Ghumari-v1-ar

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على رسول رب العالمين، خاتم المرسلين وشفيع المذنبين

القائل صلَّى اللَّه على عليه وآله وصحبه وسلم:

آتى باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك

المجلد الأول من 20 مجلد وورد

موسوعة كل كتب وأحاديث

ولي الله جل جلاله شيخ الإسلام والحديث الحافظ المحدث العلامة المتقن الدكتور البرفسور الأزهري السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق الغماري الإدريسي الحسني

( ١٣٢٨ - ١٤١٣هـ)

رحمه الله تعالى

تنقيح الأستاذ محمود صلاح بالقاهرة

English Translation by Muhammad Umar Ramadhan, UK

Bahasa Indonesia by Syeh Abdul Qodir Darwish, Danny and Taufik

بشرى عظيمة

تحوي تغليق الحافظ عبد الله للحديث القدسي الثابت والحديث النبوي الثابت وفهرست بالأحاديث كاملة مع معجم مفهرس لكل كلمة نصا وبرنامجا يحمل من موقعه المذكور بعاليه

رجاء المصنف أن يكون مجدد هذا القرن. وقد تم بفضل الله جل جلاله انظر موقعه www.AbdullahGhumari.com

وختام الختام فانا نضرع إلي الله جل جلاله في البدء والتمام أن يصلي علي سيد الأنام محمد بن عبد الله وعلي آله الطيبين وصحابته الكرام, ونسألك يا الله أن تعلي راية الإسلام وأن تحفظنا في ديننا ودنيانا, وتنفع بما كتبناه ونكتبه, تعريفا بكتابك وسنة نبيك وحملة شريعتك, علي الدوام وأن تحشرنا يوم العرض عليك في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك, سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا, انك أنت العليم الحكيم

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ملحوظة ثمة أخطاء إملائية نشكر من يصححها

ويرسلها إلى zikrsong@yahoo.com

 

 

قائمة محتويات الجزء الأول

-       تعريف الدكتور فاروق حمادة بالحافظ الغماري ص 3 إلى ص 117

-       تعريف الحافظ أحمد بشقيقه الحافظ عبد الله

-       تعريف الحافظ بنفسه في سبيلُ التَّوْفِيقِ في تَرْجَمَةِ عبد الله بن الصِّدِّيق۱۸۷بي دي إف = 174 وورد إلى آخر الكتاب 321 انظر الفهرست الموسع لسبيل التوفيق بآخر الكتاب 314

 

۱ ترجمة وتحليل رائع لكتب العلامة الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق بن الصديق الغماري بقلم تلميذه الوفي البرفسور فاروق حمادة استاذ الحديث بالمغرب

يليه

۲ - ترجمة العلامة الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق بن الصديق الغماري بقلم شقيقه الحافظ السيد أحمد بن الصديق الغماري

يليه

3. في سبيلُ التَّوْفِيقِ في تَرْجَمَةِ عبد الله بن الصِّدِّيق

 

أولا: عبد الله بن الصديق الغماري الحافظ الناقد

كتبه خادم القرآن والسنة

الأستاذ الدكتور فاروق بن محمود حمادة

كان الله له

   الحمد لله حمد الشاكرين الذاكرين, والصلاة والسلام علي سيد الأولين والآخرين, محمد بن عبد, وعلي آله الطيبين, وصحابته الغر الميامين, ومن اهتدي بهديهم إلي يوم الدين

   أما بعد: فإن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري, من الأعلام البارزين, الذين أثروا في مسيرة العلوم الإسلامية في عصرنا هذا تأثيرا بالغا, مدة خمسين عاما أو يزيد, بآرائه الشجاعة, وفتاواه المحكمة, وكتبه المفيدة, ودروسه القيمة, وخطبه المنتقاة الرصينة, فكون بذلك تيارا فكريا واسعا في أرجاء العالم من إندونيسية شرقا, إلي أمريكة غربا, ولقد كانت حياة هذا الإمام مقصورة علي العلم الشرعي, وبثه في الصدور والسطور, وجهادا متواصلا للذب عن حمي الشريعة الغراء, وردا للعوادي عنها في العشايا والبكور, دفعا لما يبديه أهل الحقد والضلالة والجهالة والقصور, فلم تكن تأخذه في الدفاع عنها لومة لائم, ولم يكن ليثنيه عن قول الحق الذي يراه سطوة آثم أو ظالم.

   لقد تقلب في أرجاء المغرب طالبا, ثم ارتحل إلي مصر, فرسخ حتى صار حبرا شامخا, ومثابة للعلماء وطلاب العلم, ومنارا للحديث والسنة عاليا, ثم انقلب إلي المغرب إماما ناصحا, ومعلما هاديا, ومرجعا مكينا, تطيرا أفكاره في الأرجاء كل مطار, وتتسابق إليه العلماء في الأنحاء والأقطار, فكانت حياته المديدة – أعلي الله مقامه – معلما من معالم الدين, وسجلا حافلا سجل فيه ما تعرضت له الشريعة الإسلامية من مواقف المؤيدين, وشبهات المعارضين, والمتسللين والمعتدين الآثمين, وان أفكاره وكتبه كانت ولا تزال غضة طرية في الأجيال سارية, وفي حلقات الدروس حاضرة مؤثرة.

   إن دراسة هذا العلم الغيور الناصح, ومعرفة مسيرته, وجهده وجهاده, وأمثاله من العلماء, حق علي الأمة, لتعرف علماءها ورجالاتها, وقد أخذت دار القلم علي نفسها التعريف بهم, وبيان أفكارهم وآثارهم, وقد ألح علي الأخ الأستاذ محمد علي دولة أن أكتب عن السيد الشريف الحافظ عبد الله ضمن السلسلة المخصصة لذلك, فأجبته من الله جل جلاله أن أكون قد استطعت تبيان جانب من شخصيته العلمية, وطرف من سيرته المرضية, إذ عرفته عن قرب مدة عشرين عاما ويزيد, وقرأت له قبل ذلك ما صدر له من كتب.

   وقد جعلت هذا الكتاب في فقرات متتابعة, بدأتها بالمولد والمنتمي, ثم مدارج طفولته ومسالكه الأولي, ثم رحلته إلي القاهرة, وبعدها العلمي, ثم معاركه الفكرية, ثم بعض محنه التي تعرض لها, ثم تلامذته, ثم رجوعه إلي المغرب وعيشه, ووفاته, ثم مؤلفاته, وختمت هذا البحث بأسانيده إلي الكتب السبعة وصورة إجازته لي راجيا من الله جل جلاله أن يتقبل هذا العمل, ويجعل ثوابه في صحيفته, فبفضله بعد الله كان هذا البحث, ومن علمه المتميز استوي قائما هذا الكتاب, كما أسأله تعالي أن يسبغ علي عملنا هذا وغيره سوابغ القبول, أجده بين يدي يوم الدين, يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الفصل الأول

لمحات من حياته

1- النسب والولادة:

   ينتمي السيد الشريف الحافظ عبد الله بن الصديق إلي العترة النبوية الشريفة, والسلالة المصطفوية المنيفة فهو:

   أبو الفضل السيد الشريف الحافظ عبد الله بن السيد محمد بن السيد الصديق بن أحمد بن محمد بن القاسم بن محمد – مرتين – بن عبد المؤمن بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن عيسي بن سعيد بن مسعود بن الفضيل بن علي بن عمر بن العربي بن علال بن موسي بن أحمد بن داود بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المني بن الحسن السبط بن علي وفاطمة الزهراء, بنت مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم

   قال: هذا هو نسبنا المعروف الشائع بين أفراد عائلتنا بغمارة, وغيرها (انظر كتاب سبيل التوفيق, ص1؛ وبدع التفاسير, ص163)

   قال أخوه السيد أحمد (انظر كتاب: التصور والتصديق بأخبار الشيخ محمد بن الصديق, ص 4-5): أما النسب فهو ثابت محقق بطريق الشهادة والاستفاضة والتواتر بين الناس في الشهائد, ورسوم الأنكحة والبيوعات والهبات علي ضرائح الأسلاف, وغير ذلك من التقاييد والتعاريف من أواخر القرن العاشر إلي هذا العصر, وكذلك في ظهائر الملوك الآمرة بتعظيم الأسلاف واحترامهم, ورفع التكاليف اللازمة لغيرهم عنهم من دولة الشرفاء السعديين, ودولة الشرفاء العلويين الحاضرين, إلي دولة السلطان عبد العزيز المؤرخ ظهير بذلك سنة اثنتي عشرة وثلاثمئة وألف, ومن بينها ظهير السلطان مولاي إسماعيل (المولي إسماعيل بن محمد الشريف (156- 1139هـ = 1645- 1727م) الذي بحث في دولته عن الأشراف, وحقق أنسابهم, بالطريق الشرعي, فكان لا يصدر ظهيرا بإقرار النسب, إلا بعد ثبوت ذلك عنده.

   وأما أمه, فهي فاطمة الزهراء بنت السيد عبد الحفيظ بن عجيبة بن السيد أحمد بن عجيبة ابن الإمام العلامة الصوفي سيدي أحمد بن محمد بن المهدي ابن عجيبة الحسني, صاحب المؤلفات الشهيرة المتوفى سنة (1224هـ), وتوفيت والدته شهيدة بالنفاس, ليلة القدر سنة (1341هـ), وهي دون الأربعين من عمرها, وفي سنة (1354هـ) نقلت إلي جانب والده, فوجدت في قبرها سليمة كأنها دفنت تلك الساعة, والحاضرون علي ذلك أكثر من عشرين نفسا.

   فهو شريف النسب من جهة الأب والأم.

   ولد رحمه الله تعالي, آخر يوم من جمادى الآخرة, أو غرة رجب شهر سنة (1328هـ) بمدينة طنجة.

   وقد ترجم أخوه السيد أحمد لوالده السيد محمد بن الصديق, ولأسلافه في كتابه المسمي (سبحة العقيق بذكر مناقب الشيخ محمد بن الصديق).

   وكان والدهما السيد محمد بن الصديق, من الهداة الربانيين, والعلماء العاملين (توفي رحمه الله سنة 1354هـ, وترجم له جماعة من العلماء منهم: أبو حامد العربي بوعياد الطنجي, في كتابه: (نسمات وادي العقيق), والفقيه المؤرخ أبو عبد الله محمد بن العياشي سكيرج في كتابه: (نبذة التحقيق), والأديب الصوفي أبو عبد, محمد بن الأزرق الفاسي الزياتي في كتابه: (حادي الرفيق), انظر: (التصور والتصديق), ص3, وسبب استقراره بطنجة, أنه لما خطب بنت خاله السيد عبد الحفيظ ابن عجيبة, وكان مقيما بطنجة شرط عليه الإقامة بها, فوافقه, وتحول إليها, وبنى بها زاوية كبيرة, وبدأ يدرس فيها العلوم العربية والشرعية, وأقام للعلم والتصوف سوقا رائجة, وتخرج به علماء وصلحاء.

   وحج السيد محمد بن الصديق سنة (1329هـ) وحمل معه عائلته للحج, ومن جملتهم السيد عبد, وكلف أحد مريديه أن يفعل بالسيد الشريف الحافظ عبد الله شعائر الحج, وذلك طبقا لما صح في السنة النبوية.

   وأصل إقامة عائلتهم بقبيلة بني منصور, من قبائل غمارة – بضم الغين – في قرية تجكان, وهناك زاويتهم وضواريح أجدادهم, وكان قدوم أحد أجدادهم من الأندلس في أواخر القرن الخامس الهجري, ونزل بأجواز تلمسان, ونشأ بها عقبه.

   ثم انتقل عبد المؤمن الصغير إلي غمارة أواسط القرن العاشر, ونزل بالموضع المسمي تجكان, واشتهر هناك بالصلاح والعبادة والكرامات, واستقر بها إلي أن مات, وترك عقبه بها إلي اليوم.

2- مدارج الطفولة ومسالكه الأولي:

   ترعرع السيد الشريف الحافظ عبد الله في بيت العلم والصلاح بين يدي والده العالم المربي, فلما بلغ من العمر خمس سنين أدخل الكتاب القرآني, فحفظ القرآن الكريم حفظا متقنا براوية ورش – وهي السائدة في المغرب – وأتقن الرسم القرآني اتقانا شديدا, وحفظ في ذلك معظم منظومة الخراز المسماة: (مورد الظمآن).

   ثم شرع في حفظ بعض المتون, فحفظ (متن الأربعين النووية) و(الأجرومية) في النحو, وقسطا كبيرا من (ألفية ابن مالك) النحوية, وقطعه من (بلوغ المرام من أدلة الأحكام) لابن حجر, وقطعة من (مختصر الشيخ خليل بن إسحاق) في فقه المالكية.

    ثم أمره والده بالسفر إلي فاس, إلي القرويين حاضرة العلم بالمغرب الأقصى, وكانت الدراسة فيه علي طريقة التحلق حول الشيخ وهو يلقي درسه, ولكل شيخ مكان محدد أو سارية معروفة, يدرس فيها العلم الذي مهر فيه, فبقي نحوا من ستة أشهر, ثم عاد إلي طنجة, ثم كر راجعا إلي فاس, فدرس هناك:

   في النحو: شرح ألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل وحاشية السجاعي, وبشرح المكودي, ومعه حاشية ابن الحاج.

   وفي الفقه: درس مختصر الشيخ خليل بشرح الخرشي, وقطعة من شرح الزرقاني عليه, ومن باب الإجارة إلي أخره بشرح الدردير.

   ومن السنة: صحيح البخاري بشرح القسطلاني, وحاشية الشنواني علي مختصر ابن أبي جمرة لصحيح البخاري.

   ومن التفسير: تفسير الجلالين بحاشية الصاوي.

   ومن علم الأصول: جمع الجوامع بشرح المحلي, والمقولات العشر, والتوحيد لابن عاشر.

   وفي علم المنطق: شرح القويسني علي السلم, ورسالة في الوضع وغير ذلك.

   وقد قرأ هذه العلوم المتنوعة التي كانت تدرس في القرويين علي كبار علمائها مثل: العلامة سيدي الحبيب المهاجي, والعلامة مولاي أحمد القادري, والعلامة الشيخ محمد الصنهاجي, والفقيه أبي الثناء الصنهاجي, والعلامة مولاي أحمد بن الجيلاني شيخ الجماعة, وشيخ الجماعة بعده مولاي عبد الله الفضيلي, ومولاي عبد الرحمن بن القرشي, والعلامة الشيخ محمد بن الحاج, والعلامة الحسين العراقي, والعلامة عبد الحي الكتاني, والعلامة العباس البناني, والعلامة إدريس المراكشي, وانتفع كثيرا بالعلامة المحدث سيدي محمد بن جعفر الكتاني بعد أن رجع من الشام.

   ثم غادر مدينة فاس عائدا إلي طنجة مثابرا علي العلم مصغيا إلي دروس والده, فحضر دروسه العامة والخاصة في الحديث والفقه وغيره, وكان يرشده إلي مظان المعرفة والعلم, ويبين له قيمة الكتب والمؤلفات, وأشار عليه بالتصنيف والتأليف, والتدريس للطلبة إلي جانب مثابرته علي الحفظ والاطلاع؛ فدرس لبعض نجباء الطلبة المقدمة الآجرومية في النحو, ورسالة ابن أبي زيد القيرواني بشرح أبي الحسن في الفقه.

   وبدأ يختصر كتاب (إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول) للشوكاني؛ وكتب شرحا علي الآجرومية يعتبر أكبر شرح وأكثره فوائد, قال: بعد أن راجعت من شروحها وحواشيها ما ينيف علي العشرين؛ ما بين مخطوط ومطبوع, ثم عرضه علي والده, فأصلح له فيه مواضع بخطه وأقره, وسماه له أخوه السيد أحمد: (تشييد المباني لتوضيح ما حوته المقدمة الآجرومية من الحقائق والمعاني).

   وقال رحمه الله (بدع التفاسير, ص161): وقرأت في كتب النحو كثيرا.

   وقال (سبيل التوفيق, ص23): ولازمت مطالعة (مقامات الحريري) كثيرا حتى كدت أحفظها, وفهمت ما فيها من أنواع البلاغة, وأفادتني كثيرا في هذا المجال.

   وكان إذا جاء والده استفتاء من أي جهة من جهات المغرب يدعوه, ويملي عليه الفتوى, ويكتبها ثم يمضها, وتارة يأمر السيد الشريف الحافظ عبد الله بأن يمضيها باسمه.

   وكان يزور والده كل صباح في المكتبة أو في البيت الذي يجلس فيه, فان تأخر يوما بعث إليه وسأله عن سبب تأخره, ويقول رحمه الله (المصدر السابق, ص22): وكنت أناقشه كثيرا, وألح في مناقشته فيتسع صدره ولا يضيق بي, وبالجملة استفدت كثيرا من إفاداته وإرشاداته وتوجيهاته, وجزاه عني أفضل ما جزي والده عن ولده

   وكان والده ينوه بفضله وعلمه بين أصدقائه, ويصفه بحسن الفهم, وجودة المعرفة, وكان السيد الشريف الحافظ عبد الله يطلب منه الإذن بالسفر إلي مصر فيجيبه: ستذهب إلي مصر إن شاء, ولكني أحبك أن تذهب عالما يحتاج إليك علماء الأزهر, قال السيد الشريف الحافظ عبد الله (المصدر السابق, ص23): "وكنت أظن أنه يقول ذلك علي سبيل التصبير والتشجيع, وظهر فيما بعد أنه كان يقول الحقيقة, فقد احتاج إلي علماء الأزهر".

   ولقنه والده ورد الطريقة الشاذلية, كما تلقن هو من قبل, وقال له مرة في بعض خطاباته: أنت فقيه محدث صوفي.

   وإذا علمنا أن حياة والده كانت وقفا لتربية السالكين, وتهذيب المقبلين, ووعظ الغافلين, والجهر بالأذكار والأوراد صباح مساء في رحاب الزاوية التي ابتناها, إلي جانب حلقات العلم والدرس لعلوم اللغة والشريعة المتعاقبة فيها, ولكل يوم درس معين, وكتاب معين في علم محدد من علوم اللغة, والسنة والتفسير والفقه, والسيرة والتصوف والمنطق, علمنا مدي رسوخ السيد الشريف الحافظ عبد الله في العلم والسلوك وهو في ريعان شبابه ومقتبل عمره

3- الرحلة إلي القاهرة وبعدها العلمي:

   وكانت نفسه الطلعة تتوق بلهف وشغف إلي رحاب الأزهر الشريف, وعلمائه الكبار, وحلقاته المتنوعة, وأعلامه الراسخين, وحلقاته الكثيرة من الطلاب المقيمين والواردين, فحقق الله له ذلك صحبة شقيقيه الأكبر السيد أحمد, والأصغر السيد الزمزمي في شعبان سنة (1349هـ), يقول: وقبل الذهاب إلي الميناء, طلعت الدور الفوقي – أي العلوي – حيث يجلس مولانا الإمام الوالد، فلقنني ورد الشاذلية، وأوصاني بالاستقامة، ولزوم الجادة، فقبلت يده، ورجليه وانصرفت، وكان قبل ذلك قد حدثني عن الأزهر وعن مصر بوجه عام، وأمرني بتعليم التجويد، وعلم التوقيت

   ووصل الإسكندرية أواخر شعبان (1349 هـ) وزار معهد الإسكندرية الديني التابع للأزهر، وكان شيخه الشيخ عبد المجيد اللبان واسجازه فأجازه.

   ثم وصل القاهرة مع أخويه في الأسبوع الأول من شهر رمضان، وبعد انصرام الشهر وأجازه العيد، التحق بالأزهر في القسم العالي، فدرس على عدد من شيوخ الأزهر وعلمائه، في الفقه والأصول والمنطق، وفقه الشافعية وغيرها، واستجاز بعضهم فأجازوه

   وتابع دروسه ودأبه في الأزهر, فشجعه زملاؤه الطلبة الذين عرفوه علي التقدم لامتحان شهادة العالمية الخاصة بالغرباء عن مصر, وكان الامتحان في هذه الشهادة, في اثني عشر علما, وهي: الأصول, والمعاني, والبيان, والبديع, والنحو, والصرف, والتوحيد, والمنطق, والحديث, والمصطلح, والفقه, والتفسير, وتقدم للامتحان سنة (135هـ) ونجح في شهادته.

   ثم بعد ذلكاللجنة: دة العالمية الأزهرية, وكان الامتحان في العلوم السابقة, ويضاف إليها: علم الوضع, وعلم العروض والقوافي, وعلم الأخلاق أي التصوف, فبلغت جملة العلوم خمسة عشر علما؛ يقول رحمه الله تعالي: وكان رئيس اللجنة التي اختبرتني: الشيخ محمد زغلول شيخ معهد الزقازيق, وكان من جملة أعضاء اللجنة: الشيخ عبد المتعال الصعيدي, وعندما دخلت علي اللجنة وسلمت عليهم, قال لي الشيخ الصعيدي: كيف حالك يا فلان؟ ففأجابه: اللجنة: إذن بينكما معرفة؟ فأجابه: لا أعرفه, لأنه سني وأنا ملحد, فتشاءمت من هذه العبارة, لأنه كان قبل ذلك بأيام, كتب مقالا, أجاز فيه التصوير ورددنا عليه, فظننت أنه سيكون ضدنا في الامتحان, ولكنه – والحق يقال – كان كريما في المعاملة.

   ولما تم الامتحان, وأردت القيام للانصراف, قال لي رئيس اللجنة: مبروك يا علامة؛ وطننت أنه قال لي هذه العبارة تهكما, ولكنه قابله صديقه الشيخ عبد السلام غنيم وخبره بنجاحي بتفوق, ونشر خبر نجاحي بجريدة الأهرام وصادف أني كنت في زيارة الشيخ محمود شلتوت في بيته ومعه جماعة من العلماء, لأنه كان وكيلا لكلية الشرعية, ودخل احد الزائرين فهنأني, فقال له الشيخ شلتوت: نحن نهنئ الشهادة الأزهرية بأخذ الشيخ عبد الله لها الذي جاء من بلاده عالما.

   وبدأ نجمه العلمي يسطع, والأزهريون من العلماء والطلاب يتعرفون إليه ويتردد اسمه علي مسامعهم, وبدا يكتب المقالات العلمية التي تطبعها الصبغة الحديثية في (مجلة الإسلام) وكان لها ذيوع وشيوع في البلاد الإسلامية, ونالت أبحاثه الحديثية القبول والثناء, واستمرت كتابته فيها عشر سنوات.

   وبدأ يساهم في كتابة المقالات في عدد من المجالات منها (هدي الإسلام), مجلة (الإرشاد) – وكان يصدرها الخطباء وأئمة المساجد بمصر – ومجلة (الرابطة الإسلامية), ومجلة (الشرق العربي), ومجلة (نشر الفضائل والآداب الإسلامية), ومجلة (الوسيلة), ومجلة (المسلم), وهي مجلة (العشيرة المحمدية).

   قال رحمه الله: وما من مجلة دينية, إلا وكتبت فيها مقالا, أو مقالين أو أكثر, وكانت صلتي حسنه بالجماعة الإسلامية, فجماعة الأخوان المسلمين لي صداقة متينة مع رئيسها الأستاذ حسن البنا, ووالده الأستاذ أحمد عبد الرحمن صاحب ترتيب المسند, وكان بيننا تواصل وتزاور (قلت: وقد استجاز الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا, السيد أحمد بن الصديق, وأثبت أجازته بالمسند للإمام أحمد في صدر ترتيبه النافع القيم الذي سماه: (الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني), مع شرحه (بلوغ الأماني مع أسرار الفتح الرباني): (1/31-32).

   وبدأت محاضراته العامة في النوادي والجمعيات, ومنها: جمعية الهداية الإسلامية التي يرأسها الشيخ محمد الخضر الحسين, وجمعية العشيرة المحمدية, وكان عضوا ومفتيا في مجلتها؛ وجمعية نشر الفضائل والآداب الإسلامية وجمعية الرابطة الإسلامية, وجمعية السيدات المسلمات, وكانت السيدة زينب الغزالي أنشأت جمعية نسائية, وكان يلقي درسا أسبوعيا فيها؛ إلي جانب جمعيات أخري في القاهرة

   وبدأ الطلبة يقصدونه لتلقي الدروس عنه, وخاصة العلوم التي يتقدمون فيها للامتحان, فدرس لهم شرح المكودي لألفية ابن مالك, وكان ذلك لأول مرة يدرس في الأزه؛ وجمع الجوامع بشرح المحلي, وسلم الوصول إلي علم الأصول لابن أبي حجاب, وهو مختصر جمع الجوامع, والجوهر المكنون في علم البلاغة, والسلم بشرح البناني في علم المنطق.

   وكان الطلبة الذي يتحلقون حول السيد الشريف الحافظ عبد الله, من شتى البلاد الإسلامية, من مصر وأندونيسية والهند, وتركية, ويوغوسلافية, ورومانية, والشام, والحجاز, واليمين, وألبانية, والحبشة, والصومال, والسودان, وشمال افريقية؛ ويقول رحمه الله: وجميع من ذاكرت لهم نجحوا, وتولوا المناصب الكبيرة, وكان الطالب إذا تخرج وسافر إلي بلده يوصي إخوانه القادمين إلي مصر بالحضور علي السيد الشريف الحافظ عبد الله.

   وتوطدت العلاقة بينه وبين كبار علماء مصر والقاطنين فيها, ومنهم: العلامة المطلع الشيخ محمد زاهد الكوثري, والعلامة الشيخ يوسف الدجوي, والشيخ محمود شلتوت, وكانت بينهما الردود, ولكنه كان يحترم السيد الشريف الحافظ عبد الله ويجله, وقال له أول مرة رآه بدعوة منه في كلية الشريعة, اثر رده عليه بشأن نزول عيسي عليه السلام: كنت أظنك شيخا كبيرا, لكنك شاب, فقال له السيد الشريف الحافظ عبد الله: أنا كما يقول المثل العربي: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه", قال: لا أقصد هذا, وإنما أقصد أن سنك دون مقالاتك التي تدل علي علم كبير, وإطلاع واسع لا يتأتيان إلا من رجل تقدمت به السن, مع طول الدراسة, وكانت سنه آنئذ ثلاثا وثلاثين سنة, فقال السيد الشريف الحافظ عبد الله: هذا من فضل الله علي؛ ومنهم العلامة الشيخ السيد محمد الخضر حسين التونسي, وكان يزور السيد الشريف الحافظ عبد الله في بيته, يرجع إليه في معرفة أحاديث يحتاج إليها في موضوعات يكتبها.

   ومنهم العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية, وشيخ علمائها, وقد حضر عليه السيد الشريف الحافظ عبد الله دروسا في الفقه الحنفي والتفسير وأجازه, وكان بينهما تزاور, وكان السيد الشريف الحافظ عبد الله شديد الإعجاب به, كثير الثناء علي علمه الغزير, وخلقه الرفيع, ومنهم مسند الديار المصرية السيد أحمد رافع الطهطاوي, وأجاز للسيد عبد الله بما حواه ثبته: (المسعى الحميد إلي بيان وتحرير الأسانيد), قال السيد الشريف الحافظ عبد الله: وهو كتاب نفيس: نبه فيه علي أوهام وقعت في كثير من الأثبات, خصوصا (فهرس الفهارس) للشيخ عبد الحي الكتاني.

   ومنهم الشيخ العلامة عبد المجيد اللبان, الذي أصبح عميدا لكلية أصول الدين, وجهد أن يعين السيد الشريف الحافظ عبد الله مدرسا للحديث عنده في الكلية, لكن الشيخ المراغي شيخ الأزهر إذ ذاك كان شديد المعارضة لذلك.

   وفي القاهرة اتسعت دائرة السيد الشريف الحافظ عبد الله أخذا وعطاء, واتصل بالعالم الإسلامي وغيره بأوسع معاني الاتصال تلقيا وأداء, واستجاز علماء الأمة الذين قدروه حق قدره, وعرفوا نبوغه وفضله, فأجازوه بأسانيدهم العوالي وأثباتهم النفيسة الغوالي, وهؤلاء الذين أجازوه كان إسناد الأمة الإسلامية إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور عليهم, فإضافة إلي الذين تقدموا كالسيد أحمد أخيه, والسيد أحمد رافع الطهطاوي مسند الديار المصرية, والعلامة المحدث الشيخ محمد زاهد الكوثري, والعلامة محمد الخضر حسين التونسي, فقد أخذ عن: العلامة الشيخ محمد دويدار الكفراوي التلاوي الشافعي, وزاره السيد الشريف الحافظ عبد الله في منزله (بتلا) من أعمال المنوفية بمصر, وسمع منه حديث الأولية, وناوله (ثبت الشبراوي), والعلامة الفقيه الأصولي الشيخ الطاهر ابن عاشور التونسي, والعلامة عبد الباقي الأنصاري اللكنوي ثم المدني, ومحدث الحرمين عمر بن حمدان المحرسي التونسي, والعلامة المؤرخ الشيخ عبد الواسع بن يحيي الواسعي اليمني, والعلامة الفقيه محسن بن ناصر باحربة الحضرمي, والعلامة الفقيه المسند عبد القادر بن توفيق الشلبي الطرابلسي المدني الحنفي, والعلامة الفقيه محمد بن محمد الحلبي المصري الشافعي, والعلامة الشيخ محمد إمام بن إبراهيم السقا, والعلامة شيخ دار الحديث بدمشق بدر الدين محمد بن يوسف البيباني الحسني المراكشي ثم الدمشقي, والعلامة المؤرخ المسند محمد راغب الطباخ الحلبي, العلامة الشيخ طه بن يوسف الشعبيني المصري, والعلامة أحمد بن محمد الدلبشاني الموصلي الحنفي, والعلامة المسند المؤرخ محمد بن محمد بن زبارة الحسني, والمسندة أم البنين آمنة بنت عبد الجليل بن سليم الدرا الدمشقية؛ في أعلام آخرين من المغرب والمشرق, ذكرهم مع شيوخهم وطرق روايتهم في: (ارتشاف الرحيق من أسانيد عبد الله الصديق) , وهو مطبوع مع (ثبت العلامة عبد الله الشبراوي) الذي ناوله للسيد عبد الله شيخه محمد دويدار كما تقدم؛ وبهذا أصبح إسناد السيد الشريف الحافظ عبد الله من أجمع الأسانيد وأعلاها اتصالا بالجناب النبوي الشريف, في عصرنا الحاضر.

   وعرفانا بهذا, فقد غدا السيد الشريف الحافظ عبد الله قبلة أنظار الراغبين في الإسناد والاتصال, يسعون إليه ويلتمسون ذلك منه, من كل البلاد والجهات

4- معاركه الفكرية:

   لقد كانت الفترة التي عاشها السيد الشريف الحافظ عبد الله بن الصديق في مصر فترة موارة بالأفكار, من قومية, ورأسمالية, واشتراكية, وغيرها, وكانت حربا ضروسا علي الدين ومبادئه, وأسسه, بدءا من القرآن الكريم وعقائده, والسنة ومفاهيمها, والفقه ومذاهبه (إذا أردت أن تعرف شيئا من هذه الحرب الضروس ضد الإسلام والعربية, فارجع إلي ما سطره شيخ الإسلام مصطفي صبري في كتابه: (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين), وهو في أربعة مجلدات ضخام.

   وكان السيد الشريف الحافظ عبد الله حاضرا في قلب هذه المعركة, ثابتا موقنا لم يجار زائغا, ولم يمل إلي تيار برغب, وقد كان ذلك الترغيب, ولا رهب وقد كان ذلك الترهيب, وكانت معاركه مع الصغار والكبار, مع الذين تربعوا علي المناصب العالية, ومع آخرين مجهولين, يريدون بشذوذهم الظهور والوصول.

   وقد وجه السيد الشريف الحافظ عبد الله جل ردوده, وصوب أكثر سهامه إلي أهل التخصص الشرعي, أو من يدعيه من الذين انحرفوا بمفاهيمه, أو زاغوا بتأويله, أو داهنوا بتقريبه, أو ناقضوا بعض ضرورياته, أو أنكروا طرفا من مسلماته.

   ومن الذين تصدى لهم السيد الشريف الحافظ عبد الله الشيخ محمود شلتوت, وكان شيخا للأزهر – وهو أرفع منصب علمي أزهري – وصاحب لسان وقلم وفكرة وكتاب.

   قال السيد الشريف الحافظ عبد الله (سبيل التوفيق, ص93-94): وسمعت الشيخ محمود شلتوت يلقي محاضرة من المذياع ذكر فيها أن التداوي بالأذكار والآيات من قبيل الدجل, فكتبت جزءا سميته: (كمال الإيمان في التداوي بالقرآن) وقد طبع مرات.

   وبعث قادياني إلي الأزهر يسأل: هل سينزل عيسى؟ وحكم من ينكر نزوله – والقاديانيون ينكرون نزول عيسى – وغرضه بهذا السؤال أن ينتزع من الأزهر ما يرد به علي المسلمين الذين يعارضون القاديانية بالهند, فحول الشيخ المراغي سؤال القادياني إلي الشيخ محمود شلتوت, فكتب الجواب علي وفق مراد السائل, وأنكر نزول عيسى, وزعم دعاوى أبطلتها في كتاب: (إقامة البرهان علي نزول نزول عيسى آخر الزمان), طبع, وقدمته إليه في بيته, ثم أصر علي الإنكار في مقالات نشرها في مجلة (الرسالة) فأردفته بكتاب: (عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام), وقد طبع, وقدمته إليه في بيته أيضا, فلم يكتب بعد شيئا.

   وقال رحمه الله: وأخبرني صديقي الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي أنه رأى في مجلة صوت أمريكة مقالا للشيخ محمود شلتوت, ذكر فيه: أن الإيمان بالله واليوم الآخر ينجي صاحبه يوم القيامة, ولا حاجة إلي الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم, وبنى على ذلك أن أهل الكتاب ناجون يوم القيامة, فكتبت ردا عليه, جزءا سميته: (التحقيق الباهر في معني الإيمان بالله واليوم الآخر).  

   وسمعت محاضرة ألقاها الدكتور محمد البهي من المذياع, زعم فيها أن إرسال النبي صلى الله عليه وسلم إلي الجن دليله ظني, فكتبت في الرد عليه جزءا سميته: (قرة العين في أدلة إرسال النبي إلي الثقلين) بينت فيه إرساله إلي الجن بالقرآن والسنة المتواترة وإجماع الأمة.

   وكانت مقالاته ودراساته في قسم كبير منها, هي ردود وتصحيحات وتقويمات لأفكار كانت تنتشر وكتب كانت تروج.

   ومن ذلك تصديه للشيخ الفقيه محمد أبو زهرة, وهو في عنفوان مجده العلمي, ومكانته الفقهية الاجتماعية, قال السيد الشريف الحافظ عبد الله رحمه الله حضرت ندوة مجلة (لواء الإسلام) في شهر رجب (1375هـ) فوجدت البحث يدور حول الرؤيا وحقيقتها, وما ورد فيها, فذكرت رؤيا ثابت بن قيس بن شماس, حين استشهد في واقعة اليمامة, فأخذ بعض المسلمين درعا كانت عليه نفيسة, فأتي ثابت إلي بعض الصحابة في النوم, وقال: إن فلانا أخذ درعي, وأكفأ عليها برمة, وعلي البرمة رحل, وهو في أقصي الجيش, فائت خالدا – يعني ابن الوليد – فمره أن يأخذها, وإذا أتيت المدينة, فقل لأبي بكر الصديق علي من الدين كذا وكذا, وفلان من رقيقي عتيق, وفلان, فأخبر الرجل خالدا, فبعث إلي الدرع فأخذها, وحدث أبا بكر برؤياه فأجازها.

   قال السيد الشريف الحافظ عبد الله: فاستنكر الشيخ أبو زهرة هذه القصة بأسلوب لا يمت إلي العلم بصلة, فقلت له: إنها قصة صحيحة, فاستنكف أن يرجع.

   قال: ثم حضرت في إحدى الجمادين من هذه السنة, فوجدت البحث يدور حول تشريح جثة الميت, هل يجوز لأغراض صحية أو لا فاستدل الشيخ أبو زهرة بحديث عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إياكم والمثلة, ولو بكلب " فقال له السيد الشريف الحافظ عبد الله: هو حديث موضوع, فعارض الشيخ أبو زهرة كعادته, واستنكف أن ينصاع للحق.

   قال: وفي أثناء البحث في حكم تشريح جثة الميت, أراد أحد الحاضرين أن يذكر حديث العرنيين, فقاطعه الشيخ أبو زهرة بحدة, ومنعه من قراءة الحديث زاعما أنه غير صحيح, وان كان في البخاري فعارضته بأن الحديث لا شك في صحته, وأنه لا إشكال فيه, لكنه أصر علي زعمه بعناد, مع زهو وإعجاب (قصص الأنبياء, ص 74-77).

   وقد رد علي الكثيرين من الكبار, ومنهم الشيخ محمد عبده, وله أتباعه ومكانته, في مصر وفي جميع طبقات الناس, السياسيين ومن دونهم, ففي دعوى الشيخ محمد عبده أنه يريد إصلاح الدين كما جاء في قوله:

ولست أبالي أن يقال محمد أبل أم اكتظت عليه المآتم

ولكن دينا قد أردت صلاحه أحاذر أن تقضي عليه العمائم

ويعني بصلاحه إصلاحه, قال السيد الشريف الحافظ عبد الله: فان أراد بالإصلاح التجديد عن طريق الاجتهاد, فهو ليس من أهله؛ لأنه:

1- لم يكن يعرف السنة أنكر ليلة القدر, وزعم أن الأحاديث الواردة في فضلها وقيامها, رواياتها مضطربة, وأغلبها ضعيف, والكثير منها موضوع وهذا دليل واضح من كلام الشيخ يدل علي جهله بالسنة

2- كان يجتهد مع وجود النص ويخالفه

3- يؤول نصوص الشريعة بالمصطلحات المستحدثة في هذه العصور,

 غير مبال بالمدلولات اللغوية لتلك النصوص ومن ذلك: تفسيره عمل المبشرين الذين ينصرون المسلمين بأنها تشير إلي انتشار رسالة عيسى وتعاليمه من الدعوى إلي المحبة والتسامح, وهذا تحريف للكلم عن مواضعه (انظر: خواطر دينية, ص161 تحت عنوان: هل يمكن إصلاح الدين؟).  

   وكذلك نقده لطه حسين, بل تكفيره حين قال: ألف هذا الكتاب – في الشعر الجاهلي – الدكتور طه حسين, وذكر فيه كفريات صريحة, فيها إنكار إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام, وزعمه أنهما شخصيتان وهميتان, لا حقيقة لهما في التاريخ, وأن القرآن لا يكفي دليلا علي وجودهما والحقيقية أن هذا الكتاب الذي ارتد به عن دين الإسلام, واستوجب غضب الله عليه, ليس من تأليفه, بل هو نسخة من كتاب (كلمة في الإسلام) للمبشر الإنكليزي: جرجس سال وقد يقال: انه تاب عما كان في ذلك الكتاب, وان كان كذلك, فلم يعلن توبته, كما أعلن ردته, ولنسلم أنه تاب سرابينه وبين الله, فما باله في كتابه (في الصيف), وقد ألفه بعد الكتاب الأول بمدة, يقول: يجب أن ينقد القرآن كأي كتاب أدبي؟!!

   فهل هذه الكلمة تصدر من مؤمن يعتقد أن القرآن كتاب الله, لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟!

   الحقيقة أن الأدباء الملحدون, وجدوا أن الكتابة الدينية تجارة رابحة, درت عليهم أموالا كثيرة وافرة, فلذلك أقبلوا عليها, واتجهوا بكليتهم إليها, وحصلوا على ما طلبوه من المال, ولن تخطر التوبة لهم على بال (المصدر السابق ص 219).

   وكذلك هاجم الشيخ على عبد الرازق, مؤلف كتاب (الإسلام وأصول الحكم) وغير هؤلاء ممن كان لهم شأن في مصر, ولكنهم تجنوا على الإسلام أو أتوا بأفكار شاذة ولم يحاب السيد الشريف الحافظ عبد الله في الله وفي دينه أحدا, ولو كان من الكبار, مع العلم بأنه غير مصري, وكانت القومية والعنصرية عنفوانها هناك.

5- بعض المحن التي تعرض لها:

لم يسلم رحمة الله من محن عصره التي نالت الدعاة وعلماء الإسلام, بل نالته محنة شديدة, إذا أدخل السجن في عهد جمال عبد الناصر, وقال رحمة الله: (سبيل التوفيق ص 117) بتدبير مجرم مغربي, أكرمته غاية الإكرام, فدبر لي مع المباحث المصرية تهمة التجسس لحساب فرنسا على الجزائر, وهي تهمة باطلة, وحكم علي بالإعدام, وبعد الحكم, حلفت للصحفيين الذين كانوا ملتفين حولي, أني لن أعدم فتعجبوا.

   ومما عده المصريون من كراماتي: أن القاضي المسيحي الذي حكم علي لم يمر عليه شهران, حتى ألقى بنفسه من سطح بيته فمات منتحرا.

   ومات جمال ميتة غير سليمة, وهو الآن عند الله تعالى, يلقى جزاء ظلمه وغشمه, فقد أملى الله له أخذه أخذ عزيز مقتدر, وسيعلم الذين ظلموا أي متقلب يتقلبون.

   ولقد طال سجنه رحمة الله, حتى بلغ إحدى عشرة سنة كاملة, قال رحمة الله: أدركني ظلم جمال عبد الناصر كما أدرك كثيرا من العلماء, فمكثت في السجن أحد عشر عاما كاملة, من 15 أكتوبر / تشرين الأول (1959) إلى 26 ديسمبر /كانون الأول (1969م) فكتبت في السجن مع التشديد والتضييق عدة كتب منها: (فضائل النبي في القرآن), (النفحة الألهية في الصلاة على خير البرية), (سمير الصالحين).

ومما يدل على محنته الشديدة في السجن قصيدة بعنوان: استغاثة، بلغت أربعة وستين بيتاً ومنها (نشرها في آخر كتابه خواطر دينية ص 245):

سألتك يا الله يا من له الثنا تفرج فضلاً عني مصيبتي

ويا رب يا رحمن فاحم تذللي إليك، وأدركني بنصر وعزة

 إلهي لقد يممت بابك ضارعاً إليك،فأرغدني بفيض ونعمة

إلهي وخلصني من الكرب والأذي وأذهب سريعا عني كل مضرة

إلهي وخذ ثأري من الظالم الذي تسبب في هتكي ليبدي معرتي

وجازه لعنا دائما متواصلا على ما بدا من بهته في قضيتي

أطل دمي من غير جرم أتيته ولوث عرضي بالدعاوى الخبيثة

   وبعد أن أخرج من السجن بمصر بعد أحد عشر عاما فيه ـ وكان ذلك في قضية لفقت له كما لفق للعديد من العلماء، والدعاة في تلك الفترة بالذات، في مصر خاصة، وهاهي الملفات تنشر عن تلك الفترة التي تظهر هذا البهتان على العلماء والسياسيين المعارضين وتبديه ـ عاد إلى المغرب يتابع مسيرته العلمية والتوجيهية حيثما حل وارتحل، وخاصة في دروسه في الزاوية الصديقية.

   فنالته محنة أخرى ـ وكانت شديدة كذلك ـ إذ أفطر من صوم رمضان مع مصر،فتجرأ عامل طنجة فجسه مع أخيه السيد عبد العزيز رحمهالله لمدة أسبوعين، قال رحمه الله (سبيل التوفيق،ص14): وقد تجرأ عامل طنجة،وكان قبيحا، فحبسنا أسبوعين، لأننا أفطرنا مع مصر قبل المغرب. ..

   أما العامل فقد أوقعه الله في شر أعماله، فنكب كبيرة، وعزل عن عمله وعن كل وظيفة، وهو الآن في حكم الموتى، وإن الله يهمل ولا يهمل.

وفي الحديث الصحيح: "إن الله جل جلاله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" رواه الشيخان.

6ـ خادمه وتلامذته: أما خادمه فأحمد بن الدرويش وزوجته آن خديجة استيفنس وابنه شيخ عبد القادر الجيلاني المحدث الإندونيسي والمبرمج الماهر منذ سن 10 سنوات بفضل الله تعالى

 

ولقد تتلمذ للسيد عبد الله، خلال عمره المديد في المغرب والمشرق، عدد كبير من الطلاب من جميع الأقطار الإسلامية وغيرها، إذ كان حيثما حل يتحلق

حوله نفر غير قليل من العلماء والطلاب يغرفون من معينه، ويصدرون عن

حياضه في علوم شتى، ومنهم المختصون بالدراسات الشرعية وغير الدراسات

الشرعية.

   وقد بلغ عدد كبير من تلامذته شأوا علميا كبيرا، وتسنم بعضهم مراكز علمية

مهمة، ويصعب على الباحث حصرها وعدهم، وقد أشار بنفسه إلى بعض من تتلمذ عليه، وفي طليعتهم إخوته: السيد محمد الزمزمي، والسيد عبد الحي، والسيد عبد العزيز، والسيد الحسن، والسيد إبراهيم، ثم من الأعلام الذين تتلمذوا عليه، وأفادوا من علمه من خصهم بالذكر والتنويه في كتابه (المصدر السابق، ص89 ـ 9) ومنهم: العلامة الشيخ محمد الحامد (الحموي)، والعلاقة الشيخ عبد العزيز عيون السود (الحمصي)، والعلاقة المحدث الشيخ عبد الفتاح أبو غدة (الحلبي)، والعلامة الشيخ محمد عوامة (الحلبي)، والعلامة الفقيه الشيخ محمد علي المراد (الحموي).

   والأستاذ الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف، والأستاذ الدكتور علي جمعة المصري، وهو الآن مفتي مصر، والشيخ صالح الجعفري، والشيخ حمدي أصلان جافا الألباني، والشيخ محمود حسن الشيخ، والدكتور حنفي حسنين، والشيخ حسين البتانوتي، والدكتور فاروق حمادة كاتب هذا البحث، والدكتور محمد فؤاد البرازي وآخرونكثيرون جدا.

   ومما يذكر هنا أن كثيرا من طلبة العلم كانوا يحرصون أشد الحرص على التشرف بإجازته الحديثية.

   وأذكر هنا أنه لما استقر به المقام بطنجة إثر عودته من مصر، التف حوله ثلة من أهل العلم فدرسهم كتاب (نيل الأوطار) للشوكاني حتى انتهى منه، وأقيم حفل بمناسبة ختمه، ودروس التفسير، واعتمد (تفسير النسفي).

   كما درس (جمع الجوامع) في أصول الفقه، و(الموطأ) و(الشمائل) للترمذي، إلى جانب خطبة الجمعة في الزاوية، وكان في غاية الشجاعة في خطبيه يصرح ولا يكني، ويعلن ولا يهمس، وكذلك في دروس وغظه للعامة والخاصة.

7 ـ رجوعه إلى المغرب، وعيشه ووفاته:

   لقد بقي السيد الشريف الحافظ عبد الله في مصر زهاء أربعين سنة، في مصر زهاء أربعين سنة، فقد ارتحل إليها طالبا للعلم، سنة (1929م)، وعاد إلى المغرب سنة(197م)، فنزل في الزاوية الصديقية التي تضم ضريح أبيه، وأمه بطنجة، وفيها بيوت ومساكن في الدور العلوي، فأخذ منها جانبا ليس بالواسع، وحل فيه، مع زوجه وهي مصرية ـ ولم يتزوج غيرها، ولم يعقب رحمه الله ـ وكان هذا السكن في غاية البساطة بناء وفراشا، فأسند كتبه إلى جدرانه، وكان ينزل لصلاة الخمس مع الجماعة التي تقام في الزاوية، ويلقي دروسه فيها بعد الصبح، وفي أوقات أخر.

   وعاش رحمه الله جل جلاله زاهدا قانعا من الدنيا، ولا أعلم أنها شغلته عن العلم تدريسا ومدارسه وتصنيفا، ومتابعة، فقد عرفته أكثر من عشرين سنة من قرب في الحضر، وعايشته في السفر.

 

   لقد كان رحمه الله عليه رضي الخلق، سمح النفس، كريما، محبا للطلبة، مشجعا للعلم، وأذكر أني عندما ألقيت درسا في الدروس الحسنية التي يستدعى لها كبار العلماء، كان أول من اتصل بي هاتفيا من طنجة، وشجعني وأنثى علي وعلى ما ألقيته، وأنا يومئذ الشاب الناشئ المغمور، الذي لز بين فحول كبار في ساحة يترأسها جلالة الملك، ويحضرها كبار رجال الدولة على أصنافهم، والسلك الدبلوماسي الإسلامي، وصفوة العلماء في المغرب.

   وكان رحمه الله جل جلاله لا يضيق بسؤال، ولا يتذمر من القراءة عليه أو مدارسة العلم بفنونه في كل ظروفه، وأحواله في حضره أو سفره، وقد سافرت معه مرة إلى منطقة (زعير)، ونزلنا في الزاوية هناك عام (1973م)، وحصلت معي (صحيح البخاري) فكنت أقرا عليه صباح مساء، وكنت أكثر عليه طيب الله ثراه، فلم أرمنه إلا الاستحسان والتشجيع والمودة، مع شدة الحرارة، وصعوبة الجو الصائف، حتى اعتراني ألم شديد، فأمرني بالرجوع إلى (سلا) حيث كنت أسكن.

   لقد عاش في المغرب بعد عودته من مصر نحوا من ثلاث وعشرين سنة مكرما محبوبا، صبورا على ما ألم به من محنة ظاهرة، ذكرها بنفسه، ونقلناها عنه فيما تقدم، وأمور أخرى كان لا يطلع عليها أحدا، إلا خاصة الخاصة، وكانت صلاه مع جميع الأنحاء من العلماء وطلاب العلم، ومحبيه بالرسائل، متوددين سائلين، أو قاصدين زائرين محبين مقدرين.

   وكان يتنقل أحيانا في المدن المغربية مثل القصر الكبير، وفاس، والرباط، وسلا، والقنيطرة، وتطوان، ويزور محبيه وطلابه، فكان يلقى على الدوام التجلة والاحترام، ويكون حلوله في مدينة ما منتدى علميا يقصده عارفوه، فيلقون عليه المسائل العويصة، والمشاكل العلمية الثقيلة، فيصدرون عنه بعلم ثر غزير، وأجوبة ممحصة ناضجة، لا تعصب فيها لرأي، ولا إزراء على مخالف.

   وكانت سيرته ـ أعلى الله مقامه ـ سيرة العلماء العاملين، والزهاد السالكين، والمربين الناصحين، والغيورين المجاهدين، والهداة الذابين عن حمى الشريعة، ولم تكن حياته لتخرج عن مسالك التصنيف والتأليف، والإجابة على الأسئلة الواردة، والتعليم لمن يتحلقون حوله، ويكتبون إفاداته وتعليقاته، وهناك أجوبة لم يدونها بنفسه ودونها بعض تلامذته.

   وكنت أقول لإخواني الذين يعرفونه والذين لا يعرفونه: إن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن الصديق الغماري جبل شامخ، ولكنه سهل المرتقى.

   توفي السيد الشريف الحافظ عبد الله بن الصديق، يوم الخميس 19 شعبان (1413هـ) الموافق 11 فبراير (1993م)، عن سن تناهز خمسا وثمانين سنة، ودفن في الزاوية الصديقية بجوار والده ووالدته، رحمهم الله تعالى، وأعلى في الجنان مقامهم، ثم دفن بعد ذلك بجواره، إخوته السيد عبد العزيز، والسيد عبد الحي، والسيد إبراهيم، رحمه الله الجميع.

   لقد كانت جنازته مشهودة، صلي عليه بالمجامع الكبير في طنجة، وامتلأت الشوارع والأزقة من المسجد إلى الزاوية بالسباب المحبين، وبالشيوخ والكهول الباكين، يودعون علما شامخا، ومحدثا فذا، وإماما رائدا، عز نظيره من أمد غير قصير، وحزن عليه علماء الإسلام عامة، وأهل الحديث والسنة خاصة، في مشارق الأرض ومغاربها، فقد تركت وفاته، أعلى الله مقامه ثلمة كبيرة، وفراغا علميا واسعا.

 

الفصل الثاني

تعريف بمؤلفاته

   لقد كتب الحافظ عبد الله بن الصديق خلال حياته المباركة عددا كبيرا من المصنفات، وأبرز عددا مهما من الكتب التراثية المحققة، وساهم بعدد وافر من المقالات والدراسات، وأغلبها شاع وذاع شرقا وغربا، وأقبل عليها أهل العلم من الموافقين والمخالفين، وقدروها القدر العالي الثمين.

 ويمكنني ذكر أهمها على هذا الترتيب:

 أ ـ الكتب والمصنفات: (للسيد لبابة بنت عجيبة بحث بعنوان): (الجهود العلمية للأسرة الصديقية دراسة بيبلوغرافية)، ذكرت فيها مؤلفات السيد الشريف الحافظ عبد الله وإخوته السادة: أحمد، وعبد العزيز، وعبد الحي، والحسن، وإبراهيم، وقدمته للتخرج في الإجازة من قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بالرباط سنة 1419هـ ـ 1998م تحت إشرافنا.

 

 وسأرتبها حسب العلوم والتخصص:

1 ـ أصول الدين: {25 مصنفا}

1-                     إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة.

 ط.  الثانية في عالم الكتب ـ بيروت، (146هـ =1986م)، في (95) صفحة.

 إرشاد الجاهل الغبي إلى وجوب اعتقاد أن آدم نبي.

2-                     إرغام المبتدع الغبي بجوار التوسل بالنبي.

 ط.  الثانية، بدار الإمام النووي ـ عمان (1412هـ =1992م)، والطبعة الأولى في مطبعة سبارطيل بطنجة.

3-                     التحقق الباهر في معنى الإيمان بالله واليوم الآخر.

 

 ط.  دار لوران للطباعة والنشر بالإسكندرية، في (25) صفحة، د. ت.

4-                     إعلام النبيه بسبب براءة إبراهيم بن أبيه.

 ط.  مطبعة الأمنية بالرباط، (141هـ =1981م)، في (16) صفحة.

5-                     فتح المعين بنقد كتاب الأربعين في دلائل التوحيد لأبي إسماعيل الهروي.

 ط.  مكتبة الإمام النووي ـ عمان، الأردن، (141هـ = 199م)، في (65) صفحة.

6-                     رفع الإشكال عن مسألة المحال، ونقد قصيدة البردة.

 ط.  الأولى: هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان بالقاهرة، (148هـ = 1987م) في (37) صفحة.

7-                     إتحاف الأذكياء بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء.

 ط. الثانية بالمطبعة المهدية بتطوان، (1391هـ).

8-                     أولياء وكرامات أو النقد المبرم لرسالة الشرف المحتم للسيوطي.

 ط.  الأولى: بمكتبة القاهرة، (1419هـ = 1998م)، في (75) صفحة.

9-                     إقامة البرهان على نزول عيسى في آخر الزمان، أو: إبطال ما قيل من الخيالات والأوهام في حديث نزول عيسى عليه السلام.  

 ط.  الأولى بمطبعة الإخوان المسلمين بمصر، (1943م)، في (152) صفحة.  

10-             تمام المنة ببيان الخصال الموجبة للجنة.

 له عدة طبعات، آخرها ط.  دار المعرفة بالدار البيضاء، في (215) صفحة.

11-             التوقي والاستنزاه عن خطأ البناني في معنى الإله.

 بمطبعة البوغاز بطنجة، (1986م)، في (12) صفحة.

12-             الحجج البينات في إثبات كرامات الأولياء.

 بمطبعة دار التأليف بمصر، في (186) صفحة.

13-             الرد المحكم المتين على كتاب القول المبين.

 ط.  الثانية بمكتب القاهرة، (1374هـ =1955م)، في (279) صفحة.

14-             السيف البتار لمن سب النبي المختار.

 ط.  مؤسسة التغليف والطباعة والنشر والتوزيع للشمال بطنجة، (1989م)، في (39) صفحة.

15-             عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام.  

 طبع عدة مرات ومنها ط.  الثانية بعالم الكتب ببيروت، (146هـ = 1986م)، في (167) صفحة.

16-             قرة العين بأدلة إرسال النبي إلى الثقلين، ويشتمل على أسماء الصحابة الجنيين.

 ط.  الثانية في عالم الكتب ببيروت، (146هـ =1986م)، في (96) صفحة.

17-             القول الجزل فيما لا يعذر فيه بالجهل.  

 ط.  الأولى بدار الكتبي بالقاهرة، (1411هـ = 199م)، في (26) صفحة.  

18-             كمال الإيمان في التداوي بالقرآن.

 طبع مرات عديدة منها ط.  عالم الكتب ببيروت، (145هـ = 1985م)، في (63) صفحة.

19-             المهدي المنتظر.

 طبع بمصر، ثم بدار الطباعة الحديثة بالدار البيضاء، في (17) صفحة.

20-             النفحة الإلهية في الصلاة على خير البرية.

 نشر مكتبة القاهرة بمصر، في (3) صفحة.

21-             فضائل النبي في القرآن المبين على أن النبي أفضل العالمين.

 طبع آخر مرة في عالم الكتب، (199م)، في (51) صفحة.  

22-             النفحة الذكية في أن الهجر بدعة شركية.  

 نشر على رحمي بمصر، في (96) صفحة.

23-             نقد قصيدة البردة للبوصيري.

 طبع مع رفع الإشكال المتقدم بالقاهرة، (148هـ = 1987 م)،في (8) صفحات.

24-             الإعلام بأن التصرف من شرعية الإسلامية.

 ط.  دار لوران للطباعة بالإسكندرية، (1978م)، في 12 صفحة.

25-             أسباب الخلاص من الأوهام الواقعة في تحقيق كلمة الإخلاص.

 وهو تنبيه على أوهام من حقق رسالة الحافظ ابن رجب في تحقيق (كلمة الإخلاص) (وهما الأستاذان محمود خليفة, وأحمد الشرباصي رحمهما الله تعالى)، وطبعت بمطبعة دار التأليف.

2 ـ علوم القرآن: {7 مصنفات}

1-                     الإحسان في تعقب الإتقان.

 ط.  دار الأنصار بمصر، في (4) صفحة.

2-                     بدع التفاسير.

 طبع عدة مرات، ومنها دار الرشاد الحديثة، (146هـ =1986م)، في (188) صفحة.

3-                     بيان صحيح الأقاويل في تفسير آية بني إسرائيل.

 ط.  دار الفرقان، بالدار البيضاء (1986م)، في (25) صفحة.

4-                     توضيح البيان لوصول ثواب القرآن.

 ط. عالم الكتب ببيروت، (146هـ = 1986م)، في (166) صفحة.

5-                     ذوق الحلاوة ببيان امتناع نسخ التلاوة.

 ط.  دار الأنصار بالقاهرة، (142هـ = 1981م)، في (31) صفحة.

6-                     الرؤيا في القرآن والسنة.  

 طبع المطبعة المهدية بتطوان، (1391هـ)، في (163) صفحة.

7-                     منحة الرؤوف المعطي ببيان ضعف وقوف الشيخ الهبطي.

 ط.  دار الطباعة الحديثة بالدار البيضاء، في (34) صفحة.

3 ـ علوم الحديث: {13 مصنفا}

1-                     الأحاديث المنتقاة في فضائل سيدنا رسول الله.

 ط.  بمطبعة دار الكتاب العربي بمصر، (1967م)، في 122 صفحة، ثم في عالم الكتب، (141هـ =199م)، في (18) صفحة.

2-                     الأربعون حديثا الصديقية.

 ط. للمرة الثانية بمكتبة القاهرة، (1373هـ =1954م).  

3-                     الأربعون الغمارية في شكر النعم.

 وقد جرد فيه الأحاديث المرفوعة من كتاب الشكر لابن أبي الدنيا، فجاءت ستة وأربعين حديثا، وشرحها وسماها: الأربعين الغمارية في شكر النعم.

 ط. للمرة الثانية, (146هـ = 1986م)، في عالم الكتب ببيروت، في (51) صفحة.  

4-                     إرشاد الطلب النجيب إلى ما في المولد النبوي من الأكاذيب.

 ط.  دار الفرقان للنشر الحديث بالدار البيضاء، (1991م)، في (24) صفحة.

5-                     أسانيد الكتب السبعة في الحديث (الصحيحان، والسنن الأربعة، وموطأ مالك).

 بدون ذكر اسم المطبعة، في (8) صفحات. د

6-                     الابتهاج بتخرج أحاديث المهناج ـ في الأصول للبيضاوي ـ.  

 ط.  في عالم الكتب ببيروت، (144هـ = 1984م).

7-                     تخريج أحاديث اللمع في لأصول الفقه

 طبع (مع اللمع في االأصول الفقه) للشيرازي, في عالم الكتب ببيروت, (145هـ = 1984م), في (439) صفحة, بتحقيق: د يوسف المرعشلي

8-                     تنبيه الباحث المستفيد إلى ما في الأجزاء المطبوعة من التمهيد (الأجزاء الثلاثة الأولى)

 ط المطبعة المهدية بتطوان, (1394هـ =1974م)، في (23)صفحة، ثم أعاد طبعه مع إضافات وتحقيقات تلميذه العلامة المحدث الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ضمن مجموعة (خمس رسائل في علوم الحديث).

9-                     توجيه العناية لتعريف علم الحديث رواية ود راية.

طبع دار الكتبي بمصر، (1411هـ = 199م)، في (3) صفحة.

10-             فتح الغني الماجد ببيان حجية خبر الواحد.

 ط.  دار الفرقان للنشر الحديث بالدار البيضاء، مع غيره، في (78) صفحة.

11-             الفوائد المقصودة في بيان الأحاديث الشاذة المردودة.

ط دار الفرقان للنشر الحديث بالدار البيضاء ـ مع المقدم ـ، في (75) صفحة.

12-             الكنز الثمين في أحاديث النبي الأمين.

 طبع للمرة الثانية في عالم الكتب ببيروت، (143هـ = 1983م)، في (682) صفحة.

13-             نهاية الآمال في صحة وشرح حديث الأعمال.

 طبع للمرة الثانية في عالم الكتب، (145 هـ = 1985م)، في (62) صفحة.

4 ـ الفقه والأصول: {24 مصنفا}

1-                     حسن التفهم والدرك لمسألة الترك.

 طبع للمرة الثانية في عالم الكتب، (146هـ =1986م)، في (17) صفحة.

2-                     إتحاف النبلاء بفضل الشهادة وأنواع الشهداء.

 طبع عدة مرات، ومنها الطبعة الثانية في عالم الكتب ببيروت، (145هـ =1984م)، في (52) صفحة.

3-                     أجوبة في الطب عن أسئلة من طلبة كلية الطب بالإسكندرية.

 نشر علي رحمي بالقاهرة، في (16) صفحة.

4-                     الأدلة الراجحة على فرضية قراءة الفاتحة.

 طبع عدة مرات، ومنها طبعة عالم الكتب، (146هـ =1986م)، في (32) صفحة.

5-                     إذهاب اللبس عن جواز الصلاة حاسر الرأس.

 بمطبعة دار التأليف بمصر، في (19) صفحة.

6-                     الاستقصاء لأدلة تحريم الاستمناء أو العادة السرية من الناحيتين الدينية والصحيحة.

 طبع بالقاهرة ثم في عالم الكتب، ببيروت، (144هـ = 1984م)، في (84) صفحة.

7-                     إعلام الراكع الساجد بمعنى اتخاذ القبور مساجد.

 طبع في مصر، في (36) صفحة، ثم في طبعة أخرى بدون ذكر التاريخ والمكان، في (3) صفحة.

8-                     إعلام النبيل بجوار التقبيل.

 كانت الطبعة الأولى، (1933م)، ثم طبع مرات آخرها طبعة عالم الكتب، (145هـ=1985م)،في (39) صفحة.

9-                     أمنية المتمنّي في تحريم التبنّي.

 طبع بمصر دون ذكر اسم المطبعة، في (23) صفحة.

10-             الإنارة بأدلة وجوب زكاة التجارة.  

 ط.  دار الكتبي بمصر، (1411هـ =199م)، في (9) صفحات.

11-             تعريف أهل الإسلام بأن نقل العضو حرام.

 دار مصر للطباعة، (1987م)، في(28) صفحة.

12-             التنصيص على أن الحلق ليس بتنميص.

13-             تنوير البصيرة ببيان علامات الكبيرة.

طبع عدة مرات، ومنها الثالثة بدار لوران للطباعة والنشر، (144هـ = 1984م)، في (79) صفحة.

14-             جزء إسماع الصم لإثبات تحريم غسل الابن للأم.

 مطابع البوغاز بطنجة، (1986م)، في 11 صفحة.

15-             الحاوي في الفتاوي.

 طبع الجزء الأول بدار الأنصار بالقاهرة، (142هـ =1982م)، في (182) صفحة، وقد جمعت من مجلة المشرق العربي من سنة (1947هـ =1951م). والجزء الثالث، في (12) صفحة، وهو الأجوبة التي كان يجيب بها على أسئلة إبراهيم أحمد شحاتة، والشيخ عبد السلام ماضي.  دار الطباعة الحديثة للدار البيضاء، في (13) صفحة.

16-             الرأي القويم في وجوب إتمام المسافر خلف المقيم.

 طبع بالقاهرة (1988م)، وفي المطبعة المهدية بتطوان، في (4) صفحة.

17-             دفع الشك والارتياب عن تحريم نساء أهل الكتاب.

 طبع بطنجة، (149هـ =1989م)، في (31) صفحة.

18-             الصبح السافر في تحقيق صلاة المسافر.

 طبع عدة مرات، ومنها بالمطبعة المهدية بتطوان، (1395هـ =1975م)، في (55) صفحة.  وفي هذه المطبعة عنوان: الصبح السافر في تحرير صلاة المسافر.

19-             غاية الإحسان في فضل زكاة الفطر وفضل رمضان، وما جاء في ليلة القدر.

 طبع دار الطباعة الحديثة بالدار البيضاء في (96) صفحة.  وطبع في مطبعة دار التأليف بمصر.

20-             قمع الأشرار عن جريمة الانتحار.

 طبع بمجلة الإسلام بمصر (1934م).

21-             القول المسموع في بيان الهجر المشروع.

 طبع بمكتبة القاهرة بمصر، (1973م)، في (4) صفحة.

22-             مصباح الزجاجة في فوائد صلاة الحاجة.

 طبع في عالم الكتب ببيروت، (145هـ = 1985م)، في (88) صفحة.

23-             واضح البرهان على تحريم الخمر والحشيش في القرآن.

 طبع بمكتبة القاهرة بمصر، (1982م)، في (115) صفحة.

24-             الحجة المبينة لصحة فهم عبارة المدونة.

 دار الطباعة الحديثة للدار البيضاء، في (12) صفحة.

5 ـ التصوف: {4 مصنفات}

1-                     المعرف الذوقية في أذكار الطريقة الصديقية.

 طبع في (12) صفحة.

2-                     حسن التلطف في بيان وجوب سلوك التصوف.

 ط دار الطباعة الحديثة بالدار البيضاء، في (2) صفحة.

3-                     سلسلة الطريقة الشاذلية الصديقية.

 طبع بمطبعة الأمنية بالرباط، في (22) صفحة.

4-                     الدرر النقية في أذكار وآداب الطريقة الشاذلية.

 طبع للمرة الثانية من علي رحمي بالقاهرة، في (37) صفحة.

6 ـ دراسات متنوعة: {10 مصنفات}

1-                     سمير الصالحين.

 في ثلاثة أجزاء صغيرة، طبع بمطبعة دار التأليف بمصر.

2-                     خواطر دينية.

 طبع بمكتبة القاهرة بمصر في (25) صفحات، ثم بمطبعة الفرقان بالدار البيضاء.

3-                     سلسلة من قصص الأنبياء:

4-                     قصة آدم عليه السلام.

5-                     قصة هاروت وماروت.

6-                     قصة إدريس.

7-                     قصة داود عليه السلام.

 وقد طبعت عدة مرات، ومنها طبعة دار الفرقان للنشر الحديث بالدار البيضاء.

8-                     القول المقنع في الرد على الألباني المبتدع.

 طبع بمؤسسة التغليف والطباعة والنشر والتوزيع للشمال بطنجة (1986م)، في (24) صفحة.

9-                     بيني وبين بكر أبو زيد.

 وقد طبع عدة مرات، منها طبعة بمكتبة الإمام النووي بعمان سنة (141هـ =199م).

10-             سبيل التوفيق في ترجمة عبد الله بن الصديق.

 في (175) صفحة، طبع بمطبعة دار البيان بمصر، سنة (1985م).

 ب ـ الكتب المحققة: {}

 وهي كثيرة مما علق أو أشرف على طبعه أو قدم له، أقتصر على:

1-                     أخلاق النبي لأبي الشيخ بن حيان المتوفى (368هـ).

 طبع بمصر في (1959م).

2-                     إرشاد السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك لابن عسكر المالكي.

 طبع بمكتبة القاهرة، (1972م).

3-                     الاستخراج لأحكام الخراج لابن رجب الحنبلي.

4-                     إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب للإمام السيوطي.

5-                     بشارة المحبوب بتكفير الذنوب للقابوني.

6-                     بدابة إعجاز القرآن، للخطابي.

7-                     بداية السول في تفضيل الرسول، لعز الدين بن عبد السلام.

8-                     التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البر.

الجزء السابع، طبع بوزارة الأوقاف المغربية.

9-                     تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، لعلي بن محمد الكناني.

10-             الحبائك في أخبار الملائك، للأمام السيوطي.

11-             وصل البلاغات الأربعة في الموطأ، لابن الصلاح.

12-             رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة، لمحمد بن مقبول الأهدل.

13-             مسند أبي بكر الصديق.

14-             مسند عمر بن الخطاب.

15-             مسند عثمان بن عفاف.

وجميعها للسيوطي.

16-             المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، للسخاوي.

17-             النصيحة في الأدعية الصحيحة للمقدسي.

 وغير ذلك كثير من الكتب الكبار والصغار في علوم القرآن، والحديث والفقه والسيرة، والأصول. {ومجموع ما سبق 10 مصنفا}

 

التعريف بطائفة من مؤلفاته وقبس من أفكاره

   إن كتابات السيد الشريف الحافظ عبد الله، سواء كانت تأليفا أو تحقيقا، أو جوابا لسؤال، أو فتوى في نازلة محكمة دقيقة من طراز الأوائل من الكبار الذين يعرفون قدر الكلمة والحرف، وليست من نوع الإنشاء والإسراف فيه، كما نلاحظه عند كثير من كتاب عصرنا، الذين يتكلمون بشهوة الكلام، أو يكتبون لمغنم أو ربح، أو يخطبون لتشير إليهم أصابع الجماهير.

   لقد كان السيد الشريف الحافظ عبد الله بمعزل عن هذا كله، كما عرفناه من قرب، ورأينا ذلك في كتاباته، وهي تصدر لغاية نبيلة، وهدف واضح دفاعا عن حمى الشريعة، وذودا عن ثوابت القرآن والسنة، وعقائد المسلمين، ولهذا نجد بعضها في صفحات، وبعضها في مئات الصفحات.

   إنها جميعها محكمة في لغتها، قوية بأدلتها، مليئة بالفوائد، تبلغ بالقارئ إلى الحكم الفصل في القضية التي تناولها.

   وإن حصر ما فيها من فوائد، لا يمكن، لأن اختصارها غير متأت، وما ذلك إلا لأنها جاءت عصارة فكر، ووجهة إمام، يقرر الحكم ويقيم عليه الأدلة، فترك بعضها إجحاف وعدم إنصاف.

   ولابد لي من القول: بأن الناظر في كتبه يجد أن السيد الشريف الحافظ عبد الله يقرر رأيه بالحجة والدليل، ويعتذر لغيره إن خالفه في الفقه وفروعه، غير معنف ولا ساخط، ولا متهجم، بل يؤكد أن الفقه عمل اجتهادي يصيب المرء فيه ويخطيء، وفي كلتا الحالتين إذا صلحت النية فهو مأجور.

   ويجد كذلك فيها الإنصاف العلمي دون تعصب لمذهب أو شخص أو فكرة, وفيها تقدير العلماء، ولو خالفهم الرأي، أو أثبت أنهم جانبوا الطريق السديد في المسألة التي يبحثها.  فينقل عهم ما صفا له من أفكارهم واجتهاداتهم.  

   فمثلا هو يخالف أبا بكر بن العربي في بعض آرائه وابن حزم وابن تيمية، وابن القيم وآخري من الحنفية والمالكية والشافعية، وتراه يقتبس عنهم، ويكثر من ذلك دون أدنى غضاضة أو تقليل شأن أو تصيد لما يسيئ لهم، أو يحط من مكانتهم.  

   ونجده كذلك يعلن أنه قد تراجع عن فكرة سابقة له، أو رأي كان يراه لأن الدليل قد لاح له بعد ذلك.

   وسأتناول بعضا من كتبه التي تصدت لأفكار شاذة، أو قدمت رأيا لم يجار فيه واقعا مريضا، أو استدرك فيها على الأئمة السابقين الأعلم، مما يجعله في مصافهم ومن زمرتهم، أو كشف عن معان جديدة برؤية متميزة، أثرت، وستؤثر ـ إن شاء الله ـ في الأجيال، أو ما نراه ذا أهمية عظيمة في عصرنا هذا.

   وقد نحوت هنا إلى عرض هذه الأفكار كما صدرت من السيد الشريف الحافظ عبد الله رحمه الله تعالى، دون مناقشتها والاحتجاج لها، أو إثبات خطئها والاعتراض عليها، فالأمر في ذلك يطول وليس هذا محله، ولكنها ستبقى منارا ومثارا للمحتجين المؤيدين، والمعترضين المخالفين.

1ـ ذوق الحلاوة ببيان امتناع نسخ التلاوة:

   يقول في صدر هذا البحث: هذا بحث لم أسبق ـ والحمد لله ـ إليه ولا غلبت، والمنة لله عليه، وهو يتعلق بنسخ تلاوة آية من القرآن الكريم، أي نسخ لفظها بعد أن كانت من القرآن، فلا تبقى قرآنا، وهذا ما خالفت فيه علماء الأصول قاطبة، ومعهم المتخصصون في علوم القرآن، وكنت هذا الجزء لبيان ما ذهبت إليه، والاحتجاج له بدلائل قطعية لا تبقي شكا في صحة قولي، ولو تفطن لها المتقدمون ما عدلوا عنها.

   ثم ذهب يدلل على ذلك، فقدم معنى النسخ في اللغة والاصطلاح، وجواز وقوعه وحكمة النسخ في الأحكام الشرعية، وأقسام النسخ، وهل تنسخ التلاوة، وبين مذاهب الأصوليين، وجمع النصوص التي جاء فيها ذكر نسخ التلاوة، وهي نحو أربعين نصا بصحيحها وضعيفها، وأمثلها حديث أنس في (الصحيحين) في قصة أصحاب بئر معونة الذين قتلوا، وقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على قاتليهم، قال أنس: ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع: أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا.

   ثم قال: فهذه الآثار هي الدليل النقلي الذي تمسك به القائلون بنسخ التلاوة، وحكى القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب (الانتصار) عن قوم إنكار هذا النوع من النسخ، لأن الأخبار آحاد، ولا يجز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها.  

 ثم خلص السيد الشريف الحافظ عبد الله إلى قوله: لم يمتنع نسخ التلاوة؟.

1ـ إنه يستلزم البداء، وهو ظهور المصلحة في حذف الآية بعد خفائها، وهو في حق يدفع الله محال، وما أبدوه من حكمة في جوازه مجرد تمحل وتكلف لا المحال.

2- أن تغيير اللفظ بغيره أو حذفه بجملته، إنما يناسب البشر لنقصان علمه وعدم إحاطته، ولا يليق بالله الذي يعلم السر وأخفى.

3ـ إن ما قيل: إنه كان قرآنا ونسخ لفظه لا نجد فيه حلاوة القرآن ولا طلاوته ولا جرس لفظه.

4ـ إن منه ما يخالف أسلوب القرآن، قال الله تعالى: الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منها مائة جلدة [النور: 2]

 قال العلماء: قدمت الزانية في الذكر للإشارة إلى أن الزنا منها أشد قبحا، ولأن الزنا في النساء كان فاشيا عند العرب، لكن إذا قرأت: (الشيخ والشيخة إذا زنيا) وجدت الزاني مقدما في الذكر على خلاف الآية، وهذا يقتضي أن تقديم أحدهما كان مصادفة لا لحكمة، وهذا لا يجوز، لأنه من المقرر المعلوم أن ألفاظ القرآن الكريم موضوعة وضعا حكيما بحيث لو قدم أحدهما عن موضعه، أو أخر اختل نظام الآية.

5ـ ورد في سبب نسخ هذه الجملة من القرآن أخبار منكرة، وذكرها.

6ـ إن تلك الجمل التي كانت من القرآن فيما قيل، جاءت مقتطعة لا رابط بينها، ولم يقولوا لنا أين كان موضعها في المصحف؟.

7ـ إذا قرأت خواتيم البقرة، وخواتيم سورة آل عمران، وما فيها من دعاء وتوجه إلى الله بأسلوب في غاية البلاغة، ووازنته بما قيل: إنها كانت سورة الحفد، وجدت الفرق بينها بعيدا جدا، هو الفرق بين كلام الله وكلام البشر.

8ـ تقرر في الاصول أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر, وما لم يتواتر لا يكون قرآنا، والكلمات التي قيل بقرآنيتها ليست بمتواترة، فهي شاذة، والشاذ ليس بقرآن ولا تجوز تلاوته.

9ـ إن السنة النبوية وقع فيها نسخ المعنى أي الحكم، كما وقع في القرآن الكريم، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجع عن لفظ من ألفاظ حديثه,أو بدله بغيره, أو قال للصاحبة: لا تحفظوه, فقد نسخت لفظه أو رجعت عنه, فلا تبلغوه عنى, لم يثبت هذا عنه أصلا, بل صح عنه من طرق بلغت حد الاستفاضة والشهرة أنه قال: "نصرالله امرءا سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب حامل فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" وإذا كان الأمر كذلك فكيف يجوز أن ينسب إلى الله جل جلاله رجوعه عن لفظ آية أو نسخ تلاوة؟!

 ثم أورد إشكالا على القائلين بنسخ التلاوة، وأتبعه بتفسير قوله تعالى: ما ننسخ من ءاية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها [البقرة: 106]

وخلص إلى قوله: ومعنى الآية: (ما ننسخ) منحكم (آية) فنبدله بغيره (أو ننسها) أو نتركها فلا نغير حكمها، وكذلك قراءة ننسأها، معناها: نؤخرها فلا نغير حكمها والمؤخر متروك، (نأت بخير منها) للمكلف إن كان خفيفا فخيريته بسهولته، وإن كان شديدا فخيريته بكثرة ثوابه، فالنسخ والترك لحكم الآية.

 والآية الأخرى قوله تعالى: وإذا بدلنا ءاية مكان ءاية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون [النحل: 11]

 وهذه الآية مكية نزلت للرد على المشركين.

 ثم ختم هذا البحث بفائدة نفيسة في تعريف الخبر عند علماء المعاني والأصول، واعتراض ابن الشاط عليهم بتحقيق دقيق.

2 ـ توجيه العناية لتعريف علم الحديث رواية ودراية:

   وقد حرر في هذا البحث معنى هذين العلمين، أي علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية، بما استفاده من أخيه السيد أحمد رحمه الله المتوفى (138هـ) بمصر، مما يدل على رسوخه في علم الحديث والسنة.

   قال رحمه الله: أول من عرف علم الحديث رواية ودراية على طريقة أهل المنطق هو ابن الأكفاني ـ فيما أعلم ـ المتوفى (794هـ)، ولم يكن من أهل الحديث، ولا خبرة بالصناعة الحديثية، وإنما عرف هذا العلم كما عرف غيره، في (إرشاد القاصد إلى أسمى المقاصد).

   وتعريفه هو: علم الحديث الخاص بالرواية يشتمل على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها.

   والعلم الخاص بالدراية: علم يعرف منه حقيقة الرواية وشروطها وأنوعها وأحكامها وحال الرواة وشروطهم، وأصناف المرويات، وما يتعلق بها.

   وتبعه في ذلك السيوطي في (تدريب الراوي)، وعز الدين بن جماعة، والشيخ زكريا الأنصاري في (شرح ألفية العراقي)، والباجوري على (الشمائل) وغيرهم.  وتعريفهم هذا غير دقيق بل غير صحيح.

   قال البروفسور فاروق حمادة تلميذ الشريف الحافظ عبد الله الغماري:

"وخلص السيد - الشريف الحافظ - عبد الله الغماري إلى أن علم الحديث رواية هو: الراوي والمروي من حيث القبول والرد.

وموضوع علم الحديث دراية هو: المتن من حيث فهمه والاستنباط منه. 

   واستند في استخلاص هذا التفريق إلى إشارات وردت عند القدماء في أعمالهم وكتبهم كالكرماني والخطيب البغدادي الذي سمى كتابه (الكفاية في علم الرواية)، وهو يسير في نسق علم الحديث رواية حسب ما ذهب إليه السيد الشريف الحافظ عبد الله رحمه الله.

   ثم اعترض على ما شاع عند المتأخرين في ترتيب رتب الحفظ عند المحدثين، كما جمعها المناوي في شرحه على (الشمائل)، ونقله عنه المطرزي ـ ولم تدر له ترجمة ـ وهي: الطالب: هو المبتدئ.  ثم المحدث: وهو من تحمل روايته. ثم الحافظ: وهو من حفظ مئة ألف حديث متنا وإسنادا.  ثم الحجة: وهو من أحاط بجميع الأحاديث المروية.  ثم الحاكم وقد تمالأ المتأخرون على نقلها دون تمحيصها.

   ثم كر على هذه المراتب بالنقض فقال: الطالب هو المبتدئ في كل علم وليس خاصا بأهل الحديث، والحجة: من مراتب التعديل لا الحفظ، وأما الحاكم: فلا علاقة له بالحفظ ولا التعديل، بل هو لقب عائلي لبعض الحفاظ المحدثين، منهم أبو أحمد الحاكم صاحب (الكنى) المتوفى (378هـ) وهو الحاكم الكبير، ومنهم أبو عبد الله محمد بن عبد الله صاحب (المستدرك) المتوفى (45هـ) وهو تلميذ الحاكم الكبير. 

   ثم قال: والواقع أن مراتب الحفظ عند أهل الحديث على الوجه الآتي: مسند، ثم محدث، ثم مفيد، ثم حافظ، ثم أمير المؤمنين في الحديث.

   فالمسند: من يعنى بالإسناد من حيث اتصاله أو انقطاعه، أو تسلسله بصفة معينة، وإن لم يكن ذا خبرة بالمتون.

   والمحدث: من سمع الكتب السنة و(الموطأ) و(مسند الدارمي) و(الدارقطني) و(البيهقي) و(مستدرك الحاكم)، و(مسند أحمد)، وسمع إلى جانب هذه الكتب ألف جزء حديثي، وحفظ جملة مستكثرة من المتون.

   ويكفي عن الحفظ في هذا الوقت أن يراجع أحاديث (الجامع الصغير وزيادته أي الفتح الكبير) مرات حتى تعلق بذهنه بحيث يستحضر الحديث منها إذا شاء، ويشتمل (الجامع الصغير) على عشرة آلاف حديث فيه الصحيح والحسن والضعيف والموضوع (12%) (وزيادته) 4500 حديثا، فمن أحاط بها واستحضر معانيها، وعرف مظانها مع بقية الشروط السابقة كان محدثا." أهـ

قال خادم الحافظ عبد الله الغماري: عبارة "ويكفي عن الحفظ ... فمن أحاط بها واستحضر معانيها .. كان محدثا " تريد توضيحا – استجابة لدعائه أن يجعله الله مجدد هذا القرن - لما قام به الشريف الحافظ عبد الله الغماري وتلميذه الحافظ التليدي من تغليق علم الحديث القدسي (بكتاب له 495 حديثا ثابتا) والنبوي (8266 + عدة مئات زادها التليدي) الذي بدأه الحافظ السيوطي 911 في 907 في الجامع الصغير وزيادته وضمهما قاضي بيروت الشيخ يوسف النبهاني في الفتح الكبير وشرح ثلثيه الفقيه المناوي وصحح أخطاءه الحافظ الشريف الحافظ أحمد الغماري في 3718 حكم – 3718 أحاديث المداوي لعلل المناوي للحافظ أحمد بن الصديق - ضمها بإكسل صديقنا الأستاذ محمود صلاح الذي بذل مجهودا موفقا في ضم الكتب التسعة في إكسل ملون ومقرن لأقسام الحديث بوضع المتن في خانة على حدة ودرس صحيحه الشيخ المحدث الألباني في كراسات وراجع كل عمل الألباني في الفنح الكبير الشريف الحافظ عبد الله الغماري واتفقا إلا في 35 حديث من 8266 حديثا أمام خادمه ثم زاد عدة مئات الحافظ التليدي عليه وشرح نحو 5500 حديثا (وخرج أحاديثه بنفس طويل في 8 أجزاء من 12 ببداية الوصول التى أتحناها) ضمهما لصحيح الجامع على العناوين المهندس محمد عاشور بالجزائر ثم أن الشريف الحافظ عبد الله الغماري شرح نحو 5300 بتعليق علمي في 104 كتابا أي بموسوعته التى أتحناها وورد وترجمناها للإنجليزية مع الشيخ الدكتور عمر رمضان بانجلترى والإندونيسية بمراجعة ابني شيخ عبد القادر الجيلاني والأستاذين توفيق وداني) وزدت بموسوعة للضعيف غير الثابت في المجمع النجدي للمكذوب وغير الثابت-وورد- ويشمل 3934 في 714 صحيفة يشمل زبادت على تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة لابن عراق الذي راجعه الشريف الحافظ عبد الله الغماري للمرة الثانية معي. ولا أنس تلميذنا في التكنولوجي المهندس الباكستاني نجيب ذهيب الذي أنفق 6 أشهر بمصر يبرمج تصميم لموسوعة الحافظ عبد الله الغماري الإلكترونية والحمد لله تعالى على بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابني شيخ عبد القادر الجيلاني البابغ من العمر 10 سنوات يبرمج أعمال الحافظ في الهاتف ولينكس وويندوز بمستوى أستاذ بالجامعة. اهـ

والمفيد: رتبة استحدثت في القرن الثالث.  وهو من جمع شروط المحدث، وتأهل لأن يفيد الطلبة الذين يحضرون مجالس إملاء الحفاظ، فيبلغهم ما لم يسمعوه، ويفهمهم ما لم يفهموه، وذلك بأن يعرف العالي والنازل والبدل والمصافحة والموافقة مع مشاركة في معرفة العلل.  

   والحافظ: اختلف في تعريفه بين مشدد ومخفف، وأعدل التعريفات فيه من جمع شروطا ثلاثة:

1 ـ حفظ المتون، ولا يقل محفوظه عن عشرين ألف حديث.

2 ـ حفظ أسانيدها، وتمييز صحيحها من سقيمها.

3 ـ معرفة طبقات الرواة وأحوالهم طبقة بعد طبقة، بحيث يكون من لا يعرفه أقل ممن يعرفه، حتى إذا قال في راو: لا أعرفه، اعتبر ذلك الراوي من المجهولين.

 ويتفاوت الحفاظ بتفاوت كثرة محفوظاتهم وقلتها.

   والحفاظ على نوعين: حافظ على طريقة الفقهاء، كالطحاوي، والبيهقي، والباجي، وابن العربي، والقاضي عياض، والنووي, وابن تيمية، وابن كثير.

 وحافظ على طريقة المحدثين، وهم معظم الحفاظ.

   وأمير المؤمنين في الحديث: هي الرتبة العليا في الحفظ لا رتبة فوقها، وقد استحدثت في المئة الثانية للهجرة.  وليس كل حافظ يستحق لقب أمير المؤمنين في الحديث، إنما يستحقه من توفرت فيه الشروط الآتية:

1 ـ شدة الإتقان والضبط بنوعيه: الصدر، والكتاب.

2 ـ التبريز في العلل والرجال.

3 ـ أن يؤلف كتابا له قيمته العلمية، كبير الأثر في موضوعه، أو يتخرج عليه حفاظ مهرة.

   ولعزة اجتماع هذه الشروط في شخص واحد، لم ينل هذا اللقب من الحفاظ على كثرتهم إلا نفر قليل لا يتجاوز عددهم عشرين شخصا، منهم مالك، والبخاري، وشعبة، وابن إسحاق، وابن المبارك، والدارقطني، وابن راهويه، والذهبي، وابن حجر وهو خاتمهم، ولم يأت بعده من نال هذه الرتبة بحق.

 وختم البحث بفوائد عن أنواع علوم الحديث وشرفها.  

 

 وفي هذا البحث أضافه حقيقية في علوم المصطلح مما جعل له تأثير كبير ـ على وجازته ـ في الدارسين لعلوم السنة.

 

3 ـ دفع الشك والارتياب عن تحريم نساء أهل الكتاب:

   وقد عالج في هذا البحث مسألة من أخطر المسائل المعاصرة, نتيجة الهجرة إلي أوروبة وأمريكة وغيرهما, وتقارب أطراف العالم, وتمازج الشعوب والأديان, وهي مسألة زواج المسلم باليهوديات والنصرانيات, وذهب فيه إلى تحريم ذلك, لما يترتب عليه من المفاسد والمضار في الدين والدنيا, وهذا الزواج يؤدي إلي كفر أولادهم والعياذ بالله, وكان سبب كتابته وقوع سؤال عن حوادث مؤلمة وقعت من الزواج بالنصرانيات.  

   وبدأ البحث ببيان الخلاف الذي حصل بين العلماء قي الزواج تبعا لتفسير الآيتين الكريمتين: ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمن مشركة [البقرة: 221]

وقوله تعالى: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا ءاتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخذان [المائدة: 5]

   وقد ذهب قوم ألى أن آية البقرة ناسخة لآية المائدة, وكتاب عبد الله بن عمر إذا سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية: قال حرم الله المشركات على المؤمنين, ولا أعرف شيئا من الشرك أعظم من أن تقول المرأة: ربها عيسي أو عبد من عباد الله وذهب قوم ألى أن أية المائدة خصصت عموم أية البقرة.

   والخلاصة: أن آية البقرة حرمت نكاح المشركات عامة, ووقع عليه الاجماع, وأية المائدة أباحت زواج الكتابية فحصل الخلاف بين الآيتين بالعموم والخصوص, وللعلماء في الجمع بينهما مسلكان:

 مسلك الجمع بتخصيص آية البقرة, وهو مذهب جماعة من الصحابة.

ومسلك الترجيح زواج الكتابيات تمسكا بعموم آية البقرة,وحكى عن طائفة, وصح ذلك عن ابن عمر وإليه ميل البخاري, وله دليلان:

1ـ تقديم مفسدة التحريم على مصلحة الإباحة

2ـ قوله تعالى أولئك يدعون ألي النار [البقرة: 221]

 ولا شك أن الكتايبات داعيات ألى النار بمقالهن وحالهن, فعلة التحريم متحققة, والحكم يوجد بوجود علته.

   وقد اعتبر الجمهور جواز إباحة الكتابيات رخصة استحبوا التورع عنها, ورغبوا في ترك الزواج منهن.

   وساق رحمه الله نصوصا عن عطاء وجابر, وقول عمر لحذيفة حين تزوج يهودية, وعزم عمر على طلحة أن يطلق اليهودية

   وقال الشافعي: أحب إلي لو لم ينكحهن مسلم, وقال ابن حبيب الأندلس: ونكاح اليهودية والنصرانية وأن كان أحله الله جل جلاله فإنه مستثقل مذموم, وكثير من العلماء ذهبوا إلى مثل هذا, وهذا إذا لم تكن حربية؛ فإذا كان النصارى واليهود محاربين لم يجز التزوج بهن إجماعا, وأورد نصوصا عن السلف في ذلك, ثم بين حرب الدول الأوروبية والنصارى واليهود للمسلمين في العصر الحاضر, وذكر طرفا من ذلك.

   وخلص إلى القول: بحرمة الزواج بنسائهم بالإجماع, وينبني علي ذلك أن عقد الزواج بإحداهن عقد فاسد, لأنه عقد محرم, والعيش معها بهذا العقد عيش في زنا, لأن القاعدة الشرعية أن العقد أمر حرام لا ينعقد ولا يحل.

   فالتزوج بالمتزوج بالنصرانية اليوم أنما يتزوج بزانية, لأن عقد زواجها غير صحيح فهما زانيان, وألي هذا يشير قول عمر الملهم: فإني أخشي أن تعاطوا المومسات.

ويقول رحمه الله: ودليل أخر للتحريم:

   من القواعد الشرعية المقررة: أن الوسائل تعطى حكم المقاصد, فالوسيلة إلي الواجب واجبة, والوسيلة إلى الحرام محرمة. ..والزواج بالنصرانية في هذا العصر فيه مفاسد توجب تحريمه: منها مجاملتها بإظهار الصليب للتبرك, ومنها: أنها لاتغتسل من الحيض, وبذلك يأتيها زوجها في نجاسة دائمة, وهى نجاسة شرعية.

   ومنها: عدم التزامها بالحجاب, ومنها: أن النصارى لا يعرفون البكارة, ولا يهتمون بها, فقد تذهب بكارتها في زنا, وهو المؤكد, ثم يتزوجها مسلم. ..

   ومنها: أن الأولاد يتنصرون تبعا لأمهم, وخاصة إذا مات عنها الزوج. .. ثم ذكر عديدا من الحوادث التي وقعت, فكانت فيها خسارة الدين والأولاد.

   وأكد بعد ذلك ما تقدم نأن نكلح الكتابية من قبيل الرخصة, والأصل تحريم نكاح الكافرات, والهذا نص المالكية والشافعية والحنفية على كراهة نكاح الكتابية إلا لضرورة, ولا ضرورة مع وجود المسلمات العفيفات اللائي يطمئن الزوج لعفتهن وبكارتهن.

   ثم ذكر عمل النصارى في الذبائح, وفتوى الشيخ محمد عبده للمسلمين في جنوب إفريقية عندما سألوه عن لبس (البرنيطة) وطريقة الذبح, فأباح لهم البرنيطة والذبائح, ولو ضربت الذبيحة على رأسها, وقد رد عليه علماء الأزهر وخطؤوه, وقال: صرح المالكية بأن اللبس المختص بالكفار كالزنار (والبرنيطة) يكون لبسه ردة, إن فعله محبة أو رغبة فيه, ثم ذكر عزم جمال عبد الناصر إلزام المصريين (بالبرنيطة) ونزع الطربوش, واستقالة الإمام الخضر الحسين شيخ الأزهر بسبب ذلك. ..

وقد صدر هذا البحث بأبيات شعرية هي خلاصة البحث وروحه وهي:

زواج النصارى قبحه متزايد يؤدى إلي كفر البنين مؤكدا

ومن يرض كفر ابن فهو كافر وإن زعم الإسلام قولا مفندا

وقد يكفر الزوج اتباعا لزوجه فيدخل في نار الجحيم مخلدا

زواجهم في عصرنا كله زنا وعقد زواج باطل حيثما بدا

وأولاد هذا العقد ليسوا لرشدة فيكثر جيل الخبث فرعا ومتحدا

وأن الجهر بهذا القول في أيامنا هذه, وجمهور العلماء بل الغالبية الساحقة منهم, تري جواز نكاح الأوروبيات, والغربيات, هو قول جرئ, وشاجة في الحق ظاهرة, والفتوى بهذه الأدلة قدمها, والمباني التي شادها عليها, جديرة بالاحترام والتقدير.

4ـ تعريف أهل الإسلام بأن العضو حرام:

   وقد كتب رحمة الله هذا البحث, استجابة لسؤال من طلبة الطب بالإسكندرية ضمن أسئلة طبية, وفيها: هل يجوز نقل عضو من صحيح ألي مريض, ومن ميت ألي حي؟

   فأجاب بأن ذلك لا يجوز, وهذا ما شاع عند الأطباء الغربيين وقلدهم فيه أطباء المسلمين.

   وقد أثار فيه وحركه لإعادة صياغة هذا البحث ما رآه في جريدة (المسلمون) بتاريخ 4 شوال (147هـ) 3/5/ 1987م هذا الخير العجيب المؤلم: "أجازت الأمانة العامة لهيـأة كبار العلماء برئاسة إدارة البحوث العليمة والإفتاء والدعوة والإرشاد نقل عضو أو جزئه من إنسان حي مسلم أو ذ مي ألى آخر, إذا دعت الحاجة إلي ذلك, وأمن الخطر في نزعه, وغلب الظن على نجاح زرعه, كما أفتت الهيأة بجواز نقل عضو أو جزئه من إنسان ميت إلى مسلم مضطر إلى ذلك".

   وبلغه عن بعض علماء مصر أنه أجاز ذلك بقاعدة: الضرورات تبيح المحظورات, فحرر هذه المسألة, وبدأ بالحديث الصحيح عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "خلق كل إنسان من بني آدم عن ستين وثلاثمئة مفصل, فمن كبر الله وحمد الله, وهلل الله, واستغفر الله, وعزل حجرا عن طريق الناس, وأمر بمعروف, أو نهي عن منكر, عدد تلك الستين والثلاثمئة السلامى, فإنه يمشي وقد زحزح نفسه عن النار".

   وذكر مثله من طريق أبي هريرة في (الصحيحين) ومن طريق بريدة عند أحمد وأبي داود وابن خزيمة وابن حبان, ومن طريق أبي ذر في (صحيح ابن حبان) وقال: وصرحت هذه الأحاديث بأن جسم الإنسان وأعضاءه ملك لله تعالى, خلقها له لينتفع بها في أعماله, فلا يملك التصرف فيها أو بيع أو تبرع, ولهذا حرم الانتحار, وتوعد المنتحر.

   ومن أدلة منع نقل العضو قوله تعالي حكاية عن لعنه الله: ولامرنهم فليغيرن خلق الله وهذا بعموم يشمل نقل عين أو كلوه أو قلب من شخص لأخر, ويشمل خصاء العبيد.

   وفي (الصحيحين) عن عبد الله بن مسعود قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات, المتفلجات للحسن, المغيرات خلق الله تعالى, ما لي لا ألعن من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالي".  

   وفي (الصحيحين) عن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاءت امرأة ألي النبي صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله, إن لي ابنة عريسا أصابتها حصبة فتمزق شعرها أفأصله؟ فقال: "لعن الله الواصلة والمتواصلة". وله طرق في (الصحيحين). والحصبة بثور في الجلد, وتمزق وتمرق ـ بالزاى والراء ـ سقط.

   وقد شكت المرأة ألي النبي صلى الله عليه وسلم مرض ابنتها, وطلبت منه أن يأذن لها في الوصل علي سبيل العلاج, فلم يأذن لها في ذلك فدل علي شيئين:

1ـ العلاج بنقل العضو لا يجوز, بل يلعن فاعله.

2ـ أن من أصيب بداء فقد بسببه شعرآ أو عضوآ, لايجوز له أن يكمله من شخص أخر, وعلة ذلك: أنه تغير لخلق الله, وتدليس, وفيه مثلة فهى محرمة, وتصرف الإنسان فيما لا يملك, ومناف لكرامة الآدمي.  

   ومما قاله الإمام النووي في شرح هذه الأحاديث: يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته, بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه.  

   ونقل القرطبي عن ابن عبد البر قوله: لا يختلف فقهاء الحجازيين وفقهاء الكوفيين أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز, لأنه مثلة, وتغيير لخلق الله تعالى, وكذلك قطع سائر أعضائهم في حد ولا قود, وهى مجمع عليه.

   وبهذا يتبين تحريم نقل عضو من صحيح إلي مريض, ومن ميت إلي حي, كيفما كانت الأسباب والدواعي, ثم ذكر الحديث الشريف عند أحمد وأبي داود وغيرهم عن السيدة عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "كسر عظم الميت ككسر عظم الحي", وفي بعض زياداته الحسنة: "في الإثم"

وذكر الحديث الآخر عن أبي هريرة عند مسلم وغيره "لأن يجلس أحدكم علي جمرة, فتحرق ثيابه فتخلص إلي جلده, خير له من أن يجلس إلي قبر" ومثله عن بن عامر عند ابن ماجه, ثم قال: "هذا غاية ما يكون في احترام الميت, ومنع أي عمل يؤذيه, أو يهين كرامته, فكيف يتجرأ بعض المفتين على انتزاع جزء منه بدون دليل إلا الانسياق مع النصارى الذين لا يرجعون في عملهم إلى خلق ولا دين"؟ !!!.

   ثم بين أن الطبيب الذي ينقل العضو من شخص لآخر يعزر, والشخص الذي يسمح بنقل حزء منه لدواء أو لغيره يعزر أو يؤدب حتى لا يعود, وله مع ذلك عقاب في الآخر إلا أن يتوب. واستدل بما أخرجه مسلم في (صحيحه) عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي هاجر ألي النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة, وهاجر معه رجل من قومه, فاجتووا المدينة الرجل فأخذ مشاقص, فقطع براجمه ـ أي مفاصل الأصابع فشخبت ـ أي سالت دما ـ حتى مات.

   فرآه الطفيل في المنام علي هيأة حسنة ورآه مغطيا يديه, فقال: ما صنع بك ربك؟ , قال: غفر لي بهجرتي إلي نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أدراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت, فقصها الطفيل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم وليديه فاغفر.

   وأفاد هذا الحديث أن من تصرف عضو منه بتبرع أو غيره يبعت يوم القيامة ناقصا منه ذلك العضو عقوبة له...

   ثم بين معني القاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) التي يتعلق بها الناس, ويضعونها في غيره موضعها, فقال: الضرورة هي الحالة التي تقوم بالشخص المضطر لا بغيره فتلجئه ألي محرم لإنقاذ نفسه, كشخص مرض مرضا اقضي بتر عضو منه بعميلة جراحية, وكما حصل لعروة حين بترت رجله لتسم له بعض أعضائه, وكعسر ولادة المرأة فيشق بطنها لإخراج الجنين, ولا تتحقق الضرورة ألا إذا كانت الحالة التي قامت بالمضطر ليس لها بديل, فإن كان لها بديل فهي من قبيل الحاجة لا الضرورة, حتى ما يحصل من بعض الناس أن يقترض مالا بالربا ليبني يسكنه ويظنها ضرورة, وهذا خطأ, لأن سكن الشخص في ملكه له بديل, وهو سكناه في بيت بالإيجار.  وليس من الضرورة علاج شخص على حساب آخر, بل هذا غير مقبول ولا معقول, وهو عمل منكر.  

   ثم ذكر مسألة إعادة الأعضاء, أو معالجة ما تلف منها بسبب الحد الشرعي, فقرر أن ذلك غير جائز, واستدل بثلاثة أحاديث, وقال رحمه الله: من تلف منه عضو بسبب غير محرم له جاز له رده بعلاج, ومن تلف منه عضو بسبب حد لم يجز له أن يرده, ولا يجوز لغيره أن يسعى في رده.  

   وختم البحث ببدعة شاعت في هذا العصر وهي: الإضراب عن الطعام, وهو محرم في الشرع تحريما بالغا, ومن مات من الإضراب مات منتحرا.

   وهذا هو الفقه المدعم بالأدلة والحجج، القائم على التأصيل الشرعي الصحيح، ولا يضره إن خالفه كثير ممن يتصدرون للفتوى، أو ينساقون وراء العاطفة والمطامع، فأما الزبد فيذهب جفاء [الرعد 17]

5 ـ الفوائد المقصودة في بيان الأحاديث الشاذة المردودة: (للسيدة فدوى بنكيران، بحث بعنوان: تضعيف الحديث بالشذوذ عند الحافظ أبي الفضل سيدي عبد بن الله الصديق من خلال كتابه: الفوائد المقصودة. ، وقد قدمته للتخرج في الإجازة بقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط عام (142هـ =1999م) بإشرافنا).

   وهو كتاب يدل على إمامته في علوم الحديث والنقد، وتضلعه في المعرفة الإسلامية وحرصه على خدمة الكتاب والسنة.

   وقد أودع في هذا الكتاب ثلاثة وأربعين حديثا دلل على أنها شاذة لا يعمل بها, وقال: نعني بالشذوذ: مخالفة الحديث لما تواتر, أو للقواعد المقررة وقال بعد أن ذكر تعاريف المحدثين للشاذ: والشاذ الذي ذكرته في هذا الجزء منه ما خالف القرآن, ومنه ما خالف الحديث المتواتر, ومنه ما خالف الإجماع, ومنه ما خالف قاعدة من القواعد المقررة

   وقد نهى العلماء عن رواية الشاذ من الحديث واعتبرها أنموذجا يمكن الاهتداء به, وهذا يسلك في بيان المحدثين للصحيح والضعيف في السنة النبوية وخدمتهم لها, وقد توالى عملهم هذا عبر القرون, حتى لا يتعلق بها أحد من الملحدين أو الضالين فيطعنوا في السنة كلها كما حصل ويحصل عند هؤلاء الضلال

   وفي ختام هذا الكتاب, قال: إن الحفاظ كتبوا في الأفراد والغرائب من الأحاديث, ولكن لم يكتب أحد منهم في الأحاديث الشاذة فيما أعلم, وهذا الجزء أول ما كتب في هذا الموضوع

   وهذه الأربعون والثلاثة الأحاديث منها ما هو متعلق بالعقائد, ومنها هو متعلق بالعبادات, ومنها ما يتعلق بالطلاق وبالذبائح, والقرآن وغير ذلك

   وخطته رحمة الله أنه يأتي بالحديث, ويذكر من أخرجه من الأئمة المصطفين, ثم يذكر أن هذا الحديث شاذ لا يجوز العمل به, ويذكر وجوه شذوذه من مخالفته للمتواتر أو مخالفته للآيات, أو مخالفته للإجماع, أو مخالفته للأحاديث الصحية, أو لضعفه من قبل رواته, أو لانقطاعه وإرساله.

   وقد ظهرت قوة عارضة السيد الشريف الحافظ عبد الله رحمة الله جل جلاله في هذا الكتاب وسعة أفقه, واستحضاره للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية, والقواعد الثابتة في أصول الدين, وأصول الفقه والفطنة التي تدرك التعارض بين النصوص وسأقتبس بعض الأمثلة من هذا الكتاب النفيس المتميز:

   قال رحمه الله: الحديث الأول عن معاوية بن الحكم السلمي قال: كانت لي غنم بين أحد والجوانية فيها جارية لي، فأطلقتها ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة، فأسفت فصككتها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فعظم ذلك علي، فقلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: "ادعها"، فدعوتها، فقال: "أين الله؟" قالت: في السماء، قال: "من أنا؟" قالت: أنت رسول الله، قال: "أعتقها فإنها مؤمنة" رواه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم.

الحديث شاذ لا يجوز العمل به وبيان شذوذه من وجوه:

 مخالفته لما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أتاه شخص يريد الإسلام، سأله عن الشهادتين، فإذا قبلها حكم له بإسلامه.

 وفي (الموطأ) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسولالله صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء الله صلى الله عليه وسلم: "أتشهدين أن لا إله إلا الله؟" قالت: نعم. قال: "أتشهدين أن محمدا رسول الله؟" قالت: نعم. قال: "أتوقنين بالبعث بعد الموت؟" قالت: نعم.   فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعتقها".

 وهذا هو المعلوم من حال النبي صلى الله عليه وسلم ضرورة.

   وجاء حديثان مخالفان لحديث معاوية يؤكدان شذوذه, فروي البيهقي في (السنن) من طريق عون بن عبد الله بن عتبة, حدثني أبي عن جدي قال: جاءت امرأة إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء, فقالت: يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة أتجزئ عني هذه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ربك؟" , قالت: الله ربي, قال: "أفتصلين الخمس, وتقرين بما جئت به من عند الله؟" قالت: نعم, فضرب صلى الله عليه وسلم علي ظهرها, وقال: "أعتقها".  

وروي أيضا من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن الشريد سويد الثقفي قال: قلت: يا رسول الله إن أمي أوصت إلي أن أعتق عنها رقبة, وأنا عندي جارية نوبية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم, ادع بها, فقال: "من ربك", قالت: الله, قال: "فمن أنا؟" فقالت: أنت رسول الله, قال: "أعتقها فإنها مؤمنة".

وجاء حديث ثالث, قال أحمد في (المسند): ثنا عبد الرزاق, ثنا معمر, عن الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله، عن رجل من الأنصار, أنه جاء بأمة سوداء, وقال: يا رسول الله: "أتشهدين أن لا إله إلا الله؟" قالت: نعم: قال: "أتشهدين أني رسولالله؟" قالت: نعم, قال: "أتؤمنين بالبعث", قالت: نعم, قال: "أعتقها" وهذا حديث وصل الموطأ.

وقال البزار: حدثنا مجد بن عثمان, ثنا عبيد الله، ثنا ابن أبي ليلي, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: أتي رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عتي أمي رقبة, وعندي أمة سوداء؟ فقال صلى الله عليه وسلم ائتني بها, فقال لها رسول صلى الله عليه وسلم الله: "أتشهدين أن لا أله إلا الله, وأني رسول الله", قالت: نعم, قال: "فأعتقها"

أن النبيصلى الله عليه وسلم بين أركان الإيمان في حديث سؤال جبريل حيث قال: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته, وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره".

ولم يذكر فيها عقيدة أن صلى الله عليه وسلم في السماء والعقيدة المذكورة لا تثبت توحيدا, ولا تنفي شركا, فكيف يصف النبي صلى الله عليه وسلم صاحبها بأنة مؤمنة.

وكان المشركون يعتقدون أن الله في السماء, ويشركون معه آلهة في الأرض, ولما جاء حصين بن عتبة أو ابن عبيد والد عمران إلي النبي صلى الله عليه وسلم سأله: "كم تعبد من إله؟" قال: ستة في الأرض, وواحد في السماء.

 وقال فرعون لهامان فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلي إله موسي [القصص: 38] لاعتقاده أن الله في السماء،

ومع ذلك قال لقومة: أنا ربكم الأعلى [النازعات: 24]،

وقال: ما علمت لكم من إله غيري [القصص: 38].

 إن كون الله في السماء ليس علي حقيقته عند جماعة من العلماء، بل هو قول عندهم علي العلو المعنوي.  

 قال الباجي تعليقا علي قول الجارية: في السماء: يعني علو حاله ورفعته، وشأنه.

 وذكر السبكي في (طبقات الشافعية) الأبيات المنسوبة:

شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرينا وأن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمين

 وقال عقبها: ما أحسن قول الإمام الرافعي في كتاب (الأمالي)، وقد ذكر هذه الأبيات: هذه الفوقية فوقية العظمة والاستغناء

في مقابلة صفة الموصوفين

بصفة العجز والغناء.

 ثم قال السيد الشريف الحافظ عبد الله: وأركان الإيمان لا يدخلها تأويل.

 وقد رد في بداية الكلام علي الحديث استنباط الشيخ الألباني، بشرعية قول المسلم: أين الله؟. وقول المسؤول: في السماء بأنه استنباط غير صحيح، لأن هذا الحديث شاذ لا يجوز العمل به.

 قال رحمه الله: الحديث الخامس: روى أحمد والترمذي وغيرهما عن ابن عباس في قوله تعالى: حتى إذا أدركه الغرق قال ءامنت.   [يونس: 9]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قال لي جبريل، لو رأيتني وقد أخذت من حال البحر أي طينه فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة". حسنه الترمذي، وهو حديث شاذ.

لأن جبريل عليه السلام، هو الذي نزل علي أم موسي بقول الله تعالي: أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليقه اليم بالساحل يأخذه عدولي وعدو له [طه: 39]،

وهذا خبر من الله بأن فرعون عدو لله ولرسوله موسي، وخبر الله لا يتخلف، فكيف يقول جبريل: كنت أدس الطين في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة؟ لأنه إذا نالته الرحمة لم يكن عدوا لله ولرسوله، وحينئذ يتخلف خبر الله، وهذا محال.  فالحديث شاذ مردود.  

 وقال: الحديث الرابع والثلاثون:

 قال عبد الرزاق في (المصنف)، أخبرنا معمر والثوري عن أبي إسحاق السبيعي، عن امرأته أنها دخلت علي عائشة في نسوة، فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين كانت لي جارية، فبعتها من زيد بن أرقم بثمان مئة إلي العطاء، ثم ابتعتها منه بست مئة، فنقدته الست مئة، وكتبت عليه الثمان مئة، فقالت عائشة: بئس ما اشتريت، وبئس ما اشتري زيد بن أرقم، إنه قد أبطل جهاده مع رسول الله، إلا أن يتوب، فقالت المرأة لعائشة: أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل؟ ، قالت: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف [البقرة: 275].

 ورواه الدار قطني والبيهقي في (سننهما)، عن يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية، قالت: كنت قاعدة عند عائشة، فأتتها أم محبة، فقالت: إني بعت زيد بن أرقم جارية إلي عطائه فذكر نحوه.

 وقال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته، أنها دخلت علي عائشة هي وأم ولد زيد بن أرقم، فقالت أم ولد زيد لعائشة: إني من زيد غلاما بثمان مئة درهم نسيئة، وذكر الخير نحوه.

 قال الدار قطني: العالية وأم محبة مجهولتان لا يحتج بهما، وهذا الحديث عن عائشة قاله الإمام الشافعي.  

 وقال ابن عبد البر في (الاستذكار): هذا الخبر لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولا هو مما يحتج به عندهم، فامرأة أبي إسحاق، وامرأة أبي سفر، وأم ولد زيد بن أرقم كلهن غير مؤذنات بحمل العلم، وفي مثل هؤلاء روى شعبة عن أبي هاشم أنه قال: كانوا يكرهون الرواية عن النساء، إلا عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

 قال: والحديث منكر اللفظ لا أصل له، لأن الأعمال الصالحة لا يبطلها الاجتهاد، وإنما يحبطها الارتداد، ومحال أن تلزم عائشة زيدا التوبة برأيها، وتكفره باجتهادها، هذا ما لا ينبغي أن يظن بها، ولا يقبل عليها.

 وأبطله ابن حزم في (المحلى) بنحو من هذا وأجاد.

 وهذا نموذج في النقد الحديثي لم يتصد له أحد من المعاصرين، بل منذ قرون لم يكن مثله، وما هذا إلا لرسوخ السيد الشريف الحافظ عبد الله في عدة علوم، ورسوخه في علم الحديث خاصة.  

6 ـ منحة الرؤوف المعطي ببيان ضعف وقوف الشيخ الهبطي:

 وهذا البحث من جليل البحوث ودقيقها التي تدل على إمامة السيد الشريف الحافظ عبد الله في علم القرآن والتفسير واللغة، كما يدل على ثباته في قول الحق وتحل تبعاته.

 قال رحمه الله: إن الوقوف، علم من علوم القرآن الكريم، عني به الصحابة، لتلقيهم إياه عن النبي صلى الله عليه وسلم، واعتنى به العلماء فكتبوا فيه المؤلفات الكثيرة، مثل (الوقف والابتداء) لابن الأنباري، وأبي جعفر النحاس، والداني، والزجاجي، والعماني، والسجاوندي، والأشموني وغيرهم.  إلى أن قال: وصرحوا بأنه لا يقوم بالوقف إلا عالم بالنحو والقراءات والتفسير والقصص، لكن الشيخ الهبطي، وهو أبو عبد الله محمد بن أبي جمعة المتوفى بفاس (93هـ) الذي عمل الوقف لم يقرأ هذه النصوص، ولم يكن يعرف علم العربية، ولا شيئا مما اشترطوه لصحة الوقف، بل أقدم على عملية الوقف بحسب ما ظهر له من غير مراعاة للقواعد، فكان كثير من وقوفه من قبيل الممنوع، لأنه يفصل بين المبتدأ والخبر، وبين الفعل ومتعلقه كالفعل ونائبه، والمفعول، وحرف الجر، وغير ذلك مما نبينه في هذه الرسالة بحول الله تعالي.

 والعجب العجاب أن أهل المغرب استعملوا هذه الوقوف منذ وقت صاحبها ومنشئها إلى وقتنا هذا، ولم يفكر عالم منهم، ولا باحث أن يغير القبيح منها بالصحيح.

 ولما كانت وقوف الهبطي بالصفة التى ذكرتها من المنكر الذي يجب تغييره لأنها تلحق بكلام الله خطأ يتنزه عنه, وكان السكوت عن تغييرها إنما يعم أهل العلم جميعا بالمغرب, أردت أن أقوم بهذا الواجب عن نفسي وعنهم, بتأليف هذه الرسالة التى أبين فيه بحول الله الوقوف القبيحة. .. وقد نص العلماء على أنه لا يجوز تخريج شئ من الآيات على

تقديرات ضعيفة,.  لأن ذلك يودي إلى أن يكون في القرآن ما ليس بفصيح, وهذا خطير جدا لأن القرآن ليس فيه ألا الفصيح والأفصح, ولا أنبه على جميع الوقوف المخطئة, وإنما على ما كان قبحه ظاهرا لا يخفى على متعلم.  

ثم تتبع سور القرآن وقال: الآية الأولي: ولتجدنهم أحرص الناس علي حياة ومن الذين أشركوا] البقرة: 18 [, الوقوف الصحيح على أشركوا ثم بين ذلك.  

 الآية الثانية: كتب عليكم إذا حضر أجدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ] البقرة: 18[.

 الوقف على: (بالمعروف), أو (المتقين), ووقف الهبطي على (خيرا) ففصل بين الفعل وهو (كتب) المبني للمجهول, ونائب الفاعل, وهو الوصية, وتصحيحه يحتاج إلى تقدير فيه تكلف وخروج عن الظاهر لغير ضرورة ولا حاجة.

الآية الثالثة هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضى الأمر [البقرة: 21] الوقف على (الأمر) كما في مصحف حفص, ووقف الهبطي علي (الغمام), ففصل بين الفاعل والمعطوف عليه بلا داع ولا موجب.

 [ومن سورة آل عمران 11] كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم الوقف علي (قبلهم) كما في مصحف حفص، ووقف الهبطي علي (كذبوا بآياتنا) بيان لدأب الذين قبل آل فرعون فقط، وهو إيهام قبيح، ومثله في الفصل بين المتعاطفين بلا ضرورة، قول الله تعالي: وإذ ءاتينا موسي الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون [البقرة: 53] وقف الهبطي علي (الكتاب) ولا قائل به.  

[ومن سورة المائدة 17]: فيقسمان بالله لشهدتنا أحق من شهدتهما وما اعتدينا الوقف علي (اعتدينا)، ووقف الهبطي علي (فيقسمان)، ففصل بين الفعل ومتعلقه بدون دليل.

[ومن سورة يونس 24]: إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلنه من السماء فختلط به نبات الأرض الآية، وقف الهبطي علي (فاختلط)، وهو وقف ممنوع لأنه فصل بين الفعل ومتعلقه، ولا احد يجيره.  

[ومن سورة يوسف 11] قال: قال تعالي: قالوا يأبانا ما لك لا تأمنا علي يوسف كثير من أهل المغرب يقرؤون (تأمننا) بالفك وضم النون، وهو خطأ، والصواب قراءته بالإدغام.  

 قوله تعالي: قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم [يوسف: 92] الوقف علي (اليوم)، وجملة (يغفر الله) لكم، دعاء لهم بالمغفرة، وهكذا ثبت في الحديث، فقد جاء في كتب السيرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف علي قريش وهم أ سري يوم الفتح فقال: "ما تظنون أني فاعل بكم؟ " قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال صلى الله عليه وسلم "أ قول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فانتم الطلقاء".  

 ولا أدري لم وقف الهبطي علي (عليكم)، وخالف جمهور القراء وخالف الخبر، وغير معني الآية من الدعاء إلي الخبر؟.  

[ومن سورة الفرقان 9]، قوله تعالي: انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا وقف الهبطي هنا علي (سبيلا).  

[وفي سورة الإسراء 28] وقعت هذه الآية أيضا، فوقف الهبطي على (فضلوا)، ولا أدري لم فرق بينهما مع أن سياقها واحد؟.

 وهذا يدل على أنه لا يرجع إلى قاعدة، وإنما يرجع إلى ما يظهر له.  

[ومن سورة الأحقاف 35] قول الله تعالى: فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم الوقف على (لهم)، وهو وقف واضح يدركه من قرأ المقدمة الآجرومية، ولكن الهبطي وقف على (تستعجل)، وهو ممنوع باتفاق.

[ومن سورة الذاريات 17] قوله تعالى: كانوا قليلا من اليل ما يهجعون الوقف على (يهجعون)، ووقف الهبطي على (قليلا)، وهو وقف باطل ممنوع ولست أدري ما الذي دعاه إليه؟!.

[ومن سورة البروج 15]، قوله تعالي: ذو العرش المجيد الوقف علي (المجيد) لأنه آخر الآية، وهو صفة الله أيضا، ووقف الهبطي علي (العرش)، وهو وقف غير تام، فلا يجوز.  

 ثم قال: لا أدري وجها للتمسك بوقوف الشيخ الهبطي مع ما فيها من انتقاد واعتراض، بل يجب إنشاء وقوف أخري صحيحة، وحدد الطريق إلي ذلك بشيئين:

 الأول: مراجعة المصحف الشريف علي تفاسير تعني بالوقوف، كتفسير أبي حيان، وابن جزي، وابن عطية.

 والثاني: أن تتبع الوقوف الموجودة في مصحف مصر، والوقوف لا تختلف باختلاف القراءات.  

 ثم عرف بالشيخ الهبطي، ورد حكاية من ادعي قصة منسوبة للشيخ السنوسي مع الهبطي أنه أراء هذه الوقوف في اللوح المحفوظ.  

 رحم الله الإمام السيد الشريف الحافظ عبد الله، وجزاه خير الجزاء علي حياطته لدينه وكتاب ربه، وسنة نبيه، ودلالة المسلمين علي طريق الحق.  

7 – القول الجزل فيما لا يعذر فيه بالجهل:

 وهو بحث دقيق وشامل، كتبه جوابا لسؤال من أحد الدارسين في القاهرة: هل يكون الجهل عذرا في الشريعة؟.  

 فأجاب: الجهل الذي لا يكون عذرا لصاحبه أنواع:

 الأول: جهل الكفار بالله ورسوله إذا بلغتهم الدعوة.  

 الثاني: جهل المبتدع.  

 الثالث: جهل الباغي، لا يكون جهله عذرا.  

 الرابع: جهل المقدم علي تفسير القرآن أو آية منه برأيه المجرد من غير الرجوع إلي التفاسير المختلفة.  

 الخامس: جهل المقدم علي الفتوي في الدين بغير تثبيت ولا رجوع إلي ما قرره علماء الشريعة.

 السادس: جهل الذي يدعو إلي الاكتفاء بالقرآن وترك السنة، وهذا كفر بواح.

 

 السابع: جهل بين من يفرق بين السنة العملية فيعمل بها وبين السنة القولية فلا يعمل بها.

 الثامن: جهل الذي يقول: إن الله لم يحرم الخمر في القرآن، فإن أراد بذلك أن الخمر ليست بحرام، فهو كفر لا شك فيه، وإن أراد أن القرآن لم يصرح بتحريم الخمر فهو جهل لا يعذر به.

 التاسع: جهل من لا يعرف حرمة أخذ العشور علي تجار المسلمين.  

 العاشر: جهل الذي يدعو إلي تبرج المرأة.  

 الحادي عشر: جهل من يتجنس بالجنسية الأوروبية.  

 الثاني عشر: جهل المكتري الذي يبيع مفتاح الدكان أو المنزل الذي يكتريه، وتحريم هذا معلوم من الدين بالضرورة.  

 الثالث عشر: جهل المكتري الذي يطلب من صاحب المنزل مبلغا من المال ليسلمه منزله.  

 الرابع عشر: جهل صاحب كتاب (السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث)، ورد أحاديث صحيحة، لأن عقله القاصر لم يقبلها.  

 الخامس عشر: جهل من رد شهادة خمسين مسلما من جهات مختلفة بأنهم رأوا هلال رمضان، وهذا تواتر، ومع ذلك أهمتها وتحمل إثم فطر الشعب ليوم من رمضان بدعوي أن القاضي لم يزكها

 السادس عشر: جهل الشاعر الذي قال علي لسان الحضرة المحمدية:

وإذا سألتك أن أراك حقيقة فاسمح ولا تجعل جوابي لن تري

 وهذا تعبير فيه جفاء.

 ثم ذكر ألفاظ تدور علي ألسنة كثير من الناس وهي تدور بين الكفر والحرمة.  

 كقول بعضهم: إن جعل شهادة رجل تعدل شهادة امرأتين ظلم ولو كان في القرآن.  

 وقول بعضهم: يا حنين يا رب بتصغير حنان، وهذا حرام، لأن أسماء الله لايجوز تصغيرها.  

 وقولهم: سخرية القدر، أو القدر الساخر،

 أو القدر أعور أو المكتوب أعور، وكقول بعضهم: فلان – لزعيم أو مشهور – عمل ما لم يعمله الأنبياء، وهذا كفر.

 أو قولهم: فلان أتي بما لم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كفر قبيح وكذب.  

 وتمم هذا البحث بقوله: الجهل في العبادة لا يعذر صاحبه، عند المالكية، فالجاهل كالمتعمد، وأيد قوله بنص من فروق القرافي، وهو الرابع والتسعون، فقال: ضابط ما يعفي عنه من الجهالات، الجهل الذي يتعذر الاحتراز عنه عادة، وما لا يتعذر الاحتراز عنه، ولا يشق لم يعف عنه. ..

 

 وقد حكي الغزالي الإجماع في (إحياء علوم الدين)، والشافعي في (رسالته) حكاه أيضا: في أن المكلف لا يجوز له أن يقدم علي فعل حتى يعلم حكم الله فيه

 وخلص إلي قوله: الجهل الذي لا يكون عذرا سببه أمران:

 أحدهما: وضوح دليله وشهرته بين الناس، بحيث يكون خفاؤه علي الجاهل به في غاية البعد، وهي من الأول إلي الخامس عشر.  

 والآخر: الجهل الذي لا يتعذر الاحتراز عنه.  

 وهو بحث مهم جدا علي وجازته، وخاصة في وقتنا هذا.

8- بدع التفاسير:

 وكان هذا الكتاب مما فتح الله به عليه في ظروف السجن العصيبة، وقد قال رحمه الله في خاتمته: " وقد كتبناه في ظروف توالت علينا بالهموم والأكدار، وقضت بتشريد العقل وتشتيت الفكر، مع عدم الصديق الموافق والزمان المواتي، مما يتعذر مع وجود بعضه إنشاء خطاب عادي، فضلا عن تأليف كتاب مستقل في موضوع مبتكر لم يوجد إلا أمثلة منه. ..

 وقد وفقه الله جل جلاله إلي وضع قواعد ضابطة لعلم التفسير، نثرها خلال بيان بدع بعض المسرين ومخالفتهم لها، فجاء كتابا فريدا في بابه، أثر في الدارسين، ومازال يؤثر.  

 لقد ظهر في هذا الكتاب رسوخ السيد الشريف الحافظ عبد الله في علوم الإسلام، وشجاعته في قول الحق إذ سمى الأشياء بمسمياتها، وذكر المخطئين والخاطئين ممن تعاطى علم التفسير من المعاصرين والأقدمين.

 قال رحمه الله تعالى: "ولم أقصد بهذا المؤلف التفاسير المخطئة والخاطئة، فإذا ذلك غير متيسر لي الآن، وإنما قصدت ذكر مثل تكون نموذجا لما لم يذكر وعنوانا عليه".

 وذكر من تفاسير الأقدمين عددا غير قليل، ومن تفاسير المعاصرين: (المصحف المفسر) لمحمد فريد وجدي، و(أوضح التفاسير) لمحمد عبد الله الخطيب، وتفسير أبي زيد الدمنهوري، وتفسير عبد الجليل عيسى، وأعمال محمود شلتوت في التفسير، وقصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار، وذكر نماذج لا نحرافهم في التفسير وفهم القرآن.

 وقدم بين يدي ذلك بفوائد، ومما قال: ألفاظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة لها حالتان:

1 ـ أن يمتنع حملها على المجاز؛ وهي نوعان:

 أ ـ أن تكون متعلقة بالتوحيد والإيمان؛ مثل سورة الإخلاص والكافرون، والنصر، وآية المواريث، وسائر آيات الأحكام، فهذه تحمل على حقائقها الشرعية، فإن لم يكن لها حقائق شرعية، حملت على الحقيقة اللغوية.  فدخول المجاز على هذا النوع ممتنع، لأنه ينافي الغرض من التكليف، ويؤدي إلى مفاسد عظيمة أعظمها تعطيل الشريعة.  

 ب – أن تكون في سياق الحديث عن الأمم السابقة، فهذه تحمل علي حقيقتها ويمتنع فيها المجاز.  

2 – أن يمتنع الحمل علي الحقيقة نحو: الرحمن علي العرش استوي [طه: 5]، بل يداه مبسوطتان [المائدة: 64] . ونحو قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل...".  

 وأكد كثيرا علي ضرورة الانسجام والالتزام في التفسير علي تنزيه الله سبحانه وتعالي وصفاته، وذكر نماذج من الخروج علي ذلك مما هو بدع وجهل.

 ثم يقول: يجب علي المتصدي للتفسير أن يتجرد من الآراء المذهبية، ويوطن نفسه علي تقبل ما تفيده الآية، وتدل عليه، ويرجع عما كان يراه ويعتقده بخلافها، لأن القرآن حجة الله علي خلقه، ولا يجوز له أن يتحمل في تأويل الآية، ويطلب الوجوه البعيدة في الإعراب، أو يحملها علي المعاني التي لا تتفق مع سياقها، أو سبب نزولها لتفيد رأي فلان أو عقيدة فلان فهو تحريف لكلام الله تعالي، وتغيير لمعانيه.  

 وقال: يجب علي المفسر في تفسيره أمور:

1 – أن لا يخالف ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير آية، كتفسير (المغضوب عليهم) باليهود، و(الضالين) بالنصاري.  

2 – أن يفسر الآيات بالمعاني التي كانت معروفة للعرب وقت نزوله، حقائق كانت أو مجازات، فيجب فهمه في حدود قواعد اللغة العربية وأساليبها المعهودة لهم، ولا يجوز تفسيره بمعان مستجدة حدثت بعد التنزيل، كما كان يسلك محمد عبده، وعبد الوهاب النجار.

3 – أن يتجنب تفسير ألفاظه باللغات الغربية، أو تخريج إعرابه علي الوجوه الضعيفة أو الشاذة بحسب القواعد النحوية، لأن ذلك ينافي فصاحة القرآن.

 ثم تتبع سور القرآن الكريم وعرج علي كثير من مبتدعة المفسرين بناء علي هذه ضوابط.

 وبدأ: بأن من البدع: الاعتساف والانحراف في التأويل لتنزيل الآيات علي المذهب، كما صنع الزمخشري في تفسير قوله تعالي: ختم الله علي قلوبهم [البقرة: 7] في نفي إسناد الختم إلي الله علي الحقيقة، وإنما هو علي سبيل التمثيل أو المجاز، وخالف في ذلك أدلة الكتاب والسنة.  

 أو تفسير الكرسي: بمعني العلم، أو كما فسر الجبائي قوله تعالي ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا [آل عمران: 8]، فعدل عن ظاهر معني اللفظ إلي ما لا دليل عليه، أو كما فسر بعض الرافضة: وأوحي ربك إلي النحل [النحل: 68] بأنه علي وقومه.  

 ومن البدع: الاعتماد علي أحاديث ساقطة لا تقوم بها حجة، كما صنع الشريف المرتضي في (أماليه) في تفسير قوله تعالي: وعلم ءادم الأسماء كلها [البقرة: 31]، قال علمه أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وأسماء الأئمة من ولده. ..

 ومنها: مخالفة التفسير لسياق الآية، وهو أمر يجب اعتباره والأخذ به، لأن الآيات تترابط وتتآلف بسياقتها المتتالية، وإلا لكانت مفككة غير مترابطة.  

 وكذلك أن تفسيرا الآية بمعني بعيد عن المعني لا معني لذكره ولا تقتضيه الآية، كما في تفسير قوله تعالي: وهم ألوف حذر الموت [البقرة: 234] أي متآلفون، وهو بعيد جدا.  

 أو تفسير الموت بمعني الاحتلال من المستعمر الأجنبي، ولإحياء بمعني الاستقلال، كما ذهب إليه محمد عبده.  

 ومنها: أنه لا يجوز حمل الآية علي تأويل يورثها ركاكة وتعقيدا.  

 ومنها: إقحام الإسرائيليات التي لا يقبلها العقل، ولم يأت بها صحيح النقل.  

 ومنها: الركون والاستشهاد بأحاديث أو آثار موضوعة.  

 

 ومنها: إيراد أسماء لله تعالي، لم ترد في القرآن وصحيح السنة، كتفسير قوله تعالي: كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة [التوبة: 8]: الإل أي الله، فلا يصح أن يسمي الله تبارك وتعالي باسم إلا إذا جاء صريحا في آية أو حديث صحيح.  

 ومنها: وجوب اعتبار أن أخبار الله جل جلاله لا يدخلها نسخ ولا تغيير، وقد توسع في تفسير قوله تعالي: فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال ءامنت أنه لا إله إلا الذي ءامنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين [يونس: 9].  

 فأتي بغرر من علم التفسير والعقائد وكيفية ربط الآيات ببعضها بما لا يمكن أن يلخص أو يختصر.  

 ومنها: وجوب التدقيق في مواضع الجنوح إلي المجاز والكتابة والاستعارة.

 ففي الآيات التي يكون موضوعها الحديث عن الأمم التي لا تتكلم العربية

مثل: قوم نوح وإبراهيم وبني إسرائيل، وحكاية ما حصل بينهم وبين رسلهم من مجادلات وما توجه إليهم من خطابات تكليفية وغيرها، لا يجوز حملها علي المجاز، بل يجب حملها علي الحقيقة، لأنها مجزوم بإرادتها رغم اختلاف اللغات، ورغم تباين التقاليد والعادات، فنحن نحمل التنور علي تنور الخبز، ولا يجوز حمله علي بروز التنور، أو اشتداد الغضب، أو نحو هذا من المعاني المجازية، فنكون بذلك واقعين في أشد الخطأ، لأننا لا نعرف هل كان في لغة نوح وقومه مجاز أو كناية، وليس لدينا ما يدلنا علي أصول لغتهم وكيفية تخاطبهم.

ومنها: وجوب تنزيه الأنبياء عن عيب وشين السفهاء، كمثل من ادعى أن ابن نوح ابن زنى ولم يفهم الآية، وهي قوله تعالى: قال يا نوح إنه ليس من أهلك [هود: 46]، وجاء القرآن بتأكيد بنوته فقال تعالى: ونادى نوح ابنه [هود: 42] فنسب الابن إليه، ومعنى الآية: إنه ليس من أهلك [هود: 46] أي: من أهلك الناجين، وكذلك في تنزيه الأنبياء ما ورد في تفسير قوله تعالى: ولقد همت به وهم بها لولآ أن رءا برهان ربه [يوسف: 24]، فأتى بكلام عجيب دقيق في تفسير هذه الآية.

 وقد نسب بعض المفسرين الشح والبخل إلى سليمان، وذكر أمورا كثيرة وقع فيها المفسرون، وفيها الإزراء ببعض الأنبياء جهلا منهم بمقام النبوة الكريم.  

 ومنها: عدم وقوع المفسر في التناقض بين الآيات، كما في تفسير قوله تعالى: فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث فى السجن بضع سنين [يوسف: 42]، إذ فسر بعضهم (أنساه) بأن الضمير يعود على يوسف، والمعنى أن الشيطان أنسى يوسف ذكر ربه حين استغاث بمخلوق، وفي أول السورة أخبر الله جل جلاله عن يوسف بأنه من عباده المخلصين، فكيف يخبر هنا عنه بأن الشيطان تمكن منه وأنساه ذكر ربه؟!.  

 ومنها: أن يكون التفسير مخالفا لنظم الآية وفيه التكلف البعيد.

 ومنها: التفسير بتقطيع الآية، والوقف في موضع يخالف وقوف القراء.  

 ومنها: مخالفة القراءات القرآنية المتواترة.

 ومنها: مخالفة ما صح من أسباب النزول.

 ومنها: مخالفة أصول الدين والعقيدة، كما في قصة الغرانيق.  

 ومنها: تفسير القرآن بمعاني لا تدل عليها اللغة، كما في قوله تعالى: وأرضا لم تطوها [الأحزاب: 27]، أرادبه نساءهم، فهذا غير صحيح.

 ومنها: تخصيص معاني الآيات بغير دليل مخصص، بل بالتشهي والتحكم والهوى.

 ومنها: التطويح بعيدا عن دلالة الآيات، كما في تفسير بعضهم في قوله تعالى: شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم [فصلت: 2] أن شهادة الجوارح كناية عن ظهور أثر المعاصي عليها بأن يظهر عليها علامات دالة على ما كانت تعلمه في الدنيا.

 ومنها: أن يتجاهل المفسر ما صح من الأحاديث النبوية في تفسير الآيات الكريمة.  

 ومنها: الأخذ بالقراءة الشاذة، وتجاهل القراءات المتواترة والصحيحة.

 ومنها: حمل ألفاظ الكتاب والسنة على معاني تنافي مدلولها اللغوي، وتباين السياق الذي سيقت له الآية أو الحديث.

 قال رحمه الله: "ونحن لا ننكر أن في القرآن والحديث إشارات إلى كثير من المخترعات، لكن تدل عليها في حدود ا لمدلول اللغوي، وادخل نطاق الأسلوب الكلامي عند العرب".

 أقول: وقد انساق كثير من المعاصرين ممن لا قدم له في اللغة وعلم الكتاب والسنة، وجروا لاهثين في هذا المضمار، وحجة القرآن والسنة أقوى من ذلك وأعلى وأوضح، ولا يشفع لهم حسن نيتهم ببيان محاسن وإعجاز القرآن والسنة، لأن الأمر لابد فيه من لزوم ضوابطه.

 ومنها: أن لا يستعمل العبارات التي لا توافق الشرع، كما قال الزمخشري في سورة التحريم: "ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله، لأن الله جل جلاله إنما أحل ما أحل لحكمة ومصلحة عرفها في إحلاله"، قال رحمه الله: قول الزمخشري: لحكمة ومصلحة عرفها، فيه إطلاق المعرفة على علم الله جل جلاله وهو خطأ، لأنه لا يجوز شرعا أن يقال: عرف الله كذا، وهو عارف، وإنما يقال: علم كذا وهو عالم.

 وتجويز الشيخ زكريا الأنصاري إطلاق المعرفة في حق الله لو ورد ذلك يقال عليه: لا يكفي الورود، بل لابد من الثبوت، ولم يثبت في إطلاقها على الله جل جلاله حديث صحيح.

 وكان رحمه الله يأتي بأمثلة على هذه الشذو ذات ومخالفة الضوابط لفهم الآيات، وينثر ذلك بأوجز كلام وأدق عبارة.

 ثم ختم هذا الكتاب النفيس بتقويم عدد من التفاسير بلغت اثنين وثلاثين تفسيرا، بدأها بتفسير الطبري، وختمها بتفسير القاسمي (محاسن التأويل) وبين أهمية كل تفسير، وما هي منافذ الضعف فيه.  ثم ختمه بترجمة موجزة لنفسه رحمه الله.

9 ـ جواهر البيان في تناسب سور القرآن:

 وهو كتاب فذ في موضوع جليل، لم يعرض لهذا الباب إلا قلة من النابهين أولي الألباب، فقد عني العلماء بفنون القرآن الكريم وعلومه، كتفسيره وإعرابه، وقراءاته، وأحكامه وتجويده، وقصصه، وغير ذلك، إلا أن هذا الباب لم يخصه بالتأليف سوى ابن الزبير الغرناطي، والبقاعي والسيوطي، وإن كان بعض المفسرين قد ذكر إشارات من ذلك كالرازي، وابن العربي، والزمخشري، وقال رحمه الله: أول من أفرد هذا النوع بالتأليف - فيما أعلم – العلامة أبو جعفر بن الزبير الأندلسي شيخ العلامة أبي حيان، ألف كتابا سماه: (البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن)، ثم كتب الحافظ السيوطي كتابه: (تناسق الدرر في تناسب السور)، لحظه في كتابه (قطف الأزهار في كشف الأسرار).

 وكتابي هذا ثالث كتاب في هذا العلم الشريف، ألهمنيه الله وله الحمد والمنة، وهو ثلاثة أنواع:

 أحدها: تناسب بين السورتين في موضوعهما، وهو الأصل والأساس.

 ثانيها: تناسب بين فاتحة السورة والتي قبلها كالحواميم.  

 ثالثها: مناسبة فاتحة السورة لخاتمة ما قلبها، مثل: وإدبار النجوم [الطور: 49]، والنجم إذا هويا [النجم: 1]، فجعلهم كعصف مأكول [الفيل: 5] لإيلاف قريش [قريش: 1].

 ويوجد نوع رابع من المناسبة، وهو مناسبة فاتحة السورة لخاتمتها، أراده السيوطي بالتأليف، وكتب فيه جزءا صغيرا أسماه: (مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع)، ويدخل في هذا النوع: رد العجز علي الصدر، وهو من المحسنات البديعية، وسننبه علي شيء من ذلك في محله من هذا الكتاب.  

 وكان قد قدم بين يدي ذلك بمقدمة حول تسمية القرآن والسورة، وأن السورة قد يكون لها اسم واحد، وقد يكون أكثر من ذلك، وذكر طرفا من أسماء السور، ثم تحدث عن ترتيب السور: هل هو توفيقي من الشارع أو اصطلاحي من الصحابة؟.

 ثم بين مناسبة ابتداء القرآن الكريم بالفاتحة، وذكر ما اشتملت عليه من معاني عظيمة، ومقاصد سامية لخصها في سبعة مقاصد، وهي إجمال ما فصله القرآن الكريم... ومناسبة أخري للابتداء بها تلك هي براعة الاستهلال، وهي إشعار المتكلم في مفتتح كلامه بما يريد أن يفيض فيه، ولا شك أن من تدبر الفاتحة وتأمل معانيها، أشعرته بالمعاني التي فصلتها السور بعدها.  

 ومن المناسبات للابتداء بها، أن الله أرشد عباده إلي ابتداء مهام أمورهم بحمده تعالي، والثناء عليه سبحانه، ومن هنا قال العلماء: ينبغي افتتاح الأمور المهمة بالحمد تأسيا بصنيع القرآن العظيم، وذلك مثل خطبة الجمعة والعيدين، وخطبة النكاح...

 ثم تابع بيان مناسبات السور ببعضها، وتخلل ذلك فوائد هامة، وملاحظات مفيدة قيمة، من ذلك قوله: لو وضعت الفاتحة بجانب أي سورة لناسبتها بوجه من الوجوه، إذ ما من سورة إلا وفيها تفصيل لبعض ما أجملته معانيها، وهذا من خصائص الفاتحة، ومن ثم سميت أم القرآن، وأم الكتاب.  

 وتحدث عن تناسب السور الأربع الطوال، البقرة آل عمران والنساء والمائدة وذلك من جهة نزولها بالمدينة، واشتمالها علي أحكام تشريعية.  

 وكان رحمة الله جل جلاله يأتي في ذلك بآراء طريفة ورؤى ناضجة، تدل علي تمكنه في علم القرآن، وعمق نظره في التفسير، فمن ذلك قوله في سورة مريم:

 مناسبتها لما قبلها أن السورة السابقة اشتملت علي قصص عجيبة تدل علي كمال قدرةالله جل جلاله وبديع حكمته، كقصة أصحاب الكهف، وقصة موسي والخضر عليهما السلام، وقصة ذي القرنين، فجاءت هذه السورة مشتملة علي قصص لا تقل عجبا وحكمة عن القصص السابقة، كإعطاء يحيي لزكريا بعد كبره وعقم امرأته، وحمل مريم بعيسي وهي بكر لم تتزوج وكلام عيسي في المهد.

 و(سورة طه) تناسب السورة السابقة في اشتمالها علي خوارق عجيبة تدل علي كمال قدرة الله جل جلاله وعنايته بخاصة خلقه، قلب عصا موسي حية، وجعل يده بيضاء من غير سوء: قال ألقها يا موسي فألقاها فألقها فإذا هي حية تسعي [طه: 19 – 2]، وألقته أمه رضيعا في اليم، فالتقطه عدوه فرعون، ورباه في بيته: إذا أوحينا إلي أمك ما يوحي [طه: 38].

 وألقي عصاه فانقلبت حية، فالتقمت ما صنعه السحرة وألق ما في يمينك [طه: 69]... وفتحت هذه السورة بالحديث عن القرآن ما أنزلنا عليك القرءان لتشقي [طه: 2] وختمت بالحديث عنه: وقالوا لولا يأتينا بأية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولي [طه: 133]

 أي: دليل علي صحة ما في الكتب المنزلة السابقة، وهو القرآن، فتناسب مطلعها ومقطعها.  

 وقال في (سورة النور): مناسبتها لما قبلها: أن الله جل جلاله قال في آخر السورة السابقة أفحسبتم أنما خلقنكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون [المؤمنون: 115]، والاستفهام إنكاري، أنكر حسبانهم أنهم خلقوا عبثا، ثم نزه نفسه فقال: فتعلي الله الملك الحق [المؤمنون: 116] عن العبث، فلم يخلق عباده إلا ليتعبدهم بالأمر والنهي، وليردهم إليه بعد فنائهم ليجزيهم على أعمالهم، فذكر في هذه السورة جملة من الأوامر والنواهي التي تعبدهم بها، وأشار في مفتتحها إلى البعث. إلى أن قال: تضمنت السورة وجوب حد الزنا والقذف، ووجوب تصون المرأة، وعدم إبداء زينتها إلا لأفراد معدودين، ووجوب غض البصر من الرجال والنساء عما لا يحل، وحرمة دخول منازل الأجانب إلا باستئذان، وبيان كيفية الاستئذان في هذا، وفي دخول الخدم على مخدوميهم، والأولاد على آبائهم وأمهاتهم، وإباحة الأكل من بيوت الأقارب والأصدقاء، وغير هذا مما يدخل في تنظيم الأسرة وآداب السلوك.

 والسورة تشير بهذه الأحكام إلى أنه لايجوز أن يعيش المؤمنون في عبث وفوضى كما كان الحال في الجاهلية، بل يجب أن يكون مجتمعهم أفضل المجتمعات، أنسابهم محفوظة من التلويث، وأعراضهم مصونة، موفورة الكرامة، وعلاقة بعضهم ببعض، أفرادا وجماعات مبنية علي العفاف والتصون والاحترام، وكل هذا يؤكد الرد علي ظن المشركين أنهم خلقوا عبثا لا لحكمة.  

 ومن لطائف ما علق به علي مناسبة سورة (القلم) قوله: نزلت هذه السورة بعد سورة العلق، فهي ثاني سورة نزلت من القرآن الكريم، وكان اتجاه المشركين إذ ذاك إلي رمي النبي صلى الله عليه وسلم بالجنون، لأنهم اعتبروا ما بدئ به من الوحي جنونا طرأ علي علقه، فلهذا جاءت فاتحتها مصرحة بنفي الجنون عنه عليه الصلاة والسلام، ولم يأت حديث عن القرآن، لأنه لم يكن نزل منه ما يدعو إلي الحديث عنه، فهذه – والله أعلم – حكمة عدم ذكر ما يتعلق بالقرآن، بعد حرف (ن) علي أنه ذكر القلم والكتابة لأنه معني (يسطرون)، يكتبون إشارة إلي القرآن الذي سينزل وسيكتب.  

 ويقول في (سورة النصر): لما أيأسالله نبيه صلى الله عليه وسلم من الكفار والمنافقين، وقطع كل صلة بينه وبينهم فيما يتعلق بعبادة الله وتوحيده، بشره هنا بمجيء نصرالله وفتحه، وبانتشار دينه ودخول الناس فيه أفواجا، وهذه مناسبة ظاهرة، والله جل جلاله أعلم.  

 ويقول في (سورة المسد): ولما بشر الله نبيه في السورة السابقة – النصر – بنصره ونشر دينه، ناسب إن يبشره هنا بهلاك عدوين عنيدين من أشد أعدائه طالما قاسي من إيذائهما وسبهما، ولهذا أفردالله هذه السورة للبشارة بهلاكهما وخسرانهما إكراما لنبيه وانتقاما له من أعدائه.  

 ثم ختم هذا البحث الرائق، والكتاب الفائق، بخاتمة فيها مسألتان:

 الأولي: في فواتح السور فقال: قال أهل البيان: من البلاغة حسن الابتداء، وهو أن يتأنق في أول الكلام، لأنه أول ما يقرع السمع، فإن كان محررا أقبل السامع على الكلام ووعاه، وإلا أعرض عنه، ولو كان الباقي في نهاية الحسن، فينبغي أن يؤتي بأعذب لفظ وأجزله، وأرقه وأسلسه، وأحسنه نظما وسبكا، واضحه وأخلاه من التعقيد والتقديم والتأجير الملبس أو الذي لا يناسب.  

 قالوا: وقد أتت جميع فواتح السور علي أحسن الوجوه، وأبلغها وأكملها، كالتحميدات وحروف الهجاء والنداء وغير ذلك.  

 والثانية: في خواتم السور، وهي مثل الفواتح في الحسن، لأنها آخر ما يقرع السمع، ولهذا جاءت متضمنة للمعاني البديعة مع إيذان السامع بانتهاء الكلام حتى لا يبقي معه للنفوس تشوف إلي ما يذكر بعده، لأنها بين أدعية ووصايا وفرائض، وتحميد وتهليل ومواعظ، ووعد ووعيد، إلي غير ذلك.  

 ثم ألحق ذلك بتتميم قال في مطلعه:

 علمت مما مر في الكتاب ومقدمته: أن آيات القرآن الكريم وسورة تتسق في تناسق عجيب، ويرتبط بعضها مع بعض في تألف بديع غريب، بحيث لو وضعت آية مكان غيرها، أو سورة في غير موضعها، اختل الاتساق والتناسب، وتفكك الارتباط والتآلف وهذا مما اختص به القرآن العظيم وكان وجها من وجوه إعجازه المتعددة، فينبغي لتاليه أن يراعي هذا المعني في تلاوته فلا يتنقل من سورة إلي تاليتها حتى يتمها.  

 ومن هنا تدرك خطأ بعض المقرئين الذين يتنقلون من سورة إلي غيرها غير مراعين ذلك... إلخ.  

 لقد أودع السيد الشريف الحافظ عبد الله في هذا الكتاب أفكارا رائدة، وآراء شاهدة علي مكانته العلمية الرفيعة التي أثرت في معاصريه وتبخى تؤثر في الأجيال للاضقة إن شاءا، ولا يستطيع باحث جاد أن يتجاهل هذه الأفكار أو يحيد عن النظر فيهث.  

1 – التحقيق الباهر في معني الإيمان بالله واليوم الآخر:

 هي رسالة رد فيها علي مبتدع أزهري (هو الشيخ محمود شلتوت، كما مرص (21)) – كما قال رحمةالله – كتب في مجلة (صوت أمريكية) مقالا زعم فيه أن الإيمان المنجي يوم القيامة هو الإيمان بالله اليوم الآخر، وأن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ليس بواجب، واستخلص من ذلك أن اليهود والنصارى مأجورون يوم 1 + قيامة، لأنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر كالمسلمين، استدلالا بقولالله جل جلاله في سورة البقرة: إن الذين ءامنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من ءامن بالله واليوم الآخر وعمل صلحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [البقرة: 62].

 قال رحمه الله: فجهل معني الإيمان في عرف الشرع, وحرف الآية عما أراده الله, وعمي عن آية أخرى يفسرها, وخرج عن آخر الأمر.

 ثم بين معنى الآية الكريمة وما ذهب إليه المفسرون، ابن كثير، ابن جزي، والبيضاوي، والجلالان، وغيرهم، وأثبت أن الآية الكريمة بعيدة كل البعد عما ألصقه بها ذلك المبتدع المأجور، وأن أحدا من العلماء لم يسبقه إلى هذا القول الذي شذبه عن جماعة المسلمين، واتبع سبيل غير المؤمنين.

 ثم قرر الأمر بقوله: إن الإيمان حقيقة شرعية، متركبة من أجزاء بينها النبي صلى الله عليه وسلم، في جواب جبريل عليه السلام حيث قال: الإيمان، أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه، ورسله اليوم الآخر، والقدر خيره وشره.  

 وهذه الأجزاء متلائمة شرعيا, بحيث إذا انتفى جزء منها لزم انتفاء بقية الأجزاء, ولزم بالتالي انتفاء حقيقة الإيمان, فالمكذب برسول واحد تنتفي عنه حقيقة الإيمان من أساسها, ويجب الحكم عليه شرعيا بأنه لا يؤمن بالله, ولا بملائكة وبالكتب ولا بالرسل ولا باليوم الأخر ولا بالقدر, وإن زعم أنه يؤمن بذلك, فزعمه مردود عليه, لأن حقيقة الإيمان لا تقبل التجزئة.

 وساق الأدلة على ذلك من الآيات القرآنية, ومنها قوله تعالى: إن الذين يكفرون بالله ورسله, ويريدون أن يفرقوا بينالله ورسله, ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكفرين عذابا مهين [النساء: 15-151]

 وهذه الآية نزلت في اليهود والنصارى, وحكم الله بكفرهم لأنهم آمنوا بأنبيائهم وكفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم

 ثم يخلص إلى قوله: وكيف تفهم قول الله جل جلاله يخاطب الصحابة يوم عرفة في حجة الوداع اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا [المائدة: 3]

 وهل دين الإسلام الذي رضيه الله للمسلمين يتفق مع اليهودية والنصرانية؟

 ثم وضع الآية التي استدل بها المبتدع في سياقها الصحيح، وانتهى إلى قوله: وينبغي أن تعلم أن من قال برأي هذا المبتدع الذي أوضحنا بطلانه، فهو كافر والعياذ بالله، لأنه خالف ما ثبت بالقرآن الكريم، وعلم من الدين بالضرورة، وأجمع عليه المسلمون قاطبة.

 وبين إجماع الأمة على ذلك بنص لأبي محمد ابن حزم، وغيره.

 إن هذه الرسالة من نفائس مباحث العقائد، وعلم التوحيد، جاءت في زمانها ومكانها، ولا تزال الحاجة إليها، بل هي اليوم إليها أمس، فما أجدر كل مسلم أن يقرأها ويعيها

11- فتح المعين بنقد كتاب الأربعين:

 كتاب الأربعين في دلائل التوحيد لأبي إسماعيل الهروي طبع سنة (144هـ)، ذكر فيه مصنفه أحاديث في الصفات، وبالغ في الإثبات إلي حد التجسيم والتشبيه، وقد وصفه بذلك غير واحد، وأنه يجهل علم الكلام.  

 وقد تتبعه السيد الشريف الحافظ عبد الله في أكثر من عشرين بابا، فأتي بنفائس وغرر من علم العقيدة والتوحيد، وضوابط التأويل لأحاديث الصفات، بما تشد عليه يد الضنانة، ويحرص عليه أهل النباهة والفطانة فأحاديث الصفات كانت ولا زالت معتركا للفحول الكبار من أرباب الطوائف والفرق، فقربها الحافظ السيد الشريف الحافظ عبد الله بكلام فصل، ورأي واضح جزل، ومنهج لا حب عدل، فلله دره إذ جمع الكثير في القول الوجيز القصير، وأثبت لمن قرأ هذا البحث أنه راسخ في علم الأصلين: الكتاب والسنة، والفروع واللغة، قال في المقدمة:

 الفروع الفقهية المتعلقة بالعبادات والمعاملات مبنية علي الظن – واليقين فيها قليل – ولذلك حصل الخلاف فيها بين الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب، وكان فيهم المخطئ والمصيب، ولم يضلل أحد منهم مخالفه إذ أخطأ، بل يعتقدون أنهم جميعا علي هدي وسنة.

 أما التوحيد فالأمر فيه يختلف، لأن اليقين من مسائله مطلوب حتما خصوصا ما يتعلق بصفات الله، فلا يجوز أن تثبت له صفة إلا بشروط:

 أحدها: التصريح بها في آية أو حديث مقطوع به

 ثانيها: أن لا يدخلها احتمال المجاز أو التأويل

 ثالثها: أن لا يكون من تصرف الراوي إذا جاءت في حديث

 وليس كل تأويل في بعض صفات الله جل جلاله باطلا مردودا كما يزعم غلاة المثبتة، بل إذا كان التأويل قريبا يحتمله اللفظ، ولا يرده المعني وجب قبوله.

 وإذا احتمل اللفظ معنيين، أحدهما يفيد تنزيه الله جل جلاله قدم علي الذي لا يفيده، لأن التنزيه واجب بإجماع المسلمين.

 وبعد هذه المقدمة النفيسة، تتبع الهروي في أبواب الكتاب وما ساقه من أحاديث، فرد عليه إثبات صفة الإصبع التي جاءت في الحديث، وأن اليهودي

قال: يا محمد: إن الله يضع السماوات علي إصبع، والأرضين علي إصبع

 رد ذلك بمسألة أصولية وهي: أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي وعدم رده عليه لأن كل الناس يعلمون أن عقيدة اليهود التجسيم، وأقرار النبي صلى الله عليه وسلم المعتمد به شرعا، المنقاد لحكمه، وإذا كان إقرارا لمسلم منقادا للشرع، فلا يكون تقريرا لكافر علي قول أو فعل دالا علي الجواز في أدلة قاطعة أخري.

 ونقض قوله: باب في إثبات الحد لله عز وجل، وأن هذا اللفظ لم يأت بقرآن ولا بسنه صحيحة، ولا يصح إثباته بدلاله الالتزام.

 ورد علي الهروي في إثبات الجهة لله تعالي، وفي إثبات الصورة وفي إثبات العينين، وقال: والحديث ليس فيه إثبات العينين لله تعالي فمن أين أتي بها الهروي؟

 وفي إثبات اليدين، وفي استدلال الهروي بحيث منكر جدا بل موضوع، لأنه محال والنبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم بالمحال، وفي إثبات الخط لله تعالي، وفي إثبات القدم وفي إثبات الهرولة، وقال رحمه الله: حيث أثبت القدمين لله تعالي، فمن المعقول جدا أن يثبت له الهرولة، أي الجري بهما.

 وإن أردت التوحيد الحق، فاعلم أن الهرولة في حق الله محال لا تليق بعظمته وجلاله، وذكر أقوال الأئمة في ذلك وما قالوا في الباع والذراع، والهرولة والضحك، والنزول، وختم الكتاب بنصوص مضيئة عن ابن القاضي أبي بكر بن العربي، وابن الجوزي، والسبكي.

 وختمه بفائدة من الغرر، بل بفريدة من فرائد الدرر حين قال: للكلام العربي معاني أوائل، ومعاني ثوان فالأوائل في الحقائق المجردة بدون زيادة عليها والثواني هي المعاني الزائدة علي الحقائق مثل المجاز المرسل والاستعارة بأنواعها والكناية والتشبيه، والتعريض والتأكيد، والفصل والوصل وغير ذلك مما تكفل ببيانه علم البلاغة.

 واللغة العربية لها من هذه المعاني الثواني الخط الأوفر، والنصيب الأكبر، ولهذا كانت أفصح اللغات، وأوسعها دائرة وكان العرب أمراء الكلام، وملوك البيان، استعملوا هذه المعاني في خطبهم وأشعارهم، وتناقلتها عنهم الرواة جيلا بعد جيل.

 ثم جاء القرآن الكريم والحديث الشريف علي أسلوب اللغة العربية في نواحيها المختلفة فالذين يحاولون أن يجردوا القرآن والسنة من هذه المعاني الزاخرة باللطائف والطرائف، ليتوصلوا إلي غرضهم في إثبات صفات لله تعالي تشبه صفات المخلوقين أو توهم تشبيها بها، يحاولون عبثا محالا.

12 – حسن التفهم والدرك لمسألة الترك:

 وهي رسالة في مبحث أصولي دقيق وجليل، اتكأ عليه بعض المعاصرين، فحلل وحرم، بناء علي أساس خاطئ، وقال رحمه الله:

 نقصد بالترك الذي ألفنا هذه الرسالة لبيانه، أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لم يفعله، أو يتركه السلف الصالح من غير أن يأتي حديث، أو أثر بالنهي عن ذلك الشئ المتروك يقتضي تحريمه أو كراهته.

 وقال: إذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فيحتمل وجوها غير التحريم:

1- أن يكون تركه عادة: قدم إليه صلى الله عليه وسلم ضب مشوي فمد يده الشريفة ليأكل منه فقيل: إنه ضب فأمسك عنه فسئل: أحرام هو؟ فقال " لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ".  والحديث في (الصحيحين) وهو يدل علي أمرين:

 أحدهما: أن تركه للشئ ولو بعد الإقبال عليه لا يدل علي تحريمه.

 والآخر: أن استقذار الشئ لا يدل علي تحريمه أيضا.  

2- أن يكون تركه نسيانا: سها رسول صلى الله عليه وسلم الله في الصلاة، فترك فيها شيئا فسئل هل حدث في الصلاة شي؟ فقال: "إنما أنا بشر أنسي كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني".

3 – أن يكون تركه مخافة أن يفرض على أمته: كتركه صلاة التراويح حين اجتمع الصحابة ليصلوها معه.

4 – أن يكون تركه لعدم تفكيره فيه، ولم يخطر على باله: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة إلى جذع نخلة, ولم يفكر في عمل كرسي يقوم عليه ساعة الخطبة, فلما اقترح عليه منبر يخطب عليه وافق, وأقره لأنه أبلغ في الإسماع.

 واقترح الصحابة أن يبنوا له دكة من طين يجلس عليها ليعرفه الوافد الغريب فوافقهم, ولم يعلمها من قبل نفسه.

5- أن يكون تركه لدخوله في عموم آيات أو أحاديث: كتركه صلاة الضحى, وكثيرا من المندوبات لأنها مشمولة بقوله تعالى: وافعلوا الخير لعلكم تفلحون [الحج: 77], وأمثال ذلك كثيرة

6- أن يكون تركه خشية تغير قلوب الصحابة أو بعضهم, قال صلى الله عليه وسلم لعائشة: " لولا حدثان قومك بالكفر لنفضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم ".  فتركه صلى الله عليه وسلم نقض البيت, وإعادة بنائه حفظا لقلوب الصحابة قريبي العهد بالإسلام من أهل مكة, ويتحمل تركه صلى الله عليه وسلم وجوها أخرى تعلم من تتبع كتب السنة, ولم يأت في حديث, ولا أثر تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ترك شيئا كان حراما أو مكروها.

 وقال رحمه الله: والترك وحده إن لم يصحبه نص على أن المتروك محظور لا يكون حجة في ذلك، بل غايته أن يفيد أن ترك ذلك الفعل مشروع.

 وأما أن ذلك الفعل المتروك يكون محظورا، فهذا لا يستفاد من الترك وحدة، وإنما يستفاد من دليل يدل عليه.

 وقد ذكر هذه القاعدة أبو سعيد بن لب من قبل، وقررها ابن حزم في (المحلى) في أكثر من موضع ذكرها، وقال: وقد أنكر بعض المتنطعين، ونفى أن تكون من علم الأصول، فدل بإنكاره على جهل عريض وعقل مريض.  

 وها أنا أبين أدلتها في الوجوه الآتية:

 أحدهما: إن الذي يدل على التحريم ثلاثة أشياء:

1- النهي، نحو ولا تقربوا الزنى [الإسراء: 32]، ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [البقرة: 188].

2 – لفظ التحريم، نحو: حرمت عليكم الميتة [المائدة: 3].

3 – ذم الفعل أو التوعد عليه بالعقاب، نحو "من غش فليس منا".

 والترك ليس واحدا من هذه الثلاثة فلا يقتضي التحريم.  

 ثانيها: إن الله جل جلاله قال: وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر: 7]، ولم يقل: ما تركه فانتهوا عنه، والترك لا يفيد التحريم.

 ثالثها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" ولم يقل: وما تركته فاجتنبوه، فكيف دل الترك على التحريم؟.

 رابعها: أن الأصوليين عرفوا السنة بأنها قول النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله وتقريره، ولم يقولوا: وتركه لأنه ليس بدليل.

 خامسها: ومعلوم أن الحكم خطاب الله تعالى، وذكر الأصوليون: أن الذي يدل عليه قرآن أو سنة أو إجماع أو قياس، والترك ليس واحدا منها فلا يكون دليلا.

 سادسها: أن الترك يحتمل أنواعا غير التحريم، والقاعدة الأصولية: أن ما دخله الاحتمال سقط به الاستدلال، بل سبق أنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ترك شيئا كان حراما، وهذا وحده كاف لا في بطلان الاستدلال به.

 سابعها: أن الترك أصل لأنه عدم الفعل، والعدم هو الأصل، والفعل طارئ، والأصل لا يدل على شيء لغة ولا شرعا، فلا يقتضي الترك تحريما.  

 وهذا هو لب هذه الرسالة الأصولية الفريدة، وأكملها بالإشارة إلى بعض تطبيقاتها كالاحتفال بالمولد النبوي، والاحتفال بليلة المعراج، وتشييع الجنازة بالذكر، وقراءة القرآن على الميت في الدار، وصلاة التراويح أكثر من ثمان ركعات، فمن حرم هذه ونحوها بدعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها، فاتل عليه قول الله تعالى: ءالله أذن لكم أم على الله تفترون [يونس: 59]، وهي غاية في النفاسة والأهمية مما يجعله رحمه الله في مصاف كبار الأصوليين.

13 - الرد المحكم المتين على كتاب القول المبين:

 وهو كتاب منهجي في نقد الكتب والأفكار يتسم بالدقة وحسن التتبع، وسعة الأفق وظهرت فيه مهارة السيد الشريف الحافظ عبد الله في علم الحديث بفنونه والعقيدة، وقوة الأسلوب، وحسن التصرف في اللغة، والإنصاف في المناظرة.

 قال في مقدمته: إن طائفة من المتنطعين ومن حذا حذوهم من المتهوسين والمتهوكين قد أكثروا الصراخ والضجيج، وبالغوا في الصياح والنئيح، ونادوا بالويل والثبور، وفاهوا بعظائم الأمور – وزعموا زورا وبهتانا – أن من زار قبرا من قبور الأنبياء أو الأولياء – وتوسل بصاحبه إلى الله، واستشفع به لديه خرج من زمرة الموحدين، ودخل في عديد المشركين.  

 وقد وقع بين يدي أخيرا كتاب من هذا القبيل يسمى: (القول المبين في حكم دعاء ونداء الموتى من الأنبياء والأولياء والصالحين)، طالعته فإذا هو على ما وصفت من حال كتبهم وأشد، فمن ركة العبارة، إلى جهل مطبق، ومن تحريف في تأويل النصوص لتوافق الغرض، إلى رد للأحاديث الصحيحة التي لا تلائم المزاج.  فألفت هذه الورقات، بينت بها عوار ذلك الكتاب، وما حواه من أباطيل وأوهام، دفعني إلى تأليفها الغيرة الإسلامية، وحب الدفاع عن الأحاديث النبوية.  

 وبدأ يتتبع ذلك الكتاب في مباحثه وجمله، وغاياته ومقاصده، تتبع عالم راسخ، ومحدث مكين، وجمع أطراف هذه المسألة ودققها، وبين من عارض فيها من المتقدمين والمتأخرين كابن تيمية، وبين ضعف مآخذ ابن تيمية وتهالك المعاصرين، وتتبع أصل هذه المسألة من عهد الصحابة والسلف الصالح إلى المتأخرين كالسبكي والشوكاني والآلوسي مروا بمذاهب الأئمة الأربعة مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد، وختم الكتاب بتحرير مباحث شغلت ولا تزال تشغل الناس، كمسألة اتخاذ المساجد على القبور، وسماع الموتى للأحياء، وحياة أهل القبور، وحياة الأنبياء في قبورهم، ورد النبي صلى الله عليه وسلم سلام من يسلم عليه، وقراءة القرآن للموتى ووصول ثواب هذا القرآن إليهم، وما جرى بين الناس من إهداء الفاتحة للنبي صلى الله عليه وسلم.

 وفي طيات هذا الكتاب من التدقيق والتحقيق في الحديث والأصول والعقائد والتفسير والفقه وغيرها، ما هو جدير بعد السيد الشريف الحافظ عبد الله بن الصديق من العلماء الذين يسامون الأوائل الكبار.

 ومن ذلك قوله: اصطلح أهل الأصول ـ وإليهم المرجع في هذا الباب ـ على تخصيص وصف العالم بالمجتهد، وكذا الفقيه، وهم في اصطلاحهم آخذون من السلف، فإنهم كانوا لا يوقعون وصف العالم أو الفقيه إلا على المجتهد، أما المقلد فلا يسمى عندهم عالما باتفاق، ولا فقيها كذلك.

 وكذلك الأحاديث الواردة في فضل العلماء، وليس المراد بها إلا المجتهدين لأن بهم تقوم الحجة لله على خلقه وهم ورثة الأنبياء، وأما غيرهم من المقلدين فليسوا بعلماء في عرف الشرع، وإنما هم نقلة علم فقط، فيشترط فيهم ما يشترط في الراوي من العدالة والضبط، يرشد إلى ذلك حديث النعمان بن بشير عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله عبدا سمع مقالتي فحفظها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".  وفي رواية عن أنس: "نصر الله امرءا سمع مقالتي فحفظها، ثم ذهب بها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".

 وللحديث طرق بلغت حد التواتر، وهو كما ترى صريح أنه ليس كل من حمل الفقه يسمى فقيها، وما ذلك إلا لأن الفقيه تشترط فيه شروط زائدة على مجرد حمله للفقه، والعالم كذلك لأنه مرادف للفقيه في عرف الشرع، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى العلم بالقرآن والسنة في بعض الأحاديث علما، وفي بعضها فقها.

 وقد صرح البدخشي والسعد، وغيرهما من أهل الأصول أن الذين يفتون بما حفظوه أو وجدوه في كتب المذاهب ـ كما هو واقع الآن ـ بمنزلة النقلة والرواة، فينبني قبول أقوالهم على حصول شرائط الراوي.  

 ومن ذلك قوله: المدار في ثبوت الحكم كما قلنا هو مقرر في علم الأصول على وجود الدليل، فحيث وجد ثبت الحكم، سواء عمل به كل الصحابة أو بعضهم، وسواء عمل به الأئمة المجتهدون، أو لا، ولم نر أحدا من العلماء اشترط في الدليل أن يعمل به الصحابة، والذين اتبعوهم بإحسان، والأئمة المجتهدون.  بل صرحوا بأن الدليل متى استوفى الشروط المقررة لقبوله وجب الأخذ به، وهذا مع كون قول العلماء هو الذي يقضي به العقل، إذا ليس أحد مهما عظم قدره حجة على الشرع.  

 ومن ذلك قوله: ولو لم يكن إلا حديث الأعمى لكان وحده عمى على المتنطع، كيف ومعه غيره، فالحقيقة أن التوسل مشروع جائز، ودليل جوازه أقوى من دلائل كثير من المسائل الفقهية، بل لو تتبعت كتب الفقه لو جدت الأئمة أخذوا في كثير من الأحكام بأحاديث ضعيفة، والتوسل فيه من دليل ما هو صحيح، وما هو حسن، وما هو ضعيف، فلا معنى للتوقف في مشروعيته مع هذا.

 وختم الكتاب بنصيحة وبيان يدل على إنصافه وغيرته على الحق وحرصه على سلامة عقائد المسلمين فقال رحمه الله: رأيت أن أقوم بواجب النصيحة فأنبه على ما شاع بين كثير من الناس في توسلاتهم وزياراتهم للأولياء، فقد توسعوا في ذلك توسعا غير مرضي، وخرجوا عن الحد المشروع، وفاهوا بألفاظ منكرة مثل: يا سيد اشفني، سقت عليك النبي، الشكوى لأهل البصيرة عيب.  إلى ألفاظ من هذا القبيل ظاهرها يقتضي الكفر، مع ما ينضم إلى ذلك من تقبيل العتبات والأبواب والتمسح بالحديد والخشب، والدخول إلى الضريح على هيئه الراكع أو الساجد، مع تكتيف الأيدي خلف الظهر، وهذا ممنوع غير مشروع، والأولياء أنفسهم لا يرضون به، بل يتألمون من فعله، ويتبرؤون من فاعله، وليت الأمر اقتصر بالمتوسلين عند هذا الحد من المنكرات القبيحة، ولكنهم زادوا الطين بلة فتوسلوا بالكفار أعداء الله ورسوله، فتراهم يذهبون إلى العريان في دير بطرة، وله مولد كل عام، ترتكب فيه الفواحش والمنكرات؟!!.

 فيا أيها المسلم الشحيح بدينه الحريص على حفظ عرضه وكرامته، عليك واقتصر في زيارتك وتوسلك على الجائز المشروع، ودع كل لفظ موهم، وكل تعظيم يودي بك إلى المحظور الممنوع كتقبيل وتمسح وسجود وركوع، ولا تذهب إلى قبر كافر في دير كان أو في كنيسة، ولا تصدق ما يقال من كرامات، واعتقد أن ذلك كله كذب وجهل وخرافات، فإن صح لك شيء منه بالمشاهدة والعيان، فاعلم أنه من فعل الشيطان، واعلم أن الخوارق تحصل على يد الفجرة الكفرة للاستدراج: سنستدرجهم من حيث لا يعلمون [الأعراف: 182]، وللشيطان وجنوده في هذا الباب مجال واسع، لإضلال الناس وإغوائهم، وحملهم على تعظيم الكفار والتبرك بهم والاستشفاع بهم إلى الله، فكن يقظا حذرا، واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبعض الصحابة: "حيث مررت بقبر كافر فبشره بالنار"، وقال أيضا: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" هذه نصيحتي إليك فاعمل بها، واحرص عليها والله.

 لقد أثر هذا الكتاب في الكاتبين في الموضوع بعده ممن يؤيده وممن يعارضه، فاقتبسوا منه وأحالوا إليه في عديد من القضايا، وهذا يدل على قوته وعمقه وأصالته.

14 ـ تنوير البصيرة ببيان علامات الكبيرة:

 لا يأنف السيد الشريف الحافظ عبد الله أن يرجع عن رأي تبين له أنه كان مخطئا فيه، أو أن الأدلة التي بناه عليها غير كافية أو ضعيفة.  أو أن معرفته بتلك المسألة كانت غير كافية، وهذا ـ لعمر الحق ـ شأن العلماء المخلصين، وديدن الراسخين الناصحين كمالك والشافعي وأضرابهم من أعلام الأمة.

 وهذا البحث مثال على هذا المنهج العلمي الرصين، فقد سطر في هذه الرسالة قوله: لما كنا بمصر سنة (1353هـ)، كتب لي تلميذ رسالة في تحريم حلق اللحية سميتها له: (تنبيه أولي البصائر على أن حلق اللحية من الكبائر)، وأمليت عليه سطرا كتبه في خطبتها مفاده: أن القارئ قد يعجب إذا رأى هذا العنوان، لكن لا يعجل بالاستنكار حتى يقرأ الرسالة، ويرى ما فيها من الأدلة على صحة ما نقول، وكنت أفهم إذ ذاك أن ما نهي عنه يكون كبيرة سواء كان النهي صريحا أو التزاما !.  

 ثم تمكنت من علم الأصول، وخبرت قواعده ومسائله، وبرزت فيه بفضل الله، على الشيوخ بله الأقران، فأدركت خطأ ما فهمته أولا، وعرفت أن المنهي عنه لا يكون كبيرة إلا إذا انضم إلى النهي علامة تدل على عظم الإثم وكبر الجرم.  ورأيت أن أحرر رسالة في بيان العلامات التي يكون وجود شيء منها في معصية مؤذنا بأنها كبيرة، وهذا بحث مهم يجهله كثير من أهل العلم، ولم يكتب فيه قبل اليوم كتاب خاص به، وقد ألف العلماء في الكبائر، وذكروا بعض أماراتها واختلفوا في بعضها الآخر، لكنهم لم يستوعبوا ولم يقاربوا، وأنا أريد بحول الله أن أستوعب الأمارات بقدر استطاعتي، وحسب اطلاعي بحيث لا يفوتني منها إلا ما طغى عليه النسيان.

 ثم ذكر مذاهب العلماء في التفريق بين المعاصي إلى صغائر وكبائر، وكم هو عدد الكبائر، وذكر من خاض في ذلك من العلماء وأتى بقوله، ومن عرف الكبائر وقال: وأرى أن أحسن تعريف قول الإمام البارزي في شرح (الحاوي): التحقيق أن الكبيرة كل ذنب قرن به وعيد, أو لعن بنص كتاب أو سنة, أو علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به وعيد أو حد أو لعن, أو أكثر من مفسدته فقد ضم هذا التعريف الكبيرة وبعد تحرير أقول السابقين في هذه المسألة قال رحمه الله:

اعلم أن الشارع نصب علامات يعرف بها كون المعصية كبيرة, وتلك العلامات كثيرة منتشرة في آيات من القرآن الكريم, وأحاديث من السنة المطهرة, ثم تتبعها من الآيات والأحاديث, فعد منها خمسا وأربعين علامة, ومثل لكل واحدة منها فقال:

• إيجاب الحد على المعصية, يدخل تحته عدة كبائر: 1- قتل المؤمن عمدا, 2- الزنا, 3- القذف, 4- السرقة, 5- شرب الخمر, 6- اللواط

• ومنها: تسمية المعصية كبيرة, أو أكبر الكبائر, وذكر لذلك ستة أنواع

• ومنها: وصف المعصية بأنها مؤبقة

• وصفها بأنها من عمل الشيطان

• ووصف فاعلها بأنه فاسق

• والخبر بأن الله جل جلاله يحارب فاعلها

• والخبر بأن الله لا يحبها ولا يحب فاعلها, أو أن الله يبغضة

• لعن فاعلها

• ووصف فاعلها بأن الله لا ينظر إليه, وأنه لا يدخل الجنة

• والإخبار بأن فاعلها برئت منه ذمة الله أو رسوله

• والإخبار بأنها حالقة الدين

• والإخبار بنزع الإيمان منه أو نفيه عنه

• والإخبار بغضب الله عليه

• وإلجامه بلجام من نار

• وعدم قبول صلاته

• ووصفه بالكفر, أو بالإشراك مثلا

• ووصف بالخسران

• ووصفه بالضلال, والتعبير عنه بكلمة ليس منا

• ووصفه بالخلود في النار

• وإلحاقها بكبيرة معرفة كقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن المؤمن كقتله"

• والإخبار بأنها تهدي إلى الفجور

• ووصف صاحبها بالنفاق

• ووصف مرتكبها بأنه لم يزل في سخط الله, أو سخط الله عليه

• ووصفه بأنه ضاد الله في حكمه

• والإخبار بأنه يسكنه ردغة الخبال، (ردغة الخبال) عصارة أهل النار كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلمفي حديث في (صحيح مسلم)

• والإخبار بأن الله حجب التوبة عن مرتكبها

• والإخبار بأن المعصية تأكل الحسنات

• والإخبار بأنها ليست من الإسلام

• والإخبار بأن الله خسف بمرتكبها

• والإخبار بأن مرتكبها لا يجد عرف الجنة

• والتوعد عليه بالويل

• ووعيد مرتكبها بأنه يحشر بآفة في جسمه، كقوله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل".

• والإخبار بأن فاعلها خارج عن الإسلام

• والإخبار بأن فاعلها يكلف يوم القيامة بما لا يستطيعه

• وتوعد صاحبها بعذاب شديد في إحدى جوارحه

• والإخبار بأن الله يطبع على قلبه

 وقد استخلص ذلك من الآيات والأحاديث، ويتكلم على الأحاديث جرحا وتعديلا وتصحيحا وتضعيفا بكلام جد موجز ومفيد

 ثم قال: أما الصغائر فهي ما خلت من العلامات المذكورة، وذكر بعضا منها على سبيل التمثيل، وذكر منها نحوا من عشرين، ثم أتبعها ببيان مكفرات الكبائر والصغائر، فقال:

 المكفرات ثلاثة:

• نوع يكفر الكبائر والصغائر فهو التوبة بشروطها

• ونوع يكفر الصغائر، وهو ثلاثة أشياء: اجتناب الكبائر، إتباعها بحسنة مصيبة من مصائب الدنيا تصيب المسلم

ونوع يكفر الكبائر، وهو أربعة أمور:

 الحد المرتب على بعضها، والاستشهاد في سبيل الله، والقتل، بمعنى أن مرتكب الكبيرة إذا قتل ظلما كان القتل كفارة له، وشرط ذلك أن يكون القاتل له متعمدا، لأنه يحمل ذنوبه منه يوم القيامة، والقيام بأعمال ثبت فيها أنها تكفر الكبائر، كالحج المبرور، وقيام ليلة القدر.  إلخ

وهذا البحث على وجازته يعطي القارئ نموذجا على مزاحمة السيد الشريف الحافظ عبد الله

للعلماء الكبار الأوائل، ويكشف عن عقليته الاجتهادية في الفقه والحديث والأصول، وهو في غاية النفع والإفادة لكل مسلم، وطالب علم

15 ـ الإحسان في تعقب الإتقان:

 و(الإتقان في علوم القرآن) كتاب جليل شاع وذاع، وله في عصرنا صدى ومدى واتساع، قال السيد الشريف الحافظ عبد الله رحمه الله عن هذا الكتاب:

 كتاب عظيم المزايا، كثير الفوائد، جمع ما تفرق في كتب هذا العلم من عيون المسائل ونوادر الشوارد، غير أنه ضم آراء شاذة، وروايات ساقطة، فات المؤلف أن ينبه على شذوذها وسقوطها، فاتخذها المستشرقون وأذنابهم سلما إلى الطعن في بعض آيات القرآن الكريم.  ومن أجل هذا الغرض الخبيث طبعوا بعض الكتب المتعلقة بالقرآن العظيم، مثل: (كتاب المصاحف) لابن أبي داود، و(شواذ القراءات) لابن خالويه، يوهمون الجهلاء أنهم يطبعون هذه الكتب للبحث العلمي الخالص

 ولهذا أردنا أن نسهم في هذا الواجب ببيان ما في كتاب (الإتقان) من روايات واهية موضوعة، وأقوال ساقطة مرفوضة، غفل المؤلف عن فحصها ومحصها، ليعلم أن دليلهم الذي يستندون إليه اجتمع فيه الخستان، فلم يكن له من نتيجة سوى الهذر والهذيان، ثم تتبع السيوطي في أكثر من خمسة وثلاثين موضعا بين ضعفها ووهاءها، ونكارتها وشذوذها، وغفلة المؤلف عن بعضها، ونثر في ثنايا هذه التتبعات رؤى نقدية دقيقة، تدل على إنصاف ورسوخ، ووعي وبصيرة

• ومن ذلك رده على من قال: "ولقب ذا القرنين لأنه بلغ قرني الأرض: المشرق والمغرب، وقيل: لأنه ملك فارس والروم، وقيل: كانت صفحة رأسه من نحاس، وقيل: كان على رأسه قرنان صغيران تواريهما العمامة.  وقيل: لأنه أعطي علم الظاهر والباطن، وقيل: لأنه دخل النور والظلمة"

 فكان رده رحمه الله: قلت: جميع ما ذكره المؤلف غير صحيح، بل فيه ما هو من قبيل الخرافة، وهذه الأقوال قيلت عن ظن وتخمين لا عن دليل، وأطراف ما فيها أن المراد بالقرنين علم الظاهر والباطن، وهذا اصطلاح صوفي، فهل كان ذو القرنين صوفيا؟!!

 والأقرب إلى الصواب أنه كان لذي القرنين في التاج الذي يضعه على رأسه قرنان، يرمز بها إلى القوة على المعتاد عندهم في ذلك الزمان

• ومنها ما ذكره السيوطي عن ابن الضريس في (فضائل القرآن) عن عكرمة: قال: لما كان بعد بيعة أبي بكر رضي الله عنه في بيته، فقيل لأبي بكر: قد كره بيعتك، فأرسل إليه، فقال: أكرهت بيعتي؟ قال: لا والله، قال: ما أقعدك عني؟ قال: رأيت كتاب الله يزاد فيه، فحدثت نفسي ألا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه، فقال أبو بكر: فنعم ما رأيت.

 فعلق رحمه الله عليه، هذا أثر منقطع لا يصح، لأن عكرمة لم يدرك عليا عليه السلام، وأبوبكر بويع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيومين، فكيف ينسب إلى علي أنه قال: رأيت كتاب الله يزاد فيه؟

 ومن الذي زاد فيه داخل ذينك اليومين؟! ونحن الآن في المئة الرابعة عشرة من نزوله، وهو بحاله، ولم يزد فيه حرف، فالمؤلف مخطئ فى إيراده هذا الأثر المنكر وسكوته عليه.

• ومن ذلك قول السيوطي: ما نزل على بعض الأنبياء وما لم ينزل منه على أحد، نقل فيه ما رواه أبو عبيد في (فضائل القرآن) عن كعب، قال: إن محمدا صلى الله عليه وسلم أعطي أربع آيات لم يعطهن موسى، وموسى أعطي آية لم يعطها محمد صلى الله عليه وسلم، والآيات التي أعطيها محمد صلى الله عليه وسلم: لله ما فى السماوات وما فى الأرض [البقرة: 284] حتى ختم البقرة، فتلك ثلاث آيات، وآية الكرسي، والآية التي أعطيها موسى: "اللهم لا تولج الشيطان في قلوبنا، وخلصنا من أجل أن لك الملكوت والأبد والسلطان، والملك والحمد والأرض والسماء والدهر الداهر أبدا أبدا، آمين، آمين"

 قال السيد الشريف الحافظ عبد الله: هذه بقية يهودية في كعب، لأنه لا نسبة بين خواتيم البقرة وآية الكرسي وبين ما سماه آية أعطيها موسى عليه السلام، لا في فصاحة الألفاظ ولا في بلاغة الجمل، ولا في سمو المعنى وفصاحته

 والعجيب من المؤلف كيف نقل هذا الكلام ولم يتعقبه بشيء؟!! ويقال لكعب: إنما لم يعط محمدا صلى الله عليه وسلم ما سميته آية، لأنها لا ترقى إلى مصاف آي القرآن الكريم المعجز.

• ومن ذلك قوله: لا يصح التمثيل لآيات قرآنية حضرية أو سفرية أو نهارية مثلا بشيء من القراءات الشاذة، ومن فعل ذلك فقد أدخل في القرآن ما ليس فيه، كمن ذكر حديثا وجعله آية، فليجعل القارئ هذه الحقيقة منه على ذكر، ينتفع بها في قراءة هذا الكتاب وغيره من كتب علوم القرآن وتفسيره، وتنحل له مشكلات بسبب شواذ القراءات

• ومن ذلك وهو يتحدث عن القرآن الحضري والسفري، ونزول قوله تعالى: ما كان للنبي والذين ءامنوا [التوبة: 113]، قال رحمه الله تعالى: يؤخذ من الآية حرمة الاستغفار للمشركين، لأنهم أصحاب الجحيم، ويتفرع عن ذلك تحريم الترحم عليهم بطريق الأولى، لأن الرحمة أعلى من المغفرة، إذ إنها تكون إلا لمذنب، والرحمة تكون على ذنب له قال الله تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاوة ويؤتون الزكوة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله [التوبة: 71]، وقال: إن رحمت الله قريب من المحسنين [الأعراف: 56]، وقالت الملائكة لآل إبراهيم: رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت [هود: 73]، وفي بعض طرق الصلاة الإبراهيمية: "وارحم محمدا وآل محمد كما رحمت إبراهيم وآل إبراهيم"

 وعلى هذا فما ينشر في الجرائد اليومية من استغفار أو ترحم على موتى اليهود أو النصارى أو غيرهم من سائر الملل يحرم تحريما قاطعا يوجب غضب الله ومقته.

 إن هذا الكتاب في غاية الدقة يفتح للعلماء أفقا واسعا في النقد العلمي الذي يقوم على الأدلة القاطعة الراسخة

16 ـ السيف البتار لمن سب النبي المختار:

 وكانت هذه الرسالة لما أصدر المدعو سلمان رشدي ما سماه (آيات شيطانية)، مس فيها الجناب النبوي الشريف ـ وكان واحدا من موجة سرت بين الملاحدة، فكتب هذه الرسالة التي قرر فيه إجماع الأمة على وجوب قتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم، وساق الأدلة على ذلك من نصوص العلماء، ومستندهم من القرآن الكريم والحديث الشريف، وبين أن مس الجناب النبوي الشريف لا يدخل فيما يسميه الملاحدة والجهال حرية، وكشف عن معنى الآية الكريمة: لا إكراه فى الدين [البقرة: 256]، ثم بين أنه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلائق بالأجماع بمن فيهم الملائكة، وهي رسالة تدخل في مباحث أصول الدين غاية في الدقة، وحسن إقامة الأدلة، وقد صدرها بقوله:

من عاب أو سب النبي فحكمه سيف يجلل قتلا وتقريعا

هذا قضاء المسلمين جميعهم لا خلف بينهم ولا تفريعا

17 ـ النقد المبرم لرسالة الشرف المحتم:

 نقد في هذا الكتاب رسالة للإمام السيوطي اسمها، (الشرف المحتم فيما من الله به على وليه اليد أحمد الرفاعي من تقبيل يد النبي صلى الله عليه وسلم)

 فأراد أن يبين كذب تلك الكرامة المفتعلة، وبرهن على بطلانها، وبطلان نسبة الرسالة إلى الإمام السيوطي، وبين عددا من الكرامات المفتعلة التي نسبت إلى بعض الصلحاء والأولياء، وضعها الأتباع والمغالون فيهم، ثم ذكر عددا من الكرامات الثابتة عن عدد من الفضلاء والصلحاء بدءا من الصحابة ومن تبعهم

 وقد نثر في هذا الكتاب علما جما، ونظرات ثاقبة في النقد القائم على الحجة والدليل

 قال رحمه الله تعالى: "كثير من الناس إذا سمعوا بكتابي هذا ورأوه فسوف يعترضون علي، ويفوقون سهام اللوم إلي، وسوف يقولون عني: إني ملت للوهابية أو ألحدت لتعجيزي قدرة الله، أو نافقت لإنكاري بعض الكرامات، إلى غير هذا مما يتردد على ألسنة الجهلة أعداء البحث العلمي وأنصار الخرافات والأوهام، وذلك لا يضيرني، بل يزينني عند الله، وعند العلماء المنصفين، لأني نفيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبا يلحقني إثم إن لم أنفه عنه، وقد قيل ليحيى بن معين: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين جرحتهم خصماءك يوم القيامة؟ فقال: لأن يكونوا خصماء لي أحب إلي من أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خصمي، حيث لم أذب عنه الكذاب"

 والتصوف صدق في القول والعمل، وليس تلفيقا للأكاذيب ولا ترويجا لها، وأنا صوفي عقيدة ونسبا، شاذلي طريقة ومشربا، أعتقد الكرامات ولي فيها تأليف جيد اسمه (الحجج البينات في إثبات الكرامات)، وهو مطبوع، ولكن لا أؤيد الخرافات، والفرق بين الكرامة والخرافة ظاهر، يعرف بالعرض على قواعد علم الكلام، والأصول، ومن لا يحسن قواعد هذين العلمين، يحسن به أن يسكت عن الكلام في موضوع الكرامات، لأنه إذا تكلم فضح نفسه، وأظهر جهله، وتعجيز قدرة الله جل جلاله كفر صريح، لكن لا علاقة له بنفي ما قام الدليل عليه.

 ثم أبطل حكاية تقبيل الرفاعي يد النبي صلى الله عليه وسلممن جهات شتى إسنادية وأصولية، ثم أبطل نسبة الرسالة للإمام السيوطي من عشرة أوجه، ثم قال: إما أن يكون كتبها أحد المتصوفة من أهل القرون المتأخرة، وحيث كان مجهول الاسم والشخصية نسبت إلى السيوطي، وإما أن يكون أبو الهدى الصيادي الرفاعي شيخ الطريقة الرفاعية كتبها هو أو بعض أصدقائه، ونسبها إلى السيوطي، وأيد هذا الاحتمال ببعض أعمال أبي الهدى الصيادي.

 ثم عقد بابا بعنوان (في التنبيه على كرامات غير مقبولة ولا معقولة)، وبدأ بذكر مناقب سفيان بن عيينة، وأنه حفظ القرآن في أربع سنين، وتابع ذلك فتكلم عن كرامات منسوبة للرفاعي والدسوقي والسيد نفسية والشربيني.

• أن الولي لا معنى لأن يقع له في طفولته خوارق، لأنه إذا بلغ صار وليا، فلا يجب على الناس أن يتبعوه إلا في حدود ما تأمر به الشريعة، ثم هو ليس بمعصوم، ولا يأتيه وحي، وقد يكون الشخص في بداية أمره منغمسا في المعاصي، ثم يتوب ويستقيم فينال الولاية، وقد يكون وليا ثم يحصل منه ما يوجب السلب، فيسلب الولاية، ثم يعود من عوام المسلمين كما كان.  فنسبة بعض الخوارق إلى بعض الأولياء في طفولتهم كذب لا مسوغ له.

 ومنها: بحث في شأن الملائكة عليهم السلام

 ومنها: أن فكرة الأقطاب الأربعة لا أصل لها

 ومنها: هل الأرواح خلقت قبل الأجساد؟ أو الأجساد قبل ذلك

 ورؤية في حياة الخضر، وأنواع النذر وما لا يجوز فيها

 وفي الباب الثالث: ذكر نماذج من كرامات معقولة بدءا من عصر الصحابة، والعصور التي تلتهم، فأتى بنفائس عز جمعها في سفر واحد

 إنه كتاب في غاية الجرأة، وقوة العارضة، وحسن الانتقاء والاختصار، والإجادة والإفادة

18 ـ إرشاد الطالب النجيب إلى ما في المولد النبوي من الأكاذيب:

 وهذا البحث اللطيف دليل على الإنصاف العلمي مع الرسوخ الذي كان يتحلى به، السيد الشريف الحافظ عبد الله، إذ هو الصوفي المؤصل للتصوف، الداعي إلى التحلي به المدافع عن حماه، ومع ذلك لم يجار الخرافة التي تنسب إلى الإسلام عامة، والقرآن الكريم، النبي صلى الله عليه وسلم خاصة

 يقول رحمه الله جل جلاله في مطلع هذا البحث: إن الذين كتبوا في المولد النبوي، أفسدوا مؤلفاتهم بأمرين:

 أحدهما: التزامهم السجع المتكلف المرذول الذي يضيع المعنى، ويذهب حلاوة العبارة وجزالتها

 والآخر: ذكرهم الأحاديث الموضوعة، والآثار الواهية في أن النبي صلى الله عليه وسلم أسبق المخلوقات في الوجود، وفيما يتعلق بمولده من سوابق ولواحق

 ولما كان الكذب على النبي صلى الله عليه وسلممن الكبائر العظيمة باتفاق المسلمين ولأن أولئك المؤلفين، لم يدركوا كذب تلك الأحاديث التي جلبوها، وكثر اغترار الناس بها، وجعلوا قراءتها والتغني به ديدنهم في حفلات المولد التي تقام في البلاد الإسلامية، رأيت أن أنبه عليها، وأطهر الجناب النبوي من نسبيها إليه، والنبي صلى الله عليه وسلم أجل من أن يمدح بالكذب والخرافات، وفي القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة ما يدل على عظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم أعظم دلالة

• ثم تحدث عن طهارة نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الأحاديث في ذلك، ثم ساق الأحاديث التي تذكر تقدم نبوته، ومنها حديث العرباض بن سارية السلمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسوف أنبئكم بتأويل ذلك، دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت قصور الشام، وكذلك أمهات النبيين يرين ".  أخرجه أحمد والحاكم وصححه، وذكر أحاديث غيره

• ثم تحدث عن بشرية النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بين الأحاديث المكذوبة وبدأها بأشهرها وهو: "أول ما خلق الله نور نبيك من نوره يا جابر".  وتكلم عن هذا الحديث

• ومنها حديث: "كنت نورا بين يدي ربي قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام"، وهو كذب مركب

• ومنها: "لولاك ما خلقت الأفلاك"

• ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين ولد أخذته الملائكة، وطافت به المشرق والمغرب ثم ردته

• ومنها: أنه ولد مختونا

• ومنها: حديث كنت نبيا وآدم بين الماء والطين

• ومنها: ما ذكروا أن أمه حين جاءها الطلق، حضرت آسية امرأة فرعون، وأم موسى وأم عيسى

• قال: ومن الأكاذيب القبيحة التي تؤدي إلى كفر معتقدها، قول بعض جهلة المتصوفة: كان جبريل يتلقى الوحي من وراء حجاب، وكشف له الحجاب مرة، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم يلقي إليه الوحي، فقال: منك وإليك.

 وذكر أشياء مما يروج من هذا القبيل في كتب المولد، ثم ختم هذا البحث في ذكر أحاديث لا أصل لها أو موضوعة، فذكر ستة وأربعين حديثا، ومنها: "الدين المعاملة"، و"من أكل طعام أخيه ليسره لم يضره"، و"توسلوا بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم"، و"الولد سر أبيه"، و"حب الوطن من الإيمان"، و"الساكت عن الحق شيطان أخرس".  إلخ

19 ـ قصص الأنبياء:

 وقد أراد السيد الشريف الحافظ عبد الله أن يمحص تاريخ الأنبياء في سلسلة متوالية، فكتب منها: قصة آ دم، وقصة إدريس، وقصة هاروت وماروت، وقصة داود.  وقد محص في هذه القصص التي كتبها ما شاع من الإسرائيليات على ألسنة العامة، وما سطره بعض المفسرين، ثم كان يفسر الآيات المتعلقة بهذه القصص تفسيرا علميا يطبق فيه ضوابط التفسير التي وضعها علماء الإسلام لفهم القرآن واستنباط معانيه.

 وقد خرج على هذه الضوابط بعض المعاصرين فذهبوا مذهبا بعيدا في فهم النص القرآني، وردوا نصوص السنة الصحيحة، وحملوا الآيات معاني لا تصح، وقال رحمه الله: أما ما جاء في الإسرائيليات، فمن المحتم رده إذا خالف ظاهر القرآن، أو ما ثبت في السنة وإن وافقتها الإسرائيليات فالاعتماد عليها دون الإسرائيليات، وقد يستأنس بما تنفرد به دونهما إذا كان يدخل في باب الوعظ وترقيق القلوب، ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه لكعب: خوفنا يا كعب!

 وقد انتقد كثيرا من كتب التفسير، كـ(تفسير الخازن) لحشرها كثيرا من الإسرائيليات، وإقحامها فى تفسير جمل من الآيات، وهو انتقاد صادف محله، لاسيما إذا لاحظنا أن فيها مخالفة للمعقول، ومساسا بمقام الأنبياء عليهم السلام، مثل ما جاء فيها من مرض أيوب،وفتنة داود، وخاتم سليمان، وغير ذلك مما رسخ فى أذهان قراء تلك التفاسير، حتى ارتقى إلى درجة اليقينيات أو المسلمات، بحيث لا يجرى على لسانهم ذكر نبي فى محاضرة أو محاورة حتى ترتسم فى مخيلتهم صورة ملفوفة فى إطار تلك الخرافات، مع أنهم لو تأملوا سياق القرآن لوجدوه ينفى أغلب ما نقلوه، أولا يفيد على أقل تقدير.

 ومما لا جدال فيه أن مقام الأنبياء لا يجوز أن يوهم ما يخدش العصمة، ولا ينبغي أن تؤول أعمالهم بما ينزلهم عن درجة القدوة أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [الأنعام: 9]

 فعلى الباحث أن يراعى ذلك كل المراعاة، مضافا إلى وجوب التقيد بظاهر القرآن وصحيح الحديث، وهذه قصة آدم عليه السلام، وافية بالشروط السابقة، خالية مما انتقد على غيرها من كتب القصص والتفسير حالية بتحقيقات رائقة، ونكات شائقة، استنبطناها بفضل الله من مكنون الآيات القرآنية، ومضمون الأحاديث النبوية، وتناولنا بعض ظواهر النصوص بما يزيل عنها الغموض ويجلى الإشكال

 

 وكشفنا ما انحدر فيه بعض المعاصرين (هو الشيخ عبد الوهاب النجار كما جاء فى الصفحة (74) من انحراف عن الجادة، وميل عن الصواب، عامدين إلى تحقيق البحث العلمي مجردا عن الانحياز لرأى معين ما لم يسنده دليل

• ثم تحدث عن حدوث العالم بعد أن لم يكن، ثم تحدث عن أول المخلوقات، وصدر بحديث البخاري عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب فى الذكر كل شيء، ثم السماوات والأرض"

 ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – فى (صحيح مسلم)- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء"

 وفى حديث أبي رزين العقيلي – عند أحمد في المسند – عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الماء خلق قبل العرش" وصححه الترمذي

 واستنبط هذه الأحاديث أن أول المخلوقات الماء، ثم العرش، ثم القلم وأكد ذلك بنصوص أخرى

• ثم تحدث عن عناصر المخلوقات: وأن الملائكة خلقت من نور، والجان من مارج من نار، وآدم مما وصف لكم " حديث في (صحيح مسلم) عن السيدة عائشة مرفوعا

• ثم تحدث عن الملائكة، ثم تحدث عن خلق السماوات والأرض.

• ثم تحدث عن خلق آدم عليه السلام، وسجود الملائكة لآدم، وخلافته فى الأرض، وبين كيف ساغ للملائكة أن يراجعوا الله جل جلاله وهم معصومون، وما معنى تعليم آدم الأسماء كلها، وامتناع الشيطان من السجود، وطرده من الجنة.

• ثم تحدث عن خلق حواء، وسكنى آدم وزوجه فى الجنة، وأين الجنة التي سكنها آدم، وكيف وسوس الشيطان لآدم وحواء، وكيف توصل الشيطان إلى الوسوسة، وكيف وقعت المخالفة من آدم عليه السلام، وتوبة آدم عليه السلام، والكلمات التى تلقاها آدم من ربه.

• ثم بين نبوة آدم من القرآن والسنة والإجماع وأقوال العلماء، فى تحقيقات رائقة، وحل إشكالات تثار.

• ثم تحدث عن أن آدم هو أبو البشر، ورد على من ادعى أن هناك إنس قبل آدم، وأتى بنصوص قاطعة كثيرة بلغت حد التواتر، قال رحمة الله: والذي ويقتضيه التحقيق العلمي أن آدم عليه السلام هو أبو البشر، وأول النوع الإنساني على وجه الأرض ن هذا ما يفيده القرآن والسنة الصحيحة المتواترة فدعوى وجود أو ادم قبل آدم دعوى باطلة تخالف ما هو معلوم بالضرورة للمسلمين، بل للمليين قاطبة.  

ثم تحدث عن أصل الإنسان, وعلاقته بالقرد, وأصل نظرية النشوء والارتقاء.

وذكر بعد ذلك مسائل منثورة عن آدم, كخلقه يوم الجمعة, وطوله, وأين نزل في الأرض, وتفسير بعض الآيات المتعلقة بآدم كقوله تعالي: وإذ أخذ ربك من بني ءادم من ظهورهم ذريتهم [الأعراف: 172], ومنثورات أخري في غاية التحقيق والتدقيق, وجديد هذه القصص هي تحرير النصوص, وبيان الصحيح منها, مع الضوابط التي نرفض بها الإسرائيليات والخرافات

• ثم تحدث عن قصة إدريس, ومن هو, وزمانه, ومكانه, ونبوته ورسالته وأولياته, وهل رفع إلي السماء؟ وصداقته لملك الشمس, وصداقته لملك الموت, وهل كان إدريس حكيما, وبعض ما سنه لقومه, وهل هو إدريس؟ وغير ذلك مما يتعلق بهذا النبي الذي رفعه الله مكانا عليا.

• ثم عرض لقصة هاروت وماروت, وبين اختلاف علماء الإسلام فيها, فأنكرها بعضهم كالبيهقي وابن العربي المعافري وعياض والمنذري, ومنهم من مال إلي إثباتهم كابن جرير الطبري, وجمع ابن حجر طرقها في جزء مفرد, وقال في (القول المسدد): جمعتها في جزء مفرد يكاد الواقف عليه أن يقطع بوقوع هذه القصة لكثرة الطرق الواردة فيها, وقوة مخارج أكثرها, ثم أوصلها السيوطي في (التفسير المسند), و(الدر المنثور) إلي نيف وعشرين طريقا أغلبها ضعيف أو واه.

ثم قال الحافظ السيد الشريف الحافظ عبد الله رحمه الله: وقد تتبعت الطرق المشار إليها, وأعملت فكري فيها, فوجدتها قصة شاذة, منكر المعني, تخالف القرآن والسنة, وقواعد العلم, هذا إلي تضارب ألفاظها ورواياتها, وليس فيها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيح سالم من علة.

وأنا مورد بحول الله جل جلاله بعض طرق القصة – وهي أجمع الطرق وأوسعها، ثم أبين ما فيها من شذوذ ونكارة، ومخالفة وتناقض.

ثم ذكر حديث ابن عمر من (مسند احمد)، وروايته الأخرى من (تفسير سنيد) و(ابن جرير الطبري) وطريق عمر مولي غفرة – بضم الغين وسكون الفاء – عند ابن المنذر في (تفسيره)، وهي أجمع ما ورد في هذه القصة.

ثم كر عليها نقضا، فالحديث الأول صححه ابن حبان وحسنه ابن حجر، لكنه عند التحقيق بعيد عن الصحة والحسن، فهو من رواية موسي بن جبير الأنصاري، عن نافع عن ابن عمر، وموسي قال فيه ابن القطان: لا يعرف حاله، فهو مجهول الحال، وذكره ابن حبان في (الثقات) – بناء على قاعدته – وقال: يخطئ ويخالف، وتابعه موسي بن سرجس عن نافع عن ابن مردويه، وهو مجهول أيضا

وعلة أخرى: أنه من رواية ابن عمر عن كعب الأحبار كما هو عند عبد الرزاق في (تفسيره)، فدار الحديث – إن صح – على كعب الأحبار، وبهذا لا يصح رفع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والحديث الثاني: هو رواية ثانية للحديث الأول، وليس حديثا مستقلا، وهو من رواية الفرج بن فضالة وهو ضعيف، ومن اجله ذكره ابن الجوزي في (الموضوعات)

والثالث: مرسل وهو ضعيف عند المحدثين: ومرسله عمر بن عبد الله أبو حفص المدني مولي غفرة, ضعفه ابن معين والنسائي وتركه مالك

أما من جهة مضمون هذه الأحاديث, فهي متناقضة من جهات:

أحدها: في سبب نزول هاروت وماروت إلي الأرض

وثانيتها: يذكر الطريق الأول للحديث أن الزهرة طلبت من الملكين النطق بكلمة الشرك, ثم قتل صبي معها, ثم شرب الخمر, بينما يذكر الطريق الثاني أنها طلبت منهما الاسم الذي يعرجان به إلي السماء, والثالث: يذكر أنها طلبت منهما السجود للصنم, ثم قتل زوجها, لا قتل صب

ثالثتها: يفيد الحديث الأول أنهما استخفا بشأن الخمر فشرباه

رابعتها خامستها إلي غير ذلك من التناقضات التي لا تدع مجالا للشك في بطلان هذه القصة

أما عن مخالفتها للقرآن ولقواعد العلم, فذلك من وجوه:

الأول: ذكر الحديث الوارد فيها أن الملائكة قالوا حين أهبط آدم إلي الأرض: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء [البقرة: 3], والقرآن يفيد أن هذا القول صدر منهم قبل خلق آدم

الثاني: أفادت معظم طرق القصة أن المرأة حين عرجت إلي السماء, مسخت نجما, وهي كوكب الزهرة أحد الكواكب السبعة, وهذا يخالف المعقول والمنقول, فان الله خلق السماوات والكواكب والشهب قبل خلق آدم بآلاف السنين

الثالث: أن الله جل جلاله ذكر الملائكة في القرآن الكريم ثمانين مرة يثني عليهم في كل مرة بالطاعة والتسبيح وغير ذلك والسنة المتواترة علي نمط القرآن الكريم في الثناء عليهم والتنويه بقدرهم, وحديث هاروت وماروت يخالف القرآن والسنة في هذه الناحية, فيكون شاذا منكرا يجب رده ولو صح سنده

الرابع: الملائكة معصومون, لا يجوز في حقهم أن يراجعوا الله, ويقولون: نحن أطوع لك من بني آدم

السادس: أفاد الحديث الثالث أنهما سجد للصنم, وهذا شرك لا يحصل من الملائكة فهم معصومون باجماع

السابع: ذكر الحديث الثاني والثالث أن الله ألقي عليهما الشهوة, فوقع في المعصية, وهذا مبني علي ما يفهم كثير من الناس أن عدم وقوع المعصية من الملائكة لعدم وجود الشهوة, والواقع أن عدم المعصية منهم لعصمتهم منها, والعصمة صفة قائمة بالعبد تمنعه من الوقوع في المعاصي سواء كانت الشهوة فيه أو لم تكن.

والتاسع: جاء في كثير من طرق القصة أنهما علماها الاسم الذي يعرجان به إلي السماء, وفي رواية أنه اسم الله الأعظم, وهذا لا يصح لوجهين:

أولاهما: أن الملائكة لا يحتاجون في عروجهم إلي السماء وهبوطهم منها إلي تلاوة أسماء.

ثانيهما: أن الاسم الأعظم ليس من السهولة بحيث يعلمانه المجوسية في سبيل شهوة دنية  إلى غير ذلك من وجوه الشذوذ والنكارة.

وبهذا النقض المحكم من جهة الأسانيد, وقواعد الأصول نتبين أن السيد الشريف الحافظ عبد الله يستدرك علي الأوائل بحجج لا تقل عن حججهم, وبقواعد يبتكرها كما كانوا يفعلون, ولهذا كان يعرف قدر ما يكتب؛ فقد قال في صدر قصة داود عليه السلام: هذا جزء في شرح قصة داود عليه السلام أتيت فيه بما لم أسبق إليه بحمد الله فبعد أن طالعت جملة من كتب التفسير وغيرها لم أجدها قد عرجت علي المعني الذي ابتكرته, ولا حامت حوله, لغفلة أصحابها عن مراعاة السياق, وهو أمر لازم لمن يريد أن يكتب التفسير ويفهم آيات القرآن فهما دقيقا بقدر الامكان

وقد ضرب عدة أمثلة لغفلة جل المفسرين عن مراعاة السياق

ثم ذكر قصة داود عليه السلام الذي نسبت إليه الإسرائيليات أشياء لا يقبلها عقل, ولا يرضاها لمسلم عادي, بله لنبي كريم

فقال رحمه الله: قصة داود عليه السلام, أعني قصة الخصم المذكورة في قوله تعالي: وهل أتك نبؤا الخصم إذ تسوروا المحراب [ص: 21], وقد افترق المفسرون ثلاث فرق في تفسيرها:

فرقة اقتصرت علي المفردات, وأعرضت عن تفاصيل القصة كأبي حيان, وابن كثير وفرقة ذكرت القصة مبسوطة أو مختصرة, كالزمخشري والقرطبي والخازن, وفرقة

وأنا أذكر تلك الروايات وأبين ما فيها بحول الله.

روي ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن داود عليه السلام حدث نفسه, فساق القصة وفيها أنه نظر إلي امرأة تغتسل عريانة, وكان زوجها غازنا, فكتب إلي رأس الغزاة أن اجعله ي حملة التابوت, فإما أن يفتح عليه, وإما أن يموت, فقتل, فخطبها داود, فاشترطت عليه: إن ولدت غلاما أن يكون خليفته, وأشهدت عليه خمسين من بني إسرائيل, وكتبت كتابا, فولدت سليمان, فتسور الملكان عليه المحراب, كما قص الله جل جلاله في كتابه, وخر داود ساجدا, فغفر الله له وتاب عليه

قال رحمه الله: فهذه القصة منكرة, ونقل نصوصا عن ابن العربي, والطبرسي والرازي والبقاعي بما ينقضها من أساسها, ولا يبقي لها أثرا في نفس أي مسلم, ثم قال السيد الشريف الحافظ عبد الله: وأنا متفق مع البقاعي والرازي والطبرسي في تنزيه داود عليه السلام عما جاء في تلك الراوية الإسرائيلية التي تلصق بنبي كريم ورسول مع مقام النبوة, فأقول: سورة (ص) مكية في قول الجميع وتسمي سورة داود, وافتتحت بحرف (ص) إشارة لما اشتملت عليه من الخصومات وهي أربع:

1- خصومة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم

2- وهل أتاك نبؤا الخصم [ص: 21]

3- إن ذلك لحق تخاصم أهل النار [ص: 64]

4- ما كان لي من علم بالملا الأعلى إذ يختصمون [ص: 69]

والأنبياء الذين ذكروا في هذه السورة كلهم ابتلوا وامتحنوا وصبروا حتى نجاهم الله, فذكروا هنا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتسرية عن فؤاده

ولهذا قال تعالي: واذكر علي سبيل التأسي والتسلي عبدنا داود ذا الأيد, أي القوة علي الطاعة والصبر والتحمل, إنه أواب [ص: 17] كثير الرجوع إلي الله في أمور دينه ودنياه

وهل معناه في هذا الموضوع التعجيب والتشويق إلي استماع قصة خصومة أساء الخصوم الأدب فيها علي داود عليه السلام, فصبر علي سوء أدبهم, ولم يعاقبهم مع أنهم يستحقون العقاب أتاك نبؤا الخصم إذ تسوروا المحراب [ص: 21] لنزولهم من السور, ولم يأتوا من الباب, وهذا غير جائز عرفا وشرعا, وهو أول أخطائهم التي ارتكبوها في حق ملكهم ونبهم عليه السلام.

وخطأ ثان: وهو أنهم لما رأوه فزع منهم، لم يعتذروا له بقول لين مثل أن يقولوا: سامحنا فيما فعلناه، ولا تؤاخذنا، أو نحو هذا الكلام اللين اللطيف، الذي يعطف قلبه عليهم، ولكنهم قالوا: لا تخف عبارة جافة لا أدب فيها ولا ذوق، وتجاوز داود عنها أيضا خصمان بغي بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط [ص: 22]، وهذه خطيئة ثالثة، خاطبوا نبيا معصوما، وملكا عظيما بقولهم: لا تشطط، مع أنهم بعض أمته ومن رعاياه إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة[ ص: 23] أنثى ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب [ص: 23] وهنا جملة مقدرة وهي؟ وتمت الحجة للمدعي، وهي حقيقية، وذكرت هنا في سياق الكلام عن صبر داود وتحمله، وخصت هذه بالذات، لأن داود كان يمكن أن يعاقب من أساءوا إليه، وهم يستحقون العقاب، ولكنه فضل الصبر والتحمل لأجل أن يتسلى النبي صلى الله عليه وسلم ويتأسى بداود عليه السلام.

وقوله تعالي: وظن داود أنما فتنه [ص: 24] أي: ابتليناه وامتحناه، حين خاف من الخمصين حين تسوروا عليه المحراب وهو في حضرة الله يعبده

والخوف غريزة بشرية وقد خاف الأنبياء قبل داود

وتبين أن قصة الخصومة قصة حقيقية بين خصوم إسرائيليين كانوا خلطاء في نعاج, ولم يكونوا ملائكة, ولا النعاج نساء كما في الاسرائيليات.

والقصة ذكرت في سياق صبر داود وقوة تحمله, ومن فسرها بغير ذلك فقد غفل عن السياق, ولم يظهر بين القصة والآيات قبلها تناسب وترابط.

وداود لم يرتكب معصية أصلا, وان استغفاره كان من الخوف الذي اعتبره نقصا, وليس هو بنقص لأنه غريزة بشرية.

ثم ذكر أصل القصة عند أهل الكتاب, وفيها كذب وافتراء علي الأنبياء, ثم بين فضائل داود في القرآن والسنة الصحيحة, ثم تحدث عن عمره وحسن صوته, وبعض أحكامه كما جاءت في القرآن الكريم, ثم لخص العبرة من حياة داود وقصته.

وبهذا فقد فسر أي القرآن الكريم في ضوابط التفسير والتأويل نافيا عنها ما لحقها من إسرائيليات وخرافات سرت وتسري في العقول فتؤثر فيها, وخاصة في مثل هذه القصة التي جعلها اليهود تكأة لحرف البشرية إلي الغرائز الشهوانية من خلال نسبتها إلي رموز البشرية الطاهرة عليهم الصلاة والسلام.

وتبقي مسيرة التنقيح والتصحيح مستمرة عبر القرون لتقوم الحجة علي العالمين.

ولو قدر الله جل جلاله أن تكتمل سلسلة (قصص الأنبياء) بقلم السيد الشريف الحافظ عبد الله الغماري لأسدي إلي جيلنا الذي أصابته لوثات ولوثات, وللأجيال القادمة خيرا كثيرا, ولنزه مقام الأنبياء عما وصمهم به المتطفلون الدخلاء, ولكنه علي أية حال جدد جانبا من أعمال الفخر الرازي, ووضح معالم هادية في السبيل للسالكين, رحمه الله وأعلي في جنان الخلد مقامه.

2- الرأي القويم في وجوب إتمام المسافر خلف المقيم:

وكان هذا البحث جوابا علي سؤال بعض طلابه الذين يحضرون دروسه في الزاوية الصديقية بطنجة حول صلاة المسافر خلف المقيم, لأن بعض المتفقهة قد أذاع رأيا شاذا لابن حزم خالف فيه جماهير العلماء والأئمة إذ قال: إن قصر المسافر خلف المقيم واجب, وشنشن بعضهم وشنع علي من ذهب إلي خلاف هذا الرأي الهجين الشاذ, فكتب السيد الشريف الحافظ عبد الله – رحمه الله عليه – هذا البحث الفقهي الأصولي الرائق, الذي أتي فيه علي هذه المسألة علي طريقة الفقهاء النظار الأوائل, وقدم بين يديه بأبيات شعرية, كما يفعل في كثير من كتبه, قرر فيها أن الخلاف في فروع الشريعة والخطأ لا يقتضي التأثيم والتضليل, لأن الفقه علم بعيد الغور, وهو عملية اجتهادية, والتضليل والتأثيم يكون في أصول الشريعة.

ثم قال: صلاة المسافر ركعتان مقصرتان من أربع, وساق علي ذلك ثلاثة أدلة كبري, وفي كل واحد عدة فروع, وخاصة من الآيات القرآنية والنصوص الحديثية التي يتكلم عليها جرحا وتعديلا كعادته رحمه الله, كقوله تعالي: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا [النساء: 11], وحديث (الصحيحين): حين سلم النبي صلى الله عليه وسلم من الرباعية في ثنتين, فسأله ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟! وحديث أنس بن مالك الكعبي مرفوعا: "إن الله جل جلاله وضع علي المسافر الصوم وشطر الصلاة", أخرجه أحمد والأربعة وحسنه الترمذي, مع الضوابط الأصولية التي تفهم في النصوص الشرعية

ثم أتي بآثار الصحابة التي تخرج عن هذا المسلك, وهي ثلاثة:

1- قول عائشة رضي الله عنها: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين, فأقرت صلاة المسافر, وأتمت صلاة الحضر.

2- وأثر عمر رضي الله عنه, قال: صلاة السفر ركعتان, وصلاة الأضحى ركعتان, وصلاة الفطر ركعتان, وصلاة الجمعة ركعتان, تمام من غير قصر عن لسان محمد صلى الله عليه وسلم.

3- وقول ابن عباس: إن الله جل جلاله فرض الصلاة علي لسان نبيكم علي المسافر ركعتين, وعلي المقيم أربعا, والخوف ركعة.

وقال: الجواب عنها بمسلكين:

أ- ترجيح تلك الأدلة, لأنها تشتمل آية وأحاديث مرفوعة نصا بدون احتمال وهذه

آثار إن قيل: أنها في حكم المرفوع، فالمرفوع الصريح مقدم على المرفوع الحكمي، واليه ذهب القاضي عياض.

ب- مسلك الجمع، وهو الذي مال إليه، وذهب إليه الحافظ ابن حجر، قال والذي يظهر لي- وبه تجتمع الأدلة السابقة – أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين.

 ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت عقب الهجرة إلا الصبح كما روى عن عائشة ثم بعد أن استقر واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة بها، وصلاة المغرب لأنها وتر النهار، ثم بعد أن استقر الوضع فرض الرباعية خفف فيها في السفر

ثم فسر قول عمر رضي الله عنه: صلاة السفر ركعتان، ثم انتقل إلى مسألة إلى القول بأن صلاة السفر رخصة سواء كانت واجبة أو مندوبة، وفسر ذلك بالمصطلحات الأصولية أبلغ تفسير

ثم انتقل إلي لب البحث، وهو إقتداء المقيم بالمسافر، والمسافر بالمقيم، ففي الحالة الأولي يجب على المقيم أن يتم صلاته، واستدل على ذلك بالنص من ذلك ما جاء عن عمران بن حصين قال: ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرا إلا صلي ركعتين حتى يرجع، وانه أقام بمكة زمن الفتح ثمانية عشر ليلة يصلي بالناس ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم يقول: " يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين فانا قوم سفر " أخرجه أحمد والطحاوي والبيهقي

وجاء مثله عن عمر في (موطأ مالك) وابن عمر وعبد الرزاق وحصل عليه الإجماع، وهو القياس كذلك

وأما إقتداء المسافر بالمقيم فبعد أن بحثها من جوانبها المقررة، وذكر مذاهب العلماء والأئمة ممن يجيز ذاك أو يقصر أو يتم مع الإمام ذهب إلى أن الإتمام يجب عليه عند الجمهور، ثم ساق أدلة كل فريق، ونقح الأدلة بما لا مزيد عليه من حيث الصناعة الحديثية والأصولية ومناهج الاستنباط

ومن الأدلة التي ذكرها لوجوب الإتمام، حديث انس في(صحيح مسلم) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس أنى إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالقعود ولا بالانصراف" وللحديث طرق عند الشيخين وغيرهما, وجاء عن صحابة آخرين ذكر منهم عشرة, وقال: هذا الحديث متواتر

وقدم قبله حديث أبي هريرة في (الصحيحين): "إنما جعل الإمام ليؤتم به" ثم قال: والمسافر خلف المقيم إن سلم من اثنين خالف امامه وان جلس بعد التشهد الأول ينتظره حتى يسلم معه خاله أيضا, فكانت صلاته في الحالين باطلة ورد علي ابن حزم ومن تبعه بالأدلة الدامغة

ثم خلص إلي مسألة ائتمام المسافر بمسافر يتم, فقال: وجب الإتمام أيضا عند الجمهور, ثم بين وجه إتمام عثمان رضي الله عنه أتم الصلاة لأنه كان يري القصر غير واجب علي المسافر, لأن قول الله تعالي: فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة [النساء: 11] صريح في رفع الجناح, ورفع الجناح معناه التخيير, وقصر النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة يقتضي أفضلية أحد طرفي التخيير, أما إبطاله وإيجاب أحد الطرفين علي التعيين فيحتاج إلي قول صريح من النبي صلى الله عليه وسلم, وعثمان لم يسمعه كما لم يسمعه غيره من الصحاب

 وخلص إلي ختام البحث فوضع فيه خلاصته في احدي عشرة نقطة منها: صلاة السفر رخصة غير واجبة, وسلام الإمام مثل المأموم واجب شرعا, وسلام المأموم قبل الإمام مخالفة تفسد الصلاة

وقد أتبع هذا البحث برسالة أخري سماها: (الصبح السافر في تحقيق صلاة المسافر), فصل فيه بعض جوانب هذا البحث, وهما في غاية النفاسة والفائدة لمن ينشدون منهجا للفقه المقارن

21- إتقان الصنعة في تحقيق معني البدعة:

 والبدعة والسنة من المصطلحات والمسائل التي حل فيها تجاذب كبير جدا في عصرنا, باسم السنة والتجافي عن البدعة حصل تنافر وشقاق وتفسيق وتبديع عانت الأمة منه الكثير الكثير, والزحف الإلحادي العلماني كاد يجتاح الأمة كلها

 وكان هذا البحث الذي كتبه السيد الشريف الحافظ عبد الله رحمة الله جل جلاله من أهم البحوث الأصولية, ومن أجل ما كتب في الموضوع

وقد قدم القول في معنى البدعة لغة من مصادر اللغة (المفردات) للراغب الأصبهاني, و(النهاية) لابن الأثير, و(المصباح المنير) للفيومي, و(القاموس المحيط) للفيروزآبادي

 ثم قال: من المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل جميع المباحات لأنها كثيرة ولا يستطيع بشر أن يستوعبها فضلا أن يتناولها فمن زعم تحريم شيء بدعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله فقد ادعى ما ليس عليه دليل,وكانت دعواه مردودة

وبفقرة أخرى بقوله: من المعلوم ضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل جميع المندوبات لاشتغاله بمهام عظام استغرقت معظم وقته واكتفى بالنصوص العامة الشاملة للمندوبات بجميع أنواعها منذ جاء الإسلام إلى قيام الساعة

ثم ذكر الأحاديث الذامة للبدعة,بدأها بحديث جابر عند مسلم في(صحيحه): "إن خير الحديث كتاب الله, وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل بدعة ضلالة", وحديث العرباض بن سارية قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإياكم ومحدثات الأمور إن كل بدعة ضلالة", وقول ابن مسعود: "وشر الأمور محدثاتها", ونقل عن الأمة تفسير هذه النصوص وعن الشافعي قوله: البدعة بدعتان, بدعة محمودة, وبدعة مذمومة, فما وافق السنة فهو محمود, وما خالف السنة فهو مذموم, ثم عرض لتفسير هذه الأحاديث بدءا من قول عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه, ومرورا بابن العربي, والعز بن عبد السلام, والنووي, وابن رجب, ووصولا إلى الحافظ ابن حجر, إلى أن أكد أن تقسيم البدعة إلى محمودة ومذمومة اتفق العلماء عليه عبر العصور, ولم يشذ عنه إلا الشاطبي في (الاعتصام), ولكنه اعترف بأن من البدع ما هو مطلوب أو مندوب, ولكنه جعله من قبيل المصلحة المرسلة فخلاه لفظي

ثم بين أن الأحاديث التي تذم البدعة مخصصة, واستدل علي ذلك بأحاديث كثيرة منها حديث جرير: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها" الحديث عند مسلم وغيره, وذكر مثل هذا الحديث عن أبي هريرة عند ابن ماجه, وأبي جحيفة عند ابن ماجه, وعن حذيفة عند أحمد والبزار وغيرهما, والطبراني عن واثلة

ووصل إلي حديث السيدة عائشة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ", وذكر رواياته, ثم بين عددا من الأحاديث التي فيها أعمال حصلت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تخصص أحاديث ذم البدعة كحديث أبي بكرة: زادك الله حرصا ولا تعد,

وحديث معاذ: كنا نأتي الصلاة, إذ جاء رجل أحدكم وقد سبق شئ من الصلاة, إلي أن قال: "قد سن لكم معاذ فاقتدوا به, إذا جاء رجل وقد سبق بشيء من الصلاة فليصل مع الإمام بصلاته, إذا فرغ الإمام فليقض ما سبقه"

وحديث سعيد بن المسيب أن بلالا أتي النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر فقيل: هو نائم فقال: الصلاة خير من النوم, فأقرت في تأذين الفجر فثبت الأمر علي ذلك

وحديث رفاعة بن رافع الزرقي كنا نصلي يوما وراء النبي صلى الله عليه وسلم, فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله من حمده" فقال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, فلما انصرف قال: "من المتكلم؟" قال: أنا, قال: "رأيت بضعة عشر ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها الأول"

قال الحافظ ابن حجر: واستدل به علي جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان لا يخالف المأثور

وأكمل أحد عشر حديثا آخرها حديث خبيب وسنه صلاة ركعتين قبل قتله وهذا التفصيل من أجل المباحث وأدقها, وفيه نباهة عظيمة

ثم قسم البدعة إلي نوعين:

الأول: نوع يتعلق بأصول الدين, كالقول بالقدر, والتجهم والتجسيم, والخروج عن الأئمة, والتبرى من الخلفاء الراشدين, وبدعة القول بحوادث لا أول لها, وبدعة القاديانية, وهذه بدعة الضلالة

وأما بدعة الفروع, فليست بضلالة, لأنها من جملة الحوادث التي تحدث علي مر الزمان, ويطلب حكمها من دلائل الشريعة وقواعدها العامة المبنية علي مراعاة المصالح والمفاسد, وعدم وجودها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, وعدم فعلها لا يقتضي أن تكون محرمة فضلا عن أن تكون ضلالة, ثم ذكر أمثلة عديدة لما حدث وعمل به المسلمون ولم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة والتابعين ولم يبدعوا أو يفسقوا إلا من شذ من الشواذ ومنها:

تعدد صلاة الجمعة في عدة مساجد وهذا لم يكن, وذكر عدة أدلة علي ذلك

وقراءة حزب من القرآن في بعض البلاد الإسلامية وخاصة في المغرب بعد صلاة المغرب والصبح, ومنها السبحة وهي محدثة, والذكر بعد الأذان, والصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم بعد المكتوبة, والسيادة للنبي صلى الله عليه وسلم في الأذان والإقامة والتشهد, ومنها الفدية عن الميت, وقراءة القرآن, ومنها الاحتفال بالمولد النبوي

ثم أتي بنبذة مما أحدثه الصحابة بعد العهد النبوي ومن ذلك: الاجتماع لصلاة التراويح, وجمع المصحف, وكان مقام إبراهيم ملتصقا بالبيت من عهده إلي آخر عهد عمر, ثم أخره عمر, ولم ينكر الصحابة فعله, ومنها: زيادة عثمان أذانا يوم الجمعة, ومنها الزيادة في التلبية من بعض الصحابة كابن مسعود, وعمر بن الخطاب وابنه عبد الله, والحسن بن علي ومنها إحداث أدعية لم تأت في النص

ثم تحدث عن الصلاة في مسجد فيه قبور, وهي مسالة شغل بها الناس وشغلت الأمة, وحكم الجلوس علي القبر, وبناء المساجد علي القبور

وختم بمسألة المتهاون أو المتكاسل عن الصلاة حتى فات وقتها, وذهب بعض الناس إلي عدم جواز قضائها, وخلص إلي أن قضاءها عليه واجب لعموم الحديث: "فدين الله أحق أن يقضي" وهو حديث صحيح

وهذا البحث كسائر كتبه فيها من التحقيقات والتدقيقات ونقد الحديث والتصحيح والتضعيف, وقواعد الأصول ما يجعل أبحاث السيد الشريف الحافظ عبد الله متميزة عن كل ما يكتبه المعاصرون, بل إنها تظهر مكانته كمجتهد حصل كلام الأئمة قبله, وأضاف إليه الجديد المفيد

22- كشف الجهل فيما قيل في نصرة السدل:

وهو بحث فقهي في غاية الجرأة والدقة, إذ لا يزال جل المغاربة حتى يومنا هذا يتمسكون بالسدل في الصلاة تبعا لعبارة في المدونة, ومن خرج عن ذلك استنكروا فعله, وأحيانا يأخذ الأمر صبغة سياسية, فيزداد الأمر صعوبة, وجاءت هذه الرسالة النفيسة لتضع الأمر في نصابه, وتدل علي الحق الذي يجب أن يؤتي من بابه, فقال رحمه الله:

إن المغاربة المتأخرين, مثل السيد محمد القادري, والسيد المهدي الوزاني, والشيخ محمد الخضر الشنقيطي تعصبوا للسدل في الصلاة, وأفرطوا في التعصب له وليس تعصبهم مبنيا علي دليل أو شبهة, بل علي دعاوي ليس لها ما يسندها, وهم لجهلهم بعلم الأصول وقواعد الاستدلال ظنوها أدلة قاطعة للخصام, وقدم حديثا يذكر السدل عند الطبراني عن معاذ, وهو من طريق الخطيب بن جحدر, وكذبه شعبة والقطان وغيرهم, وقال: فالحديث موضوع

ثم تتبع دعواهم وأوصلها إلي ثمان, بدأها بقولهم: إن حديث أبي حميد الساعدي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر القبض, فهو دليل علي السدل ورد علي هذه الدعوى من خمسة وجوه

ودعواهم أن السدل ناسخ للقبض, ورد عليه من ثلاثة وجوه, بردود أصولية محكمة

ودعواهم أن السدل عمل أهل المدينة, قال: هي باطلة من وجوه: الأول: أن هذا العمل لم ينقله أحد ممن تخصص في نقل مذاهب الأئمة, مثل الترمذي وابن المنذر وابن جرير الطبري, وابن حزم وابن قدامة المقدسي, وإنما نقله الصاوي في حاشية (أقرب المسالك) عن مجهول, ولم يعتمده لأنه حكاه بصيغة التضعيف وهي: قيل

ولم ينقل السدل عن أحد من أهل المدينة بسند صحيح إلا عن سعيد بن المسيب, فأين إجماعهم, وأما القبض فهو المنقول عن الخلفاء الأربعة ومن بعدهم من الصحابة والتابعين إلي عهد مالك, ماعدا سعيد بن المسيب

ومن جملة ما قال: ترجيح متأخري المالكية لرواية ابن القاسم في السدل علي رواية أصحاب مالك علي سنية القبض مخالف لما تقرر في علم الأصول والحديث, فان القاعدة المقررة: أن الثقة إذا روي ما يخالف رواية أوثق منه أو أكثر عددا كانت روايته شاذة ضعيفة, فرواية ابن القاسم بحكم هذه القاعدة مردودة

قال ابن عبد البر: وروي أشهب عن مالك: لا بأس بالقبض في النافلة والفريضة, وكذا قال أصحاب مالك المدنيون, وروي مطر وابن الماجشون أن مالكا استحسنه, وقال أيضا: لم يأت فيه النبي صلى الله عليه وسلم خلاف, وهو قول جمهور الصحابة والتابعين, وهو الذي ذكره مالك في (الموطأ) ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره, فأين عمل أهل المدينة؟

وتابع نقض دعاوي السدل, وأثبت سنية القبض بما جاء في ذلك من أحاديث صحيحة كحديث ابن عباس عند الطبراني بسند صحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا معاشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا, وأن نضع أيماننا علي شمائلنا في الصلاة", في أحاديث أخري وقد بلغت أحاديث وضع اليدين احداهما علي الأخرى في الصلاة مبلغ التواتر؛ إذ رويت عن نحو من عشرين صحابيا مع مراسيل عن التابعين

ونقل عن القاضي عبد الوهاب قوله: رواية ابن القاسم عن مالك في التفرقة بين الفريضة والنافلة في وضع اليمني علي اليسرى غير صحيحة, لأن وضع اليمني علي اليسرى إنما اختلف هل هو هيئات للصلاة أو لا؟ وليس فيه اعتماد فيفرق فيه الفريضة والنافلة

وهذه الرسالة مثال للحوار الفقهي الأصولي البناء الذي يجلو وجه الحقيقة, ويسدد مسيرة الفقه الاسلامي

23- القول المسموع في بيان الهجر المشروع:

وقد تكلم في هذا الجزء علي حكم التهاجر والتشاحن, وأنواعه, وما يجوز منه وما يحرم, وشرح الأحاديث والآثار التي تحتاج إلي شرح وتفسير

ثم ذكر عشرة أحاديث في تحريم الهجر, وفيها حديث أبي أيوب مرفوعا: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال, يلتقيان, فيعرض هذا ويعرض هذا, وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" أخرجاه في (الصحيحين)

وفيها حديث أبي خراش حدرد بن أبي حدرد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه" أخرجه أبو داود بإسناد صحيح

وكان يضبط كل حديث ويفسره لغة ومعني, ثم قال: أفادت هذه الأحاديث السابقة: أن هجر المسلم بعد ثلاثة أيام كبيرة

ثم نقل عن ابن حجر الهيتمي في (الزواجر) قوله: يستثني من تحريم مسائل ذكرها الأئمة, وحاصلها أنه متي عاد إلي صلاح دين الهاجر والمهجور جاز والا فلا

وفصل السيد الشريف الحافظ عبد الله ذلك بقوله: إن العاصي المجاهر بالمعصية, أو المصر علي فعلها يهجر بعد نهيه, وإسداء النصيحة له, وكذلك المبتدع المتفق علي ابتداعه, مثل الخارجي والمعتزلي, يهجر بعد مناقشته أيضا, لعله يتوب أو يقلع, أما أن يختلف شخصان في مسألة فرعية كالتوسل وما أشبهه مما يختلف فيه الرأي وتتجاذب الأدلة, فلا يصح الهجر بسببه, لأنه لا عصيان فيه ولا ابتداع, ومن هجر صاحبه بسبب ذلك كان آثما عاصيا, فان المهجور قريبا له جمع إلي إثم الهجر إثم قطيعة الرحم

ثم قسم الهجر إلي ثلاثة أنواع:

1- هجر ايجابي زاجر, وهو يحصل ممن له حق الزجر والتأديب, إما بسلطة مادية كالحاكم والزوج, أو معنوية كالعالم المقتدي به

2- وهجر وقائي مانع, وهو الذي يتقي به الهاجر شر المهجور أو الافتتان به

3- وهجر سلبي لا زجر فيه ولا نفع

ثم فصل ذلك أتم تفصيل فذكر في النوع الأول عددا من الأحاديث المرفوعة والموقوفة, وبدأها بحديث هجر كعب بن مالك واللذين تخلفا معه عن غزوة تبوك

وأما الهجر الوقائي ففي السنة حديثان, قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه" رواه البخاري

والثاني: حديث ابن عباس مرفوعا: "من بدا جفا, ومن اتبع الصيد غفل, ومن أتي أبواب السلطان افتتن" أخرجه الترمذي والطبراني في (الكبير)

وفيه الإجماع: ونقل ذلك عن ابن عبد البر, ثم نقل أخبارا عن السلف في النوع, وفصل ذلك بتوسع, وخلص إلى قوله: علم مما تقدم أن الهجر الإيجابي يصدر ممن يملك حق الزجر, وأن الهجر الوقائي يصدر ممن يخاف على نفسه شر المهجور أو الفتنة بسلطان, أو ماله مثلا, ولذلك كانا مشروعين, وأما الهجر السلبي الخالي من الأمرين فهو ممنوع لأنه لا خير فيه ولا ثمرة ترجى منه

وضابطه أن يحصل على أمر مختلف فيه بين العلماء بالتحريم وغيره, ومثاله الخلاف في أكل لحوم الخيل عند الشافعية, والمحرم عند المالكية, فلا يجوز الهجر على هذا, وهو هجر سلبي

ومثاله شرب الدخان, وتردد العالم على السلطان, فالورع التنزه عنه, لكن لا يهجر إذا فعله بتأويل

ثم تحدث عن البدعة ما هي, وكيف تجنب العلماء كلام البدعة عند المبتدعة

وأخذوا من مصنفاتهم غيره كنقلهم من تفاسير المعتلة, وكتبهم الأصولية

فيما لا يتعلق ببدعتهم, ثم تحدث عن المنكر الذي لا يهجر صاحبه

ومن إشراقات هذا البحث ما ذكره من (صحيح البخاري) عن عائشة أن فاطمة والعباس عليهما السلام أتيا أبا بكر رضي الله عنه يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما أبو بكر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نورث ما تركناه صدقة, إنما يأكل آل محمد من هذا المال"

قال أبو بكر: والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته, فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت

فقد يستدل بعض الناس بهذا الأثر علي جواز الهجر فوق ثلاثة أيام لأجل معايش الدنيا, وهذا استدلال غير صحيح, وبين وجه ذلك, إلي أن قال: انه ثبت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه استأذن عليها وهي مريضة, فقال لها علي كرم الله وجهه: هذا أبو بكر يستأذن؟ فقالت: أتأذن له؟ قال: نعم, فأذنت له فدخل يعودها, وقال كلمته المشهورة: "والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي" وهو صادق من غير يمين

والذي يذكر في هذه القصة, وهو الحقيقة والواقع: أن فاطمة عليها السلام, أكرم نفسا, وأجل قدرا من أن تهجر شخصا علي شيء من الدنيا, فهي بنت أبيها صلى الله عليه وسلم ووارثة خلقه, وهي صديقة أيضا, وإنما الذي حصل أنها طلبت حقها من الميراث مستندة إلي عموم قول الله تعالي: يوصيكم الله في أولدكم [النساء: 11], وفوجئت بمنع الصديق لها مستدلا بالحديث المخصص للآية, ولما لم تكن سمعته من قبل, اعتراها غضب لصدمة المفاجأة شأن الطبيعة البشرية, ثم لما عادت إلي بيتها وهدأت نفسها أدركت صدق أبي بكر رضي الله عنه, فتركت الموضوع, ولو كان غير ذلك لما سكت علي عليه السلام عن طلب حقها من الميراث, ولما سكت العباس عن طلب حقه, وهو كان أحرص علي المال وأكثر طلبا له.

وفي هذا النص فوائد عظيمة جدا تدل علي سعة أفق السيد الشريف الحافظ عبد الله, وعمق تفكيره, وفيها الرد البالغ علي من يسم السيد الشريف الحافظ عبد الله بالتشيع

24- عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسي عليه السلام:

وقد جاء هذا الكتاب بعد كتابه الآخر هو (إقامة البرهان علي نزول عيسي في آخر الزمان), الذي رد فيه علي الشيخ شلتوت في فتواه التي وافق فيها مذهب القاديانية الكفرة في شأن عيسي عليه السلام, فلما قرأه الشيخ شلتوت, كتب مقالات يرد عليه في هذا الكتاب الدامغ, فترك الشيخ شلتوت الموضوع ولم يعد للكتابة فيه فكان هذا الكتاب

قال السيد الشريف الحافظ عبد الله رحمه الله في صدر هذا الكتاب: "أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن عيسي ابن مريم عليهما السلام سينزل في آخر الزمان مصدقا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم علي ملته, فيقتل الدجال الأعور اللعين الذي يدعي الألوهية, وكذلك يقتل الخنازير, ويكسر الصليب, ويقابل الكفار علي الإسلام, ولا يقبل منهم الجزية, وينتشر في زمنه الأمن والعدل, ويكثر المال حتى لا يقبله الناس, وفي وقته يخرج يأجوج ومأجوج, ويهلكهم الله بدعائه, ويمكث في الأرض ما شاء الله أن يمكث, ثم يموت فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه"

وتواتر هذا المعني تواتر لا شك فيه, بحيث لا يصح أن ينكره إلا الجهلة الأغبياء القاديانية, ومن نحا نحوهم, لأنه نقل بطريق جمع عن جمع حتى استقر في كتب السنة التي وصلت إلينا تواتر بتلقي جيل عن جيل, فقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو هريرة فذكر الصحابة, ثم ذكر من رواه عنهم من التابعين, ثم من رواه عنهم من الطبقة التي تليهم, ثم التي تليهم, إلي أن تلقاه أصحاب الكتب والمصنفات المدونة في السنة النبوية وذكرهم ثم قال:

ومما لا نزاع فيه أن العادة قاطعة باستحالة أن يتواطأ الجمع العظيم من الصحابة والتابعين وأتباعهم وحملة الحديث النبوي علي الكذب والخطأ, أو أن يقع ذلك منهم من غير تواطؤ, بل العادة تحيل الكذب والخطأ علي جمع أقل من هذا الجمع

فما ظنك بحديث يرويه جمع من الصحابة يزيد عددهم عن عشرين, يتلقاه عنهم مثلهم من التابعين, ثم مثلهم من تابعي التابعين, وهلم جرا؟! لا شك أنه يكون متواترا علي جميع الاصطلاحات المقررة

ثم انتقل إلي ذكر من صرح بتواتر نزول عيسي ابن مريم عليهما السلام من علماء الإسلام, وهم جمهرة غفيرة بدأهم بأبي جعفر محمد بن جرير الطبري, ونصه: وأولي هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال: معني ذلك إني قابضك من الأرض, ورافعك إلي لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومنهم أبو الحسين الأبري في (مناقب الشافعي), ومنهم الفقيه أبو الوليد ابن رشد, ومنهم الإمام ابن عطية, ومنهم ابن كثير, والشوكاني في كتابه (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح), ومنهم القنوجي, ومحمد بن جعفر الكتاني, ومحمد أنور شاه الكشميرى وله (التصريح بتواتر نزول المسيح)

ثم تتبع أطرافا من أقوال الأئمة بدءا من الصحابة في ذلك, ثم قال رحمه الله: إن الأحاديث التي دلت بالتصريح علي نزول عيسي عليه السلام تدل بالاقتضاء علي حياته, وأنه في السماء, لأنه لو كان ميتا لكان لا بد من إحيائه وخروجه ليقتل الدجال واليهود, ثم يموت أيضا, فيكون قد مات وأحيي أكثر من مرتين, وذلك مخالف لقوله تعالي: كيف تكفرون بالله وكنتم أموتا فأحيكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون [البقرة: 28], ولقوله تعالي: قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا [غافر: 11], ولو دل نص علي موته لقلنا به, وخصصناه من هذا العموم, لكن النصوص دالة علي حياته, وأما كونه في السماء, فلأن لفظ النزول والهبوط يقتضيانه, ولأنه لو كان في الأرض لعرف محله, ولو جب عليه أن يسعى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث بعث, ويؤمن به, وإتباع هديه تنفيذا للميثاق الذي أخذه الله علي جميع الأنبياء

ثم قال: والرفع حقيقته اللغوية: النقل من سفل إلي علو كما قال أبو حيان وغيره من أئمة اللغة والتفسير, وحمله علي رفع المكانة كما زعم ذلك المفتي الجاهل يبطله أمور:

أولها: أنه معني مجازي لا داعي إليه, ولا قرينة تدل عليه, وتتبع ذلك في نحو اثني عشر وجها, وتخلل ذلك فوائد عزيزة

ثم ذكر سؤال القادياتي إلي مشيخة الأزهر, وجواب من أجاب بالجواب الجائز العائر, وبعض جهالاته وتدليسه الغريب وتمسكاته الضعيفة, ورد عليها, ثم أتي بقواعد تنير السبيل أمام المفسرين والباحثين في القرآن والسنة, وذكر خمس قواعد:

الأولي: التمسك بظاهر الكتاب والسنة فرض لازم لا مفر منه ولا محيص عنه

الثانية: يصح العدول عن ظاهرهما وارتكاب التأويل إذا وجد المانع وتحقق الشرط, وذكر ذلك وهو كلام نفيس

والقاعدة الثالثة: صرف اللفظ عن ظاهره إلي معني يحتمله بدليل, وان شئت حمله أي حمل الظاهر علي المحتمل الرجوع بدليل يصيره راجحا, وهذا هو التأويل الصحيح, ثم لا بد أن يكون الدليل أرجح من الظاهر, فان كان دونه أو مساويا فالتأويل فاسد, أما إذا لم يكن دليل فهو حينئذ لعب لا تأويل

القاعدة الرابعة: النص لا يقبل التأويل لأنه قطعي في معناه, وكذلك الظواهر إذا تعددت وتواردت علي إفادة معني صارت قطعية فيه فلا تقبل التأويل

القاعدة الخامسة: قال أبو العباس ابن تيمية: إن كلا من الدليل النقلي والعقلي إما قطعي وإما غير قطعي، فالقطعيان لا يمكن أن يتعارضا حتى نرجح أحدهما على الآخر، وإذا تعارض ظني مع كل منهما مع قطعي، وجب ترجيح القطعي مطلقا، وإذا تعارض ظني مع ظني من كل منهما، رجحنا المنقول على المعقول، لأن ما ندركه بغلبة الظن من كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أولي بالإتباع، فما ندركه بغلبة الظن من نظرياتنا العقلية التي يكثر فيها الخطأ جدا

وإذا اعتبرت هذه القواعد فنقول: نزول عيسي عليه السلام مجمع عليه بين علماء السنة كما تقدم والذين أولوه هم – مع كونهم مبتدعين وفيهم كفرة – متلاعبون مبطلون، لأن نزول عيسي عليه السلام أمر جائز في القدرة لم يدع أحد ولن يدعي أنه محال إلا من لا عقل له, وبهذا أبطل أن يكون له معارض عقلي, وأما المعارض النقلي فربما يتوهم أنه موجود, وهو النصوص الدالة علي انقطاع النبوة, وأنه لا بني بعد نبينا عليه الصلاة والسلام, لكن الجمع ممكن ذكره القاضي عياض كما ذكره غيره, وحاصل الجمع أن عيسي عليه السلام لا ينزل بصفته كونه نبيا أو رسولا إذ إن رسالته أداها إلي قومه, وإما ينزل بصفة كونه تابعا للنبي صلى الله عليه وسلم وخليفة من خلفائه يقاتل الناس علي الإسلام, ويحكم في الأمة بالقرآن والسنة كما نطقت الأحاديث بذلك

ثم بين طوائف الذين أولو نزول عيسي وهم طائفة الفلاسفة, وطائفة ابن هود الدمشقي وأصحابه, وطائفة القاديانية, وطائفة المصلحين المجددين الذين أرادوا أن يهذبوا الدين!!! كمحمد عبده الذي أول الرفع برفع الروح كما في تفسير الآية إني متوفيك ورافعك إلي [آل عمران: 55], ورد عليه السيد الشريف الحافظ عبد الله من أربعة عشر وجها

ثم تكلم عمن طعن في إجماع الأئمة علي هذه المسألة وبين ما هو الإجماع, وأن هذا المفتي المشار إليه ليس خارقا للإجماع فحسب, بل كلامه فيه مساس بالرسول عليه الصلاة والسلام

ثم ذكر أربعين حديثا مما جاء في نزول عيسي عليه السلام, وذكر مخرجيها, وتكلم علي قيمتها العلمية, وقال عقبها: فهذه أربعون حديثا إذا ضمت إلي ما سبق أول الكتاب من الأحاديث المرفوعة والآثار التي لها حكم الرفع بلغ مجموعها نحو خمسين حديثا كلها ما بين صحيح وحسن

ثم أورد فتوى الشيخ محمد بخيت المطيعي سنة 135 هـ في إثبات نزول عيسي عليه السلام

25- واضح البرهان علي تحريم الخمر والحشيش في القرآن:

وقد كتب هذا الكتاب عندما روج المنحرفون فكرة أن تحريم الخمر لم يأت في القرآن في نص صريح, بل غاية ما فيه قوله تعالي عن الخمر والميسر والأنصاب فاجتنبوه, والأمر بالاجتناب لا يقوي قوة التحريم المصرح به في قوله تعالي: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير [المائدة: 3], وغرضهم بهذا التوصل إلي إباحة الخمر

قال السيد الشريف الحافظ عبد الله: لكنهم لم يصنعوا شيئا سوي أنهم برهنوا علي أنهم ضعفاء الفهم, بسطاء التفكير, قليلو الإدراك؛ لأن في القرآن الكريم أحد عشر دليلا علي تحريم الخمر, والتشديد فيها بحيث تكون في أقصي دركات التحريم, بل نظمها القرآن مع الشرك بالله سبحانه وتعالي في سلك واحد لينفي عن تحريمها وقبحها كل وهم وشك, غير أن تلك الأدلة يحتاج استخراجها إلي شيء من الفكر الناضج والتفهم الصحيح والتأمل الدقيق

فلهذا كتبت هذاء الجزء في بيان دلالة القرآن الكريم علي تحريم الخمر, مع بيان تحريمها من السنة النبوية الشريفة, وأضفت إليه بيان تحريم المخدرات كالحشيشة ونحوهم

وقد وضع الكتاب في بابين: الأول في أدلة استنباط تحريم الخمر من القرآن الكريم, وبدأ بقوله تعالي: يأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه [المائدة: 9], قال الرازي: يستفاد تحريم الخمر من هذه الآية من تسميتها رجسا, وقد سمي به ما أجمع علي تحريمه وهو الخنزير

وقال الإمام أحمد بن المرتضي الزبيدي: فحرمتها الآية من وجوه: حيث قرنها بالأزلام وذكر أقوال العلماء

ثم تكلم علي قوله: فاجتنبوه فقال: والاجتناب المستفاد من مادة اللفظ ومعناه في اللغة: أن تجعل الشئ جانبا وناحية بعيدا منك فيكون معني فاجتنبوه: فاجعلوا الرجس من الخمر والمسير والأنصاب والأزلام في جانب, وأنتم في جانب آخر, وهذا أبلغ أن يكون في تحريم الأشياء والبعد عنها والتنفير منها والأمر يدل علي الوجوب حقيقة

والأمر يدل في القرآن علي الوجوب في مواضع منها: ولقد خلقنكم ثم صورنكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من السجدين قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك [الأعراف: 11 – 12] فقد ذم الله سبحانه وتعالي إبليس علي ترك السجود لورود الأمر به, ولو لم يكن الأمر للوجوب لما ذمه الله

وقوله تعالي: حكاية عن موسي عليه السلام: قال يهرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري [طه: 92 – 93], فسمي أخاه هارون عاصيا لظنه أنه خالف أمره

ثم وصل إلي قوله تعالي: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما علي طاعم يطعمه; إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فانه رجس

[الأنعام: 145] صرح الله جل جلاله في الآية بتحريم لحم الخنزير وبين العلة من تحريمه بأنه رجس ثم صرح في الخمر بأنها رجس, فتكون محرمة بالعلة نفسها التي حرم الله لأجلها الخنزير

وقوله تعالي: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق [الأعراف: 33], مع قول تعالي في الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير [البقرة: 219], قال أبو محمد ابن حزم: الخمر حرام بنص القرآن, وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإجماع الأمة, فمن استحلها ممن سمع النص في ذلك وعلم الإجماع فهو كافر مرتد حلال الدم والمال

ثم تحدث عن تحريم الخمر من السنة النبوية, وقال: إن الأحاديث الواردة في الخمر بالغة حد التواتر لتعدد طرقها وكثرة رواتها في الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم, ثم هي ثلاثة أنواع: (1) نوع يصرح بتحريم مطلق للخمر

(2) ونوع يصرح بتحريم قليل ما أسكر كثيرة

(3) ونوع يفيد التحريم بطريق الوعيد كلعن شارب الخمر وتهديده بالعذاب في الآخرة, وأوردها علي الترتيب, فأورد في النوع الأول أكثر من اثني عشر حديثا, وأورد في النوع الثاني ثمانية, وأورد في النوع الثالث أحد عشر حديثا, فكان مجموعها بضعة وثلاثين حديثا

ثم تحدث عن جلد شارب الخمر, فأورد أحاديث في ذلك, ثم تحدث عن مسألة قديمة تنازع فيها العلماء وهي: قتل شارب الخمر بعد جلده ثلاث مرات

ثم تحدث عن العلاج والدواء بالخمر, وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن قوما سيسمونها بغير اسمها وذكر مجموعة من الأحاديث

ثم انتقل إلي الكلام عن (الحشيش), وبدء ظهوره, ومن ألف في حكم الحشيشة, ثم عن الحشيشة هل هي مسكر؟ ثم وصل إلي حكم الحشيشة, فنقل عن المزني أنه أفتي بحرمته ووافقه أئمة ما وراء النهر من الحنفية واتفاق الشافعية والحنفية عن ذلك, وأفتوا بإحراقه, وقال علماؤهم: من قال بحل أكله فهو زنديق مبتدع, كما نص النووي في (شرح المهذب) علي تحريمه, والقسطلاني والزركشي, وابن حجر الهيتمى الفقيه, ومن الحنابلة: ابن تيمية, ومن المالكية الذين صرحوا بتحريمها المنوفي والشيخ خليل, وابن مرزوق, وميارة, وحكي القرافي الإجماع علي ذلك في (الفروق) وبهذا يتبين أن المذاهب الأربعة اتفقوا علي تحريمها, ولكنهم اختلفوا: هل هي مسكرة, وهم الحنفية والشافعية والحنابلة أو مخدرة وهم المالكية, فالذين قالوا هي مسكر: استدلوا بحديث: "كل مسكر حرم" قال ابن حجر في (الفتح): استدل به علي تحريم كل مسكر, ولو لم يكن شرابا, فيدخل في ذلك الحشيشة, والذين قالوا بالثاني: استدلوا بحديث: "نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر"

ويدل علي تحريمها مع هذين النصين: الإجماع، وصدها عن ذكر الله، وعن الصلاة فتكون في معني الخمر من هذه الجهة، ثم هي من الخبائث، وتدخل في قوله تعالي: ويحرم عليهم الخبائث [الأعراف: 157] ثم ما فيها من ضرر حسي ومعنوي، والشريعة تحرم ما فيه ضرر لحديث: "لا ضرر ولا ضرار" وهو صحيح، وله طرق

ثم تحدث عن مضار الحشيشة عند القدماء والمحدثين، ثم تحدث عن نجاسة الحشيش، وذكر مذاهب العلماء في ذلك فقال: والصحيح أن الحشيشة طاهرة، وحكي بعضهم الإجماع عليه، ثم عرض إلى جلد شارب الحشيش، وقد ذهب إليه غير واحد كابن تيمية والزركشي والماوردي، وذهب بعضهم إلى التعزيز كالمرغيناني من الحنفية والسرخسي، ووصل السيد الشريف الحافظ عبد الله إلي قوله: إن المخدرات فيها التعزيز لا غير بحسب اجتهاد الإمام

ثم قال: هل هما من الكبائر؟ وذكر أقوال العلماء على أنها كبيرة وأقره

ثم قال: هل ينتقض وضوء شارب الحشيش؟ وقال به المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة، وقال: ومن هنا يعلم أن من يصلي وهو متأثر من شرب الحشيش أو أكله، فصلاته باطلة يجب قضاؤها

ثم قال: هل يجوز إطعام الحيوان الحشيش، وهل يجوز بيع الحشيش؟

ونقل عن الزركشي وغيره أن بيعها لمن يتحقق من تعاطيها حرام، كما يحرم بيع العنب لمن يعصره خمرا

ثم تحدث عن مضار الحشيشة من مصادر عديدة

وهذا الكتاب في غاية الطرافة والدقة، والحاجة إليه قائمة ومستمرة

26- الرؤيا في الكتاب والسنة:

وهو كتاب من أجل الكتب، ولا أبالغ إذا قلت: إن هذا الكتاب فريد في بابه، ابتدأه السيد الشريف الحافظ عبد الله بقوله: ذكرت فيه ما جاء منها في القرآن العظيم والسنة المشرفة كتبته مع قلة المواد, وضعف في الاستعداد, ولا يخلو مع ذلك من نفائس اللطائف, وعوارف المعارف, وقد كتب قبلي في هذا الموضوع جماعة من الحفاظ, فلجعفر الفريابي كتاب (الرؤيا), وكذا لأبي ذر الهروي, ولا بن أبي الدنيا كتاب (المنامات), وكذا لجعفر المستغفري, وكتابي أوسع وأعم بفضل الله

وصدره بمقدمة تشتمل علي مسائل:

الأولي: في تعريف الرؤيا في اللغة, والمسألة الثانية والثالثة: في حقيقة الرؤيا وماهيتها, والرابعة: في أنواع الرؤى, الخامسة: ما يصنعه من رأي رؤيا يكرهها, والسادسة: الرؤيا الصالحة وأنها جزء من أجزاء النبوة, والسابعة: في التعرف إلي أجزاء النبوة هل يمكن؟ الثامنة: مبشرات النبوة والرؤيا الصالحة منها, والتاسعة: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام, العاشرة: رؤيا الله جل جلاله في المنام, الحادية عشرة: من كذب في رؤياه, الثالثة عشرة: تعبير الرؤيا ومن يعبرها, الرابعة عشرة: أدب الرائي, الخامسة عشرة: في علم تعبير الرؤيا أو تأويل الأحاديث كما سماه القرآن الكريم, السادسة عشرة: أول رؤيا وقعت في الأرض لآدم

ثم انتقل إلي المرائي التي جاءت في القرآن الكريم وهي ست: رؤيا إبراهيم, ورؤيا يوسف, ورؤيا صاحبي السجن, ورؤيا ملك مصر, ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر, ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية, وفصل الآيات التي جاءت فيها هذه المرائي

ثم تحدث عن الرؤيا في السنة النبوية, وقسمها إلي ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم والثاني: ما رآه الصحابة في عهده صلى الله عليه وسلم وآخرها: ما رآه الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم وأتي رحمه الله في هذه الأقسام بالأحاديث الواردة في الموضوع من كتب السنة, الصحيحين, وأحمد, والسنن, وغيرها من كتب السنة المشهورة وغير المشهورة مع التعليق علي هذه الأحاديث بضبط ما ورد فيها من الأسماء المشكلة, وتفسير الكلمات التي تحتاج إلي تفسير, وتخريج هذه الأحاديث, وبيان قيمتها العلمية من حيث ثبوتها وصحتها أو ضعفها وتجريحها وبيان طرقها وبيان ما فيها من إشكالات وحل هذه الإشكالات, مع تنبيهات مهمة في العقائد والأصول, كما في قوله: يستدل بعض غلاة أهل السنة, بحديث رؤيا الله في المنام علي امكان رؤيته تعالي في اليقظة: وهو خطأ, لأن الله لا يري في المنام حقيقة, وإنما المرئي مثال يتعرف الله به إلي عبده ويريه ما يريد أن يبينه له من بشارة أو نذارة, والمثال غير المثل

ومن ذلك قوله تعليقا علي حديث جابر في الدوسى الذي هاجر, ثم قطع براجمه فشخبت حتى مات: وهذا الحديث دليل لأهل السنة في جواز العفو عن المعاصي, وحجة علي المعتزلة في قولهم بتخليد العاصي في النار, لأن هذا المنتحر لم يدخلها, وعلي الخوارج في تكفيرهم بالذنوب, إذ لو كان هذا المنتحر كافرا لم يغفر له, وعلي المرجئة في قولهم: لا يضر مع الإيمان معصية, لأن هذا عوقب في يديه, ويؤخذ منه أيضا استحباب الاستغفار للعاصي

ثم ختمه بخاتمة مطولة في ذكر بعض مبشرات رؤى فيها النبي صلى الله عليه وسلم وهي غير المبشرات المذكورة في كتاب: (النفحة الإلهية في الصلاة من خير البرية) فأتي في هذه الخاتمة بعدد من الرؤى

ثم ذكر خمس تنبيهات:

وأولها: زعم بعض المعاصرين أن وصف النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة (الأمي) ليس معناه عدم القراءة والكتابة, لكنه نسبة إلي الأمم, واليهود يطلقون لفظ الأمم علي الشعوب غير الإسرائيلية كالعرب, واستشهد علي ذلك بجمل من التوراة, فقال السيد الشريف الحافظ عبد الله: إن هذا المعني لا يعرف في اللغة العربية, وهو تأييد لقول المستشرقين, ورد علي هذا الزعم بآيات منها قوله تعالي: وما كنت تتلوا من قبله من كتب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون [العنكبوت: 48], وأحاديث, ومنها: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"

ثم يختم هذا التنبيه بقوله: والعجب من ذلك المعاصر يشرح لفظ الأمي بمعني ينقله من كتب اليهود, مخالفا للقرآن والسنة واللغة العربية, ثم يرد أحاديث المعراج, زاعما أنها إسرائيليات, بعد أن يسرد أسماء الصحابة الذين رووها نقلا عن تفسير ابن كثير !!! وان رجلا يجوز في أحاديث متواترة أطبقت علي روايتها كتب السنة الصحيحة والتفاسير المعتمدة أن تكون من الإسرائيليات, بل يجزم بذلك ويؤكد, لهو جاهل هالك في جهله, أو مختل العقل مكانه اللائق مستشفي الأمراض العقلية

ثم ختم الكتاب بقاعدة عظيمة في التعبير نقلا عن ابن قيم الجوزية في (أعلام الموقعين), وهي قاعدة جليلة وزادها إيضاحا في تعليقه عليها

إن هذا الكتاب محشو بالفوائد العلمية في العقائد والتفسير والحديث واللغة والفقه, والطرائف والحكم

27- مصباح الزجاجة في فوائد صلاة الحاجة:

وقد تكلم في هذا الكتاب علي حديث عثمان بن حنيف في مجيء الرجل الضرير يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لرد بصره

قال رحمه الله: هذا جزء تكلمت فيه علي حديث توسل الضرير, وبينت صحته بالقواعد الحديثية والأصولية, ودفعت ما أورد علي الاستدلال به من إيرادات, واعترضات, وأوضحت دلالته علي جواز التوسل من عدة وجوه إلي غير ذلك من المباحث والفوائد التي لها به تعلق وارتباط

وفي المبحث الأول: جمع طرق الحديث, وتكلم علي هذه الطرق, وبدأ برواية الترمذي بسنده إلي عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني, قال: "إن شئت دعوت, وان شئت صبرت فهو خير لك", قال فادعه, قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه, ويدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أسالك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة, يا محمد إني أتوجه بك إلي ربي في حاجتي هذه لتقضي لي, اللهم فشفعه في", قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب

ثم ذكر ما أورد علي هذا الحديث من اعتراضات, وهي خمسة اعتراضات كبيرة كقول المعترضين بأن أبا جعفر ليس هو الخطمي وهو مجهول, وأن هذه معجزة للبني صلى الله عليه وسلم, وتتوافر دواعي نقلها, ثم تنقل نقل آحاد, وقولهم: إن الضرير توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا لا نزاع فيه ورد عليها واحدا واحدا

ثم تحدث عن دلالة الحديث علي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم, وأثار ما يمكن أن يعترض علي هذه المسألة وأجاب عنها

ثم تحدث بخاتمة ضمنها خمس مسائل:

الأولي: حول كلام ابن تيمية في التوسل وتقسيمه إلي أنواع, وفند كلامه, وأثبت أنه خارج عن النزاع

والمسألة الثانية: في فتوى لابن تيمية كتبها سنة (711 هـ) وفيه نقل عن (مسند أحمد) وفيه توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وذكر في كتابه (قاعدة جليلة) وأن ابن تيمية يتناقض في هذه المسألة

والمسألة الثالثة: في ترجمته الصحابي عثمان بن حنيف

والرابعة: نقل فيها عن أبي عبد الله الفاسي المالكي قوله: "وعلي اعتبار القياس عليه – يعني حديث توسل الضرير – يقال: كل من تصح شفاعته يصح التوسل به, فيدخل غيره من الأنبياء وكذلك الأولياء" وأتي بالأحاديث التي تؤيد هذا القول كحديث أنس لما ماتت فاطمة بنت أد أم علي أخرجه الطبراني في (معجمه الكبير) و(الأوسط) وسنده حسن

وحديث أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خرج من بيته إلي الصلاة فقال: بحق السائلين عليك" الحديث أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة وحسنه غير واحد من الأئمة

وحديث عبد الله بن أبي أوفي, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له إلي الله حاجة أو لأحد من بني آدم فليتوضأ, وليحسن الوضوء, وليصل ركعتين, ثم ليثن علي الله, وليصل علي النبي صلى الله عليه وسلم" وذكر خمسة عشر حديثا وبين قيمتها الحديثية ثم قال: حديث الضرير انه حديث صحيح علي شرط الشيخين, فيتعين العمل به دون غيره مما ورد في هذا الباب لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم ولعمل الناس به علي مر الأزمان

وهذا الكتاب أنموذج للبحث في الدراسات الحديثية وربطها بالفقه والسلوك

28- تمام المنة ببيان الخصال الموجبة للجنة:

وهو شرح لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز, ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله الجنة" أخرجه البخاري

قال حسان بن عطية: فعددنا ما دون منيحة العنز من رد السلام, وتشميت العاطس, وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه, فما استطعنا أن نبلغ خمسة عشرة

قال السيد الشريف الحافظ عبد الله: لا شك أنها موجودة, لكن يحتاج جمعها إلي تتبع الأحاديث المروية في أبواب متعددة من أنواع الطاعات المختلفة

ولما لم أر أحدا من شراح البخاري تعرض لبيانها, أردت – بحول الله جل جلاله – أن أبينها

ثم تتبعها من خلال الأحاديث النبوية خصلة خصلة, وبين مصادر الأحاديث وقيمتها من حيث الثبوت والصحة, وكلها صحيحة أو حنة, فبدأ بمنيحة العنز, ثم إماطة الأذى عن الطريق, وسقي البهيمة, وعيادة المريض, وزيارة أخ في الله, والرضخ مما أعطي الله, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وأن يصنع لأخرق, ويعين المغلوب, والإمساك عن أذي الناس, ورد السلام, وتشميت العاطس, وإجابة الدعوة, وإتباع الجنائز, والبدء بالسلام, وبذل النصيحة, وإخراج الأذى من المسجد, والتبسم في وجه المسلم, وإرشاد الضال, والبصر لرديء البصر, وإفراغك في دلو أخيك, وإسماع الأصم, وهداية الأعمى, ودلالة المستدل علي حاجته, وإعانة الضعيف, وإعانة الرجل في دابته, والعدل بين اثنين, والكلمة الطيبة, والتعبير عن الأرت, وسقي الماء, ووهب صلة الحبل, ووهب الشمع, وإيناس الوحشان, والسماحة في البيع والشراء وفي القضاء والاقتضاء, وانظار المعسر, والتجاوز في النقد, وستر عورة المؤمن, وتعزية المسلم أو المسلمة

وفي ثنايا الأحاديث التي ذكرت هذه الأحاديث تفسيرها وتبسيطها بشرح موجز دقيق

ثم قال رحمه الله: وقد بقيت خصال غير قليلة من أنواع الطاعة, وأعمال الخير يثاب فاعلها بالجنة, كتلك الخصال الأربعين أحببت إيرادها إتماما للموضوع, ثم أورد خصالا في مئة وثمانين حديثا, وفي هذه الأحاديث بعض الخصال التي سلفت, ثم ذكر طرفا من الآيات التي رتبت دخول الجنة علي التقوى والعمل الصالح لتكون مؤيدة الأحاديث السابقة وداعمة لها

وهذا الكتاب في غاية الإمتاع والإفادة يحتاج عامة الناس من مثقفين وغيرهم, بل يحتاجه المتخصصون في السنة, وفقه السنة, لما من فوائد واضافات

29- القول السديد في حكم اجتماع الجمعة والعيد:

وقد رد في هذا البحث علي الشوكاني الذي قرر في (نيل الأوطار) أن اجتماع الجمعة والعيد يسقط فرض الجمعة, وأنه لا دليل علي وجوب صلاة الظهر بدلها

فبين السيد الشريف الحافظ عبد الله بأن هذا رأي شاذ, مثل شذوذه بإنكار وجوب خطبة الجمعة, وفند ذلك بالأدلة وبدأ بقوله: متى فرضت الصلاة؟ ومتى فرضت الجمعة؟ وهل صليت الجمعة قبل وجوبها؟ ثم عنون بـ: خطبة الجمعة فرض, ونقل في ذلك الإجماع عن ابن رشد, وساق آراء العلماء هل الخطبة هي شرط وركن, وهو مذهب الجمهور, أو أنه غير فرض وهو رأى ابن حزم وسبقه له الحسن وابن سيرين

ثم قال: دليل آخر علي وجوب الخطبة, واستدل بحديث الشيخين عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت" وذكر أحاديث أخري

ثم عنون بـ: هل صلاة الجمعة أصل أو بدل؟ ومذهب الجمهور أنها بدل عن واجب الظهر, وقال آخرون: أصل, وهو قول مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وغيرهم وضعفه السيد الشريف الحافظ عبد الله والتمس له الأدلة وأكثر ثم قال: الخلاصة: إن الخطبة شرط في صحة الصلاة ركعتين, فإذا صلي جماعة يوم الجمعة بدون الخطبة وجب أن يصلوا أربعا

وأن من أدرك مع الإمام أقل من ركعة وجب أن يصلي أربع ركعات, وأما من فاتته الجمعة صلي الظهر أربع ركعات, وهو الإجماع, قال ابن المنذر: وأجمعوا علي أن من فاتته الجمعة من المقيمين أن يصلوا أربعا, وذكر أدلة أخري علي ذلك ثم قال:

اعتراض وجوابه: اختار الشوكانى أن الشخص إذا فاتته صلاة الجمعة صلاها ركعتين, واحتج بأن القضاء يكون مثل الأداء لا زائدا عليه, وهذا من شذوذه, وهو مردود بوجهين:

مخالفته للإجماع, والثاني: أن القضاء فعل العبادة بعد وقتها كصلاة العصر بعد المغرب, والذي تفوته الجمعة فيصليها ظهرا لا يكون قاضيا, بل معيدا لها في عرف الأصوليين

ثم ذكر الأحاديث الواردة في الموضوع, كحديث زيد بن أرقم, وحديث ابن عمر, وحديث مالك عن الزهري عن أبي عبيد مولي عبد الرحمن قال: شهدت العيد مع عثمان بن عفان, فجاء فصلي ثم انصرف فخطب, فقال: انه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان, فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظر, ومن أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنت له

وأتي بجميع النصوص, وناقش الشوكانى فيها ثم ختم بقوله: مسألة دقيقة, آية الجمعة أوجبت الخطبة بإيجاب السعي إليها حسب تفسير النبي صلى الله عليه وسلم, ولم تتعرض لإيجاب الصلاة لأنها فرضت ليلة الإسراء, وحملها علي الصلاة كما قال ابن حزم, وكثير من المفسرين مردود بالتفسير النبوي الصحيح, وبقاعدة أصولية وهي: إذا دار الأمر بين التأكيد والتأسيس فحمله علي الأخير أولي, لأنه يفيد حكما جديدا, واستفيد كون صلاة الجمعة ركعتين من حديث ابن عباس, ومن فعل النبي صلى الله عليه وسلم, ومن أن الخطبتين بدل من الركعتين وقال: مفهوم النبي صلى الله عليه وسلم: "فمن شاء أن يجمع فليجمع" يفيد بطريق المنطوق أن الرخصة في ترك التجميع, وبطريق المفهوم أن الظهر لا رخصة في تركها, وعلي هذا المفهوم انبنى الدليل وإجماع الفريقين, القائلين بأصلية الظهر وبأصلية الجمعة علي أن صلاة الظهر واجبة علي من لم يصل الجمعة في يوم العيد وغيره, ولم يصح عن عطاء خلاف ذلك

3- الاستقصاء لأدلة تحريم الاستمناء, أو العادة السرية من الناحيتين الدينية والصحية:

وقد كتب أصله جوابا لسؤال شاب من بورسعيد, ونشر الجواب في مجلة الإسلام في عددها الصادر 11 ذي القعدة عام (1385هـ), ثم وسعه إلي كتاب نظرا لعموم البلوى به بين الشباب, وقال: وكتابي هذا هو ثاني كتاب في الموضوع بعد رسالة السيد مرتضي الزبيدي المسماة: (بالقول الأسد في حكم الاستمناء باليد), ذكره في شرح القاموس, ولم نقف عليه

ثم قدم في معني الاستمناء في اللغة, والمسميات التي يسمي به, ثم قسم البحث إلي بابين وخاتمة, وجعل الباب الأول في تحريم الاستمناء, وبيان دليله فقال: ذهب المالكية والشافعية والحنفية وجمهور العلماء إلي أن الاستمناء حرام, وهذا هو المذهب الصحيح الذي لا يجوز القول بغيره, وعليه أدلة وجعلها ستة:

الدليل الأول: قوله تعالي: والذين هم لفروجهم حافظون إلا علي أزوجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون [المؤمنون: 5 - 7], ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة ظاهر, فإن الله جل جلاله مدح المؤمنين بحفظهم لفروجهم مما حرم الله عليهم, وأخبر برفع الحرج واللوم عنهم في قربانهم لأزواجهم وإمائهم المملوكات لهم, مستثنيا ذلك من عموم حفظ الفروج الذي مدحهم به, فمن ابتغي أي: طلب, وراء ذلك, أي: سوي ذلك المذكور من الأزواج والإماء فأولئك هم العادون أي: الظالمون, المتجاوزون الحلال إلي الحرام, لأن العادي هو الذي يتجاوز الحد فكانت هذه الآية عامة في تحريم ماعدا صنفي الأزواج والإمام, ولا شك أن الاستمناء وغيرهما حرام, ومبتغيه ظالم بنص القرآن

ثم ذكر نصوص المفسرين في الآية, ومنهم: القرطبي, والبغوي, وابن كثير, والنسفي, والآلوسي, وابن العربي, ثم ذكر اعتراض أبي حيان بأن الاستمناء لم يكن معروفا عند العرب, وبذلك لا تشمله الآية ورده من وجوه ردا أصوليا وفقهيا محكما مع ذكر النصوص في ذلك

والدليل الثاني: قوله تعالي: وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله [النور: 33] وتدل هذه الآية علي حرمة الاستمناء من وجهين:

الوجه الأول: أن الله جل جلاله أمر فيها بالاستعفاف, والأمر يدل علي الوجوب, وحيث وجب, وجب اجتناب ما ينافيه كالزنا واللواط, والاستمناء ونحوها, فتكون هذه الأشياء واجبة الاجتناب محرمة الفعل

فإن قيل: هذه الآية تدل علي جواز الاستمناء؛ لأن الاستمناء يفعل بقصد الاستعفاف عن الزنا فالجواب أن الشافعي ذكر هذا الإيراد وتولي الجواب عليه, ونص عبارته في الأم: فان ذهب ذاهب إلي أن يحله لقوله تعالي:

وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى [النور: 33], فيشبه أن يكونوا إنما أمروا بالاستعفاف عن أن يتناول المرء بالفرج ما لم يبح له, فيصبر إلي أن يغنيه الله من فضله, فيجد السبيل إلي ما أحل الله ومعني كلام الشافعي, أن الاستعفاف في الآية السابقة حفظ الفرج من جميع أنواع الشهوة زنا ولواطا واستمناء, وأن من لم يجد السبيل إلي النكاح ففرض عليه أن يصبر حتى يغنيه الله من فضله, فيجد السبيل إلي ما أحل الله

والوجه الثاني: أن الله جل جلاله أوجب في الآية الاستعفاف علي من لم يستطع القيام بتكاليف النكاح حيث قال تعالي: وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله [النور: 33], ولم يجعل بين النكاح, والاستعفاف واسطة, فاقتضي ذلك تحريم الاستمناء, ولو كان مباحا لبينه في هذا الموطن, لأن هذا مقام بيان

والدليل الثالث: حديث ابن مسعود عند الشيخين: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج, ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء"

ووجه الدلالة في الحديث علي المقصود أن الشارع أرشد عند العجز عن مؤن النكاح إلي الصوم, ولو كان الاستمناء مباحا لبينه في هذا الموطن, لكنه سكت عنه فدل علي أنه حرام وجاء في فتح الباري, أثناء الكلام علي هذا الحديث ما نصه: واستدل بعض المالكية علي تحريم الاستمناء, لأنه أرشد عند العجز عن التزويج إلي الصوم الذي يقطع الشهوة, فلو كان الاستمناء مباحا لكان الإرشاد إليه أسهل

الدليل الرابع: حديث عثمان بن مظعون عند الطبراني قال: يا رسول الله إني رجل تشق علي هذه العزوبة في المغازي, فتأذن لي في الخصاء, فأختصي؟ قال: لا, ولكن عليك بالصيام فإنها مخفرة – بفتح الميم والفاء علي وزن مفعلة – من الخفر, وهو الحماية والمنع, ورواة الحديث ثقات, غير عبد الملك بن قدامة الجمعي, وثقه ابن معين وضعفه أبو حاتم وغيره, وأصل الحديث في (الصحيحين) عن سعد بن أبي وقاص بلفظ آخر

وساق أحاديث أخري عن صحابة آخرين, تنهي عن الخصاء للعزوبة وتأمر بالصيام, ودلالتها أن الاستمناء لو كان جائزا ليدفعوا به مشقة العزوبة عن أنفسهم, ويستريحوا من عناء شهوتهم لما أمرهم بالصوم, ولكان أرشدهم اليه

والدليل الخامس: حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة لا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العالمين, ويدخلهم النار في أول الداخلين, إلا أن يتولوا, ومن تاب الله عليه: الناكح يده, والفاعل, والمفعول, والمفعول به, ومدمن الخمر, والضارب والديه حتى يستغيثا, والمؤذي جيرانه حتى يلعنه الناس, والناكح حليلة جاره" وهو عند الحسن بن عرفه في جزئه المشهور, وأخرجه الحاكم, وعلي تسليم أن الحديث ضعيف, فليس كل ضعيف لا يعمل به, وأفاض في هذه المسألة

والدليل السادس: ثبت في علم الطب, أن الاستمناء يورث عدة أمراض, منها أنه يضعف البصر, ويقلل من حدته المعتادة إلي حد بعيد وذكر أمراضا كثيرة عن كتب طبية متخصصة وحيث ثبت ذلك فهو حرام, لأن الأصل المضار التحريم

والباب الثاني في رد القول بجواز الاستمناء, وتتبع أقوال العلماء الذين جنحوا إلي ذلك, وهم بعض الحنابلة والحنفية, وسبقهم إلي ذلك بعض السلف كابن عباس وقتادة, ومجاهد ثم رد قول من قال: إن المني فضلة, وذلك بقوله تعالي:

أفرءيتم ما تمنون ءأنتم تخلقونه أم نحن الخلقون [الواقعة: 58 – 59], والله جل جلاله لا يمن علي عباده بأمر حقير كالفضلات, وإنما يمن عليهم بأمر عظيم الأهمية لهم فيها منافع دنيوية, وخروج المني له أحكام كثيرة تخالف أحكام الفصد والحجامة

ثم جعل الخاتمة في فصلين: الأول: في نص السؤال الذي جاءه ونشر بمجلة الإسلام, وجوابه, وفيه ما يجتني ويستفاد

والثاني: في الحض علي غض البصر وحفظ الفرج, وذكر الآيات وطائفة من الأحاديث, فأجاد وأفاد رحمه الله جل جلاله وأعلي مقامه

31- إتحاف الأذكياء بجوار التوسل بالأنبياء والأولياء:

وهذا البحث واحد من عدة بحوث في الموضوع كتبها السيد الشريف الحافظ عبد الله ردا علي الموجة التي انتشرت مع انتشار أفكار ابن تيمية التي تطورت كثيرا وأبعدت, ومن ذلك رفض التوسل وإنكاره, بل وتحريمه, ورمي فاعله بالشرك وغيره

قال رحمه الله تعالي: طبعت فيما مضي رسالة صغيرة سميتها: (إتحاف الأذكياء بما ورد في التوسل بسيد الأنبياء وغيره من الصالحين والأولياء) جمعت فيها ما تيسر الوقوف عليه إذ ذاك من الآثار الدالة علي جواز التوسل وأنه لا إشراك فيه ولا كفر, خلافا لما يزعم الوهابية المتنطعون, وقد لقيت هذه الرسالة علي صغرها رواجا وإقبالا حتى نفدت نسخها, فأردت أن أعيد طبعها مع زيادة فوائد انتقيتها من كتابي (الرد المحكم المتين علي كتاب القول المبين في حكم دعاء ونداء الموتى من الأنبياء والأولياء والصالحين) ورتبتها علي بابين

ثم ذكر أربعة عشر دليلا أولها: قوله تعالي: فتلقى ءادم من ربه كلمت فتاب عليه انه هو التواب الرحيم [البقرة: 37], وذكر حديث محمد الباقر في توسل آدم بعد الخطيئة, وقوله: "اللهم إني أسألك بجاه محمد عبدك وكرامته عليك أن تغفر لي خطيئتي"

والثاني: قوله تعالي في سورة البقرة: ولما جاءهم كتب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون علي الذين كفروا [البقرة: 89], ونقل عن (دلائل النبوة) لأبي نعيم إلي ابن عباس, قال: كان يهود بني قريظة والنضير من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم يستفتحون علي الذين كفروا فيقولون: "اللهم إنا نستنصرك بحق النبي الأمي إلا نصرتنا فينصرون" ووجه الدلالة في الآية أن الله أقر استفتاح اليهود بالرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينكره عليهم, وإنما ذمهم علي الكفر والجحود

الثالث: قوله تعالي في سورة النساء: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما [النساء: 64]

وهذه الآية وان كانت نزلت بسبب المنافقين المتحاكمين إلي الطاغوت, فهي عامة تشمل كل عاص ومقصر, وتدل علي الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم في حالتي حياته ووفاته, لأن كلا من فعلي المجيء والاستغفار وقع في سياق الشرط والفعل في سياق الشرط يدل علي العموم والاستشفاع في حال الحياة ظاهر لي فيه خلاف

والأنبياء أحياء في قبورهم بنص الكتاب والسنة والإجماع, وذكر هذه الأدلة السيد الشريف الحافظ عبد الله

الدليل الرابع: قوله تعالي: أولئك الذين يدعون يبتغون إلي ربهم الوسيلة أيهم أقرب [الإسراء: 57], والوسيلة كل ما يتقرب به إلي الله تعالي, وقوله: أيهم أقرب معناه: ينظرون أيهم أقرب إلي الله فيتوسلون به والعلماء علي اختلاف مذاهبهم متفقون علي جواز التوسل, وأنهم لا يرون به بأسا

والخامس: ما رواه الحاكم في (المستدرك) والطبراني عن عمر بن الخطاب, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما اقترف آدم الخطيئة قال: يارب أسألك بحق محمد لما غفرت لي", وان كان الحديث ضعيفا كما بين ذلك البيهقي في (الدلائل)

والسادس: ما رواه الطبراني في( معجميه الكبير والأوسط) بسنده عن أنس قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنها, دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجلس عند رأسها فقال: "الله الذي يحيي ويميت, وهو حي لا يموت, اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها, بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي, فانك أرحم الراحمين"

السابع: ما أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه, ويدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة"

والتوسل فيه ظاهر

الثامن: ما أخرجه البزار عن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم, ووفاتي خير لكم, تعرض علي أعمالكم, فما رأيت من خير حمدت الله, وما رأيت من شر استغفرت لكم", قال الحافظ العراقي في (طرح التثريب): إسناده جيد

العاشر: حديث أبي سعيد الخدري عند ابن ماجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خرج من بيته للصلاة, فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك, وبحق ممشاي هذا" الحديث, وصححه ابن خزيمة, وحسنه غير واحد

الحادي عشر: ما أخرجه الطبراني عن أمية بن عبد الله بن خالد, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المسلمين, وفي رواية: يستنصر بصعاليك المسلمين, قال المنذرى: رواته رواة الصحيح وهو مرسل

الثاني عشر: ما أخرجه أحمد في (المسند) عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا, كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقي بهم الغيث, وينتصر بهم علي الأعداء" وهو حديث صحيح, وفيه انقطاع بين شريح بن عبيد وعلي بن أبي طالب وله شواهد

الثالث عشر: ما رواه الطبراني والبزار وحسنه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله ملائكة في الأرض سوي الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر, فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فلينادي: أعينوا عباد الله", ورجاله ثقات, ومثله عن عتبة بن غزوان, وفي ذلك جواز الاستعانة والاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه

الرابع عشر: ما أخرجه أبو يعلي من طريقتين عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليأتين علي الناس زمان يخرج جيش من جيوشهم فيقال: هل فيكم من صحب محمدا فيستنصرون فينصرون" ورجال الطريقين رجال (الصحيحين), وهذا دليل علي التوسل بالصحابة والاستنصار بهم

ثم ذكر عددا من الآثار ونحوها من أعمال السلف الصالح, فأتي بغرر, ثم قال: وأقوال العلماء في هذا الباب إبطال لدعوى ابن تيمية أنه لم يأت عن أحد من الصحابة, ولا التابعين, ولا علماء السلف؛ أنه أتي إلي قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره وتوسل به إلي الله, وأنهم إنما كانوا يتوسلون به حال الحياة كما فعل عمر في الاستسقاء بالعباس, فانه قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا, وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا, ولا شك أن هذه الدعوى من ابن تيمية باطلة كما تبين مما نقلناه

وأقوال: إن تحرير السيد الشريف الحافظ عبد الله لهذه الأدلة وحسن سياقها كانت محل عناية ودرس واقتباس من كل من عاصر السيد الشريف الحافظ عبد الله أو جاء بعده

وله أكثر من بحث في الموضوع كرسالته المسماة: "إرغام المبتدع الغبي بجوار التوسل بالنبي" وقد رد فيه علي الشيخ محمد ناصر الدين الألباني, وهي مطبوعة عدة مرات

32- سمير الصالحين:

وقد صدر في ثلاثة أجزاء, عن دار رسائل الجيب الإسلامية, تحت عنوان (القصص الديني المختار) وقال في مقدمة الجزء الثاني: هذه بضع قصص دينية انتقيناها من بعض كتب السنة النبوية, وهي جزء من محفوظاتنا والحمد لله, وتخيرنا في شرح ألفاظها وجملها أوضح العبارات وأسهل الأساليب, ولم نمل من تكرار يقتضيه الحال, كما لم نتحاش عن تطويل ربما يعد من باب الإسهال والملال, وعنينا بتتبع ألفاظ القصة واستخراج ما تدل عليه من معان لغوية, وأحكام فقهية, ولطائف أدبية إلي غير ذلك من الاستطرادات والفوائد, وقصدنا بهذا أن ينتفع بالكتاب جميع القراء

وهذا الكتاب مفيد جدا للشباب الناشئ, فقد اختار قصصا صحيحة أو حسنة الثبوت بالجملة, وبين مصادرها بإيجاز علمي, وعلق عليها تعليقات رائقة, لغة وفقها وتربية, ومن ذلك قصة الخضر, وقصة الملك الذي ترك ملكه, وقصة الرجل الذي زار أخا له في قرية, وقصة إبراهيم الخليل, وقصة موسي واغتساله عريانا, وقصة أصحاب الغار الثلاثة, وقصة الأبرص والأقرع والأعمى في بني إسرائيل, وقصة الملك والغلام والساحر, وقصة صاحب الحديقة الذي سقت السحابة حديقته, وقصة جريج الراهب, وقصة الرضيع الذي كلم أمه, وقصة ما شطة بنت فرعون وغيرها

وهذه القصص الصحيحة في ثبوتها مفيدة جدا للوعاظ والخطباء والمربين وغيرهم

33- خواطر دينية:

قال في مقدمته: " هذه ورقات كتبت فيها ما سنح لي من بحوث تتعلق بآيات من كتاب الله تعالي, وأحاديث نبوية, وغير ذلك من المسائل العلمية, واعتمدت فيها علي حفظي وفهمي, إذ لم يكن لدي حين كتابتها مرجع علمي يرجع إليه إلا (تفسير الجلالين) وسيجد القارئ فيها تحقيقات نفسية وفقت اليها وافتتحتها برسالة في معني الإيمان المنجي يوم القيامة, لأثبت عقيدتي التي هي عقيدة الفرقة الناجية تأسيا بمن فعل ذلك من العلماء قبلي, ولأني رأيت كثيرا من المسلمين في هذا العصر لا يفهمون معني الإيمان حق الفهم, فيغلطون في بعض أركانه غلطا يؤدي خدش في عقيدتهم, وهم لا يشعرون, وفي ذلك خطر كبير لو يعلمون.  

ثم ذكر معني الإيمان بالله سبحانه, والملائكة, والرسل, وذكر عددهم الذي جاء في الأحاديث وأفضلهم, والإيمان بالكتب واليوم الآخر وما فيه, والإيمان بالقدر, ثم تحدث عن تلازم أركان الإيمان, وتأبيد الكفار في النار

وقد أتي في هذه الخواطر بمباحث متعددة من دقائق العقائد والتسفير, ودقائق الفقه والأصول والحديث, والرقائق, والأفكار الحديثة التي يؤصلها من النصوص والتاريخ

من ذلك: صيغ الوجوب, والأنبياء لا يبلون بعد الموت, ومعني خيانة امرأتي نوح ولوط, وقصة الغرانيق باطلة, وقصة زيد وزوجة زينب, وأدلة نبوة الخضر عليه السلام, ولم يكن في الجن نصارى, والحشرات والحيوانات المذكورة في القرآن, والتجارة في الحرام, وبعض المعجزات النبوية, وأنواع النفاق, وتصحيح لأفهام أخطأت في آيات, كما قوله تعالي: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطن [الرحمن: 33], وتفسير آيات معينة هي من جوامع الآيات القرآنية, والحصانة الدبلوماسية في القرآن إلي غير ذلك من دقائق العلم والمعرفة, وكانت هذه الخواطر في غاية الدقة والإفادة, انه كتاب يصلح لعامة المثقفين وخاصتهم

34- الكنز الثمين في أحاديث النبي الأمين:

وقد جرد في هذا الكتاب الأحاديث الثابتة في (الجامع الصغير) للإمام السيوطي, وضم إليها أحاديث ثابتة من مصادر أخري كـ(الترغيب والترهيب) للمنذري, و(الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف) للحافظ ابن حجر العسقلاني, و(المقاصد الحسنة) للسخاوي وبعض مؤلفاته, ومن محفوظاته التي اختزنها في ذاكرته

وقدم له بخمس فوائد حديثية هامة:

أولاها: في بيان الحديث الثابت ما هو؟ ومشروعية العمل به, ورتب فيه درجات الحديث الصحيح, ودرجات الحديث الضعيف بما يندر وجوده مجموعا في كتاب آخر

وثانيتها: بيان أول من جمع الأحاديث مجردة مرتبة بدءا من القضاعي في كتابه: (الشهاب في الأمثال والحكم والآداب) وانتهاء بضياء الدين الكشمخانوي إلي ألف كتاب (راموز الأحاديث) وذكر من خرج علي الشهاب أو اعتني به ومن اهتم بـ(فردوس الأخبار)

وثالثتها: بيان قدر (الجامع الصغير) للسيوطي ومزاياه, ومن اعتني بشرحه واختصاره أو جرد بعض الأحاديث منه

ورابعتها: بيان خطته في (الكنز الثمين) وأنه لم يقصد الاستيعاب, وأنه ترك بعض الأحاديث عن قصد لما فيها من شذوذ نكارة, أو مخالفة لما هو أصح منها, واقتصر علي ما تمس الحاجة إليه في مجتمعنا من الأحاديث التي تهذب أخلاقه, وتقوم طباعه, وتربي خشية الله فيه, وبين رموزه في عزو الأحاديث

وخامستها: بيان ما يمكن أن يستفيده قارئ هذا الكتاب من أحاديث صحيحة وحسنة تعزي إلي كتب غير مختصة بذلك, ولا يصل إليها المتمكن من علم الحديث, في فوائد أخري يستفيدها قارئ هذا الكتاب, مما يجعله مفيدا للمفسر والفقيه والواعظ والمتكلم وسائر طبقات الفقهاء

وقال في خاتمته: وليعلم أني كتبته غريبا عن أهلي, بعيدا عن كتبي, معتمدا علي فضل الله – وفيه غناء – علي ما جادت به ذاكرتي وسمحت به حافظتي مما اختزنته فيها من مطالعات لكتب الحديث ومراجعات لقواعده

وقال في خاتمته: فقد كنت أملي علي الناسخ وهو يكتب, وأسترسل في الإملاء حتى أملي مئة حديث أو أكثر

وقد أودع فيه أربعة آلاف حديث وستمئة وستة وعشرين حديثا

ولما كان قد أملي هذا العدد, وهو بعيد عن كتبه في غربة وكربة, فقد وقع فيه أوهام – وليست بالكثيرة – وخاصة في التصحيح والتضعيف, وكان يتمني أن يعيد النظر فيه ويمحصها

وقد قال رحمه الله جل جلاله في كتابه (سبيل التوفيق), ص96: "غير أن كتاب (الكنز الثمين) لست راضيا عنه, لأني كتبته في حال تضييق وتشديد كما سبق, وعدم وجود مراجع, فجاءت فيه أحاديث ضعيفة كثيرة, ولو وجدت فراغا لنقحته, وهذبته, وحذفت ما فيه من الضعيف"

والعجب بعد ذلك ممن يحاول أن ينال من منزلة الشيخ في الحديث, ورسوخ قدمه فيه, جاعلا هذا الكتاب غرضا لسهامه, في كل مناسبة, مع ما سبق من ظروف تأليفه, ورأي مؤلفه رحمه الله جل جلاله فيه, وعدم رضاه عنه, وعدم تفرغه لتنقيحه, ولا يخفي – بعد ذلك – أن قضايا التصحيح والتضعيف اجتهادية يختلف فيها العلماء, ويغيرون اجتهادهم بناء علي ما يجد لهم من معارف, ولكن يبقي لهذا الكتاب قدره ومكانته وأهميته وفضله

35- الحاوي في الفتاوى:

لقد عاش السيد الشريف الحافظ عبد الله في مصر منافحا عن الإسلام, معرفا بمحاسنه, ناشرا للسنة النبوية, مدرسا للطلبة من جميع الأنحاء متصلا بالمجتمع بوسائط عديدة, ومن خلال حضوره العلمي المتميز عرفه الخاص والعام من أهل الثقافة والفكر في مصر وغيرها من بلاد الاسلام

ومن جملة أعماله العلمية وخدمته للرسالة الإسلامية ما كان يخص به بعض المجلات بالمقالات والفتاوى والردود علي الشبه, والتصحيحات للمفاهيم, وكان من جملة المجلات التي كتب فيها مجلة (الشرق العربي) القاهرية, ومجلة (الإسلام) وقد تولي فيها ركن الإفتاء والإجابة علي أسئلة القراء في هذا الباب, فجاء الشيخ إبراهيم أحمد شحاته أحد طلابه ومحبيه فجمع هذه الفتاوى من سنة (1947هـ = 1982 م) وقال: حذفت منها أسئلة المواريث والطلاق لأنها تخص أصحابها فقط, وطبعت (142هـ = 1982 م) بدار الأنصار بالقاهرة, وكان ذلك في حياة السيد الشريف الحافظ عبد الله, فقدم الشيخ إبراهيم شحاتة للباحثين والفقهاء وغيرهم, عملا علميا متميزا

ومن النظر في هذه الفتاوى يتبين أنها شاملة لجميع الأبواب ففيها أحكام في العقائد, والعبادات والمعاملات والآداب والأخلاق, وكثير مما هو في دنيا المسلمين, ومن ذلك حول نسبة المعاصي للأنبياء, والفارق بين اليهودية والإسلام, وظهور المسيح الدجال والمهدي, وعموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الأرض والملائكة, وسؤال القبر وكيفيته, والصراط وأدلة وجوده

ومن ذلك تعدد الجمعة, والعمل عند المسلم الفاسق, واقتناء الصحف والمجلات التي فيها صور فاضحة, والعمل في البنوك التي تتعامل بالفوائد الربوية, وحكم الانضمام إلي الأحزاب السياسية, وتحضير الأرواح, وحكم الاحتفال بشم النسيم – وهو عيد وثني في مصر – واحتساب الضريبة الحكومية من الزكاة المفروضة مع الإفاضة في مسائل حديثية كثيرة, ودقائق هذا العلم

وتمتاز هذه الفتاوى بالدقة والاختصار, والشجاعة وتسمية الأشياء بمسمياتها, فهو كتاب يذكر بفتاوى الأوائل كفتاوى العز بن عبد السلام والنووي, وابن الصلاح, ومن قرأ تلك الفتاوى بإنصاف دون أن يعرف مصنفيها, سيجد أنه يفوقها في كثير من الجوانب العلمية والتحقيقية مع إيجاز العبارة ودقة الاشارة

ثم أتبع الشيخ إبراهيم أحمد شحاته هذا الجزء بجزء آخر: قال في مقدمته: كان لي مع السيد الشريف الحافظ عبد الله كثير من المراسلات الدينية التي كنت أسأل فيها سيادته عما كان يشكل علي فيما (يعتريني) من أمور كنت أجهل حكم الإسلام فيها

وكذلك سأله مثلي فضيلة الشيخ عبد السلام ماضي في العديد من المسائل التي كانت تشكل عليه في كتب التفسير وفقه المذاهب الأربعة وغيرها

وقد قمت بحمد الله وتوفيقه بجمع هذه الأجوبة علي أسئلتي وأسئلة الشيخ عبد السلام ماضي في هذا الكتاب ليكون الجزء الثالث من الحاوي في فتاوى الحافظ أبي الفضل عبد الله الصديق الغماري

وفي هذا الجزء قضايا علمية أوسع من الجزء الأول هي خلاصة أبحاث السيد الشريف الحافظ عبد الله وتطوافه في الثقافة الإسلامية ومصنفاتها, فمن بيان قيمة كتب معينة إلي نقد كتب أخري, إلي بيان رأيه في أشخاص معروفين كطه حسين, وشلتوت, والألباني, إلي بيان قيمة أحاديث نبوية وتفسير لآيات قرآنية, إلي بيان أحكام الشريعة في قضايا عصرية, من ذلك المعايدة, وعمل المرأة واستحلال تبرج النساء, وحكم سفرها بدون محرم, وكيفية حساب زكاة التجارة, وزكاة المصائغ, وحكم العمل في البنوك والجمارك والمحاكم, وسقوط نفقة البنت العاملة, ومداراة الناس, ووجود الراديو في المسجد, وقبول المال من الحاكم, وحكم شرب الدخان, مع كثير من المباحث الفقهية المتكررة عند الأقدمين, مع تحقيقات علمية كتقبيل قدم النبي صلى الله عليه وسلم, وسيدنا موسي مع القبطي, وموقف الصحابة من الحجاج, وزواج علي بفاطمة عليهما السلام, وفضائل الصديق رضي الله عنه, وخطبة النبي صلى الله عليه وسلم لأم هانئ, وفضائل إبراهيم, والفاحشة التي صرفت عن يوسف, وغير ذلك من المباحث النفيسة والإجابات الدقيقة, وقد ذكر الشيخ إبراهيم شحاتة أنه سيجعل الجزء الثاني بعد هذا الثالث لفتاوى السيد الشريف الحافظ عبد الله التي نشرت بمجلة (الإسلام) القاهرية ولا أدري هل طبعه أم لا؟ فان فعل ذلك فانه سيفيدنا الأجيال علما جما إن شاء الله

****************************************************

أسانيد الكتب السبعة في الحديث

الصحيحين, والسنن الأربعة, وموطأ الإمام مالك

1- كتاب (صحيح البخاري):

أخبرني به أبو عبد الله محمد إمام, خطيب الجامع الأزهر, قال أخبرنا والدي أبو المعالي إبراهيم بن علي بن الحسن الشهير بالسقا, عن ولي الله محمد ثعيلب بن سالم بن ناصر الفشني, عن أبي العباس شهاب الدين أحمد بن عبد الفتاح الملوي, عن أبي العز محمد بن أحمد بن أحمد العجمي, عن شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب الشوبري, عن شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الرملي, عن زين الدين زكريا بن محمد الأنصاري, عن البرهان إبراهيم بن أحمد التنوخي البعلي الدمشقي ثم القاهري, عن الشهاب أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجار, عن السراج أبي عبد الله الحسين بن المبارك الزبيدي ثم البغدادي, عن أبي الوقت عبد الأول بن عيسي السجزي الهروي, عن أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداوودي البوشنجي, عن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي, عن أبي عبد الله محمد بن يوسف الفربري, عن الإمام الحجة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري

وبهذا السند أروي كتبه مثل (الأدب المفرد), و(خلق أفعال العباد), و(القراءة خلف الإمام), و(التاريخ الكبير), و(التاريخ الصغير)

2- كتاب (صحيح مسلم):

أرويه عن الشيخ محمد دويدار الكفراوي التلاوي, عن الشيخ إبراهيم الباجوري, عن أبي عبد الله محمد بن محمد الأمير, عن أبي الحسن علي بن محمد العربي السقاط, عن إبراهيم الفيومي, عن أحمد الغرقاوي, عن الشيخ علي الأجهوري, عن نور الدين علي بن أبي بكر القراني, عن الحافظ جلال الدين السيوطي, عن علم الدين البلقيني, عن برهان الدين أبي إسحاق التنوخي, عن أبي الفضل سليمان بن حمزة, عن أبي الحسن علي بن الحسين ابن المقيتر, عن الحافظ أبي الفضل محمد بن ناصر السلامي, عن الحافظ أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن منده, عن الحافظ أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الجوزقي, عن أبي الحسن مكي بن عبدان النيسابوري, عن الإمام الحجة أبي الحجاج مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري

وبهذا السند نروي بقية كتبه مثل كتاب (المسند الكبير) وكتاب (الجامع الكبير), وكتاب (أوهام المحدثين), وكتاب (العلل), وكتاب (طبقات التابعين), وكتاب (المخضرمين)

3- كتاب (السنن) لأبي داود:

نرويها بالسند السابق إلي الحافظ السيوطي, قال: أنبأنا محمد بن مقبل الحلبي, عن صلاح الدين محمد بن أبي عمر, عن الفخر ابن البخاري, عن أبي المكارم أحمد بن محمد اللبان, عن أبي علي الحداد, عن الحافظ أبي نعيم, عن أبي بكر ابن داسة, عن الإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني

وبهذا السند نروي بقية كتبه مثل كتاب (المراسيل), وكتاب (القدر), وكتاب (الناسخ والمنسوخ), وكتاب (مسند مالك), و(فضائل الأنصار)

4- كتاب (سنن الترمذي):

أرويها عن الشيخ عمر بن حمدان, عن نصر الله بن عبد القادر الخطيب, عن عبد الله التل المعمر عن الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي, عن النجم محمد بن البدر الغزي, عن أبيه, عن جمال الدين أبي الفتح إبراهيم بن علي القلقشندي, عن الحافظ ابن حجر, عن أبي إسحاق التنوخي, قال: أنبأنا الحافظان أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزي, وأبو محمد القاسم بن محمد البرزالي, قالا: أنبأنا الفخر أبو الحسن علي بن أحمد البخاري, عن عمر بن طبرزد البغدادي, أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الكروخي, أخبرنا القاضي أبو عامر محمود بن القاسم بن محمد الأزدي, أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن محمد عبد الله الجراحي المروزي, أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي المروزي, أخبرنا الحافظ أبو عيسي محمد بن عيسي بن سورة بن موسي الترمذي

وبهذا السند نروي كتابيه (الشمائل المحمدية) و(العلل)

5- كتاب (سنن النسائي):

نرويها بالسند السابق إلي أبي إسحاق التنوخي, قال: أنبأنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب الحجار, أنبأنا أبو طالب عبد اللطيف بن محمد بن القبيطي, أنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي, أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمد الدوني, أنبأنا أبو نصر أحمد بن الحسين, أنبأنا الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد ابن إسحاق السني, أخبرنا الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان بن دينار النسائي

وبهذا السند نروي بقية كتبه مثل كتاب (عمل اليوم والليلة) و(مسند علي) و(خصائص علي) و(مسند مالك) و(التفسير) وكتاب (الملائكة) و(الطب)

6- كتاب (سنن ابن ماجه):

نرويها بالسند السابق إلي الحافظ ابن حجر قال: قرأتها علي أبي الحسن علي بن محمد بن أبي المجد الدمشقي في أربعة مجالس بإجازته – إن لم يكن سماعا – عن أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجار, قال: أنبأنا الأنجب بن أبي السعادات, أنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي, أنبأنا أبو منصور عمر بن الحسين بن أحمد بن الهيثم المقومي, أنبأنا أبو طلحة القاسم بن أبي المنذر الخطيب, أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة بن بحر القطان, أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد ماجه القزويني وماجه لقب يزيد

وبهذا السند نروي كتابه في (التفسير)

7- كتاب (الموطأ) للإمام مالك:

أنبأنا به سعيد بن أحمد الفرا الدمشقي, أنبأنا علاء الدين بن محمد بن عمر الحسيني, أنبأنا أبي, أنبأنا محمد بن عبد الرحمن الكزبري, أنبأنا أبي, أنبأنا أبو المواهب الحنبلي, أنبأنا أبي, أنبأنا شمس الدين محمد بن عبد الله الأنصاري, أنبأنا محمد بن الخليل اليشبكي, أخبرنا أبو الفضل الحافظ, أخبرنا أبو إسحاق التنوخي, أخبرنا أبو عبد الله محمد بن جابر بن محمد القيسي الوادي آشي, أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون, أخبرنا أبو القاسم أحمد بن يزيد بن أحمد بن بقي, أخبرنا محمد بن عبد الحق الخزرجي, أخبرنا محمد بن فرج مولي ابن الطلاع, أخبرنا يونس بن عبد الله بن مغيث الصفار, أخبرنا أبو عيسي يحيي بن عبد الله بن يحيي بن يحيي بن يحيي الليثي, أخبرنا عم أبي عبيد الله بن يحيي بن يحيي, أخبرنا أبي, أخبرنا الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة, وعالم الحجاز

ولنا أسانيد أخري إلي هذه الكتب وغيرها, حذفناها اختصارا

****************************************************

إجازته للمؤلف

لقد كانت إجازته رحمه الله جل جلاله مقصد المحدثين من مشارق الأرض ومغاربها لعلوها, وكثرة وسائطها, وتعدد طرقها

ولم يكن يضن رحمه الله جل جلاله بها حرصا منه علي تكثير سواد أهل الحديث وتعظيم جمعهم, وتوسيع دائرتهم, وتحبيب السنة الشريفة اليهم

وقد أجازني رحمه الله جل جلاله أكثر من مرة شفاها, وكتب لي بها مرتين, وفي أولاهما ذيلها بخطه المبارك بإجازة لولدي المهندس الدكتور محمود حفظه الله ورعاه، وكان يافعا، محبا للسيد عبد الله، يجلس إليه باهتمام ولا يمل، ويصغي لأحاديثه مع الكبار بشوق، ويتحفظ ما يسمع منه، رحمه الله وأعلي مقامه

وقد احتفظت بها أعلاقا نفسية تصان، ودررا عزيزة غالية تورث، وشرفا يشير إلي رفعة الانتماء

وهناك كتب وأبحاث أخري كلها مفيدة ونافعة يجد فيها الباحث الدارس وهو يقرؤها سرا خاصا، وطلاوة متميزة بما يحشوها من الفوائد والتحقيقات والخلاصات العلمية لأبحاث شائكة بلغة سهلة قريبة وحز في المفصل دقيق

وأما الكتب التي حققها فكثيرة، وله فيها حسن الانتقاء أولا، والاقتصاد في التحقيق الذي يقتصر على حد إيضاح النص، وكان يعيب جدا على الذين يطولون الصفحات ويتقعرون في التعليقات، كما هو دأب كثير من طلاب العلم ومبتدئية

وختاما

فاني أسأل الله جلت قدرته، أن يجازي السيد الشريف الحافظ عبد الله بن الصديق أحسن الجزاء لما أسداه للمعرفة الإسلامية، من أبحاث رائقة، ودراسات فائقة، استدرك فيها طورا على الأوائل، وصحح حينا السير لكثير من المعاصرين، ودفع أحيانا أخري شبه الأغمار الأغرار والمتنطعين وقصر حياته كلها من طفولته إلي وفاته، علي خدمة هذا الدين، وتحمل كثيرا من المكاره في سبيل ذلك، راجيا أن يكون في عداد المجاهدين الصابرين، فاللهم اجعله منهم، وأعل مقامه عندك معهم

وما تزال دراساته وكتبه منارا شامخا للباحثين، واني أرجو الله عزوجل أن ييسر جمعها كلها في موسوعة شاملة تضم كل ما كتبه وسطره من كتب ورسائل وفتاوى، ومحاضرات، فهي مرآة لمجتمع كان يموج بتيارات فكرية عديدة، لمدة غير قصيرة من الزمان، وصدى وأثرا لهذا المجتمع الحافل بما أطلقه من كلمات حق ساطعة وآراء تستند إلى حجة نيرة ودليل قويم

ولا يسعني هنا إلا أن أنوه وأشكر كل من ساعدني علي إنجاز هذا الكتاب تشجيعا وحثا، وعلى رأسهم الأخ النبيل الأستاذ محمد علي دولة صاحب دار القلم بدمشق، وزوجتي أم محمود، وأولادي، احمد سيف الدين، والدكتورة حليمة، والدكتورة سيرين، والدكتور محمود حفظهم الله وتولاهم وسدد خطاهم

والشكر كذلك للأستاذ محسن العرفاوي الذي كان يأخذ ما أخطه بيدي فيكتبه بالحاسوب …

وختام الختام فانا نضرع إلي الله جل جلاله في البدء والتمام أن يصلي علي سيد الأنام محمد بن عبد الله وعلي آله الطيبين وصحابته الكرام, ونسألك يا الله أن تعلي راية الإسلام وأن تحفظنا في ديننا ودنيانا, وتنفع بما كتبناه ونكتبه, تعريفا بكتابك وسنة نبيك وحملة شريعتك, علي الدوام وأن تحشرنا يوم العرض عليك في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك, سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا, انك أنت العليم الحكيم

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

وكتبه خادم القرآن والسنة الأستاذ الدكتور فاروق بن محمود حمادة كان الله له

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثانيا

١ – تعريف الحافظ المحدث العلامة المتقن الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق بن محمـد الصديق الغماري الحسني بقلم شقيقه الأكبر الحافظ السيد أحمد بن الصديق الغماري.

(فصل ولادته وبداية نشأته):

وأما الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق، فَوُلِد في أحد الجُمادَينِ، سنة ثمان وعشرين، ثم دخل المكتب فحفظ القرآن وهو ابنُ خمس سنينَ، على الفقيه أبي حامد العَرْبِي بُودْرَهُ، ثم بعد على الفقيه عبد الكريمِ البَرَّاق، ثمَّ بعده على الفقيه محمد الأندلسي، وعليه جمعَ القُرْآنَ، وحفِظَه، وأتقَنَ عِلمَ رسمِ القُرْآنِ. وَكَانَ فِي صِغَرِهِ كثير البحث والسؤال للوالدِ عَنِ المسائل العلميَّة في شَتَّى الفُنونِ، وكذلك كانَ يسألني. ولما توجهتُ إلى القاهرة، كان يُراسِلني بالأسئلةِ، وَبِسَبَبِ سُؤالِهِ أَلَفْتُ عِدَّةَ مؤلفات، كجزء المَمْسُوخِين"، و"رسالة نُبُوَّة خالد بن سنان والخضر والنساء"، و"تخريج أحاديث الشهاب"، وغيرها مع أجوبة مُطوَّلةٍ في مسائل متعدّدة. ثم ما قدِمْتُ حضَرَ عليَّ في "الآجرومية" و"مُنتَقَى الأخبار"، و"الشمائل" وغيرها.

(القراءة بالقرويين):

ثم توجه إلى فاس في شَوَّال سنة أربع وأربعين، فأخَذَ بها الفقة على عبد السلام العلوي، والأصول على الحسين العِراقي وغيره، وكذلك أخذ عن

(۱) مأخوذة من كتاب "سبحة العقيق بمناقب الشيخ سيدي محمد بن الصديق" رضي الله عنه (ل۳۸۳-۳۸۹)، وقد أثبتنا الترجمة بنصها، وما بين المعقوفتين عناوين تعريفية.

الحبيب المهاجي، والعَبَّاس البناني، والرَّضِي الجنس، وغيرهم.

وبرع في النَّحوِ والصَّرفِ وعلوم العربيَّة، وحصل منه إقبال وإكباب عليهما، وألف شرحًا حافلا على "الآجرومية" في مجلد سميته له: "تَشْيِيد المباني لما حَوَتْه المقدمة الآجرومية من الحقائق والمعاني".

أخذ

(توجهه للقاهرة وقراءته بالأزهر): ثم توجه معي إلى القاهرة في سنة تسع وأربعين، فأخذ بها الفقه المالكي عن الشيخ عمران قرأ عليه شرح الدردير "، والفقه الشافعي على عبدالمجيد الشرقاوي، ا عنه "شرح الخطيب على أبي شُجَاع"، وعن الشَّيخ عِزَّت الشافعي، أخذ عنه "شرح المنهج" لشيخ الإسلام بحاشية البجيرمي، والفرائضَ على عبد المجيد المتقدم، والأصول على محمد بن حَسَنين بن مخلوف العدوي، وكذلك آداب البحث والمناظرة والمنطق، على محمود الإمام، وعلى الطرابلسي. قرأ على الأول "تهذيب الخبيصي"، وعلى الثاني "السلم" للأخضري. وأجاز له أبو الفضل أحمد رافع الطهطاوي، وعبدالحي الكتاني، ومحمد راغب الطباخ، وخليل الخالدي. وما كُنتُ بِالشَّام استجزْتُ له بَدرَ الدِّين البيباني، ومحمد سعيد الفرا. وأجزتُ له إجازة مطولة في سنة تسع وخمسين بطلب منه من القاهرة.

اهتمامه بالمعقولات ثم توجهه للحديث): وله ذكاء وفطنةٌ وإدرالكٌ مع غفْلَةٍ تَلحقه في بعض الأحيان، وكانَ ميَّالا بطبعه إلى المعقولات غير مُلتفت إلى الحديثِ وفنونه، وكنتُ أدعُوه إلى الاشتغال به المرة بعد الأخرى، وأقول له: «إنَّ النَّحْوَ وغيرَه مِنَ الآلاتِ لم تُقصَدْ لِذاتِها، وإنَّما وُضِعَتْ للتوصل بها إلى المقصودِ الأهم وهو عِلمُ الكتاب والسُّنَّة، ثم المشتغلون بها في الدُّنيا لا يُحْصَونَ، بل لا يُوجَدُ عَالِبًا إِلَّا مَن يَسْتَغِلُ

بهذه العلوم، وأمَّا السُّنَّة النَّبوية فعلماؤُها أقل مِنَ القليل».

فكانت.

فكان في بدايته يُسلَّم هذا ويُصِرُّ على الاشتغال بما هُوَ فيه، وربَّما عارض ما قُلتُ في بعض الأحيان، إلى أن سافر معي إلى القاهرة ولازمني تلك المدة الطويلة، سبب إقباله على الحديث وصرف وجهَتِه إليه، خصوصا لما صارت الأسئلة تتوارد عليه مِنْ بعض أصدقائنا المصريين؛ لِظَنَّهُم أَنَّهُ مِنْ أهل الحديث كأخِيهِ، فألجأه ذلك إلى الاشتغال بالحديث، وصار يكتب فيه المقالات المتعددة في "مجلة الإسلام" وغيرها، وتدرَّب بكُتبي وأجوبتي، وملازمتي، في معرفة رجال الحديث وصناعته، مع ذكائه وسرعة إدراكه. وألف فيه رسائل منها "إعلام النبيل بجواز التقبيل"، ردَّ به على مَنْ يمنعُ ذلك من فرق الوهابية، وهم الخطَّابِيَّة الموجودون بمصر؛ وكذلك "إتحاف الأذكياء بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء"، ردَّ به عليهم أيضًا، وكلتاهما مطبوعة بمصر؛ وردْعُ الأشرار عن جريمة الانتحار"، و"تخريج أحاديث المنهاج" للبيضاوي في الأصول، والاستقصاء لأدلة تحريم الاستمناء"، و"إقامة البرهان على نزول عِيسَى في آخِرِ الزمان"، و"الحجج البينات في إثبات الكرامات"، و"الردّ المحكم المتين على كتاب القول المبين"، وهو لبعض الوهابية، و"تخريج أحاديث اللُّمع" لأبي إسحاق الشيرازي، و"القول الواضح المُمَهَّد في عِلل الأحاديث الواردة في فضل التسمية بمحمد"، و"الأربعون في شكر النعم"، وغير ذلك.

(مختصر رسالته في تضعيف ونكارة حديث الأوْعالِ)

وقد كتب إليَّ يخبرني أنَّه أَلَّفَ رِسالة في إبطال حديث الأوعال، فكتبتُ إليه أُحَدِّرُه الإقدام على إبطال الأحاديثِ بِدُون تَنبت، وأُوعِدُهُ بالرَّدُّ عليه وإبطال ما كتب، خوفًا مِنْ أنْ يستهويه عُلماء الأزهر فَيَسِير نحو أهوائهم، لا أَعْلَمُهُ مِنْ مرور الغفلة عليه في بعض الأحيان.

فكتب إلي يقول: «أما حديث الأوعال فلَمْ أَضَعُفُه تَبَعًا لِهَوَى السنديوني ولا لغيره، فإنّي شحيح بعقيدتي والله الحمد، وإن كان علمي ليس بذاك. ولكن سر المسألة هو أنَّ حامِدًا الفقي طبع ردَّ الدَّارِمِي على بِشِّرِ المريسي، وفي هذا الردّ تجسِيمٌ صريح، كإثباتِ المكان الله تعالى، والحد، والقعود، والحركة، والنقل والخِفَّة، وغير ذلك مِنْ صِفاتِ المُحْدَثاتِ. فقام ضِدَّه جماعة وكتبوا يُفَنِّدون الكتاب وما فيه، ويَذْمُّونَ طابعه، منهم الشيخ الكوثري والشيخ الدجوي، وعبدالرحمن خليفة، وغيرهم. وكتب الشَّيخ اللبَّانُ سؤالًا إلى مشيخة الأزهر يتعلَّق بأشياء مِنْ ذلك الرد، فكان منها حديث الأوعال، وكان غرضُ الشَّيخ اللبان مِنْ سؤاله إِلْفاتَ نَظَرِ المشيخة إلى ما فعله حامد الفقي لِتُعاقبه على ذلك، فأحالت المشيخة سؤاله إلى لجنة مكونة مِنَ الشَّيخ أبي دقيقه وعيسى منون، والجبالي، والصغاني، فأجابوا بجواب فيه تخاليط وأغاليط.

وكان يما قالوه في هذا الحديثِ: «إنَّه حسن على رأي الترمذي، وصحيح.  الحاكم، وضعيفٌ عند آخرين، فمَنِ اعتقد ضعفه فله وجه، ومَنِ اعتقد صحته فله وجه»، في كلامٍ مِنْ هذا القبيل، وعَرَضُهُم أَنْ يُبَرَّءُوا جانِبَ الفقي حتَّى لا تقع عليه مسؤلية، مع عدم فهمهم لهذه الأشياء. 1.

فلما وصل الجواب إلى الشيخ اللبانِ أرادَ أَنْ يَردَّ ولَكنَّه لم يَدْرِ ما يُقدِّمُ ولا ما يؤخِّرُ، وكلَّم صاحِبَنا أحمد خيري ليُكلِّمَ الكَوْثَرِيَّ، فقال له: عندي مَنْ يقومُ بهذا غيرُ الكَوْثَري، وأحاله عليَّ.  فكتبتُ ردًّا عليهم بينتُ فيه خطأهم كلمةً كلمة، وضعَفْتُ الحديثَ، وهوَ الواقع مِنْ عدَّة وجوه أذكرها لكَ مُلخَصَةً: أولها: أنَّ الحديث تفرَّدَ به سماكُ بنُ حَرْبِ، وقد قال النَّسائي: إذا انفرد بأصل لم يكن حُجَّة، لأنَّه كان يُلَقَّنُ فيتلقَّنُ. وذكرت قول شعبة في قبوله لِلتَّلقين، وأنَّ التَّلْقِينَ مِنْ أَشدّ ما يُضعَفُ به الرَّاوي.

ثانيها: أنَّ سماك مختلفٌ فيه، فَوَثَقَه جماعةٌ وضعفه آخَرون، وذكَرْتُ مَنْ وثقه وضعفه.

ثم قُلتُ: إِنَّ تضعيفَ من ضعفه مقدَّم على توثيق مَنْ وثَقَه، لا لأنَّ الجَرحَ مقدم على التَّعديلِ، بل لأنَّ مَنْ ضَعَّفُوه بينوا سَبَبَ ضعفه، وذلك مُوجِبٌ تقديم كلامهم. ونقَلتُ من "التدريب" و"النخبة" ما يؤيد ذلك. وذكرتُ أنَّ احتجاج مُسلِمٍ بِسماك لا يُصَيّر حديثه حُجَّة على الإطلاق؛ لأنَّه إنَّما احتج به في أحاديث انتقاها مِنْ صحيح مسموعاته، وذكرتُ جوابًا عاما من الأجوبة التي أجابوا بها عَنِ الشَّيخَيْن.

ثالثها: ولو سلمنا أنَّ سِماكًا ثقةٌ وألغينا النَّظرَ عن تضعيفِ مَنْ ضعفه لوجَبَ ردُّ حديثه هذا؛ لأنَّه اختلف عليه فيه كما قال الحافظ في "التهذيب". وذكرت ذلك الاختلاف حسبها بهامشه.

رابعها: أنَّ شيخ سماك وهو عبد الله بن عُميرة، فيه جَهالَةٌ كما قال الذهبي، وقال إبراهيم الحربي: لا أعرفُه. وذكرتُ أنَّ إيرادَ ابنِ حبَّان له في "الثقات" لا يرفع عنه الجهالة؛ لأنَّ عادة ابن حبان في ذلك معروفةٌ، ونقلتُ كلام ابنِ عبدالهادي والسخاوي في هذا المعنى.

خامسها: أنَّ سندَ الحديثِ منقطع؛ لأنَّ عبد الله بن عُميرة لم يَسمَعْ مِنَ الأحنف بن قيس، ونقلتُ عبارة البخاري في ذلك.

سادسها: أنَّ ابنَ عَدِيٌّ ذكر هذا الحديث مع أحاديثَ أُخرى في ترجمة يحيى بنِ العلاء مِنَ "الكامل"، وقال: كلُّها غير محفوظة.

سابعها: أنَّ الحديث يخالف القرآنَ والأحاديث الصحيحة في صِفاتِ الملائكة؛ لأنَّ القرآن وصف الملائكة بأنّهم ذَوُو أجنحة، وفي بعض الآياتِ أطلق، ومُطلَقُها محمول على مقيَّدها. وكذلك الأحاديث الصحيحة جاءت على غرَارِ القُرآنِ، فبعضُها وصَفَ الملائكة بالأجْنِحَةِ، وبعضُها أطلق، ومُطلقها محمول على مقيَّدها. وهذا الحديث أفاد أنَّ حَمَلَةَ العرشِ منهم على صورة الأوعال، ولو صح لجاز أن يُخصَّ به عمومُ القرآنِ والسُّنَّةِ الصَّحيحة على قول الجمهور بجواز تخصيص القرآن بخبر الآحادِ، ولكن في سنده ما تقدَّم.

ثامنها: أنَّ الحديث يخالف القرآنَ أيضًا من ناحية أُخرى؛ لأنَّه يُفيدُ أَنَّ حَمَلَةَ العرش الآن ثمانية، والقرآنُ يُفيدُ أنَّهم ثمانية يوم القيامة لا الآن، قال تعالى: وَيَجْلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَدٍ تَمَنيَةٌ]الحاقة: ١٧[ومفهوم الظرف حُجَّةٌ عند الجمهور، لا سيّما وقد ورَدَ في الحديث ما يؤيد ذلك. وذكرتُ مُرْسَلَي ابنِ إسحاق وابن زيد، وهُما مُصرِّحان بأنَّ حملة العرش اليوم أربعة، ويؤيدهم الله يوم القيامة بأربعةٍ فيَصيرُون ثمانية.

تاسعها: أنَّ الحديث مُنْكَرُ المعنى، وبيان نكارته من وجهين:

أحدهما: أنَّ الله ذم المشركين على وصفهم الملائكة الذين هم عباد الرحمن بأنهم إناتٌ، وقال: ﴿ سَتَكْتَبُ شَهَدَتُهُمْ وَيُسْتَلُونَ ﴾]الزخرف: ١٩ [ولم يكن ليَنمهم على وصفهم الملائكة بصفة هي أشرفُ مِنَ الصفة التي هم عليها، كما يفيده حديث الأوعال، إذ مما لا شك فيه أنَّ الأنثى أشرفُ مِنَ الوَعْل. وثانيهما: أنَّ الوعل هو السَّيسُ الجَيَلِيُّ، والتّيس ليس مما يُستحسنُ الوصف به عند العرب وغيرهم، بل هو مَذمَّةٌ وعارٌ كما يُعلَمُ مِنْ كُتب الأمثال، وقد استعمل الشارعُ نفسه وصفَ التَّيْسِ في الدم، فسمَّى المُحَلَّل بالتَّيسِ المُستَعَارِ، وقال عنِ الذي يتخلَّفُ في نساء الغازين: «إِنَّ له نَبِيبًا كَنَبِيب التَّيْسِ». فكيف تكون حملة العرش وهمْ أَشْرَفُ الملائكة يحمِلُون أعظم مخلوق وأشرَفَه في العالم العلوي على أشكال تيوس، مع أنه لو وُصِف أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بِأَنَّه تَيس لكان ذلك في غاية الذَّمّ له؛ فالحديث في غاية النكارة. وقلت: فلو سلَّمنا سلامته مِنْ وجُوه الضَّعفِ السَّابقة، لوجَبَ رَدُّه لنكارته، بل لا يبعد أن يُحكم عليه بالوضع، كما فعل المحدثون فيما هو أقل نكارةِ مِنْ هذا. وذكرتُ بعض الأحاديث التي حَكَم الذهبي بوضعها للنَّكَارَة مع صحة سندها.

هذا ملخصُ الوُجُوه التي ضَعَفْتُ بها الحديث، وهي صحيحة مفيدة إلا الوجة السادس فإنّي ذكرتُه مع علمي بأنه لا يفيد أصلا؛ لأنَّ المردود عليهم لا يفهمون، ولأنهم استعملوا المغالطة فغالطتهم.

فإن كنت ترى في هذه الوجوه شيئًا فأخبرني به؛ مع الجواب عن حديث الرشوة والصريح، فإنَّه إلى الآن لم يَصِلْني هذا.

وأرجو أن تكتبوا لي إجازة موسعة تذكرون فيها مشايخكم باستقصاء، ومشايخهم كذلك إلى أن تصل إلى الأثباتِ المعروفة إلخ ما في كتابه المؤرخ في خامس وعشري ربيع الثاني سنة تسع وخمسين. المترجم

(جوابه عن مفعولي «قال» وأحوالها): وكان الشيخ الوالد قُدّس سِرُّه يُذاكره في المسائل النحوية، وإذا وقع ما يقتضي الكتابة في شيء منه أمره بذلك، ووجدتُ في محفظته جوابًا بخطّ نصه: «حضرةُ الشَّريف الجليل الأستاذ الفاضل، سيدي عبد الحفيظ حفظك الله، وسَلامٌ عليك ورحمة الله جل جلاله وبركاته. أما بعد: ذكرتَ في كتابك أمَّنَك الله، أنَّ البحاثة الأديبَ السَّيد محمَّدَ بنَ الأزرق سأل عن «قال: هل هي متعدّيةٌ؟ وذكرتَ أنَّ كُلَّ مَنْ وصله السُّؤال توقف في ذلك بعد جوابِه بأن تنصبَ الجُمل، وأنَّ الفقيه السيد محمد بن عبدِ الصَّمد أجابَ بأنَّها لازمةٌ، وطلبتَ مِنِّي تفصيل القول في ذلك. فاعْلَمْ أَنَّ للفعل المتعدي علامتين:

إحداهما: أن تتَّصل به هاءُ غيرِ المَصْدرِ على وجه لا يكون خبرًا، كما قالَ ابنُ مالك:

علامةُ الفِعْل المُعَدَّى أَنْ تَصِل «ها» غَيْرِ مَصَدَرِ بِهِ نَحْوُ عَمِلُ» ثانيتهما: أن يُبنى منه اسم مفعول تام، أي: غير مفتقر إلى صِلَتِه بحرف جرّ. وغير خاف أنَّ العلامتين موجودتان في «قال»، إذ يصح أن يقال: «هذه كلمة قُلتُها»، و«هذا كلامٌ مَقُولٌ»، ووجود إحدى العلامتين في الفعل كافٍ في ثبوتِ تعديه كما يفيده اقتصارُ ابنُ مالك على أوَّلِها، وتفريعه عليها قوله: فانْصِبُ به مفعوله؛ فكيف بوجودِ العلامتين؟! فـ«قال» إذن متعدية كما قال المرادي والأسمُونِيُّ، وإن لم يُبيِّنا وجهَ التَّعدّي، ولعلهما الوضوحه تركاه. وبهذا تعلمُ أنَّ توقُفَ مَنْ توقَّفَ في تعدّيها بعد اعترافِه أَنَّهَا تَنصِبُ الجُملَ، غلط نشأ مِنَ الغفْلِةِ عَمَّا قدَّمناه. وأفحَشُ منه قول سيدي محمدِ بنِ عبدالصمد أنها لازمة، إذ لا قائل به غيرُه فيها أعلَمُ، ثمَّ المشهور عند الجمهور أنَّها متعدية إلى مفعول واحد. وذَكَر الأعلمُ وابنُ خَروفٍ وصاحِبُ "البسيط": أنَّ سُلَيما مِنَ العَربِ تُعدِّيها إلى مفعولين تشبيها لها بِظَنَّ فِي العَمَلِ، وَإِنْ لم تُضَمِّنْها معناها مِنْ إفادة الظَّنِّ، واستدلوا بقول الشاعر:

قالت وكنتُ رَجُلًا فَطِينا هذا ورَبِّ البيتِ إسرائينـا فنصب هنا قالت مفعولين، أحدهما: «هذا»، والثاني: «إسرائينا»، وليس معناه ظنَّتْ، وتأوَّله ابنُ عُصفور: بأنَّ هذا» مبتدأ و«إسرائين» على حذفِ المضاف هو الخبرُ، أي: مسْخُ «إسْرائِينَ»، فحذف المضافُ وبقي المضاف إليه على جره؛ لأنَّه غيرُ منصرف للعلميَّة والعُجمة، قال الخضري: «وهو تأويل بعيد».

قُلتُ: وجه بُعدِه فَقدُ شرطِ بَقاءِ المضاف إليه على جره بعد حذف المضاف، لكن قال: ليس إن كانَ المشار إليه بهذا النَّصب فالتقدير واجب أعمل القول أو لا، وإن كان الشاعر فلا يصح التقدير، وعلى المشهور فمفعولها قسمان:

الأول: المفرد وهو نوعان، أحدهما: المفرد المؤدي معنى الجملة، وذلك كقريض وخطبة، وقد اتَّفَقُوا على أَنَّهَا تَنصِبُه. ثانيهما: المفرد المرادُ بِهِ اللَّفظُ الذي لا يكون اسما للجملة، وذلك ككلمة ولفظة، واختلفوا فيه، فذكر الرَّضِيُّ أنَّها تَنصِبُه، ورده ابن هشام بأنَّه خلافُ

الإجماع. قلت: هذا الإجماع مردود، فإنَّ ما ذكره الرَّضِيُّ ذهب إليه الزَّجَاجِيُّ والزمخشري، وابنُ خَرُوفٍ، وابن مالك، وجعلوا منه قوله تعالى: يُقَالُ لَهُ إبرهيم ﴾]الأنبياء: (٦٠) وتبِعَهُم الأَشْمُونِيُّ قال: ولو كانَ يُقالُ: مبنيا للفاعل لَنَصَب إبراهيم.

قلت: وهو ظاهر؛ لأنَّ بناءه للمفعول، ورفع إِبْرَاهِيمُ به فرع عن صحة نصبه له مفعولا. زاد الرّضي نوعا ثالثًا ينصَبُ بـ «قال»؛ وهو ما يصِحُ أَنْ يُعَبَّر به عنِ الجملة وعن المفرد، نحو « قُلتُ لفظا »، فإِنَّ اللَّفظَ يَقعُ عليها. الثاني: الجملة، وذلك إذا حكيت بـ «قال»، فإنَّها تكونُ في موضع مفعولها المفرد المتقدم. ذكره كما قال - غيرُ واحد.

وحكى الصَّبَّانُ عن بعض النَّحْويين: أنَّها تكون في موضع مفعول مطلق نوعي، وهذا - وإن لم يردُّه هو ولا الأخضري - باطل؛ لأنَّه لا تُعرَف نيابة الجملة عن المفعول المطلق، والمراد بالجملة ما يعمُّ الصَّريحة والمقدَّرةَ، فَإِنَّ المفرد الواقع بعد «قال»، مِنْ غير الأنواع الثلاثة المتقدمة، يُحكى كما قال الرضي والسيوطي على تقدير متم الجملة، وذلك نحو قوله تعالى: وَقَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ منكَرُونَ]الذاريات: ٢٥[، أي: سلام عليكم.

وقول امرؤ القيس: إِذا ذُقْتَ فَاهَا قلتَ طَعمُ مُدامَةٍ مُعَتَقَةٍ لِما يَجِيءُ بِهِ النُّجْرُ وقد ذكروا هنا كيفيَّة حكاية الجملة الصّريحة، وأنَّه يجوز أن تُحكى بلفظها وبمعناها، إلا إذا كان فيها لحن، فاختلفوا هل يجوز أن تحكى به، أو يجب أن تحكى بالمعنى؟ ذهب إلى الثاني ابنُ عصفور، والصَّواب التفصيل بين أن تُقصد حكاية اللحن فتجوزُ أو لا.

فهذا ما يتعلق بـ«قال» من تأصيل وتفصيل، وقد تكلم عليها الصبان والخضري فلم يُحصلا فيها هذا التحصيل، وإنما أكثرا على عادتهما من تشفّي الغليل، ولا تجدي كبير نفع لدى الاعتماد عليها والتعويل.

فاعْرِضْ هذا على السائل وتأمل أنت وهو فيه، فإنَّه إن شاء الله حسن جميل واف بالمقصود خال من التَّطويل. فالحمد لله على جميع نِعمه، الصغير منها والجليل، والصَّلاة والسَّلامُ على سيدنا محمد وآله وصحبه، ومَنْ اقتفى أَثَرَهُم ونهج سواء السبيل. وحُرِّر في سادس وعشرين ربيع الثاني من سنة خمسين وثلاثمائة وألف.

ولما رأى بعضُهم قولي في بعض مؤلفاتي: وجماعة كثيرون» على تعبير المحدثين في ذلك، وقال: «الصَّوابُ: جماعة كثيرة»، وبلغ ذلك لمولانا الشيخ الوالد قدس سره، كتب إليه يأمره بالرد على هذا فكتب في ذلك ردا حسنًا.

(تدريسه في الأزهر وحصوله على العالمية): وكانَ أيام حضورِه بالأزهر يقرأُ معَ الطَّلبة النَّحْوَ والمنطق والأصول والبيان، وانتفع به جماعة منهم، ودخل للامتحان وأخذ شهادة العالمية من الأزهر، في حين أنه أعلم وأذكى بكثير ممن امتحنه وشهد له. (تدريسه "جمع الجوامع " الأصولي ثُمَّ استقراره بالقاهرة): ولما تُوفّي الشَّيخُ قُدّس سره، رجعنا من القاهرة ثم شرع في قراءة "جمع الجوامع " بالجامع الأعظم من طنجة، وأُعجب بقراءته أكثرُ الطَّلبة، بل اعترفُوا بعدم فهمهم لكلامه لعلو نفسه في الإلقاء، وكثرة بحثِه وتعمقه في الغوص على المعاني، إلَّا أنَّ ذلك لم يطل لعدم مُكْثِه بطنجةَ، فَإِنَّه لم يقم بها إِلَّا ستَّةَ أَشهرٍ، ثُمَّ رجع إلى القاهرة في جمادى الأولى سنة خمس وخمسين، وأقبل بها على التّدريس والإفادة، ولا يزالُ بها كذلك أعانه الله ووفقه». انتهى.

 

رسائل وخطابات بين السادة العلماء عبد الله؛ وشَقِيقيه أحمد وعبدالعزيز رحمهم الله تعالى

رسائل وخطابات الرسالة الأولى (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي أمَّنكُم الله، وسلام عليكم ورحمة الله.

وبعد تقبيل أيديكم والسُّؤال عن أحوالِكُم التي نرجو أن تكون بخير، وَصَلَني كتابكم الأخيرُ وتأخَّرْتُ عن جوابِهِ لأني كنتُ انتظر الانتهاء معَ سُليمان في مسألة الكتاب، وقد انتهينا واستلمتُ (٢٥٠ نسخةً) من الكتابِ، سأبعت منها (۱۰۰ نسخة) ومعها نسخة من "البحْرِ الزَّخَار"، ومجموعة . " الرَّمِّي بالسهام" التي ساوت هنا عشر جنيهات، وكتاب "إزالة الخطر" أعجب به كل من رآه هنا، فالشيخ أحمد مرسي - وهو يسلم عليكم كثيرًا - قال لي: إن أخاك مجتهد مطلق؛ لأنَّ له ثلاثة كتب لم يُسبق إليها، تدل على اجتهاده، ي: "تسنيفُ الآذَان"، و"إحياء المقبور"، و"إزالة الخطر".

وهو لذلك يحرِّضُ أصحابه على اقتناء هذه الكتب ويدعو إليها في مجالسه، بل قال لي منذ أيام: أنا أعتقد أنَّ أخاك ولي منفوح، وأنَّه في رعاية النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويَصِفُكم عندَ أصحابه بالحفظِ الواسع والاطلاع التام. وكذلك صديق لنا اسمه حمد الله بليغ وهو رجل صوفي صالح ومحب للسُّنَّة، لا يقدم عليها مذهبًا ولا إماما، لما رأى الكتاب أخذ منه عشرين نسخةً ليوزعها على أصحابه، وقال لي: إنَّ أخاكَ عالم من طراز آخر وهؤلاء العلماء الذين نراهم لا يصلحون أن يكونوا تلامذة له.

وكذلك صديق لنا آخرُ دِمَشْقِيٌّ وهو وهابي معتدل، أخذ عشرَ نُسخ من الكتاب ليبعَثَهَا إلى دِمَشْقَ، وأثنى عليكم ثناء عاطرًا.

والمقصود أنَّ كلَّ من رأى الكتاب أطراه وأبدى إعجابه بسَعَةِ عليكم وقوة حُجَّتِكم ودِقَةِ استنباطِكُم، وبالأمس جاءني خطاب من شخص لا أعرفه ببلدة بيلا، يطلبُ كشفًا بأسماء كتبكُم؛ لأنَّه رأى "التشنيف"، و"إحياء المقبور"، فَأُعْجِبَ بهما أيما إعجاب.

واقتراح شرح "الرسالة" أو "ابن عاشر "حسن جدا، وأرجو أنْ أُوَفَّق إلى شرح " ابن عاشر " أولا؛ لأنَّه أصغرُ ويُطلبُ كثيرًا في مصر والسودان. والأزهر مقفل بكليَّاته ومعاهده والشَّيخُ قاعد في في بيته؛ لأنَّ للأزهريين جميعا مطالب لم تُجبها الحكومة، فتركوا الدّراسة واستقالُوا من وظائفهم بالإجماع.

يُسلَّم عليكم سائر الأصدقاء، وكثير منهم يدعونَ لكُم في كل مناسبة، حقق الله الآمال وفرَّجَ الكرب قريبا بمنه وفضله، والسَّلامُ عليكم ورحمة الله. ۱۷ ربيع الآخر سنة (۱۳۷۰).

 

رسائل وخطابات الرسالة الثانية (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي عبدالعزيز سلام عليكم ورحمة الله.

وبعدُ: وَصَلَني كتابك الشَّرِيفُ وعرفْتُ ما فيه وأَخَرَنِي عَنِ الجَوابِ اشتغالي بتصحيح "البحر الزخار"، وبتصحيح "شرح الأمير على خليل "الـ ل" الذي يطبعه صاحب مكتبة القاهرة، وطلب مني تصحيحه والتعليق عليه إلى جانب اشتغالي بتصحيح كتابي "الأحاديث المنتقاة" الذي تم وبعثتُ بنسخة منه مع نُسَخ "إحياء المقبور" وسأبعثُ لكَ بنسخة منه مع باقي مُؤلَّفاتي بحول الله.  وكتاب "قطعُ الوَتِين" لابدَّ من طبعه إن شاء الله، وسيدي عبد الحميد لا يرد عليه ولا يستطيعُ الرَّدَّ، بل هو في نظري وفي الواقع لم يتعلق من العلم بكثير ولا قليل، وأحسنُ ما يوصف به الآنَ أنَّه مسخّن، كما يقال عندنا في الجبل: فلان مسخّنُ، يَعْنُون: ليس بعالم، ولكنَّه فوق العامي، فكذلك سيدي عبد الحميد هو مسخّن لا غير.

والكتب المخطوطة التي أشرت إليها، ربما نصورها بالفوتوغراف عن طريق الجامعة العربية، فقد بلغني أنَّ التَّصوير عندهم رخيص ربما يعادل ثمن النسخ، وقد صورتِ الجامعة العربية عدة مخطوطات من مكتبة الأزهر ودارِ الكتب المصرية ومكتبة الإسكندرية ودار الكتب الظاهرية، وأرسلت بعثة إلى اصطنبول فيها ابن تاويت الطنجي ورشاد صاحبك -وهو يسلّم عليك-

(۱) من الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق للسيد عبد العزيز. لتصوير مخطوطات بعض المكاتب هناك، ورُبما أُرسل لك الملزمة الأولى مِنَ فهرس "الحلية" مع الكتب لتطَّلع عليها.

أبلغ سلامي إلى أهل الديار جميعًا، وأخبر الأخَ أَنَّهُ وصَلَني كتاب "الزُّهد" و"القرطاس"، ومن طرفنا يُسَلِّمُ عليكُم سائر الأصدقاء خصوصا المحمدي والشيخ محمودا.

والأحوال هنا مضطربةٌ، وقد ظهر بعد قتلِ النَّقْراشِي أشياء كثيرة عن الإخوان وغيرهم، ولولا لُطف الله لأصبَحَتِ القاهرة في الأسبوع الماضي میدان حرب بين البيوتِ والشَّوارع، ولكنَّ اللهَ سَلَّمَ وَكشَفَ الأمرَ فِي آخِرِ لحظة، والأمرُ الله يَفْعَلُ ما يشاء.

وأحبُّ أن تخبرني ماذا تمَّ في زواجك؟ وهل دخلت أولا؟ والسلام. ۱۰ ربيع الآخر سنة (١٣٦٨).

 

رسائل وخطابات الرسالة الثالثة (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي أمنكم الله وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: وصلني كتابكم الشَّرِيفُ ومعَهُ القَصِيدتانِ، ففرحتُ لا سيما حينَ رأيتُ عليه حتما بواسطة أزمور إذ يمكن بعد هذا مكاتبتكم رأسًا والحمد لله. أما بخصوص شرح "الرسالة" فلابُدَّ من طبعِهِ إِنْ شَاءَ الله تعالى؛ لأنَّ الاتفاق تمَّ بشأنه، وإِنَّما نحنُ في انتظارِ هُبُوطِ سِعْرِ الوَرَقِ، فلا يأس من طبعِهِ بفضل الله، ومنذ أربعةِ أَيَّامٍ أرسلتُ لسيدي عبدالعزيز (۹۹) نسخة من "إزالة الخطر "في (۱۱) طردًا مسجّلًا كل طردٍ (۲ كيلو)، نرجو أن تصل سريعا بحول الله، وإذا أردتُم بعدها نُسَخا أُخْرى أبعث بها إِنْ شاءَ الله.

وفي يوم السبت الآتي ۱۰ جمادى الأولى سأذهب بمشيئة الله إلى الصعيد لزيارة أبي الحسن الشاذلي وسيدي عبدِ الرَّحيم القنائي، وسيكون معي في هذه الزيارة الشيخ مصطفى بوعشرين وعبد الواحد التازي والشكارة، وعالم تونسي اسمه علي خميس، وربما يكون معي أيضًا شيخ طريقة بالشرقية اسمه علي سالم عمار، وسندعو لكم هناك لعل الله يتقبَّلُ ويفرج الكرب عاجِلا. أمَّا زِيارَتي لكُم فقد كنتُ عازما عليها في شَعْبانَ، واتفقت مع عبدالواحد التازي أن يكونَ سفَرُنا فيها عن طريق البرّ، لكن حيث أبديتُم ذلك الاقتراح فسأؤجل الزيارة إلى أن يفرج الله عنكُم، ولعل ذلك يكون قريبا، ولا شيء من (۱) من السيد الشريف الحافظ عبد الله للسيد أحمد الأخبار هنا يستحق الذكر، والأصحابُ كلّهم يُسلِّمُون عليكُم ويدعُونَ لَكُم. ابلِغُوا سلامي إلى المقدَّمِ بوغابة وكلٌّ مَنْ يَزورُكم من الإخوانِ والسَّلامُ. ه جمادى الأولى سنة (۱۳۷۰).

 

رسائل وخطابات الرسالة الرابعة (۱)

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي أمنكم الله، وسلام عليكم ورحمة الله.

وبعد: وصلتني منكُم عدَّةُ خِطاباتٍ وما بها عُلِم وصار بالبال، وزيارة أبي الحسن الشاذلي كانت بحمد الله زيارة موفّقةً، رغم صُعُوبَةِ الطَّرِيقِ ومَشَقَّةِ سُلُوكِها، وقد دعونا لكم في ذلك المكانِ الطَّاهِرِ، وفي ضَرِيح أبي الحجاج الأقصري، وسيدي عبدالرحيم القنائي، والشيخ أحمد الفرغل، ونرجُو مِنَ الله أَن يقبل الدُّعاء، والشيوخ الذين طلبتُم تاريخ وفاتهم وفقنا إلى معظمهم، ولم تهتد إلى بقيتهم مثل الشيخ يونس العطافي، والشَّيخ عويد نصر، والشيح يوسف الشبرابخومي، ومحمد بن ناصر شيخ رواق اليمن، والشيخ أحمد الدلبشاني؛ لأنَّ ابنه أبا الفتوح توفي منذ ثلاث سنوات، وسأُوَالي البحث عنهُم لَعَلِّي أَعْثرُ على شيء يتصل بهم ولو كان يسيرًا. إِلَّا أَنَّ الشَّيخ يونس العطافي لم أجد أحدًا سمع به أو عرف جنسيته، وكُتب الشيخ عبدالرحيم | الأسيوطي الجرجاوي أبحث عنها كل يوم، وأوصيتُ عليها بعض الكتبيَّة. وطبع ترجمة سيدي أحمد ابن عجيبة فكرة جيدة، والكتاب يرُوجُ؛ لأنَّه مشهور في هذه البلادِ فعجِّلُوا به، وقد سألتُ الشيخ طه عن الشخص الذي يروي عنه فلم يعرفه ولم يذكر شيئًا عن هذا الموضوع إطلاقا، والمؤذن أخذتُه إلى دار الكتب لكن لم أنته فيه إلى شيءٍ، هل يكون هدية أو بيعا؟ والغالب الأول. وترجمتي سابعثُ بها إليكم بحول الله مَعَ ما لم يتيسر الجواب عنه الآن، و" دليل مؤرخ المغرب" لم أسمع به وهو يلزَمُني جدا، فلو كلَّفتُم سيدي الحسن بإرسال نسخة إليَّ، ونحبُّ أن نرى إذا أمكن كتاب "التوبيخ الإعلاني" وما الفتُمُوه حديثا، كما يهمنا كثيرًا أن نُوفَّقَ إلى طبع ما يتصل بأجدادنا وعائلتنا، فهو مِنْ أوجَبِ الواجباتِ في هذا العصر. والأصدقاء هنا كلُّهم يسلّمُونَ عليكُم ويسألون عنكم كثيرا، وليس هنا من خبر جديد، والأحوال هادئة نوعا ما، والمقدَّم بوغابة وصلني منه خطاب بعد الزيارة فإذا زاركم فأبلغوه سَلامي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. المبارك الغزاوي يُسلّم عليكم ويقولُ: إِنَّه كتبَ لَكُم كتابًا منذُ أيامٍ. ۲۲ رجب سنة (۱۳۷۰).

 

رسائل وخطابات الرسالة الخامسة

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي عبد العزيز سلام عليكم ورحمة الله. وبعد:  وصلني كتابك الشَّريف وما به عُلِم، وكنتُ أوذُ كثيرًا أَنْ يُمْكِنكُم شراء "كنز العمال" من مكتبة العمراني؛ لأني في حاجة شديدة إليه، إلَّا أنَّ الأخ أخبرني أنه أوقف مكتبته على أولاد أولاده، و"كنز العمال" ثمنه مرتفع هنا، وقد اشتريتُ نُسخة منه في السَّنةِ الماضية بثمانية جنيهات، وهي من كتبِ الكوثَري فوجدتُ الرُّطُوبة قد أضرَّتْ بها وأعدمت الانتفاع منها فبعثها. وسائر مطبوعات الهندِ هنا غاليةٌ، وكتاب زكي مجاهد أرسلته بالبريد المسجل، فلا أدري كيفَ ضَاعَ، وأنا في انتظار "شرح ابن الحاجب"، وقد سرني كثيرًا ما أُخبرتُ به عن حُسن معاملة الأخ، وأنها لم تتغيَّر؛ لأنَّ الوزاني ذكر في إحدى زياراته للرّيفي: أن الفرنسيين غيروا معاملة الأخ وضغَطوا أنَّ عليه، وزاد: أن الملك أصدر العفو عنه وأنَّ الفرنسيين أوقفوا تنفيذه؛ لأنّهم يعارضون في إطلاقِ سَراحِهِ، وصدَّقَ الرِّيفي كلامه وقال: إنَّه واثق من أنَّ الملك أصدر العفو عن الأخ، ولكنَّ الفرنسيين عارضوا فيه، شأنهم في معارضة كل ما يتصل بالحرّياتِ الفرديَّةِ والجماعية، ويعارضون في كل خير وإصلاح، فآلمني هذا الخبر حتى جاء كتابُكَ، فأزالَ ما عندي مِنَ الألم.

أبلغ سلامي إلى أهلِ الدَّارِ جميعًا، وسائرِ الإِخْوانِ، وَمِنْ طَرَفِنا يُسَلَّمُ عليكم سائر الأصدقاء.

وقد طبع ترتيب "مسند الشَّافعي" لعابد السندي في جزءين صغيرين، والفنا لجنة مِنَ العلماء لطبع مُؤلَّفاتِ أعضائها ومؤلفات أخرى وجعلنا الاشتراك فيها عشرة جنيهات وربَّما نبدأ العمل في الشَّهر القادم بحول الله.

وبعضُ النتائج هنا تنبات بوقوعِ حَرْبٍ وأحداث وبَنَتْ ذلكَ على أَنَّ مُفْتَتَحَ السنتين الهجرية والميلادية يوافق يومَ الثَّلاثاءِ وهو يوم المكروه، فنسأل الله السلامة والعافية، ونرجو أنْ يُخلِفَ اللهُ ظَنَّهم ويكذِّبَ نبأَهُم والسَّلام. وسامي النشار في الإسكندرية، وحينَ أقابله بالقاهرة أبلغه الرّسالة بمشيئة الله تعالى.

٢٧ من ذي الحجة سنة (۱۳۷۰) - ٢٩ سبتمبر سنة (١٩٥١).

 

رسائل وخطابات الرسالة السادسة

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي عبدالعزيز سلام عليكم ورحمة الله. وبعد: وصلني كتابك الشَّريف وعلمتُ ما فيه، وفرحتُ كثيرًا بما ذكرتُه عن الأخ، وسجَدْتُ شُكْرًا الله على ذلك، وهي خُطُوةٌ طَيِّبَةٌ سَيَعقُبُها إن شاء الله الفرجُ التَّام، والتلغراف أرسلته من هنا يوم ١٧ نوفمبر باسم مشيخة الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ وجماعةِ عُلماء الوعظ بالأَزْهَرِ، وثمانِ جمعيَّاتِ دينيَّة.

وزيارتي لكُم لا أكرهها بل لي رغبة فيها ولكنها تحتاج إلى شيء من المال، وهو غير متيسر، وفي عزمي - إنْ يَسَّرَ الله وسهَّلَ ـ أن أصوم رمضانَ معكم، والزَّواج صرفتُ النَّظر عنه؛ لأنّي لا أميل إليه الآن، و"البحرُ الزَّخَّار" عندي منه نُسخة معدة لإرسالها إلى الأخ، و"تفسير القرطبي" تم طبعه، فانظر الأجزاء التي تنقُصُ المكتبةُ منه ولونَ تجليدها، وأخبرني لأبعث بها، ومجموعة " الرَّمي بالسَّهَامِ" لم تساوِ أكثر من عشرة جنيهات، فلم أبعها وسأرسلها بحول الله ولا زلتُ أنتظرُ الكتب التي ذكرها الأخ ووعدت بإرسالها، و"الأبي" يساوي ما بين ثلاثة جنيهات أو ثلاثة ونصف وعندي منه نسخة، ومسألة تقييد الطُّرودِ المرسَلَةِ بالبريد واحدة، فهنا أيضًا لا يقبل البريد أكثر من طرد اثنين كيلو، وهنا علة أخرى وهي أنه لا يمكن إرسال أي طرد حتى يُستخرج تصريح من إدارة الجُمْرُكِ والإدارة تقع في السَّبْيَّة بعد بولاق، أي: في آخر مصر، ولهذا تراني أتحيَّنُ وجودَ الموظف الذي يعرفني بالبريد، حتّى لا يكلفني الذَّهَابَ إلى الجُمْركِ واستخراج التصريح.

أبلغ سلامي إلى أهلِ الدَّارِ جميعًا وسأُرسِلُ الصُّورَ في الخِطَابِ الآتي بمشيئة الله تعالى، ومن هنا يسلّم عليكم سائر الأصدقاء وأهل الإسكندرية بخير، وسأخبرهم بما ذكرته عن قرابيهم والسلام. الثلاثاء ٢ ربيع النبوي سنة (۱۳۷۰).

 

رسائل وخطابات الرسالة السابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي عبدالعزيز سلام عليك ورحمة الله. وبعد: فقد وصَلَني كتابُكَ الشَّريف منذ مدة وتأخرتُ عن الجواب منتظرا وصول "شرح ابن الحاجب"، فلما طال الانتظار عجَّلْتُ إليك بهذا الخطاب، وقد كتبت إلى الأخ وأخبرته بأنَّ المجموعة لا زالت عندي، وأني سأبعث به إن شاء الله.

وبلغني عن الوزاني الموجودِ هنا الآنَ أنَّ الفرنسيين ضيَّقُوا على الأخ هناك فهل هذا صحيح؟ أحبُّ أن تفيدني بالتفصيل، ثمَّ متى يحصل الإفراج عنه؟ والأحوال هنا مضطربةٌ، والأزمة شديدة والنَّاسُ كلهم يشكُونَ، وشيخ الأزهر في خلاف كبير مع الحكومة، وأُشيع أمس أنَّه أُقِيلَ، وعُيِّن بدلَه الشَّيخُ حمروش، والشَّيخُ محمد راغب الطباخ تُوفِّي في أواخر رمضانَ عن (۷۸ سنة)، أخبر الأخ بذلك ليثبته في "معجم شيوخه".

أبلغ سلامي إلى أهلِ الدَّار جميعا وإلى الإخوان، ومن طرفنا يُسلّم عليكم سائر الأصدقاء والسَّلام.

يوم الثلاثاء ٢ من ذي الحجة سنة (۱۳۷۰).

 

الرسالة الثامنة بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي عبد العزيز سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: وصَلَني كتابُكَ الأول ثمَّ الثَّاني معَ كتاب الأخِ، ثمَّ كتاب الأخ الثاني، فاطمأننتُ على أخباركم وعلى وصول "إزالة الخطر" والحمد الله. أمَّا رِحلتنا إلى الصعيد فكانت موفّقةً بفضل الله، والطَّريق إلى أبي الحسن الشاذلي صعب شاق جدًّا أكثر من صعوبة الطريق إلى شيخه بجبل العلم، ويلزم مَنْ يزوره أن يأخذ جميع ما يلزَمُه حَتَّى مَاءَ الشُّرْبِ ويستعملها بتحفظ، ولو أسرف فيها بعضَ الشَّيء لهلك في الصَّحراء عَطَشًا. وبالجملة فقد كانت الزيارة لذيذة جميلة، ودعونا لكم هنالك كما دعونا لكم في مقام أبي الحجاج الأقصري بالأقصر، وسيدي عبدالرحيم القنائي، والشيخ فرغل بأبي تيج، نسأل الله أن يقبل الدُّعاءَ ويحقق الرَّجاءَ.

ومن الكُتُبِ المكرّرة التي كان الأخ يريد أن يبعث بها إليَّ، كتاب "تنقيح الفهوم في صيغ العموم" للعلائي، و"رفع الحاجب شرح مختصر ابن الحاجب" للشبكي، فعجل بهما مع تكرر من غيرهما. وابعث أيضا ما ألفته في آل البيت كـ" التدمير" فإننا بفضل الله لا نعدم من يطبعه، والضَّجّة التي قامت هنا عن المغرب علِمتُ أَنَّ أَكثَرَها كَذِبٌ لا أَصَلَ له، والذي أثارها أصحاب مكتب المغرب لا بمجهودهم الشخصي، بل بسبب أن عبدالكريم زكَّى كلامهم في الدوائر العربية وأكَّده بأنَّ الأخبار التي وصلته تصدق ما يقولونَ، وأهل مصر كما تعلم تغرُّهُم المظاهرُ، فحيثُ عَلِمُوا أَنَّ الأمير تكلم وقال قاموا وقعدوا وعملوا مظاهرات في مصر والإسكندرية، وقد فهمت كثيرًا من أصحابي سِرَّ المسألةِ وأنَّ هذه حملة ظالمة، حتّى قال لي بعض أصحابي مِنَ العلماء: لو كانَ أخُوكَ السَّيد أحمد هنا لاستطاع أن يكشف الحقيقة؛ لأنَّه لطول مكيه بمصر عرف المصريين واختلط بهم، وله أصدقاء من جميع الطبقات، فوجوده هنا في هذه الفترة نافع جدًا مِنْ هذه الجهة، فقلت: هذا صحيح، ولكن:  أهم بأمر الحزم لو أستطيعه وقد حِيلَ بينَ العَيْرِ والنَّزَوَانِ أبلغ سلامي إلى الأخ وأخبره أنّي ذاهب اليوم لزيارة الكوثري ثم بعد ذلك أجيبه بحول الله، وقل له: إنَّ ابنَ الشَّيخ الد لبشاني تُوفِّي منذُ أكثر من سنتين، أبلغ سلامي إلى أهلِ الدَّارِ جميعًا وسائر الإخوانِ، ومن طَرَفِنا يُسلَّمُ عليكَ سائر الأصدقاء والسَّلامُ. يوم الاثنين ٣ من رجب سنة (۱۳۷۰).

 

الرسالة التاسعة بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي عبد العزيز سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: وصلني كتابك الكريم بعد غيبة طويلة، فحمدت الله على ما أفاده من سلامة الأحوال، وقد اقتنعتُ بما ذكرته.

و" تهذيب سُنَنِ أبي داودَ اشتريته غاليا، فإنَّه يُباع هنا بأربعة جنيهات فقط، على حساب الجزء بخمسين قرشًا، أمَّا "الرد على المنطقيين" فهو يُساوي ذلك الثّمن تقريبا، ومما طُبعَ هنا حديثًا "جامع الأصول" لابن الأثير، وكتاب "الشريعة" للآجري، كما طبعَ بالشَّام المجلد الأول من "تاريخ ابن عساكر" وثمنه (٣٥٠ قرشا)، والجزء الأول من ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب وثمنه (٢٥٠ قرشا)، وجُزْءانِ من "تاريخ حَلَب" لابن العديم وثمن الجزء (٢٥٠ قرشا) أيضًا، وطبعَ بالهند أربعة أجزاء من "الطيبي على المشكاة" ومعه "التوربشتي" عليها وثمن الجزء (جنيه مصري). والمطبوعات كثيرة ولكنَّ الفُلوس قليلةٌ، والقدسي ماض في طبع "تاريخ الإسلام" للذهبي، لكنَّه يبيعُ الجزء بثمن مرتفع بالنسبة لحجمِ الجُزْء، وطُبعَ جُزءٌ من "فهرس مكتبة الإسكندرية، وأنا ذاهب اليوم إلى كَفْرِ الدَّوَّارِ ثُمَّ الإسكندرية إن شاء الله، فإذا قابلت الأستاذ سامي النشار - وهو بجامعة فاروق - أبلغته سلامك، وذكَّرتُه بديوان الششتري، وإنْ كانَ لم يُشْرَع في طبعه على ما أظنُّ. ومسألة الأخ لا يوجد هنا أحدٌ نكلّمه فيها الآن؛ لأنَّ أغلب رجال الجامعة - ومنهم عزام - لا يزالون في باريس، فإذا حضر عزّام أمكن أن نكلمه عن طريق سامي النشار بحول الله.

و "تاريخ جُرجان" سأُرسله لك لكن بعد إتمام قراءته، فإنِّي قرأتُ أكثرَ مِنْ ثليه، وبعد تجليده عند سعد إن أحببت تجليده.

والشيخ محمود كانَ عندي أمس وهو يُسلّم عليك، وكذلك أخوه المعلم حُسَين، ويسلّمُ عليكَ الشَّيخُ عبد الغني عبد الخالق فإنِّي زرته أمس بالسيدة نفيسة حيث استعرتُ منه رسالة وجوب الحمية عن مضار الرقية" لأنسخها للأخ، ويسلم عليك سائر الأصدقاء، والأحوال هنا مضطربة والأحكام العرفية قائمة، والخروج ممنوع بعد العاشرة مساءً بأمر عسكري، والجيش يطوفُ بشوارع القاهرة بدبَّاباته وسياراته، وأُقيلت وزارة النَّحَّاس وجاءت وزارةُ علي ماهر، وهدأ الحال بعد مجيئها نوعا ما، وأقيلَ الشَّيخُ إبراهيم حمروش وجاء بدله عبد المجيد سليم شيخًا للأزهر، ومنذ أيام تُوفي زكي مبارك. هذا ما لدينا من الأخبار وأبلغ سلامي إلى أهل الدار جميعًا والسَّلام. ومنه أخبرني الأخ بوصول مجموعة "الرمي بالنشاب" فاطمأننتُ. يوم الإثنين ١٥ جمادى الأولى سنة (۱۳۷۱).

 

الرسالة العاشرة بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي عبدالعزيز سلام عليكم ورحمة الله. وبعد: وصَلَني كتابك الكريم بعد غيبة طويلة وما به علِم، ووصل بالأمس كتاب "التشوف" - فيما يظهر - لأني لم أستلمه؛ إذ وصل آخرَ النَّهارِ، و"مختصر العلل الواهية" شُحِنَ معَ صندوقِ الكتبِ الذي أُرسل إلى إدريس مزور بالدار البيضاء، ومعه عدة نُسَخ من كتاب "الباحث".

و"شرح العشماوية" سيبدأ الحلبي فيه أول الأسبوع الآتي بحول الله، لأنَّه لم يأتِ مِنَ السَّفَرِ إِلَّا منذ أيام قلائل، وهو سيطبَعُ أيضًا كتابَ سامي النشار عَنِ الششتري، والأخُ سافر إلى الصعيد منذ عشرة أيام ومعه الشيخ أحمد مرسي، لأنَّ بعض أصحابنا هناك دعوه لزيارتهم، وسيزور أولياء الصعيد، لكن لا يزور أبا الحسن الشاذلي؛ لأنَّ زيارته تحتاج إلى تصريح واستعداد خاص. والشيخ الخضر حسين استقال من مشيخة الأزهر، وولي بعده الشيخ عبد الرحمن تاج متخرج من السُّوربون بفرنسا، ومن هيئة كبار العلماء، والشيخ طه الشعبيني تُوفي منذ أسبوعين رحمه الله رحمة واسعة.

أبلغ سلامي إلى أهلِ الدَّار جميعا وإلى الإخوانِ؛ خصوصا السيد المكي الزيلاشي وأنا في انتظار أصول" "الفتوى" لابن الحارث فعجل به، وأرجو مراعاة الدقة في النَّسْخِ، والسَّلام. جمادى الآخرة سنة (۱۳۷۳) - ١٢ يناير (١٩٥٤).

 

رسائل وخطابات الرسالة الحادية عشر

بسم الله الرحمن الرحيم أسماء الكتب المرسلة في الصندوق مع ربطتين مِنَ "المعجم"، وربطةٍ مِنَ "الباحث"، والكتب الكبيرة هي غالبا، وفيها أذكره الآن:

۱ - "تاريخ الخطيب".

٢ - "أجزاء القرطبي" من ١٦ إلى ٢٠.

- "طبقات السلمي" نسختان.

- "طبقات الحنابلة" لأبي يعلى. ه - ذيل "طبقات الحنابلة" لابن رجب.

- "صحيح " ابن حِبَّان الأول.

- "تعطير الأنام" للنابلسي.

- "روضات الجنات" مجلد ضخم طبع إيران، أخذته بسبعة جنيهات.

۹ - "الكافي من الانتباه في أخبار النُّحاه".

۱۰ - فهرست تیمور" مجلدان.

۱۱ - "حاشية الأمير على الزرقاني" خط.

۱۲ - "تاريخ الأندلس" للحميدي.

وهذا ذكرته من الكتب الكبار.

ومن الرسائل أوراقٌ مِنَ "المعرفة" للبيهقي، و"الرسالة المستطرفة"، وردود

على الكوثري ونحو ذلك، واختصار علل ابن الجوزي" للذهبي، وكراريس بخطك في الذيل على "اللآلئ المصنوعة".

أما "إحياء المقبور " فسأشتري منه نُسَخا إن شاء الله وأبعث لك بها. ومما في الصندوق بعضُ نُسخ من "التصور والتصديق" أيضًا.

 

رسائل وخطابات الرسالة الثانية عشر

بسم الله الرحمن الرحيم سيدي عبدالعزيز سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: وصَلَني أمْسِ كتابُ مِنَ الأخ وليتهُ لمْ يصل، فإِنَّه فاجأني بخَيرٍ محزِنٍ أسفتُ لقراءته غايةَ الأَسَفِ، بل ظللْتُ طول يومي حزينا كئيبا لهذه المصيبة الجديدة، فإنَّ النَّفي أشدُّ مِنَ الاعتقال، ولكن لم تسكتُونَ؟ بل اسعَوْا واجتهدوا وأقيموا محاميا إذا اقتضى الأمرُ، والقوانين الماشية في الدُّنيا كلها أنَّ الشَّخصَ لا يُعاقب على جريمةٍ مرَّتين، وقد عُوقبَ الأحُ بالسَّجن والغرامة، فكيفَ يُعاقب ثانيا؟! هذا كلام فارغ، وأظنُّه تَهْوِيشًا مِنَ الإدارة الدولية بطنجة لتَخْتبَركم، فلا تظهرُوا ضعفًا أبدا، وعلى كل فلا يتعَجَّل الأخُ بِالسَّفْرِ فَلَعَلَّ اللَّهَ يغيِّرُ الحال، وإن عزم على السَّفرِ إلى مصر كما في كتابه عن طريق البر، فإذا وصل بنغازي فليكتب إلي منها لنُسهّل له طريقة الدخول بواسطة قنصل ليبيا في مصر، فإنَّه صديق لنا وعنده مُرُوءةٌ، ونسأل الله أن يسهل لَهُ كُلَّ خير، ويُستحسن أن تبعث كتاب تهنئة إلى الأستاذ علي سامي النشار؛ لأنَّه عُيِّن مستشارًا لمجلس قيادة الثورة، فلربما تحتاجُ إليه فيما يتصل بالأخِ. أبلغ سلامي إلى أهلِ الدَّار جميعًا والإخوان، وأبلغ سلامي إلى أبي الفيض بصفة خاصة وقل له: لا يَتَعَجَّل بالسَّفرِ والسَّلامُ. ه صفر سنة (١٣٧٣).

 

الرسالة الثالثة عشر بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي أمنكم الله وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فأهنيكم بالعام الهجري الجديد، جعله الله عام فرج وخير وسعادة وكل عام وأنتم بخير. ومن عجائبِ ما حَصَل هنا أنَّ الشَّيخَ الخضر التونسي تولى مشيخة الجامع الأزهر، وكانَ تولّيه هذا المنصب مفاجأة لم تخطر على بال أحد، وقد زُرتُه أَوَّل أمس وهناته، وهو وإنْ كانَ عديم الفائدة خير من عبد المجيد سليم الذي قرَّبَ أمثال الزيَّات صاحبَ "مجلة الرّسالة"، وشلتوت ومحمد المدني ورقاهم. والشيخ أحمد شاكر يسلّم عليكم وقد أشرفَ على الانتهاء من الجزء الأول من "صحيح ابن حبان"، وأخشى ما أخشاه أن تفوتنا نسخة منه لغلائِه وعدم النقود، وعندي الجزء الأول من كتاب "تصحيح الأغلاط الكتابية الواقعة في النسخ الطحاوية" المؤلّفه محمد أيوب بن محمد يعقوب المظاهري السهارنفوري طبع سنة (١٣٦٩)، صحَّحَ فيه الأغلاط الإسناديَّة وغيرها الواقعة في كتاب "معاني الآثار"، وهو مفيد في بابِهِ فإن لم يكن عندكُم جلدتُه وبعثتُ بهِ إليكم. والحاج محمد رمضان المدني الكتبي تُوفّي يوم الخميس رحمه الله وغفر لنا وله، وسامي الخانجي يَطبَعُ "إعجاز القرآن" لأبي عُبَيْدَةَ، كما أَنَّ الشَّيخَ سُليمانَ يطبَعُ "إعجاز القرآن" للخَطَّابي بتعليقاتي، والأحوال هادئة.

يسلم عليكم سائر الأصدقاء خصوصا الشيخ محمود وقريبه مصطفى سنبل، وأبلغوا سلامي إلى أهلِ الدَّار جميعا والسَّلام. يوم الأحد غرة محرم سنة (۱۳۷۲).

 

رسائل وخطابات الرسالة الرابعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم سيدي أمنكم الله وسلام عليكم ورحمة الله. وبعد:

وَصَلَني كتاباكُم الكريمان وما بهما عُلِم، وأَخْرَنِي عَنِ الجوابِ اشتغالي بالتَّعْليقِ على أربع رسائل للمقريزي، إحداها: حصول الإنعام والمير بالدُّعاء بخاتمة الخير، والثانية: صلاة الليل مثنى مثنى، والثالثة: ذم بني أُميَّة ومدح العباسيين، والرابعة: ضوء الساري على خبر تميم الداري.

وهذه الرسائل بَعثَ بها إليَّ من لندن الأستاذ أحمد الغوابي الذي قدم الجامعة كمبرج بحثًا عن المقريزي وكتبه ليأخذ به الدكتوراة، وسأل أعضاء البعثات المصرية بلندن عمَّن يعرفُ الحديث ويتخصص فيه فأحالوه عليَّ. ومسألة علي الخواص أميل إلى ترجيحها، وقد سألتُ الشيمي فقال: إنَّه لم يجد أحدًا نوه عنه أو نقل كلامه إلَّا بواسطة الشَّعراني، على كثرة ما قرأ من كُتب التصوف، لكن ذكر أنَّ عنده رسالة مخطوطة من تأليف أفضل الدين، وسأطلع عليها وأتحقق من أمرها، وقد ظهر تأليف في ترجمة الشعراني ورأي المستشرقين فيه لطه عبدالباقي سرور، أفاضَ في مدح الشَّعراني وتصوفه، وهاروني لم يصل به شيءٌ بعد خطابه الأول الذي أجبته عنه، ولعل الله يوفقنا لإجابة مطالبه، والأمر الله يفعل ما يشاء.

جاءني خطاب من عبد الحي الزيلاشي ورفقته بدِمَشْقَ يطلبون استخراج الإذن لهم بدُخُول مِصْرَ لحضورِ العِلْم.

أبلغوا سلامي لأهلِ الدَّار خصوصًا مَلَكَة، ومنا يسلم عليكم سائر الأصدقاء خصوصا الشيخ أحمد مرسي والتبر والسلام. يوم الأحد ٢ جمادى الأولى سنة (۱۳۷۲).

 

رسائل وخطابات الرسالة الخامسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم سيدي أمنكم الله وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فقد غاب عني كتابكم مدة ثمَّ جاءني خطاب من سيدي عبد العزيز علمت منه بمرضكُم، فتألمتُ كثيرًا ودعوتُ لكم بالشفاء العاجل، كما طلبت مِنَ الشَّيخِ محمود فدعا لكم عند الشَّيخِ الحنفي والسيدة زينب وغيرهما، ونسأل الله أن يقبل الدُّعاء ويُعجِّلَ بالشَّفَاءِ.

و"العقد الفاخر" بعثتُ به يوم الإثنين ۲۹ رجب فلعله وصَلَ، والجواب، عنه بالطَّريقِ، وليس لدينا جديد في الأخبار، ولعل الله يُسهل مجيئكم إلينا بعد انتهاء فترة الاعتقال.

كما أرجو إرسال نسخةٍ من أزهار البستان في طبقات الأعيان" إذا أمكن، فإنَّه سيطبع إذا حصل الاتِّفاقُ بحول الله، لكن لا يحصل الاتفاق إلَّا بعد رؤية الكتاب. أبلغوا سلامي إلى سيدي إبراهيمَ ومَنْ بطرفكم من أهل الدار، ومن عندنا يسلم عليكم جميعُ الأصدقاء، خصوصًا الشَّيخ أحمد مرسي الذي يسألني عنكم كل مرة، ويُثني عليكم الثَّناءَ العاطِرَ في كل مناسبة، ولمناسبة رمضان أهنيكم بحلوله وكل عام وأنتم بخير، وفي الختام أكرر الدُّعاءَ لكم بالشفاء التّام العاجل والسلام. العتابي قابلني أمس وألح عليَّ أنْ أبلغكم سلامَهُ. ٢٥ شعبان سنة (۱۳۷۲).

 

الرسالة السادسة عشر بسم الله الرحمن الرحيم

سيدي أمنكم الله وسلام عليكم ورحمة الله، وكل عام وأنتم بخير. وبعد: فقد غابت عني كتبكم غَيْبةً طويلة لم أعهدها منكم، فتشوش فكري وتبلبل خاطري، وهمَمْتُ أن أبعَثَ بتلغراف أستفهم به عنِ الأحوال، وزاد في قَلَقِي ما نسْمَعُه من أخبارٍ مُزعجة عنِ المغرب، كما صادف أنَّ سيدي عبدالعزيز لم يكتب إليَّ منذ مدة طويلة أيضًا، فأنا في غاية القلق والانزعاج، ونرجو الله أن يكونَ المانع خيرًا. ثمَّ إِنَّ الجزء الأول مِنَ ابنِ حِبَّان ظهر، وثمنه كما أخبرتكم أربعة جنيهات، ومولاي أحمد التبر موجُودٌ هنا سيسافر إلى السُّودانِ ثُمَّ المغرب، وهو يسلم عليكم ويقول: إنَّ خروجكم يوافق مجيء الفرج العام.

والأحوال هنا مستقرّة، والشَّيخُ الخضر صدق ظنِّي فيه فلم يفعل في مسألتي شيئًا ولا يريد أن يفعل، والشيخ محمود ماتت أمه، وهو يسلم عليكم كما يسلم عليكم سائر الأصدقاء خصوصا الشيخ أحمد مرسي والشيخ القباني. أبلغوا سلامي لمن بطرفكم منْ أهلِ الدَّارِ والإخوان، وأنا في انتظار الجواب العاجل ليطمئن قلبي والسَّلام.

يوم الاثنين ٢٠ من ربيع النبوي سنة (۱۳۷۲).

 

رسائل وخطابات الرسالة السابعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم سيدي عبد الله السَّلامُ عليكم ورحمة الله جل جلاله وبركاته (۱).

أمَّا بعد: فساعته قرأتُ جزءك المسمَّى "نهاية الآمال حديث عرض الأعمال" ويعد جزءًا مفيدًا حسنًا، وقلمُك فيه قلمُ محدث محقق منذ وقت للفن يدلُّ على أنك قد وجَّهْتَ عنايتك للحديثِ الشَّرِيفِ أكثر من ذي قبل؛ لأنَّ كتابتك فيه أعلى من كلّ كتابة رأيتها لك في الحديث، وكنتُ أود لو وقفت على كتابتي فيه، فإنّي كنتُ كتبتُ فيه كتابةً مطوّلةً للشيخ يوسف الدجوي رحمه الله، وأظنها عندك؛ لأنَّ فيه من الكلام على توجيه صحته وأنتَ لم تتعرض له، والأمرُ سهل، وليس في الجزء ما يلاحظ إِلَّا نقلك عن المناوي. قوله: «تُحدِّثون ويُحدث لكم بتشديد الدال فيهما، فإنَّ هذا من أخطاء المناوي المضحكة، فإنَّ الرَّجُلَ لفرْطِ بلادَتِه، كان لم يدرِ ما يخرُجُ من رأسِهِ في المتن والإسنادِ، كما بينا في الثاني فقط في "المداوي" البالغ ستة مجلدات، فقوله الذي نقلته لا يُوافق عليه لغةً ولا معنى أمَّا اللغة فلا يُقال: «يحدث لكم»، بل يقال: «محدثون وتحدَّثون بفتح الدال في الثاني، أو «تُحدِّثُون وأحدثكم» أمَّا يحدث لكم»، فلا تساعده اللغةُ، وأمَّا المعنى ففاسد من وجوه، يطول ذكرها، ويكفي في تعيين المرادِ قوله في الوفاة: تُعرَضُ عليَّ أعْمَالُكُم» فهذا صريح في بيان الشطر الأول، وهو ما ذكرته أنتَ احتمالا بعد كلام المناوي، مع أنه لا معنى للحديث إلَّا ما ذكرت، فكان الواجب أن يتصدر بكلامك، ثمَّ تنبه بعده على خطأ المناوي في فهمه، ولعلك تعيدُ طبع الكتاب فتفعلُ إِنْ شاءَ اللهُ تعالى، وتشير إلى كون المناوي أخطأ كما في "المداوي".

ولما ذكرت الوجوة في الجواب عن الإشكال الوارد على حديث الحوض لم تنتبه لجوابنا، وهو قاطع لكل إشكال، مانع له من عُروقه، فإنَّ جوابنا عن هذا الإشكال أنَّ قوله: إِنَّكَ لا تدري ما أحْدَثُوا بعدك» تقرير أو خبر في معنى الاستفهام، كأنه قيل له: «ألستَ تدري ما أحدثوا بعدك؟»، وذلك أنَّه صلَّى الله عليه وآله وسلم وإن كان عالما بما أحدثوه، فإنَّه لشفَقتِه وحقيقتِه التي رُكَّبَ عليها وهيَ الرَّحمةُ العامَّةُ للخلق كافة أراد أن يتغاضى عن ذلك، ويذكرهم لعل الله يجيبه إلى طلبه كما فعلَ معَ بعض أهل الجاهلية، ومع عبد الله بن أُيِّ سَلُول، فإِنَّ عُمَر لما ذكَّره بنفاقِه لم يرجع عن ذلك طمعاً في رحمة الله جل جلاله حتَّى نهاه ربُّه، وكذلك هؤلاءِ حَتَّى قِيلَ: ألستَ تدري ما أحدَثُوا بعدك؟» فعند ذلك علم أن مرادَ الله منهم هو الطَّردُ مِنَ الحوض، إذ لو أرادَ سِواه لغفر لهم ذلك الإحداث ولم يذكره.

ثمَّ إِنِّي استغربتُ منك جدا عدَّكَ الحديث مِنَ المتشابه الذي لا يُعلَمُ معناه مع أَنَّنا نَجْزِمُ بأنَّه في مُعاويةَ وأصحابه ممنْ حَارَبَ الإمامَ الحَقِّ وَخَرَجَ عليه، وفعل الأفاعيل ولذلك كانَ الشَّافعي يقول: لا ألوم أستاذنا مالكًا على شيءٍ إِلَّا الله على ذكره حديث الحوضِ في "الموطأ"، وهذه منْ هَنَّات الأئمةِ الأكابر رضي ال عنهم، فإنَّ ما حدَّثَ بهِ رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا يُلام أحدٌ على روايته بل يلامُ على تركه وتضييعه، والمقصودُ أَنَّ الشَّافعي فهِمَ أَنَّ الحديث في معاوية وأصحابِهِ لا في المرتدين، ولو كنتَ تعرض علينا هذهِ الرَّسائل قبل طبعها لذكرنا لك في مثل هذه المسائل فوائد وآراء تستفيد منها.

وسامي النشار كتب إليَّ من لندن يخبرني أنَّه أخذ صور الكتب من لندن بأربعة مليمات للصحيفة، ولكن بالشريط فقط، وبعد ذلك ننقله عند أي مصور هنا من الشريط، أي الورق الآخر، وهذا فيه تسهيل قانع يسر الله لنا أخذ ما هنالك من النَّفَائِسِ الحديثيَّة والأصول المسندة، إلا أني كنتُ طلبته أن يبحث لي عن فهرست المتحف البريطاني فقال: إنَّه نادر جدا لأنَّه طبع منذ ٩٥ سنة ويمكن الاستغناء عنه ببركلمان وذيله، وسننظرُ من يقرأ لنا.  لنا بركلمان وننتخب بعض النفائس بحول الله.

(۱) من السيد أحمد للسيد عبد الله.

 

الرسالة الثامنة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم سيدي عبدالعزيز سلام عليكم ورحمة الله وبعد وصلني كتابك الشريف وعرفت ما فيه، وحمدت الله على سلامة أحوالكم، واطمأن قلبي بعد قلقه والحمد الله.

أما اختياري لشرح الأمير على خليل فبسبب أمور أن كثيرا من السودانيين طلبوا من صاحب المكتبة أن يطبع لهم كتابا صغيرا في مذهب مالك، ومنها أن شرح الأمير طلبه طلبة الكلية بالأزهر ليستعينوا به في المذاكرة للامتحان ولولا ذلك لما أشرت بطبعه ولا بطبع شرح من شروح خليل لأنه يشتمل على آراء محضة وفقه ناشف لا يشوبه دليل، وقد كان الشيخ محمد ابراهيم الببلاوي المالكي رحمه الله يقول: فضحتنا المدونة وكسفتنا مع الناس، أما ما أشرت إليه من مثل موضوعات ابن الجوزي فإني أتحين الفرصة لتحقيقه ولابد من القيام بذلك إن شاء الله.

وترتيب الحلية قامت في طريقه عقبات آخرها عدم وجود حروف وأرقام كافية في المطبعة مما جعلنا نقسم الملزمة نصفين يطبع قسم ثم يجمع بحروفه نصفه الآخر، وعندي الآن النصف الأول من الملزمة الرابعة، ونسأل الله التيسير، وقد اقترح نجيب أن أكتب مقدمة للترتيب تشتمل على كلمة في فضل الحلية، وما قيل في مدحها وترجمة لك وترجمة لوالده، ولكني مشغول بتصحيح البحر الزخار، وتصحيح شرح الأمير وتصحيح البغية وغير ذلك.  فاكتب كلمة في فضل الحلية، وترجمة مختصرة لك، وابعثهما لنضمهما إلى ترجمة والده، ويجعل الجميع مقدمة للبغية، وكتبي سأرسلها لك غدا بحول الله، ما عدا إقامة البرهان فإنه نفد.

والحاج الشكارة توفي يوم الخميس ۸ رجب وهو في محطة كفر الزيات بعد عودته من مولد سيدي إبراهيم الدسوقي، أغمي عليه وهو قاعد فكان في الإغماء وفاته، ودفن هناك يوم الجمعة، بعد أن اتصلت الحكومة بي في شأن دفنه رحمه الله، وكل أصحابه بكوا عليه وتأثروا كثيرا.

أبلغ سلامي إلى أهل البيت جميعا وسائر الإخوان، ومن طرفنا يسلم عليكم سائر الأصدقاء خصوصا الشيخ محمودا والشيخ المحمدي والسلام.  يوم الأثنين ۱۲ رجب سنة ۱۳۷۱

 

الرسالة التاسعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسَّلامُ على سيدنا محمد وآله.

إلى حضرةِ الأخ الشريف الذكيّ الفطِنِ النَّبيل سيدي عبدالعزيز، سلام الله عليك ورحمة الله وبركاته، وبعد:  وصلنا كتابك وفرحنا به كثيرًا حيثُ أنه أتى بعد غيبة أوجبت الاشتياق إليه مع ما أفاده من سلامتكم وعافيتكم والله الحمد.

وما ذكرت من إعجاب الناس بكتابي في سماع الحسن البصري من علي عليه السلام وتعجبهم من معرفتي بالرّجال واطلاعي إلى ذلك الحد إنَّما نشأ من اعتقادهم.  قلة علمي أو ضعفه، وإلا فلا وجه لتعجبهم مع معرفتهم باشتغالنا بالعلم وتفرغنا له ولله الحمد والمنه.

وقد كتبتُ مقالا في آخر الموضوع وسيصلكم في «مجلة الإسلام» فلابد أن تطلعوا عليه وتخبروني بما سيقوله عبدالقادر الجزائري وغيره في شأنه. هذا وقد بعثتُ لك يومه بكتاب "الفتح الكبير" وأما الكرة الأرضية فسأرسلها لك بعد إن شاء الله جل جلاله وسبب تأخرنا عنك هذه المدة هو عدم الدراهيم لأنَّ الليرة التي بعثتها أخذها الشكارة وقضى بها قطرة من بحرِ الدِّينِ الذي عليه ولم يتيسر له بعد قضاؤُها فلذلك تأخرنا.

لا سلم منا على أهل الدَّارِ جميعًا وعلى الإخوان كافة، ومنا يسلم عليكم جميعا الأخوان والشكارة والمنتصر الكتاني، وهو ينام معنا بالبيت ويأكل معنا وأنا أُدرسُ له "الألفية" بشرح ابن عقيل، والأخ سيدي أحمد يدرسُ له "نخبة الفكر" ويسمعه "سنن أبي داود" وسيسمعه بعدها بقية الكتب الستة. وأحبُّكَ أن تخبرني عن الكَرْطُفَ هل اسم آخر عندكم أو لا والسلام.  يوم الـ الثلاثاء ٢٤ من شوال سنة ۱۳۰۳، أخوك عبد الله، عفى الله عنه.

 

الرسالة العشرون

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله.

إلى أخينا الشريف الجليل الأستاذ الذكيّ النَّابِه سيدي عبدالعزيز سلام عليم ورحمة الله وبركاته أمَّا بعد:

وصلني كتابك منذ أيام فقرأته بتلهف شديد لما كان بي من الاشتياق إلى كتبك وأخبارك وسُررتُ كثيرًا بما حواه من تلك الأسئلة العظيمة وكم كان بودي أن أسرع لك بالجواب عنها تلبية لرغبتك ولكن حال دون ذلك كثرة من عندي من الشَّواغِل فبين يديَّ الآنَ من الأسئلة الواردة عليَّ ما يزيدُ على أربعين سؤلاً غير الأسئلة التي رأيت جوابها بمجلة الإسلام، أضف إلى ذلك ما أقوم به في هذه الأيام من تدريس العلوم الاثني عشر للطلبة الذين يريدون امتحان شهادة العالمية فتراني لذلك في تعب شديد ابتدئ الدرس الساعة السابعة صباحًا فلا انتهي إلا السَّاعة الواحدة، ثم ابتدئ ايضا بعد صلاة العصر إلى صلاة العشاء وما بين هذه الوقتين لا يسعُ أنْ أطالع وأجيب، فأرجوك أن تنتظر قليلا ريثما تنتهي أيام الامتحان وعن قريب ستنتهي ثم أجيبك وفق ما طلبت بل وفوقه إن شاء الله تعالى، وسلم على سيدي عبدالحي وأخبره أني سأجيبه عن سؤاله أيضًا وما تأخَرتُ عنه طول هذه المدة لتهاون أو كلا ولكن لعذر هام فلا يظنُّ الظنون ولا يقطع كتابه عنا وسلم على مولانا الوالد كثيرًا وعلى أهلِ الدَّار جميعًا كبيرًا وصغيرًا وعلى الإخوان كافةً خصوصا من يسأل عنا وعن سيدي العربي بو عياد في صبيته وهَنَّ خدود بنتَ کسل يحيى في مولودها وأخبرنا بما جد وحدثَ عندكم فإننا كما تعلم نحبُّ استطلاع الأخبار، وقد سرنا كثيرًا إنشاءُ العمارة لذلك الولي الكبير سيدي أحمد بن عجيبة رضي الله عنه فإنَّه يستحقُ الذكر والتقدير والعجب العجاب أنَّ الناس يعتقدون ابنه سيدي الحاج عبدالقادر ويعظمونه أكثر مما يعتقدون أباه ويعظمونه مع أنَّه لم يبلغ عُشرَ رتبته لا في علم ولا في ولاية والأمر الله، هذا ويسلم عليكم جميعا الأخوان والشكارة وسيدي المنتصر وقد عزَمَ على الالتحاق بدار العلومِ معَ ابن خالته الشريف العلمي هذا ما عندنا من الأخبار الخاصة أمَّا العامة فتجدها في الجرائد والمجلات ولا تغب عنا كتاباتك والسَّلامُ

يوم الجمعة ۲۰ رجب سنة ١٣٥٤ أخوك عبد الله عفى الله عنه.

 

صور لبعض الأصول الخطية

المسيرة سيدي عبد الله بن الصديق العِلمِيَّة

صور لبعض الأصول الخطية

الله الجو الحمن

المحمد الله والصلاة الي الا من السيد المحمدالة ويجية القتال.  س لولا نشر من قبل الة من طائفية ليها في الدين وايديد قوتهما أحمر الشهية استلهم حدرون

العسل الله الي الاية امنيك الفات

الجامع الأزمير الشف

شهادة العالمية للغرباء

ال التي الام الفاضل ابال لها الصدر اين ميالي الصديق من ناحية الجنة مراكش شهادة المالية تقامة بالفراء التي تكررها على الأزهر الأعلى ذلك بند اناني الأستمان مساج في

الفقه

أصول الفقه التفسير

الحريق

المصطالح

نشريه

الصرف

المعاني البيان

البديع

النمر

وان انتريه بتقوى الله تفت الى وارشادا انت لو الى ما فيه سلام دينهم ته نیا هم

تحريراً في سجاد مكنة مجرية

شهادة العالمية الأولى المعروفة بشهادة العالمية للغرباء باسم العلامة السيد الشريف الحافظ عبد الله بن الصديق الغماري

ن بيع الظل الرحمن الرحيم

 

بل بالمنح شهادة العالمية

من فروان را مصرف به الفراق

استا لا لا می کنی حضرة الشيخ عبر ك عر العربية ولائتی من به عمروش

ال اگر می ر ا ا ا م ا ا ا ال اس ال اور

ای با ایرنا امارات

فردی ها ومتونه او نور کو

لسامر المتبعة، نفع الله عليه ووقع ما فيه الخير

تحریز بندی ها بر چه اشکنه بالمارة في اليوم الترويجية من شهريع المنطقة السنة

انان این استان ها را نان ها را بنده مصر را با موادی ها واعظم

نین وعده مدل مو

مسجل برقم: ۴۰۷۰

م حسين

شهادة العالمية الثانية، وهي براءة مَلَكيَّة بمنح شهاة العالمية الأزهرية للعلامة الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق بن الصديق الغماري

١٥٥

383

صور لبعض الأصول الخطية

انيس والبرعم المادهی اتمسک برها واعتقادها وجری لما ذلك مع عماد العمر بمصر وغير مناظرات كما وقع لموديلات تعليم عسير ا طع غیر هم میدار انبارداری عمل مع غیر هم به غیر ذلک حوادث وماجربات لا محل نزگره

هابل تذكر به الشهري الجامع جميع اللغبار واللهوان واحد رب العالمين. فصل راما السيد عبد اللہ جولد؟ احد الجمار ہیں سنته ثمان وعشرين تم دخل المكتب حجبة الفرراه وهوای منی سینس على البعضيه الحامد العرب بودره تي بعد على الجنية عبدالکریم اسراف کے بعد علی العظیم محمد الدند ایسے وعلیه جمع الفرات وبعض واتفى علم رسم الفردات وكان به صفر كثير الجد والسؤال للوالد عن المسائل العلمية تنتى الغير وكذلك كان يسرا نے ولما توجهت إلى القاهرة كان ير ا سنے بال امسالة جواب سوال البعد على مولعات كجزء الموضى ورسالة بنبوة خالد بين نسان والحج والنساء وتخريج احادیت استربات وغيرها مع اجونه مطوله به مسایل متعددة علما قد صمغ عرج الاجرومية وفت فى الاخبار واستمديل وغير رمان توجه ای وای یه سوال است اربع واربعين بلقد برها الجفر على عبد السلام العلوء واللصول على الكسيس العراقى وغير.  وكذلك اخذ عن الحبيب المرباجى والعباس النادى والرقي الخشى وغيريج وبرع به النحو والعرب وعليه العربية وحصل عند اقبال والحجاب عليها والبعد سرحاحلي على الاجرومية: مجله سمينه ارتقييد المباني ماهوته المفرقة الاجرومية من الكفايت.  والمعاني تم توجه مع إلى الشاهي به نقشه تسع واربعيى باقه برنا العضه العملاکی عر النية مرات فراعیه تفرح الدردير والبعض الشابعی عمر عبد المجید الله فا واخذ عنه شرح الخطيب على ر شجاع وعن القيم عزة الشاه می افرع شرح المنح الفينة

الإسلام كلية ابيه مى والفرايض على عبد المجيد المتقيع واللصول على محمد كيده اى مخلوف العدوى وكذلك أداب التحقيق والمناض والمنطق عرجود الاصلاح وشرایط ایسے فرائر الاول تهدي الجميع وعداثنای السلم للفخرى واجازلر ابو الفضل اخر وافع الطهطاره وعبداعى الكتاني ومحمد راغب الطباخ وخليل الخالدي والميت ولما كنت با تمام استجرت له بدرالدیس اسیبایی ومحمد سعید ابرا واجزت له اجازة مطولة سنة تسع وخمسين بطلب منرم الفاهى وله ذكره.  ومطنة وادراك مع نجلة للحفه لبعض الاحيان وكان ميانا بطبعه الى المعقولات غير التبعت إلى الحديث منصفونه وكنت ادموع إلى الاستقال به المرة

ترجمة الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق بن الصِّدِّيق بقلم شقيقه السيد أحمد بن الصديق صفحة (۱) - الأولى

 

بعد اللاوي واقول لراب النحو ونين من الالات لي تفحه الذاتيه وانما ز غمت للتوصل برنا إلى المعصرة الله وهو على الكتاب والسنة ثم المشتغلون برياة الدنيا لا يصوميل لايوجد غالبا الدمن يشتغل يهنى العلوم واحد السنة النبوية وعلماؤنا افل من الفلين بكات به برایته يعلم هنزا ويمر بين الاشتغال با تصوفيه وربما عارض وافقت يه بعض الاحيان الى ان ما يرجع إلى القاهرة وكاز بين تلك المدى الطويلة وكانت. سید اقبالہ پہلے الحدیت وشرف وجمتہ الیه مصر الماصارت الاسیله بتوارد عملیه من بعض أصرفه بينا المغربيس الكنديم انه من اقل التكريس كافيه با مجله ذلك.  إلى الاستغال بالحريب وصدر الكتب بين المقالات المتعددة: جملة الاستماع وغيرها د تدرب به همراه تو کالونی ویکے واجوبة وما رفتی با معرفه ر مالی الحدیث وهذا عته مع ذكائه وسرعته اور اک والی چند مسایل منر با اعلام النسیال يجواز التفضيل رد به عمل من تمنع ذلك ماجره الوهابية وهو النقابية الموجودون بمع وكنان الحلي الاذكياء بجواز التوسل بالنا بنده والد ولیده رد به علم ریظ اللاش مطبوعة بنجم وردع الأسر الرى جريمة الانتحار وتخريج الحارثية المنهاج -

اشاره وتحرير الاستحنا الاتات البيضاوية الشمال وغير الكوفه كتبه این شهر دانه اب رساله به استان حدیث - انات برای اثرات زائرة الدرعان تثبت احزره الدفاع مجمع ابطال الاحادية بروب نسبت وار می بارد عليه ما النول ال رابطان در کتب خر را سال ايسترو به تمام اند زنم بی سر خواه ولی کا انعلمه من غرور رحمن الر مانند وخرج الالات القبلة عبير ما بعض الهيماء مكتب الن يعول الأحديث الدر عمان قلم اضعفه تبعات ارية اللجان البراز، والمرة ام على الامارات العدوى المعنوية الالفيرم بدان تقسيم بغیر تی به احمر وان كانت علمی لیس بزرگ ودیگر مز محمد وعمر المسالة هواء ماورا العفى طبع رد الدارمي علي بشر المربية وهذا الرد تجميع صريح كاتبات المكان لنر تعالى والحمد والقعود والحركة والنقل والجعة وغير ذ لك مواصفات المحرمات جفرع ضده جماعة وكتبوا بعروب الكتاب ومراجعه ويزمرة ما بعد منهم الستين الكوثري والشيخ الرجوي وعبد الرضيع، وغير انهم وكتب الشيخ اللباد سوال اللي مشيخة الازهر بده اون بالسيارة من خوالك الرد بكات. مديرا حديث الدرعمال وكان غرض الشيخ اللبان من سوالم البنات نظم التين این در محله حافر البنى تعافيه على ذلك جامالت المشيخة سواله إلى بجثة مكونة ما الشيخ ابن دقيقه وعميبي حنون والجبال والعنان با جابر الجراب عبر تخاليط والمانية وكاه ما قالوه: هذا الجريانه حصن علا رای الترمذی وصحیح عند الملاكم

ترجمة الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق بن الصَّدِّيق بقلم شقيقه السيد أحمد بن الصديق

صفحة (۲)

صور لبعض الأصول الخطية

وضعيف عنده اخرین جمود اعتقد ضعجه مله وجه ومن اعتقد همه جله وجه به سلاح من هذا الفيل وغر ضم اوپرا واجانب العنی حتی برتفع عليه مستواية مع شرح بهم هدى الاستيده علما وصل الجواب الى الدين اللباب إراداهای دلکنه باید روده یشیم ولا لا يوخ وكل ما عنا احد خيرى ليكلم الكوثرى فقال له عنى من ينوع جزا غير الكوثري واحداله عر كتبت رد اعليهم لیفت پیر مطامع كلمة كلمة وضعيات الحديث وهو الواقع من على وجوه اذكرهانك ملخصه اوکھا ان الحریت تعود به سمد کی ہی حرب وقد وال العادي اذا انفرد بلا حل إيكر جحة لانه كان بلفی میتلف وذكرت قول ہے به قبوله للتلفين وانه التلغين من القدر ما يضعى به الراره تاثیر با ار سمالا مختلی جیسے جو نعم جماعة وضعحه والفروه وذكرت ما وسعه وضععها قلت اه من خوب مخرج علي ترتیس مرتفه لا لأن الجرح مفرح على التعديل على لله ما ضعبده بينوا سبب خوجه وذلك من صیب تقديم كلامهم ونقلت من التدريب والنجمه وایڈیو ڈیک وذكرت ان احتجاج مسلم بسماك لا يصير حديثه حجة عد الا عنده لانه انما احتجب احادیث انتخابها من صحيح مسموعاته وذكرت جوابا علما من اللجوية التي اجا بها عن الشيخين نالتها ولو سلنا ايما لا تغتة والغينا النظام من تطعيبي سي

ضععه الوحيد رو حمدينه هذا لانه اختلی علیہ جیہ کا واں اکلونی است.  وذكرت ذلك الاختلاف سیما بینا هسته را بجهاله تیغ سماک ومو وبد اسیر کے چیر مریانہ کی افال الذهبے وچنان ارائح الحرية للاعرجه وذكرت از ایرادا بر حیات لبه التفات لا يرجع عندة الجرسالة الى عادة ابن حباب فی ذلک معروبة ونقلت خلاف ابن عبد الهادى والسخاوي: هذا المعـ فا وه هذا المعنى ما مسیرها ان تسند الحرت فتق لله عبد الله س تميري لم يسمع من اللحين بي فيس ونقلت عبارك البخاري: ذلك ساد سر ہاں اب عرى ذكر هذا الكريت مع احادیت افری ترجمہ بھی بی از میلاد الكامل وفان كلربا غير معونة سابعها ان الحریت بخواب الشراء والاحاديث الضيمة به حبات الملايكة لدى الفردان وهي الملايكة بانهم ذروا صفحة والتي الذيات الطلب ومطلعها محمول عر صفيرها وكذلك الاحاديث العجين جات على قرار الفردان جب عضها وهى الملايكة بالاجنحة وبعضها الصاله ومطافها على وغيرها وهذا الحديث اجادار محمد القرش مسم على صورة الاوعان الريح بعد شخیص به مجموع الفراره والسنة الشحيمة عرمول الجمهور بعد از تحصين الورز است

ترجمة الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق بن الصديق بقلم شقيقه السيد أحمد بن الصديق

صفحة (۳)

الرماد وبكر سنن وا تفرع تامر عا الحديث يخالف انفراان ایضا می نامیته اخری لانه يعيدان حملة العرش الله ثمانية وانفردا - يعيد انهم ما نيتريوم الغياما الآن فان تمال وتحميل عرش ایک جو فسم ومنذ ثمانية ومجموع الطلاب حجة عند الجمهور لا سيما وقد ورد بالكريت ما يويد ذلك وذكرت مصلی بر اسحاق وابن زید وشما مهرجان باد حملة العرش البيع اربعة ويتو بدمع الله بيوم القيامة باربعة جيج وعلمانية تاسع يا ان الحرب فكر المعلى وبمان نکارته من وجهين احدهما ان الله ذع المشتركين علی واصبح الملايكة الذين هم عند الرحم باسم اناث ووان تكتب شهادتهم ویسا لوں ولی یک لینہ مہم عروجسم الملایکہ بعثة هي المرجع الصبية التي علم عليها کما بیده حديث الدو عال از عما لانك جيل الاننى الفرج من الوعل زنا نيهي ان الوعل هو الفيس الجيلي والقيس ليس مما يستخص الرحبيه عند العرب وغيرهم بل هو فرقة وعمار كا يعلم من كتب الاعمال وقد استعمل الشارع نفسه وعبد البس ہے التي مسمى المحلل بالتيس المستعار وقال عن الذى يخلف ونساء الغاربي ليله نيبها كنبيب التيس بكيف تكون محملة العرش وهم الشرب الملايكة يحملون العظيم مخلوف

والشرجه: العلام العلوء على اشكال تيوس مع انه لو حبيت احد من الناس بانه تيس لكان ذلك بإغماية النع له بالحديث: غاية النكاع وقلت جلو سلمنا سلامتم من وجوه الصعبه السابقة لوجبه رده بنکارته بل لا پستدان يحكم عليهم بالفصح کیا فصل المحدثوب يما هو افل فكارك من هذا وذكرت بعض الاحاديث التي مكن التحبي.

بوضعربا للإنكارة مع صحة سنرها هذا ملخص الوجوه اپنے ضعبت بها الحريت وعلى صحيحة معيرة الله الوجه السادس بانى ذكرته مع علمىی بانه کیمیا ملالہ: المردود عليهم الصمون ولانهم استعمله المغالطة بغا لقسم جان گفت تری ہے هر الوجوه يا باخبره به مع الجواب عن حديث الرحمة والحم يج جان إلى الله ہے يعني هذا وارجو ان تكتبو الى اجازة موسعة تذکر وہ چیرها مسانی که با ستغصود وقضا نجيم كذلك لك ان تصل إلى الاتبات المعروجة الزی با کتابه المؤرخ: خامس وعشرة ربيع الثاني من منذ تسع وخمسين وكان الشيخ الوالد فرس عر بذاكره: النايل النحوية واذا وقع ما يقتضى الكتابته به نفى عنه امره بذلك ووجرت ہے محبتہ جوابا بخط المترجم نعه حفر التشريف الجليل الاستاد الباطل سيدى عبد الحمية معطل الله وسلام علیک ورحمة الله جل جلاله وبركاته اور جدت کرتےہے کی ایک ایک اسران الجانتے الاديب

ترجمة الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق بن الصديق بقلم شقيقه السيد أحمد بن الصديق

صفحة (٤)

صور لبعض الأصول الخطية

الدریک اسید قربى الازرق سال عن قال هل على متحرية وذكرت ان كل من والسوال توقیف بذلك بعد جوابه با تنصب الجمل واہ العظیم اسید شری العمر اجاب بانها للازمة وطلبت مني تفصل القول به ذلك قد علم أن للعملة ال علاقی احداهما الن تتصل به علا غير المصدر على وجہ لا یکون خیرا کیا قال ابرو کے ة علامز العجل المعدى ان تصله هد غير مصدر به نحو عمل.  تانیتر یار بینی عند رسم معمول قلع اى غیر معتر الى ملته بحرب بر وغیر ان العلاقين موجود تان به فال از یی ارتغال فرع كلمة فلتر ها ونفر اعلام حق ووجود احدى العلاقيتي؟ العجل كاب: تبرت تعریہ کا یعبده انتصر وایک علاولی وتریفه عليها قوله جانشب به معوله بكيف بوجود العلاق فعال اذر متحرية كا قال المرادى والانمون وادم يبينا وجه التشرع والعقل لصوم تركاه وبهذا تعلیم استروف می تونی به تعد بها بعد اعترابه انهاست الجبل عملك شاسي الفعلة عما فر مناه والجنس من قول سید محمد بن عبد الحمد

انها لازمه اذلا قایل به غیر په اعلم کی امشہور عند الجمهور انه با متحدية الان واحد وذكر العلم وابى غروب وصاحب البسيط أن سليما من الغرب تحديث است بعمولین تشيها لرها برض العمل والا تخمنها معنا حدا من الجلدة الطفى وبغرل الشاع. ه قالت وكنت رجلا اعطينا ٥ هزا ورب البيت اسرائیسنا بنصيضا قالت مفعولين احدهما هذا والثانی العرائيس وليس معناه وتا وله ابرى وريده هذا فقير او اسرائيس على جذب مضراب هو الخبرای جیسے اسرائيس مخرج المخاب ويبقى المصاب ابن بلع جی لانہ غیر مسح وللعلمية وقال الخضرى وهوتا ويل بعد فقت وجه بعرابغ شروط بغدء الطلاب اليه ملع جره بعد حرب المضرب كثر خلال يس ان كان المسارابين بهذا الصبي واحد اعمل الغول أولا ولد كان الشاعر فايع التقدير وعد المستهور تبعد ليت قسمان الأول المجرد وهو نو كان أحددها المجرة العمودى معنى المجمعة وذلك ل وخطبة وفه التبغوا عر انها تنصب ثانيهما المبرد المراد به اللون الذى لایک السما اللجملة وذلك كتامة وبعطة واختلعد امير جزکر الرضى انها تنصيب ورده این مسلح بانه خارج الاجماع فلت هذا اللـ بع فقت هذا التعلم مرد وہ باب ما ذکر

ترجمة الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق بن الصديق بقلم شقيقه السيد أحمد بن الصديق !

صفحة (٥)

الرضى ذهب الیہ الزجاج والزمخشره واز خروب وابر وانک وجعلوا مند خواسته ای پرتغال از ابراهیم وتبسم الاسمون قال ولو كا يغال بينيا للعا على بنصب ابراهيم وهو تنام لله بناره للمبعول ورجع ابراهیم به جرع عن صحة نصبه لر وجعونا

زادار می نوعاناتها ينصب بشمال وتقوم ومربع ان يجربه على الجملة وعن المجرد نحو فلت الحظ فإن اللون يضع عليها الثاني الجملة وذلك اذا حكيت بفال وانها تكون 2 موضع مفعولها المجرد المنتفع ذكره كم او البر غیر واحد وحكى الصعدة عن ابتغى الخريس اند با تکروی موضع مفعول مطلق نوعی وهذا واعلام بیاده دور ولا الخته ى باطل لانه لاتعرب نيابة الجملة عن المفعول المطلف والمراد بالجملة فريج التعريحة والمقدرة فإن المجرد الواقع بعد فال من غير الانواع الثلاثة المتفوقة بح کی کما قال الزمر واليسوعي من تغريرحم الجملة وذلك نحو فرار تعادلی قران مکلی خروج مکروه ای سلام عليكم واقول امرئى الفيس

اور وقت با شاغلت طعع عراقة معرفة مائجئے یہ التجره وغن ذكر وا هنا كيب عيتر حكاية اشتعلت الحرية وانه يجوز ان تھکی ببعضها وبمعناها الد اداکار میر ہالیی باختلجاهل بچوزان تھکی به او جب لم تحکی بلا معنى ذهب إلى الثاني ابر عصور والصواب التجميل بس انا تقصد حكاية اللحى متجوز اول بلا هذا ما يتعلى بغال من تاصيل وتجميل وقد تكلم عليوي الجبال وانجح حربه علم حصلا بها هذا التحصيل وانما الكزا على عادتهم من تقسيم الخليل ولا ترى كبير جمع لرى الاعتماد عليهة والتعويل بد عرض هذا على السائل وتامل انت وهو مير وانه اب سلة اس میں جمیل واجب بالمقصوت عال من التطويل الاكرلي عرجت نعمة الحية منزه: والجليل والصلاة والسلاح تعزيز ثرو المصيبه ومن فیجی دارم ونهج سواران پیل ودرج سادس وعشره ربیع الثانی منا سنت مجنس وکلا تمایت وابع وکارای بعضیم خوبی به بعض مولعانى وجماعة كثيرون على تغيير المحزین لی ہے، ذلك وفات الجواب هما عمر كثيرة وبلغ ذلك لمولات التين الوالد فرس مرع كتب اليه يامي بالرد على هذا السانين علب بذلك رد اعمنا وكان الدم حضوره بالازهر يغزا مع الطلب علی بخر وال والاصول وابیان واتبع به جماعر مهم ودخل للامتحان واخذ سيارة السلامية من الازم میں ان اعلم واذكى بكثير من التجنه وشهد له ولما نو جي الفاتح خرسی سی در جفاس القاهر الا تقريع: فرادة مجمع الجوامع بالجامع الا عن من طبقه. واتجيب

ترجمة الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق بن الصَّدِّيق بقلم شقيقه السيد أحمد بن الصديق صفحة (٦) - الأخيرة

17.

صور لبعض الأصول الخطية

«أسماء شيوخي» بخط سيدي عبد الله بن الصديق

بسم الله الرحمن الرحيم اس شیرخی

أحمديت محمد بن الصديق

احمد بن محمد بن محمد الدليشاني الضرير

احمد بن عبد العزيز وما رافع النظم طارت سمعت منه حديثها الأولية أبو شعيب بن عبدالرحمن الدكالي -

أبو النصر القاوقجي سمعت من حديث الاولية الطاهر بن عاشور شيخ المالكية بتون أبو القاسم الدباغ

خليل الخالدي ار الشعيني

عبد الحي الكتاني سعت منه حديث الأولية

عبد الباقي الانصاري

عبد القادر شلبی

عبد المجيد بن ابراهيم بن محمد السنديوني اللبان سميث من حديث الأولية

عبد الغني طموم

عبد الحسين شرف الدین الموسوم شیعی امامی در

عبد الواسع اليمني

محمد حمدان العباس بن أبي باكر

أسماء شيوخي» صفحة (۱) - الأولى

عبد الحفيظ القاسي القاضي عويد نصر الخزاعي المكي

فتح الله البنات محمد امام السقا

محمد بدر الدين الدمشقي البيباني محمد سعيد القراء الدمشقي محمد بخيت المطيعي

محمد پیش اور بیس افقی در منی محمد الخضر التونسى شيخ الجامع الأزهر محمد عراقي الطباخ الحلبي

محمد بين الجامع

محمد كمال الدين القاوقجي محمد زيارة اليمني الجينى.  محمد الجلبي من كبار علماء الازهر محمد السمالوطي

رد

محمد عبد اللطيفة خضير الدمياطي حميد المهدي بن محمد العربي العروزي محمده ويدار الكفر امرى التلاوي محمد زاهد الكوثري محمد محمود خفاجی شیخ علماه دمیاط

«أسماء شيوخي» صفحة (٢)

 

صور لبعض الأصول الخطية

جود امام عبد الرحيم سمعت من حديث الأولية وأجاز لى به عن الشيخ احمد الحلوانى، وليس عنده غيره.

المكي البطاوري فتح الله البناني

محسر با نامربا حرب اليمني الحضرمي

يوسف النبهاني

«أسماء شيوخي» صفحة (۳) – الأخيرة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حمد المن رجع افرار اهل الحدیث پس سایر امانده وجعلهم خلع اور رسولہ الکریم جک انسوا فلما لخاص والعام، ونجع بسم حملة شريعة الاستكانه وطوف بمن هم رفته کل عالم واصلاح وحفظ با خصم به من الاستاد دینہ المنیف مکانوا حماتہ الکرام. وملند العدول الناجين عن تحريف الفاليس وانتحال المبطلين وتاويل الجهله الشام والصلاة والسلام على خاتمة الراصل الكلام، ومسك ختاج بعضة التمساح. سيدنا محمد المجربات خونہ سنته العاملی بھاا ينقطعون لا يبوح الفيلا، ولا يزالون ظاهر بن علی الحق وفا میں بہ حی ضیاع، وعمع الى العادة الاعلام وها بتد الدماجد الكلام امریعہ علما كان الاسناد من الدین با المفرقہ اپنے كا يعرفها العلما باد تشریب ما اعناق العطاء وتسمر اليها هم الكافليس من حملة العلم البكاء، وتعظم مها رغة الخفيفة الكملاء ولا يفعل عنها الا العاصرون در انبیاء والجاهلون در دنیاه سمت همة الدفاع العامة، والجر البحر الجهام المشارك في المنغول والمعمول والمحفى العلاج الجروع والدموع العند الراوية، والمحدث الواعية خلام الحديث الشريف، والغاب عن حوزة حرق المنيف والتاليف المديرة الناجعة، والتصانيف المجير الجامعة المدرس التصاعد او من هو لكل الفضائل واعين جماعة الشفيقنا

ابو المجد السید عبد الله بن الشیخ الزواج علم اله علام حر العلاج والمصارف) ومقره الاسرار واللطايف المجتهد المطلق، وم امرولايت مقطوع به محفق الخطب الكامل وابعد المحمدي الواصل خافتة اعة الاسلاح، مولان الوالد العفر من اب عبد الله سيدنا محمد الصديق التصريف الحسنى رضى الله عنه وانشاه وبعضا به المين مطلب منا ان نجز له سیار وو با ستار ما تلفيناه عن شين خذا واجبناه الى ذلك مخففي رغبته بالانخراط في تلك المسالك، واد كنا السنا هنالك، ولا مصر وديس من جملة أوليك فعله جزءا للعلامة المذكورة والجريقة الره هية مشهورة اجازة عامه: كل ما اجازه لذا البياخد الزايد عددمع على المائة مما عدى

ذكرج

إجازة السيد أحمد بن الصديق لسيدي عبد الله بن الصديق (الصفحة الأولى)

صور لبعض الأصول الخطية

ذکر هم واسانید بع مشختها ومهار منارها جمنا كل المعجم الصغير والمعجم البعير للمستجير والشيخة مي مجلد وحلة الدعائي والمرويات والرواة في مجلدیں مخمس واختصارم العبيد المسمى ذكر العجله للاتصال بالمقله والعضد البعا فربما لاحمد بن العريس من الباخر 12 اربعة اجزاء دوا اسندناه عنهم: كثير من مولاتنا المطبوعة وغیرها واجر ناله ان يجيز نيابة عنا احب اردایه عنا مباشر كما اجازنا ذلك بعض التيا خدا وسیمو ضع انجسته به علواء اسناد ونظر علم الرواية والمه

سبحانه وتعالى المسئول ان ينبغضنا واياه بما علمنا ويعلمنا ما ينبضا ويزيدنا على والحمد لله على كل حال ونعوذ بالله من حال اهل النار واعداد رشته در شرارد اجب وصل الله على سيد محدده الرجيم هذا الصغير إلى الله تعال خارج الحدیث اور کے ابن الصديق بسيوع البست ثابت عصر حاوی در دی مونته احدى وسعی وتلائما

والب

إجازة السيد أحمد بن الصَّدِّيق لسيدي عبد الله بن الصديق (الصفحة الأخيرة)

سم اليد الرحمن الرح با نام مه که

مثالي

وعلم الانادا تمام و

ملة بالقرائة في مؤلفي في هذا الشانالم الشيوخ الجدالاسي القاضي العا في قرانة تفريج الكروب الحديث لا هلا بيت عليهم السلام الغاية مها شرحها

ملا تحلق مقعد

اليزدي على ایسا نعوم في المنطقة ومتعالامام زید وشکار

وفي السيرة النبوية سيرة ابن هست الايات وغیر ذلک از هر سائل منها تحفه المثاني را جازني بهذه المزوات و

ا ر ا نتایج بشد هم الى الشوق نجم القاضى العقدة

وبحق عن شيخ

المرات واجارتي ما الشرعية

حضرت علیه می افته

 

لا سالم من احمد ولا

الحجر النبي ريد.

باد الأحواز الحكيم الترمة

مخالف ومن شاعر على المدينة الكرة العلامة

نالاخته الشريفة بجميع مواخانه وبا ارسال عليه تبت المراد بالمريد الى طرف الاسانيد ه مالها الد هر محمدت الشام وعلامت الدنيا الزاهد الواقع لا نتركام من

ان یہ احد کا سیال از متنی دارد جملة من الطلبة ووس

علم الی اب شرح کاشتہ اسد كه إلى ملك الملوك في التصوف وشرح منظومه الكشاف والعين الاول مع تيار الطيب حضرت الشيخ آخرها سلمت عليه المختصر فى الشركات من النحيفه

ي البارالمبية الشريع على التشريع طالبة

معة شرح الزيج حمد الق المطيم بالشام کا بنا کثر الشحات انظر الاحت است مند نيوف عن السبعين في تاريخ ٢٧ متكامل من اخذه البعض العلوم ولى اجازة عامة وخاصه عمرتانیه با شیبا تمانی تریفها ومن تشاء

ت الشہور احمت بھی مفتی داشت اسید العلامہ کی تائید اللالي في السند العوالي ورجازی با استاد علیه وه

نهاج النووي في فقه الشافعية في جامع ابرا

عرق قبة العباسية أو بعد صلوة الصبح في الموضع المذكور في التفريد في الشيخ وقد جرت عادة المشائخ رحمہم اللہ ان یہ کردانی بجا لا تهمت داردي هذا اللها من البخاري رقة كالا اذکر هنا اخلاطریق کار

إجازة العلامة عبد الواسع اليماني (الصفحة الأولى)

صور لبعض الأصول الخطية

حمل الفلت

كبر سنه نيوف من اجازی اجارہ ماتہ

الشبت المشهور ومن هنا

درجہ

وقد جرت من

ف اجد احد الشاهراه

و میانه را به احد من رحمة احمد رمضان الكريم من النير الله به ال ای دی

ے جائی

ليات الاحدار

ني العيد

مانی وامانت کا تذکر

سيدى الفاضل العلامة حماد بن محي الصديق حفظ اله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وصله خطاكم وما ذکر شو صار معلوم وقد بخشا ان الحديث المذكور مع شيخن العام الله در حیدر على الوالسلام عبد الرزاق غیر موجه وبالین وقد مع اثر بر چه هستی ومهربان چند بانی حفار شناخته تر مغرب هنسی وته کنه انا حرام وهند جوه الله به نفسی که دین ابنه في الجانب الكبير السيد على الحديث بالف من اليه النار الى جابر عالم بیده والان في حال است ومردانه ها ستاد امریکی با ستمگر واسمرا حبکم الاعضاء من القصر ويبارك لكم بالعدان

ان شانه علا

إجازة العلامة عبد الواسع اليماني (الصفحة الأخيرة)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حمدأ لمن جعل مقام المتوجهين اليه اللائذين بجنابه الأقدس هو المرفوع.  والمعرضين عن ذكره المنفتين الى هذه الأخيار هو الموضوع.  وصلاة وسلاماً على من اولى جوامع الكلم واللسان الفصيح. وجازنا بالملكة السمحة والدين الصحيح.

و على آله واصحابه الذين سمعوا مقالته فوعوها وادوها الينا لما سمعوها.  حوصلنا شريعته الفراء مسلسلة الاسفاد بديعة النظام. خالصه من شوائب الانتفاع والأوهام.  قالوا بعملهم حسن المنازل العوالي في دار القرار. ورتموا في رياض الجنة مع الأنبياء الأخيار.  وفازوا بالنعيم الدائم المقيم

ورضوان الله العظيم (وبعد) فأن الاستاذ الفاضل والاديب المحامل الشيخ عبد العد بن محمد بن الصديق الغماري الحسنى المغربي تنزيل مصر ارسل لحمل كتاباً مورها في التاسع عشر من شهر شوال سنة سبع وفين وثلاثمائة والف وهو معرب من فضله الحجم واديه الغرير، وما جاء فيه واني لأرجو في فاتحة هذا التعرف المبارك منتهزا الفرصة ان تحفوني واخي الاكبر السيد احمد بن محمد الصديق باجازة منهم لنا جما لكم من مرويات توند كردن مشايخكم وما لهم من الأسانيد العالية منها على وجه الاستيفاء لذلك الى ما جاء فيه.  وهذا منه ومن اخيه حفظها الله جل جلاله واكثر بط النفع مبنى على حسن الظن بهذا العاجز والى من اهل هم الشان وفرسان ذلك الميدان في حين الى الست اهلا لذلك ولا من جابوا مك المسالك ويصدق على قول من قال تنزلوا بمكة في منازل هاشم ونزلت بالبيداء ابعد منزل

إجازة العلامة المؤرخ محمد راغب الطباخ (الصفحة الأولى)

صور لبعض الأصول الخطية

معبر من كتب الحديث والعلوم

واوصى الأخ الفاضل المذكورا عظم الله لي وله الثواب والدهور بما اوصى به نفسى من تقوى الله جل جلاله في السر والعلانية والاخلاص له تعالى في القول والعمل وان لا يا لوجيا في الاهتمام بأمر المسلمين والسعي في خدمته دینه واسند وبلاده ونش دعوة بيه محمد صلى الله عليه وسلم بالحكمة والموعظة الحسنة وليقصد بذلك الخير

الله جل جلاله وحفظ هذه الشريعة المطهرة من اوناس المبدعين والملحدين فقد ورد عنه صلى الله علیہ وسلم انه قال (خير القوم الموافع عن قومه ما لم يأثم) د ورد عنه صلی اللہ علیہ وسلم انہ قال الان مهدى الله على بريك رجلاً خير من الطلعة عليه الشمس وحریت)

و او صيد ان لديناني من دعواته الصالحة في الأوقات الرابحة. وإلى اسمل الله جل جلاله ان يوفقه لما يحبه ويرضاه ويجعله من المفتين سنته القائمين شریعته، وصلى الله على خير خلقه سيد محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله واصحابه والتابعين لهم أحسان الى يوم الدين. ولا جون ولاقوة الا بابعه العلى العظيم وهو حسبي ونعم الوكيل كتبت في التاسع من شهر دي لقمة قاله نجمه وكتب تعلمه في القعدة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة الف خادم السفقة السعودية بمدينة حلب

من الهجرة النبوية

محمد د اخذ الصباح

إجازة العلامة المؤرخ محمد راغب الطباخ (الصفحة الأخيرة)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

جائے

الحمد لله الذي جعل مجالس اهل السنة روضته من رياض اهل الجنة وجعل اسم الحديث في القديم والحديث انفاس حضرة ذى الرساله والصلاة والسلام على صاحب الحفرة وسارة ندماء المحمية من تلك الخمرة سيدنا محمد الذى ارتقى اوج المعالم واعتلى باخمصه الشرف العالم وعلى آله وأصحابه ما اتصلت سلسلة الاسناد واعتنى النقاد وبعد فقدا جزت العالم الفاضل والالمعي الكامل مسلسل الافاضل ابن محمد بن الصديق بن احمد بن عبد المؤمن الفاري بكافة مرويات ومسموع ومعقول ومنشور ومنظوم عن مشايخي في الشام ومصر والروم وبكافة من اجازة من سائر المشايخ في الشرق والغرب اجازة شاملة عامة راجيا أن لا ينساني من دعواته اوقات دروسه وعقب صلاته موصیبا اياه تعزیه عنايته بهذه الكتب وهى شرح البخاري للخطابة وشرحه لابن بطال الاندلسى فانها اصل لكافة شروح البخاري والشرح المسمى بالمعلم على صحيح مسلم للمازري واكمال العالم للقاضي عياض وشرح النووى على مسلم وكذا شرح ابن الصلاح عليه وشرح سنن ابي داود للخطاب المسمى بالمعالم وشرح سنن الترمذى المسمى بعارضة الأحوذي لا بن الحرب وشرح الترمذي للحافظ الحرارة وشرحه لا بن سيد الناس وسنن النساءى لا سيما الكبرى وسنن ابن ماجه وسنن الدارمي ومسان الارقطني ومجمع الزوائد للحافظ الهيثمي والمولها وشروحد الثلاثة وهى التمهيد والاستذكار كلاهما لا بن عبد البر وشرح القاضي البد الوليد الباجي المسمى بالمنتقى والسيرة الكلامية وسيرة ابن هشام وسيرة ابن سيد الناس وكتاب فتح الباري على البخاري لابن حجر المستقلد - ومشارق الانوار للقاضي عياض وشرح الحافظ البيضاوي على الفية الحديث المسمى هذا ما اجينا ان نوصيكم به والله ولي انجادكم على ما يكون لكم ذكر ان الوالدين وكتبه بخارده الفقير العفو الله ورحمته خلیل بن بدر بن مصطفى بن خليل بن محمد بن خليل من صنع الله ابن خليل الخالدي المقدس في تاسع عشر شوال سنة سبع وخمسين وثلا نمايد والف مصليا على النبي وآله وصحبه

به

تر الليث

إجازة العلامة خليل الخالدي لسيدي عبد الله بن الصديق

صور لبعض الأصول الخطية

ليكم ورحمة الله.

ل مناسبة حق الله الآمال وخرج

بسم الله الرحمن الرحيم

انکم الله وسلام علیکم ورحمة الله وبعد تقبل أيديكم والسؤال عن أحوالكم التي نرجو أن تكون بخير وصلنى كتابكم الأخير وتأخرت عن جوابه لأنى نت أنتظر الانتهاء مع سليمان في مسألة الكتاب وقد انتهينا واسئلت م من الكتاب. سأبعث منها ١٠٠ انتخة ومعها نسخة من البحر الزخار ومجموعة الرمي بالسهام التي ساوت هنا عشرة جنيهات ففضلت عدم بيعها.  وكتاب ازالة الخطر أعجب به كل من رأه بعضنا فالشيخ أحمد مرسي - وهو يسلم عليكم كثيرا قال لى: أن أخاك مجتهد مطلقه لأن له ثلاثة كتب م يسب اليها تدل على اجتهاده وهى تشنيف الآذان واحياء المقبور وازات المطر وهو لذلك يحرض أصحابه على اقتناء هذه الكتب ويدعو اليها في مجالسه، بل قال لي منذ أيام: أنا أعتقد أن أخاك ولى منفوح

وأنه في رعاية النبي صلى الله عليه وآله وام، ويصفكم عن أصحابه بالحفظ الواسع والاطلاع العام، وكذلك صديق لنا اسمه حمد الله تبليغ وهو رجل غنى وصوفي صالح ومحب للسنة لا يقدم عليها مذهب ولا إماماً كما رأى الكتاب أخذ منه عشرين نسخة ليوزعها على أصحابه وقال لي: انه أغال به عالم من طراز آخر وهؤلاء العلاء الذين تراهم لا يصلحون أن يكونوا تلامذة له، وكذلك صديق لنا آخر دمشقی وهورها بی معتدل أخذ عشر نسخ من الكتاب ليبعثها إلى دمشعه واثنى عليكم ثناء عاطرا. والمقصود أن كل فمن رأى الكتاب أطراه وأبدى اعجاب بسعة عليكم وقوة مجتكم ودقة استنبال کم، وبالا میں جانیى خطاب من شخص لا أعرف ببلدة بيلا مطلب کشف با سی وکتبکہ لانه رأى التشنيف واحياء المقبورنا عجب بها أيما إعجاب، واقتراح شرح الرسالة أو ابني عاشر حينه جدا وأرجوان أوضع إلى شرح ابن عاشر أو لا لأنه أصغر ويطلب كثيراً فى مصر والسودان، والأزهر مقفل بكليات ومعاهده والشيخ قاعد فی پیتے لأن للأزهر بين جميعا مطالب لم تجبها الحكومة فتركوا الدراسة واستقالوا من وظائفهم بالإجماع

رسالة بين سيدي عبد الله بن الصديق وشقيقه الحافظ السيد أحمد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

عبد العزیز سلام علیکم ورحمة الله وبعد وصلنى كتابك الشريف وما به علم وكنت أود كثيرا أن يمكنكم شراء كنز العمال من مكتبة العمراني لأني في حاجة شديدة اليه الاله الأخ أخبرني أن أوقف مكتبته على أولا وأولاده، وكنز العمال ثمنه مرتفع هنا وقد اشتريت نسخة منه في السنة الماضية بثمانية جنيهات وهي من كتب الكوثري فوجدت الرطوبة قد أضرت بها وأعدمت الانتفاء منها فبعتها. وسائر مطبوعات الهند هن غالية، وكتاب زكى مجاهد أرسلته بالبريد المسجل فلا أدري كيف ضاع، وأنا في انتظار شرح ابن الحاجب، وقد سرني كثيرا ما أخبرت به عن حسن هانا الأخر وأنها لم تتغير لأن الوزاني ذكر في احدى زيارات للريفي أن الفرنسيين غيروا معاملة الأخ وضغطوا عليه، وزاد أن الملك أصدر العفو عنه وأن الفرنسيين أوقفوا تنفيذه لأنهم يعارضون في اطلاق سراحه، وصدقه الريفي کلاقه وقالان واثق من أن الملك أصدر العفو عن الأخ ولكن الفرنسيين عارضوا فيه شأنهم في معارفة كل ما يتصل بالحريات الفردية والجماعية ويعارضون في كل خير واصلاح، فالكنى هذا الخبر حتى جاء كتابك فأزال ما عندي من الألم، أبلغ سلامي إلى أهل النار جميعا وسائر الاخوانه ومن طرفنا يسلم عليكم سائر الاصدقاء، وقد طبع ترتيب مسند الشافعي لعابد السندى في جزيين صغيرين، وألفنا لجنة من العلماء لطبع مؤلفات أعضائها ومؤلفات أخرى وجعلنا الاشتراك فيها عشرة جنيهات وربما بدأ العمل في الشهر القادم بجو لاله، وبعض النتائج هنا تنبأت بوقوع حرب وأحداث وبنت ذلك على أن مفتتح السنتين المجرية والميلادية بواقعه يوم الثلاثاء، وهو يو والكروه فس لالم السلامة والعافية ونرجو أن يخلف الله ظنهم ويكتب بأهم والسلام؟

وسامي النشار في الاسكندرية وحين أقابك بالقاهرة أبلغ الـ

ت عشیره الله تعالى

٢٧ من ذي الحجة

٢٩ سبتمبر ١٩٥١

يوم

رسالة بين سيدي عبد الله بن الصدّيق وشقيقه العلامة سيدي عبد العزيز

صور لبعض الأصول الخطية

الحمدلله وحده

صلى الله على سيدنا محمد واله

حفرة الاخ الجليل الشريف المساجد الاصيل سيدى عبد العزيز ملاح عليك ورحمة الله وبركاته اما بعد بالغرض بهذا السؤال عن اموالك الزكية نرجو الله ان تكون وجع الأمنية ثم تکلیک بابلاغ وسلامي لمولانا الوالد وتقبل يده وبابلاغ سلامي للاخرة والاخوات وأهل الدار كافة لا أخص منهم أحدا ولاهل الزاوية ومنا يسلم عليكم الاخوان والحاج الشكارة ويقول لك ماذا عملت في الحوايج التي ما طلب منك ان تطلبها من موانا

الوالد و

هذا وقد بعثت بكتابی اعلام النبيل بجواز التقيل با خبرنى هل رايته وهل أنثى عليه مولانا اکراند وغيره ممن رعاه والسلام.

وكتب عن عجل

معہ کتاب اسيدى عبد السلام بو عياد

وصله له

اخوك عبد الله

رسالة أخرى بين سيدي عبد الله وشقيقه العلامة سيدي عبد العزيز

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله

الى حضرة الأخ الشريف الذكى الفطن النبيل سيدى عبد العزيز سلام عليك ورحمة الله وبركاته وبعد وصلنا كتابک وفرحنا به كثيرا حيث انه أتى بعد غيبة أو جبت الاشتياق اليه مع ما أفاده من سلامتكم وعافيتكم لله الحمد وما ذكرت من اعجاب الناس بكتابتي في سماع الحسن البصري من على عليه والسلام وتعجبهم من معرفتي بالرجال واطلاعى الى ذلك الحد الما نشأ من اعتقادهم قلة علمى أو ضعفه والأقلا وجه لتعجبهم مع معرفتهم باشتغالنا بالعلم وتفرغناله ولله الحمد والمنة وقد كتبت، مقالا آخر في الموضوع وسيصلكم في مجلة الاسلام فلا بد أن تطلعوا عليه وتخبرني با سيقوله عبد القادر الجزائري وغيره في شأنه

هذا وقد بعثت لك يومه بكتاب الفتح الكبير وأما الكرة الأرضية فسأرسلها لك بعد ان شاء الله جل جلاله وسبب تأخرنا عنك هذه المدة هو عدم الدراهيم لأن الكبيرة التي بعثتها أخذها الشكارة وقضى بها قطرة من بحر الدين الذي عليه ولم يتيسر له بعد قضاؤها فلذلك تأخرنا سلم منا على أهل الدار جميعا وعلى الاخوان كافة ومن يسلم عليكم جميعاً الأخوان والشكارة والمنتصر التانى وهو ينام معنا با لیست وياكل معنا وأنا أدرس له الألفية بشرح ابن عقيل والأخ سيدى أحمد يدرس له تحية الفكر ويسمعه

سنن ابی داود وسیسمعه بعدها بقية الكتب الستة وأحبك أن تخبرني عن الكر طفت هل اسم آخر عندكم أولا

والسلام يوم الثلاثاء ٢٤ من شوال - ١٣٥٢

أخوك عبد الله عفى عنه

رسالة أخرى بين سيدي عبد الله وشقيقه العلامة سيدي عبد العزيز

صور لبعض الأصول الخطية

الحمد لله

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله

إلى أخبنا الشريف الجليل الغمامة الذكى النيل سيدة عبد العزيز سلام عليك ورحمة الله وبعد وصلی کتابك وفرحت به كثير الما اشتمل عليه من أخباركم السارة والأسئلة التي وجهتها إلى لم يتيسر لى إلى الآن أن أجبلك عنها لأشياء عرضت لى منعتنى من الجواب فارجو أن تنتظر ريثما يروق بالى وعسى أن يكون ذلك قريبا ان شاء الله وأمس تاریخه وصل كتاب من سيدى العربي بو عياد ومعه رده على الشيخ الدجوده وهو ر د حسن جدا غير أنه شديد اللهجة وفيه عبارات قاسية فلذلك اشتغلت بتلخيص وتحرين وأبدلت مافيه من القساوة والشدة بلهجة خفيفة

لا يتألم منها المردود عليه وسأنشر في مجلة الاسلام باعضائه هذا ونهنئكم بشهر رمضان المعظم جعله الله شهر خير وهناء وكل عام وأنتم بخير ونرجو أن تبلغ سلا من مولانا الوالد ولأهل الدار جميعا كبيرا وصغيرا وللاخوان كافة ومنا يعلم عليكم الأخوان وسيدي المنتصر والحاج الشكارة ويطلب منك أن تبعث له دراهم هو رسالة على اللحية أن تيسرت لك ليرسل اليك بها نسخاصه المثنونى وفتح الملك العلى والسلام. يوم السبت الا من رمضان

عبد الله على عنه

رسالة أخرى بين سيدي عبد الله وشقيقه العلامة سيدي عبد العزيز

 

الحمد لله وحده

إلى أخينا الشريف الجليل الماجد الذكي الأصيل سيدي عبد العزيز سلام عليك ورحمة الله وبعد مساعته وصلنى كتابك مخبرا فيه بوصول الفتح الكسر وبا جری پینگ وبن سيدة عربة وسيدى عبد الحى من الكلام في مجماعة المدينة وخبر المجاعة صحيح لا كذب فيه وقد أنعمت الحكومة المصرية بألقى جنيه وعشرين ألب أردب من القمح الإعانة بفراء المدينة وجمع أهل مصر من مسلمين وأقباط - 7 جنيه كلها لأجل الاعانة غير أنهم لم يرسلوا شيئا من ذلك حتى تتجاهم الحكومة المصرية مع ابن السعود كيف يكون توزيع تلك الدراهيم وفا وذلك الفح على أهل المدينة لأن أهل مصر يريدون أن يتولوا توزيع ذلك بانفسهم وابن السعود يريد أن يدفعوه اليه وهو يتولى توزيعه وليس فى وقوع المجاعة بالمدينة ما يخالف الحديث جلست أدري كيف يحتجون عليك ويقولون انك مغلوب ولو عرفت دليلهم لنفضته وعلى كل أنت غالبهم وهم مغلوبون هذا وقد وصلنى منك قبل كتابان طلبت مني في أولهما أن أشرح لك انتى ابن العربي اللذين رأيتهما في مجلة الاسلام وسأثر مهم لك بعد ان شاء الله جل جلاله وذكرت في ثانيها ما رأيته فى اللطائف المصورة من ذلك التفسير الغرب وسأذهب إلى الهوادارة المطائب وأره ذلك العدد وأتجاهم مع صاحب المجلة ثم أتيك بالخبر سلم على مولانا الوالد وقبل يديه نيابة على واطلب منه الدعاء وسلم على أهل الدار أم كلثوم وكثرة بت بن عجيبة وخديجة بنت بما يحيى وفاطمة وحيبة وآسية وسعودة وأختها والجلالية وأنها والحاجة فروفه ودَدَ باطمة وعلى باقيهم ممن لم أتذكر اسمه وسلم على الاخوان جميعاً خصوصا الزرهوني وسيدي العربي بو عياد ومنا يسلم عليكم جميعا الأخوان وسيعى المنتصر الكتانى والحاجع الشكارة وقد بعث مائة نسخة من حلق اللحية يريد أن تقف على بيعها هناك.  وتعجل بارسال ثمنها لأنه بي حاجة وثمن كل نسخة فرنك

وكانت هنا منذ أيام جتنة قائمة بالأزهر ترجع الى عدم قبول طلبة الأزهر الشيخ الأحمدى شيخا عليهم بذهبوا إلى الوزارات يطلبون ذلك وأخروا عن الفراءة مدة ثلاثة أشهر وكانت الوزارة أول الأمر مع الطلبة لكن لما عرضت طلبهم على الملك من ازالة الشيخ الأحمدى رفض الملك الطلب وخال انه لا يزيله فلما رأت الوزارة ذلك استعملت الشدة مع الطلبة فأمرت بدخول العسكر إلى الجامع الله زهر جد خلوا اليه وضربوا الطلبة ثم أخذوهم الى دوهم إلى السجن والآن الله أطلفوا سراحهم ورجعوا إلى الدروس مع طلبهم من الوزارة أن تنظر في مصلحتهم ولا زال الأمر متداولا ينهم لم يتم حتى الآن هذا ما به اعلامك والسلام ومنه طلب منى صاحب مجلة الإسلام أن اكتب في المهدى لأن عبد الله كثيرا من الناس وألح على فيه هو والشيخ محمود خليفة

ووعد تھی بأنى سأجعل

أخوك

علی عنه

يوم الثلاثاء 1 من ذي الحمة "

رسالة أخرى بين سيدي عبد الله وشقيقه العلامة سيدي عبد العزيز

صور لبعض الأصول الخطية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الفتاح العليم. فتح الققا حفضله أبراب، وحمى من التجأ إلى حماه وأمر ره الرهاب الكريم. وهب من رفقه علمانا فعا يعرف به سداد القول وصوابه، وأعطى خواص ا الها ما ينهبون بها كتاب.  والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله إلى العلمين، وحجته على العالمين. أوتى جوامع الكلم. وتفجرت في نسان ينابيع الحكم.  أكرم الناس اتباعه. وأرجب الجنة من أطاعه ورض الله عن آله الأطهار وصحابته الأبرار وشمل بواسع رحمت نقلة حديثه وخدام سنته اما بعد فهذا شرح علی كتاب والكنز الثمين في أحاديث النبي الأمين يحل ألفاظ أحاديثه، ويوضح شكلها، ويفتح مغلقها، ويجمع بين متعارضها. مع استنباط مافيها من أحكام فقهية، وآداب مرضية وفوائد لطيفة، ومسائل نفيسة.  بأسلوب سهل مبسوط، ليس فيه تطويل عمل، والاختصار فحل.  بل وسط بين الطرفين،

والا صیام

جعله الله خالصا لوجهه الكريم، ورزقنا التوفيعي والقبول، انه أكرم مسئول.  1- (انما الأعمال بالنیات) أنا أداة حصر، تعيد الحصار المبتدأ في الخير. وفي الكلام مضاف محذوف اقتضاء أسلوب الحر، والتقدير: انما صحة الأعمال بالنيات. ولفظ الأعمال عام يتل الوسائل والمقاصد، والعبادات والمعاملات. فلا يصح وضره ولا عمل ولاتيم ولا صلاة ولا زكاة ولامج م الا بالنية، وهى العزم المصمر على فعل الله.  وكذلك الفاظ الكناية، لا يقع بها طلاق الا بالنية، ومحلها القلب، فلاتات للنطق بها، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تلفظ بها في طهارت او صلاته أوفى شتى من عبادات. وهذا الحديث عظيم، يعد من جوامع الكلم، ويدخل في كثير من الأبواب الفقهية.  وهو مع عظم قدره، وضحات مضاء، حدیث غریب، کمپر ومن النبي صلى الله علیه علم الأعمر رضي الله عنه. ولم يصح من رواية غيره.  وادعى بعض العلماء أنه حديث متواتر، وليس كذلك بل هو حديث احاد، أما معناه متواتر وانسان كل امر مانوس

هذه الحجة دليل القاعدة الفقهية المعروفة: الأمور بمقاصدها، ويؤخذ منها أن الإنسان لو نوى بعمله التوصل إلى عبادة، كان له ما نواه وقصده فلو نوى بأكله تقوية نفسه للعادة والقيام ما يطلبه منه كان به تراب عانواه، ولو جامع زوجه نار با اعضا فها واصناف نفس کا نہ خواب في جماعة.  ولمبات تجارة أو زراعة أو صناعته ما، قاصدا الاتفاق على نفسه أو أعلى، كان شابا في ذلك. ويوصنع سلاحا قاصدابه الاستعداد لقتال الكفار، كان عمله طاعة. ولو خرج من پیتے نا یا ان يساعد مسکینا اذا وجده في طريق، أو بنيت ملهرنا أو ير عرضا لأو يمعن أبى، اتب في ذلك كله، فتكون العالم كلها طاعة، بخلاف عالم نينو شيئا من الخير، فلن أنها لم تكون خالية من النواب.  وقد قال العلماء: الوترك الانسان الخمر اعتیادا، خانه الا تاب على تركها الدا خانوی آن تیر ها انتشارا لأمر الله جل جلاله في كانت ھوتے إلى الله ورسول) نية وقصدا (فهجرت الى الله ورسوله) توبة وأجها (رض كانت هجرته لدنيا بصبح بتجارة ونحوها (أوامرأة يتزوجها نهجرته إلى ما هاجر اليم) من الدنيا أو الزوجة والانواب یہ فیھا لأنها المجروحظ نفسه. روى الطراني عن ابن مسعود قادر

الفتح المبين شرح الكنز الثمين (الصفحة الأولى)

 

أحد بما يتم عرضه ومن أرتع ہے اور استونی محلات لم ولم يدع من بين العالم کا مرتع) کا لشخص المرقع غنمه الى جنب الحمى) بكسر الىء وهو المكان المحظور الذي حضره أصحابه يرسك) يقرب (أن يقع فيهم بأن ترعى غنم واخله وان لكل ملك من علمك الدنيا (حي) نكانا يجمي ويمنعه من أفراد الرعية (وان على الله في الأرض محارمه) معاصيه التي خطرها ونه عباده عن قربانها، شبه المحرمات بالأرض التي يحميها الملك، وشبه المستريب الخلال بالمروحول الحمى القريب من الوقوع فيه، وهو تشبیه بلیغ، يفيد الحض على تراث بعض الحلال، اتقاء للوقوع في الحرام.  وهذا المعنى يفيده أيضا الحديث رقم ٤٤٣٣ (أجلوا) بتشديد السلام کی عظموا (الله) باستعظام ارتکاب معاصیه (يغفر لكم) ما اقترفتموه من الصغائر. أخذ بعض العالم وفي هذا الحديث كالتقى السبكى أن الذنوب للها کبائر، ليس فيها صغائر، لأن مقتضى إجلال الله ألا تكون معصيتي صغيرة. لكن ثبت التفرقة بين الذنوب في مثل قوله تعالى (ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نافر علم سيئاتكم الذين يجتنبون كبائر الائم والفواحش الا اللهم) قال الجمهور ويتحقق اجلال الله مع ارتکاب

الكبيرة، بالندم عليها وسرعه الرجوع عنها، وصدق اللجوء اليه فى مخفرانها.

٧٤) أجيبوا هذه الدعوة اذاد عيم لها) يعنى وليمة العرس كما ياتي في الحديث رقم ٢١٦: ازادى أحدكم إلى الوليمة فلياً تها، وفي الحديث رقم ١٧): اذاوعی احدكم إلى ولم عرس خليج. وهذه الأحاديث تفيد وجوب اجابة دعوة الوليمة، وحكمة ذلك مشاركة أهل العرس في فرحهم، وتكثير شهود الزواج،

أجيبوا الداعي إلى ولية أو غيرها، أن اجابة الدعوة حق المسلم على أخيه كاني الحديث رقم 17 وات وفي الحديث رقم ٢٢٢: اذاد عيتم الى كراع فأجير، وهو يفيد تاكيد وجوب الحاجة الدعوة عمرهو كانة الطعام قليلا، بل ولوم ياكل للحديث رقم (۲) ادعى أقدام امی طعام خلیج فانه شاه طعم وان شاء لم يطعم ولا ترد وا الهدية) أنه رد ها یکسر فاطر مهديها، وربما يحدث عنده فقد اعلى في ردها عليه) ولا تضربوا المعلمين) أم لا يجوز لكم

المفروضة وضرب المعلمين الا في حد شرعى، وانظر الحديث رقم ٢٤٥٨ ٧٦ (أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها) أمن في وقتها المقدر لها شرعا، أنها تشتمل على عدة عباداف: تلاوة القرآن وركوع وسجود وتكبير وتسبيح وتهليل وتحميد وشهادة وصلاة - على النبي صلى الله علیه وسلم ودعاء (تم بر الوالدين) وهذا الوافق للقرآن (وقضربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا) لأنها ربها ولدها وتوليا شتر نه، حتی میز ہینہ فی شمالی وعرف قبيله من دبيره ثم الجهاد فی سبیل اللہ کرانے پر دعادیہ - الكفار وتوفى دار الإسلام، ويبلغ دعوته لبعض العقول التي اتفقه الحجة ولا تعرف البرهان.

الفتح المبين شرح الكنز الثمين (الصفحة الأخيرة)

صور لبعض الأصول الخطية

وهو ضعيف جدا؟ ثم رواه موقوفا على معاذ، والموقوف أنتبه، وإن كان لا يصح مرفوعا ولا موقوفا.

(7) تفرد بہ ابن ماجه عن الستة، واسناده ضعيف، على بن يزيد هو الألماني

ضعيف.

(۸) أول الحسد فى الحديث بالغبطة الوجهين، الأول: الحديث وانما الدنيا لا الأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما نهر يتقى ربه فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم ہر رقہ مالا، فهو صادق النيه يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته فأجرهما سواء، الحديث، الترمذي من حديث أبي كبشة، وهو مريح في الغبطة. الثاني: أن الحسد تمنى

زوال النعمة عن المحسود، وهذا لا يجوز أبد الحال. (1) المراد بالعلماء في هذا الحديث ونحره، المجتهدون لأن بهم تقوم الى الحمة بعد الأنباء، ولهذا كانوا ورثتهم ولأن الأنبياء ورثوا العلم الذي هو الوحي،

وهو الحجة.  فالتقليد لیس بعلم، والمقلدون ليسوا بعلماء. (11) قوله « وما والاه»، إما من الموالاة بمعنى المحبة، أمن الأذكر الله، وما أحبه الله من الأعمال غير الذكر، أو من الموالاة بمعنى المجانسة، أمن الاذكر الله وما والاه أمن بجانبه من كل كلام طيب، مخاطبة الناس بالحسنى، المامور بها في قوله تعالى دو قولد للناس حسناء، أو من الموالاة بمعنى المتابعة، أى إلا ذكر الله وما والاه أمن تابع

فی کرنے يستجلب رضا الله، وهو سائر الطاعات.  (1) قوله « إذا قعد علی کرسیہ لفصل، عباده هذه اللفظة ليست في جميع طرق الحديث، واسناد هذا الطريق نيه رجال تكلم فيهم، وان وثقوا، ولهذا قال الحافظ الهيثمي: رجاله موثقون فاطلاق المؤلف على هذا الطريق: إنه جید، فيه تساهل، ثم إن صحت هذه اللفظة، فتجرى على ظاهرها مع اعتقاد تشریح الله عن مشابهة المخلوقات

1) المراد بالفقيه العالم بالكتاب والسنة، وهو المجتهد كما سبق، وروح بن جناح متکلم نے، واستنكر الساجي وابن حبان حديثه هذا.

تعليقات الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق على كتاب "المتجر الرابح " للحافظ الدمياطي (صفحة ٢)

وجود نفسه، والصالح ربما لا يعرف أن الذي كلمه ملك، وإن عرفه فلا يجزم به بل يجوز عنده أن يكون جنبا صالحاً أو شيطانا أراد إغواء. وتضليل.  ثانيهما: أن يكون ما يلقيه المالك إلى الإنسان، تشريعا خاصا يعمل به في نفسه، أو عاما يأمره بتبليغ إلى غيره. أما ما يكلم به الملك الرجل الصالح أو المرأة الصالحة فلا يتجاوز البشارة فقط،

(٨٤) (وزار فى أمن زار أخاه حبا فى، لا لغرض آخر (٨٦) قوله في حديث، قلت: بقيته (( ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال «کل ودود ولود إذا غضبت أو أسى إليها أو غضب زوجها، قالت: هذه يدى في يدك لا أكتحل بغض حتى ترضى، وفي إسناده ابراهیم بن زياد القرشي، محمول قال المنذرى: لم أقف فيه على جرح ولا تعديل.  قلت: قال البخاري فيه: لا يصح حديثة وقال العقيلي: يحدث عن الزهري، وعن هشام بن عروة، فيحيل حديث الزهرة على هشام وحديث هشام على الزهري، ويأتي أيضا عنها بالالة الحفظ اه وللحديث طريقان عن كعب بن عجرة عند الطبراني باسناد فيه متروك. وعن ابن عباس عند الطبراني أيضا باسنا دفیه گذاب.  (۸۷) قوله: اسندوه اليه، أى رجعوا اليه فيه، وصدروا عنه أم اذا قال شيئا وقفوا عند رأيه و، ولم يتجاوزوه. ذلك لان معاذاً جبل علم رضی اللہ عنہ، بنص قولہ علیہ الصلاة والسلام « أعلم أنى بالحلال والحرام معاذ بن جبل، قوله: قد سبقني بالتهجير أى التبكير إلى الصلاة وللمتجالسين في أن يتجالسون في محبتي بذكرى والمتزاورين في " أن يزور بعضهم بعضا لأجلى، الغرض آخر، زاد الطبراني « والمتصادقين في » اوي تكون بينهم وصداقة لأجلى، والتباذلين فى أمى يبذل كل واحد منهم لصاحبه نفسم وماله في مهماته في جميع حالات في الله.  وهذا الحديث صححه الحاكم على شرط الشيخين، وفيه ثبوت لقاء أبى اوريس لمعاذ، خلافا لمن نفاه، (۸۸) في صحيح ابن حبان عن أبي مسلم الخولاني قال: قلت لمعاذ: والله انى لأحبك لغير دنيا أرجو أن أصيبها منك، ولإقرابة بيني وبينك، قال: فلاى شئ؟ قلت: لله.  قال: فجذب حبوتي، ثم قال: أبشر إن كنت صادقا، فاني سمعت رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم يقول « المتحابون في الله في ظل العرش يوم الاظل الا ظله، يغبطهم بمكانهم النبيون

تعليقات الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق على كتاب "المتجر الرابح" للحافظ الدمياطي (صفحة ٩٨)

صور لبعض الأصول الخطية

والشهداء، قال: ولقيت عبادة بن الصامت، فحدثت بحدیث معاذ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - عن ربه تبارك وتعالى - وحقت محبتی على المتحابين في، وحقت محبتى على التناصحين فى، وهقت محبتى على المتبادلين في هم على منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء والصديقون (97) في هذا الحديث دليل على أن العمل المتعدى نفع الى الغير، أفضل من العمل الذي يكون نفعه قاصرا على فاعله.

تعليقات السيد الشريف الحافظ عبد الله على كتاب "المتجر الرابح" للحافظ الدمياطي (صفحة ٩٩) - الأخيرة

 

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنامحمد والہ الالرين وبعد: فانه ما كتب تلميذنا الفاضل الاسنان سعید کتاب در تنیسے المسلم الى بعدم الالباني على صبح جميل ر بين صحة الأسانيد التى ضعفها الالباقي يجهله، وتطاول

د

على الامام مسلم رحمه الله ورضى عنه

قامت قائمة بعض تلامذته المغرورين به، وزعموا أننا ضعفنا أحاديث في الصحيحين، فيكون عنا تحضر ومحاباة في زعمهم الباطل. فكتبت هذه الكلمة، بينه فيها وهمهم فيما زعموا وان سبب ذلك الوهم جهلهم قال بين شذوذ الحديث الذي أثبتناه، وبين تضعيف السند الذي سلك الالبانی، وھو الذی تعبیبہ علیہ.

حه الألباني بالفرق

شخه

و بيان ذلك أن علماء الحديث صرحوا بأن لا تلازم بين صحة السند وصحة المنتز، فقد يكون السند صحما كثفة رجال وعد التهم، ويكون المتن

شاخا.

والحديث الشاذ نوعان: ا - أن يروى الراوى الثقة حديثا يخالف فيه من هو أولى منه.

التعليق على معنى الحديث الشاذ (الصفحة الاولى)

صور لبعض الأصول الخطية

بخلاف الألباني فاز بیر ہو نے ورق حتہ، ضعف أسانيد في صحيح مسلم. فكان يتضعيفها ناسبا للأمام عما جهلا كبيرا حيث صحي أسانيد ضعيفة، ولهذا اعتبرنا عمالي اعتداء على تقام الإمام مسلم کو مر کز ہے۔ وهو كذلك.

التعليق على معنى الحديث الشاذ (الصفحة الأخيرة)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

آبروی مسند الامام احمد، عن الشيخ محمد امام السقا خطيب الجامع الأزهر عن أبيه الشيخ ابراهيم السقا شيخ الشافعية بمصر عن الشيخ تعيل عن الشيخ احمد المجوهرات عن الشيخ عبد الله بن سالم البصرة عن شمس الدين البابلى عن أبي النجا سالم بن محمد السنهوري عن نجم الدين الغيطى عن

شیخ الاسلام زكريا الانصاروة مع ويروى البابلي عن شهاب الدين المرملى عن زكريا الانصاري عن الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الفخر على بن احمد البخاري عن أبي على عقیل بن عبد الله بن الفرج عن أبي القاسم عبد اللبن محمد ابن عبد الواحد بن الحصين عن أبي على الحسين بن على عبد الله بود احمد بن خيال عن أبيه.  التميمي الواعظ عن أبي بكر احمد بن جعفر القطيعي عنطريق المصريين

 

 

 

 

 

 

 

سبيلُ التَّوْفِيقِ

في تَرْجَمَةِ عبد الله بن الصِّدِّيق

 

۱۸۷بي دي إف = 174 وورد

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد

الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد سيد المرسلين، ورضي الله عن آله الطاهرين وصحابته من الأنصار والمهاجرين.

وبعد: فهذا تاريخ حياتي كتبته إجابة لطلب بعض تلامذتي وإقتداء بمن فعل ذلك من العلماء الأعلام، وقد كنت كتبت ترجمة لي في آخر كتاب "بدع ((١) لكنها مختصرة، فأردت بسطها وذكر ما حصل في دراستي العلمية

التفاسير

بتفصيل، وأسأل الله الهداية والتوفيق.

(۱) وقد ترجم لي جماعة من الأفاضل:

١ - منهم مسند العصر العلامة محمد ياسين الفادانيُّ المكي في ثبته الكبير المسمى "بغية المريد من علوم الأسانيد"، ونقل إجازتي له في آخر "ثبت الأمير" الذي طبعه. ومنهم العلامة الفقية الشيخ إسماعيل عثمان زين اليماني المكي في ثبته، ونقل كذلك

إجازتي له.

٢ - ومنهم أخي العلامة المحدث السيد عبدالعزيز بن الصديق في: "تعريف المؤتسي بترجمة نفسي" وفي: "السفينة". ٣- ومنهم أخي الكبير الحافظ السيد أحمد الصديق في: "شبحة العقيق في ذكر مناقب الشيخ سيدي محمد بن الصديق".

٤ - ومنهم صديقنا الشيخ زكي مجاهد رحمه الله في الجزء الرابع من: "الأعلام الشرقية". ة - ومنهم الأستاذ عبد الحكيم هندي المصري في ذيله على كتاب: "الجوهر فيمن له خمسون كتابا أو أكثر" للعظم.

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة

يستدل كثير من العلماء بقول الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِتْ الضحى: ۱۱[على استحباب تحدث الشخص بما أنعم الله عليه من علم وصلاح وفضل، وللحافظ السيوطي كتاب "التحدث بالنعمة"، وللعارف الشعراني كتاب "المنن الكبرى".

وروى ابن جرير في "تفسيره": حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: ثنا سعيد بن إياس الجريري، عن أبي نضرة قال: كان المسلمون يرون أنَّ مِن شكر النعم

التحدث بها».

وعندي في ذلك نظر لوجوه

الأول: أنَّ السياق يقتضي تخصيصها بالنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم؛ لأنها في (سورة الضحى) وهي مخصوصة به، ومراعاة السياق واجبة، وقد غفل عنها معظم المفسرين. الثاني: أنَّ تحدث النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بنعمة الله من التبليغ

الواجب عليه لتعرف الأُمَّة فضائله وخصائصه، وذلك من تمام الإيمان به. الثالث: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم معصوم، فإذا تحدث بنعمة الله عليه لا يكون في حديثه كذب ولا مبالغةٌ ولا رياء ولا افتخار، وغيره ليس

مثله.

الرابع: أنَّ الخطاب الخاص بنا معشر الأمة قول الله تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُوا

أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾]النجم: ٣٢[هذه الآية تنهانا أن تُزكِّي أنفسنا بأن

 

نتحدث بما أوتينا من علم وصلاح وعبادة.

قال ابن كثير: وقوله تعالى: فَلَا تُرَكُوا أَنفُسَكُمْ أي لا تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى

الَّذِينَ يُزَكُونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾]النساء: ٤٩[.

وروى مسلم في "صحيحه"، عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله سلم نهى عن هذا الاسم، وسُمِّيتُ برة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «لا تُزَكُوا أَنْفُسَكُم إِنَّ الله أعلمُ بأهل البر منكم» فقالوا: بم نسميها؟

قال سموها زينب».

قال القرطبي: وتغير برة لما فيه من تزكيه النفس، والله جل جلاله يقول: فَلَا تُرَكُوا أَنفُسَكُمْ، ويجري مجرى هذا في المنع ما كثر في الديار المصرية من نعتهم أنفسهم النعوت التي تقتضي التزكية نحو زكي الدين، ومحي الدين، لكن لما كثرت قبائح المسلمين بها ظهر تخلف هذه النعوت عن أصلها فصارت لا تُفيد شيئًا من معناها الأصلي، بل ربما يسبق منها في بعض المواضع وفي بعض الأشخاص نقيض مدلولها لغة، حتى صار الحال فيها كالحال في تسمية العرب «المُهْلِكَة»: مَفَازَة». قلت: النعوت التي أشار إليها عادة أعجمية، فإنَّ العجم هم يستعملون الألقاب المقتضية للتزكية ومنهم سرت في مصر والشام والعرب لم

الذين

يكن عندهم إلا الكنى، غير أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لقب حمزة:  أسد الله، ولقب خالد بن الوليد سيف الله.

وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُونَ: «هذه الآية وقوله تعالى: فَلَا تُرَكُوا أَنفُسَكُمْ يقتضي الغض عن المزكي لنفسه بلسانه، والإعلام بأن الزاكي المزكَّى من حسُنَت أفعاله وزكَّاه الله عزّ وجلَّ، فلا عبرة بتزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له»، وذكر حديث مسلم الذي مرّ، وقال: «فقد دلَّ الكتاب والسُّنَّة على المنع من تزكية الإنسان نفسه».  اهـ لكنه خالف هذا في سورة (الضحى فاستحب التحدث بالنعمة وغفل عن سياق الآية، كما غفل غيره ونسي ما قاله هنا، وجل من لا يغفل ولا ينسي. وحديث النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم على المنبر: «مَنْ لم يَشكُرِ القَليل لم يَشكُرِ الكَثير، ومن لم يَشكر الناس لم يَشكر الله، والتحدث بِنِعْمَةِ الله شُكْرُ وتركهَا كُفْرٌ، والجماعة رَحْمَةٌ والفُرْقة عَذَابٌ». رواه أحمد، وإسناده ضعيف. وهو الحديث الثامن عشر في "الأربعين الغمارية"، وذكرت له هناك طرقًا تقويه، لكن ليس فيها عبارة التحدث بالنعمة، وقلت تعليقا عليه: «يؤخذ منه الحض على أمور الأول: التحدث بالنعم وإذاعتها، وأنَّ ذلك من الشكر المطلوب، وذلك مقيّد بما إذا لم يكن في التحدث مفاخرة أو مكاثرة أو رياء، وإلا فهو مذموم». اهـ

وما قيَّدت به التحدث بالنّعمة قرَّره العلماء أيضًا، ولم أشر إلى أنَّ التحدث بالنعمة مأخوذ من الآية، بل اقتصرت على الحديث مع ضعفه؛ لأن الآية خاصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم كما قلنا.

لكن يرد هنا إشكال وهو: كيف يجوز التحدث بالنعم وقول الله تعالى:

فَلَا تُزَكُوا أَنفُسَكُمْ يمنع منه؟ ونقول في الجواب عن ذلك: النعم نوعان: نعم مادية كالمال والأكل واللبس، ونعم معنوية: كالعلم والصلاح والهداية، فالنعم المادية شكرها إظهار أثرها.

روى ابن حبان، والحاكم، عن أبي الأحوص، عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وأنا قَشِف الهيئة فقال: «هل لَكَ مِنَ مَال؟» قلت: نعم، قال: «من أي المال؟ قلت من كل المال قد أتاني الله من الإبل والخيل والرقيق والنعم، قال: «فإذا آتَاكَ اللهُ مالا فلير عليكَ».

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «كلوا واشربوا وتَصَدَّقوا في غيرِ سَرَفٍ ولا يَحِيلَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ». رواه أبن أبي الدنيا في كتاب "الشكر"، ورجال إسناده

ثقات.

وروى أبو يعلى، والبيهقي، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «إِنَّ الله جميلٌ يُحِبُّ الجَمال، ويُحِبُّ أَنْ يَرَى نِعْمَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَيُبْغِضُ الْبُؤْسَ وَالتَّبَاؤُسَ». والأحاديث في هذا المعني كثيرة. وشكر النعم المعنوية: العمل، قال الله تعالى: اعْمَلُواءَ الَ دَاوُدَ شُكْرًا ﴾]سبأ: ١٣[، قال أبو عبدالرحمن السلمي: الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تعمله الله جل جلاله شكر». وقال محمد بن كعب القرظي: «الشكر: تقوى الله والعمل الصالح». وفي "صحيح مسلم"، عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان يقوم من الليل حتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقُلتُ له: أتصنع هذا وقد غَفَرَ اللهُ لَكَ ما تَقَدَّم من ذَنْبِك وما تَأخَّر؟! فقال: «أفلا أكونُ عبدا شكورًا».

قال القرطبي في تفسيره": إن الشكر بعمل الأبدان دون الاقتصار على عمل اللسان، فالشكر بالأفعال عمل الأركان والشكر بالأقوال: عمل اللسان».  اهـ

قلت: معنى الشكر باللسان: أن يُظهر الشخص حمد الله على نعمه بأن يقول: الحمد لله على توفيقه وعلى هدايته وعلى إلهامه، ونحو ذلك. وليس بلازم أن يعدد أنواع النعم بأن يقول صليت كذا ركعة، أو أني أقوم الليل أو أفعل كذا من أنواع الخير.

نعم يجوز للشخص أن يتحدث عن نفسه في حالتين:

الأولى: أن يقصد تحريض بعض أصحابه ومحبيه على فعل طاعة، كأن يتصدق أمامهم ليحثهم بذلك على للصدقة.

والأخرى: أن يقصد التعريف بنفسه ليعرف غيره حاله ويعملوا بنقله

وفتواه إذا ثبت عندهم صدقه في نقله وتحريه في فتواه، وقد يحتاج إليه في شهادة

ونحوها وهذا لا خلاف في جوازه.

بل استدل بقول يوسف عليه السلام: أَجْعَلْنِي عَلَى خَزَايِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ

عليم]يوسف: ٥٥[على طلب الولاية.

قال الحافظ السيوطي في "الإكليل ": استدل به على جواز طلب الولاية، كالقضاء ونحوه لمن وثق من نفسه بالقيام بحقوقه بصفة مدح  للمصلحة،

خصوصا لمن لا يُعلم مقامه».  اهـ

وقال ابن جزي في تفسيره: ويستدل بذلك أنه يجوز للرجل أن يُعرف

بنفسه، ويمدح نفسه بالحق إذا جهل أمره، وإذا كان في ذلك فائدة».  اهـ وحديث النهي عن طلب الإمارة، محمول على ما إذا كان الطالب ليس أهلا لها، بدليل أن أبا ذر رضي الله عنه طلب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يولّيه الزكاة، فقال له: «إِنَّكَ رَجُلٌ ضَعِيفٌ وإِنِّي أحبُّ لَكَ ما أَحِبُّ

لِنَفْسِي». فَصَرَفَه عن الولاية لضعفه عن القيام بحقوقها.

وبعد انتهاء هذه المقدمة، نشرع في المقصود بحول الله وقُوَّتِه فنقول:

 

فصل: نَسَبي

أنا الفقير إلى الله تعالى: عبد الله ابن الشيخ الإمام العالم العلامة الهمام شيخ المسلمين والإسلام قدوة العلماء الأعلام أبي عبد الله شمس الدين سيدي محمد ابن الولي الكبير والعارف الشهير صاحب الأحوال والكرامات سيدي محمد الصديق ابن الإمام العلامة النحوي شيخ الإقراء والمقرئين القطب الفرد الجامع سيدي أ أحمد بن محمد بن قاسم بن محمد بن محمد -مرتين- ابن الولي الشهير سيدي عبد المؤمن بن محمد بن الولي الكبير صاحب الكرامات الظاهرة سيدي عبد المؤمن بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن عيسي بن سعيد بن مسعود بن الفضيل بن علي بن عمر بن العربي علال - وهو علي باللغة المغربية - بن موسى بن أحمد بن داود بن تاج المغرب مولانا إدريس بن فاتح المغرب وناشر الإسلام برُبُوعِه مولانا إدريس الأكبر بن الإمام عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن سيدنا الحسن بن سيدنا علي وسيدتنا فاطمة الزهراء بنت مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. هذا هو نسبنا المعروف الشائع بين أفراد عائلتنا بغمارة وغيرها، وهو ثابت محقق بطريق الشهادة والشهرة والتواتر بين الناس.

ولكن العلامة أبا العلاء إدريس بن محمد الفضيلي العلوي - والد شيخنا مولاي عبد الله الفضيلي - ذكر في كتابه "الدرر البهية والجواهر النبوية في الحسنية والحسينية" (ج ٢ ص ١٨٣ طبع فاس سنة ١٣١٤هـ) في

الفروع الكلام على أبناء الفرع الثالث من فروع مولانا عبد الله الكامل، وهو السيد سليمان، ما نصه: وفرقة بغُمارة وهم أولاد عبدالمؤمن، ورجع بعضهم لتلمسان

وجميعهم أولاد السيد عمر الشريف بن أحمد بن محمد العابد بن

إدريس بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل».  اهـ

فجَعَلنا من أولاد سليمان أخي إدريس الأكبر، والثابت لدينا ما تقدم، وهو المسجل في ظهائر ملوك دولة الشرفاء السعديين ودولة الشرفاء العلويين الحاضرين إلى عهد السلطان عبد العزيز المؤرخ ظهيره بذلك سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف هجرية]۱۳۱۲هـ، فلعل ذهنه انتقل من السيد عمر بن

العربي الموجود في سلسلة نسبنا، فظنه السيد عمر الشريف.

وعلى كل حال فإن هذا الخلاف لا يضر في صحة النسب ولا يؤثر فيه شيئًا؛ لأن سليمان أخو إدريس وفروعهما منتشرة في المغرب، فإذا نسب فرع من فروع أحدهما إلى الآخر على سبيل الوهم أو الغلط لم يكن ذلك داعيا إلى الشك

في

النسب من أصله، كما هو المعروف. ونظير هذا ذكره المحدثون في مبحث المضطرب، حيث قالوا: إن الصحة، وذلك بأن يحصل الاختلاف في اسم رجل

الاضطراب قد يجتمع مع ا وأبيه ونسبه ويكون ثقة - فيُحكم للحديث بالصحة مع تسميته مضطربًا، وكذلك إذا اختلف في الحديث هل هو من رواية فلان أو فلان؟، ويكون كل

منهما ثقة، فيكون الحديث صحيحًا مع تسميته مضطربًا. قال الزركشي: «قد يدخل القلب والاضطراب والشذوذ في قسم الصحيح والحسن».  اهـ

وإنما نبَّهتُ على هذا مع وضوحه، لأن بعض الناس لما اطلع على كتاب " التصور والتصديق بأخبار الشيخ سيدي محمد بن الصديق"، ورأى الخلاف المشار إليه آنفا قال: «إن أخاك شكك في صحة نسبكم بذكر الخلاف فيه»، فلم

أرد عليه لأنه عامي لا يعرف قواعد العلم، رحمه الله.

فصل: نسبي من جهة الأم

والدتي هي التقية الصالحة الطاهرة النقية فاطمة الزهراء، كانت منقطعة النظير في البذل والكرم فريدة في البشاشة وحسن الخلق واحتمال الأذى من

النساء الجاهلات تغُضُّ عن كثير مما يقع منهنَّ، سواء أكان عن قصد أم عن غير قصد، شديدة العطف على الفقراء والمساكين، تبالغ في إكرامهم وتبذل لهم ما يحتاجون إليه من ثياب أو مال أو غير ذلك. كان النساء يقصدنها في كثير من حاجاتهنَّ فتقضي لهنَّ ما تستطيع قضاءه وتعدهن بالباقي أو تعتذر بإسلوب لا يجرح إحساسهنَّ فيخرجن مسرورات داعيات لها، وكانت لها أراء صائبة وفراسة حادّة، إذا تكلمت فكأنها تستشف حجب الغيب وتنظر ما وراءه، وكم حصل ما توقعته أو تفرست فيه بعد

وفاتها.

وكان مولانا الشيخ الإمام الوالد رضي الله عنه إذا ذكر ذلك يترضى عنها ويقول: «كانت عاقلة حكيمة». وأخبرني أنها أدركت الولاية في آخر حياتها. توفيت شهيدة النفاس ليلة القدر سنة ١٣٤١هـ وهي دون الأربعين، وفي سنة ١٣٥٤هـ أردنا نقلها إلى مكان أخر بجانب قبر مولانا الإمام الوالد، فوجدناها سليمة كأنها دفنت في تلك الساعة، وكان الحاضرون لنقلها أكثر من

عشرين نفرا شاهدوا ذلك، رضي الله عنها وأرضاها وألحقنا بها على الإيمان. ووالدها هو الناسك، الخاشع الذاكر، التالي لكتاب الله، سيدي عبد الحفيظ بن عجيبة خال مولانا الإمام الوالد، كان مديد القامة، مليح الوجه، ظاهر البركة، منوّر الشيبة، معتقدًا عند الخاصة والعامة، إذا مشى في الطريق تسارع الناس إلى تقبيل يده والتماس بركة دعائه، وكثيرا ما كان يرفع صوته بالهيللة في الطريق بصوت جهوري جميل، يَذْكُر الناس له كرامات، عاش أكثر من ثمانين سنة، ولم تفته صلاة الصبح في المسجد الذي كان يؤم فيه بضعا وثلاثين سنة، لا يُثنيه عن الحضور إلى المسجد ما يلقاه أيام الشتاء من كثرة المطر، ووحل، الطريق، وظلمة الليل وشدة البرد، حتى ذهب إلى مولاه راضيا مرضيا سنة ١٣٥٣هـ.

ووالده هو الإمام العلامة الفقيه الصوفي المشارك في المعقول والمنقول سيدي أحمد بن عجيبة، كان فصيح العبارة قوي الذاكرة، كثير الحفظ، بارعا في العلوم العقلية، توفي سنة ١٢٧٥هـ وله ضريح بطنجة يزار.

ووالده هو الإمام العلامة الفقيه الصوفي، المفسر، الولي الكبير، سيدي أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني صاحب "إيقاظ الهمم في شرح الحكم"، و"البحر المديد في تفسير القرآن المجيد" وغير ذلك من المؤلفات، وله فهرس ترجم فيه لنفسه، وله كرامات كثيرة توفي سنة ١٢٢٤ هـ رضي الله عنه ونفعني ببركته.

 

الولادة والنشأة

كانت ولادتي آخر يوم من جمادى الآخرة، أو غرة رجب سنة ١٣٢٨هـ بثغر طنجة وعق عني مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه بكبشين، عملا بالسُّنَّة. ففي "المسند" و"سنن الترمذي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَنِ الغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِتَتَانِ وعَن الجَارِيَةِ شَاءٌ».

وفي "المسند" و"سنن الترمذي" أيضًا، عن أُمُّ كُرز الكعبيَّة: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عن العقيقة، فقال: «نعم، عَنِ الغلام شاتان، وعن الأُنثى واحِدَةٌ، لا يَضُرُّكُم ذُكْرَانًا كُنَّ أَو إِنَانًا». صححه الترمذي وابن حبان، وفي الباب غير هذا من الحديث.

وفي سنة تسع وعشرين رحل مولانا الإمام الوالد بالعائلة ومعه جماعة الإخوان والأتباع إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وكلف أحد الإخوان أن يفعل بي شعائر الحج، وذلك للسنة الثابتة فيه.

ففي "صحيح مسلم"، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لَقِيَ رَكْبًا بالرَّوْحاءِ فقال: «مَنِ القوم؟» قالوا: المسلمون، قالوا: مَن أنتَ؟ قال: «رسول الله» فرفعت امرأةٌ صَبِيًّا فقالت: ألهذا حَج؟ قال: «نَعَمْ، ولك أجر».

وحين كان لي خمس سنين تقريباً دخلت الجامع وهو الكتاب أو المكتب، فقرأت على الفقيه عبدالكريم البَرَّاق - بفتح الموحدة وتشديد الراء- الأنجري

جزء (عم يتساءلون وما فوقه، حتى وصلت إلى قوله تعالى: ﴿فَنَبَذْنَهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾]الصافات: ١٤٥[ثم حصلت أشياء اقتضت انفصاله عن الجامع. وجاء بعده الفقيه السيد محمد الأندلسي المصوري - بفتح الواو المشددة- نسبة إلى قبيلة بني مصوَّر، وهي قريبة من طنجة، فقرأت عليه بقية الختمة الشلكة بضم السين وسكون اللام وأربع ختمات أخرى، حفظت فيها القرآن جيدًا بقراءة ورش» وهي القراءة المتبعة عندنا بالمغرب، ثم قرأت ختمة سادسة تأكيد الحفظ.

ونسميها:  وكانت لي عناية كبيرة بمعرفة ألفات القرآن الثابتة والمحذوفة، ومدوداته الطويلة والمتوسطة، وتاءاته المسرحة والمربوطة، وإمالاته - ونسميها تعويضات ومنفرداته التي لم يأت من نوعها في الختمة إلا كلمة واحدة، وغير ذلك مما يتعلق برسم القرآن حتى برزت فيه على كثير من كبار الفقهاء الذين يعملون في المكاتب، بله من دونهم من التلاميذ ممن هم في سني أو أكبر مني بيسير.

ولشغفي بهذا الفن حفظت معظم منظومة الخرّاز المسماة "مورد الظمآن" والتي شرحها العلامة الفقية أبو محمد عبدالواحد بن عاشر بشرح سماه "فتح

المنان" رأيته في مكتبة مولانا الشيخ الإمام الوالد رحمه الله ورضى عنه.

ولم يكن لي اعتناء بالتجويد، ولم نكن نسمع به لأنه انقرض منذ أكثر من مائة سنه، لا يعرفه كبار العلماء بالمغرب فضلا عمن دونهم، مع أنَّ ابن الجزري

الحافظ وإمام القراء يحكي الإجماع على تحريم قراءة القرآن بدون تجويد. ولذلك لما عزمنا على السفر إلى القاهرة، أمرني مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه أن أتعلم التجويد لأنه موجود في مصر، وهو لا يزال شائعا معمولا به بين القراء حفاظ القرآن يُمتحن القارئ في تلاوته، فإذا أحسن القراءة بالتجويد وأتقن مخارج الحروف، وراعى المد والغنة والإخفاء والإقلاب والإبدال أُجيز، وإلا فلا، ولا تجد في مصر إماما في مسجد، ولا خطيب جمعة، ولا قارئًا في الإذاعة إلا وهو يجود.

وحصل مرة قبل أن أعرف التجويد أن قدَّموني لصلاة المغرب بالمسجد الحسيني لعدم حضور الإمام، فلما انتهينا من الصلاة استنكر كثير من المصلين صلاتي لأني لم أجود في التلاوة، ومرة أخرى صليت المغرب بقرية أويش الحجر وقرأت (سورة النصر)، وبعد الصلاة نبهني بعض المصلين إلى أني لم أمد جاء المد الواجب وهو ست حركات وكنت مددت حركتين فقط، وكلمة جاء فيها مد لازم بإجماع القراء.

وفي المغرب اليوم بدأ الطلبة يعتنون بتجويد التلاوة في نطاق ضيق نرجو أن ينتشر حتى يعم أنحاء البلاد، ويصير القراء كلهم مجودين كما في مصر، وما ذلك على الله بعزيز. ثم شرعتُ في حفظ بعض المتون، فحفظت متن "الأربعين النووية" و"الأجرومية"، وجملة كبيرة من "الألفية"، وقطعة من "بلوغ المرام"، ومن

"مختصر الشيخ خليل"، ولم أستمر لأنه لم تكن لي رغبه في الحفظ. وزاولت لعب كرة القدم مدة ثلاث سنوات، وكنت أصطاد السمك في بعض الأحيان، لكن غرامي بالكرة أكثر. ولم أقرأ في هذه المدة شيئًا من العلم إلا أني قرأت "الأجرومية" بشرح الأزهري على أخي أبي الفيض بزاويتنا الصديقية، وحللت قبل ذلك عباراتها

تحليلاً موجزاً على خالنا السيد أحمد بن عبد الحفيظ بن عجيبة.

 

فصل: الرحلة إلى فاس

ثُمَّ أمرني مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه بالسفر إلى فاس لطلب العلم بجامعة القرويين حيث تعلم آباؤنا وأجدادنا، وفيه يتعلم أهل المغرب كافة، وكانت الدراسة فيها على الطريقة القديمة يجلس الأستاذ والطلبة حوله يتلقون عنه، وشرعت في حضور الدروس فصعب علي النحو جدا، فاقترح الشريف سيدي العباس بن حربيط أن يكلم الأستاذ محمد الكردودي العدل يحل معي أبيات "الألفية" حلا موجزا يُسَهِّل لي فهمها.

فكتبت إلى مولانا الإمام أستشيره فكتب إلى يقول: «لا تستعن بأحد، واحضر الدروس سواء فهمت أم لم تفهم وعن قريب ستفهم، والعلم لنا مضمون، وإنما نسلك سنة الله في الأخذ والتلقي». كان هذا جوابه لي فنفَّذَتُ كلامه، وفي مدة وجيزة لم تبلغ ستة أشهر فتح الله على بالفهم والحمد لله.

وكان غرضي أن أدرس بالتدرُّج، أدرس النحو أولا، فإذا فهمت درست الفقه وهكذا، فقال لي مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه: «العمر قصير لا يتسع لقراءة كل علم على حِدَته، فاحضر الدروس في علوم مختلفة ومتي حصلت ملكة الفهم في علم سهل عليك بقيته». وبعد ستة أشهر رجعت إلى طنجة فمكثت بها سنة أو أكثر عملت أثناءها رحلة إلى قبيلة أنجرة لزيارة جدنا بمدشر الزميج سيدي أحمد بن عجيبة وزيارة الإخوان الصديقيين هناك عدتُ بعدها إلى فاس حيث اجتهدت في التحصيل، فقرأت "الألفية" بـ"شرح المكودي" على شيخنا العلامة الشريف سيدي الحبيب المهاجي، وبـ "شرح المكودي" أيضا مع "حاشية ابن الحاج" على شيخنا الشيخ محمد بن الحاج بن المحَشّي، وهو الشيخ حمدون بن الحاج، له حاشية على "شرح المكودي وله ولوع بالاعتراض عليه، حتى إن مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه ذكر لي أنه رأى الشيخ المكودي في المنام يشتكي إليه من اعتراضات المحشي، ويطلب منه أن ينتصر له.

وحضَرْتُ "الألفية" أيضًا بـ "شرح ابن عقيل" و"حاشية السجاعي" على

الشيخ محمد - بفتح الميم الأولي - ابن الحاج، ابن عم المذكور قبله. وحضَرْتُ في أول "مختصر الشيخ خليل" على شيخنا سيدي الحبيب

المهاجي بـ"شرح الخرشي".

وحضرت "كتاب الجنايات" وما إليها على شيخنا العلامة المحقق مولاي

أحمد القادري.

وحضرت باب البيع وما يتبعه على شيخنا العلامة الشيخ محمد الصنهاجي.

حضرت أبوابا أخرى من "المختصر بشرح الخرشي" - وهو المقرر - على شيخنا الشيخ محمد بن الحاج السابق ذكره، والعلامة مولاي أحمد ابن الجيلاني شيخ الجماعة.

وقطعة من "المختصر" بـ"شرح الزرقاني" على العلامة مولاي عبد الله

الفضيلي شيخ الجماعة بعد وفاة الشيخ السابق.

وحضرت من "باب" "الإجارة" إلى آخر "المختصر" بـ"شرح الدردير"،

على العلامة مولاي عبدالرحمن ابن القرشي.

وحضرت "فرائض "المختصر" بـ"شرح الخرشي" و"حاشية سيدي أحمد بن

الخياط" على العلامة الفقية أبي الشتاه الصنهاجي.

وحضرت في "صحيح البخاري" بـ"شرح القسطلاني" على الشيخ محمد بن الحاج بجامع مولاي إدريس.

فلما وصل إلى كتاب الجهاد بعث إليه الحاكم الفرنسي لمدينة فاس ألا يقرأ هذا الكتاب ويقرأ ما بعده، فانقطع عن الدرس أياما، حتى ذهب بعض الأعيان إلى الحاكم وأفهموه أنه لا يجوز بتر الكتاب بتخطي بعض أبوابه،

فسمح بقراءته على ألا يتوسع في الشرح. وكان باب الجهاد لا يُقرأ في كتب الفقه بالمغرب لأن فرنسا منعته، إلا في طنجة، فإن مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه كان يقرأه في "المختصر" وفي "صحيح البخاري"، ويبالغ في شرح أحكامه، ويتعرض لذم المستعمر ويحض على مقاومته، ولم تستطع فرنسا أن تمنعه من ذلك. وحضرت "تفسير الجلالين" بـ"حاشية الصاوي" على شيخنا العلامة الحسين العراقي بجامع سيدي عبدالرحمن المليلي، والتفسير لا يقرأه أحد في القرويين ولا الحديث إلا في رمضان وكان العلامة المحدث سيدي عبد الحي الكتاني يقرأ في جامع القرويين "حاشية الشنواني على ابن أبي جمرة" بعد العصر، حضرتها عليه.

سيدي

وحضرت جمع الجوامع بشرح المحلّي" من أوله إلى «كتاب السنة» على سيدي الحسين العراقي. وحضرت مبحث الأداء والقضاء» منه على العلامة المحقق الشيخ الراضي السناني.

وحضرت «» منه على العلامة مولاي عبد الله الفضيلي. وحضرت قطعة كبيرة منه على شيخنا العلامة المحقق الشيخ العباس بناني، كما حضرت عليه "المقولات العشر"، وحضرت عليه أيضًا "توحيد ابن عاشر". وكان بعض الإخوان الصدِّيقيين ينهوني عن حضور دروسه لأنه يشرب الدخان ويتهمونه بترك الصلاة، فكتبت إلى مولانا الوالد أخبره بذلك، فأجابني بقوله: «أحضر دروسه ولا شأن لك بحاله». وكان هذا الشيخ يحبني ويقدرني وكنت أتردد عليه في بيته، زرته مرة وطلبت منه كتابة فتوى تتعلق بزاويتنا في فاس فوافق أن يكتبها ثم سألني: «هل يراها والدك؟ قلت: «نعم» قال: يجب أن نحتاط فيها؛ لأن والدك في العلم مخيف».

وبلغ من تقديره لي أني لما كنت بمصر وأردت أن أدخل امتحان شهادة العالمية الأزهرية طلب مني شيخ الأزهر، وهو الشيخ المراغي، أن أُقدم شهادة من معهد مغربي رسمي بعدة السنوات التي قضيتها في التعلم بها لتضم إلى سني الأزهر، فكتبتُ أطلب شهادة من القرويين، فتوقف شيخ الجماعة في إجابة طلبي فقال له الشيخ عباس: ليس عندك أعلم منه ولا مثله».

وحضرت "رسالة الوضع " على مولاي عبد الله الفضيلي.

وحضرت "شرح القويسني على "السلم" على الشيخ سيدي الحبيب المهاجي.

وشرعت في قراءة "القلصادي في الحساب" ولم أتمه لأني لم ينشرح قلبي له.

ولم أقرأ "تحفة ابن عاصم لأنها في علم القضاء، وكان مولانا الإمام الله عنه يكره القضاء ويحذرني من، توليه، وولي بعض تلاميذه القضاء فعنفه تعنيفًا بالغا حتى قال له: «لأن تبيع الفحم خير لك ولدينك من

الوالد رضي

وظيفة القضاء»، وكان يكره وظيفة العدالة وينهى عنها.

ورجع إلى فاس بعد غيبة طويلة العلامة المحدث الولي الصالح سيدي محمد بن جعفر الكتاني، فاستقبله أهل فاس استقبالا شعبيا حافلا وأقبلوا على زيارته وتهنئته بسلامة الوصول وكان يوما مشهودا، فزرتُه، وكنت أزوره في بيته فيجلسني معه على سريره، وإذا حضرت في وقت أكل يجلسني إلى جنبه ويواكلني وقد يناولني لقمة بيده الكريمة، وكان بينه وبين الإمام الوالد مودة كبيرة، حتى أنه لما تُوفّي في رمضان سنة ١٣٤٥ - وكنت في طنجة- رأيت مولانا الإمام رضي الله عنه بكى عليه بكاءا شديدًا وحَزِن لفقده حزنًا كبيرًا، بقي عليه أثره مدة طويلة.

وأنا أعتبر من أعظم حسناتي تَشَرُّفي بهذين الإمامين العظيمين اللذين لم یكن في عصرنا ولا قبله بكثير نظير لهما في علمهما وورعهما وولايتهما وهديهما رضي الله عنهما ونفعني برضاهما.

ثم سافرت إلى فاس أيضًا فكنت أزور العلامة سيدي الزمزمي بن سيدي محمد بن جعفر، وكان يُطْلِعُني على مؤلفات والده ومنها كتاب "العلم النبوي" وهو في جزءين بخطه الدقيق الواضح، وكلفني مولانا الإمام الوالد بنسخ بعض مؤلفاته، فقمت بنسخها عند نساخ جيد الخط منها: "الإعلام بما في المجانات"، "الساعات المحلاة من الأحكام"، ومنها كتاب في تحريم الدخان، ومنها كتاب في البسملة، ومنها كتاب "سلوك السبيل الواضح إلى أن القبض في الصلوات كلها على مذهب مالك مشهور وراجح".

ثم رجعت إلى طنجة وذهبت إلى قبيلة بني منصور من قبائل غمارة، وكان معي أخي الزمزمي فزرنا ضوارح أجدادنا سيدي الحاج أحمد وسيدي الحاج الصديق وسيدي عبدالمؤمن وسيدي محمد المؤذن، كما زرنا ضريح سيدي أحمد الفلالي وضريح سيدي محمد البوزيدي

ورجعت إلى طنجة فشرعت في شرح "الأجرومية" وهو شرح كبير يقع في (۲۱۳) صفحة) وكنت أطلع مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه على ما أكتبه منه، فيُصلح لي ما أخطئ فيه، ورأى لهجتي في رد رأي بعض النحويين فيها شدة فقال: «لا ترد على العلماء بهذا الأسلوب ولكن قل: هذا سهو أو سبق قلم أو اشتباه، أو نحو هذا من العبارات الخفيفة». وهذا أول كتاب ألفته في حياتي، وكان مولانا الإمام الوالد يُدربني على

البحث ومعرفة المظان فيأمرني بكتابة أبحاث تستدعي المراجعة. أمرني مرة أن أكتب بحثًا في لفظ «أول»، ما أصله؟ وهل هو معرفة أم لا؟،

ومرة أخرى أمرني أن أكتب بحثًا في «أي متى تعرب؟ ومتي تُبنى؟ وهكذا كان يتعاهدني الفينة بعد الفينة بمثل هذه المسائل، وحضرت عليه

في "شرح ابن أبي جمرة " لـ "مختصره" من "صحيح البخاري". وكان ينوه بعلمه ودقة استنباطه فقد استنبط من حديث بدء الوحي نحو سبعين وجها من الآداب والأخلاق، ولا ينقل فيه عن شخص معين، وكل ما يقوله من بنات فكره، ويقول لي: إن الحافظ ينقل عنه في "فتح الباري" ويُحليه بـ«العارف» اعترافًا بفضله، مع أنه منحرف عن الصوفية».

وحضرت عليه في شرح الرسالة" لأبي الحسن، وحل مشكلات عرضت لي في "مغني اللبيب" وشروح "التخليص"، وكنت أسأله عن أشياء في الفقه والحديث فيُجيبني، وتارة يُحيلني على كتاب لأعرف منه الجواب ببحثي فيه. وكان يثني علي مع أصدقائه الذين يجالسونه ويصفني بحسن الفهم وجودة المعرفة، أخبرني بذلك غير واحد منهم الفقية الأمين المهدي، وزارني مرة الفقية الأديب الأستاذ العياشي سكرج وبيده كتاب فقلت له: «ما هذا؟» قال: «هذا كتاب شرحت فيه أبيات ابن مالك في فعل الأمر المعتل الذي يأتي على حرف وأولها:

إِنِّي أَقُولُ لِنْ تُرْجَى وَقَايَتُه فِي الْمُسْتَجِيرَ قِيَاهُ قُوهُ فِي قِين وقد كنت قرأتها في "حاشية الخضري على ابن عقيل"»، قلت له: «وما علاقتي بهذا؟» قال: «أتيت به إلى السيد والدك لينظر فيه فأحالني عليك وأثنى على معرفتك وإتقانك لهذا العلم. فأخذته منه وقرأته وكتبت عليه ما ظهر لي. وكان رضي الله عنه يحدثني عن الكتب العلمية في مختلف العلوم ويعطيني فكرة عن كل كتاب وقيمته وكنت أكلمه في السفر إلى مصر فيقول لي: ستذهب إلى مصر إن شاء الله، ولكن أحبك أن تذهب عالما يحتاج إليك علماء الأزهر». وكنت أظن أنه يقول هذا لي على سبيل التبصير والتشجيع وظهر فيما بعد أنه كان يقول الحقيقة فقد احتاج إلى علماء في الأزهر كما سيأتي بيان ذلك بحول الله.

وكان إذا جاءه استفتاء من أي جهة من المغرب يُملي علي الفتوى وأنا أكتبها ثم يمضيها، وتارة يأمرني أن أمضيها باسمي.

وكنت أزوره كل صباح في المكتبة أو في البيت الذي يجلس فيه فإن تأخرت يوما يبعث إلي ويسألني: «لم تأخرت عني؟»، وكنت أناقشه كثيرًا وألح في مناقشتة فيتسع صدره ولا يضيق بي.

وبالجملة استفدت كثيرًا من إفاداته وإرشاداته وتوجيهاته رضي الله عنه

وجزاه عني أفضل ما جزى والدا عن ولده.

ولازمت مطالعة مقامات "الحريري" حتى كدت أحفظها، وفهمت ما فيها من أنواع البلاغة وأفادتني كثيرا في هذا المجال.

فصل: السفر إلى مصر

وفي أواخر شهر شعبان سنة ١٢٤٩ هـ ركبنا باخرة يابانية متوجهة من إنجلترا إلى الإسكندرية أنا والأخ الأكبر والزمزمي ورفيق معنا اسمه الحاج

أحمد عبد السلام القرشي - بالقاف المعقودة وشهرته الشكارة.

وقبل الذهاب إلى الميناء طلعت الدور الفوقي - أي العلوي - حيث يجلس مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه فلقنني وِرد الطريقة الشاذلية وأوصاني بالاستقامة ولزوم الجادة، فقبلت يده ورجليه وانصرفت، وكان قبل ذلك قد حدثني عن الأزهر وعن مصر بوجه عام وأمرني بتعلم التجويد وعلم التوقيت.

أقلعت بنا الباخرة متجهة إلى المشرق وليس فيها مسلمون غيرنا، وكان البحر هادئا والجو صافيًا مع أنه كان فصل الشتاء، وكان الزمزمي لم يتقدم له قراءة شيء من العلم إطلاقا فشرعت أُدَرِّس له "الأجرومية"، نطلع بعد صلاة العصر إلى ظهر الباخرة ونأخذ درسا فيها.

واستمر الحال على ذلك ثمانية أيام لم يحصل فيها ما يُكَدِّر البال حتى كان اليوم الثامن وأخبر ربان الباخرة أننا سنصل الإسكندرية عند الفجر، طلعنا لنأخذ درسنا المعتاد وكان موضوعه ظرف الزمان فقلت موضحًا لأخي كيف يُنصب الظرف: «نصل إلى الإسكندرية غدًا، فقال الأخ الأكبر: «قل: إن شاء الله»، فقلت: «لم أقولها وقد تحدد موعد الوصول؟ وهذه الإسكندرية بدت مبانيها تظهر من بعد.

وانتهى اليوم وصلَّينا العشاء ونمنا في وقتنا المعتاد، وفي الساعة الثانية عشرة ليلا أو بعدها بقليل هاج البحر هيجانًا عظيما قال الربان: «لمرير مثله منذ خمس وثلاثين سنة».

وكانت الموجة لعِظَمِها تُغطّي المركب تَغْطِية تامة والمركب تتأرجح بنا كالقشرة، ونحن لا نملك أنفسنا من شدة دوار البحر ودوخته، والأواني التي

معنا قلبها البحر رأسا على عقب وانكسر بعضها، واعترانا خوف شديد. وزاد في خوفنا أن الربان أخبرنا أن باخرة أمامنا وجهتها كوجهتنا بعثت إشارة إلى الإسكندرية تطلب النجدة لكنها غرقت قبل وصولها، فأيقنا أنا لاحقون بها ويئسنا من الحياة، وكلما غطتنا موجة ظننا أنها مُغْرِقتنا واستمر الحال كذلك نحو سبع ساعات رأينا الموت فيها عيانا.

ثم لطف الله بنا وخَفَّ هَيَجان البحر بعض الشيء ولم نصل الإسكندرية إلا في الظهر بعد مشقة كبيرة، فحمدنا الله وعلمنا أن هذه عقوبة على ترك المشيئة. والله جل جلاله حين قال: لَقَدْ صَدَفَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّمْ يَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللهُ عَامِنِينَ ﴾]الفتح: ۲۷[لم يكن في حاجة إلى تعليق بالمشيئة لأنه غالب على أمره لا تعترضه عوائق ولا شواغل، وإنما علق بالمشيئة تعليما لعباده لئلا يغفلوا عنها.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطُوفَنَّ اللَّيلةَ على مائةِ امرأةٍ تَلِدُ كُلُّ امرأةٍ مِنهنَّ غُلامًا يُقاتِلُ في سبيل الله، فقال له الملك: «قُلْ إِنْ شَاءَ اللهُ». فلم يَقُلْ، فَطَافَ بِهِنَّ فلم يَلِد مِنهُنَّ إِلَّا امرأةٌ واحدةٌ؛ نِصْفُ إنسانٍ».

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نَفْسِي بِيَدِه لو قال: إِنْ شَاءَ اللهُ لَمْ يَحْنَتْ، ولقَاتَلُوا فِي سَبيلِ الله فُرْسَانًا أجمعين». ولم يستثن سليمان عليه السلام لقوة رجائه في الله أن يُجيب طلبه.

وفي "سيرة ابن اسحق" عن ابن عباس: أنَّ اليهود أشاروا على قريش أن يسألوا النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن أصحاب الكهف، والروح، وذي القرنين. فسألوه: فقال: «أُجِيبُكُم غدًا». ولم يستثن، فاحتبس الوحي عنه خمسة عشر يوما، ثم نزل عليه جبريل بقول الله تعالى: وَلَا نَقُولَنَّ لِشَأْيْ ءٍ إِنِّي فَاعِلُ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ﴾]الكهف: ٢٣ - ٢٤[.

والاستثناء يجري على لسان المصريين كثيرًا تسأل أحدهم: «ستفعل كذا؟» فيقول: بمشيئة الله»، أو «بإذن الواحد الأحد»، أو «بإذن الله»، وإذا اتفق اثنان أو أكثر على عمل شيء توجوا اتفاقهم بالاستثناء، وأهل المغرب لا يستعملون الاستثناء إلا في القليل النادر. ونزلنا في الإسكندرية في بيت الحاج محمد أجزناي الطنجي الذي كان مفتشا بشركة ترام الإسكندرية لأنها شركة فرنسية وزرنا معهد الإسكندرية الديني التابع للأزهر وكان رئيسه الشيخ عبد المجيد اللبان واستجزته فأجازني، ثم زرنا ضريح أبي العباس المرسي وبعض معالم الإسكندرية. وبعد أسبوع ذهبنا إلى القاهرة واستأجرنا بيتا بالكحكيين قرب ضريح الشيخ الدردير وانتظمنا في الدراسة بالأزهر، وأردت أن أدرس "المختصر" فوجدتهم يدرسونه بشرح الدردير فقط ويسمونه "الشرح الكبير" فحضرته على شيخ أزهري اسمه الشيخ عمران ولم يكن في التحقيق بذلك. وحضرت "السلم في المنطق" بـ"شرح الملوي" و"حاشية الصبان" على الشيخ عبدالقادر الزنتاني الطرابلسي

وحضرت جمع الجوامع" بـ"شرح المحلي" من «باب القياس» إلى أخره على العلامة محمد حسنين مخلوف العدوي المالكي، ولما وصل إلى «القوادح» شرع يقرأ معنا " الرسالة السمرقندية" في آداب البحث والمناظرة حتى ختمها. وحضرت في "منهاج الأصول" للبيضاوي بـ"شرح الإسنوي" على الشيخ حامد جاد.

وحضرت في "تهذيب السعد" بـ"شرح الخبيصي" في المنطق على العلامة المحقق العديم النظير الشيخ محمود إمام عبدالرحمن المنصوري الحنفي، لم أر له نظير في التحقيق والبحث وشدة الاطلاع.

مكث في شرح قول السعد: «العلم إن كان إذعانا للنسبة فتصديق وإلا فتصور أربعة أشهر وكان يكتب ما يقرره على المتن والشرح ويناقش الرازي

والدواني والزاهدي وأضرابهم من علماء المنطق، وعنده مكتبة قيمة لا توجد عند أزهري.

أجازني بحديث الأولية كما سمعه من الشيخ أحمد الحلواني صاحب "مواكب ربيع " وليس يروي غيره كما أخبرني عن نفسه.

واتجهت رغبتي في قراءة فقه الشافعية تنفيذا لأمر مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه فحضرت في "المنهج " للشيخ زكريا الأنصاري على الشيخ محمد عزت وهو يفهمه فهما متقنا، والمنهج " عند الشافعية مثل "المختصر" عند المالكية.

وقرأت "شرح الخطيب" على "أبي شجاع " على الفقيه الشيخ عبدالمجيد الشرقاوي حفيد الشيخ عبد الله الشرقاوي، وهو يتقن الفقه إتقانا تاما. ووجدت الشافعية يذكرون في مصنفاتهم الدليل لفروع فقههم فلا يخلو فرع لهم من دليل بخلاف المالكية، فأنهم لا يذكرون في كتبهم دليلًا. ولما كنت أحضر "شرح الخرشي" على الشيخ محمد الصنهاجي بجامع القرويين مر على حضورنا أربعة أشهر، وإذا بالشيخ الخرشي يذكر حديثا، فتعجبنا كلنا - الشيخ والطلبة - لذكره هذا الحديث.

وهذا إهمال غير لائق، بل الواجب ذكر الدليل كما يفعل الشافعية والحنفية ليعرف الطالب الحكم بدليله.

وبعد سنتين من وصولنا للقاهرة شجعني الطلبة الذين تعرفوا بي على التقدم لامتحان شهادة العالمية الخاصة بالغرباء عن مصر، والامتحان يكون في اثني عشر علما، وهي الأصول والمعاني والبيان، والبديع، والنحو،

والصرف، والتوحيد، والمنطق، والحديث، والمصطلح، والفقه، والتفسير.

فتقدمت للامتحان ونلت الشهادة وعلم مولانا الوالد رضي بنجاحي ففرح وكتب يهنيني ويأمرني أن أكتب له بما جرى في الامتحان من سؤالات وجوابها، فكتبت له جوابًا مطولا بتفصيل ذلك حسب أمره. وصادف في ذلك العام أن مرَّ العلامة المحدث سيدي عبدالحي الكتاني بالقاهرة في طريقه إلى الحجاز، وذهبت لزيارته فهنأني وأظهر سروره بنجاحي لأنه رآه في "جريدة الأهرام".

وفي هذه المدة تعرف بي الأستاذ حسن قاسم، وأخبرني أنه من ذرية الشيخ عبدالقادر الكوهن، وكان محررًا في "مجلة الإسلام"، فكتبت بعض المقالات حررت فيها الكلام على الأحاديث التي تعرضت لها من حيث الإسناد والصحة، فأُعجب العلماء كتاب المجلة بما كتبته إذ لم يكن لهم عهد به، وعملوا

حفلة شاي استدعوني وكان فيهم الشيخ محمود خليفة وأخوه الشيخ عبدالرحمن والشيخ سيد حسن الشقرا وغيرهم من كتاب المجلة، وأبدوا إعجابهم ببحوثي وبما فيها من تحقيق.

وكانت "مجلة الإسلام" شائعة الذيوع في البلاد الإسلامية، ومنها المغرب فاشتهرت مقالاتي في أنحاء البلاد عندنا وأُعجب الناس بها، وكتب إليَّ مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه يبدي سروره بذلك ويحضني على المزيد من تلك

المقالات.

وخصصت إدارة مجلة الإسلام" صندوقًا للخطابات التي ترد باسمي يسألني أصحابها في الحديث وغيره، وهي كثيرة تأتي من أنحاء القطر المصري، ومن سوريا، والأحساء، والجزائر وتونس والمغرب، وأندونيسيا وغيرها.

وكتب إلى الأستاذ محمود شويل إمام المسجد النبوي بالمدينة المنورة كتابا

طويلًا يُعتبر رسالة تكلم فيها عن مسائل سألني عنها ومما قال:

«كنا نظن أنه لم يبق في مصر والشرق محدثون إلا الشيخ رشيد رضا والشيخ أحمد شاكر، فلما قرأنا بحوثك وتحقيقاتك في الحديث اعتبرناك ثالثهما». وهو مع كونه وهابيا ينصفني ولا يتعصب علي، وكتبت مقالا في نقد أذكار الوضوء، بينت فيه أن الحديث الوارد في ذلك موضوع فنشأ.

المقال بحثان:

هذا عن

أحدهما: أن الشيخ البشير الرابحي بالجزائر كتب يعقب عليَّ في نفي سماع الحسن البصري من علي عليه السلام ويسألني رأيي، فأجبته في عدة مقالات بعنوان: «حول سماع الحسن البصري من علي».

كما ناقشني في هذا الموضوع أيضًا على صفحات المجلة الشيخ عبدالوهاب عبداللطيف، الذي صار بعد من تلامذتي. واطلع على تلك المقالات مولانا الوالد رضي الله عنه، فكتب إليَّ يبدي سروره بها ويقول: استمر عليها، وإن كنا نرى أن الحسن سمع من علي». وهذا منه اعتراف بحرية الرأي وبحرية البحث ما دام في حدود القواعد المقررة.

والآخر أن الشيخ عبد الغني عوض - من علماء الأزهر - كتب إلى ليبدي حيرته بين ما قررته من وضع الحديث وبين ما قرره فقهاء الشافعية من استحباب تلك الأذكار، فأجبته بمقال بينت له فيه أنه لا حيرة في الموضوع لأن الفقهاء معذورون لم يعلموا بوضع الحديث، وأن الإمام النووي الذي كان

 

٢١٥

حافظا صرح بالوضع أيضًا، وهو شافعي، فلم يبقى إشكال.

فأنصف واتبع الدليل، وصار بعد يوجه إليَّ أسئلة فيما يعن له من المسائل،

ويطلب نشر الجواب بـ " مجلة الإسلام".

وهذا أول عالم أزهري احتاج إلى علمي وتحقق به قول مولانا الإمام الله عنه: أحب أن تذهب إلى مصر عالما، يحتاج إليك علماء

الوالد رضي الأزهر»؛ وقد تقدم.

وفي مساء يوم الأربعاء، لعله سادس شوال سنة ١٣٥٤ جاءت برقية تخبر بوفاة مولانا الإمام الوالد رحمه الله ورضي عنه، فرجعنا إلى المغرب واستقبلنا الإخوان بميناء طنجة استقبالا حافلا حزينا، كثر فيه البكاء والعويل، وكان يوما مشهودًا ومكنت مدة ثمانية أشهر تم فيها الاتفاق على أن يتولى الأخ الأكبر شئون العائلة والزاوية والإخوان.

ثم عدت إلى مصر وواليت الكتابة في مجلة" الإسلام" بصفة مستمرة، وأنشأ أئمة المساجد وخطباؤها بالقاهرة مجلة سموها: "مجلة الإرشاد"، وطلبوا

مني أن أكتب فيها، فكتبت لهم باب الأحاديث الضعيفة والموضوعة. وكتبت في "مجلة هدى الإسلام"، وفي مجلة الرابطة الإسلامية"، وفي "مجلة الشرق العربي"، وفي "مجلة نشر الفضائل والآداب الإسلامية"، وفي "مجلة الوسيلة"، وفي "مجلة المسلم" وهي مجلة العشيرة المحمدية. وما من مجلة دينية إلا كتبت فيها مقالا أو مقالين أو أكثر، وكانت صلتي حسنة بالجماعات الإسلامية فجماعة الإخوان المسلمين لي صداقة متينة مع رئيسها الأستاذ حسن البناء ووالده الأستاذ أحمد عبدالرحمن صاحب ترتيب "المسند"، وكان بيننا تواصل وتزاور.

وجمعية الهداية الإسلامية التي يرأسها فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الخضر حسين، كنت أزورها وألقيت فيها عدة محاضرات.

والعشيرة المحمدية كنت عضوًا فيها ومفتيا في مجلتها، وأخبرني رئيسها الأستاذ الشيخ محمد زكي إبراهيم أنه من ذرية الشيخ محمد بن ناصر، والعشيرة جماعة صوفية مباركة.

وكنت وكيل جماعة أنصار الحج، ورئيسها الدكتور الحاج محمد وصفي.

وكنت رئيسا لجماعة أنصار السلف الصالح.

وأسلم مسيحي اسمه عوض، فأنشأ جمعية لبيان فضائل الإسلام، سماها: جمعية نشر الفضائل والآداب الإسلامية واتصل بي فحاضرت في دارها وكتبت في مجلتها.

وعلاقتي كبيرة بجماعة الرابطة الإسلامية، وكنت أكتب في مجلتها التفسير. وأمتد نشاطي إلى الجمعيات النسائية، فقد اتصلت بي الدكتورة زينب جبارة رئيس جماعة السيدات المسلمات، وهي سيدة فاضلة أصلها من الساقية الحمراء كما أخبرتني، وطلبت مني أن ألقي دروسًا للسيدات في التوعية الدينية، وكانت

الدروس في الجمعية أسبوعية يتناوبها جماعة من العلماء كنت أحدهم. ثم أنشأت زينب الغزالي جمعية نسائية أيضًا، واتصلت بي، فكنت ألقي درسًا أسبوعيًا في جمعيتها.

واستعانت بي سيدة اسمها أم محمد في إنشاء جمعية نسائية، وتم إنشاؤها في حي روض الفرج، وألقيت فيها محاضرات أيضًا.

وإلى جانب هذا كنت مواظبا على التدريس للطلبة بالرواق العباسي بالأزهر حسبة الله، إذ لم أكن موظفًا عند الحكومة، وحضر على الطلبة من المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، والحجاز، وسوريا، وفلسطين، والحبشة، والصومال، وأندونيسيا، وتركيا، وألبانيا، ورومانيا، ويوغوسلافيا، ومن مصر أيضًا. وكنت أدرس للطلبة علوم الامتحان للحصول على شهادة العالمية، وكان الطالب إذا نجح وذهب إلى بلاده يوصي أصحابه الوافدين إلى الأزهر بالاتصال بي والحضور عليّ، ومن فضل الله عليَّ أن كل من درست له علوم الامتحان، نجح فيها لم يسقط واحد منهم سواء أكان من الغرباء أو من المصريين.

بعض ما درسته للطلبة

درست "جمع الجوامع" بـ"شرح المحلي" من أوله إلى آخره دراسة بحث وتحقيق، وممن حضره عليَّ أَخَوَاي السيد عبدالحي والسيد عبدالعزيز ولم يحضراه على غيري، وحضره عليَّ أيضًا الشيخ صالح الجعفري رحمه الله وهو صالح كاسمه.

و درست "السلم" بـ"شرح الملوي" حضره عليَّ الأخوان أيضًا، لكن لم ينتفع

به السيد عبد العزيز لأنه لم يعتن به كأنه كان يعتقد تحريمه تبعا للسيوطي. ودرست "سلم الوصول إلى علم الأصول" لابن أبي حجاب وهو مختصر من "جمع الجوامع".

ودرست "الجوهر المكنون" في البلاغة للأخضري.

ودرست "شرح المكودي للألفية" ولم يقرأه بالأزهر أحد غيري. ودرست لأخي الزمزمي لـ"جمع الجوامع" بـ"شرح المحلي".

ولم يقرأ الزمزمي مدة مقامه بمصر غير غير المقدمات، ونصف "الألفية"

بـ"شرح ابن عقيل" على العلامة الشيخ عبد السلام غنيم رحمه الله، وقطعة من

" دليل الطالب" في فقه الحنابلة لا تبلغ الربع على فقيه حنبلي.

وفي أول سنة وصلنا إلى القاهرة حصل عندي ضيق وقنوط كتبت إلى مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه أذكر له ذلك فقال لي: «كيف تقنط في مصر أم الدنيا؟! بل اصبر وسوف تكون عالما كبيرًا ومحققا شهيرًا».

وعكفت على مطالعة شرح المحلي لـ"جمع الجوامع" لأني لم أكن درسته كله بجامع القرويين، وأتممت مطالعته في مدة ثلاثة أشهر وفهمته جميعه والحمد الله، إلا مسألة واحدة فهمتها بعد ذلك، وحصل لي بمطالعته مع تدرسيه للطلبة

أنس بعبارة المحلي وصارت سهلة عندي لا يصعب علي شيء منها. والذي أقرره بعد ممارسة عباراته أنه كان يقصد تصعيب العبارة، وتعقيد الضمائر، منتهجا نهج السعد التفتازاني في كتبه وكان معجبا بأسلوبه، وليس هذا خاصا بشرحه لـ"جمع الجوامع" بل يشمل بقية كتبه، كـ"تفسير القرآن الكريم" و"شرح الورقات" و"شرح المنهاج" في فقه الشافعية، فمن تتبعها وجدها على نمط واحدٍ في اختصار العبارة وتصعيبها وتعقيد الضمائر، وهو

محقق بلا شك، لكن ليس بالمنزلة التي اشتهرت عنه، رحمه الله تعالى. وفي شهر رمضان سنه ١٣٥٤ بدأت مناقشة بيني وبين كاتب اسمه سيد علي الطوبجي وهو كاتب متوسط، إلا أنه جرئ سليط اللسان، وكانت فيه دعوى عريضة، كتب ينتقد ما يُذكر في المولد النبوي من أحاديث ضعيفة وموضوعة ومنها حديث: «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورُ نبيك» ذكر أنه موضوع فرد عليه أستاذ بمدرسة ثانوية صحح الحديث من حيث المعنى وأما من حيث لفظه وإسناده، فأحال تحقيق ذلك عليَّ.

فغضب ذلك الكاتب وكتب في مجلة "هدى الإسلام" ينتقدني وسماني «محدث مجلة الإسلام من غير أن يسبق مني إليه شيء، فكتبت مقالًا هادئا رجعت فيه السؤال عليه وقلت له: «بما أنك صاحب البحث فأنت أحق بالجواب عنه»، وذكرت له أهم المراجع التي يرجع إليها في جوابه وأمهلته شهرا كاملا، فما كتب شيئًا، لكنه استمر في انتقاده لي ووصم أهل الحديث بأنهم لا يفهمون، فتصديت للرد عليه وكتبت عشر مقالات في "مجلة الإسلام"

بعنوان حول أوَّلية النور المحمدي»، بينت سقطاته، حتى سكت عجزا. وبعد مدة من انتهاء هذه المناقشة بانتصاري، كنت مارا ببعض شوارع القاهرة، وإذا بشخص يُقبل عليَّ ويسلّم بحرارة ويقول لي قبل أن أساله: «أنا سيد الطوبجي، ويردف قائلا: نحن مثل المحامين يتخاصمون في المحكمة وإذا خرجوا منها عادوا إلى «صحبتهم فرحبت به، ووافقته على كلامه. وأقرر الآن أن حديث: «أولُ ما خَلَقَ الله نور نبيك يا جابر» عزاه السيوطي في "الخصائص "الكبرى" إلى "مصنف عبدالرزاق"، وليس هو فيه، ولا في "تفسيره"، ولا في "جامعه".

وجوزت أن يكون في "دلائل النبوة" للبيهقي، فلم أجده فيها ورأيت السيوطي قال في الفتاوى القرآنية من "الحاوي" عن الحديث المذكور: «ليس له إسناد يُعتمد عليه قال هذا في (سورة المدثر).

ثم وجدت الحديث بطوله في ثلاث صفحات، ذكره ابن العربي الحاتمي في كتاب "تلقيح الأذهان ومفتاح معرفة الإنسان" فإذا هو حديث موضوع لا

يشك في وضعه من له خبرة بعلم الحديث الشريف.

وكذلك ما في معناه مثل: كنتُ نورًا بين يَدَي ربِّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُق آدم بأربعةِ عشر ألفِ عامٍ»، ومثل: «لَوْلَاكَ لَوْلَاكَ لما خَلَقْتُ الْأَفْلَاكَ».

ووجدت بعض المعاصرين من أهل شنقيط ذكر الحديث أولية النور المحمدي إسنادًا موصولاً من عبد الرزاق إلى جابر، وهو إسناد موضوع لحديث موضوع فلا قيمة له، وصانع الإسناد آثم مثل واضع الحديث. وقد كتبت جزءا في بيان وضع هذا الحديث، أثبته هنا تتميما للفائدة.

مرشد الحائر لبيان وضع حديث جابر

الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد وآله الأكرمين، ورضي الله عن صحابته والتابعين.

وبعد: فهذا جزء سميته: "مُرشِدُ الحائر لبيان وضع حديث جابر" أردت به تنزيه النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عما نُسب إليه مما لم يصح عنه ويعد من

قبيل الغلو المذموم، ومع ذلك صار عند العامة وكثير من الخاصة معدودًا من الفضائل النبوية التي يكون إنكارها طعناً في الجناب النبوي عندهم، ولا يدركون ما في رأيهم وقولهم من الإثم العظيم الثابت في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ كَذَبَ عليَّ فَلْيَتَبَوَّاْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ».

والذي يصفه بما لم يثبت عنه كاذب عليه واقع في المحذور إلَّا أن يتوب،

ولا يكون مدحه عليه الصلاة والسلام شفيعا له في الكذب عليه. وإن كانت الفضائل يتسامح فيها فإن فضائل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إنما تكون بالثابت المعروف حذرًا من الكذب المتوعد عليه بالنار، نسأل الله

العافية.

وقد وردت أحاديث في هذا الموضوع باطلة، وجاءت آراء شاذة التحقيق عاطلة، أبينها في هذا الجزء بحول الله.

روی عبدالرزاق - فيما قيل - عن جابر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أخبرني عن أول شئ خلقه الله جل جلاله قبل الأشياء». قال: «يا جابر، إنَّ الله خَلَقَ قبلَ الأشياءِ نُورُ نَبِيِّكَ مِن نُورِهِ، فَجَعَلَ ذلكَ النُّورِ يَدُورُ بالقُدْرَةِ حيثُ شَاءَ الله، ولم يكن في ذلك الوقتِ لَوْحٌ ولا قَلَم، ولا جَنَّةٌ ولا نَارٌ، ولا ملكٌ، ولا سماء ولا أرضُ، ولا شمس ولا قمر، ولا جِنِّي وَلا إنسي. فلما أراد الله أن يَخْلُقَ الخَلْقَ قَسَّمَ ذلك النور أربعة أجزاء فخَلَقَ مِن الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش. ثُمَّ قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخَلَقَ مِن الجزء الأول حَمَلَةَ العَرْشِ، ومن الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة. ثُمَّ قسم الرابع أربعة أجزاء فخَلَقَ مِن الأول السماوات، ومن الثاني الأرضين، ومن الثالث الجنَّة والنار. ثُمَّ قسم الرابع أربعة أجزاء فخَلَقَ مِن الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نورَ قُلُوبهم وهي المعرفة بالله، ومن الثالث نور أُنسهم وهو التوحيد لا إله إِلَّا الله محمد رسول الله. » الحديث.

وله بقية طويلة وقد ذكره بتمامه ابن العربي الحاتمي في كتاب "تلقيح الأذهان ومفتاح معرفة الإنسان"، والديار بكري في كتاب "الخميس في تاريخ أنفس نفيس".

وعزوه إلى رواية عبدالرزاق خطأ؛ لأنه لا يوجد في "مصنفه" ولا "جامعه" ولا "تفسيره"، وقال الحافظ السيوطي في "الحاوي": «ليس له إسناد يُعتمد عليه».

وهو حديث موضوع جزمًا، وفيه نَفَسٌ صوفي واصطلاحات صوفية، وبعض الشناقطة المعاصرين ركَّب له إسنادا فذكر أن عبدالرزاق رواه من

طريق ابن المنكدر عن جابر وهذا كذب يأثم عليه.

وبالجملة فالحديث منكر موضوع لا أصل له في شيء من كتب السنة.

ومثله في النكارة ما روي عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده عليهم السلام أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «كُنْتُ نُورًا بين يَدَيْ رَبِّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ آدَمَ بأَربَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَامٍ» وهو كذبٌ أيضًا.

ومن الكذب السخيف ما يقال أن إحدى أمهات المؤمنين أرادت أن تلف إزارا على جسد النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فسقط الإزار، أي لأنه نور. وهذا لا أصل له، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يستعمل الإزار ولم يسقط عنه.

وكونه صلى الله عليه وآله وسلّم نورًا أمر معنوي، مثل تسمية القرآن نورا ونحو ذلك؛ لأنه نور العقول والقلوب.

ومن الكذب المكشوف قولهم: الولاك لولاك ما خلقت الأفلاك». وكذلك ما روي عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «هَبَطَ على جبريل فقال: إِنَّ اللهَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ويَقولُ: إِنِّي حَرَّمْتُ النَّارَ

على صُلْبِ أَنْزَلَكَ وبَطْنٍ حَمَلَكَ وَحِجْرٍ كَفَلَكَ». وهو حديث موضوع. وروي في بعض كتب المولد النبوي عن أبي هريرة قال: سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم جبريل عليه السلام فقال: «يا جبريلُ كم عَمَّرْتَ مِن السنين؟» فقال: يا رسول الله، لستُ أعلم، غير أنَّ فِي الحِجَابِ الرابع نَجما يَطْلُعُ في كل سبعين ألف سنة مرة، رأيته اثنتين وسبعين ألف مرة، فقال النبي صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «وعِزَّةُ ربي أنا ذلك الكَوْكَب».

وهذا كذب قبيح، قبَّح الله مَن وَضَعَهُ وافتراه. وذكر بعض غلاة المتصوفة أن جبريل عليه السلام كان يتلقى الوحي من وراء حجاب، وكشف له الحجاب مرة فوجد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يوحي إليه فقال جبريل: «مِنْكَ وإلَيْكَ».

قلت: لعن الله من افترى هذا الهراء المخالف للقرآن فإن الله جل جلاله يقول لنبيه: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَبُ وَلَا الْإِيمَنُ

[الشورى: ٥٢]. ويقول: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (۳) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ) بلِسَانٍ عَرَبيّ مُّبِينٍ ﴾ [الشعراء: ١٩٣ – ١٩٥].

أخرج أحمد، والحاكم، والبيهقي في "الدلائل"، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إنِّي عند الله في أمّ الكِتابِ لَخَاتَمُ النبيِّينَ، وإِنَّ آدمَ مُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وسأنبِّئُكُم بتأويل ذلك، دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى قومَهُ، ورُؤْيَا أُمِّي التي رَأَتْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنها نُورٌ أَضَاءَتْ له قُصُورُ الشَّامِ، وكذلك تَرَى أَمْهَاتُ الأنبياء».

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد بأسانيد، والبزار والطبراني بنحوه، وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد، وقد وثقه بن حبان».  اهـ

قلت: رواه الحاكم من طريق أبي بكر بن أبي مريم، عن سويد بن سعيد،

عن العرباض بن سارية، وقال: «صحيح الإسناد». وتعقبه الذهبي بأن أبا بكر، ضعيف، وغلط الدكتور قلعجي محقق كتاب "دلائل النبوة" فذكر أن الذهبي وافقه على تصحيحه.

وروى أحمد من طريق بديل عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال: قلت: «يا رسول الله، متى كنت نبيا؟» قال: «وآدم عليه السلام بَيْنَ الرُّوحِ والجَسَدِ».

وهكذا رواه البغوي وابن السكن في "الصحابة". قال الحافظ: «وهذا سند قوي». قلت: وذكره البخاري في "التاريخ" معلقا.

روى الحاكم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: متى وجبت لك النبوة؟» قال: «بين خَلْقِ آدمَ ونَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ». وروى أحمد، من طريق عبد الله بن شقيق عن رجل قال: قلت: يا رسول الله متى جعلت نبيًّا؟ قال: «وآدم بين الرُّوحِ والجَسَدِ». قال الهيثمي: «رجاله رجال الصحيح قلت هو أحد طرق حديث ميسرة الفجر.  وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عفان بن مسلم، وعمرو بن عاصم الكلابي قالا حدثنا حماد بن سلمة عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن عبد الله بن أبي الجدعاء قال: قلت: يا رسول الله متى كنت نبيا؟» قال: «إذْ آدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ والجَسَدِ». رجاله رجال الصحيح.

وروى البزار والطبراني بإسنادٍ ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قيل: يا رسول الله متى كنت نبيا؟» قال: «وآدم بينَ الرُّوحِ والجَسَدِ». قال البيهقي: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: « إِنِّي عند الله في أُمَّ الكتاب لخَاتَمُ النبيِّينَ، وإنَّ آدمَ مُنْجَدِلٌ في طيئَتِهِ». يريد أنه كان كذلك في قضاء الله

وتقديره قبل أن يكون أبو البشر وأول الأنبياء صلوات الله عليهم.  اهـ وقال أبو الحسين بن بشران: حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو: حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح: ثنا محمد بن صالح ثنا محمد بن سنان العوفي: ثنا إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة، وعن عبد الله بن شقيق عن ميسرة قال: قلت: يا رسول الله، متى كنت نبيا؟» قال: «لما خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَاسْتَوَى إِلى السَّمَاءِ فسَوَّاهُنَّ سبع سمواتٍ وخَلَقَ العَرْشَ كَتَبَ عَلَى سَاقِ العَرْشِ: محمدٌ رسولُ الله خاتم الأنبياء، وخَلَقَ الله الجنَّة التي أسكنها آدم وحواء فكتب اسمي على الأبواب والأوراق والقبابِ والخيام، وآدم بين الرُّوحِ والجَسَدِ، فلما أحياهُ الله جل جلاله نَظَرَ إلى العرش فرأى اسمي فأخبر أنَّه سيّدُ ولْدِكَ، فلما غَرَّهُمَا الشيطان تابا واسْتَشْفَعَا باسمي إليه». إسناده جيد قوي.

وهو يفيد أن معنى كونه نبيًّا إظهار ذلك في العالم العلوي قبل نفخ الروح في آدم عليه السلام. وقد كنت أظن تبعًا للتقي السبكي أن روحه أو حقيقته أفيض عليها النبوة في ذلك الوقت، ثم ظهر لي أن ذلك خطأ لأن النبوة لا تقوم بالروح فقط ولا بالحقيقة وحدها، وإنما تقوم النبوة بالشخص المركب من الجسم والروح، هذا هو المعروف في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم. وقد بين الحديث أيضًا سر إعلان نبوته في ذلك العهد وأنه يرجع إلى أمرين اختص بهما صلَّى الله عليه وآله وسلّم:

أحدهما: أنه سيد ولد آدم. والآخر: أنه خاتم الانبياء، وأيد ذلك بما ذكره من بشارة إبراهيم وعيسى به، عليهم الصلاة والسلام.

والأنبياء جميعا نبوتهم ثابتة في تقدير الله وقضائه، لكن لم يرد في خبر أن الله جل جلاله أظهر نبوة أحد منهم بالتعين قبل خلق آدم، فلم يكن ذلك إلا لنبينا صلى الله عليه وآله وسلَّم وهذا سر قوله: كُنْتُ نبيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ والجَسَدِ»، أي: أن حملة العرش والملائكة عرفوا اسمه ونبوته قبل خلق آدم عليه السلام، وهم لم يعرفوا آدم إلا بعد خلقه.

وحديث: كُنْتُ نَبِيًّا وآدَمُ بَيْنَ الماءِ والطَّينِ». لا أصل له، وكذلك حديث:

كُنْتُ نَبِيًّا ولا آدَمَ ولا ماء ولا طين». لا أصل له أيضًا.

وما يوجد في كتب المولد النبوي من أحاديث لا خطام له ولا زمام هي من الغلو الذي نهى الله ورسوله عنه، فتحرم قراءة تلك الكتب ولا يقبل الاعتذار عنها بأنها في الفضائل، لأن الفضائل يتساهل فيها برواية الضعيف، أما الحديث المكذوب فلا يقبل في الفضائل، إجماعًا، بل تحرم قراءته وروايته. والنبي صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ

كَذِبٌ فهو أحَدُ الكَاذِبِين». يُرى - بضم الياء-: معناه يظن.

ويقول: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّاْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».

وفضل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثابت في القرآن الكريم، والأحاديث الصحيحة، وهو في غنى عما يقال فيه من الكذب والغلو، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُظْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا: عبد الله وَرَسُولُهُ».

تم تحرير هذه العُجالة يوم الأحد ٢٥ من ذي القعدة سنة ١٤٠٨ والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلَّم.

وحصل مرة أخرى أن الشيخ محمد حامد الفقي طبع "رد الدارمي على بشر المريسي"، وهو غال في الإثبات حتى أنه أثبت المكان الله جل جلاله والحركة والنزول، وكان الشيخ عبدالمجيد اللبان عميد كلية أصول الدين، فكتب مذكرة إلى مشيخة الأزهر يطلب فيها منع تداول الكتاب الخطره على عقائد العامة، وذكر من الأدلة على خطورته حديث الأوعال.

فحول الشيخ المراغي وهو شيخ الأزهر تلك المذكرة على لجنة من العلماء لبحثها، وهم أربعة منهم الشيخ الجبالي والشيخ محمود أبو دقيقة والشيخ عيسى منون ونسيت الرابع، فانتهت اللجنة في بحثها إلى أن الحديث رواه أبو داود في "سننه" سنته وصححه ابن القيم، وعلى هذا فلا خطر من الكتاب على العقيدة، ولا يجوز منعه. فسقط في يد الشيخ اللبان ولم يدر ما يفعل، وصادف أن زاره أحمد. خيري فوجده مغموما فسأله عما غمه، فأخبره بالقصة وأردف قائلا: لو كان الشيخ الكوثري معافى لرد على اللجنة لكنه مريض، ولو كلفت الشيخ حبيب الله الشنقيطي بالرد لفضحني عند الناس بكلامه وهو كثير الكلام والفخر بعلمه. قلت: الشيخ اللبان واهم في هذا فإن الشيخ الشنقيطي لا يستطيع أن يرد على اللجنة لأنه لم يكن يعرف الحديث، وإن اشتهر بذلك في الأزهر، والذي يستطيع أن يرد هو الكوثري.

قال أحمد خيري للشيخ اللبان أعرف عالما شابا يقدر أن يرد كلام اللجنة وينقذك من هذه الورطة. قال: أدركني به.

فجاءني أحمد خيري وقال لي: إن الشيخ اللبان يريدك في مسألة مهمة سرية فتعال معي لزيارته فزرناه ووجدته متجها عابسًا، وناولني مذكرة اللجنة وهي في ثمان صفحات فقرأتها وقلت له: الرد عليها سهل، فانفرجت أسارير وجهه، وأعاد السؤال مستثبتا، فأكدت له سهولة الرد، فسأل: كم يأخذ من الوقت؟ قلت: أربعة أيام. فسلمني المذكرة مسرورًا لأرد عليها. ولفظ حديث الأوعال عند أبي داود والترمذي، عن العباس بن عبدالمطلب قال: كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال: «ما تسمُّون هذه؟» قالوا: السَّحابَ قال: «والمزنَ؟» قالوا: والمزن قال: والعَنَانَ؟» قالوا: والعنان، قال: «هل تدرون ما بعد ما بين السماء الأرض؟ قالوا: لا ندري، قال: «إنَّ بُعد ما بينهما إما واحد أو ثنتان أو ثلاث وسبعونَ سنةً، ثُمَّ السماء فوقها كذلك»، حتى عدَّ سبع سموات، ثم فوق السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثُمَّ فوق ذلك ثمانية أَوْعَالٍ بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثُمَّ على ظهورهم العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك». قال الترمذي: «حسن غريب». فرددت على مذكرة اللجنة ردًّا واسعا في خمس وعشرين صفحة، وبينت بطلان حديث الأوعال بأن إسناده ضعيف ومعناه منكر من وجوه

1 - أن القرآن يفيد أن حملة العرش يوم القيامة ثمانية لا اليوم.

٢ - أن القرآن نعى على الكفار تسميتهم الملائكة إناثًا، والحديث يفيد أنهم أو عال، والإناث أشرف من الوعل

٣- أن الوعل هو التيس الجبلي، والوصف به يدل على الذم، فقد سمى

 النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم المحلل تيسا مستعارا»، ووصف الذين

يتخلفون في نساء المجاهدين بالفاحشة بأنهم ينبون نبيب التيس». ٤- أن القرآن والسنة يصفان الملائكة بأنهم ذوو أجنحة، وهذا الحديث جعلهم أو عالا.

هذا ما حضرني من ذلك الرد فسلمته إلى الشيخ اللبان فطبعه وقدمه إلى

اللجنة، فرجعت عن قرارها الأول وقررت أن الكتاب يصح منعه. وهذا لا يعني أننا ننكر استواء الله على عرشه استواء يليق به مع تنزيهه عن مشابهة الحوادث وقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ﴾]الشورى: ١١[ولا

ريب أن الفوقية وما يقابلها من الجهات من خواص المحدثات.

وقد حصل بسبب طبع رد الدارمي مساجلة كبيرة دامت شهورا، كنت أنا، والشيخ الكوثري، والشيخ محمد إسماعيل عبد رب النبي، والشيخ عبدالرحمن خليفة رحمهم الله نتقدم طائفة المنزهين فكتبنا عدة مقالات في "مجلة الإسلام" بينا فيها ما يشتمل عليه ذلك الكتاب من تشبيه صريح.

وكان في طائفة المشبهين محمد حامد الفقي الذي طبع الكتاب، وعبد الله القصيمي النجدي وجماعة الوهابيين كانوا يكتبون في "مجلة أنصار السنة" يؤيدون التشبيه، وكان حامد الفقي يمضي مقالاته بقوله: كتبه عبد ربه المستوي بذاته على عرشه محمد حامد الفقي.

 

فصل: ما حصلت عليه من الشهادات

حين حضرنا إلى مصر سنة ١٣٤٩ تعرف بي بعض الطلبة منهم الشيخ علي عثمان اليمني رحمه الله وطلبوا مني أن أقرأ لهم " أن أقرأ لهم "الألفية"، فشرعت في قراءتها "بشرح المكودي"، وأنا أول واحد درس المكودي بالأزهر، فلما حضروا أعجبوا بها فقالوا لي: تقدم لنيل شهادة العالمية لأنك أحق بها من كثير دروسي ممن أخذها.

فتقدمت للامتحان وكان في اثني عشر علما هي: النحو، الصرف المعاني البيان، البديع، المنطق الأصول، التوحيد، الفقه، التفسير، الحديث، المصطلح. فنجحت في الامتحان وأخذت الشهادة وهي ممضاة باسم الشيخ محمد الأحمدي الظواهري إذ ذاك، وأخبرت مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه بذلك ففرح كثيرًا وهنأني وأمرني أن اكتب له بما دار في الامتحان من أسئلة وأجوبة فكتبت ما طلب. وصادف في تلك الأيام أن حضر إلى مصر عبدالحي الكتاني في طريقه للحجاز وزرته في فندق كلوب العصري بسيدنا الحسين فهناني أيضا وفرح بنجاحي، وكان رأى خبر نجاحي في "الأهرام".

ولم يكن عندي عزم أن أتقدم بامتحان آخر غير أن بعد نحو تسع سنوات كتبت ردا على الشيخ محمود شلتوت الذي أنكر نزول عيسى عليه السلام.

وكان ردي أولا مجلة إسلامية في ذلك الوقت، ثم جمعت تلك المقالات وزدت عليها في كتاب سميته: "إقامة البرهان على نزول عيسى في آخر الزمان"، وأتبعته بكتاب آخر

بضع مقالات نشرتها في "مجلة الإسلام" وكانت أشهر

سميته: "عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام". عند ذلك قال لي أحد علماء الأزهر: ردك على شلتوت لا ينفع ولا عبرة به

عندنا. قلت: لم؟ قال: لأنه ليس عندك شهادة العالمية الأزهرية. فقلت له: إذن آخذها إن شاء الله.

وذهبت إلى الشيخ المراغي في بيته بحلوان وكان شيخا للأزهر وذكرت له طلبي فقال لي: إن مدة دراستك لا تكفي لامتحان الشهادة العالمية فأت بشهادة رسمية من المغرب لتكمل بها المدة المطلوبة.

فبعثت إلى أخي الأكبر رحمه الله فبعث لي شهادة رسمية بإمضاء قاضي طنجة، فيها أنني حضرت في العلوم الدينية خمس سنوات وأن لي مؤلفات،

فسلمتها للشيخ المراغي فوافق على دخولي الامتحان. وكان الامتحان في العلوم، السابقة، مضافًا إليها: علم الوضع، وعلم

العروض والقوافي، وعلم الأخلاق، أي التصوف. فبلغت جملة العلوم خمسة عشر علما، وكان رئيس اللجنة التي اختبرتني الشيخ محمد زغلول شيخ معهد الزقازيق، وكان من جملة أعضاء اللجنة الشيخ عبد المتعال الصعيدي، وعندما دخلت على اللجنة وسلمت عليهم قال لي الشيخ الصعيدي: كيف حالك يا فلان؟ فقال رئيس اللجنة: إذن بينكما معرفة؟ فأجابه: لا أعرفه، لأنه سني وأنا ملحد. فتشاءمت من هذه العبارة لأنه كان قبل ذلك بأيام كتب مقالا أجاز فيه التصوير ورددنا عليه، فظننت أنه سيكون ضدي في الامتحان، ولكنه والحق يقال كان كريما معي في المعاملة وكان رئيس اللجنة شديدًا علي حتى أن الذين

دخلوا عليه في الامتحان سقطوا لشدته، وكان الشيخ عبد المتعال يكتفي من جوابي بكلمة يعرف منها أنني أفهم الموضوع.

فكان يقول لرئيس اللجنة: ننتقل إلى بحث آخر لأن الشيخ فاهم. ولكن الرئيس يقول: لابد أن يكمل الدرس إلى آخره.

وأجبت والحمد لله في جميع الأسئلة حتى أنه لما تم الامتحان وأردت القيام لأنصرف قال لي رئيس اللجنة مبروك يا علامة، وظننت أنه قال لي هذه العبارة متهكما، ولكنه قابل صديقه الشيخ عبد السلام غنيم وأخبره بنجاحي بتفوق.

ونشر خبر نجاحي بجريدة الأهرام" وصادف أنني كنت في زيارة الشيخ شلتوت في بيته ومعه جماعة من العلماء لأنه كان وكيلا لكلية الشريعة، ودخل أحد الزائرين فهنأني، فقال له الشيخ شلتوت: علام تهنئه؟ فقال: لأنه نال الشهادة العالمية الأزهرية واسمه في "جريدة الأهرام".

فقال له الشيخ شلتوت: نحن نهنيء الشهادة الأزهرية بأخذ الشيخ عبد الله لها الذي جاء من بلاده عالما. فكان هذا انصافاً من الشيخ رحمه الله جل جلاله غير متوقع لردي عليه في عدة مقالات وكتب.

 

فصل ما أعرفه من العلوم

عرفت بفضل الله عدَّة، علوم منها ما تلقيته عن شيوخي بالقرويين والأزهر، وهي: علم العربية، والفقه المالكي، والشافعي، والأصول، والمنطق، والتفسير، والحديث والمصطلح، والتوحيد والمقولات، وعلم الوضع، وآداب البحث والمناظرة، والفرائض

ومنها ما لم أتلقه من أحدٍ وهي: علوم البلاغة، والتجويد، والترقيم. ومعرفتي لهذه العلوم ليست بدرجةٍ متساوية، بل منها ما أنا قوي فيه، كالنحو والأصول، والمنطق والحديث والتفسير ومنها ما أنا فيه متوسط كالفقه، والمقولات، والوضع، وآداب المناظرة. ومنها ما أنا فيه دون المتوسط وهو علم الفرائض. ما هو الترقيم؟ هو فن مستحدث مبني على باب الفصل والوصل من علم المعاني، يعرف منه الجمل المفصولة والموصولة ومتى يحسن أحدهما، ومعرفة الجملة المعترضة أثناء الكلام وغير ذلك بأرقام تقوم مقام الحروف، مثل: (؛:؟ !). ومن العلوم التي عرفتها بدون أستاذ علم الإملاء.

وكانت عنايتي بالنحو شديدة فقد أقبلت عليه إقبالا عظيما فاقتنيت من كتبه شيئًا كثيرا، فمن شروح الألفية: شرح المرادي" و"ابن هشام" و"المكودي" و"التصريح على التوضيح"، و"حاشية ابن الحاج على المكودي"، و"حاشية المهدي الوزاني على المكودي أيضًا، و"حاشية الشيخ الطيب بن كيران على التوضيح "، وحاشية الشيخ مسعود الطرنباطي على الألفية"، و"حاشية الشيخ ياسين على الألفية"، و"شرح ابن ذكري على الفريدة" وهي "ألفية السيوطي في النحو" و"شرح التسهيل لابن عقيل"، وكان عندي من شروح الأجرومية: شرح الراعي"، وعلي بركة التطواني" و"شرح ابن عجيبة" و"شرح أحمد بابا السوداني" بـ"حاشية المهدي الوزاني" عليه. و"حاشية ابن الحاج" و"الفيشي" على "الأزهري على الأجرومية"، و"شرح القطر" و"شرح شذور الذهب"، و"همع الهوامع" و"شرح جمع الجوامع" للسيوطي و"المغني" بـ"شرح الدماميني" و"حاشية الشيخ الأمير"، و"الأشباه والنظائر النحوية" للسيوطي، و"الاقتراح في أصول النحو" له وغير ذلك.

وأتقنت علم النحو إتقانًا جيدا حتى كان أخي الأكبر رحمه الله جل جلاله يرجع إلي في كثير من مسائله وعنيت بـ"مقامات الحريري" فقرأتها مرات حتى كدت أحفظها، وبإتقاني لها مع إتقان علم النحو عرفت علم البلاغة الذي لم أقرأه على أحد، إلا مسائل من شروح "التلخيص" حللتها مع والدي، رحمه الله ورضي عنه.

أما الحديث فسبب اشتغالي به أني حين ذهبت إلى فاس للمرة الثانية شرعت أقرأ "صحيح البخاري" بـ"شرح القسطلاني" كما سبق واشتغلت بـ"الموطأ" فاتخذته هجيرًا، أي: أطالع فيه يوميا، ومن ثم حصل لي تعلق بعلم الحديث، مع أن أخي الأكبر كان يحضني على الاشتغال به.

ولما ذهبنا إلى مصر وجدتهم يقرأون في القسم العالي بالأزهر "المنهاج للبيضاوي" بـ"شرح الإسنوي" وحضرت فيه على الشيخ حامد جاد، وكانت تأتي في الدرس أحاديث يأتي بها المصنف أو الشارح فأبين لهم رتبتها، ولما تكرر ذلك في الدروس ظهر لي أن أخرج أحاديثه، فاشتغلت به.

وكنت أذهب إلى دار الكتب المصرية لمراجعة المخطوطات في علم الحديث من أجل هذا التخريج ومن أجل مقالات كنت أكتبها في "مجلة الإسلام" بعنوان: «ظهور المهدي حق».

ثم شرعت في الرد على الشيخ شلتوت الذي أنكر نزول عيسى عليه السلام فاستدعى ذلك مني أن أراجع كتبا كثيرة في علم الحديث.

فكنت كل يوم كتبا كثيرة، منها "ترتيب صحيح ابن حِبَّان"، و"دلائل النبوة" للبيهقي، و"الوهم والإيهام" لابن القطان، وغير ذلك، وأجزاء حديثيه عديدة، هذا سوى المطبوعات مثل: "كنز العمال" و"مجمع الزوائد" و"نصب الراية" و"التلخيص الكبير".

أذهب إلى دار الكتب المصرية بباب الخلق فراجعت فيها ويمكنني أن أقول أني قرأت بفضل الله جل جلاله من الأحاديث النبوية ما ينيف عن خمسين ألف حديث، وحصلت عندي ملكة أعرف بها إذا سمعت حديثا أين يوجد وما.  هي رتبته ولا أكاد أخطئ في ذلك والحمد لله، ولا أعرف الآن من شارك في عدة علوم مثل مشاركتي فيها والله الحمد والمنة، مع تحقيق بحوث في كثير منها بطريقة لم أسبق إليها بفضل الله.

ولهذا أرجو من الله جل جلاله أن أكون مجدد هذا القرن، فالواقع أنني لا أرى من يماثلني أو يشاركني في هذا، فإذا وجدت عالما بالحديث تجده لا يحسن غيره وإذا وجدت فقيها وجدته لا يحسن غير الفقه، وإذا وجدت نحويًا أو مشتغلا بالبلاغة وجدته بعيدا عن علم الأصول وما يتبعه، وإذا وجدت أصوليًا عالماً بالعربية وجدته لا يعرف الحديث، نعم قد يوجد من يشارك في بعض العلوم كالقدماء من علماء الأزهر وعلماء القرويين.

ولا أقول هذا افتخارًا ولكن أقوله لإظهار الحقيقة ولبيان كرامة مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه حيث وعدني بهذا فتحقق لي كما وعد، وكان من بعض بشارته لي قوله ولا بد أن تكون عالما كبيرًا ومحققا شهيرًا. فالحمد الله على ما أنعم بالعلم والمعرفة، وعلى ما ألهمنا من البحوث التي حققناها، فهو جل جلاله صاحب الفضل والطول ونرجو أن يعمنا بمغفرته ورحمته.

جمعت علومًا عِدَّةً وفوائدًا أتيتُ بها من فيض بارِي الخلائق وأرجو بها تجديد دين محمد فحقق رجائي يا إلهي ووفق أنشأها له بعض أتباعه.

ومنهم أخي السيد أحمد بن محمد بن الصديق كان يعرف الحديث معرفة تامة وله فيه بحوث مهمة وتأليف مفيدة، وكان كثير القراءة لا يمل منها، وله اطلاع واسع على كتب الحديث المطبوع منها والمخطوط، ولو تيسر له من الكتب ما تيسر للحافظ ابن حجر، أو السخاوي ما كان يقل عنهما.

ومن كتبه الدالة على علو كعبه في علم الحديث: "تخريج أحاديث بداية المجتهد"، وكتاب المداوي" لعلل الجامع وشرحي المناوي" في ستة مجلدات، من قرأه يدرك منه إتقانه لعلم العلل والبحث في الأسانيد بطريقة المحدثين الكبار، وله مستخرج على "الشمائل"، ومستخرج على "الشهاب"، والمستخرجات انقطعت من ثمانية قرون وأملى مجالس حديثية بالمسجد الحسين وجامع الكخيا وبطنجة بالزاوية الصديقية فأحيا سنة الإملاء بموت السيد مرتضى الزبيدي.

ومنهم أخي الأصغر السيد عبدالعزيز، لازم الأخ الأكبر وتعلم منه علم الحديث، وعرف منه كيف يبحث في الأسانيد، وكيف يصحح أو يحسن أو يضعف وله مؤلفات تدل على معرفته بعلم الحديث.

ومنهم الشيخ أحمد بن محمد شاكر، كان يعرف علوم الحديث معرفة جيدة تدل عليها تحقيقاته للكتب التي حققها، غير أنه كان يعرف العلل وكان لا يهتم بها، فكان يصحح حديث عبد الله بن لهيعة مع معرفته بما قيل فيه، وله رأيه في ذلك، وتحقيقاته لـ "مسند الإمام أحمد " مفيدة. ومنهم محمد ناصر الدين الألباني، يعرف الحديث معرفة جيدة، إلا أنه مبتدع زائغ في عقيدته تشبيه وتجسيم وفيه من النفاق الفجور في الخصومة وهو غير مؤتمن في نقله ولا في تصحيحه أو تضعيفه، فهو يصحح ويضعف حسب الهوى والمزاج.

ففي تعليقاته على كتاب "السنة" لابن أبي عاصم صحَّحَ وحَسَّنَ أحاديث واهية الإسناد باعتبار ما لها من الشواهد، وذكر حديث: «حياتي خيرٌ لَكُمْ» في الأحاديث الضعيفة، وذكر بجانبه مرسل بكر بن عبد الله المزني من طريقين ثابتين ولم يجعل هذين المرسلين يؤيدان الحديث المرفوع كما هي القاعدة عند المحدثين والأصوليين وكما فعلها في كتاب "السنة" لأن هذا الحديث لا يوافق مزاجه. ولما رأيت فعله هذا سقط من عيني.

يضاف إلى ذلك زيادة على بذاءة لسانه أنه يصحح الحديث الذي يوافقه ولا يدرك ما فيه من الشذوذ الذي يجعله من قبيل الضعيف، ويدعي النسخ في أحاديث محكمة، أما سقطاته في استنباطاته فحدث ولا حرج ويمكن أن تفرد في جزء مستقل.

ومنهم الشيخ محمد الخانجي البوسنوي اليوغوسلافي، كان له خبرة بعلم الحديث، وطبع جزء "حياة الأنبياء" للبيهقي بتعليقاته. أما الشيخ رشيد رضا فقد زرته في مطبعة المنار وتعرفت عليه وحضرت مرة أخرى محاضرة له، وهو في محاضرته ضعيف، لكن قلمه يدل على أنه كاتب وله بحوث فقهية مفيدة، ولم يكن يعرف من الحديث إلا أن يبحث عنه في "الجامع الصغير" أو أحد الكتب الستة وإن كان كثير من الناس يعتقدون أنه مُحدّث وهو اعتقاد خطأ.

ومن عيوبه أنه كان يحابي شيخه الشيخ محمد عبده في مسائل تخالف السُّنَّة مع علمه بمخالفتها، غفر الله لنا وله.

أما الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي فلم يكن يعرف من الحديث كثيرا ولا قليلا وسبب شهرته بمصر في الحديث أمران:

أحدهما: أنه جاء بعد العلامة المحدّث الشيخ محمد محمود التركزي الشنقيطي، أستاذ الشيخ محمد عبده فظن الناس أنه مثله. والآخر: أنه كتب كتاب زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم" مع أن هذا الكتاب أشار على تلميذين له أن يمسك أحدهما الجزء الأول من "الجامع الصغير" والآخر يمسك الجزء الثاني، وكل حديث عليه رمز (ق) ينقلانه إلى المسودة.

ويدل على هذا أني زرته مع أخي الأكبر في بيته فوجدنا عنده بروفة "زاد المسلم" في حرف الألف، فأخذ أخي الملزمة فوجد فيها: «إنَّ الماء طهور لا ينجسه شيء»، فقال له يا أستاذ ليس هذا الحديث في الصحيحين. فأخذ الشيخ الملزمة ونظر فيها واعتذر بأن هذا خطأ من الناسخ فتعجبنا كيف يخطيء الناسخ بإدخال حديث في الكتاب؟! ثم بعد مدة أخبرنا السيد محمد الأهدل شيخ رواق اليمن أن الشيخ حبيب الله كلفه هو والشيخ محمد كردي الخطاط بأن يلتقطا من "الجامع الصغير" الحديث الذي عليه (ق)، وحديث الماء المذكور كان بجوار حديث عليه (ق) فالناسخ أدخله خطأ.

أما العلامة الشيخ محمد زاهد الكوثري صديقنا ومجيزنا، هو عالم بالفقه والأصول وعلم الكلام ومتخصص في علم الرجال، دعاه إلى ذلك الذب عن أبي حنيفة وأصحابه، وإذا أراد البحث عن حديث يعرف كيف يبحث عنه ويعرف ما في رجاله من الجرح والتعديل بحكم تخصصه.

أما تلميذه الأستاذ الفاضل الشيخ عبد الفتاح أبو غدة فهو يعرف الحديث جيدا، وله بحوث طيبة في علم الحديث، نرجوله المزيد من ذلك. أما في الهند فقد عرفنا فيها محدثين بالسماع عنهم وطالعنا بعض مؤلفاتهم وهم قسمان:

قسم انتحى الناحية الفقهية أمثال الشيخ محمد أنور الكشميري، والشيخ محمد زكريا الكاندهلوي، والسيد محمد يوسف البنوري.

قسم انتحى الناحية الحديثية من غير تعصب، مثل الشيخ شمس الحق العظيم آبادي، وصديقنا الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، حقق كتبا حديثية تحقيقا يدل على معرفته بعلم الحديث، مثل "المصنف" لعبدالرزاق، "سنن سعيد بن منصور "، و"زوائد البزار"، "المطالب العالية" وغير ذلك حفظه الله وأدام توفيقه. أما الشيخ بدر الدين الحسني، عالم دمشق ومحدثها، فقد اشتهر عند الشاميين بأنه محدث حافظ، لكن أخبرني أخي الحافظ السيد أحمد أنه زاره في دار الحديث فوجده يعرف العلوم العقلية معرفة جيدة، وحضر مجلس إملائه الجمعة في الجامع الأموي، فوجد مجلسه مملوءا بالأحاديث الضعيفة والموضوعة وهذا يدل على أنه لم يكن يعرف الحديث، وإن اشتهر به.

أما الشيخ أحمد عبدالرحمن البنا والد حسن البنا رئيس «الإخوان المسلمين فكان صديقي هو وولده حسن، وقد خدم بعض الكتب الحديثية خدمة قيمة، ورتب مسند الإمام أحمد" على الأبواب الفقهية، و"مسند الشافعي" و"مسند أبي داود الطيالسي، وهي خدمة قيمة قدمها لأهل الحديث، لكنه لم يكن محدثًا، رحمه الله.

وإني أرى اليوم حركة طيبة ونشاطًا كبيرًا في تحقيق كتب الحديث والرجال وطبع المخطوط منها، وهي تبشر بإحياء علم الحديث ورواجه بين أهل هذا العصر. إلا أن بعض المحققين لكتب الحديث يخرجون عن المقصود من التحقيق ويكثرون من ترجمة الأعلام الموجودة في الكتاب ويحيلون على كتب معروفة في التراجم وإثقال هوامش الكتاب بكتابة لا معنى لها ولا فائدة فيها، ونرجو أن يتنبهوا لذلك ويقتصروا في التحقيق على المقصود منه، وهو أشياء معدودة:

١ - تحقيق نص الكتاب.

٢ - التنبيه على خطأ وقع فيه من المؤلف أو الناسخ.

- إيضاح لفظ غامض، أو بيان مشكل أو نحو ذلك مما يساعد على فهم نص الكتاب.

وما زاد على هذا فهو عبث لا فائدة فيه.

 

فصل: في ذكر شيوخي رحمهم الله وأثابهم رضاه وجزاهم جميعًا عني خيرًا

أولا: شيوخي من المغرب:

1- أولهم وأولاهم بالتقديم والدي الإمام القدوة الورع الحافظ الحجة بحر العلوم والمعارف سيدي محمد بن الصديق رضي الله عنه:  كان غزير العلم واسع الإطلاع، إذا تكلم في علم ظن السامع أنه لا يحسن غيره، وإذا سئل في موضوع أجاب بديهة بما يدهش السائل لكثرة ما يذكر من النقول والشواهد والنظائر ذكر الأستاذ العابد الفاسي مدير خزانة القرويين رحمه الله: أنه زاره مرة فرحب به وفرح بلقائه، ودار بينهما حديث في شئون شتى، حتى جاء الحديث عن المهدي المنتظر، فرأى مني ميلا إلى إنكاره فقال لي: كيف تنكره وأجدادك الفاسيون يقرون به؟! قال: فمكث ساعة يملي عليَّ من حفظه أقوال الفاسيين الذين يقولون بالمهدي كأنه أعد ذلك لأجل لقائنا، فأدهشني منه ما رأيته. وهكذا كان حاله في كل موضوع يتناوله، افتتح مرة درس التفسير بزاويته أنشأها بطنجة، وكانت بداية الدرس أول رمضان، ومكث أسبوعا في التي تفسير قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: ٥] أتى فيه بما أدهش ألباب السامعين، وانتهى الشهر ولم ينته من تفسير الفاتحة. وفضائله كثيرة وأخباره مشهورة مسطورة، جمع بعضها أخي الأكبر السيد أحمد في "نبذة التحقيق"، وهو في مجلد ضخم، ثم اختصره في "التصور والتصديق بأخبار الشيخ سيدي محمد بن الصديق". رباني وعلمني، ووالى إرشادي وتهذيبي، وكان في مكاتبته لي بفاس ومصر يخاطبني بقوله: «ولدنا البار»، جزاه الله عني أفضل ما جزى والدا عن ولده.

2- أخي أبو الفيض السيد أحمد بن الصديق العلامة الحافظ: كان يعرف الحديث معرفة جيدة، وصنف فيه التصانيف العديدة وانقطع له فأخرج لنا مصنفات ذكرتنا بالحفاظ المتقنين كـ"المداوي لعلل الجامع وشرح المناوي" في ستة مجلدات ضخام، وهداية الرشد في تخريج أحاديث ابن رشد" في مجلدين، واستخرج على "مسند الشهاب" وعلى "الشمائل المحمدية" وكتب أكثر من خمسين جزءاً حديثيًا لا يعرف أن يكتبها أحد في عصرنا، خاصة "فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي" و"درء الضعف عن حديث "من عشق فعف" وله غير ذلك من المصنفات في الحديث والفقه وغيرهما. توفي رحمة الله جل جلاله بالقاهرة سنة (۱۳۸۰) وترجمته مستوفاة في كتابه "البحر العميق في مرويات ابن الصديق.  قرأت عليه "نخبة الفكر" و"سنن أبي داود".

3- العلامة الشيخ محمد بن الحاج السلمي قرأت عليه "الألفية" بـ"شرح المكودي"، وبـ"شرح الموضح" مع "التصريح "، و"حاشية الشيخ الطيب بن كيران" عليه، وحضرت عليه في "الخرشي على مختصر خليل"، وحضرت عليه في "شرح القسطلاني على البخاري"، وكان قوي الحافظة، يبدي إعجابه بالحافظ ابن حجر ويتورك على العلامة العيني في اعتراضاته عليه، ويقول عنه بعد حكاية اعتراضه: «كأني به لم يفهم كلام الحافظ» ثم يجيب عنه. ولما وصل في قراءة "البخاري" إلى كتاب الجهاد والمغازي، بعث إليه حاكم فاس الفرنسي وطلب منه أن يتخطى هذا الباب إلى غيره ويقرأ ما بعده، فامتنع عن الدرس أياما، وبعد مراجعة وكلام حصل الاتفاق على أن يقرأ كتاب الجهاد، على ألا يتوسع في الشرح. وهذا نوع من الضغط الذي كان يمارسه الاستعمار الفرنسي في المغرم أجازني رحمه الله وشيخه السعيد محمد بن عبدالكبير الكتاني. وطريقة المغاربة في الدرس عموما أن الشيخ يطالع الدرس في بيته ويجمع ما قيل فيه من أقوال وشروح وحواش في ذهنه، فإذا جاء إلى الدرس ألقى على الطلبة من حفظه.  جميع ما طالعه وحفظه في بيته، وبعد الانتهاء من ذلك يأمر طالبا يكون أمامه بيده الملزمة أن يقرأ في الملزمة ما قرره الشيخ، والطلبة كلهم بيدهم الملزمة كذلك، والشيخ يسمع فيوضح لهم ما في العبارة من غموض أو يبين ما فيها من تصحيف أو نحو ذلك. وقد درست لطلبتي في الأزهر على هذه الطريقة، وهكذا درس الطلبة "جمع الجوامع" و"تفسير النسفي" و"نيل الأوطار" في زاويتنا الصديقية. وكان الامتحان في جامع القرويين على هذه الطريقة، يدخل الشخص الممتحن على لجنة من العلماء فيلقي عليهم درسًا من حفظه في العلم الذي يمتحن فيه وهم يناقشونه كطلبة، فإذا نجح منحوه إجازة التدريس، وتكون الدروس أربعة في أربعة علوم

٤- العلامة الشيخ المحقق القاضي العباس بن أبي بكر بناني بفتح الباء: حضرت عليه في مقدمة جمع الجوامع" و"شرح الشيخ الطيب بن كيران" على "توحيد ابن عاشر " كما أخذت عنه المقولات. وكان يقدرني ويحترمني كثيرًا، وذكر مرة في درس الأصول حديثًا لم يعرف رتبته فبينتها له، فسألني من أنت؟ فانتسبت له، فقال: تبارك الله، الدر من معدنه لا يستغرب. وطلبت منه مرة فتوى فقهية في خصومة كانت بين بعض الإخوان، فسألني: هل يطلع عليها والدك؟ قلت: نعم، قال إذا يجب التدقيق فيها لأن والدك في العلم مخيف. وكنت أزوره في بيته مرات ولما أردت الرجوع إلى طنجة كتب لي إجازة روى فيها عن شيخ الجماعة أحمد بن الخياط الزكاري رحمه الله.

ه- العلامة المحقق الفقيه السيد أحمد بن الجيلاني الأمغاري شيخ الجماعة:  حضرت عليه في "شرح الخرشي للمختصر" في الفقه المالكي. وحصل في عهده أن شخصا اسمه محمد بن سليمان تقدم للامتحان ونجح فيه وأذن بالتدريس في القرويين فشرع في تدريس "جمع الجوامع"، فبعث إليه الشيخ وقال له: أول ما تدرس جمع الجوامع "؟! وقال له: إذا أنا أدرس "الأجرومية"، وأصبح يدرسها، فحضرنا عليه فيها وحضر معنا معظم علماء القرويين.

6- الشيخ فتح الله البناني الرباطي: عالم فاضل وشيخ الطريقة الشاذلية وله عدة مصنفات منها "المجد الشامخ فيمن اجتمعت به من الأعيان والمشايخ" في أربعة مجلدات، كتبه بعد عودته من الحج، وتحفة أهل الفتوحات والأذواق في اتخاذ السبحة وجعلها في الأعناق"، يروي عن إبراهيم بن محمد التادلي وعن آخرين ذكرهم في ولد سنة (١٢٨١هـ) بالرباط وتوفي سنة (١٣٥٣هـ). استجزته بالرباط أنا وأخي الأكبر السيد أحمد رحمه الله فأجازنا وأحالنا على كتابه "المجد الشامخ".

7- العلامة المحقق الشيخ الراضي السناني الشهير بالحنش كان منقطع النظير في التحقيق، حضرت عليه في مقدمة "جمع الجوامع" وكان محققا يحل دقائق كلام المحلي كأنه كان قاعدًا معه ساعة كتابته، وكان فقيها، وفي علوم الآلة محققا، له كتاب "الشذرات" فيه مسائل وفوائد طيبة، وكان صوفيا يحب الصالحين ويزورهم أحياءًا وأمواتا، رحمه الله تعالى.

8- العلامة أبو الشتاء بن الحسن الصنهاجي:  المتواضع المتخشن في ملبسه كان مختصا بعلم الفرائض، درسته عليه، وكان يدرس للطلبة علوم القضاء مثل: "التحفة" لابن عاصم و"الزقاقية" للزقاق، وله مؤلفات في هذا الفن، وكان الناس يعتقدون صلاحه لانعزاله عن الناس واشتغاله بنفسه وبعمله.

۹- العلامة الشيخ محمد الصنهاجي:  وهو أخو السابق كان عالما محققا، ويتأنق في ملبسه، قرأت عليه "شرح الخرشي على المختصر" في كتاب البيوع» وما بعده، رحمه الله.

١٠- العلامة المحقق مولاي السيد أحمد بن الطيب القادري أبوه كان شيخا لوالدي رحمهما الله، وهو شيخي، قرأت عليه "شرح الخرشي" في «كتاب الجنايات والقصاص، وكان محققا يرجع إليه في الفتوى، وكان مولاي عبد الله الفضيلي يرجع إليه لتحقيقه، وكان فقيرا ضعيف الحال، يأتي إلى الدرس وعليه كساء فيه ترقيعات، وكان خاملا لا يعرف حق قدره إلا من حضر دروسه رحمه الله وحكى له والدي رضي الله عنه أنه كان يحضر على والده رحمه الله، وكان في بعض ال ن الأحيان بعد انتهاء الدرس يطلب منه قرشًا ليشتري به فطورًا للأولاد. ومن هذا يعلم كيف كان العلماء يعيشون على الكفاف والتقشف وهم راضون قانعون يخدمون العلم والطلبة، فأفادوا ونفعوا وتخرج بهم جمع من الطلبة، رحمهم الله وأثابهم رضاه. وفي وقتنا هذا كثرت الدعاوى مع الجهل والجرأة على القول في أحكام الدين بدون علم ولا دليل واتسعت عليهم الدنيا جدا وكثر المال لديهم.

۱۱- العلامة مولاي عبد الله الفضيلي:  شيخ الجماعة، من العائلة المالكة بالمغرب، كان علامة في الأصول والمعقول وكان ذا ثراء واسع، وكان يوزع مرتبه من القرويين على عالمين فقيرين، أحدهما مولاي أحمد القادري والآخر سيدي إدريس المراكشي إمام جامع القرويين والمدرس به.  كان يدرس "جمع الجوامع " حضرت فيه عليه، كما حضرت عليه رسالة "الوضع" و"شرح الزرقاني على المختصر". وكان في درسه.  محققا يعتني بتحقيق لفظ المصنف وشرحه وما كتب عليه ووالده صاحب كتاب "الدرر البهية في أشراف المغرب".

۱۲- العلامة السيد عبدالرحمن بن القرشي العلوي: من العائلة المالكة بالمغرب كان قاضيًا ثم أحيل إلى المعاش فالتزم التدريس بجامع القرويين، كان في قضائه نزيها لا يحيد عن الحق، حضرت عليه الدردير على مختصر خليل" من باب الإجارة» إلى الآخر هو الجزء الرابع، وكان في خلقه بعض الشدة، قد عمر حتى جاوز الثمانين، يروي عن والده ومحمد الخضر المهاجي، وأحمد بناني، وعبدالملك الضرير العلوي.

١٣- الشريف العلامة الحبيب المهاجي:  هو أول شيخ قرأت على في القرويين "الألفية بشرح المكودي"، وحضرت عليه "السلم بشرح القويسني" في المنطق، وافتتح معنا "شرح الخرشي على المختصر" من أوله وكانت له مكتبة طيبة فيها نوادر المخطوطات، وكان يحبني ويقدرني رحمه الله ولم تكن له رواية.

١٤- العلامة الشيخ محمد بفتح الميم الأولى) بن الحاج السلمي: حضرت عليه "شرح بن عقيل على الألفية" عليه بـ"حاشية السجاعي" وكان يعرف النحو معرف جيدة، ويتعاطى الأدب الشعر.

١٥- العلامة القاضي الحسين العراقي:  طلبت منه أن يقرأ معنا جمع الجوامع"، فقرأه معنا، كنت أنا أسرد له ووصلنا فيه إلى كتاب السنة»، ثم سافرت إلى طنجة، وكنت قد حضرت عليه "تفسير الجلالين" بـ"حاشية الصاوي" وكان محققا، استفدت منه كثيرًا، وكان فيه دعابة، وابنه كان القيم على خزانة القرويين هو الذي حقق شرح المؤلف وشرح زكريا الأنصاري على ألفية الحديث، رحمهم الله تعالى.

١٦- العلامة السيد محمد المكي بن محمد البطاورى تلقى عن شيخ الجماعة إبراهيم التادلي، وعمه السيد التهامي البطاوري، من أجل شيوخه علي بن سليمان البوجمعوي صاحب الحواشي على الكتب الستة وله ثبت مطبوع. له بعض المصنفات منها شرح على "لامية الأفعال"، و"التنصيص شرح شواهد التلخيص" و"شرح المقصور والممدود" لابن دريد، و"ظهر الفنون من الجوهر المكنون". ذهبت إليه أنا وأخي الأكبر في بيته واستجزناه فأجازنا. ولد سنة (١٢٧٤هـ) برباط الفتح، توفي سنة (١٣٥٥هـ).

۱۷- السيد المهدي بن العربي بن الهاشمي الزرهوني كان معروفا بالصلاح ووالده كان شيخًا للجماعة بفاس له ترجمة في "شجرة النور الزكية في طبقات "المالكية" والسيد المهدي المذكور يروي عن أبيه عن جده عن السيد مرتضى الزبيدي، لذلك استجزته. وهو والد أمين الفتوى بلبنان الشيخ محمد العربي الزرهوني الشهير بالعزوزي المتوفي سنة (١٣٨٢هـ).

۱۸- الملك إدريس بن محمد المهدي بن العلامة محمد بن على السنوسي الشريف الحسني: ذهبت إلى منزله بالقاهرة بعد خروجه من ليبيا فرحب بي كثيرا، وطلبت منه الإجازة فأجازني، وله مشايخ كثيرون ولكني رغبت في روايته عن جده لأنها عالية، فهو يروي عن أبيه عن جده مباشرة. وجده علامة وله أثبات متعددة طبع بعضها. وتوفي سنة (١٢٧٦هـ) بجغبوب وهي واحة في جنوب صحراء ليبيا.  أما السيد إدريس السنوسي فتوفي سنة (١٤٠٤هـ) بالقاهرة وكان قد قارب المائة دفن بالمدينة المنورة حسب وصيته.

١٩- القاضي المسند الكبير عبد الحفيظ بن محمد الطاهر بن عبدالكبير الفاسي الفهري كان يعرف أسرتنا كثيرًا ويقدرنا، ويثني علي في غيابي كثيرا، استجزته فأجازني، هو يروي عن مشايخ كثيرون، له "معجم للشيوخ"، "أربعين بلدانية" وغير ذلك. ومن أعلى أسانيده روايته عن يوسف السويدي العراقي عن السيد مرتضى الزبيدي المتوفى سنة (١٢٠٥هـ)، هو أعلى سند يوجد في الدنيا، ومن عواليه أيضًا روايته عن والده عن عبد الغني الدهلوي المدني، ولد سنة (١٣٠٣هـ) وتوفي سنة (١٣٥٣هـ).

٢٠- العالم الأثرى الصوفي الشريف أبو القاسم بن مسعود الدباغ: كان أثريًا لا يقلد أحدا يعمل بما صح له عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان كتابه الذي يعتمد عليه كثيرا كتاب "الهدي النبوي" لابن القيم، ورغم أنه كان لا يتقيَّد بمذهب لم يكن ينكر على المقلدين، لا يرميهم بالجهل ولا بالخصومة ولا شيء. كان هادئ الطبع، حسن الخلق شديد الحياء، يروي عن مشايخ المدينة كالسيد علي بن ظاهر الوتري، الشيخ فالح بن محمد الظاهري، توفي بمراكش سنة (١٣٥٧هـ) رحمه الله تعالى.

٢١- العلامة المحدث الفقيه السيد محمد بن إدريس القادري الحسني الفاسي ولد بفاس وأخذ عن شيوخ عدة، ورحل إلى الحجاز ودخل مصر والشام وحلب وأخذ عن أهلها، واعتنى بعلم الحديث واشتهر به وألف فيه وفي غيره، إلا أن مؤلفاته ناسبت أهل عصره، فهي على طريقة المتأخرين لا على طريقة أهل التحقيق من المحدثين. له شرح على "الترمذي" وعلى "المدونة" لم يكملا، وله من المؤلفات غير ذلك: "إزالة الدهش والوله عن المتحير في حديث ماء زمزم لما شرب له"، و"الأحاديث المستطابة بما ورد في فضل الدعاء وشروط الإجابة"، و"الخير المدرار على حديث: مَن كَذَبَ عليَّ فليَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ»"، و"أقوم المراقي على شرح ألفية العراقي" و"الدلائل في معرفة رجال الشمائل"، و"قول الحق في بطلان حديث: «إذا حدثتم عنِّي بحديث يوافق الحق"، و"الكواكب المنتشرة في الأحاديث المشتهرة"، و"مراقي الوصول إلى شرح منظومة الكواكبي في الأصول"، و"النعم المسدلة في حديث البسملة والصلاة والحمدلة"، وغير ذلك، ومصنفاته تنيف على الخمسين. كان رحمه الله رجلا صالحا ذاكرًا، ارتحل في أواخر عمره إلى مدينة الجديدة واتخذها قرارًا له زرته فيها وسمعت منه حديث الرحمة بشرطه وأجاز لي إجازة عامة، وتوفي سنة (١٣٥٠هـ) رحمه الله وأثابه رضاه.

ثانيا: شيوخي بتونس

٢٢- العلامة المحقق في الفنون شيخ جامع الزيتونة الشيخ الطاهر بن عاشور التونسي المالكي، كتبت إليه من مصر أطلب منه الإجازة فبعث إلي الإجازة مع بعض مؤلفاته، وهو عالم محقق في علوم الآلة وله دراية واسعة بالفقه المالكي، وله تفسير طبع، وهو تفسير جيد، إلا أن له فيه رأيا في الجن لا يوافق ما عليه المسلمون يراجع في (سورة الرحمن). وستأتي إجازته إن شاء الله.  ثالثا: شيوخي بمصر:

٢٣- علامة الديار المصرية بلا منازع وشيخ شيوخها بلا مدافع الفقيه المفسر المعقولى الأصولى المتكلم المنطقي الفيلسوفي المحقق المدقق الشيخ محمد بخيت بن حسين المطيعي الحنفي:  ولد في نحو السبعين والمائتين والألف بالقطيعة التي هو غير اسمها بعد ذلك بالمطيعة بالميم، وعائلته مالكية، وهو أول من تحنف منهم، إذ كان مالكيا يجيد الفقه المالكي، ولكن عندما جاء الامتحان دخله حنفيا من أجل القضاء، برع في العلوم معقولها ومنقولها وتقدم على الأقران، واشتهر ذكره وطار صيته، ووقع عليه الإقبال حتى صار شيخ العلوم بالديار المصرية بل بالشرق أجمعه فكأنه من علماء القرن الرابع أو الخامس. حضرت دروسه في "الهداية" بالمسجد الحسيني، وفي التفسير بالرواق العباسي بالأزهر، كان يأتي ومعه المصحف وإذا قرأ الآية يستفيض في التفسير، وكان واسع الإطلاع يتكلم على الآية من جهات متعددة، وكان واسع الصدر لا يغضب ممن يسأله، كثير التنكيت وكان كريما يواسي الفقراء، زرته في بيته بحلمية الزيتون مرات، وكان إذا عرض له حديث يسألني في المجلس فأجيبه، استجزته فأجازني وطال عمره حتى كان مدرسو الأزهر جميعا إما تلامذته أو تلامذة تلاميذه. تولى الإفتاء في مصر لفترة، وعرض له حادثة، حاصلها أن شخصا اسمه الأستاذ إبراهيم الورداني قتل رئيس الوزراء في مصر بطرس باشا غالي، وبعد محاكمته حكمت المحكمة بإعدامه، وأحالت أوراقه إلى المفتي الذي هو الشيخ بخيت فأبى أن يوافق على إعدامه رغم أنه حنفي، وقال: «لا يجوز قتل مسلم بقبطي»، فاستصدرت الحكومة مرسوما بإحالته إلى المعاش، وهو أول مفت في مصر يُحال إلى المعاش، وكانت العادة أن المفتي وشيخ الأزهر لا يحالان إلى المعاش إلا إذا استقالا، وهذه الحادثة تدل على قوة إيمانه، وأنه لا يراعي الحكومة فيما يناسب شئون الدين. وتولى عدد من تلاميذه مشيخة الأزهر، ولم يتول هو المشيخة لمعاداته للحكومة، حتى قال مرة بعض العوام بمصر: الشيخ بخيت عالم ولكنه كافر لأنه كان لا يؤمن بحزب الوفد، وكذا كل الأحزاب السياسية، بل كان ضدها فأجمعت على عداوته، له عدة مصنفات مشهورة، توفي في منتصف شعبان سنة

(١٣٥٤هـ).

٢٤-  مسند العصر العلامة المعقولى المحقق السيد أحمد بن محمد بن عبدالعزيز بن رافع الحسيني القاسمي الطهطاوي الحنفي: ولد بطهطا سنة (١٢٧٥هـ) وتلقى علومه عن أكابر علماء مصر كالشيخ محمد عليش، وابنه عبد الله، والشيخ محمد الخضري الدمياطي، والشمس محمد الإنبابي، والشيخ عبدالهادي نجا الإبياري وكان أكثر ملازمته للشيخ محمد الإنبابي. اشتغل بالعلوم العقلية اشتغالا قويًا، وأكب على الاشتغال بالتدريس والتأليف وصنف المصنفات التي تدل على كمال تحقيقه كـ"رفع الغواشي عن معضلات المطول والحواشي" في خمسة مجلدات ضخام طبع المجلد الأول منها، و"كمال العناية بتوجيه ما في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ من أنواع الكناية" في مجلد مطبوع، و"بلوغ المأمول في تفسير: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوكَ "، وغير ذلك، ولما ذهب إلى الحج اجتمع بالشيخ عبدالستار الصديقي الهندي مسند مكة المكرمة، وتدبج معه عند ذلك طلب منه أن يكتب له الإجازة، فوعده ولكن بعد عودته لمصر، فلما رجع وشرع في كتابتها مع ذكر الأسانيد، دعاه تحقيقه إلى مطالعة العديد من الأثبات وعثر على أوهام في أثبات المتأخرين وانقطاعات في الأسانيد، ثم كتب بعد ذلك ثبتا في مجلدين سماه "المسعى الحميد في بيان وتحرير الأسانيد"، ثم حول اسمه إلى "إرشاد المستفيد"، أتى فيه بغرر التحقيقات ونبه على أوهام وقعت لمجيزنا السيد عبدالحي الكتاني في "فهرس الفهارس"، توفي رحمه الله سنة (١٣٥٥هـ).

٢٥- العلامة محمد إمام بن برهان الدين أبي المعالي إبراهيم بن على بن حسن الشبراخومي الشهير بالسقا الشافعي: ولد سنة (۱۲۸۳هـ) وحضر على والده وعلى الشمس الإنبابي، ومحمد البحيري وابن أخته حسن بن رجب السقا، ومحمد الأشموني، وجماعة. دخل الامتحان بالأزهر على يد شيخنا الشيخ بخيت، وهو الذي أعطاه شهادة العالمية، ثم ولي التدريس بالأزهر مع الخطابة بمسجد السيدة نفسية، ثم نقل إلى خطابة الجامع الأزهر، ثم لما صدر نظام الأزهر بعدم الجمع بين وظيفتين اختار التدريس وتنازل عن الخطابة. كان طويلا، جميل الصورة متواضعا، مقبلا على شأنه، من درسه إلى بيته لا يخالط الناس كثيرا، وكانت له يد طولى في فقه مذهب الشافعي بالإضافة إلى علوم الأزهر، وكان لا يتدخل في السياسة ولا يقرأ الجرائد، توفي في منتصف شعبان سنة (١٣٥٤هـ) في يوم واحد هو وشيخنا الشيخ بخيت رحمهما الله جل جلاله وصلينا على جنازتهما بالأزهر بعد العصر في وقت واحد، لقيته بعد ما تحول إلى المعاش، وزرته ببيته بالحلمية وأجازني، وأحيانا كان يأتي لزيارتنا.

٢٦- العلامة الفقيه محمد بن إبراهيم الحميدي السمالوطي المالكي: ولد بصعيد مصر، وحضر للقاهرة لطلب العلم فأخذ عن محمد الخضري، والشمس الإنبابي، والشيخ عليش، وهو عمدته. كان علامة في مذهب مالك، متضلعا من علوم العربية والبلاغة، استمر يدرس بالأزهر ثم بالمسجد الحسيني، وكان مواظبا على الدرس لا يبطله طول السنة حتى في أيام العطلة الرسمية، حضرت عليه في "سنن الترمذي" بمسجد الحسين عليه السلام واستجزته بزاوية صغيرة بشارع الصنادقية بالأزهر، وكان منقبضًا منكمشًا عن الناس، وكان من جماعة كبار العلماء بالأزهر، وتوفي رحمه الله سنة (١٣٥٣هـ).

27- العلامة محمد بن محمد خليفة الأزهري الشافعي:  ولد سنة (١٢٧٠هـ) في بلدة الصنافين بالشرقية، ولما قدم القاهرة قرأ على أكابر علماء الأزهر، وبعد أن نال الشهادة عين في وظيفة مدرس بالأزهر، كان الشافعية بالديار المصرية، حافظا لفروعه مستحضرا لنصوصه، وكان شیخ صديقا للعلامة أحمد بك الحسيني واشترك معه في طبع "الأم" للإمام الخضري الشافعي، توفي رحمه الله في شوال سنة (١٣٥٩هـ). استجزته في مسجد الحسين، فأجازني، وهو يروي عن محمد الدمياطي، والشهاب أحمد الرفاعي والشهاب أحمد المرصفي، وهذا الأخير عن أخيه شمس الدين المرصفي، عن داود القلعي، عن السيد مرتضى الزبيدي.

۲۸- العلامة أحمد بن محمد بن محمد الدلبشاني الموصلي القاهري الحنفي الضرير كان من كبار العلماء الأعيان بالأزهر، أخذ عن كثيرين منهم الشيخ أحمد الرفاعي، وأخذ أيضًا عن أبي المحاسن القاوقجي، استجزته بواسطة ابنه لأنه كان لا يخرج لمقابلة أحد المرضه، توفي رحمه الله في نحو الستين تقريبًا.

٢٩- السيد بهاء الدين أبو النصر بن أبى المحاسن القاوقجي الطرابلسي: اجتمعت به في بيت أخيه بشارع الصنادقية بقرب الأزهر، واستجزته وأجازني، كان شيخًا لأتباع والده ويسكن مدينة شبين الكوم، وكان لا يقدم للقاهرة إلا في شهر ربيع الثاني لحضور موسم والده، وكان عنده شيء من العلم مع التواضع ودمائة خلقه، توفي بشبين الكوم، رحمه الله تعالى.

30- السيد كمال الدين بن أبي المحاسن القاوقجي مات قبل حضوري الأزهر، ولكن أخي السيد أحمد رحمه الله أدركه واستجازه لنفسه ولي، وكان يدرس بالأزهر.

۳۱ - العلامة محمد الخضر بن حسين التونسي:  فقيه لغوي متين، ذو خلق حسن وتؤدة مجاهد في سبيل الله، ولد بتونس سنة (١٢٩٢هـ) وبها نشأ وطلب العلم، ثم درس بجامع الزيتونة، ثم هاجر إلى المدينة النبوية، فأقام بها مدة ثم ارتحل إلى الشام ثم قدم القاهرة. تعرفت به في جمعية الهداية الإسلامية بالقاهرة، وكنت أتردد عليها كل يوم جمعة حيث اجتماعهم في ذلك اليوم، وألقيت فيها عدة محاضرات. وكان يحترمني ويقدرني، ولما كان يرد على الشيخ شلتوت في شخصيات الرسول الأربع التي سرقها من القرافي وادعى فيها أن الرسول تجوز مخالفته فيما حكم به أو أفتى للمصلحة فرد عليه الشيخ الخضر حسين ردا علميا، وكان يزورني في بيتي أمده بالأحاديث في موضوع رده. وعندما جاء إلى مصر بعد الحرب الأولى كان غير معروف لأحد، وحصل أن الملك فؤاد عمل مؤتمر للخلافة بالقاهرة، فكتب الشيخ علي عبدالرازق كتابه "الإسلام وأصول الحكم، نفى فيه الخلافة وأنها ليست من الدين، فرد عليه الشيخ الخضر حسين، وعلم الملك فؤاد برده فأمر بطبعه وأمر بإعطائه شهادة العالمية، وعين مدرسا بالأزهر، وفي سنة (١٣٧٠هـ) أصبح عضوا في هيئة كبار العلماء. وبعد انقلاب جمال عبد الناصر أرشد الباقوري إلى تعيينه شيخًا للأزهر فعينوه في هذا المنصب وكان من رأيهم أن تتخذ البرنيطة شعارا للمصريين مثل تركيا وإيران واستشاروه في ذلك فقال: «هذا لا يجوز»، لكن "مجلة الإرشاد الرسمية" نشرت أنه وافق على اتخاذ البرنيطة شعارًا وقال: «لا بأس بذلك». فاتصل بهم منكرًا عليهم هذا الكذب، فأفهموه أن الخبر أوحي لهم به، ولا يستطيعون إنكارًا، فاستقال من عمله وذهب إلى بيته، توفي رحمه الله في ۱۳ رجب سنة ١٣٧٧.

٣٢- العلامة أبو الوفاء خليل بن بدر بن مصطفى الخالدي المقدسي الحنفي:  وهو من ذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه ولد بالقدس سنة ١٢٨٢هـ وطلب العلم في القدس واستانبول، ومصر، رأيته بمصر وكنت اجتمع به كثيرا بمكتبة الخصوصي بالصنادقية وأخبرني أنه ذهب إلى فاس وأخذ عن كبار علمائها مثل السيد جعفر الكتاني، وشيخ الجماعة أحمد بن الخياط الزكاري، وغيرهم، وأخذ بفاس أيضًا عن السيد علي بن ظاهر الوتري المدني حيث لقيه بفاس. ورحل كثيرًا إلى البلاد الأوربية فضلا عن الإسلامية ولكنه كان معجباً بالمغرب، وأخبرني أن طنجة أعجبته كثيرًا وخصوصا حي مرشان لإشرافه على البحر، وكان في نيته أن يبيع أملاكه ويذهب إلى طنجة ويقيم بها ولكنه مات في مصر فجأة. تولى قضاء ديار بكر ثم قضاء حلب سنة ۱۳۱۹ هـ، ثم اختير عضوا في مجلس تدقيق المصاحف والمؤلفات، وفي أواخر الحرب الأولي أسندت إليه رياسة محكمة الاستئناف الشرعية، ثم انتخب عضوا بالمجلس العلمي العربي بدمشق. وفي آخر حياته انتقل إلى القاهرة حيث توفي بها في رمضان سنة ١٣٠٦هـ ورغم علمه وفضله ورحلاته كان غريبا في مصر، لا يُعرف، حتى إنه لما مات لم يحضر جنازته أكثر من أربعة أو خمسة رجال، ولهذا جاء في الحديث: «موت الغريب شهادة». استجزته وأجازني وكتب لي إجازة بخطه وذكر في إجازته بعض الكتب التي ينصحني بقراءتها، رحمه الله تعالى.

۳۳- العلّامة الشيخ محمد دويدار الكفراوي التلاوي الشافعي:  زرته في بيته بتلا، وأخبرني أنه حضر على الشيخ محمد الأشموني، والشيخ عبدالرحمن الشربيني والشيخ إسماعيل الحامدي محشي "الكفراوي"، والشيخ عيسى القلعاوي، وغيرهم، وكان ينسخ الكتب التي يحضرها على الشيوخ بخطه. ناولني ثبت العلامة عبد الله الشبراوي بخطه وفيه إجازات أعيان علماء الأزهر بهذا الثبت وبغيره، وأجازني بما فيه وبغيره، وأخبرني أنه يروي بالإجازة العامة عن الشيخ إبراهيم الباجوري الذي أجاز أهل العصر في درس العصر بجامع الأزهر، عندما زرته كان عمره تسعا وتسعين سنة وكانت صحته طيبة لا يظهر عليه أثر المرض، ثم مات بعدها بثلاث سنوات عن مائة واثنين عاما. واستجزته لأخي السيد أحمد، وللسيد الباقر الكتاني رحمهما الله تعالى، توفي سنة ١٣٦١ هـ

٣٤- العلامة الشيخ طه بن يوسف الشَّعْبِيني الشافعي: أصله مغربي، وهو شيخ الطريقة الشاذلية، أخذ عن أحمد بن محجوب الرفاعي، والشمس الإنبابي.

35- ومن شيوخ الشعبيني الشيخ عبدالقادر الورديغي الشفشاواني صاحب كتاب "سعد" الشموس والأقمار"، وكان إذا جاء مصر ينزل عنده في بيته. كان رحمه الله متواضعا حسن الخلق ويخاطب كل واحد من الناس ب سيدي زرته مرات وحضرت معه مجالس طيبة في حوش قدم، واستجزته فأجازني. ولم أر مثله في تواضعه وحسن خلقه في مصر، يزوره العلماء في بيته، ويطعم الفقراء ثلاث مرات في السنة أو أربعة، وذلك يوم عيد الفطر، ويوم سابع وعشرين رجب، وفي موسم سيدنا الحسين، وفي موسم والده، ويدعو كافة أصحابه من العلماء والأعيان وله تأليف منها رسالة في الكلام على رجال أسانيده، وآخر في آداب الذكر، توفي رحمه الله سنة ١٣٧٣هـ.

٣٦- العلامة الشيخ عبد المجيد بن إبراهيم بن محمد اللبان: عالم أزهري متين جدًّا في علوم الأزهر، زُرتُه بمعهد الإسكندرية وكان شيخا له، وذلك بعد ما نزلنا من الباخرة بيومين فهو أول شيخ بمصر أجازني، ثم لما عين شيخًا لكلية أصول الدين حصل حادث علمي هام يدل على غيرته وانتباهه ذكرته عند الكلام على مؤلفاتي، وقد خدمته فيه خدمة طيبة فتوطدت أواصر المودة بيننا فكنت أزوره وكان يسر بوجودي ويطمئن لتحقيقاتي، ولما علم حالي في العلم خاصة الحديث اجتهد أن يعينني مدرسًا للحديث عنده في الكلية فلم يستطع لشدة معارضة الشيخ المراغي شيخ الأزهر إذ ذاك. يروي عن الشيخ سليم بن أحمد فراج البشري شيخ الأزهر، عن محمد الخناني، عن الأمير الكبير بما في ثبته، سمعت منه حديث الرحمة المسلسل بالأولية.

۳۷ - العلامة المؤرخ عبدالواسع بن يحيى الواسعي الصنعاني اليمني: ولد بصنعاء سنة ۱۲۹٥هـ وأخذ عن أكابر شيوخها وله شيوخ آخرون بالحجاز والشام ومصر ذكرهم في ثبته المطبوع المسمى: "الدر الفريد الجامع لمتفرقات الأسانيد"، اشتغل بالتاريخ وصنف عدة كتب منها: "فضل اليمن ومحاسن صنعاء ذات المنن"، ومنها: تاريخ حوادث اليمن"، تولى التدريس بصنعاء وكذا الخطابة، وكانت عنده مكتبة مشهورة باليمن، حضر إلى القاهرة  مرارا، واستجزته بها فكتب لي الإجازة، وشيوخه يزيدون على السبعين، توفي بصنعاء سنة ١٣٧٩ هـ رحمه الله.

۳۷- الأستاذ الفاضل الأديب العالم عويد بن نصر الخزاعي المكي، ثم المصري الشافعي الضرير:  كان رحمه الله يزورنا في بيتنا بالقاهرة ويتردد علينا مرات، وهو مكي الأصل أتى إلى القاهرة للتعليم واستقر بها إلى الممات، وكان رحمه الله لطيف العشرة جميل المذاكرة جم الفوائد يحفظ كثيرًا من النوادر والأشعار والحكايات الأدبية، وكان فقير الحال يتعيش من ريع أوقاف رواق الحرمين بالأزهر وهو شيء ضئيل للغاية، وكان ضرير البصر عالي الهمة لا يشكو الفقر. يروي عن الشيخ عبدالهادي الإبياري، والشيخ أحمد شرف الدين المرصفي، والشيخ أحمد بناني كلا الفاسي أخذ عنه لما قدم القاهرة في طريقة إلى الحج، عاش نحو الثمانين أو أزيد وتوفي سنة ١٣٥٢هـ.

۳۸- الشيخ محسن بن ناصر باحربة اليمني الحضرمي الفقيه الشافعي: طلب العلم ببلده وبالحجاز ثم قدم القاهرة قبل سنة ١٣٢٠هـ، وانتسب إلى الأزهر ثم أصبح شيخ رواق اليمن بالأزهر، وكان وهو في مصر يقف على تصحيح بعض كتب السادة العلوية الحضارمة، فصحح لهم "عقد اليواقيت الجوهرية" للسيد عيدروس الحبشي وغيره. زرته أنا وأخي الأكبر السيد أحمد رحمه الله واستجزناه فأجازنا، وذكر أن من شيوخه السيد عيدروس بن عمر الحبشي، والسيد أحمد بن حسن العطاس، كان يعرف الفقه الشافعي معرفة جيدة.

۳۹- محمد بن محمود خفاجة الدمياطي الشافعي شيخ علماء دمياط: زرته في بيته بدمياط فوجدته قد كف بصره وعليه أمارات الصلاح قاعدًا على سريره وحوله جماعة من أهل العلم يقرأ معهم "تفسير البيضاوي" بحاشية الشهاب الخفاجي. يروي عن أبي المحاسن القاوقجي، والسيد أحمد بن زيني دحلان، ومحمد أبي خضير الدمياطي، سمعت منه حديث الرحمة المسلسل بالأولية، وكتب لي الإجازة على أوائل شيخه أبي المحاسن القاوقجي، رحمه الله تعالى.

٤٠ - الشيخ عبدالغني طموم الحنفي:  كان صالحا مشتغلا بنفسه، يؤم الناس في الصلوات الخمس بالمسجد الحسيني، وكان منعزلاً لا يخرج من بيته إلا للصلاة ثم يعود إليه ولا يتصل بأحد، استجزته فأجازني، وهو يروي عن الشيخين محمد الإنبابي شيخ الجامع الأزهر، والشيخ أحمد الرفاعي شيخ المالكية، رحمه الله تعالى.

٤١- السيد محمد بن إبراهيم الببلاوي المالكي الفيلسوف وهو ابن عم نقيب الأشراف شيخه السيد علي بن محمد الببلاوي، درس بالأزهر "رسالة الزوراء" للجلال الدواني، وهو الوحيد الذي درسها في الأزهر، وكان فليسوفا، زرته مرات وكانت بيننا مودة كبيرة وكان يحتفي بي كثيرا حينما أزوره، وكنت أقابله كثيرًا في زاوية الشيخ محمد الحافظ التيجاني بالمغربلين، استجزته فأجازني، وهو يروي عن ابن عمه المذكور، وعن شيخ المالكية الشيخ محمد عليش، والشيخ محمد الخضري، والشيخ محمد الصاوي، رحم الله الجميع.

٤٢- العلامة الشيخ محمد بن عبد اللطيف خضير الدمياطي الشافعي: ذهبت إليه في دمياط وأجازني لفظا وهو يروي عن الشيخ عطية القماش، عن الشيخ إبراهيم الباجوري، ويروي أيضًا عن الشيخ محمد عوض الشريف، عن أبي المحاسن محمد بن خليل القاوقجي بما في أثباته.

٤٣- العلامة المؤرخ السيد محمد بن محمد زبارة الصنعاني الحسني: ولد بصنعاء سنة ١٣٠١هـ وقرأ على علمائها ورحل إلى عدة بلاد، وفي مصر كان وكيل الإمام يحيى بالقاهرة. اعتنى بالتاريخ عناية خاصة وكتب عدة مصنفات في تاريخ اليمن منها "نيل الوطر في تراجم علماء اليمن في القرن الثالث عشر"، و"أئمة اليمن بالقرن الرابع عشر"، وذيل للبدر الطالع " للشوكاني وطبع له أخيرًا "نزهة النظر في أعيان القرن الرابع عشر " اقتصر فيه على علماء اليمن. وطبع وهو في القاهرة كتبا لعلماء اليمن منها "تحفة الذاكرين" و"فتح القدير" و"البدر الطالع " للشوكاني كنا نتقابل كثيرا بالقاهرة، واستجزته فأجازني، وهو واسع الرواية فيروي عن شيخ الإسلام باليمن الحسين العمري، والقاضي يحيى بن محمد الإرياني، والإمام يحيى بن حميد الدين، والسيد الشريف الحافظ عبد الله الزواوي، ومفتي الشافعية بمكة الشيخ عمر بن أبي بكر باجنيد، وغالب شيوخ الإمام يحيى شيوخ، له توفي بصنعاء في ١٦ محرم سنة ١٣٨٠هـ.

٤٤- العلامة المحقق البارع الشيخ محمود الإمام عبدالرحمن المنصوري الحنفي الأزهري: عالم متين جدا قل أن تجد نظيره، واسع الإطلاع، أعجبت بشدة تحقيقه وسعة إطلاعه في علوم المعقول والفقه الحنفي، فتعرفت به وكنت أزوره في بيته بشبرا وأطلعني على مكتبته وهي مكتبة جيدة لم أرها عند أزهري وقلما تجد كتابا من كتبه إلا وعليه بعض تقريرات نفيسة له، وكان يعيش على مرتبه ومع ذلك فكان شديد الاعتناء بشراء الكتب، فاتفق مع السيد محمد أمين الخانجي رحمه الله أن يمده بالكتب التي يريدها، وفي كل شهر يعطيه جزءا من مرتبه، وهو الذي صحح "تاريخ ابن كثير " الذي طبعه الخانجي. ولشدة اعتناءه بالكتب لما علم أن عندنا "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي طلب مني إعارته إياه لينسخه، كما طلب مني أن أبحث له عن "حاشية ابن سعيد التونسي على الأشموني لأنه كان معجبا بها غاية الإعجاب، فاستحضرتها له من تونس وكان من عادته أنه إذا أتى للدرس يأتي بالملزمة معه وعليها تقريرات له مهمة جدا فلا يدع مسألة إلا ويقرر عليها ويعطي الدرس حقه من البحث والإطلاع على الكتب المتصلة به بحيث يعطي الطالب ملكة الفهم ويعلمه كيفية البحث في كتب العلم وقواعده حضرت عليه "تهذيب السعد بشرح الخبيصي" في المنطق فاستفدت جدا، فكان لا يدع شيئًا يتصل بالكتاب وشروحه وحواشيه وبالعلم وقواعده إلا أتى به وناقشه وقرره، سمعت منه حديث الرحمة المسلسل بالأولية كما سمعه من الشيخ أحمد الحلواني وكتب لي سنده فيه بخطة وقال: «ليس عندي غيره». رحمه الله وأكرم مثواه.

٤٥ - العلامة المتضلع الشيخ محمد زاهد بن الحسن الكوثري: تعرفت به بالقاهرة وكنا نتقابل يوم الجمعة بمسجد محمد بك أبي الذهب ويوم الاثنين بمكتبة الخانجي وتوطدت بيننا أواصر المودة والصداقة، وكان يسألني عن بعض الأحاديث التي يُسأل عنها، وكنا مرة عند فضيلة المرحوم الشيخ يوسف الدجوي بعزبة النخل وكان المجلس غاصا بالعلماء وغيرهم، وهو يتكلم في مسائل علمية متنوعة، فوجه إليه أحد الحاضرين سؤالا عن حديث، فوجه السؤال إليَّ وقال: «لا يُفتى ومالك في المدينة» وإذا زرته في بيته بالعباسية وحضرت الصلاة قدَّمني للصلاة بالحاضرين، ولم يتقدم قط رغم إلحاحي عليه ولما استجزته ببيته بالعباسية أجاز لي، واستجازني وألح علي أن أجيز له بل بلغ من وثوقه بعلمي أن نشر مقالا بـ"مجلة الإسلام" يقرظ فيه كتابي: "إقامة البرهان على نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان"، ولما جمع مقالاته أحد تلامذته الذين استفادوا مني لم ينشر المقال المشار إليه حسدا منه. كان الشيخ الكوثري رحمه الله عالما بالفقه والأصول وعلم الكلام ومتخصصا في علم الرجال من ناحية معينة، وقرأ في الرجال كثيرا، خذ مثلا " الكامل" لابن عدي، قرأه بكامله من أوله لآخره. وكان له معرفة بالمخطوطات النادرة وأماكن وجودها، واطلع على الكثير منها، وكنا نعجب بالكوثري لعلمه وسعة إطلاعه وتواضعه، كما كنا نكره منه التعصب الشديد للحنفية، حتى كان يقول عنه شقيقنا الحافظ أبو الفيض: «هو مجنون أبي حنيفة». ولما أهداني رسالته: "إحقاق الحق" في الرد على إمام الحرمين وقرأتها، وجدته غمز نسب الإمام الشافعي، فلمته على ذلك الغمز وقلت له: «إن الطعن في الأنساب ليس برد علمي فاعترف بتعصبه. ولد في ٢٨ شوال سنة ١٢٩٦هـ في قرية قريب استانبول وتوفي بالقاهرة سنة ١٣٧١ هـ رحمه الله وأكرم مثواه.

٤٦- العلامة المحقق محمد بن حسنين بن محمد مخلوف العدوى المالكي حضرت عليه "جمع الجوامع" من باب القياس» إلى أخره، و"الرسالة السمر قندية" في آداب البحث والمناظرة وسورة الفاتحة بـ"تفسير البيضاوي" بجامع محمد بك أبي الذهب الذي كان يدرس فيه بعد أن ترك الوظائف الإدارية، وكان درسه يحضره عدد من العلماء. كان عالما محققا في العلوم العقلية ويعرفها جيدا، وكان على خلق كريم وهو صوفي، اشتغل بعدة مناصب بالأزهر وتدرج إلى أن صار وكيلا للأزهر، وله مصنفات جيدة في الأصول والمعقولات والتفسير والفقه والتصوف، منها حاشيته المشهورة على شرح السجاعي" على نظم المقولات، و"بلوغ السول في مدخل علم الأصول" و"التبيان في زكاة الأثمان"، ورسالة في حكم ترجمة القرآن ورسالة في التوسل، وكلها مطبوعة، وكذلك " القول الوثيق في الرد على أدعياء الطريق" ألفها بسؤال بعض المغاربة من أصدقائه، ورسالة أخرى في خصوص مسألة الفاتحة وادعاء كونها من كلام الله القديم. ولد ببلدة بني عدي في الصعيد سنة ۱۲٧٧هـ وأخذ عن الشهاب أحمد الرفاعي والشيخ حسن الطويل، والشيخ محمد الإنبابي، والشيخ محمد السروجي، والشيخ حسن العدوي الحمزاوي، وتوفي رحمه الله جل جلاله سنة ١٣٥٥هـ. وكان عضوا في هيئة كبار العلماء، وهيئة كبار العلماء كانت مكونة من أربعين عالما، يختارون من كبار علماء الأزهر وتكون مهمتهم بحث المسائل العامة وتحرير مؤلفات فيما يخص العالم الإسلامي من رد على شبه أو تحقيق بحوث فقهيه أو غير ذلك، وكانت تسمى هيئة كبار العلماء ثم أسماها المراغي جماعة كبار العلماء. ومن هذه الجماعة الذين لهم مؤلفات كثيرة الشيخ بخيت، والشيخ مخلوف، والشيخ الدجوي، وكان المعتاد أن ينتخب شيخ الأزهر من أحدهم ويبعث باسمه إلى قصر عابدين فيخرج المرسوم بتعيينه شيخًا للأزهر، وبعد انقلاب جمال قضي على هذا النظام مع الأزهر جميعا.

٤٧- الشيخ العلامة عبد المجيد الشرقاوي وهو من ذرية الشيخ العلامة عبد الله بن حجازي الشرقاوي: صاحب المؤلفات العديدة، ومنها شرحه على "مختصر الزبيدي" قرأت عليه شرح الخطيب الشربيني لمتن أبي شجاع" من أوله إلى أخره، وذلك بعد صلاة العصر بجامع الأزهر لمدة سنتين كان يتقن فقه الشافعية إتقانا ما عليه مزيد، ويتوسع في الشرح تماما، حتى يفهم جميع الطلبة الدرس، وكان صالحا ضعيف الحال.

٤٨- العلامة الشيخ محمد عزت كان مأذونا، وفي نفس الوقت محققا في الفقه الشافعي، بالإضافة إلى معرفته بعلوم الأزهر معرفة جيدة، وكان يدرس "المنهج" في الفقه الشافعي لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري في القسم العالي بالأزهر، حضرت عليه شرحه للمصنف - الربع الأول - المسمى "فتح الوهاب".

٤٩- العلامة يوسف بن إسماعيل بن يوسف النبهاني الشافعي رئيس المحكمة الشرعية العليا في بيروت، تعلم في الأزهر فأخذ كما في ثبته "هادي المريد بطرق "الأسانيد" عن البرهان السقا، والشمس الإنبابي، وعبدالهادي نجا الإبياري. وله مشايخ من خارج الأزهر، ومنهم محمد بن محمد الخاني، وعبد الله السكري وغيرهما. وله مصنفات معروفة توفي رحمه الله سنة ١٣٥٠هـ.

ثالثًا: شيوخي بالحجاز:

٥٠- الشيخ العلامة المسند الرحلة عمر حمدان بن عمر بن حمدان المحرسي التونسي ثم المدني:  ولد بمحرس في تونس سنة ١٢٩٢هـ، ثم هاجر به والده إلى المدينة المنورة، فأخذ عن شيوخها، منهم سيدي محمد بن جعفر الكتاني، والسيد علي بن ظاهر الوتري، والشيخ فالح بن محمد الظاهري، والسيد أحمد بن إسماعيل البرزنجي وغيرهم. رحل كثيرًا فدخل الشام ومصر وتونس والجزائر والمغرب واليمن، وله مشايخ في كل هذه البلاد، كانت له عناية بإقراء الحديث النبوي وكان يعني بالدليل رغم أنه مالكي، وكان يعرف علوم العربية كلها معرفة جيدة جدا، علمه كان طارحًا للتكلف مقبلا على الذكر والدعاء وتلاوة القرآن، ذا ومع بذاذة في ملابسه يحب العلماء كثيرًا ويحث الطلاب على الاجتهاد، وكانت له مكتبة كبيرة فيها نوادر المخطوطات، وأحيانًا كان يبيع ويشتري الكتب، توفي رحمه الله في المدينة المنورة سنة ١٣٦٨هـ.

٥١- العلامة الشيخ عبد القادر توفيق الشلبي الطرابلسي ثم المدني الحنفي: ولد بطرابلس الشام سنة ١٢٩٥ هـ وبها نشأ، وفي سنة ١٣١٧هـ انتقل إلى المدينة، ومن شيوخه الشيخ حسين الجسر الطرابلسي صاحب "الرسالة الحميدية"، والشيخ خليل صادق، والشيخ عبدالرحمن الرافعي، والسيد محمد بن جعفر الكتاني، والشيخ محمد بن سليمان المكي، وغيرهم. كان ورعًا متواضعا كثير الإنصاف، يساعد الطلاب بالمال والنصائح وكان مرجع العلماء في الفقه الحنفي في المدينة وتوفي رحمه الله بالمدينة سنة ١٣٦٩

٥٢- العلامة المعمر السيد محمد المرزوقي بن عبدالرحمن أبو حسين المكي الحنفي: ولد بمكة المكرمة سنة ١٢٨٤هـ وأخذ عن علمائها، منهم الشيخ محمد صالح كمال، والشيخ محمد عبد الحق الهندي محشي "النسفي" والشيخ عثمان بن عبد السلام الداغستاني، وغيرهم. كان يدرس بالحرم المكي وكانت له عناية خاصة بالفقه الحنفي والأصول وله معرفة جيدة بالأدب، وتولى القضاء لفترة، توفي بمكة المكرمة ١٣٦٥هـ.

٥٣- الشيخ صالح بن الفضيل التونسي ثم المدني الحنفي:  استجاز لي منه صديقنا الشريف الجليل محمد الباقر الكتاني.

٥٤- العلامة المسند الراوية المعقولي عبدالباقي بن ملا علي بن ملا محمد معين اللكنوي الأنصاري المدني الحنفي: ولد بلكنو في الهند سنة ١٢٨٦هـ، وطلب العلم عن شيوخ بلده، وبرع صغيرًا في فنون المعقول، واعتنى بإجازة بعض الشيوخ بالهند، ثم رحل إلى الحجاز واستجاز أيضًا جماعة، وهاجر إلى المدينة فاستوطنها سنة ١٣٢٢هـ. جملة ودرس بالحرم النبوي، ولما أعلنت الحرب العظمى انتقل الخارجين منها إلى دمشق وبقي بها ثلاث سنوات، ولما رجع إلى المدينة لزم بيته لا يخرج إلا للصلوات الخمس في المسجد النبوي، وأخذ يدرس العلوم في منزله له عدة تصانيف منها "المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة"، و"الإسعاد بالإسناد"، و"تحفة الأماجد بحكم صلاة الجمعة في المساجد"، و"الحقيقة في العقيقة" وغير ذلك. وهو يروي عن شيوخ كثيرين من أجلهم ابن خالته علامة الهند عبدالحي اللكنوي، وعبدالرزاق بن أحمد بن علاء الدين الأنصاري اللكنوي، وعباس بن جعفر صديق المكي، وتحمّل المسلسلات بأعمالها القولية والفعلية عن المسند صالح بن عبد الله السناري، ومن مشايخة بدمشق أبو الخير أحمد بن عابدين الدمشقي الحنفي، توفي رحمه الله سنة ١٣٦٤ هـ بالمدينة المنورة.

٥٥- الشريف أحمد التبر المغربي الفاسي:  أجازني وصافحني وألبسني الطاقية كما فعل معه الشيخ عبدالقادر بن سودة.

٥٦- مُسْئِد العصر العلّامة الشيخ محمد ياسين الفاداني المكي:  أجزته وأجازني، فتدبجنا.

رابعا: شيوخي بالشام

٥٧- العلامة الفاضل الشيخ محمد سعيد بن أحمد الفرا الدمشقي الحنفي: هو سبط العلامة ابن عابدين الفقيه الحنفي المشهور، كان له سند عال في الاتصال بجده المذكور، وهو أحد من أخذ عنه سيدي محمد بن جعفر الكتاني، وهو يروي عن جده لأمه المذكور علاء الدين عابدين عن والده محمد أمين بن عمر عابدين بما في ثبته ولما وقعت الفتن بين الدروز وأهل الشام والفرنسيين نزل إلى بيروت وكانت وفاته بها سنة ١٣٤٥هـ.

٥٨- العلامة الزاهد الورع بدر الدين بن يوسف بن بدر الدين بن علي بن شاهين البيباني الدمشقي:  شيخ دار الحديث بدمشق، ولد بدمشق، وطلب العلم بالأزهر على الشيخ إبراهيم السقا وطبقته، إلا أنه لم يستجز أحدًا من علماء الأزهر إلا شيخه السقا الذي كان يسند من طريقه في إجازته لمستجيزيه كان علامة فقيها شافعيّا، علومه التي له اليد الطولى فيها المعقولات غير أنه اشتهر بالمحدث الأكبر وليس كذلك، وسبب اشتهاره هو مجلس إملائه الذي يمليه يوم الجمعة تحت قبة النسر نحو أربعين سنة فاشتهر لذلك بالمحدث، وهو عن الحديث بعيد، إنما كان يستحضر لمجلس إملائه يوم الجمعة أحاديث يمليها بأسانيدها وفيها الضعيف والواهي والموضوع. وقد حضر أخي أبو الفيض مجالسه فوجده كذلك، فاستغرب لذلك جدا وسأل شيخه سيدي محمد بن جعفر الكتاني فقال له: سيدي بدر الدين علومه هي علوم الآلة والفقه الشافعي، كان يخرج من منزله قبيل الفجر إلى دار الحديث فيصلي بها الصبح ثم يدخل غرفته ويستمر ويدرس بها إلى الغروب، وكان يصوم الدهر ولا يفطر إلا العيدين وكان ورعًا وزاهدا كثير الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم لا يفتر لسانه.  عن ذلك، ولا يخوض في أمور الدنيا ولا أخبارها، وعمر طويلا حتى صار علماء الشام كلهم تقريباً، تلامذته وله كرامات ولد بدمشق سنة ١٢٦٧هـ وتوفي سنة ١٣٥٤هـ، رحمه الله وجعل الجنة مثواه.

٥٩- الأستاذ الشيخ عبد الجليل بن سليم الذرا الدمشقي: أخذ عن سيدي محمد بن جعفر الكتاني، وعن بعض علماء الحجاز، منهم السيد أحمد بن إسماعيل البرزنجي، والشيخ أبو الخير أحمد بن عثمان المكي، ومجيزنا عبدالباقي اللكنوي، وآخرون.

٦٠- العلامة المؤرخ محمد راغب بن محمود الطباخ الحلبي الحنفي: عالم فاضل له عناية بالتاريخ وصنف في ذلك كتبا منها "إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء" وهو مطبوع استجزته لي ولأخي السيد أحمد فأرسل لنا الإجازة، وهو يروي عن شيوخ كثيرين ذكرهم في ترجمته التي كتبها في نهاية كتابه "مختصر الأثبات الحلبية"، منهم محمد شرف الحق الهندي، والسيد كامل الهبراوي، والشيخ محمد رضا الزعيم، والشيخ طاهر الجزائري، توفي رحمه الله في رمضان سنة ١٣٧٠هـ.

٦١- العلامة الشيخ عطاء بن إبراهيم بن ياسين الكسم الدمشقي الحنفي: وهو يروي عن شيوخ كثيرين منهم عبد الله بن درويش السكري، وحسن العدوي الحمزاوي وسليم العطار، رحمهم الله جميعا.

٦٢- ومن النجف شيخي هبة الدين الحسيني الشيعي. خامسا: شيوخي من النساء:  أم البنين آمنة بنت عبد الجليل بن سليم الذرا الدمشقية:  سيدة فاضلة، لها رواية واسعة، وأجازت لي باستدعاء أخي السيد أحمد، وهي ابنة مجيزنا عبدالجليل الذرا المذكور، تروي عن السيد أحمد البرزنجي، والشيخ عبد الجليل بن عبد السلام برادة والشيخ أحمد بن عثمان المكي وغيرهم.

 

فصل: تلامذتي لي تلاميذ كثيرة في مصر وغيرها من البلاد الإسلامية، منهم قضاة ومفتون وأئمة وخطباء وأذكر من أعيانهم عدة، منهم إخوتي:

١- السيد الزمزمي.

٢- والسيد عبدالحي.

3- والسيد عبد العزيز.

٤- والسيد الحسن.

ه- والسيد إبراهيم.

ومن غيرهم:  

٦- السيد المنتصر الكتاني، وهو تلميذ عاق، عفا الله عنه وشفاه.

7- والشيخ علي جمعه المصري عالم، فاضل، كريم الخلق، حصل على الدكتوراة بتفوق.

8- والشيخ صالح الجعفري رحمه الله، حجّ اثنتين وخمسين مرة، وكان من الصالحين، له كرامات ومكاشفات.

٩- الشيخ محمد الحامد الحموي رحمه الله كان من العلماء العاملين بعلمهم، شديد الاتباع للسنة، وَرِعًا طاهر السريرة، وأنا أفتخر به.

١٠- الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، الأستاذ بجامعة الرياض، والمعروف بتحقيقاته القيمة، وله اطلاع كبير.

۱۱- الشيخ محمد عوامة، له أيضًا تحقيقات قيمة.

۱۲- الشيخ محمد علي مراد الحموي، عالم فاضل.

۱۳- الشيخ عبد العزيز عيون السود رحمه الله كان أمين الإفتاء بحمص.

١٤- الدكتور فاروق حمادة، الأستاذ بكلية الشريعة بفاس، له مؤلفات وتحقيقات مهمة، وله بحوث في الحديث قيمة، نسأل الله له المزيد من فضله.

١٥- الشيخ حمدي أصلان جافا الألباني تخرج من الأزهر، وهو مقيم بمصر لأن بلده صارت شيوعية، وأخوه نهاه عن العودة إليها.

١٦- والشيخ محمود حسن الشيخ إمام وخطيب بالكوم الأحمر من قرى الجيزة بمصر.

١٧- والدكتور حنفي حسنين، مدرس بالأزهر.

١٨- والشيخ حسين البتانوني مدرس بالأزهر.

١٩- والشيخ عبدالوهاب عبد اللطيف، وكيل كلية الشريعة لازمني كثيرا واستفاد مني، وقد وضعت اسمه على كتاب "تنزيه الشريعة"، مع أنه لم يكتب في تحقيقه كلمة بل كان يكتب ما أملي عليه فوضعت اسمه مجاملة له لأنه كان صديقا ومحبا ومستفيدا، رحمه الله تعالى.

 

فصل: كنيتي:

لي عدة كنى، ذلك أني كنيت نفسي بأبي الفضل لأنها كنية ثلاث حفاظ أحبهم، العراقي وابن حجر والسيوطي، وكناني أخي في إجازته لي بأبي المجد، وكناني القاضي عبد الحفيظ الفاسي بأبي سالم، وكناني صديقي العالم الفاضل سيدي محمد الباقر الكتاني رحمه الله بأبي السَّنَاء.

 

فصل: مؤلفاتي:

أول ما كتبت من المؤلفات شرح الآجرومية"، كتبته في سن الطلب، وسماه أخي "تشييد المباني لتوضيح ما حوته الآجرومية من الحقائق والمعاني" غير أنه ذكر في "البحر العميق، أنه كتب شرحًا للآجرومية لم يتم، وأن شرحي إكمال له، وهذا غير صحيح، فإني لم أر له شرحًا على "الآجرومية"، ولا ذكره لي فكيف أكمل شرحا ما عرفته ولا رأيته؟ !. وفي مصر سئلت عن تقبيل اليد وسمعت من يقول: «أنه سجدة صغرى»، فكتبت جزء "إعلام النبيل بجواز التقبيل" طبع مرتين. ووجدت "منهاج البيضاوي" يدرس بالأزهر، فخرجت أحاديثه في كتاب سميته: "الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج ". وسئلت عن التوسل، فكتبت فيه جزءًا سميته "إتحاف الأذكياء بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء".

وفي سنة ١٩٥٣م كثر الانتحار بمصر في الشبان والفتيات وبعض الرجال يلقون أنفسهم في النيل بسبب السقوط في الامتحان، أو فشل في الحب أو الزواج أو مشاكل عائلية، فكتبت جزءًا سميته "قمع الأشرار عن جريمة الانتحار" وبعثت به إلى مولانا الإمام الوالد رضي | الله عنه، فاستحسنه وقال لي: فاتك نصوص كثيرة في الموضوع، لكن ما ذكرته مفيد.

وجردت الأحاديث المرفوعة من كتاب "الشكر" لابن أبي الدنيا، فجاءت ستة وأربعين حديثا، شرحتها وسميتها "الأربعين الغمارية في شكر النعم" طبعت مع "قمع الأشرار" في جزء واحد.

واطلعت على كتاب يسمى: "القول المبين في حكم دعاء ونداء الموتى من الأنبياء والصالحين" لواعظ اسمه الشيخ محمد مخيمر، فوجدت فيه أغلاطا كثيرة وتحريفا في النقول، وجرأة على الكلام في التفسير بغير علم، فكتبت ردا عليه سميته "الرد المحكم المتين على كتاب القول المبين" طبع، ورآه المردود عليه ولم يستطع أن ينقضه، ولما رآه صديقي الشيخ عبدالوهاب عبداللطيف، قال: هذا كتاب ممتلئ بالقواعد والفوائد. وهكذا أعجب به كل من رآه. وعزم الشيخ سليمان الوكيل صاحب مطبعة دار التأليف على إنشاء مشروع كتاب الشهر، وطلب مني أن أسهم معه بكتب شهرية فكتبت له: "سمير الصالحين" جزءين، و"فضائل القرآن" جزءين. وكان شعبان فكتبت حسن البيان في ليلة النصف من شعبان"، ثم كتبت "غاية الإحسان في فضل شهر رمضان".

وسمعت الشيخ محمود شلتوت يلقي محاضرة في الراديو ذكر فيها أن التداوي بالأذكار والآيات يعتبر من قبيل الدجل، فكتبت جزءا سميته "كمال الإيمان في التداوي بالقرآن" طبع مرتين.

وبعث قادياني إلى الأزهر يسأل هل سينزل عيسى؟ وما حكم من ينكر نزوله؟، والقاديانيون ينكرون نزول عيسي، وغرضه بهذا السؤال أن ينتزع من الأزهر ما يرد به على المسلمين الذين يعارضون القاديانية في الهند، فحول الشيخ المراغي سؤال القادياني على الشيخ محمود شلتوت، فكتب الجواب على وفق مراد السائل؛ أنكر نزول عيسى وزعم دعاوى أبطلتها في كتاب "إقامة البرهان على نزول عيسى في آخر الزمان" طبع.

وقدَّمْتُه إليه في بيته ثم أصر على الإنكار في مقالات نشرها بـ"مجلة الرسالة"، فأردفته بكتاب "عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام" طبع، وقدمته إليه في بيته أيضًا.

وأخبرني صديقي الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي أنه رأى في "مجلة صوت أمريكا" مقالًا للشيخ محمود شلتوت، ذكر فيه أن الإيمان بالله واليوم الآخر ينجي صاحبه يوم القيامة، ولا حاجة إلى الإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبنى على ذلك أن أهل الكتاب ناجون يوم القيامة، فكتبت ردا عليه جزءا سميته "التحقيق الباهر في معنى الإيمان بالله واليوم الآخر" وسمعت محاضرة ألقاها الدكتور محمد البهي في الراديو، زعم فيها أن إرسال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم إلى الجن دليله ظني، فكتبت في الرد عليه جزءا سميته "قرة العين في أدلة إرسال النبي إلى الثقلين" بينت فيه قطعية إرساله إلى الجن بالقرآن والسنة المتواترة، وإجماع الأمة.

وظهر بين أساتذة الجامعة وطلبتها مقالة أن الخمر لم يحرمها القرآن كما حرم الخنزير بقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزير ﴾ [المائدة: ٣] وإنما قال: فَاجْتَنِبُوهُ ﴾ [المائدة: ٩٠]، فكتبت ردا عليهم جزءا سميته "واضح: البرهان على تحريم الخمر في "القرآن" بيَّنتُ فيه دلالة القرآن على حرمة الخمر من عدة وجوه في عدة آيات، وتعرضت الحرمة المخدرات، طبع مريتن. وكان الشيخ محمد مخيمر زعم في كتابه أن حديث: «حياتي خير لكم لا أصل له فكتبت جزءا في تصحيحه سميته "نهاية الآمال في صحة حديث عرض الأعمال"، طبع. وأرسلته لأخي فأثنى عليه كثيرًا، ورأيت الألباني ذكره في الأحاديث الضعيفة، وأخطأ، وانحرف عن القواعد التي استعملها في تصحيح أحاديث توافق هواه، وهو صاحب هوى وابتداع وزيغ. وطلب مني صديقي الأستاذ الفاضل الشيخ محمد عمارة أن أكتب مؤلفًا في الكرامات، فكتبت "الحجج البينات في إثبات الكرمات".

وسألني شاب من بورسعيد اسمه طاهر محمد مخاريطة عن الاستمناء، فأجبته بمقال في "مجلة الإسلام"، ثم كتبت جزءاً سميته: "الاستقصاء لأدلة تحريم الاستمناء".

وكتبت "نهاية التحرير في حديث توسل الضرير".

وفي إحدى زياراتي للإسكندرية طلب مني الشيخ مصطفي الجعفري رحمه الله أن أكتب مزجًا للصلاة المشيشية، فكتبته وسميته: "المعارف الذوقية في أذكار الطريقة الصديقية" وجعلته وظيفة للصديقيين هناك، وهو مطبوع. وكتبت جزء "الأحاديث المنتقاة في فضائل رسول الله" اخترت ثلاثة وأربعين حديثا في فضائله صلى الله عليه وسلم وشرحتها.

لكن وقع لي فيه خطأ كبير، ما كنت أحب أن يقع؛ نقلت حديثا من "الخصائص الكبرى"، ولم أبحث في رتبته ثقة بالسيوطي الذي زعم أنه صان ذلك الكتاب عن الأخبار الموضوعة، ثم وجدته في الموضوعات منصوصًا على وضعه من السيوطي نفسه، فغضبت غضبا شديدا، وكرهت من السيوطي هذا التساهل القبيح الذي يوقع من يقلده في أسوأ الأثر، وأظنه يأثم على ذلك لا محالة، والحديث المذكور هو الحديث السادس من "الأحاديث المنتقاة"، فليضرب عليه من كان عنده ذلك الكتاب.

وكتبت جزء "الأربعين الصِّدِّيقية في مسائل عامة اجتماعية". وطلب مني صاحب مطبعة دار التأليف أن أكتب له قصص الأنبياء، بأسلوب واضح، فكتبت قصة آدم"، و"قصة إدريس"، و"هاروت وماروت"، ثم عرض ما منع الاستمرار فيها، وخرجت أحاديث "اللمع في الأصول".

 

فصل مؤلفاتي في السجن:

أدركني ظلم جمال عبد الناصر كما أدرك كثيرًا من العلماء فمكثت في السجن أحد عشر عاما كاملة من ١٥ ديسمبر سنة ١٩٥٩ إلى ٢٦ ديسمبر سنة ١٩٦٩، فكتبت في السجن مع التشديد والتضييق عدة كتب هي: " فضائل النبي في القرآن"، "النفحة الإلهية في الصلاة على خير البرية"، "سمير الصالحين"، "القول المسموع في الهجر المشروع"، "جواهر البيان في تناسب سور القرآن"، "بدع التفاسير"، "تمام المنّة في بيان الخصال الموجبة للجنة"، "خواطر دينية"، "الأحاديث المختارة"، "الكنز الثمين في أحاديث النبي الأمين"، وهذه الكتب طبعت كلها ولقيت إقبالا من القراء والحمد لله.

غير أن كتاب "الكنز الثمين"، لست راضياً عنه، لأني كتبته في حال تضييق وتشديد كما سبق، وعدم وجود مراجع، فجاءت فيه أحاديث ضعيفة كثيرة، ورد الألباني عليه لم يأت فيه بجديد وإنما حمله عليه محبة أن يقال رَدَّ على الغماري، وحب الظهور قاسم للظهور كما قال السادة الصوفية، ولو وجدت فراغا لنقحته وهذبته، وحذفت منه ما فيه من الضعيف.

وكتبتُ "إتحاف النبلاء بفضل الشهادة وأنواع الشهداء" في السجن أيضًا وكانت مدة السجن محنة فيها منحة بتأليف هذه الكتب، هذا ما كتبته في مصر

سوى ما علقته على بعض الكتب، وبيانه فيما يأتي:

۱- تعليق على "المقاصد الحسنة".

۲- تعليق على كتاب "أخلاق النبي" لأبي الشيخ ابن حيان.

٣- تعليق على كتاب "الحبائك في أخبار الملائك" للسيوطي.

٤- تعليق على "تنزيه الشريعة"، وكتبت اسم الشيخ عبدالوهاب عبداللطيف مجاملة، مع أنه لم يكتب فيه حرفًا ولا كلمة، بل كان يكتب ما أملي عليه من تعليقات

ه- تعليق على كتاب "الإرشاد" لابن عساكر في الفقه المالكي، وهذا التعليق راج كثيرًا في إفريقيا، وطبع مرات.

٦- تعليق على "شرح الأمير لمختصر خليل"، وهذا الشرح على نمط المحلي في شرح "جمع الجوامع".

7- تعليق على "بداية السول في تفضيل الرسول" لعز الدين بن عبدالسلام.

8- تعليق على "بشارة المحبوب بتكفير الذنوب" للقابوني.

9- تعليق على رسالة ابن الصلاح في وصل البلاغات الأربعة.

١٠- تعليق على كتاب "النصيحة في الأدعية الصحيحة" للمقدسي، لقي رواجا وطبع مرات.

۱۱- تعليق على "مسند أبي بكر " للسيوطي.

۱۲- تعليق على "مسند عمر"، له.

۱۳- تعليق على "مسند عثمان"، له أيضًا.

14- وطبع بمصر رسالة الحافظ ابن رجب في "تحقيق كلمة الإخلاص"، بتعليق الشيخ محمود خليفة والشيخ أحمد الشرباصي، ووقع في تعليقيهما أوهام نبهتُ عليها في رسالة سميتها " أسباب الخلاص من الأوهام الواقعة في تحقيق كلمة الإخلاص"، طبعت بمطبعة دار التأليف.

١٥- تعليق على "فيض" الجود على حديث شيبتني هود" للشيخ عبد العزيز الزمزمي المكي، طبعة الشيخ منير الدمشقي. أيضًا.

١٦- تعليق على كتاب "الباهر في حكم النبي بالباطن والظاهر" للسيوطي.

۱۷- تعليق على كتاب "نتيجة الفكر في الجهر بالذكر" للسيوطي أيضًا.

۱۸- تعليق على تأييد الحقيقة العلية وتشييد الطريقة الشاذلية" للسيوطي

١٩- تعليق على كتاب "الخبر" الدال على وجود الأقطاب والأبدال" للسيوطي أيضًا.

٢٠- تعليق على كتاب "قوة الحجاج في عموم المغفرة للحجاج" للحافظ ابن حجر، وكتبت اسم الشيخ عبدالوهاب عبد اللطيف مجاملة له أيضًا.

٢١- تعليق على كتاب "الاستخراج لأحكام الخراج" للحافظ ابن رجب.

 

ونشرت كتبا أخرى لم أعلق عليها منها:

1- كتاب "الإكليل في استنباط التنزيل" للسيوطي.

2- وكتاب "تبيين العجب فيما ورد في رجب" للحافظ ابن حجر. ووضعت بعض المطابع اسمي على كتاب "الشرح الكبير" في فقه المالكية بغير علمي.

وكذا وضع اسمي على كتاب "الأذكياء" لابن الجوزي بغير علمي أيضًا لضمان رواجه، ووضع اسمي أيضًا على كتاب "آكام المرجان في أحكام الجان".

 

فصل: مؤلفاتي بالمغرب

1-                     لما رجعت من مصر سنة ۱۳۸۹هـ، كتبت مؤلفات المناسبات اقتضيت كتابتها، فألفت كتاب "الرؤيا في القرآن والسنة".

2-                     وكتبت جزء "البيان المشرق لوجوب صيام المغرب برؤية المشرق". والمغاربة لا يعملون برؤية مصر وغيرها مع أنهم مالكية، ومذهب مالك أن ثبوت الرؤية في بلد يعم البلاد كلها إلا البعيدة جدا، قال ابن عبدالبر: كالأندلس وخراسان»، وإنما يتمسكون بمذهب مالك في ترك القبض،

3-                     مع أنهم لم يفهموا كلام مالك كما بينته في جزء "الحجة المبينة لصحة فهم عبارة المدونة". ووجدت أخي الزمزمي يطبع ورقة ويوزعها في آخر شعبان، يعترض فيها على الذين يصومون مع مصر ويورد عليهم إشكالا يزعم أنه لا حل له

4-                     فكتبت جزءا سميته "التنصل والانفصال من فضيحة الإشكال" فلم يعد إلى

5-                     توزيع تلك الورقة، وطبعته بطنجة.

6-                     و"البيان المشرق" ردُّ عليه أيضًا كتبته بالسجن في مصر، وأرسلته إليه، فكتب ردًّا عليه سماه: "الرد المقلق". وأسجل هنا مع الأسف أن أخي شديد العقوق. ولابد أن أسجل هنا ملاحظة هامة، وهي أن المشارقة يقبلون كلام من يرد عليهم برحابة صدر؛ رددت على الشيخ محمود شلتوت، ورد علي، وكنا نتقابل كأن لم يكن بيننا شيء، وكان يقول لي: «العلم صلة بين أهله، والخلاف بيننا في الرأي لا يفسد الصلة». وكان بيني وبين عبد الله القصيمي النجدي معركة حامية في المجلات، وكنا مع ذلك نلتقي ونتجاذب أطراف الحديث، حتى أنه عرض علي مرة أن أنضم إليهم وقال لي: «أنت محدث ومطلع، وانضمامك إلينا ينفعنا، فانضم وأنا أضمن لك ثلاث حاجات

۱- الحج على نفقة الحكومة السعودية.

٢- مرتب شهري.

٣- إقامة حفلة في الكونتينتال تكريما لك، يُدعى لها العلماء والأعيان.

فرفضت هذا العرض.  وكان بيني وبين الشيخ سيد على الطوبجي معركة دامت أكثر من سنة، وبعدها تعرف علي وسلم علي بحرارة كما سبق. وهكذا كان الحال في مصر يختلف العلماء والأدباء والكتاب، وتشتد لهجة الرد أحيانا، ولا يحصل بينهم تقاطع ولا عداء ومن الأمثال الشائعة عندهم: اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية. فلما رجعت إلى المغرب وجدت الأمر يختلف تمام الاختلاف، إذا رددت على شخص اعتبرك عدوه وقذفك بسيل من الشتائم وقاطعك وحقد عليك، لأن المغاربة عندهم نقص في التفكير، ولهذا يعتقد الواحد منهم ولو بلغ في العلم أو الأدب درجة كبرى أن من يرد عليه فقد أسقط منزلته وسجل عليه الجهل، ولا يخطر بباله أن الإنسان عرضة للخطأ وأن مخالفة غيره لرأيه لا تسقط منزلته ولا تثبت له جهلا. فالعالم أو الأديب إذا أخطأ في مسألة أو مسائل لا ينقص ذلك من قدره، ونحن نجد كثيرا من الأئمة أخطأوا ورتبتهم محفوظة ومقامهم عظيم لكن هذا كله غير معروف في المغرب وغير معمول به.

7-                     ولما كنا بمصر كتب أخي الزمزمي رسالة في تحريم حلق اللحية، وكان يعرض على ما يكتبه منها فأصحح له بعض العبارات، وحين أتمها سميتها له: "تنبيه أولي البصائر على أن حلق اللحية من الكبائر"، وكنت أفهم إذ ذاك أن كل محرم كبيرة، ولا أعرف الفرق بين الصغيرة والكبيرة. ثم تمكنت في علم الأصول ومعرفة القواعد فعلمت الفرق بينهما بأن مجرد التحريم لشيء يقتضي أنه معصية صغيرة وإذا اقترن التحريم بحد أو وعيد كانت المعصية كبيرة، وأدركت غلطي في تسمية تلك الرسالة لأن اللحية ثبت الأمر بإعفائها ولم يثبت في حلقها وعيد، فيكون صغيرة. ولما رجعت إلى المغرب وجدت أخي مصرًا على أن حلق اللحية كبيرة وزاد على ذلك - تقليدًا للألباني - أن فيه تشبها بالنساء وتغييرا لخلق الله. وقرأت في "مجلة الكلمة" سؤالا موجهًا للعلماء في هذا الموضوع بسبب بلبلة أحدثتها رسالة أخي في حي بالدار البيضاء، فكتبت جوابا في المجلة بينت فيه أن الحلق صغيرة وأنه ليس فيه تشبه بالنساء ولا تغيير لخلق الله، فغضب وطبع رسالة سماها "كشف الحجاب عن المتهور الكذاب" - يقصدني - أفحش فيها وأقذع وناقضني فيما ذكرته من علامة الكبيرة بأن الأمن من مكر الله كبيرة وليس فيه وعيد

8-                     فكتبت جزء أسميته تنوير" البصيرة ببيان علامات الكبيرة" ذكرت فيه (٤٤) علامة للكبيرة. ووجدت في طنجة جماعة يقلدون ابن حزم في آرائه الشاذة، ومنها قصر المسافر للصلاة ولو صلَّى خلف مقيم، وسألني الطلبة أن أكتب في هذا الموضوع بحثاً،

9-                     فكتبت جزءا سميته: "الرأي القويم في وجوب إتمام المسافر خلف المقيم" فرد عليه الزمزمي ردا سفيها كعادته. وكان شخص آخر من مقلدة ابن حزم كتب رسالة يؤيد فيها هذا الرأي الشاذ أيضًا، ووجدته أخطأ فيها، فنبهت على خطأه في الرأي القويم ولم أسمه، فغضب أيضًا، ومنع أصحابه الذين يحضرون دروسي من الحضور فامتنعوا مُكْرَهين وبعد شهرين أو أكثر جاء يعتذر عما مضى منه.

10-             ثم كتبت جزء "الصبح السافر في تحرير صلاة المسافر" طبع مرتين، وفي الطبعة الأخيرة زيادات مهمة منها تحديد مسافة السفر الذي يجوز فيه القصر، لأن مقلدة ابن حزم يقصرون في مسافات قريبة مثل مطار طنجة وبعض قرى الفحص التي هي من الضواحي، مع أن قول النبي صلى الله عليه وسلم:   «السفر قطعة من العذاب يرد عليهم، رواه مالك والشيخان، وبقيته: «يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قَضَى أحدكم مُهمته فليعجل إلى أهله»، وإذا جاء السفر مطلقا في القرآن كما قال بن حزم - فهذا الحديث قيده بكونه قطعة من العذاب، فـ«أل فيه إما للعهد أي السفر المذكور في القرآن، وأما للعموم أي كل سفر، وعلى كلا الاحتمالين فالحديث مبين للسفر الذي يجوز فيه القصر والفطر، وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم على بيان غيره، ويؤخذ منه أن السفر الذي لا يكون قطعة من العذاب أو مظنة لذلك، لا يصح الترخص فيه برخص السفر. ومن اللطائف: أن إمام الحرمين لما جلس مكان أبيه سئل: لم كان السفر قطعة من العذاب؟ قال على الفور: لأن فيه فراق الأحباب وهذا أهم ما فيه من العذاب». وقد ذهبنا مرة إلى سيدي قاسم - وهو أبعد من المطار - على البهائم، ومنا من مشى على رجليه، وكان المطر شديدا فوصلنا مبتلين تقطر ثيابنا ماء وأوقدنا النار واستدفأنا بها وأيبسنا عليها الثياب، وكانت فسحة جميلة رجعنا منها آخر النهار إلى بيوتنا لم نشعر بالعذاب ولا فارقنا الأحباب ولا منع منا طعام ولا شراب، لكن مقلدة بن حزم لا يدركون الحكم التي شرع الترخيص لأجلها في السفر الذي عينه الشارع، وإنما همهم ترديد كلام ابن حزم والجمود عليه.

11-             وبعث إلى أحد القضاة يسألني أن أحرر له بحثًا في (الفاتحة)، هل تجب على المأموم؟ فكتبت جزء أسميته "الأدلة الراجحة على فرضية قراءة الفاتحة" طبع بالإسكندرية.

12-             وسمعت من يزعم أن التصوف مأخوذ من عباد النصارى وغيرهم، فكتبت جزءا سميته "الإعلام بأن التصوف من شريعة الإسلام" طبع بالإسكندرية أيضًا.

13-             وكتبت جزءا سميته "إعلام النبيه بسبب براءة إبراهيم من أبيه"، طبع بالرباط. وقد تجرأ عامل طنجة - وكان قبيحًا فحبسنا أسبوعين لأننا أفطرنا مع مصر قبل المغرب مع أنه لا يصوم ولا يصلي فلامه الناس على هذا العمل الذي لا مسوغ له، إلا الزمزمي فإنه أعلن سروره بحبسنا في خطبة الجمعة، وقال عنا: إننا عاصون فتانون آئمون، وبعث بتسجيل خطبته إلى العامل تأييدا له، ولم يمر أكثر من شهرين حتى حبس أكبر أولاده بالدار البيضاء، فسافر ليطمئن عليه فلم يعرف أين هو ومكث مدة كالمجنون يتردد بين الرباط والبيضاء ولم يصل إلى شيء، حتى سخر الله له من أخذ بيده وأوصله إلى ولده الذي مكث في السجن شهرين. وفي هذا عبرة بالغة لكنه لا يعتبر قلبه كالحجارة أو أشد قسوة، أما العامل فقد أوقعه الله في شر أعماله نكب نكبة كبيرة وعُزل من عمله ومن كل وظيفة وهو الآن في حكم الموتى، وإن الله يمهل ولا يهمل، وفي الحديث الصحيح: إِنَّ الله جل جلاله ليُمْلي للظالم حتَّى إذا أخذَه لم يُفْلِتُه». رواه الشيخان. ووصلني بالسجن في مصر ثلاثة أجزاء من "التمهيد"، قرأتها فوجدت فيها أخطاء علمية كثيرة، جمعتها وبعثت بها إلى أخي السيد إبراهيم فسلَّمها إلى الأستاذ عبد الرحمن الدكالي المشرف على طبع التمهيد لينبه عليها فلم يفعل. ولما رجعت إلى المغرب وسافرت إلى سلا لزيارة بعض الإخوان والتقيت بصديقنا العزيز العلامة سيدي عبدالرحمن الكتاني رحمه الله، جرى بيننا الحديث في مسائل علمية، فأعلمته بقصة الأخطاء، فقال لي: «انشرها في "مجلة دعوة الحق"»، فدفعتها إلى إدارة المجلة، ومضت مدة فلم تنشر، وسألت فقيل لي منع نشرها وزير الأوقاف المكي الناصري. فعملت لها خطبة، وسميتها "تنبيه الباحث المستفيد إلى ما في الأجزاء المطبوعة من التمهيد" وطبعتها وبعثت بها إلى الديوان الملكي ووزير الأوقاف والأستاذ علال الفاسي، ورأتها اللجنة التي حققت الأجزاء فغضبت وتكلمت كثيرا، حتى قال لهم بعض الأفاضل: لم هذا الكلام الكثير؟ إن كان مخطئًا فردوا عليه»، فلم يفعلوا(۱).

14-             ورأيت أهل طنجة، إذا أكلوا يقولون: اللهم أد عنا شكر النعم، فكتبت جزءا أسميته "كيف تشكر النعمة" أثبته هنا وهو هذا:  (۱) وتركت تعقب أجزاء "التمهيد" حتى أردت بحث موضوع القبض في الجزء العشرين فوجدت فيه أغلاطا علمية مثل ما وقع في الأجزاء الثلاثة الأولى، ولابد أن الأجزاء قبل العشرين وقع فيها أغلاط علمية كثيرة لأن المشرف على تصحيحها ضعيف العلم بعيد عن صناعة التصحيح، و"التمهيد".  نفاسته لم يلق من يصححه من أهل العلم تصحيحا يليق بمقامه.

 

كيف تشكر النعمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وآله الأكرمين، ورضي الله عن صحابته والتابعين.

أما بعد: فقد سمعت كثيرًا من الناس بطنجة إذا أكل أحدهم وشبع يقول: اللهم أد عنَّا شُكِّرَ النِّعمة.

وهذا دعاء قبيح فيه إساءة أدب مع الله تعالي؛ فلا يجوز أن يُدعَى به. وبيان ذلك: أنَّ الله جل جلاله أمرنا بالشُّكر على نِعَمِهِ علينا قال سبحانه:

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: ١٥] وقال: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا ﴾ [سبأ: ١٣].

وفي "جمع الجوامع": «وشُكْرُ المنعِم واجب بالشرع». فالشكر عند حدوث نِعْمَتِهِ عبادةٌ أمرنا الله بها كما أمرنا بالصَّلاة والصيام وغيرهما من العبادات.

وقد بيّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم كيف تؤدى عبادة الشكر بفعله وقوله.

أما فعله: ففي سنن أبي داود" و"الترمذي" عن أبي سعيد الخدري أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: «الحمد لله أَطْعَمَنا وسَقَانا وجَعَلَنا مُسْلِمين». وللحديث ألفاظ في "الصحيحين"، الذي وطرق متعددة.

وأما قوله: ففي معجم الطبراني" و"صحيح ابن حبان" عن ابن عباس أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أبي أيوب ومعه أبو بكر وعمر

فقدم لهم تمرا وشواء فلما أكلوا وشبعوا، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: خبز ولحم وتمرٌ وبُسْرٌ ورُطَبٌ - ودَمَعَتْ عَيْناهُ- والذي نَفْسِي بيدِهِ، إِنَّ هذا هو النَّعِيمُ الذي تُسألون عنه، قال الله جلَّ وعَلَا تُمَّ لَتُسْلُنَ يَوْمَةٍ عَنِ النَّعِيمِ]التكاثر: [فهذا النَّعِيمُ الذي تُسألون عنه يومَ القِيامَةِ». فكبر ذلك على أصحابه فقال: «إذا أصَبْتُمْ مِثْلَ هذا، فَضَرَبْتُمْ بأيدِيكُمْ، فقولوا: بسم الله، وإذا شَبِعْتُمْ

فقولوا: الحمد لله الذي هو أشْبَعَنَا وأنْعَمَ علينا وأفضل، فإنَّ هذا كَفَافُ بها». وروى الحاكم والبيهقي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ما أَنْعَمَ الله على عبدِ نِعْمَةً فَعَلِمَ أَنَّهَا مِن عند الله إِلَّا كَتَبَ الله له شُكْرَها قبل أن يَحْمَدَهُ عليها، وما أذْنَبَ عبد ذَنْبًا فَنَدِمَ عليه إِلَّا كَتَبَ اللهُ له مَغْفِرَةً قبل أن يَسْتَغْفِرَهُ، وما اشْتَرَى عبدٌ ثَوْبًا بدينار، أو نِصْفِ دينارٍ، فَلَبِسَهُ فحَمِدَ الله عليه إلَّا لم يَبْلُغْ ركبتيهِ حَتَّى يَعْفَرَ اللَّهُ له».

وفي "صحيح مسلم عن أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «إِنَّ اللهَ ليَرْضَى عن العَبْدِ أن يأكل الأَكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عليها ويَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فيَحْمَدَهُ عليها».

نعم الله علينا كثيرة لا نستطيع إحصاءها، ولا نطيق أداء شكرها، ولكن الله كلفنا من ذلك بقدر طاقتنا. قال سليمان التيميُّ: «إنَّ اللهَ أنعم على العباد على قَدْرِهِ، وكلَّفهم الشكر على قدرهم». رواه البيهقي في "الشعب". فإذا حدثت للمسلم نعمة فشُكرها أن يقول: «الحمد لله» فإنَّ الله يرضى بهذا ويثيبه عليه، فإن لاحظ مع هذا تقصيره في الشكر فله في علاج هذا التقصير إحدى طريقتين:

1- أن يقول: اللهمَّ اغْفِر لي تقصيري في شكرك، أو: اللهم اعفُ عن تقصيري، أو: اللهم لا تؤاخذني بما قصرت أو نحو هذا من الدعاء المشروع.

٢- أن يقول: اللهم ألهمني أداء شكرك، أو اللهم وفقني لأداء شكرك، أو اللهم أعني عليه، أو نحو هذا مما يفيد طلب المعونة والتوفيق. وفي القرآن الكريم: {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَي} [الأحقاف: ١٥]، معنى «أوزعني»: ألهمني.

هذا دعاء قرآني يرشدنا أن نطلب الإلهام لشكر الله على نعمه. ولا يجوز أن يقول: اللهم أد عني شكر النعم لقبحه من وجوه:

1- أنه يتضمَّن ردَّ الأمر على الأمر به، وهو ممنوع عادة وشرعا. أما العادة: فلأنك لو قلت لولدك أو لمن لك عليه واجب الطاعة: افعل الشيء الفلاني، وقال لك: افعله أنت عني، عدَّ مخالفا للأمر حيث رده عليك واستحق اللوم والتأديب، ولا يعفيني أن يبدي تأويلا لقوله بأنه أراد كذا وكذا لأن كلامي صريح في رد الأمر، والصريح لا يقبل التأويل. وأما الشرع: فإنَّ مِن المعلوم بالضرورة وجوب تنفيذ أمر الشارع، وهذا لا يحتاج إلى دليل.

٢- أنه يتضمن أنَّ اللهَ كلَّفك مِن شكره ما لا تطيق حتى طلبت منه أن يؤديه عنك، وهذا يخالف القرآن حيث قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] والدعاء المخالف للقرآن يحرم الدعاء به كما نص عليه العلماء، فلا يجوز أن يدعي بالمغفرة لكافر بعد موته، ولا أن يدعي بطلب رؤية الله في الدنيا ونحو ذلك مما يخالف القرآن والسُّنَّة.

٣- أنَّ الشكر عبادةٌ أُمرنا بها، والعبادة لا يفعلها الله عن عبده، بل لا يجوز عقلا أن يفعلها؛ لأنه معبود وليس بعابد، وإنما يطلب منه التوفيق للعبادة والإعانة عليها.

٤- أن الشارع بيَّن أنَّ حقٌّ الله على عباده أن يعبدوه، وحق العباد عليه إذا عبدوه أن يثيبهم، وهذا حقٌّ تفضّلي، وذلك الدعاء يستلزم أن يصير المعبود عابدا، وهذا المعنى باطل عقلا وشرعا فالدعاء به حرام.

ه- أنَّ الداعي يطلب بدعائه حصول خير أو دفع ضر، وذلك الدعاء ليس فيه شيء من ذلك، إذ لو فرض وقوع المحال وشكر الله ذاته نيابة عن عبده فالعبد لا يناله من ذلك الشكر ثواب له، ولا دفع ضر عنه لأنه فعل فعله الله لا علاقة للعبد به فيكون ذلك الدعاء عبثًا فهو حرام.

٦- أنَّ حمد الله ذاته وثناءه عليها واجب عقلا، اقتضاه كماله المطلق وعظمة ربوبيته مع إنعامه على مخلوقاته بجليل النعم ودقيقها ظاهرها وخفيها، وقد نص العلماء على أن الدعاء يجوز بالممكن سواء كان واجبا بالشرع أو جائزا، ولا يجوز الدعاء بالواجب العقلي ولا بالمحال العقلي، وذلك الدعاء يطلب واجبًا عقليا فهو غير جائز شرعا.

7- أنَّ علماء الكلام وغيرهم قالوا: إذا كان للفظ معنيان؛ أحدهما يليق بجانب الله والآخر لا يليق؛ فلا يجوز إطلاقه على الله منعا لإلصاق معنى لا يليق به. مثلا العلم الضروري له معنيان أحدهما ما لا يحتاج إلى نظر واستدلال وهذا صحيح بالنسبة إلى علم الله والآخر ما يضطر الشخص إليه كعلمه بحياته ووجوده. قالوا: فلا يجوز وصف علم الله بأنه ضروري؛ لأنه يوهم هذا المعنى الذي لا يليق به. وكذلك قول القائل: اللهمَّ أَدَّ عنِّي شُكْرَ النّعم. لا يجوز إطلاقه في جانب الله حتى لو فرض أنَّ له معنى صحيحًا بضرب من التأويل والتجوز؛ لأنه يوهم معنى قبيحا لا يليق بالله تعالى.

 

شبهات تعرض في هذا المقام والجواب عنها:

١- ثبت في الحديث أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كان يقول: «سُبْحَانَكَ لا أُحْصِي ثَناءً عليك أنتَ كما أَثْنَيْتَ على نَفْسِكَ». فيجوز على هذا أن يقال: اللهم أد عنِّي شُكر النعم، باعتبار أنَّ الإنسان لا يُطيق شكر النعم ولا يُحصيها.

وهذه شبهة ضعيفة جدا الوجوه:

أولها: أنَّ الحديث أخبر بحقيقتين لا شك فيهما ولا مراء، وهما أنَّ الإنسان لا يُحصي الثناء على الله ولا يستطيعه؛ لأنه يقتضي الإحاطه بكمال الله وهي في حقنا محال عقلا، وأنَّ الله هو الذي يُحيط بكماله ويثني على نفسه كما يليق به.

ثانيها: أنَّ الثناء المطلق - وهو الذكر - عبادةٌ مطلوبة أيضا قال الله تعالى: ياتها الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: ٤١ – ٤] وقال في معرض المدح والذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب: ٣٥]. وبينت السُّنَّة أنواعًا مِن الذِّكْر وما فيها من الثواب مثل: «لا إله إلا الله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل، الله أكبر، سبحانَ الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوبُ إليه».

 

وهذه أنواع من الذكر وغيرها كلها ثناء على الله تعالى، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أكثر الناس ذكرًا الله كما ثبت في "صحيح مسلم" عن عائشة قالت: «كان يذكر الله على كل أحيانه» ومع ذلك اعترف أنه لا يُحصي ثناء على الله، لكن لم يقل: اللهم أثن على نفسك؛ لأن هذا الدعاء لا يجوز لما سبق بيانه بل قال: «أنتَ كما أَثْنَيْتَ على نَفْسِكَ» وهذا خبر صحيح عقلا وشرعا.

ثالثها: حيث إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم نفذ الأمر بذكر الله، واعترف بالعجز عن إحصاء الثناء عليه، ولم يقل: اللهم أثن على نفسك، أو اللهم اذكر نفسك عنا، فيسعنا في هذا المقام ما وسعه عليه الصلاة والسلام وذلك بأن نشكر الله كما علمنا وإذا شعرنا بالتقصير والعجز دعونا الله بالمغفرة أو التوفيق، ولا نقول: اللهمَّ أَدْ عنَّا شُكر النعم.

رابعها: أنه سبق في حديث عائشة أنَّ العبد إذا علم أنَّ النعمة من الله بمعنى أنه اعتقد ذلك وتيقنه تصديقا لقوله تعالى: ﴿ وَمَا بِكُم مِّن نَعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾]النحل: ٥٣[كتب الله له شكرها قبل أن يحمدها عليها، وهذا فضل من الله كبيرٌ يُغنينا.  ذلك الدعاء القبيح الخطير.

٢- من أسماء الله الحسني اسم الشكور» وهذا الاسم يومئ إلى جواز أن يقال: اللهم أد عنا شكر النعمة. وهذه الشبهة أضعف من سابقتها؛ لأن الشكر معناه ثناء الشاكر على إحسان وصل إليه من المشكور، والله جل جلاله لا يصل إليه إحسان محسن؛ لأنه الغني الحميد المنعم المتفضّل، وإذن فمعنى اسمه الشكور إما أن يظهر أعمال عباده الصالحين وينوه عنها ويمدحهم عليها، وهذا مجاز حقيقته إظهار الشاكر للنعمة وثناؤه عليها.

وإما أنه يثيب الثواب الكثير على الطاعة القليلة، وهذا أيضًا مجاز حقيقته قولهم: شكرت الشجرة إذا كثرت أغصانها، وليس في هذا إشعار بجواز ذلك الدعاء القبيح.

3- أنَّ الله جل جلاله أمرنا بالصلاة على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ياتها الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾]الأحزاب: ٥٦[، ونحن نقول: اللهم صل على سيدنا محمد، فنطلب منه أن يصلي على نبيه فكذلك يجوز أن يقال: اللهم أد عنَّا شُكر النعم.

وهذه شبهة واهية والقياس الذي يبنى عليها ظاهر الفساد؛ لأن الصلاة معناها العطف كما حققه ابن هشام في "المغني". ثُمَّ العطف يختلف باختلاف فاعله حسب ما يليق به، فصلاة الله على المؤمنين: عطفه عليهم برحمته ومغفرته وهدايته وصلاته على نبيه: عطفه عليه بإعلاء شأنه ورفعة قدره، وصلاة الملائكة علينا: عطفهم بالدعاء لنا كما قال تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَأَغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾]غافر: ٧[.

وصلاتنا نحن معشر المسلمين على نبينا: عطفنا بالدعاء له برفعة قدره وإعلاء شأنه فقولنا: اللهم صل على سيدنا محمد» هو امتثال لقول الله تعالى:  صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾]الأحزاب: ٥٦[أمرنا بالدعاء له فدعونا، ولم نرد الأمر على الآمر به كما في قول القائل: اللهم أد عنَّا شُكر النعم. فظهر فساد القياس المذكور، وبطلت الشبهة من أصلها، وبالله التوفيق.

 

وكتبت المؤلفات الآتية:

۱- "رفع الإشكال عن مسألة المحال".

٢- "القول السديد في حكم اجتماع الجمعة والعيد"، رد على الشوكاني.

٣- "أمنية المتمني في تحريم التبني"، جواب عن سؤال.

٤- "التنصيص على أن الحلق ليس بتنميص"، جواب عن سؤال من بلجيكا.

ه- "ذوق الحلاوة في بيان امتناع نسخ التلاوة".

٦- "الحجة المبينة لصحة فهم عبارة المدوَّنة".

7- "إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة".

8- "الإحسان في تعقب الإتقان".

۹- "حسن التفهم والدرك لمسألة الترك".

۱۰- "المهدي المنتظر".

۱۱- "حسن التلطف في بيان وجوب سلوك التصوف".

۱۲- "القول الجزل فيها لا يُعذر فيه بالجهل".

۱۳- إعلام الراكع الساجد بمعنى اتخاذ القبور مساجد".

١٤- " استمداد العون لإثبات كفر فرعون".

١٥- "فتح الغني الماجد بحُجَّيَّة خبر الواحد".

١٦- "قصة داود عليه السلام".

۱۷- "إرشاد الأنام إلى ما يتلى من الآيات والصلوات في الأيام".

۱۸- "توجيه العناية لتعريف علم الحديث رواية ودراية".

۱۹- "منحة الرؤف المعطي ببيان ضعف وقوف الشيخ الهبطي".

٢٠- " أجوبة هامة في الطب"، عن أسئلة طلبة طب الإسكندرية. تعليق على: "إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب"، للسيوطي.

۲۱- "التوقي والاستنزاه عن خطأ البناني في معنى الإله"، وهو هذا. التوقي والاستنزاه عن خطأ البناني في معنى الإله

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين، ورضي الله عن آله الأكرمين، وصحابته، والتابعين. أما بعد: فهذا جزء سميته: "التوفّي والاستنزاه عن خطأ البناني في معنى الإله"، وأرجو من الله أن يوفقني للصواب، إنه الكريم الوهاب.

قال صاحب "السلم":  فمفهمُ اشتراك الكلي كأسَدٍ وعَكْسُهُ الجُزْئِي قال العلامة البناني في "شرحه": يعني أنَّ الكلّي هو الذي يُفهم الشركة في معناه، أي: لا يمنع نفس تصور معناه من صدقه على متعدد، كإنسان وأسد، فدخل في تعريف الكلي أنواع». فذكر النوع الأول ثم قال: «وثانيها ما وُجد منه فرد واحدٌ إما مع استحالة وجود غيره بدليل خارج عن تصوره كالإله؛ أي: المعبود بحق فإنَّ مجرد تصور معناه لا يمنع من صدقه على متعدّد، لكن قام الدليل القاطع على وجوب انفراد الله تبارك وتعالى بالألوهية واستحالة ثبوتها لغيره، وتفسير الإله بالمستغني عن كل ما سواه المفتقر إليه كل ما عداه لا يمنع كونه كليا؛ إذ لا تشخصه؛ لأنه بهذا المعنى يحتمل أن يصدق على كثير على سبيل يوجب البدلية».  اهـ

وقال محشيه العلامة علي قصارة: كان ينبغي إسقاط هذا القسم من أقسام الكلي لأنه موهم في مقام الألوهية ما لا يصح في.  تعالى التعدد من والجسمية والتركيب فلا ينبغي إطلاقه كما صرح به القرافي في شرح "التنقيح"

ونصه: «إطلاق لفظ الكُلّي على واجب الوجودِ فيه إيهام، تمنع من إطلاقه الشريعة فلذلك تركته أدبا».  اهـ

قال سيدي عيسى السكتاني: وكذا الجزئي يوهم النسبة إلى جزء الشيء الموضوع للمجموع فذلك مستحيل في حقه تعالى». اهـ

علم مِن هذا أنَّ إطلاق لفظ الكُلّي على الإله لا يجوز شرعًا للإيهام المذكور (۱)

وهذا أول خطأ من البناني رحمه الله تعالى.

الثاني: ويشاركه فيه القرافي وأهل المنطق؛ أنَّ الإله ليس بكلي بل هو خاص بالله جل جلاله كالرحمن وفي النَّاس كثيرون اسمهم عبدالإله.

قال الفيومي في "المصباح المنير": «الإله المعبود وهو الله سبحانه وتعالى، ثُمَّ استعاره المشركون لما عبدوه من دون الله تعالى».  اهـ

وقال الراغب في "مفردات القرءان": «وإله حقه أَلَّا يُجمع إذ لا معبود سواه لكنَّ العرب لاعتقادهم أنَّ ههنا معبودات جمعوه فقالوا الآلهة».اهـ وفي القرآن الكريم: مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءُ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ واباؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَنٍ ﴾]يوسف: ٤٠[، وهذه الآية أدلة من القائلين بأنَّ اللُّغة توقيفية.

تبين من هذا أنَّ الإله علمٌ خاص كما قلنا، وأنَّه لتضمنه معنى العبادة أطلقه العرب على معبوداتهم على سبيل الاستعارة، وتوهم أهل المنطق أنَّ

(۱) صرح العلماء أيضًا بأنَّه لا يجوز وصفُ عِلم الله بأنه ضروري وإن كان له معنى صحيح، لإيهامه معنى لا يليق بالله تعالى.

هذا إطلاق حقيقي، زعموه كليّاً مع أنه عَلَم خاص، ونظير هذا إطلاقهم لفظ حاتم على الكريم اشتقاقا من معنى الكرم الذي اشتهر به حاتم الطائي المعروف، ولم يُخرجه ذلك الإطلاق عن عَلَمِيَّته الشخصية. كذلك لفظ «الإله» لا يخرجه إطلاقه على المعبودات اشتقاقا من معنى العبادة عن عَلَمِيَّته الخاصة بالله تعالى. الثالث: أنَّ الكليَّ إنما يتأتى في الممكنات كالنبي والملك والعرش والكرسي واللوح والقلم والسماء والشمس والقمر والفلك والكواكب والروح والنفس والإنسان والحيوان والنبات وما إلى ذلك مما يتركَّب من أجناس وفصول ويدخل في دائرة المقولات (۱) العشر المجموعة في قول القائل: زيد الطويل الأبيض ابن مالك ببيته بالأمس كان متكـــي بيده غصن لـــواه فالتوى فهذه عشر مقولات سوى أما واجب الوجود سبحانه فهو منزّه عن ذلك، ليس شيء من أسمائه

(1) أخذت هذا العلم عن شيخنا العلامة المحقق الشيخ العباس بناني بجامعة القرويين أعاد الله لها مجدها، وهو أحد أربعة علماء عرفوا بالتحقيق.

وثانيهم: العلامة مولاي عبد الله الفضيلي، أخذت عنه "رسالة الوضع" ومقدمات "جمع الجوامع".

وثالثهم: العلامة الشيخ الراضي السناني صاحب "الشذرات" أخذت عنه بعض "جمع الجوامع".

ورابعهم: العلامة مولاي أحمد القادري أخذت عنه باب الجنايات من "المختصر" بـ"شرح الخرشي"، وأجازني أولهم بما يرويه عن سيدي أحمد بن الخياط رحمهم الله جميعا وأثابهم رضاه.

وصفاته كليًّا يتركَّب من جنسي يشترك به مع غيره، ولا من فصل يميزه عنه بل أسماؤه وصفاته خاصة به الخصوص العلم الشخصي بمسماه. الرابع: أنَّ الكلّي لا يُتصوّر كونه محالا؛ إذ هو ما له جزئيات موجودة كالحيوان، أو ممكنة الوجود كجبل ياقوت.

والمحال عدم محضّ ليست له صورة في الذهن ولا يمكن أن تكون له صورة، بل لا يُدرَك إلَّا بطريق التشبيه كأن يعقل اجتماع السواد والحلاوة في العنب مثلًا ثُمَّ يقال: مثل هذا الاجتماع لا يكون بين السواد والبياض، وأحيانًا لا يمكن تقريبه بطريق التشبيه لكون الشيء موجودًا معدوما في آن واحدٍ فكيف يتصور كونه كليا له جزئيات؟ !!. والذين اعتبروا ((الإله» وشريك الباري كلّيين مخطئون واهمون لم يعرفوا معنى المحال على حقيقته، أو اشتبه عليهم الأمر حين وجدوا كليًّا جزئياته معدومة كجبل ياقوت وبحر زئبق فاعتبروا المحال كليا مثله، لكن بينهما بون شاسع؛ لأنَّ الممكن المعدومَ قابل للوجود وقد أخبر الله أنَّ في الجنَّة أنهارٌ مِّن لَّبَن لَمْ يَتَفَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَظْهَرُ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّرِبِينَ وَأَنْهَرُ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَى ﴾]محمد: ١٥[وهذه أمور ممكنة غير موجودة في الدنيا وهي موجودة في الآخرة. أما المحال فإنه مُغرقُ في العدَم لا يقبل الوجود بحال، لا في الخارج ولا في الذهن، ووجود جزئيات الكلّي مترتب على وجود صورة له في الذهن والمحال لا صورة له ولا يُذكر إِلَّا منفيًّا. والخلاصة: أنَّ الكلي لا يكون إلا في الممكنات فقط دون الواجب والمحال. الخامس: قول البناني في بيان كلّية الإله: «مجرد تصور معناه لا يمنع من تعدد مصدوقه لكنَّ الدليل القاطع على وجوب انفراد الله تبارك وتعالى بالإلوهية» يشتمل على تناقض؛ إذ حاصله أنَّ الإله مصدوقه جائز التعدد عقلا، والإله واجب الإنفراد في واحدٍ عقلا، وهذا تناقض واضح لا خفاء فيه.

السادس: وهو مبني على ما قبله، أنَّ جواز تعدد الإله ثابت وقيام الدليل القاطع على وجوب تفرد الله بالألوهية لا يمنع منه؛ لأن جواز التعدد مفهوم ذاتي، وما بالذات لا يتخلف، وفي هذا من الخطر ما لا يخفى بل هو هدم للتوحيد.

السابع: أنَّ زيادة لفظ: «بحقِّ» في معنى الإله لا أصل لها في اللغة ولا علاقة للعقل بها؛ فالإله هو المعبود وكونه معبودا بحق حكم شرعي والحكم لا يدخل في الحد.

قال صاحب "السُّلَّم":  وعندهُمْ مِنْ جُملة المردود أن تدخل الأحكام في الحدودِ

الثامن: قوله أيضًا: تفسير الإله بالمستغني عن كل ما سواه المفتقر إليه كل ما عداه لا يمنع كونه كليّاً؛ إذ لا يوجب تشخيصه؛ لأنه بهذا المعنى يحتمل أن يصدق على كثير على سبيل البدلية».  اهـ إغراق في الخطأ وتشبت به إلى حد التزمت حتى أنه لم يفرق بين ما يُعين المسمى ويُخصصه وبين ما ليس كذلك، ومن البدهيات في علم المنطق أنَّ التشخص في الجزئي يمنع الاشتراك فيه فـ«إنسان» كلي يقبل الاشتراك، و«زيد» جزؤه لا يقبل الشركة لتشخصه وتعينه. فلو فرضنا أنَّ الإله بمعنى المعبود كلي كما قال فإنَّ تفسيره بالمستغني عن كل ما سواه المفتقر إليه كل ما عداه تخصيص له بما لا يشاركه فيه غيره من المعبودات، فهو بمنزلة التشخص في «زيد»؛ ذلك أن المعبودات بجميع أنواعها من ملائكة وإنس وجن وحيوان وأصنام؛ لا يُجيز العقل في شيء منها أن يكون مستغنيا عن كل ما سواه مفتقرًا إليه كل ما عداه؛ لأنها ممكنة والممكن لا يستغني عن المحل والمخصص.

التاسع: قوله: «إذ لا يوجب تشخصه والصواب أن يقول: إذ لا يوجب تعينه؛ لأن التشخص لا يجوز أن يضاف إلى الله سبحانه وتعالى.

يرد في هذا المقال ثلاثة إيرادات نذكرها مع الجواب عنها:

الأول: دعوى أن المحال ليس بكلي يخالف ما أطبق عليه أهل المنطق من اعتبار شريك الباري كليًّا وكذا الإله وأن لم يذكره بعضهم تأدبا كما مر، وتعريف المحال يقتضي كليته أيضًا. والجواب: مسائل المنطق يُعمَل فيها بما يقضي به العقل والفكر السليم لا بالإجماع أو قول الأكثر، والمنطق الحديث أبطل نظريات أطبق عليها القدماء في المنطق القديم. ومما لا يخفى على دارس أنَّ الكليات مبادئ التصورات التي هي حدود ورسوم لماهيَّاتِ الموجودات الممكنة، فالحدود والرسوم تتركب من أجناس وفصول وخواص كما هو معلوم. والموجودات نوعان: موجودات بالفعل كالإنسان والشمس، وموجودات بالقوة كنهر لبن وبحر زئبق وجبل ياقوت، فإنَّ هذه الأشياء ممكنة الوجود وإمكان الشيء كوقوعه فهي موجودة بالقوة. والكليات التي تدخل في التعريف تقع على أشياء موجودة في الذهن أو الخارج أو فيهما، والمحال لا يتصور في العقل وجوده ويسميه الحكماء منفيا وحكى شارح "العقيدة الطحاوية" إجماع العقلاء على أن المحال ليس بشيء والخلاف الذي حكاه صاحب "جمع الجوامع" بقوله: «فعلى الأصح المعدوم ليس بشيء ولا ذات ولا ثابت إنَّما هو في المعدوم الممكن كما قيَّده به شارحه الجلال المحلي فثبت أنَّ المحال لا يكون كليًّا والعقل لا يمكنه أن يتصور شخصا قائما قاعدًا ولا ثوباً أبيض أسودَ، وبالضرورة لا يمكن تصور أفراد لما لا يمكن تصوره في نفسه.

الثاني: قال الشيخ سعيد قدوره في بيان أفراد الكلي الممتنع: «فإنَّ الجمع بين البياض والسوادِ جمع بين الضّدين، والجمع بين القيام والقعود جمع بين الضدين، والجمع بين الترقي والتدلّي جمع بين الضّدين، فتبيَّن أنَّ الجمع بين الضدين واقع على كثيرين وأفراده كلُّها ممتنعة الوجود في الخارج».اهـ

وهذا الكلام يشتمل على أوهام:

1- أنَّ الجمع بين الضّدين مثال لمحاولة فعل المحال الذي هو اجتماع الصدين.

٢- أنَّ أفراد الكلي ما يتحقق فيها مفهومه كالإنسان يتحقق في جزئياته مفهومه الذي هو حيوان ناطق، وهذا إنَّما يتأتى في الماهيات الممكنة التي يتمايز أفرادها بالتشخيص وغيره في الوجود الذهني أو الخارجي. وماهية المحال عدم بحث لا تقبل الوجود في الخارج ولا في الذهن، والعدم لا تمايز فيه بين المعلمات.

3- أنَّ الكلّي إنَّما يطلق على شيء موجود بالفعل أو بالقوة والمحال ليس بشيء كما مر بيانه. أمثلة

٤- أنَّ تعدُّد الأفراد في الأمثلة التي ذكرها الشيخ سعيد إنما هي أ لمتعلق المحال أعني: الضّدين فإنَّه لفظ عام يشمل الأبيض والأسود والقيام والقعود وغير ذلك من الأضداد الموجودة.

فالتعدد واقع فيها، والترقي والتدلّي، والليل والنهار، والحياة والموت، لا في المحال الذي هو اجتماعها وهو المحكوم بنفيه وقد اشتبه الأمر على الشيخ سعيد رحمه الله تعالى، يوضح ذلك أنَّ المحال الذي لا يتعلق بضدين مثلا كشريك الباري لا يتصوّر له أفراد أبدًا.

الثالث: من الإيرادات، دخول النَّفي العام على «إله» في قولنا: «لا إله إلَّا الله» يؤيد القول بكليته، لأنَّه لا يجوز أن يقال: لازيد في الدار وإنما يقال: لا إنسان في الدار. والجواب: أنَّ النَّفي توجه باعتبار الإطلاق المجازي أي: لا معبود إلا الله، وهذا كما يقال: لا حاتم إلا فلان، أي: لا كريم، أو لاقس إلا فلان، أي: لا فصيح، وهكذا.  فإله في الكلمة المشرفة كلّي في المعنى المجازي كما أنَّ لفظ حاتم كلي لاستعماله في الكريم مجازا، مع أنه في الحقيقة علم شخصي وكذلك قُش كلي لاستعماله في الفصيح مجازا وهو في الحقيقة علم شخصي لقس بن ساعدة.

الرابع: اختار السنوسي أنَّ معنى «إله» في كلمة التوحيد لا مستغنيا عن كل ما سواه ومفتقرا إليه كل ما عداه إلا الله، فهو على هذا كلي. والجواب: أن اختيار السنوسي لهذا المعنى هو الذي غر البناني وأوقعه في ذلك الخطأ الذي مرَّ بيانه، والسنوسي إنّما اختاره ليدعي أن كلمة التوحيد شاملة للصفاتِ الواجبة الله جل جلاله لكن اختياره غير صحيح لأمور: أحدها: أنه تكلف في إدخال تلك الصفات بما لا دليل عليه ولا حاجة تدعو إليه.

ثانيها: أنَّ الإله لم يستعمله العرب إلا بمعنى المعبود، كذلك جاء في القرآن الكريم: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ) وَيَقُولُونَ أَبِنَّا لَتَارِكُوا الهَتِنَا لِشَاعِي تَجنُونِ ﴾]الصافات: ٣٥ - ٣٦[، وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهُ وَفِي الْأَرْضِ الله]الزخرف: ١٨٤، ﴿ أَجَعَلَ الأَلِمَةَ الهَا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٍ عُجَابٌ ﴾]ص: ٥[أَو لَهُ مَعَ اللَّهِ ﴾]النمل: ٦٠[، وَقَالَ اللهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهُ وَاحِدٌ ]النحل: ٥١[. فالإله في هذه الآيات وغيرها مفردًا ومثنى ومجموعا معناه: المعبود، ونفي المعبودات في الكلمة المشرفة يكفي في إثبات التَّوحيد ونبذ الشرك ولذلك جعلها الشارع دليلا على الإسلام وعنوانا له لأنه يلزم بالضرورة من نفي المعبودات نفي الخصائص الألوهية عنها وهي منتفية بضرورة العقل والمشاهدة كما قال الله تعالى: وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ وَالِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتَا وَلَا حَيَوَةً وَلَا نُشُورًا ﴾]الفرقان: ٣[. فلا حاجة إلى ما تكلفه السنوسي وغيره في شرح الكلمة المشرفة. وهذا آخر ما رأيت كتابته في هذا الموضوع الذي لم يتنبه له أحد فيهما  علمت والحمد لله على توفيقه وإلهامه، وأسأله القبول بفضله. والداعي إلى تحرير هذا البحث أني درست للطلبة بزاويتنا الصديقية شرح بناني على السلم، ولما وصلت إلى هذا الموضوع، وبينت لهم خطأ ما قرره بناني كغيره من المنطقيين، طلب مني بعضهم كتابة ذلك البحث، فأجبت طلبهم، لما فيه من عموم الفائدة، وكان أنس رضي الله عنه يقول لبنيه: يا بني قيدوا العلم بالكتابة.

 

أما مسألة تعلق القدرة بالمحال، فلي فيها رسالة اسمها: "رفع الإشكال عن مسألة المحال" أتيت فيها بما لم يسبقني إليه أحد والحمد لله. تتمة: علم مما حرَّرناه أنَّ الكلي والجزئي لا يكونان إلا ممكنين، أما واجب الوجود والمحال، فلا شيء منهما يكون كليا لما مر بيانه بتفصيل.

 

فصل: تأليف لم تكمل

١- تفسير القرآن الكريم بالأحاديث المرفوعة الثابتة، وصلت فيه إلى (سورة هود).

٢- الأحاديث الشاذة التي يصير الحديث الصحيح به ضعيفا تم وطبع.

٣- إرشاد الأنام إلى ما يتلى من الصلوات والأدعية في الأيام. - كنت بدأت أسماء الرجال الذين يقول عنهم الحافظ الهيثمي في "مجمع

٤- الزوائد": «لم أعرفه»، أو «لم أجد له ترجمة».

 

فصل: مؤلفات ضاعت

1    كتبت في السجن الجزء الثاني من "خواطر دينية".

2    وكتاب "أولياء وكرامات، أبطلت فيه كثيرًا من الكرامات المكذوبة وغير المعقولة، مثل ما يقال: أن يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرجت من القبر الشريف للرفاعي فقبلها والناس ينظرون.

3    وكتاب "أفضل مقول في مناقب أفضل رسول". بعثت بهذه الكتب إلى صاحب مكتبة «القاهرة» ليقوم بطبعها، فأمهل، ثم مرض مرضًا أنساه أشياء كثيرة، ولما سألناه عنها لم يتذكر أين وضعها وكلفنا ابنه أن يبحث عنها في مخزن الكتب فلم يجدها، والأمر الله.

 

فصل مؤلفات لم أسبق إليها

قال المقري في "أزهار الرياض: رأيت بخط بعض الأكابر ما نصه: المقصود من التأليف سبعة: شيء لم يسبق إليه فيؤلف، أو شيء ألف ناقصا فيكمل، أو خطأ فيصحح، أو مشكل فيشرح، أو مطول فيختصر، أو مفترق فيجمع، أو منثور فيرتب.  اهـ ومما لم أسبق إليه بفضل الله، الكتب الآتية:

1 "أمنية المتمنِّي في تحريم التبني لأنه شاع في المغرب - خصوصا طنجة - تبني الأطفال الذين يؤخذون من ملجأ أو مستشفى، ومع ذلك لم ينبه عليه أحد. ، حتى سئلت عنه فكتبت هذا الجزء، ثم وصلتني رسالة في الموضوع أيضًا لصديقنا السيد محمد حسين الجلالي، فوجدته يوافقني في التحريم.

2 "بدع التفاسير": أنشأت به علما لم يسبقني إليه أحد، وهو علم يعرف به التفاسير المبتدعة، وهو علم مهم من علوم القرآن.

3 "تمام المنة ببيان الخصال الموجبة للجنَّة": ثبت في "صحيح البخاري" عن ابن عمرو، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «أربعون خَصْلَةٌ أعْلاهنَّ مَنيحَةُ العَنْزِ لا يَعْمَلُ عَبْدٌ بِخَصْلَةٍ مِنهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلَّا أَدْخَلَهُ الله جل جلاله بها الجَنَّةَ». لم أجد أحدًا من شراح الصحيح بيَّنها باستيفاء، وغاية ما ذكروا منها خمس عشرة خصلة، فبينتها في هذا الجزء وضممت إليها ما في معناها.

4 "التوفّي والاستنزاه عن خطأ البناني في معنى الإله": وهو في الحقيقة رد على أهل المنطق جميعا، وإنما خصصت البناني لأني كنت أدرس شرحه على "السلم" بزاويتنا الصِّدِّيقية، وخطؤه أنه مثل بالإله للكلي الذي وجد منه فرد، وامتنع غيره، وبينت في هذا الجزء، أن الإله عام خاص بالله، وليس بكلي.

5 "ذوق الحلاوة ببيان امتناع نسخ التلاوة": بينت فيه خطأ الأصوليين الذين جوزوا نسخ تلاوة آيات من القرآن.

6 "حسن التفهم والدرك لمسألة الترك": بينت فيه خطأ من يستدل على حرمة شيء أو كراهته، بترك النبيِّ صلى الله عليه وسلم له.

7 "رفع الإشكال عن مسألة المحال": شرحت فيه مسألة تعلق القدرة بالمحال بطريقة لم أسبق إليها، والحمد الله (۱). (۱) وهذه إحدى ثلاث مسائل استغلقت عليَّ ثم فهمتها بإلهام من الله تعالى. قرأت في كتب الكلام مسألة تعلق القدرة بالمحال والخلاف فيها بين الأشعرية والمعتزلة، وابن حزم، واستغلق علي فهمها فتركتها مدة، وفي بعض الأيام كنت مسافرا لتطوان

8 وأثناء الطريق خطرت هذه المسألة فجأة على بالي مع حلها، فكتبت "رفع الإشكال".

9 "إعلام الراكع الساجد بمعني اتخاذ القبور مساجد": تكلمت فيه على حديث: «لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وأوردت عليه إشكالا ما سبقني إليه أحد.

10 المسألة الثانية: سُئلت ببلدة أويش الحجر عن السر في أن القرآن ذكر قصة يوسف كاملة في سورة واحدة ولم يكررها ولا جزأها؟ فلم يفتح عليَّ بجواب، وراجعت كتب التفسير فلم تتعرض لهذا الموضوع، فتركتها وبعد شهور بينما أنا راجع إلى بيتي سمعت قارتا يقرأ في الإذاعة قول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ مَابَنتُ لِلسَّابِلِينَ ﴾[يوسف: ٧] فألهمت جواب السائل المذكور وبيئته في كتاب "كمالا لإيمان". إياه.

11 "كيف تشكر النعم"، لم أسبق إليه أيضًا. ومعظم مؤلفاتي، لا تخلو من بحوث فيها ابتكرتها بما علمنيه الله وألهمني

12 ففي "الرد المحكم المتين" بينت أنَّ ترك الشيء لا يدل على منعه ولا كراهته

13 ثم بعد مدة وجدته في "سنن المهتدين" للمواق، منقولا عن أبي سعيد بن لب.

14 وفي "فضائل النبي في القرآن" أشياء ابتكرتها، منها الجواب عن الإشكال في التشبيه في الصلاة الإبراهيمية، حتى إن بعض معاصري العارف الشعراني زعم أن ذلك التشبيه يقتضي أفضلية إبراهيم، وهو خطأ.

15 وفي "واضح البرهان" بينت أن دلالة الاقتران نوعان؛ نوع ليس بحُجَّةٍ ونوع هو حُجَّةٌ باتفاق.

16 وفي كتاب "الإحسان" نبهت على أغلاط وقعت في "الإتقان" بعضها قبيح، ولم يُنبه عليها غيري، وأرى السيوطي تساهل فيها، سامحه الله.

17 وفي "الصبح السافر" نبهت على أشياء لم أسبق إليها.

18 وكتاب "جواهر "البيان" مع أني كتبته في السجن ولم يكن لدي مراجع وقع موقع القبول من أهل العلم والحمد لله. فقد ذكره الدكتور محمد أحمد يوسف القاسم في كتابه: "الإعجاز البياني في ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره، ونقل نماذج منه مثنيا عليها، ثم قال: وبعد فإن هذا الكتاب قد خدم القرآن كثيرًا، وخرج إلينا في أحسن صورة، خاصة وأن هذا النوع من المناسبات عسير المنال، اللهم إلا عند الخواص، وكم من الناس يتيسر له هذا؟ فجزاه الله عن المسلمين خيرا. وقال أيضا: «فإنه قد جمع القديم وصاغه في أسلوب يناسب العصر الحاضر، فوق ما فيه من ابتكارات ستظهر بحول الله في عرض الأمثلة». (ص ۱۷۳-۱۷۷) من كتاب "الإعجاز البياني"، طبع بمصر سنة (۱۳۹۹هـ – ۱۹۷۹م). وهذا حال أغلب مؤلفاتي والحمد لله.

19 وكتاب "الرد المحكم المتين" صوبت فيه خطأ الشيخ محمد مخيمر ومن على شاكلته، وقد وقع عليه الطلب وطبع ثلاث مرات ولا زال مطلوبًا.

20 أما "الحاوي" فقد جمع فيه تلميذي الفاضل الحاج إبراهيم أحمد شحاتة، ما كتبته من الفتاوى بـ"مجلة الشرق العربي والكتابة تتعبني كثيرا، ولا أجد من يساعدني فيها ولولا ذلك لكتبت أضعاف ما كتبته من المؤلفات، والحمد الله على فضله وإحسانه.

 

فصل في ذكر بعض ما حررته من الفوائد ومنها ما لم أسبق إليها

1- منها أني فرقت بين دلالة الاقتران التي اشتهر بين العلماء أنها ليست بحُجَّةٍ، وجعلتها نوعين:  نوع ليس بحُجَّةٍ باتفاق وهو أن تقترن أفعال متعاطفة أو تكون داخلة تحت أمر عام أو بالواو أيضًا مثل خمس من الفطرة. » الحديث. فلا يدل ذكر الختان فيها على أن غيره واجب كالختان ولا يدل ذكر السواك فيها على أن غيره ليس بواجب كالختان، فهذه الدلالة ضعيفة باتفاق. النوع الآخر: أن يقترن أمران في نهي، نحو نهي عن كل مسكر ومفتر، فهذه الدلالة حُجَّةٌ في تحريم المفتر مثل الخمر لأنهما اندرجا تحت نهي يخصهما، وانظر توضيح هذه الفائدة في آخر كتابي "واضح البرهان".

2- ومنها أنني بينت ما ينسخ من الأحكام وما لا ينسخ منها فقلت: الذي ينسخ من الأحكام هو الواجب والحرام والمباح وأن المندوب لا ينسخ، ورددت على بعض المالكية الذي زعم أن الركعتين بعد آذان المغرب وقبل الصلاة كانت مشروعة ثم نسخت فبينت أن هذا القول غلط لأنه فضيلة والفضائل لا تنسخ، والمكروه أيضًا لا ينسخ لأنه تابع المندوب.

3- ومنها أنني ذكرت أن الشيء قد يحرم ويباح مرتين وأكثر، مثل نكاح المتعة، قد نسخ تحريمه مرتين أو ثلاثة ثم نسخت إباحته إلى الأبد، أما الواجب فإنه إذا نسخ لا يعود واجبا أبدا، وهذا لم يقله أحد قبلي، وهاتان الفائدتان مذكورتان في كتابي "الصبح السافر في تحرير صلاة المسافر".

4- ومنها أن ابن حزم أكثر في كتابه "المحلى" من إلزام خصومه بالقياس، مع أنه لا يقول به، وتبعه مقلدوه في المغرب، فقررت أنَّ المعلوم عند علماء الجدل أنَّ العالم لا يلزم خصمه في المناظرة إلا بما يعتقده ويذهب إليه، ولا يجوز أن يلزمه بما لا يذهب إليه؛ لأن الغرض من المناظرة عند علماء الجدل الوصول إلى الحق من أحد الطرفين، وليس الغرض الإلزام للمخاصم فقط وهذه الفائدة نبهتُ عليها في "الرأي القويم".

5- ومنها أنني نبهت على أنَّ نسخ التلاوة الذي أجمع عليه الأصوليون ليس بجائز، بل هو مستحيل عقلا، وكتبتُ فيه رسالة "ذوق الحلاوة" وهي مطبوعة، وقد خالفني في رأيي هذا بعض العلماء تقليدا لما عرف عند الأصوليين، وإني مستعد لموافقتهم بشروط:

١- أن يثبتوا أن تلك الآيات ثبتت قرآنيتها بالتواتر وهذا غير موجود

قطعا.

2- أن يُبيِّنوا الحِكمة من نسخ التلاوة بعد وجودها في القرآن.

3- أن يجيبوا عن قول الله تعالى: ﴿وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَتِ اللَّهِ ﴾]الأنعام: ٣٤[.

وأجبت عن بعض الأسئلة الحديثية بما يأتي:

وزيادات عبد الله بن أحمد في "المسند" ننسبها له لأنه يرويها عن غير أبيه وكذلك روايات القطيعي، ولم يكن ابن تيمية يفضل "المسند" على الصحيحين من جهة الصحة ولكن من جهة الجمع والكثرة مع اعترافه بأن في "المسند" أحاديث ضعيفة».

والعلامة قاسم بن قطلوبغا لم يبلغ درجة الحافظ، وإن كان محدثا ناقدا وليس كل محدث حافظا».

- ما تفرد به حماد بن شاكر يعزى إلى البخاري مقيدا برواية حماد بن شاكر لا مطلقا».

- "مسند أحمد" كتاب عظيم، وفيه أحاديث ضعيفة رواها أحمد نفسه وسبب ذلك فيه أنه روى عن رجال يرى توثيقهم وضعفهم الجمهور، أو أنه كان يرى العمل بالضعيف إذا لم يجد غيره، ويراه خيرًا من رأي الرجال، وهذا رأي تلميذه أبي داود أيضا». والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم حين سئل عن صوم يوم الاثنين قال: يوم وُلِدتُ فيه، فلمَّح إلى الاحتفال به لكونه ولد فيه، وصام يوم عاشوراء وأمر بصيامه احتفالا بنجاة موسى، والله جل جلاله شرع لنا العقيقة فرحًا بوجود الولد، أنفرح بوجود مولود ونذبح عنه ولا نفرح بوجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟!.

وعدم الاحتفال به في عهد السلف لا يدل على منعه وإنما يدل على جواز تركه، وهذه قاعدة أصولية لا يعرفها كثير من الناس، وهي داخلة في العبادات أيضًا، ودليلها عدة أحاديث مذكورة في كتابي "إتقان الصنعة" والذي سألك لم يتنبه لها، لأنه متشبع بفكرة كل ما لم يحدث في عهد السلف فهو بدعة لا تجوز، ولو جرَّد نفسه من هذه الفكرة لانتفع بقراءة "إتقان الصنعة" واستفاد منه ولكن التقليد يمنع من ذلك».

- وقول العلامة المقري التلمساني: والأحاديث المسندة في "الشفا" جميعها ستون» صحيح.

- وحول إنكار العمل بالضعيف في الفضائل أجبت: وإنكار العمل بالضعيف في الفضائل سبق إليه ابن العربي المعافري، وقلده القنوجي في "نزل" "الأبرار" ثُمَّ جاء الألباني في مؤخرة القطار يُردّد الصدى، ولم يعلم أنَّ أحد الحفاظ الكبار - ولعله ابن الملقن - ألف كتابا اسمه "المعيار"، ذكر فيه الأحاديث الضعيفة التي عمل الأئمة الأربعة بها في الأحكام مجتمعين أو منفردين ورتبه على الأبواب الفقهية، وأنَّ المحدثين الذين اتفقوا على العمل بالحديث الضعيف في الفضائل اتبعوا الشارع فيما فعل، فإن الشارع تسامح في الفضائل ما لم يتسامح في الفرائض. خذ مثلا: صلاة النفل تصح من قعود مع القدرة على القيام، وتصح ركعة منها بالقعود وركعة بالقيام، ولا يصح ذلك في الفرض ابتداءًا، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفره لا يُصلِّي الفريضة إلا على الأرض فإذا ركب الراحلة وجهها إلى القبلة ثم كبر لصلاة النافلة وتركها تمشي حيث شاءت لا يردها إلى القبلة، وصوم التطوع يصح بنية من النهار ما لم يطعم، ومن أصبح صائما ثم ظهر له أن يفطر فلا إثم عليه».

والمقرر عند القراء كما قال ابن الجزري: أنَّ القراءة التي يصح اعتمادها والقراءة بها لها شروط ثلاثة:

١- أن يصح سندها.

٢- أن تصح بوجه من الوجوه في النحو.

٣- أن توافق رسم مصحف الإمام. فإذا اختل شرط من هذه الشروط كانت القراءة شاذة لا تجوز، وقراءة ترك البسملة مخالفة لرسم المصحف الإمام التي فيه البسملة مكتوبة في كل سورة عدا التوبة فترك قراءتها شذوذ غير مقبول.

- وسئلت عن قول ابن تيمية وابن القيم: «إنَّ الحسن عند الترمذي ضعيف عند أحمد».

فقلت: «ليس ذلك بقاعدة منصوص عليها في المصطلح، وإنما أخذاه من أن المتقدمين قسموا الحديث إلى صحيح وضعيف، وأن الترمذي أول من قسم إلى صحيح وحسن وضعيف فاستنبطا من هذا أن الحسن عند الترمذي ضعيف عند أحمد.

وهذا خطأ من وجهين:

1- أن الحسن جاء في كلام علي بن المديني وأحمد نفسه وبعض القدماء.

٢- أنَّ الترمذي حسن أحاديث في "صحيح مسلم" أو "البخاري". وأيضًا فإن تعريف الحسن عند الترمذي يخالف تعريف الضعيف عند الجمهور، نعم قد يكون حديث حسن عند الترمذي ضعيفًا عند أحمد، لكن ليس دائما ولا مطردًا».

- وسئلت: لماذا لم يرو البخاري للشافعي؟ :

فأجبت بالآتي: «لسببين غير علو السند:

أنَّ الشافعي كثيرًا ما يقول: أخبرنا الثقة أو أخبرني من لا أتهم.

أنَّ الرجال الذين روى لهم الشافعي فيهم ضعفاء ومجاهيل، والشافعي نفسه ينبه على بعضهم.

وسبب ثالث وهو أنَّ الشافعي لم يكن واسع الراوية، والأحاديث التي رواها صحيحة قليلة، معظمها ليس على شرط البخاري، والذي منها على شرطه هي عند البخاري بطريق أعلى.

وقد نقل البخاري عن الشافعي مرتين في صحيحه، مرة في كتاب الزكاة تحت عنوان: باب في الركاز الخمس، ومرة في كتاب البيوع تحت عنوان: باب تفسير العرايا»

- وسئلت عن تسوية بعضهم بين "الموطأ" والصحيحين، فقلت: «الأحاديث الموصولة في "الموطأ" ليست كلها على شرط البخاري منها حديث البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته».

- ومنها لفظ «الإله» اتفق المناطقة على أنه كلي وجد منه فرد واحد وهو الله تعالى، واستحال وجود غيره فبينت أن هذا خطأ وأن «الإله» علم خاص بالله جل جلاله وأن الكلية تدخلت فيه من معناه المجازي لأن العرب استعملته مجازا في آلهتهم وظن المناطقة غلطا أنه:.  كلي فأخطأوا، ونظير هذا أن حاتما علم على شخص معين ثم استعمل في كل كريم مجازا، فليس جعله في الكريم مجازا يجعل العلم الخاص كليًّا. وبينت ذلك في رسالتي: "التوقي والاستنزاه عن خطأ البناني في معنى الإله".

- ومنها أنه شاع في كتب الأصول والبلاغة والمنطق أن الخبر: ما احتمل الصدق والكذب لذاته وقد يكون صادقًا كخبر الله ورسوله، وقد يكون كاذبًا كقولنا الواحد نصف العشرة. لكنه نظرا لذاته بصرف النظر عن كونه قرآنا أو غير قرآن يحتمل الصدق والكذب لذاته. ورأيت القرافي عرف الخبر بهذا التعريف واعترضه العلامة ابن الشاط بأن خبر الله ورسوله لا يجوز أن يحتمل الكذب واختار أن يعرفه بقوله: الخبر ما أفاد الصدق أو الكذب، فالخبر الصادق كخبر الله ورسوله لا يحتمل الكذب وخبر الكاذب كخبر مسيلمة لا يحتمل الصدق أبدا وقد وجدت هذا التعريف صحيحا وبيئته في آخر ذوق" الحلاوة" بما زاده توضيحا.

- ومنها حل إشكال التشبيه الواقع في الصلاة الإبراهيمية التي تقال في التشهد في الصلاة، فقد عمي حله على كثير من الناس، حتى زعم بعضهم أن هذا التشبيه يفيد أفضلية إبراهيم على النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم وهو غلط واضح وهذا الإشكال حله سهل وهو أن التشبيه في علم البيان يأتي لأحد معنيين

١- إلحاق فاضل بأفضل نحو أبو يوسف كأبي حنيفة، أو زيد كالبدر.

٢- إلحاق متأخر بمتقدم من غير نظر إلى ما بينهما من فوارق  مثل قول الله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾]النور: ٥٥[فالآية ألحقت استخلاف المسلمين باستخلاف اليهود مع أن استخلاف المسلمين أعم وأكثر من استخلاف اليهود. فكذلك الصلاة الإبراهيمية شبهت فيها الصلاة على النبي باعتباره متأخرا بالصلاة على إبراهيم المتقدم من غير نظر إلى ما بينهما من المزايا والفضائل.

- واستدركت على الحفاظ صحابيًا اسمه الحارث بن سعيد، لم يذكره الحافظ ولا ابن عبدالبر ولا ابن الأثير، وحديثه في "المستدرك "، كما استدركت على الحافظ ابن حجر صحابيًا من الجن لم يذكره في "الإصابة".

- ومنها أن قراءة ورش التي يقرأ بها أهل المغرب فيها روايتان رواية بقراءة البسملة في كل سورة، ورواية بترك قراءتها، والحافظ السيوطي ذكر في "الإتقان" أن كلتا الروايتين متواترتان في قراءة البسملة وتركها، وهذا خطأ لأنه لا يجوز أن يتواتر الشيء وضده، والصواب الذي ذهبت إليه ولم أره لأحد غيري أن قراءة ترك البسملة شاذة لأنها تخالف رسم المصحف الإمام. - ومنها أنني أصنف الآن بحول الله جل جلاله جزءا في الأحاديث الشاذة التي لا يعمل بها، وبيان سبب ذلك: قال الحافظ عند الكلام على الحديث الشاذ: هذا أدق من المعلل بكثير، فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة، وكان في الذروة من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة»، وعقب عليه السيوطي في التدريب فقال: ولعسره لم يفرده أحد بالتصنيف». فصل: ثناء العلماء علي

١- منهم والدي الإمام القدوة رحمه الله ورضي الله عنه أثنى عليَّ كثيرًا كما سبق، وسأله بعض الإخوان عني فقال: «هو تحفة».

٢- ومنهم أخي أبو الفيض، أثنى عليَّ كثيرا في مناسبات مختلفة، وفي إجازته لي.

3- ومنهم شيخي العلامة المحقق الشيخ عباس بناني، كان يثني علي ويقدرني، وقال مرة عني لشيخ الجماعة مولاي عبد الله الفضيلي: «ليس عندك في القرويين مثله».

٤- ومنهم العلامة الشيخ سلامة العزامي رحمه الله كان يثني عليَّ في غيبتي وإذا التقينا، ونقل عني في كتاب "فرقان القرآن" الذي قدم به لكتاب "الأسماء والصفات" وفي كتاب "البراهين الساطعة".

ه- ومنهم.  العلامة الشيخ محمد زاهد الكوثري، كان يثني علي، وقرظ كتابي "إقامة البرهان"، في مقالة بـ"مجلة الإسلام" قبل أن يراه، لوثوقه ى (١)، وأخبرني أن علماء الهند طلبوا الإذن بترجمة "إقامة البرهان" إلى اللغة بعلمي الأردية - لغة الهند وأنه أذن لهم نيابة عني، وقد ترجم وطبع. (1) غير أن ذلك المقال لم ينشر في مقالات الكوثري لأن أحمد خيري الذي أشرف على جمع المقالات كان يحقد علي وعلى أخي أبي الفيض حقدًا شديدا، فلذلك حذف ذلك المقال من مقالات الكوثري، سامحه الله

٦- ومنهم الشيخ محمود شويل إمام المسجد النبوي، كتب إلي يقول: كنت أظن أن الحديث انقرض في مصر بعد الشيخ رشيد رضا والشيخ أحمد شاكر، فلما تتبعت مقالاتك بـ"مجلة الإسلام" علمت أن الحديث لم ينقرض فأنت ثالث الشيخين في نظري.

7- ومنهم العلامة الشيخ محمد إسماعيل عبد رب النبي، وكان يقول عني: نابغة.

8- ومنهم العلامة الشيخ يس الشيشيني إمام وخطيب مسجد الإسماعيلي بالقاهرة، رغب أن يقرظ كتاب "الحجج البينات"، فقرظه وأنشأ قصيدة مدحني فيها كثيرًا. وما طلبت من أحد أن يقرظ لي مؤلفًا من مؤلفاتي، حتى إني لما كتبت "نهاية الآمال" وبعثته مطبوعاً إلى أخي أبي الفيض وأثنى عليه، عتب علي إذ لم أبعثه إليه قبل طبعه ليقرظه.

٩- ومنهم الشيخ محمد الحافظ التجاني، كان يثني علي كثيرًا، ويلقبني: كنز السُّنَّة -رحمه الله - وهو لم يتخرّج من الأزهر، لكنه كان ذكيا نبيها، واشتغل بالحديث حين تعرف بنا، وله بحوث طيبة، ولم يكن متطرفا على عادة التجانيين، وكان واسع الصدر حليما لا يغضب أبدًا، وهذا خلق ما رأيته في غيره

۱۰- ومنهم العلامة الشيخ العلامة الشيخ عبدالغني عوض كان يثني على ويصفني

بالتحقيق.

١١- ومنهم الشيخ محمد حسين الذهبي رحمه الله أثنى عليَّ عند أخي السيد إبراهيم وقال إنني ساعدته في كتاب التفسير والمفسرون" من الناحية

الحديثية.

١٢- وكان الأستاذ البهي الخولي يقول عني: السيد الشريف الحافظ عبد الله علمه حاضر، إذا سألته أجاب، والعالم المصري إذا سألته، يقول: «حتى أراجع».

١٣- ولما اطلع صديقنا الشيخ أحمد مرسي على جزء "حسن التفهم والدرك " قال الجليسة: كنت أقول عن السيد الشريف الحافظ عبد الله أنه:.  تيمم بالنسبة لأخيه السيد أحمد، على سبيل المزاح والآن أقول على سبيل الحقيقة: أن السيد الشريف الحافظ عبد الله أعلم أهل الأرض، وأن السيد أحمد لا يقدر على تأليف هذا الكتاب». وهذه مبالغة بلا شك. ومن احتياج العلماء إليَّ أنني حين زرت المدينة المنورة في أحد المرات ذهبت إلى الشيخ الفاضل حماد الأنصاري في بيته، فقال لي: «كلمة أشكلت عليّ في حديث لم أهتد لحلها»، قلت: ما هي؟ قال: «في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كاني بنساء بني فهر يطفنَ بالخَزرج»، قال حماد: «لم أفهم معنى الخزرج، فرجعت إلى "المسند" الذي حققه الشيخ أحمد شاكر فوجدته يقول: كذا بالأصل. ورجعت إلى "مجمع الزوائد" فوجدت فيه كلمة الخزرج كما هي، ولم أعرف معناها». قلت: «هذا تصحيف والصواب بالحزورة، كان سوقا بمكة»، فقال: «هذا هو الصواب». وهذا الشيخ تربطني به علاقة طيبة وكلما زرت المدينة يحتفل بي ويقابلني مقابلة جيدة ويساعدني في الحصول على بعض المخطوطات في الجامعة الإسلامية. إلا أنه رد علي مرة في مجلة الجامعة الإسلامية" في مسألة التوسل، ولما وجدت رده ضعيفًا لم أشأ أن أشغل نفسي بالرد عليه، وهو قد أخطأ في رده هذا خطأ حديثيًا لا يعرفه.

١٤- ولما اطلع العلامة الشيخ محمد نور سيف المكي رحمه الله جل جلاله على كتابي "إعلام النبيل بجواز التقبيل " سُرَّ به وأثنى عليه كثيرا ونسخ لنفسه نسخة بخطه ونظم في مدح هذا الجزء أبياتا رحمه الله وأكرم مثواه وبارك في أنجاله.

ولم أذكر كثيرًا من العلماء الذين أثنوا علي وسألوني عن مسائل في الحديث، مثل العلامة الشيخ يوسف الدجوي عضو هيئة كبار العلماء، والعلامة الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر، رحم الله الجميع.

فصل: ذكر بعض المبشرات

١- رأى الأستاذ الفاضل الحاج عبد السلام بوعياد مبشرة حاصلها كما قال: «رأيت مولاي أحمد بن الصديق عليه حلة رائعة وهو يتحدث مع والدي والده الفقيه العربي بوعياد خطيب الزاوية الصديقية رحمه الله - ومع غيره في شأن الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق أخيه، يقول له أي السيد أحمد : «كل عالم يقصد زيارة سيدي عبد الله إلا ويستقبله ورائحة العطر تعبق منه أصالة وبدون انقطاع من غير أن يتسبب في استعمالها»، ثم قال مولاي أحمد: «لو حصلت على هذه المزية لأدركت بها مقام المشاهدة». قال الرائي: «ثم خرجت قاصدا دار سيدي محمد، فوجدت مولاي عبدالحي وأخاه سيدي عبدالعزيز وأخي أحمد وآخرين لم أعرفهم فشرعت أقص عليهم ما سمعته من سيدي أحمد في شأن سيدي عبد الله وأثناء القصة أقبل سيدي عبد الله وعليه جلابة وَزَّانية أنيقة وفي كفيه قنينتان عامرتان بالعطر الفاخر وأشياء من الطيب، فصار الكل يتعجب من هذه الرؤيا».

٢- وقال الدكتور أحمد علاء دعبس مدرس الفقه الحنفي بالأزهر الشريف: «إنه في عام ۱۹۷۹م رأيت أنني بمسجد سيدنا الحسين رضي الله عنه ورسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يجلس على يسار القبلة على أريكة وهو يلقي درسا، وبعد أن فرغ منه سألته الشفاعة فأخبرني بأنه إذا أردت رجلا من أهل الشفاعة فانظر خلفك فنظرت فإذا بالشيخ عبد الله آت من الباب المقابل للقبلة في جماعة من أحبابه.

٤- ومنها أني زرت مرة قرية أويش الحجر من جملة زياراتي لها، وألقيت درسا حديثيًا كعادتي مع أهل البلدة وانجر الكلام إلى موضوعات متنوعة حتى انتهى إلى أشراف المغاربة وهل هم ينتمون إلى الحسين؟ فأخبرتهم أن معظم الأشراف عندنا ينتمون إلى الحسن بن علي عليهما السلام وقليل منهم ينتمي إلى أخيه الحسين عليه السلام وسألوني أن أملي عليهم نسبي فأمليته عليهم، لأني حفظته وأنا في الكتاب. فقال لي الشيخ الحسيني، وكان إمام مسجد وسط البلد ومعلم القرآن، ويتبرك به أهل البلد لصلاحه وعزوفه عن الدنيا رحمه الله: «أشهد أنك شريف منسب حقا»، فقلت: وما ذاك؟» قال: رأيت الليلة الماضية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبلت يده، ووجدت شخصا يقعد بجانبه فسألت عنه فقال: «هذا ولدي وسيتلو عليك نسبه فأصبحت بيننا على غير ميعاد، وتلوت علينا نسبك. ورأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم ومعه الشيخان وغيرهما، ورأيت جبريل عليه السلام، وأخبرني أنه جاء من الأبواء، ورأيت عليا عليه السلام، ورأيت الحافظ ابن حزم، مرات وابن العربي المعافري، وعز الدين بن عبد السلام، وحصلت بيننا مذاكرة في قاعدة علمية، والسيد أحمد البدوي رأيته مرتين، ورأيت أبا الحسن الشاذلي شارح "الرسالة"، والجمل محمي "الجلالين"، وجدنا أبا العباس بن عجيبة. ولم أزاول الشعر إلا قليلا في بعض المناسبات.

وكنت في صغري كثير الأمراض، حتى قالت مرة والدتي لوالدي رحمهما الله ورضي عنهما ونحن على مائدة الطعام أظن أن هذا الولد لا يعيش»، فقال لها: بل سيعيش، وتمر عليه أزمة كبيرة، فكان مصداق كلامه دخول السجن في عهد جمال عبدالناصر، بتدبير مجرم مغربي أكرمته غاية الإكرام فدبر لي مع المباحث المصرية تهمة التجسس الحساب فرنسا على الجزائر وهي تهمة باطلة وحكم عليَّ بالإعدام، وبعد الحكم حلفت للصحفيين الذين كانوا ملتفين حولي إني لن أعدم، فتعجبوا، ومما عده المصريون من كراماتي أن القاضي المسيحي الذي حكم عليَّ، لم يمر عليه شهران حتى ألقى بنفسه من سطح بيته فمات منتحرا.

ثم مات جمال ميتة غير سليمة، وهو الآن عند الله جل جلاله يلقى جزاء ظلمه وغشمه، فقد أملى الله له ثم أخذه أخذ عزيز مقتدر، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والحمد الله رب العالمين.

 

فصل: في ذكر ما رحلت إليه من البلاد

١- رحلت إلى الحج سنة ١٣٧٨ هـ وهي أول حجة لي، وإن كنت قد حج بي وأنا صغير حين حج مولانا الوالد رحمه الله مع العائلة سنة ١٣٣٠هـ.

٢- ورحلت إلى الإمارات العربية المتحدة، أبو ظبي، دبي، الشارقة، قطر سنة ١٣٩٩هـ، وفي هذه الرحلة فتح علي بأفكار نسخ التلاوة، وكتبت فيها مقالا نشر في "مجلة منار الإسلام"، ولقيت في قطر الأستاذ عبد الله إبراهيم الأنصاري وكان طيب الخلق محبا للعلم.

3- ورحلت إلى الأردن - عمان - وقعدت فيها ثلاثة أيام ولم تعجبني لشدة بردها، ثم ذهبت هذه السنة إلى الأردن باستدعاء السيد حسن السقاف، ومكثت عشرة أيام في ضيافته، وأعجبني كثيرًا جو الأردن ومناظره الطبيعية وأهله الكرماء، وفيهم محبة للعلماء وتقديرهم، ويكرهون الألباني لابتداعه، كما يكرهون المبتدعة عموما، ويقيم هناك مسلم أمريكي اسمه نوح، وزوجته وأولاده مسلمون، وهو شافعي يفهم فقه الشافعية لأنه درس على بعض العلماء الشافعية، زارني مرات وحضر دروسي وطلب مني أن أعطيه إذنًا بترجمة مؤلفاتي إلى الإنجليزية وسيبدأ بترجمة "إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة" السقاف جوهرة الأردن، لقيامه بنسف سيئات ابن تيمية ويعتبر السيد حسن وابن القيم، وذيلهما الألباني.

٤- ثم ذهبت إلى السودان في العام نفسه، ونزلت في أم درمان عند السادة الأدارسة أولاد السيد أحمد إدريس شيخ السيد محمد بن علي السنوسي. ه ورحلت إلى أمريكا، مرتين مرة على سبيل الفسحة سنة ١٤٠١هـ باستدعاء ولدنا أحمد درويش وأقمت فيها عشرة أيام، ومرة أخرى سنة ١٤٠٢ هـ ذهبت لإجراء عملية في عيني، وأقمت هناك ثلاثة أشهر في شيكاغو في منزل محمد علي كلاي وأقمت هذه الفترة في البيت المذكور، وتضايقت كثيرا لأني لم أسمع طول هذه المدة أذانا للصلاة، ولم أر شخصا يقول: لا إله إلا الله، والمسلمون هناك ليس عندهم من مظاهر الإسلام إلا الذهاب إلى صلاة الجمعة في المسجد.

وحججت أيضًا حجتين أخريين سنة ١٣٩٦ هـ- ١٤٠١هـ واعتمرت سنة ١٤٠٤ هـ في شعبان. وفي حج سنة ١٣٩٦هـ التقيت في المدينة المنورة بالشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد وكان قاضيا ورئيس الحرم النبوي، وكان كريم الخلق، استجازني فأجزته وذهب بي إلى بيته وأراني في مكتبته ركنا خاصا بمؤلفاتي ومؤلفات أخي واستمرت المودة بيننا، وكان يستفيد مني ويتصل بي هاتفيًا يسألني عما يشكل عليه فأجيبه،، وكان يقول عني أني من علماء القرن الثامن أو التاسع.

لكنه لما اطلع على نقضي لكتاب أبي إسماعيل الهروي المشبه، غضب وطار صوابه وهذى كثيرًا وأظهر عداوة شديدة، وهكذا المشبهة يكرهون التنزيه ويسمون المنزهين معطلة وجهمية.

والأنصاري يقول في "الأربعين" أن الله يقال له «شخص»، وأن له عينين ويدين لهما أصابع فيها خنصر وبنان وله رجل يطأ بها الكرسي ويضعها على النار فتنطفئ، وله حد وجهات.

فإنكاري لهذه المخازي أحفظ الشيخ بكرًا وأغضبه، مع أن إثبات الحد لله كفر، لأنه من سمات المحدثات، والله ينفي الحد عن ذاته بقوله تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبِ وَاللَّهُ مِن وَرَاهِم تُحيط)]البروج: ١٩ -.  ٢٠[أي أنه بكل شيء محيط، ومن أسمائه الحسنى: «الكبير»، ولو كان له حد لم يكن كبيرًا. والمشبهة يزعمون أنهم أثبتوا الحد لإبطال وحدة الوجود، وهذا غسل دم بدم، أو غسل نجاسة بأنجس منها، فبطلان وحدة الوجود معلوم بالضرورة العقلية القاضية باستحالة اتحاد الخالق بالمخلوق أو حلوله فيه، وليس في قواعد العلم ما يجيز إبطال عقيدة كفرية بمثلها أو أشد منها فسادًا وكفرًا. والتقيت بالشيخ حماد الأنصاري وكنت قد لقيته قبل ذلك بالمغرب حين جاء لتصوير بعض المخطوطات ولما عزمت على الذهاب إلى مكة اتصل الشيخ بكر هاتفيًا بالقاضي محمد الرفاعي ليقابلني فاستقبلني عند مكتبة الأمدادية بباب العمرة وذهب بي وأخذني إلى بيته.

وقعدت في بيته شهرًا كاملا وكان يجتمع الطلبة عندي في بيته بعد صلاة العشاء في كل ليلة، وكانوا يسألونني عن أشياء تتعلق برسائلهم الجامعية وأفدتهم فوائد جليلة شكروني عليها ومنهم صهر الألباني.

وأخذني القاضي محمد الرفاعي إلى الشيخ عبدالعزيز بن باز في دار الدعوة والإفتاء فاستقبلني استقبالا طيباً واحتفى بي ودعاني للغداء عنده في اليوم التالي، وأخذني القاضي أيضًا إلى الشيخ عبد الله بن حميد رئيس المحاكم الشرعية رحمه الله، فتعشينا عنده وجرى بيني وبينه كلام حول البناء على القبور.

أما في حج  سنة ١٤٠١ فنزلت في دار العلوم الدينية بجرول عند العلامة الشيخ ياسين الفاداني.

والتقيت بكثير من العلماء من اليمن وسوريا وأندونيسيا وغيرها فضلا عن علماء مكة وطبعت إجازة لأجيز بها السادة العلماء والطلبة الذين استجازوني وقد بلغوا أكثر من ألف وهذا نصها:

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وأصحابه وبعد:

أن أجيز له بمروياتي عن

فقد طلب مني مشايخي الذين رويت عنهم وتلقيت، فأجبته إلى رغبته راجيا أن تنالني دعوة صالحة منه، فقلت متوكلا على الله ومعتمدا في كل أموري عليه أجزت الأستاذ الفاضل المذكور بجميع ما أجازني به مشايخي من مسموعات ومرويات، وهم كثيرون

منهم والدي العارف بالله جل جلاله القدوة سيدي محمد بن الصديق الغماري، يروي عن شيخ الجماعة أحمد بن الخياط الزكاري، والمهدي الوزاني، وأبو سالم الامرائي، وغيرهم كما في "التصور والتصديق" المطبوع.

ومنهم شيخنا خطيب الجامع الأزهر المعمور سابقا أبو عبد الله محمد إمام بن إبراهيم.  السقا ابن الشيخ علي ابن الشيخ حسن شلبي الشبرا بخومي الشهير بالسقا، وهو يروي عن والده الشيخ إبراهيم السقا شيخ الشافعية في وقته، عن شيخه العلامة الشيخ ثعيلب عن الشيخ الشهاب الملوي والشيخ الشهاب الجوهري، عن شيخهما الشيخ عبد الله بن سالم البصري صاحب الثبت المشهور. (ح) ويروي الشيخ إبراهيم السقا عن الشيخ محمد الأمير الصغير المالكي عن والده الشيخ محمد الأمير الكبير صاحب الثبت المشهور. ومنهم شيخنا عالم الشام محمد بدر الدين الدمشقي، وهو يروي عن الشيخ إبراهيم السقا بأسانيده السابقة.

ومنهم شيخنا العلامة شيخ علماء مصر الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي، وهو يروي عن مشايخ عدة منهم شيخ المالكية في وقته الشيخ محمد عليش، عن الأمير الصغير، عن والده. ويروي المذكور. أيضًا عن الشيخ عبدالرحمن الشربيني، عن الشيخ إبراهيم السقا ويروي أيضا عن ضياء الدين أحمد بن مصطفى الخالدي الكمشخانوي صاحب كتاب "راموز الأحاديث وشرحه المطبوعين، عن شهاب الدين أحمد ابن سليمان الإروادي، عن عبدالرحمن الكزبري وابن عابدين والباجوري، وللأولين ثبتان معروفان

ومنهم الأخوان الفاضلان محمد كمال الدين وأخوه أبو النصر ولدا أبي المحاسن محمد بن خليل القاوقجي المشهور وهما عن والدهما، عن الشيخ عابد السندي بما في ثبته المشهور.

ومنهم شيخ علماء دمياط محمد محمود خفاجة الدمياطي عن القاوقجي. ومنهم الشيخ عويد المكي الخزاعي الضرير وهو عن العلامة الأديب الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري بما في كتبه.

ومنهم المعمر محمد دويدار الكفراوي التلاوي، وهو يروي بالعامة عن إبراهيم الباجوري، عن الأمير الكبير.

ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم السمالوطي - العلامة المشهور - وهو يروي

عن إبراهيم السقا والشمس الإنبابي وغيرهما. ومنهم شيخنا مسند الديار المصرية السيد أحمد بن عبدالعزيز بن رافع الطهطاوي الحسيني صاحب "المسعى الحميد"، يروي عن الشيخ شمس الدين الإنبابي الذي أفرد له ترجمة خاصة في كتاب خاص اسمه "القول الإيجابي في ترجمة شمس الدين الإنبابي" استوفى ذكر شيوخ الإنبابي وأسانيده، وهو مطبوع، وللسيد أحمد رافع شيوخ آخرون.

ومنهم شيخنا السيد محمد بن إدريس القادري صاحب "إزالة الدهش والوله عن المتحير في حديث زمزم لما شرب له"، وشرح "جامع الترمذي"، يروي عن السيد محمد بن قاسم القادري والسيد محمد بن جعفر الكتاني. ومنهم شيخنا أبو حامد المكي البسطاوي الرباطي، يروي عن أبي الحسن علي بن سليمان البوجمعوي محشي الكتب الستة وصاحب الثبت المعروف. وأروي عن شقيقنا الحافظ السيد أحمد بن محمد بن الصديق، والعلامة عبدالمجيد اللبان، والمؤرخ السيد محمد زبارة الحسني، والأصولي أبي حسنين محمد بن حسنين مخلوف العدوي، رحمهم الله وأثابهم رضاه. وأروي الحديث المسلسل بالأولية عن عدة من السادة العلماء من أجلهم السيد أحمد رافع الطهطاوي وهو أول، قال: حدثنا الشمس محمد الأشموني وهو أول، قال: حدثنا علي بن عيسى النجاري وهو أول، قال: حدثنا محمد بن محمد الأمير المالكي الكبير وهو أول، وبقية السند في ثبته المطبوع. هذا ما رأينا أن نذكره من مشايخنا إجابة لرغبة السائل الفاضل وتعجيلا للفائدة المرجوة من الإجازة. أوصي الأستاذ المجاز أن لا ينساني من صالح دعواته وفقني الله وإياه إلى ما فيه رضاه.

عبد الله بن محمد بن الصديق، عفي عنه التاريخ ٢٩ / ١١ / ١٤٠١ هـ

 

وممن التقيت به في هذا الموسم من العلماء الأفاضل، الشيخ زكريا بن عبد الله بيلا، والشيخ محمد الشاذلي النيفر شيخ علماء تونس، وتلميذنا الشيخ عبدالفتاح أبو غدة الذي حضر إلي من الرياض ففرحت به بعد غيبة طويلة، وقرأ علي في مجلس واحد مقدمة "صحيح مسلم".

والشيخ إسماعيل الزين اليمني المكي، والشيخ أحمد جابر جبران، والشيخ محمد عوض الزبيدي، والسيد محمد علوي المالكي، والشيخ الدكتور أحمد نور سيف، وغيرهم من علماء مكة المكرمة واليمن والشام وأندونيسيا. وقد أكرم وفادتنا الشيخ محمد ياسين الفاداني غاية الإكرام وسر بوجودنا جدا، وأنا أعده مسندا للعصر بلا منازع بعد شيخنا السيد أحمد رافع الطهطاوي وفقه الله وكان معي في هذه الحجة أخي السيد عبدالعزيز بن الصديق.

وفي عمرة شعبان سنة ١٤٠٤هـ التقيت بجماعة من تلامذتي وغيرهم بالمدينة المنورة منهم الشيخ محمد علي المراد الحموي الحنفي الذي تعرفت به في مصر بواسطة شيخه وتلميذي في نفس الوقت الشيخ محمد الحامد الحموي رحمه الله تعالى.

والشيخ المراد المذكور من أسرة علم كبيرة بحماة وهو رئيس رابطة العلماء بها، وهو يقدرني كثيراً ويحترمني وقد أكرم وفادتي غاية الإكرام.

ومنهم الشيخ محمد عوامة وهو عالم فاضل جميل الخلق. والتقيت بالشيخ خليل إبراهيم ملا خاطر، والشيخ وهبي سليمان الألباني والشيخ عبدالرحمن الكعكي الذي يعشق كتبي ويقتني منها مجموعات وفقه الله.

والتقيت بالشيخ حماد الأنصاري، وبالشيخ عطية سالم المدرس بالحرم النبوي وقد سألني أسئلة أبانت عن فقهه، وهو كريم الخلق.

والشيخ المختار الشنقيطي وهو عالم فاضل يحب الأشراف وكان يود أن يراني من فترة وقد سررت بلقائه وأطلعني على شرح له لـ"سنن النسائي" وفقه الله لإتمامه وطبعه ثم الانتفاع به.

وممن التقيت بهم بالمدينة أيضًا السيد أحمد عبدالجواد الذي يشتغل بطبع "الجامع الكبير" وقد أهداني نسخة من الكتاب.

ورحلت إلى مصر مرات عديدة ودرست في آخر مرة "الشمائل" و"الموطأ " و"اللمع" لأبي إسحاق الشيرازي، ولي في مصر تلاميذ كثيرون من الشباب المثقف فتح الله عليهم. وأختم هذا المؤلف بإثبات بحثاً لي في رتب الحفظ عند أهل الحديث، كتبته مقالا في "مجلة دعوة الحق".

 

رتب الحفظ عند المحدثين

نقل المناوي في أوائل شرح الشمائل" عن المطرزي، قال: «الأهل الحديث مراتب، أولها الطالب: وهو المبتدئ. ثُمَّ المحدث: وهو من تحمل روايته، واعتنى بدرايته. ثُمَّ الحافظ: وهو من حفظ مائة ألف حديث متنا وإسنادا. ثُمَّ الحُجَّة وهو من أحاط بثلاثمائة ألف حديث. ثُمَّ الحاكم وهو من أحاط الأحاديث المروية».  اهـ وأهل الحديث لا يعرفون هذه المراتب، ولا يعترفون بها؛ لأنها تخالف ما بجميع اصطلحوا عليه.

فالطالب هو المبتدئ في كلِّ عِلم، وليس خاصا بأهل الحديث، وفي حديث رواه الطبراني بإسنادٍ ضعيف عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ طَالِبُها: طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالبُ دنيا»، والحجة من مراتب التعديل لا الحفظ.، وهي فوق الثّقة كما نص عليه الذهبي في "تذكرة الحفاظ"، وستأتي عبارته بحول الله، أما الحاكم فلا علاقة له بالحفظ ولا التعديل، بل هو لَقَب عائلي لبعض الحفاظ والمحدثين.

منهم: أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي الحافظ صاحب كتاب "الكنى" وغيره من المؤلفات، توفي سنة (۳۷۸)، قال الذهبي: وهو الحاكم الكبير. ومنهم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله محمد بن حمدويه بن نُعيم النيسابوري الحافظ، صاحب كتاب "المستدرك " وغيره يعرف بابن البيع، توفّي سنة (٤٠٥)، وهو تلميذ الحاكم الكبير.

ومنهم: أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد. محمد بن حسكان القرشي العامري النيسابوري الحنفي الحافظ، يعرف بابن الحذاء، وبالحسكاني، أخذ عن الحاكم صاحب "المستدرك" وتوفّي بعد سبعين وأربعمائة.

ومنهم: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن الحسن الاستراباذي المحدث، حدث سنة (٤٣٢) ترجم له التاج السبكي في "طبقات الشافعية"، ولم يذكر سنة وفاته.

والعجيب أنَّ المتأخرين تمالئوا على نقل كلام المطرزي تقليدا بدون تمحيصي.

والواقع أنَّ مراتب الحفظ عند أهل الحديث على الوجه الآتي: مُسند، ثُمَّ مُحدّث، ثُمَّ مُفيد، ثُمَّ حافظ، ثُمَّ أمير المؤمنين في الحديث.

فالمسند - بكسر النون من يعنى بالإسناد من حيث اتصاله أو انقطاعه أو تسلسله بصفة مُعيَّنة وإن لم يكن له خبرة بالمتون.

وكان شيخنا العلامة المرحوم السيد أحمد رافع الحسيني الطهطاوي الحنفي مسند العصر بدون منازع له كتاب "المسعى الحميد إلى بيان وتحرير الأسانيد"، حرّر الكلام فيه على الأسانيد الموجودة في نحو أربعمائة ثبت، ونبه على أوهام وقعت في كتاب "فهرس الفهارس"، وكان لا يعرف في المتون كثيرًا ولا قليلا.

والمحدث: من سمع الكتب الستة و"الموطأ" و"سنن الدارمي" و"الدار قطني" و"البيهقي" و"مستدرك الحاكم" و"مسند أحمد"، وسمع إلى جانب هذه الكتب ألف جزء حديثي وحفظ جملة مستكثرة من المتون.

ويكفي عن الحفظ في هذا الوقت أن يراجع أحاديث "الجامع الصغير" مرات حتى تعلق أحاديثه بذهنه بحيث يستحضر حديثاً منها إذا شاء، ويشتمل "الجامع الصغير" على نحو عشرة آلاف حديث فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، فمن أحاط بها واستحضر معانيها، وعرف مظانها، مع بقيَّة الشروط السَّابقة كان مُحدِّنا.

والمفيد: رتبة استحدثت في القرن الثالث الهجري، قال الحافظ الخطيب: حدثني محمد بن عبد الله عن أبي بكر محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب، قال:

موسى بن هرون يعني الحمال الحافظ - سماني المفيد.

قال الحافظ الذهبي: فهذه العبارة أول ما استعملت لقبا في هذا الوقت، قبل الثلاثمائة، والحافظ أعلى من المفيد في العرف، كما أنَّ الحجة فوق الثقة». اهـ وممن لقب بالفيد سوى أبي بكر المذكور، أبو بكر وأبو عبد الله محمد بن يوسف بن يعقوب الرقي المؤرّخ، روى عن الطبراني وغيره، توفي سنة (۳۸۲)، اتهمه الخطيب بوضع حديث في فضل أهل الحديث.

قلت: لفظ الحديث المشار إليه: إذا كان يوم القيامة، جاء أصحاب الحديث بأيديهم المحابِرُ، فيأمر الله جبريل أن يأتيهم فيسألهم، وهو أعلم بهم فيقول: من أنتم؟ فيقولون: نحن أصحاب الحديث، فيقول الله عزّ وجلَّ:

ادخلوا الجنة على ما كان منكم، طالما كنتم تصلُّون على النبي في دار الدُّنيا». رواه الخطيب في "التاريخ " من طريق محمد بن يوسف الرقي المذكور، حدثنا الطبراني: ثنا الدبري: ثنا عبد الرازق عن مَعْمَرٍ، عن الزهري، عن أنس رفعه به. ورواه أبو المحاسن الرُّوياني في "فوائده"، عن عبد الله بن جعفر الجبائري عن محمد بن يوسف الرقي به، لكن قال: عن مَعْمَرٍ، عن قتادة عن أنس. ورواه ابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق الخطيب وقال: الحمل فيه على الرقي، وقال الذهبي: وضع على الطبراني هذا الحديث. ورواه الديلمي في "مسند الفردوس"، والنميري في "الأعلام" من طريق الحافظ

آخر، فيه محمد بن أحمد بن مالك الإسكندراني وهو مجهول، واقتصر السَّخاويُّ في القول" البديع"، على تضعيفه من الطريقين، وهو تساهل منه رحمه الله، فالحديث موضوع كما قال الخطيب وابن الجوزي والذهبي، ومما يؤيد وضعه نكارة معناه، وروايته من طريق أئمة أجلاء عبد الرازق، عن مَعْمَرٍ عن الزهري عن أنس.

وممن لقب بالمفيد:

أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي البستي، صاحب أحد وهو شيوخ الحاكم، صاحب "معالم السنن" وغيره من المصنفات "المستدرك " توفي سنة (۳۸۸) ببلدة بست، في أفغانستان. وأبو سعد عمر بن علي بن عمر النيسابوري الخشاب المتوفى سنة (٤٥٦). وأبو منصور عبدالمحسن بن محمد بن علي الشيمي السفار المتوفى سنة (٤٨٩). وأبو الفرج عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف اليوسفي البغدادي المتوفى سنة (٥٤٨).

وأبو علي صدر الدين الحسن التيمي البكري الصُّوفي المتوفى سنة (٦٥٦). وشمس الدين علي بن المظفر بن القاسم الربعي الدمشقي المتوفى سنة (٦٥٦).

ثُمَّ المفيد من جمع شروط المحدث، وتأهل لأن يُفيد الطبلة الذين يحضرون مجالس إملاء الحفاظ، فيبلغهم مالم يسمعوه، ويفهمهم ما لم يفهموه، وذلك بأن يعرف العالي والنازل والبدل والمصافحة والموافقة، مع مشاركة في معرفة العلل.

والأصل فيه ما رواه أبو داود والنسائي عن رافع بن عمرو قال: رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى، على بغلة شهباء، وعلي يعبر عنه، وفي "الصحيحين" عن أبي جمرة قال: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس. الحافظ: اختلف في تعريفه بين مُشدّدٍ ومُخفّف، وأعدل التعريفات فيه أنَّه من جمع شروطا ثلاثة:

۱- حفظ المتون، ولا يقل محفوظه عن عشرين ألف حديث.

۲- حفظ أسانيدها وتمييز صحيحها من سقيمها.

٣- معرفة طبقات الرُّواة وأحوالهم، طبقة بعد طبقة، بحيث يكون من لا يعرفه أقل ممن يعرفه، حتى إذا قال في راو: لا أعرفه، اعتبر ذلك الراوي من المجهولين. ويتفاوت الحفاظ بتفاوت كثرة محفوظاتهم وقلتها، وهذه أمثلة من ذلك: قال يعقوب الدورقي: كان عند هشيم عشرين ألف حديث، وقال يحيى بن معين: كانت كتب ابن المبارك التي حدَّث بها نحو عشرين ألف حديث. وقال يزيد بن هارون أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بالإسناد ولا فخر، وأحفظ للشاميين عشرين ألفًا لا أسأل عنها. وقال أيضا: سمعت حديث الفتون مرة واحدة فحفظته، وأحفظ عشرين ألفا، فمن شاء فليدخل فيها حرفا.

وحديث الفتون طويل، يقع في نحو كراسة، رواه النسائي في "السنن الكبرى" وابن أبي حاتم والطبري في تفسيريهما، وأبو يعلى في "معجمه" من طريق يزيد بن هرون، عن أصبغ بن يزيد عن القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به.

قال ابن كثير: «وهو موقوف من كلام ابن عباس، وليس فيه مرفوع إلَّا قليل منه، وكأنه تلقاه تما أبيح له نقله عن الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره، وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك». اهـ

قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد" بعد أن عزاه لأبي يعلى: «رجاله رجال الصحيح غير أصبغ بن زيد والقاسم بن أبي أيوب وهما ثقتان».  اهـ قلت: وقع في ترجمة أصبغ في "الميزان": راوي حديث القنوت، وكذلك وقع في ترجمة القاسم في "تهذيب التهذيب"، وهو تصحيف من المطبعة. وقال داود بن عمرو الضبي: كان إسماعيل بن عياش، يحدثنا من حفظه، ما رأيت معه كتابا قطُّ، فقال له عبد الله بن أحمد بن حنبل: أكان يحفظ عشرة آلاف حديث؟ قال: وعشرة آلاف وعشرة آلاف، فقال له أبي أحمد: هذا مثل وكيع. وقال حرب الكرماني: أملى علينا سعيد بن منصور نحوا من عشرة آلاف حديث من حفظه، وقال الحافظ أبو بكر بن أبي داود صاحب "السنن": حدثت من حفظي بأصبهان ستة وثلاثين ألف حديث، ألزموني الوهم في سبعة أحاديث منها، فلما انصرفت وجدت في كتابي خمسة منها على ما كنت حدثتهم به، وقال الحافظ أبو حفص بن شاهين: أملى علينا ابن أبي داود، ما رأيت في يده كتابًا قَطُّ، إنّما كان يُملي حفظاً، وكان يقعد على المنبر بعدما عمي، ويقعد دونه بدرجة ابنه أبو معمر، بيده كتاب فيقول له: حديث كذا فيسرده من حفظه، فقال أبو تمام الزيني، فقال: الله درك، ما رأيت أحفظ منك إلَّا أن يكون إبراهيم الحربي، فقال: كل ما يحفظه إبراهيم فأنا أحفظه، وأنا أعرف بالنجوم وما كان يعرفها. وقال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير وسأل رجل أبا زرعة أنَّه حلف بالطلاق: أنك تحفظ مائة ألف حديث؟

فقال: تمسك بامرأتك. وقال أبو زرعة أيضًا أحفظ في القراءات عشرة آلاف حديث.

وقال الحافظ أبو بكر العباس بن عُقْدَة: أحفظ مائة ألف حديث بأسانيدها. وقال أيضا: دخلت الرَّقّة، وكان لي ثُمَّ قِمَطْر من كتب، فجاء غلامي مغتما وقال: ضاعت الكتب، فقلت: يابني لا تَغْتَم، فإنَّ فيها مائتي ألف حديث، لا يُشكل على حديث منها، لا متنه ولا إسناده.

الحافظ نوعان:

۱- حافظ على طريقة الفقهاء كالطحاوي، والبيهقي، والباجي، وابن العربي المعافري، والقاضي عياض، والنووي، وابن تيمية، وابن كثير.

۲- حافظ على طريقة المحدثين، وهم معظم الحفاظ.

والحافظ على طريقة المحدثين أكثر حِفْظًا وأوسع رواية، وأعرف بأحوال الرجال وطبقاتهم، وأدرى بقواعد التصحيح والتضعيف لتمكنه في معرفة العلل وغرائب الأحاديث.

وأمير المؤمنين في الحديث هي الرتبة العُليا في الحفظ، لا رتبة فوقها، واستحدثت هذه الرتبة في المائة الثانية للهجرة، قال الحافظ السيوطي في "التدريب": «كأنَّ هذا اللقب مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: اللهمَّ ارْحَمْ خُلَفَائي قيل: ومَن خُلَفَاؤك؟ قال: «الذين يأتون من بعدي يَرْوُون أحاديثي وسُنَنى» رواه الطبراني وغيره». قلت: هذا الحديث رواه الرَّامَهُرْمُزِيُّ في "المحدث الفاصل" والطبراني في الأوسط" وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" والخطيب في "شرف أصحاب الحديث"،  كلهم من طريق أحمد بن عيسى العلوي: أخبرنا ابن أبي فديك، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عباس قال: سمعت عليَّ بن أبي طالب يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهمَّ ارْحَمْ خُلَفَائي»، قلنا: يا رسول الله ومَن هم؟

قال: «الذين يأتون من بعدي يَرْوُون أحاديثى وسُنَّتي ويُعَلِّمونها النَّاسَ». أحمد بن عيسى العلوي نقل الذهبي في ترجمته من "الميزان" عن الدارقطني أنه قال فيه: كذَّابٌ، وحكم الذهبي ببطلان هذا الحديث، بعد أن ساقه بإسناد الرَّامَهُرْمُزيّ، وقال الحافظ الزيلعي في نصب الراية": «وقد روى ا الحافظ أبو محمَّد الرَّامَهُرْ مُزي في أول كتاب "المحدث الفاصل" حديثاً موضوعاً لأحمد بن عيسى هو المتهم به، وذكر هذا الحديث.

ورواه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" من طريق عبد السلام بن عبيد: حدثنا ابن أبي فديك عن هشام بن سعد به.

عبدالسلام بن عبيد، قال ابن حِبَّان: يسرق الحديث، ويروي الموضوعات». وسرقة الحديث: أن يعمد الرَّاوي إلى حديث معروف من طريق معيَّن فيرويه من طريق آخر.

مثاله: روى الليث ويونس عن الزهري عن أنس حديث: «مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا الحديث رواه عبد السَّلام هذا، عن سفيان بن عيينة عن الزهري، فحوله من رواية الليث ويونس إلى رواية ابن عيينة، وهذه سرقة. وروى ابن عُيِّنة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة حديث: لا يُلْدَعُ المُؤمِنُ مِن جُحْرٍ واحدٍ مرَّتين». سرقه عبدالسلام فرواه ابن عيينه عن الزهري، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.

وعبد السلام هذا، روى عنه أبو عوانة في "صحيحه"، كأنه لم يعرف حاله، وهذا كما روى مالك في "الموطأ" عن عبدالكريم بن أبي المخارق مع ضعفه؛ لأنه لم يعرف حاله.

ولحديث الخلفاء طريقٌ آخر، أخرجه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" من طريق أبي الصباح عبد الغفور عن أبي هاشم الرماني، عن علي، عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «ألا أدلكم على آية الخُلَفَاء مِنِّي، ومن أصحابي، ومن الأنبياء قبلي؟ هم حَمَلَةُ القُرآنِ والأحاديث عَنِّي وعنهم في الله والله عزّ وجلَّ». عبدالغفور، قال ابن حِبَّان: «كان ممن يضع الحديث»، وقال ابن عدي: «ضعيف منكر الحديث».

ولا شك أنَّ أهل الحديث نُوَّابٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تبليغ أحاديثه ونشر.  سُنته، فهم خلفاؤه، ولهذا سُمِّي بعضهم: أمير المؤمنين في الحديث، كما أنَّ الخلفاء الحكّام سُمُّوا أمراء المؤمنين، لنيابتهم عنه في تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وحماية بيضة الإسلام، وليس كل عالم أو فاضل أو صاحب رأي، يصلح لخلافة الحكم بل يشترط فيمن يتولى هذا المنصب الخطير شروط مفصلةٌ في كتب الفقه الإسلامي، كذلك ليس كل حافظ يستحق لقب أمير المؤمنين في الحديث، إنَّما يستحقه من توفرت فيه الشروط الآتية:

۱- شدة الإتقان والضَّبط بنوعيه ضبط صدر، وضبط كتاب.

٢- التبريز في العلل أو الرجال.

٣- أن يؤلف كتابا له قيمته العلميَّة، كبير الأمر في موضوعه، أو يتخرج عليه حُفَّاظ مهرة.

ولعزَّة اجتماع هذه الشروط في شخص، لم ينل هذا اللقب من الحفاظ على كثرتهم إلا نفر قليل منهم لا يتجاوز عددهم عشرين شخصا. منهم الإمام مالك بن أنس، قال يحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين: مالك أمير المؤمنين في الحديث، على أنه لم يكن واسع الحفظ؛ لأنَّه لم يرحل إلى البلدان والأقطار، كما رحل غيره من الحفاظ، ولم يبارح المدينة المنورة إلَّا للحج، ثُمَّ رجع، وبسبب ذلك فاته حديث كثير، لكنه كان شديد الإتقان، بالغ التحري، مبرزا في نقد الرجال. قال الترمذي في "العلل": سمعت إسحاق بن موسى الأنصاري قال: سمعت معن بن عيسى يقول: كان مالك بن أنسي يُشدد في حديث رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم في الياء والتاء ونحو هذا». وروى أيضا عن علي بن المديني، قال: قال يحيى بن سعيد القطان: «ما في القوم أصح حديثاً من مالك بن أنس، كان مالك إماما في الحديث». وقال علي بن المديني عن سفيان بن عُيَيْنَة: «ما كان أشد انتقاد مالك للرجال، وأعلمه بشأنهم». وقال يحيى بن معين: «كل من روى عنه مالك، فهو ثقة إلا عبدالكريم». قلت: عبد الكريم هذا هو ابن أبي المخارق - بضم الميم - أبو أمية البصري المعلم، قال ابن عبدالبر: «لا يختلفون في ضعفه، غر مالكًا منه سمته، ولم يكن من أهل بلده فيعرفه، ولم يخرج عنه حكما بل ترغيبا وفضلا».  اهـ وقال الحافظ ابن سيّد النَّاس في "شرح الترمذي": لكن لم يخرج عنه مالك إلَّا الثابت من غير طريقه: «إذا لم تَسْتَح فاصْنَعْ مَا شِئْتَ»، ووضع اليُمنى على اليسرى في الصَّلاة، وقد اعتذر لما تبيَّن له أمره، وقال: غرني بكثرة بكائه في المسجد.

وكتابه "الموطأ" من كتب السُّنَّة النافعة مدحه الإمام الشافعي بكلمته المعروفة: «ما على ظهر الأرض بعد كتاب الله أكثر صوابا من "موطأ مالك"». وأثنى عليه غيره من العلماء ثناءً كثيرًا لا حاجة إلى الإطالة به؛ لشهرته وانتشاره في "شروح" "الموطأ" وغيرها من كتب السُّنَّة، ولولا ما فيه من المرسلات والبلاغات، ما تقدم عليه الصحيحان ولا غيرهما. ولم يُقَدِّره المالكيَّة حَقَّ قَدْرِهِ، حيث قدَّموا عليه "المدوَّنة"، مع أنَّ القواعد الأصولية والحديثية، توجب تقديمه لأمور:

1- أنَّ "الموطأ" كتبه الإمام بيده، ونقّحه في مدى أربعين سنة، و"المدوّنة" ليست كذلك؛ لأنَّه لم يكتبها ولا نقّحها.

٢- أنَّ "الموطأ" رواه عن الإمام عِدَّة فئات من العلماء، فهو منقول بالتواتر، و"المدوّنة" ليست كذلك.

٣- أنَّ جملة رواة "الموطأ" أصحاب مالك المدنيين، وهم الذين لازموه إلى وفاته، وابن القاسم الذي بنيت "المدوَّنة" على روايته، فارق مالكا قبل وفاته بعشرين سنة، والملازم للشَّيخ مُقَدَّم على المفارق له.

٤- أن أقوال الإمام في "الموطأ" مصحوبة بدليلها من آية أو حديث أو أثر، والأقوال المنسوبة إليه في "المدونة" عارية عن الدليل، ولكن غلط المالكية أنهم يعتبرون الآراء المجرَّدة فقها، ويسمون "المدونة" كتاب فقه، و"الموطأ" كتاب حديث، ولتفصيل هذا البحث موضع غير هذا. ومنهم إمام الحفاظ، جبل العِلم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري

صاحب "الصحيح"، قال عنه شيخه علي بن المديني: «ما رأى مثل نَفْسِهِ». وقال ابن خزيمة: ما تحت أديم السَّماء أعلم بالحديث من البخاري». وقال الحافظ أحمد بن نصر الخفَّاف: «محمد بن إسماعيل أعلم في الحديث من أحمد بن حنبل واسحق بن راهويه بعشرين درجة».

وقال الترمذي: «لم أرَ أحدًا بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل، أجمعت الأمة على تلقيه بالقبول، وأجله العلماء الفحول. له عند الحفاظ هيبة، وفي قلوبهم رهبة».

ومنهم الإمام الحافظ المتقن أبو الحسن علي بن عمر الدار قطني، قال الحاكم: صار الدارقطني أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع، وإماما في القراء والنحويين. أقمت ببغداد أربعة أشهر، وكثر اجتماعنا، فصادفته فوق ما وصف لي، وسألته عن العلل والشيوخ، فأشهد أنه لم يخلف على أديم الأرض مثله». وقال الخطيب: «كان الدارقطني فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرواة، مع الصدق والثقة وصحة الاعتقاد، وسلامة المذهب». قال الحافظ الذهبي: «وإذا شئت أن تعرف براعة هذا الإمام الفرد، فطالع كتاب "العلل"؛ فإنَّك تندهش ويطول تعجبك !!».  اهـ قلت: كتاب "العلل" له في سبعة مجلدات، رأيته، وهو يدلُّ على براعته حقا، والعجيب أنه أملاه على تلميذه الحافظ البرقاني، فإنَّه قال: كان الدارقطني يملي عليَّ "العلل" من حفظه، وأنا الذي جمعتها، وقرأها الناس من نسختي. ومنهم شعبة ومحمد بن إسحق وعبد الله بن المبارك ومحمد بن يحيى الذهلي وإسحق بن راهويه والحافظ ابن حجر، وهو خاتمتهم، ولم يأتِ بعده من نال هذه الرتبة بحق.

وإن كان في تلامذته حُفَّاظ كالسَّخاوي ثم الدِّيَمي والسيوطي لكنَّها لم يدركاه، وإنما تتلمذا على كتبه وانتفعا بها كثيرًا، وهو يعتبر خاتمة الحفاظ بالمعنى المصطلح عليه عند أهل الحديث، ومن وصف بعده بالحافظ كالسيد مرتضى الزبيدي شارح "الإحياء"، فذلك على سبيل التوسع في العبارة، نظرا لكثرة اطلاعه.

وكان مُجيزنا العلامة الشيخ محمد زاهد الكوثري الحنفي - رحمه الله - يصف ابن طولون الحنفي بالحافظ، وناقشته في ذلك، فقال: إنَّ مروياته كثيرة، وهذه وعة له، مغالطة؛ لأنَّ كثرة المرويات إنَّما تعتبر في الحافظ بشرط أن تكون مسموع ومرويات المتأخرين كابن طولون إنَّما هي بالإجازة، والغرض منها بقاء سلسلة الإسناد والتبرك برجال السلسلة، كما قال الحافظ السَّخاويُّ: «إنَّه لبس الخرقة الصوفية تجاه الكعبة المشرفة تبركًا برجالها الصَّالحين، وإن كان يعتقد أنَّ سندها منقطع».اهـ وأنا لبست الخرقة تبركًا من الشَّريف أحمد التبر، ألبسنيها بالقاهرة. ولما كنت أُدرس العلم بجامعة القرويين، أعاد الله مجدها، علمت أنَّ رجلًا عاميًّا - هو سيدي المهدي العزوزي - يروي بالإجازة عن أبيه عن جده عن السيد مرتضى الزبيدي، فذهبت إليه واستجزته فأجاز لي، مع أنَّ لي رواية عن السيد مرتضى بواسطة شيوخ كثيرين منهم بالمغرب شقيقي أبو الفيض، وسيدي عبد الحي الكتاني، والقاضى عبد الحفيظ الفاسي، والشيخ المكي البطاوري والشيخ فتح الله البناني وسيدي محمد بن إدريس القادري، رحمهم الله وأكرم مثواهم. تنبيهات هامة المطرزي الذي نقل عنه رتب الحفظ، لم نقف له على ترجمة، ولم نعرف اسمه، غير أني وجدت في ترجمة ابن دقيق العيد أن له شرحًا على "مقدمة المطرزي" في علم الأصول، ورأيت في كتاب "المساقاة من نيل الأوطار"، كلمة في اشتقاق لفظ المزارعة، نقلها الشوكاني عن المطَرِّزي.

قال الحافظ أبو شامة: «علوم الحديث الآن ثلاثة:

أشرفها حفظ متونه، ومعرفة غريبها وفقهها.

والثاني: حفظ أسانيده ومعرفة رجالها، وتمييز صحيحها من سقيمها. وهذا كان مهما، وقد كُفيه المشتغل بالعلم، بما صُنف فيه من الكتب، فلا فائدة في تحصيل ما هو حاصل.

والثالث: جمعه وكتابته وسماعه، وتطريقه وطلب العلم فيه، والرحلة إلى عن البلدان، والمشتغل بهذا مشتغل عما هو الأهم من العلوم النافعة، فضلا: العمل به الذي هو المطلوب الأصلي، إلا أنه لا بأس به لأهل البطالة، لما فيه من بقاء سلسلة الإسناد المتصلة بأشرف البشر».  اهـ قال الحافظ: « وفي بعض كلامه نظر؛ لأنَّ قوله: وهذا قد كُفيه المشتغل بما صنف فيه، قد أنكره العلّامة أبو جعفر بن الزبير، وغيره، ويقال عليه: إن كان التصنيف في الفن يوجب الاتكال على ذلك، وعدم الاشتغال به، فالقول كذلك في الفن الأول، فإن فقه الحديث وغريبه لا يُحصى كم صُنف فيه، بل لو ادَّعى مُدَّعِ أنَّ التصانيف فيه أكثر من التصانيف في تمييز الرجال والصحيح من السقيم لما أبعد، بل هو الواقع، فإن كان الاشتغال بالأول مهما، فالاشتغال بالثاني أهم؛ لأنَّه المرقاة إلى الأوّل، فمن أضل به خلط السقيم بالصحيح، والمعدل بالمجرح وهو لا يشعر، فالحق أنَّ كلا منهما في علم الحديث مهم. ولا شكّ أنَّ من جمعهما حاز القدم العليَّ مع قصور فيه إن أخل بالثالث، ومن أخل بهما فلا حظ له في اسم الحافظ، ومن أحرز الأول وأخل بالثاني كان بعيدا من اسم المحدّث عرفًا، ومن يحرز الثاني وأخل بالأول لم يبعد عنه اسم المحدث، ولكن فيه نقص بالنسبة إلى الأول. وبقي الكلام في الفنّ الثالث، ولا شكّ أنَّ من جمع ذلك مع الأوَّلين كان أوفر سهما وقسما، ومن اقتصر عليه كان أحسن حظا وأبعد حفظا، ومن جمع الثلاث كان فقيها مُحدَّثا كاملا، ومن انفرد باثنين منهما كان دونه، إلَّا أنَّ من اقتصر على الثاني والثالث، فهو مُحدَّةٌ صِرْفٌ لا حظ له في اسم الفقيه، كما أنَّ من انفرد بالأول فلا حظ له في اسم المحدّث، ومن انفرد بالأول والثاني فهل يُسمَّى محدثا؟ فيه بحث ».  اهـ

قلت: الظاهر أنه محدِّثُ، بل هو الواقع، وقول أبي شامة: وقد كفيه المشتغل إلخ، يظهر منه أنَّه يوافق ابن الصلاح في امتناع التصحيح والتحسين من المتأخرين. وبهذا ينتهي ما أردناه من تحرير الفرق بين علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية، والحمد لله رب العالمين.

 

نصوص بعض الإجازات

 

إجازة للعلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور شيخ الإسلام المالكي بالقطر التونسي.

الحمد لله الذي رفع لهذا الدين دعائم وعمادًا، وخصه بصحيح السند فكان لحفظه سببا وسنادًا، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد الذي أحكم بشرعه للأمة عرى شدادا، وعلى آله وصحبه الذين أعدوا لنفي الريب عن الرواية عتادا.

أما بعد: فقد التمس مِنّي الفاضل العالم الصفوة الشيخ عبد الله محمد الصديق الحسني السيد الشريف الأزهري، أن أجيز له الرواية عني فيما ثبتت لي روايته في كتب السُّنَّة النبوية وفي كتب العلوم الشرعية والأدبية. ولما رأيت هذه أمانة قد ائتمنني مشايخي إياها، ورجوت أن أكون في عداد المقالة فأداها، ورأيت الإجازة نسبة شريفة زكية وبقية مما ترك صدر من سمع الأمة من الخصيصية، أجبته لمهم التماسه وأمددت من صفوة الشجرة المباركة نير نبراسه. فها أنذا أجزت للسيد المذكور فيما صحت لي الرواية من الأسانيد التي تلقيتها من مشايخي جزاهم الله عني حسن صنيعهم أحسن الجزاء ولي أربعة أسانيد: أولاها: أجاز لي العلامة المقتفي أثر الشريعة في فعله وقوله جدي والد أمي وأبي في تربية نفسي وتقويم فهمي، الوزير الأكبر بتونس الشيخ محمد العزيز بوعتور الأموي من ذرية سيدنا عثمان بن عفان المولود في رجب سنة ١٢٤٠ المتوفى في محرم سنة ١٣٢٥ ثابت الحفظ محكم الفهم وكانت إجازته لي في ٣ جمادى الأولى سنة ١٣٢١.

ثانيها: ما أجازني العلامة الضليع شيخ الإسلام بتونس الشيخ محمود بن الخوجه كبير أهل الشورى للمذهب الحنفي المولود سنة ١٢٠٥ والمتوفى سنة ۱۳۲۹ وكانت إجازته لي في ١٥ جمادى الأولي سنة ١٣٢٦.

ثالثها: ما أجازني الأستاذ العلامة التحرير شيخ الإسلام سيدي سالم بوحاجب كبير أهل الشورى للمذهب المالكي بتونس المولود سنة ١٢٤٤ والمتوفى سنة ١٣٤٢ وكانت إجازته لي في ٢٥ رمضان سنة ١٣٢٨.

رابعها ما أجازني العلامة الأستاذ المفتي الشيخ سيدي عمر المعروف بابن الشيخ مفتي المالكية بتونس المتوفي سنة ۱۳۲۹ وقد ناهز التسعين وكانت إجازته لي في ربيع الأول سنة ١٣٢٥.

وهذه المناهل بعضها يلاقي بعضها، حتى يخالها الناظر جداول تخللت روضًا، وهي وإن كان جميعها صراطًا مستقيما، يقول مختبرها: قد بلونا أبا سعيد حديثا وقديما، فأنا مقتصر على سَوّق سند أولها لأنه يتصل بثلاثة أثبات مشهورة تمكن الإحالة عليها، ولأن إجازته لي معضودة بالرواية بالقراءة والضبط والفهم في جميع موطأ مالك رحمه الله وفي معظم "صحيح البخاري" من أوله إلى كتاب الرقاق، وفي صحيح مسلم" من أوله إلى الترغيب في سكنى المدينة وهو يناهز نصف "صحيح مسلم"، وفي جميع " الشفاء" لعياض وفي كتاب "الشمائل" للترمذي، وفي جملة من "سنن أبي داود"، وفي نحو النصف من المواهب اللدنية" وبالمناولة أيضًا في "الموطأ"، و"صحيح البخاري"، وكتاب "الشمائل" وإن إجازته لي كانت تامة عامة فيما صحت له روايته وذلك بما أجاز له بخطه الحافظ الشيخ محمد صالح الرضوي البخاري حين حلوله بتونس في جمادى الثاني سنة ١٢٦٢ اثنتين وستين ومائتين وألف، عن رفيع الدين، عن محمد بن عبد الله الشريف، عن عبد الله بن سالم البصري بما تضمنه كتابه المسمى بـ"الإمداد" وسنده الغريب القريب من غير طريق الإمداد إلى الإمامين البخاري ومسلم الذي سأذكره. وأيضًا بما أجاز له بخطه الشيخ يوسف بدر الدين المدني حين حلوله بتونس سنة ١٢٦١هـ إحدي وستين ومائتين وألف، عن حسن القويسني الشافعي الأزهري ومحمد فتح الإله، وعبد الرحمن الكزبري، عن الشيخ محمد الأمير المصري بما تضمنه ثبته المعروف، وبسنده الغريب القريب إلى الإمام البخاري الذي سأذكره.

ومما أجاز له بخطه الشيخ محمد الشاذلي بن صالح كبير أهل الشورى المالكية بتونس سنة ۱۲۸۹ هـ تسع وثمانين ومائتين وألف، عن الشيخ محمد بيرم الملقب بالثالث عن جده الشيخ محمد بيرم الموصوف بالأول، عن الشيخ أحمد المكودي، عن الشيخ أحمد بن المبارك السجلماسي، عن الشيخ عبدالقادر الفاسي بما تضمنه ثبته.

وأما ما أجازني الشيخ محمود بن الخوجه، فعن أبيه الشيخ محمد بن الخوجه شيخ الإسلام للمذهب الحنفي، عن الشيخ إبراهيم الرياحي كبير أهل الشورى للمذهب المالكي، عن محمد الأمير المغربي السلاوي، عن عمر بن عبد الصادق، عن أحمد الصباغ، عن عبد الله بن سالم البصري بما تضمنه كتاب الإمداد.

وأما ما أجازني الشيخ سيدي سالم بوحاجب فهو عن عم ابن الطالب المعروف بابن سودة الفاسي حين حلوله بتونس، عن عبدالسلام الأزمي، عن محمد التاودي بن سودة الفاسي عن أحمد بن المبارك السجلماسي، عن علي الحريشي، عن الشيخ عبدالقادر الفاسي بما تضمنه ثبته. وأما ما أجازني الشيخ سيدي عمر بن الشيخ، فعن الشيخ محمد الشاذلي بن صالح كبير أهل الشورى للمذهب المالكي، عن الشيخ إبراهيم الرياحي بما تضمنه السند أعلاه، وعن الشيخ محمد بيرم الثالث بما تضمنه سنده المذكور في أسانيد إجازة جدي التي ذكرتها آنفا.

وها أنا ذا أسرد السند إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم في "موطأ مالك" وفي صحيحي "البخاري" و"مسلم" التي هي أصح الكتب المصنفة باتفاق أئمة الأثر، بخصوص طريق جدي المذكور فأما "موطأ مالك" فأحدث به قراءة وإجازة مع المناولة عن جدي الوزير الشيخ محمد العزيز بوعتور، عن الشيخ محمد صالح الرضوي البخاري، عن رفيع الدين، عن محمد بن عبد الله عن عبد الله بن سالم البصري، عن والده سالم، عن محمد بن علاء الدين البابلي، عن سالم السنهوري، عن محمد الغيطي، عن عبدالحق السنباطي، عن الحسن بن محمد الحسيني، عن الحسن النشابة، عن محمد بن جابر الوادياشي ثم التونسي، عن عبد الله بن محمد بن هارون القرطبي الذي له طريقة عالية في "الموطأ"، عن أحمد بن يزيد القرطبي، عن محمد بن عبدالرحمن الخزرجي القرطبي، عن محمد بن فرج مولى بن الطلاع، عن يونس بن مغيث المعروف بالصفار، عن أبي عيسى يحيى بن عبد الله بن يحيى بن يحيى الليثي، عن عم أبيه عبيد الله بن يحيى، عن أبيه يحيى بن يحيى الليثي، عن الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، فيما عدا ثلاثة أبواب من آخر كتاب الاعتكاف لم يسمعها يحيى بن يحيى من مالك فرواها يحيى عن زياد بن عبدالرحمن الملقب بشبطون - بشين معجمة مفتوحة ثم باء موحدة - القرطبي، عن مالك وباعتبار الأحاديث الثنائية عن مالك رحمه الله، يكون بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أربعة وعشرون واسطة، نفعنا الله بهذه النسبة المباركة وألهمنا دوام الشكر على المنة بها.

وأما صحيحا "البخاري" و"مسلم"، فلنا فيهما سند واحد عزيز غريب قريب وهو من طريق الفِرَبري، حدثني جدي الوزير المذكور، عن الشيخ محمد صالح الرضوي، عن عمر بن عبدالكريم، عن محمد بن سنة - ضبط بكسر السين في سند الشيخ صالح الرضوي، عن أحمد بن موسي بن عجيل اليماني، عن محمد النهراواني، عن محمد بن عبد الله الطاوسي، عن المعمر بابا يوسف الهراوي، عن محمد بن شاذ بخت، الفرغاني، عن يحيى الختلاني، عن محمد بن يوسف الفربري، عن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، وعن الإمام مسلم ابن الحجاج القشيري، بما في صحيحيهما.

وبهذا السند يكون بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأحاديث الثلاثية من صحيح البخاري" خمسة عشر راويًا. نفع الله السيد المجاز بهذا السند، وأشرق عليه من أنواره ما يضيء إلى أقصى أمد موصيا إياه بالاحتياط في رواية الحديث إسنادًا وتفهيما، محذرًا إياه من المساهلة في ذلك فإني رأيت خطرها على الدين عظيما، وأسأل الله أن يوفقني وإياه لما فيه رضاه وأن يجنبنا الميل إلى ما ينكره الدين ويأباه. وكتب في شهر صفر سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف من الهجرة، محمد الطاهر بن عاشور الشريف شيخ الإسلام المالكي، بالقطر التونسي.

 

إجازة أخي المحدث العلامة الشيخ أبي الفيض أحمد بن الصديق

حمدا لمن رفع أقدار أهل الحديث بين سائر الأنام، وجعلهم خلفاء رسوله الكريم فكانوا ملجأ للخاص والعام، ونفع بهم حملة شريعة الإسلام، وطوق بمنتهم رقبة كل عالم وإمام وحفظ بما خصهم به من الإسناد دينه الحنيف منا فكانوا حماته الكرام وحملته العدول النافين عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجهلة اللثام.

والصَّلاة والسَّلام على خاتمة الرسل الكرام ومسك ختام لبنة التمام سيدنا محمد المخبر بأن خدمة سُنته العاملين بها لا ينقطعون إلى يوم القيام، ولا يزالون ظاهرين على الحق وقائمين به حق قيام، وعلى آله القادة الأعلام، وصحابته الأماجد الكرام.

أما بعد: فلما كان الإسناد من الدين بالمنزلة التي يعرفها العلماء وتشرئب لها أعناق الفضلاء، وتسمو إليها همم الكاملين من حملة العلم النبلاء، وتعظم فيها رغبة المحققين الكملاء، ولا يغفل عنها إلا القاصرون الأغبياء والجاهلون الأدنياء، سمت همة الإمام العلامة والحبر البحر الفهامة، المشارك في المنقول والمعقول والمحقق لعلوم الفروع والأصول المسند الراوية والمحدث الواعية، خادم الحديث الشريف والذاب عن حوزة حرمه المنيف، ذو التأليف العديدة النافعة والتصانيف المفيدة الجامعة المدرس النفاعة ومن هو لكل الفضائل واعية جماعة، شقيقنا أبو المجد السيد الشريف الحافظ عبد الله ابن الشيخ الإمام علم الأعلام بحر العلوم والمعارف ومعدن الأسرار واللطائف المجتهد المطلق ومن أمر ولايته مقطوع به محقق، القطب الكامل والفرد المحمدي الواصل، خاتمة أئمة الإسلام، مولانا الوالد المقدس أبي عبد الله سيدنا محمد بن الصديق الشريف الحسني رضي الله عنه وأرضاه ونفعنا به، آمين.

فطلب منا أن نجيز له سائر مروياتنا وما تلقيناه عن شيوخنا فأجبناه إلى ذلك محققين رغبته بالانخراط في تلك المسالك، وإن كنا لسنا هنالك ولا معدودين من جملة أولئك.

فقلنا: أجزنا للعلامة المذكور، والفهامة الذي صيته ذايع مشهور، إجازة عامة في كل ما أجازه لنا أشياخنا الزائد عددهم على المائة مما حوى ذكرهم وأسانيدهم مشيختنا وفهارسنا ومعاجمنا كـ" المعجم الصغير"، و"المعجم الوجيز للمستجيز"، و"المشيخة" في مجلد وصلة الوعاة بالمرويات والرواة" في مجلدين ضخمين واختصاره المفيد المسمى: "ركوب العجلة للاتصال بالنقلة" و"العقد الفاخر بما لأحمد بن الصديق من المفاخر" في أربعة أجزاء. وما أسندناه عنهم في كثير من مؤلفاتنا المطبوعة وغيرها، وأجزنا له أن يجيز نيابة عنا من أحب الرواية عنا مباشرة، كما أجاز لنا ذلك بعض أشياخنا وشيوخهم رغبة في علو الإسناد ونشر علم الرواية.

والله المسئول أن ينفعنا وإياه بما علمنا ويعلمنا ما ينفعنا ويزيدنا علما، والحمد لله على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل النار وأعداء السنة الأشرار، آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

كتبه الفقير إلى الله جل جلاله خادم الحديث أحمد بن الصديق في يوم السبت ثالث عشر جمادى الأولى من سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف.

 

إجازة السيد هبة الدين الحسيني بسم الله وله الحمد.

أحد علماء الشيعة بالنجف مولانا الأجل الأمثل، سيد الأجلة وشريف الملة فضيلة السيد الشريف الحافظ عبد الله الصديق الحسني الإدريسي أحسن الله حاله ومآله وكثر في المسلمين أمثاله. سلام عليكم طبتم كما طابت السلالة من آبائكم الميامين، فأرجو أن يوافيكم هذا الكتاب وأنتم كما تحبون كما أحبه لكم من صحة كاملة وعافية شاملة، وقد شرفنا تحريركم المنيف قبل أسبوع، تطلبون فيه إجازة الرواية عن مشايخي البررة وإجازة مؤلفاتي ومؤلفاتهم المعتبرة، فقدمت الميسور اكتفاءا به عن غيره المعسور معتمدًا على مكارم أخلاقكم في قبول العذر «والعذر عند كرام الناس مقبول، وربما سنحت فرصة أخرى تمكنت فيها من تحرير إجازة أخرى وأخرى، وذلك بدعواتكم الذاكية لإدراك التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ١١ رجب سنة ١٣٥٤ المخلص، هبة الدين الحسيني.

 

إجازة العلامة المؤرخ محمد راغب الطباخ

بسم الله الرحمن الرحيم حمدا لمن جعل مقام المتوجهين إليه اللائذين بجنابة الأقدس هو المرفوع، والمعرضين عن ذكره الملتفتين إلى هذه الأغيار هو الموضوع، وصلاة وسلاما على من أوتي جوامع الكلم واللسان الفصيح، وجاءنا بالملة السمحة والدين الصحيح، وعلى آله وأصحابه الذين سمعوا مقالته فوعوها وأدوها إلينا كما سمعوها، فوصلتنا شريعته الغراء مسلسلة الإسناد بديعة النظام خالصة من شوائب الانقطاع والأوهام، فنالوا بعملهم الحسن المنازل العوالي في دار القرار، ورتعوا في رياض الجنة مع الأنبياء الأخيار وفازوا بالنعيم الدائم المقيم، ورضوان الله العظيم.

وبعد: فإن الأستاذ الفاضل والأديب الكامل: الشيخ عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري الحسني المغربي نزيل مصر، أرسل لي منها كتابًا مؤرخا في التاسع عشر من شهر شوال سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وألف، وهو معرب عن فضله الجم وأدبه الغزير ومما جاء فيه: «وإني لأرجو في فاتحة هذا التعرف المبارك منتهزا الفرصة أن تتحفوني وأخي الأكبر السيد أحمد بن محمد الصديق بإجازة منكم لنا بما لكم من مرويات وتذكرون مشايخكم وما لكم من الأسانيد العالية منها على وجه الاستيفاء لذلك».

إلى آخر ما جاء فيه وهذا منه ومن أخيه حفظهما الله جل جلاله وأكثر بهما النفع مبني على حسن الظن بهذا العاجز، وأني من أهل هذا الشأن وفرسان ذلك الميدان، في حين أني لست أهلا لذلك ولا ممن جابوا تلك المسالك، ويصدق على قول من قال:  نزلوا بمكة في منازل هاشم ونزلت بالبيداء أبعـــد منـزل حفظا لسلسلة الإسناد في هذه الأمة المحمدية الذي هو من خصائصها السنية، وجدت أن لا مندوحة لي عن إجابة الطلب وتلبيته بما ولكني أحب. فأقول وعلى الله الاتكال في الحال والمآل أني أجزت الأخ الفاضل الشيخ عبد الله بن محمد المتقدم الذكر بجميع ما يجوز لي روايته من مقروء ومسموع وبما أجزت به إجازة عامة، وذلك بالشرط المعتبر عند أهل الحديث والأثر، وأسانيدي في الكتب الحديثية وغيرها من العلوم والفنون مبسوطة في أجازاتي من مشايخي التي ذكرتها في ذيل كتابي "الأنوار الجليلة في مختصر الإثبات الحلبية" الذي اختصرت فيه ثلاثة أثبات لثلاثة من أعلام الشهباء في القرن الثاني عشر، وقد طبعته في مطبعتي العلمية بحلب، وقد جمع هذا الثبت فأوعى لأسانيد الصحاح الستة وغيرها من كتب الحديث والعلوم، وحوي الأثبات ومعاجم ومسلسلات لا تحصى.

وإني أروي صحيح الإمام البخاري" رضي الله عنه عاليًا عن شيخي الشيخ كامل الهبراوي الحلبي عن مشايخه السيد أحمد دحلان المكي، والشيخ أبي الخير أحمد المكي والشيخ محمد سعيد الفرا الدمشقي، والشيخ داود البغدادي، والشيخ إبراهيم السقا المصري، وسند كل واحد من هؤلاء مثبت في الشجرة المثبتة بعد صحيفة ٤ من كتابي المتقدم التي سماها شيخنا المذكور: "الشجرة الغالية في الأسانيد العالية".

وأرويه أيضًا عاليًا مسلسلًا أوله بالحلبيين عن شيخي الشيخ كامل المؤقت الحلبي، عن والده الشيخ أحمد، عن والده الشيخ عبدالرحمن، عن والده الشيخ عبد الله، عن والده الشيخ عبدالرحمن الحنبلي الشامي مولدا الحلبي إقامة، عن الشيخ محمد عقيلة المكي، إلى آخر سنده المثبت في صحيفة ٣٥٩ من كتابي المتقدم وتجدون بتتبع كتابي المذكور أسانيد عالية لـ"صحيح الإمام البخاري" وغيره من كتب الحديث والعلوم.

وأوصي الأخ الفاضل المذكور أعظم الله لي وله الثواب والأجور بما أوصي به نفسي من تقوى الله جل جلاله في السر والعلانية، والإخلاص له تعالى في القول والعمل، وأن لا يألو جهدا في الاهتمام بأمر المسلمين والسعي في خدمة دينه وأمته وبلاده، ونشر دعوة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالحكمة والموعظة الحسنة، وليقصد بذلك وجه الله جل جلاله وحفظ هذه الشريعة المطهرة من أدناس المبتدعين والملحدين، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «خير القومِ المدافع عن قومه ما لم يأثم »، وورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لأن يهدي الله على يديك رجلًا خير مما طلعت عليه الشمس وغربت».

وأوصيه أن لا ينساني من دعواته الصالحة في الأوقات الرابحة، وإني أسأل الله جل جلاله أن يوفقه لما يحبه ويرضاه ويجعله من المقتدين بسنته القائمين بشريعته.

وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو حسبي ونعم الوكيل. كتبت في التاسع من شهر ذي القعدة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية، قاله بفمه وكتبه بقلمه خادم السنة النبوية بمدينة حلب محمد راغب الطباخ عفى الله عنه.

 

إجازة العلامة عبدالباقي الأنصاري المدني

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي رفع أهل الحديث بما تواتر من صدقهم مكانا عليا، ووضع بمشهور نقدهم ضعيفًا انتبذ بعلته عن مسند الصحيح، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أتخذها لسفر الآخرة زادًا، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أصل النجاح وقطب دائرة الفلاح هدى ورشادًا صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله الأطهار، وأصحابه رواة ما صح من الأخبار.

وبعد: فلما كان العلم أفضل صفة بها اللبيب يتحلى، وأكمل خلة بها الأريب يتجلى، وأبهى فرض تقصده الأفاضل، وأبهى عرض ترصده الأماثل، وكان الإسناد منه بمنزلة الإنسان للعين والعين للإنسان، وكيف لا وهو الطريق الموصلة إلى سيد الإنس والجان، وقد حث عليه السلف الصالح والخلف الناجح، وبذلوا في ذلك الهمم العلية والأفكار الألمعية، فبلغوا بذلك المراتب العلية، ونالوا بذا المنازل السنية. قال عبد الله بن المبارك: طلب الإسناد من الدين»، وقال أحمد بن حنبل: طلب الإسناد العالي سُنَّةٌ عمن سلف» وقال الثوري: «الإسناد سلاح المؤمن»، قال النووي: «فإن لم يكن معك سلاح فبم تقاتل؟!».

طلب مني بطريق الرسالة الإجازة في جميع العلوم منطوقها والمفهوم، العلامة الفاضل والفهامة الخلاحِل الشيخ الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق بن محمد الصديق متَّع الله المسلمين بعلومه، وتقبل منه ما يذب عن دينه بحرمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم. ولما كان طلب الإجازة من بلد إلى بلد بين العلماء قديما وحديثا مشهورا، وألفيت العلامة المذكور بإفاداته في العلوم ممدوحًا مذكورًا، أجبته لذلك

وأسعفته بما هنالك، على سُنَّة الأكابر وان كنت بين أهل العلم من الأصاغر.  فأقول متبراً من القوة والحول: أجزت الفاضل العلامة بجميع ما تصح لي روايته من منقول ومعقول فروع وأصول إجازة تامة مطلقة عامة بشرطها المعتبر لدى أهل الحديث والأثر، كما أجازني مشائخي الأعلام وأساتذي الفخام فإني بحمد الله قد أخذت عن عدة مشايخ أجلة، هم في سماء العلوم بدور وأهلة، كما ذكرته في رسالتي: "الإسعاد في الإسناد"، وفصلت أسانيدهم في "عقود اللآليء المتلألئة من الأسانيد العالية"، وفيما ذكرته في "نشر الغوالي من الأسانيد العوالي" كفاية لأهل الرواية.

وقد أجزت العلامة المذكور بجميع ما احتوت عليه هذه الأثبات، وسائر ما أرويه من الثقات أن يروي عني لمن رآه أهلا لذلك مع التقوى والتحري، وأن يقول فيما لا يدريه لا أدريه، موصيا لي وله باتباع السُّنَّة البيضاء، والذب عن الشريعة الغراء، سائلا منه دوام تذكري في خلواته وجلواته بصالح دعواته، نفع الله به الخواص والعوام، وختم لي وله بأحسن الختام، وصلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى آله وآل كل وصحبه والتابعين، وعلينا معهم برحمة الله، آمين. قاله بفمه وأمر برقمه العبدالحقير المعترف بالتقصير، محمد عبدالباقي حفيد ملا مبين الأنصاري الأيوبي المدني حشره الله في زمرة الصالحين، ورزقه في الجنان جوار سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلّم، وذلك في الثالث عشر من ذي ا، الحجّة الحرام سنة اثنين وستين وثلاثمائة وألف من هجرة سيد الأنام، عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأكمل السلام.

 

إجازة العلامة خليل الخالدي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل مجالس أهل السُّنَّة روضة من رياض الجنة، وجعل اسم الحديث في القديم والحديث أنفاس حضرة ذي الرسالة، والصلاة والسلام على صاحب الحضرة وساقي ندماء المحبة من تلك الخمرة سيدنا محمد الذي ارتقى أوج المعالي، واعتلى بأخمصه الشرف، العالي، وعلى آله وأصحابه ما اتصلت سلسلة الإسناد، واعتني بحفظها الجهابذة النقاد.

وبعد: فقد أجزت العالم الفاضل والألمعي الكامل سليل الأفاضل السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمد بن الصِّدِّيق بن أحمد بن عبد المؤمن الغماري بكافة مروياتي ومسموعاتي من منقول ومعقول ومنشور ومنظوم، عن مشايخي في الشام ومصر والروم، وبكافة من أجازني بمروياته من سائر المشايخ في الشرق والغرب، إجازة شاملة عامَّةً راجيا أن لا ينساني من دعواته أوقات دروسه وعقب صلاته، موصيا إياه بمزيد عنايته بهذه الكتب.

وهي "شرح البخاري" للخطابي، وشرحه لابن بطال الأندلسي فإنهما أصل لكافة شروح البخاري والشرح المسمى بـ"المعلم على صحيح مسلم" للمازري، و"إكمال المعلم للقاضي عياض، و"شرح النووي على مسلم"، وكذا "شرح ابن الصلاح عليه، وشرح سنن أبي داود" للخطابي المسمى بـ"المعالم"، و"شرح سنن الترمذي" المسمى بـ"عارضة الأحوذي" لابن العربي، و"شرح الترمذي" للحافظ العراقي، وشرحه لابن سيد الناس، و"سنن النسائي" لا سيما "الكبرى"، و"سنن ابن ماجه"، و"سنن الدرامي"، و"سنن الدارقطني"، و"مجمع الزوائد" للحافظ الهيثمي، و"الموطأ" وشروحه الثلاثة هي: "التمهيد"، و"الاستذكار" كلاهما لابن عبدالبر، وشرح القاضي أبي الوليد الباجي المسمى بـ"المنتقى"، و"السيرة الكلاعية"، و"سيرة ابن سيد الناس"، وكتاب "فتح الباري على البخاري" لابن حجر العسقلاني، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض، وشرح الحافظ السخاوي على ألفية الحديث المسمى بـ"فتح المغيث"، هذا ما أحببنا أن نوصيكم به، والله ولي أنجادكم على ما يكون لكم ذكرًا في الدارين. وكتبه بخط يده الفقير إلى عفو الله ورحمته خليل بن بدر بن مصطفي بن خليل بن محمد بن خليل بن صنع الله بن خليل الخالدي المقدسي في تاسع عشر شوال سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وألف مصليا على النبي وآله وصحبه.

إجازة الملك إدريس السنوسي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد النبي الأمين، ورضي الله عن آله الأكرمين وصحابته والتابعين. وبعد: فقد أجزت الأستاذ السيد الشريف الحافظ عبد الله بن الصديق بما تجوز لي روايته إجازة عامة خصوصًا مؤلفات جدنا الإمام السيد محمد بن علي السنوسي رضي الله عنه كما أجازني مشايخي العظام وأساتذتي الفخام. وأسأل الله لي وله الهداية والتوفيق كتبت في ٣ صفر سنة ١٣٨٩هـ. محمد إدريس المهدي السنوسي

 

إجازة العلامة عبد الحفيظ الفاسي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أجاز أولياءه بجوائز عوارفه، وخص أصفياءه بخصائص لطائفه، وبعث سيدنا محمدًا مُبيِّنًا لتعاليم الشرع ومقاصده، وفتح باب العلم لقاصده صلى الله عليه وآله وسلَّم وعلى آله وصحبه الواصلين طارف المجد بتالده.

هذا، وإن فضيلة العالم الكبير والعلامة الشهير، صاحب المؤلفات العديدة والمباحث المفيدة، الراوي للحسب والنسب من أعذب الموارد، الوارث الفضل والمجد عن الجد والوالد أبا سالم السيد الشريف الحافظ عبد الله بن الشيخ الأشهر، القدوة الأكبر، أبي المكارم سيدي محمد الغماري الحسني الشهير بابن الصديق، أبان الله لي وله معالم الطريق، ورحم السلف وبارك في الخلف، رغما عن تعلقه بالعلوم، وتفتنه رواية ودراية في المنطوق والمفهوم، فإنه لم يكتف بما لديه بل هو دائم البحث والتنقيب لضم ما عند غيره إليه، كما كان عليه علماء هذا الشان وفي الأثر: «مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعانِ». ولما كانت الإجازة من أصح أنواع التحمُّل التي يحصل بها في الرواية التجمل، طلب مني في الديار المصرية، وذلك دلالة على همته العلية، أن أمكن معه عرى الوداد بإجازته بما لنا من رواية، وإسناد، فأسعفته بزفه إليه ونفعه به في مطلوبه وساعدته في، مرغوبه حرصًا على بقاء سلسلة الإسناد الممتازة بها هذه الأمة من بين سائر العباد، ورجاء دعوة لي بالسلامة والتوفيق وحسن الختام، والموت على الإيمان والإسلام.

فأقول مستعينا بذي الطول، متبرئًا من الحول والقول:  أجزتُ السيد المومأ إليه، الحَريَّ بكل خير لديه، بحديث الرحمة المسلسل بالأولية، وهو قوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله: «الرَّاحِمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم من في السَّماء».

وبجميع ما صح وتصحُ لي روايته، وثبتت لي درايته من منقول ومعقول، وفروع وأصول، ومقروء ومسموع، ومُفرَّق ومجموع، وإجازة ووجادة، ورحلة وإفادة، ومروي ومتناول، وغريب ومتداول، خصوصا كتب السنة النبوية، وما ألف فيها من كتب الصحاح والسنن، والمسانيد، والجوامع، والمستخرجات، والمستدركات، والمعاجم والأجزاء، والأطراف، والطبقات، والفهارس والأثبات، والمشيخات والإفادات والإرشادات والمسلسلات، بأنواعها على كثرتها وتباين طرقها، وبما ألفناه وتطفلنا بجمعه وصنفناه حسبما حصلت لنا رواية كل ذلك عن أئمة أعلام، روح الله جل جلاله أرواحهم في دار السلام. إجازة خاصة وعامة وشاملة مطلقة تامة له ولأبنائه ولمن له ذلك من غيرهم.

إجازةٌ تَعَمُّه ونَسْلَهُ حاوية معنى الذي سيقت لـه ومن يرى من نسله مذ تبعه كالأول اجعله بلا مُنازَعَه بالشرط المعتبر عند أهل الحديث والأثر، موصيا له ولنفسي بما أوصى الله به عباده في كتابه الكريم وهو قوله تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا ﴾ [النساء: ١٣١]. وألا ينساني من صالح دعائه في خَلَواته وجلواته، بما نرجوه من سلامتنا وعافيتنا في دنيانا، ونتمناه من التوفيق في ديننا والنجاة في أخرانا. قاله وكتبه: عبد الحفيظ بن محمد الطاهر الفهري نسبا، الفاسي أصلا ولقبا، الرباطي وقته استيطانًا.

مصليا ومسلما وحامدًا وشاكرًا ومختتها بما رويناه من طريق الحافظين:

ختم

صلاح الدين العلائي وأبي طاهر السلفي، بسندهما المسلسل بالدعاء عند القرآن، إلى أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعليه السلام قال: قرأت على حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما بلغت رأس العشرين من حم عسق]الشورى: ۱ - ۲[، من قوله تعالى: وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ ﴾]الشورى: ٢٢[. فاضت عيناه بالدموع، وقال لي: يا علي أمّن على دعائي فإن جبريل أتاني الدعاء وأمَرَني أنْ أدعو به عندَ ختم القرآن: اللهم إني أسألك إخبات المخبتين، وإخلاص الموفّقِينَ، ومرافقة الأبرار واستحقاق حقائق الإيمان، والغنيمة من كلِّ بِر، والسلامة من كل إثم، ووجوب رحمتك، وعزائم مغفرتك، والفوز بالجنَّةِ، والنجاة من النَّارِ». اهـ

وقيد في يوم الاثنين لأربع خلون من ذي القعدة الحرام عام ستة وسبعين وثلاثمائة وألف هجرية، الموافق لثلاث خلون من يونية عام سبعة وخمسين

وتسعمائة وألف ميلادية، رزقنا الله خيرهما وأعاذنا من شرهما بمنه، آمين.

 

إجازة العلامة عبد القادر توفيق الشلبي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أجازنا بجوائز فضل تبتهج بها الأنفس وتقر العيون، وشرح صدورنا بتحقيق حقائق سر فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ هُم مِّن قُرَّةٍ أَعْيُنِ جَزَاءُ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾]السجدة: ١٧[، ورقى بنا على معارج التفهام إلى سدرة عوارف المعارف، وأسبغ علينا نعمه وأظلَّنا بظل ظليل فضله الوارف، وأطلق ألسنتنا بالتحدث بجميل نعمه إجمالا وتفصيلا، ومنحنا التشرف بجوار الذي فاق العوالم جمالا وتفضيلا، وأحيا القلوب بنور حياة قلبه الواسع لكل شيء رحمة وعلما وهدى وبشرى للمؤمنين، واختصه بخصوص خصائص وما أَرْسَلْنَاكَ إِلَّارَحْمَةُ لِلْعَالَمِينَ ﴾]الأنبياء: ۱۰۷[وأشهد أن لا إله إلا الله الذي ختم بفاتحة النبوة مظهر دور دائرة الرسالة ونظام عقد دره المكنون، فكان ختاما مسكًا وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده المرسل للعالمين بشيرًا ونذيرا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، لوح نقوش المعارف الجامع، مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَبِ مِن شَيْءٍ ﴾]الأنعام: ۳۸[، وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾]البقرة: ٩٧[، ولسان الغيب المفصح بجوامع كلمه عن مكنون علوم وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينِ ﴾]يس: ١٢[، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى وبدور الاقتدا الفائزين بسره المخصوص ببلوغ المرام، في المبدأ والختام. أما بعد: فإن العلم من أجل المقاصد، وأجملها، وأتم الوسائل وأكملها، وأسنى المناقب ذخرًا، وأسمى المراتب عزًا وفخرا، وأرفع فضل تزدان به المعالي، وتزدهي بجلال المناصب مدى الأيام والليالي، وأنفس نفيس يتنافس فيه المتنافسون، وأحلى حلي يتحلى به النبلاء الراغبون، بل هو النور تستنير به آراء الفضلاء في توضيح المشكلات، وتستكشف به الأفكار غياهب التعقيد في حل المعضلات، والروضة التي جنت ثمارها أيدي ذوي الجد والاجتهاد، والدر الذي نظمت منثور فوائده ببنات اليراعة البلغاء الأمجاد هذا، ولما كان الإسناد من الدين والآخذ به متمسك بحبل الله المتين، وهو من خصائص هذه الأمة وقد تشرفت به من قبلنا السادة الأئمة، وأمرني من تجب طاعته ولا تسعني مخالفته، حُجَّة الإسلام والمسلمين وصدر صدور العلماء المحققين، مولاي العارف الربَّاني الشريف السيد محمد ابن الشيخ الإمام العالم الفاضل والمرشد الكامل سيدي عبد الكبير الكتاني أن أجيز أنجاله الكرام وأخواته الفخام، بجميع ما تجوز لي روايته من معقول ومنقول، وفروع وأصول، فامتثلت أمره ولبيته لذلك، وإن لم أكن من رجال هاتيك المسالك، وقلت: قد أجزت أنجاله الأماثل وإخوته الأفاضل، لا سيما العلامة النحرير والمحدث الشهير، معدن المفاخر وارث العلم كابرا عن كابر، مولاي عبدالحي، بجميع ما تجوز لي روايته من منطوق ومفهوم، وتثبت لي درايته من سائر العلوم، بالشروط عند أولي الأثر، حسبما أجازني بذلك مشايخي الأئمة العارفون وأساتذتي العلماء الراسخون

منهم: العلامة الإمام الشيخ حبيب الرحمن الهندي الكاظمي نزيل المدينة المنورة، وهو عن السيد أحمد دحلان، والشيخ جمال مفتي الحنفية بمكة، والشيخ عبدالغني المجددي، والشيخ عبدالغني الميداني تلميذ المحقق ابن عابدين، وعن عبد الرحمن بأقربتي الهندي، والشيخ منة الله اللكوني.

ومنهم: الفقيه المحدث العلامة الشيخ بدر الدين المغربي الجزائري الدمشقي، ومنهم الفقيه الشيخ العلامة السيد حسين الحبشي المكي،

ومنهم: الفقيه العلامة الحنبلي الشيخ عبد الله القدومي النابلسي ثم المدني،

ومنهم: الفقيه المحدث العلامة الشيخ بكري العطار الدمشقي وقد أجازني بالكتب الستة.

ومنهم الفقيه الإمام ناصر الملة والدين مولانا الشيخ حسين أفندي الجسر الطرابلسي مؤلف "الرسالة" الحميدية"، وقد أجازني بسائر مؤلفاته ومروياته،

ومنهم الفقيه الجليل الشيخ عبد الحميد الخطيب الطرابلسي، والفقيه الفاضل الشيخ خليل صادق الطرابلسي، عن شيخه الشيخ محمد الإنبابي، والفقيه الكامل الشيخ محمد ابن مولانا العلامة الشيخ عبدالغني الرافعي، وهو عن والده، وعن نعمان أفندي الألوسي نجل الإمام المفسر السيد محمود الألوسي البغدادي.

ومنهم: عمدة العلماء الأبرار الفقيه الشيخ محيي الدين الخطيب الطرابلسي الشهير بالحفار، وأسانيده مشهورة عَلِيَّة رواها عن أئمة هدى ودراية ورواية منهم عمه العلامة الفقيه الشيخ عبد القادر الخطيب الطرابلسي المدني، وأخوه الشيخ عبدالحميد المتقدم ذكره، وابن خالته الشيخ محمود منقاره، وأستاذه خاتمة المحدثين العارف بالله جل جلاله الشيخ محمد القاوقجي، وشيخه الإمام الشيخ محمود نشابه تلميذ الشيخ الباجوري وشيخه الفقيه العلامة الشيخ عبد الغني الرافعي السابق الذكر، وغيرهم من العلماء الأعلام وكلهم من علماء طرابلس الشام.

ومن أشياخي العلامة الكبير، والمعمر الشهير مولانا السيد الشريف الحافظ عبد الله السكري الدمشقي، ومن أشياخي الأماثل الشيخ الفقيه الشريف أبو النصر الخطيب الدمشقي عن أشياخه المصريين كالباجوري، والسقا، والدمنهوري. والشاميين: كوالده، وعمر الغزي، والشيخ هاشم التاجي، والشيخ حسن البيطار، والشيخ حسن الحفار، والفقيه المحدث الإمام الشيخ عبدالرحمن بن محمد الكزبري، والفقيه الشيخ حامد بن أحمد العطار، والشيخ أحمد الداودي الطرابلسي الشامي.

والمدنيين: كالشيخ يوسف الغزي، والشيخ محمد العزب، والشيخ عبدالكريم النخلي، والفقيه العلامة الشريف السيد إسماعيل بن زين العابدين البرزنجي، عن الشيخ صالح الفلاني.

والحلبيين: كالشيخ أحمد شنونا الشهير بالحجار، والشيخ أحمد التزمانيني وغيرهم.

ومن مشايخي الأفاضل: الشيخ حسب الله المكي عن أشياخه، كالشيخ الباجوري، والشيخ عبدالحميد الداغستاني.

ومن أشياخه الشيخ أحمد الدمياطي عن أشياخه، كالشيخ حسن القويسني، والشيخ الباجوري السابقين.

وكالشيخ عبدالغني الدمياطي عن أشياخه الشيخ أحمد النحراوي، عن شيخه الجمال الفضالي والشيخ أحمد الدمهوجي، كلاهما عن الشيخ عبد الله الشرقاوي.

ومن أشياخه الشيخ عبدالغني الدمياطي المتقدم الذكر، عن أشياخه كالشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير الكبير،

ومن أشياخه الشيخ عبدالغني الدهلوي الهندي، ومن أشياخه الشيخ مصطفي المبلط، عن أشياخه كالشيخ محمد الشنواني مُحشّي "مختصر ابن أبي جمرة".

ومن أشياخه: الشيخ إبراهيم السقا عن أشياخه، كالشيخ ثعيلب، عن شيخه الملوي، والشهاب الجوهري، وكالشيخ الأمير الصغير، عن والده الأمير الكبير، وكالشيخ محمد الفضالي وكالشيخ حسن، القويسني، عن شيخه: أحمد جمعة البجيرمي الحافظ، وكالشيخ محمد بن محمود الجزائري، عن الشهاب الجوهري.

ومن مشايخه: الشيخ أحمد منة الله، عن الشيخ الأمير الكبير، وابنه الصغير، وعن الشيخ شافعي الفيومي، والشيخ عبدالرحمن بن محمد الكزبري.

ومن أشياخه: الشيخ محمد القاوقجي المتقدم الذكر، عن الشيخ عابد السندي، وعن الشيخ الباجوري، وعن الشيخ العارف محمد المصري قدس الله سره وأفاض علينا أنوارهم. وأوصي المجازين بتقوى الله تعالى، وأن لا ينسوني من صالح دعواتهم، في خلواتهم وجلواتهم، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. حرره العبد الضعيف المفتقر إليه عزَّ شأنه عبدالقادر توفيق الشلبي عفي عنه».  اهـ

وإني أجزتُ أيضًا جميع أولاد الأستاذ المجاز المفضال: سيدي السيد محمد الباقر وأحفاده، وأحبّاءه الفُضلاء، على الأخص الفاضل الجليل والعلامة النَّبيل الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق بن الصديق، وكل من رأى فيه الأهلية.

خادم العلم الشريف في الحرم الشريف عبدالقادر توفيق الشلبي.

 

إجازة العلامة عبدالواسع اليماني

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي رفع منزلة العلماء من بين الأنام، وخصهم بصحة السند وعلو الإسناد التام والصلاة والسلام على سيدنا محمد المظلل بالغمام، وعلى آله وأصحابه الذين قاموا بتبليغ سُنته أتم قيام.

أما بعد: فقد التمس مني السيدان العالمان الفاضلان: السيد العلامة أحمد بن الصديق، وأخوه السيد العلامة عبد الله بن محمد الصديق الإجازة بما تجوز لي روايته من كتب الحديث، وغيرها ولم أجد بدا من إجابتهما لذلك الطلب، وإن كان لا يعول على مثلي في أرب، وذلك من حسن ظنهما بي مع علمها بقصور باعي وقلة اطلاعي فأقول: قد أجزتهما في كل مالي من رواية ودراية ومنقول ومعقول وفروع وأصول بشرطه الذي هو عند أهل الأثر مقبول، حسبها أجازني بذلك أشياخي العظام، جمعنا الله وأحبتنا بهم في دار السلام. وقد أخذت العلم والله الحمد والمنة عن كثير من المشايخ، من علماء اليمن والحجاز، ومصر، والشام والمغرب، والهند، وأجازوني بما لهم من رواية ودراية، وبمؤلفاتهم ومؤلفات مشايخهم وبما اشتملت عليه أثباتهم، وجملتها اثنان وسبعون ثبتا، أخذت بعضها بالسماع، وبعضها بالإجازة العامة، وخمسة وأربعون مسلسلا بالقراءة، ومشايخي بضع وسبعون شيخًا، أذكر بعضًا منهم.  استوفيت أسماءهم ومقروءاتي عليهم، وإجازاتهم وأثباتهم، في مؤلفي في هذا الشأن، المسمى: "النظم الفريد لمتفرقات الأسانيد" وهو أجمع كتاب في هذا الفن.

فأذكر أولا من مشايخي أستاذ أهل الرسوخ، وشيخ الشيوخ، الجبل الراسي القاضي العلامة محمد بن أحمد العراسي، رحمه الله المتوفى سنة ١٣١٦هـ، حضرت عليه في الروضة شمال صنعاء في منزله أيام الخريف سنة ١٣١٢هـ في قراءة تفريج الكروب.

ومن مشايخي: القاضي العلامة علي بن حسين المغربي رحمه الله وقد قرأت عليه الصحيحين مع المطالعة في الشروح حال القراءة،

ومن كتب الحديث لأهل البيت عليهم السلام: "أمالي الإمام المرشد بالله" و"أمالي أبي طالب" و"شفاء" الأمير الحسين وفي سنن أبي داود"، و"شفاء" القاضي عياض،

وفي أصول الفقه: "الغاية"، مع شرحها للحسين ابن الإمام القاسم وفي "الشرح الصغير" المختصر للسعد والثمرات في أحكام الآيات" مجلدان، للفقيه يوسف، وأجازني بهذا بما أشتمل عليه إتحاف الأكابر في إسناد الدفاتر" للشوكاني.

ومن مشايخي عم المذكور القاضي العلامة حسين بن محسن المغربي رحمه الله، حضرت عليه في الحديث والتفسير، قرأت عليه ثبت شيخه السيد العلامة عبدالكريم بن عبد الله أبي طالب المسمَّى: "العقد النضيد فيما اتصل من الأسانيد" بقراءته على شيخه المؤلّف أجازني بما اشتمل عليه العقد النضيد.

ومن مشايخي القاضي العلامة حسين بن علي العمري حفظه الله، حضرت عليه في الفقه "شرح الأزهار في فقه الأئمة الأطهار"،

وفي التوحيد: "إيثار الحق على الخلق"،

وفي علم العربية: "حاشية يسين على قطر الفاكهي"، "شرح الخبيصي على كافية ابن الحاجب"، "المطول في علم المعاني"، "شرح الكامل في أصول الفقه"، "حاشية اليزدي على شرح إيساغوجي في المنطق".

وفي علم الأثر: "شرح "النخبة" و"ثمرات النظر في علم الأثر"،

وفي الحديث: الأمهات الست "سبل السلام" للأمير، و"مسند الإمام زيد"، و"شفاء" الأمير الحسين، وبعضا من المسلسلات.

وفي علم الصرف: شرح الشافية" للشيخ لطف الله الغياث المسمى: "المناهل الصافية"،

وفي السيرة النبوية: "سيرة ابن هشام"، "بهجة المحافل"، "الهيكل اللطيف في حلية الجسم الشريف".

وفي التفسير: "الكشاف" و"الإتقان" و"الثمرات في أحكام الآيات".

وغير ذلك من الرسائل، منها: "تحفة الناظر في آداب المناظر"،

وفي علم السند: ثبت القاضي محمد مشجم: "بلوغ الأماني في سند من أنزلت عليه المثاني" وأجازني بهذه المقروءات وبما اشتمل عليه هذا الثبت، وثبت الشوكاني. ومن مشايخي، القاضي العلامة: أحمد بن عبد الله الجنداري.

وهؤلاء المشايخ سندهم إلى الشوكاني ومن مشايخهم القاضي العلامة المتقدم: محمد بن أحمد العراسي، وبيني وبين شيخ الإسلام الشوكاني درجتين، وبعضهم ثلاث درجات وبعضهم أربع درجات، فالذي بيني وبينه درجتين عن مشايخي المذكورين عن شيخهم السيد العلامة إسماعيل بن محسن بن عبدالكريم عن شيخه الشوكاني وفي طريق أخرى عن مشايخي عن شيخهم السيد العلامة الحافظ محمد بن إسماعيل الكبسي عن شيخه الشوكاني. ومن مشايخي من علماء مكة: السيد العلامة: حسين بن محمد الحبشي مفتي مكة سابقا، حضرت عليه سنة ۱۳۲۹هـ في الحديث، وقرأت عليه ثبته بعد نسخه المسمى: "فتح القوي في سند السيد حسين الحبشي" وأجازني بما اشتمل عليه.

وأجازني علماء مكة فيما حضرت عليهم وبمؤلفات شيخهم السيد العلامة: أحمد زيني دحلان.

ومن مشايخي في المدينة المنورة العلامة: يوسف بن إسماعيل النبهاني البيروتي أجازني في الروضة الشريفة بجميع مؤلفاته، وبما اشتمل عليه ثبته المسمى: "هادي المريد إلى طريق الأسانيد".

ومن مشايخي من علماء دمشق السيد العلامة: محمد بدر الدين الحسني رحمه الله، صائم الدهر، محدّث الشَّام وعلامة الدُّنيا، الزاهد الورع، لا يفتر لسانه عن ذكر الله، ولا يتكلم عن أحد، ولا يسمح في مجلسه أن يذكر أحد غائب لازمته في دار الحديث خمس سنين أيام الحرب العمومي، وحضرت عليه في جملة من العلوم، منها "صحيح البخاري"، أمليت عليه وهو يسمع مع جملة من الطلبة، وكان رحمه الله يحفظ الصحيحين غيبا مع رجالها وتاريخ حياتهما، وقرأت عليه "نوادر الأصول" للحكيم الترمذي، و"عقائد النسفي"، والسعد على العزي، والفناري بحواشيه على الإيساغوجي، و"الهداية" في الحكمة، و" الخلاصة" للعاملي في علم الحساب، و"شرح تائية السلوك إلى ملك الملوك " في التصوف، و"شرح منظومة ابن الهايم" في علم الجبر والمقابلة وأمليت عليه النصف الثاني من "الكشاف"، والنصف الأول مع تفسير الخطيب وحضرت عند شيخ آخر وأمليت عليه المختصر في "الترغيب والترهيب" وما إليه، وأمرني بتجريد كثير من الأحاديث الضعيفة، وطلب من مطالعته معي في علم الفلك والهيئة، "التصريح على التشريح " طبع الهند، والجغميني، وفي زيج ابن الشاطر، واللمعة شرح الزيج، ومؤلفي المطبوع بالشام سابقا: "كنز الثقات في علم الأوقات" هذا مع علو همته، وتحقيقه الجميع العلوم، وكبر سنه ونيف عن السبعين في تاريخ سنة ١٣٢٧ هـ لم يتكاسل عن أخذه لبعض العلوم من أصغر منه سنا، الذي لا يضر جهله بها وقد أجازني إجازة عامة وخاصة عن مشايخه بأثباتهم إلى مؤلفيها.

ومن مشايخي: شيخ الإسلام المصري إبراهيم السقا بسنده إلى الأمير الكبير صاحب الثبت المشهور.

ومن مشايخي مفتي دمشق السيد العلامة محمد عابدين أبو الخير، حضرت علیه "صحیح مسلم ومسلسلات ابن عقيلة، وشطرا من ثبت جده السيد العلامة محمد عابدين المسمى: "عقود اللآلي في السند العوالي"، وأجازني بما اشتمل عليه.

ومن مشايخي السيد العلامة: محمد الكتاني المغربي.

وحضرت بمصر في أيام انتسابي في الأزهر على الشيخ عبدالرحيم أبو النجا، في شرح "منهاج النووي" في فقه الشافعية في جامع إبراهيم بك وعلى الشيخ العلامة محمد بخيت في "البخاري" والتفسير بين العشائين في الأزهر في قبة العباسي، وبعد صلاة الصبح في الموضع المذكور في التفسير، لدى الشيخ العلامة يوسف الدجوي ولم أزل ملازما دروسهما في مدة بقائي بمصر. وقد جرت عادة المشايخ رحمهم الله أن يذكروا في إجازاتهم سند بعض مقروءاتهم المشهورة، كأحد الأمهات الست أو غيرها، فأذكر سند "البخاري" روما للاختصار، وأروي هذا الكتاب عن سبعة وعشرين شيخًا، قراءة وإجازة فقرأته على تسعة مشايخ

ولي طرق، أذكر هنا أعلى طريق ولعلها أعلى طريق في الدنيا:

فأرويه عن شيخي السيد العلامة عبدالرحمن بن عبد الله السقاف، عن شيخه السيد العلامة عيدروس بن عمر عن السيد سليمان الأهدل، عن شيخه ابن سنة الفلاني عن أحمد بن العجل عن النهروالي، عن الطاووسي، عن الفرغاني، عن الختلاني، عن الفربري، عن البخاري. وأجزتها أيضًا من كتب أهل البيت عليهم السلام: بـ"الروض النضير شرح مجموع الإمام زيد بن علي عليهما السَّلام"، بقراءتي شطرا منه على شيخنا العلامة أحمد بن محمد السياغي رحمه الله بسنده عن جده المؤلف أبي أمه القاضي العلامة: حسين بن أحمد السياغي رحمه الله.

وأجزتهما بمؤلفاتي وإن كانت لا تذكر، وقد جرت سنة العلماء في ذلك، وهي بضع عشرة مختصرًا فقد أجزتها بجميع ما ذكر من الأثبات إلى مؤلفيها وأوصيهما بتقوى الله والدعاء لي بحسن الخاتمة وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وصحبه.

وحرَّره في ١٤ شهر رمضان الكريم سنة ١٣٥٤هـ الفقير إلى ربه عبدالواسع بن يحيى الواسعي.

 

خاتمة

وكان الفراغ من كتابة هذه الترجمة ظهر الأحد السابع عشر من شهر رمضان المعظم سنة أربع وأربعمائة وألف، أحسن الله ختامها.

ثُمَّ زدت بعض الزيادت التي اقتضتها الحاجة، وذلك في مكة المكرمة والمدينة المنورة أثناء موسم حج سنة أربع وأربعمائة وألف، تقبل الله مِنَّا بِمَنْه وكرمه، وعفا عنا.

كتبه أبو الفضل عبد الله بن محمد بن الصديق الحسني الغماري

 

إلى الإمام عبد الله الغماري:

زالت المحنة عنكم

اوليـــــــا مـــــــــن ولي

أنت في الكون إمـــــــام

رتجي

أنت للمرضى طبيب

عل

ليل الأتقياء

سيم العلم ك الأصـ

ا شفاء للعي

فياء

فيك نور يتلالا في المحي ا واللماء شاهد قد صاح هذا نجــــل خــــــــر الأنبيـــــــاء

قد ملأت الأرضَ عِلْمًا

تجاوزت العلاء

ـــــــل أقطــــــاب البرايـــــــا نـــــالهـم منـــــــك النـــــــاء لما في الارتقـــــــــــاء

مذه المحنَ ه كانت

إنها كانــــــــت دلـــــــيلا أنـــــــك ابـــــــن الشـرفــــــــاء

كـــل أهـــــل الـعـلـــــم لاقـــــوا

شرفوا السجن وكانوا

في

ذا الابتلاء

سيرُ النَّـ

زلاء

لم يكن هذا غريبا ـــــــل الأحــــــــام القضــــــاء وابــــن (يعقـــــوب) مثـــال فيــــــه هـــــــدي واهـتـــــــداء ا إمام العصر عشتُم

إنني أزجــــــــي التـــــــاني لوة مثل الرجاء زالت المحنــــة عـــنكـم صـــــــــانكم ربُّ الســــــــــاء

كتبها فضيلة الشيخ عبد القادر عوض شيخ الطريقة القاوقجية الشاذلية بأويش الحجر مركز المنصورة بمصر.

 

 

 

فهرس موضوعات تراجم الحافظ في سبيل التوفيق

۱- ترجمة وتحليل رائع لكتب العلامة الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق بن الصديق الغماري بقلم تلميذه الوفي البرفسور فاروق حمادة استاذ الحديث بالمغرب

۲- ترجمة العلامة الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق بن الصديق الغماري بقلم شقيقه الحافظ السيد أحمد بن الصديق الغماري

ولادته وبداية نشأته

القراءة القرويين.  

توجهه للقاهرة وقراءته بالأزهر.

اهتمامه بالمعقولاتِ ثم توجهه للحديثِ.

مختصر رسالته في تضعيف ونكارة حديثِ الأوّعال.

جوابه عن مفعولي (قال)) وأحوالها.

3- تدريسه في الأزهرِ وحصوله على العالمية.

4- تدريسه "جمع الجوامع " الأصولي ثُمَّ استقراره بالقاهرة.

ه- رسائل وخطابات بين السادة العلماء عبد الله؛ وشَقِيقيه أحمد وعبد العزيز

رحمهم الله تعالى

الرسالة الأولى

الرسالة الثانية.

الرسالة الثالثة.

الرسالة الرابعة.

الرسالة الخامسة.  

الرسالة السادسة.

الرسالة السابعة.

الرسالة الثامنة

الرسالة التاسعة.

الرسالة العاشرة.

الرسالة الحادية عشر.

الرسالة الثانية عشر

الرسالة الثالثة عشر

الرسالة الرابعة عشر.

الرسالة الخامسة عشر.

الرسالة السادسة عشر.

الرسالة السابعة عشر.

الرسالة الثامنة عشر.

الرسالة التاسعة عشر.

الرسالة العشرون

٦- صور لبعض الأصول الخطية.

تمهید.

مقدمة

٧- سبيل التوفيق في ترجمة عبد الله بن الصديق

يستدل كثير من العلماء بقول الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِتْ على استحباب تحدث الشخص بما أنعم الله عليه من علم وصلاح وفضل، وفيه نظر من وجوه.  

التحدث بالنعمة مقيَّد بما إذا لم يكن في التحدث مفاخرة أو مكاثرة أو رياء،

فهرس الموضوعات

وإلا فهو مذموم.  

إشكال: حول الجمع بين جواز التحدث بالنعم وقول الله تعالى: فَلَا تُزَكُوا أَنفُسَكُمْ * والجواب عليه.  

نسب المصنف من جهة الأب

نسب المصنف من جهة الأم.

فصل في ولادة ونشأة المصنف.

عناية المصنف برسم القرآن الكريم.

سبب عناية المصنف بعلم التجويد.  

فصل في رحلة المصنف إلى فاس فاس لطلب العلم بجامعة القرويين.  

مقروءات المصنف بالقرويين.  كان باب الجهاد لا يُقرأ في كتب الفقه بالمغرب لأن فرنسا منعته، إلا في طنجة، فإن مولانا الإمام محمد بن الصِّدِّيق رضي الله عنه كان يقرأه في "المختصر" وفي "صحيح البخاري"، ويبالغ في شرح أحكامه، ويتعرض لذم المستعمر ويحض على مقاومته، ولم تستطع فرنسا أن تمنعه من ذلك.

والد المصنف يحذره من القضاء.

فصل في سفر المصنف إلى مصر.

عقوبة على ترك المشيئة.

الانتظام في الدراسة بالأزهر وذكر بعض الكتب التي حضرها المصنف على المشايخ.

ثناء المصنف على العلامة المحقق العديم النظير الشيخ محمود إمام عبدالرحمن المنصوري الحنفي.

حصول المصنف على شهادة العالمية الخاصة بالغرباء من الأزهر.  

كتابة المصنف في مجلة الإسلام.

صلة المصنف بالجمعيات الإسلامية.

فصل في بعض ما درّسه المصنف للطلبة.

تعليق المصنف على طريقة الجلال المحلّي في التصنيف.

مرشد الحائر لبيان وضع حديث جابر

ذكر بعض الأحاديث المنكرة والموضوعة في فضائل النبي صلى الله عليه وآله

وسلّم.

نقد المصنف ردَّ الدارمي على بشر المريسي وبيان بطلان حديث الأوعال

فصل في ذكر ما حصل عليه المصنف من الشهادات.

فصل في ما يعرفه المصنف من العلوم.

ما هو الترقيم

كانت للمصنف عناية شديدة بعلم النحو.

سبب اشتغال المصنف بعلم الحديث.

رجاء المصنف أن يكون مجدد هذا القرن.

(وقد تم بفضل الله جل جلاله انظر موقعه

www.AbdullahGhumari.com

)

فصل فيمن عاصره المصنف من أهل الحديث.

 

السيد أحمد بن محمد بن الصديق كان يعرف الحديث معرفة تامة وكتبه شاهدة على ذلك.  

الشيخ أحمد بن محمد شاكر، كان يعرف علوم الحديث معرفة جيدة تدل عليها

فهرس الموضوعات

تحقيقاته للكتب التي حققها، غير أنه كان لا يعرف العلل

رأي المصنف في الشيخ محمد ناصر الدين الألباني.  

فصل في ذكر شيوخ المصنف رحمهم الله تعالى.

أولا: شيوخ المصنّف من المغرب.

ثانيا: شيوخ المصنف من تونس.

ثالثا شيوخ المصنف من مصر.

ثالثا: شيوخ المصنف من الحجاز.

رابعا: شيوخ المصنف من الشام.

خامسا: شيوخ المصنّف من النساء.

فصل في تلامذة المصنف.

فصل في كُنَى المصنف.

فصل في مؤلفات المصنف، وبيان إكثاره، وذكر سبب تصنيفه لكل كتاب، وهو

مهم جدا وماتع للغاية.  

فصل في مؤلفات المصنف في محنته.

ذكر بعض الكتب التي علق عليها المصنف.

فصل في مؤلفاته بالمغرب.

الفرق بين المشارقة والمغاربة عند الاختلاف

كيف تشكر النعمة.

الشكر عند حدوث النعم عبادة أمرنا الله بها كما أمرنا بالصلاة والصيام وغيرهما من العبادات.

ذكر بعض الأحاديث التي بين فيها النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كيف تؤدَّى

عبادة الشكر بفعله وقوله.

علاج التقصير في الشكر.

لا يجوز أن يقول: اللهم أد عنِّي شكر النعم لقبحه من وجوه.

شبهات تعرض في هذا المقام والجواب عنها.  

التوقي والاستنزاه عن خطأ البناني في معنى الإله.  

الخطأ الأول: إطلاق لفظ الكُلّي على الإله لا يجوز شرعًا.

الثاني: أنَّ الإله ليس بكلّي بل هو خاص بالله تعالى.

الثالث: أنَّ الكلي إنما يتأتى في الممكنات كالنبي والملك والعرش والكرسي.  أما واجب الوجود سبحانه فهو منزه عن ذلك

الرابع: أنَّ الكلّي لا يُتصوّر كونه محالا.

الخامس: في تناقض وقع فيه البناني رحمه الله تعالى.

السادس: وهو مبني على ما قبله، أنَّ جواز القاطع على وجوب تفرد الله بالألوهية لا يمنع منه.

السابع: أنَّ زيادة لفظ: «بحقِّ» في معنى الإله لا أصل لها في اللغة ولا علاقة للعقل بها.  

الثامن: قوله أيضًا: تفسير الإله بالمستغني عن كل ما سواه المفتقر إليه كل ما عداه لا يمنع كونه كليًّا؛ إذ لا يوجب تشخيصه؛ لأنه بهذا المعنى يحتمل أن يصدق على كثير على سبيل «البدليَّة إغراق في الخطأ وتشبت به إلى حد التزمت.

التاسع: قوله: «إذ لا يوجب تشخصه والصواب أن يقول: إذ لا يوجب

تعينه. لأن التشخص لا يجوز أن يضاف إلى الله سبحانه وتعالى.

ثلاثة إيرادات على هذا المقال والجواب عليها.

الأول: دعوى أن المحال ليس بكليّ يخالف ما أطبق عليه أهل المنطق ٣٠٥ حديث: «لا شخص أغيرُ من الله من تصرُّف بعض الرواة ولفظه الثابت في أغلب الطرق: «لا أحدَ أغيرُ من (الله) (ت).   

الثاني: كلام الشيخ سعيد قدوره في بيان أفراد الكلي الممتنع، واشتماله على أوهام.  

الثالث: من الإيرادات، دخول النّفي العام على «إله» في قولنا: «لا إله إلَّا الله» يؤيد القول بكليته.

الرابع: اختار السنوسي أنَّ معنى «إله» في كلمة التوحيد لا مستغنيا عن كل ما سواه ومفتقرًا إليه كل ما عداه إلا الله، فهو على هذا كلي.

فصل في مصنافت لم تكمل.

فصل في مؤلفات ضاعت.

فصل في مؤلَّفات المريُسبق إليها المصنف.

مسائل أغلقت على المصنف ثم فهمها بإلهام من الله جل جلاله (ت).  

فصل: في ذكر بعض ما حرره المصنف من الفوائد ومنها ما لم يسبق إليها.  

فصل في ثناء كبار العلماء على المصنف.

فصل: في ذكر بعض المبشّرات.

فصل: في ذكر ما رحل إليه المصنف من البلاد، وفيه ذكر بعض أصدقاء وتلاميذ المصنف

رتب الحفظ عند المحدثين.

تنبيهات هامة

علوم الحديث ثلاثة

نصوص بعض الإجازات

إجازة للعلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور شيخ الإسلام المالكي بالقطر التونسي.

إجازة أخي المحدث العلامة الشيخ أبي الفيض أحمد بن الصديق.  

إجازة السيد هبة الدين الحسيني أحد علماء الشيعة بالنجف

إجازة العلامة المؤرخ محمد راغب الطباخ.

إجازة العلامة عبد الباقي الأنصاري المدني

إجازة العلامة خليل الخالدي.  

إجازة الملك إدريس السنوسي.

إجازة العلامة عبد الحفيظ الفاسي.

إجازة العلامة عبد القادر بن توفيق الشَّلَبي.

إجازة العلامة عبد الواسع اليماني.

قصيدة في مدح الحافظ المحدث العلامة المتقن السيد الشريف الحافظ عبد الله بن محمـد الصديق زالت المحنة عنكم » لفضيلة الشيخ عبد القادر عوض.

تم فضل الله تعالى

الجزء الأول ويليه الجزء الثاني... إلى العشرين