التراث والعلوم الاسلامية لكل الشعب
الهيئة العامة لمكتبة الأسكندرية -
رقم التصنيف
رقم التسجيل
ابن عطاء الله
شرح العارف بالله الشيخ زروق
تحقيق
الإمام عبد القاسم محمد
١٤٠٥ هـ - ١٩٨٥ م
منابع دار الشعب القاهرة
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله والصلاة والسلام على الرحمة المهداة محمد بن عبد الله عليه وعلى من والاه
أفضل صلاة وأتم تسليم
وبعد
فقد ذلل الله الكون لعباده ووجههم إلى تعميره كما وجههم إلى السيطرة على الطبيعة بالعلم والمعرفة وعبر سبحانه عن كل ذلك بعديد من الأساليب
فأخبرنا - مُمتنا - بأنه سخر لنا الشمس والقمر والنجوم والكواكب وسخر لنا الأرض والسماء وما بين الأرض والسماء لقد سخر لنا الكون كله لنستخدمه نغوص بحاره ونجوب فضاءه ونجول خلال دياره ونجول في أرجائه
يقول سبحانه
الله الذي خلق السموات والأرض وأَنْزلَ من السماء ماء فأخرج به مِنَ الثمرات رِزْقًا لكم وسخر لكم الفلك لتجرى فى البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار
من سورة ابراهيم ٣٢ - ٣٣
ويقول سبحانه
لا هو اللى أنزل من السماء مَاءً لكُم مِنه شراب ومِنه شجر فيه تسيمون يُنبت لكُم بِه
الزرع والزيتون والنخيل والأغناب ومِنْ كُل الثمرات إنَّ فى ذلك لآية لقوم يتفكرون
•
وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجومُ مُسَخَّرات بِأَمْرِه إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون وماذرًا لكم في الأرضِ مُختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يَذَّكَّرون وهو الذى
سَخَّر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتسْتخْرِجُوا منه جلية تلْبَسُونها وترى الفُلكَ مَوَاخِرَ فيه ولِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُم تشكرون وأَلْقَى فى الأَرضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بكم وأنهارًا وسُبُلا
لعلكم تَهْتَدُون وعلامات وبالنجم هُم يَهْتَدون
الآيات ١٠ - ١٦ من سورة النحل
لقد هيأ الله لنا عالم الطبيعة ووضع فيه من الأسرار والقوانين ما يفيدنا لوسرنا بها إلى الخير الذي أحبه الله سبحانه وتعالى ثم تركنا وجها لوجه أمام الكون دون أن يقيدنا - فيما يتعلق بالبحث فيه - بقيد اللهم إلا قيد إرادة الخير في كل ما نأتي وما ندع
وإذا كان الله عزّ وجلَّ قد جعلنا خلفاء فى الأرض مصداقا لقوله إلى جاعل في الأرض
خليفة
وإذا كان الله قد ترك لعقولنا مجال البحث فإنه قد أنزل مع ذلك دستوراً هادياً لعقولنا مبينا المنهج الذي عليه يقوم تعاملنا في المجتمع لقد بين سبحانه المبادىء التي تقوم عليها صلة الأفراد بعضهم ببعض فيما يسمى في الفقه بالأحوال الشخصية
وبين
الأصول التي تقوم عليها صلة الأفراد بعضهم ببعض فى مجتمعهم كالتجارة
والرهن وكتابة الدين وغير ذلك
وأفاض سبحانه فيما يتعلق بالخلق الشخصي من صدق وورع وتقوى وحلم بأنه ه إنما بعث ليتمم مكارم الأخلاق
وحياه وغيرها وقد حدث رسول الله
صلى
الله
عليه وسلم
ثم بين جلت قدرته في استفاضة قواعد الإيمان وأنها تتبلور في أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله مع إقامة الدين على الوضع الذي بينه
ة كتابه الحكيم وعلى لسان رسوله الكريم
وحدثنا - تبارك وتعالى - بأن قانونه الذى لا يتخلَّف أنه كاف عبده الذي حقق له العبودية
كما أحب سبحانه ولقد عقل قوم عن الله ذلك وتأملوه وتدبروه ورأوا ببصيرتهم المستنيرة وببصرهم
To wwwal-mostafacom
j
النفاذ أن الخير كل الخير في أن يستجيبوا الله ورسوله حتى يستجيب لهم الله ورسوله وأن
يكونوا الله فيكون الله لهم يقول سبحانه
أليْسَ اللهُ بكاف عَبْدَه
ويقول عز وعلا
و كفى بربك هَاديًا وَنَصِيرا
ويقول عز من قائل
إن تنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم
ويقول تعالى
ومَن يَتَّقِ اللهِ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ويرزقه من حيث لا يَحْتَسِب ومَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فهو
ويقول سبحانه
ألا إن أولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلماتِ الله ذلك هو الفوز العظيم
وفى حديث قدسي يقول تبارك وتعالى
أداء
من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى من ما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه
الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي عشى بها وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه هذه الأنباء وكثير غيرها عن الله سبحانه تبين أنه تكفل بمنح الحياة الطيبة لمن استجاب له والمؤمنون موقنون بأن وعد الله لا يتخلف كما قلنا - استجابوا الله ورسوله وشمروا عن ساعد فلما رأى أصحاب القلوب المشرقة الجد في العمل على ما يرضى الله ورسوله وطبقوا قوانين الله في الكون وفى المجتمع فسعدوا السعادة الكاملة وأعلنوا أنهم في لذة لو عرفها الملوك لجالدوهم عليها بالسيوف
1-
فمنهم
لقد رضوا عن الله فرضى الله عنهم ومنحهم الرضى ولقد آمنوا واتقو ففتح الله عليهم بركات من السماء والأرض
ولقد آمنوا وعملوا الصالحات فأحياهم الله حياة طيبة
الله
ومع ذلك فإن العاملين الله تتفاوت درجاتهم ومنازلهم بتفاوت هممهم في العمل سبحانه
أصحاب اليمين
وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاء فجَعَلْناهن أَبكارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لأَصْحَاب اليمين ثُلَّة من الأولين وثلة من الآخرين
ومنهم الابرار
i
الواقعة ٢٧ - ٤٠
ه إن الأبرار يَشْرَبُونَ مِنْ كأس كان مِزاجها كافورًا عَيْنا يَشرَبُ بها عِبَادِ اللهِ يُفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مشكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا تمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهُمْ نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكثين فيها على الأرائك لا يَرَوْن فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية عليهمْ ظِلالها وذللت قطوفها تذليلا ويُطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قواريرا مِنْ فِضة قدروها تقديرا ويُسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عَينا فيها تسمى سلسبيلا ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رَأَيْتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا عاليهم ثيابُ سُندُس خضر وإستبرق وحُلوا أساوِر من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا ان هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا
من سورة الإنسان ٥ - ٢٢
ومنهم السابقون أو المقربون وهم في الذروة من أولياء الله يقول الله
عنهم
والسابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين سرد موضونة متكثين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق
وكأس من معين لا يُصدعُون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولخم طير مما يشتهون وحور عين كأمثالِ اللُّولُؤ المكنونِ جزاء بما كانوا يعملون لا يسْمَعُون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاماً سَلاماً
الآيات من ١٠ - ٢٦ من سورة الواقعة إن هذه الدرجات التي أعدها الله لهم في الآخرة لهم معها فى الدنيا ما يتناسب من الرضاء والسكينة وطمأنينة النفس والحفظ والسعادة
لقد تدبر هؤلاء المقربون الغايات والأهداف ووازنوا وقارنوا واستقرت بهم الامال عند
قوله تعالى
وأن إلى ربك المنتهى
وليس دون الله منتهى
للمسلم
الصادق
إن إليه انتهى في الأسباب والعلل وإليه المنتهى في الحكم وانتصريف وإليه المنتهى في
الغايات والأهااف
وإليه المنتهى في الآمال والمقاصد
رسمت الهمم بقوم فأحبوا أن يحققى هذا المنتهى شهادة كما حققو إنانا واعتقادا
لقد أرادوا أن يحققوا
أشهد ألا إله إلا الله
أرادوا أن يحققوها في صورة صادقة يحققوها واقعيا كما - ققوها إيمانا
قد أرادوا أن يشهدوا شهادة صادقة فأخذوا في الطريق إليها
اقد أخذوا يجتازون منازل الأرواح ومدارج السالكين ومنازل السائرين ومعارج القدس نقد ساروا في المقامات مبتدئين بالنوبة الخالصة النصوح تتفجر في قلوبهم أنوار الأحوال ستدرجة بهم من مقام إلى مقام ومن منزلة سامية إلى منزلة أسمى ومن مقام شريف إلى مقام أشرف حتى أصبحوا بقلوبهم وبأرواحهم فى رحاب الحبيب مع الحبيب
وكان منهم
الصديق وكان منهم
المحدث وكان منهم ذو النورين وكان منهم باب مدينة العلم وكان منهم من قيل له عرفت فالزم
- A -
وكان منهم القادة في القديم والحديث والهداة في الماضى والحاضر والأسوة الحسنة
على مدى العصور والأجيال
وک وكلما مكنهم وكلما
الله في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر
رفعهم الله ازدادوا له تواضعا وازدادوا له خشية ودانت لهم الدنيا سيطرة وامتلاكا لأنهم دانوا لله خضوعا وطاعة
لقد دانت لهم قادة للحرب والنضال
ودانت لهم دعاة مبشرين ومنذرين
ودانت لهم في جميع مجالاتها لما اكتفوا بالله عنها
وباب الله مفتوح ورحابه لم يضق يوما بطارق ومغفرته تنتظر اللاجىء إلى فضله ورحمته وسعت كل شيء إنه سبحانه ينادي كل ليلة
ألا هل من مستغفر فأغفر له ألا هل من تائب فأتوب عليه ألا هل من سائل فأعطيه ويده سبحانه مبسوطة بالليل ليتوب مسيء النهار ومبسوطة بالنهار ليتوب مسيء الليل وكما يقول سبحانه يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم فإنه يقول ه يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم " وإذا ما تخلى الانسان مرحلة التوبة الصادقة النصوح التي تخرج من القلب فتفتح لها أبواب السماء فإن الله تبارك وتعالى يتجلّى عليه بالرعاية بالحنان وهو الحنان ويمن عليه بالفضل وهو المنان ويوفقه وهو صاحب الفضل والتوفيق ويمده ومدده دائم لا يغيض حبي أوليائه ومن أصفيائه ومن أحبائه والله أولياء وأصفيائه وأحباء لا يتخلى عنهم ولا يخزيهم ولا يُسلمهم وعنايته هم تنأى بهم
يصبح من
عن الخذلان
والطريق مفتوح وهذا الطريق رسمه أولياؤه عن تجربة ووصفوه عن خبرة لقد ساروا فيه واستقاموا على جادته ونعموا برياضه وسعدوا في جناته واستقروا عند الحبيب ثم وصفوه وصفوه للحياري لطالبي الحق والخير للبعيدين عن الله للذين تتطلع نفوسهم
-9-
إلى القرب منه لقد وصفوه لكل مستهد لكل مستشرف للنفوس التى لايزال فيها شعاع من
نور وبقية من خير
و آثار الهداة المهديين الذي رسموا الطريق عن خبرة ودعوا إليه على بصيرة كثيرة ومن أنفسها كتاب الحكم العطائية ألفه الإمام الجليل ابن عطاء الله السكندرى الذي جمع بين
رئاسة علوم الشريعة وعلماء الشريعة ورئاسة علوم الحقيقة وعلماء الحقيقة فكان عالماً مستشرعاً متحققا بل رأس علماء التشريع وعلماء التحقيق
عنه
C
أخذ العهد على الإمام الكبير أبي العباس المرسى ذلك القطب الذي قال عنه أبو الحسن الشاذلي إنه أعلم بطرق السماء منه بطرق الأرض وقال فيه هذا أبو العباس منذ عرف الله لم يحجب ولو طلب الحجاب لم يجده ويقص ابن عطاء الله كتابه اللطيف القيم الطائف المنن قصة صلته بألى العباس فيقول كنت لأمره أى لأمر الشيخ أبي العباس من المفكرين وعليه من المعترضين لا لشيء سمعته منه ولا لشيء صح نقله ولكن جرت المخاصمة ببني وبين أصحابه فقلت فيهم قولاً عظيماً ثم قلت في نفسي دعنى أذهب أنظر هذا الرجل فصاحب الحق له أمارات لا يخفى شأنه فأتيت إلى مجلسه فوجدته يتكلم فى الأنفاس ومسألة درجات السالكين إلى الله ومدى معرفتهم به وقربهم منه فقال الأول إسلام وهو درجة الانقياد والطاعة والقيام بمراسيم الشريعة وثانيها الإيمان وهو مقام حقيقة الشرع بمعرفة لوازم العبودية وثالثها الإحسان وهو مقام شهود الحق تعالى فى القلب وإن شئت قلت الأول عبادة والثالي عبودية والثالث عبودة وإن شئت قلت الأول شريعة والثانى حقيقة والثالث تحقق فما زال يقول وإن شئت قلت وإن شئت قلت وإن شئت قلت إلى أن وسلب لي فعلمت أن الرجل إنما يغترف من فيض بحر إلهى ومدد رباتي فأذهب الله ما كان ثم أتيت تلك الليلة إلى المنزل فلم أجد في شيئا يقبل الاجتماع بالأهل على عادتى ووجدت معنى غريباً لا أدرى ما هو ! فانفردت في مكان أنظر إلى السماء وكواكبها وما خلق الله فيها من عجائب قدرته فلمس قلبي أشياء لم أعرفها من قبل فحملني ذلك على العودة إليه مرة أخرى
عندي
C
ہو
عقلی
111
فأتيت إليه فاستؤذن لى عليه فلما دخلت إليه قام قائماً وتلقاني ببشاشة وإقبال حتى دهشت خجلاً واستصغرت نفسى أن أكون أهلاً لذلك فكان أول ما قلت له ياسيدى أنا والله فقال أحبك الله كما أحببتني
أحبك
ثم شكوت إليه ما أجده من هموم وأحزان فقال أحوال العبد أربع لا خامس لها النعمة
والبلية والطاعة والمعصية فإن كنت في النعمة فمقتضى الحق منك الشكر وإن كنت بالبلية فمقتضى الحق منك الصبر وإن كنت بالطاعة فمقتضى الحق منك شهود منته عليك وإن كنت بالمعصية فمقتضى الحق منك وجود الاستغفار فقمت من عنده وكأنما كانت الهموم والأحزان ثوباً نزعته
ثم سألى بعد ذلك بعدة كيف حالك فقلت أفتش عن الهم فلا أجده فقال لیلی بوجهك مشرق وظلامه في الناس ساری
الزم
والناس في سدف الظلا م ونحن في ضوء النهار
فوالله لئن لزمت لتكونن مفتياً فى المذهبين في علوم الظاهر وحقائق الباطن ولازم ابن عطاء الله أستاذه ثم كان من بعده شيخ الطريقة الشاذلية
وابن عطاء الله فى الواقع هو الذى كان له الفضل الكبير فى بيان ما نعرفه الآن من آثار أبي العباس المرسى وفى بيان الكثير أيضاً مما نعرفه عن القطب الكبير الحجة أبى الحسن الشاذلي وابن عطاء الله هو الذى جند قلمه للدعوة إلى طريق الله فكتب هذه الدرر التي تركها أنجماً ومعالم تهدى طريق السائرين إلى الله وكتابه والحكم مجموعة من الحكم صفيت من ناحية الأسلوب والصياغة فكانت مثلا عاليا للأدب الرفيع يضع ابن عطاء الله في مصاف أعلام الأدب الفصيح البليغ وصفيت من ناحية الفكرة فكانت مثلا عاليا للفكر الصوفى أو للنور الصوفى أو لمعراج
الروح في مستوى يضع ابن عطاء الله في الصف الأول من صفوف المقربين
وأغرم بالحكم كثيرون أغرموا بها قراءة وأغرموا بها تدريسا وأغرموا بها شرحاً لقد شرحها ابن عباد العالم الصوفى الكبير وشرحها ابن عجيبة شرحا كله نور وشرحها الشيخ الشرقاوى وشرحها الشيخ الشرنوبى
-11-
أما الشيخ أحمد زروق فإنه قد افتتن بها افتتانا لقد استولت عليه جاذبيتها فكانت لا تفارقه في سفر ولا فى إقامة وكان يشرحها فإذا ما انتهى من شرحها بدأ يشرحها من جديد وتفاوتت شروحه بين الإيجاز والتطويل
أما عدد هذه الشروح فلم يتيسر إحصاؤها فى دقة دقيقة والمؤكد أنها وصلت إلى أكثر من ثلاثين شرحاً وهذا الشرح الذي بين أيدينا هو شرحها السابع عشر لقد أعلن ذلك الشيخ أحمد زروق نفسه في مقدمة هذا الشرح وعد الشروح التي سبقته مبيناً الأمكنه التي كتبت فيها على الترتيب يقول الشيخ زروق
وقد كتبنا عليه مراراً عديدة كمل منها سبعة عشر فكان الأول منها بمدينة فاس سنة سبعين يقصد سنة سبعين وثمان مائة هجرية ثم سُرق فكتبت الثاني بها وكملته بتونس ثم الثالث ويستمر يعد شروحه ثم يقول فى النهاية ثم هذا هو السابع عشر ويتحدث الشيخ زروق عن شروح الآخرين ويبين مزيّة شروحه هو وتعليقاته ولا نريد أن نثبت هنا ما سيقرؤه القارىء فى مطلع هذا الشرح بقلم الشارح
أما
عن الشيخ زروق نفسه فإنه أحمد بن أحمد بن محمد الفاسي المعروف بـ زروق قمة من قمم التصوف أيضاً وهو حينما يكتب عن الحكم فإنما يكتب كتابة عالم ويكتب كتابة مؤرخ لرواد التصوف ولكنه من قبل ذلك ومن بعد ذلك يكتب كتابة متذوق لقد سار فى الطريق الذي سار فيه ابن عطاء
1
يقول المناوى عنه فى طبقات الشاذلية عابد من بحر العبر يغترف وعالم بالولاية متصف تحلّى بعقود القناعة والعفاف وبرع في معرفة الفقه والتصوف والأصول والخلافة
خطبته الدنيا فخاطب سواها وعرضت عليه المناصب فردها وأباها
ويذكر السخاوى في كتابه الضوء اللامع عن الشيخ زروق
أنه ولد في يوم الخميس الثامن عشر من المحرم سنة ست وأربعين وثمان مائة ومات أبوه قبل تمام أسبوعه فنشأ يتيماً ولد في فاس وحفظ بها القرآن وتعلم بها ما يتعلمه أترابه من المباديء الأولي للعلوم
الدينية والعربية
ثم كانت حياته بعد ذلك دراسة وسياحة وتجردا
يقول عنه السخاوى وقد تجرد وساح أما التجرد فإنه يعنى أنه استخلص نفسه الله تعالى
وأما السياحة فإنها تعنى في لغة ذلك العصر الأسفار المتلاحقة في طلب العلم وللخلوة
في العبادة
وقد كانت حياته طلباً للعلم وكانت عبادة
لقد أخذ التصوف عن أئمة عصره ومنهم القورى
كما أخذ الحديث عن السخاوى
وأخذ العربية على يد الجوجرى
ويتحدث صاحب كتاب شذرات الذهب عن كتب الشيخ وتواليفه فمما يذكره أنه كتب على الحكم نيفا وثلاثين شرحاً وعلى القرطبية وعلى رسالة ابن زيدون القيروانى عدة شروح كلها مفيدة نافعة وشرح حزب البحر للشاذلي وألف كتاب قواعد التصوف
وأجاده جدا وكانت وفاته سنة ٨٩٩ه
وهذا الشرح الذي بين أيدينا اعتمدنا فيه أولا على مخطوطة قديمة يرجع الفضل في التوجيه
إليها للسيد الفاضل صاحب مكتبة النجاح بطرابلس الغرب الأستاذ محمد نور الدين إنه رجل صالح يحب الخير ويحب نشر العلم وهو الذي قدّم انا مخطوطة للكتاب كانت عنده بخط مغربي قديم ولقد وجدنا مخطوطتين بدار الكتب المصرية إحداهما بالمكتبة التيمورية وهي ذات خط جميع وتنسيق وتنميق وعناية فائقة والأخرى بمكتبة الدار بمخط قديم أقرب إلى الخط الكوفى ولما توفرت لدينا المخطوطات الثلاث بدأنا التحقيق راجعين إليها جميعا ولم نرد أن نثبت كل الاختلافات فالكثير منها كان يبدو في بعضه الخطأ الصريح ولم نرد إثباته وما أثبتنا إلا ما كان له احتمال من الصحة
منه إلى الخط الحديث
وأحياناً ما أشرنا في الهامش عند النقل عن المخطوطة التيمورية بحرف ات
-40-
ولقد كنا نرجع كثيراً إلى شرح ابن عباد فأفادنا في تصحيح بعض النصيص خصوصاً ما كان قصصاً
وإننا في النهاية إذ نقدم الشكر لكل من عاوننا على نشر هذا الكتاب القيم انردد هذا الرجاء الذي سجله الشيخ زروق فى تقدمة كتابه هذا عندما توجه إلى الله مبتهلا قائلا أرجو الله أن يكون نفعه عاما وأن يجعله حيث ما حلّ رحمة لعباده وبركة في بلاده وأن
من كل جاهل يتحامل أو حاسد يعرف الحق ويتجاهل إنه ولي ذلك والقادر عليه
وحسبنا الله
ونعم الوكيل
يحميه
عبد الحليم محمود
بسم
مقدمة الكتاب
الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما يقول العبد الفقير المعترف بالذنب الراجي بكل حال فضل ربه الشيخ الفقيه العارف المحقق فريد عصره ونسيج وحده أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي عُرف بزروق أصلح الله حاله وبلغه فيما لديه آماله بمنه وسعته إنه على ما يشاء قدير
الحمد لله الذى فجر ينابيع الحكمة من قلوب الصادقين فَجَرَت وفتح لها أسماع المحبين والراغبين فسرت ونور بها بصائر المتوجهين والطالبين فأبصرت أحمده حمد معترف بمنته في حمده ۱ وأشكره شكر عارف بإحسانه ورفده وأستغفره من كل ذنب في هزل العمل وجده وأستعينه استعانة من أن كل شيء من عنده وأصلى على سيدنا محمد نبيه الكريم وعبده وعلى آله وأصحابه وذريته وكافة أهل وُدّه صلاة تؤدى بها ما وجب من تعظيم قدره ومجده وأسلم عليه وعليهم تسليماً كثيراً والحمد لله على ذلك
أما قبل كل شيء ومعه وبعده دليس على الحقيقة إلا الله وحده ۳ من وقف ببايه الكريم أنجح وملك ومن استند لجنابه العظيم أفلح وسلك ومن حاد عن منهجه القويم حسر رهالك وخير العباد من وقف بكنه همته عليه وأفضلهم حالا من توجه في كل أموره إليه أعلاهم قصدا من طرح الفسه دائماً بين يديه فقام للحق على بساط التحقيق وجمع بين ظاهر الشرع وباطن الطريق ووقف للخدمة وغيرها موقف أهل الصدق والتصدين مقتديا بالمة
الهدى والتوفيق كالسادة الشاذلية ومن في معناهم والجماعة الوفائية 4 ومن جرى مجراهم إذ كانت لهم أعمال صحيحة مرضية وأحوال عظيمة سنية وأخلاق حسنة زكية وهمم رفيعة علية وحقائق ظاهرة جلية وقد قربوا الطريقة أتم تقريب وهذيرا الحقيقة أحسن
۱ إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يوفق العبد الحمد فقيام العباء بالحمد منة من الله سبحانه تستدنى شكره وحمده من جديد وهكذا
رفده عطاله
۳ ليس إلا الله وحده مقصداً للطالبيين وهدفاً السائرين ويقول في ذلك الإمام أبو سعيد الفراز كل ما فاتك من الله سوى الله يسير وكل حظ لك سوى الله قليل 4 وعلى رأسهم سيدى محمد وفا وسيدى على وفا وقد أفرد لهما الشيخ الشعراني دراسات مستفيضة مستقلة في طبقاته
-1-
تهذيب فوصلوا الإيمان بالإسلام وأجروا الإحسان في الأعمال والأحكام ولذلك لا يصح إنكارها من فقيه محقق ولا اعتراضها من أصولى مدقق بل يكاد يرى سلوكها واجبا ومجانبها خائبا وسالكها طالبا بل كما قيل
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه ويحلو له من الغرام ويعذب
وإن من أجل كتاب وقع لهم في ذلك وأنفعه لكل مريد صادق سالك كتاب و الحكم العطائية الشاذلية التوحيدية العرفانية الوهبية عباراته رائقة جامعة وإشاراته فائقة نافعة
تثلج الصدر وتبهج الخاطر وتحرك السامع لها والناظر مع تداخل علومه وحكمه وتناسب حروفه وكلمه إذ كله داخل فى كله وأوَّله مرتبط بالأخير من قوله بل كل مسألة منه تكملة لما قبلها وتوطئة لما بعدها وكل باب منه كالشرح للذي قبله والذي قبله أيضاً كأنه شرح له فكل حكمة أو كلمة إنما هي كالتكملة أو كالمقدمة فأوسطه طرفاه ۱ وآخره مبتداه وأوله منتهاه يعرف ذلك من اعتنى بتحصيله وسنشير له في جمله وتفاصيله إذ قصدنا بهذا المسطور المختصر وضع شيء عليه يشبه الحواشي والطرَرَ وعلى ! الله المعتمد في بلوغ التكميل وهو حسبنا ونعم الوكيل
تنبيه
قد تكلم الناس على هذا الكتاب وراموه بالشرح كبيرا فلم يتفق لأحد ممن رأينا أكمال شيء إلا ما لسيدنا الشيخ الفقيه العارف المحقق الخطيب البليغ و نسيج وحده و مقدم من أن من بعده سيدى أبى عبد الله محمد بن إبراهيم بن مالك بن إبراهيم بن يحي بن عباد النازيء نسيا الملكي الذهباً فإنه أكميل كتابه واعتمد فيه على النقل وتحصيل الفوائد المحتاج إليها فأتى بالعجب العجاب من ذلك وآثر السلامة فاقتصر على التقرير
ولیس
۱ يريد الشيخ رحمه الله تعالى أن يقول إن الحكم وحدة واحدة وذلك على خلاف ما يظن بعض الناس من أنها متناثرات لا رابط بينها ولا تجمعها والملة ولا تربطها ودائمة التكامل والقت علية مقاه الواحدة مغلا كل الدكتور زكي مبارك فقال بين الحكم العطائية رباط وثيق فهي بمجموعة من الأقوال نظمت في أوقات مختلفة ولا شك أن أمر هذه الوحدة هو من الدقة بحيث ينبه على ذلك الشيخ فيقول يعرف ذلك من أعلى التحصيله اية من
-1-
وقد كان
الله رحمه ورضى عنه ذا سمة وهمة ۱ وتجمل وزهد وعفاف وصيانة وعظيم
علم وكبير ديانة ٢
علی
نشأ مولده برندة سنة سبع مائة وثلاثة وثلاثين وبها أحسن حال وأكمله حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين ثم ارتحل لفاس وتلمسان فقرأ بها العربية والأصول والفقه ككتاب الإرشاد ومختصر ابن الحاجب الأصلى والفرعي وتسهيل ابن مالك ومن مشايخه الأبلى والشريف أبو عبد الله التلمساني والأستاذ المجاصى وآخرون سكن مدينة اسلام وصحب بها أوحد أهل زمانه علماً وعبادة وأفضلهم ورعا وزهادة سيدى الحاج أحمد ابن عمر بن عاشر المرسى فانتفع به كثيرا ثم انتقل بعد وفاته فجعل خطيباً بجامع القرويين من - مدينة فاس - وبقى بها خمس عشرة سنة على ذلك ثم توفى يوم الجمعة الرابع لشهر رجب الفرد سنة اثنين وتسعين ۳ وسبع مائة عن ثلاث وستين سنة أو نحوها ودفن به كيدة البراطل ٤ داخل باب الفتوح وقبره الآن بها مشهور ومزيته معروفة شرقاً وغرباً وقد كتب رسائل معروفة أكثرها كان لسيدى يحيى السراج وله كتاب الشرح مع سيدى سليمان بن عمر الذى قال فيه إنه ولى لاشك فيه بطلبهما ٥ لذلك ورأيت كتاباً في الإمامة قد سماه تحقيق العلامة في أحكام الامامة فذكرته لشيخنا أبي الله الله القدرى ٦ رحمه | وكان معتنياً بكتبه معولاً عليها في غالب حاله فقال أظنه لوالده سيدى ابراهيم وقد كان خطيباً بالقصبة إذ كانت عامرة وله خطب عظيمة الفصاحة حسنة الموقع والله أعلم
عبد
فصل وممن علق على هذا الكتاب سيدى أبو القاسم الرماح أحد عدول طرابلس رحمة الله عليه إذ كان رجلا صالحاً حسن النية جميل الحالة وحاصل كتابه أنه أوقع لكل حكمة كثيراً من كلام ابن الفارض والحاتمي وغيرهما على غير مناسبة فالله ينفعه
خطبة
و جمع
بنيته
۱ في التيمورية ذا صمت وسمت والسمت الوقار والسكينة
شرح ابن عباد الرندى على الحكم معروف مشهور طبع في القاهرة يقول في أوله ولا قدرة لنا على استيفاء جميع ما اشتمل عليه الكتاب وما تضمنه من لباب اللياب لأن كلام الأولياء والعلماء بالله منطو على أسرار مصونة وجواهر حكم
مكنونة لا يكشفها إلا هم ۳ في التيمورية سنة خمس وقسمين وسبع مائة
٤ في التيمورية كدية البر اهل
ه في التيمورية فطلبها
1 في التيمورية القروى
-14-
توطن
وكان
وممن علق عليه أيضاً الشيخ أبو المواهب محمد المعروف بـ ابن زغوان قديماً تونسي الدار مصر وأخذ عن بيت الوفائية وبشر به بعضهم قبل قدومه ولقبه بـ أبي المواهب الأخلاق متجملا جدا ذالسان عظيم في كلام القوم يرى أن ليس في المغاربة من يفهم الطريقة وقد نحا بشرحه نحو شقاشق الفلاسفة ودقائقهم فالله أعلم بمراده ولم يكمل كتابه هذا بل انتهى لنحو ربعه والله أعلم
حسن
وممن علق عليه أيضاً الشيخ أبو عبد الله القرأ وصنف فما قام ولا قعد ولا كمل ولا وصل وكان يدعى على مرأى ۱ خارجة عن الأخبار بنبينا النبي صلى الله عليه وسلم فامتحن لذلك ومات مرفوضا والعياذ بالله فى سنة ثمان مائة واثنين وثمانين وكذا الشيخ أبو المواهب مات في هذه السنة وأما الرماح فمات في وباء سنة ثمان مائة وسبع وثمانين عن نحو مائة سنة وزيادة وذكر لى أن رجلا بالشام يقال له ابن الصابونى علق عليه شيئًا مال فيه لعلم الكلام ونحوه وهي طريقة غير مفيدة ولا مُخْلِصَة في ذلك والله أعلم [1] فصل وقد كنا كتبنا عليه مراراً عديدة كمل منها سبعة عشر فكان الأول منها بمدينة فاس سنة سبعين ثم سرق فكتبت الثانى بها وكملته بتونس ثم الثالث بتونس ثم الرابع بالقاهرة ثم الخامس بالمدينة المشرفة ثم السادس بالقاهرة أيضاً ثم السابع بطرابلس ثم الثامن بتونس أيضاً ثم التاسع ببجاية ثم العاشر والحادى عشر والثاني عشر بمدينة فاس ثم الثالث عشر كذلك وكذلك الرابع عشر ثم الخامس عشر ببجاية أيضاً ثم السادس عشر بالقاهرة أيضاً ثم هذا هو السابع عشر وأرجو الله أن يكون نفعه عاماً وأن يجعله حيث ماحل رحمة لعباده وبركة في بلاده وأن يحميه من كل جاهل يتحامل أو حاسد يعرف الحق ويتجاهل إنه ولى ذلك والقادر عليه وحسبنا الله ونعم الوكيل
1 في بعض النسخ كان يدعى مرآى خارجة عن الإضمار في جنب الذي وفي نسخ أخرى هذه العبارة من أول قوله وكان يدعى إلى وكذا الشيخ أبو المواهب وسجلت العبارة هكذا فما قام ولا تعدو لا كمل ولا وصل مات هو وأبو المواهب كلاهما سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة ومات الرماح سنة سبع وثمانين وثمانمائة إلخ ويبدو أن مراد الكاتب أن أبا عبد الله كان يدعى ويزعم أنه تلق أشياء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست في الأخبار
و الأحاديث المروية عنه في كتب السنة ٢ يقصد سنة سبعين وثمان مائة
-19-
فصل وقد اختصت هذه التعاليق بثلاث خصال إظهار المناسبة في الكلام والاختصار في التقرير والتسهيل في البيان مع زيادات أخر تخص بعضها وتعم كلها من ذلك أن الكتاب محتو على أربعة أنواع
التذكير والوعظ وهو حظ العوام وللخواص منه نصيب
والكلام على الأحكام وهو حتى المتوجهين من كل فريق ولكل طريق
والكلام على الأحوال وهو نصيب المريدين وربما كان تنبيها وتشويقا لغيرهم
والكلام على الحقائق وهو نصيب العارفين والمحققين
وقد علم كل أناس مشربهم وما يجرى به حالم وما يليق
بهم وبالله التوفيق
فصل وقد ذكرنا في بعضها مقدمة تحتوى على تعريف الطريقة وما تبنى عليه 1 من حق
وحقيقة وذكرنا فيها عشرة أشياء
أحدها أن حقيقة التصوف ترجع لصدق التوجه إلى الله تعالى من حيث پرنسی کا
پرشی
الثاني أن مداره ۳ على إفراد القلب والقالب الله وحده
الثالث
ما
أنه من الدين بمنزلة الروح من الجسد والفقه جسده إذ لا ظهور له إلا فيه كما
كما لا قيام له إلا
۱ في التيمورية * وما بيني عليهما وكلا النسختين صحيح
6
بريد بهذا أن التصوف مبني أساساً وغاية على التعاليم الإلهية وهذا رأى جميع الصوفية الصادقين قال أبو اليزيد البسطاني لأحد جلسائه قم بنا حتى ننظر إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولاية وكان رجلا مشهوراً بالزهد فمضينا إليه علما تخرج من بيته ودخل المسجد وفي بيصاقه بجاه القبلة فاتصرف أبو يزيد ولم يسلم عليه وقال و هذا غير مأمون على أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه و من كلام أبي بزيد لو نظرتم إلى رجل أعمى من الكرامات حتى يرفى فى الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة
يقول سبل التسترى معبر عن أصول التصوف أصول طريقنا سبعة التمسك بالكتاب والاقتداء بالسنة وأكل الحلال وكف الأذى وتجنب المعاسى و لزوم التوبة وأداء الحقوق ويقول الجنيد سيه هذه الطريقة وإمامهم على حد تعبير القشيري من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به فى هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة ر قال و علمنا هذا مشيد تحديت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال الطريق كلها مسدودة على الخلق الا على من اقتفى أثر الرسول عليه السلام واتبع سنته و لزم طريقته
۳ مدار التصوف
11
الرابع
أن نظر الصوفى في وجوه الكمال والنقص والفقيه فيما يسقط به الحرج والأصولى 1
فيما يصح به الإيمان ويثبت
الخامس أن نظر الصوفى أخص من نظر الفقيه والأصولى فلذلك صح إنكارهما عليه
ولا يصح إنكاره على واحد منهما وصو في الفقهاء خير من فقيه الصوفية
السادس إظهار شرف التصوف ودليله برهانا ونصا
السابع أن الفقه شرط في صحة التصوف فلذلك قدم عليه والعمل ليس شرط صحة بل كمال لا يترك لأجل فقده
الثامن ذكر الاصطلاح واختصاصه بكل فن على حسبه
التاسع مفاتيح الفتح فيه أربعة إحكام العبادة ۳ وصدق الرغبة في الوصول والتشوف للحقائق وعدم التقيد بالتقول مع التحقيق 4
العاشرة أنه طريق غريب عجيب ومبناه على اتباع الأحسن أبدا فمن العقائد على اتباع السلف ومن الأحكام على الفقه ومن الفضائل على مذهب المحدثين ومن الآداب على ما به صلاح قلوبهم عزيمة أو رخصة مباحاً صريحاً أو شبهة مالم تقو جدا أو تكون مائلة لجانب الظلمة ولذا قالوا بأشياء أنكرها عليهم من لم يعرف قصدهم
وآثرها من دخل الطريقة بالجهل فهلك فيها فنسأل الله العافية بمنه فصل ومما قدمناه أيضاً التعريف بالمؤلف والكتاب وإسناده الموصل للصواب فأما المؤلف فهو الشيخ الإمام العالم العامل العارف المحقق الكامل أبو الفضل تاج الدين وترجمان العارفين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله أحمد بن عيسى بن الحسيني بن عطاء الله الجذامي نسبا المالكي مذهباً الاسكندرى دارا القاهرى
بن
1 الأصولي الناظر في أصول الدين أي عقائد عقائده الأساسية ٢ يقول السادة الصوفية من ذلك على العمل فقد أتعبك ومن ذلك على الله فقد اراسك وأوصلك ويقول ابن عطاء الله من علامات الاعتماد على العمل فقدان الرجاء عند الزلل والعمل الذى يتحدثون عنه هو كثرة العبادة الناقلة لا تترك حتى ولو لم ير الإنسان بارقة الوصول إلى الله وذلك حسبما يرى الشيخ زروق الذى يقول من العمل إنه لا يترك لأجل فقد التصوف أي لا يترك على أية حالة لأنه في جميع الأحوال كمال يحسن أن يستمر ۳ في التيمورية أحكام المبادئ
٤ يريد أن يقول إن التقول لا ينى من الحق شيئاً والتقول هو الظن وطريق الله لا ظن فيه بل كله تحقيق
-3-
مزارا توفى بالقاهرة سنة سبعمائة وتسعة فى جمادى الآخرة وكان أعجوبة زمانه في التصوف
وغيره كما قيل
حلف الزمان ليأتين مثله حنثت يمينك يازمان فكفر
وأما كتابه فقد مر تعريفه وأما الإسناد فقد أخبرنا به إجازة شفاها الشيخ شمس الدين السخاوى سنة ثمان مائة وستة وسبعين بداره بالقاهرة قال أخبرنا به إجازة من بيت المقدس الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن عمر القيابي قال أخبرنا به في جملة كتب ابن عطاء الله شيخ الإسلام تقى الدين ۱ أبو الحسن على بن عبد الكافى السبكي عن مؤلفها وهي التنوير في إسقاط التدبير و لطائف المنن وتاج العروس ومفتاح الفلاح و القول المجرد في الإسم المفرد
1 تولى التدريس في المنصورية وجامع الحاكم وجامع ابن طولون وكانت له مواقف مشهورة في الرد على ابن تیمیه خصوصاً في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت شهرته وكفايته سببا في أن وقع عليه الاختيار سنة ٧٣٩ ه ليكون قاضي القضاة في الشام ولقد ألف عشرات الكتب وهو والد تاج الدين السبكي مؤلف طبقات شافعية
من علامات الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل
الباب الأول
** شبه المعارف بالشموس لأنها تذهب بكل ظلمة ونور وتكشف عن حقائق الأمور مع علوها وارتفاعها وعموم النفع بها واخذ
كل احد منها على قدره **
من علامات الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل
قلت الاعتماد حصر القوة فى الشيء وهو باعث النفس لما تريد في تحصيل المقصود منه وعلامة حصوله إيثار المعتمد والنظر إليه فى الإقبال والإدبار والناس ثلاثة معتمد على عمله وموقفه التقصير وغايته التشمير ومقامه الإسلام لدورانه مع العمل رجاء أو خوفا وبساطه قوله تعالى ولتنظر نفس ما قدمت لغد ۱ وعلامته ماذكر فى النص ومعتمد على فضل الله تعالى وموقفه شهود المنة وغايته التيرى من الحول والقوة ومقامه الإيمان لدورانه
مع القدرة فى إقباله وإدباره وبساطه قوله تعالى وَمَا بكمْ مِنْ نِعْمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأَرُون وعلامته الرجوع إلى مولاه في السراء بالحمد والشكر وفي الضراء بإظهار
الفاقة والفقر
ومعتمد على سابق القسمة وماضي الحكم وموقفه شهود التصريف وغايته الفناء في التوحيد ومقامه الإحسان لما شهد به حاله من المشاهدة والعيان وبساطه قوله تعالى قل الله ثم ذَرْهُمْ في خوضهم يلعبون ۳ وعلامته الاستسلام والسكوت تحت جريان الأحكام فلا يزيد رجاؤه لعلة ولا ينقص لسبب فلو وزنا لتعادلا فى كل حال من أحواله بل هو دائم البشر متواصل الأحزان كما جاء فى صفة نبينا عليه الصلاة والسلام
أن وقد قال بعض المحققين رضى الله عنهم من بلغ إلى حقيقة الإسلام لم يقدر يفتر عن العمل ومن بلغ إلى حقيقة الإيمان لم يقدر أن يلتفت إلى العمل ومن بلغ إلى حقيقة الإحسان لم يقدر أن يلتفت إلى أحد سوى الله تعالى انتهى
وإنما كان الأمر على ماذكر لأن الاعتماد على الشيء فى حصول قصده يوجب استشعار فواته لوجود ضده ويوجب الحرص عليه اعتبارا بقصده ومن مظاهر ذلك ماذكره في التجريد والأسباب
إذ قال
۱ آية ١٨ من سورة الحشر آية ٥٣ من سورة النحل ۳ آية ٩١ من سورة الأنعام
- ٢٦
إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك فى الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلمية
قلت وإيثار كل واحد منهما بدلا من مقابله المقام فيه من الاعتماد عليه في حصول مقصوده إذ لو لم يعتمد ما آثره بدلا من مقابله فافهم
والناس ثلاثة مُقام فى الأسباب وحكمه الرضى والصبر والاستسلام وعلامته
استقامتها له بحصول فوائدها العادية واستقامته فيها بالقيام بالحقوق الشرعية
ومتام في التجريد وحكمه الشكر والتشمير وعدم الفترة والتقصير وعلامته القيام بالحقوق والإعراض عن كل مخلوق ومن خرج ۱ عما هو فيه من أحدهما وحكمه التثبت في الامور بالانتقال للمثل حتى لا يستقيم بوجه فيصح انتقاله للمقابل والضد لأن الإقامه علامتها الاستقامة وتخلفها إذن فى الانتقال إذ حُكم العبدِ أن يقيم حيث أقامه مولاه ولا يختار شيئا غير ما به تولاه قال في التنوير والذي يقتضيه الحق منك أن تمكث حيث أقامك حتى يكون الحق سبحانه هو الذى يتولى إخراجك كما تولى إدخالك وليس الشأن أن تترك السبب بل الشأن
أن يتركك السبب
قال بعضهم تركت السبب كذا كذا مرة فعدت إليه فتركني السبب فلم أعد إليه
انتهى
فترك السبب إياه عدم استقامته له أو استقامته فيه كما تقدم
والتجريد ترك الأسباب والسبب العمل فيما يتوصل به إلى غرض دنيوى والشهوة انبعاث النفس لطلب الملائم طبعاً من حيث هو وإنما كانت هنا خفية لأن صورة المطلوب وهو التجريد مؤلم بظاهره إذ هو مفارقة المعتاد ومخالفة المراد لكن في طيه استعجال الراحة والشهوة والفرار من الكلفة والتكاليف
والانحطاط النزول من علو إلى أسفل
والهمة قوة انبعاث في النفس إلى مقصود ما تعلو يعلوه وتسفل بتسفله وإنما كان
1 وفي نسخة من عرج به عما هو فيه والتعبير هنا أصبح أي بالانتقال مثلا من سبب إلى سبب إلى سبب حتى إذا رأى أن الأسباب لا تستقيم معه بوجه من الوجوه صح انتقال
إلى التجريد
-rv-
تسبب المتجرد انحطاطا لاستبداله الراحة بالتعب والسلوة بالشغب وتعرضه لأسباب العطب بمخالطته للاغيار ومفارقته الأنوار ولذلك قيل من لم يأبق ۱ من مشاركة الأضداد في الأسباب
فهو خسيس الهمة
ثم إرادة العبد لاتساوى شيئاً لتوقفها على إرادة الحق فاشتغاله بإرادة غير ما أُقيم فيه إساءة أدب بدون فائدة وبيان ذلك فيما بينه المؤلف إذ قال
سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار
قلت بل تدور مع القدر كيفما دار حسبما دلت عليه العقول وقضايا الشرع والنقول فقد قال الله تعالى
وكان الله على كل شيء مقتدرا
وقال صلى الله عليه وسلم كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس وأنواع الهمم ثلاثة الهمم القواصر وهى التي تقتضى العزم والحزم ۳ من غير فعل
ولا انفعال
والهمم المتوسطة وهى التي توجب مع العزم فعلا ومع الحزم كمالا ٤ سواء وقع انفعال أم لا والهمم السوابق د وهى قوى النفس الفعالة ٦ فى الوجود بلا توقف كما يكون من العائن ۷ عن خبثة من الساحر عن عقده ونفته ومن المتريض عن تجريد قوى نفسه ومن الولى عن المحققه في يقينه لا يتوقف الانفعال في كل عن حركة وذلك بقضاء الله وقدره كما هو وقا قال في حق السحرة
وَمَا هُمْ بِشَارِينَ بِهِ مِن أَحَد إِلَّا بِإِذْنِ الله ۸
ثم سبق هذه الهمم إنما هو في الرتباء باعتبار جلاتها لا فى المرتبة باعتبار تقدم أزمنتها وجلالها بسرعة نفوذها وقوة تأثيرها وعدم احتياجها فى نفوذها لسبب معين وإذا كانت مع
1 في نسخة ياقف ومنى يابق يفر ويهرب
رواه الإمام مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده من ابن عمر رضى الله فهما وذلك بلفظ كل شيء بقدر حتى
العجز والكيس
۳ وفى نسخة الجزم
ه خيرة أو شريرة
٤ وفي نسخة ومع الجزم إقبالا 1 في نسخة الفاعلة
۷ يقول صاحب المختار ٤ هانه من باب باع أصابه بعينه فهو عالن
۸ آية ۱۰ من سورة البقرة
-YA-
ذلك لاتخرق أسوار الأقدار فكيف بالتدبير والاختيار ومالا فائدة فيه فيه تعب عاجل يتعين تركه على كل عاقل فلذلك عقب المسألة بأن قال
أرح نفسك من التدبير
قلت أفاد ذكره للاراحة وجود التعب فيما تطلب الاستراحة منه وهو التدبير وذلك لما تضمنه من وجود التكدير ومنازعته الحكم والتقدير فقد قال سهل بن عبد الله رضى الله عنه وذَرُوا التدبير والاختيار فإنهما يكدران على الناس عيشهم
وقال عليه السلام إن الله جعل الروح والراحة فى الرضا واليقين الحديث وقال عليه السلام والتدبير نصف العيش قيل فترك التدبير العيش كله لأن من لم يدبر دُبر له وهذا وإن كان بعيدا عن السياق بالقوة فهو حسن فى المعنى إذ التدبير تقدير شئون تكون عليها في المستقبل مما يخاف أو يرجى بالحكم لا بالتفويض فإذا كان مصحوباً بالتفويض لم يكن تدبيراً عند التحقيق وإن أطلق عليه فمجاز للتقريب والله أعلم
ثم ذكر ما يعين على ترك التدبير وهو النظر لسابق الحكم والتقدير فقال
فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك
قلت لأن ذلك تكلّف في غير فائدة وعمل في غير معمل وتعب في غير حاصل وفى مفهوم الكلام بالقوة إن ما وكل إلى قيامك بة لا يصح أن تتركه لغيرك فهما إذا أمران أشار إليها إبراهيم الخواص ۱ رضى الله عنه حيث قال العلم
كله في كلمتين لا تتكلف ما كفيت ولا تضيع ما استكفيت وقال سهل بن عبد الله رضى الله عنه للعباد على الله ثلاثة أشياء تكليفهم وآجالهم والقيام بأمرهم والله على العياد ثلاثة أشياء اتباع نبيه والتوكل عليه والصبر على ذلك
إلى الموت انتهى
1 هو أبو أسحق إبراهيم بن أحمد الخواص من أقران الجنيد والنورى مات بالرى سنة إحدى وتسعين ومائتين هجرية هو أبو محمد سهل بن عبد الله التسترى أحد أئمة الصوفية وعلمائهم حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وكان يسأله السائلون عن دقائق الزهد والورع والفقه وهو ابن عشر فيحسن الإجابة له كتاب في تفسير القرآن الكريم توفي سنة ثلاث و عانين
و مالتين من الهجرة
هو
وبه يتفسر قوله ما قام به غيرك عنك وما وكل إلى قيامك به ومعنى كون الأولى على الله أنه لاسبب للعبد فيها إذ لا يجب عليه تعالى شيء ومعنى كون الثانية على العباد هو أنهم مأمورون بها فمن لم يتبع فمبتدع ومن لم يتوكل فهو مدبر ومن لم يصير فمنازع ومن قام بكل فى محله كان سالم البصيرة منوّر السريرة وإلا فعلى العكس كما نبه عليه المؤلف وبينه بأن قال
اجتهادك فيما ضمن لك وتقصيرك فيما طلب منك دليل على انطماس البصيرة منك قلت لأنك أتيت بالشيء على غير وجهه ووضعته في غير محله إذ عكست ماحقك أن لا تعكسه فتركت ما أمرت بالقيام به وقمت بما كفيت أمره وهو المضمون
قال في التنوير فكيف يثبت لك عقل أو بصيرة واهتمامك فيها ضمن لك اقتطعك عن اهتمامك فيما طلب منك حتى قال بعضهم إن الله ضمن لنا الدنيا وطلب منا الآخرة فليته ضمن لنا الآخرة وطلب منا الدنيا انتهى
وعبر بالاجتهاد لأن الطلب دونه لا يقدح بل ربما كان مطلوباً بالضمان ليشعر بسبق القسمة وبالتقصير لأن الترك أعظم وبالطلب ليشمل الواجب والمندوب ولو كان بدل الاجتهاد استغراقا وبدل التقصير تركاً لكان بدل الطمس عمى لأن الدنيا كنهر طالوت لا ينجو منه شارب إلا من اغترف غرفة بيده والبصيره ناظر القلب كما أن البصر ناظر العين ثم علامة الاجتهاد في المضمون ثلاثة التأسف ۱ على الفائت وفقد التقوى في التحصيل والغفلة عن الحقوق المتأكدة في التسبب وعلامة العكس ثلاثة الرضا بالواقع والتقوى في الطلب وحفظ الآداب في الأسباب ومن الاجتهاد في المضمون اليأس من العطاء عند تأخر إجابة
الدعاء فلذلك اتبعه المؤلف ناهيا عنه فقال
لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك
قلت الإلحاح التكرر فى الدعاء الحاجة من وجه واحد على سبيل الطلب وهو مطلوب فى الدعاء والإجابة مضمونة بمطلق الدعاء فإذا قمت بما طلب منك من الدعاء والإلحاح فيه فلا تيأس من الإجابة لأن يأسك ناشي عن رؤية السببية بدعائك واجتهادك في حاجتك
۱ في النسخة التلهف على الفائدة
وفي نسخة التكرار في طلب الحاجة من وجه واحد
- 5-
إذ صرفك تأخرها عن باب مولاك فقصرت في المطلوب بالدعاء الذي هو إظهار الفاقة ودوام الحضور بالمناجاة فافهم
والناس ثلاثة رجل قصد مولاه بالتفويض فحصل له الرضا عنه ودوام التعلق به في الوجود والعدم فهذا لا ينصرف لطول تأخر ولا لغيره ورجل وقف بباب مولاه واثقا بوعده وناظرا لحكمه فهو يرجع على نفسه برؤية التقصير وفقد الشروط عند التأخر فيؤديه ذلك إلى اليأس تارة وإلى الرجاء أخرى وإن تيسر مراده عظمت الشريعة في قلبه ورجل وقف بالباب مصحوباً بالعلل منوطاً بالتعذر ۱ ملفوف بالغفلة طالباً للغرض دون تعريج على حكم ولا حكمة وهذا وربما تشكك في الوعد أو وقع في الحيرة أو دان باليأس لا لسبب نسأل الله العافية وقد قال الشيخ أبو محمد عبد العزيز المهدوى رضى الله عنه من لم يكن في دعائه تاركاً لاختياره راضياً باختيار الحق تعالى له فهو مستدرج وهو ممن قيل فيه اقضوا حاجته فإلى أكره أن أسمع صوته فإن كان مع اختيار الله تعالى لا مع اختياره لنفسه كان مجاباً وإن لم يعطل والأعمال بخواتمها انتهى وإنما ينفى ۳ الجهل المؤدى لليأس بالعلم باتساع الوعد وأن وقوعه غير محصور
وهذا ما بينه المؤلف إذ قال فهو ضمن لك الإجابة فيما يختار لك لا فيما تختار لنفسك وفى الوقت الذي يريد لا في الوقت
الذي تريد
قلت وذلك كله مضمن في قوله تعالى ادْعُوني أستجب لكم 4 فضمن الإجابة بوعده وجعلها مطلقة إذ لم يقل بعين ما طلبتم ولا متى شئتم ولا كيف ششتم وأكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ما من داع إلا وهو بين إحدى ثلاث إما أن تعجل له طلبته أو يؤخر له ثوابها أو يصرف
عنه من السوء مثلها ٥
1 أي متعلقاً باعتذار لنفسه والاحتجاج لها وفى نسخة متورطاً بالتفرر
وفي نسخة مكفوفا بالغفلة ۳ وإنما ينتى فى نسخة وفى أخرى فائما يتى ٤ من أية ٦٠ من سورة غافر
ه روى الإمام أحمد باسناد جيد والحاكم وقال صحيح الإسناد من أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إنم ولا قطيعة رحم إلا أعطاء الله بها إحدى ثلاث إما أن يسجل له دعوته أخرى بهذا المعنى وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها قالوا إذن تكثر قال الله اكثر وقد وردت أحاديث
وقال عليه السلام يستجاب لأحدكم مالم يعجل يقول دعوت فلم يستجب
لى 1 وروى أنه كان بين إجابة موسى وهارون عليهما السلام بقوله تعالى قد أجيبت دعوتكما أربعون سنة قال الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه في قوله تعالى فاستقيما أي على عدم الاستعجال ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون أى الذين يستعجلون في الدعاء وإنما جعل الإجابة فيما اختاره تعالى عيناً ووقتاً لوجوه ثلاثة أحدها رفقاً بعبده وعناية لأنه كريم رحيم عليم والكريم إذا سأله من يعز عليه أعطاه أفضل ما علمه له والعبد جاهل
بالصلاح والأصلح فقد يحب الشيء وهو شر له ويكره الشيء وهو خير له فافهم الثاني لأن ذلك أبقى لأحكام العبودية في نظر العبد وأقوى فى ظهور سطوة الربوبية إذ لو كانت الإجابة بالدعاء على وفق المراد ضمنا لكان نفس دعائه تحكماً على الله وذلك باطل
فافهم
الثالث لأن الدعاء عبودية سرّها إظهار الفاقة ولو كانت الإجابة بعين المراد حتما لما صحت فاقة في عين الطلب فبطل سرّ التكليف به ومعنى الاضطرار المطلوب فيه فافهم وقد قال بعضهم فائدة الدعاء إظهار الفاقة بين يديه وإلا فالرب يفعل ما يشاء انتهى ثم ذكر مسألة هي أبلغ من التي قبلها في نفي اليأس والثقة بالوعد وإن تعين الزمان فقال لا يشككنك فى الوعد عدم وقوع الموعود وإن تعين زمنه
قلت التشكك التردد بين إيقاع الشك ونفيه لاضطراب النفس في موجبه بحيث يقول الوعد صدق والزمان متعيّن والموعود مفقود فيتحير فى ذلك ويشك وهذا من ضيق المعرفة أن ظاهر الوعد ظاهر الوعد دون نظر إلى باطن الأوصاف إذ لو اتسعت دائرته علم أ والوقوفت لا يقضى على باطن الصفة فجزم بالوعد وراعى باطن الوصف بتقدير تعلق الأمر بشرط ستره
مع
۱ رواه الشيخان وغيرهما
هو على بن عبد الله بن عبد الجبار ينتهي نسبه إلى سيدنا الحسن بن على بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ولد بيلاد المغرب سنة ٥٩٣ ه بقرية و عمارة وأخذ يدرس بها العلوم الدينية وتنقلت به الرحلات من قطر إلى قطر إلى أن استقر في مصر
يقول ابن عطاء الله عنه لم يختلف في قطبانيته ذو قلب مستثير ولا عارف بصير ويقول تقي الدين محمد بن على و ما رأيت وكان من آخر ما أوصى أعرف بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلي و رضى الله عنه وتوفى رضى الله عنه في شهر شوال سنة ٦٥٦ ه
به حزب البحر وقال لمريديه حفظوه لأولادكم فان فيه اسم الله الأعظم ويرجع في حياته بالتفصيل إلى كتاب المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي تأليف الدكتور عبد الحليم محمود
الحق عنه إذ لا يجب عليه بيان ما يريد اشتراطه بل يصح فى الحكمة ستره إبقاء لسمو ۱ الربوبية في نظر العبد واستبقاء ٢ لأحكام العبودية عليه فقد وعد الحق سبحانه نبيه عليه السلام بالنصر في أحد و الأحزاب ودخول مكة وستر شرط ذلك وهو الذلة التي اقتضت حكمته ترتب النصر عليها دائماً حتى أظهرها فى معرض المنة والتنبيه إذ قال عز من قائل واقد الله ببدر وأنتم أذلة وقال عز وعلا ويومَ حُنين إذ أعجبتكم كثرتكُمْ ۳ الآية
نصركم
واعلم
أن النصر مع
الذل وهو سر
الإضطرار
وقال عليه السلام لابن عباس في وصيته المشروط في الإجابة بعين المقصد ٤ إذ قال ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأَرْضِ ٥ فافهم وإنما ذكر تعيين الزمان مبالغة أو فى حق من يصح التعيين ٦ في حقه ثم ذكر علة نهيه عن التشكك لما ذكر كيف ذكر ۷ فقال
لئلا يكون ذلك قدحاً في بصيرتك وإخماداً لنور سريرتك
قلت أما كونه قدحاً في البصيرة فلرؤيتها الأمر على غير الوجه المطلوب فيه من النظر لاتساع العلم واعتياد ذلك حتى تقوى دائرة الوهم فينتفى التحقق وأما كونه إخماداً لنور السريرة فلان نور السريرة مستفاد من اتساع النظر والوقوف مع ظاهر الوعد مناف لذلك والبصيرة كالبصر أدنى شيء يقع فيه يمنع النظر ويشوش الفكر وإن كان لا يفضي إلى العمى فالخطرة من الشرّ تشوش النظر وتكدر الفكر والإرادة تذهب بالخير رأسا والعمل به يذهب عن صاحبه سهماً من الإسلام فيما هو فيه ويأتى بضده فإن استمر على الشر تفلت منه الإسلام سهماً سهماً فإذا انتهى إلى الوقيعة في الأئمة وموالاة الظلمة حبا فى الجاه والمنزلة وحبا للدنيا على الآخرة فقد تفلت منه الإسلام كله ولا يغرنك ما توسم به ظاهرا فإنه لا روح له وروح
1 في نسخة لسطوة وفي نسخة واستيفاء
۳ التوبة ٢٥ والآية الكريمة لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثر تكم فلم تمن عنكم شيئا
وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليم مدبرين
٤ وفي نسخة بعين القصد
٥ والآية الكريمة تبتدىء بقوله تعالى و أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء فنيت على الاضطرار مقصوداً بعينه
٦ وفي نسخة من يصلح اليقين في حقه
۷ لعل ما بين الأقواس زيادة من الناسخ والمعنى على كل حال يستقيم بدونه
الإسلام حب الله ورسوله وحب الخيرة وحب الصالحين من عباده وقال بعضهم ادفع 1 ردى الخواطر قبل أن يتمكن الهم لئلا يصيبك وقيل أول الذنب الخطرة كما أن أول السيل القطرة وكما وجب أن لا يتوهم ۳ في ۳ في وعده وجب أن لايتوهم ۳ فى فعله بل يظن به الجميل في هذا كله وهذا ما توجه له المؤلف وذكره بأن قال
إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قل عملك
قلت بل حقك أن تفرح بها لما تضمنته من التعرف الموجه فيها الذي لا يكاد يتحصل بغيرها ثم وجهة التعريف هي ما يعرفك بجلالة مولاك وحقارة نفسك وتعرف بها الدينا وما فيها والخلق بحقيقة ماهم عليه على وجه ينطبع في سويداء قلبك انطباعاً ينصبغ به حتى يكون الإقدام والإحجام على حكمه دون توقف وليس ذلك إلا لأمور قهرية وغاية أمرها أنها مانعة من إكثار العمل فإذا قل لأجلها وجب أن لا تبالى لأن الذى أمرك هو الذي قهرك والكل منه وإليه فكما وجب امتثال أمره وجب الاستسلام لقهره وإنما على العبد أن لا يعزم على محظور ولا يفرط فى مأمور فإن قصر به الحال فلا يبالى وبذلك جرى أمر السنة ألا تراه شأنه عليه السلام في حديث الوادى حيث ناموا عن الصلاة بعد توكيل بلال الذي في ذلك الوقت قال لن تراعوا إن الله قبض أرواحنا فأحالهم على القدر لما لم يتنبهوا 4 ولما سأل عليا وفاطمة مالكما لم تصليا الليل أجابه على بأن الله قبض أرواحنا فضرب فخذه وقال وكان الإنسان أكثر شيء جدلا قال علماؤنا وإنما كان هذا جدلا لأنهم
عدم
النوم
تسببوا بوجود الجنابة وأجابوا بالقدر في محل السبب ٥ وإنما حملهم على ذلك وجود الحياء
فافهم
ثم قال
فإنه ما فتحها لك إلا وهو يريد أن يتعرف إليك
قلت وذلك مشاهد من حالها إذ لم تأت إلا بالتعريف وهو بساط المعرفة التي لاتصل ٦
إليها إلا به ولا تبلغها إلا بمنته قال
1 في نسخة ارقع رداء الخواطر ٤ وفي نسخة لما لم يتسببوا
الهم بالشر
۳ وفي نسخة يهم ه وفي نسبخة التسبب
1 لا تصل إلى المعرفة إلا بالله
ألم تعلم أن التعريف هو مورده عليك
قلت يقول أليس فى علمك أن التعريف من عنده وهو أورده والوجهة بساطه فإذا وجهها لك فقد وجه الك التعريف الذي تتضمنه وبه تصل الممعرفة التى هى غاية المطالب ونهاية
الأمال والمآرب
والأعمال أنت مهدمها إليه لتتقرب وتنال مما لديه وأين ماتهديه إليه من أفعالك المدخولة
وصفاتك الناقصة المعلولة مما هو مورده عليك
من معارفه الجليلة وأفعاله الجميلة وعطاياه الجزيلة بينهما فى الحكم ما بينكما في الوصف رب وعبد كيف يشتبهان أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا نذكرون ۱ وفي تلك الحكاية مقابلة فضله وكرمه بأفعالنا من قلة المعرفة بالكريم المتفضل وفى الحكاية الأخرى فشتان
بين ما فعله بك لتنجو وبين فعلك لتنجو
ويرحم
قلت فعلك يحتاج إلى التخليص والإخلاص وفعله بك لا يلحقه شرك ولا انتقاص الله خير النساج حيث قال ميراث أعمالك ما يليق بأفعالك فاطلب ميراث فضله وكرمه فهو أولى بك انتهى ثم أخذ المؤلف فى تقوية ما طلبه من عدم المبالاة فقال تنوعت أجناس الأعمال لتنوع واردات الأحوال
قلت التنوّع - التلون والاعمال عبارة عن الحركات الجسمانية والأحوال عبارة عن الحركات القلبية فحركات الأجسام تبع لأحوال القلوب وإذا كانت كذلك فينبغي ألا تبالي بفقد الفرع لوجود أصله عند تعذر الفرع هذا مقتضى ما في التنبيه
والذي أفهمه أن الأعمال عبارة عن الحركات الجسمانية والقلبية والأحوال عبارة عن التقلبات الوجودية كالغنى والفقر والعز والذل والعافية والبلية إلى غير ذلك مما ترتب عليه الأحكام فتختلف باختلافه فلكل حال عمل يخصه ويختص به فيكون عوضاً عن مقابله فما فات مثلا في الشكر على العافية استدرك بالصبر على البلية وبالعكس وما نقص من الأعمال البدنية " تحصل بالأعمال القلبية ولذلك قال الفاروق رضى الله عنه الصبر والشكر مطيتان ما باليت
۱ آية ١٧ من سورة النحل
هو محمد بن إسماعيل من أهل سامرة ثم سكن بغداد وصحب أبا حمزة البغدادي وكان من أقران أبي الحسن النووى وعمر عمراً طويلاً حي عاش - كما قيل - مائة وعشرين سنة انظر كتاب و الرسالة القشيرية ج ١
أنهما أركب وأثنى الحق سبحانه وتعالى على الصابر والشاكر ثناء واحداً فقال عز من قائل في كل من سلمان وأيوب نعم العبد إنه أواب ١
ولما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يكون نبياً ملكاً أو نبياً عبداً قال يارب أجوع يوماً وأشبع يوماً فإذا جعت تضرعت إليك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك فلم يؤثر واحداً منهما على الآخر بل نظر إلى العبودية في الجميع لأنها المقصود وبالله التوفيق ثم كمال الأعمال إنما هو بالإخلاص وهو قلبي وذلك يقتضى عدم المبالاة بها إذا عدمت وهو ما أشار إليه المؤلف إذ قال
لأجله
الأعمال صُور قائمة وأرواحها وجود سر الاخلاص فيها
قلت ولا عبرة بصورة لا روح فيها كما أنه لا قيام لروح دون صورتها ويحتمل قوله سر الاخلاص أن يكون من إضافة الشيء إلى نفسه فالمراد السر الذي هو الاخلاص ويحتمل أن يكون ما هو أخص منه وهو الصدق المعبر عنه بالتبرى من الحول والقوة وكلاهما مطلوب الاخلاص لنفى الرياء والصدق لنفى العجب وكلاهما لا كمال للعمل إلا به فلذلك قال بعض المشايخ رحمه الله الصحيح عملك بالاخلاص وصحح إخلاصك بالتبرى من الحول والقوة
قال الشيخ أبو طالب المكي رضى الله عنه والاخلاص عند المخلصين ٢ إخراج الخلق من معاملة الحق وأول الخلق النفس والاخلاص عند المحبين أن لا يعمل عملا لأجل النفس ۳ وإلا دخل عليه مطالعة ٤ عوض أو ميل إلى حظ النفس والإخلاص عند الموحدين خروج الخلق من معاملة ٥ الحق من النظر إليهم فى الأفعال وعدم السكون إليهم والاستراحة بهم في الأحوال
انتهى
وكما أن الاخلاص حصن الأعمال فالخمول حصن الإخلاص وهو طرح النفس فيما يليق
بها من النقص والدناءة وبحسب هذا فهو دفن لها كما نبه عليه إذ قال
1 من آية ٤٤ من سورة ص
في نسخة عند المحققين
۳ وفي نسخة وأن لا تدخل على مطالعة غرض
٤ تختلف هذا النسخ بين مطالبة عوض ومطالعة غرض ومطالعة عوض وكلها متقاربة المعنى ه وفى نسخة و خروج الخلق من النظر إليهم في الأفعال و عدم وفي نسخة إخراج بدل خروج
اد من وجودك في أرض الخمول
قلت يقول غيب ماتذكر به من علم وعمل وحال وغيره فيما ينفى عنك شهوة الرفعة عن عيوبك الاصلية والفرعية والعارضة والناس ثلاثة رجل غلب عليه التحقيق فغاب عن رفعته برؤيته نقصه في الأصل إعتباراً بأن الكمال كله للحق سبحانه وتعالى وأن العبد لايليق به من حيث ذاته إلا النقص فرجع بالكل لمولاه عملا بقوله تعالى ولولا فضل عليكم ورحمته ملز کی منكم من أحد أبدا ۱
الله
الثاني رجل ساعده التوفيق فغاب عن محاسن نفسه بعيوبها المنطوية فيها بحيث شاهد محاسنه مساوى ورأى حقائقه دعاوى فسقطت نفسه من عينه بوجه لا يرجع فيه لنظر غيره الثالث رجل اتسعت عليه نفسه فغلبه الوهم عن الفهم حتى رأى حظها وشاهد لحظها فاحتاج لنفي ذلك بما ينافيه من مباح مستبشع أو مكروه لم يمنع دفعا لدعواها وفراراً من بلواها لاتستراً من الخلق لأن التستر منهم تعظيم لهم وهو يكر على أصله بالنقص وقد قال الشيخ أراد الظهور فهو عبد الظهور ومن أراد الخفاء فهو
أبو العباس المرسى رضى الله عنه من عبد الخفاء وعبد الله سواء عليه أظهره أو أعفاء انتهى
ثم أبان المؤلف عن فائدة الدفن المذكورة فقال
فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجة
قلت هذا هو المشاهد في الزرع وما في معناه فإنه لا ينتج منه إلا ما دفن وما لم يدفن لا ينبت وإن نبت فلا ينتج وإن أنتج فلايتم نتاجه وإن ظهر نوره وابتهاجه وكذا ما ظهر وما بطن منها فالتغير هوى ۳ مسرع لكل ظاهر حسا فى الحسيات ومعنى في المعنويات
الأعمال من
۱ آية ٢١ من سورة النور هو العارف بالله الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عمر ويتصل نسبه بالصحابي الجليل سعد بن عبادة سيد الخزرج وقد ولد في بلدة من بلاد الأندلس هي مرسية و سنة ٦١٦ ه ولما بلغ من العمر ٢٤ عاما ذهب مع والده ووالدته وأخيه إلى الحج فلما كانوا بالقرب من شاطىء بونه غرقت بهم السفينة ونجاه الله ونجى معه أخاه فقصد تونس و اتصل هناك بأبي الحسن الشاذلي ولازمه ملازمة تامة ورافقه إلى مصر ورشحه أبو الحسن الشاذلي للخلافة في أثناء حياته فلما أنتقل أبو الحسن إلى الدار الآخرة كان أبو العباس هو الخليفة بعده واستمر يدعو إلى الله إلى أن اختاره الله لجواره في الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة ٦٦٥ ه
انظر كتاب العارف بالله أبو العباس المرسى تأليف الدكتور عبد الحليم محمود سلسلة أعلام العرب مايو سنة ١٩٦٩ ۳ في نسخة فالتغيير الهوائى
ولذلك أشار شيخنا أبو العباس أحمد بن عقبة الحضرمي ۱ حيث أنشد - لا أدرى له أو لغيره -
فقال
وللدين
عش خامل الذكر بين الناس وارض به فذاك أسلم للدنيــــــا من عاشر الناس لم تسلم ديانته ولم يزل بين تحريك وتسكين وكما لا يصح دفن الزرع فى أرض رديئة لا يصح الخمول بحالة غير مرضية وهو ما كان محرماً متفقاً عليه لأن ما كان ظلمة بالذات لا يصح أن يكون نوراً بالعرض فقياس الخمول بالمحرم بمن غص بلقمة لا يجد لها مساغاً إلا بجرعة خمر لا يصح لأن المحرم لا يباح لني مكروه وقوله إن هذا تقوية حياة فانية وذلك ۳ حياة باقية مردود ٤ فإن ذلك ٥ معين على قتل نفسه فالحياة الباقية تفوته بفعله والأخرى إنما يفوته كما لها ٦ فافهم
ثم إن الموصل للاخلاص وتحقيق الخمول إنما هو العلم الوافى عن الفكر الصافي ومقدمته إنما هي العزلة ثم الخلوة فلذلك اتبعها به فقال
ما ينفع القلب شيء مثل عزلة بدخل بها ميدان فكرة
قلت لأنه بالعزلة يسلم من الأغيار وبالفكرة يستجلى الأنوار وكل عزلة لاتصحبها فكرة ف إلى المحق ۷ مآلها والفكرة لاتصح بدون العزلة فالعزلة منزل الفكرة وفى بيته يؤتى الحكم ثم العزلة بالانفراد بالحال حقيقة وبالانفراد بالشخص مجاز والله أعلم
والناس ثلاثة منفرد بقلبه لا بشخصه وهذا كائن بائن راحل قاطن وحاله حال
الأقوياء وأهل الكمال ۸ ومنفرد بالشخص دون القلب وهذا سالم إن توفرت شروطه متعرض
1 يقول عنه صاحب طبقات الشاذلية حجة العارفين وشيخ الواصلين إمام الإرشاد وشيخ العباد والزهاد القطب الغوث المتصرف صاحب الدائرة الكبرى إمام الأئمة وغوث الأمة الولى الكبير والعالم الشهير سيدى تاج الدين أبو العباس أحمد بن عقبة الحضرمي اليمني الشاذل الوقالى مولده - رضي الله عنه ببلاد حضر موت وقدم مصر فاستوطنها وأخذ العهد بها على شيخه ومرتبة الشريف ابي السادات يحيى القادرى بن وفا وفتح عليه فأقبلت الناس إليه وتبركوا بالجلوس بين يديه وتوفى رضى الله عنه بمصر
بعد الثمانمائة ودفن بالقرافة الشاذلية الكبرى
الضمير يرجع إلى من شرب جرعة من خمر إزالة الغصة ۳ من اتخذ إلى الخمول وسيلة محرمة كا المنحرفين من الملامتية ٤ ى أول من قال ذلك مردود
0 امل المحرم كوسيلة الخمول
1 الحياة بدون أن يدفن المسه في أرض الخمول
۷ وفي نسخة الحمق
۸ و هؤلاء هم الذين يقال عنهم خلونهم في جلوتهم فيكونون مع الناس في الظاهر ومع الله في الباطن
-YA-
لنفحات الرحمة في ذلك وإن كان لاعبرة فيه في الحال ۱ ومنفرد بهما وهو المتخلى٢ وأنواعه ثلاثة معتزل ليسلم ومعتزل ليغنم ومعتزل لينعم فشرط الأول بعد علم حاله القيام بواجبات وقته وسلامة الناس من سوء ظنه وشرط الثانى التحفظ في السنة مع الجد فى العمل وشرط الثالث تحقيق الأحوال والتبرى من المقال والله أعلم والميدان في الأصل المجال للخيل فشبه جولان الخيل في ميادينها بجولان الفكر في مجاريه ومجاري الفكر أربعة وجود الأكوان لتحقيق مادلت عليه والتحقق به فينفى ويثبت ۳ ووجود الشهوات المانعة من المقصد حتى ترجع فلا تعوق ٤ ووقوع الغفلات الصارفة عن المراد حتى تنتفى فلا تدفع عن بساط الحق وحصولُ الهفوات فى التصرف حتى لا تصرف عن الفهم أن الأربعة حائلة دون المقصود وقاطعة دونه على مراتبها وهذا ما توجه
وأول ذلك
يعلم
المؤلف لبيانه فقال
كيف يُشرق قلب صُورُ الأكوان منطبعة في مرآته
قلت حتى منعه انطباعها عن شهود ٥ تجلياته وذلك على ثلاثة أوجه الأول انطباع وجودها من حيث النفع والضر وذلك يوجب ٦ الاعتماد عليها والاستناد إليها الثاني انطباعها من حيث الجمال الاستحسان الموجب للحب وذلك يقتضى العبودية لها الثالث انطباعها من حيث الشهوة وذلك يقتضى الغفلة بها
ومعنى انطباعها في مرآة القلب ارتسامها فيه على وجه لا يقبل غيرها وصور الأكوان أعيان الموجودات ومرآة القلب بصيرته وإنما لا يشرق القلب مع ماذكر لأن القلب ليس له إلا وجه واحد إذا توجه لشيء انقطع عما سواه وعلامة انطباع الكون في المرآة إيثاره من غير توقف والميل إليه ولو مع التعلل وشغل النفس بالأغراض والعوارض ردا وقبولا وهذا دليل
الشهوة وهى من موانع النهوض كما قال أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته
1 أي في الوقت وفي نسخة المختل
٤ وفي بعض النسخ عن المقصود حتى تدفع فلا تفوت و وفي نسخة من وجود
۳ هذه العبارة ساقطة في بعض النسخ
1 وفي نسخة بوجود
قلت كلما أراد النهوض أخلدته ۱ وإن نهض له أمسكته عن السير وإن سار منعته
من الاسراع وإن أسرع ثبطته في الطريق فكلما اجتمعت له رغبة بكرة فرقتها جنود الشهوة عشية فلا يصح رحيله عن عوالم طبعه إلى بساط الحق وإن أشركه نوره حتى رأى الحقيقة و عرف الحق ولكونها مثبطة مانعة من الاسراع في انسير لزم تركها لذوى الإرادة لا لذاتها إن كان حكمها الإباحة ومن هنا قالوا لذع الزنابير على الأجسام المقرحة أيسر من لذغ الشهوات على القلوب المتوجهة ويذكر أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام أن حذر قومك كل
لشهوات فإن القلوب المتعلقة بشهوات الدنيا عقولها محجوبة عنى انتهى
ثم الشهوات داعية الغفلة وقد تكون بدونها وهى مانعة بعد المرحلة من الدخول كما قال أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته
قلت حضرة الله دائرة ولايته ومقام اختصاصه بخواص عباده وهو مقام مطهر لايدخله إلا مطهر من جنابة الغفلة كما لا يدخل المسجد إلا طاهر منها بل سر وجوب الطهارة من الجنابة الحسيه ليكون العبد لمولاه بالكل كما كان لنفسه بالكل وليشمله الحضور بالغسل كما شملته الغيبة باللذة وجوداً وقصداً والتطهر من هذه الجنابة المعنوية يكون بالطهارة المعنوية الذكر والفكر وهما عبارة عن الغيب المذكور في قول القائل
تطهر بماء الغيب إن كنت ذا سرّ وإلا تيمم بالصعيد أو الصخر
والصعيد إشارة للعبادة لأن أثرها يظهر على وجه العبد كالتراب عند استعماله والصخر إشارة للزهد والتبرى لأنه لا يظهر أثره وهما بدل من الأصل ۳ فطهارتهما بالعرض لا بالأصل
ثم قال
وقدم إماماً كنت أنت إمامه
لأنه يعني اتبع الشرع
إمام
كنت أنت إمامه فى إثباته حتى إذا أثبته وجب عزلك باتباعك 4
فافهم ثم قال
وصل صلاة الظهر في أول العصر
۱ اعادته ای مالت به إلى الأرض يقال اخلد الرجل بالمكان وإلى المكان دام فيه وبقى
قد تكون الغفلات بدوى الشهوات
۳ والأصل هو الذكر والفكر
٤ وفي نسخة وجب عزلك باتباعه
یعنی اجمع ظهر الشريعة بعصر الحقيقة ١ لتجد في سيرك ولتقف بعرفات المعرفة
وبالله التوفيق
ثم من لوازم الغفلة وجود الهفوة وهو الوقوع في الزلل من غير قصد وهي مانعة من فهم الأسرار بعد دخول الحضرة لوجود الران الناشيء عنها وهذا ما نبه عليه المؤلف إذ قال
أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يثب من هفواته
قلت التي غمره رانها فأعمى قلبه عن مفهوماته قال تعالى كلابل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وقال تعالى واتقوا الله ويُعلمكم الله ۳ فجعل التقوى بساط العلم قال أبو سليمان الداراني رضى الله عنه ٤ إذا عقدت النفوس على ترك الآثام جالت في الملكوت ورجعت إلى صاحبها بطرائف الحكمة من غير أن يؤدى إليها عالم علماء فبلغ ذلك الإمام أحمد بن حنبل فصدقه وذكر الحديث من عمل بما علم ورثه الله علم مالم يعلم ٥ وفى وصية مالك للشافعي - رحمهما الله ه اتق الله ولا تطفىء هذا النور الذي آتاك الله بالمعاصي وأنشدوا في ذلك المعنى
وما رمت الدخول عليه حتى حللت
محلة العبد الذليل
وأغضبت الجفون على قذاها وصنت النفس عن قال وقيل
وإنما تنتفى هذه الأربع بشهود الحق سبحانه فمن شهده في الأكوان فاعلا ومدبراً نسيها به فلم تنطيع في مرآته ومن شهده عندها قائماً لها بما يجب وقائماً عليها بما يجب لم يتعلق بشهواته ه قبلها مقدراً لها ومخصصاً لم يتعلق بغفلاته ومن شهده بعدها رجع منها إليه فتاب الم ه ومن شهد الكون كله ظلمة وأن الحق هو الذى أثاره فقد فتحت له أبواب تجلياته
1 ظهر الشريعة هو ازدهارها وبلوغ أو جها فاذا بلغ الإنسان في الشريعة مرحلة السنام التى غير عنها بالظهر أسلمته إلى
الحقيقة ونهاية أو ان الظهر هو أول أو ان العصر آية ١٤ من سورة المطففين
۳ من آية ۸ من سورة البقرة
٤ هو أبو سليمان عبد الرحمن بن عطية الدار اني من أهل داران قرية من قرى دمشق كان من كبار الزهاد المتصوفين توفى سنة ۱٥ د ۸۳۰ انظر طبقات الصوفية ووفيات الأعيان والجزء الثانى من كتاب الأعلام للزركل ص ٤٨٤ ته, ية الجزء الأول ص ٨٦ تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف
الحلية من حديث أنس باسناد ضعيف ولكن شواهد الشرع وتجارب الصالحين تؤيده
- 13-
لأنه
بصير بقلب مغرد ۱ فيه توحيد مجرد وقد قيل للجنيد رحمة الله كيف السبيل إلى الانقطاع إلى الله تعالى قال بتوبة تزيل الإصرار وخوف يزيل التسويف ورجاء يبعث على مسالك العمل وإهانة النفس بقربها من الأجل وبعدها من الأمل قيل له فيما يصل العهد إلى هذا قال بقلب مغرد فيه توحید مجرد انتهى وهذه الأربع المذكورة هي التي تنفى الأربع التي ذكرها المؤلف وأصلها الأخيره وأصل ذلك النظر إلى الوجود بعين العدم والظلمة كما نبه عليه المؤلف إذ قال
الكون كله ظلمة
قلت والظلمة لاتهدى إلى شيء بل تكف عنه فوجب رفضه فضلا عن
ينطبع في مرآة القلب وبذلك ينتى الاعتماد على العمل ۳ وغيره وإنما كان ظلمة لأنه عدم في أحواله جميع في الماضى بحقيقة حاله وفى الحال بعدم استقلاله وفى المستقبل على حكم ذلك فإن كان باقياً فله حكم الحال وإن كان فانياً فله حكم الماضى ثم ما هو به فى الوجود الذي هو نوره إنما
هو من الحق سبحانه كما بينه إذ قال وإنما أناره ظهور الحق فيه
قلت أثاره بالوجود الجائز بدلا من العدم المجوّز فظهر فيه بعلمه من حيث إتقانه
وإرادته من حيث تخصيصه وقدرته من حيث إبرازه ظهور دلالة وتعريف لاظهور حلول
وتكييف فعرفت به ذاته وصفاته وأسماؤه إذ هو فعله وبهذا يفهم قوله تعالى الله نور السموات والأرض وأن الكون مشكاة فيها زجاجة الأفعال الجامعة لزيت النسب المعتصر من زيتونة الأوصاف الكمالية لا شرقية جمالية ولا غربية جلالية يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار التأثير الظاهر
1 عن أبي هريرة رضى الله عنه - فيما رواه الإمام مسلم - قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فسر على جبل يقال له جمدان فقال سيروا هذا جمدان سبق المفردون قالوا وما المفردون يارسول الله قال الذاكرون الله كثيراً والذاكرات
هو أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الخزاز مولده ووفاته ببغداد ۹۷ - ۹۱۰ م قال أحد معاصريه ما رأت عيناى مثله الكتبة يحضرون مجلسه لألفاظه والشعراء لفصاحته والمتكلمون المعانيه وقال ابن الأثير في وصفه إمام الدنيا في زمانه وعده العلماء شيخ مذهب التصوف لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة ولكونه مصوناً من العقائد اللميمة محمى الأساس من شبه الغلاة انظر في ترجمته كتاب الكامل لابن الأثير وطبقات الصوفية والأعلام للزركلي ج ۱ ص ١٩٥ و الرسالة القشيرية ج ١ تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف
۳ روى الإمام أحمد عن أبي سعيد والبزار من شريك والطبراني في الكبير عن أبي موسى رضي الله عنهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لن يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته
من مصباح الصفات نور على نور الأفعال على نور النسب على نور الأسماء على نور الصفات وهي التي ظهر به الكل يهدى الله لنوره من يشاء فى أى مقام كان فيشهد الحق على قدر ما حصل
فافهم
له من الهداية ووجود الشهود مختلفة من حصل على شيء منها كان كمالا له ومن لم يحصل على شيء فهو في دائرة النقص كما نبه عليه المؤلف إذ قال
فمن رأى الكون وا يشهده فيه أو عنده أو قبله أو بعده فقد أغوزه وجود الأنوار
قلت ومن شهده فيه أو عنده أو قبله أو بعده فهو الكامل الأنوار المظهر الأسرار وإن تفاوتت الرتب والمراد برؤية الكون اعتبار وجوده من حيث ما ظهر فيه وبه من التصرفات العادية وغيرها وشهود الحق فيه النظر لوجود تصريف الحق له بوجه لاينفك وتجرى الأفعال على
حكمه بأن لا يبقى للعبد على غيره اعتماد ولا لمن سواه استناد بل يبقى شاخص القلب لما يبرد منه فى كل دقيقة وحقيقة رجوعاً لقوله تعالى الله خالق كل شيء وعملا بخالص التوحيد في بساط التجريد ۱ فافهم وعدم ذلك بالرجوع إلى الأسباب والعمل على أن النيل والمنع٢ بالاكتساب وشهوده عنده هو النظر إلى أنه القائم له بما يحب والقائم عليه بما يجب فيقع بذلك ظل في الصدور يقتضى مراقبته بالشكر على ما أسدى من محبوب وبالقيام بما وجب من مطلوب فتنتفى شهواته إذ يشغله الثناء على الله عن أن يكون لنفسه شاكراً وتشغله حقوق الله عن أن يكون لحظوظه ذاكراً عملا بقوله تعالى وهو على كل شيء وكيل من آية ٦٢ من سورة الزمر وقوله سبحانه إن ربك لبالمرصاد آية ١٤ من سورة الفجر وقوله عز وجل ووجد الله عنده فوفاه حسابه من آية ٣٩ سورة النور وقوله جل وعلا فيما يرويه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنا عند ظن عبدي بي ۳ إن الله عند كل عمل وعامل حتى يوفيه عمله أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلى فافهم وعدم ذلك بالغفة وترك الحتموق والله أعلم وشهوده قبله أن يسبق إلى قلبه أن مراده لا يكون
1 وفي نسخة التفريد
وفي نسخة والعمل على النيل والدفع وفى أخرى والعمل على النيل والمنع ۳ روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى أنا عند ظن على ت وا معه إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملإ خير منهم وإن تقرب إلى شيراً
تقربت إليه دراع وإن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة
--
بإرادة الحق وقدرته فينتج له ذلك التوكل عليه فيه علماً منه أن وجود كل شيء منه سبحانه له مقاليد السموات والأرض أى مفاتيحها التي يفتح بها وجودها وموجدها فينتفى - عنه الغفلة بهذه الرؤية لاشتغاله بالشكر عن المساعدة وبالرضا والاستسلام عن المباعدة وعدم ذلك برؤية النفس في التحصيل وعدمه فافهم وشهوده بعده هو أن يغفل عن التصريف والقيام بالأمور والإبرام للأحكام حتى يقع فى أمر يريده فيذكر منة الحق تعالى بتيسيره أو فى ضده فيذكر قهره سبحانه في تعسيره وهذا حال عوام الخلق من المتوجهين ونحوهم وإليه الإشارة بحديث أذنب عبدى ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ۱ الحديث وليس وراء هذه المرتبة إلا الاسترسال فى الغفلة المؤدى لوقوع الهفوة وإليه الإشارة بقوله تعالى والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون آية ٥٢ من سورة العنكبوت وذلك لأنهم غفلوا واسترسلوا ولو رجعوا ما خسروا فافهم ثم من حصل على الشهود الاول كان بالله أو على الثاني كان الله أو على الثالث رأى الأمر من الله أو على الرابع رجع فيه إلى الله ومن فاته ذلك كله فهو مُعوز أى محتاج لوجود الأنوار إذ غلبه النظر إلى الأغيار
وحجبت
عنه
شموس المعارف بسحب الآثار
قلت شبه المعارف بالشموس لأنها تذهب بكل ظلمة ونور وتكشف عن حقائق الأمور مع علوها وارتفاعها وعموم النفع بها وأخذ كل أحد منها على قدره واستعار السحب للاثار لأنها تغطى الحقيقة ولا تذهب بها وتضعف النور ولا تذهبه وتعرض له ولا تدوم عليه وبالجملة فمعرفة الحق أصل لكل أصل وما سوى الحق حجاب عنه ولا يخرجك عن الوصف إلا شهود الموصوف ومن ذكر الحق نسى نفسه ومن ذكر نفسه نسى الحق وأعظم باب في معرفته شهود قهره من بساط توحيده لأنه يشعر بعظيم عظمته وقد توجه المؤلف للكلام في ذلك إذ قال
۱ هذا الحديث رواه الإمام مسلم رضى الله عنه أذنب عبدى ذنباً فقال اللهم أغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدى فقال تبارك وتعالى عبدى ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فاذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي أذنب ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب أغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدى ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك قال عبد الأعلى لا أدرى أقال في الثالثة أو الرابعة أعمل ما شئت ورواه الإمام البخاري على النحو التالي
إن عبداً أصاب ذنباً فقال رب أذنبت ذنباً فاغفر لى فقال ربه علم عبدى أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً فقال رب أذنبت ذنباً آخر فاغفر لى فقال علم عبدى أن له ربا يغفر الذنب و يأخذ به غفرت لعبدى ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً فقال رب اذنبت آخر فاغفر لى فقال ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدى ثلاثاً فليعمل ما شاءه رواه البخاري مسلم والنسائي
علم عبدى ان له
مما يذلك على وجود قهره سبحانه أن حجبك عنه بما ليس بموجود معه
قلت استدلال القوم مراد لتمكين الحقيقة من النفس لا لمطلق الاثبات لأن مقاصدهم دائرة على طلب الكمال بعد إثبات الأصل الذى هو شأن الاصولى وقد تقرر في النقول ۱ أن الله خالق كل شيء فالكل منه وإليه فوجود كل شيء به وله لامعه لأن الكل عدم لوجوده
كما مر
ثم الخلائق محجوبون عنه بهم وهم عدم فالعدم حجب العدم وذلك عجيب من الصنع ثم احتجاب العدم بالعدم دليل على ظهور الوجود بالموجود بلا حجب ألبتة وذلك من أكبر
شواهد العظمة
وإنما قلنا إن احتجاب الخلق بهم لأن الحق - سبحانه - لا يصح أن يكون حجاباً ولا محجوباً وقد ذكر المؤلف في ذلك عشرة أوجه فقال في أولها كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء قلت أظهره من العدم إلى الوجود فكان دليلا عليه لكل موجود إذ خصصه بإرادته وأبرزه بقدرته وأتقنه بحكمته وتجلى فيه برحمته
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء
قلت ظهر به من حيث التعريف إذ أظهره من العدم فدل على أنه المنفرد بالكمال والبقاء
والقدم
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
كيف يتصور أن يحجبه شيءٌ وهو الذي ظهر في كل شيء
قلت ظهر فيه ما أظهر عليه من آثار قدرته وتخصيص إرادته ودلائل حكمته وشواهد
رحمته فكان مرآة لمعرفته
كيف يتصور أن يحجبه شيءٌ وهو الذى ظهر لكل شيء
قلت ظهر له ما ظهر فيه فكان عارفاً به على قدره حسب تعريفه ولذا قيل مائم إلا عارف به على قدره فلذلك لا يعذر الكافر بجحده
1 في نسخة المعقول نسخة بالوجود
كيف يتصور أن يحجبه شيءٌ وهو الظاهر قبل وجود كل شيء
لأنه أظهر الأشياء فكان قبل وجودها إذ هو الأول الذى لامفتتح لوجوده ولا ظهور لشيء
إلا بإظهاره إياه فافهم كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو ظهر من كل شيء
قلت لأنه الواجب الوجود لذاته وكل شيء إنما وجد بإيجاده وواجب الوجود أظهر للمناط العقلى أبدا ولا عبرة بوهم فيه فافهم
كيف يتصور ان
يحجبه شيء وهو الواحد الذي ليس
معه
شيء
قلت ليس معه شيء أبدا كما لم يكن معه شيء أزلا لأن الكل فعله وهو المنفرد بالكمال
كان الله ولا شيء معه ۱ وهو الآن على ما عليه كان
كيف يتصور أن يحجبه شيءٌ وهو أقرب إليك من كل شيء
•
قلت لأنه المتصرف فيك بكل شيء وتصريفه سابق لك قبل وجود ذلك الشيء فهو أقرب إليك حتى من نفسك ونفسك قال الله تعالى وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِليه منكم ٢ أن يحجبه شيء ولولاه ما كان وجود كل شيء كيف يتصور قلت وذلك لافتقار كل شيء له وغناه عن كل شيء وعلة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن
يا عجباً ا كيف يظهر الوجود في العدم
أن
مع
العدم
ظلمة والوجود نور وقد كان ذلك
كيف يثبت الحادث مع من له وصف القدم
وكان
1 روى الإمام البخاري في بدء الخلق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان الله ولم يكن شيء غيره عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شي وخلق السماوات والأرض ويقول الإمام ابن حجر في الفتح شرحاً وتعليقاً على الحديث الشريف في الرواية الآتية في التوحيد ولم يكن شيء قبله وفي رواية غير البخارى ولم يكن شيء معهم والقصة متحدة فاقتضى ذلك أن الرواية وقعت بالمعنى ولعل راويها أخذها من قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه في صلاة الليل كما تقدم من حديث ه أنت الأول فليس قبلك شيء لكن رواية الباب أصرح في العدم وفيه دلالة على أنه لم يكن شي غيره لا الماء ولا ابن عباس العرش ولا غير هما لأن كل ذلك غير الله تعالى ويكون قوله وكان عرشه على الماء أنه خلق الماء سابقاً ثم خلق العرش على الماء وقد وقع في قصة نافع بن زيد الحميري بلفظ كان عرشه على الماء ثم خلق القلم فقال اكتب ما هو كائن ثم خلق السماوات والأرض وما فيهن فصرح بترتيب المخلوقات بعد الماء والعرش
يقول الله تعالى ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون الواقعة ٨٥ ويقول سبحانه ولقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب إليه من حبل الوريد ق ١٦
--
قلت أن الحادث لا وجود له من ذاته ولا فى صفاته والقديم لاثبوت لشيء مع ظهور مع صفاته وقد كان ذلك فدل على أن الظاهر والثابت إنما هو القديم وحده وتلاشى الحادث وفناؤه فيه ١ يحكى أن رجلا كان بين يدى الجنيد فقال الحمد لله ولم يقل رب العالمين فقال الجنيد رحمه الله كمله يا أخى فقال الرجل وأى قدر للعالمين حتى يذكروا معه !!
فقال الجيد قله يا أخي فإن الحادث إذا قرن بالقديم تلاشى الحادث وبنى القديم قال في التصوير فما سوى الحق تعالى لا يوصف بفقد ولا وجود لأنه لا يوجد معه غيره ولأنه لا يفقد إلا ما وجد ولو انهتك حجاب الوهم لوقع العيان على فقد الأعيان ولأشرف نور الإيمان فغطى وجود الأكوان انتهى وسيأتي من نوعه كثير وهو نخبة الكتاب ولب اللباب كم من خانه الجهل به فَظَلَّ ۳ وأنكر على أهله فزل فهو معدن غرور الجهال ومزلة أقدام الرجال ولا أجهل ممن يتعصب بالباطل وأنكر لما هو به جاهل فإن عرفت فاتبع وإن جهلت فسلم فعليكم بكمال التنزيه ونفى التشبيه والتمسك بقوله تعالى ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير آية ١١ من سورة الشورى
تنبيه تكلم في هذا الباب على بداية البدايات وأشار في آخره إلى نهاية النهايات وجمع في ذلك بين الشريعة والحقيقة والإشارة والبيان وكذا في كل كلامه
۱ وفى نسخة وفى به فيه وكل ذلك لا يقصد به أكثر من أن ما ليس له الوجود من ذاته فهو عدم وهو مع ذلك موجود بايجاد الله إياه ومستمر في الوجود لأن الله يمسكه إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا وإذا لم يمسكه الله
رجع إلى أصله وهو العدم
وفي نسخة ولباب الألباب
۳ في نسخة كم من حانة فضل أو أنكر على أصله بغير الحق نزل
التفويض في المراد والتوكل
في التحصيل والاستقامة في التوجه
الباب الثاني
** من أشرقت بدايته بالرجوع الى الله اشرقت نهايته بالوصول الى
الله
من اشرقت بدايته باحكام أصولها أشرقت بالعثور على محصولها
ثم افتتح بالمعاملات ۱ والكلام فيها بأن قال
الله عنه وقال رضی قلت جعل هذه الترجمة في كل فصل من كتابه وفيها نوع من التعظيم فيحتمل أن
يكون ملغي في نظره حين وضعها ويحتمل أن الواضع لذلك غيره بإشارته أو بغير إشارته
ويحتمل أن يكون أملاه إملاء على الكاتب فترجمه لنفسه بحسب المجالس والفصول والله أعلم ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يُحدث فى الوقت غير ما أظهره الله فيه
قلت الوقت هنا الزمان الذي لا يقبل غير ما أظهره الله فيه بحكم التصريف وإرادة غير ما أظهره الله فيه بالتلهف على عدم موافقته للغرض النفسانى ونحوه والسلامة من ذلك بوجود الاستسلام وقال الاستاذ أبو القاسم القشيري رضى الله عنه ومن كلامهم الوقت سيف أي كما أن السيف قاطع فالوقت بما يقتضيه الحق تعالى ويجريه حاكم وقيل السيف لين قاطع حدّه فمن لاينه سلم ومن خاشنه اصطلم ۳ كذلك الوقت من استسلم لحكمه نجا ومن عارضه بترك الرضا انتكس وتردي كما قيل
مسه
19
و كالسيف إن لاينته لان مسه وحداه إن خاشنته خشنان
وقد يريدون بالوقت غير هذا مثل طيبة القلب ومنه قولهم فلان صاحب وقته وطاب لوقته ومثل الاجتماع للسماع ومنه قولهم صنع فلان وقتاً وحضرنا وقتاً ونحو ذلك فأما قولهم فلان بحكم الوقت ٤ فمعناه ما تقدّم أولا أى أنه يجرى مع التصريف بغير اختيار
من نفسه
1 المعاملات مع الله أو المعاملات في المجال الروحي
هو ابو القاسم عبد الكريم القشيرى النيسابورى ولد سنة ٣٧٦ ه وتوفى سنة ٤٦٥ ه بمدينة نيسابور التي كانت إقامته بها وهو من رواد الصوفية وله تواليف كثيرة فى التصوف والتفسير والأدب انظر ترجمته مفصلة في مقدمة الجزء الأول لكتاب الرسالة القشيرية تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود و محمود بن الشريف
و انظر كذلك كتاب وفيات الأعيان و طبقات السبكي ج ٣ وكتاب و الأعلام الزركلي ج ۳ المراد انقطع جاء في المصباح المنير صلمت الأذن صلما - من باب ضرب - استاصلتها قطعاً - واصطلمتها كذلك - وصلم الرجل صلماً - من باب تعب - استوصلت أذنه فهو أصلي
٤ و في نسخة بحكم الوقت
وإنما كانت معاندة الوقت غاية الجهل لانسداد أبواب العلم وطرقه فى حق صاحب هذه الحالة
Azo
وطرق العلم ثلاثة العقليات والشرعيات والعاديات فدليل جهله بالمعقولات إرادته رفع الواقع وإيقاع الممتنع ودليل جهله بالشرعيات اعتراضه على مولاه وإساءة أدبه فيما قضاه له وإرادته غير ما أقامه فيه من تجريد وأسباب وغيرهما ودليل جهله بالعاديات عدم مراعاته لحكمة الله في خلقه وسنة الله في عباده وأن من أراد موافقة أغراضه أبداً أتعب نفسه بغير فائدة إذ لا يكون غالباً إلا غير ما يريده الإنسان وقد قيل من طلب مالم يخلق أتعب نفسه ولم يُرزق يعنى الراحة في الدنيا وكما أمرت بالاستسلام فى الواقع حيث لا يمكن غيره أمرت بالقيام بالحقوق حسب الإمكان وإن كانت بمضايقه فترك الاستسلام فى مجاله جهل وترك العمل في وقته حمق كما بينه المؤلف إذ قال
احالتك الأعمال وجود الفراغ من رعونات النفوس
قلت الرعونات جمع رعونة بضم الراء والمهملة وهى ضرب من الحماقة فيظن بصاحبها العقل وليس بعاقل في نفس الأمر والعبد في هذه الحالة كذلك لأن صورة فعله تقتضى عقله وفى حقيقة الأمر هو أحمق من ثلاثة أوجه
أحدها إحالته ما وجب عليه شرعاً وهو العمل على محال عادة وهو الفراغ في هذه الدر
فهو يقول لا أعمل حتى أتفرغ ولسان الحال يانول له لا تتفرغ إلا بالعمل الثاني أنه وثوق بغير موثوق به وهى النفس فى عزماتها ۱ التي غالب الأمر أنها لاتي بها
الثالث أنه إهمال للحزم والعزم المقدمين ۳ عند العقلاء خوفاً من تقلبات الدهر ولكن إيثار الدنيا على الآخرة واجتهاده فيما ضمن له دون ما طلب منه هو الموجب لذلك وقد قال
1 وفى نسخة نزعاتها ۳ وفي نسخة المرادين عند العقلاء
وفي نسخة لا تنفلها
101-
رسول
الله
صلی
الله
عليه وسلم on الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والاحمق من اتبع
نفسه هواها وتمنى على الله الأماني الحديث
والناس ثلاثة رجل ساعده القدر فعمل فى فراغه وشغله وهذا من الموفقين المغبوطين
ورجل وجد الفراغ ولم يعمل وهذا من البطالين المغبونين إذجاء و خصلتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ
ورجل لم يجد الفراغ وجعله علة في التسويف فأحال عليه العمل وهذا من المغترين إذ لاحقيقة له في وقته ولا فيها يؤول إليه أمره ۱ الله ابن الفارض حيث قال
ويرحم
لصحة
وعد من قريب واستحب واجتنب غدا و شمر عن ساق اجتهاد بنهضة وسير زمنا وانهض كسيرا فحسبك ٣ البطالة ما أخرت عزماً وكن صارماً كالوقت فالمقت في عسى وإياك عل فهي أخطر علة وجد بسيف العزم سوف فإن تجد نفسا فالنفس إن جدت جدت ثم إذا قمت بالاستسلام في محل القهر وبالامتثال في محل الأمر فلا تخير حالة تكون بها من تجريد أو أسباب عجز أو اكتساب تشوقا لما يرجى فى ذلك بل كن بحكم الوقت كما بينه المؤلف إذ قال
لا تطلب منه أن يخرجك من حالة ليستعملك فيما سواها
قلت بل قم فيما أقامك الله فيه طالباً الاستقامة معه من غير زائد على ذلك وإنما أمرت بذلك
لثلاثة أوجه
أحدها القيام بحق العبودية فيما أنت فيه بالرضا به
الثاني لتجد الراحة بالاستسلام فتسلم من نكد التدبير وإكدار التغيير 4
۱ وفي نسخة ولا لما يؤماء في أمره
هو ابو حفص عمر بن على بن مرشد أشعر المتصوفين ويلقب بسلطان العاشقين أصله من حماة ولد في القاهرة سنة ٥٧٦ ۰ - ۱۱۸۱ م وتوفى بها سنة ٦٣٢ ٥ - ۱۳٥م انظر وفيات الأعيان ص ۷۱۹ ج ٢ من كتاب الأعلام الزركل
۳ رفي نسخة حظك ٤ وفي نسخة التقدير
-or-
الثالث لئلا تعطى ما طلبت وتمنع الراحة فيه فقد حكى أن رجلا كان يسأل الله تعالى كل يوم رغيفين ويتفرغ للعبادة فسجن وكان يؤتى كل يوم برغيفين ففكر في أمره فقيل له إنك سألت الرغيفين والعبادة ولم تسأل العافية فاستغفر وأُخْرِجَ لوقته
قال في التنوير فتأدب بها أيها المؤمن ولا تطلب منه أن يخرجك من أمر ويستعملك فيما سواه إذا كان ما أُقمت فيه مما يوافق لسان العلم ۱ فإن ذلك من سوء ا الأدب مع الله تعالى فاصبر لئلا تطلب الخروج نفسك فتعطى ما طلبت وتمنع الراحة فيه قرب تارك شيئاً وداخل في غيره ليجد ۳ الراحة فتعب وقوبل بوجود التعسير عقوبة لوجود الاختيار انتهى
ثم ما يريده العبد من الأسباب وغيرها يتحول إلى ضده ووجود الجمع غير ممتنع 4 فإرادة من عدم اتساع دائرة الفهم وإلا فالأمر كما بينه المؤلف إذ قال
الانتقال
التجريد
فلو أرادك لاستعملك من غير اخراج قلت وذلك بأن يحصل لك فوائد التجريد مع الأسباب وفوائد الأسباب وذلك عليه سبحانه يسير لا امتناع فيه ولا عسر فكم من متجرد أوسع عليه الرزق حتى أسعف وأوسع وكم من متسبب بسط له الزمان ووسع عليه وقته حتى جمع بين العبادة والتسبب فقد روى أن سهل بن عبد الله التسترى رضى الله عنه قال لما أسلموني إلى المكتب كنت إذا اشتغلت بمراقبة قلبي ضاعت وظيفتي في اللوح وإن اشتغلت باللوح ضاع قلبي فسألت الله فجمع لى بينهما ولذلك قال الشيخ أبو العباس المرسى رضى الله عنه للمؤلف٥ لما رام الخروج مما هو فيه من الاشتغال بالعلم الظاهر قائلا إن الوصول مع ذلك بعيد إذ قال له اقعد فيها أنت فيه وما قدر لك على أيدينا يصلك ثم نظر إليه وقال هذا شأن الصديقين لا يخرجون من شيء حتى يكون الحق سبحانه هو الذي يتولى إخراجهم كما تولى إدخالهم فإذن أنت بين إحدى ثلاث إما أن تقام فيما أنت فيه من غير نقل ولازيادة ولا نقص وهذه سلامة ورحمة وإما أن يستعملك فيه من غير إخراج فيكون لك غنيمة العبودية منوطة يغنيمة الفائدة المطلوبة
1 وفي نسخة موافقاً للسان العلم وفى أخرى لشأن العلم
وفي نسخة فاصبر ولا تطلب الخروج لنفسك
۳ وفي نسخة قرب تارك شيئاً ودخل في غيره ليجد الراحة فتعب وقويل بوجود النفس عقوبة لوجود الاختيار ٤ بأن يريد بالأسباب وجه الله فيكون متسبباً متجرداً في آن واحد ما دامت نيته قد أصبحت متحمضة لوجه الله ه أي لابن عطاء الله السكندرى صاحب الحكم
6
مع زياد ما أنت فيه وإما أن يُهيئك للخروج عما أنت فيه بتخلف شرط الإقامة الذي هو
استقامته والاستقامة فيه فإن التخلف إذن في التخلف كما تقدم
ثم إذا قمت بما عليك من الاستسلام أو الامتثال حيث أقمت فلا تقف بهمتك عند شيء دون الحق لأن ماسواه حجاب عنه وقاطع دونه وإن كان من فوائده وكراماته وهذا ما بينه
المؤلف إذ قال
أمامك
ما أرادت همه ساليك أن تقف عندما ما كشف لها إلا ونادته هواتف الحقيقة الذي تطلبه
قلت يقول متى أراد المريد أن يقف بهمته عندما كشف له من العلوم والمعارف ونحوها نودى من بساط الحقيقة بلسان حال ما كشف له الذي تطلبه من معرفة الحق أمامك ولايزال أمامك أبداً فجد فى الطلب ولا تعود نفسك الكسل لأن ما كشف لك إن كان من علوم الأفعال ومعانى النسب الظاهرة فيها فقد فاتك موقف الأسماء والتحقق معانيها على ما يليق بك وما يبدو لك منها وإن كان ما كشف لك من معانى الصفات وحقائقها فقد فاتك كشف عظمة الذات وجلالتها ثم كذلك في كل مرتبة إلى مالانهاية له لأن المعروف لا يتناهى فالمعرفة به لا تتناهي في دار الاخرة الابدية فضلا عن الدار الدنيوية
ثم الوقوف على ثلاثة أوجه وقوف قنوع ووقوف رؤية الانتهاء ووقوف استثناس وقد قال بعض المشايخ وقفة المريد شرّ من فترته لأن الفترة تجبر بالتشمير والوقفة نقطع عن التوجه بالتقصير وهو رأس الحرمان والعياذ بالله وقد يدعوه للوقوف ما يظهر له من الكرامات قنوعاً واستئناساً أو اعتقاداً بأنها النهاية فلذلك قال
ولا تبرجت له ظواهر المكنونات إلا ونادته حقائقها إنما نحن فتنة فلا تكفر
قلت تهرجت ظهرت بالزينة لقصد الاستمالة وليس ذلك إلا بخرق العوائد وتحصيل الفوائد فإذا ظهر شيءٌ من ذلك أولعت النفس به فأرادت الوقوف معه فيناديه لسان حالها إنما نحن فتنة أي اختبار لك هل تقف معنا فتحجب عن ربنا أو تنظر لمنته فتشكر نعمة الله تعالي فينا فلا تكفر نعمة الله عليك فينا بوقوفك معنا وتجاوزنا لرؤية الحق بنا أو دوننا
سوی
الله
شكرا لله لما أنعم الحق عليك بنا واعمل على أبيات الششترى۱ حيث يقول غير فاتخذ ذكره حصنا فلا تلتفت في السير غيراً فكلما وكل مقام لا تقم فيه إنه حجاب فجد السير واستجلب العونا ومهما ترى كل المراتب تجتلى عليك فحل عنها فعن مثلها حلنا وقل ليس لي في غير ذاتك مطلب فلا صورة تجلى ولا طرفة تجنا وسر نحو أعلام اليمين فإنها سبيل بها عن فلا تترك اليمنا
وبالجملة فالوقوف بالهمة على شيء دون الحق حرمان واشتغال النفس بالطلب له مفتاح كل خير لكن على وجه العبودية لا على غير ذلك الوجه فإن وجوه الطلب كلها معلومة إلا ما كان على وجه العبودية وقد بين ذلك المؤلف فى كل وجه منها فقال طلبك منه اتهام له وطلبك له غيبة منك عنه وطلبك لغيره لقلة حياتك منه وطلبك من غيره لوجود بعدك عنه
قلت يقول طلبك منه أي سؤالك ما تريده من الحوائج منه تعالى على جهة الاقتضاء والتسبب بالطلب من اتهامه تعالى في علمه ورحمته ووعده لأنك لو وثقت بعلمه بحالك لم تحتج لسؤالك ولو وثقت برحمته كنت تكتفى بها عن طلبك ولو وثقت بوعده ما كنت تطلب منه شيئاً قسمه لك قبل وجودك ولذلك قيل لا تكونوا بطلب الرزق مهتمين فتكونوا للرازق متهمين انتهى
dis
لأنه ليس بغائب ولا بعيد فطلبك
وطلبك له معناه طلبك الوصلة به من وجود الغيبة له من وجود غيبتك وبعدك عنه إذ لو كنت قريباً منه شاهدت قربه منك حتى ترى أنه أقرب
إليك من نفسك ونفسك وطلبك لغيره معناه طلبك الوصلة بغيره أى من أمر الدنيا والآخرة من قلة الحياء منه تعالى لأنك لو استحييت منه حق الحياء ما كنت تلتفت لغيره فضلا عن أن تراه أهلا لأن تطلب
1 يقول عنه صاحب طبقات الشاذلية الكبرى إنه العالم والوزير والأستاذ الجليل الكبير وسلطان الواصلين سيدى ابو الحسن على بن عبد الله الششتري الأندلسي المغربي الشاذلي كان أبوه أميراً بقرية ششتر ونشأ في عز ورفاهية ثم اتجه إلى الله سبحانه و تعالى وجاهد وإرتاض وكتب الشعر وكانت له سياحات كثيرة وورد مصر واستوطن دمياط وصار مرابطاً بها إلى أن توفى سنة ٦٨٨ ه ويقول صاحب الطبقات وله مقام عظيم بزار عليه جلالة عظيمة ومهابة وانوار وأهل تلك الناحية يتوسلون به ٢ كما لو طلب الجنة ثمناً لعمله في الدنيا فانه بذلك لا يطلب الله بعبادته وإنما يطلب الجنة
إلى الله في قضاء مصالحهم
الوصلة به وطلبك من غيره الحوائج لوجود بعدك عنه لأنك لو شاهدت قربه منك عرفت أن الأمور كلها بيده فوقفت بكنه الهمة عليه
وبالجملة فالطلب كله معلول إلا ما كان على وجه العبودية والقيام بحق الربوبية لأن الحق تعالى أقرب إلى العبيد من حبل الوريد وهو على كل شيءٍ شهيد فلا محل للطلب إذن وبرهان ذلك فيما ذكره المؤلف إذ قال
ما من نفس نبديه
الا
وله فيك قدر يمضيه
قلت النفس بالتحريك أدق الحركات النفسانية في عالم الملك والشهادة ومرجعه لأزمنة دقيقة يجرى بها وجود الانسان فتبدو أى تظهر على وجوده ويبدو معها ما يقضيه الحق للعبد من الأمور العادية وغيرها فهى مراتب الاحكام الجارية على العباد وبحسب هذا فكل نفس يقتضى تجلياً جلالياً أو جمالياً أو خارجاً عنهما وذلك التجلّى يقتضى عبودية وتلك العبودية تقتضى نجل ولا يزال ذلك متجدداً على ممر الدهور والأوقات بعدد الأنفاس فيكون المريد في كل نفس سالكاً طريقاً إلى الله تعالى وعلى هذا يتنزل قولهم الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق لا ما يسميه بعض الناس اختلاف الحق ومخالفته ۱ فما ثَمَّ إلَّا طريق واحد وهو طريق محمد صلى الله عليه وسلم ومسالكه ثلاثة عبادة وإرادة وزهادة
وإن كان ما من نفس تبديه إلا وله قدر فيك يمضيه لم يصح لك اتهامه ولا يصح أن يكون عنك غائباً فيجب أن تستحى منه بأن لا تطلب غيره ولا تطلب من غيره وتدع التدبير معه فتنهض الهمة إليه من غير توقف ولا تردد كما أشار إليه المؤلف إذ قال
لا تترقب فروغ الأغيار فإن ذلك يقطعك عن وجود المراقبة له فيما هو مقيمك فيه قلت لاتنتظر بعملك فراغاً من الأغيار والأفكار فإن ذلك التوقف قاطع لك عن عبودية الوقت وحكمه ولكن قم له ما تقدر عليه كما أنت من غير التفات إلى فراغ ولا غيره فقد قيل سيروا إلى الله عُرْجاً ومكاسير ولا تنتظروا الصحة فإن انتظار الصحة بطالة انتهى ومترقب الفراغ للعمل كمن يقول لا أتداوى حتى أجد الشفاء فيقال له لاتجد الشفاء حتى تتداوى فلا هو يتداوى ولا يجد الشفاء كذلك هذا يقول لا أعمل حتى أتفرغ ولا يتفرع
1 وفي نسخة لا ما يسميه بعض الناس من اختلاف الحق ومخالفته
وفي نسخة من غير التفات لغير
حتى يعمل فهو لا يعمل ولا يجد الفراغ ثم الذي ينتظره من الفراغ محال عادة لأن الدنيا
دار الشغل والفكر كما قيل
فما قضى أحد منها لبانته ولا انتهى أرب منها إلا إلى أرب
فإذا أردت أن يكون شغلك فراغاً فاجعل عملك من جملة أشغالك وليس ذلك ۱ إلا بتحقيق العلم بما هي عليه كما نبه عليه إذ قال
لا تستغرب وقوع الأكدار مادمت في هذه الدار فإنها ما أبرزت إلا ما هو مستحق وصفها
وواجب نعتها
قلت وذلك أنها موصوفة بالدناءة أي الخساسة والدنو أي قرب المرام وقرب المسافة عمرها قصير ومتاعها قليل وآفاتها غزيرة ومن وطن نفسه على ذلك منها وعمل عليه وجد الراحة وكان دهره كله عافية ومن نظر إلى العكس أتعب نفسه من غير حاصل ولذلك قال جعفر الصادق ۳ رضی الله عنه من طلب ما لم يخلق أتعب نفسه ولم يرزق يعنى الراحة في الدنيا وأنشدوا في معناه
تطلب الراحة في دار الفناء خاب من يطلب شيئاً لا يكون
وقال الجنيد رضى الله عنه لست أستبشع ما يرد على من العالم لأنى قد أصلت أصلا وهو أن الدنيا دار هم وغم والعالم كله شر ومن حكمه أن يتلقاني بكل ما أكره فإن تلقاني بما أحب فهو
فضل وإلا فالأصل هو الأول
انتهى
وقال ابن مسعود ٤
الله
رضی عنه الدنيا دار هم وغم فما كان منها من سرور فهو ربح
1 وفي بعض النسخ و ليس ذلك إلا بتوطن النفس على عدم ما تؤمله من الفراغ وليس ذلك إلا بتحقيق العلم اى قرب النهاية والخاتمة وفى بعض النسخ قرب الحرام
۳ هو أبو عبد الله جعفر بن محمد الباقر زين العابدين بن الحسين الهاشمي القرشي سادس الأئمة الإثنى عشر عند الإمامية كان من أجلاء التابعين وله منزلة رفيعة في العلم أخذ عنه جماعة منهم أبو حنيفة ومالك وجابر بن حيان ولد بالمدينة المنورة سنة ٨٠ - ٦٩٩ م وتوفى بها سنة ١٤٨ هـ - ٧٦٥ م انظر وفيات الأعيان ونزهة الجليس للموسوى جة والأعلام
الزركلي ج۱ ص ١٨٦
٤ هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهزلى من أكابر الصحابة علماً وعقلا وقرباً من رسول الله صلى الله عليه =
ثم الأشغال والأكدار وغيرها بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وتتضاعف بالرجوع إلى النفس وهذا ما نبه عليه وبينه بأن قال
ما توقف مطلب أنت طالبه بربك ولا تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك
قلت الطلب بالله تعالى هو الاستناد إليه في تيسير المطلب
وعلامته ثلاثة التفويض في المراد والتوكل فى التحصيل والاستقامة في التوجه فإذا
تمت هذه فالمطلب متيسر سواء وجد المراد أو لم يوجد لأن المقصود تبريد حرقة الاحتياج ولا بقاء انها مع التفويض لأن عاقبته الرضا في الوجود والعدم والطالب بالنفس هو الاستناد
إليها فى تحصيل المراد وعلاماته ثلاثة حب الموافقة من غير تفويض واعتماد الاسباب من غير توكل والتهور في وجه التحصيل دون تقوى ولا استقامة وكلها عائدة بالضرر في الوجود والعدم فالمطلب و إن تيسر بها صورة فهو حرمان فى الحقيقة لما فيه من نسيان الشكر ومفارقة
الحق والاعتماد على الخلق
قال في التنوير وما أدخلك الله فيه تولى إعانتك عليه وما دخلت فيه بنفسك وكلك إليه وقل رب أدخلى مُدخل صدق ۱ فالمدخل الصدق أن ندخل لا بنفسك والمخرج الصدق أيضاً كذلك انتهى وبحسب هذا فالرجوع إلى الله علامة الربح والرجوع إلى
النفس علامة الخسران كما قال
من علامة النجح فى النهايات الرجوع إلى الله في البدايات
قلت من علامة الخسران فى النهايات الرجوع إلى النفس فى البدايات لأنها إذا كانت البداية بالله كانت النهاية إلى الله وإذا فوض له شكر فى العطاء ورضاء في المنع وكان ناظرا لما عنده أولا وآخرا فهذا غاية الفوز والنجح والعكس للعكس هذا أنه موكول لما رجع إليه مخذول فيما وقف معه كما قيل
وسلم وهر من السابقين إلى الإسلام وكان خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفيقه في حله وترحال وغزوانه كان عمر رضي الله عنه يقول عنه إنه وعاء ملء علما له في الصحيحين ٨٤٨ حديثاً توى بالمدينة المنورة في خلافة عيان رضي الله عنه عن نحو ستين عاما انظر في ترجمته كتاب الإصابة - ٢ ص ٣٦٨ وكتاب الأعلام للزركلي ج ص ٥٨٦
۱ من آية ٨٠ من سورة الإسراء
وفي نسخة فاذن فرض له شكراً في العطاء ورضاء في المنع
إذا لم يُعنك الله فيما تريده فلیس
لمخلوق إليه
سبيل
فإن هو لم يُرْشِدُكَ في كل مسلك ضللت ولو أن السماك دليل
وقد قال النهر جوری ۱ رضی الله عنه من كان شبعه بالطعام لم يزل جائعا ومن كان غناه بالمال لم يزل فقيرا ومن قصد بحاجته غير الله لم يزل محروما ومن استعان على أمره بغير الله لم يزل مخذولا ه ا هـ وهو عجيب
ثم العوايد على حسب الفوائد والفوائد على حسب المقاصد فالأمر كما قال
من أشرقت بدايته أشرقت نهايته
قلت يقول من أشرقت بدايته بالرجوع إلى الله أشرقت نهايته بالوصول إلى الله من أشرقت بدايته بإحكام أصولها أشرقت بالعثور على محصولها من أشرقت بدايته بالتزام الطريقة أشرقت نهايته بكشف الحقيقة من أشرقت بدايته بتلفه فى الله أشرقت نهايته بخلفه من الله من أشرقت بدايته برفع الهمة عن الأكوان أشرقت نهايته بالكشف والعيان من البدايات مجلى النهايات ومن كانت بالله بدايته كانت إليه نهايته وقد قال ابن الجلاء علت همته عن الأكوان وصل إلى مكونها ومن وقف بهمته على شيء دون الحن
رحمه الله
من
فاته الحق لأنه أعز من أن يرضى معه بشريك اه
ثم ما يوجد فى البداية والنهاية إنها هو سر الحقيقة والغاية كما قال
ما استودع في غيب السرائر ظهر في شهادة الظواهر
الله لان
ما استودع في غيب السرائر من معرفة الله ظهر في شهادة الظواهر ۳ بالعمل على مقتضى
1 هو أبو يعقوب اسحق بن محمد النهر جوري من علماء الصوفية الذين صحبوا أبا عمرو المكي أبا يعقوب السوري والجنيد وغيرهم والنهر جوري نسبة إلى نهر جور قربة بالقرب من الأهواز أقام مجاوراً بالحرم سنين كثيرة ومات بمكة سنة ٣٣٠ - ٩٤١ م انظر طبقات الصوفية والأعلام وص ١٥٦ من الجزء الأول من الرسالة القشيرية هو أبو عبد الله أحمد بن يحيى الجلاء أصله من بغداد وأقام بدمشق ويعد من أكابر علماء الشام صحب ذا النون المصرى وأبا عبيد اليسرى كما صحب أباه يحيى الجلاء انظر الرسالة القشيرية ج ١ ص ١١٤
۳ وفي نسخة في شهادة الظواهر بالانحباس إلى انه ما استودع و غيب السرائر من الجهل يجناب الله ظهر في شهادة الظواهر بالاستناد لغير الله ما أستودع في غيب السرائر من المعرفة واليقين ضد ذلك ظهر في شهادة الظواهر بالعمل على مقتضى ما
هناتك إلخ
-09-
ما هناك فمن كان غيب سره أتم كان ظاهره أحكم لأن ظواهر الأمور تدل على حقائق الصدور والاسرة تدل على السريرة وما خامر القلوب فعلى الوجوه أثره يلوح والكلام صفة المتكلم وما فيك يظهر على فيك وأدب الظاهر عنوان أدب الباطن لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه سيماهم في وجوههم ولتعرفنهم فى لحن القول وخصلتان لا يجتمعان في منافق حسن سَمْت وفقه فى دين قال بعضهم
Į
دلائل الحب لا تخفى على
أحد
كحامل المسك لا يخفى إذا عبقا
ثم مما أودع فى غيب السرائر روية الخلق بالحق لقوم وروية الحق بالخلق لقوم ولكل
مرتبة حكمها فلذلك قال
شتان بين من يستدل به أو يستدل عليه
قلت یعنی بعدان وفرقان ما بينهما وإن اجتمعا في طلب الحق ومعرفته فكثير ۱ بين من ينظر بنور الأكوان وبين من ينظر بنور المكوّن
المستدل به عرف الحق
قلت الحق الذى هو النظر لواجب الوجود قبل جائز الوجود لأهله
الذي هو واجب الوجود لذاته فإنه أظهر فى الجائز لدلالة العقل عليه أولاً بمقتضى الإطلاق إذ إنما يُعرف وجود ثم يحمل عليه موجود لا يفهم في وجوده إلا أنه مطلق غير مقيد وذلك يقتضي كماله بكل وجه ومَن لازم كماله وجوب اتصافه بالكمالات ثم من كمال الأوصاف ظهور آثارها فعرف الموجود في وجود وعرف الأوصاف من ذلك الموجود ثم عرف الأفعال
من
الأوصاف فنظر الأمر على وجهه
وأثبت الأمر
الذي هو وجود الكون وما يجرى عليه
۱ ای فبعد كثير بين وفي نسخة لا يستوى من ينظر
وفي نسخة فظهر
1
من وجود أصله
الذي هو إيجاد الخلق بكرم الحق وفضله وظهورهم على أثر وصفه بفعله وهذه طريقة أرباب التدلّى فى البرهان وأنكرها قوم فما أتوا بتبيان
وقال قوم لا تكون المعرفة في بدايتها إلا كسبية بالترقّى ثم تعود ضرورية فيكون النظر على التدلي وهو الذي يفهمه أكثر الناس وعليها نبه فى لطائف المنن حسب ما ا يأتى ثالث وهو أن يتجلى الحق تعالى لبعض عباده بالحقيقة فيكون له في معدن العيان بحيث
وقسم
لا يشعر بدليل على التدلّى ولا يفهم معناه على الترقى كما قال ذلك الصبى لخاله وهو ابن ثلاث منين حيث قال يابني ثم فقد أشغلت سرى أرأيت من تجلى لقلبه شيء فسجد له قال إلى متى قال إلى الأبد
وكذلك وقع لإبراهيم عليه السلام إذ عرف حقيقة لا أقول لها ولا زوال ثم نظر بها في أعظم الموجودات حساً إذا قال في عقب كل اعتبار لا أحب الأفلين فلو لم يكن عرف حقيقة لا أقول لها ما نفى كل آفل بل قد صرح آخرا بما ضمنه أولا إذا قال إلى وجهت وجهي فتأمل ذلك عالماً أن الاستدلال عليه دليل البعد كما قال
والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه
6
قلت لانه لا يستدل إلا على الأمر الخفى أو الغائب ولا خفاء ولا غيبة مع الوصول قال في الطائف المنن اعلم أن الدليل إنما نُصب لمن يطلب الحق لا لمن يشهده فإن الشاهد غنى بوضوح المشهود عن أن يحتاج إلى دليل فتكون المعرفة باعتبار توصيل الوسائل إليها كسبية ثم تعود في نهايتها ضرورية وإذا كان من الكائنات ما هو غنى بوضوحه عن الدليل فالحق تعالى أولى بغناه عن الدليل منها انتهى ثم ذكر وجه الدليل فى أن الاستدلال عليه من البعد فقال وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه ومتى بعد حتى تكون الآثار هي الموصلة إليه
قلت وإن لم يكن الاستدلال من عدم الوصول فليس إلا من البعد والغيبة والحق تعالى ليس بغائب ولا بعيد فتبين أن الاستدلال عليه دليل الغيبة والبعد قال في الطائف المنن ومن أعجب العجب أن تكون الكائنات موصلة إليه فليت شعري هل لها وجود معه حتى توصل إليه ! أم هل لها من الظهور ما ليس له حتى تكون هى المظهرة له وإن كانت الكائنات
-31-
موصلة إليه فليس لها ذلك من حيث ذاتها لكن هو الذى ولاها رتبة التوصيل فوصلت فما وصل إليه غير الآهيته ولكن الحكيم هو واضع للأسباب وهى لمن وقف معها ولم ينفذ إلى قدرته عين الحجاب ا هـ ثم يتعين على كل من المستدل به أو عليه أن ينتهج ما فتح عليه إذ لا يمكنه انتقال عنه بل كما نبه عليه ۱ بالآية التي فرع بها إذ قال
لينفق ذو سعة من سعته الواصلون إليه ومن قدر عليه رزقه السائرون إليه
قلت يقول العارفون وسعت عليهم أرزاق العلوم والمعارف فانفقوا على مقدار ما وصل إليهم إذ استدلوا به وذلك حكم وقتهم والسالكون ضيقت عليهم أ أرزاق العلوم فأنفقوا على قدر ما عندهم ولذلك استدلوا عليه وذلك حكمهم إذ لا يكلف الله نفساً إلا ما أتاها وفضل " وإنما صح توقيع الآية في الواصل والسائر سَيَجْعلُ الله بَعد عسر يسر ۳ لاحتمالها ما هو أعم ثم ذلك لا يرفع حكم الأصل الذى هو كونها في نفقات الزوجات ولا يدفعه بل يؤكده ٤ لدخوله في النفقة الواقعة على ما هو أعم من المال والله أعلم ثم ذكر توجه كل
الله مرجو للجميع
من الواصل والسائر فقال
اهتدى الراحلون إليه بأنوار التوجه والواصلون لهم بأنوار المواجهة
قلت فانوار التوجه أنوار العمل والمعاملة وأنوار المواجهة مايرد من حقائق
المواصلة
يجعل
فمظاهر الأولى ثلاثة الاستدلال للتوصل والعمل للتوسل والتعلق للتقرب ومظاهر الأخرى ثلاثة التوفيق للهداية والالهام للعناية والتحقق للولاية ومن لم الله له نورا فماله من نور ٥
ومعنى الرحلة من هؤلاء انتقالهم من عوالم الحس والخيال بمفارقة الوهم والضلال والوصلة
۱ ما بين القوسين ساقط في بعض النسخ ما بين القوسين زائد في النسخة التيمورية وفي نسخ أخرى ۳ آية ٧ من سورة الطلاق
٤ إن التفسير الصوفى إشارات والإشارات لا تنفى تفسير الآيات الكريمة بحسب مقتضى اللغة وأسباب النزول وقد تكون مؤكدة أحياناً وعلى ذلك فلا وجه لمن يحاولون انتقاد التفسير الصوفي فما هو إلا بيان الخصوبة التعبير القرآني دون أن يكون فيه
تعطيل لمعنى شرعى آية 40 من سورة النور
-14-
في حق الآخرين تحقق العلم واليقين والتمكن فى منازل العارفين ثم لكل حال حقيقة
وحكم ومرتبة تخصه أشار إليها بأن قال
فالاولون للانوار وهؤلاء الأدوار لهم
قلت فالاولون للانوار عبيد وملك إذ جعلوها من أعظم عددهم و أقوى معتمدهم فلا يقدرون
على مفارقتها وإن فارقوها حزنوا وأيسوا من مرادهم لمفارقة المعتمد فى تحصيل المقصود وهؤلاء
الواصلون الأنوار لهم مملوكة لأنها عندهم تابعة وإن كانت غير متروكة قال شارح محاسن المجالس العارفون قائمون بالله قد تولّى الله أمرهم فإن ظهرت منهم طاعة لم يرجوا عليها تواباً لأنهم لايرون أنفسهم عمالا ها ۱ وإن صدرت منهم زلة فالدية على المائل ٢ لم يشهدوا غيره في الشدة والرخاء قيامهم بالله ونظرهم إليه وخوفهم رهبهم ورجاؤهم هيبتهم انتهى ومعنى قوله الدية على القاتل مناه أن المقدر لها هو المجازي عليها إن شاء عاقب وإن شاء غفر إذ لاحجر عليه آخراً كما لاحجر عليه أولا فافهم ثم ذكر علة حال الواصلين
فقال
لأنهم الله لا لشيء دونه
قلت یعنی وبالله لا بشيء سواد فلا التفات لهم لغيره في فقدان ولا وجدان ولاطاعة ولا عصيان إذ كان لهم فكانوا له بلا علة من نفوسهم فهم هم رضي الله عنهم كما قيل هم الرجال وغين أن يقال لمن لم يتصف بمعانى وصفهم رجل
ثم ذكر الاية التي تجمع حقائقهم على وجه الاستدلال لمقامهم ۳ قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ٤ قلت توقيع هذه الآية على هذا الموضع لايتم بالقول إنها ليست بجواب لما قبلها وهو قوله تعالى قل من أنزل الكتاب الذى جاء به موسى الآية ثم عند الاستدلال بها فالتقدير الله أي اكتفيت به عن كل شيء سواه وهو صريح في غير هذه
حسبی
الآية ومعنى ذرهم أتركهم في خوضهم يلعبون يتشاغلون بكل شيء لاحقيقة له لأن اللعب التشاغل ما لا حقيقة له والوجود كله كذلك من حيث التحقيق
۱ وفي نسخة لأنهم لم يروا لأنفسهم عملا ۳ وفي نسخة المقاصدهم
وفي نسخة على العاقلة 4 آية ٩١ من سورة الأنعام
- 4-
أصدق كلمة قالها الشاعر لبيد ١
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وسيأتي هذا المعنى في كلام المؤلف متعدد ا وبالله التوفيق
تنبيه بساط المعرفة تزكية النفس وتطهيرها من العيوب فمن أرادها فعليه بذلك لقوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فلا تشغل نفسك بطلب العرفان وغيره من العيوب ولكن ما فيك من القبائح والعيوب وهذا ما افتتح به الباب الثالث إذ قال
۱ هو ابيد بن ربيعة بن مالك العامري شاعر مخضرم معمر عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام تم توفى سنة ٤١ ٠ - ٦٦١م
وفي نسخة بعد بدل متعدداً
** احذر صحبة ثلاثة
من
اصناف
الناس القـ راء المداهنين والمتصوفة الجاهلين والجبابرة
الغافلين
الثالث
کن طالب الاستقامة ولا تكن طالب الكرامة فان نفسك تهزك لطلب الكرامة ومولاك يطالبك بالاستقامة
-TV-
وقال رضى الله عنه تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير لك من تشوفك إلى ما حجب
عنك من الغيوب
قلت العيوب جمع عيب وهو ما أوجب نقصاً فيمن نسب إليه معصية أو غيرها جارياً كان في الأفعال أو فى الأخلاق أو في الآداب متعلقا بالله أو بعباده ثم هي على قسمين ظاهرة جلية وباطنة خفية فالنظر فى الجلية وإزالتها سهل قريب وإزالة الخفية والنظر فيها مشكل صعب وقد مر منها جملة كالاعتماد على العمل وإرادة غير ما أقيم فيه العبد والتدبير مع ا الله
والاستعجال في الدعاء والتشكك فى الوعد والاعتراض عند فوت المراد وفقد الاخلاص وحب الشهوات ۱ وإيثار الخلطة وانطباع الاكوان فى مرآة القلب وتعلقه بالشهوات واسترساله الغفلة وقلة المبالاة بالهفوة والاحتجاب عن الحق برؤية الاكوان وإرادة غير حكم الوقت وإحالة العمل على الفراغ وطلب حالة غير التي أنت فيها والوقوف عندما يبدوا من كشف ونحوه والطلب منه وطلبه والطلب من غيره ولغيره وترقب الفراغ ورؤية صفو الدنيا و طلب الاشياء بالنفس والرجوع لغير الله فى البداية إلى غير ذلك مما دخل في طي ما ذكرنا وما يأتي في الكلام بعد مما في معناه فافهم
والغيوب جمع غيب وهو ما استتر عن الخلق وينقسم إلى حسى ومعنوى وشأن النفس إهمال العيوب وطلب الغيوب والمطلوب العكس لوجوه ثلاثة
أحدهما أن الاشتغال بالعيوب حق الأدب وطلب الغيوب قد يجر إلى العطب
الثاني أن الاشتغال بالعيوب يجر لكمال وطلب الغيوب ربما وصل للضلال الثالث أن الاشتغال بالعيوب أداء حق الربوبية وطلب الغيوب تفويت لحق العبودية وقد قالوا لكن طالب الاستقامة ولا تكن طالب الكرامة فإن نفسك تهزك لطلب الكرامة ومولاك يطالبك بالاستقامة ولان تكون يحق ربك أولى من أن تكون بحظ نفسك انتهى
۱ وفي نسخة وحب الشهرة
--
ثم حجاب الغيوب إنما هو وجود العيوب كما أشار إليه المؤلف إذ قال
الحق ليس بمحجوب وإنما المحجوب أنت عن النظر إليه
قلت أما أن الحق ليس محجوب فقد تقدم من براهينه مالا مزيد عليه وأما أنك المحجوب عن النظر إليه فلا يحتاج إلى دليل لكن حجابك على وجهين حجاب بصر وحجاب بصيرة فحجاب البصر عيبك الأصلى الذى هو النقص والفناء ولا زوال لهما إلَّا في الآخرة فلا رؤية به إلا هناك كما جاء به الخبر عن الصادق صلى الله عليه وسلم وحجاب البصيرة عيبك العارض فإذا زال كشفت لك الحقيقة قال فى الطائف المنن وإنما حجاب الغيوب وجود العيوب به, فالتطهر من العيب يفتح باب الغيب ولا تكن ممن يطالب الله لنفسه ولا يطالب نفسه لربه فذلك حال الجاهلين الذين لم يفقهوا عن الله ولا واجههم المدد من الله والمؤمن
ليس كذلك بل المؤمن من يطالب نفسه لربه ولا يطالب ربه لنفسه فإن توقف عليه الحال استبطأ أدبه ولا يستبطى مطلبه انتهى
ثم ذكر برهاناً عجيباً فى أن الحق ليس محجوب فقال
إذ لو حجبه شيء لستره ١٠ حجبه ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصراً وكل حاصر لشيء فهو له قاهر وهو القاهر فوق عباده
يحصر المحجوب
قلت جملة هذا البرهان أن الحجاب ساتر والساتر حاصر لأنه في جهة منه وكل حاصر قاهر والرب تعالى قاهر غير مقهور كما قال تعالى وهو القاهر فوق عياده فوقية معنوية كما يقال السيد فوق عبده والسلطان فوق الوزير والأمر فوق المأمور يعنى أن جلالته ظاهرة ومزيته أعلى من مزيته فهو العلى فى المنزلة أو المزية١ أو المكانة إذ ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير ثم بين أصل العيوب وذكر وجه المخلص منها فقال أخرج من أوصاف بشريتك عن كل وصف مناقض لعبوديتك
قلت أوصاف البشرية مالا يكون البشر بشراً إلا به من العوايد والأسباب والأخلاق وغيرها ثم هي قسمان أوصاف موافقة للعبودية كالطاعة والعفة واليقظة وأوصاف مناقضة للعبودية كالمعصية والشهوة والغفلة فالخروج من المناقضة بالعمل بالموافقة وإنما أمرت بذلك لعلة ذكرها بأن قال
۱ وفي نسخة فهو العلي فى المنزلة والمزية والمكانة لا المكان
لتكون لنداء الحق مجيباً ومن حضرته قريباً
قلت أما نداء الحق فهو خطابه الجارى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله يابني
آدم يأيها ! الناس
يأيها الذين أوتوا الكتاب يأيها الذين آمنوا وقد قال جعفر الصادق
بين عينيه وستر
رضي الله عنه إذا سمعته يقول يأيها الذين آمنوا فاصغ إليه فإنما هو أمر أو نهى وإجابة ذلك على الحقيقة ثلاث تصديقه والعمل به وإرادة وجهه تعالى بالعمل وبذلك يكون القرب من حضرته أى دائرة ولايته واختصاصه فقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه إذا أكرم الله عبداً في حركاته وسكناته نصب العبودية الله عنه حظوظ نفسه وجعله يتقلب فى عبوديته والحظوظ عنه مستورة مع جرى ما قدر له لايلتفت كأنه في معزل عنها وإذا أهان الله عبدا فى حركاته وسكناته نصب له حظوظ نفسه وستر عنه عبوديته فهو يتقلب فى شهواته وعبودية الله عنه بمعزل وإن كان يجرى عليه شيء منها في الظاهر قال وهذا باب من الولاية والصيانة - فأما الصديقية العظمى والولاية الكبرى فالحقوق والحظوظ سواء عند ذوي البصائر لأنه بالله فيما يأخذ ويترك انتهى وهو عجيب أصل العيوب ومقابلها وأصل كل أصل منها ليثبت بالأصل وينى به فيكون أتم
إليها
ثم
فقال
أصل كل معصية وشهوة وغفلة الرضا عن النفس
قلت المعصية مخالفة أمر الله الواجب والشهوة الاسترسال مع النفس في طلب المستلذات والغفلة إهمال الحقوق المندوبة والواجبة بالاسترسال مع دواعي الهوى والرضا عن النفس علامته ثلاث رؤية الحق لنفسه والشفقة عليها والإغضاءُ عن عيوبها بتزكيتها من حيث إنه يرى قبيحها حسناً بالتأويل لا أنه يعلم العيب ثم يغضى عنه وإن كان نوعاً منه وأنشدوا في ذلك
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدى المساويا
وهذا الشطر الثانى يوافق المعنى الثانى الذى ذكره المؤلف إذ قال
وأصل كل طاعة وعفة ويقظة عدم الرضا منك عنها
منه
قلت وهو السخط عليها أو ماهو أعم وله علامات ثلاث اتهامها والحذر من
آفاتها وحملها على المكاره في عموم أوقاتها فقد قال أبو حفص الحداد رضى
الله عنه لا من
- V -
لم ينهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها في جميع الأحوال ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أيامه فهو مغرور ومن نظر إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها وكيف يصح لعاقل الرضا عن نفسه والكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب يقول وما أبرى نفسى إن النفس لأمارة بالسوء مارحم ربي انتهى والطاعة موافقة أمر الله واجباً كان أو مندوباً والعفه ترك الدناءة من كل شيء واليقظة الانتباه لأمر الله سبحانه ثم لابد للانسان في تبصره عيبه من معين أخ ناصح أو شيخ صالح لابتلائه بالإغضاء عن نفسه وشرط ذلك المعين أن يكون بريئاً عن الرضا عن نفسه
فلذلك قال
مناقب
ولأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه قلت سواء كان شيخاً أو قريناً أو تابعاً لأن الذى لا يرضى عن نفسه قد جمع ثلاثاً وإن كان جاهلا وهى الانصاف من نفسه والتواضع لعباد الله وطلب الحق بالصدق وقد قال عمار رضى الله عنه ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان الانصاف من نفسه ۱ وبذل السلام للعالم والانفاق من الاقتار انتهى
ثم
فصحبة من هذه أوصافه تقتضى ثلاثاً اكتساب هذه المحاسن منة لأن المرة على دين خليله وراحة القلب مع البدن من معاناته وسلامة الدنيا والدين من التكلف والراضي عن نفسه قد باء بثلاث الكبر وقلة الإنصاف والتصرف بالرياسة فصحبته تورث ثلاثاً العبودية له والتكلف والقطيعة آخر الأمر لأنه يرى لنفسه من الحق ماليس له فلا يُبلغ رضاه ثم لا يغفر زلة ولا يقيل عثرة ولا يرجع لربه ٢ وذلك مالا يصح معه ألفة إن كان عالماً فعلمه زيادة فى شره وإن كان جاهلا فجهله بلاء عليه وعلى صاحبه وإن كان رئيساً فلا ينتفع بالدنيا ولا بالدين معه فلذلك قال سهل بن عبد رضی الله عنه احذر صحبة ثلاثة من أصناف الناس القراء المداهنين والمتصوفة الجاهلين والجبابرة الغافلين انتهى ثم الصاحب إنما يراد لثلاثة النصيحة والشفقة والاعانة وكلها من الراضي عن نفسه مفقودة لجهله مقدار نفسه وغفلته بذلك عن حقوق صاحبه وإن أتى بشيء من ذلك أعجب به
۱ وفي نسخة النفس وفي نسخة براى
الله
-VI-
حتى يود الإنسان أنه لم يره وذلك من جهله بنفسه وهو رأس الجهل كما أن عدم الرضا عنها من العلم بها ولا علم فوقه فلذلك انقلبت أحكامها كما قال
العلم
فأى علم لعالم يرضى عن نفسة وأى جهل لجاهل لايرضى عن نفسه
قلت انقلبت حقائقها لانقلاب الأحكام عندها لأن من حقائق الجهل ثلاث الفرار من الحق واتباع الباطل والحكم بما لا يصح وهذا حال الراضى عن نفسه ومن حقائق العمل بالحق ومجانية الباطل وإعطاء كل شيء ما يليق به وهذه لا توجد إلا من لا يرضى عن نفسه فالعلم بالصورة لاعبرة به إنما هو صناعة والجهل بالصورة لاضرر على صاحبه إذ يحصل ما يحتاج إليه بسؤاله مع سلامته فى حاله والآخر كلما ازداد مسألة ازداه جهلاً بربه ولنفسه وقد قال سفيان الثورى رضى الله عنه ۱ إنما يتعلم العلم لينقى الله وإنما فضل العلم غيره لانه يتقى الله به وقال سفيان بن عينية رضى الله عنه إذا كان ليلى ليل سفيه ونهارى جاهل فما أصنع بالعلم الذي اكتسب
وقال مسروق رضى الله ۳ عنه كفى بخشية الله علماً وكفى بالاغترار بالله جهلاء انتهى وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع وقال أشدّ الناء عذاباً عالم ينفعه الله بعلمه الحديث ثم الذي ينفي كل عيب ويذهب بكل ريد دريب إنما هو العلم بالله إذ به تتم الخشية الله والناس فيه مراتب بحسب ا الأشهاد والشه ومرجع ذلك لمراتب ثلاث ذكر المؤلف أولها بأن قال
شعاع البصيرة يشهدك قربه منك
قلت هو تعالى قريب أبداً وشهود العباد له على از انوار بصائرهم وشعاع البصيرة
۱ هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثورى من مصر أمير المؤمنين في الحديث وكان أفضل أهل زمانه علماً وتقوى ولد فى الكوفة سنة ٩٧ ٥ - ٧١٦ م معرض عليه المنصور العباسي أن يتولى الحكم فأبى خرج من الكوفة سنة ١٤٤ هـ فسكن مكة والمدينة ثم مات بالبصرة سنة ١٦١ ه - ٧٧٨ م له من الكتب الجامع الكبير والجامع الصغير وكلاهما في الحديث و لابن الجوزي كتاب فى مناقبه وانظر ابن النديم ج۱ ص ٢٢٥ والأعلام ۱۰ ص ۳۷۰ ودول الإسلام ج ١ ص ٨٤ هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالى الكوفى محدث الحرم كان حافظاً ثقة واسع العلم كبير القدر قال الشافعي اولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز ولد بالكوفة سنة ١٠٧ ٥ - ٧٢٥ م ومات بمكة سنة ۱۹۸ ه ٨١٦ م له كتب كثيرة
في التفسير والحديث انظر تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٢٤٢
۳ أبو العباس أحمد بن محمد مسروق من أهل طوس سكن بغداد وصحب الحارث المحاسبي وأخذ الحديث من كثيرين
توفي ببغداد سنة ۹۸ه
-VX-
هو نور العقل الهادى إلى الإيمان الذي غايته الاثبات في محله والنفي في محله فمن اطلع في أفق قلبه شاهد قرب الحق منه فراقبه فى حركاته وسكناته حتى لا يراه حيث نهاه ولا يفقده حيث أمره حتى إذا تم الايمان وانفتح عين البصيرة لعين اليقين انطوى القرب في عموم التعريف فشهدت الحقيقة عدم كل شيء لوجود الحق كما قال
وعين البصيرة تشهدك عدمك لوجوده
منه
قلت وذلك نفس الحقيقة لأن كل شيء عدم لوجود الحق إذ لاوجود لشيء إلا ولا قيام لشيء إلا به لانه الغنى عن الكل والكل مفتقر إليه فعين البصيرة هو نور الإيمان الهادي إلى التحقيق وثمرتة ترك التدبير والاستسلام لحكم المقادير ثم إذا حصل التحقيق بذلك انتقل الحال فعاد يرى الخلق لا عبرة بهم فى وجود ولا عدم لرجوع كل شيء له تعالى
وذلك حق البصيرة كما قال
وحق البصيرة يُشهدك وجوده لا عدمك ولا وجودك
قلت نور الحقيقة القاضي بالتحقق بحقائق العلم بقرب الحق هو حق البصيرة وبه يظهر أن الكون لانسبة له في عدم ولا فى وجود وأن العبرة إنما هى بوجود الحق سبحانه وحده لأن الحادث إذا قورن بالقديم تلاشى الحادث وبقى القديم ولهذه المواقف الثلاث أشار الشيخ محي الدين حيث قال من شهد الخلق لافعل لهم فقد فاز
ومن شهدهم لاحياة لهم فقد حاز ومن شهدهم عين العدم فقد وصل انتهى ثم استشهد المؤلف للمقام الأخير بحديث ذكر لفظه بأن قال
كان الله ولا شيء معه وهو الآن ما عليه كان
قلت يعنى أنه لاشيء معه فى أبده كما لم يكن معه شيء في أزله لانه الواحد الأحد أزلا وأبداً قيل لبعضهم أين الله قال حيث كان قبل أن يخلق المكان قيل فأين كان قال حيث هو الآن يعنى إنه لا يُعرف بالأين ولا بالكون وشهود ذلك بجريانه في عوالم القلب حتى لا يبقى فيها متسع للغير كما قيل
فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن فما ثم مجموع ولاثم باين بذا جاء برهان العيان فما أرى بعيني شيئاً غيره اذا أعاين1
تنبيه إذا تحققت المعرفة بقرب الحق أو بعدم كل شيءٍ لوجوده أو بانتفاء كل شيء لوجوده فنى من لم يكن وبقى من لم يزل فعكفت الهمة عليه بنسيان غيره كما أشار إليه في افتتاح الباب الرابع
۱ وفي نسخة غير ما أنا عاين وفى اخرى غير من هو كائن
عمى البصيرة ثلاثة ارسال
والطمع
الجوارح في معاصى الله في خلق الله والتصنع بطاعة الله !
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي
رضي الله عنه
يئست من نفع نفسى لنفسى ورجوت الله لغيري فكيف لا أرجوه
لنفسي ! !
-W
وقال رضى الله عنه لا تتعد نية همتك إلى غيره
قلت يقول لا تتجاوز بقصد همتك إلى غير مولاك بطلب ذلك الغير ولا الطلب منه بل اجعله مكان همتك اكتفاء به واقتصاراً على ما عنده اقتداء بنبي الله يوسف عليه السلام حيث قال عند خروجه من السجن حسبى من دنياكم دينى وحسبى من ديني ربي وبخليل ابراهيم عليه السلام إنه قال وهو فى المنجنيق حسبى من سؤالى علمه بحالي حتى لقد قال الشيخ ابو العباس المرسى رضى الله عنه في قوله تعالى وابراهيم الذي وفّى ١
الله
الله قال بمقتضى قوله حسبى
ثم ذكر المؤلف علة من يقتصر بهمته على المولى جلت قدرته فقال
فالكريم لا تتخطاه الآمال
قلت يقول فالكريم ذاتاً ووصفاً وفعلا لا تتخطاه آمال المؤمنين إلى غيره يطلب ذلك الغير ولا بالطلب منه لأن جماله يغنى عن اختيار غيره وإحسانه يصرف الوجه له دون غيره لاسيما ولاغيره إلا به وله فالرجوع إليه أولى بكل حال لمن يعقل فقد جاء في بعض الآثار ه يقول الله تعالى عبدى اجعلنى مكان همك أكفك كل همك ما كنت بي٢ نأنت في محل القرب وما كنت بك فأنت في محل البعد فاختر لنفسك أو كما قال ثم ذكر رفع الحوائج لغيره وأنه لايصح فقال
لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك
قلت يقول إنه هو الذي أورد عليك الاحتياج وقد عرفت أنه غنى قدير قوى ومن سواه لاغنى له ولاقوة ولا قدرة وإذا كان الامر كذلك فرفعها للعاجز الفقير الضعيف لا يصح بِضِرٍ فَلَا كَاشِفَ لَه إلا هو وإنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادٌ لِفَضْلِهِ ۳ وقال الله تعالى وإن يَمْسَسْكَ الله وقال تعالى وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير وهُوَ القاهر فوق عباده وهو الحكيم
۱ آية ٣٧ من سورة النجم
وفي نسخة لى
۳ من آية ۱۰۷ من سورة يونس
۷۸
الخبير ۱ قال بعض العارفين المكاشفين رضى الله عنهم قيل لي في يقظة كالنوم أو نوم كاليقظة لا تبدين فاقة إلى غيرى فأضاعفها عليك مكافأة بسوء أدبك وخروجك عن حدك
في عبوديتك وإنما ابتليتك بالفاقة لتفزع منها إلى وتتفرغ بها لدى وتتوكل فيها على سبكتك بالفاقة لتصير ذهباً خالصاً فلا تزيف بعد السبك وسَمتك بالفاقة وحكمت لنفسى بالغنى فإن وصلتها بي وصلتك بالغنى وإن وصلتها بغيرى قطعت عنك مواد معونتی ۳ و حسمت أسبابك من أسباب طرداً لك عن بابي فمن وكلته إلى مَلَكَ ومن وكلته إليه هلك انتهى وهو كلام عظيم النفع والموقع لمن تأمله وبالله التوفيق ثم تعجب المؤلف من رفع غيره
ما وضعه فقال
فكيف يرفع غيره ماكان له واضعاً
قلت ذلك مالا يصح بوجه ولا بحال لاتصافه تعالى بالعز والغنى والاقتدار وانصاف الغير بالعجز والذل والافتقار وهو ما بينه إذ قال
C
يئست من نفع نفسى لنفسى فكيف
من لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها عن غيره رافعاً قلت من كان عاجزاً عن الرفع والنفع في حوائجه فهو عن غيره أعجز ليت الكل يوجه نفسه لذلك قال بعضهم استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه لا أيأس من نفع غيرى لها ورجوت الله لغيرى فكيف لا أرجوه لنفسى وسئل رضی الله عنه عن الكيمياء فقال اقطع طمعك من الله أن يعطيك غير ما قسم لك ومن الخلق أن ينفعوك أو يضروك انتهى ثم الاكتفاء بالله وأعلى أسبابه النظر لكمال وصفه والجميل لا يفعل إلا جميلا وأدناه أن تنظر إلى إحسانه السابق فتسر به لافضاله اللاحق وقد أتى بهذا المؤلف كما ذكرنا فقال إن لم تحسن ظنك به لأجل جميل وصفه حسن ظنك به لوجود معاملته معك قلت حُسن الظن به تعالى لاجل وصفه أن تنظر لكماله في جلاله وجماله فتعلم أنه
1 من سورة الأنعام آية ۱۷ ۱۸
۳ وفي نسخة مؤنى
وفي نسخة و تتفرع
جميل
-V9-
والجميل لا يفعل إلا جميلا فتقطع الامال عن سوى فضله لما تحققته من كمال وصفه وحسن الظن به لمعاملته معك هو أن تنظر إلى إحسانه السابق وإفضاله اللاحق فتجدك مغموساً في منته مغموراً في إكرامه ورحمته فيحملك ذلك على حسن الظن به فما تؤمله منه وقطع النظر عن هل يكون أو لا يكون وتستعين على ذلك بما شاهدته من فعله الجميل كما نبه عليه المؤلف إذ قال فهل عودك إلا حسناً وهل أسدى إليك إلا مننا
قلت يقول تأمل تجد مامنه إليك إنما هو إحسان من أفضاله
C
و عطاء من امتنانه
أو جدك من العدم وأمدك بالنعم وخصصك بالكرم وجعلك مؤمناً من غير سالفة ولا قدم إنما هو جوده وكرمه وقال أبو حبيبة البدوى - رحمه الله - لم تر خيراً قط إلا من ربنا فمالنا نكره لقاء من لم نر خيراً قط إلا منه ! قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى أنا لا نحب إلا الله فقال له رجل قد أبى ذلك جدك ياسيدى بقوله جبلت القلوب على حب من أحسن إليها فقال إنا لم نر محسناً إلا الله ولم نحب سواه
الله
وقال عليه الصلاة والسلام أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبونى بحب الله الحديث و الناس ثلاثة أقسام قسم حسن ظنه بالله تعالى لاجل وصفه وهو أعلى من الذي بعده وقسم أحب وحسن الظن به لأجل إحسانه وهو دون الذي قبله وقسم أحب مولاه وحسن الظن به لهما وهو أتم حالا منهما وعليه يدور كلام رابعة العدوية حيث قالت أحبك حبين حب الهوى وحبا لأنك أهل لذا كا
فأما الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عمن سواكا وأما الذي أنت أهل له فكشفك فى الحجب حتى أراكا
ولا حمد في ذا ولا ذاك لى ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
ثم العبد مفتقر إلى مولاه في كل أحواله فلا بد له منه ولا غنى له عنه وفراقه للخلائق لازم ومع ذا يركن إليهم دون مولاه 11 وهذا عجيب من الأمر كما فيه عليه المؤلف إذ قال العجب كل العجب ممن يهرب مما لا انفكاك له عنه ويطلب مالا بقاء له معه
قلت مالا انفكاك له عنه هو مولاه وما كان المرجع إليه بخير الصادق من الآخرة وما فيها
- X-
ومالا بقاء له معه هم الخلائق والدنيا التي إن لم يفارقها بالحياة فارقها بالممات وإنما عجب منه لثلاث تركه المهم مع اشتغاله بالباطل وإعراضه عن مولاه بما لا حقيقة له وعدوله بما لا يغنيه بدلا بما لا غنا له عنه ثم ذلك إنما هو من عمى البصيرة إذ وضع الشيء في غير محله وأتى به على غير وجهه فقدم ما شأنه التأخير وأخر ماحقه التقديم وهذا ما نبه عليه المؤلف إذ قال فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
قلت وقع بهذه الآية هنا الإشعار بأن ماذكره من عمى البصيرة أنه هو العمى الحقيقى فالتقدير فإنها لا تعمى الأبصار عما يعود على صاحبها بالضرر ولكن تعمى القلوب التي في الصدور أو فإنها لا تعمى الأبصار على الحقيقة وإنما عماها من القلوب التي في الصدور أو فإنها لا تعمى الأبصار عن درك الحقائق إذ ليست محل إدراكها ولكن العمى عمى القلب عن ذلك لأنه محل إدراكه وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه عمى البصيرة في ثلاثة الله أشياء إرسال الجوارح في معاصى الله والطمع في خلق الله والتصنع بطاعة فمن ادعى البصيرة مع واحدة من هذه فقلبه هدف لظنون النفس ووساوس الشيطان
ثم ذكر التوجه للمخلوقات بمثال تقبيح في وجه من التحقيق فقال
لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحى يسير والذى ارتحل إليه هو الذي ارتحل
يقول لا تنتقل عن نفسك لمثلها لا فى طلب ذلك المثل ولا فى الطلب منه فإن فعلت
كنت كحمار الطاحونة في سير دائم وتعب متصل من حيث خرج إلى ثم عاد لاهو استراح وهو يرى أنه في عمل يعود عليه بالنفع وما هو إلا كما قيل
ولا قطع المسافة
فما هو مقتول ففي الموت راحة ولا هو ممنون عليه فيعتق
من فقير خرج وإلى فقير توجه قال بعضهم في قوله تعالى هَلْ يَسْتمعونَكُم إِذْ
تَدْعُون
الآية ٢
استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون انتهي
1 وفي نسخة والتضييع لطاعة الله
آية ٧٢ من سورة الشعراء
ثم قال
إلا م
ولكن ارحل من الأكوان إلى المكون
منه
قلت بأن لاتريد سواه ولا تعرف فى الدنيا والآخرة إلا إياه فلا تطلب إلا هو ولا تطلب
فقد قال السماك ابن
من العبودية له بدا ١
الله
رحمه
كتب إلى أخ لى أن لاتكون لعبد الله عبداً ما وجدت
قال أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه قف بباب واحد لا لتفتح لك الأبواب تفتح لك الأبواب واخضع لملك واحد لا لتخضع لك الرقاب تخضع لك الرقاب قال الله تعالى وإن من شيء إلا عندنا خزائنه اهـ وهذا معنى ما أشار إليه بالآية إذ قال
وأن إلى ربك المنتهى
قلت یعنی منتهى كل شيء بدأ لأنه المبدىء المعيد الفعال لما يريد فالذي ترجوه من الخلق لا يتيسر إلا بتيسير الحق فدع كلا جانباً واتخذ مولاك صاحباً رجوعاً لقوله عليه السلام أنت الصاحب في السفر والخليفة فى الاهل ولقوله عليه السلام إليك انتهت الأماني يا صاحب العافية ويرحم الله القائل في معنى ذلك
أيحسن أني في داركم ونزيلكم أوجه يوماً للعباد رجائي
لبيك اللهم وسعديك والخير كله فى يديك والشر ليس إليك والرغبة والعمل منك وإليك ثم وقع المؤلف بالحديث فيما هو بصدده فقال
وانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله قلت یعی واعمل على ذلك بأن تهاجر إلى الله ورسوله فلا تتوجه إلى غيره إذ هو الله ورسوله إذ هو عبد الله ورسوله ۳ ومن كان في الله خَلَفَهُ كان على الله خَلَفَهُ ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله حسب فقير ذليل يقع أجره على غنى عزيز كبير ويرحم الله سيدى إبراهيم الداراني حيث قال
1 وزادت بعض النسخ العبارة الآتية إن استطعت أن لا تكون لغير الله عبداً ما وجدت من العبودية بدأ فافعل قال بعضهم إياك أن تلاحظ مخلوقاً و أنت تجد إلى ملاحظة الحق سبيلا وفى نسخة أخرى بدأ بدل بدأ
وفى نسخة قف بياب واحد تفتح لك الأبواب واخضع لمالك واحد تخضع لك الرقاب ۳ وفي نسخة فلا تتوجه إلى غيره إذ الله ورسوله هو الله ومن كان الخ
کمال
الله أكبر
من
کمالی
فالة
الكمال
وجب
الله أفضل كل شيء فلا
تنی التخلق
وذكر
الله
مرهم
كل جرح
ولا
الله إلا وجود
حقا
وأروى من فدع
ولا ممار بالوقار زلال للأوار 1
عنك التعلق
بالغيار
ثم ذكر المؤلف تمام الحديث فقال
ومن كانت هجرته إلى ديا يصيبها أو امرأة ينزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه
قلت قيل ذكر المرأة لأنها بين مراتب الدنيا والدين وقيل لأنها أعظم فتن الدنيا وقيل لأنها المهم في الوقت لأن الحديث وقع على سبب وقيل ذكرها ليببه على المتصلات وغيرها المنفصلات ثم اكتفى بالاشارة عن إعادة ما ذكر من الدنيا والمرأة ولم يفعل ذلك في ذكر الله ورسوله ولهذا أشار المؤلف بطلب الفهم والتفهم إذ قال
فافهم قوله صلى الله عليه وسلم فهجرته إلى ما هاجر إليه
فلت يعنى مع قوله فهجرته إلى الله ورسوله كيف كرر في الاول ولم يكرر في الثاني تجد المذلك وجوهاً منها أنه كرر ذكر الله ورسوله اعتناء بهما وأهمل ذكر الدنيا والمرأة احتقارا لهما ومنها أنه كرر الاول تحقيقاً للثبوت والعظمة وترك الأخير تنبيهاً للنفى وعدم الجدوى ٢ فإذا فهمت ذلك الفهم خرج منه لا عبرة بشيء سوى الله ورسوله وهو الحق المبين والصراط
المستقيم
8
ثم قال
وتدير هذا الامر إن كنت ذا فهم والسلام
قلت الاشارة بهذا الأمر لما يقتضى الحق والحقيقة من نفى السوى والرجوع إلى المولى وإنما خص هذا الموضع بالسلام لأن المسألة قد أخذت به حقها أمرا ونهياً وخبرا وبرهانا ودليلا شرعيا ومثلا مضروبا وأصلا وفرعا وقرآنا وسنة واعتبارا إلى غير ذلك والله أعلم
تنبيه
وكما يتعين أن لا تنظر إلا إلى الله في جميع ذلك من شأنه من لا هو على العكس
1 الأوار العطش الشديد
وفي نسخة وأهمل الأخير للاستثقال وذكر الأول الاستطابة
أحوالك يتعين
أن لا تصحب إلا من
شأنه
من ذلك على الدنيا فقد غشك
ومن ذلك على الله فقد نصحك
الباب الخامس
** ليس الزهد بتحريم الحلال ولا باضاعة المال انما الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك ! !
إذا قال
وقال رضی الله عنه لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله
قلت الذي لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله هو الذى لم ينازل الحقائق ولا ممته عن الخلائق بل هو الراضى عن نفسه المترفع على أبناء جنسه الذي يعتد بعلومه اله ويحمد نفسه في إدباره وإقباله وإن كثرت أعماله وعلومه واتسعت أنظاره وفهومه ى ينهض حاله ويدل على الله مقاله هو الذى رفع همته عن الخلائق وامتلأ قلبه بمشاهدة ائق فإذا نظرت إليه وجدته مشغولا بالله وإذا تكلم فإنما يدلُّك
على
الله
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه لا تصحب من يؤثر نفسه عليك لشیم ولا من يؤثرك على نفسه فإنه قل ما يدوم واصحب من إذا ذكر ذكر الله فالله به إذا شهد وينوب عنه إذا فقد ذكره نور القلوب ومشاهدته مفاتيح الغيوب
الله
وقال أيضا رضي الله عنه أوصاني خليلي فقال ولا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ولا تجلس إلا حيث تأمن غالبا من معصية الله ولا تصحب إلا من تستعين به طاعة الله ولا تصطف لنفسك إلا من تزداد به يقينا وقليل ما هم
أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام يابن عمران كن يقظان وارتد لنفسك ویروی انا وكل أخ أو صديق لا يؤازرك على مسرتى فهو لك عدو ويقسى قلبك ويباعدك ومن آفات صحية من لا ينهض حاله ولا يدل على مقاله روية المرء نفسه بعين الكمال ائبه عليه المؤلف إذا قال
وربما كنت سيئا فأراك الإحسان منك صحبتك لمن هو أسوأ حالا منك قلت يقول لك إنك إذا صحبت من هو أسوأ حالا منك ربما رأيت بذلك الاحسان نفسك لما جبلت عليه النفوس من استشعار فضيلتها عند مشاهدة من هو دونها والمعتبر في هذا الله الهمة والحال لا العلوم والاعمال قال سيدى أبو
عبد
بن
عباد رضي الله عنه
لموجيز هذا الموضع في أرجوزته ما نصه
-1-
إن التراخي فضله لا ينكر وإن خلا من شرطه لا يشكر والشرط فيه أن تؤاخى العارفا عن الحظوظ واللحوظ الصارفا
مقاله
وحاله
سیان
أنواره
دائمة
السراية
ما يدعو إلا إلى الرحمن فيك وقد حفت بك الرعاية
وقاصد الفاقد
هذا
الشرطا بصحبة يعقدها قد
أخطاً
آمنة
لكونه يرى بها محاسنه فنفسه ذات اغترار وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه سألت أستاذى عن قوله عليه السلام يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا قال يعنى دلوهم على الله ولا تدلوهم على غيره فإن من دلك على الدنيا فقد غشك ومن ذلك على العمل فقد أتعبك دلك الله فقد
نصحك و انتهى
ومن
على
ثم من علامة الحالة المنهضة إنما هو الغنا بالله والثقة به وعلامة ذلك إنما هو الزهد في الدنيا لا كثرة الاعمال والعلوم ونحوها فلذلك قال
ما قل عمل برز من قلب زاهد ولا كثر عمل برز من قلب راغب
قلت يقول العمل القليل من الزاهد ليس بقليل لفراغ قلبه وسلامة وقته وحضوره في عبادته والعمل الكثير من غير الزاهد ليس بكثير لمزاحمته بالأضداد لأن حقيقة الزهد برودة الدنيا على القلب وذلك من أصل الثقة بالله فقد جاء فى الخير ليس الزهد بتحريم الحلال ولا بإضاعة المال إنما الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك وقال ابن مسعود رضی الله عنه ركعتان من عالم زاهد خير وأحب إلى الله تعالى من عبادة المتعيدين الراغبين أبدا سرمدا وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه رأيت الصديق في المنام فقال أندرى ما علامة خروج الدنيا من القلب
قلت لا قال بذلها عند الوجود ووجود الراحه منها عند الفقد انتهى
ثم برهن على ما ذكر بأن قال
الأعمال حسن
نتائج حسن الأحوال وحسن الأحوال من التحقيق في مقامات الإنزال
قلت حسن الأعمال جمالها وكمالها وكذلك حسن الأحوال والأعمال عبارة عن
-AV-
الحركات الجسمانية والأحوال عبارة عن الحركات القلبية ومقامات الأنزال عبارة عما نازل القلب من المعارف ونحوها فمن كانت معرفته أتم كان حاله أحكم ومن كان حاله أحكم كان عمله أكمل وهي ثلاث مراتب بعضها على بعض يدور دورانا كما يقول الإمام أبو حامد رحمه الله لابد لكل مقام من علم وعمل وحال فالمقام يثمر علما والعلم يثمر عملا والعمل
يثمر حالا لان حركات الاجسام تابعة لحركات القلوب وحركات القلوب جارية بحركات
الاجسام
قال في التنوير وليس يدل على فهم العبد كثرة عمله ولا مداومته على ورده وإنما يدل على فهمه ونوره غناه بربه ورجوعه إليه بقلبه وتحرره من رق الطمع وتحليه بحلية الورع فبذلك تحسن الاعمال وتزكو الأحوال قال الله تعالى إنا جعلنا ما على الأَرضِ زينة لها لنبلوهم أَيُّهم أَحْسَنُ عملا ۱ فحسن الأعمال إنما هو بالفهم عن الله والفهم هو ما ذكرناه من الاكتفاء بالله والغنا به والاعتماد عليه ورفع الحوائج إليه والدوام بين يديه الله فكل ذلك ثمرة الفهم عن انتهى وهو نتيجة الزهد والحالة المنهضة و والله أعلم
ثم مدار الأعمال على الذكر وحسنه بالحضور فيه لكن ربما وجد فقد فلا ينبغي أن يترك الذكر لفقده كما نبه عليه المؤلف إذا قال لا تترك الذكر لعدم حضورك مع | الله فيه
فقد وربما ثم إذا
الله ۳
قلت یعنی بل اذكره في حال الحضور وفى حال الغفلة باذلا مجهودك في الأمر حسبا أمر الله تعالى به إذ قال تعالى كذكركم آباءكم أوْ أَشدَّ ذِكْرا ومن المعلوم أنه لا يتقيد بحضور ولا غيبة وقال عليه السلام للذى استوصاه لا يزال لسانك رطبا بذكر قلم يدله إلا على ذكر اللسان وذلك لأنه مقدور العبد ابتداء ودواما بخلاف الحضور فإنما مقدوره فيه السبب الذي هو الفكر والدوام عند الحضور بقدر الاستطاعة والله أعلم ثم قال
۱ آية ٧ من سورة الكهف آية ۰۰ من سورة البقرة
۳ من عبد الله بن بسر رضى الله عنه أن رجلا قال يارسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت على فاخبرني بشي أتشبث به قال لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله رواه الترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد
- M-
فإن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره
إعراض
قلت وذلك لثلاثة أوجه أحدها أن فى وجود ذكره إقبالا بوجه ما والغفلة عنه بالكلية الثاني أن في ذكره تزيين جارحة بالعبادة والغفلة عنه تفويت لذلك الثالث في وجود ذكره تعرض لنفحات رحمته أن يرفعك مما هو أدنى ما هو أعلى وفى الغفلة عن ذكره إهمال لذلك ولا يشك عاقل فى أن الاقبال واو ضعيفا خير من الادبار بالكلية قيل لبعضهم ا لنا نذكر الله باللسان والقلب غافل ! ! فقال أشكروا الله على ما وفق من ذكر اللسان ولو أجرى مكانه الغيبة عنه ماذا کنم تصنعون ثم قال والله أكرم أن يحضر العبد بلسانه ثم لا يمن عليه بحضور قلبه وأنشد
لو علمنا أن الزيارة حق لفرشنا
الطريق بالمرجان
ثم أشار المؤلف لما ذكرنا من التعرض لنفحات رحمة الله وكرمه فقال
فعساه أن يرفعك من ذكر مع وجودِ غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور قلت ولو لم تكن لك مقدمة ذكر ما كنت ترتجى هذا لترقى فتعرضك لنفحات رحمته ما في مقدورك هو الذي يرجيك بالترقى لغاية ما تعلقت به وعنه قال عليه السلام إن الله في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لنفحات رحمة الله وقال تعالى فاذكروني أذكركم 1 فجعل جزاء ذكرك إياه وجود ذكره لك ومن ذكره مولاه وفقه وهداه ورحمه وآواه وتولاه وأكرم مثواه وكذلك قال الله اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلى عليكم وملائكته أي يقبل عليكم بإحسانه وإكرامه ليخرجكم من الظلمات إلى النور وقد قيل إن الذكر منشور الولاية فمن أعطى الذكر فقد أعطى المنشور انتهى وعلى مقتضى ما ذكره المؤلف أن كلاً نتيجة ما قبله ومقدمة ما بعده واليقظة هنا الانتباه لمدلول الذكر ومقتضاه بالتفات القلب لذلك واستشعاره إياه بعد عدم شعوره به والحضور هنا أيضاً أن يرتسم معنى الذكر فى الفؤاد ارتساماً لا يصبح انفكاكه عنه ولا ينسى ذكر الله عند أمره ونهيه وهو أفضل من ذكر اللسان كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه والغيبة عما سوى
۱ آية ١٥٢ من سورة البقرة
آية ٤٢ من سورة الأحزاب
- LV-
المذكور انتصاب القلب له بحيث لا يصح له فى فهم وجود سوى وجوده تعالى بوجه لا ينفك
لا في ذكره ولا غيره وهو موقف الغناء والله أعلم
فمن غفل عنه ذكر غيره ومن انتبه له أنس به المرة بعد المرة ومن حضر معه خضع له ومن نسى ما سواه فنی به ومن فنى به غاب عن كل شيء سواه وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه حقيقة الذكر الانقطاع عن الذكر إلى المذكور أى عن كل شيء سواه لقوله تعالى واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً ۱ ولكل من المواقف الثلاثة أصل ومادة وحقيقة وعلامة وتأويل وتفصيل وتنزيل ومداره على ثلاث معرفة الحق وإجلاله والعبودية له ومراتب ذلك غير متناهية وبالله التوفيق
ثم فيه المؤلف على أن نقل العبد من أدنى المراتب إلى أعلاها سهل يسير على الله تعالى فقال
وما ذلك على الله بعزيز
قلت يقول ليس بممتنع في قدرته ولا ببعيد عن كرمه وإنما على العبد الأسباب الله فتح الباب وإنما ذلك لإثبات الحكمة وظهور العبودية بالتعبد وإلا فالرب يفعل وعلى ما يشاء بخلقه ما عبد إلا يفضله ولا ذكر إلا برحمته ولا توجه إليه إلا بمنته فهو الذي أمد العبد بتوفيقه ثم هداه الطريقة ثم فتح له باب العزم ثم أعانه على العمل حكمة منه وتصريفاً للأقدار تصرف اقتدار فسبحان الكبير المتعال
تنبيه
الذكر حياة القلب والغفلة مونه وغايتها تنتهى لاستحسان القبيح ومبدأ ذلك
نسیان قبحه
۱ آية من سورة المزمل
وغاية الغفلة
** الفوز له الكشف
والبصيرة
لها الحكم والقلب له الادبار والاقبال
اب السادس
صحح عملك بالاخلاص وصحح اخلاصك بالتبرى من الحول والقوة
-1-
وقال رضى الله عنه من علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الموافقات وترك الندم على ما فعلته من الزلات
قلت الموت فقد الحياة وعلاماتها ثلاث هي ضد علامات الحياة وعلامات الحياة
الأول الاحساس بما يرد من مؤلم أو ملائم حسبيا كان أو معنويا الثاني التأثر بالعوارض القادحة في القيام الباعث على طلب القوام الثالث ذوق الأشياء على ما هي عليه أو على خلافه حتى ندرك منها حرارة أو برودة أو مرارة أو حلاوة أو غير ذلك فالقلب الحي هو الذي يتألم بالمعاصي ويتلذذ بالطاعة ويطلب هذه ويفرّ من هذه لما أحس به من ألم أو ملاءمة ووجده من مرارة وحلاوة فيحزن لما فاته من الموافقات على حسب همته ويندم على ما فعله من وجود الزلات كذلك والميت لا يحس بشيء من ذلك فلا يقع له حزن ولا ندم لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرته حسنته وساعته سنيته فهو مؤمن ۱
وقال ابن مسعود رضى الله عنه المؤمن يرى نفسه من ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه والمنافق يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فأطاره انتهى وحقيقة الحزن انقباض السر لما سلف من مخالفة الأمر والندم التلهف على ما وقع فيتمنى أنه لم يكن وقع ثم هذا الحزن والندم قد ينتهى بصاحبه لليأس والقنوط وهما قبيحان فلذلك نيه عليه بأن قال
لا يعظم الذنب عندك عظمة تصدك عن حسن الظن بالله
قلت لما كان الحزن والندم منشأهما عظمة الذنب وموقعه من القلب وذلك قد يفرط ٣ فينتهى احد اليأس والقنوط وقد لا يفرط فيوجب الانزعاج دون القنوط واليأس وإن اليأس
۱ رواه الطبرانى فى الكبير من ابى موسى رضي الله عنه فقال به هكذا أى ففعل به هكذا و أشار بيده
۳ وفي نسخة أخرى وذلك قد يفرط فينتهي الحمد القنوط و الياس وقد لا يفرط فيوجب الأنزعاج من الذنب فقط فيه على أن المحمود منه ما يوجب الانزعاج دون القنوط واليأس و أن اليأس والقنوط من الإعراض عن إلخ
- 98-
والقنوط من الإعراض عن حسن الظن بالله وهو من كبائر القلوب فى الخير أنه عليه السلام | قال " خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير حسن الظن بالله وحسن الظن بعباد الله وخصلتان ليس فوقهما شيء من الشر سوء الظن بالله وسوء الظن بعباد الله ويقال خمسة في الذنب أعظم من الذنب تعظيم الذنب أعظم من الذنب واحتقار الذنب أعظم من الذنب والإصرار على الذنب أعظم من الذنب والمجاهرة بالذنب أعظم من الذنب والجرأة على الذنب أعظم من الذنب وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه قرأت ليلة قل أعوذ برب الناس فقيل لى شر الوسواس وسواس يدخل بينك وبين حبيبك فيذكرك أفعاله السيئة وينسيك أفعاله الحسنة ويكثر عندك ذات الشمال ويقلل عندك ذات اليمين ليعدل بك عن حسن الظن بالله إلى سوء الظن بالله فاحذر هذا البابَ فقد أخذ منه خلق كثير من العباد والزهاد وأهل الطاعة والسداد انتهى وهو عجيب ثم في قوله عظمة تصدك إلخ تنبيه على أن التي لا تصد غير منهية بل هي مطلوبة لأن بها يقع الحزن والندم المطلوبين سواء أكان عن خوف أو استشعار فوت مقصد من عبودية أو محبة أو أو كمال أو غير ذلك ثم ذكر معنى
يقتضى علة النهي فقال
فإن من عرف ربه استصغر في جنب كرمه ذنبه
نعم
قلت ومن عرف ربه أعظم لأجل حق إجلاله ذنبه فكان معتدلا بين هذه وهذه بلا ميل وإلا فقد نقص له من المعرفة على قدر ميله من الجانب الذى مال عنه إلى الجانب الذي مال إليه ثم إذ أداه ذكر الكرم للاغترار فالهوى غالب عليه ذكر مقابله للقنوط فظلمة النفس حاكمة لديه ففي الحديث الصحيح أن العبد إذا أذنب الذنب فقال يارب اغفر لي قال الله تعالى أذنب عبدى ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به أشهدكم بأنى قد غفرت له الحديث فعلمه أنه يغفر الذنب من مشاهدة كرمه وجماله وعلمه أنه يؤاخذ به من مشاهدة جلاله ولولا اجتماعهما له فى موضع واحد ما اندفع باستغفاره فافهم وقد نبه المؤلف على ذلك بأن قال
لا صغيرة إذا قابلك عدله ولا كبيرة إذا واجهك فضله
قلت فانظر لعدله وفضله لا لذنوبك وعيوبك سواء كانت صغائر أو كبائر وبحسب هذا فلا ميل إذ لا علم لنا بما يواجه ولا بما يقابل وقد قال يحيى بن معاذ رضي الله عنه
أغفره
إن أنالهم فضله لم تبق لهم سيئة وإن أقام عليهم عدله لم تبق لهم حسنة وفيما أوحى لله إلى بعض أنبيائه قل لعبادى الصديقين لا يفتروا فإنى إن أقم عليهم عدلى وقسطى أعذبهم غير ظالم لهم وقل لعبادى المذنبين لا يقنطوا فإني لا يتعاظمى ذنب لهم وقال تعالى في كتابه العزيز نبي عِبَادِي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليمُ ۱ وقال عز وجل ما يقالُ لكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيل الرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عِقاب أليم 8 فجعل دعوة الرسل وخطابهم بها على حد سواء وقال عز وجل وإن ربك لذو مَغْفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ۳ وقال سبحانه وتعالى هوَ أَهْلُ التَّقوى وأهل المغفرة 4 أى أنه أهل لأن يتقى وأهل لأن
يغفر وكل ذلك على حد سواء في حقه فذهب الميل والترجيح وبقى الوقوف على حد سواء والله أعلم وللناس في المحد حقيقة الصغيرة والكبيرة اختلاف كثير ومرجعه أن الكبيرة ما عظم أمره عند الله والصغيرة ما خف أمره عند الله والعدل ما للمالك أن يفعله من غير منازع وكل تصرف الله كذلك إذ الكل منه وإليه والفضل المواجهة بالاحسان لا لعله ولا لسبب وبالله التوفيق
وكما وجب
أن ينظر في الذنوب للعدل والفضل فكذلك في الأعمال لأنها من نسبتها في ذلك٥
وذلك يفضي إلى عدم الاعتداد بها وهذا ما ذكره المؤلف بأن قال
لا عمل أرجى للقبول من عمل يغيب عنك شهوده ويحتقر عندك وجوده
قلت تقدير الكلام لا عمل أرجى للقلوب قبوله وحصول النفع به في إفادة ما يترتب عليه من تنوير وتعريف وكمال وثواب وغير ذلك من عمل يغيب عنك شهوده بشهود مدیره حتى لا ترى لنفسك نسبة فيه بل لا ندرى له وجودا فى ذاته ويحتقر عندك وجوده لما هو عليه من نقص وعيب ظاهر أو خفى فحاصله أن منه نفسه مقصرا فيه ويراه مع تقصيره یری
الله عليه إذ لا يليق به من حيث ذاته ومن هو حتى وُفق له يوما ما وإلا لكان ممن منة من هم مطرحون في الخسائس بل في أرذل الكفر والنفاق نسأل الله العافية
وقد يكون كلام المؤلف على التفكيك والواو في ويحتقر للتنويع فالمقصود
يغيب عنك أو تحتقر عندك وبحسب هذا فالناس ثلاث غائب عن شهود ومحتقر له
1 آية ٤٩ من سورة الحجر
۳ آية ٦ من سورة الرعد
آية ٤٣ من سورة فصلت
٤ المدثر ٥٦
ه وفي نسخة لأنها من نسبتها لذلك تقضي بعدم الاعتداد بها
-9-
وجامع بينهما والأخير أكمل والأول دونه والأوسط دونهما وقد أشار المؤلف لترجيح الاول على الثاني بأن قال
إنما أورد عليك الوارد لتكون به عليه وارداً
قلت الوارد هنا ما ينزل بالقلب فيزعجه عن معتاده ويرفعه عن مراده من موارد الحق
ومعارفه ومقصوده إرجاع العبد لمولاه وانقطاعه لما به تولاه فيكون العبد به أى بالوارد وارداً على مولاه أى بمولاه واردا على مولاه وعلى الوجهين فهو يقتضى عدم نظره إلى كسبه 1 في الاقبال والإدبار فان تمّ له ذلك بأن غاب عن شهود عمله بشهود مولاه فذاك وإلا فنظره لتقصيره وورود بوادر الحق على نفسه وليس هناك إذ قد قيل لا يخلو شهود التقصير
من وجود الشرك في التقدير وقال الواسطى رضى الله عنه لأصحاب أبي جعفر بم يأمركم شيخكم قالوا يأمرنا بالتزام الطاعة ورؤية التقصير فيها فقال أمركم بالمجوسية المحضة هلا أمركم بالغيبة عنها بشهود مجريها ومنشيها قال الاستاذ أبو القاسم القشيري رضي الله عنه إما أراد بهذا صيانتهم عن الإعجاب لا تعريجاً في ميدان التقصير أو تجويزا للإخلال بأدب من آداب الشريعة انتهى
فإذن فائدة الوارد ثلاثة الورود على المولى بلا علة والخروج من عبودية الأكوان في الجملة والخروج من سجن النفس بلا توقف قد مضى الأول من كلام المؤلف وذكر الثاني
بأن قال
أورد عليك الوارد ليتسلمك من يد الأغيار وليحررك من رقّ الآثار قلت معنى يتسلمك يأخذك مما تسلمك منه على وجه لا يبقى له تعلق فيك وهى هنا ه الأغيار أى المخلوقات بحيث لا يبقى لك إليها استناد ولا عليها اعتماد ولا منها استمداد ولا فيها شهود ولا اشهاد بل تكون لمولاك وحده بلا علة منك ولا تشوف لغيره وذلك عين التحرر من رق العبودية لها إذ تصير تابعة لا متبوعة ومحكومة لا حاكمة وبذلك تقع الراحة الأبدية كما قال النصر اباذی ۴ رضی الله عنه سجنك نفسك إذا خرجت منها وقعت
احة الأبد انتهى
وفي نسخة نفسه
ه هو إبراهيم بن محمد وكنيته أبو القاسم نيسابورى الأصل والمنشأ والمولد توفى بمكة سنة ٣٦٧ ه وكان عالماً بالحديث
رواية
- 9V-
وذلك لأنه
يصير الحال للرضا وعدم التقييد بالأغراض بل كما قيل أصبحت لا أملاً أبغى ولا أمنية أرجو ولا نائبة أخشى ولا موعدة أترقب ثم ذكر المؤلف الوجه الثالث من
فوائد الوارد إذ قال
أورد عليك الوارد ليخرجك من سجن وجودك إلى فَضَاء شهودك
قلت وذلك أنك مسجون بمحيطاتك ومحصور فى هيكل ذاتك ما لم تفتح لك ميادين
الغيوم ومتى طلع عليك نور الوارد لاح لك من حقائق الوجود ما تعرف به الدنيا والآخرة
وغيرهما وهذا ما أشار إليه التستَرِى حيث يقول عند نور إلهامي لاح الحق لى ودنوت
من قرب مذ عَرَفْت بي 1
ثم نبه على ما ذكرناه من أن جملة الأمر في الوارد أنه حامل إلى الحق فلا التوجه يصح
لغيره فقال
الأنوار مطايا القلوب والأسرار
به
قلت الأنوار هى الظلال الواقعة فى الصدور من المعانى التى أتت بها الواردات وهى مطايا القلوب بإيضاح الفهم إلى حضرة علام الغيوب ومطايا الأسرار ببيان العلم إلى حضرة الملك الجبار فمن طلع النور في قلبه سار على مطية فهمه ومن طلع في أفق سره سار عطية علمه ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور وإذا كانت الأنوار مطايا الحق فلا تحمل عليها من الباطل ومن الباطل رؤية النفس فى نقصها وكمالها فافهم ثم ذكر أن الانوار مقوية
شيئاً
للقلوب مضعفة للنفوس فقال
النور جند القلب كما أن الظلمة جند النفس
قلت وذلك لأن النور يحصل به ثلاث الكشف والعلم والتحقيق والظلمة يحصل ها ثلاث الجهل والتلف والتخبيط وإذا كانت هذه غلب الهوى وذهب الحق وإذا كانت الأولى ذهب الهوى وثبت الحق ولكل مقويات وموارد أشار إليها المؤلف بأن قال فإذا أراد الله أن ينصر عبده أيده بجنود الأنوار وقطع عنه مدد الظلم والأغيار
1 لعله يريد أن بقول إن الحق لاح له عندما غمر الإلهام بنور قلبه وقرب من الله منذ أن اصبح عارفا بالله أي عارفاً
الله معرفة من الله فالله سبحانه هو الذي يعرف أولياءه
٢ الظلمة
-94-
قلت يقول إذا أراد الله نصر عبده على نفسه وهواه مده بالجنود التي هي الأنوار فيحصل له العلم والتحقيق والإلهام الذى هو الكشف فيباشر قلبه بما يعلمه ۱ من خير أو شر حتى يقبل على الحق ويدبر عما سواه إقباله على الخبز عند الحاجة وإدباره عن الحية عند المعاينة ولا يتم ذلك إلا يحسم موارد الظلم وهي ثلاثة هوى يخالطه علم بتأويل ووهم يعينه ضعف اليقين وشهوة غالبة لا يملك معها أمراً ولا تنقطع هذه الأمور إلا بإثبات أضدادها يقين لا يداخله شك وعلم لا يخالطه هوى وإلهام لا يفسده وهم وقد تقدم من كلام الشيخ أبي الحسن الله عنه إذا أكرم الله عبدا في حركاته وسكناته نصب له العبودية لله نصب عينيه فانظره ثم ذكر ترتيب إمداد القلب وتوارد جنوده وعينها بأن قال
رضی
النور له الكشف والبصيرة لها الحكم والقلب له الإدبار والإقبال
قلت إذا كان النور تاماً كشف الشيءُ على ما هو عليه وإذا كانت البصيرة مستقيمة حکمت به على وجهه فأقبل القلب في محل الإقبال وأدبر في محل الإدبار وإذا كان النور مفقوداً أو ناقصاً والبصيرة غير مستقيمة أقبل القلب في محل الإدبار وأدبر في محل الإقبال فكان شبه حال الأعمى تارة يخطىء وتارة يصيب وإن أصاب فعلى غير أصل ولا حقيقة فإذا نور القلب هو الأصل وما بعده تبع له قال تعالى أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَام فَهُوَ عَلَى نُورٍ من ربه وقال تعالى فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرح صَدْرَهُ للإسلام ۳ فجعل الهداية فرع الشرح والشرح فرع النور فافهم
ثم من مظاهر ما ذكر وجود الفرح بالطاعة وغيرها فمن كان فرحه بها من حيث إنها منة الله من عليه فنوره تام وبصيرته مستقيمة إذ أقبل قلبه في محل الإقبال ومن فرح بها من حيث نفسه فعلى العكس فهذا ما نبه عليه إذ قال
لا تفرحك الطاعة لأنها برزت منك وافرح بها لأنها بَرَزَتْ من الله إليك
قلت الطاعة من الفوائد المحبوبة النافعة دينًا ودنيا والفرح بها أمر ضروري لمن حصلها ثم هو على ثلاثة أوجه فرح بها من حيث ما يُرجى من ثوابها أو يخشى من عقاب فوتها وفرح بها من حيث وجودها وظهورها على يده لتزكيه بها وفرح بها من حيث أن الحق ذكره بالتوفيق
1 وفي نسخة ما يعمله آية ٢٢ من سورة الزمر
۳ آية ١٢٥ من سورة الأنعام
-11-
لها ومن عليه بوجود تحصيلها مع تحصيل العبودية وامتثال الأمر بها وهذا الوجه أحسن من الأول والأول خير من الذى بعده لأن هذا يزيده شكرًا وافتقارًا والذي قبله يزيده عُجبًا وافتخاراً فالاول فيه رائحة الاعتماد على العمل وهو من أصول العلل ثم نزع المؤلف بالآية
للدلالة فقال
قل بفضل الله
وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون
قلت يقول لا يكن فرحكم إلا بفضل الله لأنه تفضّل عليكم وذكركم بمنته فيا به تو لاكم لا بما تجمعون من الفوائد الحاصلة بمنته من حيث هي لأن الفرح بها مجردة عين الغفلة عنه والفرح بمنته من إجلاله وقد قال تعالى لَئِنْ شَكَرْتُم لَأَزِيدَنَّكُمْ القلب بالمنعم لأجل نعمته فافهم ثم ذكر تفصيل ما تقدم له من قوله لا عمل أرجى
للقبول فقال
قطع السائرين له والواصلين إليه عن رؤية أعمالهم وشهود أحوالهم
۱ والشكر فرح
قلت وإنما قطعهم عن ذلك لوجوه أحدها ليكونوا له بلا عله كما كان لهم ولا علة الثاني ليسلموا من آفة الإعجاب ورؤية النفس في جميع الأحوال والثالث ليتم لهم الإنعام بالشكر والافتقار فافهم
ثم ذكر ما وقع به انقطاع كل من الفريقين فقال
أما السائرون فلأنهم لم يتحققوا الصدق مع الله فيها
قلت وإذ لم يتحققوا ذلك فيها فهم محتقرون لوجودها من حيث ما اشتملت عليه الله من النقائص والدعاوى وبذلك يزيد افتقارهم لمولاهم واضطرارهم له وقد قال الجنيد رضى عنه ولا يصفو لأحد قدم في العبودية حتى تكون الأفعال كلها عنده رياء وأحواله كلها عنده دعاوى وقال النهر جورى رضى الله عنه من علامة من تولاه الله فى أحواله أن يشهد التقصير في إخلاصه والغفلة في أذكاره والنقصان في صدقه والفتور في مجاهداته وقلة المبالاة في فقره أحواله عنده غير مرضية ويزداد فقره إلى الله تعالى فى قصده وسيره حتى يضنى فتكون
جميع
عن كل ما دونه انتهى
1 من آية ٧ من سورة إبراهيم
وفي نسخة متحققون
ثم قال المؤلف
وأما الواصلون فلأنهم غيبهم بشهوده عنها
قلت
فهم لا يرون أنفسهم عمالاً لها ولا مستحقين للثواب بها وإنما هي رسم عبودية جرى بتوجه المنة بل جرى بإجراء الحق سبحانه بلا علة حتى لقد قال بعضهم لا تنظر إلى عملك وإن صح وانظر من وفقك إليه ومدارهم في ذلك على قول نبي الله شعيب عليه السلام إن أُريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب فذكر الإنابة والتوكل للاستسلام كما ذكر إرادة الإصلاح للعبودية وذكر التوفيق بالتبرى من الحول والقوة وقد تقدم من كلام بعض المشايخ رضى الله عنه صحح عملك بالإخلاص وصحح إخلاصك بالتبرى من الحول والقوة انتهى والله المسئول أن من به علينا عنه
تنبيه
من انقطع عن أحواله وأعماله فلينقطع عن حياته وآماله متوجها للحقائق وتاركا للطمع في
الخلائق
** فساد الدين الطمع وصلاح الدين الورع !
يعطى من يشاء ما يشاء بلا حجر ويمنع من يشاء ما يشاء بلا علة فالكل منه واليه
-J-
وقال رضى الله عنه ما بسقت أغصان ذلّ إلا على بذر طمع
قلت بسقت طالت ومنه والنخل باسقات والبذر ما يُستنبت منه الشيء
والمقصود من ثبت طمعه طال ذله فاستعار البذر للطمع لأنه أصل الذل والذل غصنه لأنه قرعه الله وطول ذلك باتصاله واتساعه فالمعنى من طمع ذل على قدر طمعه فرحم القائل المطامع للفتى شرف له حتى إذا طمع الفتى ذل الشرف
ترك
وذلك لان الطمع مقرون بثلاث التملق للمطموع فيه واستشعار الخيبة عند الطلب أو سلطنة المعطى عند المساعدة وبذل ماء الوجه عند المواجهة هذا مع ما ينضاف لذلك من أصله وفرعه فقد قال أبو بكر الوراق ۱ رحمه الله لو قيل للطمع من أبوك لقال الشك في المقدور ولو قيل له ما حرفتك لقال اكتساب الذل ولو قيل ما غايتك لقال وقال الشيخ أبو العباس المرسى رضى الله عنه و الطمع ثلاثة أحرف كلها مجوفة فصاحبه بطن كله فلا يشبع أبدا انتهى وهى أيضا حروف يابسة خاوية فالمتعلق بها كذلك ! ! ثم ذكر المؤلف أصل الطمع هو غالب الوهم فقال
الحرمان
ما قادك شيء مثل الوهم
قلت الوهم هنا التخيل والحسبان ولا شك أن غالب النفوس في قياده فإذا تخيلوا شيئًا أو ظنوه عملوا عليه فحصل لهم منه الطمع وغيره فيوقعهم في الذل والحرمان والتعب ظاهرا وباطنا وقد قيل لولا الأطماع الكاذبة ما استعبد الأحرار بكل شيء لا خطر له اه فإذن إما يدعو إلى الطمع توهم النفع من المطموع فيه وبذلك تحصل العبودية له فمن غلب الوهم عليه نسى ما ينتهى إليه الطمع من النقص والدناءة ومن ضعف لديه الوهم ذكر ذلك فانتفى عنه الطمع وهذا ما أشار إليه المؤلف إذ قال
1 هو أبو بكر محمد بن عمر الوراق الترمذي اقام ببلخ وصحب احمد ابن خضروية وله تصانيف في الرياضيات
أنت حر مما أنت عنه آيس وعبد لما أنت له
طامع
قلت لأن ما أنت له طامع آخذ بقلبك فأنت له بكلك وما أنت عنه آيس أنت عنه معرض بقلبك فليس له شيءٌ من وجودك وقد قال بنان الحمال ۱ رضي الله عنه العبد حر ما قنع والحر عبد ما طمع
وقيل إن العُقاب يطير فى مصاف عزّه بحيث لا يرتقى طرف إلى مطاره ولا تسمو الهمة إلى الوصول إليه فيرى قطعة لحم معلقة على شبكة فينزله الطمع من مطاره فيعلق بالشبكة جناحه فيصيده صبى يلعب به قال في التنوير وتفقد وجود الورع من نفسك أكثر مما تتفقد سواه وتطهر من الطمع في الخلق فلو تطهر الطامع فيهم بسبعة أبحر ما طهره إلا اليأس منهم ورفع الهمة عنهم
ثم ذكر حكاية على كرم الله وجهه وقول الحسن له فساد الدين الطمع وصلاح الدين الورع قال وسمعت شيخنا يعنى أبا العباس المرسى رضى الله عنه كنت في ابتدائي في ثغر الاسكندرية جئت إلى بعض من يعرفنى فاشتريت منه حاجة بنصف درهم فقلت في نفسي
لعله لا يأخذه مني فهتف بي هاتف السلامة فى الدين بترك الطمع في المخلوقين ثم بعد كلام قال فعليك أيها المريد برفع همتك عن الخلق ولاتذل لهم فقد سبقت قسمته وجودك وتقدم ثبوته ظهورك واسمع ماقاله بعض المشايخ أيها المريد ما قدر لما ضغيك أن بمضغاه فلا بد أن عضناه فكله ويحك بعز ولا تأكله بذل انتهى
وقد ذكر ابن عباد رحمه الله جملة من النقل يحتاج إليها فلتنظر وبالله التوفيق ثم ذكر المؤلف حكمة الله تعالى فى عدم إسعاف الطامع فقال
من لم يقبل على الله عملا طفات الإحسان قيد إليه بسلاسل الامتحان
قلت يقول من لم يفرد وجهه لمولاه اعتبار ۳ لإحسانه السابق واللاحق الذي لاطفه به حتى لا يطمع في غيره ولا يرجو سواه سلط عليه البلايا والمحن حتى يقوده إليه بها كرهاً إذ لم يرجع إليه طوعاً قال الشيخ أبو مدين رضی الله عنه سنته تعالى استدعاء العباد لطاعته بسعة
۱ هو أبو الحسن بنان الحمال من واسط أقام بمصر ومات بها سنة ٣١٦ه
هو الحسن البصرى ۳ وفي التيمورية اعتباراً باحسانه
1330-
الأرزاق ودوام المعافاة ليرجعوا إليه بنعمته فإن لم يفعلوا ابتلاهم بالسراء والضراء لعلهم يرجعون لأن مراده عزّ وجلَّ رجوع العباد إليه طوعاً أو كرهاً انتهى وشواهد هذه في القرآن كثيرة وأصله سلب النعم لفقدان الشكر كما نبه عليه المؤلف إذ قال
من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ومن شكرها فقد قيدها بِعِقالها شكر النعمة ضامن لثلاثة أشياء حفظها عن الزوال وتغيير ۱ الحال بالانتقال وزيادتها في الحال وبركتها فى المآل واتصال العبد بمولاه على وجه العافية بلا إخلال وعدم الشكر ضامن للسلب وتشويش القلب ومقت الربِّ وقد قال الحكماة الشكر قيد للموجود وصيد للمفقود وقالوا أيضاً من لم يشكر النعم سلبها من حيث لا يعلم الله تعالى وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِنْ شَكَرْتُم لَأَزِيدَنَّكُم وَلَئِنْ كَفَرْتُم إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ وقال سبحانه وتعالى إِنَّ اللهَ لا يُغير ما بقوم حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنفُسِهِم٣ أي إذا غيروا ما بهم من الطاعة وهى شكر النعم غير الله تعالى ما بهم أى ما من عليهم من الإحسان والكرم وأنشدوا في ذلك إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
إذا تم شيء بدا نقصه توقع زوالاً إذا قيل تم 4
قال
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه النعم وحشية قيدوها بالشكر والشكر فرح القلب بالمنعم لأجل نعمته حتى يتعدى ذلك إلى الجوارح فتنبسط بالأوامر وتنكف عن الزواجر وقد عبر الناس عنه ثارة بأصله وتارة بفرعه وتارة بمادته ثم زوال النعمة قد يكون ظاهراً وهو السلب وقد يكون باطناً خفياً وهو الاستدراج وهو الذي يثق أكثر لغموضه
جليا
فلذلك قال المؤلف
خف من وجود إحسانه إليك ودوام إساعتك
dra
أن يكون ذلك استدراجاً لك
قلت خوف الاستدراج فى النعمة يبعث على التشمير لشكرها والرجوع إلى الله فيها وبها واستشعار ذلك بذكر أفعالك السيئة مع جرى إحسانه إذ الاستدراج كمون المحنة في عين
1 وفى وتغير ٤ وفي التيمورية بدل هذا البيت الثاني
آية ٧ من سورة إبرهيم ۳ آية 11 من سورة الرعد
وداوم عليها بشكر الإله فإن الإله سريع النقم
-To-
المنة 1 بغير خوف الفتنة وهو مأخوذ من درج الصبى أى أخذ عشى شيئاً بعد شيء وهو لا يشعر ومنه الدرج الذي يرتى عليه أو يوجد به العلوّ كذلك المستدرّج هو الذي تؤخذ منه النعمة شيئاً بعد شي وهو لا يشعر قال الله تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُم مِنْ حَيْث لا يعلمون قلت يقول نأخذهم بالنعم وهم لا يشعرون وقد قال سهل بن عبد الله رضى الله عنه في معنى الآية المدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها حتى إذا ركنوا للتعمة وحُجبوا عن المنعم أخذوا وقيل كلما جددوا معصية جددنا لهم نعمة وأنسيناهم الاستغفار من تلك المعصية انتهى وهو ماخوذ من قوله تعالى إنما نُمْلِي لَهُم لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۳ ومن قوله عز وجل أَيَحْسَبُونَ٤ أَنْما نمدُهُم به من تال وبنين نُسَارِعُ لَهُمْ فى الخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُون ومن قوله عز وجل فتحنا عليهم أَبْوَابَ كل شَيءٍ حَتى إذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْنَاهِم بَغْتَةً إلى غير ذلك من وجوه ٥ الاستدراج فتح باب تأويل
في مواقف وذلك ماذكره المؤلف إذ قال
من جهل المريد أن يسية الأدب فتوخر العقوبة عنه فيقول لو كان هذا سوة أدب المطع
الإمداد أو وجب الإبعاد
قلت وهذا لا يتصور مع جريان ماله من الله من علوم وأحوال وغير ذلك بحيث تخفى عليه المحنة بجريان المنّة وفى ٦ الآداب الخفية لا الجليّة لأن مثل هذا التأويل لا يجرى فيمن بان غيّه وظهر نقطه وهذا غاية الاستدراج فوجب على المريد التحفظ في مواقف الأدب بالاحتياط أبداً وترك التأويل رأساً وذلك بأن يجعل الأولى نصب عينه فلا يقتصر على الواجب إلا إذا لم يجد مساغاً للأولى ويقدّم الحقيقة على الأسباب في موضع الإباحة لا في موقف الطلب الشرعي فيتحفظ على ظاهره بالشريعة وعلى باطنه بالحقيقة ويفرّ من مواقف النقص بينه وبين مولاه من رعونة كامنة أو غفلة ظاهرة أو دعوى شيء وإن قل والآداب كلها منحصرة في خمسة أولها حفظ الحرمة مع الله ومع من له نسبة في جانب الله من نبي أو ولى أو عالم أو غيرهم حتى عوام المسلمين على مراتبهم الثانى علو الهمة في أمر الدين والدنيا حتى لايكون
۱ وفي التيمورية الاستدراج كون المحنة في عين المنة ويقال تواتر المئة بعين الفتنة وهو مأخوذ إلخ
من آية ۱۸ من سورة الأعراف
1 آية ٥٥ من سورة المؤمنون
۳ من آية ۱۷۸ من سورة آل عمران
ه وفي التيمورية إلى غير ذلك من وجود الاستدراج فتح باب التأويل في مواقف الأدب 1 في التيمورية يجريان المئة الا في إساءة الأدب الخفية لا المجلية
له تعلق بشيء من النقائص لا ظاهراً ولا باطناً وما جرى عليه من ذلك بادره بالتوبة الثالث حسن الخدمة بلزوم الاتِّباع وترك الابتداع والتبرى من الحول والقوة في كل أمر الرابع نفوذ العزيمة بحيث لا يسمح للنفس فى كل عزيمة ۱ ولا يتراخى فى محل تشمير ولا يركن الموضع تقصير الخامس شكر النعمة وأصله شهود المنة وهو مبنى على خالص التوحيد وخالص الإيمان ولكل من هذه معارض وقادح هو سوء الأدب في حق فاعله وله عقوبة من نوعه على قدر صاحبه فمن الناس من عقوبته بالعذاب ومن الناس من يعاقب بصرفة عن مواقف الإحباب وقال أبو حفص الحداد۳ رضی الله عنه التصوف كله أدب لكل وقت أدب ولكل حال أدب ولكل مقام أدب فمن لزم آداب الأوقات بلغ مبلغ الرجال ومن ضيع الأدب فهو بعيد من حيث يظن القرب ومردود من حيث يظن القبول وقال بعضهم الزم الأدب ظاهراً وباطناً فما أساء أحد الأدب في الظاهر إِلَّا عُوقب ظاهراً وما أساء أحد الأدب باطناً إلا عوقب باطناً وقال ذو النون المصرى ٤ إذا خرج المريد عن حدّ الأدب فإنه يرجع من حيث جاء وسئل الدقاق رحمه الله تعالى بمَ يُقوّم الرجل اعوجاجه قال بالتأدب بإمام فمن لم يتأدب بإمام بقى بطالاً وقال أبو العباس بن عطاء الله رحمه الله النفس مجبولة على سوء الأدب والعبد مأمور بملازمة الأدب فالنفس تجرّه ٥ بطبعها في ميدان المخالفة والعيد يردها بجهاده عن سوء المطالبة فمن أطلق عنانها فهو شريكها في فسادها انتهى
وجهل المريد فى الوجه الذى ذكره المؤلف بثلاثة اغتراره بظاهر ما يجرى عليه من امداده ظنُّه بنفسه في حاله ونصرة نفسه في غلطها بفتح باب التأويل وذلك من الرضا بزعمه وحسن عنها والسكون إليها ونسيان خوف المكر في عموم أحواله إذ لا يتوقف أمر الله فيه على علمه كما
نيه عليه المؤلف إذ قال
فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر
۱ وفي التيمورية بحيث لا يتسمح لنفسه في حل عزيمته وزاد في التيمورية ومن الناس من يعاقب بوقوع الحجاب
۳ هو أبو حفص عمر بن مسلمة الحداد ولد بقرية من قرى نيسابور على طريق بخارى وهو أول من أظهر طريقة التصوف بنيسابور توفى سنة ٢٦٦هـ أنظر في ترجمته وأقواله الجزء الأول من الرسالة القشيرية ص ٩٦ ٤ هو أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم الإخميمي المصرى من أهل مصر نوبى الأصل كان عالماً زاهداً فصيحاً حكيما وشوا به
لدى الخليفة العباسي المتوكل فاستحضره من مصر فلما وحظه رده إلى مصر مكرماً توفى بالجيزة سنة ٢٤٥ ٥ - ٨٥٩ م
ه وفي التيمورية تجرى
-De-
قلت ذلك بأحد وجوه ثلاثة صرفه عن التحقق بما علم إلى الاتساع في علمه ومعارفه وإبقائه في حاله مع عدم الشعور بنقصه حتى لا تسمو همته لغير ما هو فيه فيكون حجاباً له عما هو أعلى بل يكون موكولا لحاله في وقته وبتيسير مراداته من غير تأييد فيها بما يقع به الزيادة في حاله فيشتغل بمراده عن مولاه ويرى ذلك سعادة في أمر دينه ودنياه وإنما هو صرف له عن بابه وطرد عن أحيابه كما قيل
ومن صد عنا حسبه البين والقلا ومن فاتنسا يكفيه أنا نفوته
وقد نبه المؤلف على ما قلناه ما ذكره حيث قال
ولو لم يكن إلا منع المزيد
قلت وبذلك يتحقق الاستدراج حتى يرى الشر في موضع الخير وبالعكس ومَنْ لَمْ يَجْعَل اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ۱ فعليك باللجاء إلى الله في كل حال والحذر من نفسك بكل حال والإعراض عن الانتظار بما تتعلق به الأغراض والسلام قال
ولو لم يكن إلا أن يخليك وماتريد
قلت يعنى يصرفك عن بابه بمرادك ويطردك عن جنابه بتواتر امدادك فترى أنك في محل القرب وأنت في محل البعد وهذا من غاية المكر والاستدراج والعياذ بالله وإليه أشار الجنيد رضى الله عنه حيث قال ألطف ما يُخادَعُ به الأولياء وجود الكرامات والمعونات
انتهى
ووجوه الابتلاء في المقام مع ما تريد ثلاثة أحدها الأنس به والانقطاع إليه وذلك بعد عن مراتب الاختصاص الثاني الاشتغال عن العبودية بسببه فرحاً وترحاً وإن كنت ترى أنه موجب شكر وشهود منة ففيه من الأقبال والإدبار علة الثالث الإغترار بظاهر الإفعال عن باطن الأحكام وهو أصل كبير في الإبعاد والطرد وقد قال الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه يوصى بعض أصحابه خَفْ سطوة العدل وأرخ رأفة ۳ الفضل ولا تأمن مكره ولو أدخلك
1 آية ٤٠ من سورة النور
۳ وفي نسخة أرقه
أي أدق وأخفى
-19-
الجنة ففى الجنة وقع لأبيك آدم ما وقع وقد يقطع بأقوام فيها فيقال لهم كلوا واشربوا هنيئا بما أَسْلَفْتُم في الأيام الخالية ۱ فقطعهم بالأكل والشرب عنه وأي مكر فوق هذا وأى خسران أعظم منه انتهى وهو أوّل كلام حفظته فى هذه الطريقة وقوله ولو أدخلك الجنة أتى به للمبالغة واستشهد بواقع آدم عليه السلام للتحقيق في ذلك وإلا فالجنة دار السلام وآدم على التبرئة من كل نقص وعيب وموقف الخوف والرجاء هذه الدار فافهم ثم إن من أصول الآداب التى يقع بتركها الطرد والانقلاب حفظ حرمة المسلمين خصوصاً أهل دائرة الحق من العباد والزهاد وأهل الطاعة والسداد ومفتاح إسقاط حرمتهم احتقار ما منحهم مولاهم وعدم الاعتبار بما من به عليهم وأولاهم فلذلك قال
مولاه
إذا رأيت عبداً أقامه الله بوجود الأوراد وأدامه عليها مع طول الإمداد فلا تستحقرن ما منحه لأنك لم تر عليه سيماء الدارفين ولا بهجة المحبين قلت معنى أقامه استعمله مع الدوام وحصول الفوائد والاوراد ما ترتب من العبادات
في الأوقات
والإمداد هنا حصول المنافع والفوائد وطولها بكثرتها واتصالها ومنحه أعطاه عن
نفضّل وإكرام
ولا شك أن من اتصلت أوراده وتواترت أوراده مخصوص من مولاه بعناية وملحوظ برحمة ورعاية فيجب تعظيمه واحترامه ويتعين توقيره وإكرامه ولا يتحقر ما هو عليه لكونه قاصراً عن درجة أهل الكمال من العارفين والمحبين إذ لم تر عليه سيماء الأولين من الاستسلام والرضاء والسكون عند جريان القضاء ومن حال أهل المحبة وبهجتهم التي ۳ مقتضاها شغفهم بمولاهم وإعراضهم عن الوجود إذ تولاهم فإن قصورهم عن ذلك لا يخرجهم عن دائرة أهل | الاختصاص حتى يحتقروا ويُحتقر ما هم عليه فقد قال أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه لو كشف عن نور المؤمن العاصي لطبق ما بين السماء والأرض فما ظنك بالمؤمن المطيع وقال أيضاً رضى الله عنه أكرم المؤمنين وإن كانوا عصاةً مذنبين وأقم عليهم الحدود واهجرهم
1 آية ٢٤ من سورة الحاقة
يبدو أن ما بين الأقواس من تعليقات بعض النساخ
۳ وفي التيمورية و اقتضاها
-11
رحمة
هم
لا تقررا لهم ولا تقتد بمن يتورع عما نالته أيدى المؤمنين ولا يتورع المشركين فقد علم ما نال الحجرُ من أيديهم فاسود لذلك انتهى
عما نالته أيدى
وأشار بآخره لما روى أن الحجر الأسود إنما تدلّى إلى الأرض ياقوتة بيضاء وإنما سودته أيدى المشركين ۱ والمقصود أنَّ من ظهر بالنسبة لجناب الله تعالى تاماً كان أو ناقصاً صادقاً كان أو كاذباً تعين تعظيمه واحترامه ووجب توقيره وإكرامة على قدر حاله من غير احتقار ولا إهمال ولا اقتداء إلا عن صح عمله وورعه ونفوذ بصيرته فإن الجناب عظيم والإنتساب إليه لا يكون إلا بعناية منه إذ لا يقدر أحد على هداية نفسه وهذا مانيه عليه إذ قال
فلولا وارد ماكان ورد قلت يقول فلولا وارد من الحق يقتضى تعظيم جنابه ماكان ورد يقتضى الوقوف ببابه إذ ما كان ظاهره ذكر إلا عن باطن شهود وفكر بل لولا وارد ما كان انتساب إنما ينتسب
العبد للجناب بعد تحققه بعظمته على قدر حاله واعتبر هذا يقول الصحابة رضى الله حين كانوا يرتجزون في الخندق
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنــــــــــــا ولا صلينا وإنما هما اثنان أهل هداية أو عناية وكلاهما في منة الحق وكرامته كما قال
قوم
أقامهم الحق لخدمته وقوم اختصهم بمحبته
عنهم
ل
قلت فالذين أقامهم لخدمته ثلاثة العباد والزهاد وأهل الطاعة والسداد فالعباد من يعمل بتحقيق العمل لقصد تحصيل الأمل والزاهد الفار من وجود الخلائق في الظاهر لينفرد همه لمولاه على الاوراد بالغدو والاصال والذين اختصهم بمحبته ثلاثة المحيون والعارفون والمواصلون فالمحب من آثره على كل شيء والعارف من شهده في كل شيء والواصل من یعنی به عن كل شيء وهم أهل الاجتباء والاختصاص كما أن الذين من قبلهم أهل الهداية والإنابة قال الله تعالى يَجْتَبِي إِلَيْه مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ الآية۳ فالكل في
1 يبدو أن ما بين الأقواس من شرح بعض الكتاب وفي نسخة الدار والزهاد الفارون من وجود الخلائق فى الظاهر لينفردوا هم لمولاهم على بساط الطلب وإرادة السلامة
والناسك المتمسك بالفضائل المواظب على الأوراد بالغدو والأصال ۳ من آية ١٣ من سورة الشورى
-411-
دائرة الحق مستمدون من إحسانه وفضله كما أشار إليه المؤلف بالآية إذ قال
كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربك محظوراً
قلت أشار بالآية ۱ إلى أن الكلِّ من عطائه تعالى فيعطى من يشاء ما يشاء بلا حجر ويمنع من يشاء ما يشاء بلا علة فالكل منه وإليه وإذا كان الأمر كذلك فلتراع نسبة إحسانه وظهور فضله وامتنانه فيمن ظهر عليه شيءٌ من شواهد الإحسان بحيث لا ينقص من حقه شيء وإن كان بعضهم فوق بعض في ذلك
ثم موقع الآية إنما هو فيمن أراد الآخرة أو الدنيا لكن آخرها مشير للتفاضل في درجات الآخرة وعليه يجرى التوقيع المذكور هنا إذ قال تعالى وللآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وأَكْبَرُ تفضيلاً فافهم الآية ونتدبرها حق التدبر تصب ما أشرنا إليه وما هو إلا كما قال ارحم بني جميع الخلق كلهم وانظر إليهم بعين اللطف والشفقة
وقر كبيرهم وارحم صغيرهم وراع في كل خلق حق من خلقه
و معنى محظوراً ممنوعاً والمقصود ليس عطاء الله بمحجور حتى يقصر على من ظهر عليه بل وربما يفتح منه على من بعد عنه فضلاً عمن له نسبةٌ فيه والله أعلم تنبيه وأصل هذا الأمر كله ورود الواردات وهى منح الهية لا تتوقف على علة ولا سبب
ولا زمان ولا عين ولا أمد ولا وقت ولا غيره
۳ آية ٢٠ من سورة الإسراء
۱ آية ٢١ من سورة الإسراء
** المنازل على قدر مراتب النازل
•
الباب الثامن
متى رزقك الطاعة والغنا به فاعلم انه
قد أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة
110-
وقال رضى الله عنه
قلما تكون الواردات الالهية إلا بغتة
قلت يقول قليلا ما تكون الواردات التى هى التنزيلات العرفانية على القلوب الموجب ۱ لتأثيرها بورودها من حيث قونها وسطوتها ومعناها إلا بغتة أى فجأة دون روية ولا استعداد ولا توقيت وقد نرد على استعداد وهو أقل من القليل بل يكاد أن يكون معدوماً نعم قد يعرف ورودها عقاماتها ومودتها في بعض الأوقات وقد سئل الشيخ أبو محمد عبد القادر الجيلانى ۳ رضى الله عنه عن صفة الواردات الآلهية والطوارق الشيطانية فقال الوارد الالهى لا يأتى باستدعاء ولا يذهب بسبب ولا يأتى على نمط واحدا ولا في وقت واحد والطارق الشيطاني بخلاف ذلك غالباً انتهى
ثم ذكر المؤلف وجهاً من وجوه الحكمة في إتيان الوارد على ماذكر فقال
صيانة لها عن أن يدعيها العباد بوجود الاستعداد
قلت وإنما صانها عن ذلك لثلاثة أوجه أحدها لأنها من بساط عزيز وما كان من عزيز لا ينبغي أن يكون إلا عزيزاً الثاني لئلا تكون مبتذلة فيبطل سر الاختصاص وهو الذي جاء من أجله ٤ الثالث لتعظيم المنة وتحقيق الشكر على المواجه بها على قدرها فقد قيل إذا عمت النعم صغرت وكفرت وإذا خصت عُظمت وشكرت فتأمل ذلك وبالله التوفيق وسيأتى من كلام المؤلف ستر أنوار السرائر بكثائف الظواهر إجلالاً لها أن تبتذل بوجود الإظهار أو ينادى عليها بلسان الاشتهار فانظره فى محله فإن له تعلقاً بما هنا والله أعلم وإذا كانت
1 وفي نسخة المواجهة
وفي نسخة وجودها
۳ هو عبد القادر بن عبد الله الحسنى مؤسس الطريقة القادرية من كبار الزهاد والمتصوفين ولد في جيلان وراء طبرستان سنة ٤٩١ ه - ۱۰۹۸ م وانتقل إلى بغداد فاتصل بعلمائها ومتصوفيها وسمع منهم الفقة والحديث والأدب تم تصدر التدريس والفتوى ببغداد سنة ٨٥٢٨ وللعالم برجليوت الإنجليزى رسالة في ترجمته نشرها ملحقة في المجلة الأسيوية الإنجليزية
و انظر كذلك في ترجمته كتاب الأعلام ص ٥٣٤ ٠ ٢
٤ وفي التيمورية وهو الذي جاءت على اصله
-11-
حكمة الله في الوارد ماذكر فحق العبد أن يجرى على حكم ذلك فيما التى إليه اعتبار بحكمة الله فيما ألقى إليه وإن خالف ذلك فهو جاهل كما نبه عليه المؤلف إذ قال
من رأيته مُجيباً عن كلَّ ماسيل وذاكراً كلما علم ومُعبراً عن كل ماشهد فاستدل بذلك
على وجود جهله
قلت وجهله من وجوه ثلاثة أحدها عدم اعتبار المراتب في أنفسها فليس كل سائل يستحق الجواب ولا كل علم يُذكر لكل أحد ولاكل مشهود يعبر عنه لكل شاهد فقد سئل بعضهم عن مسألة فلم يجب فيها فقال له السائل أما علمت أن من كتم علماً نافعاً ألجم يوم القيامة بلجام من نار ! فقال العالم ضع اللجام واذهب فإن جاء من يستحقه وكتمته عنه فليلجمني
وقال على كرم الله وجهه حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله قال الإمام أبو حامد الغزالي ۱ وقد يتضرر بالحقائق أقوام كما يتضرر الجعل٢ بالورد
والمسك
وقيل للجنيد رحمه الله يسألك الرجلان عن المسألة الواحدة فتجيب هذا بخلاف ما تجيب هذا فقال الجواب على قدر السائل لا على قدر المسائل وقال بعض الحكماء زيادة العلم في الرجل السوء كزيادة الماء في أصول الحنضل كلما ازداد ريا ازداد مرارة انتهى الثاني تعثر الإحاطة في الجواب بالعلم وإضاعة العلم ببذله في غير محله وقصور العبارة عن مدارك الشهود حتى ربما أدت العبارة خلاف المقصود ومن ثم كفر جماعة من المحققين وبدعُوا ولا كفروا ولا فسقوا ولا ابتدعوا وفى الخبر إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله فإذا ذكروه أنكره أهل الغرّة بالله وأنشدوا في ذلك
وفسقوا
يارب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنتَ مِمن يعبد الوثنا
ولاستباح رجال مسلمون دمی يرون أقبح ما يأْتُونَه حَسَنًا
۱ هو محمد بن محمد الغزالى الطوسى حجة الإسلام وفيلسوف متصوف له نحو مائتي مصنف ولد في طوس بخراسان ورحل إلى نيسابور ثم إلى بغداد فالحجاز فيلاد الشام ومصر وعاد إلى بلدته فتو في بها سنة ٥٠٥ هـ - ١١١١ م وولد سنة ٤٥٠ ه - ١٠٥٨ م ومن كتبه إحياء علوم الدين وتنزيه القرآن عن المطاعن و ياقوت التأويل في تفسير التنزيل وهو تفسير في نحو
أربعين مجلداً
الجعل بضم الجيم - حشره الحنفس
-JIV-
غير
بين يدى العامة قال لكني
الثالث أن المحال والاوقات مختلفة فَربَّ مسألة يليق ذكرها في وقت دون وقت ورب علم خوطب به في محلّ دون آخر ورب مشهود صح ذكره في زمان دون زمان ولناس دون آخرين فالجهل إذن لاختلاف النسب والوجوه وقد اختلف المشايخ في هل لا يبذل علمهم إلا لأهله وهو قول الثورى أو يبذل لأهله ولغير أهله والعلم أحمى جانب ۱ عن أن يصل إلى أهله وهو مذهب الجنيد إذ قيل ه كم الله تنادى على أنادي على العامة بين يدى الله وقيل للثورى ألا تُذكَّر أصحابك فقال إنهم في حجاب القطيعة أو كما قال والصواب التفصيل فما كان من الوعظ والتذكير فللخاصة والعامة وما كان من البيان والتقرير فللخاص من المحبين فَمن بعدهم وما كان من الأحوال والمنازلات فللمريدين والسالكين فلكل مقام مقال ولكل عمل رجال وبالله التوفيق ثم الحامل على التعبير وما معه إنما هو حب الاستظهار وهو من الميل للدنيا والميل للدنيا من الجهل بالآخرة وطلب الدنيا بالآخرة جهل إذ يقتضى عدم تعظيمها وذلك من الغفلة عن عظمة ما أعد۳ الله فيها كما وكيفا وهذا أشار إليه المؤلف إذ قال
إنما جعل الدار الآخرة محلاً لجزاء عباده المؤمنين لأن هذه الدار لاتسعُ ما يريد أن يُعطيهم ولأنه أجَلْ أقدارهم عن أن يجازيهم في دار لابقاء لها قلت ذكر هنا حكمتين في تأخير جزاء المؤمنين للدار الآخرة إحداهما اتساع عطائه وذلك في الصفة والمقدار ودليله قوله عليه السلام يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ٤ ثم تلا قوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون٥ الآية ومعناها في كل وجه وفى كل معنى وفى كل نوع وفى كل جزء وكونه كاملاً ببقائه لا يزول ولا يحول لأن الآتى قطعاً كالموجود في الحال وما كان ماله إلى الزوال فكأَنَّه قد زال وقد جاء في الخبر لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى لاختار العاقل الذي يبقى على الذي يفنى فيرحم
1 وفى ت والعلم أحمى جناباً أن يصل إليه غير أهله
وفى ت وما كان من الحقائق والمعارف فلأهل المعرفة والواصلين
۳ وفى ت وذلك من الغفلة عن عظمة ما أعد الله سبحانه فيها لعبادة المؤمنين مما لا يكيف 0 آية ١٧ من سورة السجدة
4 حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما
الله القائل
فما الدنيا وزخرفها بشيء ولا أيامها إلا عـــوار
وليس بعاقل من يصطفيها أتشرى 1 الفوز ويلك بالتبار
ثم للجزاء مقدمة وهي وجدان الثمرة وذلك دليل القبول والجزاء على قدر القبول وهذا مانبه عليه المؤلف إذ قال
من وجد ثمرة عمله عاجلاً فهو دليل على وجود القبول
قلت ثمرة العمل ما ينشأ عنه من الفوائد الدينية والدنياوية وذلك يدور على ثلاثة حصول البشارة بزوال الخوف والحزن لقوله تعالى أَلَا إِن أولياءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَاهُم يَحْزَنُون الذينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمْ البُشْرَى فى الحياة الدنيا وفي الآخرة الآية ٣ والحياة الطيبة بالرضا والقناعة لقوله تعالى مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طيبة ٤ وظهور سر الخلافة بتسخير الكائنات وانفعالها ظاهرا وباطنا لقوله تعالى وعد الله الذينَ آمَنوا منكم وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهم فى الأَرضِ كما اسْتَخْلَفَ الذينَ
من قَبْلِهم وَلَيُمَكِنَنَّ لَهُم دينهم الذى ارتَضَى لَهُم وَلَيُبدلنهمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنَا الآية ٥ وفي الحديث الصحيح قول ذلك الصحابي فمنا من أينعت له ثمرته فهو بهدمها ومنا
من مات لم يستوف من أجره شيئاً منهم مصعب بن عمير ٦ رضي الله عنهم أجمعين ومن طيب الحياة حلاوة الطاعة فمن ثم يصح كونها ثمرة لا من حيث ذاتها فتدبر ذلك وبالله التوفيق وإنما كانت الثمرة دليل القبول لأن الكريم إذا أعطى ظاهراً كمل باطناً وإذا وعد أمراً أقوى اليقين فيه عبشراته ولذلك أشار المصنف إذ قال
إن أردت أن تعرف قدرك عنده فانظر في ماذا يقيمك
قلت لأن المنازل على قدر مراتب النازل فإن وجهك للدنيا فقد أهانك وإن أشغلك بالخلق عنه فقد صرفك وإن وجهك للعمل فقد أعانك وإن فتح لك باب العلم فقد أرادك
۱ شرى بمعنى باع
۳ آية ٦٢ من سورة يونس ٥ آية ٥٥ من سوة النور
٢ التيار الهلاك
٤ آية ٩٧ من سورة النحل
٦ هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف صحابي من السابقين إلى الإسلام أسلم في مكة وكم إسلامه فعلم به أهله فأو ثقوه و حبسوه فهرب من مع هاجر إلى الحبشة ثم رجع إلى مكة وهاجر إلى المدينة وشهد بدراً وحمل اللواء يوم أحد فاستشهد وكان في الجاهلية في مكة شباباً وجمالا ونعمة ولما أسلم زهد بالنعيم وكان يلقب مصعب الخير انظر في ترجمته طبقات ابن سعد
والإصابة والإعلام
-JIA -
عليه وسلم
وإن فتح لك باباً إلى مناجاته فقد قربك وإن واجهك بالبلاء فقد هداك وإن صرفك عن الأغراض فقد أدبك وإن رضيت به ورضيت عنه فقد فتح لك باب الرضا عنه وهو أعظم الابواب وأتمها وأكملها فقد قال عبد الواحد بن زيد رضى الله عنه الرضا باب الله الأعظم ومستراح 1 العابدين وجنة الدنيا في الخبر يقول الله تعالى أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخير والشر فطون لمن خلقته للخير وأجريت الخير على يديه وويل لمن خلقته للشر وأجريت الشر على يديه وفي خبر عنه صلى الله أنه قال من أراد أن يعلم ماله عند الله فلينظر الله عنده فإن الله ينزل العبد حيث ينزله العبد من نفسه وقال الفضيل بن٣ عياض رضى الله عنه إنما يطيع العبد ربه على قدر منزلته منه انتهى وأكبر المنازل كلها التعلق بأوصافه التحقق بأوصافك بل أكبر الكرامات أن تكون في الظاهر ممتثلاً لأمره وفي الباطن مستسلماً لقهره وإن شئت قلت الصدق في العبودية والقيام بحقوق الربوبية وإن شئت قلت الطاعة والغنى به عنها فهذه عبارات كلها ترجع لمعنى واحد عبر نبه عليه المؤلف بالعبارة الأخيرة إذ قال
مع
مى رزقك الطاعة والغنا به فاعلم أنه قد أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة
عنه
بها وقد
قلت وصورة ذلك أن ٤ تعمل بأمر الله لا لشيء وترجو من الله خير الدنيا والآخرة
لا بشيء فتكون له به لا لعلة ولا لسبب ومعنى أسبخ أكمل وتمم والظاهرة الجلية والباطنة وأكملها وأعلاها وأفضلها القيام بالعبودية في عين مشاهدة
الخفية والمقصود
الربوبية
أن النعم
i
۱ وفي ت وسراج
رواه الدارقطني في الإفراد على أنس ورواه أبو نعيم في الحلية وفى مغتاه الحديث الذى يقول الله تعالى فيه أنا عند ظن عبدي بي إن خيرا فخير وإن شراً فشر وقد رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية
۳ هو أبو على الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي من أكابر العباد الصلحاء كان ثقة في الحديث أخذ عنه كثيرون منهم الإمام الشافعي أصله من الكوفة ومولده بسمرقند سنة ١٠٥ ه - ۷۳م وسكن مكة وتوفى فيها سنة ١٧٨ ه - ٨٠٣ م انظر ترجمته في الكتب الآتية طبقات الصوفية - تذكرة الحفاظ الأعلام - الرسالة القشيرية ٤ وفى ت وصورة ذلك أن تعمل بأمر الله سبحانه لا لشيء ترجوه من الله من خير الدنيا والآخرة ولا بسبب شيء فتكون
له په
- Jr -
وإن شئت قلت إقامة الشريعة مع موافقة الحقيقة لأن به نقع الراحة والموافقة والكمال والتحقيق والتبرى مما سواه تعالى فيزول البؤس والشعب ويتحصل المراد والطلب وهى الرحمة الكبرى والنعمة العظمى والفائدة التامة فقد قيل النعمة العظمى الخروج من النفس وقيل النعمة ما وصلك بالحقائق وقطعك عن الخلائق النعمة ما أسلاك عن دنياك وأدناك من مولاك النعمة مالا يوجب ندماً ولا يُعقب ألماً انتهى
وصورة ماذكره أن يعمل الله لا لشيء ويطلب من الله لا بشيء فهو غنى به عن طاعته فيما يريده من ثواب وغيره مع تلبسه بالطاعة رزقنا الله ذلك وحققنا به بمنه وكرمه تنبيه نعمة الله بالطاعة والغنا به عنها هي مطلوبه من عباده وخير المطالب ماهو مطلوب منه وهو ماذكر من الطاعة والغنى به
** ربما أعطاك فمنعك
منعك فأعطاك !!
وربما
اب التاسع
مطلب العارفين من الله الصدق في العبودية والقيام بحق الربوبية
الله وقال رضی
عنه خير ما تطلبه منه ما هو طالبه منك
قلت وذلك لأنه مختاره لك وهو العالم لمصالحك والقادر على توصيلها إليك وأولى
ما نرجع به إلى الله الله ماجاءنا عن والذي هو طالبه منك ثلاث التخلّى عن كل شيء إلا عنه والتحلى بما يرضيه عنك ويردّك إليه والدوام على ذلك حتى تلقاه بلا فترة ولا تقصير ويعبر عن ذلك بإحدى عبارات ثلاث الطاعة والغنى به عنها والصدق في العبودية والقيام بحقوق الربوبية وامتثال لأمره والاستسلام لقهره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يسأل الخلق عن ذاته وصفاته ولا عن قضائه وقدره ولكن عن أمره ونهيه فاطلب ربك من حيث يطلبك انتهى وذكره في لطائف المنن
ثم من مقتضيات الطلب الطاعة والانبعاث إليها وجود الحزن على فقدانها وذلك غير مفيد مالم يوجب النهوض إليها حسما نبه عليه المؤلف إذ قال
الحزن على فقدان الطاعة مع عدم النهوض إليها من علامات الاغترار
قلت الحزن انقباض القلب لفوت محبوب أو خوف حصول مكروه فيهيجه حسرة خوف الفوات أو وجود الفوات وهو عذاب حاضر ونكد حاصل لافائدة له إلا التلهف على السالف والتشمير في المستأنف فإن أفاد ذلك عملاً أو نهوضاً لاستدراك الممكن منه كان حسناً جميلا وإلا فليس بشيء بل هو زيادة في الاغترار لاعتماد صاحبه فى باب التوجه والتذكير بالرجعي إلى الله تعالى وقد يزداد صاحبه جرأة ورؤية لنفسه فيكون سبباً لطرده من حيث يراه سبب قربه وقد سمعت شيخنا أبا عبد الله القودرى رحمه الله يقول رأيت في حديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا استكمل الرجلُ النفاق ملك عينيه يرسلهما متى شاء وقال أبو سليمان الداراني رضى الله ليس البكاء بتعصير العيون إنما البكاء أن تترك
P
الأمر الذي تبكي عليه انتهى وبالجملة فكل شيء لاحقيقة له فالإعتداد به غرور والحزن
س ١٢٤ -
من
بلا نهوض من ذلك ۱ والله أعلم ثم باعث الحزن ما يجرى فى الفؤاد من إشارة القلب لجلال الحق سبحانه حتى يقع فيه خوف أو حياة أو رؤية نقص فى العبودية ونحوها وذلك كله ملاحظة أوصاف العبد فهذا وإن كان كمالاً فليس بأكمل وهذا مانيه عليه المؤلف إذ قال
ما العارف من إذا أشار وجد الحق أقرب إليه من إشارته
قلت يقول ليس العارف الحقيقى أو الكامل من إذا أشار ضميره لمعنى من الحقيقة أو اسم أسماء الحق أو صفة من صفاته وجد قلبه وضميره لربه دون ما أشار إليه في قلبه بحيث لم من يحسن يعلم ما وقعت به الإشارة ولا بمعناه بل ذكر الله به من حيث ما أشار إليه في قلبه ذكراً نمی به ذكره ومذكوره لاستغراقه فيه لأن ذلك إنما سرى له من تعلق الإشارة بمعنى إليه مرجعه فهو باق في إشارته وغاية معرفته ما أشار إليه ضميره وهو راجع إليه فإشارته عائدة عليه وإذا كان كذلك فإنما عرف وصف نفسه فليس بعارف على الحقيقة وإن كان له حظ من المعرفة ولذلك قيل الإشارة نداء على رأس العبد بالبعد ويوح بعين العلة وقال الشبلي رضى كل إشارة أشار بها الخلق إلى الحق فهى مردودة عليهم حتى يشيروا بالحق إلى الحق وليس لهم إلى ذلك سبيل وقال أبو على الروذباری ۳ رضى الله عنه و الإشارة تصحيها العلل والعلل بعيدة من عين عين الحقائق انتهى
عنه
ثم بين المؤلف شأن العارف الحقيقي في بساط الإشارة بأن قال
بل العارف من لا إشارة له
الله
قلت يعنى لا إشارة له أصلاً لا لجمال ولا لجلال ولكنه موقوف في موقف الفناء بالحق عن كل ملاحظة وإشارة وتنبيه ومعنى كما نبه عليه المؤلف إذ قال
1 أى من هذا النمط من الغرور
هو أبو بكر دلف بن جحدر الشيل عالم عابد ناسك كان في مبدأ أمره والياً في دنباوند ثم ترك الولاية وعكف على العبادة واشتهر بالتقوى والظرف والصلاح له شعر صوفى جيد أصله من و خراسان ومولده ووفاته ببغداد ولد سنة ٢٤٧ه
٨٦١م وتوفى سنة ٥٣٣٤ - ٩٤٦م
۳ هو أبو على أحمد بن محمد الروذبارى ترجم له صاحب الرسالة القشيرية فقال بغدادي المولد أقام بمصر ومات بها سنة ٣٢٢ ه صاحب الجنيد والنووى وكان أظرف المشايخ وأعلمهم بالطريقة
– ١٢٥
الفنائه في وجوده وانطوائه في شهوده
قلت فسقوط إشارته فى حاله لكمال فنائه بشهود الكمال لا لنقصه وقصوره عن مدارك الجلال والجمال فهو فَان في وجوده عن وجوده وفى شهوده عن شهوده موجوده بل مشهوده ويظهر ذلك في حركات الجميع فأما الفانى فكما حكى أن بعضهم خرج في بعض غيباته فأخذه الكفار فلم يستفق إلا والدلال يقول من يزيد فرفع رأسه إلى السماء وقال
أقامني حبك فيمن يزيد في موقف الذل وقهر العبيد
وقد حضر البائع والمشترى عبدك موقوف فماذا تريد
و كما اتفق فى حكاية حاتم ۱ الأصم رضى الله عنه إذ أخذه تركى ليذبحه فأتى مسلم فضرب التركي فقتله فقيل له كيف كان قلبك إذ ذاك قال كنت أنظر ما يحكم الله بينى وبينه ففي هاتين الحكايتين عدم التمييز عند مواجهة الحكم ولو أشار الضمير للجمال لقال كنت أرجو الله أن يخلصنى من ذلك أو أراه نعمة قابلة فى الحال ولو أشار للجلال لقال كنت أرى ذلك من ذنوبي أو انتظر ما هو أعظم منه والله أعلم ثم لما كانت الإشارة واسطة بين الرجاء والخوف إذ تفيد كلاً منهما جعلها المؤلف واسطةٌ فذكر الخوف قبلها والرجاء بعدها فقال الرجاء ما قارنه عمل
قلت یعنی عملا في سبب تحصيل المرجو لأجل تحصيله وقد عبر عنه بعض الفقهاء بقوله تعلق القلب بمطموع يحصل في المستقبل مع الأخذ في العمل المحصل له وأقرب منه أن يقال طمع يصحبه عمل في سبب المطموع فيه لأجل تحصيله والمقصود أن الرجاء بلا عمل لا يصح كونه رجاء بل هو أمنية كما قال وإلا فهو أمنية
قلت يعنى وإن لم يقارنه عمل فهو أمنية أي تمنى لا حقيقة له ولقد رأيت ليلة شيخنا الفقيه أبا عبد الله القودى رضى الله عنه فى المنام وكنت أقرأ عليه هذه الحكمة فكلما قلت أننيه قال أو منيَّة فلما انتبهت تأملت فإذا الأُمنية عين المنية من حيث إنها توصل إليه لأن تحصيل المنية إعدام للحياة والأمنية كذلك والمنبة إعدام حسى والأمنية إعدام معنوى ۱ هو أبو عبد الرحمن حاتم بن علوان ويقال له حاتم بن يوسف الأمم من أكابر مشايخ خراسان وكان تلميذ شقيق وأستاذ أحمد بن خضرویه
4
- 1-
وكذلك قال الحسن رضي الله عنه يأيها الناس اتقوا هذه الأمانى فإنها أودية النوكي۱ فيحلون فيها فوالله ما آلى الله عبداً بأمنية خيراً في الدنيا ولا في الآخرة
وقال معروف الكرخي رضی الله عنه طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وإرتجاه
الشفاعة بلا۳ عمل نوع من الغرور وارتجاء رحمة الله المعاصي حمق وجهل وقال الحسن أيضاً إن قوماً ألهمتهم أمانى المغفرة حتى لقوا الله وليست لهم حسنة بقول أحدهم أحسن الظن بربي وكذب ولو أحسن الظن بربه لأحسن العمل له وتلا قول الله تعالى وَذَلِكُم ظنكم الذي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُم أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتم من الخاسرين4 انتهى وفى آخره بحث يطول ذكره ثم لما فرغ المؤلف من ذكر بواعث الطلب ذكر عين المطلوب مقروناً بخير الطالبين فقال
مطلب العارفين من الله الصدق فى العبودية والقيام بحقوق الربوبية
قلت لأن ذلك هو المطلوب منهم فهم طالبون منه ما هو طالبه منهم والصدق في العبودية بالتزام أحكامها في كل ورد وصدر هو عين القيام بحقوق الربوبية ومداره على أمور ثلاث التشمير للحقوق والاعراض عن كل مخلوق والاستسلام نحت جريان المقادير والأحكام وقد يعبر عنه بامتثال أمره والاستسلام لقهره أو يعبر عنه بالطاعة والغناء به عنها فكل صحيح واضح مليح والله أعلم
ثم مما يفرض للعارف وغيره في طلبه بسبب مطلوبه أو دونه وجود التيض والبسط وهذا حالان للطلب يردان عليه توقع أو واقع فائدة وورودهما أبقى للعبد بعد فنائه وفناؤه بعد بقائه وهذا ما نبه عليه المؤلف إذ قال
فيضك حيث لايبة يك مع البسط وبسطك بحيث لا يتركك مع القبض وأخرجك عنهما كي
لا تكون لشيء دونه
1 وفي ت و أودية الشياطين والنوكي فى الحمق هو أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي أحد أعلام الزهاد والمتصوفين ولد في قرية كرخ ببغداد وثوق بغداد سنة ٢٠٠ ه - ٥١٨ م واشتهر بالصلاح والعلم والتقوى قال الغزالي كان أحمد بن حنبل و ابن معين يختلفان ويسألانه
ولم يكن في علم الظاهر مثلهما ۳ وفي التيمورية بلا أتباع السنة
٤ آینه ٢٣ من سورة فصلت
- ۱۷
قلت القبض والبسط وصفان وجوديان يتعاقبان على القلب فيكون تارة بهذا وثارة هذا وتارة في موقف الاعتدال وما جعل الحق ذلك إلا ليعرف العبد أنه فى قبضة مولاء ليس له من الامر شيء فينقطع عن نفسه وعن كل شيء سوى ربه إذ ليس من مراد العبد دخول القبض عليه ولا مفارقة البسط له فإذا تحقَّق عدم دوام ما يحبه وثبوت مالا يريده لم يسكن الشيء من وجوده ولم يعتد بموجوده وتأثير ذلك بالأمور الملابسة له أقوى من تأثيره بالأمور البعيدة أو المنفصلة وهذا ما أشار إليه الجنيد رضى الله عنه حيث يقول الخوف يقبضى والرجاء يبسطنى والحقيقة تجمعنى والحق يفرقنى إذا قبضنى بالخوف أفنانى عنى وإذا بسطنى بالرجاء ردنى على وإذا جمعنى بالحقيقة أحضرنى معه وإذا فرقنى بالحق أشهدنى غيره فغطانى عنه فهو فى كل ذلك محر کی غیر مسکنی و موحشی غیر مؤنسی فحضوري لذوق طعم وجودى فليته أفنانى عنى فمتعنى أو غيبنى عنى فرو حنى ١
عنه
وقال فارس رحمه الله القبض أولا ثم البسط ثم لا قبض ولا بسط لأن القبض والبسط إنما يتعاقبان في الوجود فأما الفناء والبقاء فلا انتهى يريد - والله أعلم - أن الله يربى المريدين في بداياتهم بغلبة القبض عليهم حتى يفنوا عن أنفسهم ويدملوا عن حظوظها نم يردهم عليه بالبسط حتى يأنسوا به وعما منة مِن مِنْة فيها توجهوا إليه حتى لايمكنهم نزوع عنها ثم ينتفيان عنهم ليتفرغوا لوظائف العبودية دون علة نفسانية ولا غيرها فيكونون له به لا لشيء من نفوسهم ولا بشيء منها وهذا مراد الشيخ أو قريباً منه وبالله التوفيق ثم إن أحوال الناس فى تلقى القبض والبسط مختلفة على قدر قواهم وما واجههم من العرفان والتحقيق وهذا ما أشار إلية المؤلف إذ قال
العارفون إذا بسطوا أخوف منهم إذا قبضوا
قلت حقيقة المعرفة تقتضى العارف قصر نظره على مولاه واعتباره بأوصافه مما به يتولاه فإذا واجهه بجمال ذكر جلاله وإذا واجهه بجلال ذكر جماله لأنه لا ييأس من الله في شيء ولا يأمن منه في شيء لأن ظواهر الأخبار لا تقضى على باطن الصفات فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون فهم إذا عاينوا صورة أمن خافوا المكروه وإذا رأوا صورة خوف رجوا الفضل قال الشيخ أبو العباس المرسى رضي الله عنه العامة إذا
۱ وفي التيمورية أو غيبى على فرجعني
وفي التيمورية إذا عاينوا صورة خوف رجوا الفضل و إذا ما بنوا صورة أمن خافوا العدل
- ITA -
خوفوا خافوا وإذا رجُوا رجوا والعارفون إذا خوفوا رَجَوا وإذا رُجوا خافوا انتهى وقد يفهم ذلك من حديث الغار وحديث بدر إذ قال أبو بكر في الأول يارسول الله لو نظروا إلى أقدامهم تراونا فقال عليه الصلاة والسلام لا تحزن إنَّ الله معنا
وكان عليه السلام يوم بدر يقول اللهم إن نهلك هذه العصابة لن نعبد فيقول أبوبكر دع مناشدتك ربك فإنه قد وعدنا بالنصر فكان أبو بكر في مقام الثقة بوعد الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم في موقف النظر لاتساع علم الله وهو أتم مع أن كل كمال بحسب من ظهر فيه فاعرف ذلك وبالله التوفيق
ومن موجبات الخوف ما يتضمنه البسط من الزلل وعدم الوقوف عند الحد وهذا ما أشار إليه المؤلف إذ قال
ولا يقف على حدود الأدب في البسط إلا القليل
قلت وذلك لأن البسط يوجب انتشار الحرارة في البدن فيستدعى استرسال النفس مع ما يلامها وذلك يتضمن سوء الأدب فى الحركات والتصرفات إذ لا مكن معه حفظ الحرمة لوجود الطيش الباعث على الحركة من غير اختيار فلا يقف على حدّ الأدب مع ما ذكر إلا من كان متمكن النفس في الأدب متحققاً بحقائق حفظ الحرمة قد غمس قلبه فى بحر الهيبة ولذلك قيل وقف على البساط وإياك والانبساط وقال رجل لأبي محمد الجريري ۱ رحمه الله كنت على بساط الأنس وفتح على طريق البسط فزللت زلة فحجبت عن مقامى فكيف السبيل إليه دلنى على الوصول إلى ما كنت عليه فبكى أبو محمد وقال يا أخى الكل في قبضة هذه اللحظة لكنى أنشدك أبياتاً لبعضهم وأنشد يقول
قف بالديار فهذه آثارهم تبكي الأحبة حسرة وتشوقاً كم قد وقفت بربعها مُسْتَخْبراً أو سائلا عن أهلها أو مشفقا فأجابني داعي الحوى في رسمها فارقت من سوء فاز الملتقى وسئل بعض المشايخ عن تلك الزلة فقال وانبساط مع الحق من غير أدب انتهى ثم ذكر الشيخ بعض علة كونه موجباً لإساءة الأدب في غالب الأحوال فقال البسط تأخذ النفس منه حظها بوجود الفرح والقبض لاحظ للنفس فيه
1 بو محمد أحمد بن محمد بن الحسين الجريري من كبار أصحاب الجنيد وأقعد بعد الجنيد في مكانه
بات سنة ٣١١
6
-189-
قلت وموقف الحظوظ مناف للقيام بالحقوى فيما يتضمنه من الولوع والاستر ال بخلاف محل فقدها قال في الطائف المنن البسط مزلة أقدام الرجال فهو موجب لمزيد حلبرهم
وكثرة لجائهم والقبض أقرب لوجود السلامة لأنه وطن العبد إذ هو في أسر قبضة الله تعالى وإحاطة الحق تعالى محيطة به ومن أين يكون للعبد البسط وليس هو شأنه ۱ والبسط خروج عن حكم وقته والنبض هو اللائق بهذه الدار إذ هي وطن التكليف وإبهام الخاتمة وعدم العلم بالسابقة والمطالبة بحقوق الله تعالى انتهى وقد قالوا إن القبض الأرواح والبسط للارتياح والقبض حق الحق منك والبسط حفك منه ولأن تكون بحق ربّك أولى من أن تكون بحظ نفسك
ثم أسباب القبض والبسط راجعة لعطاء أو منع وهما لا يتحققان في صورهما فوجب أن تراعى الحدائق وينكب عن صور الأمور كما أشار إليه المؤلف إذ قال
ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك
قلت إذا كان الأمر كذلك فكن خائفاً راجيا في عطائه ومنعه راجعاً باللجاء والافتقار إليه فيهما غير مطمئن بشيء منهما إذ قد يكون فى طيه خلاف ما ظهرت به صورته وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله الكريم فأَمَّا الإِنْسَانَ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبِّهِ فَأَكْرَمَهُ وَنَحْمَهُ فَيَقُولُ ربي أكرمن وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عليه رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن كلا ٢ أي ليس الأمر كذلك بل قد يكون المنع ۳ عطاء والعطاء إهانة أو على مقتضى صورته فلا تفرح بشی ولا تحزن عليه من حيث وجوده فافهم ثم المنع فى العطاء بأن يكون صارفاً عن الله ومشغلاً عنه كما قيل ما شغلك عن الله من أهل ومال وولد فهو عليك مشئوم فأما صورة العطاء في المنح فتأولها المؤلف بأن قال
منى فتح لك باب الفهم فى المنع عاد المنع وهو عين العطاء
قلت لأنه يردّك إلى مولاك ويصلك به من جهة مابه تولاك والنعمة ما وصلك بالحقائق وقطعك عن الخلائق وسيأتى مزيد بيان عند قوله بعد متى أعطاك أشهدك بره ومتى منعك
أشهدك قهره
1 وفي النسخة الخطية بدار الكتب وهذا شأنه آية ١٦ من سورة الفجر
۳ وفي التيمورية بل قد يكون المنع كراماً
ومن مقتضيات الفهم عن الله وجود الرضا عنه سبحانه وتعالى
صلی
لأن الرضا عن الله جنة
معجلة وحالة حسنة ومفتاح كل خير وبر وقال عبد الواحد بن زيد رضي الله عنه الرضا باب الله الأعظم ومستراح العابدين وجنة الدنيا وقال رسول الله الله عليه وسلم المؤمن بكل خير على كل حال إذ نفسه تنزع من بين جنبيه وهو يحمد الله الحديث وقد عد المؤلف في و التنوير وجوه الفهم وأنهاها إلى عشرة ثم بيّن جميعها بما هو متأكد على كل مريد صادق وبالله التوفيق ومن وجوه المنع في العطاء والعطاء في المنع ماذكره المؤلف بأن قال
الأكوان ظاهرها غرة وباطنها عبرة
ومن نظر إلى باطنها هَدَنه ۱ وإن اشتغل بها صرفته
عنهم
ليما
قلت فمن نظر إلى ظاهرها أسرته وإن اطمأن إليها صرعته وإن أعرض عنها فاتحته بما فيها فالعاقل ينبسط بإدبارها أكثر من إقبالها ويتحرز في إقبالها أشدّ من إدبارها وكذلك كان السلف رضى الله إذا أقبلت الدنيا عليهم قالوا ذنب عجلت عقوبته وإذا أقبل الفقر قالوا مرحباً بشعار الصالحين وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم من كل آفة وهفوة قد عُرضت عليه مفاتيح خزائن الأرض فأبى إلا أن يجوع يوماً ويشبع يوماً ولما سألته ابنته وقرة عينه فاطمة رضى ا الله عنها خادماً وجدته من الألم عند طحن الرحى دلها على ذكر مولاها عند نومها قائلاً ألا أدلك على ماهو خير لك من خادم إذا آويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين وكبرا ثلاثا وثلاثين واحمدا أربعا وثلاثين وذلك خير لكما من الخادم الحديث كل ذلك فراراً من زينة الدنيا وغرتها ورجوعاً إلى مادل عليه وجود عبرتها أليست بدار فناه وزوال ومحل نقص وارتحال لكن العبد مبتلى بنفسه معلقا بأسباب معاشه ورباشه فوجب أن يتناول على قدر حاجته والنظر إلى ما وراء ذلك إنما هو من نفسه الخبيثة وإن لم ينظر فلغلبة وارد الحقيقة عليه كما قال
فالنفس تنظر إلى ظاهر غرتها والقلب ينظر إلى باطن عبرتها
قلت فإذا نظرت إليها النفس وقع البسط والقبض بإقبالها وإدبارها وإذا نظر إليها القلب وقع البسط والقبض على حسب ماكوشف من حالها ومن أجل ذلك قال بعضهم تركت الدنيا لسرعة فنائها وقلة غنائها وكثرة عناتها وخسة شركائها
وقال بعض العلماء ماسطع لى زينة من زخرف الدنيا إلا كشف لى باطنه فظهر عندى
عزوف عنها
۱ وفى ت ومن نظر إلى باطنها غمته
J
-JP-
زهرة الحياة الدنيا
قال الشيخ أبو طالب المكي رضى الله عنه فهذه عناية من الله لمن والاه من أوليائه المقربين فمن شهد الدنيا بأول وصفها لم يعتبر بآخره ومن عرفها بباطن حقيقتها لم يعجب بظاهرها ومن كوشف بعاقبتها لم يستهوه ۱ زخرفها وكان عيسى عليه السلام يقول ويلكم علماء السوء مثلكم مثل قناة خبث ظاهرها جص وباطنها نَتَنه وقد أمر الله تعالى نبيه عليه السلام بترك النظر إلى الدنيا فقال عز وعلا وَلَا تَمُدَنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَعْنَا بِه أَزْوَاجًا لنفتتهم فيه الآية ففى هذه الآية أن الدنيا فتنة والنظر إليها مذموم وإن لم يكن حراما لأن فيه عليه السلام أسوة لنا كما لنا أسوة به صلى الله عليه وسلم ومن وجوه العبرة رؤية الفنا كما أن من الغرة رؤية النظر لما يحصل بها من العز والغنى وعلى ۳ ذلك نبه المؤلف إذ قال إن أردت أن يكون لك عزّ لا يفنى فلا تستعزن بعز يفنى
علينا
منهم
قلت وكل عز في الدنيا فهو فان لأنه إنما يكون بأسبابها ا وهي فانية وما ترتب على الفاني زال بزواله قال فى التنوير فإن اعتززت بالله دام عزك وإن اعتززت بغير الله فلا بقاء لعزك إذ لابقاء لمن أنت به متعزز قال وأَنشد بعض الفضلاء لنفسه
اجعل بربك
شأن
عز
ك
يستقر
ويثبت
في
اليم
فإن اعتززت بمن يمو ت فإن عزك ميت
قال ودخل إنسان من العارفين على رجل وهو يبكى فقال ما شأنك قال مات أستاذى فقال ذلك العارف ولم جعلت أستاذك من يموت ! ويقال لك إذا اعتززت بغير الله فقدته أو استندت إلى غيره عدمته وانظر إلى إلهك الذى ظلت عليه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسفته نسفاً إنما الهكم الله الذى لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ٤ انتهى وكلام المؤلف هنا مثل قوله بعد إن أردت أن لا يعزلك ٥ فلا تتول ولاية لا تدوم لك مشربهما واحد ومدارهما - على أن القبض والبسط بإدبار الدنيا وإقبالها ليس بشيء ومن وجوه ما يقع به العز ويحصل به البسط بوجوده والقبض بزواله الخوارقُ والكرامات التي من أكبرها طى الأرض فلذلك خصها المؤلف بالتنبيه فقال
1 وفیت لم يسر بعاجلها
آیة ۱۳۱ من سورة طه
۳ وفي نسخة الدار و أن النظر إليها مذموم - وإن لم يكن حراماً علينا - لأن فيه أسوة لنا به عليه السلام من وجوه العبرة برؤية الفناء كما أنه من وجوه الغرة النظر لما يحصل بها من العز والغنى ٤ آية ٩٧ من سور طه
ه وفى ت تعزل
الفي الحقيقي أن تطوى مسافة الدنيا عنك حتى ترى الآخرة أقرب إليك منك
C
أو طى
قلت يقول ظاهر الطى من الفعل والكرامة كطى الأيام بلا طعام ولا شراب الأرض بحيث ية طلعها دون مشى ولا تعب فى أقرب مدة كلاهما لا عبرة به إنما هو رسمى خارج
وإنما العلى الحقيقي طي الدنيا بالزهد كما قال بعضهم في قوله عليه السلام الدنيا خطوة مؤمن أى أنه يتخطاها بالزهد وكقول بشر رضى الله عنه من دخل طريقتنا يومين فقد حاز ملك الدارين قيل لأنه يترك فى الأول الدنيا وفى الثانى التعلُّق بالآخرة وفى الثالث يكون تربه بلاعلة وقد قال الشيخ أبو العباس المرسى رضى الله عنه ليس الشأن من تُطوى له الأرض فإذا هو بمكة أو حيث شاء من البلاد إنما الشأن
من
تطوى
عنه
أو صاف نفسه فإذا هو
عند ربه وقال بعض المشايخ الاتعجبوا ممن لم يضع فى جيبه شيئاً فيخرج منه ما يريد ولكن تعجبوا ممن يضع في جيبه شيئاً فيدخل يده فلم يجده فلا يتغيّر وقيل لأبي۱محمد المرتعش رحمه الله إن فلانا عشى على الماء فقال عندى من مكنه الله من مخالفة هواه فهو أعظم من٢
المشي على الماء والهوى انتهى
فرؤية الدنيا بعين الفناء والزوال يوجب طيّها عن نظر العبد وزهده فيها لاستشعاره أنها قرب من أن يرحل إليها وأدنى من أن يستعيد شأنها ٣ ودليل ذلك ماجرى مع الأيام من التغير والانتقال ألا ترى أن الليالي والأيام يبليان كل جديد ويأتيان بكل موعود وسيأتى إن شاء الله في قبول المؤلف لو أشرق نور اليقين لرأيت الآخرة أقرب من أن ترحل إليها والله الموفق للصواب ومما يأتى بالقبض والبسط عطاء الخلق ومنعهم وعطاه الله تعالى ومنعه وإليهما يرجع جميع ماذكر والأصل أن كل ما يأتى من الله بلا واسطة فهو رحمة ونعمة وكل ما يأتى بواسطة الخلق من الله وهذا ما نبه عليه المؤلف إذ قال
عكسة إلا أن يتأيد بأمرٍ
العطالة من الخلق حرمان والمنع من الله عز وجل إحسان
1 تم أبو محمد عبد الله بن محمد المرتعش نيسابوري قال عنه الفشيري كان كبير الشأن ومات ببغداد سنة ۳۸ه وال المدرى عجائب الدنيا في التصوف ثلاثة الشيلي في الإشارات والمرتعش فى النكث وجعفر الخلدى في الحكايات ٢ وفي التيمورية أعظم من مكنه من المشي على الماء إلخ
١٣١
دو تيمورية يستفد لشأنها و من دلائل ذلك ما يجرى مع الأيام من التغيير الخ
- ۱۳۳
قلت وذلك لأن منه تعالى يقتضى اللجاء إليه والدوام بين يديه وحسن الاختيار المنع فيما وجه به إليك إذ لا يمنعك من بخل ولا عدم ولا افتقار ولا احتياج وإنما منعك رحمة بك فالعطاء منه هو العطاء والمنع منه هو عين العطاء لمن فهم مراده به ولكن لا يفهم العطاء في المنع إلا صديق وقال أبو حبيب البدوى رضى الله عنه لسفيان الثوري رحمه الله مالي أطلب الشيء الله تعالى فيمنعني قال مَنْع الله إيَّاك عطاء لأنه لم يمنعك من بخل ولا عُدم وقال الشيخ محى محى الدين بن عربي إذا منعك فذلك عطاؤه وإذا أعطاك فذلك منعه فاختر الترك على الأخذ
من
انتهى
وغيرها
ولكن آخره مقيد بما إذا كان العطاء صارفاً لك عنه وهو أمر لا يتحقق فلزم الحذر في الترك والله أعلم فأما العطاء من الخلق فهو حرمان من وجوه ثلاث أحدها تقلد المنة وقد قال الحكماء الصبر على العدم أيسر من تقلّد المنن والثاني صرف الوجه إليهم والأنس وربما أدى إلى بهم مكافأة الاعتماد عليهم فكان سبب الطرد والإبعاد والعياذ بالله والثالث شغل الوقت بهم طلباً للسلامة من الذل معهم وإلا كنت ذليلاً فيهم وقد قيل وعز النزاهة أشرف من سُرور الفائدة وقد قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه اهرب من خير الناس أكثر ما تهرب من شرهم يصيبك في قلبك وشرهم يصيبك فى بدنك ولأن نصاب فى بدنك خير من أن تصاب
لأن
خيرهم
الله في قلبك ولعلو ترجع به إلى الله تعالى خير من صديق يصدّك عن الله وفى وصية على كرم وجهه لا تجعل بينك وبين الله منعما واعدد نعمة غير الله عليك مغرماً فلذلك قال القائل فلا ألبس النعمى وغيرك ملبسى ولا أقبل الدنيا وغيرك واهب
جبر
الله صدع قلوبنا بالإقبال عليه ومن علينا فى كل حال بالدوام بين يديه وحال بيننا وبين كل ما يحول بيننا وبينه إنه منعم كريم
تنبيه إذا كان الله عطاء وعطاء الخلق منعاً وحرمانا وجب الإعراض عنهم بوجود
منع
الاقبال عليه وذلك يقتضى وجود إكرامه وأفضاله بلامهلة ولا تراخ كما نبه عليه في افتتاح
** لوکش
ف عن نور الولى لعبد !
من أذن له فى الدعاء فتحت له أبواب الرحمة وما سئل الله شيئا قط أحب الى الله من أن يسأل العفو والعافية
- ITV -
وقال رضي الله عنه جل ربنا أن يُعَامِلَه العبد نقدًا فيجازيه نسيئة
قلت بل جزاؤه كله معجل وإن كان ما في الآخرة مؤجلاً فإن الماني قطعاً كالموجود في الحال والتنعم بانتظار الفائدة زيادة في الإحسان بها وإنما كان الأمر كما ذكر لثلاثة أوجه أحدها أنه تعالى كريم والكريم إذا أعطى كمّل وإذا خوّل نوّل وإذا تفضل وصل الثاني أن العبد فقير محتاج فى الحال والمآل فيقدّم له ما يحتاج إليه من معارف وأحوال وغيرها ويدخر له ما يستغنى عنه من ثواب و حسن مآب الثالث أن مراده تعالى من عباده المخلصين إفراد قلوبهم له۱ فيعينهم على ذلك بما يوجهه لهم ولو لم يكن من جزائه على الطاعة إلا وجود التخصيص بالتوفيق
لكان كافياً وهذا ما نبه عليه المؤلف إذ قال
كفي من جزائه إياك على الطاعة أن رضيك لها أهلاً
قلت وذلك أنك من حيث أنت لا يليق بك إلا النقص بل هو وصفك اللازم ونقصك ٢ الملازم وماجرى عليك من وجوه الكمال فمنة ورحمة واجهتك منه قال الله تعالى وَلَوْلا فضل الله عَليكُم وَرَحْمَتَهُ مَازَكَى مِنكُم مِن أحد أبَداً ۳ وقال عز وعلا وَلَوْلَا فَضلُ اللهِ عَليكم ورحمته لاتَّبَعْتُم الشَّيْطَانَ إِلَّا قليلا الآية ٤ وقال تعالى بَلِ الله يَمُنُ عَليكُم أَن هَذَا كُمْ للإيمان إن كنتم صادقين ٥ إلى غير ذلك وبيان ذلك من ثلاثة أوجه أحدها أن الطاعة كمال لك فالمنة عليك فيها بتوفيقك لما فيه كمالك الثاني أنها أمان لك فى الدنيا والآخر فالمنة فيها بتأمينك أو تسخيرك ٦ بسبب حصول تأمينك الثالث أنها عزلك وغنى في الدارين بما أودع فيها من الخواص وما وعد عليها من الثواب ومن أكبر خواصها وجود الحلاوة الواقعة بها والأنس المتوجه بسببها وهذا ما نبه عليه المؤلف إذ قال
۱ وفي التيمورية افراد قلوبهم له عز وجل فيعينهم
وفي ت ونعتك ٤ آية رقم ٨٣ من سورة اللماء
1 وفي التيمورية بتأمينك وتيسيرك الحصول سبب الأمن
۳ آية ۱ من سورة النور
ه آية ١٧ من سورة الحجرات
- ۱۳۸
كفى العاملين جزاء ما هو فاتحه على قلوبهم في طاعته
قلت یعنی حال التلبس بها من حلاوة المناجاة ولذات المصافاة وسنى الحالات حتى قال بعضهم في الدنيا جنة من دخلها لم يشتق إلى جنة الآخرة ولا إلى شي وهى طاعة الله عز وجل وقال غيره ليس فى الدنيا شيءٌ يشبه نعيم الجنة إلا ما يجده أهل التعلق في قلوبهم بالليل من لذات ۱ المناجاة وفي الحديث إن رجلين من الصحابة كانا في جرس المسلمين من الكفار فقام أحدهما يصلى ونام الآخر فكبد ٢ كافر قوسه وضرب المصلّى فأصابه السهم فلم يحفل به ومضى في صلاته فعاوده بِثَان كذلك ثم ثالث فلما رأى ذلك أيقظ صاحبه وقال إلى لولا خفت على المسلمين ما أيقظتك ولكان عما أنا فيه شاغلاً لى عما أصابني أو كلاماً هذا معناه وقطعت رجل ۳ عروة بن الزبير رضى الله عنه لأكلة 4 كانت بها وهو في صلاته فلم يتحس بها والنقول في هذا الباب كثيرة وقد استليل بها ابن أبي جمرة على أنها لذة حسية وجدانية خلافاً لبعض الفقهاء واستدلاله صحيح وبالله التوفيق ثم قال المؤلف
وما هو مورده عليهم من وجود مؤانسته
قلت وكفى العاملين ما هو مورده عليهم من وجود مؤانسته أى فى طاعته بطاعته وما يجري منها لهم في حال التلبس بها وبعد ذلك من تآنسهم به وبما منه وإليه وما يصلهم به من الإمدادات العرفانية والمواريد العلمية والإيمانية قال الله تعالى إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَنُ وُدًّا 2 قيل يعنى فيما بينهم وبينه وقيل فيما بينهم وبين عباده وقد يريد الجميع وهو صحيح مليح يؤيده حديث إذا أحب الله عبداً نادى جبريل إلى أحب فلانا فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه ثم يوضع له القبول في الأرض وهو صحيح مشهور وإلى معناه أشار عظام رحمه الله تعالى حين أوصى مالك رضی الله عنه إذ قال أطع الله يحبك الناس وإن كرهوا وقال على كرم الله وجهه من أراد الغنى بغير مال والعزّ بغير عشيرة فلينتقل من ذلّ المعصية إلى عز الطاعة وأنشد في ذلك
این
۱ وفي التيمورية يشبه نعيم الآخرة إلا ما يجده أهل التعلق في قلوبهم بالليل من لذة المناجاة كيد قبض على كبد القوس وكيد القوس مقبضها كما جاء في المصباح المنير" ۳ وفي التيمورية وقطعت من رجل عروة بن الزبير أكلة كانت بها
٤ جاء في القاموس المحيط الأكلة كمرحة داء في العضو بأتكل منه ه آية ٩٦ من سورة مريم
- 1159 -
إن عرفان ذي الجلال لز وبهاء
-"
وبهجة وسرور
مسرور
وعلى العارفين منه بهاء وعليهم من المحبة نور فهنيئاً لعارف بك ربي هو والله دهبره فإذا جزاء العمل على ثلاثة أوجه جزائم قبله وهو التوفيق فيكون العمل شكراً له وجزاء بعد العمل ويكون قبوله والفرح بالمنة فيه شكره ومن تمام ذلك التوجه لتحصيل مثله في المستقبل بمحض المحبة والعبودية وشكر المنة لا لجلب ولا لدفع إذ كان مستشعراً به شكر النعمة والاستغراق في المنة وعلى هذا نيه المؤلف إذ قال
منه
من عبده لشيء يرجوه منه أو ليدفع بطاعته ورود العقوبة عنه فما قام بحق أوصافه قلت وذلك أنها تقضى بأن يطاع فلا يعصي وأن يذكر فلا ينسى لا لعلة ولا لسبب بل لحق الربوبية وواجب العبودية له وسابق إحسانه وكرمه إذ حقه واجب وإحسانه سابق1 فعلى العبد أن يعمل له تعالى لا لشيء ويطلب لا لشيء لأن الكل منه وإليه فالعمل على الأغراض والأعواض إساءة أدب والطلب له يغير العمل قيام بحق الحرمة وعدم الطلب رأساً فيه رائحة الاستغناء وغير ذلك لقوله تعالى إنما نطعمكم لوجه اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُم جَزَاء ولا شكوراً إنَّا نَخَافِ مِنْ رَينَا ۳ فجعل الإطعام لا لعلة ومخل الخوف غير محل العطاء فافهم وفيما نقل وهب من الزبور يقول الله تعاليه ومن أظلم ممن عبدلي لجنة أو نار لو لم أخلق جنة ولا ناراً لم أكن أهلاً لأن أطاع ! !
لم
وفي الخبر لا يكن أحدكم كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل ولا كالأجير السوء إن يُعط الأجرة لم يعمل وإنما كان هذا أخير لأنة قد أساء الظن مستعمله ولا يليق به ذلك
سوه
ولم يعط الحرمة 4 حقها ولا توجه بالمروعة في محلها فافهم وقال عليه الصلاة والسلام نعم العيد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه أي لكنه يخافه ولا يعصيه فالحامل له على ترك المعصية غير الخوف مما هو أعم من الرجاء ثم العطاء والمنع للمتوجهين إنما هما رسائل تحمل هدايا التعريف فالاشتغال في ٥ الجلب فيهما تضييع لحكم الوقت وهذا ما أشار إليه المؤلف إذ قال
1 وفي التيمورية وإحسانه سابق وهو رب الكل ومرييهم بلطيف إحسانه فحق العيد أن يعمل له تعالى لا لشيء ويطلب مة الخ وفي التيمورية والطلب له بغير العمل لنيس قياماً بحق الخدمة ۳ آية رقم 9 من سورة الإنسان 4 في نسخة الخدمة
٥ وفي نسخة فالاشتغال بالجلب والبقع فيهما تضيع الخ
-10-
متی
أعطاك أشهدك بره ومتى منعك أشهدك قهره فهو في كل ذلك متعرف إليك ومقبل بوجود
لطفه عليك
قلت فالتقلبات للتعريف والعبادات للتصريف والكل رحمة ولطف إذا أقبل عليك بما وجه إليك أو وجه عليك مما أقرّ به أو فيه عينك فوجب عليك الإقبال عليه بمعرفة منته والتعرف لما واجهك به من قهره أو رحمته والإقبال على عبادته شكراً له على ما أولى وأسدى في عطائه ومنعه فالمؤمن شغله الثناء على الله عن أن يكون لنفسه شاكراً وتشغله حقوق الله أن عن يكون لحظوظه ذاكراً لكن غلبة الهوى وعدم الفهم هو الداعي للإعراض في محل الإقبال وهذا مانيه عليه المؤلف إذ قال
إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه
عنه
قلت لأنك لو فهمت تسليت ما فهمته من لطفه وإبراره فى منعه وعطائه إذ الكل
رحمة وكرامة ولطف كما يأتى من قوله من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره وقد مر قوله متى فتح لك باب الفهم عاد المنع هو عين العطاء وعن قريب يأتى قوله ليخفف ألم
أن الله تعالى رحيم
البلاء عنك علمك بأن الله سبحانه وتعالى هو المبلى لك وبالجملة فمن علم به ومتفضّل عليه ولطيف به لم يتألم بما يواجهه منه وقد ذكر في أول التنوير وجوهاً من الفهم يتعين النظر فيها على كل لبيب عاقل وبالله التوفيق
ثم من وجوه المنع في العطاء ما ذكره بأن قال
ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول
قلت والطاعة عطاء وعدم القبول منع مصحوب بعطاء بل عطاء مصحوب بمنع فعاد منعاً إذ لا عبرة بعمل لا قبول فيه وباب القبول ثلاثة أمور أحدها التقوى إنَّما يتقبل الله من المتقين فكل عمل لاتقوى معه تعب لا فائدة له إلَّا ما يُرجى من أنس النفس به ليسهل عليها عند تلبس التقوى۱ الثاني الإخلاص إذ لا يُقبل إلا ما أُريد به وجهه لحديث يقول الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك ومن عمل عملاً أشرك فيه معى غيرى تركته وشريكه الثالث اتقانه بالسنَّة واتباع الحق إذ لا يقبل الله عمل عامل إلا بالصدق واتباع
1 وفى ت ليسهل عليها عنده تيسير التقوى
=
روی این ماجه ورواته ثقات وروى ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال قال الله عز وجل أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل فى عملا أشرك فيه غيرى فأنا منه بريء وهو الذي أشرك
-381-
الحق فمن وجد هذه الثلاث فَلْيُسَر بعمله لأنه دليل قبوله وإلا قليبك على تعبه فإنه دون
حاصل ولا تحصيل ثم قال
وقضى عليك بالذنب فكان سبباً في الوصول
قلت يقول وربما قضى عليك بالذنب فكان سبباً في الوصول بما يفتح به عليك من أبواب الهداية والخير التى أصولها ثلاثة الانكسار إذ قال الله تعالى في الحديث أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلى والتوبة إن الله يحب التوابين والتشمير مع الحذر الموجبين للجد والإخلاص المخلصين من العيوب والذنوب فقد ورد في الحديث ربّ ذنب أدخل صاحبه الجنة وقال الشيخ أبو العباس المرسى رضى الله عنه في إشارة قوله تعالى يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل يولج الطاعة في المعصية ويولج المعصية في الطاعة فيطيع العبد الطاعة فيعجب بها ويعتمد عليها ويستصغر من لم يعملها ويطلب من الله العرض عليها فهذه حسنة أحاطت بها سيئات ويذنب الذنب فيلجأ إلى الله ويعتذر منه ويستصغر نفسه ويعظم من لم يعمله فهذه سيئة أحاطت بها حسنات فأيتهما الطاعة وأيتهما المعصية ! وهو معنى ماذكره المؤلف إذ قال معصية أورثت ذلاً واحتقاراً ۱ خير من طاعة أورثت عزا واستكباراً
قلت الخير فى الطاعة بالذات والشر فيها بالعَرَض والشر فى المعصية بالذات والخير فيها بالعرض وخير الطاعة من حيث إنها عبودية له وخضوع بين يديه ورجوع إليه وطلب لما عنده وشر المعصية في ضد ذلك فإذا أوجبت الطاعة ما هو بالمعصية فى الذات ٢ كانت شراً وإذا أوجبت المعصية ماهو في الطاعة بالذات كانت خيرا ولذلك أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لولا أن الذنب خير من العجب ما خلا الله بين مؤمن وبين ذنبه أبداً وقال عليه السلام لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ماهو أشد من ذلك العجب وقال الشيخ أبو مدين رضى الله عنه انكسار العاصى خير من صولة المطيع ا هـ وإنما ينسيك أفعالك رؤية تقصيرها أو شهود منته تعالى المستغرق لها وهو أولى فلذلك اتبع المسألة بكلام جامع للمنن فقال
نعمتان ماخرج موجود عنهما ولابد لكل مكوّن منهما نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد قلت إذ لابد من وجود ومدد وإلا كان المخلوق معدوماً بأوله وراجعاً إلى العدم بآخره كما قال تعالى وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيئا ۳ وهذا الإيجاد وقال عز من قائل 1 وفى نسخة وافتقاراً
في ت ما هو في المعصية بالذات ۳ آية 4 من سورة مريم
- 18" -
إخبار عن قول بعض أهل التوفيق لولا نِعْمَةَ رَبَى لَكُنتُ مِنَ المحْضَرين ۱ وهذا الإمداد فالامر إذن كما ذكر المؤلف إذ قال
أنعم عليك أولا بالإيجاد وثانياً بتوالى الإمداد
قلت يقول وإنما كان الإيجاد نسمة لأنه تعالى فى عنك وأنت مفتقر إليه في وجودك إذ لو لم يوجدتك لكنت صرف التي ومحض العدم وقد قال الشيخ أبو مدين رضى الله عنه الحق تعالى مستبدأ والوجود مستحد والمادة من عين الجود فلو انقطعت المادة لانهد الوجود ا هـ
ثم نعمة الإمداد تجرى بثلاث دفع المضرّات وجلب الفوائد وتوجيه الخطاب فالكل منه تعالى عناية ورحمة وتفضيل فمن أين يكون للعبد نسبة حتى يضيفها لنفسه فينه زز أو يتكبر وقد أشار المؤلف إليه لأن أصل ماذكر ما قلناه من الافتقار فقال فاقتك لك ذاتية وورود الأسباب مذكرات لك بما خفى عليك منها
عنه
بانعدامها
قلت الفاقة شدة الاحتياج والفقر الذاتى ما يلازم الذات فلا ينعدم ولاشك أن الفاقة لازمة للعبد أبداً ولا ترتفع أبداً لكنه قد يغفل عنها فيذكر بالأسباب الواردة عليه من الغنى والفقر والعز والذل والقوة والضعف وجميع مختلفات الأحوال التي يستشعر بها فاقته فيرجع إلى حده ملاحظة أو صافه
والفاقة الذاتية لا ترفعها العوارض
بن تؤكدها وإنما ينظر ذلك من وفق له فيكون فى النعمة متلبساً بالشكر وفي البلية متلبساً
بإظهار الفاقة والفقر ومن هنا كان كما قال
خير أوقاتك وقت تشهد فيه وجود فاقتك
ترجع فيه إلى مولاك على حكم ما أولاك من رخاء أو شدة بما يقتضيه كل منهما من غير تعريج
على غيره أو تحقق بحالك وترد فيه إلى وجود زلتك
نتسكن النفس عن الدعوى ويدوم وقوفها بباب المولى ومن هنا كان أشد الناس بلاء ثم الاولياء ثم الامثل فالامثل وقال بعضهم إن ما حمل فرعون على أن يقول أنا ربكم
آية ٥٧ من سورة الصافات
وفي التيمورية إذ يتحقق بحالك ما له عليك
- JEY -
الاعلى طول العوافى والغنى لبث أربع مائة سنة ولم يتصدّع رأسه ولم يُحم جسمه ولم يضرب عليه عرق فادعى الربوبية 1 اهـ فإذا علمت أن كل ما سوى الحق موسوم بالفاقة استوحشت منه ومتى أوحشك من خلقه فاعلم أ أنه يريد أن يفتح لك باب الأنس به
محتال
إذ القلب لا يخلو عن شيء أو مقابله فإذا نفر من الخلق تعلق بالحق وإذا شهد فقرهم وجد الأنس بغنى مولاه فاقيل عليه بكله كما أعرض عن الخلائق بكله ولذلك قيل الأنس بالله لا يحويه بطال ولا يحوزته بالحول والآنسون رجال كلهم فخُمُوا وكنهم صفوة نلـــــه وقال القاضي عبد الرحيم بن القشيري رحمه الله الأنس سرور السرّ من غير ملاحظة للبر القرب الأنس برد الحياة بوجد المدانات الأنس وجد الحبيب بفقد
عمان
الأنس حياة القلب بتنسم الرقيب الأنس دون الوصول وفوق المأمول اهـ ومتى أنس العبد به لم يحتشم من طلبه
ومتى أطلق لسانك بالطلب
على وجه العبودية أو غيرها انطلاقاً ضرورياً
فاعلم أنه يريد أن يعطيك
ما تريد كما يريد فقد روى عن عبد الله بن عمر رضی الله عنه أن
رسول الله
صلی
الله عليه
وسلم قال من أذن له فى الدعاء فتحت له أبواب الرحمه وما سئل الله شيئاً قط أحب إلى الله من
أن يُسأل العفو والعافية وفى معنى ذلك قيل
فده
لو لم نرد نيل ما أرجو وأطلبه من فيض جودك ما علمتني الطلبا
العارف لا يزول اضطراره
لتتحققه بفقره وفاقته
ولا يكون مع غير الله فراره
لاستيحاشه مما سواه فهو مستأنس الجنان بقربه منطلق اللسان بذكره لذلك قيل
من عرف الله أطلق لسانه
۱ وفي التيمورية ولو أخذته الشقيقة ساعة واحدة في كل يوم اشغله ذلك عن دعوي الزبوبية
وقال الشيخ أبو العباس المرسى رضى الله عنه في قوله تعالى أمن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ۱
العارف لايزال مضطراً وفي معناه لبعضهم
إلى إليك مع الانفاس محتاج لو كان في مفرقى الإكليلُ والنَّاجُ وإذا كان العبد فقيراً بكل وجه فالحق تعالى هو الذي
أنار الظواهر بانوار آثاره
التي هي الإحساس المستفاد من آثار الافعال
وأنار السرائر بانوار أوصافه
التي هي المعارف الإيمانية والحقائق اليقينية فاعظم المنة ظاهراً وباطنا إلا أن الظواهر موقوف وجودها على الافعال وهي حادثة والسرائر مستفاد نورها من تجلى الأوصاف لأجل ذلك أفلت أنوار الظواهر
بالفناء والزوال وانقضت بانقضاء الوقت والنظر الحاضر
وهي
قدمة
ولم تأفل أنوار القلوب والسرائر هي ثابتة في دار الآخرة الأبدية لا انقضاء لها أبد الآبدين فكان ثبات كل وزواله بحسب متعلقه وأصله ولذلك قيل
إن شمس النهار تغرب باللي ل وشمس القلوب ليس تغيب
وهذا البيت الذي استشهد به المؤلف قبل بيت آخر وهو قوله
طلعت شمس من أحب بليل و استنارت فما تلاها غُرُوب
وقال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه لو كشف عن نور الولى لعبد لان أوصافه من أوصافه ونعوته من نعوته قال فى الطائف المنن فلو كشف الحق عن مشرقات أنوار قلوب أوليائه لانطوى نور الشمس والقمر في مشرقات أنوارهم وأين نور الشمس والقمر من أنوارهم الشمس يطرأ عليها الكسوف والغروب وأنوار قلوب أولياء الله لا كسوف لها ولا غروب وقال فيه أيضاً نور الشمس تشهد به الآثار ونور اليقين شهد به المؤثر قال ولنا في هذا هذه الشمس قابلتنا بنورها ولشمس اليقين أبهر نوراً فبهذى قد رأينا الانوار لكن بهاتيك قد رأينا المنيرا
۱ آية رقم ٦٢ من سورة النمل
** من كثرت صلاته بالليل
حسن وجهه بالنهار
الباب الحادى عشر
الجزاء لا يكون الا على كامل في ذاته وقصده فهو يحتاج الى التخليص من الشوائب والاخلاص في القصد
-13Y-
وقال رضى الله عنه
مبيناً توجه الالطاف في أسباب التلف
يخفف ألم البلاء عنك علمك بأنه سبحانه وتعالى هو المبلى لك
فإنه جميل الوصف كريم الفعل لا يقصد ألم عبده إلا لمصلحة له فضلاً ومِنَنا لا أنه يجب
عليه ذلك وقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم واصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعَيْنُنَا ۱ وكما عودك
ما تحب فاصبر له على ما يُحب
فالذي واجهتك منه الاقدار
بما لا تريده من الأمور
هو الذى عودك حسن الاختيار
على مر الدهور إن أعرضوا فهم الذين تَعَطَّفُوا كما قد وفوا فاصبر لهم إن أخلفوا وقد قال الجنيد رضى الله عنه كنت ليلة نائماً عند السرّى السقطى رضى الله عنه فنبهني وقال لى يا جنيد رأيت كائى وقفت بين يديه فقال لى ياسرى خلقت الخلق فكلهم ادعوا محبتى فخلقت الدنيا فهرب منهم تسعة أعشارهم وبقى معى العشر فخلقت الجنة فهرب منى تسعة أعشار العشر وبقى معى عشر العشر فسلّطت عليهم ذرّة من البلاء فهرب منى تسعة أعشار عشر العشر فقلت للباقين معى لا الدنيا أردتم ولا الجنة أخذتم ولا من النار هربتم فماذا تريدون فقالوا إنك تعلم ما نريد فقلت إنى مسلط عليكم من البلاء بعدد أنفاسكم مالا تقوم له الجبال الرواسي أتصبرون قالوا إذا كنت أنت المبتلي فافعل ماشئت فهؤلاء عبادی
حقا ثم إن
مَنْ ظن انفكاك لطفه عن قدّره فذلك لقصور نظره
۱ آية رقم ٤٨ من سورة الطور
هو أبو الحسن سرى بن المغلس السقطى خال الجنيد وأستاذه كان أوحد زمانه في الورع وعلوم التوحيد بغدادي المولد والوفاة كان إمام البغداديين وشيخهم في وقته أخذ عن الكرخي وسمع الحديث من الفضيل وروى عنه الجنيد ومن أقواله حجباً لضعيف كيف يعصى قوياً و أحذر أن تكون ثناء منشوراً وعيباً مستوراً و توفي سنة ٥٢٥٧
في العقليات والعاديات والشرعيات أما العقليات فما من بلاء إلا والعقل قاض بإمكان مافوقه فالاقتصار على مادون المقدور عليه لطف وبهذا يتبين أن أهل النار ملطوف وأما العاديات بهم
فما وجدت قط بلية لشخص إلَّا وُجد ما هو أعظم منها بغيره ولا اجتمعت البلايا على شخص واحد أبداً فإن من أعظم المصائب الفقر فى الشيب والموت فى الشباب ولا يمكن اجتماعهما وأما الشرعيات فما من بليّة إلا وهى مكفّرة من ذنوب صاحبها أو موجبة له ثواباً أو مخففة عنه عقاباً أو مبشِّرة له بمنفعة دنيوية أو معرفة جلالية ١ أو حقارة نفس فقد قال صلى الله عليه وسلم ما يصيب المؤمن من وصب ولانصب إلا كُفّر به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها وقال عليه السلام حمّى يوم تكفّر ذنوب سنة وقال عليه الصلاة والسلام الحمى حظ كل مؤمن من النار وأحاديث هذا الباب كثيرة وتفاصيلها غزيرة وهي كلها تحمله على شكر أو صبر ولايخاف عليك أن تلتبس الطريق عليك
في ذلك فلا تدرى ما تمسك في ذلك الشكر اعتباراً بلطفه أو الصبر اعتباراً بحكمه وإنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك
الحامل على وجود الشفقة على النفس والرفق بها حتى يودّى إلى الضجر وقد قال أحمد بن خضرویه رضي الله عنه الحق واضح والطريق لائح والداعى قد أسمع فما التحير بعد هذا إلا من العمى وقال أبو عثمان رضى الله عنه الخلق كلهم مع الله في مقام الشكر وهم يظنون أنهم في مقام الصبره اه وإنما كانت البلايا نعماً لعياده لأنها تردّ العبد إلى حدوده
عرفانه بنفسه وبحسب ذلك تحصل له المعرفة بربه
فسبحان من ستر سرّ الخصوصية
التي هي المعرفة والولاية
بظهور صفات البشرية
التي هي الفقر والذل والضعف المحقق لغنى المولى وعزّه وقوته في باطن العبد
فيتحقق
وظهر بعظمة الربوبية
التي دلائلها وشواهدها مثبوتة
1 في نسخة يعز جلالة
1 هو أبو حامد أحمد بن خضر ويه البامخي من كبار مشايخ خراسان عمر خمساً وتبنعين سنة وتوفى سنة ٢٤٠ هو
في إظهار وصف العبودية
-184
فبقدر ما يظهر على العبد من آثار الأوصاف الدالة على عجزه وفقره وذله وضعفه يتبين وجود غنى الحق وعزه وقدرته فبقدر ظهور آثار البشرية يقع سر الخصوصية ومن ظهور البشرية يتحقق وصف العبودية فتثبت الخصوصية للمختص إذ يتبين عظمة الربوبية لذلك قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه العبودية جوهرة أظهر بها الربوبية اهـ
فإذن تحقق الخصوصية فى التحقق بالعبودية والتحقق فى العبودية بترك كل ماسوى الحق
له وبه
عنه
فلا تطالب الرب بتأخر مطلبك
وهو وجود الخصوصية إذ لا تستحق عليه شيئاً بطلبك
ولكن طالب نفسك بتأخير أدبك
وهو التحقق بالعبودية بامتثال أمره والاستسلام لقهره
ومتى جعلك في الظاهر ممتثلاً لأمره
من حيث هو عبودية له أو تصديق لوعده
ورزقك في الباطن الاستسلام لقهره
رضا بفعله أو تفويضاً له في حكمه
فقد أعظم المنة
عليك
إذ أراح ظاهرك من مخالفته وباطنك من الاعتراض عليه ومنازعته وقد قال وهب رضى الله قرأت فى بعض الكتب يقول الله تعالى عبدى أطعنى فيما أمرتك ولا تعلمنى بما يصلحك أنا أكرم من أكرمنى وأهين من هان عليه أمرى ولست بناظر في حق عبد حتى ينظر العبد فى حقى وقال الشيخ أبو محمد عبد العزيز المهدوى رضى الله عنه من لم يكن في دعائه تاركاً لاختياره راضياً باختيار الله تعالى فهو مستدرج مغرور وهو ممن قيل له اقضوا حاجته فإنى أكره أن أسمع صوته فإن كان مع اختيار الحق تعالى له لامع اختياره لنفسه كان مجاباً وإن لم يُعط والأعمال بخواتيمها اه و إنما كان الامتثال والاستسلام أعظم
ليس كل من ثبت تخصيصه
منه
لأنه
بالخصائص من الكرامات والعلوم وغيرها
كمل تخليصه
من العلل والآفات ونحوها ولذلك لما ذكر عند سهل رضى الله عنه شيئاً في الكرامات والآيات فقال وما الآية وما الكرامات هى أشياء تنقضي لوقتها عندى من مكنه الله من أن يبدل خُلقا مذموما بخلق محمود أفضل حالاً من صاحبها وقال بعضهم ليس العجب ممن يدخل يده في جيبه فينفق إنما العجب ممن يدخل يده في جيبه لشيء وضعه هناك فلم يجده فلم يتغير وقيل لأبي يزيد رضى الله عنه إن فلاناً يمشى على الماء قال الحوت أعجب من ذلك إذ هو شأنه وقيل له إن فلانا يطير في الهواء قال الطير أعجب من ذلك إذ هو حاله وقيل له إن فلاناً يمشى إلى مكة ويرجع من يومه قال إبليس يطوف الأرض كلها في لحظة وهو في لعنة الله قال يحيى ١ بن معاذ رضي الله عنه إذا رأيت الرجل يشير إلى الآيات والكرامات فطريقه طريق الأبدال وإذا رأيته يشير إلى الآلاء والنعماء فطريقه طريق العارفين٢ وهو أعلى درجة من الجميع اهـ ففهم أن الكرامات أدنى المراتب وفى لطائف المنن فيها كلام طويل
والله الموفق للصواب
۱ هو أبو زكريا يحيى بن معاذ الرازي الواعظ قال عنه القشيري نسيج وحده في وقته خرج من نيسابور إلى بلخ وأقام بها مدة ثم رجع إلى نيسابور ومات بها سنة ٢٥٨ ٢٨ وفي التيمورية وإذا رأيته يشير إلى الآلاء والنعماء فطريقة طريق المحبة وهو أعلى من الذي قبله وإذا رأيته يشير
إلى الذكر وهو معلق به فطريقة طريق العارفين
** العبودية جوهرة اظهر بها الربوبية
الباب الثاني عشر
الخلق كلهم مع الله في مقام الشكر وهم يظنون انهم في مقام
الصبر
lot --
وقال رضى الله عنه
مبيناً أحكام الأوراد ومنبها على المقصود منها والمراد
لا يستحقر الورد
الذي هو إقامة الطاعة في الأوقات
إلا جهول
بحق ربه وبحظ نفسه لأنه استحقر ما عظم مولاه ولم يعمل في أسباب نجاته وفوزه
إذ الوارد
الذي هو ثواب الورد وثمراته
يوجد في الدار الآخرة
حسب ما جاء به الوعد الصدق
والورد الذي به حصول الوارد ينطوى بانطواء هذه الدار
فيحسب انطوائه انطواء ثمرته إذ زيادتها زيادة فيه ونقصانها نقص فيه وهو لا يخلف
وأولى ما يعتنى به
ويجهد في تحصيله
ما لم يخلف وجوده
لقواته وذلك كل وقت ونفس من أوقات من العبد وأنفاسه لذلك قال أبو سلمان لابن أبى الحواری ۱ يا أحمد جوع قليل وعرى قليل وصبر قليل وقد انفضت عنك أيام الدنيا
اه ثم
۱ هو أبو الحسين أحمد بن أبي الحوارى من أهل دمشق صحب أبا سليمان الدارنى وغيره مات سنة ٢٣٠ ه يروى هنه أن طلب العلم ثلاثين سنة فلما بلغ حمل كتبه إلى البحر فأغرقها وقال ياعلم لم أفعل بك هذا هو اقاً لك ولا استخداة عقك بل كنت أطلب لأهتدى بك إلى ربى والآن أستغنيت عنك ومن حكمه لا دليل على الله سواه
وفي نسخة جمع الميلا واعر قليلا واصبر قليلا
الورد هو طالبه منك
فهو حقه عليك
والوارد أنت تطلبه منه
فهر
حظك منه
وأين ما هو طالبه منك
حقه الواجب وأمره اللازم من
مما هو مطلبك منه
من حظك الناقص وغرضك القالص ۱ قضاءُ الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن
أعتق وقد قالوا ه كن طالب الاستقامة ولا تكن طالب الكرامة فإن نفسك تهتر بطلب الكرامة ومولاك يطالبك بالاستقامة ولأن تكون بحقِّ ربك خير لك من أن تكون بحظ نفسك وقال أبو سلمان رضی الله عنه لو خيرت بين ركعتين ودخول الفردوس لاخترت الركعتين لأتى في الركعتين بحق ربى وفى الفردوس بحظ نفسي انتهى فبان تفضيل الورد على الوارد
ورود الإمداد من ثواب وغيره
بحسب الاستعداد
صلی
الله
من إقامة ورد ونحود فمن كمل استعداده حصل مراده قال رسول الله عليه وسلم يقول الله تعالى يوم القيامة ادخلوا الجنة برحمتى وتقاسموها بأعمالكم وتلا قوله تعالى وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون وأيضاً
شروق الأنوار اليفيسية الإيمانية
على حسب صفاء الأسرار
القلبية وصفاء الأسرار القلبية على قدر البعد من الأغيار بحسب الأوراد والأذكار قال في الطائف
و 1 يقال ظل خالص إذ اقص وقلص الشيء بمعنى الزوى و انكمش
1 في نسخة الملكوت
1100-
اتن واعلموا أن الله تعالى أودع أنوار المكنونات ۱ في أصناف الطاعات فإن ما فاته من الطاعات صنف وأعوزه من الموافقات جنس فقد فاته من النور مقدار ذلك فلا تهملوا شيئاً من الطاعات ولا تستغنوا عن الأوراد بالواردات ولاترضوا لأنفسكم بما رضى المدعون بجرى الحقائق على ألسنتهم وخلوها من قلوبهم انتهى والناس قسمان عاقل وغير عاقل
فالغافل إذا أصبح نظر فيما يفعل
من أمور دينه ودنياه فإن فاته مقصوده تكدرت حاله وتغير مزاجه لاستشعاره فوات المقصود بفوات سببه وذلك من اعتماده على عمله فهو في نقص دائم مع ظنه الكمال
والعاقل ينظر ماذا يفعل الله به
تكليفاً فيطلبه وتعريفاً فيرضى به ويستسلم له فهو لا يعامل وقته إلا بما اقتضاه أمره لذلك قال أبو أيوب السختياني رضى الله عنه إذا لم يكن ماتريد فارد مايكون وقال عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه أصبحت ومالى سرور إلا فى مواقع القدره وقال الشيخ أبو مدين رضی الله عنه إحرص على أن تصبح مفوّضاً مستسلماً لعله ينظر إليك فيرحمك وقال عبد الواحد بن أبي زيد رضى الله عنه الرضا باب الله الأعظم ومستراح العابدين وجنة الدنيا وكان سيدى رضى الله عنه كلما دخلت عليه أنشدني هذين البيتين ويقول إنهما لبعض العارفين اتبع رياح القضا ودر لها حيث دارت
وسلم لها تسلما وسير بها حيث سارت
أن
يرجع
والمقصود أن العبد يعزم على طاعة مولاه بلا تقصير فإن قصر به الحال فلا ينبغي إلى عتب نفسه إلا أن يكون ذلك عن سبب منه وشاهده فى قضية أهل الوادى إذ ناموا عن الصلاة فقال عليه الصلاة والسلام لاروع عليكم إن الله قبض أرواحكم وحديث على إذ سأله عن سبب عدم صلاته من الليل فقال إن الله قبض أرواحنا فقال عليه الصلاة والسلام و كان الإنسان أكثر شيء جدلاً فافهم ما أشرنا إليه
لأحد
إنما استوحش العباد والزهاد من كل شيء لغيبتهم عن الله في كل شيء قلت العباد عاملون على التحصيل فهم مستوحشون من الخلق لاستشعارهم فواته بمخالطتهم وجوه ثلاثة الاشتغال بمعالجة أمرهم ونظر النفس لما يجرى من قبلهم ونقص العمل الغافل عن التوحيد و أن كل شيء بقضاء الله وقدره فالغافل إذا أصبح أول خاطر
1 في نسخة الملكوت يرد عليه نسبة الفعل إلى نفسه فيقول ماذا أفعل اليوم
-10-
بما يقع منهم إقبالاً وإدباراً في جهتهم إذ يمنعون من العبادة أو يشغلون عن كمالها فيدخل بسببهم النقص عليها والزهاد عاملون على السلامة فيستوحشون من الخلق لما يخشونه من دخول العلل" والآفات عليهم كالتلون فى الحال والتقصير فى العمل ودخول مالا يعنى فى المعاملات وكل ذلك من رؤية النفس والخلائق فى النبي والإثبات وهو علامة خلوّ القلب من مشاهدة الحق بالخلق كما قال فلو شهدوه فى كل شيء لم يستوحشوا من شيء
قلت بل كانوا يستأنسون بكل شيء لرؤية مطلوبهم في كل شيء ورجوعهم له بكل شيء إذ غلب على قلوبهم النظر إليه دون كل شيء فهم مستأنسون بكل شيء من أجل ظهور نسبته فيه مستوحشون من كل شيء لعدم تعلقهم بذلك الشيء انتهى
سمعت شيخنا أبا العباس الحضرمي رضى الله عنه يقول ليس الرجل الذي لا يدخل الظلمة ولا الذي يدخل الظلمة بالظلمة إنما الرجل الذي يدخل الظلمة بالنور وقال أيضاً رضي الله عنه ليس الرجل الذى يعرف كيفية تفريق الدنيا فيفرِّقُها إنما الرجل الذي يعرف كيفية إمساكها فيمسكها قلت وذلك لأنها حية وليس الشأن في قتل الحية إنما الشأن في إمساكها وفى الحديث المؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ثم من فوائد مشاهدة الخلائق التحقق في التوحيد والمعرفة برؤية المختلفات لأن لها أثراً فى النفس بخلاف الأمور المتجردة من وجه واحد والرؤية في تلك الدار بالبصر على قدرها في هذه الدار بالبصيرة فأعظم الناس معرفة أكثرهم في الآخرة رؤية لا أكثرهم عبادة وأقواهم زهداً فلزم مراعاة السبب لتحصيل المسبب وهذا ما أشار إليه المؤلف إذ قال
أمرك في هذه الدار بالنظر فى مكوّناته وسيكشف لك فى تلك الدار عن كمال ذاته قلت فتراه في تلك الدار بالباصرة كما رأيته فى هذه الدار بالبصيرة وذلك بقدر قوة المعرفة ومقوياتها مشاهدة المختلفات من أفعال الخلق ولذلك اختار الأكابر من العارفين سكني المدن العظام التي يشاهد فيها الآثار الغريبة والمختلفة كثيراً ومن تأمل ذلك وجده واضحاً وقد سئل بعضهم كيف يُرَى الله في الآخرة فقال هي رؤية وجود لا أنه في مكان محدود وقال بعضهم يُرى نفسه لمخلوقاته وليس في جهة من نفسه ولا من مخلوقاته وقال بعضهم حديث الساق إن العلامة التي بينهم وبينه معرفتهم إياه بلا كيف قلت وعلم ذلك حاصل شواهد الصنع إذلا وصول إليه إلَّا بذلك كما نبه عليه المؤلف إذ قال
F
-joy-
علم منك أنك لاتصبر عنه فأشهدك ما برز منه قلت إنما لا تصبر عنه لثلاثة أمور افتقارك إليه وإحسانه إليك وكمال جماله الذي لاحسن فوقه ولا مزيد عليه وإنما أحالك على ما برز منه لأنه لا وصول إليه إلا بذلك لأن عين الحَدَثِ لا تنفتح لشعاع شمس الأزل فالمخلوق إنما ينتهى إلى مثله وإنما يعرف ماكان من شكله فتقدير كلام المؤلف علم منك أنك لا تصبر عنه لما أنت عليه من الاحتياج وما هو عليه من الكمال فأشهدك ما برز منه إذ لا وصول إليه إلَّا به فافهم وكما تنوعت الموجودات بالاعتبار والتوجه تنوعت العبادات للاذكار والإعانة وهذا ما نبه عليه المؤلف إذ قال
ແ
علم
الحق منك وجود الملل لون لك الطاعات وعلم ما فيك من وجود الشره فحجرها
عليك في الأوقات
قلت
الملل ثقل في النفس عن العمل يعرض من الإكثار والشره خفة تدعو للإكثار والتعجيل ثم هي داعية الملل التي بسببها يحدث ويجرى فلما كانت الأعمال متلونة انتفى الملل بالاستراحة من لون إلى لون فيها
ولما كان لكل عمل وقت انتفى الشرّه بالحجر وفى الشره آفات ثلاث تأديته إلى الملل المؤدى للترك أو النقص ووقوع الإعجاب برؤية الجملة التى لها أثر فى النفس بخلاف ما تفرق
وحصول الدعوى بالتشمير
وقد قيل مثل النفس في شرهها كذباب مرّ برغيف عليه عسل فوقع فيه يطلب لأكله فلزق بين جناحيه فقتله وآخر أناه من أوله حتى خرج من آخره سليماً فافهم ثم ماوقع من التلوين والحجر فيه ثلاثة أمور إعانة للموفق وحجة على المخذول وكرامة للمحقق بتيسير أسباب العبودية والله أعلم وإذا كان الأمر كذلك فالواجب ماذكر إذ قال لتكون همّتك إقامة الصلاة لا وجود الصلاة
قلت لأن ذلك هو المقصود منك إذ لو كان المقصود الوجود ما كان حجر ولا غيره وإقامة الصلاة القيام بحقوقها وحدودها الشرطية والكمالية بقدر الطاقة فإن ذلك يختلف باختلاف الناس كما قال
فما كل مصل مقيم
قلت ولا كل مقيم مقيم ولا كل عامل مستقيم قال القاضي أبو بكر بن العربي رضي الله
-101-
عنه في قول عمر رضى الله عنه من حفظها وحافظ عليها ۱ ولقد رأيت من يحافظ عليها آلافاً لا أحصيها فأما من يحفظها بالخشوع والإقبال فما أعدّ منهم خمسة انتهى بتقريب
لمعناه ثم في الصلاة ست خصال هي علامة الإقامة ذكر المؤلف أولها بأن قال
الصلاة طهارة للقلوب واستفتاح لباب الغيوب قلت طهارة القلوب من الذنوب إذ أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وتكفر السيئات وتفتح أبواب الغيوب بما فيها من التجليات التي أشار إليها بأن قال
الصلاة محل المناجاة ومعدن المصافاة
قلت لأنها محل لقرب العبد من ربه والوقوف بين يدى مولاه بلا واسطة سوى ذكره والقيام بوظائف العبودية على المواجهة والمعاينة وتفسير ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لى ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل إذا قال الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى أثنى على عبدى فإذا قال الرحمن الرحيم قال الله مجدني عبدى وإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى فوض إلى عبدى فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال الله هذه لعبدي ولعبدي ما سأل الحديث والمناجاة لغة المسارة والمصافاة من الصفاء فالعبد يصافى ربه بقلبه فيصافيه ربه بما يلقيه إليه من رحمته ويسارره بما في نفسه فيلقى إليه من أسراره مايليق به ويقابله بما ذكر من خطابه وإلا فالرب تعالى منزّه عن المساررة الحسية المعهودة فى قياس البشرية ثم زاد في شأن الصلاة فقال تتسع فيها ميادين الأسرار وتشرق فيها شوارق الأنوار
قلت المراد بالأسرار هنا دقائق العلوم والمعارف وقد يراد بها قوابل المعلومات والأول أولى فيجد المصلى في كلّ سورة معنى بل من كل آية بل من كل حرف ويتجدد ذلك عليه بتجدد الأيام والاوقات على قدر الفيض والقصد والهمة وتشرق فيها شوارق الأنوار كذلك 1 وزاد في التيمورية من حفظها وحافظ عليها تمام کلام عمر فهو لما سواها أحفظ ومن ضيعها فهو لما سواها اضيع ولقد رأيت إلخ
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني بين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل وفي رواية فنصفها لى ونصفها لعبدى فاذا قال العبد الحمد الله رب العالمين قال نه تعالى حمدني عبدي فاذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى على عبدى فاذا قال مالك يوم الدين قال مجدنى دى فاذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فاذا قال إهدنا الصراط المستقيم راط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل يقول الحافظ المنذري قوله قسمت لاة يعنى القراءة بدليل تفسيره بها وقد نسمى القراءة صلاة لكونها جزءاً من أجزائها والله أعلم روى الحديث الإمام مسلم
- 109-
فهى الجامعة للعلوم والمعارف والإشارات والدقائق واللطائف وغيرها مما هو معلوم ويسرى حتى إلى الجوارح والقوالب فيظهر عليها سمة الباطن ونورُ العمل وأسراره حتى لقد قيل من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وقال الشيخ أبو عبد الله محمد بن الترمذی۱ دعا الله الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس رحمة منه عليهم وهياً لهم ألوان
رضي الله عنه
الضيافات لينال العبد من كل قول وفعل شيئاً من عطاياه فالأفعال كالأطعمة والأقوال عُرسُ الموحدين هيأها رب العالمين لأهل رحمته في كل يوم خمس مرات حتى
كالأشربة
فهى
لا يبقى عليهم دنس ولا غبار انتهى وقد ذكره في التنبيه مع نقول وأقوال أخر يطول ذكرها فانظر ذلك وبالله التوفيق ثم مع هذه الفوائد العظيمة فالحق سبحانه قد أعان عليها بكثرة ثوابها وقلة أعدادها كما نبه عليه المؤلف إذ قال
عليم وجود الضعف منك فقلل أعدادها وعلم احتياجك إلى فضله فكثر إمدادها قلت وذلك بأن جعل ثواب الخمس خمسين إذ الحسنة بعشر أمثالها وكان قد أوجب خمسين ثم حطها إلى الخمس وخاطب نبيه محمداً في ذلك بقوله هُنَّ خمس وهُنَّ خمسون ما يُبدل القول لدى الحسنة بعشر أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأغفر الحديث ثم شأن القوم إنما يذكرون الثواب لاستشعار فضله تعالى وكرمه لا لقصد العوض فلذلك كل ماذكره المؤلف عقبه بما ينفى قصده فذكر ذلك هنا بأن قال
متى طلبت عوضا عن عمل طولبت بوجود
الصدق فيه
قلت لأن الجزاء لا يكون إلا على كامل فى ذاته وقصده فهو يحتاج إلى التخليص من الشوائب والإخلاص في القصد وجامع ذلك كله حصول الصدق وهو لا يتم إلا بالتبرى من الحول والقوة والتبرى لا يصح مع رؤية العمل فضلاً عن طلب ثوابه لاستغراقه بشهوده المنة هذا وأعمالنا خلية عن - الإخلاص والتخليص لما نحن عليه من النقص والتخليط فالأولى بنا الفرار إلى الله
۱ هو أبو عبد الله محمد بن على الترمذى من كبار الشيوخ وله تصانيف فى علوم القرآن والترمذى نسبة إلى ترمذي مدينة على طرف نهر بالمخ المسمى يجيحون قال الحافظ بن النجار في تاريخه كان الترمذى إماماً من أئمة المسلمين له التصانيف الكثيرة في التصوف وأصول الدين ومعانى الحديث وقال الكلابانى فى كتابه التعرف هو من أئمة الصوفية وقال ابن عطاء الله كان الشاذلي و المرسى يعظمانه ويقولان هو أحد الأوتاد الأربعة وفي نسخة مع رؤية و عمل
1111
كما قال خير النساج رضى الله عنه ميراث أعمالك ما يليق بأفعالك فاطلب ميراث فضله وكرمه فهو أولى بك انتهى ثم نبه المؤلف على أن الشرط المذكور مفقود فقال ويكفي المريب غنيمته وجدان السلامة
قلت إذا كانت أعمالك مدخولة وأفعالك معلولة فأنت صاحب ريبة وما كان كذلك فرأس غنيمته السلامة من عقوبة ماهو عليه في عمله فضلاً عن غيره فافهم ثم أقام المؤلف الحجة على ماذكر بأن قال
لا تطلب عوضًا عن عمل لست له فاعلا
قلت بل الفاعل له مولاك وبحسب هذا فقصدك ۱ فيه بأن لا تطلب العوض عليه لأنك لا تطلب العوض على فعل غيرك وذلك قبيح مردود فى الجملة وعلى التفصيل وبالجملة فلا عوض إلا بعد صدق ولا صدق إلا بعدم طلب العوض فلزم الثانى للزوم الأول والله أعلم
ثم قال
يكفي من الجزاء لك على العمل أن كان له قابلا
قلت لما هو عليه من العلل والآفات فوجب الرجوع إلى الله بالافتقار المحض فيما عنده دون
ومع
اندخالها فهى
وسيلة ولا سبب لأن الأعمال كلها مدخولة حال فافهم ثم جملة الأمر وكماله فيما ذكره إذ قال
منة
وإفضال فلا استحقاق بها على كل
إذا أراد أن يُظهر فضله عليك خَلقَ لك العمل ونسبه إليك
قلت یعنی خلق القدرة لك على العمل ووفقك إليه وأعانك فيه ورد نسبته إليك فهو سبحانه خلق الطاعة ونسبها إلينا وأثابنا عليها ولسنا بأهل لذلك كما نبه عليه المؤلف بأن قال
لانهاية لمذامك إن أرجعك إليك ولا تَفْرُغُ مدائحك إن أظهر جوده عليك
قلت لأنك
من حيث أنت محل كل نقص وريبة ومن حيث فضله مَظْهرُ كل خير
وإفضال حدث عن البحر في الوجهين ولا حرج
تنبيه
رأس الورد نسیان وجوده بوجوده وهذا الذي افتتح به
1 وفي ت فصدقك بأن لا تطلب العوض على فعل غيرك وفي التيمورية رأس الورع نسيان وجودك بوجوده
** خير أوقاتك وقت تشهد فيه
ما فاتك !
الباب الثالث عشر
قيل لبعض المختصين بم أدركت
ما أدركت !! قال وجدته بأفضل
التوحيد
العبيد
وخ
دمته خدمة
وأطعته فيما أمرني ونهاني فكلما سألته أعطاني
- ١٦٣ -
وقال رضى الله عنه كن بأوصاف ربوبيته متعلقاً وبأوصاف عبوديتك متحققاً قلت أوصاف الربوبية أربعة هي الغنى والعز والقدرة والقوة والتعلق بها أن تكون ناظراً إليها معتمداً عليها دون نظر لشيء سواها
وأوصاف العبودية أربعة هي الفقر والذل والعجز والضعف والتحقق بها تراها لازمة لك فلا تنفك عن النظر إليها في حال من أحوالك
أن
ثم التعلق بأوصافه يقتضى التحقق بأوصافك والتحقق بأوصافك يفضى بك إلى التعلق بأوصافه لكن يختلف البساط فتارة يغلب عليك الغني بالله وتارة يغلب عليك الفقر إلى الله فإذا غلب عليك الغنى بالله انبسطت بإحسانه وإذا غلب عليك الفقر إليه رجعت إليه بمواقف الأدب فالأول محل البسط والكرامة والثاني موقف الأدب والتعظيم هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبع ألفاً من صداع إظهاراً للغنى بالله وشدّ على بطنه حجراً من الجوع إظهاراً للفقر إلى الله وإنما أظهر الأول في محل احتياج الناس إليه وفقا لمقصوده ۱ وتنمية لأحواله وأظهر الثاني لتأديبهم وتعليمهم وهو المقصود ولذلك ما كان يظهر شيئاً من الخوارق إلا في محل الاحتياج وخوف تزلزل الضعفاء ومن تأمل السير عرف ذلك وبالله التوفيق
ثم ٣ التحقق بأوصافك من التحلى بأوصافه تحلية توجب عليك التحفظ من الدعوة كما
نبه عليه المؤلف إذ قال
منعك أن تدعى ماليس لك مما للمخلوقين أفينيح لك أن تدعى وصفه وهو رب العالمين قلت ظهور وصفه عليك وتحليك به كمال يليق بك بحيث تصير غنياً به عزيزاً به قادراً به قویا به حتى تصير باسم الله منك موافقة لكن من الله فلا تريد شيئاً إِلَّا كان ولا تفتقر لشيء ولا تذل له ولابه ولا تضعف عن شيء ولا تعجز عن شيء بل تكون قادراً
1 وفي التيمورية قضاء لعقولهم وتنمية لأحوالهم وفي ت ثم التحقق بأوصافك أولى بك من التخلق بأوصافه و إذا تحليت بأوصافه وجب التحفظ من الدعوى ۳ و في نسخة الدار ثم التحقق بأوصافك أولى من التحلى بأوصافه وإذ تحليت وجب عليك التحفظ من المدعين
-198-
على كل شيء بمولاك غنياً به عن كل شيء عزيزاً به في كل شيء قويا به به عند كل شيء لا يسوع لك ادعاء شيء من ذلك بل يؤكد عليك الرجوع إلى وصفك والقيام معه من الفقر والذل والعجز والضعف لأن ما بيدك عارية مجازية والعارية مؤداة والمجاز مرفوع بالحقيقة فالزم
رسول الله
صلى
منع ما هو له
التذلل والافتقار في جميع أحوالك فافهم ثم المنع المذكور واقع شرعاً ومروءة وحكمة فيحرم ادعاء ملك الغير ولا يليق من حيث المروءة والنفوس متسلطة على ذلك بمقتضى الغيرة ۱ التي صُبت عليها وكل ذلك فيها ذكر فقد قال الله عليه وسلم لَا أَحد أَغْيَرُ الله من الحديث والغيرة في حقه من وصف أو حق أن يكون لغيره لاكما يفهم فى حق المخلوقات من العرض والجبلة ٢ ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى العظمة إزارى والكبرياء ردائي من نازعنى فيهما قذفته في النار الحديث يريد أنهما وصفان مختصان به تعالى فمن ادعاهما كان كمن يدعى إزار شخص وقميصه لا يمكنه أن يسلم له فيه إلا بعجزه ولا عجز الله تعالى فوجب هلاكه ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ثم ظهور حلية الأوصاف عليك لايصح إلا بخروجك عنك كما نبه عليه المؤلف إذ قال
كيف تخرق لك العوائد وأنت لم تخرق من نفسك العوايد
قلت خروق العوايد لك بظهور ماليس من شأنك على يديك واتصافك بما لا يقتضيه وصفك من الكمالات الجارية عليك كما يليق بك وعلامة ذلك جرى الكرامات والدلائل على يديك وخرق العوائد منك بترك مألوفاتك وعادتك الرديئة وذلك كله مجموع في تحققك بأوصافك وتعلقك بأوصافه فإن قمت بذلك كان لك ما تريد كما تريد وإلا فأنت بعيد لأن الجزاء من جنس العمل أبداً فمن خرق عوائده خرقت له العوائد على نسبة ذلك وإلا بقى حيث كان قيل لبعض المختصين بم أدركت ما أدركت قال وحدته بأفضل التوحيد وخدمته خدمة العبيد وأطعته فيما أمرنى ونهانى فكلما سألته أعطاني وفي الإشارة عن الله سبحانه و عبدی أنا الذي أقول للشيء كن فيكون فأطعنى أجعلك تقول للشيء كن فيكون وفي الصحيح يقول الله تعالى ما تقرب إلى المتقربون بمثل أداء ما افترضته عليهم ولايزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً فلئن
۱ وفى نسخة الدار مقتضى الفطرة
وفي النسخة التيمورية والحيلة
110-
سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ۱ الحديث وهو عبارة عن غاية الإكرام بالتصرف دون حجر ولا توقف ثم مجموع خرق العوائد من نفسك في التزام الأدب إلا في الجد في الطلب
وهذا ما بينه إذ قال
ما الشأن وجود الطلب إنما الشأن أن تُرزق حسنَ الأدب قلت يقول ليس الشأن في هذا الطريق وجود الطلب لأن ما عند الله لاينال بالأسباب الشأن أن ترزق حسن الأدب لأن به تتحقق العبودية وقد قال تعالى لنبلوهم أيهم أحسن عملا لم يقل أكثرهم طلباً ولا أعظمهم جدا فيه
وإنما
والأدب يختلف باختلاف الأقوال والأحوال لكنه يرجع لثلاثة إقامة الفرائض واتباع السنن ومجاملة الخلق كما قال عليه السلام اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها
وخالق الناس بخلق حسن۳ وهذه هي الأصول التي من تركها حُرِمَ الوصول والله أعلم ثم رأس الآداب كلها راجع للزوم وصفك مع التعلق بوصفه وذلك بما ذكره بأن قال ما طلب لك شيء مثل الاضطرار ولا أسرع بالمواهب إليك مثل الذلة والافتقار قلت لأن ذلك يقتضى الرجوع إليه بلا علة والوقوف بين يديه على نعت المسكنة والذلة وخير أوقاتك وقت تشهد فيه مافاتك ٤ وتردّ فيه إلى وجود ذلتك وانشدوا في ذلك أدب العبيد تذلل والعبد لا يدع الأدب
فإذا تكامل ذله نال
المودة واقترب
0 الآية
والظاهر أن الاضطرار هو فاعل الطلب فالتقدير ماطلب لك الحوائج من الله مثل الاضطرار ولا أسرع لك بالمواهب منه لقوله تعالى أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويحتمل أن يكون المراد لا مطلوب منك مثل الاضطرار وذلك لأنه متيسر عليك إذ هو
۱ ورد في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه من عاد لى ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى من أداء ما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الى يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألى أعطيته ولئن استعاذ بي لأعيذنه الكهف ٧ والآية الكريمة إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لتبلوهم أيهم أحسن عملا
۳ رواه الإمام أحمد ورواه الترمذي وغيرهما
1 وفي التيمورية تشهد فيه وجود فاقتك وكذلك في نسخة الدار
٥ من آية ٦٢ من سورة النمل
- ₤1-
وصفك وبه تصل إلى رضوان الله مولاك قال أبو يزيد رضي الله عنه قيل لي جرابك 1 مملوة بالخدمة فإن أردتنا فعليك بالذلة والافتقار
ومن فوائد الفاقات ثلاث الإعراض عن الكل والإقبال على الحق بالكل ووقوف العبد عند حده دون دعوى وذلك جملة الخير وكماله ومن أسباب ذلك العلم بما أنت عليه من النقص في حالك حتى أن أعمالك كلها مساوى وحقائقك كلها دعاوى كما نبه عليه المؤلف إذ قال لو أنك لا تصل إليه إلا بعد فناء مساويك ومحو دعاويك لم تصل إليه أبداً قلت لأنها لاتتناهى لكثرتها وتسلسلها وتواترها وتواردها على كل شيء منك طاعة كانت أو غيرها حتى إنك إذا تأملت وجدت أعمالك كلها دعاوى ولو كنت أصدق الصادقين وتجد أحوالك كلها دعاوى ولو كنت أخلص المخلصين وقد نبه على ذلك قوله تعالى ولولا فضل الله عليكم و ورحمته مازكى منكم من أحد أبداً فافهم وهذا ماقال ولكن إذا أراد أن يُوصلك إليه ستر وصفك بوصفه ۳ فوصلك إليه بما منه إليك
من إحسان وستر وإفضال
لا عما منك إليه
من
أحوال وعلوم
وأعمال
تنبيه
خاتمة هذا الباب مع الذى يليه ظاهر المناسبة لأنها إذا كانت الدعاوى والمساوىء لا تنقضى
فليس إلا جميل ستره كما قال
وغطا نعتك بنعته
فغمس فقرك في غناه وضعفَك في قوته وعجزك في قدرته وذلك في عزّته فظهر عليك الكمال
به لا بنفسك كما قال
۱ وفى التيمورية خزائننا مملوءة
وفى نسخة الدار إذ تأملت وجدت أحوالك كلها دعاوى و لو كنت أصدق الصادقين ونجد أحوالك كلها مساوى ولو كنت رأس المخلصين
۳ وفي نسخة الدار والتيمورية تعديل لهذه العبارة كالاتى ستر وصفه بوصفه وغطى نعمتك بنعته مغمس فقرك في غناء وضعفك في قوته وعجزك في قدرته وذلك في عزته فظهر عليك الكمال به لا بنفسك كما قال فوصلك إليه بما منه إليك من إحسان وسر وإنضال لا بما منك إليه من أحوال و علوم وأعمال فانهم تنبيه خاتمة هذا الباب مع الذى يليه ظاهرة المناسبة لأنه إذ كانت الدعاوى والمساوى لا تنقضى فليس لها إلا جميل سعره كما قال وقال رضي الله عنه لولا جميل ستره لم يكن عمل إلخ
** اليقين اذا اشرق كشـ عن الدنيا والآخرة
الباب الرابع عشر
اليقين نور يجعله الله في قلب المؤمن حتى يشاهد به امور آخرته ويخرق به کل حجاب بينه وبينها
حتى يطالع الآخرة كالمشاهد لها
-199-
وقال رضى الله عنه لولا جميل ستره لم يكن عمل أهلاً للقبول قلت بل ولا للوجود لأن النفس مجبولة على ضد الخير فلا تعمله إلا بوقاية تكون بينها وبين وصفها الأصلى كما أشار إليه قوله تعالى ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وبعد الدخول في العمل فهى أصل العلل والآفات فلا يصدر منها إلا ناقص وإن صدر كاملاً لحقته العلل من الملاحظات وطلب الأعواض والأغراض فالعمل يحتاج إلى التخليص والإخلاص وهما مفقودان أو فى حكم المفقودين فالقبول من فضل الله وكرمه دون واسطة وقد قال الشيخ أبو عبد الله القرشي رضى الله عنه إذا طالبهم بالإخلاص تلاشت أعمالهم وإذا تلاشت أعمالهم زاد فقرهم وفاقتهم فتبرَّءُوا عن كل شيء لهم ومنهم انتهى
و من بيان ذلك ما ذكره فقال
أنت إلى حلمه إذا أطعته أحوج منك إلى حلمه إذا عصيته
صلى
قلت لأنك في الطاعة مصحوب بالعلل والدعاوى والآفات من الرياء والعجب والنظر إلى نفسك وعدم التحفظ وقلة الاحترام مع الغفلة عن ذلك كله وفى المعصية مصحوب بالافتقار والأضطرار مقرون بالذلة والاحتقار وقد جاء عن رسول ا الله الله عليه وسلم ! أنه قال أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء قل لعبادى الصديقين لا يغتروا فإنى إن أقم عليهم عدلى وقسطى أعذبهم غير ظالم لهم وقل لعبادى المذنبين لا تقنطوا فإنه لا يكبر على ذنب أغفره لهم وقال أبو القاسم 1 النصر اباذى رضى الله عنه العبادات إلى طلب العفو عن تقصيرها أحوج منها إلى طلب الأعواض والجزاء عليها وقال أبو يزيد رضى الله عنه توبة المعصية واحدة وتوبة الطاعة ألف توبة
ولا يختص الستر بالواقع بل يجرى فى الواقع والمتوقع كما بينه المؤلف إذ قال
الستر على قسمين ستر عن المعصية وسنر فيها
1 واسمه إبراهيم بن محمد النصر آبادی نیسابورى الأصل والمولد شیخ خراسان في وقته جاور بمكة سنة ست وستين وثلاثمائة ومات بها سنة سبع وستين وثلاثمائة وكان عالماً بالحديث كثير الرواية والنصر اباذى نسبة إلى نصر اباذ و محلة
من محال نيسابور
قلت فالستر عنها حجاب بين العبد وبينها حتى لا يراها وإذا رآها فلا يستحسنها وإذا استحسنها ۱ فلا يقع فيها عصمة من الله لمن عصمه وحفظ منه لمن حفظه والعصمة الامتناع من الذنب مع استحالة الوقوع فيه وذلك واجب للأنبياء عليهم السلام والحفظ الامتناع من الذنب مع جواز الوقوع فيه والكل يستره الجميل وفضله الكامل وإلا فلا عاصم من أمر الله إلا من رحم والستر فيها حجاب عن الفضيحة بعد الوقوع والناس
في ذلك نوعان ذكرهما المؤلف بأن قال
العامة
يطلبون الستر من الله فيها خشية سقوط مرتبتهم عند الخلق قلت فهم لا يفرون منها أولاً وابتداء ولا يرون الفضيحة آخراً وانتها ولذلك صح منهم الرياء والتصنع تستراً وتجملاً وذلك من قصور همهم ونقص إيمانهم وإذا وجدوها دون فضيحة لم يرجعوا عنها ثم إذا كان طلبهم للستر فرارهم من ذلك شفقة على عباد الله من الوقيعة فهم أولى لافتدائهم ونحو ذلك فقد يُرجى لهم لاسيما إن اقترن ذلك بالتوبة والانــابـة ٢ والله أعلم
ثم قال
والخاصة يطلبون الستر عنها خشية سقوطهم من نظر الله الملك الحق
قلت فهم يفرون منها ابتداء وان طلبوا سترها انتهاء فلا يضرهم ذلك وذلك من تعظيمهم لمولاهم وتحقيق إيمانهم ثم هم فيه على مراتبهم فمنهم من يطلب ذلك لخوف العذاب ومنهم من يطلبه الخوف الحجاب ومنهم من يطلبه خوفا من فوات الثواب ومنهم من يطلبه اشفاقا من الطرد عن الباب ومنهم من يطلبه اتقاء للطرد عن الباب والابعاد عن الخباب إلى غير ذلك وكل ذلك راجع لما ذكر من السقوط من نظر الملك الحق على وجه الاتفاق والرحمة لأن ذلك يقتضى فوت كل خير وحصول كل شر وأكملهم من يطلب ذلك حياة وهيبه وإجلالاً وتعظيماً حتى لو غفر ذنبه ما سقط خجله كما قال الفضيل ابن عياض ۳ رحمه الله و آسو أتاه منك وإن غفرت
۱ وفى التيمورية وإذا لم يستحسنها وفى ته ثم إن كان طلبهم الستر من الله تعالى فقد رجعوا إليه بما لا يرضاه لهم من حيث مرادهم فكان رجوعهم حجة عليهم لا لهم إلا أن يكون فرارهم من ذلك شفقة على عباد الله من الوقيعة فيهم أو الاقتداء بهم أو نحو ذلك فقد يرجى لهم ۳ هو أبو على الفضيل بن مسعود بن بشر التميمي خرسانى من ناحية مرو قيل إنه ولد بسمر قند مات بمكة في المحرم سنة سبع وثمانين ومائة كان إماماً ربانياً صمدياً عابداً شديد الخوف دائم الفكر
-IV -
وقد يتركب من القسمين قسم ثالث وهو طلب الستر فيها إذا حصلت وعنها وإذا لم تحصل وذلك مقتضى الحقيقة والشريعة لكن إن كان ذلك من حيث ما أمر الله فصحيح مليح وإلا فالالتفات للخلائق نقص والله الموفق وإذا كان المانع من المعصية وجود الستر عنها ومن الفضيحة فيها ذلك فإكرام الخلق إذن راجع لستره سواء كنت مطيعاً أو عاصياً وهذا ما نبه
عليه المؤلف إذ قال من أكرمك فإنما أكرم فيك جميل ستره
قلت وذلك لأنك من حيث أنت محل كل عيب أصلاً وفصلاً سواء كنت مطيعاً أو عاصياً منعماً كنت أو مبتلى فلله در القائل ما هناك إلا فضله ولا تعيش إلا في ستره ولو كشف الغطا لكشف عن أمر عظيم فالعباد إنما يتعاملون بستر الله سبحانه إذ لو كشف البواطن والضمائر مانظر أحد فى أحد ولقلا الإنسان أحب الناس فوجب الحمد لربنا على ستره كما قال فالحمد لمن سترك ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك قلت إذ لولا وجود ستره ماجرى لك شكر من غيره فلا تحمدنَّ أحداً على فضل الله ولا تذمن أحداً على مالم يؤتك الله وإن كان شكر الخلائق واجباً فمن حيث إنه مأمور به صار من شكر الله وسرّ وجوبه التحرر من رقّ إحسانهم والقيام بمجازاة امتنانهم فمجاز الشكر لمن له مجاز الإحسان وحقيقة الشكر لمن له حقيقة الفضل والامتنان فافهم
ومن برهان ماذكر من أن المشكور فينا ستره أن علم الخلائق بعيوبنا يوجب نفرتهم عنا وهو تعالى عليم بختى الخفي من أمرنا ومع هذا أجرى فضله وإحسانه علينا وهذا ما نبه عليه المؤلف إذ قال
من صحبك وهو بعيبك عليم وليس ذلك إلا مولاك الكريم ما صحبك قلت يقول ماصحبك حق الصحبة إلا من صحبك مع علمه بعيبك تفصيلاً واطلع عليه تأصلاً وتحصلاً لأنه لا يتركك بذلة ولا يردك بنقص ويرفق بك فى كل حال من أحوالك ولا يعلم عيبك على التفصيل إلا خالقك ومولاك ثم مع ذلك فهو يأمرك وينهاك وتعصى أمره فلا يدعك لأحد من خلقه بل يرأف بك رأفة تدعوك للانحياش إليه إن غفلت ولو علم الخلائق بعض البعض مما علم الله منك مانظروا إليك بل كانوا يرجمونك ويوذونك على فعلك إلا من هو ناظر إليك بربك متخلّقاً بالرحمة الإلهية في حفظك وقليل ماهم بل أقل من القليل والله در
القائل
-ivt-
جنب الناس جانباً وأرض بالله صاحباً
وقلب الناس كيف شئت
تجدهم عقارباً
ثم ذكر المؤلف برهاناً آخر يدعو إلى الانحياش إلى الله وترك ما سواه كالذي قبله والذي قبلهما فقال
خير من تصحبه من يطلبك لا لشيء يعود منك إليه
قلت وليس ذاك إلا مولاك لأن صحبة الخلائق كلها مقرونة بالعلل فلا يصحبك أحد إلا لما يعود إليه من نفع أو دفع ضرّ حتى أن من صحبك لذاتك فإنما أجاب فيك داعية نفسه وعاد عليه منك تبريد حرقة الشوق والمحبة من قلبه واستلذاذه بالانصال والوصلة بما يريده من صحبته والرب تعالى غنى منزه عن الأغراض والأعواض فهو يعطيك ولا يأخذ منك ويُريحك ولا يستريح إليك فاعط الأدب حقه بأن لا تعرّج على غيره أبداً وبالله التوفيق
ثم ذكر المؤلف هنا من إطلاق الصحبة ماقد وقع فى حديث اللهم أنت الصاحب في السفر فعمم قوم جواز إطلاقه حيث لا إبهام ومنعه آخرون إلا حيث وَرَدَ فلعل الشيخ ممن يرى جوازه وكذلك وقع للإمام أبي حامد وجماعة من أئمة هذه الطريقة والله أعلم وإذن قد بان لك أن صحبة الخلق لاعبرة بها من حيث هم فالدنيا أيضاً كذلك لأنها فانية زائلة لكن حجاب الوهم وضعف اليقين بعد ذلك !! كما نبه عليه المؤلف إذ قال
لو أشرق نور اليقين لرأيت الآخرة أقرب من أن ترحل إليها
قلت لأن الآتى قطعاً كالموجود فى الحال ولأن بادى النقص شاهد بدخول تلك في هذه فهى عينها لمن عقل حكمها وإن كانت أحكامها مختلفة وقد قال أحمد بن عاصم الانطاكي رضي الله عنه اليقين نور يجعله الله فى قلب العبد حتى يشاهد به امور آخرته ويخرق به كل حجاب بينه وبينها حتى يطالع الآخرة كالمشاهد لها وقال حارثة رضى الله عنه الرسول الله لما سأله كيف أصبحت يا حارثة قال أصبحتُ مؤمناً حقاً فقال رسول الله عليه وسلم لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك قال كأني بعرش ربي قد
صلى الله عليه وسلم
الله
صلى
صلی
الله
صب وبأهل الجنة فى الجنَّة يتنعمون وبأهل النار في النار يتعاوون فقال رسول الله عليه وسلم عرفت فالزم عبد نور الله قلبه الحديث وقال عليه السلام إن النور إذا
- ۱۷۳
دخل القلب انفسح وانشرح قيل يارسول الله وهل لذلك من علامة يعرف به قال التجافى عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله و انتهى ثم قال ولرأيت محاسن الدنيا وقد ظهرت كشفَةُ الفناء عليها
قلت هو من تتمة الكلام الذى قبله فاليقين إذا أشرق كشف عن الدنيا والآخرة إذ شأنه الكشف فيحصل العلم بأن الآخرة خير من الدنيا والكَسْفَةُ من الكسوف وهو التغيير وظهور كسفة الفناء على هذه الدار بما يعرض عليها من عوارض النقص والتغيير والانقلاب كضعف القوة وخلق ۱ الجدة أو غير ذلك فاقهم فخرج من جملة ماذكر أن الدنيا ناقصة زائلة وأن الخلق لا استقلال لهم ولا كمال بل ولا وجود على الحقيقة ٢ فالاشتغال بالوهم دون حقيقة كما قال
3
بهم
تعلق
ما حجبك عن الله وجود موجود معه إذ لاشىء معه وإنما حجبك عنه توهم موجود معه قلت فاشتغالك بثناء الخلق وذمهم وتعلقك بالستر لأجلهم وانتظار المنافع من قبلهم وتوجهك للدنيا بالكل حتى حُجبت به عن مولاك من تعلقك بالوهم القاضي باعتبار ذلك كله وثبوت نسبته في الوجود وذلك من وجود رؤية وجود ذلك كله مع الحق سبحانه وذلك باطل ووهم لما قضى به التحقيق من أنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير والمتوحد بالحكم والتقدير فالكل به وإليه فهو الموجود وحده لاغيره - قال في لطائف المنن وأشبه شيء بوجود الكائنات إذا نظرت إليها بعين البصيرة وجود الظل والظل لاموجود باعتبار جميع مراتب الوجود ولا معدوم باعتبار جميع مراتب العدم وإذا أثبتت ظلية الآثار لم تنسخ أحدية المؤثر لأن الشيء إنما يشبه بمثله ويضم إلى شكله كذلك أيضاً من شهد ظلية الآثار لم تعقه عن الله تعالى كما أن ظلال الأشجار في الأنهار لا تعوق السفن عن التسيار ومن هنا يتبين لك أيضاً أن الحجاب ليس أمراً وجودياً بينك وبين الله تعالى ولو كان الحجاب وجودياً بينك وبين الله تعالى للزم أن يكون أقرب إليك منه ولاشيء أقرب من الله فرجعت حقيقة الحجاب إلى توهم الحجاب انتهى وهو كالبيان لما هنا فافهم وبحسب هذا فالنظر إلى صفاته يقضى باضمحلال مخلوقاته
و كما قال
1 فكل جديدها أي الدنيا خلق أي ييل وتذهب جدته
لأن الوجود الحقيق إنما هو وجود واجب الوجود
- IVE-
لو ظهرت صفاته اضمحلت مكوناته
قلت إذ لا ثبات للخلق مع ظهور آثار الحق ياعجباً كيف يظهر الوجود في العدم وصف القدم لا يكون ذلك أبدا وليس إلا هو وحده بيان مع من
أم كيف يثبت الحادث
له
ذلك فيما اتبع هذه الجملة به إذ قال
لولا ظهوره في المكونات
أى بآثار أوصافه القدسية التى هى اتقانها بالعلم وتخصيصها بالإرادة وإبرازها بالقدرة ما وقع عليها وجود أبصار
قلت يريد لا بالبصائر ولا بالأبصار لأنها كانت تكون عدماً محضاً ونفيا صرفا فما ظهر في الكون سوى آثار أوصافه فالظاهر إذن أوصافه ورؤية غيرها بلاهي من الوقوف مع الوهم المقيد بالصور دون رجوع للحقيقة الرافعة للوهم فافهم ثم ظهور الأكوان إنما هو للدلالة عليه فإذا ظهر لم يكن لشيء وجود معه لثبوت أحديته وظهورها بما ظهر من فعله الموصل إليه وهذا ما ذكره بأن قال أظهر كل شيء لأنه الباطن
يعنى الذي لا وصول إلى معرفته إلا ء ظهر منه الدلالته عليه من حيث ولاه ذلك
وطوى وجود كل شيء لأنه الظاهر
يعي لا يصح ظهور شي مع ظهور لاستتاره في وجوده وعدم استقلاله بوجوده فحكمة ظهور الخلق لوجود التعريف وحصول المعرفة ينفى وجودهم فسبحان الظاهر الباطن العليم ثم دلالة المخلوقات إنما هو بما فيها من حكمه وحكمته لا بأعيانها لعدم جدوى ذلك ونفى إفادته وهذا ما نبه عليه المؤلف إذ قال
أباح لك أن تنظر في المكونات وما أذن لك أن تقف مع ذوات المكونات قلت عبر بأباح ليشعر بأن النظر والاستدلال غير واجب أو أشعاراً بأن المطلوب أولاً تحصيل العيان لا إقامة الدليل والبرهان لأنه يؤذن بالغيبة وهي نقص عند ذوى الأبصار حتى لقد قال مريد لشيخه إن فلاناً يستدل على وحدانية الله بألف دليل فقال الشيخ يابني
لو عرف الله ما استدل عليه فبلغ ذلك العالم فقال صَدَق هم يشاهدون على العيان ونحن
ينظر من وراء الستر
IVO
وقال مريد لشيخه يا أستاذ أين الله قال أسحقك الله !! أتطلب العين أين 1 مع والذي في المكنونات مادلت عليه من عجائب القدرة والإرادة والعلم إتقاناً وتخصيصاً وإبرازاً على اتساع ذلك وإنما لم يأذن فى الوقوف مع ذَوَاتها لأنها حجاب صارف مانع عما وراءه كما تقدم في غير ما موضع والله أعلم ثم نزع المؤلف بالآية الكريمة وبسط المعنى فيها بأن قال قل انظروا ماذا في السموات ولم يقل أنظروا السموات
قلت فأشار بني لأن
موقع النظر ما احتوت عليه فهى ظرف لما يقع النظر عليه لا أنها
المقصودة به ثم زاد ذلك بياناً فقال
فتح لك باب الإفهام
من
قلت يعنى بما أتى به من ذكر الظرفية الدالة على معنى زائد على أعيانها وأنه هو الذي يتعلق النظر به فإن تأول متأول بما يرده لأعيانها لم يبعد ولكن الوقوف مع النظر أولى التأويل وإخراج اللفظ عن معنى يهدى إليه ولا يقدح فى حقيقة مادل عليه ليس بصواب فافهم ثم قال ولم يقل أنظروا السموات لئلا يدلك على وجود الأجرام
قلت وذلك لأن الدلالة عليها لافائدة فيها بل هى صارفة بالاشتغال بها عن عين الحقيقة وتحقيقها وذلك أكبر المصائب وأعظم الآفات والنوائب والله در القائل
ما القد ما الطرف الكحيل وما الأما لولاك تشهد في حلاه وتُرْمَى وجملة الأمر وكليته ومداره وحقيقته ومبناه ووجهه ومعناه راجع لما ختم به الباب إذ قال الأكوان ثابتة بإثباته وممحوة بأحدية ذاته
قلت يقول إنك إذا نظرت الخلق من حيث إثبات الحق لهم رأيتهم وجوداً وإذا نظرت إليهم من حيث ماهم عليه من الفقر والنقص وعدم الاستقلال رأيتهم محواً قال في و التنوير عند كلامه على الأسباب وحكم النظر إليها ما نصه والقول الفصل في ذلك أنه لابد من الأسباب وجوداً ومن الغيبة عنها شهوداً فاثبتها من حيث أثبتها بحكمته ولاتستند إليها لعلمك بأحديته اه وهو عين المراد ومخ المعرفة في مراعاة الأسباب وبالله التوفيق تنبيه إذا كانت الأكوان معتبرة من حيث هو تعالى الذي أوجدها في إقبالها وإدبارها إلا إليه فإذا أثنى عليك الخلائق فانظر لنفسك بحكم الحقيقة ترها مذمومة
ضرورة
وجب
أن لا ينظر
** أجهل الناس من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس
الباب الخامس عشر
الزهاد اذا مدحـــــــــــــوا انقبضوا لشهودهم الثناء من الخلق والعارفون اذا مدحوا اتبسطوا لشهودهم ذلك من الملك الحق
قال رضي الله عنه الناس يمدحونك بما يظنون فيك فكن أنت ذاماً لنفسك لما تعلمه منها
قلت مدح الناس للعبد على حسب ظنهم فيه من الخير والصلاح الذي اقتضاه ظاهر حاله لا يدفع ما هو عليه من النقص في جميع أحواله فوجب أن لايقف في مدحهم ولا يلتفت إليهم بل يذم نفسه بما يعلمه منها وذلك على وجوه ثلاثة أحدها أن ينظر لما جبلت عليه من النقص والإساءة فلا يراها أهلاً لما ذكرت به وأنَّ ذلك من فضله تعالى ومنته إذ لا يليق به من حيث ذاته وذلك رأس الدم لها الثاني أن ينظر لما تضمنه ما مدحت به من التقصير والإساءة فیذ گرها به كالرياء فى العمل والتزيين ونحوه الثالث أن يثبت لها ما جهلته أو غفلت عنه من سيئات أخر بأعمال خفية إذ لكل إنسان خبيئة من عمله و الإنسان على نفسه بصيرة هذا كله إن كان مامدح به موجوداً فيه وإلا فيذمها بالتقصير والنقص عما ذكرت به إن لم
يثبت لها والمتشبع بما لم يُعط كلابس ثوبي زور فافهم
مدح
ثم نظر العبد مولاه يذكره بحقارة نفسه وهذا ماذكره المؤلف بأن قال
المؤمن إذا مدح استحبى من الله أن يُثنى عليه بوصف لا يشهده من نفسه قلت مراده المؤمن الكامل وقوله إذا مدح يريد بما فيه أو بما ليس فيه فإنه إن ما فيه فليس منه فيستحى من الله تعالى 1 أن قد ستره فيما هو فيه وهو يجرى عليه ثناءه الجميل بما لم يكن من شأنه فهو لا يشهده من نفسه وجوداً وإن كان موجوداً فكيف بشهوده موجوداً ولا وجود فافهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن إذا مدح ربا الإيمان في قلبه الحديث فالمدح لا يُذم من حيث ذاته ولا يُحمد من حيث ذاته فلذلك قد يكون موصلاً للكمال أو موصلاً للنقص أو غير موصل لشيء منهما كما أشار إليه المؤلف إذ قال
1 زاد في التيمورية بعد فيستحى من الله تعالى أن يكون له نسبة مع مولاه فيها من به عليه وأولاه فيأخذ في شکره و شهود منته حياء من ذكره معه وإن مدح بما ليس فيه فيستحى من الله أن قد ستره بما هو به وهو يجرى عليه إلخ وزاد في التيمورية بعد قوله أو غير موصل لشيء منهما و لكل دليل ووجه ومن وجوهه الملمومة كونه بالباطل وقبوله على ذلك أكبر وأعظم كما أشار إليه المؤلف
أجهل الناس من ترك يقين ماعنده لظن ماعند الناس
قلت يقين ماعنده هو ما عليه من ذنوبه وعيوبه وظن ماعند الناس هو ماظهر عليه من خالص أعماله وصالح أحواله بلى يقين ماعنده عجزه ونقصه وتقصيره وإساءته وظن ماعند الناس كون ذلك منه حقيقة والخروج عن ذلك كله إنما هو بالثناء على الله لأجل ستره وهذا ما ذكره إذ قال
إذا أطلق الثناء عليك ولست بأهل فائن عليه بما هو أهله
قلت يقول إذا أطلق الثناء عليك عموماً أو خصوصاً بأمر عام أو خاص ولم تر نفسك أهلاً له من حيث نقصُك وقصُورك فارجع لمولاك بالثناء عليه إذ أظهر عليك مالست بأهل له من حيث ذاتك ذاكراً نعمته فيما واجهك به من ذلك إذ ستر القبيح وأظهر الجميل ولم يؤاخذ بالجريرة والناس ثلاثة رجل رأى نفسه مستحقاً للمدح والثناء فهلك ورجل رأى نفسه ليس بأهل ولم يشعر بإحسان الله إليه فاشتغل بذم نفسه وتوبيخها على ما هي متلبسة به وما فرط منها فسليم من آفاتها ورجل رأى نفسه كعروس افتضت بزنا وأهلها يريدون لها الزفاف فتطلب الستر عند المواجهة وتنظر لنقصها في الحال قائلة إذا وصلت إليه فسترنى تم لي ولكم مانريد وإلا فأنتم يتم أمركم وأنا كما شاء وحكم وعلى هذا يتنزل قول على كرم الله وجهه عندما سمع
الثناء عليه اللهم اجعلنى خيراً مما يظنون ولا تؤاخذنا بما لا يعلمون واغفر لنا ما يقولون ومن وراء هذه مراتب أهل الحقيقة وهم ثلاثة من لايبالى بإقبال ولا إدبار ومن يعتبر بإدبار الخلق دون إقبالهم لشعوره بالانفراد للحق ومن يرى الخلق أقلام الحق وهم العارفون الذين ذكرهم المؤلف بأن قال
الزهاد إذا مدحوا انقبضوا لشهودهم الثناء من الخلق والعارفون إذا مدحوا انبسطوا لشهودهم ذلك من الملك الحق
قلت شهود أفعال الخلق من حيث هم من نقص المعرفة بالحق وشهودها من حيث إجرائها عليهم من المعرفة به وبحسب هذا فالعارف يرى الخلق أقلام الحق إذا أثنوا عليه فرح بذلك من حيث مولاهم لا من حيث هم فيزيده ذلك شكراً لمولاه وسكونا إليه وفراراً مما سواه وغيره يرى أفعالهم من حيث هم فيقبل ويدبر بحسب ما يواجهه منهم فإن كان راغباً فرح بالمدح من حيث ثبوت منزلته عندهم وظهورها بينهم فيكون المدح في حقه ذبحاً لكونه يدعوه لمراءاتهم
- ۱۸۱ -
والتصنّع والتزين لهم وإن كان زاهداً لم يقبل ذلك منهم بل يسكن لذمهم أكثر من مدحهم
ولإدبارهم أكثر من إقبالهم رجوعاً لقوله عليه السلام احثوا التراب في وجوه المادحين ولقوله عليه السلام المدح هو الذبح ولقوله عليه السلام لمن مدح عنده قطعتم عنق صاحبكم وعمل العارفين في ذلك على الحديث الصحيح ۱ إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل إلى أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادى جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السموات ثم يوضع له القبول في الأرض اهـ ولا يتصور تأويله كما تُؤولت الأحاديث الأخر فلزم حمله على وجهه والعمل به للخاص لالعموم الخلق وبالله التوفيق ثم حال العارف والعامى فى الصورة واحد افترقا بالحقيقة التي بينها المؤلف إذ قال متى أعطيت بَسَطَك العطاء وإذا مُنعت قبضك المنع فاستدل بذلك على ثبوت طفوليتك وعدم صدقك في عبودتيك
قلت هذه علامة يعرف بها المريد حاله فى العطاء والمنع والمدح والذم فإذا كان يقبل ذلك ویرده من حيث الطبع والعادة ومن حيث هو إقبال وإدبار فذلك دليل نقصه إذ هو كالطفل في إقباله وإدباره لا يشعر بما وراء العطاء والمنع ولا يفرح ولا يحزن الالهما وهو من مراعاته للخلق في حاله فيحتاج لمقابلتهم بالقبص من الفرار من المدح والفرح بالذم حتى يستوى عنده الحالان أو يكون الدم أشهى إليه أو تغلب عليه الحقيقة فيفرح بمولاه ويحزن لمولاه وعلامة صدقة في ذلك وجود العدل فى الرضا والغضب فلايتجاوز الحد في مدح محسن وإكرامه ولا في دم مسيء وإهماله وقد قال أبو عثمان الحيرى ۳ رضى الله عنه الا يكمل الرجل حتى يستوى قلبه في أربعة أشياء في المنع والعطاء والعز والذل
لنبيسه
توقف المدح والذم داع لوجود العصيان بمقابلة الذام والمادح بخلاف الحق واغترار النفس به وسكونها إليه وحبه بالباطل وذلك يوجب التوبة والرجوع إلى الاستقامة
۱ روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال إنى أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادى في السماء فيقول إن الله يجب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول إنى أبغض فلاناً فيبغضه جبريل ثم ينادى فى أهل السماء إن الله تعالى يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض وفى التيمورية فيحتاج إلى مقابلتهم بالنقيض
۳ هو أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيرى من الرى وأقام بنيسابور وقرأ على أبي حفص الحداد وأقام عنده وتخرج به وزوجه أبو حفص ابنته مات سنة ثمان وتسعين ومائتين هجرية
** مطالع الأنوار القلوب والأسرار
الباب السادس عشر
اذا اراد الله أن يعرفك وليا من أوليائه
طوى عنك وجود بشریته
وأشـ
هدك وجود خصوصیته
قال رضي الله عنه إذا وقع منك ذنب فلا يكن سبباً يؤيسك من حصول الاستقامة مع ربك
بل اجعله مفتاح الرجوع إليه بالتوبة والإنابة رجاء في الله وخوفاً منه لأن اليأس من رحمة الله كوجود الاغترار بالله ولا يعظم الشيطان عندك الأمر بما عسى أن يكون تقدم لك من كسر التوبة ولا بما تعلمه من نفسك من قلة الوقار والخشية ولا بما تراه من عظم الذنب وكبر السيئة فإن
الله لا يتعاظمه ذنب يغفره قال الإمام أبو حامد رضى الله عنه وكما اتخذت الذئب والعود إليه حرفة فاتخذ التوبة والعودة إليها حرفة فما أصر من استغفر ولو عاد إلى الذنب فى اليوم سبعين مرة وقد ذكر ذلك في حال من استقام بعد عظم الذنب وقبائح الأمور فلا أعظم ذنباً من فرعون وقد قال تعالى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيْنا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّهُ أو يَخْشَى الآية ۱ ثم الذنب الواقع منك قد يكون
آخر ذنب قُدر عليك كما قال
فقد يكون ذلك آخر ذئب قدر عليك
قلت وذلك بأن يصرفك الحق عنه أو يصرفه عنك بأحد وجوه ثلاثة أن تستقيم على التوبة فلا تراجعه أبداً لوجود صدقك أو تعاجلك المنية قبل العود إلى مثله أو تصرفك المواقع عن فعله فمن العصمة أن لاتجد ومن العصمة أن لا تقدر وإن لم يكن شيء من ذلك فالذنب الماضي قد مُحى عنك بوجود التوبة فلم يكن عليك غير هذا الأخير وكنت في غيبة عن الذنب وغروب عن العزم إلى وقوع الثاني فبرثت من الإصرار وهو من العظائم وهذا أس الغنيمة وبالله التوفيق ثم الحامل على التوبة إنما هو رجاة أو ما في معناه أو خوف أو ما في معناه ولكل منهما باعث يحضه أو سبب يتوصل به إليه ذكره المؤلف بأن قال
إن أردت أن يفتح لك باب الرجاء فاشهد ما منه إليك وإن أردت أن يفتح لك باب الحزن فاشهد مامنك إليه
قلت وإن أردت أن ينفتح لك كل منهما فاشهد كل واحد في عين الآخر وعند ذلك يستوى رجاك وخوفك فتكون على كمال فى حالك والذى منه إليك ثلاث نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد ونعمة الإبعاد إبعاد البليات والمحن وهى 1 الوزر ونسيان الذكر وإنما ۱ آية ٤٤ من سورة طه زاد في التيمورية ونعمة الأبعاد أبعاد البلايا والمحن وهي نعمة الدفع كما أن اللتين قبلهما نعمة النفع واللي منك إليه ثلاث مخالفة الأمر ومقارفة الوزر ونسيان الذكر وإنما يتحقق الخ
- 14-
يتحقق شهود كل بثلاث ذكر النعم أو ضدها تفصيلاً وإلزامها دليلاً وتكراره الذكر بكرة وأصيلا وينتفى بثلاث الاشتغال بوجه الحكم والحكمة في الواقع والقناعة بالجملة قبل التفصيل فإنه يزيد فى الجرأة ولا يشفي غلة فاعتبار ذلك بالحفظ والذكر حتى كأنه نصب عينيه حتى يشكر النعمة ويتبرأ من وجود النقمة وبالله التوفيق
ثم الحزن أعم من أن يكون مع خوف أم لا ! والرجاء أعم من أن يكون في الجنة أو غيرها
يعم والقبض حال الحزن والبسط حال الرجاء وتختلف نفعاً بحسب القوة والضعف في الحال الوارد عليهما فوجب الوقوف مع ما يظهر من ذلك للجهل محل الفائدة كما قال ربما أفادك فى ليل القبض ما لم تستفده في اشراق نهار البسط
وربما كان العكس فاقبل ما واجهك منهما من غير مبالاة بغيره واقبل في ذلك ماقال الله
تعالى في حق الآباء والأبناء لاتدرون أيهم أقرب لكم نفعاً
أشار بالآية إلى أن البسط من بساط الجمال وهو أصل وجودنا فهو بمثابة الأب والقبض نتيجة أفعالنا فهو بمثابة الابن وعدم تحصيل الثاني فلذلك قال
مطالع الأنوار القلوب والاسرار قلت لأن أصلها فهم أو علم فالفهوم للقلوب والعلوم للإسرار وقد قال شيخنا أبو العباس الحضرى رضى الله عنه بعد كلام ذكره في كتب له والفهم فى ذلك بحسب واردات القلوب وبحسب النور الموضوع في باطن القلب ثم قال وأى نور هو فإن الأنوار مختلفة نور الطبع ونور العقل ونور الروح ونور القلب ونور سويداء القلب ونور السر وهو أعظم الأنوار وأجلها وأكملها قال ولكل نور من هذه الأنوار نور تأويل وننزيل وتحويل وتنقيل ولكل
مقام منها شرح ماتسعة الصدور فضلا عن السطور وما يعلم جنود ربك إلا هو
وقد بينا هذه الأنوار في مواضعها وبالله التوفيق
الأنوار ثم مرجع
وإن تعددت لأصلين ۱ ذكرهما المؤلف بأن قال
1 زاد في التيمورية بعد ذلك ثم نتائج أنوار القلوب والأسرار وهي غير محكومة عليها فوجب أن نتحاشي ولا تخالف لتفويت
الأول وعدم تحصيل الثاني إلخ
وهما القلوب والأسرار
-JAY-
3
نور مستودع فى القلوب مدده النور الوارد من خزائن الغيوب
قلت فالنور المستودع فى القلوب هو المطبوع في باطن القلب الفائض من نور مشاهدة يوم الميثاق يوم ألست بربكم قالوا بلى فهو للقلب بمثابة نور العين به تبصر لكن بعد ورود
نور الإلهام الوارد من خزائن الغيوب الذى هو بمثابة الشمس المنبسطة على المنظور فيه ولا يحصل الإبصار إلا باجتماعهما كما قيل
رأيت العقل عقلين
ولا ينفع
فمطبوع ومســــــــوع
مسموع إذا لم يك مطبوع
كما لا تنفع العين وضوء الشمس ممنوع
ثم هذا النور باعتبار انبساطه نوعان ذكرهما المؤلف بأن قال
نور ينكشف لك به عن آثاره ونور ينكشف لك به عن أوصافه
قلت وكلاهما باطنان فإذا كشف لك به عن آثاره رأيتها على ما يليق بها من النقص والزوال في هذه الدار وعلى ماهى عليه من البقاء والدوام والكمال فى تلك الدار فترجو وتخاف وتطلب النجاة والثواب لعلمك بالدنيا وانقراضها وعلمك بالآخرة ودوامها وما أعده الله لمن أطاعه بل وما توعد به لمن عصاه وإذا كشف لك عن أوصافه تعالى رأيت النقص في كل شيء بكماله فناه كل شيء في وجوده إذ لو ظهرت صفاته اضمحلت مكوناته فلم يبق لك مع غيره قرار ولا عما سواه خيار ثم هذه الأنوار إنما توجب ماقلناه مع تمكنها من القلب لامع ظهورها في عوالمه فقط ولذلك قال بعضهم إذا كان الإيمان في ظاهر القلب يعنى على الفؤاد كان المؤمن يحب الله حبا متوسطاً فإذا دخل الإيمان باطن القلب وكان فى سويدائه أحبه الحب البالغ انتهى ثم الأنوار قد تكون حجاباً كما تكون الأغيار حجاباً وهذا ما نبه عليه المؤلف بأن قال ربما وقفت القلوب مع الأنوار كما حجبت النفوس بكثائف الأغيار الأنوار فتحجب عن المنور بوقوفها كما تقف النفوس قلت يقول قد تقف القلوب مع الأغيار فتحجب بوجودها عن الأنوار مع ثم وجوه الوقوف مع الأنوار ثلاثة أحدها الأنس بها والتعشق بوجودها استحلاة لها وحبا فيها الثانى القنوع بها والنظر إليها مع عدم الالتفات لما بعدها الثالث رؤية أنها الغاية التي ليس شيءٌ وراءها وقد تقدّم من كلام ابن الجلاه من وقف بهمته على مادون الحق فاته الحق لأنه أعز من أن يرضى معه بشريك والله در ابن الفارض حيث يقول
1 وفي نسخة الموضوع
۱۸۸
وإن اكتفى غيرى بطيف خياله فأنا الذي بوصاله لا أكتفي
وكثائف الأغيار معناه الأغيار الكثيفة فهو من إضافة الشيء إلى نفسه والأغيار غير بالفتحة
جمع
والسكون وهو يطلق على كل شيء سوى الحق سبحانه وتعالى وتقدّم معنى هذه الحكمة عند قوله ما أرادت همَّةً سالك أن تقف عندما كشف لها فانظره وفى معناه للشيخ أبي الحسن التسترى رحمه الله تعالى ورحمنا بهم جميعاً تقيدت بالأوهام لما تداخلت عليك ونور العقل أورثك السجنا و همت بأنوار فهمنا أصولها ومنبعها من أين كان فما همنا وقد تحجب الأنوار للعبد مثلما تبعده أوصاف نفس حوت ضغنا وأنى وصال في القضية يُدعى وأكمل من في الناس لم يدع الأمنا
ثم ذكر المؤلف حكمة ستر أسرار الأولياء عن عوام الخلق وعدم اطلاعهم عليها فقال سترأنوار السرائر بكثائف الظواهر إجلالاً لها أن تبتذل بوجود الإظهار ويُنادى عليها بلسان الاشتهار يقول ستر الله تعالى أنوار السرائر التي هي ما يتحقق به الأولياء والعارفون من أحوال المنازلات ومنازلات الأحوال وحقائق المعارف ومعارف الحقائق بكثائف الظواهر وظواهر الكثافة التي هي أوصاف البشرية إذ جعلها مظهراً لها وموقفا فيها وغير منفكة عنها حتى أن الجاهل ليندفع عن الولى من أجلها كما اندفع الكافر عن الأنبياء بذلك إذ قالوا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق إلى غير ذلك وما سترها الحق تعالى بذلك إلا غَيرة عليها وصيانة لها عن المدعين كما تقدم في قوله صيانة لها أن يدعيها العباد بوجود الاستعداد وإجلالاً لها عن الابتذال والاشتهار كما بينا لأن ماكان من العزيز لا يكون إلا عزيزاً وما يحصل به الإكرام والتخصيص إذا صار مبتذلاً بطل سر الاختصاص به قال في الطائف المنن فأولياء الله تعالى أهل كهف الإيواء فقليل من يعرفهم قال وقد
&
سمعته یعنی شیخه أبا العباس المرسى يقول معرفة الولى أصعب من معرفة الله لأن الله تعالى ظاهر بكماله وجماله وحتى متى تعرف مخلوقاً مثلك يأكل كماتأكل ويشرب كماتشرب قال فيه وإذا أراد الله أن يعرفك ولياً من أوليائه طوى عنك ونجود بشريته وأشهدك وجود خصوصيته انتهى ويحسبه فلا وصول للولى إلا بالله لأنه فى حجاب الفطرة وبالله التوفيق تنبيه لما كان الولى مستوراً عن الأغيار ولا يُعرف إلَّا بكشف الحجب والأستار كانت الدلالة عليه من حيث الدلالة على مولاه إذ لا يُعرف إلا به ولا يُطلب إلا له ولا يوصل إلَّا به لا بسواه ۱
۱ في نسخة الدار إذ لا يعرف إلا بطلب الإله ولا يوصل به سواه
** لو كنت صادقا مع مولاك
ما أحببت أن يرى عملك غيره
•
الباب السابع عشر
حظ النفس في المعصية ظاهر جلى وحظها في الطاعة باطن خفي
وقال رضى الله عنه سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه
قلت صدر بالتسبيح لوجوده ثلاثة الإشعار بعظمة الأمر وكبره وإنه لكذلك والتنبيه على أن أولياء الله منزهون بتنزيه كما أشارت إليه الآية فى تبرئة المؤمنين إذ قال تعالى لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّم بِهَذا سُبْحَانَك الآية۱ والإشارة لعدم المساواة في الدلالة التي أشعر بها كلامه ومقصود الكلام كما أن الله تعالى لا يعرف إلا بما أظهر أفعاله من كذلك الولى لا يُعرف إلا ما بدا من أوصافه وكما أن الله لا يعرف إلا بتوفيقه كذلك لا يعرف الولى إلا بتوصيل الحق له وأيضاً لا تتصور معرفة الولى إلَّا بعد معرفة الله لأنه لا يطلب الولى إلا من عرف الولاية ولا يعرفها إلا من صدق بالاختصاص وذلك من اتساع الإيمان بالقدرة وهو فتح من الله تعالى لذلك قال بعضهم الإيمان بطريقتنا هذه ولاية
قال في التنوير وذلك لأن الإيمان بالفتح لا يكون إلا بفتح انتهى
ثم الولى يُعرف بثلاث إيثار الحق والإعراض عن الخلق والتزام السنة بالصدق فقد قال أبو على الجرجاني رضى الله عنه الولى هو الفانى فى حاله الباقي في مشاهدة الحق تولى الله تعالى سياسته فتوالت عليه أنوار التولى ثم لم يكن له عن نفسه إخبار ولامع غير الله تعالى قرار وفى الإشارة عن الله تعالى إنما سميت الأولياء أولياء لأنهم يلونى دون من سواى من خلقى انتهى
وحاصله أن الولى هو من تولاه الله فلم يدعه لغيره ظاهراً ولا باطناً وتولى الله فلم يُعرج على غيره بحال وبحسب هذا فكل من والا هم محفوظ بحفظه وواصل إليه على قدر نصيبه وحظه
كما قال
۱ آية ١٦ من سورة النور
ما بين القوسين ساقط في التيمورية وفى نسخة الدار ومقصود الكلام كما أن الله لا يعرف إلا بتوفيقه كذلك الولى لا يعرف إلا بتوصيل الحق له وأيضاً لا تتصور معرفة الولى إلا بعد معرفة الله لأنه لا يطلب الولى إلا مى عرف الولى ولا يعرفها إلا من قد صدق بالاختصاص وذلك من اتساع الإيمان بالقدرة
ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه
قلت المراد بالوصول هنا معرفة الأولى على وجه يقتضى القيام بحق حرمته عند أمره ونهيه والتعلق بحاله وهمته ولاشك أن ذلك مفتاح الوصول لأنه يوجب الاهتمام من الولى عن يقع 1
له ذلك فيشتغل قلبه به فيكرمه مولاه بنظره لمن تعلق به ذلك فيتولاه بإحسانه إكراماً لعبده واراحة له من شغل قلبه بغيره فإنه يغار على قلوب أوليائه أن يظهر فيها غيره ولهذا يقول الناس لأهل الخير خاطرك أى ليكن لك بى اهتمام لعل الله أن يكرمك بقضاء حاجتي لمكان
اهتمامك
وأيضاً فإن من
شأن أولياء الله تعالى الاهتمام وحسن الإخاء والفتوة والله تعالى يغى بهم إذا شهدوا وينوب عنهم إذا فقدوا فلذلك قيل الولى إذا أراد أغنى ٣ وقد استقر صحيحا أنه ماخالط أحد وليا معتقداً به قط إلَّا نفعه الله تعالى منه بنيته على قدر همته كما قيل على قدر أهل العزم تأتى العزائم وقد قال شيخنا أبو العباس الحضرمي رضي الله عنه في كتابه وصدور المراتب فهنيئًا لمن ذاق أوذاق من بعض ما ذاق ٤ أو رأى من ذاق فقد قيل المطر قريب عهد بربه فيستحب البروز فيه والتبرك عند نزول المطار هكذا ذكره الشارع صلى الله عليه وسلم وهو مطر من السحاب فما ظنك بالمؤمن العارف بالله فمن الأخرى والأولى النظر إلى العارف بالله والصادق بالله والساير الله بالله النظر إليه أقوى بالتأثير وفيه سعادة الدنيا والآخرة عند مصادفة المحل والتوفيق وقد تقدم من كلام الشيخ أبي محمد بن عبد السلام يوصى الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضى الله عنهما واصحب من إذا ذكر ذكر الله فإن الله يُغنى به إذا شهد وينوب عنه إذا فقد ذكره نورُ القلوب ومشاهدته مفاتيح الغيوب انتهى
ومما يدل على أن رؤية العارف تزيد فى نور المعرفة وغيرها قولُ أنس رضي الله عنه ما نفضنا التراب من أيدينا من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وجدنا النقص في قلوبنا الحديث وبالجملة فأولياء الله تعالى أبواب الله ومعرفتهم مفاتيح تلك الأبواب وأسنان ذلك المفتاح حفظ الحرمة وحسن الخدمة ودوام الحشمة واتساع الرحمة فمن عاملهم بذلك فتح
له وإلا فهو على خطر
1 وفي نسخة الدار بمن منه نفع لك فيشتغل قلبه إلخ
في نسخة التيمورية يعنى وفى نسخة الدار يعين ۳ وفي نسخة الدار فناً أعى
٤ لعلها من
-198
ربما أطلعلك على غيب ملكوتا وحجب عنك الاستشراف على أسرار العباد
قلت يعوا راه
أكرمك المحنى سبحانه بالاطلاع على غيب الملكوت الذي هو الاطلاع
على مكنون العلم وحقائق لا ارف" متى يكون الأمرُ عندك فى ذلك كأنه رأى عين بل يحصل لك منه مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ومع ذلك لم يُطلعك على شيء من أسرار العباد أي خلى أمورهم رحمة بك وبهم وإبقاء عليك وعليهم وإلا فما فتح لك خير مما حجب عنك وهذا ما نبه عليه المؤلف إذ قال
من
اطلع على
الوبال إليه
أسرار العباد ولم يتخلق بالرحمة الإلهية كان اطلاعه فتنه عليه وسبباً لجر
قلت المتخلق بالرحمة الإلهية هو أن يكون واسع الرحمة لعباد الله قد الناس بسطه وسع وخلقه فكان لهم أباً وكانوا عنده في الحق سواء كما جاء فى وصفه عليه السلام وكان بِالْمُؤْمِنين رحيما يرسم المذنبين ويعطف على المساكين ويصفح عن الجاهلين ويحسن للمسيئين إذ كان خلقه القرآن كما قالت أم المؤمنين وتلت قوله تعالى خُذِ الْعَفْوَ وَأُمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَن الْجَاهِلِين فمن كان متخلفا هذا الخلق كان اطلاعه إكراماً له ورحمة لعباد الله وإلا فكما قال المؤلف فتنة فى الحال عليه وسبباً يجرّ إليه المكروه وسوء العقبي وهو الوبال يضر نفسه بثلاث بتزكية نفسه برؤية الفضل لها وتضييق رحمة الله على عباده وإيذائه
لأنه
عباد الله بهتك أستارهم وهو أصل كل بلاء فيرحم ا الله القائل ارحم بي الخلق كلهم وانظر إليهم بعين اللطف والشفقة
جميع
وراع في كل خلق حق وقر كبيرهم وارحم صغيرهم حلقة من ثم الاطلاع إما أن يكون على معصية أو على طاعة وذلك يجرى لحظ النفس فيها كما يجرى في العمل بهما وهذا ما أشار إليه المؤلف إذ قال
حظ النفس في المعصية ظاهر على وحظها في الطاعة باطن حق
قلت يقول حظ النفس فى المعصية فعلاً واطلاعاً ظاهر جلى لأنها من بساط الحظوظ ومواقف النقص والريبة ففعلها بحظ نفسانى واولاه ماتصور وجودها لأن أصلها إحدى ثلاث خوفُ الخَلْقِ وهم الرزق والرضا عن النفس والاطلاع عليها مصحوب بحظ النفس وهو ۱ وفى نسخة الدار ودقيق المعارف
وزاد في نسخة الدار وهو الوبال لأنه يجر إليه الوبال في المال لأنه يضر نفسه إلخ
١٩٤ بست
يستشعر معه من التزكية وما يجده من لذة الاطلاع على نقص الغير الموجب لارتفاعه عليه وتمكنه منه ونحو ذلك وحظها في الطاعة باطن حتى فعلاً واطلاعاً فإن فعلها قربةً ربما احتوت على رياء أو تصنّع أو تزين أوقصد غرض أو عوض والاطلاع عليها حسن لكن ربما جر لتزكية النفس وإظهار سرّ المطلع عليه وتعظيمه لأجله وتعظيم حاله بأن يرى الصالحين ويقف على أهل الفضل والدين إلى غير ذلك من الدسائس ۱ التي لا يطلع عليها إلَّا أو لو البصائر والمقصود هنا أن الطاعة قد تحتوى على حظ كما تحتوى عليه المعصية ولكنه حتى لا ينظر إلا بتدقيق ومساعدة٢ من التوفيق لأنه كما ذكر وقال
ومداواة ما يخفى صعب علاجه
قلت يقول وصعوبة علاجه على قدر خفائه لأنَّ المداواة تابعة للمعرفة بأصل العلة وسببها وعرضها فإذا كانت خفية وبعد الوصول إليها فلا يمكن مداواتها إلا بمشقة الخفية في الأعمال دخول الرياء في الخلق كما قال ٣
ومن العلل
ربما دخل الرياء عليك من حيث لا ينظر الخلق إليك قلت وذلك لأن الرياء راجع لرؤية العامل للخلق لا لرؤيتهم إياه فكل من نظر للخلق في عمله فهو مرائى ولو كان في جوف بيت بل في صخرة مطبقة في قعر البحر ومن لم يداخله نظر إليهم في أعمالهم بكل حال فهو مخلص ولو كان في وسط أهل الأرض بأجمعهم وسواء كان يعمل لأجلهم أو يترك لأجلهم وغير ذلك فقد قال الفضيل بن عياض رضی الله عنه العمل لأجل الناس جوابه كما نقله النووي في الأذكار عن الفضيل بن عياض العمل لأجل الناس شرك وترك العمل لأجلهم رياء وترك العمل لأجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله
تعالى منهما ٤ انتهى ثم إن للرياء الداخل في الخلوة وجوهاً منها الاستشراف لعلم الخلق بحاله من حيث٥ هداية
عباده فلذلك قال
1 وفى نسخة الدار إلى غير ذلك من الدنيا
وفي نسخة الدار لا يظهر إلا بنظر دقيق ۳ وفى التيمورية في الخلوة وكذا فى نسخة الدار
٤ وفي التيمورية قال بن عياض العمل لأجل الناس رياء وترك العمل لأجل الناس شرك والإخلاص أن ن الخ
وكذلك في نسخة الدار
٥ وفي التيمورية الاستشراف لعلم الخلق بحاله من حيث هو لا من حيث منته تعالى ولا من حيث هداية عباده فلذلك إلخ
- 1130-
استشرافك أن يعلم الخلقُ بخصوصيتك دليل على عدم صدقك في عبوديتك قلت لأنك لو كنت صادقاً مع مولاك ما أحببت أن يرى عملك غيره فقد قال بعضهم ما صدق الله أحد قط إلَّا أحب أن يكون فى جُب لا يُعرف وقال أحمد بن أبي الحواري رضي الله عنه من أحب أن يُعرف بشيء من الخير أو يذكر به فقد أشرك في عبادته لأن من خدم المحبة لا يحب أن يرى خدمته غيرُ مخدومه وقال سهل بن عبد الله رضى الله عنه من أحب أن يطلع الناس على عمله فهو مرائى ومن أحب أن يطلع الناس على حاله فهو كذاب ۱ وقال ابراهيم بن أدهم رضي الله عنه ما صدق الله من أحب الشهرة وإنما الخلاص من الرياء وغيره بالنظر إلى الحق ورفض ماسواه بكل حال كما نبه عليه المؤلف إذ قال
على
غيب نظر الخلق إليك بنظر الله إليك
قلت يقول لا تنظر لنظر الخلق إليك وانظر لنظر الله إليك فإنه يراك في كل حال ويطلع على حتى الخفى من حالك والخلق لا يعلمون منك إلا الظاهر ثم إذا نظر إليك بالرحمة لم يضرك نظر هم بنقضها ۳ وإن نظرك بالنقمة لم ينفعك نظرهم بالرحمة قال الله سبحانه وإن تمسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله الآية وقد كان بعض الصالحين يقول يا مرائى قلب من تراثى بيد من تعصيه وقيل لبعضهم يم يستعين العبد على حفظ بصره قال بعلمه أن الله تعالى سائق نظره إلى مايريد أن ينظر 4 إليه ثم قال
وغب عن وجود إقبالهم عليك بشهود إقباله عليك قلت يقول أنظر لإقباله تعالى عليك بنسيان إقبال الخلق عليك حتى لاتبالي بهم في إقبال ولا إدبار اكتفاء بربك قال في لطائف المنن اعلم أن مبنى أمر الولى على الاكتفاء بالله والقناعة بعلمه والاغتناء بجوده ه قال سبحانه وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ٦ وقال أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عبده ۷ ۱ وفي التيمورية قال سهل بن عبد الله من أحب أن يطلع الخلائق على ما بينه وبين الله تعالى فهو غافل وقال أبو الخير الأقطع من أحب أن يطلع الناس على عمله فهو مراء إلخ وكذلك في نسخة الدار إبراهيم بن أدهم بن منصور التميمي زاهد مشهور أخباره كثيرة وفيها اضطراب و اختلاف في نسبته ومسكنه ووفاته و لعل الراجح أنه مات في بلاد الروم سنة ١٦١ ه - ۷۸۸ م ۳ وفى نسخة الدار بنقيضها
٤ وفي التيمورية بعلمه أن نظار الله سابق نظره إلى ما يريد أن ينظر إليه وكذلك في نسخة الدار
٥ وفي التيمورية والأفتناء بشهوده
٧ آية ٣٦ من سورة الزمر
1 آية ٣ من سورة الطلاق
11-
فاقتطعهم
وقال أَلَمْ يَعْلَمُ بِأَنَّ الله يرى ۱ وقال أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد فدينى أمرهم في بداياتهم على الفرار من الخلق والانفراد بالملك الحق وإخفاء الأعمال وكتم الأحوال تحقيقاً لفنانهم وتثبيتاً لزهدهم وعملاً على سلامة قلوبهم وحبا في إخلاص أعمالهم لسيدهم حتى إذا تمكن اليقين وأيدوا بالرسوخ والتمكين وتحققوا بحقيقة الفناء وردوا إلى وجود البدء فهناك إن شاء الله تعالى سترهم وإن شاء أظهر هم هادين اباده و إن شاء سترهم في عن كل شيء وإليه وظهور الولى ليس بإرادته لنفسه ولكن بإرادة الله تعالى له بل مطلبه إن كان له مطلب الخفاء لا الجلاء كما قدمنا فلما لم يكن الظهور مطلبهم وأراد سبحانه إظهارهم فأظهرهم تولاهم في ذلك بتأييده وإرادة۳ مزيده لقوله صلى الله عليه وسلم لعيد الرحمن ابن سمرة لاتطلب الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أُعِنْتَ عليها وإن أعطيتها وكلت إليها ومن تحقق بالعبودية لله لم يطلب ظهوراً ولاخفاء بل إرادته وقف على اختيار سيده له قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه من أحب الظهور فهو عبد الظهور أحب الخفاء فهو عبد الخفاء ومن كان عبداً الله فسواء عليه أظهره أو أخفاه ثم أساس هذا الأمر كله وجودُ المعرفة والمحبة والفناء كما قال
مسألة
ومن
من عرف الحق شهده في كل شيء
عن
قلت فكان كل شيء عنده وله ويحسب ذلك فهو لا ينظر الشيء سواه إذ محال أن يراه ويشهد معه سواه بل كما قيل
مذ عرفت الاله لم أر غيراً وكذا الغير عندنا ممنوع
مد تجمعت ما خشيت افتراقا فأنا اليوم واصل مجموع
والمعرفة تحقق العارف ما يقتضيه جلال معروفه حتى يصير ذلك التحقق كأنه صفةٌ له لا تتحول ولا تتزحزح ولا تجرى أحواله إلا على مقتضاها وبحسب ذلك فيكون نصب قلبه
في كل وقت وعلى كل حالة
ثم شهود الحق إلى الفناء فيه رجوعاً بالكل إليه وذلك يوصل إليه كما قيل
ومن فني به غاب عن كل شيء
۱ آية ١٤ من سورة العلق آية ٥٣ من سورة فصلت
۳ وفي نسخة الدار وواردات
-19-
قلت الفناء شهود حق بلا خلق لاندراج حكم الفعل في الصفة من حيث إنه أثرها وبذلك لا يبقى خبر عن الفعل من حيث هو والصفة مضافة لموصوفها فليس إلا هو وحده وذلك عين الغيبة عن كل شيء به لرجوع كل شيء إليه ثم المعرفة كما توجب الفناء والغيبة تقتضى وجود الإيثار ١ والمحبة يلازمها الإيثار كما قال
ومن أحبه لم يوثر عليه شيئًا
في حال من
111 قلت وذلك لأن حقيقة المحبة ٢ أخذ جمال المحبوب بحبة القلب حتى لا يدعه لغيره أحواله ولذلك قيل المحبة الإيثار بدوام المحبين ٣ وادعى بعض المريدين شيئًا من المحبة فقال له أستاذه يابنى هل ابتلاك بغيره فآثرته عليه ! وقد قال بعضهم أبت ٤ المحبةُ أن تستعمل مُحباً بغير محبوبه فصاحت الغيرة لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله انتهى
وقد ذكر المؤلف في هذه المقامات الثلاث التى هى المعرفة والفناء والمحبة عُمد أبواب الولاية فكأنه يقول والولى الذي ذكرتُ لك أولاً هو العارف بالله والفاني فيه والمحب له ومن لا يكن له نصيب من هذه كلها فليس له في الولاية من نصيب جعلنا الله منهم بمنه وكرمه ثم من لازم المحبة وجود الشوق إلى الرؤية وطلب الوصلة والقربة وهو أمر موجود لمن عرف كمال وصف مولاه إذلا مسافة ولا علة ولا غيبة وإنما هو حجاب العزة بوجودِ القُرب
كما قال
إنما حجب الحق عنك لشدة قربه منك
قلت قرب الحق سبحانه وتعالى ليس بالمداناة ولا بالمسافات ولا بالمناسبة ٥ لأن كلها محال عليه تعالى فهو إذن قرب إحاطة بالعلم والقدرة والإرادة كما يليق بجلاله وكماله وقد تحقق أن قدرته وإرادته عامنا التصرف في وجود العبد والعلم محيط 1 أوقاته والمتصرف فى الشيء بما هو به وجوده أو تمام وجوده أو انتظام وجوده أقرب إليه من
وأحواله
به في عموم
۱ وفي التيمورية والغيبة يقتضي وجودها المحبة والمحبة يلازمها الإيثار كما قال وفي نسخة الدار لأن حقيقة المحبة أخذ جمال المحبوب بمحبة القلب حتى لا يدعيه لغيره فى مال من أمواله ۳ وفي التيمورية بدوام الحنين وكذا في نسخة الدار ٤ وفي نسخة الدار آية المحبة ٥ وفى نسخة الدار ولا في المناسبات 1 وفى نسخة الدار إن قدرته وإرادته عامة والتصرف في وجود العبد محقق به في عموم أوقاته وأحواله إلخ
-194-
وجوده
والحجب للخلق إنما وقع بوجودهم أو موجودهم ثم كلما اتسع موجودهم واتسع مظاهر التصريف اشتد احتجابهم باشتغالهم وذلك عين مظهر قرب الإحاطة فشدَّةُ القُرب هي الحجاب عن القرب وعن المقرب وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوه وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُم وَلَكِنْ لا تبصرون ٣١ وبذلك قال الشيخ أبو العباس المرسى رضى الله عنه في بعض مناجاته ياقريب أنت القريب وأذا البعيد قربك منى أيأسنى من غيرك وبُعْدِى عنك ردنى للطلب منك فكن لي بفضلك حتى تمحو إرادتي بإرادتك يا قوى ياعزيز وإذا كان الأمر كما ذكر فهو أيضاً كما قال المؤلف استتر لشدة ظهورد وخفي عن الأبصار لعظيم نوره
قلت يقول ظهور الحق سبحانه بأفعاله هو الذي يستر الخلائق عن رؤيته وذلك من ظهور نور أوصافه الذى هو أثرها المظهر لجميع الكائنات ٤ عن الرؤية المعنوية في هذه الدار وبقدر تعلقه بها يكون انصرافه في الآخرة حسب سنة الله تعالى فشدة الظهور هو المانع من الرؤية وقد مثلوا ذلك بمحسوس هو ضوء الشمس مع بصر الخفاش ولله المثل الأعلى إذ كلما ازداد نورها ازداد عمى وعلى ذلك قالوا الناظر فى التوحيد كالناظر للشمس كلما ازداد نظرا ازداد عمى وقال بعضهم " عين الحدث لا تنفتح لشعاع شمس الأزل وندرك منها في كمال وجودنا كما يدرك الخفاش من باهر الشمس حد العقول الإثبات والتنزيه ثم التغلب ه في التنزيه على موقف العجز هو محل ظهور كمال العزّ ولذلك قال الصديق رضي الله عنه سبحان من لم يجعل للخلق سبيلاً إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته والخارج من هذا كله أن الحق سبحانه ظاهر بجلاله وكماله ظهورا أوجب قصور الكل عن إدراك جلاله فتجليه عين الحجاب عنه وربك الفتاح العليم
تنبيه
وإذا كان هو الظاهر ومظهر الظاهر فما عنده لا ينال بطلب ولا يدفع بسبب وإنما أمر بالأسباب والطلب لمحض العبودية وهذا ما نبه عليه وبينه في
1 وزاد في التيمورية أقرب إليه من وجوده لسبق تصرفه فيه لوجوده أو لما يقوم به وجوده وكذلك في آية ۱۱ من سورة الأنعام
نسخة الدار
۳ آية ٨٥ من سورة الواقعة
٤ وزاد في التيمورية بعد قوله الكائنات المصرف للموجودات وبقدر مواجهة العبد يقدر انصرافه عن الرؤية المعنوية في هذه الدار وكذا في نسخة الدار ٥ وفي التيمورية ثم اتصلت في التنزيه إلى موقف العجز وهل محو ظهور
1
** الشريعة من عين الحكمة والحقيقة من عين الحكم !
الباب الثامن عشر
الثواب يتعلق بالأعمال والأحوال بساط الكرامات وهما الوسائل
عند الطلب
وقال رضى الله عنه لا يكن طلبك تسبباً إلى العطاء منه فيقل فهمك عنه
قلت الطلب على وجه التسبب هو أن ترى وقوع ما تريده ملزوما به أو لازما له يحكم سنة الله تعالى على وجه لا ينفك لأن السبب ما يلزم من عدمه العدم ومن وجوده الوجود وذلك وإن كان يقتضيه ظاهر النصوص فباطن الحقيقة يدفعه وهى الأصل فوجب مراعاتها وتأويل النصوص بأن ذلك على وجه المقارنة والتوقيف بأن تعتقد بأن الدعاء عبودية اقترنت بسبب الحاجة کاقتران الصلاة بوقتها ورتبت عليها الإجابة كما رتّب ثواب الأعمال عليها فالعطاء من وجه الفضل والعمل لمحض العبودية واقترانها لإظهار الحكمة ولذلك قال بعضهم فائدة الدعاء إظهار الفاقة بين يدية وإلا فالرب يفعل ما يشاء ووجه انتفاء الفهم باعتقاد السببية أنه إن أعطى لم يشكر وإن شكر كان شكره ضعيفا لملاحظته سبباً في التحصيل لأن الفرح دون استشعار سبب أقوى منه مع استشعاره وإن منع لم يرض وإن رضى فلا من حيث رؤية اختيار الحق تعالى بل من حيث روية تقصيره وهو نقص والمطلوب في ذلك ما ذكره بأن قال
0
وليكن طلبك لإظهار العبودية وقياما بحقوق الربوبية
بالمنة
قلت وهما متلازمان بل كل واحد منهما عين الآخر فالصدق في العبودية عين القيام بحقوق الربوبية وبالعكس لكن يختلف البساط وعلامة 1
الصدق على هذا الوجه ثلاث التفويض فى القصد والتوكل في التوجه والرضا بالواقع من عطاء أو منع فيقوم بشكر العطاء ويقابل المنع بالقبول دون اعتراض ولا تردد وينبنى ذلك على التحقق بخالص التوحيد وعقد القلب بالامتثال فى كل وجه وكل من كان قصده الظفر بمقصوده فهو بعيد ومن كان مقصوده بثّ شكوى فقره لمولاه فهو في محل القرب فإن أضاف لذلك قصد المناجاة بدعائه فهو أحسن وقد قال الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه لا يكن حظك من الدعاء الفرح بقضاء حاجتك دون الفرح بمناجاة مولاك فتكون من المحجوبين اهـ
1 وفى التيمورية وعلاقة الطلب على هذا الوجه وكذلك في نسخة الدار
a
تم ذكر برهان ما ذكر وبينه بأن قال
كيف يكون طلبك اللاحق سببا في عطائه السابق
يصح
محمدت كيف يكون طلبك اللاحق فيها لا يزال سبباً في عطائه السابق فى الأزل ذلك لا أبدا و لاستحالة تقديم المتأخر وتأخير المتقدم بما أنت لاق وفرغ ربِّك من خلق وخلق ورزق وأجل قال الواسطى ١ أجريت كيف تنال بأعمال أو تُكسب بسعايات انتهى
أربع
وقد جف القلم رحمه الله أقسام سبقت ونعوتُ
ثم راد المؤلف قوة في البرهان وإيضاحا لمعناه بأن قال
جل حكم الأزل أن يضاف إلى العلل
C
قلت وذلك لأن العلل محدثة مسبوقة وحكم الأزل سابق غير مسبوق وقد سئل ذوالنون رضى الله عنه عن التوحيد فقال أن تعلم أن قدرة الله في الأشياء بلا مزاج وصنعه لها بلا علاج وعلة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه وليس فى السموات العلا ولا في الأرضين السفلى مدير غير الله وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك انتهى ومن شواهد نفى العلة ما جرى في وجودك ايجادا أو مراداً إذا لا يصح أن يكون شيء من ذلك
عن سبب منك وهذا ما توجه ببيانه فافتتحه بأن قال
عنايته فيك لا لشيء منك
قلت أراد بعنايته فيك ما أظهر فيك من أعتنائه بشأنك إذ أوجدك من العدم وأمدك بالنعم وخصك بالكرم وعَرَّفك بانفراده بالوحدانية واتصافه بالصفات العليه من البقاء والقدم إلى غير ذلك مما أنت محتاج إليه وهو غنى عنك فيه وفي غيره وذلك كله جار من غير استحقاق ولا وسيلة سابقة إذ كنت عدمًا محضًا ونفيًا صِرفًا كما أشار إليه إذ قال
وأين كنت حين واجهتك عنايته وقابلتك رعايته
r
لك
قلت لم تكن شيئًا مذكورًا أولاً ولا آخرا وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ ولَمْ تَكُ شَيْئًا ولولا نِعْمَةِ رَبِّي لَكُنت مِنَ المحضرين قابلتك عنايته بإيجادك وإيجاد ما أنت محتاج إليه بل ما هو من ذلك وواجهتك رعايته في ذلك حتى حفظه عليك وحفظ وجودك مع ذلك إن قلت
1 الواسطى هو أبو بكر محمد بن موسى الواسطى خرسانى الأصل من و فرغانة عالم كبير الشأن أقام بمرو
بها بعد العشرين والثلاثمائة من الهجرة سورة مريم ٩
۳ آية ٥٧ من سورة الصافات
بالأعمال فلا جسم حتى يعمل وإن قلت بالأحوال فلا قلب حتى ينشأ عنه الحال وإن قلت أن يكون من ذلك فأنت فقير إلى رحمته وهو غنى عنك فلم يبق إلا فضله وكرمه
u
عسى
كما بينه المؤلف إذا قال
لم يكن فى أزله إخلاص أعمال ولا وجود أحوال بل لم يكن إلا محض الإفضال وعظيم النوال قلت يقول الثواب يتعلَّق بالأعمال والأحوال بساط الكرامات وهما الوسائل عند الطلب ولم يكونا فى محل القسمة الأزلية ولا في وقتها ولا وقت فلا يصح أن يكون علة في شيء بل علة كل شيء إحسانه وكرمه ولا علة وكيف يدخل فى أفعاله العلل وهو الفاعل المختار الغنى عن الكل وإذا لم يكن أزلاً إِلَّا محض الإفضال وهو ا العطاء بلا علة وعظيم النوال وهو التفضل بلا سبب فلا يكون فى الأزل ذلك فيرحم الله القائل
بلا عمل منى إليه اكتسبته سوی محض فضل لا بشيء يُعلل
وهذا يستوى فيه العباد لكن لهم وجوه من الاختصاص قد تتشوف النفوس لوجهها فيقع الجواب بالنظر إلى المشيئة دون علة وهذا ما ذكره المؤلف بأن قال
اعلم
أن العباد يتشوقون إلى ظهور سر العناية فقال يختص برحمته من يشاء
أن لها قوة
قلت يعنى أنه لاحجر عليه فى أفعاله فالتخصيص بحكم م منه غير مُعلَّل وإن كان لحكمة فهو الموجد لها والمبدى والمنشىء فلا علة لصنعه وعلة كل شيء صنعه وإنما يتشوف العباد لما ذكر لوجوه ثلاث معرفة الأشياء بأصولها وهي شيء جبلت النفوس على طلبه وتعرف الأسباب الموصلة ليتوجه بها من أراد ذلك ومافي النفوس من الدعاوى الداعية لفهم تتوصل بها لما تريده فردت لعلمه تعالى ومشيئته حتى لاتبقى لها دعوى ولا تصح لها أسباب ولا يجرى لها نظر فى أفعال الحق تعالى لكن الربوبية كما اقتضت عموم التصرف وجب لها عموم التصريف فالتصريف بحكم التعريف والتصريف بوجه التكليف وكل بحكمه وحكمته كما أشار بأن قال
وعلم أنه لو خلاهم وذلك لتركوا العمل اعتماداً على الأزل
قلت وذلك لا يصح لهم من حيث الحكمة وإن صح من طريق الحكم لأن أفعال العباد
مظاهر المقتضيات الأسماء وآثار الصفات
فقال إن رحمة الله قريب من المحسنين 1
قلت فجعل الرحمة بساط الإحسان لأن الإحسان بسبب الرحمة فمتى وجد الإحسان علمنا أن الرحمة هي الموجبة له فرحمة الله هي الوسيلة إلى رحمته لاغيرها وقد أشار نص الآية وخطها لذلك, فإن كتبوها بالتاء قيل إشارة لما دخل عليها من رائحة الفعل وهو المقدر قبلها أعنى قولهم التقدير إن وجود رحمة الله والداعى لهذا التقدير وصفُ الرحمة بالتذكير في قوله قريب ولم يقل قريبة فافهم فالأعمال إذن علامات لاموجبات كما أشار إليه من قال في قوله تعالى وهم يسألون إذ قال يسألون عن فعله فيهم فتأمل ذلك والمراد كله على جمع الشريعة بالحقيقة وهو فيما ذكره المؤلف إذ قال
إلى المشيئة يستند كل شيء لأن وقوع ما لم يشأ محال وليست تستند هى إلى شيء
قلت يقول الأمر والنهى الله والأحكام والأسباب والفوائد وغيرها لايصدر شيء من ذلك إلا بالمشيئة وعلى ظهور أثرها تترتب الأحكام فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلَ صَدْرَة ضَيِّقًا حَرَجاً الآية ۳ فإذن قاعدة التحقيق ليس إلا سابقة التوفيق فكل شريعة حقيقة ولا ينعكس الشريعة مُبيِّنة والحقيقة معينة الشريعة من عين والحقيقة من عين الحكم وهو تعالى متصف بالقدرة والحكمة فكلاهما وَصْفُ الرب ولكلِّ منهما متعلّق في الوجود يتعين اعتباره ولا يصح نفيه بمقابله فإثبات أحدهما دون الآخر نقص في النظر وخطأ في العرفان وزلةٌ في الإدراك فلزم إثبات الجميع لثبوتهما
الحكمة
وإلا فهو ضلال أو قريب منه اعملوا فكل ميسر لما خلق له فاعرف ذلك وبالله التوفيق تنبيه لئن كان وجه التعبد مطلوباً بالطلب ٤ في عين التقرّب فهل التبرى دون الطلب قد يكون أتم أو مساوى لاسيما مع إضافته لوجه من الحقيقة
۱ آية ٥٦ من سورة الأعراف هكذا في الأصل ولعلها إلى إحسانه ويفهم من كلامه أن الرحمة والإحسان مترادفان في المعنى
۳ آیه ۱۰ من سورة الأنعام
٤ في التيمورية لئن كان وجه التعبد مقصوداً بالطلب فى عين التبرى فمطلق التبرى دون التعبد قد يكون إنما أو إلخ وفى نسخة الدار إذا كان وجه التعبد مطلوباً بالطلب في عين الكبرى فمطلق التبرى دون الطلب قد يكون أتم أو مساوى لاسيما إلخ
الفاقة لا تكون نافعة
لصاحبها الا بتحقيق العبودية **
الباب التاسع عشر
** يقول أبو يزيد رضى الله عنه خزائننا مملؤة بالخدمة فان
أردتنا فعليك بالمذلة والافتقار
إذ قال
قال رضي الله عنه ربما دلهم الأدب على ترك الطلب
قلت فى قوله رما اثبات للشيء وقسيمه بطريق التجويز فكما قد يدلهم الأدب على ترك الطلب قد يدلهم على وجوده وقد يدلهم على التعريض وهو بينهما فهي إذن ثلاثاً طلب وموقفه ۱ عند جريان العوائد وملاحظة الأسباب وظهور أثر الكسب والاكتساب وتعريض وموقفه عند تعذر الأسباب ورجحان الحقيقة بلمعان نور المشاهدة الموجب لملاحظة العبودية في عين تعظيم الربوبية وسكوت وهو عند غلبة الحقيقة ونفى شواهد الخليقة وقد وقعت هذه كلها من أنبيائه عليهم السلام في أحوال مختلفة هذا ابراهيم عليه السلام سأل لسان صدق في الآخرين وغيره من مصالح الدين والدنيا وعرض في قوله الذي خلقني فهو يهدين إلى قوله
والذي أطمع أن يغفر لى خطيئتي يوم الدين وقال عندما زُج فى المنجنيق حسبى من سؤالى علمه بحالى فلم يسأل ولم يُعرض اكتفاء بعلمه تعالى وذلك عند تعذر الأسباب وذهاب شواهد الاكتساب وإنما يكون السكوت أدباً بشرط ذكره المؤلف إذ قال
اعتماداً على قسمته واشتغالاً بذكره عن مسألته
قلت فالاعتماد على قسمته هو المثير لسكون النفس عن الطلب والاشتغال بذكره هي العبادات الواقعة بدلاً منه بل هى أقوى منه لنفى الحظ منها على كل حال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين ٢ وما يُسأل الله تعالى شيئاً أحب إليه من أن يُسأل العفو والعافية الحديث ومن أدله أن الدعاء غير مطلوب لذاته ولا مقصود في ذاته ما ذكره المؤلف بأن قال
۱ وفى ت وموافقة وكذلك في نسخة الدار و لعل الأصح وموقعه روى البيهقي في الشعب من حديث عمر بن الخطاب قال الله عز وجل من شغله ذكرى عن مسألى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين وروى الترمذي وحسنه عن أبي سعيد رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرب تبارك وتعالى من شغله القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وقراءة القرآن ذكر
-YA-
إنما يُذكر من يجوز عليه الإغفال وإنما يُنبه من يمكن منه الإهمال
قلت كما لايصح أن يكون الطلب سبباً لا يصح أن يكون تذكيراً ولا تنبيهاً لأنك إن قلت بالسببية فجل حكم الأزل أن ينضاف إلى العلل وإن قلت تذكيراً فالتذكير للإغفال ولا إغفال وإن قلت تنبيهاً فالتنبيه الإهمال ولا إهمال وكيف يصح شيء من ذلك وهو غنى كريم رحيم عالم بما قل وجلَّ من أحوالك لاتعتريه العوارض ولا تطرأ عليه الآفات إذ ذلك عليه تعالى محال والقصد بالجميع إنما هو إظهار الفاقة لأنها محط الفوايد والعوائد كما
كله
نيه عليه المؤلف إذ قال
ورود الفاقات أعياد المريدين
قلت الفاقة شدّة الحاجة وهى ذاتية للعبد وإنما يرد عليه مذكراتها فإذا وردت أثارت
ذكرها فحصل شهودها وخير أوقاتك وقت تشهد فيه فاقتك وترد فيه إلى وجود زلتك لأن ذلك يقطعك عن غيره ويردك إليه وهو رأس الفوائد وأعياد العمر عند أهل الله تعالى لأن العيد سى عيداً لأنه يعود على الناس بالأفراح ويعودون فيه على أهاليهم بالإنفاق ويتكرر عليهم وجوده وتظهر على كل واحد فيه حلية غناه وكماله بالزينة وغيرها وكذلك الفاقة هي زينة المريدين وقائدته ۱ يفطر فيها على تمر المشاهدة من صوم المجاهدة وينحر نفسه بسيف
التبرى والمخالفة وفى معنى ذلك
"i
قالوا غداً العيد ماذا أنت لابسه فقلت خلعة ساق حبه جرعا
فقر وصبر هما ثوباى تحتهما
قلب
یری الفاقة الأعياد والجمعا أخرى الملابس أن تلقى الحبيب به يوم التزاور في الثوب الذي خلعا الدهر لى مأتم إن غبت يا أملى والعيد ما كنت لي مرأى ومستمعاً
ت ثم أشار لوجوه من فوائد الفاقة وبيان كونها أعياد المريدين فقال
ا ربما وجدت من المريد في الفاقات مالانجده في الصوم والصلاة قلت قد يجد في الفاقات من مزيد الإيمان والعلم والمعرفة والحقيقة مالا يجده في غيرها العبودية فيها أظهر والدعوى فيها أبعد والنفس فيها أقرب إلى الحق وأبعد من التكبر سوم والصلاة تعرض لهما عوارض الدعاوى ومناقضة الشوائب من الرياء وغيرهما فهما
۱ لعلها زينة المريد وقائدته
-rq-
يفتقران إلى التخليص والإخلاص بخلاف الفاقة فإنها تسلب العبد من هواه وترده لمولاه وتشغله عما لا يعنيه بما به تولاه قال فى التنوير فى البلايا والفاقات من أسرار الألطاف مالا يفهمه إلا أولو البصائر ألم تر أن البلاء يخمد النفس ويذبلها ويُخرجها عن طلب حظوظها ويقع مع البلايا وجود الزلة الذلة تكون النصرة ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة وفي الحديث ومع ما يؤيده ويحسب هذا يتعين الفرح بالفاقات بل طلبها كما كان حال أهل الهمم العلية وهو عكس ما نحن عليه لضعفنا وإلا فهو كما بينه المؤلف إذ قال
الفاقات بسط المواهب
قلت البسط بضم الموحدة والسين جمع بساط وهو ما يجرى فيه الشيء ويظهر عنده والمراد بالمواهب هنا ما هو أعم من الفتوحات العرفانية ويظهر لما ذكر قوله تعالى أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض الآية وقد قال أبو يزيد رضى الله عنه و خزائننا مملوءة بالخدمة فإن أردتنا فعليك بالذلة والافتقار وقال الشيخ أبو محمد عبد القادر الكيلاني رضى الله و أتيتُ أبواب الحق فوجدت عليها الازدحام حتى إذا أتيت باب جميع أ الذلة والافتقار فوجدته خالياً فدخلت منه فالتفت فإذا أنا قد سبقت القوم وتركت الناس يزدحمون على الأبواب انتهى معناه وقد أنشدوا في معنى ذلك
dic
لا يبعدنك عتبنا عن بابنا فالعهد باق والوداد مصان
وبحسننا وبلطفنا وبجاهنا شاع الحديث وسارت الركبان فإذا ذللت لعزنا ولجاهنا ذلت لعزتك الملوك وهانوا
وقد تقدم من نوع هذا الكلام عند قوله إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبالي معها أن قل عملك
واعلم أن الفاقة لاتكون نافعة لصاحبها إلا بتحقيق العبودية ذلك في أربعة أشياء الرضا بالواقع من غير تبرم ولا اعتراض والقيام بالحقوق المطلوبة في ذلك من عبادة وغيرها والفرار من النفس ودعاويها ۱ بل من دعاوى الخلق كلهم في ذلك بالانحياش إلى الله تعالى والإقبال على الله باللجوء إليه وإظهار ما أنت عليه من فاقة وافتقار لامن حيث ماتحتاج بل من 1 وفي التيمورية ودواعيها وكذا نسخة الدار
وفي التيمورية بل ومن الخلق كلهم
- ۱۰
حيث ۱ احتياجك وافتقارك كما أشار إليه قول موسى عليه السلام رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير فذكر فقره لاحاجته واحتياجه لامطلبه وأصل ذلك كله تصحيح الفاقة لا وجودها كما نبه عليه إذ قال
إذا أردت ورود المواهب عليك صحح الفقر والفاقة لديك
في عموم
قلت تصحيح الفقر والفاقة بمعنى تأكيدهما في النفس حتى يكون ثبوتهما مستشعراً الأوقات والحالات وإلا فهما ثابتان لوجودك بنفس وجودك إذ فاقتك لك ذاتية ويتحقق لك ذلك بثلاث تقدير عدمك واستشعار وتتبع ذلك بالتفصيل في شواهد أحوالك إذ ما من حركة ولا سكنة إلا وهى مشاهدة ۳ بذلك فمن تتبعه وجده فانتفع ومن أهمله فاندفع وقد يبعد الإجمال فى محل التفصيل كما يثبت التفصيل فى محل الإجمال ثم استشهد
لما ذكر بآية الصدقة فقال
إنما الصدقات للفقراء
غفل
قلت فمن صح فقره استحق الصدقة هذا ظاهر الحكم شرعاً وإشارته في محل الحقيقة جارية كذلك قال بعضهم " إلهى قد صح إفلاسنا من طاعتك فمن أحق منا بصدقات عفوك وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه وتصحيح العبودية ملازمة 4 الفقر والعجز والذل والضعف الله تعالى وأضدادها أوصاف الربوبية فمالك ولها فلازم أوصافك وتعلق بأوصافه وقل من بساط الضعف الحقيقى يا قوىً مَن للعاجز سواك ومن بساط الفقر الحقيقى ياغني من للفقير سواك ومن بساط العجز الحقيقى ياقدير من للعاجز سواك ومن بساط الذل الحقيقى ياعزيز من الذليل سواك تجد الإجابة طوع يدك واستعينوا بالله واصبروا إن الله الصابرين انتهى على تأخير وتقديم في ألفاظه وهو معنى ماذكره المؤلف إذ قال تحقق بأوصافك يَمُدك بأوصافه
مع
۱ وفي التيمورية وإظهار ما أنت عليه من فاقة وافتقار لا من حيث افتقارك واحتياجك كما أشار إليه إلخ وفى
نسخة الدار لا من حيث ما يحتاج
وفي التيمورية فذكر فقره لا لحاجته واحتياجه ولا المطلبه ولعل ذلك كله وفى نسخة الدار فذكره فقرة لاحتياجه
لا المطلبيه ۳ وفي التيمورية شاهدة
٤ وفى التيمورية بملازمة وكذا في نسخة الدار
قلت وذلك أن إقرارك بالعجز والفقر والذل والضعف يُرجعك إليه فتصير قادراً به غنياً به عزيزاً به قوياً به فيعود فقرك غنى وعجزك قدرة وضعفك قوة وذلك عزا لأنك في محل الاضطرار وهو يُجيب المضطر إذا دعاه وفى مقام الرضا والصبر وهو مع الصابرين فافهم ثم ذكر المؤلف التفصيل فقال
تحقق بذلك يُمدك بعزه
قلت حتى لا يكون عز في الوجود إلا بك وبمن تعتز ۱ به
تحقق بعجزك بعدك بقدرته
قلت حتى تصير قدرة القادرين من الخلق عجزاً في قدرتك
تحقق بضعفك بمدك بحوله وقوته
قلت حتى يكون كل شيء ضعيفاً فى قوتك بحيث لا يُعارك أحدٌ إِلَّا أَذلَّه الله ولا يغالبك أحد إلا أعجزه الله ولا يقاويك أحد إلا أوهنه الله فالتحقيق بالأوصاف بساط الكرامة عاجلاً بظهور التصرف والخدمة والحرمة وآجلاً بثبوت الرحمة والنعمة وذلك لا يدل على
كمال الاستقامة وإن دل على الاختصاص
1 وفي التيمورية و بمن تعززت بعزته
** انوار الحكماء هي الظـ الواقعة في صدورهم من معـ ما فتح لهم من الحكمة
ـلال
الباب العشرون
يقول أبو العباس المرسى رضى الله عنه الولى يكون مشحونا بالعلم
والحق
ائق لديه مشهودة حتى
اذا أعطى العبارة كان كالاذن من الله تعالى له في الكلام
-PIO-
وقال رضى الله عنه ربما رزق الكرامة من لم تكمل له الاستقامة
1
قلت الكرامة أمر خارق للعادة غير مقرون بالتحدى ولا خال عن الاستقامة ولا مستند للأسباب يُظهره الله تعالى على من أراد اختصاصه من أهل طاعته في البداية أو في النهاية أو بينهما فهى تدل على اختصاص صاحبها لا على استقامته فيتعين تعظيمه واحترامه لا تقديمه واتباعه إلا أن يظهر عليه كمال الاستقامة وهى الاستواء في اتباع الحق ظاهرا وباطنا على منهج السداد بلا علة فهى إذن توبة بلا إصرار وعمل بلا فتور وإخلاص بلا النفات ويقين بلا تردد وتوكَّل بلا وَمَن ملازمها واصل قطعا فهي الكرامة الحقيقية لا غيرها وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه إنما هما كرامتان جامعتان محیطتان كرامة الإيمان بمزيد الإيقان وشهود العيان وكرامة العمل على الاقتداء والمتابعة و مجانبة الدعاوى والمخادعة فمن أعطيهما ثم جعل يشتاق إلى غيرهما فهو عبد مفتر كذاب مغتر ذو خطأ فى العلم والعمل بالصواب كمن أكرم بشهود الملك على نعت الرضا فجعل يشتاق إلى سياسة الدواب وخلع الرضَى وقال وكل كرامة لا يصحبها الرضا عن الله مستدرج مغرور أو ناقص أو هالك مثبور انتهى وهو عجيب نافع إن شاء الله
فصاحبها
6
والحاصل أن ظهور الكرامة وإن دلّ على الاستقامة فلا يدل على كمالها فلا يغترر بها إلا مخدوع ولا يُهمل فضل الله فيها إلا مغرور فلزم التحقق والتحقيق كما أشار إليه المؤلف إذ قال من علامة إقامة الحق لك في الشيء إدامته إيَّاك فيه مع حصول النتائج
قلت فعلامة إقامة العبد في الكرامة إدامة جريانها عليه مع حصول نتائجها وهي ثلاثة وقوع الهداية بإنهاض النفس وعلو الهمة بالتعلَّق بالمعانى ٢ وكمالُ المعرفة بتحقق اليقين والرضا عن الله في كل وقت وعلى كل حال فقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه فائدة الكرامة تعريف اليقين من الله تعالى بالعلم والقدرة والإرادة والصفات الأزلية بجمع لا يفترق وأمر لا ينفك كأنها صفة واحدة قائمة بذات الواحد يستوى من تعرف الله إليه بنوره
1 وزاد في التيمورية وتعلق بلا تردد و استسلام بلا منازعة وتفويض بلا تدبير
وفي نسخة بالمعاناة
--
ومن تعرف إليه بفعله فهى إذن تفتح لليقين سبباً وتُرى المريد عجبا وتُورث العارف أدبا فإن لم يكن شيء من ذلك خيف على صاحبها السلب والحرمان لأنه يرى نفسه فيها وبها فيهلك ثم حكم إخفانّها إظهار على حسب بساطها وذلك ما بينه المؤلف إذ قال
من عبر من بساط إحسانه أَصْمَتَته الإساءة مع ربه ومن عبر من بساط إحسان الله إليه يصمت إذا أساء
قلت في بعض النسخ عبر بالتشديد من التعبير وهو المناسب لقوله أصمتته وفى بعضها بالتخفيف من العبور وهو الدخول وعليه فكأنه يقول من دخل حضرة الحق ناظراً لنفسه إذا أراد أن يظهر ما جرى له من الكرامات وغيرها ناداه منادى الحقيقة تذكر كرامتك ولا تذكر ذلتك ! فيقف عند حده ويفرّ مما بداله عوضا من فرحة به فيكون حاله قبضا في قبض وكمانا في كتمان وسترا في ستر وهذا حال الزهاد والعباد وأهل الطاعة والأوراد ممن لم يحظ بالمعرفة ولا تبراً من نفسه فأَما من دخل ناظرا لإحسان مولاه عاملاً على ما به يتولاه راجعا إليه فيما من به عليه وأولاه فذلك الذي ينطلق لسانه ويسترسل بالإظهار بيانه
فلا يحتشم عند التعبير ولا يبالى بما هو فيه من جليل وحقير إذ يرى نفسه منعدما من البين
ويشاهد تعريف الحق له كروية العين وعلى هذا يجرى قولهم من عرف الله انطلق لسانه ۳ وقد يكون لهما معنى غير ذلك فمن ها هنا اختلفت طرق الناس فى الإظهار والإخفاء والقبول والتبرى والفرار والفرح وقد يتعاقب ذلك على الشخص الواخذ والله أعلم تم التعبير تارة يكون على حقيقته ٤ بلا تحقق وهو حال العلماء وأهل البداية فهو يعيد العلم والفهم دون التأثير وتارة يكون عن تحقق وتمكن وهو حال أهل المعرفة والكمال
فيفيد التأثير والانفعال وهذا الذى نبه عليه المؤلف إذ قال
تسبق أنوار الحكماء أقوالهم فحيث صار التنوير وصل التعبير
قلت أنوار الحكماء هي الظلال الواقعة في صدورهم من معاني ما فتح لهم من الحكمة التي هي إصابة الحق في القول والعمل فهى تسبق إلى قلوبهم ثم ينطقون بما يناسبها على حسب 1 وفي التيمورية كأنهما صيغة واحدة قائمة بذات الواحد هل يستوى من تعرف إلى الله بنوره ومن تعرف إليه بعقله
وفي التيمورية ثم حكم أخفائها وإظهارا على حسب بساطها ۳ وزاد في التيمورية بعدوه اخلق اسانه وعلى الأول يجرى قولهم من عرف الله كل لسانه ٤ وفى ت عن حقيقة
-JJV-
حالهم منها فتصل إلى قلوب السامعين على حسب ذلك فحيث صار التنوير من قلوبهم وصل التعبير من قلوب غيرهم فمن كان نطقه عن نور تام أفاد المخاطب نورا تاماً ومن كان عن ناقص فعن ناقص ومن كان عن هوى فهو كذلك لأن ما خرج من القلب دخل القلب وما قصر على اللسان لم يجاوز الآذان ثم إذا وصل القلب وعرفه لم بمنعه من التمكين إلا جحود أو ضلال كحال الكفار إذا أقروا بالحقيقة ولم يصدقوا بها جحودا وعنادا حتى كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم ويستغشون ثيابهم خوفاً من تمكنها لاستجلابها وقد ذكر المؤلف سر ذلك بأن قال كل كلام يبرز وعليه كسوة القلب الذي منه برز
قلت سواء كان ذلك الكلام عاديًا أو شرعيا أو غيره لأن الألفاظ حلية المعاني والمعاني قلبية وما برز من بساط ظهر أثره فيه والناس ثلاثة متكلم مجموع ومتكلم مسموع ومتكلم مدفوع فالمجموع هو الذى تنفع إشارته وتفيد عبارته والمسموع هو الذي تستحلى عبارته وتفهم إشارته والمدفوع هو الذى تمجه الأسماع ولا يحصل به الانتفاع وقد أشار المؤلف إلى الأول والثاني بأن قال
مَنْ أُذن له في التعبير فهمت فى مسامع الخلق عبارته وجليت إليهم إشارته
قلت يقول علامة كلام المأذون له أن يكون مفهوما مقبولا محلا مجلاً محبباً إذ قد اختلفت النسخ ففى نسخة وحليت بالحاء واللام بعدها ياء من التحلية وفى نسخة بالجيم كذلك من التجل وهو الإظهار وفى نسخة بحاء وموحدة من المحبة وكذلك كان كلام الأنبياء عليهم السلام إذ لم ينكره أحد من حيث ذاته بل أقروا بحسنه وصرحوا بكماله وأنكروا حقيقته جحدا وعنادا إذ قالوا أساطير الأولين وقالوا إنما يعلمه بشر وهذا سحر مبين وسحر مستمر وسحر يؤثر إلى غير ذلك والإذن عبارة عن إحدى ثلاثة أوجه عادى وشرعي وذوقى فالعادى التيسير والفيضان والشرعى نعلق الأمر الشرعي به وجوبا أو ندباً والذوقى ومرجعه لانطلاق اللسان دون احتشام ولا تتبع قال أبو العباس المرسى رضى الله عنه الولى يكون مشحونا بالعلم والحقائق لديه مشهودة حتى إذا أعطى العبارة كان كالإذن من الله تعالى له في الكلام انتهى ثم ذكر علامة تخلف الإذن في التعبير وأبان
بأن قال
عنه
ربما برزت الحقائق مكسوفة الأنوار إذا لم يؤذن لك فيها بالإظهار
قلت الحقائق ما يقع من نكت الإلهام بالأمور العرفانية بالقلب ويتمكن منها ولها صورة في النفس وعبارة فى الخارج إذا تم نورها ظهر فى الباطن والظاهر والعبارة من نورها ما يشهد لصاحبها بالتحقق ثم إذا أذن له فى التعبير عنه برزت بكسوة الأنوار وهداية الإستبصار وإلا ظهرت بنعوت الظلمة كأنها شمس اعتراها كسوف لا تكاد تُقبل لثقلها ولا تفهم لبعدها ولا تسمع لامتجاجها قال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه كلام المأذون له يخرج وعليه حلاوة وطلاوة وكسوة وكلام الذى لم يؤذن له يخرج مكسوف الأنوار حتى أن الرجلين اليتكلمان بالحقيقة الواحدة فتقبل من أحدهما وتردّ على الآخر انتهى وربما قبلت من الشخص لواحد في وقت ورُدَّت عليه في غيره بل ربما قبلها شخص وردها آخر في وقت واحد وخطاب واحد وما ذلك إلا لاختلاف الإذن بحسب الأوقات والحالات والأشخاص ثم ذكر الحامل على عبارة المأذون له دون غيره من وجد صادق أو قصد هداية وبينه بأن قال
عباراتهم إما لفيضان وجد أو لقصد هداية مريد
قلت فيضان الوجد غلبته وإتيانه بصفة من القهر لا يمكن معها التمالك طرباً أو غيرة والوجدُ وقع الحقيقة في القلب على وجه يقع به استغراقه فيما وقع عليه ولا يصح معه التمالك في كتمان الواقع غالبا وهداية المريد إرشاده لما به صلاح حاله من أحد ثلاثة أمور خروج من حيرة في ذوقه أو استراحة في شوقه أو ترق له في همته أو عمله أو حالته وقيضان الوجد إنما يكون من ضعيف كما أن الإرشاد لا يقع إلا من قوى لأن مقصد الكلّ الكتمان وهو لازم لوجوه ثلاثة فرارا من التلوين بالظهور وغيرةً على أسرار الحق أن تكون مبتذلة وتحقيقا للهداية بالفرار من منغصات ومشوشات القلب كما يشير إليه بقوله بعد لا ينبغى للسالك أن يُعبر عن وارداته وليس هذا خاصا بالتعبير بل إظهارا لكرامات كذلك ولكل طريق فريق بينهم المؤلف بأن قال فالأول حال السالكين والثالى حال أرباب المكنة والمتحققين
قلت وذلك لأن السالك تغليه أحواله ولا يتمالك وليس من أهل القدوة قلت حتى يحتاج لأن يهدى غيره بل شغله
بنفسه وقلبه قد صرفه عن التوجيه لغيره فضلا عن الاشتغال بهدايته
•
والمتمكن قد غَلَبَ على حاله وحَكَمَ على حقائقه وفرغ من تهذيب نفسه فتفرغ لهداية غيره فصار ذلك واجباً عليه أو مندوبا له ثم هو لم يجب عليه إلا بعد الأمر به والمكنة المتمكن في المعرفة وحصول المكانة فيها بحيث لا تؤثر فيه عوارض التقلب وإن عارضته وذلك لتحقق القلب والسر والروح بما هو فيه من حاله الذي يبديه ثم يتعين على المكنة عند قصد الهداية أن يراعي في تعبيره حق نفسه وحق المخاطب وحقوق عامة أهل الطريق وغيرهم إن وسعه ذلك فأَما حق نفسه بأن لا يعبر إلا عن ما هو متمكن فيه ومتحقق به وأما حق المخاطب بأن يأتيه بذلك على قدر حاله وذوقه وفهمه وعلمه دون اتساع ولا ضيق لينتفع به وإلا تشتت في التوسع وخرج في الضيق وأما حق الغير بأن يعبر عبارة تفيد العام في عمومه ولا تدفع الخاص عن خصوصه وتكون سالمة من الإبهام والإيهام حتى لا يقع إنكار ولا اعتراض المريد فلا يتقيّد لأن حاله حاكم عليه ثم التفصيل من العبارة على قدر الحالة وهذا
فأما
ما ذكره بأن قال
1
العبارات قوت لعائلة المستمعين
أبدانهم
منه
يقول المستمعون للحقائق وغيرها عيال على المتكلم فيها وهى أقواتهم لأنهم يطلبونها لقوام المعانى كما يطلبونها ۳ القوام الأبدان وينتفعون بها في نفوسهم كما ينتفعون بالقوت في ويتفاوتون في الانتفاع والتحصيل بها كما يتفاوتون في أقواتهم انتفاعاً وتحصيلاً فينبغي أن يراعى حقهم في ذلك بتهذيبه وترتيبه وتقريبه حتى تسوغه قلوبهم وتدركه عقولهم ما يضره في حال ولامآل ولذلك نهى عن النفيهق في الكلام وتكلف السجع
ولا ينال لأحد
منهم
وغيره فتأمل ذلك ثم قال
ليس لك إلا ما أنت له آكل
قلت يحتمل أن يكون المخاطب في كلامه المعبر ويحتمل أن يريد المعبر له والخارج في ذلك ثلاث تأويلات أحدها ليس لك إلا ما انتفعت به فلا تشتغل بنفع أحد إلا بعد انتفاعك الثاني ليس لك إلا ما يليق بك فاحرص على تحصيل ما يليق بغيرك فلا تشغل
1 وفي ت ولا تضييق وفي ت كما يطلبونه
۳
۳ وفي التيمورية فاحرص علي تحصيله لا ما يليق بغيرك فلا تشتغل بنفع أحد إلا بعد انتفاعك فلا تشتغل بما هو أجنبي عنك
-rr -
بشیخ
نفسك ما هو عنك أجنى الثالث ليس لك إلا ما سمعته فأثره ۱ فيك لا ما تأثر به غيرك فإذا عرفت ذلك في جهة فالزمها فإنَّ فتحك منها قال في الطائف المنن وإنما يكون الافتداء دلك الله عليه وأشهدك ما أودعه من الخصوصية لديه ثم ذكر أمره إلى أن قال وليس شيخك من سمعت منه إنما شيخك من أخذت عنه قلت وليس شيخك من واجهتك عبارته إنما شيخك الذي سرت فيك أشراقه ليس شيخك من دعاك إلى الباب إنما شيخك من رفع بينك وبينه الحجاب ليس شيخك من واجهك مقاله إنما شيخك الذى نهض بك حاله شيخك الذي خرج بك من سجن الهوى ودخل بك على المولى شيخك الذى مازال يجلو مرآة قلبك حتى تجلت فيها أنوار ربك نهض بك إلى الله فنهضت إليه وسار بك حتى وصلت إليه ومازال
محاذياً لك حتى ألقاك بين يديه فزج بك في نور الحضرة وقال ها أنت وربك
۳
وقال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه الشيخ من شهدت له ذاتك بالتقديم وسرى بالتعظيم الشيخ من هذبك بأخلاقه وأدبك بأطراقه وأنار باطنك بإشراقه الشيخ من جمعك في حضوره
وحفظك في مغيبه انتهى
وكما يتعين على السامع ماقلناه يتعين على الملقى أن يختار لكل سامع مايليق به فلأهل الغفلة الوعظ والتذكير ولأهل الإرادة الأحوال ولأهل المعرفة الحقائق وكل يعبر عن بساط حاله من نقص أو كمال ذكره بأن قال
ربما عبر عن المقام من استشرف عليه وربما عبر عنه من وصل إليه
قلت مقصود هذا الكلام أن التعبير عن المقام لا يفيد كون المعبر محققاً به ولا واصلاً إليه بل كونه مستشرفاً عليه فإما بزيادة وصوله إليه وإما مجرداً عن ذلك والفرق بين الحالين غامض إلَّا ببصيرة نافذة وتأييد ربانى ينشأ عن تحقق وتحقيق كما قال
۱ وفي ت فأثر
وفي التيمورية الذي ظهرت لك إشارته
۳ وفي التيمورية الشيخ من شهدت له ذاته بالتقديم وسرك بالتعظيم
وذلك ملتبس إلا على صاحب بصيرة
قلت يعنى مُشتبه ومختلط لا يميزه إلَّا صاحب بصيرة نافذة تنظر بنور الهى فتدرك هذه من هذه لكن لكل شيء علامة يعرف بها فعلامة المتمكن من الحقيقة الواصل إليها ثلاث سريانها فى كليته فيحظى بها كلُّ شيء من ذاته ظاهراً وباطناً سراً وعلانية وجريان أفعاله ومعاملاته على مقتضاها دون احتياج لأسباب ولا غيرها وتأثر السامع بها على قدره فلا يمجها سامع ولا يستثقلها وإن لم يظهر فيه قبولها والعمل بها وعلامة المعبر عن إشراف ثلاث اهتزاز ذاته فرحاً عند التعبير وقصوره في الإخبار عن المعنى الجامع المحيط والاحتياج للأسباب والمعونات في تحصيلها في ذاته وتوصيلها لغيره كما تقدم عند قوله تسبق أنوار الحكماء أقوالهم فتأمل
ذلك
وإذا كان الأمر ملتبساً والتعبير مُضُراً فالتماسك أولى وعلى كونه مضراً بالمبتدىء نبه إذ قال لا ينبغي للسالك أن يعبر
عن وارداته
قلت يعني قبل تمكنه من الحقيقة واستيفائه موجبات الطريقة فإن شأن المريد شغله بنفسه ومتى عبر فقد اشتغل بغيره وذلك يُشوّش عليه حاله ويوجب نقصه كما قال
فإن ذلك مما يقل عملها فى قلبه ويمنعه وجود الصدق
ا مع ربه
قلت أما قلة عملها في قلبه فإنها إذا بقيت في باطنه تردد معناها في نفسه تردداً يقتضى ارتسامها في الخيال ثم لايزال كذلك حتى يصير ملازماً لا يفارق ثم لايزال حتى ينطبع فيها وتنصبغ بها الحقيقة وإذا خرجت من القلب صارت لها صورة فى الخارج فأوجبت حديث النفس بما ينشأ عنها وما يجرى بسببها فلا تؤثر شيئاً وأما منعها وجود الصدق فلأنها تثير ثلاثة أشياء الفرح بها وهو حظ نفسانى واستشعار المزية وهو أعظم وتعظيم الخلائق وهو بساط الرياء والتصنع وقد ذكر الشيخ حكمتين قلة عملها ومنعها الصدق وبقى ثالث وهو الحرمان من التحقق بها لأن المريد إذا تكلّم صاحب علم لاصاحب حال وقد قال الشيخ أبو العباس
-
ابن العريف رضي الله عنه إن الحكمة إذا بطنت خصت أهلها فدامت ونفعت وإذا ظهرت عموماً أنكرها من ليس من أهلها فانقطعت وارتفعت وفيها ظهر من الحجة كفاية لتعريف المحجة انتهى ثم من دعاوى التعبير طلب المنزلة في قلوب الخلق وذلك من التشوف لما عندهم وقطع ذلك بالنظر إلى الحق سبحانه فيا يُجريه على أيديهم كما قال
لا تمدن بدك إلى الأخذ من الخلائق حتى ترى أن المعطى فيهم مولاك
قلت فأنت بمعزل عنهم في عين التوجه إليهم وسواء كان الأخذ منهم بسبب وبلا سبب فلابد من هذا الشرط فقد قال يحيى بن معاذ الرازي رضى الله عنه من استفتح باب المعاشر بغير مفاتيح الأقدار وكل إلى المخلوقين انتهى
الحرص في عموم
وعلامة التحقق في ذلك ثلاث عدم حصر الجهات بترك الإشراف والتشوفات وسقوط الأوقات والحالات حتى لا يصده الرزق عن مندوب ولا محبوب والتمسك بالحق في كل وقت وحال بحيث لا يترخص بوجه غير مستقيم ولا يقابل الخلق بقلب سقيم فلا يذم معطياً ولا مانعاً ولا يمدحهما إلا من حيث أمر الله فيهما مع اقتصاره في ذلك عن المبالغة والميل في الطريق فهذه الشروط الباطنة وقد جمعها مع الظاهرة بأن قال
1
فإن كنت كذلك فخذ ما وافق العلم
الله من
قلت فإن كنت معقود القلب بالحقيقة كما ذكرنا فلا تهمل الشريعة بل ما أجرى على أيديهم مما وافقك العلم على أخذه وهو الحلال الطيب المصحوب بالورع أو المتفق عليه عند أئمة الفتوى أو الراجح عند إمامك أو غيره عند الضرورة ومرجع ذلك كله لفقه النفس فعادل ۳ العلم بالحكم الأصلى وقد قال الشيخ أبو اسحق الجبنياني رحمه الله اكتسب بالعلم وكل بالورع وهي رخصة عظيمة وبالله التوفيق ثم ذكر المؤلف رحمه الله حال العارف في همته ليكون أسوةً لمن سلك طريقه فقال
ربما استحبى العارف أن يرفع حاجته إلى مولاه اكتفاء بمشيئته فكيف لا يستحى أن يرفع
فته
1 وفى ت والميل في الطرفين
وفق ت فعاد
- pre-
قلت كل هذا علوّ همه وتعظيم الربوبية ومن ثم جاء أن علو الهمة من الإيمان وأحسن ما يحكي في ذلك قول بشر رحمه الله لعلى بن أبي طالب رضى الله عنه في المنام ما أحسن عطف الأغنياء على الفقراء طلباً للثواب فقال على كرّم الله وجهه وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله قال التسترى رحمه الله وأكبر من ذلك همة العارفين تتلاشى فيها جميع
1
المخلوقات فضلاً عن المقدورات انتهى والنقل في هذا الباب كثير وقد أشبع
التنبيه فانظره
dis
تنبيه لما كان القبول والردّ محل الالتباس وكذا أعمال الأسباب وعدمها
في
1 وفي ت القشيري وفي ت وكذا أسباب الأعمال
نحت الجبال بالأظافر أيسر من زوال الهوى اذا تمكن !
الباب الحادي والعشر
جنات المطيع ثلاثة
جنة المعاملة بعظم السنة وجنة الفتوح بظهور الكرامة
والجنة الحسية في الدار الآخرة
- IV-
قال رضی الله عنه إذا التبس عليك أمران فانظر أثقلهما على النفس فاتبعه قلت التبس اشتبه واختلط والمراد بالأمرين أمران واجبان أو مندوبان أو مياحان أو مكروهان لا مندوحة عنهما ولا أرجحية لأحدهما على الآخر ولا يمكن الجمع بينهما كبر أحد الأبوين لمخالفته الآخر وحضور جنازتين المتساويين في الحق وأخذ هدية أو تركها لمن يتغير بالرد ولايس بالقبول والخمول بدلاً من وقوع الجاه المخوف في المآل وثقل الشيء على النفس على ثلاثة أوجه ثقل من جهة الحقيقة وثقل من جهة المعنى وثقل من جهة
الطبع وهو المعتبر هنا وله علامات ثلاث العجلة والأمن وعمى العاقبة فإذا توجهت لشيء لا تعرف له مادةً فى الأحكام ترجّح فيه الترك من الفعل فإن كان مع أمن لامع خوف ومع عجلة لا مع تأن ومع عمى العاقبة لامع بصارة العاقبة فاعلم أن خفته على النفس من هواها وإن ثقل عليها مع كزازة وطيش وعمى عاقبته كذلك وعليه يتنزل كلام المؤلف أولاً وآخراً بما ذكر فوقه ثم قال
فإنه لا يثقل عليها إلا ما كان حقاً
قلت وذلك لأنها مجبولة على ضد الخير فإذا أدبرت بلا علة أو أقبلت بلا دليل مع ذكر فهو دليل هواها وإن كان ذلك مع دليل وظهور حكمة الإيثار فهو من الحق لأن الأنوار تتعاضد كما أن الظلمات تتراكم وهذا الميزان إنما يكون للنفوس اللوامة ۱ التي تخطى قارة وتصيب أخرى وليس لها نور تهتدى به فأما من له نور يهتدى به فليعمل على حقيقة ما يلقيه إليه الكشف والإلهام عند تعذر الدليل الشرعي وذلك بأن يبسط نور إيمانه على ما يتوجه إليه بصدق وتحقيق فإن ظهر له كالشمس أقبل بلا تردد وإن بان له كالليل أدير بلا توقف وإن كان كالغبش توقف فيه لاشتباه حاله وهو في ذلك كله تابع للشرع في إثبات الظاهر وحسن الظن بالمسلمين وإنما يفيده هذا الأمر وجود الحذر ونحوه وأصله قوله عليه الصلاة والسلام استفت قلبك وإن أفتوك وإن أفتوك وإن أفتوك فأما النفس الأمارة فلا حديث عليها ولا عهد لها
1 وفي التيمورية للنفوس الأمارة
-TA-
والحق عليها أثقل من ثقيل فهى أجرأ فى لزوم الفراغ ۱ من مواطن ميلها ويستعان عليها بقصد المخالفة أبداً وبالله التوفيق
وماذكر في لطائف المنن من ميزان الموت يليق فيه تحقيق ذلك على النفس حتى كأنه واقع ثم هذا يجرى فى موقف الأحكام لاغير والله أعلم ثم إذا ترجح شيء بالشرع وجب ترجیحه وكان العدول عنه هوى كما قال
من علامات اتِّباع الهوى المسارعة إلى نوافل الخيرات والتكاسل عن القيام بحقوق الواجبات
C
فالإقبال
قلت الحوى الميل للأغراض النفسانية واتباعه العمل على مقتضاه والإدبار من غير مبالاة بالشرع وإنما تسرع النفس للنوافل مع عدم القيام بحقوق الواجب لما تعتقده في ذلك من استعجال الفتح وأنه لا يكون بالمألوف بل بالمستغربات وقد عد ذلك المشايخ من أعظم العيوب والآفات فقد قال بعضهم من كانت النوافل أهم عليه من الفرائض فهو مخدوع وقد قال محمد بن أبي الورد رضى الله عنه هلاك الخلق فى حرفين اشتغال بنافلة وتضييع فريضة وعمل الجوارح بلا مواطأة القلب وإنما حرموا الوصول لتضييعهم الأصول وقال ابراهيم الخواص رضی الله عنه إن الله لا يقبل من عامل عملا إلا بالصدق وإصابة الحق
انتهى
فإذن الأهم على العبد إقامة الفرائض ثم القيام بالسنن ثم الإتيان بما تيسر من النوافل وإقامة الفرائض بثلاث وجود الصدق فيها والقيام بلوازمها وآدابها ورؤية المنة لله سبحانه في وجودها إذ قد أعاننا مولانا على ذلك بتقليلها وتقصيرها وتقييدها بالأوقات
وتوسيع
أوقاتها وتلوينها
وقد ذكر المؤلف هذه الخمس في هذا الكتاب بنوع من بيان المنّة فأما الأولين والاخرين في آخر باب لا يستحقر الورد إلَّا جهول فانظره هناك وأما التوسيع والتقييد فقال فيه قيد الطاعات بأنواع الأوقات كى لا يمنعك عنها وجود التسويف ووسع الوقت عليك كي
يبقى لك حصة في الاختيار
1 وفي التيمورية فهى أحرى بلزوم الفرار من مواطن
هو أبو اسحق إبراهيم بن أحمد الخواص من أقران الجنيد له فى العاضات حظ كبير مات بالرى سنة ٢٩١ ه
4
1
قلت فذكر في الوجهين نعمتين عظيمتين معينتين على اتباع الحق ومراقبة الأوقات
والطاعات التى بها يتوصل إلى عظيم الثواب وحسن المآب وفى نفى التسويف كرامات ثلاث مبادرة الأمر ومراقبة الذكر وعمارة السرّ وفى بقاء جهة الاختيار ثلاث كرامات التوسعة
بدلا من الضيق وظهور النسبة باختيارك لنفسك وانشراح الصدر للعبادة وفيها لإمكان 1 التفرق بها وفى ذلك حجة على التارك والمجانب لاخفاء به على متأمل
فتعاقب
وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه الاتؤخر طاعة وقت بوقت ۳ يفونها أو بفوت غيرها أو مثلها جزاء لما كفر من نعمة ذلك الوقت فإن لكل وقت سهماً من العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية
قال فقلت في نفسي قد أَخَّر الصديق الوتر إلى آخر الليل فإذا على بصوت في النوم تلك عادة جارية وسُنَّة ثابتة ألزمه الله إيَّاها مع المحافظة عليها فأنى لك بها مع الميل إلى الراحة والتمتع بالشهوات والدخول فى أنواع المخالفات والغفلة عن المشاهدات هيهات هيهات انتهى فتأمله ذكر حكمة الإيجاب فقال نهوض العباد إلى معاملته فأوجب عليهم وجود طاعته
علم
قلة
قلت يقول لما علم الحق سبحانه أن من نهض المعاملته دون تنبيه ولا تأكيد من العباد قليل وأن أكثر الخلق إنما يتبعون الهوى أو يشتغلون بدنيا ونحوها عزم لهم بالإيجاب ليكون محجة للعاقل وحجة على الغافل فلزمهم ذلك طوق أعناقهم كالسلاسل وهذا ما نبه عليه إذ قال فساقهم إليها بسلاسل الإيجاب
قلت استعار السلاسل للإيجاب لمناسبته لها من وجوه ثلاثة عدم الانفكاك بكل حال وكونها قائدة أو سائقة لما يراد كرها لمن أباه طوعاً وتوصيلها لعين المراد لا من حيث تعلقت به والناس ثلاثة رجل انهضته للعبادة والخدمة محض العبودية وحق الخدمة وهذا حُر كامل ورجل أنهضه لها حُسنَها أَو حُسن من نسبت له وهو معامل بها وهذا مريد طالب أو عارف مستبشر ورجل أنهضه إليها وجود الثواب والعقاب وهذا من عوام المؤمنين وكافة أصحاب
1 وفي التيمورية وفيها إمكان التفرغ بها
وى نسخة الدار وفى ذلك حجة على التارك فلا خفاء به على متأمل
۳ وفى نسخة الدار لا تؤخر طاعة وقت لوقت فتعاقب بقواتها
۳۰ -
من
اليمين فأما أخلد إلى الأرض واتبع هواه وآثر دنياه وخالف مولاه فلا حديث عليه ثم الطاعة والمعاملة جُنَّةٌ فى الحال وموصلة إلى الجنة فى المآل والحق تعالى غنى عن العباد وهذا ما أشار إليه المؤلف إذ قال
عجب ربك من قوم يساقون إلى الجنة بسلاسل
قلت يعنى أظهر العجب منهم وذلك أن الجنة محبوبة بالطبع جميلة الوصف موضع المنافع والفوائد والتراخي عن مثل ذلك من العجب العجاب وقد وقع هذا الحديث في أسارى بدر حين نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل معنى عجب أي أحب وقيل هو من الألفاظ الذى ينزه معناها وتمت كما جاءت ثم بين المؤلف ما أشار إليه إذ قال أوجب عليك وجود خدمته وما أوجب عليك في الحقيقة إلا دخول جنته
قلت وذلك لأن الطاعة مضمنة بالجنة لأنها ثوابها والله تعالى لا يُخلف وعده والآتى قطعا كالموجود في الحال ثم جنات المطيع ثلاثة جنَّة المعاملة بعظم المنة وجنة الفتوح بظهور الكرامة والجنة الحسية فى الدار الآخرة رزقنا الله وقد ثبت أن الحق الجميع تعالى غنى عنك فطاعتك لك وإذا كان كذلك وجب أن لا تقصر فى حقوقه فإن ساعدك القدر على ذلك وإلا فلا تيأس من مولاك لأن ذلك قادح في يقينك كما قال من استغرب أن ينقذه الله من شهوته وأن يخرجه من وجود غفلته فقد استعجز القدرة الإلهية قلت وذلك لأنه استثنى منها شيئًا هو صلاح حاله ولو كان في غيره على خلاف ذلك وهذا شيء ذكره باللزوم لا بالتحقيق والوقوع فلذلك كان قادحاً في اليقين لا في الإيمان فافهم ثم أعلم أن من قوى إيمانه بالقدرة لا يكون عنده شيء أغرب من شيء واستغراب الخوارق من ضعف اليقين بالقدرة ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في حديث البقرة والذئب آمنت به أنا وأبو بكر وعمر حين قال الناس سبحان الله بقرة تتكلم ودئب يتكلم قال الشيخ أبو أنا وأبو بكر وعمر بلا عجب وأنتم مع التعجب وإلا فالكل
العباس المرسى رضى الله
die
مؤمنون ثم نزع المؤلف بآية حجة على ما ذكر من عموم القدرة فقال
وكان الله على كل شيء مقتدرا
قلت
ومن جملة الأشياء تبديل هذا العبد من النقص إلى الكمال ومن القبح إلى الحسن
وقد فعل ذلك بجماعة من الخلق كابراهيم بن أدهم وفضيل بن عياض وبشر الحافي
6
-3-
الله وعبد بن المبارك وأبي بكر الشبلي وذى النون المصرى وغيرهم فانظر حكاياتهم فإنها عون لك وأكثر اللجاء ۱ إلى الله تعالى فيما عسر عليك من قياد نفسك ومحاولة أمرك موقنا أنه المالك شأنك وتوفيقه وتسديده ولا تفارق ذلك على ما فيك من حسن أو قبيح ولا تيأس من الله انتهى وهو لُبابُ ما قصد له كلام المؤلف والله أعلم ثم ذكر حكمة الابتلاء بالنقائص
الصلاح
رحمة
فقال
ربما وردت الظلم عليك ليعرفك قدر ما من به عليك
قلت الظلم بضم الظاء المشالة وفتح اللام جمع ظلمة والمراد بها ها هنا الشهوات والغفلات والمعاصي وابتلاء العبد بها تارة يكون طرداً وتارة يكون تأديباً وتارة يكون تقريباً فإذا أثمرت إنابته كانت تقريباً وإذا أثمرت انكسارا وتذكيرًا كانت تأديباً وإذا أثمرت تعلقا كانت طرداً فاعرف ذلك وإنما يذكر العبد بها إذا بعد عن الفهم كما قال
ها
من لم يعرف قدر النعم بوجدانها عرفها بوجود فقدانها قلت ولذلك قيل نعم الله مجهولة وتعرف إذا فُقدت وقيل الولد العاق المصر على تأنيبه إنما يعرف قدر الأب يوم وفاة أبيه وقيل أيضًا إنما يعرف قدر الماء من ابتلى بعطش البادية لا من كان على شاطىء الأنهار والأودية الجارية انتهى
ثم تواتر المنة واتساعها قد يُوجب الدهش المذموم فلذلك قال
قلة
الأعمال
لا يدهشك واردات النعم عن القيام بحقوق شكرك فإن ذلك مما يحط من وجود قدرك قلت لا تدهش عن الشكر لما تراه من تواتر النعم وكثرتها وتسلسلها فإن ذلك نقص وتقصير وأصله ثلاثة عيوب أَوّلها إرادة مقابلة فضله وكرمه بأفعالنا وذلك من المعرفة بجلاله الثاني رؤية النفس ونسبتها في الأفعال وهو من باب الاعتماد على الثالث اعتقاد أن الشكر رسم عقلى فيريك مقابلة ما يقتضيه ۳ معقوله بما يقتضيه معقولة ۱ وفى نسخة الدار وأكثر اللجاء إلى الله فأنها مفتاح قال في رسالة أبي زيد رحمه الله وليلجأ إلى الله فيهما عسر عليه من قياد نفسه ومحاولة أمره موقتا أنه المالك اصلاح شأنه وتوفيقه وتسديده لا يفارق ذلك على ما فيه من حسن أو قبح ولا تيأس من رحمة
الله انتهى
في نسخة الدار فاذا أثمرت كانت إذابة و تقريباً
۳ وفي التيمورية اعتقاد أن الشكر رسم عقل فيريد مقابلة النعم على ما يقتضيه معقوله فلا يتهيأ له ما يريد دم إلخ وفى نسخة الدار اعتقاد أن الشكر رسم عقلى فيريد مقابلة ما يقتضيه معقوله بما يقتضيه معقوله فلا يتناهى له
- ۳
فلا يتناهى له ما يريد لعدم تناهى ما يترتب عليه فيدهش ولو رآه رسما شرعيا كما هو الحق لكفاه في شكر النعمة ما وقع بأزائها من العبودية فقد قال داود عليه السلام الهی ابن آدم ما فيه شعرة إلا وفوقها نعمةً وتحتها منةً فمن أين يكافئها فأوحى الله إليه يا داود إلى أعطى الكثير وأرضى باليسير وإنَّ شُكر ذلك أن تعلم أن ما بك من نعمة فمنى وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لم يُنعم الله تعالى على عبد نعمة فيحمد الله عليها إلا كان حمده أفضل من نعمته وقال سهل بن عبد الله رضي الله عنه ما من نعمة إلا والحمد أفضل منها والنعمة التى ألهم بها الحمد أفضل من الأولى لأن الشكر مستوجب المزيد انتهى ثم هذا الدهش غالبا إنما يتولد من تمكن الهوى من القلب وإلفه بالبطالة حتى يتعلل بمثل تلك العلة في مثل هذا المقصد وقد ذكر المؤلف ذلك بأن قال
تمكن حلاوة الهوى من القلب هو الداء العضال
حلاوة الهوى لذته المدركة بالوجدان وتمكنها من القلب رسوخها فيه والداء العضال هو الذي لا تزيده المداواه إلا تمكنا وقوة والهوى ثبات داعى النفس فى مقابلة داعى الحق وإن شئت قلت ميل النفس لما تريده طبعاً وإنما تتمكن حلاوة الهوى من القلب بثلاثة أمور الرضا عن النفس والغفلة عنها والاسترسال مع مرادها وإنما كان تمكنها معضلا لوجوه ثلاثة أحدها أنه ۱ راقب فى النفس لازم لها ملازمة الأوصاف لمواضعها فلا تسمح به إلا بعد جهد جهيد ولذلك قيل النفس كالنمر لا يردّها إلا القهر القوى والشيطان كالذئب إن أخرجته خرج ثم يأتى من موضع آخر الثاني أنه لا يكون غالبا إلا ملتبساً بحق ٢ أو معنى يخفى به كونه مضراً إلا بعد نظر دقيق وجهد جهيد ولا يمكن استئصاله إلا بالأصل والفرع لاحتمال وقوع المنفعة به يوما الثالث أن الهوى إذا تمكن أثمر علمًا على وفقه فكان في موضع الحجة على صاحبه بفتح باب التأويل والجدل الذى هو مفتاح الضلال قال الله تعالى أَفَرَأَيْتَ مَن اتَّخَذَ إِلَهَهُ هوَاهُ وَأَضَلَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَره غِشَاوَةٌ فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أى أنه لا تفيد الأسباب في هدايته لذلك قال بعضهم نحت الجبال بالأظافر أيسر من زوال الهوى إذا تمكن انتهى وإذا كان الأمر كذلك فلا يزيله إلا قاهر هو خوف مزعج أو شوق
مقلق كما قال
۱ وفي نسخة الدار أحدها أن ميل النفس لازم لها ملازمة الأوصاف الموصوفانها وفى نسخة الدار أنه لا يكون غالباً إلا ملتيساً يحظ أو معنى يخفيه لكونه مضرا لا يظهر إلا بعد نظر إلخ
- ۳۳ -
رج الشهوة من القلب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق
قلت وذلك لأنهما يأتيان من بساط قهر وجلال وإذا بدت أوصاف الحق لم يبق أثر لأوصاف الخلق فالخوف انزعاج السرّ لما علم من الوزر 1 عند مشاهدة القهر والشوق اهتياج القلق عند تمكن الحرق وقد يكون الخوف غير مزعج والشوق غير مقلق فلا يفيدان تركا ولا توجها وهذا من نوع قوله بَعدُ الوارد يأتى من حصزة قهار لأجل ذلك لا يصادمه شيء إلا دمغه وقد قال شيخنا أبو العباس الحضرى رضى الله عنه ه واعلم أن الموعظة الحقيقية هي جذب الحق لك ولطف الحق بك وأن يخلق الله فى قلبك الخوف الشديد الملازم لقلبك وتستحضر عظمة الله تعالى والخوف من الله تعالى والشوق إلى الله تعالى قال الله تعالى ففروا إلى الله انتهى ومن ميراث الخوف المزعج العلم بأن الله لا يحب الهوى ولا يُقبل على صاحبه فلذلك قال كما لا يحب العمل المشترك كذلك لا يحب القلب المشترك
قلت العمل المشترك هو الذى يداخله ثلاثة أحوال أحدها الرياءُ وهو العمل على رؤية الخلق والتصنعُ رنو تنسين العمل والتكلف بالهيئات وغيرها لأجل الخلى والعجب
والرب
وهو رؤية النفس في العمل فالرياء قادح في صحة العمل وما بعده قادح في كماله سبحانه وتعالى إنما يرضى بعمل خالص لوجهه مخلَص من شوائب الالتفاتات لغيره والقلب المشترك هو الذي داخله الهوى والأنس بالخلق والإستناد إليهم أو أحد هذه الثلاثة ٣ ومعنى المحبة منه تعالى ترجع للرضا والقبول فلذلك قال
العمل المشترك لا يقبله والقلب المشترك لا يُقبل عليه
الله عنه
قلت وما لا يقبله مردود على صاحبه وإذا رد عليه كان موكولاً إليه وإنما لا يقبل هذا ولا يُقبل على هذا لعزّته وجلاله قال الفقيه القاضي أبو عبد الله المقرى رضى القلب إيوان الملك ويسعنى ٤ وعزّ الملك يأنف من ذل المشاركة أنا أغنى الشركاء عن الشرك أشار بالكلام الثاني لحديث يقول الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك
۱ وفي التيمورية لما علم من الوارد وفي التيمورية الملائم
۳ يقول الله تعالى ألا الله الدين الخالص ويقول سبحانه فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة
ربه أحداً ويقول سبحانه فاعبد الله مخلصاً له الدين و الزمر ٢
٤ وفي التيمورية ويستغنى وفى نسخة الدار القلب ايوان الملك وعلى الملك أن يأتف من ذل المشاركة إلخ
فيه معى غيرى تركته وشريكه ۱ وبالكلام الأول لحديث لا يسعنى أرضى ولا سمائى ولكن يسعى قلب عبدى المؤمن يعنى من حيث المعرفة والاعتقاد لا من حيث الحلول والإيجاد
تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا
تنبيه الخوف والشوق إنما يقعان من حقائق الأنوار لأنهما فرعاً التأثير بأصليهما من
الذكر الناشئ عن التذكير وذلك إذا خلا باطن القلب لا إذا كان على ظاهره
۱ روی ابن ماجه - ورواته ثقات - عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقال الله عز وجل أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل لى عملا أشرك فيه غيري فأنا منه برءء وهو الذي أشرك
** من أتى باب الكريم بالأدب
جدير بتحصيل المقصد والأرب **
الباب الثاني والعشر
طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وارتجاء الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وارتجاء رحمة من لا يطاع حمق وجهل
- ۳۷
قال رضی الله عنه أنوار أذِنَ لها في الوصول وأنوار أذن لها في الدخول
قلت قد تقدّم غير مرة أن الأنوار جمع نور وهو الظل الواقع في الصدر من معاني الأسماء والصفات وهو في الأصل نوعان نور مستودع فى القلوب ونور وارد من خزائن الغيوب فالمودع في القلوب بمثابة نور العيون والوارد من خزائن الغيوب بمثابة نور الشمس ثم هو على قسمين نور وصل لظاهر القلب ولم يدخل باطنه وهو الذى أثر فيه ولم يوجب له إقداما ولا إحجاها كالواعظ الذى لم يُبلغ الحقيقة والعلوم التي لم يقع لها صنع ۱ في الباطن ونور دخل باطن القلب وخالط حشاشته فأوجب الإقدام والإحجام على حكمه وهذا هو المعتبر المطلوب الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن النور إذا دخل القلب انفسح وانشرح قيل يارسول الله وهل لذلك من علامة يُعرف بها قال التجافى عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله قال بعضهم إذا كان الإيمان في ظاهر القلب أحب العبد لقمته ودنياه وكان مرّة مع نفسه ومرّة مع قلبه فإذا دخل الإيمان إلى باطن القلب أبغض العبد دنياه وهجر هواه ثم مانع الأنوار من الدخول إنما هو الاشتغال بالنقائص والفضول كما نبه عليه إذ قال
ربما وردت عليك الأنوار فَوَجَدَتْ القلب محشواً بصور الآثار فارتحلت من حيث نزلت
قلت يقول ربما تلمح القلب شيئاً من المعارف ونحوها وطافت به ثم إنها لم تثبت فيه
ولم تداخله فخرج من بساط الهوى ما صرفها عنه من معصية أو شهوة أو غفلة فذهب في الرئوس وتقطير العيون وما ذاك إلا لما انطبع من صور الآثار في مرآة القلب وعلامته ثلاث أحدها أن يتأثر بما سمع أو رأى أو ذكر أو تذكر ولا يجد له في الخارج فائدة الثاني ان تتسع دائرة فهمه ولا ينتهى بها إلى التحقق بعلمه وإن أوصلته إلى التحقيق فيه ٣ الثالث أن
1 وفى نسخة الدار لم يقع لما فيها صيغ في الباطن وفي ت نعمته وكذلك في نسخة الدار
۳ المتحقق بعلمه هو الذى يكون سلوكه صورة لعلمه أما المتحقق في علمه فهو الدارس للعلم الذي يختلف سلوكه عن علمه
ولو جزئياً
- ۳۸ -
تميز الحق ويجد في نفسه أين هو منه ويعرف الباطل ويُميّز أين هو منه ثم لا يعمل عليهما ولو دخل قلب لما أمكنه التخلف في شيء من ذلك وإن كان الأمر كما ذكر فآكد شيء عليك طهارة قلبك وفراغه من الغير وهذا ما نبه عليه إذ قال
فرغ قلبك من الأغيار تملأه بالمعارف والأسرار
قلت المطلوب تطهير القلب عما سواه لأنه لايرضى معه بشريك وإذا فرغ العبد قلبه له ملأه بأسراره وأنواره ففيما أوحى الله لعيسى عليه السلام أنى إذا اطلعت على قلب عبدى فلم أجد فيه حب الدنيا ولا الآخرة ملأته من جي وقال بعض الحكماء رضى الله عنه الا تطمع أن تصحو وبك غيب ولا تطمع أن تصفو وبك عيب ولا تطمع أن تنجو وعليك ذنب
وأنشدوا في معنى ذلك
حاشاهم
أن يرجموك وإنما منحوا الوصال من استقام أو اهتدى وسر ذلك حكمة المناسبة فلا يوضع أرفع الأشياء وهى المعرفة في أقلها وهو القلب الملوّث
بالأغيار
والله أعلم وإذا كان الأمر كذلك فالأمر راجع منك وإليك كما قال
لاتستبطىء منه النوال ولكن استبطى من نفسك وجود الإقبال
قلت وذلك لأن الإقبال هو بساط النوال ومن أتى باب الكريم بالأدب جدير بتحصيل المقصد وَالأَرَبِّ لأنة قد أتى الأمر من بابه وتوسل له بوجود أسبابه ومن كان على العكس الله كان جديراً بالحرمان فيرحم من قال
وما رمت الدخول عليه حتى حللت مجلة العبد الذليل
وأغمضت الجفون على قذاها وصنت النفس عن قال وقيل
وقال معروف الكرخي رضي الله عنه طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وإرتجاه الشفاعة بلاسبب نوع من الغرور وإرتجاءُ رحمة من لا يطاع حمق وجهل انتهى والإقبال إنَّما هو بإقامة الحقوق وهو قسمان كما قال
حقوق في الأوقات يمكن قضاؤها وحقوق الأوقات لا يمكن قضاؤها
قلت فالحقوق التي في الأوقات هي أنواع العبادات كالصلاة والصوم وغيرهما مما يتسع زمانه فيمكن قضاؤه إن فات وقته لبقاء فسحة بينه وبين الحق الآخر وحق الأوقات
الله
هي ما يلزم العبد من العبودية المترتبة على حركاتها وسكنانها وهى متداركة 1 لايمكن انفكاكها ولا الانفكاك عنها فلذلك لا يمكن قضاؤها قال الشيخ أبو العباس المرسى رضى الله عنه أوقات العبد أربعة لاخامس لها النعمة والبلية والطاعة والمعصية والله عليك في كل وقت منها سهم من العبودية يقتضيه الحقِّ منك بحكم الربوبية فمن كان وقته الطاعة فسبيله شهود المية من عليه أن هداه لها ووفقه للقيام بها ومن كان وقته النعمة فسبيله الشكر وهو فرح القلب بالله ومن كان وقته المعصية فسبيله التوبة والاستغفار ومن كان وقته البلية فسبيله الرضا الصبر والرضا رضا النفس عن الله والصبر مشتق من الإصبار وهو الغرض للسهام وكذلك الصابر بنصب نفسه غُرَضاً لسهام القضاء فإن ثبت لها فهو صابر والصبر ثبات القلب بين يدى الرب وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعطى ا فشكر و ابتلى فتسير وظلم فغفر وظلم فاستغفر قالوا ماذا له يارسول الله قال أولئك لهم الأمن وهم مهتدون أى لهم الأمن في الآخرة وهم المهتدون في الدنيا انتهى
ومداره على مراقبة الأوقات بالبودية اللائقة لها كما قال
إنه ما من وقت يرد إلا والله عليك فيه حق جديد وأمر أكيد فكيف تقضى فيه حق وأنت لم نقض حق الله فيه !
قلت ما من وقت ۳ وإن كان نَفساً واحداً لأن كل نفس يقتضى تجليا وذلك التجلي يقتضي عبودية وتلك العبودية تقتضى تجليا فأنت فى كل نَفَس سالك طريقاً إلى الحق
سبحانه بنوع من السلوك ولذلك قيل الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق 4 فالحق الجديد
ما يتجدد من
6
الأحوال مثل شكر النعمة أو توبة الذنب أو صبر على البلية الأحكام بسبب ا أو حمد الله على طاعته والأمر الأكيد ما يتوجه من ذلك الحق كالصدقة شكراً لنعمة المال
1 متتابعة
تقول ابن عباد والحقوق المضافة إلى الأوقات هى المعاملات الباطنة التى تقتضيها أحوال العبد و واردات قلبه ووقت كل عبد ما هو عليه من ذلك فان ذاته لم يجد مجالا لقضائه و اه
۳ وفى نسخة الدار ما من وقت إلا والله عليك فيه حق وإن كان نفساً واحداً لأن كل نفس الخ ٤ يقولون التوحيد واحد والطرق إلى الله بعدد نفوس بني آدم ويعنون بذلك أن الغاية واحدة وهي التوحيد والتوحيد لا أختلاف في أما الطرق الموصلة إليه فانها كثيرة ولكنها مهما تعددت فانها تسير كلها نحو التوحيد ومن هذا القبي
قول الشاعر
عباراتهم شي وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير
-E -
die
البلية وإعمال الأسباب في دفعها وتخفيفها
ورد المظالم تحقيقاً للتوبة وعدم الشكوى إلى غير ذلك وإذا كان الأمر كذاك فالأوقات كلها مستحقة لما وجد فيها فلا يصح اعاقل الاشتغال بغيرها من حقوق الغير من نفس أو خلق إذ لاحق لهم وإن كانت صورته لهم فحقيقة الأمر فيه الله تعالى فإذا قصد له كان معاملته معه لحقه تعالى وإلا فهو تضييع مع القيام بصورته فأما المخالفة فلا حديث عليها إذ ليست بحق ولهذا اعتنى بحفظ الحواس وعد الأنفاس حتى قيل إن حقيقة 1 التصوف قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن اعتق ثم نبه على ما يوجب الحقوق ويقتضى النهوض لها من غير فترة ولا تقصير فقال
مافات من عمرك لا عوض له وما حصل لك منه لاقيمة له
قلت يقول مافات من عمرك خالياً عن الفوائد الدينية والدنيوية والقيام بالحقوق اللازمة لا عوض له يستدرك به فائته لأن الآتى له من الحق مثل الذي للماضي ففوات الأول فوات الثاني وما حصلت فائدته وعائدته لا قيمة له لأن القيمة إنما تكون لما له مثل ولا مثل له فأعز شيء الوقت وأنشدوا في ذلك
السياق
السباق
قولا
وفعلا
حذر
النفس
حسرة
المسبوق
وقال الحسن رضى الله عنه أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دنانير كم
و در اهمكم وقال على كرم الله وجهه بقية العمر مالها ثمن يُدرك بها مافات ويحيى بها مامات
وأنشدوا فيه
بقية العمر عندى مالها ثمن وإن غدا خير محبوب من الزمن
يستدرك المرء فيها كل فائته من الزمان وبمحو السوء بالحسن ثم من بواعث القيام ۳ بالحقوق وجود العبودية وهى ثمرة المحبة فمحبة الغير هي الحاملة على العبودية وترك حقوق الحق به وبالعكس العكس فلذلك قال
1 في نسخة الدار حتى قيل إن حقيقة الصوفية التصوف قضاء حق الله أحق
رجعنا في تصحيح أبيات الشعر إلى شرح ابن عباد ۳ وفى التيمورية من بواعث القيام بالحقوق الحرمة والمحبة وبالعكس فلذلك إلخ وفى نسخة الدار ثم من بواعث مام بالحقوق وجود العبودية وترك حقوق الحق به وبالعكس العكس فلذلك قال ما أحببت شيئاً إلا كنت إلخ
-1-
ما أحببت شيئاً إلا كنت له عبداً وهو لا يحب أن تكون لغيره عبداً
قلت أما كون المحبة تملكُ المحب للمحبوب فواضح من ثلاثة أوجه أحدها أنه يبذل ولا يبذل له الثاني أنه محكوم عليه ولا يحكم الثالث أنه في قبضة التصريف من غير تصرف بل هو ميت بين يدى محبوبه ولذلك قيل المحبة أن تهب كلك لمن أنت له محب حتى لا يبقى لك منك شيءٌ وأما أنه تعالى لا يحب أن تكون عبداً لغيره إعزازاً لك وتكرمة ولأن عز المُلك يأبى ذل المشاركة وإذا كان الأمر كذلك فاختر لنفسك على بصيرة وحسن نظر فير حما الله الفارض حيث يقول
أنت القتيل بأى من أحببته
فاختر لنفسك في الهوى من تصطفى وقد قال الجنيد رضى الله عنه إنك لن تكون له على الحقيقة عبداً وشيء مما سواه لك مُسْتَرِق ۱ وسئل عمن خرج من الدنيا ولم يبق عليه إلا قدر مَص نواة فقال المكاتب عبد
ما بقى عليه در همه انتهى
ثم ذكر أن حبه لعبوديتك لا لحاجة منه لك بل لإظهار فضله عليك وإحسانه لديك فقال
لا تنفعه طاعتك ولا تضره معصيتك وإنما أمرك بهذه ونهاك عن هذه لما يعود عليك قلت أما أنه لا تنفعه طاعتك ولا تضره معصيتك فلأنه الغنى على الإطلاق الذي لا يصح افتقاره ولا احتياجه لشيء لا توقفه عليه وأما أنه أمرك بهذه التي هي الطاعة ونهاك عن هذه التي هي المعصية لما يعود عليك فلأنك مفتقر إليه والعبودية له أعظم فوائدك فجعل فيها ما تحتاج إليه ديناً ودنيا لتقوم بها لدينك ودنياك فتكون قد حصلت فائدة العبودية التي هي أعظم الفوائد وتعرّضت لنفحات الرحمة في تحصيل فوائد الدنيا والآخرة وإلا كان يعطيك ما وعدك بلاشيء كما هو في نفس الأمر فافهم ذلك واعرفه حق معرفته فإنه عجيب
ثم قال
لا يزيد في عزه إقبال من أقبل عليه ولا ينقص من عزه إدبار من أدبر عنه
قلت لأنه العزيز لذاته الذي لا يحتاج لزيادة في عزّه ولا يلحقه نقض في ذلك لكمال وصفه وقد ذكر صريح ذلك في المناجاة حيث يقول أنت الغني بذاتك عن أن يصل إليك
1 وتكملة كلمة الجنيد رضي الله عن وإنك لن تصل إلى صريح الحرية وعليك من حقوق عبوديتك بقية
- YET -
النفع منك فكيف لاتكون غنياً عنى وفى الحديث الصحيح يقول الله يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكى يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي إنما هي أعمالكم أوفيها لكم فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسه يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد فيسألني كل واحد منهم مسألته ثم سألني كل واحد مثل ما سألنى الجميع ما نقص ذلك من ملكى إلا كما ينقص المخيط إذا غمس فى البحر١ انتهى على تقديم وتأخير في بعض ألفاظه وهو ينبوع المعارف والمعاملات التي على بساط الحقيقة وبالله تعالى
التوفيق
تنبيه إذا تم النور حصل الإقبال فصفت المحبة في بساط العبودية وتم الأمر بالطاعة
والغناء به عنها علماً بأنها لا تجلب ولا تدفع لكمال غناء الحق ومجده
۱ في صحيح مسلم روى عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى الله عز وجل يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ياعبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ياعبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى ولن تبلغوا نفعي فتنفعونى ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أتى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وجنكم وأنسكم كانوا على قلب أفجر رجل واحد منكم ما نقص من ملكي شيئاً ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك ما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أو فيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن
لاإ نفسه
** الحق برهانه في نفسه وسلطانه في ذاته فصاحبة غير محجوب
ولا مغلوب
الباب الثالث والعشرون
من علامات الاكتفاء بالله ثلاث عن الله والاهتمام بأمره
الرضا
وعدم الالتفات لغيره
- 120
قال رضى الله عنه وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به
فلت الوصول ثما يجرى في "كلام النوم وحقيقته وصول القاب للعلم بجلال الله وعظمته على وجه يباشر ۱ حقيقته القلب ويجرى معناه في الجوارح حتى تجرى على حكمه من غير توقف ولا اختيار والناس فيه متفاوتون مختلفون اختلافاً متبايناً وإن اتفقوا في أصل الحقيقة قال في عوارف المعارف وكل من وصل إلى صفو اليقين بطريق الذوق والوجدان فهي رتبة في الوصول ثم يتفاونون فمنهم من يجد الله بطريق الأفعال وهي رتبة في التجلّى فيفى فعله وفعل غيره لوقوفه مع فعل الله تعالى ويخرج في هذه الحالة عن التدبير والاختيار وهذه رتبة في الوصول ومنهم من هو يُقام فى مقام الهيبة والأنس لما يكاشف به من مطالعة الجلال والجمال وهذا التجلّى بطريق الصفات وهى رتبة فى الوصول ومنهم من يرقى إلى مقام الفناء مشتملاً على باطنه أنوار اليقين والمشاهدة فعمى فى شهوده عن وجوده وهذا ضرب من الذات لخواص المقربين وهذه رتبة فى الوصول وفوق هذه رتبة حق اليقين ويكون من ذلك في الدنيا لمح وهو سريان نور المشاهدة في كلية العبد حتى يحظى بها روحه وقلبه حتى قالبه وهذا فإذا تحققت الحقائق يعلم العبد من هذه الأحوال الشريفة أنه أعلا رتب الوصول من في أول المنزل فأين الوصول ٢ هيهات!! منازل الوصول لا تنقطع أبداً في عمر الآخرة الأبدى فكيف بالعمر القصير الدنيوى ! انتهى وهى الغاية فى بابه وكل ذلك لا يوصل إلى الله إلَّا بالله فقوله متضمن أن حصول العلم بالله إذا كان بالله فهو الوصول وإلا فلا ثم ماذكر هو الجارى على مذهب أهل الحق ولا يصح سواه كما نبه عليه إذ قال
وإلا فجل ربنا أن يتصل بشيء أو يتصل به شيء
تجلى
قلت يعنى وإن لم يكن الوصول ما ذكر فليس إلا النسب والمسافة والعلل والإضافة وهي من صفات الخلق التي لا يصح إجراؤها على الحق تعالى لتنزهه عن سمات المحدثات فلذلك
1 وفى نسخة الدار على و به يتباشر القاب به وفى نسخة الدار شي في شهوده من وجوه
- ٢٤٦
ظن عجيب
قال الجنيد رحمه الله متى يتصل من لا شبيه له ولا نظير بمن له شبيه ونظير هيهات ! ! هذا إلا بما لطف اللطيف من حيث لادرك ولا وهم ولا إحاطة إلا إشارة اليقين وتحقيق الإيمان انتهى وقد أعرب به غاية الإعراب وأبان به عن وجه الحق والصواب ولما كان القرب من نسبة الوصول ومن حقائقه حقائق نعوته أتبعه به فقال
قربك منه أن تكون شاهداً لقربه منك
قلت مشاهدةً تقتضى لك وجود المراقبة له حتى لا يراك حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك ثم القرب على وجوه ثلاثة أولها قرب الكرامة وهو من الحق إلينا وأتمه ۱ مشاهدة قرب الحق منا وإحاطته بنا الثاني قرب الإحاطة بالعلم والقدرة والإرادة وهو قرب الحق من كل موجود حيث يقول ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيد ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِنْكُم۳ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنتُم ٤ الثالث قرب المسافات والنسب والمداناة وهو قرب الأجسام وسائر المحدثات فلا يليق بالحق سبحانه ولا يجوز عليه وإليه أشار المؤلف إذ قال وإلا فمن أين أنت ووجود قُربه قلت يقول إن لم يكن القرب ماذكرنا فلا وجه للقرب إلا المداناة والمناسبة وهو محال في حقه تعالى فقد سئل الجنيد رضي الله عنه عن معنى مع فقال مع " على معنيين مع الأنبياء بالنصر والكلاة قال تعالى إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرَى٥ ومع العامة بالعلم والإحاطة قال
تعالى مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَة إِلَّا هُوَ رَابِعُهُم الآية ٦ وقال جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه في قوله تعالى ثم دنا فتدلى من ظن أنه بنفسه دنا جعل ثمَّ مسافةٌ إِنَّمَا التدانى أنه كلما قرب منه بعد عن أنواع المعارف إذ لا دنو
ولا بعده اهـ
وتقرير كلام المؤلف قُربك منه على سبيل الكرامة أن تكون مشاهداً لقربه منك على وجه الإحاطة وإن لم يكن هذا فلا وجه للقرب في حقه فافهم
أم القرب والوصول محل جرى الحقائق على الواصل والمقرب ولتلقيها وجه ذكره المؤلف
بأن قال
۱ في نسخة وآيته ۳ من آية ٨٥ من سورة الواقعة ٥ من سورة طه آية ٤٦
آية ١٦ من سورة ق ٤ من آية 4 من سورة الحديد 1 من آية ٧ من سورة المجادلة
YEV-
الحقائق ترد في حال التجلى مجملة
قلت الحقائق ما يجرى على لسان أهل الحقيقة والتحاق والتحقيق من الفوائد الجامعة والنكت الحكيمة وهى لاترد باستعمال ولا تتوقف على أسباب وإذا وردت على القلب ظهرت فيه نكتة مجموعته جامعة لما وقعت عليه فتكون مجملة لا تفصيل فيها ولا تأصيل من حيث صورتها وإن كانت محتوية على ذلك من حيث حقيقتها إذ يبدو منها ذلك بعد حصولها وتحققها وتمكنها كما نبه عليه المؤلف إذ قال
وبعد الوعى يكون البيان
قلت وبعد حصولها واستقرارها يتبين معناها ويظهر مغزاها فتلوح منها المبانى و تلمح منها المعاني فيؤخذ من الكلمة الواحدة ألفُ معنى ومن المعنى الواحد ألف كلمة فيعرف كونها حقيقة بثلاثة أمور أولها كونها جارية بحكم التصريف من غير اختيار ولا رؤية ولا أسباب تفيدها وإن جرت معها الثانى كونها فى جربها مجملة مجموعة ناكتة فى القلب خارجة عنه خروج السهم من القوس لمحل الرمى والثالث ظهور معناها وبيان وجهها وتفصيلها بعد وعيها قال الأستاذ أبو القاسم القشيري رضي الله عنه 1 فأرباب الحقائق يجرى بحكم التصريف عليهم شيء لا علم لهم به على التفصيل وعند فراغهم من النطق به يظهر لقلوبهم برهان ما قالوا بشواهد أو تحقيق ذلك بجريان الحال فى ثانى الوقت انتهى
العلم
ثم أشار إلى أن الأدب فى تلقى ذلك مستفاد من الأدب في تلقى الوحى فذكر الآية الواقعة فيه
فقال
فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه
قلت يقول فإذا قرأ جبريل قال ابن عباس فاستمع له وانصت ثم إن علينا أن نقرأه فالمراد هنا إذا جرت الحقائق فأنصت لها ولا تتلقاها بمعتادك من التأويل والدليل والنظر في الوجه والتفصيل ثم على الله بيانها لأن الذى تفضّل بالأول من بالثاني بفضله وكرمه وإنما كان هذا ا كتلقى الوحى فى آدابه لأن الكل مِنْ عَين المنّة فى بساط الكرامة وإن كان الوحى أعلى وأجل فللاقتداء ۱ أوجه وبالله التوفيق ثم الخارج بما قاله آداب ثلاثة الانصات
1 وفي التيمورية وإن كان الوحي أعلى وأجل فلا مندوحة
-YEA -
للقبول والتفهم بعد الحصول والامتحان بالوصول فقد قال الداراني رضى الله عنه إنها لتقع النكتة من كلام القوم فى قلبى أياها فأقول لها لا أقبلك إلا بشاهدى عدل الكتاب والسنة انتهى
ثم ذكر المؤلف الحكمة في كونها تأتى مجملةً في حال المتجلى ۳ فقال
متى وردت الواردات الإلهية إليك هدمت العوائد عليك
الواردات الآلهية هي ما يتجلى للقلوب من المعارف التي تبرز عندها الحقائق فإذا وردت هذه الواردات على القلب لم يبق فيه متسع لغيرها فتأخذ بمجامعه وتستوى في كلية العبد فينفث ٤ بها طوعاً أو كرها لخلوه عما سواها كما أشار إليه بالآية الكريمة حيث قال إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها
قلت يعنی غلبوا ٥ عوائدها بدليل قوله تعالى وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون فإذا دخل الرب القلب خرب مما سواه فلا يتأتى له جرى مع المعتاد ولا تصرف بالأسباب ولذلك قيل إذا عظم الرب في القلب صغر الخلق فى العين وقيل لبعضهم يم يستعين العبد على حفظ بصره قال بعلمه أن نظر الله سابق نظره لما يريد أن ينظر إليه انتهى وإنما كان الورد كذلك لعلة ذكرها بأن قال
الوارد يأتى من حضرة قهار لأجل ذلك لا يصادمُه شيء إلا دمعه
قلت يأتي من رب قاهر على بساط القهر فكل شيء يصادمه أى يقابله لا يمكنه ثبات معه إذا كل ما صدر من حضرة إنما يكون على حكمها فلا بقاء لآثار الخلق عند ظهور آثار الحق إذا قورن الحادث بالقديم تلاشى الحادث وبقى القديم وقد قيل لبعضهم من أين تأكل قال من عند الله قال أينزله عليك من السماء قال أو لم تكن الأرض له ! قالوا أنتم قوم لا يقوم لكم أحد بحجة قال الحق لا يقوم له شيء انتهى ثم نزع بالآية
الاستدلال على ما ذكر فقال
بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق
1 وفي التيمورية والتفهيم
وفي ت بالإصول ٤ وفي التيمورية فيتبعث
۳ فى ت التجلى
0 وفى ت قلبوا وكذلك في نسخة الدار
-YER-
1
قلت يقول ندفع الحق على الباطل في محله فيصيبه في دماغه فيتلفه فإذا هو زاهق أى
ذاهب مضمحل وعلى معناه يجرى قولهم للحق جولة وللباطل صولة فإذا جاء الحق من ذهب الباطل بصولته وذلك لثلاثة أوجه أولها أن الحق من بساط القوة
جولته
والظهور وهما وصفان لا يقوم لهما شيء الثاني أن الحق مويد بالحقيقة الإيمانية معضدة بالحجج البرهانية فأعطى ما للأصل الفرع ۳ والباطل عكسه الثالث أن الحق برهانه في نفسه وسلطانه في ذاته فصاحبه غير محجوج ولا مغلوب قال فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر فتأمل ذلك وبالله التوفيق
ثم من أعظم الباطل فهم الحجاب فى وجوده تعالى وما نبه عليه المؤلف إذ قال
كيف يحتجب الحق بشيء والذي يحتجب به هو فيه ظاهر وموجود حاضر
قلت يقول لا يصح احتجابه بشيء لأن كل شيء شاهد بوجوده وقربه ولو قيل بذلك لكانت الحجة في عين ما يدعَى أنه حجاب ويرحم ا الله أبا الحسن الششتري حيث يقول ما للحجاب وجود في وجودكم إلا بسر حروف انظر إلى الجبل
يعنى لا حجاب إلا أن يصرف الحق وجه عبده لغيره فإذا صرف الوجه عنه كان العبد محجوباً لا الرب سبحانه ولما قال ذلك المريد لشيخه هذا ابن الخطيب يستدل على وحدانية الله بألف دليل قال يابني لو عرف الله ما استدل عليه فبلغ ذلك ابن الخطيب فقال صدق هم ينظرون على المعاينة ونحن ننظر من وراء الستارة وإذا كان الحق تعالى حاضرا معك وقريباً أن تكون حاضرًا معه على أى وجه أمكنك ولو بالرجاء في رحمته كما قال
منك وجب
لا تيأس من قبول عمل لم تجد فيه وجود الحضور
قلت لأن يأسك من قبوله سوء ظن بربك واعتماد على عملك وذلك غيبة عن مولاك بذكر
نفسك في عدم حضورك بل إن لم يكن حضورك بالتعبد والعرفان فليكن حضورك بالطمع في
٤
الإحسان لأن طمعك في الله بلا عمل أفضل من طمعك فيه مع وجود العمل وإن كان العمل لابد منه فللعبودية لا للاستحقاق ومن العبودية الاستسلام عند جريان القضاء فاعمل وطالب نفسك بالكمال ولا تيأس من ا الله بوجه ولا بحال فإن الأمر كما ذكره المؤلف إذ قال
1 وفيات فيبلغه
۳ ما بين القوسين ساقط في النسخة التيمورية
بجولته
٤ الطمع في الله مع وجود العمل معناه مطالبة ببدل في مقابلة العمل وهذا لا يليق بالعبودية الصادقة
- YO -
فرنا تحميل من العمل ما لم تدرك ثمرته عاجلا
است رسا رد من حجات تمرته وإن كان الغالب على خلاف ذلك فالعوائد لا تقتضى 1 على حكم الرب سبحانه ومراده بالثمرة هنا الحضور فيه وقد يريد الحضور به وهو أولى لما تقدّم عند قوله من وجد نمرة عمله عاجلاً فهو دليل على وجود القبول
تم تأن النفس أبدا ٢ التألم بفقد الحضور وذلك من ثلاثة أمور أحدها اعتماد الأسباب في البرة والتبول وهي ما رافعة الثاني استشعارها الكمال فيما هي به بدلاً من النقص اللاحق بخارا أة أيضاً الثالث الأنس بالحلاوة والتألم بفراق اللذة وهي أعظم العلل
فلذلك قال الواسطى استعلاء الطاعات سموم قاتلة قال فى لطائف المنن وصدق الواسطى رحمه الله فلفل الى ذلك إذا فتح لك باب حلاوة الطاعة أن قائماً تصير فيها متطلباً للحلاوة فيف تلك صدق الإخلاص فى نهوضك لها وتحب دَوامها لا قيامًا بالوفاء ولكن لما وجدت من الحاروة والمتعة فشلون في الظاهر قائما لله وفى الباطن إنما قمت لحظ نفسك ويخشى عليك أن تكون حلاوة الطاعة جزاء تعجلته في الدنيا فتأنى يوم القيامة ولا جزاء لعملك انتهى فالعمل مقصود لذاته رثمرته كماله وذلك بخلاف شأن الواردات إنما هي بسط لثمراتها
فلذلك عكس فقال
لا تزكين واردا لا تعلم ثمرته فليس المراد من السحابة وجود الإمطار إنما المراد منها وجود
الإثمار
قلت يقول لا تعظم الوارد ولا ترى أنه كرامة من الله حتى تعلم ثمرته في ذلك من العمل توجيه والوقوف على حده من علو الهمة وحسن الخدمة وحفيظ الحرمة وشكر النعمة فإن كل معرفة لا تنسياء عملا لا عبرة با وكل عمل لا يصحبه إخلاص لا كمال له وقد قالوا من أدركته حالة فى السماع لم يجد بركتها غدا فى عمله فإن سماعه لا حقيقة له أو كلاما هذا معناه ثم أشار لتمثيل الوارد ما ينشأ عنه فقال فليس المراد الخ قلت فجعل الوارد
كالسحاب والتأثر
به كالمطر النازل من السحاب والعمل بما يقتضيه هو الثمرة فوارد بلا تأثير كالسحاب بلا مطر وتأثير بلا عمل كمطر بلا إثمار فالمراد وجود الثمرة فما قبلها لو تجرد عنها لكان مضرا بلا منفعة ٤ وكذلك الحالة إن أثارت عملاً وإلا فهى ضرر على حمان یا بعيني أو كبر أو دعاوى أو اغترار أو غير ذلك فافهم
1 وفي التيمورية لا تقضى وفي ت ابداء ٤ وفى ت لكان مطراً بلا ثمر
۳ وفي التيمورية في بصره
- ٢٥١
ثم الوارد إن عُرفت بركته وظهرت ثمرته فلا ينبغي التعلق به والوقوف معه بإرادة بقائه لأن ذلك حظ النفس كما أشار إليه المؤلف إذ قال
لا تطلبن بقاء الواردات بعد أن بسطت أنوارها وأودعت أسرارها
قلت شأن المريدين في بداياتهم بل عامة المتوجهين الأنس بالواردات لا سيما أن بسمت أنوارها في عوالم القلوب وأودعت أسرارها بكل أمر محبوب وذلك جهل ونقص ظاهر أما الجهل فأوقات الصفاء لا تدوم ومن ظنَّ دوامها فهو أحمق ومغرور وإنما تدوم أوقات الوفاء وعليه عمل الأكابر دون الأحوال والحركات وأما النقص فالأنس بالواردات بعد عن الحق وذلك مرجوح بكل حال ثم علامة بسط أنوارها ثلاثة وجود الحلاوة وظهور الحقيقة وبسط الحقائق وعلامة إيداع أسرارها تمكن الحقيقة من النفس وسریان معناها في كل شيء من العبد والغنا بالله وهو الأصل الذي يدور عليه الفقدان والوجدان كما نبه عليه المؤلف إذ قال
فلك في الله غِنَا عن كل شي وليس يغنيك عنه شيء
قلت فإن اكتفيت به أغناك وإن تعلقت بغيره وكلك الله إليه وخلاك في الإشارة عن الله تعالى لا تركنن إلى شيء دوننا فإنه وبال عليك وقاتل لك فإن ركنت إلى العلم تتبعناه عليك وإن ركنت إلى العمل رددناه إليك وإن وثقت بالحال أوقفناك محه وإن أنست بالوجد استدرجناك فيه وإن لحظت إلى الخلق وكلناك إليهم وإن اعتززت 1 بالمعرفة تركناها عليك فأَيُّ حيلة لك وأى قوة لك معنا فارضَنا لك رباً حتى نرضاك لنا عبدا انتهى ثم علامات الاكتفاء بالله ثلاث الرضا عن الله والاهتمام بأمره وعدم الالتفات لغيره لأن العكس من الفقد والبعد وهذا ما نبه عليه المؤلف إذ قال تطلعك إلى بقاء غيره دليل على عدم وجدانك له واستيحاشك لفقدان ما سواه دليل على عدم
وضلتك به
قلت لأنك لو وجدته هان عليك كل شيء سواه ولو وصلت إليه كان يكفيك الأنس به عن استحياش غيره بل يكون ذكر الغير عندك مصيبة ونقصا ولذلك قيل لا وحشة مع الله ولا راحة مع غير الله وأنشدوا في معناه
1 وفي نسخة اغتزرت
- ٢٥٢
كانت
لقلبي
أهواء موزعة
فاستجمعت مذرأتك العين أهوائي
تركت للناس دنياهم ودينهم شغلا بحبك يا دینی و دنیائی
فصار يحسدنى من كنت أحسده وصرت مولى الورى مذ صرت مولائی قال في التنوير واعلم أن البارى سبحانه إنما يدخلك في الحالة لتنال منها لا لتأخذ منك وإنما جاءت لتحمل هدية التعريف من الله إليك فتوجة لها باسمه المبدىء فأبداها وأبقاها حتى وصلت إليك ما كان فيها فلما أدت الأمانة توجه إليها باسمه المعيد فأرجعها وتولأهافلا تطلبن بقاء رسول بعد أن بلغ رسالته ولا أمين بعد أداء أمانته وإنما يفتضح المدعون بزوال الأحوال وبعدهم ۱ عن مراتب الأنزال هناك يبدو العوار وتنهتك الأستار فكم من مدع الغنى بالله وإنما غناه بطاعته ونوره وفتحه ! | وكم من مدّع العزّ بالله وإنما اعتزازه منزلته وصولته على الخلق معتمدا على ما تمت عندهم من معرفته ! ! فكن عبد الله لا عبد العلل وكما كان لك رباً ولا علة فكن له عبدا ولا علة لتكون له كما كان لك ا هـ وعليه مدار كلام المؤلف انتهى
تنبيه حلاوة الأحوال وغيرها نعيم لا يتم إلا بشهود الحق وفقدان ذلك عذاب لا يتحقق إلا بالحجب عنه فاعتبر به لا بغيره
OOO
1 في ت وبعزلهم
في ت على ما يثبت
****
ف الله لا يكون عليه
غم أبدا
الباب الرابع والعشرون
** لولا الحجاب ماصح العذاب
ولا يتم النعيم الا برؤية المنعم
قال رضي الله عنه النعيم وإن تنوعت مظاهره إنما هو بشهوده واقترابه
قلت التذاذ النعيم
يصحبه فرح وسرور بالملتذ
به ومظاهره بما يتجلى فيه وبه من الفوائد والعوائد وغيرهما مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين في هذه الدار وفي تلك الدار ولا كمال له بل ولا صحة إلا بوجود الهناء ولا هناء إلا بشهود منته تعالى وشكره على نعمته والنظر إلى وجهه الكريم في هذه الدار بالبصائر وفي تلك الدار بالأبصار لأن كل نعمة لاتشهد فيها المنة يكون صاحبها مفتوناً بها من حيث وصلت له ومن حيث خوف زوالها ومن حيث الاشتغال بأسباب
غيرها وكل نعمة لا يصحبها الشكر فهى إلى الزوال أقرب والعقوبة فيها وبها ومعها أظهر وكل نعيم غاب منه الحبيب فأي عبرة به أم أى فائدة فيه ثم لولا تجليه تعالى بإحسانه أبدا فافهم ثم ذكر المؤلف ظهور الضد في النقيض وهذا العذاب في الحجاب
ما صح نعيم
فقال
المنعم
والعذاب وإن تنوعت مظاهره إنما هو لوجود حجابه
قلت لأن مشاهدة المعذَّب مع العلم بجلاله وكماله تُنسى ما هو فيه من التعذيب فقد روى أن رجلاً ضُرب تسعة وتسعين سوطاً فما صاح ولا تأوه ولا استغاث قلما ضرب الواحدة التي بها تمام المائة صاح واستغاث فقيل له في ذلك فقال العين التي ضربت من أجلها كانت تنظر إلى في التسعة والتسعين وفى الواحدة حجبت عَنّى وشاهد ذلك قوله تعالى فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أكْبَرْنَهُ الآية قال في التنوير ولو أن الحق سبحانه تجلى لأهل النار بجماله وكماله لغيبهم ذلك عن إدراك العذاب كما أنه لو احتجب عن أهل الجنة ما طاب لهم النعيم فالعذاب إنما هو وجود الحجاب وأنواع العذاب مظاهره والنعيم إنما هو بظهور التجلى وأنواع النعيم مظاهره وهو عين ماذكر هنا وتممه بأن قال
فسبب العذاب وجود الحجاب وتمام النعيم بالنظر إلى وجه الكريم
إلا برؤية المنعم وظاهر كلامه
قلت يقول لولا الحجاب ماصح العذاب ولا يتم النعيم أن الحجاب شرط فى حصول العذاب وأن رؤية المنعم شرط فى عام ۱ حصول النعيم لا في وجوده
1 في ت في كمال النعيم
- ٢٥٦ -
ولذلك في بعض النسخ لشهوده باللام وبوجوده بالباء ثم فى رؤية المنعم في النعمة كرامات ثلاث أولها الراحة من كلفة مقابلة الخلق والالتفات إليهم والعتق من منتهم والنظر إليها الثاني سرور القلب وفرحه بالله وذلك مفتاح المعرفة ودرك الإنابة الثالث الخروج من عهدة التقصير بالقيام بواجب الشكر ولو معرفة منته ۱ تعالى وفضله وفي عدم رؤيته ضد ذلك كما أشار إليه المؤلف إذ قال
ما تجده القلوب من الهموم والأحزان فلأجل ما منعت من وجود العيان قلت الهموم ما يلحق القلب من الكرب لما يُتوقع والأحزان ما يلحقه لأجل ماوقع فبساطهما توقع مكروه أو فوت محبوب وذلك لايكون مع فقدان الحقيقة وعدم النظر للأقدار لأن من عاين التوحيد حصل على التسليم والرضا فلا يبقى له هم ولا غم أبدا قال الله تعالى مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فى الأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا في كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُم وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُم الآية ولذلك قال الشبلى رضى الله عنه من عرف الله لا يكون عليه غمّ أبدا وقال سرى السقطى رضى الله عنه من عرف الله عاش ومن مال إلى الدنيا طاش والأحمق يغدو ويروح في لاش۳ والعاقل عن عيوبه فتاش انتهى وهو عجيب وإنما الهموم والأحزان غالباً لفقد الدنيا ووجودها فكثيرها
كيسيرها وهذا ما نبه عليه المؤلف إذ قال
من تمام النعمة عليك أن يرزقك ما يكفيك ويمنعك ما يطغيك
قلت يرزقك الكفاية فلا يشوشك بالفقد ويمنعك الزيادة لئلا يشغلك بالوجد بل تكون سالماً من إقبالها وسالماً من إدبارها ففي الكفاف كرامات ثلاث الراحة من التعب جلباً ودفعاً والتفرغ للخدمة قالباً وقلباً وتحصيل الشكر والصبر فى حالة واحدة ولذا قيل إنه أفضل من الغنى الشكر ومن الفقر مع الصبر حتى سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ولعياله وآله وكذا إبراهيم عليه السلام حيث قال ربَّنا إِنِّى أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْد بَيْتِكَ المحرم ٤ الآية اختار لهم محل قلة الدنيا ليقيموا الصلاة وطلب لهم الأنس والثمرات لتحصيل الشكر على الكفاية ومن مصائب اتساع الدنيا كثرة الأحزان كما نبه عليه
المؤلف إذ قال
۱ وفى ت ولو لم يكن إلا بمعرفة منته سبحانه ۳ لا شيء
آية ٢٢ من سورة الحديد
٤ وتمام الآية ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون
-fov -
ليقل ما تفرح به يقل ما تحزن عليه
قلت وليكثر ما تفرح به يكثر ما تحزن عليه لأن الحزن بالفقدان على قدر الفرح بالوجدان وقد حكى أن بعض الملوك أهدى إليه قدح من فيروزج مرصع بالدر والياقوت فقال لبعض الحكماء عنده ماتدرى هذا قال أراه مصيبةٌ وفقراً !! قال وكيف قال إن انكسر القدح كان مصيبة لاجبر لها وإن سُرق صرت فقيراً إليه ولم تجد مثله وقد كنت قبل أن يحمل إليك في أمن من المصيبة والفقر فاتفق أن انكسر القدح في بعض الأيام فعظمت مصيبة الملك وقال صدق الحكيم ليته لم يُحمل إلينا اه ومن أعظم ما يفرح وجود الولاية وتحتها مصيبة العزل عنها أو عزلها عنك كما نبه عليه المؤلف إذ قال
إن أردت أن لاتعزل فلا تتول ولاية لاتدوم لك
قلت ولايات الدنيا كذلك لأنك منها بين إحدى ثلاث إما أن تعزل عنها بالحياة أكبر المصائب أو تذهب عنها بالموت وهو أمر لابد منه أو تكون لك جاريةً على غير وهی مرادك وهي مصيبة حاضرة والعاقل لا يعدل بالسلامة شيئاً فوجب أن تعزل نفسك قبل أن تنزل بأن لا تدخلها بنفسك ولا لنفسك وتكون فيها غير منشبع بها وعلامة ذلك ثلاث ألا تقبلها إلا لأمر تخشاه ديناً أو دنيا بعد الفرار الصادق وأن تلازم فيها الحذر والإشفاق وأن يكون الخروج منها أشهى إليك من الإقامة فيها وإنما يدعوك إليها ما ترغب فيه من فوائدها وهى آيلة لضد ما يوجد منها وهذا مانبه عليه المؤلف إذ قال
إن رغبتك البدايات زمنتك النهايات
قلت يقول إن رغبتك البدايات بحصول الفوائد زهدتك النهايات بوقوع النوائب ا إن رغبتك البدايات بوجود المنافع زهدتك النهايات بوقوع الفجائع إن رغبتك البدايات بتحصيل ما تريد زهدتك النهايات بالوقوع فيما لاتريد ثم قال
إن دعاك إليها ظاهر نهاك عنها باطن
قلت إن دعاك إليها ظاهر اغتراراً بصورته ينهاك عنها باطن اعتباراً بحقيقته لأن ظاهرها
والله حر أبي موسى الثقفى رحمه الله حيث يقول أن للاشتغال بالدنيا إذا غرة وباطنها عبرة
٣٥٨
أقبلت وأف لحسرتها إذا أدبرت والعاقل لاير كن لشيء إذا أدبر كان جسرة وإذا أقبل كجان
شغلا وأنشدوا في ذلك
وقائلة ما لي أراك مجانبــــا أموراً وفيها للتجارة مربح فقلت لها مالي بربحك حاجة فنحن أناس بالسلامة نفرح
ثم ذكر المؤلف وجهاً من حكمة الله تعالى في وسم الدنيا بالأغيار والأكذار فقال إنما جعلها محلاً للأغيار ومَعْدِناً لوجود الأكدار تزهيداً لك فيها
قلت وذلك لما يبدو لك من نقصها وفسادها وعدم جدواها كما اتفق لبعضهم حسبما أخبر عن نفسه إذ قال تركت الدنيا لكثرة عنائها وقلة غنائها وخسة شركائها وسرعة فنائها انتهى ومعرفة ذلك بالتجربة والذوق أتم من معرفته بالتعلم والفهم وهذا ما نبه
عليه إذ قال
عليم
أنك لاتقبل النصح المجرد فذوقك من ذواقها ما يُسهل به عليك وجود فراقها قلت فهو سبحانه زهدك فيها بما هي عليه وأكد ذلك بما يلابسك منها ويكفي في ذلك
ما قيل
إذا أدبرت كانت على المرء حسرة وإن أقبلت كانت كثيراً همومها ففائدة الزهد فيها ثلاث السلامة من نكدها والراحة من تعبها ۱ وفراغ الوقت للعبودية ٢ ونحوها واستفادته من تقلباتها أتم لثلاثة أوجه أحدها أن النفس تتأثر بما يماسها أكثر من غيره فهو عون على تركها الثانى أن كثرة الجفاء تقطع أصول المحبة والدنيا محبوبة بالطبع فلا يزيل محبتها إلا كثرة جفاها الثالث أن المماسة في الجفاء أوجع للقلب وأقوى في الحجة وأوضح في المحجة وقد قال أبو هاشم الزاهد رضى الله عنه إن الله الدنيا بالوحشة ليكون أنس المريد به دونها وليقبل المطيعون إليه بالإعراض عنها المعرفة بالله من الدنيا مستوحشون وإلى الآخرة مشتاقون ثم سهولة فراقها بما ذكر إنما هو بحصول العلم المباشر للقلب في شأنها وهو العلم النافع كما ذكر المؤلف إذ قال
وسم
وأهل
1 وفي التيمورية و من كدها
وفي ت المعبود
-You
اعلم أن العلم النافع هو الذي ينبسط في الصدر شعاعه ويكشف عن القلب قناعه
قلت يبسط في الصدر شعاعه فيتبين له كل شيء على حكمه ويكشف عن القلب قناعه
1
فيباشر فيما علم ١ الحقيقة قلبه فيقع له الإقبال والإدبار على حكم ذلك قال الشيخ أبوعبدالله محمد بن على الترمذى إن ۳ النور إذا أشرق في الصدر تصورت الأمور حسنها وسيئها ووقع بذلك ظل فى الصدر فهو صورة الأمور فيأتى حسنها ويتجنب سيئها فذلك هو العلم النافع من نور فكذلك القلب وخرجت تلك العلائم إلى الصدور وهي علامات الهدى والعلم الذي قد تعلمه علم اللسان إنما هو شيء قد استدعى الحفيظ والشهوةُ غالبة عليه قد أذهبت بظلمتها ضوءه انتهى وقد جعل الله سبحانه غاية علم من آثر الدنيا إيثارها إذ قال عز من قائل فَأَعْرِضْ عمَّن تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الحَيَاةَ الدُّنيا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ العِلْم ٥ الآية وجعل الخشية كما أن العلم مفتاح الخشية وهو خير العلوم أعنى الذي يفيد الخشية كما بينه
عنوان العلم المؤلف إذا قال
على ما كانت الخشية معه
قلت لأنه مصحوب بمعرفة الله دال على العبودية لله فهو شريف الأصل والفرع والأشياء تشرف بشرف مقاصدها ولذلك قيل فضل العلم لفضل من عليم به والله تعالى أجل معلوم فالمعرفة به أفضل العلوم وإذا كان الله هو غاية الغايات فالمعرفة به أجل العبادات نعم وحقيقة الخشية مهابة يصحبها تعظيم وذلك يفضى لحسن الأدب والمراقبة قال في لطائف المتن فشاهد العلم الذي هو مطلوب الله تعالى وجود الخشية الله وشاهد الخشية موافقة الأمر الرغبة في الدنيا والتملق لأربابها وصرفُ الهمة لاكتسابها والجمع والادخار أما علم تكون
معه
C
والمباهاة والاستكثار فما أبعد من هذا العلم علمه من أين يكون من ورثة الأنبياء وهل ينتقل الشيء الموروث إلى الوارث إلا بالصفة التي يكون بها عند الموروث عنه ثم قال ومثل من هذه
في ت على حكمه في ذلك
۱ وفي التيمورية فيباشر ما على الحقيقة علمه ۳ وزاد في التيمورية بعد قوله الترملى العلم النافع هو الذي قد تمكن في الصدر وتصور ذلك أن النور إذا أشرق إلخ
٤ وفي التيمورية فذلك علم اللسان ه تكميل الآيات إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن أهدى و النجم ٢٩ - ٣٠
11
الأوصاف أوصافه من العلماء كمثل الشمعة التي تضيء على غيرها وهى تحرق نفسها جعل الله العالم ۱ الذي علمه هذه الصفة حجة عليه وسبباً في تكثير العقوبات لديه انتهى
ثم بين وجه خيريته وذكر ضده فقال
العلم إن قارنته الخشية فلك وإلا فعليك
قلت فلك أجره وثوابه وإلا فعليك إنمه وعقابه وإن شئت قلت فلك نفعه وفائدته وإلا فعليك ضُره وآفته وإن شئت قلت فلك محجةً وإلا فعليك حجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ٢ الحديث وإنما كان الأمر كذلك لثلاثة أوجه أحدها أن الخشية تحجز عن المعصية والقبائح وتدعو للمحاسن والمصالح وفقدها ينفى ذلك لاسيما مع وجود العلم المؤيد بالتأويل ولذلك قيل من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق الثاني أن الخشية توجب التحقيق في التحصيل والنصح فى التوصيل والإنصاف فى المذاكرة وفقدها ينفى ذلك لاسيما مع غلبة الهوى والشهوة على العقل والعلم والبيان ۳ الثالث أن الخشية تحمل على طلب الآخرة وإرادة بالعلم في جميع وجوهه وفقدها ينفى ذلك وهو رأس الآفات والعلل وقد قال الفضيل العالم طبيب الدين والدنيا داء الدين فإذا كان الطبيب يجر الداء إلى نفسه فمتى
الله وجه
رضی
الله عنه
يُبرى غيره انتهى
ومن علامة الخشية قلة المبالاة بالخلق فى إقبالهم وإدبارهم فلذلك قال
علم
الله فيك
متى المك عدم إقبال الناس عليك أو وجههم بالذم إليك فارجع إلى قلت متى تألمت نفسك بإدبار الخلق عنك وعدم إقبالهم فانظر لما ذهمت به أو فُر عنك
۱ وفي ت جعل الله سبحانه علم من هذا وصفه حجة عليه
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملان ما بين السوات والأرض والصلاة ثور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو قبائع نفسه فمعتقها أو موبقها وفي شرح الكلمة الأخيرة يقول الإمام النووي كل إنسان يسمى بنفسه فهم من ببيعها الله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أي يهلكها والله أعلم ۳ وفي ت مع خلية الشهوة فانها تغطى العقل والعلم والبيان
-11-
من
أجله
فإن الله تعالى يعلم منك وجوده فارجع إليه بالتوبة والإنابة واللجوء والاستغفار نظراً لأن ألسنة الخلق أقلام الحق وأقلامه مسلطون عليك بما وقع من الذنب وتنبه في ذلك لستر الحق سبحانه وتعالى إذ يُجرى عليك مالا تعلمه من نفسك بسبب تلبسك بموازيه فلا تقف مع صورة مارميت بل انظر إلى ما يدور عليه كما إذا رميت مثلاً بالزنا وأنت برىء منه فانظر إلى الغيبة فإنها موازية له عقوبتها من نوعه فقد تكون عقوبتها بذكره وإن كان ما وقع لك لا تجده من نفسك فارجع إلى مولاك بالكفاية عن علم غيره وقل بلسان حالك ومقالك أنت تعلم براعتى وكفى بك وكيلاً كفيلاً وارجع إليه فى الدفع عنك عبوديةً وتضرعاً لأنه المقصود بابتلائك بذلك قال أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه لا تنشر عملك ۱ ليصدقك الناس وانشر عملك ليصدقك الله وإن كان الأمر لعلة موجودة فعلةً تكون بينك وبين الله من حيث أمرك خير من علة تكون بينك وبين الناس من حيث نهاك وَلَعِلَّةٌ تردك إلى الله خير من علة تقطعك عن الله فلاجل ذلك علقها ۳ بالثواب والعقاب إذ لا يخاف ولا يُرجى إلا من أجل الله وكفى بالله صادقاً ومصدقا وكفى بالله عالما ومعلما وكفى بالله هادياً ونصيراً هادياً بهديك ويهدى بك وبهدى إليك ونصيراً ينصرك وينصر بك ولا ينصر عليك ووليا يواليك ويوالى بك ولا يوالى عليك انتهى وهو عجيب ومداره على الاكتفاء بعلم الله والقناعة بعلمه وهو رأس الفضائل وللعكس العكس
كما قال
إن كان لا يقنعك علمه فيك فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك بوجود الأذى منهم
قلت يقول فإن لم نكتف بعلم الله وأردت أن يعلم الناس حقيقة ما أنت عليه أدركتك مصيبة الالتفات إلى الخلق فؤكلت إليهم وذلك من أعظم المصائب وأكبر الآفات والنوائب ومن أعظم مافيه رجوعك إلى الخلق بدلاً من الاكتفاء بالحق ويداخلك من ذلك ثلاثة الرياة والتكلف وعدم الاحترام للجانب الكريم فينقلب عزك ذلاً وغناؤك فقراً ويظهر عليك من أسباب المقت مالا مزيد عليه إذ أشرت إلى الحق وتعلقت بالخلق فقد قال الجنيد رضى الله عنه من أشار إلى الحق وتوجه للخلق أحوجه الله إليهم ونزع الرحمة من قلوبهم
عليه انتهى
1 وفي التيمورية علمك
وفيات علقك
وعلامة الاكتفاء بعلم الله ثلاثة التحفظ من الوقيعة فيمن آذاك والقصد في العمل بأسباب الدفع حيث توجهت والقيام الله بالعبودية افتقاراً فيما أنت به ثم ذكر حكمة الله في
تسليط الخلائق فقال
مرحوم
إنما أجرى الأذى عليك منهم كيلا تكون ساكناً إليهم قلت فإن تنبهت لذلك وعملت عليه فأنت مكروم وإن غفلت عنه وسكنت إليهم فأنت محروم وإن توجعت بوجوده مع عدم الترك فأنت ثم من موائد ذلك – بعد ماذكر من عدم السكون إليهم - ثلاث التحرر من رقّ إحسانهم والسلامة من مؤنة القيام بحة وقهم والعافية من الفتنة بحبهم فقد قيل السوط من العدو سوط الله يرد به القلوب إذا شردت عنه وإلا رقد القلب في ظل العز والجاه وهو حجاب عن
الله
عظیم
يصدك عن
1
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه أوصاني أستاذي فقال إهرب من خير الناس أكثر مما تهرب من شرهم فإن شرّهم يصيبك فى بدنك وخيرهم يصيبك في قلبك ولأن نصاب فى بدنك خير لك من أن تصاب في قلبك ولعدو ترجع به إلى الله خير لك من صديق الله قال في لطائف المنن اعلم أن أولياء الله تعالى حكمهم في بداياتهم أن سلط عليهم الخلق ليطهروا من البقايا ولتكمل فيهم المزايا كيلا يساكنوا هذا الخلق باعتماد ولا يميلوا إليهم باستناد قال ومن آذاك فقد اعتقك من رقّ إحسانه ومن أحسن إليك فقد استرقك بإحسانه فلذلك قال صلى الله عليه وسلم من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تقدروا فادعوا له كلُّ ذلك ليتخلّص القلب من رقّ احسان الخلق وليتعلق بالملك الحق انتهى ثم ذكر حكمة ذلك بوجه آخر فقال
أراد أن يزعجك عن كل شيء حتى لا يشغلك عنه بشيء
قلت يقول أراد أن يزعجك من كل شيء بما يجره لك من ذاك الشيء فترجع إليه في كل شيء تارة باللجوء إليه فى دفع بلواه وتارة بالفرار منه إلى الله تعالى كما قال الله تعالى
۱ وفي التيمورية الصيحة
وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْن لَعَلَّكُم تَذَكَّرُون فَفِرُوا إلى الله 1
القرار للخالق فافهم
فجعل ازدواج الخلق بساط
ثم وجه الانزعاج عن الدنيا بثلاث ما فيها من الأكدار وما فيها من الآثار وما تئول إليه من الزوال وعن الخلائق بثلاث الفتنة في اقبالهم والأذى في إدبارهم والكلف والأهوال في ملابستهم وعن النفس بثلاث اتباع الهوى فيما يريده والاعتراض فيما يطلبه والجهل فيما يختاره فمن علم ذلك ممن ذكر فرّ منه ضرورة وكذا من الشيطان فإنه شرّ كله لكن للفرار من الكل وجوه أحسنها الفرار بالعبودية في بساط التوحيد وقد ذكرها المؤلف فيما ذكر وافتتح بذكر الخلق والدنيا كما تقدم ثم ذكر الشيطان فقال
إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده
قلت وذلك بالدوام على ذكره واتباع أمره ونهيه والقيام بعبوديته وشكره ليكفيك إمره ۳ وحتى لا تكون له حجة عليك بل لا يجد إليك طريقا ولا محجة كما قال تعالى إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانَ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكيلا آية ٦٥ الإسراء وقال عن وعلا إنه لَيْسَ لَهُ سُلْطَان عَلَى الذين آمنوا وَعَلَى رَبهم يَتَوَكَّلُون آية ٩٩ من سورة النحل وقال سبحانه وتعالى إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُو فاتَّخِذُوهُ عَدُوا آية ٦ من سورة فاطر وقال الشيخ أبو العباس المرسى رضى ا الله عنه فقوم فهموا من هذا4 الخطاب الأمر بعداوة الشيطان لأستاذه فشغلهم ذلك عن محبة الحبيب فكفاهم من دونهه قال مريد بم تطرد الشيطان إذا قصدك بالوسوسة قال إنا لا نعرف الشيطان نحن قوم رفعنا هممنا إلى الله فكفانا
۱ آية ٤٩ ٥٠ من سورة الذاريات وفي التيمورية فيهما تريده وتطلبه و تختاره ۳ امر الشيطان
٤ وفى ت فهموا من الله عز وجل في هذا الأمر
ه وفى التيمورية فشغلهم ذلك عن محبة الحبيب وقوم فهموا وأنا لكم حبيب فاشتغلوا بمحبة الحبيب فكفاهم من دوله
- pre-
من دونه وقال أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال إبليس لربه عزّ وجل وعزّتك وجلالك لا أزال ولا أبرح أغوى بني آدم ما دامت الأرواح فيهم قال له ربه بعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني ثم ذكر وجها من
حكمة خلق إبليس متعلقاً عرادة فقال
جعله لك عدوا ليحوشك به إليه
قلت معنى ليحوشك ليردك بالكلية إليه على وجه لا يمكنك الانفكاك عنه وهذا أحد الأوجه الثلاثة التي ذكرت فى خلق إبليس فإن من كان له حبيب ولا يخشى من اغتيال عدو
دونه ليس كمن يخشى عدوّه ويعلم قدرة حبيبه الثاني إنما عل في هذه الدار منديلا للعار تمسح فيه أوساخ النسب وَمَا أَنْسَانِيه إلا الشيطانُ من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين أخوتى وهذا من عمل الشيطان إلى غير ذلك الثالث خلقه فى مقابلة الرسل هم يدعون إلى هدى وهو يدعو إلى ضلال فيتحيّز الخبيث من الطيب بالتابع والمتبوع جعلنا الله من خير الفريقين بفضله وقد قال ذو النون المصرى رضى الله عنه إذا كان هو يراك من حيث لا تراه فالله تعالى يراه من حيث لا يرى الله فاستعن بالله تعالى عليه
وقال أبو حامد الأعرج رضى الله عنه ومَن الشيطان حتى يهاب فلقد أطيع فما نفع
وعصى فما ضر
وقال بعضهم إن عدوا يراك ولا تراه لشديد الا من عصم
ثم ذكر بيان النفس فى حركاتها وفائدة ذلك فقال
وحرك عليك النفس ليدوم إقبالك عليه
الله انتهى
قلت تحريك النفس يطلب هواها وإيثار دنياها وكثرة تطلبها وعدم الوفاء بعزمها وجموحها في جنوحها وإقبالك عليه في ذلك بثلاثة أشياء الثقة فيها ترتجبه واللجوء إليه
-10-
فما تنقيه والإذابة له فيها ترتضيه تارة على بساط المشاهدة وتارة بوجه من المجاهدة وتارة بالرياضة والمنابذة فهى التى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها علما كما قاله الشيخ أبو الحسن رضى الله عنه وقال أيضاً رضي الله عنه أعظم القربات عند الله مفارقة النفس بقطع إرادتها وطلب الخلاص منها بترك ما تهوى لما يرجى من حياتها وإن من أشقى الناس من
أحب أن يعامله الناس بكل ما يريد وهو يجد من نفسه بعض ما يريد و انتهى وبانتهائه تم هذا الباب والله الموفق للصواب
تنبيه ومن أعظم آفات النفوس وجود الكبر وله وجوه
OOO
** من كانت بالله بدايته
كانت اليه نهايته
الباب ال
العشرون
لا يعلم قدر أنوار القلوب والأسرار الا في غيب الملكوت كما لا تظهر انوار السماء إلا في شهادة الملك
قال رضي الله عنه أثبت لنفسه تواضعاً فهو المتكبر حقا
من
رفعة فمتى أثبت لنفسك تواضعاً فأنت المتكبر
إذ ليس التواضع إلأ ع
قلت لفظ التواضع يقتضى ۱ منزلة صدر التنازل عنها وحقيقته تأبى ذلك فمن أثبت لنفسه تواضعاً على ما يقتضيه اللفظ فقد أثبت لنفسه رفعةً وذلك مناف لحقيقته وقد ساق المؤلف بعضه معللا بعلته موصولاً بنتيجته ثم ذكر شأن المتواضع الحقيقى فيُعرف منه حقيقة التواضع المقصود بالمعنى فقال
ليس المتواضع الذى إذا تواضع رأى أنه فوق ما صنع ولكن المتواضع الذي إذا تواضع رأى
أنه دون ما صنع
قلت فالتواضع
هي
أن لا ترى لنفسك قدرًا وأنَّ كلّ ما وضعتها فيه من أنواع الذلة مستحقه لما دونه لما هى موسومة به من النقائص تأصيلاً وتفضيلاً وقد قال الشبلى رضى الله الله عنه من رأى لنفسه قيمة فليس له من التواضع نصيب وقال أبو سليمان الداراني رضى عنه و لا يتواضع العبد حتى يعرف نفسه وقال أبو يزيد رضى الله عنه ما دام العبد ينظر أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر وقيل فمتى يكون متواضعاً فقال إذا لم ير حالا ولا مقاماً ٢ انتهى
النفسيه
فإذن التواضع من حيث اللفظ موضوع لشعور النفس بصفتها۳ بغير زائد على ذلك ثم له سببان نظر العبد لأوصاف نفسه ونقصها ونظره لأوصاف ربه وكماله والناشيء الأخير أتم من الأول فلذلك رجحه 4 المؤلف فقال
التواضع الحقيقى ما كان ناشئًا عن شهود عظمته وتجلّى صفته
۱ وفي التيمورية يقتفى ثبوت منزلة صدر التنازل عنها
وفيات ولا مالا 4 وفي التيمورية وجهه
۳ والأولى بضعتها وفي بعض النسخ يضعفها
- ۷۰ -
قلت وذلك بأن يرى كمال الحق تعالى وأن كل شيء دونه ناقص محتقر فيفنى الكل في جلاله وكبريائه وعظمته وقد قال ذو النون المصرى رضى الله عنه من أراد التواضع فليوجه قلبه إلى عظمة الله تعالى فإنه يذوب ويصغر ومن نظر إلى سلطان الله تعالى ذهب سلطان نفسه لأن النفوس كلها حقيرةً عند هيبته ومن أشرف التواضع أن لا ينظر إلى نفسه دون الله تعالى فقال في و عوارف المعارف إعلم أن العبد لا يبلغ حقيقة التواضع الا عند لمعان نور المشاهدة في قلبه فعند ذلك تذوب النفس وفى ذوبانها صفاؤها عن غش الكبر والعجب قتلين وتنطبع للحق وللخلق بمحو آثارها وسكون وهجها وغليانها انتهى فالناس ثلاث رجل رأى قبحَ فعله فلم ير لنفسه قدراً ورجل شهد قبيح وصفه فلم يشهد لنفسه نسبة ورجل شاهد عظمة ربه فنسى كل شيء به وهذا أتم الوجوه وأحسنها كما أشار إليه المؤلف إذ قال
لا يخرجك عن الوصف إلا شهود الوصف
قلت لا يخرجك عن الوصف الحقير النفسانى إلا شهود الوصف العظيم الرباني ولا يخرجك عن الوصف المنسوب إليك إلا شهود الوصف الحاكم عليك لا يخرجك عن وصف نفسك إلا شهود وصفها بحقيقة ما هي عليه حتى لا يبقى لك خبر عنك فقد قال الشيخ أبو عبد الله القرشي رضي الله عنه من وجد ذوق ذُله في ذله فهو متعزز وفيه بقية وقال الجنيد رضى أهل التوحيد تكبر قال الإمام الغزالي رحمه الله و ولعل مراده أن المتواضع يثبت لنفسه رفعةٌ ثم يضعها والموحد لا يثبت نفسه ولا يراها شيئًا حتى يضعها أو يرفعها بالتواضع ۱ برؤية النفس خروج عنها بها ولها وبروية الحق خروج عنها به وهذا لا تمكن رجوعه بخلاف الأول فإنه يسرع انقلابة
الله عنه و التواضع
عند
ولما كان المؤمن الكامل مشاهد جلال ربه وجماله في جميع أجواله وأوقاته لم يمكنه انفكاك عن جنابه وهذا ما ذكره المؤلف إذ قال
المؤمن يشغله الثناء على الله
حظوظه ذاكرا
عن أن يكون لنفسه شاكراً وتشغله حقوق الله عن أن يكون
1 دوت أو يرفعها انهي فالتواضع برؤية
6
-TVI -
قلت أراد المؤمن الكامل المحقق بحقائق إيمانه يوجب له ما تحقق به من الإيمان أن يرى كل فضل منه من مولاه فيما أسدى إليه من نظره لما وصل إليه وكماله به فلا يشكر نفسه ولا ينظر إليها فإذا أطلق الثناء أثنى على مولاه بما هو أهله فى الفقد والوجدان وتشغله حقوق الله الواجبة وغيرها من مقتضيات العبودية عن أن يكون لحظوظه ذاكرًا فإن كان ملابسا للحظوظ فلا يتناولها إلا لأمر الله إيَّاه فيها وذلك كله من بساط حبه لمولاه وإيثاره على هواه إذ يفعل لا لعلة ولا سبب كما هو شأن كل محب وهذا ما ذكره المؤلف ونبه عليه بأن قال ليس المحب الذى يرجو من محبوبه عوضاً أو يطلب منه غرضا
قلت وذلك لأن حقيقة المحبة أخذُ جمال المحبوب بحبه القلب حتى لا تبقى فيه بقية لغير المحبوب وبحسب ذلك لا يبقى له غرض فى غير رضا محبوبه ويكون ذلك غاية مرغوبه بل يفنى عن نفسه وعن كلّ شيء حتى لا يكون له خبر عن غير الحبيب هذه امرأة العزيز أرادت أن تقول شد على قميصى إزاراً فقالت شد على قميص يوسف وأَنشدوا في معنى ذلك المحبوب يوما لسمح 1 سمح ليس يُستحسن في حكم الهوى عاشق يطلب تأليف الحجج
الحب
على
الجور فلو
ثم طلب الأعواض والأغراض شأن المحبوب لا شأن المحب كما قال
فإن المحب من يبذل لك ليس المحب من تبذل له
قلت المحب من يبذل الروح ويستقلها ليس المحب من يطلب الأعواض وإن عمل عملاً استقله والله در أبي حفص عمر ابن الفارض حيث يقول
مالي سوى روحى وباذل روحه في حب من يهواه ليس بمسرف
فلئن رضيت بها فقد أسعفتني ياخيبة المسعى إذا لم يسعف
وقال بعضهم أول ما يقول الله تعالى للعبد أطلب العافية والجنة والأعمال فإن قال ما أريد إلا أنت قال له من دخل من هذا الباب معى فإنما يدخل بإسقاط الحظوظ ورفع الحدوث وإثبات القدم وذلك يوجب لك العدم ۳ وأنشدوا في معنى ذلك
1 وفي نسخة الدار أنصف المحبوب فيه لسمح وفي التيمورية ونسخة الدار ورفع الحدث ۳ فى نسخة الدار وذلك يوجب لك ذلك
-YYY-
اسمح لنفسك إن أردت لقاءنا واحلف بنا أن لا تحب سوانا
فإذا قضيت حقوقنا يا مدعى عاينتنا
بين الأنام عيانا
وقيل المحبَّة نار تحرق البقايا من العبد وتصير حاله للرضا لا للخوف حتى لو كان رضا المحبوب في صرف الوجه عنه لكان المحب مطلوباً بالرضا به فإن قال
قيل
وأترك ما أهوى لما قد هويته وأرضى بما ترضى وإن سخطت نفسى
قيل له أنت معلول بعروض ۱ السخط لنفسك فتجيب بقول القائل أريد وصاله ويريد هجری فأترك ما أريد لما فيقال له الترك معروض للرضا وعدمه ولا يصح فى مقام المحبة إلا حب ورضي كما
يريد
فكل ما يفعل المحبوب محبوب فيقول حقيقة المحبة تدعو إلى طلب الوفاء ورضا المحبوب في غير ذلك فيقال الوصل حظك والرضى حقه وهو أولى بك منك فافهم ومن أحكام الحب طلب الوصلة والقرب برفع الأستار والحجب وذلك بالسلوك والسير ومداره على قطع عقبات النفس من غير زائد كما نبه عليه المؤلف إذ قال
لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين
قلت ميادين النفوس مجالاتها التى تتردد فيها ومدارها على ثلاثة أمور طلب الحظوظ
C
بالغفله واتباع الوهم من غير تحقيق وصريح الدعوى من غير حقيقة فنفى الغفلة بالتقوى ثم بالاستقامة ونفى الأوهام بالتصبر والاتباع ونفى الدعاوى بالمعرفة والتحقق ولكل منها سير يخصه فالسير في الغفلة 3 الأولى بالحذر والإشفاق ونتيجتها الورع والتحفظ والسير في الثانية بالعلم والاستبصار ونتيجتها نفى الغلط بالتحقيق والتفحظ في التوسيع والتضييق والسير في الثالثة بالانحياش إلى الحق والفرار من الخلق ثم لا تبالي في أبها وقعت ما لم تُهمل
الأخرى فإن كل واحدة منها تدعو لباقيها وإهمال واحدة خلَلٌ فى التي تليها وافـ والله أعلم وإنما كان الأمر على ما ذكر لأن الحق سبحانه ليس ببعيد ولا محجوب كما نبه عليه بقوله لا مسافة بينك وبينه حتى تطويها رحلتك ولا قطيعة بينك وبينه حتى تمحوها وصلتك
1 وفى نسخة الدار بتعرض في نسخة الدار وقف الأوهام بالتبصر
۳ وفى ت العقبة وكذا في نسخة الدار
-rw-
قلت لا مسافة حسية ولا معنوية لأن الحسية تقضى بالجهة ولأن المعنوية تقضى بالمماثلة والرب تعالى منزه عنهما بجلال قدسه ولا قطيعة حسية ولا معنوية أيضا لانتفاء النسب والمشابهة في وصفه تعالى وقد تقدم من كلام الجنيد رحمه الله متى يتصل من لا شبيه له ولا نظير بمن له شبيه ونظير والله در الشيخ أبي الحسن التسترى حيث يقول أى وصول ثم
أى وصال
أى
وصول ثم
كما أى وصال
ليس ثم انفصال
ولما تكلم الشيخ ابن عباد رحمه الله على هذا الموضع لم يزد أن قال هما محلان محالان لعدم المثلية فى الأول وعدم الضدية فى الثانى ثم قال وهذه الألفاظ التي عبر بها المؤلف من السير والميادين والرحلة والوصلة وفى معناها السير والسلوك والذهاب والرجوع وهى
عبارات استعملها الصوفيه في أمور معنوية تجوزوا بها عن أمور حسّية ومرجع ذلك إلى علوم ومعاملات يتصف بها العبد لا غير انتهى
وهو محتاج إليه فى بابه ثم اعلم أن الطريق منحصر في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بجمع الحقيقة للشريعة إلا أن مسالكها مختلفة بحسب الوجوه والتوجهات وأعلى المسالك السلوك بالهمة وقد ذكر شرف الروحانية فلتطلب أشرف متعلقاتها وهو فتح أبواب الغيوب لأن ما دونها راجع لأنواع المحسوسات كما ذكر المؤلف إذ قال جعلك في العالم المتوسط بين ملكه وملكوته ليُعلمك جلالة قدرك بين مخاوقاته وأنك جوهرة منطو عليها أصداف مكوناته ١ وسعك الكون من حيث جسمانينك ولم يسعك من حيث روحانيتك الكائن فى الكون ولم تفتح له ميادين الغيوب مسجون محيطاته ومحصور في هيكل دائه
لا
۱ وزادت النسخة التيمورية بعد قوله تتطوى عليك أصداف مكوناته
يصح
أقول وذلك يقضى لك برفع الهمة عن الدناءة والجنوح إلى معالى الأمور في جميع الحالات لأن من كان من أرفع العوالم له أن يبيع نفسه بأبخس منها ثمناً فعلم العبد بجلالة قدره في اصل النشأة ينهض قواه لطلب الأمور الغليه وهو أول قدم المريد الصادق وبيان كونك فى العالم المتوسط فمن طريق المعنى أنك لست ملكياً محضاً ولا ملكوتيا صرفاً وإذا كنت كذلك فلك في كل نسبة وذلك هو الوسط حقيقة ومن طريق الحس فانك في وسط العالم السموات تظلك والأرض تقا والجهات تكتفك والجمادات تدفع عنك وأنت جوهر في صدف مكنون فافهم
وقد قال الشيخ أبو العباس المرسى رحمه الله قرأت ليلة والتين والزيتون فكشف لى عن اللوح المحفوظ فاذا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم روحاً وعقلا ثم رددناه أسفل سافلين نفساً وهوى اهـ وكشف هذا المعنى مثيل له إذ قال الله الأنبياء عليهم السلام يطالعون بحقائق الأشياء والأولياء بمثلها والملك عالم الحس والشهادة والملكوت عالم الغيب والمعاذ
٢٧٤
قلت ميادين الغيوب مجالاتها ومدارها على اسرار العبودية وأنواع المعارف والعلوم الإلهامية التي من لم يفتح له بابها ولا ظهر له جنابها لم يزل فى الحضيض الأسفل وإن كان في أرفع درجات العبادة والعلم وهي أمور لا تتناولها العبارة ولا تبين عنها الإشارة لكن تدرك من وراء الستارة من سترت ۱ فيه ظهر عليه سرها وهو سيماءُ العارفين أو بهجة المحبين ومن لم تحصل له فهو مسجون بمحيطاته الجسمانية من الأكل والشرب والجماع والإقبال والإدبار ومحصور في هيكل ذاته النفسانية بطلب الأعراض واتباع الحظوظ والأغراض وإذا فتحت لك ميادين الغيوب فلترق بهمتك لأعلاها وهو معرفة الحق سبحانه والكون به وله لا لشيء دونه ولا لشيء سواه فإن كل شيء دون ذلك روحانيا كان أو غيره نقص وبخس إذ لم يصل بالحقائق ولم يتحرر من رقّ الخلائق كما أشار إليه المؤلف إذا قال أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون فإذا شهدته كانت الأكوان معك
قلت فرق بين كونك مع الأكوان وكون الأكوان معك هو أنك في الأول تنظر إليها عند احتياجك وغيره وفى الثانى نعرض عنها بالإقبال على مولاك فمن احتاج لشيء فشغل
180
معنی
سره به وجوداً أو عدماً وتحصيلاً أو غيره فهو مع ذلك الشيء لأنه له ومن احتاج اشي فتوجه لمولاه في تحصيله أو نفيه أو نظر لتصرفه فيه ونحوه كان ذلك الشيء أنه معين له على ما يريده من التوجه والإقبال على مولاه وما دعاه لذلك إلا ما حصل له من الشهود بخلاف الأول فإنه في ظلمة الأسباب بالفقد والوجود فقد قال الشبلي رضي الله عنه ه لا يخطر الكون ببال من غرف المكون وسئل سهل رضى الله عنه عن القمرت فقال
= والله أعلم تم إذا جنحت همة المريد المعاني تعين او أن يتوجه لأعلاها فيطلب الجنة وما في معناها فيقال له اطلب أعلا ما فيها وهي الأمور الروحانية لا الشهوات الجسمانية لأن عالم الجسم ناقص بالنسبة إلى عالم الروح وهذا ما نبه عليه فقال وسمك الكون من حيث جسمانيتك ولم يسمك من حيث ثبوت روحانيتك أقول وسعك من حيث الجسمانية حساً لأن هواه وما في معناه ذلك محيط بك وقوام الجسمانية متوقف عليه إذا لا بد لها من قوام وهو خارج منه لا عنه وغاية الذات الجسم مقصورة على الكون لا تتعداه ولم يسعك من حيث الروحانية لأنها محل العلوم والمعارف والأسرار ونحوها باتساع النظر وغيره وهو أوسع من الكون إذا تتعلق العلوم والمعارف بالمكون فتعرفه الروح وتعلم صفاته وأسماءه وغير ذلك وإذا كان الأمر كذلك فاطلب كمال ما وسعت به الكون لأنه اعلا لا ما وسعه الكون منك فانه أدنى فأنت بالروح لا
با لجسم إنسان
ثم إذا عرفت شرف الروحانية فلتطلب اشرف متعلقاتها وهو فتح أبواب الغيوب لأن كل ما دونها راجع لأنواع المحسوسات كما ذكره فقال الكائن فى الكون ولم تفتح له ميادين الغيوب مسجون بمحيطاته و محصور في هيكل ذاته
اقول ميادين الغيوب إلخ 1 وفي بعض النسخ من سرت فيه
٢٧٥
هو الحي الذي لا يموت فقيل إنما سألناك عن الغذاء !! قال الغذاء الذكرُ فقيل له انما سألناك عن القوام فقال القوام العلم فقيل له إنما سألناك عن طعمة الجسد قال دع من تولاه أولاً يتوله آخرًا أما رأيت الصنعة إذا عيبت ردّت لصانعها فهو العالم بإصلاحها انتهى
ثم هذا آخر المجاهدة في مراتب الوجود وهو أول مراتب الخصوصية التي هي المعرفة والمشاهدة وهو موقف يتوهم فيه نفى البشرية وليس بصحيح فلذلك تكلم عليه بأن قال
لا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية
قلت وإن صح وجود سترها وتغطيتها لأن البشرية أمر ذاتى والذاتيات لا زوال لها والخصوصية أمر عارض والعارض لا ينفى الذاتى وإن ستره فقد تقدم من كلامه سبحان من ستر سرّ الخصوصية فى عين البشرية ومن ۱ تقريره أن ظهور الخصوصية في عين
البشرية وسترها بها فانظرها هناك
ثم ذكر مثالاً واضحاً في معنى الخصوصية والبشرية فقال
إنما مثل الخصوصية كإشراق شمش النهار ظهرت في الأفق وليست منه
قلت فالخصوصية ظهرت في عوالم الإنسان وليست منه فظهر للجاهل أنها أذهبت وجود البشرية كما يظن الغبي أن شمس النهار أذهبت ما في الأفق من ظلمة الليل ونحوه لكنها سترته بضوئها كما سترت الخصوصية البشرية بظهورها كما قال
أن
العالم
تارة تشرق شموس أوصافه على ليل وجودك وتارة يقبضها عنك فيردك إلى حدودك قلت فإذا طلعت شمس الأوصاف عليك ظهر فيك من الغنى والعز والقدرة والقوة ما يقتضى كله في قبضتك ولا قدرة لشيء على مقابلتك وإذا ردّك إلى حدودك ظهر عليك من الفقر والذل والعجز والضعف ما يوجب تلاشيك فإن كنت تام العبودية أعطيت كل محل حقه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو العارف الكامل إذ شد الحجر بطنه افتقارا إلى الله تعالى وأطعم ألفا من صاع إظهارا للغنى بالله وإن كانت خصوصيته لا تزايله فالأحكام مأخوذة من حركاته صلى الله عليه وسلم وبالجملة فالمدار ما ختم به إذ قال
فالنهار ليس منك إليك ولكنه وارد ورد عليك
1 وى نسخة الدار ومر في تقريره
قلت فأعطى كُلَّا حَقَّه النهارُ بالحركة وضده بالسكون كما فعل الخواص رضي الله عنه وذلك أنه قام ليلة يصلى فجاءه الأسد فلم يحتفل به فلما كان من الغد سقطت عليه بقة فصاح منها فقيل له في ذلك فقال البارحة كنت مأخوذا عنى والليلة مردود على وكان بعضهم يشير إلى الحقيقة ثم ربَّى عند باب لا يصلح وقوفه به لحاجة فأنشد إذا كنا به تهنا دلالا على كل الحرائر
والعبيد
ذل اليهود
وإن كنا بنا عدنا إلينا فعل ذلنا ثم للخصوصية بعد ثبوتها معارج تترقّى فيها بحسب التجليات وقد ذكرها المؤلف على
مراتب فقال
دل بوجود آثاره على وجود أسمائه
قلت فمن نظر اختلاف الآثار وتنوعها دلته على معانى الأسماء فحصل له من العرفان بذلك على قدر اتساع نظره ونور باطنه إذ يرى لكل اسم نسبة ۱ ولكل نسبة وجوها ولكل وجه
متوجهات لا نهاية لها ثم قال وبوجود أسمائه على ثبوت أوصافه
قلت فإذا نظرت في الأسماء من حيث المعنى الجامع والأثر الظاهر ظهر لك أنها راجعة لأوصاف الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام إذ لا يخرج عن ذلك اسم بمعناه وقصده فافهم ثم قال
ويثبوت أوصافه على وجود ذاته قلت فإذا نظرت الأوصاف دلتك على وجود الذات لا لمعنى منها بل من حيث لزومها
لوجودها كما بينه إذ قال
إذ محال أن يقوم الوصف بنفسه
قلت يعنى أو مثله لأن المعنى لا يقوم بالمعنى ولا بذاته فمعرفة الذات من وراء معرفة اصفات ومعرفة الصفات من وراء معرفة الأسماء ومعرفة الأسماء من وراء معرفة الآثار هذا على ترقى وهو شأن النظار وأهل الإرادة عكس حال العارفين وأهل الجذب كما قال
1 وفي التيمورية إذ يرى لكل اسم نسية وجودها ولكل وجه متوجهات لا نهاية لها
-LA-
- TVV-
فأهل الجذب يكشف لهم عن كمال ذاته
قلت وذلك بمعنى أنه يظهر لقلوبهم من جلاله وعظمته وكبريائه ما تذهل فيه العقول والألباب ولا يدرك بالتعلم والاكتساب فيوجب لهم تعظيما وإجلالاً وهيبة وأنسا وجودهم به فيه بلا علة ولا علم يستشعر ۱
ثم يردّهم إلى شهود صفاته
يغيب
قلت وذلك بأن يشعروا بأن من لازم هذه العظمة الاتصاف بعلى الصفات فلتلتفت قلوبهم إليها التفاا لا يحسون به حتى يجرى معناه عليهم فيحصل فرق في عين الجمع وهو موضع العلم والمعرفة التفصيلية
ثم يرجعهم إلى التعلق بأسمائه
قلت وذلك أن حقيقة المعرفة بالصفات تسرى بهم للتفصيل في المعاني فيقولون مثلا قادر على الانتقام والرحمة والنفع والضر مريد ذلك عليم به عظيم في ذلك وفي حياته ورحمته وأسمائه ثم كذلك فيخرج بهم تعريف الأسماء من الصفات
ثم يردّهم إلى شهود آثاره
قلت بأن يسرى لهم من كل اسم ظهور نسبته في الوجود فينظرون آثار الرحمة متنوعة ووجوه الانتقام متعددة وكذا سائر الأسماء مع التداخل فينظرون الخلق بما أبدى عليهم الحق
L
وحينئذ لا يُهملون حكمه ولا يُفردون حكما ويدخلون الشريعة من عين الحقيقة هذا مع أنهم
لم يفارقوها في حال لكن بساط التوجه مختلف يعرف ذلك من نازله ويفهمه من تحقق
وربك الفتاح العليم ثم قال
والسالكون على عكس هذا
الأسماء أو لمعنى
قلت يبدو لهم اختلاف النسب ٣ ثم يظهر استناد كل نسبة لاسم من من معانيه ثم يبدو أن كل الأسماء راجعة للصفات ثم يظهر لهم من الصفات عظمة الذات
الكريمة وهي عاينهم كما قال
1 فى ت يغيب وجودهم به فيه بل علمه ولا علم يستشعر به
وفى نسخة الدار فتلتفت
۳ وفي نسخة الدار قلت يبدو لهم اختلاف الآثار فيعلمون به اختلاف النسب
-PYA-
فبداية المجذوبين نهاية السالكين وبداية السالكين نهاية المجذوبين
قلت المجذوب هو المأخوذ من نفسه إلى حضرة الحق لا بترتيب ولا تدريج والسالك هو المواصل لها بترتيب وتربية وكل منهما له حظ مما لصاحبه وإنما اختلف البساط فقط فكل مجذوب سالك ولولا ذلك لكان زنديقاً وكل سالك مجذوب إذ لولا عناية الله له ما أخذ في السلوك وقد قال تعالى اللهُ يَجْتَبِي إِليهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيهِ مَنْ يُنِيبُ ۱ ثم هما وإن اختلفا في البداية والنهاية فقد اتفقا في معنى التحقق وهذا ما نبه عليه بأن قال
لكن لا بمعنى واحد قلت يقول لكن المعنى الذى دخل به المجذوب إلى الآثار ليس هو المعنى الذى خرج عنه السالك لأجله بل خروج السالك عنه بربّه لربه ودخول المجذوب فيها بربه وبحسب هذا فهما بين داخل وخارج أبدا وقد تقع لهما المواطأة في موقف ما كما قال
فربما التقيا في الطريق
قلت يعني في منزل من منازلها فيكون هذا مجذوب فى مشاهدة الصفات نازلاً والسالك في مشاهدتها صاعداً وكذلك في مشاهدة الأسماء فيتفق علمهما ومغازلتهما ويختلف بساطهما
٢
وتوجههما ولا يمكن في محل التحقيق إلَّا اختلافهما الاتفاق في المقصد وهو أمر يعرفه
مع
أرباب المنازلات فلا يدرك منه بالتعبير إلا طرف يسير والله أعلم ثم قال
هذا في تدليه وهذا في ترقيه قلت يعنى أنَّ التقاءهما لا يخرج أحداً منهما عن حكم طريقة بل يكون هذا في تدليه من الحقيقة إلى الحكمة هذا فى ترقّيه من الأغيار إلى الحقيقة وكلّ على كماله وبالله التوفيق وعلامة التحقق في هذه المنازل وإنما تظهر فى الإيمان باليوم الآخر فلذلك قال لا يعلم قدر أنوار القلوب والأسرار إلا في غيب الملكوت كما لا تظهر أنوار السماء إلا في شهادة
الملك
قلت أنوار القلوب والأسرار ما يظهر فيها من المعارف والعلوم ونحوها وغيب الملكوت اخفى إدراكه من حيث الأحكام العقلية كما أخبر به الشارع صلى الله عليه وسلم من أمر الدنيا
۱ آیه ۱۳ من سورة الشورى وفي نسخة الدار ولا يمكن فى حل التحقيق اختلافهما مع الاتفاق في المقصد إلخ
- ۷۹ -
والآخرة لأنه لا يعرف تحققه إلا منه وبه تظهر قوة الإيمان ونور القلب ونحوهما فمن كان إيمانه بالغيب أكمل وأحكم كان نوره وإيمانه أتم ومن لاخلا فقد قال رسول الله صلى ا عليه وسلم لحارثة حين قال أصبحت مؤمناً حقاً لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك فقال كانى بعرش ربي قد نصب وكأنى بأهل الجنَّة في الجنة يتنعمون وبأهل النار في النار يتعاوون فقال له عليه السلام عرفت فالزم عبد نور الله قلبه الحديث فجعل إيمانه بالآخرة حقيقة إيمانه وشهد له بالمعرفة والتنوير فافهم فأنوار السماء نجوم وأقمار وشموس وأنوار القلوب علوم ومعارف فأفق هذه مواضع ظهورها وأفق تلك مواضع وجودها ومما تظهر فيه أنوار القلوب وجود المعاملات وهى أيضاً أفق يبدو فيها من الثمرات وثمراتها أُفق لما يرجى من قبولها فلذلك أتبع المسألة بأن قال
وجدان ثمرات الطاعة عاجلا بشائر للعاملين بوجود الجزاء عليها آجلاً
قلت وجدان ثمرات الطاعات ما ينشأ عنها مما هو ملابس أو مفارق كالحياة الطيبة وسقوط الخوف والحزن بالسكون إلى الله تعالى وظهور الجلالة ۱ بنفوذ الكلمة ونحو ذلك مما تقدم ذكره ودليله عند قوله من وجد ثمرة عمله عاجلاً فهو دليل على وجود القبول آجلاً والبشارة الخبر الصادق وأكثر استعماله في الخير وفى الخبر بشروا ولا تنفروا وهى تدل عليه ولاتوجبه وإنما كانت بشارة لأنها كرامة من الحق سبحانه والكريم إذا أعطى كمل وإذا حول نَوّل ثم مع هذا كله فالجزاء وإن كان موعوداً لا ينبغي أن يكون بالعمل مقصوداً لذاته لأن الوعد من بساط الكرم والقصد وجود مقابلة فضله وكرمه بأفعالنا وهو إساءة أدب وهذا ماتوجه له بأن قال
أم كيف تطلب العوض على عمل هو متصدق به عليك
قلت ولو لم يتصدّق به عليك كنت محتاجاً إليه مع عجزك عن تحصيله فهو قد دخل عليك من بساط افتقارك فلا يصح لك أن تستغنى به عمن أعطاك إياه فضلا عن أن تطلب العوض منه بَلِ اللهُ يَمُنَّ عَلَيْكُم أَنْ هَدَاكم للإيمانِ إِنْ كُنتُم صَادِقِينَ ٢
1 وفى نسخة الدار الخلافة من سورة الحجرات آية ۱۷
- PA -
ثم طلب العوض يفتقر لسلامة المعوض من الآفات والعلل وميزان أعمالك مايليق بأفعالك فإن صدقت في توجهك فصدقك - هدية منه لك و ذلك لا يصح معه طلب الجزاء كما قال كيف تطلب الجزاء على صدق هو مهديه إليك
قلت والفرق بين الهدية والصدقة ثلاثة أمور أحدها أن الهدية لا تكون إلا بالشيء النفيس والصدقة تكون بكل شيء الثاني أن الهدية للمحبوبين والصدقة للمحتاجين الثالث أن الهدية كرامة والصدقة مرحمة وبهذا يظهر لك أن العمل أكد من الصدق والصدق أنفس من العمل وقد قال عليه السلام إنما أنا رحمة مهداة فقال الشيخ أبو العباس المرسى رضى الله الأنبياء لأممهم عطية ونبينا صلى ا الله عليه وسلم لنا هدية وفرق بين الهدية والعطية الهدية للمحبوبين والعطية للمحتاجين ثم الناس فى التوجه بالذكر الذى هو روح العمل قسمان ذكرهما المؤلف بأن قال
عنه
قوم تسبق أذكارهم أنوارهم وقوم تسبق أنوارهم أذكارهم ذاكر ذكر ليستنير قلبه
وذاكر استنار قلبه فكان ذاكراً
قلت فالذي يسبق ذكره نوره هو الذى ذكر ليستنير قلبه وهو السالك الطالب والذى يسبق نوره ذكره هو الذي صار ذاكراً اضطراراً لقوة الوارد عنده وهو المجذوب الواصل وقد ذكر هذا المعنى قبل هذا حيث قال اهتدى الراحلون له بأنوار التوجه والواصلون لهم أنوار المواجهة فالأولون للأنوار وهؤلاء لا أنوار لهم لأنهم الله لا لشيء دونه وقد قال الشيخ أبو العباس المرسى رضى الله عنه قوم وصلوا إلى كرامة الله بطاعة الله وقوم وصلوا لطاعة الله بكرامة الله وقال شيخنا أبو العباس الحضرمي رضى الله عنه والتفرقة من الجمع مع التفرقة انتهى وفي هذا الكلام دلالة على أن المجنوب أفضل من السالك وللناس فيه كلام ذكره في الطائف المنن ورجح أنه أتم فانظره وبالله التوفيق
ثم ذكر أن كل مجذوب سالك وكل سالك مجذوب فقال
ما كان ظاهرة ذكر إلا عن باطن شهود وفكر
مع الجمع
أقوى مقاماً
قلت فالذاكر ليستنير قلبه لولا تجلى الحقيقة لقلبه ما آثر الذكر لاستنارته ولولا فكرته التي حصلت له ما توجّه لذلك والذى قد استنار قليه إنما هو من مشاهدة الحق به وماكان "
-YA-
ذاكراً إلا لداعية الفكر الحاصلة له فلا بد لكل من شهود وفكر إلا أن الأول فكره أصل وشهوده تابع وبالعكس الآخر والله أعلم ثم الذكر والفكر إنما هما جاريان عن الحقيقة المودعة في أصل النشأة حيث الميثاق وهذا ما ذكره المؤلف بأن قال
أشهدك من قبل أن استشهدك
يوم
قلت فشهودك ۱ موجود من قبل أن استشهدك على أنه ربك وذلك يوم الميثاق لأن هذا خطاب مواجهة ومعاينة تقتضى الإشهاد والاستشهاد فوقعت الإجابة
ألست بربكم
إذ ذاك بقوله بلي أي أنت ربنا كما نبه عليه المؤلف إذ قال
فنطقت بالهيته الظواهر
حيث قالت بلی قال ابن عباس رضي الله عنه ولو قالوا نعم لكفروا لأنه جواب
النفي المقتضى لإثباته ثم قال وتحققت بأحديثه القلوب والسرائر
قلت ليما عاينت من جلاله وعظمته وكبريائه عند اشهاده فتمت حجته تعالى على الجميع
۳
في الحال واستمرت بإثبات ذلك في وجودها إلى مالايزال وعليه وقع التقرير بقوله الكريم
قالوا بلى شَهِدنا أنْ تَقُولوا يوم القيامة إنَّا كُنَّا عن هذا غافلين أو تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنا الآية ولذلك لم يمكن أحد الشك فى بارئه ولم يُعذَر كافر بجحده على معنى أن العلم بوجوده
مركوز فى الجبلة وَلَئِنْ سَأَلْتَهم مَن خَلَقَ السَّمواتِ والأَرضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُم لَيَقُولُنَّ الله أ فى اللهِ شَكٍّ ما من مولود إِلَّا ويُولد على الفطرة4 الحديث
ثم في حصول الاشهاد والاستشهاد والشهادة ظهر التكريم بذكره على وجوه ثلاث ذكرها
المؤلف بأن قال أكرمك بكرامات ثلاث جعلك ذاكراً له ولولا فضله لم تكن أهلاً لجريان ذكره عليك
1 في التيمورية قلت أشهدك وجوده من قبل أن استشهدك على أنه ربك هو الميثاق الرباني الذي أخذه الله على الناس جميعاً وهم في ظهر الغيب وفى ظهور آبائهم في اللحظات الأولى عند بدء الخليقة وعند ظهور البشرية لتؤمن بوجوده وتعترف بألوهيته عن ذلك يقولى القرآن وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهور هم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا آية رقم ١٧٢ من سورة الأعراف
۳ وفي نسخة التقدير
٤ يشعر سياق المؤلف أنه يفسر الفطرة بأنها الاعتراف بوجود الخالق
قلت الكرامات الثلاث كلُّها فى ذكره الأولى ذكرك إياه وهو لا يليق بك من حيث "
أنت ولا تقدر على تحصيله لنفسك فحصوله منة منه وفضل ومَن أنت حتى تكون محلاً لذكره أو موضعاً لتوفيقه لولا فضله وإحسانه وقد قال تعالى وَلَوْلَا فَضْل اللَّهِ عَلَيْكُم وَرَحْمَتُهُ ممَازَكَى مِنْكُم مِنْ أَحَد أَبَدًا ۱ وقال عزَّ وجل وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُم وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُم الشَّيْطَانَ إِلَّا قَليلا وقال عز من قائل وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُم وَرَحْمَتُه وأَنَّ الله تَوَّابٌ
r
إلى غير ذلك ثم ذكر القسم الثاني فقال
وجعلك مذكوراً به إذ حقق نسبته لديك
قلت وذلك أنك مذكور به ومنسوب إليه فى مواقف ثلاث موقف الخلق والاختراع والإيجاد والإبداع وبه يقال أنت عبد وهو رب ومن أنت حتى يكون لك ذلك وموقف الستر والتجميل والإمداد وبه يقال هو مُعْط وأنت مُعطَى وهو منعم وأنت منعم عليك وموقف التوفيق والهداية وبه يقال أنت مُوفّق بفتح الفاء وهو موفق بكسرها وهو هاد وأنت مهدى ومن أين لك ذلك لولا نسبة فعله بك فى المواقف الثلاث فافهم ثم ذكر القسم
الثالث فقال
وجعلك مذكوراً عنده فتمم نعمته عليك
قلت مذكوراً عنده بالتوفيق أولاً
ثم
بالثناء آخراً إذ قال تعالى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ومن ذكرني في ملا ذكرته في ملإ خير منه وأى نعمة أعظم من ذكر الحق لعبده قال الله تعالى ولذكر الله أكبر قيل ذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد ربه وقيل ذكر الله في الصلاة أكبر من ذكر الصلاة وقيل ذكر الله بالتوفيق لها أكبر منهما وقد قال يحيى بن معاذ الرازی رضی الله عنه ياجهول ياغفول لو سمعت صرير القلم يذكرك في اللوح لطبت طرباً انتهى
ثم ذكر وجهاً يترجح به المجذوب على السالك ويظهر به أن البركة في العمر خير من طوله ولا بركة إلا بذكر ومعاملة فقال
رب عمر اتسعت آماده وقلت أمداده
۱ آية ٢١ من سورة النور
۳ آية ١٠ من سورة النور
آية ٨٣ من سورة النساء
-YAY-
قلت وذلك كأعمار بني إسرائيل الطويلة تعبدوا أولم يتعبدوا لأن هذه الأمة تـ تفضلهم المتعبد للمتعبد وغيره لغيره وكعمر السالك بالنسبة إلى عمر المجذوب إذا اتحد توجههما
ثم قال
ورب عمر قليله آماده كثيرة أمداده
قلت كأعمار هذه الأمة متعبدهم وخليهم في مقابلة من مضى من الأمم وكذلك المجذوب في مقابلة السالك إذا اتحد بساطهما وقد قال أحمد بن أبي الحواري دخلت على أبي سليمان الداراني رضى الله عنه فقال لى ما جئت به يا أحمد قلت غبطت بني إسرائيل قال بماذا قلت بثمانمائة عام حتى يصيروا كالأوتار والحنايا وكالشنان ۱ | اليالية من العيادة فقال ما ظننتك قد جئت بشيء !! والله ما يريد الله منا أن تيبس جلودنا على عظامنا ولا أن نصير كالأوتار وكالحنايا وكالشنان فلا يريد إلا صدق النيَّة هذا إذا صدق في عشرة أيام نال ماناله ذاك فى عمره الطويل انتهى
وهو عجيب فإذن العبرة ببركة العمر لا العمر وهذا ما نبه عليه إذ قال مَنْ يُورك له في عمره أدرك فى يسير من الزمن مِنْ مِنَن الله تعالى مالا يدخل تحت دوائر العبارة
ولا تلحقه الإشارة
الله
قلت البركة الخير المتدارك وبركة العمر بالأعمال والأحوال والعلوم والمعارف وذلك لا يحصل إلا عن جمع وتحقق وعلى نحو هذا قال شيخنا أبو العباس الحضرمي رضى ال عنه من كان ٢ يستمد ماشي ماشي عدم عدم عدم وجود وجود وجود والله أعلم انتهى
وإنما لا تدخل تحت دوائر العبارة لرقته واتساعه ولا تلحقه الإشارة للطافته وخفائه وإذا كان ما عند الله بهذه المثابة فالقعود عنه من الخذلان لاسيما مع التمكن والإمكان وهذا ما توجه له
إذ قال
إليه
الخذلان كل الخذلان أن تتفرغ من الشواغل ثم لانتوجه إليه وتقل عوائقك ثم لاترحل
1 الشن الجلد البالي والجمع شتان بكسر الشين
وفي التيمورية من كان يستمد من هبرة الجمع فهو يكتب ما يكون وما لا يكون طويل طويل طويل قصير قصير قصير بشيء يشي بشيء ما شيء ما شيء ما شيء علم علم علم وجود وجود وجود والله أعلم
-YA-
1
قلت الخذلان صرف الإعانة فى مواقف الرشد والفراغ من الشواغل والشواغب التي هي العوائق أصل كبير فى تحصيل الفوائد فإذا حصل السبب ولم يوجد المسبب فذلك دليل على الحرمان لذلك قال عليه الصلاة والسلام نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ یعنی أن الصحيح ينبغي أن يكون مشغولاً بدين أو دنيا لتهيء الأمر له فإذا كان فارغاً فهو مغبون فيما عنده من الصحة إذ ذهبت به في لاشيء وهذا أحد التأويلين للحديث وقد قال الأستاذ أبو القاسم القشيرى رضى الله عنه فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة فإذا كفر العبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى وانجر في قياد الشهوات شوّش الله عليه نعمة قلبه وسلبه ماكان يجده من صفاء قلبه انتهى وعليه يدور التأويل الآخر في الحديث وإن كثيراً من الناس قد فقد الصحة والفراغ فمن وجدهما فليشكر الله بالعمل الصالح فإن لم يشكر فهو مخذول والعياذ بالله ثم التوجه والرحيل إنما هو بالفكرة في أسباب الانزعاج ثم فى وجه التوجه ثم فى عظمة المتوجه إليه وذاك بالنظر في المخلوقات بحسب ما تعطيه القوة المودعة والوارد فلذلك قال
الفكرة سير القلب في ميادين الأغيار
التفكر
6
فالقلب
قلت الفكرة هنا والمقصود استعمال الفكر في استخراج المعلومات فهى سير القلب أى مشبه وانتقاله بالنظر في ميدان أى مواقف الأخبار أي المخلوقات يسير بفكره في الخلائق على حسب مراتبه فتارة يفكر في وجودهم فيهديه لموجدهم وتارة يفكر في موجدهم فيهديه لتركهم والإقبال عليه وتارة يفكر في معاملتهم فينظر فيها على وجه يليق به وبهم وتارة يفكر في موجدهم وما أجرى عليهم فيهديه ذلك لعظمته برؤية ماله فيهم وفى بعض النسخ فى ميادين الاعتبار بالتاء الموحدة وهو ظاهر وكذلك فى بعضها سبر بالباء الموحدة ويصلح مع الأول والثانى فتأمله ومجارى الفكر أربعة قد تقدمت أول الكتاب وقد قال الحسن رضي الله عنه الفكرة مرآة حسنة تريك حسنك من سيئك وقال الجنيد رحمه الله أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد انتهى
ولعل هذه هي الفكرة التي ساعة منها تعدل عبادة سبعين سنة كما في الحديث ثم قال
۱ رواه البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما ٢ أي الفحص والاختبار
٢٨٥
الفكرة سراج القلب قلت مصباحه الذي مشى به فى ظلمة الأغيار فيرى المنافع والمضار ويبصر الحق والحقيقة أتم إبصار بها يصل إلى الإيمان وبها ينتهى إلى العرفان وبها يترقى في درجات الإسلام والإيمان والإحسان ولذلك قال كعب الأحبار رضى الله عنه من أَراد شرف الدنيا والآخرة فليكثر التفكر وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه الطريق القصد إلى الله تعالى في أربعة أشياء مَنْ حاز من فهو من الصدِّيقين المحققين ومن حاز ثلاثا منهن فهو من أولياء الله تعالى المضربين ومن حاز اثنتين فهو من الشهداء الموقنين ومن حاز واحدة منهن فهو من عباد الله الصالحين أولها الذكر وبساطه العمل الصالح وثمرته النور الثاني الفكر وبساطه الصبر وثمرته العمل الثالث الفقر وبساطه الشكر وثمرته المزيد منه ١ الرابع الحب وبساطه بغض الدنيا وأهلها وثمرته الوصلة بالمحبوب وهو جامع لأصول الخير وغاية التحقيق ثم ذكر ما يوجب فقد الفكرة فقال
فإذا ذهبت فلا إضاءة له
قلت وإذا لم تكن له إضاءة صار شبه الأعمى تارة يخطى وتارة يصيب فيفوته السير
وينتني عنه الخير فلا يهتدى سبيلا ولا يقيم دليلاً ومَنْ لَمْ يَجْعل اللهُ لَهُ نورا فَمَا لَهُ مِنْ نُور
وإنما كانت كذلك لوجوه ثلاثة أحدها أنها تبين عن الحق من وجهه وعن الباطل من وجهه فتدعو للإقبال على الحق والإدبار عن الباطل الثاني أنها تريك الحقيقة تبيانا حتى كأنك ترى الحق عيانا وفقدها لا يصح معه ذلك الثالث أنها تريك كما لك من نقصك وحبيبك من عدوك بشواهد ما يجرى عليك وعلى غيرك وإذا فقدتها كنت خليا عن ذلك هذا مع لا سلوك ولا سير ولا حقيقة ولا طريقة ولا علم ولا عمل ولا معرفة إلا بها ثم هي على قسمين ذكرهما المؤلف بأن قال
الفكرة فكرتان فكرة تصديق وإيمان وفكرة شهود وعيان
أنه
قلت وكل من الفكرتين ينقسم إلى قسمين لأن إضافة كل منهما لما أضيف له إ باعتبار أنه بساطه أو باعتبار أنه نتيجته أو باعتبارهما معا وهذا أوفى وإن كان كر
1 يريد الافتقار إلى الله وهو الشعور الإيماني بأن الله سبحانه هو وحده الناصر والمعين والموجد والرحيم والرازق وهكذا
يصبح الشعور بالأسماء الإلهية حقيقة واقعة وتلك منزلة من أسمى المنازل الإيمانية آية ٤٠ من سورة النوز
- JAY-
صحيحاً فهى إذن أربعة أولها فكرة تفيد التصديق والإيمان وتجرى في دلائل الصنع طلبا لبرهان الحق وبيان الوجه فيه الثانية فكرة تجرى مع التصديق والإيمان وهى الفكرة فيما دل عليه من لوازمه بعد تحققه كالفكرة في عظمة الله وشرف نبيه وما جاء من أمر الدنيا والآخرة مما كان ويكون الثالثة فكرة تفضى إلى الشهود والعيان وهى الفكرة فيما يهدى لذلك من عظمة الله سبحانه ووجوه التصريف الجارى فى خلقه بحكمته وحكمه الرابعة فكرة ناشئة عن شهود الحقيقة ومعانيها ومرجعها لجولان القلب فى بساط التعظيم والإجلال ثم الشهود من إشهاد المشهود وكشف الوجود حتى يرى كلاً بحكمته على وجه لا تقدير فيه ولا قياس والعيان رتبة وراء الطمأنينة والبيان مدارها على تحقق الأمر حتى كأنه رأى عين فلا يحتاج إلى دليل ولا برهان حتى لقد قال قائلهم في ذلك مخبرا عن نفسه
كبر العيان على حتى أنه صار اليقين من العيان توهما ثم لكل فريق طريق ومدارهم في ذلك على صادق أو صديق كما بينه المؤلف إذ قال فالأولى لأرباب الاعتبار
قلت من السالكين والمريدين والعاملين من المتوجهين والنظار العاملين على قوله تعالى قُلْ انْظُرُوا مَاذَا 1 في السموات والأرض أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِى مَلَكُوتِ السَّمواتِ والأَرْضِ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلى الإِبل كَيْفَ خُلقت ۳ فيعتبرون بوجودها من حيث هي ثم يعتبرون بموجدها من حيث حسن فعله فيهديهم ذلك لجمال وصفه ثم لم يزالوا كذلك حتى يهتدوا لمعرفته بما أعطاهم من قوة النظر في ملكه ثم قال
والثانية لأرباب الشهود والاستبصار
قلت يعنى الذين شاهدوا الحق فعرفوه واستبصروا عن التحقيق فأبصروه فكانوا يمشون في الخلق تارة بنور الحق وتارة بنور الحقيقة قال شيخنا أبو العباس الحضرمي رضي الله عنه وهولاء هم أهل هذه المرتبة هم القائمون بالله في كل شيء وهم معدن أسرار الله في الخليقة وعلومهم ومعاملتهم قد ارتفعت عن حجب التقصير والأوراد هممهم قد خرقت أنوار التوحيد ونفذت بصائرهم بالنظر في حقائق تجريد التجريد *
حجب
1 آية ۱۰۱ من سورة يونس
۳ آية ١٧ من سورة الغاشية
٤ فأنوارهم قد
آية ١٨٥ من سورة الأعراف 4 وفي التيمورية في حقائق بحر التفريد
غلبت
1
ن ۳۸۷ بستم
أنوار الوجود وسرهم قد ظهر منه شعاع لبعض خواص أهل الشهود فهم شاهدون
مشهدون وهو الغاية في بابه وبالله التوفيق
تنبيه
هذا آخر أبواب الكتاب ولم يبق بعده إلا أبواب مكاتبات تجرى مجرى الجامع للكتاب وآخرها مناجاة فتم الكتاب بأبوابه وما يُذكر بَعْدُ واحدًا وثلاثين بابا وربما زاد بعض الناس أبواباً وبعضهم تراجم ولا يصح شيء من ذلك والله أعلم
وقال رضى الله عنه مما كتب به لبعض إخوانه
قلت وهذا كتاب متضمنه السير والسلوك إلى حضرة ملك الملوك فذكر فيه بداية البدايات ونهاية النهايات بعبارة فصيحه واشارة صحيحة أبدع فيها غاية الإبداع وأتى فيها بما يثلج الصدور ويبهج به الأسماع وافتتحها بأن قال
أما بعد فإن البدايات مجلات النهايات
قلت المجلات بفتح الميم وسكون الجيم ما يتجلى فيه الشيء أي يظهر فيه ظهور الصور في المرآه وقد مر من كلام المؤلف " من علامات النجح في النهايات الرجوع إلى الله في البدايات من أشرقت بدايته أشرقت نهايته وهو معنى ما هنا
والمقصود من كانت بدايته أجمل كانت نهايته أكمل من كانت بدايته أصبح كانت نهايته أوضح وعلى قدر أهل العزم تأتى العزائم ثم قال
وإن من كانت بالله بدايته كانت إليه نهايته
قلت وهذا إفصاح بعين المقصود وهو أن من دخل الأشياء بالله كانت نهايته فيها إلى الله تعالى فمن كانت بدايته بالتفويض إلى الله كانت نهايته بالرضا عن الله ومن كانت بدايته بالتوكل على الله كانت نهايته بالرجعنى إلى الله ومن كانت بدايته بالاستعانة بالله كانت نهايته بحسن الظن بالله كان الله كان الله له ومن كان فى الله تلفه كان على الله تخلفه كان لغير
ومن
ومن
الله كان ذلك الغير حظه من الله كما في الصحيح من قوله عليه السلام فمن كانت هجرته
۱ وقت قد حلت
۸۸ -
إلى الله ورسوله فيجته إلى الله ورسوله ۱ الحديث ثم التوجه للشيء على قدر شغل القلب
به وهذا ما بين بأن قال
والمشتغل به خر الذى أحببته وسارعت إليه
قلت يقول إن القاب والجوارح لا يشتغلان بشيء إلا بعد حبه وعلامة ذلك المسارعة همته فأول السلوك تمكن محبة المولى من القلب حتى إليه بغير توزين ما قصر جسم عن لا يلتفت لغيره فيكون العبد به وله وباختيار من نفسه ولذلك قال الشيخ أبو محمد عبد السلام للشيخ أبي الحسن رضي الله عنهما عليك بورد واحد إسقاط الهوى ومحبة المولى أبت المحبة أن تستعمل محبا لغير محبوبه انتهى
ثم الإنصراف عن الشيء على قدر الاشتغال عنه عقابله ۳ وهذا ما نيه بذكره بأن قال
والمشتغل
عنه هو الموثر عليه
قلت الموثر عليه بفتح الثاء هو الذي أثر عليه غيره وليس إلا ضده ونقيضه فإذا أردت اشتغال عوالمك عن شيء فآثر عليه مقابله لكي يكون لك خلف منه فتنساه فمن آثر الآخرة ترك الدنيا ومن آثر الله على حظوظه تركها ومن آثر العبودية الله نسى حظوظ نفسه فالمؤمن يشغله الثناء على الله عن أن يكون لنفسه شاكرًا وتشغله حقوق الله عن أن يكون لحظوظه ذاكرا وفيما أوحى الله إلى بعض أنبيائه عليهم السلام إن كنت تحبنى فأخرج حب الدنيا من قلبك فإنهما لا يجتمعان في قلب أبدًا وأولى ما شغل به القلب جناب الحق وبساط ذلك العلمُ بأنه طالب تعبده كما قال ومن أيقن أن الله يطلب صَدَقَ الطلب إليه
اه
قلت على حسب ما أيقن به من طلبه فمن أيقن أن الله يطلبه لعبوديته صدق الطلب إليه في عبوديته ومن أيقن أن الله يطلبه لقربه صدق الطلب إليه فى وجود قربه ومن أيقن أن الله يطلبه لجنته صدق الطلب إليه بالعمل في تصديق كلمته ومن أيقن أن الله يطلبه لحقوقه صدق
۱ هذه فقرة من الحديث الصحيح الذى رواه البخاري وغيره عن عمر رضي الله عنه عقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكا امری ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبه و امرأة ينكحها اجرته إلى ما هاجر إليه
ى ت عن شم وفى نسخة الدار فما قصم جسم من همته
۳ وفي نسخة الدار بما قبله
-YAR-
الطلب إليه لتحصيل سلامته ومن أيقن أن الله يطلبه لكرامته صدق الطلب إليه في تحقيق
کرامته
وصدقُ الطلب يكون بثلاث حسن العمل ودوام اللجوء وصدق التوكل وهو أصلها وأصله العلم باتساع علمه وقدره تعالى كما نبه عليه المؤلف إذ قال
ومن علم أن الأمور بيد الله انجمع إليه بالتوكل عليه
قلت ورجع بالتفويض إليه فالتفويض أصل التوكل والتوحيد أصل التفويض وهو
العلم المتمكن من الصدر بأن الأمور كلها دقيقها وجليها بيده تعالى يعطى من يشاء ما يشاء
C
ويمنع من يريد مما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لأمره ره ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فهو المقصود بكل حال والمشار إليه بكل معنى قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه قف باب واحد - لا لتفتح لك الأبواب تُفتح لك الأبواب واخضع الملك واحد - لا لتخضع لك الرقاب تخضع لك الرقاب قال الله تعالى وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ا ه فإذا اشتغلت عوالمك بالصدق والتوكل فأشغلها عن الدنيا وأهلها بذكر ۱ فناء ذلك وزواله وهذا ما نبه عليه المؤلف إذ قال وأنه لابد لبناء هذا الوجود أن تنهدم دعائمه وأن تُسلب كرائمه
قلت وهذا أمر محقق لابد منه والآتى قطعا كالموجود في الحال لا سيما وأسبابه متصلة وآثاره ظاهرة فما من مخلوق إلا وقد ظهرت فيه مخايل الفناء وما من جديد إلا وقد حلَّ به البلى وما من قوى إلا ويعتريه الضعف ثم كذلك ويكفى فى وجود الإنسان قول الله تعالى اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضُعْفِ ثُمَّ جَعَل مِن بَعْدِ ضَعْفِ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَة۳ فلا بد لكل دعامة من انحلال ولابد لكل كريمة من زوال كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون وإذا كان كذلك فحق على كل عاقل احتقار أمره وتعظيم بارثه وفرحه ما عنده بدلاً مما بيده كما نبه عليه إذ قال
فالعاقل من كان بما هو أبقى أفرح منه مما هو يفنى
۱ وفى نسخة الدار تدر فناء ذلك
وفى نسخة الدار وما من قوى إلا ويعتيريه الصعف ويكني في وجوده في الإنسان
۳ آية ٥٤ من سورة الروم
-53-
قلت العاقل من قام به العقل وهو القوة المستعدة لإدراك الأشياء على ما هي عليه ومن ذلك أن الباقي خير من الفاني وأن الأبقى خير من الباقى وإذا أدرك ذلك فرح به ضرورة وفرحه به يستدعى إيثاره بترك ما هو ضد له فالدنيا فانية حقيرة وما عند الله للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون فلذلك قال سهل بن عبد الله رضى الله عنه للعقل ألف
اسم وأول كل اسم منه ترك الدنيا و ا هـ
قال
خير وأبقى
ثم هذه الثلاث التي هي الصدق والتوكل وترك الدنيا دليل على تنوير الباطن كما
قد أشرق نوره وظهرت تباشیره
بید
قلت أشرق نوره إذ رأى كل شيء على حقيقة من الآخرة والدنيا وأن الأمر الله وأنه يطلبه فظهرت تباشيره بأحكام البدايات إذ صدق الطلب لمولاه وأنجمع بالتوكل عليه قلم يعرف إلا إيَّاه وترك الدنيا لأهلها من غير التفات إليها ولا تعريج عليها كما
ذكره المؤلف إذ قال
فصدف عن هذه الدار مغضباً وأعرض عنها موليا قلت صدف أعرض عن هذه الدار يعنى الدنيا وما فيها من أهل ومال وغيره أي غاضا طرفه أى مغمضًا له تأكيداً في الإعراض مع هروبه وتوليه عنها لما رأى من قبحها
فانما هي كما قيل في وصف الفتنة
شمطاء
مغضياً
حلقت شعراً لها ۱ وتنكرت مكروهة للشم والتقبيل ولقد رأيت في عالم الخيال امرأة طويلة عليها ثياب حافلة ووجهها لناحية أخرى فقلت من هذه قيل الدنيا قلت لو أرتنى وجهها ! قيل لى إنها لا ترى وجهها لأحد فما يراه أحد إلا أبغضها ! !
وقد ذكر الناس في وصفها شيئًا لا يحصى فانظره - إن شئت -
مداره على إثارة الإعراض عنها وأن العاقل من أدبر عنها إدبارا كليا من حيث الحقيقة حيث الصورة كما نبه عليه المؤلف إذ قال
وفي التيمورية شمطاء قد جعلت لها وتنكرت مكروهة الشم والتقبيل
-991-
فلم يتخذها وطنا ولا جعلها سكنا
أنه قلت یعنی رفع همته عنها فلم يطمئن لها ولا سكن إليها وإن كانت بيده فهو بمعزل عنها لا يعتد و وجودها ولا يأسف على مفقودها ولا يحرض على محبوبها ولا يتشبع ۱ مطلوبها بل يراها سجنا ويرى نفسه فيها غريباً لقوله عليه الصلاة والسلام الدنيا سجن المؤمن وقال عليه الصلاة والسلام كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل والغريب
٢
لا يتشبع ۳ بشيء ولا يعتد به بل هو فيها هو به من غربته واذلته كما قيل ما للغريب وللتصابي ٤ والهوى فكفاه ذلاً أن يُقال غريب
و من
شأن
الغريب أن يدور السلامة ويُعامل بالإنصاف ولا ينازع أحدًا في داره هذا وغربته في السجن والمسجون لا يرى فى السجن ما يسره وينتظر أسباب الهلاك وإن كان
يترقب الفرج
ثم لا عز للغريب إلا برب الموضع ولا راحة للمسجون إلا بخروجه ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا فافهم وإذا كان غريبا فحقه العمل لدار قراره والأخذ في مرضاة رب المنزل وذلك شأن هذا المريد كما بينه بقوله بل أنهض الهمة فيها إلى الله تعالى
قلت أى بالعمل بما أمره امتثالاً والرجوع إليه فيما يريده تفويضاً واتكالا لأن حق الضيف أن لا يعول هما مع رب ٥ المنزل ويكون له حيث أنزله ويقوم معه بمزاده لا بمراد نفسه وذلك هنا بامتثال أمره والاستسلام لقهره وملازمة ذكره وشكره وعدم الالتفات إلى غيره فأصول الخير ثلاثة حفظ الحرمة وحُسن الخدمة وشكر النعمة وأصول الشر ثلاثة خوف الخلق وهم الرزق والرضى عن النفس فالفرار من هذه أصل كل طهارة
1 وفى نسخة الدار ولا يتشعب بمطلوبها ولعلها - في الأصح - ولا يتشبث حدیث صحيح رواه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضى الله عنهم ورواه الترمذى وزاد فيه وع
من أهل القبور
۳ وفى نسخة الدار والغريب لا ينشرح لشيء
٤ وفى نسخة الدار ما الغريب والتشوق
ه وفى نسخة الدار أن لا يعارض رب المنزل وكذا في التيمورية
1331
والتحلى بتلك أساس كل كمال ثم إنهاضُ الهمة مستصحبة ۱ للاستعانة وهي من صدق
التوكل وقد نبه عليه بأن قال
وسار فيها مستعيناً به في القدوم عليه
قلت أي في هذه الدار بالهمة والبصيرة والأفعال وفى تلك الدار بالمواجهة والعيان فهو مستعین به تعالى في أسباب كماله ونجاته في الدارين لعلمه أن الأمور بيده ومصدرها عن قضائه ولا عاصم من أمره إلا من رحم ولاسبب لذلك إلا الاعتصام به تعالى ومَن يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِى إِلى صِراطِ مُسْتَقِيم آية ۱۰۱ آل عمران فمعاملة العبد في مطالبه بثلاث التفويض في التوجه أولاً والاستعانة في العمل بالأسباب ثانياً والتوكل في تحصيل المقصد آخراً فإذا تمت له هذه كان بربه لا بنفسه وإذا كان بربّه لم يفته شيء من أمر ربه ولم يتوقف له شيء من طلبه كما أشار إليه هنا بأن قال
فمازالت مطية عزمه لايقر قرارها دائماً تشيارها
قلت العزم نتيجة الهمة فحيث توجهت كان تبعاً لها وهى هنا قد توجهت لمولاها يترك ماسواه فأمن عثارها بالدنيا وغيرها ودام تسيارها لحصول الأمن في طريقها بربها قيل لبعضهم ايم تطرد الشيطان إذا قصدك بالوسوسة فقال إنا لا نعرف الشيطان نحن قوم رفعنا هممنا إلى الله فكفانا من دونه وذلك بمعنى أن الشيطان يصير له ملهماً إِذَا مَسَّهُمْ طَائِف مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا ۳ فهو لا يعرف إِلَّا مولاه في كل حركة وسكون كلما نابه شي رجع إليه بالضراعة والتوجه وإذا كان كذلك فلا تزال همته في ترق وترحال حتى يصل لموقف التنزيه
المطلق كما قال
إلى أنْ أنَاخَتْ بحضرة القدس وبساط الأنس
قلت أي أناخت ركاب النفس ومطايا القلوب والأبدان في دائرة التقديس المطلق تقديس العبد لمولاه حتى لا يعصيه ثم حتى لا يلتفت لغيره ثم حتى لا يكون سواه ثم حتى لايرى واه ثم حتى يغنى عنه ثم حتى يفنى فى فنائه وعن فناء فنائه فيعود عليه ذلك بتقديسه
وفي ت من أربه وكذلك في نسخة الدار 1 وفي ت أنهاض الهمة ومستنتجة الاستعانة وفى نسخة الدار تم انهاض الهمة والاستعانة بالله من صدق التوكل
۳ آیة ۱۰ من سورة الأعراف
عن العبودية للغير والتنزيه عن مخالفة النهى والأمر وذلك هو بساط الأنس بالحق سبحانه وبما من جنابه حتى لايكاد يضير عن مولاه فى نفس من الأنفاس ويصير لحد لايرى سوى بقاء معروفه لالشيء من وجوده كما قيل لوقيل لي ماتتمنى والعبد يعطى مناه
لقلت منية قلبي في أن يطول لقاه ولايزال به التعظيم والتقديس إلى موقف العجز الذى لانهاية له ولاغاية وفي ذلك مراتب لا تحصى وإن عرفت مواقفها فلكل موقف أسرار لا تتناهى وقد ذكر المؤلف هذه المواقف فقال محل المفاتحة والمواجهة والمجالسة والمحادثة والمشاهدة والمطالعة
قلت ذكر ستة ألفاظ لستة معان متقاربة لاتدرك حقائقها والفرق بينها إلا بالذوق ۱ ولكنا نذكر منها ما تتناوله العبارة لنستأنس به وينتقى الغلط فيها فنقول وبالله التوفيق أما المفاتحة فمعناها المبادأة مبادأة العبد بما هو فيه على بساط الضراعة وبث الشكوى والمناجاة فيباديه مولاه بمعاني أسمائه وصفاته وعَظَمَةِ ذاته ليرتاح لذلك وينسى كل شيء به وأما المواجهة فمعناها المقابلة مقابلة القلب لاحظة الرب دون التفات لغيره ولا غفلة عن ذكره
فيواجهه مولاه بأنواره ويقابله بأسراره حتى لا يمكنه أن يرى سواه ولا يشهد إلَّا إِيَّاه وأما المجالسة فمعناها الملازمة ملازمة القلب للذكر بلا غفلة والخضوع بلا ذهلة والأدب بلا مهلة فيكرم إكرام الجليس بالمودة والتأنيس وإليه الإشارة بحديث أنا جليس من ذكرني أى أكرمه إكرام الجليس وأما المحادثة فمنازلة الأسرار بذكره وإقباله عليها بما يلقيه ويبديه من سر وغيره فيبسط فيه أنواره ويلقى إليه أسراره وإليه الإشارة بحديث و كان في الأمم السالفة محدثون فإن يكن في أمتى فعُمرُ منهم وأما المشاهدة فصورة الحقيقة لحد العيان بحيث لاتحتاج لبرهان ولابيان ومرجعها الكشف لا يصحبها ولا يداخلها وهم شك وقد قيل الشهود من إشهاد المشهود وكشف الوجود وأما المطالعة فموافقة التوحيد في كل ورد وصدر والرجوع إلى الحقيقة المرة بعد المرة بلا تأمل ولانظر فيكون العالم على حكم حكمه فلا يبدو شيءٌ إلا طولع به سره لكمال سره والله أعلم
هذا ما فهمته من معانى هذه الألفاظ والدر من وراء الصدف وليس التصوف بحديد
۱ والفرق بينها باللوق كما في نسخة الدار
والدر من وراء هذه صدف وليس التصرف بحديث يكنى فيه بالإخبار ولا يفي بالعلم والعمل فيه عن الأنوار ولابد مثل هذا المنتسبين والمحبين وأهل البدايات كما في نسخة الدار
٢٩٤
يكتفى فيه الاخبار ولا يُغتنى بالعلم والعمل فيه عن الأنوار ولابد من مثل هذا۱ للمنتسبين في المحبيين وأهل البدايات وبالله التوفيق وإذا كانت هذه المواقف للقوم فهم بين يدى مولاهم أبداً كما بينه المؤلف إذ قال
فصارت الحضرة مُعَشَّش قلوبهم إليها يأوون وفيها يسكنون قلت الحضرة دائرة التقديس المتقدمة فالألف واللام هنا للعهد والمعشش محل التعشيش أى التوطين الذى يرجع إليه فهم إليها يأوون فى ليل المحن والفتن وفيها يسكنون في نهار العافية إليها يأوون فى نهار الحضور وفيها يسكنون في ليل الغيبة إليها يأوون بامتثال أمره وفيها يسكنون استسلاماً لقهره إليها يأوون شكراً لنعمته وفيها يسكنون لجوءا لمنته والحاصل أنهم لا يشغلهم عنه شاغل ولا يلفتهم عنه ناقص ولا كامل وهذا مانبه عليه المؤلف إذ قال
فإن نزلوا إلى سماء الحقوق وأرض الحظوظ فبالإذن والتمكين والرسوخ في اليقين قلت استعار السماء للحقوق لجلالها والأرض للحظوظ لدناعتها والنزول إليها إنما هو من عرش الحقيقة فالعارف مسكنه عرش الحقيقة ولابد له من سماء الحقوق لحق العبودية وأرض الحظوظ للقيام بحق٣ البشرية فإذا نزل لم ينزل على حكم منزلته منه إلا بإذن لأنه بساط الكرامة والإذن قوة يجدها الولى من نفسه لايُشك فى حقيقتها ولا شبهة فى الوجود تتبعها حالية ولا شرعية والتمكين شرعى بمعنى الإباحة وعادى بمعنى التيسير وقد يريد أن نزوله لايقدح في كماله لكونه متمكناً فيه غير متلون والله أعلم والرسوخ في اليقين الثبوت فيه بحيث لا تؤثر فيه العوارض ولاتعتريهم الفوادح ٤ كما قيل
لا هندى نُوبُ الزمان إليهم ولهم على الخطب الشديد لجام
وقد قال أبو على الدقاق رضى الله عنه من علامات التأييد حفظ التوحيد في أوقات الحكم
انتهى
فأولياء الله
ذ قال
مع الخلق فيما هم فيه لكن لا على الوجه الذى عليه غيرهم وهذا ما أشار إليه
۱ وفي التيمورية ولابد من مثل المقتبسين والمحبين وفي نسخة الدار أي التوكيد
۳ وفي ت وأرض الحظوظ للقيام بأحكام الربوبية
٤ وفى ت ولا تغير هم القوادح وفى نسخة الدار ولا تفتريه القوادح
فلم ينزلوا إلى الحقوق بسوء الأدب والغفلة ولا إلى الحظوظ بالشهوة والمتعة
قلت بل نزلوا للحقوق بالذكر والأدب وللحظوظ بالشكر والافتقار امتثالاً لما واجههم به مولاهم من في الأول ولما حكم عليهم به من القهر في الثاني مستشعرين بقهره وبره فيهما ومعتبرين بحكمته وحكمها الجارية ۱ عليهما فالحقوق تزيدهم فائدة والحظوظ أكبر منفعة وعائدة ولو لم يكن فيها إلا رجوع العبد لافتقاره وشعوره باضطراره
واعتبر هذا بقول موسى عليه السلام رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير فطلبه الخير من بساط الافتقار لامن بساط الاحتياج وإنَّ فَهُمَ هذا من حيث حقائق٢ المنازلة في أهل العصر لبعيد وربك الفتاح العليم ثم ذكر المؤلف شأنهم في ذلك كله فقال
بل دخلوا في ذلك كله بالله ولله ومن الله وإلى الله
قلت الإشارة بذلك للحقوق والحظوظ وقوله بالله یعنی مستعينين وقائمين بالله والله حاملين ومتوجهين فالأول حقيقة والثاني شريعة ومن الله رأوا دخولهم لامن نفوسهم وإلى الله توجهوا بذلك وراحوا به ومنه ۳ فهم به لابهم ولا لهم ولا منهم ولا إليهم قد شهدوه في الكون وعنده وقبله وبعده على اختلاف مراتبهم نفعنا الله بهم ثم قال وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق
قلت وبذلك تحقق كونه بالله والله ومن الله وإلى الله لأنه طلب ماهو المطلوب منه كما أمره مولاه بطلبه فهو داخل فيه بالله طالب الصدق الله والإدخال والإخراج من الله والتوجه في ذلك كله الله قال في التنوير فالمدخل الصدق أن تدخل لا بنفسك والمخرج الصدق أيضاً كذلك ثم قال
هنا ليكون نظرى إلى حولك وقوتك إذا أدخلتنى واستسلامى وانقيادي إليك إذا أخرجتني
قلت فأشهد منتك وبرك في دخولى وأشهد حكمك وقهرك فى خروجي إذ متى أعطاك أشهدك بره ومتى منعك أشهدك قهره فهو فى كل ذلك مُتعرِّفُ إليك ومُقبل بوجود لطفه عليك وأن إلى ربك المنتهى وقد جاء في الحديث لاحول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولاقوة على طاعة الله إلا بإرادة الله ثم قال
1 وفى نسخة الدار ومعتبرون بحكمته وحكمها الجارى عليهم وفى نسخة الدار من حيث الحقائق النازلة في أهل العصم ۳ وفى نسخة الدار ورجعوا به ومنه فهم به لا بهم
- ٢٩٦ -
واجعل لى لدنك سلطاناً نصيراً من قلت معنى من لدنك من عندك أى بلاسبب وإلا فالكل منه تعالى سلطاناً حجة
أغننا
نصيراً معيناً مقوياً ولهذا يشير قول الشيخ أبى الحسن الشاذلي رضي الله عنه اللهم بلاسبب واجعلنا سبب الغنى لأوليائك وبرزخاً بينهم وبين أعدائك اهـ ومن تتمة معناه
في كلامه هنا قوله هنا ينصرني وينصر بي ولا ينصر على
لأنى
قلت ينصرنى فى نفسى على كل عدوّ متصل أو منفصل من نفس وخلق وشيطان وغيرهم محتاج إلى ذلك ۱ وينصر بي من أراد نصرة من مريد أو طالب أو محب أو متسبب أو صديق أو صادق لأن ضيف الكرام يُضيف وليس الرجل من نُصر فى نفسه إنما الرجل من قصر به سأل الكريم فلا يفتقر دون ما يحتاجه وإن لم يكن مضطراً إليه ولا يعظم المسألة لأن الله لا يتعاظمه شيء ولا ينصر على أحداً من عوالمي ولا غيرها بل أكون في حماه المنيع من المحن الدنيوية والفتن الدينية أبداً وهو
غيره ومن
أكرم
الأكرمين
ثم طلب المؤلف نصراً خاصاً وهو أعظم أبواب النصر فقال
ينصرني على شهود نفسى
قلت
حتى أراها على حقيقة الأمر من كمالها فأرفع همى عن المخلوقات وعلى حقيقة الأمر من نقصها فلا ادعى شيئاً ولا أرى لها نسبة ولا قدراً فبذلك تزكو وترتفع وبالله التوفيق
ثم قال
ويفنيني عن دائرة حتى
قلت حتى لا أعرف وجودها فضلاً عن موجودها وعند ذلك يتم الأمر ويحصل الكمال
والله الموفق للصواب تنبيه إنما تظهر الفوائد وغيرها فى معاملة الخلق والنظر للحق عند توجه المنن والمحن وهذا ما توجه له في الكتاب بعد أن قال
1 وفي نسخة الدار إلى ذلك وقوله ينصربي أى من أراد نصره من مريد أو طالب أو محب أو منتسب أو
صديق أو صادق لأن ضيف الكرام لا يضيق
وفى نسخة الدار خالصاً
- ۹۷
وقال رضى الله عنه فيما كتب به لبعض إخوانه
قلت هذا كتاب ضمنه اختلافُ النظر في المنة وأصل ذلك وفرعه ومادته الحالية
والشرعية فأصل الأصل الذي هو المرجع فى الجميع أولاً وذكره بأن قال
إن كانت عين القلب تنظر إلى أن الله واحد فى مننه فالشريعة تقتضى أنه لابد من شكر خليقته قلت عين القلب هي البصيرة ونظرها في هذا الأمر بالحقيقة المعقولة وهي من بساط المحكم ۱ والشريعة من بساط الحكمة وكلاهما من رب واحد فوجب أن لا يتعدى واحداً منهما فينظر إلى أن الله واحد في مننه فلا تنسب لغيره وهو الذى أجراها على أيدى الخلائق وجعل شكرهم عليها عين عبوديته فيشكرونى بشكره كما يذكروني بذكره لالأمر منهم فافهم ثم ذكر أقسام الناس في ذلك فقال ولا هم
وإن الناس في ذلك على أقسام ثلاثة
قلت یعنی ناقص و كامل وواقف بين النقص والكمال فذكر الكامل آخر أو المتوسط وسطا والناقص أولاً فقال فيه
غافل منهمك في غفلته قويت دائرة حسه وانطمست حضرة قدسه فنظر الإحسان من المخلوقين ولم يشهده من رب العالمين
به
قلت معنى منهمك في غفلته مسترسل فيها قائم معها بلا توقف ودائرة حسه عوالم جسمه فلم يعرف غير مايدور عليها من الأكل والشرب ونحوه من حيث هولامن حيث المنة وإن شهد شيئاً لم يتعد لغير من واجهه بـه وانطمست ذهبت وارتفعت دائرة تقديسه فكان في الحضيض الأسفل لبعده وجهله ودل على ذلك وجود فعله في حاله إذ نظر الإحسان ممن
r
وصل على يديه لا ممن أرسله إليه إذ ذاك من بعد فهمه وقوة وهمه فهو بعيد عن الحق بنظره للخلق وذلك على وجهين كما قال
إما اعتقاداً فشرك جلى وإما استناداً فشرك حتى
1 وفي التيمورية ونظيرها في هذا الأمر بالحقيقة والمعقولية وهي الخ وفى نسخة الدار و جغل شكره شكرهم عليها عين عبوديته فيشكرون بشكره كما يذكرون بذكره
۳ فى ت ودل على وجود حاله في فعله أن نظر
قلت فشرك الاعتقاد قادح فى الإيمان وشرك الاستناد قادح فى اليقين والفرق بينهما اعتقاد التأثير في الأول وهو كفر واعتقاد الارتباط فى الثانى بحكم سُنَّة الله مع اعتقاد أن الكل منه وإليه تعالى وهذا حال أكثر العوام نسأل الله العافية فالناس ثلاثة أقسام قسم يعتقد التأثير لغير الله وهذا كافر وقسم يعتقد أن لا مؤثر ۱ في شيء سوى الله ولكنه يرى ارتباط الأسباب وهذا ناقص وقسم يعتقد أن لامؤثر إلا الله ولا سبب سواه فيرى الأسباب عدمية واعتبارها بحكمة الآلهية فلا هو يُحيل الأسباب ولا يعتمدها لكنه يختلف حاله في ذلك فتارة تغلب عليه مشاهدة الحقيقة وتارة مشاهدة الشريعة وتارة مجموعهما وعلى ذلك مدار القسمين المذكورين بعد وافتتح أولهما بأن قال وصاحب حقيقه غاب عن الخلق بشهود الملك الحق وفى عن الأسباب بشهود مُسبب
الأسباب
قلت یعنى والقسم الثاني من الأقسام الثلاثة رجل غلبت عليه الحقيقة فنظر إلى جانب الحق وأهمل جانب الخلق لرؤيته انفراد الحق في منته وأنه لاشريك له في تصرفه فلم ير في التقدير غير المقدر ولا في التدبير غير المدير قد أعرض عن الكل بالواحد ولم يرفى الإقبال والإدبار إلَّا الواحد إذا قيل له من أين هذا قال من عند الله وإذا قيل له أشكر الوسائط قال لا أشكر إلا الله ليس له عما سوى الحق إخبار ولامع أحد من الكون قرار ولولا أن الله أمره ماتعبد ولا قام لنفسه بشيء وحاله كما بينه المؤلف إذ قال
فهذا عبد مواجه بالحقيقة ظاهر عليه سناها سالك للطريقة قد استولى على مداها قلت يعني أن الحقيقة قد واجهت قلبه فلم يمكنه انفكاك ولا خروج عنها بوجه ولا بحال وذلك ظاهر من حاله فسنا الحقيقة أى ضياؤها باد عليه وملوك الطريقة والنفوذ فيها مشهود لديه لأن مقتضى الحقيقة نفى الاسباب وغاية الطريقة رفض السوى وكلاهما من حاله غير حتى ولا غائب ومَدَاهَا غايتها نعم وهذا الذى وصفه وإن كان كاملاً فليس بأكمل أو كان جميلاً فليس بأجمل كما بينه المؤلف بأن قال
غير أنه غريق الأنوار مطموس الآثار قد غلب سكره على صَخوه وجمعه على فرقه وفناؤه على بقائه وغيبته على حضوره
1 وفي نسخة الدار وقسم يعتقد أن المؤثر في الشيء سوى الله ]
قلت يعنى أنه غريق في بحر الأنوار الذي هو معانى الأسماء والصفات ولم يقف بساحل الآثار الذي هو موقف النجاة كما أشار أبو يزيد بقوله خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله
وهذا منه اعتراف بالنقص والتقصير لان خوض البحر من الجهل يهوله والوقوف بساحله من المعرفة بقدره فالخائض يلقي بنفسه للهلكة والواقف قائم مع النجاة ويمكنه من استخراج حليته وطعامه مالا يمكن الخائض فافهم والسكر غلبة تمنع من التصرّف بالاختيار والصحو
حركاته
1
حالة تقتضى التصرّف بالاختيار والجمع شهود الخلق بالحق والغيبة عدم الشعور بالخلق والحضور الشعور بوجودهم مع الحق والمعتبر جريان ذلك فى التصرّف فمن لم يقدر على ضبط مع وعيه فهو السكران ومن تصرف باختياره على وفق حاله فهو الصاحي ومن شهد أفعال الخلق جارية عليهم بتصريف الحق فهو المجموع ومن شهد لهم نسبة في شيء مما هم به فهو المفرق ومن لم ير لهم نسبةً فهو الفانى ومن رأى وجودهم راجعاً إليه فهو الباقي في عين فنائه ومن لم يكن له شعور بشيء إلا بمولاه فهو الغائب ومن مشى في كل شيء بالتوحيد فهو الحاضر ولكل من هذا تأويل وتنزيل وتقرير وتحقيق وتحرير لاتعينها الأقوال ولا تقيسها العقول يعرفها أهل الأذواق ويشتهيها أهل الأشواق وبالله التوفيق ثم أخذ في ذكر القسم
الثالث فقال
وأكمل منه عبد شرب فازداد صحواً وغاب فازداد حضوراً
قلت شرب من خمر الحقيقة فازداد صحواً بماء الشريعة وغاب عن الخلق فازداد حضوراً معهم بالحق فالحقيقة خمر من شربها خالية فسكر كان حده قتله ومن تجوهر منها أو مزجها بماء الشريعة كان مزجه حافظاً له عن حده كما قيل
ومن فهم الإشارة فليصفها وإلا سوف يقتل بالسنان كحلاج المحبة إذ تبدت له شمس الحقيقة بالتداني
فقال أنا هو الحق الذي لا يغير ذاته من الزمان
۳
والذي بالوصف المذكور يعطى كل شيء حقه من غير إقلال شيء ولا نقص منه كما قال
1 وزاد في التيمورية بعد قوله والجمع شهود الخلق بالحق والفرق شهود الحق والخلق والفناء شهود الحق بلا تحلق والبقاء ] رؤية الخلق الحق وفى نسخة الدار و الفرق شهودا لحق والخلق أو يقال شهود حق بلا خلق والبقاء رؤية الخلق الحق و الغيبة إلخ وفي نسخة خلية بتشديد اللام ۳ فى تو من غير إخلال بشيء منه وكذا في نسخة الدار
- ree
فلا جَمعُه يحجبه عن فرقه ولا فرقه يحجبه عن جمعه ولا فناؤُه يصده عن بقائه ولا بقاؤه يصرفه عن فنانه يُعطى كلَّ ذي حق حقه ويوفي كل ذى قسط قِسْطَه
قلت يعنى أنه يعطى الحقيقة حقها برؤية كل شيء منه تعالى وإليه فينظر إلى أنه
ومحل
تعالى واحد في منته ويُعطى الحكمة حقها بالقيام بشكر خليقته وذلك لأنهم مظاهر الثة توصيل النعمة فلهم مجاز الشكر كما أن لهم مجاز الإنعام وله تعالى حقيقة الشكر لأن له حقيقة الإنعام ثم شكرهم فى الحقيقة شكر الله تعالى لأنه رسم مأمور به ولولا الأمر به ما صح لأحد عمل فيه فالكل إذن من عين واحدة ولكن الفهم يختلف والله أعلم أخذ المؤلف يستدل لما ذكر من أرجحية المقام الأخير وكماله فقال
ثم
وقد قال أبوبكر الصديق رضى الله عنه لعائشة رضى الله عنها لما نزلت براءتها من الإفك
صلى
على لسان رسول الله
الله عليه وسلم ياعائشة اشكرى رسول الله
صلى
الله
عليه
لا والله لا أشكر إلا الله
صلی
وسلم فقالت
الله عليه وسلم
قلت الذي في الصحيح أن أُمها هى التى قالت لها حين شهد رسول الله وقال يا عائشة اشكرى الله فإنَّ الله قد برأكِ ثم تلاآية البراءة من الإفك قولى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حاضر فيحتمل أن يكون نُقل ذلك بالمعنى ونُسب لأبي بكر لحضوره وموافقته عليه وهو بعيد
وحديث الإفك مشهور ذكره أهل الصحيح وغيرهم فانظره إن شئت ثم عين موقع الدلالة وبينه بأن قال دلّها أبوبكر على المقام الأكمل مقام البقاء المقتضى لإثبات الآثار قلت وإنما كان أكمل لأنه قيام بحق الحقيقة وقيام بحق الشريعة وعمل في عمارة الدارين وقد قال في التنوير بعد ذكره الأسباب والكلام فيها ما نصة والقول الفصل في ذلك أنه لابد من الأسباب وجوداً ومن الغيبة عنها شهودا فاثبتها من حيث أثبتها بحكمته ولاتستند إليها لعلمك بأحديته انتهى وهو كما قال ومن أدلته آية البرور التي ذكرها
بأن قال
وقد قال تعالى أن اشكر لي ولوالديك قلت فجعل شكرهما تابعاً لشكره بلا واسطة بينهما وذلك أنه سبحانه هو الموجد
1
والممد حقيقة وللوالدين مجاز ذلك الإيجاد والإمداد على أيديهم والله أعلم ثم أتى بدليل
آخر من السنة فقال
وقال صلوات الله وسلامه عليه لا يشكر الله من لا يشكر الناس
هذا
قلت يروى الحديث على الخبرية أي من لا يشكر الناس لا يشكره الله وعلى ف وهاهو الجلالة مرفوع ويُروى على الشرطية أي لا يصح شكر الله ممن لا يشكر الناس وقد روى النعمان بن بشير رضى الله عنه عنه عليه الصلاة والسلام من لم يشكر القليل لم يشكر
الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله وهذه الرواية صريحة في الشرطية والله أعلم ثم اعتذر عن جواب عائشة لأبي بكر وبيّن أنه ليس من نقصها وأنه كمال الوقت لها فقال و كانت هي في ذلك الوقت مصطلمة عن شاهدها غائبة عن الآثار فلم تشهد إلا الواحد القهار قلت الاصطلام الغيبة عن الشاهد بالمشهود لما يواجه القلب من عظمة المشهود حتى لا يبقى فيه متسع لغيره وهذا التأويل وإن كان صحيحاً في نفسه فإنه يؤدى للنقص بوجه ما منه قول ابن أبي جمرة رجعت لأمره حيث قال اشكرى الله أولى وهو بها من شكره ولم يرجع غيرها لذلك استصحاباً للأصل إذ لم يُعلم منه صلى الله عليه وسلم ماتعلمه هي لكن قوة الكلام في ردّهم باليمين وسياقه يدل لوجود الاصطلام وهو كما لها في ذلك الوقت لافي
عموم
فأحسن
الأوقات والله أعلم تنبيه من مواقف الجمع بين الحقيقة والشريعة ما وقع من قوله عليه السلام وجعلت قرة عيني في الصلاة وفي اختصاصه بالنبي عليه السلام وجريانه فى العموم تكلم المؤلف بعد هذا الكتاب بنص سؤال وجواب وقع له فى الحديث الكريم فقال وقال رضی
الله عنه لما سئل عن قوله صلوات الله وسلامه عليه وجعلت قرة عيني في الصلاة
هل ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لغيره منه شرب ونصيب قلت هو سؤال متجه محتاج إليه وقرة عين أعظمُ مَفْروح به لأنه إما من القر بالفتح الذي هو الثبات فإن عين المحزون والخائف تدور وتتقلب وعين الفارح ثابتة أو من
1 وفى نسخة الدار هو الموجد والممد حقيقة إذ ذاك يجرى مجرى الإيجاد والإمداد على أيديهم
وفي نسخة الدار و القرة أعظم شيء مفروح به لأنه إما من القرا
-PY-
القر بالضم الذي هو البرد فإن دمعة الفرح باردة ودمعة الحزن حارّة وغاية الفرح هو الذي تجرى معه الدمعة الباردة فمعنى أقر الله عينك ثبتها أو يردها والله أعلم والشرب بالكسر
والنصيب معنى واحد
وأصل الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال حبب إلى من الدنيا ثلاث النساء والطيب وجعلت قرة عينى فى الصلاة الحديث
والذي تقدم هو غاية السؤال ثم ذكر الجواب مجملاً مجموعاً فقال الله فأجاب أن قرة العين بالشهود على قدر المعرفة بالشهود والنبي صلى عليه وسلم ليست معرفة كمعرفته وليست قرة عين كقرته
قلت وهذا الجواب كاف عما بعده من التفصيل لكن شرط العالم أن يأتي في جوابه بالتفصيل بعد الإجمال أو بالإجمال بعد التفصيل فالإجمال للتحصيل والتفصيل للبيان قال الشيخ أبو العباس بن العريف رحمة الله عليه الطالب يسأل ليعلم فحقه أن يسأل المسألة عن مسألة أخرى والعالمى يسأل ليعمل أن فحقه أن يذكر النازلة وعلى العالم يبين بياناً يمنع
السائل من التأويل انتهى ثم في هذا الجواب ثلاث دعاوى الأولى أن قرة العين في الصلاة بالتجلى الحاصل فيها الثانية أن ذلك على قدر المعرفة الثالثة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليست معرفة كمعرفته عين كقرته وقد أجاب عن كل دعوى بما تحتاج إليه من وجه وإيراد فقال في
فليست قرة
جواب الأول
وإنما قلنا إن قرة عينه في الصلاة بشهوده جلال مشهوده لأنه عليه السلام أشار إلى ذلك يقوله في الصلاة ولم يقل بالصلاة
قلت وذلك أنه أتى بـ فى الظرفية فاقتضت أن الصلاة ظرف لقرة العين لا أنها عينها ولو قال بالصلاة لاقتضى أنها عينها لكن قد يقال إن الباء تقع بمعنى فى و فى تكون بمعنى الباء وإذا قلنا بالظرفية فتعين كون المظروف مشاهدة الجلال وهي دعوى نحتاج
لبرهان ذكره بأن قال
إذ هو صلوات الله وسلامه عليه لا تقر عينه بغير ربه
۱ رواه الإمام أحمد والنسائى والحاكم وغيرهم عن أنس رضي الله عنه ويرى السيوطى أنه حديث و حسن
-T-
قلت وهذه أيضاً دعوى تحتاج إلى دليل على إثباتها فيجاب بأنه معلوم من حال أقل العارفين فكيف بسيد المرسلين الذي يقول أنا أعلمكم بالله وأتقاكم الله أنا ومن ذلك ماذكره المؤلف إذ قال
أنه
لم
كماله
وكيف وهو يدل على هذا المقام ويأمر به من سواه بقوله اعبد الله كأنك تراه قلت يقول وكيف لا يكون ذلك بل وكيف يصح أن يغفل عن مولاه مع الذي لا أكمل منه وهو يأمر بذلك غيره مع يكن يأمر بخير إلا كان أول عامل به ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له وقوله اعبد الله الخ لم يرد بهذا اللفظ بل جواباً لدول جبريل عليه السلام أخبرني عن الإحسان فقال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ۱ الحديث ثم ماذكره إثبات لكونه يعبد الله على المعاينة لا نفياً لغير ذلك والمقصود نفى رؤية الغير فاحتاج إلى دليل آخر هو الذي ذكره بأن قال ومحال أن يراه ويشهد معه سواه
قلت وذلك لأنه إذا ظهرت صفاته اضمحلت مكوّناته ولانسبة للخلق عند ظهور آثار الحق وإذا دخل الرب القلب خرب مما سواه ولذلك قال بعضهم أبي العارفون أن يشهدوا الحق لما حققهم به من معانى القيومية وإحاطة الديمومية وأنشدوا في ذلك مع مل عرفت الآله لم أر غيره وكذا الغير عندنا ممنوع
شيئاً
مذ تجمعت ما خشيت افتراقاً فأنا
ثم ذكر المؤلف ما أورد عليه فقال
اليوم واصل مجموع
قال له القائل قد تكون قرة العين بالصلاة لأنها فضل من الله وبارزة من عين منة الله فكيف الله وبرحمته فبذلك لا يفرح بها وكيف لا تكون قرة العين بها وقد قال تعالى قل بفضل
فليفرحوا
۱ روى البخارى قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا أبو حيان التميمي عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزاً يوماً للناس فأتاه جبريل فقال ما الإيمان قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث قال ما الإسلام قال الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به وتقيم الصلاة وتؤدى الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال ما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك قال متى الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك من أشراطها إذا ولدت الأمة ربها وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم إن الله عنده علم الساعة الآية ثم أدبر فقال ردوه فلم يروا شيئاً فقال هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم قال أبو عبد الله جعل ذلك كله من الإيمان
قلت وهذا سؤال متجه واضح وارد بين لكنه لا ينتظم إلا بتأويل فى بمعنى الباء ويعضده حديث أرِحْنا بها يا بلال ولكن يجاب بأن الحقيقة أولى من التأويل بالحرف المذكور وأن الإراحة بها للاستراحة بما فيها لا بعينها وعند تطرق الاحتمال يسقط الاستدلال فيحتاج إلى زيادة دليل أو جواب آخر وهو الذى توجه إليه المؤلف واستخرجه من الآية المستدل بها على الفرح بالمنة إذ قال
فاعلم أن الآية قد أو مأت إلى الجواب لمن تدبر سرّ هذا الخطاب إذ قال فبذلك فليفرحوا وما قال بذلك فافرح
قلت أو مأت أشارت وسرّ الخطاب هو صرفه للغير لكن قد يقال إن مراده به أو فيه فيحتاج إلى تحقيق انصرافه عنه بعد بيان ما يقدر فيه وهو الذي بينه بأن قال قل لهم يامحمد ليفرحوا بالإحسان والتفضل وليكن فرحك أنت بالمتفضّل قلت هذا تقرير ما احتوى عليه الخطاب ولكنه غير مسلَّم يفتقر إلى دليل يثبته إذ لاينتفى به التوهم ولا يزال الإيراد فعضده بالآية الأخرى إذ قال
كما قال الله في الآية الأخرى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون۱ قلت والاستدلال بهذه الآية على المعنى المقصود لا يتم إلا باقتطاعها عما قبلها فاما إن فهمت جواباً لقوله تعالى قل من أَنْزَلَ الكِتابَ الَّذِي جَاءَ بِه مُوسى فلا يتم الدليل
والخارج من هذا كله أن لكل عارف شرب ونصيب على قدره وسيدنا صلى الله عليه وسلم هو سيد العارفين فهو أوفرهم نصيباً وأن قرة العين لهما في الصلاة لا بالصلاة وفى طى كلامه أن قرة العين لا تكون لصاحب بداية ولا مجاهدة ٢ كما قال الشيخ أبو محمد عبد العزيز المهدوى رضى الله عنه والله أعلم تنبيه لما جرى ذكر الفرح بمنة الله فى هذا الجواب اتبعه بكتاب يتضمن مراتب الناس في الفرح بالمنن ليكون أتم فى البيان والإعلام فقال وقال رضى الله عنه مما كتب به لبعض إخوانه الناس في ورود المنن عليهم على ثلاثة
أقسام
۱ آية ۹۱ من سورة الأنعام
وفى ث لا تكون بصاحب يراء ولا محب
قلت يعنى باعتبار تلقيها وقبولها والفرح بها والأقسام على مراتبها ناقص غافل ومتيقظ عاقل وعارف كامل ولكل حقيقة ومادة وغاية ذكرها المؤلف بالإشارة والبيان فقال في أولها
فرح بالمنن لا من حيث مهديها ومنشئها ولكن بوجود متعته فيها فهذا من الغافلين قلت يعنى الذين غفلوا عن المنعم بالنعمة ونسوا الله تعالى بوجود المنة فكانت هممهم مقصورة على ما يستلمونه من الأكل والشرب والجماع وغيره وربما أثار ذلك لهم خصالًا مذمومة كالحرص والطمع والتسويف والاسترسال في العوائد وقلة المبالاة في الأخذ والتصرف وشدة الفرح بالموجود والحزن على المفقود وبه يقع الخسران والهلاك كما نبه عليه المؤلف بالآية الكريمة
إذ قال
يصدق عليه قوله تعالى حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة
قلت یعنی
أنه
ابن عبد الله الله
رضی
مستدرج والاستدراج كمون النقمة في عين النعمة وقد قال سهل
1
عنه في قوله تعالى سَنَسْتَدْرِجَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ١ كلما جددوا معصية جددنا لهم نعمة وأنسيناهم الاستغفار من تلك المعصية حتى إذا
ركنوا إلى النعمة وغفلوا عن المنعم
ثم ذكر القسم الثاني فقال
أخذوا انتهى
وفرح بالمنن من حيث إنه شهدها منة ممن أرسلها ونعمةً ممن أوصلها
قلت فهذا من الموقنين القائمين بالشريعة في عين ملاحظة الحقيقة إذ رأى الملة التي هي العطاء الأصلى الذى لا علة له ولا سبب الله سبحانه وشاهد نسبة الخلق في ذلك من جريانه على أيديهم فكان شاكراً لنعمة مولاه من غير إهمال للخلق ولا تعويل عليهم فهو في ذلك مكرم بنظره إلى مولاه وقيامه بالحق فيها أولاه وبذلك استحق ما ذكره المؤلف بأن قال
يصدق عليه قوله تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا قلت يعنى إنه ممن يوجه على هذه الآية إذ كان فَرِحاً بذكر مولاه أيده بنعمته وتوجه
1 سورة الأعراف آية ۱۸
في نسخة الدار يعنى أنه ممن عثر على هذه الآية إذ كان فرحاً بذكر مولاه أتاه بنمعته وبوجهه له بمنته
- PT-
الله صلى
له بمنته وهو لا يستحق شيئاً من ذلك من حيث ذاته بل بفضل الله ورحمته ولما قال رسول الله عليه وسلم لأبي أمرت أن أقرأ عليك قال وكيف وقد أنزل عليك قال بذلك أمرت قال أبي رضى الله عنه أَو ذكرتُ هناك وبكى خشية وإجلالاً 1 الحديث ثم ذكر تمام الآية فقال
هو خير مما يجمعون
قلت يعنى من كل شيء حتى من عباداتهم وأعمالهم كما قال الشيخ أبو العباس رضى الله عنه وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه العاقل من غرق شديد الزمان في الألطاف الجارية عليه وفرق إساءته في بحر إحسان الله إليه فاذكروا آلاء الله لعلكم
تفلحون انتهى
ثم ذكر القسم الثالث وهو أرفعها فقال
وفرح بالله
من حيث كمال ذانه وجلال صفاته وتقدس أسمائه وجمال أفعاله إن رأى نعمة ذكر منته وإن رأى بلية ذكر رحمته وإن جرى عليه شي نظر إليه بلا علّة فهو مشغول به لا بغيره كما قال
ما شغله من النعم ظاهر متعتها ولا باطن منتها
قلت يقول ليس من الغافلين الذين شغلهم التمتع عن الانعام ولا الذاكرين الذين شغلهم الإنعام عن المنعم وقد ضرب الناس للأقسام الثلاثة مثالا مداره على أن ملكاً أعطى ثلاثة أفراس لثلاثة رجال فأما أحدهم فطار قلبه فرحًا بانتفاعه بالفرس وحصوله عليه لما يرجو به وهذا وزان الغافل وأما الثاني فاستشعر ذكر الملك له بهذا الفرس فأخذ في الثناء عليه وشكر
۱ هو أبي بن كعب اللي يقول فيه اللعبى فى كتاب و سير أعلام النبلاء سيد القراء شهد العقبة وبدراً وجمع آن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعرض على النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه علماً مباركاً وكان رأساً في العلم رضي الله عنه يوروى الذهبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أبي المتلر كتية أبي إلى أمرت أن أعرض قرآن فقلت بالله آمنت وعلى يدك أسلمت ومنك تعلمت فرد القول فقلت يارسول الله أو ذكرت هناك نعم باسمك ونسبك في الملأ الأعلى قلت اقرأ إذن يارسول الله وقد روى الذهبي في الموضوع رويلوت أخرى منها تي مع زواية المؤلف في ألفاظها
-3V-
نعمته ورأى المنة له فى ذكره إياه بما وجه له وهذا وزان الشاكر وأما الثالث فاستشعر عظمة الملك وجلاله وأنه موصوف بالكرم والكمال من جميع جهاته وهذا وزان الفرح بالله الذي لم يشغله عنه شاغل كما قال
يل شغله النظر إلى الله عما سواه وانجمع عليه فلا يشهد إلا إيَّاه
قلت ولو كلف غير ذلك ما أطاق لاستجماع سره على مولاه واستغراقه في مشاهدة عظمته التي لا يبقى مع شهودها أثر لشيء إن شكر الحق ن ۱ فشكره لمولاه وإن أعرض عنهم فلا
معول له إلا إياه قد كان فى الله تلفه فكان منه خلفه فهو كما قال
يصدق عليه قوله تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون
قلت وصادقية ذلك بحسب ما تقدم قبل من التقرير في الآية ووجه الاستدلال بها وهو راجع لمعنى بيت لبيد الذي كان يتمثل به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول ألا كل شيء ما خلا الله باطل"
وقد مر الكلام فى هذا المعنى كثيرا ثم عضده المؤلف بما ذكر إذ قال
وقد أوحى الله إلى داوود عليه السلام ياداوود قل للصديقين بي فليفرحوا وبذكرى
فليتمتعوا قلت الصديق من صدق الله بكلِّ شيء منه علماً وعملا وحالا وقولا وفعلا" وبالغ في ذلك حتى لا يبقى منه جزء إلا داخله الصدق ومعنى بي فليفرحوا ليكن فرحهم بوجودى وكمالي لا بشيء يرجع إليهم كما قال تعالى وَقُلِ الحَمدُ اللَّهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ
أني
يَكُنْ لَهُ شَرِيكَ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَه وَلَى مِنَ اللَّهُ وكَبِرهُ تَكْبِيرًا ۳ وقد قال على بن أ طالب في بعض مناجاته كفانى عزاً أن تكون لى رباً وكفانى شرفًا أن أكون لك عبدا وأنت لى كما أحب فاجعلنى لك كما تحب انتهى وبقوله وبذكرى يحتمل بذكرهم إياى
1 هكذا ولعلها الخلق
وتكملة البيت وكل نعيم لا محالة زائل ولبيد هو لبيد بن ربيعة ابن مالك أبو عقيل العامري أحد الشعراء العرسان الأشراف في الجاهلية أدرك الإسلام وترك الشعر وسكن الكوفة وعاش عمراً طويلا وهو أحد أصحاب المعلقات السبع المشهورة جمع بعض شعره في ديوان صغير ترجم إلى الألمالية توفى سنة ٤١ ٠ - ٦٦١ م ۳ آية ۱۱۱ من سورة الإسراء
--
ويحتمل بذكرى إياهم وهو أولى ويحتمل بالذكرين والكل صحيح لأن الكل منه وإليه
سبحانه وتعالى
ثم ذكر المؤلف دعاء مناسباً لما ذكر في الكتاب فقال
والله يجعل فرحنا وإياك به وبالرضا منه ويجعلنا من أهل الفهم عنه
قلت يعنى فإن الفرح بذلك هو الفرح الكامل إذ الفرح به تعالى حال أهل الكمال والفرح بالرضى منه فرح أهل المقامات والأحوال وهو المأمور به كما تقدم أول الكتاب
لا تفرح للطاعة لأنها برزت منك وافرح بها لأنها برزت من الله إليك ثم قال
وأن لا يجعلنا من الغافلين
قلت يعنى الذين وقفوا مع المتعة فى النعمة وتوجهوا للطاعة بالتقصير وسوء الأدب فكانوا مطرودين بما أوتوا مبعدين بما آثروا خاسرين بما تركوا حتى إذا أُوتوا أخذناهم بغتة
وهم لا يشعرون ثم قال
و أن يَسْلك بنا مسالك المتقين
قلت يعني الذين اتقوا الالتفات لغيره فقاموا بتوحيده وتمجيده وشكره على بساط معرفته وذكره وامتثال أمره والاستسلام لقهره ثم قال
بمنه وكرمه
قلت يعني أنه طلب ذلك لا بسبب علَّة من نفسه لأن ما عند الله لا ينال بالعلل والأسباب
كما قيل
بلا عمل منى إليه اكتسبته سوی محض فضل لا بشيء يُعَلِّلُ بل كما قال بعضهم رحمة الله عليه ما هناك إلا فضله ولا نعيش إلا في ستره ولو كشف الغطاء لكشف عن أمر عظيم انتهى وبانتهائه ثم الكتاب ولم يبق إلا المناجاة في بابين
6
- 1 -
وهما مفاتيح الخير وخاتمته لأن الأول تعرض لنفحات الرحمة وتعريض بالمقاصد والثاني تصريح بتأديب وتوحيد وقد أثنى عليها سيدى أبو عبد الله بن عباد رحمه الله في آخر الرجز فقال
لم تبق إلا ما به المناجاة سياقه
حقت له المراعاة
لكونه
يهلب
الأسرارا ويجلب
و نظمه نطيل هذا
المقصدا الدال
الأضواء والأنوارا على أسلوبه فليوردا
والله يا أخي و با صفي ان
ذا انتهجت نهج
الولي
وسقته
مساقه
الجميلا
منكسراً وخاضعاً
ذليلاً
رأيت في باطنك الزيادة والخير واستبشرت بالسعادة
وإذا كان الأمر كما ذكرت فلنأت ممزوجة بما يتعلق بها من الكلام ليكون أدعى
بها
للتحصيل وأوقع في النفس وآثر للثبات فنقول وبالله التوفيق
الفصل الأول
المناجاة
المناجاة
الفصل الأول
وقال رضي الله عنه
في مناجاة مولاه وتضرعه بين يديه بما أولاه
الهى أنا الفقير في غناى
إذ ليس وجوده منى ولا دوامه لى ولا بقاود بي ولا تحققه من عندى مع توقفه على الأسباب في وجوده واستمداده وبقائه والكل منك وإليك فاغنني بك عني وعن كل شيء
باكريم
فكيف لا أكون فقيرا في فقرى الذي يشهد حالة عدمى وعليه مبنى وجودى وهو أصلى وفصلى وعليه جرى نعتى ووصفى إذ لم أكن شيئا مذكوراً ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين
إلهى أنا الجهول في علمى
إذ لا علم لى إلا بتعلم فهو متوقف على التعلم والتعليم ووجود المعلومات مع عدم الإحاطة
وإمكان التفلت والانقلاب والتلبس
فكيف لا أكون جهولا في جهلى
1
الذي هو نفى محض وعدم صرف ملازم لى فى جميع أحوالى حتى لقد أحب الشيء وهو شر لى وأكره الشيء وهو خير لى فاجعل لي نوراً يستمد منه علمى وينتفى به جهلى بقص لمك
إنك على كل شيء قدير
الهى إن اختلاف تدبيرك
في الكائنات حتى جرت على ما تريد كما تريد من غير حجر ولا توقف ولا تقييد
وسرعة حلول مقاديرك
1 وفي نسخة التلفت والانفلات والتلبيس
- TIE-
في المخلوقات حتى جرى ما قدرت على ما أردت وعلمت بلا مهلة ولا أسباب موجبة هما اللذان
منعا عبادك العارفين بك
من حيث جلالك وعظمتك وكمال أو صافك وتأثيرها في عبادك عن السكون إلى عطاء
إذ ليس لهم تصرف في بقائه ولا أحواله ولا لهم حكم في إمداده وإبقائه وفي علمك
ما لا يقضى عليه شيء من خلقك
واليأس منك في بلاء
1
لأنك الذى ترمى بالشدة وتدارك بالعافية فلا ييأس منك إلا مخلول ولا يأمن مكرك
إلا جهول الهى منى ما يليق بلومي
من الإساءة والإجرام
ومنك ما يليق بكرمك
من الإحسان والإنعام فاجعلنى مُشَاهِدًا للومى حتى أذكرك وذاكرا لكرمك حتى أشكرك متبرئاً من نفسى ومستندا إليك ياكريم
الهى وصفت نفسك باللطف والرأفة بى قبل وجود ضعفى
إذ سميت نفسك لطيفًا رموفًا فى أزلك واتصفت بذلك وأنت القديم
أفتمنعني منهما بعد وجود ضعفى
وأنت الحليم الكريم حاشا فضلك وكرمك ياعظيم
الهى إن ظهرت المحاسن منى فبفضلك
الذي لا علة له لأنى محل تقصير وآفة وعصيان وإساءة من حيث وجودى
ولك المنة على
فيما أظهرت على من ذلك لأنى محتاج له ومفتقر إليه مع عدم قدرتي على تحصيله فلك
الحمد فيا أسديت ولك الشكر فيها أوليت
۱ وفي نسخة الدار لأنك الذى تنزل الشدة وتزال بالعافية
وإن ظهرت المساوى منى فبعدلك
٣١٥ ـ
الذي لا يلحقه نقص ولا يجوز عليه ظلم لأنك أنت الملك المالك الذي لا يُملك ولا مُلك لغيره لك الحجة على خلقك قُلْ فَلله الحجة البالغة
ولك الحجة على
فيما ظهر على من المساوىء أو حقوق عبوديتك لازمة والإساءة منى ظاهرة قائمة فإن تردني بخير فمن إفضالك وإن تجزنى بما أنا عليه فمن عدلك بعد إمهالك
الهى كيف تكلنى وقد توكلت بي
إذ سميت نفسك وكيلاً فى أزلك وأظهرت ذلك بإيصال المنافع ودفع المضار عنى حيث لا قدرة لى عليه ولا كانت وأبديت ذلك في عوالمي بكل حال يا كريم
وكيف أضام
أى أنقص من حقى الذى جعلت لى بكرمك
وأنت النصير لى
على كل عدو وغيره من أمرى إذا سميت نفسك و نصيراً و قبل كوئى
كيف أخيب
فيما آمله وأطلبه من أمر الدنيا والآخرة
وأنت الحفى بى
أى الرفيق اللطيف الرفيق لى على علم بخفى الخفى من أمرى القادر على توصيل ذلك بألطف وجه وأرفقه على فاجعلنى ممن شهد وكالتك فاكتفى بك عن كل شيء ولم يدبر أمرا معك ومن نظر لنصرتك فلم يعرج على طلب النصرة من غيرك وممن عاين سابق لطفك فعلق أمله في كل أمر بك فإن المكروم من رجع إليك بكل حال والمحروم من رجع لغيرك بحال من الأحوال ها أنا أتوسل إليك بفقرى إليك توسل من يعلم أنه لا غنى له عنك أبدًا ولا يعنى عن فقره منك بأنه داله عليك وموصله لما لديك ۱ فى ت توسل من يعلم أنه لا فى عند فقره منك شيئاً وإنما أتوسل به لأنه دلالة عليك ووصلة لما لديك وفي الدار لا غنى له عنك أبداً ولا يغني عنك فقره منك شيئاً وإنما توسل به لأنه دال عليك وموصل لديك
۱ شيئًا وإنما توسل
٣١٦
وكيف أتوسل إليك ما هو محال أن يصل إليك
لا يصح ذلك ولا يمكن لكن رجوع العبد
إلى حده ونفقة الفقير مما يخرج من عنده كما قيل مالی سوی فقرى إليك وسيلة
1
فبالافتقار إليك ربى أضرع
ورجوع العبد لأوصافه من تحققه بأوصافه تعالى
أم كيف أشكو إليك حالى وهي لا تخفى عليك
وكيف تخفى عليك وأنت مبدؤها منشؤها والمقدر لها والمدير وسعت كل شيء رحمة
وعلما فاجعلنا ممن شهد ذلك ابدا فاكتفى بعلمك ورحمتك عن شكواه إليك
أم كيف أترجم لك بمقالي وهو منك برز إليك
لأنك المبدىء له والمعيد ومن كان مبدأ كل شيء منه ومرجعه إليه كيف يحتاج إلى ترجمة
عنه ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير
أم كيف نخيب آمالي وهي قد وفدت إليك
فيما آمله من أمر الدنيا والدين وأنت الذى تكرم الوافدين ولا تخيب القاصدين كلا وعزتك لا يكون ذلك أبدا
أم كيف لا تحسن أحوالى وبك قامت وإليك قامت بك لما أشهدتها من الحقيقة وإليها قياما بحق الشريعة وإن كان في قيامها ضعف ونقص فبساط الكرم ممدود للفقراء والمساكين وهدية العبد على قدره فالفضل أن يقبلها السيد قيل أرجى آية في كتاب الله قلْ كُلِّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ۳ فالرب يليق به الفضل والكرم
والعبد يليق به الفقر والعدم الهى ما ألطفك بي مع عظيم جهلى
إذ جهلت قدرى وجهلت أمرى ولم أعلم خيره في سرى ولا جهرى فأنت ترشدني لما فيه
صلاح دینی و دنیای ولاتتركني في جهلى ولا بلواى
۱ فى ت من تحققه باتصافة وكذا في نسخة الدارة
ى ت وإليك مهداه قياماً بحق الشريعة ٣ آية ٨٤ من سورة الإسراء
۱۷
وما أرحمك بي مع قسيح فعلى أعصيك فترحمني وتحلم عنى وأقصر في حقوقك فتكرمنى وترحمني فلا تعاجلني بالعقوبة
ولا تقطع عنى مداد التوبة ۱ بل تعد بالمغفرة والفضل وتعامل بالجميل في كل حال فلك الحمد ولك النعمة ولك الفضل ولك الثناء الحسن الجميل
ما أقربك منى
الهي
بعلمك وقدرتك وإرادتك وإحاطتك التى لا تكيف ولاتوصف بالتمثيل والجهة والحد والحين إذ أنت المتصرف في كل شيء من المصرف أبداً أقرب إلى المصرف من وجود التصريف ونحن أقرب إليك من حبل الوريد فما أقربك مني يا مولاى
وما أبعدني عنك
إذ لا نسبة بين عبد ورب لا من سبب ولامن غيره بل كما قال الشيخ أبو العباس المرسى رضي الله عنه يا قريب أنت القريب وأنا البعيد قربك منى أيأسنى من غيرك وبعدى عنك
ردنى للطلب منك فكن لى بفضلك حتى تمحو طلبي بطلبك يا عزيز يا قريب ما أر أفك بي فما الذي يحجي عنك
و كل مظاهر رأفتك دليل عليك وليس فى الكون إلا مظاهر رأفتك ورحمتك ياركوف يارحيم الهي قد علمتُ باختلاف الآثار وتنقلات الأطوار أن مرادك منى أن تتعرف إلى في كل شيء برأفتك ورحمتك الظاهرة في اثار كل على اختلافه الواضحة في تنقلات أطواره حتى كان ساجداً ومُسبحاً بلسان حاله أو فعله أو مقاله
حتى لا أجهلك في شيء
لارتباط تعريفك لى بكلِّ شيء في حركاته وسكناته وسائر وجوده في تقلباته وفى سر سائر
أحواله وأطواره
الهى كلما أخرسى لؤى أنطقنى كرمك
فإذا نظرت لأوصافى صَمَتْ فلم أعبر ولم أخبر عن كرمك وإن نظرت لإحسانك تكلمت فعبرت وأخبرت لأن الكرم لا يفتقر إلى شرط ولا يتوقف على سبب وأفعال العباد تحتاج
۱ وفي نسخة عدد المثوبة في ت من غيرك
إلى التخليص والإخلاص كما قال قبل هذا ومَن عَبر من بساط إحسانه أضمنته الإساءة مع ربه ومن عبر من بساط إحسان الله إليه لم يصمت إذا أساء
وكلما أيأستنى أو صافى أطمعتنى مننك
الجارية لي في عموم الحالات والأوقات لأن أوصافى لاتقضى على أوصافك وأفعالى لاترد شيئاً من أفعالك فإذا نظرت إليك فلا خوف ولا رجاء وإذا نظرت إلى أفعالى فالكل مردود
و موجب لطردى لما فيه من العلل والآفات
الهى من كانت محاسنه مساوی
ليما يدخلها من الآفات والعلل
فكيف لا تكون مساوئه مساوىء
التي هي عين النقص والعيوب والزلل
و من كانت حقائقه دعاوى
لكونها ليست منه ولا له ولا بارزة عنه لثبوت افتقاره
فكيف لا تكون دعاويه دعاوى
ومن كان كذلك فهو في غاية الفقر سواء كان له شيء أولا شيء له إذلا شيء له في الفرع ولا في الأصل المعدوم معدوم والموجود معلول ۱ والمتشبع بما لم يُعط كلابس ثوبي زُورٍ وأنا ذلك الرجل فارحمني بفضلك وقابلنى بإحسانك ياكريم
الهي حكمك النافذ ومشيئتك القاهرة لم يتركا لذى مقال مقالاً
فترحم به عن محاسنه ومساوئه
ولا لذي حال حالاً
فيدعی به ما يريده من حقائق وغيرها
الهی كم من طاعة بنيتها
حتى قام فى نظرى وجودها وظهر لى تحصيلها
1 وفي نسخة معلوم
<--
وحالة شيدتها
حتى ظهر لي أنى أحكمتها وحصنتها
هدم اعتمادى عليها عدلك
حين نظرت إليها فيه فرأيت أنك إن قابلتني به فيها لم يبق لى حالاً ولا عملاً
بل أقالى منها فضلك
حين نظرت إليه فيها وفى غيرها فلم يبق بيدي سواه لأنك أنت الذي متنت بالكل وتفضلت
بالجميع يا أكرم الأكرمين
الطاعة الهى إنك تعلم وإن لم تدم
فعلا جرما می
في عموم الأوقات والحالات بأن تعتريبي العثرات والتقصير والغفلات
فقد دامت محبة و زماً
في سائر الأزمان والأوقات لأن ذلك من مقتضيات الإيمان كما قال تعالى ولكن الله حبب إليكم الإيمانَ وَزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُمْ وَكَرة إليكم الكفر والفسوق والعصيان 1
الهى كيف أعزم وأنت القاهر
الذي لايم مع قهره امر إذا أراد نقصه حتى عرفه العباد بنقض العزائم وتبديل الأوقات والحالات وكيف أعزه أنت الآمر
الذي لابد من امتثال امره والعزم على طاعته وره
الهی درددي إليك في الآثار
بالرد والبول والنظر والاستدلال وغير ذلك من الأحوال
يوجب بعد المزار
عن حصرتك ودائرة ولايتك لما فيها من الشغل بغيرك وإن كان ذلك لا لغيرك
فاجمعي عليك بخدمة توصلني إليك
لأن أولى مارجع إلى الله ما جاء ناعن الله وخير ما استعمل فى طلب رضاه ماعرف قطعاً أنه يرضاه
وإن تشكروا يَرْضَهُ لَكُمْ
1 من سورة الحجرات
الهى كيف يستدل عليك ما هو فى وجوده مفتقر إليك
من الأسباب العدمية والآثار الوهمية والخلائق الملهية التى لولا الله ما وجدت ولولا فضله ما استمد لها وجود وهو محل الافتقار أبدا
أيكون لغيرك من الظهور ماليس لك حتى يكون هو المظهر لك
بل أنت الظاهر ومظهر المظاهر الذى لا يفتقر فى ظهوره إلى دليل يدل عليه ولا في قربه إلى شيء يُوصل إليه فالمستدل بالغير محجوب به والمتوسل به مصروف عنك
متي غبت حتى تحتاج إلى دليل بدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك فإنك وليتها رتبة الدلالة فدلت وأعطيتها مكان التوصيل فوصلت فما دل عليك سوى ربوبيتك وما وصل إليك سوى آلهيتك مع أنك غير محتاج إلى شيء من ذلك كما قيل عجبت لمن يبغى عليك شهادة وأنت الذي أشهدته كل شاهد
الهى عميت عين لاتراك عليها قريباً رقيباً
وحق لها العمى إذ لم تراقب من هو أقرب إليها من وجودها ولم تشاهد تصرفه فيها وقيامه
عليها
وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً
إذ لا ينفعه شيءٌ ولا يتوصل لخير أبداً سواء قلنا من حبك إيَّاه أو من حبّه إياك لأن من لم يحبه مولاه وكله لنفسه فَهَلك ومن أحبه كفاه كل شيء فملك ومن لم يحب مولاه لم يتوجه له ومن لم يتوجه له كان مطروداً عنه ثم يحتمل قوله عجبت وخسرت أن يكون خبراً
أو دعاء وكل صحيح فتأمله أمرت بالرجوع إلى الآثار
الهی
عبودية ونأدباً وقياماً بحق الحكمة وإقراراً بعجز البشرية ورجوعاً لشهود النقص والافتقار
فأرجعني إليها بكسوة الأنوار
الإيمانية والعرفانية التي لا يخفى معها شي
وهداية الاستبصار
العلمية حتى أكون على نور وبصيرة أبقى وأرد ۱ فيها فأدعو إليك على بصيرة أنا ومن اتبعنى
أدْعُو
كما أمرت نبيك صلى الله عليه وسلم في كتابك العزيز بقولك الحق قُلْ هَذِهِ سَبِيلي أ إلى الله على بَصِيرَة أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي الآية يقول وإنما طلبي لكسوة الأنوار وهداية الاستبصار
لأمر هو
حتى ارجع إليك منها
بالتوجه بها والغنى عنها لأن الكشف يقتضى ذلك من شأنها وهو الذي يفيده النور والهداية تدعو إلى ذلك لأنها خروج عن الكل بالحق للحق من حيث يرضى
كما دخلت إليك منها
بالمعاملة فيها وبها والغنى عنها بالتحقيق بغيرها وإذا رجعت إليك منها من لازم ذلك أن أكون مصون السر عن النظر إليها
في إقبال ولا إدبار ولا نفع ولا إضرار أولاً وآخراً
المهمة ومرفوع
عن الاعتماد عليها
باعتمادى عليك واستنادى إليك ظاهراً وباطنا كما في تلك الحكاية أحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بالله وأكبر من ذلك همة العارفين تتلاشى فيها جميع المقدورات فضلاً عن المخلوقات فامنن علينا بذلك وحققنا به يامن بيدك ملكوت كل شيء وهو يجير
ولا يجار عليه
إنك على كل شيء قدير
وبالإجابة جدير يا نعم المولى ويانعم النصير فأنت حسبنا ونعم الوكيل وقال رضي الله عنه
1 وفي نسخة الدار فيما أبي وأذر
آية ۱۰۸ سوزة يوسف
د ۳۳
الفصل الثاني
المناجاة
وهو مرتب على الذي قبله بزيادات لمن تأمله وهذا أوله
التهى هذا ذلى ظاهر بين يديك
ظاهراً وباطنا إذ ليس لي شيء اعتد به لأني فقير في غنای فضلاً عن فقرى وجاهل
في علمى فضلا عن جهلى
وهذا حالى لا يخفى عليك
وإنى لا أملك نفعاً ولا دفعا ولا عطاء ولا منعا ولا أثق بشيء من ذلك في وجود ولا عدم مع أنى متصف بما يليق فى من لؤمى متعرض لكرمك
منك أطلب الوصول إليك
طلباً لفضلك اللاحق حسب ما أطعمني فيك إحسانك السابق منك ما يليق بكرمك
وبك أستدل عليكم
إذ واجهتني بأسباب ذلك من اللطف والرحمة المتوجهين الضعفي الذي لولاهما ماكنت ولا دمت والأصل أبداً دليل على الأثر
فاهدني بنورك إليك
حتى تظهر المحاسن منى عنتك التي أجرت على نورك فأبصر به الخير فآتيه والشر فأتقيه
وأقمنى بصدق العبودية بين يديك
حتى نزيل عنى المساوىء وتذهب عنى الدعاوى فيظهر على من فضلك مالا يظهر معه في أثر عدلك وإن كان الكل فى طى الكل فللنسب اختصاص واعتبار
إلهى علمني من علمك المخزون
الذي علمته أولياءك حتى وثقوا بكفالتك واستندوا لو كالتك
وصنى بسر اسمك المصون
الذي صنته بجملة أسمائك وخصصت به خواص أوليائك فصانهم عن ضيم إلى الأولياء فحصل لهم النصر المبين بوجود الفتح والتمكين
إلهي حققنى بحقائق أهل القُرب
الأعداء والسكول
الذين شهدوا أوصافك فاكتفوا بك فتوكلوا عليك فلم تكلهم إلى غيرك ولم يلحقهم ضيم
بنصرك ولم يخب لهم أمل بفضلك
واسلك
بي مسالك أهل الجذب
الذين وقفوا بين يديك موقف الافتقار على بساط الاضطرار فتوسلوا بك إليك من بساط فقرهم
لكمال معرفتهم
إلهى اغنى بتدبيرك عن تدبيرى
حتى لا أشكو بحال ولا أترجم بمقال ولا أتعلق بمال ولا آمال اكتفاء بعلمك ورحمتك وتدبيرك الجارى على أتم وجه وأحسن حال إقتداء بخليلك ابراهيم إذ قال حسبى من سؤالى علمه بحالي
واختيارك لى عن اختيارى
حتى أرجع في كل شيء لاختيارك ولا أنظر في شيء باختيارى فأكون بك وإليك راجعاً لحسن اختيارك فبذلك تحسن أحوالى وتزكو علومى وأعمالي
وأوقفنى على مراكز اضطراری
فأشهد لطفك مع عظيم جهلى ورحمتك مع قبيح فعلى لأنى في كل أمرى وبكل حال مفتقر
إليك وأنت اللطيف الخبير
إلى أخرجني من
ذل
نفسی
بشهود قربك المقتضى لمراقبتك حتى تُطاع فلا تُحصى وتذكر فلا تنسى ويكون العبد بك
وإليك قائماً بالعبودية والتذلل الذى هو حين عزه بين يديك
وطهرني من شکی وشرکی
المقتضيين لبعدى وحجبي بشهود رأفتك التي لاتبقى لى شكاً ولا شركاً بظهورها في عوالم القلب
وغيره واجعل ذلك
قبل حلول رمسي
أي تراب قبرى لأن ما بعد حلول رمسي غير نافع لى لانقطاع التكليف والاستفادة
عنه إذ هو محل كشف الحقائق وثواب العمل
بك أستنصر على ما أخشاه
من اختلاف الآثار وتنقلات الأطوار فانصرني على كل شيء من ذلك ما علمته
يصلح لنصرتى وإن كان استنصارى ناقصاً فأنت الرحيم
آمله الآثار والأطوار في تنقلها وتقلبها وغير ذلك
وعليك أتوكل
فيا
فلا تكلی ۱
من
لشيء سواك من نفس ولا خلق ولا دنيا ولا غيرها من الآثار والأطوار فأنت الوكيل
ولجنابك أنتسب
المعرفتي أن اختلاف الآثار وتنقلات الأطوار إنما تجرى بإجرائك فالمكروم من أكرمته والمحروم
من أخر مته
فلا تبعدني عنك
بالاشتغال بالآثار والأطوار ردا وقبولاً وحيا وبغضاً وغير ذلك
وببابك أقف
وقوف مفتقر قد دفعته العوالم باختلاف آثارها و تنقلات أطوارها إليك فلم أجد ملجاً
سواك
فلا نطردني
عن بابك وإن كنت مستحقاً للطرد باختلاف أعمالي وتقلبات أحوالى
وإياك أسأل
في كل حال من اختلاف الآثار وتنقلات الأطوار قلت وجلت
1 في شروح الحكم يأتى بعد فلا تكلى وإياك اسأل فلا تخيبني وفى فضلك أرغب فلا تحرمى ولجنابك إلخ
فلا تخيبني
- ٣٢٦
لأنى إنما أسألك من بساط كرمك لا من بساط فعلى إذ كلما أخرسنى لومى أنطقنى كرمك وكلما أيأستنى أوصافى أطعمتني منتك وجناب كرمك لا يفتقر إلى شرط يا أكرم الأكرمين۱ أنت الغني بذاتك عن أن يصل إليك النفع منك
لأنك أنت الغنى على الإطلاق القدير بلا قيد فلا يتوقف كرمك على شيء ولا يتقي
بسبب كجميع أفعالك
فكيف لا تكون غنياً عنى
وأنا الفقير بكل حال إذ محاسنى مساوى وحقائقى دعاوى وأنا محل المساوىء والدعاوى لاتصافى بالنقص على كل حال وأنت الكامل ذاتاً ووصفاً واسماً وفعلا ياكريم إلهى إن القضاء والقدر غلبني
فلم يتركا لى مقالا ادعو به ولم يدعا لى حالا أنظر إليه
وإن الهوى بوثاق الشهوة أسرني
فنقص أعمالى وأفسد أحوالى وذلك عدل في عين الحكمة
فكن أنت النصير لى
في كل أمر أريده ويصدر منى من شهوة وغيرها بأن أشاهد عدلك في المنع وفضلك و
العطاء وأجر لى ذلك على أكمل وجه
حتى تنصرنى في نفسي
باليقين واتباع الحق والفهم عنك في كل شيء
وتنصر فى
ممن انتمى إلى من صادق وصديق وحبيب ومنتسب بأن يكون لهم شرب مما تنيلى كما
يليق بهم من فضلك
1 أنت التى بذاتك تذكر شروح الحكم قبل هذا قول بن عطاء الله إلهي تقدس رضاك أن تكون له صلة منك فكيف تكون له علة مني وأنت الغني بذاتك
والغنى بجودك
۳۷
عن كل شيء حتى لا أعتمد على أعمالى ولا على شيء من دوام عزمي وغيره
حتى أستغنى بك عن طلى فيكون توجهى لك من بساط العبودية إنك أنت القاهر والأمر الذي لا تدخل الأسباب فيما عنده ولا بد من مراعاة حكمته واتباع أمره فيكون العمل له لا لشيء والطلب منه لا لشيء بل لا طلب إذ لا نسبة للخلق عند ظهور آثار الحق
أنت الذي أشرقت الأنوار فى قلوب أوليائك
حتى عرفوك ووحدوك فانجمعوا عليك بخدمة موصلة إليك فلم يلتفتوا إلى الآثار ولا وقفوا مع التقلبات والأطوار
وأنت الذي أزلت الأغيار من قلوب أحبابك
حتى نظروا إليك ببصائر الإيمان والإيقان فأغناهم ذلك عن الدليل والبرهان وصاروا
يستدلون بك على الحق فلم يشاهدوا شيئًا سوى الملك الحق
أنت المونس لهم
بجميل أوصافك وعظيم جلالك إذ شهدوه
حيث أوحشتهم العوالم
ما هي عليه من فقرها وذلها وعجزها فشهدوا ظلمة العوالم وأنها لا تهدى إلى شيء ولا توصل إليه بل الظاهر مظهر المظاهر لأنه واجب الوجود وما سواه جائز
وأنت الذى هديتهم حيث استبانت لهم المعالم
هداهم للتوفيق اما ظهرت لهم المعالم أى أدلّة التحقيق فرأوا كل شيء به إذ كل شيء له
وأنه الحاضر بلا غيبة والقريب بلا بعد
ماذا وَجدَ مَنْ فقدك
وإن وجد بحير الدارين فهو فاقد اتلاشي ما أوتيه في جنب ما فاته وأيضا فلا يتم إلا به
بل لا يصح بغيره
وما الذي فقد مَنْ وجَدَك
۳۸
وإن فقد كل شيء في الوجود حتى نفسه فليس بفاقد إذ من كان في الله تلفه كان على الله خلفه وسواء وجد بطريق الجلال وهو الذى يقتضى المراقبة أو بطريق الجمال وهو الذي يقتضى المحبة
لقد خاب من رضى دونك بدلا
وما ذلك إلا لأنه لا يراك عليه رقيباً ولم يشهدك منه قريبا إذ لو كان ذلك ما التفت لغيرك فضلا عن أن يرضى به
ولقد خسر من بغى عنك متحولاً
وما ذلك إلا لأنه مطرود عن محبتك لانك لو أحببته لم تصرف وجهه لغيرك ولو أحبك ما أمكنه أن ينظر غيرك إلهى كيف يُرجى سواك وأنت ما قطعت الاحسان
بيل جعلته متجددا متعدداً
غيرك
الآثار والأطوار حتى أن من رجع إليها بنورك لم يشاهد فيها مع
وكيف يُطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة الامتنان
بل أجريتها الحالات والأوقات وكرررتها على ممر الأنفاس والتقلبات فلم يصح لذى
بصيرة اعتماد على غيرك ولا رجوع لسواك
يا من أذاق أحبابه حلاوة مؤانسته فقاموا بين يديه مُتَمَلِّقين
قيام العبيد بين يدى الملك المجيد إذ وجدوا منه نفحة القرب ونسمات الرحمة فناجوه
في بساط العبودية على وجه الافتقار والتذلل فأعطاهُم فى الحال مالا عين رأت ولا أذن سمعت
ولا خطر على قلب بشر وأعد لهم مثل ذلك في الدار الآخرة
ويا من ألبس أولياءه ملابس هيبته فقاموا بعزته مستعزين
رفعا للهمة عن الخلائق ووقوفًا مع الحق بشهود الحقائق فهم تحت جلاله حامدون وبوجهه الكريم متعززون لا تستعبدهم الأغيار ولا تطرقهم الأكدار لأنهم في كنفه وعزّه
أنت الذاكر من قبل ذكر الذاكرين
إذ لو لم تذكرهم بالتوفيق ما ذكروك بالفعل والقول والتصديق
وأنت الباديء بالإحسان من قبل توجه العابدين
۳۹
إذ لو لم تحسن إليهم ما عبدوك فبتوفيقك توجهوا للعبادة وبعافيتك ورزقك استعانوا على
طاعتك
وأنت الجواد بالعطايا من قبل طلب الطالبين
إذ لو لم تجد عليهم قبل طلبهم بايجاب ما طلبوه ۱ وإيجاده وبتحريكهم ما طلبوك بل
كما قيل
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من فيض جودك ما علمتنى الطلبا
وأنت الوهاب
لنا إذ كل شيء من عطائك بلا علة ولا سبب سابق
ثم أنت لما وهبتنا من المُسْتَقْرِضين
تكملة للمنة بظهور النسبة إذ لست بمحتاج إليهم ولا هم أغنياء ولا مستقلين بما لديهم الهى اطلبني برحمتك حتى أصل إليك
إذ لا وصول إليك إلا بفصلك ورحمتك وكرمك
واجذبني بمنتك حتى أقبل عليك
إذ لا إقبال عليك إلا منك ۳ ولا وصول إليك إلا بك وإن كانت الأسباب معروضة فالحقائق ملحوظة كما أشار إليه الصحابة رضى الله عنهم حيث قالوا
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا
الهى إن رجائي لا ينقطع وإن عصيتك
ولا صلينا
لعلمى بأنك أنت الغفور الرحيم الذي لا يتعاظمه ذنب يغفره
كما أن خوفى لا يزايلنى وإن أطعتك
لعلمي بأنك أنت الفعال لما تريد بلا حجر ولا توقف لا سيما وقد ورد فيما يُوحَى ٤ يا داود ! قل لعبادى الصديقين لا يغتروا فإنى إن أقم عليهم عدلى وقسطى أعلبهم غير ظالم لهم وقل لعبادي المذنبين لا ييأسوا فإنى لا يتعاظمنى ذنب أغفره لهم
۱ وفى نسخة الدار بايجاب ما يطلبون إيجاده و تحريكهم ما طلبوك في نسخة الدار بظهور السنة ۳ وفي نسخة الدار إلا يمثك
1 وفى نسخة الدار فيها أوحى الله ياداود
إلهي قد دفعتنى العوالم إليك
إذ لم أجد فيها نصرة ولا إعانة لفقرها وذلها وعجزها وضعفها
وأَوْقَفَى علمى بكرمك على
فلم عكنى غير ملازمتى بابك والاستناد إلى جنابك إذ أنت الغني العزيز القدير الكريم بدأت بالنوال قبل السؤال ولم تزل تجرى علينا الإحسان والأفضال
كيف أحبب وأنت أملى
فيما أريده جلبا ودفعا وخفضا ورفعا وضرًا ونفعاً والله لا يكون ذلك وأنت الكريم
المحسن أولاً وآخرا
أم كيف أهان وعليك مشكلي
في جميع أمرى ومن توكل عليك كفيته ومن تعلق بك هديته ومن يتوكل على حسبه فأسألك صدق التوكل عليك وحسن الإنابة إليك حتى ألقاك يا أكرم الأكرمين إلهى · كيف أستعر وفي الدلَّة أَرْكَرتني
إد خلقتى من تراب وغديني من تراب وتردني للتراب أولى نُطفة مذرة ۱
الله
فهو
وآخرتي
جيفة قذرة وأنا فيما بين ذلك كما تعلم من النقص ظاهرا وباطنا ولى ذل فوق هذا أو دونه
كيف لا أستعز وإليك نسبتي
إذ خلقتى ورزقتنى وألهمتني وعلمتني وأرشدتني وهديتني فأقول مولاى ولا أبالى
وأى عز فوق هذا وأى شرف أكبر منه الهي إلهى كيف لا أفتقر وأنت الذى فى الفقر أقمتنى
إذ جعلتني محتاجا لكل شيء من أمرى الدنيا والآخرة وأقمته على أيدى الخلائق وهذا غاية
الفقر
أم كيف أفتقر وأنت الذي بجودك أغنيتي
إذ جعلت كل شيء بيدك ففتحت باب الغنى عن الكل بالتوجه إليك وباب الفقر
1 مذرة قلوة
6
C
د ۳۳۱
بالاحتياج لما يتوقف عليه وجودى فأسألك غناك ۱ حتى لا ألتفت لغيرك وفقرى إليك
حتى لا أحس باستغناء عنك العافية ياكريم
أنت الذي لا إله غيرك
فيُعبد ولا معبود سواك فيقصد
تعرفت لكل شيء
ما يجرى عليه وعلى غيره من أختلاف الآثار وتنقلات الأطوار
فما جهلك شيء
لارتباط العلم بك من ضرورياته بتقلباته وغير تقلباته
وتعرفت إلى في كل شيء
بما يجرى على ذلك الشيء من اختلاف الآثار وتنقلات الأطوار
فرأيتك ظاهرا في كل شيء
ما تجرى عليه من وجوه التعريف لا من حيث الحلول والتكليف
فأنت الظاهر لكل شيء
ظهور دلالة وتعريف لا ظهور معاينة وتكييف تعالى ربنا جل وعلا
یا من استوی برحمانيته على عرشه
بمعنى أظهر فى العرش وما فيه وجود رحمته حتى لم يوجد فيه سوى الرحمة لثبوت غنائه تعالى وافتقار الكل إليه كما أشار إليه القرآن المجيد بقوله إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم قيل للرحمة وقيل للاختلاف وقيل لهما مع أن الاختلاف هو عين الرحمة ثم الرحمانية متعلقها الإيجاد فلذلك لم نختص والرحيمية متعلقها الإمداد وإمداد الكافر نقمة عليه بخلاف وجوده إذا لا يترتب عليه عقاب فلذلك اختصت الرحيمية
بالمؤمنين
فصار العرش غيباً في رحمانيتك
1 وفى نسخة الدار - فأسألك في بك حتى لا التفت إلى غيرك وفقرأ إليك حتى لا أحس باستغنائي عنك
وفي نسخة الدار بدل فوله بخلاف وجوده - بلا خلاف -
إذ لولا هى لكان عدماً محضاً ونفياً صرفا فوجوده فيها غيب نعم هو فيها "
الذرات لولا تعظيم الرب إياه واعتناوه به
كما صارت العوالم غيباً في عرشه
فكما أن العرش محتو على جميع العوالم حسا فالرحمة محيطة به معنى فالعوالم غيب فيه
وهو غيب فيها فسبحان ربي العظيم وبحمده
محقت الآثار بالآثار
إذ غيبت العوالم في العرش حتى كأنها حلقة ملقاة في فلاة
ومحوت الأغيار
التي هي العرش وما فيه من العوالم بمحيطات أفلاك الأنوار
التي هي آثار الأسماء والصفات من القدرة والإرادة والعلم لأنه لا نسبة للأغيار معها كما
تقدم لو ظهرت صفاته اضمحلت مكوناته
يامن احتجب في سرادقات عزه عن أن تدركه الأبصار
في هذه الدار وفى تلك الدار فى هذه الدار مطلقاً وفى تلك الدار 1 إحاطة إذ يراه المؤمنون كما صرح به صادق الوعد والسرادقات الحجب استعارها للعز المانع من روية
الله تعالى ولله المثل الأعلى
يامن تجلى بكمال بهائه
في جلاله وجماله الذى لا يُكيف ولا يُداني بشيء ولا يقاس به
فتحققت عظمته الأسرار
التي تجلى بأن زال الحجاب عنها فتمكنت الحقيقة منها تمكنا سرى في كل وجود صاحبها
فأكسبه هيبة وإجلالاً وتعظيما
كيف تخفى وأنت الظاهر
الذي لا يصح خفاوه ولا يتوقف ظهوره على سبب ولا أ
أم كيف تغيب وأنت الرقيب الحاضر
-١- - إدراك إحاطة - كما في نسخة الدار
الذي لا تصح غيبته أبدا كما قال تعالى أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ألا
إنهم في مرية من لقاء ألا إنه بكل شيء محيط وقد مضى من كلام المؤلف كيف يحتجب ربهم الحق بشيء والذي يحجب به هو فيه ظاهر وموجود حاضر والله سبحانه الموفق للعمل بهذا الكتاب والجرى على ما فيه من حق وصواب وبه استعين على ذلك وغيره وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين وتابعيهم باحسان إلى يوم الدين - والحمد لله رب العالمين
صفحة
0 1
فهرس کتاب حکم بن عطاء الله
rr 12
الموضوع تقديم
مقدمة الكتاب الباب الأول
£V co co co ** **
3
من علامات الاعتماد على العمل
الباب الثاني
التفويض في المراد
الباب الثالث
10
تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب به بی به ٦٥
Ver
A 20 0
3
4 ** * 40
101
3
الباب الرابع
الكريم لا تتخطاه الآمال
الباب الخامس
لا تصحب من لا ينهضك حاله الباب السادس
* * * * * *
11 0 0 0 2 2
3
3
1
3
من علامات موت القلب
الباب السابع
فساد الدين الطمع
الباب الثامن
المنازل على قدر مراتب النازل
الباب التاسع
مطلب العارفين من الله
الباب العاشر
الدعاء وأبواب الرحمة جم ۱۳۵
الباب الحادي عشر كثرة الصلاة بالامل
3
3
3
3
3
١٤٥
٣٣٦
الباب الثاني عشر
مقام الشكر الباب الثالث عشر أفضل التوحيد
الباب الرابع عشر
نور اليقين
الباب الخامس عشر
101 22
100 600 03 200 300 3
3
3
1120 100 200 00
ITV 0 0
3
3
الزهد والزهاد 200 ۱۷۷
الباب السادس عشر معرفة الأولياء
الباب السابع عشر
A
الصدق مع الله 000 000 000000
الباب الثامن عشر
149 2 202 222
الثواب والآمال والأحوال وبساط الكرامات
الباب التاسع عشر
تحقيق العبودية 2 الباب للعشرون
أنوار الحكمة والحكماء الباب الحادى والعشرون
جنات المطبع الباب الثاني والعشرون طلب الجنة
الباب الثالث والعشرون علامات الاكتفاء بالله
الباب الرابع والعشرون
معرفة الله حجي جي
الباب الخامس والعشرون
1992 22
T 0 1
$
TYO 20
3
00 300 0309
502
أنوار القلوب وأنوار السماء
المناجاة 200
3
3
TE
3
ت ٢٥٣
۳۱۱