Go Back





الدكتور
عبد الحليم محمود
الطريق إلى الله
"كتاب الصدق" لأنى سعيد الخراز
الطبعة الخامسة
دار المعارف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقــ
كل ما فاتك - من الله سوى الله - يسير وكل حظ لك
سوى الله قليل
بهذه الحكمة البالغة التي نطق بها أبو سعيد نبتدئ الحديث عنه ولا نبتدئ بهذه الحكمة اعتباطاً ولكن لأنها محور تفكيره
لم تخدعه زخارف الحياة الدنيا ولم تلهه مفاتنها فاختط لنفسه
عنا
الله
طريق الصديقين وسار على نهج أولياء الله رضى الله عنهم لقد ابتدأ - كما تبتدئ الصفوة المختارة - باحثاً منقباً فوجده ظاهراً في آثاره لقد وجده في النسمة العليلة وفى الزهرة الندية وفى النجم المتألق وفى شعاع الشمس الذهبي لقد وجده في الخير وفى الجمال وفي الجلال فأحبه وهام به وكانت حالته كما يصف هو
فيقول
والمحب يتعلل إلى محبوبه بكل شيء ولا يتسلى عنه بشيء ويتبع
آثاره ولا يدع استخباره

وكثيراً ما أنشد تعبيراً عن حاله أيضاً
أسائلكم عنها فهل من محبر فالى ينعم - مذنات دارها - علم !
فلو كنتُ أدرى أين خيم أهلها وأى بلاد الله - إد طعنوا ١ أموا ! إذن لسلكنا مسلك الريح خلفها ولو أصبحت نعم ومن دونها النجم ! وكثير من الناس من يُفيض الله عليه النعم ويمنحهم من جوده
فينعمون بما أنعم لاهين عنه ويتلذذون بما منحهم من أسباب الملاذ
غير متجهين إليه سبحانه ! أما أبو سعيد فكان مسلكه وكان شعاره شيئاً آخر إنه يعبر عن
منهجه حين يقول
6
ولذتك في
ينبغي أن يكون فرحك في العطاء بالمعطى اللذات بخالق اللذات وتنعمك فى النعم بالمنعم دون النعم لأن ذكر النعمة عند ذكر المنعم حجاب ورؤية النعمة عند رؤية المنعم حجاب ويشرح حديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها
"
فيقول واعجباً ممن لم ير محسناً غير الله كيف لا يميل بكليته إليه ! ! وفى الاتجاه إلى الله نعيم لا يعدله نعيم ولذة لاتعدلها لذة وإذا نعم الناس بملبس يبلى أو بمطعم لاتلبث حلاوته أن تزول فإن
۱ طعنوا ارتحلوا وسافروا ٢ أموا قصدوا واتجهوا

لأولياء الله نعيمهم المبرأ من الأوضار !! ١
إن لهم نعيمهم الروحى ولكن لهم أيضاً نعيم أبدانهم الطيب
الطاهر
يقول أبو سعيد
"
إن الله تعالى عجل لأرواح أوليائه التلذذ بذكره والوصول إلى قربه وعجل لأبدانهم النعمة بما نالوه من مصالحهم وأجزل نصيبهم من كل كائن فعيش أبدانهم عيش الجنانيين أهل الجنة وعيش أرواحهم عيش الربانيين ولا عجب بعد ذلك أنه إذا أنس الناس بالأخلاء والأخدان أن يكون أنس أبي سعيد بالله ولا عجب أن يكون حديثه عن الأنس بالله يمتاز بالدقة والوضوح
يقول أبو سعيد وقد سئل عن الأنس بالله ماهو استبشار القلوب بقرب الله تعالى وسرورها به وهدوؤها في سكونها إليه وأمنها معه من حيث الروعات وإعفاؤه لها من كل مادونه أن تشير إليه حتى يكون هو المشير لأنها ناعمة به ولا تحمل
جفاء غيره
۱ الأوضار جمع وضر والوضر وساخة الدسم واللين القاموس

حياته
بغدادي النشأة والمنبت ولد فى أوائل القرن الثالث الهجرى تقريباً واشتهر بأبي سعيد الخراز واسمه أبو سعيد أحمد بن عيسى
الخراز
وقد صحب
ذا النون المصرى وسريا السقطى وبشر بن
الحارث ونظراءهم
يذكره صاحب طبقات الصوفية فيقول
"
هو من أئمة القوم وجلة مشايخهم
ويذكر
أنه قيل
إنه أول من تكلم في
علم
الفناء
أما صاحب الحلية فإنه يقول عنه
ومنهم العارف المعروف الكامل بالبيان موصوف له الكتب المذكورة والأجوبة المشهورة صحب ذا النون ونظراءه انتشرت
بركاته على أصحابه ومتبعيه سيد من تكلم في علم الفناء والبقاء ويتحدث مؤرخوه كلهم تقريباً بأنه روى الحديث التالي
بإسناده
سوء الخلق شوم وشراركم أسوؤكم أخلاقاً
وقد اختلف المؤرخون في تاريخ وفاته
"

سبع وسبعين ومائتين
فيذكر صاحب الرسالة القشيرية سنة ويذكر صاحب الطبقات سنة تسع وسبعين ومائتين
رأيه في المعرفة
يهدف الصوفية دائماً إلى معرفة ماوراء الطبيعة معرفة يقينية
ولكن كيف تتأتى المعرفة
إنها - حسبما يرى أبو سعيد - تأتى القلب من وجهين من عين الجود ومن بذل المجهود
إنها فيض من الله وإنها اكتساب وجهد وفى الوصول إليها السعادة بيد أن طريقها - وهو نفس الطريق إلى الله - ليس سهلا هيناً وإذا كانت الغاية نفيسة فلا يتأتى أن يكون سبيلها تافهاً كيف نصل إلى الله ماهو الطريق إليه كيف نصل إلى خالص العلم كيف نرد على حياض المعرفة سئل أبو سعيد عن أوائل الطريق إلى الله فبين أنه
التوبة ثم ذكر شرائطها
ورسم

الطريق الذي يرسمه الصوفية
وهو طريق نفسانى سيكلوجي من أدق مايكون ينتقل فيه الإنسان من مرحلة إلى مرحلة مترقياً من مقام التوبة حتى يصل إلى مقام المحبين ويترقى إلى مقام المقربين فإذا وصل إلى هذه المرحلة أدمنت روحه النظر في النعمة

وفكرت في الأيادى والإحسان فانفردت بالذكر وجالت في ملكوت عز الله بخالص العلم به واردة على حياض المعرفة إليه
صادرة ولبابه قارعة فنعمت وسعدت
ولنذكر ذلك بأسلوبه نقلا عن كتاب حلية الأولياء قال أبو سعيد
إن أوائل الطريق إلى الله التوبة
وذكر شرائطها
ثم ينقل من مقام التوبة إلى مقام الخوف ومن مقام الخوف إلى مقام الرجاء ومن مقام الرجاء إلى مقام الصالحين ومن مقام الصالحين إلى مقام المريدين ومن مقام المريدين إلى مقام المطيعين ومن مقام المطيعين إلى مقام المحبين
ومن مقام المحبين إلى مقام المشتاقين ومن مقام المشتاقين إلى مقام الأولياء ومن مقام الأولياء إلى مقام المقربين
وذكروا لكل مقام عشر شرائط إذا عاناها وأحكمها وحلت القلوب هذه المحلة أدمَنتِ النظر فى النعمة وفكرت في الأيادي
والإحسان
To wwwal-mostafacom
Λ

فانفردت النفوس بالذكر وجالت الأرواح في ملكوت عزه
بخالص العلم به واردة على حياض المعرفة إليه صادرة ولبابه قارعة
وإليه في محبته ناظرة
أما سمعت قول الحكيم وهو يقول
أراعي سواد الليل ولكن سروراً دائما وتعرصا وقرعا لباب الرب ذى العز والفخر
أنسا تذکره وشوقاً إليه غير مستكره الصير
فحالهم أنهم قربوا فلم يتباعدوا ورفعت لهم منازل فلم يخفضوا
ونورت قلوبهم لكى ينظروا إلى ملك عدن بها ينزلون فتاهوا بمن يعبدون وتعززوا بمن به يكتفون
حلوا فلم يطعنوا واستوطنوا محلته فلم يرحلوا فهم الأولياء وهم العاملون الأصفياء
وهم
وهم المقربون
أين يذهبون عن مقام قرب هم به آمنون وعزوا في غرف هم بها ساكنون جزاء بما كانوا يعملون فلمثل هذا فليعمل العاملون فإذا ما ورد الإنسان حياض المعرفة هل يتأتى له أن يعلم ما يخالف
الشريعة
هل الباطن وهو المعرفة التى وصل إليها يخالف الظاهر
هل الحقيقة تخالف الشريعة !
يقول أبو سعيد كلمته الحاسمة
1 حلية الأولياء المجلد العاشر ص ٢٤٨ ٢٤٩

كل باطن يخالف ظاهراً فهو باطل
وكتاب الصدق - وهو الوحيد الذي بقى من آثاره ۱ والذي نقدمه اليوم مغتبطين إلى القراء - كان من الكتب التي يتوارثها الصوفية ويحيطونها بالكتمان ويضنون بها على غير أهلها لأنها ذخيرة نفيسة لا يصح أن تبتذل للعامة وكأنها لؤلؤة مكنونة لا يستساغ أن تقتحمها أعين الدهماء

والواقع أنه مختصر في غاية النفاسة وضوح - الطريق إلى الله ! !
يرسم -
في دقة وفى
عبد الحليم محمود
۱ لقد كان كتاب الصدق هو الكتاب الوحيد إلى عهد قريب جدا ثم اكتشف الأستاد آورى مجموعة من رسائل الحرار ضمن محطوط يحتوى على كتب ورسائل صوفية ولقد حقق الأستاد الدكتور قاسم السامرائي ما يخص الحراز فيها وشر في محلة المجمع العلمي العراقي المجلد الخامس عشرسة ٦٧ كتاب الصفاء وكتاب الضياء وكتاب الكشف والبيان وكتاب الفرع وكتاب الحقائق فجزاه الله خير الجزاء وقد وقعت هذه الكتب فيا يقرب من أربعين صحيفة
كتب الإمام الأكبر رضى الله عنه بعد ذلك مقدمة مختصرة للطبعة الثالثة من الكتاب يقتطف منها ما يلى
إن المسلمين الأول علموا الحقيقة البدهية وهي أن المجتمعات لا تقوم إلا على
الأحلاق
لقد كان واضحاً في أذهانهم ماقاله شوقى رحمه الله
۱۰

ذهبوا
حو إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم لقد كتبوا - رضوان الله عليهم - كثيراً فى الأخلاق ليهيئوا بذلك الأمة الإسلامية لتكون في مراكز القيادة في هذا الجانب وأخذ الكتاب ينشرون الفكرة الإسلامية من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وسلوك الرسول ومن تبعه من الراشدين المهديين
وبعض الكاتبين التزم فى ذلك القرآن والسنة فحسب كما فعل الإمام النووى رضوان الله عليه في كتابه النفيس رياض الصالحين وكما فعل الإمام الحافظ المنذري في كتابه المبارك الترغيب والترهيب
وبعض الكاتبين اتخذ القرآن والسنة أساساً ثم استفاض في ذكر آراء الأسلاف السابقين وذكر حكايات عهم تهدى الإنسان إلى الرشد وتقوده إلى الصراط المستقيم من ذلك الكتاب الخالد وإحياء علوم الدين للإمام الغزالي وكل كتب الأحاديث وكل كتب تفسير القرآن إنما هي على وجه العموم - تربية للشخص تسير به إلى المثل الأعلى
وهذا المثل الأعلى إنما يتمثل في معنى كلمة الإسلام أى العبودية المطلقة لله سبحانه وتعالى والخضوع المطلق له وحده
وإنما يتمثل ذلك في قوله تعالى لرسوله الكريم
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمِرْتُ وأنا
أول المسلمين
إن الهجرة إلى الله أسساً وبواعث وغاية وأهدافاً وكيفية يضمها كتاب الله وسنة رسوله
وما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله معصوم الا يأتيه الباطِلُ مِنْ بَينَ يَدَيْهِ ولا مِن خَلْفِهِ
ومن أجل ذلك تشبث أسلافنا - رضوان الله عليهم - بهذه العصمة وكتبوا في ذلك =

متخدين القرآن وسلوك رسول الله وأقواله القدوة الحسنة والأسوة الكريمة
واهتدى بهديهم مالا حصر له من الأفراد
وخلف من بعدهم خلوف اتجهوا - فى عصرنا الحاضر - إلى أوربا يستمدون منها السلوك وتعرقت بهم الطرق وتشتتت مهما الأهواء وفسد وبآرائهم الكثير وكان لابد من العودة إلى النهج السلمى
مهم
ومن هنا كان حرصنا على نشر هذا الكتاب النفيس كتاب الصدق والله نرحو أن يهدي له وأن يهدى به وأن يجعله من اللبنات التي يتكون مها الجو الأخلاقي الذي يعتصم بالله سبحانه وتعالى
ومَن يَعتصم بِاللَّهِ فَقَد هُدى إلى صراط مستقيم
۱

كتاب الصدق
لأبي سعيد
الخراز

سبيل النجاة
الإخلاص الصبر
الصدق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قال الشيخ الإمام العارف أبو سعيد أحمد بن عيسى البغدادي الخراز قدس الله روحه ونور ضريحه
قلت لبعض العلماء أخبرني عن الصدق كيف هو ومامعناه وكيف العمل به حتى أعرفه
فقال الصدق اسم للمعانى كلها وهو داخل فيها أتحب أن أجيب عن مسألتك جواباً مختصراً أجمله أم أشرح لك العلم والعمل بالأصول التي بها تقوم الفروع
قلت أريد الأمرين جميعاً ليكون ذلك علماً لي وفقهاً
ونصرة
فقال وفقت إن شاء الله ! اعلم أنه لابد للمريد - المحقق فى إيمانه والمطالب لسلوك سبيل النجاة - من معرفة ثلاثة أصول يعمل بها فبذلك يقوى إيمانه وتقوم حقائقه وتثبت فروعه فتصفو عند ذلك الأعمال وتخلص إن
شاء الله
فأولها الإخلاص

لقول الله عزّ وجل فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا الله الدين
الخالص
1
وقال تعالى فادعوا الله مخلصين له الدين وقال المحمد قل إنى أُمرتُ أن أعبد الله مخلصاً له
الدين
وقال قل الله أعبد مخلصاً له ديني ٤
وقال جل ذكره واذكر فى الكتاب موسى إنه كان مخلصاً ٥ وكان رسولاً نبياً
ونحو هذا في القرآن كثير وفى هذا مقنع
ثم الصدق
لقول الله عزّ وجلّ يَأَيُّها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين ٦
وقال تعالى فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم
۱ سورة الزمر ۳
سورة غافر ١٤
۳ سورة الزمر ۱۱
٤ سورة الزمر ١٤
٥ سورة مريم ٥١ وهذا على القراءة بكسر اللام
٦ سورة النوبة ۱۱۹
۷ سورة محمد عليه السلام ۱

وقال تعالى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ۱ وقال تعالى واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق
الوعد
وقال ليسأل الصادقين عن صدقهم ۳
وقال تعالى والصادقين والصادقات ٤
وهذا كثير في القرآن
ثم الصبر
لقول الله عز وجل يَأَيُّها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ٥
وقال تعالى ولئن صبرتُم لهو خير للصابرين ٦
وقال تعالى واصبر وما صبرك إلا بالله
V
وقال تعالى واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ۸ وقال تعالى واصبر على مايقولون واهجرهم هجراً جميلاً ۹
۱ سورة الأحراب ۳
سورة مريم ٥٤ ۳ سورة الأحزاب ٨٠ ٤ سورة الأحزاب من الآية ٣٥
٥ سورة آل عمران ۰۰
٦ سورة النحل ١٢٦ ۷ سورة النحل ۱۷
۸ سورة الطور ٤٨ ۹ سورة المزمل - ١٠
۱۹

وقال تعالى واصبر نفسك الذين يدعون ربهم بالغداة
والعشى يريدون وجهه
1
وقال تعالى واصبروا إن الله الصابرين
وقال تعالى وبشر الصابرين
فجعل لهم الكرامة بالبشرى
وهذا كثير مؤكد في القرآن

وهذه ثلاثة 3 أقسام لمعان مختلفة وهي داخلة في
جميع
الأعمال
ولاتتم الأعمال إلا بها فإذا فارقت الأعمال فسدت ولم تتم ولايتم بعض هذه الأصول الثلاثة إلا ببعض فمتى فقد أحدها تعطلت الأخر
قال فالإخلاص لا يتم إلا بالصدق فيه والصبر عليه والصبر لا يتم إلا بالصدق فيه والإخلاص فيه والصدق لا يتم إلا بالصبر عليه والإخلاص فيه
الإخلاص
فأول الأعمال هو الإخلاص
۱ سورة الكهف ۸
سورة البقرة من الآية ١٥٥ ۳ الإخلاص والصدق والصبر
۰

6
فالفرض الواجب أن تؤمن بالله وتعلم وتقر وتشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له وأنه الأول والآخر والظاهر والباطن والخالق والبارئ والمصوّر والرزّاق والمحيى والمميت الذي إليه ترجع الأمور وأن محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحق وأن النبيين حق وبالحق أدوا الرسالة وبالغوا 1 في النصيحة وأن الجنة حق والبعث حق والمرد إلى الله تعالى يغفر لمن يشاء ويُعذب من يشاء ويكون ذلك عقدك ظاهراً على لسانك بلا شك ولاريب ساكناً ۳ قلبك مطمئناً إلى ماصدقت به وأقررت وكذلك لا يعارضك - فى كل ماجاء من عند الله على لسان نبيه - شك فى كل ماذكره عن ربه عز وجل غير مخالف لما كان عليه النبي ٤ وأصحابه وأئمة الهدى الذي كانوا قدوة لمن جاء بعدهم من أهل الهداية ثم التابعون من بعدهم ثم علماء كل عصر متبعاً للجماعة مخلصاً في ذلك لله وحده لاتريد إلا الله
تعالى ليتم إسلامك وإيمانك وتوحيدك
۱ ترقوا فيها إلى أعلى نهاياتها
اعتقادك
۳ دهب مانه من شك
٤ وذلك قوله تعالى و ملا وربك لا يؤمون حتى يحكموك فيما شحر بينهم ثم لا يجدوا في
أنفسهم حرجاً مما قصيت ويسلموا تسليماً

وهو الذي أمر الله تعالى به حين يقول فمن كان يرجو لقاء ربه
وأفعاله
فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ۱ فمن شرح ذلك أن يكون العبد يريد الله عز وجل بجميع أعماله وحركاته كلها ظاهرها وباطنها لا يريد بها إلا الله وحده قائماً بعقله وعلمه على نفسه وقلبه راعياً لهمه قاصداً إلى الله تعالى لا يجب مدح أحد ولا ثناءه ولا يفرح بعمله – إذا اطلع
6

بجميع أمره عليه المخلوقون - فإن عارضه من ذلك شيء اتقاه ۳ بالسرعة والكراهية ولم يكن ٤ إليه لكن إذا أثنى عليه أحد حمد الله على ستره عليه ٥ حين وفقه الخير رآه العباد عليه
نعم ثم يخاف عند ذلك من عمله الردىء وسريرته القبيحة التي خفيت على الناس ولم تخف على الله فأشفق من ذلك وخاف أن تكون سريرته أقبح من علانيته
فهكذا يروى في الحديث
السريرة إذا كانت أقبح من العلانية فذلك الجور فإذا استوت
۱ سورة الكهف ۱۱۰
ظهر له
۳ حفظ نفسه منها
٤ مركن ويطمئ
٥ ستره عليه رعاية له بإظهار خيره وإخفاء شره

السريرة والعلانية فذلك العدل وإذا فضلت السريرة على العلانية
فذلك الفضل فالواجب على العبد أن يخفى عمله ۱ جهده حتى لا يطلع عليه إلا

الله تعالى فذلك أبلغ فى رضا الله عز وجل وأعظم في مضاعفة الثواب وأقرب إلى السلامة وأوهن لكيد العدو
الآفات

وأبعد من
وروى عن سفيان الثورى رحمه الله أنه قال ما أعبأ بما
يظهر من عملى
ویروى في الحديث
أن عمل السر يفضل على عمل العلانية سبعين ضعفاً

۱ قوله أن يحتى عمله أى الذى لم يطلب الشرع فيه الظهور لأن الشعائر كلها كالحج والعمرة والجماعة في الصلوات إلخ مطلوب فيها الطهور شرعاً وأما عير الشعائر كالصدقات وعمل الرأيا كان فالأمر فيه على ما يأتي إن كان مرشداً أو قصد الحث عليه تعين إظهاره ليؤدى المطلوب كما كان فى حديث و من سن سنة حسنة فله أحرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن س سة سيئة فعليه وررها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة
فإظهار الخير والبر بقصد الإرشاد المطلوب
لكن محل دالك إذا آنس من قلبه اتجاهاً إلى الله وحده ولم يحش تمرد الأمارة بالسوء وإليك ميراناً لمعرفة ذلك الاتحاه وهو
إن كان المريد أشد فرحاً وتلذداً به في خلوته فعله وإلا فلا
وذلك للأعمال التي لم يطلب الشرع فيها الإظهار

ويروى إن العبد ليعمل العمل في السر فيدعه الشيطان عشرين سنة ثم يدعوه إلى أن يظهره ويذكره فيُنقل من ديوان السر إلى ديوان العلانية فينقص من ثواب العمل وفضله ثم لا يزال يذكره بذكره أعماله حتى يذكرها للناس ويتحلى ۱ اطلاعهم عليها ويسكر إلى ثنائهم فيصير رثاء ۳ فهذه الأمور ضد الإخلاص وماذكرنا فهو من جملة الإخلاص الذي لابد للمخلوقين من معرفته والعمل به ولا يسعهم جهله وتبقى الزيادة فى الإخلاص مع العبد إذا أحكم هذه الأصول قلت ثم ماذا قال مما يمكن أن يذكر أن يكون العبد لا يرجو إلا الله ولا يخاف إلا الله ولا يتزين إلا لله ولا تأخذه في الله لومة لائم ولا يبالي
إذا وافق الأمر الذى فيه محبة الله ورضاه مَن سَخِطه وما بقى من ذكر غاية الإخلاص أكثر وفى هذا بلاغ للمريدين
السالكين للطريق !
٢٤
1 يحد لدة في إطلاعهم عليها يرتاح ويركي
۳ رياء

الصبر
والصبر اسم لمعان ظاهرة وباطنة فأما الظاهرة فهى ثلاث أداء فرائض الله تعالى على كل حال في
فأولها الصبر على الشدة والرخاء والعافية والبلاء طوعاً وكرهاً
ثم الصبر الثاني هو الصبر عن كل ما نهى الله تعالى عنه ومنع النفس من كل مامالت إليه بهواها مماليس الله تعالى فيه رضاً طوعاً
وكرها
وهذان صبران فى موطنين هما فرض على العباد أن يعملوا بهما ثم الصبر الثالث هو الصبر على النوافل وأعمال البر مما يقرب العبد إلى الله تعالى فيحمل نفسه على بلوغ الغاية منه للذى رجاه من ثواب الله عز وجل

وهكذا يروى أن النبي لا فيما رواه عن ربه عز وجل قال ما تقرب إلى عبدى بمثل ما افترضته عليه ولايزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ۱
1 عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسوا الله و إن الله تعالى قال من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحسته كنت سمعه الذي يسمع به ونصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورحله التي يمشى بها وإن سألى أعطيته ولى استعاذني لأعيذنه رواه البخاري

1
والصبر الرابع هو الصبر على قبول الحق ممن جاءك به من الناس ودعاك إليه بالنصيحة فيقبل منه لأن الحق رسول من الله جل ذكره إلى العباد ولا يجوز لهم رده فمن ترك قبول الحق ورده فإنما يرد على الله تعالى أمره !
وهذا ظاهر الصبر الواجب على الخلق الذى لا يسعهم جهله ولابد
لهم منه
وبقى شرح حقائق الصبر وغايته الذى يكون مع الصابرين بعد إحكام هذا الصبر الذي ذكرناه
قلت فالصبر فى نفسه ماهو وما موجوده في القلب قال الصبر هو احتمال مكروه النفس وموجوده إذا وقع بالنفس ما تكرهه تجرعت ذلك وأنفت الجزع وتركت البث والشكوى وكتمت مانزل بها
لأنه يروى في الحديث من بث فقد شكا ألم تسمع الله تعالى يقول والكاظمين ۳ الغيظ والعافين وعن أنس رضي الله عنه عن النبي فيما يرويه عن ربه عز وجل قال إذا تقرب العبد إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً وإذا تقرب إلى ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا أتاني يمشي أتيته
هرولة رواه البخاري
۱ هو الصير الباطن
أذاع ونشر سبب الضيق الذي ألم به
۳ الذين يحفون غيظهم فلا يظهرونه
٢٦

عن
الناس ۱
أفلا ترى أنه كظم ماكرة وشق على نفسه احتماله فصار صابراً فإذا أبدى الجزع وكافاً من أساء إليه ولم يعف عمن أ خرج من حدّ الصبر على هذا القياس
أساء إليه
قلت فماذا يقوى الصابر على الصبر وبماذا يتم له
قال يروى في الحديث
إن الصبر عن المكاره من حسن اليقين
ویروی
إن الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله ۳ وذلك أن العبد لما آمن بالله تعالى وصدق قوله في الذي وعده وتواعده قامت فى قلبه الرغبة فى ثواب الله تعالى الذي وعده ولزمت قلبه الخشية من عقاب الله الذى تواعده وصحت عند ذلك
رغبته وقامت عزيمته فى طلب النجاة مما يخافه وهاجت آماله في الظفر بالذى يرجوه فجد ٤ عند ذلك في الطلب والهرب فسكن الخوف والرجاء قلبه ! فركب عند ذلك مطية الصبر وتجرع مرارته عند
۱ سورة آل عمران من الآية ١٣٤
قابل الإساءة بالإساءة
۳ أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب
٤ اجتهد

نزوله ومضى في إنفاذ العزائم وحذر من نقصها فوقع عليه اسم
الصبر
الصدق
والصدق اسم لمعان كثيرة
فأول الصدق هو صدق العبد في الإنابة 1 إلى الله تعالى بالتوبة
النصوح

۳
لقول الله عز وجل يأيها الذينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصوحاً وقال تعالى وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جميعاً أَيُّها المؤْمِنُونَ لَعَلَّكُم تفْلِحُونَ وقال تعالى لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِى وَالْمُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ ٤
فأول التوبة هو الندم على ماكان من التفريط في أمر الله تعالى ونهيه والعزيمة على ترك العود في شيء مما يكره الله عز وجل ودوام الاستغفار وردّ كل مظلمة للعباد من مالهم والاعتراف لله تعالى ولهم ولزوم الخوف والحزن والإشفاق ألا تكون مصححاً والخوف
1 أناب إلى الله تعالى أقبل عليه وتاب
سورة التحريم ۸
۳ سورة النور ٣١ ٤ سورة التوبة ۱۱۷

الا
تقبل
توبتك
1
ولا تأمن أن يكون قد رآك الله تعالى على بعض
ما يكره فمقتك

وهكذا يروى عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قال ما يؤمنى أن يكون قد رآنى على بعض ما يكره فقال إعمل ماشئت
فلا غفرت
ويروى عنه أيضاً أنه قال أخاف أن يطرحنى فى النار ولايبالى
1 إن المؤلف - رضوان الله عليه - يحاول ما أمكن أن يوقظ الضمير الديني في قوة وأن يهر الشعور الروحى هزة تسهه من غفلته وكلامه متحه إلى من شاب تونته شيء من التردد ولعل الواجب شرعاً أن يوقن قبول الله لتوبته إذا تاب توبة نصوحاً بشروطها لأن في توبة العبد طلب الغفران من الله تعالى وقد جاء
و ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة وجاء عن الله تعالى
و أنا عند ظن عبدي بي أو كما قال
والمؤمن لا يئس من روح الله ولا يقنط كما جاء فى الكتاب الكريم وجاء في الأحاديث الصحيحة الكثير من فرح الله تعالى بتوبة العبد الذى جاء إلى الله بقراب الأرض ذنوباً ولعل الأنسب أن يقال
إن التوبة لطف من الله تعالى ألدى أيقظ قلبه لتوبته لأن المعصية تورثه القسوة فلم يعد يتذوق حلاوة الطاعة ومرارة المعصية فيستمر إلى أن يموت كافراً ولا يأمن الشيطان الذي يغريه بالمعصية أولاً وأن له أن يتوب ثانياً وذلك دأب الشيطان مع بعض الصالحين يزين لهم
التوبة بعد المعصية وقد عفلوا عما ذكر من يقظة القلب قبل المعصية وغفلته بعدها
نعم عليه أن يذكر شيح المعصية وأنها تؤدى به لولا لطف الله الذي نهه وألهمه التوبة وأنه لا يضمن ذلك بعد أية معصية فيستمر فى حدر من كيد الشيطان إنه عدو مضل
مہی

وبلغى
أن
بعض
العلماء لقى بعض الناس فقال له تبت
قال نعم
قال قبلت
قال لا أدرى
قال اذهب فادر
وقال يفنى حزن كل ثكلى ١ وحزن التائب ما يفنى ! ومن صدق التوبة ترك الأخدان والأصحاب الذين أعانوك على أمر الله تعالى والهرب مهم وأن تتخذهم أعداء أو يرجعوا
تضييع
إلى الله
فهكذا قال الله عزّ وجلّ الأخلاءُ يَوْمِئِذٍ بَعْضُهم لبعض عدو إلا
المتقين
ومن صدق التوبة خروج المأثم من القلب والحذر من خفايا التطلع إلى ذكر شيء مما أنبت ۳ إلى الله منه قال الله عزّ وجلّ
١ التي فقدت انها
سورة الرخرف ومنه قوله تعالى
ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتحدت مع الرسول سبيلاً ياويلتي ليتنى لم أتخد فلاناً جليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ حاملى وكان الشيطان للإنسان حذولا وقوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم المار
۳ رجعت تست

وذروا ظاهر الإثم وباطنه ۱
دقت عليه
واعلم أن المؤمن كلما صحح وكتر علمه بالله تعالى التوبة أبداً ألا أن تری النبي يقول إنه ليغان على قلبي
فأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم مائة مرة
فمن طهر قلبه من الآثام والأدناس وسكنه النور لم يخف عليه ما يدخل قلبه من خفى الآفة وما يلزمه من القسوة من الهمة بالزلة قبل الفعل فيتوب عند ذلك
۱ عقد القلب على المعصية - سورة الأنعام ١٢٠ رواه أحمد ومسلم وغيرهما يغان على قلبي يغشى عليه

أبواب الصدق
في معرفة النفس
في معرفة العدو
في الورع
في الحلال الصافي
في الزهد
في التوكل على الله
في الخوف من الله

في الحياء من
الله
في شكر الله
في المحبة
في الرضا

في الشوق إلى الله
في الأنس بالله

باب
الصدق في معرفة النفس والقيام عليها
قال الله عزّ وجلّ يَأَيُّها الذينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لله
وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُم أو الوالِدَيْنِ والأقربين ۱
وقال تعالى فى قصة يوسف عليه السلام حين يذكر عنه
وما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارة بالسُّوءِ إلا مارِحِمَ رَبِّى
وقال تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النَّفْسَ
فإنَّ الجنَّة هي المأوى ٣

عن
r,
الهوى
6
وقال رسول الله الله أعدى عدولك نفسك التي بين جنبيك ثم أهلك ثم ولدك ثم الأقرب فالأقرب 4 ويرى عنه لعل الله أنه قال نفس إن قبقها ٥ ونغمتها ٦ ذمته غداً
عند الله
۱ سورة النساء ١٣٥ ۳ النازعات ٤٠ ٤١
سورة يوسف ٥٣
٤ عداوة النفس لأنها أمارة بالسوء إلا ما رحم ربى وعداوة الأهل لعلها من ناحية الفتة إنما أموالكم وأولادكم فتة أو أن ذلك محمول على البعض دون الكل وإن من
أرواحكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم
ه أطاعها في شهوتها الجنسية
٦ أحابها إلى ماتشتهي من الشراب والسماع
۳۵

قيل
له وماهي
قال أنفسكم التي بين جنبيكم
فمن صفة الصادق فى القصد إلى الله تعالى أن يدعو نفسه إلى طاعة الله تعالى وطلب مرضاته فإن أجابته حمد الله تعالى وأحسن
إليها
فهكذا يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنهم رأوه يوطئ ١
شيئاً يفترشه
فقيل له ما هذا
قال نفسي إن لم أحسن إليها لم تحملني
وإن لم تجبه إلى ما يرضى الله ورآها بطيئة منعها محبوبها من العيش وخالفها عندما تهوى وعاداها فى الله ولله وشكاها إلى الله حتى يصلحها له
ولا يقيم على ذمّها مع الإحسان إليها وذكر عيوبها والذم لها وما لا يرضاه من فعلها مع الإقامة معها على الذى تهواه من الفعل وهكذا يروى عن بعض العلماء أنه قال
قد علمت أن من صلاح نفسی علمی مفاسدها
وكفى بالمرء إنما أن يعرف من نفسه عيباً لا يصلحه وليس منتقلا
من ذلك إلى توبة
- Lan 1
٣٦

وقال بعض العلماء إن كنت صادقاً في ذمّك لنفسك فإن ذمّك غيرك بما فيك فلا تغضب
وإذا نازعتك نفسك إلى شيء من الشهوات أو شغل قلبك في طلب شيء مما حرم عليك وحلى لك فاتهمها تهمة من يريد صلاحها وامنعها من ذلك منع من يريد استعبادها واحملها بالامتناع عن الملاذ على اللحوق بمن تقدمها
فإن الذي نازعتك إليه لا يخلو من أن يكون حراماً تستحق به السخط أو حلالا تستوجب به طول الوقوف على المساءلة إذا مضى التاركون للحرام إجلالا له وتعظيماً له ووقفوا عن الحلال
للانكماش
1
والمبادرة
فاعمل في قطاع نفسك عن الحالين جميعاً فإن من فطم نفسه عن الآخرة الدنيا كان رضاعه من ومن اتخذ الآخرة اما أحب برها
والورود عليها

إذا رضى أبناء الدنيا بالدنيا أما وبروها وسعوا من أجلها فارم المؤثرين للدنيا من قلبك بالهجران مع النصيحة لهم وتحذيرهم إياها واحذر التخلف عن السابقين وانظر فى خاصة نفسك وحثّ
على ذلك أصفياءك وبطائنك فإن السابقين شمروا وشدّوا المآزر
1 لعل المقصود للانكماش عن طول الحساب والمبادرة إلى الجنة
6

وكشفوا عن الرءوس والسوق ۱ فاغتنموا الصحة وبادروا في النشاط ورعوا حق الله تعالى وحذروا أن يهتكوا ستراً مما نهاهم عنه وتحبوا إليه برفض ما أباح لهم أخذه وتركوا الحرام تعبداً والحلال تقرباً وألفوا السهر والظمأ وأنسُوا إلى التبلغ والاجتزاء باليسير
باب
الصدق في معرفة عدوك إبليس
قال الله عزّ وجلّ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخِذُوهُ عدُوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ٢ وقال جل وعزّ يابني آدم لا يفتتنكم الشيطان كما أخرج أبويكم
من الجنة ۳
وقال تعالى وزيَّنَ لهم الشَّيطانُ أعمالهمْ فَصَدَّهُمْ عن
السبيل ٤ وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه للملك لمة وللشيطان
1 كناية عن الاجتهاد
سورة فاطر ٦ ۳ سورة الأعراف ۷
٤ سورة العمل من الآية ٢٤
۳۸

لمة فلمة الملك إيعاد بالخير ولمة الشيطان إيعاد بالشر وقال في خبر آخر إنّ الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس 1 وإذا غفل وسوس فاقطع مادته بالعزيمة على مخالفة هواك وامنع نفسك من الإفراط والتشوف ٢ فهما خير أعوانه عليك وبهما يقوى كيده وإذا اتبعتهما فأحضر عقلك وعلمك الذى علمك الله تعالى فقم بهما على نفسك وراع قلبك وما يقع فيه فما كان من أجناس الخير والعلم فاتبعه وما كان من جنس الباطل والهوى فانفه بالسرعة ولا تماد على الخطرة ۳ فتصير شهوة ثم تصير الشهوة همة ٤ تم تصير الهمة فعلاً واعلم أن عدوك إبليس لا يغفل عنك فى سكوت ولا كلام ولا صلاة ولا صيام ولا بذل ولامنع ولاسفر ولاحضر ولا تفرد ولا خلطة ولا فى توقر ٥ ولا عجلة ولا فى نظر ولامى غض بصر ولا فى كسل ولا في نشاط ولا في ضحك ولا في بكاء ولا في إخفاء ولا في إعلان ولا حزن ولا فرح ولا صحة ولاسقم ولا مسألة
۱ انقبض وانزوى
التعلق بالآمال
۳ ما يجري في القلب من تدبير أمره
٤ أول العزيمة أو العزيمة والهم بالفتح وحدف الهاء كذلك ويحكى ابن فارس الهم ما هممت به إذا أردته ولم تفعله ولعله هما يتطابق مع ماذكره ابن فارس
٥ اتزان ورزانة
۳۹

ولاجواب ولا علم ولا جهل ولا بعد ولا قرب ولا حركة ولا سكون ولا توبة ولا إسرار
ولن يألو جهداً فى توهين عزمك وفتور نيتك وتأخير توبتك ويسوف بك وقتاً إلى وقت ويأمرك تتعحيل مالا يضرك تأخيره يريد بذلك قطعك من الخير ثم يذكرك في وقت شغلك بالبر والطاعة الحوائج ليقطعك عن خير أنت فيه
ورنما حب إليك النقلة من بلد إلى بلد يوهمك أن غير البلد الذي أنت فيه أفضل ليشغل قلبك ويعطل مقامك بما يعقبك الندم إذا
أنت فعلته
فاحترس من عدوك أشد الاحتراس وتحصن منه بالملجأ إلى الله عز وجل فإنه أمنع الحصون وأقوى الأركان ! فاجعل الله تعالى كهفك وملجأك واحذر عدوّك عند الغضب والحدة فإنك إن استقبلك فى هيج الغضب ذكر الله تعالى وعلمت أنه شاهدك أطفأت بمراقبته نيران العز ۱ وتوقد الحمية أجللت من قد علمت أنه يراك أن تحدث في غضبك ما تستحق به غضبه فإن الشيطان يغنم منك
من
هیج
العضب وحمية الشهوة وأما حذرك إياه عند الحدة فإنه يقال إن الشيطان يقول إن
۱ القوة

لحديد من العباد لن نيئس منه ولو كان يحيى بدعائه الموتى لأنه تأتى
عليه ساعة يحتد فنصير منه إلى مانريد 1
ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم
باب
الصدق في الورع واستعمال التقية
فالصدق في الورع هو الخروج من كل شبهة ما اشتبه عليك من الأمور
6
والترك لكل
فهكذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يكون
العبد من المتقين حتى يدع مالا بأس به مخافة مابه بأس قال الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات فمن ترك الشبهات مخافة أن يقع في الحرام فقد استبرأ لعرضه ٣ ۱ ولهذا لما ذهب رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أوصني قال لا تغضب كرر ذلك ثلاثاً
رواه ابن ماجه والترمذى
۳ وفى رواية أخرى الحلال بيّن والحرام بين وبينهما أمور متشابهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشهات فقد وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الحسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب
٤١

وقال ابن سيرين رحمة الله عليه مافى دينى شيء أيسر من
الورع كل ما اشتبه عليه تركته
وقال الفضيل رحمه الله يقول الناس الورع شديد دع
ما يريبك إلى مالا يريبك
6
فخذ ماحل وطاب من الأشياء وابذل
المجهود في طلب الشيء الصافي من الحلال
لأن الله عز وجل قال يأيُّها الرُّسُلُ كلوا من الطيبات واعملوا
صالحاً 1
وقال النبي ع لسعد رضى الله عنه إن أردت أن
الله تعالى دعاءك فكل الحلال

وقالت عائشة رضي الله عنها يارسول الله قال من إذا أمسى نظر من اين قرصه ۳
6
يجيب
من المؤمن
1 سورة المؤمنون ٥١
وفي حديث آخر أن النبي ذكر الرجل يطيل السفر ويرفع يديه إلى السماء بالدعاء يقول يارب يارب ومأكله حرام وملبسه حرام وأنى يستجاب له
۳ قرصه رغيمه أى من أين أكله
٤٢

باب
الصدق فى الحلال الصافي إذا وجدته وكيف
العمل به
فالصدق في الحلال - إذا وجدته - أن تأخذ منه مالا بد منه على قدر معرفتك بنفسك وما يقيم ميلها ولا تحمل عليها فوق طاقتها فتنقطع ولا تصبر معها إلى ماتهواه من السرف ولكن خذ ما يقيمك بلا تقتير ولا سرف في الطعام واللباس والمسكن واحذر الفضول مخافة الحساب وطول الوقوف
فهكذا يروى أنّ رجلاً قال لعلى بن أبي طالب رضي الله عنه يا أبا الحسن صف لنا الدنيا فقال حلالها حساب وحرامها عذاب أو عقاب فإذا كان العبد ضعيفاً ۱ ثمّ ملك الشيء الطيب حبسه على نفسه وعلى من يمون فأنفق منه بالمعروف مخافة أن يكون إذا أخرجه لم يصبر وجزع فوقع فيما هو أردى منه فكان في حبسه إياه
۱ ضعيف العزيمة والسكون إلى الله ٢ يعول
٤٣

مزرياً 1 على نفسه من ادّخاره حين عدم من نفسه الثقة بالله تعالى والسكون إليه دون الشيء فيكون كذلك حتى يقوى عزمه قلت فكيف مَلَكَ الأنبياء عليهم السلام الأموال والضياع مثل داود وسليمان وإبراهيم وأيوب ونظرائهم ويوسف عليه السلام على خزائن الأرض ومحمد الله والصالحين من بعد فقال هذه مسألة كبيرة وفيها كثير
اعلم أنّ الأنبياء عليهم السلام والعلماء والصالحين من بعدهم رضي الله عنهم أمام الله تعالى فى أرضه على سره وعلى أمره ونهيه وعلمه وموضع وديعته والصحاءُ له في خلقه وبريته وهم الذين عقلوا عن الله تعالى أمره ونهيه وفهموا لماذا خلقهم وما أراد منهم وإلى ماندبهم فوافقوه فى محبته ونزلوا في الأمور عند مشيئته ثم وقفوا عند ذلك مواقف العبيد الألباء القابلين على الله والحافظين لوصيته وأصغوا إليه بآذانِ فَهُومهم الواعية وقلوبهم الطاهرة ولم يتخلفوا عن ندبته ۳ فسمعوا الله عزّ وجل يقول آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا ما جعلكم مستخلفين فيه ٤ ثم 1 سكراً على نفسه فعلها إذا اطمأنت إلى الشيء وعدمت الثقة بالله ويستمر في إنكاره
عليها حتى يقوى عزمه
دعاهم
۳ دعوته
٤ سورة الحديد
V

قال ثُم جعلناكم خلائِف في الأرض مِنْ بَعْدِهِمْ لتنظُر كَيْفَ
تعملون ۱

وقال تعالى الله مافي السموات وما فى الأرْضِ ٢
وقال تعالى ألا له الخلق والأمر
فأيقن القوم أنهم وأنفسهم الله تعالى وكذلك ماخولهم وملكهم فإنما هو له غير أنهم في دار اختبار وبلوى وخلقوا
للاختبار والبلوى في هذه الدار
وهكذا يروى عن ابن الخطاب رضى الله عنه حين سمع هل أتى على الإِنْسَانِ حِينٌ منَ الدَّهْرِ ۳ لم يكن شيئاً مذكوراً ٤
قال ياليتها تمت ! يعنى عمر قبل قراءة إنا خلقنا الإِنْسَانَ من نطفة أمشاج نبتليه فَهَمهم يقال في التفسير عجز في التلاء
عجزاً ه

ومعنى قول عمر رضى الله عنه ياليتها تمت يعنى لم يخلق
حين سمع الله تعالى يقول لم يكن شيئاً مذكوراً
۱ سورة يوس ١٤
سورة البقرة ٢٨٤
۳ وقت من الزمن
٤ سورة الدهر
٥ عجز عن مواصلة القراءة وهو تفسير لهمهم
6

وذلك من معرفة عمر رضي الله عنه بواجب حق الله وقدر أمره ونهيه وعجز العباد عن القيام به وقيام الحجة الله تعالى عليهم
عند تقصيرهم وما تواعدهم به إذا ضيعوا
ويروى عن الحسن رضى الله عنه أنه قال إن الله تعالى إنما أهبط آدم عليه السلام إلى الدنيا عقوبة وجعلها سجناً له
C
حين
شيئاً
أخرجه من جواره وصيره إلى دار التعب والاختبار فمن ملك - من أهل العمل عن الله تعالى وأهل الصدق - من الدنيا فهو معتقد أنّ الشيء لله جل وعزّ لا له إلا هو من طريق حق ما خوله ۱ الله تعالى وهو مبلى به حتى يقوم بالحق فيه لأن النعمة بلاء حتى يقوم العبد بالشكر فيها ويستعين بها على طاعة الله
تعالى
وكذلك البلوى والضراء هو اختبار وبلاء حتى يصبر عليه ويقوم بحق الله تعالى فيه
وكذلك قال بعض الحكماء العلم كله بلاء حتى يعمل به قال الله عزّ وجلّ الذي خلقَ المَوْتَ والحياةَ ليبلوكُم وقال ولنبلونكُم حتى نعلم المجاهدينَ مِنْكُم والصَّابِرِينَ
ونبلو أخباركم ۳
۱ ماحوله ما أعطاه
سورة الملك
۳ سورة القتال ۳۱
Y α
٤٦

الذين
والأنبياء صلوات الله عليهم والصالحون من بعدهم أشعرهم الله بأن أبلاهم فى الدنيا بالسعة وخولهم كانوا إلى الله
جل وعزّ ساكنين لا إلى الشئ وكانوا خزاناً لله جل ذكره في الشيء الذي ملكهم ينفذونه في حقوق الله تعالى غير مقصرين ولا مفرطين ولا متوانين ولا متأولين على الله التأويل وكانوا عير متلذذين بما ملكوا ولا مشغولى القلوب بما ملكوا ولا مستأثرین به دون عباد الله تعالى
C
ومن ذلك ما روى عن سليمان بن داود عليهما السلام في ملكه وما أباحه الله تعالى من الكرامة حين يقول تعالى هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب ۱
قال أهل التفسير لا حساب عليك في الآخرة وإنما كان عطاء
يطعم
الأضياف
هيناً إكراماً من الله عز وجل له فذكر العلماء أن سليمان عليه السلام كان الحوارى النقى ويطعم عياله الخشكار ۳ ويأكل هو الشعير وكذلك روى العلماء أن إبراهيم الخليل صلوات الله عليه كان لا يأكل إلا مع الضيف فربما لا يأتيه ثلاثة أيام الضيف
۱ سورة ص ٣٩
الحوارى لباب البر وخالص الدقيق
۳ الخشكار خشن الدقيق
٤٧

فيطويها وربما كان يمشى الفرسخ ۱ أو أقل أو أكثر تلقياً
للضيف
قال وكان أيوب النبي
تعالى إلا رجع إلى منزله فكفر عنه
لا

أحداً يحلف بالله يسمع
وروى العلماء أن يوسف عليه السلام كان على خزائن الأرض مكان لا يشبع فقيل له فى ذلك فقال أخاف أن أشبع
فأنسى الجياع ولقد روى أن سليمان عليه السلام بيما هو ذات يوم والريح
معة وعليه قميص جديد
تحمله والطير تظله والجن والإنس فلصق ببدنه فوجد اللذة فسكنت الريح ووضعته على الأرض
فقال لها مالك
فقالت إنما أمرنا أن نعطيك ما أطعت الله
ففكر فى نفسه من أين أتى فذكر فراجع فحملته الريح ولقد روى أن الريح كانت تضعه في اليوم مرات من هذا وأشباهه ! !
فالقوم كانوا خارجين من ملكهم في ملكهم ناعمين بذكر الله وعبادته غير ساكنين إلى ما ملكوا لا يستوحشون من فقده إن
۱ الفرسح ثلاثة أميال
حشية أن يكون قد حيث في يمينه وشفقه عليه
٤٨

فقدوه ولا يفرحون بالشيء ولا يحتاجون إلى العلاج والمجاهدة في
إحراجه
قال الله تعالى للنبي له أولئك الذين هدى الله فبهداهم
اقتده ۱

وهذا النبي الله بينما جبريل عليه السلام عنده إذ تغير
جبریل
C
فإذا ملك قد نزل من السماء لم ينزل قط فقال جبريل عليه السلام خشيت أنه نزل فى بأمر فجاء إلى النبي بالسلام من عند الله عزّ وجلّ وقال له هذه مفاتيح خزائن الأرض تسير معك البقاء فيها إلى يوم القيامة ولا تنقصك ممالك عند الله مع فلم يختر النبي ذلك وقال أجوع مرة وأشبع
ذهباً وفضة
شيئاً
6
مرة
وعد ذلك من الله عز وجل بلوى واختباراً ولم يره من الله
تعالى اختياراً ولو كان من الله تعالى اختياراً لقبله ولكنه علم أن محبة الله تعالى فى الترك للدنيا والإعراض عن زينتها وبهجتها وبذلك أدبه الله تعالى حين قال تعالى ولا تمدن عينيك إلى ما
1 سورة الأنعام
۹۰۰
٢ وجاء في الأحاديث خيرت بين أن أكون ملكاً رسولاً أو عبداً رسولاً فاحترت أن أكون عبداً رسولاً وفى حديث آخر في دعاء البي اللهم أحيى مسكياً وأمتى مسكيناً واحشرني في زمرة المساكير
24

متعنا
أزواجاً
منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ١ به
ويروى عنه

أنه لبس حلة لها علم فطرحها وقال
كادت تلهيني أعلامها - أو قال ألهتنى أعلامها - خذوني وأتونى
بأنبجانية
من
وكذلك روى و أنه
صنع
له خاتم ذهب ليختم به الكتب إلى
أمره الله تعالى بإنذاره فلبسه ثم طرحه من يده وقال لأصحابه
إليه نظرة وإليكم نظرة

مكانه
وكذلك روى أنه غير شراك نعله فجعل جديداً فقال ردوا الشراك الأول وكذلك كل قلب طاهر صاف قد أشرف على الآخرة وعرف قيام الله تعالى عليه يفزع من خفايا السكون إلى الدنيا والتحلى بشيء
منها
ومثل هذا في الأخبار كثير والعاقل الفطن تكفيه الإشارة إليه بالشيء وهذا أصحاب محمد ه حين حثهم على الصدقة جاء أبو بكر بماله كله لأنه كان أقوى القوم فقال له النبي صلى الله عليه
وسلم
ما خلفت لعيالك
قال الله ورسوله ولى عند الله مزيد
۱ سورة طه ۱۳۱۰
٢ الترمدى قال حسن صحيح

أفلا ترى أبا بكر
رضي الله عنه إنما كان سكوناً إلى الله تعالى
لا إلى شيء ولم يكن لشيء عنده قدر وكان ماعند الله عنده أسر !
فحين رأى موضع الحق لم يخلف
منه
شيئاً وقال خلفت الله
ورسوله
ثم جاء عمر رضي الله عنه بنصف ماله فقال النبي ع
ما خلفت لعيالك
قال نصف مالى ولله عندى مزيد
فقد أعطى نصف ماله ويقول والله عندى
ثم عثمان رضي الله عنه
C
يجهز جيش العسرة كله بجميع ما يحتاج
إليه

أفلا
ويحفر بئر رومة 1
تری أن القوم إنما كانوا معدين الشيء الله تعالى ! ومما يدل على صدق قولنا أن القوم كانوا خارجين مما ملكوا وهو في أيديهم يعدونه الله عزّ وجلّ وقد روى عن النبي عل الله أنه قال إنا معاشر الأنبياء لا
نورث وما خلفناه صدقة
أفلا ترى أنهم فى حياتهم لم يضنوا بالشيء عن الله عز وجل ! وكذلك لم يورثوه وخلفوه لله عز وجل كما كان في أيديهم لله
تعالى لم يحدثوا فيه ولم يخولوه من بعدهم أحداً
۱ الترمذى والبخارى وغيرهما
10

وإن هذا لبلاغ لمن عقل عن الله تعالى وأنصف من نفسه وهذا أئمة الهدى بعد رسول الله أبوبكر رضى الله من حين ملك الأمر وجاءته الدنيا راغمة من حلها لم يرفع بها رأساً ولم
يتصنع وكان عليه كساء يخلله ۱ وكان يدعى ذا الخلالين وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاءته الدنيا راغمة من حلها وكان طعامه الخبز والزيت وفى ثوبه بضع عشرة رقعة بعضها من أدم وقد فتحت عليه كنوز كسرى وقيصر وهذا عثمان رضى الله عنه كأنه واحد من عبيده في اللباس والزي ! ! ولقد روى عنه أنه رؤى خارجاً من بستان له وعلى عنقه
حزمة من حطب فقيل له في ذلك فقال أردت أن أنظر نفسي هل تأبى
أفلا
أنه تری كان غير غافل عن نفسه وتعاهدها ورياضتها وهذا على بن أبي طالب رضي الله عنه في الخلافة قد اشترى إزاراً بأربعة دراهم واشترى قميصاً بخمسة دراهم فكان في كمه طول فتقدم إلى خراز فأخذ الشفرة فقطع الكم مع أطراف وهو يفرق الدنيا يمنة ويسرة ! وهذا الزبير رضي الله عنه يخلف حين مات من الدين مائتي
أصابعه
1 يخيط ما به من خال وشق
۵
خياط

ألف أو أكثر كل ذلك من الجود والسخاء والبذل ! وهذا طلحة بن عبيد الله رضی الله عنه يعطى حلى أهله لمن
سأله !

فهذا يدل على أن القوم كانوا كما قال الله عز وجل حين أمرهم فقال أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ١ ولا يستحى عبد من عبيد الله من أهل زماننا هذا عندما ملك من الشبهات التي علم الله تعالى كيف هي ومن أين هي وكيف قدرها في قلبه وإيثاره لها وسكونه إليها دون الله عز وجل وما لا يحصى من عيبه في تقلبه في ذلك واشتغاله بذلك حتى أن أحدهم ليزعم أنه يملك كما ملك من مضى ويحتج بهم
في اتباع هواه مع إقامته على خلاف سنة القوم بل الاعتراف لله تعالى بالتقصير من العبد الغافل أقرب إلى
النجاة وسؤاله الله عز وجل أن يبلغ ما بلغ بالقوم بل الاعتراف لله تعالى بالتقصير من العبد الغافل أقرب إلى
النجاة وسؤاله الله عز وجل أن يبلغه ما بلغ بالقوم
وبالله التوفيق

1 سورة الحديد ۸
٥٣

باب
الصدق في الزهد وكيف هو وما هو
أحد
ولقد فضح الله تعالى الدنيا وسماها بأسماء لم يسمها فقال تبارك وتعالى اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم الآية ۱
أفلا يستحى من يعقل عن الله تعالى أن يراه ساكناً إلى اللهو
واللعب في دار الغرور
قلت الدنيا في نفسها ماهي
قال اتفق البصراء من الحكماء
وما هويت
على
أن الدنيا هي النفس
والحجة في ذلك أن الله عز وجل قال زين للناس حب
الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة
والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا ٢

فهذه الأمور التي ذكرها الله عز وجل هي من هوى النفس
ولذتها وبها تلهو عن الآخرة وذكرها
۱ سورة الحديد ۰ سورة آل عمران ١٤
٥٤

فإذا ترك العبد ماتهواه النفس ترك الدنيا
ألا
تری أن العبد قد يكون فقيراً لاشىء له وهو يتمنى الدنيا ويهوى مجناها وينوى أن لو أمكنه منها مايريد لتمتع بذلك ونال
لذته
فهو عند الله تعالى من الراغبين على قدر همته ۱ إلا أنه أقل حساباً ممن نالها واستمتع بها
فأول درجات الزهد هو الزهد فى اتباع هوى النفس فإذا هانت على المرء نفسه لم يبال على أى حال أمسى وأصبح إذا وافق محبة الله تعالى عند ذلك على مخالفة نفسه ومنعها من محبوبها من الشهوات واللذات والراحات ومقارنة الأحباء والأخدان والأصحاب من أهل الغفلة ومن كان منهم غويا على ذلك الأمر الذي يريده العبد فإن آفة
العبد صحبة من يريد مايريد
ثم أخذ البلغة من الطعام والشراب واللباس والمنزل والنوم والكلام والنطق والاستماع وترك التمنى لشيء من الدنيا والحذر من تحليها لأن النبي قال الدنيا خضرة حلوة
فيتوهم العبد فناءها فيقصر فيها أمله مع توقع الموت والتشوف
إلى الآخرة والشوق إلى النزول فى دار بقائها والعمل في ذلك !
۱ عزيمته
الطموح يبصره إليها التطلع إليها
٥٥٠

ولذلك يخلع الراحة من القلب بدوام الفكرة ومن البدن بدوام
الخدمة
فهذا أول درجات الزهد
وقال سفيان الثورى رحمه الله تعالى ووكيع بن الجراح وأحمد ابن حنبل وغيرهم رحمهم الله تعالى إن الزهد في الدنيا قصر
الآمال وهذا يدل على ماقالت الحكماء
لأنه
من قصر أمله لم ينعم
وكانت الغفلة منه بعيدة
وقالت طائفة من الناس الزاهد فى الدنيا هو الراغب في
الآخرة الذي قد جعلها نصب عينيه كأنه يرى عقابها وثوابها فهو
عازف عن الدنيا
وهكذا
أن یروی
النبي قال الحارثة كيف أصبحت
يا حارثة
قال مؤمناً حقاً يارسول الله
فقال النبي وما حقيقة إيمانك
قال عزفت نفسي عن الدنيا
فأظمات لذلك نهارى
وأسهرت ليلى وكأني أنظر إلى عرش ربى بارزاً وكأني أنظر إلى أهل
الجنة يتناعمون وإلى أهل النار يتعاوون

فقال النبي
ا
مؤمن نور الله قلبه عرفت فالزم ۱ وقال بعض العلماء الزهد خروج قيمة الأشياء من القلب
والزهد في الدنيا يدق جدا ويخفى ولكل عبد على قدر علمه بالله
تعالى زهد
فمن نفى الرغبة فى الدنيا عن قلبه شيئاً بعد شيء يرى غاية الزهد ومن توانى عن نفسه ولم يخالفها عند هواها لم يعزف عن الدنيا ولم يشرف على الآخرة
قال بعض العلماء الزاهد فى الدنيا حقاً لا يذم الدنيا ولا يمدحها
ولا يفرح إذا أقبلت ولا يحزن إذا أدبرت قال أبو سعيد رحمه الله تعالى قال بعض البدلاء الله رحمهم تعالى لا يكون زاهداً مستكمل الزهد أو يستوى عنده الحجارة والذهب ولا تستوى الحجارة والذهب حتى يكون معه من الله تعالى
آية فتحول الحجارة ذهباً فعندها تخرج قيمة الأشياء من قلبه عند أحد من
6
وسمعته يقول لم تستو الحجارة والذهب الصحابة رضي الله عنهم بعد رسول الله ع إلا عند أبي بكر
رضي الله عنه !
۱ البزاز من حديث أنس والطبراني من حديث الحارث بن مالك وسندهما ضعيف ومن ذلك قوله تعالى لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم الحديد
۵۷

قلت فعلى أي معنى زهد الزاهدون !
قال على معان شتى
فمنهم من زهد الفراغ القلب من الشغل وجعل همه كله في طاعة الله تعالى وذكره وخدمته فكفاه الله عند ذلك
فهكذا روى عن النبي الله أنه قال من جعل الهم 1 هما
واحداً كفاه الله سائر همومه
وقال عيسى عليه السلام بحق أقول لكم إن حب الدنيا رأس
كل خطيئة وفى المال داء كبير
قالوا ياروح الله ماداؤه
قال لا يعطى حقه
قالوا فإن أعطى حقه
قال يكون فيه فخر وخيلاء
قالوا فإن لم يكن فيه فخر ولا خيلاء
قال يشغله استصلاحه عن ذكر الله
ومنهم من زهد لخفة الظهر وسرعة الممر على الصراط إذا حبس
أصحاب الأثقال للسؤال
فهكذا روى عن النبي الله
6
عرض على أنه قال
أ من جعل اتجاهه إلى الله فحسب أو إلى التقوى فحسب كفاه الله جميع مشاكله
الأخرى
۵۸

أصحابي ففقدت عبد الرحمن بن عوف -

أو قال احتبس على -
فقلت
ما بطأك على قال لم أزل أحاسب بعدل 1 مكثرة مالى حتى جرى منى من العرق مالو وردَتْ عليه سبعون من الإبل عطاشاً قد أكلت حمضاً لصدرت ۳ عنه رواء !
وروى عن النبي من غير طريق أنه قال الأكثرون هم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا عن يمينه وعن
الأقلون
يوم
شماله ومن بين يديه ومن خلفه بين عباد الله
قال له ما من غنى ولا فقير إلا ود يوم القيامة أن الله تعالى
كان جعل رزقه في الدنيا قوتاً ٤
وروى أن أبو ذر عن النبي الله أنه قال ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً أنفقه في سبيل الله تعالى تأتى على ثالثة يكون منه عندى
شيء إلا دينار أرصده لدين
ومنهم من زهد رغبة في الحنة
1 العدل الذى يعادل في الورن والقدر
ست فيه ملوحة
۳ عادت ورجعت
واشتياقاً إليها فسلى عن الدنيا
٤ وفي ذلك أيضاً قال و اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً وقال صلى الله عليه
وسلم اللهم أحينى مسكيناً وأمتى مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين

وعن لذاتها حتى طال به الشوق إلى ثواب الله تعالى الذي دعاه
إليه ووصفه له عز وجل

1
وروى في الحديث أن الله جل ذكره يقول وأما الزاهدون في الدنيا فإني أبيحهم الجنة
وقال بعض العلماء لا تحسن قراءة إلا بزهد !
ذمه
وأعلى درجات الذين زهدوا فى الدنيا هم الذين وافقوا الله تعالى في محبته فكانوا عبيداً عقلاء عن الله عز وجل أكياساً محبين سمعوا الله جل ذكره ذم الدنيا ووضع من قدرها ولم يرضها داراً لأوليائه استحيوا من الله عز وجل أن يراهم راكنين إلى شيء ولم يرضه وجعلوا ذلك على أنفسهم فرضاً لم يبتغوا عليه من الله عز وجل جزاء ولكن وافقوا الله في محبته كرماً والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً
فأهل الموافقة الله تعالى في الأمور هم أعقل العبيد وأرفعهم عند الله قدراً
۱ وفى ذلك يقول الله تعالى تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة الأنفال ٦٧ - ومن ذلك قوله تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى النازعات
ومن ذلك قوله تعالى يحبهم ويحبونه وقوله تعالى رضى الله عنهم ورضوا عنه
البينة ٨

وهكذا روى عن أبي الدرداء رضى الله عنه أنه قال ياحبذا نوم الأكياس وإفطارهم ! ! كيف غنموا سهر الحمقى وصيامهم ! ولمثقال ذرة من صاحب تقوى ويقين أوزن عند الله من أمثال الجبال من أعمال
المغترين ۱
وفى هذا بلاغ لمن عقل عن الله عز وجل
وبالله التوفيق
وروى عن بن عمر عبد العزيز رضى الله عنه أنه نظر إلى شاب مصفر فقال له ما هذا الصفار ياغلام
قال أسقام وأمراض يا أمير المؤمنين !
قال لتصدقني !
قال أسقام وأمراض
قال لتخبرني !
قال يا أمير المؤمنين عزفت نفسى عن الدنيا فاستوى عندى حجرها وذهبها وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون وأهل النار في النار يتعاوون ٢
J
1 ومن ذلك قوله الله الله في أصحابي فو الله لو أنفق أحدكم مثل أحد دهباً ما بلغ أحدهم ولا نصيفه ٢ ومن ذلك قوله - أطت السماء وحق لها أن تنط لم يبق فيها موضع أربع أصابع إلا وملك ساحد الله تعالى والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولما تلدذتم بالنساء على الفراش ولخرجتم إلى الصعدات تحأرون إلى الله تعالى
1

فقال له عمر أنى لك هذا ياغلام قال اتق الله يفرغ عليك العلم إفراغاً ۱
إنه لما قصر بنا عن علم ماعملنا تركنا العمل ما علمنا ولو عملنا ببعض ما عملناه لورثنا علماً لا تقوم له أبداننا
وروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه استسقى فأتى
بإناء فلما قربه إلى فمه وذاقه نحاه ثم بكى
6
فقيل له في ذلك

فقال رأيت رسول الله ذات يوم وهو يدفع بيديه كأن شيئاً يقع لا أرى شيئاً فقلت يارسول الله أراك تدفع بيديك ولا أرى شيئاً ! فقال نعم تلك الدنيا تمثلت لي في زينتها فقلت إليك عنى ٣ ! فقالت إن تنج منى فلن ينجو منى من بعدك ! قال أبو بكر رضى الله عنه فأخاف أن تكون أدركتني قال وكان في الإناء الذي شرب أبوبكر رضي الله عنه منه ماء وعسل فبكي إشفاقاً من ذلك
ویروی
في بعض الحديث أن أصحاب محمد ل لم يأكلوا
۱ ومن ذلك قوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله وقوله تعالى ومن يؤمن بالله يهد قلبه والآيات كثيرة جدا في هذا الباب
ومن ذلك قوله
ه من عمل بما علم ورثه الله علم مالم يعلم ۳ عملاً بقوله تعالى ولا تمدن عيبيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا
لفتنهم فيه وررق ربك خير وأبقى طه - ١٣١

تلذذاً
1
ولم يلبسوا تنعماً
وفي رواية أن أصحاب محمد ل الذين اتسعوا في الدنيا من بعده – حين فتحت عليهم من حلها - أنهم بكوا من ذلك وأشفقوا وقالوا نخاف أن تكون عجلت لنا حسناتنا فليتق الله عبد ولينصف من نفسه وليلزم منهاج من مضى وليعترف بالتقصير ويسأل الله الإقالة !
باب
الصدق في التوكل على الله عز وجل

قال الله عز وجل فَليَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ٢
وقال تعالى وعلى الله فتوكَّلُوا إِنْ كُنتُم مُؤْمِنِينَ ۳ وقال تعالى إِنَّ الله يُحِبُّ المُتَوَكِينَ ٤
وروى عن النبي الله أنه قال يدخل الجنة من أمتى سبعون

۱ لأن ذلك شأن الكافرين واسمع قوله تعالى والدين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم محمد - ۱
آل عمران ۱
۳ المائدة ٢٣
4 آل عمران ١٥٩
٦٣

ألفاً بغير حساب وهم لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون
1
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطاناً ۳
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه العز والغنا يجولان في طلب التوكل وإذا أصاباه أوطنا
فالتوكل - في نفسه ووجوده فى القلب - هو التصديق لله عز وجل والاعتماد عليه والسكون إليه والطمأنينة إليه في كل ماضمن وإخراج الهم من القلب بأمور الدنيا والرزق وكل أمر تكفل الله به والعلم بأن كل ما احتاج إليه العبد من أمر الدنيا والآخرة فالله مالكه والقائم به لا يوصله إليه غيره ولا يمنعه غيره مع خروج الرغبة
والرهبة والخوف من القلب ممن سوى الله تعالى والثقة به والعلم الخالص واليقين الثابت أن يد الله المبسوطة إليه الموفية له من كل ماطلب فلا يصل إليه معروف إلا من بعد أمره ولا يناله مكروه إلا
من بعد إذنه !
۱ متفق عليه
حياعاً
۳ رواه الترمدى وقال حسن

وهكذا روى عن الفضيل أنه قال المتوكل على الله الواثق به لا يتهمه ولا يخاف خذلانه
وكذلك المتوكل على الله إذا ملكه الله تعالى شيئاً من أمر الدنيا وفضل عنده لم يدخره لغد إلا بالنية أن الشيء إنما هو لله وموقوف لحقوق الله وهو خازن من خزان الله فإذا رأى موضع الحاجة سارع إلى الإخراج والبذل والمواساة وكان فى الذى يملك وإخوانه سواء وإنما يجب ذلك عليه لأهل الستر خاصة والقرابة التقوى ثم لعام المسلمين إذا رآهم على حال ضرورة غير نقص
حالهم
وأهل
وروى عن النبي الله أنه قال ليس الزهادة في الدنيا بتحريم ولا بإضاعة المال ولكن الزهد فى الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك وإذا أصابتك مصيبة كنت بثوابها أفرح منك
الجلال
بها لو بقيت عنك ۱

وقال بلال رضي الله عنه جئت إلى النبي
فقال ما هذا
قلت شيء ادخرته لإفطارك
ومعى
فقال أنفق بلال ولا تخش من ذى العرش إقلالاً أما خشيت
۱ الترمذي وابن ماجه عن أبي ذر
10

F
أن يكون له بخار في جهنم ! 1
ويروى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت إنى لست كأسماء - يعنى أختها - إن أسماء لا ترفع شيئاً لغد وأنا أجمع الشيء إلى
الشيء
وروى عن عائشة أيضاً رضى الله عنها أنها فرقت الدراهم وهي ترفع درعها فقالت لها خادمتها ألا أبقيت درهماً للحم قالت أفلا ذكرتني !
وروت عائشة رضي الله عنها عن النبي أنه بات في مرضه الذي قبض فيه شبيهاً بالقلق فلما أصبح قال ما فعلت الذهبية - وكانت قيمتها ستة وخمسين درهماً - فقال أخرجيها فما ظن محمد بربه لو لقيه وهذه عنده !
وروى عن مسروق رحمة الله عليه أنه قال أوثق ما أكون بالله
إذا قالت الخادم ليس عندنا شيء ! قلت فالتوكل على الله تعالى بالأسباب أو يقطع الأسباب قال بقطع أكثر الأسباب وتتخطى إلى المسبب فتسكن
إليه
حسن
۱ النزاز وأبو يعلى والطبرانى بنحوه وأسانيده كلها ضعيفة وقال الهيثمي إسناده
ونى ذلك يقول الله تعالى أليس الله بكاف عبده

قلت وهل يتداوى المتوكل أو يتعالج
قال الأمر في هدا على معان ثلاثة وقد خص تبارك وتعالى بترك الدواء والأسباب طائفة لقول النبي صل الله يدخل الجنة من أمتى ألفاً بلا حساب هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى
سبعون
1
ربهم يتوكلون ! وقال النبي الله ماتوكَّل من اكتوى واسترقى ! وقال من ردّته الطيرة فقد قارن الشرك ۳ وقد أمر النبي بالدواء والرقى وأمر بالرقية وقطع لأبي بن كعب رضى الله عنه عرقاً
فهذا على معانى قول المغيرة بن شعبة لم يتوكل من اكتوى واسترقى من هؤلاء السبعين ألفاً الذين خصهم النبي عله كذلك فسره بعض العلماء وما كان من سوى ذلك فمباح لهم من سائر الناس وهو غير ناقص من توكلهم إذا كان معهم العلم والمعرفة وكان نظرهم إلى رب الداء والدواء إن شاء أن ينفع بالدواء وإن شاء أن يضر وقد يطلب شفاءه بالدواء فيكون فيه سقمه وقد مات غير إنسان من الدواء وقطع العرق ولما طلب الشفاء وقد يرجو منفعته في الشيء
۱ متفق عليه
الترمذى منحوه وحسنه والطبرانى واللفظ له
3 أحمد والطبرانى بسند حسن عن ابن عمرو
٦٧

to wwwal-mostafacom
فتكون فيه مضرته وقد يخاف الضرر من شيء فتكون فيه المنفعة فالصادق واثق متوكل على ربّه فإنما توكل عليه حين علم أنه حسبه من جميع خلقه فلم يجد فقد شيء يمنعه الله لأن الله حسبه وهو بالغ أمره
قلت فمن قال أتوكَّل على الله لأكفى
قال لا يخلو هذا القول من معنيين
معنى أن يكفيه مؤنة الجزع والهلع لأنه يتحوّل عن شيء قد
قدره الله عليه أن ينزل به بالتوكل
فهذا قولنا وقول من أثبت القدر
ومن قال إنه يكفيه ما استكفاه لا محالة مثل قوله لا يأكلني السبع لتوكلي والذي يأتيني بطلب يأتيني بلا طلب فالتوكل يدفع عنى إذا استكفيه كل مؤنة كنت أخافها فليس يعجبنا هذا القول لأن المتوكل قد يكفى وقد لا يكفى وتوكله غير ناقص
قلت مثل ماذا اشرح لى من ذلك شيئاً
قال نعم حيث دبحت يحيى بن زكرياء أمرأة جبارة في طشت ألم يكن متوكلاً ! وحين نشير زكرياء صلوات الله عليه بالمنشار ألم يكن
متوكلاً !
وكذلك الأنبياء عليهم السلام قتلوا ونيل منهم المكروه وهم
٦٨

أقوى الخلق يقيناً وأصدقه
وهذا محمد حين هرب إلى الغار هو وأبو بكر رضى الله عنه فاختبئوا فيه وحين كسر المشركون رباعيته وأدموا وجهه ألم يكن متوكلاً
أفلا
أن تری التوكل إنما هو الاعتماد على الله عزّ وجلّ والسكون
إليه ثم التسليم بعد ذلك لأمره يفعل ما يشاء !
وهكذا روى عبد الله بن مسعود رضى الله عنه من يتوكل على الله فهو حسبه - إن الله بالغ أمرِه قال قاض أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً قال أجلاً ومنتهى ينتهى إليه العبد وليس المتوكل بالذي يقول تقضى حاجتي
فهذا تفسير ابن مسعود رضى الله عنه يخبر أن المتوكل على الله هو
الذي يلجأ إلى الله تعالى ويعلم أنه لا يتم شيء إلا من قبل الله تعالى الذي يعطى ويمنع بقدرته

فالمتوكل على الله تعالى لا يستوحش فى حالة المنع ولا يستجلب بالمتوكل الإعطاء لأن الحرص لا يعطى ولا يمنع والله جل وعز مايع
و معطى
وقد يُعطى العبد الشيء بلا توكل ويمنع وهو متوكل فقد يرى المجوسى والكافر والحاحد والفاجر المضيع لأمر الله
9

عز وجل الذى لاصدق له ولا يقين فقد يرى هازلون يكفرون وتقضى لهم الحوائج والمتوكل الصادق الموقن لا تقضى له حاجة حتى يموت ضراء وهزلاء !
وإنما التوكل ترك السكون إلى أسباب الدنيا ونفى الطمع من
6
المخلوقين والإياس منهم حين علم المتوكل أنه صائر إلى المعلوم فرضى بالله تعالى وعلم أنه لا يدرك بالتوكل تعجيل ما أخر الله تعالى ولا تأخير ما عجل ولكنه اكتسب إسقاط الهلع والجزع واستراح من عذاب الحرص وراض نفسه بأدب العلم والمعرفة وقال ما قدر سيكون وما يكون فهو آت وكذلك قال بعض الحكماء انتقم من حرصك بالقنوع كما تنتقم من عدوّك بالقصاص
وقال بعض الصحابة رضوان الله عليهم دخلت على النبي وفى البيت تمرة غابرة فقال خذها لو لم تأتها لأتتك ! حدثنا محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا مروان بن معاوية قال حدثنا المعلى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال أهدى إلى النبي ع طوائر فأطعم خادماً طائراً فلما كان من الغد أتيته به فقال ألم أنهك أن تخبأ رزقاً لغد
فهذا مالايسع الناس جهله من التوكل
وغاية التوكل أجل من ذلك

باب
الصدق في الخوف من الله عز وجل
قال الله تعالى وإيَّاى فارهَبُونِ ۱ وَإِيَّاى فاتقُونِ
وقال تعالى فَلا تَخْسُوا النَّاسِ وأَخْشَوْنِ
وقال تعالى يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ
۳
وقال تعالى كَذَلِكَ إنما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ العُلماء وقال تعالى وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلِ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ
تُفِيضُونَ فِيهِ ٤
وقال تعالى يَعلم ما في أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ
وقال النبي خف الله كأنك تراه
قال ذلك لابن عباس رضي الله عنه
فالذي
الخوف حتى يسكن القلب هو دوام المراقبة لله عز مهیج
وجل في السر والعلانية وذلك لعلمك بأن الله تعالى يراك ولا يخفى
عليه شيء من حركاتك ظاهراً وباطناً
۱ البقرة ٤٠ و ٤١
٢ النحل ٥٠
۳ فاطر ۸
٤ يونس ٦١
XJ

فعند ذلك يجل مقامه عليك فى كل حركة ظاهرة وباطنة وتحذر أن يرى بقلبك شيئاً مما لا يحبه ولا يرضاه بالوقوف منك على همك إذا كان يعلم ما في نفسك
فمن ألزم قلبه فى الحركات كلها أن الله تعالى يراه رجع عن كل ما يكره بعون الله فطهر قلبه واستنار وسكنه الخوف ودام حذره من الله فكان مشفقاً في جميع الأحوال وعظم أمر الله تعالى في فلم تأخذه في الله لومة لائم وقل وصغر من دون الله في عينه
قلبه
1
ممن ضيع أمر الله وذكر الخوف يطول وهذه الأصول التى من استعملها تؤديه إلى
الحقائق

فهذا ظاهر الخوف ومابقى من صفته أكثر
۱ ومن ذلك قوله تعالى حكاية عن خوف المؤمنين قالوا إنا كنا قبل في أهلنا
مشفقين الطور ٢٦
۷

باب
الصدق في الحياء من الله عز وجل
يروى عن النبي أنه قال الحياء من الإيمان ۱ وروى عنه أنه قال الحياء خير كله وقال استحيوا من الله حق الحياء من استحيا من الله وليذكر
حق الحياء فليحفظ الرأس وماحوى والبطن وما وعى
المقابر والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ۳
وقال النبي واستح من الله كما تستحى من رجل صالح من قومك ٤
وقال رجل يارسول الله ما نبدى من عوراتنا ومانذر قال استر عورتك إلا من أهلك وماملكت يمينك قال فأحدنا يكون خالياً
۱ مسلم والترمذى
مسلم وأبو داوود
۳ أحمد والترمذى والحاكم والبيهقى فى الشعب عن ابن مسعود
٤ هذا مثل تقريبي وإلا فالله أكبر فالاستحياء منه يجب أن يكون على قدره ومع هذا فما أحد قدر الله حق قدره لأنه لا يحيط بقدره حقيقية إلا هو والحديث رواه ابن عدى
بنحوه

قال فالله أحق أن يستحي منه
وكان أبو بكر رضى الله عنه إذا ذهب إلى الخلاء يغطي رأسه ويقول إلى لأستحيى من ربى
وهذه أخبار تدل كلها على قرب الله عز وجل من القوم لأن
المستحيى من الله تعالى يرى اطلاع الله تعالى عليه ومشاهدته له في
الأحوال جميع
قلت فما الذي
الحياء مهیج
قال ثلاث خصال
الأولى تفكيرك فى دوام إحسان الله تعالى إليك مع تضييع الشكر منك ومع دوام إساءتك وتفريطك
والثانية أن تعلم أنك بعين الله عر وجل في منقلبك ومثواك والثالثة ذكر لوقوفك بين يدى الله عز وجل ومساءلته إياك عن الصغير والكبير
قلت فما الذي يُشَيِّد الحياء ويقويه
قال و الخوف الله عر وجل عند الهوى الخاطر الواقع في القلب ! فيفزع القلب ويستوحش عندما يعلم أن الله تعالى يرى مافيه فيثبت
الحياء من الله ۱ فإذا دام على ذلك زاد الحياء وقوى
۱ ومن ذلك قوله تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإداهم مبصرون الأعراف - ۰۱

قلت فالذي يولد الحياء ماهو
قال الفزع من أن يكون الله تعالى عنه معرضاً وله ماقتاً ولفعله
غير راض قلت فما الغالب على قلب المستحيى من ربه
منه
قال إجلال رؤية ما يراه فحينئذ يهاب الله عز وجل ويستحيى
قال أبو سعيد رحمه الله تعالى سمعت بعض المريدين سأل بعض أهل المعرفة
قال ما علامة هيبة الله فى قلب العارف بالله
قال إذا استوى عنده الأفعى والذباب
قلت فيم يضعف الحياء
قال بترك المحاسبة وترك الورع

قلت فكيف أحوال المستحيى في نفسه
قال طول الخشوع ودوام الإخبات ۱ وتنكس الرأس
6
وانحصار الطرف وقلة النظر إلى السماء وكلال اللسان عن كثير من الكلام والفزع من التكشف فى الخلاء وترك العبث والضحك والحياء عند إتيان ما أباحه الله فكيف بذكر عارض مما نهى الله
تعالى عنه
۱ خضوع القلب
Yo

منه
والناس يتفاوتون فى الحياء على قدر قرب الله تعالى منهم وقربهم
باب
الصدق في معرفة نعم الله تعالى والشكر له
قال الله عز وجل وَلَقَدْ كَرَّمنا بني آدَمَ وحملناهم في البر والبحر ورَزَقْنَاهم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وفَضَّلْناهم علَى كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقْنا تفضيلاً ۱ وقال تعالى وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تحصوها ٢
وقال اذْكُرُوا نِعْمَتَى التي أَنْعَمتُ عَلَيْكُمْ فإذا أفاق العبد من الغفلة فكر ونظر إلى نعم الله تعالى عليه وتكاملها قديماً وحديثاً
فأما نعمه القديمة فذكره لك قبل أن تك شيئاً وماخصك به من توحيده والإيمان به والمعرفة له فأجرى باسمك القلم في اللوح المحفوظ مسلماً ثم أهلك القرون السالفة وجعلك في شرذمة من المؤمنين ناجية حتى أخرجك في خير أمة وأكرم دين ومن
۱ سورة الإسراء ۷۰
سورة إبراهيم من الآية ٣٤ ۳ سورة البقرة في الآيتين ٤٠ ٤٧
أمة

حبيبه محمد ثم هداك للسنة واستعملك بالشريعة وباعدك من الزيغ والأهواء ثم رباك وكلاك وغذاك حتى وجبت عليك الأحكام فأغفلت نعمته وفرطت فى حفظ وصيته وركبت هواك من
ويحلم
عمرك حيناً وفى كل ذاك لا يكافئك بإساءتك بل يسترك عنك وينظرك ثم عطف عليك يعد ذلك بعد ماكنت شروداً فأيقظك من الغفلة وعرفك ما فاتك من حظك من طاعتك فوهب لك الإنابة إليه وأجلسك على طيب مرضاته
فوجب عليك الآن شكر بعد شكر ! فأى نعماه تحصى وعلى أيها
تشکر
ولابد من معرفة الشكر ومباشرته
والشكر على ثلاثة وجوه
شكر القلب وشكر اللسان وشكر البدن
فأما شكر القلب فهو أ أن تعلم أن النعم من الله وحده لامن غيره وأما شكر اللسان فالحمد والثناء عليه ونشر
آلائه وذكر
إحسانه وأما شكر البدن فلا تستعمل جارحة - - أصحها الله تعالى
وأحسن خلقها - في معصية بل تطيع الله تعالى بها وكذلك كل ما خوّلك وملكك من الدنيا جعلته عوناً لك على
VV

طاعته ولم تحوله في باطل ولم تنفقه فى سرف ثم تبذل الله عز وجل
دکره وعزّ جَده الخدمة وتعطيه الجهد من نفسك
وهكذا يروى عن التي
أنه قام حتى تورمت قدماه فقيل
لة يارسول الله ما هذا التعب أليس قد غفر الله لك قال أفلا أكون عبداً شكوراً
وقال الله عز وجل أَعْمَلُوا آل دَاودَ شُكرًا 1 وقال تعالى لئن شكرتم لأزيدنكم
فإذا
فإذا بلغ العبد من الشكر لله عز وجل غاية انقطع فنظر شكره نعمة من الله تعالى تحتاج إلى أن يشكر الله تعالى عليها إذ جعله
من الشاكرين فعمل عند ذلك فى شكر الشكر ! ! ثم كاد يتحير
تواترت عليه من الله تعالى الألطاف بالبر والكرامات
وبلغنا
أنه فيما ناجی به موسی علیه السلام ربه عز وجل قال يارب أمرتني بالشكر على نعمتك وإنما شكرى إياك نعمة من
نعمك !
فأوحى الله إليه لقد علمت العلم إذ علمت أن ذاك منى فقد
شکرتی
وقال عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ذكر النعمة شكر ما
فدلت النعم على محبة المنعم !
1 سورة سأ من الآية

سورة إبراهيم من الآية ٧
VA

باب
الصدق في المحبة
وقد أجمع الحكماء أنها تستخرج من ذكر النعم وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي علم أنه قال أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيني لحبى ۱
وبلغنى

وقال الله عز وجل والذين آمنوا أَشَدُّ حُبًّا الله أن الله عز وجل أوحى إلى عيسى عليه السلام يا عيسى بحق أقول لك إنى أحَبُّ إلى عبدى المؤمن من نفسه التي بين
جنبيه
وبلغنا عن الحسن البصرى رضى الله عنه أن ناساً قالوا على عهد رسول الله يارسول الله إنا نحب ربنا حبا شديداً فجعل الله تعالى لمحبته علماً وأنزل عز وجل
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ۳
۱ الترمذى والحاكم عن ابن عباس بسند صحيح
سورة البقرة الآية ١٦٥
۳ سورة آل عمران ۳۱ وذكر هذا القول عن الحسن بن كثير في تفسيره

فمن صدق المحبة اتباع الرسول مع لعل الله في هديه وزهده وأخلاقه والتأسى به في الأمور والإعراض عن الدنيا وزهرتها وبهجتها فإن الله عز وجل جعل محمداً علما ودليلا وحجة على
أمته
جميع
ومن صدق المحبة لله تعالى إيثار محبة الله عز وجل في الأمور على نفسك وهواك وأن تبدأ فى الأمور كلها بأمره قبل أمر
نفسك
وبلغنا أن
موسى عليه السلام قال يارب أوصني
قال الله عز وجل أوصيك بي
قال يارب كيف توصيني بك
قال لا يعرض لك أمران أحدهما لى والآخر لنفسك إلا آثرت محبتى على هواك
فالمحب الله قد جعل ذكر الله تعالى بقلبه ولسانه فرضاً على نفسه فهو يتفرغ من الغفلة ويستغفر منها وكذلك جوارحه إنما هي وقف
لخدمة
أحبه من
فهو غير ساه ولا لاه وإنما همه أن يُرضى من أحبه فقد بذل المجهود في موافقته في أداء فرائضه واجتناب مناهيه فهو متزين له بكل
طاقته حذراً من أن يأتى عليه أمر يسقطه من عين من أحبه وهكذا روى النبي الله من غير طريق أنه قال يقول الله عز وجل ماتقرب إلى عبدى بمثل أداء ما افترضت عليه ولايزال يتقرب

إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً =
دعانى فأجبته ونصح لى فنصحت له ۱
فعلامة المحب الموافقة للمحبوب والتجارى ٢ مع طرقاته في كل الأمور والتقرب إليه بكل حيلة والهرب من كل ما لا يعينه على
مذهبه
۳
قلت فالمحبة على قدر النعم
قال المحبة بدؤها من ذكر النعم ثم على قدر المنعم على قدر ما يستحق لأن المحب لله تعالى يحب الله تعالى - عند النعم وعند فقدها وعلى كل حال - حباً صحيحاً منعه أو أعطاه أو ابتلاه أو
عافاه فالمحبة لازمة لقلبه على حالة واحدة في العقد ٤ ثم هي إلى الزيادة أقرب

ولو كانت على قدر النعم لنقصت المحبة إذا نقصت النعم في وقت الشدائد ووقوع البلاء لكن المحب لله تعالى الذى وله ه عقله بربه واشتغل برضاه فكان فى شكره الله وذكره حيران كأنه ليس نعمة
على أحد إلا وهى عليه وهو مشغول بحبه لله عز وجل عن كل
۱ البخارى بنحوه وفيه هنا زيادات التجاري المسايرة أي المتابعة
۳ مذهبه قصده وطريقته
٤ العقد العزم والية
٥ وله عقله أى دهب والمعنى هنا اشتد حبه حتى كأنه ذهب عقله
۸۱

الخلق وقد أسقطت المحبة لله تعالى عن قلبه الكبر والغل والحسد والبغى وكثيرا مما يعنيه من أمر الدنيا من مصلحة فكيف يذكر ما لا يعنيه !
قال بعض الحكماء من أعطى من المحبة شيئاً فلم يعط مثله من الخشية فهو مخدوع وروى عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى أنه قال الحب أفضل من الخوف
وحدثنا إسماعيل بن محمد قال حدثني زهير البصري قال لقيت شعوانة فقالت لى ما أحسن طريقتك ! إلا أنك تنكر المحبة !
قلت ما أنكرها
فقالت لي أتحب ربك
فقلت نعم
قالت فكيف تخاف ألا يحبك وأنت تحبه !
قلت أنا أحبه لما أولاني وماندانى ١ من معرفته ونعمه ولى
ذنوب أخاف أن لا يحبنى لما كسبت !
فغشى عليها ثم أفاقت فقالت زه !
۱ نداني المدى الجود والمعنى هنا ما أسبع على من معرفته ونعمه
كسب الإثم أى ارتكبه وتحمله
AY

قال أبو سعيد رحمه الله تعالى ما أحسن ماقال هذا الرجل ! هذا
كلام صحيح ! !
قال أبو سعيد قدس الله روحه قال رجل من رفعاء البدلاء من يحب الله كثير الشأن فيمن يحبه الله
وبالله التوفيق
وفى هذا بلاغ لمن أعانه الله تعالى وسدده وما بقى من صفات
المحبين أكثر !
باب
الصدق فى الرضا عن الله عز وجل
قال الله عز وجل فَلَا وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فى أنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما ۱ قال بعض العلماء رحمهم الله تعالى ماشهد الله تعالى لهم بالإيمان حين لم يرضوا بحكم نبيه فكيف إذا لم يرضوا تحكمه عز وجل !
قلت فما علامة الرضا فى القلب وما موجوده !
قال
سرور القلب بمر القضاء
۱ سورة النساء ٦٥ شجر وقع من نزاع حرحاً ضيقا

وقال بعضهم الرضا تلقى المصائب بالرجاء والبشر
وروى عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه قال كنت خادم السبيل فيما قال لى لشيء قط لما فعلت أو ألا فعلت ! إيما كان يقول كذا قضى وكذا قدر ۱
وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال ما أبالى على ما أصبحت وما أمسيتُ على ما أحب أو على ما أكره لأنى لا أدرى أيهما خير لى
وقال عمر أيضاً لو أنّ الصبر والشكر بعيران لى ما أبالى على أيهما
رکت
فهذا يدلك على الرضا من قول عمر رضى الله عنه لأن الصبر لا يكون إلا على ما يكره والشكر لا يكون إلا على ما يجب فقال لا أبالى أيهما وقع لى وذلك لاستواء الحالين عنده
أنه قال حبذا
ويروى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه المكروهات وايم الله ما هو إلا الغنى والفقر وإن حق كل واحد منهما لواجب إن كان الغنى فإن فيه العطف وإن كان الفقر فإن فيه الصبر
۱ قصى وقدر حكم مما سبق في علمه واقتصاه

وفى ذلك يقول النبي عل عجباً للمؤمن حال المؤمن كله حير له إن أصابته نعماء شكر وإن أصابته ضراء صبر أو كما قال
٨٤

وقال عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه أصبحت ومالي في الأمور
من اختيار
وقال بعضهم ومالى من النعم سوى مواقع القدر في كائناً ما كان وكان قد سقى السم فقيل له تعالج فقال لو علمت أن شفائي في أن أمس أنفى أو أذنى مافعلت
لابن مسعود رضى الله عنه يابن أم عبد وقال النبي لا يكثر هَمُّك 1 وماترزق تأكله ما يقدر يكن
6
6
وقال النبي ع في قصة طويلة لابن عباس رضي الله عنهما فإن
استطعت أن تعمل الله بالرضا في اليقين وإلا ففي الصبر على ما تكره
خير كبير
أفلا

أنه دعاه إلى أعلى الحالين تری وقال بعض الحكماء إذا استتم فى العبد الزهد والتوكل والمحبة
واليقين والحياء صح له الرضا وهو عندنا كما قال وإلا فهو مع الناس أوقات وخطرات ۳ قدر إيمانهم ثم يعودون إلى الصبر
على
۱ همك كثرة انشغال بالك والحديث رواه البيهقي في الشعب وفي القدر يسند
ضعيف
الترمذي من حديث ابن عباس ورواه أيضاً الطبراني
۳ خطرات ما يخطر في القلب من تدبير

وقال بعضهم الرضا قليل ومعول ۱ المؤمن الصبر فقلت اشرح لى قول الحكيم الراضى يتلقى المصائب بالبشر
والسرور
قال إن العبد لما صدق فى محبته وقعت بينه وبين الله تعالى المفاوضة والتسليم فزالت عن قلبه التهم وسكن إلى حسن اختيار من أحبه ونزل في حسن تدبيره وذاق طعم الوجود به فامتلأ قلبه فرحاً ونعيماً وسروراً فغلب ذلك ألم المصائب والمكروه والبلوى فصار اسم البلوى عليه معلقاً فيُستخرج منه إذا نزل به أمور كبيرة فتارة يتنعم بعلمه به إذا علم أنه يراه في البلوى وتارة يعلم أنه ذكره فابتلاه ولم يغفل عنه على عظم قدره أن يولى من أمره مافيه الصلاح فيراه تارة يشكو إليه شكوى المحب إلى حبيبه وتارة يئن إليه وتارة يطمع أن يراه
راضياً
عنه
فهكذا قال جل ذكره يَايَّتها النفس المطمئنة ارْجِعِي إِلَى رَبِّكَ
رَاضِيَةً مَرْضِيَّةٌ ۳

فالرضا تعجله العقلاء عن الله عز وجل في الدنيا قبل الآخرة
فخرجوا من الرضا إلى الرضا

۱ معول المؤمن سلاح المؤمن
ومن ذلك قوله بعد أن شكا إليه ضعفه وقلة حيلته وهوانه على الناس اللهم
إن لم يكن بك عضب على فلا أبالى
۳ سورة الفجر ۷ ۸
٨٦

وهكذا قال عز وجل رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا وأَعَدَّ لَهُمْ
جنات الآية
فقد ذكرنا بعض صفات الراضين من ظاهر ما أمكن أن يذكر مثله في كتاب ومابقى من صفاتهم أكتر
وبالله التوفيق

باب
الصدق في الشوق إلى الله عزّ وجل
روى عن النبي علم أنه كان يقول في دعائه اللهم إنى
أسألك
لذة العيش بعد الموت والنظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك وروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان يقول أحب الموت اشتياقاً إلى ربى
C
وروى عن حذيفة رضى الله عنه أنه قال عند الموت حبيب جاء على فاقة !! لا أفلح من ندم
1
وروى عن شهر بن حوشب رضى الله عنه أنه قال أخذت
معاذ رضى الله عنه قرحة فى حلقه فقال اخنق خنقك فوعزتك
إنى أحبك
"
١ الفاقة شدة الحاجة إلى الشيء اختيق حنقك أي اقبض الروح
۸۷

وكان على بن سهل المدائني رحمه الله يقوم إذا هدأت 1 العيون فينادى بصوت له محزون يا من اشتغلت قلوب خلقه عنه بما يعقبهم عنه لقائه ندماً
ويا من سهت قلوب عباده عن الاشتياق إليه إذ كانت أياديه إليهم قبل معرفتهم به ثم يبكى حتى تبكى لبكائه جيرته ثم ينادى ليت شعرى سيدى إلى متى تحبسنى ۳ ! ابعثنى سيدى إلى حسن وعدك وأنت العليم أن الشوق قد برح بى وطال على الانتظار ثم يخر مغشياً عليه فلا يزال كذلك حتى يحرك الصلاة
الصبح وكان الحارث بن عمير رحمه الله يقول إذا أصبح أصبحت و نفسى وقلبى مصر على حبك سيدى ومشتاق إلى لقائك ! فعجل بذلك قبل أن يأتيني سواد الليل فإذا أمسى قال مثل ذلك فلم يزل على مثل هذا الحال ستين سنة
فالمشتاق إلى الله تعالى هو المتبرم ٤ بالدنيا والبقاء فيها وهو محب
للموت وانقضاء المدة والأجل
ومن علامته التوحش ٥ من الخلق ولزوم العزلة والانفراد
۱ هدأت العيون نامت
1 أياديه نعمه - ۳ تحبسنى تقضى ببقائى
٤ المتمرم الضجر
٥ التوحش النفور

بالوحدة ومن شأنه القلق والحنين والحزن والنحيب ۱ والكمد والغصة ٣ المنكسرة فى الصدر بشدة الشغف ٤ والكلف ٥ بذكر المحبوب والارتياح إليه والفكرة الصافية بهيجان
والهذيان
1
الهمة ٧ وجولان ۸ الروح فى الغيوب لطلب اللقاء والبهت
4
6
والدهش والحيرة عند توهم الظفر بالأمل من المأمول ونسيان حظه من

الدنيا والآخرة إلا رؤية من هو إليه مشتاق نعم ثم يعارضه الآن الخوف الذي هو الخوف أن لا يصل إلى محبوبه ويخاف أن يقطع به دونه ويحال بينه وبينه ويحجب ١٠ عنه ثم يخاف أن تحدث حادثة إذ كان في دار البلوى فقد طالت عليه الأيام والليالي إلى أن يخرج من الدنيا سالماً على الأمر الذي يرضى مولاه
۱ النحيب البكاء
الكمد الحزن المكتوم
۳ ما يقف في الحلق من طعام وشراب
٤ الشغف الهوى الشديد
٥ الحب والولع
٦ الهذيان الذي يخلط ويتكلم بمالا ينبغى
۷ هيجان الهمة هدة العزيمة
۸ جولان الروح طوفان الروح ۹ البيت الدهش والتحير
۱۰ يحجب يمنع

فهذا بعض ما يمكن ذكره من صفات المشتاقين ومابقى من
نعتهم 1 أكثر
وبالله التوفيق
الصدق فى الأنس بالله تعالى وبذكره وقربه
قال بعض الحكماء الأنس بالله جل ثناؤه أرق وأعذب من الشوق - لأن المشتاق كان بينه وبين الله تعالى مسافة خفيفة لعلة شوقه والمستأنس أقرب
من الله

عز وجل
وهكذا روى عن النبي الله حين أتاه جبريل عليه السلام في صورة رجل فسأله عن الإسلام والإيمان ثم سأله عن الإحسان فقال له النبي - أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه
يراك فقال له صدقت !
وروى عن النبي عل الله أنه قال لابن عمر - رضي الله عنه اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ٣
۱ بعتهم وصفهم وقد بين النبي مظنة القرب فقال أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء من أن يستجاب لكم
۳ رواه الشيخان

وإنما دله على قرب الله عز وجل وقيامه عليه ومن قرب الله تعالى تُستخرج حقائق الأمور في كل مقام فمن كان مقامه الخوف أدركه من قرب الله تعالى – حين علم أنه يراه - الحذر والفرق ۱ والخشية ٢
ومن كان مقامه المحبة أدركه من حقائق قرب الله تعالى حين علم أ يراه الفرح والسرور والنعيم والمسارعة فى طلب رضاه والقربة ليراه منافساً راغباً يريد القربة إليه والمبالغة فى محبته
والصابر فى وقت بلواه ومصيبته وما يتحمله لسيده مما يقربه من
ثوانه حين سمع الله عز وجل يقول إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وقال تعالى وأصبر لحكم رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُننَا ۳ سهل عليه عند ذلك معالجة الصبر واحتمال مؤنته وكذلك أهل كل مقام عبدوا الله تعالى على القربة وذلك حين أيقنوا وهم الذين لا يكادون يصلون ولا يرجعون وأما العامة من الناس فإنهم عملوا على ما انتهى إليه من الأمر
والنهي على رجاء ضعيف فخلطوا ولم يحققوا ! فمن صدق الأنس ما يروى عن عروة بن الزبير رحمة الله عليه أنه
۱ الفرق الخوف
٢ الحشية الخوف عن علم قال الله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء ۳ سورة الطور ٠ ٤٨
۹۱

خطب إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ابنته وهو يطوف ببيت الله الحرام فلم يجبه ابن عمر ولم يرد عليه جواباً ثم لقيه عبد الله بعد
ذلك فقال له إنك كلمتنى فى الطواف ونحن نتخيل الله بين أعيننا
الأبي
فالمستأنس كأنه ينظر إلى ما اشتاق إليه المشتاق ويروى عن عبد الواحد بن زيد البصري رحمه الله تعالى أنه قال الشامي رضى الله عنه ورحمه أما تشتاق إلى الله تعالى
عاصم
قال لا إنما تشتاق إلى غائب فإذا كان الغائب شاهداً فإلى مَنْ تَشْتاق فقال عبد الواحد سقط الشوق
وروى عن داود الطائي رحمه الله تعالى - وكان من المسلمين الذين أجمعوا على صدقه وعدالته - قال أيضاً إنما تشتاق الغائب
قال بعض العلماء رحمه الله وإنما قالوا هذا من حقائق الوجود
معه
إذ كان
معهم
لقرب الله عز وجل كأنهم شاهداً لا يغيب الله تعالى تسكين وتطمين ورحمة وراحة عجلها لهم في
وذلك من الدنيا وإلا فما الذي وصل إليهم من الله عز وجل من قربه ! فمن علامة المستأنس بالله تعالى وبقربه أن يكون واجداً ١ لذكر الله عز وجل في قلبه واجداً لقربه منه لا يفقده على كل حال وفي كل
۱ واجداً المقصود هنا الموجود صد المعدوم
۹

وقت وكل موطن ۱ ويكون الله عز وجل وقربه السابق إليه قبل الأشياء وذلك إذا سكن قلبه نور قرب الله تعالى منه فبه ينظر إلى الأشياء وبه يستدل على الأشياء ٢
منه
وهكذا يروى عن عامر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال ما نظرت إلى شيء قط إلا كان الله تعالى أقرب إلى من ومن صفات المستأنس أن يكون متبرماً بالأهل والخليقة كلهم مستعذباً ۳ للخلوة والوحدة ويكون في البيت المظلم متبرماً بالمصباح إذا رآه بل يجيف بابه 1 ويسبل ستره ويواحد قلبه ويألف مليكه فيكون به أنيساً وبمناجاته متنعماً ويكون متفرغاً من طارق يطرقه فينغص عليه خلوته ثم تراه مستوحشاً من ضوء الشمس إذا دخل عليه في صلاته ويتثاقل تلقاء ٥ الخلق ويملهم ويكون لقاؤهم ومجالستهم عليه غراماً ٦ وخساراً فإذا جنه الليل ۷ ونامت العيون وهدأت
۱ الموطن الوطن المكان وفى الحديث القدسي الصحيح فإذا أحبته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها متفق عليه ۳ مستعداً واجداً لها حلاوة
٤ يجيف بابه يغلق بابه
ه تلقاه تجاه قباله ٦ عراماً عرماً
۷ جبه الليل ستره

الحركات وسكنت حواس الأشياء ۱ خلا عند ذلك بينه فهاج شجوه ۳ وتصاعدت أنفاسه وطال أنينه وتنجز الموعود من
مأموله وماقد غذاه من فوائده وألطافه فظفر عند ذلك ببعض سؤله وقضى بعض أوطاره ٤
وكذلك المستأنس تذهب عنه الوحشة في المواطن التي يفزع فيها
6
والجماعة
الناس فيستوى عنده العمران والخراب والقفار ه والوحدة وذلك الذى استولى عليه من قرب الله عز وجل وعذوبة

دكره ويغلب ماسواه من العوارض الظاهرة والباطنة فهذا ظاهر الأنس الذى يمكن أن يذكره ومابقى من مقامات الأنس أكثر وأعز من أن يكون في كتاب إلا أن يجرى منه شيء عند
المذاكرة مع
أهله
وبالله التوفيق
1 سكنت حواس الأشياء مبالغة في السكون
البث المساحاة المبثوثة بالزهرات
٣ الشحوة الوحد
٤ قصى بعض أوطاره بال بعض بغيته ومصداق ذلك قوله تعالى وتبتل إليه
تبتيلا
0
القمار الحرداء

مقامات الصادقين
كل قوم على أقدارهم
امتحان المؤمن
علامة الواصلين
مقام القرب

كل قوم على أقدارهم
واعلم أيها السائل عن الصدق وشرحه أن الذي ذكرته لك إنما هو ظاهر الصدق والصبر والإخلاص الذى لايسع الناس جهله ولاترك العمل به خاصة المريدين من الناس الطالبين لسلوك سبيل
النجاة
ومن الناس من لا يكون له عند الله تعالى إلا هذا العلم الظاهر والعمل الظاهر فيفعل فى ذلك ويصدق فيه فيؤديه ذلك إلى رحمة الله تعالى وثوابه وله عند الله خير كثير ومن الناس من يصدق في هذه المقامات التي ذكرناها وأكثر فيؤديه ذلك في عاجل الدنيا إلى المقام الرفيع والعلم بالله والمقام الشريف فيصير إلى الروح والراحة والنعمة بمعرفة الله عز وجل والظفر بقرب الله تعالى والوصول إلى المنزلة الشريفة التي يدق ۱
وصفها وشرحها
وقال بعض العلماء بالله تعالى إن الله يكرم أولياءه بكرامة لا يطلع
عليها العباد لا في الدنيا ولا في الآخرة

1 يدق دق الأمر يدق إذا غمض وحتى معناه فلا يكاد يفهمه إلا الأذكياء

ألم تسمع لقول الله عز وجل فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِى لَهُمْ مِنْ
قرة أعين ۱

ويقال في الحديث فيعطون مالاعين رأت ولا أذن سمعت ولا
خطر على قلب بشر
وهكذا كل قوم على أقدارهم
ومنهم من لا تنقضى كرامته من ثواب الله تعالى ومن النعيم في الجنان ومنهم من لا تنقضى كرامته من الله تعالى والزيادة من بره
والنظر إليه
وقد صح الخبر عن النبي أنه قال إن أدنى ٢ أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه ألفي عام يرى أقصاه ۳ كما يرى أدناه ومنهم من ينظر إلى وجه الله جل وعز كل يوم مرتين ومحال أن يكون هؤلاء سواء أو كان علمهم في الدنيا سواء
قال جل ذكره وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبيِّنَ عَلَى بعض 4
فلم يقع التفضل على الخلق إلا بفضل علمهم بالله تعالى والمعرفة به
قدر
هذا الأنس تفاوتوا فى الدنيا والآخرة
ثم على وبالله التوفيق

۹۸
1 الإسراء من الآية
۳ أقصى أبعد
٢ أدنى أقل ٤ السجدة ١٧

امتحان المؤمن
نفسه
قلت فهل يصير العبد إلى حال يفقد مطالبة الصدق من ويسقط عنه مؤنة الأعمال وأثقال الإخلاص ومؤنة الصبر ويكون
عاملا بالصدق فأخذ مما ذكرت وأكثر بلا اشتغال ولا تعب قال نعم ألم تسمع الحديث الذى يروى إن الجنة حفت بالمكاره وحفت النار بالشهوات
ويروى في خبر آخر إن الحق ثقيل مرىء ۱ وإن الباطل
خفيف وبيء "

والنفس مجبولة بحب هذه الدار والسكون إليها وحب الدعة ۳
والراحة فيها
أما الحق واتباعه والعمل به والصدق وأخلاقه فذلك كله هو خلاف محبوب النفس
فإذا عقل العبد عن الله تعالى وفهم ما دعاه إليه من العزوف ٤ عن
۱ مرىء طيب
وبيء كثير مرضه صوره ۳ الدعة - الترك حب الراحة ٤ عرف عن الدار انصرف عنها
۹۹

هذه الدار الفانية والرغبة فى الدار الباقية حمل عند ذلك نفسه على احتمال المكاره من ركوب طريق الصدق وعزم على بذل المجهود وصبر الله تعالى وكابد ۱ نفسه واستعان بالله تعالى فنظر الله تعالى إليه راغباً فيما لديه حريصاً على أن يرضيه وعاد عليه عند ذلك بلطفه وعونه فسهل عليه العسير مما استصعب من نفسه وأبدله بالمرارة حلاوة وبالثقل خفة وبالخشونة ليناً ودعة فسهل عليه قيام الليل وصارت المناجاة الله تعالى والخلوة بخدمته له نعيماً بعد شدة المكابدة

وصار الصيام والظمأ فى الهواجر خفيفاً عليه حين ذاق عذوبة مارجا من روح الله تعالى وحسن عاقبته وكذلك تبدلت وسهلت الأخلاق والأحوال عليه حين قام له من كل مقام عاناه وكابده الله تعالى التماس رضاه عوض مكانه من الخير فتغيرت عند ذلك أخلاقه وانتقل طبعه وهدأت نفسه وانتعش عقله وسكنه نور الحق فألفه

ونفر عنه الهوى وطفئت ظلمته فصار عند ذلك الصدق وأخلاقه طبعاً له لا يحسن غيره ولا يألف إلا إياه ولا يسكن إلى غيره واكتنفته ۳ العصمة من ربه فضعف عند ذلك كيد عدوه وصار مغلوباً حين ماتت دواعيه
۱ کابد نفسه حمل نفسه المشقة
٢ الظمأ فى الهواجر شدة العطش في الحر الشديد ۳ اكتنفته العصمة أحاطته من كل جانب
1

من الباطل وكل ۱ سلاحه بموت الهوى وانقياد النفس حين تخلقت بأخلاق المرحومين
قال الله جل ذكره حين أخبر عن يوسف عليه السلام إنّ النفس لأمارة ٢ بالسوء إلا ما رحم ربى فأنفس الأنبياء والصديقين عليهم السلام مرحومة وكذلك كل مؤمن على حسب قوة إيمانه فسقطت عند ذلك عن البعد معاناة الصدق وثقل العمل به فصار عاملا بالصدق الذي ذكرناه وأكثر بأضعاف كثيرة بلا مؤنة بل صار ذلك نعيما وغذاء إن تركه توحش فصار الصدق وأخلاقه صفة له من تركه وتفزع من فقده
۳
كأنه لا يحسن غيرها حتى لم يزل كذلك ومصداق ذلك في الكتاب والسنة موجود
قال الله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإنَّ الله لمع
المحسنين 1 وقال عز وجل وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ويمكنن لهم
1 كل السيف أي لم يعد يقطع
لأمارة بالسوء تهم بالسوء
۳ تفرع من فقده كثر خوفه
٤ العنكبوت ٦٩

11

دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم لا يشركون بي شيئاً ۱
أمناً يعبدوني
وقال عز وجل ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض وقال عز وجل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ۳ أي عن الدنيا
وإنما أردنا أن نثبت المجاهدة للنفوس وبذل الجهد ٤
الصدق
6
ثم إن المعونة من الله تأتى من بعد ذلك والحجة في ذلك قائمة في
السنن
قال ابن عباس رضی الله عنهما في تفسير سورة طه قال معنى طه يارجل بلسان الحبشية ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى
قال لتعنى به أملا ترى أنه حين قام الله عز وجل شكراً حتى تورمت قدماه شكراً لله تعالى فأمره بالهدوء
۱ النور ٥٥
القصص ٥
٣ السحدة ٢٤
٤ الجهد الوسع والطاقة
۱۰

وقد روى أن النبي كان يتعبد في حبل حراء الشهر
وأكتر 1
الحرس
وكذلك يروى أن النبي الله كان يحرس ويحفظ من عدوه حتى نزلت هذه الآية والله يعصمك من الناس فنحى تصديقاً لقول الله عز وجل حين ذكره له أنه يعصمه فأيقن وسكن
وكذلك المؤمنون يأتيهم اليقين بعد الضعف وكذلك النبي الله كان يخرج إلى الغار بالجبل الذي يقال له ثور ويختبئ هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه تم يخرجان إلى المدينة هاربين في السر وهذا إنما كان وقت البلوى من الله تعالى له إذ كان عليه السلام في مقام الصبر والمجاهدة تم من بعد ماصار إلى المدينة عليه السلام تغزوه قريش يوم وقعة أحد فتقتل أصحابه وتكسر رباعيته ۳ عليه السلام
ويدمى وجهه
أفلا
أن الهوى ٤ والمحنة لازمة له وللمؤمنين طالبة لهم تری
ثم إنه لم يخرج هو وأصحابه فيهل ه ويسوق الهدى يريد
۱ رواه البخاري
بحي الحرس عزلهم
۳ رباعيته السن التي بين الثية والباب
٤ مسارعة النفس
٥ يهل يرفع صوته بالتلبية لبيك اللهم لبيك في الحج

العمرة ۱ فتمنعه قريش من دخول مكة حتى اضطرب الناس فأحل بالموضع الذي يسمى الحديبية ورجع ولم يدخل الحرم !!! ثم انظر الآن حين انقضت مدة البلاء وجاء النصر كيف دخل ملكة فقتل وأمن من شاء ثم بشر عندها بالمغفرة فأنزل الله عز وجل إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ماتقدم من ذنبك وما تأخر ۳ الآية
وهذا
موسی ومنزلته عند الله فانظر إلى عظيم بلائه حين حملت به أمه كيف ذُبحت النساء وقتل الولدان في طلب
موسى عليه السلام ! فرجع بلاؤه على الخليقة
ثم أخبر الله عز وجل عنه فقال فأصبح في المدينة خائفاً يترقب ٤
وقال إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إلى لك من الناصحين فخرج منها خائفاً يترقب قال ربِّ نجني من القوم الظالمين ٥ ثم انظر أيها المريد الطالب للوصول إلى كرامة الله عز وجل
1 العمرة الحح الأصعر وهو مأحود من الاستعمار أي الزيادة
٢ أحل حرج من إحرامه
٣ الفتح ٢٠١٠
٤ القصص يترقب ينتظر
۰۱ ۰
٥ القصص
12

بالتوانى والتفريط ۱ ألم يبلغك أن موسى عليه السلام لم يصل إلى امرأته حتى رعى الغنم وخدم عشر سنين ثم أرسله الله تعالى وكلمه
وأظهر برهانه ! فقال لاتخافا إنني معكما أسمع وأرى !
محين قال لهما لا تخافا هل خافا ألم يجعل لهما آية في عصا فظهرا على كيد السحرة وهزما الجيوش تم أداله ۳ الله تعالى من أعدائه وأغرقهم أجمعين ! وهذا يوسف عليه السلام حين أخبر الله تعالى عنه أنه يلقى في الجب
ثم لم
ثم يباع بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين يفارقه البلاء حتى فتن بامرأة العزيز وسجن السنين الكثيرة ثم انظر كيف أداله الله تعالى على إخوته ثم أخرجهم الله تعالى فأظهر برهانه وجعله على خزائن الأرض
وكذلك الأنبياء الذين ذكرهم الله عز وجل عليهم السلام وفى هذا بلاغ لمن فهم عن الله عز وجل وعن العلماء الأدلاء 4 على الطريق إلى الله عز وجل ! !
۱ التوالى والتفريط التوانى من توالى توابياً إذا لم يهتم ولم يحتفل بالأمر والتعريط من
مفرط تفريطاً إذا ضيعه
طهر تغليا
۳ أداله الله جعل العلمة له على عدوه
٤ الأدلاء المرشدين الكاشفين
۱۰۵

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما روى عنه أنه ماسلك طريقاً قط إلا سلك الشيطان طريقاً غيرها وقال إن الشيطان ليفر من جبين عمر وقد كان بالأمس من اللات والعزى في أمور ترضى
الشيطان !
فانظر كيف أخلص الله تعالى وصدق إن كان منه العدو وباطله
وروى عن ثابت البناني رحمة الله عليه
أنه قال كابدت
القرآن عشرين سنة وتنعمت به عشرين سنة

1
وقال بعض الحكماء إن القوم لم يزالوا يمضون الصبر حتى صار
عسلاً
وقال بعض الحكماء إن دون ۳ كل بر عقبة فمن تجشم ركوبها
0
أفضت ٤ به إلى الراحة ومن ركوب العقبة فلم يرقها ٦ بقى
مكانه !
هاله
قلت فلا بد من هذه البلوى والاختبار
قال لابد منه لكل عبد رفيع القدر عند الله عز وجل من أهل
1 كابد تحمل المشاق
يمضون الصبر يتحملون ألمه
۳ دون کل بر · قبل کل پر ٤ أقصت به انتهت به ٥ هاله أفزعه
٦ يرقها يصعد إليها

المعرفة بالله عز وجل
وقد صح الخبر عن النبي له أنه سئل من أشد الناس بلاء
قال الأنبياء تم الصالحون تم الأمثل فالأمثل ۱ يبتلى العبد حسب دينه فإن كان فى إيمانه قوة شدد عليه البلاء
وإن كان في إيمانه ضعف خفف عليه البلاء
فالأنبياء عليهم السلام بادأهم الحق عز وجل بكرامة الرسالة وبشرهم بالنبوة ثم حمل عليهم البلاء فاحتملوا البلاء بقدر الكرامة التي أكرمهم بها حتى راضهم بالبلاء وتفقهوا فيه وبه صبروا لله عز وجل حتى نصروا
والمؤمنون قامت لهم الرغبة فى ثواب الله عز وجل الذي وعدهم والرهبة من عقابه الذي به تواعدهم فصبروا لله تعالى وأخلصوا وصدقوا فشكر الله تعالى لهم ذلك وأظهر برهانهم على الخليقة فجعلهم علماء يقتدى بهم وأسكن اليقين قلوبهم
ماجه
ثم إن المؤمنين بعد ذلك على وجهين
فمنهم من يبدؤه الله تعالى بالنعمة والمنة والموهبة فيهب له
۱ رواه الطبرانى بسند حس وله شواهد في مسند أحمد والبخاري والترمدى وابر
راضهم بالبلاء أسلس قيادهم به أى جعل أنفسهم راضية بالبلاء حتى صار الحلم
طابعها والدماثة من سحاياها
۱۰۷

الإنابة ويحبب إليه البر ويسهل عليه الطاعة ويبدؤه بالمنن الكثيرة فإذا تمكن الروح فى قلبه واستعذب الأعمال الصالحة حمل عليه بعد ذلك البلاء والاختبار والمصائب والضراء والعسر والشدة نعم ثم تؤخذ منه الحلاوة التى كان يجدها والنشاط في البر فتثقل عليه الطاعة بعد خفتها ويجد المرارة بعد الحلاوة والكسل بعد النشاط والكدر بعد الصفاء وذلك لعلة البلوى والاختبار فتعتريه
الفترة 1
"
فإن جاهد الآن وصبر واحتمل المكروه صار إلى حد الراحة والبلوغ وأضعف له البر ظاهراً وباطناً ! !
وهكذا يروى في الحديث إن لكل شرة ٢ فترة فمن كانت فترته إلى سنة ۳ فقد نجا وأن كانت فترته إلى بدعة ٤ فقد هلك وقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه طوبى لمن مات في النأناة بدء الإسلام وشرته ويروى في الحديث إن الله عز وجل يأمر جبريل عليه السلام فيقول اقبض حلاوة الطاعة من قلب عبدى فإن تأسف عليها فردها
عليه وزده وإلا فدعه !
۱ الفترة انكسار الحدة وذهاب الشاط
٢ الشرة الحدة

۳ السنة الطريقة التي مات عنها الرسول والصحابة والتابعون
٤ البدعة ما خالفت السنة والحديث رواه البيهقي
1A

ويروى في حديث آخر إن الله عز وجل يقول إن أدنى1 ما أصنع بالعالم إذا ركن إلى الدنيا أن أنزع حلاوة مناجاته إياى من صدره وأن أدعه في الدنيا حيران
وفى خبر بر آخر إن العبد إذا ركن إلى الدنيا بعد العلم والمعرفة والعلم بالبصيرة يقول الله عز وجل لجبريل عليه السلام انزع حلاوة الدنيا مقصماً مناجاته إياى من صدره وأعطه من
عنى
يشتغل به
أما العبد الثانى فإنه يبدأ بالصدق والأعمال الصالحة وأخلاق الصدق ثم يعمل فى ذلك ماشاء الله عز وجل فتأتيه الكرامة بعد
ذلك فيعطيه الله تعالى مالم يرجه ويحتسبه
وهكذا عامة البدلاء لا تأتيهم الآيات والكرامات إلا من بعد العمل وبذل الجهد وأكثر مالم يحتسبوا ما أتاهم الله تعالى به حين بدأهم الله عز وجل به
ومنهم من اطلع على القوم وقيل له إنك منهم فعمل بعد أن
أخبر بذلك
ومنهم من يعرف نفسه ولا يعرف غيره
ومنهم من يعرف الجميع بأسمائهم وقبائلهم
1 أدنى أقل مقصماً مقطعاً
19

فإن كنت أيها السائل عن الصدق وشرح الطريق قد عملت في
الصدق ما ذكرته لك من العلم وباشرت هذه المنازل ونزلت هذه المراحل وقطعت هذه الأسباب التي ذكرناها فأفضيت مها إلى الراحة والسكون والطمأنينة فأنت محاط بالعصمة وماض على سبيل
الاستقامة والمحجة البيضاء التى توردك على الله عز وجل فهنيئاً لك وبارك الله فيك فأنت من أمرك على بصيرة
L
فإن كنت قد باشرت الصدق وعملت فى كل مقام البر بقدر طاقتك
وما أذن الله تعالى لك وعاينت الأمور فعسى أن يكون الله قد رآك

وقد أبليت 1 فيا بينك وبينه عذراً لرغبتك في التقرب إليه فصح
بنية صحيحة

التعرص
بين
له
إليه افتقارك حين علمت أنه لابد لك منه فألقيت كنفك يديه فعسى أن يكون قد رآك فى بعض الأوقات إليه قاصداً راغباً صادق و عزم علم أنك لاتمل ولا تبرح من دون بلوغ مناك فجادلك ببره وأعطاك بعض الأمل منه بل جذب قلبك إليه جذبة فأسكنه اليقين وأشرف به على الآخرة فسهل عليك عند ذلك العسير وألان لك من نفسك الصعب الذلول تم اختصر بك الطريق إليه فقر قرارك وقامت حياتك وطاب عيشك فذلك تعرف السيّد الكريم الذى لا تنقصه المواهب ولا ينفد
1 أبليت حرحت من الامتحان فائراً منتصراً
كيفك حاسك

نائله لأنه البر الرحيم الذي تسمى الشكور ! ! فيا عجباً كل عجب وعجب كل متعجب ولا عجب إذ كان السيد الكريم يفعل ما يريد
ولكن موضع العجب يلزم العبيد من شكره لعبيده الأمر الذى بدأهم به ودلهم عليه واستعملهم به وحفظ عليهم ثم أحبهم عليه ونسبه إليهم فعلا ثم كتبه لهم في المقبول ثم أثنى به عليهم بما وعدهم
عليه الجزاء ! !
فهذا البر الآن من الكريم لانقف عليه العباد بل تحير فيه العقول !
إنما
هيهات أيها السائل المريد ! ! أستيقظ من طول هذه الرقدة هذه أسماء علقها عليهم أنهم فاعلون وأمور نسبها إليهم وما أظنها إلا له والتوفيق والصنعة منه فى صنعته التي تفرد بإنشائها وإبدائها لما شاء وهو الفعال لما يريد الذي يصيب برحمته من يشاء ! ! والعقلاء عن الله عز وجل من عباده يتلقون الأمور على هذا الوصف والشرح ويرجعون فى الأشياء إليه ويرونها منه سبحانه لأنه كان بدأها وعليه تمامها فهو القائم بها وإليه مرجعها ! ! ! و الله الأمر مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْدُ
الاله الخلق والأمرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالِمينَ
وأما الضعفاء من الخلق فإنهم يرون لأنفسهم هاهنا فعلا هيهات إذا صدقوا وأخلصوا طلبوا الجزاء من الله عز وجل على ذلك وذلك
111

مبلغهم من العلم ولهم عند الله تعالى خير كبير
وأذكر لك مقاماً آخر فاعرض نفسك وغيرك عليه ممن تراه من
العبيد يشير إلى المعرفة والعلم والسكون إلى الله عز وجل فإن كنت قد شربت بكأس المعرفة بالله تعالى فأطلعك الله بصفاء اليقين على ماسبق لك عنده في القديم حين أرادك قبل أن تريده وكان لك عالماً قبل أن تعرفه وذكرك قبل أن تذكره وأحبك قبل أن تحبه فهاج منك الآن الشكر له على أياديه ١ فألزمت قلبك المحبة على أياديه فآثرته وارتاحت روحك إليه فألفت قربه فصرت الآن إليه تأوى وفى قربه تسكن فهو لا يغيب عنك ولا تفقده ذاهباً وجائياً وقائماً وقاعداً ويقظان وراقداً وعلى كل حال
أما سمعت مايذكر عن النبي حين يقول تنام عيناى ولاينام قلبي
وكذلك المؤمنون على أقدارهم
فما أعظم شأنك ۳ أيها العبد وأجل خطبك إذ كان السيد الكريم الكبير المتعال الغنى الحميد ذكرك ذكراً بعد ذكر فخصك فأجزل
1 أياديه نعمه
بسند صعیف ابن سعد عن الحسن مرسلاً
۳ شأنك قدرك
۱۱

لك العطية إذ ذلك على محبته فآثرته فكان هو بغيتك ومرادك ١ ومنتهى رغبتك وليس منك شيء تملكه للعباد ولكنها موهبة وهى
أول أعلام الوصول إلى الراحة يكون الله مُراد العباد لاغيره ومن علامة ذلك أن يكون هو الحافظ عليك ما استودع قلبك من ذكره ومودته وأوجدك من قربه وتعطف عليك ببره فسامحك الآن فسقطت عنك حركات الطلب للظفر أو التقرب إلا حركة تهيج منك الآن شكراً له على أياديه وإيجاباً لحقه وألفة ٢ له غيره والتنعم بمناجاته ولذة خدمته وما أراد فيك من تعبده بمشيئته موضع قدرته واختلاف أحكامه عليك لتفقه عنه وأنت في ذلك واجد لقربه وغَيرُ متشاغل بحركاتك ولا طالب منه عليها جزاء وثواباً كما أراد العباد الزهاد ولكن تعمل الله تعالى حبا وكرماً لأنه خلقك كرماً واستعملت بأخلاق الكرماء
وبالله التوفيق
ليريك
۱ مرادك طلبتك واختيارك
٢ ألفة محبة وائتلافاً أى التئاماً واجتماعاً

علامة الواصلين
وهذا الآن جواب لك آخر على مسألتك حين قلت هل يصير العبد إلى حالٍ يفقد مُطالَبة الصِّدْقِ من نفسه وهي علامة الواصلين فافهمها
أما علمت أيها المريد أن الورع والزهد والصبر والتوكل والخوف والرجاء والمراقبة والحياء والمحبة والشوق والأنس والصدق في المواطن والإخلاص فيها وكل خلق حسن جميل إنما هي منازل نزلها العمال لله عز وجل ثم ارتحلوا منها إلى غيرها حتى وصلوا إلى المنى من قرب سيدهم ! فما أنت وذكر المنزل الذى نزلته حتى أوصلك إلى بغيتك إن كنت واصلا ظافراً ببعض حظك من مطلوبك فأنت كأنك مشاهده فعليه الآن فازْدَدْ إقبالا وإليه فأدم النظر وأصغ إليه بالآذان الواعية فإنه أقرب إليك منك إلى نفسك فما أنت الآن وذكر الصدق ! وإنما هو منزل من منازل الطالبين
وبعد فإن كان قد فتح لك الباب الذي كان بينك وبينه مغلقاً وكشف عن قلبك الستر الذى كان عليه مرخى فأوجدك قُربه ولاطفك ببعض التأنس فعساك أن تكون قد صرت إلى بعض سؤلك
فقر قرارك
١١٤

وإن كنت وغيرك من الطالبين إنما فقدت وجُودَ مطالبة الصدق
وما أشبهه من الأمور من وجُودِك لقُرب الله عز وجل والتشاغل فتلك بُغْيَةُ العارفين بالله عز وجل
به

وكذلك فافهمها من نفسك ومن غيرك ولا تتخذ عن لنفسك من
حظك من ربك واعلم أن الواصلين إلى الله عز وجل وأهل القرب منه الذين قد ذاقوا طعم محبة الله تعالى بالحقيقة وظفروا بحظهم من مليكهم فمن صفاتهم أن الورع والزهد والصبر والإخلاص والصدق والتوكل والثقة والمحبة والشوق والأنس والأخلاق الجميلة ومالم يكن يمكن أن يوصف من أخلاقهم وما استوطنوه من البر والكرم فذلك كله معهم
لأنه
وساكن في طبعهم ومخفى فى سرائرهم لا يحسنون غيره غذاؤهم وعادتهم لأنهم فرضوا ذلك على أنفسهم فرضاً وعملوا فيه حتى ألفوه فلم يكن عليهم بعد الوصول كلفة ١ في إتيانه والعمل به إذا حل وقت كل حال لأن ذلك غذاؤهم كما ليس لهم في أداء الفرائض ثقل ولا علاج وذلك لما غلب على قلوبهم من الإيثار لله عن وجل والقرب منه

۱ كلفة مايكلف به الإنسان على مشقة ومنه قوله في شأن أحد الصحابة وقام العبد صهيب لولم يخف الله لم
يؤمنه

فهم عاملون به بلا مؤونة بل بلا تشاغل بالأعمال الظاهرة لأن الخدمة والأعمال الظاهر إنما تقع على ظاهر الجوارح
فافهم هذا الموضوع والقلوب بعد ذلك ذاهلة بل هي بالله مشغولة للذى استولى عليها من قرب الله عز وجل والمحبة لله والشوق إليه
والرهبة
منه
والتعظيم له والإجلال
فافهم أيها المريد ما ألقيت إليك وتدبره تجده بيناً معروفاً إن شاء الله
تعالى
عازب
1
فأحضر الآن عقلك واجمع همك ولا تسمع العلم وأنت الفهم عن الذي يُلقى إليك فلا عذر لك الآن بعد العلم والبيان بل قد تأكدت عليك الحجة فاعمل في التخلص إلى الله عز وجل لعلك تتخلص فتقر عينك بمعرفته فى هذه الدار عاجلا قبل
الأجل
ثم يدوم حزنك ويشتد كربك وتزداد كل حال كنت نعم تجدها أضعاف ماكنت تجدها قبل المعرفة والوصول ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه قال الله عز
وجل إنما يخشى الله مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماء
وقال النبي الله أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية ٢
1 عازب عائب
خشية خوف
١١٦

وقال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون ۱ إلى الله وعلى حسب ذلك كان ع
ولبكيتم كثيراً
وكذلك العارف بالله القريب من الأشياء الموفق في كل حال
يحل فيها بما يكون فيها بخلاف غيره من الناس

ثم على هذا القياس وفى هذا بلاغ لمن فهم وتدير
والله التوفيق
۱ تجأرون ترفعون أصواتكم بالدعاء والحديث متفق عليه إلى قوله وكثيراً ورواه
بهذه الزيادة أحمد والحاكم

المقربون
قلت متى يألف العبد أحكام مولاه ويسكن في تدبيره
واختياره
قال الناس في هذا على مقامين فافهم فمن كان منهم إنما يألف أحكام مولاه ليقوم بأمره الذي يوصله إلى ثوابه فذلك حسن وفيه خير كبير إلا أن صاحبه يقوم ويقع ويصبر مرة ويجزع أخرى ويرضى ويسخط ويعبر ويراجع الأمر فذلك
يؤديه إلى ثواب الله ورحمته إلا أنه معنى في شدة ومكابدة وإنما يألف العبد أحكام مولاه ويستعذب بلواه ويسكن في حسن تدبيره واختياره بالكلية بلا تلكؤ ۱ من نفسه إذا كان العبد الفاً لمولاه ولذكره وهو له محب واد و به راض وعنه راض فهل يكون أيها السائل على المحب مؤونة فيما حكم عليه محبوبه كيف وإنما يتلقى ذلك بالسرور والنعيم ! ! هكذا قال في الخبر حتى يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة وقال في خبر آخر غنية الصديقين مازوى ٢ عنهم من الدنيا
۱ تلكو تباطؤ
زوی جمع والمعنى نعي عهم جمع الدنيا
To wwwal-mostafacom
۱۱۸

وروى عن الله عز وجل فى بعض ما أنزل من كتبه أنه قال
معشر المتوجهين إلى بحبى ما يضركم مانابكم من الدنيا إذا كنت لكم حصناً وما يضركم من عاداكم إذا كنت لكم سلماً ! فمن كان مع الله عز وجل بهذ الأحوال في المواطن كيف يكون إلا على نحو ما ذكرناه ! !
ولقد قال بعض العلماء بالله تعالى وأهل القرب منه إن القوم الذين ذكرنا بعض أحوالهم لا يرضون من أنفسهم أن تكون تقاوم الأمور عند حلولها والأحداث عند نوازلها حتى تتمكن من قلوبهم فيحتاجون أن يصبروا عليها أو يرضوا بها بل الصبر والرضا لهم تابع مضاف لأنهم طالبوا من أنفسهم صحة الشغل بالله تعالى والانفراد به فلم يرضوا عند ذلك أن تكون الأمور النازلة بهم تقاوم ذكر الله تعالى حتى تساويه والله غالب على أمره وبعد فإنهم عبيد محكوم عليهم وإن أقل القليل في الأوقات يملكهم حتى يقروا الله تعالى بالضعف ويسألوه العون فلا تعجب
إذا بدا 1 لك من أحد منهم شيء من ذلك فهذا النبي يقول إنى بشر اللهم من دعوت عليه فاجعل دعائى عليه رحمة وسمعت بعض العلماء بالله عز وجل يقول إن من شدة اتصال العبد بمولاه ووجده به ونزوله في قربه لا يحد طعم اختلاف الأحكام
۱ بدا - ظهر
114

بل يكون معه النظر الخفى إليها حتى كأنها على غيره أو بغيره نازلة فهذا غاية من التلقى للأحكام فافهم هذا الموضوع وتدبره
فإنه

يؤديك إلى علم السكون إلى الله عز وجل إن شاء الله وإنما يكون السكون إلى الله تعالى والطمأنينة على قدر القرب من
القلب
ومن شرح السكون إلى الله تعالى فقد حس الأشياء من القلب وسكون دواعى الهم وهدوء الضمير مع الله وإلى الله تعالى ! فعند ذلك تكون الأمور من الدنيا والآخرة وأعمال البر والطاعة طالبة للعبد ولاحقةً به وإليه محتاجة وإليه واصلة بل إليه موصولة
لأنه عزف عنها ۱ واستغنى بمالكها فوصلت إليه
قال الله عز وجل أليس الله بكافٍ عبده
وبلغنا أن الله عز وجل أوحى إلى عيسى عليه السلام أنزلنى منك كهمك واجعلني ذخراً لك في معادك ۳ وروى عن النبي من غير طريق أنه قال من جعل الهم واحداً ٤ كفاه الله سائر همومه
۱ عزف عنها انصرف عنها
٢ الزمر ٣٦
۱۰
۳ معادك آخرتك
٤ في رويات أخرى من حمل الهم هما واحداً
هو
المعاد أو هو التقوى

وروى عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال ماعجبت من عبادة ملك مقرب ولانبي مرسل إذا كان الله عز وجل قواهم على
ذلك
فهم
وهكذا من ذكرناه من القوم وصفاتهم فمن نظر إلى عبيد الله تعالى بنفسه وقياسه وبأنفسهم ما يشبههم
عنده في موضع النقص أبداً
فإذا نظر إليهم بالله عز وجل وبقوته وتدبيره فما يعجب
وبالله التوفيق
مسألة تدل على ماذكرناه قلت فما تقول في عبد كان لا يتكلم ولا يتحرك ولا يعمل عملا إلا طولب عليه فى ذلك ووجد النقصان ولحقته الفترة والقسوة فى أوقات نيله وأكله وشربه وكذلك في جميع أحواله ثم صار إلى حالِ يتكلم ويتحرك في الأمور ويقبض ويبسط ويأكل ويشرب ولا يستوحش ولا يجد مطالبة ولا يرى نقصاً كما كان يراه قبل
فقال هذه مسألة حسنة فافهمها فما أحوج المريدين العمال
إليها
اعلم أن المريد الطالب للصدق فهو عامل في أموره بالمراقبة جميع لله عز وجل بالقيام على قلبه وهمه ۱ وجوارحه بالمحاسبة 1 الهم أول العزيمة
۱۱

الغفلة
فهو جامع لهمه حذراً من أن يدخل في همه مالا يعنيه حذراً من
فالحركات في ظاهر جوارحه بجوارحه تنقصه والهمم الداخلة عليه في قلبه تكدر همه ۱ فهو عند ذلك يتفرغ من الحركات التي ذكرت وإن كانت في حق وبحق وذلك لما غلب على قلبه من محبته أن يكون ذكره دائماً وهمه واحداً
فإذا دام على ذلك تفطن قلبه وصفت فكرته وسكن النور قلبه
وقرب من الله تعالى فغلب على قلبه وهمه !
۳

فعند ذلك يتكلم والقلب يغلى بالذكر الله عز وجل وقد كمنت في سويداء قلبه محبة الله تعالى فهى لازمة للضمير لاتفارقه فمن شأنه في سرائره أن يكون ناعماً بالمخاطبة لله الخفية والمطالعة
الشجية والمحادثة الشهية
وهكذا يكون فى أكله وشربه ونومه وكل حركاته لأن قرب الله تعالى إذا تمكن في قلب العبد غلب على ماسواه من باطن عوارض الهمم وظاهر حركات الجوارح فعندها يكون العبد ذاهباً وجائياً
1 همه انشغاله
كمنت اختفت
۳ سويداء قلبه حبة قليه

وآخذا ومعطياً والغالب عليه هم ماقد ملك ضميره من محبة الله عز
وجل وقربه ألم تر نفسك أيها المريد كيف تملك قلبك أحيانا هم من أمر الدنيا فيسلبك عن كل شيء حتى يكدر عليك العيش فتكون ساهياً إلا عن ذلك حتى تفقد النوم
فأمر الله عز وجل أحرى عند العقلاء وأولى
فعندما ذكرنا صحبت العبد من الله عز وجل العصمة فكان محفوظاً من النقصان
۱۳

فافهم تعالى
خاتمة الكتاب
أيها السائل ما يلقى إليك وتدبره ينفعك إن شاء الله
وبعد فاعرض ماذكرت لك على ماسألت عنه فإن أجزاك وكان ما فقدت وما وجدت من جنس ما ذكرت فاشكر الله تعالى يزيدك ولا يخفى على العلماء ما يحدث عندك فليس بين المريد ومعلمه رثاء
إن شاء الله تعالى وأنى بمؤدب بصير جهبذ في زماننا هذا

وبالله التوفيق

ناسخ الكتاب
تم كتاب الصدق للشيخ العارف أبي سعيد الخراز رحمه الله ونفع بأنفاسه وسلم عليه سلاماً طيباً مباركاً فيه والحمد لله وصلواته على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً كتبه العبد الضعيف الفقير إسماعيل بن سودكين رفق الله به والديه وجميع المسلمين
وأخذ بيده ورحمه ورحم
وحسبنا الله
ونعم
الوكيل
۱۵

}
ةدة

الفهرس

۳۳

۳۸
٤١
٤٣
٥٤
٦٣
مقدمة
١ - سبيل النجاة
الإخلاص
الصبر الصدق
٢ - أبواب الصدق
في معرفة النفس
في معرفة العدو
في الورع
في الحلال الصافي
في الزهد

في التوكل على الله

۷۱

AY
4

90

44
١١٤
۱۱۸

١٢٥
في الخوف من الله
في الحياء من الله
في شكر الله

في المحبة
في الرضا
في الشوق إلى الله في الأنس بالله
مقامات الصادقين
كل قوم على أقدارهم
امتحان المؤمن

علامة الواصلين
المقربون
خاتمة الكتاب
ناسخ الكتاب