لإمام الدكتور
عبد الحليم محمود
3
وربُّك الغفور ذو الرحمة
دار غریب
للطباعة
القاهرة
والتوزيع
وربُّك
الغفور ذو الرحمة
آخر ما كتبه العارف بالله الإمام
عبد الحليم محمود
القاهرة
وزيع
ربَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا
من أمرنا رشدا
صدق الله العظيم
化
الفصل الأول
مقام الرجاء
و أحببت أن أشهد الله ورسله
وملائكته والناس أجمعين أني أعلن
سن ظني بالله
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه ومن اتبع سبيله إلى يوم الدين
ربَّنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لَنَا مِنْ أَمرنا رشدا
اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك
أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت لا إله إلا أنت ولا حول
ولا قوة إلا بالله
اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلى وإسرافي في أمري وما
أنت أعلم به مني
اللهم اغفر لى جدى وهزلى وخطئى وعمدى وكل ذلك
4
عندي
اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما
أعلنت وما أنت أعلم به مني
وبعد
أما عن العنوان فإنى فى يوم من الأيام كنت في مدينة
-V-
درنة من أعمال ليبيا وذهبت لزيارة الشهداء الذين كانوا مارين فسمعوا استغاثة أهل المدينة من غارة القراصنة عليهم فحملتهم الشهامة على أن ألقوا بأنفسهم في معركة غير متكافئة فنالوا الشهادة ومرضاة الله تعالى
وحينما دخلت ضريح أحدهم وجدت أمامي في صورة
ظاهرة واضحة لوحة مكتوباً فيها
أرددها
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ
ووقفت عندها وكأننى لم أقرأها من قبل وأخذت
ويبدو أن النفس كانت مهيأة لسماع معنى الكلمة القرآنية أو لقراءته وكثيراً ما تكون النفس مهيأة لسماع شيء أو لقراءته وحينما يتلى عليها أو تقرؤه يقع منها موقعاً عميقاً
ويبدو عليها وكأنها لم تسمعه من قبل
وأخذت أردد الكلمة عدة أيام وأتمنى أن تتاح لى
الفرصة للحديث عن معناها كما تمنيت فى عمق عميق وفي رجاء ملح أن أكون تحت لواء من يشملهم الله بمغفرته ويدخلهم فى رحمته وهو الغفور ذو الرحمة
-^-
وأما عن الموضوع فكان يذكرني به مناسبات عدة كنا في شهر رمضان فى المدينة المنورة - عليها وعلى منورها الصلاة والسلام والتحية - وكنا نتناول طعام الإفطار في منزل السيد عباس - رجل مبارك من آل البيت - وكان يشرف المائدة السيد أحمد عبد الجواد وهو رجل صالح من آل البيت الأتقياء الصالحين وله فى جو الأولياء مكانة مرموقة وله في مجال الكرامات ذكر مشهود
كان الشيخ أحمد عبد الجواد في حالة بسط ملحوظة مبتسماً متفائلاً يغلب عليه الرجاء وتغمره الله
الثقة في
في مغفرته فى رحمته فى جو وربك الغفور ذو الرحمة كان في مشهد صفات الجمال وأخذ يتحدث ها هو ذا
يقول
>>>
إن الله سبحانه لا يدخل أحداً الجنة ثم يخرجه منها ليدخله النار وها نحن أولاء جلسنا فى الروضة الشريفة
الروضة
إنها من الجنة ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الصادق
المصدوق
ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة
الحمد لله لقد جلسنا فى روضة من رياض الجنة ولن
يدخلنا الله تعالى النار
واعلموا أن من قال لا إله إلا الله خالصة بها نفسه دخل
الجنة ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم
من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
الله عليه النار
حرم
وأخذ الشيخ رضى الله عنه يسترسل وهو في مشهد
الرجاء هذه مناسبة وتتكرر المناسبات
فكلما قرأت
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
تكون مناسبة
وكلما قرأت
ورحمتي وسعت كل شيء
تكون مناسبة
--
وفى القرآن الكريم مناسبات أخرى كثيرة
أما الحديث الشريف فإن نعمة الله ومغفرته ورحمته
تأتي في مناسبات كثيرة وأحاديث الرجاء لا تكاد تعد عن عبادة بن الصامت - فيما روه الشيخان - أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال
من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمل صدق الصادق المصدوق
وعن جابر رضى الله عنه - فيما رواه الإمام مسلم قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم
من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة
والأحاديث من هذا النمط كلها مناسبات
والمناسبات فى أقوال السلف والصالحين كثيرة
ولقد هزنى فى روعة قول يحيى بن معاذ الرازي رضى
الله عنه
-11-
عفوه يستغرق الذنوب فكيف رضوانه
ورضوانه يستغرق الآمال فكيف حبه
وحبه يدهش العقول فكيف وده
ووده ينسى ما دونه فكيف لطفه
وأنى من هؤلاء الذين يتشبثون دائماً برحمة الله فهو رحمان وهو رحيم وهو سبحانه أرحم الراحمين
ومهما حاول المفسرون والشراح أن يلووا الكلمات وأن يحيلوا الظاهر عن ظاهره فإنى دائماً متفائل باستمرار
أحسن الظن بالله
لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله لا يلقى الله
بهما عبداً غير مشرك فيحجب عن الجنة رواه الإمام
مسلم
وأنى دائماً أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
سيدنا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم
-1-
وإني لأقول أيضاً
اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة
الرحمن الرحيم إنى أعهد إليك فى هذه الحياة الدنيا أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين إنك إن تكلني إلى نفسى تقربني من الشر وتبعدني من الخير فإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لى عندك عهدا تؤديه إلى يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد
إني أحسن الظن بالله
وفى الحديث المتفق عليه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عن ربه - قال الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة ومن تقرب إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلى ذراعاً
تقربت إليه باعاً وإذا أقبل إلى يمشى أقبلت إليه أهرول
وعن جابر بن عبد الله رضی الله عنهما - فيما رواه
الإمام مسلم - أن جابراً سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام
يقول
-1-
*
لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل
وأحب أن أقول
إن هذا الكتاب كتبته لنفسى وذلك أني أستمسك بكل ما أملك من قوة أستمسك بكل كيانى بكل خلية من كياني بالرجاء في رب كريم حنان منان رحمان رحيم وهو أرحم الراحمين وهو أكرم الأكرمين
إن ربي رحيم ودود
ألم يمن على آدم عليه السلام فتاب عليه وهداه بل
واجتباه
و عصی آدم ربه فغوی له
اجتباه ربه فتاب عليه وهدى
وموسى عليه السلام الذى وكز رجلاً فقضى عليه
واتجه إلى الله تعالى فى صدق قائلاً
رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ﴾ واجتباه أيضاً
فاتخذه نبيا
و داود عليه السلام
-12-
هو وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّما فَتَنَاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكعا وأناب
فغفرنا له ذلك وإِنَّ لَهُ عندنا لَزُلْفَىٰ وَحُسَن مَآب
وسليمان عليه السلام
ولَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وألقينا عَلَى كُرْسِيَه جَسَدًا ثُمَّ أَنَاب
قال رب اغفر لي
وإخوة يوسف
لقد ألقوه في الجب وعادوا إلى أبيهم فكذبوا عليه ثم
ذهبوا ليناموا هادئين
ويوسف نفسه
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ
لنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء عنه السوء والفحشاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين
وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ
فاستجاب لَهُ رَبَّهُ فَصَرَفَ عَنهُ كيدهنَّ
إني شديد الرجاء فى الله وأحببت أن أثبت نفسى -
وإن لم أشك - في هذا المقام مقام الرجاء فكتبت الكتاب
ولم يعد موقفى فى هذا موقف من قال ليطمئن قلبي
•
1101
وأحببت أن أشهد الله ورسله وملائكته والناس أجمعين
أني أعلن حسن ظنى بالله
فإذا أحب الله سبحانه أن يهدى آخرون بهذا الكتاب
إلى حسن الظن به فالحمد لله بالنسبة لى وله ويكون الكتاب قد كتب له أيضاً
أما إذا عم حسن الظن بالله جميع أفراد الأمة
الإسلامية
فالحمد لله حمداً كثيرا والحمد لله حمدا كثيرا
والحمد لله حمدا كثيراً
التالي
ومع كل ذلك فإنى أحب أن أنبه بشدة إلى الحديث
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل وإن قوماً غرتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم ويقولون نحن نحسن الظن
بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل
-1-
الفصل الثاني
وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة
عن أبي بكر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد مؤمن يذنب ذنباً فيقوم فيتطهر ثم يستغفر الله إلا غفرا الله له
أما المناسبة القوية التى فكرت فيها عدة شهور والتي حملتني على أن آخذ القلم وأكتب فكانت السبب المباشر لهذا البحث فهي الآيات التالية التى نأخذ أولاً في ذكرها ثم نأخذ
في تفسيرها كاملة مع بعض الاستفاضة إنها
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مَن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ والأرض أُعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسنينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيها ونعم أَجْرُ
العاملين 1
ويتحدث سبحانه عن سمات المتقين فيبدأ سبحانه الحديث مخاطباً لهم آمراً أن يبادروا إلى ما يوجب المغفرة وعبر سبحانه عن المبادرة إلى الأسباب بالمبادرة إلى المغفرة نفسها والمسارعة إلى المغفرة مسارعة إلى الجنة ولم يقل سبحانه ثم إلى الجنة وإنما قال وجنة كأن المغفرة والجنة
لا بعد بينهما حتى يفرق بينهما بثم
۱ آية ١٣٣ - ١٣٦ من سورة آل عمران
-19-
أما أسباب المغفرة فهى وإن كانت كثيرة إلا أنها تعود
جميعها إلى النية الصادقة
ولقد فتح الله كثيرا من الأبواب للدخول منها إلى
المغفرة والجنة ومن هذه الأبواب
من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من
ذنبه ۱
من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من
ذنبه ۳
>>
من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من
ذنبه ۳
من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمة ٤ من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغــربـهـا تاب الله
عليه ٥
۱ رواه الشيخان
رواه الشيخان
۳ رواه الشيخان
٤ رواه الشيخان
0 رواه مسلم
-Y-
إِن تَتَّقُوا الله يجعل لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ
وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَاد ٢
والجنة التي أمر الله تعالى بالمسارعة إليها عرضها السموات والأرض فما بالك بطولها وقد أعدها الله تعالى
للمتقين أما المتقون فإنهم صفوة عباد الله تعالى وقد وصفهم سبحانه بأوصاف هى ذروة الخلق الكريم منها ما ذكره سبحانه وتعالى هنا وأولها الكرم إنهم ينفقون في كل أحوالهم ينفقون في السراء وينفقون في الضراء ينفقون سرا وينفقون جهرا ينفقون فى اليسر وينفقون في العسر ينفقون بالليل وينفقون بالنهار
وآيات القرآن الكريم التي تحث على الإنفاق كثيرة وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في البذل متعددة
ومن أحاديثه
عن أبى هريرة - فيما أخرجه الترمذي - أن رسول الله
۱ الآية ٢٩ من سورة الأنفال
-۱-
الآية ٣٠ من سورة آل عمران
قال السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من
الجنة
بعيد من النار والبخيل بعيد من
الله
بعيد من
الناس بعيد من الجنة قريب من النار ولجاهل سخى أحب
إلى الله من عابد بخيل ۱
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول
الله
ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفا ويقول الآخر اللهم أعط
ممسكا تلفا ٢
وبعد ذلك ذكر الله من صفاتهم
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ والْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين
إن الأخلاق القرآنية تحدد الخلق الكريم في حده الأدنى وترسم الفضيلة فى درجاتها الأولى ثم لا يقتصر القرآن على ذلك وإنما يرسم القمم من مكارم الأخلاق ويوجه
إلى السنام منها إنه يتحدث عن المقتصد
وعن السابق بالخيرات
1 أخرجه الترمذي في سننه
رواه الشيخان
--
إنه يتحدث عن أصحاب اليمين
"
ويتحدث عن المقربين ويبين أن المقربين أقل عدداً من
أصحاب اليمين فهم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين
أما أصحاب اليمين فإنهم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين على حد التعبير عن أصحاب اليمين وعن المقربين
في صورة الواقعة
ولنضرب لذلك مثلاً
إن مقابلة السيئة بالسيئة عدل
يقول الله تعالى
وجَزَاء سَيِّئَةِ سَيِّئَةٌ مَثْلُهَا ١
ولكن القرآن - مع بيان عدالة هذا - يذكر درجة من
الخلق الكريم أنفس وأعلى تلك هي
درجة كظم الغيظ
<<
وهذا الذى - مع مقدرته على مقابلة السيئة بالسيئة - يكظم غيظه أسمى فى ميزان الأخلاق الكريمة من الذي
يقابل السيئة بالسيئة ولا يقف القرآن عند هذا الحد ذلك ١ الآية ٤٠ من سورة الشورى
-۳-
أنه
يرسم درجة ثالثة من الخلق الكريم وذلك أنه يتجاوز مقابلة السيئة بالسيئة و كظم الغيظ إلى العفو والعفو مع المقدرة أسمى من مقابلة السيئة بالسيئة
وأسمى من كظم الغيظ
ثم يتجاوز القرآن كل ذلك إلى الدرجة العليا درجة
المقربين وهى الإحسان
يقول تعالى
وَجَزَاء سَيِّئَة سيئة مثلها فَمَن عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرَهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
ويقول تعالى
والكاظمين الغيظ والعافينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ
المحسنين
إنها درجات من الخلق الكريم كلها كريمة بيد أنها
تتفاوت فيما بينها من كريم إلى أكرم كتفاوت الناس في
الشرف من شريف إلى أشرف ويصل المتقون إلى الذروة
التي عبر
الله تعالى عنها بقوله
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ والإحســان هـنـا كـمـا يعنى
السخاء فإنه يعنى إتقان العمل وإجادته
-٢٤-
ونروى عن كظم الغيظ ما يلى
قال الإمام أحمد حدثنا
الله
عبد بن يزيد بسنده عن
أنس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على
رءوس الخلائق حتى يخيره من أى الحور شاء ۱
قال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا وائل
الصنعاني قال
كنا جلوساً عند عروة بن مـحـمـد إذ دخل عليه رجل فكلمه بكلام أغضبه فلما أن أغضبه قام ثم عاد إلينا وقد توضأ فقال حدثني أبي عن جدى قال قال رسول الله إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب النبي قال قال رجل يا رسول الله أوصني قال لا تغضب قال الرجل ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فإذا ۱ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سعيد بن أبي أيوب وقال الترمذي حسن غريب
-YO-
الغضب يجمع الشر كله
وقال الإمام أحمد حدثنا ابن نمير حدثنا هشام هو ابن عروة عن أبيه عن الأحنف بن قيس عن عم له يقال له حارثة بن قدامة السعدى أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله قل لى قولاً ينفعنى وأقلل على لعلى أعـيـه فقال الله لا تغضب فأعاد عليه حتى أعاد عليه
رسول
مرارا كل ذلك يقول لا تغضب
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا نوح
ابن معاوية السلمى عن مقاتل بن حيان عن عطاء عن ابن
عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من أنظر معسراً أو وضع عنه وقاه الله من فيح جهنم ألا إن عمل الجنة حزن -بربوة ثلاثاً - ألا أن عمل النار سهل بسهوة والسعيد من وقى الفتن وما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ما كظمها عبد إلا ملأ الله جوفه إيماناً ۱
وعن العافين عن الناس يقول تعالى
۱ انفرد به أحمد وإسناده حسن ليس فيه مجروح ومتنه حسن
-٢٦-
والعافين عن الناس
ويفسر ابن كثير أى مع كف الشر بعفون عمن ظلمهم في أنفسهم فلا يبقى فى أنفسهم موجدة على أحد وهذا أكمل الأحوال ولهذا قال والله يُحِبُّ المحسنين فهذا من
مقامات الإحسان
وفي الحديث ثلاث أقسم عليهن ما نقص مال من صدقة وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ومن تواضع لله رفعه
الله
وروى عن طريق الضحاك عن ابن عباس رضى الله
عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا كان يوم القيامة نادى مناد يقول أين العافون عن
الناس هلموا إلى ربكم وخذوا أجوركم وحق على كل امرئ
مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة
ويأتى بعد الآيات التى شرحناها قوله تعالى
والذين إذا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
-YV-
ومن أوصاف المتقين أنهم إذا أذنبوا ذنبـاً عظيماً أو يسيراً ذكروا الله فاستغفروا ورجعوا إليه سبحانه بالتوبة الصادقة والتضرع المخلص إنهم يستغفرون ولا يصرون على
الذنب
قال البغوى يقول الحسن البصري رضي الله عنه
إتيان العبد ذنباً عمدا إصرار حتى يتوب
وعن أبي بكر رضى الله عنه أنه سمع رسول الله
يقول
ما من عبد مؤمن يذنب ذنباً فيقوم فيتطهر ثم يصلى ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ثم قرأ هذه الآية وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
2
لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ
يعلمون
وعن ابن عباس رضى الله عنه - فيما رواه أبو داود
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
-YA-
من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا
ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب
هؤلاء المتقون جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى
من تحتها الأنهار
يقول الإمام الخازن
معنى الآية أن المطلوب بالتوبة أمران
أحدهما الأمن من العقاب وإليه الإشارة بقوله
مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ﴾
والثاني إيصال الثواب وإليه الإشارة بقوله وجنات تجري من تحتها الأنهار
وقال الزمخشري فى هذه الجملة وصف لذاته تعالى بسعة الرحمة وقرب المغفرة وأن التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له وأنه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه وأن عدله يوجب المغفرة للتائب لأن العبد إذا جاء في الاعتذار والتنصل بأقصى مما يقدر عليه وجب العفو والتجاوز وفيه
-Y9-
تطييب لنفوس العباد وتنشيط للتوبة وبعث عليها وردع عن
اليأس والقنوط وأن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل وكرمه
أعظم
والمعنى أنه وحده معه مصححات المغفرة
وقد روى أبو داود والترمذى والبزار وأبو يعلى عن مولى
لأبي بكر الصديق رضى الله عنه عن أبي بكر قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم
ما أصر من استغفر وإن عاد فى اليوم سبعين مرة
-٣٠-
الفصل الثالث
مع آيات الرحمة والمغفرة
والَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بعدهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيم
الأعراف ١٥٣
والآية الكريمة التى سرنا معها تفتح أبواب التوبة وأبواب
رحمة الله وأبواب مغفرته على مصاريعها وإن في القرآن الكريم الكثير من الآيات التى تسير مع الآية الكريمة في نسق متناسق مرجية ومبشرة وموجهة داعية إلى حسن الظن بالله
وإلى الرجاء فيه سبحانه
وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ
لَهُم الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴾ ۱
ويقول
ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد اللَّهَ غَفُورًا
رحيما ٢
ويقول
إِنَّ الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفرُ مَا دُونَ ذلك لمن
يَشَاءُ ﴾ ۳
ويقول
وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلام عليكم
١ النساء آية ٦٤
۳ النساء آية ١١٦
النساء آية ١١٠
- ۳۳ -
على نفسه الرَّحْمةَ أنَّه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب
من بعده
وأصلح فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ١
ويقول
وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ
المحسنين ٢
ويقول
وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين ٢
ويقول
--
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ
بعدها لغفور رحيم ٤
ويقول
ورحمتِي وَسِعَتْ كُلِّ شَيْءٍ ٥
ويقول
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوء بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعدِ ذَلِكَ
١ الأنعام آية ٥٤ 3 الأعراف آية ١٥١ 0 الأعراف آية ١٥٦
الأعـ راف آية ٦ ٤ الأعراف آية ١٥٣
- ٣٤ -
وأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُو
ويقول
وربُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ ٢
ويقول
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ۳
ويقول
وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وأنت خير الراحمين ٤
ويقول
ومن آياته أن يُرسل الرياح مُـــــــراتِ وَلِيُذِيقَكُم مِّن
رحمته ه
ويقول
موتها 1
فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رحمت الله كيف الأَرْضَ بَعْدَ
۱ النحل آية ۱۱۹
۳ الأنبياء آية ۱۷ ٥ الروم آية ٤٦
الكهف آية ٥٨ ٤ المؤمنون آية ۱۱۸ ٦ الروم آية ٥٠
-10-
ويقول
قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُوا على أنفُسهمْ لا تَقْنَطُوا من رحمة
اللَّه إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ 1
ويقول
رَبَّنَا وَسَعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَهُمْ ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريَّاتهم إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكيمُ * وقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
العظيم ٢
ومما يتصل بالقرآن ما يلى
يروى علقمة ويروى الأسود عن عبد الله بن مسعود
الله رضی
عنهم أنه قال
في كتاب الله عز وجل آيتان ما أذنب عبد ذنباً فقرأهما
واستغفر
الله
عز وجل إلا غفر الله تعالى له
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
33
فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا اللَّهُ وَلَمْ يُصَرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا
1 الزمر آية ٥٣
- ٣٦ -
غافر آية ٧
وهم يعلمون ١
وقوله عز وجل
رحيما
ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثُمَّ يستغفر الله يجد الله غفورا
ومما يتصل بالقرآن أيضاً القصة عن العتبى حيث قال كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول ﴿ وَلَوْ أَنَّهم إذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴾ وقد جئتك مستغفراً لذنبى مستشفعاً بك إلى ربى ثم أنشأ يقول
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه
قطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابي فغلبتنى عينى فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم
في النوم فقال لى يا عتبى الحق الأعرابي فبشره أن
الله قد غفر له
۱ آل عمران ١٣٥
- TV-
الفصل الرابع
مع أحاديث الرحمة والمغفرة
من تقرب إلى الله عز وجل شبرا تقرب إليه ذراعا ومن تقرب إليه ذراعا تقرب إليه
باعا
ومن أقبل إلى الله عز وجل ماشياً أقبل
والله أعلى وأجل والله أعلى وأجل والله
إليه مهرولا
أعلى وأجل
رواه أحمد والطبراني
والأحاديث التي تتحدث عن سعة مغفرة الله تعالى كثيرة
كثرة مستفيضة نورد منها ما يلى
الله
عن يزيد بن نعيم قال سمعت أبا ذر الغفاري رضي عنه وهو على المنبر بالفسطاط يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من تقرب إلى الله عز وجل شبرا تقرب إليه ذراعا ومن تقرب إليه ذراعا تقرب إليه باعا ومن أقبل إلى الله عز وجل ماشياً أقبل إليه مهرولا والله أعلى وأجل والله أعلى وأجل والله أعلى وأجل ۱
الله وعن عبد بن عمرو بن العاص رضي | الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يستخلص رجلا من أمتى على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً أظلمك كتبتى الحافظون فيقول لا يارب فيقول أفلك عذر فقال لا يارب فيقول الله تعالى بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول احضر وزنك فيقول يارب ما هذه البطاقة مع هذه
۱ رواه أحمد والطبرانى وإسنادهما حسن
-21-
السجلات فقال فإنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة
والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل
مع اسم الله
شيء
1
ويروى كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان
ضمن باب من لقى الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار الأحاديث التالية
حديث عبادة رضي الله عنه من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل وزاد أحد رجال السند من أبواب الجنة الثمانية أيها
عبد
شاء
حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه بينما أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بينى وبينه إلا آخرة الرحل فقال يا معاذ قلت لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال يا قلت لبيك رسول الله وسعديك ! قال هل تدري ما
معاذ
۱ رواه الترمذى وقال حديث حسن غريب وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقى وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم
- EY-
حق الله على عباده قلت الله ورسوله أعلم قال حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك فقال هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه قلت الله ورسوله أعلم قال حق العباد على
الله أن لا يعذبهم
حديث أنس بن مالك أن النبي ومعاذ رديفه على الرحل قال يا معاذ بن جبل قال لبيك يا رسول الله وسعديك قال يا معاذ بن جبل قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا قال ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقاً من قلبه إلا حـرمـه الله
على
النار قال يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا
قال إذًا يتكلوا
وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً
وعن محمد بن المثنى وابن بشار قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن واصل الأحدب عن المعرور ابن سويد قال سمعت أبا ذر يحدث عن النبي أنه قال
- ٤٣ -
أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق
قال وإن زنى وإن سرق
وحدث زهير بن حرب وأحمد بن خراش قالا حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنى أبى قال حدثني حسين المعلم عن أبى بريدة أن يحيى بن يعمر حدثه أن أبا الأسود الديلي حدثه أن أبا ذر حدثه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم عليه ثوب أبيض ثم أتيته فإذا هو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فجلست إليه فقال ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق ثلاثا ثم قال - فى الرابعة على رغم أنف أبي ذر فخرج أبو ذر وهو يقول وإن رغم أنف أبي ذر
ويعلق الحافظ المنذرى على هذا فيذكر
وقد ذهبت طوائف من أساطين أهل العلم إلى أن مثل هذه الإطلاقات التي وردت فيمن قال لا إله إلا الله دخل الجنة أو حرم الله عليه النار ونحو ذلك إنما كان في ابتداء
- ٤٤ -
الإسلام حين كانت الدعوة إلى مجرد الإقرار بالتوحيد فلما فرضت الفرائض وحددت الحدود نسخ ذلك والدلائل على هذا كثيرة متظاهرة وقد تقدم غير ما حديث يدل على ذلك وإلى هذا القول ذهب الضحاك والزهرى وسفيان الثوري وغيرهم
وقالت طائفة أخرى لا احتياج إلى ادعاء النسخ في ذلك فإن كل ما هو من أركان الدين وفرائض الإسلام هو من لوازم الإقرار بالشهادتين وتتماته فإذا أقر ثم امتنع عن شيء من الفرائض جحدا أو تهاوناً على تفصيل الخلاف فيه حكمنا عليه بالكفر وعدم دخول الجنة وهذا القول أيضاً
قريب
>>>
وقالت طائفة أخرى التلفظ بكلمة التوحيد سبب يقتضى دخول الجنة والنجاة من النار بشرط أن يأتى بالفرائض ويجتنب الكبائر فإن لم يأت بالفرائض ولم يجتنب الكبائر لم يمنعه التلفظ بكلمة التوحيد من دخول النار وهذا
قريب مما قبله أو هو هو
ونحب أن نقول عن رأى الإمام المنذري الذي ذكرناه
-20-
إن حديث أبي ذر نزل بالمدينة وكان ذلك بعد أن فرضت
كثير من الفرائض ولم يكن الحديث في مكة وقد ذكر في
حديث أبي ذر بعض الكبائر
ونحب أن نقول أيضاً
أن هذه الأحاديث ليست مشكلة وأنها تعنى أن من
يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن سيدنا محمدا رسول
الله
الله يشهد ذلك في صدق وإخلاص ويحب | ورسوله فإنه يكون طائعاً متبعاً للأوامر مجتنباً للنواهي وهذا منطقى
معقول إن المحب لمن يحب مطيع ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ
بل نقول
إن هذا بدهى ومن يشهد ويحب إذا هفا هفوة أو حدث منه ذنب فإنه - ما دام يشهد ويحب - سريع الندم
سريع الاستغفار عائد إلى الاستقامة والله سريع
التوبة
يقبل التوبة الصادقة في ليل وفي نهار إنه سبحانه هو الغفور
الرحيم
حدث أبو أيوب الغيلاني سليمان بن عبيد الله وحجاج
- 2-
ابن الشاعر قالا حدثنا عبد الملك بن عمر وحدثنا قرة عن أبي الزبير حدثنا جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله يقول من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن
لقيه يشرك به دخل النار
قال أبو أيوب قال أبو الزبير عن جابر وحدثني إسحق ابن منصور أخبرنا معاذ وهو ابن هشام قال حدثني أبي عن أبي الزبير عن جابر أن نبى الله الا الله قال بمثله وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله ما الموجبتان فقال من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي ووكيع عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال وكيع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن نمير سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار وقلت أنا ومن مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة
وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد أنبأنا جرير حدثنا
- EV-
حبان وهو ابن زيد الشرعى عن عبد الله بن عمرو عن النبي أنه قال وهو على المنبر ارحموا ترحموا واغفروا يغفر لكم ويل لأقماع القول ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون
والحديث حديث حسن وهو من رواية أمير المؤمنين
رضي
الله
علي بن أبى طالب عن خليفة النبي صلى الله عليه وسلم أبى بكر عنهما وما يشهد بصحة هذا الحديث ما رواه مسلم في صحيحه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي | الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء
وعن على رضى الله عنه قال كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حـديـثـا نفـعـنـى الله بما شاء منه وإذا حدثني
عنه غيره استحلفته فإذا حلف لي صدقته وأن أبا بكر
رضي
الله
عنه حدثني وصدق أبو بكر أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع قال ما من رجل يذنب ذنباً فيتوضأ ويحسن الوضوء قال
مسعر فيصلى - وقال سفيان ثم يصلى ركعتين فيستغفر
- ٤٨ -
الله
عز وجل إلا غفر له
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال إن رجلاً أصاب من
امرأة قبلة - وفي رواية جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا الله إني عالجت امرأة فى أقصى المدينة وإني أصبت
رسول
منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فاقض في ما شئت فقال
له
عمر
لقد سترك الله
لو سترت نفسك - قال ولم يرد
عليه النبي له شيئاً فقام الرجل فانطلق فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم
رجلا فدعاه فتلا هذه الآية
وأقم الصَّلاةَ طَرفي النهار وزُلَفًا مَنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ
السيئات ذلك ذكرى للذاكرين
فقال رجل من القوم يا نبي الله هذا له خاصة قال
بل للناس كافة رواه مسلم وغيره
وعن رفاعة الجهنى رضي الله عنه قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالكديد أو بقديد فحمد الله وقال خيرا وقال أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله صدقاً من قلبه ثم يسدد إلا سلك في الجنة ۱
۱ رواه أحمد بإسناد لا بأس به
- 29-
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى يفضى إلى العرش ما اجتنبت الكبائر 1 وعنه رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه
وعن يعقوب بن عاصم رضي الله عنه عن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهما سمعا النبي الله يقول ما قال عبد قط لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير مخلصاً بها روحه مصدقاً بها قلبه بها لسانه إلا فتق الله عز وجل له السماء فتقا حتى ينظر إلى قائلها من الأرض وحق لعبد نظر الله إليه أن يعطيه
ناطقاً
سؤله ۳
وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله يقول من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك
۱ رواه الترمذى وقال حديث حسن غريب رواه البزار والطبراني ورواه رواة الصحيح ۳ رواه النسائي
101
وله الحمد يحيى ويميت وهو الحى الذى لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا يريد بها إلا وجه الله أدخله الله بها جنات النعيم ۱
وعن أبي أمامة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لم يسبقها عمل ولم يبق معها سيئة ٢
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال
قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك
القيامة
يوم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه ۳
وعن عبادة بن الصامت رضي ا
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن
الله البابلتي
۳ رواه البخاري
۱ رواه الطبراني من رواية يحيى بن عبد رواه الطبراني ورواته محتج بهم في الصحيح
-01-
محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمل زاد جنادة من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء ١
رضي
وعن يعلى بن شداد قال حدثى أبى شداد بن أوس الله عنه وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل فيكم غريب يعنى من أهل الكتاب قلنا لا يا رسول الله فأمر بغلق الباب وقال
ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله فرفعنا أيدينا ساعة ثم قال الحمد لله اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة
وأمرتني بها ووعدتنى عليها الجنة وأنت لا تخلف الميعاد ثم
قال أبشروا فإن الله قد غفر لكم
وعن أبي الدرداء رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله أوصني قال إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها قلت يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله قال هي
أفضل الحسنات ۳
۱ رواه البخاري واللفظ له ومسلم
رواه أحمد بإسناد حسن والطبراني وغيرهما ۳ رواه أحمد عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه عنه
- ٥٢ -
الفصل الخامس
التوحيـ
وأسمى صورة العقيدة ونعنى بذلك
العقيدة الحقة يتركز فى التوحيد ووجود الإنسان الموحد هو الهدف الذي توجه إليه ـم الإسـ
سلام
الله بسم
الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين وبعد
* * *
فإن أسمى صور العقيدة - ونعنى بذلك العقيدة الحقة -
يتركز في التوحيد ولقد استفاض القرآن استفاضة كبيرة في شرح التوحيد أسساً وأهدافاً وصوراً ونماذج
وقمة الموحدين هو من يشهد أن لا إله إلا الله فإذا شهد أن لا إله إلا الله فقد أصبح التوحيد له حالاً لا عقيدة فحسب والقرآن الكريم يقود من يتلوه ويتدبره إلى أن يشهد في كل شيء يشهده خالقاً ومدبراً ومهيمناً بيده مقاليد
الله
الأمور كلها وإليه المصير
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكَ ﴾
والملك هنا هو الكون وكل أمر من أمور الكون فالحياة
من ملك الله والجاه والسلطان والقوة والثروة ونبضات القلب
وطرفة العين كل ذلك من الملك
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ
1001
وتذل من تشاء بيدك الخيرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ووجود الإنسان الموحد هو الهدف الذي توجه إليه تعاليم الإسلام إنها توجه إليه ابتداء من تسمية الدين نفسها الإسلام فكلمة الإسلام معناها أن تسترسل مع الله على ما يحب أن تستسلم له في كل ما تأتى وما تدع أن تسلم قلبك وجوارحك إليه سبحانه أن تحقق إِيَّاك نعبد وإياك نستعين أن تسجد له أن تحقق القرب في السجود يقول تعالى
وَاسْجُدْ وَاقْترب
ويقول سبحانه آمراً
وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ﴾
والسجود استجابة الكيان الإنساني كله له سبحانه
استجابته له سيدا لا سيد غيره قائداً لا قائد غيره
مهيمناً لا مهيمن غيره هو وحده الآمر الناهي وإليه وحده ترجع الأمور
العزة به والتوكل عليه والتقوى له والاعتصام به
والاستعاذة به ولا حول ولا قوة إلا به
أن يصبح التوحيد
حالاً
ذلك
هو
هدف التعاليم
101
الإسلامية
فإذا ما أصبح التوحيد حالا فقد برئ الإنسان من العبودية لغير الله تعالى وأصبح الإنسان حرا الحرية الصادقة حرا من كل ما يقلق الإنسانية ويضطرب له القلب حرا من العبودية للطغاة والجبابرة حرا لا يقيده إلا أوامر الله تعالى ونواهيه هذه الأوامر والنواهى التي تقود إلى الكمال لأنها تقود إلى القرب من الله تعالى والقرب منه سبحانه قرب من الكمال وبنسبة القرب منه تعالى يكون قرب الإنسان
من الكمال وكلما قرب الإنسان من الله تعالى كان أنفع للمجتمع لأنه كلما قرب من الله تعالى كان منفذاً لقوانين الله تعالى وإن من قوانين الله تعالى هذه الطائفة الخاصة بالمجتمع ونذكر على سبيل المثال قوانين سعة الرزق بالنسبة للمجتمع
يقول تعالى
ولَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمنوا واتَّقَوا لفتحنا عليهم بركات من
السَّمَاء والأرض
وما من شك فى أن الإيمان والتقوى يتضمنان
-01-
الإخلاص والجد والعمل والتعاون وتحقيق العدل وإذا ما حدث ذلك نزلت عليهم الخيرات من السماء وانبثقت لهم الأرزاق من
الأرض وانتشرت البركة في كل مكان
ويقول الله تعالى
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَكُمْ
أنهارا
والاستغفار هنا يتحقق بأمرين
۱ - الإكثار منه
- والإخلاص فيه
وهو بذلك مؤد بأهل القرى إلى ما يحبه الله تعالى منهم من الإيمان والتقوى فيفتح سبحانه عليهم البركات من |
والأرض
السماء
ومن هذه القوانين قانونان من أهم القوانين بالنسبة
للمجتمع هما قانون النصر وقانون استمرار النصر أما قانون النصر فهو ما عبر الله تعالى عنه بقوله
1841
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الَّذِي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوني لا يُشْرِكُونَ بي
شيْئًا
بقوله
المبين
أما قانون استمرار النصر فهو ما عبر سبحانه عنه
الَّذِينَ إِن مُكَنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ
كما مكننا سبحانه مثلاً على أرض سيناء بعد هذا النصر
أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوا عَنِ
الْمُنكَرِ وَالله عَاقِبَةُ الأُمور
والآيتان واضحتان كل الوضوح والأمم الإسلامية في مرحلتها الراهنة فى أشد الحاجة من أجل كرامتها ومن أجل وطنها أن تعمل جاهدة على تحقيق توجيهات الله تعالى في هذين القانونين أن تعمل جاهدة لتحقيق قانون النصر ووعد الله لا يتخلف ثم تعمل جاهدة لتحقيق قانون ضمان النصر ومن لجأ إلى الله فهو آمن ومن استعاذ بالله محققاً شروط
-09-
الاستعاذة أعاده الله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه
وكما تضمن القرآن الكريم كل ما يحتاج إليه المجتمع في يسره لاستمراره وفي عسره للخروج منه فإنه تضمن من القوانين ما يحتاج إليه الفرد من أجل سعادته وقانون السعادة الله تعالى عنه بقوله و من عمل في القرآن الكريم يعبر ا
J
صالحاً
من ذكر أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بـ بأَحْسَنِ مَا
كانوا يعملون
وهذه القوانين - سواء منها ما كان متعلقاً بالمجتمع وما كان متعلقاً بالفرد - كلها تعود في أساسها الأصيل إلى تحقيق التوحيد فإذا ما وجد الإنسان الموحد سـعـد في دنياه وفى آخرته وإذا ما وجد المجتمع الموحد سـعـد في دنياه وفى
آخرته
-1
B
الفصل السادس
توبة وتائبون
عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون
ونتحدث الآن بتوفيق الله وفضله عن التوبة
منزلة التوبة عند الله
عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعـيـره وقد
أضله بأرض فلاة ۱
وفي رواية لمسلم لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت عنه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة ة الفرح اللهم أنت عبدى وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح
وعن الحارث بن سويد عن عبد
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
"
الله رضی
الله
عنه قال
لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش - أو ما شاء الله تعالى - قال
۱ رواه البخاري ومسلم
- ٦٣ -
أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت
فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته ۱
قبول التوبة
>>>
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ٢
وعن أبي موسى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من
مغربها ۳
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب
ونزع واستغفر صقل منها وإن زاد زادت حتى يغلف بها ۱ رواه البخارى ومسلم والدوية بفتح الدال المهملة وتشديد الواو والياء جميعاً هي الفلاة القفر والمفازة
رواه الترمذى وابن ماجه والحاكم كلهم من رواية على بن مسعدة وقال الحاكم صحيح الإسناد
۳ رواه مسلم والنسائي
-92-
قلبه فذلك الران الذى ذكر الله فى كتابه كلا بل ران على
قلوبهم
وبهم ۱
ألوان من التوبة
نكتب الآن بتوفيق الله سبحانه وتعالى عن ألوان من
التوبة حدثت بالفعل
1
إحداها رجوع إلى الله في صدق عدولاً عن حياة
الترف والانغماس في الملاذ وهى توبة مشهورة ذائعة نترك
صاحبها يقصها بروايته الصادقة
كان أبى من أهل بلخ وكان من ملوك خراسان وكان
من المياسير وحبب إلينا الصيد فخرجت راكبا فرسي وكلبى معى فبينما أنا كذلك ثار أرنب أو ثعلب فحركت
فرسی فسمعت نداء من ورائى
۱ رواه الترمذي وصححه والنسائى وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم واللفظ له من طريقين قال في أحدهما صحيح على شرط مسلم ولفظ ابن حبان وغيره أن العبد إذا أخطأ خطيئة ينكت في قلبه نكتة فإن هو نزع واستغفر وتاب صقلت فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه الحديث
-0-
>>
ألهذا خلقت أبهذا أمرت
فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلم أر أحداً
فقلت لعن الله إبليس ثم حركت فرسى
فسمعت نداء أجهر من النداء الأول
يا إبراهيم ! ليس لذا خلقت ولا بذا أمرت
فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلا أرى أحدا فقلت لعن
الله إبليس ثم حركت فرسى فسمعت نداء من قربوس
سرجی
يا إبراهيم ! ما لذا خلقت ولا بذا أمرت
فوقفت فقلت أنبهت أنبهت جاءني نذير من رب العالمين والله لا عصيت الله بعد يومى ذا ما عصمني ربي
فرجعت إلى أهلى فخليت عن فرسى ثم جئت إلى
راع لأبي فأخذت منه جبة وكساء وألقيت ثيابي إليه ثم أقبلت إلى العراق أرض ترفعنى وأرض تضعنى
--
إنها توبة شيخ الصوفية إبراهيم بن أدهم
ويقول عبد العزيز بن أبي رواد
رحم
الله إبراهيم بن أدهم لقد رأيته بخراسان إذا
ركب حضر بين يديه نحو عشرين شاكريا ولكنه رحمه الله
طلب بحبوحة الجنة
ترك إبراهيم بن أدهم حياة الترف والنعيم والأهواء
4
وطلب بحبوحة الجنة
والثانية إنابة إلى الله تعالى في إخلاص عدولاً عن حياة الإثم والمعصية وهى توبة لها ذكر في التاريخ ولها أثر في العظات إنها توبة الفضيل بن عياض يقول مورخوه
كان الفضيل شاطراً يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينما هو يرتقى الجدران إليها سمع تالياً يتلو
ألم يأن للذينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُم لذكر الله
فقال يارب قد آن
- V-
فرجع فآواه الليل إلى خربة فإذا فيها رفقة فقال
بعضهم نرتحل وقال قوم حتى نصبح فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا فتاب الفضيل وأمنهم وتفقه في الحديث فكان من كبار المحدثين وجاور الحرم واستمر في الجوار حتى مات رحمه الله رحمة واسعة
قال
۳
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن نبي الله
كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم من يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم و ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق فأتاه ملك الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيراً قط فأتاهم
- 4 -
ملك فى صورة آدمى فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوا فوجدوه أدنى
إلى الأرض التى أراد فقبضته ملائكة الرحمة
"
وفي رواية فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر
فجعل من أهلها
"
وفي رواية فأوحى الله إلى هذه أن تباعدى وإلى
هذه أن تقربى وقال قيسوا بينهما فوجدوه إلى هذه أقرب
بشبر فغفر له
وفى رواية قال قتادة قال الحسن ذكر لنا أنه لما
أتاه ملك الموت نأى بصدره نحوها ۱
٤
عن أبي هريرة رضى الله عنه أنه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول إن عبداً أصاب ذنباً فقال يارب إنى أذنبت ذنباً فاغفره فقال له ربه علم عبدى أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً آخر - وربما قال ثم أذنب ذنباً آخر - فقال يارب إنى أذنبت
۱ رواه البخاري ومسلم وابن ماجه
-99-
ذنباً آخر فاغفره لى قال ربه علم عبدى أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً اخر – وربما قال ثم أذنب ذنباً آخر – فقال يارب إني أذنبت ذنباً فاغفره لى فقال ربه علم عبدى أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به فقال ربه غفرت لعبدى فليعمل ما شاء قوله فليعمل ما شاء معناه والله أعلم أنه ما دام كلما أذنب ذنباً استغفر وتاب منه ولم يعد إليه بدليل قوله ثم أصاب ذنباً آخر فليفعل إذا كان هذا دأبه فليعمل ما شاء لأنه كلما أذنب كانت توبته واستغفاره كفارة لذنبه فلا يضره لا أنه يذنب الذنب فيستغفر منه بلسانه من غير إقلاع ثم يعاوده فإن هذه توبة الكذابين
0
وعن أبي طويل - أنه أتى النبى الله فقال أرأيت من عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئاً وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها فهل لذلك من توبة قال فهل أسلمت قال أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله
الله قال
-V -
لك خيرات كلهن قال وغدراتى وفجراتي قال نعم قال الله أكبر فما زال يكبر حتى توارى ١
وشطب قد ذكره غير واحد من الصحابة إلا أن البغوى
ذكر في معجمه أن الصواب عن عبد الرحمن بن جبير بن
نفير - مرسلاً - أن رجلاً أتى النبى طويل شطب
"
والشطب فى اللغة المحدود فصفحه بعض الرواة
4
وظنه اسم رجل والله أعلم ٢
٦
الله عن عبد بن كعب بن مالك رضى الله عنه قال سمعت كعب بن مالك رضى الله عنه يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله الا الله في غزوة تبوك قال كعب
لم أتخلف عن رسول الله الا الله في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك غير أني قد تخلفت فى غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنه إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير
ميعاد
۱ رواه البخاري ومسلم
رواه البزار والطبرانى واللفظ له وإسناده جيد قوى
- VI -
حين
ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين واثقنا
4
على الإسلام وما أحب أن لى بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وكان من خبرى حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أنى لم أكن قط أقوى ولا أيسر منى تخلفت عنه فى تلك الغزوة والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما فى تلك الغزوة ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيداً ومفازاً واستقبل عدداً كثيراً فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجههم الذي يريد والمسلمون مع رسول الله كثير لا يجمعهم كتاب حافظ يريد بذلك الديوان فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى به مالم ينزل فيه وحى من الله
---
وغزا رسول الله ل لتلك كل الغزوة حين طابت الثمار والظلال
فأنا إليها أصقر
فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه وطفقت أغدو لكي أتجهز معه فأرجع ولم أقض شيئاً وأقول في نفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً والمسلمون معه
- VT -
ولم أقض من جهازى شيئا ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً
فلم يزل ذلك يتمادى بى حتى أسرعوا وتفارط الغزو فهممت
أن أرتحل فأدركهم فياليتني فعلت ثم لم يقدر ذلك لي فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أنى لا أرى لى أسوة إلا رجلاً مـغـمـوصــا عليه في النفاق أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في
القوم بتبوك
ما فعل كعب بن مالك
فقال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه
4
والنظر في عطفيه
فقال له معاذ بن جبل رضى
الله
عنه
خيراً
بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو على ذلك رأى رجلاً مبيضاً يزول به السراب فقال رسول الله
- ۷۳ -
كن أبا خيثمة فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري وهو الذي
تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون
قال كعب فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك حضرنى بثى فطفقت أتذكر الكذب وأقول بم أخرج من سخطه غدا وأستعين على ذلك بكل ذى رأى من أهلي فلما قيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً ماراح عنى الباطل حتى عرفت أنى لم أنج منه بشيء أبدا فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله الله قادما وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعا وثمانين رجلاً فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى حتى جئت فلما سلمت تبسم تبسم المغضب ثم قال تعال فجئت أمشى حتى جلست بين يديه فقال لى ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك قال قلت يا رسول الله إنى والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أنى سأخرج من سخطه بعذر لقد أعطيت جدلاً ولكننى والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنى ليوشكن الله بسخطك على وإن حدثتك حديث صدق
-VE -
تجد على فيه إني لأرجو فيه عقبى الله عز وجل والله ما كان
لى من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر منى حين
تخلفت عنك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضى الله فيك وسار رجال من بني سلمة فاتبعونى فقالوا لي والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المخلفون فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله ل ل ل ل ك
قال فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسى ثم قلت لهم
هل لقى هذا معى من أحد
قالوا نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت وقيل
لهما مثل ما قيل لك
قال قلت وما هما
قالوا مرارة بن ربيعة العامرى وهلال بن أمية الواقفي
-vo-
قال فذكروا لى رجلين صالحين قد شهدا بدرا
فيهما أسوة
4
قال فمضيت حين ذكروهما لي ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه
قال فاجتنبنا الناس أو قال تغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسى الأرض فما هى بالأرش التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباى فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف فى الأسواق ولا يكلمنى أحد وآتى رسول الله فأسلم عليه وهو في مجلسه بعـد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ثم أصلى قريباً منه وأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلى وإذا التفت نحوه أعرض عنى حتى إذا طال ذلك على من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمى وأحب الناس إلى فسلمت عليه فوالله ما رد على السلام فقلت له يا أبا قتادة أنشدك الله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت فعدت فناشدته فسكت فعدت فناشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت
- ٧٦ -
عيناى وتوليت حتى تسورت الجدار فبينما أنا أمشى في سوق
المدينة إذا نبطى من نبط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول
من يدل على كعب بن مالك
فطفق الناس يشيرون له إلى حتى جاءني فدفع إلى
كتاباً من ملك غسان وكنت كاتباً فقرأته فإذا فيه
أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت حين قرأتها وهذه أيضاً من البلاء فتيممت بها التنور فسجرتها حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحى إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال
إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت
أطلقها أم ماذا أفعل
فقال لا بل اعتزلها فلا تقرينها وأرسل إلى صاحبي
بمثل ذلك
فقلت لامرأتى الحقى بأهلك فكوني عندهم حتى
يقضى الله من هذا الأمر
- VV -
فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله فقالت له
يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل
تكره أن أخدمه
قال لا ولكن لا يقربنك
فقالت إنه والله ما به من حركة إلى شيء ووالله مازال يبكى منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا فقال لى بعض أهلى لو استأذنت رسول الله في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت لا يستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب فلبثت بذلك عشر ليالي فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا ثم صليت
صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فبينما أنا جالس على الحال التى ذكر الله تعالى منا قد ضاقت على نفسى وضاقت على الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجداً وعرفت أنه قد جاء فرج فآذن رسول الله له الناس بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى فذهب الناس يبشروننا فذهب قبل صاحبى مبشرون وركض
4
-YA-
إلى رجل فرسا وسعى ساع من أسلم قبلى وأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوب فكسوتهما إياه ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت أتأمم رسول الله يتلقاني الناس فـوجــا فـوجـا يهنئونني بالتوبة ويقولون لى لتهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله الله جالس حوله الناس فقام طلحة الله عنه يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام رجل من المهاجرين غيره فكان كعب لا ينساها
الله بن عبيد
لطلحة
رضی
قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو
يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك من ولدتك أمك فقلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله عز وجل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى الرسول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك
فقلت إني أمسك سهمى الذى بخيبر وقلت يا رسول الله
4
- ۷۹ -
إن الله تعالى إنما أنجانى بصدقى وإن من توبتى أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت فوالله ما علمت أحدا من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحس مما أبلانى الله تعالى والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله إلى يومى هذا وأنى لأرجو أن يحفظني
الله تعالى فيما بقى
فأنزل الله تعالى
لَقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعدِ مَا كَادَ يَزِيعُ قُلُوبُ فَرِيق مِّنهُم ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِم إِنَّهُ بهم رَءُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثلاثة الذين خُلَفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مع الصادقين
والله ما أنعم على من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم فى نفسى من صدقى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا إن الله تعالى قال سيحلفُونَ بالله لَكُمْ إِذَا انقلبتم إليهم لتعرضُوا عنهم فأعرضوا
عنهم إِنَّهُمْ رِجْسٌ ومَأْواهُمْ جَهَنَّمَ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ
- A -
لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فَإِنَّ الله لا يرضى عن
الفاسقين
القوم
كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله أمرنا حتى قضى الله تعالى فيه بذلك
قال الله تعالى
وعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خَلَفُوا
وليس الذى ذكر مما خلفنا تخلفنا عن الغزو وإنما هو
تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل
منه
-A1-
وبعد
خاتمة
ونعم أجر العاملين
ماذا نريد أن نقول في النهاية
إننا نريد أن نذكر المسلمين بقوله تعالى
قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَة اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا
1
تشعرونَ * أَن تَقُولَ نَفْس يَا حَسَرتَى عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَىٰ قَدْ جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين * ويوم الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَّبُوا عَلَى اللهِ وجوههم مسودة أَليس فِي جَهَنَّمَ
2
مَثْوًى للمتكبرين * وينجي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بمَفَازَتهم لا يمسهم السوء
ولا هم يحزنون ١
۱ الزم آية ٥٣ - ٦١
- AT-
ونريد أن نختتم بما ختم الله تعالى به الآيات التي نحن
بصددها
أولئك جزاؤُهُم مُغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها
الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين 1
**
-^2-
١ الآية ١٣٦ من سورة آل عمران
تم بحمد الله
الموضوع
الفهرس
الفصل الأول مقام الرجاء
الفصل الثاني وسارعوا إلى مغفرة من ربكم
الصفحة
الفصل الثالث مع آيات الرحمة والمغفرة
الفصل الرابع مع أحاديث الرحمة والمغفرة ٣٩
الفصل الخامس التوحيد
الفصل السادس توبة وتائبون
-۸۷-
٥٣
1
هذا الكتاب
كتبته لنفسى وذلك أنى استمسك فى كل كياني في كل
خلية من كياني بالرجاء فى رب كريم حنان منان رحمن
رحيم هو أرحم الراحمين وهو أكرم الأكرمين
إن ربي رحيم ودود
إني شديد الرجاء فى الله وأحببت أن أثبت نفسى وإن لم أشك فى هذا المقام مقام الرجاء فكتبت الكتاب ولم يعد موقفى في هذا موقف من قال ليطمئن قلبى وأحببت أن أشهد الله ورسوله وملائكته والناس أجمعين إنى أعلن حسن ظنى بالله فإذا أحب الله سبحانه أن يهدى آخرون بهذا الكتاب إلى حسن الظن بالله فالحمد لله بالنسبة لى وله ويكون الكتاب قد
كتب له
عبد الحليم محمود