الإمام الدكتور عبد الحليم حمود
العارف
بالله
سهل بن السيد الشي
حياته و آراؤه
I
دار المعارف
جل جلاله
الله
قال تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
وألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشري في الحياة الدنيا وفى الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم الله
وقال جل
شأنه
سورة يونس ٦٢ - ٦٤
وربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدالله
صدق
الله
العظيم
بسم
مقدمة
الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه
إلى يوم الدين
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا
واعف
كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم
عنا
واغفر لنا
الكافرين له 1
سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا
سبحانك لا مهدى إلا من هديته وأنت تباركت ربنا وتعاليت
القائل في الحديث القدسي
يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم لقد خلقت الخلق ويسرتهم للضرب فى الحياة وذللت الكون ليمشوا في مناكبه سعيا وراء قوتهم المادى وتركت لهم اختيار الوسيلة الحلال لذلك
لهم
1 البقرة ٢٨٦
أما الهداية الروحية للفرد وللأسرة وللمجتمع فقد أرسلت لهم رسلاً مبشرين ومنذرين يهدونهم في العقيدة وفي الأخلاق وفي التشريع وفى نظام المجتمع إلى طريق الحق والرشاد الطريق المعصوم الذي رسمه الحكيم الخبير وتوالت الرسل يخلف بعضها بعضاً وذلك أن البشر كانت تتغلب عليهم أهواؤهم ونزعاتهم فيحيدون عن الرسالة إلى غرائز غلابة وأهواء ضالة
إلى أن أذنت سبحانك بإرسال ما كان ينقص العالم الإنسان الكامل الإنسان الكامل فى روحانيته الإنسان الكامل في خلقه وكان بذلك إنساناً كاملاً في مادته التي استجابت إلى الروحانية والأخلاق فكان الإنسان الكامل روحًا ومادة وأرسلت معه الكتاب الذي انتهت إليه الكمالات
أنزلته سبحانك فى ليلة مباركة مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه يهدى للتي هي أقوم عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه خلفه مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير أحكمت من حكيم وفصلت من خبير
ولا من
تنزيل من الرحمن الرحيم تنزيل من حكيم حميد وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين هو للذين آمنوا هدى وشفاء مجيد في لوح محفوظ ويقول عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن سيدنا على
رضی
الله عنه
ستكون فتن كقطع الليل المظلم قلت يا رسول الله وما المخرج
منها قال
كتاب الله مبارك تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم
وحكم ما بينكم
هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار
قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله
هو حبل الله
المتين ونوره المبين والذكر الحكيم
وهو الصراط المستقيم
وهو الذي لا تزيع به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تتشعب الآراء ولا تشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء ولا يخلق
معه
على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا من علم علمه سبق ومن
قال به صدق ومن حكم به عدل
دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم
ومن عمل به
أجر
ومن
والمسلمون يؤمنون بذلك
ويؤمنون بقوله تعالى
شر فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا
في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليمان ۱
ويؤمنون بقوله تعالى
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك الكافرون
هم
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ۳
١ النساء ٦٥ ٢ المائدة ٤٤
۳ المائدة ٤٥
9
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك الفاسقون ۱
ومع
هم
ذلك فإن إيمانهم هنا كان كلاما مجرد كلام لم يطبقوه في حياتهم ولم يأخذوا به في سلوكهم مع علمهم أن المسلمين حينما استمسكوا به سادوا وحينما طبقوه دانت لهم الدنيا
تسير سحابة فوق رأس الخليفة فيقول لها
سيرى أنى شئت وأمطرى حيث شئت فسيأتيني خراجك ولكن الغرب نجح في أن يجعل بين المسلمين والقرآن حجابا من الثقافة الغربية الثقافة الفكرية البشرية الثقافة التي تتغير وتتبدل في
كل حين الثقافة التي تخطئ نفسها في كل عام والتي تخترع اليوم ما ترفضه في الغد وتعود فى الغد إلى ما رفضه بالأمس وتضفى عليه ثوبا
من
الجدة المزيفة ليبلى بعد لحظات
وما من شك فى أن كل من يقرأ تاريخ الثقافة الغربية منذ سقراط وأفلاطون وأرسطو إلى الآن يجد الأمر كما وصفنا
ويجد أن هذه الثقافة باعتبار أساسها وباعتبار موضوعها تسير
بالإنسانية نحو الهاوية
إن أساس ثقافة الغرب لا يتسم بالأخلاق ولا يتسم بطابع الفضيلة وإنما يدرس الأخلاق على أنها عادات والفضيلة على أنها اصطلاح
١ المائدة ٤٧
اجتماعي ومن هنا كانت ثمار ذلك الانحدار الجارف نحو التحلل
من كل القيم
الأخلاقية
ومن مكارم الأخلاق
ومن وراء كل ذلك اليهود تشكيكا في العقائد وتشكيكا في القيم الأخلاقية وإشادة بالكثير من الرذائل يتمسحون في الحرية وكأنها المبرر السحرى الذي يشفع لكل انحراف
واليهود حينما يسيرون بالبشرية نحو الانحدار إنما يسيرون حسب مخطط محكم وهو النزول بالإنسانية إلى مستوى يجعلها
منهج
لا قيمة لها
وحينئذ يسود اليهود
ويملكون ويسيطرون
ولقد استجاب الغرب لليهود وهو الآن فى طريق الانحدار خمر ونساء وفضائح وقنابل ذرية ووابل من الميكروبات والأوبئة مكدس مخزون للاستعمال حينما تفقد البشرية رشدها وتقوم الحروب المدمرة والعياذ بالله
لقد استجاب الغرب لمكر اليهود وخداعهم وأخذ في الانحدار
ولقد فلسف الغرب الأساس الذي يقوم عليه الانحدار وعنون الفكر اليهودى الأسس المزيفة لهذا الانحدار في كلمات الحرية والعلم للعلم الأدب للأدب
وتحت شعار الحرية يمكنك أن تقول ما شئت وأن تفعل ما شئت خصوصاً في العرى والجنس
وتحت شعار العلم للعلم لا يكون من شأن
العلم
لأهداف يسير
أن من الفضيلة وتحت شعار الأدب للأدب تكون الإشادة بكل ما يتنافى الأخلاق مباحة ما دامت فى ثوب الأدب وتحت شعار الأدب مع ذلك الأدب المكشوف ومسرحيات الترفيه على أى
للأدب ومن
وضع وفي أية صورة
لقد استجاب الغرب للخبث اليهودى وإذا كان الغرب يستمتع الآن بالقوة والسيطرة فإن ثقافته النظرية الحالية تحمل في نفسها عوامل
الفناء
ونحن في عالمنا الإسلامي مازلنا نقاوم وإذا كان الغرب قد فقد الشعور بالضمير الأخلاقى فى عالم الجنس والعرى والمرأة فمازال المسلمون يشعرون بأن ذلك رذيلة
بید
أن مقاومة التيار اليهودى فى عالمنا الإسلامي ليس من السهولة
بمكان ولا مناص من تكاتف العاملين للخير المناهضين للالحاد القائمين في وجه الرذيلة حتى يتمكنوا من صد التيار – إذا قدر لهم الذي يأتى فى صورة الأفلام الخليعة والمسرحيات الماجنة وعن
ذلك
طريق الإذاعة وعن طريق التليفزيون وعن طريق كتب الجنس وعن طريق المجلات التي تصدر خصيصاً للدعوة للرذيلة بأموال اليهود وبأقلام اليهود سافرة أو مستخفية
لابد من أن يكاتف العاملون للخير لابد من تكاتفهم حتى يكن الأمل كبيرا في ثمرة مجهودهم
ولو لم
۱
فلقد سبقهم في مجال الهداية قوم تحدث القرآن وأبان أنهم عنهم لم ييأسوا من هداية الآخرين مع علمهم بأن الله مهلكهم وعسى أن يتقوا يقول سبحانه
وعسى
شديدا
وإذ قالت أمة لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا
منهم
قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء
وأخذنا
الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ۱ وفي هذه الآيات الكريمة يبين الله سبحانه أنه لا يأس في مجال الدعوة وأنه سبحانه يكافئ الدعاة بمكافأة كريمة هي النجاة إنه سبحانه يكلوهم بعنايته فينجيهم من العذاب
وهذا الكتاب حلقة جديدة تساهم - مع ما
مقاومة تيار التحلل وتيار الرذيلة
سبق
أن كتبنا – في
والشخصية التي كتبنا عنها شخصية من الشخصيات الخالدة إن سهل بن عبد الله التسترى كان وما يزال ولن يزال مصدر إشعاع روحى
بما
رسم من
طريق المعراج إلى
الله
سبحانه
وبنضاله لنصرة أهل السنة
10
- 1
1 الأعراف
- {
وبما كتبه مؤيدا طريق الأتباع والاقتداء برسول الله ولقد اتصل بالقرآن عن قرب وتأمله في تدبر فألهمه الله هذه الإشارات النفسية التي استفضنا في ذكرها في نهاية هذا الكتاب ونرجو الله سبحانه أن يهدى لهذا الكتاب وأن يهدى به ن يهدى به وأن يشرح له صدورًا ويشرح به صدورًا إنه سميع قريب مجيب
المؤلف
١٤
الباب الأول
الفصل الأول حياته
الفصل الثاني الزهد والورع
الفصل الثالث السياحة الدينية
الفصل الرابع كراماته
الفصل الخامس سهل ومجالات علم التوحيد
الفصل الأول حياته
إن الله في كل عصر عبادًا قد تحققوا بالعبودية واستجابوا الله
سبحانه في قوله تعالى
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ۱
وها هو
يتبتل إلى الله
الشيخ الجليل محمد بن سوار قائم في جنح من الليل
"
ويتضرع إليه ويناجيه سبحانه
وها هو ذا قائم يصلى فى خشوع ويدعو في خضوع العبد الملتجئ إلى مالك الملك ذي الجلال والإكرام
عليه
إنه يشعر بسعادة لاحد لها في خلوته هذه مناجيا ومتفكرا ومتأملاً
لقد رضى عن
الله
فرضی
الله
عنه فشعر بسحائب الرحمة تفيض
من خزائن رحمة الله التي لا تنفد
ويستغرق
من الملأ الأعلى الشيخ وتغمره البهجة ويرى هذا المنظر سهل بن على التسترى وهو غلام صغير فيروقه ويعجبه ويملأ قلبه سكينة وهدوءا وطمأنينة فيلازم خاله
يقول سهل فيما يرويه القشيري كنت ابن ثلاث سنين وكنت أقوم الليل أنظر إلى صلاة خالى محمد بن سوار وكان يقوم الليل
1 الذاريات ٥٦
ويشفق الشيخ على الغلام أن يصيبه برد أو أن يكون عدم النوم
سببا في ضعفه ويشغل ذلك قلبه رحمة بالغلام وشفقة عليه فيناديه أحيانا يا سهل اذهب فنم فقد شغلت قلبي
ويحاول الغلام الاستمرار إرضاءً لرغبته ويحاول الذهاب إلى النوم إرضاء لخاله ويتأرجح بين هذا وذاك وتتغلب الرغبة أحيانًا وأحيانا تتغلب إطاعة خاله ولكن الأيام تمر والغلام يحضر خلوة خاله ويألف خاله وجوده بجواره ويألف الغلام ملازمة خاله في تهجده وعبادته ويتولد بينهما ود من نوع آخر غير ود القرابة والدم يتولد بينهما ود روحى عميق - على الرغم من فارق السن – وما كانت الصلة الروحية فى يوم من الأيام تتوقف على التعادل أو التقارب في السن وبدأ هذا الود الروحى يتبلور في يوم من الأيام حينما قال الخال يا سهل ألا تذكر الله الذي خلقك !
وأحس الغلام فجأة بالغبطة تملاً جوانحه وبالسعادة تشق طريقها إلى قلبه ها هو ذا خاله ينظر إليه نظرة تقدير إنه أصبح في نظر خاله أهل لأن يُوجه وأن يوضع على الطريق الذي يسير فيه خاله هل يتأتى في يوم من الأيام أن يسير في الحياة على غرار خاله وأن يناجي هنا الإله الذي يناجيه خاله وأن يتكشف له السر الغامض الذي يجذب خاله في سجدة الليل وينتشله من لذيذ الرقاد ليقف عابدا متبتلا ! وتملأ الآمال الغامضة والسعادة الطارقة قلب الغلام وتأخذه الحيرة واللهفة على ألا تمر الفرصة فيسأل في غير تردد ولا فتور سؤال مستجيب راض مغتبط كيف أذكره
ويجيب الخال قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك الله الله ناظر إلى الله
شاهدی
معی
ويقول سهل هذا الورد ثلاث ليال بالدقة التي أرادها خاله ويتحدث عن نفسه فيقول ثم أعْلَمْتُهُ فقال لى
قل في كل ليلة سبع مرات
فقلت ذلك ثم أعلمته فقال لى
قل في كل ليلة إحدى عشرة مرة
فقلت ذلك فوقع في قلبي حلاوة
فلما كان بعد سنة قال لى خالى
احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة فلم أزل على ذلك سنين فوجدت لها حلاوة في
سری
ثم قال لى خالى يوما
يا سهل
كان
الله
وشاهده أيعصيه معه وهو ناظر إليه
من
إياك والمعصية
فكنت أخلو
لقد كان في سن مبكرة يخلو متعبدا متهجدا ذاكرًا
لقد ذاق حلاوة الذكر بهذا الورد الخالد الذى عرف فيما بعد بورد سهل وذاق حلاوة الأذكار المأثورة وذاق حلاوة الخلوة على وجه
العموم
۱۹
ولكن الزمن يمر وها هو ذا الغلام قد بلغ السن الذي يذهب فيه أقرانه إلى الكتاب ولابد - والتقاليد تقضى بذلك – من أن يذهب
إلى الكتاب ليحفظ القرآن وليفقه شيئًا من معانيه
•
ولكن سهلاً لا يأخذ الأمر بالسهولة التي يأخذه بها الغلمان
ولا بالغبطة التي تكون شعورهم فيما يستقبلونه من حياة جديدة إنه
يتردد ويتباطأ ويخشى
يخشى ماذا وماذا في الذهاب إلى الكتاب من ضير إنه يصارح أهله ويعلن خشيته سافرة لا لبس فيها ويشترط شروطًا إذا تحتم أمر الذهاب إلى الكتاب فيقول
إني لأخشى أن يتفرق على همى ولكن شارطوا المعلم أني أذهب إليه ساعة فأتعلم ثم أرجع
لقد ألف الخلوة فيها يتجمع الذهن وفيها يتركز الفكر في المذكور وفيها يجد للذكر لذة ويجد للصدر انشراحا فإن كان لابد من الكتاب فليكن على نسق يجمع الخير من أطرافه ليكن للكتاب
ساعة وللخلوة الباقي
ودخل في الخلوة عنصر جديد هو الذكر بالقرآن ويجد سهل في القرآن النور ويجد في القرآن الهداية فيجد في حفظه
وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين
ولم يترك في هذه الأثناء الخالد الله
ورده
الله شاهدي كما لم يتركه طيل حياته
معی
الله ناظر إلى
لقد كان هذا الورد شعاره حتى ليقول ابن أبي ساعدة كان الجالس إلى سهل يكاد يسمع دقات قلبه كلمات ورده
وعن هذا الورد يقول صاحب الكواكب الدرية
وهو ورد عظيم الشأن جربه أهل العرفان لكان الترياق الفاجع دائما ويقول الشيخ الأكبر ابن عربي في فتوحاته عن هذا الورد دخلت الخلوة بورد سهل ففتح لى به في ليلة واحدة وفيه أسرار عجيبة وأذواق غريبة
ومن أكثر من ذكره حببت له الطاعات وبغضت إليه المنكرات ومن ذكره كل ليلة سبع مرات وهو في فراشه وجد له حلاوة في سره ويذكر المناوى فى الكواكب الدرية عن هذا الورد
قال بعضهم ومن تعلق به لم يعجزه شيء من الموجودات
الفضل الثاني الزهد والورع
رياضة سهل للآن ذكر وقرآن فضلاً عن العبادة المفروضة والسنن المطلوبة - بيد أن عنصرًا جديدًا دخلها لم يكن جديدا في
نوعه وإنما كان جديدا فى استمراره ودوامه ذلك هو الصيام لقد أخذ سهل فى الصيام لقد أخذ فى صيام الدهر وهو لم يبلغ
بعد العاشرة
أما قوته في هذه الفترة وأما إفطاره فإنه خبز وشعير ولقد تكيف جسمه بالجوع حتى ليروى أنه كان يصح إذا جاع ويمرض إذا شبع وإن من كان قوته الذكر وغذاؤه النور فإن القليل من القوت المادى يكفى لقد كان يعيش في الأغلب الأعم
على الماء وخبز الشعير
من
حياته
واستمر سهل في حياته رتيبة ذكر وعبادة وصوم إلى أن بلغ
الثالثة عشرة من عمره
وفي هذه السن كان الأمر الهائل في حياة سهل لقد حدثت له مسألة أذهلته مسألة لم يذر لها تعليلاً ولم يفهم لها تفسيرا لقد حيرته فسأل أهله أن يبعثوه إلى البصرة عله يجد عند أحد من عارفيها تفسيرًا أو شرحا وتوضيحا يقول سهل
فجئت البصرة وسألت علماءها فلم يشف أحد شيئا وتتملك الحيرة سهلاً فيغادر البصرة إلى عبادان
منهم
عنى
يقول سهل
فخرجت إلى عبادان إلى رجل يعرف بأبي حبيب حمزة بن عبد الله
العباداني فسألته عنها فأجابني
وأقمت
عنده مدة أنتفع بكلامه وأتأدب بآدابه
هذه المسألة يتحدث عنها الشيخ الأكبر فيقول
كان بدء سهل فى هذا الطريق سجود القلب
وكم من ولى كبير الشأن طويل العمر مات وما حصل له سجود القلب ولا علم أن للقلب سجودًا مع تحققه بالولاية ورسوخ قدمه فيها فإن سجوده إذا حصل لا يرفع رأسه أبدا من سجدته فهو ثابت على تلك القدم الواحدة التي تتفرع منها أقدام كثيرة
وأكثر الأولياء يرون تقلب القلب من حال إلى حال ولهذا سمى قلبا وصاحب هذا المقام وإن تقلبت أحواله فمن عين واحدة هو عليها ثابت يعبر عنها بسجود القلب
ولهذا لما رأى فى ابتداء دخوله الطريق أن قلبه سجد وانتظر أن يرفع فلم يرفع فبقى حائرًا فمازال يسأل شيوخ الطريق عن واقعته فما وجد أحدا يعرفها فإنهم أهل صدق ولا ينطقون إلا عند ذوق محقق
قيل له إن فى عِبَادَان شيخًا معتبراً لو رحلت إليه ففعل فقال له أيها الشيخ أيسجد القلب فقال إلى الأبد
فوجد شفاء عنده فلزم خدمته فالله تعالى يؤتى ماشاء من يشاء من عباده
من
علمه
يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده ۱ ويحدد الشيخ الأكبر مقام سهل رضى الله عنه بأنه السجود فيقول
مقام سهل سجود القلب ليس له
في غير سهل من الأكوان أحكام
لا يرفع القلب رأسا بعد سجدته
والوجه يرفع والتغيير إعلام
فإنه غير مشهود بقبلتــــــه
وقبله القلب أسمــاء وأعـــلام
تبدى حقيقته تأیید سجدته
وماله في علوم الخلق أقدام
وهذه الحالة تسمى فيما يروى الشيخ الأكبر منزلة التمكين
وتسمى منزل العصمة
٢٤
۱ غافر ١٥
الفضل الثالث
السياحة الدينية
وعاد سهل إلى تستر عاد ليستمر في الاتجاه الكامل إلى الله وعاد ليتابع طريقه في العبادة والذكر والصيام
لقد عاد مطمئنا أن قلبه ساجد وكيانه كله خاضع لقد أصبح
سجودًا وخشية وتواضعا الله
سبحانه
ووجد للصيام نورا فواصل وطوى اليومين والثلاثة وطوى أكثر من ذلك وفي كل يوم كان يزداد نورا على نور
واستمر على ذلك عشرين سنة ثم
يقول سهل ثم خرجت أسيح في الأرض سنين
وكانت السياحة فى ذلك الزمن من الأمور الجوهرية بالنسبة لرجال العلم وبالنسبة لرجال الطريق وسواء كنا بصدد هؤلاء أو أولئك فإن السياحة بالنسبة لهم إنما هي سياحة دينية يريدون بها وجه الله ويبتغون بها مرضاته
أما ضرورة السياحة بالنسبة لرجال العلم فذلك أن الأقطار الإسلامية توزعت الاختصاصات المتخصصة فأكبر علماء الفقه مثلاً في مصر وأكبر علماء التوحيد مثلا في الحرم المكي
وهكذا
وكان العالم يسافر ليتلقى العلم على المتخصص ثم يسافر ليتلقى على متخصص آخر في علم آخر وهكذا بل كان العالم يسافر ليصحح حديثاً واحدا أو بضعة أحاديث
وما كان الهدف في كل ذلك إلا ضبط العلم وتحرى الصحة في الآثار وكانوا يضعون ذلك في قائمة ما يتقرب به العالم إلى الله سبحانه وتعالى هذا نوع
أما النوع الثاني من السياحة فإنه كان سياحة تبتل وتحنث إن الشخص في أهله وذويه مشغول بهم مشغولون به إن أفكاره موزعة وإن آراءه مشتتة متى يخلو إلى الله ومتى يكون في جو الانطلاق نحو الملأ الأعلى لا يحول دون ذلك مال ولا ولد متى من
يأتي له طلب الحق خالى الفكر صافى الذهن
إن كل ذلك يتاح له بالسياحة والسياحة المتجردة ولقد كان الصوفية يسيحون عبادة ويسيحون استزادة من أنوار قوم فتربوا من ربهم وسبقوا فى السفر إليه ويسيحون استرشادا في الطريق وطلبا للبركة ويسيحون للتأثير الروحي بالجلوس إلى أرباب المقامات العالية والمنازل السامية
وبعض الناس يسيح طلبًا للملذات وبعضهم يسيح طلبًا لمشاهدة أماكن مادية لم يشاهدها من قبل وبعض الناس يأخذ أجازة في الصيف - كل صيف - ليكشف عورته على شاطئ البحر ويرضى بأن تكشف ابنته وزوجته عورتهما على الشاطئ أيضًا تحت الأنظار – كل الأنظار التي لا تتورع عن الإثم ولا عن النظر الفاسق
٢٦
أما أسلافنا رضى الله عنهم فقد كانت أسفارهم سياحة في طلب
الحق علما وسياحة في طلب الحق عبادة إنها كانت سياحة إلى
الله
وقد كانت سياحة سهل رضى الله عنه سياحة علم وسياحة عبادة لقد كان عالماً عابداً فكانت هجرته إلى الله ورسوله
وبعد هذه السياحة رجع إلى تستر
الفصل الرابع كراماته
رجع إليها على نور من ربه يدعو إلى الله على بصيرة ولم يبدأ سهل في الدعوة إلى الله إلا بعد أن أذن الله له روی صاحب كتاب صفة الأولياء ومراتب الأصفياء بإسناده
قال
ذكر سهل التسترى وهو ابن ثلاث سنين
وصام وهو ابن خمس سنين
وترك الشهوات وهو ابن سبع سنين
وساح في طلب العلم وهو ابن تسع سنين
وكانت تلقى مشكلات المسائل على العلماء ثم | لا يوجد جوابها
إلا عنده وهو ابن إحدى عشرة سنة
وحينئذ ظهرت عليه الكرامات
تعلم
شيئًا عن حياة سهل الشخصية
وما من شك في أننا لا نكاد ولكننا أخذنا نتلمس فى المصادر من الأخبار القليلة النادرة ما قد يلقى
بعض الضوء على حياته نذكر من ذلك ما يلى
يقول سهل لى أربعون سنة أكلم الله والناس يظنون أني
أكلمهم
ويقول جامع تفسير سهل
وصلى سهل صلاة العتمة فقرأ قوله تعالى وسقاهم ربهم شرابا طهور الله فجعل يحرك فاه كأنه يمص شيئًا فلما
قيل له أتشرب في الصلاة
ما فرغ من صلاته
فقال والله لو لم أجد لذته عند قراءته كأني عند شربه ما فعلت
ذلك
وسئل عن قوله والله لا إله إلا هو الحي القيوم ۱ فقال هذه أعظم آية في كتاب الله تعالى وفيها اسم الله الأعظم وهو مكتوب بالنور الأخضر فى السماء سطرًا واحدًا من المشرق إلى المغرب كنت رأيته كذلك في ليلة القدر مكتوبا وأنا بعبادان
لا إله إلا هو الحي القيوم انتهى
ومن الطرائف التي تروى عنه أنه
كان يداوى الناس ولا يداوى نفسه من الأمراض فعوتب فيه
فقال ضربة الحبيب لا تؤلم
ويقول المؤرخون عن سهل
كان يأمر أصحابه أن يأكلوا اللحم فى كل جمعة مرة كيلا يضعفوا عن العبادة وكان إذا أكل ضعف وإذا جاع قوى وكان يعرق في البرد الشديد في الشتاء وعليه قميص واحد ومما يروى عنه من
الغرائب أو الطرائف
۱ آل عمران
قال سهل وإنى لأعرف رجلاً من أولياء الله تعالى اجتاز برجل مصلوب وجهه إلى غير القبلة فقال
أين ذلك اللسان الذي كنت تقول به صادقًا لا إله إلا الله ثم قال اللهم هب لى ذنبه
قال سهل فاستدار له نحو القبلة بقدرة |
الله
انتهى
وقال اجتمعت برجل من أصحاب المسيح عليه الصلاة والسلام فرأيت عليه جبة صوف فيها طوارة وقال لهذه من أيام المسيح عليه السلام سبعمائة سنة فعجبت
فقال الأبدال لا تخلق ثيابهم وإنما يخلقها رائحة الذنوب ومطاعم السحت ولذلك قيل إن للخضر عليه السلام إزارا ورداء لا يبليان
ولا يخلقان
وبلغ من أمره في تقدير الناس أن قيل له
لقد آتاك الله الحكمة فقال
فأغناني
قد أوتيت إن شاء الله الحكمة وغيبا علمت من غيب سره عن علم ما سواه وأن إلى ربك المنتهى وبإتمام ما بدأنى به من
فضله وإحسانه
D
وألف سهل كتبا يقول صاحب الكواكب
وله تصانيف نفيسة منها رقائق المحبين ومواعظ العارفين
وجوابات أهل اليقين وغير ذلك
وفي آخر أيام سهل يروى المؤرخون ما يلى
كان
يسمع
القرآن وغيره فلا يتحرك فلما كان أواخر عمره
صار يتواجد ويقول
ضعفنا والله عن التحمل وصار واردنا أقوى منا
وقال ابن سالم
خدمت سهل بن
عبد
الله
ستين سنة فما تغير في شيء من الذكر
أو غيره فلما كان آخر يوم من عمره قرأ رجل بين يديه هذه الآية
فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ۱ فرأيته ارتعد واضطرب حتى
يسقط فلما رجع إلى حال سألته
صحوه
لم يكن عهدى بك هذا فقال
عن
ذلك وقلت
کاد
نعم
یا
حبيبي
قد ضعفت فقلت
ما الذي يوجب قوة الحال فقال
لا
يرد عليه وارد إلا وهو يبتلعه بقوته فمن كان كذلك لا تغيره
الواردات وإن كانت قوية
وكان يقول حالى فى الصلاة وقبل الدخول فيها سواء وذلك
أنه كان يراعى قلبه
ويراقب
الله
تعالى
بسره قبل دخوله فيقوم إلى
الصلاة بحضور قلبه وجمع همته
ولقد دخل سهل على رجل من عباد البصرة فرأى عنده بلبلة في
قفص فقال لمن هذه البلبلة
1 الحديد ١٥
فقال لهذا الصبي كان ابنا له قال فأخرج سهل من كمه دينارًا فقال
بنى أيهما أحب إليك الدينار أم البلبلة
فقال الدينار فدفع إليه الدينار وأطلق البلبلة
قال فقعد البلبل على حائط الدار حتى خرج سهل فجعل يرفرف فوق رأسه حتى دخل سهل داره وكان في داره سدرة فسكنت
البلبلة السدرة فلم تزل فيها حتى مات فلما رفعوا جنازته جعلت ترفرف فوق جنازته والناس يبكون حتى جاءوا بها إلى قبره فوقفت في ناحية حتى دفن وتفرق الناس عن قبره فلم تزل تضطرب على قبره حتى ماتت فدفنت بجنبه
وفي ليلة الجمعة من شهر رجب سنة ثلاث وثمانين ومائتين أذن مؤذن الفجر بالصلاة فلم يتحرك سهل
فصاح أهل بيته مات سهل فما كان لمؤذن أن يرتفع صوته بنداء التكبير دون أن يقول سهل
لبيك اللهم لبيك وروى أبو الحصين الحمصي في كتابه – بهجة الأسرار - أنه لما مات سهل انكب الناس على جنازته حتى ماجت الطرقات بالناس وكان في البلد يهودى نيف على السبعين فسمع الضجة فخرج لينظر ما كان فلما نظر إلى الجنازة صاح أترون ما أرى فقال له
الناس
ماذا ترى قال
أرى أقواماً ينزلون من السماء يتمسحون بالجنازة
ثم تشهد وأسلم
أما المبدأ الذي عاش ومات وهو شعاره الذي ينشره بين الناس
والذي نختم به حياته فقد عبر عنه بقوله
>>
الأصل الذى أنا أدعو إليه قولى اتقوا يوما لا ليلة بعده
وموتا
لا حياة بعده والسلام
تقدير العلماء لسهل
والآن نذكر تقدير بعض العلماء له
يقول صاحب الرسالة القشيرية عنه
أحد أئمة القوم لم يكن له في وقته نظير في المعاملات وفى الورع وكان صاحب كرامات
ويقول صاحب كتاب الكواكب الدرية
الشيخ
الله
الأمين الناصع المكين الناطق بالعقل الرصين من أعظم المشايخ المشهورين ولم يبرز للناس حتى وقع الإذن له من الله وأطلعه على مريديه وأسمائهم وأنسابهم ومن يفتح عليه منهم ومن يموت قبل
الفتح
حبر تجمل الإسلام بوجوده وزين طريق الصوفية بقلائد فوائده وعقوده وكان أوحد زمانه في علوم الرياضيات
ومن قبل هؤلاء كتب أبو نُعيم الأصفهاني المحدث المشهور يقول
فمنهم
الشيخ المكين الناصح الأمين الناطق الرصين أبو محمد
سهل بن عبد الله
الله
بن يونس بن عيسى بن عبد بن رفيع التسترى
تخرج عن خاله محمد بن سوار ولقى أبا الفضل ذا النون المصرى
بالحرم
عامة كلامه في تصفية الأعمال وتنقية الأحوال عن المعايب
والإعلال
ويقول أبو عبد الرحمن السلمي
ومنهم سهل بن عبد الله التسترى وهو سهل بن عبد الله بن يونس بن
عیسی بن عبد
الله بن رفيع وكنيته أبو محمد
أحد أئمة القوم وعلمائهم
والمتكلمين في علوم الرياضات
والإخلاص وعيوب
الأفعال
ويقول العالم الجليل الذي جمع تفسيره ما يلى
وكان من طريقه وسيرته أنه كان كثير الشكر والذكر دائم الصمت والفكر قليل الخلاف سخي النفس قد ساد الناس بحسن الخلق والرحمة والشفقة عليهم والنصيحة لهم متمسكاً عاملاً بالفرع قد حشى الله قلبه نوراً وأنطق الله لسانه بالحكمة وكان من الأبدال وإن قلنا من الأوتاد فقد كان القطب الذي يدور عليه الرحى ولولا أن الصحابة لا يقاس بهم أحد لصحبتهم ورؤيتهم لكان كأحدهم عاش حميدا ومات غريبًا
بالأصل
خير
بالبصرة رحمه الله تعالى
ويقول المستشرق الذى كتب مادة سهل التسترى في دائرة
المعارف الإسلامية
متكلم وصوفى من أهل السنة كان زاهدا لا يحيد قيد أنملة عن قواعد الحق كما كان متكلما تزود من العلوم العقلية بزاد
وافر
ويقول صاحب كتاب عقد الجمان
الصالح المشهور ولم يكن له فى وقته نظير فى المعاملات والورع وكان صاحب كرامات ولقى ذا النون المصرى وله اجتهاد وافر ورياضة
عظيمة
ويقول صاحب شذرات الذهب
القدوة العارف له مواعظ وأحوال وكرامات وكان من أكبر
مشايخ القوم
وهكذا بلغ سهل بعلمه وصلاحه هذه المنزلة الرفيعة عند العلماء
والصالحين
والآن نأخذ في رسم الطريق كما رسمه سهل رضى الله عنه
الفصل الخامس
سهل ومجالات علم التوحيد
يقول الله تعالى ليس كمثله شيء ۱
ويقول سبحانه سبحان ربك رب العزة عما يصفون الله ٢
ويقول الإمام ابن عبد البر متناسقا مع القرآن الكريم
إن الله ليس كمثله شيء فكيف يدرك بمثال أو بإمعان نظر
الكثير
من
سادتنا العلماء
عن الحديث في ذات الله سبحانه
ولقد تورع إلا بما ورد في النصوص ويقولون فى كل ما يتصل بالذات من
النصوص
آمنا به على مراد الله
أما التحديد والتفسير والتأويل بالرأى والعقل والفكر البشرى فإنهم
بعيدون عن ذلك
وشعارهم في ذلك قوله تعالى
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ۳
ولقد اتجه علماء الإسلام الأول إلى احياء الإيمان في النفوس وزيادته في القلوب عن طريق السير على أسلوب القرآن في العظة والعبرة
۱ الشورى ۱۱ الصافات ۱۸۰ ۳ الصافات ۱۸۰
٣٦
هو
والمتشابه
ولكن فريقًا من الناس اتجهوا إلى البحث في المتشابه كل ما يتصل بالذات الإلهية التى لا تدرك بمثال ولا بإمعان نظر
ولقد حاول سهل رضى
الله
عنه
أن يعود بالأمر إلى الوضع الصحيح
في هذا الموضوع وتحدث عن العلم في جو التناسق القرآن
مع
يقول سهل بمناسبة قوله تعالى وقل لم تؤمنوا ولكن قولوا
أسلمنا
يعنى أقررنا مخافة السبى والقتل لأن الإيمان اقرار باللسان
صدقا
وإيقان في القلب عقدًا وتحقيقها بالجوارح إخلاصا وليس في الإيمان أنساب وإنما الأنساب فى الإسلام والمسلم محبوب إلى
الخلق والمؤمن غنى عن الخلق
ويتحدث سهل عن مثل المؤمن في الدنيا فيقول
ما ينبغي للمؤمن من أن يكون فى الدنيا إلا كمثل رجل ركب
خشبة في البحر وهو يقول يارب يارب لعل أن ينجيه منها وما من عبد مؤمن زهد في الدنيا إلا وكل الله به ملكاً حكيما يغرس في قلبه أنواع الحكم كما يغرس أهل الدنيا في بساتينهم من طرف الأشجار
ولقد سئل سهل عن القاطع للمؤمن عن
الله فقال
العبد الله والله لعبده وليس شيء أقرب إليه من قلب المؤمن
فإذا حضر الغير فيه فهو الحجاب ومن نظر إلى الله بقلبه بعد عن
۱ سورة الحجرات من الآية ١٤
كل شيء دونه ومن طلب مرضاته أرضاه بحلمه ومن أسلم إلى الله تعالى قلبه سلمت جوارحه فاستقامت وإنما شهدت قلوبهم على قدر ما حفظوا من الجوارح ثم قال
الزموا قلوبكم نحن مخلوقون وخالقنا معنا ولا تملوا من أعمالكم فإن الله شاهدكم حيثما كنتم وأنزلوا به حاجاتكم وموتوا على بابه
قولوا
نحن جهال وعالمنا معنا ونحن ضعفاء ومقوينا معنا ونحن عاجزون وقادرنا معنا فإن من لزمها كان الهواء والفضاء والأرض والسماء
عنده سواء
من
ولقد تحدث سهل كثيرًا عن أخلاق المؤمنين ومن ذلك ما يلى
قوله تعالى ولا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر حاد الله ورسوله ۱ قال
يوادون
كل من صح إيمانه فإنه لا يأنس بمبتدع ويجابهه ولا يؤاكله
ولا يشاربه ولا يصاحبه ويظهر له من نفسه العداوة والبغضاء ومن داهن مبتدعا سلبه الله حلاوة السنن ومن تحبب إلى مبتدع يطلب عزه في الدنيا وعرضا منها أذله الله بذلك العز وأفقره الله بذلك الغنى ومن ضحك إلى مبتدع نزع نور الإيمان من قلبه ومن
لم يصدق فليجرب
۱ المجادلة ٢٢
الله
۳۸
ويقول ليس من أخلاق المؤمن التذلل عند الفاقة وقبيح بالفقراء يلبسون الخلقان وهموم الأرزاق فى قلوبهم وإنما أصل هذه الأمور
ثلاث
السكون إلى الله جل وعز والهرب من الخلق وقلة الأذى
ولقد كان عامر بن قيس يقول إذا أصبح
اللهم إن الناس قد انتشروا لحوائجهم وإن حاجتي أن تغفر لى وقال بمناسبة قوله تعالى ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم ۱ قال المؤمن على الحقيقة من لا يغفل عن نفسه وقلبه يفتش أحواله ويراقب أوقاته فيرى زيادته من
فيشكر عند رؤية الزيادة ويتفرغ ويدعو عند النقصان
نقصانه
هؤلاء الذين بهم يدفع الله البلاء عن أهل الأرض ولا يكون المؤمن متهاونا بأدنى التقصير فإن التهاون القليل يستوجب الكثير قال
فإن العبد لا يجد طعم الإيمان حتى يدع ست خصال
يدع الحرام
C
والسحت والشبهة والجهل والمسكر
والرياء ويتمسك بالعلم وتصحيح العمل والنصح بالقلب والصدق باللسان والصلاح مع الخلق فى معاشرتهم والإخلاص لربه
في معاملته
وقال بمناسبة قوله تعالى أفمن كان على بينة من ربه ده
١ الفتح ٢٥
محمد ١٤
۳۹
المؤمن على بيان من ربه ومن كان على بينة من ربه لزم الاقتداء
بالسنن
حرف ک 1
وقال بمناسبة قوله تعالى ومن الناس من يعبد الله
تراه يجاهد في دين
على
الله
المؤمن وجه بلا قفا کرار غیر فرار وطاعته من إقامة توحيده واقتدائه بنبيه وإدامة التضرع واللجوء رجاء الاتصال به من موضع الاقتداء كما روى زيد بن أسلم
إلى
الله
عن النبي قال
ما من
أمتى إلا يدخل الجنة إلا من أبى قلنا يا رسول الله ومن
الذي يأبى ذلك
قال من أطاعنى دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى أن يدخل
الجنة
والإقبال عليه
وحقيقة التوحيد هو النظر للحق لاغير والاعتماد ولا ذلك إلا بالإعراض عما سواه وباظهار الافتقار
واللجأ إليه
يتم
ولقد سئل عن ذات الله سبحانه فقال
ذات موصوفة بالعلم
غير مدركة بالإحاطة ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا
وهي موجودة بحقائق الإيمان من غير حد ولا حلول
1 الحج 11
وتراه العيون فى العقبى ظاهرا في ملكه وقدرته
وقد حجب سبحانه وتعالى الخلق عن معرفة كنه ذاته ودلهم عليه
والأبصار لا تدركه ينظر إليه المؤمنون
باياته فالقلوب تعرفه بالأبصار من غير إحاطة ولا إدراك نهاية
وقال ليس له وراء وليس وراء الله وراء هو وراء كل شيء
جل الله
عز
شأنه
ولقد سأله رجل عن علم الله تعالى في عباده هل هو شيء بداله من بعد ما خلقهم أو كان قبل أن يخلقوا
فقال بل هو قرآن مجيد أى كتاب محكم في لوح محفوظ قبل أن يخلقوا وإن الله عز وجل فرغ من علم عباده وما يعملون قبل أن يخلقهم ولم يجبرهم على المعصية ولا أكرههم على الطاعة ولا أهملهم من تدبيره بل نبه على ما توعد به من كذب بقدره فقال
فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ۱
على وجه التهديد إذ لا حول لهم ولا قوة إلا بما سبق علمه فيهم
أنه سيكون منه بهم ولهم قال الله تعالى
وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له
فالخير من
الله تعالى أمر وإليه الولاية فيه والشر من
وإليه العصمة فيه
۱ الكهف ٢٩
الرعد ۱۱
الله نهى
٤١
ويحمل سهل على كل من يسير في تيار المعتزلة في موضوع أفعال
العباد ومن ذلك ما يقوله عن المؤمنين
فأمرهم الله عز وجل أن يؤمنوا بالغيب وأن يتبروا عن الحول والقوة فيما أمروا به ونهوا عنه اعتقادًا وقولاً وفعلاً ويقولوا لا حول لنا عن معصيتك إلا بعصمتك ولا قوة لنا على طاعتك إلا بمعونتك إشفاقاً منه عليهم ونظرًا لهم من أن يدعوا الحول والقوة والاستطاعة كما ادعاها من سبقت له الشقاوة فلما عاينوا العذاب تبرءوا ذلك فلم ينفعهم تبرؤهم حين عاينوا العذاب وقد أخبر الله عمن هذا وصفهم في قوله
من
فلم يك ينفعهم إيمانهم – أى دعواهم – لما رأوا بأسناد ط فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين كه ۱ وكما ادعى الحول والقوة والاستطاعة فرعون وقال متى شئت أني أومن أومن فلما آمن لم يقبل منه قال الله تعالى
أما
الآن وقد عصيت
عن
قوله تعالى
مشكلة خلق القرآن فإن سهلا يخالف المعتزلة ويقول بمناسبة
وقل لو كان البحر مدادا لكلمات لنفد البحرية ۳ قال ربی
1 الأعراف ٥
یونس ۹۱ ۳ الكهف ۱۰۹
٤٢
أي بعلم ربي وعجائبه ثم قال
إن من
علمه كتابه ولو أن عبدا أعطى لكل حرف من القرآن ألف فهم لما بلغ نهاية علم الله فيه لأنه كلامه القديم وكلامه صفته
ولا نهاية لصفاته كما لا نهاية له وإنما يفهم على قدر ما يفتح
على قلوب أوليائه من فهم كرمه
أما
عن فكرته في أفعال العباد فإنه يقول
الله
معنی رب العالمين سيد الخلق المربى لهم والقائم بأمرهم المصلح المدبر لهم قبل كونهم وكون فعلهم المتصوف بهم السابق علمه فيهم كيف شاء لما شاء وأراد وحكم وقدر من أمر ونهى
لا رب لهم غيره
أما
عن موقف المؤمن من القرآن الكريم فإن سهلاً يتحدث عن ذلك في أكثر من مكان
قيل له ما معنى قوله القرآن حبل الله الله بين وبين عباده قال أى لا طريق لهم إليه إلا به وبفهم ما خاطبهم فيه للمراد منهم به والعمل بالعلم لله مخلصين فيه والاقتداء بسنة محمد ع
المبعوث إليهم كما قال
ومن يطع الرسول فقد أطاع الله 1
وقال سهل إن الله تعالى أنزل القرآن على نبيه وجعل قلبه
معدنا لتوحيده والقرآن فقال
۱ النساء ٨٠
٤٣
نزل به الروح الأمين على قلبك ۱
وكلفه تبليغه عنه ليعلم المؤمنون به ما أنزل إليهم فمن آمن به ولم
يعمل بعلم ما فيه لم يكمل أجره
الله
وقال سهل
العجب كل العجب لمن قرأ القرآن ولم يعمل به ولم يجتنب ما نهاه عنه أما استحيا الله ومحاربته ومخالفته أمره ونهيه بعد علمه من به فأى شيء أعظم من هذه المحاربة ألم يسمع وعده ووعيده
ألم
يسمع
ما وعده
الله
به من النكال فيرحم
نفسه
ويتوب
ألم يسمع
قوله إن رحمة الله قريب من المحسنين فيجهد في الإحسان ألم يسمع قوله ورحمتی سبقت عذابي فيرغب في رحمتي وبعد فإن علامة المؤمن الكامل - كما يقول سهل – ألا يخاف
أحدا دون الله
۱ الشعراء ۱۹۳ ١٩٤ ٢ الأعراف ٥٦
الباب الثاني
الطريق
الفصل الأول الطريق في جوه المادى الفصل الثاني الطريق في جو القدوة والتأسى
الأخلاقي
الفصل الثالث الطريق في جوه الفصل الرابع الطريق في جو التوبة الفصل الخامس الطريق في جو الإخلاص الفصل السادس الطريق في جو المعراج الفصل السابع الطريق من زواية الولاية والكرامات
الفصل الثامن متناثرات عن الطريق في الحكم والمواعظ والنصائح والتوجيهات
الفصل الأول
الطريق في جوه المادى
بلغ سهل النضوج
والنضوج الروحى بتوفيق الله بعد جهاد ومجاهدة بعد ذكر وعبادة بعد صوم وسياحة وحينما أذن الله له في الدعوة إليه أخذ يدعو إليه على بصيرة ويرسم الطريق إليه على
هدى
والطريق الذي رسمه إنما هو نتيجة خبرة عالمة ونتيجة وصل إليها عالم مجرب لقد سار سهل مع التجربة الروحية في مسالكها ومدارجها ومعارجها لقد عاشها لقد كان يحياها حياة الذكي المتبصر العالم لقد عاش التجربة الروحية طولاً وعاشها عرضاً لقد
فنى فيها فكان هو هي
ورسمها
كيف رسمها ما هى سماتها ما الطريق
والطريق له أجواء مترابطة متلازمة أو متلاحمة ونبدأ بتيسير
الله بالكتابة عن الطريق فى جوه المادى حسبما خطه سهل
ونعني بالطريق في جوه المادى الحياة من ناحية المأكل والمشرب
وبعض الناس لا يبالى بطعامه وشرابه من ناحية الحل والحرمة يهتم الاهتمام الدقيق لذلك ولكن الصوفية يرون أن أكل
وبعضهم
لا
٤٧
الحلال إنما هو الخطوة الأولى المادية فى الطريق إلى الله ومثلها في هذا الجانب مثل التوبة في الجانب الروحي يقول سهل من
أكل الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى علم أو لم يعلم ۱ ومن عصت جوارحه ومن غلبته جوارحه فليس له في طريق الله
نصيب
ولا مناص من الابتعاد عن أكل الحرام حتى لا تتمرد الجوارح لا يكون ارتكاب للاثم وأكل الحرام نفسه إثم باعث على
وحتى
الإثم
وقد يقول قائل إن هذه المسألة أمرها هين فالناس عادة يأكلون الحلال من مرتباتهم أو من مزارعهم أو من مهنهم
بید
أن الصوفية لا ينظرون إلى الأمور هذه النظرة السهلة
يتحرجون ويتساءلون أدخل هذا المال ربا
الله
أأدى الإنسان فيه حق الزكاة من
إنهم
أأدى الإنسان فيه حق
الله
من ناحية الأمانة
في العمل ومن ناحية
أخذ
إتقانه إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه وإن من
الأجر
حاسبه
جر
الله
على العمل فهل كان العمل مجزيا بالنسبة للأجر
هل دخل هذا المال مال من الأيتام
وأسئلة كثيرة من هذا النمط هى مظهر من مظاهر الحرص على
أن يعيش في الجو الحلال الصافي وذلك أن
٤٨
1 الكواكب الدرية
من أحب أن يكاشف بآيات الصديقين فلا يأكل إلا حلالاً ولا يعمل إلا فى سنة أو لضرورة 1 على حد تعبير سهل
وإنه كما يقول من لم يكن مطعمه من الحلال لم يكشف عن قلبه حجاب وتسارعت إليه العقبات ولا تنفعه صلاته ولا صومه ولا صدقته
وقد بين سهل النتيجة العامة لأكل الحرام بقوله يأتى على الناس زمان يذهب الحلال من أيدى أغنيائهم وتكون أموالهم من غير حلها فيسلط الله بعضهم على بعض يعني
والمرافعات عند الحكام
فتذهب لذة عيشهم ويلزم قلوبهم خوف فقر الدنيا شماتة الأعداء
بالأذى
وخوف
ولا يجد لذة العيش إلا عبيدهم ومماليكهم وتكون سادتهم في بلاء وشقاء وعناء وخوف من الظالمين
ولا يستلذ بعيش يومئذ إلا منافق لا يبالى من أين أخذ ولا فيما أنفق ولا كيف أهلك نفسه
ذلك فإن هذا الحلال نفسه لا يؤدى إلى
أكل الحلال ومع خير إذا أسرف الإنسان فيه
۱ الكواكب الدرية
الطبقات الكبرى للشعراني
ذلك أن البطنة أصل الغفلة كما يقول سهل
والدنيا
كما يرى - حرام على صفوة خلق الله لا ينالون فيها
إلا بقدر الضرورة ۱
ومادامت النفس تشتهى المعصية فلا يصل للقلب شيء من نور
الطاعة فأدبوا أنفسكم بالجوع والعطش
لا
وبعضهم
وعامة الناس معنيون عناية شديدة بالأكل والشرب هم له إلا ذلك ويبين سهل أنواع عيش الناس ومنازلهم من
ذلك فيقول
العيش على أربعة أوجه
عيش الملائكة في الطاعة وعيش الأنبياء في العلم وانتظار الوحي وعيش الصديقين فى الاقتداء وعيش سائر الناس عالما كان أو جاهلاً زاهدا كان أو عابدا في الأكل والشرب
ويقول سهل الضروري للأنبياء والقوام الصديقين
والقوت للمؤمنين والمعلوم للبهائم ويعنى بالمعلوم الأكل الذى ليس ضرورة ولا قواماً ولا قوتًا إنما هو زائد على ذلك على أن الشبع بمعناه الحقيقى لا يؤدى إليه
الأكل فحسب
فمن ظن أنه يشبع من الخبز جاع
1 الكواكب الدرية للمناوى
الكواكب الدرية
والإنسان يمكنه أن
يعيش
أياما دون أن يشعر بلهيب الجوع وقد
سئل سهل عمن لا يأكل أياما أين يذهب لهب جوعه
فقال يطفئه نور القلب
على أنه من الطريف أن يسأل رجل سهلاً فيقول له
يا أستاذ أي شيء القوت
قال الذكر الدائم
قال الرجل لم أسألك هذا إنما سألتك
عن
فقال يارجل لا تقوم الأشياء إلا بالله
عن قوام النفس
فقال الرجل لم أعن هذا سألتك عما لابد منه
فقال يا فتى لابد
الله
من
كان سهل يوجه إلى
الله
حتى حينما يسأل
عن الناحية المادية
وبعد فهذه بعض أقوال سهل فيما يتعلق بذلك إنه يقول
لا يرى في القيامة عمل بر أفضل من ترك فضول الطعام والاقتداء بالمصطفى في أكله ويقول
لم ير الأكياس شيئًا أنفع من الجوع للدين والدنيا
ويقول
لا أعلم شيئًا أضر على طلاب الآخرة من الأكل
ويقول
جعل العلم والحكمة من الجوع وجعل المعصية والجهل في الشبع
۵۱
ويقول
ما عبد الله بشيء أفضل من مخالفة الهوى في ترك الحلال وقد قال في الحديث ثلث للطعام فما زاد فإنما يأكل حسناته من
ويقول
إنما صار الأبدال أبدالا بإخماص البطون والصمت والسهر والخلوة
ويقول
رأس كل بر بين السماء والأرض الجوع ورأس كل فجور بينهما
الشبع ويقول
إقبال الله على العبد بالجوع والسقم والبلاء إلا من شاء كله
ويقول
لو كانت الدنيا دما عَبيطًا كان قوت المؤمن منها حلالاً لأنه أكله
عند الضرورة بقدر القوام فقط
ويقول
إنما حجب الخلق عن مشاهدة الملكوت وعن الوصول بسوء
a
۳
المطعم وأذى الخلق
الأكل الحلال وعدم الإسراف فيه
ولابد من أمر ثالث حتى ننتهى من الطريق في جوه المادى
۵
إن الناس يتكالبون على الحياة ويجرون وراء العيش في غير إجمال
ولا رفق في الطلب وإنما في نهم وفي تهافت
ويحاول سهل أن يجعل الناس يجملون في الطلب
ويتر فقون
في الجرى وراء الدنيا ويجعلون الله حسابا في تقديرهم وتصريفهم للأمور فيقول لهم إن المؤمن أكرم على الله من أن يجعل رزقه من حيث يحتسب يطمع المؤمن في موضع فيمنع من ذلك ويأتيه من حيث
لا يحتسب
>>
۱
عنه
إن الله تعالى خلق الخلق ولم يجحبهم وإنما جاءهم الحجاب من تدبيرهم واختيارهم مع الله تعالى وذلك هو الذي كدر على الخلق
عيشهم وينتهي سهل من مشكلة الاكتساب بقوله من طعن على
الاكتساب فقد طعن على السنة وذلك أن رسول الله ل كان يحث دائما على العمل والكسب فيقول لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يأتى الجبل فيأتي بحزمة من
حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها
الناس أعطوه أو منعوه رواه البخارى
وجهه خير
له
أن يسأل من
المقداد
وعن
بن
معد يكرب
رضی
الله
عنه عن النبي
قال
۱ حلية الأولياء
نبی
خير من
ما أكل أحد طعاما قط الله داود عليه السلام كان يأكل
وقال
من
أن يأكل من عمل يديه وإن عمل يده رواه البخاري
ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة رواه البخاري ومسلم والترمذى وينتهى سهل أيضا بأن
من طعن على التوكل فقد طعن على الإيمان وذلك أن الله سبحانه وتعالى يقول
الله
ومن يتق يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل
شيء قدران ۱
ويقول سبحانه وعلى الله فليتوكل المؤمنون
ويقول الرسول
لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو
خماصا وتروح
بطانا
فقد طعن على الإيمان
من طعن على السنة ومن طعن على التوكل
ولابد إذن من تنسيق ينسجم فيه الاكتساب مع التوكل
۱ سورة الطلاق الآيتان ۳
التوبة ٥١
٥٤
ولابد من الاكتساب ولابد من تفويض الأمر في النتيجة الله سبحانه وتعالى ولابد من العمل المتقن ولابد من ذلك من أن يكل الإنسان أمر اجتناء الثمرة إلى الله سبحانه وتعالى
ولابد من أن يعقل الإنسان ناقته ثم يتوكل على الله في أمر حفظها يقول اعقلها وتوكل
فإذا ما تأتى التنسيق بين الاكتساب والتوكل هدأ المؤمن واستراحت نفسه وأجمل فى الطلب ورضى بما قسمه الله له وغمره نوع من السكينة ويسرت عليه أمور الحياة الاكتساب والتوكل ذلك قانون الإيمان وقانون الصوفية وما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده وإبراهيم بن أدهم – إمام من أئمة الصوفية ومنارة من منارات التقوى - كان متوكلاً على الله وكان يعمل فيأكل
من عمل يده
•
C
وهنا تتهافت كل الاعتراضات - اعتراضات أهل الدنيا – التي تتصل بالكسب نفيا لوجوده في جو الصوفية أو التي تتصل بالتوكل تحريفا لمعناه وذهابا به إلى غير سبيله ومن الحق أن
من طعن على الاكتساب فقد طعن على السنة ومن طعن على
التوكل فقد طعن على الإيمان
من
•
لقد اهتم سهل اهتمامًا كبيرًا بأكل الحلال وذلك لما لهذا الجانب مكانة كبرى فى الاتجاه إلى الله سبحانه وتعالى وفي كسب
الحلال
٥٥
ولبيان هذه المنزلة نذكر الحديثين التاليين عن رسول الله
روی ابن مردويه - بسنده - عن ابن عباس قال
تليت هذه الآية عند رسول الله ويأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيبات ۱ فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلنى مستجاب الدعوة فقال
يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام فى جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به
وروی
أحمد
ومسلم بسندهما عن أبى هريرة قال قال رسول الله أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وقال يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون ۳ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك
ومن طريف ما يروى في ذلك عن سهل
وهى قصة لها مغزاها
العميق - أنه قال مرة أنا حجة الله على الخلق وأنا حجة على أولياء
1 البقرة الآية ١٦٨ المؤمنون الآية ٥١
۳ البقرة الآية ۱۷
٥٦
زمانی فبلغ ذلك أبا زكريا الساجي وأبا عبد الله الزبيرى فذهبا إليه فقال له أبو عبد الله الزبيرى - وكان جسورا لأنه ضرير بلغنا عنك أنك تقول أنا حجة الله على الخلق وأنا حجة الله على أولياء
زمانی فماذا صرت هل أنت نبي أو صديق
فقال سهل لم أذهب حيث ظننت ولست أنا نبيا إنما قلت هذا لأنني صححت أكل الحلال دون غيرى فقال له وأنت صححت الحلال قال نعم لا آكل دائمًا إلا حلالاً فقال له الزبيري
وكيف ذلك
فقال له سهل قسمت عقلى ومعرفتي وقوتى على سبعة أجزاء فأترك الأكل حتى يذهب منها ستة أجزاء ويبقى جزء واحد فإذا
معه
خفت أن يذهب ذلك الجزء وتتلف نفسی أكلت بقدر البلغة خوفا أن أكون أعنت على نفسى ولترد على الستة الأخرى فبهذا
صح
الحلال
فقال الزبيري نحن لا نقدر على المداومة على هذا ولا نعرف أن نقسم عقولنا ومعرفتنا وقوتنا على سبعة أجزاء واعترف بفضل سهل
الله
عنه
۵۷
الفضل الثاني
الطريق في جوّ القدوة والتأسى
ونريد الآن - بتوفيق الله - أن نتدرج في الطريق سائرين مع أجوائه المترقية ومع منازله المتسامية حتى نصل مع سهل إلى تصوير الغاية التي يهدف إليها الذاهبون إلى الله على الأسلوب الذي سلكه سهل ورسمه وعلى الطريقة التي سار عليها وتقرب إلى
الله
بها
والسؤال الذي يدور على الألسنة دائما هو
ما مدى صلة الطريق بالسنة النبوية بسلوك رسول الله إن
الله سبحانه وتعالى يقول
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان
الآخر وذكر الله كثيران ۱
يرجو
الله واليوم
فما هو موقف سهل من هذه الأسوة وما هو مدى التزامه إن اتباع الهوى هو سبيل المنحرفين
يقول سهل
كل عبد يفعل طاعة أو يتخلى عن معصية بغير اقتداء فهو عيش النفس أى حظها وهواها إنه وقد تخلى عن الاتباع إيجابا أو سلبا
ليس إلا هوى
۱ الأحزاب ۱
۵۸
يقول الله تعالى
أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم
سبيلا 1
أما سبيل المؤمنين فإنه الاتباع
يقول سهل
أضل
أيما عبد قام بشيء مما أمر الله به من أمر دينه فعمل به وتمسك به فاجتنب ما نهى الله تعالى عنه عند فساد الأمور وعند تشويش الزمان واختلاف الناس فى الرأى والتفرق إلا جعله الله إماما يقتدى به هاديًا مهديا قد أقام الدين في زمانه وأقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وهو الغريب في زمانه الذي قال رسول الله عنه
بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ
السنة
وكانت نيته متقدمة في
وما من عبد دخل في شيء من دخوله الله إلا خرج الجهل من سره شاء أو أبي بتقديمه
النية
ولا يعرف الجهل إلا عالم فقيه زاهد عابد حكيم إن الاتباع
من
علم وعدم الاتباع جهل إنه جهل مهما بلغ صاحبه الثقافة وذلك أن كل رأى فى عالم الأخلاق لا تأسى فيه إنما هو رأى ظنى
۱ الفرقان ٤٣ - ٤٤
۵۹
وهو رأى تسهل معارضته برأى آخر ويسهل نقضه برأى ثالث
إنه إذن جهل حيث لا يقين فيه قال الله تعالى
فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكِّمُوكَ فيما شَجَر بينهم ثُمَّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمان
1
وما من شك فى أن الفوضى الأخلاقية التي نعيش فيها والانحراف في الشباب وفى الشيوخ الذى تعانى منه المجتمعات المعاصرة إنما مرجعه إلى المحاولات الآثمة التي يدعو إليها الملاحدة من فصل الدين وإذا ما فصلت الأخلاق عن عن الدين فإنها تتعرض
الأخلاق
لآفات كثيرة منها
1 - أنها تفقد قدسيتها حيث يصبح منبعها بشريا لا إلهيا وحيث
تصبح بذلك رأيا لا عقيدة
تصبح
جدلاً
ينكرها جملة من ينكرها ينكرها
السوفسطائيون وينكرها نيتشه وينكرها الوجوديون ولا يرى هؤلاء ولا أولئك للفضيلة معنى ثابتاً ولا للخير مبادئ حقيقية - تصبح نسبية تتقلب مع أهواء الفرد ومع نزوات المنحرفين
ومع شهوات المبطلين
وينتج عن ذلك كله اضطراب المجتمع وفساد الجماعة لا يأمن الناس على دمائهم ولا على أموالهم ولا على أعراضهم
1 النساء آية ٦٥
ومن أجل ذلك كان التأسى علماً وكان حكمة أيضا حكمة بالنسبة للفرد يأمن ويهدأ وحكمة بالنسبة للمجتمع يستقر
ويرقي
وأما
عدم
التأسى فإنه جهل وإنه لسفه أيضا
واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل
القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ۱ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمان
واتباع السنن الديني ذلك هو طريق الهداية قال الله تعالى واتبعوه لعلكم تهتدون ۳ وكلمة سهل عن أصول الطريق مشهورة معروفة إنه يقول أصولنا سبعة أشياء
التمسك بكتاب الله تعالى والاقتداء بسنة رسول الله له وأكل الحلال وكف الأذى واجتناب الآثام والتوبة وأداء الحقوق ويتحدث سهل في تفسيره عن الاقتداء برسول الله فيقول في قوله تعالى روما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهواك 4
1 الأعراف آية ١٧٥ ١٧٦
النساء آية ٦٥ ۳ الأعراف ١٥٨
٤ الحشر ٧
٦١
قال أصول مذهبنا ثلاث
أكل الحلال والاقتداء بالرسول لا في الأخلاق والأفعال وإخلاص النية فى جميع الأعمال وقال ألزموا أنفسكم ثلاثة أشياء فإن خير الدنيا والآخرة فيها صحبتها بالأمر والنهى بالسنة وإقامة التوحيد فيها وهو اليقين وعلما فيه اتصال الروح
وصاحب هذه الثلاثة أعلم بما في بطن الأرض مما على ظهرها ونظره في الآخرة أكثر من نظره في الدنيا وهو في السموات أشهر بين الملائكة منه فى الأرض بين أهله وقرابته فقيل ما العلم الذي
فيه إيصال الروح
قال علم قيام الله عليه والرضا
فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى ١
قال هو الاقتداء وملازمة الكتاب والسنة فلا يضل عن طريق الهدى ولا يشقى في الآخرة والأولى انتهى
وقال من لم يكن اقتداؤه فى جميع أموره بالنبي الله فهو ضال إن الله يُدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات قال هم الذين صدقوا الله فى السر والعلانية واتبعوا سنة نبيهم ولم يبتدعوا بحال
هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم ۳
۱ طه ۱۳ ٢ الحج ١٤ ۳ الجمعة ٢
قال الأميون هم الذين صدقوا محمدا عل نسبوا إليه لاتباعهم
إياه واقتدائهم به ومن لم يقتد به فليس من
يقول سهل
لا
أمته
معين إلا الله ولا دليل إلا رسول الله
ولا زاد إلا التقوى
ولا عمل إلا الصبر
إنا لا
ومن أجمل ما كتبه سهل في الاتباع قوله بمناسبة قول الله تعالى نضيع أجر من أحسن عملات 1 قال حسن العمل الاستقامة عليه بالسنة وإنما مثل السنة فى الدنيا مثل الجنة في الآخرة ومن دخل الجنة سلم كذلك من لزم السنة في الدنيا سلم من الآفات
وقال مالك
بن
أنس
رضی
الله
عنه لو أن رجلاً ارتكب جميع
الكبائر ثم لم يكن فيه شيء من هذه الأهواء والبدع لرجوت له ثم قال من مات على السنة فليبشر ثلاث مرات
وقال سهل لا يرفع الحجاب عن العبد حتى يدفن نفسه في الثرى قيل له كيف يدفن نفسه قال يميتها على السنة ويدفنها في اتباع السنة لأن لكل شيء من مقامات العابدين مثل الخوف والرجاء والحب والشوق والزهد والرضى والتوكل غاية إلا السنة فإنه ليست لها غاية ونهاية فسئل عن معنى قوله ليت للسنة غاية فقال لا يكون لأحد مثل خوف النبي أو حبه أو شوقه أو زهده أو رضاه أو توكله
أو أخلاقه وقد قال الله تعالى
۱ الكهف ٣٠
٦٣
أي
وإنك لعلى خلق عظيم ۱
ويقول في تفسير قوله تعالى ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ٢
یزید
الله
الذين اهتدوا بصيرة في إيمانهم بالله وفي اقتدائهم بمحمد
وهو زيادة الهدى والنور المبين
ويقول في تفسير قوله سبحانه
ر فلما آسفونا انتقمنا منهم ۳
أى فلما عايظونا بالإقامة على المخالفة في الأوامر وإظهار البدع في الدين وترك السنن اتباعا لوجود الأهواء نزعنا نور المعرفة من قلوبهم وسراج التوحيد من أسرارهم ووكلناهم إلى أنفسهم وما اختاروه
فضلوا وأضلوا ثم قال
الاتباع الاتباع الاقتداء فإنه سبيل السلف ما ضل من اتبع
وما نجا من ابتدع
ويقول في تفسيره لقول الله تعالى يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم
وأهليكم نارا ٤
یعنى بطاعة الله واتباع السنن
ومما لا شك فيه أن سهلاً كان متمثلاً – في ذلك – لما روى عن
رسول الله
۱ القلم الآية ٤
مريم الآية ٧٦ ۳ الزخرف الآية ٥٥ ٤ التحريم الآية ٦
فعن
أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل طيبا وعمل فى سنة وأمن الناس بوائقه دخل الجنة
قالوا يا رسول الله إن هذا في أمتك اليوم كثير
قال وسيكون في قوم بعدى ١
وعن ابن عباس أن رسول الله الخطب الناس في حجة الوداع
فقال
إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ولكن رضى أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا كتاب الله وسنة نبيه
وعن مجاهد قال
كنا مع ابن عمر - رحمه الله - في سفر فمر بمكان فحاد عنه فسئل لم فعلت ذلك قال رأيت رسول الله فعل هذا
ففعلت ۳
وعن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان يأتى شجرة بين مكة والمدينة فيقيل تحتها ويخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ٤
وعن
عائشة رضى
الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ٥
۱ رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وغيره وحاكم واللفظ له وقال
صحيح الإسناد
رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وله أصل في الصحيح
۳ رواه أحمد والبزار بإسناد جيد ٤ رواه البزار بإسناد لا باس به ه رواه البخاري ومسلم وأبو داود
وعن جابر رضي الله عنه قال
كان رسول الله الله إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول
أنا
بعثت
ويقول
والساعة كهاتين - ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى
الله
وخير الهدي هدى محمد
أما بعد فإن خير الحديث كتاب وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ثم يقول
أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلى وعلى ١ وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله قال ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبى مجاب الزائد فى كتاب الله عز وجل والمكذب بقدر الله والمتسلط على أمتى بالجبروت ليذل أعز الله من أذل الله والمستحل حرمة الله والمستحل من عنزتي ما والتارك للسنة ٢
ويعز من
حرم
وعن عمرو بن عوف رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انى أخاف على أمتى من ثلاث من زلة عالم ومن هوى
متبع ومن حكم جائر ۳
۱ رواه مسلم وابن ماجه
رواه الطبرانى فى الكبير وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد
ولا أعرف له علة
۳ رواه البزار والطبراني والترمذى
الفصل الثالث الطريق في جوه الأخلاقي
يقول رسول الله
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
ولقد أوحى الله تعالى منذ أن كانت الأديان – الأخلاق الكريمة تتوالى على لسان رسله الأطهار وكان تمام هذه الأخلاق وكمالها إنما
هو رسولنا وإمامنا صلوات الله وسلامه عليه
ولقد وصفه الله تعالى بقوله
وإنك لعلى خلق عظيم ۱
ووصفه سبحانه بالرأفة والرحمة
وحدد سبحانه طابع الرسالة الإسلامية بأنه الرحمة فقال سبحانه
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ٢
وقال صلوات الله وسلامه عليه إنما أنا رحمة مهداة
وعلى أساس من عناية الإسلام بالأخلاق الكريمة قامت دعوة الصوفية
إلى الأخلاق الفاضلة
1 القلم الآية ٤ الأنبياء الآية ١٠٧
٦٧
ولقد حدد كثير منهم التصوف بأنه الأخلاق وقال سهل يحدد
التصوف
D
التصوف ليس رسماً ولا علما ولكنه خلق
لأنه لو كان رسما لحصل بالمجاهدة
ولو كان علما لحصل بالتعليم
ولكنه تخلق بأخلاق الله
ولن تستطيع أن تقبل على الأخلاق الإلهية بعلم أو رسم ولقد ذكر الناس عند سهل - الكرامات وأخذوا في الحديث عنها مكبرين
لها مشيدين بأمرها فقال سهل
وما الآيات
وما الكرامات شيء ينقضى لوقته
ولكن أكبر الكرامات أن تبدل خلقا مذموما من أخلاق نفسك
بخلق محمود ويحمل سهل على المعاصى حملة مستفيضة ويقدم أمر الانتهاء عن المعاصى على عمل الطاعات
يقول سهل
ليس من عمل بطاعة
الله
صار حبيب
الله ولكن من اجتنب ما
نهی
الله
عنه صار حبيب
الله
وفى ذلك يقول الله تعالى
إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم
مدخلا كريما ۱
٦٨
۱ النساء آية ٣١
ولا يجتنب الآثام إلا صديق مقرب أما أعمال البر فإنه يعملها البر والفاجر
وقال مرة أخرى أعمال البر يعملها البر والفاجر ولا يجتنب المعاصى إلا صديق والمعصية الكبرى المعصية التي يراها الصوفية أقبح المعاصى المعصية التي تقف عقبة أمام كل تقدم في طريق الله ما عنها سهل بقوله ما أعرف معصية أقبح من نسيان
هی
عبر
الرب ۱ ولقد قيل له مرة
ما أغرب الأشياء
فقال قلب عرف الله ثم عصاه
وإذا أقام العبد على معصية فإن جميع حسناته تكون ممزوجة بالهوى لا تخلص له حسناته وهو مقيم على سيئة واحدة ولا يتخلص عن هواه حتى يخرج من جميع ما يعرف من نفسه مما يكرهه الله تعالى الله تعالى - كما يذكر سهل - الطبائع المنحرفة ورسم طريق العلاج فطبع البهائم يصوره الله بقوله وذرهم يأكلوا
ولقد صور
ويتمتعواني ٣
والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى
لم 4
1 الكواكب الدرية
وفى ذلك يقول الله تعالى هو إن الذين ارتدوا على أدبارهم من الهدى الشيطان سوّل لهم وأملى هم ٢٥ من سورة محمد
۳ الحجر ٣
٤ محمد ۱
بعد ما تبين
٦٩
وطبيعة أهل الدنيا اللهو واللعب والزينة
والتفاخر
والتكاثر فكل حياتهم
واستعبد
الله
لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد هؤلاء وأولئك - ليخرجهم من طباعهم إلى طبائع تتسامى بالتسبيح والتقديس والتحميد والتكبير والشكر حتى يسلموا من طبع الشياطين اللهو واللعب ويقتربوا من طباع الملائكة يقول تعالى وإن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه
وله يسجدون ۱
ويقول سبحانه
ووله من في السموات والأرض ومن
عنده ل
يستكبرون عن عبادته
ولا يَسْتَخْسِيرُون يسبحون الليل والنهار لا يفترونه
ومن الناس من تكون طبيعته طبيعة السحرة طبيعة المكر والخديعة
ويقول الله عن هذه الطبيعة
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ۳
ويقول سبحانه
و يخادعون الله
وهو
خادعهم 4
1 الأعراف ٢٠٦
الأنبياء آية ۱۹ ۰
۳ الأنفال آية ٣٠
٤ النساء آية ١٤٢
ويصور
الله العلاج بالنسبة لهؤلاء لقد استعبدهم الله بالاقتداء بالنبي
بالنصيحة والرحمة والصدق والإنصاف والاستعانة بالله والصبر على ذلك إلى الممات۱
ومن الناس من طبيعته طبيعة الأبالسة وطبيعة الأبالسة الإباء والاستكبار يقول الله سبحانه عن إبليس
وإلا إبليس أبى واستكبر ۳ وعلاج الطبيعة الإبليسية الدعاء والتضرع والالتجاء إلى الله لقد استعبدهم بذلك حتى يسلموا من طبع الأبالسة
و قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم ۳
وأحب لهم الاعتصام بحبل الله واعتصموا بحبل الله جميعا
ولا تفرقوا 3
بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم 0
ومن يعتصم على أن شيئين يذهبان خوف الله من قلب العبد الدعوى والمعصية وصاحب المعصية إذا خوفته واحتجبت عليه بالإيمان ينقاد ويخضع ويقر بالخوف وصاحب الدعوى لا يقر بالحق ولا ينقاد للخوف
البتة
۱ حلية الأولياء
البقرة الآية ٣٤
۳ الفرقان اية ۷۷ ٤ آل عمران آية ۱۰۳ 0 آل عمران آية ۱۰۱
۷۱
الله
ولا يوجد قلب أخلى من الخير ولا أقصى ولا أبعد من خوف
1
من قلب المدعى على أنه من الواجب أن نتنبه إلى الجهل الديني فإنه من الكبرى في المعاصى فإنه فى حقيقة الأمر إذا نظرنا إلى هؤلاء المؤثرين
الأسباب
للدنيا المنغمسين فيها المرتكسين في مساراتها فإننا نجده الجهل يقول سهل أصل الدنيا الجهل وفرعها الأكل والشرب
والطيب والنساء والمال والتفاخر والتكاثر وثمرتها المعاصى
وعقوبة المعاصى الإصرار
وثمرة الإصرار الغفلة
وثمرة الغفلة الاجتراء على الله
يقول الله تعالى
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون
واستمر سهل يستفيض في التحذير من المعاصي منبها ومعرفاً ومبينا ولقد آن لنا أن ننتقل إلى الطاعات وبيانها على ما وضحه سهل
في أمرها
إن الانغماس فى الدنيا والارتكاس في موبقاتها شر
والدنيا كلها جهل إلا العلم فيها والعلم كله وبال إلا العمل به والعمل كله هباء منثور إلا الإخلاص فيه والإخلاص فيه أنت
منه على وجل حتى تعلم هل قبل أم لا
۱ حلية الأولياء
المطففين آية ١٤
۳ الحلية
۷
وينصح سهل من أراد الاتجاه إلى حياة الخير قائلاً
لا تفتش عن مساوئ الناس ورداءة أخلاقهم ولكن فتش وابحث
في أخلاق الإسلام ما حالك فيه حتى تسلم ويعظم قدره في نفسك وتجتهد في التلبس بتلك الأخلاق ۱
وعندك
فتش عن أخلاق الإسلام واجتهد في التلبس بها
وأول ما ينبغى فى ذلك مخالفة الهوى ومخالفة الهوى - حسبما یری سهل – من أفضل ما عبد الله
به
مخالفة الهوى فى سبيل الله وما كانت مخالفة النفس في يوم من الأيام هدفا في نفسها إنها - فى الوضع الديني السليم – ليست غاية وإنما هي وسيلة لتيسير سبيل الصراط المستقيم الاقتداء والاتباع والتأسى برسول الله إنها وسيلة تيسر الاستجابة إلى الله ورسوله
وإذا ما أراد الإنسان السير على الطريق المستقيم فينبغي أن
يطهر العلم من الجهل بالاتباع والتأسى
ويطهر الذكر من النسيان بعدم الغفلة
ويطهر الطاعة من المعصية ٢ بالانقطاع عن الشهوات المنحرفة بل إن الخروج من الشهوات حسبما يرى سهل - خروج من الجهل إلى العلم ومن النسيان إلى الذكر ومن المعصية إلى الطاعة
ومن الإصرار إلى التوبة
1 الكواكب الدرية والحلية
الحلية
وأول ما ينبغي للعبد أن يتخلق به ثلاثة أخلاق وفيها اكتساب
للعقل
احتمال المئونة والرفق في كل شيء والحذر أن يميل في الهوى أو مع الهوى أو إلى الهوى
ثم لابد له من ثلاث أحوال أخر وفيها اكتساب العلم العالى
أى العلم بالتوحيد والحلم والتواضع
ثم لابد له من ثلاثة أخر وفيها اكتساب المعرفة وأخلاق أهلها السكينة والوقار والصيانة والإنصاف ولابد لإحكام التعبد من وكف الأذى وبذل المعروف والنصيحة
الحياء
34
الفصل الرابع
الطريق في جو التوبة
لقد احتل موضوع التوبة من نفس سهل مكانًا كبيرًا وكان سهل على حق فى اهتمامه بموضوع التوبة وذلك أن أول خطوة يخطوها الإنسان فى معراجه إلى الله تعالى إنما هي التوبة الصادقة ولقد حث الله سبحانه وتعالى عليها بشتى الأساليب وفتح سبحانه
أبوابها على مصاريعها
لقد أمر بها سبحانه في القرآن الكريم
وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون الله ۱ وحث عليها في الأحاديث بأسلوب في غاية الجمال يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا
فاستغفروني أغفر لكم
وحث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أساليب مؤثرة
إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار
ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويقول صلوات الله عليه وسلامه
1 النور الآية ٣١
٧٥
أما
كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون
من
الناحية العملية الواقعية فإن رسول الله ما كان يتوب إلى
الله ويستغفره كثيرا
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة ۱ وعن الأغر المزني رضى الله عنه قال قال رسول الله إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ٢
D
-
ويقول رسول الله - فيما رواه الأغر المزنى - يأيها الناس توبوا إلى الله فإنى أتوب إليه في اليوم مائة مرة ۳
ويقول سبحانه وإن الله يحب التوابين ٤
والله سبحانه علق حبه على كثرة التوبة التوبة ولو لم يكن ذنب التوبة ولو لم تكن هفوة التوبة باعتبارها عبادة التوبة باعتبارها من الأبواب التي يدخل منها الإنسان إلى
الله له
جب
وإذا أمعنا النظر في موضوع التوبة نجد أنه تلازم الإنسان طيلة حياته وإذا كانت مقامات السالكين إلى الله يسلم بعضها إلى بعض ويترقى الإنسان فيها من مقام ينتهى منه إلى مقام يسير فيه إلى غايته
۱ رواه البخارى رواه مسلم ۳ رواه مسلم
٤ البقرة الآية ٢٢٢
ليسلمه إلى مقام ثالث وهكذا فإن التوبة مقام أساسى يسلم إلى
ما بعده ولكنه لا ينتهى وإنما يلازم الإنسان مهما ترقى في معراجه إلى الله سبحانه ومن أجل ذلك كان الواقع في حياة رسول الله الله الاستمرار فى التوبة يوميًا يتوب صلوات الله وسلامه عليه توبة عبادة توبة تضرع توبة انكسار إلى الله طلبًا لمرضاته توبة تواضع وخشية توبة يدخل بها إلى حب سبحانه له التوبة إنها شعار كل صادق في اتجاهه إلى الله وإذا كانت لم تأخذ حظها من الاهتمام عند بعض الناس فإنها ملكت على سهل شعوره ووجدانه وبلغ من أهميتها عنده أن أعلن أن
التوبة فرض على العبد في كل نفس والواقع
بسعة
هذه الجملة
أنه إذا سار الإنسان في جو من الفهم الذي يتسم الأفق بعيدا عن قيود الألفاظ فإنه يستطيع أن يفهم من أن المقصود بها أن يستمر الإنسان متذكرا الله سبحانه في جميع
لحظاته وتكون على هذا الوضع التوبة ذكر
وما هو
الذكر إذا لم يكن تضرعًا إلى الله ومراعاة لحدوده أمرًا ونهيا
وما هي التوبة إذا لم تكن ذكر الله ومراعاة له في الحركات
والسكنات
والله سبحانه وتعالى يتحدث عن أولى الألباب فيذكر من صفاتهم أنهم والذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ۱
۱ آل عمران الآية ۱۹۱
۷۷
أى في كل أحوالهم أو في كل أنفاسهم
إنه إذا حسنت النية أمكن أخذ الأمور من جانب رحابة الصدر وسعة الأفق
ولكن هذه الكلمة الجميلة من سهل التوبة فرض على العبد في كل نفس أقامت عليه الدنيا وأقعدتها وما كان ذلك عن إخلاص كلا وإنما عن حسد يقول صاحب الكواكب الدرية وأكثر فى الأرض من علوم الحقائق فحسده فقهاء بلده فنسبوه
إلى عظائم بسبب قوله
التوبة فرض على العبد في كل نفس
ولم يزالوا به حتى أخرجوه وجماعته من البلد إلى البصرة فمات
وتقول دائرة المعارف الإسلامية
ولا نعرف من حياة سهل التى كانت تتسم فيما يظهر بالهدوء واعتزال الناس إلا حادثة واحدة هى نفيه إلى البصرة إبان فتنة الزنج حوالى سنة ٢٦١ هـ - ٨٧٤ م حين أنكر علماء الأهواز قوله
بأن التوبة فرض
أما رأى سهل فى التوبة في صورة واضحة فيتبين من النصوص التالية التي تحدث فيها سهل عن التوبة
YA
قوله تعالى يأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاته ۱ الا قال التوبة النصوح لأنه جملة الأحبة والحب
يرجع
لا يدخل في شيء لا يحبه الحبيب
صار من
وقال علامة التائب أن لا تقله أرض ولا تظله سماء إلا هو متعلق بالعرش وصاحب العرش حتى يفارق الدنيا ولا أعرف في هذا الزمان أقل من التوبة إذ ليس منا أحد أتاه ملك الموت إلا ويقول أفعل كذا وكذا دعنى أتنفس ساعة ثم قال إن التائب المخلص [تاج ولو كانت توبته مقادر ساعة ولو مقدار نفس واحدة قبل موته
دعنی
اشد
وقال سهل ليس شيء فى الدنيا من الحقوق أوجب على للخلق من التوبة فهي واجبة فى كل لمحة ولحظة ولا عقوبة عليهم فقد علم التوبة فقيل ما التوبة فقال أن لا تنسى ذنبك
من
وقال أول ما يؤمر به المبتدئ التحول من الحركات المذمومة إلى الحركات المحمودة وهى التوبة ولا تصح له التوبة حتى يلزم نفسه الصمت ولا يصح له الصمت حتى يلزم نفسه الخلوة ولا تصح له الخلوة إلا بأكل الحلال ولا يصح له أكل الحلال إلا بأداء حق له أداء الحق إلا بحفظ الجوارح والقلب ولا يصح
الله تعالى ولا يصح له ما وصفنا حتى يستعين بالله عز وجل على جميعه
۱ التحريم الآية ٨
فقيل ما علامة صدق التوبة قال علامتها أن يدع ما له فضلاً
عما ليس له
عز
منه
وسئل سهل عن الرجل يتوب ويقلع من ذلك الذنب ثم يخطر ذلك بقلبه أو يراه أو يسمع به فيجد حلاوة ذلك الذنب السيئ كيف الحيلة فيه فقال وجدان الحلاوة من الطبع لا يتحول فيصير المحبوب مكروهاً ولكن يقهر عزم القلب فيرجع في ذلك إلى الله وجل ويرفع إليه شكواه ويلزم نفسه وقلبه الإنكار ولا يفارقه فإنه إن غفل عن الإنكار طرفة عين تخوفت عليه أن لا يسلم قال دعوا القال والقيل كله فى هذا الزمان عليكم بثلاث توبوا الله عز وجل مما تعرفونه بينكم وبينه وأدوا مظالم العباد التي قبلكم فإذا أصبحتم فلا تحدثوا أنفسكم بالمساء وإذا أمسيتم فلا تحدثوا أنفسكم بالصباح لأن الأحداث قد كثرت والخطر عظيم فاتقوا الله وألزموا أنفسكم التوبة وقال التائب يتقى المعصية ويلزم الطاعة والمطيع يتقى الرياء ويلزم الذكر والذاكر يتقى العجب ويلزم نفسه
إلى
التقصير
قيل ما التوبة قال أن تبدل بدل الجهل العلم وبدل النسيان الذكر وبدل المعصية الطاعة والتوبة مداومة الاستغفار من تقصيره
فيها
قال سهل ما عصى الله تعالى أحد إلا بجهل ورب جهل أورث علما والعلم مفتاح التوبة والإصلاح صحة التوبة من لم يصلح
توبته فعن قريب تفسد توبته لأن الله تعالى يقول وثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا 1
وقال لا تصح التوبة لأحدكم حتى يدع الكثير من المباح مخافة
أن يخرجه إلى غيره كما قالت عائشة رضى الله عنها
اجعلوا بينكم وبين الحرام سترًا من الحلال كان رسول الله الله يدعنا بعد الطهر ثلاثا حتى تذهب فورة الدم
وقال التائب من يتوب عن غفلته في كل لمحة
ويقول ما من عبد أذنب ذنبًا ولم يتب إلا جره ذلك الذنب إلى ذنب آخر وأنساه الذنب الأول وما من عبد عمل حسنة إلا جرته تلك الحسنة إلى حسنة أخرى عقله تقصيره في الحسنة الأولى وبصره
لكى يتوب من تقصيره في حسناته الماضية وإن كانت خالية
صحيحة
۸۱
۱۱۹
۱ النحل الآية
الفضل الخامس
الطريق في جوّ الإخلاص
تحتل فضيلة الإخلاص في الإسلام مكانة كبيرة إنها من الأسس الأصيلة في قبول الأعمال مع الإيمان واتباع السنة ولن يقبل الله الأعمال ما لم تكن خالصة لوجهه
ولقد وردت في ذلك آيات كثيرة وأحاديث عدة فمن الآيات
قوله تعالى
الا لله الدين الخالص 1
فما لم يكن خالصاً فليس الله فيه نصيب أي لا يتقبله سبحانه
ولا يثيب عليه وهو مردود في وجه صاحبه
ويقول الله تعالى في حديث قدسي
لغيري
أنا خير شريك من عمل لى عملاً وأشرك فيه غيرى تركته
ويقول رسول الله
من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له وأقام الصلاة وآتى الزكاة فارقها والله عنه راض
۸
۱ الزمر الآية ٣
ممثلة في القلب - الله وحده
وما من شك أن
بين معنى
صلة لا تنفصم فالإسلام هو
الذات
كلمة
الإسلام وكلمة الإخلاص أن يسلم الإنسان قلبه الله إنه إسلام
ولقد سئل رسول الله ما هو
لا شريك له
فقال أن
يسلم
الله
قلبك وأن يسلم المسلمون من
لسانك
ويدك
وهذا هو الإخلاص بل لقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان
ما هو فقال الإخلاص
ولهذه الأهمية لمعنى الإخلاص في الإسلام اهتم به الصوفية اهتماما كبيرا وقد احتل في تفكير سهل مكانة تتناسب مع أهميته يقول
سهل
نظر الأكياس في الإخلاص فلم يجدوا شيئًا غير هذا
تكون حركاته وسكناته في سره وعلانيته
هوى ولا نفس
الله
وإذا سألت سهلاً عن الإخلاص ما هو
وهو
أن
عز وجل وحده لا يمازجه
قال الإجابة فمن لم تكن له الإجابة فلا إخلاص له
وقال الإخلاص على ثلاث معان
إخلاص العبادة الله وإخلاص العمل له وإخلاص القلب له وليس أمر الإخلاص هيناً سهلاً فيما يرى سهل فلقد سئل
أي شيء أشد على النفس
فقال الإخلاص
قيل ولم ذلك
فقال لأنه ليس للنفس فيه نصيب
وقد ينتفى الإخلاص عن الفروض نفسها بل عن الإيمان ولقد
سئل سهل عن ذلك
هل يدخل الفرائض رياء
فقال نعم قد دخل الإيمان الذي هو أصل الفرائض حتى
وصار
ويعلم
فيه
نفاقاً
أبطله
فكيف العمل فكل من لم يعب أحد عليه في ظاهره
الله خلافه من سره فى أى حال كان فهو المرائي الذي لا شك
ويحذر سهل كل التحذير من الرياء الذي به ينتفى الإخلاص وكثيرا ما تحدث عن الرياء ومن ذلك ما يقوله بمناسبة تفسيره
لقوله تعالى
هو
الذين هم يراؤونه ۱ قال
الشرك الخفى لأن المنافقين كانوا يحسنون الصلاة في المساجد فإذا غابوا عن أعين المسلمين تكاسلوا عنها ألا ترى كيف أثبتهم أولاً مصلين ثم أوعدهم بالوعيد
1 الماعون الآية ٦
Λε
واعلموا أن الشرك شركان شرك فى ذات الله عز وجل وشرك فالشرك فى ذاته غير مغفور وأما الشرك في معاملته
في معاملته
قال
نحو أن يحج ويصلى ويعلم الناس فيثنون عليه وهذا هو الشرك
الخفى وفي الخبر
أخلصوا أعمالكم الله فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما خلص
ولا تقولوا هذا الله وللرحم إذا وصلتموه فإنه للرحم وليس
لله
منه
شيء
وقد قال النبي عل المعاذ حين قال له أوصنى يا رسول الله قال أخلص الله يكفيك القليل من العمل ولقد تحدث عن حيل الشيطان ليفسد على الإنسان إخلاصه وذلك بمناسبة قوله تعالى من شر الوسواس الخناس ۱ قال سهل
ما الوسوسة فقال
مع
الله
كل شيء دون الله تعالى فهو وسوسة وإن القلب إذا كان تعالى فهو قائل عن الله تعالى وإذا كان مع غيره فهو قائل مع غيره
ثم قال
من
أراد الدنيا لم ينج من الوسوسة ومقام الوسوسة من العبد مقام النفس الأمارة بالسوء وهو ذكر الطبع فوسوسة العدو في الصدور
كما قال
۱ الناس الآية ٤
٨٥
يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس 1
يعني في صدور الجن والإنس جميعًا ووسوسة النفس في القلب قال الله تعالى ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ٢
وإن معرفة النفس أخفى من معرفة العدوّ ومعرفة العدو أجلى من معرفة الدنيا وأسر العدو معرفته فإذا عرفته فقد أسرته وإن لم تعرف أنه العدو أسرك فإنما مثل العبد والعدو والدنيا كمثل الصياد والطير والحبوب فالصياد إبليس والطير العبد والحبوب الدنيا وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع فإن كنت صائمًا فأردت أن تفطر قال لك
ما يقول الناس أنت قد عرفت بالصوم تركت الصيام
فإن قلت مالى وللناس قال لك
صدقت أفطر فإنهم سيضعون أمرك على الحسبة والإخلاص في
فطرك
وإن كنت عرفت بالعزلة فخرجت قال ما يقول الناس تركت العزلة
فإن قلت مالى وللناس
قال صدقت
اخرج فإنهم سيضعون أمرك على الإخلاص
والحسبة
1 الناس الآيتان ٥ ٦
ق الآية ١٦
٨٦
وكذلك في كل شيء من أمرك يردك إلى الناس حتى كأنه ليأمرك
بالتواضع للشهرة عند الناس
ولقد حكى أن رجلاً من العباد كان لا يغضب فأتاه الشيطان وقال إنك إن تغضب وتصبر كان أعظم لأجرك فقطن به العابد
قال وكيف يجيء الغضب قال
آتيك بشيء فأقول لمن هو فقل هولى فأقول بل هولى فأتاه
بشیء
وقال العابد هولى
فقال الشيطان لا بل هولى
فقال العابد إن كان لك فاذهب به ولم يغضب فرجع الشيطان خائبا حزينًا أراد أن يشغل قلبه حتى يصيب منه
حاجته فعرفه واتقى غروره
ثم قال سهل عليك بالإخلاص تسلم من الوسوسة اهـ ونتبين من النصين الآتيين مدى تقدير الإخلاص في رأس سهل
سئل عن خير العبادات فقال
الإخلاص لقوله وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له
الدین ۱
۱ البينة ٥
AY
ويقول أفضل الطهارة أن يُطهر العبد من حوله وقوته وكل
C
فعل أو قول لا يقارنه لا حول ولا قوة إلا بالله لا يتولاه الله عز وجل وكل قول لا يقارنه استثناء عوقب عليه وإن كان يرا وكل مصيبة
لا يقارنها استرجاع لم يثب عليها صاحبها يوم القيامة اهـ وبعد فإن الحديث الشريف الذي ابتدأ به الإمام البخاري كتابه الصحيح يقول عنه بعض علمائنا إنه ربع الإسلام
العظيم
وهو
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت
كانت هجرته
هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه وإذا كان الإخلاص يبتدئ بالنية فإنه - فى الجو الإسلامي – يصاحب
جميع
الأعمال
وإن من أعظم البراهين على صدق الإسلام وعلى صدق الرسول
هو هذه الأهمية الكبرى لفضيلة الإخلاص
۸۸
الفصل السادس
الطريق في جو المعراج
اتخذ الصوفية الاقتداء برسول الله له شعارا لهم ولهذا الاقتداء كانوا صفوة أهل السنة ويذكر صاحب كتاب التبصير في الدين ما يمتاز به أهل السنة عن غيرهم من الخوارج و الروافض و القدرية فيذكر أن سادس ما امتاز به أهل السنة هو علم التصوف والإشارات وما لهم فيها من الدقائق والحقائق لم يكن قط لأحد من أهل البدعة فيه حظ بل كانوا محرومين مما فيه من الراحة والحلاوة والسكينة والطمأنينة
وقد ذكر أبو عبد الرحمن السلمى من مشايخهم قريبا من ألف وجمع إشاراتهم وأحاديثهم ولم يوجد في جملتهم قط من ينسب إلى شيء من بدع القدرية والروافض والخوارج
وكيف يتصور فيه من هؤلاء وكلامهم يدور على التسليم
والتفويض والتبرى من النفس والتوحيد بالخلق والمشيئة وأهل البدع ينسبون الفعل والمشيئة والخلق والتقدير إلى أنفسهم وذلك بمعزل عما عليه أهل الحقائق من التسليم والتوحيد وإن الاقتداء برسول الله الأساس أصيل اليوم لمعراج المؤمنين إلى الله بل لا أساس غيره وذلك أن الكتاب الوحيد الصادق الآن للتدين إنما هو القرآن الكريم إنه
۱ - بالأسلوب الإلهى هذا الأسلوب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأنه أسلوب هو تنزيل من لدن حكيم
عليم
لم ينله تحريف فالقرآن الذي يتلوه المسلم الآن
هو
نفسه الذي كان يتلوه محمد
خبير
القرآن
- وهو لم ينله تحريف ولا تبديل لأن الله سبحانه ضمن حفظه
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ۱
- وليس فى العالم الآن - شرقيه وغربيه – نص مقدس بالأسلوب الإلهي وليس فى العالم الآن - شرقيه وغربيه – كتاب ديني إلا وقد
ناله التحريف
عن طريق
ه - ومن أجل كل ذلك لا يتأتى الآن المعراج إلى الله إلا الإسلام وعن طريق القدوة برسول الله الله وكل ما يقال الآن عن صوفية في الشرق أو في الغرب عن غير طريق الإسلام إنما هو
تهريج من التهريج وزيف من الزيف
والتصوف
معراج إلى الله طريقا وغاية - هو
كيف رسم سهل هذا الطريق في مقاماته
إنه يعرف التصوف هذا التعريف الجميل
۱ الحجر الآية ٩
التصوف ليس رسما ولا علما ولكنه خلق لأنه لو كان رسماً لحصل بالمجاهدة ولو كان علمًا لحصل بالتعليم ولكنه تخلق بأخلاق
الله ولن تستطيع أن تقبل على الأخلاق الإلهية بعلم ورسم
والإمام الغزالي يستفيض في شرح هذه الفكرة من زاويتها العلمية فيقول
ثم إني لما فرغت من هذه العلوم أقبلت بهمتى على طريق الصوفية
وعلمت أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل
أخلاقها
وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفس والتنزه عن المذمومة وصفاتها الخبيثة حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير
الله تعالى وتحليته بذكر الله
وكان العلم أيسر على من العمل فابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم مثل قوت القلوب لأبي طالب المكي رحمه الله وكتب الحارث المحاسبى والمتفرقات المأثورة عن الجنيد ۱
كان
۱ سيد هذه الطائفة وإمامهم أصله من نهاوند ومنشوه ومولده بالعراق وأبوه يبيع الزجاج فلذلك يقال له القواريرى وكان فقيها على مذهب أبي ثور وكان يفتى فى حلقته بحضرته وهو ابن عشرين سنة مات سنة سبع وتسعين ومائتين
۹۷
قال الروذبارى سمعت الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة وقال أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله عز وجل فقال الجنيد إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال وهو عندى عظيمة والذى يسرق ويزنى أحسن حالاً الذي يقول هذا فإن العارفين بالله تعالى أخذوا الأعمال
من
۹۱
ذلك
وغير
والشبلي ۱ وأبى يزيد البسطامي قدس الله أرواحهم حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلمية
من
كلام مشايخهم
وحصلت ما يمكن أن يحصل من طريقهم بالتعلم والسماع فظهر لى أن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم بل بالذوق
والحال وتبدل الصفات
=
عن
الله تعالى وإليه رجعوا فيها ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة إلا أن يحال بي دونها
وقال الجنيد الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة
والسلام
وقال من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة وقال مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة وعلمنا هذا مشيد بحديث رسول الله عن الرسالة القشيرية ۱ بغدادى المولد والمنشأ وأصله من أسروشنة صحب الجنيد ومن في عصره وكان شيخ وقته حالاً وظرفا وعلما مالكى المذهب عاش سبعا وثمانين ومات سنة أربع وثلاثين وثلثمائة وقبره ببغداد وكان الشبلي إذا دخل رمضان جد فوق جد من عاصره ويقول هذا شهر عظمه ربی فأنا أول من يعظمه
سنة
كان من كبار الزاهدين العابدين قيل إنه مات سنة إحدى وستين ومائتين وقيل أربع وثلاثين ومائتين
وذهب مرة لزيارة رجل كان مقصوداً مشهورًا بالزهد فلما خرج الرجل من بيته ودخل المسجد رمى ببصاقة تجاه القبلة فانصرف أبو يزيد ولم يسلم عليه وقال هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه ومن كلامه لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتقى في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهى وحفظ الحدود الشرعية انظر
الرسالة القشيرية
۹
وكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة وحد الشبع وأسبابهما وشروطهما وبين أن يكون صحيحا وشبعان وبين أن يعرف حد السكر وأنه عبارة عن حالة تحصل من استيلاء أبخرة تتصاعد من المعدة على معادن الفكر وبين أن يكون سكران بل السكران لا يعرف حد السكر وعلمه وهو سكران وما معه من علمه شيء والصاحي يعرف حد السكر وأركانه وما معه من السكر شيء
والطبيب فى حالة المرض يعرف حد الصحة وأسبابها وأدويتها وهو
فاقد الصحة
وبين
كذلك فرق بين أن تعرف حقيقة الزهد وشروطها وأسبابها
أن يكون حالك الزهد وعزوف النفس عن الدنيا
فعلمت يقيناً أنهم أرباب الأحوال لا أصحاب الأقوال وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم فقد حصلته ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعلم بل بالذوق والسلوك
إن التصوف ليس علما نسبيا وليس بحثا دراسيا وتلك حقيقة تبدو
واضحة في هؤلاء الذين يكتبون كثيرًا عن التصوف من المستشرقين من الباحثين الجامعيين الذين يدرسون التصوف من الخارج على
أو
C
أنه شكل من رسم من الرسوم كلاً الأشكال أو إن التصوف ليس كذلك ولأنه شيء آخر فإن كل من كتبوا عنه على أنه شكل أخطأهم التوفيق وإن ما كتبه المستشرقون عن التصوف إنما يعطى
قد
صورة لضلال الطريق إلى الحقيقة
أما سهل رضى الله عنه فإنه يقسم طلاب الحق من مبدأ الأمر إلى
- مريدين
- مرادين
ويذكر ذلك بمناسبة الآية الكريمة
فمن
الله أن یرد يهديه يشرح صدره للإسلام الله ۱
وكان من الممكن أن يذكر ذلك أيضا بمناسبة الآية الكريمة
الله يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب ٢
بل إن هذه الآية الأخيرة أصرح
يقول سهل عن الآية الأولى
إن
الله
ميز بين المريد والمراد في هذه الآية وإن كان الجميع من عنده وإنما أراد أن يبين موضع الخصوص من العموم فخص المراد في هذه السورة وغيرها وذكر المريد وهو موضوع العموم في هذه السورة أيضا وهو قوله تعالى
ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ۳ فهو قصد العبد في حركاته وسكونه إليه كما قال
والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة ٤
۱ الأنعام ١٢٥ الشورى ۱۳ ۳ الأنعام ٥٢ ٤ الشورى ٣٨
أنه
فكل من وجد حال المريد والمراد فهو من فضل الله عليه ألا ترى
جمع بينهما في قوله تعالى
ووما بكم من نعمة فمن الله 1
قيل له فما الفصل بينهما
فقال المريد الذى يتكلف القصد إليه والعبادة تعالى ويطلب
الطريق إليه فهو في الطلب بعد
والمراد قيام الله تعالى له بها والرجل يجد في نفسه ما يدل على
المريد والمراد يدخل فى الطاعات وقتا يجد ما يحمله على
غير تكلف وجهد نظرا من
علو المقامات ورفيع الدرجات
قيل له ما معنى المقامات
من
الأعمال الله تعالى له ثم يخرج بعد ذلك إلى
قال هي موجودة في كتاب الله تعالى في قصة الملائكة
وما منا إلا له مقام معلوم وقال
ر ولكل درجات مما عملوا ۳
وقال في صفة المريد
شغل المريد إقامة الفرض والاستغفار من الذنب وطلب السلامة
من الخلق
۱ النحل ٥٣
الصافات ١٦٤
۹۵
۱۹
الأحقاف
۳
وقال سهل إن الله
عز وجل ينظر فى القلوب والقلوب عنده فما كان أشدها تواضعا له خصه بما شاء ثم بعد ذلك ما كان أسرعها رجوعاً
وهما هاتان الخصلتان
وقال ما اطلع الله على قلب فرأى فيه هم الدنيا إلا مقته والمقت
أن يتر
و نفسه
وقال القلب لا يملكه أحد إلا الله تعالى ولا يطيع أحدا إلا
الله فإذا ذكرت به فضع سرك مع الله سرك عنده ده إلا هتكه إلا الله عز وجل
فإنه ليس أحد
من
وضعت
ومن أوائل ما يبدأ به سهل الحديث عن مقتضيات كلمة التوحيد
إذا قيلت بحق إنه يقول
يعصيه
فمن قال لا إله إلا الله فقد بايع الله فحرام عليه إذا بايعه أن في شيء من أمره ونهيه فى سره وعلانيته أو يوالى عدوه أو
يعادي وليه
ولكن الاستجابة لله ولرسوله يقف في طريقها حجب
ويتحدث سهل مرة أخرى فى بيان هذه الحجب فيقول
إن
الله
حجب عقول الخلق بحجب لطيفة فحجب العلماء عنه بالعلم والزهاد بالعمل والحكماء بلطائف الحكمة أما العارفون فأسكن قلوبهم من نور معرفته فلم يحجبهم بشيء
ويستفيض سهل مرة أخرى فى بيان هذه الحجب فيقول
9
الحجب السبعة التي تحجب الإنسان عن ربه عز وجل
فالحجاب الأول عقله والثاني علمه
والثالث قلبه
والرابع خشيته والخامس نفسه والسادس إرادته والسابع
مشيئته
فالعقل باشتغاله بتدبير الدنيا والعلم بمباهاته الأقران مع والقلب بالغفلة والخشية بإغفالها عن موارد الأمور عليها والنفس لأنها مأوى كل بلية والإرادة إرادة الدنيا والإعراض عن
الآخرة والمشيئة بملازمة الذنوب
ويقول عن فتح القلب
У
وهم
يفتح الله قلب عبد فيه ثلاثة أشياء حب البقاء وحـ الغنى
غد
وسئل سهل
الله
بن عبد متى يستريح الفقير من نفسه
قال إذا لم ير وقتا غير الوقت الذي هو فيه
ومن الحجب أركان إبليس ولإبليس أركان سبعة يقول سهل لإبليس سبعة أركان في سبع مراتب بها ينال ولد آدم إلا من عصمه
الله
أوله ما لا يعنى ثم المعصية جملة ثم الإصرار عليها ثم الغضب بالسرعة ثم الحقد إذا طال مكثه في القلب والاستخفاف وقلة أقدار الناس عنده فإذا بلغ - المرء - هذا فلا تسأل عما وراء
ذلك
فلما سئل سهل عن قوله لا يعنى قال
من اشتغل بشيء لا
فكيف غيره
أمر آخرته نال منه العدو حاجته يعنيه من
ثم قال من تلفظ بلسانه شيئًا مما لا يعنيه لم يوفق للصواب فيما
يعنيه
وكل من خاض في الباطل لم يقم بالحق إذا لزمه أو نزل به وكذا
حكم الله
إن أهل الباطل لا يوفقون للرشد والحق تدخل الأشياء على الفارغ
فأما المشغول فهو في مزيد
ثم قال سهل
أحسنوا جوار نعم الله عليكم فإنها مازالت عن قوم فكادت ترجع إليهم ولا يطلع على عثرات الخلق إلا مخل جاهل ولا يهتك ستر
ما أطلع عليه إلا ملعون
هذا الوادى ما يقول سهل ما نظر واحد إلى نفسه فأفلح ومن
فتم
أفعاله
ولا أدعى لنفسه حالاً له والسعيد من صرف نفسه عن وأقواله وفتح له سبيل الفضل والإفضال ورؤية منة الله عليه في
جميع
الأفعال
ولكن مهما تعددت الحجب فإنه كما يقول سهل - ليس بين العبد وربه حجاب أغلظ من الدعوى ولا طريق أقرب إلى الله من
الذلة والانكسار
۹۸
C
ويبدو
وسهل يتحدث أكثر من مرة عن الدعوى وعن المدعين أن سهلاً ضاق به نفسا فأخذ ينفس عن ضيقه في هذه الكلمات القوية
وهو على حق في كل ما كتبه عن هذه الفئة التي أضرت عن المدعين بالإخلاص وبالخلق فى كل زمن ومن ذلك ما يقول
منه
ومن
أدنى الدعوى أن يلزمه اليوم حق من حقوق الله إما ذنب يتوب أو بر فيقول غدًا أعمل ولا يكون المدعى خائفًا أبدا لم يكن خائفا - أى يخاف الله – لا يكون أمنا ومن لم يكن أمنًا لم يطلع على الخزانة وما من أحد ادعى إلا وقد ضيع حقوق الله
من وجهين
وجه من الظاهر ووجه من الباطن
وقال المذنب بإقراره بالذنب يسأل العفو فهو مطيع والمدعى
للطاعة هو عاص لأنه يحكم لنفسه ما لم يحكم
وهناك شيئان يذهبان خوف
الله
الله
عز وجل له
قلب العبد أصلاً الدعوى من
والمعصية وصاحب الدعوى لا يقر بالحق
وقال لا أعرف فى الدنيا قوما أروح أبدانًا من الذين يدعون هذا الطريق - طريق التصوف هم في روح وسرور لأنهم اسقطوا عن أنفسهم العبودية واستراحوا فلا ضربًا يضربون ولا محرك يحركهم
م أشد من الزنادقة لأن الزنديق تضربه وتحركه وهم يتكلمون
هم
في وجدان القلوب ويتلذذون به ويكذبون
ولا يبالون فضلوا وأضلوا
ويغتابون
ويفجرون
۹۹
وقال حكم المدعى أنه تصحبه هذه الثلاثة الخصال
تصحبه التزكية لنفسه وقد نهى عن ذلك وجهله بنعم الله عليه
وجهله بحاله
وقال أصل الهلاك الدعوى وأصل الخير الافتقار
التقوى
ولا مخلص من كل ذلك إلا بالتقوى ويعلن سهل فى صراحة أنه
لا تصلح التقوى إلا للمقتدى بالنبي
وبالصحابة
ويقول سهل فى جمال جميل بمناسبة قوله تعالى
وهو أهل التقوى وأهل المغفرة 1
یعنی هو هو أهل أن يتقى فلا يعصى وأهل المغفرة لمن يتوب والتقوى هي ترك كل شيء مذموم فهى في الأمر ترك التسويف وفي النهى ترك الفكرة وفى الآداب مكارم الأخلاق وفي الترغيب كتمان السر وفي الترهيب اتقاء الوقوف عند الجهل والتقوى هي التبرى من كل شيء سوى فمن لزم هذه الآداب في التقوى فهو أهل المغفرة
الله
ويتناسق سهل مع القرآن الكريم في قوله تعالى
الله
ومن يتق يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب الله
فيقول
والمتقون هم الذين تبرءوا من دعوى الحول والقوة دون الله تعالى ورجعوا إلى اللجوء والافتقار إلى حول الله وقوته في جميع
١ المدثر ٥٦ الطلاق
أحوالهم
۱۰۱
فأعانهم
الله تعالى ورزقهم من حيث لا يحتسبون وجعل لهم فرجا
ومخرجا مما ابتلاهم الله به
وإذا ما كانت القوى كان العمل
أما العمل فإن لسهل فيه نظرية عميقة إنه يقول
ولا تضح التقوى إلا للمقتدى بالنبي وبالصحابة
ويقول فيما رواه محمد بن الحسن -
أعمال البر يعملها البر والفاجر ولا يجتنب المعاصى إلا صديق
وقال سهل من أحب أن يطلع الخلق على ما بينه وبين ! الله فهو
غافل
ويقول ليس من عمل بطاعة الله صار حبيب
الله ولكن من
اجتنب ما نهى عنه الله
الله
صار حبيب
ولا يجتنب الآثام إلا صديق
مقرب
وأما أعمال البر يعملها البر والفاجر ويقول سهل عن المؤمنين بالنسبة للعمل المؤمنون الذين وعدهم الله الجنة على ثلاثة مقامات واحد آمن وليس له عمل فله الجنة وآخر آمن وليس له إثم وعمل صالحا وهذا في صفة وقد أفلح المؤمنون بالله والثالث آمن ثم أذنب ثم تاب وأصلح فهو حبيب
الجنة
1
الله فله
۱ المؤمنون ١
۱۰
والرابع آمن وأحسن وأساء يتبين لهم عند الموازنة والله تعالى ليهم مشيئة والعمل الصالح ما كان خاليا من الرياء مقيد بالسنة كما يقول سهل ولابد أن يكون العمل الصالح مبنيا على الإيمان والعلم
والإخلاص يقول سهل الإيمان بالفرائض وعلمها فرض والعمل بها فرض والإخلاص فيها فرض والإيمان بالسنن فرض بأنها سنة وعلمها سنة والعمل بها سنة والإخلاص فيها فرض والإخلاص بالإيمان العمل
4
ويقول سهل بمناسبة قوله تعالى ليبلوكم أيكم أحسن عملاك 1 نال أى أصوبه وأخلصه فإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم قبل وإذا كان خالصاً ولم يكن صوابًا لم يقبل حتى يكون صوابا والخالص الذى يكون الله تعالى بإرادة القلب والصواب
خالصاً
لذي يكون على سبيل السنة وموافقة الكتاب
ويقول الله تعالى
أن الأرض يرثها عبادى الصالحون ٢
ويفسر سهل ذلك فيقول
أضافهم إلى نفسه وحلاهم بحلية الصلاح معناه لا يصلح لى ! ما كان خالصا لى لا يكون لغيرى فيه أثر وهم الذين أصلحوا ريرتهم مع الله تعالى وانقطعوا بالكلية عن جميع ما دونه
۱ هود ۷ الأنبياء ١٠٥
الذكر
ومن العمل الذكر ولقد سبق أن كتبنا في
استفاضة
عن
الذكر
في كتابنا العبادة وكتبنا عنه فى استفاضة في كتاب خاص بعنوان
فاذكروني أذكركم وذلك أن من أهم الطرق الموصلة إلى الله الذكر وقد حث عليه القرآن الكريم وحث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عماد السبل المؤدية إلى القرب ولقد هدد الله سبحانه الغافلين عن ذكره فقال
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا۱
ويقول سهل في شرح ذلك
قد حكم الله أنه لا يعرض عبد عن ذكره وهو أن یری بقلبه شيء سواه ساكنا إياه إلا سلط الله عليه شيطانا ليضله عن طريق الحق
ويغريه
ويقول سهل عن الذكر
حياة القلب الذى يموت بذكر الحي الذي لا يموت
إن الذين أعطاهم الله تعالى فهم القرآن هم خاصة الله وأولياؤه لا هم للدنيا ولا الدنيا منهم في شيء ولا فيما في الجنة رغبوا أخذ
۱ الزخرف آية ٣٦
منهم
١٠٤
الدنيا فلم يبالوا ووهبها لهم فردوها كما ردها نبيهم لما عرضت عليه طرحوا أنفسهم بين يديه رضا وسكونا إليه وقالوا لابد لنا منك أنت أنت لا نريد سواك فهم المتفردون بالله كما قال
النبي سيروا سير المتفردين إلى رحمة الله
قالوا ومن المتفردون يا رسول الله
يوم
تعالى يأتون القيامة خفافا
قد
قال الذين اهتدوا بالذكر الله حط الذكر عنهم أثقالهم قال سهل
هم المشايخ المستهترون۱ في الذكر الله تعالى مجالسون كما قال النبي
يقول الله تعالى
أنا جليس من ذكرني حيث ما التمسنى وجدني
وقال تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله ويرى سهل أن الآية القرآنية الكريمة
فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموانه ۳
تشير
مع معناها - إلى القلب إنه يقول
الإشارة في البيوت إلى القلب فمنها ما هو عامر بالذكر ومنها ما هو خرب بالغفلة ومن ألهمه الله عز وجل بالذكر فقد خلصه من
الظلم
1 المستهترون بفتح البقرة ١١٥ ۳ النمل ٥٢
التاءين هم
المكثرون من الذكر
١٠٥
والذاكر على الحقيقة هو
فيما يرى سهل
- من يعلم أن الله
مشاهده فيراه بقلبه قريباً منه فيستحى منه ثم يؤثره على نفسه وعلى
كل شيء من أحواله جميع
ويقول من انتقل من نفس إلى نفس بغير ذكر فقد ضيع حاله ولكن الخاتمة الجميلة التي نختم بها موضوع الذكر عند سهل
هي قوله
من انتقل من نفس إلى نفس بغير ذكر فقد
ضيع
حاله
١٠٦
ومن الذكر الحمد
والحمد لله
الحمد
هو مفتتح سورة الفاتحة نردده معها كل يوم أكثر من
مرة في سجودنا وهو من جملة الباقيات الصالحات التي أعلن عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر
جالسا
عن أنس رضي الله عنه قال كنت مع رسول الله الله في الحلقة إذ جاء رجل فسلم على رسول الله والقوم فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
فلما جلس الرجل قال
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما ربنا أن يحمد
وينبغي له
فقال له رسول الله كيف قلت فرد عليه كما قال فقال
النبي
والذي نفسي بيده لقد ابتدرها عشرة أملاك كلهم حريص
۱۰۷
على أن يكتبها فما دَرَوا كيف يكتبونها حتى رفعوها إلى ذى العزة
فقال اكتبوها كما قال عبدى ۱
وعن عبد الله
بن عمر رضی
الله
وابن ماجه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثهم
عنهما
فيما رواه الإمام أحمد
أن عبدا عباد الله قال يارب لك الحمد كما ينبغي من
لجلال وجهك ولعظيم سلطانك فعضلت بالملكين ٢ فلم يدريا كيف يكتبانها فصعدا إلى السماء ! فقالا
ياربنا إن عبدك قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها
قال الله وهو أعلم بما قال عبده ماذا قال عبدى
قالا يارب إنه قال يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك فقال الله لهما اكتباها كما قال عبدى حتى يلقاني
فأجزيه بها
ويقول سهل في الحمد
ما من نعمة إلا والحمد أفضل منها والنعمة التي ألهم من النعمة الأولى لأن بالشكر يستوجب المزيد
أفضل
<
بها الحمد
1 رواه أحمد ورواته ثقات والنسائى وابن حيان في صحيحه إلا أنهما قالا
كما يحب ربنا ويرضى
انظر الترغيب والترهيب كتاب الذكر والدعاء ومعنى عضلت صعب
عليهم تقدير ثوابها
۱۰۸
ويتصل بالحمد الشكر
ويقول الله تعالى
الشكر
ولئن شكرتم لأزيدنكم ۱ ويقول سهل أدنى الشكر أن لا تعصيه بنعمه ومرة أخرى يقول بهذا المعنى أول درجات الشكر
الطاعة
وحينما فسر سهل قوله تعالى قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك
التي أنعمت على ٢
قال أى ألهمنى التوبة والعمل بالطاعة ونقول في النهاية مع
سهل
>>
ليس للعبد أن يتكلم إلا بأمر سيده وأن يبطش إلا بأمره وأن يمشى إلا بأمره وأن يأكل وينام ويتفكر إلا بأمره وذلك أفضل الشكر الذي هو شكر العباد لسيدهم
ويسلم الذكر والحمد والشكر إلى التوكل
ويزعم بعض الناس أن العمل الكسب ينافي التوكل فما حكم
الدين
۱ إبراهيم ٧ النمل ۱۹
۱۰۹
لقد رأى سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه بعض الناس ولاحظ أنه لا يبدو عليهم أنهم من أهل العمل والكسب فسألهم من أنتم
فقالوا متوكلون
فقال كذبتم ما أنتم متوكلون إنما المتوكل من ألقى حبة في الأرض وتوكل على الله إن الجو الإسلامي كله ينادى بالعمل والكفاح في سبيل الرزق والقوت ويبين أن العمل والكفاح لا يتنافى والتوكل بين ذلك من الناحية النظرية ومن الناحية التطبيقية أما الناحية النظرية فإن الله سبحانه وتعالى يقول هو الذى جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من
رزقه ۱
ولقد استفاض رسول الله في بيان وجوه الكسب ومما ورد
رضی
في ذلك ما رواه أبو داود عن أنس الأنصار أتى النبي فسأله فقال النبي له
أما في بيتك شيء
الله
عنه أن رجلا من
قال بلى حلس - وهو نوع من الكساء - نلبس بعضه ونبسط
بعضه وقعب - وهو قدح للشراب – نشرب فيه الماء
فقال رسول الله
ائتني بهما
1 الملك ١٥
فأتاه بهما فأخذهما رسول الله ل بيده وقال
من يشترى من هذين
قال رجل أنا آخذهما بدرهم
قال رسول الله
من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا
قال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه فأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصارى وقال اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك
واشتر بالآخر قدوما فأتني
فأتاه
فاحتطب
به
به فشد رسول الله عودًا بيده ثم قال اذهب
ولا أرينك خمسة عشرة يوما وبع
ففعل فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وبعضها
طعاماً فقال له رسول الله
هذا
خير
لك
من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة
هذا
من
الناحية النظرية
وماذا عن العمل من الناحية التطبيقية
روى البخارى رضى الله عنه أن المهاجرين حينما قدموا المدينة آخی رسول الله بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع
ماله
فأراد سعد وكان من أكثر الانصار مالاً أن يشاطر عبد الرحمن
۱۱۱
فقال له عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك ثم سأل عن السوق فدلوه عليه فذهب وباع واشترى ثم عاد ومعه بعض السلع وتابع الأمر من الغد
وبعد قليل جرى المال في يده فتزوج واستقل في بيت وأصبح فيما أكثر المسلمين أموالاً أكثر المسلمين صدقة
بعد من
ومن
وهذا أبو بكر الصديق رضى
رضی
الله
الله
عنه لما
بويع بالخلافة أصبح
كنت لغيرهم
ذاهبًا إلى السوق ليتاجر كعادته فلحق به الصحابة وتكاثروا عليه ليمنعوه قائلين كيف تفعل ذلك وقد أقمت لخلافة النبوة فقال عنه لا تشغلوني عن عيالي فإني إذا ضيعتهم أضيع ففرضوا له قوت أهل بيت من المسلمين ويستحيل أن يقال إن الصديق أو عبد الرحمن بن عوف لم يكونا متوكلين فمن أولى إذن بالتوكل منهما
والمثل الأعلى للكفاح الدائب الدائم إنما يتمثل في رسول الله الله وهذا الكفاح الدائب الدائم كان يصاحبه التوكل ويسبقه في كل مشروع
ويستمر بعد المشروع لأنه سبحانه
إليه المصيرية 1
ولأن الوضع عند المؤمن هو
إليه يرجع
۱ غافر ۳
الأمر كله
هود ۱۳
۱۱
ما
عبر
الله
عنه
والمؤمن مؤمن بقوله تعالى والله عاقبة الأمور 1
وقد سبق أن كتبنا عن
التوكل
التوكل عند سهل وهذه نصوص له في
إنه يقول التوكل الاسترسال مع الله على ما يريد
ويقول ما التوكل
التوكل طرح البدن فى العبودية وتعلق القلب بالربوبية والتبرى من الحول والقوة
ويقول من طعن فى التوكل فقد طعن في الإيمان
قال تعالى وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين الله وهذه المقامات لا يستقيم أمرها ولا يقر لها قرار إلا إذا تحلى الإنسان
بفضيلة
1 الحج ٤١ المائدة ۳
الصبر
وقد تحدث سهل عن الصبر أكثر من مرة في استفاضة أحيانًا
وفى إيجاز أحيانا أخرى ومن أجمع أحاديثه
عن ذلك ما يلى
قيل ما الصبر
قال لا عمل أفضل من الصبر ولا ثواب أكثر من ثواب الصبر ولا زاد إلا التقوى ولا تقوى إلا بالصبر ولا معين على الصبر لله
إلا الله عز وجل
قيل الصبر من الأعمال
قال نعم الصبر من العمل بمنزلة الرأس من الجسد لا يصلح
أحدهما إلا بصاحبه قيل ما أجل الصبر
قال أجله انتظار الفرج من الحق
قيل فما أصل الصبر
قال مجاهدة النفس على إقامة الطاعات وأدائها بأحكامها وحدودها ومكابدتها على اجتناب المعاصى صغيرها وكبيرها
قيل والناس في الصبر كيف
هم
قال الناس في الصبر صنفان فصنف يصبرون للدنيا حتى
ينالوا
١١٤
منها ما تشتهى أنفسهم فهو الصبر المذموم وصنف يصبرون للآخرة
طلبا لثواب الآخرة وخوفا من عذابها
قيل فالصبر للآخرة هو على نوع واحد أو على أنواع قال الصبر للآخرة له أربعة مقامات فثلاث منها فرض والرابع
فضيلة صبر
على طاعة الله
عز وجل وصبر عن معصيته وصبر على المصائب من عنده أو قال صبر على أمر الله عز وجل وصبر على نهيه وصبر على أفعال الله عز وجل فهذه ثلاثة مقامات منه
وهى فرض والمقام الرابع فضيلة وهو الصبر على أفعال المخلوقين
قال الله تعالى
خیر
وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو للصابرين ۱ أذن بالمثل وفضل الصبر ثم قال واصبر وما صبرك إلا بالله ان ولا يعين عليه إلا هو والقمة النفيسة فى الصبر أن يصاحبه الرضى وحينما يشرح سهل قوله تعالى فصبر جميل ۳ يقول الصبر مع الرضا قيل وما علامته قال أن لا يجزع فيه فسئل بأى شيء يحصل التجمل بالصبر
قال بالمعرفة بأن الله تعالى معك وبراحة العافية فإنما الصبر مثل قدح أعلاه الصبر وأسفله العسل ثم قال
1 النحل ١٢٦ النحل ۱۷
۳ يوسف ۱۸
١١٥
عجبت ممن لم يصبر كيف لم يصبر للحال ورب العزة يقول
وإن الله مع الصابرين ۱
إن ما سبق هو بعض منازل السائرين إلى الله التى تسلم إلى الولاية الولاية نروى عن سهل ما يلى زيادة في إيضاح
وقبل
أن نتحدث
عن
الفكرة عن منازل السائرين للحق سبحانه
الله
بادروا بالتوبة من السيئات حتى تأمنوا العقوبة وتصيروا أحباب
فإن الله
يحب التوابين
ويقول إن الأمراض والأسقام والأحزان والمصائب إنما هي
كفارات للصغائر وأما الكبائر فلا يسقطها إلا التوبة ومثله كمثل
حبر يصيب الثوب فلا يقلعه إلا الصابون الحاد
والأشنان وغيره
والمعالجات بالخل
ومثل الصغائر كمثل قليل دبس يصيب الثوب بيذهبه الريق وقليل من الماء فقيل يا أبا محمد أليس قد روى أن المصائب كفارات وأجر فضحك وقال إن المصائب إذا ضم إليها الصبر والاحتساب تكون كفارة وأجرًا كلاهما فأما إذا لم يصبر عليها ولم يحتسبها تكون كفارات وحططا لا أجر فيها ولا ثواب
وبيان ذلك أن المصائب فعل غيرك ولا تثاب على فعل غيرك وصبرك
واحتسابك فعل لك فتؤجر وتئاب
1 البقرة ١٥٣ ما يسيل من الرطب
١١٦
وقيل أى العمل يعمل حتى يعرف عيوب نفسه قال لا يعرف عيوب نفسه حتى يحاسب نفسه في أحواله كلها قيل فأى منزلة إذا قام العبد بها قام مقام العبودية قال إذا ترك التدبير
قيل فأى منزلة إذا قام بها أقام الصدق
قال إذا توكل عليه فيما أمره به ونهاه عنه
ويقول رضى
الله
عنه في تفسير قوله تعالى
ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله ۱ يقول
العبادة زينة العارفين وأحسن ما يكون العارف إذا كان في ميادين
العبودية والخدمة يترك ماله لما عليه
ويقول لا يكمل للعبد شيء حتى يصل علمه بالخشية ولعله وروعه بالإخلاص وإخلاصه بالمشاهدة والمشاهدة بالتبرى
بالورع
مما سواه
وكان يقول يلزم الصوفى ثلاثة أشياء
حفظ سره وصيانة فقره وأداء فرضه
1 النحل ٣٦
الولاية
يقول الله تعالى ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم الله ۱
قد حدد الله سبحانه الولى بأنه المؤمن المتقى
ويتناسق سهل مع القرآن الكريم كشأنه دائما في اتخاذ القرآن والسنة إماما له فيقول الولي من توالت أعماله على الموافقة وقال من أسلم قلبه الله
تولى
الله جوارحه
ويتحدث سهل عن الأولياء ودرجاتهم بمناسبة تفسيره للآية القرآنية الكريمة التي صدرنا بها هذا الموضوع فيقول هم الذين وصفهم
رسول الله
الله
السابقون إليه
إذا رؤوا ذكر الله وهم المجاهدون في الذين توالت أفعالهم على الموافقة أولئك هم المؤمنون حقا
وقال اجتمع الخير كله في هذه الأربعة وبها صاروا أبدالاً أخماص
البطون والاعتزال عن الخلق وسهر الليل والصمت
قيل له لم سمى الأبدال أبدالاً
1 يونس ٦٢ - ٦٤
۱۱۸
فقال لأنهم يبدلون الأحوال أخرجوا أبدانهم عن الحيل في سرهم ثم لا يزالون ينتقلون من حال إلى حال ومن علم إلى علم فهم أبدا فى المزيد من العلم فيما بينهم وبين ربهم
قيل الأوتاد أفضل أم الأبدال
قال الأوتاد
قيل وكيف ذلك
قال لأن الأوتاد قد بلغوا وثبتت أركانهم والأبدال ينقلبون من
حال إلى حال
وما دام الإيمان يزيد وينقص فهناك إذن درجات في الولاية وسم هذه الدرجات بأى اسم شئت فإنه كما يقول الأصوليون
لا مشاحة في الاصطلاح والأمر في هذا التقسيم وفي التسمية لا جدلاً
يثير
إلا عند من
ديدنهم الجدل فإنه ما دام هناك زيادة ونقص فهناك درجات وما دام هناك درجات فإنه يمكن وضع أسماء لهذه الدرجات والله سبحانه
قسم أولياءه إلى درجات كثيرة يقول سبحانه
ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل
الله
وكفى بالله عليماته۱ من
۱۱۹
٧٠
1 النساء ٦٩ -
والصابرون والمحسنون
ومن أولياء الله المتقون والأوابون
والمقربون
والسابقون والسابقون وهكذا
وإذا استولى الله وليا علمه
ومن طرائف ما يروى فى ذلك حادثة الإمام الشعراني مع الإمام
الخواص
يمر
بالإمام الخواص
لقد كان الإمام الشعراني رضى الله عنه وهو أمى - يجد الناس تلتف حوله وتسأله وكان الإمام الشعراني
قبل اتخاذ الإمام الخواص شيخا له يضيق بذلك ذرعا فيقول في مواجهة الخواص وعلى مسمع من الناس
ما اتخذ الله من ولى جاهل
وتكرر ذلك والإمام الخواص لا يلتفت إليه
وفي يوم من الأيام التفت إليه فى هدوء وقال له يتخذه ويعلمه وبدأ الإمام الشعراني العالم يتقرب شيئًا فشيئًا إلى الإمام الخواص الأمى وانتهى الأمر بأن اتخذه شيخًا وكتب عنه هذا الكتاب النفيس
المسمى
درة الغواص فى أجوبة الخواص
ومن هذا القبيل يقول الإمام سهل
إن الله تعالى ما استولى وليا من أمة محمد عل الله إلا علمه القرآن
إما ظاهرا وإما باطنا قيل له
إن الظاهر نعرفه فالباطن ما هو
۱۰
قال فهمه وإن فهمه هو المراد
القرآن
قال أبو بكر السجزى سمع منى هذه الحكاية الجنيد فقال صدق سهل كان عندنا ببغداد عبد أسود أعجمى اللسان نسأله عن آية آية فيجيبنا عن ذلك بأحسن جواب وهو لا يحفظ القرآن وتلك
دلالة ولايته
ومع
ذلك فإن سهل - وهو الإمام المتزن - يحذر الأولياء فيقول لو أن واحدًا دخل بستانًا فيه أشجار كثيرة وعلى كل شجرة طير يقول له بلسان فصيح السلام عليك يا ولى الله فلو لم يخف
أنه مكر لكان ممكورًا
وأعلى درجات الولاية هي درجة الصديقية
أخلاق
ولقد سئل سهل عن هذه الدرجة فأخذ يتحدث عنها وعن الذين ارتقوا بتوفيق الله إليها وعن أخلاق الأولياء على وجه العموم
لقد سئل من الصديقون
قال الذين عدوا أنفاسهم بالتسبيح والتقديس وحفظوا الجوارح والحواس فصار قولهم وفعلهم صدقًا وصار ظاهرهم وباطنهم صدقاً وصار دخولهم في الأشياء وخروجهم عنها بالصدق ومرجعهم إلى
مقعد صدق بقدم صدق عند مليك مقتدر أخلاقهم - كما يروى عنه أبو محمد الحريري – يقول من أخلاق الصديقين ألا يحلفوا بالله لا صادقين ولا كاذبين
ومن
ولا يغتابون ولا يغتاب عندهم ولا يشبعون بطونهم وإذا وعدوا
۱۱
لم يخلفوا ولا يتكلمون إلا والاستثناء فى كلامهم ولا يمزحون
أصلاً
وبمناسبة تفسير سهل لقوله تعالى ومما رزقناهم ينفقون به ۱
يقول إن الله تعالى وصف بذلك من جبله بجبلة متعالقاً
بسبب
من سببه غير منفك عن مراقبته وهم الذين لم يختاروا قط اختيارا ولا أرادوا شيئًا دونه ولا اختيارًا دون اختياره لهم كما اختاره لهم
ولا أرادوا شيئًا يصرفهم عنه ومن غيره هم مبرءون
ويصاحب الولاية في جميع مراحلها
۱ الأنفال ٣
الحب الله
وقد تحدث الله سبحانه أنه ويحب التوابين ۱ و و يحب المتطهرين و ويحب المحسنين ۳
وهكذا
ومفهوم سهل في المحبة مفهوم دقيق إنه يقول المحبة أن تحب ما يحبه حبيبك وتكره ما يكره ويرى سهل أن الحب الله يلازمه الخوف والمحب لا يفارقه الخوف ومن هنا يروى عن سيدنا أبي بكر أنه قال
لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمي في الجنة
ويقول سهل النيران أربعة نار الشهوة ونار الشقاوة ونار
القطيعة ونار المحبة
فنار الشهوة تحرق الطاعات ونار الشقاوة تحرق التوحيد ونار
القطيعة تحرق القلوب ونار المحبة تحرق النيران كلها
ولقد حكى أن على بن الحسين رضى الله عنه دخل مغارة مع أصحب
له فرأى امرأة في المغارة وحدها
۱ البقرة البقرة
۳ المائدة ۹۳
۱۳
فقال لها من أنت
قالت أمة من إماء الله إليك عنى لا يذهب الحب
فقال لها على رضى الله عنه وما الحب
قالت أخفى من أن يُرى وأبين من أن يخفى كمونه في الحشاء ككمون النار فى الحجر إن قدحته أورى وإن تركته توارى ثم
أنشأت تقول
إن المحبين في شغل لسيدهم
كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
ولقد قيل لسهل أي شيء يفعل الله بعبده إذا أحبه
قال يلهمه الاستغفار عند التقصير والشكر له عند النعمة ويقول قال الله لآدم يا آدم إنى أنا الله لا إله إلا أنا فمن رجا غير فضلى وخاف غیر عدلى لم يعرفني يا آدم إن لى صفوة وضنائن وخيرة من عبادى أسكنتهم صلبك بعيني من بين خلقى أعزهم بعزى وأقربهم من وصلى وأمنحهم كرامتي وأبيح لهم فضلى وأجعل قلوبهم خزائن كتبى وأسترهم برحمتى وأجعلهم أمانًا ظهرانی عبادى فيهم أمطر السماء وبهم أنبت الأرض وبهم أصرف أوليائى وأحبائى وهم
البلاء
بين
متعلقة درجاتهم عالية ومقاماتهم رفيعة وهممهم بي صحت ودامت في ملكوت غيرى فكرتهم فارتهنت قلوبهم
عزائمهم
بذكرى فسقيتهم بكأس الأنس صرف محبتى
فطال شوقهم إلى
لقائي وإنى إليهم لأشد شوقا
يا آدم من طلبنى من خلقى وجدنى ومن طلب غيرى لم يجدنى فطوبى يا آدم لهم ثم طوبى لهم ثم طوبى لهم وحسن مآب
یا آدم
هم
الذين إذا نظرت إليهم هان على غفران ذنوب المذنبين
لكرامتهم على اهـ
وبعد فإنا نختم هذا بهذه الكلمة الجميلة لسهل
طوبى لمن تعرف بالأولياء فإنه ربما استدرك ما فاته الطاعة
وإن لم يستدرك شفعوا فيه لأنهم أهل فتوة
من
١٢٥
الفضل السابع
الطريق من زاوية الولاية والكرامات
سبق أن تحدثنا في بعض كتبنا عن الكرامات وأنها مذكورة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة
والواقع أن الخلاف الذى يثار في هذا الموضوع عادة إنما هو في إثبات كرامة معينة لشخص معين وهذا الخلاف أمره هين ومن أنكر كرامة معينة وقعت بالنسبة لشخص معين فليس معنى ذلك أنه أنكر الكرامات جملة وإثبات الكرامات محل اتفاق بين أهل السنة ويتحدث سهل عن الكرامات وعن الأولياء في كثير من النصوص المتناثرة هنا وهناك وحديثه عنها يتسم بالجد وبالعمق وهو يتحدث
عن تجربة ومشاهدة ويتحدث عن منطق وعقل
السعيد
من
وتأمل أولاً ما يقول سهل أظهر الله تعالى آياته لأوليائه وجعل عباده من صدقهم على كراماتهم وأعمى أعين الأشقياء وصرف قلوبهم عنه ومن أنكر آيات الأولياء فإنما ينكر قدرة الله تعالى فإن القدرة تظهر على الأولياء الآيات لاهم
عن ذلك
بأنفسهم يقدرون على إظهارها كما قال
ويريكم آياته فأى آيات الله تنكرون ۱
۱ غافر ۸۱
١٢٦
ويتحدث سهل - عن مخالطة ومشاهدة – عن بعض الكرامات
فيقول
مخالطة الولى بالناس ذل وتفرده عزّ وما رأيت أولياء الله تعالى إلا منفردين إن عبد بن عبد الله بن صالح رحمهم الله كان رجلاً له سابقة جليلة وموهبة جزيلة وكان يفرّ من بلد إلى بلد حتى يأتي مكة فطال بها مقامه فقلت له لقد طال مقامك بها فقال ولم لا أقيم بها ولم أر بقعة ينزل فيها من الرحمة والبركة مثلها يطوف الملائكة حول البيت غدوة وعشية على صور شتى لا يقطعون ذلك وإن فيها عجائب كثيرة ولو قلت كلما رأيت لصغت عنه قلوب أقوام ليسوا بمؤمنين
فقلت أسألك بحق الحق أن تخبرني بشيء من ذلك فقال ما من ولّى الله تعالى صحت ولايته إلا وهو يحضر في هذه البلد في كل ليلة جمعة ولقد رأيت رجلاً يقال له مالك بن القاسم الجيلى رحمه الله تعالى ليلة هاهنا ورأيت على يده غمرًا فقلت إنك لقريب العهد بالأكل فقال
أستغفر الله فإنى منذ أسبوع لم أطعم شيئًا ولكنى أطعمت والدتى وأسرعت لأدرك صلاة الفجر هاهنا جماعة وبين مكة وبين الموضع الذي جاء منه سبعمائة فرسخ فهل أنت مؤمن بذلك فقلت بلى فقال الحمد لله الذي أراني مؤمناً
وقال ابن سالم كنت عند سهل رحمه الله تعالى فأتاه رجلان بعد صلاة العصر وجعلا يحدثان فقلت في نفسي لقد أبطئا عنده
۱۷
وما أراهما يرجعان في هذا الوقت وذهبت إلى منزلى لأهيئ لهما عشاء فلما رجعت إليه لم أر عنده أحدا فسألت عن حالهما فقال إن أحدهما يصلى المغرب بالمشرق والآخر بالمغرب وإنما أتياني زائرین ا هـ
من
ولقد سئل سهل مرة عن كيفية إدراك منزلة الكرامات فقال من زهد فى الدنيا أربعين يوماً صادقاً مخلصاً فقد ظهرت الكرامات عز وجل له ومن لم تظهر له فهو لما فَقَدَ من زهده من الصدق
الله
والإخلاص ا هـ ولكن من هم الأولياء يتحدث سهل عن ذلك بمناسبة قوله تعالى ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون 1 ۱ قال سهل
وهم
هم الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رئوا ذكر الله المجاهدون في الله السابقون إليه الذين توالت أفعالهم على الموافقة
أولئك
هم
المؤمنون
حقا
وقال اجتمع الخير كله فى هذه الأربعة وبها صارو أبدالاً أخماص البطون والاعتزال عن الخلق وسهر الليل والصمت قيل له لم سمى الأبدال أبدالاً
فقال لأنهم يبدلون الأحوال أخرجوا أبدانهم عن الحيل في
سرهم ثم لا يزالون ينتقلون من حال إلى حال ومن علم إلى علم أبدا في المزيد من العلم فيما بينهم وبين ربهم
فهم
1 يونس ٦٢
۱۸
قيل الأوتاد أفضل أم الأبدال
قال الأوتاد
قيل وكيف ذلك
قال لأن الأوتاد قد بلغوا وثبتت أركانهم والأبدال ينقلبون من
حال إلى حال وقال بمناسبة قوله تعالى وأم على قلوب أقفالهاني 1
إن
الله تعالى خلق القلوب وأقفل عليها بأقفال وجعل مفاتيحها حقائق الإيمان فلم يفتح بتلك المفاتيح على التحقيق إلا قلوب المرسلين عليهم أجمعين وأنبياءه والصديقين وأولياءه
صلوات
الله
وسائر الناس يخرجون من الدنيا ولم يفتح أقفال قلوبهم والزهاد والعباد والعلماء خرجوا منها وقلوبهم مقفلة لأنهم طلبوا مفاتيحها في العقل فضلوا الطريق ولو طلبوه من جهة التوفيق والفضل لأدركوه والمفتاح أن تعلم أن الله قائم عليك رقيب على جوارحك وتعلم أن العمل لا يكمل إلا بالإخلاص مع ولقد تحدث سهل عن الأنبياء والأولياء معا في مواضع من تفسيره
فقال
1
المراقبة
وما من أحد فى الدنيا إلا غلبه إبليس لعنه الله فأسره إلا الأنبياء عليهم والصديقون الذين شاهدت قلوبهم إيمانهم في
صلوات
الله
الله
مقاماتهم وعرضوا اطلاع عليهم في جميع
أحوالهم
فعلى قدر
۱ محمد ٢٤
۱۹
مشاهدتهم يعرفون الابتلاء وعلى قدر معرفتهم الابتلاء يطلبون العصمة وعلى قدر فقرهم وفاقتهم إليه يعرفون الضر والنفع ويزدادون علما وفهما ونظرا
ثم قال ما حمل الله على أحد من الأنبياء ما حمل على نبينا محمد - من الخدمة وما من مقام خدمة الله تعالى بها من ولد آدم عليه
السلام إلى أن بعث نبينا - ه - إلا وقد خدم ا
الله بها نبينا -
وقال بمناسبة قوله تعالى السابقون السابقون الله
1
هم الذين سبق لهم من الله الاختيار والولاية قبل كونهم المقربون
الأنس
في منازل القرب وروح وهم الذين سبقوا في الدنيا الأنبياء إلى الإيمان بالله وسبق الصديقون والشهداء من
فسبق
الصحابة وغيرهم إلى الإيمان بالأنبياء
a
وقال سهل انتهت همم العارفين إلى الحجب فوقفت مطرقة فأذن لها بالدخول فدخلت فسلمت فخلع عليها خلع التأييد وكتب
لها
من الرقع براءات وإن همم الأنبياء صلوات الله عليهم جالت حول العرش فالبست الأنوار ورفع منها الأقدار واتصلت بالجبار فأفنى حظوظها وأسقط مرادها وجعلها متصرفة به له
وقال آخر درجات الصديقين أول الأحوال للأنبياء صلوات الله
عليهم وإن نبينا - ع - عبد
۱ الواقعة ١٠
تعالى
أحوال الأنبياء بجميع
١٣٠
وبمناسبة قوله تعالى وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ۱
قال
یعنی ارزقنى قربة أوليائك لأكون من جملتهم وإن لم أصل إلى
مقامهم
أما
وهى
مهمة الأولياء فإن سهلا يتناسق في تحديدها مع مهمة الرسل الاقتداء برسل الله في نشر الدعوة النبوية والجهاد في سبيلها
إنه يقول
إن الله تعالى أخذ على أوليائه التذكرة لعباده كما أخذ التبليغ على
الله
عليهم
أجمعين
أنبيائه صلوات فعلى أولياء الله أن يدلوا عليه فمتى قعدوا عن ذلك كانوا
مقصرين
ذلك فأرجو أن يتدبر القارئ الكريم قول سهل وقد سئل ومع عن الكرامات فقال وما الكرامات إن الكرامات شيء ينقضى لوقته ولكن الكرامات أن تبدل خلقا مذموما من أخلاقك بخلق
محمود
وقال له تلميذه عبد الرحمن بن أحمد
يا سيدى ربما أتوضأ فالماء الذي يسيل من أعضائي
من الذهب والفضة
قضبانا يصير
فقال له أما علمت أن الصبيان إذا بكوا يعطوا خشخاشة يشتغلون
بها
۱ النمل ۱۹
۱۳۱
ونختم هذه النصوص بقوله عن الرسول - - وقد سئل عن
معنى قوله - - إني لست كأحدكم إن ربي يطعمني ويسقيني
فقال
ما كان معه طعام ولا شراب ولكنه كان يذكر خصوصيته عند الله تعالى فيكون كمن أكل الطعام وشرب الشراب وما من شك فى أن رأى سهل فيما سبق رأى موفق إنه يتلخص
في
الناس
1 - لا شك فى أن الكرامات ثابتة بقدرة الله تعالى وواقعة لبعض
والكرامات فى نفسها على الخصوص تشجيع للمبتدئين في
العروج إلى الله
١ - وأفضل الكرامات هى التخلى عن الأخلاق المذمومة والتحلى
بالأخلاق الحميدة
۱۳
الفصل الثامين
متناثرات عن الطريق في
الحكم والمواعظ والنصائح والتوجيهات
لسهل بن عبد الله مجموعة ضخمة فيما يتصل بإرشاد الناس في صورة موعظة أو حكمة أو توجيه أو نصيحة نذكر منها ما تيسر
دون ترتيب معين
قال سهل أيما عبد قام بشيء مما أمره الله به من أمر دينه فعمل به وتمسك به فاجتنب ما نهى الله تعالى عنه عند فساد الأمور وعند تشويش الزمان واختلاف الناس في الرأي والتفريق إلا جعله الله إمامًا يقتدى به هاديًا مهديا قد أقام الدين في زمانه وأقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الغريب في زمانه فيه بدأ الإسلام غريبا وسيعود
الذي قال رسول الله كما بدأ
وما من عبد دخل في شيء من السنة وكانت نيته متقدمة في دخوله الله إلا خرج الجهل من سره شاء أو أبي بتقديمه النية ولا يعرف الجهل إلا عالم فقيه زاهد عابد حكيم أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا الحسن النحاس جارنا
يقول سمعت سهل بن عبد الله يقول الفترة غفلة
سمعت
والخشية
يقظة
والقسوة موت
۱۳۳
وقال الغضب أشد على البدن من المرض لأنه إذا غضب دخل عليه من الألم أكثر مما يدخل عليه من المرض ولهذا قال المصطفى –
燚
لا تغضب و کرره
وقال ما أعرف معصية أقبح من نسيان الرب
وقال الجاهل ميت والناسي نائم والعاصي سكران والمصر
هالك
بشيء أفضل
من مخالفة الهوى
وقال ما عبد الله وقال مخالطة الفقير للناس ذل وبعده عنهم عز
وقال الفتن ثلاثة فتنة العامة من إضاعة العلم وفتنة الخاصة من الرخص والتأويلات وفتنة أهل المعرفة من أن يلزمهم حق في
وقت فيؤخروه
وقال الابتلاء كالمرض يمرض الواحد مائة سنة فلا يموت ويمرض آخر ساعة فيموت وقال عثمان بن محمد العثماني سمعت أبا بكر محمد بن يحيى بن أبي بدر يقول سمعت أبا محمد سهل بن عبد الله يقول الانقطاع من الشهوات الخروج من الجهل إلى العلم ومن النسيان إلى الذكر ومن المعصية إلى الطاعة ومن الإصرار إلى التوبة وقال شيئان يذهبان خوف الله من قلب العبد أصل الدعوى والمعصية وصاحب المعصية إذا خوفته واحتججت عليه بالإيمان ينقاد ويخضع ويقر بالخوف وصاحب الدعوى لا يقر بالحق ولا ينقاد
١٣٤
للخوف البتة ولا يوجد قلب أخلى من الخير ولا أقصى ولا أبعد
من خوف الله من قلب المدعى
وقيل له ما أغرب الأشياء
قال قلب عرف الله ثم عصاه
وقال اجتنب صحبة ثلاثة أصناف الجبابرة الغافلين والقراء
المداهنين والمتصوفة الجاهلين
وقال إن الله قال لآدم أنا الله لا إله إلا أنا فمن رجا غير
وخاف غير عدلى لم يعرفنى
فضلی
وكان رضى
الله
عنه يقول
من كمل إيمامه لم يخف من شيء سوى
الله تعالى
وسمعته يقول لزوم الباب طلب العبد إلى مولاه أن يثيبه على الإيمان
ويقبضه عليه
الله
قال وسمعت سهل بن عبد الله يقول من تخلى من الربوبية وأفرد الله بها واعترف بالعبودية وعبد الله بها استحق من الله الملك الأعظم في حياة الأبد ومن نازع ربوبيته قصمه الله ألا ترى أنهم يحبون الغنى والله هو الغنى وهم الفقراء ويحبون الأمر والنهي والله تعالى يقول ألا له الخلق والأمريكية ١ ويحبون البقاء والله تعالى يقول كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ٢ ويحبون
1 الأعراف ٥٤
الرحمن ٢٦ ٢٧
۱۳۵
الدنيا والله يبغضها ويريدونها والله لا يريدها فهم ينازعون الله الربوبية ويعادونه فيما أحب
قال أزهد الناس أصفاهم مطعماً وأعبد الناس أشدهم اجتهادا
القيام بالأمر والنهي وأحبهم إلى الله أنصحهم لخلقه والطهارة على سبعة أوجه طهارة العلم من الجهل وطهارة الذكر من النسيان وطهارة الطاعة من المعصية وطهارة اليقين من الشك وطهارة العقل من الحمق وطهارة الظن من النميمة وطهارة الإيمان
مما دونه
وقال فساد الدين بثلاث الملوك إذا أخذوا في السرف والشهوات والعلماء إذا افتوا بالرخص والقراء إذا تعبدوا بغير علم وإن العلماء يحتاج إليهم الخلق في الدنيا والآخرة
وقال قوام الدين والدنيا في ثلاث العلم والأدب والمبادرة وهلاك الدين والدنيا فى ثلاث الجهل والخرق والكسل
وقال أربع من دعائم الدين القيام بالحق على نفسك وغيرها والقعود عن باطل نفسك وغيرها والمودة لأهل طاعة الله والبغض لأهل معصيته
وفي قوله تعالى الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ۱ قال من أراد حفظ القرآن فليختم بثلاث ختمات
على شرط
1 آل عمران ۱۹۱
١٣٦
ختمة قائمًا يصلى وختمة قاعدا يدرس
وختمة مضطجعا على
جنبه
ينسى إن شاء لا
عز وجل
فإنه
الله
ومن اشتغل بطلب العلم بالتقوى وقراءة القرآن وذكر الله عز وجل واتباع السنة واجتناب اللهو لم تصبه الأمراض والأسقام
ومن
أطاع
الله
بالعلم وصدق النية لم يفقد عقله وقال ليس للعبد حيلة سوى أن يواظب فى جميع عمره على قول رب سلّم سلّم الأمان الأمان الغوث الغوث
وإياك والتدبير فإنه داء النفس وعليك بالاقتداء فإنه أساس العمل وإياك والعجب فإن أدنى باب منه لم تستنمه حتى تدخل النار وعليك بالقنوع والرضى فإن العيش فيهما وإياك والائتمار على غيرك فإنه لينسيك نفسك وعليك بالصمت فأنت تعرف الأحوال فيه وعليك بترك الشهوات تنقطع به عن الدنيا وعليك بسهر الليل تموت نفسك من ميلة طبعك وتحى قلبك وإذا صليت فاجعلها وداعا وخف يؤمنك وارجه يؤملك واتكل عليه يكفك وعليك بالخلوة تنقطع
الآفات عنك
الله
ولقد قال ابن عباس رضى الله عنهما لولا مخافة الوسواس لرحلت إلى بلاد لا أنيس بها وهل يفسد الناس إلا الناس
دونه
وقال ما من عبد أراد الله بعزم صحيح إلا زال عنه كل شيء وما من عبد زال عنه كل شيء دونه إلا حق عليه أن يقوم بأمره وليس في الدنيا مطيع الله وهو يطيع نفسه ولا يتباعد أحد وإنما تدخل الأشياء على الفارغ
عن
الله إلا بالاشتغال بغير
الله
۱۳۷
وأما
من كان مشغول القلب بالله لم تصل إليه الوسوسة وهو في المزيد أبدا واحفظ نفسك بالأصل قيل له ما هو قال التسليم لأمر الله والتبرى ممن سواه
وفي قوله تعالى وفديناه بذبح عظيم ۱ قال إبراهيم عليه الصلاة
الله فضله وعصمته
والسلام لما أحب ولده بطبع البشرية تداركه من أمره بذبحه إذ لم يكن المراد منه تحصيل الذبح وإنما كان المقصود
حتى
تخليص السر من حب غيره بأبلغ الأسباب فلما خلص السر له ورجع
عن
عادة الطبع فداه بذبح عظيم وفي قوله سبحانه وإن هذا لهو البلاء المبين قال يعنى بلاء رحمة ألا ترون كيف بعثه على الرضا
وعن قوله تعالى ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله له ۳ قال أى
ممن دل على الله وعلى عبادته وسنة رسوله واجتناب المناهي
وإدامة الاستقامة مع الله والاستقامة به خوفًا من الخاتمة وفي
الطريقة الوسطى والجادة المستقيمة التى من سلكها سلم ومن
ندم
ألا
تعداها
من استغنى بغير الله فبغناه افتقر ومن اغتر بغيره فبعزه ذل
تری
أن الله يقول إنهم لن يغنوا عنك
من الله شيئا
1 الصافات ۱۰۷
الصافات ١٠٦
۳ فصلت ۳۳
٤ الجانية ١٩
٤
۱۳۸
وفي قوله تعالى لله والله الغنى وأنتم الفقراء ۱ قال معرفة السر كله في الفقر وهو سر الله وعلم الفقر إلى الله تعالى تصحيح علم الغنى بالله عز وجل والله سبحانه وتعالى أعلم
وعن قوله تعالى وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلهان ٢ كلمة لا إله إلا الله فإنها رأس التقوى ثم قال خير الناس
قال هي المسلمون وخير المسلمين المؤمنون وخير المؤمنين العلماء العاملون وخير العاملين الخائفون وخير الخائفين المخلصون المتقون الذين وصلوا إخلاصهم وتقواهم بالموت فإن مثله كمثل راكب السفينة بالبحر لا يدرى ينجو منه أم يغرق فيه والذين تم لهم ذلك أصحاب رسول الله بقوله وألزمهم كلمة التقوى الله
وفي قول الله سبحانه فرُّوا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ۳
قال يعني ففروا مما
الله
سوی
إلى
الله
وفروا من المعصية إلى
الطاعة ومن الجهل إلى العلم ومن عذابه إلى رحمته ومن سخطه إلى رضوانه وقد قال النبي - الله أعوذ بك منك فهذا
أيضا باب منه عظيم "
D
وقال سهل تربة المعاصى الأمل وبذرها الحرص وماؤها الجهل وصاحبها الإصرار وتربة الطاعة المعرفة وبذرها اليقين وماؤها العلم وصاحبها السعيد المفوض أموره إلى الله تعالى
۱ محمد ۳۸ ٢ الفتح ٢٦ ۳ الذاريات ٥٠
۱۳۹
وقال لا يطلع على عثرات الخلق إلا جاهل ولا يهتك ستر ما اطلع
عليه إلا ملعون
هو
وقال
من علم أن الله قريب منه فقد بعد عن كل ما سواه
وقال
دع التدبير والاختيار الله الواحد القهار فإن تدبير الخلق لأنفسهم
المكدر لعيشهم
وقال من اشتغل بما لا يعنيه نال العدو منه حاجته في يقظته ومنامه وقال سهل الأمل أرض كل معصية والحرص بذر كل معصية والتسويف ماء كل معصية والندم أرض كل طاعة واليقين بذر كل طاعة والعمل ماء كل طاعة وبقدر ما تهدم من دنياك تبنى لآخرتك وبقدر ما تخالف نفسك وهواك وشهوتك ترضى مولاك وبقدر ما تعرف عدوك وعداوته - يعنى إبليس – تعرف ربك وقال وسمعت سهلاً يقول إذا جنك الليل فلا تأمل النهار حتى تسلم ليلتك لك وتؤدى حق الله فيها وتنصح فيها لنفسك فإذا
أصبحت فكذلك
وقال الفرح كله في تدبير
وكان رضى
الله
عنه
الله لعباده
يقول مخالطة الولى للناس ذل وتفرده
عنهم عز وقلما رأيت وليا لله عز وجل إلا منفردا وكان يقول من أحب أن يطلع الناس على ما بينه وبين
غافل
الله فهو
12
وكان يقول قد أيس العلماء في زماننا هذا
من هذه الثلاث خصال
ملازمة التوبة ومتابعة السنة وترك أذى الخلق
وكان يقول العيش على أربعة أقسام عيش الملائكة في الطاعة وعيش الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فى العلم وانتظار الوحى وعيش الصديقين في الاقتداء وعيش سائر الناس عالما أو جاهلاً زاهدًا كان أو عابدا في الأكل والشرب والضرورة للأنبياء عليهم الصلاة
والسلام والقوام للصديقين والقوت للمؤمنين والمعلوم للبهائم
وكان يقول من سلم من الظن سلم من التجسس ومن سلم
من التجسس سلم من الغيبة ومن سلم من الغيبة سلم من الزور ومن سلم من الزور سلم من البهتان
الله وكان رضى عنه والقلب قبلة البدن والبدن قبلة الجوارح والجوارح قبلة الدنيا
يقول الله قبلة النية والنية قبلة القلب
وكان يقول لا يستحق الإنسان الرياسة حتى يصرف جهله عن
الناس ويحمل جهلهم ويترك ما فى أيديهم ويبذل ما في يده لهم
وقال لا يستحق الرجل الرياسة على الخلق إلا إن احتمل أذاهم وبذل لهم ما بيده وزهد فيما بيدهم
وقال دخلت الفتنة على العامة من الرخص والتأويلات وعلى العارفين من تأخير الحق الواجب إلى وقت آخر
ومن
کلامه رضی
الله
عنه الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وإذا
انتبهوا ندموا وإذا ندموا لم تنفعهم الندامة
١٤١
الله
وكان رضى عنه يقول ما طلعت شمس ولا غربت على جهال بالله إلا من يؤثر الله على نفسه وزوجته
أهل الأرض إلا
وهم
ودنياه وآخرته وأدنى الأدب أن يقف عند الجهل وآخر الأدب
أن
يقف عند الشبهة
وكان يقول إن الله مطلع على القلوب فى ساعات الليل والنهار فأيما قلب رأى فيه حاجة إلى سواه سلط عليه إبليس
وقال سهل لا تستصغر شيئًا من الذنوب وإن قل فإنهم قالوا
أربعة بعد الذنب اشد
من
الذنب
الإصرار
والاستبشار
والاستصغار والافتخار
الله عنهما -
إن المؤمن يرى ذنوبه
وقد قال ابن مسعود - رضی
كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه وإن الكافر يرى ذنوبه كذبابة وقعت على أنفه فقال هكذا بيده فطارت
قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ۱ قال لما نزلت هذه الآية خطب رسول الله - ع - فقال في خطبته !
منه
البر والفاجر
ألا وإن الآخرة
ألا وإن الدنيا عرض حاضر يأكل أجل صادق يقضى فيها ملك قادر ألا وان الخير كله بحذافيره في الجنة ألا وان الشر كله بحذافيره فى النار ألا فاعملوا وأنتم على حذر واعلموا أنكم معرضون على أعمالكم فمن يعمل مثقال
ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
۱ الزلزلة ٧ الزلزلة ۷ ۸
من
الله
١٤٢
الله
قال أبو الدرداء رضى عنه إتمام التقوى أن يتقى الله عبده حتى يتقيه في مثقال ذرة حتى يترك بعض ما یری ى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام
سمعت أبا الحسن بن جهضم يقول حدثني طاهر بن الحسن
عبد
يقول
قال سمعت إبراهيم البرجى يقول سمعت سهل بن الله ما أظهر عبد فقره إلى الله فى وقت الدعاء في شيء يحل به إلا قال الله لملائكته لولا أنه لا يحتمل كلامي لأجبته لبيك
وقال حرام على قلب أن يشم رائحة اليقين وفيه سكون إلى غير
الله تعالى
وقال إذا قام عبد بما يجب الله عليه قام الله بما يجب عليه من
الحقوق
سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا بكر محمد بن المنذر الهجيمي يقول قال سهل بن عبد الله الخلق كلهم بالله يأكلون وفي عبادته غيره يشركون
وقال سهل من دق الصراط عليه في الدنيا عرض عليه في الآخرة
ومن عرض عليه الصراط فى الدنيا دق له في الآخرة سمعت أبا الحسن يقول سمعت محمد بن المنذر يقول سمعت سهل ابن عبد الله يقول وسأله رجل فقال يا أبا محمد إلى من تأمرني أن أجلس فقال له إلى من تكلمك جوارحه لا يكلمك من
لسانه
١٤٣
وقال الخشية سر والخشوع علانية من خشعت جوارحه لم
يقربه الشيطان قيل فما الخشوع قال الوقوف بين يدى
والصبر على ذلك
قال وكمال الخشوع ترك الآثام في السر والعلانية
يقول كفى الله العباد دنياهم فقال عز من قائل
أليس
الله بكاف عبده ۱ واستعبدهم بالآخرة فقال
وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ٢
الله
وفي قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا ۳ قال سهل أي أضدادا فأكبر الأضداد النفس الأمارة بالسوء المنطلقة إلى
حظوظها ومناها بغير هدى من
وقال البلوى قسمان
بلوى رحمة وبلوى عقوبة
الله
فبلوى الرحمة تبعث صاحبها على إظهار مقره وفاقته إليه تعالى
وترك تدبير نفسه واختياره
وبلوى العقوبة تبعثه على اختيار نفسه وتدبيرها
وسئل عن الاسم الأعظم فقال
١ الزمر ٣٦
البقرة ۱۹۷
۳ البقرة ٢٢
١٤٤
أروني الأصغر أريكم الأعظم أسماء الله كلها عظيمة وخذ أي اسم شئت يفعل معك
وسئل كيف يتخلص العبد من خدعة نفسه وعدوه قال
أصدق
الله
الله وبعد عرفان حاله فيما بينه وبين يعرف فيما بينه وبين
يعرض نفسه على الكتاب والأثر ويقتدى في الأشياء بالسنة وقال الغضب أشد فى البدن من المرض إذا غضب دخل عليه من الإثم أكثر مما يدخل عليه في المرض
وقال الله معنا قريب إلينا فلابد لنا من أن نكون معه نؤثره
ونطيعه فيكون إيثارنا له صدقنا بعلمنا فيه
من نفسه قسما
ويقول إن الله يطلع على أهل قرية أو بلد فيريد أن يقسم لهم فلا يجد فى قلوب العلماء ولا في قلوب الزهاد موضعا لتلك القسمة من نفسه فيمن عليهم أن يشغلهم بالتعبد عن نفسه
يقول الله تعالى قل متاع الدنيا قليل ۱ فسئل ما الدنيا فقال الدنيا كلها جهل إلا موضع العلم والعلم كله حجة إلا موضع العمل به والعمل كله هباء إلا موضع الإخلاص والإخلاص ثم قال دنياك نفسك فإذا أفنيتها فلا دنيا
لا
يتم
لك
إلا بالسنة
وقال السرور بالله هو السرور والسرور بغيره هو الغرور
۱ النساء ۷۷
١٤٥
وكان يقول إذا خلا العبد من الدنيا وهرب من نفسه إلى الله وسقط من قلبه أثر الخلائق لم يعجبه شيء ولم يسكن إلى شيء غير الله قط فالله مؤنسه ومؤدبه وكالئه و حافظه وجليسه وأنيسه إياه
يناجي وله يناجي وله ينادى وبه يستأنس وإليه يرغب وإليه
يستريح
قال الله جل ذكره
طوبى لمن خلقته فعرفنى ودعوته فأجابني وأمرته فأطاعنى ورزقته فحمدنی وأعطيته فشكرنى وابتليته فصبر لى وعافيته فذكرني ومدحنى
وقال خلق الله الإنسان على أربع طبائع طبع البهائم وطبع الشياطين وطبع السحرة وطبع الأبالسة فمن طبع البهائم البطن
والفرج قال تعالى فذرهم يأكلوا ويتمتعوانه ۱
وطبع الشياطين اللهو واللعب والزينة والتكاثر والتفاخر قوله
تعالى
لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ٢
ومن طبع السحرة المكر والخديعة
ويمكرون ويمكر الله ۳
۱ الحجر ٣
الجديد ۰ ۳ الأنفال ٣٠
12
و
يخادعون الله وهو خادعهم ۱
ومن طبع الأبالسة الاباء والاستكبار قوله تعالى
وإلا إبليس أبى واستكبر ٢
واستعبد الله العباد بالتسبيح والتقديس والتحميد والشكر حتى
يسلموا من طبع الشياطين اللهو واللعب يقول في كتابه إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون ۳
وقوله يسبحون الليل والنهار لا يفترون ٤
ومن طبع السحرة استعبدهم الله بالاقتداء بالنبي - ع - بالنصيحة والرحمة والصدق والإنصاف والتفضل والاستعانة بالله والصبر
على ذلك إلى الممات
ومن طبع الأبالسة استعبدهم الله بالدعاء والصراخ والتضرع
والالتجاء
قل ما يعبو بكم ربي لولا دعاؤكم ٥
يسلم به العباد إذ يعتصمون به
١ النساء ١٤٢
البقرة ۳ ۳ الأعراف ٢٠٦
٤ الأنبياء ٢٠
٥ الفرقان ۷۷
١٤٧
وقوله واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ۱ ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم ٢ حتى يسلموا من طبع الأبالسة
وكان يقول أصل الدنيا الجهل وفرعها الأكل والشرب
وثمرتها
واللباس والطيب والنساء والمال والتفاخر والتكاثر المعاصي وعقوبة المعاصى الإصرار وثمرة الإصرار الغفلة وثمرة الغفلة الاستجراء على الله وقال النية اسم الأسامى والطاعات أسامي والنية الإخلاص وكما يثبت حكم الظاهر بالفعل كذلك يثبت حكم السر بالنية ومن لا يعرف نيته لا يعرف دينه ومن ضيع نيته فهو حيران ولا يبلغ العبد حقيقة علم النية حتى يدخله الله فى ديوان أهل الصدق ويكون عالما بعلم الكتاب وعلم الأثار وعلم الاقتداء
وينصح سهل من يحيطون به فيقول لهم حققوا الخير بالفعل
قيل له وكيف لنا أن نحققه بالفعل
قال بخمسة أشياء لابد لكم منها
أكل الحلال ولبس الحلال وحفظ الجوارح وأداء الحقوق
عن
المسلمين كيلا يذهب بأعمالكم
كما أمرتم بـ به وكف الأذى قصاصا في القيامة ثم استعينوا على ذلك كله بالله حتى يتمها لكم
۱ آل عمران ۱۰۳
آل عمران ۱۰
١٤٨
قيل له فكيف تصح للعبد هذه الأحوال قال
لابد له من عشرة أشياء يدع منها خمسا ويتمسك بخمس
يدع وساوس العدو ويتبع العقل فيما يزجره ويدع اهتمامه لأمر
الدنيا ويتركها لأهلها
بالآخرة ويهتم
ويعين
أهلها
ويدع اتباعه
الهوى ويتقى الله على كل حال ويترك المعصية ويشتغل بالطاعة ويدع الجهل والإقامة عليه حتى يحكم عمله ويطلب العلم ويعمل به
وجميع
حسناته
ويقول سهل لا يكون العبد مقيماً على معصية إلا ممزوجة بالهوى لا تخلص له حسناته وهو مقيم على سيئة واحدة
ما يعرف من
نفسه
ولا يتخلص من هواه حتى يخرج من جميع مما يكرهه الله وقال أول ما ينبغي للعبد أن يتخلق به ثلاثة أخلاق وفيها اكتساب
للعقل
احتمال المئونة والرفق في كل شيء والحذر أن يميل في الهوى أو مع الهوى أو إلى الهوى ثم لابد له من ثلاث أحوال أخر وفيها اكتساب العلم العالى الحلم والتواضع والإنصاف ثم لابد له من ثلاثة أخر وفيها اكتساب المعرفة وأخلاق أهلها
السكينة والوقار والصيانة
وقال من المعروف والنصيحة وفيها أحكام التعبد وقال أركان الدين أربعة الصدق واليقين والرضا والحب
أخلاق الإسلام والإيمان الحياء وكف الأذى وبذل
١٤٩
فعلامة الصدق الصبر وعلامة اليقين النصيحة وعلامة الرضا
ترك الخلاف وعلامة الحب الإيثار والصبر يشهد للصدق
وقال الجاهل ميت والناسى نائم والعاصي سكران
ندمان
والمصر
وقال سهل لا تفتش عن مساوئ الناس ورداءة أخلاقهم ولكن فتش وابحث في أخلاق الإسلام ما حالك فيه حتى تسلم ويعظم قدره في نفسك وعندك وكان يقول إذا قام العبد بما لله تعالى عليه فحقيق على الله أن يقوم بما كان العبد قائما به لنفسه وقال لا تفتش عن مساوئ الناس ومعرفة أخلاقهم ولكن فتش عن أخلاق الإسلام وما حالك فيه حتى يعظم قدره في نفسك وتجتهد في التلبس بتلك الأخلاق وقال اعلم أن الله تعالى أمانة في سمعك وبصرك ولسانك وفرجك وظاهرك وباطنك عرضها عليك فإن لم تحفظها خنت والله لا يحب الخائنين
وقال العاصون يعيشون فى رحمة العلم والمطيعون يعيشون في رحمة القرب
وقال في تفسير قوله تعالى
ير فمن كان لقاء يرجو ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه
أحدا ۱ قال العمل الصالح ما كان خاليا عن الرياء مقيدا بالسنة
۱ الكهف ١١٠
١٥٠
خاتمة
أن
يعود بفكرة العلم والعلماء إلى الجو الإيماني
لقد أراد سهل الصادق وحديثه عن العلم والعلماء يستأهل التسجيل
وخيار الخائفين
إن خيار الناس فيما يرى العلماء الخائفون المخلصون الذين وصلوا إخلاصهم بالموت رضى الله تعالى عنهم والعلم في الدين ليس أهواء ولا ابتداعًا ولا اختراعا ولكنه اتباع ويقول سهل بمناسبة قوله تعالى
قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ۱ قال العلم الكتاب والاقتداء لا الخواطر المذمومة وكل علم لا يطلبه العبد من موضع الاقتداء صار وبالاً عليه لأنه يدعى به
ومنح
الله ومواهبه كثيرة ولكن
ما أعطى أحد شيئًا أفضل من علم يستزيد به افتقارا إلى الله
ويتحدث سهل عن الإخلاص فى العلم وعن شكره فيقول الدنيا كلها جهل إلا العلم فيها والعلم كله وبال إلا العمل به والعمل كله هباء منثور إلا الإخلاص فيه والإخلاص فيه أنت منه
على وجل حتى تعلم هل قبل أم لا
۱ الزمر ۹
١٥١
أما شكر العلم العمل وشكر العمل زيادة العلم فهو أبدا في
هذا وهذه حاله
ويربط سهل برباط وثيق بين العلم والعمل فيقول بمناسبة قوله تعالى وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنها كم عنه ۱
كل عالم أعطى علم الشر وليس هو مجانبًا للشر فليس بعالم ومن أعطى علم الطاعات وهو غير عامل بها فليس بعالم
وكما للخمر سكر فإن للعلم سكرًا وقد دخل على سهل أبو حمزة
الصوفي فقال
أين كنت يا أبا حمزة قال
كنا عند فلان وأخبرنا أن السكر أربعة
فقال أعرضها على
وسكر
فقال سكر الشراب وسكر الشباب وسكر المال السلطنة فقال وسكرتان لم يخبرك بهما فقال ما هما فقال سكر العالم إذا أحب الدنيا وسكر العابد إذا أحب أن يشار إليه
والعالم الربانى لا يخوض فى دنيا الناس يقول سهل
وكل عالم خاض فى الدنيا فلا تصغ لكلامه بل يتهم فيما يقول
لأن كل إنسان يدفع ما لا يوافق محبوبه
۱ هود ۸۸
١٥٢
وهذا الاتجاه بالعلم إلى جو العظة والعبرة والإخلاص والتجريد هو
الاتجاه الصادق
وسهل رضى الله عنه ما كان عالماً فحسب وإنما كان مصلحًا
للعلم
أما من ناحية علمه فإنه يمثل الطابع العام لعلوم الصوفية إن العلم فى المجال الصوفى يدور حول القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف يدرسهما في عمق وذلك ليأخذ منهما الأساس الصادق للقدوة والتأسى
إن الصوفي يرى فى رسول الله الأسوة ويدرس كل ما يتصل
ومن كتب السيرة حتى
كتب الأحاديث بحياته وبدعوته من يستجيب للقرآن الكريم في قوله تعالى
أن
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان
الآخر وذكر الله كثيرا ۱
يمكنه
الله
يرجو
واليوم
أما القرآن الكريم فإنه نور الأنوار من اتصل به عن قرب مستجيبا إلى هديه أشرق نوره في قلبه وفي بصيرته وهدى إلى الصراط
المستقيم
وسهل رضی
الله
عنه لا يمل من ترداد ما يحث على الاقتداء وعلى اتخاذ القرآن والسنة أساسًا للسلوك وللأخلاق وللتشريع وللعقيدة وللسير
إلى
الله
عن بصيرة
۱ الأحزاب ۱
١٥٣
وإذا
أخذ
الناس الذين في قلوبهم زيغ يبحثون في متشابه القرآن مما يتصل بالذات أو بالقدر والجبر والاختيار فإن سهلاً يوجه التيار
في رفق وحكمة إلى الهداية الحقة
والهداية الحقة هي أن
تسير إلى الله من باب الذلة والانكسار من
باب الخشوع والخضوع من باب القدوة والاتباع
ومن دراستنا لسهل نرى أنه
درس واجتهد في التفسير وفى السيرة وانتهى إلى هذه النفائس في التفسير وفى التوجيه على النسق النبوى
وإذا كان العلم لا يطلب لذاته وإنما هو وسيلة تنتهى إلى العقيدة الصادقة والخلق الكريم والسلوك المستقيم والعمل والإخلاص في كل ما يأتى الإنسان وما يدع فإن سهلاً انتهى من علمه إلى الثمار الصادقة للعلم وكان مثلاً كريماً للخلق الكريم والعلم والعمل هما القدر المشترك بين الصوفية جميعهم تقريبا
الله
عنه
وهذان العنصران ظاهران في حياة سهل رضى على أن الرسالة الكبرى للصوفية إنما هي الهداية إلى الله تعالى هداية الحيارى وهداية الشاكين وهداية العصاة إنهم يدعون إلى الله على بصيرة ويدعون إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلون أحسن إنهم يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون
بالتي هي
أحدا إلا الله
وهذه الرسالة هي رسالة رسولنا وحبيبنا محمد وقام بها الخلفاء الراشدون من بعده والصحابة رضوان الله عليهم ولم تكن هناك إذ
١٥٤
ذاك تفرقة بين عالم الدين ورجل الدنيا فقد
الله عنهم
بين
جمع
الصحابة رضى
علماء الدين ورجال الأعمال في وحدة واحدة منسجمة
سخرت فيها جميع الأعمال لأن تكون في سبيل الله وكما كان رسول
الله قدوة كان الصحابة رضى
الله
عنهم
قدوة
وحينما أصبحت الخلافة ملكًا عضودًا تخصص قوم في علوم الدين
فكان العلماء
الله لا يبغون من وراء ذلك مالاً ولقد أخلص العلماء وجههم ولا جاها ولا ملذات فانية إنهم لم يشركوا بالله أحدًا في وجههم وكان المثل الكريم لهؤلاء إنما هم الأئمة الفقهاء والأئمة المحدثون من أمثال مالك والشافعى وابن حنبل وأبي حنيفة وسفيان الثورى
وعشرات آخرين
كان هؤلاء يقومون على سلامة المجتمع في سلوكه وفي عقيدته وفي عبادته وكانوا يقومون بواجب النصح للرعية والراعي وكان الرعاة يتقبلون النصح أحيانًا ويضيقون به أخرى ولكن العلماء سواء أضاق الرعاة بهم أم استجابوا وكانوا يمضون في طريق الهداية لا يصرفهم
عن
ذلك صارف ولكن الحكام وقد تخلصوا هم من عبء الدعوة والهداية حيث قام بها العلماء أخذوا يستولون على هؤلاء العلماء تدريجيا عن طريق الوظائف والجاه وتدرج هذا شيئًا فشيئًا فقد بدأ ضعاف النفوس يسيرون تحت راية الحكام ليصيبوا من حطام الدنيا وأخذت الدائرة تتسع شيئًا فشيئًا
حتى
أصبحت شاملة أو شبه شاملة
١٥٥
وهنا ظهر في المجتمع طائفة الصوفية يقومون بما كان يقوم به الدعاة
منذ بدء الإسلام إنهم أصبحوا خلفاء الرسول مع الله في الدعوة وهؤلاء الخلفاء كانت نشأتهم وكان ميلادهم مع الإسلام وميلاده إلا أنه لم يكن هناك
نشأة
كلمة - بالنسبة للدعاة - أشرف من كلمة الصحابة ثم كانت كلمة التابعين هي العلم الشريف لكل من تلاقى مع الصحابة صحابة رسول
الله
لقد ولد التصوف مع الإسلام والقرآن والسنة وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها أعلام هداية فى طريق السالكين إلى الله سبحانه إنها أعلام هداية من حيث الأساس الذى يقوم عليه الطريق وأعلام هداية من حيث المعراج فى السلوك وإذا تأملت فى طريق الصوفية أو في غابات الطريق فستجد أنه يقوم على الإسلام ويسير على هداه
وقام الصوفية بدورهم خير قيام لقد اهتدى بهم الكثيرون وأسلم على أيديهم أقطار بأكملها والإسلام فى أندونيسيا وفي هذه الأقطار البعيدة عن مركز الدعوة الإسلامية الأولى إنما هو من آثار الصوفية
إن الإسلام لم ينتشر بسيف وإنما انتشر بالدعوة بالحسنى
وبالقدوة
وبالاقتناع ولقد كان الصوفية بسمتهم الوقور وبالنور يشرق في وجوههم وبالثقة التي فرضت نفسها فيهم يمثلون الخلافة لرسول الله خير تمثيل واهتدى بهم من أحب الله له الهداية وانصرف عنهم من لم
يكتب الله له السعادة
١٥٦
وهذه الرسالة لا مناص من أن تؤسس على العلم ومن هنا كان الصوفية معنيين بالعلم قرآنا وسنة وسيرة فكان فيهم المفسرون وكان فيهم المحدثون وكانوا علماء هداة مرشدين
وسهل خير مثال لهذا الجانب العلمى ولكنه مثال من مئات أو من ألوف كلهم على نسقه يسير في تيار الهداية مؤسسا ذلك على العلم ولابد في الحياة من أناس تتوافر فيهم الثقة حتى يطمئن الناس إلى أن المثل الكريمة مازالت موجودة وأن الخير مازال باقيا وإلا شقى الناس بعدم الثقة بعضهم فى بعض وإذا كانت النفس الأمارة بالسوء تهدم بمعاول من الشر الثقة في النفوس فإن النفوس التي اطمأنت إلى الله عنها وأحبت الله وأحبها الله تعيد بناء الثقة وتعمل على نشر المثل الكريمة بسلوكها وسمتها ودعوتها
الله
ورضى
وهذه المثل الكريمة ضرورة للمجتمع والتصوف إذن ليس ترفاً وإنما هو ضرورة لا يستقيم مجتمع خير بدونها لأنه لا يستقيم مجتمع بدون الإيمان بأن الخير لم يزل موجودًا
ومحاربة التصوف إنما هى محاربة للمجتمع ومحاربة لبث الثقة في
المجتمع
الله
ورضى
عن
الأعلام الهداة منذ ابتداء الإسلام إلى أن يرث الله
الأرض ومن عليها ورضى الله في جنة الخلد مأواهم
عنهم
ومستقرهم
الله
ورضى
عنهم
حينما يتحقق واقعيا ما يقوله الرحمن
الرحيم
الودود
١٥٧
وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ۱
وصلى
الله
وسلم وبارك على مشرق الهداية خير خلق الله وصفوته من عباده الذي قال له الحكيم العليم
واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم
بالغداة والعشى يريدون
وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطان
والذي قال له قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ۳
الله
رب
۱ القيامة ٢٣ الكهف ۸
۳ الأنعام ١٦٢ ١٦٣
١٥٨
الصفحة
٣٦
٤٧
٦٧
Yo
۸
۱۰۱
١٠٤
١٥٩
الفهرست
الموضوع
المقدمة
الباب الأول - حياته وأراؤه الفصل الأول حياته
الفصل الثاني الزهد والورع
الفصل الثالث السياحة الدينية
الفصل الرابع كراماته
الفصل الخامس سهل ومجالات علم التوح
الباب الثاني الطريق
الفصل الأول الطريق في جوه
المادي
الفصل الثاني الطريق في جو القدوة والتأسى الفصل الثالث الطريق في جوه الأخلاقي
الفصل الرابع الطريق في جو التوبة
الفصل الخامس الطريق في جو الإخلاص
الفصل السادس الطريق في جو المعراج
التقوى
الذكر
الصفحة
۱۰۷
۱۰۹
۱۱۸
۱۳
١٢٦
۱۳۳
151
الموضوع
الحمد
الشكر
الصبر
الولاية
الحب الله
الفصل السابع الطريق من زاوية الولاية والكرامات
الفصل الثامن متناثرات عن الطريق في الحكم والمواعظ
٧٧٢٧ / ١٩٩٤
IBN
والنصائح والتوجيهات
9-02-4663-8
١/٩٣/٦١
خاتمة
رقم الإيداع
الترقيم الدولى
طبع بمطابع دار المعارف ج م ع
١٦٠
سهل بن عبد
الله
التسترى
هذا الكتاب حلقة جديدة تسهم به دار المعارف مع
ما سبق من كتب في هذه المجموعة النفيسة لأعلام
التصوف الإسلامي
إن شخصية سهل بن عبد الله التسترى من الشخصيات الخالدة فلم يكن له فى وقته نظير في التقوى والورع
ونبل الأخلاق لقد كان مصدر إشعاع روحى
وصاحب كرامات شهيرة ونال هذه المنزلة عن طريق
الاتباع لا الابتداع كان, سهل في منهجه وتصوفه مقتديا بالكتاب والسنة فألهمه الله هذه الفتوحات
4
والإلهامات أو الإشارات الإلهية التي يذخر بها هذا الكتاب
النفيس
6L314
دار المعارف