الإمام
الدكتور عبد الحليم محمود
زين العابرين
A
دار المعارف
إن القسم الثقافى النظرى من الحضارة الغربية قسم ظنى
وسيستمر
ظنيا إلى الأبد
وإذا تساءلت عما يمكن أن يسير الإنسان على هديه في هذا المجال فإنه في غير لبس ولا غموض ولا إبهام الوحى المحمدى المعصوم
إنه الوحى الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله إنه حبل الله المتين والصراط المستقيم
وما دام الإنسان مؤمنًا فهو لا محالة يؤمن بأن الدين نزل هاديًا للعقل إن هذه القضية جزء من إيمان كل مؤمن وما دام الدين نزل هاديًا للعقل فإنه لابد للعقل من أن يجعله القائد والهادى والحكم وإذا فعل المؤمن ذلك فإنه يكون قد اعتصم بالعصمة التامة فإذا اعتصم بها فقد هدى إلى صراط مستقيم
ونحن في هذا الكتاب إنما نعطى صورة مختصرة لشخصية من الشخصيات الكريمة التي حاولت - ما استطاعت إلى ذلك
۱۰
لاه وقد رأيت انقلاب أهل الشهوات وعاينت ما حل بهم من
المصيبات
وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى عن اللهو واللذات للمرء زاجر أبعد اقتراب الأربعين تربص وشيب قذال منذر للمكابر كأنك معنى بما هو ضائر
لنفسك عمدا
وعن الرشد حائر
انظر إلى الأمم الماضية والملوك الفانية كيف اختطفتهم عقبان الأيام ووافاهم الحام فانمحت من الدنيا آثارهم وبقيت فيها أخبارهم وأضحوا رمما فى التراب إلى يوم الحشر والمآب أمسوا رميا في التراب وعطلت مجالسهم منهم وأخلت مقاصر وحلوا بدار لا تزاور بينهم وأنى لسكان القبور التزاور فما إن ترى إلا قبورًا قد ثو وا بها مسطحة تسفى عليها الأعاصر من ذى منعة وسلطان وجنود وأعوان تمكنه من دنياه ونال فيها ما تمناه وبنى فيها القصور والدساكر وجمع فيها الأموال والذخائر وملح السراري والحرائر
كم
فما صرفت كف المنية إذا أتت مبادرة تهوى إليه الذخائر ولا دفعت عنه الحصون التي بني وحف بها أنهاره والـدســـاكـر ولا قارعت عنه المنية حيلة ولا طمعت في الذب عنه العساكر من الله مالا يرد ونزل به من قضائه مالا يصد فتعالى الله الملك الجبار المتكبر العزيز القهار قاصم الجبارين ومبيد
أتاه
المتكبرين الذي ذل لعزه كل سلطان وأباد بقوته كل ديان مليك عزيز لا يرد قضاؤه حکیم علیم نافذ الأمر قاهر عنى كل ذي عز لعزة وجهه فكم من عزيز للمهيمن صاغر لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت لعزة ذى العرش الملوك الجبابر
لك
من بهجتها
فالبدار البدار والحذار الحذار من الدنيا ومكايدها وما نصبت من مصايدها وتحلت من زينتها وأظهرت لك وأبرزت لك من شهواتها وأخفت عنك من قواتلها وهلكاتها وفى دون ما عاينت من فجعاتها إلى دفعها داع وبالزهد آمر فجد ولا تغفل وكن متيقظا فعما قليل يترك الدار عامر فشمر ولا تفتر فعمرك زائل وأنت إلى دار الإقامة صائر ولا تطلب الدنيا فإن نعيمها وإن نلت منها غبه لك ضائر فهل يحرص عليها لبيب أو يسر بها أريب وهو على ثقة من فنائها وغير طامع في بقائها أم كيف تنام عينا من يخشى
البيات وتسكن نفس من توقع في جميع أموره الممات ألا لا ولكنا نغر نفوسنا وتشغلنا اللذات عما نحاذر وكيف يلذ العيش من هو موقف بموقف عدل يوم تبلى السرائر وأننا سدى مالنا بعد الممات مصادر
كأنا
نرى أن لا نشور
وما عسى أن ينال صاحب الدنيا من لذتها ويتمتع به من
بهجتها مع صنوف عجائبها وقوارع فجائعها وكثرة عذابه في
۱۰۷
مصابها وفي طلبها ومايكابد من أسقامها وأوصابها وآلامها
علينا صرفها ويباكر
أما قد نرى في كل يوم وليلة يروح تعاورنا آفاتها وهمومها وكم قد ترى يبقى لها المتعـاور فلاهو مغبوط بدنياه آمن ولا هو عن تطلابها النفس قاصر كم قد غرت الدنيا من مخلد إليها وصرعت من مكب عليها فلم تنعشه من عثرته ولم تنقذه من صرعته ولم تشفه من ألمه ولم تبره من سقمه ولم تخلصه من وصمه بل أوردته بعد عز ومنعة موارد سوء مالهن مصادر فلما رأى أن لا نجاة وأنه هو الموت لا ينجيه منه التحاذر تندم إذ لم تغن عنه ندامة عليه وأبكته الذنوب الكبائر إذ بكى على ماسلف من خطاياه وتحسر على ما خلف من دنياه واستغفر حتى لا ينفعه الاستغفار ولا ينجيه الاعتذار عند هول المنية ونزول البلية
أحاطت
به أحزانه وهمومه وأبلس لما أعجزته المقادر
فليس له من كربة الموت فارج وليس له مما يحاذر ناصر وقد جشات خوف المنية نفسه ترددها منه اللها والحناجر هنالك خف عواده وأسلمه أهله وأولاده وارتفعت البرية بالعويل وقد أيسوا من العليل فغمضوا بأيديهم عينيه ومد عند خروج روحه رجليه وتخلى عنه الصديق والصاحب الشفيق
1A
فكم موجع يبكى عليه مفجع ومستنجد صبرا وماهو صابر ومسترجع داع له الله مخلصاً يعدد منه كل ماهو ذاكر
وكم شامت مستبشر بوفاته وعما قليل للذي صار صائر فشقت جيوبها نساؤه ولطمت خدودها إماؤه وأغول لفقده جيرانه وتوجع لرزيته إخوانه ثم أقبلوا على جهازه وشمر وا لإبرازه كأنه لم يكن بينهم العزيز المفدى ولا الحبيب المبدى وحل أحب القوم كان بقربه يحث على تجهيزه ويبادر وشمر من قد أحضروه لغسله ووجه لما فاض للقبر حافر وكفن في ثوبين واجتمعت له مشيعة إخوانه والعشائر فلو رأيت الأصغر من أولاده وقد غلب الحزن على فؤاده
ويخشى من الجزع عليه وخضبت الدموع عينيه وهو يندب
ويقول
يا ويلاه واحراه
أباه
لعاينت من قبح المنية منظرا يهال لمرآه ويرتاع ناظر
أكابر أولاد اكتئابهم بهیج إذا ما تناساه البنون الأصاغر وربة نسوان عليه جوازع مدامعهم فوق الخدود غوازر
ثم أخرج من سعة قصره إلى ضيق قبره فلما استقر في اللحد وهيئ عليه اللبن استوحشته أعماله وأحاطت به خطاياه وضاق ذرعا بما رآه ثم حثوا بأيديهم عليه التراب وأكثروا البكاء
۱۰۹
عليه والانتحاب ثم وقفوا ساعه عليه وايسوا من النظر إليه وتركوه رهنا بما كسب وطلب
i
فولوا عليه معولين وكلهم لمثل الذي لاقى أخوه محاذر کشاء رتاع آمنين بدالها بمديته باد الذراعين حاسر فريعت ولم ترتع قليلا وأجفلت فلما نأى عنها الذي هو جازر عادت إلى مرعاها ونسيت مافى أختها دهاها أفبأفعال الأنعام اقتدينا أم على عادتها جرينا عد إلى ذكر المنقول من دار البلى واعتبر بموضعه تحت الثرى المدفوع إلى هول ما ترى ثوى مفردًا في لحده وتوزعت مواريثه أولاده والأصاهر وأحنوا على أمواله يقسمونها فلا حامد منهم عليها وشاكر فيا عامر الدنيا وياساعيًا لها و یا آمنا من أن تدور الدوائر
طعامك
كيف أمنت هذه الحالة وأنت صائر إليها لا محالة أم كيف ضيعت حياتك وهي مطيتك إلى مماتك أم كيف تشبع من وأنت منتظر حمامك أم كيف تهنأ بالشهوات وهي مطية الآفات ولم تتزود للرحيل وقد دنـــا وأنت على حال وشيك مسافر فيا لهف نفسي كم أسوف توبتي وعمرى فان والردى لى ناظر وكل الذي أسلفت في الصحف مثبت يجازى عليه عادل الحكم قادر فكم ترقع بآخرتك دنياك وتركب غيك وهواك أراك ضعيف اليقين يا مؤثر الدنيا على الدين
أبهذا أمرك الرحمن أم على هذا نزل القرآن أما تذكر حال من جمع وثمر ورفع البناء وزخرف وعمر
أما صار جمعهم بورا ومساكنهم قبورًا
فانيا فلا ذاك موفور ولا ذاك عامر
تخرب ما يبقى وتعمر وهل لك إن وافاك حتفك بغتة ولم تكتسب خيرا لدى الله عاذر أترضى بأن تفنى الحياة وتنقضى ودينك منقوص ومالك وافر
وروى الطبراني عنه قال
إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل فيقوم ناس من الناس فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة فتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين فيقولون إلى الجنة فيقولون قبل الحساب قالوا نعم قالوا من أنتم قالوا نحن أهل الفضل قالوا وما كان فضلكم قالوا كنا إذا جهل علينا حلمنا وإذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيء إلينا غفرنا
قالوا لهم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين ثم ينادي مناد ليقم أهل الصبر فيقوم ناس من الناس فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون لهم مثل ذلك فيقولون نحن أهل الصبر قالوا فما كان صبركم قالوا صبرنا أنفسنا على طاعة الله وصبرناها عن معصية الله وصبرناها على البلاء
فقالوا لهم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين
ثم ينادى المنادى ليقم جيران الله فى داره فيقوم ناس من الناس وهم قليل فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون لهم مثل ذلك فيقولون بم استحققتم مجاورة الله عز وجل في داره فيقولون كنا نتزاور فى الله ونتجالس في الله ونتبادل في الله عز وجل فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم أجر
العاملين
وقال لابنه الباقر
يا بني لا تصحب فاسقاً فإنه يبيعك بأكلة وأقل منها يطمع فيها ثم لا ينالها ولا بخيلاً فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون
إليه
ولا كذابا فإنه كالسراب يقرب منك البعيد ويباعد عنك
القريب
ولا أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك
ولا قاطع رحم فإنه ملعون فى كتاب الله قال تعالى فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى
أبصارهم 1
۱ سورة محمد آیتا ۳
۱۱
—
وكان من أفضل وعن أبي قال قال على بن الحسين بنی هاشم - لابنه
يابني اصبر على النوائب ولا تتعرض للحقوق ولا تجب أخاك إلى الأمر الذى مضرته عليك أكثر من منفعته له وعن ثابت بن أبي حمزة الثمالى عن على بن الحسين قال إذا كان القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل فيقوم ناس يوم من الناس فيقال انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين فيقولون إلى الجنة قالوا قبل الحساب
قالوا نعم
قالوا من أنتم قالوا أهل الفضل
قالوا وما كان فضلكم
قالوا كنا اذا جهل علينا حلمنا وإذا ظلمنا صبرنا وإذا
أسيء علينا غفرنا
قالوا ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين ثم ينادى مناد ليقم جيران الله في داره فيقوم ناس من الناس وهم قليل فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقال لهم مثل ذلك
قالوا وبم جاورتم الله في داره
قالوا كنا نتزاور فى الله عز وجل ونتجالس في الله ونتبادل
في الله
قالوا ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين
وعن أبي حمزة الثمالى قال
أتيت باب على بن الحسين فكرهت أن أضرب فقعدت حتى فسلمت عليه ودعوت له فرد على السلام ودعا لى ثم
خرج انتهى إلى حائط له فقال
يا أبا حمزة ترى هذا الحائط
قلت بلی یا بن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فإنى اتكأت عليه يومًا وأنا حزين فإذا رجل حسن
الوجه حسن الثياب ينظر في تجاه وجهي ثم قال يا على بن الحسين مالي أراك كئيبا حزينا أعلى الدنيا
فهو رزق حاضر يأكل منها البر والفاجر
فقلت ما عليها أحزن لأنه كما تقول فقال أعلى الآخرة هو وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر قلت ما على هذا أحزن لأنه كما تقول
فقال وما حزنك يا على بن الحسين قلت ما أتخوف من فتنة ابن الزبير
فقال لي ياعلى هل رأيت أحدًا سأل الله فلم يعطه
١١٤
قلت لا
ثم قال فخاف الله فلم يكفه
قلت لا
ثم غاب عنى فقيل لى ياعلى هذا الخضر عليه السلام ناجاك
وكان زين العابدين كثير البر بأمه حتى قيل له إنك أبر الناس بأمك ولسنا نراك تأكل معها في صحفة فقال أخاف أن تسبق يدى إلى ما تسبق إليه عينها فأكون قد
عققتها
ومات لرجل ولد مسرف على نفسه فجزع عليه من أجل
إسرافه فقال على بن الحسين
إن من وراء ابنك خلالا ثلاثا شهادة أن لا إله إلا الله
وشفاعة رسول الله ورحمة الله عز وجل
وعن سفيان قال قال على بن الحسين ما أحسب أن لى بنصيبي من الذل حمر النعم
وعن عبيد الله بن عبد الرحمن بن توهب قال جاء نفر إلى على بن الحسين فأثنوا عليه فقال ما أكذبكم وما أجرأكم على الله نحن من صالحي قومنا وبحسبنا أن نكون من صالحي قومنا
۱۱۵
سبيلا - أن تهتدى بالوحى الكريم وتقتدى بالرسول صلى الله عليه وسلم
وتسير على نسق المهديين في كل زمن
تلك
هی
شخصية الإمام على بن الحسين الملقب
بزين العابدين والله أرجو أن ينفع بهذا الكتاب وأن يشرح به صدورًا ويهدى له قلوبًا إنه نعم المولى ونعم النصير
ومن مؤلفات الإمام زين العابدين رسالة الحقوق وهى رسالة نفيسة تبين كثيرا من الحقوق
ومن مؤلفاته أيضًا كثير من الأدعية وقد كان رحمه الله يكثر من الدعاء والتضرع وهذا من شيم الأتقياء ونحن نذكر هنا رسالة الحقوق كاملة ثم ننقل بعض الأدعية وما من شك في أن سيدنا زين العابدين لو اتجه إلى التأليف لألف الكثير فى الحديث والفقه والتفسير ولكنه كان متجها دائما إلى تزكية النفس فبلغ فى ذلك مدى يعز على من رامه اللهم إلا من وفقه وهداه إلى الصراط المستقيم
إنها رسالة نقلناها عن كتاب أعلام الشيعة وهذه الرسالة أوردها الصدوق فى الخصال بسند معتبر وأوردها
الحسن بن على بن شعبة الحلبى فى تحف العقول وبينهما تفاوت بالزيادة والنقصان وغيرهما ورواية التحف أطول وقد تزيد عنها رواية الخصال ونحن نوردها برواية تحف العقول فإذا وجدنا ما يخالفها فى رواية الخصال ذكرناه بعدها روى الصدوق فى الخصال عن على بن أحمد بن موسى عن محمد الأسدي عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري عن بن سليمان الجبلي عن أبيه عن
خیران بن داهر عن
أحمد
۱۱۹
محمد بن على عن محمد بن فضيل عن أبي حمزة الثمالى قال هذه رسالة على بن الحسين عليهما السلام إلى بعض أصحابه اعلم أن الله عز وجل عليك حقوقا إلخ
وفى تحف العقول رسالة على بن الحسين رضي الله عنه المعروفة برسالة الحقوق
اعلم رحمك الله أن الله عليك حقوقًا محيطة بك في كل حركة تحركتها أو سكنة سكنتها أو حال حللتها أو منزلة نزلتها أو جارحة قلبتها أو آلة تصرفت بها بعضها أكبر من بعض وأكبر حقوق الله عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقه الذى هو أصل الحقوق ومنه تتفرع ثم ما أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك
فجعل لبصرك عليك حقا
ولسمعك عليك حقا
وللسانك عليك حقا
وليدك عليك حقا
ولرجلك عليك حقا
ولبطنك عليك حقا
ولفرجك عليك حقا
فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال ثم جعل
لأفعالك عليك حقوقا
۱۰
لصلاتك عليك حقا ولصومك عليك حقا
ولصدقتك عليك حقا
ولهديك عليك حقا
ولأفعالك عليك حقا
ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوى الحقوق الواجبة عليك وأوجبها عليك حق أئمتك ثم حقوق رعيتك ثم حقوق
رحمك
فهذه حقوق يتشعب منها حقوق فحقوق أئمتك ثلاثة أوجبها عليك حق سائسك بالسلطان ثم سائسك بالعلم ثم حق سائسك بالملك وكل سائس إمام وحقوق رعيتك ثلاثة أوجبها عليك حق رعيتك بالسلطان ثم حق رعيتك بالعلم فإن الجاهل رعية العالم وحق رعيتك بالملك من الأزواج وما ملكت الأيمان وحقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الر - في القرابة فأوجبها عليك حق أمك ثم حق أبيك ثم حق ولدك ثم حق
۱
أخيك ثم الأقرب فالأقرب والأولى فالأولى ثم حق مولاك المنعم عليك ثم حق مولاك الجارية نعمته عليك ثم حق ذى المعروف لديك ثم حق مؤذنك بالصلاة ثم 1 أراد بالأول المعتق بالكسر مباشرة وبالثاني من أعتق أحد الآباء والأجداد
۱۱
حق إمامك في صلاتك ثم حق جليسك ثم حق جارك ثم حق صاحبك ثم حق شريكك ثم حق مالك ثم حق غريمك الذي تطالبه ثم غريمك الذى يطالبك ثم خليطك ثم حق خصمك المدعى عليك ثم حق خصمك الذي تدعى عليه ثم حق مستشيرك ثم المشير عليك ثم حق مستنصحك ثم الناصح لك ثم حق من هو أكبر منك ثم من هو أصغر منك ثم حق سائلك ثم حق من ثم حق من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل أو مسرة بقول أو فعل عن تعمد منه أو غير تعمد ثم حق أهل ملتك عامة ثم حق أهل الذمة ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرف الأسباب فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ووفقه وسدده
سألته
۱ - فأما حق الله الأكبر عليك
فأن تعبده لا تشرك به شيئًا فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ويحفظ لك ما تحب
منيا
٢ - وأما حق نفسك عليك
فأن تستوفيها فى طاعة الله وفى الخصال أن تستعملها بطاعة الله عز وجل فتؤدى إلى لسانك حقه وإلى سمعك حقه وإلى
بصرك حقه وإلى يدك حقها وإلى رجلك حقها وإلى بطنك حقه
وإلى فرجك حقه وتستعين بالله على ذلك
- وأما حق اللسان
فإكرامه عن الخنا وتعويده على الخير وحمله على الأدب وإجمامه إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا وإعفاؤه من الفضول الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها عائدتها وبعد شاهد العقل والدليل عليه وتزين العاقل بعقله
مع
قلة
حسن سيرته فى لسانه ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وفى الخصال وحق اللسان إكرامه عن الخنا وتعويده الخير وترك الفضول التي لا فائدة فيها والبر بالناس وحسن القول
فيهم
٤ - وأما حق السمع
فتنزيهه عن قلبك خيرًا أو تكسب خلقا كريما فإنه باب الكلام إلى القلب يؤدى إليه ضروب المعانى على مافيها من خير أو شر ولا قوة
أن تجعله طريقًا إلى قلبك إلا لفوهة كريمة تحدث
إلا بالله
وفى الخصال وحق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع
مالا يحل سماعه
۱۳
ه - وأما حق بصرك
فغضه عما لا يحل لك وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصرا أو تستفيد بها علما فإن البصر باب الاعتبار وفى الخصال وحق البصر أن تغمضه عما لا يحل لك وتعتبر
بالنظر به
- وأما حق رجليك
فألا تمشى بهما إلى ما لا يحل لك ولا تجعلهما مطيتك في الطريق المستخف بأهلها فيها فإنها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين والسبق لك ولا قوة إلا بالله
وفى الخصال وحق رجليك ألا تمشى بهما إلى ما لا يحل لك فيهما ولابد لك أن تقف على الصراط فانظر ألا تزلا بك
فتتردى في النار
۷ - وأما حق يدك
الله
فألا تبسطها إلى ما لا يحل لك فتنال بما تبسطها إليه من العقوبة في الأجل ومن الناس اللائمة فى العاجل ولا تقبضها عما افترض الله عليها ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها وبسطها إلى كثير مما ليس عليها فإذا هي قد عقلت وشرفت
تھا في العاجل ووجب الله في الأجل الثواب من حسن وفى الخصال وحق يدك ألا تبسطها إلى ما لا يحل لك
۸ - وأما حق بطنك
فألا تجعله وعاء لقليل من الحرام ولا لكثير وأن تقتصد له في الحلال ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين وذهاب المروءة فإن الشبع المنتهى بصاحبه مكسلة ومثبطة ومقطعة عن كل بر وكرم وإن الرى المنتهى بصاحبه إلى السكر مسخفة ومجهلة ومذهبة للمروءة
وفى الخصال وحق بطنك ألا تجعله وعاء للحرام ولا تزايد
على الشبع
- وأما حق فرجك
فحفظه مما لا يحل لك والاستعانة عليه بغض البصر فإنه من أعون الأعوان وضبطه وأذاهم بالجوع والظمأ وكثرة ذكر الموت والتهدد لنفسك بالله والتخويف لها به وبالله العصمة والتأييد ولا حول ولا قوة إلا به
وفي الخصال وحق فرجك أن تحصنه عن الزنى وتحفظه من
أن ينظر إليه
١٢٥
ثم حقوق الأفعال
۱۰ - فأما حق الصلاة فأن تعلم أنها وفادة إلى الله وأنك قائم بين يدى الله فإذا علمت ذلك كنت خليفًا أن تقوم مقام الذليل الراغب الراهب والخائف الراجى المسكين المتضرع المعظم من قام بين يديه بالسكون أو الإطراق وخشوع الأطراف ولين الجناح وحسن المناجاة له فى نفسه والرغبة إليه فى فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك واستهلكتها ذنوبك ولا قوة إلا بالله
وفى الخصال وحق الصلاة أن تعلم أنها وفادة إلى الله عز وجل وأنك فيها قائم بين يدى الله عز وجل فإذا علمت ذلك قمت مقام الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرع لمن كان بين يديه بالسكون والوقار وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها ولم يذكر في التحف حق الحج وذكره في الخصال فقال
وحق الحج
أن تعلم أنه وفادة إلى ربك وفرار إليه من ذنوبك وبه قبول تو بتك وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك
١٢٦
الفصل الأول
حَيَانَهُ وَشَخْصِيَتهُ
۱ - وأما حق الصوم
فأن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك
أو فرجك وبطنك ليسترك به من النار وهكذا جاء في الحديث الصوم جنة من النار
فإن سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها وترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ماليس لها بالنظرة الداعية للشهوة والقوة الخارجة عن حد التقية الله لم تأمن أن تخرق الحجاب وتخرج منه ولا قوة
إلا بالله
وفى الخصال بعد قوله من النار فإن تركت الصوم خرقت
ستر الله عليك
وأما حق الصدقة
فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرا أوثق منك بما استودعته علانية وكنت جديرًا ألا تكون أسررت إليه أمرًا أعلنته وكأن الأمر بينك وبينه فيها سرا على كل حال ولم تستظهر عليه فيها استودعته منها بإشهاد الأسماع والأبصار عليه بها كأنها أوثق فى نفسك وكأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك ثم لم تمتن بها على أحد لأنها لك فإذا امتننت بها لم تأمن أن
۱۷
يكون بها تهجين حالك إلى من مننت بها عليه لأن في ذلك دليلا
على
أنك أحد ولا قوة إلا بالله وفى الخصال وحق الصدقة أن تعلم أنها ذخرك عند ربك عز وجل ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد عليها وكنت بما تستودعه سرا أوثق منك بما تستودعه علانية وتعلم أنها تدفع البلايا والأسقام عنك في الدنيا وتدفع عنك النار في الآخرة
لم ترد نفسك بها ولو أردت نفسك بها لم تمتن بها على
١٤ - وأما حق الهدى
فأن تخلص به الإرادة إلى ربك والتعرض لرحمته وقبوله ولا تريد عيون الناظرين دونه فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفا ولا متصنعا وكنت إنما تقصد إلى الله
واعلم أن الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير كما أراد بخلقه التيسير ولم يرد بهم التعسير وكذلك التذلل أولى بك من التدهقن لأن الكلفة والمؤنة في المتدهقين فأما التذلل والتمسكن فلا كلفة فيهما ولا مؤنة عليهما لأنهما الخلقة وهما موجودان في الطبيعة ولا قوة إلا الله
وفى الخصال وحق الهدى أن تريد به الله عز وجل ولا تريد به خلقه ولا تريد به إلا التعرض لرحمة الله ونجاة روحك يوم
تلقاه
۱۸
ثم حقوق الأئمة
فأما حق سائسك السلطان
فأن تعلم أنك جعلت له فتنة وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له السلطان وأن تخلص له فى النصيحة وألا تماحكه وقد
عليك
من
بسطت يده عليك فتكون هلاك نفسك وهلاكه وتذلل
سبب
وتلطف لإعطائه من الرضا ما يكفه عنك ولا يضر بدينك وتستعين عليه فى ذلك بالله ولا تعازه ولا تعانده فإنك إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك فعرضتها لمكروهه وعرضته للهلكة فيك وكنت خليقًا أن تكون معينًا له على نفسك وشريكا له فيما أتى إليك
ولا قوة إلا بالله
وفى الخصال وحق السلطان أن تعلم – إلى قوله – من السلطان وبعده وأن عليك الا تتعرض لسخطه فتلقى بيديك إلى التهلكة وتكون شريكًا له فيما يأتى إليك من سوء
فأما حق سائسك بالعلم
فالتعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرغ له عقلك وتحضره فهمك وتذكى له قلبك وتجلى له بصرك
زين العابدين
۱۹
بترك اللذات ونقص الشهوات وأن تعلم أنك فيها ألقى رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ولا تخنه في تأدية رسالته والقيام بها عنه إذا تقلدتها ولا حول
ولا قوة إلا بالله
وفى الخصال وحق سائسك بالعلم التعظيم له والتوقير
عليه
لمجلسه وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه وألا ترفع صوتك ولا تجيب أحدًا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب ولا تحدث في مجلسه أحدًا ولا تغتاب عنده أحدًا وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوا ولا تعادى له وليا فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه الله جل اسمه لا للناس
وأما حق سائسك بالملك
فنحو
من
سائسك بالسلطان إلا أن هذا يملك ما لا يملكه ذاك
تلزمك طاعته فيها دق وجل منك إلا أن يخرجك من وجوب حق الله ويحول بينك وبين حقه وحقوق الخلق فإذا قضيته رجعت إلى حقه فتشاغلت به ولا قوة إلا بالله
وفى الخصال فأما حق سائسك بالملك فأن تطيعه ولا تعصيه إلا فيما يسخط الله عز وجل فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق
١٣٠
ثم حقوق الرعية
فأما حقوق رعيتك بالسلطان
فأن تعلم أحلهم محل الرعية لك ضعفهم وذلهم فما أولى كفاكه ضعفه
أنك إنما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم فإنه إنما
من
منك
وذله حتى صيره لك رعية وصير حكمك عليه نافذا لا يمتنع بعزة ولا قوة ولا يستنصر فيما تعاظمه منك إلا بالرحمة والحياطة والأناة وما أولاك إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزة والقوة التي قهرت بها أن تكون الله شاكرا ومن شكر الله أعطاه فيها أنعم عليه ولا قوة إلا بالله
وفى الخصال وأما حق رعيتك بالسلطان فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك فيجب أن تعدل فيهم وتكون لهم كالوالد الرحيم وتغفر لهم جهلهم ولا تعاجلهم بالعقوبة وتشكر الله عز وجل على ما أولاك وعلى ما آتاك من القوة عليهم
وأما حق رعيتك بالعلم
فأن تعلم أن الله قد جعلك لهم خازنا فيما آتاك من العلم وولاك من خزانة الحكمة فإن أحسنت فيها ولاك الله
من
ذلك
۱۳۱
وقمت به لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه كنت راشدا وكنت لذلك أملا معتقدًا وإلا كنت له خائنا
ولخلقه ظالما ولسلبه وغيره معترضا
وأما حق رعيتك بملك النكاح فأن تعلم أن الله جعلها سكنا ومستراحا وأنسا وواقية وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية فإن لها حق الرحمة والمؤانسة ولا قوة إلا بالله
وفى الخصال وأما حق الزوجة فأن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكنا وأنسا فتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها وإن كان حقك عليها أوجب فإن لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك وتطعمها وتكسوها وإذا جهلت عفوت
عنها
وأما حق رعيتك بملك اليمين فأن تعلم أنه خلق ربك ولحمك ودمك وأنك لم تملكه لأنك صنعته دون الله ولا خلقت له سمعا ولا بصرا ولا أجريت له
۱۳
وتضحى وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها وكان بطنها لك وعاء وحجرها لك حواء وثديها لك سقاء ونفسها لك وقاء الدنيا وبردها لك ودونك فتشكرها على قدر ذلك
تباشر حر
ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه
وفى الخصال وأما حق أمك فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدًا وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطى أحد أحدا ووقتك بجميع جوارحها ولم تبال أن تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك وتعرى وتكسوك وتضحى وتظلك وتهجر النوم لأجلك ووقتك الحر والبرد لتكون لها فإنك لا تطيق شكرها إلا
بعون الله وتوفيقه
وأما حق أبيك
فأن تعلم أنه أصلك وأنت فرعه وأنك لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه
واحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله
وأما حق ولدك
فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسئول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فيك وفى نفسه فمثاب على ذلك ومعاقب
١٣٤
فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والأخذ له منه ولا قوة إلا بالله
وفى الخصال فاعمل فى أمره عمل من يعلم أنه مثاب على
الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه
وأما حق أخيك
فأن تعلم أنه يدك التى تبسطها وظهرك الذي تلتجئ إليه وعزك الذي تعتمد عليه وقوتك التي تصول بها فلا تتخذه سلاحًا على معصية الله ولا عدة للظلم لخلق الله ولا تدع نصرته على نفسه ومعونته على عدوه والحول بينه وبين شياطينه وتأدية النصيحة إليه والإقبال عليه في الله فإن انقاد لربه وأحسن الإجابة له وإلا فليكن الله آثر عندك وأكرم عليك منه وفى الخصال ولا تدع نصرته على عدوه والنصيحة له فإن أطاع الله وإلا فليكن الله أكرم عليك منه ولا قوة إلا بالله
وأما حق المنعم عليك بالولاء فأن تعلم أنه أنفق فيك ما له وأخرجك من ذلك الرق ووحشته إلى عز الحرية وأنسها وأطلقك من أسر الملكة وفك عنك حلق العبودية وأوجدك رائحة العز وأخرجك من سجن
۱۳۵
القهر ودفع عنك العسر وبسط لك لسان الإنصاف وأباحك الدنيا كلها فملكك نفسك وحل أسرك وفرغك لعبادة ربك واحتمل بذلك التقصير فى ماله فتعلم أنه أولى الخلق بك بعد أولى رحمك في حياتك وموتك وأحق الخلق بنصرك ومعونتك ومكانتك في ذات الله فلا تؤثر عليه نفسك ما احتاج إليك وفى الخصال وأن نصرته عليك واجبة بنفسك وما احتاج
إليه منك ولا قوة إلا بالله
وأما حق مولاك الجارية عليك نعمته
فأن تعلم أن الله جعلك حامية عليه ووافية وناصرا ومعقلا وجعله لك وسيلة وسبباً بينك وبينه فبالحرى أن يحجبك عن النار فيكون في ذلك ثواب منه فى الآجل ويحكم لك بميراثه في العاجل إذا لم يكن له رحم مكافأة لما أنفقته مالك عليه وقمت به من حقه بعد انفاق مالك فإن لم تقم بحقه خيف عليك ألا يطيب لك ميراثه ولا قوة إلا بالله
من
وفى الخصال وأما حق مولاك الذي أنعمت عليه فأن تعلم أن الله عز وجل جعل عتقك له وسيلة إليه وحجابًا لك من
وأن ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم
النار
مكافأة بما
أنفقت
من
مالك وفي الأجل الجنة
١٣٦
عن أبي سعيد رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة۱
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إن الحسن والحسين هما ريحانتاى من الدنيا ٢
أسامة وعن
بن زيد قال
طرقت النبی صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج النبي وهو مشتمل على شيء لا أدرى ما هو فلما فرغت من حاجتي قلت ما هذا الذى أنت مشتمل عليه فكشفه فإذا
الحسن والحسين على وركيه فقال
هذان ابناى وابنا ابنتي اللهم إنى أحبهما فأحبهما وأحب
من يحبهما ۳
وعن أنس قال
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى أهل بيتك أحب إليك قال الحسن والحسين وكان يقول لفاطمة ادعى لى ابنى فيشمها
ويضمهما إليه4
۱ رواه الترمذي وحسنه
رواه البخاري
۳ رواه البخاري ٤ رواه الترمذي
وأما حق ذي المعروف عليك
فأن تشكره وتذكر معروفه وتنشر له المقالة الحسنة وتكسبه الفالة الحسنة وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله سبحانه فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية ثم إن أمكن مكافأته بالفعل كافأته وإلا كنت مرصدًا له موطناً نفسك عليها
وفى الخصال ثم إن قدرت على مكافأته يوما كافأته
وأما حق المؤذن
فأن تعلم أنه مذكرك بربك وداعيك إلى حظك وأفضل أعوانك على قضاء الفريضة التى افترضها الله عليك فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك وإن كنت في بيتك متها وعلمت أنه نعمة من الله عليك لا شك فيها فأحسن صحبة نعمة الله بحمد الله عليها على كل حال ولا قوة إلا بالله
وأما حق إمامك فى صلواتك
فأن تعلم ربك وتكلم عنك ولم تتكلم عنه ودعا لك ولم تدع له وطلب فيك ولم تطلب فيه وكفاك هم المقام بين يدى الله والمساءلة له فيك ولم تكفه ذلك فإن كان في شيء من ذلك تقصير كان به دونك وإن
أنه قد تقلد السفارة فيما بينك وبين الله والوفادة إلى
۱۳۷
كان إنما لم تكن شريكه فيه ولم يكن لك عليه فضل فوقى نفسك بنفسه ووقى صلاتك بصلاته فتشكر له على ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله
وفى الخصال فإن كان نقص كان به دونك وإن كان تماما كنت شريكه ولم يكن له عليك فضل فتشكر له على قدر ذلك
وأما حق الجليس
فأن تلين له كنفك وتطيب له جانبك وتنصفه في مجاراة اللفظ ولا تغرق في نزع اللحظ إذا لحظت وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت وإن كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار وإن كان الجالس إليك كان بالخيار ولا تقوم إلا بإذنه ولا قوة
إلا بالله
وفى الخصال ولا تقوم من مجلسك إلا بإذنه ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك تنسى زلاته وتحفظ خيراته
ولا تسمعه إلا خيراً
وأما حق الجار
فحفظه غائباً وكرامته شاهدًا ونصرته ومعونته في الحالين
جميعًا
۱۳۸
لا تتبع له عورة ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلف كنت لما علمت حصنا حصينا وسترا ستيراً لو بحثت الأسنة عنه ضميراً لم تتصل إليه لانطوائه عليه
لا تستمع عليه من حيث لا يعلم لا تسلمه عند شديدة ولا تحسده عند نعمة تقيل عثرته وتغفر زلته ولا تدخر حلمك عنه إذا جهل عليك ولا تخرج أن تكون سلما له ترد عنه لسان الشتيمة وتبطل فيه كيد حامل النصيحة وتعاشره معاشرة كريمة ولا حول ولا قوة إلا بالله
وفى الخصال ونصرته إذا كان مظلومًا فإن علمت عليه سوءا سترته عليه وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيها
بينك وبينه
وأما حق الصاحب
فأن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلا وإلا فلا أقل من الإنصاف وأن تكرمه كما يكرمك وتحفظه كما يحفظك ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة فإن سبقك كافأته ولا تقصر به عما يستحق من المودة تلزم نفسك نصيحته وحياطته ومعاضدته على ربه ومعونته على نفسه فيما يهم به من معصية ربه ثم تكون عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا ولا قوة إلا بالله
طاعة
۱۳۹
وفى الخصال فأن تصحبه بالتفضل والإنصاف ولا تدعه يسبق إلى مكرمة وتوده كما يودك وتزجره عما يهم به من معصية
وأما حق الشريك
فإن غاب كفيته وإن حضر ساويته ولا تعزم على حكمك دون حكمه ولا تعمل برأيك دون مناظرته وتحفظ عليه ماله وتتقى خيانته فيها عز أو هان فإنه بلغنا أن يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا ولا قوة إلا بالله
وأما حق المال فألا تأخذه إلا من حله ولا تنفقه إلا في حله ولا تحرفه عن مواضعه ولا تصرفه عن حقائقه ولا تجعله إذا كان من الله إلا إليه وسببًا إلى الله ولا تؤثر به على نفسك من لعله لا يحمدك وبالحرى الا يحسن خلافته فى تركتك ولا يعمل فيه بطاعة ربه فيذهب بالغنيمة وتبوء بالإثم والحسرة والندامة مع التبعة ولا قوة
إلا بالله وفى الخصال فاعمل فيه بطاعة ربك ولا تبخل به
وأما حق الغريم المطالب لك
فإن كنت موسرًا أوفيته وكفيته وأغنيته ولم تردده وتمطله فإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مطل الغنى ظلم
١٤٠
وإن كنت معسرًا أرضيته بحسن القول وطلبت إليه طلبًا جميلاً ورددته عن نفسك ردًّا لطيفا ولم تجمع عليه ذهاب ماله معاملته فإن ذلك لؤم ولا قوة إلا بالله وسوء
وأما حق الخليط
فألا تغره ولا تغشه ولا تكذبه ولا تغفله ولا تخدعه ولا تعمل فى انتفاضه عمل العدو الذى لا يبقى على صاحبه وإن اطمأن إليك استقصيت له على نفسك وعلمت أن غبن المسترسل
ربا
وفي الخصال ولا تخدعه وتتقى الله تبارك وتعالى في أمره
وأما حق الخصم المدعى عليك
فإن كان مايدعى عليك حقا لم تنفسح في حجته ولم تعمل في إبطال دعوته وكنت خصم نفسك له والحاكم عليها والشاهد له بحقه دون شهادة الشهود فإن ذلك حق الله عليك وإن كان ما يدعيه باطلا رفقت به وردعته وناشدته بدينه وكسرت حدته عنك بذكر الله وألقيت حشو الكلام ولغطه الذي لا يرد عنك عادية عدوك بل تبوء بإثمه وبه يشحذ عليك سيف عداوته لأن لفظة السوء تبعث الشر والخير مقمعة للشر ولا قوة إلا بالله وفى الخصال فإن كان مايدعى عليك حقا كنت شاهده على
١٤١
نفسك
ولم
تظلمه وأوفيته حقه وإن كان مایدعی به باطلاً رفقت به ولم تأت في أمره غير الرفق ولم تسخط ربك في أمره
وأما حق الخصم المدعى عليه
فإن كان ما تدعيه حقا أجملت في مقاولته بمخرج الدعوى فإن للدعوى غلظة في سمع المدعى عليه وقصدت قصد حجتك بالرفق وأمهل المهلة وأبين البيان وألطف اللطف ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال فتذهب عنك حجتك ولا يكون لك فى ذلك درك ولا قوة إلا بالله
وفي الخصال إن كنت محقا في دعواك أجملت مقاولته ولم تجحد حقه وإن كنت مبطلا فى دعواك اتقيت الله عز وجل وتبت
إليه وتركت الدعوى
وأما حق المستشير
فإن حضرك له وجه رأى جهدت له في النصيحة وأشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به وذلك ليكن منك في رحمة ولين فإن اللين يؤنس الوحشة وإن الغلظ يوحش موضع الأنس وإن لم يحضرك له رأى وعرفت له من تثق برأيه وترضى به لنفسك دللته عليه وأرشدته إليه فكنت لم تأله خيراً ولا حول
ولا قوة إلا بالله
١٤٢
وفى الخصال إن علمت له رأيا حسنًا أشرت عليه وإن لم
تعلم أرشدته إلى من يعلم
وأما حق المشير عليك
فلا تتهمه فيها لا يوافقك من رأيه إذا أشار عليك فإنما هي الآراء وتصرف الناس فيها واختلافهم فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتهمت رأيه
فأما
تهمته فلا تجوز لك إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة ولا تدع شكره على ما بدا لك من أشخاص رأيه وحسن وجه مشورته فإذا وافقك حمدت الله وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والإرصاد بالمكافأة في مثلها إن فزع إليك ولا قوة إلا بالله وفى الخصال ألا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه وإن وافقك
حمدت الله عز وجل
وأما حق المستنصح
فإن حقه أن تؤدى إليه النصيحة وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله فإن لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه ويجتنبه وليكن مذهبك الرحمة ولا قوة إلا بالله وفى الخصال وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به
١٤٣
وأما حق الناصح
فأن تلين له جناحك ثم تشرئب له قلبك وتفتح له سمعك حتى تفهم عنه نصيحته ثم تنظر فيها فإن كان قد وفق لها وإلا رحمته ولم تتهمه وعلمت أنه لم يألك نصحا إلا أنه أخطأ إلا أن تكون عندك مستحقا للتهمة فلا تعبأ بشيء من أمره على كل حال ولا قوة إلا بالله
وفى الخصال وتصغى إليه بسمعك فإن أتى بالصواب حمدت الله وإن لم يوفق رحمته إلخ
وأما حق الكبير
فإن حقه توقير سنه وإجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الإسلام بتقديمه فيه وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه إلى طريق ولا تؤمه فى طريق ولا تستجهله وإن جهل عليك تحملت مته بحق إسلامه مع سنه فإنما حق السن بقدر الإسلام
وأكرمته
ولا قوة إلا بالله وفى الخصال توقيره لسنه وإجلاله لتقدمه في الإسلام قبلك
وأما حق الصغير
فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به
١٤٤
والمعونة له والستر على جرائر حداثته فإنه سبب للتوبة والمداواة
له وترك مماحكته فإن ذلك أدنى لرشده
وفى الخصال رحمته في تعليمه
وأما حق السائل
فإعطاؤه إذا تهيأت صدقه وقدرت على سد حاجته والدعاء له
فيما تنزل به والمعاونة له على طلبته وإن شككت في صدقه وسبقت إليه التهمة ولم تعزم على ذلك لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان أراد أن يصدك عن حظك ويحول بينك وبين التقرب إلى ربك تركته بستره ورددته ردا جميلاً وإن غلبت نفسك في أمره وأعطيته على ما عرض في نفسك منه فإن ذلك من عزم الأمور وفى الخصال إعطاؤه على قدر حاجته
وأما حق المسئول
فحقه أن أعطى قبل منه ما أعطى بالشكر له والمعرفة لفضله وطلب وجه العذر فى منعه وأحسن به الظن واعلم أنه إن منع وأن ليس التثريب في ماله وإن كان ظالماً فإن الإنسان
فماله منع
لظلوم كفار
وفى الخصال إن أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله
وإن منع فاقبل عذره
١٤٥
وأما حق من سرك الله به وعلى يديه
فإن كان تعمدها لك حمدت الله أولاً ثم شكرته على ذلك بقدره في موضع الجزاء وكافأته على فضل الابتداء وأرصدت له المكافأة وإن لم يكن تعمدها حمدت الله أولا ثم شكرته وعلمت أنه منه توحدك بها وأحببت هذا إذ كان سببا من أسباب عليك وترجو له بعد ذلك خيراً فإن أسباب النعم بركة حيث ما كانت وإن كان لم يعتمد ولا قوة إلا بالله وفى الخصال أن تحمد الله عز وجل أولا
ساءك القضاء على يديه
نعم
الله
ثم تشكره
وأما حق من بقول أو فعل فإن كان تعمدها كان العفو أولى بك لما فيه له
من القمع وحسن الأدب مع كثير من أمثاله
يقول
من الخلق فإن الله
ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم * ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم
۱
الأمور 1
۱ سورة الشورى آیات ٤١ - ٤٣
١٤٦
وعن بريدة قال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملها ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله إنما أموالكم
وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم
حتى
۱
أصبر وعن يعلى بن مرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسين أحب الله وأنا حسین منی
قطعت حديثي ورفعتها
حسين سبط من الأسباط
وعن حذيفة قال قلت لأمى
دعيني آتى النبي صلى الله عليه وسلم فأصلى
معه
أحب حسينًا من
المغرب وأسأله أن يستغفر لى
ولك فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل فتبعته فسمع صوتى فقال من هذا حذيفة قلت نعم
قال ما حاجتك غفر الله لك ولأمك إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم على ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسين سیدا شباب أهل الجنة ۳
۱ رواه الترمذي وأبو داود والنسائي رواه الترمذي
۳ رواه الترمذى وقال حسن غريب
وفى الخصال والرحمة لهم وكف الأذى عنهم وتحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك وأن تكون شيوخهم بمنزلة أبيك وشبابهم بمنزلة إخوتك وعجائزهم بمنزلة أمك
والصغار بمنزلة أولادك
وأما حق أهل الذمة
ذمته من
معاملة
فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله وكفى بما جعل الله لهم وعهده وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسوله حائل فإنه بلغنا أنه قال من ظلم معاهدا كنت خصمه فاتق الله ولا حول ولا قوة
إلا بالله
فهذه خمسون حقا محيطا بك لا تخرج منها في حال من الأحوال يجب عليك رعايتها والعمل فى تأديتها والاستعانة بالله جل ثناؤه على ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب
العالمين
وفى الخصال أن تقبل منهم ماقبل الله عز وجل منهم
ولا تظلمهم ما وفوا الله عز وجل بعهده
١٤٨
الفصل الخامس
مِنْ دُعائه
من دعائه في كيد الأعداء ورد بأسهم
إلهى هديتني فلهوت ووعظت فقسوت وأبليت الجميل فعصيت ثم عرفت ما أصدرت إذ عرفتنيه فاستغفرت فأقلت فعدت فسترت فلك إلهى الحمد تقحمت أودية الهلاك وحللت شعاب تلف تعرضت فيها لسطواتك وبحلولها عقوباتك ووسيلتي إليك التوحيد وذريعتى أنى لم أشرك بك شيئًا ولم أتخذ معك إلها وقد فررت إليك بنفسى وإليك مفر المسيء ومفزع المضيع لحظ نفسه الملتجئ فكم من عدو انتضى على سيف عداوته وشحذ لى ظبة مديته وأرهف لى شبا حده وداف لى قواتل سمومه وسدد نحوى صوائب سهامه ولم تنم عنى عين حرا راسته وأضمر أن يسومنى المكروه ويجر عنى زعاق مرارته فنظرت يا إلهى إلى ضعفى عن احتمال الفوادح ووحدتى في كثير عدد من ناوانى وأرصد لى بالبلاء فيما لم أعمل فيه فكرى فابتدأتني بنصرك
وشددت أزرى بقوتك ثم فللت لى حده وصيرته من بعد جمع عديد وحده وأعليت كعبى عليه وجعلت ما سدده مردودا عليه فرددته لم يشف غيظه ولم يسكن غليله قد عض على شواء وأدبر موليا قد أخلفت سراياه
١٥١
وكم من باغ بغاني بمكائده ونصب لى شرك مصائده ووكل بي تفقد رعايته وأضباً إلى إضباء السبع لطريدته انتظارا لانتهاز الفرصة
لفريسته وهو يظهر لى بشاشة الملق وينظر في على شدة الحنق فلما رأيت يا إلهى تباركت وتعاليت دغل سريرته وقبح ما انطوى عليه أركسته لأم رأسه في زبيته ورددته في مهوى حفرته فانقمع بعد استطالته ذليلا فى ربق جبالته التي كان يقدر أن يرانى فيها وقد كاد أن يحل بى لولا رحمتك ما حل بساحته بی وكم من حاسد قد شرق بی بغصته وشجى منى بغيظه وسلقنى بحد لسانه ووحرنى ١ بقرف عيوبه وجعل يرضى غرضا لمراميه وقلدنى خلالا لم تزل فيه ووحرني بكيده وقصدنى
۱
بمكيدته فناديتك يا إلهى مستغيئًا بك واثقًا بسرعة إجابتك عالما أنه لا يضطهد من أوى إلى ظل كنفك ولا يفزع من لجأ إلى معقل انتصارك فحصنتنى من بأسه بقدرتك
وكم من ظن حسن حققت وعدم جبرت وصرعة أنعشت على وجداول رحمة نشرتها وعافية ألبستها وأعين أحداث طمستها وغواشی كربات كشفتها
وكم من ظن حسن حققت وعد جبرت وصرت
عة أنعشت
١٥٢
۱ وحر
استضمر الوحر وهو الحقد والغيظ والغش
ومسكنة حولت كل ذلك إنعامًا وتطولاً منك وفي جميعه انهماكا منى على معاصيك لم تمنعك إساءتي عن إتمام إحسانك ولا حجرنى ذلك عن ارتكاب مساخطك لا تسأل عما تفعل ولقد سئلت فأعطيت ولم تسأل فابتدأت واستميح فضلك فما أكديت١
أبيت يا مولاى إلا إحسانًا وامتنانا وتطولا وإنعاما وأبيت إلا تقحاً لحرماتك وتعديًا لحدودك وغفلة عن وعيدك فلك الحمد إلهى من مقتدر لا يغلب وذى أناة لا تعجل هذا مقام من اعترف بسبوغ النعم وقابلها بالتقصير وشهد على نفسه بالتضييع اللهم فإني أتقرب إليك بالمحمدية الرفيعة والعلوية البيضاء وأتوجه إليك بهما أن تعيذنى من شر كذا وكذا فإن ذلك لا يضيق عليك في وجدك ولا يتكأدك فى قدرتك وأنت على كل شيء
قدير
فهب لى يا إلهى من رحمتك ودوام توفيقك ما أتخذه سلما أعرج به إلى رضوانك وآمن به من عقابك يا أرحم الراحمين
وكان من دعائه عليه السلام في الرهبة اللهم إنك خلقتنى سويا وربيتني صغيراً ورزقتنى مكفيا
1 أي تعبت
١٥٣
اللهم إنى وجدت فيها أنزلت من كتابك وبشرت به عبادك أن قلت يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ۱
وقد تقدم منى ما قد علمت وما أنت أعلم به مني فيا سوءتا مما أحصاه على كتابك فلولا المواقف التي أؤمل من عفوك الذي شمل كل شيء لألقيت بيدى ولو أن أحداً استطاع الهرب من ربه لكنت أنا أحق بالهرب منك وأنت لا تخفى عليك خافية في الأرض ولا فى السماء إلا أتيت بها وكفى بك جازيًا وكفى بك حسيبا
اللهم إنك طالبى إن أنا هربت ومدركي إن أنا فررت فهأنذا بين يديك خاضع ذليل راغم إن تعذبني فإني لذلك أهل وهو يارب منك عدل وإن تعف فقديا شملني عفوك وألبستنى
عافيتك
عنى
فأسألك اللهم بالمخزون من أسمائك وبما وارته الحجب من بهائك إلا رحمت هذه النفس الجزوعة وهذه الرمة الهلوعة التي لا تستطيع حر شمسك فكيف تستطيع حر نارك والتي لا تستطيع
صوت رعدك فكيف تستطيع صوت غضبك فارحمنى اللهم فإني امرؤ حقير وخطرى يسير وليس عذابي مما يزيد
۱ سورة الزمر آية ٥٣
١٥٤
في ملكك مثقال ذرة ولو أن عذابى مما يزيد في ملكك لسألتك الصبر عليه وأحببت أن يكون ذلك لك ولكن سلطانك اللهم أعظم وملكك أدوم من أن تزيد فيه طاعة المطيعين أو تنقص منه معصية المذنبين فارحمني يا أرحم الراحمين وتجاوز عنى يا ذا
الجلال والإكرام وتب على إنك أنت التواب الرحيم
وكان من دعائه عليه السلام في التضرع والاستكانة إلهى أحمدك وأنت للحمد أهل على حسن صنيعك إلى
وسبوغ نعمائك على وجزيل عطائك عندى وعلى ما فضلتنى من رحمتك وأسبغت على نعمتك
من
فقد اصطنعت عندى ما يعجز عنه شكرى ولولا إحسانك إلى وسبوغ نعمائك على ما بلغت إحراز حظى ولا اصطلاح نفسي ولكنك ابتدأتني بالإحسان ورزقتني في أمورى كلها الكفاية وصرفت عني جهد البلاء ومنعت منى محذور القضاء إلهى فكم من بلاء جاهد قد صرفت عنى وكم من نعمة سابغة أقررت بها عينى وكم من صنيعة كريمة لك عندى أنت الذي أجبت عند الاضطرار دعوتي وأقلت عند العثار زلتي وأخذت لى من الأعداء بظلامتي إلهى ما وجدتك بخيلاً حين سألتك ولا منقبضًا حين أردتك بل وجدتك لدعائى سامعًا ولمطالبى معطيا ووجدت نعماك على
١٥٥
سابغة فى كل شأن من شأني وكل زمان من زماني فأنت عندى محمود وصنيعك لدى مبرور تحمدك نفسى ولساني وعقلى حمدًا يبلغ الوفاء وحقيقة الشكر حمدًا يكون مبلغ
رضاك عنى
فنجنى من سخطك يا إلهى حين تعيينى المذاهب ويا مقيل عثرتى فلولا سترك عورتى لكنت من المفضوحين ويا مؤيدى بالنصر فلولا نصرك إياى لكنت من المغلوبين ويا من وضعت له الملوك نير المذلة على أعناقها فهم من سطوته خائفون ويا أهل التقوى ويامن له الأسماء الحسنى أسألك أن تعفو عنى وتغفر لي فلست بريًّا فأعتذر ولا بذى قوة فأنتصر ولا مفر لى فأفر وأستقيلك عثراتى وأتنصل إليك من ذنوبي التي قد أوبقتنى وأحاطت فأهلكتنى منها فررت إليك يارب تائبا فتب على بی متعوذا فأعذنى مستجيرًا فلا تخذلنى سائلا فلا تحرمني معتصاً فلا تسلمني داعيا فلا تردنى خائبا
دعوتك يارب مسكينًا مستكينا مشفقا خائفا وجلا فقيراً مضطرا إليك أشكو إليك يا إلهى ضعف نفسي عن المسارعة فيما أولياءك والمجانبة عما حذرته أعداءك وكثرة همومي
وعدته
ووسوسة نفسي
إلهي لم تفضحنى بسريرتي ولم تهلكني بجريرتي أدعوك
10
سری فلا أدعو
سواك
فتجيبنى وإن كنت بطيئًا حين تدعونى وأسألك كلما شئت من حوائجي وحيث ما كنت وضعت عندك ولا أرجو غيرك
لبيك لبيك تسمع من شكا إليك وتلقى من توكل عليك وتخلص من اعتصم بك وتفرج عمن لاذ بك إلهى فلا تحرمنى خير الآخرة والأولى لقلة شكرى واغفر لى ما تعلم من ذنوبى إن تعذب فأنا الظالم المفرط المضيع الآثم المقصر المضجع المغفل حظ نفسى وإن تغفر فأنت أرحم
الراحمين
وكان من دعائه عليه السلام فى الإلحاح على الله تعالى يا الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وكيف يخفى عليك يا إلهى ما أنت خلقته وكيف لا تحصى ما أنت صنعته أو كيف يغيب عنك ما أنت تدبره أو كيف يستطيع أن يهرب منك لا حياة له إلا برزقك أو كيف ينجو من منك من لا مذهب له في غير ملكك
سبحانك أخشى خلقك لك أعلمهم بك وأخضعهم لك أعلمهم بطاعتك وأهونهم عليك من أنت ترزقه وهو يعبد غيرك سبحانك لا ينقص سلطانك من أشرك بك وكذب رسلك
وليس يستطيع من كره قضاءك أن يرد أمرك ولا يمتنع منك
من
١٥٧
إن سيدنا الحسين رضى الله عنه كاد نسله أن ينقطع لولا لطف الله سبحانه هذا اللطف الذي أبقى لنا نسلًا فيهم رائحة الرسول وفيهم من خلقه الأريحية والنجدة والقلوب العامرة بالإيمان والأرواح المتطلعة إلى السماء لا تشغلها الدنيا بزخارفها فتخلد إلى الأرض وتتبع أهواءها
كلا إنها مع المثل العليا الخالدة مع البطولة في أسمى صورها مع الحق أينما كان
إنها مثل التضحية فى سبيل الخير في سبيل الله لقد خاض سيدنا الحسين معركة ضد الباطل واستشهد فيها وسفكت دماء كثيرين ممن معه وأسر الباقي وسيق آل البيت
أسرى ولم يبق من الذكور من نسل الحسين رضى الله عنه -
بعد
هذه المعركة - إلا على بن الحسين رضي الله عنه نشأ على بن الحسين من أبوين كريمين كان أحدهما الحسين رضي الله عنه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا وابن سلافة بنت يزدجرد ملك الفرس
أما قصة زواج الحسين بسلافة فهى – كما يرويها المؤرخون –
ما يلى
لقد كان ليزدجرد ثلاث بنات هن أجمل مافي فارس إنهن
بنات الملك أشبه شيء بزهور الربيع النضرات
كذب بقدرتك ولا يفوتك من عبد غيرك ولا يعمر في الدنيا من
كره لقاءك
سبحانك ما أعظم شأنك وأقهر سلطانك وأشد قوتك
وأنفذ أمرك
سبحانك قضيت على جميع خلقك الموت من وحدك ومن كفر بك وكل ذائق الموت وكل صائر إليك فتباركت وتعاليت لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك آمنت بك وصدقت رسلك وقبلت كتابك وكفرت بكل معبود غيرك وبرئت ممن عبد سواك اللهم إنى أصبح وأمسى مستقلا لعملي معترفا بذنبي مقراً بخطاياى أنا بإسرافي على نفسى ذليل عملى أهلكني وهواى أردانى وشهواتى حرمتني
فأسألك يا مولای سؤال من نفسه لاهية لطول أمله وبدنه غافل لسكون عروقه وقلبه مفتون بكثرة النعم عليه وفكره قليل لما هو صائر إليه سؤال من قد غلب عليه الأمل وفتنه الهوى واستمكنت منه الدنيا وأظله الأجل
سؤال من استكثر ذنوبه واعترف بخطيئته سؤال من لا رب له غيرك ولا ولى له دونك ولا منقذ له منك ولا ملجأ له منك
إلا إليك
إلهى أسألك بحقك الواجب على جميع خلقك وباسمك
١٥٨
العظيم الذى أمرت رسولك أن يسبحك به وبجلال وجهك الكريم الذي لا يبلى ولا يتغير ولا يحول ولا يفنى أن تصلى على محمد وآل محمد وأن تغنيني عن كل شيء بعبادتك وأن تسلى نفسى عن الدنيا بمخافتك وأن تثنينى بالكثير من كرامتك
برحمتك
فإليك أفر ومنك أخاف وبك أستغيث وإياك أرجو ولك أدعو وإليك ألجأ وبك أثق وإياك أستعين وبك أومن وعليك أتوكل وعلى وجودك وكرمك أتكل
رب
وكان من دعائه عليه السلام فى التذلل لله عز وجل أفحمتني ذنوبي وانقطعت مقالتي فلا حجة لى فأنا الأسير ببليتي والمرتهن بعملى المتردد فى خطيئتي المتحير عن قصدى المنقطع بي وقد أوقفت نفسى موقف الأذلاء المذنبين موقف الأشقياء
المتجرئين عليك المستخفين بوعدك سبحانك أى جرأة اجترأت عليك وأي تغرير غررت
بنفسي
مولای ارحم کبوتى الحر وجهى وزلة قدمي وعد بحلمك على جهلى وبإحسانك على إساءتى فأنا المقر بذنبي المعترف بخطيئتي وهذه يدى وناصيتي أستكين بالقود من نفسي
١٥٩
ارحم شيبتي ونفاد أيامى واقتراب أجلى وضعفى ومسكنتى وقلة حيلتي مولاى وارحمني إذا انقطع من الدنيا أثرى وامح من
المخلوقين ذكرى وكنت فى المنسيين كمن قد نسي مولای وارحمنى عند تغير صورتى وحالى إذا بلى جسمي
وتفرقت أعضائى وتقطعت أوصالي
يا غفلتى عما يراد بی مولای وارحمنى في حشري ونشرى واجعل في ذلك اليوم من أوليائك موقفى وفى أحبائك مصدرى وفى جوارك مسكنى يارب العالمين
وكان من يا فارج الهم وكاشف الغم يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها صل على محمد وآل محمد وافرج همي واكشف غمی يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد اعصمنى وطهرني واذهب ببليتى واقرأ آية الكرسى والمعوذتين وقل هو الله أحد وقل اللهم إنى أسألك سؤال من اشتدت فاقته وضعفت قوته
دعائه عليه السلام في استكشاف الهموم
وكثرت ذنوبه
سؤال من لا يجد لفاقته مغينا ولا لضعفه مقويا ولا لذنبه غافرًا غيرك يا ذا الجلال والإكرام أسألك عملا تحب به من عمل به ويقينا تنفع به من استيقن به حق اليقين في نفاذ أمرك
1
اللهم صل على محمد وآل محمد واقبض على الصدق نفسي
واقطع من الدنيا حاجتي واجعل فيما عندك رغبتي شوقا إلى لقائك وهب لى صدق التوكل عليك
أسألك
من خير كتاب قد خلا وأعوذ بك من شر كتاب قد خلا أسألك خوف العابدين لك وعبادة الخاشعين لك ويقين
المتوكلين عليك وتوكل المؤمنين عليك
$
اللهم اجعل رغبتى فى مسألتي مثل رغبة أوليائك في مسائلهم ورهبتي مثل رهبة أوليائك واستعملنى في مرضاتك عملا لا أترك معه شيئا من دينك مخافة أحد خلقك من اللهم هذه حاجتى فأعظم فيها رغبتي وأظهر فيها عذرى
ولقنى فيها حجتي وعاف فيها جسدى
اللهم من أصبح له ثقة أو رجاء غيرك فقد أصبحت وأنت ثقتي ورجائى فى الأمور كلها فاقض لى بخيرها عاقبة ونجنى من مضلات الفتن برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد رسول الله المصطفى وعلى آله
الطاهرين
مما ألحق ببعض نسخ الصحيفة وكان من تسبيحه أعنى زين العابدين عليه السلام
سبحانك الله وحنانيك سبحانك اللهم وتعاليت سبحانك
زين العابدين
١٦١
اللهم والعز إزارك سبحانك اللهم والعظمة رداؤك سبحانك اللهم والكبرياء سلطانك سبحانك من عظيم ما أعظمك سبحانك سبحت في الملأ الأعلى تسمع وترى ما تحت الثرى سبحانك أنت شاهد كل نجوى سبحانك موضع كل شكوى سبحانك حاضر كل ملأ سبحانك عظيم الرجاء سبحانك ترى ما في قعر الماء سبحانك تسمع أنفاس الحيتان في قعور البحار سبحانك تعلم وزن السماوات سبحانك تعلم وزن الأرضين سبحانك تعلم وزن الشمس والقمر سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور سبحانك تعلم وزن الفيء والهواء سبحانك تعلم وزن الريح كم هي من مثقال ذرة سبحانك قدوس قدوس قدوس سبحانك عجبا من عرفك كيف لا يخافك سبحانك اللهم وبحمدك سبحان العلى العظيم
ومن دعائه عليه السلام في الأيام السبعة
دعاء
الجمعة
يوم
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الأول قبل الإنشاء والإحياء والآخر بعد فناء الأشياء العليم الذى لا ينسى من ذكره ولا ينقص من شكره
ولا يخيب من دعاه ولا يقطع رجاء من رجاه
١٦٢
الفصل الرابع
مِنْ تَاليفه
رزقًا ولكن الله كفاك ذلك ثم سخره لك وائتمنك عليه واستودعك إياه لتحفظه فيه وتسير فيه بسيرته فتطعمه مما تأكل وتلبسه مما تلبس ولا تكلفه ما لا يطيق فإن كرهته خرجت إلى الله منه واستبدلت به ولم تعذب خلق الله ولا قوة إلا بالله
وفى الخصال وأما حق مملوكك فأن تعلم أنك خلق ربك وابن أبيك وأمك ولحمك ودمك ولم تملكه لأنك صنعته من دون الله ولا خلقت شيئا من جوارحه ولا أخرجت له رزقًا ولكن الله عز وجل كفاك ذلك ثم سخره لك وائتمنك عليه واستودعك إياه ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه فأحسن إليه كما أحسن الله إليك وإن كرهته استبدلت به ولم تعذب خلق الله عز وجل
ولا قوة إلا بالله
وأما حق الرحم
فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدًا وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدًا وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة فرحة محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض فرضيت أن تشبع وتجوع هي وتكسوك وتعرى وترويك وتظماً وتظلك
۱۳۳
وقال عز وجل
وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير
للصابرين ۱
هذا في العمد فإن لم يكن عمدًا لم تظلمه بتعمد الانتصار منه قد كافأته في تعمد على خطأ ورفقت به ورددته بألطف
فتكون
ما تقدر عليه ولا قوة إلا بالله
وفى الخصال أن تعفو عنه وإن علمت أن العفو يضر
انتصرت قال الله تبارك وتعالى
ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ٢ وأما حق أهل ملتك عامة
فإضمار السلامة ونشر جناح الرحمة والرفق بمسيئهم وتآلفهم واستصلاحهم وشكر محسنهم إلى نفسه وإليك فإن إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك إذا كف عنك أذاه وكفاك مؤنته عنك نفسه فعمهم جميعا بدعوتك وانصرهم جميعا بنصرتك وأنزلهم جميعًا منك منازلهم كبيرهم بمنزلة الوالد وصغيرهم بمنزلة الولد وأوسطهم بمنزلة الأخ فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه
وحبس
۱ سورة النحل آية ١٢٦
سورة الشورى آية ٤١
١٤٧
اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيدا وأشهد
من
ملائكتك جميع
وسكان سمواتك وحملة عرشك ومن بعثت من أنبيائك ورسلك وأنشأت أصناف خلقك إنى أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ولا عديل ولا خلف لقولك ولا تبديل وأن محمدا لله وآله عبدك ورسولك أدى ما حملته إلى العباد وجاهد فى الله عز وجل حق الجهاد وأنه بشر بما هو حق من الثواب وأنذر بما هو صدق من العقاب
اللهم ثبتني على دينك ما أحييتني ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب صل على محمد وعلى آل محمد واجعلنى من أتباعه وشيعته واحشرني في زمرته ووفقنى لأداء فرض الجمعات وما أوجبت على فيها من الطاعات وقسمت لأهلها من العطاء في الجزاء إنك أنت
يوم
العزيز الحكيم
دعاء
يوم
السبت
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الله كلمة المعتصمين ومقالة المتحرزين وأعوذ بالله
تعالى من جور الجائرين وكيد الحاسدين وبغى الظالمين وأحمده فوق حمد الحامدين
١٦٣
يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
هذه الأبيات من
قصيدة طويلة للفرزدق تخيرناها مناسبة لما
نحن بصدده وسنذكرها كاملة فيما بعد
ونشأ على رضى الله عنه هادئ النفس متجها إلى الله في هذا الوسط الطاهر إلى أن كانت الحوادث التي جعلت الحسين رضى الله عنه يذهب إلى العراق مناضلا في سبيل الله ويستشهد في سبيل الحق الذي أراد أن يقيمه والواقع أن الحسين - رضى الله عنه – مثل واضح من أمثلة كثيرة نبعت من آل البيت ضحت بنفسها في بطولة نادرة من أجل ما تعتقده حقا ولقد ضرب آل البيت أروع الأمثلة في البطولة التي تتحرى الحق وتعمل من أجله ولقد اتخذوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلهم الأعلى في عدم التخلى عن إرادة الحق والعمل من أجل الحق
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال لعمه أبي طالب
والله يا عم لو وضعوا الشمس فى يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال ذلك إنما قاله عن شعور اختلط
بلحمه ودمه وقال عن إيمان خالط شغاف قلبه ولقد اتبعه فى هذا الاتجاه كثيرون ومن أوائل من اتبعه
۱۹
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى
يوم
الدين
اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستر شدك ونستغفرك ونتوب إليك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا اللهم لا حول ولا قوة إلا بك ولا هادي إلا أنت وأنت الرحيم الودود
اللهم اكتب لنا القرب منك واغمرنا ببرد الرضا وأنر قلوبنا بضياء اليقين واملأها بك واشرح صدورنا بالإسلام واجعلها على نور منك
اللهم صل على خير خلقك سيدنا محمد الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وناضل طيلة حياته فى سبيل لا إله إلا الله قولا وتصديقًا وفى سبيلها شعورًا وحالاً حتى أخرج بها أمة – في صدر الإسلام – هي خير أمة أخرجت للناس تربت على لا إله
العلم وقريش حتى تجلس
فقال
مع هذا العبد – يعنى زيد بن أسلم –
إنه ينبغي للعلم أن يتبع حيث كان ومرة أخرى أخذوه أيضا على ما يفعل فقال
إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه
ومرة ثالثة قال
إنما يجلس الرجل حيث ينتفع وإن العلم يطلب حيث كان والقصة التالية تبين مدى حرصه على الاستفادة عن مسعود بن مالك قال قال لى على بن الحسين أتستطيع أن تجمع بيني وبين سعيد بن جبير
فقلت ما تصنع به قال أريد أن أسأله عن أشياء ينفعنا الله بها ولا منقصة وعن يزيد بن حازم قال
رأيت على بن الحسين وسليمان بن يسار يجلسان بين القبر والمنبر يتحدثان إلى ارتفاع الضحى ويتذاكران فإذا أرادا أن يقوما قرأ عليها عبد الله بن أبي سلمة سورة فإذا فرغ دعوا ويقول صاحب كتاب أعلام الشيعة وكان إذا جاءه طالب علم قال مرحباً بوصية رسول الله ثم يقول إن طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجله على رطب ولا يابس من الأرض إلا سبحت له إلى الأرضين السبعة
٤٦
أستعين به على وليمة فاطمة ومعى رجل من بني قينقاع وفي
البيت حمزة بن عبد المطلب وقينة تغنيه وهى تقول
ألا ياحمز للشرف النواء
فخرج حمزة بالسيف إليهما فجب أسنمتها وبقر خواصرهما أكبادهما فرأيت منظرًا عظيما فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم
وأخذ من فأخبرته فخرج يمشى ومعه زيد بن حارثة حتى وقف على حمزة
فتغيظ عليه فرفع حمزة رأسه فقال
ألستم عبيد آبائی
فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلمعشى القهقرى
حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم بسنده عن ابن شهاب عن على بن الحسين أن عمرو بن عثمان أخبره أن بن زيد أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
أسامة
لا يرث المسلم الكافر
حدثنا سليمان بن الربيع عن سفيان بن عيينة عن الزهري
عن على بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
۱ صحيح متفق عليه من حديث ابن جريج عن الزهري
أسامة بن زيد
رواه ابن جريج ومعمر ويونس وسفيان بن عيينة وهشيم وابن أبي حفصة
ومالك بن أنس في جماعة عن الزهري
٦١
ومن الناس من يفعل فى السر ما يشاء ثم يتجمل في الظاهر بالآداب الاجتماعية العامة فيعامله الناس بحسب ما يرون منه
ولكنه لا يكون بالنسبة لهم مصدر جاذبية وهداية
ومن الناس من أقامه الله علما من أعلام أهل اليمين أو من أعلام المقربين فيكون مصدر هداية ومركز جاذبية لكل من يبحث عن الطريق ولكل من يستشرف سبيل النور
ومن هؤلاء زين العابدين رضى الله عنه ولقد قدره من أنار الله قلوبهم بالتقوى يقول صاحب
الكواكب الدرية
على بن الحسين زين العابدين إمام سيد سند اشتهرت
أياديه ومكارمه وطارت بالجود في الوجود حمائمه
كان عظيم القدر رحب الساحة والصدر رأسًا لجسد الرئاسة مؤملا للإبالة والسياسة
وكنيته أبو الحسن أو أبو محمد أو أبو عبد الله
وهو على الأصغر وأما الأكبر فقتل
مع
أبيه
وهو
ثقة ثبت فاضل
ويقول صاحب الحلية
على بن الحسين بن على بن أبي طالب رضى الله تعالى عنهم
Yo
أنت اللهم حكمك ولا تنازع فى ملكك أسألك أن تصلى على محمد عبدك ورسولك وأن توزعنى من شكر نعماك ما تبلغ بي غاية رضاك وأن تعينني على طاعتك ولزوم عبادتك واستحقاق مثوبتك بلطف عنايتك وترحمني وصدنى عن معاصيك ما أحييتني وتوفقني لما ينفعنى ما أبقيتنى وأن تشرح بكتابك صدري وتحط بتلاوته وزرى وتمنحنى السلامة فى دينى ونفسي ولا توحش بی أهل أنسى وتتم إحسانك فيما بقى من عمرى كما أحسنت
الواحد بلا شريك والملك بلا تمليك لا تضاد في
فيما مضى منه يا أرحم الراحمين
دعاء
يوم
الأحد
الله الرحمن الرحيم بسم
باسم الله الذى لا أرجو إلا فضله ولا أخشى إلا عدله ولا أعتمد إلا قوله ولا أمسك إلا بحبله بل أستجير يا ذا العفو والرضوان من الظلم والعدوان ومن غير الزمان وتواتر الأحزان ومن انقضاء المدة قبل التأهب والعدة وإياك أسترشد لما فيه الصلاح والإصلاح وبك أستعين فيما يقترن به النجاح والإنجاح وإياك أرغب في لباسى العافية وتمامها وشمول
السلامة ودوامها
١٦٤
جور
وأعوذ بك يارب من همزات الشياطين وأحترز بسلطانك من السلاطين فتقبل ما كان من صلواتى وصومي واجعل غدى وما بعده أفضل من ساعتى ويومى وأعزني في عشيرتي وقومي واحفظني في يقظتي ونومي فأنت الله خير حافظا وأنت أرحم
الراحمين
يومي هذا وما بعده من
الأحاد من
اللهم إنى أبرأ إليك في الشرك والإلحاد وأخلص لك دعائى تعرضا للإجابة وأقيم على طاعتك رجاء للإثابة فصل على محمد خير خلقك الداعي إلى حقك وأعزنى بعزك الذى لا يضام واحفظني بعينيك التي لا تنام واختم بالانقطاع إليك أمرى وبالمغفرة عمرى إنك
أنت الغفور الرحيم
دعاء
يوم الاثنين
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى لم يُشهد أحدًا حين فطر السموات والأرض ولا اتخذ معينًا حين برأ النسمات لم يشارك في الإلهية ولم يظاهر في الوحدانية كلت الألسن عن غاية صفته والعقول عن معرفته وتواضعت الجبابرة لهيبته وعنت الوجوه لخشيته وانقاد كل عظيم لعظمته فلك الحمد متواتراً متسقا ومتواليا
کنه
مستوثقًا
زين العابدين
10
وصلواته على رسوله أبدًا وسلامه دائما سرمدا اللهم اجعل أول يومى هذا صلاحًا وأوسطه فلاحا وآخره نجاحا وأعوذ بك من يوم أوله فزع وأوسطه جزع وآخره وجع اللهم إني أستغفرك لكل نذر نذرته وكل وعد وعدته وكل وأسألك في مظالم عبادك عندى فأيما
عهد
عاهدته
ثم لم
أف به
عبد من عبيدك أو أمة من إمائك كانت له قبلى مظلمة ظلمتها إياه في نفسه أو فى عرضه أو فى ماله أو في أهله وولده أو غيبة اغتبته بها أو تحامل عليه بميل أو هوى أو أنفة أو حمية أو رثاء عصبية غائباً كان أو شاهدًا أو حيًّا كان أو ميتا فقصرت يدي وضاق وسعى عن ردها إليه والتحلل منه فأسألك يا من يملك الحاجات وهى مستجيبة لمشيئته ومسرعة إلى إرادته أن تصلى على محمد وعلى آل محمد وأن ترضيه عنى بما شئت وتهب لى من عندك رحمة إنه لا تنقصك المغفرة ولا تضرك الموهبة يا أرحم
الراحمين
اللهم أولنى فى كل يوم اثنين نعمتين منك ثنيتين سعادة في أوله بطاعتك ونعمة في آخره بمغفرتك يا من هو الإله ولا يغفر
الذنوب سواه
1
۱ أي كبر
دعاء
الثلاثاء يوم
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمدًا كثيرا وأعوذ به من شر نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربى وأعوذ به من شر الشيطان الذي يزيدنى ذنباً إلى ذنبي وأحترز به من كل جبار فاجر وسلطان جائر وعدو قاهر اللهم اجعلنى من جندك فإن جندك حزبك فإن حزبك هم المفلحون واجعلني من أوليائك فإن أولياءك لاخوف عليهم ولا هم يحزنون
هم
الغالبون واجعلني من
اللهم أصلح لي ديني فإنه عصمة أمرى وأصلح لي آخرتى فإنها دار مقرى وإليها من مجاورة اللئام مفرى واجعل الحياة
زيادة لي في كل خير والوفاة راحة من كل شر
اللهم صل على محمد خاتم النبيين وتمام عدة المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين وهب لي في الثلاثاء
ثلاثا
لا تدع لى ذنبا إلا غفرته ولا غا إلا أذهبته ولا عدوا إلا دفعته بباسم الله خير الأسماء باسم الله رب الأرض والسماء أستدفع كل مكروه أوله سخطه وأستجلب به كل محبوب أوله رضاه فاختم لى منك بالغفران يا ولى الإحسان
١٦٧
ولقد أسرن في الحرب وسأل سيدنا عمر عما ينبغي أن يفعل بالنسبة لهن فقال سيدنا على يقومن ويأخذهن من يدفع
قيمتهن وقدر الله سبحانه أن يأخذهن سيدنا على فحصلت واحدة لعبد الله بن عمر فأولدها سالما والأخرى لمحمد بن أبي بكر الصديق فأولدها القاسم والثالثة للحسين فأولدها عليا زين العابدين هذا فكلهم بنو خالة وكان يقال لزين العابدين ابن الخيرتين وذلك أن رسول الله قال - فيما روى
الله تعالى من عباده خيرتان فخيرته من العرب قريش ومن العجم فارس وزين العابدین قرشي الأب فارسي الأم ونشأ زين العابدين متشبعاً بروحانية جده وبتقوى أبيه رضى الله عنه وبسمو نفسية والدته سليلة الملوك وربيبة
الأكاسرة
وتتبع
نشأ في وسط إيمان كامل ونشأ على فطرة موروثة سامية آثار جده وحذا حذو أبيه فى صورة كريمة حتى لقد لقب
بزين العابدين
ولقد صدق الفرزدق حينما يقول فيه
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقى النقى الطاهر العلم هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
بسم
دعاء
الأربعاء يوم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الليل لباسًا والنوم سباتًا وجعل النهار
نشورا
لك الحمد أن بعثتنى من مرقدى ولو شئت جعلته سرمدا حمدا دائما لا ينقطع أبدًا ولا يحصى له الخلائق عددا اللهم لك الحمد أن خلقت فسويت وقدرت وقضيت وأمت وأحييت وأمرضت وشفيت وعافيت وأبليت وعلى العرش استويت وعلى الملك احتويت
أدعوك دعاء من ضعفت وسيلته وانقطعت حيلته واقترب أجله وتدانى فى الدنيا أمله واشتدت إلى رحمتك فاقته وعظمت لتفريطه حسرته وكثرت زلته وعثرته وخلصت لوجهك توبته فصل على محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته الطاهرين وارزقني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وآله ولا تحرمني صحبته إنك أنت أرحم
الراحمين اللهم اقض لي في يوم الأربعاء أربعًا
اجعل قوتى في طاعتك ونشاطى فى عبادتك ورغبتي في ثوابك وزهدى فيما يوجب أليم عقابك إنك لطيف لما تشاء
١٦٨
دعاء
الخميس
يوم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى أذهب الليل مظلا بقدرته وجاء بالنهار مبصرا برحمته وكسانى ضياءه وأنا في نعمته
اللهم فكما أبقيتنى له فأبقنى لأمثاله وصل على النبي محمد وآله ولا تفجعنى فيه وفى غيره من الليالي والأيام بارتكاب المحارم واكتساب المآثم وارزقنى خيره وخير ما فيه وخير
ما بعده واصرف عنى شره وشر ما فيه وشر ما بعده اللهم إنى بذمة الإسلام أتوسل إليك وبحرمة القرآن أعتمد عليك وبمحمد المصطفى صلى الله عليه وآله أستشفع لديك فاعرف اللهم ذمتى التى رجوت بها قضاء حاجتي يا أرحم
الراحمين
اللهم اقض لي في الخميس خمساً لا يتسع لها إلا كرمك ولا يطيقها إلا نعمك سلامة أقوى بها على طاعتك وعبادة أستحق بها جزيل مثوبتك وسعة فى الحال من الرزق الحلال وأن تؤمنني في مواقف الخوف بأمنك وتجعلني من طوارق الهموم والغموم في حصنك
صل على محمد وعلى آل محمد واجعل توسلی به
القيامة نافعا إنك أنت أرحم الراحمين
شافعاً
يوم
١٦٩
J
ونختتم هذه الأدعية بدعاء ختم القرآن الذي أثر عنه اللهم إنك أعنتنى على ختم كتابك الذي أنزلته نورا وجعلته مهيمنا على كل كتاب أنزلته وفضلته على كل حديث قصصته وفرقانا فرقت به بين حلالك وحرامك وقرآنا أعربت به عن شرائع أحكامك وكتابًا فصلته لعبادك تفصيلا ووحيا أنزلته على نبيك محمد صلواتك عليه وآله تنزيلاً وجعلته نورا نهتدى من ظلم الضلالة والجهالة باتباعه وشفاء لمن أنصت بفهم التصديق إلى استماعه و میزان قسط لا يحيف عن الحق لسانه ونور هدى لا يطفأ عن الشاهدين برهانه وعلم نجاة لا يضل من أم قصد سنته ولا تنال أيدى الهلكات من تعلق بعروة عصمته
اللهم فإذا أفدتنا المعونة على تلاوته وسهلت حواسي ألسنتنا بحسن عبارته فاجعلنا ممن ير عاه حق رعايته ويدين لك باعتقاد التسليم المحكم آياته ويفزع إلى الإقرار بمتشابهه وموضحات بيناته
اللهم إنك أنزلته على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وآله مجملا وألهمته علم عجائبه مكملاً وورثتنا علمه مفسرًا وفضلتنا على من جهل
علمه وقويتنا عليه لترفعنا فوق من لم يطق حمله
۱۷۰
اللهم فكما جعلت قلوبنا له حملة وعرفتنا برحمتك شرفه
وفضله فصل على محمد الخطيب به وعلى آله الخزان له واجعلنا
ممن يعترف بأنه عندك
من
حتى
لا يعارضنا الشك في تصديقه
ولا يختلجنا الزيغ عن قصد طريقه
اللهم صل على محمد وآله واجعلنا ممن يعتصم بحبله ويأوى من المتشابهات إلى حرز معقله ويسكن فى ظل جناحه ويهتدى بضوء صباحه ويقتدى بتبلج أسفاره ويستصبح بمصباحه ولا يلتمس الهدى في غيره
اللهم وكما نصبت به محمدًا علما للدلالة عليك وأنهجت بآله سبل الرضا إليك فصل على محمد وآله واجعل القرآن وسيلة لنا
إلى أشرف منازل الكرامة وسلّما نعرج فيه إلى محل السلامة وسبباً نجزى به النجاة في عرصة القيامة وذريعة نقدم بها على نعيم دار المقامة
وهب
به
اللهم صل على محمد وآله واحطط بالقرآن عنا ثقل الأوزار لنا حسن شمائل الأبرار واقف بنا آثار الذين قاموا لك آناء الليل وأطراف النهار حتى تطهرنا من كل دنس بتطهيره وتقفو بنا آثار الذين استضاءوا بنوره ولم يلههم الأمل عن العمل فيقطعهم بخدع غروره اللهم صل على محمد وآله واجعل القرآن لنا في ظلم الليالي
۱۷۱
مؤنسا ومن نزغات الشيطان وخطرات الوساوس حارسًا ولأقدامنا عن نقلها إلى المعاصى حابسًا ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرسًا والجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجرا ولما طوت الغفلة عنا من تصفح الاعتبار ناشرا حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه وزواجر أمثاله التي ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله
اللهم صل على محمد وآله وأدم بالقرآن صلاح ظاهرنا واحجب به خطرات الوساوس عن صحة ضمائرنا واغسل به درن قلوبنا وعلائق أوزارنا واجمع به منتشر أمورنا وارو به في موقف العرض عليك ظمأ هو أجرنا واكسنا به حلل الأمان يوم الفزع الأكبر في نشورنا
اللهم صل على محمد وآله واجبر بالقرآن خلتنا من عدم الإملاق وسق إلينا به رغد العيش وخصب سعة الأرزاق وجنبنا به الضرائب المذمومة ومدانى الأخلاق واعصمنا به من هوة الكفر ودواعى النفاق حتى يكون لنا فى القيامة إلى رضوانك وجنانك قائدا ولنا فى الدنيا عن سخطك وتعدى حدودك ذائدًا ولما عندك بتحليل حلاله وتحريم حرامه شاهدًا
اللهم صل على محمد وآله وهون بالقرآن عند الموت على أنفسنا كرب السياق وجهد الأنين وترادف الحشارج إذا بلغت
۱۷
النفوس التراقى وقيل من راق وتجلى ملك الموت لقبضها من حجب الغيوب ورماها عن قوس المنايا بأسهم وحشة الفراق وداف لها من زعاف الموت كأسًا مسمومة المذاق ودنا منا إلى الآخرة رحيل وانطلاق وصارت الأعمال قلائد في الأعناق وكانت القبور هي المأوى إلى ميقات يوم التلاق
اللهم صل على محمد وآله وبارك لنا في حلول دار البلى وطول المقامة بين أطباق الثرى واجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا وافسح لنا برحمتك فى ضيق ملاحدنا ولا تفضحنا في حاضري القيامة بموبقات آثامنا وارحم بالقرآن في موقف العرض عليك ذل مقامنا وثبت به عند اضطراب جسر جهنم يوم المجاز عليها زلل أقدامنا ونجنا به من كل كرب يوم القيامة وشدائد أهوال يوم الطامة وبيض وجوهنا يوم تسود وجوه الظلمة في يوم الحسرة والندامة واجعل لنا في صدور المؤمنين ودا ولا تجعل الحياة علينا نكدا
اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما بلغ رسالتك وصدع بأمرك ونصح العبادك اللهم اجعل نبينا صلواتك عليه وعلى آله القيامة أقرب
يوم
النبيين منك مجلسًا وأمكنهم منك شفاعة وأجلهم عندك قدراً
وأوجههم عندك جاها
۱۷۳
اللهم صل على محمد وآل محمد وشرف بنيانه وعظم برهانه وثقل ميزانه وتقبل شفاعته وقرب وسيلته وبيض وجهه وأتم
نوره وارفع درجته وأحينا على سنته وتوفنا على ملته وخذ بنا منهاجه واسلك بنا سبيله واجعلنا من أهل طاعته واحشرنا في زمرته وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه وصل اللهم على محمد وآله صلاة تبلغه بها أفضل ما يأمل من خيرك وفضلك وكرامتك إنك ذو رحمة واسعة وفضل كريم اللهم اجزه بما بلغ رسالاتك وأدى من آياتك ونصح لعبادك وجاهد في سبيلك أفضل ما جزيت أحدًا من ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين المصطفين والسلام عليه وعلى آله الطيبين
الطاهرين ورحمة الله
وبركاته
١٧٤
خَايْمَة
إن الله سبحانه وتعالى قد رسم قوانين المجتمع في القرآن الكريم ورسم فى هذا الإطار قوانين سلوك الفرد وقوانين سلوك
الجماعات
إنه سبحانه رسم قانون النصر فقال مثلاً
إن تنصروا الله ينصركم ۱
وبين أن النصر إنما هو من الله لا غيره وما النصر إلا من عند الله
وإذا نصر سبحانه فلا غالب
۳
إن ينصركم الله فلا غالب لكم
ورسم
الرزق
سبحانه قانون الإنقاذ عند الضيق وقانون سعة
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث
٤
لا يحتسب 4
۱ سورة محمد آية
سورة آل عمران آية ١٢٦ ۳ سورة آل عمران آية ١٦٠ ٤ سورة الطلاق آيتا ۳
۱۷۷
يرزقه ماديا ويرزقه معنويا
وقوانين الله للأفراد وقوانين الله للجماعات من الكثرة بحيث تتجاوب مع الحالات الكثيرة النفسية والمادية التي تكون في المجتمع أو التي تنشأ فيه
فإذا استجاب الفرد أو استجابت الجماعة إلى توجيهات الوحى فإنها تصل - فردًا أو جماعة – بهذا السلوك المتناسق مع الوحى إلى الثمرة التي أحبها الله لعباده
أى تصل إلى الكمال الإنساني
ولن يكون الكمال الإنسانى إلا بالسير في انسجام مع الوحى الإلهى أي التربية الإلهية
وإذا سار الفرد أو الجماعة في داخل إطار التربية الإلهية صدق عليه أنه مسلم والمسلم هو من أسلم نفسه لله في أوامره وفى
نواهيه
ولقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال الإسلام أن يسلم الله قلبك وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك ولقد سار الإمام زين العابدين رضى الله عنه – في إطار الوحي فصدق عليه حقا أنه حقق الإسلام بمعناه الصادق ولأنه حقق الإسلام بمعناه الصادق كان زين العابدين محققا
بذلك
۱۷۸
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
وكان السجاد محققا قوله تعالى
واسجد واقترب ۳
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد
وإذا ما وصل الإنسان إلى زين العابدين السجاد فقد ظفر بالخير في الدنيا وظفر بالخير في الآخرة واعتصم بالله
ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم
۱ سورة الذاريات الآية ٥٦ سورة العلق الآية ١٩ ۳ سورة آل عمران الآية ١٠١
۳
۱۷۹
مقدمة
فهرس
الفصل الأول حَيَاتُهَ وَشَخْصِيَّتُه
الفصل الثاني حِكمة
الفصل الثالث مَوَاعِظُهُ
الفصل الرابع من تاليفه
الفصل الخامس من دُعَائِهِ
خاتمة
رقم الإيداع
الترقيم الدولى
١٩٩٩/٧١٦٥
IBN
9-02-5829-6
١/٩٩/٤٤
طبع بمطابع دار المعارف ج م ع
صفحة
١٣٠
۸۷۰
۱۱۷۰
١٤٩٠٠
۱۷۵۰
,۰۰۰
دار المعارف
يُعد الإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود صاحب ورائد مدرسة الفكر الإسلامي والتصوف في العصر الحديث ولقب بأبي التصوف في العصر الراهن فقد أثرى المكتبة العربية بأمهات الكتب بين تحقيق وتأليف وترجمة فمنها دراساته القيمة عن الإمام الغزالي
وكتابه
النبوة
"
المنقذ الضلال من
دلائل وه
و القرآن في شهر القرآن إلى
جانب ما كتبه عن رواد التصوف على مر العصور الإسلامية المختلفة
والإمام الأكبر فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود له عمق وغزارة الآراء الفقهية ودقة الاجتهادات مما جعله يكسب صفوف المعارضين
قبل المؤيدين إلى جانب اللباقة والدراية الكاملة
في عرض أي موضوع أو مسألة تتعلق بأمور في الدين وأيضا يمتاز بقوة ورصانة الأسلوب
والعبارات مما يدل على المهارة الفائقة والملكة اللغوية فلهذا اكتسب هذا العالم الجليل احترام
축
كل الفرق والمذاهب الإسلامية في شتى بقاع 1 العالم وسيبقى هذا العالم وتراثه في قلوبنا على
مر
العصور
۱۸۸۸۷/۰۱
آل بيته لقد اتبعوه عن إيمان مطلق واتبعوه لأنهم
واتبعه حسين لأنه منه
حسين منى وأنا من حسين كما يقول
منه
إن سيدنا عليا مثل خالد في التاريخ العالمي لهؤلاء الذين يعين هذا وذاك فتستقر له الأمور ويمتلك ناصية الحكم ويسيطر رئيسًا غير منازع ولكنه رضى الله عنه لو فعل ذلك لكان ملكًا لا خليفة وهو رضى الله عنه لم يكن يريد ملكًا وإنما كان يريد
خلافة
إنه كان يريد خلافة لرسول الله والخلافة لا تنظر في أمر إلا على السنن الشرعي الإسلامي
إن القرآن أساس تصرفاتها عنه تصدر وإلى غاياته تتجه فإذا انبهم أمر فإن في سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم تفسير وتوضيح
وبيان
ولم يقبل سيدنا على أن يفعل خلاف ما يؤمن به فلم يصغ إلى مشورة هذا أو ذاك ممن يريدون أن يسير في الحكم على طريقة
الخداع أو المداهنة أو تدبير المؤامرات الخفية
كلا إنه صدع بالحق الذي آمن به فكان بذلك مثلاً كريماً للقائم بالحق لا يتأتى أن تجود الدنيا بمثله اللهم إلا في ندرة
نادرة
۰
والواقع أن الصراع كل الصراع بين آل البيت وغيرهم في العهد الأموى والعهد العباسي إنما كان صراعًا بين ملك وخلافة هل الحكم فى الإسلام ملك يتصرف فيه الحاكم حسبها يرى
لا تقوده إلا نزعاته الشخصية فيكون تصرفه في الأمور سائرا حسبها يرى أو هو خلافة يتقيد فيها الخليفة بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية وعمل الرسول صلى الله عليه وسلم
عنهم
ورأى آل البيت رضى الله أن الحكم خلافة يتقيد الحاكم فيه تقيدا مطلقًا بالطابع الديني يلتزمه ويعمل على قيامه في الأمة وينفذه أحكامًا وحدودًا هل يذكر القارئ الكريم تلك الكلمات القصيرة التي دارت بين أبي سفيان والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه لقد مر جيش المسلمين في غزوة الفتح بأبي سفيان فرأى أبو سفيان جيشا بهره وأذهله وأثار في قلبه الرهبة فقال للعباس بعقليته الجاهلية
لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فرد عليه العباس قائلا
ويحك إنها النبوة
فقال أبو سفيان مصححا عقليته الجاهلية
فنعم إذن
إن الصراع بين آل البيت في تلك العهود إنما هو صراع بين
نبوة أو أدق بتعبير
بين
بين خلافة وملك أو بين دين ودنيا أو استسلام الله فيما أوحى به ونزعات تريد أن تكون شخصية
وما كان يتأتى لمن يجاهد في سبيل الخلافة أن
فيها الزيف وفيها الباطل
يسير في أودية
إن سيدنا عليا رضى الله عنه وكرم الله وجهه أشير عليه بأن
ينشد السير على طريق الحق
أنه
وإنك لتجد دائما من المؤلفين في التاريخ هؤلاء الذين يأخذون على سيدنا على أنه لم يكن سياسيا محنكا أي أنهم يأخذون عليه لم يخادع ولم يكذب ولم يغش ولم يداهن وهؤلاء فاتهم أن الأمر أمر صراع بين نبوة وملك أو بين خلافة وملك ولم يكن الأمر أمر صراع بين ملك وملك وحتى لو كان الأمر أمر صراع بين ملك وملك لكانت كفة سيدنا على وهو يصارع في سبيل الحق كفة راجحة تجعل منه البطل الكريم لقد استمسك بالحق وسيلة واستمسك بالحق غاية وأراد قوم أن يستمسك بالحق غاية لا وسيلة فأبى وأبى بشدة لقد أبى أن ينحط إلى مستوى الباطل فأخذ منتقدوه ينتقدونه من أجل ذلك
وهؤلاء الذين يكتبون بهذه النزعة عن سيدنا على إنما هم
هؤلاء الذين أخلدوا إلى الأرض ولم تسم أنفسهم إلى التطلع في السماء أو استشعار النور واتباعه أو الإيمان بالوحي وفهم رسالة
السماء
إن صلابة سيدنا على فى سبيل الحق مثل خالد على مر الزمن وإن صلابة سيدنا الحسين فى سبيل الخلافة – أي في سبيل سيادة القانون الإلهي - إنما هو مثل كريم لكل من ينشد السير بالإنسانية إلى ما يحب الله ورسوله
واستشهد سيدنا الحسين رضى الله عنه في سبيل الحق
وسفكت دماء
دمه
مع الطاهر في سبيل الحق وكان سيدنا زين العابدين مع أبيه وكان مريضا لا يستطيع القيام من فراشه وكان هذا المرض قدرًا مقدورًا أريد به أن يستمر نسل سيدنا الحسين فى طهره وصفائه ونقائه وفى فضائله المستمدة من نبع النبوة كسبًا ووهبا آدابا كريمة وفطرة نقية يصدق على كل منهم قول الفرزدق مشتقة من رسول الله نبعته طابت عناصره والخيم والشيم
وقوله
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم ونحن هنا نذكر عدة نصوص ليرى القارئ كيف تصرفت المقادير في الإبقاء على على بن الحسين رضي الله عنه
كان على بن الحسين مع أبيه وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وكان مريضا نائما على فراشه فلما قتل الحسين عليه السلام قال شمر بن ذى الجوشن اقتلوا هذا فقال له رجل من أصحابه سبحان الله أتقتل فتى حدثاً مريضا لم يقاتل
وجاء عمر بن سعد فقال
لا تعرضوا لهؤلاء النسوة ولا لهذا المريض
قال على بن الحسين
فغيبني رجل منهم وأكرم نزلى واختصني وجعل يبكى كلما خرج ودخل حتى كنت أقول إن يكن عند أحد من الناس خير ووفاء فعند هذا إلى أن نادى منادى ابن زياد ألا من وجد
على بن حسين فليأت به فقد جعلنا فيه ثلاثمائة درهم قال فدخل والله على وهو يبكي وجعل يربط يدى إلى عنقى وهو يقول أخاف فأخرجنى والله إليهم مربوطا حتى دفعنى إليهم وأخذ ثلاثمائة درهم وأنا أنظر إليها فأخذت وأدخلت على
ابن زیاد فقال ما اسمك
فقلت
قال
على بن حسين
أو لم يقتل الله عليا
قلت كان لي أخ يقال له على أكبر مني قتله الناس
قال
قلت
بل الله قتله
الله يتوفى الأنفس حين موتها
٢٤
فأمر بقتله فصاحت زينب بنت على يا بن زياد حسبك من دمائنا أسألك بالله إن قتلته إلا قتلتني معه فتركه وعن جعفر بن محمد قال
مات على بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة قال محمد
ابن عمر فهذا يدلك على أن على بن الحسين كان أبيه مع وهو ابن ثلاث أو أربع وعشرين سنة وليس قول من قال إنه كان صغيراً ولم يكن أنبت بشيء ولكنه كان يومئذ مريضًا فلم يقاتل وكيف يكون يومئذ لم ينبت وقد ولد له أبو جعفر محمد بن على ولقى أبو جعفر جابر بن عبد الله ورووا عنه وإنما مات جابر سنة ثمان وسبعين
أهله
فلما أتى يزيد بن معاوية بثقل الحسين ومن بقى من فأدخلوه عليه قام رجل من أهل الشام فقال إن سباءهم لنا
حلال
فقال على بن الحسين كذبت ولؤمت ما ذاك لك إلا أن تخرج من ملتنا وتأتى بغير ديننا فأطرق يزيد مـ مليا ثم قال للشامى اجلس وقال لعلى بن الحسين إن أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك ونعرف لك حقك
فعلت وإن أحببت أن أردك إلى بلادك وأصلك
قال بل تردنى إلى بلادى فرده إلى بلاده ووصله
ويقول الإمام ابن كثير
وقد هم بقتله عبيد الله بن زياد ثم صرفه الله عنه وأشار بعض الفجرة على يزيد بن معاوية بقتله أيضًا فمنعه الله منه ثم كان يزيد بعد ذلك يكرمه ويعظمه ويجلسه معه ثم بعثهم إلى المدينة وكان على بالمدينة محترما معظاً
وقال الأصمعي لم يكن للحسين عقب إلا من على بن الحسين ولم يكن لعلى بن الحسين نسل إلا من ابن عمه الحسن فقال له مروان بن الحكم لو اتخذت السراري يكثر أولادك فقال ليس لى ما أتسرى به فأقرضه مائة ألف فاشترى له السراري فولدت له وكثر نسله ثم لما مرض مروان أوصى ألا يؤخذ من على بن الحسين شيء مما كان أقرضه فجميع الحسينيين
من
نسله
رحمه الله
خرج على بن الحسين رضى الله عنه من محنته ذات الصلة بالدولة ولكنها تركت آثارا عميقة في نفسه لقد ذكروا أنه كان كثير البكاء فقيل له في ذلك فقال
إن يعقوب عليه السلام بكى حتى ابيضت عيناه على يوسف ولم يعلم أنه مات وإني رأيت بضعة عشر من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة فترون حزنهم يذهب من قلبي أبدًا
٢٦
وإذا كان البكاء أثرًا من آثار الكارثة فإن آثارا أخرى كثيرة يمكن الحديث عنها
لقد رأى زين العابدين الحياة تنتزع في لحظات من هؤلاء الذين كانوا يحيطون به وتنتزع فى نوع من اللامبالاة ونوع من الجرأة على إزهاق الروح بالباطل وحينما تنتهى الحياة ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث
صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له
أعمال
ولقد رأى زين العابدين أن الناس قد انصرفوا عن الآخرة فكان همهم كل همهم إنما هو الجرى وراء الملك والسلطان والجاه والاستعلاء والغلبة وهم في سبيل ذلك يأتون ما يأتون دون مراعاة لدين ولا لحق ولا لفضيلة ويستمرون في غيهم سادرين يقول سبحانه معبرا عن حالهم اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون * ما من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون
ويقول سبحانه
وأنذرهم
يأتيهم
۱
وهم
الحسرة إذ قضى الأمر وهم في غفلة يوم لا يؤمنون * إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا
يرجعون ٢
۱ سورة الأنبياء آيتا ١ ٢
سورة مريم آيتا ٣٩ ٤٠
وبرغم إنذار القرآن لهم المرة بعد المرة فإن نزعاتهم
وشهواتهم ألهتهم
عن
الله ويأتيهم الموت طال بهم الزمن أو قصر
فتكون الحسرة حيث لا تنفع الحسرة
ويأخذ زين العابدين من كل ذلك العظة والعبرة فينحو في
حياته نحو هؤلاء الذين لا تغرهم الدنيا ويسلك في الحياة مسلك
أسلافه الذين قالوا للدنيا
یا دنيا غرى غيرنا
ومما يرشد إلى طابع السجاد نقش خاتمه ولقد ذكر المؤرخون عدة صيغ لهذا النقش منها
<-0
وما توفيقي إلا بالله
الله لكل غم حسبى القوة الله جميعا
العزة لله
الحمد لله العلى
إن الله بالغ أمره
وربما كانت هذه الصيغ دليلا على أنه كان له عدة خواتم نقش على كل منها شعار خاص وتلتقى هذه الشعارات كلها لترشد إلى أن على بن الحسين كان ملقيا بقياده إلى الله في
استسلام مطلق إنه السجاد
عبادته
ولقد اتجه على بن الحسين إلى العبادة وعبادته لها طابعها السامي إنه يقول
إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وآخرون عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار وآخرون عبدوه محبة وشكرا فتلك عبادة الأحرار الأخيار
وذكر وا أنه احترق البيت الذى هو فيه وهو قائم يصلى فلما
انصرف قالوا له
مالك لم تنصرف
فقال إنى اشتغلت عن هذه النار بالنار الأخرى وكان إذا توضأ يصفر لونه فإذا قام إلى الصلاة ارتعد من
الفرق فقيل له في ذلك فقال
ألا تدرون بين يدى من أقوم ومن أناجي
ویروی صاحب الحلية ذلك على النحو التالي حدثنا العتبى قال حدثنا أبي قال
كان على بن الحسين إذا فرغ من وضوئه للصلاة وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضة فقيل له في ذلك فقال ويحكم أتدرون إلى من أقوم ومن أريد أن أناجي
أما في حجه فإن صاحب الحلية يقول
ولما
أراد أن يلبى فارتعد وقال حج
أخشى أن أقول لبيك اللهم لبيك فيقال لي لا لبيك
فشجعوه على التلبية فلما لبى غشى عليه حتى سقط
الراحلة
عن
ويقول الفرزدق في استلام زين العابدين للحجر الأسود
يكاد يمسكه عرفان راحته
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
ومن مظاهر التقوى عنده ما يقوله الواقدي
C
كان من أورع الناس وأعبدهم وأتقاهم الله عز وجل وكان إذا مشى لا يخطر بيده وكان يعتم بعمامة بيضاء يرخيها من ورائه عن أبي حمزة قال رأيت على بن الحسين رضي الله عنه في فناء الكعبة فى الليل وهو يصلى فأطال القيام حتى جعل مرة يتوكأ على رجله اليمنى ومرة على رجله اليسرى ثم سمعته يقول بصوت كأنه باك
یا سیدی تعذبنى وحبك في قلبي أما وعزتك لئن فعلت
لتجمعن بيني وبين قوم طالما عاديتهم فيك
وعن طاوس قال دخلت الحجر فى الليل فإذا على بن الحسين قد دخل فقام يصلى فصلى ما شاء الله ثم سجد فقلت
٣٠
رجل صالح من أهل بيت الخير لأستمعن إلى دعائه فسمعته
يقول في سجوده
عبيدك بفنائك مسكينك بفنائك فقيرك بفنائك سائلك
بفنائك فما دعوت بهن في كرب إلا فرج عنى
وفي كشف الغمة عن كتاب نثر الدرر قال طاوس رأيت رجلا يصلى في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي في دعائه فجئته حين فرغ من الصلاة فإذا هو على بن الحسين عليهما السلام فقلت يا بن رسول الله رأيتك على حالة كذا ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك من الخوف
أحدها أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم
والثاني شفاعة جدك
والثالث رحمة الله
فقال يا طاوس أما أنى ابن رسول الله فلا يؤمنني وقد
1
سمعت الله تعالى يقول فلا أنساب بينهم يومئذ وأما شفاعة جدى فلا تؤمننى لأن الله تعالى يقول
ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ٢
وأما رحمة الله فإن الله تعالى يقول إن رحمة الله قريب من
۱ سورة المؤمنون آية ۱۰۱
سورة الأنبياء آية ۸
المحسنين ۱ ولا أعلم أنى
محسن
وسئلت عنه مولاة له فقالت
أطنب أو أختصر فقيل لها اختصرى فقالت
ما أتيته بطعام نهارًا قط وما فرشت له فراشا بليل قط ولقد كان يمر على المدرة فى وسط الطريق فينزل عن دابته
Y
حتى ينجيها بيده عن الطريق
الله
وتسير الحياة بعلى بن الحسين رضى الله عنه ووجهته مرضاة ورسوله وهمه أن يفنى النفس الأمارة بالسوء فناءً تاما وأن
يكون ملائكي الروح ومن مظاهر ذلك
حلمه
والحلم سيد الأخلاق وقد كان رحمه الله حليا تأسيا برسول الله الذى ما كان يغضب لنفسه قط وتأسيا بأبي الأنبياء
الذي كان حليا وتأسيا
الأنبياء بجميع
يقول صاحب الكواكب الدرية
وكان يضرب به المثل في الحلم وله فيه حكايات عجيبة
وأخبار غريبة
۱ سورة الأعراف آية ٥٦ المدرة قطعة الطين اليابس
وكان إذا نقصه أحد قال
اللهم إن كان صادقًا فاغفر لى وإن كان كاذبا فاغفر له ونال منه رجل يوما فجعل يتغافل عنه يريه أنه لم يسمعه
فقال له الرجل إياك أعنى
فقال له على وعنك أغضى
وخرج يوما من المسجد فسبه رجل فانتدب الناس إليه فقال دعوه ثم أقبل عليه فقال ما ستره الله عنك من عيوبنا أكثر ألك حاجة نعينك عليها
فاستحيا الرجل فألقى إليه خميصة كانت عليه وأمر له بألف
درهم فكان الرجل بعد ذلك إذا رآه يقول
إنك من أولاد الأنبياء
واختصم على بن الحسين وحسن بن حسن - وكان بينهما منافسة - فنال منه حسن بن حسن وهو ساكت فلما كان الليل ذهب على بن الحسين إلى منزله فقال يا بن عم إن كنت صادقا
يغفر الله لى وإن كنت كاذبًا يغفر الله لك والسلام عليك ثم
رجع
فلحقه فصالحه
ولقيه رجل فسبه فقال له
يا هذا بينى وبين جهنم عقبة إن أنا جزتها فما أبالى بما قلت وإن لم أجزها فأنا أكثر مما تقول ألك حاجة
زين العابدين
۳۳
فخجل
وسبه رجل فقال له ما لا تعرفه منى أكثر مما تعرفه فإن كان لك حاجة فاذكرها وكان الرجل يقف على رأسه في المسجد فما يترك شيئًا إلا ويقوله فيه وهو ساكت لا يرد عليه - رضي الله عنه - فلما ينصرف يقوم الرجل وراءه ويلزمه من خلفه ويبكي فيقول
لا عدت تسمع منى شيئًا تكرهه أبدًا
وكان ينشد
وما شيء
أحب إلى اللئيم
إذا شتم الكريم من الجواب
وقال عبد الرزاق
سكبت جارية لعلى بن الحسين عليه ماء ليتوضأ فسقط
الإبريق من يدها على وجهه فشجه فقالت الجارية إن الله
۱
يقول والكاظمين الغيظ فقال
قد كظمت غیظی
قالت والعافين عن الناس
فقال عفا الله عنك
فقالت والله يحب المحسنين 1
قال أنت حرة لوجه الله
۱ سورة آل عمران آية ١٣٤
وعن هشام بن عروة قال
كان على بن حسين يخرج على راحلته إلى مكة ويرجع
لا يقرعها
وعن أبي حمزة الثمالى أن على بن الحسين كان إذا خرج من
بيته قال
اللهم إنى أتصدق اليوم أو أهب عرضى اليوم – من
استحله
وعن عبد الله بن محمد بن عقيل قال
كان على بن حسين عشية عرفة وغدوة جمع إذا دفع يسير على هيئته ويقول
إن كان ابن الزبير غير مصيب حين ضرب راحلته بيده
ورجله
وروى الواقدى قال حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن على عليه السلام قال كان هشام بن إسماعيل يسىء جوارنا ولقى منه على بن الحسين رضى الله عنه أذى شديدا فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس فقال ما أخاف إلا من على بن الحسين فمر به على بن الحسين وقد أوقف عند دار مروان فسلم عليه وكان على بن الحسين قد تقدم إلى خاصته ألا
يعرض
له
۳۵
أحد بكلمة فلما مر رسالته ۱
ناداه هشام الله أعلم حيث يجعل
وزاد ابن فياض فى الرواية فى كتابه أن زين العابدين رضى الله عنه أنفذ إليه وقال انظر ما أعجزك من مالك تؤخذ به فعندنا ما يسعك فطب نفسًا منا ومن كل من يطيعنا فنادى هشام الله الله أعلم حيث يجعل رسالته ۱
وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن عالم مولى أبي جعفر قال كان هشام بن إسماعيل يؤذى على بن الحسين وأهل بيته يخطب بذلك على المنبر وينال من على فلما ولى الوليد بن عبد الملك عزله وأمر أن به يوقف للناس فكان يقول لا والله ما كان أحد من الناس أهم إلى من على بن الحسين كنت أقول رجل صالح يسمع قوله فوقف للناس فجمع على بن الحسين عليه السلام ولده وخاصته ونهاهم عن التعرض له وغدا على بن الحسين مارا لحاجة فما عرض له فناداه هشام بن إسماعيل هو الله أعلم حيث يجعل رسالته ۱
وبسنده عن عبد الله بن على بن الحسين قال لما عزل هشام ابن إسماعيل نهانا أبى أن ننال منه ما يكره فإذا أبي قد جمعنا فقال إن هذا الرجل قد عزل وقد أمر بوقفه للناس فلا يتعرض
۱ سورة الأنعام آية ١٢٤
٣٦
له أحد منكم فقلت يا أبت ولم والله إن أثره عندنا لسيئ وما كنا نطلب إلا مثل هذا اليوم قال يا بني نكله إلى الله فوالله ما عرض له أحد آل الحسين بحرف حتى تصرم أمره
من
وفى الإرشاد أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد حدثنى جدى
فأسمعه
حدثني محمد بن جعفر وغيره قالوا وقف على على بن الحسين رجل من أهل بيته وشتمه فلم يكلمه فلما انصرف قال لجلسائه قد ما قال هذا الرجل وأنا أحب أن تبلغوا معى سمعتم إليه حتى تسمعوا منى ردى عليه قال فقالوا له نفعل ولقد كنا نحب أن نقول له ونقول قال فأخذ نعليه ومشى وهو يقول والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب
المحسنين
۱
فعلمنا أنه لا يقول له شيئًا وقال فخرج إلينا متوثباً للشر وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافئًا له على بعض ما كان منه فقال له على بن الحسين رضي الله عنه يا أخي إنك كنت قد وقفت على آنها وقلت فإن كنت قد قلت ما في فأنا أستغفر الله منه وإن كنت قلت ماليس في فغفر الله لك
قال فقبله الرجل بين عينيه وقال بلى قلت فيك ما ليس
۱ سورة آل عمران آية ١٣٤
فيك وأنا أحق به قال راوي الحديث والرجل هو الحسن بن
الحسن رضي الله عنه
وكان رضي الله عنه يقول
ما تجرعت جر
رعة أحب إلى من جرعة غيظ أعقبها صبراً
وما أحب أن لي بذلك حمر النعم
موقفه من المال
إن الله سبحانه وتعالى يقول
ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون
ويقول
فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره
لليسرى ٢
ولقد كان زين العابدين رضى الله عنه كريما والأخبار التالية
تروى شيئا من ذلك يقول ابن كثير
وذكروا أنه كان كثير الصدقة بالليل وكان على يقول
صدقة الليل تطفئ غضب الرب وتنور القلب والقبر
وتكشف عن العبد ظلمة
القيامة
يوم
۳۸
۱ سورة الحشر آية ٩
سورة الليل آيات ۷۵
ولقد قاسم الله تعالى ماله مرتين
وقال محمد بن إسحاق
كان ناس بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين يعيشون ومن
يعطيهم فلما مات على بن الحسين فقدوا ذلك فعرفوا أنه الذي كان يأتيهم في الليل بما يأتيهم به
هو
ولما مات وجدوا فى ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب إلى بيوت الأرامل والمساكين في الليل
ودخل على بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد يعوده فبكى ابن أسامة فقال له ما يبكيك
قال على دين
قال وكم هو
قال خمسة عشر ألف دينار وفى رواية سبعة عشر ألف دينار
فقال هي على
من صدقاته
أبي حمزة الثمالى قال عن
كان على بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل
فيتصدق به ويقول
إن صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل
وعن عمرو بن ثابت قال
۳۹
لما مات على بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سوا بظهره فقالوا ما هذا فقيل كان يحمل جرب الدقيق ليلا
على ظهره يعطيها فقراء أهل المدينة
وكان يقول إني لأستحى من الله عز وجل أن أرى الأخ من إخوانى فأسأل الله له الجنة وأبخل عليه بالدنيا فإذا كان القيامة يوم قيل له فإذا كانت الجنة بيدك كنت بها أبخل وأبخل وأبخل وروى الصدوق في العلل بسنده عن سفيان بن عيينة قال رأى الزهرى على بن الحسين رضى الله عنه في ليلة باردة ممطرة وعلى ظهره دقيق وهو يمشي فقال يا بن رسول الله ما هذا قال أريد سفرًا أعد له زاداً أحمله إلى موضع حريز قال فهذا غلامي يحمله عنك فأبى قال أنا أحمله عنك فإني أرفعك عن حمله قال على لكنى لا أرفع نفسى عما ينجيني في سفرى ويحسن ورودى على ما أرد عليه أسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك وتركتنى فلما كان بعد أيام قال له يا بن رسول الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثراً قال بلی یا زهری لیس ماظننت ولكنه الموت وله أستعد إنما الاستعداد للموت تجنب الحرام وبذل
الندى فى الخير ا هـ وكان ذلك الدقيق قد حمله ليتصدق به ويعده زادا لسفر الآخرة والواقع أن هذه الروح الكريمة عند زين العابدين هي التي
تتمشى في تناسق تام مع الروح الإسلامية الصادقة لقد حث القرآن الكريم على الصدقة يقول تعالى وليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء وما تنفقوا - من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من
خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون
وقال
ومالكم ألا تنفقوا في سبيل الله والله ميراث السموات والأرض لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله
الحسنى والله بما تعملون خبير ٢
وقال
وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار ۳
وقال
قل إن ربى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له
٤
وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين 4
۱ سورة البقرة آية ۷
سورة الحديد آية ١٠ ۳ سورة البقرة آية ۷۰
٤ سورة سبأ آية ٣٩
٤١
إلا الله رباها عليها الإنسان الكامل الذي امتزجت به لا إله إلا الله فكانت القائد له فى كل تصرف مرفاته ووقف بها صامدًا في وجه كل طغيان وفي وجه كل ضعف وفى وجه كل عقبة وانتهت به إلى الفلاح الكامل والنصر المبين
وما زالت لا إله إلا الله ولن تزال تفيض بالنور والقوة على كل من آمن بها فردا أو جماعة
وما زالت ولن تزال تخرج رجالاً خير رجال أخرجوا
هم
للناس وتخرج جماعات - إذا أشربوا روحها - هم خير جماعات
أخرجت للناس
وما من
شك في أنه ليس خير الجماعات هم الذين بيدهم
الحديد والنار وبيدهم التنكيل والغلبة والتعذيب كلا وحاشا وإن هؤلاء الدول فى أوربا وأمريكا التي سيطرت وسادت بقنابلها ومدافعها فأشقت الإنسانية ودمرت البلاد والعباد وخربت
الأنفس والأجسام إن هذه الدول باعتراف أهلها تصور الإنسانية أسوأ تصوير إنها عدوة – في جبروتها - للحق والخير والسلام عدوة للفضيلة والخلق الكريم
ومهما وصلت من القوة ومهما بلغت فى غزو الفضاء وفى
وحث رسول الله على الصدقة ومن أحاديثه في ذلك عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت ثمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله وروى مسلم بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تبارك وتعالى
یا بن آدم أنفق أنفق عليك
وعن جرير قال
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال
وجه
فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النهار أو العباء متقلدى السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال ويأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي
تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ۳
۱ مجتابي النهار أو العباء خرقوا نمارهم - وهى الثياب من الصوف فيها تنمير -
أو عباءهم وقوروا وسطها
تعر تغير
۳ سورة النساء آية ١
٤٢
والآية التي في الحشر
يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله
تصدق رجل من دیناره من در همه من ثوبه من صاع بره
من صاع تمره حتى قال ولو بشق تمرة قال فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل لقد عجزت قال
ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سبعة يظلهم الله في ظله لا ظل إلا ظله يوم فذكر الحديث وفيه
ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق
٤٣
۳
يمينه
۱ سورة الحشر آية ۱۸
۳ متفق عليه
رواه مسلم بطوله
العالم
وإذا كان الإسلام حث على الصدقة في هذه الصورة من الروعة فإنه حث على العلم فى صور جميلة ونظرة الإسلام للعلم نظرة كريمة على المسلمين أن يتدبروها فى العصر الراهن ويسيروا على هداها فتأخذ بيدهم إلى النهوض والرقي
إن القرآن يعتبر العلم عبادة والعلماء هم الذين يخشون الله من بين عباده
۱
إنما يخشى الله من عباده العلماء 1
والذين يصلون إلى قمة الإيمان وهى شهادة أن لا إله إلا الله هم العلماء
وشهد الله أنه لا إله إلى هو والملائكة وأولو العلم قائما
بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم
ويقول سبحانه
درجات
يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم
۳
۱ سورة فاطر آية ۸ سورة آل عمران آية ۱۸
۳ سورة المجادلة آية ۱۱
ويقول
هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ۱ ورسول الله لا متناسقا مع القرآن وداعيًا إلى ما يدعو إليه
يقول في العلم
من
سلك طريقا يبتغى فيه علما سهل الله له طريقًا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا لما يصنع وإن العالم ليستغفر له من فى السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ومن أجل كل ذلك أخذ زين العابدين رضي الله عنه يسير في الطريق الذي رسمه القرآن فى العلم فأكب عليه وأخذ يطلبه في مظانه غير مبال بتقاليد أو بنقد
لقد كان على بن الحسين إذا دخل المسجد تخطى الناس حتى يجلس في حلقة زيد بن أسلم فقال له نافع بن جبير بن مطعم غفر الله لك أنت سيد الناس وأفضلهم تأتى تخطى حلق أهل
۱ سورة الزمر آية
ولقد وصل في العلم من السعة والعمق والشمول إلى درجة
كبرى تصورها الرواية التالية
عن سفيان بن عيينة عن الزهري قال دخلنا على على بن الحسين بن على فقال یا زهری فیم کنتم
قلت تذاكرنا الصوم فأجمع رأيى ورأى أصحابى على أنه ليس من الصوم شيء واجب إلا شهر رمضان
فقال يا زهرى ليس كما قلتم الصوم على أربعين وجها
عشرة منها واجبة كوجوب شهر رمضان
وعشرة منها حرام
وأربع عشرة خصلة صاحبها بالخيار إن شاء صام وإن شاء
أفطر
وصوم النذر واجب وصوم الاعتكاف واجب قلت فسرهن یا بن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أما الواجب
فصوم شهر رمضان
وصيام شهرين متتابعين يعنى في قتل الخطأ لمن لم يجد
العتق
قال تعالى
ΣΥ
ومن قتل مؤمنا خطأ الآية
وصيام ثلاثة أيام فى كفارة اليمين لمن لم يجد الإطعام قال الله
عز وجل
وذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ٢
وصيام حلق الرأس قال الله تعالى
فمن كان منكم مريضا أو به
صاحبه بالخيار إن شاء صام ثلاثا
أذى
من
رأسه ۳ الآية
وصوم دم المتعة لمن لم يجد الهدى قال الله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج 4 الآية
وصوم جزاء الصيد قال الله عز وجل
ومن
۱ سورة النساء آية ۹ والآية وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطاً قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليها حكيما المائدة آية ۸۹ وفيها فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا
حلفتم
۳ سورة البقرة آية ١٩٦ وفيها فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك
٤ البقرة آية ١٩٦ وفيها فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة
٤٨
۱
ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم 1
الآية وإنما يقوم ذلك الصيد قيمة ثم يقص ذلك الثمن على
الحنطة
وأما الذى صاحبه بالخيار فصوم يوم الاثنين والخميس وصوم ستة أيام من شوال بعد رمضان ويوم عرفة ويوم عاشوراء كل
ذلك صاحبه بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر وأما صوم الإذن فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها وكذلك العبد والأمة
وأما صوم الحرام فصوم يوم الفطر الأضحى وأيام ويوم الشك نهينا أن نصومه كرمضان وصوم الصمت حرام وصوم نذر المعصية حرام وصوم
التشريق ويوم
الوصال
حرام وصوم الدهر حرام والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نزل على قوم فلا يصومن تطوعًا إلا بإذنهم ويؤمر الصبي بالصوم إذا لم يراهق تأنيسا وليس بفرض وكذلك من أفطر لعلة أول النهار ثم وجد قوة في بدنه أمر من بالإمساك وذلك تأديب الله عز وجل وليس بفرض
۱ سورة المائدة آية ٩٥
وكذلك المسافر إذا أكل
من
أول النهار ثم قدم أمر بالإمساك
وأما صوم الإباحة فمن أكل أو شرب ناسيا من غير عمد فقد أبيح له ذلك وأجزأه
وأما صوم المريض وصوم المسافر فإن العامة اختلفت فيه فقال بعضهم يصوم وقال قوم لا يصوم وقال قوم إن شاء صام وإن شاء أفطر وأما نحن فنقول يفطر في الحالين جميعا فإن صام في السفر والمرض فعليه القضاء قال الله عز وجل
فعدة من أيام أخر
تقديره للعلم
وكان تقديره للعلم عظيما
عن فضيل بن غزوان قال قال لى على بن الحسين من ضحك ضحكة مج مجة من العلم
وكان يقول
أبدا
من كتم علما أحداً أو أخذ عليه أجرًا رفدًا فلا ينفعه
وكان رضي الله عنه يؤمن بأن من ثمار العلم أن يستخدمه
الإنسان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنه لم يكن سلبيا يعلم ولا يستفيد الناس بعلمه كلا من خوض معركة إصلاح المجتمع ولذلك
إن العالم لا بد له
0
19
۵۱
يقول فيما
أحمد يرويه بن موسى بن إسحاق بسنده عن
موسى بن أبى حبيب عن على بن الحسين قال
التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كنابذ كتاب الله
وراء ظهره إلا أن يتقى تقاة
قالا
قيل وما تقاته
قال يخاف جبارًا عنيدًا أن يفرط عليه أو أن يطغى وهو في هذه التقاة يتابع موسى وهرون عليهما السلام حينما
۱
إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ١
عنايته بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإذا كان زين العابدين رضى الله عنه معنيا بالعلم على وجه العموم فإنه رضى الله عنه كان معنيا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص
والواقع أن العلماء الذين شرح الله صدورهم للإسلام يعنون دائما بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأحاديثه وذلك ليكون الاقتداء به اتباعًا لقول الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الآخر وذكر الله كثيرا ٢
لمن كان يرجو الله واليوم
۱ سورة طه آية ٤٥ سورة الأحزاب آية ۱
استخدام الأقمار الصناعية للتجسس فإن كل ذلك لا يجعل منها
أمة فضيلة وخير ونحن لا نعادى التقدم العلمى كلا إننا على العكس ندعو إليه ونوجبه في أممنا النامية ولكن التقدم العلمي إذا لم يصاحبه
زيادة الشعور بالفضيلة والخير يصبح جبروتا وطغيانا وفرق بين التقدم العلمى الذى يرافقه الإيمان بالخير والفضيلة فيثمر السلام والأمن والاطمئنان والتقدم العلمي الذي لا يهدف إلا الغلبة والاستعلاء فيثمر الخراب والدمار
إن هؤلاء الذين بهرتهم الحضارة الغربية قد عموا عن أمرين في غاية الأهمية
الأمر الأول هو أن هذه الحضارة في جانبها المادى أشقت الإنسانية بهذه الوسائل المهلكة المدمرة المخربة التي استخدمت دین واحد هو المسيحية واستخدمت في
بين
من
أهل
أقطار مختلفة أبشع صورة ضد أمم ضعيفة للسيطرة عليها ووضعها في وضع أشبه ما يكون بالرق إن لم يكن هو الرق نفسه ومن أجل هذه الصورة الواقعية لعن كثير من الأوربيين حضارتهم وتمنوا زوالها أما الأمر الثانى الذى عمى عنه من بهرتهم الحضارة الغربية فهو أنها في جانبها الثقافي النظرى متغيرة باستمرار ظنية لا سبيل فيها إلى اليقين
والعناية بأحاديث رسول الله لها ثمار كثيرة وذلك أنها تفيد الإنسان في اللغة وتفيده في الأسلوب العربي فإن خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاديثه على أعلى مستوى في
اللغة والأسلوب بعد كتاب الله سبحانه
وتفيد الإنسان في معرفة الدين على الصورة الصحيحة مفسرة لكتاب الله مبينة للكثير من أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم في السلوك الظاهرى وفى الأحوال الباطنية
ولقد سبق أن تحدثنا عن السنة فقلنا
إن السنة دعوة بالحسنى إلى الرقى الأخلاقي الذي تجري وراءه الإنسانية المهذبة إنها دعوة إلى التاجر أن يكون صدوقا
فيحشر مع
النبيين والصديقين والشهداء
وإلى العامل أن يتقن عمله لأن الله يحب إذا عمل أحدكم
عملاً أن يتقنه وإلى الصانع أن يؤدى العمل كما يجب حيث أخذ الأجر ومن أخذ الأجر حاسبه الله على العمل
وهى دعوة إلى الأب باعتباره أباً وإلى الأم في وضع أمومتها وإلى الأخ فى مهمة إخوته وإلى غيرهم من أفراد المجتمع أن يرعى كل منهم ما وكل إليه من أمر رعيته لأنه مسئول عن
رعيته وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته
۵
له
وهي دعوة للناس إلى الأمانة حيث إنه لا إيمان لمن لا أمانة
وإلى الصدق وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا وإلى الرحمة الرحمة العامة الشاملة وصلوات الله وسلامه على قال إنما أنا رحمة مهداة من
ومن قال
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وخذ أى خلق كريم تتمنى أن يسير عليه المجتمع فستجد في السنة دعوة إليه بوسيلة وبأخرى وبثالثة
وهى في هذه الدعوة تنبه دائما إلى دور الأمة الإسلامية في الأخلاق العالمية إن دورها إنما هو دور الرائدة الواعية وعلى الرائد دائما أن يكون المثل الأعلى والأسوة الكريمة والقدوة
الصالحة
ولقد كان رسول الله الله الصورة الحية الناطقة التي طبقت كمبادئ إنسانية ممكنة الخلق الذي رسمه الله وأحبه للإنسانية
ومن
جمعاء والذي عبرت عنه السنة أجمل تعبير وأبلغه أجل هذا التقدير الكريم للسنة الشريفة كان العلماء المستنيرون في كل عصر يجاهدون من أجلها ومن أجل مكارم الأخلاق التي تعبر عنها وكان هؤلاء العلماء - علماء السنة -
يعرفون بسيماهم فقد كانوا من الزهد في حطام الدنيا بحيث
لا ينازعون الناس في دنياهم
لقد كانوا مشغولين عن جمع المال بخدمة الدين وكانوا مشغولين عن الجاه بغرس الخلق الصالح الكريم وكانوا مشغولين السلطان بمن بيده السلطان يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء
عن
مالك الملك ذو الجلال والإكرام
وكانوا صادقين لقد كان الصدق دينهم وفطرتهم وكانوا صابرين على الحياة وصابرين على العمل لقد أقاموا نهارهم وأسهروا ليلهم عملا على مرضاة الله ورسوله والمثل الذي نحب أن نسوقه كصورة لهؤلاء القوم هو الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إنه المحدث الذى حاول أن يكون صورة صادقة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في الزاوية الأخلاقية
وسيرة الإمام - رضوان الله عليه – مثل أعلى في التمسك بما يراه حقا وفي الصبر على ما يناله فى سبيل التمسك بالحق على أن كل من تشبع بالسنة حقا إنما هو صورة – قريبة قدر المستطاع - من الإمام أحمد
حب
ولقد كان الإمام البخارى وغيره ممن أشربت نفوسهم السنة أمثلة كريمة للخلق الكريم
٥٤
والأمثلة الكريمة للخلق الكريم هدف دائم لسهام العصابات الأثيمة التى استهواها الشيطان في قليل أو في كثير إنه النزاع الدائم بين الفضيلة وأصحابها وبين الممثلين لنزغات الهوى والضلال
ولولا وجود هذه المثل العليا لمكارم الأخلاق في كل عصر لفقدت الإنسانية الثقة بنفسها ولما اطمأن إنسان لإنسان ولما وثق شخص بآخر
لقد ربت السنة رجالاً وخصائصها التي ربت بها الرجال
موجودة فيها لأنها من طبيعتها ومن ذاتها
ولقد شهدت الإنسانية واعترفت بسمو هؤلاء الرجال وأولتهم ثقتها وتقديرها
إن الإمام أحمد بن حنبل وإن الإمام البخارى وإن أمير المؤمنين في الحديث الإمام سفيان الثورى وأمثال هؤلاء رضى الله
عنهم منارات يهتدى بهم عشاق المثل العليا الأخلاقية
لابد - إذن - من العمل على نشر السنة وإذاعتها ومحاولة الإكثار من النفوس التى تتشربها وتحققها وتتمثلها وتجعلها كيان
حياتها
لا بد من نشرها وطنية
00
ولابد من نشرها إنسانية لأنها تعبر عن
إنساني
ولابد من نشرها دينا
ولا بد من نشرها ذوقًا أدبيا
ولابد من نشرها للثروة اللغوية
أرقى مستوى
وما من شك فى أن للسنة جدًّا فكريا فالرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث عن إصلاح المجتمع وعن عوامل الهدم التي تعمل على تقويضه وعن عوامل البناء التي تعمل على إقامته على قواعد سليمة ويتحدث عن النظم التى ينبغى أن تسود المجتمع الإنساني وعن الأوضاع التي يجب أن تستقيم
وللسنة جو لغوى فالرسول صلى الله عليه وسلم قد أوتى جوامع الكلم وكلامه أبلغ الكلام البشرى ونشر السنة عامل من أهم العوامل في ترقية اللغة التى يكتب بها الكتاب وفى وضع الناشئين والمثقفين في وضع أدبى ممتاز من حيث اللغة ومن حيث
الأسلوب
وللسنة جو روحى
إنها تهذيب للنفس وتربية للروح وسمو بالأخلاق إلى درجة لا تجاري وصلى الله وسلم على من قال
٥٦
إنما بعثت لأتمم مكارم
ورحم
الأخلاق
الله شوقى إذ يقول
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ومن أجل ذلك كله كان نشر السنة واجبا دينيا وعملاً اجتماعيا كريما وواجباً وطنيا حتميًّا وإصلاحًا أخلاقيا ساميا وهو على كل حال ضرورة وطنية ملحة في عصر تحاول الرذيلة فيه أن تعمم الانحلال الخلقى فى كل أسرة وفي كل بيت ويحاول الفساد أن يأتى على مقدسات الأمة ومقوماتها من عرض وشرف
وكرامة
لقد أحب الله للإنسانية مثالاً أخلاقيا كريماً رسمه سبحانه في القرآن الكريم قولا فكان الرسول صلى الله عليه وسلم الصورة التطبيقية
الكاملة
للرسم الإلهى وكان بذلك المثل الكامل لقد كان المثل الأعلى في الرحمة والمثل الأعلى في الكفاح والمثل الأعلى في الصبر والمثل الأعلى للمجاهد المتفائل والمثل الأعلى في الصدق في الإخلاص في الوفاء في البر في الكرم ولقد وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله
وإنك لعلى خلق عظيم ۱
۱ سورة القلم آية ٤
ولا ريب فى أن الأمة الإسلامية حينما تقتدى بالرسول صلى الله عليه وسلم إنما
تقتدى بأعظم البشر رجولة وإنسانية
وتقتدى بمن أحب الله سبحانه أن تقتدى به
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو
۱
واليوم الآخر وذكر الله كثيرا 1
الله
وإن العمل على نشر السنة إنما هو توجيه إلى الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم و و و من هنا كانت عناية الصالحين بالأحاديث ومن هنا كانت عناية زين العابدين رضى الله عنه ولقد بلغ في ذلك منزلة سامية يقول أبو بكر بن أبي شيبة
أصح الأسانيد كلها الزهري عن على بن الحسين عن أبيه
عن جده
ويقول محمد بن سعد
كان ثقة مأمونا كثير الحديث عاليا رفيعا ورعًا
وقد تحدث العلماء عمن
أخذ
عنهم وعمن أخذوا عنه يقول
صاحب الحلية
أسند على بن الحسين الكثير وسمع من ابن عباس وجابر
ومروان وصفية وأم سلمة وغيرهم من الصحابة رضى الله تعالى
عنهم
۱ سورة الأحزاب آية ۱
۵۸
ويقول صاحب البداية والنهاية
روى على هذا الحديث عن أبيه وعمه الحسن بن على وجابر وابن عباس والمسور بن مخرمة وأبى هريرة وصفية وعائشة وأم سلمة أمهات المؤمنين
وروى عنه جماعة منهم بنوه زيد وعبد الله وعمر وأبو جعفر محمد بن على بن قر وزيد بن أسلم وطاوس وهو من أقرانه والزهري ويحيى بن سعيد الأنصارى وأبو سلمة
أقرانه وخلق
يقول صاحب الكاشف
وهو من
على بن الحسين الهاشمي زين العابدين عن أبيه وعائشة
وأبي هريرة وجمع وعنه بنوه محمد وزيد وعمر والزهرى
وأبو الزناد
قال الزهرى ما رأيت قرشيًّا أفضل منه
ومن أحاديثه التي رواها صاحب الحلية ما يلى
حدثنا سليمان بن
أحمد بسنده عن الزهري أخبرنا على
ابن الحسين أن عبد الله بن عباس حدثه أخبرني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار قال
بينما هم جلوس ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ رمى بنجم فاستنار
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
۵۹
ما كنتم تقولون فى الجاهلية إذا رمى بمثل هذا قالوا الله ورسوله أعلم كنا نقول
ولد الليلة رجل عظيم ومات الليلة رجل عظيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا إذا قضى أمرا سبحته حملة العرش ثم سبحه أهل السماء الذين يلونهم ثم سبحه أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا ثم يقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربكم فيجيبونهم فيستخبر أهل السماوات بعضهم بعضا حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا فتخطف الجن السمع فيلقونه إلى أوليائهم فما جاءوا به على وجهه فهو صحيح ولكنهم يفرقون فيه ويزيدون فترمى الشياطين بالنجوم حدثنا أبو بحر محمد بن الحسين - بسنده – عن ابن شهاب عن على بن الحسين عن أبيه عن على بن أبي طالب رضى الله
عنهم قال
أصبت شارفًا يوم بدر وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شارفًا آخر فأنختها بباب رجل من الأنصار وأنا أريد أن أحمل عليهما أذخرًا
۱ صحيح أخرجه مسلم في صحيحه عن الأوزاعي ويونس وصالح ابن كيسان ورواه عن الزهرى يحيى بن سعيد وزياد بن سعد ومعمر ومحمد بن إسحاق في آخرين
إن مثلها في هذا الجانب
كما يقول المرحوم الشيخ محمد
مصطفى المراغى - كمثل أزياء النساء تتبدل كل عام إنها لا تثبت على رأى ولا تستقر على مبدأ ولا تجمع على
كلمة وهي في ماضيها وفى حاضرها متعارضة متضاربة متناقضة وجديدها قديم وقديمها حديث وهى متهافتة لا محالة وخذ أى رأى منها شئت فإنك ستجد دون أدنى ريب فيها نفسها ما يعارضه وينقضه فإذا ما علق إنسان أمله بها فإنه لا محالة يعلقه على سراب
ولقد تعمدت جماعة كبيرة إفساد هذه الثقافة النظرية الغربية وتزييفها ووضعت لذلك تخطيطا محكما تعمل على تحقيقه خطوة
فخطوة
وهذه الجماعة هم اليهود الذين رسموا لإفساد الإنسانية منهجًا أخذوا في تنفيذه عن طريق وسائل الإعلام ودور النشر وعن طريق المسرح والسينما وعن طريق كل كاتب مأجور وكل كاتب مغفل بل لقد وصل الأمر باليهود إلى درجة أن رسموا في تخطيطهم الاستيلاء على كراسى علم النفس وعلم الاجتماع في جامعات أوربا وأمريكا وذلك ليفسدوا عن طريق هذين العلمين على الناس عقائدهم وأخلاقهم ولقد نفذوا مخططهم فاستولوا على ما يقرب من ٩٠٪ من
هذه
لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم
حدثنا سليمان بن
أحمد
بسنده عن ابن شهاب الزهري
عن على بن الحسين أن صفية رضى الله عنها أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا تزوره وهو معتكف في المسجد فحدثته
قالت
ثم قمت فقام معى - وكان مسكنها في دار أسامة بن زید - فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي الله أسرعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلكها إنها صفية بنت حيى
فقالا سبحان الله يارسول الله
فقال إن الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم وإنى خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا أو قال شرا وعن الزهرى عن على بن الحسين أخبرني رجل من أهل
العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
تمد الأرض
يوم القيامة مد الأديم لعظمة الرحمن عز وجل فلا يكون لرجل من بنى آدم فيه إلا موضع قدميه ثم أدعى أول الناس فأخر ساجدا ثم يؤذن لي فأقول
يارب أخبرني جبريل هذا - وجبريل عن يمين العرش ووالله
۱ من صحاح حديث الزهري متفق عليه
مارآه قط قبلها - إنك أرسلته إلى وجبريل ساكت لا يتكلم
ثم يؤذن لي في الشفاعة فأقول
أي رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض فذلك المقام المحمود
عن زيد بن على بن الحسين عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل دون ماله فهو شهيد
عن على بن الحسين
أبيه
عن عن جده على بن أبي طالب
قال
دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فاطمة من الليل فأيقظنا للصلاة قال ثم رجع إلى بيته فصلى هويا من الليل قال فلم
يسمع
لنا حسا
قال فرجع إلينا فأيقظنا وقال قوما فصليا قال فجلست وأنا أعرك عينى وأقول
إنا والله ما نصلى إلا ما كتب لنا إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء
أن يبعثنا بعثنا
1
تفرد بهذه الألفاظ على بن الحسين لم يروه عنه إلا الزهرى ولا عنه صحیح إلا إبراهيم بن سعد وعلى بن الحسين هو أفضل وأتقى من أن يروه عن رجل لا يعتمده فينسبه إلى العلم ويطلق القول به
٦٣
قال فولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ويضرب بيده على
فخذه
ما نصلى إلا ما كتب لنا ما نصلى إلا ما كتب لنا وكان
الإنسان أكثر شيء جدلاً
زين العابدين في صلاته بغيره
هو والفرزدق
ونحب الآن أن نذكر قليلا من صلات على بن الحسين
بالآخرين
ونبدأ
ين ومن آرائهم فيه وآرائه في بعضهم
من
ذلك بالفرزدق
أمثلة
لقد شاعت قصيدة الفرزدق في على بن الحسين شاعت لجمالها وصدقها وشاعت كمثل كريم من الشجاعة الأدبية عند الفرزدق وذلك أن الفرزدق قالها في وجه الجبروت والطغيان انتصارًا لرجل صالح شريف من أهل البيت لا يملك جندا ولا يسيطر على جيش
وقالها وهو يعرف أن هشاما سيغضب وفي سبيل الحق لم يبال
الفرزدق بالعواقب وقالها محبا صادقًا لابن الحسين رضي الله عنهم أجمعين ولقد رويت هذه القصيدة من عدة طرق - ذكرها الصولى والجريرى وغير واحد - ذكروا أن هشام بن عبد الملك خلافة أبيه وأخيه الوليد فطاف بالبيت فلما أراد أن يستلم
زين العابدين
حج في
0
الحجر لم يتمكن حتى نصب
له منبر فاستلم وجلس عليه وقام أهل الشام حوله فبينما هو كذلك إذ أقبل على بن الحسين فلما الحجر ليستلمه تنحى عنه الناس إجلالا له وهيبة وهو في بزة حسنة وشكل مليح فقال أهل الشام
دنا من
واحتراما
لهشام من هذا
فقال لا أعرفه استنقاصًا به واحتقارًا لئلا يرغب فيه أهل الشام فقال الفرزدق - وكان حاضرا - أنا أعرفه
فقالوا ومن هو
فأشار الفرزدق يقول
هذا ابن خير عباد الله كلهـم
هذا التقى النقي الطاهر العلم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيـت يـعـرفـه والحـل والحــرم
إذا رأته قريش قال قــائــلهـا إلى مكارم هــذا ينتهى
ينمى إلى ذروة العز التي قصرت
عن نيلهــا عــرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
٦٧
تقة
من رسول الله نبقته
طابت عناصرها والخيم والشيم
ينجاب نور الهدى من نور غرته
كالشمس ينجاب عن إشراقها الغيم
حمال أثقال أقوام إذا فـدحــوا
حلو الشمائل تحلو عنده نعم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله
بجده أنبياء الله قـد خـتـمــوا
من جده دان فضل الأنبياء لـه
وفضل أمته دانت لهـا الأمـم
عم البرية بالإحسان فانقشعت
كلتا
عنها الغواية والإملاق والظلم
يديه غياث عم نفعها
يستو كفان ولا يعـر وهمــا العـدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره
یزینه اثنتان الحلم والكرم
لا يخلف الوعد قیمون بغيبته
رحب الفناء أريب حين يعتزم
من معشر حبهم دين وبغضهم كفر وقربهم منجى ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم ويستزاد بــه الإحســان والـنـعـم
مقدم بعد ذكر الله ذكــرهــم
في كل حكم ومخـتـوم بـه الـكـلم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم
أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعـد غايتهم
ولا يدانيهم قوم وإن كــرمــوا
الغيوث إذا ما أزمة أزمت
والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم
خيم كرام وأيـد بـالـنـدى هضم
لا ينقص العدم بسطا من أكفهم
سيان ذلك أن أثروا وإن عدموا
أي الخلائق لست في رقابهم
لأوليه هذا أوله نعم
فليس قولك من هذا بضائـره
العرب تعرف من أنكرت والعجم
يعرف الله يعـرف أولية ذا
فالدين من بيت هذا ناله الأمم
٦٨
قال فغضب هشام من ذلك وأمر الفرزدق بعسفان - بحبس بين مكة والمدينة - فلما بلغ ذلك على بن الحسين بعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم فلم يقبلها وقال إنما قلت ما قلت الله عز وجل ونصرة للحق وقياما بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذريته ولست أعتاض عن ذلك بشيء فأرسل إليه على بن الحسين يقول
قد علم الله صدق نيتك في ذلك وأقسمت عليك بالله لتقبلنها
فتقبلها منه
هو والزهرى
قال المدائني
قارف الزهرى ذنبًا فاستوحش منه وهام على وجهه وترك
أهله وماله فلما اجتمع بعلى بن الحسين قال له یا زهرى قنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعظم
من ذنبك
فقال الزهرى الله أعلم حيث يجعل رسالته وفي رواية أنه كان أصاب دماً حرامًا خطأ فأمره على بالتوبة
والاستغفار وأن يبعث الدية إلى أهله ففعل ذلك
وكان الزهرى يقول
على بن الحسين أعظم الناس على منة
9
وعن يزيد بن عياض قال
أصاب الزهرى دما خطأ فخرج وترك أهله وضرب فسطاطا وقال لا يظلنى سقيف بيت فمر به على بن الحسين
فقال
يا بن شهاب قنوطك أشد
من
ذنبك فاتق الله واستغفره
وابعث إلى أهله بالدية وارجع إلى أهلك
فكان الزهرى يقول
على بن الحسين أعظم الناس على منة وعن شعيب بن أبي حمزة قال
كان الزهرى إذا ذكر على بن الحسين قال كان أقصد أهل بيته وأحسنهم طاعة وأحبهم إلى مروان
ابن الحكم وعبد الملك بن مروان
وقال الزهرى
كان أكثر مجالستى مع على بن الحسين وما رأيت أفقه منه وكان قليل الحديث وكان من أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة وأحبهم إلى مروان وابنه عبد الملك وكان يسمى زين العابدين وحمله عبد الملك بن مروان من المدينة مقيدا مغلولاً في أثقل قيود وأغلال فدخل عليه الزهرى رحمه الله لوداعه فبكى وقال وددت أنى مكانك فقال أتظن أن ذلك يكر بنى لو شئت
لما كان وإنه ليذكرني عذاب الله ثم أخرج رجليه من القيد
ويديه من الغل ورماهما ثم أعادهما
ولما دخل الزهرى على عبد الملك قال له
ليس على بن الحسين حيث يظن من جهة الخلافة إنما هو
مشغول بنفسه وبعبادة ربه عز وجل
هو
فقال نعم ما شغل به نفسه وأطلقه
والخلفاء الراشدون رضی الله عنهم
قال على بن الحسين
كان أبو بكر وعمر من رسول الله في حياته بمنزلتهما منه
بعد وفاته
ولقد أنجب زين العابدين عدة أولاد اختلف المؤرخون في
عددهم وهذا الاختلاف يدل على أنهم كانوا كثيرين والملاحظة الواضحة في أسماء هؤلاء الأولاد أن من بينهم من سماه أبوه عمر وهذا يدل على مدى تقدير السجاد لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
وعن يحيى بن سعيد قال قال على بن حسين
والله ما قتل عثمان على وجه الحق
۷۱
الكراسى وأصبح من الدراسة الجوهرية في هذين العلمين
موضوعات
أصل الدين مصدر الوحى
كيف نشأت الأخلاق مرد
الأخلاق
التفسير النفسى للوحى التفسير النفسي لعقيدة الألوهية
التفسير الاجتماعي لعقيدة الألوهية التفسير النفسي للأخلاق التفسير الاجتماعي للأخلاق
وهم في دراستهم لهذه الموضوعات يرجعونها كلها إما إلى الفرد وإما إلى المجتمع أما أن يردوها إلى الله فلا والشرقيون يرسلون أبناءهم ليتعلموا هذا الإلحاد ثم ليبشروا به عند عودتهم في أقطارهم
والغريب أن الشرقيين يؤمنون بهذا الباطل وينشرونه في أقطارهم ليفسدوها وهم بذلك أبواق لليهود دعاة لهم عن غفلة سذاجة وعن
ولقد أعلن اليهود فى هذا الكتاب الذي يصورهم ويصور مخططهم في دقة وهو كتاب بروتوكولات حكماء صهيون أنهم
يعملون جاهدين لإفساد الضمائر عن طريق التشكيك في الأخلاق والعقائد ويعملون جاهدين لإفساد العقول عن طريق
وكان رضي الله عنه يثنى على أبي بكر وعمر وعثمان ويترحم
عليهم
قدامة
وقال الزبير بن بكار حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن اللخمي عن أبيه عن جده عن محمد بن على عن أبيه قال
جلس قوم من أهل العراق فذكروا أبا بكر وعمر فنالوا منها ثم ابتدءوا في عثمان فقال لهم أخبروني أأنتم من المهاجرين الأولين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون
فضلا
من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله
قالوا لا
قال فأنتم من الذين تبوء وا الدار والإيمان من قبلهم يحبون
من هاجر إليهم
قالوا لا
۱
فقال لهم أما أنتم فقد أقررتم وشهدتم على أنفسكم أنكم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة الذين قال الله عز وجل فيهم والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ٢ الآية
۱ سورة الحشر آية ٩
سورة الحشر آية ۱۰
۷
فقوموا عنى لا بارك الله فيكم ولا قرب دوركم أنتم
مستهزئون بالإسلام ولستم من أهله
عن
وجاءه رجل فسأله متى يبعث على
فقال يبعث والله يوم القيامة وتهمه نفسه وعن الفضل بن دكين قال حدثنا أبو إسرائيل عن الحكم أبي جعفر قال إنا لنصلى خلفهم في غير تقية وأشهد على على بن الحسين أنه كان يصلى خلفهم في غير تقية بن حوشب عن على بن الحسين قال يا معشر أهل الكوفة أحبونا حب الإسلام ولا ترفعونا فوق
وعن
حقنا
خلف
تقديره
لقد التزم زين العابدين التقوى والاستقامة فكان هذه المنارة
التي ترسم للحيارى طريق الهداية وتقول لمن تشككوا في وجود
الخير في الدنيا
إن الخير
والحمد لله
ما زال موجودا
ولقد وقف على بن الحسين رضى الله عنه في وسط أعاصير الفتنة موقفًا ثابتاً لا يتزعزع لم تغره الدنيا ولم تفتنه الوعود المعسولة ولم يرهبه الوعيد أو العنف وبقى في عزلة على كل انحراف لأنه وثق فى الله ورضى بحكمته وآمن برحمته ووده وإحسانه ونحن في هذا العالم أشد ما نكون في حاجة إلى التثبت في ثقتنا بالآخرين وذلك أن الناس يعرفون من دخائل نفوسهم وعنها الكثير من الشر والإثم ولو آمنوا بأن الآخرين مثلهم لما وثق إنسان بإنسان ولكن من لطف الله سبحانه ببنى البشر أن الفرد لا يعرف عن الفرد الآخر إلا ما ظهر منه ومن الناس من یكشف ما ستره الله عليه فيعرف الناس ظاهره وباطنه فيبتعدون عنه بمقدار ما ينأون عن شره وإثمه
زين العابدين ومنار القانتين كان عابدا وفيا وجوادا حفيًّا وعن أحمد بن جعفر بن حمدان بسنده عن ابن أبي حازم قال سمعت أبا حازم يقول
ما رأيت هاشميا أفضل من على بن الحسين وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن آدم بسنده عن زر بن
عبيد قال
كنت عند ابن عباس فأتى على بن الحسين فقال ابن عباس مرحبا بالحبيب ابن الحبيب
وقال سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم ومالك وأبو حازم لم يكن في أهل البيت مثله
وعن محمد بن عبد الله الكاتب بسنده عن صالح بن حسان قال قال رجل لسعيد بن المسيب ما رأيت أحدًا أورع من
فلان
قال هل رأيت على بن الحسين
قال لا
قال ما رأيت أحدا أورع
منه
ويقول صاحب كتاب أعلام الشيعة
قد عرفت قول المفيد أنه قد روى عنه الفقهاء من العلوم
ما لا يحصى كثرة وحفظ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازى والأيام ما هو مشهور بين
العلماء
قال ولو قصدنا شرح ذلك لطال به الكتاب وتقضى به
الزمان ا هـ
عظة
لم
وفي مناقب ابن شهر اشوب قلما يوجد كتاب زهد وموع يذكر فيه قال على بن الحسين أو قال زين العابدين وروى المفيد في الإرشاد بسنده عن عبد الله بن الحسن بن الحسن قال كانت أمي فاطمة بنت الحسين رضى الله عنها تأمرني أن أجلس إلى خالى على بن الحسين فما جلست إليه قط إلا قمت بخير قد أفدته إما خشية الله تحدث في قلبي لما أرى من خشيته الله أو علم
قد استفدته منه
على أن هذا التقدير يصل ذروته في هذه الألقاب التي أطلقت
عليه ومنها زين العابدين والسجاد
أما عن زين العابدين فقد قال أبو بكر بن محمد بن يحيى الصولي حدثنا إبراهيم بن بشار عن سفيان بن عيينة عن أبي الزبير قال
كنا عند جابر بن عبد الله فدخل عليه على بن الحسين فقال كنت عند رسول الله فدخل عليه الحسين بن على
۷۷
فضمه إليه وقبله وأقعده إلى جنبه ثم قال
يولد لابنى هذا ابن يقال له على إذا كان يوم القيامة نادى
مناد من بطنان العرش ليقم سيد العابدين فيقوم هو
۱
ويقول صاحب كتاب أعلام الشيعة عن ألقاب على بن
الحسين رضي الله عنه
له ألقاب كثيرة أشهرها زين العابدين وسيد العابدين
والسجاد وذو الثفنات ولتلقيبه بذلك أسباب زين العابدين فروى الصدوق في العلل أن الزهرى كان
أما
إذا حدث عنه يقول حدثني زين العابدين فسأله سفيان بن عيينة لم تقول له
ذلك
قال لأني سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان القيامة ينادى مناد أين زين العابدين فكأنى يوم أنظر إلى ولدى على يخطر بين الصفوف وأما سيد العابدين فروى أبو عمر الزاهد في كتاب اليواقيت أن الزهري وذكر ابتلاءه بدم خطأ في غار وإشارة زين العابدين عليه بما فرج به عنه
۱ هذا حديث غريب جدا أورده ابن عساكر
وهر به وتوحشه
YA
ثم قال وكان الزهرى بعد ذلك يقول ينادى مناد يوم القيامة ليقم سيد العابدين فى زمانه فيقوم على بن الحسين ا هـ
وأما السجاد فروى الصدوق فى العلل عن الباقر عليه السلام أن أباه عليا عليه السلام ماذكر الله عز وجل نعمة عليه إلا سجد ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل فيها سجود إلا سجد ولا دفع الله عز وجل عنه سوءًا يخشاه أو كيد كائد إلا سجد ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمى
السجاد لذلك
وأما ذو الثفنات وهى جمع ثفنة بالتحريك وهى مايقع على الأرض من البعير إذا استناخ مما غلظ كالركبتين وغيرهما فلأنها كانت مواضع السجود كثفنات البعير من طول السجود وكثرته روى الصدوق فى العلل عن الباقر عليه السلام قال كان لأبى فى موضع سجوده آثار ثابتة وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات فسمى ذو الثفنات لذلك اهـ هذا ما يقوله صاحب كتاب أعلام الشيعة ومما لا شك فيه أن ذيوع لقب زين العابدين إنما كان لأنه رضى الله عنه كان مثلاً صادقا للعابد الذي يمثل العبودية الخاشعة وأن الله سبحانه وتعالى
حينما يقول
وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين 1
فإن من معانى ذلك أن الخشوع مطلوب حتى تؤدى العبادة
ثمرتها الحقة
كان زين العابدين متعبدًا في كل أمور حياته لقد كان متعبدًا شديد الإخلاص في نيته وعمله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ماهاجر إليه
وكان يهتم فى أعماله بالإخلاص في النية حتى تكون أعماله كلها الله وحده ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيها رواه أنس مالك بن من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لاشريك له وأقام
الصلاة وآتى الزكاة فارقها والله عنه راض ۳ لقد صير زين العابدين الحياة عبادة بمعنى أنه اتجه في جميع أعماله إلى الله سبحانه وحده لا شريك له وهذا هو معنى قوله
تعالى
۱ سورة البقرة آية ٤٥
متفق على صحته
۳ رواه ابن ماجه والحاكم وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين
A
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
۱
أي لتكون حياتهم قولاً وصمتا حركة وسكونا نوما ويقظة
متجها فيها الله سبحانه وتعالى وحده
وهذا هو
ما أمر به سيدنا رسول الله وأمر به -
برسول الله صلى الله عليه وسلم - كل مسلم يقول تعالى
تأسيا
رب العالمين *
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ٢ لقد صير زين العابدين الحياة عبادة وكانت عبادته عبادة الخاشعين ومن هنا سمى زين العابدين يقول صاحب الكواكب الدرية قال مالك
وسمى زين العابدين لكثرة عبادته أما تلقيبه بالسجاد فقد
فسره صاحب كتاب أعلام الشيعة تفسيراً واقعياً ولقد شبق أن كتبنا عن السجود فصلا في كتابنا الإسلام والعقل نورد منه ما يلى لعله يضيف شيئًا في تفسير التزام
السجود
يروى الإمام مسلم رضى الله عنه في صحيحه عن أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمى خادم رسول الله ومن أهل الصفة رضي الله عنه قال
۱ سورة الذاريات آية ٥٦ سورة الأنعام آيتا ١٦٢ ١٦٣
٨١
تزييف الحق وترويج الباطل ويتبنون شخصيات إبليسية تفسد آراؤها على الناس ضمائرهم وعقولهم
إنهم يعلنون أنهم تبنوا آراء اليهودي فرويد الذي يفسر كل شيء في سلوك الإنسان عن طريق الغريزة الجنسية وأنهم تبنوا آراء اليهودى كارل ماركس الذي أفسد على الكثيرين قلوبهم وضمائرهم وعقولهم وألغى الأديان وهاجم عقيدة الألوهية ولما قيل له
ما البديل عن عقيدة الألوهية
قال البديل هو المسرح أشغلوهم عن هذه العقيدة – عقيدة
الألوهية – بالمسرح
وصدق في شأن هذا اليهودي قول الله تعالى واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون * ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون * من يهد الله فهو المهتدى ومن يضلل
فأولئك
الخاسرون 1 هم
۱
۱ سورة الأعراف آیات ۱۷۵ - ۱۷۸
٨
كنت أبيت مع رسول الله فأتيه بوضوئه وحاجته فقال
سلنی
فقلت أسألك مرافقتك في الجنة
فقال أو غير ذلك
قلت هو ذاك
قال أعنى على نفسك بكثرة السجود
والسجود إذن مما يعين على ترويض النفس لتتزكي وهو بذلك من الوسائل التي توصل إلى الجنة وفي هذا المعنى يروى مسلم أيضا عن أبي عبد الرحمن
ثوبان مولی رسول الله قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة
والسجود الذي يريده رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في هذه الأحاديث ليس هو مجرد الحركة المعروفة وإنما هو – مع هذه الحركة - المعنى العميق فى النفس الذى يتمثل فيه جلال الله وعظمته ورحمته ووده ويتمثل فيه الخضوع لهذا الجلال وهذه العظمة والانقياد المطلق لرحمة الله التى تتمثل في الرسالة الإسلامية أوامرها ونواهيها ذلك أن الرسالة الإسلامية فى تكاليفها سلبًا وإيجابًا إنما هي
۸
رحمة للعالمين يقول الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ۱
فإذا ما كان السجود تعبيراً عن التطامن والتذلل - وذلك معناه الصحيح - كان ذلك عبادة وخضوعا لله سبحانه وتعالى وكان بذلك سبيلاً إلى الجنة وإلى أكثر من الجنة وهو القرب من
الله
يقول الله تعالى في كتابه العزيز واسجد واقترب ويقول صلوات الله وسلامه عليه في هذا المعنى أقرب
ما يكون العبد من ربه وهو ساجد
ولقيمة السجود الكبيرة عبر عن الصلاة أحيانًا بالسجود فصلاة الضحى يسمونها سجود الضحى ومن أجل هذه القيمة أيضًا الله
خضوعهم
مدح
من يعبرون عن
لآياته واستجابتهم لأمره يقول الله تعالى إنما يؤمن
بآياتنا الذين إذا ذكر وا بها خروا سجدًا وسبحوا بحمد ربهم وهم
لا يستكبرون ۳
والذين هداهم الله واجتباهم
۱ سورة الأنبياء آية ١٠٧
سورة العلق آية ۱۹ ۳ سورة السجدة آية ١٥
إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدًا وبكيا ۱ صفات عباد الرحمن التي يزكيهم الله بها أنهم
ومن
لقد
يبيتون لربهم سجدًا وقياما ٢
سمی
على بن الحسين السجاد لأنه كان من وراء السجود الظاهر ساجدًا الله بقلبه وجوارحه وكل كيانه إنه كان سجودًا إذا أمكن هذا التعبير وتلقيبه بالسجاد إنما هو من
أسمى معانى التقدير له
يقول صاحب الكواكب الدرية
قال الزهرى ما رأيت أحدًا أفقه منه وقال لم أر هاشميا
أفضل من على بن الحسين
وقال ابن المسيب ما رأيت أورع
منه
وقد جاء عنه مناقب من خشوعه فى وضوئه وصلاته ونسكه
ما يدهش السامع
قط
وقال جويرية بن أسماء
ما أكل على بن الحسين بقرابته من رسول الله درهما
رحمه الله ورضى عنه
۱ سورة مريم آية ٥٨ سورة الفرقان آية ٦٤
Λε
وفاته
يقول صاحب الكواكب الدرية
مات سنة أربع وتسعين عن ثمان وخمسين سنة ودفن بالبقيع في القبر الذي فيه عمه الحسن بن على رضى الله عنهما وهو الآن في القبة التي فيها العباس كذا رأيته بخط جماعة أعيان منهم ابن رسلان والمشهد الذي بقرب مجرات القلعة بقرب مصر القديمة بنى على رأس زيد بن على بن الحسن بن على بن أبي طالب قدم رأسه سنة اثنتين وعشرين ومائة وبنوا عليه هذا المشهد قال بعضهم والدعاء عنده مستجاب والأنوار ترى عليه
۸۵
الفصل الثاني
حكمه
عن أبي حمزة الثمالى قال سمعت على بن الحسين يقول من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس وقيل له من أعظم الناس
فقال من لم ير الدنيا لنفسه قدرًا
وقال
الفكرة مرآة ترى المؤمن حسناته وسيئاته
وقال سفيان بن عيينة كان على بن الحسين يقول لا يقول رجل في رجل من الخير ما لا يعلم إلا أوشك أن يقول فيه من الشر ما لا يعلم وما اصطحب اثنان على معصية إلا أوشكا أن يفترقا على غير طاعة
وقال على بن الحسين سادة الناس فى الدنيا الأسخياء الأتقياء وفي الآخرة أهل الدين وأهل الفضل والعلم الأتقياء لأن العلماء ورثة الأنبياء وقال على بن الحسين
إن الله يحب المؤمن المذنب التواب
وقال
التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالنابذ كتاب الله
وراء ظهره إلا أن يتقى منهم تقاة
قالوا وما تقاة
قال يخاف جبارًا عنيدًا أن يسطو عليه وأن يطغى
من جيد الحكمة
قال ابن كثير وقد رأيت له كلاما متفرقا فأحببت أن أذكره لعل الله أن ينفع به من وقف عليه قال حفص بن غياث عن حجاج عن أبي جعفر عن
على بن الحسين قال
إن الجسد إذا لم يمرض أشر وبطر ولا خير في جسد يأشر ويبطر وقال أبو بكر الأنباري حدثنا أحمد الصلت حدثنا بن قاسم بن إبراهيم العلوى حدثنا أبي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قال على بن الحسين
فقد الأحبة غربة
وكان يقول
إذا نصح العبد لله فى سره أطلعه على مساوئ عمله فتشاغل
بذنوبه عن معايب الناس
وقال
عبادة الأحرار لا تكون إلا شكرًا لله لا خوفًا ولا رغبة
وقال
كيف يكون صاحبك من إذا فتحت كيسه فأخذت منه حاجتك لم ينشرح لذلك
9
وقال
أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب
وقال
عجبت للمتكبر الفخور الذى كان بالأمس نطفة وغدًا
جيفة
وعجبت كل العجب لمن شك فى الله وهو يرى خلقه ولمن أنكر النشأة الآخرة وهو يرى الأولى
ولمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء
وكان إذا مرت به الجنازة يقول هذين البيتين نراع إذا الجنائز قابلتنا ونلهو حين تمضى ذاهبات كروعة ثلة لمغار سبع فلما غاب عادت راتعات قال الوزير أبو سعيد منصور بن الحسن الآبي في كتاب نثر الدرر نظر على بن الحسين زين العابدين عليه السلام إلى سائل يسأل وهو يبكى فقال لو أن الدنيا كانت فى كف هذا ثم سقطت منه ماكان ينبغي له أن يبكي عليها وسئل عليه السلام لم أوتم النبي من أبويه فقال لئلا
يوجب عليه حق لمخلوق
1 أي جعل يتيما
۹۱
وقال لابنه يا بني إياك ومعاداة الرجال فإنه لن يعدمك مكر
حليم أو مفاجأة لئيم
تحف العقول قال حكمه المنقولة من ومن الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين وقال من کرمت عليه نفسههانت عليه الدنيا
وقال بحضرته رجل
اللهم اغننى عن خلقك فقال
ليس هكذا إنما الناس بالناس ولكن قل اللهم اغننى عن
شرار خلقك
وقال من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس
وقال لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل مايتقبل وقال اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل
فإن الرجل إذا كذب فى الصغير اجترأ على الكبير وقال كفى بنصر الله لك أن ترك عدوك يعمل بمعاصي الله
فيك
وقال الخير كله صيانة الإنسان نفسه وقال لبعض بنيه يا بني إن الله رضينى لك ولم يرضك لى فأوصاك بي ولم يوصنى بك عليك بالبر فإنه تحفة كبيرة
وقال له رجل ما الزهد
۹
فقال الزهد عشرة أجزاء فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضا وإن الزهد في آية من كتاب الله
الله لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ۱ وقال طلب الحوائج إلى الناس مذلة للحياة ومذهبة للحياء واستخفاف بالوقار وهو الفقر الحاضر وقلة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر
عند
وقال إن أحبكم إلى الله أحسنكم عملا وإن أعظمكم الله عملاً أعظمكم فيها عند الله رغبة وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية الله وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقًا وإن عند الله أسعاكم على عياله وإن أكرمكم على الله
أرضاكم أتقاكم الله
وقال لبعض بنيه
يا بنى انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في
الطريق فقال يا أبه من هم
قال إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك
البعيد ويبعد لك القريب
۱ سورة الحديد آية ۳
وتبنوا آراء نيتشه الذي ألغى الأخلاق وأباح لكل إنسان أن يفعل ما يؤدى إلى استمتاعه ولو كان القتل أو الدماء
أو التخريب
وتبنوا آراء دارون هذا المهرج الكبير الذي يعلن عن نظرية
ينقصها الإثبات وهو يقول
إن حلقة مفقودة فى هذه النظرية يجب أن نبحث عنها وإلى أن نجدها يجب ذلك أن نؤمن بالنظرية كحقيقة مع أنها لا تثبت مع إلا بالحلقة المفقودة التي بحث الباحثون عنها في شرق الدنيا وغربها فلم يجدوا لها أثرا
ولقد راج هذا التهريج روجه اليهود بأخلاقهم وكتبهم وصحفهم وأساتذتهم في علم النفس وفي علم الاجتماع الذين
%9
مرسوم - من كراسى هذين
احتلوا – بحسب تخطيط العلمين في جامعات أوربا وأمريكا
إن اليهود آلوا على أنفسهم أن يتبنوا كل باطل من الآراء الفكرية في مجال ما وراء الطبيعة وفى مجال الأخلاق ليفسدوا العالم وليتمكنوا من وراء ذلك من السيطرة عليه ومن قيادته
واستعباده وهم الذين قالوا
ليس علينا في الأميين سبيل ١
۱ سورة آل عمران آية ۷۵
إليه
الله
ذلك من
وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك بأكلة أو أقل وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون
وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعونا في كتاب
وقال إن المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه وقلة مرائه وحلمه وصبره وحسن خلقه
وقال
ابن آدم إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك وما كانت المحاسبة من همك وما كان الخوف لك شعارا والحذر لك دثارا
يا بن آدم إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدى الله جل وعز
فأعد له جوابًا
وقال
لا حسب لقرشى ولا لعربى إلا بتواضع ولا كرم إلا بتقوى
ولا عمل إلا بنية ولا عبادة إلا بالتفقه
وقال المؤمن من دعائه على ثلاث إما أن يدخر له وإما أن يعجل له وإما أن يدفع عنه بلاء يريد أن يصيبه
وقال
إن المنافق ينهي ولا ينتهى ويأمر ولا يأتى إذا قام إلى الصلاة اعترض وإذا ركع ربض وإذا سجد نقر يمسى وهمه العشاء ولم يصم ويصبح وهمه النوم ولم يسهر والمؤمن خلط علمه بحلمه يجلس ليعلم وينصت ليسلم لا يحدث بالأمانة إلا صدقا ولا يكتم الشهادة للبعداء ولا يعمل شيئا من الحق رياء ولا يتركه حياء
إن زكي خاف مما يقولون ويستغفر الله لما لا يعلمون
ولا يضره جهل من جهله
ورأى عليلا قد برئ فقال له
يهنؤك الطهور من الذنوب إن الله قد ذكرك فاذكره وأقالك
فاشکره
وقال
خمس لو رحلتم فيهن لألفيتموهن وما قدرتم على مثلهن لا يخاف عبد إلا ذنبه ولا يرجو إلا ربه ولا يستحى الجاهل إذا سئل عما لا يعلم أن يتعلم والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له
وقال
يقول الله يا بن آدم ارض بما آتيتك تكن من أزهد الناس
۹۵
أعبد الناس
ابن آدم اعمل بما افترضت عليك تكن من ابن آدم اجتنب عما حرمت عليك تكن من أورع الناس
وقال
كم من مفتون بحسن القول فيه
وكم من مغرور بحسن الستر عليه
وكم من مستدرج بالإحسان إليه
وقال
يا سوءتاه لمن غلبت أحداته عشراته يريد أن السيئة بواحدة
والحسنة بعشرة
وقال
إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل واحدة منها بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فكونوا من الزاهدين فى الدنيا الراغبين في الآخرة لأن الزاهدين اتخذوا أرض الله بساطًا والتراب فراشًا والمدر وسادا
والماء طيبا وقرضوا المعاش من الدنيا تقريضًا
اعلموا أنه من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الحسنات وسلا عن الشهوات ومن أشفق من النار بادر بالتوبة إلى الله من
ذنوبه ورجع عن المحارم
9
ومن زهد في الدنيا هانت عليه مصائبها ولم يكرهها وإن لله عز وجل لعباداً قلوبهم معلقة بالآخرة وثوابها وهم كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين منعمين وكمن رأى أهل النار في النار معذبين
فأولئك شرورهم وبوائقهم عن الناس مأمونة وذلك أن قلوبهم عن الناس مشغولة بخوف الله فطرفهم عن الحرام
مغضوض وحوائجهم إلى الناس خفيفة
قبلوا اليسير من الله فى المعاش وهو القوت فصبروا أياما
قصارا لطول الحسرة يوم القيامة
وقال له رجل
إني لأحبك في الله حبا شديدا فنكس رأسه ثم قال
اللهم إنى أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لى مبغض ثم قال له أحبك للذي تحبنى فيه
وقال
إن الله ليبغض البخيل السائل الملحف
وقال
رب مغرور مفتون
يصبح لا هيا ضاحكًا يأكل ويشرب وهو
لا
یدری لعله قد سبقت له من الله سخطة يصلى بها نار جهنم
زين العابدين
وقال
إن
من
أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار والتوسع على
قدر التوسع وإنصاف الناس من نفسه وابتداؤه إياهم بالسلام
عن
وقال ثلاث منجيات للمؤمن كف لسانه الناس واغتيابهم وإشغاله نفسه بما ينفعه لآخرته ودنياه وطول البكاء
على خطيئته
وقال نظر المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودة والمحبة له
عبادة
الله
عرب
وقال ثلاث من كن فيه من المؤمنين كان في كنف الله وأظله القيامة في ظل يوم رشه وآمنه من فزع اليوم الأكبر من أعطى الناس من نفسه ماهو سائلهم لنفسه ورجل لم يقدم يدا ولا رجلا حتى يعلم أنه في طاعة الله قدمها أو في معصيته ورجل أخاه بعيب حتى يترك ذلك العيب من نفسه وكفى بالمرء
لم يعب
شغلا
بعيبه لنفسه عن عيوب الناس وقال ما من شيء أحب إلى الله بعد معرفته من عفة بطن وفرج وما من شيء أحب إلى الله من أن يسأل
وقال لابنه محمد
افعل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان أهله فقد أصبت موضعه وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله وإن شتمك رجل عن
۹۸
يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره وقال مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح وأدب العلماء زيادة في العقل وطاعة ولاة الأمر تمام العز واستنماء المال تمام المروءة وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة وكف الأذى من كمال العقل وفيه راحة للبدن عاجلا وآجلا
وقال سبحان من جعل الاعتراف بالنعمة له حمدا سبحان من جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر شكرا اهـ حكمه المنقولة من تذكرة ابن حمدون في كشف الغمة مما أورده محمد بن الحسن بن حمدون في كتاب التذكرة من كلامه قال
وحده
ومن
لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال شهادة أن لا إله إلا الله لا شريك له وشفاعة رسول الله وسعة رحمة الله عز
وجل
خف الله عز وجل لقدرته عليك واستحيى منه لقربه منك وإذا صليت فصل صلاة مودع وإياك وما تعتذر منه وخف الله خوفا ليس بالتعذير
وقال إياك والابتهاج بالذنب فإن الابتهاج به أعظم من
ركوبه اهـ
ومن
حكمه المنقولة من تذكرة الخواص
99
قال إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وإن قوما عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار وإن قوما عبدوه شكرًا فتلك
عبادة الأحرار
وكان يقول
عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة
جيفة
غدا وهو
وعجبت لمن شك فى الله وهو يرى عجائب مخلوقاته وعجبت لمن يشك فى النشأة الأخرى وهو يرى النشأة
الأولى
وعجبت لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء
في الفصول المهمة من كلامه
ضل من ليس له حکیم پر شده وذل من ليس له سفيه
يعضده
وقال أربع لهن ذل
البنت ولو مريم والدين ولو درهم والغربة ولو ليلة والسؤال
ولو أين الطريق
وقال عجبت لمن يحتمى من الطعام لمضرته كيف لا يحتمى من
الذنب لمعرته
وقال من
ضحك ضحكة
مج من عقله مجة علم
وقال إن الجسد إذا لم يمرض أشر ولا خير في جسد يأشر وقال من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس
وعنه عليه السلام يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال انتظار الفرج عبادة ومن رضى بالقليل من الرزق رضى الله منه القليل من العمل
۱۰۱
الفصلُ الثَّالِث مَوَاعِظُهُ
روى الحافظ ابن عساكر من طريق محمد بن عبد الله
المقرى حدثني سفيان بن عيينة عن الزهري قال سمعت على بن الحسين سيد العابدين يحاسب نفسه ويناجي ربه
يا نفس حتام إلى الدنيا سكونك وإلى عمارتها ركونك أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك ومن وارته الأرض ألافك من ومن فجعت به من إخوانك ونقل إلى الثرى من أقرانك فهم في بطون الأرض بعد ظهورها محاسنهم فيها بوال دواثر
خلت دورهم منهم وأقـــوت عــراصهم وساقتهم نحو المنايا المقادر وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها وضمهم تحت التراب الحفائر
کم خرمت أيدى المنون من قرون بعد قرون وكم غيرت الأرض ببلائها وغيبت فى ترابها ممن عاشرت من صنوف وشيعتهم إلى الأرامس ثم رجعت عنهم إلى عمل أهل الإفلاس
وأنت على الدنيا مكب منافس لخطابها فيها حريص مكاثر على خطر تمشى وتصبح لاهيـا أتدرى بماذا لو عقلت تخاطر وإن امرأ يسعى لدنياه دائبًا ويذهل عن أخراه لاشك خاسر
فحتام على الدنيا إقبالك وبشهواتها اشتغالك وقد وخطك القتير وأتاك النذير وأنت عما يراد بك ساه وبلذة يومك وغدك
١٠٥