي الحسن
والله نسأل أن يهدينا جميعاً سواء السبيل وأن ينفع بهذا الكتاب كما نفع بأبي الحسن وأن يهدى له ويهدى به إنه قريب مجيب وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى
يوم
الدين
الباب الأول
أبو الحسن الشاذلي
الله الرحمن الرح
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين سيدنا
محمد وعلى آله
أجمعين
وصحبه
وبعد
الفصل الأول
أبو الحسن الشاذلي
-1-
فيقول الشيخ أبو العباس رضي الله عنه كنت مع الشيخ أبي
الحسن بالقيروان
وكان شهر رمضان
وكانت ليلة جمعة
وكانت ليلة سبع وعشرين
فذهب الشيخ إلى الجامع وذهبت معه
فلما دخل الجامع وأحرم رأيت الأولياء يتساقطون عليه كما يتساقط الذباب على العسل فلما أصبحنا وخرجنا من الجامع قال
الشيخ
ما كانت البارحة إلا ليلة عظيمة وكانت ليلة القدر ورأيت
الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول
يا علي طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس
۱۹
قلت يا رسول الله
وما ثيابي
قال أعلم أن الله قد خلع عليك خمس خلع خلعة المحبة وخلعة المعرفة وخلعة التوحيد وخلعة الإيمان وخلعة الإسلام
فمن أحب الله هان عليه كل شيء
ومن عرف الله صغر لديه كل شيء ومن وحد الله لم يشرك به شيئاً ومن آمن بالله أمن من كل شيء
ومن أسلم الله قل ما يعصيه وإن عصاه اعتذر إليه وإن اعتذر إليه
قبل عذره
ففهمت حينئذ معنى قوله عز وجل
هو وثيابك فطير ۱
ويقول ابن عطاء الله عن أبي الحسن الشاذلي
لم يختلف في قطبانيته ذو قلب مستنير ولا عارف بصير ٢ جاء في هذا الطريق بالعجب العجاب وشرع في علم الحقيقة الأطناب ووسع للسالكين الرحاب حتى لقد سمعت الشيخ الإمام مفتي الإسلام تقي الدين محمد بن علي القشيري رحمه الله يقول ما رأيت أعرف بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله
عنه أهـ
۱ سورة المدثر الآية ٤
لطائف المنن لابن عطاء الله ص ٤٨ الطبعة التونسية
۰
وإذا كان هذا هو رأي مفتي الإسلام تقي الدين القشيري فإن
الشيخ مكين الدين الأسمر يقول
مكثت أربعين سنة يشكل علي الأمر في طريق القوم فلا أجد من
يتكلم عليه ويزيل عني إشكاله حتى ورد الشيخ أبو الحسن فأزال كل شيء أشكل علي ١
ولما قدم بعض الدالين على الله إلى الإسكندرية والتقى به الشيخ مكين
الدين الأسمر قال
هذا الرجل يدعو الناس إلى باب الله وكان الشيخ أبو الحسن
يدخلهم على الله
على أن الشهادة التي يقدرها حق قدرها أهل الباطن وأهل الظاهر وأهل الحقيقة وأهل الشريعة إنما هي شهادة شيخ الإسلام العز بن عبد السلام يقول ابن عطاء الله في لطائف المنن
أخبرني الشيخ العارف مكين الدين الأسمر رضي الله عنه قال حضرت بالمنصورة في خيمة فيها الشيخ الإمام مفتي الأنام عز الدين بن عبد السلام والشيخ مجد الدين بن تقي الدين علي بن وهب القشيري المدرس والشيخ محيي الدين بن سراقة والشيخ مجد الدين الاخميمي والشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنهم ورسالة القشيري تقرأ عليهم وهم يتكلمون والشيخ أبو الحسن صامت إلى أن فرغ كلامهم فقالوا
يا سيدي نريد أن نسمع منك فقال
۱ لطائف المنن لابن عطاء الله ص ٥٨ الطبعة التونسية
أنتم سادات الوقت وكبراؤه وقد تكلمتم فقالوا
الجليلة
وقال
لا بد أن نسمع منك
قال فسكت الشيخ ساعة ثم تكلم بالأسرار العجيبة والعلوم
فقام الشيخ عز الدين وخرج من صدر الخيمة وفارق موضعه
اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله ا هـ
إن كلام أبي الحسن قريب العهد من الله على حد تعبير العز بن عبد السلام أي أن كلامه إلهام من الله إنه ليس علماً مكتسباً من الكتب إنه ليس تقليداً ولا توليداً إنه ليس نتيجة دراسة وبحث ـ وإن كان الشيخ قد أطال الدرس والبحث - وليس ثمرة كتب ومنطق - وإن كان الشيخ قد أطال النظر في الكتب وأنعم الروية فيها - وإنما هو إلهام
وبصيرة ونور من نور الله سبحانه
هالك
ومع بلوغه هذه المنزلة أو بسبب بلوغه هذه المنزلة كان يقول من لم يزدد بعلمه وعمله افتقاراً إلى ربه وتواضعا لخلقه فهو
ويقول لا تركن إلى علم ولا مدد وكن بالله واحذر أن تنشر علمك ليصدقك الناس وانشر علمك ليصدقك الله تعالى
--
ولعلنا بعد هذا نريد أن نعرف شيئاً عن هذا الذي يقول عنه العز بن
عبد السلام إن كلامه قريب العهد من الله
إنه علي بن عبد الله بن عبد الجبار وينتهي نسبه إلى سيدنا
الحسن بن علي بن أبي طالب
كبيرة
ولد ببلاد المغرب سنة ٥٩٣ هـ بقرية تسمى غمارة ۱
وأخذ يدرس بها العلوم الدينية وسائل وغايات وبرع فيها براعة
يقول ابن عطاء الله السكندري عنه
أنه لم يدخل طريق القوم حتى كان يعد للمناظرة في العلوم
الظاهرة بيد أن هذه العلوم الظاهرة مهما بلغت بها الدقة ومهما بلغ بها العمق لا تفضي بالنفوس الطموحة إلى الكف عن التطلع نحو عالم
الغيب واستشراف آلائه وأنواره
كيف يصل الإنسان إلى عالم الغيب
كيف ينغمس الإنسان في أضوائه
كيف ينعم بجماله ويشعر بالروعة في محيط جلاله إن النفوس الطموحة كلما ازدادت علماً ازدادت شعوراً بالنقص والكمال لله وحده ولقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول
رَّبِّ زِدْنِي عِلْما
وشعر أبو الحسن بالرغبة الملحة في القرب من الله وفي أن
۱ بلدة مغربية قريبة من مدينة سبته
سورة طه الآية ٠١١٤
يستضيء قلبه بنور المعرفة وفي أن يكشف الله له الحجب كيف يروي هذه الرغبة كيف يسير في الطريق من أين يبدأ
من أين يبدأ
لقد
رسم
الأول الطريق إن البدء البدء الميسر السهل البدء
الذي يأمن الإنسان عواقبه إنما يكون طريقة خبير سبر الطرق ومحض السبل وكشف عن المزالق والأخطار واستنار قلبه بالطريق القاصد إلى
الله
أين يجد هذا الشيخ ما السبيل إليه
إن بغداد منذ عهد العباسيين كانت دائماً محط أنظار طلاب
الدنيا وطلاب الدين
6
لقد كانت تضم كبار الفقهاء وأعلام المحدثين والقمم العوالي من الصوفية كما تضم كبار الساسة والقادة كان ذلك في عهدها الزاهر فهل يا ترى هي كذلك في القرن السابع الهجري
وإذا لم يكن لها كل البريق المادي الأول فهل بها على الأقل من الصوفية من يرسم الطريق عن خبرة ومن يسلك بالمريد السبل دون
إيطاء
وتحمل الرغبة الملحة أبا الحسن على السفر إنها هجرة إلى الله
إنها هجرة النفس الطلعة الشفافة
وهي هجرة يسير بها الأمل ويتخللها الإشفاق وتصاحبها في كل
الأوقات أسئلة لا جواب لها
هل سيجد الشيخ
٢٤
وكيف يكون
وهل سيتقبله الشيخ بقبول حسن وبم سينصحه
وإذا لم يجده في بغداد فأين يجده
وانتهى به المطاف إلى بغداد والتقى بالأولياء وكان قمتهم في
نظره هو أبو الفتح الواسطي يقول أبو الحسن
لما دخلت العراق اجتمعت بالشيخ الصالح أبي الفتح الواسطي فما رأيت بالعراق مثله
ولكن همة أبي الحسن كانت تسمو إلى البحث عن القطب ذاته إنه كان يريد أن يكون قائده هو القطب نفسه أين يجد القطب ها هو ذا بالعراق وها هم أولاء الصالحون وأولياء الله يتردد
عليهم كل يوم
وها هو ذا يرى النور على وجوههم والصلاح يرتسم على سيماهم ولكنه لم يجد القطب وهو مطلوبه وذات يوم
وذات يوم
قال له أحد الأولياء
أنك تبحث عن القطب بالعراق مع أن القطب ببلادك ارجع إلى بلادك تجده ۱
وعاد أبو الحسن من حيث أتى عاد يحدوه الأمل ويغمره الرجاء لقد صدق الولي الذي أنبأه بأن القطب في بلاده وبأنه سيجده
عند عودته
۱ درة الأسرار ص ۳
۵
وعاد يسرع الخطا ويستحث الوصول
وها هو ذا بغماره من جديد يسأل عن القطب المقبل والمدبر
والراحل والمقيم أقول أكاد اليوم أن أبلغ المدى فيبعد عني ما أقول أكـاد
أسائلكم عنها فهل من مخبر فمالي بنعم مذ نأت دارها علم فلو كنت أدري أين خيم أهلها وأي بلاد الله - إذ ظعنوا - أموا أذن لسلكنا مسلك الريح خلفها ولو أصبحت نعم ومن دونها النجم
وذات يوم يقول أبو الحسن
لما قدمت عليه وهو ساكن بمغارة في رأس جبل اغتسلت في عين بأسفل ذلك الجبل وخرجت عن علمي وعملي وطلعت إليه فقيراً وإذا به هابط إلى وعليه مرقعة وعلى رأسه قلنسوة من خوص
فقال لي مرحباً بعلي بن عبد الله بن عبد الجبار وذكر نسبي إلى رسول
الله ثم قال لي
يا علي طلعت إلينا فقيراً من علمك وعملك فأخذت منا غنى
الدنيا والآخرة
فأخذني منه الدهش فأقمت عنده أياماً إلى أن فتح الله على
بصيرتي
من هو ذلك العارف بالله
من هو هذا القطب لا بد من قبسات خاطفة من أنواره وغمسة
٢٦
خفيفة في لآلائه
إنه الولي الكبير سيدنا عبد السلام بن مشيش يقول عنه صاحب
الدرر البهية
السنام
هو القطب الأكبر والعلم الأشهر والطود الأظهر العالي
وهو البدر الطالع الواضح البرهان الغني عن التعريف والبيان
المشتهر في الدنيا قدره والذي لا يختلف في غوثيته اثنان وطريقه ترياق شاف لأدواء العباد وذكره رحمة نازلة في كل ناد
جمع
سری سره في الآفاق وسارت بمناقبة الركبان والرفاق قضى عمره في العبادة وقصده للانتفاع به أهل السعادة وكان رضي الله عنه في العلم في الغاية وفي الزهد في النهاية
الله له الشرفين
الطيني والديني وأحرز الفضل المحقق اليقيني اهـ ولقد كان مقام ابن مشيش في المغرب كمقام الشافعي بمصر
على حد تعبير ابن عياد في المفاخر العلية
كان ابن مشيش متمسكاً بالكتاب والسنة عاملاً بهما ملتزماً
لهما وهو القائل
أفضل الأعمال أربعة بعد أربعة المحببة لله والرضا بقضاء الله والزهد في الدنيا والتوكل على الله هذه أربعة
وأما الأربعة الأخرى فالقيام بفرائض الله والاجتناب لمحارم
الله والصبر عما لا يعني والورع من كل شيء يلهي ١ وليتأمل القارىء في مدى انغماس سيدنا ابن مشيش في النور وما وصل إليه من الفضل الإلهي وذلك فيما يأتي من مرويات الإمام
الشعراني
يقول أبو الحسن الشاذلي
أوصاني أستاذي رحمه الله تعالى فقال
حدد بصر الإيمان تجد الله في كل شيء
وعند كل شيء
ومع كل شيء
وفوق كل شيء
وقريباً من كل شيء
ومحيطاً بكل شيء بقرب هو وصفه
وبإحاطة هي نعته
وعد عن الظرفية والحدود
وعن الأماكن والجهات
وعن الصحبة والقرب بالمسافات وعن الدور بالمخلوقات
وامحق الكل بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن كان
الله ولا شيء معه ا هـ
أما صاحب لطائف المنن فإنه يروي عنه حديثاً جميلاً عن
۱ عن كتاب أبو الحسن الشاذلي للأستاذ علي سالم عمارة
المحبة حديثاً يشعرك بأن المتحدث قد جال في ميدان المحبة جولة صادقة وسار في طرقاتها سيراً موفقاً ورتع في رياضها وشرب من حياضها فأطال الشرب يقول صاحب اللطائف
وقال الشيخ القطب عبد السلام بن مشيش شيخ الشيخ أبي
الحسن رضي الله عنهما
الزم الطهارة من الشرك كلما أحدثت تطهرت من دنس حب الدنيا وكلما ملت إلى الشهوة أصلحت بالتوبة ما أفسدت بالهوى أو
كدت
مع
وعليك بمحبة الله على التوقير والنزاهة وأدمن الشرب بكأسها السكر والصحو كلما أفقت أو تيقظت شربت حتى يكون سكرك وصحوك به وحتى تغيب بجماله عن المحبة وعن الشراب والشرب والكأس بما يبدو لك من نور جماله وقدس كمال جلاله
ولعلي أحدث
من لا يعرف المحبة ولا الشراب ولا الشرب
ولا الكأس ولا السكر ولا الصحو
قال له القائل
أجل وكم من غريق في شيء لا يعرف بغرقه فعرفني ونبهني
عما أجهل أو لما من به علي وأنا عنه غافل
قلت لك نعم
المحبة آخذة من الله تعالى قلب من أحب بما يكشف من نور جماله وقدس كمال جلاله
وشراب المحبة مزج الأوصاف بالأوصاف والأخلاق بالأخلاق
والأنوار بالأنوار والأسماء بالأسماء والنعوت بالنعوت والأفعال
بالأفعال ويتسع فيه النظر لمن شاء الله عز وجل
والشرب سقى القلوب والأوصال والعروق من هذا الشراب حتى يسكر ويكون الشرب بالتدريب بعد التذويب والتهذيب فيسقى كل على
قدره
فمنهم من يسقى بغير واسطة والله سبحانه يتولى ذلك منه له ومنهم من يسقى من جهة الوسائط كالملائكة والعلماء والأكابر من
المقربين
فمنهم من يسكر بشهود الكأس ولم يذق بعد شيئاً فما ظنك بعد بالذوق وبعد بالشرب وبعد بالري وبعد بالسكر بالمشروب ثم الصحو بعد ذلك على مقادير شتى كما أن السكر أيضاً كذلك والكأس مغرفة الحق يغرف بها من ذلك الشراب الطهور المحض
الصافي لمن شاء من عباده المخصوصين من خلقه
فتارة يشهد الشارب تلك الكأس من خلقه
وتارة يشهدها معنوية
وتارة يشهدها علمية
فالصورة حظ الأبدان والأنفس
والمعنوية حظ القلوب والعقول
والعلمية حظ الأرواح والأسرار
فيا له من شراب ما أعذبه فطوبى لمن شرب منه وداوم عليه ولم
يقطع عنه
نسأل الله من فضله
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وقد يجتمع جماعة من المحبين فيسقون من كأس واحدة
وقد يسقون من كؤوس كثيرة
وقد يسقى الواحد بكأس وكؤوس
وقد يختلف الشرب من كأس واحدة وإن شرب منه الجم الغفير
من الأحبة ١
ويروي الشيخ أبو الحسن ما يلي
دخل رجل على أستاذي فقال له
وظف لي وظائف وأورادا فغضب الشيخ منه وقال له أرسول أنا أوجب الواجبات
الفرائض معلومة والمعاصي مشهورة فكن للفرائض حافظاً وللمعاصي رافضاً واحفظ قلبك من إرادة الدنيا وحب النساء وحب الجاه وإيثار الشهوات واقنع من ذلك كله بما قسم الله لك إذا خرج لك مخرج الرضا فكن الله فيه شاكراً وإذا خرج لك مخرج السخط فكن
عنه صابرا
وحب الله قطب تدور عليه الخيرات وأصل جامع الأنوار
الكرامات
ومصدر ذلك كله أربعة
صدق الورع وحسن النية وإخلاص العمل ومحبة العلم
ولا تتم لك هذه الجملة إلا بصحبة أخ صالح أو شيخ
ناصح ا هـ
۱ لطائف المنن ص ٣٤ ٣٥
ولقد بهر ابن مشيش أبا الحسن الشاذلي بهره بعلمه المشيد على الكتاب والسنة وبهره بولايته وكراماته يقول أبو الحسن كما يروي صاحب كتاب درة الأسرار
ورأيت له خرق عادات كثيرة فمنها أنني كنت يوماً جالساً بين
عن
اسم
يديه وفي حجره ابن له صغير يلاعبه فخطر ببالي أن أسأله الله الأعظم قال فقام إلى الولد ورمى بيده في طوقي وهزني
وقال
يا أبا الحسن أنت أردت أن تسأل الشيخ عن اسم الله الأعظم
ليس الشأن أن تسأل عن اسم الله الأعظم إنما الشأن أن تكون أنت هو
اسم
أن
مودع في قلبك
الله الله الأعظم يعني
سر
قال فتبسم الشيخ وقال لي
جاوبك فلان عني اهـ
ورسم ابن مشيش حياة أبي الحسن فيما يستقبله من أيام وذلك أنه حينما انتهت مدة إقامة أبي الحسن قال له
يا علي ارتحل إلى إفريقية واسكن بها بلداً تسمى بشاذلة فإن
الله عز وجل يسميك الشاذلي
وبعد ذلك تنتقل إلى مدينة تونس ويؤتى عليك بها من قبل
السلطنة
وبعد ذلك تنتقل إلى أرض المشرق وبها ترث القطابة إن هذا المنهج الذي رسمه ابن مشيش وهو ينظر إلى الغيب بنور الله قد تحقق حرفياً وسنسير معه الآن خطوة خطوة
ولا ننسى قبل أن نصاحب أبا الحسن إلى شاذلة أن نذكر أنه لما
حان موعد الفراق خاطب أبو الحسن شيخه قائلاً
يا سيدي أوصني
فقال له
يا علي الله الله والناس الناس نزه لسانك عن ذكرهم وقلبك
عن التمايل من قبلهم
عندك
وعليك بحفظ الجوارح وأداء الفرائض وقد تمت ولاية الله
ولا تذكرهم إلا بواجب حق الله عليك وقد تم ورعك وقل اللهم أرحني من ذكرهم ومن العوارض من قبلهم ونجني من شرهم واغنني بخيرك عن خيرهم وتولني بالخصوصية من
بينهم إنك على كل شيء قدير
وودع الشيخ شيخه وسار وقد وضح
أمامه الطريق
إن سيره الآن ليس كسيره إلى العراق إنه الآن يسير على هدى من أمره وإذا كان شيخه قد أنذره بابتلاء الله له في تونس فإنه بشره بالعاقبة الحميدة في أرض المشرق
أما الفترة التي يقضيها بشاذلة فإنها فيما يبدو فترة صقل لا بد منه إنها فترة عبادة ونسك على الخصوص وذلك أساس ضروري لكل من أراد البناء الخالد
وما من شك في أن أبا الحسن وقد هيأ الله له سبل الهداية عابداً أو مهاجراً وسائحاً في سبيل الله كان منار هداية ومبعث نور أينما حل
۳۳
خصوصاً بعد أن هداه الله إلى ابن مشيش ولكنه لم يكن بعد قطباً
فالقطابة سيرثها في أرض المشرق
ولقد كان الشيخ نفسه يشعر بحاجته إلى المجاهدة وذلك شيمة كل مخلص إن المخلصين وإمامهم رسول الله صلوات الله عليه وسلامه يشعرون مهما بلغوا أنهم في حاجة إلى مزيد من فضل الله
وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ۱
وطريق زيادة العلم بالنسبة لأولياء الله إنما هو الجهاد في الله
والله
وَالَّذِينَ جَهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ٢
مع
ذلك منح ومواهب لا تتعلق بسبب ولا تترتب على علل
ومن أجل ذلك فإنه بمجرد أن وصل شيخنا إلى شاذلة ورأى التفاف الناس به - ولقد كان بعضهم يترقب حضوره قبل مجيئه دون أن تكون هناك أخبار عن حضوره - وطن العزم على أن يكون في محيط شاذلة لا في المدينة نفسها
فسافر إلى جبل زغوان وصحبه في رحلته هذه أبو محمد عبد الله بن سلامة الحبيبي من أهل شاذلة وكان رجلاً تقياً صالحاً
مكاشفاً
أما رحلة أبي الحسن إلى جبل زغوان فإن لها فائدتين
۱ سورة طه الآية ١١٤ ۱ سورة العنكبوت الآية ٦٩
الأولى هي تفرغه هو للعبادة ولا بد من هذا التفرغ ما دام الإنسان لم يأته الأذن بعد بالدعوة لا بد من التفرغ لاستكمال نقص أو للبعد
عن الفتنة أو للتغلب على آثار هوى
ولا بد من هذا التفرغ استجماماً روحياً وعلاجاً نفسياً وبعثاً
لكوامن من الفضائل
ولا بد من هذا التفرغ ليرقى في مدارج السالكين وليحقق العروج في معارج القدس وليسرع الخطى متدرجاً في منازل الأرواح
ولا بد من هذا التفرغ فراراً إلى الله
فَفِرُّوا إِلَى الله 1
وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى
أما الفائدة الثانية من الذهاب إلى جبل زغوان فإنها منع اللاهين المتطفلين من الجلوس على مائدة الشيخ الروحية ذلك أنه سوف لا
يقصد جبل زعوان لرؤية الشيخ إلا محب للمعرفة جاد في طلبها وما كان الشيخ على الجبل محجوباً عمن يريد لقاءه كلا ولكنه بذلك أتاح لنفسه الفرصة للتعبد وللمجاهدة
وأخذ الشيخ يتعبد على هذا الجبل دهراً طويلاً يصحبه طيلة هذه المدة الشيخ الصالح أبو محمد الحبيبي الولي المكاشف۳ وهو أول من صحب الشيخ بشاذلة وهو الذي روى من كرامات الشيخ في هذه
۱ سورة الذاريات الآية ٥٠
سورة طه الآية ٠٨٤
۳ درة الأسرار
۳۵
الفترة الشيء الكثير
تعالى
ويقول صاحب كتاب درة الأسرار
فمما حكى عنه قال
قرأ الشيخ يوماً على جبل زغوان سورة الأنعام إلى أن بلغ إلى قوله
وإن تَعْدِلُ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا ۱
أصابه حال عظيم وجعل يكررها ويتحرك فكلما مال إلى جهة
مال الحبل نحوها حتى سكن الجبل
ولقد كان أبو محمد الحبيبي يتحدث عن كرامات الشيخ في هذه الفترة فإذا ما سكت سأله الناس واستزادوه
وما كانت حياتهما على الجبل إلا على نباتات الأرض وأعشابها حتى أنه لقد كانت أشداق أبي محمد الحبيبي تتقرح أحياناً فيشفق عليه أبو الحسن وينزل معه إلى شاذلة ليجد الغذاء الذي لا يضر به وإن حياة جهاد في الله كهذه لا بد لها من ثمارها من الكرامات
ومن شفافية النفس ومن القرب من الله ومن رضوانه سبحانه
وليس بغريب إذن أن نعرف أن الله سبحانه أنبع لهما عيناً تجري
بماء عذب
وأن كانت الملائكة - يراها الحبيبي - تحف بأبي الحسن بعضها
يسأله فيجيبه وبعضها يسير معه
۱ سورة الأنعام الآية ۷۰
٣٦
وليس بغريب أن تأتي أرواح الأولياء زرافات ووحدانا - يراها الحبيبي أيضاً - تحف بأبي الحسن وتتبرك به
وما كان الحبيبي واهماً في ذلك وما كان ما يراه سراباً لا حقيقة له ولا وهماً تجسد أو خيالاً تبلور كلا فإن الله سبحانه وتعالى
يقول
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَيْكَةُ
أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ 1
إن الملائكة تتنزل على كل إنسان في هذه الحياة الدنيا بشرطين
۱ - الإيمان
٢ - الاستقامة
ويقول الإمام الغزالي عن خبرة وتجربة عما يشاهده المريد الصادق
في أول طريقه إلى الله
أول الطريق تبتدىء المكاشفات والمشاهدات حتى
أنهم
في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم
أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد ٢
ثم يترقى الحال إلى ۳
وانتهت المدة التي قدر الله أن يقضيها الشيخ بشاذلة وما كانت
۱ سورة فصلت الآية ٣١
درة الأسرار ص ۸
۳ المنقذ من
الضلال
ص ۱۹ الطبعة الخامسة دار الكتب الحديثة
هذه المدة إلا فترة استعداد وتدريب وصقل روحي فلما تم ذلك كان لا مناص من الانتقال من الاستعداد إلى العمل
وأمر الشيخ بأن ينبسط في الأفق بعد أن ارتفع إلى السماء وإن حياة الأولياء الكمل لتسير على هذا النسق ارتفاع إلى الله
أولاً هجرة إلى الله
وقال إني مهاجر إلى ربي ذهاب إليه سبحانه
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبّي ۱
فرار إليه تعالى فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ
إنها فرار إلى الله بالتعبد والنسك بالصلاة والصيام بالقراءة والتسبيح حتى يخلو القلب عما سوى الله ويمتلىء بالله
إنها فترة الغار والتحنث
حتى إذا امتلأ القلب بالله وتطهرت النفس من الرجس أجمع ورمت الشيطان بالجمرات فأصبحت خيراً بحتاً ونوراً يستضاء به كانت المرحلة الثانية مرحلة الرجوع إلى عباد الله للهداية والإرشاد فيؤمر الولي أن يترك الخلوة والعزلة وينزل إلى الميدان مؤيداً من الله يدعو إليه على بصيرة ويرشد مأذوناً مأموراً
فيقول
ويحكي أبو الحسن كيفية نزوله من جبل زغوان ومغادرة العزلة
قيل لي
سورة الصافات الآية ۹۹ ۳ سورة الذاريات الآية ٥٠
۳۸
الغيب
يا علي اهبط إلى الناس ينتفعوا بك
فقلت
يا رب أقلني من الناس فلا طاقة لي بمخالطتهم
فقيل لي
إنزل فقد أصحبناك السلامة ودفعنا عنك الملامة
فقلت
تكلني إلى الناس أكل من دريهماتهم
فقيل لي
أنفق يا علي وأنا الملي إن شئت من الجيب وإن شئت من
ونزل الشاذلي رضي الله عنه من على الجبل ليغادر شاذلة ويستقبل مرحلة جديدة فقد انتهت المرحلة الأولى التي رسمها له
شیخه
وقبل أن نغادر معه شاذلة إلى رحلته الجديدة نذكر ما حكاه رضي
الله عنه فيما يتعلق بنسبته إلى شاذلة قال
قلت يا رب لم سميتني بالشاذلي ولست بشاذلي
فقيل لي
يا علي ما سميتك بالشاذلي وإنما أنت الشاذلي بتشديد الذال المعجمة يعني المفرد لخدمتي ومحبتي
۳۹
سافر الشيخ من شاذلة إلى تونس موطناً النفس على تحمل الابتلاء
الذي سيصادفه في تونس والذي أخبره به شيخه بقوله
ويؤتى عليك بها من قبل السلطنة
وما كان الشيخ يجهل مدينة تونس فقد ذهب إليها من قبل ومكث فيها وهاله ما كان بها من فقر ومسغبة وحاول ما استطاع أن يخفف من لوعات الجوع لدى الجياع وتقول الروايات إنه قابل بها الخضر عليه السلام وأن الخضر أنقذه فيها من مأزق كان فيه بسبب أريحيته وكرمه لقد ذهب إلى تونس من قبل غير موجه ذهب كما يذهب الناس ولكنه الآن ذاهب بالأمر ثم هو ذاهب الآن للدعوة وقد أذن بها فقد
سمع
النداء
يا علي اهبط إلى الناس ينتفعوا بك
ومن المعلوم - في الأعراف الدينية - أن الدعاة على قسمين ۱ - دعاة إلى الله قد أذن الله لهم في نطاق الأذن العام أو الواجب العام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهؤلاء يتفاوت تأثيرهم بتفاوتهم في صفاء النفس وفي طلاقة اللسان وفي العلم بالكتاب الكريم والسنة الشريفة وبعضهم لا تأثير له قط لأنه لم تصف نفسه أو لأن به لكنة أو لجهله الكتاب والسنة أو لغير ذلك من الأسباب
٢ - والقسم الثاني من الدعاة هم الذين يدعون على بصيرة وهم الذين قد أذنوا بإذن خاص وأمروا بأمر خاص إنهم هؤلاء الذين سمعوا النداء وهم لم يسمعوا النداء مصادفة واتفاقاً كلا إنهم جاهدوا
أنفسهم حتى أطاعت وغذوا قلوبهم بالطاعات حتى استنارت وأصبح
سرهم مع الله فأضحوا من أوليائه
وهم ينتظرون الإذن في كل شيء من الأمور حتى المباح منها
فضلاً عن الإذن الخاص بالدعوة
يقول أبو الحسن مفسراً معنى الإذن في المباح ومعنى الإذن في
حق الولي نور ينبسط على القلب يخلقه الله فيه وعليه فيمتد ذلك النور على الشيء الذي يريد فيدركه نور مع نور أو ظلمة تحت نور فذلك النور ينبئك أن تأخذ إن شئت أو تترك أو تقبل أو تدبر أو تعطي أو تمنع أو تقوم أو تجلس أو تسافر أو تقيم هذا باب المباح المأذون فيه بالتخيير
فإذا قارنه القول تأكد الفعل المباح بمراد الله تعالى
فإن قارنته نية صحيحة لفعل برز عن حكم المباح وعاد مندوباً وإن ظهرت الظلمة تحت النور الممتد من القلب فلا يخلو أن يلوح عليها لائح القبض بانقباض القلب فأحذر ذلك وتجنبه فإنه المحذور أو يكاد
ولا تقطع ذلك إلا ببينة من كتاب الله عز وجل أو سنة أو إجماع فإن تلك الظلمة شبه غيم لا ينصدع معه القلب ولا يتفرغ به
الذهن فتباعد عنه فإنه يكاد يكون مكروها
ولا تحكم بعقلك ورأيك فقد ضل من هنا خلق كثيره اهـ
وأصحاب هذا النور يدعون إلى الله بكيانهم كله
٤١
إن صمتهم دعوة إلى الله وإن سيرهم دعوة إلى الله وإن جلوسهم دعوة إلى الله وإن عملهم دعوة إلى الله وإن حديثهم دعوة إلى الله
ويستجيب لهم الناس سراعاً بمقدار ما في قلوبهم من خير وما أفئدتهم من إيمان وينأى عنهم من ليس له في الخير نصيب ويحاربهم من حقت عليه كلمة العذاب
في
لقد أمر أبو الحسن بالدعوة وبمجرد أن دخل تونس التف حوله مباشرة جماعة من الفضلاء منهم الشيخ أبو الحسن علي بن مخلوف الصقلي وأبو عبد الله الصابوني وأبو محمد عبد العزيز الزيتوني وأبو عبد الله البحائي الخياط وأبو عبد ا الله الجارحي
كلهم
أصحاب كرامات على حد تعبير صاحب درة الأسرار
وكان من بينهم الشيخ الصالح أبو العزائم ماضي تلميذ الشيخ وخادمه ثم كثر المريدون وأخذوا يزدادون يوماً عن يوم عن يوم إلى أن اجتمع
عليه خلق كثير ثم
ثم بدأت الغيرة تدب في قلب ابن البراء قاضي القضاة وكلما ازداد إقبال الناس على أبي الحسن كلما اشتدت الغيرة في قلب هذا الرجل إلى أن أصبحت تنهشه نهشاً فضعف أمامها وأعلن الحرب على أبي الحسن كان ابن البراء فقيهاً وكان إذ ذاك قاضي الجماعة كان يعد نفسه الزعيم غير منازع وكان منصبه الرسمي يعلن أنه الزعيم الديني الأكبر وكان ينعم بهذه الزعامة التي أنته عن طريق الدين والتي كانت في حقيقة الأمر زعامة أشبه بالدنيوية منها بالدينية وكان ابن البراء يتخيل أو
٤٢
يتوهم
أن له شعبية ماله
مع من منصب رسمي فلما رأى التفاف الناس بأبي الحسن صور له خياله أن الشاذلي انتزع منه الزعامة الشعبية ولما كان الشاذلي من العلماء في الفقه والتفسير والحديث ولما كان يفتي ويشرح ويفسر فقد خيل إلى ابن البراء أن ليس هناك ما يمنع من ناحية الشخصية أو من ناحية العلم من أن يتولى أبو الحسن منصب قاضي الجماعة وما المانع وما الذي يحول دون ذلك
وأخذ الوسواس مأخذه وسولت النفس الأمارة بالسوء ما سولت
فأعلن ابن البراء الحرب على أبي الحسن
ولم تتخذ الحرب سبيلاً شريفاً فإن ابن البراء حينما رأى أنه لا يمكنه القضاء على أبي الحسن علمياً أخذ يدس له عند السلطان! لقد للسلطان أنه في طريقه إلى أن زعيماً شعبياً خطيراً والأمر يصبح
صور
ليس إلا أمر زمن فكلما مر الزمن ازداد تمكناً وشعبية !
إنه يدعي الشرف وقد اجتمع عليه خلق كثير ويدعى أنه
الفاطمي ويشوش عليك بلادك
ومعنى هذا أن الملك في خطر
وهذه الفكرة الملك في خطر تفعل فعل السحر في نفوس الملوك إنها تقيمهم وتقعدهم وتجعلهم لا يتورعون عن أي عمل
بيد أن أبا زكرياء وهو السلطان إذ ذاك لم يرد أن يتعجل وأراد
أن يرى قبل أن يحكم وينفذ
يقول صاحب درة الأسرار
وكان إذ ذاك السلطان أبو زكرياء رحمه الله
٤٣
فجمع ابن البراء جماعة من الفقهاء في القصبة وجلس السلطان
خلف حجاب وحضر الشيخ رضي الله عنه
وسألوه عن نسبه مراراً والشيخ يجيبهم عليه والسلطان يسمع وتحدثوا معه في كل العلوم فأفاض عليهم بعلوم أسكتهم بها وما استطاعوا أن يجاوبوه عليها من العلوم الموهوبة والشيخ يتكلم معهم في
العلوم المكتسبة ويشاركهم فيها
القد
سمع
السلطان الشيخ يتكلم لقد
سمع هذا النوع من
الحديث الذي يقول فيه - فيما بعد - إمام المسلمين في مصر العزبن عبد السلام ناصحاً المستمعين والمريدين
اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله
لقد
سمع
السلطان هذا الكلام القريب العهد من الله فأعجبه وراعه ورأى السلطان شيخاً مهيباً وإن كان ما زال في سن الفتوة ورأى السلطان نضجاً في العلم ونضجاً في التفكير وروحانية في الحديث وشفافية في البصيرة فقال لابن البراء
هذا الرجل من أكابر الأولياء ومالك به طاقة
ولوح ابن البراء مرة أخرى بالملك وأنه في خطر وأنه يعاديه لحبه للملك ولإخلاصه له ولحرصه على بقاء العرش وقال للسلطان
والله لئن خرج الشيخ في هذه الساعة ليدخلن عليك أهل تونس
ويخرجونك من بين أظهرهم فإنهم مجتمعون على بابك
وأثر تلويح ابن البراء أو تصريحه تأثيره في نفس السلطان فأذن للفقهاء بالخروج وأمر الشيخ بالجلوس والبقاء
وجلس الشيخ هادئاً ساكن النفس مطمئن القلب وطلب ماء
وسجادة فتوضأ وأخذ في الصلاة
وهم
أن يدعو على السلطان فنودي في
سره
إن الله لا يرضى لك أن تدعو بالجزع من مخلوق
وبدل الدعاء الهمه الله أن يقول
يا من وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَتُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ العظيم أسألك الإيمان بحفظك إيماناً يسكن به قلبي من هم الرزق
وخوف الخلق
وأقرب مني بقدرتك قرباً تمحق به عني كل حجاب محقته عن إبراهيم خليلك فلم يحتج لجبريل رسولك ولا لسؤاله منك وحجبته بذلك من نار عدوك وكيف لا يحجب عن مضرة الأعداء من غيبته عن منفعة الأحباء كلا إني أسألك أن تغيبني بقربك مني حتى ! لا أرى ولا أحس بقرب شيء ولا ببعده عني إنك على كل شيء قدير ا هـ هذه الكلمات الإلهامية دخلت فيما بعد في بعض أحزابه
ها هو ذا الشيخ يصلي ويدعو ويلجأ إلى مولاه طالباً الرضا والقرب وأن يغيبه بالقرب في القرب وبينما هو مستغرق في دعائه وتبتله إذا بالمقادير ترتب الأمر على وضع غير متوقع
هل في العالم مصادفات
أيحدث في الكون أمر من الأمور اتفاقاً واعتباطاً
لقد كان عند السلطان في ذاك الحين جارية عزيزة عليه أحبها
فملكت عليه جميع أقطاره وفي
لحظات مرت سراعاً أصابها وجع
فتألمت واستغاثت ولم تمهلها الأقدار فماتت من حينها وما من شك أن أجلها كان قد انتهى وأن هذه اللحظة كانت مقدرة في علم الله
في
6
من الأزل نعم لا ريب في ذلك ولكنه لا ذلك ولكنه لا ريب أيضاً في أن المقادير رتبت هذا ساعة أن منع الشيخ من الخروج فجاء موتها وكأنه عقاب للسلطان على منعه الشيخ من الخروج
أهي كرامة وماذا تكون الكرامة غير ترتيب مقادير أو تصرف
مقادير أو تدبير مقادير
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْتَهُ بِقَدَرٍ ۱ أترى للمصادفة دخل مع هذه الآية العامة لقد جاء أجل الجارية فماتت من حينها فأصيب من أجلها فغسلت في بيت سكناه واشتغلوا بغسلها وتكفينها وأخرجوها
للصلاة
وأغفلوا مجمراً في البيت٢
لقد كان تدبيراً منذ الأزل أيضاً حدث في اللحظة التي قدرتها العناية الإلهية وكانت هذه اللحظة هي التي يجلس فيها الشيخ مصلياً متبتلا وكأنه - بحسب الظاهر - في سجن وإن كان في قصر الملك
يقول صاحب درة الأسرار
واغفلوا مجمراً في البيت فالتهبت النار فلم يشعروا حتى احترق كل ما في البيت من الفرش والثياب وغير ذلك من الذخائر
1 سورة القمر الآية ٤٩
درة الأسرار ص ۳۰
٤٦
فعلم
السلطان أنه أصيب من قبيل هذا الولي ۱
6
وكان للسلطان أخ عاقل صالح متدين يحب أولياء الله ويسعى إليهم وكان يحب الشيخ ويتبرك به ويزوره مستر شداً ومستنصحاً وكان في هذا اليوم في خارج المدينة يتفقد بساتينه ويتنزه فيها فبلغه خبر ما جرى في قصر السلطان من مناقشات ومن حوادث فحضر مسرعاً والتقى بأخيه وقال له
ما هذا الأمر الذي أوقعك فيه ابن البراء أوقعك والله في الهلاك
أنت وكل من معك
ثم دخل على الشيخ وأخذ يعتذر إليه ويترضاه فأعلن الشيخ موقفه من مثل هذه الأمور وبين لأخي السلطان أن الكون وما فيه ومن فيه في قبضة الله الكبير المتعال وقال له
والله ما يملك أخوك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً فكيف يملكها للغير كان ذلك في الكتاب مسطوراً وخرج الشيخ إلى داره في اليوم نفسه واستمر كعادته في الإرشاد
والنصح والتدريس
مکان
ولكن ابن البراء لم يكف عن الإيذاء فكان الشيخ يقابله دائماً بما جبله الله عليه من التسامح وكان يلقي عليه السلام إذا صادفه في ما فلا يرد ابن البراء عليه السلام
وعزم الشيخ على الحج فأمر أصحابه بالنقلة إلى المشرق قبل موعد الحج بزمن طويل وذلك ليمكث بمصر فترة من الزمن قبل الذهاب
۱ درة الأسرار ص ۳۰
٤٧
إلى الديار المقدسة
وبدأ الركب يتحرك ونهضت تونس مودعة وكانت حركة وكان ضجيجاً وعلمت تونس كلها أن أبا الحسن راحل وعلم السلطان فيمن علم وظن أن أبا الحسن يريد الخروج نهائياً من تونس فوقع الرعب في
قلبه وأسرع بتوجيه وفد يرجوه في العودة فقال الشيخ
ما خرجت إلا بنية الحج إن شاء الله تعالى ولكن إذا قضى الله
حاجتي أعود إن شاء الله
يقول صاحب درة الأسرار
فلما توجهنا إلى المشرق ودخلنا الإسكندرية عمل ابن البراء
عقداً بالشهادة أن هذا الواصل إليكم شوش علينا بلادنا وكذلك يفعل في
بلادكم
فأمر السلطان أن يعتقل بالاسكندرية
فأقمنا بها أياماً
وكان السلطان رمى رمية على أشياخ في البلاد يقال لهم القبائل فلما سمعوا بالشيخ أتوا إليه يطلبونه في الدعاء فقال لهم
غداً إن شاء الله نسافر إلى القاهرة ونتحدث
مع السلطان فيكم
قال فسافرنا وخرجنا من باب السدرة والجنادة فيه والوالي ولا يدخل أحد ولا يخرج حتى يفتش فما كلمنا أحد ولا علم بنا فلما وصلنا القاهرة أتينا القلعة فاستأذن على السلطان قال كيف
وقد أمرنا أن يعتقل بالاسكندرية
٤٨
فأدخل على السلطان والقضاة والأمراء فجلس معهم ونحن ننظر
إليه قال له الملك
ما تقول أيها الشيخ
فقال له
جئت أشفع إليك في القبائل
فقال له
اشفع في نفسك هذا عقد بالشهادة فيك وجهه ابن البراء من
تونس بعلامته فيه ثم ناوله إياه
فقال له الشيخ
أنا وأنت والقبائل في قبضة الله
وقام الشيخ
فلما مشى قدر العشرين خطوة حركوا السلطان فلم يتحرك ولم ينطق فبادروا إلى الشيخ وجعلوا يقبلون يديه ويرغبونه في الرجوع إليه قال فرجع إليه وحركه بيده فتحرك ونزل عن سريره وجعل يستحله ويرغب منه في الدعاء
ثم كتب إلى الوالي بالاسكندرية أن يرفع الطلب عن القبائل ويرد
ما أخذه
جميع
منهم
في
وأقمنا عنده القلعة أياماً
واهتزت بنا الديار المصرية إلى أن طلعنا إلى الحج
ورجعنا إلى مدينة تونس 1
۱ درة الأسرار ص ۳۱ - ۳
رجع الشيخ إلى مدينة تونس واستمر بها هادياً مرشداً داعياً إلى الله ورسوله ولكن ثورة ابن البراء لم تهدأ بل على العكس زادت بنسبة زيادة أنوار الشيخ وزيادة أتباعه
وفي هذه الأثناء قدم إلى تونس الشيخ الولي أبو العباس المرسي فلما اجتمع الشيخ به ورآه قال
ما ردني لتونس إلا هذا الشاب هذا الشاب الذي لازمه فلم يفارقه منذ لقائه به إلى أن انتهت بالشيخ الحياة فكان الخليفة بعده واستمر الشيخ بتونس لا يبالي بمكائد ابن البراء - وكان يعلم أن مقامه بتونس مؤقت بناء على ما ذكره له شيخه كما سبق
ولكنه كان مقيماً ينتظر الإذن بالسفر وما كان له وقد حضر إلى تونس من الحج واستقر به المقام بها أن يسافر إلا بإذن وأتى له الإذن يقول رضي الله عنه
رأيت النبي في المنام فقال لي
يا علي انتقل إلى الديار المصرية تربى فيها أربعين صديقاً
ورغم
أنه كان في زمن الصيف وشدة الحر فإنه أمر أصحابه بالاستعداد للسفر فلما تم ذلك في سرعة سريعة سافر الشيخ إلى الديار المصرية
وصل الشيخ إلى الإسكندرية يقول صاحب درة الأسرار وكان مسكنه رضي الله عنه بالإسكندرية ببرج من أبراج السور
0
حبسه السلطان عليه وعلى ذريته دخلته عام خمسة عشر وسبعمائة في أسفله ماجل كبير ومرابط للبهائم وفي الوسط منه مساكن للفقراء وجامع
كبير وفي أعلاه أعلية لسكناه ولعياله وتزوج هنالك وولد له أولاد
منهم الشيخ شهاب الدين أحمد وأبو الحسن علي وأبو عبد الله محمد شرف الدين أدركته بدمنهور قاطناً بها ومن البنات زينب ولها أولاد رأيت بعضهم وعريفة الخير أدركتها بالاسكندرية وما عرفت غير هؤلاء اهـ
أما نوع معيشته في الديار المصرية فإنه يصفها في إحدى رسائله إلى بعض أصدقائه بتونس وهي رسالة طويلة يقول فيها رضوان الله
عليه
الكتاب إليكم من الثغر ۱ حرسه الله ونحن في سوابغ نعم الله نتقلب وهو بفضله وبوده إلينا يتحبب قد ألقى علينا وعلى أحبابنا كنفه وجعلنا عنده
فما ألطفه ندعوه فيلبينا وبالعطاء قبل السؤال ينادينا فلله الحمد كثيراً كما ينبغي لوجهه الكريم وجلاله العظيم
وأما الأهل والأولاد والأصهار والأحباب ففي سوابغ نعم الله يتقلبون وبإحسانه ظاهراً وباطناً مغمورون نسأل الله المزيد التام العام لكم ولهم أجمعين وأن ينوب عنا في شكره إنه أكرم
الأكرمين ا هـ اهـ
۱ يعني الاسكندرية
درة الأسرار
이
رضي
ولقد كانت إقامته بمصر مصداقاً لما نودي به حينما دخلها يقول
الله عنه
لما قدمت الديار المصرية قيل لي
يا علي ذهبت أيام المحن وأقبلت أيام المنن عشر بعشر اقتداء بجدك اهـ
ولقد كانت مصر حينئذ تعتز بمجموعة من أكرم العلماء وأفضلهم علماً وخلقاً وصلاحاً مجموعة وهبت نفسها الله وأسلمت قيادها له فأحاطها الله بعنايته وتكفلها برعايته ووضع حبها في قلوب الناس
ووضع مهابتها في أفئدتهم فكانت محبوبة مهيبة
ولقد استقبلت هذه المجموعة أبا الحسن أجمل استقبال وأحسنه ورافقته متتلمذة ومتآخية يقول صاحب المفاخر العلية نقلا عن ابن
مغيزل
إن الشيخ رضي الله عنه لما قدم من المغرب الأقصى إلى مصر
6
صار يدعو الخلق إلى الله تعالى فتصاغر وخضع لدعوته أهل المشرق والمغرب قاطبة وكان يحضر مجلسه أكابر العلماء من أهل عصره مثل
سيدي الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد والشيخ عبد العظيم المنذري وابن الصلاح وابن الحاجب والشيخ جمال الدين عصفور والشيخ نبيه الدين بن عوف وهؤلاء سلاطين علماء الدين شرقاً وغرباً في عصرهم وأيضاً الشيخ الدين بن سراقة والعلم ياسين تلميذ ابن العربي رضي الله عنهم فكانوا يحضرون ميعاده بالمدرسة الكاملية بالقاهرة لازمين الأدب مصيخين له متلمذين بين يديه وأن الشيخ الإمام قاضي القضاء
محيي
۵
بدر الدين بن جماع الولي ابن الولي ابن الولي رحمهم الله كان يرى أنه في بركة الشيخ أبي الحسن في مصر وكان يفتخر بصحبته وبحضور
جنازته والصلاة عليه بحميثرة ۱
ويأتي الشيخ من الحج فيقابله أمير العلماء العز بن عبد السلام في
موضع يقال له البركة يبعد عن القاهرة بستة أميال
لقد كانت إقامته بمصر فترة استقرار مادي ومعنوي وكانت فترة خصبة من حيث الدعوة ومن حيث تربية الرجال
استمر الشيخ يدعو إلى الله بمصر إلى أن كان شهر شوال سنة ٦٥٦ هـ وفي هذا الشهر أخذ الشيخ في الشيخ في السفر إلى الأراضي المقدسة للحج فلما كان في حميثرة بصحراء عيذاب وهي بين قنا والقصير جمع الشيخ أصحابه في إحدى الأمسيات وأوصاهم بأشياء وأوصاهم بحزب البحر وقال لهم
بأشياء
حفظوه لأولادكم فإن فيه اسم الله الأعظم
ثم
خلا بأبي العباس المرسي رضي الله عنهما وحده وأوصاه
واختصه بما خصه الله به من البركات
ثم وجه الحديث لأصحابه قائلا
إذا أنا مت فعليكم بأبي العباس المرسي فإنه الخليفة من
1 المفاخر العلية ص ١٥
بعدي وسيكون له بينكم مقام عظيم وهو باب من أبواب الله سبحانه
وتعالى
يقول
وبات تلك الليلة متوجهاً إلى الله تعالى ذاكراً يسمعه أصحابه وهو
إلهي إلهي
ميتا ۱
فلما كان السحر سكن فظننا أنه نام فحركناه فوجدناه
وجاء الشيخ أبو العباس فغسله وصلى الجميع عليه ودفن حيث
توفاه الله
وقد كان للشيخ أولاد ذكور فلم يفكر في أن يستخلف أحدهم وإنما استخلف من رآه أحق بالخلافة ونرجو أن يعتبر به رجال الطرق في العصر الراهن فلا يجعلوا الطريقة مورد رزق تورث كما يورث الله أبا الحسن وطيب الله ثراه ونفعنا ببركاته إنه نعم
العقار ورحم
المجيب
۱ درة الأسرار
امه
الفصل الثاني
شخصية الشاذلي
هو أبو الحسن علي الشاذلي الحسني بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف بن يوشع بن ورد بن بطال علي بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد ابن سید شباب أهل الجنة وسبط خير البرية أبي محمد الحسن ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله ۱
يقول أبو العزايم ماضي يصف الشيخ رضي الله عنه كانت صفته رضي الله عنه الله عنه آدم اللون نحيف الجسم طويل القامة خفيف العارضين طويل أصابع اليدين كأنه حجازي
وكان فصيح اللسان عذب الكلام
وكان رضي الله عنه يأخذ زينته عند كل مسجد وإذا كان رسول
الله يقول
1 عن لطائف المنن لابن عطاء الله السكندري
00
جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً
أي أن الأرض - أينما كان الإنسان عليها - كلها مسجد فإن أبا الحسن كان يتحلى دائماً بالثياب الحسنة
دخل عليه مرة فقير وعليه لباس من شعر فلما فرغ الشيخ من
كلامه دنا من الشيخ وأمسك بملبسه وقال
يا سيدي
الله
فأمسك الشيخ ملبسه فوجد فيه خشونة فقال
ولا عبد
الله
ما عبد بمثل هذا اللباس الذي عليك
هذا اللباس الذي عليك لباسي يقول أنا
غني
بمثل
عنكم فلا تعطوني ولباسك يقول أنا فقير إليكم فأعطوني١ ويعقب ابن عطاء الله السكندري على هذه القصة فيقول وهكذا طريق الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن رضي الله
عنهما
وطريقة أصحابهما الإعراض عن لبس زي ينادي على سر اللابس بالإفشاء ويفصح عن طريقه بالإبداء ومن لبس الزي فقد ادعى ثم يبين ابن عطاء الله أنه لا ينتقد زي الفقراء وأنه لا حرج اللابس هذا الزي ولا على غير اللابس ما داما من المحسنين
ما على المحسنين من سبيل
على
وفي يوم من الأيام دخل أبو العباس المرسي على الشيخ أبي الحسن وفي نفسه أن يأكل الخشن وأن يلبس الخشن فقال له
الشيخ
۱ لطائف المنن ص ۱۹
٥٦
يا أبا العباس اعرف الله وكن كيف شئت
ومن عرف الله فلا عليه أيضاً إن أكل هنيئاً وشرب مريئاً وما كان أبو الحسن يتعمد قط أن يأكل الغليظ من الطعام أو
يقتصر على غير الزلال البارد من الشراب إنه يقول
يا بني برد الماء فإنك إذا شربت الماء السخن فقلت الحمد الله تقولها بكزازة وإذا شربت الماء البارد فقلت الحمد الله استجاب كل عضو منك بالحمد لله
والأصل في هذا قول الله سبحانه حكاية عن موسى عليه السلام فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظَّلِ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَى ۱
ألا ترى كيف تولى إلى الظل قصداً لشكر الله تعالى على ما ناله
من النعمة
وعن ذلك وبياناً لنهج الطريقة الشاذلية الذي رسمه أبو الحسن
يقول ابن عطاء الله
وأما لبس اللباس اللين وأكل الطعام الشهي وشرب الماء البارد فليس القصد إليه بالذي يوجب العتب من الله إذا كان معه الشكر الله اهـ
وهذا كله طبعاً يتمشى مع قوله تعالى
و قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ
امَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَمَةُ ٢
۱ سورة القصص الآية ٢٤
سورة الأعراف الآية ٣٢
۵۷
ويقول الأستاذ علي سالم عمار
كان الشاذلي يلبس الفاخر من الثياب ويركب الفاره من
الدواب ويتخذ الخيل الجياد اهـ
ومهما يكن من شيء فإن أبا الحسن كان ينصح دائماً بالاعتدال ويعلن للمريدين قائلا لا تسرف بترك الدنيا فتغشاك ظلمتها أو تنحل أعضاؤك لها فترجع لمعانقتها بعد الخروج منها بالهمة أو بالفكرة أو بالإرادة أو بالحركة ا هـ
لأن
والقاعدة العامة على كل حال اعرف الله وكن كيف شئت وذلك من عرف الله تعلق قلبه به وامتلأ بحبه فلا يتأتى منه إلا الفضيلة أما في أيام المواسم الروحية الكبرى وفي أيام الحفلات الدينية العظمى فقد كان يحاول ما أمكن أن يلفت أنظار الناس إليها حتى تستمر هذه المواسم حية في نفوسهم يحيونها بالذكر والعبادة ويحتفلون بها متصدقين بجميع أنواع الصدقات
فكان إذا ركب في هذه المواسم تمشي أكابر الفقراء وأكابر الدنيا حوله وتنشر الأعلام على رأسه وتضرب الكاسات بين يديه ١ وما كان الشاذلي من الذين يسعون وراء الشهرة الزائفة أو غير الزائفة ولكن الناس لا بد لهم دائماً من هزة قوية تلفت أنظارهم وأرواحهم إلى المواسم الدينية وتذكرهم بها
من كل ذلك نرى أبا الحسن في الجانب المادي البشري غير متزمت وهو الذي يقول ليس هذا الطريق بالرهبانية ولا بأكل الشعير
1 الكواكب الدرية
۵۸
والنخالة ولا ببقيقة الصناعة وإنما هو بالصبر على الأوامر واليقين في
الهداية كما قال تعالى
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَبِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا ايَتِنَا يُوقِنُونَ ۱ لقد كان أبو الحسن الشاذلي جميل المظهر عذب الحديث فصيح اللسان غير متزمت في المأكل والمشرب يحب الخيل ويقتنيها ويركبها فارساً ويركبها في المواسم الدينية
هذا هو أبو الحسن في صورته البشرية الشكلية ولو كان أبو الحسن هو هذا فحسب لما ذكرته الدنيا ولما خلد على التاريخ ونتحدث الآن عن أبي الحسن العالم وعن أبي الحسن الصوفي
يقول سيدي عبد الوهاب الشعراني
بلغنا أن الشيخ الكامل أبا الحسن الشاذلي لما فنى اختياره مع الله مكث ستة أشهر لا يتحرى أن يسأل الله شيئاً في حصول شيء
ثم نودى في سره اسألنا عبودية لا ترجيح فيها للعطاء عن المنع قال فسألت الله ورجوته امتثالاً لا تحجيراً عليه فإنه يخلق ما
يشاء ويختار وليس معه اخیتار اهـ
لقد فني اختيار أبي الحسن مع الله وهذه المرتبة أبي الحسن مع الله وهذه المرتبة لا يتأتى للإنسان أن ينالها في ابتداء حياته السائرة إلى الله لا بد أن يسبقها جهاد شاق كيف وصل أبو الحسن إلى أن
۱ سورة السجدة الآية ٢٤
۵۹
يسترسل مع
الله على ما يريد فتفنى إرادته في إرادته واختياره وأن يكون
بالله إيراداً وإصداراً
لقد كان الجانب العلمي من العناصر الأولى التي حددت شخصية الشاذلي لقد بدأ الدراسة والتحصيل صغيراً فتثقف كأحسن ما يكون المثقف لقد تثقف على الطريق العادي فحفظ القرآن ودرس السنة
ودرس العلوم الدينية وسائل وغايات ولم يدخل في علوم القوم حتى كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة
وكان ذا علوم جمة
وهو صاحب العلوم الغزيرة ۱
ثم
أخذ يختار الكتب
ولقد تدرج في هذه العلوم سلماً فسلماً التي يدرسها ويشرحها وينصح بقراءتها ويحبب في أصحابها وكان
منها
١ - كتاب ختم الأولياء للحكيم الترمزي وهو كتاب أقام الجو الثقافي وأقعده حين صدوره وكان سبباً في صعوبات كثيرة اعترضت المؤلف بسبب الآراء التي احتوى عليها
وهو كتاب أثار اهتمام الإمام الأكبر محيي الدين بن عربي إثارة كبرى فأفرد له كتاباً خاصاً ثم أفرد له صفحات وصفحات من كتاب الفتوحات وحاول أن يجيب على ما ورد فيه من أسئلة ووضع نفسه
بهذا موضع الاختبار وهو من هو فلسفة وحكمة وعلماً وتصوفاً ووضع نفسه أيضاً بهذا موضع التحدي وكأنه يقول هأنذا أجيب
۱ لطائف المنن ص ٤٤
יך
على الأسئلة متحدياً في ما يتعلق بصحة الإجابة لقد كان الشاذلي يلقي دروساً في شرح هذا الكتاب ولقد بلغ من روعة هذه الدروس أن كان أبو العباس المرسي يحرص كل الحرص على حضورها لما كان لها في نظره من الأهمية وحينما يكون على سفر في
شأن
من شؤون الدعوة فإنه يلتمس كل وسيلة تمكنه من حضورها ولقد كان كتاب ختم الأولياء مفقوداً إلى عهد قريب ثم عثر
الأستاذ عثمان يحيى عليه فطبعه في بيروت طبعة محققة مع دراسة
عن
الترمذي ويقول ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه عن أبي العباس المرسي وكان هو والشيخ أبو الحسن كل منهما يعظم الإمام الرباني محمد بن علي الترمذي وكان لكلامه عندهما الحظوة التامة
وكانا يقولان أنه أحد الأوتاد الأربعة ا هـ
وقبل أن نتحدث عن كتاب آخر نذكر هنا ما رواه ابن عطاء الله
السكندري قال
أخبرني بعض أصحابنا قال
قال الشيخ قيل لي
ما على وجه الأرض مجلس في الفقه أبهى من مجلس الشيخ عز الدين بن عبد السلام ولا على وجه الأرض مجلس في علم الحديث أبهى من مجلس الشيخ زكي الدين عبد العظيم ولا على وجه الأرض مجلس في علم الحقائق أبهى من مجلسك
- وكتاب المواقف والمخاطبات من تأليف الشيخ محمد بن
٦١
عبد الجبار النفري وهو كتاب ليس بالسهل لأنه يعبر عن حالات روحية عالية لا يتأتى لغير أصحاب الأذواق العالية فهم الكثير منها وهو كتاب للخاصة وأراد أبو الحسن أن ييسره لكل من عنده استعداد وأن يفتح مغاليقه لكل من يستشرف عالم الحكمة
يقول ابن عطاء الله عن الشيخ أبي الحسن
كان يوماً في القاهرة في دار الزكي السراج وكتاب المواقف
للنفري يقرأ عليه فقال
أين أبو العباس
فلما حضر قال الشيخ
تكلم يا بني تكلم بارك الله فيك تكلم ولن تسكت بعدها أبداً
قال أبو العباس
فأعطيت لسان الشيخ من ذلك الوقت اهـ
ولقد طبع هذا الكتاب بالقاهرة
٣ - كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكي
٤ ـ كتاب الإحياء للإمام الغزالي وهذان الكتابان من واد واحد ولقد تأثر الإمام الغزالي في كتابه الإحياء بأبي طالب المكي وذكر أنه قرأ كتاب قوت القلوب كوسيلة من الوسائل التي تعرفه بالتصوف وذلك قبل أن يأخذ في الجانب العملي
والرياضة الصوفية
القد
نصح الإمام الشاذلي بقراءتهما فقال عن قوت القلوب
عليكم بالقوت فإنه قوت وقال عن الكتابين
كتاب الإحياء يورثك العلم وكتاب القوت يورثك النور
ولقد كان الشيخ أبو الحسن يقول
إذا عرضت لكم إلى الله حاجة فتوسلوا إليه بالإمام أبي حامد ه ـ ومن قبيل الكتابين السابقين كان الإمام الشاذلي يقرأ أيضاً الرسالة القشيرية ويشرحها وقد سبق شيء من الحديث في ذلك وسيأتي أيضاً حديث عنه ٦ - وكتاب الشفاء للقاضي عياض من الكتب المباركة التي نالت تقديراً كبيراً في أوساط كثيرة وكان يقرؤه أبو الحسن وينصح بقراءته
- وكتاب أبي الحسن المفضل في التفسير هو كتاب المحرر الوجيز لابن عطية وهو كتاب يشرحه عنوانه فهو محرر كلماته منتقاة
متخيرة وعباراته دقيقة
وهو وجيز وإن لم يكن في إيجاز تفسير الجلالين أو البيضاوي وقد بدأ طبعه الآن في المغرب فطبع منه الجزءان الأول والثاني
هذه
هي
الكتب التي ورد ذكرها فيما كتب عن أبي الحسن في
المصادر القديمة وهي كتب مختارة في غاية النفاسة تدل على مشرب التفسير والسيرة النبوية والتصوف
عال في
وليس بغريب بعد ذلك أن ينقل الإمام الشعراني رضي الله عنه في
الطبقات عن شيخه على الخواص أنه قال
كانت القاعدة عند الشيخ أبي الحسن الشاذلي والشيخ أبي
٦٣
العباس تاج الدين بن عطاء الله والشيخ ياقوت العرش في قبول الطلاب ألا يدخل أحد الطريق إلا بعد تبحره في علوم الشريعة وآلاتها بحيث يقطع العلماء في مجالس المناظرة بالحجج الواضحة
فإذا لم يتبحر كذلك لا يأخذون عليه العهد اهـ
إن العلم عنصر من عناصر شخصية الإمام الشاذلي وهو عنصر من عناصر طريقته أيضاً وصلى الله على من أمر أن يقول
رَبِّ زِدْنِي عِلْما ۱
وسبحان القائل
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَموا
وتقدس الذي يقول
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَحَتْ ۳
ويصل أبو الحسن إلى الذروة حينما يعتبر الجهل والرضا به من
الكبائر بل حينما يعتبره من أكبر الكبائر ويقول
لا كبيرة عندنا أكبر من اثنين حب الدنيا بالإيثار والمقام على
الجهل بالرضا
لأن حب الدنيا أساس كل خطيئة
والمقام على الجهل أصل كل معصية
۱ سورة طه الآية ١١٤
سورة فاطر الآية ۸ ۳ سورة المجادلة الآية ۱۱
نبین به
ولا يتأتى أن نجاوز الجانب العلمي دون أن نذكر مثالاً مدى ما وصل إليه أبو الحسن من عمق عميق ومن فهم دقيق في
المسائل العلمية
ونحن كلما رأينا إشارات من علم أبي الحسن الذي ألبس فيه العلم الرسمي نسيم الأرواح وألبست فيه معارج الأرواح صورة العلم الرسمي أقول كلما رأينا ذلك أسفنا كل الأسف على ما حصل من إهمال في تقييد دروس أبي الحسن ومع ذلك فإن أبا الحسن قد ربي رجالاً بدلاً أن يخرج كتباً ولقد سئل رضي الله عنه
لم لا تضع الكتب في الدلالة على الله تعالى وعلوم القوم
فقال رضي
كتبي
الله عنه
أصحابي ١
ومع إيماننا بأنه ربى رجالاً نشروا علمه وأذاعوا طريقته فقد كنا نتمنى أن لو اهتم أحد مريديه بتقييد نفائسه ودرره
والمثال الذي نذكره الآن مأخوذ من رسالة طويلة كتبها لأحد
أصدقائه بتونس هو سيدي علي بن مخلوف
وهذا المثل عن الروح وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
هذه الآية الكريمة كانت مثار خلاف شديد بين المفسرين من مختلف النزعات وذلك أن كثيراً من المفسرين رأوا أن الآية إنما هي
۱ لطائف المنن لابن عطاء الله السكندري
سورة الإسراء الآية ٨٥
0
نهي عن البحث في الروح بمعنى النفس الإنسانية لأنها من أمر الله فالله سبحانه وهي من أمره هو وحده العالم بها
وعارص هؤلاء كثيرون يرون أن الروح في الآية الكريمة إنما هو القرآن الكريم بدليل سياق الآيات السابقة واللاحة فإنها كلها في القرآن الكريم والقرآن يسمى روحاً كما جبريل عليه السلام يسمى
روحاً
هل الآية نهي عن البحث في الروح أم أن الروح في الآية شيء آخر غير النفس الإنسانية
ولم يأخذ أبو الحسن بهذا الرأي أو بذاك وإنما أدلى برأي نشهد
بأصالته وعمقه ودقته يقول رضي الله عنه
ومن ظن أن هذا العلم أعني علم الروح وغيره مما ذكر وما لم يذكر لم يحط به الخاصة العليا أهل البدء الأعلى فقد وقع في عظيمين جهل أولياء الله إذ وصفهم بالقصور عن ذلك وظن بربه أنه منعهم وكيف يجوز أن يظن على مخصوص
وسری به التكذيب إلى القدرة والشرع بقوله عن اليهود أو عن
العرب كما تضمن الخلاف
وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ۱
فما الدليل لك منهما على جهل الصديقين وأهل خاصة الله العليا والكشف عن هذا أن السؤال يقع بأربعة أحرف بهل وكيف
ولم ومن فهل يقع بها السؤال عن الشيء أموجود هو أو معدوم
1 سورة الإسراء الآية ٨٥
حال الشيء
وكيف يقع بها السؤال عن حال
ولم يقع السؤال بها عن العلة
وليس في الآية شيء من هذا فإنك إن قلت فيها معنى هل ومعنى
هل يقتضي هل الروح موجود أو معدوم وقد عرفوا وجوده من قبل ولولا ذلك لما قال ويسألونك عن الروح فثبت أنهم عرفوا وجوده فبطل هذا
وليس فيها سؤال عن الحال كيف هو ولا سؤال عن العلة لم كذا
وكذا ولو كان سؤالهم عن هذين لما قنعوا بقوله قل الروح من أمر ربي ولشغيوا وتردوا إذ ذاك شغلهم وعادتهم وإرادتهم فثبت أن السؤال إنما كان عن الشيء من أين هو بدليل الجواب والبيان الظاهر الشافي بقوله قل الروح من أمر ربي إذ الرسول عالم بما سألوا عنه فأجاب عن الله بذلك كما تقول آدم نسألك عنه وفهم المسؤول السؤال فقال آدم من تراب فإذا رضي الجواب قنع وليس يرجع العدو إلا بفهم عظيم من الحق العظيم الذي لا مرد له فكيف يزعم الزاعم أنه لا يعرف ولا يجوز أن يعرف فقد أوجب الله علينا معرفته ولا مثل له ولو ضيعناها لكنا كفاراً أو عصاة فكيف بموجود مخلوق أمثاله كثيرة هذا عين الجهل أن يقال لا يجوز أن يعرف من له المثل والنظير وهو الروح ويوجب معرفة من لا شبيه له ولا نظير فنعوذ بالله من جهل الجاهلين وظلم الظالمين والذي أقول به إن الله أسراراً لا يسع فيها الرسم ولا يليق بها الكتم أن لا ترسم في الدواوين لعمي البصائر وضعفاء النجائر ولا يليق بها الكتم لوضوحها وشدة ظهورها فلا تعبأن بهم مع كثرة حججهم وذل للحق واخضع له فيما هم فيه وأعرض عنهم فيما لا علم لهم
٦٧
به وقد أمر الله سبحانه نبينا محمد و بالاقتداء بإبراهيم وسائر الأنبياء
عليهم السلام وهو الفاضل الذي لا يصل إليه أحد
ويقول قد شاركتهم في النبوة والرسالة والهداية والأمور الطارئة على النفوس والأبدان والقلوب والأرواح واقتد بهم فيما فيه الشركة ومما خصصنا به ففينا وإلينا كذلك أيضاً من فهم هذا السر دان الله المؤمنين ومع أوساطهم ومع الأعلين وفارقهم فيما هو خاص
للمخصوصين
مع
عامة
فإن تكن منهم فازدد بعلمك وعملك فقراً إلى الله وتواضعا لعباده واعطف بالرحمة على عامة المؤمنين وإن كانوا ظالمين إلا حيث أمرك الله بالغلظة عليهم مع الدعاء الصالح والدفع عنهم اهـ
وأظن أنه لا غرابة بعد هذا في أن يروي ابن كثير - كما يذكر صاحب المفاخر - أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان يحضر مجلس الأستاذ أبي الحسن فيسمع تقريره للحقائق ويشاهد حسن إفصاحه عن العلم اللدني فعند ذلك يحصل له وارد من جانب الحق ويركض على قدميه طرباً مع المريدين ويقول
تأملوا هذا التقرير فإنه قريب من ربه ا هـ
ولقد لمس المؤرخون لأبي الحسن والشعراء المادحون له هذا الجانب العلمي عنده ورأوا ما فيه من أصالة وعمق فأشادوا به ومن هؤلاء الإمام البوصيري صاحب البردة الذي يصفه في قصيدة يمدحه بها
بأنه بحر العلم
أما ابن المبلق فيقول عن أبي الحسن
لقد كان بحراً في الشرائع راسخا ولا سيما علم الفرائض والسنن ومن منهل التوحيد عب وارتوى فلله كم روى قلوبا بها محن وحاز علوما ليس تحصى لكاتب وهل تحصر الكتاب ما حاز من فنن
وقد سبق أن ذكرنا ما قاله ابن عطاء الله السكندري في وصف هذا
الجانب العلمي
وما من شك في أن أبا الحسن
كان عالماً عارفاً بالعلوم الظاهرة جامعاً لدقائق فنونها ومفتضاً لأبكار المعاني وعيونها من حديث وتفسير وفقه وأصول ونحوه وتصريف ولغة ومعقول وحكمة وآداب
عنه
وأما علوم المعارف الإلهية فقطب رحاها وشمس ضحاها ۱ ونختم هذا الجانب العلمي عند أبي الحسن بقول صاحب المفاخر
وهو صاحب الإشارات العلية والعبارات السنية جاء في طريق القوم بالأسلوب العجيب والمنهج الغريب الذي جمع بين العلم والحال أو الهمة والمقال وتخرج بصحبته جماعة من الأكابر مثل أبي العباس المرسي وأبي العزائم ماضي وغيرهم وتلمذ له أعيان كثيرة من أعيان أهل الله تعالى
ويقول شارح القاموس المحيط السيد مرتضى الزبيدي صاحب
تاج العروس
وممن كان يحضر مجلسه العز بن عبد السلام وابن دقيق
۱ المفاخر العلية لابن عياد
العيد وناهيك بهما والحافظ المنذري وابن الحاجب وابن الصلاح وابن عصفور وغيرهم بالكاملية من القاهرة ۱ اهـ
في
العنصر الثاني في هذه الشخصية هو عنصر الكفاح ونبدأ مباشرة
هذا المجال بما سبق أن كتبناه تحت عنوان
أبو الحسن الشاذلي في معركة المنصورة
ونبدأ بهذا الموضوع حينما نتحدث عن كفاح الحسن وذلك لما يظنه بعض الناس من أن الصوفية قوم كسالى وأن التصوف مظهر من مظاهر الضعف والواقع أن حياة أبي الحسن حين يرسمها الإنسان تظهر وكأنها معول يهدم ما يبنيه أعداء التصوف من شبهات حوله ولنبدأ بالجهاد بعد أن صورنا الجانب العلمي وإذا كان التصوف لا يألف الجهل كما رأينا فإنه حليف للكفاح كما سنرى
خریج
وَجَهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَاجْتَبَكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
إذا عدنا إلى أواخر النصف الأول من القرن السابع الهجري وذهبنا بخيالنا نرتاد أرجاء مدينة المنصورة رأينا ظاهرة لا عهد لمن
مارسوا الحروب الحديثة برؤيتها إلا نادراً !!!
تهدأ
تلك
هي ظاهرة الإيمان والثقة المطلقة بالله
إنه من الطبيعي أن تكون مدينة المنصورة حينذاك في حركة لا
۱ شرح الزبيدي على حزب البرص ٤ سورة الحج الآية ۷۸
إنها الحرب والمصريون يستعدون لملاقاة العدو المغير الذي احتل دمياط ويحاول التغلغل في البلاد بالاستيلاء عليها الاستحكامات تقام والمؤن ترد والجيوش تتوالى وترتب
والأوامر تصدر في حزم وثبات
غراراً
والظاهر بيبرس لا يكاد يغمض له طرف ولا يذوق النوم إلا
وفي جانب آخر لويس التاسع ملك فرنسا يقود الجيوش الجرارة من الصليبيين يريد أن ينازل الإسلام والعروبة في معركة فاصلة حاسمة هي معركة المنصورة
لقد وقف الغرب كله مستعداً للهجوم على مصر يريد أن يدمر الإسلام والعروبة بالقضاء على المصريين كما وقف الشرك كله من قبل في غزوة الخندق يريد أن يدمر الإسلام بالقضاء على المدينة المنورة ومن فيها من رجال الإسلام الأول وعلى رأسهم رسول الله صلوات الله عليه وسلامه !!!
وبين موقعة المنصورة وغزوة الخندق تشابه في بعض النواحي ففي كل منهما أتى الشرك بكل ما يملك وبكل ما يستطيع من
عتاد ومن عدد ليقضي على التوحيد في عقر داره
فقد اقتحم الشرك الأول حرم مدينة الرسول وحاصرها أما الشرك الثاني فقد اخترق الحدود وتغلغل في البلاد واحتل بعضها حتى وصل إلى أطراف المنصورة !!
وفي كل منهما كان المسلمون - رغم رؤيتهم للخطر المحدق
۷۱
بهم - ثابتي الجنان مؤمنين كل الإيمان بنصر الله مطمئنين إلى قضائه وإذا أردنا تعليل هذه الثقة في الله عند المسلمين في غزوة الخندق فتعليله سهل واضح
لقد كان على رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وكبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وهؤلاء - لثقتهم المطلقة في الله - يبعثون - بطريق التأسي - الثقة في نفوس الآخرين!
أما في واقعة المنصورة فإن تعليل الثقة والإيمان والاطمئنان الذي كان يسود إذ ذاك ويسيطر على قلوب المجاهدين الأبطال ويبعث فيهم الجد والنشاط وتحمل التعب والسهر ليلاً والعمل نهاراً أقول إن تعليل ذلك ليس بالأمر الهين على من يقرأ التاريخ على أنه ساسة مدنيون وقواد حربيون وجنود تزيد أو تقل في العدد
إذا نظرنا إلى التاريخ بهذا المنظار فإن تعليل هذه الظاهرة في موقعة المنصورة لا يتيسر ولا يستقيم
وحقيقة الأمر أن مصر إذ ذاك كانت تضم بين أرجائها نخبة ممتازة من العلماء الدينيين الذين أخلصوا جهادهم الله وحده فلم تغرهم
الدنيا بزخرفها وزينتها
كان في مصر إذ ذاك العزب بن عبد السلام ومجد الدين
القشيري ومحيي الدين بن سراقة ومجد الدين الأخميمي وأبو الحسن الشاذلي وغيرهم من خيرة العلماء
لم يستقر هؤلاء العلماء في دورهم البعيدة عن الخطر وإنما هبوا
۷
جميعاً للجهاد في سبيل الله لقد هاجروا إلى المنصورة ليكونوا بين المجاهدين ورغم أن العارف بالله أبا الحسن الشاذلي كان في آخر حياته وكان قد كف بصره فإنه كان في مقدمة الذاهبين إلى
المنصورة !!!
ها
هم
أولئك العلماء الصوفية أو الصوفية العلماء بسمتهم
الملائكي وبإيمانهم الذي لا يتزعزع يسيرون وسط الجند يحثون ويشجعون ويرشدون ويذكرون بالله ويبشرون - كما وعد الله - بإحدى الحسنين النصر أو الجنة
وإذا لزم الأمر عملوا بأيديهم مع العاملين
لقد كان مجرد سيرهم في الحوارى والشوارع تذكيراً بالنصر أو الجنة وكان حفزاً للهمم وتثبيتاً للإيمان وتأكيداً لصورة الجهاد الإسلامية التي قادها في عصور الإسلام الأولى رسول الله صلوات الله عليه وخلفاؤه الراشدون رضوان الله عليهم
حتى إذا اطمأنوا إلى الأسباب والوسائل المادية الظاهرة والمعنوية الباطنة وحتى إذا ما جنهم الليل اجتمع هؤلاء الأعلام في خيمة من خيام المعسكر - نعم في خيمة من خيام المعسكر - يتجهون إلى الله بصلاتهم ودعائهم يلتمسون منه النصر فإذا ما فرغوا من ذلك أخذوا يتدارسون كتاباً من الكتب!!!
لقد كانوا يتدارسون في إحدى الليالي الرسالة القشيرية تقرأ
عليهم وهم يسمعون ويشرحون !!
ماذا كانوا يقرءون من أبواب الرسالة
أكانوا يقرءون باب الفتوة
صامتاً
أم كانوا يقرءون باب الحرية
أم كانوا يقرءونها في تتابع مبتدئين من أولها
كانت تقرأ عليهم ويشرحون وكان الشيخ أبو الحسن الشاذلي فلما فرغوا طلبوا إليه - وهو من أعلام هذا الميدان ـ أن يستمع يتحدث وألحوا في الطلب فسكت الشيخ فترة ثم تكلم في انطلاق وفي قوة وفي روحانية لا يمكن التعبير عن وصفها بأسمى من كلمة الشيخ عز الدين بن عبد السلام الذي قال لأصدقائه وزملائه
حينما
سمع أبا الحسن يتحدث
اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله
ولا يقدر هذه الكلمة حق قدرها إلا من يعرف من هو العز بن
عبد السلام!
الأسفار!!
الكلام الغريب لأنه ليس مأخوذاً من الكتب ولا محبراً فـ
القريب العهد من الله لأنه إلهام الساعة
الراهن !!
ووحي
الزمن
وشغل أبو الحسن بأمر المسلمين فكان ليله ونهاره مشغولاً بالله في أمرهم حتى إذا ما أخذته سنة من النوم في ليلة من الليالي رأى فيما يراه النائم رؤى تتعلق بحالة المسلمين في المنصورة ومن ذلك الرؤيا التي حكاها صاحب كتاب درة الأسرار قال
قال الشيخ أبو الحسن كنت بالمنصورة فلما كانت ليلة الثامن من ذي الحجة بت مشغولاً بأمر المسلمين وبأمر الثغر وقد كنت أدعو
الله وأضرع إليه في أمر السلطان والمسلمين
فلما كان آخر الليل رأيت فسطاطاً واسع الأرجاء عالياً في السماء يعلوه نور ويزدحم عليه خلق من أهل السماء وأهل الأرض
عنه مشغولون فقلت
لمن هذا الفسطاط
فقالوا
الرسول الله صلى الله عليه وسلم
فبادرت إليه بالفرح ولقيت على بابه عصابة من العلماء والصالحين نحواً من السبعين أعرف منهم الفقيه عز الدين بن عبد السلام والفقيه مجد الدین مدرس قوص والفقيه الكمال ابن القاضي صدر الدين والفقيه المحدث محيي الدين بن سراة والفقيه عبد الحكيم بن أبي الحوافز ومعهم رجلان لم أعرف أجمل منهما غير أني وقع لي ظن في حالة الرؤيا أنهما الفقيه زكي الدين عبد العظيم المنذري المحدث والشيخ مجد الدين الأخميمي !!
وأردت أن أتقدم لرسول الله فألزمت نفسي التواضع والأدب مع الفقيه ابن عبد السلام وقلت لا يصلح لك التقدم قبل عالم الأمة في هذا الزمان فلما تقدم وتقدم الجميع ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إليهم يميناً وشمالاً أن اجلسوا وتقدمت وأنا أبكي بالهم وبالفرح أما الفرح فمن أجل قربي لرسول الله الله بالنسب وأما الهم فمن أجل المسلمين والثغر وهم طلبي إليه فمد يده حتى قبض على يدي وقال
لا تهتم كل هذا الهم من أجل الثغر وعليك بالنصيحة لرأس الأمر
Vo
السلطان - فإن ولي عليهم ظالم فما عسى وجمع أصابع يده يعني الخمسة في يده اليسرى كأنه يقلل المدة
وإن ولي عليهم تقي فـ الله ولي المتقين وبسط يده اليمنى
واليسرى
وأما المسلمون فحسبك الله ورسوله وهؤلاء المؤمنون ـ أي العلماء
والفقهاء والصالحون الذين بالمجلس - وقال
وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِرْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَلِبُونَ ﴾ ۱
وأما السلطان فيد الله مبسوطة عليه برحمته ما والى أهل ولايته ونصح المؤمنين من عباده فانصحه واكتب له وقل في الظالم عدو الله
قولاً بليغاً
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ٢ فقلت نصرنا ورب الكعبة وانتبهت ونصر الله المسلمين نصراً مؤزراً وأسر الملك لويس وأسر الكثيرون من قواده وأشاد الشعراء
بهذا النصر
ومن قصيدة مشهورة لابن مطروح نقتطف منها ما يلي قال يخاطب لويس
وكل أصحابك أودعتهم بحسن تدبيرك بطن الضريح يرى منهمو إلا قتيل أو أسير أو جريح
سبعون ألفاً لا
۱ سورة المائدة الآية ٠٥٦ سورة الروم الآية ٦٠
وقل لهم إن أزمعوا عودة الأخذ ثار أو لفعل قبيح دار ابن لقمان على حالها والقيد باق والطواشي صبيح ولسنا هنا بصدد تاريخ هذه الموقعة الحربية وما أردنا مما سبق إلا أن نلقي ضوءاً واضحاً على اشتراك أبي الحسن الشاذلي في الجهاد أنه كان يعتذر له عن التخلف لكبر سنه ولأنه قد كف بصره
رغم
ولكن أبا الحسن لا يتخلف عن فرض وما كان يتأتى له أن يتخلف عن مؤازرة المسلمين هذه الصورة نضعها أمام أنظار علماء المسلمين في العصر الحاضر وأمام رجال التصوف الإسلامي لعل
فيها لهؤلاء وأولئك ذكرى كريمة ومثلاً يحتذى!!
ولا يتأتى أن نختم الحديث عن مبدأ أبي الحسن في الجهاد دون أن نذكر قوله من ثبتت ولايته من الله لا يكره الموت ويعلم ذلك من
قوله تعالى
قُلْ يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوا
الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
فإذن الولي على الحقيقة لا يكره الموت إن عرض عليه وصورة أخرى من الكفاح هي صورة العمل
يقول ابن عطاء الله
وكان الشيخ أبو الحسن يكره المريد المتعطل ويكره أن يسأل تابعه الناس
وقد كان جواداً بما يملك وكريماً يكره البخل
ويحث على طرق باب الأسباب والعمل اهـ
VV
ويقول أبو الحسن
لكل ولي حجاب أي ستر يحجبه عن اعتقاد الناس فيه وأنا حجابي الأسباب اهـ
ولد كان أبو الحسن يعمل في الزراعة على نطاق واسع
فهو يتحدث في خطاب له لأحد أصدقائه يحدثه فيه عن سبب تأخيره في السفر فيقول وسبب الامساك عن السفر في العادة ۱ زرع
لنا يدرس
قد حرث لنا في ثلاثة مواضع اهـ
وإن الذي يؤخر أبا الحسن عن السفر ليس هو زرع فدان أو فدانين ولا حصد فدان أو فدانين فالأرض قد حرثت في ثلاثة
مواضع
وكان الشاذلي يتخذ للزراعة الوسائل التي تتيح نوعاً من الاكتفاء الذاتي فيربى الثيران مثلاً للحرث والدرس ويتحدث للعظة والاعتبار عن ثور من هذه الثيران وقع في بئر ولنذكر القصة كما رواها صاحب
درة الأسرار
يقول أبو الحسن
جعل لي في ليلة دعاء فقلت
اللهم اجعل قضاءك ومحابك ولقاءك وذاتك وذات
رسولك وسر ذات رسولك
أحب إلى من نفسي وأهلي وولدي ومالي والناس
أجمعين
1 أي في الأسباب الظاهرة إذ السبب الحقيقي إنما هو إرادة الله سبحانه وحدها وهذه الكلمة تبين المدى البعيد في تأدب أبي الحسن مع الله
VA
فكنت أقولها بوجد فأجد لها حلاوة فكثر ذلك علي فقلت
شيء ينزل وقضاء يحدث
فبينما أنا قاعد قيل لي إن ثوراً كان لك فوقع في البئر
فقلت
إنا لله وإنا إليه راجعون
فقيل لي
لهذا كانت المقدمة
ولا تنتهي
القصة عند هذا الحد ولكن هذا هو ما أردناه منها
على أن أبا الحسن لا يقتصر على الحث على العممل متخذاً
من
نفسه قدوة ولا يقتصر على النفور من المريد المتعطل وإنما يذهب مع أتباعه إلى أبعد من هذا وله في ذلك - مع أبي العباس - قصة طريفة
يقول أبو العباس فيما رواه ابن عطاء الله
دخلت يوماً على الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه فقال لي
إن أردت أن تكون من أصحابي فلا تسأل أحداً شيئاً وإن أتاك
شيء من غير مسألة فلا تقبله
فقلت في نفسي
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية وقال
ما أتاك من غير مسألة فخذه
فقال الشيخ
كأنك تقول كان النبي لا يقبل الهدية وقال ما أتاك من غير
مسألة فخذه
النبي صلى الله عليه وسلم قال الله في حقه
6
﴿ قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْي
متى أوحى الله إليك
إن كنت مقتدياً به في الأخذ فكن مقتدياً به كيف يأخذ كان صلى الله عليه وسلم لا يأخذ شيئاً إلا ليثيب من يعطيه ويعوضه عليه
فإن تطهرت نفسك وتقدست هكذا فاقبل وإلا فلا
وهذه القصة في غاية العمق ونحن نقدمها على ما هي عليه إلى كل موظف وكل صاحب جاه وكل هؤلاء الذين يقبلون الرشوة في صورة هدية وكل من يلبس عليهم الشيطان في أكل أموال الناس بالباطل والنظرية الشاذلية في الغنى والفقر تفضل الغني الشاكر على الفقير الصابر وتعلل ذلك بأن الصبر فضيلة في الدنيا فقط أما الشكر فإنه فضيلة في الدنيا والآخرة
ونختم هذا الحديث عن العمل والكفاح والثراء بالقصة التالية
قال أبو الحسن
أمسكت
هممت مرة أن أختار القلة من الدنيا على الكثرة ثم وخشيت سوء الأدب فلجأت إلى ربي ورأيت في النوم كأن سليمان عليه السلام جالس وحوله العسكر ورفع لي عن قدوره وجفانه فرأيت أمراً
1 سورة الأنبياء الآية ٤٥
كما وصفه الله تعالى بقوله
وَجِفَانِ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَت ۱
فنودیت
لا تختر مع الله شيئاً وإن اخترت فاختر العبودية لله اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال عبداً رسولاً وإن كان ولا بد فاختر أن لا
تختار وفر من ذلك المختار إلى اختيار الله
فانتبهت من نومي فرأيت بعدها قائلاً يقول لي إن الله اختار لك أن تقول
اللهم وسع على رزقي من دنياي ولا تحجبني بها عن أخراي واجعل مقامي عندك دائماً بين يدك وناظراً منك إليك وأرني وجهك ووارني عن الرؤية وعن كل شيء دونك وارفع البين فيما بيني وبينك يا من هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ثم صورة ثالثة من صور الكفاح اشتهر بها أبو الحسن وعُرف بها بين الناس وهي صورة تميزه عن تلميذه أبي العباس تلك هي صورة السعي في مصالح الناس ولقد رأينا أنه حينما نزل مصر في مروره العابر إلى الحج ذهب إلى السلطان لرفع الرمية التي رمى بها وإليه على الأعراب وتعرض بسبب ذلك إلى ما سبق أن ذكرناه في الفصل الأول
ومما يروي ابن عطاء في لطائف المنن قال
استشفع طالب بالشيخ أبي الحسن إلى القاضي تاج الدين أن يزاد على مرتبه فذهب الشيخ إليه فأكبر القاضي تاج الدين مجيئه وقال له
۱ سورة سبأ الآية ١٣
ΔΙ
يا سيدي فيم جئت
فقال من أجل فلان الطالب تزيده في مرتبه عشرة دراهم فقال القاضي يا سيدي هذا له في المكان الفلاني كذا وفي
المكان الفلاني كذا وفي الموضع الفلاني كذا وكذا
فقال له الشيخ يا تاج الدين لا تستكثر على مؤمن عشرة دراهم تزيده إياها فإن الله تعالى لم يقنع للمؤمن بالجنة جزاء حتى زاده النظر إلى وجهه الكريم وكثرت شفاعات أبي الحسن بكثرة المظلومين والمساكين والذين لا جاه لهم والضعفاء وذوي الحاجات على مختلف ألوانهم وأخذ يتردد على ولاة الأمور شافعاً ومدافعاً ومحامياً حتى لقد قال ابن دقيق
العيد في ذلك
جهل ولاة الأمور بقدر الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه
لكثرة تردده في الشفاعات
العيد
أما ابن عطاء الله فقد قال في ذلك معلقاً على كلمة ابن دقيق
إن هذا الأمر لا يقوى عليه إلا عبد متخلق بأخلاق الله بذل نفسه وأذلها في مرضاة الله وعلم وسيع رحمة الله فعامل عباد الله ممتثلاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
السماء
الراحمون يرحمهم الله ارحموا من في الأرض يرحمكم من في
على أننا لا نترك هذا الموضوع دون أن نشير إلى أن أبا الحسن
۸
كان
دائماً يدعو الله قبل أن يسير إلى وساطة في الخير وأدعيته في ذلك عليها طابع العبودية وفيها عبير الخشوع وذلك ليشعر هو ويشعر الناس أن الأمور كلها بيد الله وأنه ليس إلا منفذاً لمشيئة الله سبحانه وقد تفضل الله عليه فجعله سبياً في الصالحات
ومن
أمثلة ذلك ما روى صاحب درة الأسرار قال
وقال رضي الله عنه وقد أراد أن يمشي للبعض في الدفع عن رجل من الصالحين
اللهم اجعل مشي إليه تواضعاً لوجهك وابتغاء لفضلك ونصرة لك ولرسولك وزيني بزينة الفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم
الصادقون
وخصني بالمحبة والإيثار ورفع الحجاب من الصدور في الليل
والنهار وقني شح نفسي واجعلني من المفلحين
واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا
غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم
ها نحن نرى أبا الحسن عالماً مستنيراً كأحسن ما يكون العالم
المستنير
ومجاهداً صادقاً كأفضل ما يكون الصادق
وعاملاً مكافحاً
في الحرث والغرس تتعدد مزارعه وتتعدد مواضع
الحصاد لديه ونراه رائحاً وغادياً مستشفعاً وقاضياً للناس حاجاتهم
وإذا كان ذلك يمثل جوانب أصيلة في شخصيته فإن الأصل في
شخصيته لم نتحدث عنه بعد
يقول صاحب لطائف المنن عن أبي الحسن
وله السياحات الكثيرة والمنازلات الجليلة
وهذه الكلمة الصادقة هي التي تصور لنا الجانب الأصل في
شخصية الشاذلي
لقد كان أبو الحسن عابداً متبتلا ومن أجل عبادته ساح سياحات
كثيرة لقد ساح ليخلو إلى الله وساح لتصفو نفسه وساح ليتمكن من التركيز والتجمع فيلقي بنفسه كلية وبكيانه كله في الرحاب الإلهي مستسلماً مسلماً عبداً أسلم القيادات كلها جسماً ونفساً وعقلاً وروحاً وقلباً إلى من بيده الأمر أسلمها اختياراً راضياً أسلمها إسلام
المحب المغتبط الذي يتفانى دائماً في إسلام الكيان كله حتى لا يرى ولا
يسمع
ولا يحس ولا
يشم
أو يذوق إلا من أسلم إليه كيانه ولقد كان يسيح ليصل إلى مما يطلبه في حزبه الكبير قائلا
إني
أسألك أن تغيبني بقربك مني حتى لا أرى ولا أحس بقرب
شيء ولا ببعده عني إنك على كل شيء قدير
وإن أبا الحسن هو الذي يقول في تأكيد يؤيده التاريخ كله اللهم إن القوم قد حكمت عليهم بالذل حتى عزوا وحكمت عليهم بالفقد حتى وجدوا فكل عز يمنع دونك فنسألك بدله ذلا تصحبه لطائف رحمتك وكل وجد يحجب عنك فنسألك عوضه فقداً
أنوار محبتك
تصحبه
Λε
بالحدائق
لم تكن سياحات أبي الحسن تنعماً بالجو ولا استمتاعاً والمتنزهات ولا حباً في استجلاء المجهول من عوالم المادة وإنما
كانت بحثاً عن الحق
الحق
فلما وجد الحق كانت سياحاته من أجل التمكن في مجالات
فلما تمكن في مجالات الحق استقر به المقام مبشراً وهادياً والشيخ يتحدث عن هذه السياحات ولا بد من ذكر أمثلة منها
يقول صاحب المفاخر العلية عن الشيخ
انتقل إلى مدينة تونس وهو صبي صغير وتوجه إلى بلاد المشرق
وحج حجات كثيرة ودخل العراق
ومما رواه أبو الحسن وكان ذلك في أوائل سلوكه
كنت أنا وصاحب لي قد آوينا إلى مغارة نطلب الوصول إلى
الله فكنا نقول
غداً يفتح لنا بعد غد يفتح لنا
فدخل علينا رجل له هيبة فقلنا له
من أنت
فقال
أنا
عبد الملك
فعلمنا أنه
من
أولياء الله فقلنا له
كيف حالك
۸۵
فقال
كيف حال من يقول غداً يفتح لي بعد غد يفتح لي فلا ولاية لي
ولا فلاح يا نفس لم لا تعبدين الله الله
قال فتفطنا من أين دخل علينا
فتبنا إلى الله واستغفرنا ففتح لنا
ويقول أبو الحسن أيضاً عن سياحاته في مبدأ أمره
الزم
كنت في سياحتي في مبدأ أمري حصل لي تردد هل البراري والقفار للتفرغ للطاعة والأذكار أم أرجع إلى المدائن والديار
الصحبة العلماء والأخيار
فوصف لي ولي هنالك وكان برأس جبل فصعدت إليه فما وصلت إليه إلا ليلا فقلت في نفسي لا أدخل عليه في هذا الوقت
فسمعته يقول من داخل المغارة
اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك فسخرت لهم
خلقك فرضوا منك بذلك
إليك
اللهم وإني أسألك اعوجاج الخلق علي حتى لا يكون ملجأي إلا
قال فالتفت إلى نفسي وقلت يا نفسي انظري من أي بحر
يغترف هذا الشيخ
فلما أصبحت دخلت إليه فأرعبت من هيبته
فقلت له
يا سيدي كيف حالك
فقال أشكو إلى الله من برد الرضا والتسليم كما تشكو أنت من
حر التدبير والاختيار
فقلت يا سيدي أما شكواي من حر التدبير والاختيار فقد ذقته وأنا الآن فيه وأما شكواك من برد الرضا والتسليم فلماذا
فقال أخاف أن تشغلني حلاوتهما عن الله
قلت يا سيدي سمعتك البارحة تقول اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك فسخرت لهم خلقك فرضوا منك بذلك اللهم وإني أسألك إعوجاج الخلق على حتى لا يكون ملجأي إلا إليك فتبسم ثم
قال
يا بني عوض ما تقول سخر لي خلقك قل يا رب كن لي أترى
إذا كان لك أيفوتك شيء فما هذه الجبانة
وقال رضي الله عنه اجتمعت برجل في سياحتي فقال ليس شيء في الأقوال أعون على الأفعال من ـ لا حول ولا قوة إلا بالله والاعتصام بالله ففروا إلى الله واعتصموا بالله ومن يعتصم بالله
فقد هدى إلى صراط مستقيم
ثم قال
باسم الله فررت إلى الله واعتصمت بالله ولا حول ولا قوة إلا بالله ومن يغفر الذنوب إلا الله رب إني أعوذ بك من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين باسم الله قول باللسان صدر عن القلب ففروا إلى الله وصف للملك والأمر ثم تقول للشيطان
هذا علم
الله فيك وبالله آمنت وعليه توكلت وأعوذ بالله منك
ولولا ما أمرني ما استعذت منك ومن أنت حتى أعتصم بالله منك
وروى الشيخ أيضاً
قلت يوماً وأنا في مغارة في سياحتي
إلهي متى أكون لك عبداً شكوراً فإذا قائل يقول لي
إذا لم تر منعماً عليه غيرك
فقلت إلهي كيف لا أرى منعماً عليه غيري وقد أنعمت على الأنبياء وقد أنعمت على العلماء وقد أنعمت على الملوك فإذا قائل
يقول لي
لولا الأنبياء لما اهتديت
ولولا العلماء لما اقتديت
ولولا الملوك لما أمنت فالكل نعمة
مني
عليك
هذه السياحات المتعددة المتكررة إنما كانت هجرة إلى الله وذهاباً إليه وفراراً نحوه وما كان لها من هدف إلا أن يخلو وربه وأن ينسى كل شيء ليملأ قلبه بالله لقد كانت سياحات للعبادة ومما كانت يقصد أبو الحسن بهذه السياحات إن الفروض
العبادة العادية
هي
التي
وإن سننها الراتبة من السهل على أبي الحسن أن يؤديها في الحضر كما يؤديها الآخرون وما كان في حاجة إلى هجرة من أجلها لقد كان قصد أبي الحسن أن يفرغ قلبه ليملأه بالله ولا بد لهذا من هجرة
ومن الناس من يهاجر إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه أما من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله
ورسوله
لقد كانت هجرة أبي الحسن تحنثاً وبحثاً عن الصفاء ومراناً
على الاسترسال مع الله على ما يريد
لقد كان يريد أن يرتبط بالحق فكان يروض نفسه على ذلك
كان يروض نفسه على أن يسيطر على نفسه على شهواته على إرادته على مشيئته إنه يقول
لن يصل العبد إلى الله وبقي معه شهوة من شهواته ولا مشيئة من مشيئاته ۱ وكان يقول
وقوتك
إن أردت أن تكون مرتبطاً بالحق فتبرأ من نفسك وأخرج من حولك
لقد كان يريد أن يشهد الله أن يشهده متجلياً على أنحاء شتى والله سبحانه يتجلى للإنسان على قدر صفائه وأراد أبو الحسن أن يصل الصفاء إلى أقصى ما يصل إليه السالكون
لقد اعتكف في جبل زغوان وسافر من قبل ذلك بحثاً عن
القطب وسهر الليالي قائماً متبتلا في البوادي والوهاد والوديان وكم شهدته المغارات والكهوف قائماً في جنح من الليل متضرعاً إلى الله داعياً مستغيثاً محاولاً أن يفنى في الله بحيث يصبح صورة تامة بقدر الإمكان مما يحب الله وبحيث يصبح ربانياً
1 الطبقات الكبرى للشعراني
يقول أبو الحسن
6
أبي المحققون أن يشهدوا غير الله تعالى لما حققهم به من شهود
القيومية وإحاطة الديمومية
هذه الكلمة الحق التي هي تفسير لما يقوله الصوفية في وحدة الوجود كانت الهدف الذي أراد أن يصل إليه أبو الحسن أراد أن يصل إليه معرفة وأن يشعر به ذوفاً وأن يتحقق به حالاً
فلما تم له ذلك من سياحاته وخلواته وتحنثه عاد إلى الناس
مستقراً هادياً مبشراً بالنور والرحمة والمعرفة
ولا نريد أن نترك هذا المقام دون أن نضرب مثلاً لأثر عبادة أبي الحسن عليه من إخبات وخشوع وتعظيم الله ولرسوله ون نسبته كل نقص وتقصير لنفسه ومن وصوله إلى درجة سامية من إسلام الوجه الله
يقول صاحب درة الأسرار عن أبي الحسن
لما قدم المدينة زادها الله تشريفاً وتعظيماً وقف على باب الحرم من أول النهار إلى نصفه عريان الرأس حافي القدمين يستأذن على رسول صلى الله عليه وسلم تسليماً فسئل عن ذلك فقال حتى يؤذن لي فإن الله عز وجل يقول يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ 1
فسمع
النداء
والسلام
من داخل الروضة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة
يا علي ادخل
۱ سورة الأحزاب الآية ٥٣
9
فوقف تجاه الروضة الشريفة فقال
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته أفضل وأزكى وأسنى وأعلا صلاة صلاها على أحد من أنبيائه وأصفيائه أشهد يا رسول
الله أنك بلغت ما أرسلت به ونصحت أمتك وعبدت ربك حتى اليقين كنت كما نعتك الله في كتابه
أتاك
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولِ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمُ ۱
فصلوات الله وملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه من أهل سمواته
وأرضه عليك يا رسول الله
أمته
بعد
السلام عليكما يا صاحبي رسول الله يا أبا بكر ويا عمر ورحمة الله وبركاته فجزاكما الله عن الإسلام وأهله أفضل ما جازى به وزيري نبي في حياته وعلى حسن خلافته في أمته بعد وفاته فقد كنتما لمحمد صلى الله عليه وسلم وزيري صدق وخلفتماه بالعدل والإحسان في وفاته فجزاكما الله عن ذلك مرافقته في الجنة وإيانا معكما برحمته إنه أرحم الراحمين اللهم إني أشهدك وأشهد رسلك وأشهد أبا بكر وعمر وأشهد الملائكة النازلين بهذه الروضة الكريمة والعاكفين عليها أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المرسلين وأشهد أن كل ما جاء به من أمر ونهي وخبر عما كان أو ما هو كائن فهو صدق لا شك فيه ولا امتراء وأني مقر لك بجنايتي ومعصيتي في الخطرة والفكرة والإرادة والفعلة وما استأثرت به
سورة التوبة الآية ۱۸
۹۱
رسولك
إذا شئت أخذت وإذا شئت عفوت عنه مما هو متضمن للكفران والنفاق أو البدعة أو الضلالة أو المعصية أو سوء الأدب معك ومع وأنبيائك وأوليائك من الملائكة والإنس والجن وما خصصت به من شيء في ملك فقد ظلمت نفسي بجميع ذلك فامنن علي بالذي مننت به على أوليائك فإنك أنت الله الملك المنان الكريم الغفور الرحيم
لقد كان أبو الحسن جميل المظهر جسماً وملبساً وكان فارساً يركب الخيل ويقتنيها وكان غير متحرج فيما يتعلق بالمأكل والمشرب من حيث النوع وإن كان يتحرج كل التحرج فيهما من حيث الحل والحرمة وكان عالماً أجمل ما يكون العلم وأعمقه
النصر
وكان مجاهداً يقف مع الجيوش في الميدان يعمل على إحراز
وكان مكافحاً يعمل في الحرث والغرس والحصاد
وكان عابداً أدت به عبادته إلى قرب قال هو عن حقيقته إنه
الغيبة بالقرب عن القرب لعظم القرب
هذا هو أبو الحسن
إنه يمثل شخصية المسلم التي أحب الله لكل فرد من خير أمة
أخرجت للناس
ومن أجل ذلك كتب عنه علية القوم مادحين معترفين بفضله يقول صاحب المفاخر العلية
وممن ذكره من الأولياء والعلماء في زمنه ومن بعده
۹
الشيخ صفي الدين بن أبي المنصور الشاذلي في رسالته وأثنى
عليه الثناء العظيم على حسب معرفته
والشيخ عبد الله بن النعمان وشهد له بالقطبانية والشيخ قطب الدين القسطلاني في جملة من لقيه من المشايخ والشيخ تاج الدين بن عطاء الله في لطائف المنن والشيخ سراج الدين الملقن في طبقات الأولياء والشيخ جلال الدين السيوطي في حسن المحاضرة وسيدي عبد الوهاب الشعراني في طبقاته
والمناوي في الكواكب الدرية
وذكره غير هؤلاء من المشايخ كل واحد منهم يثني عليه ويصفه
بما عرف من قدره اهـ
وللشعراء فيه الكثير من الشعر نكتفي من ذلك ببعض ما يقوله الإمام البوصيري صاحب البردة المباركة رضي الله عنه وأرضاه أما الإمام الشاذلي طريقه في الفضل واضحة لعين المهتدى فانقل ولو قدما على آثاره فإذا فعلت فذاك أخذ باليد قطب الزمان وغوثه وإمامه عين الوجود لسان سر الموجد ساد الرجال فقصرت عن شأوه همم المآرب للعلا والسؤدد أو ما مررت على مكان ضريحه و شممت الند ريح من ترب ندى ووجدت تعظيماً بقلبك لو سرى في جلمد سجد الورى للجلمد فقل السلام عليك يا بحر الندى الطامي وبحر العلم بل والمرشد هذا ولعل خير ما نختم به حديثنا عن شخصية أبي الحسن هو ما كان لهذه الشخصية من أثر روحي على طائفة من أكابر القوم الذين التقوا
به وسمعوا منه
يقول ابن عطاء الله
ونشأ على يد الشيخ رضي الله عنه جماعة كثيرة منهم من أقام بالمغرب كأبي الحسن الصقلي وكان من أكابر الصديقين وعبد الله الحبيبي وكان من أكابر الأولياء
6
ومنهم من تبعه وهاجر معه إلى مصر منهم شيخنا وقدوتنا إلى الله أبو العباس شهاب الدين أحمد بن عمر الأنصاري المرسي رضي الله عنه ومنهم الحاج محمد القرطبي وأبو الحسن البجائي المدفون بظاهر أشمون الرمان وأبو عبد الله البجائي والوجهاني والجزار
ومنهم من صحبه بديار مصر منهم الشيخ عبد الله بن منصور المعروف بمكين الدين الأسمر والشيخ عبد الحكيم والشرف البوني والشيخ عبد الله اللقاني والشيخ عثمان البوريجي والشيخ أمين الدين
جبريل
ولكل هؤلاء علوم وأسرار وأصحاب أخذوا عنهم اهـ
الفصل الثالث
أبو الحسن الشاذلي والعمل بالكتاب والسنة
جاء الدين الإسلامي بتكاليف عديدة لصلاح المجتمع ولصلاح الفرد وهذه التكاليف يتبين من اسمها أن فيها شيئاً من المشقة على
هؤلاء الذين لم يتذوقوا الصلة بالله
ولما في التكاليف من مشقة حاول كثيرون التخلص منها بشتى
الوسائل أو التأويلات المنحرفة
الصلة
ومن أضل هذه الوسائل ما يزعمه البعض من أنه وصل من بالله إلى رفع التكاليف عنه وتلك خدعة شيطانية وقد حاربها أئمة التصوف في مختلف العصور حرباً لا هوادة فيها
عنه
ومن هؤلاء الذين حاربوها بشدة أبو الحسن الشاذلي رضي الله
كان باستمرار يأمر ويحث على اتباع الكتاب والسنة ويبين أن الانحراف عنهما اتباع للشيطان يقول رضي الله عنه
ما ثم كرامة أعظم من كرامة الإيمان ومتابعة السنة
۹۵
فمن أعطيهما وجعل يشتاق إلى غيرهما فهو عبد مفتر كذاب أو ذو خطأ في العلم والعمل بالصواب كمن أكرم بشهود الملك على نعت الرضا فجعل يشتاق إلى سياسة الدواب وخلع الرضا
ويقول
إذا لم يواظب الفقير على حضور الصلوات الخمس في الجماعة
فلا تعبأ به هذا في شأن السالك
أما من يتصدى للدعوة فإن
من دعا إلى الله تعالى بغير ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعى على حد تعبير أبي الحسن
ولكل وقت عمله المحدد ولكل عمل زمنه المعين والمتابعة الحقة تقتضي ألا تؤخر الأعمال عن أزمانها يقول أبو الحسن لا تؤخر طاعات وقت لوقت آخر فتعاقب بفواتها أو فوات غيرها أو مثلها جزاء لما ضيع من ذلك الوقت فإن لكل وقت سهماً
فحق العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية
وأما تأخير عمر رضي الله عنه الوتر إلى آخر الليل فتلك عادة جارية وسنة ثابتة ألزمه الله تعالى إياها مع المحافظة عليها وأني لك بها مع الميل إلى الراحات والركون إلى الشهوات والغفلة عن
المشاهدات !
فهيهات هيهات هيهات
وكثير من الناس يجد شهوة فاسدة في أنماط من العلم منحرفة يعكف عليها فتصرفه بالكلية عن كتاب الله وسنة رسوله وتصبح
٩٦
حجاباً بينه وبين الله وإلى هؤلاء الذين وصلوا إلى هذه الدرجة ينصح
الشاذلي
الطبيعة
كل علم تسبق إليك فيه الخواطر وتميل إليه النفس وتلتذ به
فارم به وإن كان حقاً وخذ بعلم الله الذي أنزله على رسوله واقتد به وبالخلفاء والصحابة والتابعين من بعده وبالأئمة الهداة المبرئين
عن الهوى ومتابعته
تسلم من الشكوك والظنون والأوهام والدعاوى الكاذبة المضلة
عن الهدى وحقائقه
وفي الناس من يزعم أنه وصل في المحبة إلى درجة تغنيه عن
اتباع التكاليف وإلى هؤلاء يقول
هاتفاً سمعت
يقول إن أردت كرامتي فعليك بطاعتي وبالإعراض
عن معصيتي
والطريقة المثلى هي أنه
إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع
الكتاب
الكشف وقل لنفسك إن الله تعالى قد ضمن العصمة في والسنة ولم يضمنها لي في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة مع أنهم أجمعوا على أنه لا ينبغي العمل بالكشف ولا الإلهام ولا
المشاهدة إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة
والنتيجة التي يريد أن يصل إليها تتمثل فيما يلي
ارجع عن منازعة ربك تكن موحداً واعمل بأركان الشرع تكن
سنياً واجمع بينهما تكن محققاً
الفصل الرابع
أبو الحسن الشاذلي والاستدلال على وجود الله
يقول ابن عطاء الله السكندري معبراً عن رأي المدرسة الشاذلية وإذا كان من الكائنات ما هو غني بوضوحه عن إقامة دليل
فالمكون أولى بغناه عن الدليل منها ۱ اهـ
وهذه الفكرة إنما هي دعوة إلى الطريق الصواب فيما يتعلق بما
سماه المتكلمون
إثبات وجود الله
يقول
وهي
فكرة وجه إليها الشيخ أبو الحسن مريديه أكثر من مرة فهو
كيف يعرف بالمعارف من به عرفت المعارف أم كيف يعرف
بشيء من سبق وجوده وجود كل شيء
ويقول أيضاً
۱ لطائف المنن ص ٢٧ الطبعة الفرنسية لطائف المنن ص ٢٦ الطبعة الفرنسية
۹۹
إنا لننظر إلى الله ببصائر الإيمان فأغنانا ذلك عن الدليل والبرهان وإنا لا نرى أحداً من الخلق هل في الوجود أحد سوى الملك الحق وإن كان ولا بد فكالهباء في الهواء إن فتشته لم تجده
شيئاً اهـ
ويتابع أبو الحسن الحديث فيقول
ومن أعجب العجب أن تكون الكائنات موصلة إليه فليت شعري هل لها وجود معه حتى توصل إليه أو هل لها من الوضوح ما ليس له
حتى تكون هي المظهرة له
ويقول
وكيف تكون الكائنات مظهرة له وهو الذي أظهرها أو معرفة له
وهو الذي عرفها
أخذ ابن
هذا الاتجاه الذي علمه أبو الحسن لتلاميذه ونشره بينهم عطاء الله السكندري في إذاعته وكتابته على أنحاء شتى فمن ذلك
قوله
وأرباب الدليل والبرهان عموم عند أهل الشهود والعيان لأن أهل الشهود والعيان قدسوا الحق في ظهوره أن يحتاج إلى
دليل يدل عليه
وكيف يحتاج إلى الدليل من نصب الدليل وكيف يكون معروفاً به
وهو المعرف له اهـ
إن أبا الحسن عاد بأتباعه إلى النهج الإسلامي الصادق فيما يتعلق
بوجود الله
إن وجوده سبحانه أوضح وأظهر من أن يحتاج إلى دليل وإن تقديس الله سبحانه ينأى بالمؤمن عن أن يتخيل - مجرد تخيل - أن الله
يحتاج إلى إثبات وجوده وإن جلال الله - وهو جزء من عقيدة المؤمن - يسمو بالمؤمن عن أن
ينزل إلى هذا المستوى من الانحراف
والواقع أن كل محاولة لإثبات وجود الله إنما هي إنحراف عن
النهج الإسلامي السليم
وإذا كان أبو الحسن قد وجه أتباعه إلى هذا النهج فإنما يتبع في
ذلك المنهج القرآني
وذلك أن القرآن الكريم وجميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم قد نزهوا الله عن أن يحاولوا الاستدلال على وجوده وقدسوه عن أن يكون وجوده في حاجة إلى حجة وبرهان
ولقد سار الإمام الشاذلي على هذا النسق متبعاً ومقتدياً
بيد أن فكرته أصبحت الآن غامضة كل الغموض ذلك أن بدعة إثبات وجود الله بدعة شائعة حتى في الأوساط المستغرقة في التدين
ومن أجل ذلك يتساءل الكثيرون
أكان أبو الحسن محقاً في رأيه هذا
ومن أجل إيضاح فكرة أبي الحسن ولأن الموضوع في نفسه جدير إلى حد بعيد بالاهتمام فإننا نستفيض هنا في شرح هذا الموضوع يسود توجيه أبي الحسن فيرجع الناس عن البدعة إلى التوجيه السليم على أن من حق أبي الحسن علينا ـ ونحن نكتب عنه ـ أن
عسى
أن
۱۰۱
نستفيض في شرح فكرة من أفكاره كان للعادة والألف وكان للزمن والظروف دخل في أن أصبحت غير مفهومة فهماً أن أصبحت غير مفهومة فهماً واضحاً أو غير مقدرة
تقديراً صحيحاً حين بدأ الرسول الجهر بدعوته بعد نحو ثلاث سنوات من الإسرار بها فإنه صلوات الله وسلامه عليه لم يبدأ بإثبات وجود الله وإنما بدأ بالبرهنة على صدقه هو وتحدى العرب بصدقه ومن قبل فاجأه الملك في الغار ونزل الوحي لم يبدأ الملك أو لم يبدأ الوحي بإثبات وجود الله وإنما بدأ بالأمر بأن يقرأ الرسول
ذلك حين
صلوات الله وسلامه عليه باسم ربه
اقرأ با سورَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ۱
ومضى القرن الأول كله ولم يحاول إنسان قط أن يتحدث حديثاً عابراً أو مستفيضاً عن إثبات وجود الله تعالى ومضى أكثر القرن الثاني
والمسألة - فيما يتعلق بوجود الله - لا توضع موضع البحث
ذلك أن وجود الله إنما هو أمر بدهي لا ينبغي أن يتحدث فيه المؤمنون نفياً أو إثباتاً ولا سلباً أو إيجاباً إن وجود الله من القضايا المسلمة التي لا توضع في الأوساط الدينية موضع البحث لأنها
فطرية وإن كل شخص يحاول وضعها موضع البحث إنما هو شخص في إيمانه دخل وفي دينه انحراف فما خفى الله قط حتى يحتاج إلى أن يثبته البشر تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ومن المعروف أن الدين
۱ سورة العلق الآية ١
۱۰
الإسلامي لم يجىء لإثبات وجود الله وإنما جاء لتوحيد الله وإذا تصفحت القرآن أو التوراة حتى على وضعها الحالي أو الإنجيل حتى في وضعه الراهن فإنك لا تجد أن مسألة وجود الله قد اتخذت في سفر منها مكانة تجعلها هدفاً من الأهداف الدينية أو احتلت مكاناً يشعر بأنها من مقاصد الرسالة السماوية
والقرآن الكريم يتحدث عن بداهة وجود الله حتى عند ذوي
العقائد المنحرفة
يقول سبحانه
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ ١
إنهم يقولون إن الخالق هو الله مع أنهم مشركون أو منحرفون بوجه من الوجوه في إيمانهم بالله تعالى وما نزلت الأديان قط لإثبات وجود الله وإنما نزلت لتصحيح الاعتقاد في الله أو لتصحيح طريق
التوحيد
أما الآيات الكثيرة التي يظن بعض الناس أنها نزلت لإثبات الوجود فليست من ذلك في قليل ولا في كثير إنها تبين عظمة الله وجلاله وكبرياءه وهيمنته الكاملة على العالم ما عظم من أمره ومادق منه لا تفوت هيمنته صغيرة ولا كبيرة ولا يخرج عن سلطانة مادق
وماجل
وقد أتت على هذا الوضع لتقود الإنسان إلى إسلام وجهه الله إسلاماً كاملاً بحيث لا يصدر ولا يرد إلا باسمه سبحانه ولا يأتي ما يأتي أو يدع ما يدع إلا في سبيله تعالى
1 سورة العنكبوت الآية ٦١
ومضى القرن الأول على ذلك ومضى القرن الثاني أو أكثره على الفطرة ثم ثم كانت الفلسفة اليونانية
والفلسفة اليونانية فلسفة وثنية لأنها تصدر عن العقل لا عن الوحي وكل فكرة تصدر عن العقل لا عن الوحي في عالم ما وراء الطبيعة أي في عالم العقيدة إنما هي فكرة وثنية أي أنها فكرة لا حق لها في الوجود لأن عالم العقيدة إنما هو من اختصاص الله بينه على لسان رسله وكل تدخل من الإنسان في هذا العالم إنما هو تدخل فيما ليس للإنسان التدخل فيه لأنه اقتحام لساحة محرمة مقدسة لا ينبغي أن يدخلها الإنسان إلا دخول الساجد الخاشع الخاضع المسلم لما جاء به الوحي الإلهي إن الفلسفة اليونانية في عالم العقيدة فلسفة وثنية إنها وثنية حتى حين تثبت وجود الله ولا يخرجها إثباتها وجود الله عن أن تكون وثنية إنها وثنية بالمبدأ الذي قامت عليه وهو مبدأ تأليه العقل البشري ويستوى بعد ذلك أن تكون قد أثبتت وجود الله أو أنكرته
وهي حينما تثبت وجود الله عقلياً ليس في ذلك كبير فائدة ولا يبرر ذلك وجودها ولا قيمة لما تثبته وإثباتها والعدم سواء ذلك أن العقل الذي أثبت هو العقل الذي يمكنه أن ينكر وهو العقل الذي
ينكر بالفعل ولا لزوم إذن للطنطنة والتصفيق الذي نحيي به كل عبقرية فكرية
في الشرق أو في الغرب تحاول فكرياً أن تثبت وجود الله إننا لا نقيم عقيدتنا على فكر بشري مهما كان هذا الفكر عبقرياً ويجب على المؤمن أن لا يقيم وزناً - أي وزن ـ لأي نتاج فكري في
علم ما وراء الطبيعة سواء أخالف معتقده أم وافقه إنه في معتقده يدين الله وحده وكفى بالله مصدراً وكفى بالله هادياً وكفى بالله مرشداً ومن بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم ومن يعتصم بالله فهو حسبه
يعتصم
وضلال
إن كل ما عدا الهدى الإلهي في عالم الدين إنما هو وثنية
كانت الفلسفة اليونانية فلسفة وثنية بشرية وقد أرادت أن تجد لجاماً يعصمها من الخطأ فاخترعت فناً وثنياً آخر هو فن المنطق فما أجدى ولا أغنى ولا تقدم بالفكر الوثني في عالم الصواب شروى نقير وبقيت هذه الفلسفة - عبر القرون - على ما هي عليه فيها كل
سمات الوثنية من ضلال وخرافات
ولقد كانت الأمة اليونانية معذورة بعض العذر فما كان في ربوعها دين منزل من السماء تلجأ إليه مهتدية مسترشدة وما كان مثلها في ذلك إلا كمثل العصر الجاهلي في الجزيرة العربية فلجأت إلى العقل وألهته وأخذت تثبت به وتنكر فضلت وأضلت
وجاءت الديانة النصرانية مصححة للوضع فعزلت فكرة الألوهية عن تدنيس الوثنية وسمت بالله جل جلاله عن أن تضع وجوده موضع البحث ثم تسللت إليها - كمكروب خبيث - وثنية اليونان فجعلت من وجود الله ـ مجرد وجود الله - باباً ضخماً من أبواب البحث أو من أبواب اللاهوت الكنسي ونزلت بذلك الفكرة الدينية المقدسة عن الله إلى مستوى الجو الوثني البشري !!!
وجاء الإسلامم تطهيراً كاملا للعقيدة وتزكية تامة للإيمان وأعلن
פין
بمجرد التسمية الإسلام الحرب على التدخل البشري في دين الله
ورسالته
الاسترسال
فما الإسلام إلا الاستسلام المطلق لله سبحانه وتعالى إنه مع الله على ما يرضيه وهل للإنسان غير هذا بالنسبة لله وهل للمؤمن أن يتصرف تصرفاً آخر وهل إذا تصرف تصرفاً آخر يسمى
مؤمناً
إن الاسترسال مع الله على ما يحب هو الإسلام وهو الدين لا
دين غيره يقول الله تعالى
إن الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَم ۱
ويقول سبحانه
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ٢
وإن كل من لا يستسلم الله في وحيه استسلاماً مطلقاً فإنه يبتغي في قليل أو في كثير حسب انحرافه ـ غير الإسلام ديناً
ولقد كان الإسلام توجيهاً وكان مبادىء
ينبغي أن يوضع موضع
ومن توجيه الإسلام أن وجود الله لا البحث وكل من وضعه موضع البحث فإنه بذلك يعدل عن توجيه الله
تعالى إلى توجيه بشري إنه يبتغي غير الإسلام موجهاً
وابتغى المسلمون الأول الإسلام توجيهاً كما ابتغوه مبادىء وسار الأمر على ذلك إلى أن تسللت الفلسفة اليونانية ـ كمكروب خبيث - إلى
۱ سورة آل عمران الآية ۱۹ سورة آل عمران الآية ٨٥
ד י ן
الجو الإسلامي تسللت في عهد المأمون وتولى كبر هذا التسلل المأمون وشجعه على ذلك معتزلة عصره وقابل المؤمنين ذلك بكثير من النفور وحق لهم ذلك فما كان منطق الدين ولا منطق الفطرة السليمة يقضي بأن تكون راية العصمة أي راية الدين الإلهي مرفوعة ترفرف على ربوع الأمة الإسلامية في محيط العقيدة فنميل بهذه الراية
قليلاً أو كثيراً لنرفع بجوارها راية أرسطو أو راية أبيقور
ورفع المأمون راية الانحراف والوثنية بجوار رايـة الهـدايـة
المعصومة
وعارض المؤمنون واحتجوا وبينوا أن الوثنية ولو وافقت الدين
فهي وثنية
ولكن النهج الوثنى أخذ يقوى شيئاً فشيئاً ثم طلب التصريح
بالإقامة واستوطن
ومعاذ الله أن تكون عقائد الإسلام الكبرى - الإيمان بالله وبالرسالة وبالبعث - قد تلوثت بالوثنية كلا وإنما الذي تلوث بالوثنية - وإلى حد كبير - إنما هو النهج والنزعة والاتجاه في البحث ومنهج البحث وليس ذلك بالأمر الهين أو الذي لا يؤبه له كلا فذلك له خطورته في جانب قوة الإيمان وضعفه
وفرق بين أن تأخذ قضايا الوحي مأخذ المستسلم المسترسل معها على ما تريد وأن تأخذها محكماً فيها عقلك مؤولاً لها أو عادلاً بها إلى اتجاه خاص أو شارحاً لها على نزعة معينة
وبتعبير آخر فرق بين أن تصدر عن الوحي متفهماً له بعقلك تصدر عن عقلك متفهماً للوحي ولعل بعض الناس لا يرى
أن وبين
۱۰۷
فرقاً في التعبيرين ولكن الفرق كبير إذا نظرنا إلى الوضع الإنساني فهو إما أن ينطلق عن الوحي قائداً العقل إلى الخضوع له وإما أن ينطلق عن العقل محاولاً تأويل الوحي بما يوافق النتائج التي وصل إليها
العقل
الوثنيين
والأول طريق المؤمنين المسلمين والثاني طريق الفلاسفة أو نهج
والنهج الوثني - نهج إثبات وجود الله ـ هو الذي أتاح الانحراف الكامل أي إنكار وجود الله فما دام النهج الوثني قد أعطى حق
الوجود فإن الوثنية - كمنهج - تأتي بالوثنية كنتائج
إن وضع مسألة وجود الله موضع البحث هو الذي هيا لذوي الفطر المنحرفة أن يلحدوا في دين الله وأن يكفروا به سبحانه وهذه
نتيجة أولى أما النتيجة الثانية فإنها ضعف الإيمان وإذا كنت تضع الوجود الإلهي - مجرد الوجود - موضع بحث فمعنى ذلك أنك وضعته موضع
شك وريبة ولو لم يكن كذلك لما وضع موضع البحث
وإذا كان الوجود الإلهي - مجرد الوجود - موضع شك وريبة فماذا بقي من أمور الدين لا يوضع موضع شك وريبة إن الإيمان في الأوضاع الوثنية لا يتأتى له إلا أن يخبو شيئاً فشيئاً حتى يصبح
إيمان
كلا
وهذا هو ما حدث في الأمة الإسلامية لقد وصل إيمانها إلى درجة يكاد معها أن يكون معدوماً وما ذلك إلا لتغلغل النهج الوثني في بحث قضايا الدين ومبادئه لقد أصبحت قضايا الدين كل قضاياه موضع
۱۰۸
بحث وهل يتأتى أن تبقى قضية من قضايا الدين في مجال اليقين بعد
أن وضع وجود الله مجرد وجوده سبحانه - موضع البحث
نستغفرك اللهم ونتوب إليك
ونعود فنقول إن الدين في نفسه محفوظ بحفظ الله لكتابه العزيز إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ
ولكن الذي نشكو منه إنما هو النهج أو المنهج أو النزعة أو الاتجاه في البحث إن الذي نشكو منه إنما هو
منهج البحث الوثني وإذا شئت قلت إنما هو منهج البحث
اليوناني سئل أحد العارفين عن الدليل على الله
فقال الله
فقيل له فما العقل العقل عاجز لا يدل إلا على عاجز مثله أما الإمام الكبير العارف بالله ابن عطاء الله السكندري الذي جمع
بين رئاسة الشريعة ورئاسة الحقيقة فإنه يقول
إلهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي
التي توصل إليك
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء
۱ سورة الحجر الآية 4
۱۰۹
شيء
أن
كيف يتصور يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء كيف يتصور يحجبه شيء وهو الذي ظهر في كل شيء
أن
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء
أن
كيف يتصور يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الواحد الذي ليس معه
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أقرب إليك من كل شيء كيف يتصور أن يحجبه شيء ولولاه ما كان وجود شيء اشتان بين من يستدل به أو يستدل عليه المستدل به عرف الحق لأهله فأثبت الأمر من وجود أصله والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه ومتى بعد حتى تكون الآثار هي
التي توصل إليه
رحم
الله أبا الحسن وجزاه الله ومدرسته خير الجزاء على هذا
التوجيه السليم
الفصل الخامس
أجواء في القرآن الكريم
يقول الله تعالى في سورة لقمان
وَلَوْ أَنْمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَعْلَمُ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمُ ۱
إن أسرار القرآن الكريم لا يحصرها حاصر ولا يحيط بها محيط وكل إنسان يفهم من أسرار القرآن على قدر استعداده وما من شك في شك في أن المعنى المطلوب وجوباً اتباعه أو المطلوب
وجوباً تركه واضح كل الوضوح لا لبس فيه ولا تعقيد بيد أن الإشارات الروحية والتوجيهات الإلهية للقلوب والبصائر من خلال القرآن الكريم لا يحيط بها عد ولا يأتي عليها الزمن ومن هنا كان صادقاً ما يقوله أحد المفكرين وقد سئل عن خير تفسير للقرآن فقال
الزمن
هذه الإشارات للقلوب والبصائر تنبع وتفيض وتزداد بنسبة زيادة الإمعان في تحقيق معنى العبودية لله سبحانه وتعالى
۱ سورة لقمان الآية ۷
۱۱۱
وهي إشارات لا تحرم حلالاً ولا تحل حراماً إنها ليست من نوع تأويلات الباطنية هذه التأويلات المنحرفة والتي يهدمها من أساسها في سهولة ويسر عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط طبق صلوات الله وسلامه عليه دين الله تطبيقاً هو الأسوة التي تحتذى والتي إذا خرج الإنسان عن دائرتها في الدين فإنه يكون خاطئاً ضالاً لقد أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته البررة الأصفياء الأوامر الإلهية والنواهي الإلهية عن دائرة النظريات إلى دائرة العمل وتحدد بذلك المعنى المقصود من الأوامر والنواهي تحديداً لا لبس فيه وكل تأويل إذن للأوامر والنواهي يخرجها عن أن تكون مطابقة لعمل الرسول الله الله وعمل الصحابة فإنما هو تأويل باطني ضال
أما الإشارات التي نثبتها هنا فإنها إشارات روحية ترشد إلى معارج للروح تتسامى بإزدياد الإنسان في القرب من الله عن طريق الاستقامة ولقد سمينا هذه الإشارات أجواء فإن لكل ولي جوه الذي لا يتعارض مع جو الأولياء الآخرين وإن كان عبيره الزكي قد يختلف عن العبير الزكي الذي يشع من زميله وما من شك في أن أريج الزهور المختلفة ذوات الروائح الجميلة محبب كله مرغوب فيه جميعه آخر
ولكن الإنسان قد يميل بطبعه إلى نوع منها أكثر من ميله إلى نوع ولم يفسر أبو الحسن القرآن تفسيراً كاملاً ولم يشرح صحيح البخاري أو صحيح مسلم ولم يرو مؤرخوه في تفسير القرآن وفي شرح الحديث أشياء كثيرة وقد حاولنا بقدر الاستطاعة أن نجمع من هنا وهناك ما تناثر من الدرر التي تتعلق بالقرآن أو بالحديث ولم يتيسر لنا - لقلتها - أن ننسقها باقات أو أن نمذهبها
۱۱
مذاهب أو أن نقسمها فصولاً أو أن نلتزم فيها التحديد الموضوعي المحدد وسنرسلها دون أن نلتزم فيها أي ترتيب اللهم إلا ترتيب
الذوق
وهي
على كل حال بوضعها الذي هي عليه تعطي في وضوح صورة عن جو أبي الحسن الروحي وتبعث في النفس أسفاً شديداً على ما تطرق إلى مثيلاتها من إهمال أو نسيان
-1-
سئل رضي الله عنه عن تفسير بسم الله الرحمن الرحيم فقال
النقض لما انبرم
وقال
--
إن أردت الصدق في القول فأكثر من قراءة إِنَّا أَنزَلْتَهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ۱
وإن أردت الإخلاص في جميع أحوالك فأكثر من قراءة
قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ٢
وإن أردت تيسير الرزق فأكثر من قراءة
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ۳
وإن أردت السلامة من الشر فأكثر من قراءة
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ٤
۱ سورة القدر الآية ۱ سورة الإخلاص الآية ١
۳ سورة الفلق الآية ١
٤ سورة الناس الآية
--
إذا كثرت عليك الخواطر والوسواس فقل سبحان الملك الخلاق إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ا وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزِ ۱
--
إذا ورد عليك مزيد من الدنيا أو الآخرة فقل حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَغِبُونَ ﴾
من أجل مواهب الله الرضا بمواقع القضاء والصبر عند نزول البلاء والتوكل على الله عند الشدائد والرجوع إليه عند النوائب فمن خرجت له هذه الأربع من خزائن الأعمال على بساط المجاهدة ومتابعة السنة والاقتداء بالأئمة فقد صحت ولايته الله ولرسوله وللمؤمنين
وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَلِبُونَ ﴾ ۳
ومن خرجت له من خزائن المنن على بساط المحبة فقد تمت
ولاية الله له بقوله
وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّلِحِينَ
ففرق بين الولايتين فعبد يتولى الله وعبد يتولاه الله فهما ولایتان صغری و کبری فولايتك الله خرجت من المجاهدة وولايتك
1 سورة ابراهيم الآية ۱۹ سورة التوبة الآية ٥٩ ۳ سورة المائدة الآية ٠٥٦
١١٤
لرسوله خرجت من متابعتك لسنته وولايتك للمؤمنين خرجت من
الاقتداء بالأئمة فافهم ذلك من قوله
ومن يتول اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ
--
خصلة واحدة تحبط الأعمال ولا يتنبه لها كثير من الناس وهي
سخط العبد على قضاء الله تعالى قال تعالى
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَلَهُمْ ٢
-Y-
إذا ثقل الذكر على لسانك وكثر اللغو من مقالك وانبسطت الجوارح في شهواتك وانسد باب الفكرة في مصالحك فاعلم أن ذلك من عظيم أوزارك أو لكمون إرادة النفاق في قلبك
وليس لك طريق إلا التوبة والإصلاح والاعتصام بالله والإخلاص
في دين الله تعالى ألم تسمع قوله تعالى
وَإِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَيْكَ
مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۳
۱ سورة المائدة الآية ٠٥٦
سورة محمد الآية ۹ ۳ سورة النساء الآية ١٤٦
ولم يقل من المؤمنين فتأمل هذا القول إن كنت فقيهاً
والسلام ۱
وقال رضي الله عنه في قوله تعالى
لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيعُ قُلُوبُ فَرِيق مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِ
ذكر توبة من لا يذنب لئلا يستوحش من أذنب لأنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار ولم يذنبوا ثم قال وعلى الثلاثة الذين خلفوا فذكر من لم يذنب ليؤنس من قد أذنب فلو قال أولاً لقد تاب الله على
الثلاثة الذين خلفوا لتفطرت أكبادهم
-^-
وقال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه كنت مع الشيخ في سفر ونحن قاصدون إلى الاسكندرية حين مجيئنا من المغرب فأخذني ضيق شديد حتى ضعفت عن حمله فأتيت إلى الشيخ أبي الحسن رضي الله
عنه فلما أحس بي
نصف
قال أحمد
قلت نعم يا سيدي
قال آدم خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته وأسكنه الجنة يوم - خمسمائة عام - ثم نزل به إلى الأرض والله ما نزل الله بآدم
۱ درة الأسرار ص ٥٠ سورة التوبة الآية ۱۱۷
١١٦
إلى الأرض لينقصه ولكن نزل به إلى الأرض ليكمله ولقد أنزله إلى
الأرض من قبل أن يخلقه بقوله
و إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ 1
وما قال في الجنة ولا في السماء فكان نزوله كرامة لا نزول إهانة فإنه كان يعبد الله في الجنة بالتعريف فأنزله إلى الأرض ليعبده بالتكليف فلما توفرت فيه العبوديتان استحق أن يكون خليفة وأنت
أيضاً لك قسط من آدم كانت بدايتك في سماء الروح في جنة المعارف
فأنزلت إلى أرض النفس لتعبده بالتكليف فلما توفرت فيك العبوديتان
استحققت أن تكون خليفة ٢
-4-
نَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ۳
أتراهم منع جنوبهم عن مضاجع النوم وترك قلوبهم مضجعة
وساكنة لغيره بل رفع قلوبهم ولا يضاجعون بأسرارهم شيئاً!! فأفهم هذا
المعنى
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ ﴾ ٤ عن مضاجعة الأغيار ومنازعة الأقدار يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ٥ فالخوف منه قطعهم عن غيره
۱ سورة البقرة الآية ٣٠ لطائف المتن ص ٥٤٥٣ ۳ سورة السجدة الآية ١٦ ٤ سورة السجدة الآية ١٦ ٥ سورة السجدة الآية ١٦
وبالشوق إليه أطمعهم فيه
سجلات
وَمِمَّا رَزَقْهُم يُنفِقُونَ ۱ ولو وسعني بسط الكلام ههنا لكتبت لك
لكن الحق قهر القلوب بقدرته وأنعشها بحكمته وأغناها بمناجاته
عن مخاطبة خلقه !!!
--
من سوء الظن بالله أن يستنصر بغير الله من الخلق قال تعالى ممَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرُهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ
ثُمَّ ليقطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ
-11-
إذا عرض لك عارض يصدك عن الله فأثبت قال الله تعالى يَتأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِنَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۳
-۱-
من النفاق التظاهر بفعل السنة والله يعلم منه غير ذلك ومن الشرك بالله اتخاذ الأولياء والشفعاء من دون الله
قال الله تعالى مَالَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيْ وَلَا شَفِيعِ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ٤
۱ سورة البقرة الآية ٣ سورة الحج الآية ۱۵ ۳ سورة الأنفال الآية ٤٥ ٤ سورة السجدة الآية ٤
۱۱۸
- ۱۳ -
مراكز النفس أربعة مركز للشهوة في المخالفات
ومركز للشهوة في الطاعات
ومركز في الليل إلى الراحات
ومركز في العجز عن أداء المفروضات
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَأَقْعُدُوا لَهُمْ كلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَوَةَ وَ اتَوُا الزَّكَوةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ
غفور رحيم
-12-
من الشهوة الخفية للولي إرادته النصرة على من ظلمه وقال
تعالى للمعصوم الأكبر
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ
أي فإن الله تعالى قد لا يشاء إهلاكهم
-10-
من أحصن الحصون من وقوع البلاء على المعاصي الاستغفار
قال الله تعالى
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ ۳
1 سورة التوبة الآية ٥ سورة الأحقاف الآية ٣٥ ۳ سورة الأنفال الآية ۳۳
۱۱۹
-1-
لا
لو علم نوح عليه السلام أن في أصلاب قومه من يأتي يوحد الله عز وجل ما دعا عليهم ولكان قال اللهم اغفر لقومي فإنهم يعلمون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل منهما على علم وبيئة من الله
-1V-
قرأت ليلة قوله تعالى
وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُعْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۱
فنمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول
أنا
ا ممن يعلم ولا أغني عنك من الله شيئاً
-1A-
تعالى
سمعت الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم سَبْعِينَ مَرَّة فأشكل على معناه فرأيت رسول الله وهو يقول لي يا مبارك ذاك غين الأنوار لا غين الأغيار
-19-
سمعت الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
۱ سورة الجاثية الآية ۱۸ - ۱۹
۱۰
من سكن خوف الفقر قلبه قل ما يرفع له عمل فمكثت سنة أظن أنه لا يرفع لي عمل أقول ومن يسلم من هذا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول لي يا مبارك أهلكت نفسك فرق بين خطر
وسكن
- ۰-
اعلم أيدك الله بنور البصيرة وصفاء السريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له من أولياء الله يا رسول الله قال الذين إذا رُؤُوا ذُكر الله فافهم معنى قوله إذا رؤوا فاعدل عن رؤية الأجسام إى رؤية المعاني والأفهام عدولاً كاملاً عن رؤية البصر العامية التي تقع الشركة فيها مع الأنعام التي لا بصيرة لها واهتد بنور الله المستودع في القلوب الذي به نظروا واعتبروا ووقفوا وتحققوا ولا تكن مثل أولئك الذين قال الله تعالى فيهم
وَتَرَكَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ۱
هذا صريح في أطيب الخلق وأبصرهم وبه وبنوره وبطيبه طاب
كل شيء
وإنه لأمر عجيب في إيثاره الطيب لاتفاق العلماء أن رائحته أطيب
من كل طيب
فافهم وادخل في ميدان معرفته صلى الله عليه وسلم تسليماً
ومالك لا تقول كما قال
والله ما أكل إلا لنا ولا شرب إلا لنا ولا نكح إلا لنا كذلك لا يطيب إلا لنا فهو إذن أصل كل طيب وبهاء كل معدن وهو معدن
1 سورة الأعراف الآية ۱۹۸
۱۱
المعادن فاقتبس من نوره واغترف من بحره واشرب من معرفته
وتزين بطاعته تكن الأشياء طوع يديك
-YI-
العارف من عرف شدائد الزمان في الألطاف الجارية من الله عليه
وعرف إساءة نفسه في إحسان الله إليه
فَاذْكُرُواءَ الَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ١
- -
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ٢
فسر سهل بن عبد الله هذه التقوى من الحول والقوة وعدل عما تزين به البطالون من ظاهر التقوى مع دنس باطنه وهذا صحيح في عبد ظاهر المعاصي والشهوات ويحمل نفسه على أنواع الطاعات وقد سد الأفق بالدعاوى وأضاف الحول والقوة إلى نفسه فهذا عبد قد جاوز الحدود وأعظم الفرية والعجب فلا يقوم خيره بشره والمحققون ينسبون له ۳ الأشياء وينظرون إلى البواعث والثمار فإذا فقدت الثمار علموا أن علمه وعمله مدخولان وإذا فقدت البواعث الصحيحة في الأصول فلا يعتبرون بأعمالهم قال الله عز وجل
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ٤
۱ سورة الأعراف الآية ٦٩ سورة الطلاق الآية ٢ - ٣ ۳ أي الله سبحانه ٤ سورة الطلاق الآية ۰
فيا مدعي التقوى أين المخرج فإذا رأيت المخرج ثمرة لتقواك وذلك بوعد الله وضمانه فأنت على الصواب والخير وإذا لم تجد بتقواك إلا تحيراً فمن الصادق ومن الكاذب
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ ١ اللهِ
ولا يصح التوكل إلا لمتق
ولا تتم التقوى إلا لمتوكل
فدققوا النظر في البواعث والأصول والثمار والله يحب الصابرين
جاء في الحديث
۳ -
من
شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين
فإذا كان الحق سبحانه قد رضي لهم أن يشغلهم ذكره عن مسألته فكيف لا يرضى لهم أن يشغلهم ذكره والثناء عليه عن الانتصار
لنفوسهم ومن عرف الله سد عليه باب الانتصار لنفسه إذ العارف قد اقتضت له معرفته أن لا يشهد فعلاً لغير معروفه فكيف ينتصر من الخلق من يرى الله فعالاً فيهم وكيف يدع أولياءه من نصرته وهم قد ألقوا نفوسهم بين يديه مسلمين ومستسلمين لما يريد منهم حكماً فهم في معاقل عزة تحت سرادقات مجده يصونهم من كل شيء إلا من ذكره ويقطعهم عن كل شيء إلا عن حبه ويختارهم من كل شيء إلا من وجود قربه
۱ سورة الطلاق الآية ٣
۱۳
ألسنتهم بذكره لهجة وقلوبهم بأنواره بهجة وطن لهم وطناً بين يديه فقلوبهم جاثمة في حضرته وأسرارهم محققة بشهود أحديته
-YE-
رأيت كأني في عليين مع الملائكة المقربين في نعيم لا أبغي
بدلاً
فقالوا سر إلى الزيادة
عنه
فسرت معهم فدخلت في موطن كريم لا أقدر على وصفه طامعاً
في الشهود فإذا أنا بشهود لا أقدر على وصفه
فقيل من كففت جوارحه عن معصيتي وزينته بحفظ امانتي وفتحت قلبه لمشاهدتي وأطلقت لسان سره لمناجاتي ورفعت الحجاب بينه وبين صفاتي وأشهدته معاني أرواح كلماتي فقد زحزحته عن النار وأدخلته جنتي وفاز بقربي وصحبته ملائكتي
فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاذْ ۱
فهذه جنة معجلة لأهل الإيمان البالغ يقيناً وسيدخلونها يوم الجزاء بأبدانهم ذوقاً وحساً وعياناً ثم أناديهم بالعبارة والإشارة واللطف
والحقيقة
يبَنِي ءَادَمَ لَا يَفْيُنَنَّكُمُ الشَّيْطَنُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِنَ الْجَنَّةِ ٢
- Yo-
الكاملون حاملون لأوصاف الحق وحاملون لأوصاف الخلق
۱ سورة آل عمران الآية ١٨٥ سورة الأعراف الآية ۷
فإن رأيتهم من حيث الخلق رأيت أوصاف البشر
وإن رأيتهم من حيث الحق رأيت الأوصاف التي زينهم بها
فظاهرهم
قال تعالى
الفقر وباطنهم الغنى تخلقاً بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم
وَوَجَدَكَ عَابِلًا فَأَغْنَى ۱
افتراه أغناه بالمال
كلا وقد شد الحجر على بطنه من شدة الجوع وأطعم الجيش
كله من صاع وخرج من مكة على قدميه ليس معه شيء يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه أبط بلال
- ٢٦ -
من النفاق التظاهر بفعل السنة والله يعلم منه غير ذلك ومن الشرك بالله اتخاذ الأولياء والشفعاء دون الله قال الله تعالى
ما لكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيْ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ٢
- TV-
علوم
العلوم التي وقع الثناء على أهلها وإن جلت فهى ظلمة في ذوي التحقيق وهم الذين غرقوا في تيار بحر الذات وغموض الصفات فكانوا هناك بلاهم وهم الخاصة العليا الذين شاركوا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في أحوالهم فلهم فيها نصيب على قدر إرثهم
من مورثهم قال النبي صلى الله عليه وسلم
۱ سورة الضحى الآية ٨
سورة السجدة الآية ٤
۱۵
العلماء ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
أي يقومون مقامهم على سبيل العلم والحكمة لا على سبيل التحقيق بالمقام والحال فإن مقامات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
قد جلت أن يلمح حقائقها غيرهم
-YA-
تعالى
كل وارث في المنزلة الموروثة لا يكون إلا بقدر مورثه فقط قال
وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّنَ عَلَى بَعْضٍ ﴾ ١ كما فضل بعضهم على بعض كذلك فضل ورثتهم على بعض إذ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أعين للحق وكل عين يشهد منها على قدرها وكل ولي له مادة
مخصوصة
- ۹ -
لا تختر من الأمر شيئاً واختر أن لا تختار وفر من ذلك المختار
فرارك من كل شيء إلى الله تعالى
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ هُمُ الْخِيَرَةُ
وكل مختارات الشرع وترتيباته فهي مختار الله وليس لك منه شيء ولا بد لك منه واسمع واطع وهذا موضع الفقه الرباني والعلم
۱ سورة الإسراء الآية ٥٥ سورة القصص الآية ٦٨
١٢٦
الإلهي وهي أرض لعلم الحقيقة المأخوذة عن الله تعالى لمن استوى
فأفهم ! ! !
وقال رضي الله عنه
وقال رضي الله عنه
هممت أن أدعو على ظالم فنوزعت في ذلك
فرأيت أستاذي رضي الله عنه يقول لي
إن الله إن يشأ إهلاك ظالم فلا تستعجل له فالاستعجال بالهلاك للأعداء وإرادة النصر للأولياء من الشهوة الخفية ومن أظلم ممن ينازع إرادة مولاه وتبع شهوة نفسه وهواه وقد أمر المعصوم الأكبر
ونهى بقوله
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَهُمْ
وبقوله فاصْبِرْ إِنَّ الْعَقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ٢
فالإيمان محو الصفات بالصفات والأسماء بالأسماء وتفريق الذوات بالذوات لتحقيق ما هو الأول والآخر والظاهر والباطن فأي شيء كان معه آخراً حتى يكون معه أ أولاً وأي شيء كان معه ظاهراً حتى يكون معه باطناً فما ثبت من المخلوق فباثباته وما محى فبمشيئته
وإرادته وخذ ذلك من قوله
۱ سورة الأحقاف الآية ٣٥
سورة هود الآية ٤٩
۱۷
يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَبِ ۱
وهو العلم الأول وعنه صدر كل علم وكتاب
-۳۱ -
إن أردت أن تنظر ببصر الإيمان والايقان دائماً فكن لنعم الله شاكراً
وبقضائه راضياً
وَمَا بِكُم مِّن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَحْتَرُونَ
-۳ -
قوله
قرأت سورة الإخلاص والمعوذتين ذات ليلة فلما انتهيت إلى
مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ
الناس ۳
رأيت بعد ذلك يقال لي
شر الوسواس وسواس يدخل بينك وبين حبيبك وينسيك أفعالك الحسنة ويكثر عندك ذات الشمال ويذكرك أفعالك السيئة ويقلل عندك ذات اليمين ليعدل بك عن حسن الظن بالله ورسوله إلى سوء
الظن بالله ورسوله
1 سورة الرعد الآية ٣٩ سورة النحل الآية ٥٣ ۳ سورة الناس الآية ٥٤
۱۸
- ۳۳ -
ألق بنفسك على باب الرضا وانخلع عن عزائمك وإرادتك حتى
عن توبتك بتوبته
قال الله تعالى
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۱
۱۹
۱ التوبة الآية ۱۱۸
الفصل السادس
الطريق الصوفي
إن كلمة الإسلام التي وضعت اسماً للدين عند الله الدين الذي لا يقيده زمن ولا يحده مكان تتضمن في مفهومها الكريم المعاني الأخلاقية السامية فإنها تعني إسلام الوجه الله وتتسع لأقصى ما يتطلبه الذاهب المجد في السير إلى الله لقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم - في حديث صحيح من مرويات الإمام مسلم - عن الإسلام فقال صلوات الله وسلامه عليه أن يسلم الله قلبك وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك وإسلام القلب الله إسلاماً كلياً على قدر الاستطاعة التي تتناسب كل فرد والتي تختلف في الأفراد لاختلاف طبائعهم إنما هو هدف
الصوفي ولقد كان إسلام القلب الله هدف أبي الحسن هدفه لنفسه وهدفه للآخرين وهو حينما وصل في مجاهداته إلى إسلام قلبه لمولاه حاول ما استطاع أن يصل بأتباعه إلى ذلك فأخذ يبشر بكل ما يؤدي إلى هذا
المعنى
والجو الذي يعيش فيه أبو الحسن إذن إنما هو جو عبودية وهل
۱۳۱
العبودية إلا إسلام الوجه الله
وتوكل وهل التوكل إلا التعبير عن إسلام الوجه الله
وإخلاص وماذا يكون إسلام الوجه الله إن لم يبن على الإخلاص وإن لم يثمر الإخلاص
ومحبة وهل يتأتى إسلام الوجه الله إلا عن المحبة له تعالى
وإسلام الوجه الله يسبقه ويرافقه الذكر والعبادة
وأخذ أبو الحسن يقود الناس إلى إسلام الوجه الله بالمثال والقدوة
وبالحديث والشرح
وبين لهم أنهم إذا أسلموا وجههم إليه كانوا في كفالته ورعايته وكانوا بذلك في أمن وسلام
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا نَدِيلَ لِكَلِمَتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 1
وأراد أبو الحسن أن يسير بكل بحسب استعداده للعروج وهو يصف القمة وهم أهل الله وخاصته بهذه الكلمات الجميلة أما أهل الله وخاصته فهم قوم جذبهم عن الشر وأصوله واستعملهم في الخير وفروعه وحبب إليهم الخلوات وفتح لهم سبيل المناجاة فتعرف إليهم فعرفوه وتحبب إليهم فأحبوه وهداهم السبيل إليه فسلكوه فهم به وله لا يدعهم لغيره ولا يحجبون عنه بل هم
1 يونس الآية ٦٢ - ٦٤
۱۳
محجوبون به عن غيره لا يعرفون سواه ولا يحبون إلا إياه أولئك
الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب ا هـ
الطبائع
وليس كل الناس يستطيع ذلك ولا يطمع أبو الحسن أن يصل بهم جميعاً إلى هذا ولكن إذا كانت طبيعة الأمور تأبى التسوية في فإنها لا تأبى إشاعة جو من النور والعبودية والإخلاص يقبس منه كل بحسب استعداده
ويحسن بنا قبل رسم الطريق الصوفي أن نتحدث عن التصوف في
رأي أبي الحسن يقول رضي الله عنه
التصوف تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية وهذا التعريف يشبه التعريف الذي ذكره الخلدي المتوفى سنة ٣٤٨ هـ للتصوف وهو
بالكلية
طرح النفس في العبودية والخروج من البشرية والنظر إلى الحق
ويشبه التعريف الجميل للتصوف الذي ذكره رويم المتوفى سنة
٣٠٣ هـ وهو
استرسال النفس مع الله تعالى على ما يريد
وهذه التعريفات للتصوف إنما هي تعريفات بالوسيلة أي أنها على الخصوص تعريف للطريق الذي يؤدي إلى الغاية وليست تعريفاً
للغاية
ومن أجل أنها تعريف للطريق أتى تعريف الصوفي في رأي أبي الحسن متساوقاً لتعريفه للتصوف فهو يقول عنه
۱۳۳
الصوفي فيه أربعة أوصاف
أ التخلق بأخلاق الله عز وجل ب والمجاورة لأوامر الله
جـ وترك الانتصار للنفس حياء من الله
د وملازمة البساط بصدق البقاء مع الله
وما من شك في أن هذه الأحاديث عن التصوف وبعبارة أدق عن الطريق الصوفي تتساوق وتتكامل مع ما يتحدث به أبو الحسن عن الصديقين وعن قربهم من الحق سبحانه ومشاهداتهم في الملأ الأعلى وبذلك تكمل الصورة عن التصوف وهي
١ - تصفية للنفس كوسيلة
٢ - وقرب ومشاهدة كغاية
والتصوف يتضمن الوسيلة والغاية أو الطريقة والحقيقة
لنأخذ الآن في رسم الطريق ونحن في رسمنا هذا إنما نرسم على الخصوص جوا روحياً إننا نحاول نشر عبير ونحاول نفث أريج نأمل أن يهىء الله لتنسمه الكثيرين من عباده وأن يهدي له ويهدى به وسنحاول ـ ما أمكن - رسمه بأسلوب أبي الحسن نفسه ونرجو من
لله التوفيق
۱ - الإخلاص
يقول الله تعالى ﴿ أَلَا لِلَّهِ الذِينَ الْخَالِص وهو سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك ومن أجل ذلك لا بد من الإخلاص وهو في ذروته
١٣٤
نور من نور الله استودعه قلب عبده المؤمن فقطعه به عن غيره فذلك هو الإخلاص الذي لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله
وإلى ذلك الإشارة بقوله عز وجل فيما يحكى عنه جبريل عليه
السلام الرسول الله صلى الله عليه وسلم
الإخلاص سر من سرى استودعته قلب من أحببت من عبادي
والإخلاص على ضربين
أ إخلاص الصادقين
ب إخلاص الصديقين
فإخلاص الصادقين لطلب الأجر والثواب ۱
وإخلاص الصديقين وجود الحق مقصوداً به لا شيء غيره ولا
شيء من غيره
ويتحدث أبو الحسن عن صفات المخلصين فيقول
رجال جبلهم على حسن عبوديته وأخلصهم لإخلاص توحيد ربوبيته واتباع شريعته فيما منع أسرارهم بأنوار حضرته وأمد أرواحهم بمعاني المعارف وخصائص عنايته وأجال عقولهم في عظمته وزكى نفوسهم فأحرزها وأخرجها من ظلمة الجهل وهداهم بنجوم العلم وشمس معرفته وأيد عقائدهم ببرهان كتابه وسنته ومحا عزائمهم بتحقيق غلبة مشيئته وطوى إرادتهم بتيقن وقفها على إرادته وزينهم بزينة الزهد وحلية التوكل وشرف الورع ونور العلم وضياء المعرفة
۱ درة الأسرار ۱۱ ۱۱۳
۱۳۵
وألهمهم لفضله وطوله وتولاهم فأغناهم به عن غيره
وجعل منهم مفاتيح لقلوب الورى وينابيع الحكمة الكبرى يتلقونها شرعاً ويلقونها لأهلها سراً وجهراً ومنهم من سترته الأقدار وحجبته عن الأغيار لينفرد بالتمكن في حقيقة الأسرار تعرف كلا بسيماهم باطنهم مع الحق وظاهرهم مع الخلق فهم هم ولا هم هم
في الوجود بوصف الغناء ظاهرين صفوا وافترقوا في سيرهم ظاهرهم الفقر وباطنهم الغني يتخلقون بأخلاق نبيهم كما قال العلي
الأعلى
وَوَجَدَكَ عَابِلًا فَأَغْنَى ۱
أفتراه أغناه بالمال كلا وقد شد الحجر على فؤاده وأطعم الجيش من صاع وخرج من مكة على قدميه وركب فوق البراق وعرج به إلى السماء العلي إلى سدرة المنتهي ورأى ما رأى ما كذب الفؤاد ما رأى
فانظر إلى حال الغني في الوصفين وأشهد شرف أوصافه في الحالين فإن قلت بشر قلت نعم لا كالبشر كما تقول في الياقوت
حجر
لا كالحجر
وفي العباد نبي ورسول يدعو بالحق إلى الحق فأعطى الأولياء منه ميراثاً من النبيئين بين الخلق إذ هم قوم أخذوا في التأسي بجد وإتيان واعتقدوا قول كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما هو عليه كان
وأقاموا في مقام التوحيد على قدم التجريد من حظوظ النفس وملاحظة الحظوظ واقتداء بالسلف رضي الله عنهم
۱ سورة الضحى الآية ٨
١٣٦
هذا قصد القوم وأصل في الإخلاص والتخصيص فيما لو نظرت إلى حقيقة ذلهم وافتقارهم الذي هو عين العز والغنى بمولاهم اشتد تحقيق حالهم إلا على ولي في نهايته أو صديق ولو في بدايته لأن غايات الأولياء بداية الصديقين
فخذ السر جهراً إليك واحبس عليه بكلتا يديك ولا تكترث
بحسادك فقد قال لنبيه عليه السلام
حسد
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ حتى قال له ﴿ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا
أن
ولا تسألني أن أقطعه عليك فكأنه عز وجل يقول له سلني أكفيك شر حسادك ولا تسألني أن أقطعهم عنك فإن الحساد مع النعم ولا بد من نعمة عليك فتأس يا مسكين إن أردت الشفاء فلعله أن بكشف خطاب ولا تطمع أن يقع مع الحجاب
٢ - التوبة
يقع
وأول ما يبدأ به المريد السالك إلى الله الذي يريد إسلام وجهه إليه إنما هو التوبة وتبدأ التوبة بالاستغفار وحقيقة الاستغفار أن لا يكون لك مع غير الله قرار وهو بهذا الوضع أمان للمستغفر من عذاب الله قال
تعالى
وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ١
٣ - النية
ولا بد في كل عمل يأتيه الإنسان بل كل أمر يتركه من النية ومن
۱ سورة الأنفال الآية ۳۳
۱۳۷
الإخلاص في النية وذلك لكي يترتب الأجر والثواب من الله على العمل
ويقول
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو
امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه
والنية والقصد والعزم والإرادة والمشيئة كل ذلك بمعنى
واحد أو يجب أن يكون بمعنى واحد
وحقيقة النية عدم غير المنوي عند الدخول فيه وكمالها استصحاب ذلك على الكمال ووقت النية عند افتتاح العمل وكيفيتها ارتباط القلب
مع الجوارح
يقول
من صلحت نيته صلح عمله
فحسن النية فيما بينك وبين الله بتوجيه القلب بالتعظيم الله والتعظيم
لأمر الله والتعظيم لما به أمر
وفيما بينك وبين العباد توجيه النفوس بالنصيحة لهم والقيام بالحقوق وترك الحظوظ ونبذ العوارض مع الصبر الله والتوكل على الله ۱
ومهما يكن من شيء فإنه بمقدار الإخلاص في النية يكون الثواب
ويكون الترقي
٤ - الطريق القصد إلى الله تعالى
والطريق القصد إلى الله تعالى أربعة أشياء من حازها فهو من
۱ درة الأسرار ص
۱۳۸
108
الصديقين المحققين ومن حاز منها ثلاثاً فهو من الأولياء المقربين ومن حاز منها اثنتين فهو من الشهداء الموقنين ومن حاز منها واحدة فهو من عباد الله الصالحين
أولها الذكر وبساطه العمل الصالح وثمرته النور
وثانيها التفكير وبساطه الصبر وثمرته العلم وثالثها الفقر ۱ وبساطه الشكر وثمرته المزيد منه
ورابعها الحب وبساطه بغض الدنيا وأهلها وثمرته الوصل
بالمحبوب
ه - الخلوة
وأخذا في هذا الطريق القصد إلى الله وتدعيماً للتوبة وتثبيتاً للإخلاص يحسن أن يخلو الإنسان وربه فترة من الزمن هي فترة العزلة أو فترة الخلوة أو فترة الكهف أو فترة الغار يلازم فيها الذكر والمراقبة والتوبة والاستغفار
أما
ومهما خالط سره شيء من ذنب أو عيب أو نظر إلى عمل صالح أو حال جميل فيجب عليه المبادرة إلى التوبة والاستغفار من الجميع من الذنب فواجب شرعاً وأما من غيره فاعتباراً باستغفار النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً بعد البشارة واليقين بمغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر هذا من معصوم لم يقترف ذنباً قط فما ظنك بمن لا يخلو من ذنب أو عيب في وقت من
الأوقات
۱ الفقر مما سوى الله إلى الله
بغض الدنيا على أنها شهوات وبغض أهل الدنيا اللاهين العامتين
۱۳۹
أما ثمرة العزلة فهي الظفر بمواهب المنة وهي |
أربعة كشف
الغطاء وتنزل الرحمة وتحقق المحبة ولسان الصدق في الكلمة قال الله
تعالى
فَلَمَّا أَعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلَّا جَعَلْنَا
نَبِيًّا وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَنِنَا وَجَعَلْنَاهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ۱
٦ - الجهاد
ولا بد للمريد من الجهاد
لا بد له من جهاد العدو ومن أراد أن لا يكون للشيطان عليه سبيل فليصحح الإيمان والتوكل والعبودية لله وليستعذ به سبحانه قال تعالى إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانُ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
وقال تعالى
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانُ ﴾ ۳
وقال تعالى
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤ ولعلك تسأل عن كيفية تصحيح الإيمان فاعلم أنه بالشكر على النعماء والصبر على البلاء والرضا بالقضاء
۱ سورة مريم الآية ٤٩ سورة النحل الآية ۹۹ ۳ سورة الحجر الآية ٤٢ ٤ سورة الاعراف الآية ۰۰
١٤٠
أما صحة التوكل فإنها
بهجران النفس ۱ ونسيان الخلق والتعلق بالملك الحق وملازمة الذكر وإذا عارضك عارض يصدك عن الله فأثبت قال الله
تعالى
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۳
أما تصحيح العبودية فإنه بوضوح الفكرة عن حقيقة الصفات الإنسانية وحقيقتها أنها فقر بالنسبة إلى الله تعالى وعجز بالنسبة إلى
قوته وذل في مقابلة عزه سبحانه
ومهما يكن من شيء فإن مخازي الشيطان أربعة ١ - إما أن تجلس متفكراً فيما يقربك إلى الله فتأتيه
٢ ـ أو مفكراً فيما يبعدك عنه فتجتنبه - وإما أن تجلس متفكراً فيما سبق من حسن عملك فتشكر
وتستغفر
- وإما أن تجلس متفكراً فيما سبق من ذنوبك فتستغفر وتشكر
۷ - النفس
أربعة
والحديث عن الشيطان يستتبع الحديث عن النفس ومراكز النفس
1 أي النزغان السيئة
ونسيان الخلق باعتبارهم مؤثرين فإن المؤثر الوحيد هو الله
۳ سورة الأنفال الآية ٤٥
١٤١
۱ - مركز للشهوة في المخالفات - ومركز للشهوة في الطاعات
٣ - ومركز في الميل إلى الراحات
٤ ـ ومركز في العجز عن أداء المفروضات ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
حَيْثُ وَجَدتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَأَقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ﴾ ۱ وإذا أردت جهاد النفس فاحكم عليها بالعلم في كل حركة ٢ واضربها بالخوف عند كل خطرة واسجنها في قبضة الله أينما كنت وأشك عجزك إلى الله كلما غفلت فهي التي لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها فإن سخرت لكم في قضية فجدير أن تذكروا نعمة الله عليكم وتقولوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ۳
ومهما يكن من شيء فإن موت النفس يكون بالعلم والمعرفة والاقتداء بالكتاب والسنة وعلاج من انقطع عن المعاملات ولم يتحقق
بحقائق المشاهدات أربعة
طرح النفس على الله طرحاً لا يصحبه الحول والقوة والتسليم لأمر
الله تسليما لا يصحبه الاختيار مع الله
تعالى
هذان علاجان باطنان
وذم الجوارح عن المخالفات والقيام بحقوق الواجبات
وهذان علاجان ظاهران
ثم يقعد على بساط الذكر بالانقطاع إلى الله عن كل شيء سواه لقوله
۱ سورة التوبة الآية ٥
٢ أي جعل حركاتها تابعة للعلم بما يجب عمله أو يجب تركه
۳ سورة الزخرف الآية ۱۳
١٤٢
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ۱
- الدنيا
وحينما يذكر الشيطان وتذكر النفس فإنه تذكر الدنيا
والدنيا التي لا حساب عليها في الأجل ولا حجاب معها في العاجل هي التي لا إرادة لصاحبها فيها قبل وجودها ولا معها لها مع وجودها ولا أسف عليها عند فقدها
والحر الكريم من يأخذها منه على المواجهة ويدعها به على المواجهة لا أثر للأغيار على قلبه هذا ما يقوله الشاذلي عن الدنيا وكل ما تريده الصوفية إنما هو الابتعاد عن أن يكون الإنسان عبداً للدنيا ولا مانع عندهم | أن يكون الإنسان من أصحاب الملايين إذا لم يكن قلبه متعلقاً بالدنيا في إقبال أو إدبار ووجهتهم تحقق الآية القرآنية الكريمة لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَاءَ اتَنكُمْ ٢
ومع إننا تحدثنا عن الدنيا في نظر الصوفية فإننا نريد أن نزيد الأمر وضوحاً وذلك لأنه يلتبس دائماً الأمر في موضوعها عند الصوفية على
كثيرين
إن الدنيا الممقوتة عند الصوفية إنما هي الدنيا التي تشغل وتلهي وتستعبد إنها الشهوات والنزعات والأهواء إنها اللعب واللهو والغفلة عن
الله
أما امتلاك المال واقتناء العقار والثراء عريضاً أو غير عريض فلا
۱ سورة المزمل الآية ٨ سورة الحديد الآية ۳
١٤٣
مانع من منه عند الصوفية إذا خلا من المضار يقول أبو الحسن ضارعاً إلى الله
داعيا
اللهم وسع
أرزاقنا وكثر أضيافنا واجعلنا من المتقين في سبيل
مرضاتك قصداً بلا إسراف ولا تقتير ووفقنا لذلك واهدنا بهدايتك وأخلصنا بإخلاصك عن إخلاصنا وقنا من الشح والبخل والمن ومن
التهمة في الرزق ۱
وقال رضي الله عنه
اعرف الله ثم استرزقه من حيث شئت غير مكب على حرام ولا
راغب في حلال
ومن
الدعاء الجميل لأبي الحسن الدعاء الذي يستنتج منه الإنسان
الرأي الحقيقي للصوفية فيما يتعلق بالدنيا قوله
يا الله يا ولي يا نصير يا غني يا حميد أعوذ بك من دنيا لا يكون فيها نصيب لوجهك ومن عمل آخرة يكون فيها حظ لغيرك وأعوذ بك من كل حركة تعرى من الاقتداء بسنة رسولك ومن كل
ضرورة لا تؤدي إلى حقيقة معرفتك
واعكف قلبي في حضرتك واغنني عن رعايتي برعايتك إنك على
كل شيء قدير ٢
۹ - العبودية
وإذا أكرم الله عبداً في حركاته وسكناته نصب له العبودية لله وستر
۱ درة الأسرار ص ١٦٣ درة الأسرار ص ۱۱۱
١٤٤
C
عنه حظوظ نفسه وجعله يتقلب في عبوديته والحظوظ عنه مستورة مع جريان ما قدر له منها ولا يلتفت إليها كأنه في معزل مشغول عنها وإذا أهان الله عبداً في حركاته وسكناته نصب له حظوظ نفسه وستر
عنه عبوديته فهو يتقلب في شهواته وعبوديته الله عنه بمعزل وإن كان يجري منها شيء في الظاهر
والعبودية هي امتثال الأمر واجتناب النهي ورفض الشهوات والمشيئات فمن وصل بتطهير قلبه عن الشيطان والنفس والدنيا وبكثرة الذكر إلى العبودية فقد ظفر بخير عميم
١٠ - الطاعات
والعبد الذي أكرمه الله بالعبودية يؤدي كل طاعة في وقتها ذلك أن لكل وقت سهم في العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية فلا
تؤخر طاعة وقت لوقت فتعاقب بفوتها أو بفوت غيرها
مرة
فقال
وفائدة الطاعات والمحافظة عليها لا تنكر ولقد قيل لأبي الحسن
ما الذي استفدت من طاعتي وما الذي استفدت من معصيتي
استفدت من الطاعة العلم الزائد والنور النافذ والمحبة واستفدت من المعصية الغم والحزن والخوف والرجاء وعليك أيها الأخ بالمطهرات الخمس في الأقوال والمطهرات الخمس في الأفعال والتبري من الحول والقوة في جميع الأحوال وغص
١٤٥
بعقلك إلى المعاني القائمة بالقلب وأخرج عنها وعنه إلى الرب واحفظ الله يحفظك واحفظ الله تجده أمامك واعبد الله بها وكن من الشاكرين
والمطهرات الخمس في الأقوال
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم
والمطهرات الخمس في الأفعال هي الصلوات الخمس
والتبري من الحول والقوة هو قولك لا حول ولا قوة إلا بالله
وإيمانك بها
۱۱ - درجات ودرجات
ومن علم اليقين بالله وبمالك عند الله أن تتعاطى بين الخلق ما لا تصغر به عند الحق وإن صغرت به في أعين الخلق بلا اعتراض من الشرع ولا منازعة من الطبع بل من عين اليقين نسيان الخلق عند هجوم وتتابع الفوايد بسواطع الشواهد
الشدايد
بل من حق اليقين الغرق في الشيء كأنك نفس الشيء كمن اضطر إلى رؤية البحر فركبه وانكسرت سفينته فتلاطمت عليه أمواجه فمنهم من یفنی ويذهب مع الذاهبين وينقل إلى درجات عليين
ومنهم من يحيا ويبقى مع الباقين لاحظ للمقتدى فيه بل هو مستور
عن الخلق أجميعن
ومنهم من يحيا ويبقى مع الباقين لاحظ للمقتدى فيه بل هو في
الوصفين قدوة للثقلين
١٤٦
ومنهم الإمام الأكبر الفرد القطب الغوث الجامع المختص بالأسماء
والصفات والأنوار والأخلاق وما لا يسع أن يسمعه سامع ومن دونهم ممن لا درجة له مع الأولياء والأتقياء والعباد والزهاد ومن أهل النظر بالدليل والبرهان ولم يطلع بعد على الكشف والعيان ومن دونهم أهل الوسائل بالأعمال والأحوال وأهل التخليط في
الأقوال والأفعال
وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۱
۱ - الذكر
وعلى المريد السالك الأخذ في الذكر
وعليك أيها الأخ بالذكر الموجب للأمن من عذاب الله في الدنيا
والآخرة وتمسك به وداوم عليه وينصح أبو الحسن بالإكثار من صيغة من
الذكر وهي الحمد لله واستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله
ويقول رضي الله عنه اجمع بين هذه الأذكار الثلاثة في عموم الأوقات وداوم عليها تجد بركتها إن شاء الله
فإذا ما فرغ الإنسان لسانه للذكر وقلبه للشكر وبدنه لمتابعة الأمر فهو من الصالحين
ويرى الصوفية أنهم مهما أشادوا بالذكر وتحدثوا عن فوائده ومزاياه فإنهم لا يوفونه حقه إنهم يرون أنه - بعد التوبة والإخلاص - الباب إلى
1 سورة الحج الآية ۱۸
١٤٧
الترقي في الدرجات وقطع المنازل وطي المسافات إلى المعارج والقربات
وإلى الفتح والإلهامات
يقول الإمام القشيري
الذكر ركن قوي في طريق الوصول إلى الحق سبحانه وتعالى
بل هو العمدة في طريق القوم
ولا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر
ومن أجل ذلك كان اهتمام أبي الحسن بالذكر كبيراً وكان ما روي عنه في ذلك كثيراً
ولقد حاولنا - في الحدود المحدودة بالنسبة لحجم هذا الكتاب - أن نذكر في الفصل الذي عقدناه عن الذكر إشراقات مختارة من
ذلك
لعل الله ينفع بها
۱۳ - الورع
الورع
فإذا ما كان الذكر كانت الأحوال وكانت المقامات فمن ذلك
والورع نعم الطريق لمن عجل ميراثه وأجل ثوابه
فقد انتهى بهم الورع إلى الأخذ من الله وعن الله والقول بالله والعمل الله وبالله على البينة الواضحة والبصيرة الفائقة
فهم في عموم أوقاتهم وسائر أحوالهم لا يدبرون ولا يختارون ولا يريدون ولا يتفكرون ولا ينظرون ولا ينطقون ولا يبطشون ولا يمشون
١٤٨
ولا يتحركون إلا بالله ولله من حيث يعلمون هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فهم مجموعون في عين الجمع لا يتفرقون فيما هو أعلا ولا فيما هو أدنى وأما أدنى الأدنى فالله يورعهم عنه الحفظ ثواباً لورعهم مع لمنازلات الشرع عليهم ومن لم يكن لعلمه وعمله ميراث فهو محجوب بدنيا أو مصروف بدعوى وميراثه التعزز لخلقه والاستكبار على مثله والدلالة على الله بعلمه فهذا هو الخسران المبين والعياذ بالله العظيم من ذلك
والأكياس يتورعون عن هذا الورع ويستعيذون بالله منه ومن لم يزدد بعلمه وعمله افتقاراً لربه وتواضعاً لخلقه فهو هالك فسبحان من قطع كثيراً من الصالحين بصلاحهم عن مصلحتهم كما قطع كثيراً من المفسدين بفسادهم عن موجدهم فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ١
١٤ - الزهد
ومن ذلك الزهد
وحقيقة الزهد فراغ القلب مما سوى الرب تبارك وتعالى
١٥ - التوكل
ومن ذلك التوكل
الله وعن
۱ يعلق ابن عطاء الله على ذلك فيقول فانظر فهمك الله سبيل أوليائه ومن عليك بمتابعة أحبائه هذا الورع الذي ذكر الشيخ رضي الله عنه هل كان فهمك يصل إلى مثل هذا النوع من الورع ألا ترى قوله فقد انتهى بهم الورع إلى الأخد من الله والقول بالله والعمل الله وبالله على البينة الواصحة والبصيرة الفائقة فهذا هو ورع الإبدال والصديقين لا ورع المتنطعين الذي ينشأ عنه سوء الطن وعلبة الوهم
١٤٩
والتوكل صرف القلب عن كل شيء سوى الله وحقيقته نسيان
كل شيء سواه وسره وجود الحق دون كل شيء تلقاه
وسر سره ملك
وتمليك لما يحبه ويرضاه ۱
ولا
يصح التوكل إلا لمتق
ولا تتم التقوى إلا لمتوكل ٢
١٦ - الرضا
الرضا عن الله وعن قضاء الله لا عن النفس يقول أبو الحسن ألق بنفسك على باب الرضا وانخلع من عزائمك وإرادتك
۱۷ - المحبة
والذي نختم به الطريق إنما هو المحبة
والمحبة والرضا والزهد والتوكل هي بساط الكرامة عند
الحسن يقول رضي الله عنه
بساط الكرامة أربع
۱ - حب يشغلك عن حب غيره ٢ - ورضا يتصل به حبك بحبه
٣ - وزهد يحققك بزهد في بريته - وتوكل عليه يكشف لك عن حقيقة قدرته
۱ درة الأسرار ص ٤٨
درة الأسرار
ص
أبي
۱۵۰
0A
ولأبي الحسن كلام جميل عن المحبة ولا يتأتى أن يخلو كتاب عنه
من ذكرها
قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه
من أحب الله وأحب الله فقد تمت ولايته بالحب
والمحب على الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه ولا مشيئة له غير مشيئته فإذن من ثبتت ولايته من الله لا يكره الموت ويعلم
ذلك من قوله تعالى
قُلْ يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ
فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ *
فإذن الولي على الحقيقة لا يكره الموت إن عرض عليه وقد أحب الله من لا محبوب له سواه وأحب له من لا يحب شيئاً لهواه وأحب لقاءه من ذاق أنس مولاه
ويتمحض لك الحب له في عشرة فاعتبرها فيما وراءها في الرسول صلى الله عليه وسلم والصديق والفاروق والصحابة والتابعين والأولياء والعلماء الهداة إلى الله تعالى والشهداء والصالحين والمؤمنين
فإذن افترق الأمر بعد الإيمان إلى عشرة أشياء إلى السنة والبدعة والهداية والضلالة والطاعة والمعصية والعدل والجور والحق والباطل فإذا ميزت وأحببت وأبغضت فأحب له وأبغض له ولست تبالي بأيهما كنت وقد يجتمع لك الوصفان في شخص واحد ويجب عليك القيام بحقهما جميعاً فإذن قد بان لك الحب في العشرة
۱ سورة الجمعة الآية ٦
101
الأول فأنظر هل ترى للهوى هناك أثراً فكذلك فاعتبر حب من حضر من إخوانك الصادقين والمشايخ الصالحين والعلماء المهتدين وسائر من حضر ومن لم يحضر ممن غاب عنك أو مات فإن وجدت قلبك لا متعلق له بمن حضر كما لا متعلق له بمن غاب عنك أو مات فقد خلص الحب من الهوى وثبت الحب الله وإن وجدت شيئاً يتعلق به فيمن تحب أو فيما تحب فارجع إلى العلم واتقن النظر في الأقسام الخمسة من الواجب والمندوب إليه والمكروه والمحظور والمباح ۱
وقال الشيخ رضي الله عنه
المحبة آخذة من الله لقلب عبده عن كل شيء سواه فترى النفس
۱ ويقول ابن عطاء الله معلقاً على ذلك
واعلم أن قول الشيخ من ثبتت ولايته لا يكره الموت هذا ميزان أعطاه للمريدين ليزنوا به على نفوسهم إذا ادعى فيهم أو ادعوا ولاية الله فإن من شأن النفوس وجود الدعوى والتوثب إلى المراتب العالية من غير أن يسلك السبيل الموصلة إليها ولهذا قال الله سبحانه قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين وقال هنا فتمنوا الموت إن كنتم صادقين وقال الرسول الحارثة لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك لما قال لحارثة كيف أصبحت فقال أصبحت مؤمناً حقاً ولا يحب الموت من فيه البقايا ولا من هو مصر على شيء من الخطايا وجعل الله تمني الموت شاهداً للولي بولايته وعدم تمنيه شاهداً للغوي بغوايته وقال سبحانه وأقيموا الوزن بالقسط والموت میزان على الأفعال والأحوال كما هو ميزان في دائرة الرتب أما الرتب فكما تقدم وأما الأفعال والأحوال فإذا التبس عليك أمر أنت فيه لا تدري هل رضا الله في تركه أو فعله أو حالة أنت بها لا تدري هل قمت فيها بحق أو قمت فيها بهوى فأورد الموت على ما أنت فيه من أفعال وأحوال فكل حالة وعمل يثبت مع تقدير ورود الموت عليها ولم تنهزم فهي حق وكل حالة وعمل هزمها الموت فهي باطل إذ الموت حق والحق يهزم الباطل ويدمغه لقول الله عز وجل بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً وما كنت فيه قائماً بحق لم يهزمه الموت إذ هو حق والموت حق والحق لا
يهزم الحق
١٥٢
مائلة لطاعته والعقل متحصناً بمعرفته والروح مأخوذة في حضرته والسر مغموراً في مشاهدته والعبد يستزيد فيزاد ويفاتح بما هو أ أعذب من لذيذ مناجاته فيكسى حلل التقريب على بساط القربة ويمس أبكار الحقائق وثيبات العلوم فمن أجل ذلك قالوا
أولياء الله عرائس ولا يرى العرائس المجرمون قال له القائل قد علمت الحب
فما شراب الحب
وما كأس الحب
ومن الساقي
وما الذوق
وما الشراب
وما الري
وما السكر
وما الصحو
قال الشراب هو النور الساطع عن جمال المحبوب والكأس هو اللطف الموصل ذلك إلى أفواه القلوب والساقي هو المتولى الأكبر المخصوصين من أوليائه والصالحين من عباده وهو الله العالم بالمقادير ومصالح أحبائه
فمن كشف له عن ذلك الجمال وحظى منه بشيء نفساً أو نفسين
ثم أرخى عليه الحجاب فهو الذائق المشتاق
ومن دام له ذلك ساعة أو ساعتين فهو الشارب حقاً
ومن توالى عليه الأمر ودام له الشرب حتى امتلأت عروقه ومفاصله
١٥٣
من أنوار الله المخزونة فذلك هو الري
فذلك
وربما غاب عن المحسوس والمعقول فلا يدري ما يقال ولا ما يقول
هو السكر
وقد تدور عليهم الكؤوس وتختلف لديهم الحالات فيردون إلى الذكر والطاعات ولا يحجبون عن الصفات مع تزاحم المقدورات فذلك
وقت صحوهم واتساع نظرهم ومزيد علمهم
فهم بنجوم العلم وقمر التوحيد يهتدون في ليلهم وبشموس المعارف يستضيئون في نهارهم أُولَيكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
هذه المقامات من ورع وزهد وتوكل ورضا ومحبة وغيرها إنما هي ثمرة الذكر المؤسس على الإخلاص والتوبة والعبودية والاستقامة ولن يترقى المريد إلا بالركن الأساسي في طريق القوم وهو
الذكر
١٥٤
الفصل السابع
معارج ومرائي
وينتج الذكر المعارج والمرائي وهي نتائج الطريق الصوفي والسلوك إلى الله من أمثلتها عند أبي الحسن
-1-
رأيت كأنني مع النبيين والصديقين فأردت الكون معهم ثم قلت
اللهم
اسلك
أضعف منهم
بي سبيلهم مع العافية مما ابتليتهم فإنهم أقوى ونحن
فقيل لي وما قدرت من شيء فأيدنا كما أيدتهم
-Y-
رأيت كأني في المحل الأعلى فقلت
إلهي أي الأحوال أحب إليك وأي الأقوال أصدق لديك وأي الأعمال أدل على محبتك فوفقني واهدني
فقيل لي
أحب الأحوال إليه الرضا بالمشاهدة وأصدق الأقوال لديه قول
لا إله إلا الله على النظافة وأدل الأعمال على محبته بغض الدنيا واليأس من أهلها ۱ الموافقة مع
محيط
-۳-
فقال رأيت كأني واقف بين يدي ربي
لا تأمن مكري في شيء وإن أمنتك فإن علمي لا يحيط به
-E-
رأيت كأني أطوف بالكعبة طالباً من نفسي الإخلاص وأنا أفتش
عليه في سري فإذا النداء علي
كم تدندن مع من يدندن وأنا السميع القريب العليم الخبير وتعريفي يغنيك عن علم الأولين والآخرين ما خلا علم الرسول وعلم
النبيين
قلت على مصيبة نزلت
أقول
إنا لله وإنا إليه راجعون
اللهم
أجرني في مصيبتي واعقبني خيراً منها فألقي في سري أن
۱ بغض الشهوات والأهواء والنزغات فذلك هو الدنيا وبغض أهل الشهوات والأهواء
والنزغات
فاغفر لي بسببها وما كان من توابعها وما اتصل بها وما هو محشو بها وكل شيء كان قبلها وما يكون بعدها
فقلتها فهانت علي فلو أن الدنيا كلها كانت لي في ذلك وأصبت فيها لهانت علي ولكان ما وجدت من برد الرضا والتسليم أحب
إلي من ذلك كله
-
وكتب رضي الله عنه إلى الشيخ أبي يحيى
أما بعد فإني منذ اثنتي عشرة سنة أغدو وأروح فيما هيأ لي من سفر الروح على عساكر أولياء الله فما مررت بك إلا وجدتك روحاً طيبة تعقلها العقول وتألفها النفوس ويستريح بها السر ويذعن لها الأمر ويجتمع !
كل مفترق
إليها
-V-
قرأت ليلة في وردي قوله تعالى
كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام فرأيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه في المنام فقال لي صل من يبقى واهجر من يفنى تجل وتكرم تجل عن الفناء وتكرم بالبقاء
-^-
كان لي صاحب وكان كثيراً ما يأتيني بالتوحيد فرأيت في النوم
كأني أقول له
يا عبد الله إن أردت التي لا لوم فيها فليكن الفرق على لسانك
موجوداً والجمع في سرك مشهوداً
-9-
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
قل لفلان بن فلان يقرأ هذه الكلمات فمن قالهن تنصب عليه
الرحمة كالمطر
الحمد لله الذي بدىء منه الحمد وإليه يعود كل شيء كذلك لا إله إلا الله اللهم اغفر لي شركي ١ وكفري٢ وتقصيري واغفر
للمؤمنين والمؤمنات
-1
استأذنني بعض الفقراء في الحضور والسماع فهممت بذلك فرأيت أستاذي رضي الله عنه وفي يده اليمنى كتاب فيه القرآن العظيم وحديث رسول الله وفي يده اليسرى أوراق فيها مرجز وهو يقول لي
كالمنتهر
تعدلون عن العلوم الزكية إلى علوم ذوي الأهواء الردية فمن أكثر من هذا فهو عبد مرقوق هواه وأسير لشهواته ومناه يستفزون بها قلوب ذوي الغفلة والنسيان وأهل الضلالة والعميان ولا إرادة لهم في عمل
1 يطلق الشرك على الإشراك بالله الذي يخرج الشخص عن دائرة الإسلام ويطلق على الظلم بألوانه الكبير منها والصغير يطلق الكفر على نكران الجميل وعلى ألوان من المعاصي لا تصل إلى درجة إخراج الإنسان عن الإسلام
۱۵۸
الخير واكتساب الغفران يتمايلون عند سماعها تمايل الصبيان لئن لم ينته الظالم ليقلبن الله أرضه سماء وسماءه أرضاً قال فأخذني منه حال بوجد وأنا أقول له
نعم يا أستاذي إلا أن النفس أرضية والروح سماوية
فقال لي نعم يا علي إذا كانت الروح بأمطار العلوم دارة والنفس بالأعمال الصالحة ثابتة فقد حصل الخير كله وإذا كانت النفس غالبة والروح مغلوبة فقد حصل القحط والجدب وانقلب الأمر وجاء الشر
کله
فعليك بكتاب الله الهادي وبكلام رسوله الشافي فلن تزال بخير ما آثرتهما وقد أصاب الشر من عدل عنهما وأهل الحق إذا سمعوا
اللغو أعرضوا عنه وإذا سمعوا الحق أقبلوا عليه
وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۱
-11-
وقال رضي الله عنه
خطر ببالي يوماً أني لست بشيء ولا عندي من المقامات
والأحوال شيء
فغمست في بيت مسك فكنت فيه غريقاً فلدوام غرقتي فيه لم
۱ سورة الشورى الآية ۳
١٥٩
أجد له تلك الرائحة فقيل لي علامة المزيد فقدان المزيد لعظيم
المزيد
-۱-
وقال رضي الله عنه قيل لي إن أردت رضائي فمن أسمى ومني لا
من اسمك ومنك
قلت وكيف ذلك
قال سبقت أسمائي عطائي وأسمائي من صفاتي وصفاتي قائمة
بذاتي ولا تمحق ذاتي
بقوله
وللعبد أسماء دنية وأسماء علية فأسماؤه العلية قد وصفه الله بها
التائبون العابدون الحامدون ۱ إلى آخرها
وبقوله إن المسلمين والمسلمات إلى آخرها
وأسماؤه الدنية معروفة كالعاصي والمذنب والفاسق والظالم وغير ذلك فكما تمحق أسماؤك الدنية بأسمائك العلية كذلك تمحق أسماءك بأسمائه وصفاتك بصفاته لأن الحادث إذا اقترن بالقديم فلا بقاء له إذا ناديته باسمه كقولك يا غفور یا تواب یا قریب یا وهاب فاستدعيت بها
۱ التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً
١٦٠
العطاء لنفسك وقد تنزلت لنفسك من أسمائه وكذلك إذا لاحظت أسماءك الدنية من المعاصي والظلم والفسق فاشتغلت بسترها ومغفرتها فأنت باق
مع
نفسك
وإذا ناديته باسمه العلي ولاحظت صفته العلية قائمة بذاته محقت أسماؤك كلها وانعدم وجودك فصرت محواً لا وجود لك البتة فذاك محل الفناء والبقاء بعد الفناء
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
- ۱۳ -
وقال رضي الله عنه كنت ذات ليلة متفكراً بالفكرة الغيبية فأفادني الله علماً جليلاً وسعيت في الغيوب سعياً جميلا فقلت
نفسي
أليس هذا خيراً من الدخول في الحوائج للخلق مع الخالق الله أتم من الكون في الحاجات للناس وإن كان مأذوناً فيها
والكون مع شرعاً
فبينما أنا كذلك إذ نمت فرأيت كأن السيل قد أحاط بي من كل
منه
جهة يحمل الغثاء عن يميني وعن شمالي فجعلت أخوض لأخرج فلم أر براً أنفذ إليه من الجهات الأربع فاستسلمت نفسي ووقفت في السيل كالسارية أو النخلة الثابتة فقلت في نفسي
هذا من فضل الله أن ثبت لهذا السبيل ولا يصيبني شيء
الغثاء وإذا بشخص جميل الصورة يقول لي
إن من أجل التصوف التعرض في الحوائج للخلق واستقضاؤها من
١٦١
الملك الحق فما قضاه الله شكرت وما لم يقضه رضيت وليس
قضاؤها الموجب للشكر بأتم من عدم قضائها الموجب للرضا وقد علمني الله علماً قائماً بذات نفسي لا يفارقها بل هو لازم لها كالبياض في الأبيض والسواد في الأسود وهو الله لا إله إلا هو الواحد القهار رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار فانظر الألوهية الفردانية والوحدانية والقاهرية والربوبية والعز والمغفرة وكيف لف هذا كله في كلمة واحدة إن المغفرة لتنزل على العارف بالله كالسيل الحامل الغثاء ويثبت الله فيها وبها من يشاء ولا يصيبه شيء من الغثاء
من
فانتهبت من نومي وقد وعيت السر العظيم والحمد الله
-12-
فتح الله بشيء من الدنيا ففرحت لأستعين أو أعين بها فجعلت أحمد الله وأشكره والشكر معرفة قائمة بالقلب وكلمة قائمة باللسان
فكنت أجمع بينهما فواظبت على ذلك وقتاً من الليل ونمت فرأيت أستاذي رحمه الله
تعالى يقول
استعذ بالله من شر الدنيا إذا أقبلت ومن شرها إذا أدبرت ومن
شرها إذا أنفقت ومن شرها إذا أمسكت
فجعلت أقول كذلك فوصل الشيخ كلامي فقال
ومن المصائب والرزايا والأمراض البدنية والقلبية والنفسية جملة وتفصيلا بالكلية وإن قدرت شيئاً فاكسني جلال الرضا والمحبة والتسليم وثواب المغفرة والتوبة والإنابة المرضية
١٦٢
-10-
رأيت رسول الله فقلت له
يا سيدي يا رسول الله ادع الله أن يجعلني رحمة للعالمين
فقال لي
أنا
هو ذاك يا علي والولي رحمة في للعالمين
-1-
رأيت كأن رجلاً جاء إلي فقال لي
إن السلطان يأتي إليك فقل
اللهم ألق على من زينتك ومحبتك وكرامتك ومن نعوت ربوبيتك ما يبهر القلوب وتذل له النفوس وتخضع له الرقاب وتبرق له الأبصار وتتبدد له الأفكار ويصغر له كل متكبر جبار ويسجد له كل ظلوم کفار یا الله یا عزیز یا جبار یا الله يا أحد يا واحد يا
قهار
١٦٣
الفصل الثامن
الذكر والدعاء أو الأحزاب والأوراد
يقول الله تعالى محبباً في الذكر وداعياً إليه بطريقة من أسمى
الطرق وأجملها
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ 1
ولقد دعا الله سبحانه إلى الذكر بشتى الطرق لقد دعا إليه بصيغة الأمر ودعا إليه طالباً الإكثار منه فقال سبحانه
تَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ٢
ودعا إليه سبحانه في جميع الحالات التي يكون الإنسان عليها من
قيام أو جلوس أو على جنبه
فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَما وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ
وجعل سبحانه الذكر إحدى الصفات التي يتحلى بها أولو الألباب
۱ سورة البقرة الآية ١٥٢
سورة الأحزاب الآية ٤١ ۳ سورة النساء الآية ١٠٣
١٦٥
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَا يَنتِ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَما وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ ۱ وأخبر الله سبحانه أن الذكر علاج للقلق والضيق والهم فقال
سبحانه
الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَبِنُ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
على أن الرضى وهدوء النفس وطمأنينة القلب والسكينة
6
إن كل ذلك يكون نتيجة للذكر يقول تعالى
فَأَصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ
اناي اليْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ۳
أما في الآخرة فإنه سبحانه يقول
وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا
عظيمًا ٤
ولقد حبب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذكر بمختلف الأساليب وبشتى الأنحاء وكان هو نفسه قدوة في ذلك تقول السيدة عائشة رضي الله
عنها
كان يذكر الله على كل أحيانه
وكلمة كل أحيانه كلمة شاملة إنها تعني الأوقات وتعني
۱ سورة آل عمران الآية ۱۹۰ - ۱۹۱ سورة الرعد الآية ۸
۳ سورة ق الآية ٣٩ ٤ سورة الأحزاب الآية ٣٥
1
بالتبع لذلك الأحوال فهو كان يذكر الله صباحاً ومساء وكان يذكره فيما بين ذلك وكان يذكره قائماً وقاعداً وعلى جنبه
ويقول عن الله في حديث قدسي رواه الشيخان أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن اقترب إلي ذراعاً اقتربت إليه
باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة
ويرشد فيما رواه الإمام أحمد إلى أنه
ما عمل آدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله
ويبين أن
مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت وكما ينال الذاكر رضاء الله وثوابه وكما ينفع الذكر في الدار الآخرة فإنه ينفع في هذه الحياة الدنيا يقول فيما رواه أبو داود النسائي والحاكم وصحح عن ابن عباس
من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق
مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب
والدعاء
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانٌ ۱
۱ سورة البقرة الآية ١٨٦
١٦٧
وقد أمر الله سبحانه الإنسان أن يدعوه وهدد الذين يستكبرون عن دعائه وفي حديث رواه الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ
جهنم ۱
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
الدعاء مخ العبادة
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس شيء أكرم على الله
من الدعاء
الدعاء
القضاء
یرد
وروى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
من فتح له باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة وما سئل الله تعالى شيئاً أحب إليه من أن يسأل العافية وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما
لم ينزل ولا يرد القضاء إلا الدعاء فعليكم بالدعاء
وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها - فيما رواه البزار والحاكم
وصححه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يغني حذر من قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن
البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة
۱ سورة غافر الآية ٦٠
١٦٨
قال
وروى الترمذي عن سيدنا سلمان الفارسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر
ولقبول الدعاء شروط منها
١ - التوبة الخالصة النصوح
٢ - وتحرى الحلال فعن ابن عباس فيما أخرجه الحافظ ابن مروديه تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم
يَتأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طيبا ۱ فقام سعد بن أبي
وقاص فقال
یا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال
6
يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوماً وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به
أوقات الدعاء
والدعاء يصح في كل وقت بيد أن هناك أوقاتاً وأماكن أرجى في الدعاء من غيرها وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقاتاً للدعاء منها ثلث الليل
الأخير يقول صلوات الله وسلامه عليه
6
ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر
فيقول
۱ سورة البقرة الآية ١٦٨
١٦٩
من يدعوني فاستجيب له من يسألني فأعطيه
من يستغفرني فأغفر له
ولقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أي الدعاء اسمع فقال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبة
وروى مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء أما الأماكن الأرجى في استجابة الدعاء فإنها الأماكن الطاهرة المباركة وأشرفها الحرم المكي والحرم المدني
ومن أجل هذه الأهمية الكبرى للذكر وللدعاء في الإسلام استفاض
أبو الحسن في الذكر وفي الدعاء
وكانت طريقته في أكثر الأحيان أن يمزج الذكر بالدعاء وما روي عنه في هذا الباب كثير مستفيض سواء منها ما يتعلق بالأحزاب أو بغيرها من أبواب الذكر والدعاء
ولا
يتسع المجال لذكرها كلها هنا وسنكتفي ببعض ما ذكره ابن عطاء الله السكندي في لطائف المنن وابن الصباغ في درة الأسرار
وابن عياد في المفاخر العلية
وعن أحزاب أبي الحسن يقول ابن عياد
وأحزاب أهل الكمال ممزوجة بأحوالهم مؤيدة بعلومهم مسددة
بإلهامهم مصحوبة بكراماتهم حتى قال الشيخ أبو الحسن رضي الله
عنه في شان
حزبه
الكبير
۱۷۰
أن
من قرأه كان له مالنا وعليه ما علينا وقد تقدم بيان ذلك واعلم أحزاب الشيخ رضي الله عنه جامعة بين إفادة العلم وآداب التوحيد وتعريف الطريقة وتلويح الحقيقة وذكر جلال الله تعالى وعظمته وكبريائه وذكر حقارة النفس وخستها والتنبيه على خدعها وغوايتها والإشارة لوصف الدنيا والخلق وطريق الفرار من ذلك ووجه حصوله والتذكير بالذنوب والعيوب والتنصل منها مع الدلالة على خصائص التوحيد وخالصه واتباع الشرع ومطالبه فهي تعليم في قالب التوجه وتوجه في قالب التعليم من نظرها من حيث العلم وجده كامناً فيها ومن نظرها من حيث العمل فهي عينه ومن نظرها من حيث الحال وجده كامناً فيها وقد شهد شاهدها بذلك عند الخاص والعام فلا يسمع أ من كلامها شيئاً إلا وجد له أثراً في نفسه ولا يقرؤها إلا كان مثل ذلك ما لم يكن مشغولاً ببلوى أو مشغوفاً بدنيا أو مصروفاً بدعوى أعاذنا الله تعالى من البلاء
أحد
ويقول أبو الحسن ناصحاً الذاكرين والداعين الذين يرجون قبول
الله لدعائهم
أشياء
إذا أردت أن يستجاب لك أسرع من لمح البصر فعليك بخمسة
١ - الامتثال للأمر ٢ - والاجتناب للنهي
٣ ـ وتطهير السر
٤ - وجمع الهمة ه - والاضطرار
وخذ ذلك من قوله
۱۷۱
أَمَن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ
الْأَرْضِ أَولَاهُ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا نَذَكَرُونَ ۱
فالمحروم من يدعوه وقلبه مشغول بغيره
فاحذر هذا الباب جداً فإن لم تستطع أن تتصف بالخمسة أشياء فعليك بالخلوة عن الناس واذكر ما شاء الله من قبائحك وأفعالك أعمالك وقدم إليه ما علمته من جميل ستره عليه وقل
واحتقر جميع یا الله يا منان يا كريم يا ذا الفضل من لهذا العبد العاصي غيرك
وقد عجز عن النهوض إلى مرضاتك وقطعته الشهوة عن الدخول في طاعتك لم يبق له حبل يتمسك به سوى توحيدك وكيف يجترىء على السؤال من هو معرض عنك أم كيف لا يسأل من هو محتاج إليك وقد مننت علي الآن بالسؤال منك وجعلت حسبي الرجاء فيك فلا تردني خائباً من رحمتك يا كريم وقد جعلت لأسمائك حرمة فمن دعاك بها لا يشرك بك شيئاً أجبته فبحرمة أسمائك يا الله يا ملك يا قدوس يا سلام يا مؤمن یا مهیمن یا عزیز یا جبار یا متکبر یا خالق یا باری یا مصور قنی من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل والشك وسوء الظن وضلع الدين وغلبته وقهر الرجال فإن لك الأسماء الحسنى وقد سبح لك ما في السموات والأرض وأنت العزيز الحكيم
اللهم إني أسألك خيرات الدنيا وخيرات الدين خيرات الدنيا بالأمن والرفق والصحة والعافية وخيرات الدين بالطاعة لك والتوكل عليك والرضا بقضائك والشكر على آلائك ونعمك إنك على كل
شيء قدير ا هـ
۱ سورة النمل الآية ٦٢
۱۷
ونبدأ الآن بذكر بعض أذكار أبي الحسن وبعض أحزابه ونبدأ بالأذكار التي رويت متناثرة هنا وهناك والتي لم تأخذ وضع الأحزاب في الأناقة اللفظية وفي الإبداع الفني وإن كانت فيما يتعلق باللفظ والمعنى
على مقدار عظيم من السمو
ولقد كان لأبي الحسن عادات في أذكار معينة يتحدث عنها فيقول كنت كثيراً ما أداوم على قراءة آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة من قوله
تعالى و ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَتَبِكَنِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذين مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مولَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ 1
ثم العَالَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ اللَّهُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَبَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَنَةَ وَالإنجيل الله مِن قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِايَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَاءِ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ لا هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الحكيمُ مع الآيتين ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَلِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ وَقَدِيرٌ ۳
۱ سورة البقرة الآية ٢٨٥ - ٢٨٦ سورة آل عمران الآية ٦١ ۳ سورة آل عمران الآية ٢٦
۱۷۳
تُولِجُ اليْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي الَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيْتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ۱
اللهم إني أسألك صحبة الخوف وغلبة الشوق وثبات العلم ودوام التفكير ونسألك سر الأسرار المانع من الإصرار حتى لا يكون لنا مع الذنب أو العيب قرار واجتبنا واهدنا إلى العمل بهذه الكلمات التي بسطتها لنا على لسان رسولك وابتليت بها ابراهيم خليلك فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين فاجعلنا من المحسنين من ذريته ومن ذرية آدم ونوح واسلك بنا سبيل أئمة المتقين والله بصير بالعباد رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي وارحمني وتب علي لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وهذا الإستغفار له شأن عظيم وضياء كريم فتناوله ترعجباً ثم أقول يا الله يا علي يا عظيم يا حليم يا عليم يا سميع يا بصير ما مريد يا قدير يا حي مريد يا قدير يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم يا من هو هوياه يا اول یا آخر یا ظاهر يا باطن تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام اللهم صلني باسمك العظيم الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء وهب لي منه سراً لا تضر معه الذنوب شيئاً واجعل لي منه وجها تقضي به الحوائج من القلب والعقل والروح والسر والنفس والبدن ووجها تدفع به الحوائج من القلب والعقل والنفس والبدن وادرج أسمائي تحت أسمائك وصفاتي تحت صفاتك وأفعالي تحت أفعالك درج السلامة وإسقاط الملامة وتنزل الكرامة وظهور الأمانة وكن لي فيما ابتليت به أئمة الهدى من كلماتك واغنني
۱ سورة آل عمرن الآية ۷
١٧٤
حتى تغنى بي وأحيني حتى تحي بي ما شئت ومن شئت من عبادك واجعلني خزانة الأربعين ومن خالصة المتقين واغفر لي فإنه لا ينال عهدك الظالمون وطن حمد الله عسق مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ال بينهما بَرْزَخٌ
لا يبغيان والحمد لله رب العالمين
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدُ الله اللهُ الصَّمَدُ ال لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ۱ اهـ
ومن دعائه
اللهم إني أسألك بجاه محمد المصطفى وإبراهيم الذي وفي وبحرمة كل رسول ونبي وصديق وولي وشهيد وصالح وتقي وبحرمة عظيم الأسماء وبالأسماء كلها أسألك اللهم أن تمحق هذا الخلق من قلوبنا وأن تجعلهم في أسرارنا كالهباء في الهواء واسلك بنا سبيل أنبيائك وأصفيائك وأتقيائك في السر والعلانية إنك على كل شيء
قدير
ومن ذكره ودعائه
یا الله یا نور يا حق يا مبين افتح قلبي بنورك وعلمني من علمك واحفظني بحفظك وأسمعني منك وفهمني عنك وبصرني بك وسبب لي سببا من فضلك تغنني به من الفقر وتعزني به من الذل وتصلح لي به الدنيا والآخرة وتوصلني به إلى النظر إلى وجهك
1 سورة الإخلاص الآية ١
۱۷۵
في جنة الفردوس إنك على كل شيء قدير يا نعم المولى ويا نعم
النصير
ومن دعواته
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه وخار لنا وإياكم فيما قدره وقضاه وجعلنا وإياكم من الفائزين يوم لقاه اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بمحمد وحزبه على الرضا منك ومنهم مع السلامة من الحياء والخجل والذل بما سلف منا من أعمال المخلطين اللهم اعذرنا في جهلنا ولا تؤاخذنا بغفلتنا عنك ولا بسوء أدبنا معك الكرام الكاتبين اللهم اغفر لنا ذنوبنا وغفلتنا وجهلنا بنعمك واغفر لنا قلة حيائنا منك واقبل علينا بوجهك ولا تفتنا بشيء من خلقك إنك
ومع
الملائكة
من
على كل شيء قدير اللهم اغفر لنا ما علمه البشر من خلقك واغفر لنا ما علمته وكتبته ملائكتك واغفر لنا ما علمناه من أنفسنا ولم يعلمه أحد من خلقك واغفر لنا ما استأثرت به عنا في جميع أحكامك وتفضل علينا بالغنى عن جميع خلقك وبرفع الحجاب فيما بيننا وبينك إنك على كل شيء قدير اللهم اغفر لنا مغفرة الأحباب التي لا تدع شيئاً الارتياب ولا يبقى معها شيء من اللوم والعتاب واجعل ما علمته فينا ومنا خير معلوم بعد المحو والتثبيت فإنك عندك أم الكتاب اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقيقها وجليلها سرها وعلانيتها أولها وآخرها واغفر لمن سافر عنا من أحبابنا سفر الدنيا أو سفر الآخرة واجعل تقلبهم تقلب المتقين وإيابهم إياب الفائزين واجعلنا برحمتك جميعاً من المقبولين وإن كنا زائفين فإن النقاد يسمحون وإن كانوا عارفين فأنت أولى بذلك فإنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين والحمد لله رب
١٧٦
العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم لا تخيبنا ونحن نرجوك ولا تحرمنا ونحن ندعوك وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا ولا تجعل تضرعنا هيناً عليك وغير مقبول وكما يسرت لنا
الدعاء فيسر لنا الإجابة إنك على كل شيء قدير
ومن ذكره ودعائه
يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت كن لي بحياتك كما كنت لأحبابك وأمتني عني بصفاتك كما فعلت بأصفيائك واجعلني قيوماً بذلك بالعصمة من غيرك كما فعلت بمحمد رسولك إنك على كل شيء قدير
إلهي إذا طلبت منك القوت فقد طلبت غيرك وإن سألتك ما ضمنت لي فقد اتهمتك وإن سكن قلبي إلى غيرك فقد أشركت بك جلت أوصافك عن الحدوث فكيف أكون معك وتنزهت عن العلل فكيف أكون قريباً منك وتعاليت عن الأغيار فكيف يكون قوامي بغيرك اللهم إني أسألك توحيداً لا ننفي به ضداً ويقيناً لا ندفع به شكاً
ومن دعائه لضيق الحال
وكان يعلم أصحابه لضيق الحال فيجدون الفرج والسعة يا واسع يا عليم يا ذا الفضل العظيم أنت ربي وعلمك حسبي إن تمسسن بضر فلا كاشف له إلا أنت وإن تردن بخير فلا راد لفضلك تصيب به من تشاء من عبادك وأنت الغفور الرحيم
ومن دعائه
اللهم هب لي من النور الذي رأى به رسولك ما كان
۱۷۷
ويكون ليكون العبد بوصف سيده لا بوصف نفسه غنياً بك عن تجديدات النظر لشيء من المعلومات ولا يلحقه عجز عما أراد من المقدورات ومحيطاً بذات السر بجميع أنواع الذوات ومرتباً للبدن النفس وللقلب مع العقل وللروح مع السر وللأمر مع البصيرة والعقل الأول الممد من الروح الأكبر المنفصل عن السر الأعلى
ومنه
مع
اللهم إنا نتوسل بك إليك إني أقسم بك عليك اللهم كما كنت دليلي عليك فكن شفيعي إليك اللهم إن حسناتي من عطائك وسيئاتي من قضائك فجد اللهم بما أعطيت على ما به قضيت حتى تمحو ذلك بذلك لا لمن أطاعتك فيما أطاعك فيه له الشكر ولا لمن عصاك فيما عصاك فيه له العذر لأنك قلت وقولك الحق
لا يُسْتَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْتَلُونَ ١
اللهم لولا عطاؤك لكنت من الهالكين ولولا قضاؤك لكنت من الفائزين وأنت أجل وأعظم وأعز وأكرم من أن تطاع إلا بإذنك ورضاك أو تعصي إلا بحكمك وقضائك إلهي ما أطعتك حتى رضيت ولا عصيتك حتى قضيت أطعتك بإرادتك والمنة لك علي وعصيتك بتقديرك والحجة لك علي فبوجوب حجتك وانقطاع حجتي إلا ما رحمتني وبفقري إليك وغناك عني إلا ما كفيتني يا أرحم
الراحمين
اللهم إني لم أت الذنوب جرأة مني عليك ولا استخفافاً
بحقك
1 سورة الأنبياء الآية ۳
۱۷۸
ولكن جرى بذلك قلمك ونفذ به حكمك وأحاط به علمك ولا حول
ولا قوة إلا بك والعذر إليك وأنت أرحم الراحمين
اللهم إن سمعي وبصري ولساني وقلبي وعقلي بيدك لم تملكني من ذلك شيئاً فإذا قضيت بشيء فكن أنت ولبي واهدني إلى السبل يا خير من سئل ويا أكرم من أعطى يا رحمن الدنيا والآخرة ارحم عبداً لا يملك الدنيا ولا الآخرة إنك على كل شيء
أقوم
قدير
وقال رضي الله عنه
بت ذات ليلة في غم فألهمت أن أقول إلهي مننت عليّ بالإيمان والمحبة والطاعة والتوحيد فأحاطت بي الغفلة والشهوة والمعصية وطرحتني النفس في بحر الظلم فهي مظلمة وعبدك محزون مهموم مغموم وقد التقمه نون الهوى وهو يناديك نداء المحبوب المعصوم نبيك وعبدك يونس بن متى ويقول
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
فاستجب لي كما استجبت له وانبذني بعراء المحبة في محل التفريد والوحدة وأنبت على أشجار اللطف والحنان أنك أنت الله الملك المنان وليس لي إلا أنت وحدك لا شريك لك ولست بمخلف وعدك لمن آمن بك إذ قلت وقولك الحق فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين
یا الله یا جمیل یا جليل اللطف الطف بي في لطفك الذي لطفت به لأوليائك وانصرني بالرعب الشديد على أعدائك إنك على
كل شيء قدير
۱۷۹
ومن دعائه رضي الله عنه يا الله يا فتاح يا عليم يا غني يا كريم افتح قلبي بنورك وارحمني بطاعتك واحجبني عن معصيتك وامننن علي بمعرفتك واغنني بقدرتك عن قدرتي ويعلمك عن علمي وبإرادتك عن إرادتي وبحياتك عن حياتي وبصفاتك عن صفاتي وبوجودك عن وجودي وبدنوك عن دنوي وبقربك عن قربي وبحبك عن حبي وبصدقك عن صدقي وبحفظك عن حفظي وبنظرك عن نظري وبتدبيرك عن تدبيري وباختيارك عن اختياري وبحولك وقوتك عن حولي وقوتي وبجودك وكرمك وفضلك ورحمتك عن علمي وعملي إنك على كل
شيء قدير
فيها
وقال
اللهم إن الدنيا حقيرة حقير ما فيها وإن الآخرة كريمة كريم ما
وأنت الذي حقرت الحقير وكرمت الكريم فأنى يكون كريماً من
طلب غيرك أم كيف يكون زاهداً من اختار لدنياه غيرك فحققني بحقائق الزهد حتى استغنى بك عن طلب غيرك حتى لا أحتاج إلى طلبك إلهي كيف يصل إليك من طلبك أم كيف يفوتك من هرب منك فاطلبني برحمتك ولا تطلبني بنقمتك
وبمعرفتك
يا عزيز يا منتقم إنك على كل شيء قدير
وقال
اللهم اسلبني عقلاً يحجبني عنك وعن فهم آياتك وعن فهم كلام
۱۸۰
رسولك وهب لي من العقل الذي خصصت به أنبياءك ورسلك والصديقين من عبادك واهدني بنورك هداية المخصصين بمشيئتك ووسع لي في النور توسعة كاملة تخصني بها برحمتك فإن الهدي هداك وإن الفضل بيدك تؤتيه من تشاء وأنت ذو الفضل العظيم
وقال
یا عزیز یا رحيم يا حكيم يا غني يا كريم يا واسع یا علیم یا ذا الفضل العظيم اجعلني عندك دائماً وبك قائماً ومن غيرك سالماً وفي حبك هائماً وبعظمتك عالماً واسقط البين بيني وبينك حتى لا يكون شيء أقرب إلي منك ولا تحجبني بك عنك إنك على كل شيء
قدير
وقال
یا الله یا حمید یا مجید یا الله یا کریم یا بر یا رحیم یا الله یا قوي يا متين هب لي من رحمتك ما أحمدك به فأكون من المؤمنين وارزقني من لطائف العز ما أكون به قوياً متيناً حاملاً محمولاً في العالمين وهب لي من كرمك ما أكون به براً نقياً من الصالحين يا رحيم يا لطيف الطف بي لطفاً لا يدركه وهم الواهمين
إلهي وجدتك رحيماً حيث لا أرجوك فكيف لا أجدك ناصراً وأنا أرجوك من لي إذا قطعتني ومن لي إذا لم ترحمني فصلني من حيث تعلم ولا أعلم إنك على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
۱۸۱
حزب الفتح
وهو الحزب الذي فتح الله به على أبي الحسن ويسمى
حزب الأنوار نبدأ به الأحزاب للتيمن والبركة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أيضاً
وصلَّى اللهُ عَلَى سَيدِنا محمدٍ وَعَلَى آله وصحبه وسلم اللهم إنا نسألك إيماناً لا ضدَّ لَهُ ونسألُك توحيداً لا يقابله شرك وطاعةٌ لا تُقابلها معصية ونسألُك محبَّةٌ لا لشيء ولا على شيء وخوفاً لا من شيء ولا
على شيءٍ
ونسألك تنزيهاً لا من نقص ولا من دنس بعد التنزيه من النقائص والأنناس ونسألُك يقيناً لا يُقابله شكٍّ ونسألك تقديساً ليس وراءه تقديس وكمالاً ليس وراءه كمال وعلماً ليس فوقه علم ونسألك الإحاطة بالأسرار وكتمانها عن الأغيار
ربِّ إِنِّي ظلمت نفسي فاغْفر لي ذنبي وهب لي تقواك واجعلني ممن يحبك ويخشاك واجعل لي من كل ذنب وهم وضيق وسهو وشهوة ورغبة ورهبة وخطرة وفكرةٍ وإرادة وفعلةٍ وغفلة ومن كل قضاء وأمرٍ مخرجاً أحاط علمك بجميع المعلومات وعلت قدرتك على جميع المقدورات وجلت إرادَتُكَ أن يوافقها أو يخالفها شيء من الكائنات
الله حسبي
حسبي
الله
حسبي
الله وأنا بريء مما سوى الله اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عليه تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العرشِ الْعَظِيم
لا إِلَهَ إِلَّا الله نُورُ عرش الله لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ نُورُ لوح الله
۱۸
لا إله إلا الله نُورُ قلم الله إله إلا الله نُورُ رسول الله
لا إله إلا الله نور سِر رسول الله
E
لا إله إلا الله نُورُ سِرّ ذاتِ رسول الله
إله إلا الله آدم خليفة الله لا إله إلا الله نوح نجِيُّ الله إله إلا الله إبراهيم خليل الله
لا إله إلا الله موسى
الله
الله
لا إله إلا الله عيسى روح
لا إله إلا الله محمد حبيب الله لا إله إلا الله الأنبياء خاصة الله
لا إله إلا الأولياء أنصار الله
لا إله إلا الله الرب الإله الملكُ النُّورُ الحَقُّ المُبين لا إله إلا الله المَلِكُ اللطيفُ الرّزاقُ القوي العزيز ذو القوة المتين لا إله إلا الله خالق
كل شيء وهو الواحد القهار رب السَّمواتِ والأرْضِ وَمَا بَيْنَهُما العزيز الغفار لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله الحكيم الكريم لا إله إلا الله الرَّبُّ العَظِيمُ سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش
العظيم الحمد لله رب العالمين
بسم الله وبالله ومِنَ اللهِ وإِلَى اللهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّل
المؤمنون
بالله
حسبي الله آمَنْتُ بالله رَضِيتُ باللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى الله لا قوة إلا
۱۸۳
قلبي
32
أتُوبُ إِليكَ بكَ مِنْكَ إِليك وَلَوْلا أَنْتَ لَمَا تُبْتُ إليك فامْحُ محبة غيرك واحفظ جوارحي عن مخالفة أُمْرِكَ والله لَتَنْ ترعني بعينك وتحفظني بِقُدْرَتِكَ لأهلكن نفسي ولأهلكن أمة خلقك ثم لا يعودُ ضَرَرُ ذلك إلا على عبدك أعُوذُ برضاك من لا
من
سَخَطِكَ وأعُوذُ بمُعَافَاتِكَ من عقوبتك وأعُوذُ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك بل أنت أجل من أن أثني عليك أعراض تدل عَلَى كَرَمكَ قد منحتها لنا على لسان رسولك لِنَعْبُدك بها على أَقْدَارِنَا لا على قَدْرِكَ فهل جزاء الإحسان الأول الكامل
وإنما هي
إلا الإحسان منك
بل
يا مَنْ به ومنه وإليه يَعُودُ كل شيء أسألك بحرمة الاستاذ بحرمتي النبي الهَادِي وبِحُرمة الاثنين والأربعة وبحرمة السبعين والثمانية وبحرمة أسرارها منك إلى محمد رسولك وبحرمة سيدة آي القرآن من كلامك وبحرمة السَّبع المثاني والقرآن العظيم بَيْنَ كُتُبِكَ وبحرمة الاسم الأعْظَم الذي لا يَضُرُّ مَعَهُ شَيْءٌ في الأرض ولا في السَّمَاءِ وَهُوَ السميع العليم وبحرمةِ قُلْ هُوَ اللهُ أحدٌ اللهُ الصَّمَدُ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحدٌ
اكْفِني كل غَفْلَةٍ وَشَهَوَة وَمَعْصِيَةٍ ممَّا تَقَدَّمَ أو تأخر واكفني كل طالب يطلبني مِن خَلْقِكَ بالحق وَبِغَيْرِ الحَقِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فإِنه لَكَ الحجة البالغة وأنت على كل شيء قدير وَاكْفِنِي هَمَّ الرِّزْقِ وَخَوْفَ الخَلْقِ وَاسْلُكْ بي سبيل الصِّدْقِ وانْصُرْنِي بالحَقِّ وَاكْفِنَا كل عَذَابِ من فَوْقِنَا أو مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِنَا أَوْ يَلْبِسَنَا شِيَعاً أَو يُذِيقَ بَعْضنَا بَأْسَ بَعْضَ واكفنا كل هَمِّ وَعَمٌ وَكُل هَوْلٍ دُونَ الْجَنَّةِ واكفنا شَرَّ ما تَعلَّق بِهِ عِلْمُكَ مما كان ويكون إنك على كل شيء قدير
١٨٤
سُبحَانَ المَلِك الخَلاقِ سُبْحانَ الخَلاقِ الرزاق سبحان الله عما يَصِفُونَ عَالِم الغَيْبِ وَالسَّهادِةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ سُبْحَانَ ذِي العِزَّةِ وَالجَبَرُوتِ سُبْحَانَ دي المُلْكِ وَالمَلَكُوتِ سبحان من يحيي ويميت سُبْحَانَ الحَيِّ الَّذِي لا يَموتُ سبحان الملك القادر سبحان العظيم القاهر وهو القاهر فوقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الخَبِيرُ
قُل حَسْبِيَ اللهُ الَّذِي لا إله إلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّل
الْمُتَوَكَّلُونَ
وَمِن
أعوذُ بالله من جَهْد البَلَاءِ وَمِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ وَمِنْ دَركِ الشَّقَاء شَمَاتَةِ الأعداء وأعوذ بالله رَبِّي وربكم وَرَبِّ كل شيء مِنْ كُلِّ
مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ
يا مَنْ بَيَدِهِ مَلَكُوتُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ يَجِير وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ انْصُرْنِي بِالْخَوْفِ مِنْكَ وَالتَّوَكُلِ عَلَيْكَ حَتَّى لَا أَخَافُ غَيْرك ولا أعبدُ شَيْئاً
سواك
يا خَالِقِ السَّبْعِ سَمَاوَاتِ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ
علماً
أشهد أنك على كل شيء قدير وأنك قد أحطت بكل شيء أسألك بهذا الأمر الذي هو أصل الموجُودَاتِ وَإِلَيْهِ المبدأ والمُنتهى وَإِلَيْه غَايَةُ الغَايَاتِ أنْ تسَخّر لنا هذا البَحْرُ بحر الدُّنْيَا وَمَا فِيهِ وَمَنْ فِيه كما سخرت البَحْرَ لمُوسَى وسخرت النار لإبراهيم وسَخَّرْتَ الجِبَالَ والحَدِيدَ لدَاودَ وسَخَرْتَ الرِّيَاحَ وَالشَّيَاطِينَ وَالجِنَّ لِسُلَيْمَانَ وَسَخَّرْ لِي بحر هو لَكَ وسخر لي كل جبل وَسَخَّرْ لِي كل حديدٍ وَسَخَّرْ لِي
كل ريح وسخر لي كل شَيْطَانٍ من الجن والإنس وسخر لي نفسي وسخر لي كل شيء يا مَنْ بِيَدِهِ مَلكوت كل شيء واحمل أمري
۱۸۵
باليقين وأيدني بالنصر المبين إنك على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تسليماً ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حزب البحر ۱
بسم الله الرحمن الرحيم
ربي وعلمك حسبي
فنعم
يا علي يا عظيم يا حليم يا عليم أنت الرب ربي ونعم الحسب تنصر من تشاء وأنت العزيز الحكيم
حسبي
نسألك العصمة في الحركات والسكنات والكلمات والإرادات والخطرات من الظنون والشكوك والأوهام الساترة للقلوب عن مطالعة الغيوب فقد ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً وَإِذْ يَقُولُ المنافقُونَ والذين في قُلُوبِهِم مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً
فثبتنا وانصرنا وسخر لنا هذا البحر كما سخرت البحر لموسى وسخرت النار لإبراهيم وسخَّرت الجبال والحديد لداود وسخرت الريح والشياطين والجنَّ لسليمان وسخر لنا كل بحر هو لك في الأرض والسماء والمُلك والملكُوتِ وبحر الدنيا وبحر الآخرة وسخر لنا كل
شيء يا من بيده ملكوت كل شيء
كهيعص كهيعص كهيعص انْصُرْنَا فَإِنَّكَ خَيرُ الناصِرِينَ وافْتَحْ
1 يقول ابن عطاء الله السكندري عن حزب البحر والحزب الكبير الذي يسميه حزب الشمس والقمر وأشيد ذكرهما في البدو والحضر
مسير
وإذا جاءك - إنهما سارا وحزب البحر يقرأ بعد العصر في التقاليد الشاذلية
١٨٦
لَنَا فإنكَ خَيْرُ الفاتحين واغفر لنا فإنك خَيْرُ الغَافِرِينَ وَارْحَمْنَا فَإِنكَ خَيْرُ الراحمين وارزقنا فإنك خير الرازقين واهدنا ونجنا من القوم الظالمين وهب لنا ريحاً طيبة كما هي في علمك وانشرها علينا من خزائن رحمتك واحملنا بها حمل الكرامةِ مَعَ السَّلَامَةِ والعافية في الدينِ والآخرة إنك على كل شيء قدير
والدنيا
اللهم يَسِّر لنا أُمُورَنا مع الرَّاحَةِ لقُلُوبِنَا وأبداننا والسلامة والعافية في دنيانا وديننا وَكُن لَنَا صاحبا في سفَرِنَا وخَليفَةً في أهلنا واطمس على وجوه أعدَائِنا وامسخهُم على مكَانَتِهم فلا يستطيعون المُضِي ولا
المجيء إلينا
يَكْسِبُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يبصرون وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَحْنَهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيا
ولا يرجعون
يسَ وَالْقُرْءَ إِنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
تنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ عَتَفِلُونَ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ لَمْ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْتَقِهِمْ أَغْلَلًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَهُمْ فَهُمْ لَا يُصِرُونَ شَاهَتِ الوُجُوهُ شَاهَت الوُجُوهُ شَاهِتِ الوُجُوهُ
وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَيِّ القيوم وقد خاب من حمل
وطنش
ظُلماً
۱ سورة يس الآية ۱ ۸
۱۸۷
مرج الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ
حم حم حم حم حم حم حم
حم الأمر وجاءَ النصرُ فَعَلينَا لا يُنصرونَ
حمَ لَا تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي القَولُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ١
بسم الله بابنا
تبارك حيطاننا
سقفنا یس
كهيعص كفايتنا
وحدَ عَسَقَ حمايتنا فَسَيَك حمايتنا فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ
العليم ۳
ستر العَرْشِ مَسْبُولٌ عَلَيْنَا وَعَينُ اللَّهِ نَاظِرَةٌ إِلَيْنَا بِحَوْلِ اللَّهِ لَا
يقدر علينا
واللَّهُ مِن وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ فَاللَّهُ خَيْرُ حَفِظَا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّحِمِينَ فَاللَّهُ خَيْرُ حَفِظَا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
فَاللَّهُ خَيْرُ حَفِظَا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ ٤ إِنَّ وَلِى اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَب وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّلِحِينَ إِنَّ وَلِيَ اللَّهُ الَّذِي
۱ سورة غافر الآية ۱ ۳
سورة الشورى الآية ١
۳ سورة البقرة الآية ۱۳۷ ٤ سورة يوسف الآية ٦٤
۱۸۸
نَزَّلَ الْكِتَب وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّلِحِينَ إِنَّ وَلِيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَبُ وَهُوَ يَتَوَلَّى
الصَّالِحِينَ ۱
حَسْبِي اللَّهُ لَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾
حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢
الأرض
اسمه
بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ السَّمِيعُ العَلِيمُ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمه شَيء في وَلَا فِي السَّماءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بسم اللَّهِ الَّذِي لَا شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ العَلِيُّ الْعَظِيمِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَلِيُّ الْعَظِيم
حزب الآيات ۳
أعُوذ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّحِيمِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم
وصلى الله على سيدنا محمد
۱ سورة الأعراف الآية ۱۹٦
سورة التوبة الآية ۱۹
۳ هذا الحزب ذكره ابن الصباغ كقسم من الحزب الكبير وكمقدمة له بيد أن الحزب الكبير يبدؤه الناس عادة بالآية الكريمة وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم ولذلك سماه ابن عطاء الله حزب وإذا جاءك وتوفيقاً للآراء في ذلك رأى بعض المؤرخين مستندين إلى نصوص أن أبا الحسن كان يقرأ هذا الحزب مقدمة
للحزب الكبير إذا اتسع وإلا قرأ وإذا جاءك
۱۸۹
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةُ يُقتلون في سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَةِ والإنجيلِ وَالْقُرْءَ إِنْ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ سورة التوبة
التَّبِبُونَ الْعَبِدُون الحَمدُون السَّبِحُونَ الرَّكِعُونَ السجدُون الأَمرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالتَاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَفِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ سورة التوبة
قَدْ أَفَلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَشِعُونَ لَمْ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ معرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ الرَّكُوا فَعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ الا على أزوجهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ لا فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَيْكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأُمَنَتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَيْكَ هُمُ الْوَرِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ سورة المؤمنون
إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَنِنِينَ وَالْقَيْنَتِ وَالصَّدِقِينَ وَالصَّدِقَاتِ وَالصَّبِرِينَ وَالصَّبِرَاتِ وَالْخَشِعِينَ وَالْخَشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّبِمِينَ وَالصَّمَتِ وَالْحَفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَفِظَتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرًا
عظيما سورة الأحزاب إِنَّ الْإِنسَنَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَابِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَهُمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ
۱۹۰
إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ عَيْر
لِلسَّابِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ تامون له وَاللَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَفِظُونَ بِهَا إِلَّا عَلَى أَزْوَجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ يفتهم فإنهم غَيْرُ مِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاة ذَلِكَ فَأُولَيْكَ هُمُ الْعَادُونَ الله وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمْتَنِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَعُونَ لَنَا وَالَّذِينَ هُم بِشَهَدَتِهِمْ قَامُونَ لَمَّا وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ مَ أُوْلَيْكَ فِي
جَنَّتٍ تُكْرَمُونَ سورة المعارج
اللهم إِنَّا نَسْأَلُكَ صُحْبَةَ الخَوْفِ وَغَلَبَةَ الشَّوقِ وَثَبَاتَ العِلْمِ ودوام الفِكْر ونسألك سِرَّ الأَسْرَارِ المَانِع من الاصْرَارِ حتى لا يكون لنا مع الذنْبِ وَالعَيْبِ قرَارٌ واجْتَبنَا وَاهْدِنا إلى العَمَلِ بهذه الكَلِمَاتِ التي بسطتها لنا على لِسَانِ رَسُولِك وابْتَلَيْتَ بِهن إبراهيمَ خَلِيلكَ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ ۱ فاجعلنا من المحْسِنِينَ مِن ذُرِّيتِهِ ومن ذُرِّيةِ آدَمَ ونوح واسلك بنا سبيل
أئمة المهتدين
والله بَصِيرُ بِالْعِبَادِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءَامَنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّبِرِينَ وَالصَّدِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ } وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ سورة آل عمران
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَما وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقٍ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَطِلًا سُبْحَنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْنَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِ يَا يُنَادِى لِلْإِيمَانِ أَنْ تَبَ رَبِّكُمْ وَمَنَا رَبَّنَا فَأَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ الله رَبَّنَا وَءَائِنَا مَا وَعَدَتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا
۱ سورة البقرة الآية ١٢٤
۱۹۱
الآية ۱۹۱
تُخرِنَا يَوْمَ الْقِيَمَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ سورة آل عمران
رَبَّنَاءَ ابْنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ
الكفرين سورة البقرة
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَفِرِينَ
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
سورة آل عمران
ربَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ رَبَّنَا ءَامَنَا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّهِدِينَ
سورة آل عمران
وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَ نَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّلِحِينَ الله فَأَتَبَهُمُ اللهُ بِمَا قَالُوا جَنَّتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ سورة المائدة
وَقَالَ مُوسَى يَقَوْمِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ فَقَالُوا عَلَى
اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَحْنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ
الكفرين سورة يونس
رَبَّنَاءَ ابْنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَى لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا سورة الكهف
رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّحِمينَ سورة المؤمنون
۱۹
رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا وَ إِنَّهَا سَاءَتْ
مُسْتَقَراوَمُقَامًا ﴾ سورة الفرقان
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ
إماما سورة الفرقان
رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَأَغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآبِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لا وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَيذِ فَقَدْ رَحْمَتَةً وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
سورة عامر رَبَّنَا كَشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ سورة الدخان
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَنِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّا
لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمُ سورة الحشر
رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا
وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سورة الممتحنة
رَبَّنَا أَتيمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ سورة التحريم
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدُ الله اللهُ الصَّمَدُ ما لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد ال
وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ سورة الإخلاص
بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ الله وَمِن
۱۹۳
شرِّ النَّفَشَتِ فِي الْعُقَدِ لا وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ سورة الفلق
بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِن
شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ
الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ سورة الناس
سمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ سورة الفاتحة
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَتِهِمْ يَعْدِلُونَ هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِندَ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ
مَا تَكْسِبُونَ سورة الأنعام
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَ نَا لِهَذَا وَمَا كَا لِنَهْتَدِى لَوْلَا أَنْ هَدَنَا اللَّهُ سورة الأعراف
ولَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبَّنَا الْحَقِّ سورة الأعراف
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَنِهِمْ تَجْرِى مِن تَغْنِهِمُ الْأَنْهَرُ فِي جَنَّتِ النَّعِيمِ دَعْوَلَهُمْ فِيهَا سُبْحَنَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّهُمْ فِيهَا سَلَام وَءَاخِرُ دَعْوَنَهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ سورة يونس
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذُ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَمُ شَرِيكُ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَهُ وَلِيٌّ مِّنَ
١٩٤
الدُّلَّ وَكَبره تكبيرا * سورة الإسراء
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجَا فَمَا لَيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّلِحَتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا لله
منكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ سورة الكهف
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَمُ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى اللَّهُ خَيْرُ أَمَّا يُشْرِكُونَ
سورة النمل
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةَ وَهُوَ الحَكِيمُ الْخَبِيرُ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا
يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ﴾ سورة سنا
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَكَ وَرُبَعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكَ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكيم سورة فاطر
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَزَقْنَهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ مِرَا وَجَهْرٌ هَلْ يَسْتَوُرُنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
سورة النحل
الجو ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِبَيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ سورة الزمر
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَمِلِينَ الله وَتَرَى الْمَلَيْكَةَ حَافِينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ
يُسَبِّحُونَ
حُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ سورة الزمر
۱۹۵
فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَهُ الْكِبْرِيَاهُ فِي السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سورة الجاثية
فَسُبْحَنَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ لَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظهِرُونَ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُنِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ سورة الروم
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَمُ عَلَى الْمُرْسَلِينَ الله وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سورة الصافات
حزب البر
المعروف بالحزب الكبير ١
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَإِذَا جَاءَ كَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِنَايَتِنَا فَقُلْ سَلَمُ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةُ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءَ ابْجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ
ورو
غَفُورٌ رَحِيمُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَن يَكُونُ لَرُوَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ مَا ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ
1 الوقت المختار لهذا الحزب - في العرف الشاذلي - بعد صلاة الصبح ولا يتكلم حال تلاوته وقد روي عن أبي الحسن أنه قال عنه من قرأ حزبنا فله ما لنا وعليه ما علينا
سورة الأنعام الآية ٠٥٤
١٩٦
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَرُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَر وَهُوَ اللَّطِيفُ
الخبير 1
هو الشر
كهيعص ۳
رَبِّ أشكر بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ 3
وله مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْفَى لَهِ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَن يَخْشَى اله تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى الله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السر وَاخْفَى اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ٦
اللهم إنك تعلم أني بالجهَالَةِ مَعروف وأنت بالعِلْمِ مَوْصُوفٌ وقد وَسِعْتَ كلَّ شيء من جَهَالَتِي بِعِلْمِكَ فَسَعْ ذلك برحمتِكَ كما وَسِعْتَهُ بِعِلْمِكَ وَاغْفِرْ لِي إنك على كل شيء قدير يا الله يا مَالِكُ يا وَهَّابُ هَبْ لنا مِن نُعْمَاكَ مَا عَلِمْتَ لنا فيه رضاك وَاكْسُنَا كِسْوَةَ تَقِنَا بها مِنَ الفتنِ في جميع عطاياك وَقَدَّسُنا عن كل وصف
۱ سورة الأنعام الآية ۱۰۱ ۱۰ سورة يونس الآية ١
۳ سورة مريم الآية ١
٤ سورة الشورى الآية ١ ٥ سورة الأنبياء الآية ۱۱
٦ سورة طه الآية ٨١
۱۹۷
يُوجِبُ نقصاً مِمَّا اسْتَأْثَرْتَ بهِ فِي عِلْمِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ يا الله يا عظيم يا علي يا كبير نسألُكَ الفَقْرَ مِمَّا سِوَاكَ والغِنَى لا نَشْهد إِلَّا إِيَّاكَ والطف بنا فيهِمَا لُطْفاً علمْتَه يَصْلُحُ لمن والاك واكسُنَا جلابيبَ العِصْمَةِ في الأَنْفَاس واللحظاتِ واجعلنا عبيداً من لدُنْكَ علماً نَصِيرُ به كاملين في
بك حتى
لك
في جميع المَحْيا والمَمَاتِ
الحالاتِ وَعَلَّمنا
اللهم بماذا ولماذا وعلى ماذا وتعْلَمُ حُزْنَنَا كذلك وقد أُوجَبْتَ كَوْنَ ما أَرَدْتَه فينا ومنا ولا نسألُك دَفْعَ ما تُرِيدُ ولك نسألُكَ التأييد بروح من عندك فيما تريد كما أيدت أنبيَاءَكَ وَرُسلكَ وَخاصَةَ الصديقين من خلقك إنك على كل شيء قدير اللهم فاطر السمواتِ والأرضِ عَالم الغَيْبِ والشَّهَادَةِ أَنتَ تحكم بينَ عِبادِكَ فهنيئاً لم عرَفكَ فَرَضِيَ بقضائِكَ وَالوَيْلُ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفُكَ بل الويل ثم الويل لمن أقر بوَحْدَانِيتِكَ وَلم يَرْضَ بأحكامِكَ
أنت الحميدُ الربُّ المجيد الفَعالُ لما تُرِيدُ تعلمُ فَرَحَنا
حتى
اللهم إنَّ القوْمَ قد حَكَمْتَ عليْهِمْ بالذُّلِّ عَزُوا وحكمت عليهم بالفقد حتى وَجَدُوا فكل عز يمنع دونك فنسألك بدَلَه ذُلاً تصحبه لطائف رحمتِك وكل وَجْدٍ يحْجُب عنك فنسألك عوضهُ فَقْدا تصحبه أنوار مَحَبَّتِكَ فإنه قد ظَهَرَتِ السَّعَادة على من أَحْبَبْتَه وَظَهَرَتِ الشقاوة على مَنْ غَيْرُكَ مَلَكَهُ فَهَبْ لنا مِنْ مَوَاهِبِ السُّعداء واعْصِمُنا من موارِدِ الأشقياء
اللهم إنا قد عجزنا عن دفع الضُّر عن أَنْفُسِنَا مِن حَيْثُ نعلم بما تعلم فكيف لا نعجز عن ذلك من حيث لا نَعْلَمُ بما لا نعلم وقد أمَرْتَنَا
۱۹۸
ونهيتنا والمدح والذم الزمتنا فأخو الصَّلَاح مَن أَصْلَحْته وأخو الفَسَاد
أضْلَلْته والسعيد حقاً من
من حرمته مع كثرة السؤال لك فاغتنا
بفضلك عن سؤالنا منك ولا تحرمنا من رحمتك مع كثرة سؤالنا لك إنك على كل شيء قدير
يا شديد البطش يا جبار يا قهار يا حكيم نعوذ بك من شر ما خلقت ونعوذ بك من ظُلمة ما أبدَعْتَ ونعوذ بك من كَيْدِ النُّفُوسِ فيما قدرت وأردتَ ونعوذ بك من شر الحُسَّادِ على ما أَنْعَمْتَ ونسألُكَ عِز الدنيا والآخرة كما سألكه نبيك سيدنا محمد عز الدنيا بالإيمان والمعرفَةِ وعِزَّ الآخرةِ باللقاء والمشاهدة إنك سميع قريب مجيب
اللهم إني أقَدِّمُ إليك بين يدي كل نَفْسٍ وَلَمْحَةٍ وَطَرْفَةٍ يطرف بها أهل السمواتِ وأهل الأرض وكلّ شيءٍ هو في علمك كائن أو قد كان أقدم إليك بين يدي ذلك كله و اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَتُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ١
أَقْسَمْتُ عليك بسط يديك وكرَمٍ وَجْهِكَ وَنُورِ عَيْنَيْكَ وَكَمَالِ أعيُنك أن تعطينا خير ما نفِذَتْ به مَشِتَتُك وتعلقت به قدرتك وأحاط به علمك واكفنا شرَّ ما هو ضد لذلك واكمل ديننا وأتمم علينا نعمتك وهَبْ لَنَا حِكْمَةَ الحِكْمَةِ البَالِغَةِ مَعَ الحياة الطيبة والموتة الحسنة وتَوَلَّ قَبْضَ أرواحِنَا بِيَدكَ وحُلْ بيننا وبين غيرك في البرزخ وما
۱ سورة البقرة الآية ٢٥٥
۱۹۹
قبله وما بعدَهُ بنُورِ ذاتِك وعظيم قدرتك وجميل فضلك إنك على كل شيء قدير
يا الله يا علي يا عظيم يا حليم يا حَكِيمُ يا كَرِيمُ یا سَمِيعُ يا قريب يا مُجيب يا ودُودُ حُل بيننا وبين فتنة الدنْيَا وَالنِّسَاءِ وَالغَفْلَةِ والشَّهْوَةِ وَظُلْمِ العبادِ وسُوءِ الخُلُقِ واغْفِر لنا ذُنُوبَنَا واقض عنا تبعاتنا واكشف عنا السوء ونجنا من الغم واجعل لنا منه مخرجاً إنك على كل شيء قدير يا الله يا الله يا الله يا لطيف يا رزّاقُ يا قوي يا عزير لك مقاليد السموات والأرض تَبْسُطُ الرزق لمن تشاء وتقدِرُ فَابْسُطُ لنا من الرزق ما توصلنا به إلى رحْمَتِك ومن رحْمَتِك ما تَحُولُ بِه بينَنَا وَبَيْنَ نِقْمَتِكَ ومِنْ حِلْمِكَ ما يَسَعُنَا به عَفْرُكَ واختم لنا بالسعادة التي ختمت بها لأوليائِكَ واجْعَلْ خَيْر أَيَّامِنا وأسعَدَها يومَ لقائك وزَحْرِحْنَا في الدنيا عن نار الشهوة وأدْخِلْنَا بِفَضْلِك فِي مَيَادِينِ الرَّحْمَةِ وَاكْسُنا من نورك جلابيب العصمة واجعل لنا ظهيراً عقولنا ومُهَيْمِناً من أرواحِنَا ومسخّراً من أنفُسنا كي نُسَبِّحَك كثيراً ونَذْكُرَكَ كثيراً إنك كُنْتَ بنا بَصِيراً وهَبْ لنا مُشاهَدَة تصحَبُها مُكَالمَةٌ وافتح أسمَاعَنَا وَأَبْصَارَنَا وَاذْكُرْنا إِذا غفلنا عنك بأحسن مما تذْكُرُنا به إذا ذكرْنَاكَ وَارْحَمْنَا إِذا عَصَيْنَاكَ بِأَتَم مما ترحمنا به إذا أطَعْناك واغفر لَنَا ذُنُوبَنَا مَا تَقَدَّم منها وما تَأخَّر والطف بنا لطفاً يَحْجُبُنَا عن غيرِك ولا يحْجُبنا عنك فإنك بكل شيء عليم اللهم إنا نسألُك لسَاناً رَطْباً بذِكْرِكَ وقلباً مُنعماً بشكرك وبدناً هيناً ليناً بطاعتك واعْطِنَا مع ذلك ما لا عَيْن رأت ولا أُذُنٌ سَمِعَت ولا خَطَرَ عَلَى قلب بشر كما أَخْبَر بِهِ رَسُولُك حَسَبَ مَا عَلَّمْتَهُ بِعِلْمِكَ واغننا بلا سَبَبِ واجْعَلْنَا سَبَبَ الغِنى لأوليائك وَبَرزخاً بينهم وبينَ
من
۰۰
أعدائك إنك على كلّ شيءٍ قدير
اللهم إنا نسألك إيماناً دائماً ونسألك قلباً خاشعاً ونسألك علماً نافعاً ونسألُك يقيناً صادقاً ونسألك دِيناً قيماً ونسألك العافية من كل بلية ونسألُك تمَامَ العافية ونسألُك دَوَامَ العافية ونسألُك الشكر على
العافية ونسألك الغنى عن الناس
اللهم إنا نسألك إيماناً دائماً ونسألك قلباً خاشعاً ونسألك علماً نافعاً ونسألُك يقيناً صادقاً ونسألك دِيناً قيماً ونسألك العافية من كل بلية ونسألُك تمَامَ العافية ونسألُك دَوَامَ العافية ونسألُك الشكر على
العافية ونسألك الغنى عن الناس
اللهم إنا نسألك إيماناً دائماً ونسألك قلباً خاشعاً ونسألك علماً نافعاً ونسألُك يقيناً صادقاً ونسألك دِيناً قيماً ونسألك العافية من كل بلية ونسألُك تمام العافية ونسألُك دَوَامَ العافية ونسألُك الشكر على
العافية ونسألك الغنى عن الناس
اللهم إنا نسألك التوبة الكاملة والمغفرة الشاملة والمحبة الكاملة الجامعة والخلَّةَ الصافية والمعرفة الواسعة والأنوار الساطعة والشفاعة القائِمَةَ والحُجَّةَ البالِغَةَ والدَّرَجَةَ العالية وفُكَ وثَاقنا المَعْصِيَةِ ورِهَانَنا من النِّعْمَة بمواهب المِيَّةِ
من
اللهم إنا نسألك التوبة ودوامها ونعوذُ بك من المَعْصِيَةِ وأسْبَابِهَا وذكرنا بالخوف منك قبلَ هُجُومٍ خَطَرَاتِهَا وَاحْمِلْنَا على النَّجَاةَ مِنْها ومِنَ التَّفَكَّرِ في طرائقها وامْحُ من قلوبنا حلاوة ما اجتنيناه منها واستبدلها بالكراهة لها والطَّعْمِ لِمَا هُوَ بِضِدها
وأفض عَلَينا من بحر كرمك وعفوك حتى نَخْرُجَ من الدُّنْيَا على
۰۱
السلامة من وبالِهَا واجْعَلْنَا عندَ المَوْتِ ناطِقِينَ بالشَّهَادَةِ عَالِمينَ بها وارأف بنا رأْفَةَ الحَبِيبِ بِحَبِيبِه عِنْدَ الشَّدَائِدِ ونُزُولِهَا وَأَرِحْنَا مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا وعُمُومِهَا بِالرّوح والرَّيْحَان إلى الجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا
اللهم إنا نسألك توبةً سابقةً منك إلينا لتَكُونَ تَوْبَتُنا تابِعَةً إِليك مِنَّا وَهَبْ لنا التَّلَقِّي منك كتلفّي آدمَ مِنْك الكلمات ليكون قدوةً لولدِهِ في
التوبة والأعمال الصَّالِحَاتِ وباعِدْ بَيْنَنَا وَبَينَ العِناد والإِصْرَارِ والشَّبَه بابليس رأس الغُوَاةِ واجعل سيآتِنَا سيآتِ مَنْ أَحْبَبْتَ ولا تجعل حسناتنا حسنات من أبغَضْتَ فالإحسانُ لا يَنْفَعُ مع البغض منك والإساءَة لا تضر مع الحب منك وقد ابهمت الأمر علينا لنرجو ونخاف فآمِنْ خوفنا ولا تخيب رجاءَنَا واعطنا سؤلنا فقد أعطَيْتَنا الإيمان من قبل أن نسألك وكتبت وحبيت وَزَيَّنتَ وكَرَّهْتَ وَأطْلَقْتَ الألسُنَ بما بِهِ تَرْجَمتَ فَنِعْمَ الرب أنتَ فلك الحَمْدُ على ما أنعمت فاغفر لنا ولا تُعاقِبنَا بالسلب بعد العطاء ولا بكُفْرَانِ النِّعَمِ وحِرْمَانِ الرّضا
حتى
اللهم رَضُنَا بِقَضَائك وصَبْرنَا على طَاعَتِك وعن مَعْصِيَتِك وعن الشهَواتِ المُوجِبَاتِ للنقص أو البُعْدِ عنك وهب لنا حقيقة الإيمان بك لا نخاف غيْرَكَ ولا نرجُو غَيْرَكَ ولا نُحِبَّ غيرك ولا نَعْبُدَ شَيْئاً سواك وأوزعنا شكر نعمَائِكَ وغَطْنَا بِرِدَاءِ عافيتك وانْصُرْنا باليقين والتَّوَكُل عَلَيْكَ وأسفر وُجُوهَنَا بِنُورِ صِفَاتِك وأَضْحِكْنَا وبَشَرْنا يَوْمَ القِيَامَةِ بَيْنَ أَوْلِيَائِك واجْعَلْ يدَكَ مبْسُوطَةً علينا وعلى أهْلِينا وأولادنا ومن مَعَنا برحمتك ولا تَكِلْنا إلى أنفسنا طَرْفَةَ عَيْنٍ ولا أقل من ذلك يا نعم
المُجِيبُ يا نعم المُجِيبُ يا نعم المجيب
يا مَنْ هُوَ هُوَ في علوه قريب يا ذا الجَلَالِ والإِكْرَام يا مُحيطاً
۰
بالليالي والأيام أشكو إليك من غم الحجابِ وسُوءِ الحِسَابِ وشِدَّةِ العذاب وإن ذلك لواقع ماله من دَافِع إن لم ترحمني لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمينَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
ولقد شكا إليك يعقوب فخلصته من حُزْنِه ورَدَدْتَ عليه ما ذَهَب من بَصَرِهِ وجَمعت بينه وبين وَلَده ولقد نَادَاكَ نُوحٌ مِن قَبْلُ فنجَّيْتَه من كريه ولقد نَادَاك أيُّوبُ من بعدُ فَكَشَفْتَ ما به من ضُره ولقد ناداك يونس فنجَّيْتُه من غَمه ولقد ناداك زكرياء فوهبت له ولداً من صلبه بعد يَأس أهلِهِ وكِبر سنه ولقد علمت ما نزل بإبراهيم فأنقذته من نار عدوه وانْجَيْتَ لُوطاً وأهله من العذاب النّازِل بقومه فهأنذا عبدك إن تعذبني
بجميع ما علمت من عذابك فأنا حقيق به وإن تَرْحَمْنِي كما رحمتهم مع عظيم إجرامي فأنتَ أولى بذلك وأحق من أكرم به فليس كرمك مخصوصاً بمن أطَاعَك وأقبل عليك بل هو مبدولٌ بالسَّبْقِ لمن شبت من خلقك وإن عَصَاك وأعرَضَ عَنْكَ ولَيْسَ من الكرم أن لا تُحْسِن إلا لمن أَحْسَنَ إِلَيْكَ وأنتَ المِفْضَالُ الغَنِيُّ من الكَرَم أن الكرم أن تُحْسِنَ إلى من أساءَ إليك وأنتَ الرَّحيمُ العليُّ كيف وقد أمَرْتَنَا أن نُحْسن إلى من أساءَ إِلَيْنَا فأنت أولى بذلك منا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَسِرِينَ ۱ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَسِرِينَ ١ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَسِرِينَ ۱
۱ سورة الأعراف الآية ۳
۰۳
یا الله یا الله یا الله یا رَحْمَنُ یا رَحْمَنُ یا رَحْمَر
يا قَيُّومُ یا قَيُّومُ يا قَيُّومُ
يا مَنْ هُوَ هو هو يا هُوَ إن لم نَكُنْ لرَحْمتكَ أَهْلاً أن ننالها فرحمتك أهل أن تنالنا يا رباه يا رباه يا رباه
يا مَوْلاهُ يا مَوْلاهُ يا مَوْلاهُ
E
يا مُغِيتَ مَنْ عَصَاهُ يا مغيث من عصاه يا مغيث من عصاه أغثنا أغثنا أَغِثنا يا رب يا كريم وارْحَمْنَا يارب يا رحيم يا من وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم
محقته
أسألك الإيمان بحفظك إيمَاناً يَسْكُنُ بِه قَلْبِي مِن هَمِّ الرِّزْقِ وخَوْفِ الخَلْقِ وأَقْرُبْ مِنِّي بقدرتك قُرباً تَمْحَقُ به عَنِّي كُلَّ - به عَنِّي كُلَّ حِجَابٍ عن ابراهيم خليلك فلم يَحْتَجُ لِجْبريل رسُولك ولا لسؤاله منك وحجبته عن نار عَدُوِّه وكيف لا يُحْجَبُ عن مَضَرَّةِ الأَعْدَاءِ مَنْ غَيَّبْتَهُ عن منْفَعَة الأحباء كلَّا إِنِّي أَسْأَلُك أن تُغيينِي بِقُرْبكَ مِنِّي حَتَّى لا أَرَى ولا
بذلك
أُحس بقرب شيء ولا يُبُعْدِهِ عَنِّي إنك على كل شيءٍ قدير
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَكُمْ عَبَنَا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ لا فَتَعَلَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَنهَا أَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الكَفِرُونَ الله وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ
خير الراحمين ۱
هُوَ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
العالمين ۱ سورة المؤمنون الآية ۱۱٥ ۱۱۶ ۱۱۷ ۱۱۸ سورة غافر الآية ٦٥
٢٠٤
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النبي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عليه
وسلموا تسليماً
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى سيدنا
إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إِنَّكَ حَميدٌ مَجِيدٌ اللهم وارْضَ عن سَادَاتِنَا الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أبي بكر الصديق وعُمَرَ وعُثمانَ وعلي وارْضَ اللهم عن سيدنا الحسن وعن سيدنا الْحُسَيْنِ وعن أمهما فاطمة الزهراء وعن الصَّحَابَةِ أجمعين وعن أزواج نبيكَ الطَّاهِرَاتِ أمهات المؤمنين وعن التابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ولا حول ولا قُوَّةَ إِلا بالله العلي العظيم
وصلَّى الله تعالى وسلَّم عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ
الكريم
سبحان ربك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ والحَمدُ
لله رب العالمين
حزب الشيخ أبي الحسن۱ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا مَلِكِ يَوْمِ اللَّذِينَ الَّا إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الله صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ٢
۱ هذا الحزب الجليل رواه ابن عطاء الله سورة الفاتحة الآيات ١ ٧
الله عنه ولم يصع له اسماً رصي
٢٠٥
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَعُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ۱ ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَتَيكَيْهِ وَكَبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
CAD
اكتسبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حملته على الذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
الْعَالَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَنَةَ وَالْإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِتَايَتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ لَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَاءِ كَيْفَ يَشَاء لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۳ لا قُلِ اللَّهُمَّ مَلِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ
مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ وَقَدِيرٌ تُولِجُ الَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَقِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ
حساب 4
۱ سورة البقرة الآية ٢٥٥ سورة البقرة الآية ٢٨٥ - ٢٨٦ ۳ سورة آل عمران الآية ١ - ٥ ٤ سورة آل عمران الآية ٢٦ ٢٧
٢٠٦
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَيُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يشفين الله وَالَّذِي يُمِتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ الله وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدين ال رَبِّ هَبْ لِي حُكمَا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّلِحِينَ وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ في الآخرِينَ الله وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ الله وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الصَّالِينَ لَا وَلَا قرني يومَ يُبْعَثُونَ اللهَ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ اللهُ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الله الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَيُرِزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ١
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ المحكية زيزُ الْحَكِيمُ الَ الَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يُنِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ وَ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ ل هُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ مَا يُولِجُ الَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي الَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ٢
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَدَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ لا هُوَ اللَّهُ الْخَلِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
وَالضُّحَى الله وَالَّيْلِ إِذَا سَجَى الله مَا وَدَعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى اللهِ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ
۱ سورة الشعراء الآية ۷۸-۹۱ سورة الحديد الآيات ١-٦ ۳ سورة الحشر الآية ٢٢ - ٢٤
۰۷
من الأولى الله وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرَضَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمَا فَتَاوَى ال ووَجَدَكَ صَالًا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَابِلًا فَأَغْنى مَا فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا نَقَهَرا وَأَمَّا السَّابِلَ
فلا تنهر الله وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِتْ ۱
الوَنَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ا وَرَفَعنا لك ذكرك لا فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ بشراء إِنَّ مَعَ العسر يسرا لا فَإِذَا فَرَعْتَ فَانصَبُ اللهِ وَإِلَى رَبِّكَ
فارغب
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةُ يقبلون في سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَةِ وَالْإِنجِيلِ والْقُرْءَ إِنْ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ
وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ۳
التيبُونَ الْعَبِدُون الحَمدُون السَّبِحُونَ الرَّاكِعُونَ السجدُون الأَمرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَفِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ 4
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَشِعُونَ يا وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ معْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ الزكور معاون 1 وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَفِظُونَ ان الاعلى أَزْوَجهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُهُمْ وَلَهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَتَيْكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأُمَنَتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى ا
۱ سورة الضحى سورة الشرح
۳ سورة التوبة الآية ۱۱۱ ٤ سورة التوبة الآية ۱۱
۰۸
صلواتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَيْكَ هُمُ الْوَرِثُونَ اللَّهِ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا
خَلِدُونَ ۱ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَتِ وَالْقَنِينَ وَالْقَيْنَتِ وَالصَّدِقِينَ وَالصَّدِقَتِ وَالصَّبِرِينَ وَالصَّبِرَاتِ وَالْخَشِعِينَ وَالْخَشِعَتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِقَتِ وَالصَّبِمِينَ وَالصَّبِمَتِ وَالْحَفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَفِظَتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرًا
عَظِيمًا
إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا لله إِذَا مَسَّهُ الشَّرجَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الـ وعادَ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا لله إِلَّا الْمُصَلِّينَ لَا الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَابِمُونَ الله وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ تَعْلُو لِلسَّابِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَ الَّذِينَ هُم مِن عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَتِهِمْ غَيْرُ مَأْمُونِ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَفِظُونَ لَهُ إِلَّا عَلَى أَزْوَجِهِمْ أَوْمَا مَلَكَتْ أَيْمَهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ له فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاة ذَلِكَ فَأُولَيْكَ هُمُ الْعَادُونَ لَهُ وَالَّذِينَ هُمْ لِأُمَتَيهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَعُونَ وَالَّذِينَ هُم بِشَهَدَتِهِمْ قَامُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَيْكَ فِي
جَنَّتِ مكْرَمُونَ كم ۳
الفكر
اللهم إنا نسألك صُحْبَة الخوف وغلبة الشَّوْقِ وثبات العلم ودوام
ونسألك سِرّ الأسرار المانع من الاصرار حتى لا يكون لنا مع الذنب أو العيب قرار واجْتَبنا واهدنا إلى العمل بهذه الكلمات التي
۱ سورة المؤمنون الآية ١ - ١١
سورة الأحزاب الآية ٣٥ ۳ سورة المعارج الآية ۱۹ - ۳۵
بسطتها لنا على لسان رسولك وابتليت بهن إبراهيم خليلك فأتمهن
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۱ قال ومن ذريتي
قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ ﴾
فاجعلنا من المحسنين من ذريته ومن ذرية آدم ونوح واسلك بنا
سبيل أئمة المتقين
باسم الله وبالله من الله وإلى الله وعلى الله فليتوكل المتوكلون
حسبي
الله آمنت بالله رضيت بالله توکلت على الله ولا قوة إلا بالله أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله رب اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات
بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ المَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِينَ ۳
قُل الحمد لله وسلام على عباده الذينَ اصْطَفَى
رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً فاغفر لي وتب علي لا إله إلا
أنت سبحانك إني كنت من الظالمين يا الله يا علي يا عظیم یا حلیم یا علیم یا سمیع یا بصیر یا مرید یا
۱ سورة البقرة الآية ١٢٤
سورة البقرة الآية ۱۵ ۳ سورة الفاتحة الآيات ۱ ۷
۱۰
قدير يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم يا من هو هو يا هو يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام
اللهم صلني باسمك العظيم الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء وهب لي منه سراً لا تضر معه الذنوب شيئاً واجعل لي منه وجها تقضي به الحوائج للقلب والعقل والروح والسر والنفس والبدن ووجهاً ترفع به الحوائج من القلب والعقل والسر والروح والبدن والنفس وادرج أسمائي تحت أسمائك وصفاتي تحت صفاتك وأفعالي تحت درج السلامة واسقاط الملامة وتنزل الكرامة وظهور الإمامة وكمل لي ما ابتليت به أئمة الهدى من كلماتك واغنني حتى تغنى بي وأحيني حتى تحيي بي ما شئت ومن شئت من عبادك واجعلني خزانة الأربعين ومن خلاصة المتقين واغفر لي فإنه لا ينال عهدك الظالمين
أفعالك
طش ۱
عسق
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ البَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ۳
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ المَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ 4
۱ سورة النمل الآية ١ سورة الشورى الآية 1
۳ سورة الرحمن الآية ۱۹ ۰
٤ سورة الفاتحة
۱۱
قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدُ الله اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدُ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ
قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدُ الله اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ
نصائح لأبي الحسن
كن متمسكاً بهذه الصفات الحميدة تفز بسعادة الدارين
لا تتخذ من الكافرين ولياً ولا من المؤمنين عدواً وارتحل بزادك
من التقوى في الدنيا وعد نفسك من الموتى واشهد الله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة وحسبك عمل صالح وإن قل وقل آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وقل سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فمن كان متمسكاً بهذه الصفات الحميدة ضمن الله عز وجل له أربعة أمور في الدنيا
الصدق في القول والإخلاص في العمل والرزق كالمطر
والوقاية من الشر
وأربعة أمور في الآخرة
المغفرة العظمى والقربة الزلفى ودخول جنة المأوى واللحوق
بالدرجة العليا
فإن أردت الصدق في القول فداوم على قراءة إنا أنزلناه في ليلة
القدر
۱
وإن أردت الرزق كالمطر فداوم على قراءة قل أعوذ برب الفلق وإن أردت السلامة من شر الناس فداوم على قراءة قل أعوذ برب
الناس
الله
وإن أردت جلب الخير والرزق والبركة فداوم على قراءة بسم الرحمن الرحيم الملك الحق المبين هو نعم المولى ونعم النصير وقراءة سورة الواقعة وسورة يس
وإن أردت أن يجعل الله لك من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ويرزقك من حيث لا تحتسب فالزم الاستغفار
وإن أردت أن تأمن مما يروعك ويفزعك فقل أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن
يحضرون
وإن أردت أن تعرف أي وقت تفتح فيه أبواب السماء ويستجاب الدعاء فاشهد وقت نداء المنادى فأجبه ففي الحديث من نزل به كرب أو شدة فليجب المنادى وهو المؤذن
وإن أردت أن تسلم من أمر يكربك فقل توكلت على الحي الذي لا يموت أبداً والحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً
وإن أردت أن تنجو من هم أو غم أو خوف يصيبك فقل
اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض
في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو خلقك أو استأثرت به في علم
أنزلته في كتابك أو علمته أحداً
من
۱۳
الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء
حزني وذهاب همي وغمي
وإن أردت أن يداويك الله من تسعة وتسعين داءاً أيسرها اللمم فقل
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وإن أردت أن تؤجر بما يصيبك من مصيبة فقل ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
راجعون کی ۱
أمسيت
وإن أردت أن يذهب همك ويقضى دينك فقل إذا أصبحت وإذا
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر
الرجال
وإن أردت أن توفق للخضوع والخشوع فاترك فضول النظر
وإن أردت أن توفق للحكمة فاترك فضول الكلام
وإن أردت أن توفق لحلاوة العبادة فاترك فضول الطعام وعليك بالصوم وقيام الليل والتهجد فيه
الهيبة
وإن أردت أن توفق للهيبة فاترك المزح والضحك فإنهما يسقطان
وإن أردت أن توفق للجنة فاترك فضول الرغبة في الدنيا
وإن أردت أن توفق لإصلاح عيب نفسك فاترك التجسس على
۱ سورة البقرة الآية ١٥٦
عيوب الناس فإن التجسس من شعب النفاق كما أن حسن الظن من
شعب الإيمان
وإن أردت أن توفق للخشية فاترك التوهم في كيفيات ذات الله تعالى تسلم من الشك والنفاق
وإن أردت أن توفق للسلامة من كل سوء فاترك الظن السيء بكل الناس وإن أردت المنزلة فاترك الاعتماد على الناس وتوكل على الله وإن أردت أن لا يموت قلبك فقل كل يوم أربعين مرة يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت
وإن أردت أن ترى النبي يوم القيامة يوم الحسرة والندامة فأكثر من قراءة إذا الشمس كورت و إذا السماء انفطرت و إذا السماء انشقت وإن أردت أن ينور الله وجهك فداوم على قيام الليل
وإن أردت السلامة من عطش يوم القيامة فلازم الصوم وإن أردت أن تسلم من عذاب القبر فاحترز من النجاسات واترك
أكل المحرمات وارفض الشهوات
وإن أردت أن تكون غنياً فلازم القناعة
وإن أردت أن تكون خير الناس فكن نافعاً للناس
وإن أردت أن تكون أعبد الناس فكن متمسكاً بقوله
من يأخذ
عني
هذه الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن
قال أبو هريرة أنا يا رسول الله فأخذ بيدي وعد خمساً قال إتق
٢١٥
المحارم تكن أعبد الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب
وإن أردت أن تكون من المحسنين الخالصين فاعبد الله كأنك تراه
فإن لم تكن تراه فإنه يراك
وإن أردت أن يكمل إيمانك فحسن خلقك
وإن أردت أن يحبك الله فاقض حوائج إخوانك المسلمين
وإن أردت أن تكون من المطيعين فأد ما فرض الله عليك وإن أردت أن تلقى الله تعالى يوم القيامة نقياً من الذنوب فاغتسل
من الجنابة ولازم غسل الجمعة
وإن أردت أن تحشر يوم القيامة في النور الهادي وتسلم من
الظلمات فلا تظلم أحداً من خلق الله تعالى وإن أردت أن تقل ذنوبك فالزم الاستغفار وإن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله
وإن أردت أن يستر الله عليك فاستر عيوب الناس
وإن أردت أن تمحي خطاياك فأكثر من الاستغفار والخشوع والخضوع والحسنات في الخلوات
وإن أردت الحسنات العظام فعليك بحسن الخلق والتواضع والصبر
على البلية
المطاع
وإن أردت السلامة من السيئات العظام فاجتنب سوء الخلق والشح
٢١٦
وإن أردت أن يسكن عنك غضب الجبار فعليك بإخفاء الصدقة
وصلة الرحم
سواك
وإن أردت أن يقضي الله عنك الدين فقل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم
قل اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن
وإن أردت أن تأمن من قوم خفت شرهم فقل
اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم
وإن أردت كثرة الخير والرزق فداوم على قراءة ألم نشرح
و الكافرون وإن أردت الستر من الناس فداوم على قول اللهم استرني بسترك الجميل الذي سترت به نفسك فلا عين تراك
وإن أردت عدم الجوع والعطش فداوم على قراءة الإيلف قريش
۱۷
الفصل التاسع
خاتمة واعتراف
-1-
حينما بدأت في تأليف هذا الكتاب فوجئت مباشرة بمشكلة هي مشكلة الكرامات المنثورة في كل الكتب القديمة التي أرخت لأبي الحسن وهي من الكثرة بحيث لا يمكن إغفال الحديث عنها هل أنقلها جميعاً وأدع مسؤولية روايتها على الذين ذكروها وإذا ما نقلتها جميعاً فهل أكون بذلك قد أحسنت بالنسبة لأبي
الحسن أم أكون قد أسأت بالنسبة إليه
إن الكثير من المثقفين في العصر الحاضر يمجون ذكر الكرامات هكذا بدون حساب وفي إسراف مسرف ومما لا شك فيه أن أتباع الولي أينما كان وأينما كانوا يحاولون الإشادة بذكره فيروون عنه الكرامات الكثيرة فيصادف ذلك قبولاً وارتياحاً عند البعض ونفوراً وإعراضاً عند الآخرين
ولقد وصل الأمر ببعض المنكرين للكرامات أن أنكروا كل
۱۹
المعجزات الحسية التي ذكرت للرسول له في السنة الصحيحة وفي الأخبار التي محصها رجال الحديث واكتفوا - في المعجزات - بالقرآن الكريم نافين كل شيء غيره مما ذكرته كتب الصحاح على اختلاف
ألوانها
إن روح
الكثيرين في العصر الحاضر تنادي بإنكار الكرامات وتسخر في وضوح أو في إشارات بكل من يروي كرامة لولي
هل أجاري هؤلاء أم أولئك
ومع قيام هذه المشكلة أمامي في وضوح فإنني لم أتردد قط في أن أبدأ كتابي هذا بعد المقدمة بكرامة لأبي الحسن ـ تلك التي رواها أبو العباس رضي الله عنه ـ وما شككت قط في توبتها وما شككت قط في صحة النقل ثم وجدتني أنقل هذه الكرامة في مناسبة وتلك في أخرى ولم أجد في ضميري عتاباً ولا في شعوري تراجعاً ولا في ذوقي نفوراً حقيقة أني لم أنقل كل الكرامات بل ولا أغلبها ولكني نقلت منها ما رأيت له مناسبة في كتابي
لماذا لم أجد حرجاً في نقل بعض الكرامات في كتابي
هذا
لماذا
للأسباب الآتية
١ - إن القرآن الكريم يحدثنا في أسلوب لا لبس فيه عن المعجزات التي تفضل الله بها على رسله وأنبيائه
ويحدثنا عن الكرامات التي منحها سبحانه لأوليائه وأصفيائه ألم يحدثنا القرآن بصورة لا تحتمل التأويل بأن عيسى عليه
۰
السلام كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأنه كان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله
الم يحدثنا عن سيدنا موسى بأنه ألقى عصاه فإذا هي
يأفكون وبأنه أخرج يده فإذا هي بيضاء للناظرين
تلقف ما
وسيدتنا مريم ألم تحمل بسيدنا عيسى من غير أب خارقة بذلك قوانين الطبيعة وكانت كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها
رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا
الطبيعة
قالت هو من عند الله
٢ - ثم إن ما نسميه قوانين الطبيعة إنما هو في الواقع عادات
وخرقها ليس بمستحيل عقلاً
وخرقها لا يترتب عليه مستحيل
وعادات الطبيعة لا تسيطر على رب الطبيعة
٣ - ثم إن هؤلاء الذين تجري على أيديهم المعجزات أو الكرامات لا ينسبونها لأنفسهم وإنما ينسبونها إلى المتفضل الوهاب صاحب القدرة والقهر إنهم ينسبونها إلى من هو على كل شيء قدير ٤ - والملاحظ في منكري الكرامات على مر العصور أنهم يتميزون بألوان من الغلظة وقساوة القلب فلا تجد فيهم رقة الشعور ولا صفاء البصيرة ولا ملائكية الروح وهم - إن لم يكونوا من الملاحدة - من الصنف الذي لم يخالط الإيمان شغاف قلبه وإنما بقي صورة عائمة على السطح
۱
ه - وجمهرة المسلمين على مر العصور عامتهم وخاصتهم وقممهم الشوامخ في العلم والدين من الذين يثبتون الكرامات ويؤمنون
بها
تلك هي
الأسباب العامة التي لم تجعلني أتحرج من نقل بعض
كرامات أبي الحسن
المشكلة
وأضيف إليها بعض الأسباب الأخرى الخاصة وأضيفها لأواجه في صراحة أضيفها معلناً في غير كبرياء ولا فخر بأنني من الأشخاص الذين لا تلعب بهم الأوهام ولا التخيلات ولم أكن في يوم الأيام فريسة أباطيل أو خرافات ولقد باعد الله سبحانه ـ وله الفضل
من
والمنة - بيني وبين التأثر بالإيحاء الموهم
فإذا أضفت أسباباً خاصة فإنما أضيفها عن يقين وثقة ولعل الله يهدي بها بعض من لا يزال في قلوبهم الاستعداد للخير وفي أرواحهم أسس الاهتداء إلى الحق
في فترة من الفترات ابتلاني الله بموضوع شق على نفسي وعلى نفس المحيطين بي واستمر الابتلاء مدة كنا نلجأ فيها إلى الله طالبين
الفرج
وذات يوم أتى عندي بعض الصالحين - وكان على علم بهذا الابتلاء ـ وأعطاني ورقة كتب فيها صيغة من صيغ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إقرأها واستغرق فيها وكررها منفرداً في الليل لعل الله
يجعلها سبباً في تفريج هذا البلاء
والصيغة هي
اللهم صل صلاة جلال وسلم سلام جمال على حضرة حبيبك
سيدنا محمد وأغشه اللهم بنورك كما غشيته سحابة التجليات فنظر إلى وجهك الكريم وبحقيقة الحقائق كلم مولاه العظيم الذي أعاذه
من كل سوء
اللهم فرج كربي كما وعدت أمن يجيب المضطر إذا دعاه
ويكشف السوء وعلى آله وصحبه أمين
واعتكفت في غرفة بعد صلاة العشاء وأضأت نور الغرفة وأمسكت الورقة بيدي وأخذت في تكرار الصيغة واستغرقت فيها وإذا بي أرى فجأة أن الحروف التي كتبت بها الصيغة مضيئة تتلألأ نوراً الغرفة كانت مضيئة فإن الحروف كانت تتلألأ نوراً في وسط هذا النور
ولم
ومع
أن
أصدق عيني فغمضتهما وفتحتهما عدة مرات فكان النور على ما هو فوضعت الورقة أمامي ووضعت يدي على عيني أدلكهما وأدعكهما ثم فتحت عيني فإذا بالحروف على ما هي عليه تتلألأ نوراً وتشع سناء
فحمدت الله وعلمت أن أبواب الرحمة قد فتحت وأن هذا النور رمز ذلك وفعلاً أزال الله الكرب وحقق الفرج بكرامة هذه الصيغة
المباركة
وأمر آخر من خوارق العادات شاهدته بنفسي
في ذات صباح كنت جالساً في المنزل في غرفة المكتب كعادتي وكنت في تلك اللحظة مطأطىء الرأس ثم رفعت رأسي ناظراً بي أجد أمامي إنساناً فأخذت في تأمله دون أن أشعر قط
أمامي وإذا
بخوف أو فزع
۳
كان طويلاً أقرب إلى النحافة منه إلى السمنة يميل لونه إلى السمرة وعلى رأسه شال أبيض أو ما يسميه الحجازيون الغطرة وكان في وقفته منحنياً قليلاً وقد تأملت ملابسه أيضاً في تفاصيلها وشكلها لم يتحدث معي ولم أتحدث إليه
وبعد فترة ونحن على هذا الوضع أنظر إليه في تحديق ويمد عينيه إلي في نظرات ثابتة أخذ يشف شيئاً فشيئاً وألاحظ أنا في وضوح التدرج في هذه الشفافية وانتهت الشفافية بزواله تماماً دون أن يتحرك من
موضعه ذلك ما شاهدته بنفسي
وماذا يكون خرق العادات غير هذا
إن الذين ينكرون خرق العادات وينكرون الكرامات الأولياء الله إنما ينكرون شيئاً أثبتته تجارب الإنسانية منذ أن وجدت الإنسانية وأثبته القرآن الكريم وأثبته جمهور الأمة وقد رأيت أنا خرق العادات بنفسي وبعيني كما رويت سابقاً
ومن أجل كل ذلك أثبت ما أثبت في الكتاب من كرامات أبي الحسن وبدأته بعد المقدمة مباشرة - بكرامة من كراماته رواها أقرب تلاميذه ومريديه إليه وهو القطب الكبير أبو العباس المرسي الذي كان شاهد عيان فيها
--
وأمر آخر أريد أن أعترف به وأن أشرع وجهة نظري فيه
ذلك إني لم أتحدث عن وسط أبي الحسن وبيئته الاجتماعية ولم أتحدث عن شيوخه الذين يكثر بعض المؤرخين من ذكرهم اللهم إلا
٢٢٤
عن الولي الكبير سيدي عبد السلام بن مشيش وإذا كنت لم أتحدث عن الوسط ولا عن الشيوخ فإنما فعلت
ذلك متعمداً إنني
فعلته عن مبدأ وعن رأي قد ترويت فيه وتأملته إنني أرى في صراحة أن هؤلاء الذين يكتبون عن الصوفية فيتحدثون عن الوسط والبيئة وعن الأساتذة والشيوخ ليقولوا بعد ذلك إن الصوفي تأثر وقلد وأخذ وإن فكرته هذه يدين فيها لفلان وفكرته تلك يدين فيها للوسط الفلاني إن هؤلاء الذين يدينون بالآلية في الفكر الصوفي أو بأن الصوفي مرآة تعكس صور المجتمع والمربين وتنعكس فيها أفكار المجتمع والشيوخ ويأخذون في تحليل آراء الصوفي وتفصيلها وتشريحها من أجل أن يعزوا كل فكرة إلى مصدر يختلف عن مصدر الفكرة الأخرى للصوفي نفسه إن هؤلاء الذين يصنعون ذلك
مخطئون
فالصوفي لا يكون صوفياً بالقراءة أو الدراسة والبحث حتى ولو كانت هذه القراءة والدراسة في الكتب الصوفية نفسها وفي المجال الصوفي خاصة وقد يكون شخص من أعلم الناس بهذه الكتب درسها دراسة باحث متأمل وعرف قديمها وحديثها وميز بين الزائف منها والصحيح وصنفها زمناً وميزها أمكنة وهو مع ذلك لا له في قليل ولا في كثير في المجالات الصوفية
سهم
ولقد درس الإمام الغزالي كتب الصوفية المحققين درسها دراسة تعمق وتأمل لقد درس كتب الحارث المحاسبي وكتب أبي طالب المكي وما روي عن الجنيد وعن الشبلي وغيرهم ثم اعترف بأن ذلك لم يجعله صوفياً ولو اقتصر على القراءة مهما كانت عميقة لما
۵
كان له في التصوف نصيب ليس قراءة كتب الصوفية سلماً يرقى به الإنسان في معارج القدس
وابن سينا درس التصوف في كتبه الأصلية وخالط الصوفية وتحدث إليهم وكتب في التصوف فصولاً توج بها كتابه الذي كان يعتز به وهو كتاب الإشارات والتنبيهات ومع ذلك فإن ابن سينا لم يصر بذلك صوفياً ولم تجعله دراسته للتصوف وكتابته عنه في عداد الصوفية
بحث
ثم إنه قد يكون الصوفي أمياً لم يقرأ فلسفة ولم يجهد نفسه في
والحديث إذن عن المصادر والبيئة والأساتذة والتقليد والتأثر في مجال التصوف إنما يقوم على أساس فاسد وكل من ينهج هذا النهج من الكتاب عن التصوف إنما يسير في طريق زائف ويقف فوق جدار منقض ويعتمد أسساً تنقضها حياة الغزالي وحياة ابن سينا وحياة
الخواص وحياة العشرات غير هؤلاء
هذا الطريق الزائف سار فيه المستشرقون وحاولوا ما استطاعوا أن يقفوا بكل فكرة في الجو الصوفي عند مصدر أجنبي وأن يجدوا في تراث كل صوفي مسلم ألواناً من أفكار سابقة في الزمن مختلفة أو متحدة
في البيئة سار المستشرقون في هذا الطريق الضال فضلوا وأضلوا لقد ضلوا ولم يتأت لهم - بعد أكثر من قرن ونصف ـ أن يصلوا إلى نتائج موحدة أو يقينية أو شبه يقينية بل لقد ظهروا بمظهر لا يغبطون عليه وذلك أن الكثير منهم كان يرى الرأي اليوم يؤيده بما شاء من كل شاردة وواردة ويتلقف من أجله كل خبر ورواية ويخرجه للناس على أنه الحق الذي لا مراء فيه ثم ينقضه هو نفسه من الغد فيخرج
٢٢٦
برأي آخر مغاير يؤيده بما شاء من كل شاردة وواردة ويتلقف من أجله كل خبر ورواية
لقد فعل ذلك المستشرق ثولك فأعلن مجوسية التصوف
الإسلامي ثم عدل عن ذلك وأعلن إسلاميته
وفعل ذلك نيكولسن فأعلن أفلاطونية التصوف الإسلامي ثم
أعلن إسلاميته في جوهره
وأخذ المستشرقون يتحدثون عن مشكلة وهمية هي مشكلة مصادر
التصوف ولا يزالون مختلفين
وجارى الشرقيون المستشرقين في الحديث عن مصادر التصوف وكما اختلف المستشرقون فقد اختلف الشرقيون ولا يزالون مختلفين
سیستمر
الخلاف لأن النقاش إنما هو عن مشكلة وهمية وسيستمر
الخلاف لأن وضع المشكلة خطأ
إنهم يتحدثون عن مصادر ثقافية على اعتبار أن التصوف ثمرة ثقافة كسبية وما دام ثمرة ثقافة كسبية فإنه إذن يتأثر بالوسيلة التي أدت إليه
أي بالثقافة الكسبية التي كان ثمرة لها
ولكن التصوف ليس ثمرة لثقافة كسبية إن الوسيلة إليه ليست هي الثقافة ولكن الوسيلة إليه إنما هي العمل إن الطريق إليه إنما هو
السلوك
والمعرفة الناشئة عن العمل والسلوك هي إلهام وهي كشف
ملأ أعلى انعكس على البصيرة المجلوة فتذوقه الشخص حالا وهي وأحس به ذوقاً وأدركه إلهاماً وكشفاً
۷
فهل يتأتى والحالة هذه أن نتحدث عن مجوسية التصوف الإسلامي أو عن أفلاطونيته أو فارسيته أو هنديته
سار المستشرقون في طريق خطأ وجاراهم الشرقيون فضلوا بضلالهم بيد أن المؤسف هو أن الناس ألفوا الحديث عما سماه المستشرقون مصادر التصوف الإسلامي وشارك في الحديث عنها القارئون والسامعون وهكذا لبس الوهم صورة الجد واتخذ الزائف مظهر الصحيح وكان نقاش وكان جدل وما زال النقاش وما زال الجدل وسيستمر ذلك إلى أن يصحح الوضح
وتصحيح الوضع إنما هو بحذف الوهم الذي اتخذ صورة الجد وبحذف الزائف الذي لبس مظهر الصحيح أي بحذف ما يعبرون عنه بمشكلة مصادر التصوف
ومن أجل ما تقدم لم أكتب عن مصادر أبي الحسن وإذا كنت قد كتبت عن سيدي عبد السلام بن مشيش فإنما كتبت عنه كموجه موجه فقط والموجه ليس هو الموحي وليس هو الملهم ليس الموجه بصيرة ترق وتشف ولا سراً يصير مرآة مجلوة يحاذي بها الصوفي شطر الحق ولا ملأ أعلى ينعكس على بصيرة الصوفي فيتذوقه ويحسه ويشهده ولا
مبادىء تلقى في الروع فيدركها الصوفي سارية في كيانه كله
لقد تحدثت عن سيدي عبد السلام بن مشيش كموجه ولا بد للسالك من موجه لا بد له من شيخ يقوده لا بد له من خبير يرشده
يقول الأستاذ رينيه جينو الفيلسوف الفرنسي المعروف
۸
ولا بد في التصوف من شرط جوهري هو التأثير الروحي أو بتعبير أدق البركة وهي لا تتأتى إلا بواسطة شيخ ومن هنا كانت
الطرق ومن هنا كانت السلسلة
وهل السلسلة إلا بركات تنتقل من شيخ إلى مريد يوشك أن يصبح
شيخاً فيؤثر بدوره في مريد أو مريدين ت هـ
ويعني الأستاذ رينيه جينو بالبركة السر الذي ينتقل من الشيخ إلى المريد حينما تلتقي يد المريد بيد شيخه معاهدا إياه على الاستقامة وإذا كان الأستاذ رينيه جينو يرى ضرورة الشيخ من أجل السر
فإن الإمام الرازي يرى ضرورة الشيخ لأن
من
سلك الطريق وعرف مراحلها ومنازلها واطلع على متالفها
ومعاطبها أمكنه إرشاد الغير إلى سواء السبيل والإخبار عن كيفية تلك
الأحوال على الفصيل ا هـ
إلام تستمر مهمة الشيخ
إنها تستمر إلى أن يرتبط السالك بالسماء إلى أن يشرق عليه الملأ الأعلى إلى أن يتمكن في المجال الروحي ومن هنا كان طبيعياً أن يقول أبو الحسن - وقد سئل عن شيخه ـ أما فيما مضى عبد السلام بن مشيش
فكان سيدي
وأما الآن فأستقي من عشرة أبحر خمسة سماوية وخمسة أرضية أما السماوية فجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والروح وأما الأرضية
فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والنبي اهـ
وليس معنى ذلك انفصال المريد عن شيخه انفصالاً تاماً وإنما
۹
معنی
ذلك أن الشيخ رأى بنور الله أن تلميذه قد قطع الطريق وأنه أصبح جديراً بأن يرشد السالكين إلى الله فيأذن له بالإرشاد ويبارك خطواته وتوجيهاته في الدعوة إلى الله ويشرق بذلك في العالم نور جديد ويتألق في سماء الروح كوكب مشرق وتسعد الإنسانية بهاد إلى الله ويغني التراث الروحي للإنسانية بإشراقات جديدة قريبة العهد من الله
-۳-
أن
أما الأمر أو الأمور التي أريد أن أختم بها هذه المقدمة فهي حياة أبي الحسن الشاذلي حينما يتأملها أي إنسان فإنه سيجد فيها ما يصحح الأفهام الخاطئة الشائعة عن التصوف لقد أشاع الماديون على اختلاف ألوانهم كثيراً من الأباطيل ضد التصوف وأخذوا يروجون لها في كل مكان وبكل وسيلة فتعلقت بأذهان كثير ممن لم يصادفهم التوفيق في الوصول إلى صورة صحيحة عن التصوف
۱ - من ذلك مثلاً ما أذاعه ويذيعه الماديون من أن التصوف والكفاح أو التصوف والعمل ضدان لا يجتمعان أو من أن التصوف والتواكل صنوان مؤتلفان وحياة أبي الحسن ـ وهي تمثل التصوف الصحيح - تهدم ذلك
لقد كان عاملاً في الزراعة صاحب حقول وزرع وحصيد
ودرس معنياً بتربية ما تحتاج إليه الزراعة من ثيران وماشية وعنى عناية شديدة بأمر المسلمين في حروبهم حتى لقد كان في قلب المعركة وفي ميدان الحرب مع الجيش والجند عاملاً
دائماً
ومشجعا
۳۰
وسعى
جاهداً
وعنى عناية شديدة بقضاء مصالح المسلمين الضعفاء والمساكين في أن ييسر لهم - بتوفيق الله ما تعسر ويحل لهم ما ويفرج من كرباتهم مهما لاقى في سبيل ذلك من عنت حاكم أو عدم مبالاة صاحب جاه
تعقد
٢ - وأشاع الماديون أن التصوف والعلم لا يجتمعان أو أن التصوف والجهل صديقان
وتلك فرية أيضاً تهدمها حياة أبي الحسن وحياة الغزالي وحياة هؤلاء الصوفية الذين بلغوا في العلم الذروة والسنام وكانوا من الكثرة بحيث لا يكاد يحصيهم المؤرخون مهما بالغوا في الاستقصاء والبحث ـ وأشاع أصحاب الطبائع الكثيفة هؤلاء الحسيون المغرقون في التصور الحسي أن الصوفية لا يتابعون الكتاب والسنة ومن أجل الرد
على هؤلاء عقدنا فصلاً خاصاً عن ذلك يهدم زيفهم وأباطيلهم - ثم لقد كان أبو الحسن أنيقاً في ملبسه والله جميل يحب الجمال وكان لا يتزمت في مأكله ومشربه ما دام حلالا طيباً والله
سبحانه وتعالى يقول عن الملبس والمطعم
قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق
قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة والتصوف في النهاية هو الاسترسال مع الله على ما يريد وهو متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم على ما يحب هذا باعتباره وسيلة وطريقاً وهو قرب من الله ومشاهدة التوحيد باعتبار الغاية
ويلخص هذا وذاك شارحاً الطريق والغاية وراسماً حياة كل صوفي
۳۱
الحديث القدسي الذي نختم به هذا الكتاب وقد رواه إمام المحدثين أبو عبد الله البخاري في أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى وهو عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه
عن ربه
من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته ولئن
استعاذ
لأعيذنه بي
هذا وبالله التوفيق
11 من ربيع الأول سنة ۱۳۸۷ - ١٩ يونية سنة ١٩٦٧
۳
الباب الثاني
العارف بالله
الشيخ عبد الواحد يحيى
والله الرحمن الرحيم
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَيْكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ في الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيَ أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تدعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيُّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّنَهَا إِلَّا ذُو حَظِّ عَظِيمٍ ١
۱ سورة فصلت الآية ٣٠ ٣٥
٢٣٤
مقدمة
كيف عرف عبد الواحد يحيى
إني لأذكر ذلك اليوم المشمس الجميل من شهر يونيو سنة ١٩٤٠ فقد صحوت من نومي مبكراً أتأهب لخوض غمار معركة علمية هي مناقشة رسالة الدكتوراة في جامعة السربون سرت في طريقي ميمما شطر الجامعة وكنت أينما ألتفت لا أجد إلا وجوهاً يجللها الوجوم ونفوساً يعروها الذعر ويطاردها الخوف فقد كان الألمان يحثون الخطى إلى قلب باريس ويدكون في عنف كل ما يعترضهم من قلاع وحصون ولكنني كنت مشغولاً عن هذا كله بما يتردد في نفسي ويجول بذهني من اعتراضات ستلقى ونقد سيوجه ووصلت إلى فناء السربون أجد صديقي بول ريفوليتي - وهو من الروس البيض الذين هاجروا إلى باريس - ينتظرني وبيده كتاب هو صوفية دانت وطلب إلى أن أوصله إلى الشيخ عبد الواحد يحيى في مصر إذ كان من المقرر أن أسافر غداة ذلك اليوم الذي تناقش فيه رسالتي حاولت أن
فإذا
عندي
بي
أعرف من صديقي من هو الشيخ عبد الواحد يحيى فآثر الصمت
متعمداً
وانتهت المناقشة ومرت الأيام بخيرها وشرها وحلوها ومرها
۳۵
ووصلت في النهاية إلى القاهرة ولم يكد يستقر بي المقام فيها حتى يممت شطر ضاحية الدقى باحثاً عن الشيخ عبد الواحد وفي شارع نوال فيلا فاطمة طرقت الباب فأطلت الخادم التي أعطيتها الكتاب
وطلبت إليها أن تستأذن في مقابلة الشيخ ثم وقفت أنتظر الإذن بالدخول أجد الخادم مقبلة نحوي وبيدها مقعد من الخشب عليه مسحة بي الخشونة والشظف وتطلب إليَّ أن أنتظر هنيهة من الزمن
فإذا
وجلست أمام الباب في الشارع أنتظر الدقائق تمر والإنتظار يطول أرى الخادم مقبلة فأتهيأ للدخول ولكنها تطلب مني أن أنصرف اليوم غير مطرود وأحضر في الغد في الساعة الحادية عشرة فانصرفت متراخياً وفي نفسي دهشة وعلى وجهي شيء من طابع الخجل ومع ذلك فقد أثارت هذه الحادثة رغبتي في أن أرى هذا الشيخ الذي يضع الكرسي في الشارع للزائرين والذي يأمرهم بالإنصراف اليوم ليحضروا إليه في الغد
وحضرت من الغد في الموعد المضروب وكنت دقيقاً كالساعة وطرقت الباب وفي قلبي إشفاق وفي نفسي تطلع إلى الدخول ولم بأسعد منه في اليوم السابق فقد صرفت ولكن
يكن حظى في هذا اليوم لا إلى موعد يبعث في النفس الأمل بل أبلغت عن لسانه بأن أكتب إليه ما أريد وهو يتولى الرد على ما أحب
وانصرفت بعد أن أضعت يومين في محاولة لقائه لم أكتب إليه فلم يكن يهمني رده وإجابته بقدر ما كان يهمني لقاؤه ثم لم أكتب إليه أكتب إليه ومرت الأيام ولم يزل من نفسي هذا التساؤل من
وفيم
هو هذا الشيخ عبد الواحد يحيى
٢٣٦
وفي يوم من الأيام كنت أزور مسيو دي كومنين مدير البعثة العلمانية
الفرنسية بمصر وهو شخص له خطرة وأثره ومكانته في الأوساط المصرية وجرى الحديث على العادة في فنونه وشؤونه وإذا به يسألني هل أعرف رينه جينو فلما أجبت بالنفي أخذ يحدثني عنه وعن إسمه
الإسلامي عبد الواحد يحيى فحدثته بما كان بيني وبينه فرجاني أن أعود إلى محاولة لقائه من جديد وأن أستأذن له كذلك في لقائه ولكنني مع ذلك لم أجد في نفسي عزيمة تدفعها إلى إعادة المحاولة فقد كان الخشب لا يزال ماثلاً أمام ناظري ومرت الأيام أيضاً
الكرسي
وفي ذات يوم يحمل إلى البريد خطاباً من أستاذ جليل يقول فيه إن مسيو هيكتور ماديرو وزير الأرجنتين المفوض في مصر قد زاره بمكتبه ورجاه في أن يرشده إلى شخص يمكنه أن يتحدث معه عن الفلسفة الإسلامية والتصوف الإسلامي ولم أجد من يصلح لهذه المهمة سواك وطلب إلي أن أقابله
والتقيت بالوزير فكان أول ما يستفسر عنه أتعرف رينيه جينو ومر
بذهني مرة أخرى الكتاب والكرسي الخشبي وحديث مسيو دي كومنين وذكرت كل ذلك للوزير وقال الوزير
إنك قد وصلت إلى نقطة حاسمة هي معرفة بيته وفي هذا نصر عظيم إذ أن الصحفيين الفرنسيين والسويسريين وغيرهم يأتون إلى مصر فيجعلون من بعض مهامهم البحث عنه ويتجهون أول ما يتجهون نحو الأزهر وحي سيدنا الحسين أو السيدة زينب ولكنهم لا يعثرون له على أثر فيعودون وفي نفوسهم حسرة لأنهم لم يقضوا وطراً شهياً من
حي
زيارة مصر
۳۷
وصح منا العزم ذات أنا ومسيو ماديرو على أن نخترق يوم الحجاب المضروب بيننا وبين الشيخ عبد الواحد
لا أزال أذكر ذلك اليوم وكان يوم أحد حيث وقفنا أمام باب فيلا فاطمة ندق الجرس وبعد برهة إذا شيخ طويل القامة يكاد وجهه يضيء نورا عليه سمت المهابة وطابع الوقار والجلال تشع عيناه ذكاء وتنطق قسماته بالصلاح والتقى إذ بهذا الشيخ يفتح الباب بنفسه ويقف أمامنا وجهاً لوجه فألقينا إليه بالسلام فرد التحية ثم سألنا عن مقصدنا فأبلغه الوزير سلام أحد أصدقائه فما إن سمع اسم صديقه أذن لنا بالدخول ودخلنا والتزم الشيخ الصمت وقد كان من الممكن أن يكون الموقف حرجاً لولا دبلوماسية الوزير الذي أخذ يتحدث ويتحدث ذاكراً آراء الشيخ عبد الواحد مثنياً عليها مشيراً إلى دقتها كل ذلك والشيخ عبد الواحد صامت لا يكاد ينبس ببنت شفة وانتهت الجلسة وطلبنا إليه أن يسمح لنا بأن نعود لزيارته مرة أخرى فأذن في تلطف وفي رقة وحين عدنا إلى المفوضية بعد لقائه قال الوزير لعقيلته متبسطاً
حتى
لقد قابلنا اليوم شخصية هامة جداً فمن تظنين
أحد الوزراء
أعظم
- رئيس الوزراء
أعظم
- ملك
أعظم
- ربنا
۳۸
إنه على كل حال شخصية إلهية إنه رينيه جينو فقالت في دهشة واستغراب أحقاً يا لكما من سعيدين وعدنا وتكررت الزيارة وتحدث الشيخ عبد الواحد وأفاض في الحديث وذكر لنا أن عزلته هذه إنما هي عزلة بالنسبة للمتطفلين الذين لا يرغبون إلا في إضاعة الوقت بالأحاديث الشخصية التافهة ولكنه وقد
رأى فينا رغبة صادقة في المعرفة فليس بيننا وبينه إذن حجاب واستطعنا بعد ذلك أن نخرجه من وكره وأن نصحبه إلى مسجد السلطان أبي العلا في الليلة الكبيرة من مولده وجلسنا في حلقة من حلقات الذكر فأخذ يهمهم في نفسه ويهتز ثم أخذ كلامه يبين واهتزازه يشتد وإذا به يذكر مع الذاكرين في نبرة واضحة وفي هزة رتيبة ثم إذا به ينغمس في الذكر ويستغرق ولم أكد أنبهه بعد فترة حتى انتفض انتفاضة قوية خِلْتُ أنها انتفاضة العائد من آفاق قضية مجهولة وتتابعت الأيام وسافر الوزير ومات الشيخ عبد الواحد ولم يبق في
نفسي سوى الذكريات الجميلة
ثم هيا الله لي أن أطبع كتاب المنقذ من الضلال للإمام الغزالي فقدمت له بمقدمة في منطق التصوف جعلت من بعض فصولها تلخيصاً لمقال عن التصوف بقلم الشيخ عبد الواحد وقد نال هذا الفصل استحساناً كثيراً لدى القراء فشجعني ذلك على أن أستفيض نوعاً في
دراسة الشيخ فكان هذا الجزء وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه
أنيب
۳۹
الفصل الأول
قال ۱ صاحبي
جيد وجينو
تحدث مع جيد عن جينو فإنه كثيراً ما يلتقي الآن بمريد مشهور
هو السيد عبد الله
كنت على صلة بالسيد عبد الله فقد كان فرنسياً اعتنق الإسلام وكان ينتسب روحياً إلى جينو الذي كان يقيم حينئذ في القاهرة وكانا يتبادلان الرسائل دون انقطاع
كان جينو في القاهرة الحلقة المركزية على ما يقولون التي تصل الشرق بالغرب في الناحية الروحية وكنت أنا وزوجتي قد أخذنا بحظ وافر من الثقافة التي كتبها جينو وكنت معجباً بآرائه واستمر هذا الإعجاب على مر الزمن
لقد انتقل چيد وعبد الله وجينو من هذا العالم إلى حيث يلقون
۱ من حديث جرى في الجزائر بين الكاتب الفرنسي هنري سكو وبين أشهر كتاب فرنسا وأدبائها في العصر الحديث أندريه جيد نشرته مجلة فرنسا - آسيا
و باختصار
٢٤١
أما الله - عبد ربهم
وكان يسمى بالفرنسية جورج - فقد توفاه الله في مكناس توفاه الله صوفياً وحيداً مضطجعاً على فراش صلاته مسجى في ثيابه البيضاء وفي يده المسبحة
السماء
لقد
نائماً وجدوه على فراشه عیناه مسبلتان وسبابته تشير إلى
كان عبد الله في حياته يعيش عيشة الزاهد ويسير متواضعاً في ثيابه النظيفة الطاهرة كان متحدثاً لامعاً وكان لحديثه وهو ينساب من بين شفتيه في سهولة ويسر جاذبية لطيفة كان قد تعلم لغة الضاد وكان يفهم نصوصها في دقة ولم يكن على شيء من العجب أو الإدعاء الكاذب وكان يضم بين جوانحه الإيمان الحار والتواضع المثالي
قال
صاحبي تحدث مع چيد عن جينو وتحدثت
قال چید
إذا كان جينو على حق فإنه من الواضح أن كل آرائي تصبح
عديمة القيمة إنها تنهار انهياراً تاماً
فقال أحد الحاضرين
ويرافقها في الانهيار كثير من آراء أئمة الفكر آراء الفيلسوف منتنی مثلا
فاستغرق چيد في التفكير وبدا عليه عدم الرضا بهذا الاحتمال
بل بدا عليه القلق ثم أعلن في صراحة
- إنني حقاً لا أجد شيئاً قط أعترض به على ما كتبه جينو إن ما
كتبه لا يتطرق إليه النقض
٢٤٢
وساد المجلس صمت عميق ولم يجرؤ أحد على أن يتعرض لنقض ما أعلن چيد نفسه أنه لا ينقض بل بدا على وجوه القوم الرضا
بما قال جيد وإن كان ما قاله لم يكن متوقعاً
وقطع چيد الصمت بتصريح لم نكن أيضاً نتوقعه منه لقد قضى الأمر وبلغت من الكبر عتياً وتخطيت السن التي كان من الممكن أن يقلب الإنسان فيها حياته رأساً على عقب
وتابع حديثه
ثم إنني أحب الحياة أحبها في قوة وأحبها في تنوعها ولا أريد أن أحرم نفسي من متعها مختلفة الألوان لا أريد أن أضحي بكل ذلك في سبيل الوحدة الوحدة المبهمة اللامحدودة ۱
ومما كتبه جيد بقلمه في جرناله
إن السيد عبد الله الذي اعتنق الإسلام قد مهد لي الفرصة
لقراءة كتب جينو٢
ذاك
ماذا كنت أصير لو صادفت هذه الكتب في ريعان شبابي في الوقت الذي استغرقتُ فيه في قراءة طريقة للوصول إلى الحياة
۱ عن العدد ٨٠ من مجلة فرنسا - آسيا الخاص بجينو ألف جينو ما يقرب من سبعة عشر كتاباً بالفرنسية وقد ترجم منها الكثير إلى اللغة الإيطالية والإنجليزية وترجم منها إلى الإسبانية والبرتغالية والألمانية ومن الطريف أن كتابين من كتبه قد ترجما إلى لغة التبت ولأجل أن تنتشر ترجمتها في أكبر عدد ممكن وضعهما المترجم كشرح لوصية الدالاي لاماه الثالث عشر وكان الشرح - وهو الترجمة - يبتدىء بالعبارة قال لاما عظيم عربي ولم يدر بخلد أهل التبت شك في أن هذا اللاما العربي العظيم كان يشرح حقيقة وصية رئيسهم
الديني
٢٤٣
السعيدة في ذاك الوقت الذي كنت أنتبه فيه إلى دروس الفيلسوف فعشت هادئاً وديعاً
ولكن كتب جينو لم تكن قد ألفت حينئذ وإذا كانت موجودة الآن
فإن السن قد تقدمت بي
لقد قضي
الأمر ولم يعد في الإمكان عمل أي شيء
لم يعد في الإمكان الرجوع القهقري إلى سن الشباب المقدام لقد أصبح ذهني مجرداً عن المرونة وليس من السهل عليه أن بتقبل هذه الحكمة القديمة حكمة جينو إنني على مذهبي ديكارت وبيكون وسأظل كذلك
حقاً إن كتب جينو رائعة وإنه لعلى هدى فيما يتعلق بآرائه الخاصة بالنتائج السيئة للقلق الذي يسود العالم الغربي ولكن المخاطرة الخطرة الحضارة الحديثة التي ألقينا بنفسنا فيها مجازفين غير متحفظين هي أهل لأن نتحمل من أجلها ما تثيره لنا من متاعب ومع ذلك فإننا لا نستطيع الآن ولو حاولنا أن نعود إلى الوراء يجب أن نسير إذن فيما شرعنا فيه إلى الأمام وأن ننتهي به إلى غايته مهما كانت هذه الغاية انتهى باختصار
من هو جينو كيف كانت حياته وما هي آراؤه
ذلك ما سآخذ فيه الآن إن شاء الله
٢٤٤
حياة جينو
ولد جينو في بلدة بلوا۱ في ١٥ نوفمبر سنة ١٨٨٦ من أسرة فرنسية كاثوليكية محافظة كانت تعيش في يسر ورخاء فقد كان والده
مهندساً ذا شأن
وحياة جينو لا تتسم بحوادث معينة فقد كان هادئاً وديعاً وكانت تلوح عليه منذ الطفولة مخايل الذكاء الحاد وقد بدأ تعليمه في إقليمه الذي نشأ فيه وكان دائماً متفوقاً على أقرانه وانتهى به الأمر سنة ١٩٠٤ إلى نيل شهادة البكالوريا بعد أن نال جوائز عدة كانت تمنح للمتفوقين وفي هذه السنة سنة ١٩٠٤ سافر جينو إلى باريس لتحضير الليسانس ومكث عامين في الدراسات الجامعية ولكن باريس لم تدعه يستمر في دراسته المدرسية المحدودة فقد فتحت له أبواباً أخرى كلها لذة وكلها نعيم ولا نقصد لذة حسية أو نعيماً مادياً وإذا كانت باريس تمنح ذلك للماديين الحسيين فإنها تمنح لذة روحية ونعيماً وجدانياً لمن لم تغرهم الدنيا وزينتها
وقد كان جينو من هذا النمط الأخير كان متطلعاً إلى المعرفة المعرفة بمعناها الصوفي كان يتطلع إلى السماء يريد أن يخترق الحجب وأن يكشف القناع وأن يرفع المساتير وأن يصل إلى الحق وقد كان مثله إذ ذاك مثل الإمام الغزالي بالضبط ولو عبرنا عن حالة جينو لما وجدنا أبرع من حديث الإمام الغزالي عن نفسه إذ يقول ولم أزل في عنفوان شبابي - منذ راهقت البلوغ قبل بلوغ سن
۱ هي بلدة فرنسية على نهر اللوار على بعد ۱۷ ك م من باريس يبلغ عدد سكانها ٨٦٨٠٠ وهي شهيرة بصناعة البسكويت والشكولاتة وقد نشأ فيها كثير من المشاهير
٢٤٥
العشرين إلى الآن وقد أناف السن على الخمسين - أقتحم لجة هذا البحر العميق [بحر المعرفة وأخوض غمرته خوض الجسور لأخوض الجبان الحذور وأتوغل في كل مظلمة وأتهجم على كل مشكلة وأتقحم كل ورطة وأتفحص عن عقيدة كل فرقة واستكشف أسرار مذهب كل طائفة لأميز بين محق ومبطل ومتسنن ومبتدع لا أغادر باطناً إلا وأحب أن أطلع على بطانته ولا ظاهرياً إلا وأريد أن أعلم حاصل ظهارته ولا فلسفياً إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته ولا متكلماً إلا وأجتهد في الاطلاع على غاية كلامه ومجادلته ولا صوفياً إلا وأحرص على العثور على سر صفوته ولا متعبداً إلا وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته ولا زنديقاً معطلاً إلا وأتجسس وراءه للتنبه لأسباب جرأته في
تعطيله وزندقته
وقد كان التعطش إلى درك حقائق الأمور وأبي وديدني من أول أمري وريعان عمري غريزة وفطرة من الله وضعتا في جبلتي لا باختياري وجبلتي حتى انحلت عني رابطة التقليد وانكسرت على العقائد المورثة على قرب عهد سن الصبا
كانت تلك بالضبط حالة جينو ولقد أخذت باريس تشير إليه بالابتعاد عن الرسميات والشكليات وتقدم له الكثير من النواحي الثقافية الروحانية كانت باريس مفعمة بالمدارس مختلفة الألوان كان فيها الماسونية وكان فيها المدارس التي تنتسب إلى الهند أو إلى التبت أو إلى الصين كان فيها الروحانيون على إختلاف ألوانهم ومشاربهم ونزعاتهم بل كان فيها هؤلاء الذين يعالجون السحر والتنجيم والتصرف في العناصر وتحضير الأرواح
وترك فتانا التعليم الجامعي غير آسف عليه وأخذ ينهل من هذه
٢٤٦
المنابع المختلفة لقد انتسب إليها واتصل بها عن قرب وعرف ما
تهدف إليه بل ساهم في نشاطها ومنحته هذه المدارس درجاتها الكهنوتية السامية
عن
انفصاله
ولقد كانت صلته الوثيقة بهذه المدارس السبب المباشر في أغلبها فقد أدرك الطيب منها والخبيث وهدته بصيرته النقادة وهداه رأيه القويم إلى أن الكثرة الكثيرة من هذه المدارس إنما هي شكلية سطحية لا تصل بالإنسان حقيقة إلى معرفة ما وراء الطبيعة أو إلى اختراق حجاب المساتير فأخذ في الإنفصال عنها شيئاً فشيئاً
6
وما إن تخلص جينو من هذه النزعات حتى أنشأ سنة ۱۹۰۹ مجلة سماها المعرفة وهذه المجلة اتسمت بالطابع الذي كانت تسير عليه
مجلة أخرى سبقتها كانت تسمى الطريق وهو الطابع الصوفي
كان يساهم في إصدار مجلة الطريق ويشرف على منهجها عالم فرنسي اسمه شمبرينو
وقد اعتنق شمبرينو الإسلام وتسمى باسم عبد الحق واستمر يساهم في إصدار مجلة الطريق من سنة ١٩٠٤ إلى سنة ١٩٠٧ ثم لأسباب عدة انتهى إصدار المجلة وفي هذه الأثناء تعرف جينو بعبد الحق وساعد عبد الحق جينو في تحرير مجلة المعرفة وكانت المجلة تنشر الأبحاث عن الإسلام وعن الديانة الهندية وعن الديانة البوذية وكانت في الوقت نفسه تنتقد كل ما لا تراه مستقيماً في المدارس
التي
تنتسب إلى الروحانية
استمرت هذه المجلة إلى سنة ۱۹۱ وفي هذه السنة اعتنق جينو
الإسلام وتسمى باسم الشيخ عبد الواحد يحيى
٢٤٧
كيف اعتنق جينو الإسلام ولم أعتنقه وعلى يد من أسلم هذه أسئلة وضعها الغربيون وأخذوا يفترضون مختلف الفروض للإجابة عليها ولكن آراءهم لم تخرج عن أن تكون مجرد فروض ولقد قال جينو إنه اتصل بممثلي الأديان الشرقية عن طريق مباشر فكيف اتصل بهم - وبمن منهم اتصل ثم إن جينو أهدى أحد كتبه إلى الشيخ عبد الرحمن عليش فمن هو هذا الشيخ عبد الرحمن عليش
وكيف عرفه جينو وهل هو الذي هداه إلى الإسلام وكيف كل هذه الأسئلة كانت غامضة حتى ألقى عليها الأستاذ فسن الذي اعتنق هو الآخر الإسلام واتقن لغة القرآن - شيئاً من الضوء في بحث مستفيض نشر في عدد يناير - سنة ١٩٥٣ من مجلة إنيد ترادسيونل الفرنسية وهذا البحث نلخصه فيما يأتي
من تاريخ الحركة الصوفية في مصر
الشيخ عليش ۱ والشيخ عبد الواحد
إن الصلة بين الشيخ الأكبر سيدنا
محيي
الدين بن عربي وبين
1 أسرة الشيخ عليش أسرة مغربية أشهر رجالها هو الشيخ محمد عليش الكبير ١٢١٨ ۱۹۹ وقد درس الشيخ محمد عليش في الأزهر ثم جلس للتدريس به ١٢٤٥ هـ وكان يحضر عليه ما ينوف عن المائتين من الطلبة وقد تقلد مشيخة السادة المالكية والإفتاء بالديار المصرية سنة ۱۷۰ هـ وتذكر الخطط التوفيقة أنه كان في حال حياته مستغرقاً زمنه في التأليف والتدريس والعبادة متجافياً عن الدنيا وأهلها لا تأخذه في الله لومة لائم اهـ وقد ألف الكثير من الكتب في مختلف الفنون التي تدرس
بالأزهر
والطريف هو أن الشيخ عليش في ١ يونية سنة ۱۸۸ م خطب ممتدحاً والجيش الذي =
٢٤٨
الشيخ عبد الواحد بادية ظاهرة
ولقد اعتنق جينو الإسلام بواسطة شيخ ينتسب إلى روحانية الشيخ الأكبر أعني الشيخ عليش الكبير وهو الشخص الذي أهدى إليه جينو أحد كتبه في هذه العبارة إلى الذكرى المقدسة ذكرى الشيخ
عبد الرحمن عليش الكبير المالكي المغربي الذي أدين له بالفكرة الأولى لهذا الكتاب مصر القاهرة ١٣٢٩ - ١٣٤٧ هـ
صفته
وهذا الشيخ المصري يهمنا من ناحية أخرى لأنه فضلاً عن الصوفية السامية كان له صفة أخرى فلقد كتب جينو في أحد خطاباته يقول كان الشيخ عليش شيخ فرع من الطريقة الشاذلية وكان في الوقت نفسه شيخ المذهب المالكي بالأزهر
والشاذلية طريقة أسسها في القرن السابع الهجري الشيخ أبو الحسن الشاذلي وهو صورة من أروع الصور الروحانية في الإسلام كان الشيخ الذي ينتسب إليه جينو إذاً يجمع بين صفتين هما الحقيقة والشريعة كان شيخ طريقة وشيخ مذهب وهذا له أهميته بالنسبة لتلميذه فيما يتعلق بتقديرنا لآرائه من الناحية الإسلامية
خلص البلاد من الوقوع في أيدي الكفار وأثنى على رؤسائه وعلى وطنيتهم وكانت هذه الخطبة تتعارض كل المعارضة مع سياسة الخديوي توفيق ولكن الشيخ عليش لم
یبال به ثم أفتى الشيخ عليش بمروق الخديوي توفيق من الدين كمروق السهم من الرمية لخيانته دينه ووطنه وتلى الشيخ محمد عبده هذه الفتوى في الجمعية العمومية في ٢٢ يوليو سنة ١٨٨٢ هـ وكان الخديوي قد أصدر أمراً بعزل عرابي - وتداول الأعضاء في الموقف وفيما يجب عمله فاتفقت آراؤهم على عدم قبول عزل عرابي وقررت الجمعية وقف أوامر الخديوي وعدم تنفيذها
٢٤٩
ومما ينبغي ملاحظته في عناية أن هذا الشيخ هو الذي يدين له
جينو بالفكرة الأولى لكتابه رمزية الصليب وهكذا كان هذا الشيخ يفتح السبل أمام جينو ويهديه الطريق ولذلك ينبغي أن نعرف القراء بهذا الشيخ وبالواسطة التي كانت بينه وبين جينو والمعلومات التي سنتحدث عنها مصدرها مجلة عربية إيطالية كانت تصدر في القاهرة سنة ۱۹۰۷ تسمى النادي
محي
كانت الروح التي تسود هذه المجلة هي روح الشيخ الأكبر الدين وكانت هذه المجلة تعتبر طليعة لمجلات أخرى صدرت فيما بعد في فرنسا وساهم فيها جينو بحظ وافر وكان من ألمع محرري مجلة النادي - سواء ذلك قسمها العربي أو قسمها الإيطالي - هو عبد الهادي وعبد الهادي هذا من أصل لتواني فنلندي ونشأ مسيحياً وكان اسمه إيفان جوستاف ثم اعتنق الإسلام وتعلم العربية وأخذ يكتب في المجلة المقالات ويطبع فيها الرسائل الصوفية الإسلامية من مؤلفات الشيخ الأكبر ويترجم بعض النصوص وقد تحدثت هذه المجلة كثيراً عن الشيخ عبد الرحمن عليش ولقد كتب فيها الشيخ عليش نفسه مقالة خاصة بمحيي الدين بن عربي
وكان عبد الهادي على صلة شخصية طبعاً بالشيخ عبد الرحمن عليش قد أعطانا عنه معلومات نفيسة إنه يراه من أشهر رجال الإسلام ووالده من كبار جال المذهب المالكي أما هو نفسه فقد كان حكيماً عميق الحكمة وكان محترماً من الجميع سواء في ذلك الرجال العاديون أم الأمراء والسلاطين وكان شيخاً لكثير من الجماعات الدينية
C
من زعماء أنحاء العالم الإسلامي كان زعيماً من
المنتشرة في جميع الإسلام سواء في ذلك ما يتصل بالجانب الصوفي أو الجانب الفقهي
٢٥٠
أو الجانب السياسي ومع ذلك فقد ابتعد هو ووالده عن ألاعيب السياسة ومؤامراتها وكانت صفاتهما الكريمة وتقشفهما في الحياة ومعرفتها المستفيضة العميقة وحسبهما العريق كل ذلك سما بهما إلى مركز ممتاز في العالم الإسلامي بيد أنهما لم يعيرا ذلك التفاتاً والتزماً مرضاة
الله
أما شهرتهما بالتعصب التي لا أساس لها فقد كان مصدرها فتوى شهيرة كانت نتيجتها كما يقولون ثورة عرابي باشا سنة ۱۸۸ وفي هذه السنة سنة ۱۸۸ زج بالشيخين في السجن وحكم عليهما بالإعدام وقد مات الأب في السجن أما الشيخ عبد الرحمن فقد استبدل حكم الإعدام فيه بالنفي
ولكن الحظ السيء تابعه في منفاه كانت شهرته وكان حسبه ونبله الذاتي كان كل ذلك من عوامل الشك فيه واتهم في حماقة بأنه يتطلع إلى إقامة الخلافة الإسلامية لحسابه أو لحساب سلطان مراكش فوضع في السجن من جديد ولكن وضعه في السجن هذه المرة كان بناء عن أمر أمير مسلم
ومكث عامين في زنزانة لا تطاق حيث العفونة والروائح الكريهة وغير ذلك مما تضيق به النفس ولأجل بعث الرعب في نفسه كانوا يتعمدون أن يقتلوا أمامه بعض من حكم عليهم بالإعدام ثم أخرج من
السجن ونفى إلى رودس
ولقد أقام أيضاً في دمشق حيث التقى بعدو الفرنسيين العتيد الأمير عبد القادر الجزائري فتألفت بينهما صداقة وطيدة كان من أسسها الحب القوي في نفسيهما للشيخ الأكبر الذي كان الأمير يكرس
٢٥١
وقته في أخريات حياته لدراسته وحمله إعجابه به على أن يمول الطبعة الأولى لكتاب الفتوحات المكية ذلك الكتاب الذي تبلغ صفحاته حوالي ٢٥٠٠ ولما مات الأمير كفنه الشيخ وصلى عليه ودفنه في الصالحية بجوار مقبرة الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي وأصدرت الملكة فيكتوريا العفو عن الشيخ فعاد إلى مصر وأقام في القاهرة وأخذ نوره ينبعث من القاهرة إلى جميع أقاليم العالم الإسلامي وكان يبتعد ويبعد تلاميذه عن جميع الصغائر وكان تأثيره قوياً إلى درجة أنه حينما تلتقي برجل شرقي ترى فيه سمو الأخلاق وسعة المعرفة فيجب أن تعلم أنه شاذلي والشاذلية ١ لا شك مدينة في احتفاظها بالمثل العليا للسنة التي أقامها أبو الحسن الشاذلي إلى السمو الروحي للشيخ عليش
وقد نشرت مجلة النادي مقالة للشيخ عليش عن محيي الدين وقد اختتمها بشكره لعبد الهادي بسبب ما أداه للحضارة من خدمة جليلة هي تعريف الناس بمحيي الدين ثم ينتهي الشيخ بأن يحث عبد الهادي على يستمر في متابعة دراساته الصوفية غير معنى بما يثيره حوله بعض من لم يفهموا الإسلام على حقيقته
أن
وما إن نشرت مقالة الشيخ في المجلة حتى أعلن في العدد التالي أنه تألفت جمعية في إيطاليا وفي الشرق لدراسة ابن عربي وسميت الأكبرية ووضعت منهاجاً هو التالي
۱ - دراسة ونشر تعاليم الشيخ محيي الدين سواء ما يتصل منها - بالشريعة وما يتصل بالحقيقة والعمل على طبع مؤلفاته ومؤلفات
۱ هذا رأي عبد الهادي ورجال التصوف الحقيقيون كلهم خير وكلهم بركة
٢٥٢
تلاميذه وشرحها وإلقاء محاضرات خاصة به وأحاديث تشرح آراءه - جمع أكبر عدد ممكن من محيي الشيخ ابن عربي وعقد صلة قوية بينهم تقوم على الأخوة وتؤسس على الترابط الفكري بين النخبة المختارة من الشرقيين والغربيين
- تقديم المساعدة المادية والتشجيع الأدبي لمن هم في حاجة إلى ذلك ممن يتبعون الطريق الذي اختطه محيي الدين بن عربي وعلى الخصوص هؤلاء الذين ينشرون دعوته بالقول أو بالعمل
٤ ـ ولا يقتصر عمل الجمعية على ذلك بل يتعداه أيضاً إلى دراسة مشايخ الصوفية الشرقيين كجلال الدين الرومي مثلا بيد أن مركز الدائرة يجب أن يستمر ابن عربي
ه ـ ولا صلة للجماعة قط بمسائل السياسة مهما كان مظهرها إذ
أنها لا تخرج عن دائرة البحث في الدين والحكمة
وبدأ عبد الهادي ينشر دراساته الصوفية وقد ساعده الحظ فوجد
حوالي عشرين رسالة لابن عربي مخطوطة نادرة الوجود نفيسة القيمة فأخذ في تحليلها ولكن المجلة للأسف لم تسلم من شر أعداء التصوف فقضي عليها ورأى عبد الهادي متابعاً لإشارة الشيخ عليش أن يحاول إقامة صلة روحية بين الشرق والغرب فسافر إلى فرنسا حيث التقى بجينو وكان جينو إذ ذاك يصدر مجلة باسم المعرفة فأخذ عبد الهادي في سنة ١٩١٠ يساهم فيها بجد ونشاط لقد نشر فيها أبحاثاً ولكنه نشر فيها على الخصوص ترجمة كثير من النصوص الصوفية إلى اللغة الفرنسية وأثمرت مرافقته لجينو أن عقد بينه وبين الشيخ عليش صلة
۰۳
قوية متينة عن طريق تبادل الرسائل والآراء وكانت النتيجة أن اعتنق جينو الإسلام سنة ۱۹۱ بعد أن درسه دراسة مستفيضة
وقامت الحرب سنة ١٩١٤ فأوقفت كل نشاط يتصل بالدين والروح
والفكر وسافر عبد الهادي إلى اسبانيا وهناك في بلدة برشلونة توفاه
الله سنة ۱۹۱۷
وحمل جينو راية الجهاد فاستمر يبني على ما أسسته الأكبرية تلك الجماعة التي تنهج نهج الشيخ الأكبر محيي ا الدين بن عربي والواقع هو أن الذي وجه جينو هذه الوجهة هو الشيخ عليش والشيخ عليش إنما كان مرآة تعكس صورة الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي وهو أسمى مظهر للتصوف الإسلامي والعقيدة الإسلامية وإذا كان الشيخ عليش مالكياً محافظاً فإن تصوفه لا يخرج عن التعاليم الإسلامية وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة له فإنه كذلك أيضاً بالنسبة
لتلميذه جينو
عودة إلى حياة جينو
وفي السنة التي اعتنق جينو فيها الإسلام وتسمى باسم الشيخ عبد الواحد يحيى أعني سنة ۱۹۱ تزوج من فتاة فرنسية من إقليمه وفي هذه السنة نفسها توقفت مجلة المعرفة عن الصدور فأخذ الشيخ عبد الواحد يكتب في مختلف المجلات أخذ يكتب عن انحراف الماسونية فأثار سخط الماسونيين وأخذ يكتب عن انحراف البروتستانتينية فأثار سخط البروتستانتيين وانتقد الروحانية المزيفة أني وجدت فغضب منه الذين ينتسبون إلى الروحانية الحديثة
٢٥٤
وفي سبتمبر سنة ١٩١٧ عين الشيخ أستاذاً للفسلفة في الجزائر فقضى فيها عاماً عاد بعده إلى فرنسا وعين في مدرسة بلدته ولكنه استقال بعد عام قضاه في التدريس ليتفرغ لأبحاثه وكان من ثمرة هذا
التفرغ
أن نشر في سنة ١٩٢١ كتابين هما
۱ - مدخل لدراسة العقائد الهندية
٢ - التيوزوفية تاريخ دين مزيف
وتوالى نشر كتبه وتوالت مقالاته في مختلف الجرائد وفي سنة ۱۹٥ فتحت له مجلة قناع إيزيس صدرها فأخذ يكتب فيها وانتهى به الأمر في سنة ۱۹۹ أن أصبح أهم محرر بها ذلك أنه رفض ما عرضته عليه المجلة من رئاسة التحرير
ومن بين من التفوا حوله في تحرير المجلة العالم الضليع الأستاذ شون الذي ألف كتاباً بالفرنسية من بينها كتاب عين القلب وقد اعتنق هذا العالم الإسلام أيضاً وهو يدين رغم أصالته وعبقريته إلى جينو بكثير من اتجاهاته
ثم عرض بيت من بيوت النشر في باريس على الشيخ عبد الواحد أن يسافر إلى مصر ليتصل بالثقافة الصوفية نصوصاً منها ويترجم
بعضها فقبل العرض
وفي ٢٠ فبراير سنة ۱۹۳۰ سافر إلى مصر لهذا الغرض وكان المفروض أن يقضي فيها بضعة أشهر فقط ولكن هذا العمل اقتضاه مدة طويلة ثم عدل بيت النشر عن مشروعه فاستمر الشيخ عبد الواحد يحيى في القاهرة يعيش في حي الأزهر متواضعاً مستخفياً لا يتصل
٢٥٥
بالأوروبيين ولا ينغمس في الحياة العامة وإنما يشغل كل وقته
بدراساته
كانت والدته وزوجه ووالده قد توفاهم الله قبل حضوره إلى القاهرة فحضر إليها وحيداً ووجد الكثير من المشاق في معيشته منفردا فتزوج في سنة ١٩٣٤ كريمة الشيخ محمد إبراهيم فمهدت له حياة من الطمأنينة والهدوء وانتقل بها من حي الأزهر إلى حي الدقي واستمر يرسل المقالات إلى فرنسا وينشر الكتب مستريحاً إلى عطف زوجته ورعايتها ورزقه الله بفتاتين سمى إحداهما خديجة والأخرى ليلي ورزقه بولد سماه أحمد كان له قرة عين وبعد وفاته بأربعة أشهر أتت زوجه بولد سمته عبد الواحد
ولقد حاول الشيخ عبد الواحد بمجرد وصوله إلى القاهرة أن ينشر فيها الثقافة الصوفية فساهم مالياً وأدبياً في إخراج مجلة المعرفة وقد بدأت المجلة وعليها طابع التصوف ولكنها فيما يبدو لم تجد الإقبال المنتظر فأخذت تتسم شيئاً فشيئاً بالطابع الأدبي ثم توقفت عن
الصدور بعد ثلاث سنوات من حياتها
ومكث الشيخ عبد الواحد في القاهرة يؤلف الكتب ويكتب المقالات ويرسل الخطابات إلى جميع أنحاء العالم كان حركة دائمة حركة فكرية وروحانية ترسل بسنائها إلى كل من يطلب الهداية والرشاد واستمر هكذا إلى أن أتاه المصير المحتوم في ٧ يناير سنة ١٩٥١ تحيط به أسرته الكريمة وبجواره السيدة فلنتين دي سان بوان تلك السيدة العظيمة التي أقامت في القاهرة منذ سنة ١٩٢٤ واستقبلت الشيخ عند حضوره واستمرت صديقة له طيلة إقامته بالقاهرة ثم ودعته الوداع الأخير
٢٥٦
كانت هذه السيدة أديبة مشهورة وصحفية لامعة ولا عجب في ذلك فقد كانت من أسرة لامرتين وقد اعتنقت الإسلام وناضلت عنه جزاها الله خير الجزاء
ولقد وصف الكاتب المشهور أندريه روسو - حيث كان في القاهرة إذ ذاك - جنازة الشيخ عبد الواحد فكتب في جريدة الفيجارو الفرنسية
يقول
شیعت جنازته في اليوم التالي لوفاته فذبح تحت نعشه كما هي العادة كبش وأسيل دمه على عتبة المنزل وسار في الجنازة زوجه وأطفاله الثلاث واخترقت الجنازة البلدة إلى أن وصلت إلى مسجد سيدنا الحسين حيث صلى عليه ثم سارت الجنازة إلى مقبرة الدراسة لقد كانت جنازة متواضعة مكونة من الأسرة ومن بعض الأصدقاء ولم يكن فيها أي شيخ من مشايخ الأزهر ودفن الشيخ عبد الواحد في مقبرة أسرة الشيخ محمد إبراهيم
وكان آخر ما قال لزوجه كوني مطمئنة سوف لا أتركك قط حقيقة أنك لا ترينني ولكنني سأكون هنا وسأراك
ويضيف روسو والآن حينما لا يلتزم أحد أطفالها الهدوء فإنها تقول له كيف تجرؤ على ذلك مع أن والدك ينظر إليك فيلتزم الطفل السكون في حضرة والده اللامرئي
وفي ٩ يناير وصل إلى باريس برقية تعلن وفاة رينيه جينو
الفيلسوف والمستشرق الفرنسي
وما أن وصلت هذه البرقية حتى أخذت الصحف والمجلات تنشر مختلف المقالات عن الشيخ تحت عناوين مختلفة منها حكيم كان
٢٥٧
يعيش في ظل الإهرامات فيلسوف القاهرة أكبر الروحانيين في
العصر الحديث
ووصفوه بالبوصلة المعصومة وبالدرع الحصين ثم خصصت له مجلة إتيد تراد سيونل عدداً ضخماً كتب فيه الكثيرون من كتاب فرنسا أروع المقالات
وكذلك خصصت له مجلة - فرنسا - آسيا - عدداً ضخماً كتب فيه كذلك كثير من الكتاب الفرنسيين ولكن جينو كان عالمياً ولذلك أوسعت المجلتان صدرهما لكتاب الألمان والأنجليز وغيرهم من غربيين وشرقيين فكتبوا المقالات المستفيضة التي تناولت آثاره بالتحليل والتقدير وأخيراً خصه الكاتب الفرنسي الشهير پول سران بكتاب خاص
تناول فيه نواحيه المتعددة مبدياً إعجابه العظيم وتقديره السامي
ولكن ما كتب عنه لم يكن كله من هذا النمط فقد كان هناك أعداؤه كان هناك الماسونيون المنحرفون وكان هناك المسيحيون الحانقون وكان هناك المشايعون لهذه الحضارة المادية التي هاجمها جينو ولعنها في غير ما رأفة أو رحمة وقد كتب هؤلاء كلهم ضد جينو واحتدم الخلاف بين أنصاره وأعدائه وكانت النتيجة من ذلك كله خيراً وبركة فقد حث ذلك الكثيرون على قراءة كتب جينو وفي قراءته الخير كل الخير وكانت النتيجة المباشرة لذلك كله أن اضطربت وتهافتت حجج المبشرين ضد الإسلام وأخذ الإسلام يغزو أوروبا في بعض أفراد من طبقتها المثقفة وتكونت الجمعيات في فرنسا وسويسرا تريد أن تنهج نهج الشيخ عبد الواحد وتسير على منواله ولا يتأتى أن نترك المجال دون أن نذكر بعض ما سبق أن كتبناه
عن الشيخ
٢٥٨
ما يلي
لقد كتبنا عنه في الكتيب الذي نشرناه بعنوان أوروبا والإسلام
أما الذي كان إسلامه ثورة كبرى هزت ضمائر الكثيرين من ذوي البصائر الطاهرة فاقتدوا به واعتنقوا الإسلام وكونوا جماعات مؤمنة مخلصة تعبد الله على يقين في معاقل الكاثوليكية في فرنسا وفي سويسرا فهو العالم الفيلسوف الحكيم الصوفي رينيه جينوا الذي يدوي اسمه في أوروبا قاطبة وفي أمريكا والذي يعرفه كل هؤلاء الذين يتصلون اتصالاً وثيقاً بالدراسات الفلسفية الدينية في أوروبا أو في
أمريكا
وكان سبب إسلامه بسيطاً منطقياً في آن واحد
لقد أراد أن يعتصم بنص مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلم يجد - بعد دراسة عميقة - سوى القرآن فهو الكتاب الوحيد الذي لم ينله التحريف ولا التبديل لأن الله تكفل بحفظه وحفظه حقيقة إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ
لم يجد سوى القرآن نصاً مقدساً صحيحاً فاعتصم به وسار
تحت لوائه فغمره الأمن النفساني في رحاب الفرقان
ومؤلفاته كثيرة مشهورة من بينها كتاب أزمة العالم الحديث بين فيه الانحراف الهائل الذي تسير فيه أوروبا الآن والضلال المبين الذي
أعمى الغرب عن سواء السبيل
أما كتابه الشرق والغرب فهو من الكتب الخالدة التي تجعل كل شرقي يفخر بشرقيته وقد رد فيه إلى الشرق اعتباره مبيناً أصالته في الحضارة وسموه في التفكير وإنسانيته التي لا تقاس بها مادية الغرب
٢٥٩
وفساده وامتصاصه للدماء وعدوانه الذي لا يقف عند حد وظلمه المؤسس على المادية والاستغلال ومظهراً في كل صفحة من صفحاته نبل الشرقيين وعمقهم وفهمهم للأمور فهماً يتفق مع الفضيلة المبادىء الإنسانية !
ومع أسمى
وقد كتبنا عنه تقريراً لإحدى جامعاتنا المصرية للتعريف به ننشره
فيما يلي
رينيه جينو من الشخصيات التي أخذت مكانها في التاريخ يضعه المسلمون بجوار الإمام الغزالي وأمثاله ويضعه غير المسلمين بجوار أفلوطين صاحب الأفلاطونية الحديثة وأمثاله
قدر
وإذا كان الشخص في بيئتنا الحالية لا يقدر التقدير الذي يستحقه إلا بعد وفاته فقد كان من حسن حظ رينيه جينو أنه أثناء حياته وقدر بعد وفاته أما في أثناء حياته فكان أول تقدير له أن حرمت الكنيسة قراءة كتبه والكنيسة لا تفعل هذا إلا مع كبار المفكرين الذين تخشى خطرهم وقد وضعته بذلك بجوار عباقرة الفكر الذين اتخذت تجاههم نفس المسلك ولكنها رأت في رينيه جينو خطراً يكبر كل خطر سابق فحرمت حتى الحديث عنه
وإذا كان هذا تقديراً سلبياً له قيمته فهناك التقدير الإيجابي الذي لا يقل في أهميته عن التقدير السلبي فهناك هؤلاء الذين استجابوا لدعوة رينيه جينوا فألفوا جميعات في جميع العواصم الكبرى في العالم وعلى الخصوص في سويسرا وفي فرنسا والمكونون لهذه الجميعات احتذوا حذو رينيه جينو فاتخذوا الإسلام ديناً والطهارة والإخلاص وطاعة الله شعاراً وديدناً ويكونون وسط هذه المادية
٢٦٠
السابعة وهذه الشهوات المتغلبة واحات جميلة يلجأ إليها كل من أراد الطهر والطمأنينة
ومن التقدير الإيجابي أيضاً أن كتبه رغم تحريم الكنيسة لقراءتها قد انتشرت في جميع أرجاء العالم وطبعت المرة بعد الأخرى وترجم الكثير منها إلى جميع اللغات الحية الناهضة ما عدا العربية للأسف الشديد
ومن الطريف أن بعض الكتب ترجم إلى لغة الهند الصينية
ووضعت كشرح للوصية الأخيرة من وصايا الدالاي لاما ولم يكن يوجد في الغرب شخص متخصص في تاريخ الأديان إلا وهو على علم
بآراء رينيه جينو
كل هذا التقدير كان في حياته
جميع
صحف
أما بعد مماته فقد زاد هذا التقدير لقد كتبت عنه العالم ومنها بعض الصحف المصرية العربية كالمصور مثلا الذي كتب عنه في استفاضة والصحف الإفرنجية أيضاً كمجلة ايجيبت نوفل التي أخذت تكتب عنه عدة أسابيع ثم أخذت تكتب عنه كل عام في ذكرى وفاته وقد خصصت له مجلة فرنسا آسيا وهي مجلة محترمة عدداً ضخماً كتب فيه كبار الكتاب الشرقيين والغربيين وافتتحته بتقدير شاعر فرنسا الأكبر أندريه جيد لـ رينيه جينو وقوله في صراحة لا لبس فيها إن آراء رينيه جينو لا تنقض
وخصصت مجلة ايتود تراديسيونيل وهي المجلة التي تعتبر في الغرب كله لسان التصوف الصحيح عدداً ضخماً من أعدادها كتب
٢٦١
فيه أيضاً كبار الكتاب الشرقيين والغربيين
ثم خصص له الكاتب الصحفي الشهير پول سیران كتاباً ضخماً تحدث فيه عن حياته وعن آرائه ووضعه كما وضعه الآخرون الذين كتبوا عنه في المكان اللائق به بجوار الإمام الغزالي أو الحكيم أفلوطين
نشأ رينيه جينو في فرنسا من أسرة كاثوليكية ثرية محافظة نشأ مرهف الحس مرهف الشعور مرهف الوجدان متجهاً بطبيعته إلى التفكير العميق والأبحاث الدقيقة وهاله حينما نضج تفكيره ما عليه قومه من ضلال فأخذ يبحث في جد عن الحقيقة ولكن أين هي أفي الشرق أم في الغرب وهل هي في السماء أم في الأرض
محيي
أين الحقيقة سؤال وجهه رينيه جينو إلى نفسه كما وجهه من قبل إلى نفسه الإمام المحاسبي والإمام الغزالي والإمام الدين بن عربي وكما وجهه من قبلهم عشرات من المفكرين الذين أبوا أن يستنيموا للتقليد الأعمى وتأتي فترة الشك والحيرة والألم الممض ثم يأتي عون الله وكان عون الله بالنسبة لـ رينيه جينوه أن بهرته أشعة الإسلام الخالدة وغمره ضياؤه الباهر فاعتنقه وتسمى باسم الشيخ عبد الواحد يحيى وأصبح جندياً من جنوده يدافع عنه ويدعو إليه ومن أمثلة ذلك ما كتبه في كتابه رمزية الصليب تفنيداً للفرية التي تقول إن الإسلام انتشر بالسيف ومن أمثلة ذلك أيضاً ما كتبه في العدد الخاص الذي أصدرته مجلة كايية دي سود في عددها الخاص بالإسلام والغرب دفاعاً عن الروحانية الإسلامية لقد أنكر الغربيون روحانية الإسلام أو قللوا من شأنها وأشادوا
٢٦٢
بروحانية المسيحية وأكبروا من شأنها ووضعوا التصوف المسيحي في
أسمى مكانة وقللوا من شأن التصوف الإسلامي
كتب الشيخ عبد الواحد يحيى مبيناً سمو التصوف الإسلامي وروعته وقارن بينه وبين ما يسمونه بالتصوف المسيحي أو الميستيسيسم وانتهى بأن هذا الميستيسيسم لا يمكنه أن يبلغ ولا عن بعد ما بلغه التصوف الإسلامي من سمو ومن جلال
على أن الشيخ عبد الواحد يحيى لم يشد بالإسلام فحسب وإنما كتبه وفي مواضع لا يأتي عليها الحصر بالشرق ثم
أشاد في جميع
خصص
كتاباً ضخماً بعنوان الشرق والغرب تزيل قراءته من نفس كل
شرقي مركب النقص الذي غرسه الاستعمار في نفوس الشرقيين في هذه
السنوات الأخيرة
لقد دأب الاستعمار على أن يغرس في نفوس الشرقيين أنهم أقل
حضارة بل أقل إنسانية من الغربيين
وأتى الشيخ عبد الواحد فقلب الأوضاع رأساً على عقب وبين للشرقيين قيمتهم وأنهم منبع النور والهداية ومشرق الوحي والإلهام
كتاباً
إن كل شرقي يفخر بشرقيته بمجرد قراءته لهذا الكتاب هو ليس يشيد بالشرق على الأسلوب الصحفي أو على الطريقة الإنشائية وإنما هو كتاب علمي بأدق المعاني لكلمة علم وهذا وحده يكفي لأن يقيم الشرقيون مظاهر التكريم للشيخ عبد الواحد اعترافاً منهم
بالجميل والله الموفق
٢٦٣
الفصل الثاني
تصحيح أخطاء غربية عن الاسلام
تمهید
لقد أخذ المبشرون منذ زمن بعيد يختلقون الأباطيل ضد الإسلام
ولكنهم كانوا كناطح الصخرة يرتد عنها واهن القوى والله غالب على
أمره إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
لقد اتهم المبشرون الإسلام بأنه لا يثمر الروحانية العميقة فرد الشيخ عبد الواحد هذه الشبهة رداً عنيفاً في فصل عن التصوف الإسلام مقارنا بينه وبين التصوف المسيحي وسنتحدث عنه فيما بعد
واتهم المبشرون الإسلام بأنه دين سيف لم ينتشر بالبرهان وإنما انتشر بحد الحسام وأرجفوا بأن الحضارة الإسلامية لم تتسم بالقوة الذاتية التي تجعلها تؤثر في أقاليم غير التي نشأت فيها ولذلك كانت حضارة إقليمية محلية لم تساهم في التقدم الإنساني
وكما رد الشيخ عبد الواحد على التهمة الأولى في أبحاثه عن التصوف الإسلامي فقد رد كذلك على التهمتين الأخيرتين بما لا يدع لأراجيف المبشرين مكاناً ونحن نذكر رده فيما يأتي
٢٦٥
-1-
ليس
الإسلام والسيف
تعود الغربيون أن ينظروا إلى الإسلام على أنه دين يتميز بطابعه الحربي وإذا ذكر السيف في النصوص الإسلامية فهمه الغربيون فهماً حرفياً ولم يتأت لهم قط أن يسألوا أنفسهم عما إذا كان له معنى آخر ومما لا شك فيه أن الإسلام لا يخلو من جانب حربي ولكن ذلك خاصاً بالإسلام فإنه يوجد في أكثر الأديان ويوجد في المسيحية إننا لا نريد في هذا المقام أن نذكر كلمة المسيح نفسه لم آت لأحمل إليكم سلاماً وإنما أتيت بالسيف لأنها قد تحمل محمل السخرية ولكن تاريخ المسيحية في العصور الوسطى أعني تلك العصور التي انتشرت فيها وازدهرت يقدم لنا الدليل الكافي على جانبها الحربي بل إن الديانة الهندية التي يأخذ عليها كثير من الناس أنها لا تدعو إلى العمل لا تخلو من الجانب الحربي الذي يتمثل في بعض نصوصها
إن أي شخص لم يعمه رأي فطير عن رؤية الحق من السهل عليه أن يفهم أن الحرب ما دامت موجهة ضد هؤلاء الذين يعبثون بالنظام الاجتماعي فإنها تعتبر مشروعة من أجل إعادة النظام واستتبابه إنها ليست إلا مظهراً من مظاهر العدل حينما يفهم العدل بمعناه الأعم لا بد إذن من الجانب الحربي في كل دين لتحقيق العدالة وإشاعة الأمن
ونشر الطمأنينة والنظام
ومع
ذلك فإن هذه النظرة إلى الحرب إنما هي النظرة الظاهرة الشكلية أما النظرة الحقيقية الباطنة فإنها تنظر إلى الحرب على أنها
٢٦٦
رمز للجهاد العنيف الذي يجب أن يقوم به الإنسان ضد أعدائه الذين بين جنبيه أعني ضد كل العناصر التي تعمل في داخله ضد النظام والوحدة وسواء كنا بصدد النظام في المجتمع أو بصدد النظام الروحي للشخص فإن الحرب يجب أن تتجه أيضاً وباستمرار إلى توطيد التوازن والتناسق
من أجل ذلك تعلقت حقيقة بالعدل - وإعادة الوحدة نوعاً ما مختلف العناصر التي تتعارض وتتصارع فيما بينها وهذا يرشد في وضوح إلى أن نتيجة الحرب الطبيعية هي الإنسجام
والعلة الوحيدة التي تبرر وجودها في الإسلام إنما هي السلام والسلام لا يتأتى حقيقة إلا بالاستسلام التام للمشيئة الإلهية الإسلام وأظن أننا لسنا في حاجة إلى أن نبين العلاقة الوثيقة في اللغة العربية بين كلمة الإسلام والسلام فإن ذلك من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تبيان وفي السنة الإسلامية يتمثل هذان المعنيان للحرب وتتمثل نسبة أحدهما إلى الآخر واضحة جلية في حديث شريف قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عند رجوعه من إحدى الغزوات وهو رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فالحرب المقدسة الخارجية هي الجهاد الأصغر بينما الحرب الداخلية حرب النفس هي الجهاد الأكبر وأهمية الجهاد الأصغر إذن تعتبر ثانوية بالنسبة لأهمية الجهاد الأكبر وفي مثل هذه الأحوال يكون من الطبيعي جداً أن ما يستعمل في الحرب الخارجية قد يتخذ رمزاً فيما يتعلق بالحرب الداخلية ويتمثل ذلك على الخصوص فيما يتعلق بالسيف
ومما ينبغي ملاحظته أن الخطيب أثناء خطبة الجمعة يمسك بيده سيفاً وإنه لمن الواضح أن الخطيب حينئذ ليس في حالة حرب بالمعنى
٢٦٧
العادي لهذه الكلمة على أن سيفه عادة يتخذ من خشب فلا يمكن
والحالة هذه إلا أن يكون رمزاً
إنه على الخصوص رمز لقوة تأثير الكلام في النفس
أما حدّاه فإنهما رمز للبناء والهدم بواسطة الأسلوب إن الخطيب يمكنه بالخطابة أن يقود المستمعين إلى الإيمان بفكرة أو أن ينفي من
رؤوسهم الإيمان بها
وهذه المعاني الرمزية للسيف لا توجد في الإسلام فحسب وإنما
وجدت في غيره من الديانات
والسيف أحياناً رمز للمحور وهذه الفكرة نفسها تذكرنا بالهدف الذي اتخذه الإسلام للحرب المقدسة سواء كانت داخلية أم خارجية أعني التناسق والإنسجام ومن البين الواضح أن المحور هو المكان الذي ينسجم عنده المتعارضون ويزول تعارضهم أو بتعبير آخر هو مكان التوازن الكامل وهو الوسط الذي لا يطرأ عليه التغير ومما ينبغي ملاحظته بالنسبة للإسلام أنه يفرق بين حرب و جهاد فإذا كان الأمر أمر مبادىء عليا أمر إعلاء كلمة الله فالواجب الجهاد أعني الحرب المقدسة الحرب من أجل الحق وذلك هو المشروع في الإسلام أما غير ذلك فإنه حرب وليس بجهاد وهكذا يرمز السيف في الإسلام إلى التوزان الاجتماعي العدالة وإلى سيطرة الإنسان على أهوائه الجهاد الأكبر وإلى وجوب انسجام الفرد والمجتمع في وحدة لا تعارض فيها كوحدة المحور الذي لا يعتريه قط التغير إن ما سبق إنما هو جمع لبعض الملاحظات التي كان من الممكن أن نتوسع فيها ونتعمق ولكنها على ما هي عليه تبين في وضوح أن
٢٦٨
الذين لا يفهمون من معنى السيف في الإسلام إلا المعنى المادي بعيدون كل البعد عن الحقيقة
-Y-
أثر الثقافة الإسلامية في الغرب
إن كثيراً من الغربيين لم يدركوا قيمة ما اقتبسوه من الثقافة الإسلامية أو يفقهوا حقيقة ما أخذوه عن الحضارة العربية في القرون الماضية بل ربما لم يدركوا منهما شيئاً مطلقاً وذلك لأن الحقائق التي تلقى إليهم حقائق مشوهة حظها من الصحة قليل فإنها تبالغ كل
الحط المبالغة في من شأن الثقافة الإسلامية والتقليل من قدر المدنية
العربية كلما أتاحت الظروف لأصحابها ذلك ويلاحظ أن دراسة التاريخ في المعاهد الغربية لا توضح هذا التأثير بل إن الحقائق تناولتها يد التحوير والتحريف قصداً في كثير من الحوادث عظيمة الشأن جليلة الخطر مثال ذلك ما هو شائع معروف من أن أسبانيا ظلت تحت الحكم الإسلامي عدة قرون بينما لا يذكر التاريخ الغربي قط أن صقلية والجزء الجنوبي الحالي لفرنسا كانا تحت الحكم الإسلامي أيضاً وربما عزا البعض هذا الإهمال من المؤرخين إلى تعصبهم الديني ولكن ما هي حجة المؤرخين المعاصرين - وغالبهم لا ديني - في موافقتهم أسلافهم في قلب الحقائق لهذا ينبغي أن ندرك مقدار زهو الغربيين وكبريائهم مما منعهم عن إدراك الحقائق الصحيحة ومقدار ما مدينون به للشرق والأغرب من ذلك كله أنه بينما يعتبر الأوروبيون أنفسهم الورثة المباشرين للمدنية اليونانية القديمة فإن الحق يدحض زعمهم هذا إذ أن الواقع المعروف من التاريخ نفسه يثبت لنا أن
هم
٢٦٩
علوم اليونان وفلسفتهم لم تنتقل إلى الأوروبيين إلا بواسطة المسلمين وبعبارة أخرى لم تصل المخلفات العقلية لليونانيين إلى الغرب إلا بعد أن درسها الشرق ولولا علماء الإسلام وفلاسفتهم لظل الغربيون جاهلين بتلك العلوم زمناً طويلاً بل ربما لم يدركوها كلية وينبغي أن نلاحظ أننا نبحث هنا عن مقدار تأثير الحضارة الإسلامية لا العربية فحسب كما يختلط على البعض أحياناً وذلك لأن معظم من حاولوا نقل هذه الثقافة الإسلامية لم يكونوا من العرب الخلص وإذا كانت لغتهم عربية فإن ذلك ناتج عن تأثرهم بدينهم الإسلامي وما دمنا قد ذكرنا اللغة العربية فإننا نلاحظ دليلاً واضحاً يثبت لنا انتقال المؤثرات الإسلامية في الغرب وهو تلك الكلمات العربية الأصل والمنبت التي تستعمل تقريباً في كل اللغات الأوروبية بل ما زالت تستعمل حتى وقتنا هذا على أن معظم الغربيين الذين يستعملونها يجهلون حقيقة مصدرها كل الجهل وبما أن تستعمل لنقل الأفكار وإظهار ما تكنه النفوس فإن
الكلمات
هي
التي
من السهل علينا جداً أن نستنتج انتقال تلك الأفكار والآراء الإسلامية نفسها وفي الحق أن تأثير الحضارة الإسلامية قد تناول لدرجة بعيدة وبشكل محسوس كل العلوم والفنون والفلسفة وغير ذلك وقد كانت بلاد الإسبان مركز الوسط الهام الذي انتشرت منه تلك الحضارة وليس غرضنا الآن أن نفحص كل هذه الأنواع بالتفصيل ونرى مقدار ما خلفته الثقافة الإسلامية فيها ولكنا نركز بحثنا في بعض نقط نعتقد أنها من الأهمية بمكان وإن قل من يدركها في وقتنا هذا
أما عن العلوم فمن السهل أن نفرق بين العلوم الطبيعية والعلوم الرياضية فأما عن الأولى فإنا نعلم علم اليقين أنها انتقلت بكلياتها وجزئياتها إلى أوروبا عن طريق الحضارة الإسلامية مصبوغه بالصبغة
۷۰
الإسلامية تماماً فالكيمياء احتفظت دائما باسمها العربي الذي يرجع أصله إلى مصر القديمة والذي كان له معنى من أعمق المعاني التي لم يعرفها الكيمائيون الحديثون حقيقة ولنضرب مثلاً آخر ذلك علم الفلك فإن أكثر اصطلاحاته الخاصة ما تزال محتفظة في كل اللغات الأوروبية بأصلها العربي كما أن كثيراً من النجوم ما يزال علماء الفلك في كل الأمم يطلقون عليها أسماءها العربية وهذا يرجع إلى أن مؤلفات الفلكيين اليونانيين القدماء مثل بطليموس الإسكندرية كانت معروفة
أن
في التراجم العربية ومجتمعة مع المؤلفات الإسلامية ومن السهل جداً نوضح أن كثيراً من المعارف الجغرافية الخاصة بالمناطق السحيقة في آسيا وأفريقيا عرفت من الرحالة العرب الذين جابوا كثيراً من الأقطار وحملوا معهم معلومات جمة أما من ناحية الاختراعات ـ وهي تابعة للعلوم الطبيعية - فقد انتقلت أيضاً بنفس الطريق أي بواسطة المسلمين وما تزال قصة الساعة المائية التي أهداها الخليفة هارون الرشيد إلى الامبراطور شارلمان عالقة بالأذهان ثابتة الواقع
أما الرياضيات فيجب أن نعيرها التفاتاً خاصاً وذلك لأهميتها في هذا البحث فإن ميدانها الواسع لا نرى فيه علوم اليونان فحسب بل نرى فيه أكبر الأثر للثقافة الإسلامية مضافاً إليها علوم الهند أيضاً أما اليونانيون فقد بلغوا درجة الكمال في الهندسة وعلم الأرقام ويلاحظ أن الأخير يرتبط دائماً مع الأول في الأشكال الهندسية المناسبة وهذا التوفق الذي كان للهندسة يظهر لنا جليا في الجملة التي حفرها أفلاطون
على مدخل مدرسته لا يدخله إلا عالم بالهندسة
ولكن يوجد علم آخر من الرياضيات يتبع علم الأرقام ولكنه لم يكن معروفاً - كالعلوم الأخرى - في اللغات الأوروبية بالإسم اليوناني
۷۱
لأنه لم يكن معروفاً بين اليونانيين القدماء هذا هو علم الجبر الذي كان مصدره الأول الهند والذي يسهل علينا من اسمها اسمه العربي أن نعرف طريق انتقاله إلى الغرب حقيقة أخرى حان حين ذكرها ولو أنها قليلة الأهمية ولكنها تدل أيضاً على ما قدمناه وهي أنه من الشائع في كل مكان أن الأرقام التي يستعملها الأوروبيون هي نفس الأرقام التي استعملها العرب ولو أن مصدرها الأول هو الهند لأن علامات العد التي كان العرب يستعملونها
إلا حروف الهجاء نفسها
قديماً ما هي وإذا انتقلنا من بحث العلوم إلى بحث الفنون فإننا نلاحظ أن كثيراً من المعاني التي جادت بها قرائح الكتاب والشعراء المسلمين في الأدب والشعر قد أخذت واستعملت في الأدب الغربي بل أكثر من
هذا فإن بعض كتاب الغرب وشعرائه قد قلدوا تمام التقليد بعض كتاب المسلمين وشعرائهم, وكذلك نلاحظ أن أثر الثقافة الإسلامية واضح كل الوضوح وبصفة خاصة في فن البناء وذلك في العصور الوسطى فمن ذلك شكل القوس المعقود الذي صار متميزاً بنفسه حتى صار يدل على طريقة خاصة للبناء كان يستعمل فيها وقد كان مصدره فن البناء الإسلامي ولو أن كثيراً من النظريات الخيالية اخترعت لمخالفة هذه
الحقيقة ومما هدم هذه النظريات وجود رواية يتناقلها دائماً البناؤن أنفسهم وهي تثبت انتقال هذه الطريقة من الشرق وقد كان لهذه الحقيقة صفة سرية جعلت لغتهم معنى رمزياً فكانت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم الأرقام وقد نسب هذا العلم في مصدره الأول لهؤلاء الذين بنوا هيكل سيدنا سليمان ومهما يكن من أمر هذا المصدر البعيد فلا يمكن بحال ما أن يكون انتقاله إلى أوروبا إلا بواسطة العالم الإسلامي ومما
۷
يحسن ذكره أن هؤلاء المعماريين - وقد كانوا هيئات متحدة لها شعائر خاصة - كانوا يعتبرون أنفسهم كأنهم أجانب في الغرب حتى في مساقط
رؤوسهم وقد ظلت هذه التسمية حتى الآن على أن هذه الأمور صارت غير معروفة إلا للقليلين جداً
في هذه النظرة العجلي ينبغي أن نذكر بصفة نوعاً آخر هو الفلسفة فقد بلغ التأثير الإسلامي في القرون الوسطى مبلغاً عظيماً لم يستطع أشد خصوم الشرق تعصباً أن ينكر قوته وهذا صحيح فإن أوروبا
لم يكن فيها من وسيلة أخرى لمعرفة الفلسفة اليونانية في ذلك الزمن وذلك لأن التراجم اللاتينية لأفلاطون وأرسطو ـ وهي التي استعملت حينئذ ـ لم تنقل أو تترجم من الأصل اليوناني مباشرة بل أخذت من الترجمة العربية السالفة وأضافوا إليها ما كتبه المعاصرون المسلمون في الفلسفة الإسلامية ومن أولئك المعاصرين ابن رشد وابن سينا
وغيرهما والفلسفة التي كانت معروفة في ذلك الوقت باسم الفلسفة المدرسية كانت تتميز بها الفلسفة الإسلامية والهيودية والمسيحية ولكن من الإسلامية استمد النوعان الآخران مصدرهما بل إن الفلسفة اليهودية وهي التي ازدهرت في أسبانيا كانت لغتها عربية وذلك ثابت ويرى في المؤلفات الهامة لموسى ابن ميمون وعنه نقل فيلسوف يهودي آخر ـ بعد قرون عديدة - كثيراً من فلسفته الخاصة ذلك هو سبينوزا وليس من الضروري أن نصر على بحث أشياء معلومة لكل من درس شيئاً من تاريخ الفكر بل يحسن أن نبحث أخيراً في أشياء أخرى من نوع مختلف لا يعرفه معظم الحديثين خصوصاً في الغرب بل لاي كاد يكون لأحد ما أية فكرة ذات أهمية عنه ولكن من وجهة نظرنا نرى
۷۳
له أهمية كبرى أكثر من كل المعارف الخارجية التي تحتويها العلوم والفلسفة وما نقصده بهذا هو التصوف وما يتصل به أو يعتمد عليه من أنواع المعرفة الأخرى الثانوية التي تختلف عن تلك العلوم التي يدرسها الحديثون كل الاختلاف
وليس للغرب في وقتنا هذا شيء من أمثال تلك العلوم على حقيقتها بل أكثر من هذا أن الغرب لا يعرف أيضاً من المعارف الحقة كالتصوف أو ما يماثله شيئاً مطلقاً على أن هذه الحال لم تكن هي الحال في القرون الوسطى وهذه المعارف لها أيضاً أثرها الإسلامي البين الواضح بأجلى وضوح في تلك العصور ومن السهل جداً ملاحظة أثر ذلك في بعض المؤلفات التي تختلف معانيها الحقيقية عن الثمرات الأدبية كل الاختلاف وقد بدأ هذا النوع يتضح لبعض الأوروبيين أنفسهم وذلك خلال دراساتهم لأشعار دانتي الإيطالي ولكنهم لم يدركوا ماهية طبيعتها الحقة ومنذ سنين عدة كتب المستشرق الإسباني دون ميجيل آسين كتاباً عن المؤثرات الإسلامية في مؤلفات دانتي جاء فيه أن
بلاتيوس جزءاً كبيراً من الرموز والإشارات التي استعملها دانتي كان يستعملها قبله بعض المحققين والكتاب المسلمين وبخاصة سيدي محيي الدين بن عربي ولن لسوء الحظ نرى أن ملاحظاته لم تتعد التخيلات الشعرية على أن هناك كاتباً آخر إيطالي الجنس هو لويجي فاللي الذي توفي حديثاً تعمق بعض التعمق في البحث فذكر أن دانتي لم يكن وحده الذي استعمل الإشارات المماثلة لما كان مستعملاً في الشعر الصوفي الفارسي والعربي بل إن كثيراً من الشعراء المعاصرين لدانتي في مملكته كانوا أعضاء في اتحاد أو هيئة سرية تسمى
٢٧٤
أمناء الحب وكان دانتي نفسه أحد رؤوساء تلك الهيئة
ولما حاول لويجي فاللي أن يحل ألغاز لغتهم السرية لم يتمكن من إدراك ما كانت تتميز به تلك الهيئة أو ما يماثلها من الهيئات التي وجدت في أوروبا أيام القرون الوسطى على أن الحق هو أن بعض الشخصيات السرية كانت تستتر خلف تلك الهيئات لتكون مصدر إرشاد لها وقد كانت تلك الشخصيات السرية تعرف بأسماء مختلفة من أهمها تلك التسمية إخوان الوردة والصليب وليس لهؤلاء قواعد مكتوبة يسيرون عليها كذلك لم يكن لهم اجتماعات معينة وكل ما كانوا يعرفونه به هو أنهم وصلوا إلى حالات روحية خاصة ويمكننا أن نصفهم بأنهم صوفيون غربيون أو على الأقل متصوفة في درجات عالية وقد قيل إن هؤلاء الإخوان الذين كانوا يتسترون بألبسة البنائين ورموزهم كانوا يعلمون الكيمياء وعلوماً أخرى تماثل ما كان مزدهراً من
العلوم في العالم الإسلامي وفي الحق أنهم كانوا حلقة اتصال بين الشرق والغرب وكانوا
على إتصال مباشر بالصوفيين المسلمين وقد كان ذلك الإتصال يستتر وراء رحلات مؤسسهم الخيالي وليس هذا معروفاً في التاريخ الذي لا يتعمق كثيراً في البحث بل يكتفي فقط بمظهر الحوادث الخارجي مع أن هناك المفتاح الحقيقي الذي يفتح لنا مغاليق كثير من الأشياء ولولاه لاستمرت دائما غير واضحة بالمرة هذا جزء من كلّ من أثر الثقافة الإسلامية في الغرب ولكن الغربيين لا يريدون أن يعترفوا به في وضوح لأنهم لا يريدون أن يعترفوا بفضل الشرق عليهم ولكن الزمن كفيل بتبيان الحقائق التي يريدون
إخفاءها
الفصل الثالث
في المعرفة
تمهید
كيف نصل إلى المعرفة المعرفة الحقة معرفة ما وراء الطبيعة كيف نخترق الحجب ونكشف المساتير ونزيل النقاب عن الملأ الأعلى فنصل إلى الروح وإلى الملائكة وإلى الله كيف نصل إلى اليقين أيكون ذلك عن طريق الروحانية الحديثة أم عن طريق الفلسفة الحديثة
ستذكر فيما يلي رأي الشيخ عبد الواحد في هذين الأمرين اللذين
يعدهما بعض الناس خطأ وسائل للمعرفة ثم نتبع ذلك بالوسيلة الصحيحة للمعرفة في نظره وهي التصوف
الروحانية الحديثة وخطؤها ۱
من أخطر الأغلاط الغربية الحديثة واحدة ثبتت في أمريكا منذ أقل من مائة سنة أي سنة ١٨٤٧ م وعرفت باسم [الروحانية الحديثة ويمكن تحديد معناها بأنها ثبوت إمكان الاتصال بالموتى
۱ مجلة المعرفة صفر سنة ١٣٥٠ يولية سنة ١٩٣١
۷۷
بواسطة وسائل مادية أما كيف بدأت أولاً فإنها لاحت في بعض ظواهر طبيعية كانبعاث أصوات وتحرك أشياء في أحد المنازل بدون ما سبب واضح لها أما هذه الظواهر فقد لوحظت في كل زمان ومكان فلا يمكن القول بأنها ظواهر شاذة فلماذا إذن يستولد منها الغربيون عقيدة جديدة في تلك الحالة الخاصة بينما لم يفكر أحد في شيء من ذلك
من قبل !!!
الحق أنهم ثاروا على تلك المادية المنتشرة في العالم فعملوا على إيجاد وسيلة سرية تعمل على هدمها ولكن إذا اعتبرنا أن غايتهم من ذلك حسنة إلا أن الوسائل التي استعملوها لبلوغ غايتهم لم تكن
كذلك
وحقيقة أن الباطل هو شر دائماً ولذا يمكننا أن نوافق على ما يدعيه البعض من أن الغاية تبرر الواسطة وفي الواقع أن الواسطة إذا لم تكن صالحة تماماً فإنها كثيراً ما تنقلب سريعاً ضد الغاية المرجوة وإننا إذا تخيلنا صورة الحياة بعد الموت على مثال صورة حياة الجسم على الأرض وهي التي انقاد إليها أتباع العقيدة الجديدة فيمكننا أن نعتبر أن ما يسمى الروحانية الحديثة ما هي في الحقيقة إلا مادية من نوع آخر بل أكثر ضرراً من المادية لأنها تخلق الأوهام والتخيلات في حقيقة طبيعتها حتى تتمكن من التأثير في الذين لم يقبلوا الآراء المادية الصريحة الشائعة أكثر من هذا أن فيها خطراً آخر ويكفي أن نرى كم من الأشخاص - بواسطة ما يسمى الاتصال بالموتى - أصيبوا بالجنون أو الخراب ثم الانتحار عند ذلك يكون لنا الحق في التصريح بأن هذا التعليم الذي يجلب مثل هذه العواقب هو لعنة على بني الإنسان وهذه العدوى المزمنة التي رسخت في عقول الكثيرين من الأشخاص الطاهري
۷۸
السريرة وذوي النوايا الطيبة هذا الخطر ينتشر في الشرق بل لا نغالي إذا قلنا إنه امتد إلى الشرق الأقصى حيث نلاحظ - منذ سنوات قليلة - انبعاث دين جديد في الهند الصينية يسمى كاؤداي ويدعى أنصاره أنه لا يستمد تعاليمه عن طريق الوحي بل يستمدها مباشرة من الله بواسطة [ سلة] متحركة
وينبغي أن يفهم القارىء أننا بعيدون جداً عن إنكار حقيقة أنواع الظواهر المختلفة التي يرى فيها الروحانيون الحديثون برهاناً على وجهة نظرهم فإن هذه الظواهر - كما سبق القول ـ كانت معروفة دائماً عند القدماء بل كانوا أكثر علماً بها ممن يعرفونها الآن
ولكننا ننكر تفسيرها الحديث الذي تفسر به هذه الحقائق بنسبتها إلى فعل الأرواح المجردة وهي التي يقصد بها الشخصيات الإنسانية التي زالت عن عالم الوجود الأرضي
كيف يقبل التفكير السيلم أن الأرواح المجردة يمكنها تحريك مائدة أو استيلاء قوة خفية على اليد تجعلها تكتب أو ترسم أو أشياء
أخرى كثيرة من هذا القبيل
عاماً
مثل هذه الإثباتات لا تدل إلا على عدم العلم ـ الذي أصبح تقريباً في وقتنا هذا ـ باختلاف الظروف في حالات الوجود المتباينة وينبغي أن نذكر أنه إذا أمكن للإنسان أن يتصل بالأرواح - إنسانية أو غير إنسانية - فإن ذلك لا يكون إلا بأن يصير نفسه متيقظاً حالة في الخاصة التي تطابق الحالة نفسها والتي تكون فيها تلك الأرواح فعلاً ولكن هذه مسألة أخرى ليس لها أية صلة بتعاليم وأفعال الروحانية
الحديثة
وجوده
۷۹
وفي الحقيقة توجد عناصر كثيرة من أنواع مختلفة ربما ساعدت على إيجادها على حسب الحالات المختلفة ولكن ينبغي أن نفرق بين هذه العناصر بدقة وسنشير بإيجاز إلى أنواعها المختلفة حيث لا يمكننا أن نفسر كلا منها تفسيراً كاملاً مفصلاً لأن ذلك لا يتسع البحث فيه
الآن
۱ - من أهم العناصر التي تحدث هذه الظواهر تلك التي تحدث في معظم الحالات وكثيراً ما تكون منفردة وهي التي في قوى الإنسان العقلية - هذه القوى التي يمكن أن تتسع وتكبر أكثر مما يظنه علماء
النفس الحديثون أو الذين يشتغلون بدراسة الحالات الشاذة
هذه القوى كامنة في كل إنسان وإذا نمت واتسعت بطبيعتها فإن ذلك يكون في حالات نادرة لكن يمكن تنميتها صناعياً في بعض الأشخاص بوضعهم في حالات خاصة مثل تلك الحالات المعروفة تحت الإسم العام التنويم المغناطيسي وهي التي فيها يمكن للإنسان أن يحس بأشياء بدون أن يتصل جسمه بها وكذلك يمكنه تحريكها كما يمكنه أيضاً رؤية أشياء مخفاة عن حواسه العادية أو بعيدة عنه في الزمان أو في المكان وغير ذلك
ولا يمكن لغير الرجل المادي - في أضيق حدود معنى هذه الكلمة - أن يقول بأن الإنسان محدود بالقياس إلى جسمه ولكن الورحانيين - بتسميتهم هذه التي درجت في الفلسفة الغربية - يشكون جداً في قدرة الإنسان على احتمال ما هو فوق مستوى قواه الجسمية أو تلك القوى التي تتصل وثيقاً بالجسم وتظهر في الحياة المعتادة لأي فرد ومن جهة أخرى ينبغي أن نذكر أن تلك التي تسمى القوى الشاذة ـ وهي
۸۰
التي نتكلم عنها - ليس فيها شيء روحي في الحقيقة أكثر من القوى
المعتادة
وإن التصور الذي جعل الإنسان الحي يتكون من جزئين أو فقط عنصرين وهو ما انتشر في الفلسفة الحديثة خاصة وفي العقل الغربي عامة - هذا التصور هو الذي هذا الاضطراب لأنه صير سبب الناس جاهلية بالفرق الأساسي بين النفس والروح وإن طبيعة المقدرة تظهر في الأشخاص الذين ينامون تنويماً مغناطيسياً -
التي
وهم
الذين
يسمونهم الروحانيون الحديثون بالوسطاء - ليست روحية بالمرة بل هي نفسية تماماً وهي تخص الحالات التي يمكن وصفها بأنها ألطف الحالات العادية كما أنها أكثر اتساعاً وأعلى منزلة أيضاً في درجات الوجود كما يجب أن تكون الحالات الروحية
من
وإنما مثل هذه القوى في الإنسان هو إنماء الإحساس بالاتساع لا الإحساس بالارتفاع
هذه الحالات النفسية التي تظهر إما في التنويم المغناطيسي أو في بعض حالات من الأمراض العقلية ينشأ عنها ما يسميه علماء النفس خطأ بالشخصيات المتعددة لأنها تظهر منفصلة عن الحالات العادية وربما كان هذا خطأ في استعمال الكلمات وإلا فإنه يكون خطأ فاحشاً لأنه لا يمكن لعقل ما أن يتصور أن الإنسان الحي له أكثر من شخصية
واحدة
وحقيقة أن كل حالات الكائن ما هي إلا مظاهر جزئية لشخصية
واحدة غير متغيرة
وصحيح
أن الإنسان في حالاته العادية لا يحس بالأعمال التي
۸۱
يؤديها أو المعارف التي يستقيها في الحالات الأخرى ومن السهل جداً أن ندرك هذا لأن الحالة العادية هي أضيق الحالات مجالاً كما أنها لا تعتمد إلا على الشروط الجسمية بينما الحالات الأخرى تكون مطلقة
الحرية وإننا لا نجد غرابة في هذا لو فكرنا فقط في التفرقة التي توجد عادية في كل فرد بين شعوره بحالة اليقظة وشعوره بحالة النوم
ينبغي أن نوجه بحثنا نحو نقطة واحدة هي أن كل ما يسمى بالظواهر إما أن يصدر من القوى العقلية في الحالات العادية أو من قوى الحالات النفسية الأخرى هذه الظواهر تمثل فقط الجزء الظاهري من الكائن وواضح من الكلمات نفسها أن الظواهر - من أي نوع أو درجة - هي كلها من الظاهر وليست من الباطن أي أنها تعديلات سطحية للكائن وليست عناصر مكونة لذاته الباطنية العميقة والقوى التي يمكن تسميتها تماماً باطنية ينبغي أن يبحث عنها في حالات تختلف تماماً
عن الحالات النفسية وتسمو كثيراً عن الظواهر العادية أو الشاذة
٢ - إذا رجعنا إلى الحالات النفسية التي تكلمنا عنها فينبغي أن نقرر أن الإنسان في هذه الحالات - كما في الحالة العادية - يحاط بقوى فعالة مختلفة ألطف من تلك التي في عالم الجسم والحس ولكن بعضها ربما كان مشابهاً - لا ذاتياً - لقوى مثل الكهرباء وغيرها ولا يخفى أن هذه القوى يمكن للطبيعي العادي الاستدلال عليها بتأثيراتها
المحسوسة
هذه القوى النفسية التي كان يعبر عنها [الطاو - صي] الصينيين بأنها قوى سابحة كان لها قوانين مثل أي قوانين أخرى طبيعية وربما كان الغرض منها علمياً فإذا أمكن أن تجمع وتركز بشروط خاصة فإنه
۸
ينبعث منها تأثيرات ربما تظهر عربية لمن يجهلون مثل هذه الأشياء مثلها في ذلك مثل ظهور التأثيرات الكهربائية لمن يجهلون الطبيعيات أضف إلى هذا أن الإنسان إذا اتصل بمثل هذه القوى يمكنه بدون أن يشعر - أن يلبسها لوقت ما شخصية ظاهرية بزوال شخصيته الخاصة ومن هذا يمكننا تفسير ظواهر كثيرة
وهنا يمكننا أن نرى أحد الأسباب للأخطار التي يقع فيها من يمارس الروحية الحديثة أو ما يماثلها يعرض الفرد نفسه لتأثيرات ربما أثرت فيه أحوال كثيرة فتبعث في كائنه الخاص عناصر الاضطراب وعدم الاتزان النفسي تذهب به أحياناً إلى نوع من الوحدة والعزلة ويمكننا أن نجد ما يماثل هذه الوحدة في بعض ما يسمى بالشخصيات المتعددة ـ التي تكلمنا عنها سابقاً
هذه الأخطار لا يستهان بها وربما لا يمكن تجنبها إذا كان كما ه بطبيعتهم
هي
الأشخاص الذين يتصلون بهذه القوى جاهلين تماماً الأكثرية العظمى المعاصرينا وخاصة الروحانيين الحديثيين الحال الذين هم في الحق كالأطفال يلعبون بالنار
مع
٣ ـ الإنسان في حالته العقلية أو النفسية متصلاً ـ كما في الحالات العادية - بكائنات أخرى موجودة في حالات تتفق مع حاله وأهم ما نقصده هنا بالكائنات هم بنو البشر وهذا هو ما يحدث لهؤلاء الذين يشتركون في جلسات الروحانية الحديثة بدون رغبة منهم أو معرفة فيوصلون أفكارهم إلى الوسيط وليست أفكارهم هي المطابقة للواقع حينئذ فحسب بل أيضاً وغالباً أفكارهم التي تلوح لهم كأنهم لبعد العهد بها فيعجبون جداً من اكتشافها ويمكن للأشخاص الغائبين أيضاً أن
۸۳
يتصلوا بأنفسهم مهما كانوا بعيدين إذا كانوا في مثل هذه الحال متجردين من كل القيود الجثمانية ويمكن إجراء هذه التجربة بشعور من الأشخاص أو بدون إحساسهم بها وتحدث الأولى في الحالات النادرة للأشخاص الذين لهم معارف خاصة والذين يعملون هذا الغرض محدود كما حدث عند ابتداء العلم بالروحانية الحديثة
وتحدث الثانية في الحالة العامة وهي اتصال أي فرد - وخاصة أثناء النوم - ويجدر بنا أن نضيف إلى ما ذكر أنه يوجد بعض المظاهر في الحيوانات لأن لهذه أيضاً حالات لطيفة في كائنها الخاص
٤ - وفي بعض الحالات تحدث الظواهر - طبيعية كانت أو مفتعلة - بعناصر تنبعث حقيقة من الموتى ولكن ليس اتصال فعلي بشخصياتهم الحقيقية وهذه العناصر ما هي إلا بقايا نفسية مشابهة لبقايا الجسم التي يتركها الميت بعده بتحلله لأنه يوجد في الطبقة النفسية عناصر تلازم الخالد من الكائن وهذه العناصر أقرب إلى الحالة الجسمية ولذا يمكنها أن تولد تأثيرات حسية وهذه البقايا النفسية تمثل حقيقة حالات خاصة من القوى السابحة التي سبق ذكرها قبلاً وإذا ذكرناها على حدة فإن ذلك لأن مظاهرها جميعها يمكن اعتبارها كمظاهر حسية للموتى ولكن في معنى يختلف تماماً عما يقصده الروحانيون الحديثون مثل هذه العناصر يمكن أن تأخذ مظهراً مؤقتاً للحياة ثم تعطي حينئذ إجابات آلية تعكس بعضاً من أفكار الفرد التي سبق أن كانت
تختص به
وهذا الطيف من الشخصية - إذا أمكن تسميته كذلك ـ هو ما كان يسميه اليهود القدماء [أوب] كما يرى في بعض الكتب المقدسة وقد
٢٨٤
أعطى إجابات في الاستحضارات التي استعملت بين معظم الناس ولو أن الدين يحرمها بصفة عامة
ه - وأخيراً ليكون الموضوع تاماً ينبغي أن نذكر إمكان تداخل ـ تلك الكائنات التي ليس لها حياة جسمية هذه الكائنات ـ التي تعتبر غير إنسانية - ليس لها مطلقاً طبيعة روحية خالصة ولكنها بالعكس تقرب
جداً
من العالم الحسي ولهذا يمكنها أحياناً أن تحدث تأثيرات فيه ونريد هنا أن نشير بصفة خاصة إلى فعل الجن - ولكن ليس هنا مجال الإفاضة في هذا الموضوع - وبما أنه لا يوجد شيء روحي في كل هذه الأشياء أكثر من تلك التي لها اتصال بالحياة الأرضية فلا ضرورة للقول بأنه لا يمكن المقارنة بينها وبين الأشياء الأخرى التي تختلف في طبقتها كوحي الأنبياء - عليهم السلام - أو التي في طبقة أقل ارتفاعاً كالمقدرة الخاصة للأولياء - رضي الله عنهم - وهي التي تنبعث في مبدئها من العالم الروحي وينبغي أن نقرر أن هذه المبادىء تختلف في حقيقتها بينما تتفق في المظاهر الخارجية ولكن هذه أيضاً مسألة أخرى تلك مسألة المؤثرات الروحية وليس لها صلة بموضوعنا الحالي أما من حيث الظواهر النفسية فإننا سنصف هذا
جهدهم
بعض الغربيين - وليس هؤلاء الذين يقبلون وجهة نظر فحس الروحانية الحديثة بل والذين يسمونها أغراضاً علمية - يحاولون به أن يكتشفوا أشياء كانت معروفة تمام المعرفة في الأزمنة السحيف عند الأمم الشرقية ويلاحظون بعض الحقائق ولكن يعجزون عن تفسيرها بينما يوجد - كما سبق أن أوضحنا باختصار - كل ما نحتاج إليه لتفسير هذه الحقائق نفسها بل وحقائق أخرى كثيرة لم يكن لديهم أقل فكرة عنها
٢٨٥
والنتيجة
أن كل من يود معرفة حقيقية مثل هذه الموضوعات لا يمكنه أن يجد ضالته في البحوث الغربية الحديثة بل عليه أن يرجع إلى المعارف
الشرقية القديمة
عبد الواحد يحيى
الروحانية الحديثة ١
تقريباً
رد علی رد
لو كان الأستاذ فريد بك وجدي قد قرأ ما كتبناه منذ عشر سنين عن موضوع الروحانية الحديثة فإنه ما كان ليكلف نفسه عناء هذه الملاحظات التي كتبها في الجزء الماضي من هذه المجلة لأننا أجبنا عن كل منها إجابةً تامة وأكثر إسهاباً مما يمكننا ذلك هذه في الصفحات القلائل ومع ذلك سنحاول هنا ثانياً أن نحدد مركزنا في
جمع
مثل هذا الموضوع حتى لا يبقى مجال آخر لذلك الاضطراب الذي نشأ من هذا البحث ينبغي علينا أولاً أن لا ننكر أنه منذ ابتداء ما يسمى بالعصور الحديثة - أي منذ ثلاثة أو أربعة قرون - شك الغربيون في كل معارف القدماء ولكن ذلك إنما حدث لأنهم لم يدركوا تماماً معنى وطبيعة هذه المعارف وفي نفس الوقت يظهر أنهم لم يستطيعوا أن يقبلوا أي شيء خارج عن دائرة التجارب الحسية وكانت النتيجة الطبيعية لذلك ظهور
۱ مجلة المعرفة ربيع الثاني ١٣٥٠هـ سبتمبر سنة ١٩٣١
٢٨٦
وانتشار المادية واتساع دائرة البحث اتساعاً غير عادي غير عادي في بعض
خاصة تختص بالمادة فقط
علوم
وقد كان هذا الأمر في الغرب فحسب أما الشرق فإنه لحسن الحظ لا يزال محتفظاً للآن بمعرفته القديمة ولم يقبل هذه الحدود المتعسفة ولم يستسغ أيضاً تعاليم فرنسيس باكون أو تعاليم ديكارت التي لا توضح شيئاً ما للعقول الشرقية النقية أي التي لم تتأثر لم تتأثر بسموم
الأفكار الغربية
هي
والآن إن فكرة محاربة المادية المنتشرة في الغرب بواسطة العلم المادي نفسه فكرة خاطئة ولا تؤدي إلى نجاح ما لأن هذه الوسائل ليس لها من قيمة إلا في دائرة خاصة ضيقة جداً وإذا تعدتها تكون عديمة القيمة ويظهر أن هذه الفكرة نشأت من توهم أن مثل هذه
الوسائل هي الوحيدة [الوسائل العلمية التي يمكن الاعتماد عليها في محاربة المادية ولكن هذه أيضاً أوهام غربية وفي الحق أن لدينا علوماً أخرى لا تقل في أهميتها وحقيقتها عن سابقتها تستخدم وسائل مخالفة تمام المخالفة غير معروفة للغربيين الحديثين
وإذا قلنا ذلك ينبغي أن نميز بين حقيقة مسألة الظواهر الشاذة التي نتحدث عنه هنا والتفسيرات المختلفة التي أعطيت لها هناك وإننا لنستغرب جداً أن الأستاذ فريد بك وجدي لا يزال يصر على النقطة الأولى للظواهر لأننا قلنا أنفسنا إن حقيقة هذه الظواهر لا تقبل الشك وإنها كانت معروفة في كل العصور وفي كل الأقطار فإن مثل هذه الحقائق شائعة الوجود وليست نادرة ولها من الأنواع ما يكثر عما يدركه الغربيون الروحانيون الحديثون أو غيره من الذين يحاولون دراستها
۸۷
وإننا لنأسف على أن الأستاذ فريد بك وجدي - في هذه المسألة - يعدد كثيراً من أسماء العلماء الأوروبيين والأمريكيين الذين اشتركوا في هذه الدراسة كأننا ملزمون أن نقبل ما يمليه علينا هؤلاء العلماء وإننا لنأسف لأننا لا يمكننا أن نسيخ للشرقي أن يعتد أنه ملزم بأن يتبع الغربيين ويتقبل تعاليمهم - وخاصة في أشياء لا تزال حقيقتها معروفة في الشرق بينما الغرب ليس إلا باحثاً فيها فقط وليس من حاجة إلى القول بأن الذين يبحثون عن شيء هم الذين لا يعرفون حقيقة
دائماً
هذا الشيء
أضف إلى ذلك أن الأشخاص الذين ذكروا ليست قيمتهم متعادلة فلا يمكننا أن نضع في وصف واحد رجلاً [طبيعياً] نقدره حق قدره مثل وليم كروكس مع آخر نعتبره متجراً بالعلوم مثل كاميل فلا ماريون كما علينا أن نضيف أنه إذا كان بعض الرجال قد قبل الروحانية الحديثة فإن كثيراً منهم اختلفوا في وجهة نظرهم أو ربما صدوا أنفسهم عن أي نظرية أو تفسير وإننا نجد بين هؤلاء الذين صاروا روحانيين حديثين من اشتغل - لأسباب لا صلة لها - بالعلم مثل سيزار لو مبروزو وأولفر لودج فإن الأول اشتغل بها بعد موت والدته والثاني بعد أن قتل ابنه في الحرب وهذا يظهر لنا أن مثل هؤلاء الرجال - بصرف النظر عن علومهم الخاصة - ضعاف القول جداً
وينبغي أن نضيف إلى ذلك أيضاً أن بعض العلماء لم يمنعهم تعليمهم من أن يخدعوا بالظواهر المصطنعة كما حدث لوليم كروكس مع وسيطته فلورنس كوك وكما حدث حديثاً مع شارك مريشيه في الجزائر وحدوث ذلك سهل الإدراك جداً لأن هؤلاء الأشخاص بعيدون عن حدود علومهم - ليس لهم أية كفاءة أكثر من أي إنسان
۸۸
جاهل آخر بل ربما وقعوا في الخطأ بسهولة أكثر من أي شخص آخر لأنهم حينئذاك يبحثون في أشياء تختلف طبيعتها وقوانينها اختلافاً تاماً
تلك التي
عن
اعتادوها ولأنهم يحولون استعال وسائلهم العادية في هذه
الأشياء بينما هذه الوسائل لم توضع لمثل ذلك مطلقاً
وماذا نقول في ذلك التاجر الغني الذي كان يتاجر بالنبيذ جان ماير الذي مات منذ شهور قليلة فقط صرف هذا الرجل ملايين عديدة أن يصير يوماً ما بابا الروحانية الحديثة وقد أثار حرباً بلا لأنه طمع في شفقة على هؤلاء [الإخوان الدينيين الذين تعمدوا أن يؤسسوا جمعيات ومكاتب مستقلة واضطروا أن يذعنوا لقوة المال وكان ذلك بالطبع تحت اسم الأخوة - والإخاء] وقد أسس هذا الرجل نفسه في باريس معهداً علمياً لغرض إخضاع الباحثين الأحرار ونقصد بهم الذين لم يكونوا روحانيين حديثين وباستلامهم منه إعانات مالية لم يكونوا قادرين على أن يعاوضوا شيئاً من الروحية الحديثة
وفي الحق إننا لنجد عاراً في اضطرارنا إلى التصريح بمثل هذه الأسماء والوقائع على صفحات هذه المجلة التي ننزهها عن ذكر مثل هذه
الأعمال
أما الأخطار التي تنتج من [الروحانية الحديثة فإننا نؤكد للأستاذ فريد وجدي بأن الجنون والحوادث الأخرى التي تنتج منها ليست شاذة بالمرة بل كثيرة الحدوث في الواقع فإذا قال لنا إنها تحدث لغير المتعلمين أجبنا بأن هؤلاء في الواقع هم العدد الأكبر بين الروحانيين الحديثين في كل الأقطار وليس لنا الحق في أن نترك هؤلاء الناس معرضين بدون وقاية من مثل هذه الأخطار التي تنشأ من انتشار الأفكار الضارة وهم على استعداد لقبولها بدون فحص ولا روية
۸۹
بل ينبغي أن يكون العكس تماماً ونضيف فوق ذلك أننا لا نظن مطلقاً أن التعاليم الخارجية كما تحصل في المدارس والجامعات الغربية يمكن أن تحفظ صاحبها من هذه الأخطار البتة وذلك لأن ما يسمون بالأشخاص المتعلمين أو حتى مشاهير العلماء يجهلون تماماً هذه الأشياء التي تبحث هنا
حَدَثَ
من
أما تفسير الظواهر بواسطة مقدرة الوسيط نفسه فهذا صحيح ولكننا غير ملزمين بأن نقبله أو نرفضه لأن بعض الغربيين استساغه هذا القبيل أنهم قرروا أشياء - بدون علم منهم - لم تكن بمستحدثه بالمرة بل كانت معروفة في الشرق منذ آلاف السنين ولسوء الحظ نرى أن الغربيين يفهمونها في معنى ضيق جداً لأن معرفتهم بطبيعة الإنسان الحقيقية ومقدرته ناقصة ولذلك لم يستطيعوا استعمال ذلك التفسير في حالات كثيرة يناسبها تماماً ولا ينبغي أن نذكر أن تلك القوى التي لها نصيب هام في توليد هذه الظواهر هي قوى عقلية بل هي قوى نفسية تختلف تماماً ويتسع مدلولها ومعناها أكثر من الأولى ولكن ينبغي أن نكرر ثانياً أنها نفسية وليست روحية بالمرة مثل تلك العناصر التي يتركها الرجل بعد موته والتي ليست لها صلة بالجزء
الخالد
من
كائنه
ونحن إنما نصر على هذه النقطة - لأنه ولو أننا أوضحناها سابقاً إلا أن الأستاذ فريد بك وجدي يجعلنا نتكلم عن هذه كأنها عناصر روحانية وإذا قلنا إن هذه ألطف وليست من القوى التي في الجسم بل من تلك التي في عالم الجسم والحس أي أنها من تلك التي تدرس بواسطة العلوم الطبية الحديثة فإنها تتسبب من طبيعتها النفسية وذلك لأن عبارة العالم اللطيف هي ترجمة أدبية للتعبير الهندي الذي
۹۰
يقابل العالم النفسي - هكذا يعبر عنه للمقارنة بينه وبين العالم الحسي - ولا يمكن أبداً أن يطابق العالم الروحي
وعلى أية حال فإن القوى التي تعمل في هذه الظواهر ـ سواء كانت تخص الوسيط نفسه أو أي حي آخر سواه أو كانت قوى أخرى خارجية مثل القوى السابحة أو قوى تنبعث من أحياء مثل الجن ـ هذه القوى كما ذكرنا سابقاً تقرب جداً من العالم الحسي ويجب أن تعتبر حقيقة من طبيعة منحطة وفي مثل كل هذه الحالات لا تتداخل القوى العلوية مطلقاً ولو أن الأستاذ فريد بك وجدي يؤكد ذلك بينما يعطينا سبباً معقولاً لهذا التأكيد - ونحن مضطرون لأن ننكر ذلك إنكاراً باتاً ـ وحينئذ يسقط من تلقاء نفسه كل ما يحتم علينا أن نصدق ظهور شخصية أحد الموتى ولو أنه ينبغي علينا أن لا نقرر كذب ذلك مثل ما نقرر إذا رأينا أحد القردة يقلد حركات الإنسان وتستمد هذه القوى شعور الحس من الأشخاص الذين تظهر بينهم ولذا فإن الأفكار التي تعبر عنها هذه القوى تطابق تماماً ما يجول في خاطر الأشخاص الذين يتسمعونها وهذا يفسر لنا لماذا تتناقض ما تسمى [الأرواح] بعضها مع بعض
خذ مثلاً لذلك بينما تشيع نظرية التقمص في فرنسا - إذ لا يعترف بها في انجلترا وأمريكا - وقد رأينا أرواحاً مادية في بعض الرسائل التي تسلمت في هولندا منذ عشرين سنة تنكر الخلود وتثبت أن حياة الإنسان تبقى بعد الموت على الأكثر لمدة ١٥٠ سنة
والآن ينبغي أن نضيف ما يأتي
يوجد أشياء لا يمكن أن تخضع لوسائل العلوم الغربية الحديثة المادية ولذا يقال عنها إنها خرافات أو من خيال القدماء بينما هي في
۹۱
عن
الواقع المنفذ الذي يؤدي إلى نوع آخر من العلوم يختلف تماماً العلوم المادية وهذا العلم القديم هو الذي يجدر بنا أن نسميه ـ بحق -
العلم الصحيح
فعالاً
وإننا لا نخاف إذا قررنا وجود نفوس بالكواكب وأن لها تأثيراً على الحوادث الأرضية ولا نخاف أيضاً إذا اعترفنا ـ كما علمنا القدماء - بأن العناصر ليست أربعة بل خمسة وأنه لا يوجد أكثر من ذلك أو أقل وأن هذه العناصر ليس لها أية صلة بما نسميه الكيمياء الحديثة المواد الأولية البسيطة لأنها - أي العناصر - ليست أجساماً بل هي التي تكون منها الأجسام
تلك
لا يمكننا أن نعطي أي أهمية - إذ نظرنا إلى المعرفة الحقة - للعلوم الحديثة وهي على الدوام متغيرة غير ثابتة في تفسيراتها فإذا سلمنا بالنتائج العملية التي تنتج من أشياء كثيرة كالكهرباء مثلا بدون معرفة لطبيعتها فلا نسمي هذا علماً بل يجب أن فقط صناعة يسمى فلا نستطيع مشاركة الأستاذ فريد بك وجدي في تفاؤله بنتائج البحوث الغربية التي تظهر لنا كأنها تحاليل لا نهاية لها ظاهرية لا نفع
فيها
وبما أننا نرى أن التقدم في هذه البحوث يؤدي إلى عكس كل ما
هو طبيعة روحية فإننا لا نشك في صعوبة بل واستحالة الوصول بهذه البحوث إلى فتح الطريق إلى العالم الروحاني
وإذا افترضنا حدوث ذلك بأي حادث كان فإن ذلك سيكون نهاية
العلم الحديث والمدنية كما يفهمها الغربيون
جداً أن يصل الغربيون إلى ذلك
ومع ذلك فمن المحتمل
۹
وأخيراً نقول إن الشرق يجب أن يحتفظ بعلمه الخاص فإنه أصدق وأتم وأكثر انتشاراً في كل الوجود بدلاً من تضيق دائرته في عالم المادة فقط ولسنا كما يظننا الأستاذ فريد بك وجدي نعيش في زمن غير زمننا لأن زمننا يختلف عن زمن الغربيين فبينما يحلم هؤلاء بالتقدم حتى يستيقظوا على صوت إحدى الكوارث - نعرف أن العهد الذهبي كان في الحق عند ابتداء التاريخ البشري إذ أعطيت كل المعرفة للإنسان في المبدأ أخذت تختفي عنه عنه تدريجياً بتوالي العصور وتنتقل رويداً من عالم الروح إلى عالم المادة وأخيراً نحن نؤكد أن تكل العقول التي تأثرت بالفكر الغربي سوف لا تزال تتهمنا بأن كل ما نقرره خرافات ولكن ذلك لا قيمة له من جهتنا وإنما نحن نوجه كلامنا هذا لا إلى مثل هؤلاء الأشخاص بل إلى الشرقيين الحقيقيين الذين يصرون دائماً على أن يكونوا - كما هو الواجب عليهم - محافظين على الحكمة الأبدية عبد الواحد يحيى
القوى السابحة ١
عندما بينا العناصر المختلفة التي تتضافر في إحداث تلك الظواهر التي ينسبها الروحانيون المحدثون إلى ما أسموه بالأرواح أشرنا بصفة خاصة إلى واحد منها يلعب دوراً خطيراً هو عنصر القوى اللطيفة التي أسماها الطاو - صي الصينيون بالقوى السابحة ولقد يكون من الآن أن نعطي تفسيراً تكميلياً لهذه النقطة حتى نتجنب الخلط
المهم
الذي يقع فيه بسهولة أولئك الذين لهم دراية بالمعارف الغربية الحديثة
۱ مجلة المعرفة جمادي الثانية ١٣٥٠ هـ نوفمبر سنة ١٩٣١ م
۹۳
أكثر مما لهم من علوم الشرق القديمة وهم لسوء الحظ كثيرون في
أيامنا هذه
أن
لقد نبهنا إلى أن القوى التي نعنيها هنا - لكونها ذات طبيعة نفسية - تكون بالضرورة ألطف من قوى العالم الحسي أو الجسمي ولهذا فينبغي أن لا نخلط بينهما حتى ولو تشابهت نتائجها مع نتائج القوى الحسية بعض الشبه مثل هذا التشابه يوجد في الواقع على وجه الخصوص مع نتائج الكهرباء ولكن هذا التشابه يفسره ما يوجد من تطابق بين سائر القوانين التي تسير كل العوالم وكل الحالات ذلك التطابق الذي بواسطته يتحقق التناسق والانسجام في درجات الوجود كلها ولهذه القوى السابحة أنواع متباينة تمام التباين ونحن نجد في العالم الحسي أنواعاً عديدة من القوى ولكنا نجد في العالم النفسي الأمور أكثر تعقيداً مما هي هنالك ولهذا فالميدان النفسي أكثر امتداداً من الميدان الجسمي وأقل ضيقاً منه إلى حد كبير ويندرج تحت هذه التسمية العامة القوى السابحة كل القوى الخارجة عن الأفراد وأعني بذلك كل القوى التي تفعل وتؤثر في الوسط الكوني من غير أن تدخل في تركيب أي كائن معين وفي بعض الحالات تكون هذه القوى بذاتها وفي حالات أخرى تكون صادرة عن عناصر نفسية منحلة كانت تخص فيما سبق كائنات حية ومن بينها الإنسان كما أوضحنا ذلك في المقال السابق على أن المقصود في كل الحالات إنما هو صنف معين من القوى الطبيعية التي لها قوانينها كما لغيرها من القوى والتي لا تشذ عن تلك القوانين كما لا يشذ غيرها من القوى عن قوانينه وإذا لاح أن فعلها إنما يجري غالباً اتفاقاً وصدفة ومن غير نظام فما ذلك إلا لجهلنا بقوانينها ويكفي أن نلقي نظرةً إلى نتائج صاعقة مثلاً النتائج التي
٢٩٤
ليست أقل غرابة من هذه القوى لنعلم أنه لا يوجد البتة شيء في هذا
العالم لا يجري وفق قانون
وهذه القوى - كغيرها - يمكن أن يجمعها ويستخدمها أولئك الذين
يعرفون قوانينها وهنا يجب علينا أن نميز بين حالتين
تدبير هذه القوى والتصرف فيها على الوجه المتقدم يمكن أن يكون بواسطة كائنات تنتسب لنفس العالم اللطيف كالكائنات المعروفة بالجن أو بواسطة أناس أحياء يوجد لديهم حالات مطابقة لذلك العالم اللطيف مما يؤهلهم للتأثير فيه وهؤلاء الذين يتصرفون في هذه القوى بإرادتهم - سواء أكانوا من الإنس أم من الجن - يلبسون تلك القوى نوعاً
من الشخصية المصطنعة المؤقتة وتلك الشخصية في حقيقة الأمر ليست إلا إنعكاساً لشخصيتهم الذاتية وطيفاً لها ولكنه يحدث أحياناً أيضاً أن هذه القوى عينها يمكن أن تجتذب وتدبر من غير شعور بواسطة كائنات تجهل قوانينها ولكنها هيئت وأعدت لذلك بما لها من خصائص شاذة في طبائعها ومثل تلك الكائنات ما اتفق اليوم على تسميته [بالوسطاء] وهؤلاء أيضاً يعيرون القوى التي ينقلون بها شخصية ظاهرية ولكنهم يخسرون بإزاء ذلك سلامة حالاتهم النفسية التي يعتريها من تلك القوى اضطرابات قد تصل إلى حد الانحلال الجزئي في الشخصية
ولنا على هذا النوع من الاستحواز اللاشعوري أو اللاإرادي الذي
يقع فيه الكائن تحت رحمة القوى الخارجية بدلاً من تسلطه عليها ملاحظة هامة هي أن جاذبية هذا النوع يمكن أن تؤثر في هذه القوى ليس فقط بوساطة أناس [وسطاء] كما تقدم ذكره ولكنه يحدث أيضاً بوساطة كائنات حية أخرى بل وحتى بوساطة أشياء غير حية أو
٢٩٥
بوساطة أمكنة معينة تتركز فيها تلك القوى فتنتج بعض الظواهر الشاذة هذه الكائنات والأشياء إذا جاز لنا أن نستعمل اصطلاحاً يبرره التشابه بقوانين القوى الطبيعية - إنا تقوم مقام الأجهزة المكثقة وهذا التكثيف قد يتم من تلقاقء نفسه ومن جهة أخرى يستطيع الذين يعرفون قوانين هذه القوى اللطيفة أن يركزوها أيضاً بطرق خاصة وذلك بالاستعانة بمواد
أو أشياء معينة طبيعتها توافق النتائج المرغوب في تحصيلها وعلى عكس ما تقدم يمكن لهؤلاء أيضاً أن يحلوا تكاثف تلك القوى اللطيفة التي كونوها قصداً بأنفسهم أو بواسطة غيرهم أو التي
تكونت بذاتها من غير تدخل
ولهذا التحليل لم يجهل الإنسان - في أي عصر من العصور - ما للأطراف المعدنية المدببة من منفعة في تحليل أو تفريع القوى المكثفة وفي هذا مشابهة شديدة بتفريع الظواهر الكهربائية وإنه ليحدث إذا ما لمس الإنسان بطرف معدني مدبب نفس النقطة التي يوجد منها ما يمكن يسمى عقدة التكاثف فإنه يصدر عن ذلك شرار ولو أن هذا التكثيف قام به ساحر - كما يحدث كثيراً - فإنه يجوز أ أن يجرح أو يقتل برد فعل الضربة مهما كان موضعه ومثل هذه الظواهر شوهدت في كل زمان وفي كل مكان
أن
وعمليتا التكثيف والتحليل المشار إليهما لهما نظائر في حالات تستخدم فيها قوى من نوع آخر كما في علم الكيمياء لأنهما إنما ترجعان إلى قوانين كلية شاملة كانت معروفة في العلم القديم وخاصة في الشرق ولكنها مجهولة عند الحديثين بتاتاً على ما يظهر وفي الفرجة التي تنحصر بين هذين الطرفين التكثيف والتحليل يستطيع الشخص الذي يدبر هذه القوى اللطيفة أن يلبسها نوعاً من الشعور مما يجعل لها
٢٩٦
شخصية ظاهرية تخدع الذين يواجهون تلك القوى المكثفة فيظنون أنهم أمام كائنات حقيقة
وإمكان تكثيف تلك القوى اللطيفة فى أشياء تختلف طبائعها تمام الاختلاف ثم الحصول على نتائج ذات مظهر شاذ غير عادي من ذلك التكثيف - إنما يميط اللثام عن خطأ الرأي الذي يعتنقه المحدثون والذي يذهب إلى أن الوسيط لا بد أن يكون إنساناً وينبغي أن ننبه هنا إلى أنه قبل الروحانية الحديثة كان استخدام الإنسان كمكثف أمراً قاصراً على أحط أنواع السحرة لما يحيق بالوسيط من مخاطر مهلكة من جراء ذلك
الاستخدام ونضيف إلى ما تقدم أنه بخلاف ما سبق من وسائل التكثيف توجد وسيلة أخرى مخالفة لها تماماً لا تقوم على مبدأ تكثيف القوى اللطيفة في كائنات أو أشياء خارجة عن الشخص الذي يقوم بهذا العمل ولكنها تقوم على مبدأ تكثيفها في نفسه وذلك كيما يستخدمها وفقاً لإرادته وكيما يوجد تحت تصرفه إمكان مستديم لإنتاج ظواهر معينة واستعمال هذه الطريقة أمر مراعى في الهند على وجه الخصوص ويحسن بنا أن نشير هنا إلى أن هؤلاء الذين يتوفرون على الحصول على نتائج غير عادية بهذه الطريقة أو بغيرها مما سلف ذكره ـ ليسوا أهلا لما يسبغه الناس عليهم من جدارة وتفوق وإنما هم في الحقيقة أناس وقف نموهم الباطني في درجة معينة - لسبب من الأسباب ـ فلم يستطيعوا أن يسيروا إلى أبعد منها فنتج عن ذلك أنهم توفروا على بذل نشاطهم في أشياء من نوع أعلى
على أن المعرفة التامة الدقيقة بتلك القوانين التي تسمح للإنسان
بأن يتصرف في القوى اللطيفة إنما كانت على الدوام قاصرة على عدد
۹۷
يسير من الناس وذلك لما ينتج من المضار إذا ما ذاعت بين من لهم مقاصد سيئة ويوجد في الصين كتاب منتشر جداً عن القوى السابحة ولكنه لا يتناول غير تطبيق ضيق لتلك القوى على نشأة الأمراض وكيفية علاجها وما عدا هذا ألا يكون في الحقيقة غير موضوع دراسة شفوية محضة ذلك فإن الذين يعرفون قوانين القوى السابحة معرفة تامة ومع يكتفون بتلك المعرفة ويزهدون تمام الزهد في تطبيقها واستخدامها ينكرون على أنفسهم أن يثيروا أي ظاهرة من ظواهر تلك القوى بقصد إدهاش الناس أو بقصد إشباع نزعة حب الاستطلاع عندهم وإذا تحتم عليهم مع ذلك أن يحدثوا بعض الظواهر - لأسباب مباينة تماماً لما تقدم ذكره من الأسباب وفي ظروف خاصة ـ فإنهم يفعلون ذلك بوسائل مخالفة تماماً لما هو معروف ويستعملون فيه قوى من نوع
عملياً
وهم
آخر ولو تشابهت النتائج الظاهرة
أمكنة
وإذا وجد هناك تشابه بين القوى الحسية كالكهرباء وبين القوى اللطيفة أو النفسية فإنه يوجد أيضاً مثل هذا التشابه بين هذه الأخيرة وبين القوى الروحية التي يمكن - مثلاً - أن تتركز بدورها في معينة أو في أشياء معينة أيضاً ويمكن أن تصدر نتائج تتشابه في الظاهر عن تلك القوى المتباينة في طبائعها وهذه المشابهات الظاهرية هي مصدر الخلط والانخداع الكثيرين اللذين لا يمكن أن يتحاشاهما الذين يتوافرون على تحقيق تلك الظواهر
فالسحرة يمكنهم - ولو إلى حد محدود - أن يقلدوا بعض كرامات
الأولياء ومع
هذا التشابه الظاهري في النتائج فإنه ليس يوجد شيء مشترك بين مصادرها المتباينة فيما بينها تماماً
وليس يدخل في موضوعنا هذا التكلم عن فعل هذه القوى
۹۸
الروحية ولكننا مما تقدم نستطيع على أقل تقدير أن نستمد النتيجة
المهمة وهي
أن الظواهر بمفردها لا تقوم دليلاً ولا تنهضه حجة على شيء من الأشياء وإنها لا تستطيع أن تثبت صحة نظرية من النظريات أياً كانت إذ أن نفس الظواهر يجب أحياناً أن تفسر بصورة تختلف باختلاف الأحوال والظروف وإنه ليندر أن لا يوجد لظواهر معينة إلا تفسير واحد
ممکن ونخلص من هذا كله إلى أن العلم الحقيقي لا يمكن أن يتكون إلا إذا بدأ من فوق أعني من مبادىء عالية نطبقها على الواقع التي ليست في الحقيقة إلا نتائج لتلك المبادىء تقرب أو تبعد عنها وهذا نقيض ما يفعله العلم الغربي الحديث تماماً ذلك العلم الذي يريد أن من الوقائع ليستخرج منها تفسيراً شاملاً كما لو كان الأكثر يمكن أن يستخرج من الأقل وكما لو كان الأوضع يتضمن الأرفع وكما لو كانت المادية يمكن أو تكون معياراً للروح وحداً لها
يبدأ
الفلسفة الحديثة
عبد الواحد يحيى
في الحضارة الروحانية لا يتصور أن إنساناً يزعم أ أنه صاحب فكرة معينة ابتدعها أو اخترعها وإذا زعم ذلك شخص فإن هذا يكفي في إزالة الثقة بفكرته لأنها تعد حينئذ مجرد خيال إذا أن الفكرة إذا كانت حقيقة فهي مشاع بين كل من هم أهل لفهمها أما إذا كانت خطأ فإنه لا يفتخر أحد بادعاء اختراعها والفكرة الحقيقية لا يمكن أن تكون
۹۹
جديدة ذلك أن الحقيقة ليست نتاج العقل الإنساني إنها موجودة مستقلة عنا ومهمتنا أن نعرفها أما إذا خرجنا عن دائرة هذه المهمة فإنه لا يمكن أن نخرج إلا الخطأ ولكن أيبحث الحديثون عن الحقيقة وهل يعلمون معنى هذه الكلمة إن الكلمات فقدت معانيها في هذا العصر الحديث فأصحاب مذهب البرجماتسم المعاصرون يعرفون الحقيقة بأنها كل ما يصل بالإنسان إلى منفعة عملية وهم في هذا يبتعدون كل البعد عن النظام الروحاني
إن الفلسفة الحديثة لأنها فردية شخصية قد وصل بها الأمر إلى إنكار البصيرة ووضع العقل فوق كل شيء ولقد جعلت منه ـ وهو الملكة الإنسانية المحضة - الجزء الأسمى من القوة الدراكة بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك فقصرت القوة الدراكة على العقل وهذا هو مذهب العقليين ۱ والمؤسس الحقيقي له هو في الواقع ديكارت وقصر القوة الداركة على العقل ليس إلا مرحلة أولى إذ أن العقل نفسه أخذ ينزل شيئاً فشيئاً عن صفته النظرية إلى أن حدد عمله بأنه على الخصوص الناحية العملية وهذا التحديد كان تابعاً لزيادة الاهتمام بالتطبيق العملي ذلك الاهتمام الذي يجعل الناحية العلمية النظرية في المرتبة الثانية على أن ديكارت نفسه كان في الحقيقة معنياً بالتطبيق العملي أكثر من عنايته بالعلم البحت وليس هذا كل شيء فإن الفردية الشخصية في الفلسفة قد أدت بالضرورة إلى المذهب الطبيعي ٢ لأن
1 Rationalisme مذهب فلسفي يرفض الوحي كمصدر للمعرفة ويزعم تفسير كل شيء بواسطة العقل وحده
Naturalisme المذهب الطبيعي هو المذهب الذي يعزو كل شيء إلى الطبيعة
ويرى أنها المبدأ الأول
۳۰۰
كل ما هو خارج عن الطبيعة بعيد عن متناول الفرد باعتباره فرداً والمذهب الطبيعي وإنكار ما وراء الطبيعة هما شيء واحد وإذا كانت الفلسفة الحديثة قد أنكرت البصيرة فإنه لم يعد مجال للبحث فيما وراء الطبيعة بيد أنه إذا كان بعض الأشخاص لا يزالون يصرون على إقامة مذاهب مزيفة فيما وراء الطبيعة فإن غيرهم قد اعترف في صراحة بعدم إمكان ذلك ومن هذه النظرة نشأ النسبيون۱ في مختلف صورهم سواء في ذلك المذهب النقدي لكانت أو الفلسفة الوضعية ۳ لأوجيست كونت وبما أن العقل نفسه نسبي ولا يمكن أن كذلك فإنه من الواضح أن مذهب
يثمر حقيقة إلا في محيط نسبي النسبية هو النهاية المنطقية للمذهب العقلي
وبذلك يهدم المذهب العقلي نفسه ذلك أن الطبيعة و الصيرورة يعنيان في الواقع شيئاً واحداً ولذلك كان الطبيعي المنطقي المنسجم مع منطقه فيلسوفاً من فلاسفة الصيرورة ومثله الأعلى يتحقق في مذهب النشوء والارتقاء وهذا المذهب هو الذي ينتهي إلى معارضة المذهب العقلي في أنه يأخذ على العقل أنه لا يمكنه أن يقوم بدوره قياماً صحيحاً فى دائرة التغير والصيرورة والكثرة أنه يعجز عن أ
أن
يجعل قواعده تحتوي على التغيرات الحسية اللانهائية المتأرجحة ومن هنا كانت الصورة الحديثة التي لبسها مذهب النشوء والارتقاء أعني
1 المذهب النسبي Relativisme مذهب فلسفي يرى أن المعارف الإنسانية كلها
نسبية
Criticisme مذهب فلسفي لكانت يبحث في الحدود التي يجب أن يتخطاها العقل إذا أراد السير في دائرته التي خلق لها ۳ Positivime هو مذهب فلسفي أسسه أوجيست كونت يزعم أن الإنسان لا يمكنه أن يعرف في دقة إلا الحقائق التي تستمد عن طريق الملاحظة أو التجربة
۳۰۱
مذهب الحدس البرجسون وهو مذهب فردي لا يتمشى مع الاتجاه الروحاني مثله في ذلك مثل المذهب العقلي وإذا كان صاحب مذهب الحدس قد انتقد المذهب العقلي فإنه قد نزل إلى مرتبة دنيا حينما التجأ إلى ملكة أحقر من العقل هي الحدث الحسي الذي لم يحدده برجسون تمام التحديد والذي امتزج قليلاً أو كثيراً بالخيال وبالغريزة وبالعاطفة وهكذا وصل بنا الأمر أننا لم نعد بصدد البحث عن الحقيقة ولكن بصدد عن الواقع بل الواقع المقتصر على الدائرة الحسية مفهومة على أنها في جوهرها متغيرة متأرجحة بين هذه النظريات جردت القوة الدراكة عن جميع أقسامها السامية واقتصر فيها على أدنى أجزائها بل إن العقل نفسه لم تعد له من قيمة إلا في الأعمال الصناعية وبعد كل ذلك لم يعد إلا خطوة واحدة هي الإنكار المطلق لقيمة القوة الدراكة وللمعرفة ووضع المنفعة بدل الحقيقة وهذا هو مذهب البرجماتسم ۱ وهو مذهب لا يستشرف المعرفة الروحانية ولا يتجه إلى السماء يستلهمها الرشاد الحق بل إنه لا يقف بنا عند حد المعرفة البشرية الإنسانية كالمذهب العقلي إنه ينزل بنا إلى مرتبة أقل من المرتبة الإنسانية مرتبة تستضيء باللاشعور الذي يجعله وليم جيمس الواسطة إلى الاتصال بالألوهية وفي هذا قلب
للأوضاع الطبيعية
تلك
هي خاتمة الفلسفة في العصر الحديث وهي خاتمة ما كان
يمكن أن توجد في حضارة روحانية
۱ عقيدة تجعل الفائدة العملية مقياس الحقيقة فالحقيقة في هذا المذهب تطلق بكل
بساطة على كل ما له فائدة عملية
۳۰
لا نريد أن نطيل في الحديث عن الفلسفة الحديثة فإنه يجب أن لا نعطيها من الأهمية أكثر مما ينبغي لها إنها من وجهة نظرنا لا تعدو أن تكون نصاً يعبر عن اتجاه البيئة في زمن معين إنها تعبر عن اتجاه البيئة يـ ولكنها لا تنشئها وأنه لمن المؤكد أن الفلسفة الحديثة تنتسب في أصولها إلى ديكارت ولكن تأثير ديكارت في عصره أولاً ثم فيما تلاه ما كان يمكن أن يوجد لو لم تكن الآراء التي قال بها تتجاوب مع اتجاهات سبقته وعاصرته إن الروح الحديثة وجدت في الديكارتية مرآة تصورها فلما نظرت في المرآة تبينت نفسها في وضوح أوضح على أننا نجد في كل الميادين أن الظواهر التي تشبه الديكارتية هي نتائج أكثر منها مبادىء مبتدعة إنها ثمرة عمل موجود وإن كنا لا نشعر به في وضوح وإذا كان ديكارت أوضح مثل للانحراف الحديث فإنه ليس المسؤول عن ذلك وحده بل ليس أول مسؤول عن ذلك
من جو الفلسفة إلى جو التصوف
إعرف نفسك بنفسك ١
وهو بحث فلسفي صوفي
كثيراً ما تقال هذه الجملة - إعرف نفسك بنفسك - وكثيراً ما
يخفى القصد وبين هذا القول وذلك الغموض يعترضنا سؤالان أولهما ما هو المصدر الأصلي للجملة وثانيهما ما مدلولها
الحقيقي وما ترمي إليه من أغراض
قد يخيل لبعض القراء عند أول وهلة أن السؤالين مفترقان لا
•
۱ مجلة المعرفة ذو الحجة سنة ١٣٤٩ مايو سنة ۱۹۳۱
۳۰۳
رابطة ولا صلة تجمعهما وعند تدقيق النظر والبحث والتمحيص
سيثبت لهؤلاء أن السؤالين مرتبطان ببعضهما كل الارتباط
إذا سألنا أغلب من درسوا الفلسفة اليونانية عن الإنسان الذي فاه بهذه الحكمة لما تردد فريق منهم في الإجابة بأن القائل سقراط بينما يقول فريق ثان أفلاطون ويقرر فريق ثالث بأنه فيثاغورث
من هذا التضارب في الرأي وذلك التباين في القول نستطيع
الحكم بأن الجملة تقرأ في كتاب لأحدهم باعتباره مصدرها وقد يبدو حكمنا هذا جائراً ولكنه في الحق حكم صحيح تثبت للقارىء صحته عندما يعلم أن اثنين من أولئك الفلاسفة ـ هما فيثاغورث وسقراط ـ لم يخلفا شيئاً مكتوباً أو منقوشاً وأما ثالثهم أفلاطون فإن أحداً بالغاً ما بلغ من العلم بالفلسفة - لا يستطيع أن يميز على التحديد ما قاله أفلاطون نفسه أو ما قاله بلسان أستاذه سقراط الذي لم نعرف أكثر آرائه إلا بواسطة أفلاطون وقد يكون أفلاطون استقى من مدرسة فيثاغورت بعض التعليم التي بثها في محاوراته كما استقى من سقراط
نفسه
من هذا نرى أن من الصعب جداً أن تحدد نسبة بعض العبارات إلى أحد الثلاثة فما ينسب لأفلاطون قد ينسب لسقراط بينا يكون سابقاً لوقت الإثنين معاً فيكون صدر من المدرسة الفيثاغورية إن لم يكن من
فيثاغورث نفسه
والحق هو أن المصدر الحقيقي لهذه الجملة لأقدم تاريخاً من أولئك الفلاسفة أنفسهم بل لأكثر قدماً من تاريخ الفلسفة نفسها وأكثر
٣٠٤
من هذا وذاك إنها أسمى مجالاً من مجال الفلسفة ذاته هذه العبارة وجدت محفورة على باب هكيل أبولون في دلفي وإتخذها سقراط كما إتخذها غيره قاعدة لتعاليمهم - وإن اختلفت التعاليم وتباينت المقاصد - ومن المحتمل جداً أن فيثاغورث إستعملها قبل سقراط نفسه
والذي نفهمه من هذا هو أن أولئك الفلاسفة حاولوا أن يظهروا لنا بل أظهروا لنا بالفعل أن تعاليمهم لم تكن من تلقاء أنفسهم فحسب بل كانت من مصدر أسمى ومنزلة أرفع يتناسبان مع مصدر الوحي ومنزلة الإلهام
6
من بنات
لهذا نراهم مختلفين جد الإختلاف عن الفلاسفة الحديثين الذين يحاولون جهد طاقاتهم أن يقولوا شيئاً جديداً يدعون أنه أفكارهم الخاصة وأن ما يبدونه من آراء وقف عليهم كأن الحقيقة
ملك لشخص معين والآن لماذا كان يود الفلاسفة القدماء أن يربطوا تعاليمهم بهذه
العبارة أو بعبارات تماثلها ولماذا يمكنا أن نقول إن هذه العبارة أسمية منزلة من الفلسفة نفسها
للجواب عن الفقرة الأخيرة من هذا السؤال نقول إنه منحصر في المعنى الأصلي المقصود من اشتقاق كلمة الفلسفة نفسها التي قيل إن أول من إستعملها فيثاغورث
فكلمة فيلسوفياً تعني تماماً حب سوفيا أي الحكمة والميل للحصول عليها وقد استعملت لتدل دائماً على كل تحضير للحصول على الحكمة وعلى الأخص لمحبها حيث تساعده على أن يصير
۳۰۵
سوفوس أي حكيماً وبما أن الوسيلة لا تؤخذ على أنها غاية كذلك
حب الحكمة ليس هو الحكمة بذاتها
وبما أن الحكمة هي بذاتها المعرفة الحقيقية الباطنة فإنه يمكن القول بأن المعرفة الفلسفية إن هي إلا المعرفة السطحية الخارجية فليس لها قيمة في نفسها أو مِنْ نفسها وما هي إلا درجة أولية في الطريق المؤدية للمعرفة السامية الحقة التي هي الحكمة معروف لمن درسوا الفلسفة أن معظم الفلاسفة القدماء كان لهم
في مدارسهم نوعان من التعليم خارجي وداخلي أما الأول فهو ما كان مكتوباً وأما الثاني فيصعب علينا معرفة طبيعته على التحقيق وذلك لقصره على القليلين أولاً ولصبغته السرية ثانياً وهذه الصبغة وتلك القلة دليلان على وجود غرض أسمى من تعلم الفلسفة الذي لا يستطيع تأديته على أنا نعتقد أن لهذا التعليم السري أقوى صلة مباشرة بالحكمة ذاتها والذي ما كان عمادة ـ في حال ما ـ العقل أو الإستدلال المنطقي كالفلسفة التي تعتمد عليها وبهما سميت
المعرفة العقلية
ومسلم من الفلاسفة القدماء بأن المعرفة العقلية - أي الفلسفة - ليست هي المعرفة العليا الحقة وبعبارة أخرى ليست
ذاتها
هي
الحكمة
لكن هل يمكن أن تعلم الحكمة كما تعلم المعرفة الخارجية بواسطة التلقين أو الكتب هذا مستحيل كل الاستحالة وسترى سبب ذلك والذي يمكننا أن نقرره هو أن التحضير الفلسفي ما كان ليكفي مطلقاً لأنه لا يختص إلا بقوى محدودة هي نفسها العاقلة بينا يستمد التحضير للحكمة من الكون الكلي للإنسان نفسه
٣٠٦
وإذن فهناك تحضير آخر للحكمة أسمى منزلة من التحضير الفلسفي لا يلجأ فيه إلى العقل بل إلى النفس والروح وهذا ما نستطيع تسميته بالتحضير الباطني الذي عرف أنه من الصفات التي امتاز بها تلاميذ الفيثاغورية الممتازون والذي ظل حتى مدرسة أفلاطون بل حتى وصل إلى الأفلاطونية الحديثة بمدرسة الإسكندرية التي ظهر فيها ذلك التحضير بوضوح تام كما ظهر جلياً في نفس الوقت عند
الفيثاغورية الحديثة
أتباع
لمثل هذا التحضير الباطني تستعمل الكلمات على أنها صور رمزية لإحدى الوسائل التي تساعد على تركيز التأمل الباطني وبهذا التأمل ينقل الإنسان إلى بعض حالات نفسية وروحية يمكنه فيها أن يسمو فوق درجة المعرفة العقلية التي وصل إليها سابقاً
وبما أن هذه فوق مستوى العقل فإنها ـ منطقياً ـ فوق مستوى الفلسفة إذ يستحيل علينا أن نعطي للفلسفة غير المعنى المعروف عنها دائماً لتعيين ما يبحثه العقل فحسب
فهي
ومن الغرابة أن الفلاسفة الحديثين كثيراً ما يقيدون الفلسفة بهذا
القيد كأنها كاملة في نفسها وغاب عن أذهانهم أن فوق فلسفتهم ما هو أسمى بكثير
وقد عرف هذا النوع من التعليم الباطني في الأقطار الشرقية قبل أن يعرف في اليونان حيث كان معروفاً عند الأخيرين باسم ميستيريا أي المساتير ۱ وقد أدخل أولئك الفلاسفة - وخاصة فيثاغورث - تلك
1 لم نعثر على ترجمة دقيقة تؤدي المقصود من كلمة ميستيريا وقد راجعنا الأستاذ فريد بك وحدي في هذا فعبر عنها بكلمة المساتير وكنا نرى أنها قد تكون الغيبيات أو الروز أو الخفائية فلعل أحد حضرات القراء يجد لها معنى أدق
۳۰۷
الميستيرات في تعاليمهم لأنها كانت بالنسبة إليهم نوعاً جديداً ومعنى حديثاً للآراء القديمة فقد كان يوجد أنواع كثيرة من تلك الميستيرات لها مصادر مختلفة ولكن التي ألهمها فيثاغورث وأفلاطون كان لها صلة بطقوس معبد أبولون
وقد احتفظت الميستيرات دائماً بصبغة سرية ولذلك صار أسمها مرادفاً للسرّ فالمعنى الأصلي لتلك الكلمة هو الصمت التام فكل الأشياء التي تتصل بالغيبيات غير قابلة للتفسير بواسطة الكلمات وبهذا لم يكن لها من طريق التعليم غير طريقة الصمت وجاء الفلاسفة الحديثون فلم يعرف أكثرهم تلك الطريقة فهربوا خلف استعمال الكلمات التي ندعوها من طريق التعليم الخارجي ويمكننا أن نؤكد أن هذا التعليم الصامت كانت طريقته الأشكال والرموز ووسائل أخرى يراد منها تهيئة الإنسان لحالات باطنية يمكنه فيها - بعد خطرات متتابعة - أن يصل أخيراً إلى المعرفة الحقيقية وهذا هو الغرض الأساسي العام من الميستيرات وما يشابهها غرضاً أما الميستيرات التي تتصل بطقوس أبولون أو بأبولون نفسه فإنه ينبغي أن نشرح للقراء بأنه كان معروفاً في عرفهم بأنه رب الشمس والنور والمعنى الروحي للنور وهو المبدأ المشرق الذي منه تنبعث كل المعارف من علوم وفنون
وقد قيل إن الطقوس الدينية لمعبد [أبولون] جاءت من الأقطار الشمالية وقد ثبت هذا في الكتب المقدسة [كالفيدا] الهندي و [الأفتشا] الفارسي وقد كانت دلفي معروفة بأنها المركز العام وقد كانت دلفي معروفة بأنها المركز العام وقد وجد في هيكلها حجر يسمى
[أومفالوس] يرمز إليه بأنه مركز العالم
۳۰۸
يظهر أن تاريخ فيثاغورث بل وإسم فيثاغورث نفسه له صلة وثيقة بالطقوس الدينية لأبولون فقد كان يسمى [بيشيوس] وقد قيل إن بيشو هو الإسم القديم لدلفي وإن المرأة التي كانت تتلقى وحي الآلهة في الهيكل كانت تسمى [بيئيا] ومعنى [بيشيا جورای] هو دليل بيثيا ودليل بيثيا هو نفسه وقيل أيضاً إن البيثيا هي التي أعلنت أن سقراط أحكم الرجال ومن هنا نستطيع أن نفترض أن لسقراط اتصالاً خاصاً بالمركز الروحي في دلفي كفيثاغورث أيضاً
أضف إلى ذلك أن كل العلوم كانت تنسب إلى أبولون وبخاصة الهندسة والطب وقد كان أبولون يمثل نفسه كأنه يمارس هذه العلوم عامة والهندسة منها بوجه خاص وفي مدرسة فيثاغورث كانت الهندسة وسائر فروع الرياضة هي الجزء العام في التحضير للمعرفة العليا وعند هذه المعرفة لم يكن لتلك العلوم لتترك جانباً بل كانت تستعمل كرموز للحقيقة الروحية وقد كانت الهندسة لدى أفلاطون تحضيراً ضرورياً لكل فرع من فروع تعاليمه حتى صح عند قوله الذي حفره على مدخل مدرسته [لا يدخله إلا عالم بالهندسة ويظهر معنى هذه الكلمات جلياً إذا قورنت بقول آخر لأفلاطون نفسه [الإله يصنع الهندسة دائماً] وهنا يجب أن نذكر أن المقصود بالإله المهندس هو أبولون
وإذن فيجب ألا ندهش إذا ما رأينا الفلاسفة القدماء استعملوا تلك الجملة المحفورة على مدخل هيكل دلفي بعد أن عرفنا صلة الاتصال
بينهم وبين طقوس أبولون ورموزه
من كل ما تقدم يمكننا أن ندرك بسهولة ما الغرض الحقيقي لهذه الجملة ويمكننا أيضاً أن ندرك أخطاء الفلاسفة الحديثين فيها وأساس
۳۰۹
خطئهم
هذا ناشيء من أنهم أخذوا الجملة باعتبارها صادرة من أحد الفلاسفة الذي كثيراً ما ينسبون إليه فكرة كفكرتهم مع أن الحقيقة هي أن الفكرة القديمة كثيراً ما تختلف عن الفكرة الحديثة كل الاختلاف ولذا يعطي كثير منهم لهذه الجملة معنى سيكوليجي علم النفس مع أن علم النفس هو دراسة الظواهر العقلية فحسب أي دراسة الوصف - لا الذاتي - للكائن الحي ويرى بعض الحديثين ـ وخصوصاً الخارجي الذين ينسبونها إلى سقراط - أنها وضعت لغرض خلقي هو البحث عن قانون داخلي لاستعماله في الحياة العملية وكل هذه التفسيرات الظاهرة ولو أنها أحياناً لا تكون باطلة - فإنها على الأقل لا تكفي تماماً ولا تحقق الصفة المقدسة التي كانت لهذه الجملة في أول الأمر وهي لها معنى أعمق كثيراً من هذه التفسيرات الظاهرة
التي
فإنها أولاً تفيد أن التعليم الخارجي لا يمكن أن ينتج معرفة حقيقية وهي التي يجدها الإنسان في نفسه فقط ولا يخفى أن أي معرفة لا يمكن الحصول عليها إلا بالإدراك الشخصي وبدونه لا يكون التلعيم نتيجة فعالة والتعليم الذي لا يوقظ فيمن يتلقاه ما يناسبه لا يمكن أن يعطي أي معرفة بالمرة ولذلك قال أفلاطون إن كل ما يتعلمه الإنسان هو في قرارة نفسه وإن تجاربه وما يحيط به من الخارج ماهي إلا أسباب تساعده ليصير عالماً بما في نفسه وهذا التيقظ إلهام يسمى أنا منيسيس أي التذكر فإذا كان هذا صحيحاً لأي معرفة فالأحرى أن يكون أصح بالنسبة للمعرفة الأسمى والأعمق فإذا شخص الحصول على تلك المعرفة فإن كل الوسائل الخارجية الحسية تصبح - شيئاً فشيئاً - غير كافية حتى أنها أخيراً تكون عديمة الفائدة أنها ربما تساعد ومع على الاقتراب عدة درجات نحو الحكمة فإنه لا يمكن بواسطتها الحصول
۳۱۰
عليها تماماً ومن الشائع في الهند أن الجورو الحقيقي أي الشيخ هو
أما
في نفس الإنسان ولا ينبغي البحث عنه في العالم الخارجي المساعدة الخارجية فربما تكون ضرورية في البداءة وذلك لتجهيزه
ليصير قادراً على أن يجد في نفسه بنفسه ما لا يمكنه أن يجده في العالم الخارجي وخصوصاً ما كان فوق مستوى المعرفة العقلية فإنه يحتاج لتحقيق حالات تتعمق دائماً في باطن الكائن وتتجه نحو المركز المرموز
قادراً
إليه بأنه القلب وعنده ينبغي انتقال إحساس الإنسان حتى يصير على الحصول على المعرفة الحقيقية وهذه الحالات التي كانت تتحقق
في [الغيبيات] كانت درجات في الانتقال من العقل إلى القلب وقد كان في هيكل دلفي حجر يسمى [الأومفالوس] يمثل به مركز الكائن الإنساني وفي نفس الوقت مركز العالم وذلك للصلة التي بين العالم الأكبر والعالم الأصغر أي الإنسان ولذا تجد أن كل ما في أحدهما
يتصل اتصالاً تاماً بما في
الآخر
قال ابن سينا
وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
الحجر
ومما يدعو إلى التسلية حقاً هذا الاعتقاد الذي سار قديماً بأن [الأومفالوس] كان قد سقط في السماء وإنك لتدرك شدة اعتقاد اليونان القدماء في هذا الحجر إذا علمت أنه يقرب من اعتقادنا في الأسود الذي في الكعبة المقدسة وهذا التشابه الذي بين العالم الأكبر والعالم الأصغر الإنسان هو الذي لا يجعل من أحدهما صورة للآخر وهذا الاتصال بين العناصر التي يحتويها كلاهما يبين لنا أن الإنسان يجب أن يعرف نفسه أولاً لكي يمكنه أن يعرف كل ما حوله لأنه يمكنه
۳۱۱
أن يجد كل شيء في نفسه ولهذا السبب تجد أن لبعض العلوم - وخاصة تلك التي كانت جزءاً من المعرفة القديمة والتي أصبحت غير معروفة تقريباً عند الحديثين - معنيين
ففي الشهود العيني تشير هذه العلوم إلى العالم الأكبر فتعتبر
عمقاً
صحيحة من هذه الوجهة كما يوجد لها في نفس الوقت معنى أكثر وهو يشير إلى الإنسان وإلى الطريق الباطني الذي بواسطته يمكنه إدراك المعرفة الحقيقية في نفسه أي إدراك كائنه الخاص وقد قال أرسطو في ذلك الكائن هو كل من يعرف ماهيته ولذلك حيث توجد المعرفة الحقيقية - لا ظواهرها ولا شبحها - تندمج المعرفة والكون ويصيران شيئاً
واحداً والشبح فسره أفلاطون بأنه كل معرفة بالحس حتى المعرفة العقلية فإنها ولو أنها تتكون من درجة أعلى من مصدرها فإن مصدرها الأول هو الحس والمعرفة الحقيقية هي فوق مستوى العقل ولهذا نرى أن تحقيقها أو تحقيق ماهية الكائن نفسه يشابه أو يطابق تكوين العالم كما ذكرنا سابقاً ولذا فإن بعض العلوم تحت ظواهر هذا التكوين قد استعملت الغيبيات القديمة على هذا المعنى الثنائي كما وجد أيضاً في كل أنواع التعاليم التي كانت ترمي إلى نفس الغرض بين الأمم الشرقية وفي الغرب يظهر أن مثل هذه التعاليم وجدت في زمن القرون الوسطى ولو أنها فقدت الآن تماماً لدرجة أن غالبية الغربيين ليس
عندهم مما سبق ترى أن المعرفة الحقيقية ليس طريقها العقل بل طريقها النفس والروح ويمكن أن نضيف إليهما الكائن الكلي لأنها ما هي إلا الإدراك الكلي لهذا الكائن في كل حالاته وهذا هو نهاية وكمال
أقل فكرة عن طبيعتها أو وجودها أو مكانها
۳۱
المعرفة والحصول على الحكمة السامية وحقيقة كل ما يختص بالنفس وما يختص بالروح أيضاً يظهر فقط الدرجات في هذه الطريق إلى الجوهر الباطني أي النفس الحقيقية
متحدة
وهذا يمكن إدراكه فقط عندما يصل الكائن إلى مركزه الخاص كل أجزاء فؤاده ومركزة في نقطة واحدة عندها تظهر له كل الأشياء تحتويها جميعها تلك النقطة كما كانت في مبدئها الأول وهذا يمكن أن يعرف كل الأشياء كما هي في نفسه ومن نفسه كما يظهر الوجود الكلي الأوحد في وحدة جوهر الفرد ومن السهل أن نرى الفرق بين هذا وبين علم النفس في المعنى الحديث فإن الأول يسمو على الثاني بمعرفة للنفس أصح وأعمق والثاني ما هو إلا خطوة أولى في الطريق ويجب أن نلاحظ أن المعنى لا ينبغي أن يقصر على النفس لأن كلمة النفس مستعملة في اللغة العربية بما يطابقها في اليونانية بسيخي لا يظهر معناها إلا في الجملة الأصلية التي تبحثها ففي مثل هذه الحالة لا يمكن أن يسري لهذه الكلمة المعنى الدارج بل لا بد أن يكون لها معنى أكثر سموا يجعلها مطابقة لكلمة ذات ويجعلها تطابق النفس الحقيقية ولدينا ما يثبت هذا المعنى في الحديث الشريف الذي يطابق الجملة اليونانية هو مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ
فعندما يعرف الإنسان نفسه ويعرفها حقاً في جوهره الباطني أي في مركز كائنه عندئذ يعرف ربه فإذا عرف ربه عرف كل الأشياء التي منه تصدر وإليه ترجع يعرف كل الأشياء في الوحدة السامية للمبدأ الإلهي الذي لا شيء خارج عنه على الإطلاق وهذا معنى ما قاله الدين بن عربي من أن لا شيء يخلو من اللامحدود سيدي محيي
عبد الواحد يحيى
۳۱۳
التصوف الإسلامي۱
هو الوسيلة الصادقة للمعرفة الحقة
ربما كانت العقيدة الإسلامية من بين العقائد الموحاة هي العقيدة التي يظهر فيها بوضوح التفرقة بين جزأين متكاملين هما الظاهر و الباطن أعني الشريعة وهي الباب الذي يدخل منه الجميع و الحقيقة ولا يصل إليها إلا المصطفون الأخيار وهذه التفرقة ليست تحكمية وإنما تفرضها طبيعة الأشياء ذلك أن استعداد الناس متفاوت وبعضهم معد بفطرته لمعرفة الحقيقة
وكثيراً ما نجدهم يشبهون الشريعة والحقيقة بالقشر واللب أو بالدائرة ومركزها والشريعة تتضمن فضلاً عن الناحية الاعتقادية - الناحية التشريعية والناحية الاجتماعية وهما جزآن لا يتجزآن عن الدين الإسلامي إنها أولاً وقبل كل شيء قاعدة للسلوك أما الحقيقة٢ فإنها معرفة محضة ولكن يجب ان نعلم أن هذه المعرفة هي التي تعطي للشريعة معناها السامي العميق بل هي التي تبرر وجود الشريعة إنها في
۱ ترجمنا هذا المقال عن مقالات باللغة الفرنسية للشيخ عبد الواحد يحيى وحاولنا استكماله واستطعنا بالتعليقات الكثيرة التي اقتطفناها من كتب أئمة التصوف الإسلامي الشريعة أمر بالتزام العبودية والحقيقة مشاهدة الربوبية فكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فغير مقبول وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فغير محصول فالشريعة جاءت بتكليف الخلق والحقيقة إنباء عن تصريف الحق فالشريعة أن تعبده والحقيقة أن تشهده والشريعة قيام بما أمر والحقيقة شهود لما قضى وقدر وأخفى وأظهر سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله يقول قوله إياك نعبد حفظ للشريعة وإياك نستعين إقرار بالحقيقة واعلم أن الشريعة حقيقة من حيث أنها وجبت بأمره والحقيقة أيضاً شريعة من حيث إن المعارف به سبحانه أيضاً وجبت بأمره
٣١٤
الحقيقة - وإن لم يشعر بذلك المؤمنون - المركز الأساسي مثلها في ذلك مثل مركز الدائرة بالنسبة لمحيطها
بيد أن الباطن لا
يعني
فقط الحقيقة وإنما يعني كذلك السبل
الموصلة إليها أعني الطرق التي تقود الإنسان من الشريعة إلى
الحقيقة
وإذا رجعنا إلى الصورة الرمزية الدائرة ومركزها قلنا إن الطريقة هي الخط الذاهب من محيط الدائرة إلى المركز وكل نقطة على محيط الدائرة هي مبدأ الخط وهذه الخطوط التي لا تحصى تنتهي - كلها - إلى المركز
إنها الطرق وهي طرق تختلف تبعاً لاختلاف الطبائع البشرية
ولهذا يقال الطرق إلى الله كنفوس بني آدم
ومهما اختلف فالهدف واحد لأنه لا يوجد إلا مركز واحد وإلا حقيقة واحدة على أن هذه الاختلافات الموجودة في المبدأ تزول شيئاً فشيئاً مع زوال الإنية وذلك حينما يصل السالك إلى درجات عليا تزول فيها صفات العبد التي ليست إلا سجنا الفناء فلا تبقى إلا الصفات الربانية وقد تحققت الذات بها البقاء
والطريقة والحقيقة مجتمعتان يطلق عليهما التصوف وهو ليس مذهباً خاصاً لأنه الحقيقة المطلقة وليست الطرق مدارس مختلفة
لأنها طرق أي سبل موصلة جميعها إلى الحقيقة المطلقة التوحيد
واحد
ويجب أن يلاحظ أنه لا يمكن لأحد أن يطلق على نفسه أنه صوفي اللهم إلا إذا كان ذلك منه جهلاً محضاً لأنه بذلك يبرهن
٣١٥
على أنه حقيقة ليس بصوفي وذلك أن هذه الصفة سر بين الصوفي الحقيقي وبين ربه ويمكن أن يقول الإنسان عن نفسه إنه متصوف وهو عنوان يطلق على السالك في أي مرحلة كان ولكن الصوفي بمعناه الحقيقي لا يطلق إلا على من بلغ الدرجة العليا أما أصل هذه الكلمة صوفي1 فقد اختلف فيه اختلافاً كبيراً ووضعت فروض متعددة وليس بعضها بأولى من بعض وكلها غير مقبولة إنها في الحقيقة تسمية رمزية وإذا أردنا تفسيرها ينبغي لنا أن ترجع إلى القيمة العددية لحروفها وإن لمن الرائع أن نلاحظ أن القيمة العددية لحروف صوفي تماثل القيمة العددية لحروف الحكمة الإلهية فيكون الصوفي الحقيقي إن هو الرجل الذي وصل إلى الحكمة الإلهية إنه العارف بالله إذ أن الله لا يعرف إلا به وتلك هي الدرجة العظمى الكلية فيما يتعلق بمعرفة الحقيقة من كل ما سبق يمكننا أن نستنتج أن الصوفية ليس شيئاً أضيف إلى الدين الإسلامي إنها ليست شيئاً أتى من الخارج فالصق بالإسلام
۱ هذه التسمية غلبت على هذه الطائفة فيقال رجل صوفي وللجماعة صوفية ومن يتوصل إلى ذلك يقال له متصوف وللجماعة المتصوفة وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق والأظهر فيه أنه كاللقب فأما قول من قال إنه من الصوف وتصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص فذلك وجه ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف ومن قال إنهم منسوبون إلى صفة مسجد رسول الله فالنسبة إلى الصفة لا تجىء على نحو الصوفي ومن قال إنه من الصفاء فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة وقول من قال إنه مشتق من الصف فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث المحاضرة من الله تعالى فالمعنى صحيح ولكن اللغة لا تقتضي هذه النسبة إلى الصف ثم إن هذه الطائفة أشهر من أن يحتاج في تعيينهم إلى قياس لفظ واستحقاق اشتقاق
عن الرسالة القشيرية
٣١٦
وإنما هي بالعكس تكون جزءاً جوهرياً من الدين۱ إذ أن الدين بدونها يكون ناقصاً بل يكون ناقصاً من جهته السامية أعني جهة المركز الأساسي لذلك كانت فروضاً رخيصة تلك التي تذهب بالصوفية إلى أصل أجنبي يوناني أو هندي فارسي وهي معارضة بالمصطلحات الصوفية نفسها تلك المصطلحات التي ترتبط باللغة العربية ارتباطاً وثيقاً وإذا كان هناك من تشابه بين الصوفية وبين ما يماثلها في البيئات الأخرى فتفسير هذا طبيعي لا يحتاج إلى فرض الاستعارة وذلك أنه ما دامت الحقيقة واحدة فإن كل العقائد النسبية تتحد في جوهرها وإن اختلفت فيما تلبسه من صور
ويجب أن لا نعطي عناية كبيرة - حينما نتحدث عن أصل التصوف ـ لتلك المناقشات التي لا تنتهي بين مؤرخي التصوف خاصة
لتحديد الفترة الزمنية التي وجدت فيها لفظة صوفي
فإن الشيء قد يوجد قبل اسمه الخاص سواء وجد تحت اسم
۱ قال الأستاذ ماسينيون في دائرة المعارف الإسلامية الترجمة العربية مادة تصوف أما دراسة مصادر التصوف فإن الشقة بيننا وبين استكمالها ما زالت بعيدة وقد حار علماء الإسلاميات الأول في تعليل ذلك الخلاف الكبير في العقيدة بين مذهب الوحدة الحالي ومذهب أهل السنة الصحيح فذهبوا إلى أن التصوف مذهب دخيل في الإسلام مأخوذ إما من رهبانية الشام وهو رأي مركس وإما من أفلاطونية اليونان الجديدة وإما من زرادشتية الفرس وإما من فيدا الهنود وهو رأي جونس وقد بين نيكولسون أن إطلاق الحكم بأن التصوف دخيل في الإسلام غير مقبول فالحق أننا نلاحظ منذ ظهور الإسلام أن الأنظار التي اختص بها متصوفة المسلمين نشأت في قلب الجماعة الإسلامية نفسها أثناء عكوف المسلمين على تلاوة القرآن والحديث وتقرئهما وتأثرت بما أصاب هذه الجماعة من أحداث وما حل بالأفراد من نوازل على أنه إذا كانت مادة التصوف إسلامية عربية خالصة فمما لا يخلو من فائدة أن نتعرف على المحسنات الأجنبية التي أدخلت عليه ونمت في كنفه
۳۱۷
آخر أو وجد ولم تكن هناك الحاجة لتسميته ۱ وعلى كل حال ففيصل الحق في مسألة أصل التصوف هو ما يأتي إن السنة ترشد في صراحة لا لبس فيها إلى أن الشريعة والحقيقة كليهما ينبعان مباشرة من تعليمات الرسول صلوات الله عليه والواقع أن كل طريقة صحيحة تعتمد على سلسلة تصل دائماً إلى الرسول وإذا كانت بعض الطرق فيما بعد
۱ اشتهر هذا الاسم قبل المائتين من الهجرة فهو اسم محدث بعد عهد الصحابة والتابعين ابن خلدون ويقول بعض العلماء إن هذا الاسم معروف في الملة الإسلامية من قبل ذلك بل يذهب بعضهم إلى أنه لفظ جاهلي عرفته العرب قبل ظهور الإسلام قال أبو نصر عبد الله بن علي السراج الطوسي المتوفى سنة ٣٧٨ هـ ۹۸۸ م في كتاب اللمع في التصوف وأما قول القائل إنه اسم محدث أحدثه البغداديون فمحال لأنه في وقت الحسن البصري كان يعرف هذا الاسم وكان الحسن قد أدرك جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم وقد روي عنه أنه قال رأيت صوفياً في الطواف فأعطيته شيئاً فلم يأخذه وقال معي أربعة دوانيق فيكفيني ما معي
وروي عن سفيان الثوري رحمه الله أنه قال لولا أبو هاشم الصوفي ما عرفت دقيق الرياء وقد ذكر في الكتاب الذي جمع أخبار مكة عن حمد بن إسحاق بن يسار وعن غيره يذكر فيه حديثاً إن قبل الإسلام قد خلت مكة في وقت من الأوقات حتى كان لا يطوف بالبيت أحد وكان يجيء من بلد بعيد رجل صوفي فيطوف بالبيت وينصرف صبح ذلك يدل على أن قبل الإسلام كان يعرف هذا الاسم وكان ينسب إلى أهل الفضل والصلاح والله أعلم
فإن
ويعقب المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق على ذلك فيقول
فاستعمال لفظ صوفي ومتصوف لم ينشر في الإسلام إلا في القرن الثاني وما بعده سواء أكان هذا التعبير عن الزاهد بالصوفي حدث في أثناء المائة الثانية كما هو رأي ابن خلدون المتوفى عام ٨٠٦ هـ ١٤٠٦م في مقدمته أم كان لفظاً جاهلياً على ما ذكره صاحب اللمع الذي يحاول أن يبرى الصوفية من انتحال اسم مبتدع لم يعرفه الصحابة ولا التابعون
عن دائرة المعارف الإسلامية الترجمة العربية
۳۱۸
استعارات أو بتعبير أصح تبنت بعض التفاصيل في الطريق وإن كان التشابه هنا أيضاً يمكن أن يعزى إلى التماثل في المعارف وعلى الخصوص فيما يتعلق بعلم المقاطع والأوزان في مختلف فروعه فإن أهمية ذلك لا تعدو أن تكون أهمية ثانوية لا تمس الجوهر من قرب أو من بعد والحق أن التصوف عربي إسلامي كما أن القرآن - الذي تستمد التصوف أصوله منه مباشرة - عربي إسلامي إذا كان التصوف يستمد أصوله من القرآن فمن الطبيعي ألا يوجد قبل أن يفهم القرآن ويفسر ويتدبر تدبرا تتفجر عنه ينابيع الحقائق التي هي في الواقع معناه العميق ولقد فسر القرآن أولاً لغوياً ومنطقياً وكلامياً ولكن تفسيره صافياً اقتضى مرور زمن لتأمله في عمق وشمول وإذا كان القرآن مصدر الشريعة والحقيقة معاً فلا يوجد بينهما تناقض أو اختلاف ما وكيف يوجد الاختلاف ومصدرهما واحد وكيف يوجد الاختلاف والحقيقة لا تقوم إلا على الشريعة في أساسها وفي سندها
التصوف الإسلامي والتصوف المسيحي المزعوم
على أنه يجب ملاحظة أن التصوف الإسلامي ـ خلافاً للفكرة الشائعة حالياً عند الغربيين - لا يمت بأية صلة إلى ما يزعمون أنه تصوف
أما
مسيحي أعني ذلك النوع الذي يطلق عليه الميستيسيسم أسباب ذلك فإنها سهلة الفهم وقد تضمنها ما سبق من حديثنا وهي ۱ - يبدو واضحاً أن الميستيسيسم شيء خاص بالمسيحية وإنه التشبيه قائم على ضلال ذلك الذي يستندونه إليه في إدعاء وجود ما يماثل الميستيسيسم في الأوساط التي لا تعتنق المسيحة
ولا شك في أن هذا الفهم الخاطيء يرتكز على شيء من التشابه
۳۱۹
الخارجي الذي يتمثل في استعمال بعض التعبيرات ولكن هذا لا يبرر دعوى التشابه وذلك لأن الفروق الجوهرية تفجأ النظر ولا تدع للتماثل مجالاً فالميستيسيسم خاص بالمسيحة إذن
٢ - ثم إنه جزء من الشريعة إنه من قسم الظاهر وهدفه بعيد كل البعد عن أن يكون المعرفة المحضة بينما التصوف على خلاف
ذلك
٣ - ثم إن المسيحي الذي اتخذ الميستيسيسم سبيلا في الحياة ينهج في سلوكه منهجاً سلبياً إنه يقتصر على تلقي ما يأتيه دون أن يكون له أثر شخصي إنه لا طريقة له إذن يسلكها هادفاً من وراء سلوكها إلى بلوغ غاية معينة
ومن أجل ذلك لم يكن في المسيحية طرق صوفية ولذلك لا يتخذ المسيحي شيخاً وليس عنده فكرة عن السلسلة أو الإسناد الذي
بواسطته يصل إليه التأثير الروحي الذي لا بد منه في التصوف
ـ والاختلاف في الهدف أيضاً واضح فهدف التصوف المعرفة
أن
وهدف الميستيسيسم الحب والنتيجة الحتمية من كل ما سبق هي التصوف والميستيسيسم مختلفان كل الاختلاف بل إن اللغة العربية لا تشتمل على أية كلمة تترجم ولو تقريبياً كلمة ميستيسيسم ذلك أن
الفكرة التي تعبر عنها هذه الكلمة غريبة كل الغرابة عن السنة الإسلامية
۳۰
التصوف والتحلل من الشريعة الإسلامية ١
يبدو أن كثيراً من الناس يشكون في ضرورة التزام الشريعة لمن يريد أن يسلك السلوك الصوفي وهذا في الواقع استعداد نفسي لا يوجد
إلا في الغرب الحديث
ولا شك في أن أسباب ذلك متعددة ولا يعنينا هنا البحث في مدى المسؤولية التي تقع على عاتق رجال الدين أنفسهم الذين يميلون إلى إنكار كل ما يتجاوز حدود الشريعة في مظهرها الحرفي فليس ذلك جوهر بحثنا هنا
بيد أنه من المدهش أن بعض من يزعمون الانتساب إلى التصوف يقعون فيما وقع فيه رجال الشريعة وإن كان بطريقة عكسية ذلك أنهم ينكرون ضرورة الشريعة أو يهملون العمل بها
وقد يكون من المحتمل أن نرى أحد ممثلي الشريعة يجهل التصوف وإن كان جهله لا يبرر إنكاره ولكن ليس من المحتمل وليس من الطبيعي أن يجهل رجل التصوف ميدان الشريعة ولو من جانبها العملي ذلك أن الأكثر وهو التصوف يتضمن بالضرورة الأقل
وهو الشريعة
على أن نظرة من يريد أن يسلك السلوك الصوفي إلى الشريعة من حيث عدم أهميتها وعلى الخصوص أهمية الجانب العملي منها بالنسبة له هذه النظرة تتضمن ولو نظرياً تقليل أهمية الجانب العملي في التصوف نفسه وفي هذا الخطورة كل الخطورة فإنه من
۱ لخصنا هذا الموضوع عن مقال بالفرنسية للشيخ
رحمه الله
۳۱
المشكوك فيه كثيراً أن يتوفر للشخص الذي عنده الفكرة الاستعداد الصوفي ومن الخير له أن يلتزم الشريعة التزاماً كلياً قبل أن يبدأ السلوك فإذا لم يمكنه التزامها فلا خير فيه بالنسبة للجانب الصوفي
لا
إن تقليل شأن الشريعة إنما هو مظهر من مظاهر الروح التي تبالي بما أنزل الله وإعادة تكوين الروح الخاضعة لما أنزل الله هو أول
خطوة في طريق السالكين
وتجاهل الناحية العملية إنما هو سمة من سمات الغرب الحديث على الخصوص ومن الطبيعي أن يقوم الجو الدنيوي الذي يعيش فيه الغربيون عقبة في سبيل فهمهم للجانب العملي من الشريعة وممارستهم له بيد أن مقاومتهم لهذا الجو الدنيوي هو بالضبط العلاج لانحرافهم هذا وهو السبيل إلى عودتهم إلى النهج المستقيم أعني التزام الشريعة
قلنا إن الاتجاه النفسي الذي نتحدث عنه هنا إنما هو سمة من سمات الغرب الحديث وفي الواقع لا يمكن أن يوجد هذا الاتجاه في الشرق ذلك أن الروح الدينية الصحيحة لا تزال مسيطرة في بيئاته ثم إن الشريعة والحقيقة متصلتان اتصالاً يجعل منهما مظهرين لشيء واحد أحدهما خارجي والآخر داخلي أو أحدهما ظاهر والآخر
باطن
لذلك كان ما يوجد في الغرب الآن من جماعات جماعات تدعي أنها على الصوفي وهي مع ذلك لا ترتكز على أية شريعة إلهية مجرد خداع ومن البديهي أن هذه الجماعات - ومن وجهة النظر الصوفية
النهج
الصحيحة ـ ليست على شيء
۳
ولشرح الأشياء بأبسط الطرق نقول
إن الإنسان لا يشيد القصر في الهواء إنه لا يشيده على غير أساس وكل فكرة لا ترتكز على أساس من السنة الصحيحة إنما هي بناء
في الهواء إنها بناء على غير أساس
والبناء الذي يمكن أن يبقى على الدهر لا بد له من أساس مدعم وعلى الأساس يرتكز البناء كله حتى الأجزاء العليا منه والارتكاز على
الأساس يستمر حتى بعد انتهاء البناء
وعلى هذا النمط تكون النسبة بين الشريعة والتصوف فالشريعة
الأساس الذي لا بد منه لكل سالك وكالأساس تماماً لا
الصحيحة هي يمكن طرح الشريعة بعد سلوك الطريق
بل نقول أكثر من ذلك إنه كلما سار المتصوف في طريقه واستغرق فيه بدت له ضرورة الشريعة واستنارت معرفته بها وأصبح فهمه لها أكثر عمقاً وأكثر دراية بحقيقتها من هؤلاء الذين درسوها وآمنوا بها دون أن يضربوا بسهم في الميدان الصوفي ذلك أنهم لا يرون من الشريعة إلا مظهرها الخارجي ولكن الصوفي يعيش في جوها الروحي ويحياها إذا أمكن هذا التعبير
عن
على أن الذي لا يعتنق شريعة صحيحة ولا يلتزمها لا يمكن أن يحيا إلا حياة دنيوية بحتة فلا يمكن أن يطلق عليه رجل دين فضلا أن يطلق عليه وصف الصوفي
على أن الغربيين الذين يجعلون الدين بمعزل عن نشاطهم اليومي كما هو شأن الأكثرية الساحقة منهم لا يمكن أن يوصفوا بأنهم متدينون وإن آمنوا بعيسى وأدوا الشعائر الكنسية
۳۳
وإذا كان لا يقبل من رجل الدين أن يعلن تدينه دون أن يجعل للشريعة السيطرة على قيادة فإنه لا يقبل من باب أولي من رجل التصوف أن يزعم انتسابه إلى الصوفية دون أن تسيطر شعائر الدين
والتزاماته على حياته
وهناك لا شك نوعان من الحياة حياة دينية وحياة دنيوية ومع
ذلك فالفرق بينهما إنما هو من جهة ما تصطبغ به فكرة الإنسان عن الأعمال التي يؤديها
أريد أن أقول إن الأعمال في نفسها لا توصف بأنها دينية أو دنيوية وإنما يتأتى لها أحد الوصفين بسبب سيطرة الفكرة الدينية عند القائم بهذه الأعمال أو عدم سيطرتها وقد يكون العمل واحداً في نوعه ويؤديه شخصان فيوصف عند أحدهما بأنه ديني وعند الآخر بأنه دنيوي فإن كان القصد الله فالعمل ديني وإن كان القصد شيئاً آخر فالعمل دنيوي والحديث الشريف يوضح هذه الفكرة كل التوضيح إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ومن البديهي أن الحديث في أوله عام بالنسبة لكل الأعمال وأن
مسألة الهجرة فيه تطبيق جزئي لقضية عامة
وفي العصور القديمة لم يكن هناك تفرقة بين دين ودنيا بل لم يكن هناك مجرد الفهم أو مجرد التخيل لفكرة الانفصال هذه وإنما نشأت هذه الفكرة حينما تدهورت الإنسانية وانحطت شيئاً فشيئاً وها نحن أولاء قد وصلنا في هذا التأخر إلى أن الغرب حالياً يصعب عليه كل
٣٢٤
الصعوبة أن يفهم فكرة ضرورة سيادة الروح الدينية في مجتمعاته إنه
على نهج انفصالي لا يوجد في الحياة السليمة
وإننا نرى ضرورة التزام الشريعة لكل إنسان ولكننا نؤكد - ونحن على يقين من الأمر - لهؤلاء الذين يريدون أن يسلكوا الطريق الصوفي بأنهم لن يصلوا حتى إلى أولى مراحل الطريق إذا لم يلتزموا الشريعة التزاماً تاماً وبالله التوفيق
علوم التصوف۱
إن التصوف في جوهره معرفة في محيط ما وراء الطبيعة على أن التصوف وإن كان معرفة عليا فإن بعض العلوم تتصل به إتصالاً وثيقاً بل إنها ليست إلا تطبيقاً لبعض جوانبه وهذا مما يميزه أيضاً عن الميستيسيسم من هذه العلوم علم الفلك القديم وهو ليس تنجيماً كما يعتقد الباحثون الحديثون وإنما يتعلق بمعرفة أسمى وأعمق وكذلك الأمر في الكيمياء القديمة إنها ليست استخراج الذهب الحقيقي من المعادن الحقيقية وإنما كانت رمزاً لمعرفة لا صلة لها بالمادة وليس لها بالكيمياء الحديثة أي ارتباط أو تشابه إن الباحثين الحديثين لا يعرفون عن المعنى الحقيقي لهذين العلمين شيئاً على أن هناك علوماً أخرى لا يعرف عنها متفلسفة العصر الحديث إلا اسمها مع أنها كانت من الدقة بحيث تبلغ درجة العلوم الرياضية
1 الصفحات التالية ترجمة لكلمات للشيخ باللغة الفرنسية تحرينا في ترجمتها الدقة
التامة
٣٢٥
من شروط التصوف
ولا بد في التصوف من شرط جوهري هو التأثير الروحي أو بتعبير أدق البركة وهي لا تتأتى إلا بواسطة شيخ ۱ ومن هنا كانت الطرق
ومن هنا كانت السلسلة وهل السلسلة إلا بركات تنتقل من شيخ إلى
مريد يوشك أن يصبح شيخاً فيؤثر بدوره في مريد أو مريدين ونختم هذه الكلمة بملاحظة جوهرية تتعلق بطبيعة التصوف وهي إن التصوف ليس عملاً علمياً ولا بحثاً نظرياً إنه لا يتعلم بواسطة الكتب على الطريقة المدرسية بل إن ما كتبه كبار مشايخ الصوفية
۱ يجب على المريد أن يتأدب بشيخ فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبداً هذا أبو يزيد يقول من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان وسمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول الشجرة إذا نبتت بنفسها من غير غارس فإنها تورق لكن لا تثمر كذلك المريد إذا لم يكن له أستاذ يأخذ منه طريقته نفساً فنفساً فهو عابد هواه لا يجد نفاذاً
الرسالة القشيرية ص
۱۹۹
ويشترط الإمام الرازي في الشيخ أن يكون مخلصاً صادقاً قد انتهج الصراط المستقيم وأن يكون سالكاً أما السالك فلأن الوصول تارة بالجذبة على ما قال عليه السلام
يصح
أن
جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين وأخرى بالسلوك والأول لا يقتدى به لأنه مثل من وجد كنزاً فصار غنياً فإنه وإن كان ذا مال لكنه غير عالم بكيفية اكتساب المال فلا ينتفع به التلميذ الطالب لتعلم كيفية الاكتساب وأما الثاني فهو الذي يصلح لتربية المريد لأن من سلك الطريق وعرف مراحلها ومنازلها واطلع على متالفها ومعاطبها أمكنه إرشاد الغير إلى سواء السبيل والإخبار عن كيفية تلك الأحوال
على التفصيل
المنقذ
من الضلال
شرح الإشارات ۱۱
من كلام الإمام الغزالي في ثم إني لما فرغت من هذه العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية وعلمت أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفس والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها =
٣٢٦
أنفسهم لا يستخدم إلا كحافز مقو للتأمل والإنسان لا يصير بمجرد قراءته متصوفاً على أن ما كتبه كبار الصوفية لا يفهمه إلا من كان أهلاً لفهمه ولأجل أن يسير الإنسان في طريق التصوف لا بد له من ۱ - استعداد فطري خاص ۱ لا يغني عنه اجتهاد أو كسب
الخبيثة حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكر الله وكان العلم أيسر على من العمل فابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم مثل قوت القلوب لأبي طالب المكي - رحمه الله - وكتب الحارث المحاسبي والمتفرقات المأثورة عن الجنيد والشبلي وأبي يزيد البسطامي قدس الله أرواحهم وغير ذلك من كلام مشايخهم حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلمية وحصلت ما يمكن أن يحصل من طريقهم بالتعليم والسماع فظهر لي أن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعليم بل بالذوق والحال
وتبدل الصفات
وكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة وحد الشبع وأسبابهما وشروطهما وبين أن يكون صحيحاً وشبعان وبين أن يعرف حد السكر وأنه عبارة عن حالة تحصل من استيلاء أبخرة تتصاعد من المعدة على الفكر وبين أن يكون سكران بل السكران لا يعرف حد السكر وعلمه وهو سكران وما معه من علمه شيء والصاحي يعرف حد السكر وأركانه وما معه من السكر شيء والطبيب في حالة المرض يعرف حد الصحة وأسبابها وأدويتها وهو فاقد الصحة كذلك فرق بين أن تعرف حقيقة الزهد وشروطها وأسبابها وبين أن يكون حالك الزهد وعزوف النفس عن الدنيا فعلمت يقيناً أنهم أرباب الأحوال لا أصحاب الأقوال وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم فقد حصلته ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعلم بل بالذوق والسلوك
و المنقذ من
الضلال
1 يرى الإمام الرازي أنه لا بد - لتكون الرياضة نافعة - أن تكون نفس المريد مستعدة لهذا الحديث ملائمة له إذ لو لم يكن كذلك ما نجحت فيه الرياضة أصلا لأن تأثير الرياضة ليس إلا في إزالة العوائق ورفع الحجب والاستار وزوال العائق لا يكفي في حصول المطلوب بل لا بد معه من القابل المستعد فإذا لم تكن النفس مستعدة لم تفد الرياضة سعادة أصلاً لكنها تفيد السلامة
اشرح الإشارات ص ۱۱
۳۷
٢ - الانتساب إلى سلسلة صحيحة إذ أن البركة التي تحصل
- ثم
من الانتساب إلى السلسلة الصحيحة هي الشرط الأساسي الذي لا يصل الإنسان بدونه إلى أي درجة من درجات التصوف حتى البدائية منها يأخذ المتصوف الطيب الفطرة الذي باركه شيخه في الجهاد الأكبر التأمل الروحي وفي الذكر أي استحضار الله في كل ما يأتي وما يدع وفي تركيز الذهن في الملأ الأعلى فيصل موفقاً من درجة إلى درجة حتى يصل إلى أعلى الدرجات حالة وهي تسمو على حدود الوجود المؤقت فيصبح ربانياً ذلك هو الصوفي الحقيقي
مقامات الوصول
وحينما يقطع الإنسان الطريق يصل إلى الولاية والولي إما أن يمكث ولياً فقط فتكون معرفته خاصة به أو يختاره الله لتأدية رسالة إلى الآخرين فيكون نبياً أو يكون رسولا
والرسول نبي ولكن رسالته تأخذ صبغة عالمية أما رسالة النبي فإنها محددة الأهداف محدودة المكان إن الرسول مظهر الصفة الإلهية أنحاء العالمين إنه رحمة للعالمين فلا تقتصر
الرحمن في جميع رسالته على دائرة خاصة
ولا شك أن النبوة أسمى من الولاية ومع ذلك فقد رأى بعضهم أن مقام الولي القرب من الله بينما النبي متجه بطبيعة رسالته إلى الخلق ولكن ذلك خطأ محض فإن النبوة تتضمن الولاية فهي متضمنة لمقام القرب ثم إنها أكثر من الولاية وعلى ذلك فإن حالة الولي ناقصة بالنسبة لحالة النبي إنها ليست قاصرة بالنسبة لطبيعتها
۳۸
الخاصة ولكنها قاصرة بالنسبة لدرجتها في العموم وهذا العموم يصل إلى أعلى درجات ازدهاره في الرسالة إذ هي عالمية والرسول - لا
غيره ـ هو حقيقة الإنسان العالمي
وللرسول كما للنبي اتجاهان
۱ - اتجاه داخلي إنه الاتجاه نحو الحق
- اتجاه خارجي إنه الاتجاه نحو الخلق
ودرجة الرسول العالمية أسمى من درجة النبي المحدودة ودرجة النبي المحدودة أعلى من درجة الولي الخاصة ومقام الجميع القرب
۳۹
الباب الثالث
العارف بالله
الشيخ عبد الفتاح القاضي
اله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين وعلى آله وممن اتبع هديه إلى يوم الدين
۳۳
مقدمة وذكريات
كيف عرفت الشيخ عبد الفتاح القاضي صلينا العصر في رحاب مولانا الحسين رضوان الله عليه وكنا على موعد في المسجد المبارك
ثم يممنا شطر محطة مصر لنأخذ القطار إلى بلد القطب الملثم كان ذلك في شهر أكتوبر سنة ١٩٦٠ وكنا نستقبل في المساء
الليلة الكبرى لمولد السيد البدوي رضي الله عنه وركبنا القطار في صعوبة وحمدنا الله على أن وجدنا في القطار
مكاناً للوقوف وقفنا لنسير مع الزمن متحدثين تارة وصامتين أخرى وكلنا أمل في أن نحظى بليلة تتسم بالإشراق وتفيض بالمدد في رحاب شيخ
العرب
وسار القطار
وكان في مواجهتنا - جالساً - رجل ريفي تبدو عليه سمات الصالحين يلبس جلباناً من الصوف وعلى رأسه عمامة وعلى جبهته
۳۳۳
علامة الإقبال على الصلاة
وكان على يمينه سيدة ريفية هي الأخرى لعلها أخته أو لعلها زوجته فقد كان يتحدث إليها في ألفة بادية وفي ابتسامة سهلة لا تكاد تفارق شفتيه لقد كان منظره وهو يتحدث مع السيدة يشعر بأنه نسى العالم من حوله وتلاشى بالنسبة له كل شيء كان وجهه سمحاً وقسماته لا توتر فيها وكان كل شيء فيه يدل على أنه لا يحمل في قلبه كراهية لأحد ولا حقداً لمخلوق لقد كانت ترتسم على وجهه صورة البراء أصفى ما تكون البراءة
وراقني منظره منظر البراءة والسماحة وراقني أن أنظر إلى هذا الوجه السمح وهذه البراءة البادية وتعلقت عيناي به
ويبدو أنه وصل في حديثه مع السيدة إلى نهاية قصة أو خاتمة حديث فأخذ يدور بوجهه في من حوله جالسين وواقفين ثم نظر إلي فمد عينيه نحوي وتركزت عيناه على وجهي وزال من وجهه شيء قليل من سماحته وحل محلها نوع خفيف من التوتر وبدا عليه الاهتمام
وأردت أن أنهي هذا الوضع فاتجهت إلى صديقي أتحدث إليهما متكلفاً الحديث وكان أحدهما بجوار الرجل فانتهز الرجل فرصة
صمت منا واتجه إلى من بجواره قائلا له
بشر صاحبك - مشيراً إلي - بالحج هذا العام
وأخذت الأمر على أنه فأل حسن وعلى أنه بشرى من الجائز أن
تتحقق وكان في هذا النبأ على كل حال تخفيف من الشعور بزحمة
القطار وسلوى عن حرارة الجو
٣٣٤
ومضت الأسابيع والشهور وقرب موعد الحج ثم أعلنت الجرائد موعد قبول الطلبات
ولم أكن قد اتخذت العدة للحج فلم أتقدم بطلب وإن كنت في
شوق ملح للحج وللزيارة إذ لم أكن قد أديت الفريضة بعد وحينما أعلنت الجرائد عن موعد قبول الطلبات تذكرت الفأل
الحسن وتذكرت البشرى التي يجوز أن تتحقق ولكن ها هي ذي المدة المحددة لقبول الطلبات تنقضي أوشكت على الإنتهاء
فيوماً حتى
يوماً
فلم أحرك ساكناً وكأني بموقفي هذا أتحدى نبوءة هذا الشيخ تلك النبوءة التي يجوز أن تتحقق ثم ثم انتهت المدة وضعف بانتهائها الأمل في أداء فريضة الحج هذا العام وإن لم يضعف الأمل في أن تحدث معجزة
وبدأت أفواج من استجابوا للأذان بالحج تتجه نحو الأرض المقدسة تحييهم الزغاريد وتودعهم الدعوات
وكانت محطة كوبري الليمون تقع في طريقي اليومي المعتاد فكنت أرى هذا المنظر السار البهيج وأتحسر إذ لم أكن في الركب
ولم يبق على سفر آخر فوج إلا ستة أيام
وذات يوم
أحد
في صباح اليوم السادس قبل سفر آخر فوج اتصل بي الأصدقاء يستفسر عن أسماء كتب الشيخ عبد الواحد يحيى وعن كيفية
الحصول عليها ثم قال
٣٣٥
إن السيد حسن عباس زكي يحب أن يشتري بعضها أو كلها إذا أن يعرف أسماءها والسبيل إلى شرائها
أمكن ويحب
وبعد حديث بيني وبين هذا الصديق اتفقنا على أن أحضر له المجموعة كاملة لينظر فيها السيد الوزير حتى إذا ماراقه بعضها اتصلنا
بالمكتبات الفرنسية في القاهرة لتحضر الكتب من باريس
وفي عصر اليوم نفسه سلمت صاحبي مجموعة الكتب
وفي
مساء اليوم نفسه أيضاً نفسه أيضاً مر على صاحبي
قائلاً
إن السيد الوزير يحب أن يراك فهيا بنا لزيارته ولم أكن قد
التقيت به من قبل والتقينا بالسيد الوزير وأخذنا نتحدث عن الشيخ عبد الواحد
يحيى ثم ذهب السيد الوزير ليجيب على نداء التليفون وأراد صاحبي أن لا يمر الوقت في صمت وأن يقطعه بالحديث فقال كعادة الحجاج
ألا ترغب في شيء من الحجاز منتظراً أن أقول له سبحة مثلاً أو شيئاً من هذه الأمور التي يتزود بها الحجاج في عودتهم
فرأيت نفسي
قبل لي بردها
مندفعاً
إلى أن أقول له فوراً وكأني مسخر بقوة لا
نعم أرغب في أمر سهل بالنسبة لك وأرجو أن تقوم به مشكوراً وتهيأ صاحبي لسماع الطلب في انتباه ظاهر
فقلت أرجوك أن تقف أمام الضريح الشريف وتقول
إن عبد الحليم يقبل اليد الشريفة ويرسل تحياته ويبلغ أشواقه إلى سيدة رسول الله ويرجو منك يا أكرم الخلق على الله أن تدعوه
٣٣٦
لزيارتك فإنك إذا فعلت زالت كل العقبات وإنه يسعى ليلبي النداء وقال صاحبي في نوع من التأمل البادي على ملامحه أرجو أن
تكون قد استجيبت ولعلها قد استجيبت
وانتهى أمير الحج من الحديث التليفوني - فقد كان السيد حسن عباس زكي هو أمير الحج في ذلك العام - وجاء فذكر له صاحبي ما تحدثنا به في غيبته فقال أمير الحج إنه يدعو الله أن يتحقق الرجاء وانتهى الحديث عند ذلك
ثم اتفقنا على أن نذهب سوياً إلى منزل الشيخ عبد الواحد يحيى
لزيارة أسرته وليأخذ السيد الوزير صورة أوضح عن حياته
ولن أنس صورة السيد الوزير وهو واقف في غرفة المكتبة بجوار المكتب الذي كان يجلس عليه الشيخ قارئاً وكاتباً وقف مستغرقاً وكأنه يسافر بروحه في الزمن عودة إلى الماضي يريد أن يتعرف إلى الشيخ في حياته أو كأنه بعبارة أدق يسافر في الحاضر إلى عالم الأرواح يريد
أن يرى في عالم الغيب صورة الشيخ الحقيقية
إن شيئاً من آثار الشيخ رضوان الله عليه ما زال باقياً ـ لا شك ـ في هذا المكان وخيل إلي حينئذ أن السيد الوزير بروحه الشفافة وبروحانيته القوية وببصيرته النافذة ينطلق مسترشداً بالأثر إلى
صاحب الأثر إن عبير الشيخ الزكي ما زال يملأ أرجاء المكان ولا يزال الأريج الطيب يعطر الجو يشعر بذلك كل من رق شعوره وشفت نفسه
وأنار الله بصيرته
وافترقنا
۳۳۷
وفي اليوم التالي - الخامس قبل سفر آخر فوج - بينما أنا جالس في كلية أصول الدين مشتركاً في أعمال الامتحان إذا بالنداء احضر لاتخاذ
الإجراءات للحج فقلت
صلوات الله وسلامه عليك يا أكرم الخلق على الله
وتكرر اللقاء بأمير الحج أثناء الحج ثم لم ينقطع الاتصال به بعد العودة وفي يوم من الأيام دعاني السيد الوزير لتناول الغذاء في منزله وكان الشيخ عبد الفتاح القاضي هناك بسمته الوقور وهيبته
المطمئنة ووجهه المشرق نوراً
وكان يتحدث
ولم يكن الشيخ عبد الفتاح القاضي يتحدث حديثاً شعبياً ولا حديثاً مألوفاً وإنما كان يتحدث حديث قمه إنه يفاجيء الحاضرين بالمشكلة يشرحها باعتبارها مشكلة ويوضح جوانبها من حيث الإشكال ثم يطلب من السامعين حلها
وما كان رحمه الله يطلب الحل إلا ليثير انتباههم بصورة أعمق
حتى إذا كان انتباههم كاملا بدأ في ذكر الحل
هذه المشاكل كانت تدور حول آيات من القرآن فيرى السامع في
النهاية أن القرآن ما زال بكراً
وتدور كذلك حول أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم فيرى السامع في النهاية أيضاً أن الرسول أوتي حقاً جوامع الكلم
وهكذا كانت مجالس الشيخ إنها تفسير للقرآن الكريم أو شرح
للسنة الشريفة
۳۳۸
لقد كان الناس ينسون الدنيا في مجلسه ولم يكن مجال في
مجلسه للغو الحديث ولا للزور والباطل سواء ألبسا هذا الزي أم
ذاك لم يكن للشيطان إلى مجلسه من سبيل
هذا التفسير وهذا الشرح أهما عقليان
أكان الشيخ يتحدث عقلياً
أكان يتحدث علمياً
أكان يتحدث إلهامياً
إن العقل والعلم والإلهام إن البصيرة والإشراق والنص إن كل ذلك كان يتكاتف ويمتزج ويتألف منه باقة ترضي الذوق المترف والعقل الراشد والتدين المستنير
لقد فوجئت بالشيخ فوجئت به شخصية مكتملة متناسقة وفوجئت به شخصية قوية مسيطرة وفوجئت به شخصية ودودة متحببة وفوجئت به شخصية عالمة ناقدة وفوجئت به شخصية ملهمة تستمد النور من منابع النور
لقد كانت الأعين معلقة به والآذان مشدودة إليه والعقل يدور
فيما يهيئه من مجال لتفكيره
والقلب راض مغتبط
ثم يسكت الشيخ ويتجه نحو الشيخ عبد الجليل ويقول له في
مودة بادية
تكلم أنت الآن يا ولد يا عبد الجليل
۳۳۹
علماء
حباً
وهذا الذي يخاطبه الشيخ بقوله يا ولد يا عبد الجليل من الأزهر النابهين يعمل مدرساً بوزارة التربية فنى في الشيخ وإجلالاً وتقديراً وعيناه دائماً معلقتان بالشيخ وسمعه على الدوام مصغ إلى الشيخ إنه يسمع الهمس من حديثه ويرى ما لا يكاد يُرى من إشاراته ويلبي كل ما يريد الشيخ من أمر ولو لم يعلن الشيخ عن رغبته ومع أنه فنى في الشيخ فإن شخصيته بالنسبة للآخرين غير فانية ولا
خفية
إن أتباع الشيخ يعرفون ذكاءه اللماح وعلمه الجم واتزانه فيما يأتي وفيما يدع ويعرفون تصرفه الحكيم فيما يعرض لمجتمعهم الخاص من مشاكل ويعرفون اجتهاده في العبارة ويعرفون حب الشيخ له ويقوم الشيخ عبد الجليل ويتحدث مفسراً آية أو شارحاً حديثاً
وقد أمره الشيخ في تلك الجلسة أن يفسر قوله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظَّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنَا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ
د لیلا 1
وقلت في نفسي حينما سمعت أمر الشيخ له بتفسير هذه الآية وماذا عسى أن يقول الشيخ عبد الجليل في هذه الآية الواضحة
المعنى السلسة التركيب إن مجرد قراءتها بيان لمعناها وتحدث الشيخ عبد الجليل فأجاد وأفاد وبهر
وكان من الواضح أن الشيخ يعد الشيخ عبد الجليل للخلافه
۱ سورة الفرقان الآية ٤٥
٣٤٠
لقد كان يربيه بالتعليم ويربيه بالأوامر ويربيه بالعبادة ويربيه
بالصمت
لقد كان يهيئه ليملأ مركز المرشد بعده
ولقد كان عند الشيخ عبد الجليل الاستعداد التام للخلافة وقد كان انتهاء الشيخ عبد الجليل من كلمته إيذانا بانتهاء الجلسة وافترقنا جسمانياً وبقيت ذكرى الشيخ في القلوب حية نابضة وتكرر اللقاء بالشيخ في داره بشبلنجه وفي القاهرة من هو الشيخ عبد الفتاح القاضي ذلك هو حديث الفصل التالي
٣٤١
الفصل الأول
حياته ومجاهداته
حياته
إنه الإمام العارف بالله تعالى الشيخ عبد الفتاح بن سيد أحمد بن محمد القاضي الحسنى أبا الحسيني أما الشافعي مذهباً المحمدي تربية الشاذلي طريقة الشبلنجي داراً ومزاراً
ولد رضي الله عنه في شبلنجة ۱ من أبوين شريفين في آخر صفر ۱۳۱۷ من هجرة خاتم المرسلين الموافق ٨ من يوليو ۱۸۹۹
ميلادية
وبرغم الوثائق الظاهرية التي تؤكد صدق انتسابه إلى الدوحة النبوية المباركة كان شديد الشغف إلى ما يحقق له نسبه الشريف عن طريق كشفي لا مجال للشك فيه فمنَّ الله تعالى عليه بذلك إذ سمع في
منامه من مصدر علوي ذلكم النداء
أنت شريف أباً وأماً
فاستراح فؤاده واطمأن خاطره وحمد الله تعالى على هذه المنة
العظيمة
۱ بالقرب من بنها
٣٤٣
وبعد سنوات ست من ميلاده تقريباً توفي والده إلى رحمة الله
وتركه يتيماً في رعاية أمه الهاشمية
ولا نسأل عما قامت به هذه الهاشمية - مع صغر سنها - من تربية صادقة له ولإخوته اليتامى وتوافرها وعكوفها على أداء ما يلزم لهؤلاء الصغار الذين لا عائل لهم إلا الله وهي مستعينة ـ بعد الله ـ على تربيتهم بما ورثته من قراريط من المرحوم والدها الشيخ حسن هاشم
وبما تركه المرحوم زوجها الشيخ سيد أحمد من عقار يسير
ثم أرسلته أمه إلى المكتب لحفظ القرآن الكريم فاشتهر بين لداته وأترابه بسرعة الحفظ وحدة الذكاء مما جعل معلم المكتب يقبل عليه ويخصه بمزيد من الرعاية والعناية ولشديد تعلقه به اختاره
مساعداً له في تعليم القرآن بالمكتب بعد أن حفظه وجوده وأتقن أحكام قراءته في سن مبكرة وظل في تعليم القرآن لأولاد قريته حتى اجتباه الله فجذبه إليه فاختلى في بيته متعبداً الله ذاكراً
وقد تجلت فيه رجولة مبكرة فما إن خطا خطواته الأولى في طريق الشباب حتى خالط الرجال وجالس أصحاب الرأي واستمع منهم وأصغى لحكمهم فبدأ يسير سيرهم حتى لقد كان أحياناً يشير عليهم فيجدون عنده الرأي فاشتهر بينهم وعرف عندهم بالرأي السديد والحكم العادل النزيه فصار الشيوخ والمسنون من أهل البلدة وذوو الخبرة والتجربة يستعينون به ويستشيرونه في مهام الأمور ويدعونه في مجالس الصلح ويصحبونه لفض المنازعات وللحكم في القضايا
والخصومات
وكانت عادته البكور فيستيقظ قبيل الفجر ليؤدي فرض ربه ويذكره
٣٤٤
ويستريح
ويسبحه ثم يتناول فطوره ويغدو معتمداً على الله تعالى إلى المكتب لتعليم القرآن حتى وقت الظهيرة فيعود إلى داره فيتناول غذاءه قليلا وقت القيلولة ثم يشتغل بالإشراف على الزراعة وترتيب شؤونها ثم يعود إلى البيت لقضاء مهامه وبعد ذلك يفرغ بقية يومه لقراءة كتب الدين وسير الصالحين وقص مآثرهم وكراماتهم على أصحابه وأهل مجلسه إذ كانت هذه هوايته لتتبع سنتهم والسير على طريقهم وذات يوم حضر إلى منزله أحد شيوخ القرية من العلماء المسنين وبعد حديثهما عن الصالحين ومناقبهم قدم هذا العالم للشيخ مخطوطاً صيغاً متعددة الفضل مضاعفة الثواب والأجر في الصلاة على
جمع
المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال له
خذ هذه وانقلها واجعلها وردك فإنها عظيمة النفع والبركة
فقال له فضيلة الشيخ
عمن نقلتها
فقال نقلتها عن الشيخ الأشموني رضي الله عنه عالم عالم الأزهر المشهور وأوصاني بقراءتها لأنها ذات سر عجيب في الفتح ومقربة من
حضرة الرسول
فعلم الشيخ أن هذه منة من الله تعالى مساقة إليه على يد هذا العالم وفعلاً نسخها في أيام قليلة كما كانت عادته المسارعة والتعجيل في أمور الدين والآخرة وجعلها الشيخ وردة فكانت مفتاح كل خير له وكان يقول عنها لم أجد في طريق الله أسرع سبيلا إلى الفتح وأقرب طريقاً إلى حضرة الرسول و و و و و أجلب لرضا المولى سبحانه وتعالى من هذه الصلوات إنها سبب في تذليل صعوبات الحياة كتفريج الكروب
٣٤٥
وإدرار الرزق وقضاء الحوائج وكان كلما حزب الشيخ أمر فزع إلى
الصلاة وإلى قراءة هذه النسخة
أما فزعه إلى الصلاة فاقتداء بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم إذ كان يفزع إلى الصلاة كلما حزبه أمر وأما فزعه إلى قراءة هذه النسخة فمما جربه كثيراً أنه ما همه أمر أو أحاط به مكروه وقرأ هذه النسخة إلا وجد بعدها الفرج والتيسير لذا كان حرص الشيخ عليها شديداً جداً ووصيته لأولاده بالمحافظة عليها وتلاوتها أشد لما لمسه فيها من النور والبركة ورضا النبي صلى الله عليه وسلم عنها ولما يعلمه من أن الصلاة على الرسول الا الله مفتاح لمغاليق الأمور وسبيل السعادة في الدارين ۱ وكانت هذه الصلوات ديدنه وشعاره وكان يقرؤها في اليوم مرات وإذا سئل عن ذلك يقول إنما أقرأ لي مرة وأجبر تقصير أولادي بالمرات الأخرى ولشغفه الشديد بها سمع منه مراراً تلاوته لها مرتبة بصوت مسموع أثناء نومه يسمعه من حوله وعندما كان يستيقظ يكمل تلاوتها حيث وقف وكان هذا قبيل انتقاله بقليل وحسبك دليلاً على عظم فضلها وكبير نفعها وخيرها أن الرسول صلى الله عليه وسلم
أمسكها بيده الشريفة وقال للشيخ مناماً إني أحبها إني أحبها لذا لم يتركها الشيخ أبداً لا في سفر ولا في حضر ولا في
صحة ولا في مرض حتى اليوم الذي لقي الله تعالى فيه قرأها كعادته ولتعلق الشيخ بها وولوعه بحبها رُؤى كثيراً في المنام ممسكاً بها تالياً لها حاثاً عليها مبيناً فضلها حتى قال لبعض من رآه كذلك مناماً إنها أهم
۱ ولقد جمعت هذه الصلوات مع بعض أحزاب للشيخ الشاذلي رضي الله عنه وغيره وطبعت في أخريات أيام الشيخ بإذنه على نفقة العارف بالله تعالى السيد الدكتور حسن
عباس زكي جزاه الله خير الجزاء وبلغه مناه في الدارين ليعم النفع بها
٣٤٦
ورد في الطريق بل هي الطريق جله
وهذه الصلاة هي للشيخ عبد الله بن محمد الهاروشي المغربي الفاسي منشأ وداراً ثم التونسي رحلة ومزاراً وهو مدفون في تونس وقبره مبارك ومن المشهور بين أهل تونس أن من زار ضريحه متعمداً مخلصاً
كان هذا علامة على قبول الله له وعلى أنه من أهل الجنة
وننقل هنا أزهاراً موفقة من هذه الصلوات المباركة نفعنا الله بمن قيلت فيه ونفعنا بها وبصاحبها ونرجوه سبحانه أن يمن بالرضوان على
من
عرف بها أتباعه ومريديه
اللهم إنا قد عجزنا من حيثُ إحاطة عقولنا وغاية أفهامنا ومنتهى إرادتنا وسوابِقُ هِمَمِنا أن نصلي عليه من حيثُ هو وكيف نقدر على ذلك وقد جعلت كلامك خُلُقَهُ وأسماءك مظره ومنشأ كونك منه وأنت ملجوه وركنه وملوك الأعلى عصابته ونصرته فصل اللهم عليه من حيث تعلُّق قدرتِك بمصنوعاتك وتحقق أسمائك بإرَادَاتِكَ منه ابتدأت المعلومات وإليه جعلت غاية الغـايـات وبـه أقيمت الحجج على المخلوقات فهو أمينك خازن علمك حامل لواء حمدك معدن سرك مظهر عزك نقطة دائرة مُلكِكَ ومُحيطه ومركبه وبسيطه
اللهم إنا نسألك أن تحشرنا في زمرته وأن تجعلنا من أهل سنته ولا تخالف بنا يا مولانا عن ملته ولا عن طريقته إنك سميع الدعاء مجيب
لمن دعا أو ألقى السَّمْعَ وهو وشهيد
اللهم
كما مننت علينا بالصلاة عليه فامنن علينا بفهم الكتاب الذي
أنزل إليه لأنه شفاء للمؤمنين ورحمة للعالمين وآخر دعوانا أن الحمد الله
رب العالمين
٣٤٧
اللهم
صل على سيدنا محمد المبعوث رحمة لكل الأمم اللهم صل على سيدنا محمد المختار للسيادة والرسالة قبل خلق اللوح والقلم اللهم صل على سيدنا محمد الموصوف بأفضل الأخلاق العليم
والشيم اللهم صل على سيدنا محمد المختص بجوامع وخصائص الحكم اللهم صل على سيدنا محمد الذي كان لا تنتهك في مجالسه الحرَمُ ولا يُغْضِي عمَّن ظلم اللهم صلي على سيدنا محمد الذي كان إذا مشى تُظلله الغمامة حينما يمم اللهم صلي على سيدنا محمد الذي انشقّ له القمر وكلمه الحجر وأقر برسالته وصمم اللهم صل على سيدنا محمد الذي أثنى عليه ربُّ العزة نصاً في القدم اللهم صلِّ على سيدنا محمد الذي صلى عليه ربنا في محكم كتابه وأمر أن يصلى عليه ويُسلم اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأهل بيته ما هلت الدّيم وما جرت على المذنبين أذيال
سالف
الكرم وسلم تسليماً كثيراً وشرف وكرم والحمد لله رب العالمين اللهم صلِّ على أشرف موجودٍ وأفضل مولود وأكرم مخصوص ومحمود سيد ساداتِ برِيَّاتِك ومن له التفضيل على جملة مخلوقاتك صلاة تناسب مقامه العالي ومقداره وتعم أهله وأزواجه وأولياءه وأنصاره اللهم صلِّ عليه وعلى جُملة رسلك وأنبيائك وزمر ملائكتك وأصفيائك صلاة تعم بركاتُها المطيعين من أهل أرضك وسمائك اللهم إني أعوذ بعلمك من جهلي وبغناك من فقري وبعزّكَ من ذُلي وبحولك وقوتك من عجزي وضعفي وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر اللهم إني أعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء والآراء
6
٣٤٨
اللهم يا من بيده خزائن السموات والأرض عافنا من محن الزمان وعوارض الفتن فإنا ضعفاء عن حملها وإن كنا أهلاً لها فعافيتك أوسع لنا يا واسع يا عليم اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاش وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير واجعل الموت راحةً لي من كل شر اللهم اجعل خير عمري آخره وخير عملي خواتيمه وخير أيامي ألقاك يوم فيه اللهم لا تجعل عيشى كذا ولا تجعل دعائي ردا ولا تجعلني لغيرك عبداً ولا تجعل في قلبي لسواك وُدا إني لا أقول لك ضدا ولا شريكاً ولا يدا اللهم ارزقني نفساً قانعة بعطائك موقنةً بلقائك شاكرة لنعمائك محبة لأوليائك مُبْغِضَةٌ لأعدائك اللهم وسع على رزقي في دنياي ولا تحجُبُني بها عن أخراي واجعل مقامي عندك دائماً بين يديك وبك ناظراً إليك وأرني وجهك الكريم ووارني عن الرؤية وعن كل شيء دونك وارفع البين بيني وبينك يا من هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم
اللهم صل على سيدنا محمد كما أمرتنا أن نصلي عليه اللهم
صل على سيدنا محمد كما
هو
أهله
اللهم صل على سيدنا محمد كما تحب وترضى له
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد سيد الأولين والآخرين قائد الغُرُ المُحَجَّلين السيد الكامل الفاتح الخاتم الحبيب
الشفيع الرؤوف الرحيم الصادق الأمين السابق للخلق نوره والرحمة للعالمين ظهوره عدد من مضى مِنْ خلقك ومن بقي ومن سعد منهم ومن شقي صلاة تستغرق العد وتحيط بالحد صلاة لا غاية لها ولا منتهى ولا
٣٤٩
أمد ولا انقضاء صلاة دائمة بدَوَامِكَ باقية ببقائك وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأصْهَارِه وأنصاره وسلم تسليماً مثل ذلك واجر يا مولانا خفي لطفك في أمورنا كلها وأمور المسلمين
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله صلاة أهل السموات والأرضين عليه واجر يا مولانا لطفك الخفي في أمري وأرني سِرَّ جَمِيل صنعك فيما أؤمله منك يا رب العالمين
اللهم فاطر السمواتِ والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا إنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين إنك إن تكلني إلى نفسي تُقربني من الشر وتُبعدني من الخير فإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عندك عهداً تؤديه إلى يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد
اللهم لك الحمد كما أنت أهله فصل على سيدنا محمد كما هو
أهله وافعل بي
ما أنت أهله فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة
اللهم إني أسألك بحقه عليك الذي أثبته وبقَسَمِكَ
بعمره
الذي
شرفته به وفضلته وبمكانه منك الذي خصصته واصطفيته أن تجازيه عنا أفضل ما جزَيْتَ به نبياً عن أمته وتؤتيه من الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة فوق أمنيته وتعظمَ عن يمين العرش نوره بما نورت به من قلوب عبيدك وأن تضاعف في حضيرة القدس حُبوره بما قاسي من الشدائد في الدعاء إلى توحيدك أو تجدد عليه من شرائف صلواتك ولطائف بركاتك وعوارف تسليمك وكراماتك ما تزيده به في عرصات القيامة إكراماً وتعليه به في عليين مستقراً ومُقاماً
٣٥٠
اللهم وأطلق لساني بإبلاغ الصلاة عليه والتسليم واملأ جناني من حبه وتوفيه حقه العظيم واستعمل أركاني بأوامره ونواهيه في النهار الواضح والليل البهيم وارزقني من ذلك ما يبوثني جنات النعيم ويُشعرني رحماك وفضلك العَمِيمَ ويقربني إليك زلفى في ظل عرشك الكريم وتحلُّني دار المقامَةِ من فضلِكَ وتُزحزحني عن نار الجحيم وتعطيني شفاعته يوم العرض وتُورِدُني مع زمرته على الحوض وتؤمنني يوم الفزع الأكبر يومَ تُبَدَّلُ الأرض غير الأرض وارفعني معه في الرفيق واجمعني معه في الفردوس وجَنَّةِ المأوى واقسم لي أوفر حظ من الأوفى وعيشِهِ الهني الأصفى واجعَلْنِي ممن شفي غليله بزيارة قبره وتشفى وأناخ ركابة بعرصات حزبك وحزبه قبل أن تتوفَّى الصلاة والسلام عليك يا رسول الله ما أكرمك على الله الصلاة والسلام عليك يا رسولَ اللهِ ما خاب من توسل بك إلى
الله
حبیب
الأعلى
كأسه
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله كلُّ من دونك محب وأنت
الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله الأملاك تستغيث بك عند الله الصلاة والسلام عليك يا رسول الله الأنبياء والرسل مُمَدُّون من
الله به من
مَدَدِكَ الذي الصلاة والسلام عليك يا رسول الله الأولياء أنت الذي واليتهم في
عالم الغيب والشهادة حتى تولاهم الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله من سلك على محبتك وقام
بحُجَّتِك أيده الله
٣٥١
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله المخذُولُ من أعرض عن
الاقتداء بك إي والله
الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله من أطاعك فقد أطاع الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله
عصاك فقد من
عصى
الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله من أتى لبابك متوسلاً بك قبلَهُ
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله من حطّ رحل ذنوبه في عتباتك
غفر له الله
الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله من دخل حَرَمَك خائفاً أمنه
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله من لاذ بجنابك وعَلقَ بأذيال
جاهِكَ أعزه الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله من أم لك وأملك لم يَخِب من
فضلك لا والله
الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله أملنا شفاعتك وجوارك عند
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله توسلنا بك في القبول عسى
ولعل نكون ممن تولاه الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله بك نرجو بلوغ الأمل
ولا
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله مُحِبُّوكَ من أُمتِكَ واقفُونَ ببابك
نخافُ العكس حاشا الله
يا أكرم الخلق على الله
٣٥٢
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله قصدناك وقد فارقنا سواك يا
وسيلتنا إلى الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله قد جئناك بشوق المحبة ضيوفاً نرجو القرى فاجعل قرانا ما يليق بكرمك من إحسان ربك يا عزيز القدر
عند الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله العرب يحمون النزيل ويجيرون الدخيل وأنت سيد العرب والعجم يا رسول الله الصلاة والسلام عليك يا رسول الله قد نزلنا بحيك واستجرنا
بجنابك وأقسمنا بحياتك على الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله أنت الغياث وأنت الملاذ فأغثنا
بجاهك الوجيه الذي لا يرده الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله
الصلاة والسلام عليك يا حبيب الله
الصلاة والسلام عليك يا نبي الله
الصلاة والسلام عليك وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى سائر
الملائكة أجمعين
اللهم وارض عن أصحاب رسول الله أجمعين وعن التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بخير وإحسان إلى يوم الدين
اللهم يا علي يا عظيم يا حليم يا حكيم یا کریم یا غفور یا رحیم إنا نتوسل إليك بجاه هذا السيد الكامل الذي من جميع خلقك اخترته واصطفيته وبجميع المكارم خصصته واجتبيته أن تميتنا على الإيمان
٣٥٣
والإسلام وأن تسعدنا به وبلقائك يا رحيم يا رحمن يا سلام واجعل اللهم ما مننت به علينا في جميع هذه المواهب التي وهبتها لنا ثلجاً في قلوبنا ومحواً لذنوبنا ونوراً في يقيننا وقوة في إيماننا وتزكية
لأعمالنا وزخراً لآخرتنا
وارحم بها والدينا وإخواننا وأشياخنا وكل من انتمى إلينا
وانفع اللهم بها كل من طالعها واقتبس منها نوراً يزكيه وخيراً ينميه ولا تؤاخذ بذنوبنا وسوء أفعالنا وعاملنا بما أنت أهله من الجود والكرم يا أرحم الراحمين
اللهم إنا نتوسل إليك بل ونسألك لا نسأل غيرك بحقك وحق نبيك أن تميتنا على دينه وملته وأن تحشرنا في زمرته وتحت لوائه وغايته وأن تغفر ذنوبنا وأن تستر بمنك عيوبنا وأن تطهر من صدأ الغفلة قلوبنا وامح اللهم زللنا وخطايانا وأن تتجاوز عنا وعن سيئاتنا وأن تُهون علينا سكرات الموت وما بعده من فتنة القبر والحشر وأن تطيبنا للموت وأن تجعل فيه راحتنا وقنا اللهم من الأهوال العظيمة التي لا يسعنا حملها ولا ضعفنا إلا ما كان من عفوك وجودك ورحمتك فأنت الجواد الكريم الغفور الرحيم الصلاة والسلام التامان الأكملان على سيدنا ومولانا محمد الذي انعقدت له العزة في الأزل وانسحب فضلها إلى ما لا يزال وعلى آله
وأصحابه وأزواجه وذريته
سبحان الله عدد ما خلق في السماء سبحان الله عدد ما خلق في الأرض سبحان الله عدد ما بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق والحمد لله عدد ما خلق في السماء والحمد لله عدد ما خلق في
٣٥٤
الأرض والحمد لله عدد ما بين ذلك والحمد لله عدد ما هو خالق ولا إله إلا الله عدد ما خلق في السماء ولا إله إلا الله عدد ما خلق في الأرض ولا إله إلا الله عدد ما بين ذلك ولا إله إلا الله عدد ما هو خالق
والله أكبر عدد ما خلق في السماء والله أكبر عدد ما خلق في الأرض والله أكبر عدد ما بين ذلك والله أكبر عدد ما هو خالق ولا حول ولا قوة إلا بالله عدد ما خلق في السماء ولا حول ولا قوة إلا بالله عدد ما خلق في الأرض ولا حول ولا قوة إلا بالله عدد ما بين ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله عدد ما هو خالق
اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه وأستغفرك من كل ما وعدتك به من نفسي ثم لم أوف به وأستغفرك من كل عمل أردت به وجهك فخالطه غيرك وأستغفرك من كل نعمة أنعمت بها علي فاستعنت بها على معصيتك وأستغفرك يا عالم الغيب والشهادة من كل ذنب أتيته في بياض النهار وسواد الليل في ملأ وخلاء وسر
وعلانية يا حليم
اللهم
أنت ربي
لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثلاثاً أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم وأتوب إليه اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجي عندي من
عملي ثلاثاً
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
۳۵۵
وسلم
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه
هذه بعض مقتطفات مما ورد في الصلاة التي كانت يهيم بها حباً شيخنا رضي الله عنه وكل فقرة منها تعتبر ذكراً قائماً بنفسه وقد أوردناها على هذا الاعتبار
أما فيما يتعلق بالصيغ المفردة فقد سئل الشيخ رضي الله عنه عن
أفضل صيغة في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنها
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد عبدك عدد
خلقك ورضاء نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك
فسأله أتباعه
أهي
أفضل من
اللهم صل على سيدنا محمد النور الذاتي والسر الساري سره
الأسماء والصفات
في جميع وكان الأتباع يعرفون حبه أيضاً للصيغة الأخيرة فقال
وكان رضي الله عنه يقول عن الصلاة الإبراهيمية إنها الصلاة التامة لأنها من جميع المقامات فكما أن إبراهيم عليه السلام له مقامات كثيرة ـ الخلة ـ التسليم كونه أمة الخ فيصل عليه من جميع ذلك فكذلك محمد مع عدم الاتحاد في الحكم والكيفية بل المعنى كما صليت عليه في جميع المقامات صلاة تليق به فكذلك صلى على محمد صلاة تليق به في جميع المقامات وكذلك آل كل وصحب
كل
٣٥٦
ونعود من جديد بعد هذه الترويحة في الدعاء والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سيرة الشيخ العطرة فنقول
وظل الشيخ في الجهاد الأكبر حتى جاوز سنه الثلاثين بقليل فأحس برغبة ملحة ودفع قوي وميل شديد إلى نسخ القرآن الكريم بيده أجزاء ولم يلبث أن سارع مستجيباً لهذه الرغبة كعادته فاعتكف لهذا العمل الجليل خمسة وعشرين يوماً أتم بانتهائها كتابة المصحف كله أجزاء بخط النسخ الواضح مع وضع علامات الوقف والشكل والرموز التي بالمصحف وزخرفته أوائل السور والأجزاء وتجليد كل جزء من الأجزاء الثلاثين بغلاف جميل متين وكان في هذه الفترة قليل النوم
والطعام يشعر بروحانية عجيبة وهمة علية ونشاط كبير فعلم أن هذا الله وأن له ما بعده
الأمر من ولعلمه بأن لمن كتب القرآن الكريم دعوة مجابة فسأل نفسه أي دعوة أدعو بها ولم يجد في قلبه غير الابتهال إلى الله عقيب الفراغ منه أن يتقبل هذا العمل خالصه لوجهه وأن يسلك به السبيل إليه وأن يوفق لما يحبه ويرضاه ويحسن له الختام
وبعد كتابته القرآن الكريم مباشرة رأى في نومه جمعية من رجال الله تقلب صفحات أجزاء هذا المصحف وينظر بعضهم إلى بعض نظرة إعجاب وتقدير ثم قررت هذه الجمعية قبوله وتداوله في المناسبات بين أهل القرية لتوافر الإخلاص في كتابته وفعلاً تداول المسلمون هذا المصحف في مناسباتهم الدينية
عزلته
وبعد كتابته المصحف الشريف بأيام وجد عنده
نزوعاً إلى
٣٥٧
الاعتكاف وميلا إلى عزلة الناس فترك المكتب واعتكف في منزله
بعيداً
عن
الخلق واشتغل بالعبادة والذكر ولهج بقراءة القرآن الكريم
والصلاة على النبي
واستمر الشيخ في عبادته وذكره وعزلته الدائمة ثم خطر على قلبه ما يراد بي أأسلك طريق القوم بلا شيخ
فأتاه الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له
خير الأمور أوساطها الروح المحمدي يتولاك
فاستيقظ الشيخ مستبشراً مطمئناً وزاد ذلك في همته
خلواته
ثم أمر الشيخ رضي الله عنه بالخلوة في الأيام التسع الأولى من ذي الحجة إذ لها فضل عظيم ولقد نزل فيها قوله تعالى ﴿ وَالْفَجْرِ
وَلَيَالٍ عَشْرِ وهذه أولى خلواته
ثم أمر بعد ذلك بخلوة أربعين يوماً
وكان في هذه الخلوات مأخوذاً ناسياً نفسه مسلمها إلى ربه ليطهرها فكنت تسمع منه أنه كان لا يفكر في أمور الحياة حتى رغب عن الطعام فصار لا يتناول منه إلا القليل وتعجب منه حاله إذ يقول كنت أفطر على خمس زبيبات أو سبع وعند السحور قد اكتفى
بلقمتين أو ثلاث ومع ذلك لا أحس بضعف ولا فتور
ومن شروط الخلوة عدم الخروج إلا لحاجة فكان الشيخ رضي الله عنه لا يخرج من خلوته إلا لصلاة الجمعة في المسجد ويخرج على
٣٥٨
هيئة مخصوصة حتى لا تتفرق جمعيته بربه وبعد الصلاة مباشرة يعود
إلى خلوته
وقد أذن للشيخ في بعض خلواته بزيارته لأمه في حجرتها الخاصة بها في المنزل فكان يدخل عليها بين الحين والحين ويقدم لها الطعام ويطعهما بيده وقد يكون هذا الطعام من الأطعمة الغير مباحة له في الخلوة كالسمك واللحم ويظل يطعمها حتى تشبع ويحدثنا عن ذلك يقول
كنت أجد في ذلك لذة لا تعد لها لذة وكأن لذة هذا الطعام
تدخل بطني
إني
ولذا كانت أمه لا تفتر عن الدعاء له وكان الشيخ يقول في ذلك أعتقد أن ما أنا فيه من خير إنما هو بركة دعاء أمي لي ورضاها عني طول حياتها إذ أن أكبر سعادة هو رضا الأم وبعد هذه الخلوة الأربعينية أمر بخلوة أربعينية أخرى
وقتها من يوم
وبعدها بمدة قليلة أمر بخلوة تسعينية أي ثلاثة أشهر وحددوا له كذا إلى يوم كذا فوجدها أشد أيام الصيف الشديدة الحرارة وأطولها وكان في كل خلواته يصوم النهار ويقوم الليل وطعامه من غير ذي روح مع خبز الشعير وكان إدامه أحياناً في بعض هذه الخلوات الملح فقط وفي البعض الآخر السكر فقط
ثم اختتم الشيخ خلواته بالخلوة الصمدانية وهي التي أمر بها في شهر رجب الفرد وشرطها فوق شروط الخلوات السابقة يعرفها أهل الله وسميت بالصمدانية لمحاولة التخلق فيها بأخلاق الله وما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا
٣٥٩
وبعد انتهاء فترة الخلوات تلك وكانت نحو ثلاث سنوات أمره الرسول صلى الله عليه وسلم مناماً بالتوجه إلى السيد العارف بالله تعالى فضيلة الشيخ عبد الوهاب ابن فضيلة مولانا الكبير الشيخ حسنين الحصافي الشاذلي رضي الله عنهما ليأخذ منه الخلافة لتكون هذه الخلافة كسلاح له في المجتمعات وحجة على من يعترض طريقه في الإرشاد والدعوة وكان من آخر الأعمال الجليلة التي قام بها في أخريات حياته هذا المسجد العظيم بمئذنته السالفة التي تجذب الأنظار من بعيد فلقد اشترى أرضه وأعد مواد بنائه وهيأ له ما تيسر من مال لاقامته
وإنشائه واطمأن على رسمه وأشار بتنفيذه ولكن المنية عاجلته وهذا المسجد يعد واحة في صحراء الحياة ففيه يجتمع المريدون كل يوم على الذكر وعلى العلم تحفهم الملائكة وتنزل عليهم الرحمة ويذكرهم الله فيمن عنده
أما عمله الخالد حقاً فهو تربية هؤلاء الصفوة الذين تتلمذوا عليه وعلى رأسهم خليفته الشيخ عبد الجليل قاسم وابنه الأستاذ سليمان القاضي نفع الله بهم وجعلهم منارة يستضيء بها المهتدون
الفصل الثاني
في جهاده
أساس طريقته رضي الله عنه هو أساس الطريقة الشاذلية عادة وهو
ما يلي 1 - أستغفر الله مائة اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين مائة
لا إله إلا الله مائة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة وإذا فات لا يقضى ولكن القضاء أولى من تركه إذا فاته اضطراراً وهذا الأساس هو الورد اليومي للشيخ وللمريد على حد سواء
ومن أوراد الشيخ اليومية
١ - المسبعات
٢ - سفينة النجاة لسيدي أحمد زدوق
أما الأسماء التي يجب على المريد سلوكها في بدايته فهي
٣٦١
ودود
- الأصول لا إله إلا الله - الله - هو - واحد - عزيز
الفروع حق - قهار - قيوم - وهَّابٌ - مُهَيْمِنٌ ـ باسط
يقرأ كل إسم مائة مرة على مدى الأيام حَسَبَ قدرته وفَرَاغِهِ ولا ينتقل من إسم إلى آخر قبل تمام العدد إلا إذا رأى رؤيا وعرضها على شیخه ووجد منها الإنتقال نقله وإلا فليتم العدد
ولكن الشيخ رضي الله عنه لم يكن يكتف بهذا وقد جمعت أوراده - فيما عدا ما سبق - في كتاب طبعة السيد/ حسن عباس زكي بعنوان كنوز الأسرار في الصلاة والسلام على النبي المختار وفي هذا الكتاب صلوات الشيخ عبد الله الهاروسي الفاسي وقد اقتطفنا منها زهرات فيما سبق وفي الكتاب صلوات أخرى مباركة كثيرة وفيه تسبيح
ودعاء مأثور ووصايا للنبي صلى الله عليه وسلم وفيه من الأحزاب للشاذلي رضي عنه حزب اللطف وحزب الإخفاء وحزب الشكوى وحزب البحر
وفيه مناجاة واستغاثات وقصائد وصيغ لتفريج الكروب
يومياً
الله
وكان الشيخ رضي الله عنه يداوم على قراءته ويجتهد في أن يقرأه
ومما كان يقرأه يومياً في هذا الكتاب حزب اللطف لسيدي أبا الحسن الشاذلي نثبته هنا بتمامه لما فيه من لطف ولما لثمرته من
لطف الله ورعايته لمن يقرأه
٣٦٢
حزب
اللطف
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللهِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عليهم ولا الضالين
اللهم اجعل أفضل الصلوات وأنمى البركات في كل الأوقات على سيدنا محمد أكمل أهل الأرض والسموات وسلم عليه يا ربنا أزكى التحيات في جميع الحضرات
اللهم يا من لطفه بخلقه شامل وخيره لعبده واصل لا تخرجنا عن دائرة الألطاف وآمنا من كل ما نخاف وكن لنا بلطفك الخفي الظاهر یا باطن یا ظاهر يا لطيف نسألك وقاية اللطف في القضاء والتسليم مع السلامة عند نزوله والرضا
اللهم إنك أنت العليم بما سبق في الأزل فحفنا بلطفك فيما نزل لم يزل واجعلنا في حصن التحصن بك يا أول يا من إليه یا
لطيفاً
الالتجاء وعليه المعول
اللهم يا من ألقى خلقه في بحر قضائه وحكم عليهم بحكم قهره الآفات وابتلائه اجعلنا ممن حمل في سفينة النجاة ووقى من جميع إلهنا من رعته رعايتك كان ملطوفاً به في التقدير محفوظاً ملحوظاً
٣٦٣
بعنايتك يا قدير يا سميع يا قريب يا مجيب الدعاء ارعنا بعين رعايتك يا
خير من رعى
إلهي لطفك الخفي ألطف من أن يرى وأنت اللطيف الذي لطفت بجميع الورى حجبت سريان سرك في الأكوان فلا يشهده إلا أهل المعرفة والعيان فلما شهدوا سر لطفك بكل شيء آمنوا به من سوء كل
شيء فأشهدنا سر هذا اللطف الواقي ما دام لطفك الدائم الباقي إلهنا حكم مشيئتك في العبيد لا ترده همة عارف ولا مريد لكن فتحت لنا أبواب الألطاف الخفية المانعة حصونها من كل بلية فأدخلنا بلطفك تلك الحصون يا من يقول للشيء كن فيكون
إلهنا أنت اللطيف بعبادك لا سيما بأهل محبتك وودادك فبأهل
المحبة والوداد وخصنا بلطائف اللطف يا جواد
العالمين
إلهنا اللطف صفتك والألطاف خلقك وتنفيذ حكمك على خلقك حقك ورأفة لطفك بالمخلوقين تمنع استقصاء حقك في إلهنا لطفت بنا قبل كوننا ونحن للطف غير محتاجين أفتمنعنا منه مع الحاجة له وأنت أرحم الراحمين حفنا بلطفك الكافي وجودك
الوافي إلهنا لطفك هو حفظك إذا رعيت وحفظك هو لطفك إذا وقيت فأدخلنا سرادقات لطفتك واضرب علينا أسوار حفظك يا لطيف نسألك اللطف أبداً يا حفيظ قنا السُّوء وشر العدايا يا لطيف ثلاثاً من لعبدك
العاجز الخائف الضعيف
اللهم كما لطفت
بي قبل سؤالي وكوني كن لي لا علي يا أمين
وعوني
٣٦٤
الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز
آنسني بلطفك يا لطيف أنس الخائف في حال المخيف تأنست بلطفك يا لطيف وقيت بلطفك الري وتحجبت بلطفك عن العدا يا لطيف يا حفيظ والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح
محفوظ نجوت من كل خطب جسيم بقول ربي ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم سلمت من كل شيطان وحاسد بقول ربي وحفظاً من كل شیطان مارد کفیت كل هم في سبيل بقولي حسبي الله ونعم الوكيل اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العليُّ الْعَظِيمُ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنُ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعُ عَلِيمُ لالا لاله وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَتِ أَوَلَتَيكَ أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
TOO
خلدون لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوكَ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزُ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيفٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۱
بسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
لإيلافِ قُرَيْشٍ لَفِهِمْ رِحْلَةَ الشَّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوْفِ ٢
۱ سورة التوبة الآية ۱۸ ۱۹ سورة قريش
٣٦٥
اكتفيت بكهيعص
واحتميت بحمعسق قوله الحق وله الملك سلام قولاً من رَبِّ رحيم أحون ق أدُم حَمَّ هاء آمين اللهم بحق هذه الأسرار قنا الشر والأشرار وكل ما أنت خالقه من الأكدار قل من يكلؤكم بالليل والنهار بحق كلاءة رحمانيتك أكلأنا ولا تكلنا إلى غير إحاطتك
رب هذا ذل سؤال في بابك لا حول ولا قوة إلا بك اللهم صل على من أرسلته رحمة للعالمين محمد خاتم النبيين ومجد وعَظمَ وَشَرَّف وكَرَّمَ سَيدي لا تُخْلِني من الرَّحْمَة والأمان يا حنان يا منان
وسلام على جميع الأنبياء والمرسلين والحمد لله رب العالمين أما الوسيلة الكبرى لتقرب الشيخ من الله سبحانه وتعالى فهي لاحظناه نحن من تعلق قلبه دائماً بالله سبحانه وتعالى
لقد كان مجلسه ذكر الله وكانت خلواته ذكر الله
ما
لقد كان من أولى الألباب الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَما وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَطِلًا سُبْحَنَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ إن ذكر الله سبحانه وتعالى كان شعاره الدائم وطابعه وديدنه
الذي لا ينفك عنه
والذكر كما يقول القشيري ركن قوي في طريق الوصول إلى الحق
سبحانه وتعالى
بل هو العمدة في طريق القوم
٣٦٦
ولا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر
وقد وصل شيخنا بدوام الذكر إلى الله سبحانه وتعالى وللشيخ رضي الله عنه مبادىء ونصائح نفيسة في أصول الطريق وفيما يعين على الطاعة ويقرب إلى الله وفي آداب الذكر كتبها بخطه
ننقلها على صورتها حرفياً
٣ - أصول الطريق
يقول رضي الله عنه مما يجب على المريد
١ - أن يتقرب إلى الله تعالى بما شرعه وسنه رسوله ٢ - أن تكون عبادته لوجه الله تعالى مخلصاً في قوله وعمله دون رياء مكتفياً بعلم الله فيه وإياه وحب الظهور فإنه يقصم الظهور ـ أن يحفظ جوارحه عن المحرمات وليدع الفضول في الأقوال والأفعال والتدخل فيما لا يعنيه وأن يطهر قلبه من الرذائل والخواطر النفسية وألا يشغل نفسه بهم الرزق وخوف الخلق فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين
٤ - ألا يعترض على الخلق وألا يركن إلى دنيا أو جاه وإنما يعتمد على الله وحده وأن يفوض لله تعالى في جميع أموره ويرضى
عنه في السراء والضراء
وألا
ه - أن يكون عفواً صفوحاً عن زلات أخيه ناصحاً له إن أمكن يهجر أخاه فوق ثلاث وأن يبدأه بالسلام إذا التقى به
٦ ـ أن يتحلى بالصدق في الأقوال والأفعال وأن يتجمل بالصبر
في كل أموره
٣٦٧
تعالى
۷ ـ أن تلازمه مراقبة الله تعالى في السر والعلن
- أن يحسن الظن بربه والناس
٩ - أن يكثر من الصدقات فإنها أقرب الطرق الموصلة إلى الله
١٠ ـ أن يجدد التوبة كلما وقع في هفوة أو شهوة أو غفلة ۱۱ ـ أن يديم الاستغفار ويكثر من الصلاة على الرسول
الأعظم
١٢ - أن يحاسب نفسه ويتهمها في كل شيء متوسلا بجاه سيد
البشر ويعترته الطاهرة
١٣ - وعليه التسليم الكامل لشيخه والتفاني في خدمته واتباع
أوامره وألا يعزم على أمر حتى يستأذنه فإذنه سبب نجاحه ١٤ - أن يشغل أوقات فراغه بمجالسة أهل التحقيق أو مطالعة
كتبهم - ومما يعين على الطاعة ويقرب إلى الله تعالى
ألا يملأ بطنه من طعام حلال وأن يبتعد عما فيه شبهة من طعام أو شراب أو قول أو عمل واجتناب اللغو من الكلام والفرار من أهل الدنيا ما أمكن وألا يسهر إلا في طاعة ربه ولا ينام إلا عن غلبة وعليه باستعمال السواك ودوام الوضوء وكلما أحدث توضأ وكلما توضأ صلى ركعتين مع المواظبة على الصلوات الخمس في أول وقتها مع الجماعة وألا يتخلف عن رباط الصوفية إلا لعذر وإلا حرم بركتهم وأن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر
عربي
٣٦٨
وتلاوة ما تيسر من القرآن يومياً وعليه بقيام الليل فهو سبب الخير
ه - ومن آداب الذكر فيما يرى الشيخ رضي
الله عنه
ألا يتلو ورداً إلا بإذن من شيخه أو يلقنه إياه وأن يجلس في الذكر على هيئة المتشهد متوضئاً مستقبل القبلة ما أمكن مغمضاً عينيه وألا يشغل قلبه حال الذكر إلا بالمذكور وأن يراقب صورة شيخه في عباداته وأن يستمد بقلبه من شيخه وأن يلاحظ أن استمداده من جميع من النبي لأن الشيخ الصادق نائب عنه
شیخه
هو
الاستمداد
وألا يشرب عقب الذكر مباشرة ولينتظر قليلا في مكانه بعد الذكر
صامتاً مستحضراً لتلقي محضراً لتلقي ما يرد عليه من وارد الذكر وليؤد أوراده كاملة في
أوقاتها وإلا المدد حرم
وينبغي
الا
أحد المريدين في بدء ذكر ولا يتقدم
حزب ولا ورد على من قدمه شيخهم ما دام حاضراً
٣٦٩
الفصل الثالث
رضي
في إلهاماته
إلهامات عن الطريق
وطريق الشيخ يتلخص ـ مع المحافظة على الفروض ـ في أمرين
۱ - ذكر كثير - خُلُق كريم
وكان مما يذكر رضي الله عنه لمريديه ما قاله أبو العباس المرسي
الله عنه
طريقنا المداومة على الذكر وترك الغيبة وترك سوء الظن بعباد الله فمن واظب على ذلك رزقه الله من حيث لا يحتسب
ومن وارداته رضي الله عنه في شأن المريد
١ - لزوم الجد في الطاعات وارتكاب خطر أهوال المجاهدات وذبح النفوس بسكين المخالفات وحبسها في سجن الرياضة حتى يفتح
الله عليه بالسراج في رياض المعرفة
- ومن
الغيبة والحضور
شأنه أيضاً المريد أن يذكر في كل وقت حتى يصل إلى
۳۷۱
والغيبة عما دون الحق حتى يغيب عن نفسه إلى درجة أن لا ينظر
إلى نفسه في حال غيبة نفسه والحضور مع الحق فإن الغيبة عن النفس
حضور مع
يلي
الحق
وموقف المريد من العلوم ظاهرة وباطنه قد حدده الشيخ فيما
من لم يستعد بالعلوم الظاهرة تكون العلوم الحقيقية بالنسبة له
ظلمات في القلب
ومن لم يستعد بالعلوم الباطنة تكون الظاهرة بالنسبة له ظلمات في القلب أيضاً
إن المريد يحتاج في البداية أن يكون عارفاً علمياً فتكون نهايته
عارفاً حقيقياً
وينصح الشيخ المريد قائلاً
راقب صورة شيخك وأنت تقرأ صورة وردك واستمد منه واعلم أن الرسول محيط بكما والله محيط بالكل فهذه أساس الجمعية التي
بها يتم الفلاح
والنصيحة الحقة بالنسبة للمريد هي
المجاهدة في إزالة رذيلة وإحلال فضيلة محلها كمحو البخل
وإحلال الكرم محله أو استبدال الكبر بالتواضع
ولقد نصح الشيخ مرة مريديه - وكان ذلك يوم الجمعة ٢٤ من ذي
الحجة ١٣٨١ هـ ـ فقال
من عمل بهذه النصائح أبشره بدخول الجنة - حفظ الجوارح
۳۷
جميعها إلا فيما يرضي الله ترك الغيبة أو نهش أعراض الناس - عدم الاعتماد على حب الشيخ من غير عمل أن تحب لأخيك ما تحب
لنفسك
المجذوب والسالك
والإنسان في سيره إلى الله إما أن تكون بدايته جذبة من جذبات الحق وإما أن تكون سلوكاً وفي المجذوب والسالك يقول الشيخ
رضي
الله عنه
المجذوب من جذبه الله إليه ولذلك كان سيره من أول خطوة في الطريق بالله لا بنفسه وهذا جاء من باب القدرة كن فيكون ويوضح ذلك من فاجأته العناية فتغيرت حاله فجأة وانقاد إلى طريق
مولاه وهذا هو المجتبي مباشرة
أما السالك فأنواع
أ نوع قدر الله له الوصول وهذا يقال له مُجْتَبى من وراء حجاب
لأنه أتى من باب الحكمة
ب نوع ظل سائراً ولم يصل وفاجأته المنية وذلك يكمل الله
سبحانه له الوصول في قبره
جـ نوع لم يقدر الله له الوصول وذلك هو النوع المستدرج
والعياذ بالله
والسالك المقدر له الوصول أفضل من المجتبى مباشرة لأن المجتبى لم يجاهد والمجاهد يجاهد نفسه وهواه وهذا هو مقام الجهاد
الأكبر
۳۷۳
والمجذوب فاته هذا المقام والدليل على ذلك قوله سبحانه لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَتَلَ أُوْلَيْكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ
أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
وهناك مرتبة أعلى من المرتبتين مرتبة المجذوب المجاهد وهي مرتبة المجاهد الذي سلك بنفسه ثم أدركته العناية فجذب واجتبي قبل
الوصول فقد أحرز المنزلتين
البصيرة
وينتهي السلوك بتوفيق الله بالكشف عن البصيرة
والبصيرة ناظر القلب والبصر ناظر القالب وهي - أي ـ البصيرة
أقسام بصيرة فاسدة للكفار إذ أنها أنكرت نور الحق
وبصيرة مسدودة المرض أصابها إنها محاطة بالنور ولكنها لا تقوى على مشاهدته ولا تشهد قربه منها ولا بعده عنها وهي العامة المسلمين فالمسلم نطق بالشهادتين وأقر بالوحدانية لكنه لا يرى هذه الوحدانية لما
ران على قلبه بما سد ناظر بصيرته
وهناك قسمان آخران للبصيرة وهما
١ - عين البصيرة
٢ - حق البصيرة وهما داخلان في نطاق مقام الإحسان أ فعين البصيرة نور الأحسان لأهل المشاهدة
ب وحق البصيرة نور الإحسان لأهل المكالمة
٣٧٤
وكل ما بعد ذلك ترقى في مقام الإحسان
وقد أشار إلى ذلك ابن عجيبة وانفرد محيي الدين برأي خاص به بأن هناك مقاماً فوق مقام الإحسان وهو ما بعد الصديقية الكبرى وقبل مرتبة النبوة وهو مقام الإيقان الذي فيه الخضر وقد ذاقه ابن عربي والحق أنها ترقيات في مقام الإحسان وليس بعد مقام الإحسان
إلا مقام النبوة ويشهد لذلك حديث الإسلام والإيمان والإحسان ويجمع الطريق الوارد التالي
لذ بجنابنا واطرح أثقالك برحابنا واجعل مطالبك مطالبنا
نجعلك إماماً لنا أي من أئمتنا في الأرض الموالين لنا يقول الشيخ إن هذا الوارد يقصد بذلك المشايخ المسلكين وهذا الوارد ـ كما يقول ـ جمع الطريق كله مختصراً
إلهامات في التفسير
ونبدأ بعون الله الآن في ذكر ما تحدث به الشيخ رضي الله عنه في
تفسیر آیات من القرآن الكريم
۱ - بسم
الله الرحمن الرحيم
افتتح السور بالبسملة لأن السور بيوت ومنازل فباب كل بيت
البسلمة
هي
ومعناه أن من دخل آمن لأنه طمأنه بالرحمة التي في البسلمة التي
الباب
۳۷۵
- ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَتَبِكَةِ إِنِّي جَاعِلُ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ
مَا لَا تَعْلَمُونَ ١
وموقف الملائكة من خلق آدم عدم منهم
والأمر بالسجود للخليفة تشريف للخليفة
وإبليس زعيم فرقة النار و محمد زعيم فرقة الجنة إبليس من الجن وعلا بالعبادة إلى رتبة الملائكة فلما أمرت الملائكة بالسجود له وهو معهم شمله الأمر فغلبت عليه نفسه باعتبار أصله فلم يسجد أما الملائكة فلأنهم أرواح محضة سجدوا
۳ - ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيشَقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
أي اشكروا نعمته الكبرى الرسول الله ووارثه في كل عصر وشكره التأدب في حضرته والعمل بما يحبه والرسول خير نعمته إنما أنا رحمة مهداة
٤ - و إن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۳
الحكمة تقتضي عدم المغفرة لهم فكيف يخالف الحكمة المراد الستر في المواقف من الفضيحة
۱ سورة البقرة الآية ٣٠ سورة المائدة الآية ٧ ۳ سورة المائدة الآية ۸۱۱۸
٣٧٦
ه - لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَرُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَرَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ العارفون يدركونه ببصائرهم والآية نفي للإدراك بالبصر لا
البصيرة
٦ - أهل الأعراف
وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالُ يَعْرِفُونَ كُلَّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَبَ الْجَنَّةِ أَن سَلَمُ عَلَيْكُمْ لَمْ
يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴾ ٢
مدحوا بقوله رجال سواهم الله بيدي الجلال والجمال فهم بين الغضب والرحمة النار والجنة فلو مال أحدهم إلى أيهما لا يكون كاملاً بل إن وضعه كالميزان لا يميل إلى الجنة ولا إلى النار ويسلمون على أهل الجنة وقلوبهم مع الله لامع الجنة
ويقول الشيخ مرة أخرى
هناك من خلقه الله بيد إما جمال محض أو جلال محض
وهناك من
خلقه الله بيدين الجمال والجلال فهو الخليفة
كآدم يقول الله تعالى
مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَ ۳
فكل من جعله الله خليفة يكون مخلوقاً باليدين جسماً وروحاً وله
تسجد الملائكة كآدم
قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَيْكُم بَعْدَ إِذْ نَجَتَنَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَايَكُونُ لَنَا
۱ سورة الأنعام الآية ١٠٣ سورة الأعراف الآية ٤٦
۳ سورة ص الآية ٧٥
۳۷۷
أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا أَفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَيْحِينَ ١
ذلك المعصوم فكيف يرجع إلى ملة الكفر وذلك ينافي العصمة
6
هذا من باب ملاحظة العلم المطلق فليس هناك فيه قيد ولا عصمة ولا غيرها لأن الشرع مقيد وعلمه المطلق لا إطلاع لأحد
عليه
الجنة
منه
ومنه دعاء النبي يوم بدر
ومنه قول أبي بكر لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي في
ومنه قوله ﴿وَإِنَّا أَوْلِيَاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَلٍ مُّبِينٍ
۸ - الأفعال من الله
ويحبهم ويحبونه
ففي الحقيقة ما أحب إلا نفسه لأنه لا يحبهم إلا لفعلهم وهو
نعم الأفعال كلها منه
والفعل في حالة صدوره من الله لا يكون إلا خيراً ولكن الوعاء الذي تنزل عليه تلك الأفعال هو الذي يشكلها فلذا نسب الله في الصدور إن كان خيراً وللعبد في الظهور إن كان شراً لأن العبد هو
الذي شكله
۱ سورة الأعراف الآية ۸۹ ۱ سورة سبأ الآية ٢٤
۳۷۸
۹ - ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَلَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يبْخَسُونَ ال أُولَيكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۱
الآخرة
دليل على زيادة أرزاق الظلمة وكل من كان يريد بعمله الدنيا
وقوله أولئك الذين ليس لهم في الآخرة الخ قضاء عليهم وقصم لهم وبيان لضياعهم فيما هو أهم في
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأُمِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُوا
مِنَا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ٢
لما كان نوح يصنع السفينة في البرية ويقول لهم سأعمل بيتاً يسير على الماء فكانوا يسخرون منه وكذلك المصلح يكون ظاهر حاله يدعو للاعتراض والعجب ولكنه على حق والعبرة بالنتيجة
۱۱ - قول لوط
قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ اوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ۳
فهو يقول لو أن لي بكم قوة يعني الجلال والغضب عليهم شديد والرحمة التي عليه خاصة فهي أقل فيقول لو أن الرحمة التي
معي تغلب الغضب الذي عليكم
أو آوى إلى ركن شديد معناه أو يتجلى على مولاي بالرحمة
العامة فتغلب كل غضب
۱ سورة هود الآية ١٥ ١٦
سورة هود الآية ۳۸ ۳ سورة هود الآية ۸۰
۳۷۹
ولقد كان لوط في كل حال يأوي إلى مولاه ولم يبرح الحضرة الإلهية ولا يليق بنبي إلا كذلك ولذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم رحم الله أخي لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد
فيشير إلى أنه كان دائماً آوياً إلى مولاه
وإنما كان يطلب غلبة الجمال الجلال أو الرحمة الكلية العامة
الغضب والله أعلم
١٢ - ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْعُوا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بصير 1
قوله شيبتني هود وأخواتها
لقوله فاسْتَقِم كما أمرت
والذي شيبه قوله أمرت لأن الأمر خلاف الإرادة الأمر قد يُعضى ولكن الإرادة لا تُعْصَى أبداً فلو قال كما أردتُ لما شيبه ذلك ولم يكن ذلك له بل لأمته لأنه قائم بالأمر وزيادة لأنه مراد الإرادات
۱۳ - ﴿ وَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَأَجْنُبْنِي وَبَنِيَ أَن نَعْبُدَ
الْأَصْنَامَ
كيف ذلك لإبراهيم المعصوم
المراد بالأصنام الأغيار والعلائق وكل ما يشغل عنه إذ أن ما يشغل العبد عنه يأسره ويكون الإنسان عبداً له تعس عبد الدرهم
۱ سورة هود الآية ۱۱ سورة ابراهيم الآية ٣٥
۳۸۰
١٤ - ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۱
أو للتحقيق فأمر الساعة للناس كلمح البصر وهو أقرب للأنبياء
والمرسلين
١٥ - ﴿ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بِأَي وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
الذي عند نفسه فان والذي عند الله في مقام العندية لا ينفد
علمه ولا يغني عرفانه
١٦ - ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن تُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَ
مرْنَهَا تَدْمِيرا ۳
هناك أمر تشريعي وهو ما جاء على لسان الرسل وهناك أمر الإرادة والأخير لا بد من وقوعه وتحققه والأمر قد يقع وقد لا يقع ومثل الأول الأمر بطاعة الله ومثل الثاني أمرنا مترفيها ففسقوا فيها
فهو أمر الإرادة أما قوله إن الله لا يأمر بالفحشاء فهو أمر تشريعي ظاهري وآدم عليه السلام رأى أمر الإرادة فأكل من الشجرة وكان الأمر الظاهري مخالفاً لذلك فتركه لأنه رأى أنه غير واقع ولذا
نال بعد ذلك الخلافة
۱۷ - ﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْفَاظَا وَهُمْ رُقُوةٌ وَنُقَلِبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ - نَا
۱ سورة النحل الآية ۷۷ سورة النحل الآية ۹۷ ۳ سورة الإسراء الآية ١٦
۳۸۱
وَكَلْبُهُم بَسِيطُ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ
رعبا ۱
وذلك لما ألبسهم الله من الهيبة والهيئة التي كانوا عليها من طول الشعر والأظفار وغير ذلك ولم يتجل الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك وكانت أعينهم مفتحة كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم ۱۸ - لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغُوا إِلَّا سَلَمَا وَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيَّا ۳
الجنة في الدنيا والمراد الحث على الأوراد لأنها تسبب الأرزاق المعنوية والحسية وفي جنة الآخرة التي سقفها عرش الرحمن وهم يعلمون مقدار اليوم بعلامات
۱۹ - ﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَؤُ أَعَلَيْهَا وَأَهُشُ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَشَارِبُ
أخرى 4
قول سيدنا موسى عليه السلام
هي عصاي
معرفتي بك أعتمد عليها
اهش بها على غنمي أولادي في التربية
ولي فيها مآرب أخرى
من باب لي وقت مع ربي لا تسعني فيه أرض ولا سماء
۱ سورة الكهف الآية ۱۸
بل تجلى الله عليه بالهيبة والمحبة معاً
۳ سورة
مريم
الآية ٦٣
٤ سورة طه الآية ۱۸
۳۸
۰ - ﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ هَمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَحْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن
وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَعَوَى ۱
فكيف يعصي وهو معصوم
الحق أن هناك أمراً إرادياً لا يعصى أبداً وأمراً شرعياً وهو قد يعصى وقد لا يعصى وعصمته تقتضي عدم عصيانه إذ أنه اطلع على ما في علمه ورأى عدم وقوع ذلك الأمر فعصى الأمر الظاهري وغوى حتماً أمر الإرادة فهو طائع حقا إذ أنه يعلم أن ما فعله هو الواقع والفرق بيننا وبين أمثال الأنبياء والمطلعين على علمه وعلى ما في اللوح أنهم قبل الإقدام على العمل يرون ما في علم الله ويشاهدونه ويأتون ما أراده الله سواء وافق الأمر الظاهري أم خالفه
ومثلنا لا الاطلاع له فلا يدري ما في الإرادة وإنما يعلم أن هذا كان في العلم بعد وقوع المقدور والعقاب والحساب على القدوم وعلى مخالفة الأمر وهو لا يدري ما أراد الله
أما
هم
فيرون ما في علمه ويأتون الأمر الإرادي استجابة لما في
العلم لا لشهوة ولا لهوى ونحوه
۱ - ﴿ وَذَا النُّونِ إِذ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ٢ أي خرج من قومه من غير إذن
لن نقدر عليه
۱ سورة طه الآية ۱۱ سورة الأنبياء الآية ۸۷
۳۸۳
لن نقتر عليه بالرحمة ونضيق وهناك غلب الرجاء والميزان
استواء الرجاء والخوف
- ﴿ وَمِنْ ءَايَيْهِ مَنَامُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّ فِي
ذلك لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ١
ولم يقل بالنهار دليل على أننا في غفلة تامة بالليل والنهار لأن
غفلة النوم
ومع غفلتنا التامة عنه وعن شهوده ومعرفته نرجوه ونطلب منه ۳ - ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ
إنك ببشريتك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء
٢٤ - سأله مرة سائل في قوله تعالى
إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَتِي أَرْضِ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ۳
قائلاً
كيف يتفق أن النفس لا تدري ما تكسب غداً مع ما يختص الله به
أولياءه من أسرار ومغيبات المستقبل
فكان جوابه في إيجاز بليغ لقد قال سبحانه [وما تدري نفس
ولم يقل روح وإيضاح ذلك كما سمعناه منه ونرويه بالمعنى لا باللفظ
1 سورة الروم الآية ٢٣ سورة القصص الآية ٥٦ ۳ سورة لقمان الآية ٣٤
٣٨٤
ذمیم
من
كثافة
أن النفس بما غطى عليها من رأن الطباع وما غشاها الخصال لا يمكن أبداً أن تدرك شيئاً من أسرار الله وهذه هي
النفس المرادة في الآية
فإذا ما ارتقت من نفس أمارة بالسوء إلى نفس لوامة ومن لوامة إلى ملهمة ومن ملهمة إلى مطمئنة ومن مطمئنة إلى راضية ومن راضية إلى مرضية دخلت في حيز النفس الكاملة وحينئذ تكون قد تخلصت من ران الطباع وكثافة ذميم الخصال وتحكم سجن الجسد فيها فيكون لها الشفافية والإطلاق فتتحكم هي في الجسد ولا يتحكم الجسد فيها ويكون صاحبها روحانياً وهذه المرتبة هي التي تسمى فيها النفس روحاً والروح سر من أسرار الله ولأنها سر الله فهي الله فهي دراكة عالمة بما كان وما يكون فإذا ما وصل صاحبها إلى هذه المرتبة انكشف الغطاء ورأى أمامه غرائب الماضي وخفايا الحاضر وعجائب المستقبل وكل روح في أصلها كذلك فإذا ما غيبت في الجسد سيطر عليها بكثافة وغطى ما تحويه من أسرار فمن جاهد وأخرجها من هذه الكثافة عاد بها إلى أصلها واستحقت أن تنادى
يَتَأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَينَةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِى ال
وَادْخُلِي جَنَّنِي 1
وأولياء الله الذين اختصهم بأسراره منهم من وصل إلى هذه المرتبة ومنهم من تجاوزها وبذلك تنجلي الشبهة في السؤال ولا تعارض الآية ما يختص الله به أحبابه من أسرار فهم علماء الله بحق الذين عناهم بقوله وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ وهم
۱ سورة الفجر الآية ۷
٣٨٥
بعينهم الذين تناولتهم الآية الكريمة إنما يخشى الله من عباده
العلماء ١
٢٥ - ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا
وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ۳
الأمانة المعرفة الحقة وهي للغوث فما فوق وهي الخلافة
الحقيقية والإنسان الحق كان قبل حملها ظلوما جهولاً
٢٦ - ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ الفَسُبْحَنَ
الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۳
كيف يكون شيئاً ويقول له كن
فإن كان موجوداً فلا داعي لوجوده وإن لم يكن موجوداً فلمن
يقول له كن ومن يخاطب
يخاطب هذا الشيء المعلوم لله الموجود في علمه الحاضر لديه المعدوم في ذاته الذي لم يأت أوان خلقه إذ أن العلم تعلق بالمعلومات كلها وإلا كان علماً لأن العلم لا بد له من معلوم يتعلق به إلا أن هذا المعلوم لله معدوم في ذاته في حاجة إلى تكوين وبروز فيخاطب هذا المعلوم بالتكوين والخروج إلى حيز الوجود
۷ - ﴿ فَأَمَا بَلَغَ مَعَهُ السَّعَى قَالَ يَبْنَى إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَتَأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّدِبِرِينَ 1
۱ من مذاكرت الأستاذ سليمان القاضي عن والده
سورة الأحزاب الآية ۷
۳ سورة يس الآية ۸ ۸۳ ٤ سورة الصافات الآية ۱۰
٣٨٦
قوله تعالى
إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ
قال إسماعيل
يا أبت افعل ما تؤمر
ولم يقل ما رأيت فلم يكن رأه أمراً ولو كان رأه أمراً لقال
إني أمرت
وكيف يذبحه ولم يؤمر بذلك إنما ذلك شدة مسارعة لتنفيذ ما رأى
رؤيا الأنبياء والصالحين على قسمين
۱ - کشف
- رؤيا تحتاج إلى تأويل
فالأول لا بد من حصوله كما هو
والثاني يؤول
فرؤيا الخليل عليه السلام من الثاني إلا أنه لم يوقن أنها منه من الثاني فسارع إلى تحقيقها ولذا قال تعالى
صَدَّقْتَ الرميا ولم يقل صدقتنا أما الرسول صلى الله عليه وسلم فكان عنده
علامة يعرف بها رؤيا الكشف من الرؤيا التي تؤول مثال ذلك لما رأى أنه شرب لبناً وأعطى الفضلة لسيدنا علي فقالوا له
ما أدلته قال العلم
ومثله رؤيا يوسف عليه السلام رأيت أحد عشر كوكباً
احتاجت إلى تأويل
۳۸۷
الكواكب إخوته
عروج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج
فقد كان يرقى جسمه الشريف ويتلطف بما يتناسب والروحانية العلوية فكان يرقى تدريجياً من سماء إلى سماء حتى يصير في شفافية
ملائكة كل سماء حتى وصل مع جبريل إلى سدرة المنتهى فكان في غاية الشفافية والروحانية وهنا توقف جبريل وطلب منه سيد البشر أن يواصل سيره فقال
۸ - ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامُ مَعْلُومٌ ۱ تقدم أنت يا محمد فهذا مقامك وهنا زُج بسيدنا محمد في الأنوار فوصل إلى حيث لا أين ولا بين ولا زمان ولا مكان فقد انتفى حين ذلك المكان وهنا لا مجال للقول ولا للعقل وكل ما يمكن أن يقال إنه رأى مولاه بعين بصيرته ويمكن تفسير قوله
رأيت ربي بعيني رأسي
أنه قد انعكس نور بصيرته على بصره فرأت عيناه بنور بصيرته من
ليس كمثله شيء ۹ - ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ
عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
قال رضي الله عنه إجابة عن سؤال كيف نعبد الله بلا علاقة
مع
أنه تعالى قال ادعوني أستجب لكم قال ادع الله ائتماراً لا
۱ سورة الصافات الآية ١٦٤ سورة غافر الآية ٦٠
۳۸۸
للطلب ولكن إظهاراً للعبودية والتذلل ومثل ذلك سيدنا أبي الحسن
مخاطباً الشيطان أعوذ بالله منك ومن أنت أستعيذ منك
حتى
ولولا ما أمرني ربي ما استعذت بالله منك
- وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ۱
المراد جنة في الدنيا وهي جنة المحبين العارفين
وهي معنوية لما يستشعرونه من لذة ومتعة في عباداتهم وأنسهم
بربهم ومن هنا يدرك معنى قولهم
ونحن في لذة لو علمها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف وهذا هو المعنى المراد من جنة الدنيا وهو الأنسب والأليق
وهل المراد بجنة الدنيا الجنة الحقيقية الحسية فالله يطعم أحبابه في الدنيا من الجنة هذه وذكر رضوان الله عليه قصة الولي الذي استضافه ملك فقدم إليه فاخر الطعام فعزف الولي عن هذه الألوان فسأله الملك عن سبب امتناعه فقال
مثلي لا يأكل من هذا الطعام ثم أ أمسك منه
بنوع
وعصره
فكانت
عصارته دماً وأمسك اللحم وعصره فكانت عصارته قيحاً وصديداً فتعجب الملك ثم نظر إليه العارف قائلاً أترضى أن أكل من ها الطعام كله من حرام ومثلي لا يأكل الحرام فسأله الما
تأكل فأجاب طعامي سيأتيني وإذا بالباب يطرق ثم يفتح يحمل طعاماً على رأسه ويقدمه للولي قائلاً سيدي الا
۱ سورة الرحمن الآية ٤٦
۳۸۹
أقدمه إلى سيدي الأصغر ثم وضعه الولي أمامه وأخذ يمسك ببعضه ويعصره فتنزل العصارة لبناً خالصاً ويمسك ببعض ثان ويعصره فيجده عسلاً خالصاً وببعض ثالث فيجده خمراً لا غول فيها ولا هم عنها ينزفون ويبعض رابع فيجده ماء غير آسن وهي من أنهار الجنة الأربعة ولعل الولي عمل هذا لحكمة وهي عمل الملك ليحث على البعد عن الحرام عن طريق هذا التصوير البشع فجنة الدنيا إما المتعة واللذة المعنوية التي تفوق كل لذة وإما جنة المأكولات والملذات
وكثير من الأولياء كان يخرج إلى الناس ويُسم منه ريح الشواء وغيره من ألوان الأطعمة ولم يعهد أنها عنده أو طبخها في بيته إذ لم يكن لديه المال لجلب ذلك ولذا كان الرسول يقول
إني
أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني
والمراد طعاماً حقيقياً حسياً يشبع منه
أما الجنة الثانية فهي جنة الآخرة
۳۱ - هو إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ۱
قرئت هذه الآية أمام أبي يزيد البسطامي رضي الله عنه فقال
إن بطشي أشد
وسئل رضوان الله عليه في معنى ذلك فقال حقاً ما يقوله أبو زيد لأن بطش الله ممزوج بالرحمة أما بطش أبي يزيد فخال من
الرحمة
۱ سورة البروج الآية ۱
۳۹۰
۳- وَوَجَدَكَ ضَالًا فَهَدَى ۱
مع قوله كنت نبياً وآدم بين الماء والطين فكان نبياً للأرواح وعلم علوماً لا تحصى فلما جاءت البشرية كانت لا تعرف شيئاً فكان
يجب موافقة البشرية للروحانية
فالبشرية ضالة عما في الروحانية
وموسى
عليه السلام قال
فعلتها وأنا من الضالين أي الضالين لطريقتكم
۳۳ - الهَنكُمُ التَّكَاثُرُ حب المال ـ الخلق عن الخالق
المعرفة عن صاحب المعرفة - الصفات عن الذات - والأخيرة رحمة لأنه
لولا ذلك لاحرقوا
٣٤ - ﴿ ثُمَّ لَتُسْلُنَ يَوْمَيذِ عَنِ النَّعِيمِ ۳
السؤال يشير إلى رحمة الله لأن فيه تعداد النعم التي أنعم الله بها على العبد في الدنيا ﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا
واردات
۱ - من غلبته شهوته فهو حيوان ومن غلب شهوته فهو إنسان ومن غلبت ناسوتيته روحانيته فهو من الغافلين ومن غلبت
روحانیته ناسوتيته فهو من الأوابين
۱ سورة الضحى الآية ۷
C
سورة التكاثر الآية ١ ۳ سورة التكاثر الآية ٨
۳۹۱
الأول معاملات يعامل نفسه
والثاني عبادات سائر في مقام العبودية
- اعلم أن ابن آدم طلسم لا يدري به إلا من اجتباه الله وأطلعه علس سره الغامض فيه فمن السر أنه مرقوم على كفه الأيمن رقم ١٨ وعلى كفه الأيسر رقم ۸۱ ومجموع الرقمين ٩٩ أعني أسماء الله الحسنى يتجلى بها عليه على حسب استعداده من الأزل
أما خليفة الله في كل عصر الغوث فهو متجلى بها عليه على رأي منه وهذا سر قوله تعالى لإبليس عليه اللعنة هو مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَى يعني كان السجود لآدم شكلا ولكنه في الحقيقة كان الله لا لآدم عليه السلام وهذه الأسماء جامعة لليدين أعني الجمال والجلال والقبض
والبسط والأنس والهيبة والعز والذل والفقر والغنى والكمال فمن أسعده الله وتحقق بهذه الأسماء كان العبد الكامل ونطق بالحكمة وخرج صندوق نفسه إلى جوهر روحانيته ودررها ولؤلؤها ويواقيتها وكان خليفة الله في أرضه ومن غفل عن ذلك فهو في مشيئة الله تعالى وعاش كحيوان يرتع في الفلاة
وإذا أفردت الرقم الذي في الكف الأيمن نطق باسمه الحي وإذا
أفردت الرقم الذي في كفه الأيسر نطق باسمه الأحد المحي فمن عبد الله باسمه الحي ودام عليه واستغرق فيه ليلاً ونهاراً شاهد حياة كل شيء وكوشف بسر الملك والملكوت ومن عبد باسمه الأحد المحي وأكثر منه ولا حد لأكثره شاهد حياة كل شيء ومحييه ومن
۳۹
ذكر بهم
جميعاً
صعدت روحه إلى الملأ الأعلى وصعدت روحه إلى العرش ليكتب عند الله من الكاملين الصديقين وكان أعجوبة زمانه عرف من عرف وأنكر من أنكر
- أكمل الكمال أن تعبد الله لله بالإخلاص وتغني عن الإخلاص
بالإخلاص لله بالله
فالأول لمن له تطلع للمقامات في البداية
والثاني لمن طريقه عبودية الربوبية فهو النجم الذي لا يدرك ٤ - أهل الخصوصية مزهود فيهم أيام حياتهم متأسف عليهم بعد مماتهم وهناك يعرف الناس قدرهم حين لم يجدوا عند غيرهم ما كانوا
يجدونه عندهم ولات حين مندم
ه - رأي من يقول له
أكتب هذا الكتاب الجامع لميزان الأعمال
فقال له نعم
فقال ليس لعبد أن يشغل قلبه بالاختيار بفعل شيء أو تركه في المستقل وإنما عليه أن يعطي ما أبرزناه على يديه حقه فإن كان طاعة حمدنا عليها واستغفرنا من تقصيره فيها وإن كان معصية استغفرنا من ارتكابه لمخالفة أمرنا وإن كان غفلة أو سهواً فعل ما هو اللائق بمقامه
وقد قربنا لك طريق الأدب معنا في كل ما تجريه عليك
سلم سلاماً باطنياً وظاهرياً تسلم وتغنم
لا تركن إلى عمل ولا علم واركن إلى حب من يحبهم
ورسوله وسارع في هواهم تفلح دنيا وأخرى والسلام
الله
۳۹۳
٦ - الله الصادق الوعد الأمين ويتجاوز عن الوعيد لأحبابه
المخلصين
- القلب للمشاهدة واللسان للعبارة عن المشاهدة فمن لم يشاهد فهو شاهد زور
- أدم قرع بابنا يدخلك علينا بوابنا وثق أنك لا تدخل علينا إلا
بواسطة بوابنا واعلم أن بوابنا حبيبنا وهو لكل خلقنا ۹ - الأقطاب الأربعة هم السيد البدوي سيدي ابراهيم الدسوقي سيدي الرفاعي سيدي الجيلاني أما السيد البدوي فهو حي في قبره يجلس ويضطجع ويقابل جميع
زواره هذا حاله
أما سيدي إبراهيم الدسوقي فهو من الأفراد والمراد أنه ترك المقامات وزهد فيها حتى الغوثية تولاها وتركها زاهداً فيها
أ السر في الأشياخ لا في الأذكار
ب الورد الحقيقي الذي يبلغ المريد هو المحبة من المريد لشيخه محبة صادقة
جـ ومعنى قولهم السر في الأشياخ يعني في الإذن بالذكر د كل إنسان مركب من عقل - نفس - روح - فكر - قلب - فؤاد وما عدا ذلك فهو للأرض
هـ الأولياء عرائس مخدرة من نظر إلى محمد رسول الله آمن
به ومن نظر إلى يتيم قريش كفر به
٣٩٤
و الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة لأن مدة الرسالة
٢٣ سنة والمنام نصف اليقظة
ف ٢٣ × ٢ = ٤٦ والله أعلم كم من مصباح أطفاه الريح
ز من لا أول له ولا آخر هو الله سبحانه جل شأنه له أول وليس له آخر الروح وملائكة العذاب والنعيم
ومن
ومن
له أول وآخر الإنسان والجن والحيوان والطير
ط من طلب الحكمة لذاتها وكله الله إليها
ومن طلبها له وكلها إليه
۱۱ - قلوبهم أعجب من ذكر النائم ربه معناه والله أعلم أن قلوب أحبابه أعجب شيء إذ صاحب هذا القلب ذاكر ربه وهو نائم
۱ ـ وجد بخط فضيلة مولانا الشيخ في كتاب متن أبو شجاع فقه شافعي ويظهر أنه كتب أيام الخلوة الأولى أو الثانية مكتوب وارد اليوم الإخلاص هو الشكر بالعمل والعمل بالشكر
وله ظاهر وباطن
فظاهره العمل وباطنه الشكر
والحافظ له ولنموه باطنه أخلص لي عملك ولا تسألني وأنا أعطيك أفضل ما أعطى السائلين وأما الشكر فهو تصرف كل جارحة لما خلقت له ثم ينسى ذلك وإن لم ينس فما شكر
لَين شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ١
۱ وإذ تأذن ربكم لان شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد
۳۹۵
6
فالإخلاص يقتضي العطاء والشكر يقتضي المزيد فالإخلاص هو الأب الصالح والشكر هو الابن الفالح والفاعل لهما هو المقرب النافع فاعرف قدر ما وصل إليك واعمل به تكن من الناجحين ١٣ - العبادات كالحلواء المعجونة بالسم فكما لا ترضى النفس بالقليل منها فتسلم كذلك لا تصبر على الكثير منها فتغنم
١٤ - أشد العذاب سلب الروح
وأكمل النعيم سلب النفس وألذ العلوم معرفة الحق
وأفضل الأعمال الأدب
وبداية الإسلام التسليم
وبداية الإيمان الرضا
ثم الإيمان يتلون بحسب الجسد والسجد بحسب المضغة والمضغة بحسب إصلاح الطعمة إياكم والجزع في مواطن الامتحان يمتحنكم الحق بأشد من ذلك لا يكمل المريد حتى يحمل عن شيخه أنه إذا تعود ذلك ألفت أشغاله على شيخه فهو سيء الأدب مع
فإن رمى نفسه ذلك فينقص استعداده
فإذا جاءته صدمة هدت جداره وشيخه ليس بقيم له لا تأكل قط طعام أحد إلا إن كنت وليه في التربية أو من أهل آية ليست عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا فإن كل لقمة نزلت في جوفك تنقص من
عبوديتك بقدرها وتسترقك لصاحب تلك اللقمة
من اجتمع فيه خصال أربع الكبر والنفاق والغرور والبخل لا بد من العلاج
٣٩٦
فإن دواء الكبر التواضع والنفاق دواؤه الإخلاص
والغرور دواؤه العجز والانكسار
وأما البخل فدواؤه التسخي
فلا يصلح أبداً إلا بهذا العلاج ويحتاج إلى جهاد كبير وعناية ربانية وطريقه وعر وأعوذ بالله من غضب الله
وارد بصغة سؤال
س ١ ما ملاك الجسم
جـ ملاكه العقل والعقل عقلان عقل للنفس التدبير أمور الدنيا وعقل للروح لتدبير أمور الآخرة فإذا طغى عقل النفس على عقل الروح إندمجا معاً وصار عقلاً واحداً وكانا محلاً لهواجس النفس ووساوس الشيطان وإذا طغى عقل الروح على عقل النفس إندمجا معاً وصارا عقلاً واحداً وكانا محلاً للتنزلات الإلهية والمعارف الربانية وسعدا سعادة لا شقاء بعدها
س وما ملاك العقل
ج ملاكه الدين والدين هو التوحيد المطلق الكامل والوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة واعتبار الأكوان كلها رسلا إليك تؤدي ما من خير وشر ولذا وجب شكرك لها وأما شكرك الأمانة لديها من
للمكون لجميع ما وصل إليك من الرسل لأنها منه برزَتْ وجميع ما وصل
إليك منه من القدرة و أنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيكَ
س وما ملاك الدين
۳۹۷
جـ ملاكه النور المحمدي والنور المحمدي هو أول التعينات الربانية والتجليات الذاتية وأول ظهور المظاهر الذاتية في وجود
العمائية
س ٤ وما ملاك النور المحمدي
جـ ملاكه الله جل جلاله وهنا تنطمس العقول والأبصار
والقلوب والبصائر ما قدروا الله حق قدره
لها معنيان
الله أكبر في الصلاة
١ - التنبيه من الغفلة لأن الله أكبر من كل شيء فلا ينبغي أن تنشغل أذهاننا في الصلاة بشيء من شؤون الدنيا وإلا فلا معنى لقولك الله أكبر إذا لم يكن أكبر مما يشغلنا عنه ومن ذلك تتكرر التكبيرة في كل ركعة نحو ست مرات وينطق بها المصلي في كل ركعة فهي تتخلل أعمال الصلاة وكأنها ناقوس يدق بين الحين والحين ينبه الإنسان من غفلته ويوقظه من انشغاله
ـ وهناك معنى ثان لا يخاطب به إلا أهل الخاصة وهو مقام المتوسطين منه ويتلخص في أن كل ركن إذا أداه الإنسان بخشوع
أنه
وبتدبر کامل ینال به من الله درجة فختامه بلفظ الله أكبر بمعنى سبحانه وتعالى أكبر من أن يقتصر عطاؤه على هذه الدرجة فإذا أنت أديت ركن الوقوف مع الفاتحة والسورة بالتدبير المطلوب حينذاك تنطق الله أكبر وتركع ومعناه أن عطاء الله أعظم ثم تؤدي ركن الركوع بخشوع فتنال درجة أرقى ثم تعتدل لتكبر من جديد ويكون معنى ذلك
۳۹۸
أن الله أكبر من أن يقتصر عطاؤه على ذلك أو تلك الدرجة فكلما أديت ركناً نلت درجة وسلمك هذا الركن إلى ركن ثان وهكذا تصعد من درجة راقية إلى درجة أرقى حتى تتم الصلاة وكمالات الله لا تتناهى وذلك هو العروج إلى أسمى المقامات الذي قصده الرسول عليه الصلاة
والسلام بقوله
الصلاة معراج أمتى
وهذا مقام المتوسطين
والخلاصة أن معنى الله أكبر في هذا المقام أن تجلى الله في صلاتك وهي مما يورده عليك أكبر من صلاتك التي تؤديها أي ما يورده
عليك من تجليات أكبر مما تورده من عملك
أما مقام المنتهيين الصديقين المقربين فهو عند تكبيرة الإحرام التي
يدخل بها في الصلاة يحس كل منهم بما يأتي
عند ألف لفظة الجلالة
أنه
يحس تدبر كل ما في الصلاة من
حركات وتكبير وتسبيح وقراءة الخ
وإذن فقد تدبر الصلاة عند نُطْقه بألف لفظ الجلالة وتكون بقية الصلاة بعد ذلك من أولها إلى آخرها شهوداً لذي الجلال والعظمة يترقون في مقام الشهود عند كل تكبيرة حتى يفنى الحس فلا يكون في الشعور إلا الله
وبالطبع كل ركن ينال فيه مقاماً من مقامات الشهود ويسلمه ذلك الركن إلى ركن آخر ينال فيه مقاماً أسمى وهكذا حتى يخرج العبد من الصلاة ومعه من العلوم والمعارف أبكار الأفكار التي لم تدون في
كتاب
۳۹۹
أما الاستغفار بعد الصلاة كاستغفار الرسول لها واستغفار الأولياء بطريق الميراث من أنه ليغان على قلبي لتراكم المقامات والأنوار واستغفاره لترقيه من الأدنى إلى الأعلى ومعنى ذلك أن ما كان فيه من مقام أدنى غير لائق فيستغفر الله لذلك وهكذا وكل استغفار للرسول صلى الله عليه وسلم من هذا القبيل
ونختم الكتاب كله بهذه الكلمة الجليلة اللَّهِ أَكْبَر
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما
سبق وعلى آله وصحبه وسلم
القاهرة في ١٢ من ذي الحجة سنة ١٣٨٧
٤٠٠
عبد الحليم محمود
۱۹
٥٥
۹۵
११
۱۱۱
۱۳۱
١٥٥
١٦٥
۱۹
فهرس
مقدمة
الباب الأول أبو الحسن الشاذلي
الفصل الأول أبو الحسن الشاذلي الفصل الثاني شخصية الشاذلي الفصل الثالث أبو الحسن الشاذلي والعمل بالكتاب والسنة الفصل الرابع أبو الحسن الشاذلي والاستدلال على وجود الله الفصل الخامس أجواء في القرآن الكريم
الفصل السادس الطريق الصوفي
الفصل السابع معارج ومراثي
الفصل الثامن الذكر والدعاء أو الأحزاب والأوراد
الفصل التاسع خاتمة واعتراف
٤٠١
٢٣٥
٢٤١
٢٦٥
۷۷۰
۳۳۳
٣٤٣
٣٦١
۳۷۱
الباب الثاني العارف بالله
الشيخ عبد الواحد يحيى
مقدمة
الفصل الأول چيد وجينو
أخطاء غربية عن الإسلام الفصل الثاني تصحيح
الفصل الثالث في المعرفة
مقدمة وذكريات
الباب الثالث
العارف بالله
الشيخ عبد الفتاح القاضي
الفصل الأول حياته ومجاهدته
الفصل الثاني في جهاده
الفصل الثالث في إلهاماته
٤٠٢