Ghumari-v15-ar

المجلد الخامس عشر:

النحو و المنطق

أولا: النحو ويحتوي على:

۱ - تَشْيِيدُ المَبانِي لتَوْضِيح ما حَوَتْهُ المُقدِّمةُ الآجُرُّومِيَّةُ مِن الحَقائِقِ

والمعاني.

ثانيا : المنطق ويحتوي على:

۱ - التَّوَفَّي والاسْتِزَاه عن خطأ البناني في مَعْنَى الإله.

٢ - رَفْعُ الإِشْكَال عن مَسْأَلَةِ المُحال.

٣ - التَّنَصُّل والانفصال مِن فَضِيحَةِ الإشكال.

۱ - تَشْيِيدُ المَبَانِي لتوضيح مَا حَوَتَهُ الْمُقَدِّمِةُ الأَجُرُومِية مِنَ الْحَقَائِقِ وَالْمَعَانِي

تشييد المباني

۹

بسم الله الرحم الرحيم

أقسام الكلام

قال المؤلفُ: (الكَلَامُ هو اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ المُفِيدُ بِالوَضْعِ).

الكلام»: اسم جنس يقع على القليل والكثير، والكَلِمُ لا يكون أقل من ثلاث كلمات؛ لأنَّه جمع كَلِمَةٍ، ولهذا قال سيبويه في الكتاب: «هذا باب عِلْمُ ما العليم. من العربيَّةِ» ولم يَقُل: ما الكَلَام؛ لأنَّه أراد نفس ثلاثة أشياء الاسم إلخ... فجاء بما لا يكون إلا جمعا وترك ما يمكن أن يقع على الواحد والجماعة. وهو في اللغة: موضوع لكل ما أفهم معنى، واصطلاحًا: هو ما عرفه

المصنف.

واللَّفْطُ» لغةً: الرَّمِّي، يُقالُ : لَفَظَ الشَّيء من فيه إذا رماه، وهذا من استعماله في حقيقته، ومن المجاز: «لَفَظَتِ الرَّحَى بالدَّقِيقِ». واصطلاحًا .

الصوت.

هو

والمُرَكَّب» لغةً: يُطلق على ركوب الدَّابَّة، وعلى الدِّينِ إِذا ارْتَكَبَ أو رَكِبَ، وعلى مَعَانٍ كثيرة، واصطلاحًا هو ما تركب من كلمتين فأكثر. وهو ثلاثة أقسام: إسنادي، وإضافي، ومَزْجِي.

قال السُّوداني: والمراد الأوَّل وإن قال ابن الصائغ: حيث أطلق النُّحاةُ المركَّب، فالمراد المزجِي كبعلبك.

قال ابن هشام وصُوَرُ التركيب الإسنادي ست، وذلك إِمَّا أن يتركَّبَ من اسمين، أو من فعل واسم، أو من جملتين، أو من فعل واسمين، أو من فعل

النحو

وثلاثة أسماء، أو من فعل و أربعة أسماء. أما تركيبه من اسمين فله أربع صُورٍ :

إحداها: أن يكونا مبتدأ وخبرًا نحو: زيد قائم.

والثانية: أن يكونا مبتدأ وفاعلا سدَّ مَسَدَّ الخبر نحو: أقائم الزيدان.

الثالثة: أن يكونا مبتدأ ونائبا عن فاعل سدَّ مَسَدَّ الخبر نحو: أمضروب

الزيدان.

الرابعة: أن يكونا اسم فعل وفاعله نحو: هَيْهَاتَ العَقِيقُ.

وأما تركيبه من فعل واسم فله صورتان:

إحداهما : أن يكون الاسم فاعلا، نحو: قام زيد. الثانية: أن يكون نائبا عن الفاعل نحو: ضُرِبَ زيد.

وأما تركيبه من جملتين فله صورتان أيضًا:

إحداهما جملتا الشَّرط والجزاء نحو: إن قام زيدٌ قُمتُ. الثانية: جملتا القسم وجوابه، نحو: أَحْلِفُ بالله لزيد قائم.

وأما تركيبه من فعل واسمين فنحو: كان زيد قائما .

وأما تركيبه من فعل وثلاثة أسماء فنحو: عَلِمتُ زيدًا فاضلا. وأما تركيبه من فعل وأربعة أسماء فنحو: أَعْلَمْتُ زيدًا عمرًا فاضلا. انتهى

مع زيادة ونقصان.

و«المفيد» ما استفيد من أخذ مال أو إعطائه.

واصطلاحًا: هو ما أفاد فائدة لم تكن عند السامع.

هذا عن القول باشتراط الفائدة الجديدة، وإليه ذهب ابن مالك، قال في

تشييد المباني

شرح

بالمفيد

۱۱

"كافيته" في مُحتَرزاتِ قيود الكلام: ويخرجُ بذلك - يعني المركَّب الذي لا يَجْهَل أحدٌ معناه، نحو: السَّماء فوق الأرضِ، فَإِنَّه لا يُفيدُ فلا يعده النحويون كلاما».اهـ

وجزم به المرادي والسيوطي والأزهري والأشموني وغيرهم.

ومقابله عدم اشتراطها، وعلى هذا يُحذف من التعريف: «لم تكن عند السامع. وإلى هذا ذهب أبو حَيَّان، قال: «لا وَجْهَ لمن علل اشتراطه بكونه معلوما؛ لأنَّ ذلك غير مُوجب لعدم كلاميَّته، واللَّازِمُ في كُلِّ ما عُلِمَ مَدلوله،

أن لا يكون كلاما واللازم باطل» . اهـ

بالوضع الوضع لغةً يطلق على معان كثيرة يُقَالُ: وَضَعْتُ الشَّيءَ بين يديه تركته هناك، ووَضَعَت الحامِلُ وَلَدَتْ، وتواضع الله خشع، ووضع

الحديث كَذَبَه وافتراه.

واصطلاحًا فيه مذهبان

الأول: أنَّ المراد به الوضع العربي. وعرَّفوه بأنَّه جَعْلُ اللفظ دليلًا على

المعنى، وهذا التعريف لمطلق الوضع لا بِقَيدِ كَوْنِهِ عربيًّا.

والثاني: أنَّ المراد به القصد. وهو أن يقصد المتكلم إفادةَ السَّامِعِ. ومنشأ الخلاف هنا هو الخلاف في دلالة الكلام هل هي وَضْعِيَّة أم عَقلِيَّة؟ والأصح الذي عليه جمهور النحاة: الأول، إلَّا أنَّ الوضعَ قسمان: شخصيٌّ ونوعيٌّ ، أمَّا المفردات فوَضْعُها شخصي، وهو أن يضع الواضع لكل ذات مخصوصة استما يخصها بحيث إذا أطلق ذلك الاسم انصرف لتلك الذَّاتِ وميَّزها من أفرادِ جنسها، وقد اتفقوا على وضعيّته.

۱۲

النحو

وأما المركبات فوضعها نوعي، وهذا النوعي عبارة عن الوضع للأمر الكلي،

وهو أن يضع الواضعُ الفعل مع فاعله للدلالة على ثبوت الفعل لمن صدر منه أو قام به فنحو: «قامَ «زيد مثلا وضعه الواضع لكل من صدر منه ! القيام فتدخل تحته أفراد كثيرة كما هو شأن النوعي في الشمول، وهذا القسم هو المختلف فيه، لكن الراجح ما تقدَّم آنفًا. وأما قول الأزهري بعد حكايته الخلاف في دلالة الكلام هل هي وَضْعِيَّة أم عَقلِيَّة: «والأصحُ الثَّاني، فباطل وإلَّا لكان كل كلامٍ سُمِعَ فُهِمَ، وَاللَّازِمُ باطل، وقد تبعه السوداني على ذلك حيث قال بعد كلام له ما نصه: «لأنَّ الصحيح اختصاص الوضع بالمفردات والكلامُ مركَّب» . اهـ وقد علمت بطلانه. ولعل القائل بالدلالة العقليَّةِ جَعَلَ الوضعَ شخصيا فقط، وبالضرورة إذا كان شخصياً كانت الدلالة عقليّة والصَّوابُ كما عَلِمْتَ أَنَّه نوعي في المركَّبات، شخصي في المفردات، فتلخّصَ من هذا أنَّ الكَلَامَ) عند النُّحاةِ يُطلقُ على هذه الأمور الأربعة وهي | اللفظ إلخ فـ( اللَّفْظُ) جنس، و(المُرَكَّبُ) مُخْرِجٌ لغيره كزيد، والمثله كعبد الله وبعلبك، و(المفيد) مُخرج لما ليس بمُفيد، كـ «إن قام زيد» والذي ضربته» ونحو ذلك، و(بالوضع) قيد له تُخْرِجُ لكلام العَجَمِ والبَرْبَرِ، أو لكلام النائم والسكران ونحوهما مما لا يعقل. فإن قلت: اللفظ جنس بعيدٌ للكلام، وقد عاب المناطقة استعماله في

الحدود.

قلت: إنّما عابوا الاقتصار عليه بدون فَصل، وأمَّا ذكره مع الفَصْلِ كما هنا

فهو حد تام.

تشييد المباني

۱۳

ثم اعلم أنَّ المصنف - رحمه الله - لم يعرف الكلمة ولا القول، وكان حقه أن يعرفهما، لكنه قصد بهذه المقدّمة المبتدئ فحذفهما تقريبًا عليه، ولنذكرهما تتميما

للفائدة فنقول : الكلمة لغة؛ قال في "القاموس": «الكَلِمَةُ اللَّفْظَةُ والقَصِيدَةُ». واصطلاحًا قال ابن هشام: «الكلمة قول مفرد، والمراد بالقول: اللفظ الدال على معنى كرجل وفرس والمراد بالمفرد: ما لا يدلُّ جُزُوهُ على جُزء معناه، وذلك نحو: زيد. فإنَّ أجزاءه وهي الزَّاي والياء والدال إذا أُفْرِدَتْ لا تدل على شيء مما يدلُّ هو عليه بخلاف قولك: غُلامُ .زيد فإنَّ كلَّا من جُزْءيه وهما الغلام وزيد، دال على جُزْء معناه، فهذا يُسمَّى مُرَكَّبا، وهي: اسم وفعل وحرف». انتهى

مُلَخَصًا.

والقول لغةً؛ قال في "القاموس": «القولُ: الكلام، أو كلٌّ لَفْظِ مَذَلَ به اللّسانُ، تاما أو ناقصا».

واصطلاحًا، قال ابن مالك : يُطلق على الكلمة المفردة، وعلى المركب بلا فائدة، وعلى المركب المفيد، فكل كلامٍ قَوْل، وليس كل قول كلاما». انتهى بلفظه. وهذا معنى قوله في "الألفية": والقَوْلُ عَمَّ» يعني أَعَمُّ من الجميع إِلَّا

اللفظ. (فائدة): قال السُّيوطي في "الأشباه والنظائر": «ما خرج من الفم إن لم يشتمل على حرف فصوتٌ، وإن اشتمل على حرف ولم يُفد معنى فَلَفْظُ، وإن أفاد معنى فقول، فإن كان مفردًا فكلمةٌ، أو مركبًا من اثنين ولم يُفد نسبةً مقصودةً

لذاتها فجملة، أو أفاد ذلك فكلام، أو من ثلاث فكلم. انتهى منه بلفظه .

١٤

النحو

قال المؤلف : (وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ : اسْمٌ وَفِعْلٌ وَحَرْفٌ جَاءَ يَعْنِّي). «وَأَقْسَامُهُ»: الأقسام جمع قِسم بكسر القاف، وهو لغةً: يُطلق على الجزء

وعلى النوع، كما يفهم ذلك من "القاموس" وغيره من كتب اللُّغَةِ. قال السوداني: ويحتمل كلام المصنف كلا الإطلاقين، فعلى الأول: وهو بمعنى الجزء. فالضمير عائد على الكلام، أي: وأجزاء الكلام التي يتركَّب منها اسم وفعل وحرفٌ وذلك نحو: قد قام زيد. وعلى الثاني: يعود الضمير على

اللفظ. أي: أنواعُ اللَّفْظِ إلخ». انتهى منه. قلت: فهو من تقسيم الكل إلى أجزائه، وعلى الثاني إذا أُعِيدَ الضمير وأُرِيدَ منه الكلمة وقطع النظر عن الأوصاف كان من تقسيم الكلي إلى جزئياته،

فيكون فيه استخدام. «ثَلَاثَةٌ»: بالإجماع إلَّا من خالف شذوذا، والأدلة على ذلك ثلاثة: أحدها: الأثر، رُوي عن علي بن أبي طالب لا وأخرجه أبو القاسم الزجاجي في "أماليه" بسنده إليه. الثاني: الاستقراءُ التَّامُ من أئمة العربيَّة، كأبي عمرو والخليل وسيبويه ومن

بعدهم.

الثالث: الدَّليل العقلي. ولهم في ذلك عبارات منها قَولُ ابنِ مُعْطِ: إِنَّ المنطوق به إما أن يدل على معنى يصحُ الإخبارُ عنه وبه وهو الاسم، وإما أن يصح الإخبار به لا عنه وهو الفعل، وإما أن لا يصح الإخبار عنه ولا به وهو الحرف.

قال ابنُ إِياز: قِسْمَتُه غيرُ حاصرة إذ تحتمل وجها رابعًا: وهو أن يُخبر عنه

تشييد المباني

۱۵

لا به، وسواء كان واقعا أو غير واقع، إذ عَدَمُ وقوعِ أحد الأقسامِ لا تُصَيِّرُ القسمة حاصرة»، ومنها قول بعضهم: «إنَّ العباراتِ بحسب المعبر، والمعبر عنه من المعاني ثلاث: ذاتٌ وحَدَثُ عن ذاتٍ وواسطة بين الذَّاتِ والحَدَثِ، فالذات الاسم، والحَدَثُ الفَعْلُ، والوَاسِطَةُ الحَرْفُ».

ومنها قول بعضهم: «إنَّ الكلمة إما أن تستقل بالدلالة على ما وُضِعَتْ له، أو لا تستقل وغيرُ الْمُسْتَقِل الحَرْفُ والمُستقل إِمَّا أَنْ تُشْعِرَ مع دلالتِها على

ا

معناها بزمنِه المُحَصَّلِ أو لا تُشْعِرَ فهي الاسم، وإن أَشْعَرَتْ فهي الفعل». ومنها قول بعضهم: «إنَّ الكلمة إما أن يصح إسنادها إلى غيرها أو لا، إن لم يصح فهو الحرفُ، وإن صح فإمَّا أن يقترن بأحد الأزمنة الثلاثةِ أو لا، إن اقترن فهي الفعل، وإلا فهي الاسم»، قال ابن هشام: «وهذه أحْسَنُ الطرق». وهي أحسن من الطريقة التي في كلام ابن الحاجب وهي: «أنَّ الكلمةَ إِمَّا أن تدل على معنى في نفسها أو لا، الثاني الحرفُ والأَوَّلُ إِمَّا أَن تقترن بأحدِ الأزمنة أو لا، الثاني الاسم والأوَّلُ الفعل». انتهى المقصود منه بلفظه . قلت: والجاري على السِنَةِ الشُّرَّاح من هذه الأدلة دليل ابن الحاجب، وقد

أورد عليه ابن هشام إشكالين، راجعهما في "الأشباه".

«اسم» قال في "المصباح" : وأصله سمو مثال حمل أو قفل، وهو من السمو وهو العُلُو، والدليل عليه: أنَّه يُرَدُّ إلى أصله في التصغير وجمع التكسير، فيقال: سُمي وأَسْمَاءُ. وذهب بعض الكوفيين إلى أن أصلَه وَسَمَ؛ لأنَّه من الوَسْمِ وهو العلامة، قالوا: وهذا ضعيفٌ؛ لأنه لو كان كذلك لقيل في التصغير وسيم وفي الجمع أَوْسَام ولأنَّك تقول : أَسْمَيتُه ولو كان من السَّمَةِ لقلت: وَسَمْتُه، وهو

١٦

النحو

ثلاثة أقسام: ضمير كهو، أو ظاهر كعمرو، أو مبهم كذا» . اهـ المراد منه بلفظه . وَفِعْلٌ»: وهو ثلاثة أقسام: مَاضٍ كَفَرِحَ، ومُضارع كَيَفْرَحُ، وأمرٌ كَافَرَحْ. وَحَرْفٌ جَاءَ لَعْنى»: احترازًا من الذي لم يجيء المعنى، كأَلِفِ أحمد وميمه

فإنَّه لا دخل له في تركيب الكلام.

ثلاثة وهو

أقسام: مُشْتَرِك بين الاسم والفعل كـ«همزة الاستفهام»،

و مختص بالاسم كـ«على»، ومختص بالفعل كـ «لن». قال المؤلّف: (فَالِاسْمُ يُعْرَفُ بِالخَفْضِ وَالتَّنْوِينِ، وَدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللامِ وَحُرُوفِ الْخَفْضِ ) فالِاسْمُ يُعْرَفُ بِالخَفْضِ»: عبارة عن الحركة التي يجلبها عاملُ الخَفْضِ، ثمَّ إنَّ الخفض شامل بالحرف، كقوله تعالى: وين الله الرحمن الرحيم أو بالمضاف كقوله تعالى: سَبَحَ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعلى ﴾ [الأعلى: 1] وأمَّا الخفض بالتبعية كقوله:

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: ٣] على مذهب. وبالمجَاوَرَةِ كقوله:

كَأَنَّ أَبَانَا فِي أَفَانِينِ وَدْقِهِ كَبِيرُ أُناسٍ فِي بِجَادٍ مُزَمَّلِ

وبالتوهم كقوله:

بَدَا لِي أَنِّي لَسْتُ مَدْرِكَ مَا مَضَى وَلَا سَابِقٍ شَيْئًا إِذَا كَانَ آتِيَا

وإن كان شَامِلًا لهم فَضَعِيفٌ لا يُعتمد.

وَالتَّنْوِينِ»: لغة؛ قال في "المختار": «نَوَّنْتُ الاسْمَ تَنْوينَا» . اهـ أي: أَدْخَلْتُه

التنوين.

واصطلاحًا: نُون ساكنة تلحق آخرَ الاسْمِ لَفْظَا وَتُفَارِقُه خَطَّا.

تشييد المباني

۱۷

وهو أربعة أقسام: تنوين التمكين، وتنوين التنكير، وتنوين المقابلة، وتنوين

العوض.

فأما الأوّل: فهو الداخل علي الأسماء المصروفة كزيد وعمرو. وأما الثاني: فهو الداخل على أسماء الأفعال كإيه وبعض الأعلام كنِفْطَوَيْهِ.

وأمَّا الثالث فهو الداخل على جمع المؤنث السالم كمؤمنات. وأما الرابع: فهو الداخل على بعض الأسماء كجوار، وغواش، وكل،

ويومئذ، وساعتئذ ونحوهما.

والأول هو المشهور عند الإطلاق، وأما غيره فبالتقييد.

(تنبيه): يجب حذف التنوين في مواضع أشار لها من قال: قَدْ يُحْذَفُ التَّنْوِينُ فِي مَوَاضِعِ أَوَّلُها الصَّرْفُ لِذِي الْمَوَانِعِ لَا وَالإِضَافَةُ وَأَلْ وَالْوَقْفُ في غَيْرِ نَصْبٍ وَالنَّدَاءُ فَاقْفُ وَكَوْنُ الاِسْمِ عَلَمّا مَوْصُوفًا بِابْنِ أَوِ ابْنَةٍ إِذَا أُضِيفَا وقوله: «لا» في البيت الثاني معطوف بحذف العاطف يعني لدخول لا؛

لأَنَّ الإِسْمَ يُبْنَى معها كما سيأتي.

وَدُخُولِ الأَلِفِ وَاللام»: قال السُّودانيُّ: «وَفُهِمَ من تعبيره بالألف واللام،

أنَّ اللامَ وحدَها حرفُ التّعريف».اهـ

قلت: وهذا أحد القولين في المسألة، قال ابن عقيل: «اختلف النحويون في حرف التعريف، فقال الخليل : المعرف هو «أل»، وقال سيبويه : هو اللام

وحدها»، فالهمزة عند الخليل همزة قطع وعند سيبويه همزة وصل اجتلبت

۱۸

النحو

للنطق بالساكن وإلى هذا أشار في "الفريدة" بقوله:

آل حَرْفُ تَعْرِيفٍ وَسِيبَوَيْهِ اللَامُ قَط وَجُلُّهُمْ عَلَيْهِ

قال في "المغني": وهي ثلاثة أقسام:

أحدها: أن تكون اسما موصولا بمعنى الذي» وفروعه، وهي الداخلة على أسماء الفاعلين والمفعولين قيل والصفات المشبهة. وليس بشيء؛ لأنَّ الصفة المشبَّهة للثبوتِ فلا تُؤوَّلُ بالفعل، ولهذا كانت الداخلة على اسم التفضيل ليست موصولة باتفاق. وقيل: هي في الجميع حرفُ تعريف. وقيل: موصول حرفي. وليس بشيء؛ لأنّها لا تُؤوّل بالمصدر، وربما وُصِلَتْ بظرف أو جملة اسمية أو فعلية فعلها مضارع، وذلك دليل على أنها ليست حرف تعريف.

فالأول: كقوله:

مَنْ لَا يَزَالُ شَاكِرًا عَلَى المَعَهُ فَهُوَ حَرِ بِعِيشَةٍ ذَاتِ سَعَه

والثاني: كقوله:

مِنَ القَوْمِ الرَّسُولُ اللهِ مِنْهُمْ همْ دَانَتْ رِقَابُ بَنِي مَعَدٌ

والثالث: كقوله: «صَوْتُ الحِمَارِ اليُجَدَّعُ».

والجميع خاص بالشعر، خلافا للأخفش وابن مالك في الأخير. والثاني: أن تكون حرف تعريف، وهي نوعان: عهديَّةٌ وجنسيَّة وكل منها

ثلاثة أقسام.

فالعهديَّة: إما أن يكون مصحوبها معهودًا ذِكْرِيَّا نحو: مَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ

رَسُولًا ) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل: ١٥ – ١٦]، ونحو: وفيهَا مِصْبَاحُ

تشييد المباني

۱۹

الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) [النور: ٣٥] وعبرة هذه أن يَسُدَّ

الضمير مَسَدَّها مع مصحوبها.

أو معهودًا ذِهْنِيَّا نحو: إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ﴾ [التوبة: ٤٠] ونحو : وإذ

يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الفتح: ١٨].

أو معهودًا حضوريًا، قال ابن عُصْفُور : ولا تَقَعُ هذه إلَّا بعد أسماء الإشارة نحو: جاءني هذا الرجل، أو «أي» في النداء نحو : يا أيُّها الرَّجل، أو «إذا» الفجائية

نحو: خرجت فإذا الأسد، أو في الزَّمانِ الحاضر» نحو: الآن». اهـ

وفيه نظر؛ لأنك تقول لشاتم رجل بحضرتك: لا تشتمِ الرَّجُل، فهذه للحضور في غير ما ذُكِرَ؛ ولأنَّ التي بعد «إذا» ليست لتعريف شيء حاضر حالةَ التكلُّمِ فلا تُشْبِهُ ما الكلام فيه؛ ولأنَّ الصَّحيحَ في الداخلة على الآن أنَّها زائدة؛ لأنها لازمةٌ، ولا يُعرفُ أنَّ التي للتعريف وَرَدَتْ لازمةً بخلافِ الزَّائِدَةِ

التي

والمثال الجيد في المسألة قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: ٣]. والجنسية إما لاستغراق الأفراد، وهي تخلفها كُل حقيقة نحو: وَخُلِقَ الإِنسَنُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: ۲۸] ونحو: إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ )

إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [العصر: ٢ - ٣].

أو لاستغراق خصائص الأفراد، وهي التي تَخلَفُها كُل مجازا نحو: زَيْدُ الرَّجُلُ

علما ، أي الكامل في هذه الصفة، ومنه ذلك في الكتب ﴾ [الإسراء: ٥٨]. أو لتعريف الماهية، وهي التي لا تخلفُها كُل لا حقيقة ولا مجازا نحو:

وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيَّ ) [الأنبياء: ٣٠]. انتهى ملخصا.

۲۰

النحو

قلت: واستشهاده للعهدِ الذهني بالآيتين لا يستقيم؛ لأنهما من الخارجي العلمي، والأجودُ في الاستشهاد قوله تعالى: وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّتْبُ ﴾

[يوسف: ١٣]، وكلام المصنفِ شامل لهذه الأقسام كلّها إِلَّا الموصولة. (تتميم): قال في "المغني": «أجاز الكوفيون وبعض البصريين وكثير من

المتأخرين، نيابة «أل» عن ضمير المضاف إليه، وخرَّجوا على ذلك: فَإِنَّ الْجَنَّةَ هي المأوى [النازعات: ٤١] والمانعون يُقدَّرون هِيَ الْمَأْوَى له، وقيَّد ابن مالك الجواز بغير الصلة، وقال أبو شامة في قوله: «بَدَأتُ بِسْمِ الله في النَّظْمِ ، أَوَّلا أنَّ الأصل في نظمي، فجوّز نيابتها عن الظاهر، وعن ضمير الحاضر، والمعروف من كلامهم إنَّما هو التمثيل بضمير الغائب». اهـ

(مُهمَّة): قال في "المغني": «من الغريب أنَّ «أل» تأتي للاستفهام، وذلك في حكاية قُطْرُب: «آل فَعَلْتَ بمعنى: هل فَعَلْتَ؟ وهو من إبدال الخفيف

.

ثقيلا، كما في «الآل» عند سيبويه لكن ذلك سهل؛ لأنه جعل وسيلة إلى الألف

التي هي أخفُ الحروف».اهـ

وَحُرُوفِ الخَفْضِ ويسميها البصريون حروف الجر، قال ياسين: سُميت بذلك؛ لأنها تجر معنى الأفعال إلى الأسماء، ولذا تُسمى حروف الإضافة؛ لإضافتها معنى الأفعال إلى الأسماء والأظهرُ أنّها سُمِّيت حروف الجر ؛ لأنّها تعمل إعراب الجر، كما سُمِّيت بعض الحروفِ حروف الجزمِ وبعضُها حروف النصب، وبعضهم يُسميها حروف الصفاتِ؛ لأنَّها تُحدِث في الاسْمِ صِفةً من تبعيض وظرفية وغيرهما.اهـ

تشييد المباني

۲۱

(تنبيه): الخفضُ عبارة الكوفيين، قال بعض الحواشي: وإنما عبروا بالخفض لانخفاض الشَّفَةِ السُّفلى عند النطق به، وهذا احتمال بعيد جدا. قال المؤلفُ: (وَهِيَ مِنْ، وَإِلى وَعَنْ، وَعَلَى، وَفِي، وَرُبَّ، وَالبَاءُ، وَالكَافُ،

واللام).

وَهِيَ مِنْ»: ولها خمسةَ عَشَرَ معنى:

أحدها: ابتداء الغاية، وهو الغالب عليها، حتى ادعى جماعة أنَّ سائر معانيها راجعة إليه، وتَقَعُ لهذا المعنى في غيرِ الزَّمانِ نحو: مِنَ الْمَسْجِدِ الحرام مع [الإسراء: ١]، ﴿ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَنَ } [النمل: ٣٠]، قال الكوفيون والأخفش والمبرِّدُ وابنُ دَرَسْتَوَيْه وفي الزَّمانِ أيضًا بدليل : مِنْ أَوَّلَ يَوْمٍ

[التوبة: ۱۰۸] وفي الحديث: «فَمُطِرْنَا من الجمعَةِ إلى الجمعَةِ».

وقالَ النَّابِغَةُ :

تُخيَّرٌنَ مِنْ أَزْمَانِ يَوْمِ حَلِيمَةٍ إِلى اليَوْمِ قَدْ جُرِّبْنَ كُلَّ التَّجَارِبِ وقيل: التقديرُ من مُضِيّ أزمانِ يومِ حليمة، ومن تأسيس أول يوم، ورده السُّهَيْلي بأنه لو قيل هكذا لاحتيج إلى تقدير الزمان.

الثاني: التبعيض نحو مِنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ ﴾ [البقرة: ٢٥٣] وعلامتها إمكان سَدّ بَعْضَ مَسَدَّها كقراءةِ ابنِ مسعودٍ: حَقَّ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: ۹۲]. الثالث: بيانُ الجنس وكثيرًا ما يَقَعُ بعد «ما» و«مهما»، وهما بها أولى لإفراط إبهامهما نحو: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا [فاطر: ١٢، ما

نَنسَحْ مِنْ آيَةٍ ﴾ [البقرة: ١٠٦]، مَهمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ ، ايم ﴾ [الأعراف: ۱۳۲].

۲۲

النحو

الرابع: التعليل نحو: مِمَّا خَطِينِهِمْ أَغْرِقُوا ﴾ [نوح: ٢٥] وقوله: «وَذَلِكَ مِنْ نبا جَاءَنِي»، وقول الفَرَزْدَقِ في عَلِيٌّ بنِ الحُسَينِ: «يُغْضِي حَيَاءٌ وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ». الخامس : البدل نحو: أَرَضِيتُم بِالْحَيَوةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَة [التوبة: لَجَعَلْنَا مِنكُم مَلَيْكَة فِي الْأَرْضِ يَخْلَفُونَ [الزخرف: ٦٠]؛ لأنَّ الملائكة لا

تكون من الإنسِ لَن تُغْنى عَنْهُمْ أَمْوَلُهُمْ وَلَا أَوَلَدُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: ١٠] أي: بدل طاعة الله أو بدل رحمة الله.

السادس : مرادفة «عن» نحو: فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر:

۲۲يويْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ﴾ [الأنبياء: ٩٧].

السابع : مرادفة «الباء» نحو: يَنظُرُونَ مِن طَرْفِ خَفِي ﴾ [الشورى: ٤٥] قاله يونس، والظاهر أنها للابتداء.

الثامن : مرادفة (في) نحو : أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ﴾ [فاطر: ٤٠]، إذا نُودِي لِلصَّلَوةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَة [الجمعة: 9]. والظَّاهرُ أنَّها في الأولى لبيانِ

الجنس، مثلها في مَا نَنسَحْ مِنْ آيَةٍ إلخ.

التاسع: موافقة «عند نحو: لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: ١١٦] قاله أبو عُبَيْدَةَ، وقد مضى القول بأنها في ذلك للبدل. العاشر : مرادفة «رُبَّا» وذلك إذا اتصلت بـ«ما» كقوله:

وَإِنَّا لَمَّا نَضْرِبُ الكَبْشَ ضَرْبَةٌ عَلَى رَأْسِهِ تُلْقِي النِّسَانَ مِنَ الفَمِ قاله السيرافي وابنُ خروفٍ وابنُ طَاهِرِ والأَعْلَمُ.

تشييد المباني

۲۳

الحادي عشر : مرادفة على نحو : وَنَصَرْتَهُ مِنَ الْقَوْمِ ﴾ [الأنبياء: ۷۷]

وقيل: على التضمين. أي: منعناه منهم بالنصر.

الثاني عشر : الفصل، وهي الداخلة على ثاني المتضادين نحو: وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحْ ﴾ [البقرة: ۲۲۰] حَتَّى يَمِيرَ الْخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [آل عمران: ۱۷۹] قاله ابن مالك وفيه نظر؛ لأنَّ الفصل مستفاد من العامل، فإِنَّ مَازَ ومَيَّز بمعنى فَصَلَ، والعِلْمُ صفةٌ توجب التمييز، والظاهر أنَّ «من» في الآيتين للابتداء أو بمعنى «عن».

الثالث عشر : الغاية قاله سيبويه وتقول: رأيته من ذلك الموضع، فجعلته غاية لرؤيتك، أي: محلا للابتداء والانتهاء، قال: «وكذا أخذته من زيد»، وزعم ابن مالك أنَّها في هذه للمجاوزة، والظَّاهرُ . أنها للابتداء؛ لأنَّ الأخذ ابتدأ من عنده وانتهى إليك.

الرابع عشر : التنصيص على العموم، وهي زائدة في نحو: ما جاءني من رجل. الخامس عشر : توكيد العموم وهي الزَّائدة في نحو: ما جاءني من أحدٍ أو من ديار، فإن أحدًا وديارًا صيغتا عموم.

«وَإِلى»: ولها ثمانية مَعَانٍ:

أحدها: انتهاء الغاية الزَّمانِيَّةِ نحو: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ ﴾ [البقرة: ۱۸۷].

والمكانية نحو: مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا ﴾ [الإسراء: ١]. والثاني: المعيَّة، وذلك إذا ضممتَ شيئًا إلى آخر، وبه قال الكوفيون وجماعة من البصريين في مَنْ أَنصارى إلى الله ﴾ [آل عمران: ٥٢]ولا يجوز: «إلى زيد

٢٤

النحو

مال تريد: مع زيد مال.

والثالث: التبيين، وهي المبينة لفاعلية مجرورها بعد ما يفيد حبا أو بُغْضًا

من فعلِ تَعَجبِ أو اسم تفضيل نحو : رَبِّ السَجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ ﴾ [يوسف: ٣٣]. والرابع: مرادفة اللام نحو: ﴿ وَالْأَمْرُ إِلَيكِ [النمل: ٣٣] وقيل: لانتهاء

الغاية أي: مُنتَه إليكِ.

والخامس: موافقة «في». ذكره جماعة في قوله:

فَلَا تَتْرُكَنِّي بِالوَعِيدِ كَأَنَّنِي إِلَى النَّاسِ مَطْلِيُّ بِهِ القَارُ أَجْرَبُ قال ابن مالك: ويمكن أن يكونَ منه لَيَجْمَعَنَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَمَةِ [النساء:

.[AY

والسادس الابتداء كقوله:

تَقُولُ وَقَدْ عَالَيْتُ بِالكُورِ فوقها أَيسْقَى فَلَا يَرْوَى إِليَّ ابْنُ أَحْمَرَا

أي: مِنِّي.

السابع: موافقة «عند»، كقوله:

أَمْ لَا سَبِيلَ إلى الشَّبَابِ وَذِكْرُهُ أَشْهَى إِلَيَّ مِنَ الرَّحِيقِ السَّلْسَـلِ والثامن: التوكيد، وهي الزَّائدة، أثبت ذلك الفرَّاءُ مُستدلا بقراءة بعضهم:

أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ [إبراهيم: ٣٧] بفتح الواو.

وَعَنْ» ولها عشرُ مَعَانٍ:

أحدها: المجاوزة، ولم يذكر البصريون سواه، نحو: «سافرت عن البلد» ورغبتُ عن كذا»، «ورميتُ السَّهم عن القوس».

تشييد المباني

٢٥

قلت: هذا ما مثل به ابن هشام مع أنَّ الآية موجودة، ولعلها غابت عن ذهنه، وهي قوله تعالى: ﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ [البقرة: ١٣٠]. الثاني: البدل، نحو: وَاتَّقُوا يَوْمَا لَا تَجْزِي نَفْسُ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا ﴾ [البقرة: ٤٨].

وفي الحديثِ: «صُومِي عَنْ أُمَكِ».

الثالث: الاستعلاء، نحو: فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَفْسِهِ ﴾ [محمد : ۳۸)

وقولُ ذِي الإِصْبَعِ : لَاءِ ابْنُ عَمَّكَ لَا أَفْضَلْتَ فِي حَسَبٍ عَنِّي وَلَا أَنْتَ دَيَّانِي فَتَخْزُونِي الرابع: التعليلُ، نحو: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موْعِدَة [التوبة: ١١٤] ونحو: ﴿وَمَا نَحْنُ تَارِكِي الهَيْنَا عَن قَوْلِكَ ﴾ [هود: ٥٣]. الخامس: مرادفة «بعد»، نحو: عَمَّا قَلِيلِ لَيُصْبِحُ نَدِمِينَ ﴾ [المؤمنون: ٤٠] يعرفون الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: ١٣] بدليل أنَّ في مكان آخر من بَعدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: ٤١] ونحو: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ

[الانشقاق: ١٩].

السادس: الظرفية، كقوله:

و آس سَرَاةَ الحَيُّ حَيْثُ لَقِيتَهُمْ وَلَا تَكُ عَنْ حَمْلِ الرِّبَاعَةِ وَانِيا السابع: مرادفة «من»، نحو: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ ﴾ [الشورى: ٢٥] الشَّاهدُ في الأولى، أَوَلَيْكَ الَّذِينَ تَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا

عمِلُوا ﴾ [الأحقاف : ١٦] بدليل : فَتُقُتِلَ مِنْ أَحَدِهِمَا ﴾ [المائدة: ٢٧].

النحو

٢٦

الثامن: مرادفة «الباء»، نحو: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النجم: ٣]. التاسع: الاستعانة، قاله ابن مالك، ومثله بـ«رميتُ عن القوس»؛ لأنهم

يقولون أيضًا: رميت بالقوس، حكاهما الفرَّاءُ.

العاشر: أن تكون زائدة للتعويض من أُخرى محذوفة كقوله: أَتَجزَعُ إِنْ نَفْسٌ أَتَاهَا حِمَامُهَا فَهَلَّا الَّتِي عَنْ بَيْنِ جَنْبَيْكَ تَدْفَعُ

«وَعَلَى» ولها تسعةُ مَعَانٍ:

الأول: الاستعلاء، إمَّا على المجرور وهو الغالب، نحو: وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ [المؤمنون: ۲۲] أو على ما يَقرُبُ منه، نحو: أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هدى [طه: ١٠]. وقد يكون الاستعلاء معنويًّا نحو: فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى

بعض ﴾ [البقرة: ٢٥٣].

الثاني: المصاحبة كـ«مع»، نحو: وَ الَى الْمَالَ عَلَى حُبهِ ﴾ [البقرة: ۱۷۷]

وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾ [الرعد: ٦].

الثالث: المجاورة كـ «عن» كقوله: إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ لَعَمْرُ اللَّهُ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا أي: عَنِّي.

الرابع: التعليل، كاللام نحو: واشكروا الله عَلَى مَا هَد لكم الحج: ٣٧). الخامس: الظرفية كـ«في»، نحو: ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ ﴾ [القصص:

.[١٥

تشييد المباني

۲۷

السادس: موافقة «من»، نحو: الَّذِينَ إِذَا اكْنَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴾ [المطفين:

السابع: موافقة «الباء»، نحو: حَقِيقُ عَلَى أَن لَا أَقُولَ ﴾ [الأعراف: ١٠٥].

الثامن: أن تكون زائدة للتعويض أو غيره، فالأول كقوله:

إِنَّ الكَرِيمَ وَأَبِيكَ يَعْتَمِلُ إِن لَّمْ يَجِدْ يَوْمًا عَلَى مَنْ يَتَّكِل التاسع: أن تكونَ للاستدراكِ والإضراب، كقولك: فلان لا يدخل الجنة

لسوء صنيعه، على أنَّه لا ييأس من رحمة الله.

«وفي» ولها عشرة مَعَانٍ:

أحدها: الظَّرفيَّةُ، وهي إمَّا مكانيَّة أو زمانيَّة، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: الَم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَ الْأَرْضِ وَهُم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) في بضيع سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾

[الروم: ١ - ٤] .

الثاني: المصاحبة، نحو: ادْخُلُوا فِ أُسمي [الأعراف: ۳۸] أي: معهم. الثالث: التعليلُ، نحو: فَذَلِكُنَّ الَّذِي تُمْتُنَّنِي فِيهِ ﴾ [يوسف: ٣٢]. الرابع: الاستعلاء، نحو: ﴿وَلَأُصَلْبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ [طه: ۷۱]. والخامس: مرادفة «الباء»، كقوله:

وَيَرْكَبُ يَوْمَ الرَّوْعِ مِنَّا فَوَارِسُ بَصِيرُونَ فِي طَعْنِ الْأَبَاهِرِ وَالكُلَى والسادس : مرادفة «إلى»، نحو: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ﴾ [إبراهيم: ٩].

والسابع : مرادفةُ مِنْ»، كقوله: (ثَلاثِينَ شَهْرًا فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالِ» أَي: مِنْ.

۲۸

النحو

والثامن: المقايسة، وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق، نحو:

فَمَا مَتَعُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلُ ﴾ [التوبة : ٣٨]. والتاسع: التَّعويض، وهي الزَّائدة عوضًا من أُخرى محذوفة، كقولك:

ضربت فيمن رغبت.

والعاشر: التوكيد، وهي الزَّائدة لغير التعويض، أجازه الفارسي في الضرورة، وأنشد:

أَنا أَبو سَعْدِ إِذَا اللَّيْلُ دَجَا يُخَالُ في سَوَادِهِ يَرَنْدَجَا

وأجازه بعضهم في قوله تعالي: وَقَالَ أَرْكَبُوا فِيهَا ﴾ [هود: ٤١]. ورُبَّ»، ويُقالُ : رَبَّ بفتح الرَّاءِ، ورُبَّ بضمها، ورُبَّتَ بضم الرَّاءِ وفتح الباء والتاء، ورُبَّتُ بسكون التَّاءِ، ورَبَّتَ بفتح الثلاثة، ورَبَّتُ بفتح الأولين وسكون التاء، وتخفيف الباء عن هذه السبعة، ورُبَّنَا بالضم وفتح الباء المشدَّدَةِ،

ورب بالضم والسكون ، ورَبِّ بالفتح والسكون، فهذه سَبْعَ عَشْرَةَ لغةً. وليس معناها التقليل دائما خلافًا للأكثرين، ولا التكثير دائما خلافا لابن دَرَسْتويه وجماعة، بل تَرِدُ للتكثير كثيرًا وللتقليل قليلا، فمن الأول قوله: ربمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ﴾ [الحجر: ٢] وفي الحديث: «يَا رُبَّ

كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا، عَارِيَةٍ يَوْمَ القِيَامَةِ».

ومن الثاني قول الآخر: أَلَا رُبَّ مَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ وَذِي وَلَد لَرَيَدَهُ أَبَوَانِ

يريد عيسى وآدم عليهما السلام.

تشييد المباني

۲۹

والباء»، ولها أربعةَ عَشَرَ معنى :

أحدها: الإلصاق، وهو معنى لا يفارقها، فلهذا اقتصر عليه سيبويه، وهو

حقيقي إن أفضَى إلى نفس المجرور كـأمسكت بزيد»، ومجازي إن أَفضَى إلى ما يقرب منه كـ «مررتُ بزيد».

قلت: ومن الأوَّلِ قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُ وسيكُمْ ﴾ [المائدة: 6] ولذلك يجب مسحُ الرَّأْسِ كُله عند المالكيَّةِ.

الثاني: التعدية، وهي المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولا، وأكثر ما تعدى الفعل القاصر نحو: ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِيم ﴾ [البقرة: ١٧ ] وقُرِئ شاذًا: «أَذْهَبَ اللهُ نُورَهُمْ». الثالث: الاستعانة، وهي الداخلة على آلة الفعل نحو: كتبتُ بالقلم، ونَجَرتُ

بالقدوم، قيل: ومنه البسملة؛ لأنَّ الفعل لا يتأتى على الوجه الأكمل إلا بها. الرابع: السببية: نحو: إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ ﴾ [البقرة:

[٥٤

الخامس: المصاحبة، نحو: أهبط بِسَلَم ﴾ [هود: ٤٨].

السادس: الظرفية، نحو: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ ﴾ [آل عمران: ۱۲۳].

والسابع: البدل كقوله:

فليتَ لِي بِهِمُ قَوْمًا إِذَا رَكِبُوا شَنُّوا الإِغَارَةَ فُرْسَانًا وَرُكْبَانًا

الثامن: المقابلة وهي )

الداخلة

على الأعواض، نحو: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا

كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: ٣٢].

النحو

التاسع: المجاوزة كـ«عن» فقيل: تختَّصُ بالسؤال نحو: فَتَلْ بِهِ خيرا ﴾ [الفرقان: ٥٩ بدليل: يَسْتَلُونَ عَنْ أَنابِكُمْ ﴾ [الأحزاب: ٢٠] وقيل:

لا تختص به، بدلیل قوله تعالى: يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَنِهِم ﴾ [الحديد: ۱۲]. العاشر: الاستعلاء نحو: مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطار [آل عمران: ٧٥] الآية، بدليل : هَلْ ءَامَنُكُمْ عَلَيْهِ ﴾ [يوسف: ٦٤].

وید

والحادي عشر : التبعيضُ، نحو: عَيْنا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ ﴾ [الإنسان: ٦] قيل: ومنه وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ﴾ [المائدة: ٦] وبه أخذ الشافعية، فإنَّه يكفي عندهم مسح شعرة واحدة من الرأس. والثاني عشر : القَسَمُ، وهو أصل أَحْرُفِه ، ولذلك خُصَّت بجواز ذكرِ الفعل

معها نحو : أقسم بالله لنفعلنَّ، ودخولها على الضمير نحو: بك لأفعلنَّ. والثالث عشر : الغاية، نحو: وَقَدْ أَحْسَنَ بي ﴾ [يوسف: ١٠٠] أي: إليَّ. والرابع عشر : التوكيد وهي الزائدة، نحو: { وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: ٧٩].

والكَافُ» ولها خمسةُ مَعَانٍ:

أحدها: التشبيه، نحو: زيد كالأسد.

الثاني: التعليل، نحو: وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَفِرُونَ ﴾ [القصص: ۸۲]. والثالث: الاستعلاء، قيل لبعضهم : كيف أصبحت؟ قال: كخير، أي: على

والرابع: المبادرة، نحو صل كما يدخل الوقت، ذكره ابنُ الخباز في

تشييد المباني

۳۱

"النهاية" والسيرافي وغيرهما، وهو غريب جدا.

.[٧٢

الخامس: التوكيد وهي الزائدة نحو: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى [الشورى: ١١].

واللام» ولها اثنان وعشرون معنى:

أحدها: الاستحقاق، وهي الواقعة بين ذات ومعنى نحو: الحمد لله. والثاني: الاختصاص، نحو: الجنَّة للمؤمنين.

والثالث: الملك، نحو: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [البقرة: ١١٦]. والرابع: التمليك، نحو: وهبتُ لزيد دينارًا.

والخامس: شبه التمليك، نحو: جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ﴾ [النحل:

والسادس: التعليل، نحو: الإيلافِ قُرَيْش ) [قريش: 1].

والسابع: توكيد النفي، وهي في اللفظ على الفعل، نحو: وَمَا كَانَ اللهُ

ليُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ﴾ [آل عمران: ١٧٩].

والثامن: موافقة «إلى» نحو: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾ [الزلزلة: ٥]. والتاسع: موافقة «على» في الاستعلاء الحقيقي، نحو: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ

[الإسراء: ١٠٧].

.[٤٧

والعاشر: موافقة «في» نحو: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَزِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَمَةِ ﴾ [الأنبياء:

والحادي عشر : موافقة «عند ومنه: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ مَا جَاءَهُمْ بكسر

۳۲

النحو

اللام وتخفيف الميم في قراءة الجَحْدَرِي.

.[۷۸

والثاني عشر: موافقة «بعد نحو: ﴿ أَقِمِ الصَّلَوَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْس [الإسراء:

والثالث عشر: موافقة «مع»، كقوله:

فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَانَي وَمَالِكا لِطُولِ اجْتِمَاعِ لَنَتْ لَيْلَةٌ مَعَا

والرابع عشر: موافقة «من»، كقوله:

لَنَا الفَضْلُ فِي الدُّنْيَا وَأَنْفُكَ رَاغِمٌ وَنَحْنُ لَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَفْضَلُ الخامس عشر : التبليغ، وهي الجارَّةُ لاسمِ السَّامع لقول أو ما في معناه،

نحو: قلت له، أذنت له، وفسرت له.

والسادس عشر: موافقة «عن»، نحو: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْ

كان خيراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ﴾ [الأحقاف: ١١]. والسابع عشر : الصَّيْرُورَةُ، نحو قوله:

فَلِلمَوْتِ تَغْذُو الوَالِدَاتُ سِخَالَهَا كَمَا لِحَرابِ الدُّورِ تُبْنَى المَسَاكِنُ والثامن عشر : القَسَمُ والتَّعجُبُ معًا، وتختص باسم الله تعالى كقوله: الله يَبْقَى عَلَى الأَيَّامِ ذُو حِيَدٍ.

والتاسع عشر : التَّعجُبُ المجرَّدُ عن القَسَمِ، ويُستعملُ في النَّداءِ كقولهم: يا للماء ويا للعشب، وقوله: فيَا لَكَ مِنْ لَيْلِ كَأَنَّ نُجُومَهُ بِكُلِّ مُغَارِ الفَتْلِ شُدَّتْ بِيَذْبُلِ

والعشرون: التَّعدية، نحو: فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا [مريم: ٥].

تشييد المباني

الحادي والعشرون: التوكيد، وهي اللَّامُ الزَّائدة كقوله:

وَمَلَكْتَ مَا بَيْنَ العِرَاقِ وَيَشْرَبِ مُلْكًا أَجَارَ مُسْلِمٍ وَمُعَاهَدِ

الثاني والعشرون: التبيين نحو: ما أحبني لزيد وما أبغضني له.

۳۳

قال المؤلف : (وَحُرُوفُ القَسَمِ وَهِيَ: الوَاوُ، وَالبَاءُ، وَالتَّاءُ) «وَحُرُوفُ القَسَمِ»: بالخفض عطفا على قوله: «بِالخَفْضِ»، وبالرفع عطفا

على قوله: «من».

وهو

لغة: اليمين. واصطلاحًا: قال السُّوداني نقلا عن ابن أبي الفتح البعلي: «هُوَ جُملةً يُجاءُ بها لتوكيد جُملةٍ، وترتبط إحداهما بالأخرى ارتباط جملتي الشَّرطِ والجزاء» . اهـ بلفظه.

وَهِيَ الوَاوُ»: ولا تدخل إِلَّا على مظهر، ولا تتعلَّق إلا بمحذوف نحو: وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ ﴾ [يس: ۲] فإن تَلَتُها وَاو أخرى نحو: وَالدِّينِ وَالزَّيْتُونِ [التين: ١] فالتالية واو عطف، وإلا لاحتاج كل من الاسمين إلى جواب. «وَالبَاءُ»: وقد تقدَّم الكلام فيها بما لا مزيد عليه.

«والتاء»: تختص بالتَّعجُبِ وباسم الله تعالى، وربما قالوا: تَرَبِّي وتَرَبِّ الكعبة وتَالرَّحْمَنِ ، وقيل : وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَفكُم} [الأنبياء: ٥٧] الباء أصل أحرف القَسَمِ والواوُ بدل منها، والتّاء بدل من الواءِ وفيها زيادة معنى التَّعجُبِ كأَنَّه تعجب من تسهيل الكيد على يَدِهِ. اهـ

(تنبيهان): (الأول): مجموع ما ذُكِرَ من أقسام الواو عشرة.

الأول : العَطْفُ، ومعناها مطلق الجمع، فتعطف الشَّيء على مصاحبه نحو:

٣٤

النحو

فَأَنجَيْنَهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ﴾ [العنكبوت: ١٥].

وعلى سابقه نحو: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحديد: ٢٦].

وعلى لاحقه نحو: كَذَلِكَ يُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ﴾ [الشورى: ٣]، وقد

اجتمع هذان في وَمِنكَ وَمِن نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَريم ﴾ [الأحزاب: 7]. قال ابن مالك: «وكونُها للمعيَّةِ راجح ، وللترتيب كثير، ولعكسه قليل».اهـ وقول السيرافي: «إنَّ النحويين واللغويين أجمعوا على أنها لا تُفيدُ الترتيب مردود ، بل قال بإفادتها إيَّاهُ قُطْرُبُ والرَّبْعِيُّ والفَرَّاءُ وتَعْلَبُ وأبو عمرو الزاهد وهشام والشَّافعي، ونقل الإمامُ في "البرهان" عن بعض الحنفية إنها للمعيَّة.

الثاني، والثالث: واوان يرتفع ما بعدهما.

إحداهما: واو الاستئناف نحو: النُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ

[الحج: ٥].

والثانية: واو الحال الداخلةُ على جملة اسمية، نحو: جاءَ زيد والشَّمسُ

طالعة.

الرابع، والخامس: واوان يَنْجَرُّ ما بعدهما.

إحداهما: واو القسم، وقد تقدمت.

والثانية: واو «رُبَّ»، كقوله: وَلَيْل كَمَوْجِ الْبَحْرِ أَرْخَى سُدُولَهُ»

والصَّحيح أنَّ الجرَّ بـ «رُبَّ» محذوفة، خلافا للكوفيين والمبرد.

السادس: الواوُ الزَّائدة أثبتها الكوفيون والأخفش وجماعة، وحمل على

تشييد المباني

۳۵

ذلك : حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ [الزمر: ٧٣] بدليل الآية الأخرى،

وقيل: هي عاطفة والزَّائدة هي الواو في: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا ﴾ [الزمر: ٧٣]. السابع: واو الثمانية، وذكرها جماعة من الأدباء كالحريري، ومن النحويين الضعفاء كابنِ خَالَويَهِ، ومن المفسّرين كالثَّعْلَبِيِّ، وزعموا أنَّ العرب إذا عدوا قالوا: . ستة سبعة وثمانيةٌ ؛ إيذانًا بأنَّ السَّبعةَ عدد تام وأن ما بعدها عدد مستأنف، واستدلُّوا على ذلك بآياتٍ إحداها : سَيَقُولُونَ ثَلَثَةٌ رَابِعُهُمْ ﴾

[الكهف: ٢٢] إلى: ﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَنَا مِنْهُمْ كَلْبُهُمْ . الثامن: الواو الداخلةُ على الجملة الموصوف بها؛ لتأكيد لصوقها بموصوفها وإفادتها أنَّ اتصافه بها أمرٌ ثابت، وهذه أثبتها الزَّخَشَرِيُّ ومن قلده، وحملوا على ذلك نحو قوله تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ

[البقرة: ٢١٦].

التاسع: واو ضميرِ الذُّكور نحو: الرجال قاموا، وهي اسم، وقال الأخفش والمازني: حرفٌ، والفاعل مستتر، وقد تُستعمل لغير العقلاء إذا نزلوا

منزلتهم، كقوله تعالى: ﴿يَتأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَكِنَكُمْ ﴾ [النمل: ۱۸] وذلك لتوجيه الخطاب إليهم.

العاشر : واو علامة المذكرين في لغةِ طَيِّء، ومنه الحديث: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ»، وهي عند سيبويه حرف دال على الجماعة، وقيل: هي اسمٌ مرفوع على الفاعليَّةِ، ثم قيل: إنَّ ما بعدها بدل منها، وقيل: مبتدأ والجملة خبر مقدم. وقد تُستعمل لغير العقلاء إذا نزلوا منزلتهم، قال أبو

٣٦

النحو

سعيد: نحو: «أكلوني البراغيث، إذا وُصِفَتْ بالأكل لا بالقَرْضِ وهذا سهو منه؛ فإنَّ الأكل من صفات الحيوانات عاقلة وغير عاقلة.

(الثاني): تُحرَّك التَّاءُ في أوائل الأسماء وأواخرها، وتُحرَّك في أواخر الأفعال وتُسكَنُ في أواخرِها، فالمحرَّكةُ في أوائل الأسماء حرف جر معناه القسم، وقد تقدمت، والمحرَّكةُ في أواخرها حرفُ خطاب نحو أنتَ وأنتِ، والمحركة في أواخر الأفعال ضمير نحو: قُمتُ وقُمتَ ، ووَهِمَ ابنُ خروف فقال في قولهم في النَّسَبِ : كُنتِيُّ أنَّ التَّاءَ هنا علامة كالواو في: أكلوني البراغيث، ولم يثبت في أنَّ هذه التاء تكون علامة، والمسكنة في أواخرِها حرفٌ وُضِعَ علامةً للتأنيث كـ«قامت»، وزعم الجلولي أنها اسمٌ، وهو خرق لإجماعهم وربما

كلامهم

وُصِلَتْ هذه التَّاءُ بثمَّ ورُبَّ، والأكثر تحريكها معهما بالفتح.

(فائدة): بقي من علاماتِ الاسمِ ثلاثون علامة وهي: النداء، والإسناد إليه، وإضافته، والإضافة إليه، والإشارة إلى مساه، وعَوْدُ ضمير إليه، وإبدال

اسم صريح منه، والإخبارُ به مع مُباشرة الفعل، وموافقة ثابت الاسمية في لفظه ومعناه، ونعته، وجمعه تصحيحا، وتكسيره وتصغيره، وتثنيته، وتذكيره، وتأنيثه، والحوق ياءِ النِّسبة له، وكونه فاعلا أو مفعولاً، وكونه عبارة عن شخص، ودخول لام الابتداء، وواو الحال، ولحوق ألفِ النُّدْبَةِ، وترخيمه، وكونه مضمرًا، أو علما ، أو مفردًا مُنكَرًا، أو تمييزا، أو منصوبا حالا. انتهى من

" الأشباه". قال المؤلف : (وَالفِعْلُ يُعْرَفُ : بِقَدْ، وَالسِّينِ، وَسَوْفَ، وَتَاءِ التَّأْنِيثِ السَّاكِنَةِ). «وَالفِعْلُ»: بكسر الفَاءِ.

تشييد المباني

۳۷

مختصة

يُعْرَفُ بِقَدْ»: وهي : بالفعل المتصرف الخبري المثبتِ المُجرَّدِ من ناصب وجازمِ وحرفِ تنفيس وهي معه كالجزء، فلا تُفصل منه بشيء اللَّهمَّ

إلا بالقسم كقوله: أَخَالِدُ قَدْ وَاللَّهُ أَوْطَأْتَ عَشْوَةً وَمَا قَائِلُ الْمَعْرُوفِ فِينَا يُعَنَّفُ ولها خَمْسَةُ مَعَانٍ:

أحدها: التَّوقع، وذلك مع المضارع واضح كقولك: قد يقدم الغائب اليوم، إذا كنت تتوقع قدومه، وأمَّا مع الماضي فأثبته الأكثرون، قال الخليل:

ومنه قول المؤذِّنِ : قد قامتِ الصلاةُ؛ لأنَّ الجماعة منتظرون لذلك.

الثاني: تقريبُ الماضي من الحال، تقول: قام زيد، فيحتمل الماضي القريب

والماضي البعيد، فإن قلت: قد قام اختص بالقريب.

الثالث: التقليل، وهو نوعان: تقليل وقوع الفعل نحو: قد يصدقُ الكذوب، وتقليل متعلقه نحو قوله سبحانه: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ [النور: ٦٤] أي: ما هم عليه هو أقل معلوماته.

الرابع: التكثير قاله سيبويه في قوله: «قَدْ أَتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرًّا أَنَامِلُهُ». الخامس: التحقيق، نحو: قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَنهَا ﴾ [الشمس: 9].

وَالسِّينِ»: وتختص بالمضارع وتُخلصُهُ للاستقبال، ويتنزَّلُ منه منزلة الجزء، وبهذا لم يعمل فيه مع اختصاصه به وليس مُقتطعًا من «سَوْفَ» خلافًا للكوفيين، ولا مُدَّةُ الاستقبال معه أضيقُ منها مع «سوف» خلافًا للبصريين. وَسَوْفَ : مُرادِفَةٌ للسِّينِ أو أوسعُ منها على الخلافِ وفيها ثلاث لغات

۳۸

النحو

سف» بحذف الوسط، و«سو» بحذف الأخير، و«سي» بحذفه وقَلْبِ الوسط ياءٌ مُبالغة في التَّخفيف.

وَتَاءِ التَّانِيثِ السَّاكِنَةِ»: احترازًا من المتحركة؛ لأنها تدخل على الأسماء كما

مر، بخلاف هذه، فإنَّها مُحتصَّةٌ بالأفعال الماضية كقامت وقالت. (تتميم): بقي من علاماتِ الفعلِ عشر علامات وهي: تاء الفاعل، وياؤُه، ولو، والنواصبُ والجوازمُ، وأحرفُ المضارعة، ونونا التوكيد، واتصاله بضمير الرفع البارز، والتزام نونِ الوقاية له مع ياء المتكلم، وتغييرُ صِيَغَهُ

لاختلافِ الزَّمانِ.

قال المؤلّف: (وَالحَرْفُ مَا لَا يَصْلُحُ مَعَهُ دَلِيلُ الاسْمِ وَلَا دَلِيلُ الفِعْلِ). كمن وإلى، وهو على ثلاثة أقسام: حروف المعجم، التي هي من دار

الألسن عربيها وعجميها، وحروفِ الأسماء والأفعال. والحروف التي هي أبعاضُها، نحو العين من جعفر، والضاد من ضرب،

والنون من لن، وما أشبه ذلك.

وحروف المعاني التي تجيء مع الأسماء والأفعال لمعنى وهو المقصود هنا، أحادية وثنائية، أو ثلاثيَّةً، أو رُباعيَّةً، أو خُماسِيَّةٌ.

فالأحادية ثلاثة عشر وهي الهمزة والألفُ، والباء، والتّاء، والسِّينُ، والفاء، والكاف، واللام، والميم، والنُّونُ، والهاء، والواو، والياء. والثنائية أربعة وعشرون وهي : ءا، وأم، وإن، وأن، وأو، وإي، وأي، وبل،

وعن، وفي، وقد، وكي ،ولا ولم ولن ،وما ،وقد، ومع، ومن، وهل، ووا، ووي، ويا، ولو، وال على رأي الخليل.

تشييد المباني

۳۹

والثلاثية تسعة عشر وهي: أجل، وإذن، وإلى، وإلا، وأما، وأن، وأيا،

وبلى، وثم، وجير، وخلا، ورُبَّ، وسوف ، وعدا، وعلى، وليت، ونعم، وهَيَا.

والرباعيَّةُ ثلاثة عشر وهي: إلَّا ، وألا، وأمَّا، وحاشا، وحتى، وكان، وكلا،

ولعل، ولما، ولولا، ولوما، وهلا.

والخماسي: واحد وهو: لكن.

(تذييل): تأتي الحروف على عشرة أقسام:

أحدها: أن تدلّ على معنى في الفعل، وهي السِّينُ وسَوْفَ. الثاني: أن تدلّ على معنى في الاسم، وهي الألف واللام. والثالث: أن يكونَ رابطا بين اسمين أو فعلين، وهي حروف العطف. الرابع: أن يكونَ رابطا بين فعل واسم، وهي حروف الجر.

الخامس: أن يربط بين جملتين، وهي الكَلِمُ الدَّالَّة على الشَّرطِ. السادس: أن يدخل على الجملة مُغيّر الفظها دون معناها وذلك: «إن». السابع: أن يدخل على الجملة مُغيّرًا معناها دون لفظها، وذلك: «هل» وما

أشبهها.

الثامن: أن يدخل على الجملة غير مُغيّر معناها ولفظها، نحو: لام الابتداء. التاسع: أن يدخل على الجملة مُغيّرا لفظها ومعناها، نحو: «ما» الحجازية.

العاشر: أن يكون زائدا، نحو: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: ١٥٩]. (خاتمة): أقسام الكلام كله دائر بين خبر وإنشاء، ولا ثالث لهما حسبما أشار لذلك السيوطي بقوله:

محتمل لِلصِّدْقِ وَالكِذْبِ الخَبَر وَغَيْرُهُ الإِنْشَا وَلَا ثَالِثَ قَرُ

النحو

قال: «لأن الكلامَ إمَّا أن يحتمل الصدق والكذب أو لا، الأول الخبر، والثاني: الإنشاء».اهـ

وقد زاد بعضُهم قسما ثالثًا ولم يُصِبْ، كما أنه زيدت أقسام أنهاها في المع" إلى عشرة أو أكثر، ثمَّ قال : والصَّوابُ أنَّ هذا كله راجع للقسمين.

تشييد المباني

٤١

باب الإعراب

ولما أنهى القول على الكلامِ شرَعَ يتكلَّم على الإعراب فقال: (الإِعْرَابُ هُوَ : تَغْسِيرُ أَوَاخِرِ الكَلِمِ لاخْتِلَافِ العَوَامِلِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا). قد شاع على الألسنةِ أنَّ «الباب» فُرجَةٌ يُتَوصَّل بها من داخل إلى خارج

وعكسه.

وأمَّا الإِعْرَابُ: فالكلام عليه في مقاصد: (المقصد الأوَّلُ) : معناه لغةً: قال في "القاموس": الإبانة والإفصاح عن الشَّيء، وإجراء الفَرَسِ، ومعرفتك به، وهذه خيلٌ عِرَابٌ وإِبِلٌ عِرَابٌ، وأن لا تلحن في الكلامِ، والمرأةُ العَرُوبُ المتحبةُ إلى زوجها أو العاصية له أو العاشقة

له.

(المقصد الثاني): معناه اصطلاحًا، فيه مذهبان:

الأول: أنَّه لفظي وذهب إليه ابن مالك ونسبه إلى المحققين، وحده في "التسهيل" بقوله: «مَا جِيءَ به لبيانِ مُقتضَى العامل؛ من حركة، أو حرفٍ، أو سكون، أو حذف».

الثاني: أنه معنوي، والحركاتُ إنَّما هي دلائل عليه، وهو ظاهر قول سيبويه، واختيار الأعلم وكثير من المتأخرين، وحدُّوه بقولهم: «تَغْيِيرُ أَوَاخِرِ الكلم لاخْتِلَافِ العَوَامِلِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا». وجعله ابن إِيازِ قولَ أكثر أهل العربية، واستدل أهل القول الثاني بوجوه:

أحدها: أنَّه يُقالُ : حركات الإعراب، فلو كانت الحركة الإعراب لامتنعت الإضافةُ، إذ الشَّيءُ لا يُضافُ إلى نفسِهِ.

٤٢

النحو

الثاني: أنَّ الحركة والحرف يكونان فيه فلو كانت الحركة بعض الإعراب لم

يكونا فيه.

الثالث: أنه قد تزول الحركة في الوقف مع الحكم بالإعراب. الرابع: أنَّ السُّكونَ قد يكون إعرابا.

الخامس: تفسيره بالتغيير والاختلافِ وكل واحد منهما.

وأجاب أهلُ القولِ الأَوَّلِ عن الوجهِ الأَوَّلِ: أَنَّ الحركة لما كانت تنقسم إلى حركة إعراب وحركة بناء قيل: حركات الإعراب، وصحت الإضافة للتخصيص، فالحركة عامة والإعراب خاص، ولا شبهة في مغايرة العام

للخاص، فمُسوّغ الإضافة المغايرة وهي هنا موجودة. وعن الوجه الثاني: إنَّا لم نَقُل: إنَّ مطلق الحركة يكون إعرابا، بل الحادث

بالعامل هو الإعراب، ولا يُوجَدُ في المبني شيء من ذلك. وعن الوجه الثالث: أنَّ الوقف عارض لا اعتبار به، وإنما الاعتبار بحال الوصل، وأصولهم تقتضي ذلك.

وعن الوجه الرابع: أنَّ الإعراب هو الحركة أو حذفها، ولذا قال ابنُ الحاجب: إنَّه ما اختلف أواخر المعرب به والاختلاف تارة يحصل بالحركة وتارة بحذفها، وإذا لم يكن مرادهم أنَّ الحركة وحدها الإعراب فكيف يَرِدُ عليهم النقض بالسكون؟

وعن الوجه الخامس: أنَّ الإعراب إنَّما يُفسره بالتغيير أو الاختلافِ من كان مذهبه أنه معنوي، ومن خالف ذلك فسّره بغير ذلك، وتفسير الخصمِ

للشَّيء على مقتضى مذهبه لا يكونُ حُجَّةٌ على مخالفِهِ.

تشييد المباني

٤٣

أوجه:

(المقصدُ الثَّالثُ): وجه نقله من اللُّغَةِ إلى اصطلاح النحويين وفيه خمسة

الأول: أنَّه منقول من الإعراب الذي هو البيان، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «وَالنَّيْبُ يُعْرِبُ عَنْهَا لِسَاءُهَا» والمعنى على هذا أنَّ الإعراب يُبينُ معنى الكلمة كما يُبينُ الإنسانُ عما في نفسه.

الثاني : أَنَّه مُشتقٌ من قولهم عَرِبَتْ مَعِدَةُ الفَصِيلِ، إذا فسدت، وأَعْرَبْتُها أي: أصلحتها، والهمزة للسلب، والمعنى على هذا: أنَّ الإعراب أزالَ عن الكلامِ

التباس معانيه

الثالث: أَنَّه مشتق من ذلك، والهمزة للتعدية، والمعنى على هذا: أنَّ الكلام كان فاسدًا لالتباس المعاني، فلما أُعرِبَ فسد بالتغيير الذي لحقه، وظاهر التغيير فساد وإن كان صلاحًا في المعنى.

الرَّابِعُ : أَنَّه منقول من التحبُّبِ، ومنه: امرأةٌ عَرُوبٌ، إذا كانت متحبةً إلى

زوجها، والمعنى على هذا أنَّ المتكلم بالإعراب يتحبَّبُ إلى السامع. الخامس : أنَّه منقول من أَعْرَبَ الرجلُ إذا تكلم بالعربيَّة؛ لأنَّ المتكلم بغير الإعراب غير متكلم بالعربية؛ لأنَّ اللغة الفاسدة ليست من العربية. (المقصدُ الرَّابِعُ) : لأي شيء دخل الإعراب في الكلام؟ قال الزَّجَّاجِيُّ في "إيضَاحِ عِلَلِ النَّحْوِ": «فإن قال قائل: قد ذكرتَ أنَّ الإعراب داخل عَقِبَ الكلام، فما الذي دعا إليه واختيج إليه من أجله؟ فالجواب أن يُقالَ : إِنَّ الأسماء لما كانت تَعْتَوِرُها المعاني وتكون فاعلةً ومفعولةً ومضافةً ومضافًا إليها ولم يكن في صورها وأبنيتها أدلة على هذه المعاني، بل

٤٤

النحو

كانت مشتركة، جعلت حركات الإعراب فيها تنبئ عن هذه المعاني، فقالوا: ضَرَبَ زِيدٌ عمرا؛ فدلُّوا برفع «زيد» على أنَّ الفعل له، وبنصب «عمرو» على

أنَّ الفعل واقع به.

وقالوا: ضُرِبَ زيد، بتغيير أوَّل الفعل ورفع «زيد»، على أنَّ الفعل ما لم

يُسمَّ فاعله، وأنَّ المفعول قد نابَ منابه.

وقالوا: هذا غلام زيد، فدلُّوا بخفض «زيد» على إضافة «الغلام» إليه. وكذلك سائر المعاني جعلوا هذه الحركات دلائل عليها؛ ليتسعوا في كلامهم . ويقدموا الفاعل إذا أرادوا ذلك، أو المفعول عند الحاجة إلى تقديمه، وتكون الحركات دالة على المعاني».

(المقصد الخامس): في أنَّ الإعراب والكلام أيهما أسبق ؟

قال الزَّجَاجِيُّ في كتابه المذكور : فإن قال قائل: أخبروني عن الإعراب والكلام أيُّها أسبق ؟ فنقول : إنَّ الكلام سبيله أن يكون سابقا للإعراب؛ لأنَّا إِذ قد نرى الكلام في حال غير مُعرب ولا يختل معناه، ونرى الإعراب يدخل عليه ويخرج ومعناه في ذاتِه غير معدوم، مثال ذلك أنَّ الاسم نحو: «محمد» وما أشبهه معربًا كان أو غيرَ مُعرب لا يزول عنه معنى الاسمية، وكذلك الفعل نحو: «يقوم» معربًا كان أو غير مُعرب لا يسقط عنه معنى الفعلية، وإنَّما يدخل الإعراب لمعان تُعَنُونُ هذه الأشياء. فإن قال: فأخبروني عن الكلام المنطوق به، الذي نعرفه الآن بيننا، أتقولون أن العرب نطقت به زمانًا غير مُعرب ثمَّ أدخلت عليه الإعراب؟ أم هكذا نطقت به في أوّل تبَلبُل السنتِها؟ قيل له: بل هكذا نطقت به في أَوَّل وَهْلَةٍ ولم

تشييد المباني

٤٥

تنطق به زمانًا غير مُعرب ثمَّ أعربته.

فإن قال: من أين حكمتم على سَبْقِ بعضه بعضا وجعلتم الإعراب الذي لا يُعقل أكثر المعاني إلا به ثانيًا وقد علمتم أنها تكلمت به هكذا جملة؟ قيل له: قد عرفناك أنَّ الأشياء تستحق المرتبة والتَّقديمَ والتَّأخير على ضُرُوبٍ، فنحكمُ لكل واحد منها بما يستحقه، وإن كانت لم توجد إلا مجتمعة».اهـ ذكره في

"الأشباه".

قال المؤلّف: (الإِعْرَابُ هُوَ تَغْيِيرُ أَوَاخِرِ الكَلِمِ لاخْتِلَافِ العَوَامِلِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا).

قلت: هذا مصير من المصنف - رحمه الله - إلى أنَّ الإعراب معنوي، فلذلك عبر بالمصدر الذي هو التَّغيير وهو فعلُ الشَّخص، وقد قدَّمنا أنَّ هذا المذهب ضعيف مرجوع، وذكرنا أدلة القول الراجح، وأنَّ الإعراب لفظي فارجع إليه، وإنما نذكر هنا ما يتفق بألفاظ المصنف.

فقوله: «تغيير»: هو معنى من المعاني وهو فعلُ الشَّخص، والمراد هنا التَّغيرُ القائم بالمعرب وهو النَّاشئ عن التغيير الذي هو فعل الفاعل.

و «أَوَاخِرِ»: جمع آخر. و«الكَلِمِ»: تقدَّمَ الكلام عليه.

و «العوامل»: جمع عامل، وهو إمَّا لفظي أو معنوي وسيأتي الكلام عليه

بقسميه.

و«لفظاً أو تقديرًا» منصوبان على المفعولية بـ«أعني» محذوفة، وقيل: على حذف مضاف، والتقدير : تغيير لفظ إلخ. وقيل: منصوبان على التمييز، وقيل: على المفعولية المطلقة، وقول الشيخ خالد: «منصوبان على الحال» مردود

٤٦

النحو

بوقوفه على السماع، وكذلك النَّصب على إسقاط الخافض، راجع "الألفية".

هذا ملخص ما قيل في كلام المصنف.

وأقول: يحتمل أن يكونا منصوبين بكان مع اسمها محذوفة، والتقدير: سواء

كان التغيير لفظًا أو تقديرًا.

قال المؤلف : (وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ: رَفْعُ وَنَصْبٌ وَخَفْضٌ وَجَزْمٌ).

«وَأَقْسَامُهُ»: أي: الإعراب، وهو من أقسام الكلي إلى جزئياته. «أَرْبَعَةٌ: رَفْعُ»: وهو ما أحدثه عاملُ الرَّفْعِ مِن ضَمَّةٍ أو مَا نَابَ مَنابَهَا. «وَنَصْبٌ»: وهو ما أحدثه عاملُ النَّصبِ، من فتحةٍ أو ما نَابَ مَنابَها. وَخَفْضَ»: وهو ما أحدثه عامل الخفض من كسرة أو ما نَابَ مَنابَها. «وَجَزْم»: وهو ما أحدثه عامل الجزم، من سكون أو ما نَابَ مَنابَه . (تنبيه) : كما أنَّ أقسام الإعراب أربعةٌ، فكذلك أقسام البناء وهي: الضم والفتح والكسر والسُّكونُ.

(فائدة): ما ذُكر من أقسام الإعراب أصول، وما عداها فروع نائبة. قال المؤلَّفَ: (فَلِلأَسْمَاءِ مِنْ ذَلِكَ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَالْخَفْضُ، وَلَا جَزْمَ فِيهَا).

مثال: «الرَّفْعِ» في الأسماء: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: ١]. ومثال «النَّصْبِ» فيها: وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص : ٤] .

ومثال «الخفض» فيها: هُدَى الْمُقِينَ ﴾ [البقرة: ٢].

أمَّا الجَزْمُ) فممتنع كما قال وستأتي علة امتناعه. قال المؤلّف: (وَلِلأَفْعَالِ مِنْ ذَلِكَ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَالجَزْمُ، وَلَا خَفْضَ فِيهَا).

تشييد المباني

مثال «الرَّفْعِ» في الأفعال: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [هود: ۹۸] .

ومثال «النَّصْبِ» فيها : لتسحرنا بها ﴾ [الأعراف: ١٣٢].

ومثال «الجَزْمِ» فيها : وَإِن تَعُودُوا نَعد ﴾ [الأنفال: ١٩].

٤٧

وأمَّا الخَفْضِ» فممتنع، وعلَّة امتناعه هو أنَّ الفعل ثقيل فأعطوه الجزم، كما أن الاسم خفيف فأعطوه الكسر ليقع التعادل بينهما.

قال ابن النَّحاس: «الاسمُ أخفٌ من الفعل لوجوه: منها أنَّ الأسماء أكثر استعمالا من الأفعال، والشَّيء إذا كثر استعماله على ألسنتهم خفَّ. وإنما قلنا إنَّه أكثر استعمالًا لأمور: أحدها: الأوزان وعدد الحروفِ، أما في الأصول فلأن أصول الأسماء ثلاثية ورباعية وخماسية وليس في الأفعال خماسية.

وأما بالزيادة فالاسم يبلغ بالزيادة سبعة وأكثر من ذلك على ما ذكر،

والفعل لا يُزادُ على السِّتَّةِ، فقد زاد عليه في الأصول والزيادة.

وأما الأبنية، فأبنية الأصول في الأسماء المجمع عليها تسعةَ عَشَرَ، وأصول الأفعال أربعة.

وأما الأبنية بالزيادة، فالأسماء تزيد على ثلاثمائة، والفعل لا يبلغ الثلاثين. الثاني: أنَّ الاسمَ يُفيدُ مع جنسِه، والفعلُ لا يُفيدُ إلَّا بانضمام الاسم.

ومنها: أنَّ الفعل يفتقر إلى الفاعل فيثقل، ولا كذلك الاسم. فإن قلت: إنَّ المبتدأ يحتاج إلى خبر فليكن كاحتياج الفعل إلى فاعله. قلنا: تعلق الفعل بفاعله أشدُّ من تعلُّق المبتدأ بخبره؛ لأنَّ الفاعل يتنزَّلُ

ΕΛ

النحو

منزلة الجزء من الفعل، ولا كذلك الخبر من المبتدأ.

ومنها: أنَّ الفعل تلحقه زوائد، نحو: حروف المضارعةِ وتاء التأنيثِ ونُوني

التوكيد والضمائر فيثقل بذلك.

ومنها: أنَّ الأفعال مُشتقةٌ من المصادر والمشتق فرع على المشتق منه؛ فهي

إذا فرغ على الأسماء، والفرح أثقل من الأصل». اهـ

وقال غيره: الفعل أثقل من الاسم لوجهين:

أحدهما: أنَّه لكثرة مقتضياته يصيرُ بمنزلة المركَّب، والاسم بمنزلة المفرد. ثانيهما: أنَّ الاسم أكثر من الفعل؛ بدليل أنَّ تركيب الاسم يكون مع الفعل

ومن غير فعل، والكثرةُ مَظَنَّة الخفَّةِ كما في المعرفة والنكرة وإذا تقرر ثِقَلُه فهو

مع ذلك فرع على الاسم من وجهين: أحدهما: أنَّ الفعل مشتق من المصدرِ على مذهب أهل البصرة، والمشتق فرغ على المشتق منه؛ لأنه يقفُ وجود الفرع على وجودِ الأصل. والثاني: أنَّ الفعل يفتقر إلى الاسم في إفادة التركيب، والاسم يستقل بالتركيب من غير توقف.

تشييد المباني

٤٩

.

باب معرفة علامات الإعراب

(باب معرفة علاماتِ الإعراب المتقدّمة فـ«ال»: للعهد الذكري كما هو ظاهر ، والعلامات جمع علامة وهي لغة: الأمارة، أفاده في "المصباح".

قلت: وهي بهذا المعنى هنا لا بغيرها.

قال المؤلّف: (الرَّفْعِ أَرْبَعُ عَلَامَاتٍ):

ذكر أربعًا؛ لأنَّ المضاف إليه مؤنَّتُ، وقد قال ابن عقيل عند قول ابن مالك

في العدد:

ثَلَاثَةٌ بِالنَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَه في عَد مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَه

ما نصه : تثبتُ التَّاءُ في ثلاثة وأربعةٍ وما بعدهما إلى عشرة، إن كان المعدود بهما مذكرًا، وتسقط إن كان مؤننا، ويضاف إلى جمع نحو: عندي ثلاثة رجال،

وأربع نساء وهكذا إلى عشرة» . اهـ

وإلى هذا المعنى أشار الحريري في "ألغازه" بقوله: «وفي أي موطن تلبَسُ الذُّكْرَانُ بَرَاقِعَ النِّسْوَانِ، وَتَبَرُزُ رَبَّاتُ الحِجَالَ بِعَمَائِمِ الرِّجَال». انتهى مؤلفه.

(تنبيه) : ما ذكره المصنف من العلامات على قسمين:

علامات أصول، وهي أربعة : الضمة، والفتحة، والكسرة، والجزم.

وعلامات فروع وهي عشرة:

ثلاثة تنوب عن الضمة وهي: الواو، والألفُ، والنون.

وأربعة تنوب عن الفتحة وهي: الألفُ، والكسرة، والباء، وحذفُ النُّونِ. واثنان ينوبان عن الكسرة: وهما الياء، والفتحة.

النُّونِ.

النحو

وواحدة تنوب عن حذفِ الحركة، حذف حرف العلة أو حذف وهي

(مُهمَّة ) : قد يستشكل إطلاقُ الضَّمِّ وما عُطف عليه على الإعراب؛ لأنها

ألقاب بناء كما مر .

والجواب: مُطلقُ الضَمّ وما عُطِفَ عليه أعم من أنواعِ البِنَاءِ؛ فإنَّه إن كان لعامل فعلامة إعراب، وإلا فإن كان لازما فبناء، وإِلَّا فغيرهما كحركاتِ النَّقْلِ

والإتباع والتخلص من التقاء الساكنين.

قال المؤلف : (الضَّمَّةُ، وَالوَاوُ، وَالأَلِفُ، وَالنُّونُ).

ذكرها إجمالًا ثُمَّ فصلَّها بقوله: (فَأَمَّا الضَّمَّةُ فَتَكُونُ عَلَامَةٌ لِلرَّفْعِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ) من إضافة العدد إلى المعدود كما مر، في (الاسْمِ الْمُفْرَدِ) وهو ما ليس مثنى ولا مجموعا ولا واحدًا من الأسماء الخمسة نحو: ﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا

الهَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [النحل: ٥١] فاسم الجلالة مفرد لخلوه من الأشياء الثلاثة. قال المؤلّف: (وَجَمْعِ التَّكْسِيرِ، وَجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ، وَالفِعْلِ الْمُضَارِعِ الَّذِي لم يَتَّصِلْ بِآخِرِهِ شَيْءٌ). والتكْسِير» لغةً: إزالة التئامِ الشَّيء، يقال: كَسَرْتُ الشَّيءَ فانكسر،

وكَسَرْتُ الرَّجلَ عن مرادِه صرفته عنه. انتهى "مصباح". واصطلاحًا: ما تغيّر فيه صيغة الواحدِ إمَّا بزيادة ليست عوضا عن شيء من غير تبديل شكل كصنو للمفرد، وصِنْوَانٍ لجمعه، أو بنقص من غير تبديل شكل كتُخَمَةٍ وتُحم، أو بتبديل شكل من غير زيادة ولا نقص كأسَد وأُسد، أو

تشييد المباني

۵۱

بزيادة وتبديل شكل كرجال ورجل، أو بنقص وتبديل شكل كرسل ورسول، أو بهما كغلْمَانِ وغُلَامٍ، هذا تقسيمُ ابنُ مالك.

واعتُرضَ بأنه لا تحرير فيه؛ لأنَّ صنوان من باب زيادة وتبديل شكل،

وتحم من باب نقص وتبديل شكل؛ لأنَّ الحركات التي في الجمع غير الحركاتِ التي في المفرد. قاله المرادي.

ويُجاب عنه بأنه نظر إلى ظاهرِ اللّفظ، وأنَّه لا يرى تقدير التَّغيير كما يؤخذ

من كلامه والمشهور تقسيم التغيير إلى قسمين: لفظي، وتقديري. فاللفظيُّ ما تقدَّم والتَّقديري نحو فُلك ودِلَاصٌ وهِجَانٌ. انتهى من

"التوضيح" وشرحه.

وقال في "الأشباه " : جمع التكسير على أربعةِ أَضْرُبٍ:

أحدها: ما لفظ واحده أكثر من لفظ جمعه، نحو: كتاب وكتب. الثاني: ما لفظ جمعه أكثر من لفظ واحده، كفلس وأفلس، ومسجد

ومساجد.

الثالث: ما واحده وجمعه سواء في العدةِ اللفظية لا في الحركاتِ، نحو:

سقف وسُقُفٍ، وأَسَد وأُسد.

الرابع: ما واحده وجمعه سواء في العدةِ اللفظية والحركات، نحو: الفُلْكِ للواحد والفلك للجمع، وناقة هِجَانٌ ونوق هِجَانٌ، ودرع دلاص وأدرع

دلامي.

وقال ابنُ عقيل ما نصه: «جمع التكسير هو ما دل على أكثر من اثنين بتغيير

ظاهر كرجل ورجال، أو مقدر كفلك للمفرد والجمع». اهـ

٥٢

النحو

(تتميم): الهِجَانُ بوزن كِتَابِ النُّوقُ البيضُ العِتاقُ، ويُطلق على الرَّجل الأبيض الكريم وعلى المرأة الكريمة كذلك، وعلى العيب والقبح في الكلام.

انتهى "مصباح". (فائدة): جمع التكسير يُفارقُ جمع السَّلامةِ في أربعة أشياء: أحدها: أنَّ التَّكسير عام في العقلاء وغيرهم، وجمع السَّلامة خاص

بالعقلاء.

الثَّانِي: أَنَّ التَّكسير لا يسلم فيه بناء المفرد، ويسلم في جمع السلامة. الثَّالثُ: أَنَّ التَّكسيرَ يُعرَبُ بالحركاتِ، وجمعُ السَّلامةِ يُعْرَبُ بالحروفِ. الرَّابِعُ: أَنَّ الفعل المسند إلى التكسير يُؤْنَّثُ، ولا يُؤنَّثُ مع جمعِ السَّلامةِ. (تکميل): ينقسم الجمعُ على ثلاثة أقسام: جمع في اللفظ والمعنى: كرجال

والزيدين.

وفي اللفظ دون المعنى : كـ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ [التحريم: ٤]. وفي المعنى دون اللفظ كرَهْطِ، وكلُّ في التوكيد، ونحوهما مما ليس له واحد من لفظه.

ثمَّ ينقسم أيضًا على ثلاثة أقسام:

عام: وهو التكسير؛ لعمومه المذكر والمؤنَّث مطلقا.

وخاص: وهو المذكَّرُ السَّالم

ومتوسط : وهو جمع المؤنَّثِ السَّالم، وإنما كان متوسطا؛ لأنَّه إن سلم فيه نظم الواحد وبناؤه فهو إما مذكَّر أو مؤنَّثُ، وإن لم يسلم فهو مُكسَّرُ .

وَجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ»: وهو الجمع بألف وتاء مزيدتين، ولا فرق بين أن

تشييد المباني

۵۳

يكون مُسمَّى هذا الجمع مؤننا بالمعنى فقط كهندات ودعدات، أو بالتاء والمعنى جميعا كفاطمات ومسلمات، أو بالتّاء دون المعنى كطلحات وحمزات، أو بالألف المقصورة كحبليات، أو الممدودة كصحروات، أو يكون مسماه مذكَّرًا كإصطبلات، ولا فرق بين أن تكون سَلِمَتْ فيه بِنْيةُ واحدِه كَضَخْمَة وضخمات، أو تغيرت كسَجْدَة وسَجَدَات وحُبلى وحُبليات، وصحراء وصحراوات، فالأوَّلُ: حُرِّكَ ،وسطه، والثَّاني : قُلِبَتْ أَلِفُه ياء، والثَّالِثُ : قُلِبَتْ همزته واوّا، ولهذا عَدَلَ الموضح عن قول أكثرهم: جَمعِ الْمُؤنَّثِ السَّالِمِ إلى أن قال: الجمع بألفٍ وتاء مزيدتين، ليَعُمَّ جمعَ المؤنَّثِ وجمع المذكَّرِ وما سلم فيه

المفرد وما تغيّر. انتهى من "التوضيح" وشرحه.

(تنبيه) : حمل على هذا الجمع شيئان :

أحدهما: أولات، نحو: وَإِن كُنَّ أُولَتِ حَمْلٍ ﴾ [الطلاق: 1].

الثاني: ما سُمِّي به من هذا الجمع، نحو: رأيت عرفات وسكنت أُذُرِعَاتِ، فبعضهم يعربه إعراب ما كان عليه قبل التّسمية، وبعضهم بتنوين ذلك، وبعضهم يُعرِبُه إعراب ما لا ينصرف . انتهى من "الموضح".

(تتميم): أصل أولت } ألي بضم الهمزة وفتح اللامِ، قُلِبَتْ اليَاءُ أَلِفًا، ثُمَّ

حذفت لاجتماعها مع الألفِ والتَّاء المزيدتين. وَالفَعْلُ المُضَارِعُ الذِي لَمْ يَتَّصِلْ بِآخِرِهِ شَيْءٌ»، لأنَّه مُعْرَبٌ بالإجماع لكن

اختلفوا في تحقيق الرافع ما هو على أقوال:

الأول: تجرده من الناصب والجازم، وبه قال الفرَّاءُ والأخفش وحُذَاقُ

٥٤

النحو

الكوفيين وابن مالك.

الثاني: حلوله محل الاسم وبه قال البصريون، قالوا: ولهذا إذا دخل عليه لمر» و «لن» امتنع رفعه؛ لأنَّ الاسم لا يقعُ بعدهما، فليس حينئذ حالا محل

الاسم.

الثالث: أَنَّ الرَّافع له حروف المضارعة، وبه قال الكسائي.

الرابع: مُضارعتُه للاسم، وبه قال الزَّجَّاجُ من البصريين وثعلب من

الكوفيين.

واعتُرِضَ قولُ الفَرَّاءِ بأنَّ التَّجْرُّدَ أمرٌ عَدَمِيٌّ، والعدم لا يكون سببًا لوجودِ غيره. وأجيب بأنَّ التجرُّدَ أمرٌ وجودي، وهو كونه خاليا من ناصب وجازم،

لا عدمُ النَّاصب والجازم. واعتُرِضَ قول البصريين بأنَّه غيرُ مُطَردٍ لانتقاضه بنحو: «هلا تفعل»، فإنَّ المضارع فيه مرفوع وليس حالا محلّ الاسم؛ لأن الاسم لا يقع بعد حروف التّحضيض، وأجيب بأنَّ الرَّفع استقرّ قبل دخول حرفِ التّحضيض، فلم

يُغيّره، إذ أثر العامل لا يُغيّره إِلَّا عامل آخر. واعتُرِضَ قول الكسائي بأنَّ جزء الشَّيء لا يعمل فيه، واعتُرِضَ قول ثعلب بأنَّ المضارعة إنَّما اقتضت إعرابه من حيث الجملة، ثمَّ يَحتاجُ كل نوع من أنواع الإعراب إلى عامل يقتضيه، وأُجِيبَ : بأنَّ الكوفيين يزعمون أنَّ إعراب المضارع بالأصالة، لا بالحمل على الاسم ومضارعته إيَّاه. قال المؤلّف: (وَأَمَّا الوَاوُ فتكونُ عَلَامَةٌ لِلرَّفْعِ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي جَمْعِ الْمُذَكَّرِ

السَّالِمِ، وفِي الأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ : أَبُوكَ وَأَخُوكَ وَكَمُوكَ وَفُوكَ وَذُو مَالٍ).

تشييد المباني

٥٥

«وَأَمَّا الوَاوُ فتكونُ عَلَامَةٌ لِلرَّفْعِ» بحسب النِّيابة «فِي مَوْضِعَيْنِ»، الأَوَّلُ: «في جَمْعِ المُدَكَّرِ السَّالِمِ». قال ابنُ مالك في شرحِ الكَافِيةِ : هو الذي يُرفع بوادٍ ويُنصبُ ويُجر بياء، وهو على ضَرْبَينِ: جمع كَزَيْدِينَ، وغيرُ جمع: كأُولي وعليين، والمراد بالجمع ما له واحدٌ من لفظه صالحا لعطف مثليه أو أمثاله عليه دون اختلاف معنى،

والمطَّرِدُ منه ما كان واحده لمذكَّرِ عاقل أو شبیه به که رَأَيْتُهُمْ لِي سَجِدِین [يوسف: ٤] خاليا من تاءِ التَّأْنيثِ، علما أو صفةً لا من أفعل فعلاء، ولا من فعلان ،فعلى كأحمر ،وسكران ولا مما يستوي فيه الذكر والأنثى كصبور

وقتيل".اهـ

قال ابن هشام: يشترط في كل ما يجمع هذا الجمع ثلاثة شروط : أحدها: الخلو من تاء التأنيثِ، فلا يُجمع نحو: طلحة وعلامة.

الثاني: أن يكون لمذكَّر، فلا يُجمع نحو: زينب وحائض.

الثالث: أن يكونَ لعاقل، فلا يُجمع نحو: «واشق» عَلَما لكلب، و«سابق» صفة لفرس، ثمَّ يُشترط لانفرادِ كلَّ منهما عن الآخر أن يكونَ إِمَّا عَلَما غير مُركَّب تركيبا إسناديًا ولا مَزْجِيَّا، فلا يُجمعُ نحو: «بَرَقَ نَحْرُهُ» عَلَما اتفاقًا؛ لأنَّ المحكي لا يُغيَّرُ ، ولا المزجي نحو مَعْدِي كَرِب، ونحو: سيبويه؛ على الأصح فيهما تشبيها بالمحكيّ في التركيب. وقيل: يجوز مطلقا، وقيل: إن خُتم بـ«وَيْهِ» جاز وإلا فلا، وعلى الجواز في المختوم بـ«وَيْه» فمنهم من يُلحق العلامةَ بآخرِهِ فيقول: سيبويهونَ ومنهم من يحذفُ «وَيْهِ» ويقول: سيبون. وإمَّا صفةٌ تَقبل النَّاءَ أو تدل على التفضيل نحو : قائمٌ ومذنب وأفضل، فلا يجمع نحو: جريح

07

النحو

وصبور وسكران وأحمر. انتهى منه ومن "التصريح".

(تنبيه): المركَّبُ الإضافي يُجمعُ أول المتضايفين فيه ويُضافُ للثاني، فيقال

في غلام زيد: غلامو زيد وغلامي زيد وعن الكوفيين إجازة جمعهما معا فيقال: غلامو الزَّيدِينَ وغلامي الزَّيدِينَ.

(تکمیل): قال ابن هشام: «حملوا على هذا الجمع أربعة أنواع: أحدها: أسماء جموع، وهي أُولُو وعالَمونَ وعِشْرُونَ وبابه إلى التسعينَ. و الثَّاني: جموعُ التَّكسير ، وهي بَنُونَ وآخرُونَ وَأَرَضُونَ وَسِنُونَ وبابه. والثالثُ : جموع تصحيح، لم تستوف الشُّروط كأهلون ووابلون؛ لأنَّ أهلا

و وابلا ليسا عَلَمَينِ ولا صفتين؛ ولأنَّ وابلا لغير عاقل.

والرَّابع: ما سُمِّيَ به من هذا الجمع وما أُلحق به كعليون عَلَما لأعلى الجنَّة

وزَيْدُونَ مُسمَّى به . اهـ

(تتميم): يجوز فيما سُمِّيَ به من هذا الجمع أربعة أوجه:

أحدها: وهو الأجودُ إجراؤه على ما كان عليه قبل التسمية، كقوله تعالى:

كَلَّا إِنَّ كِتَبَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلَمِينَ وَمَا أَدْرَنَكَ مَا عِلَمُونَ ﴾ [المطففين: ۱۸ – ۱۹]. والثاني: إجراؤه مجرى غسلين في لزومِ الياء، وكون النُّونِ حرف إعراب. والثالثُ: إجراؤه مجرى عَربُون في لزومِ الواو والإعراب بالحركات على

النُّونِ منوَّنة.

والرابع: استصحاب الواوِ على كلِّ حَالٍ، مع كَوْنِ النُّونِ مفتوحة غير ساقطة في الإضافة.

تشييد المباني

OV

وفي الأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ : أَبُوكَ وَأَخُوكَ وَحَمُوكَ وَفُوكَ وَذُو مَالِ»: على ما ذهب إليه المصنف تبعًا للزجاجي والفرَّاءِ، وذهب الجمهور إلى أنها ستة بزيادة: هَنُ»، وأغرب الجوهري حيث زاد في حكاية النكرة في الوقف قال: لأنك تقول لمن قال: جاء رجل»: منو؟ ولمن قال: رأيت رجلا»: منا؟ ولمن قال: مررت برجل»: مني ؟ والأبُ لامه محذوفةٌ وهي واو؛ لأنَّه يُثَنَّى أبوين، وإذا مني؟ صُغَر رُدَّت السلامُ المحذوفة فيبقى «أبيو»، فتجتمع الواو والياء فتقلب الواو ياء وتُدعم في الياء فيبقى «أُيُّ».

أَخَوانِ.

والأخ»: لامه محذوفةٌ وهي واو، وتُردُّ في التثنية على الأشهر فيقال:

والحم»: أصله حمو، فوقع به ما مرَّ فِي أَخَوَيْهِ. والفوه»: أصل قولنا: فَمُ؛ لأنَّ جمعه أفواه، والميم في فَمِ عِوَضٌ عن الهاءِ

في فُوه لا عن الواو. وأمَّا شروطها فقال ابن هشام: يُشترط في غير «دو» أن تكون مضافة لا مفردة، فإن أفردت أعربت بالحركات نحو: وَلَهُ أَخٌ ﴾ [النساء: ١٢]، وإِنَّ

لَه أَبا ﴾ [يوسف: ۷۸]، ووَبَنَاتُ الأَخ ﴾ [النساء: ٢٣].

فأما قوله :

خَالَطَ مِنْ سَلْمَى خَيَاشِيمَ وَفَا

فشاء؛ لأنَّه منصوب بالألفِ بالعطف على خياشيم المنصوب بخَالَطَ على

المفعولية مع أنه غير مضافٍ. وخرَّجه أبو الحسن وتابعه ابن مالك على أنَّه

۵۸

النحو

حَذَفَ المضاف إليه ونوى ثبوت لفظه، والإضافةُ مَنْوِيَّةٌ في المعطوف عليه أي:

خياشيمها وفَاهَا.

ويشترط في الإضافة أن تكون لغير الياءِ الدَّالَّة على التكلم، فإن كانت للياء المذكورة أعربت بالحركات المقدَّرة نحو: وَأَخِي هَرُونَ ﴾ [القصص: ٣٤]

إنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ﴾ [المائدة: ٢٥].

«وَذُو» ملازمةٌ للإضافة لغير الياء فلا حاجة إلى اشتراط الإضافة فيها، وإذا كانت «ذو» موصولة بمعنى الذي وأخواته، لزمتها في الأحوال الثلاثة غالبا والبناء على السُّكون، وقد تُعرَبُ بالحروفِ كقوله: فَحَسْبِيَ مِنْ ذِي

عِنْدَهُمْ مَا كَفَانِيَا، وقيَّد ابنُ الصَّائِغِ هذا بحالة الجر؛ لأنَّه محل السَّماعِ . اهـ وأقول: يُشترط فيها أن تكون مفردةً، فلو ثنيت أو جُمعت أعربت بإعراب أحدهما، وأن تكون مكبَّرةً فلو صُغرت أعربت بالحركات، وأن يكون الفم

خاليا من الميم فإذا كان بالميم أُعرِبَ بالحركاتِ. وأما معانيها معروفةٌ إِلَّا «الهَنُ»، قال في "المختار": «والهَنُ بوزن أخ» كلمة كناية ومعناها شيء، وأصلها «هَنو» بفتحتين، تقول: هذا هَنُوكَ أي:

شَيئك . اهـ

وقال ابن هشام: «الهن كناية عن أسماء الأجناس، كرجل وفرس وغيرهما،

وقيل : عما يُستقبَحُ التصريح بذكره، وقيل: عن الفرج خاصة».اهـ (تنبيه): النقص في الهَنُ أفصحُ من إعرابه بالحروف، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الجَاهِلِيَّةِ، فَأَعِضُوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا» هذا

تشييد المباني

۵۹

إذا كان مضافًا كما في الحديثِ، وأما إذا كان غير مضاف كان منقوصا بالإجماع

تقول: هذا هَنْ، ورأيتُ هنا، ومررتُ بِهَنِ.

(تتميم): يجوز النقصُ بضعفٍ في الأب والأخ والحم، ومنه قوله: بابِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَمُ وَمَنْ يُشَابِه أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ وقول بعضهم في التَّثنيةِ : أَبَانِ وأَخَانِ، وقصرهما أولى من نقصهما كقوله: إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا»، الشَّاهِدُ فِي الثَّالِثِ؛ لأنَّه نص في القصر غير محتمل

لغيره، وقوله: «مُكْرَهُ أَخَاكَ لا بَطَل»

( تكميل): الأسماء الستة على ثلاثة أقسام:

ما فيه لغةٌ واحدةٌ: وهو «ذو) بمعنى صاحب، و«فم» بغير ميم.

وما فيه لغتان: وهي «الهن»؛ لأنَّ فيه الإتمام والنقص. وما فيه ثلاث لغاتٍ: وهو الأب والأخ والحم»؛ لأن فيهن الإتمام

والقصر والنقص.

كاب.

(فائدة): في الحم ثلاث لغات حم، ومثله حَما كَقَفًا، وحمو كابو، وحَمٌ ،

(خاتمة): اختلفوا في إعراب الأسماء الستة على مذاهب :

أحدها: أنَّ هذه الأحرف نفسها هي الإعراب، وأنها نابت عن الحركاتِ، وهو مذهبُ قُطْرُبِ والزيادي وهشام من الكوفيين، والزجاجي من البصريين،

وهذا المذهب هو المشهور.

الثاني: أنها معربةٌ بحركاتٍ مُقدَّرة على الحروفِ، وأنها أُتبع فيها ما قبل

النحو

الآخر للآخر، فإن قلت: قام أبوك. فأصله «أبوك» فأتبعت حركة الباء لحركة الواو فقيل: أبوك، ثم استثقلت الضَّمة على الواو فحذفت، وإذا قلت: رأيتُ أباك، فأصله «أبوك» تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وإذا قلت: مررتُ بأبيك فأصله «بأبوك» ثم أتبعت حركة الباء لحركة الواو فصار «بأبوك» فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت فسكنت وقبلها كسرة فانقلبت ياء، وهذا مذهب سيبويه والفارسي وجمهور البصريين، وصححه ابن مالك وأبو حَيَّان وابن هشام وغيرهم من المتأخرين.

الثالث: أنَّها معرَبةٌ بالحركاتِ التي قبل الحروف والحروفُ إشباع، وهذا

مذهب الزجاج والمازني. الرَّابع: أنَّها معربةٌ بالحركات التي قبل الحروف، وهي منقولة من الحروف، وهذا مذهب الربعي.

الخامس : أنها معربة بالحركات التي قبل الحروف وليست منقولة، بل هي الحركات التي كانت فيها قبل أن تُضاف فثبتت الواو في الرفع لأجل الضَّمَّة وانقلبت ألفا لأجل الفتحة، وياءً لأجل الكسرة، وهذا مذهب الأعلمِ وابن أبي

العافية.

السادس: أنها معربةٌ من مكانين بالحركات والحروفِ معا، وهذا مذهب الكسائي والفراء.

السابع : أنَّها معرَبةٌ بالتَّغيرِ والانقلاب حالةَ النَّصبِ والجر، وبعدم ذلك حالة الرفع، وهذا مذهبُ الجَرْمِي.

الثامن: أنَّ فاك وذا مالٍ مُعربان بحركاتٍ مُقدَّرة في الحروف، وأباك

تشييد المباني

وأخاك وحماك وهناك معربة بالحروف، وهذا مذهبُ الرُّندي والسُّهَيْلي.

٦١

التاسع: أنَّ فاك وذا مال مُعربان بالحروف، وبقية الأسماء الأربعةِ مُعربةٌ

بحركاتٍ مُقدَّرةٍ في الحروفِ.

العاشر: أنَّ الحروف دلائل إعراب، وهذا مذهب الأخفش. قلت: والأوَّلُ من هذه الأقوال هو الحقُّ بالقبول، لما فيه من عدم التقدير

والتأويل، وبقيت مذاهب أخرى لم أذكرها.

قال المؤلف: (وَأَمَّا الْأَلِفُ فَتَكُونُ عَلَامَةٌ لِلرَّفْعِ فِي تَثْنِيَةِ الْأَسْمَاءِ خَاصَّةٌ). نحو: جاء الزيدان ونحو قال رجلان، واعتُرِضَ بأنَّ التَّثنية مصدر والألف تكون علامة في المثنى، وأجيب: بأنه من إطلاق المصدر وإرادة المفعول على حدّ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ ﴾ [لقمان: ۱۱] أي: مخلوقةٌ، ثمَّ إِنَّ التثنية لغةً: عطفُ الشَّيْء. قال في "المصباح": «ثنيت الشَّيء أُثنيه إذا عطفته وردَّدتُه، وثَنيته عن مراده إذا صرفته عنه . اهـ

واصطلاحًا عرفها ابن مالك بقوله: «المثنى: ما دل على اثنين بزيادة، صالح

للتجريد وعطف مثله عليه دون اختلافِ معنى كرجلين . اهـ وقال ابن عَقِيل: «المثنّى: لفظ دال على اثنين بزيادة في آخره، صالح للتجريد وعطف مثله عليه، فيدخل في قولنا : «لفظ دال على اثنين» المثنى نحو: الزيدان، والألفاظ الموضوعة لاثنين نحو شَفّع، وخرج بقولنا: «بزيادة» نحو: شفع، وخرج بقولنا: صالح للتجريد» نحو: اثنان، فإنَّه لا يصلح لإسقاطِ الزيادة منه، وخرج بقولنا: وعطف مثله عليه» ما صلح للتجريد وعطف غيره عليه كالقَمَرَيْنِ ، فإنَّه صالح للتجريد، فتقول: قمر. لكن يُعطف عليه

٦٢

النحو

مغايره لا مثله نحو قمر وشمس، وهو المقصود بقولهم: «القَمَرَيْنِ». انتهى

منه.

وقال ابن هشام ما نصه: «المثنّى ما وُضِعَ لاثنين، وأغنى عن المتعاطفين كالزيدان والهندان، قال الأزهري: فما وُضِعَ جنس، ولاثنينِ فَصْلٌ أَوَّلٌ تُخْرِجُ لما وضع لأقل كرجلان للماشي أو أكثر كصِنْوَانٍ، وأغنى عن المتعاطفينِ فَصل ثانٍ مخرج لنحو كلا وكلتا، واثنان واثنتان وشَفْع وزَوج وزكي بالتنوينِ اسم للشَّيئين، ودخل فيه نحو القَمَرَانِ للشَّمس والقَمَرِ، قال الموضح في "شرح اللمحة": والذي أراه أنَّ النَّحويين يُسمون هذا النوع مثنى؛ لعدم ذكرهم له

فيما حمل على المثنى، وغايته أنَّ هذا مثنى في أصله تجوز، وصرح المرادي بأنَّه ملحق بالمثنى» . اهـ (فائدة): قد يغلبون على الشَّيء ما لغيره لتناسب بينهما أو اختلاط؛ فلهذا قالوا: «الأَبَوَيْنِ» في الآبِ والأُمّ وفي الآبِ والخالة، و«المشرِقَينِ» و«المغربَينِ»،

ومثله: «الخافِقَانِ» في المشرق والمغرب، وإنما الخافق المغرب، و«القَمَرَينِ» في الشمس والقمر، و«العُمَرَينِ» في أبي بكرٍ وعمر، و«العجَّاجَينِ» في رُؤبَةَ والعجاج، و«المروتين» في الصَّفا والمروة، ويُغلبون الأقرَبَ على الأبعد، بدليل تغليب المتكلّم على المخاطب، وهما على الغائب في الأسماء، ونحو: أنا وأنت

قمنا، وأنت وزيد قمتها. انتهى ملخصا من "المغني"، و"الأشباه". (تنبيه): يُشترط في كل ما يُثنى عند الأكثرين ثمانية شروط : أحدها: الإفراد، فلا يُثنّى المثنى ولا المجموع على حده، ولا الجمع الذي لا نظير له في الآحاد.

تشييد المباني

٦٣

الثاني: الإعراب، فلا يُثنّى المبني، وأما نحو: ذان وتان واللذان واللتان، فصيع موضوعةٌ للمثنى، وليست مثناة حقيقة على الأصح عند جمهور

البصريين.

الثالثُ عدمُ التَّركيب، فلا يُثنى المركَّب تركيب إسناد اتفاقا، ولا مَزْجِ على الأصح، وأمَّا المركَّبُ تركيب إضافة من الأعلام فيستغنى بتثنية المضاف عن

المضاف إليه. الرَّابِعُ: التنكيرُ، فلا يُثنَّى العَلَمُ باقيا على عَلَمِيَّتِه، بل يُنكَر ثمَّ يُثَنَّى. الخامس: اتفاقُ اللَّفظِ، وأما نحو الأبوان للأب والأم، فمن باب

التغليب. السادس: اتفاق المعنى، فلا يُثنى المشترك ولا الحقيقة والمجاز، وأما قولهم: القلمُ أحدُ اللَّسَانَينِ، فشاد.

السابع : أن لا يُستغنى بتثنية غيره عن تثنيته، فلا يُثنى سواء؛ لأنهم استغنوا بتثنية «سي» عن تثنيته، فقالوا: «سِيَّان»، ولم يقولوا: «سواءان»، وأن لا يُستغنى

بملحق بالمثنى عن تثنيته، فلا يُثنى أجمع وجمعاء استغناء بكلا وكلتا. الثامن: أن يكون له ثانٍ في الوجودِ، فلا يُثنى الشَّمسُ ولا القمر، وأمَّا

قولهم: القَمَرَانِ للشَّمسِ والقَمَرِ، فمن باب المجاز . اهـ "تصريح ". (مُهمَّة): من العرب من يُعرِبُ المثنّى بالألف رفعا، وبالياء جرا ونصبا اللغة المشهورة، ومنهم من يلزمه في الأحوال الثلاثة الألف، ويُعرِبه بحركات مقدرة عليها، ومنهم من يلزمه بالألف أيضًا ويُعرِبُه بحركاتٍ ظاهرة على النون، إجراء للمثنى تَجَرَى المفرد.

وهي

٦٤

النحو

فمن الأول: ﴿ وَقَالَ اللهُ لَا نَتَخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [النحل: ٥١].

ومن الثاني قوله تعالى: إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ﴾ [طه: ٦٣].

ومن الثالث قوله : أَعْرِفُ مِنْهَا الجِيدَ وَالعَيْنَانَا

(تتميم): حملوا على المثنى في الإعراب بالحروف أربعة ألفاظ: اثنين واثنتين في لغة الحجاز، وثنتين في لغة تميم، سواء أُفرِدَا أو رُكَّبا مع عشرة، أو أُضيفا إلى ظاهر أو مضمر، ويمتنعُ إضافتهما إلى ضمير تثنية، فلا يقال: جاء الرجلان اثناهما، وكلا وكِلْتَا مضافين لضمير، وأما إن أضيفا إلى الظاهر لَزِمَتْها الألفُ في الأحوال كلها وكانا مُعرَبَينِ إعراب المقصور.

(تنبيه): هذه التَّفرقةُ في كلا وكِلْتَا هي اللغة المشهورة، ووراءها إطلاقان: أحدهما: الإعراب بالحركات مطلقا وهي لغة بلحارث.

ثانيهما: الإعراب بالحروفِ مطلقا وهي لغةُ كِنانة.

(تنبيه): فيما سُمِّيَ به من المثنى إعرابان:

أحدهما إعراب ما كان عليه قبل التسمية.

ثانيهما: إعرابُ ما لا ينصرف للعلمية وزيادة الألف والنون.

(فائدة): قال الأزهري نقلا عن أبي البقاء: إِنَّما فُتِحَ ما قبلَ يَاءِ المثنّى وَكُسِرَ

ما قبل ياء الجمع لوجهين:

أحدهما: أنَّ المثنى أكثر من الجمع، فخص بالفتحة؛ لأنها أخف من

الكسرة، بخلاف الجمع.

والثاني: أن نونَ المثنّى كُسِرَتْ على أصلِ التقاء الساكنين، فلم يُجمع بين

تشييد المباني

70

كسرتها وكسرة ما قبل الياءِ فِرارًا من ثِقَلِ الكسرتين وبينهما ياء، ثم عكسوا

ذلك في الجمع ليحصل الفرق بين المثنى والجمع ليعتدل اللفظ فيصيرُ في كل واحدٍ

منهما ياء بين فتحة وكسرة . (خاتمة): مما يَرُدُّ الأشياء على أصولها التَّثنية.

قال المؤلّف: (وَأَمَّا النُّونُ فَتَكُونُ عَلَامَةٌ لِلرَّفْعِ فِي الْفِعْلِ المُضَارِعِ إِذَا اتَّصَلَ

بِهِ ضَمِيرُ تَثْنِيَةٍ، أَوْ ضَمِيرُ جَمْعٍ، أَوْ ضَمِيرُ الْمُؤَنَّثَةِ الْمُخَاطَبَةِ).

قال ابن مالك: «إذا اتَّصَلَ بالفعل المضارع ألفُ اثنين، أو واو جمع، أو ياء مخاطبة، فعلامة رفعه نون مكسورة بعد الألفِ نحو: تذهبان، ومفتوحة بعد الواو والياء نحو تذهبون وتذهبين . اهـ

وقال ابنُ عَقِيلٍ: «أشار بقوله: «يَفْعَلَانِ» إلى كلِّ فِعْلِ اشتمل على ألفِ اثنين، سواء كان في أوّله الياء نحو يضربان، أو التاء نحو: تضربان، وأشار بقوله: «تَدْعِينَ» إلى كلِّ فِعْلِ اتَّصل به ياءُ المخاطبة نحو: أنت تضربين، وأشار بقوله: «تَسْألُونَ» إلى كلِّ فِعْلِ اتَّصل به واو الجمع نحو: أنتم تضربون كما مثل، أو الياء نحو: الزيدون يضربون، فهذه الأمثلةُ الخمسةُ تُرفع بثبوتِ النُّونِ».اهـ (تنبيه): قال السُّوداني: «لو قال المصنِّفُ: إذا اتصل به ألفُ تثنية أو واو جمع لكان أحسن ليشمل ما إذا كانا ضميرين كما تقدم، أو حرفين نحو : يقومان

الزيدان، ويقومون الزيدون».اهـ وأقول: نحو: يقومون الزّيدون في لغة طَيِّء حرف عند سيبويه دال على الجماعة، كما أنَّ النَّاءَ حرف دال على الثانيثِ، وقيل: اسم مرفوع على الفاعلية، ثم قيل: إنَّ ما بعدها بدل منها، وقيل: مبتدأ والجملة خبر مقدم، ومنه الحديث:

٦٦

النحو

يَتَعَاقَبُونَ فِيكُم مَلَائِكَةُ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ»، وقد تقدَّم هذا في الكلام على الواو، وكذلك نونُ النِّسوة فإنَّها اسم في نحو: النِّسُوةُ قُمْنَ، خلافًا للمازني، وحرف أو اسم في نحو: يَذْهَبْنَ النِّسْوةُ، على الخلافِ.

(مُهمَّة): ما قاله المصنف من أنَّ ياءَ المؤنثة ضمير، هو المشهور عند الجمهور، قال ابن هشام الياءُ تكون ضميرًا للمؤنثة نحو: تقومين وقومي».اهـ وخالف الأخفشُ والمازني فقالا: هي حرفُ تأنيث والفاعل

مستتر.

(تتمة): إذا اتَّصلَ بهذه النُّونِ نونُ الوِقاية قال ابن مالك: يجوز حذفها تخفيفًا، وإدغامها في نونِ الوقاية والفك، وبالوجهِ الأَوَّل قرأ نافع: تَأْمُرُونِيَ أَعْبُدُ ﴾ [الزمر: ٦٤]، وقرأ ابنُ عامر: تَأْمُرُونَنِي بالفك وقرأ الباقون بالإدغام، وزعم قوم أن المحذوف في نحو تَأْمُرُونَ هو الثاني، وليس أنَّ كذلك بل المحذوف هو الأوَّلُ، نص عليه سيبويه» . اهـ

وقال ابن هشام: «إذا اتصلت نون الوقاية بنحو: تَأْمُرُونَ ) فيجوز فيه الإدغام والفَكُ والنُّطقُ بنون واحدة، وقد قُرئَ بهنَّ في السبعة، وعلى الأخيرة فقيل: النُّونُ الباقية نونُ الرَّفع، وقيل: نونُ الوقاية وهو الصحيح». انتهى

بالمعنى.

(تنبيه): قال أبو حَيَّان: «إِنَّما حُرِّكِتْ هذه النونُ لالتقاء الساكنين، وكانت بعد الواو والياء مفتوحةً تشبيها بنونِ الجمع، وكُسِرَت مع الألفِ تشبيها بنونِ

التثنية» . اهـ

تشييد المباني

٦٧

وقال الرَّضِيُّ: تُكسرُ بعد الألفِ غالبًا؛ لأنَّ السَّاكَنَ إِذا حُرِّكَ فالكسر

أولى، وقُرِئَ في السَّواذُ أَتَعِدَانَنِي ﴾ [الأحقاف: ١٧] بفتحها، وتفتح بعد الواو والياء حملا على نون الجمع في الاسم». اهـ

(فائدة): ورد حذفُ النُّونِ فِي الرَّفْعِ في النَّثرِ والنَّظم، فمن الأول الحديث:

«لَا تَدْخُلُوا الجنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا».

ومن الثاني قوله:

أبيتُ أَسْرِي وَتَبِيتِي تَدْلُكِي وَجْهَكِ بِالعَنْبَرِ وَالمِسْكِ الدَّكِي

وقول أبي طالب:

وَإِنْ يَكُ قَوْمٌ سَرَّهُم مَا صَنَعْتُمُ سَيَحْتَلِبُوهَا لَا قِحَا غَيْرَ بَاهِلِ (خاتمة): النُّونُ تُشابه حروف المد واللين من وجوه:

الأول: أن تكون علامة للرفع في الأفعال الخمسة، كما تكون الألفُ والواو علامة للرفع في الأسماء المثناة والمجموعة.

الثاني: أنها تكون ضميرًا للجمع المؤنَّثِ، كما تكون الواو ضميرًا للجمع

المذكر.

الثالث : قد يحذفها الجازم في «المريَك»، كما يحذف الواو والياء والألف.

الرابع: أنَّ الاسمين إذا رُكَّبَا وهي في آخر الاسم الأول، فإنها قد تُسكَّن ا نحو: دستنبويه وباذنجانه، كما تُسكَّن الياء في مَعْدِي كَرِب. الخامس: قد تُحذف لالتقاء الساكنين في قوله:

وَلَاكِ اسْقِنِي إِنْ كَانَ مَاؤُكَ ذَا فَضْل *

النحو

كما تُحذف الواو والياء والألفُ لالتقاء الساكنين.

السادس: أنَّ النُّون قد تُحذفُ اعتباطا عينا ولاما في: «منذ»، و«لدن»، في قوله: مِنْ لَدُ شَوْلًا»، كما تُحذفُ الواو عينا ولاما في «ثبة» في أحد القولين وفي «أخ». السابع: أنَّ الألفَ تُبدلُ منها في الوقفِ نحو: رأيت زيدا وأضربا. الثامن: أنَّ فيها غُنَّةٌ كما أَنَّ فِي الأَلْفِ وأُختَيْهَا مَدًّا.

التاسع: أن تكون علامة للجمع لا ضميرًا، كما تكون الألفُ والنُّونُ علامة في قوله: يَعْصِرْنَ السَّلِيطَ أَقَارِبُهُ»، وقوله: «يَلُومُونَنِي فِي اشْتَرَاءِ النَّخِيلِ

قَوْمِي. العاشر: أنها من حروفِ الزّيادةِ، كما أنَّ حروف المد واللين من حروفِ

الزيادة.

الحادي عشر: أنَّها تُدعَمُ في الواو والياء في قولك: زيد وعمرو، وزيد

يضرب.

الثاني عشر : مصاحبتها حروف المد وحركات الإعراب في الوقف في قولك: زيدان وزيدون وزيدين وزيد، وحذفها بحذف حركاتِ الإعراب في الوقف في قولك: زيد، ولما كان بين هذه الحروف وبين النون هذه المناسبة

زيدت في المضارع. انتهى ملخصا من "الأشباه" بحذف بعض الأوجه. قال المؤلف : (وَالنَّصْبِ خَمْسُ عَلَامَاتِ الفَتْحَةُ، وَالْأَلِفُ، وَالكَسْرَةُ، وَاليَاءُ

وَحَذْفُ النُّونِ).

وَالنَّصْبِ خَمْسُ عَلَامَاتٍ يُقالُ هنا ما مرَّ في قوله: أَرْبَعُ عَلَامَاتٍ «الفَتْحَةُ» وهي الأصل، «وَالأَلفُ» وهي تنشأ عنها، «وَالكَسْرَةُ» وهي أختُ الأَلْفِ

تشييد المباني

في التحريكِ، وَاليَاءُ»

المشابهة فيها.

۶۹

تنشأ عن الكسرة، «وَحَذْفُ النُّونِ» وهو بعيد وهي

قال المؤلف : (فَأَمَّا الفَتْحَةُ فَتَكُونُ عَلَامَةٌ لِلنَّصْبِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: في الاسْمِ الْمُفْرَدِ، وَجَمْعِ التَّكْسِيرِ، وَالفِعْلِ الْمُضَارِعِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ نَاصِبٌ وَلَمْ يَتَّصِلْ

بِآخِرِه شَيْءٌ).

«فَأَمَّا الفَتْحَةُ فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلنَّصْبِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ : فِي الاسْمِ الْمُفْرَدِ» نحو: رأيتُ زيدا وعبدالله والفتى، وَجَمْعِ التَّكْسِيرِ» نحو: رأيتُ الهنود والأَسَارَى، وَالفِعْلِ الْمُضَارِعِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ نَاصِبٌ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِآخِرِهِ شَيْءٌ من نُوني التوكيد والنِّسوة، وألف الاثنين، وواو الجمع وياء المخاطبة، نحو: لن يضرب ولن يخشى.

قال المؤلّف: (وَأَمَّا الأَلِفُ فَتَكُونُ عَلَامَةٌ لِلنَّصْبِ فِي الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ، نَحْوُ: رَأَيْتُ أَبَاكَ وَأَخَاكَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ). نحو: رأيتُ حماك، ولَتَمْتُ فاك، ولقيتُ

ذا مال.

قال المؤلف: (وَأَمَّا الكَسْرَةُ فَتَكُونُ عَلَامَةٌ لِلنَّصْبِ فِي جَمْعِ الْمُؤنَّثِ السَّالِمِ). نحو: خلق الله السَّماواتِ، فالسَّماوات منصوب بالكسرة على أنَّه مفعول به عند الجمهور، وذهب الشَّيخُ عبدالقادر الجرجاني وابن الحاجب إلى أنَّه مفعول مطلق لبيان النوع. وصوبه ابن هشام في "المغني"، قال: «لأنَّ المفعول به ما كان موجودًا قبل الفعل الذي عمل فيه ثمَّ أوقع الفاعل به فعلا، والمفعول المطلق ما كان الفعل العامل فيه هو فعل إيجاده، والذي غرّ أكثر النحويين في هذه المسألةِ أَنَّهم يمثلون

۷۰

النحو

المفعول المطلق بأفعال العبادِ، وهم إنَّما يجري على أيديهم إنشاء الأفعال لا الذوات، فتوهَّمُوا أَنَّ المفعول المطلق لا يكون إلَّا حَدَثًا، ولو مثلوا بأفعال الله تعالى لظهر لهم أنه لا يختص بذلك؛ لأنَّ الله تعالى مُوجِدٌ للأفعال والذُّواتِ جميعًا». اهـ (تذنيب): ما قاله المصنف من أنَّ جمع المؤنَّثِ يُنصب بالكسرة هو الغالب، وربما نُصبَ بالفتحة إن كان محذوفَ اللَّامِ ولم تُرَدَّ إليه في الجمع كـ «سمعتُ لغاتهم بفتح النَّاءِ حكاه الكسائي، ورأيتُ بناتك» بفتح التاء حكاه ابن سيده

وكقوله:

فَلَمَّا جَلَاهَا بِالأَيامِ تَخَيَّرَتْ تُبَاتًا عَلَيْهَا ذَا وَاكْتِنَابُهَا ف «ثباتًا» منصوبة على الحاليَّة بالفتحة، والكثير أن يُنصب بالكسرة كقوله تعالى: فَانفِرُ و اثبات ﴾ [النساء: ۷۱] وإنَّما نصب هذا النوع بالفتحة جبرًا لما فاته من حذف لامه، كما أعرب نحو: «سنين» بالحروفِ جبرًا لما فاته من حذف لامه، فإن رُدَّت اللَّامُ في الجمع كسَنَوَات أو سَنهَات على اللُّعْتَينِ نُصبَ بالكسرة اتفاقا نحو: اعتكفتُ سنوات. انتهى، ملخصا من ابن هشام والأزهري. (مسألة): المطَّرد من جمع المؤنَّثِ السَّالِمِ ما كان عَلَما لمؤنَّثِ مُطلقًا، أو صفةٌ له مقرونة بالتّاء، أو دالة على التفضيل نحو: فُضْلَيات، أو عَلَما لمذكَّر مقرونا

بالتاء، أو صفة لمذكَّر غير عاقل كجبال راسيات، أو مُصغرة كدُرَيْهمات. (خاتمة): كل ما فيه النَّاءُ يُجمع هذا الجمع إلَّا ثلاثة ألفاظ: شَفَة، وأمَة،

وشاة؛ لأنهم استغنوا عن ذلك بجمعها جمع تكسير.

قال المؤلف: (وَأَمَّا اليَاءُ فَتَكُونُ عَلَامَةٌ لِلنَّصْبِ فِي التَّثْنِيَةِ وَالجَمْعِ).

تشييد المباني

«في التنبية» أي: المثنى، نحو: رأيتُ العُمَرَينِ. «وَالجَمْعِ» نحو: رأيتُ الزَّيدِينَ.

(فائدة): نون المثنى مكسورة، ونونُ الجمع مفتوحة.

۷۱

قال المؤلف : (وَأَمَّا حَذْفُ النُّونِ فَيَكُونُ عَلَامَةٌ لِلنَّصْبِ فِي الْأَفْعَالِ الخَمْسَةِ

التي رَفْعُهَا بِثَبَاتِ النُّونِ). وَأَمَّا حَذْفُ النُّونِ فَيَكُونُ عَلَامَةٌ لِلنَّصْبِ فِي الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ التي رَفْعُهَا

بِثَبَاتِ النُّونِ» نحو: لن تفعلا، ولن يفعلوا، ولن تفعلي. (تنبيه) : لو عبر المصنف بالأمثلة لكان أولى؛ لأنها ليست أفعالا بأعيانها،

وإنما هي أمثلة يُكنَى بها عن كل فعل كان بمنزلتها. (تنبيه): «ثَبَات» مصدر سماعي لثبت، والمصدر القياسي لها ثبوت كقُعود،

قال ابن مالك :

وَفَعَلَ اللَّازِمُ مِثْلَ قَعَدَا لَهُ فُعُولٌ بِاطَّرَادٍ كَغَدًا قال ابنُ عَقِيلٍ في "شرحه": «يأتي مصدرُ فَعَلَ اللَّازِمُ على قُعود قياسًا فتقول قَعَدَ قُعُودًا» .اهـ

(فائدة): تثبتُ النُّونُ في حالةِ النَّصْبِ، كقوله: أَن تَقْرَآنِ عَلَى أَسْمَاءَ وَيْحَكُمَا مِنِّي السَّلَامَ وَأَلَّا تُشْعِرَا أَحَدًا

لكن ذلك قليل، وقيل: ضرورة.

قال المؤلّف: (وَالخَفْضِ ثَلاثُ عَلَامَاتِ الكَسْرَةُ وَاليَاءُ وَالفَتْحَةُ).

«الكَسْرَةُ» وهي ) الأصل «وَالبَاءُ» وهي :

الكسرة في التحريك.

تنشأ

عنها «وَالفَتْحَةُ»

أخت وهي

۷۲

النحو

قال المؤلف : (فَأَمَّا الكَسْرَةُ فَتَكُونُ عَلَامَةٌ لِلخَفْضِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: في

الاسْمِ الْمُفْرَدِ الْمُنْصَرِفِ، وَجَمْعِ التَّكْسِيرِ الْمُنْصَرِفِ، وَجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ. في الاسْمِ الْمُفْرَدِ المُنْصَرِفِ» وهو الاسْمُ المُتمكِّنُ الأَمْكَنُ الذي لم يُشابه الحرف فيُبنى، ولا الفعل فيُمنع من الصرف، نحو: مررتُ بزيدٍ وَجَمْعِ التَّكْسِيرِ

المُنْصَرِفِ» نحو: مررتُ بهنود.

وَجَمْعِ المُؤَنَّثِ السَّالِمِ» نحو: مررتُ بهندات.

(تنبيه) : لم يُقيد المصنف جمع المؤنَّثِ بالمنصرف؛ لأنَّه لا يكون إلا منصرفًا، نَعَم إن سُمِّيَ به كان ممنوعا من الصرف على لغة، لكنه تكلم فيه على حِدَة. قال المؤلف : (وَأَمَّا اليَاءُ فَتَكُونُ عَلَامَةٌ للخَفْضِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: في الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ). في الأَسْمَاءِ الخَمْسَةِ»، نحو مررتُ بأبيك وأخيك وما أشبهه، «و» في التثنية» نحو: مررتُ بالزِّيدَينِ، وَالجَمْعِ السَّالِمِ المذكَّر، نحو مررتُ

بالزيدين.

قال المؤلف: (وَأَمَّا الفَتْحَةُ فَتَكُونُ عَلَامَةٌ للخَفْضِ فِي الاسْمِ الذي لا

يَنْصَرِفُ).

الاسم» ضربان: مُعرَبٌ وهو الأصل، ويُسمَّى مُتَمَكِّنا لتمكنه في باب

الاسمية، ومبني وهو الفرح، ويُسمَّى غير مُتمكِّن في الاسمية. (فائدة): يُبنى الاسم إذا شابة الحرفَ شَبَها قويًّا يُدنيه منه.

(مُهمَّة): البناء يكون في ستّ أبواب من الأسماء:

أحدها: الضمائر : كهو وهي وأنتَ وأنتِ وفروعهنَّ.

تشييد المباني

الثاني: أسماء الشَّرطِ : كمتى ومهما وغيرهما. الثالث: أسماء الاستفهام: كأين ونحوها.

الرابع: أسماء الإشارة: كهذا ونحوها. الخامس : أسماء الأفعال : كدَرَاكِ ونَزَال ونحوهما.

السادس: الأسماء الموصولة: كالذي و التي ونحوهما.

۷۳

(مسألة): يكفي في بناء الاسمِ شَبَهُهُ بالحرف من وجه واحد اتفاقا، ولا يكفي في منع الصَّرفِ مشابهته للفعل من وجه واحد اتفاقا، بل لا بد من مشابهته له من وجهين والفرقُ أَنَّ مُشابهة الحرفِ تُخرجه إلى ما يقتضيه الحرفُ من البناء، وعلَّةُ البناء قويَّةٌ فلذلك جذبته العلَّةُ الواحدة، وأمَّا مُشابهة الفعل فإنَّها لا تُخرجه عن الإعراب وإنَّما تُحدِثُ فيه ثِقَلا، ولا يتحقَّقِ النَّقِلُ بالسَّببِ الواحد؛ لأنَّ خِفَّةَ الاسمِ تُقاومه فلا يقدر على جذبها عن الأصالة إلى الفرعية، فلذلك احتيج إلى سببين لتحقيق النقل بتعاضدهما وغلبتهما بقوَّةِ ثِقَلِهما خفَّةَ الاسم وجذبه إلى شَبَه الفعل.

(مسألة): قال ابن الدمَّانِ في "الغرَّة : قال بعضُ المتقدمين: إن قيل لرما شابة الفعل الاسم أعطيتموه بعض الإعراب؟ ولما أشبه الاسم الحرف أعطيتموه كل البناء؟ فالجواب: أنَّ الإعراب لما كان يَتَبَعضُ أُعطي الفرع فيه دون ما للأصل، ولما كان البناء لا يَتَبَعضُ تساوى الأصل والفرع فيه». انتهى من "الأشباه" بلفظه .

فإذا علمت تقسيم الاسم على متمكن وغير متمكن، تعلم أنَّ المتمكن إن كان منصرفًا كان أمكن، وإلا فممنوع من الصرف، والمانع له علَّتَانِ فرعيَّتَانِ

٧٤

النحو

من علل تسع، أو واحدة منها تقوم مقامها، ويجمعُ العِلَلَ قوله: إِذَا اثْنَانِ مِنْ تِسْعِ أَنَا بِلَفْظَةٍ فَدَعْ صَرْفَهَا وَهُيَ الزِّيَادَةُ وَجَمع وَتَأْنِيتُ وَعَدْلٌ وَعُجْمَةٌ وَإِشْبَاهُ فِعْلٍ وَاخْتَصَارٌ وَمَعْرِفَه

وقال تاجُ الدِّينِ ابن مكتوم:

إِذَا رُمْتَ إِحْصَاءَ المَوَانِعَ لِلصَّرْفِ فَعَدْلٌ وَتَعْرِيفٌ مَعَ الوَزْنِ وَجَمع وَتَرْكِيبٌ وَتَأْنِيثُ صَنْعَة وَزَائِدَنَا فَعْلَانَ وَالعُجْمَةُ

والمانع من الصرف وحده علَّتَانِ:

إحداهما : ألفُ التَّأْنيثِ مُطلقًا مقصورةً كانت أو ممدودة.

قال ابن مالك:

فَأَلِفُ الثَّانِيثِ مُطْلَقًا مَنَعْ صَرْفَ الذِي حَوَاهُ كَيْفَمَا وَقَعُ ويمتنع صرف مصحوبها سواء كان نكرة كذكرى وصحراء، أو معرفة كرضوى وزكريا، أو مفردًا كما تقدَّم، أو جمعًا كجرحى وأصدقاء، أو أسماء كما

تقدم، أو صفةً كحبلى وحمراء.

ثانيهما: الجمع الموازن لمفاعل أو مفاعيل، كدراهم ودنانير.

(تنبيه): والعلتان اللتان قامت مقامها ألفُ التأنيث هما: التأنيتُ ولزومه؛ قال الأزهري: «لأنَّ وجود ألفِ التأنيثِ في الكلمة علَّةٌ، ولزومها بمنزلة تأنيث ثانٍ فهو بمنزلة علَّةٍ ثانية». اهـ والعلتان اللتان قام مقامهما الجمع: هما عدم النظير والجمع. قال الأزهري: «الجمعُ على هذه الصفة فيه فرعيَّةُ اللَّفظِ بخروجه عن صِيَغِ الآحادِ

تشييد المباني

Vo

العربية، وفرعيَّة المعنى بالدلالة على الجمعية، فاستحق المنع من الصرف، والدليل على أنَّ هذا الجمع خارج عن صيغ الآحادِ العربيَّةِ إِنَّكَ لا تجد مفردًا ثالثه ألف بعدها حرفان أو ثلاثة». اهـ

(فائدة) : اختلفوا في: سراويل ما المانع له من الصرف؟ فقيل: إنَّه أعجمي حمل على موازنه من العربي كدنانير، وقيل: إنَّه منقول عن جمع «سروالة»،

واختلف في سماع «سروالة»، فقال أبو العباس: إنَّها مسموعة وأنشد عليها: عَلَيْهِ مِنَ اللَّوْمِ سِرْوَالَةٌ فَلَيْسَ يَرِقُ يُسْتَعْطِفِ وقيل: لم يسمع، والبيتُ مصنوع فلا حجَّةَ فيه، والصحيح ما قاله أبو العباس، فقد ذكر الأخفش أنه سمع من العرب «سروالة»، ونقل ابن الحاجب أنَّ من العرب من يصرفه، وأنكر ابن مالك ذلك عليه، ورد بأنه ناقل ومن نقل

حجة على من لم ينقل . انتهى مُلخصا من "التوضيح" و"شرحه". قلت: ورد بأنَّ ما نقله ابن الحاجب انفرد به، ولم يُحفظ عن غيره فلم يُعوّل

عليه.

(تتمة): قال ابن هشام: إن سُمَّي بهذا الجمع أو بما وازنه من لفظ أعجمي، مثل: «سَرَاوِيلَ» و«شَرَاحِيلَ»، أو لفظ مُرتجل للعلمية مثل: «كُشَاجِمَ مُنعَ الصرف» . اهـ

قال الأزهري : والعلة في منع صرفه ما فيه من الصيغة، وقيل: قيام العلمية مقام الجمعية، فلو طرأ تنكيره انصرف على مقتضى التَّعليلِ الثَّانِي لفوات ما يقوم مقام الجمعية وهو مذهب المبرّد، ولا ينصرفُ على مقتضى التعليل الأول لوجود الصيغة وهو مذهب سيبويه، وعن الأخفش القولان،

٧٦

النحو

والصحيح قول سيبويه؛ لأنَّهم منعوا سَرَاوِيلَ من الصرف وهو نَكِرة وليس

جمعا على الصحيح".اهـ

وما بقي من الموانعِ لا يمنعُ إلَّا بإضافة علَّةٍ أخرى إليه، والاسم في ذلك

قسمان:

أحدهما: ما يمتنع صرفه نكرة أو معرفةً، وهو ما وضع صفة، وهو إما مزيد في آخره ألف ونون، أو مُوَازِنٌ للفعل، أو مَعْدُولٌ، أَمَّا ذو الزيادتين فهو فعلان بشرط أن لا يقبل التَّاءَ؛ إما لأنَّ مؤنَّثه فَعْلَى كَسَكْرانَ وغَضْبَانَ وعطشان، أو لكونه لا مؤنث له كلحْيانَ، فالأول: متفق على منع صرفه، والثاني: مختلف فيه، والصحيح منعه من الصرف.

(تنبيه): نحو مصان وسَيْفَان وأليَان ونَدّمَان، مما مؤنَّثه «فَعْلَانة» منصرفُ لعدم وجود الشَّرطِ فيه. وأمَّا ذو الوزن، فهو أَفْعَلُ غالبًا بشرط ألا يقبل التاء؛ إِمَّا لأَنَّ مَؤنَّثه فَعْلاءَ كأحمر ، أو فعلى كأفضل، أو كأَنَّه لا مؤنَّث له كأكمَرَ وَآدَرَ. (تنبيه) : إِنَّما صُرِفَ أَرْبَعُ» في نحو مررتُ بِنِسْوَةٍ أَرْبَعٍ؛ لأنَّه وُضِعَ اسما، فلم يلتفت لما طرأ له من الوصفية، وأيضًا فإنَّه قابل للتاء، وإنما منع صرف باب «أبطح» و«أدهم» للقيد، و«أسود» و«أرقم» مع أنها أسماء؛ لأنها وضعت صفات، فلم يلتفت إلى ما طرأ لها من الاسميَّة، وربما اعتد بعضهم باسميتها

فصَرَفَها، وقد صرح ابن جنِّي بذلك، وأما ذو العدل فنوعان: أحدها: موازن فَعَال بضم الفاءِ، ومَفْعَل بفتح الميم والعين من الواحد إلى الأربعة باتفاق، وفي الباقي على الأصح، وهي معدولةٌ عن ألفاظ العددِ الأصول مكرَّرةً ، فأصل (جاءَ القومُ أَحَادَ) جاءوا واحدًا واحدا، وكذا الباقي.

تشييد المباني

۷۷

(تنبيه) : لا تُستعمل هذه الألفاظ إِلَّا نُعُوتًا نحو: أُوْلِ أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَكَ

وربع علم

[فاطر: 1] أو أحوالا نحو: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَثَ

وربع ﴾ [النساء: ٣) أو أخبارًا نحو: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى». الثَّاني: «أُخَرُ»، في نحو مررتُ بِنِسْوَةٍ أُخَرَ؛ لأَنَّهَا جَمع لَأُخْرَى، وَأُخْرَىٰ أَنثى آخر بفتح الخاء، وإنَّما خصَّ أَخَرَ بالذَّكرِ؛ لأنَّ فِي أُخْرَى أَلفَ التأنيثِ، وهي

أَوْضَحُ من العدل. (تنبيه): إن كان أُخَرٌ جمعًا لأُخْرَى بمعنى آخرة بكسر الخاء وهي المقابلة

للأولى كان مصروفًا؛ لأنَّه غيرُ مَعْدُولٍ، ذكر ذلك الفرَّاء.

لات

قال الأزهري : والفرقُ أنَّ أنثى المفتوح لا تدل على انتهاء كما لا يدلُّ عليه مذكَّرُها ، فلذلك يُعطف عليها مثلها من جنس واحد كقولك: «عندي رجل و آخر وآخَرُ» و«عندي امرأةٌ وأُخرَى وأُخرى» وأنثى المكسور تدلُّ على الانتهاء، ولا يعطف مثلها عليها من جنس واحدٍ كما أَنَّ مُذكَّرُها كذلك». اهـ (فائدة): ما سُمِّيَ به من الأنواع الثلاثة: وهي الوصفُ ذو الزيادتين، والموازن للفعل، والمعدولُ ، فالجمهور على ما كان قبل التسمية، قالوا: لأنَّ الصفة لما ذهبت خَلفتها العلميّة، وبَقِيَ كل من الزيادةِ والعَدْل والوزن على حاله، وقال الأخفش وأبو العباس: إنَّه لو سُمِّيَ بمثنى أو أحد أخواته انصرف؛ لأنَّه إذا كان اسما فليس في معنى اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة فليس فيه إلَّا التعريف خاصة، وتبعهما على ذلك الفارسي وارتضاه ابنُ عصفور. وردَّ بأنَّ هذا مذهب لا نظير له؛ إذ لا يوجد بناء ينصرف في المعرفة

VA

النحو

ولا ينصرف في النكرة، وإنَّما المعروف العكس.

القسم الثاني: ما لا ينصرفُ ،معرفة، وينصرفُ نكرة وهو سبعة. أحدها: العَلَمُ المركَّبُ تركيب مَرْجِ كَبَعْلَبَكَ وحَضْرَمَوْتَ، وقد يضافُ أول جزءيه إلى ثانيهما فيعربُ الجزء الأول بحسب العوامل، ويُحِرُّ الثَّاني بالإضافة، ثمَّ إن كان في الجزء الثَّاني ما يمنعُ صرفه كالعُجْمَةِ كـ «رَامَهُرْمُز»، منع من الصَّرفِ وإلَّا صُرِفَ كـ (حَضْرَمَوْتَ»، وقد يُبنيان على الفتح تشبيها بـ «خمسَةَ عَشَرَ» حكاه سيبويه وغيرُه ، فيُفتحُ آخِرُ الجزأين إِلَّا في نحو: «مَعْدِي كَرِبَ» فيُفتحُ آخِرُ الثَّانِي فقط. الثاني: العَلَمُ ذو الزّيادتين، الألف والنون كـ «مَرْوانَ وعِمْرَانَ وعُثمانَ وغَطَفان وإصْبَهان»، فهذه الألفاظ ممنوعةٌ من الصرف اتفاقا؛ لأنَّ الألف والنون فيها زيدتا معا.

(تنبيه): ما كان من الأسماء في آخِرِهِ ألف ونون واحتملت النُّون فيه الأصالة والزيادة ففيه وجهان: الصَّرفُ وعدمه اعتبارًا بأصالتها وزيادتها، من ذلك: «رُمَّان وحَسَّان ودِرِّقَان وشَيْطَان أعلامًا، فإن اعتقدت أنها من الرَّم والحس والدَّهْقِ والشَّيْطِ لم تصرفها، وإن اعتقدت أنها من الزمن والحُسنِ والدَّهْقَنَةِ والشَّيْطَنَة صرفتها، وإذا تمحض لجهة الأصالة كما إذا سميت «بطحان» من الطَّحْنِ، أو «بتبَّان) من التبن، أو «بسمان» من السَّمْنِ، ونحو

ذلك صرفت.

(مسألة): اختلف في صرف «أبان» بتخفيف الباء علما، فمن صرفه رأى أنَّ وزنه فعال فالهمزة والباء والنُّون أصول ، ومن منعه الصرف رأى أنَّ وزنه أَفْعَلَ

تشييد المباني

۷۹

وأنَّه منقول من أَبَانَ الشَّيءَ يُبينُ، والجمهور على المنعِ . (تتمة): «غَطَفان» بفتح الغين المعجمة والطَّاء المهملة وبالفاء: اسم قبيلة من قبائل العرب، و«إصبهان» بكسر الهمزة وفتح الموحدة والعكس بلدة معروفة، و«الرَّمُّ» الإصلاح، و«الحِس» الصوتُ الخفي، و«الدَّهْقُ» الامتلاء، و«الشَّيْط» الاحتراق قيل: منه الشَّيطان في أحد التأويلين، و«الرَّمنُ» الرمان

وهو معروف، و«الحُسْنُ» معروفٌ، و«الدِهْقان» بكسر الدال وضمها لغة رئيس القرية، و«الشَّيْطَنة» معروفة النوع. الثَّالثُ : العَلَمُ المؤنَّث، ويتحتّم منعه من الصرفِ إن كان بالتاء كـ«فاطمة وطلحة»، أو زائدا على أحرفٍ ثلاثة كـ زينب، وسعاد»، أو ثلاثيًّا مُحرَّكَ الوَسَطِ كـ «سَقَر ، ولَظَى»، أو ثلاثيا أعجميا كـ «ماه، وجُور»، أو منقولا من المذكَّر إلى المؤنَّثِ كـ«زيد» اسم امرأة.

(تنبيه): يجوز في نحو: هند، ودَعْد الصَّرفُ وعدمه -وهو أولى والزجاج يُوجب المنع؛ وعلله بأنَّ السُّكونَ لا يُغيّر حكما أوجبه اجتماع علتين تمنعان الصرف. (تتمة): قال المبرِّدُ وأبو زيد والجَرْمَي وعيسى الثَّقَفِيُّ في نحو: «زيد» اسم امرأة: إنَّه كـ «هند» في جواز الوجهين، وذكر سيبويه أَنَّ عَلَمَ المُؤنَّثِ إذا كان

ثنائي اللفظ، كـ«يد» يجوز فيه الوجهان.

(تکميل): قال الأزهري: إذا سُمِّيَ مذكَّر بمؤنَّث وجب منع صرفه

بأربعة شروط.

أحدها: كونه أكثر من ثلاثة أحرف لفظا كـ«زينب»، أو تقديرًا كـ«جيل»

۸۰

النحو

مخفف جيل.

الثاني: أن لا يكون مسبوقاً بتذكير انفرد به تخفيفا كـ«رباب» علَمِ امرأة فإنَّها منقولة من مذكَّر، فلو سُمِّيَ بها مذكَّرٌ صُرِفَت، أو تقديرًا كجنوب وشمال فإنَّهما صفتان لمذكَّرِ مُقدَّرٍ الشَّرطُ الثَّالثُ: أن لا يكون مسبوقاً بتذكير غالب كـ«ذراع» فإنَّه مؤنت

.

بدليل: «ذراع رأيتها ، فإذا سُمِّيَ به مذكَّر انصرف لغلبة استعماله قبل العلمية في المذكَّر كقولهم: أنت ذِرَاعِي وعَضُدِي.

الرابع: أن لا يكون التأنيث موقوفا على تأويل غير لازم وذلك كتأنيث الجموع كـ«رجال»؛ فإنّ تأنيثَها ينبني على تأويلها بالجماعة، وذلك غير لازم؛

لأنها قد تؤول بالجمع، وهو مذكر فإِذا سُمِّيَ به مذكَّر انصرف» . اهـ

النوع الرابعُ : العَلَمُ الأعجمي ، إن كانت علميته في اللغة العجمية وزاد على أحرف ثلاثة كـ«إبراهيم وإسماعيل»، فإن كان ثلاثيا ضعف فيه فرعيَّة اللفظ بمجيئه على أصلِ ما تُبنى عليه الآحاد العربية، فلا تؤثر العُجمةُ في الثلاثي بخلاف التأنيثِ، قولا واحدا في لغة جميع العرب.

(فائدة) : المراد بالعَجَميٌّ ما نُقِلَ عن لسان غير العرب بأي لغةٍ كانت.

(تتمة): تعرف عجمة الاسم بوجوه:

أحدها: نقل الأئمة.

الثاني: خروجه عن أوزان الأسماء العربية كـ«إبرهيم».

والثالث: أن يَعْرَى عن أحرف الزَّلاقة وهو خماسي أو رباعي، وأحرف

الزَّلاقة ستَّة وهي: الميم، والراء، والباء الموحدة، والنون، والفاء، واللام يجمعها

تشييد المباني

۸۱

مر بنفل».

والرابع: أن يجتمع فيه من الحروفُ ما لا يجتمع في كلام العرب، كـ «الجيم والقاف بغير فاصل نحو قج وحق، والصاد والجيم» نحو: الصولجان، و «الكاف والجيم» نحو: سُكْرجَة، و«الراء بعد النون» أول كلمة نحو: نرجس، والزَّاي بعد الدَّال نحو: مُهَنْدِز.

(فائدة): في إبراهيم لغات ستّ إبراهيم، وإبراهام، وإبراهوم، وإبراهم

مثلث الهاء.

(تنبيه): إذا سُمِّيَ بنحو : «الجَامِ ، وفِرِند» صُرِفَ الحُدُوثِ عَلَمِيَّته، ونحو: نُوحٍ ولُوطٍ وشَتر مصروفةٌ، وقيل: السَّاكن الوسط ذو وجهين كـ«هند»، والمحرك الوسط متحتُّمُ المنع، ذهب إلى الأوَّل السيرافي وابنُ خروفٍ وابن

برهان، وإلى الثاني عيسى بن عمر الثَّقَفَيُّ، وابن قتيبة والجرجاني. (فائدة): «الجام» بكسر اللامِ آلَةٌ للفَرَسِ تُجعل في فمه، و«فِرِند» بكسر الفاء والرَّاءِ جوهرُ السَّيفِ.

النوع الخامس : العَلَمُ الموازنُ للفعل، والمعتبر من وزن الفعل أنواع ثلاثة: أحدها: الوزنُ الذي يخصُّ الفعل كـ ((خَضَمَ» لمكان، و«شَمَّرَ» لفرس،

و «ديل» لقبيلة، وكـ «انطلق، واسْتَخْرَجَ، وتَقَاتَلَ» أعلامًا. الثاني: الوزن الذي الفعل به أولى لكونه غالبا فيه، كـ«المد، وإصْبَع، وأبلم» أعلامًا، فإنَّ وجود موازنها في الفعل أكثر من الاسم، كالأمر من

الضَرَب، وذَهَب، وكتب».

(فائدة): الإِثْمِد» بكسر الهمزة وسكون المثلثة وكسر الميم وبالدال المهملة

۸۲

النحو

حجر الكُحْلِ وإِصْبَع» بكسر الهمزة وفتح الباء، و«أبلم» بضم الهمزة واللام

وسكون الموحدة بينهما سَعَفَ المقل.

(تنبيه): في إِصْبَع» عشر لغاتٍ، حاصله من ضَرْبِ ثلاثة أحوال الهمزة في

ثلاثة أحوال الباء، والعاشر «أُصْبُوع».

(مسألة): حكم همزة الوصل في الفعل المسمى به: القطع؛ لأنَّ المنقول من فعل بعد عن أصله؛ فالتحق بنظائره من الأسماء فحكم فيه بقطع الهمزة، بخلاف المنقول من اسم كاقتدار، فإنَّ الهمزة تبقى على وصلها بعد التسمية؛ لأنَّ المنقول من اسم لم يبعد عن أصله فلم يستحق الخروج عما هو له. الثالث: الوزن الذي الفعل به أولى، لكونه مبدوءا بزيادة تدلُّ على معنى في الفعل، ولا تدلُّ على معنى في الاسم نحو: «أَفْكَل، وأَكُلُب»؛ فإنَّ الهمزة فيهما لا تدلُّ، وهي في موازنها من الفعل نحو: «اذهَب، واكتُب» دالَّةٌ على التكلُّم. (فائدة): «أفكل» بفتح الهمزة والكاف بينهما فاء ساكنة؛ رِعْدَة، و«أكلب»

بفتح الهمزة وضم اللام بينهما كافُ ساكنة؛ جمع كَلب.

النوع السادس: العَلَمُ المختوم بألفِ الإلحاق المقصورة، كـ«عَلْقَى» باتفاق، وأَرْطَى» على الأصح؛ عَلَمين، فإنها ملحقان بـ«جعفر».

(تنبيه): المانع لهما من الصَّرفِ : العلميَّة، وشبه ألفِ الإلحاقِ بألفِ التَّأْنيثِ في الزيادة والموافقة لمثال ما هي فيه فإنَّهما على وزن «سَكْرَى»، وشبه الشَّيء بالشَّيء كثيرًا ما يُلحق به. (فائدة): قيل : إِنَّ أَرْطَى» وزنه أَفْعَل فمانعه من الصرف العلمية ووزن

الفعل.

تشييد المباني

۸۳

(تتمة): إنّها لم تمنع الصَّرفَ ألفُ الإلحاق الممدودة كـ«علباء»، لتخلُّفِ

شبهها بألف التأنيثِ الممدودة؛ لأنَّ همزة الإلحاقِ من جهة أنَّ همزتَه مُنْقَلِيةٌ . ألف لا عن ياء فافترقا في الحكم لأجل افتراقهما في التقدير.

عن

(فائدة): «العَلْقَى» نَبتُ، و«الأَرْطَى شَجَرٌ ، و«العِلْبَاءُ العَصَبَةُ الممتدة في

العنق.

النَّوعُ السَّابِعُ: المعرفة المعدولةُ، وهي خمسة أنواع: أحدها: «فعل» بضم الفاء وفتح العين في التوكيد، وهي الجُمع، وكُتَعُ، ويُصَعُ، وبتع»، فإنَّها معارفُ بنيَّة الإضافة إلى ضمير المؤكَّد، فأشبهت بذلك العلم لكونه معرفةً بغير قرينة، هذا ظاهرُ كلام سيبويه، وهو اختيار ابن عصفور وابن مالك.

وقال أبو سليمان السعدي من أصحاب ابن الباذش: إنها معارف بالعلمية، وهي أعلام على الإحاطة لما تبعته، وأيده بعضهم بجمعها بالواو والنون مع أنها ليست بصفات ومعدولةٌ عن فَعْلاوات؛ فإنَّ مُفرداتِها «جَمْعاء، وكَتَعاءَ، وبَصْعاء، وبتعاءَ»، وإنَّها قياسُ «فَعَلَاءَ» إذا كان اسما أَنْ يُجمَعَ على «فَعلاوات» ک صحراء وصَحراوات».

واختار ابن مالك وابنه غير هذا التعليلِ فقالا: «لأنَّ جَمعاء مؤنَّتُ أَجمع فكما جمع المذكر بالواو والنون، كذلك كان حقُّ مؤنَّثه أَنْ يُجمع بالألفِ والتَّاءِ، فلما جاءوا به على فُعَل عُلِمَ أنَّه معدول عما هو القياس فيه وهو جمعاوات».اهـ الثاني: من المعدول (سَحَر» إذا أُريدَ سَحَرُ :

يوم بعينه، واستعمل ظرفا كـ جئتُ يومَ الجمعةِ سَحَرَ»، فإنَّه ممنوع من الصرف للتعريف والعدل، وأما

Λε

النحو

التعريف ففيه خلافٌ، قيل: هو معرفة بالعلميّة؛ لأنَّه جُعل عَلَما لهذا الوقتِ، كذا في "التسهيل"، وقيل: يُشبه العلميَّة؛ لأنَّه تعرَّف بغير أداة ظاهرة كالعَلَمِ وهو اختيار ابن عصفور وظاهر كلام ابن هشام. وأما العدل فهو معدول عن السَّحَرِ المقترن بـ «أل»؛ لأنَّه لما أُريدَ به مُعيَّن كان الأصل فيه أن يُذكَّر معرَّفا بـ «أل» فعُدلَ عن اللَّفظِ بـ«أل» وقصد به التعريف فمنع الصرف. (فائدة): قال السُّهَيْلِيُّ والشَّلَوبِين في «سَحَر»: إِنَّه مُعرَبٌ مصروف، واختلفا في منع تنوينه، فقال السُّهَيْليُّ: هو على نية الإضافة، وقال الشَّلَوبِين: على نية «أل».

(تنبيه): ذهب ناصر بن أبي المكارمِ المُطَرّزي إلى خلافِ هذا كله، فقال: إِنَّه

مبني على الفتح لتضمنه معنى اللَّامِ كأمس. ورد بأمور، منها : أنه لو كان مبنيا غير الفتح أولى به؛ لأنه في موضع نصب فيجب اجتناب الفتحة فيه لئلا تُوهم الإعراب، كما اجتنبت في «قبل، وبعد». ومنها : أنه لو كان مبنيا لكان جائز الإعراب جواز حين في قوله: عَلَى حِينَ

عاتبتُ ؛ لتساويهما في ضعفِ السَّببِ المقتضي للبناء لكونه عارضًا. ومنها: أنَّ دعوى منع الصرف أسهل من دعوى البناء؛ لأنَّ البناء أبعد من الإعراب الذي هو الأصل في الأسماء، ودعوى الأسهل أرجح من دعوى غير الأسهل؛ وإذا ثبت أنَّ سَحَرَ» غير مبني، ثبت أَنَّه غير مُضمَّن معنى حرفِ

التعريف، وإنَّما هو معدول عما فيه حرفُ التّعريف.

(تتميم): الفرقُ بين التَّضمينُ والعدلُ أنَّ التَّضمينَ استعمال الكلمة في

تشييد المباني معناها الأصلي مزيدًا عليه معنى آخَرَ، والعدل تغيير صفة اللّفظِ مع بقاء معناه. مُهِمَّة): إِن أُرِيدَ بـ«سَحَرَ سَحَرٌ ما، فإنَّه ينصرفُ اتفاقا، نحو: نَجَيْنَهُم بسحر [القمر: ٣٤] وإن أُريد به «سَحَرُ» معيَّن واستعمل غير ظرف فيجب تعريفه بـ«أل والإضافة، نحو: طَابَ السَّحَرُ سَحَرُ لَيْلَتِنَا، وإن كان بـ «أل» أو الإضافة فيصرفُ اتفاقا نحو: جِئْتُكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ السَّحَرَ أَو سَحَرَهُ. الثالث: من المعدول «فعل» بضم الفاء وفتح العينِ عَلَما للمذكَّر، إذ سُمِعَ

ممنوع الصرف وليس فيه علة ظاهرة غير العلمية نحو: عُمَر . (تنبيه): المحفوظ من هذا النوع: عُمَر، ومُضَر، وزُفَر، وقُتَم، وزُحَل،

وجُشَم، وجُمع، وقُزح، وعُصَم، وحُجَى، ودلف، وهُذَل، وبُلَغ، ويُعَل. (مسألة): العدل في هذه الأعلام مقدّر، وذلك أنهم لما وجدوها ممنوعة من الصرف ولم يجدوا فيها غير العلميَّة قدَّروه؛ لأنَّ الغالب في الأعلام النقل، فعمر مثلا معدول عن عامر ؛ ولأنَّ هذه الصيغة كثر فيها العدل التحقيقي كـ «غُدَر، وفُسَق» فإنَّهما معدولان عن «غادر ، وفاسق»، وكـ «جُمع، وكُتَع» فإنَّها معدولان عن «جمعاوات، وكَتعاوات»، وكـ «أُخَر» فإنَّها معدولةٌ عن «آخر» بفتح الخاء والمد.

(تتمة): فائدة العدل في الأعلام تخفيفُ اللَّفظِ وتحقيق العلمية ونفي

الوصفية.

(مُهمَّة): ما ورد من باب فُعَل جمعًا كـ«غُرَق، وقُرَب»، أو اسم جنس كـ «صُرَد، ونُغَر»، أو صفةٌ كـ «حُطَم، ولبد» ، أو مصدرًا كـ«هدى، وتُقَى»

Αι

النحو

فمصروف اتفاقا، وما ورد مصروفا كـ«أُدَدٍ» فلا كلام فيه.

(تكملة): اختلفوا في ما لم يسمع فيه صرفٌ ولا عدمه من هذا الباب، فقال سيبويه : يصرفُ، حملا على الأصل في الأسماء، وقال غيره: يُمنعُ صرفه؛ حملا على الغالب في هذا البابِ علما، وليس بجيد.

النَّوعُ الرَّابِعُ : من المعدول «فَعَال» عَلَما للمؤنَّثِ، كـ«حَذَامِ، وَقَطَامِ» في لغةِ

تميم فإنهم يمنعون صرف.

(تنبيه): اختلفوا في

علة منعه، فقال سيبويه للعلمية والعدل عن فَاعِلَة،

ويُرجحه أنَّ الغالب على الأعلام أن تكون منقولة.

وقال المبرد: للعلميَّة والتأنيثِ المعنوي كـ«زينب»، ويُرجحه أنَّهم لا يدعون العدل في نحو: «طوى».

(تتميم): إن ختم فَعَال عَلَما لمؤنث بالرَّاءِ كـ سَفَارِ» اسما لماء، وكـ «وَبَارِ» اسما لقبيلة، بنوه على الكسر إلا قليلا منهم، وأهل الحجازِ يَبْنُونَ البابَ كلَّه على الكسرِ تشبيها له «بنزال» كقوله:

إِذَا قَالَتْ حَدَامٍ فَصَدَّقُوهَا فَإِنَّ القَوْلَ مَا قَالَتْ حَدَامِ (تكميل): إذا سُمِّيَ بباب «حَذَامِ» مذكر، زال موجب البناء وهو التشبيه بنزال؛ لأنه ليس الآن مؤننا، فيعرب غير منصرف، ومن العرب من يصرفه.

قاله سيبويه

النَّوع الخامس : من المعدول «أمس»، إذا كان مُرادا به اليوم الذي يليه يومك، ولم يُضَف، ولم يُقرن بـ «أل»، ولم يُصَغَر، ولم يُكَسَّر، ولم يَقَع ظرفًا، فَإِنَّ بعض بني تميم يمنعُ صرفه؛ لأنَّه علم معدول عن الأمس المعرَّف بـ«أل»

تشييد المباني

AV

كقوله: «لَقَدْ رَأَيْتُ عَجَبًا مُذْ أَمْسَا»، فـ«أمسا » مجرور بالفتحة والألفُ فيه للإطلاق، وليس فتحته هنا فتحةُ بناء خلافا للزجاجي، وزعم بعضهم

ان

«أمسا» هنا فعل ماض وفاعله مستتر فيه، والتقدير قد أمسى المساء. (تنبيه): هذا الإطلاق في المنع للقليل منهم، وأمَّا جمهورهم فيخص صرفه

بحالة الرفع خاصَّةً، ويبنيه في حالتي النصب والجر على الكسر كقوله : اعْتَصِمُ بِالرَّجَاءِ إِنْ عَنَّ بَأْسُ وَتَنَاسَ الذِي تَضَمَّنَ أَمْـسُ فرَفَعَ أَمْسُ» على الفاعلية ولم يُنوِّنه، والحجازيون يبنونه على الكسر مطلقا، على تقديره مُتَضَمِّنا معنى اللام المعرفة كقوله: «وَمَضَى بِفَصْلِ قَضَائِهِ أَمْسِ، فَأَمْسِ فاعلُ مَضَى» وهو مكسور.

(تتمة): إن أردت بـ«أمس» يوما من الأيام الماضية مبهما، أو عرفته بالإضافة، أو بالأداة، فهو منصرفُ إجماعا، وإن استَعْمَلتَ المجرَّد من «أل» والإضافة المراد به مُعيَّن ظرفًا فهو مبني إجماعا لتضمنه معنى الحرفِ.

(مُهمَّة): يَعْرِضُ الصَّرفُ لغير المنصرف لأحد أربعة أسباب: الأول: أن يكون أحدَ سَبَيْهِ العَلَميَّةُ ثمَّ يُنكِّر فتزولُ العلميَّةُ ويبقى السَّببُ الثاني وهو إما التَّأنيتُ أو الزيادة، أو العدل، أو الوزن، أو العجمة، أو التركيب، أو ألفُ الإلحاق المقصورة، تقول: رُبَّ: فاطمة، وعمران، وعمر، ويزيد، وإبراهيم، ومَعْدِي كَرِبٍ، وأرطى، لَقِيتُهم. ويُستثنى من ذلك ما كان

صفة قبل العلميَّة كـ «أحمر، وسكران» إذا نكرا فسيبويه يُبقيه غير منصرف . السببُ الثَّاني: التَّصغيرُ المُزيل لأحد السَّببين كـ «حميد، وعُمَيْر» في تَصْغِيْرَي «أَحْمَد، وعُمَر»، فإنَّ الوزن والعدل زالا بالتصغير .

۸۸

النحو

(فائدة): مما ينصرفُ مُكَبَّرًا ولا ينصرفُ مُصغَرًا، نحو: «يَحْلِي، عَلَمًا لاستكمال العلتين بالتصغير وهما العلمية والوزن، فإنَّه يُقال في تصغيره تخيلي» على وزنِ «تُدَحْرِج» مضارع «دَحْرَجَ».

(فائدة أخري): «تحلى» بكسر المثناة الفوقية وسكون المهملة وكسر اللام

بهمزة في آخره: هو القِشْرُ الذي على وَجْهِ الأَدِيمِ ما يَلِي مَنْبِتَ الشَّعَرِ. الثالثُ: إرادةُ التَّناسُبِ للمنصرف، كقراءة نافع والكسائي: سلاسيلا الإنسان : ٤] بالصرف لمناسبة وَأَغْلَلا ، وقوارير القواريرا

الإنسان: ۱۹،۱۵]، بصرفهما وصلا ليناسب الأول آخر سائر الآياتِ. الرابع: الضّرورةُ ، كقوله: وَيَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيزَةٍ، وعن بعضهم اطراد ذلك في لغة حكاها الأخفش وقال: كأنَّها لغةُ الشُّعراء؛ لأنهم اضطروا إليه في الشَّعرِ فجَرَتْ السنتهم على ذلك في الكلام.

(فائدة): اصطلاح الكوفيين في المنصرف وغيره المجرى وغير المجرى، قاله

في "البسيط"، انتهى من "الأشباه" بلفظه .

(تنبيه): مجموعُ العِلَلِ المانعة من الصَّرفِ تسعة، وزاد بعضُهم علة عاشرة وهي ألفُ الإلحاق المقصورة، وقد ذكرتُها تبعا لابن هشام؛ لأنّي لخصتُ هذا

الباب - وهو ما لا ينصرفُ - منه ومن شرحه.

(مسألة): إذا أُضيف ما لا ينصرفُ أو قُرِنَ بـ«أل» كان غير منصرف اتفاقا

كقوله: رَأَيْتُ الوَلِيدَ بنَ اليَزِيدِ مُبَارَكًا.

(خاتمة) : قيل: إنَّ بين المنصرف وغير المنصرف واسطةٌ لا توصف بصرف

تشييد المباني

۸۹

ولا بعدمه، قال ابنُ جنّي: من ذلك ما كانت فيه اللام أو الإضافةُ نحو: الرجل، وغلامك، وصاحبُ الرَّجل. فهذه الأسماء كلها وما كان نحوها لا منصرفةٌ ولا غيرُ منصرفةٍ؛ وذلك أنها ليست بمنوَّنة فتكون منصرفة، ولا مما يجوز للتنوين حلوله للصرف، فإذا لم يُوجَدُ فيه كان عدمه منه أمارة لكونه غير

منصرف كـ أحمد، وعمر» . اهـ راجع "الأشباه" تستفد، قاله المصنف. قال المؤلف : (وَلِلجَزْمِ عَلَامَتَانِ السُّكُونُ وَالحَذْفُ، فَأَمَّا السُّكُونُ فَيَكُونُ عَلَامَةٌ لِلجَزْمِ فِي الفَعْلِ الْمُضَارِعِ الصَّحِيحِ الْآخِرِ، وَأَمَّا الْحَذْفُ فَيَكُونُ عَلَامَةٌ لِلجَزْمِ فِي الفَعْلِ الْمُضَارِعِ المُعْتَل الآخِرِ ، وفِي الْأَفْعَالِ التِي رَفْعُهَا بِثَبَاتِ النُّونِ).

حذف حذفُ الحركة، و«الحَذْفُ»

حرف العلة أو وهو

«السُّكُونُ» وهو . نونِ الرَّفعِ للجازم، احترازًا من الحذفِ لغير جازم نحو: سندع الزبانية )

[العلق: ١٨].

«فَأَمَّا السُّكُونُ فَيَكُونُ عَلَامَةٌ لِلجَزْمِ فِي الفَعْلِ الْمُضَارِعِ الصَّحِيحِ الْآخِرِ» إذا دخل عليه جازم ولم يتصل بآخِرِه شيءٌ من الأشياء المتقدمة، نحو: وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص : ٤]. «وَأَمَّا الْحَذْفُ فَيَكُونُ عَلَامَةٌ لِلجَزْمِ» في موضوعين «فِي الفَعْلِ المُضَارِعِ المعتل الآخر» الذي آخرُه حرفُ علَّةٍ، وأحرفُها ثلاثة: «الألف، والياء، والواو، نحو: «يخشى ويرمي ويدعو»، فتحذف للجازم تقول: «لم يَخْشَ ، لم يرم، لم يَدْعُ»، فالمحذوف من الأوَّل «الألفُ» و«الفتحة» دليل عليها، ومن الثاني «الياء» والكسرة» دليل عليها، ومن الثَّالث الواو» و «الضمة» دليل عليها، وكل هذا

مجزوم بـ المر وعلامة جزمه حذف حرف العلة نيابةً عن الشكونِ.

(تنبيه): من الضرورة قوله:

إِذَا العَجُوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّقِ وَلَا تَرَضَّاهَا وَلَا تَمَلَّ

النحو

وقوله: (مِنْ هَجْوِ زَبَّانَ لَم تَهْجُو ولم تَدَعِ»، وقوله: «أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تَنْمِي»، حيث أثبت حروف العلة مع الجازم، وقيل: هذه الأحرفُ إشباع، والحروفُ الأصلية محذوفة للجازم، وقيل: هذه الأحرفُ أصليّة؛ بناءً على قول من يجزم المعتل بحذف الحركة ويقر حرف العلة

على حاله.

(مُهمَّة): قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرْ﴾ [يوسف: ٩٠] بإثباتِ الياء من يَتَّقِي وتسكين يصير في قراءةِ قُنْبُل عن ابن كَثِيرِ، واختلف في تخريجه فقيل : مَنْ موصولة لا شرطية وينقي مرفوع لا مجزوم، وتسكين يضير مع أنَّه معطوف على مرفوع إمَّا لتوالي حركة الباء والرَّاءِ والفاء والهمزة من فَإِنَّ تنزيلا للكلمتين بل الثلاث منزلة الكلمة الواحدة، وهم يكرهون توالي أربع متحركاتٍ فيما هو كالكلمة الواحدة، وإمَّا على أن قنبلا وصل بنيَّة الوقف، كقراءة الحَسَنِ البصري وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ

[المدثر: 1] بسكون تَسْتَكْثِر مع أنَّه مرفوع بإجماع السبعة.

وكقراءة نافع وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي ﴾ [الأنعام: ١٦٢] بسكون ياء تحياي ووصلاتي ، وإما على العطف على المعنى؛ لأن «من» الموصولة بمعنى

تشييد المباني

۹۱

الشرطية لعمومها وإبهامها، ولكون مدخولها مستقبلا سببًا لما بعده ولهذا

دخلت الفاء في الخبر كما تدخل في الجواب قاله الفارسي.

وقيل : مَنْ شرطيَّة، والياء في يَتَّقِي إِمَّا إشباع، فلامُ الفعل حذفت للجازم، وإمَّا على إجراء المعتل مجرى الصحيح، فجُزم بحذف الحركة المقدَّرة، وأبقى حرف العلة على حاله. انتهى من الأزهري ملخصا.

(خاتمة): قال الأزهري: «القول بأنَّ علامة الجزم في هذه الأفعال حذف حرف العلة، إنَّما يتمشى على قول ابن السَّراجِ ومن تابعه بأنَّ هذه الأفعال لا يُقدَّر فيها الإعرابُ بالضمة في حالة الرفع، والفتحة في الألف في حالة النصب، وعلل ذلك بأنَّ الإعراب في الفعل، فلا حاجة لتقديره، بخلافِ الاسم. وجعل الجازمَ كالدواء المسَهْلِ إِن وَجَدَ فَضْلَةٌ أزالها، وإلا أخذ من

قوى البدن.

وذهب سيبويه إلى تقدير الإعراب فيها، فعلى قول سيبويه : لما دخل الجازم حذف الحركة المقدَّرةَ واكتفى بها، ثمَّ لما صارت صورة المجزوم والمرفوع واحدةً فرَّقوا بينهما بحذف حرف العلة، فحرف العلة محذوفٌ عند الجازم لا به، وعلى قول ابن السَّرَّاج: الجازم حذفُ نفس حرف العلة». انتهى بلفظه . وفي الأَفْعَالِ» الخمسةِ التي رَفْعُهَا بِثَبَاتِ النُّونِ» نحو: ﴿ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا

[البقرة: ٢٤].

(تنبيه): «النَّصبُ في الأفعال محمول على الجزم، كما أنَّ النَّصبَ محمول على الجر في المثنى والجمع على حِدَه؛ لأنَّ الجزم نظير الجر في الاختصاص، فيفعلان كـ «الزيدان»، ويفعلون كـ«الزَّيدونَ»، وتفعلين كـ«الزيدين»، في مُطلق

۹۲

النحو

الحركات والسكنات». انتهى من الأزهري.

فإذا علمتَ هذا تعلم أنَّ الأولى للمصنف أن يُقدِّم الجزمَ على النَّصبِ في

الأفعال، والجر على النصب في الأسماء.

(خاتمة): قوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَن يَعْفُونَ [البقرة: ۲۳۷] الواو فيها لام مة، والنُّونُ ضميرُ النِّسوة عائد على المطلقات، والفعل مبني على الشكونِ

الكلمة،

لاتصاله بنون النسوة، مثل يَتَرَبَّصْنَ ﴾ [البقرة: ۲۲۸] بخلاف وَأَن تَعفُوا أقرب لِلتَّقْوَى ﴾ [البقرة: ۲۳۷] بحذفِ النُّونِ للنَّاصِبِ، فَإِنَّ الواو ضمير جماعةِ الذكور لا لام الكلمة». انتهى من "التوضيح" وشرحه.

(فائدة)

لَوْلَا فَوَارِسُ مِنْ نُعْمِ وَأَسْرَتِهِمْ يَوْمَ الصُّلَيفَاءِ لم يُوفُونَ بِالجَارِ فقيل: ضرورة وقال ابن مالك: لغةٌ، قاله في "المغني".

فصل: المعربات

(فصل) وهو في اللغة: الانتحاء والتقطيع والحاجز والمميز. وفي الاصطلاح هو ما يُفعلُ بين أجناس المسائل وأنواعها، وبين أنواع المسائل وأجناسها، قاله الشَّيخُ جبريل في "شرحه".

قلت: قال أبو النَّجا: هو عبارة عن الألفاظ المعيَّنة الدالة على تلك المعاني المخصوصة على الظَّاهِرِ عند السيّد، ثمَّ قال: وهو مصدر يحتمل أن يكون بمعنى الفاعل، وأن يكون بمعنى المفعول، والمعنى على الأوَّل هذه الألفاظ المعيَّنةُ الدَّالَّة على المعاني المخصوصة فاصلةً ما بعدها عما قبلها لتميزها عنهما،

تشييد المباني

۹۳

وعلى الثاني مفصولة عنها، وهذا بالنظر للأصل، كما قاله الشَّبُرَامَسِي، وإِلَّا

فهو من قبيل عَلَمِ الجَنسِ، فهو مُلحق بالأعلام الجامدة غير مُراع فيها معناها الأصلي، فلا حاجة لجعله بمعنى فاعل أو مفعول.

قال المؤلّف: (الْمُعْرَبَاتُ قِسْمَانِ قِسْمٌ يُعْرَبُ بِالحَرَكَاتِ، وَقِسْمٌ يُعْرَبُ

بِالخُرُوفِ).

المعرَبَاتُ قِسْمَانِ» إن قلت فيه الإخبار بالمثنى عن الجمع مع أنه يجب

تطابقها.

قلت: قال أبو النَّجا: المراد بالمعرباتِ الجنسُ الصَّادقُ باثنين؛ فـ«أل» فيه للجنس، والقاعدة أنَّ «أل» الجنسية إذا دخلت على جمع أبطلت معنى الجمعية. قِسْمُ يُعْرَبُ» بـ وجودِ «الحَرَكَاتِ» الثلاث الضمة والفتحة

.

وهي

والكسرة، أو بعديها وهو السُّكونُ، وَقِسْمٌ يُعْرَبُ» «ب» وجودِ «الحَرُوفِ» الأربعة، أو بعدمها وهو حذف حرفِ العلَّةِ أو النُّونِ. (تنبيه) : يُحتمل أن يكون قوله: «قِسْمٌ يُعْرَبُ» بدلًا مُفصَّلًا من عُجُمَلٍ، وأن يكون بدل بعض من كل، فإن كان بدل بعض من كل فلا بد من اشتماله على ضمير يعود على المبدل منه فالجواب: أنَّ محل ذلك إذا لم تستوف الأجزاء، فإن

استوفت كما هنا فلا يُحتاج إليه. المصنف هنا: قِسْمٌ يُعْرَبُ بِالحَرَكَاتِ»، وكلُّها ترفعُ بالضمة

(نكتة): قول

إلخ ... منافٍ لقوله سابقا: «تَغْيِيرُ أَوَاخِرِ الكَلِمِ» إلخ، فتأمل.

قال المؤلف: (فَالذِي يُعْرَبُ بِالحَرَكَاتِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعِ ثلاثة أنواع من

الأسماء، ونوع من الأفعال، فأنواع الأسماء (الِاسْمُ الْمُفْرَدُ) نحو: جاءَ زيد

٩٤

النحو

ورأيتُ زيدا ومررتُ بزيدٍ وَجَمْعُ التَّكْسِيرِ ) نحو: جاءَ الرّجالُ ورأيتُ الرّجال ومررتُ بالرّجال (وَجَمْعُ المُؤَنَّثِ السَّالِم) نحو: جاءت الهنداتُ ورأيتُ الهندات و مررتُ بالهنداتِ (و) نوع الأفعال (الفِعْلُ الْمُضَارِعُ الَّذِي لَم يَتَّصِلْ بِآخِرِهِ شَيْءٌ) لأنه هو الذي يُمْكِنُ فيه الإعراب بالحركات، نحو: يضرب ولن يضربَ. قال المؤلّف: (وَكُلُّهَا تُرْفَعُ بِالضَّمَّةِ، وَتُنْصَبُ بِالفَتْحَةِ، وَتُخْفَضُ بِالكَسْرَةِ،

وَتُجْزَمُ بِالسُّكُونِ). وَكُلُّهَا» أي: مجموع هذه الأنواع الأربعة لا جميعها، «تُرْفَعُ بِالضَّمَّةِ» كما مثلنا «وَتُنْصَبُ بِالفَتْحَةِ كذلك وَتُخْفَضُ بِالكَسْرَةِ» كذلك «وَتُجْزَمُ بِالسُّكُونِ» كذلك؛ لأنَّ هذا هو الأصل فيها.

قال المؤلف : (وَخَرَجَ عَنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءِ: جَمْعُ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ يُنْصَبُ

بالكَسْرَةِ) نحو: رأيتُ الهنداتِ.

قال المؤلف: وَالِاسْمُ الذِي لَا يَنْصَرِفُ يُخْفَضُ بِالفَتْحَةِ) نحو: مررتُ

بمساجد.

قال المؤلّف: (وَالفَعْلُ الْمُضَارِعُ المُعْتَلُ الْآخِرِ يُجْزَمُ بِحَذْفِ آخِرِهِ) نحو: لم

يغز، ولم بخش، ولم يرم.

قال المؤلّف: (وَالَّذِي يُعْرَبُ بِالْحُرُوفِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعِ) ثلاثةٌ من الأسماء ونوع من الأفعال، فأنواع الأسماء (التَّقْنِيَةُ) نحو: جاءَ الزَّيدانِ، ورأيتُ الزِّيدَينِ، ومررتُ بالزيدين. قال المؤلف: (وَجَمْعُ المُذكَّرِ السَّالِمُ) نحو: جاءَ الزَّيدُونَ، ورأيتُ الزَّيدِينَ،

ومررتُ بالزيدِينَ.

تشييد المباني

۹۵

قال المؤلف : (وَالأَسْمَاءُ الخَمْسَةُ) نحو: جاءَ أبوك، ورأيتُ أخاك، ومررتُ

بحميك وفيك، وذو مال.

قال المؤلف : (وَ) نوعُ الأفعال الأَفْعَالُ الْخَمْسَةُ وَهِيَ: يَفْعَلَانِ، وَتَفْعَلَانِ، وَيَفْعَلُونَ، وَتَفْعَلُونَ، وَتَفْعَلِينَ) نحو: يفعلان الزَّيدان، ولم يفعلوا، ولن تفعلى. قال المؤلّف: (فَأَمَّا التَّنْنِيَةُ، فَتُرْفَعُ بِالأَلِفِ) كما مثلنا (وَتُنْصَبُ وَتُخْفَضُ بِاليَاءِ) كما مثلنا (وَأَمَّا جَمْعُ المُذكَّرِ السَّالِمُ فَيُرْفَعُ بِالْوَاءِ، وَيُنْصَبُ وَيُخْفَضُ بِاليَاءِ) أيضًا، لكنَّ ياءَ المثنّى مفتوح ما قبلها مكسورٌ ما بعدها، وياء الجمع مكسور ما قبلها مفتوح ما بعدها كما تقدم.

قال المؤلّف: (وَأَمَّا الْأَسْمَاءُ الْخَمْسَةُ فَتُرْفَعُ بِالْوَاوِ وَتُنْصَبُ بِالْأَلِفِ وَتُخْفَضُ

بِاليَاءِ. وَأَمَّا الْأَفْعَالُ الْخَمْسَةُ فَتُرْفَعُ بِنُبُوتِ النُّونِ وَتُنْصَبُ وَتُجْزَمُ بِحَذْفِهَا). (فائدة): قال الأزهري: «حاصل علامات الإعراب عشرة أشياء: الحركات الثلاث، والسُّكونُ، والأحرفُ الثلاثة، وحذفها للجازم، والنُّونُ،

وحذفها للناصب والجازم». اهـ ولما فرغ من ذكر الكلام وأقسامه وذكر علامة كل قسم وعرف الإعراب وأقسامه وذكر معرفة علاماتِ الإعراب وتكلم على مواضع العلاماتِ

تفصيلا وإجمالا، شرع يتكلم في المقصودِ من العربية فقال :

٩٦

النحو

باب الأفعال

وهي جمع فعل بكسر الفاء لا بفتحها؛ لأنَّ اصطلاحهم ومرادهم بالفعل مسمى هذا الاسم، وهي المادة لا مُطلقُ الحَدَثِ الذي يُسمَّى فعلا في اللغة. فإن قلت: لم قدَّم الأفعال على الأسماء وكان الأولى له العكس؟ قلت: الجواب عنه من وجهين: أحدهما: أنه قدَّمها؛ لأنّها عوامل في الأسماء، ورتبة العاملِ مُقدَّمةٌ على رتبة

المعمول.

الثاني: أنَّه لما رأى الاختصار في الكلام على الفعل وأنَّه يُجمع في باب واحد، ورأى طول الكلام في الاسم وأنَّه يتوقَّفُ على أبواب وفصول؛ قدَّمه

كما هي عادة المؤلّفين من تقديم ما الكلام فيه قليل على ما الكلام فيه كثير . قال المؤلف : الأَفْعَالُ ثَلَاثَةٌ : مَاضٍ ، وَمُضَارِحٌ، وَأَمْرٌ نَحْوُ : ضَرَبَ وَيَضْرِبُ

وَاضْرِبْ).

مَ

الأَفْعَالُ ثَلَاثَةٌ»: أي أنواعها ثلاثةٌ، قال السوداني: وذلك لأنَّ أنواع الزَّمانِ

الذي هو أحد مدلولي الفعل كل منها ثلاثة:

أحدها: زمان انقضاء، وهو الماضي. والثاني: زمان لم يأتِ، وهو المسمى بالمستقبل، بفتح الباء على المشهور، والقياسُ يقتضي كسرها فيكون اسم فاعل، والمراد به ما تترقب وجوده بعد زمانك الذي أنت فيه، قاله السعد التفتازاني. وهو أحد مدلولي الطلب، وكذلك الفعل المضارع المقترن بعلامة الاستقبال. والثالث: الزَّمانُ الحاضر وهو المسمَّى بالحال، والمراد بها أجزاء من طرفي

تشييد المباني

۹۷

الماضي والمستقبل يعقب بعضها بعضا من غير فَرْطِ مُهْلَةٍ وتَرَاحَ، والحاكم في

ذلك هو العُرْفُ لا غير، قاله السَّعد . اهـ واستأنسوا لكون الأزمنة ثلاثة بقول زُهَيْر :

وَأَعْلَمُ عِلْمَ اليَوْمِ وَالْأَمْسِ قَبْلَهُ وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمٍ مَا فِي غَدٍ عَمِ

ويقول الآخر:

هَلِ الدَّهْرُ إِلَّا اليَوْمُ أَوْ أَمْسِ أَوْ غَدُ كَذَا الدَّهْرُ فِيمَا بَيْنَنَا يَتَرَدَّدُ وبقبل، و بعد، و الآن. انتهى ملخصا.

مَاضِ»: قدَّمَ الماضي؛ لأنَّ الزَّمان الماضي قبل الزمان المستقبل والحال، ولأنه أصل بالنسبة إلى المضارع، قاله، السوداني.

قلت: قال الزَّجَّاجِي في "إيضاحِ عِلَلِ النَّحْوِ": اعلم أنَّ أسبق الأفعال في التقدم الفعل المستقبل؛ لأنَّ الشَّيْء لم يكن ثم كان والعدم سابق، ثم يصير في الحال، ثم يصير ماضيّا فيُخْبَرُ عنه بالمُضِيّ؛ فأسبق الأفعال في الرتبة المستقبل، ثمَّ فعل الحال، ثمَّ فعل الماضي.

فإن قيل: هلا كان لفعل الحال لفظ ينفرد به عن المستقبل لا يشركه فيه

غيره ليعرف بلفظه أنه للحال، كما كان للماضي لفظ يُعرف به أنَّه ماضي؟ فالجواب: قالوا: لما ضَارَعَ الفعل المستقبل الأسماء بوقوعه موقعها، وبسائر وجوه المضارعة المشهورة قوي فأُعرِبَ وجُعِل بلفظ واحد بمعنيين حملا له على شبه الأسماء، كما أنَّ من الأسماء ما يقع بلفظ لمعان كثيرة، كـ«العين» ونحوها كذلك جُعِلَ الفعل المستقبل بلفظ واحدٍ يقع لمعنيين؛ ليكون ملحقا بالأسماء حين ضارعها، والماضي لم يُضارع الأسماء فيكون له قوتها فيبقى على حاله.

۹۸

النحو

انتهى من "الأشباه" بلفظه.

قلت: وبهذا تعلم بطلان كلام السوداني.

(فائدة): أصل «ماضي»: ماضي بالياء، استقلت الضمة على الياء فحذفت، ثم التقى ساكنان الياء والتنوين فحذفت الياء فصارت ماضي، قال ابن مالك: إِنْ سَاكِنَانِ الْتَقَيَا اكْسِرُ مَا سَبَقَ وَإِنْ يَكُنْ لَيْنَا فَحَذْفُهُ اسْتَحَق وحده: كلمة دلّت وضعا على حَدَثٍ وزمان انقضى. وَمُضَارِع»: وهو كلمةٌ دلّت وضعا على حَدَثٍ وزمانٍ غير مُنْقَضِ حاضرًا

كان أو مستقبلا.

(وَأَمْرٌ»: وهو كلمةٌ دلّت وضعًا على الطلب بذاتِها، مع قبولها ياء المخاطبة،

أو نون التوكيد. قاله السوداني.

(تنبيه): ما قاله المصنف من أن الأفعال ثلاثة، هو مذهب جمهور البصريين، وذهب الكوفيون والأخفشُ من البصريين إلى أنهما نوعان، وأن الأمر نحو: «قم، واقعد مجزومٌ بلام الطَّلب، فحذفت حذفا مستمرًا

للتخفيف، وتبعها حرف المضارعة.

وضع

قال ابن هشام في "المغني": وبقولهم أقولُ؛ لأنَّ «الأمر» معنى حقه أن يؤدى بالحرف، ولأنه أخو النَّهي ولم يُدل عليه إلَّا بالحرف، ولأنَّ الفعل إنَّما لتقييد بالزمان المحصل، وكونه أمرًا أو خبرا خارج عن مقصوده، ولأنهم قد نطقوا بذلك الأصل، كقوله : لِتَقُم أَنْتَ يَا ابْنَ خَيْرِ قُرَيْشٍ، وكقراءة جماعة: ﴿فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا ﴾ [يونس: ٥٨] في الحديث: «لِتَأْخُذُوا مَصَافَكُمْ»، ولأنك تقول: «اغزُ، واخش وارم، واضربا ، واضربوا، واضربي» كما تقول في

تشييد المباني

۹۹

الجزم، ولأنَّ البناء لم يعهد كونه بالحذف، ولأنَّ المحققين على أنَّ أفعال الإنشاء مجردة عن الزمان كـ«بعت، وأقسمت وقبلت»، وأجابوا عن كونها مع ذلك أفعالاً بأن تجردها عارض لها عند نقلها عن الخبر، ولا يمكنهم ادعاء ذلك في

نحو: «قم»؛ لأنَّه ليس له حالةٌ غير هذه، وحينئذٍ فتشكل فعليَّته، فإذا ادعي أ أصلَه لِتَقُم كان الدال على الإنشاء اللام لا الفعل».اهـ

أنَّ

نحو: «ضرب للماضي، ويضرب للمضارع، واضرب» للأمر؛ ففيه لف ونشر مرتب.

قال المؤلّف: (فَالماضِي مَفْتُوحُ الْآخِرِ أَبَدًا، وَالْأَمْرُ يَجُزُومٌ أَبَدًا، وَالْمُضَارِعُ مَا كَانَ في أَوَّلِهِ إِحْدَى الزَّوَائِدِ الأَرْبَعِ يَجْمَعُهَا قَولُكَ: «أَنَيْتُ»، وَهُوَ مَرْفُوعٌ أَبَدًا حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ نَاصِبٌ أَوْ جَازِمٌ). فالماضي مَفْتُوحُ الآخِرِ أَبَدًا»: لأنَّه مبني باتفاق، وإنما بني على الحركة لمشابهته المضارع في الجملة؛ لوقوعه صفةً وصلة وخبرًا وشرطا وحالا، وليقل الضم والكسرِ ويُقَلِ الفعل عدلوا إلى الفتح لخفيه، ويُبنى على الفتح بجميع صيغه كـ «ضرب ودحرج، وانطلق، واستخرج»، وأمَّا ضَرَبْتُ» ونحوه فالسكون عارض أوجبه كراهتهم توالي أربع متحركاتٍ فيما هو كالكلمة الواحدة، وكذلك ضمة «ضَرَبُوا» عارضةٌ لمناسبة الواو. وَالأَمْرُ يَجْزُومٌ أَبَدًا»: عند الكوفيين والأخفش كما تقدَّم، وأما عند جمهور البصريين فمبني على ما يُجزم به مضارعُه نحو: «اضرب»؛ فإنَّ مضارعَه يُجزم بالسكون نحو: «لم تضرب»، ونحو: «اضربا» فإنَّ مضارعه مجزوم بحذف النُّونِ نحو: «لم تضربا»، ونحو: «اغز، واخشَ، وارم»؛ فإنَّ مضارعها يُجزم

النحو

بحذف آخره نحو: «لم تغز، ولم تخش، ولم ترم».

(نكتة): قوله: (وَالأَمْرُ تَجْزُومٌ مُنافٍ لما قاله آنفًا من أنَّ الأفعال ثلاثة. وَالمُضَارِعُ مَا كَانَ فِي أَوَّلِه إِحْدَى الزَّوَائِدِ الأَرْبَعِ»: المسماة بأحرف المضارعة «جمعُهَا قَولُكَ : أَنَيْتُ»: أي: أدركت، ومعناه: أَنَّ المضارع يُفتتح بأحدِ هذه الحروف، نحو: «أقوم، ونقوم، ويقوم، وتقوم، ويُضَمُّ أَوَّلُه إن كان رباعيا نحو: «يدحرج، ويُكرم»، ويُفتح في غيره كـ«يضرب، ويستخرج». وَهُوَ مَرْفُوعٌ أَبَدًا»: لأنَّه مُعرَبٌ بالإجماع.

قال ابن هشام: «أَجمَعَ النحويون على أنَّ الفعل المضارع إذا تجرَّد من الناصب والجازم كان مرفوعًا، وإنَّما اختلفوا في تحقيق الرافع له ما هو، فقال الفراء وأصحابه: رافعه نفسُ تجرُّدِه من النَّاصب والجازم، وقال الكسائي: حروف المضارعة، وقال ثعلب : مضارعته للاسم، وقال البصريون: حلوله محل الاسم؛ قالوا: لهذا إذا دخل عليه نحو: «أن، ولن، ولم، ولما» امتنع رفعه؛ لأن الاسم لا يقع بعدها، فليس حينئذ حالا محلّ الاسم.

وأصح الأقوال الأوَّلُ وهو الذي يَجري على ألسنة المعربين، ويُفسد قول الكسائي : إِنَّ جُزْءَ الشَّيء لا يعمل فيه، وقول ثعلب إنَّ المضارعة إنَّما اقتضت إعرابه من حيث الجملة، ثمَّ يَحتاجُ كل نوع من أنواع الإعراب إلى عامل يقتضيه، ثم يلزم على المذهبين أن يكون المضارع مرفوعًا دائما ولا قائل به. ويَردُّ قول البصريين

ارتفاعه في نحو: ألا يقوم؛ لأنَّ الاسم لا يقعُ بعد حروفِ التَّحْضِيضِ».اهـ وقال في "المغني": «قولهم في المضارع في مثل: «يقوم زيد» مرفوع لخلوه من ناصب و جازم، والصواب أن يُقال: مرفوع الحلوله محل الاسم وهو قول البصريين،

تشييد المباني

۱۰۱

وكان حاملهم على ما فعلوا إرادةَ التَّقريب، وإلا فما بالهم يبحثون على تصحيح قول

البصريين في ذلك، ثمَّ إذا أعربوا أو عربوا قالوا خلاف ذلك ؟!». اهـ وقال ابن مالك: وينبغي أن تعلم أنَّ رافع الفعل معنى، وهو إما وقوعه موقع الاسْمِ وهو مذهبُ البصريين، وإمَّا تجرده من النَّاصب والجازم وهو مذهب حُذَاقِ الكوفيين، وبه أقول لسلامته من النقض، بخلاف الأول فإنَّه يَنتقِضُ بـ«هلا تَفْعَلُ؟»، و«ما لك لا تَفْعَلُ؟»، و«رأيتُ الذي يَفْعَلُ»، فَإِنَّ الفعل في هذه المواضعِ مرفوع مع أنَّ الاسم لا يقع فيها، فلو لم يكن للفعل

.

رافع غير وقوعه موقع الاسم لما ارتفع في هذه المواضع بلا رافع . اهـ قلت: وكما اختلفوا في رافعه كذلك اختلفوا في الإعراب فيه هل هو أصل أم فرع؟ بعد إجماعهم على أنَّه مُعرَبٌ. قال ابنُ عَقِيلٍ: «ذهب البصريون إلى أنَّ الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال، والأصل في الفعل البناء عندهم، وذهب الكوفيون إلى أنَّ الإعراب أصل في الأسماء والأفعال، والأوَّلُ هو الصحيح. ونقل ضياء الدين بن العلج في "البسيط": أنَّ بعض النحويين ذهب إلى أنَّ الإعراب أصل في الأفعال، فرح في الأسماء» . اهـ

فصل

وقد عن لي أن أحصر ما لدي من نُونِي التَّوكيد ونونِ النِّسوة إذا دخلن على المضارع، فأقول: نونُ التَّوكيد قسمان ثقيلة، وخفيفة، وهما أصلان عند

البصريين؛ لتخالف بعض أحكامها، كإبدال الخفيفة ألفا نحو : وليكونا

[يوسف: ٣٢] وحذفها في نحو: لا تُهين الفقير»، وكلاهما ممتنع في الثقيلة، قاله

۱۰۲

النحو

سيبويه. وعُورِضَ بأنَّ الفرعَ قد يختص بما ليس للأصل أحيانًا، وقد قاله سيبويه في ، أنَّ» المفتوحة: إنّها فرع المكسورة ولها إذا خُفِّفَت أحكام تخصها، وذهب الكوفيون إلى «أن» الخفيفة فرعُ الثَّقيلة، وذكر الخليل أنَّ التوكيد بالثّقيلة أشدُّ من التوكيد بالخفيفة، وكلاهما يُؤكَّد ان الأمرَ مُطلقًا نحو: «قُومَنَّ» ونحو قوله «رَجَز»:

«فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةٌ عَلَيْنَا».

ولا يلحقان الماضي مطلقا، وأمَّا المضارعُ فيؤكدانه تارةً وجوبًا وذلك إذا كان مثبتا مُستقبلًا جوابًا لقَسَمٍ غير مفصول من لامه بفاصل نحو: ﴿ وَتَاللَّه لأَكِيدَنَّ أَصْنَعَكُم ﴾ [الأنبياء: ٥٧] ويمتنع تأكيده بهما إذا كان منفيا نحو:

ا تَاللَّهِ تَفْتَوا تَذْكُرُ يُوسُفَ [يوسف: ۸٥] إذ التقدير: «لا تَفْتَؤُ»، أو كان حالا كقراءة ابن كثير: الأُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [القيامة: ١].

وقول الشاعر:

يَمِينًا لَأَبْغِضُ كُلَّ امْرِي يُزَخْرِفُ قَوْلًا وَلَا يَفْعَلُ أو كان المضارع مفصولا من اللامِ مثل : وَلَن مُّتُمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ

تُحْشَرُونَ [آل عمران: ١٥٨) ونحو : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ ﴾ [الضحى: ٥]. ويؤكدانه تارةً قريباً من الوجوب وذلك إذا كان شرطًا؛ لـ «إن» الشَّرطيَّةِ

المؤكَّدة بـ«ما» الزائدة نحو : وَإِمَّا تَخَافَنَ [الأنفال: ١٥٨ فَإِما نَذْهَبَنَّ [الزخرف: ٤١]، فَإِمَّا تَرَينَ ﴾ [مريم: ٢٦] ومن تَرْكِ توكيده قوله: «يَا صَاحِ إِمَّا تَجِدْنِي غَيْرَ ذِي جِدَةٍ»، وهو قليل في النَّثرِ ، وقيل يُختص بالضرورة.

تشييد المباني

۱۰۳

وتارة يكون تأكيده بهما كثيرًا وذلك إذا وقع بعد أداة طلب، أو دعاء، أو

عرض، أو ثمن أو استفهام، فالأول كقوله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَفِلا

عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾ [إبراهيم: ٤٢] .

والثاني كقوله:

لا يبْعَدَنْ قَوْمِي الَّذِينَ هُمُ سُمُّ العُدَاةِ وَآفَةُ الجُزْرِ

والثالث: كقوله: «هلا تُمِّنْ بَوَعْدِ غَيْرَ مُخْلِفَةٍ».

والرابع: كقوله: «فَلَيْتَكِ يَوْمَ الْمُلْتَقَى تَرَينَّنِي».

والخامس: كقوله: «أَفَبَعْدَ عِنْدَةَ تَمدَحَنَّ قَبِيلَا».

وتارة يكون تأكيده بهما قليلا وذلك بعد « لا ) النافية، أو «ما» الزائدة التي لم

تُسبق بـ «إن الشرطية.

فالأول كقوله تعالى: وَاتَّقُوافِتْنَةٌ لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَةٌ )

[الأنفال: ٢٥].

و الثاني كقولهم: «وَمِنْ عِضَةٍ مَا يَنْتَنَّ شَكِيرُهَا».

وقوله: «قَلِيلًا بِهِ مَا يَحْمَدَنَّكَ وَارِتٌ»

وتارة يكون تأكيده بهما أقل وذلك بعد ،لم، وبعد أداة جزاء غير «إما»

الشرطية، كقوله: «يَحْسَبُهُ الجَاهِلُ مَا لَيَعْلَمَا».

وكقوله: «مَنْ نَنْقَفَنْ مِنْهُمْ فَلَيْسَ بَآيبٍ».

(تنبيه): الأصل في آخِرِ الفعل المؤكَّدِ فتحه، تقول: «اليَضْرِبَنَّ زيد»،

و اضْرِبَنَّ يا زيد، واختلف في هذه الفتحة فقال ابنُ السَّراجِ والمبرد

١٠٤

النحو

والفارسي: بناء للتركيب، وقال سيبويه والزَّجَّاجُ والسيرافي: عارضة للساكنين، وهما آخِرُ الفعل والنُّونُ الأولى، ويُستثنى من ذلك الأصل أن يكون المضارع مسندا إلى ضمير ذي لين «ألف ، أو واو، أو ياء»، فإنَّه يُحرك آخره حينئذ بحركة تجانس ذلك اللين نحو: لَتَرْكَبُنَ طَبَقًا عَن طَبَقٍ [الانشقاق: ۱۹]

وَلَا نَتَّبِعَانِ ﴾ [يونس: ۸۹] ونحو: «اضْرِينَ يَا هِند».

(التنبيه الثاني): أنَّ الأصل في الضمير ذي اللين وجوب حذفه إن كان واوا أو ياءًا، تقول: «اضْرِبُنَّ يَا قَوْمِ» بضم الباء ، واضْرِينَ يَا هِنْدُ» بكسرها، والأصل: اضْرِبُونَ، واضْرِبين» ثمَّ حُذفت الواو والياء لالتقاء الساكنين، واستثني من هذا الأصل أن يكونَ آخِرَ الفعلِ ألفا ك يَخشَى) [طه: ٣] إِنَّكَ تَحْذِفُ آخِرَ الفعل وتثبت الواو مضمومة والياء مكسورةً فتقول: «يَا قَوْمِ اخْشُونَ» و«يَا هِنْدُ اخْشَينَّ»، فإن أسند هذا الفعل إلى غير الواو والياء لم يُحذف آخره بل تقلبه ياءًا،

فتقول: «لَيَخْشَيَنَّ زَيْدٌ»، و«التَخْشَيَنَّ يَا زَيْدُ»، و«لَتَخْشَيَانُ يَا زَيْدَانِ».

(الثَّالثُ): تنفرد الخفيفة بأربعة أحكام:

أحدها: أنها لا تقع بعد الألف نحو: «قوما واقعدا»، لئلا يلتقي ساكنان، وأجازه يونس والكوفيون، وأمَّا الشَّديدة فتقع بعدها اتفاقا، ويجب كسرها نحو: ﴿ وَلَا نَتَّبِعَانِ ﴾ [يونس: ٨٩].

ثانيها: أنها لا تُؤكَّد الفعل المسند إلى نون الإناث؛ وذلك لأنَّ الفعل المذكور يجب أن يُؤتَى بعده بألفٍ فاصلةٍ بين النونين؛ قصد التخفيف، فيقال: اضْرِبْنَانُ يَا نِسْوَةٌ»، وقد مضى أنَّ الخفيفة لا تقع بعد الألف، ومن أجاز ذلك

تشييد المباني

فيما تقدَّم أجازه هنا بشرط كسرِ النُّونِ. ثالثها: أنها تُحذف قبل الساكن، كقوله:

1.0

لا تُبِينَ الفَقِيرَ عَلَكِ أَنْ تَرْكَعَ يَوْمًا وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهُ

وأصله: لا تُهينن. رابعها: أنَّها تُعطى في الوقف حكمَ التّنوين، فإن وَقَعَتْ بعد فتحةٍ قُلبت ألفا كقوله تعالى : النتفعا ﴾ [العلق : ١٥] وَلَيَكُونَا [يوسف: ٣٢] وإن وَقَعَتْ بعد ضمَّةٍ أو كسرة حُذفت ويجب حينئذ ردُّ ما حذف في الوصل لأجلها، نقول في الوصل: اضْرِبُنَّ يَا قَوْمِ واضْرِينَ يَا هِنْدُ»، والأصل «اضْرِبُونَ، واضْرِينَ» كما مرَّ فِي الثَّقيلة فإذا وَقَفْتَ حُذفت النُّونُ لشبهها بالتنوينِ في نحو: جاءَ زيد» و «مررتُ بزيد ، ثمَّ ترجع بالواو والياء لزوال التقاء الساكنين، فتقول: «اضربوا، واضربي». (تذنيب): حكم المضارع مع النُّونَينِ البناء إذا اتصلا به، ويُبنى على الفتح نحو: لنبنَّ الهمزة: ٤ ا لتركيبه مع النُّونِ تركيب «خَمْسَةَ عَشَرَ»، وأَمَّا إِن لم يتصلا به فمُعرَب؛ ولهذا لو فَصَلَ بين الفعل والنُّونِ ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة لم يُحكم على الأصح ببنائه، وقيل: يُبَنَى مع النُّونَينِ مطلقًا اتصلا به أم لا، فنحو لَتُبْلَونَ ﴾ [آل عمران: ١٨٦] مبني، وقيل: الجَمْعُ مُعْرَبُ تقديرًا. قال ابنُ عَقِيل: «مذهب الجمهور أنَّ الفعل المضارع لا يُبنى إلَّا إذا باشرته نون التوكيد، فإن لم تباشره أُعرِبَ، وذهب الأخفش إلى أنَّه مبني مع نونِ

١٠٦

النحو

التوكيد سواء اتصلت به أو لم تتصل، ونُقِلَ عن بعضهم أَنَّه مُعرَبٌ وإِن

اتصلت به نونُ التوكيد» . اهـ

(فائدة): قال الزجاجي في "الجمل": « كل موضع دخلت النُّونُ التَّقيلةُ الزَّجَاجِيُّ .. فيه دخلت النُّونُ الخفيفةُ إلَّا في الاثنين المذكَّرين والمؤنَّثين، وجماعةِ النِّساءِ فَإِنَّ

الخفيفة لا تدخلها». اهـ (خاتمة): قد تدخل نون التوكيد في الضرورة في اسم الفاعل نحو قوله: أَقَاتِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودَا*

وشذوذا في أفعل في التَّعحُبِ وفي الماضي، فالأول نحو قوله: «فَأَحْرِ بِهِ مِنْ

طُولٍ فَقْرٍ وَأَحْرِيَا». الثاني كقوله :

دَامَنَّ سَعْدُكِ لَوْ رَحِمَتِ مُتَيَّمَا لَوْلَاكِ لَرَيَكُ لِلصَّبَابَةِ جَانِحًا هذا ملخص ما قيل في نوني التوكيد، وإن أردت مزيد فوائد فراجع

المطولات.

وأمَّا نون النسوة فقال في "المغني": هي اسم في نحو: «النِّسْوَةُ يَذْهَبْنَ»،

خلافا للمازني. وحرفٌ في نحو: يَذْهَبْنَ النِّسْوَةُ على لغة: أكلوني البراغيث، خلافًا لمن زعم أنها اسم وما بعدها بدل منها، أو مبتدا مُؤخَرُ والجملة قبله خبره، وحكم المضارع معها البناء على الأصح على الشكون نحو: وَالْمُطَلَّقَلَتُ

يتربصن ﴾ [البقرة: ٢٢٨].

تشييد المباني

۱۰۷

قال ابنُ عَقِيلٍ: والفعل مع نون الإناث مبني على السكون، ونقل ابنُ مالك في بعض كتبه: أنَّه لا خلاف في بناء الفعل المضارع مع نون الإناث، وليس كذلك، بل الخلافُ موجود، وممن نقله الأستاذ أبو الحسن بن عصفور في شرحه "للإيضاح"».اهـ

قلت: وممن خالف في بنائه السُّهَيْلي، فقال : إِنَّه مُعرَبٌ معها تقديرًا. وقال ابن مالك: «إنما بُني المتصل بنون الإناث كـ«يَرْنَ» حملا على الماضي المتصل بها؛ لأنها متساويان في أصالة السُّكُونِ، وعروض حركة البناء في الماضي وحركة الإعراب في المضارع، وقد رُوجع الأصلُ بالنُّونِ في الماضي فرُوجِعَ بها في الماضي» . اهـ ورفعه باقٍ حتى يدخل عليه ناصب فينصبَه، أو جازم فيجزمه. قال المؤلف : (فَالنَّوَاصِبُ عَشَرَةٌ وَهِيَ : أَنْ، وَلَنْ، وَإِذَنْ، وَكَيْ، وَلَامُ كَيْ،

وَلَامُ الْجُحُودِ، وَحَتَّى، وَالْجَوَابُ بِالفَاءِ، وَالوَاوُ، وَأَوْ).

فَالنَّوَاصِبُ عَشَرَةٌ»: عند الكوفيين وأربعةٌ عند البصريين، وهي: «أن، لن، ووكي، وإذن، وهي على قسمين: ما ينصب بنفسه وهي «أن» المصدرية

وتقع في موضعين:

أحدهما: في الابتداء فتكون في موضع رفع على الابتداء نحو: ﴿وَان

تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: ١٨٤].

والثاني: بعد لفظ دال على معنى غير اليقين، فتكون في موضع رفع على الفاعلية نحو : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ [الحديد: ١٦] وفي موضع

۱۰۸

النحو

نصب على المفعولية نحو فَأَرَدتُ أَنْ أَعِيبها [الكهف: ٧٩] وفي موضع جرّ نحو : من قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ ﴾ [البقرة: ٢٥٤] ومحتملة لهما في نحو: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِينِي ﴾ [الشعراء: ۸۲] أصله في أن يغفر لي» فحذفت «في» فنُصِبَ

ما بعدها أو أبقي على جرّه، واختلف في المحل من نحو: «عسى زيد أن يقوم»

فالمشهور أنه نصب على الخبريَّة، وقيل: على المفعولية، وأنَّ معنى «عسيت أن تفعل»: قاربت أن تفعل، ونُقِلَ عن المبرد، وقيل: نُصِبَ بإسقاط الجار، أو بتضمين الفعل معنى قارب»، نقله ابن مالك عن سيبويه، ذكره في "المغني"، وتوصل بالفعل المتصرف مضارعا كان كما مرَّ، أو ماضيا نحو: لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ علينا [القصص: ۸۲] وَلَوْلَا أَن تَبَنتَكَ ﴾ [الإسراء: ٧٤] أو أمرا كحكاية سيبويه: «كتبتُ إليه بأن قم»، هذا هو الصحيح.

(تنبيه): ذكر بعض الكوفيين وأبو عبيدة: أنَّ بعضهم يَجْزِمُ بـ«أن»، ونقله

اللحْيَانِيُّ عن بعض بني صُبَاحٍ من ضَبَّة، وأنشدوا عليه قوله: إِذَا مَا غَدَوْنَا قَالَ وِلدَانُ أَهْلِنَا تَعَالَوْا إِلى أَن يَأْتِنَا الصَّيدُ نَحْطِبِ

وقوله:

أَحَاذِرُ أن تَعْلَمُ بِهَا فَتَرُدَّهَا فَتَتْرُكَهَا ثِقْلًا عَلِيَّ كَمَا هِيَا وفي هذا نظر؛ لأنَّ عطف المنصوب عليه يدلُّ على أَنَّه مُسَكَنُ للضرورة لا مجزوم، وقد يرفع الفعل بعدها كقراءة ابن مُحيصن: ﴿لَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ

الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: ٢٣٣] وقول الشاعر:

أن تَقْرَآنِ عَلَى أَسْمَاءَ وَيْحَكُمَا مِنِّي السَّلَامَ وَأَلَّا تُشْعِرَا أَحَدًا

تشييد المباني

۱۰۹

وزعم الكوفيون: أنَّ «أَنّ» هذه هي المخفّفة من الثقيلة شد اتصالها بالفعل،

ذكره في "المغني". (فائدة): أكثر العرب على وجوب إعمال «أن» النصب، وبعضهم يهملها حملا على «ما» أختها المصدرية بجامع أنَّ كلا منهما حرف مصدري، ولهذا قال في "المغني" بعد ذكره قول الكوفيين في تأويل البيت والصَّوابُ قول البصريين إنها «أن» النَّاصبةُ ، أُهملت حملاً على «ما» أختها المصدرية.

(فائدة): قال عبداللطيف في "اللُّمَعِ الكَامِلِيَّةِ": «ليس في الحروفِ النَّاصبةِ

للفعلِ ما يَنصِبُ مُضمَرًا إِلَّا «أن» خاصة». نقله السيوطي في "الأشباه". (تنبيه): تكون (أن) مُفسّرةً وزائدةً ومُخَفَّفَةٌ من الثقيلة، فلا تَنصِبُ في هذه الأحوال كلها، فالمفسّرة هي المسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه المتأخر عنها جملة، ولم تقترن بجار نحو: فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَن أَصْنَعَ الْفُلْكَ ﴾ [المؤمنون: ۲۷] وَأَنطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا ﴾ [ص: ٦]، إذ ليس المراد بالانطلاق هنا المشي، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام، كما أنه ليس المراد بالمشي المتعارف بل الاستمرار على الشَّيء، فخرج وَءَاخِرُ دَعْوَنَهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العلمين [يونس: ١٠]، لعدم تقدم الجملة، وقلتُ له: أن افعل كذا؛ لأنَّ الجملة السابقة فيها حروف القول.

وفي شرح ابن عصفور الصغير على "الجُمَل " : أنها قد تكون مفسرةً بعد صريح القول، ولا يجوز: ذَكَرْتُ عَسْجَدًا أَنْ ذَهَبًا»؛ لعدم تأخر الجملة، بل يجب الإتيان بـ «أي» أو ترك حرفِ التَّفسير، وليس من التفسيرية: «كتبت إليه

النحو

بأن أفعل» لدخول الجار، نصَّ عليه الموضح في "القواعد الصغرى". انتهى من "التوضيح" وشرحه. وعن الكوفيين إنكار التَّفسيريَّة البَيَّة، قال في "المغني": «وهو عندي متجه؛ لأنه إذا قيل: كتبتُ إليه أن قم، لم يكن قُم نفس كتبتُ، كما كان الذهب نفس العَسْجَد في قولك: «هذا عَسْجَد») أي: ذَهَبٌ، ولهذا لو جئت بـ«أي مكان «أن» في المثال لم تجده مقبولا في الطبع».اهـ

(فائدة) : إذا وَلي «أن» الصَّالحة للتفسير مضارع معه «لا» نحو: أشرتُ إليه أن لا تفعل جاز رفعه على تقدير (لا) نافية، وجزمه على تقديرها ناهية وعليهما فـ «أن مُفسّرة، ونصبه على تقدير (لا) نافية وأن مصدرية، فإن

فقدت «لا» امتنع الجزم وجاز الرَّفعُ والنَّصبُ قاله في "المغني".

والزائدة.

هي

التالية لـ«لا» التوقيتية نحو: ﴿ وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا

ست بهم ﴾ [العنكبوت: ۳۳].

أو بين فِعْلِ القَسَمِ المذكور و«لو» كقوله: «فَأُقْسِمُ أَنْ لَوِ التَقَيْنَا وَأَنْتُمْ».

أو بعد القَسَمِ متروكا كقوله :

هذا قول سيبويه وغيره.

* أَمَا وَاللَّهُ أَنْ لَوْ كُنْتَ حُرّا*

وتقع بين الكافِ ومخفوضها كقوله: كَأَنْ ظَبْيَةٍ تَعْطُوا إِلى وَارِقِ السَّلَم

بجر ظبية، أو بعد إذا كقوله:

فَأَمْهَلَهُ حَتَّى إِذَا أَنْ كَأَنَّهُ

تشييد المباني

۱۱۱

وزعم الأخفش: أنَّها تُزادُ في غير ذلك، وأنَّها تَنصِبُ المضارع كما تَجُرُّ «من» و«الباء» الزائدتان الاسم، وجعل منه: وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَلَ عَلَى اللَّهِ ﴾ [إبراهيم: ١٢]، وقال غيره: هي في ذلك مصدريَّةٌ والأصل «وَمَا لَنَا فِي أَن لا نَفْعَلَ»، وإِنَّما لم يجز للزائدة أن تعمل لعدم اختصاصها بالأفعال بدليل دخولها على الحرف وهو «لو» و«كان» في البيتين، وعلى الاسم وهو ظبية» في البيت السابق، قاله في "المغني".

والمخففة من «أنَّ» المشدّدة .

هي

الواقعة بعد عِلْمٍ نحو: عَلِمَ أَن سَيَكُونُ المزمل: ٢٠] ونحو: أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ ﴾ [طه: ٨٩] أو بعد ظَنِّ مؤول بالعِلْمِ نحو: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾ [المائدة: (۷۱] ويجوز في تالية الظَّنِّ أن تكون ناصبةً إجراء للظَّنَّ علَّة أصله وهو الأرجح؛ لأنَّ التَّأويل على خلاف الأصل ولهذا أجمعوا عليه في أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا ﴾ [العنكبوت: ٢]. انتهى من

ح" وشرحه.

"التوضيح

(فائدة): لا يتقدم معمول (أن) عليها عند جميع ) النُّحاةِ إِلَّا الفرَّاء، فلا

يُقال: «طعامك أريد أن آكل». قاله السيوطي في "الأشباه".

(تنبيه): ذكروا لـ«أن أربعة معانٍ أخرى: أحدها: الشرطية كـ «إن المكسورة، وإليه ذهب الكوفيون، قال في "المغني": «ويرجحه عندي أمورٌ : أحدها: توارد المفتوحة والمكسورة على المحل

الواحد، والأصل التوافق، فقرئ بالوجهين قوله تعالى: أَن تَضِلَّ إِحْدَتهُمَا

[البقرة: ۲۸۲] ، وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَشَانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ ﴾ [المائدة: ٢]

۱۱۲

النحو

أَفَتَضْرِبُ عَنكُمُ الذِكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ ﴾ [الزخرف: ٥].

الثاني: مجيء الفاء بعدها كثيرًا كقوله:

أَبَا خُرَاشَةَ أَمَّا أَنتَ ذَا نَفَرٍ فَإِنَّ قَوْمِيَ لَوْ تَأْكُلُهُمُ الضَّبُعُ

الثالث: عطفها على «إن المكسورة في قوله:

إِمَّا أَقَمْتَ وَأَمَّا أَنتَ مُرْتَحِلًا فَاللَّهُ يَكْلَأُمَانَاتِي وَمَا تَذَرُ والرواية بكسر «أن» الأولى وفتح الثانية، فلو كانت المفتوحة مصدرية لزم عطف المفرد على الجملة. اهـ

ثانيها: النَّفي كـ«إن المكسورة أيضًا قاله بعضهم في: أَن يُؤْتَى أَحَدُ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ﴾ [آل عمران: ٧٣].

ثالثها: معنى «إذ»، قاله بعضهم في بَلْعَبُوا أَن جَاءَهُم تُنذِرُ مِنْهُمْ ﴾ [ق: ٢] يخرجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا ﴾ [الممتحنة: 1].

قال في "المغني": «الصَّوابُ أنَّها في ذلك كله مصدريَّةٌ، وقبلها لام العلة

مقدرة . اهـ

رابعها : معنى «لِئَلَّا»، قاله بعضهم في: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ﴾

[النساء: ١٧٦].

وقوله:

نَزَلْتُمْ مَنْزِلَ الأَضْيَافِ مِنَّا فَعَجَّلْنَا القِرَى أَنْ تَشْتِمُونَا قال في "المغني" : والصَّوابُ أنَّها مصدريَّةٌ، والأصل: «كراهية أن تَضِلُّوا» و «مخافة أن تشتمونا»، وهو قول البصريين».اهـ

تشييد المباني

۱۱۳

(مُهمَّة): قال الأندلسي في "شرح المفصل": «قال علي بن عيسى: إنَّما عَمِلَت «أن» في المضارع ولم تعمل «ما» ؛ لأنَّ «أَنْ» نَقَلَته نقلين إلى معنى المصدر والاستقبال، و «ما» لم تنقله إلَّا نقلًا واحدًا إلى معنى المصدر فقط، وكل ما كان

أقوى على تغيير معنى الشَّيء كان أقوى على تغيير لفظه». اهـ

وقال ابنُ يَعيشَ : الفرقُ بين «أَنِّ» وبين «ما» أنَّ «ما» تدخل على الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر، و«أنْ مُختصة بالفعل، فلذلك كانت عاملة فيه،

ولعدم اختصاص «ما» لم تعمل شيئًا. اهـ نقله السيوطي في "الأشباه". (خاتمة): قال في "الأشباه" أيضًا: «أن أصل النواصب للفعل وأُمُّ الباب بالاتفاق، كما نقله أبو حَيَّان في "شرح التسهيل"، ومن ثم اختصت بأحكام،

منها: إعمالها ظاهرة ومضمرة، وغيرها لا ينصبُ إلَّا مُظهرًا.

ومنها: أجاز بعضُهم الفصل بينها وبين منصوبها بالظرف والمجرور اختيارا، قياسًا على «أنَّ» المشدّدة بجامع اشتراكهما في المصدريَّةِ والعَمَلِ، نحو: زيد أَن عندي تقعد، وأن في الدار تقعد، ولم يُجوز أحدٌ ذلك في سائر الأدواتِ إِلَّا اضطرارًا».اهـ «وَلَنْ» وهي حرفُ نصب ونفي واستقبال، فتنفي الفعل المستقبل إما على غاية ينتهي إليها نحو : لَن نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَنكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ [طه: ٩١] فَإِنَّ نَفْي البراحِ مُستمر إلى رجوع موسى، وإما إلى غير غاية نحو: لَن يَخْلُقُوا ذبابا ﴾ [الحج: ۷۳] فَإِنَّ نَفْيَ خَلْقِ الذُّبابِ مُستمر أبدًا، ولهذا لا تقتضي تأبيد النفي، خلافًا للزمخشري ، لأنها لو كانت كذلك لزم التناقض بذكر اليوم في

١١٤

النحو

قوله تعالى: ﴿فَلَنْ أُكَلِمَ الْيَوْمَ إنيستا ﴾ [مريم: ٢٦] ولزم التكرار بذكر أبدا في قوله تعالى: وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾ [البقرة: ٩٥] ولا تقتضي توكيده خلافا له في "كشافه" في تفسير : لَن تَركني ﴾ [الأعراف: ١٤٣ ولا تقع لن دعائية خلافا لا بن السراج وابن عصفور وآخرين مستدلّين بقوله تعالى: فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ﴾ [القصص: ۱۷] مُدَّعِينَ أنَّ معناه فاجعلني لا أكون، ولا حجة لهم فيها لإمكان حملها على النَّفي المحض، ويكون ذلك معاهدةً منه الله سبحانه أن لا يُظاهِرَ مُجرما جزاءً لتلك النعمة، قاله في "التوضيح" و"شرح القطر". وقال في "المغني" خلاف هذا ونصه وتأتي «لن» للدعاء كما أتت لذلك

«لا» وفاقا لجماعة منهم ابن عصفور، والحجة في قوله: لَنْ تَزَالُوا كَذَلِكُمْ ثُمَّ لَا زِلْ تُ لَكُمْ خَالِدًا خُلُودَ الجِبَالِ » . اهـ (فائدة): يجوز تقديم معمول «لن» عليها عند جميع النُّحاةِ إِلَّا الأخفش الصغير، فتقول: زيدًا لن أضرب والفرق بينها وبين «أن»، أنَّ «أن» حرف مصدري موصولةٌ ومعمولها صلة لها، ومعمول معمولها من تمامِ صِلَتِها، فكما

لا تتقدم صلتها عليها كذلك لا يتقدَّمُ معمول صِلَتِها، و«لن» بخلاف ذلك قاله في "الأشباه". (مسألة): ذهب بعضهم إلى أنَّ «لن» قد تَجْزِمُ كقوله:

وقوله:

فَلَنْ يَحْلُ لِلعَينَينِ بَعْدَكِ مَنْظَرُ

لَنْ يَحِبِ الآنَ مِنْ رَجَائِكَ مَنْ حَرَّكَ مِنْ دُونِ بَابِكَ الحَلَقَة

تشييد المباني

١١٥

وقيل في الأوَّل: إِنَّه مُحتمل للاجتزاء بالفتحة عن الألف للضرورة. (مُهمَّة): قال الفرَّاءُ: أصل «لن»: «لا» أبدل الألف نونا فصارت «لن».

قال ابن هشام والمعروف إبدال النُّون ألفا نحو: الشفا ﴾ [العلق: ١٥]، ووَلَيَكُونَا [يوسف: ٣٢] لا العكس، ثمَّ إنَّها بسيطة على الأصح، وقال الكسائي والخليل: هي مركبةٌ من «لا» و«أن»، حُذفت الهمزة تخفيفا والألفُ للساكنين؛ وحجتهم قرب لفظها منهما وأن معناهما من النَّفي والتَّخلُّص للاستقبال حاصل فيها، وقد جاءت على الأصل في الضرورة.

قال الأزهري : ورُدَّ عليهم بأربعة أمور : أقواها أَنَّه إِنَّما يصحُ التَّركيب إذا كان الحرفان ظاهرين كـ«لولا»، وقد لا يظهر أحدهما كـ«أما» قاله الشلويين، وتركنا الثلاثة الباقية خوف الإطالة. اهـ قلت: مر أحد الثلاثة الباقية، وهو أنَّ المعروف إبدال النُّون ألفًا لا

العكس.

الثاني: أنها لو كانت مركبة مما ذكر لكانت «لا» داخلة على مصدرٍ مُقدَّرٍ من «أن» والفعل، ومعنى: لن يقوم زيد لا قيام زيد؛ فتدخل «لا» على المعروفة من غير تكرير، مع أنه يكون مبتدأ لا خبر له، ولا في الكلام ما ينوب منابه. الثالث: أنَّ التركيب فرع عن البساطة؛ فلا يُدعى إلَّا بدليل قاطع.

«وَإِذَنْ» والكلام عليها في مسائل: المسألة الأولى في نوعها : قال الجمهور : هي حرف، وقيل: اسم، والأصل في إذن أكرمك؛ إذا جئتني أكرمك، فحذفت الجملة وعوض عنها التنوين وأضمرت

١١٦

النحو

«أن»، وعلى القول الأوّل فالصَّحيحُ أنها بسيطة لا مركبة من «إذ وأن» أو «إذا

وأن»، وعلى البساطة فالصحيح أنها الناصبة، لا «أن» مضمرة بعدها. المسألة الثانية في معناها قال سيبويه معناها الجواب والجزاء، فقال

.

السلوبين في كل موضع ، وقال أبو علي الفارسي: في الأكثر. وقد تتمحض للجواب بدليل أنَّه يقال لك: أحبُّك، فتقول: إذن أظنُّك صادقا. إذ لا مجازاة هنا ضرورة، والأكثر أن تكون جوابًا (( لأن» أو «لو» مُقدَّرتين أو ظاهرتين فالأول كقوله:

لَئِنْ عَادَلِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بِمِثْلِهَا وَأَمْكَنَنِي مِنْهَا إِذَنْ لَا أُقِيلُهَا وكقوله: «إِذَنْ لَقَامَ بِنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنُ».

.

فوقعت بدلا من جواب «لو» في البيت قبله، وبدل الجواب جواب، والبيت هو قوله: «لَوْ كُنْتُ مِن مَازِنِ لم تَسْتَبِحْ إبلي»، والجواب هنا: «تستبح». والثاني: نحو أن يقال: «آتيك»، فتقول: «إذن أكرمك»، أي: إن أتيتني إذن أكرمك، وقال الله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهُ إِذَا لَذَهَبَ كل إلنا بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [المؤمنون: ٩١] قال الفراء: حيث جاء النايم

بعدها اللام، فقبلها «لو» مقدَّرة إن لم تكن ظاهرة.

المسألة الثالثة: في لفظها عند الوقف عليها، والصحيح أنَّ نونها تُبدل ألفا، وقيل: يُوقف بالنُّون؛ لأنّها كنون «أن، ولن» ، روي عن المازني والمبرد، وينبني

على الخلاف في الوقف خلافٌ في كتابتها، فالجمهور يكتبونها بالألف، وكذا رسمت في المصاحف والمازني والمبرِّدُ بالنُّون، وعن الفراء إِن عَمِلَت كُتِبَت

تشييد المباني

۱۱۷

بالألف، وإلَّا كُتِبَت بالنُّون؛ للفرق بينها وبين «إذا»، وتبعه ابن خروف. المسألة الرابعة في عملها، وهو نصب المضارع، وتنصبه بثلاثة شروط: الأول: أن تكون مُصدَّرةً في أوَّل الجواب، فإن وقعت حشوا

أهملت؛ وذلك في ثلاث مسائل:

إحداها: أن يكون ما بعدها خبرًا عما قبلها، نحو: أنا إذن أكرمك. الثانية: أن يكون جوابا الشرط قبلها، نحو: إن تأتيني إذن أكرمك. الثالثة: أن يكون جواب قسم قبلها مذكور، نحو: والله إذن لا أخرج.

وأما قوله:

لا تتركني فِيهُمُ شَطِيرًا إِنِّي إِذَنْ أَهْلِكَ أَوْ أَطِيرًا فمؤول على حذف خبر «إن» ، أي: إنّي لا أقدر على ذلك، ثم استأنف ما بعده وذهب الفرَّاءُ إلى عدم اشتراط التصدر.

(مسألة): قال جماعةٌ من النحويين: إذا وقعت «إذن» بعد الواو أو الفاء جاز فيها الوجهان، نحو: ﴿وَإِذَا لَا يَلْبَثُون خلفك إلا قليلًا ﴾ [الإسراء: ٧٦]

فَإِذَا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ﴾ [النساء: ٥٣] وقرئ شاذًا بالنصب فيهما.

قال في "المغني": «إنَّه إذا قيل: إن تزرني أَزُرك، وإذن أحسن إليك، فإن قدرت العطف على الجوابِ جَزَمتَ وبطل عمل «إذن» لوقوعها حشوا، أو على الجملتين جميعًا جاز الرَّفعُ والنَّصب لتقدم العاطف، وقيل: يتعيَّنُ النَّصب؛ لأن ما بعدها مستأنفٌ، أو لأنَّ المعطوف على الأول أولى» . اهـ

الثاني: أن يكون المضارع مستقبلاً قياسًا على بقيَّة النَّواصِبِ، فيجب الرَّفعُ

۱۱۸

النحو

في نحو: «إذن تَصْدُقُ»، جوابًا لمن قال: أنا أحب زيدا؛ لأنَّه حال، ولا مدخل

للجزاء في الحال.

الثَّالثُ : أن يتصلا، أو يَفْصِلَ القَسَمُ بينهما، كقوله :

إِذَنْ وَالله نَرْمِيَهُمْ بِحَرْبٍ

وأجاز في "المغني" الفصل بـ «لا»، وابن عصفور الفصل بالطَّرفِ، وابن بابشاذ الفصل بالنداء وبالدُّعاء، والكسائي وهشام الفصل بمعمول الفعل. (تنبيه): قال الأزهري: حكى سيبويه عن بعض العرب إلغاء «إذن» مع استيفاء الشروط، وهو القياس؛ لأنّها غير مختصة، وإنَّما أعملها الأكثرون حملا على ظنَّ»؛ لأنها مثلها في جواز تقديمها على الجملة وتأخيرها عنها وتوسطها بين جزايها، كما حملت ما على «ليس»؛ لأنّها مثلها في نفي الحال والمرجع في ذلك كله إلى السماع» . اهـ (تذنيب): قال الأندلسي في "شرح المفصل": «إذن» لها ثلاثة أحوال : حال تَنصِبُ فيها ألبتة، وهي عند توافر الشرائط الخمس:

أن تكون جوابا، وأن لا يكون معها حرفُ عطف، وأن يعتمد الفعل عليها، وأن لا يُفصل بينها وبين الفعل بغير الهمز، وأن يكون الفعل مستقبلا. وحالٌ لا تَعمَلُ فيه البتة، وهي عند اختلال أحدِ الشَّرائط.

وحالٌ يجوز فيها الأمران وهو عند دخول حرف العطف عليها. ثمَّ لها ثلاثة أحوال أخرى: أن تتقدم، وأن تتوسط، وأن تتأخر، فإن تقدمت وتوفّرت بقيَّةُ الشُّروط أعملت، وإن توسطت أو تأخرت لن تعمل». اهـ

وقال الشلويين في شرح الجزولية": اتسعت العرب في «إذن» اتساعا لم

تشييد المباني

۱۱۹

تتسعه في غيرها من النواصب، فأجازت دخولها على الأسماء نحو: إذن عبدالله يقول ذلك، وعلى الأفعال، وأجازوا دخولها على الحال وعلى المستقبل، وأجازوا أن تتأخر عن الفعل نحو: «أكرمك إذن»، فهذه اتساعات في «إذن» انفردت بها دون غيرها من نواصب الأفعال، وأجازوا أيضًا فيها فصلها من الفعل بالقَسَمِ ولا يجوز ذلك في سائر نواصب الفعل؛ فلما اتسعوا في «إذن» هذه الاتساعات قويت بذلك عندهم، فشبهوها بعوامل الأسماء النَّاصبة لقوَّتها بهذا التصرف الذي تصرفته، ولكن لا بكل عوامل الأسماء بـل بـ«ظننت» وأخواتها فقط فأجازوا فيها الإعمال والإلغاء، إلَّا أن ظننت إذا توسطت يجوز فيه الإعمال والإلغاء، و«إذن» إذا توسطت يجب فيها الإلغاء؛ لأنَّ المشبه بالشيء لا يقوى قوَّة المشبه به، فحُطَّت عنها بأن أُلغيت ليس إلَّا . اهـ

وقال عبد اللطيف البغدادي في "اللمع الكاملية": «ليس في نواصب

الفعل ما يُلغى سوى إذن» . اهـ نقله السيوطي في "الأشباه".

وكي» المصدرية، الداخل عليها «اللام» لفظاً نحو: لكيلا

وهي

تأسوا ﴾ [الحديد: ۲۳] أو تقديرا نحو: جئتك كي تُكرمني»، إذا قدَّرتَ أنَّ الأصل لـ«كي»، وأنَّك حذفت «اللام» استغناء عنها بنيتها، ناصبة وهي بنفسها كما أنَّ «أن» المصدريَّة كذلك، وأمَّا التّعليليَّة فجارة، والنَّاصِبُ بعدها

«أن» المضمرة، وقد تظهر في الشَّعرِ كقوله: «كَيْمَا أَنْ تَغُرَّ وَتَخْدَعَا»

وتتعيَّن المصدريَّة إن سبقتها «اللام» نحو: لِكَيْلَا تَأْسَوْا ، وتتعين

التَّعليليَّة إن تأخرت عنها «اللام» أو «أن»، فالأول نحو قوله:

۱۲۰

النحو

كَيْ لِتَقْضِينِي رُقَيَّةُ مَا وَعَدَتْنِي غَيْرَ و الثاني كقوله: «كَيمَا أَنْ تَغْرَ وَتَخْدَعَا».

مُخْتَلَسِ

(تنبيه): يجوز الأمران في نحو كن لا يكون دولة [الحشر: ٧]، فإن قدَّرتَ «اللام» قبلها فهي مصدريَّة، وإن لم تُقدّر «اللام» قبلها فهي : تعليلية، فيكون على الأول منصوب بنفس كي) وعلى الثاني بـ«أن» المضمرة بعد «كي»، وقوله: «أَرَدْتَ لِكَيْها أَنْ تَطِيرَ بِقَرْبَنِي».

فـ«كي» تحتمل أن تكون مصدرية لدخول «اللام» قبلها، وتحتمل أن تكون تعليلية لتأخُرِ «أن» بعدها، فإن كانت مصدريَّةٌ فـ «إن» مؤكدة لها لمعنى السبك،

وإن كانت تعليلية فـ«السلام» مؤكّدة لها لمعنى التعليل.

(فائدة): الأولى أن تكون في الآية مصدريَّة، وفي البيت تعليليَّة؛ لأنَّ تأكيد الجار بجار أسهل من تأكيد حرف مصدريّي بحرف مصدري.اهـ من "التوضيح" وشرحه.

(مُهمَّة): تقسيم كي) إلى مصدريَّة وتعليلية هو مذهب سيبويه والجمهور، وقال الأخفش: «كي) جارّة دائما، والنَّصب بعدها بـ«أن» ظاهرة أو مضمرة،

قال ابن هشام: ويرده نحو: لِكَيْلَا تَأْسَوْا فإن زعم أ أنَّ

لـ «اللام» كقوله:

* وَلَا لِلِمَا بِهِمْ أَبَدًا دَوَاءُ

رُدَّ بأنَّ الفصيح المقيس لا يُخرج على الشَّاذَّ.اهـ

«كي»

تأكيد

وقال الكوفيون: إنها ناصبة دائما، قال ابن هشام أيضًا: ويرده قولهم: كَيْمَة،

تشييد المباني

۱۲۱

كما يقولون: لمة، وقول حاتم:

وَأَوْقَدْتُ نَارِي كَيْ لِيُبْصِرَ وَأَخْرَجْتُ قَلْبِي وَهُوَ فِي البَيْتِ لأن «لام») الجرّ لا تَفصِلُ بين الفعل وناصبه، وأجابوا عن الأوَّل: بأنَّ الأصل كي لا يفعل ماذا، ويلزمهم كثرة الحذف وإخراج «ما» الاستفهامية عن الصدر، وحذف ألفها في غير الجرّ، وحذف الفعل المنصوب مع بقاء عامل النَّصبِ، وكل ذلك لم يثبت. اهـ (تذنيب): قال أبو حَيَّان أجاز ابنُ مالك الفصل بين «كي» ومعمولها بمعموله، أو بجملة شرطيَّة، ولا يبطل عملها نحو: جئت كي فيك أرغب»، وجئت كي أن نحن أزورك ، قال : وهذا مذهب لم يتقدم إليه، فإنَّ المسألة مذهبين:

أحدهما: منعُ الفصلِ مُطلقا باقية على العمل أم لا، وهو مذهب البصريين

و هشام ومن وافقه من الكوفيين. والثاني : جوازه، ويبطل عملها بل يتعين الرفع، وهو مذهب الكسائي قال: فما قاله ابن مالك من الجواز مع الإعمال مذهب ثالث لا قائل به. نقله في " الأشباه". (فائدة): قال في "الأشباه" أيضًا: حكم كي» عند الجمهور حكم «أن»، لا يجوز تقدم معمول معمولها، فلا يُقال: جئت النحو كي أتعلم»، ولا: النحو جئت كي أتعلم»؛ لأنّها أيضًا حرف مصدري موصولة كـ«أن»، فكما لا يتقدم معمول صلة الاسم الموصول، كذلك لا يتقدم معمول صلة الحرف

الموصول» . اهـ

۱۲۲

النحو

(مسألة): تكون «كي» استما مختصرا من «كيف» كقوله: كَيْ تَجْنَحُونَ إِلَى سِلْمِ وَمَا تُتَرَتْ قَتْلَاكُمُ وَلَقَى الهَيْجَاءِ تَضْطَرِمُ قال ابن هشام: أراد الشَّاعرُ «كيف» فحذف الفاء، كما قال بعضهم: «سو أفعل»، يريد «سوف».

(فائدة): إذا قيل: جئتُ لتُكرمني بالنَّصبِ، فالنَّصبُ بـ«أن» مضمرة، وجوز أبو سعيدٍ كَوْنُ المضمرة «كي ، والأول أولى لأنَّ «أن» أمكن في عمل النَّصبِ من غيرها، فهي أقوى على التجوز فيها بـ«أن تعمل مضمرة. قاله ابن

هشام.

وما يَنصِبُ بـ «أن» مضمرة وهي لَامُ كَيْ» نحو: وَأُمِرْنَا لِمُسْلِمَ لِرَبِّ العالمين کان [الأنعام: ۷۱] وسُمِّيت لام) كي» لمساواتها لها في التعليل، والصحيح الذي ذهب إليه جمهور البصريين أنَّ النَّاصب بعدها «أن» مضمرة جوازا، وذهب جمهور الكوفيين إلى أنَّ الناصب هو «اللام»، وأجازوا إظهار «أن» بعدها توكيدا.

وقال ثعلب : النَّاصِبُ «اللام» كما قالوا، ولكن لنيابتها عن «أن» المحذوفة. وقال ابنُ كَيْسَان والسيرافي: يجوز أن يكون الناصب «أن» المقدَّرة، وأن يكون «كي»، ولا تتعيَّن أن» لذلك، ودليلهم صحة إظهار «كي» بعدها. قاله

الأزهري. (مُهمَّة): يدخل تحت قولنا : «اللام» لام العاقبة، و«لام» التوكيد وهي

الزائدة، فـ«(لام)) العاقبة كقوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ وَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ

تشييد المباني

۱۲۳

عدُوا وَحَزَنًا ﴾ [القصص: ۸] فإنَّ «اللام» هنا ليست للتعليل؛ لأنهم لم يلتقطوه

:

عدوا

لذلك وإنَّما التقطوه ليكون لهم قرّة عين فكانت عاقبته أن صار لهم . وحزنًا، و «لام» التوكيد كقوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ

أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ [الأحزاب: ٣٣].

(مسألة): «لام» كي يسمونها: «اللام» الجارة.

(تذنيب): إن قُرِنَ الفعل بـ ( لا ) النافية أو الزائدة المؤكدة وجب إظهار «أن» لئلا يتوالى مثلان وهما «لام» ولام «لا» من غير إدغام، وهو ركيك في

الكلام، نحو: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾ [البقرة: ١٥٠]، لِتَلَايَعْلَمَ أَهْلُ

الكتاب ﴾ [الحديد: ٢٩]. وَلَامُ الجُحُودِ وهي المسبوقة بكون ناقص ماضي - معنى ولفظا أو معنى لا لفظا - منفي، نحو: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾ [الأنفال: ۳۳] لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ﴾ [النساء: ١٣٧]. فالفعلان منصوبان بـ (أن) المضمرة وجوبًا عند البصريين لا بـ«اللام»، متعلقة بمحذوف لا زائدة، وذلك المحذوف هو الخبر، لا الفعل

و«اللام» الذي دخلت عليه «اللام». وخالفهم الكوفيون فيهنَّ، وعلة امتناع ذكر «أن» بعد «لام الجحود أنَّ ما كان ليفعل رَدُّ على من قال: كان سيفعل، فـ«السلام» في

مقابلة السين، فكما لا تُذكر أن مع السين كذلك لا تُذكر مع «اللام». (مسألة): زعم بعضهم أنَّه يجوز إظهار أن بشرط حذف «اللام» محتجاً

بقوله: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْءَانُ أَن يُفْتَرَى ﴾ [يونس: ٣٧].

١٢٤

النحو

ورُدَّ بأَنَّ أَن يُفْتَرَى في تأويل مصدرٍ مُخبر به عن القرآن، وهو مصدر مثله، وفي هذا الردّ نظر؛ لأنَّ المراد بالقرآن المقروء لا القراءة، والحق أنَّ هذا ليس مما نحن فيه، وزعم بعضهم أنَّ هذا الحكم لا يختص بـ«كان»، بل يجوز في سائر أخواتها نحو: «ما أَصْبَحَ زِيدٌ لِيَفْعَلَ».

وزعم بعضهم أنه يجوز في ظنَّ قياسًا على «كان»، نحو: «ما ظَنَنتُ زيدا لِيَفْعَلَ». ووسع بعضهم الدائرة فأجاز ذلك في كل فعل تقدمه نفي، نحو: «ما

جَاءَ زيدٌ لِيَفْعَلَ»، قاله الأزهري.

(فائدة): تسميتهم

هذه اللام بـ «لام الجحود من تسمية العام بالخاص؛

لأنَّ أصل الجحود الإنكار مع علم وهو إنكار الحق، والنحويون أطلقوه

وأرادوا مطلق النَّفي.

(مسألة) : لـ «أن» بعد اللام ثلاث حالات :

وجوب الإضمار، وذلك بعد «لام الجحود».

ووجوب الإظهار، وذلك إذا اقترن الفعل بـ «لا».

وجواز الوجهين، وذلك فيما بقي من «لام كي» وغيرها.

«وَحَتَّى» الجارَّة، إن كان الفعل مُستقبلا باعتبار التكلم، نحو: فَقَتِلُوا الَّتِي

تبغي حتى تفية [الحجرات: ٩] أو باعتبار ما قبلها، نحو: ﴿وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ ﴾ [البقرة: ٢١٤].

ولـ «حتى» التي ينتصب الفعل بعدها معنيان فتارةً تكون بمعنى «كي» التعليلية، وذلك إذا كان ما قبلها علة لما بعدها نحو: «أَسْلِم حتى تدخل

تشييد المباني

١٢٥

الجنة». وتارة تكون بمعنى «إلى» الغائيَّة، وذلك إذا كان ما قبلها غاية لما بعدها، نحو: «لأسِيرَنَّ حتى تطلع الشَّمسُ».

إذا عرفت ذلك فالمثال الأوّل مما يصلح للمعنيين معا، فيُحتمل أن يكون المعنى: «كي تفي» أو «إلى أن تفيء»، والمثال الثاني «حتى» فيه بمعنى «إلى» خاصة، أي: «إلى أن يقول الرَّسولُ»، والنَّصبُ في هذه المواضع وشبهها بـ«أن» المضمرة بعد «حتى» حتما لا بـ «حتى» نفسها خلافًا للكوفيين؛ لأنها قد عملت في الأسماء الجرَّ كقوله تعالى: ﴿ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (القدر: 5]، حَتَّى حِينٍ [يوسف: ٣٥] فلو عملت في الأفعال النَّصبَ لزم أن يكون لنا عامل واحد يعمل تارة في الأسماء وتارةً في الأفعال، وهذا لا نظير له في العربية. قاله ابن

هشام

ولرفع الفعل بعدها ثلاثة شروط:

أحدها: كونه مُسببًا عمَّا قبلها؛ ولهذا امتنع الرفع في نحو: «ما سِرتُ حتى أدخل البلد»؛ لأنَّ انتفاء السَّير لا يكون سببًا للدخول، وفي قولك: «سِرتُ

حتى تَطلُعَ الشَّمسُ»؛ لأنَّ السَّير لا يكون سببًا لطلوعها.

الثاني: أن يكون زمنُ الفعل الحال لا الاستقبال، على العكس من شرط

النَّصب، إلَّا أنَّ الحال تارة يكون تحقيقا، وتارة يكون تقديرًا.

فالأول كقولك: «سِرْتُ حتى أدخُلُها» إذا قلت ذلك وأنت في حالة

الدخول.

والثاني كالمثال المذكور إذا كان السَّير والدخول قد مَضَيَا ولكنك أردت

١٢٦

النحو

حكاية الحال، وعلى هذا فالرفع في قوله تعالى: حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ ﴾ (البقرة:

٢١٤]؛ لأنَّ الزلزال والقول قد مَضَيَا.

الثَّالث: أن يكون ما قبلها تاما؛ ولهذا امتنع الرَّفعُ في نحو: «سَيْرِي حتى أدخُلَها» وفي نحو: «كَانَ سَيْرِي حتى أدخُلَها»، إذا حملت «كان» على النقصان

دون التمام، قاله ابن هشام، وإنما وجب رفع الفعل بعد «حتى» عند إرادة الحال حقيقة أو مجازا؛ لأنَّ نصبَه يُؤدّي إلى تقدير «أن» وهي للاستقبال، والحال يُنافي الاستقبال، وإنّما اشترطت السَّببيَّة ليحصلَ الرَّبطُ معنى؛ وذلك لأنَّه لما لم يتعلق ما بعدها بما قبلها لفظا زال الاتصال اللفظي، فشرطت السبية الموجبة للاتصال المعنوي جَبْرًا لما فات من الاتصال اللفظي، وإِنَّما اشترطت الفضلية لئلا يبقى المبتدأ بلا خبر ؛ وذلك إنَّه إذا رُفِعَ الفعل كانت حتى حرف ابتداء، فالجملة الواقعة بعدها مُستأنفةٌ، فإن فُقِدَ شرط من الثلاثةِ وَجَبَ النَّصبُ، قاله

الأزهري.

(خاتمة): قال أبو محمد بن السيد: الأسباب المانعة من الرفع بعد «حتى»

ستة؛ أربعة متفق عليها، واثنان مختلف فيهما:

فالأربعة المتفق عليها :

۱ - نفي الفعل الموجب للدخول نحو: «ما سِرْتُ حتى أَدْخُلَها».

۲ - ودخول الاستفهام عليه نحو: «أسِرْتَ حتى تَدْخُلَها؟». ٣- والتعليل الذي يُراد به النَّفي نحو: «فلما سِرْتُ حتى أَدْخُلَها». - وأن تقع حتى موقعا تكون فيه خبرًا نحو: «كَانَ سَيْرِي حتى أَدْخُلَها».

تشييد المباني

۱۲۷

والاثنان المختلف فيهما:

١ - الامتناع من جواز التقديم والتأخير.

٢ - وأن يلحق الكلام عوارضُ الشَّك. نقله في "الأشباه".

(مسألة): قال أبو حَيَّان: إن قلت ما الفرقُ بين «حتى» وبين «كي» حيث

صح فيها أنها جارَّةٌ ناصبة بنفسها؟

قلت: النصبُ بـ«كي» أكثر من الجر، ولم يمكن تأويل الجر؛ لأنَّ حرفه لا يُضمر، فحكم به، وحتى ثبت جرُّ الأسماء بها كثيرًا، وأمكن حمل ما انتصب بعدها على ذلك بما قدرنا من الإضمار، والاشتراك خلافُ الأصل، ولأنها بمعنى واحد في الفعل والاسم بخلاف كي) فإنَّها سبكت في الفعل وخلصت للاستقبال ونقله في "الأشباه".

وَالجَوَابُ بِالفَاءِ وَالوَاوِ المفيدين للسبية والمعية، بشرط أن يكونا

مسبوقين بنفي أو طلب محضّينِ.

النفي.

فالنفي يشمل ما كان بحرفٍ أو فعل أو اسم، وما كان تقليلًا مُرادا به

فالأول: نحو : لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ﴾ [فاطر: ٣٦].

والثاني: ليسَ زِيدٌ حاضرًا فَيُكَلِّمَكَ.

والثَّالِثُ : أَنتَ غيرُ آتٍ فَتُحَدِّثَنَا.

والرَّابِعُ: نحو : قَلَّمَا تَأْتِينَا فَتُحَدِّثَنَا.

والنفي مع «الوَاوِ » كذلك، نحو: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ

۱۲۸

النحو

الصَّابِرِينَ [آل عمران: ١٤٢ ] وقس الباقي.

واشترطوا في النَّفي كونه محضًا احترازًا من نحو: «ما تَزَالُ تَأْتِينَا فَتُحَدِّثُنَا» و «ما تَأْتِينَا إِلَّا فَتُحَدِّتُنَا» فإنَّ معناهما الإثبات؛ فلذلك وجب الرفع فيهما، أمَّا الأوَّلُ فلأنَّ «زال» للنفي وقد دخل عليها النَّفي، ونفي إثبات.

وأمَّا الثاني فلانتقاض بـ«إلَّا».

(مسألة): نحو: «مَا تَأْتِينَا فَتُحَدَّثَنَا» برفع على العطف، فيكون شريكا في النَّفي أو الاستئناف فيكون مثبتا، أي: فأنت تحدثنا الآن بدلا ويُنصب بإضمار «أن»، وله معنيان: نفي السَّببِ فينتفي المسببُ، ونفي الثاني

فقط.

عن ذلك،

والطَّلب يشمل الأمر والنهي، والدُّعاء، والعَرْضَ، والتحضيض، والتمني، والاستفهام، وزاد الفرَّاءُ الترجي. ومثال: الفاء بعد التمنِّي: يَلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ [النساء: ۷۳]، والواو بعده: لَيْلَنَا نُرَدُّ وَلَا تُكَذِّبَ بِنَايَتِ رَبِّنَا وَتَكُونَ ﴾ [الأنعام: ٢٧]. (مسألة): «ليتني أَجِدُ مالّا فَأُنفق منه»، والرفع على وجهين، والنَّصب على إضمار «أن»، و«ليت لي مالا فأنفق منه، يمتنع الرفع على العطف، ومثال الفاء بعد النهي: وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَ عَلَيْكُمْ عَضَبِي ﴾ [طه: ۸۱]، والواو بعده كقوله: لا تُنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ (تنبيه): شرط النَّهي عدمُ النّقض بـ«إلَّا ، فلو نُقِضَ النَّهيُّ بـ«إِلَّا» لم يجز

النَّصب نحو: «لا تَضْرِبْ إِلَّا عمرًا فَيَغْضَبُ». قاله ابن هشام.

تشييد المباني

۱۲۹

ومثال الفاء بعد الأمر قوله:

يَا نَاقُ سِيرِي عَنَقًا فَسِيحًا إِلَى سُلَيْمَانَ فَنَسْ

والواو بعده، قوله:

تَرِيحا

فَقُلْتُ ادْعِي وَأَدْعُوَ إِنَّ أَنْدَى لِصَوْتٍ أَنْ يُنَادِيَ دَاعِيَانِ وقد اجتمع النَّصبُ في جوابي الطَّلبِ والنَّفي في قوله تعالى: وَلَا تَطْرُد الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم ﴾ [الأنعام: ٥٢] الآية؛ لأنَّ «تَطْرُدَهُمْ» جوابُ النَّفي وهو: مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابهم ، فتَكُونَ ﴾ جوابُ النَّهي وهو : «لَا تَطْرُدِ» ومثال الفاء بعد الدُّعاء قوله:

رَبِّ وَفُقْنِي فَلَا أَعْدِلَ عَنْ سَنَنِ السَّاعِينَ فِي خَيْرِ سَنَنْ

وبعد العرض، قوله: «يَا ابْنَ الْكِرَامِ أَلَا تَدْنُو فَتُبْصِرَ مَا».

وبعد التحضيض، قولك: «هَلَّا اتَّقَيْتَ اللهُ فَيَغْفِرَ لَكَ» وهو والعَرْضُ متقاربان يجمعهما التنبيه على الفعل، إلَّا أنَّ في التحضيض زيادة توكيد وحثّ،

وفي العَرْضِ رِفْقًا ولينًا. وبعد الاستفهام قوله:

هَلْ تَعْرِفُونَ لُبَانَاتِ فَأَرْجُوَ أَنْ تُقْضَى فَيَرْتَدَّ بَعْضُ الرُّوحِ لِلجَسَدِ وشرط الاستفهام أن لا يتضمن وقوع الفعل، نحو: الم ضَرَبْتَه

فَيُجَازِيكَ»، فإِنَّ الضَربَ إِذا وقع يتعذَّرُ سَبْكُ مَصدرٍ مُستقبل منه. ومثال التّرجي: لَعَلَى أَبْلُغُ الْأَسْبَبَ أَسْبَبَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ

[غافر: ٣٦ - ٣٧].

۱۳۰

النحو

(مسألة): لم يُسمع نصب الفعل بعد الواو بعد واحد من أربعة: وهي

النفي، والنَّهي، والأمر، والتمني. قاله ابن هشام.

وقال أبو حَيَّان: ولا أحفظه بعد الدُّعاء والعَرْضِ والتّحضيض والتَّرجي،

فينبغي أن لا يُقدَمَ على ذلك إلَّا بسماع. نقله الأزهري.

(فائدة) : اشترطوا في الطَّلب أن يكون بالفعل احترازا من نحو قولك: «نزال فَيُكَلِّمُكَ» و «صَهُ فَتُحَدِّثُكَ» خلافًا للكسائي في إجازة ذلك مطلقا، ولابن

جنِّي وابن عصفور في إجازته بعد «نَزَال ، ودَرَاكِ» ونحوهما مما فيه لفظ الفعل

دون «صة، ومَةٌ ونحوهما مما فيه معنى الفعل دون حروفه. قاله ابن هشام. واشترطوا في الفاء: السبيّة، والواو المعيَّة، احترازا من العاطفتين على

صريح الفعل، ومن الاستئنافيتين نحو: ﴿ وَلَا يُؤْذَنَ هُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [المرسلات: ٣٦] فإنها للعطف. وتقول: «لا تَأْكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَب اللَّبَنَ» بالرفع، إذا نهيته عن الأول فقط وأبحْتَ له الثَّاني، فإن قدَّرت النهي عن الجمع نصبت على إرادة المعيَّة، أو قدرت النهي على كل منهما على حدته: جزمت على العطف. والفرق بين النَّصبِ والجزمِ في حالتي العطفِ : أَنَّه في النصب من عطف مصدرٍ مؤول من «أن» والفعل على مصدرٍ مُتصيَّد من الفعل السابق، لئلا يلزم عطف

المصدر على الفعل، وفي الجزم من عطف الفعل على الفعل. قاله ابن هشام. (مسألة): إذا سقطت الفاء من المضارع الواقع بعد الطلبِ وقصد به معنى الجزاء جزم الفعل، واختلف في تحقيق جازمِه فالجمهور يجعلونه جوابًا لشرط مقدر، فيكون مجزوما عندهم بأداة شرط مقدَّرة هي وفعل الشَّرطِ لا جوابًا

تشييد المباني

۱۳۱

للطلب المتقدم، فيكون مجزوما بنفس الطلب. وهو قول الخليل وسيبويه

والسيرافي والفارسي.

ثم اختلفوا في عليه، فقال الخليل وسيبويه: إِنَّمَا جَزَمَ الطَّلَبُ لتضمنه معنى حرف الشرط، وقال الفارسي والسيرافي: لنيابته مناب الجازم الذي هو حرف الشرط المقدر، كما أنَّ النَّصبَ بـ «ضَرْبًا» في قولك: «ضَرْبًا زيدًا» لنيابته عن اضرب، لا لتضمنه معناه، خلافًا لزاعمي ذلك.

ومذهب الجمهور راجح؛ لأنَّ الحذف والتضمين وإن اشتركا في أنهما خلاف الأصل لكن في التضمين تغيَّر معنى الأصل، ولا كذلك الحذف، وأنَّ نائب الشَّيء يؤدي معناه، والطلب لا يؤدي معنى الشرط، ولأنَّ الأرجح في ضَرْبًا زيدًا» أن «زيدا» منصوب بالفعل المحذوف لا بالمصدر؛ لعدم حلوله محل فعل مقرون بحرف مصدريّ، وذلك نحو: تَعَالَوْا أَتْلُ ﴾ [الأنعام: ١٥١] ف اند مجزوم بشرط مقدَّرٍ ، والتَّقديرُ : تَعَالَوْا إِنْ تَأْتُونِي أَتْلُ عَلَيْكُم»، فالتلاوة عليهم مُسببة . عن مجيئهم بخلاف خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهَرُهُمْ ﴾ [التوبة: ١٠٣] فوتُطَهَرُهُمْ ﴾ مرفوع باتفاق السبعة، وإن كان مسبوقا بالطلب وهو خُذ لكونه ليس مقصودا به معنى : إِن تأخذ منهم صَدَقَةٌ تُطَهَّرَهُم؛ وإنما أُريد: «خُذ . صَدَقَةٌ مُطَهَّرَةٌ»، فتُطَهَرُهُمْ ﴾ صفةٌ لو صَدَقَةً ،

منهم

ولو قرئ بالجزم على معنى الجزاء لم يمتنع في القياس انتهى ملخصا من

"التوضيح وشرحه".

(فائدة): النَّفي لا يجزم الفعل في جوابه، فلا يُقال: «ما تأتينا تُحدَّثنا»، بجزم

۱۳۲

النحو

ا

تحدثنا»، خلافًا للزجاج والكوفيين، ولا سماع معهم ولا قياس؛ لأن الجزم يتوقف على السبيَّة، ولا يكون انتفاء الإتيان مُسببا للتحديث قاله الأزهري. «وَأَوْ» العاطفة إذا صلح في موضعها حتى المرادفة «إلى» نحو: لأَلْزَمَنَّكَ أو تَقْضِينِي حَقًّي. وقوله: لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ المَنَى فَمَا انْقَادَتِ الْآمَـالُ إِلَّا لِصَابِرِ أو صلح في موضعها «إِلَّا» الاستثنائية، نحو: «لأَقْتُلَنَّهُ أو يُسْلِمَ»، وقوله: وَكُنْتُ إِذَا غَمَرْتُ قَنَاةَ قَوْمٍ كَسَرْتُ كُعُوبَهَا أَوْ تَسْتَقِيمَا وقال ابنُ عَقِيل: يجب إضمار ((أن)) بعد «أو» المقدرة بـ«حتى» أو «إِلَّا»، فتقدر بـ «حتى» إذا كان الفعل الذي قبلها ينقضي شيئًا فشيئًا، وتُقَدَّر بـ«إلَّا» إن

لم يكن كذلك.

فالفعل في الأمثلة المتقدّمة ونحوها مؤوّل بمصدر معطوف على مصدرٍ مُتَصَيَّد من الفعل المتقدم، أي: ليكوننَّ لزوم منّي أو قضاء منه لحقي، وليكونن استسهال مني للصَّعبِ أو إدراك للمُنَى، وليكوننَّ قتل مني للكافر أو إسلام

منه، وليكونن كسر مني لكعوبها أو استقامة منها. قاله الأزهري.

(مُهمَّة ) : تُضمرُ ((أن) وجوبًا بعد «لام الجحود» وبعد «حتى» وبعد «الفاء» و«الواو»، وتُضمر جوازًا بعد الام كي»، وبعد الفاء، والواو، وأو، وثم» إذا

كان العطفُ بهنَّ على اسم صريح ليس في تأويل الفعل، وهو نوعان: مصدر

وغيره، فغير المصدر قوله:

وَلَوْلَا رِجَالٌ مِنْ دِرَامٍ أَعِزَّةٌ وَال مُبيعِ أَوْ أَسوعَكَ عَلْقَها أَسوءَكَ» معطوف على «رجال»، وهو ليس في تأويل الفعل.

تشييد المباني

۱۳۳

والمصدر نحو قوله تعالى: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا ﴾ [الشورى: ٥١] في قراءة غير

نافع، فالنَّصب عطفا على وحيا ، والتقدير: «إلَّا وحيا أو إرسالا»،

وحيًا مصدر ليس في تأويل الفعل. ونحو قوله:

وَلُبْسُ عَبَـاءَةٍ وَتَقَرَّعَيْنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشَّفُوفِ ف «تقر» منصوب بـ (أن) مُضمرة جوازا، وهي والفعل في تأويل مصدر مرفوع بالعطف على «لبس»، وقوله: لَوْلَا تَوَقَّعُ مُعْتَرٌ فَأَرْضِيَهُ مَا كُنْتُ أُوثِرُ إِتْرَابًا عَلَى تَـرَبِ فـ أُرْضِيَه» منصوب بـ «أن» مضمرة جوازا بعد «الفاء»، و تأويل مصدر معطوف على «تَوَقُع»، و«توقع» ليس في تأويل الفعل، وقوله: إِنِّي وَقَتِلِي سُلَيْكا ثُمَّ أَعْقِلَهُ كَالنَّوْرِ يُضْرَبُ لمَّا عَافَتِ البَقَرُ فـ «أَعْقِلَهُ» منصوب بـ (أن) مُضمرة جوازًا بعد «ثم»، وأن والفعل في

وهي الفعل في

تأويل مصدرٍ معطوف على «قتلي» وليس في تأويل الفعل. (فائدة) : تَحَصَّلَ من هذا أنَّ لـ «الفاء، والواو، وأو» حالتين: حالة يجب فيها إضمار «أن» بعدهنَّ، وحالة يجوز.

فيجب إذا كانت «الفاء» للسببية و«الواو» للمعيَّة بعد نفي أو محضين، و«أو» بمعنى «إلى» أو «إِلَّا».

ويجوز إذا عطفت على اسم خالص من التأويل بالفعل، وثمَّ تُشارِتُهنَّ في

الجواز دون الوجوب. انتهى من "التوضيح" وشرحه.

(مسألة): لا ينتصب الفعل بـ «أن مُضمرة في غير هذه المواضع العشرة إلا

١٣٤

النحو

شذوذا، وهي في ذلك على قسمين: تارةً يكون في الكلام مثلُها فيَحْسُنُ حذفها،

وتارة لا يكون.

فالأول: كقول بعضهم: «تَسْمَعَ بِالمُعَيدِي خَيْرٌ مِنَ أَنْ تَرَاهُ»، بنصب تسمع» بإضمار «أن»، والذي حسَّنَ حذفها من «تسمع» ذِكْرُها في «أن تراه».

وقوله:

أَلَا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغَى وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي بنصب «أَحْضُرَ» بـ «أن» مضمرة ويُؤَيِّدُه «وأن أَشْهَدَ». قاله ابن هشام. والثاني: قول آخر: «خُذِ اللَّصَّ قَبْلَ يَأخُذَكَ»، بالنَّصبِ، وقراءة بعضهم:

بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَعَهُ ﴾ [الأنبياء: ۱۸] بنصب يَدْمَعَهُ وقراءة تَأْمُرُونِ أَعْبُدَ بالنَّصبِ فَحُذِفَتْ «أن» فيهنَّ، وليس معها ما يُحسنُ حذفها، والجميع شاذ، قاله الأزهري.

(تنبيه): القولُ بالشذوذ هو مذهب الجمهور، وذهب الكوفيون ومن وافقهم من البصريين إلى أنه يُقاس عليه، وأجاز الأخفش حذف «أن» قياسًا، ولكن بشرط رفعِ الفعل مثل: تَأْمُرُونَي أَعْبُدَ، وَتَسْمَعُ بِالْمُعَيِّدِي فِي رواية الرفع، وذهب بعض المتأخرين إلى أنه لا يجوز حَذْفُها إِلَّا في الأماكن العشرة، رفعت أو نصبت. قال المؤلّف: (وَالْجَوَازِمُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَهِيَ : لَمْ، وَلَّا، وَلَمْ، والا، وَلَامُ الْأَمْرِ وَالدُّعَاءِ، وَلَا فِي النَّهْيِ وَالدُّعَاءِ، وَإِنْ، وَمَا، وَمَنْ، وَمَهْمَا، وَإِذْمَا، وَأَيُّ، وَمَتَى، وَأَيَّانَ، وَأَيْنَ، وَأَنَّي، وَحَيْتُها، وَكَيْفَهَا، وَإِذَا فِي الشِّعْرِ خَاصَّةٌ).

تشييد المباني

۱۳۵

وَالجَوَازِمُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ» وهي على قسمين: ما يجزم فعلًا واحدًا، وما يجزم

فعلين: فالذي يجزم فعلا واحدًا لَم» وهي حرفٌ لنفي المضارع وقَلْبِه ماضيا نحو : لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص: ٣]، و«لما» وهي حرفٌ لنفي المضارع وقَلْبِه ماضيا نحو: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [الحجرات: ١٤]. (تنبيه): «ما» تُشارك «لَ» في أمور: في الحرفية، والاختصاص بالمضارع، والنفي، والجزم، والقلب للماضي، وتفارقها في أربعة أمور: أحدها: أنَّ المنفي بها مستمر الانتفاء إلى زمن الحال، بخلاف المنفي بـ«لم» فإنه قد يكون مستمرًا مثل: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد ﴾ [الإخلاص: ٣] وقد يكون منقطعًا مثل: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾ [الإنسان: ١] ؛ لأنَّ المعنى أنه كان بعد ذلك شيئًا مذكورًا ومن ثُمَّ امتنع أن تقول: «لما يقم ثم قام»، لما فيه من التناقض، وجاز «لم يقم ثم قام».

والثاني: أنَّ «ما» تؤذن كثيرًا بتوقع ثبوت ما بعدها نحو: بل لمايَذُوقُوا عَذَابِ [ ص: ۸] أي: إلى الآن ما ذاقوه وسوف يذوقونه، و«لم» لا تقتضي

ذلك.

والثالث: أنَّ الفعلَ يُحذفُ بعدها، يُقال: «هل دَخَلْتَ البلد؟»، فتقول:

قاربتها ولما»، تريد: ولما أدخلها وكقوله:

فَجِئْتُ قُبُورَهُمْ بَدْءًا وَلا فَنَادَيْتُ القُبُورَ فَلَمْ يُحِينَه أي: وما أكُنْ بَدءًا قبل ذلك أي: سيّدا. ولا يجوز وصلت إلى بغداد ولر، تريدُ ولَمَّ أَدْخُلُها، فأما قوله :

١٣٦

النحو

احفِظُ وَدِيعَتَكَ التي اسْتَودِعُتَهَا يَوْمَ الْأَعَازِبِ إِنْ وَصَلْتَ وَإِن لِمِ

فضرورة.

والرابع: أنها لا تقترن بحرفِ الشَّرطِ بخلاف المر»، تقول: «إن لم تقم قمت»، ولا يجوز إن لما تقم قمت»، وزاد في "المغني" قسما خامسًا مما تفارق «ما» فيه المر»): وهو أنَّ منفي «ما» لا يكون إلا قريبا من الحال، ولا يشترط ذلك في منفي المر»، تقول: «لَميَكُنْ زِيدٌ في العام الماضي مقيما»، ولا يجوز «لما يكن». وقال ابن مالك: لا يُشترط كون منفي «ما» قريبا من الحال مثل: «عصى إبليس ربَّه ولما يندم»، بل ذلك غالب لا لازم. اهـ

وعلة هذه الأحكام كلّها : أنَّ «لم لنفي (فَعَلَ) و «ما» لنفي (قَدْ فَعَلَ). (تنبيه): ما ذكرناه في أنّهما يقلبان المضارع إلى الماضي هو مذهب المبرد، وهو الجاري على السِنَةِ المعربين، وذهب أبو موسى إلى أنهما يقلبان لفظ الماضي إلى

المضارع، ونُسِبَ إلى سيبويه والصحيحُ الأَوَّلُ.

(مسألة): سُمِعَ رفع المضارع بعد «ل» كقوله :

لوْلَا فَوَارِسُ مِنْ نُعْمِ وَأَسْرَتِهِمْ يَوْمَ الصُّلَيفَاءِ لَرَيُوفُونَ بِالجَارِ فقال ابن مالك: لغةٌ، وقيل: ضرورة، وسُمِعَ نصب المضارع بها كقراءة بعضهم : أَلَمْ نَشْرَحَ فقال اللَّحْيَانِيُّ: إنّها لغةٌ لبعض العرب، وقال غيره: الأصل «نَشْرَحَنْ»، فحُذفت نون التوكيد الخفيفة وبقيت الفتحة دليلا عليها، قال ابن هشام وفي هذا شذوذان: توكيد المنفي بـ«لم»، وحذف «النُّونِ» لغير وقف ولا ساكنين. اهـ

تشييد المباني

۱۳۷

(مسألة): قد يُفصل بين «لَر» ومجزومها بالطَّرْفِ في الضرورة، كقوله: فَذَاكَ وَلَمْ إِذَا نَحْنُ امْتَرَيْنَا تَكُنْ فِي النَّاسِ يُدْرِكُكَ المِرَاءُ

وقد يليها الاسم معمولا لفعل محذوف يُفَسِّرُهُ ما بعده كقوله: ظننتُ فَقِيرًا ذَا غِنَى ثُمَّ نِلْتُهُ فَلَمْ ذَا رَجَاءِ أَلْقَهُ غَيْرَ وَاهِبٍ

قاله ابن هشام. (تنبيه) : تأتي «لما» لمعنيين آخرين:

أحدهما: أن تختص بالماضي، فتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما، نحو: «لما جاءني أكرمته»، ويقال فيها: حرف وجود لوجود، وبعضهم يقول : حرف وجوب لوجوب.

قال ابن هشام زعم ابنُ السَّرَّاج وتبعه الفارسي وتبعهما ابن جنِّي وتبعهم جماعة: إنّها ظرف بمعنى حين»، وقال ابن مالك : بمعنى «إذ»، وهو حسن؛

لأنها مختصة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة.

ورد ابن خروفٍ على مدَّعي الاسمية بجواز أن يقال: «لما أكرمتني أمس أكرمتك اليوم»؛ لأنها إذا قُدرت ظرفًا كان عاملها الجواب، والواقع في اليوم لا

يكون في الأمس والجواب أنَّ هذا مثل: إن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ﴾ [المائدة: ١١٦] والشرط لا يكون إلَّا مُستقبلاً ولكن المعنى إن ثبت أني كنت قُلْتُهُ، وكذا هذا المعنى «ما ثبت اليومَ إكرامك لي أمس أكرمتك»، ويكون جوابها فعلا ماضيا اتفاقا، وجملة اسميَّة مقرونة بـ«إذا») الفجائية، أو بـ«الفاء» عند ابن مالك، وفعلا مضارعا عند ابن عصفور:

۱۳۸

النحو

دليل الأول: فما عَنكُمْ إِلَى الْبَرَ أَعْرَضْتُمْ ﴾ [الإسراء: ٦٧]. والثَّانِي: فَلَمَّا نَجَهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [العنكبوت: ٦٥].

والثالث: فَلَمَّا نَجَهُمْ إِلَى الْبَرِ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ﴾ [القران: ٣٢].

والرابع: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَدِلْنَا ﴾ [هود: ٧٤] وهو مؤول يجادلنا»، وقيل في آية الفاء: إنَّ الجواب محذوف أي: انقسموا مقتصد، قسمين فمنهم . وفي آية المضارع: إنَّ الجواب: «جاءته البشرى» على

زيادة الواو، أو محذوف أي: أقبل يجادلنا.

(فائدة): من مشكل «ما» هذه قول الشاعر:

أَقُولُ لِعَبْدِ الله لا سِقَاؤُنَا وَنَحْنُ بِوَادِي عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ فيُقَالُ: أين فعلاها، قال ابن هشام والجواب أنَّ «سِقَاؤُنا» فاعل بفعل محذوف يُفسره وهي بمعنى سَقَط . والجواب محذوف تقديره: قلت، بدليل قوله: أقول، وقوله: «شِمِ» أمرُ ، من قولك: شِمْتُ البرق، إذا نظرت إليه، والمعنى: لما سَقَط سقاؤنا قلت لعبد الله شِمُهُ.

فهي

وقال الدماميني : هذا إن كانت شرطيَّة، وأما إن قلنا: إنَّها بمعنى «حين» ظرف لا قول ولا حذف.اهـ

المعنى الثاني: أن تكون حرف استثناء، فتدخل على الجملة الاسمية نحو:

لفظ

إن كُل نَفْسٍ لَا عَلَيْهَا حَافِظ ﴾ [الطارق: ٤] فيمن قرأ بتشديد الميم، وعلى الماضي ! لا معنى نحو: «أنشدك الله لما فعلت» أي: ما أسألك إِلَّا فعلك، قال الشاعر: قَالَتْ لَهُ بِالله يَا ذَا البُرْدَين لا غَيْتَ نَفَسًا أَوِ اثْنَيْنِ

تشييد المباني

وميم

۱۳۹

قال ابن هشام: وفيه رد لقول الجوهري: أنَّ «ما» بمعنى: إلَّا غير معروف في اللغة، ثمَّ قال: وتأتي «ما» مركبة من كلمات ومن كلمتين، فأما المركبات من كلمات فنحو: وَإِنَّ كُلَّا لَمَّا لَيُوَفِّينَهُمْ رَبُّكَ ﴾ [هود: ۱۱۱] بتشديد نون «إِنَّ» «ما»، فيمن قال الأصل لمن ما فأبدلت النُّون ميا وأُدغمت، فلما كثرت الميمات حذفت الأولى، وهذا القول ضعيفٌ؛ لأنَّ حذف مثل هذه الميم استثقالا لم يثبت، وأضعفُ منه قول آخر: إنَّ الأصل «لا» بالتنوين، بمعنى جمعًا، ثمَّ حذف التنوين إجراء للوصل مجرى الوقف؛ لأنَّ استعمال «لما» في هذا المعنى بعيد، وحذف التنوين من المنصرف في الوصل أبعد. وأضعف من هذا قول آخر: إنَّه فَعْلَى من «اللهم» وهو بمعناه ولكنَّه منع الصرف لألف التأنيث، ولم يثبت استعمال هذه اللفظة، وإذا كان فعلى فهلا كتب بالياء، وهلا أماله من قاعدته الإمالة، وأما قراءة أبي بكر بتخفيف «إن»

و تشديد «ما» فتحتمل وجهين:

أحدهما: أن تكون مخففة من الثقيلة.

والثاني: أن تكون (إن) نافيةً، و «كُلَّا) مفعول بإضمار أري، و«لا» بمعنى إلَّا. وأما قراءةُ النَّحويين بتشديد النُّون وتخفيف الميم، وقراءة الحرميين بتخفيفهما، فـ«إن في الأولى على أصلها من التشديد ووجوب الإعمال، وفي الثقيلة وأعملت على أحد الوجهين، واللام من (

.

الثانية مخففة من

«لام» الابتداء.

وأما المركبة من كلمتين فكقوله:

«ما»

فيهما

ما رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ مُقَاتِلًا أَدَعَ القِتَالَ وَأَشْهَدَ المَنْجَـاءَ

١٤٠

النحو

وهو لغز، يقال فيه: أين جواب «لا»؟ وبم انتصب «أَدَعَ»؟ وجواب الأول: أنَّ الأصل «لَنْ مَا»، ثم أدغمت النُّون في الميم للتقارب، ووُصِلا خَطَّا للإلغاز، وإنما حقهما أن يُكتبا منفصلين.

وجواب الثَّاني: أنَّ انتصابه بـ «لن»، و«ما» الظرفية وصلتها ظرف له فاصل بينه وبين «لن» للضرورة ، فيُسأل حينئذ: كيف يجتمع قوله : لن أدع القتال، مع قوله: لن أشْهَدَ الهيجاء؟ فيجاب: بأنَّ أشهد ليس معطوفا على أدع، بل نصبه بـ«أن» مضمرة، و «أن» والفعل عطف على القتال أي: لن أدع القتال وشهود الهيجاء. اهـ ملخصا.

(فائدة): نظير هذا البيت المتقدم في الإلغاز قول الشاعر: عَافَتِ الماءَ فِي الشَّتَاءِ فَقُلْنَا بَرِّدِيهِ تُصَادِفِيهِ سَخِينَا

فيقال : كيف يكون التبريد سببًا لمصادفته سخينا؟

والجواب: أنَّ الأصل بل ردِيهِ»، وهو أمرٌ من الورود، ثمَّ كُتب على لفظه

للإلغاز.

وقوله: (وَأَلَمْ وَأَمَّا) هما نفس الروما» دخلت عليهما همزة الاستفهام. (وَلَامُ

الأَمْرِ) نحو: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ﴾ [الطلاق: 7].

(وَالدُّعاءِ) نحو: لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾ [الزخرف: ۷۷]، والالتماس نحو: ليقم، فالأمر من الأعلى، والدُّعاء من الأدنى، والالتماس من المساوي، وهذا التقسيم من باب الأدب، وإلا فالكلُّ أمرٌ في الحقيقة. وجزمها فعلي المتكلم المبدوء بالهمزة والمبدوء بالنُّون مبنيين للفاعل قليل، نحو قوله صلى الله عليه

تشييد المباني

١٤

وآله وسلَّم: «قُومُوا فَلأُحِلَّ لَكُم وقوله تعالى: وَلَنَحْمِلْ خَطَيكُمْ

العنكبوت: ۱۲]، وأقل منها جزمها فعل الفاعل المخاطب نحو قوله تعالى: فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا ﴾ [يونس: ٥٨] بقراءةِ التَّاءِ، وزعم الزجاجي أنَّها لغةٌ جيدة، والجمهور جعلوا جزمها لفعل المخاطب أقل من جزمها لفعل المتكلم، وقالوا: الأكثر الاستغناء عن هذا بفعل الأمر، نحو: افرحوا، وخذوا، وقم». وأصل ، لام الأمر السكون ؛ لأنَّ الأصل عدم الحركة، ولكن منع منه أنها قد تكون في الابتداء، والابتداء بالساكن متعدرٌ فكسرت، وقد تُفتح . رت، وقد تفتح عند سليم، فإذا دخل عليها الواو والفاء أو ثم رجعت إلى سكونها الأصلي غالبا، انتهى من "التوضيح وشرحه". (فائدة): قال السُّيوطي في "الأشباه " : «يجوز تسكين «لام الأمر» بعد «واو وفاء» نحو: ﴿وَلْيُوفُوانُذُورَهُمْ ﴾ [الحج: ٢٩] فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا لى ﴾ [البقرة: ١٨٦]، ولا يجوز ذلك في «لام كي» ؛ وفرق أبو جعفر النحاس بأنَّ لام كي» حذف بعدها «أن»، فلو حُذفت كسرتها أيضًا لاجتمع حذفان بخلاف الام» الأمر، وفرّق ابنُ مالك بأنَّ «لام الأمر أصلها السكون فردَّت إلى الأصل ليؤمن دوام تقوية الأصل، بخلاف «لام كي» فإنَّ أصلها الكسر؛ لأنها «لام الجر»، انتهى منه.

وقوله «وَلَا فِي النَّهْيِ» نحو: لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾ [لقمان: ١٣].

«وَالدُّعَاءِ» نحو: لَا تُؤَاخِذْنَا } [البقرة: ٢٨٦].

والالتماس» نحو: لا تفعل، وجزمها فعلي المتكلم نادر ، كقوله:

١٤٢

النحو

لَا أَعْرِفَنْ رَبْرَبًا حُورًا مَدَامِعُهَا مُرَدَّفَاتٍ عَلَى أَعْقَابِ أَكْوَارِ

وقوله:

إِذَا مَا خَرَجْنَا مِنْ دِمَشْقَ فَلَا نَعُدْ لَهَا أَبَدًا مَا دَامَ فِيهَا الجُرَاضِمُ (فائدة): الرَّبْرَبُ، براءين مُهملتين وباءين موحدتين: القطيع من البقر الوحشية، والحور، بضم الحاء المهملة : جمع حَوْرَاء من الحَوَرِ، بفتحتين، وهو شدة بياض العين في شدَّة سوادها، والأعقاب جمع عقب؛ كل شيء آخره، والأكوار جمع كُور، بضم الكاف: الرَّحْلُ بأداته، ودِمَشْقُ كحِضَجر: مدينةٌ معروفة، والجُرَاضِمُ، بضم الجيم وبالضاد المعجمة: الأكول الواسع البطن، وعنى الفرزدق بهذا معاوية. (مسألة): تجزم (لا) فعلي المتكلم مبنيين للمفعول بكثرة، نحو: لا أُخرَج ولا نُخرج؛ وذلك لأنَّ المنهي غير المتكلم وهو الفاعل المحذوف النائب عنه

هي

ضمير المتكلم، والأصل: «لا يُخرِ جُني أحد ولا يُخرجنا أحدٌ». (تنبيه): قال بعضهم : أصل (لا) (النَّاهية)) ((لام الأمر» زيدت عليها الألف فانفتحت، وقال الكسائي: «لا النافية»، والجزم بعدها بـ«لام الأمر» مضمرة قبلها، وحذفت كراهة اجتماع لامين، والصواب خلافُ هذا كله. (مُهمَّة ) : قال أبو حَيَّان في "شرح التسهيل": لا تدخل على التي للنهي أداة الشرط. فـ «لا» في قولهم: «إن لا تفعل أفعل» للنفي المحض، ولا يجوز أن تكون للنهي؛ لأنَّه ليس خبرًا والشَّرط خبر فلا يجتمعان، وقال بعضهم: هي «لا» التي للنهي، وإذا دخل عليها أداةُ الشَّرطِ لم تجزم وبطل عملها، وكان التأثيرُ لأداة الشَّرطِ، وذلك بخلاف المر» فإنَّ التأثير لها لا لأداةِ الشَّرطِ في نحو:

تشييد المباني

١٤٣

فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا ﴾ [البقرة: ٢٤].

والفرق: أنَّ أداةَ الشَّرط لم تلزم العمل في كل ما تدخل عليه، إذ تدخل على الماضي، فلم يكن لها إذ ذاك اختصاص بالمضارع فضَعُفَت؛ فحيث دخل عامل

مختص كان الجزم له اهـ. نقله السيوطي في "الأشباه".

(مسألة): اختلف في «لا» من قوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَةٌ ﴾ [الأنفال: ٢٥] على قولين:

أحدهما: أنها ،ناهية، والأصل لا تتعرّضوا للفتنة فتصيبكم، ثمَّ عُدِلَ عن

التَّعرُّضِ،

النَّهي عن التَّعَرُّضِ إِلى النَّهي عن الإصابة؛ لأنَّ الإصابةَ مُسيَّبَةٌ عن ا ن وتوكيد الفعل بالنُّونِ واضح لاقترانه بحرف الطَّلبِ مثل: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الله غفلا ) [إبراهيم: ٤٢ ولكن وقوع الطَّلبِ صفة للنكرة ممتنع؛ فوجب

إضمار القول، أي: واتقوا فتنةً مقولا فيها ذلك.

والثاني: أنها نافية، واختلف القائلون بذلك على قولين:

أحدهما: أنَّ الجملة صفة لـ «فتنة»، ولا حاجة إلى إضمار القول؛ لأنَّ الجملة خبريَّة، وعلى هذا فيكون دخول النُّونِ شاذًا، والذي جوزه تشبيه «لا» النافية بـ «لا» الناهية وعلى هذا الوجه تكون الإصابة عامةً للظالم وغيره لا خاصة

بالظالمين. والثاني: أنَّ الفعل جواب الأمر، وعلى هذا فيكون التوكيد أيضًا خارجًا عن القياس شاذًا، وممن ذكر هذا الوجه الزمخشري وممن ذكر هذا الوجه الزمخشري وهو فاسد؛ لأنَّ المعنى

حينئذ فإنَّكم إن تتقوها لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة.

١٤٤

النحو

وقوله: «إنَّ التَّقدير إن أصابتكم لا تصيب الظالم خاصة» مردود؛ لأنَّ الشَّرطَ إِنَّما يُقدَّر من جنس الأمر لا من جنس الجواب اهـ. قاله ابن هشام. (فائدة): «لا» النَّاهية تختص بالدخول على المضارع وتقتضي استقباله، سواء

كان المطلوب منه مخاطبا نحو: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ﴾ [الممتحنة: ١] أو غائبا نحو: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَفِرِينَ أَوْلِيَاء ﴾ [آل عمران: ۲۸] أو متكلما نحو: «لا أرينك ها هنا».

والذي يجزم فعلين أربعة أنواع:

حرف باتفاق وهو «إنْ» بكسر الهمزة وسكون النون، وهي أم الباب وأصل أدوات الشرط، قال ابن يعيش: «لأنّها تدخل في مواضع الجزاء كلها، وسائر حروف الجزاء لها مواضع مخصوصة، فـ«من» شرط فيمن يعقل، ومتى» شرط في الزمان، وليست «إنْ») كذلك، بل تأتي شرطا في الأشياء كلها». اهـ

وقال ابن القواس في شرح الدرة: «إنَّما كانت إن أصل أدوات الشرط؛ لأنها حرف وأصل المعاني للحروف، ولأنَّ الشَّرط بها يعم ما كان عينًا أو زمانًا أو مكانًا، ومن ثم اختصت بأمور منها: جواز حذف الفعلين بعدها، قال أبو بكر ابن الأنباري : إنَّها صارت «إنْ» أمُّ الجزاء؛ لأنها بغلبتها عليه تنفرد وتؤدي عن الفعلين، يقول الرجل: «لا أقصد فلانا ؛ لأنه لا يعرف حق من يقصده» فيقال له: زره وإن يُزار وإن كان كذلك فزره فيكفي «إنْ» من الشَّيئين ولا يعرف ذلك في غيرها من حروف الشرط». اهـ قال أبو حَيَّان: وظاهر كلامه وكلام غيره أنَّه ليس مخصوصا بالضرورة،

تشييد المباني

١٤٥

لكن صرح الرضي: بأنه خاص بالشعر ، ومنها قال أبو حَيَّان: لا أحفظ أنه جاء فعل الشرط محذوفٌ ولا الجواب محذوفًا أيضًا بعد غير «إنْ». ومنها جوز بعضهم حذف «إنّ»، لكن الجمهور على منعه، ولا يجوز حذف غيرها من أدوات الشرط إجماعًا، كما لا يجوز حذف سائر الجوازم ولا حذف حرف الجر. ومنها يجوز إيلاؤها الاسم على إضمار فعل يفسره ما بعده نحو: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ [التوبة: ٦ أولا يجوز ذلك في غيرها من الأدوات إلَّا في الضرورة، كما جزم به في "التسهيل".

قال ابن يعيش وأبو حَيَّان وحُصَّت «إنْ» بالجواز لكونها في الشرط أصلا . اهـ نقله السيوطي في "الأشباه".

(تنبيه): كل من الأدوات يقتضي فعلين، يسمَّى أولهما: شرطا لتعليق الحكم عليه، وثانيهما: جوابًا؛ لأنَّه مرتب على الشَّرط، كما ترتب الجواب على السؤال، وجزاء لـ «أن» مضمونه جزاء لمضمون الشرط.

(مسألة): لا يشترط في الشرط والجزاء أن يكونا من نوع واحد، بل تارةً

يكونان مضارعين نحو: وَإِن تَعُودُ وا نعد ﴾ [الأنفال: ١٩] وتارة ماضيين نحو: وَإِن عُدتُمْ عُدْنَا [الإسراء: (۸) وتارة مختلفين ماضيا فمضارعا نحو: من

كان يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ﴾ [الشورى: ٢٠] وتارة عكسه مضارعا خصه الجمهور بالشعر، ومذهب الفراء ومن تبعه

حتى

فياضيا وهو قليل جوازه في الاختبار نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ». رواه البخاري.

١٤٦

النحو

ومنه: إِن نَّشَأْنُنَزِلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ عَايَةً فَظَلَّتْ [الشعراء: ٤] لأنَّ تابع الجواب جواب، ورد ابن مالك بهذين ونحوهما على الأكثرين إذ خصوا هذا النوع بالضرورة. وأجاب الجمهور بأنَّ الحديث تجوز روايته بالمعنى فليس نصا في الدليل، وعن الآية بأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع.

(فائدة): رفع الجواب المسبوق بماض أو مضارع منفي بـ«لم» قوي، كقوله: وإن أتـــاه خـليـــل يــــوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم

ونحو: إن لم تقم أقوم، ورفع الجواب في غير ذلك ضعيف كقوله: فقلتُ تحمل فوق طوقك إنَّها مطبعة من يأتِها لا يجيزها وعليه قراءة طلحة في السَّوادَ : أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ المَوْتُ ﴾ [النساء: ۷۸]. (مُهمَّة ) : يُشترط في الشَّرط ستة أمور:

أحدها: أن يكون فعلا غير ماضي المعنى، فلا يجوز إن قام زيدًا أمس قمت وأما : وإن كُنتُ قُلْتُهُ، فَقَدْ عَلِمْتَهُ ﴾ [المائدة: ١١٦] فالمعنى: إن ثبت أن كنت قلته. الثاني: ألا يكون طلبا، فلا يجوز: إن قم، ولا : إن لا تقم.

والثالث: ألا يكون جامدا، فلا يجوز: إن عسى ولا : إن ليس. والرابع: أن لا يكون مقرونا بحرف تنفيس، فلا يجوز: إن سوف يقم. والخامس: ألا يكون مقرونا بقد، فلا يجوز : إن قد قام.

والسادس: أن لا يكون مقرونا بحرف نفي غير «لم» و«لا»، فلا يجوز: إن لما يقم، وإن لن يقوم.

(مسألة): قال ابن هشام: قد تقترن «إنّ» بـ«لا» النافية، فيظن من لا معرفة

تشييد المباني

١٤٧

له إنها «إلَّا الاستثنائية نحو : وإِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ ﴾ [التوبة: ٤٠]

إلا تنفرُوا يُعَذِّبْكُمْ ﴾ [التوبة: ٣٩]، وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الخَسِرِينَ ﴾ [هود: ٤٧] ، و وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾ [يوسف:

٣٣]. اهـ

(تذنيب): كل جواب يصح جعله شرطًا بأن كان ماضي اللفظ دون المعنى مجردًا من «قد» وغيرها، أو مضارعًا مجرَّدًا أو منفيًّا بـ «الم» أو «لا»، فالأكثر خلوه من الفاء، ويجوز اقترانه بها، ويبقى الماضي على حاله ويرفع المضارع. نحو: وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ﴾ [النمل: ٩٠] ونحو: فَمَن يُؤْمِنُ بِرَبِّهِ فلا يخافُ [الجن: ۱۳] قاله بدر الدين ابن مالك، وقاله غيره: إذا رفع المضارع فالجواب جملة اسمية، والتقدير فهو لا يخاف قال المرادي: وهذا هو التحقيق، وكل جواب يمتنع جعله شرطًا، فإنَّ الفاء تجب فيه لتربطه بشرطه وذلك: الجملة الاسمية نحو: وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: ١٧] والجملة الطلبية نحو : وإِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾ [آل عمران: ۳۱] وقس عليه بقية أنواع الطلب من النَّهي، والدُّعاء ولو بصيغة الخبر، والاستفهام، والعرض، والتحضيض، والتمني، والترجي . ويجوز أن تُغني «إذا» الفجائية عن الفاء في الربط إن كانت الأداة «إنْ»، أو كانت الأداة غير الجازمة «إذا» الشرطية، لأنها تشبه «إنْ» في كونها أمُّ باب الشروط غير الجوازم، والجواب فيهما جملة اسمية موجبة غير طلبيَّة وغير مقرونة بـ«إنْ» التوكيدية نحو: وَإن

١٤٨

النحو

تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ [الروم: ٣٦] ونحو: إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ [الروم: ٢٥] وقد يجمع بين «إذا» الفجائية والفاء تأكيدًا خلافًا لمن منع ذلك، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا هِيَ شَخِصَةُ أَبْصَرُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الأنبياء: ۹۷]. انتهى ملخصا من "التوضيح" وشرحه، وقس هذا في جميع أدوات الشرط فلا نحتاج إلى تكراره فيما يأتي.

واسم باتفاق وهو «ما» الشرطيَّة وهي نوعان غير زمانية نحو: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرِ يَعْلَمُهُ اللهُ ﴾ [البقرة: ۱۹۷] مَا نَنسَحْ مِنْ آيَةٍ ﴾ [البقرة: ١٠٦] وقد جوزت في: ( وَمَا كُم مِّن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهُ ﴾ [النحل: ٥٣] على أ أن الأصل وما يكن ثم حذف فعل الشَّرط، والأرجح أنها موصولة وأن الفاء داخلة على الخبر لا شرطية والفاء داخلة على الجواب. وزمانية، أثبت ذلك الفارسي وأبو البقاء وأبو شامة وابن بري وابن مالك، وهو ظاهر في قوله تعالى: فَمَا

اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾ [التوبة: ٧] أي: استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم. اهـ قاله ابن هشام.

(تنبيه): تأتي «ما» الاسمية لمعنيين آخرين:

أحدهما: أن تكون معرفة وهو نوعان ناقصة و وهي الموصولة نحو: ما عِندَكُمْ يَنفَدُّ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقِ ﴾ [النحل: ٩٦] وتامة وهي نوعان: عامة، أي: مقدرة بقولك الشيء، وهي التي لم يتقدَّمها اسم، تكون هي وعاملها صفة له في المعنى

نحو: إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِى ﴾ [البقرة: ٢٧١] أي: فنعم الشَّيء

تشييد المباني

١٤٩

والأصل: فنعم الشَّيء إبداؤها؛ لأنَّ الكلام في الا بداء لا في الصدقات، ثمَّ حذف المضاف وأنيب عنه المضاف إليه فانفصل وارتفع، وخاصَّةٌ: وهي التي تقدمها ذلك وتقدر من لفظ ذلك الاسم، نحو: غسلته غسلا نعما ودققته دقّا، أي: نَعمَ الغسل ونَعمَ الدَّق.

وأكثرهم لا يثبت مجيء ما معرفة تامة وأثبته جماعة منهم ابن خروف

ونقله عن سيبويه.

ثانيهما: أن تكون نكرة مجردة عن معنى الحرف، وهي أيضا نوعان: ناقصة،

وتامة.

فالناقصة : هي الموصوفة، وتقدَّر بقولك شيء كقولهم: مررت بها معجب

لك» أي: بشيء معجب لك وقوله: ربَّما تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِن الأمرِ لَهُ فُرْجَةٌ كَحَلَّ العِقَـــال أي: ربَّ شيء تكرهه النفوس، فحذف العائد من الصفة إلى الموصوف. والتامة تقع في ثلاثة أبواب: أحدها: التعجب نحو ما أحسن زيدا، المعنى شيء حسن زيدا، جزم بذلك جميع البصريين إلَّا الأخفش ،فجوّزه، وجوز أن تكون معرفة موصولة والجملة بعدها صلة لا محل لها من الإعراب وأن تكون نكرة موصوفة والجملة بعدها في موضع رفع نعتاً لها، وعليهما فخبر المبتدأ محذوف وجوبًا تقديره: شيء عظيم ونحوه. والثاني: باب نعم وبئس نحو: غسلته غسلا نعما، ودققته دقا نعما. أي: نعم شيئًا، فما نصب على التمييز عند جماعة من المتأخرين، وظاهر كلام سيبويه

١٥٠

النحو

أنها معرفة تامة كما مر .

والثالث: قولهم: إذا أرادوا المبالغة في الإخبار عن أحدٍ بالإكثار من فعل كالكتابة إنَّ زيدًا مما أن يكتب أي: أنَّه من أمر كتابة، أي: أنَّه مخلوق من أمر، وذلك الأمر هو الكتابة، فـ«ما» بمعنى شيء، وإن وصلتها في موضع خفض بدل منها، وزعم السيرافي وابن خروف وتبعهما ابن مالك ونقله سيبويه : أنها معرفة تامة بمعنى الشَّيء أو الأمر، وإن وصلتها مبتدأ والظرف خبره، والجملة خبر لـ «أن»، ولا يتحصل للكلام معنى طائل على هذا التقدير، قاله ابن هشام.

وأما «ما» الحرفية فستأتي.

«ومن» ولها أربعة معان:

أحدها: الشَّرطية نحو: مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾ [النساء: ۱۲۳]. الثاني: الاستفهامية نحو : مَنْ بَعَثَنَا مِن مَرْقَدِنَا ﴾ [يس: ٥٢]، فَمَن رَبُّكُمَا يموسى [ طه : ٤٩] .

(تنبيه) : إذا قيل: من يفعل هذا إلَّا زيد؟ فهي «من» الاستفهامية أشربت معنى النَّفي، ومنه: وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ ﴾ [آل عمران: ١٣٥] ولا يتقيَّد جواز ذلك بأن يتقدمها الواو، خلافًا لابن مالك بدليل : مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: ٢٥٥] وإذا قيل: من ذا لقيت؟ فـ«من» مبتدأ و«ذا» خبر الموصول والعائد محذوف، ويجوز على قول الكوفيين في زيادة الأسماء أن تكون «ذا» زائدة، و«من» مفعولاً، وظاهر كلام جماعة أنه يجوز في «من ذا لقيت»: أن تكون «من» و «ذا» مركبتين كما في قولك: ماذا صنعت؟ ومنع ذلك

تشييد المباني

١٥١

أبو البقاء في مواضع من "إعرابه" وثعلب في "أماليه" وغيرهما، وخصوا جواز ذلك بماذا؛ لأنَّ «ما» أكثر إبهاما، فحسن أن تجعل مع غيرها كشيء واحد ليكون ذلك أظهر لمعناها، ولأنَّ التركيب خلاف الأصل، وإنَّما دلّ عليه الدليل

مع «ما»، وهو قولهم لماذا جئت بإثبات الألف قاله ابن هشام.

الثالث: أن تكون موصولة نحو أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ

وَمَن فِي الْأَرْضِ [ الحج : ۱۸].

الرابع: أن تكون نكرة موصوفة، ولهذا دخلت عليها «رب» في قوله: رُبَّ مَنْ أَنضَجْتُ غَيْظًا قَلْبَهُ قد تَمَنَّى لي موتا لم يُطَعْ

(فائدتان)

الأولى: نحو: «مَن يُكرمني أكرمه» يحتمل الأوجه الأربعة: فإن قدرتها شرطية جزمت الفعلين، أو موصولة وموصوفة رفعتهما، أو استفهامية رفعت الأول وجزمت الثاني؛ لأنَّه جواب بغير الفاء، ومن فيهن مبتدأ وخبر الاستفهامية الجملة الأولى، والموصولة أو الموصوفة الجملة الثانية، والشرطية الأولى أو الثانية على خلاف في ذلك، ونحو من زارني زرته، لا تحسن فيه

الاستفهامية ويحسن ما عداها .

الثانية: زيد في أقسام «مَنْ» قسمان آخران:

أحدهما : أن تأتي نكرة تامة، وذلك عند أبي علي قاله في قوله: ونعم مركاً مَنْ ضاقَتْ مَذاهِبُه ونِعْمَ مَنْ هو في سر وإعلان أن الفاعل مستتر و من تمييز، وقوله: هو مخصوص بالمدح فهو

فزعم

١٥٢

النحو

مبتدأ خبره ما قبله، أو خبر لمبتدإ محذوف، وقال غيره: «من» موصول فاعل، وقوله: هو مبتدأ خبره هو آخر محذوفٌ على حد قوله: «وشعري شعر» والظرف متعلق بالمحذوف؛ لأنَّ فيه معنى الفعل، أي: ونعم من هو الثابت في حالتي السر والعلانية.

الثاني: التوكيد، وذلك فيما زعم الكسائي أنّها ترد زائدة كـ«ما»، وذلك

سهل على قاعدة الكوفيين في أنَّ الأسماء تزاد وأنشد عليه:

فكَفَى بِنا فَضْلًا على مَن غَيْرِنا حُبُّ النَّبِيِّ مُحمَّدِ إيَّانا فيمن خفض «غيرنا»، ولا دليل في البيت لاحتمال أن تكون نكرة موصوفة

أي: على قوم غيرنا، قاله ابن هشام.

ومهما» وهي اسم على الأصح، بدليل عود الضمير عليها في: مَهمَا تَأْلِنَابِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسحَرَنَا بِهَا ﴾ [الأعراف: ۱۳۲] وقال بعضهم: عاد عليها ضمير «به» وضمير بها»، حملا على اللفظ وعلى المعنى اهـ. قال ابن هشام: والأولى أن يعود الضمير

«بها» على الآية، وزعم السهيلي وتبعه ابن يسعون أنها تأتي حرفًا بدليل قوله: ومهما تكن عند امْرِي مِن خَلِيقَةٍ وإِن خَالها تَخْفَى على النَّاسِ تُعلَمِ فهي هنا حرف بمنزلة «أنّ» بدليل : أنها لا محل لها، والجواب: أنها إما خبر تكن، و«خليفة» اسمها، ومن زائدة؛ لأنَّ الشَّرط غير موجب عند أبي علي، وإما مبتدأ، واسم تكن ضمير راجع عليها، والظرف خبر، و«أنت» ضميرها؛ لأنّها الخليقة في المعنى، ومثله ما جاءت حاجتك فيمن نصب حاجتك، ومن خليقة تفسير للضمير . اهـ

تشييد المباني

١٥٣

(مسألة): «مهما بسيطة على الأصح ، وزعم الأخفش والزجاج أنها مركبة

من «ما» الشَّرطيَّة، وقال خليل واختاره الرضي: إنها مركبة من «ما» الشرطية و «ما» الزائدة، ثمَّ أبدلت الهاء من الألف دفعا للتكرار.

ثم على البساطة فوزنها فعلى، وألفها تأنيث ولذا لم تُنون باقية على التنكير،

أو إلحاق وزال تنوينها للبناء، ولها ثلاثة معان:

أحدها: ما لا يعقل غير الزمان مع تضمن معنى الشرط، ومنه الآية؛ ولهذا فسرت بقوله تعالى: مِنْ اية ) وهي فيها إما مبتدأ أو منصوبة على الاشتغال، فيقدر لها عامل متعد كما في زيد مررت به متأخرا عنها؛ لأنَّ لها الصدر أي تحضرنا وتأتنا.

الثاني: الزمان والشَّرط، فتكونا ظرفًا لفعل الشَّرط، ذكره ابن مالك وأنشد

عليه وإنك مهما تُعطِ بطنك سُؤله وفرجَـك نـالا منتهى الدم أجمعـا وجزم به الرضي، وردَّ بجواز كونها للمصدر أي: إعطاء كثيرًا أو قليلًا. الثالث: الاستفهام، ذكره جماعة منهم ابن مالك واستدلوا عليه بقوله: مالي الليلة مهما لية أودى بنعلي وبير باليــــــة فزعموا أنَّ «مهما» مبتدأ، و «لي» الخبر، و«أودى» بمعنى هلك، و«نعلي» فاعل و«الباء» زائدة، مثلها : وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: ٧٩] ولا دليل في البيت لاحتمال أن التقدير «مه» اسم فعل بمعنى اكفف، ثم استأنف استفهاما بـ«ما» ا وحدها.

١٥٤

النحو

(فائدة): لا تجر «مهما» بحرف ولا ،إضافة فلا يُقال: على مهما تكن أكن ولا جهة مهما تقصد أقصد، وقال ابن عصفور: يجوز ذلك كسائر الأدوات قاله في "الهمع".

«وإذ ما واختلف في نوعها مذهب سيبويه إلى أنها حرف كان، وذهب المبرد وابن السراج والفارسي إلى أنّها اسم ظرف زمان، وأصلها إذ التي هي ظرف لما مضى، فزيد عليها «ما» وجوبًا في الشَّرط فجزم بها، واستدل سيبويه: بأنها لما رُكبت مع ما صارت معها كالشيء الواحد؛ فبطل دلالتها على معناها الأول بالتركيب وصارت حرفًا، ونظير ذلك أنهم حين ركبوا «حب» مع «ذا» فقالوا: «حبّذا زيد»، بطل معنى «حب» من الفاعلية وصارت مع «ذا» جزء كلمة، وصارت حبَّذا» كلها اسما ،بالتركيب وخرجت عن أصل وضعها بالكلية. قاله في "الهمع"

وقال ابن هشام: «إذ ما» أداة تجزم فعلين كقوله: وإنَّكَ إِذْ مَا تَأْتِ مَا أَنتَ أَمرٌ بهِ تُلفِ من إيَّاه تَأْمُر آتيــا وعملها الجزم قليل لا ضرورة لبعضهم. اهـ

«وأي» وهي بحسب ما تضاف إليه، فإن أضيفت إلى ظرف مكان فظرف مكان نحو: «أي جهةٍ تجلس أجلس»، أو زمان أو مفعول أو مصدر فكذلك، وهي لعموم الأوصاف، قاله في "الهمع".

وقال ابن هشام أي بفتح الهمزة وتشديد الياء اسم يأتي على خمسة

أوجه:

شرطًا، نحو: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَان عَلَى [القصص: ۲۸]

تشييد المباني

أَيَّا مَا تَدْعُو فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء: ١١٠].

واستفهاما، نحو: أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَنا ﴾ [التوبة: ١٢٤]، فَبِأَيِّ

حد يتم بعدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: ١٨٥].

وقد تخفف كقوله:

تنظَرْتُ نَسْرا والسماكين أيهما عليَّ من الغيث استهلت مواطِره وموصولا: نحو: لَنَازِعَن مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ : [مريم: ٦٩] قاله سيبويه، وخالفه الكوفيون وجماعةٌ من البصريين؛ لأنهم يرون أن «أيا» الموصولة معربة دائما كالشرطية والاستفهامية، قال الزجاج: ما تبيَّن لي أنَّ سيبويه غلط إلَّا في موضوعين: هذا أحدهما؛ فإنَّه يسلم أنها تعرب إذا أفردت، فكيف يقول ببنائها إذا أضيفت؟ ! وقال الجرمي: خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكة أحدًا يقول: لأضر بن أيهم قائم ، بالضم اهـ. والرابع: أن تكون . دالة على معنى الكمال، فتقع صفة للنكرة نحو: «زيد رجل أي رجل»، أي كامل في صفات الرجال، وحالا للمعرفة «كمررت بعبد الله أي رجل». والخامس: أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه أل نحو: «يا أيها الرجل»، وزعم الأخفش أنَّ «أيا» لا تكون وصلة، وأنَّ أيَّا» هذه هي الموصولة، حذف صدر صلتها وهو العائد والمعنى يا من هو الرجل، ورد بأنه ليس لنا عائد يجب حذفه، ولا موصول التزم كون صلته جملة اسمية وله أن يجيب عنهما بأن ما في قولهم: لا سيما زيد بالرفع كذلك، وزاد قسما وهو أن تكون نكرة موصوفة

107

النحو

نحو: مررت بأي معجب لك كما يقال بمن معجب لك، وهذا غير

مسموع.

ولا تكون «أي غير مذكور معها مضاف إليه البتة إلا في النداء والحكاية يقال: جاءني رجل فتقول : أي يا هذا؟ وجاءني رجلان فتقول «أيان»، وجاءني

رجال فتقول «أيون». اهـ كلام ابن هشام ملخصا.

ومتی اسم شرط نحو قوله: أنــا ابنُ جَلا وطلاع الثنايا متى أَضَـــع العـامــة تعـرفُـــوني

واسم استفهام نحو: مَتَى نصر الله } [البقرة: ٢١٤].

وحرف بمعنى «من» أو «في» وذلك في لغة هذيل يقولون: أخرجها متى

كمه أي منه. وقال ساعدة: أخيل برقا متى حاب له زجل :أي: من سحاب حاب أي: ثقيل

المشي تصويت. واختلف في قول أبي ذؤيب :

شَرِبْنَ بماء البحر ثم ترفعتُ مَتى تُحَجِ خُضْرٍ لَهُنَّ نَشِيحُ

فمتى بمعنى من، وقال ابن سيده: بمعنى وسط، قاله ابن هشام. (تنبيه): اختلف في إهمال متى، فقيل: لا تهمل، وقيل: نعم، حملا على «إذا»، كحديث البخاري: وإنه متى يقوم مقامك لا يُسْمِعُ الناس»، قاله ابن مالك، قال أبو حَيَّان وهذا شيء غريب، ثم تكلم في استدلاله بما أثر في الحديث على إثبات الأحكام النحوية، قاله في "الهمع".

(مُهمَّة ) : قال السيوطي في "الأشباه": إن قيل: لم جزمت «متى» وشبهها

تشييد المباني

10V

ولم تجزم «الذي» إذا تضمنت معنى الشرط نحو: «الذي يأتيني فله درهم»،

فالجواب: أن الفرق من وجوه

أحدها: أن الذي وضع وصلة إلى وصف المعارف بالجمل؛ فأشبه لام

التعريف الجنسية، فكما أن لام التعريف لا تعمل فكذا الذي.

و الثاني: أن الجملة التي يوصل بها لا بد أن تكون معلومة للمخاطب، والشرط لا يكون إلا مبهما.

والثالث: أن «الذي» مع ما يوصل به اسم مفرد، و«الشرط» مع ما يقتضيه جملتان مستقلتان، نقلت ذلك من خط ابن هشام في بعض تعاليقه، وذكره ابن الحاجب في "أماليه".اهـ

«وأيان» ظرف زمان للعموم نحو: «أيان تقم أقم»، وكسر همزتها لغة لسليم، وتختص إذا وردت في الاستفهام بمستقبل كما تقدم، فلا يستفهم بها عن الماضي، كذا قال ابن مالك، وأبو حَيَّان ولم يحكيا فيها خلافا، وأطلق السكاكي والقزويني في "الإيضاح " كونها للزمان ومثلا «بأيان جئت» وهو يشعر بأنها تستعمل في الماضي، والصواب ،خلافه ونقل عن علي بن عيسى الربعي أنها تختص بمواقع التفخيم، نحو: أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ﴾ [الذاريات: ١٢]،

أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيمَة [القيامة : ٦]، والمشهور أنها لا تختص به. قاله في "الهمع". قلت: وهذا بخلاف متى» فإن «متى» إذا استفهم بها يليها الماضي

والمستقبل.

(تنبيه): أنكر قوم الجزم «بأيَّان» لقلته وكثرة ورودها استفهاما نحو: أَيَّانَ مرستها [النازعات: ٤٢] أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النمل: ٦٥]، قال أبو حَيَّان: وممن لم

١٥٨

النحو

يحفظ الجزم بها سيبويه لكن حفظه أصحابه، قاله في "الهمع".

«وأين» ظرف مكان نحو: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكَكُمُ الْمَوْتُ ﴾ [النساء: ۷۸]

ونحو قوله:

صعدة نابــــة في حــــائر أينما الرِّيحُ تُميلُهــا تمـــل

وقد تخرج عن الشرطية، فتقع استفهاما نحو: «أين زيد». «وأنى، وحيثما وهما ظرفا مكان عموما، وتقع «أنى» استفهامية بمعنى متى نحو: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِثْتُمْ ﴾ [البقرة: ٢٢٣]، وبمعنى «من أين» نحو: انى لك هَذَا ﴾ [آل عمران: ۳۷] وبمعنى كيف» نحو: ﴿ أَن يُحْيِ هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ [البقرة: ۲٥٩ واختار أبو حَيَّان في الآية الأولى أنها شرطية أقيمت فيها الأحوال مقام الظروف المكانية، والجواب محذوف. قاله في "الهمع". قلت: والحق ما قاله أبو حَيَّان إذ لا معنى للاستفهام في الآية.

وحيثما لا تقع استفهاما بل لا تكون إلا شرطا نحو قوله: حيثما تستَقِم يقدر لك الله نجاحــــــا في غـــــابـر الأزمــــــان

قال ابن هشام: «وهذا البيت دليل عندي على مجيئها للزمان.اهـ وعملها الجزم إذا اتصلت بها «ما » الكافة لأنها لما تتصل بها تضمن معنى الشرط، أما إن لم تتصل بها «ما» الكافة فمبنية على الضم تشبيها لها بالغايات كقبل وبعد»، أو الفتح للتخفيف أو الكسر على أصل التقاء الساكنين، وطييء تُبدِل ياءها واوا فيقولون: حوث وفقعس يعربونها فيقولون: جلست حيث كنت»، « وجئت من حيث جئت»، فيجرونها «بمن» وهي

تشييد المباني

١٥٩

عندهم «كعند وقرئ: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: ۱۸۲] بالكسر فيحتمل الإعراب ولغة البناء على الكسر ، وسواء في الجملة الفعلية، أو الاسمية قال في "المغني": «وإضافتها إلى الفعلية أكثر»، ولهذا رجح النصب

في جلست حيث زيدًا أراه، وندرت إضافتها إلى المفرد كقول الفرزدق: ونَطعَنَهُم تحتَ الكُلى بعد ضربهم ببيض المواضي حيثُ لي العمائم والكسائي يقيسه، وعليه فيصح فتح همزة «أن» بعدها، بل يصح عند غيره على

«أن» المفتوحة مبتدأ حذف خبره، قاله شارح "المغني"

قلت وقل من يتنبه لهذا المعنى من الطلبة، حتى إن بعض من يدعي

الطلب قال لي يوما ما تقول في «أن» بعد «حيث»، هل يصح فتحها؟ قلت:

نعم، فقال: لا، وأنكر ذلك علي.

وندر جرها بالباء في قوله: «كان هنا بحيث مفك الإزارِ».

وبـ «إلى» في قوله: «إلى حيث ألقت رحلَها أم قشعم».

وبـ«في» في قوله: «فأصبح في حيث التقينا شريكهم.

وقال ابن مالك: «تصرفها نادر».

ومن وقوعها مجردة عن الظرفية قوله:

إن حيث استقر مَن أنتَ راعيـــــه حــــي فيـــه عِزَّةٌ وأَمَـانُ «فحيث» اسم «إن»، وقال أبو حَيَّان: «هذا خطأ لأن كونها اسما «لأن» فرع عن كونها تكون مبتدأ، ولم يسمع ذلك فيها البتة، بل اسم «إن» في البيت: «حمى»، و«حَيْثُ الخبر لأنه ظرف، والصحيح أنها لا تنصرف فلا تكون فاعلا ولا مفعولا به ولا مبتدأ».اهـ

17.

النحو

وقال ابن هشام: الغالب كونها في محل نصب على الظرفية، أو خفض بمن، وقد تخفض بغيرها، وقد تقع مفعولا به وفاقا للفارسي، وحمل عليه الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: ١٢٤] إذ المعنى أنه تعالى يعلم نفس المكان المستحق لوضع الرسالة فيه، لا شيئًا في المكان، وناصبها يعلم محذوف مدلولا عليه بأعلم، لا بأعلم نفسه؛ لأن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به،

فإن أولته بعالم جاز أن ينصبه في رأي بعضهم . اهـ

وقد رد في البحر مجيئها مفعولا بما يطول ذكره.

وكيفما» وهي اسم لدخول الجار عليها بلا تأويل في قولهم: «على كيف تبيع الأحمرين؟»

ولإبدال الاسم الصريح منه نحو كيف أنت، أصحيح أم سقيم؟»، وللإخبار به مع مباشرته للفعل نحو كيف كنت؟» فبالإخبار به انتفت

الحرفية، وبمباشرة الفعل انتفت الفعلية، وتستعمل على وجهين:

أحدهما: أن تكون شرطًا؛ فتقتضي فعلين متفقي اللفظ والمعنى غير مجزومين نحو: «كيف تصنع أصنع ولا يجوز كيف تجلس أذهب » باتفاق، ولا «كيف تجلس أجلس» بالجزم عند البصريين إلا قطربًا؛ لمخالفتها لأدوات الشرط، وقيل: يجزم بها مطلقا، وإليه ذهب قطرب والكوفيون، وقيل: لا يجزم بها، وقيل: يجزم بها إن اقترنت بما نحو: كيفما تكن أكن »، قالوا: ومن ورودها شرطا يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [المائدة: ٦٤] يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ ﴾ [آل عمران: ٦]، فَيَبسُطه في السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [الروم: ٤٨] وجوابها في ذلك كله محذوف

تشييد المباني

١٦١

لدلالة ما قبلها، وهذا يشكل على إطلاقهم أن جوابها يجب مماثلته لشرطها. والثاني: أن تكون استفهاما وهو الغالب فيها، ثم إما أن يكون حقيقيا نحو: «كيف زيد أو غيره نحو كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ﴾ [البقرة: ۲۸] الآية؛ فإنه أخرج مخرج التعجب، وتقع خبرًا قبل ما لا يستغنى به نحو: «كيف أنت»، «كيف كنت» و «كيف ظننت زيدًا وحالا قبل ما يستغنى نحو: «كيف جاء زيد أي: على أي حالة جاء زيد.

قال ابن هشام عندي أنها تأتي في هذا النوع مفعولا مطلقا أيضًا، وأن منه كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ﴾ [الفجر: ٦] إذ المعنى: أي فِعْلٍ فَعَل ربُّك ولا يتجه فيه أن يكون حالا من الفاعل».اهـ

وإنما بنيت لتضمنها معنى همزة الاستفهام، وبنيت على فتحة طلبا للخِفَّة. (تنبيه): ذهب سيبويه إلى أن كيف ظرف وأنكره الأخفش والسيرافي

وقالا : إنها اسم غير ظرف ورتبوا على هذا الخلاف أمورًا: أحدها: أن موضعها عند سيبويه نصب دائما، وعند غيره رفع مع المبتدأ، نصب مع غيره.

الثاني: أن تقديرها عند سيبويه في أي حال أو على حال؟ وعند غيره تقديرها في نحو: «كيف زيد أصحيح زيد؟ وفي نحو: «كيف جاء زيد؟» أراكبا جاء زيد؟ ونحوه. الثالث: أنَّ الجواب المطابق عند سيبويه أن يقال: «على خير ونحوه؛ ولهذا

قال رؤبة وقد قيل له: كيف أصبحت خَير ، عافاك الله، أي على خير، فحذف

١٦٢

النحو

الجار وأبقى عمله، وعند غيره أن يقال: صحيح، أو نحوه. وقال ابن مالك: لم يقل أحد: إن كيف ظرف؛ إذ ليست زمانًا ولا مكانًا، ولكنها لما كنت تفسر بقولك على أي حال لكونها سؤالا عن الأحوال العامة سميت ظرفًا؛ لأنها في تأويل الجار والمجرور، واسم الظرف يطلق عليها مجازا، قال ابن هشام: وهو

حسن» . اهـ

(فائدة): قال ابن هشام: «قوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلقت [الغاشية: ١٧] ولا تكون كيف بدلا من إبل لأن دخول الجار على كيف شاذ، على أنه لم يسمع في إلى بل في على ولأن إلى متعلقة بما قبلها فيلزم أن يعمل في الاستفهام فعل متقدم عليه » . اهـ

قلت: «في "الدماميني" حكى قطرب عن بعض العرب: «انظر إلى كيف يصنع أي إلى حال صنعه، قال الرضي: وكيف» فيه منسلخة عن الاستفهام لعدم صدارتها » . اهـ

عليه

(مُهمَّة): زعم عيسى بن موهب وجماعة أن كيف» تأتي عاطفة وأنشدوا

إذا قَلَّ مَالُ المرء لانت قناتُهُ وهان على الأدنى فكيف الأباعِدِ قال ابن هشام: وهذا خطأ لاقترانها بالفاء، وإنما هي هنا اسم مرفوع المحل على الخبرية، ثم يحتمل أن الأباعد مجرور بإضافة مبتدأ محذوف، أي: فكيف حال الأباعد؟ فحذف المبتدأ على حد قراءة ابن جماز : والله يريد الآخرة أو بتقدير فكيف الهوان على الاباعد فحذف المبتدأ والجار، أو بالعطف بالفاء ثم أقحمت

تشييد المباني

كيف بين العاطف والمعطوف لإفادة الأولوية بالحكم».اهـ

١٦٣

الآخرة

قلت: قراءة ابن جماز: وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾ [الأنفال: ٦٧] بجر على حذف مضاف شاذة في حذف المضاف وبقاء المضاف إليه على جره من غير شرطه المشار إليه في "الألفية":

لكن بشرط أن يكونَ ما حُذِف مماثلا لما عليه قَدْ عُطِفٌ

لأن أصل الآية، والله أعلم: تريدون عرض الدنيا والله يريد عمل الآخرة. وقول ابن هشام أو بالعطف بالفاء، ثم أقحمت... إلخ»، قال الدماميني: «هذا لا يصح مع جعله الموضوع أن كيف خبر إذا لإقحام يقتضي عدم المحل ويمكن أنه متعلق بمحذوف قسم لما تقدم أي أو يوجه ذلك بالعطف بالفاء...» إلخ.اهـ

«وإذا في الشِّعْر خاصةً» هذا زائد على الجوازم، ولـ«إذا» معنيان: أحدهما: أن تكون للمفاجأة، فتختص بالجمل الاسمية ولا تحتاج إلى جواب ولا تقع في الابتداء. ومعناها الحال لا الاستقبال نحو: «خرجت فإذا الأسد بالباب»، ومنه فَأَلْقَنهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾ [طه: ٢٠] إِذَا لَهُم مكْرُ} [يونس: ۲۱].

وهي حرف عند الأخفش والكوفيين، واختاره ابن مالك. ويرجحه قولهم خرجت فإذا إنَّ زيدًا بالباب» بكسر «إن»، لأن «إن» لا يعمل ما بعدها فيهما قبلها. وظرف مكان عند المبرد والفارسي وابن جني وأبو بكر الخياط واختاره ابن عصفور.

١٦٤

النحو

وظرف زمان عند الزجاج والرياشي، واختاره ابن طاهر وابن خروف

والشلويين إبقاء لها على ما ثبت لها.

قال ابن هشام: زعم الزمخشري أنَّ عاملها فعل مشتق مقدر من لفظ المفاجأة، قال في قوله تعالى: ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةَ ﴾ [الروم: ٢٥] الآية: «إِنَّ التقدير:

إذا دعاكم فاجأتم الخروج في ذلك الوقت، ولا يعرف هذا لغيره، وإنما ناصبها عندهم الخبر المذكور في نحو: خرجت فإذا زيد جالس» أو مقدر في نحو: «فإذا الأسد» أي حاضر ، وإذا قدرت أنها الخبر فعاملها مستقر أو استقر، ولم يقع الخبر معها في التنزيل إلا مصرحًا به نحو فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى } [طه: ۲۰]، فَإِذَا هِيَ شخصة [الأنبياء: ۹۷]، ﴿فَإِذَا هُمْ خَمِدُونَ ﴾ [يس: ۲۹] فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ

[الأعراف: ۱۰۸]، فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ } [النازعات: ١٤]» . اهـ

(مسألة): إذا قلت: خرجت فإذا الأسد» صح كونها خبرا على المكان عند المبرد، أي فبالحضرة الأسد، لا على الزمان عند الزجاج؛ لأن الزمان لا يخبر به عن الجثة، ولا على الحرف لأنه لا يخبر به ولا عنه، وتلزمها الفاء داخلة عليها. واختلف فيها، فقال المازني : هي زائدة للتأكيد لأن «إذا الفجائية» فيها معنى الإتباع ؛ ولذا وقعت في جواب الشرط موقع الفاء. وهذا إما اختاره ابن جني، وقال مبرمان: هي عاطفة لجملة «إذا» ومدخولها على الجملة قبلها. واختاره الشلويين الصغير، وأيده أبو حَيَّان بوقوع، ثم موقعها في قوله تعالى:

ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرُ تَنتَشِرُونَ ﴾ [الروم: (۲۰] ، وقال الزجاج: دخلت على حد دخولها في الشرط. قاله في "الهمع".

تشييد المباني

170

الثاني: من وجهي إذا أن تكون لغير مفاجأة، والغالب أن تكون ظرفًا للمستقبل مضمنة معنى الشرط، وتختص بالدخول على الجملة الفعلية ويكون الفعل بعدها ماضيًا كثيرًا، أو مضارعا دون ذلك، وقد اجتمعتا في قول أبي

ذؤيب :

والنَّفْسُ راغِبَةٌ إذا رغبتها وإذا تُرَدُّ إلى قليل تَقْنَعُ (تنبيه): إنما دخلت إذا الشرطية على الاسم في نحو: إِذَا السَّمَاءُ أَنشَقَتْ [الانشقاق: ١] لأنه فاعل بفعل محذوف على شريطة التفسير، لا مبتدأ، خلافًا للأخفش، وأما قول الفرزدق

إذا باهِي تَحْتَهُ حَنْظَلِيَّةٌ لَهُ وَلَدٌ مِنها فَذَاكَ المُذَرَّعُ فقال ابن هشام: «التقدير إذا كان باهلي، وقيل: حنظلية فاعل باستقر محذوف، وباهلي فاعل بمحذوف يفسره العامل في حنظلية، ويرده أن فيه حذف المفسر

ومفسره جميعا، ويسهله أن الظرف يدل على المفسر، فكأنه لم يحذف» . اهـ (مُهمَّة): قد تخرج إذا) عن معنى الشرط فتتجرد للظرفية المحضة، نحو: وَالَّيلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ [الليل: 1]، ﴿وَالَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى: ٢]، وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * [النجم: ١]، وَالنَّهَارِ إِذا تجلى ﴾ [الليل: ٢].

(فائدة): لا تعمل (إذا ) الجزم إلا في ضرورة، كقول عبد القيس: استغن مـا أغناكَ رَبُّك بِالغِنَى وإذا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ خلافا لمن جوزه في السعة بقلة، وإنما لم تعمل الجزم في السعة لمخالفتها لأدوات الشرط يكونها خاصا بالمتيقن والمظنون.

177

النحو

(تنبيهات):

الأول: في خروج «إذا» عن الظرفية، قال ابن مالك: أنها وقعت مفعولا به في قوله عليه الصَّلاة والسَّلام لعائشة: «إنّي لأَعْلَمُ إِذا كُنتِ عَنِّى راضيةً وإِذا كُنتِ عليَّ غَضْبَى... الحديث رواه البخاري، ومبتدأ في قوله تعالى: وَإِذَا وَقَعَتِ الواقعة ﴾ [الواقعة: ١] والخبر «إذا» الثانية خَافِضَةٌ رَافِعَةُ ﴾ [الواقعة: ٣] بالنصب حالان، والمعنى وقت وقوع الوقوع خافضة لقوم رافعة لآخرين، هو وقت رَج

الأرض، ومجرورة بحتى في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا ﴾ [الزمر: ٧١]. قال السيوطي: سبقه إلى ذلك ابن جني في الثاني، والأخفش في الثالث والجمهور أنكروا ذلك كله، وجعلوا «حتى» في الآية حرف ابتداء داخل على الجملة بأسرها ولا عمل له، وإذا وقعت ظرفًا حذف جوابه، أي انقسمتم أقساما وكنتم أزواجا ، وإذا الثانية بدل من الأولى، و«إذا» في الحديث ظرف لمحذوف هو مفعول أعلم أي شأنك ونحوه.

الثاني: في خروجها عن الاستقبال، وذلك على وجهين:

أحدهما: أن تجيء للماضي، زعمه ابن مالك وجماعة في قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَوْا حَرَةً أَوْ لَموا انفَضُّوا إِلَيْهَا ﴾ [الجمعة: ۱۱] فإن الآية نزلت بعد انفضاضهم وكذا: وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ ﴾ [التوبة: ٩٢] الآية، وأنكره أبو حَيَّان. ثانيهما: أن تجيء للحال، وذلك بعد القسم نحو: وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ [الليل: ١] قال ابن هشام: قيل: لأنها لو كانت للاستقبال لم تكن ظرفا لفعل القسم؛ لأنه

تشييد المباني

١٦٧

إنشاء لا إخبار عن قسم يأتي؛ لأنَّ قَسَمَ الله سبحانه قديم؛ ولا لكون محذوف هو حال من الليل؛ لأنَّ الحال والاستقبال متنافيان، وإذا بطل هذا الوجهان تعيَّن أنه ظرف لأحدهما على أنَّ المراد به الحال» . اهـ

الثالث: في ناصب «إذا» مذهبان:

أحدهما: أنه شرطها، وهو مذهب المحققين، واختاره أبو حَيَّان حملا لها على سائر أدوات الشرط.

ثانيهما: أنه ما في جوابه من فعل أو شبهة وهو مذهب الأكثرين لما تقدم من أنها ملازمة الإضافة إلى شرطها، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف، وممن

ذهب إلى هذا أبو البقاء. قال ابن هشام: ويرد عليهم أمور:

أحدهما: أن الشرط والجزاء عبارة عن جملتين تربط بينهما الأداة، وعلى قولهم تصير الجملتان واحدة لأن الظرف عندهم من جملة الجواب، والمعمول

داخل في جملة عاملة.

والثاني: أنه ممتنع في قول زهير :

بدا لي أني لستُ مُدرِكَ ما مَضَى ولا سابق شيئا إذا كان جائيا لأن الجواب محذوف وتقديره إذا كان جائيًا فلا أسبقه، ولا يصح أن يقال: لا أسبق شيئًا وقت مجيئه لأن الشيء إنما يسبق قبل مجيئه.

والثالث: أنه يلزمهم في نحو: إذا جئتني اليوم أكرمتك غدًا أن يعمل أكرمتك في ظرفين متضادين، وذلك باطل عقلا.

والرابع: أنَّ الجواب ورد مقرونا بإذا الفجائية نحو قوله تعالى: ثم إذا

١٦٨

النحو

دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ [الروم: ٢٥]، وبالحرف الناسخ نحو: إذا جئتني اليوم فإن أكرمتك وكل منهما لا يعمل ما بعده فيها قبله. انتهى

كلامه ملخصا.

(فائدة): زعم أبو عبيدة أن إذا قد تزاد واستدل بقوله:

حَتَّى إِذا أَسْلَكُوهم في قَتَائِدَةِ شَلَّا كما تَطْرُدُ الجَمالَةُ الشَّرُدَا قال: فزادها لعدم الجواب فكأنه قال: متى سلكوهم، وتأوله ابن جني

على حذف جواب إذا.

(تنبيه) أدوات الشرط على أربعة أنواع: حرف باتفاق وهو: «إن». وحرف على الأصح وهو «إذما»، عند سيبويه. واسم باتفاق وهو: «من»، «وما»، «ومهما»، «وأي»، ومتى»، «وأيان»، «وأين»، «وأنى»، «وحيثما».

واسم على الأصح وهو: «مهما».

وهذه الأنواع الأربعة تنقسم ستة أقسام:

أحدها: ما وضع لمجرد تعليق الجواب على الشرط، وهو إن وإذما نحو:

وَإِن تَعُودُ وا نعد [الأنفال: ١٩]، : « وإذ ما تقم أقم».

و الثاني: ما وضع للدلالة على من يعقل ثم ضمن معنى الشرط وهو

من نحو : مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾ [النساء: ۱۲۳]. والثالث: ما وضع للدلالة على ما لا يعقل ثم ضمن معنى الشرط، وهو

«ما» و «مهما» نحو: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرِ يَعْلَمُهُ اللهُ ﴾ [البقرة: ١٩٧]، مَهمَا

تالنا بِهِ مِنْ ايتر ﴾ [الأعراف: ۱۳۲ ] الآية.

تشييد المباني

179

الرابع: ما وضع للدلالة على الزمان، ثم ضمن معنى الشرط وهو: «متى»،

و«أيان»، نحو:

ونحو:

مَتَى أَضَعِ العِمامَةَ تَعْرِفُونِي

أَيَّان نُؤْمِنْكَ تَأْمَنُ غَيْرَنا ...

والخامس: ما وضع للدلالة على المكان ثم ضمن معنى الشرط وهو: «أين» و«أنى» و«حيثما» نحو: أَيْنَمَاتَكُونُوا يُدْرِكَكُمُ الْمَوْتُ ﴾ [النساء: ۷۸]

ونحو: «أنى تأتها تستجر بها ، ونحو: «حيثما تستقم يقدر لك الله نجاحًا». والسادس: ما هو متردد بين أنواع الاسم الأربعة وهو «أي»، فإنها بحسب ما تضاف إليه فهي في «أيهم يقم أقم معه من باب «من»، وفي «أي الداوب تركب أركب من باب ما ، وفي أي يوم تصوم أصم من باب «متى»، وفي أي مكان تجلس أجلس» من باب «أين».اهـ قاله الأزهري.

قلت: وأما كيفما فمن القسم الرابع على ما للأخفش والسيرافي، وأما «إذا»

فمن القسم الثاني في رأي الكوفيين والأخفش، ومن الرابع في رأى بعضهم. ثم هي على ثلاثة أقسام: قسم لا تلحقه «ما» وهو «من» و«ما» و«مهما» و«أنى»، وذهب الكوفيون إلى جواز زيادتها بعدها إلا «مهما» فيجوز «من ما يكرمني أكرمه»، وقسم تكون «ما» شرطًا في عمله الجزم وذلك «إذ» و«حيث». وقسم يكون لحاق ما له على جهة الجواز، وهو «إن» و«متى» و«أي» و «أيان»، إلا أن أداة الشرط جازمة للفعلين معا الشرط والجواب، وأما «كيفها»

فمن القسم الثاني عند بعض النحاة ومن الثالث عند الكوفيين.

۱۷۰

النحو

وأما «إذا» فمن القسم الثالث كما هو الظاهر على أنه لم يسمع فيها ذلك. (مُهمَّة ) : ذهب جمهور البصريين إلى أن أداة الشرط جازمة للفعلين معا الشرط والجواب، واختاره ابن عصفور والأبدي، وقال الأخفش: الشرط مجزوم بالأداة والجواب مجزوم بالشرط، واختاره ابن مالك في التسهيل، ونقل ابن جني عن الأخفش أن الشرط والجواب تجازما، وقال سيبويه والخليل: الأداة والشرط كلاهما جزم الجواب

وذهب الكوفيون إلى أن الجواب مجزوم بالجوار قياسًا للجزم على الجر، ورد كل من الأقوال بما يطول ذكره.

(تتمة): قال ابن الخباز: الجازم أضعف من الجار وفرع عليه، فالجازم أولى أن لا يضمر البتة»، ولهذا أفسد قول الكوفيون إن فعل الأمر مجزوم بلام الأمر مضمرة، وذكره أبو حَيَّان في شرح "التسهيل" وفرع عليه أنه لا يجوز الفصل بين لام الأمر، والفعل لا بمعمول الفعل ولا بغيره، وإن روى عنهم ا الفصل بين الجار والمجرور بالقسم نحو قولهم: اشتريته بوالله - ألف درهم»، فإن ذلك لا يجوز في اللام؛ لأن عامل الجزم أضعف من عامل الجر. وفرع عليه الأخفش واختاره الشَّكوبين وابن مالك أن جواب الشرط مجزوم بفعل الشرط لا بالأداة، قال: لأن الجار إذا كان لا يعمل عملين، وهو أقوى من الجازم فالجازم أولى أن لا يعملها، وقال ابن النحاس: الجازم أضعف من الجار، وإذا كان حذف حرف الجر وإبقاء عمله ضعيفًا فإن يضعف حذف الجازم وإبقاء عمله أولى وأحرى اهـ، نقله السيوطي.

(فرع): قال ابن جني: اتصال المجزوم بجازمه اشد من اتصال المجرور

تشييد المباني

۱۷۱

بجاره، وجواب الشرط أشد اتصالا بالشرط من جواب القسم، وذلك أن جواب القسم ليس بمعمول للقسم كما كان جواب الشرط معمولا للشرط، وإذا كان كذلك ولم يجز تقديم جواب القسم عليه مع كون القسم ليس عاملا في جوابه كان امتناع تقديم جواب الشرط عليه لكونه جوابا وكونه مجزوما بالشرط أجدر».

(فائدة): قال ابن إياز: إن قيل حرف الجزم أضعف من حرف الجر، وحرف الجر لا يعمل في شيئين، فكيف عملت «إنْ» في شيئين؟ قيل: الفرق بينهما الاقتضاء، فحرف الجر لما اقتضى واحدًا عمل فيه وحرف الجزم لما اقتضى اثنين عمل فيهما. (مسألة): قال ابن هشام ( بعض الجمل لا تصح أن تقع شرطًا، وذلك يقتضي عدم ارتباط طبيعي بينها وبين أداة الشرط، فاستعين على إيقاعها جوابًا له برابط وهو الفاء أو ما يخلفها، وهذا كمعنى التعدية». اهـ

(مسألة): قال ابن هشام كما تربط الفاء الجواب بشرطه، كذلك تربط شبه الجواب بشبه الشرط، وذلك في نحو الذي يأتيني فله درهم» وبدخولها فهم ما أراده المتكلم من ترتيب لزوم الدرهم على الإتيان ولو لم تدخل احتمل ذلك وغيره، وهذه الفاء بمنزلة لام التوطئة في نحو: لَإِنْ أُخْرِجُوا لَا يَرْجُونَ مَعَهُمْ ﴾ [الحشر: ۱۲] في إيذانها بما ارتاده المتكلم من معنى القسم». اهـ الخصت جميع ذلك من "الأشباه والنظائر". (فائدة): شرط الجواب الإفادة، فلا يكون بما لا يفيد كخبر المبتدأ، فلا

۱۷۲

النحو

يجوز إن يقم زيد يقم كما لا يجوز في الابتداء زيد زيد، فإن دخله معنى يخرجه للإفادة جاز نحو: «إن لم تطع الله عصيت»، أريد به التنبيه على العقاب فكأنه قال: وجب عليك ما وجب على العاصي، ومنه: «فَمَن كانت هِجْرَتُهُ إلى الله ورَسُولِهِ فِهِجْرَتُهُ إلى الله ورَسُولِهِ...» الحديث.

(مسألة): في جواز حذف الفاء من الجواب أقوال: أحدها: يجوز ضرورة واختيارًا نقله أبو حَيَّان عن الأخفش وبعض

النحويين، وخرج عليه وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمَشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: ١٢١]. ثانيها: المنع في الحالين، قال أبو حَيَّان في محفوظي قديما أن المبرد منع من

حذف الفاء في الضرورة، وأنه زاعم في قول عبد الرحمن بن حسان: من يفعل الحَسَناتِ اللهُ يَشْكُرُها والشَّرُّ بالشَّرُ عندَ اللهِ مِثلانِ أن الرواية من يفعل الخير فالرحمن يشكره، قال : وهذا ليس بشيء ا تقدير صحة الرواية لا يطعن ذلك في الرواية الأخرى.

لأنه على

ثالثها: وهو الأصح يجوز ضرورة ويمتنع في السعة، وهو مذهب سيبويه. وقال ابن مالك: يجوز في النثر نادرا، ومنه حديث اللقطة: «فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها انتهى من "الهمع".

(تتمة): قال البصريون لأداة الشرط الصدر فلا يسبقها معمول معمولها، ولا فعل الجواب عليها؛ لأنها عندهم كأداة الاستفهام وما النافية ونحوهما مما له الصدر، ولا يعمل ما قبلها فيما بعدها، وإنما تقع مستأنفة أو مبنية على ذم خيرا ونحوه، وجوز الكسائي تقديم معمول فعل الشرط أو الجواب على الأداة

تشييد المباني

۱۷۳

نحو: اخيرا إن تفعل يُثبك «الله»، و «خيرا إن تُصب». قال أبو حَيَّان وتحتاج إجازة هذا التركيب إلى سماع من العرب غير معمول الجواب المرفوع، فإنه يجوز تقديمه نحو: «خيرا إن أتيتني تصب»، وسوغ ذلك أنه ليس فعل جواب حقيقة، بل هو في نية التقديم والجواب محذوف. قال أكثر البصريين ولا الجواب أيضًا لأنه ثان أبدا من الأول متوقف عليه، وقال الأخفش: يجوز تقديمه عليها كمذهب الكوفيين ماضيا كان أو مضارعا، وقال المازني: يجوز تقديم الجواب إن كان مضارعا ويمتنع إن كان ماضيا، وقال غيره: يجوز تقديمه إن كانا ماضيين.

(مُهمَّة): يحذف الجواب لدليل كقوله تعالى : ابن ذُكِرْتُم ﴾ [يس: ١٩] أي: تطيرتم، وقوله: ﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ ﴾ [الأنعام: ٣٥] الآية، أي: فافعل، فحذف لتقدم شبهه على الأداة، ولتقدم جواب قسم يدل عليه، ويحذف الشرط وهو أقل من حذف الجواب، نص عليه ابن مالك في "شرح الكافية"، ومنه وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ ﴾ [التوبة: ٦] وقولهم: إن خيرًا فخير وقيل إنما يجوز حذفه إن عوض منه لا، وعليه الأبذي وابن عصفور كقوله الأحوص:

فطلقها فلست لها بكفءٍ وإِلَّا يَعْلُ مَفْرَقَكَ الحُسامُ قال أبو حَيَّان وليس بشيء؛ لأنها لو كانت عوضًا من الفعل المحذوف لم يجز الجمع بينهما مع أنه يجوز. ويحذفان أنه يجوز. ويحذفان مع أنَّ دون سائر الأدوات، واختصت

١٧٤

النحو

بذلك لأنها أم الباب، ولأنه لم يرد في غيرها كقول رؤبة :

قالت بناتُ الحَيّ: يا سَلْمَى وإن كان فَقِيرًا مُعْدَمَا، قَالَتْ: وَإِنْ وقيل: حذفهما ضرورة قاله ابن مالك، قال أبو حَيَّان: وتبع فيه ابن عصفور، قال: ولم ينص غيرهما على أنه ضرورة بل أطلقوا الجواز إذا فهم المعنى. انتهى من "الهمع ". ملخصا. (فائدة): لا يجوز حذف أداة الشرط ولو «إن» في الأصح، كما لا يجوز حذف غيرها من الجوازم ولا حذف حرف الجر ، وجوز بعضهم حذف إن، فيرتفع الفعل وتدخل الفاء إشعارًا بذلك وخرج عليه قوله تعالى:

تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَوةِ فَيُقْسِمَانِ ﴾ [المائدة: ١٠٦].

(مسألة): إن توالى شرطان فصاعدًا من غير عطف فالأصح أن الجواب للسابق، ويحذف جواب ما بعده لدلالة الأول وجوابه عليه، ومنهم من جعل الجواب للأخير، وجواب الأول الشرط الثاني وجوابه، وجواب الثاني الشرط الثالث وجوابه وهكذا على إضمار الفاء، فإذا قال: «إن جاء زيد إن أكل زيد إن ضحك فعبدي حر»، فعلى الأصح الضحك أول ثم الأكل ثم المجيء فإذا وقعت على هذا الترتيب عتق وعلى مقابله عكسه فإذا وقع المجيء ثم الأكل ثم الضحك لزم العتق فإن كان العطف فالجواب لهما معا ومنه وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ ﴾ [محمد: ٣٦] الآية. قاله السيوطي.

(خاتمة): إذا انقضت جملتا الشرط والجواب ثُمَّ جئت بمضارع مقرون

بالفاء أو الواو فلك جزمه بالعطف على الجواب، ورفعه على الاستئناف،

تشييد المباني

۱۷۵

ونصبه بأن مضمرة وجوبًا وهو قليل.

قرأ عاصم وابن عامر فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [البقرة: ٢٨٤] بالرفع وباقيهم

بالجزم وابن عباس بالنصب، وقرئ بهنَّ أيضًا في قوله تعالى: ﴿ مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ ﴾ [الأعراف: ١٨٦].

وإذا توسط المضارع المقرون بالفاء أو الواو بين الجملتين فالوجه الجزم بالعطف على الشرط ويجوز النصب.

ونقل عن الكوفيين أنهم أجروا ثم مجرى الفاء والواو، واحتجوا بقراءة بعضهم: وَمَن يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله ﴾ [النساء: ١٠٠] بنصب يدركه وهي قراءة شاذة، وقد قرئ بالرفع وهي قراءة طلحة بن سليمان، والجزم قراءة الجماعة. وهذه القراءات لم يثبت

البصريون بها حكما لندورها. انتهى ملخصا من "التوضيح" وشرحه.

١٧٦

النحو

(باب مرفوعاتِ الأسماء)

من إضافة الصفة إلى الموصوف، أو من الإضافة البيانية، أو الإضافة على معنى من وعلى كل تخرج المرفوعات من الأفعال، لأنها تقدمت في قوله: «وهو | مرفوع أبدا»، وإنما بدأ بالمرفوعات لأنها عمد؛ والعمدة عبارة عما لا يسوغ حذفه إلا بدليل يقوم مقام اللفظ به، وجعل إعرابها الرفع لأنه ثقيل وهي قليلة أي: أقل وجودًا من المنصوبات والمخفوضات إذ هي للمبتدأ والخبر والفاعل ويدخل في العمد ما هو عمدة في المعنى كمفعولي ظن، وما نصب بغيرها من

النواسخ، والفاعل المجرور بالباء نحو وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: ٧٩]. وقوله: «مرفوعات»، يحتمل أن يكون جمع مرفوع بمعنى لفظ مرفوع، وأن يكون جمع مرفوعة بمعنى كلمة مرفوعة، وعلى هذا الثاني فلا يشكل جمعه جمع مؤنث، وأما على الأول فقال ابن هشام: «إنما جاز جمع المرفوع والمنصوب والمخفوض بالألف والتاء وإن كانت مذكرة؛ لأنها صفة للفظ وصفة ما لا يعقل

يجوز ذلك فيه بقياس نحو قوله تعالى: اشْهُرُ مَعْلُومَتُ ﴾ [البقرة: ۱۹۷] . اهـ قال المؤلف: المرفوعاتُ سبعة وهي: الفاعل، والمفعول الذي لم يُسَمَّ فاعله والمبتدأ وخبره، واسم كان وأخواتها، وخبر إن وأخواتها، والتابع

للمرفوع وهو أربعة أشياء: النَّعْتُ والعَطْفُ والتوكيدُ والبَدَلُ). قوله: «المرفوعاتُ سبعة وهي: الفاعل، والمفعول الذي لم يُسَمَّ فاعله» وهي عبارة المتقدمين، وعبارة المتأخرين النائب عن الفاعل، قالوا: وهي أحسن لما

سيأتي.

تشييد المباني

۱۷۷

والمبتدأ وخبره، واسم كان وأخواتها» والمراد بأخواتها نظائرها في العمل،

فتدخل أفعال المقاربة وما ولا ولات وإن المشبهات بليس؛ لأن أسماء من مرفوعة ككان.

وخبر إن وأخواتها والمراد بأخواتها نظائرها في العمل، فتدخل «لا النافية

للجنس؛ لأن خبرها مرفوع ونحوها مما ينصب المبتد أويرفع الخبر. والتابع للمرفوع وهو أربعة أشياء وقيل: ستة بجعل التوكيد اللفظي قسما واحدا، والتأكيد المعنوي كذلك والحق أنها خمسة وهو قول الزجاجي

وغيره، وتبعه المصنف بإدراج عطفي البيان والنسق تحت وعطف البيان. النعت والعطف عطف النسق والتوكيد والبدل» ويشكل عليه نحو

قام قام زيد»، و «نعم «نعم» و «لا لا»؛ فإنها مشتملة على التوكيد ولا تبعية في

شيء منها. ودليل الحصر في الخمسة أن التابع إما أن يتبع بواسطة حرف أو لا، الأول عطف النسق والثاني إما أن يكون على نية تكرار العامل أو لا، الأول البدل والثاني إما أن يكون بألفاظ مخصوصة أو لا، الأول التوكيد والثاني إما أن يكون

بالمشتق أو لا، الأول النعت والثاني عطف البيان، قاله في "التصريح". واعلم أن جمهور النحاة لم يحدوا التابع لأنه محصور بالعدد فلا يحتاج إلى

حد، وحده ابن مالك في "التسهيل" بقوله: «ما ليس خبرًا من مشارك». ولما فرغ من ذكرها مجملة أخذ يتكلم عليها مفصلة على ترتيب ما أجمله مقدما، الأول فالأول، فقال:

۱۷۸

النحو

(باب الفاعل)

(مقدمة): اختلفوا في أصل المرفوعات فقيل المبتدأ والفاعل فرع عنه، وهو مذهب سيبويه وابن السراج، ووجهه أنه مبدوء به في الكلام وأنه لا يزول عن كونه مبتدأ وإن تأخر، والفاعل تزول فاعليته إذا تقدم، وأنه عامل معمول، والفاعل معمول لا غير وقيل الفاعل أصل والمبتدأ فرع عنه وهو مذهب

الخليل.

قال ابن يعيش وعليه حذاق أصحابنا اليوم، ووجهه أنَّ عامله لفظي وهو أقوى من عامل المبتدأ المعنوي، فإنه إنما رفع للفرق بينه وبين المفعول، وليس المبتدأ كذلك، والأصل في الإعراب أن يكون للفرق بين المعاني، وقيل: كلاهما أصلان وليس أحدهما محمولا على الآخر ولا فرعًا عنه، واختاره الرضي ونقله عن الأخفش وابن السراج ورجّحه السيوطي، وإلى هذا الخلاف أشار في " الفريدة" بقوله:

واختلفوا فيما لـــه التأصل في الرفـع هـــل مبتدأ أو فاعل وجة كل باتجاه يحلُو مِنْ ثَمَّ قال البعضُ كُل أصل

قال أبو حَيَّان: وهذا الخلاف لا يُجدِي.

(فائدة): قال المصنف : الفاعل لغةً من أوجد الفعل، واصطلاحًا: اسم أو ما في تأويله، أسند إليه فعل أو ما في تأويله، مُقدَّم أصلي المحل والصيغة.

فالاسم نحو: تبارك الله»، والمؤول به نحو: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا

[العنكبوت: ٥١].

تشييد المباني

۱۷۹

والفعل كما مثلنا ومنه أتى زيد»، و«نعم» الفتى»، ولا فرق بين المتصرف والجامد والمؤوّل بالفعل نحو : تُختَلِفُ أَلْوَانُهُ ﴾ [النحل: ٦٩] نحو منيرا

وجهه، ومقدم رافع لتوهم دخول نحو زيد قام» في حد الفعل، وأصلي المحل مخرج لنحو: «قائم زيد»، فإنَّ المسند وهو قائم أصله التأخير لأنه خبر، وذكر أصالة الصيغة مخرج لنحو: ضرب زيد ، بضم أول الفعل وكسر ثانيه فإنها صيغة مفرعة عن ضرب بفتحهما . اهـ قاله ابن هشام.

(تنبيه): اختلف في رافع الفاعل على أقوال: أحدها: أنه العامل المسند إليه من فعل أو ما ضمن معناه كما فهم من الحد؛ لأنه طالب له وهو مذهب الجمهور.

الثاني: أن رافعه الإسناد، فيكون العامل معنويا، وهو مذهب ابن هشام. الثالث: شبهه بالمبتدأ، من حيث أنه يخبر عنه بفعله كما يخبر عن المبتدأ بالخبر. الرابع: كونه فاعلا في المعنى، وهو مذهب خلف كما نقله أبو حَيَّان. أن يرتفع بإحداثه الفعل نقله ابن عمرون عن قوم من

الخامس:

الكوفيين.

(تنبيه) : للفاعل أحكام سبعة:

أحدها: الرفع لأنه عمدة، إذ لا يستغنى الكلام عنه وقد يجر لفظا بإضافة المصدر نحو: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ } [الحج: ٤٠]، أو اسمه نحو: «مِنْ قُبلة الرجل امرأته الوضوء»، أو بمن أو الباء الزائدتين نحو : أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بشير ﴾ [المائدة: ١٩] ونحو: وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: ٧٩] ونحو: هَيْهَاتَ

۱۸۰

النحو

هيهاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ﴾ [المؤمنون: ٣٦].

الثاني وقوعه بعد المسند، فإن وجد ما ظاهره أنه فاعل تقدم وجب تقدير الفاعل ضميرًا مستترا، وكون المقدم إما مبتدأ في نحو: زيد قام، وإما فاعلا محذوف الفعل في نحو: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ ﴾ [التوبة: 1]

وجاز الأمران في نحو : أبشر هدُونَا ﴾ [التغابن: ٦] والأرجح الفاعلية. (فائدة): أجاز الكوفيون تقديم الفاعل على المسند، مستدلين بقول الزباء: ما للجمال مَشْبُها وَئِيدًا أَجَنْدَلًا يحْمِلْنَ أَمْ حَدِيدًا عند البصريين ضرورة، أو مشيها» مبتدأ حذف خبره، أي: يظهر وئيدا. الثالث: من أحكامه أنه لا بد منه لأن المسند حكم، ولا بد للحكم من

وهو

:

محكوم عليه، فإن ظهر في اللفظ نحو قام زيد فذاك، وإلا فهو ضمير مستتر إما راجع المذكور كزيد قام أو لما دل عليه الفعل نحو: «لا يزني الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَشْرَبُ الخَمْرَ حين يَشْرَبُها وهو مُؤْمِنٌ».

الرابع: من أحكامه أنه يصح حذف فعله جوازا إن أجيب به نفي كقولك: بلی زيد» لمن قال: «ما قام أحد»، ومنه قوله:

تجلدتُ حتى قيل لم يَعْرُ قلبَهُ من الوجد شيء قلتُ: بل أعظمُ الوَجدِ

أو استفهام محقق نحو: نعم زيد جوابًا لمن قال: «هل قام أحد؟». الخامس: من أحكامه أن فعله يوحد مع تثنيته وجمعه كما يوحد مع إفراده، قال الله تعالى: ﴿ قَالَ رَجُلَانِ ﴾ [المائدة: ۲۳] وَقَالَ الظَّالِمُونَ ﴾ [الفرقان: ۸] وَقَالَ نِسْوَةٌ ﴾ [يوسف: ٣٠].

تشييد المباني

۱۸۱

(فائدة): حكى البصريون عن طيء وبعضهم عن أزد شنوءة نحو: ضربوني قومك»، و «ضربتني نسوتك»، وضرباني أخواك»، والصحيح عند سيبويه ومن تبعه أن الألف والواو والنون أحرف دلوا بها على التثنية والجمع، كما دل جميع العرب بالتاء في قامت على التأنيث.

السادس من أحكامه أنه إن كان مؤنثنا أُنتَ فِعْلُه بناء ساكنة في آخر

الماضي، وبتاء المضارعة في أول المضارع ويجب ذلك في مسألتين: إحداهما : أن يكون ضميرًا متصلا لغائبة حقيقية التأنيث أو مجازيته «كهند قامت أو تقوم»، و «الشمس طلعت أو تطلع»، بخلاف الضمير المنفصل نحو: ما قام أو ما يقوم إلا هي ويجوز تركها في الشعر إن كان التأنيث مجازيًا كقول عامر بن جوين الطائي: فلا مُزنَةٌ وَدَقَتْ وَدُقَهَا ولا أرضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَا

الثانية: أن يكون متصلا بالفعل حقيقي التأنيث نحو: إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ

[آل عمران: ٣٥].

(فائدة): حكى سيبويه عن بعض العرب قال فلانة قال ابن هشام هو رديء لا ينقاس؛ فيقتصر فيه على السماع، وإنما جاز في الفصيح: نعم المرأة،

وبئس المرأة؛ لأن المراد جنس.

(مسألة): يجوز التذكير والتأنيث في مسألتين:

إحداهما : المؤنث الحقيقي الظاهر المنفصل من الفعل، كقول جرير :

لقد وَلَدَ الأُخَيطِلَ ام سوء على بابِ اسْتِهَا صُلُبٌ وشَامُ

۱۸۲

النحو

والتأنيث أكثر إلا إن كان الفاصل (إلا) فالتأنيث خاص بالشعر، نص عليه

الأخفش، وأنشد على التأنيث

ما برئتْ مِنْ رِيبةٍ وذَمّ في حربنا إلَّا بنـــات العــــم

وجوزه ابن مالك في النثر.

الثانية: المجازي التأنيث نحو: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [القيامة : ٩]. قال ابن هشام ومن مجازي التأنيث اسم الجنس واسم الجمع والجمع، لأنها في معنى الجماعة والجماعة مؤنث مجازي فلذلك جاز التأنيث نحو: وكَذَبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ﴾ [الحج: ٤٢] وقالَتِ الْأَعْرَابُ ﴾ [الحجرات: ١٤] و «أورقت الشجر». والتذكير نحو أورق الشجر»، و«كذب به قومك»، وقال نسوة»، و «قال الرجال»، و «جاء الهنود». انتهى كلامه. (فائدة) : إنما لم يجب التأنيث مع المؤنث المجازي لأمرين:

أحدهما : أن التأنيث غير حقيقي فتضعف العناية به.

و الثاني: أنَّ هذا المؤنث في معنى المذكَّر فيحمل عليه كما حمل المذكر على المؤنث في: جاءتني كتاب زيد أي صحيفته. اهـ قاله الأزهري. (مُهمَّة ) : ينصب الفاعل شذوذًا إذا فهم المعنى، وسمع من كلامهم: «خَرقَ الثوب المسمار»، و«كسر الزجاجُ الحَجَرَ»، برفع أولهما ونصب ثانيهما، وجعله ابن الطراوة قياسا مطردًا، واستأنس له بعضهم بقراءة عبد الله بن كثير فَتَلَقَّى ءَادَمُ

من رَّبِّهِ كَلمت [البقرة: ٣٧] بنصب آدم ورفع كلمات وفيه نظر لإمكان حمله على الأصل؛ لأن من تلقى شيئًا فقد تلقاه الآخر». اهـ قاله الأزهري.

تشييد المباني

۱۸۳

(مسألة): أجاز الكسائي وهشام والسهيلي وابن النحاس حذف الفاعل

تمسكا بنحو : كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التراقي ﴾ [القيامة: ٢٦] ونحو قولهم: «إذا كان غدًا فاشي»، والجواب: أنَّ الفاعل في الآية ضمير راجع لما دلّ عليه الكلام أو الحال المشاهدة، وكذلك في المثل أي إذا بلغت الروح التراقي وإذا كان هو، أي: ما نحن الآن عليه من سلامة ولا حذف. قاله ابن هشام.

قلت: يطرد حذفه في أربعة مواضع:

الأول: في باب النائب عن الفاعل نحو: قُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ [يوسف: ٤١]. الثاني: في الاستثناء المفرغ نحو: «ما قام إلا زيد».

الثالث: في أفعل بكسر العين في التعجب، إذا دلَّ عليه متقدم مثله نحو: اسمع بهم وابصر [مريم: ۳۸].

الرابع: في مصدر نحو: ﴿ أَوْ إِطْعَهُ في يوم ذى مَسْفَبَةٍ يتيما ﴾ [البلد: ١٤ - ١٥]. (مسألة): اختلف في «نعم، وبئس» إذا أسند الفاعل، فالبصريون يقولون:

نعم الرجل، وبئس الرجل فعليتان.

والكسائي يقول : اسمان محكيان نقلاً عن أصلهما، وسمي بهما المدح والذم

كتأبط شرا» ونحوه. قاله في "الهمع".

قلت: واختلف في فعليتهما، فذهب البصريون والكسائي إلى أنهما فعلان بدليل اتصال تاء التأنيث الساكنة بهما عند جميع العرب، وفي الحديث: «من توضّاً يومَ الْجُمُعَةِ فيها ونِعْمَتْ».

وذهب الفراء والكوفيون غير الكسائي إلى أنهما اسمان بدليل دخول الجار

١٨٤

النحو

عليهما في قولهم: «والله ما هي بنعم الولد»، و«نعم السير على بئس العير» وعدم التصرف والمصدر.

وأجيب بأن الجار قد يدخل على ما لا خلاف في فعليته بتأويل موصوف مقدر، وبأن عدم التصرف والمصدر لا يدلان على الاسمية بدليل ليس وعسى. واعلم أنَّ المصنف رحمه الله لم يحد الفاعل بل رسمه ببعض خواصه فقال: الفاعل هو: الاسم المرفوع المذكورُ قبلَهُ فِعَلَهُ. وهو على قسمين: ظاهر، ومُضمَر. فالظاهر نحو قولك قام زيد، ويقوم زيد، وقام الزيدانِ، ويقومُ الزَّيدانِ، وقامَ الزيدون، ويقوم الزيدون، وقام الرجال، ويقوم الرجال، وقامت هند، وتقوم هند، وقامت المندان، وتقوم الهندان، وقامت الهنداتُ، وتقوم الهنداتُ، وقامت الهنُودُ، وتقوم الهنود، وقامَ أخوك، ويقوم أخوك، وقامَ غُلامي، ويقومُ غُلامي، وما أَشبَهَ ذلك. والمضمر اثنا عشر، نحو قولك: ضَربْتُ، وضربْنَا، وَضَرَبْتَ، وَضَرَبْتِ، وضربتها، وضربْتُم، وضَرَبْتُنَّ وضَرَبَ وضَرَبَتْ، وضَرَبَا، وَضَرَبُوا، وَضَرَبْنَ). هو الاسم المرفوع المذكور قبله «فعله ذلك لأن الرفع وكونه مذكورًا قبله فعله خارجان عن حقيقة الفاعل، فإن قلت قد توجد هذه الخاصة في غيره

كاسم كان وأخواتها فالتعريف غير كافٍ.

قلت: قال أبو النجا: «الخاصة قسمان:

مطلقة

للإنسان.

وهي ما يختص بالشيء بالنظر إلى جميع ما وراءه، كالضاحكا

وإضافية: وهي تختص بالشيء بالنظر إلى بعض أغياره كالماشي للإنسان وهي المرادة هنا لأن ما ذكره من كونه مذكورًا قبله فعله يخص الفاعل بالنسبة

تشييد المباني

۱۸۵

إلى بعض أغياره، كالمبتدأ دون بعض كاسم كان وأخواتها، فالتعريف كاف كما

صوبه السيد». اهـ

قلت: تعبير المصنف بـ«المذكور قبله فعله»، مصير منه إلى مذهب

البصريين، من عدم جواز تقدم الفاعل على فعله.

(تنبيه) الفاعل كجزء من أجزاء الفعل والدليل على ذلك أمور: منها: أن آخر الفعل يسكن لضمير الفاعل لئلا يتوالى أربع متحركات

ک «ضربت، وضربنا»، ولم يسكنوه مع ضمير المفعول نحو: «ضربنا زيد»، لأنه في حكم المنفصل.

ومنها: أنهم لم يعطفوا على الضمير المتصل المرفوع من غير توكيد الجريانه

مجرى الجزء من الفعل واختلاطه به.

ومنها: أنهم وصلوا تاء التأنيث بالفعل دلالة على تأنيث الفاعل فكان

كالجزء منه.

ومنها: أنهم نسبوا إلى «كنت فقالوا: «كنتي ولولا جعلهم التاء كجزء من الفعل لم تبق مع النسب.

ومنها: امتناعهم من تقدم الفاعل على الفعل كامتناعهم من تقدم بعض

حروفه.

ومنها: أنهم جعلوا حبَّذا بمنزلة جزء واحد لا يفيد مع أنه فعل وفاعل.اهـ مختصرا من "الأشباه".

(مُهمَّة): الأصل تقديم الفاعل وتأخير المفعول، وإنما كان الأصل في الفعل التقديم لأنه يتنزل من الفعل منزلة الجزء ولا كذلك المفعول، وهذا هو

١٨٦

النحو

الحكم السابع من أحكام الفاعل، وقد يجاء بخلاف الأصل، وكل من الأصل وعكسه جائز وواجب، فأما جواز الأصل فنحو: وَوَرِثَ سُلَيْمَنُ دَاوُدَ

[النمل: ١٦].

وأما وجوبه ففي مسألتين:

إحداهما : أن يخشى اللبس نحو: ضرب موسى عيسى قاله ابن السراج والجزولي وابن عصفور وابن مالك، ونازعهم ابن الحاج في نقده على "المقرب" بأن سيبويه لم يذكر في كتابه شيئًا من هذه الأغراض الواهية، محتجا بما يُعلم مراجعته من "التصريح".

.

الثانية: أن يحصر المفعول بإنا نحو : إنما ضرب زيد عمرا»، فيجب تقديم الفاعل إجماعا، وكذا الحصر بـ (إلا) عند الجزولي وجماعة من المتأخرين، فإنهم أوجبوا تأخير المفعول المحصور بـ (إلا) نحو ( ما ضرب زيد إلا عمرا». وأجاز البصريون والكسائي والفراء وابن الأنباري تقديم المفعول على الفعل كقول دعبل الخزاعي: وما أبى إلا جماحـــا فــؤاده ولم يَسلُ عن ليلى بمال ولا أهل انتهى من "التوضيح" وشرحه.

قلت: من وجوب الأصل أيضًا إذا كان الفاعل ضميرًا غير محصور نحو: «ضربت زيدًا وأكرمتك» ؛ لأن الفصل يؤدّي إلى انفصال الضمير مع إمكان اتصاله، وكان الأولى للموضح أن يجعل هذه المسألة هي الثانية بدل المحصور لأن المحصور بإنما)) وكذا بالأعلى الأصح يجب تأخيره فاعلا كان أو مفعولا، فتأمل.

تشييد المباني

۱۸۷

وأما جواز توسط المفعول فنحو فَلَمَّا جَاءَ عَالَ لُوطٍ ﴾ [الحجر: ٦١] ، وأما وجوبه ففي مسألتين:

إحداهما: أن يتصل بالفاعل ضمير المفعول نحو: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِمَ رَبُّهُ

[البقرة: ١٢٤].

الثانية: أن يكون المفعول ضميرًا والفاعل ظاهرا نحو: «ضربني زيد». (تنبيه): يتقدَّم المفعول على الفعل والفاعل معا جوازا نحو: فَفَرِيقًا

كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: ٨٧]، ووجوبا في مسألتين:

إحداهما : أن يكون له الصدر نحو: «فَأَى ءَايَتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ ﴾ [غافر: ۸۱]. الثانية: أن يقع . عامله بعد الفاء الجزائية في جواب إما ظاهرة أو مقدرة، وليس له منصوب غيره مقدم عليها نحو : وَرَبَّكَ فَكَبَر [المدثر: ٣]، ونحو: فأما اليتيم فلا تقهر } [الضحى: 9]. قاله ابن هشام.

«وهو» أي: الفاعل على قسمين: ظاهرٍ ومضمر» «فالظاهر» يرفعه الماضي والمضارع إذا أسند إلى غائب ولا يرفعه الأمر «نحو قولك: قام زيد ويقوم زيد» للمفرد وقامَ الزيدان ويقوم الزيدان» للمثنى وقام الزيدون ويقوم الزيدون» لجمع المذكر السالم وقام الرجال ويقوم الرجال» لجمع

التكسير.

وقامت هند وتقوم هند، وقامت الهندان وتقوم الهندان، وقامت الهندات

وتقوم الهندات، وقامت الهنود وتقوم الهنود».

وقام أخوك ويقوم أخوك» للأسماء الخمسة وقام غلامي ويقوم غلامي

۱۸۸

النحو

وما أشبه ذلك» وقس على هذا ما أشبهه.

والمضمر» ما كني به عن الظاهر اختصارًا وهو «اثنا عشر» ضميرًا متصل ومنفصل، والمتصل اثنا عشر أيضًا اثنان للمتكلم وخمسة للمخاطب، وخمسة

للغائب.

فالمتكلم و وحده نحو قولك: ضربتُ بضم التاء، وله معه غيره أو المعظم نفسه «ضربنا» بسكون الباء.

وللمخاطب «ضَرَبْتَ» بفتح التاء، وللمخاطبة «ضَرَبْتِ» بكسر التاء، وللمخاطبين مذكرين كانا أو مؤنثين ضَرَبْتُما» بضم التاء، والجمع الذكور

المخاطبين «ضربتُم» بضم التاء، وللمخاطبات «ضربتُنَّ» بضم التاء.

وللغائب «ضَرَبَ»، وللغائبة المؤنثة ضَرَبَتْ»، وللغائبين المذكرين «ضَرَبا»، وللغائبتين «ضَرَبَنَا»، والجمع المذكر الغائب «ضَرَبُوا»، والجمع الإناث

الغائبات «ضَرَبْنَ».

(تنبیهان):

الأول: بقي من أقسام المتصل ياء المؤنثة المخاطبة نحو: تقومين يا هند، وقومي يا بكر.

الثاني: ما ذكره المصنف من الضمائر على قسمين: بارز ومستتر، فالمستتر في

«ضرب» للغائب و ضربت للغائبة، والبارز فيما عداهما. والمنفصل اثنا عشر أيضًا، نحو: ما قام إلا أنا، وما قام إلا نحن، وما قام إلا أنت، وما قام إلا هو، وما قام إلا هي، وما قام إلا هما، وما قام إلا هم، وما قام إلَّا هنَّ، وقس عليه ما أشبهه.

تشييد المباني

۱۸۹

(تنبيه): إذا كان الفاعل والمفعول ضميرين ولا حصر في إحداهما وجب تقديم الفاعل «كأكرمته».

(تتمة): يتنزل منزلة الفعل ما هو في تأويله وهو عشرة ألفاظ :

اسم الفاعل نحو: « أقائم الزيدان».

والصفة المشبهة نحو زيد حسن وجهه.

والمصدر نحو عجبت من ضرب زيد عمرا.

واسم الفعل نحو: هيهات العقيق».

والظرف والجار والمجرور نحو زيد عندك أبوه أو في الدار غلاماه». وأفعل التفضيل نحو: «مررت بالأفضل أبوه».

واسم المصدر نحو عجبت من عطاء الدنانير زيد». وأمثلة المبالغة نحو: «أضراب زيد؟».

واسم المفعول نحو: «أمضروب الزيدان؟».

والمنسوب إليه نحو: «رجل قرشي أبوه».

(تكملة): قال ابن النحاس: «المضمر والمظهر من جهة التقديم والتأخير

على أربعة أقسام:

أحدها: أن يكون الظاهر مقدمًا على المضمر لفظا ورتبة نحو: «ضرب زيد

غلامه .

الثاني: أن يكون الظاهر مقدمًا على المضمر لفظاً لفظا دون رتبة نحو: «ضرب

زيدا غلامه». الثالث: أن يكون الظاهر مقدمًا على المضمر رتبة دون لفظ نحو: ضرب

۱۹۰

النحو

غلامه زيد»، فهذه الثلاثة تجوز بالإجماع.

الرابع: أن يكون الظاهر مؤخرًا لفظا ورتبة نحو: «ضرب غلامه زيد»، فهذا أكثر النحاة لا يجيزه لمخالفته باب الضمائر ومنهم من أجازه».اهـ، نقله

السيوطي. (تذنيب): قال أبو الحسن بن أبي الربيع الإسناد والبناء والتفريع والشغل ألفاظ مترادفة المعنى واحد؛ يدلك على ذلك أن سيبويه قال: الفاعل شغل به الفعل، وقال في موضع فرع له وفي موضع بني له، وفي موضع: أسند له؛ لأنها كلها في معنى واحد ، نقله في "الأشباه".

تشييد المباني

۱۹۱

باب المفعول الذي لم يُسمَّ فاعله

قال المؤلف: (وهو الاسم المرفوع الذي لم يذكر معه فاعله) (مسألة): مما يطرد حذف الفاعل فيه هذا الباب كما تقدم، قال ابن

النحاس: «وحذفه هنا غير مراد» . اهـ

قلت: وها هنا إشكال وهو أن يقال قد مرَّ في باب الفاعل من جملة : أحكامه: لا يحذف لأنه عمدة، فكيف يحذف هنا وهو غير مراد؟ والجواب: أنه لا يحذف إذا أريد بقاء الفعل على صيغته الأصلية.

(فائدة): ترجم المصنف تبعا لجمهور النحاة بالمفعول الذي لم يسم فاعله، وخالف ابن مالك فترجم بالنائب عن الفاعل، قال أبو حَيَّان: لم أرَ مثل هذه الترجمة لغير ابن مالك والمعروف المفعول الذي لم يسم فاعله، قالوا: وترجمة ابن مالك أشهر، ولأن ترجمة الجمهور لا تشمل ما ينوب غير المفعول كالظرف والمجرور، مع أنهما مقصودان وتصدق على دينارًا» من قولك: «أعطي زيد دينارًا لأنه مفعول لم يسم فاعله مع أنه غير مقصود، وقد أجيب عن ذلك بما

لا حجة فيه.

(تتمة): يحذف الفاعل لغرض من الأغراض، كالعلم به نحو: كتب

علَيْكُمُ الْقِتَالُ ﴾ [البقرة: ٢١٦].

أو للجهل به كـ «سُرِقَ المتاعُ» ، أو تعظيمه فيُصان اسمه عن أن يقترن باسم المفعول كقوله: «من بلي منكم بهذه القاذورات». أو تحقيره فيصان اسم المفعول عن مقارنته كقولك: «أوذي فلان إذا عظم وحقر من آذاه أو «خوف منه»

۱۹۲

النحو

أو خوف عليه فيستر ذكره، أو قصد إبهامه بأن لا يتعلق مراد المتكلم بتعيينه

نحو: فَإِنْ أَحْصِرتُمْ ﴾ [البقرة: ٦١٩].

أو إقامة وزن الشعر كقوله:

وإذا شَرِبتُ فإننّي مُسْتَهلِك مالي وعرضي وافر لم يُكلم أو إصلاح السجع نحو: من طابت سريرته حمدت سيرته»، أو قصد الإيجاز نحو: وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بَغَى عَلَيْهِ ﴾ [الحج: ٦٠] فينوب عنه المفعول به فيما له من رفع وعمدية ووجوب تأخير وامتناع حذف وينزل منزلة الجزء. اهـ قاله في "الهمع".

والنائب «هو الاسم» الصريح نحو: وَقُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ [البقرة: ٢١٠] أو

المؤول به نحو: قُل أُوحِيَ إِلَى أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرُ ﴾ [الجن: 1].

«المرفوع» وجوبًا لقيامه مقام الفاعل كما تقدَّم، «الذي لم يُذْكَرْ معه فاعِلُه»

بأن ترك ولم يقصد فلم يحتج إلى ذكر فاعل له لا لفظا ولا تقديرًا. (تنبيه): إن كان الفعل مما يتعدَّى لأكثر من واحدٍ فإن كان من باب

«أعطي ففي إقامة المفعول الثاني عن الفاعل دون الأول أقوال: أصحها وعليه الجمهور الجواز إذا أمن اللبس، والأحسن إقامة الأول

والمنع إذا لم يؤمن فينوب الأول. الثاني: المنع مطلقا.

والثالث: المنع إن كان نكرة والأول معرفة؛ لأن المعرفة بالرفع أولى، وعزاه

أبو ذر الخشني للفارسي.

تشييد المباني

۱۹۳

والرابع: أنه قبيح حينئذ، أي: إذا كان نكرة والأول معرفة، فإن كان معرفة

كالأول كانا في الحسن سواء، وعُزي للكوفيين.

وإن كان من باب «ظن» أو «أعلم» ففيه أيضًا أقوال:

أحدها: الجواز إذا أمن اللبس ولم يكن جملة ولا ظرفًا، مع أن الأحسن إقامة الأول، والمنع إن حصل اللبس، أو كان جملة أو ظرفًا، وصححه طلحة

وابن عصفور وابن مالك.

و الثاني: المنع مطلقا وتعين الأول؛ لأنه مبتدأ في الأصل وهو لشبه الفاعل

فكان بالنيابة عنه أولى واختاره الجزولي والخفراوي.

الثالث: الجواز بالشروط السابقة، وبشرط أن لا يكون نكرة.

وإن كان من باب اختار» ففيه قولان:

أصحهما كما قال أبو حَيَّان تعين الأول وهو ما تعدى إليه بنفسه وامتناع إقامة الثاني وعليه الجمهور، وجوز الفراء وابن مالك إقامة الثاني، وأما الثالث: من باب «أعلم» فلا يجوز إقامته وقال الخفرواي وابن أبي الربيع بالاتفاق، لكن قال أبو حَيَّان ذكر صاحب "المخترع " جوازه، وعن بعضهم بشرط أن لا يلبس وهو مقتضى كلام السهيلي، وجزم به ابن هشام في "الجامع". انتهى ملخصا من "الهمع". ثم اعلم أنه لا بد من تغيير صيغة الفعل عن صيغة الفاعل وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: (فإنْ كانَ الفعل ماضيًا ضُمَّ أَوَّلَه وَكُسِرَ ما قبل آخرِهِ): تحقيقا ک ضُرِبَ» أو تقديرًا كـ«غِيضَ».

١٩٤

النحو

(وإن كان مضارعًا ضُمَّ أولُه وفُتح ما قبل آخره): تحقيقا كيُضرب أو

تقديرًا كيقال.

قال المؤلف: (وهو على قسمين: ظاهر ومضمر، فالظاهر نحو قولك: ضُرِبَ زيد) بضم الضاد وكسر الراء في الماضي.

( ويُضرب زيد) بضم الياء وفتح الراء في المضارع، ولا فرق بين أن يكون ثلاثيا كما مرَّ أو رباعياً نحو قولك: وأُكرِم عمرو» بضم الهمز وكسر الراء في

الماضي. ويُكرم عمرو» بضم الياء وفتح الراء في المضارع.

(تنبيه): إذا كان الماضي مبدوءا بتاء زائدة ضم ثانيه أيضًا، نحو: «تعلم» وتُدحرج»، وسواء كانت التاء للمطاوعة كما مثلنا أم لا كتضارب، وإن كان مبدوءا بهمزة الوصل فيضم أوله وثالثه، سواء متعديا أو لازما كانطلق

واستخرج. قال الأزهري : وفي جمل الزجاج لا يجوز أن يبني الفعل اللازم للمفعول عند أكثر النحويين» . اهـ وخصه أبو البقاء بما لا يتعدى بحرف جرّ ومثله بقام وجلس، وعلله بأنه

لو بني للمفعول لبقي الفعل خبرًا بغير مخبر عنه وذلك محال . اهـ (مُهمَّة): إذا كان الماضي معتل العين وهو ثلاثي كـ«قال» من الواوي وباع من اليائي، أو على وزن افتعل وانفعل كـ «اختار» من اليائي و«انقاد»

من الواوي، فقد سمع في فائه ثلاثة أوجه:

إخلاص الكسر نحو: قيل وبيع، ومنه قوله:

حيكت على نيرين إذ تُحاك تختبطُ الشَّوك ولا تُشَـاك

تشييد المباني

۱۹۵

إخلاص الضم نحو قول وبوع ومنه قول رؤبة :

ليتَ وهلْ يَنْفَعُ شَيْئًا لَيْتُ لَيْتَ شَبابًا بُوعَ فَاشْتَرَيْتُ

وهي !

لغة بني دبير وفقعس الإشمام: وهو الإتيان بالفاء بحركة بين الضم والكسر، ولا يظهر ذلك إلا في اللفظ. وقد قرئ في السبعة قوله تعالى: وَقِيلَ يَتَأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَتَسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء ﴾ [هود: ٤٤] بالإشمام في قيل» وغيض . اهـ قاله ابن عقيل

قلت: إخلاص الكسر لغة قريش، وإخلاص الضم لغة قليلة، وادعى ابن عذرة أنها ممتنعة في افتعل وانفعل، فلا يقال اختور وانقود، والمشهور الجواز وعليه ابن عصفور والأبذي وابن مالك.

قال المؤلف: والمُضْمَرُ نحو قولك: ضُرِبْتُ، وضُربتا، وضُربت، وضربت، وضربتها، وضُربتم، وضُربتنَّ، وضُرب ، وضُربت، وضُربا، وضُربوا، وضُربن). والمضمر» قسمان: متصل، ومنفصل. فالمتصل «نحو قولك: ضُرِبْتُ» بضم الضاد وكسر الراء للمتكلم وضُرِبْنا» للمتكلم ومعه غيره «ضُرِبْتَ» بفتح التاء للمخاطب «وضُرِبْتِ» بكسرها للمخاطبة «وضُرِبْتُما» للمثنى المخاطبين وضُرِبْتُم» لجمع المذكَّر المخاطب «وضُرِبْتُنَّ» لجمع الإناث المخاطبات وضُرِبَ» للغائب وضُرِبَتْ» بسكون التاء للغائبة «وضُرِبَا» للغائبين و«ضربوا» للغائبين «وضُرِبنَ» للغائبات.

والمنفصل نحو: «ما ضُرب إلَّا أنا»، «وما ضُرب إِلَّا نحن»، «وما ضُرب إلا أنت»، «وما ضُرب إلَّا أنت»، «وما ضُرب إلَّا أنتها»، «وما ضُرب إلا أنتم»، وما ضرب إلَّا أنتن»، «وما ضُرب إلَّا هو» ، «وما ضُرب إلا هي»، «وما

١٩٦

النحو

ضُرب إلَّا هما»، «وما ضُرب إِلَّا هم»، « وما ضُرب إِلَّا هنَّ». (مُهمَّة): ذهب الجمهور إلى أنَّ الفعل المبني للمفعول مغير من فعل

الفاعل فهو فرع عنه، وذهب الكوفية والمبرد وابن الطراوة إلى أنه أصل، ونسبه ابن مالك في شرح "الكافية" لسيبويه للزومه في أفعال لم ينطق لها بفاعل «كرهِيَ» وعُني»، قالوا: فلو كان فرعًا للزم أن لا يوجد إلا حيث يوجد الأصل. ورُدَّ بأنَّ العرب قد تستغني بالفرع عن الأصل بدليل أن وردت جموع لا مفرد لها كـ «مذاكير ونحوه. قال أبو حَيَّان وهذا الخلاف لا يجدي كبير فائدة. قاله في "الهمع". (تتمة): قال ابن عصفور في "المقرب": «الأفعال ثلاثة أقسام: قسم لا يجوز بناؤه للمفعول باتفاق وهو الأفعال التي لا تتصرف نحو: «نعم» وبئس»، وقسم فيه خلاف وهو كان وأخواتها المتصرفة، وقسم لا خلاف في جواز بنائه للمفعول وهو ما بقي من الأفعال المتصرفة». اهـ نقله في "الأشباه". قلت والأفعال التي لا تتصرف اليس» وعسى» و«نعم» و«بئس» و «حاشا» و «خلا» و «عدا» و «قلما» و «تبارك» و «هدك» و«سقط» و«كذب» في الإغراء و«يهيط» و «اهلم» و «اها» و «عم صباحًا» و«ينبغي» و«حبّذا» و«فعل التعجب.

والخلاف المشار إليه في «كان» موجود أيضًا في «كان وأخواتها»، ذهب الفارسي وابن السراج إلى منع بناء هذه الأفعال للمفعول، وذهب سيبويه والسيرافي والكوفيون إلى جوازه، قال أبو حَيَّان: «والذي نختاره مذهب

الفارسي، لأنه لم يسمع والقياس يأباه» . اهـ وحكى السيوطي صحته. و

.

تشييد المباني

(تكملة): اختلف في إقامة غير المفعول به مع وجوده على قولين:

أحدهما: عدم الجواز وعليه البصريون، لأنه شريك الفاعل.

۱۹۷

والثاني: الجواز وعليه الكوفيون والأخفش وابن مالك لوروده. قرأ أبو جعفر : لِيَجْزِى قَوْمَا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الجاثية: ١٤]، قال أبو حَيَّان: ونقل الدهان أن الأخفش شرط في جواز ذلك تأخر المفعول به في اللفظ، فإن

تقدم على المصدر أو الظرف لم يجز إلا إقامة المفعول به». انتهى من "الهمع". قلت: أما إن فقد المفعول به فلا خلاف في جواز إقامة غيره من مصدر أو ظرف أو مجرور. وشرط المصدر أن يكون متصرفا بخلاف سبحان الله ومعاذ الله لالتزام العرب فيه النصب، وأن لا يكون للتأكيد بخلافه في: قام زيد قياما لعدم الفائدة إذ المفهوم منه حينئذ غير المفهوم من الفعل، وسواء في الجواز الملفوظ به نحو «سير سير شديد، والمضمر الذي دل عليه غير الفعل نحو: بلى سير»، لمن قال: «ما سير سير شديد؟ فإن كان مدلولا عليه بالفعل كقولك: «جلس»، وأنت تريد هو أي جلوس لم يجز. قال أبو حَيَّان: وفي کلام ابن طاهر إشعار بجوازه. ولا يجوز إقامة وصف المصدر مقام المصدر الموصوف، فلا يقال : في «سير سير حثيث سير حثيث، بل يجب نصبه وأجازه الكوفيون. وشرط الظرف أن يكون بخلاف غيره، فلا يقال في: سرت وقتا سير وقت»، لعدم الفائدة ويجوز سير وقت صعب». وأن يكون متصرفا بخلاف ما لزم الظرفية كـ«عند» و«ثم» و«سحر»؛ لأن

۱۹۸

النحو

نيابته تخرجه عن الظرفية. وأجاز الكوفيون والأخفش نيابة غير المتصرف نحو: سير عليه سحر».

ولا يجوز نيابة الظرف المنوي وجوزه ابن السراج كالمصدر، وفي نيابة صفة الظرف الخلاف في نيابة صفة المصدر فالبصريون على المنع والكوفيون على الجواز.

وأما المجرور فإن جر بحرف زائد فلا خلاف في إقامته وأنه في محل رفع، وإن جر بغيره ففيه خلاف فمذهب الجمهور أن المجرور في محل رفع وهو

النائب، ومذهب الفراء أن النائب حرف الجر وحده وأنه في موضع رفع. قال أبو حَيَّان: وهذا مبني على الخلاف في قولهم: «مر زيد بعمر»، فمذهب البصريين أن المجرور في موضع نصب؛ فلذا قالوا: إنه إذا بني للمفعول كان في موضع رفع. ومذهب الفراء أن حرف الجر هو الذي في موضع نصب، فلهذا ادعى أنه إذا بني للمفعول كان هو في موضع رفع. وفي أصل المسألة قول ثالث: إن النائب ضمير مبهم مستتر في الفعل. قاله هشام، ورابع: أن النائب ضمير عائد على المصدر المفهوم من الفعل، والتقدير سير هو أي السير، قاله ابن درستويه والسهيلي والرندي، وينبني على هذا الخلاف جواز تقديم المجرور نحو بزيد سير، فعلى القول الأول والثالث لا يجوز، وعلى القول الثاني والرابع يجوز.

(فائدة): إذا اجتمعت هذه الثلاثة: المصدر والمجرور فأنت مخير في إقامة ما شئت، هذا مذهب البصريين، وقيل: يختار إقامة المصدر، وعليه ابن عصفور وقيل: يختار إقامة المجرور وعليه ابن معط، وقيل يختار إقامة ظرف المكان

تشييد المباني

۱۹۹

وعليه أبو حَيَّان.

(مسألة): إذا اقتضى الفعل مفعولين أو ثلاثة وأقيم أحدها نصب الباقي بتعدي الفعل المبني للمفعول إليه عند سيبويه والجمهور، وقيل: لا ينتصب به وإنما هو منصوب بفعل الفاعل لما بني الفعل للمفعول في: «أعطيت زيدا در هما» بقي در هما منصوبًا على أصله بفعل الفاعل، وذهب الفراء وابن كيسان إلى أنه منصوب بفعل مقدر أي وقبل» أو «أخذ». وذهب الزجاجي إلى أنه انتصب على أنه خبر ما لم يسم فاعله كما في: كان زيد قائما». قاله في "الهمع". (مسألة): قال ابن الخباز حروف الجر يجوز بناء الفعل لها إلا ما استثنيته فمن ذلك لام التعليل»، لا يقال أكرم لزيد، وكذلك «الباء، ومن» إذا أفادتا ذلك، و«رب» لأن لها صدر الكلام ومذ ومنذ لأنهما ضعيفتا التصرف، وزاد ابن إياز الباء الحالية نحو: خرج زيد بثيابه فإنها لا تقوم مقام الفاعل، وكذلك خلا» و «عدا» و «حاشا» إذا جررن» ، والمميز إذا كان معه من نحو: طلبت من نفس»، لا يقوم شيء من ذلك مقام الفاعل . اهـ نقله في "الأشباه". (مسألة): لا يجوز إقامة التمييز وجوزها الكسائي وهشام، فيقال في: امتلأت الدار رجالا»: «امتلئ «رجال»، وحكي: «خذه مطيوبة به نفسي». قال أبو حَيَّان: لا يقام في هذا الباب مفعول له ولا مفعول معه ولا حال ولا تمييز؛

لأنها لا يتسع فيها بخلاف المصدر والظرف، قاله في "الهمع".

(مسألة): إذا بني الفعل اللازم للمفعول ففي النائب أقوال:

أحدها: ضمير المصدر، وعليه الزجاج وابن السيد، قال أبو حَيَّان: ويجعل فيه اختصاص.

۲۰۰

النحو

الثاني: ضمير المجهول، وعليه الكسائي وابن هشام.

الثالث: أنه فارغ لا ضمير فيه، وعليه الفراء.

(مسألة): اختلف في نائب «كان» إذا بنيت للمفعول، فقيل: ضمير مصدرها ويحذف الاسم والخبر، وعليه السيرافي وابن خروف، وقيل: ظرف أو مجرور معمول لها على القول بأنهما تعمل فيهما ويحذف الاسم والخبر أيضًا، وعليه ابن عصفور، وقيل: يجوز إقامة الخبر والمفرد نحو: «كين قائم»، وإقامة الفعل نحو: «كين يقام»، ولا يقدر فيه شيء وعليهما الفراء، والبصريون على المنع طلقا.

(تذنيب): قال ابن معط في " ألفيته":

مَسْأَلَة بها امتحانُ النَّشأة أُعطي بالمعطى به ألف مائة وكسي المكســـو فَروا جُبَّةٌ ونقص الموزون الفا حبة قال ابن القواس: هذه المسألة تذكر في هذا الباب لامتحان النشأة بها، ولها

أربع صور:

مائة.

الأولى: أن يشتغل الفعل واسم المفعول بالباء نحو: أعطي بالمعطي به ألف

فأعطي فعل ما لم يسم فاعله ويتعدى في الأصل إلى مفعولين، والمعطى في اسم المفعول وهو بمنزلة فعل ما لميسم فاعله، ويتعدى أيضًا إلى اثنين فلا بد لهما من أربعة مفاعيل اثنين لأعطي واثنين للمعطي أما أعطي فمفعوله الأول مائة والثاني بالمعطى، ويتعين رفع المائة بأعطي؛ لوجوب قيامها مقام الفاعل، وامتناع قيام الحال والمجرور مقامه مع وجود المفعول به الصريح، فالمعطي في

تشييد المباني

۲۰۱

محل النصب على ما كان أولا.

وأما المعطى فمفعوله الأول ألف ويتعين رفعه لقيامه مقام الفاعل، والثاني

في محل النصب وهو الضمير المجرور بالباء الذي هو به لامتناع قيامه مقام الفاعل، فإن قيل: فهلا جعلت المائة مرتفعة بالمعطى والألف بأعطي؟ أجيب بأن الألف واللام لما كانت في المعطي اسما موصولا وما بعدها من اسم المفعول وما عمل فيه الصلة، امتنع رفع المائة لامتناع الفصل بين الصلة والموصول بأجنبي وهو الألف، والضمير في به يعود على الألف واللام في المعطى، لأن التقدير: أعطيت بالثوب المعطى به زيد ألف مائة، فلما حذف الفاعل مسمى وبنيا للمفعول أقيم المائة والألف مقامه.

الثانية: أن يجرد من حرف الجر نحو: كسي المكسو فروا جبة»، فـ«المكسو» مرفوع بالفعل الذي هو كسي وجبة منصوبة لأنها مفعوله الثاني، وفي المكسو» ضمير يعود على الألف واللام وهو قائم مقام فاعله، «وفروا» منصوب لأنها المفعول الثاني للمكسو»، ولا يجوز أن يكون «الفرو» منصوبا بـ«كسي» لامتناع الفصل بين الصلة والموصول، ويجوز أن يرفع «الفرو» و «الجبة» لقيامهما مقام الفاعل، وينصب المكسو» والضمير الذي كان في اسم الفاعل فيعود منفصلا منصوبًا فيقال: كسي المكسو إياه فرو جبة» لعدم

اللبس انتهى من "الأشباه".

وتركت الصورتين الباقيتين دفعا للتكرار.

(تتمة): قال السيوطي: لا يكون الفاعل ونائبه جملة، وهو الأصح.

۲۰۲

النحو

وقيل: يجوز لوروده في قوله تعالى: ثُمَّ بَدَ الهُم مِّنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾ [يوسف: ٣٥].

وأجيب بأن الفاعل ضمير البداء المفهوم من بدا»، أو ضمير السجن المفهوم من الفعل، وقيل: يجوز أن يقع فاعلا أو نائبا عنه لفعل من أفعال القلوب إذا علق نحو: «ظهر لي أقام زيد أم عمر» و «علم» أقام بكر أم خالد»، بخلاف

نحو: ليسرني خرج عبد الله ، فلا يجوز ونسب هذا السيبويه . اهـ

تشييد المباني

۲۰۳

باب المبتدأ والخبر

وجه تسمية المبتدأ مبتدأ أنه ابتدئت به الجملة لفظا أو تقديرا، وتسمية الخبر خبرًا من باب تسمية الجزء باسم الكل، وخص الثاني بذلك لأن حصول

الفائدة عنده، كما قال ابن مالك: والخبر الجزء المتم الفائدة.

قلت: وإنما جمعهما في باب واحد لتلازمهما غالبا، وإلا فقد يكون المبتدأ

بغير خبر كما قاله غير واحد، وسيأتي بيانه.

قال المؤلف: (المبتدأ هو : الاسم المرفوع العاري عن العوامل اللفظية). المبتدأ هو الاسم» الصريح أو المؤول به «المرفوع» لفظا أو محلا لأنه عمدة فلا ينتصب إلا بناسخ ولا يجر إلا بحرف زائد أو شبهه «العاري عن العوامل اللفظية) أو بمنزلته، مخبر عنه أو وصف رافع لمكتفى به عن الخبر أو بمنزلة الوصف. فالاسم نحو: «الله ربنا ومحمد نبينا»، والمؤول به نحو: وَأَن تَصُومُوا خير لكم [البقرة: ١٨٤]، والمجرد كما مثلنا، والذي بمنزلة المجرد نحو: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غير الله ﴾ [فاطر: ٣] ونحو: «حسبك درهم»، لأن وجود الزائد كلا وجود. والوصف يتناول اسم المفعول، والفاعل، والصفة المشبهة، واسم التفضيل، والمنسوب نحو: «أقائم هذان» و«ما مضروب العمران»، و«هل حسن الوجهان»، و«هل أحسنُ في عين زيد الكحل منه في عين غيره»، و«ما قرشي أبواك»، والذي بمنزلة الوصف نحو قولهم: «لا نولك أن تفعل»، فخرج نحو: «نزال فإنه لا مخبر عنه ولا وصف ونحو: «أقائم أبواه زيد»، فإن

المرفوع بالوصف غير مكتفى به. اهـ قاله ابن هشام.

٢٠٤

النحو

قال السيوطي: «وهذا الحد غير مرضي عندي لأمرين:

أحدهما: أن عامل المبتدأ عندي الخبر وهو لفظي.

والآخر: أنه شامل للفعل المضارع المجرد من ناصب وجازم، وما قالوه في بحسبك درهم غير مرضي أيضًا، فإن شيخنا الكافيجي اختار أن «بحسبك» خبر مقدم، وأن المبتدأ در هم نظرًا للمعنى؛ لأنه محط الفائدة إذ القصد الإخبار عن درهم بأنه كافيه، وما قاله شيخنا هو الصواب».اهـ

والخبر : هو الاسم (المرفوع بالمبتدأ كما ذهب إليه ابن مالك «المسند إليه» أي: إلى المبتدأ، ولذا قال بعضهم: إن المبتدأ فاعل في المعنى، لأن المبتدأ محكوم عليه فهو المسند إلى غيره، والخبر محكوم به فهو المسند إلى غيره.

الخبر

(تنبيه): اختلفوا في رافع المبتدأ والخبر على أقوال: أحدها: أن رافع المبتدأ معنوي وهو الابتداء لأنه بـ بني عليه، ورافع المبتدأ لأنه مبني عليه فارتفع به كما ارتفع هو بالابتداء. وهذا مذهب سيبويه والجمهور، واختاره ابن مالك.

الثاني: أن العامل في الخبر الابتداء أيضًا، لأنه طالب لهما فعمل فيهما. وهو

مذهب الأخفش وابن السراج والرماني، وصححه أبو البقاء. الثالث: أن العامل في الخبر الابتداء والمبتدأ معا، وعلى هذا هل العامل

مجموع الأمرين، أو الابتداء بواسطة المبتدأ؟ قولان.

الرابع: أن المبتدأ رفع الخبر، والخبر رفع المبتدأ لأن كلا منهما طالب الآخر وبه صار عمدة، وهو مذهب الكوفيين واختاره أبو حَيَّان وابن جني

والسيوطي.

تشييد المباني

٢٠٥

الخامس: أن المبتدأ مرفوع بالذكر الذي في الخبر نحو: «زيد ضربته»، لأنه

لو زال الضمير انتصب فكان الرفع منسوبًا للضمير، فإذا لم يكن ثُمَّ ذكر نحو: القائم زيد» ترافعا. وهذا مذهب آخر للكوفيين.

واعترض القول الأول بأن المبتدأ قد يرفع فاعلا، فلو كان رافعا للخبر لأدى إلى إعمال واحد رفعين ولا نظير له وأجيب بأن ذلك إنما يحذر إذا هنا مختلفة. واعترض الثاني بأن أقوى العوامل -وهو

اتحدت الجهة وهي الفعل - لا يعمل رفين فالمعنوي أولى.

واعترض الرابع بأنه يلزم عليه أن تكون رتبة كل منهما التقديم، لأن أصل كل عامل أن يتقدم على معموله. وأجيب بمنع ذلك بدليل أدوات الشروط فإنها عاملة في أفعالها الجزم، وأفعالها عاملة فيها النصب، ولو سلم قلنا: كل

منهما متقدم على صاحبه من وجه متأخر عنه من وجه آخر، فلا دور لاختلاف الجهة. انتهى من "الجمع" بمعناه. قلت: وهذا الخلاف لا طائل تحته ولا فائدة أصلا، وإنما هو مجرد آراء ليس

غير.

(فائدة): اختلف في الابتداء على قول الجمهور فقيل: جعل الاسم أولا

ليخبر عنه ثانيًا، وقيل: تجرده من العوامل اللفظية. والأول أصح. (تنبيه): قال السيوطي في شرح "الجمع : شرط الوصف الذي يكون مبتدأ أن يكون سابقا، فليس منه نحو أخواك خارج أبوهما» لعدم سبقه، وشرط مرفوعه أن يكون منفصلاً سواء كان ظاهرًا أم ضميرًا نحو: «أقائم أنتما". ومنع الكوفيون الضمير فلا يجيزوه إلا أقائمان أنتها» بالمطابقة بجعل

٢٠٦

النحو

الضمير مبتدأ مؤخرًا، قالوا: لأن الوصف إذا رفع الفاعل الساد مسد الخبر

جرى مجرى الفعل والفعل لا ينفصل منه الضمير ورد بالسماع قال: خليلي ما وافٍ بعهدي أنتها إذا لم تكونا لي عــلى مـــن أقــاطع وشرطه أيضًا أن يكون كافيا : أي مغنيا عن الخبر ليخرج نحو: «أقائم أبواه زيد»، فإن الفاعل فيه غير مغن، إذ لا يحسن السكوت عليه. وشرطه أيضًا تقدم نفي أو استفهام بأي أدواتها كما» و «لا» و«إن» وغير، نحو: «غير قائم

الزيدان».

ومنه قوله:

بالهم والحَزَنِ

غير مأسوف على زَمَنِ ينقض وك «الهمزة» و«هل» و «ما» و «من» و «متى» و «أين» و«كيف» و«كم» و«أيان». هكذا زعم ابن مالك قياسًا على سماع ما والهمزة وقصره أبو حَيَّان عليهما إذام يسمع غيرهما. ولم يشرط الكوفيون والأخفش الاعتماد عليهما بناء على رأيهم في عمله غير معتمد وشرطه ابن مالك استحسانًا لا وجوبا، وجعل منه قوله : خبير بنو لب فلا تكُ مُلغيا مقالة هي إذا الطير مرت وأجيب بأن «خبير» خبر مقدم ولم يطابق لأن باب فعيل لا يلزم فيه المطابقة . انتهى كلامه

قلت: ومنه قوله تعالى: وَالْمَلَيْكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرُ ﴾ [التحريم: ٤]. (فائدة): المبتدأ قسمان: قسم له خبر وقسم له فاعل أو نائب عنه يغني عن الخبر وهو الوصف. (فائدة أخرى): المبتدأ قسمان: مسند إليه وهو الذي له خبر، ومسند وهو

تشييد المباني

۲۰۷

الرافع لما أغنى عن الخبر. قاله السيوطي.

واعلم أنه تارة يكون المبتدأ والخبر مفردين لمذكر، نحو قولك: (زيد قائم) وتارة يكونان مثنيين لمذكر نحو قولك والزيدان قائمان وتارة يكونان مجموعين لمذكر نحو قولك: الزيدون (قائمون والزيود قيام. وتارة يكونان مفردين أو مثنيين أو مجموعين لمؤنث نحو: هند قائمة» و«الهندان قائمتان» و الهندات قائمات» و «الهنود قيام».

والخبر في هذه الأمثلة كلها مطابق للمبتدأ في إفراده وتثنيته وجمعه تصحيحًا وتكسيرًا، فإن قلت الزيدان والهندان والزيدون والهندات والزيود والهنود مفرداتها أعلام والعلم يدل على الوحدة، فإذا زيد عليه ما يدل على التثنية أو الجمع دل على التعدد والوحدة والتعدد متضادان. قلت: إذا أريد تثنية العلم أو جمعه قصد تنكيره ثم يثنى ويجمع بدليل جواز

دخول أل عليه عوضًا عما فاته من تعريف العلمية. قاله الأزهري. قلت: نوقش هذا الجواب بأن الوحدة المعينة زالت بالتنكير، وبقيت الوحدة الشائعة في حال التنكير، والوحدة مطلقًا تنافي التعدد، والحق أن لا ورود للسؤال من أصله كما قاله العطار.

(لطيفة): تعبير المصنف عند تعريفه المبتدأ بـ «العاري» أولى وأسلم من تعبير غيره بـ«المجرد»؛ لأن التجرد يقتضي سبق ما تجرد منه، ولم يوجد في المبتدأ عامل لفظي تجرد منه، وإن أجيب بما لا تقوم الحجة به.

قال المؤلف: (والمبتدأُ قِسْمانِ: ظاهرٌ ومُضْمَرٌ. فالظَّاهِرُ ما تقدَّم ذِكرُهُ)

في الأمثلة المتقدمة والمضمر اثنا عشر ضميرًا منفصلا ليس غير. وأما

۲۰۸

النحو

المتصل فلا يبتدأ به البتة.

بجملتها

قال المؤلف: (وهي: أنا) للمتكلم مذكرًا كان أو مؤننا، ( وهي . ضمير عند الكوفيين، واختاره ابن مالك بدليل إثبات الألف وصلا في لغة

تميم، وأن وحدها عند البصريين في قول بعضهم: إن فعلت بسكون النون، والأكثرون على فتحها وصلا وعلى الإتيان بالألف وقف، وأثبتها تميم في الوصل أيضا، وبه قرأ نافع. وفي الألف لغات: إثباتها وصلا ووقفا عند تميم،

وحذفها فيهما، وحذفها وصلا وإثباتها وقفًا وهي الفصحى ولغة الحجاز. (ونَحْنُ) للمتكلم معظما نفسه نحو: «نحنُ اللَّذونَ صَبَّحُوا الصَّبَاحَا»، أو

معه غيره.

واختلف في علة بنائه على الضم فقال الفراء وثعلب: لما تضمن معنى التثنية والجمع قوى بأقوى ،الحركات وقال الزجاج: «نحن» لجماعة ومن علامة الجماعة الواو، والضمة من جنس الواو، وقال الأخفش الصغير: «نحن» للمرفوع فحرك بما يشبه الرفع، وقال المبرد: تشبيها بقبل وبعد، وقال هشام: الأصل (نحن) بضم الحاء وسكون النون، فنقلت حركة الحاء إلى النون وأسكنت الحاء.

قال المؤلف: (وأنتَ) بفتح التاء للمخاطب المذكر (وأنتِ) بكسرها

للمخاطبة المؤنثة.

قال المؤلف : (وأنتها) للمخاطبين مذكَّرين كانا أو مؤنثين. للمذكرين المخاطبين. (وأنتن) للمخاطبات المؤنثات.

(وأنتم)

ومذهب البصريين أن الضمير في هذا كله أن وحدها وإذا أريد الخطاب

تشييد المباني

۲۰۹

زيد عليها وهي حرف خطاب لا اسم، وهي كالتاء الاسمية لفظا، فتفتح في المذكر وتكسر في المؤنث، وتوصل بميم في جمع المذكر، وبميم وألف في المثنى، وبنون في جمع الإناث، وتضم التاء في الثلاثة. وقد عللوا فتح التاء في المخاطب وكسرها في المؤنث وضمها في الثلاثة بعلل واهية والحق كما قال أبو حَيَّان هذه التعاليل لا يحتاج إليها لأنها تعليل وضعيات، والوضعيات لا تعلل. وذهب الفراء إلى أن الضمير مجموع أن والتاء، وذهب ابن كيسان إلى أن الضمير في هذه المواضع التاء فقط وزيدت الميم للتقوية والألف للتثنية والنون

للتأنيث.

(تنبيه): ذهب بعض المتقدمين إلى أن «أنا» مركب من ألف أقوم ونون نقوم و «أنت» مركب من ألف أقوم ونون نقوم وتاء تقوم، وردها أبو حَيَّان.

قاله السيوطي. قال المؤلف: (وهو) للغائب (وهي) للغائبة (وهما) لمثناها (وهم) للغائبين (وهن) للغائبات.

قال السيوطي: اختلف في الأصل منها ، فعند البصريين أن «هو» و«هي» أصلان أي: ضميران برمتهما، وزيد الميم والألف والنون في المثنى والجمع، وقال الكوفيون والزجاج وابن كيسان الضمير من «هو» و«هي» الهاء فقط، والواو والياء زائدان كالبواقي لحذفهما في المثنى والجمع ومن المفرد في لغة، ثم قال: وهذا المذهب هو المختار عندي. (تنبيه): قد يسكن هاء «هو، وهي بعد الواو والفاء وثم واللام، وقرئ

۲۱۰

النحو

بذلك في السبع وَهُوَ مَعَكُمْ ﴾ [الحديد: ٤] وَهُوَ وَلِيُّهُم ﴾ [الأنعام: ١٢٧]، وتم هُوَ يَوْمَ الْقِيَمَةِ [القصص: (٦١] لَهِيَ الْحَيَوَانُ ﴾ [العنكبوت: ٦٤] وبعد همزة الاستفهام كقوله: «أهي سرت أم عادني حلم، وبعد كاف الجر كقوله: «وقد علموا ما هي كهي فكيف لي ، وتسكين الواو والياء لغة قيس وأسد كقوله: وركضك لولا هو لقيت الذي لقوا»، وقوله: حبذا هي من خلة لو تخلنا»، وتشديد الواو والياء لغة همدان كقوله : وهو على من صبه الله علقم»، وقوله: وهي ما أمرت باللطف تأتمر».اهـ، قاله السيوطي.

(فائدة) المضمر والضمير عبارة البصريين والكوفيون يقولون: الكناية

والمكنى. ثم مثل المصنف رحمه الله لما قدمه بقوله: (نحو قولك: أنا قائم ونحنُ قائمون وما أشبه ذلك) من نحو قولك: «أنت قائم» و«أنت قائمة» و«هو قائم» و«هي قائمة» إلخ ... (والخبر قسمان: مفرد والمراد به في هذا الباب: ما ليس جملة ولا شبهها ( وغيرُ مفرد) وهو الجملة وشبهها.

(فالمفرد): ما للعوامل تسلط على لفظه مضافًا كان أو غيره، وهو قسمان: جامد ومشتق، فالمشتق ما دل على متصف مصوغا من مصدر كـ «ضارب» و«مضروب» و «حسن» و «أحسن منه، والجامد بخلافه، فالجامد لا يتحمل ضميرًا، وزعم الكسائي أنه يتحمله، ونسبه صاحب "البسيط" وغيره كابن عقيل إلى الكوفيين والرماني، قال ابن مالك وهو دعوى لا دليل عليها. والمشتق يتحمله إن لم يرفع ظاهرًا نحو زيد قائم، بخلاف ما إذا رفعها لفظا

تشييد المباني

۲۱۱

نحو: «الزيدان قائم أبو هما»، أو محلاً نحو: زيد عمرو ربه». قاله السيوطي. (مسألة): المشهور أن الخبر المشتق لا يتحمل غير ضمير واحد، وقيل: إن قدر خلفا من الموصوف استتر فيه ضميران أحدهما الابتداء، والآخر الموصوف الذي صار خلفًا منه، فإن كان صلة لـ «أل» ففيه ثلاث ضمائر،

للمبتدأ وللموصوف الذي صار خلفًا منه ولـ «أل» اهـ، قاله السيوطي. (تنبيه): المشتق الذي يتحمل الضمير هو ما كان جاريًا مجرى الفعل، فأما ما ليس جاريًا مجرى الفعل فلا يتحمل ضميره قال ابن عقيل: وذلك كأسماء الآلة نحو: «مفتاح، فإنه مشتق من الفتح ولا يتحمل ضميرًا، فإذا قلت: هذا مفتاح لم يكن فيه ضمير، وكذلك ما كان على صيغة مفعل وقصد به الزمان أو المكان كـ«مرمى»، فإنه مشتق من الرمي ولا يتحمل ضميرًا، فإذا قلت: هذا مرمی ،زید ترید مکان رميه أو زمان رميه كان الخبر مشتقا ولا ضمير فيه . اهـ (فائدة): إذا تضمن الجامد معنى المشتق نحو: «زيد أسد» أي: شجاع،

تحمل الضمير.

(مُهمَّة ) : قال ابن عقيل جوز سيبويه في: «زيد قائم هو وجهين: أحدهما: أن يكون هو تأكيدًا للضمير المستتر في قائم.

والثاني: أن يكون فاعلا بقائم. اهـ

ثم مثل المصنف للمفرد بقوله (نحو قولك: زيد قائم، والزيدان قائمان والزيدون (قائمون وما أشبهه.

(تتمة): يجب إبراز الضمير في الخبر المشتق إذا جرى على غير من هو له

مطلقا، أمن اللبس أو لم يؤمن عند البصريين، وأما الكوفيون فقالوا: إن أمن

۲۱۲

النحو

اللبس جاز الأمران، وإن خيف اللبس وجب الإبراز. وقد ورد السماع بمذهبهم، فمن ذلك قوله :

قومي ذُرا المجدِ بانُوها وقد عَلِمَتْ بكنه ذلك عدنان وقَحْطَانُ التقدير: بانوها هم، فحذف الضمير لأمن اللبس قاله ابن عقيل، واختار ابن

مالك في "الكافية" قول الكوفيين، وفي "الألفية" قول البصريين.

قال المؤلف : (وغيرُ المفردِ أربعة أشياءَ) وهي على قسمين: جملة وشبهها. فشبه الجملة (الجار والمجرورُ والظرف التامان، نحو: «زيد أمامك» و«زيد في الدار»، بخلاف الناقص فإنه لا يقع خبرًا نحو: زيد بك»، أو فيك، وعنك، أي: واثق بك وراغب فيك ومعرض عنك إذ لا فائدة فيه، ويتعلقان بمحذوف

وجوبًا. (تنبيهات):

الأول: اختلف في عامل المجرور والظرف الواقعين خبرا، فذهب ابن خروف وسيبويه على ما نسبه إليه ابن أبي العافية أنه كون مقدر أو المبتدأ، وأنه عمل فيه النصب لا الرفع لأنه ليس الأول في المعنى، ورد بأنه مخالف للمشهور من غير دليل.

وذهب الكوفيون إلى أن العامل فيهما معنوي وهو كونهما مخالفين للمبتدأ فإذا قلت: زيد أخوك، فالأخ هو زيد، أو زيد خلفك، فالخلف ليس بزيد، فمخالفته له عملت النصب. وعلى الأول يجوز تقدير الكون باسم الفاعل

وبالفعل.

واختلف في الأولى منها، فرجح ابن مالك وغيره من البصريين تقدير اسم

تشييد المباني

۲۱۳

الفاعل، لأن الأصل في الخبر الإفراد، ورجح ابن الحاجب تبعًا للفارسي تقدير الفعل لأنه الأصل في العمل، قال ابن هشام والحق عندي أ أنه لا يترجح تقديره اسما ولا فعلا بل بحسب المعنى. اهـ

(مُهمَّة ) : إن قدرت اسم الفاعل كان من قبيل الخبر المفرد، وهو مذهب الأخفش ونسب إلى سيبويه، وإن قدرت الفعل كان من قبيل الجملة وهذا مذهب جمهور البصريين، ونسب إلى سيبويه أيضا، فلا يخرج الخبر عن القسمين. وقيل: هو قسم برأسه مطلقا وهذا مذهب ابن السراج، نقله عنه تلميذه الفارسي . انتهى من شرح الجمع مع زيادة من غيره. الثاني: ذهب البصريون إلى أن الظرف يتحمل ضمير المبتدأ كالمشتق سواء

تقدم أو تأخر، وقال الفراء: لا ضمير فيه إلا إذا تأخر، فإن تقدم فلا. الثالث: ذهب ابن كيسان إلى أن الخبر في الحقيقة هو العامل المحذوف، وأن تسمية الظرف خبرًا ،مجاز، وتابعه ابن مالك، وهو الصحيح عند ابن هشام والسيوطي، وذهب الفارسي وابن جني إلى أن الظرف حقيقة، وأن العامل

صار نسيا منسيا ، وذهب بعضهم إلى أن الجمع من العامل، والظرف خبر. الرابع: لا يجوز الإخبار بظرف الزمان عن اسم الذات لعدم الفائدة سواء كان منصوبا أو مجرورًا بفي، وما ورد من ذلك مؤول على حذف مضاف كما قاله الفارسي، نحو قولهم اليوم خمرٌ ) أي شرب خمرا، و«الليلة الهلال» أي: طلوعه. وأجاز ذلك قوم إذا كان فيه معنى الشرط، وذهب بعض المتأخرين منهم ابن الطراوة وابن مالك إلى جوازه بشرط الفائدة، كأن يكون المبتدأ عاما والزمان خاصا نحو: «نحن في شهر كذا»، والصحيح المنع مطلقا كما ذهب إليه

٢١٤

النحو

جمهور البصريين. ويجوز الإخبار به عن اسم المعنى إذا كان الحدث غير مستمر نحو: «الصوم اليوم» و «السفر غدًا»، فإذا كان الحدث مستمرا امتنع الإخبار به عنه، فلا يقال: «طلوع الشمس يوم الجمعة» لعدم الفائدة. الخامس: منع الجمهور الإخبار بوحده لأنه اسم جرى مجرى المصدر فلا يخبر به، وأجازه يونس وهشام فيقال: زيد وحده»، إجراء له مجرى عنده، وتقديره زيد موضع التفرد، وعلى هذا هل يجوز تقديمه؟ قال يونس وهشام لا . قال أبو حَيَّان وحجتهما نص العرب على قولهم: «زيد وحده». (مسألة): يغني عن الخبر مصدر نحو زيد سيرا» أي: يسير سيرا، ومفعول به نحو: «إنما العامري عمامته أي متعهد عمامته، وحال، حكى الأخفش: «زيد قائما»، أي: ثبت قائما. وقرئ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾ [يوسف: ۸] بالنصب. قال الكسائي ووصف مجرور انتهى ملخصا من شرح "الجمع"

وغيره.

(تتمة): قال ابن النحاس: أجاز الكوفيون الإخبار بالظرف الناقص إذا تم بالحال، وجعلوا له من قوله تعالى: ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [ الإخلاص: ٤] خبر يكن وخبر يكن حال من الضمير المستكن في له، وقاسوه على جواز الإخبار بالخبر الذي لا يتم إلا بالصفة كقوله تعالى: بَلْ أَنتُم قَوْم تجهلون ﴾ [النمل: ٥٥]، ونحوه.

وفرق الكوفيون فأجازوا الإخبار بما لا يتم إلا بالصفة، ومنعوا الإخبار بما لا يتم إلا بالحال؛ لأن الصفة من تمام الموصوف والحال فضلة؛ فلا يلزم من

تشييد المباني

٢١٥

جواز ما هو من تمامه جواز ما هو فضله . اهـ نقله في "الأشباه والنظائر". والجملة تنقسم إلى فعلية واسمية وظرفية. فالفعلية هي المصدر بفعل (و) هي: (الفعل مع فاعله) نحو: قام زيد، ولو عبر بالفعل مع مرفوعه لكان أولى ليشمل النائب عن الفاعل نحو: «ضُرِبَ اللَّصُّ، واسم كان وأخواتها نحو: «كان زيد قائما»، وغيرها من نواسخ المبتدأ نحو: «ظننت زيدا قائما» لأن الكل جملة (و) الاسمية هي المصدرة باسم وهي ) : المصدرة باسم وهي: (المبتدأ مع خبره نحو قولك: زيد في الدار، وزيد عندك، وزيد قام أبوه، وزيد جاريته ذاهبة) وهيهات العقيق» و«قائم الزيدان»، عند الأخفش والكوفيين. والظرفية هي المصدرة بظرف أو مجرور نحو: «أعندك زيد و أفي الدار زيد إذا قدرت زيدًا فاعلا بالظرف والجار والمجرور لا بالاستقرار المحذوف ولا مبتدأ مخبرا عنه بهما، وزاد

بعضهم الجملة الشرطية، والصواب أنها من قبيل الفعلية.

(تنبيه): المراد بالصدر المسند أو المسند إليه، فلا عبرة بما تقدم عليهما من الحروف، فالجملة من نحو: «أقائم الزيدان»، و«أزيد أخوك»، و«لعل أباك منطلق»، و«ما زيد قائما اسمية، ومن نحو: أقام زيد»، و«إن قام زيد»، و«قد قام زيد»، و«هلا قمت فعلية، والمعتبر أيضًا ما هو صدر في الأصل، فالجملية من نحو: «كيف جاء زيد»، ونحو: فَفَرِيقًا كَذَبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: ٨٧] فعلية، لأن هذه الأسماء في رتبة التأخير. انتهى من "المغني".

(تقسيم): قد تكون الجملة الكبرى ذات وجه وذات وجهين، فذات الوجهين هي اسمية الصدر فعلية العجز نحو: زيد يقوم أبوه»، قال ابن هشام: وينبغي أن يزاد عكس ذلك في نحو: ظننت زيدًا أبوه قائم»، وذات

٢١٦

النحو

الوجه نحو: «زيد أبوه قائم»، قال ابن هشام: ومثله «ظننت زيدًا يقوم أبوه». (تقسيم ثان): تكون الجملة كبرى وصغرى، فالكبرى هي الاسمية التي خبرها جملة نحو: زيد قام أبوه ، والصغرى هي المبنية على المبتدأ كالجملة المخبر بها في المثال، وقد تكون الجملة كبرى وصغرى باعتبارين نحو «زید أبوه غلامه منطلق، فمجموع هذا الكلام جملة كبرى، و«غلامه منطلق» صغرى لا غير، وأبوه غلامه منطلق كبرى باعتبار «غلامه منطلق»، صغری باعتبار جملة الكلام، قاله في "الهمع".

(تنبيه): إذا وقعت الجملة خبرًا فلا بد لها من رابط يربطها بما هي خبر عنه وروابطها عشرة: أحدها: الضمير وهو الأصل، ولهذا يربط به مذكورًا نحو: زيد ضربته»، ومحذوفًا مرفوعًا نحو: إِنْ هَذَانِ لَسَجِرَانِ ﴾ [طه: ٦٣] إذ قدر لهما ساحران، ومنصوبًا كقراءة ابن عامر في سورة الحديد: وَكُلًّا وَعَدَ الله الحسنى ﴾ [النساء: ٩٥] ولم يقرأ بذلك في (سورة النساء)، بل قرأ بنصب «كل» كالجماعة، ومجرورًا نحو السمنُ منوان) (بدرهم» أي منه، وقول امرأة زَوْجِي المس مَسُّ أرنب، والرِّيحُ ريحُ زرنب»، إذا لم نقل أن « ال» نائبة عن

الضمير.

الثاني: الإشارة نحو : وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خير ﴾ [الأعراف: ٢٦] وخص ابن الحاج المسألة بكون المبتدأ موصولاً أو موصوفا، والإشارة إشارة البعيد فيمتنع نحو: زيد قام هذا لما نعين و زيد قام ذاك لمانع، والحجة عليه في قوله

تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَيْكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: ٣٦].

تشييد المباني

۲۱۷

الثالث: إعادة المبتدأ بلفظه نحو : الحَاقَة مَا الْحَاقَّةُ ﴾ [الحاقة : ۱ - ۲ ] ،

وَأَصْحَبُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَبُ الْيَمِينِ ﴾ [الواقعة: ٢٧].

الرابع: إعادته بمعناه نحو: زيد" جاءني أبو عبد الله، إذا كان كنية له، أجازه الحسن.

الخامس: عموم يشمل المبتدأ نحو: وَالَّذِينَ يُمَسْكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا

الصَّلَوَةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف: ۱۷۰].

السادس: أن يعطف بفاء السببية جملة ذات ضمير على جملة خالية منه أو

بالعكس نحو: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مخضرة ﴾ [الحج: ٦٣].

السابع: العطف بالواو عند هشام وحده نحو: «زيد قامت هند وأكرمها». الثامن: شرط يشمل على ضمير مدلول على جوابه بالخبر نحو: «زيد يقوم عمر و إن قام».

التاسع: «أل» النائبة عن الضمير في قول الكوفيين وطائفة من البصريين

نحو : فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) [النازعات: ٤١] أي مأواه.

العاشر: كون الجملة نفس المبتدأ في المعني نحو: «هجيري أبي بكر لا إله

إلا الله». انتهى ملخصا من "المغني" وغيره. (مُهمَّة): يعرض في باب المبتدأ والخبر تعدد مبتدءات متواليات وفي الإخبار عنها طريقان:

۲۱۸

النحو

أحدهما: أن تجعل الروابط في الإخبار فيؤتى بعد خبر الأخير بها آخر لأول وتال لمتلو، مثاله: «زيد هند الأخوان الزيدون ضاربوهما عندها بإذنه»، والمعنى: الزيدون ضاربوا الأخوين عند هند بإذن زيد.

الثانية: أن تجعل الروابط في المبتدءات فيخبر عن آخرها وتجعله مع خبره خبرًا لما قبله إلى أن تخبر عن الأول بتاليه مع ما بعده، مثاله: «زيد عمه خاله أخوه أبوه قائم»، والمعنى: أبو أخي خال عم زيد قائم.

قال أبو حَيَّان وهذا المثال ونحوه مما وضعه النحويون للاختبار والتمرين، ولا يوجد مثله في كلام العرب البتة. انتهى من "شرح جمع

الجوامع". قلت: وكذا يتعدد الخبر أيضا لمبتدأ واحد على خلاف فيه، والأصح الذي عليه الجمهور الجواز كما في النعوت، سواء اقترن بالعاطف أم لا. قال ابن مالك في " ألفيته":

وأخبروا باثنين أو بأكثَرا عن واحد كهُم سَرَاةٌ شُعَرَا فالأول نحو قولك: زيد فقيه وشاعر وكاتب»، والثاني نحو قوله تعالى:

وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَقَالَ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [البروج: ١٤ - ١٦]. واختار ابن عصفور وكثير من المغاربة المنع ، وعلى هذا فما ورد من ذلك جعل الأول خبرًا والباقي صفة للخبر. واختار بعضهم الجواز إن اتحدا في الإفراد والجملة، فالأولى كما تقدم، والثانية نحو: «زيد أبوه قائم أخوه خارج»، والمنع إن كان أحدهما مفردًا

تشييد المباني والآخر جملة.

۲۱۹

واختار بعضهم قصر الجواز على ما كان المعنى منها واحدا نحو: «زيد أعسر أيسر أي أضبط وهو الذي يعمل بكلتا يديه، ويتعين فيه ترك العطف الخبر بمنزلة واحد. وأجاز الفارسي استعماله بالعطف كغيره من

لأن

مجموع

الأخبار المفردة فيقال: «هذا أعسر وأيسر». قال السيوطي: قال صاحب البديع : لا يجوز الفصل بين هذين الخبرين ولا تقديمهما على المبتدأ عند الأكثرين، ولا تقديم أحدهما وتأخير الآخر، وأجازه بعضهم». اهـ (مسألة): يجوز حذف ما علم من المبتدأ والخبر، فالأول يكثر في جواب الاستفهام نحو: وَمَا أَدْرَنَكَ مَاهِيَة ) نَارُ حَامِيَة [القارعة: ١٠ - ١١] أي: هي نار.

وبعد فاء الجواب :نحو: مَنْ عَمِلَ صَلِحَا فَلَنَفْسِهِ [فصلت: ٤٦]، أي:

فعمله لنفسه.

ويقل بعد إذا الفجائية، ولم يقع في القرآن بعدها إلا ثابتا، ومنه في غير ذلك

سُورَةُ أَنزَلْنَهَا ﴾ [النور: 1] بَرَاءَ مِّنَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 1] أي: هذه. والثاني نحو: أُكُلُهَا دَابِرُ وَظِلُّهَا ﴾ [الرعد: ٣٥] أي: دائم، وَالْمُحْصَنَتُ

مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ [المائدة: ٥] أي: حل لكم.

(فائدة) : قال ابن إياز: إذا دار الأمر بين كون المحذوف مبتدأ وكونه خبرًا

۲۲۰

النحو

فأيهما أولى؟ قال الوسطي : الأولى كون المحذوف المبتدأ لأن الخبر محط الفائدة ومعتمدها». وقال العبدي في "البرهان: الأولى كونه الخبر لأن الحذف اتساع وتصرف وذلك في الخبر دون المبتدأ، إذ الخبر يكون مفردًا جامدًا ومشتقا وجملة على تشعب أقسامها، والمبتدأ لا يكون إلا اسما مفردًا، ومثال المسألة

فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف: ۱۸] أي: شأني صبر جميل، أو صبر جميل أمثل من غيره». اهـ، نقله في "الأشباه".

(فائدة): إذا جئت بعد مبتدأين بخبر واحد نحو: «زيد وعمر قائم»، فذهب سيبويه والمازني والمبرد إلى أن المذكور خبر الأول، وخبر الثاني محذوف. وذهب ابن السراج وابن عصفور إلى عكسه، وقال آخرون: أنت مخير في تقديم أيهما شئت. قاله في "شرح الجمع".

(مُهمَّة): قال ابن الدهان في "الغرة": المبتدأ لا يعطف عليه خبره بحرف البتة، إلا بالفاء في موضعين

أحدهما يلزمه الفاء نحو من يأتني فله در هم وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ }

[المائدة: ٩٥]، وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: ٣]. ﴿

والثاني: لا يلزمه الفاء نحو : ومايكُم مِّن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: ٥٣]

والذي يأتيني فله درهم ونحو : والذَانِ يَأْتِيَنِهَا مِنكُمْ فَقَاذُوهُمَا [النساء: ١٦]، ونحو كل رجل يأتيني فله درهم. نقله في "الأشباه والنظائر". (مسألة): قال ابن النحاس: إذا دخلت على المبتدأ الموصول «ليت»

تشييد المباني

۲۲۱

هي،

ولعل فلا يجوز أن تدخل الفاء في خبره، واختلفت في علة ذلك ما . فمنهم من قال : علته أن الشرط لا يعمل فيه ما قبله، فإذا عملت فيه ليت ولعل خرج من باب الشرط ، فلا يجوز دخول الفاء حينئذ. ومنهم من قال: بل العلة أن معنى ليت ولعل ينافي معنى الشرط من حيث كان ليت للتمني ولعل

للترجي، ومعنى الشرط التعليق فلا يجتمعان. اهـ، نقله في "الأشباه". (تتمة): قال السيوطي في "الأشباه": «أصل المبتدأ أن يكون معرفة، وأصل الخبر أن يكون نكرة، وذلك لأن الغرض من الإخبارات إفادة المخاطب ما ليس عنده وتنزيله منزلتك في علم ذلك الخبر، والإخبار عن النكرة لا فائدة فيه، فإن أفاد جاز». انتهى بلفظه.

قلت: الابتداء بالنكرة يحتاج إلى مسوغ والمتقدمون لم يعولوا في ضابط

ذلك إلا على حصول الفائدة، كما في "المغني".

قال: والذي يظهر لي أن المسوغات منحصرة في عشرة أمور:

أحدها: أن تكون موصوفة لفظا نحو وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ﴾ [الأنعام: ٢]

أو تقديرًا نحو: «السمن منوان بدرهم أي منه، أو معنى نحو: «رجيل جاءني»، لأنه في معنى رجل صغير.

الثاني: أن تكون عاملة إما رفعا نحو: «قائم الزيدان»، أو نصبا نحو: «أمر

بمعروف صدقة أو جرّا نحو غلام رجل جاءني».

الثالث: العطف بشرط كون المعطوف والمعطوف عليه مما يسوغ الابتداء به

۲۲۲

النحو

در بره

نحو : طَاعَةً وَقَولُ مَعْرُوفٌ ﴾ [محمد : ۲۱] أي: أمثل من غيرهما، ونحو: قول مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ﴾ [البقرة: ٢٦٣].

الرابع: أن يكون خبرها ظرفًا أو مجرورًا، قال ابن مالك: أو جملة نحو:

وَلَدَيْنَا مَزِيدُ [ق: ٣٥]، ولِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابُ ﴾ [الرعد: ٣٨].

الخامس: أن تكون عاملة إما بذاتها كأسماء الشرط والاستفهام أو بغيرها نحو: «هل إله مع الله؟»، وفي شرح منظومة ابن الحاجب" له: أن الاستفهام المسوغ للابتداء هو الهمزة المعادلة بـ«أم» ، نحو: «أرجل في الدار أم امرأة»، كما

مثل في الكافية، وليس كما قال.

السادس: أن يكون مرادا بها الحقيقة من حيث هي نحو: «رجل خير من

امرأة»، و«تمرة خير من جرادة».

السابع: أن تكون في معنى الفعل وهو شامل لنحو: «عجب لزيد»،

وضبطوه بأن يراد بها التعجب، ولنحو : سَلَامٌ عَلَى إِلى يَاسِينَ ﴾ [الصافات: ١٣٠]،

ووَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ﴾ [المطففين: ١] وضبطوه بأن يراد بها الدعاء.

الثامن: أن يكون ثبوت ذلك الخبر للنكرة من خوارق العادة نحو: «شجرة

سجدت» و «بقرة تكلمت

التاسع: أن تقع بعد إذا الفجائية نحو: «خرجت فإذا رجل بالباب». العاشر : أن تقع في أول جملة حالية نحو:

سَرَيْنا ونجم قد أَضَاءَ فَمُذْ بَدَا مُحيَّاكَ أَخْفى ضوؤه كلَّ شَارِقِ

تشييد المباني

وقوله:

۲۲۳

الذئب يُطرقها في الدهر واحدة وكل يوم تراني مدية بيدي وبهذا يعلم أن لاشتراط النحويين وقوع النكرة بعد واو الحال ليس بلازم. انتهى كلامه ملخصا.

وغا تركتها

قلت: وذكر بهاء الدين بن النحاس ما ينيف على الثلاثين مسو خوف الإطالة، وكلها ترجع لقسمين كما قال أبو حَيَّان في "أرجوزته" بعد

ذكره جملة منها :

وكـــل مـــا ذكـــرتُ في التميم يرجع للتخصيص والتعميم (خاتمة): الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر ، لأن المبتدأ محكوم عليه فلابد من تقديمه، ويجوز تأخيره حيث لا مانع نحو: «قائم زيد»، فإذا كان الخبر معرفة كالمبتدأ لم يجز تقديمه لأنه مما يشكل ويلبس، إذ كل واحد منهما يجوز أن يكون خبرًا ومخبرًا. انتهى من "المع" و"الأشباه".

قلت: وهذا من الأسباب المانعة من تقديم الخبر.

٢٢٤

النحو

باب العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر

ولما فرغ المصنف رحمه الله من المبتدأ والخبر، شرع في الكلام على نواسخهما فقال: (باب العوامل الداخلَةِ على المبتدا والخبر وهي: كان وأخواتها، وإنَّ وأخواتها، وظن وأخواتها).

العوامل: جمع عامل والمراد بها النواسخ الحكم المبتدأ والخبر، والنسخ لغة: النقل والإزالة، يقال: نسخ الكتاب أي نقله، ونسخت الشمس الظل أي: أزالته قال ابن فارس وانتسخت الكتاب أيضًا بمعنی نسخته اهـ وسميت بالمعنى الثاني لأنها أزالت حكم المبتدأ والخبر، قالوا: وإنما أزالته لأنها عامل لفظي، والابتداء عامل معنوي واللفظي أقوى من المعنوي.

قلت: هذا التعليل باطل عندي من وجهين:

الأول: أن هذا تعليل وضعيات والوضعيات لا تعلل.

والثاني: أنه منقوض بارتفاعه بالخبر في قول الكوفيين.

(تنبيه): تدخل هذه النواسخ على المبتدأ إذا لم يلزم التصدير كاسم الشرط، ولا الحذف كالمخبر عنه بنعت مقطوع، ولا عدم التصرف نحو: «طوبي للمؤمن»، ولا الابتدائية بنفسه نحو: أقل رجل يقول ذلك إلا زيدا»، أو بغيره

كمصحوب إذا الفجائية، وعلى الخبر إذا لم يكن طلبا ولا إنشاء. (فائدة): النواسخ بالنسبة إلى أنواعها أربعة كان وأخواتها، وكاد

وأخواتها، وإن وأخواتها، وظننت وأخواتها.

وبالنسبة إلى ذواتها اثنان أفعال وحروف فالأفعال: كان، و كاد، وظن وأخواتهن، والحروف إن وأخواتها.

تشييد المباني

٢٢٥

وبالنسبة إلى عملها ثلاثة ما يرفع المبتدأ وينصب الخبر وهي: كان وكاد وأخواتهما، وما ينصب المبتدأ ويرفع الخبر وهي إن وأخواتها، وما ينصبهما معا وهي: ظننت وأخواتها.

وإلى هذا أشار المصنف بقوله: (فأما كان وأخواتها فإنها ترفع الاسم) أي: المبتدأ ويسمى اسمها حقيقة، وربما يسمى فاعلا مجازا لشبهه به وقع ذلك في

عبارة المبرد، وعبر سيبويه باسم الفاعل، هذا مذهب البصريين. وذهب الكوفيون إلى أنها لم تعمل فيه شيئًا وأنه باق على رفعه، واستدل البصريون باتصال الضمائر بها وهي لا تتصل إلا بالعامل وتنصب الخبر) باتفاق الفريقين ويسمى خبرها وربما يسمى مفعولا مجازا لشبهه به. وقع ذلك في عبارة المبرد. وعبر سيبويه باسم المفعول.

واختلفوا في نصبه، فذهب الفراء إلى أنه انتصب تشبيها بالحال، فكان زيد ضاحكا مشبه عنده بـ «جاء زيد ضاحكًا». وذهب الكوفيون إلى أنه انتصب على الحال، ورد بوروده مضمرًا ومعرفة وجامدًا وأنه لا يستغنى عنه وليس ذلك شأن الحال. وذهب سيبويه والبصريون إلى أنه انتصب تشبيها بالمفعول وهو الصحيح، واعترض بوقوعه جملة وظرفًا ولا يقع المفعول كذلك، وأجيب بالمنع بل تقع الجملة موقع المفعول نحو: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ﴾ [مريم: ٣٠]

والمجرور نحو: «مررت بزيد ، والظرف إذا توسع فيه.اهـ، قاله السيوطي. (تنبيه): أجاز الجمهور رفع الاسمين بعد كان، وأنكره الفراء. ورد بالسماع

قال:

إذا مِنَّ كان الناسُ صنفان شَامِتٌ وآخر متن بالذي كنتُ أَصْنعُ

٢٢٦

النحو

ثم اختلفوا في توجيه ذلك، فالجمهور على أن في «كان» ضمير الشأن اسمها والجملة في موضع نصب على الخبر. ونقل عن الكسائي أن «كان» ملغاة، ووافقه ابن الطراوة. قاله في شرح "الجمع" والمتفق على عدة من هذه الأفعال ثلاثة عشر، ثمانية تعمل هذا العمل مطلقا وهيَ كَانَ) لاتصاف المخبر عنه بالخبر في الزمن الماضي نحو: "كان الشيخ شابا" وقد تقع للدوام والاستمرار نحو: وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: ٩٦]، وبمعنى هو نحو: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيَّا [مريم : ٢٩].

(مُهمَّة): قال ابن بابشاذ : «كان» أم الأفعال لأن كل شيء داخل تحت

الكون لا ينفك شيء من معناها، ومن ثم صرفوها تصرفًا ليس لغيرها. وقال أبو البقاء في اللباب": إنها كانت «كان» أم هذه الأفعال الخمسة

أوجه: أحدها: سعة أقسامها.

والثاني: أنَّ «كان التامة دالة على الكون وكل شيء داخل تحت الكون. والثالث: أنَّ «كان» دالة على مطلق الزمان الماضي، و«يكون» دالة على مطلق الزمان المستقبل بخلاف غيرها، فإنها تدل على زمان مخصوص كالصباح

والمساء.

والرابع: أنها أكثر في كلامهم؛ ولهذا حذفوا منها النون في قولهم: لميك. والخامس: أن بقية أخواتها تصلح أن تقع أخبارًا لها كقولك: كان زيد أصبح منطلقا، ولا يحسن أصبح زيد كان منطلقا . اهـ نقله في "الأشباه".

تشييد المباني

۲۲۷

(وأمسى) وهي لاتصاف المخبر عنه بالخبر في المساء نحو: «أمست خلا».

(وأصبح) وهي لاتصاف المخبر عنه بالخبر في الصباح نحو: فَأَصْبَحْتُم

!

بنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: ١٠٣].

(وأضحى) وهي !

لاتصاف المخبر عنه بالخبر في الضحى نحو: «أضحى

يمزق أثوابي».

(تنبيه): همزة أمسى وأصبح وأضحى للدخول، أعني الدخول في المساء

والصباح والضحى.

(وظل) نحو: «ظل وجهه مسودا».

(وبات) نحو: أبيت ريان الجفون».

( وصار ) للتحول والانتقال نحو: «صار العصير خمرا».

(تنبيه) : قال ابن هشام الذي يظهر لي أن صار» ليس من أخوات «كان»،

وإنما هي من باب الفعل والفاعل والمفعول، والدليل على ذلك أمران: أحدهما: أني أقول: صار الجاهل عالما»، و«صار الطين خزفا»، فأجدها

داخلة على ما لا ينعقد منه مبتدأ وخبر، وليس في أخواتها شيء هكذا. الثاني: أن صار يجوز فيها بالإجماع أن تلحق همزة النقل فاءها، وأن تضعف عينها فتزداد منصوبًا، تقول: «أصرت الطين خزفا، وصيرته خزفا». انتهى

المراد منه.

(وليس) نحو: لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ ﴾ [هود: ٨] وهي كلمة دالة على نفي

۲۲۸

النحو

الحال، وتنفي غيره بالقرينة، قال ابن هشام: ليس فعل لا يتصرف وزنه فعل بالكسر ثم التزم تخفيفه، ولم نقدره فعل بالفتح لأنه لا يخفف، ولا فعل بالضم لأنه لم يوجد في يائي العين إلا في هَيُو، وسمع لَيْسَ بضم الياء فيكون على هذه اللغة كهيؤ. وزعم ابن السراج أنه حرف بمنزلة ما. وتابعه الفارسي في

الحلبيات وابن شقير وجماعة، والصواب الأول. انتهى المراد منه. وأربعة شرطها تقدم نفي أو شبهه وهو النهي والدعاء وهي: «زال، وفتى، وانفك، وبرح». قال السيوطي: «هذه الأربعة بمعنى باتفاق النحويين».اهـ، وسواء كان هذا النفي بحرف نحو : ولا يزالُونَ مُختلفين ﴾ [هود: ۱۱۸]، لَن نَبرَحَ عَلَيْهِ عكيفين ﴾ [طه: ٩١] أو اسم كقوله: غير منفــــك أسـيـر هـــوى کل وان ليس يُعتَبَرُ

أو فعل موضوع للنفي كقوله:

ليس ينفك ذا غنى واعتزاز كل ذي عفّـة مـقـــل قنوع

أو عارض للنفي كقوله:

قلما يبرح اللبيب إلى ما يورث الحمد داعيا أو مجيبا وسواء كان للنفي ظاهرا كما مثلنا، أو مقدرًا نحو: قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَوا

تذْكُرُ يُوسُفَ [يوسف: ٨٥].

ونحو قول امرؤ القيس:

تشييد المباني

۲۲۹

فقلت يمين الله أبرح قاعدًا ولو قطعوا رأسي لديكِ وأوصالي

إذ الأصل لا تفتوا ولا أبرح ومثال النهي قوله:

صاحِ شَمِّرٌ ولا تَزَل ذاكر الموتِ فنســـــانه ضــــــلال مبـــــين

وبعد الدعاء قول ذي الرمة

ألا يا اسْلَمي يا دار مي على البِلى ولا زال منهلا بجرعائِكَ القَطْرُ وسواء كان متصلا بالفعل، أم مفصولًا بينه وبينه كقوله:

ولا أراها تزال ظالمةً تُحدِثُ بي فرحةً وتنكَؤُهَا وذكر المصنف هذه الأربعة مقرونة بـ ما النافية فقال: (وما زال) ماضي يزال ووزنه «فعل» بكسر العين لأنه من باب سمع يسمع»، واحترزت بماضي يزال» من «زال» ماضي يزول»، فإنه فعل تام قاصر ووزنه «فعل» بالفتح لأنه من باب «نصر ينصر» ومعناه الانتقال ، ومن زال» ماضي «يزيل» بفتح الياء فإنه فعل تام متعد إلى مفعول ووزنه «فعل بالفتح أيضًا، لأنه من باب «ضرب يضرب»، ومعناه: ماز.

(تنبيه): حكى الكسائي والفراء لـزال الناقصة» مضارعا آخر وهو يزيل فيكون مشتركا بين التام والناقص، بل قال الفراء: غيرت «زال التامة بتحويلها إلى (فعل) بكسر العين بعد أن كانت مفتوحتها

الناقصة» من

فرقاً بين التام والناقص. اهـ، نقله الأزهري. (وما انفك وما فَتِئَ) بتثليث التاء و «أفتأ» أيضًا، وذكر الصغاني «فتؤ يفتؤ»

على وزن ظرف يظرف» لغة فيها.

۲۳۰

النحو

(وما برح) بكسر الراء على وزن سمع.

(مُهمَّة ) : قال ابن مالك : يلحق بـزال بشرطها المتقدم وني ورام معناها، قال: وهما غريبتان ولا يكاد النحويون يعرفونهما إلا من عني باستقراء الغريب، ومن شواهد استعمالهما قوله:

لا يني الجد شيمة الحب مادام فـــــلا يحــــــبنه ذا اريــــــواء

وقوله:

إذا رُمتَ ممن لا يَرِيمُ متيما سلُوا فقد أَبْعَدْتَ فِي رَوْمِكَ :قال واحترزت بقولي: بمعنى زال»؛ من «وني) بمعنى: «فتر»، و«رام» بمعنى: حاول أو تحول".اهـ، نقله في "شرح الجمع".

(تنبيه): هذه الأفعال الأربعة تدل على ملازمة الصفة للموصوف مذ كان قابلا لها على حسب ما قبلها، فإن كان ما قبلها متصلة الزمان دامت كذلك نحو ما زال زيد عالما ، وإن كان قبلها في أوقات دامت له كذلك نحو: «ما زال يعطي الدراهم». أفاده في "الهمع". وواحد يعمل هذا العمل بشرط تقدم «ما الظرفية المصدرية» (و) هو دام نحو: «لا أصحبك ما دام زيد متردد إليك»، ونحو قوله تعالى: مَا دُمْتُ حيا [مریم: ۳۱]. أي: مدة دوام تردد زيد إليك، ومدة داومي حيا، وسميت «ما» هذه «مصدرية» لأنها تقدر بالمصدر وهو الدوام، وسميت «ظرفية» لنيابتها عن الظرف وهو المدة. (تنبيه): إذا كانت «ما») مصدرية غير ظرفية لم تعمل «دام» بعدها، فإن ولي

تشييد المباني

۲۳۱

مرفوعها منصوب فهو حال نحو: يعجبني ما دمت صحيحًا، فإذا لم تذكر «ما» أصلا فأحرى بعدم العمل نحو: دام زيد صحيحًا، فدام فعل ماض تام بمعنى بقي، وصحيحًا حال من ،زيد ولا يلزم من وجود «ما» المصدرية الظرفية العمل المذكور بدليل مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ [هود: ۱۰۷]، ولا توجد الظرفية بدون المصدرية. قاله في "التصريح ".

(و) يعمل من هذه الأفعال العمل المذكور (ما تصرف منها) من ماض ومضارع وأمر ومصدر، وهي في التصرف وعدمه ثلاثة أقسام: ما لا يتصرف أصلا، وهو ليس باتفاق ودام عند الفراء وكثير من المتأخرين، وما يتصرف تصرفا ناقصا وهو زال وأخواتها فإنها لا يستعمل منها أمر ولا مصدر، ودام عند الأقدمين فإنهم أثبتوا لها مضارعا، وما يتصرف تصرفًا تاما وهو الباقي (نحو: كان، ويكون، وكن، وأصبحَ ، ويصبحُ، وأصبح) وللتصاريف ما للماضي من العمل (تقول كان زيد قائما) وفي المضارع: وَلَمْ أَكُ بَغِيًا ﴾ [مريم:

٢٠] وفي الأمر قُل كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا } [الإسراء: ٥٠].

وفي المصدر :

ببذل وحلم ساد في قومه الفتى وكونك إيَّاه عليكَ يَسِيرُ

وفي اسم الفاعل: وما كُلَّ مَنْ يبدي البشاشة كاننا أخاك إذا لم تُلْفِهِ لكَ مُنْجِدًا

وقول الحسين بن مطير الأسدي:

قضى الله يا أسماء أن لستُ زائلا أحبُّكِ حَتَّى يُعْمِضَ العَينَ مُغْمِضُ

۲۳۲

النحو

وتقول في الذي لا يتصرف منها : لا أكلمك ما دام زيد واقفا (وليس عمرو شاخصًا وما أشبه ذلك) من الأمثلة المتقدمة.

(تتمة): قال أبو الحسن بن أبي الربيع في شرح الإيضاح ": «كان وأخواتها في تقديم أخبارها عليها على أربعة أقسام: قسم لا يتقدم خبرها عليها باتفاق وهو: «مادام»، وقسم يتقدم عند الجمهور إلا المبرد وذلك: «ليس»، وقسم لا يتقدم خبرها عليها عند الجمهور إلا ابن كيسان وهي: «ما زال وأخواتها»، وقسم يتقدم الخبر عليه باتفاق ما لم يعرض عارض وهي: «كان» وبقية أفعال الباب» . اهـ، نقله في "الأشباه".

(فائدة): اختلف في جواز تقدم أخبار هذا الباب على الأفعال إذا كانت منفية بـ«ما»، فالبصريون على المنع والكوفيون على الجواز، ومنشأ الخلاف اختلافهم في أن ما هل لها صدر الكلام أو لا؟ فالبصريون على الأول، والكوفيون على الثاني.

(تنبيه): قال الخفاف اختلف هل الأفعال الناقصة تدل على الحدث أم لا؟ ويبتني على ذلك الخلاف في عملها في الظرف والمجرور والحال، فمن قال تدل؛ أعمل، ومن قال لا ؛ فلا.

(فائدة): اختلف ام سميت هذه الأفعال نواقص، فقيل: لأنها لا تدل على الحدث بناء على القول به وعلى القول الآخر سميت ناقصة بكونها لا تكتفي

بمرفوعها.

(تكملة): قال أبو حَيَّان في شرح "التسهيل": «تعدد خبر كان مبني على

تشييد المباني

۲۳۳

الخلاف في تعدد خبر المبتدأ، ثم قيل: الجواز هنا أولى لأنه إذا جاز مع العامل الأضعف وهو الإبتداء فمع الأقوى وهو «كان» أولى، وعليه ابن درستويه، واختاره ابن أبي الربيع، وهو ظاهر كلام سيبويه، قال: لأن ضرب لا يكون له إلا مفعول واحد، فما شبه به يجري مجراه..اهـ قاله السيوطي في "الأشباه والنظائر".

فصل

وأعملت ما، ولا، ولات، وإن تشبيها لها بـ «ليس» في النفي، ولإعمالها

شروط:

أما «ما» فأعملها الحجازيون بشروط أربعة:

أحدها: أن لا يقترن اسمها بـ«أن الزائدة كقوله :

بَنِي غُدَانــة مــا إن أنتُمُ ذهب ولا صريف ولكن أنتم خَزَفٌ

فبطل عملها وجوبًا عند البصريين.

الثاني: أن لا ينتقص نفي خبرها بـ «إلا»، فلذلك وجب الرفع في: وَمَا

أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ ﴾ [القمر: ٥٠].

الثالث: أن لا يتقدم على الاسم؛ خلافًا للفراء، وإن كان ظرفًا أو مجرورًا على الأصح؛ خلافًا لابن عصفور، فإن تقدم بطل العمل كقولهم: «ما مسيء من أعتَبَ».

الرابع: أن لا يتقدم معمول خبرها على اسمها كقول مزاحم بن الحارث

٢٣٤

النحو

العقيلي:

وقالوا تعرفها المنازلَ مِنْ مِنى وما كلَّ مَنْ وافى مِنـى أنـا عـارف إلا إن كان المعمول ظرفًا أو مجرورًا كقوله:

بأهبةِ حَزْم لذ وإن كنتَ آمنا فما كلَّ حينٍ مَنْ تُـوالي مواليـا وأما «لا» فإعمالها قليل عند الحجازيين وإليه ذهب سيبويه وطائفة من البصريين، وذهب الأخفش والمبرد إلى منعه، وعلى الإعمال يشترط له الشروط السابقة في «ما»، ما عدا الشرط الأول، وأن يكون المعمولان نكرتين، والغالب

أن يكون خبرها محذوفًا حتى قيل بلزوم ذلك، كقول سعد بن مالك: مَنْ صَدَّ عن نيرانها فأنا ابن قيس لا بَرَاحُ والصحيح جواز ذكره كقوله:

تعزّز فلا شيء على الأرض باقيـا ولا وزر مما قضى الله واقيا

وإنما لم يشترط الشرط الأول ؛ لأن «أن» لا تزاد بعد «لا» أصلا. وأما «لات»: فاختلف فيها، فقال قوم: إنها كلمة واحدة فعل ماض ثم اختلفوا على قولين: أحدهما: أنها في الأصل بمعنى نقص من قوله تعالى: لَا يَلتَكُم مِّنْ أَعْمَلِكُمْ

شَيْئًا ﴾ [الحجرات: ١٤] قاله أبو ذر الخشني.

والثاني: أن أصلها «ليس» بكسر الياء، فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وأبدلت السين تاء. وقال الجمهور إنها كلمتان، «لا النافية»، والتاء لتأنيث اللفظة، كما في «ثمت ، وربت»، وإنما وجب تحريكها لالتقاء الساكنين.

تشييد المباني

٢٣٥

واختلف في عملها فعن الأخفش في أحد القولين أنها لا تعمل شيئًا، وإن وليها مرفوع فمبتدأ حذف خبره أو منصوب فمفعول بفعل محذوف. وقيل:

تعمل عمل «أن) فتنصب الاسم وترفع الخبر ، وهذا أحد القولين للأخفش. والجمهور على أنها تعمل عمل «ليس بشرطين: كون معموليها اسمي زمان، وحذف أحدهما والغالب كونه المرفوع، نحو: وَلَاتَ حِينَ مَنَاص [ ص: ٣]. واختلف في معمولها فقال الفراء: إنها لا تعمل إلا في لفظة «الحين»، وهو ظاهر قول سيبويه، وذهب الفارسي وجماعة إلى أنها تعمل في «الحين» وفيما

رادفه.

وأما «إنْ» فإعمالها نادر عند ابن مالك، وقال غيره: إنه أكثر من عمل لا وهو لغة أهل العالية واختلف في جواز إعمالها فذهب الكسائي وأكثر الكوفيين وأبو بكر وأبو علي وأبو الفتح إلى الجواز، وذهب الفراء وطائفة وأكثر أهل البصرة إلى المنع واختلف النقل عن سيبويه والمبرد، فنقل السهيلي الإجازة عن سيبويه والمنع عن المبرد، وعكس ذلك ابن النحاس، ونقل ابن مالك عنهما الإجازة، وسمع ذلك من أهل العالية كقول بعضهم: «إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية».

وقول الشاعر:

إن هوَ مُسْتَوليا على أحد إلا على أضعف المجانين أنشده الكسائي شاهدا على عمل (إن) عمل «ليس». انتهى ملخصا من "المغني" و"التصريح". (فائدة): قال أبو البقاء: «ما»، هي الأصل في النفي وهي أم بابه، والنفي

٢٣٦

النحو

فيها أكد.

(تنبيه): قال تاج الدين بن مكتوم : « لم تقع ما في القرآن إلا على لغة الحجاز ما خلا حرفًا واحدًا وهو وَمَا أَنتَ بِهَدِى الْعُمّي عَن ضَلَالَتِهِمْ ﴾ [النمل: ۸۱] على قراءة حمزة، فإنها هنا على لغة تميم .

(مسألة): التصرف في ( لا ) النافية أكثر من التصرف في «ما النافية»، ومن

ثم جاز حذف (لا) في جواب القسم، نحو: {تَاللَّهِ تَفْتَوا ﴾ [يوسف: ٨٥] أي: «لا تفتؤ»، ولم يجز حذف «ما»، كذا نقله ابن الخباز عن شيخه معترضا به على

ابن معط.

(مُهمَّة): قال ابن هشام في "تذكرته": زيادة الباء في الخبر على ثلاثة أقسام:

كثير، وقليل، وأقل.

فالكثير: بعد «ليس، وما نحو : أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: ٣٦] وَمَا رَبُّكَ بِغَفِل ﴾ [الأنعام: ۱۳۲]، وبعد أو لم يروا» نحو: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَدِرٍ عَلَى أَن يُحْتَى الْمَوْتَى

[الأحقاف: ٣٣].

و القليل بعد كل ناسخ منفي، كقول عمرو بن براق الأزدي: وإِنْ مُدَّتِ الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشَعُ القوم أعجل

وقول دريد بن الصمة

دعاني أخــي والخـيـل بيني وبينه فلما دعاني لم يجدني بتعددِ وبعد «لا» العاملة عمل ليس كقول سواد بن قارب

تشييد المباني

۲۳۷

فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة بمُغْنِ فَتِيلًا عن سواد بن قارب

والأقل: بعد إن كقول امرؤ القيس:

فإن تنأ عنها حِقْبةً لا تُلاقِها فإنَّك تمــا أحدَثَتْ بالمجرّبِ

وبعد «لكن» كقوله:

ولكنَّ أجرًا لو علمت بهين وهل يُنكر المعروف في الناس والأجـرُ وبعد هل كقوله: «ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم».

انتهى ملخصا من "الأشباه والنظائر".

۲۳۸

النحو

إن وأخواتها

قال المؤلف : (وأمَّا إِنَّ وأخواتها) وهو الثاني من النواسخ (فإنها تنصب الاسم) اتفاقا ( وترفع الخبر) في مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين أنها لم تعمل فيه شيئًا، واستدل له السهيلي بأنها أضعف من الأفعال فلم يجز أن تعمل عملهن. واختلفوا في عددها فعدها سيبويه في "الكتاب" والمبرد في "المقتضب" وابن السراج في "الأصول" وابن مالك في "التسهيل" والسيوطي في "جمع الجوامع "؛ خمسة بإسقاط أن المفتوحة لأنها فرع المكسورة عند سيبويه فلا تعد، وعدها قوم منهم ابن مالك في " ألفيته" وتبعهم المصنف سنة

بزيادتها، وعدها ابن هشام ثمانية بزيادة «عسى» و «لا التبرئية». قال المؤلف : (وهِيَ إِنَّ) بكسر الهمزة، وهي أصل الباب كما قاله أبو البقاء

في التبيين.

آنها.

(وأنَّ) بفتحها وهي فرع عن المكسورة في مذهب سيبويه وغيره كما تقدم

(ولكن) بتشديد النون وهي بسيطة عند البصريين، ومركبة من «لكن أن» عند الفراء فحذفت الهمزة للتخفيف ونون لكن للساكنين، ومن «لا، وإن» عند قوم من الكوفيين فحذفت الهمزة وزيدت الكاف، ومن «لا، وكان عند بعضهم، واختاره السهيلي.

(وكأن) بتشديد النون وهي بسيطة عند شرذمة وأبي حيان، ومركبة عند الخليل وسيبويه والأخفش وجمهور البصريين والفراء، وادعى ابن هشام وابن الخباز الإجماع على أنها مركبة وليس كذلك. قال الفراء: وهي مركبة من «أن

تشييد المباني

۲۳۹

وكاف التشبيه»، وللاهتمام بالتشبيه قدموا الكاف على «أن» وفتحوا همزتها،

واختلف على هذا هل تتعلق هذه الكاف بشيء؟ على قولين: أحدهما : لا وعليه ابن جني وابن عصفور وهو الصحيح.

والثاني: نعم، وعليه الزجاج

وليت) ويقال فيها «لَتَّ» بإبدال الياء تاء وإدغامها في التاء.

( ولعل) بتشديد اللام الأخيرة وفيها لغات: «عل، ولعل، بفتح اللام وكسرها، ولعن، وعن، ولان ،ولن ،ورعن ،ورغن، ولغن، وغن، ولعلت ولعا، ولوان، وهي، ورعل». (فائدة): «عل» بتشديد اللام أصل «العل» عند من زعم أن اللام زائدة.

(تقول) في مثال عمل هذه الحروف إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمُ } [البقرة: ۱۷۳]. ومنه (إنَّ زيدًا (قائم) وقد تنصب الجزأين جميعا في لغة كعمر بن أبي ربيعة: إذا اسود جنح الليل فلتَأْتِ ولتكُن خطاك خفافا إن حرَّاسَنا أَسْدَا وفي الحديث: «إن قعر جهنم سبعين خريفا».

قال في "المغني": وقد يرتفع بعدها المبتدأ فيكون اسمها ضمير شأن محذوفا كقوله عليه الصلاة والسلام : «إنَّ من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصوّرون» الأصل أنه أي الشأن.اهـ

(تقسيم): لـ «أن ثلاثة أحوال : وجوب الفتح، ووجوب الكسر، وجواز

الأمرين. فيجب فتحها إذا قدرت بمصدر كما إذا وقعت في موضع مرفوع فعل نحو: «يعجبني أنك قائم»، أو منصوبة نحو: «عرفت أنك قائم»، أو في موضع

٢٤٠

النحو

مجرور بحرف نحو: «عجبت من أنك قائم».

ويجب كسرها في تسعة مواضع:

الأول: إذا وقعت (إن)) ابتداءًا أي: في أول الكلام نحو: «إن زيدا قائم»، ولا يجوز وقوع المفتوحة ابتداءًا فلا تقول: أنك فاضل عندي»، وأجازه

بعضهم.

الثاني: أن تقع (إن) صدر صلة نحو: وَانَيْنَهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ

[القصص: ٧٦].

الثالث: أن تقع جوبًا للقسم وفي خبرها اللام نحو: «والله إن زيدًا لقائم». الرابع: أن تقع جملة محكية بالقول نحو : قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ } [مريم: ٣٠]. فإن لم تحك به بل أجري القول مجرى الظن فتحت نحو: «أتقول أن زيدًا قائم؟

أي: تظن. الخامس: أن تقع في جملة في موضع الحال نحو: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ

بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَرِهُونَ ﴾ [الأنفال : ٥].

السادس: أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب وقد علق عنها باللام نحو: علمت إن زيدًا لقائم، فإن لم يكن في خبرها اللام فتحت نحو: «علمت أن

زيدا قائم».

السابع: أن تقع بعد ألا الاستفتاحية» نحو: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ

[البقرة: ١٣].

الثامن: إذا وقعت بعد حيث نحو: اجلس حيث إن زيدًا يجلس».

تشييد المباني

٢٤١

التاسع: إذا وقعت في جملة هي خبر عن اسم عين نحو: «زيد إنه قائم»،

قاله ابن عقيل في "شرح الألفية".

قلت: بقي عليه من مواضع وجوب فتح الهمزة خمسة :

الأول: أن تقع نائبا عن الفاعل نحو: أُوحِيَ إِلَى أَنَّهُ أَسْتَمَعَ ﴾ [الجن: ١] الثاني: أن تقع في موضع رفع بالابتداء نحو: وَمِنْ ءَايَيْهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ

خَشِعَة [فصلت: ۳۹].

الثالث: أن تقع في موضع خبر اسم معنى نحو: «اعتقادي أنك فاضل». الرابع: أن تكون تابعة لشيء مما ذكر نحو: «اذْكُرُوا نِعمتی بنانا نہ

[البقرة: ٤٧]، ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّابِفَنَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ﴾ [الأنفال : ٧] الخامس: أن تقع مجرورة بالإضافة نحو مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ﴾ [الذاريات:

[٢٣

ويجوز الوجهان في ثلاثة مواضع:

أحدها: بعد «إذا الفجائية» نحو: «خرجت فإذا أن زيدًا بالباب».

الثاني: بعد الفاء الجزائية نحو : فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: ٥٤]. الثالث: إذا وقعت خبرًا عن قول وخبرها قول وفاعل القولين واحد نحو أول قولي أني أحمد الله»، كذا قال ابن هشام في "شرح الشذور ".

قلت: وبقي عليه موضعان:

الأول: أن تقع بعد أي المفسرة» فإنه يجوز أيضًا الفتح والكسر.

٢٤٢

النحو

الثاني: بعد «مذ، ومنذ نحو: ما رأيته مذ، أو منذ، أن الله خلقني»، أجاز الأخفش الكسر، وصححه ابن عصفور، لأن «مذ، ومنذ» يليهما الجمل، ومنعه بعضهم لأن الجملة بعدهما بتأويل المصدر ، وصرح سيبويه وابن السراج بجواز

الفتح ساكتين عن إجازة الكسر وامتناعه. ذكرهما السيوطي.

قلت: بقي موضع آخر ذكره ابن عقيل في "شرح الألفية" وهو أن تقع في جواب قسم وليس في خبرها اللام نحو حلفت أن زيدا قائم، وروي بالوجهين قول رؤبة :

أو تحلفي بربك العلي أنِّي أبو ذيالِكِ الصَّــــبي (تنبيه): تخفف «إن» المكسورة فيجوز الإهمال وهو الأكثر، نحو: ﴿ وَإِن كُلٌّ لَّما جميع لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ [يس: ۳۲] وتلزمها اللام في ثاني الجزأين فرقا بينها وبين أن النافية لالتباسها حينئذ بها نحو: إن زيد لقائم، وقد تغني عنها قرينة لفظية نحو: «إن زيد لن يقوم»، أو معنوية كقول الطرماح أنا ابن أبـاةِ الضَّـيـم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن واختلف في هذه اللام، فذهب سيبويه والأخفش الأوسط والصغير وأكثر نحاة بغداد وابن الأخضر وابن عصفور إلى أنها لام الابتداء التي تدخل مع المشددة، لزمت للفرق.

وذهب الفارسي وابن أبي العافية والشَّكوبين وابن أبي الربيع إلى أنها لام أخرى اجتلبت للفرق.

وذهب بعضهم إلى التفصيل بين أن تدخل على الجملة الاسمية فتكون لام

تشييد المباني

٢٤٣

الابتداء أو الفعلية فتكون الفارقة. قال أبو حَيَّان وثمرة الخلاف تظهر علمت

وأخواتها، فإن كانت للفرق لم تعلق، وإن كانت لام الابتداء علقت. (مسألة): قال السخاوي: إذا خففت «إن المكسورة لم يلها من الأفعال إلا ما كان من نواسخ الابتداء عند البصريين، وجوز الكوفيون غيره، وهو مبني على مذهبهم أنها نافية. نقله في "الأشباه".

وقد تعمل على قلة نحو : وإِن كُلَّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ [يس: ٣٢] في قراءة نافع وابن كثير، وحكى الإعمال سيبويه والأخفش، قال ابن عقيل: وحينئذ لا تلزمها اللام لأنها لا تلتبس - والحالة هذه - بالنافية، لأن النافية لا تنصب الاسم وترفع الخبر . اهـ

(مسألة): قال في "الأشباه": قال أبو حَيَّان: حال «إن» المخففة إذا عملت كحالها وهي مشددة في جميع الأحكام إلا في شيء واحد وهو أنها لا تعمل في الضمير إلا لضرورة بخلاف المشددة» . اهـ

(فائدة): اختلف هل تأتي «إن» حرف جواب كـ«نعم»؟ فأثبت ذلك سيبويه والأخفش، وصححه ابن عصفور وابن مالك، وأنكروا أبو عبيدة. ومن شواهد من أثبت قول عبد الله بن الزبير - لمن قال له لعن الله ناقة حملتني إليك : إنَّ وراكبها. ولا عمل لها حينئذ، وخرج الأخفش عليها قراءة: قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَحِرَانِ ﴾ [طه: ٦٣]. قاله في "الهمع".

وتخفف «أن» المفتوحة فقيل: لا تعمل شيئًا لا في ظاهر ولا في مضمر

٢٤٤

النحو

وتكون حرفًا مصدريًا مهملًا كسائر الحروف وعليه سيبويه والكوفيون،

وقيل: تعمل في المضمر وفي الظاهر، وعليه طائفة من المغاربة، وقيل: تعمل

جوازا في مضمر لا ظاهر، وعليه الجمهور.

(مسألة):

تقع

.

«أن» المفتوحة ومعمولاها استما لـ«إن المكسورة بشرط

الفصل بالخبر، وقال الفراء بعدم شرط الفصل. قال أبو حَيَّان: «وهذا من

الفراء بناء على رأيه أن «أن» يجوز الابتداء بها، والجمهور على منعه.

(مسألة): وتخفف «الكن» فلا تعمل البتة لعدم سماعه، وعلل بمباينة لفظها لفظ الفعل، وبزوال موجب إعمالها وهو الاختصاص، إذ صارت يليها الاسم

والفعل، وأجاز يونس والأخفش إعمالها قياسًا على «إن» و«أن» و«كأن». وتخفف «كان»، فقيل: لا تعمل مطلقا وعليه الكوفيون، وقيل: تعمل مطلقا في المضمر والبارز ، وقيل : تعمل في المضمر لا في البارز، ولا يلزم أن يكون ضمير الشأن. ويجوز أن يكون خبرها مفردًا وقد يظهر اسمها، ومنه بيت

الكتاب: وصدر مشرقِ النَّحْرِ كَان تديهِ حُفَّانِ

(فائدة): زعم قوم أن «كأن» قد تنصب الجزأين وأنشدوا: كأن أذنيه إذا تشوفا قادمة أو قلما محرفا

وقيل: الخبر محذوف، يحكيان

وقيل: إنما الرواية تخال أذنيه

وقيل: الرواية قادمتان.

تشييد المباني

٢٤٥

وقيل: أخطأ قائله - وهو أبو نخيلة - وقد أنشده بحضرة الرشيد فلعنه أبو عمرو والأصمعي، وهذا وهم فإن أبا عمرو توفي قبل الرشيد. قاله ابن هشام. (فائدة): قال الفراء وبعض أصحابه قد تنصب «ليت» الجزأين، كقول العجاج: «يا ليت أيام الصبا رواجعا»، وتقترن بها «ما الحرفية» فلا تزيلها عن الاختصاص بالأسماء خلافًا لابن أبي الربيع وطاهر القزويني، ويجوز حينئذ

إعمالها لبقاء الاختصاص وإهمالها حملًا على أخوتها.

ورووا بالوجهين قول النابغة:

قالت ألا ليتها هذا الحمام لنا إلى حمامتنــــا أو نصفه فقــــد

قاله ابن هشام. ولا تخفف «العل» عند الجمهور، وقال الفارسي : «تخفف وتعمل في ضمير الشأن محذوفا».

قال بعض أصحاب الفراء: «قد تنصب لعل الجزأين»، وزعم يونس أن ذلك لغة لبعض العرب، وحكى لعل أباك منطلقا، وتتصل بها «ما الحرفية»

فتكفها عن العمل كسائر أخواتها إلا «ليت» بدليل قول الفرزدق: أَعِد نظرًا يا عبد قيس لعلمها أضاءت لك النَّارُ الحمار المقيدا (مُهمَّة): قيل : أول لحن سمع بالبصرة: «العل لها عذر وأنت تلوم». وهذا محتمل لتقدير ضمير الشأن. قاله ابن هشام.

قلت: إنها يتمشى هذا التوجيه على قول الفارسي، وأما على مذهب الجمهور - وهو الصحيح من أن «العل» لا تخفف ولا ينوي لها ضمير الشأن فهو لحن فاحش.

٢٤٦

النحو

(تنبيه): قال في "المفصل": جميع ما ذكر في خبر المبتدأ من أصنافه وأحواله وشرائطه قائم في خبر «إن»، ما خلا جواز تقديمه، إلا إذا وقع ظرفًا كقولك: إن عندي زيدا»، أو مجرورًا كقولك: «إن في الدار زيدا».

وقال ابن يعيش في "الشرح: كل ما جاز في المبتدأ والخبر جاز مع «إن وأخواتها»، لا فرق بينهما، ولا يجوز تقديم خبرها ولا اسمها عليها، ولا تقدم الخبر فيها على الاسم، ويجوز في المبتدأ لعدم تصرف هذه الحروف، وكونها فروعًا على الأفعال في العمل، فانحطت عن درجة الأفعال فجاز التقديم في الأفعال نحو: «قائما كان زيد»، و«كان قائما زيد»، ولم يجز ذلك في هذه الحروف اللهم إلا أن يكون الخبر ظرفًا أو جارًا ومجرورًا، وذلك أنهم توسعوا في الظرف و خصوصا بذلك لكثرتها في الاستعمال، نقله في "الأشباه". وقد يجب تقديم الخبر إذا اتصل بالاسم ضميره نحو: «إن في الدار ساكنها»، و«إن عند هند أخاها».

وكذلك لا يتقدم معمول خبرها على اسمها إن كان غير ظرف أو مجرور

بالإجماع، فإن كان ظرفًا أو مجرورًا جاز للتوسع فيهما كقوله: فلا تَلْحَنِي فيها فإنَّ بِحبها أخاك مصاب القلبِ جَم بلابله ومنع الأخفش قياس ذلك وقصره على السماع، وإن كان حالا فالجمهور على منعه، وأجازه أبو على الحسن الآمدي.

(تتمة): قال ابن يعيش: «إنما قدم المنصوب في هذا الباب على المرفوع فرقًا بينها وبين الفعل، فالفعل من حيث كان الأصل في العمل جرى على سنن

قياسه في تقديم المرفوع على المنصوب إذ كان رتبة الفاعل مقدمة على المفعول

تشييد المباني

٢٤٧

وهذه الحروف لما كانت فروعًا على الأفعال ومحمولة عليها جعلت بأن قدم المنصوب فيها على المرفوع حطا لها عن درجة الأفعال، إذ تقديم المفعول على

الفاعل فرع ، وتقديم الفاعل أصل. انتهى نقله في "الأشباه".

قال المؤلف : (وليت عمرًا شاخِصٌ وما أشبه ذلك) لهذه الأحرف الستة معان فمعنى إنَّ وأنَّ للتوكيد أي لتوكيد النسبة بين الجزأين ونفي الشك عنها ونفي الإنكار لها بحسب العلم بالنسبة والتردد فيها والإنكار لها فإن كان المخاطب عالما بالنسبة فهما بمجرد توكيد النسبة، وإذا كان مترددًا فيها فهما الشك عنها، وإن كان منكرًا لها فهما لنفي الإنكار لها، فالتوكيد لنفي الشك عنها مستحسن، ولنفي الإنكار واجب ولغيرهما لا ولا. قاله في

لنفي

"التصريح". قلت: وفي كون «أن المفتوحة تفيد التوكيد إشكال ذكره السيوطي في حاشيته على "المغني" المسماة "بالفتح القريب" ولم أقف عليها، وقد راجعت هذا الباب في نكته فلم أجد الإشكال فيها. قال المؤلف : (ولكن للاستدرَاكِ والمشهور أنه لا معنى لها غيره، وفسروه بأن تنسب لما بعدها حكمًا مخالفًا لما قبلها نحو: «ما هذا ساكنا لكنه متحرك»، وما هذا أبيض لكنه أسود»، وقيل: إنها ترد تارة للاستدراك وتارة للتوكيد وعليه جماعة منهم صاحب "البسيط". وفسروا الاستدراك برفع ما يتوهم ثبوته نحو: «ما زيد شجاعًا لكنه كريم»، ومثلوا للتوكيد بنحو : لو جاءني أكرمته لكنه لم يجى» فأكدت ما أفادته

٢٤٨

النحو

«لو» من الامتناع. وقيل : إنها للتوكيد دائما مثل «أن»، ويصحب التوكيد معنى الاستدراك، وهو قول ابن عصفور.

قال المؤلف : (وكأنَّ للتشبيه) وهو الغالب عليها والمتفق عليه.

قال ابن هشام: وهذا المعنى أطلقه الجمهور لـ«كأن»، وزعم جماعة منهم ابن السيد البطليوسي أنه لا يكون إلا إذا كان خبرها استما جامدا نحو: «كأن زيدًا أسد»، بخلاف كأن زيدًا قائم، أو في الدار ، أو عندك، أو يقوم»، فإنها في ذلك كله للظن. وقيل ترد للشك والظن وذلك فيما ذكرنا . وحمل ابن الأنباري عليه كأنك بالشتاء مقبل»، وقيل: ترد للتحقيق،

ذكره الكوفيون والزجاجي وأنشدوا عليه:

فأصبح بطن مكة مُقْشَعِرًا كأنَّ الأرضَ ليس بها هِشَامُ وقيل ترد للتقريب وعليه الكوفيون، وحملوا عليه: «كأنك بالشتاء مقبل»، و«كأنك بالفرج آت»، و«كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل".اهـ

كلامه ملخصا.

(وليت للتمني) ويتعلق بالمستحيل غالبًا كقوله:

فيا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب وبالممكن قليلا. ولعلَّ للترجي) أي: ترجي المحبوب نحو: لعل الحبيب قادم (و) الإشفاق من المكروه نحو: لعل الرقيب حاصل»، ويعبر عن كلا المعنيين بـ (التَّوقع) فإن كان في المحبوب سمي ترحيبا، وإن كان في المكروه

سمي إشفاقا، ولا تستعمل إلا في الممكن.

تشييد المباني

٢٤٩

(تنبيه): زاد الأخفش والكسائي في معانيها: التعليل، وخرجا عليه: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيْنَا لَعَلَّهُ، يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: ٤٤].

وزاد الكوفيون في معانيها: الاستفهام، وحملوا عليه: لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّه يحدث بعدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: ١] زاد المطوال وأكثر الكوفيين: الشك.

(فائدة ) : يقترن خبرها بـ «أن كثيرًا حملا على عسى كقوله:

لعلك يوما أن تُلمَّ مُلمَّةٌ عليك من اللائي يدعنك أجدَعا قاله في "المغني".

٢٥٠

النحو

ظننت وأخواتها

قال المؤلف: (وأما ظننتُ وأخواتها وهو الثالث من النواسخ (فإنها تنصب المبتدأ والخبر ) بعد استيفائها الفاعل ( على أنهما مفعولان لها) فتعمل عكس «كان» و «إن».

(تنبيه): ذهب الجمهور إلى أنها تدخل على المبتدأ والخبر، وذهب السهيلي إلى أن المفعولين هنا ليس أصلهما المبتدأ والخبر بل هما كمفعولي «أعطى»، واستدل بـ ظننت زيدًا عمرا فإنه لا يقال : زيد عمرو» إلا على جهة التشبيه وأنت لم ترد ذلك مع ظننت إذ القصد أنك ظننت زيدًا عمرا نفسه لا شبه

عمرو.

وقال أبو حَيَّان والصحيح قول الجمهور بدليل رجوع المفعولين إلى المبتدأ والخبر إذا ألغيت هذه الأفعال والجمهور على أن هذه الأفعال نصبت المفعولين معا. وذهب الفراء إلى أن الثاني منصوب على التشبيه بالحال، واستدل بوقوعه جملة وظرفًا ومجرورًا. واستدل الجمهور بوقوعه معرفة ومضمرًا واسمها جامدا. قال المؤلف : (وهي) نوعان : أفعال القلوب، وأفعال التحويل. فأما أفعال القلوب فتنقسم إلى قسمين: أحدهما: ما يدل على الرجحان وهي: (ظننتُ، وحسبت، وخِلْت وزعَمْتُ)، وعد، وحجا، وجعل، وهب. مثال «ظن» في الرجحان: ظننت زيدًا صاحبك»، وقد تستعمل لليقين كقوله تعالى: وَظَنُّوا أَن لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ﴾ [التوبة: ۱۱۸]، و«حسبت

زيدا صاحبك».

وقد تستعمل لليقين كقول لبيد العامري

تشييد المباني

٢٥١

حسبت التقى والجود خير تجارة رباحًا إذا ما المرءُ أصبحَ ثَاقِلَا

وخلت زيدًا أخاك»، وقد تستعمل لليقين:

دعاني الغواني عمهن وخلتني لي اسم فلا أُدعى به وهو أوَّلُ وزعمت زيدًا أخاك، وقد تستعمل لليقين كقول أبي أمية:

زَعَمتني شيخا ولست بشيخ إنَّـا الشـيـخ مــن يــدب دبيـــا

ومثال «عد» قول النعمان بن بشير:

فلا تَعْدِدِ المولى شريكك في الغنى ولكنها المولى شريكك في العُدمِ

ومثال «حجا» قول تميم:

قد كنتُ أحجُو أبا عمرو أخا ثقة حتى ألت بنا يومًا مُلِيَّات

ومثال «جعل قوله تعالى: الْمَلَكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَدُ الرَّحْمَنِ إِننا

[الزخرف: ١٩].

ومثال «هب» قول ابن همام

فقلت أجرني أبا خالد وإلا فهبنـــي امـــــراً هالــــا والثاني من أفعال القلوب ما يدل على اليقين (و) هي (رأيت، وعلمت

ووجدت) ودريت وتعلم.

مثال رأى قوله:

رأيت الله أكبر كل شيء محاولة وأكثرهم جنودا

وقد تستعمل للرجحان كقوله تعالى: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ ﴾ [المعارج: ٦].

٢٥٢

النحو

ومثال «علم» قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: ١٩] وقد

تستعمل للرجحان كقوله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَ ﴾ [الممتحنة: ١٠]. ومثال «وجد» قوله تعالى: ﴿وَإِن وَجَدْنَا أَكْرَهُمْ لَفَنَسِقِينَ ﴾ [الأعراف :

.[١٠٢

ومثال «درى قول الشاعر:

درِيتَ الوفي العَهْدِ يا عُرْوَ فاغتبِط فإنَّ اغتباطا بالوفاء حميد

ومثال تعلم وهي التي بمعنى «اعلم» قول زياد بن يسار: تَعَلَّمُ شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّها فبالغ بلطف في التحيل والمَكْرِ وأما النوع الثاني من أفعال الباب وهي أفعال التحويل، ويقال لها أيضًا: أفعال التصيير، وذلك لدلالتها على التحويل والانتقال من حالة إلى أخرى، فتتعدى أيضًا إلى مفعولين وعدها بعضهم سبعة: «صير» نحو: «صيرت الطين خزفا» (اتخذت) كقوله تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء:

١٢٥]. وترك كقوله تعالى: وَتَرَكْنَا بَعضَهُمْ يَوْمَيذِ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ﴾ [الكهف: ٩٩]. و «تخذ كقول جند بن مرة تَخِذَتْ غران إثر هم دليلا وفروا في الحجاز ليعجزوني و «رد» كقوله تعالى: ﴿يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا ﴾ [البقرة: ١٠٩]. (وجعلت) كقوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْتَهُ هَبَاءُ مَّنثُورًا ﴾ [الفرقان: ۲۳].

تشييد المباني

المعلقة

٢٥٣

و «هب» كقول بعض العرب فيما حكاه ابن الأعرابي: وهبني الله فداك أي صيرني (و) ألحق الأخفش بـ«علمت من أفعال هذا الباب «سمعت) المعلقة بعين المخبر بعدها بفعل دال على صوت نحو: سمعت زيدا يتكلم»، بخلاف بمسموع نحو: سمعت كلاما وسمعت خطبة». ووافقه على ذلك الفارسي، وابن بابشاذ، وابن عصفور، وابن الصائغ، وابن أبي الربيع، وابن مالك، واحتجوا بأنها لما دخلت على غير مسموع أتى لها بمفعول ثان دل على المسموع، كما ظن» لما دخلت على غير مظنون أتي بمفعول ثان يدل على المظنون.

والجمهور قالوا: لا تتعدى سمعت» إلا إلى مفعول واحد، فإن كان مما يسمع فهو ذاك، وإن كان عينا فهو المفعول، والفعل بعده في موضع نصب على الحال . اهـ قاله في " الهمع". (مسألة): ما دخلت عليه كان دخلت عليه هذه الأفعال، وما لا فلا، إلا

المبتدأ المشتمل على استفهام فإنه لا تدخل عليه «كان» لأن الاستفهام له الصدر، وتدخل عليه ظننت وتقدم عليها. اهـ، من "شرح الجمع".

ولهذه الأفعال ثلاثة أحوال :

فصل

أحدها: الإعمال، وهو الأصل، وهو واقع في هذا الباب الجميع الجامد

منها والمتصرف والقلبي والتصييري.

والثانية: الإلغاء، وهو إبطال العمل لفظا ومحلا لضعف العامل بتوسطه أو

٢٥٤

النحو

تأخره، قال منازل بن ربيعة

أبالأراجيز يابنَ اللَّوْمِ تَوعِدُني وفي الأراجيز خِلْتُ اللوْمَ والخَوَرُ

وقال أبو أسيدة الدبيري

هما سيدانَا يَزْعُمانِ وإِنَّما يَسُودَانِنَا إِنْ أَيْسَرَتْ غَنَما هُمَا وإلغاء المتأخر أقوي من إعماله بلا خلاف، والمتوسط بالعكس. وقيل: هما في المتوسط بين المفعولين سواء.

(تنبيه): إذا تقدم العامل امتنع الإلغاء عند البصريين، فإن جاء من لسان

العرب ما يوهم إلغاءها متقدمة أول على إضمار ضمير الشأن، كقوله: أرجو وآمل أن تدنو مودتها وما إخــال لدينا منك تنويـل فالتقدير: «ما أخاله»، فلا إلغاء حينئذ ، وعلى تقدير لام الإبتداء كقوله: كذاك أدبتُ حتى صار من خُلُقِي أني وجدت مِلاكُ الشِّيمةِ الأدب فالتقدير: «أني وجدت لملاك»، فهو من باب التعليق وليس من باب

الإلغاء في شيء. وذهب الكوفيون وتبعهم أبو بكر الزبيدي وغيره إلى جواز إلغاء المتقدم، فلا يحتاجون إلى تأويل البيتين. قاله ابن عقيل.

والثالثة: التعليق، وهو إبطال العمل لفظا لا محلا لمجيء ما له صدر الكلام

بعده وهو «لام الابتداء» نحو: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَكَهُ ﴾ [البقرة: ١٠٢]

الآية.

و «لام القسم» كقول لبيد:

تشييد المباني

٢٥٥

ولقد علمت لتأتين منيتي إنَّ المنايا لا تَطِيشُ سهامها وما النافية نحو: وَلَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنطِقُونَ ﴾ [الأنبياء: ٦٥]، و«لا» و«إن النافيتان في جواب قسم ملفوظ به أو مقدر ، والاستفهام نحو : وإن أَدْرِى أَقَرِيبُ مَا تُوعَدُونَ ﴾ [الجن: ٢٥]، ونحو: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى ﴾ [الكهف:

۱۲)، ونحو: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَى مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: ۲۲۷]. (تنبيه) لا يدخل الإلغاء ولا التعليق في شيء من أفعال التصيير لقوتها،

ولا قلبي جامد لعدم تصرفه.

(مسألة): الإلغاء عند توفر شرائطه جائز والتعليق واجب.

(تتمة): فعلان من أفعال الباب لا يتصرفان وهما «هب» من أفعال التصيير، وتعلم من أفعال القلوب، فإن الأول ملازم للماضي والثاني ملازم للأمر. وما عداهما متصرف، ولتصر فهن ما لهن من الإعمال والإلغاء والتعليق وهي مبسوطة في المطولات.

(مسألة): قال ابن عصفور لم يعلق من الأفعال إلا أفعال القلوب وهي: «ظننت» و«علمت ونحوهما. ولم يعلق من غير أفعال القلوب إلا أنظر» وأسأل»، قالوا: «انظر: من أبو زيد» و «اسأل: أبو من عمرو»، وكان الذي سوغ ذلك فيهما كونهما سببين للعلم والعلم من أفعال القلوب فأجرى السبب مجرى المسبب.

(مُهمَّة): قال ابن القواس لهذه الأفعال خواص لا يشاركها فيها غيرها من الأفعال المتقدمة، منها أن مفعوليها مبتدأ وخبر في الأصل، ومنها أنه لا

٢٥٦

النحو

يجوز الاقتصار على أحد مفعوليها غالبًا كما جاز في باب أعطيت، ومنها الإلغاء، ومنها التعليق، ومنها جواز كون ضميري الفاعل والمفعول لمسمى واحد نحو: «ظننتني قائما وعلتني منطلقا»، والمخاطب: «ظننتك منطلقا» أي ظننتك نفسك، والغائب زيد رآه عالما»، أي نفسه، وفي التنزيل : أَنزَعَاهُ اسْتَغْى [العلق : ٧] أي: رأى نفسه.

وإنما جاز ذلك فيها دون غيرها لأن المقصود هو الثاني لتعلق العلم أو الظن به، فبقي الأول كأنه غير موجود ، بخلاف «ضربتني» و«ضربتك» فإن المفعول محل الفعل فلا يتوهم عدمه. انتهى. نقل ذلك في "الأشباه والنظائر". ثم مثل المصنف لعملها بقوله: «تقول : ظننت زيدًا منطلقا) فزيدا مفعول أول ومنطلقا مفعول ثان. (تنبيه): إذا كان ظن بمعنى «اتهم فتتعدى المفعول واحد نحو: «ظننت

زيدا» أي اتهمته، وفي السبعة وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينِ ﴾ [التكوير : ٢٤] أي بمتهم. (فائدة) تتعدى رأى «الحلمية إلى مفعولين إجراءا لها مجرى رأى

2

العلمية من حيث أن كلا منها إدراك بالباطن ومنه: إِنِّي أَرَني أَعْصِرُ خَمْرًا ) [يوسف: ٣٦] خلافًا لمن منع د ذلك، وجعل ثاني المنصوبين حالا وهو محجوج بوقوعه معرفة كقول عمرو بن أحمر الباهلي أراهُمْ رُفْقَتِي حَتَّى إذا ما تَجافَى الليل وانخَزَلَ انخِزَالَا ولا يدخلها إلغاء ولا تعليق خلافًا للشاطبي، فإن كانت «رأى» بصرية أو بمعنى أصاب الرئة تعدت لواحد.

تشييد المباني

٢٥٧

وخلت عمرًا شاخصا) عمرًا مفعول وشاخصًا ثان، ومضارعها يخال والمصدر خيلا وخالا وخيلة ومخالة وخيلانا ومخيلة وخيلولة، وتقول في مستقبله: «إخال» بكسر الهمزة وهو الأفصح، وبنو أسد تفتحها وهو القياس. (تنبيه): إذا كانت خال بمعنى تكبر ، أو ظلع، من خال الفرس: ظلع، أي:

غمز في مشيه، والمضارع منها يخال أيضًا فهي لازمة.

(فائدة): إذا كانت علم بمعنى عرف تعدت لواحد، فإذا كانت بمعنى

علم علمة فهو أعلم، أي مشقوق الشفة العليا فهي لازمة. (تتمة): يحذف المفعولين بالإجماع، ومن حذفها قول الكميت: بأي كتاب أم بأيــــة ســــنة ترى حبهم عارًا علي وتحسب أي تحسب حبهم عارًا علي، فحذفهما الوجود دليل عليهما. وأما حذفهما اختصارًا ففيه خلاف والمنع . مطلقا وعليه الأخفش والجرمي،

و نسبه ابن مالك لسيبويه وللمحققين كابن طاهر وابن خروف والشلويين. والجواز مطلقا وعليه أكثر النحويين منهم ابن السراج والسيرافي، وصححه ابن عصفور لوروده، قال تعالى: أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى ﴾ [النجم:

٣٥] وقال: ﴿ وَظَنَنتُمْ ظَن السوء ﴾ [الفتح: ١٢].

والجواز في «ظن) وما في معناها دون «علم» وما في معناها وعليه الأعلم. والمنع قياسًا والجواز في بعضها سماعا، وعليه أبو العلاء إدريس ونسبه لسيبويه. وأما حذف أحدهما اقتصارًا فلا يجوز بالإجماع، وأما اختصارًا فيجوز عند الجمهور، ومنعه ابن الحاجب، وصححه ابن عصفور وأبو إسحاق بن

٢٥٨

النحو

ملكون وطائفة.

وقد ورد حذفه كقول عنترة العبسي:

ولقد نزلت فلا تظني غيره مِنِّي بمنزلة المحب المُكْرَمِ

أي واقعا أو حقا.اهـ

قال المؤلف: (وما أشبه ذلك من أمثلة الرجحان واليقين، وأفعال القلوب

والتصيير.

واعلم أن هذا الباب دخيل في المرفوعات لأنه من باب الفاعل والمفعول،

فحقه أن لا يذكر هنا، وإنما ذكروه هنا تتميما لنواسخ الابتداء.

تشييد المباني

(باب النعت)

٢٥٩

ولما فرغ من المرفوعات شرع يتكلم على التوابع فقال: (باب النعت) والتعبير به اصطلاح الكوفيين وربما قاله البصريون، والأكثر عندهم الوصف والصفة، والعبارتان مترادفتان خلافًا لمن قال أن الصفة تطلق على ما لا يتغير وعلى غيره والنعت لا يطلق إلا على ما يتغير؛ ولذا يقال: «صفات الله ولا يقال: نعوته، وهو دعوى لا دليل عليه. وبدأ رحمه الله تعالى كابن الحاجب بالنعت ثم بالنسق ثم بالتوكيد ثم بالبدل، وفي "التسهيل" بالتوكيد ثم بالنعت ثم بالبيان ثم بالبدل ثم بالنسق، كذلك ابن هشام في "الشذور " وأبو حَيَّان.اهـ وفي "القطر" بالنعت ثم التوكيد ثم عطف البيان ثم النسق ثم البدل، وليس هذا ترتيبها إذا اجتمعت بل عند اجتماعها يبدأ بالنعت ثم بالبيان ثم بالتوكيد ثم بالبدل ثم بالنسق قاله في "التسهيل"، وارتضاه جلال الدين السيوطي. قال: «لأن النعت كجزء من متبوعه ؛ فلذلك تقدم، ثم البيان لأنه جار مجراه، ثم التأكيد لأنه شبيه بالبيان في جريانه مجرى النعت، ثم البدل لأنه تابع كلا تابع لكونه مستقلا، ثم النسق لأنه تابع بواسطة».

قال: وقدم قوم التوكيد على النعت فيقال: قام زيد نفسه الكاتب، ورد

بأن التأكيد لا يكون إلا بعد تمام البيان، ولا يحصل ذلك بالنعت». قال المؤلف: (النَّعت) لغة وصف الشيء بما فيه من حسن، واصطلاحًا: هو (تابع للمنعوت في رفعه ونصبه وخفضه وتعريفه وتنكيره) مكمل له لدلالته على معنى فيه أو في متعلق به، فخرج بالمكمل البدل والنسق فإنهما لا

٢٦٠

النحو

يكملا متبوعهما؛ لأنهما لم يوضعا لقصد الإيضاح والتخصيص. ومجيء البدل للإيضاح في بعض الصور عرضي، وبما بعده البيان والتوكيد، فإنهما لا يدلان على معنى في متبوعهما ولا فيما يتعلق به. أما البيان فلأن ثاني الاسمين هو عين الأول، وأما التوكيد فلأن نفس الشيء هو الشيء لا معنى فيه، نقله الأزهري عن ابن مالك. والمراد بالمكمل الموضح للمعرفة كجاءني زيد التاجر أو التاجر أبوه، والمخصص للنكرة كجاءني رجل تاجر أو تاجر أبوه.

(فائدة): اختلف في معنى الإيضاح والتخصيص، فقيل: الإيضاح رفع الاشتراك اللفظي الواقع في المعارف على سبيل الاتفاق، فهو يجري مجرى بيان المجمل والتخصيص رفع الاشتراك المعنوي الواقع في النكرات على سبيل الوضع، فهو يجري مجرى تقييد المطلق بالصفة. وقيل: الإيضاح رفع الاحتمال في المعارف، والتخصيص تقليل الاشتراك في النكرات. اهـ قاله في

" التصريح ".

(تنبيه): ينقسم النعت إلى ثلاثة أقسام:

حقيقي: وهو الرافع ضمير الموصوف المستتر الجاري على من هو له نحو :

جاءتني امرأة كريمة ورجل كريم ورجلان «کریمان» و «رجال کرام». ومجازي: وهو الجاري على غير من هو له إذا حول الإسناد عن الظاهر إلى ضمير الموصوف، وجر الظاهر بالإضافة إن كان معرفة، ونصب على التمييز إن كان نكرة نحو: «جاءتني امرأة كريمة «الأب» أو «كريمة أبا»، و«جاءني رجلان كريما الأب»، أو «كريمان أبا»، و «جاءني رجال كرام»، أو «كرام أبا»،

تشييد المباني

٢٦١

والوصف في هذين القسمين يتبع موصوفه في إفراده وتثنيته وجمعه وتذكيره

وتأنيثه وتعريفه وتنكيره وفي أوجه الإعراب الثلاثة.

ويستثنى من ذلك شيئان:

أحدهما: الوصف باسم التفضيل إذا استعمل بمن أو أضيف إلى نكرة، فإنه يلزمه الإفراد والتذكير فقط نحو مررت برجل أفضل من زيد، وبرجلين أفضل من زيد وبامرأة أفضل من زيد وبنساء أفضل من زيد.

ثانيهما: الوصف بما يستوي فيه المذكر والمؤنث من الأوصاف الآتية على وزن فعول بمعنى فاعل وفعيل بمعنى مفعول إذا كان جاريًا على موصوفه نحو رجل صبور وامرأة صبور، ورجل قتيل، وامرأة قتيل.

والثالث من أقسام النعت السببي، وهو الرافع الظاهر أو الضمير البارز فيعطى حكم الفعل ولم يعتبر حال الموصوف في الإفراد والتذكير والتأنيث والتثنية والجمع نحو مررت برجل قائمة أمه، وبامرأة قائم أبوها، وبرجلين قائم أبواهما، وبرجال قائم آباؤهم على لغة أكلوني البراغيث، قائمين أبواهما وقائمين آباؤهم، لكنهم خالفوا حكم الفعل إذا كان الاسم المرفوع بالوصف جمعا، فأجازوا تكسير الوصف.

ثم قال سيبويه والمبرد وأبو موسى جمع التكسير أفصح من الإفراد ک «قیام آباؤهم». وقال الأبذي والشَّلَوبين وطائفة: إفراد الوصف أفصح من تكسيره، وفصل آخرون فقالوا: إن كان النعت تابعا لجمع فالتكسير أفصح، وإن كان المفرد أو مثنى فالإفراد أفصح، واتفق الجميع على أن الإفراد أفصح

من جمع السلامة. انتهى ملخصا من "التصريح".

٢٦٢

النحو

قلت: والذي رأيته في كتاب "الأشباه والنظائر" نقلا عن الزجاج مخالف لما قالوه من أن الوصف الرافع للظاهر يجري مجرى الفعل ونصه، قال الخفاف في شرح "الإيضاح ": وقع في كتاب "المهذب" لأبي إسحاق الزجاج أن تثنية الصفة الرافعة للظاهر وجمعها فصيح في الكلام، لا كضعف: «أكلوني البراغيث». قال: والفرق أن أصل الصفة كسائر الأسماء التي تثنى وتجمع، وإنما يمتنع فيها بالحمل على الفعل فيجوز فيها وجهان فصيحان أحدهما أن يراعى أصلها فتثنى وتجمع، والثاني أن يراعى شبهها بالفعل فلا تثنى ولا

تجمع». قال الخفاف: وهذا قياس حسن لو ساعده السماع». انتهى بلفظه . (مُهمَّة ) : قال في "البسيط": جملة ما يوصف به ثمانية أشياء: اسم الفاعل

واسم المفعول والصفة المشهبة وهذه الثلاثة . الأصل في الصفات لأنها تدل هي

على ذات باعتبار معنى هو المقصود؛ وذلك لأن الغرض من الصفة الفرق بين

المشتركين في الاسم وإنما يحصل الفرق بالمعاني القائمة بالذوات والمعاني هي

المصادر وهذه الثلاثة المشتقة هي

من

المصادر فهي التي توجد المعاني فيها،

والرابع المنسوب كـ«مكي» و«كوفي وهو في معنى اسم المفعول، والخامس الوصف بـ«ذي» التي بمعنى صاحب، والسادس الوصف بالمصدر كـ «رجل عدو» هو سماعي، والسابع ما ورد من المسموع غيره كـ«مررت برجل» أي رجل، والثامن الوصف بالجملة.

(تنبيه): قال ابن عصفور في "شرح الجمل": «الأسماء تنقسم أربعة أقسام: قسم لا ينعت ولا ينعت به وهو اسم الشرط واسم الاستفهام والمضمر، وكل اسم متوغل في البناء وهو ما ليس بمعرب في الأصل ما عدا الأسماء الموصولة

تشييد المباني

٢٦٣

وأسماء الإشارة.

وقسم ينعت به ولا ينعت وهو ما لا يستعمل من الأسماء إلا تابعا نحو: بسن، وليطان، ونايع من قولهم: حسن بسن»، و«شیطان ليطان»، و «جامع نايع، وهي محفوظة لا يقاس عليها.

وقسم ينعت ولا ينعت به وهو العلم وما كان من الأسماء ليس بمشتق ولا

في حكمه نحو ثوب وحائط وما أشبه ذلك.

وقسم ينعت وينعت به وهو ما بقي من الأسماء.

وقال ابن هشام في "تذكرته ": المعارف أقسام: قسم لا ينعت بشيء وهو المضمر، وقسم ينعت بشيء واحد وهو اسم الإشارة خاصة ينعت بما فيه أل خاصة، وقسم ينعت بشيئين وهو ما فيه أل ينعت بما فيه أو بمضاف إلى ما فيه أل، وقسم ينعت بثلاثة أشياء، وهو شيئان أحدهما العلم ينعت بما فيه أل وبمضاف وبالإشارة، والثاني المضاف ينعت بمضاف مثله وبما فيه أل وبالإشارة» اهـ

(مستملحة): أنشد بعضهم في مليح نحوي وأجاد:

أضمرت في القلـب هـوى شادن مشتغل بالنحو لا ينصــف وصفت ما أضمرت يوماله فقال لي المضمر لا يُوصَفُ (تقسيم): تبعية الصفة لموصوفها في الإعراب ثلاثة أقسام: ما يتبع الموصوف على لفظه لا غير وهو كل معرب ليس له موضع من الإعراب يخالف لفظه، وما يتبع الموصوف على محله لا غير، وهو جميع المبنيات التي

٢٦٤

النحو

أوغلت في شبه الحرف كالإشارة وأمس والمركب من الأعداد وما لا ينصرف في الجر، وما يجوز أن يتبعه على لفظه وعلى محله وهو أربعة أنواع: اسم لا، والمنادى، وما أضيف إليه المصدر ، أو اسم الفاعل. اهـ لخصت ذلك كله من

"الأشباه".

(مسألة): يرد النعت مدحًا نحو الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ ﴾ [الفاتحة: ٢] الآيات، وذما نحو: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَنِ الرَّحِيمِ ، وترحما نحو: «الطف الله بعباده الضعفاء»، وتوكيدا نحو لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [النحل: ٥١] وتعميما نحو: «إن الله يحشر الناس الأولين والآخرين»، وتفصيلا نحو: لمررت برجلين عربي وعجمي»، وغير ذلك.

(فائدة): شرط الجمهور في النعت أن لا يكون أعرف من منعوته بل دونه أو مساويا له نحو: «تقول : قام زيد العاقل، ورأيت زيدًا العاقل، ومررت بزيد العاقل نعم يجوز كونه أخص منه نحو: رجل فصيح ولحان. وقال الفراء: يوصف الأعم بالأخص نحو مررت برجل أخيك، وابن خروف: توصف كل معرفة بكل معرفة كما توصف كل نكرة بكل نكرة من غير ملاحظة تخصيص ولا تعميم، وجوز الأخفش وصف النكرة بالمعرفة إذا خصصت، وقوم عكسه مطلقا، وابن الطراوة إذا كان الوصف خاصا بالموصوف. قاله في "الجمع" وشرحه. ولما جرى ذكر التعريف والتنكير في كلام المصنف أراد أن يعرف المعرفة والنكرة اللذين يتوقف عليهما في أحكام كثيرة فقال: (والمعرفة خمسة أشياء:

تشييد المباني

٢٦٥

الاسم المضمر نحو: أنا وأنت، والاسم العلم نحو: زيد ومكة، والاسم المبهم نحو: هذا وهذه وهؤلاء، والاسم الذي فيه الألف واللام نحو: الرجل والغلام، وما أضيف إلى واحدٍ من هذه الأربعة. والنكرة كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون آخرَ وتقريبه كلُّ ما صلح دخول الألف واللام

عليه نحو: الرجلُ والفرسُ).

لفظاً

قلت: الكلام هنا في مقاصد:

المقصد الأول: اعلم أن النكرة والمعرفة في الأصل اسما مصدرين لنگرته وعرفته بالتشديد، ثم نقلا وسمي بهما الاسم المنكر والاسم المعرف، واختلف النحويون في تعريفها فمنهم من لم يحدهما كابن مالك، قال في شرح "التسهيل": «حد النكرة عسر، فهي ما عدا المعرفة، ومن تعرض لحدهما عجز عن الوصول إليه دون استدراك عليه؛ لأن من الأسماء ما هو معرفة معنى نكرة نحو: كان ذلك عاما أول وأول من أمس فمدلوليها معين لا شياع فيه بوجه، ولم يستعملا إلا نكرتين، وما هو نكرة معنى معرفة لفظا كأسامة هو في اللفظ كحمزة في منع الصرف والإضافة ودخول أل ووصفه بالمعرفة دون النكرة ومجيئه مبتدأ، وصاحب حال وهو في الشياع كأسد وما هو في استعمالهم على وجهين كواحد أمه وعبد بطنه فأكثر العرب هما عنده معرفة بالإضافة وبعضهم يجعلهما نكرة وينصبهما على الحال وإذا كان الأمر كذلك فأحسن ما يتبين به المعرفة ذكر أقسامها مستقصاة، ثم يقال : وما سوى ذلك نكرة». انتهى من "النكت" بلفظه .

وحدهما كثير من النحويين بحدود ليس منها حد سالم. قال ابن هشام في

٢٦٦

النحو

"القطر": النكرة ما شاع في جنس موجود كرجل، أو مقدر كشمس. وقال

صاحب "البسيط": المعرفة تعيين المسمى عند الإخبار للسامع. المقصد الثاني مذهب سيبويه والجمهور أن النكرة أصل والمعرفة فرع

عنها، والدليل على ذلك من وجوه

الوجه الأول: أن النكرة أعم والعام قبل الخاص، لأن الخاص يتميز عن العام بأوصاف زائدة على الحقيقة المشتركة.

الوجه والثاني: أن لفظة شيء تعم الموجودات فإذا أريد بعضها خصص

بالوصف أو ما قام مقامه، والموصوف سابق على الوصف.

الوجه الثالث: أن التعريف يحتاج إلى علامة لفظية وضعية. الوجه الرابع: أن مسمى النكرة أسبق في الذهن من مسمى المعرفة بدليل طريان التعريف على التنكير.

الوجه الخامس: أنك لا تجد معرفة إلا وله اسم نكرة وتجد كثيرًا من المنكرات لا معرفة لها. وخالف الكوفيون وابن الطراوة قالوا: لأن من الأسماء ما لزم التعريف كالمضمرات وما التعريف فيه قبل التنكير كمررت بزيد وزيد آخر.

(تنبيه): إذا اجتمعت النكرة والمعرفة غلبت المعرفة مع أنها فرع كقولك: هذا رجل وزيد ضاحكين فينصب على الحال ولا يرفع على الصفة لأن الحال قد جاءت من النكرة دون وصف المعرفة بالنكرة، ونظيره تغليب أعرف المعرفتين

على الأخرى كقولك: أنا وأنت قمنا، وأنت وزيد قمتها. اهـ، قاله في "البسيط". المقصد الثالث: المعارف سبعة على الصحيح وهي: المضمر، والعلم،

تشييد المباني

٢٦٧

والإشارة، والموصول، والمحلى بأل والمضاف إلى واحد منها، والمنادى المقصود فإنه معرفة بالإشارة إليه والمواجهة كما اختاره ابن مالك في "التسهيل" ونقله في شرحه عن سيبويه، وذهب قوم إلى أنه معرفة بأل مقدرة، قال أبو حَيَّان: وهو الذي صححه أصحابنا، واختلف في العلم نحو: «يا زيد» فذهب قوم إلى أنه تعرف بالنداء بعد إزالة تعريف العلمية، والأصح أنه باق على تعريف العلمية، وإنما ازداد بالنداء وضوحًا، وزاد ابن كيسان في المعارف «من» و «ما» الاستفهاميتين، واستدل بتعريف جوابهما نحو من : عندك ؟ فيقال: زید وما حملك على هذا؟ فيقال : لقاؤك. والجواب يطابق السؤال والجمهور على أنهما نكرتان، وزاد قوم ألفاظ التأكيد: «أجمعون، وأجمع، وجمعا، وجمع»، وقالوا: إنها صيغ مرتجلة وضعت لتأكيد المعارف لخلوها عن القرائن الدالة على التعريف من خارج وتقدير المعرف الخارجي بعيد. وعلى هذا فتكون أنواع المعارف ثمانية، قاله في : البسيط .

قلت وعلى قول ابن كيسان تكون تسعة.

المقصد الرابع: ذهب جمهور النحويين إلى أن المعارف متفاوتة، وخالف ابن حزم فقال: «كلها متساوية لأن المعرفة لا تتفاضل، إذ لا يصح أن يقال:

عرفت هذا أكثر من هذا». وأجيب بأن مرادهم بأن هذا أعرف من هذا إن تطرق الاحتمال إليه أقل

من تطرقه على الآخر، وعلى التفاوت فاختلف في أعرفها، فمذهب سيبويه والجمهور أن المضمر أعرفها، ورتبتها في الأعرفية كذلك عند ذكري

لها

ومذهب الصميري والكوفيين، ونسب لسيبويه واختاره أبو حَيَّان أن العلم

٢٦٨

النحو

أعرفها، قال أبو حَيَّان لأنه جزئي وضعًا واستعمالا وباقي المعارف كليات وضعا جزءيات استعمالا ومذهب ابن السراج أن اسم الإشارة أعرفها، وقيل: ذو الأداة أعرف؛ لأنه وضع لتعريفه أداة وغيره لم توضع له أداة. قال ابن مالك: أعرف المعارف ضمير المتكلم لأنه يدل على المراد بنفسه ومشاهدة مدلوله، ثم ضمير المخاطب لأنه يدل على المراد بنفسه، ثم العلم لأنه يدل على المراد ماض أو غائبا ثم ضمير الغائب السالم عن إبهام، ثم المشار به والمنادى كلاهما في مرتبة واحدة لأن كلا منهما تعريفه بالقصد، ثم الموصول ثم ذو أل. وقيل: ذو أل قبل الموصول وعليه ابن كيسان لوقوعه صفة له في قوله تعالى: مَنْ أَنزَلَ الْكِتَبَ الَّذِى جَاءَ بِهِ مُوسَى ﴾ [الأنعام: ٩١] والصفة لا تكون أعرف من الموصوف والذين ذهبوا إلى أن المضمر أعرف المعارف قالوه على الإطلاق ثم يليه العلم. ومذهب الكوفيين أن مرتبة الإشارة قبل العلم ونسب

لا بن السراج. واختلف في المعرفة بالإضافة فمذهب ابن طاهر وابن خروف وابن مالك أنه في مرتبة ما أضيف إليه مطلقا، ومذهب أهل الأندلس ونسب لسيبويه أنه في مرتبة المضاف إلا المضمر فإنه دونه في رتبة العلم، ومذهب المبرد أنه دونه

مطلقا وحكى في الإفصاح قولاً رابعا وهو أنه دونه إلا المضاف لذي أل. (تنبيه): محل الخلاف في الأعرفية في غير اسم الجلالة فإنه أعرف المعارف

بالإجماع.

(مسألة): أعرف الأعلام أسماء الأماكن ثم أسماء الأناس ثم أسماء الأجناس، وأعرف الإشارة ما كان لقريب ثم لوسط ثم لبعيد، وأعرف ذي

تشييد المباني

٢٦٩

الأداة ما كانت فيه للحضور ثم للعهد في شخصي ثم الجنس قاله أبو حَيَّان.

المقصد الخامس: اعلم أن النكرة قسمان:

ما شاع في جنس موجود كرجل، فإنه موضوع لما كان حيوانا ناطقا ذكرًا

بالغا، فكل ما وجد من هذه الجنس واحد فهذا الاسم صادق.

وما شاع في جنس مقدر كشمس فإنها موضوعة لما كان كوكبا نهاريًا ينسخ ظهوره وجود الليل، فحقها أن تصدق على ،متعدد، وإنما تخلف ذلك من جهة عدم وجود أفراد له في الخارج، ولو وجدت لكان اللفظ صالحا لها، وكذلك قمر، قاله في "التصريح".

(تنبيه) أنكر النكرات مذكور ثم موجود ثم محدث، ثم جوهر، ثم

جسم، ثم نام، ثم حيوان، ثم إنسان، ثم رجل، ثم عالم. فكل واحد من هذه أعم مما تحته، وأخص مما فوقه فتقول: كل عالم رجل،

ولا عكس، وهكذا كل رجل إنسان ولا عكس إلخ. قاله الأشموني. المقصد السادس: ذهب الجمهور إلى أن العائد إلى النكرة معرفة كسائر الضمائر، وذهب بعضهم إلى أنه نكرة؛ لأنه لا يخص من عاد إليه من بين أمته؛ ولذا دخلت عليه رب في نحو ربه رجلا»، ورد بأنه يخصصه من حيث هو مذكور وذهب قوم إلى أن العائد على واجب التنكير نكرة كالحال والتمييز، بخلاف غيره كالفاعل والمفعول

المقصد السابع: مذهب الجمهور أنه لا واسطة بين النكرة والمعرفة، وقال بها بعضهم في الخالي من التنوين واللام نحو ما، ومن، ومتى وأين، وكيف». انتهى ملخصا من "شرح الجمع" للسيوطي.

۲۷۰

النحو

المقصد الثامن: قول المصنف: (والمعرفة خمسة أشياء).

قلت: بدأ رحمه الله كابن الحاجب بالمعرفة، والأولى أن يبتدئ بالنكرة لما تقدم من أنها الأصل.

قوله: «خمسة أشياء»: قلت: عدها خمسة مع أنها سبعة إما لأنه أدخل الموصول في قسم المبهم، كما قال ابن الدهان في "الغرة": الأسماء وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: مظهر ومضمر ومبهم. والمبهم هي أسماء الإشارة والموصولات نقله في "الأشباه".

وإما لأن الموصولات تعرفت عنده بأل ظاهرة كـ«التي» أو منوية كما في

«من، وما». قوله: (الاسم المضمر ) قلت هو بضم الميم الأولى وفتح الثانية مفعول من أضمرت الشيء سترته أو عزمت عليه ، والاسم الضمير والجمع الضمائر، وهو عبارة البصريين وعبارة الكوفيين الكتابة والمكنى، لأنه ليس باسم صريح وهي تقابله. قال أبو نواس

فصرح بمن تهوى ودعني من الكنى فلا خير في اللذاتِ من دونها ستر وإطلاقه على البارز ،توسع، ولا نحتاج إلى ذكر حد له في الاصطلاح لأن القاعدة: «ما كان محصورًا بالعد يستغني عن الحد»، كما هو اللائق بكل معدود. فنقول والله المستعان الضمير نوعان متصل، ومنفصل، فالأول تسعة ألفاظ: خمسة منها لا تقع إلا مرفوعة وهي: التاء المفردة مضمومة للمتكلم ومفتوحة للمخاطب ومكسورة للمخاطبة، والنون وهي لجمع الإناث مخاطبات أو غائبات وهي مفتوحة أبدا، والواو لجمع الذكور مخاطبين أو

تشييد المباني

۲۷۱

غائبين، والألف للمثنى مذكرًا كان أو مؤنناً مخاطبًا أو غائبا والياء وهي للمخاطبة، وثلاثة منها تقع منصوبة ومجرورة وهي: الكاف للمخاطب مفتوحة وللمؤنث مكسورة، والهاء للغائب ،المذكر والياء للمتكلم، يقال لها: ياء النفس. وواحد منها يقع مرفوعًا ومنصوبًا ومجرورًا وهو: نا للمتكلم ومن معه أو المعظم نفسه، وهذا القسم لا يبتدأ به كما مر في باب الابتداء، ولا يقع بعد إلا في الاختيار، أما في الضرورة فجائز كقوله:

وما نبالي إذا ما كنت جارتنا ألا يجاورَنَـــــــا إلاكِ دَيَّـــــــرُ وأجاز ابن الأنباري وجماعة وقوعه بعد إلا في الاختيار. والمنفصل نوعان:

ما للرفع، وما للنصب، ولا يقع مجرورًا.

فالأول: «أنا، ونحن، وهو، وهي، وهما، وهم، وهن».

والثاني ما للنصب وهو: «إيا»، ويليه دليل ما يراد به من متكلم أو مخاطب أو غائب، إفرادا وتثنية وجمعًا وتذكيرًا وتأنيئًا، فيقال: «إياي، وإيانا، وإياك، وإياك، وإياكما، وإياكم ،وإياكن ،وإياه، وإياها، وإياهما، وإياهم، وإياهن». ومذهب سيبويه والفارسي أن هذه اللواحق حروف تبين الحال كاللاحقة في

أنت وفروعه. قال أبو حَيَّان: وهو الذي صححه أصحابنا وشيوخنا، ومذهب الخليل والمازني واختاره ابن مالك أنها أسماء مضمرة أضيف إليها الضمير الذي هو «إيا»، وهو مردود بما يعلم من مراجعة "الهمع".

(تنبيه) : المجمع على كونه ضميرًا ستة ألفاظ : «التاء، والكاف، والهاء، وياء المتكلم، وأنا، ونحن». وفي ما عداها خلاف.

۲۷۲

النحو

ثم اعلم أن الضمير ينقسم أيضًا إلى قسمين: بارز، ومستتر؛ فالبارز ما له صورة في اللفظ، وينقسم إلى متصل ومنفصل، وتقدم الكلام عليه بقسميه آنفًا. والمستتر قسمان واجب الاستتار وجائزه والمراد بالواجب ما لا يخلفه ظاهر، وهو المرفوع بفعل الأمر المسند للمذكر كاضرب والمضارع المفتتح بهمزة المتكلم كأضرب أو النون للمتكلم أو المعظم نفسه كنضرب، أو المخاطب كتضرب واسم فعل الأمر كصه ونزال واسم فعل المضارع كأوه وأف والتعجب كما أحسن زيدا، والتفضيل كزيد أفضل من عمرو، وأفعال الاستثناء كقاموا ما خلا زيدًا وما عدا عمرًا ولا يكون خالدًا، وجائز الاستتار وهو الذي يخلفه ظاهر وهو المرفوع بالماضي كضرب وضربت واسمه كهيهات والمضارع الغائب كيضرب وتضرب هند والوصف كضارب ومضروب والظرف كزيد عندك أو في الدار.

(تنبيه): الغرض من وضع الضمائر الاختصار لأنه جل مقصود العرب، وعليه مبنى أكثر كلامهم، وهي أخصر من الظواهر، خصوصا ضمير الغيبة فإنه يقوم مقام أسماء كثيرة. وقد قام في قوله تعالى: وَأَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً

[الأحزاب: ٣٥] مقام عشرين ظاهرا، ولذا لا يعدل إلى المنفصل المتصل، انتهى من "الأشباه" بمعناه.

«فرع): قال ابن مالك في "الخلاصة":

مع.

إمكان

وفي اختيار لا يجيء المنفصل إذا تأتى أن يجيء المتصل وصل أو افصـل هـاء ســلنيه ومــا أشبهه في كنتــه الخـلـف انتمى كذاك خلتنيه واتصـالا أختار غيري اختار الانفصالا

تشييد المباني

۲۷۳

وقدم الأخص في اتصال وقدمن ما شئت في انفصال وفي اتحاد الرتبة الزَم فَصلا وقد يبيحُ الغـيـب فيـه وَصــلا

زاد في "الكافية": مع اختلاف ما قيدا للشطر الأخير.

وقوله: «والاسم العلم نحو زيد ومكة . قلت: العلم - بفتحتين- العلامة والمنار والجبل، قالت الخنساء

وإن صخر التـأتمُّ الهــداةُ بِهِ كأَنَّه عَلَمٌ في رأسِــــه نـــارُ

وفي الحديث: «لينزلنَّ إلى جنب عَلَمٍ». وجمعه أعلام.

واصطلاحًا نوعان: شخصي وهو المراد هنا، وعرفوه بأنه ما عين مسماه تعيينا مطلقا من غير قيد زائد عليه بل بمجرد الوضع أو الغلبة، فخرج بالتعيين

النكرات فإنها لا تعين مسمياتها، وبالإطلاق ما عداه من المعارف فإن تعيينها لمسمياتها تعيين مقيد، ألا ترى أن ذا الألف واللام إنما يعين مسماه ما دامت فيه «أل» فإذا فارقته فارقه التعريف، والذي إنما يعين مسماه بالصلة، وكذا الباقي من المعارف.

فإن قلت من النكرات ما يعين مسماه کشمس و قمر؟

قلت: هذان اللفظان لم يعينا مدلولها من حيث الوضع، وإنما حصل

التعيين بعد الوضع لأمر عرض في المسمى وهو الانفراد في الوجود

الخارجي. اهـ

وينقسم إلى قسمين: مرتجل ومنقول.

فالمرتجل ما لم يسبق له استعمال قبل العلمية في غيرها كسعاد وأدد، وهو

قسمان: قياسي وشاذ.

٢٧٤

النحو

فالقياسي: ما له نظير في أبنية الأسماء نحو: غطفان وحمدان وعمران وفقعس وحنتف، فإن نظيرها نزوان و سرحان و ندمان وجعفر وعنبس. والشاذ ما لا نظير له نحو محبب وموهب وموظب ومكوزة وحيوة. والمنقول: ما سبق له استعمال قبل العلمية في غيرها. والنقل إما من صفة كحارث، أو من مصدر كفضل، أو من اسم جنس كأسد، وهذه تكون معربة أو من فعل ماض كـ«شمر، أو مضارع يشكر»، أو من جملة فعلية كـ«قام زيد، أو اسمية كـ«زيد قائم».

(تنبيه) : لم يسمع من العرب النقل من الجملة الاسمية، لكن النحويون قاسوه على ما سمع من النقل من الجملة الفعلية، وجعلوه قسيما له على تقدير التسمية بها. انتهى ملخصا من "التصريح " وغيره. زاد أبو حَيَّان قسما لا منقولا ولا مرتجلا وهو الذي علميته بالغلبة فهو واسطة بين المنقول والمرتجل. قال السيوطي في "الهمع": «وهذا رأى

الأكثرين». اهـ (مُهمَّة ) : ذهب سيبويه إلى أن الأعلام كلها منقولة؛ لأن الأصل في الأسماء التنكير، وذهب الزجاج إلى أنها كلها مرتجلة لأن الأصل عدم النقل، وما وافق

وصفًا أو غيره فهو اتفاقي لا مقصود، قاله في "التصريح".

(تقسيم): العَلَم ثلاثة أنواع مفرد كـ «زيد»، وإسنادي كـ«شاب قرناها»،

ومزجي كـ«بعلبك، وسيبويه»، وإضافي كـ «عبد الله، وأبي بكر». (تقسيم آخر): العلم ثلاث أنواع اسم وكنية، ولقب، فالأول كعبد الرحمن. والثاني ما صدر بأب كأبي بكر، أو أم كأم كلثوم، زاد الرضي أو بابن أو

تشييد المباني

۲۷۵

بنت کابن آوى و بنت وردان والثالث ما اشعر بمدح المسمى كزين العابدين، أو ذمه كأنف الناقة، وأنكر بعضهم استعماله في المدح. فإذا كان مع الاسم فالغالب أن يتأخر، ولا ترتيب بين الكنية وغيرها.

(تنبيهات):

الأول: مكة هي البلدة المعروفة وهي أفضل البقاع بعد المدينة خلافًا للشافعية، قيل: ومأخذ الاسم من تمككت العظم، أي: اجتذبت ما فيه من المخ، فكأنها تجتذب إلى نفسها ما في البلاد من الأقوات، وقيل: لأنها تمك الذنوب أي: تذهبها، وقيل: لقلة مائها. ومن أسمائها بكة، فقيل: الباء أصل، ومأخذه من البك؛ لأنها تبك أعناق الجبابرة :أي: تكسرهم فيذلون لها، وقيل التباك وهو الازدحام لازدحام الناس فيها في الطواف، وقيل: مكة البلد، وبكة البيت وموضع الطواف، وقيل: البيت خاصة، وقيل: مكة الحرم وبكة المسجد خاصة. اهـ من "الاتفاق" . وهي غير منصرفة للعلمية والتأنيث.

الثاني: ليس في القرآن من الكنى غير أبي لهب، واسمه عبد العزى؛ ولذلك لم يذكر باسمه لأنه حرام شرعًا، وقيل لإشارة إلى أنه . جهنمي. وأما الألقاب فمنها إسرائيل لقب يعقوب، وإلياس لقب إدريس، وذو الكفل لقب اليسع، وتبع لقب أسعد، من ملوك اليمن. انتهى من "الإتقان". الثالث: قال في "البسيط " : يطلق لفظ العلم على الشيء وضده كإطلاق زيد على الأبيض والأسود، ويجوز نقله من لفظ إلى لفظ كنقل اسم و ولدك من جعفر إلى محمد؛ لكونه لم يوضع لمعنى في المسمى، بدليل تسمية القبيح بحسن

٢٧٦

النحو

والجبان بأسد؛ بخلاف أسماء الأجناس فإنها وضعت لمعنى عام، فيلزم من نقلها تغيير اللغة، كنقل رجل إلى فرس أو جمل بخلاف نقل العلم. انتهى من "الأشباه والنظائر".

النوع الثاني من أنواع العلم العلم الجنسي، قال ابن هشام: هو اسم يعين مسماه بغير قيد تعيين ذي الأداة الجنسية أو الحضورية وبهذا يفارق العلم الشخصي، تقول: أسامة أجراً من ثعالة فيكون بمنزلة قولك: الأسد أجرأ من الثعلب و«أل» في هذين للجنس. وتقول: هذا أسامة مقبلا، فيكون بمنزلة قولك : هذا الأسد مقبلا، و«أل» في هذا لتعريف الحضور.اهـ

قال الأزهري: «فإن قلت: كيف تقول هذا الأسد مشيرًا إلى واحد بعينه وأنت تعني الجنس؟ فالجواب: أن أصل الاسم الوضع على جملة الجنس، فإذا أشرت إليه فإنها تعني به ذلك الفرد من حيث هو معلوم الأشباه لا أسدا

بعينه» . اهـ

(تنبيه): هذا العَلَم يشبه العَلَم الشخصي من جهة الأحكام اللفظية، كامتناعه من دخول «أل» ومن الإضافة ومن الصرف إذا كانت فيه علة زائدة على العلمية، وكإتيان الحال منه والابتداء به ويشبه النكرة من جهة المعنى لأنه شائع في إفراده لا يختص به واحد دون آخر كالنكرة. واسم الجنس هو ما وضع للماهية من حيث هي أي من غير أن تعين في الخارج والذهن، قاله

السيوطي. (مُهمَّة ) : قال في "البسيط " : الفرق بين علم الجنس واسمه بأمور:

تشييد المباني

۲۷۷

أحدها: امتناع دخول اللام على أحدهما وجوازه في الآخر، ولذلك كان

ابن لبون» و «ابن مخاض اسمي جنس لدخول اللام عليهما ولم يكن ابن

عرس» اسم جنس لامتناع ابن العرس».

الثاني: امتناع الصرف يدل على العلمية.

الثالث: نصب الحال عنها على الأغلب.

الرابع: نص أهل اللغة على ذلك». اهـ

(تنبيه): ينقسم العلم الجنسي باعتبار ذاته إلى اسم وكنية ولقب كالشخصي وباعتبار مدلوله إلى أعيان لا تؤلف، وهو الغالب فيه كالسباع والحشرات، وإلى أعيان تؤلف كهيان بن بيان للمجهول العين والنسب، وإلى أمور معنوية كسبحان للتسبيح.

قوله: «والاسم المبهم نحو هذا وهذه وهؤلاء». قلت: الاسم المبهم هو اسم الإشارة، وهو محصور بالعد فاستغنى عن الحد فيشار للمفرد المذكر بذا. قال في "الهمع : اختلف البصريون في ألف «ذا» بعد اتفاقهم على أنها

منقلبة عن أصل، فقال بعضهم: إنها منقلبة عن ياء لقولهم في التصغير: «ذيا» ولإمالتها، فالعين واللام المحذوفة ياءان. وهو ثلاثي الوضع في الأصل، وقال بعضهم: عن واو، وقال الكوفيون ووافقهم السهيلي: هي زائدة لسقوطها في التثنية. ورد بأنه ليس في الأسماء الظاهرة القائمة بنفسها ما هو على حرف واحد، وأما حذفها في التثنية فلالتقاء الساكن واختلف أيضًا في وزنها، فالأصح أنه فعل بتحريك العين لأن الانقلاب عن المتحرك أولى، وقيل: فعل بسكونها لأنها الأصل».اهـ

۲۷۸

النحو

(فائدة): قد يشار إلى المفرد المذكر بـ (ذاء) بهمزة مكسورة بعد الألف

و «ذائه بهاء مكسورة بعد همزة مكسورة، وذاؤه بهمزة وهاء مضمومتين ويشار للمفرد المؤنث بعشرة ألفاظ وهي: «ذي ، وتي، وذه، وته، وذهي، وتهي، وذه، وته بإسكان الهاء، وذات بضم التاء، وتا، والإشارة من ذات ذا، والتاء ا

للتأنيث». (تنبيه) : إذا كان المشار إليه بعيدًا لحقته كاف حرفية تتصرف تصرف الكاف الاسمية غالبا، فتفتح للمخاطب وتكسر للمخاطبة وتلحقها علامة التثنية والجمعين، ومن غير الغالب أن تفتح في التذكير وتكسر في التأنيث ولا تلحقها علامة تثنية ولا جمع، ودون هذا أن تفتح مطلقا ولا تلحقها علامة تثنية ولا جمع، وتزاد اللام جوازًا قبل الكاف إلا في التثنية مطلقا، وفي الجمع في لغة من مده وهم الحجازيون، وفي لغة بعض من قصره وهم التميميون وفيما سبقته «ها» التنبيه، وبنو تميم لا يأتون باللام مطلقا، حكاه الفراء عنهم.

(تنبيه): قال في "الهمع": تزاد - يعني في الإشارة للمؤنث - «تيك» بكسر التاء، و«تيك» بفتحها، و«ذيك»، وأنكرها ،ثعلب، و«تلك» بكسر التاء، و«تلك» بفتحها، حكاهما هشام و «تيلك» بكسر اللام والتاء، و«تاليك» بكسر اللام، حكاهما الفراء» . اهـ

ويشار للمثنى المذكر بـ«اذان»، والمؤنث بـ «تان، وحكمها كالمثنى في رفعهما بالألف ونصبها وجرهما بالياء، وتلحقهما الكاف في البعد فيقال: «ذانك» في الرفع، و«ذينك» في النصب والجر. وقد يقال فيهما: «ذانيك، وذينيك، وتانيك، وتينيك وذلك على لغة من شدد النون بإبدال إحدى

تشييد المباني

۲۷۹

النونين ياء. اهـ

ويشار الجمع المذكر والمؤنث معا بـ«أولاء») بالمد في لغة أهل الحجاز، و«ألاك» بالتشديد، و«أولئك» و«أولالك» بالقصر عند أهل نجد وقيس وربيعة وأسد، والأكثر مجيء هذا الجمع للعقلاء ومن غير الأكثر مجيئه لغيرهم كقول جرير

دم المنازل بعد منزلة اللوى والعيش بعـــد أولائك الأيــام

(مسألة): تصحب هاء التنبيه المجرد من الكاف كثيرًا نحو: «هذا» و«هذه»، والمقترن بالكاف دون اللام قليلا كقوله: «ولا أهل هذاك الطَّرافِ الممدد». ولا تدخل مع اللام البتة، قال في "الهمع": «علله ابن مالك بأن العرب كرهت كثرة الزوائد وقال غيره: الهاء تنبيه واللام تنبيه فلا يجتمعان» . اهـ

(مسألة): قال في "الهمع ": «تفصل هاء التنبيه من الإشارة بأنا وأخواته من ضمائر الرفع المنفصلة كثيرًا نحو: ها أنا ذا»، و«ها نحن أولاء» قال تعالى: هَانَتُمْ أَوْلَاء ﴾ [آل عمران: ۱۱۹] وبغير الضمائر المذكورة قليلا كقوله: تعلمنها

لعمر الله ذا قسما . اهـ

(تنبيهات):

الأول: يشار للمكان القريب بـ«هنا» الملازمة للظرفية، وتجر بـ«من وإلى»، وبها هنا مقرونة بها التنبيه. قال في "الجمع": «ويقال: هنه». وللبعيد: بـ«هناك أو هنالك». قال في "الجمع": «وقد يشار بهناك وهنالك وهنا للزمان،

وقال الفضل هناك للمكان وهنالك للزمان . اهـ

۲۸۰

النحو

ويشار أيضًا للمكان البعيد بـ (هنا) بفتح الهاء وتشديد النون قال في "الجمع": ويقال في هنا المشددة هنت مشددًا ساكن التاء، وبهنا بكسر الهاء وتشديد النون، وكسر الهاء أردأ من فتحها قاله السيرافي. قال الأزهري:

وأصلهما هنن بثلاث نونات أبدلت الثالثة ألفا لكثرة الاستعمال» . اهـ ويشار للمكان البعيد أيضًا بـ «ثَمَّ» بفتح الثاء المثلثة وتشديد الميم قال الأزهري: وبنيت على الفتح للتخفيف ولم تكسر على أصل التقاء الساكنين لاستثقال الكسرة مع التضعيف». اهـ، قال في "الجمع": ويقال فيها ثمة

وقفا» . اهـ الثاني: قال في "الهمع": لا خلاف أن المجرد من الكاف واللام للقريب ثم اختلف فقيل : ما فيه كاف وحدها أو مع اللام كلاهما للبعيد وليس للإشارة سوی مرتبتين وهذا ما صححه ابن مالك ونسبه الصفار إلى سيبويه، وذهب أكثر النحويين إلى أن الإشارة ثلاث مراتب قربى ولها المجرد، ووسطى ولها ذو الكاف، وبعدى ولها ذو الكاف واللام، وصححه ابن الحاجب. واختلف على هذا في مرتبة «أولائك» بالمد فقيل : هؤلاء» وسطى كـ«أولاك» وقيل: للبعدى كـ«أولالك»، والمثنى توسطه بتخفيف النون، وبعده بتشديدها، أو الياء المبدلة عنه جوازا مع الألف، ولزوما مع الياء عند البصريين لمنعهم التشديد معها. قاله أبو حَيَّان» . اهـ

الثالث: إنما بنيت أسماء الإشارة لشبهها بالحروف، قاله ابن معط في "الفصول". قال ابن باز في شرحه : وتعليله البناء بشبهها بالحروف غريب لم أر أحدًا ذكره غيره». اهـ

تشييد المباني

۲۸۱

(تنبيه) : لم يذكر المصنف الموصول كما قدمنا، ونذكره تتميما للفائدة فنقول : الموصول قسمان: حرفي وهو كل حرف أول مع صلته بمصدر ولم يحتج لعائد، وهو خمسة: «أن المفتوحة الهمزة المشددة النون، وتوصل بجملة اسمية، وتؤول مع معموليها بمصدر، فإن كان خبرها مشتقا فالمصدر المؤول من لفظه وإن كان جامدا أول بالكون، وإن كان ظرفًا أو مجرورًا أول بالاستقرار، وحكم المخففة من الثقيلة حكم المشددة في ذلك، وأن الناصبة للمضارع، وتوصل بفعل متصرف ماضيًا كان أو مضارعًا أو أمرًا على الأصح، و«ما» المصدرية وتوصل بفعل متصرف غير أمر وبجملة اسمية لم تصدر بحرف، قاله ابن هشام، و«كي)) المصدرية وتوصل بمضارع مقرونة بلام التعليل لفظا أو

تقديرا، و«لو» المصدرية، وتوصل بفعل متصرف غير أمر، زاد يونس فيما حكاه عنه الفارسي الذي» وجعل منه ذَلِكَ الَّذِي يُبَيِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ ﴾ [الشورى: ۲۳] وقال في "الهمع": ذهب يونس والفراء وابن مالك إلى أن الذي قد يقع موصولاً حرفيا، وخرجوا عليه وَخُضْتُم كَالَّذِى خاضوا ﴾ [التوبة: ٦٩] أي: كخوضه،

والجمهور منعوا ذلك، وأولوا الآية أي كالجمع الذي خاضوا.اهـ وإسميا، وهو المراد هنا، وإنما ذكر الحرفي استطرادا، فمنه الذي للمذكر عاقلا كان أو غيره، و التي للمؤنث كذلك وفيهما لغات: إثبات الياء ساكنة وهو الأصل، وتشديدها مكسورة، وتشديدها ، مضمومة، وحذفها، وإسكان ما قبلها، وحذفها وكسر ما قبلها، ولتثنيتهما اللذان واللتان رفعا، واللذين واللتين جرا ونصبًا، والجمع المذكر الذين في الأحوال الثلاث، ويختص بالعاقل، ويرفع بالواو في لغة عقيل وهذيل كقوله:

۲۸۲

النحو

نحنُ اللَّـذون صبَّحُوا الصَّباحا يـــوم النُّخَيلِ غـــارةٌ مِلْحاحا والألى بوزن العلى، والمشهور وقوعها بمعنى الذين، فتكون للعقلاء المذكرين، وقد تقع للمؤنث وما لا يعقل وقد تمد، واللاء كالذين واللائين، وتعرب في لغة كالذين ولجمع المؤنث اللائي واللاتي واللاواتي، وبلا ياءات مع كسر ما قبلها وسكونه واللا واللوا بقصرهما، واللاءات بالبناء على الكسر. وبالإعراب كجمع المؤنث السالم، وذوات بالبناء على الضم في لغة طيء، وبالإعراب كجمع المؤنث السالم وحذف «أل» من «الذي، والتي، واللذان، واللتان، والذين واللاتي»، لغة حكاها ابن مالك. انتهى ملخصا من

" الهمع". ومن الموصولات من وما وذو الطائية وقد تعرب، وذات لمؤنث وذا غير ملغاة وماذ مجرد عن الاستفهام وأل وأي وهي بمعنى الذي وفروعه، وتستعمل للواحد والمثنى والجمع مذكرًا ومؤنتا بلفظ واحد، إلا ذو وذات فإنهما يثنيان ويجمعان كما حكى بعضهم. (فائدة): تفتقر كل الموصولات الاسمية إلى صلة متأخرة عنها لزوما مشتملة على عائد مطابق للموصول.

(فائدة): قال ابن يعيش أكثر النحويين سمى صلة الموصول صلة، وسيبويه يسميها حشوا، أي أنها ليست أصلا وإنما هي زيادة يتم بها الاسم ويوضح معناه. (فائدة أجنبية): قال الأندلسي: الصلة يقال بالاشتراك عندهم على ثلاثة أشياء: صلة الموصول ، وهذا الحرف صلة أي زائد، وحرف الجر صلة أي:

تشييد المباني

وصلة.

۲۸۳

(مُهمَّة ) : ذهب قوم إلى أن تعريف الموصولات بـ«أل» ظاهرة في «الذي»

و«التي» وتثنيتهما وجمعهما، ومنوية في «من» و «ما» ونحوهما؛ والصحيح ) تعريف الجميع بالصلة. قاله في "الأشباه".

أن

قوله: (والاسم الذي فيه الألف واللام نحو الرجل والغلام). قلت: تقدم الكلام على أل)) صدر الكتاب فراجعه هناك، وذكر المبرد في "الشافي": «أن حرف التعريف الهمزة المفتوحة وحدها وضم إليها اللام لئلا يشتبه التعريف بالاستفهام . اهـ وتبدل لامها ميما في لغة طبئ وحمير، ومنه الحديث: «ليس من امبر امصيام في «امسفر) أخرجه أحمد عن كعب بن عاصم الأشعري بهذا اللفظ. قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" عقب تخريجه: وهذه لغة لبعض أهل اليمن ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطب بها هذا الأشعري كذلك لأنها لغته، ويحتمل أن يكون الأشعري هذا نطق بها على ما ألف من لغته، فحملها عنه الراوي، وأداها باللفظ الذي سمعها به». (فرع): قال ابن مالك:

وقد تزاد لازما كاللات والآن والذين ثم اللات ولاضطرار كبناتِ الأَوبَـر كــذا وطبت النفس يا قيس السري وبعض الأعـلام عليــه دخـلا للمْحِ ما قد كانَ عنه نُقِلَا ماقد كالفضل والحارث والنعمان فذكر ذا وحذفــــه ســــانِ

٢٨٤

النحو

قوله: «وما أضيف إلى واحدٍ من هذهِ الأربعة نحو: غلامك وغلام زيد وغلام هذا وغلام الذي قام إلخ ..... وتقدم الكلام عليه مستوفى في محله. قوله:

والنكرة كلُّ اسم شائع لا يختص به واحد دون آخر». تقدم الكلام عليه. قوله: «وتقريبه» للمبتدئ كل ما صلح بفتح اللام وضمها لغتان لدخول الألف واللام (عليه أو يقع موقع ما يصلح دخولها عليه. قال ابن

مالك:

نكرة قابل أل موثرا أو واقع موقع ما قَدْ ذُكِرَا يعني: أن النكرة هي الاسم الذي يصلح دخول «أل» عليه، كان من حقه أن يزيد وتؤثر التعريف احترازًا من التي لا تؤثر ، كعباس علما، فوجودها فيه وعدمها سواء، والتي تؤثر فيه التعريف «نحو»: رجل وفرس نكرتين فيقال في تعريفها: «الرجل والفرس والذي يقع موقع ما يقبلها نحو: ذي، فإنه لا يقبلها لكنه واقع موقع صاحب ، وهو يقبلها نحو الصاحب. (فائدة): قال الفيومي: الفرس يقع على الذكر والأنثى، فيقال: هو الفرس وهي الفرس، وتصغير الذكر فريس، والأنثى فريسة، على القياس وجمعت الفرس على غير لفظها، فقيل: خيل، وعلى لفظها فقيل: ثلاثة أفراس

بالهاء للذكور وثلاث أفراس بحذفها للإناث». اهـ

قال في "القاموس": «ويجمع على الفروس».

تشييد المباني

٢٨٥

(باب العطف)

وهو في اللغة مصدر عطفت الشيء ثنيته أو أملته، وعطف الفارس على قرنه إذا التفت إليه، وعطفت الناقة على ولدها حنت إليه، وعطفته عن حاجته صرفته عنها.

وفي الاصطلاح قسمان: عطف بيان ولم يذكره المصنف، ولعله تبع الكوفيين فإنهم لا يترجمون له كما قاله الأعلم، وهو التابع المشبه للصفة في إيضاح متبوعه وتخصيصه فخرج بالمشبه للصفة النعت؛ لأن المشبه بالشيء غير ذلك الشيء، فكأنه قال: تابع غير صفة. وخرج بذكر الإيضاح والتخصيص التوكيد والنسق والبدل. انتهى من " " التصريح".

قلت: والذي يظهر لي أنه لا بد من زيادة قيد في التعريف كما فعل ابن عقيل وغيره، وهو أن يقال: التابع الجامد... إلخ؛ ليكون نصا في إخراج

الصفة؛ لأنها مشتقة أو مؤولة به. والله أعلم.

أما توضيحه المعرفة فمتفق عليه عند البصريين والكوفيين كقوله: أقسم بالله أبو حفص عُمر ما مشها من نَقَب ولا دَبَر وأما تخصيصه النكرة، فأثبته الكوفيون وجماعة من البصريين منهم الفارسي وابن جني وجماعة من المتأخرين منهم ابن عصفور وابن مالك وولده، وأنكره جمهور البصريين وخصوه بالمعارف، محتجين بأن البيان بيان كاسمه، والنكرة مجهولة والمجهول لا يبين. ودفع بأن بعض النكرات قد يكون أخص من بعض، والأخص يبين غير الأخص.

(تنبيه) : لا يجوز التخالف بين عطف البيان ومتبوعه اتفاقا.

٢٨٦

النحو

(فائدة): عطف البيان يوافق متبوعه في أربعة من عشرة أوجه كالنعت.

(فرع): كل ما جاز أن يعرب عطف بيان جاز أن يعرب بدلًا إلا فيما أشار

إليه ابن مالك في غير نحو: يا غلام يعمرا، ونحو

ري وليس أن يُــــدل بالمرضى

شـــــــتـــــابع البـــــــري

فيتعين كونه عطف بيان وقوله وليس أن يبدل بالمرضى يشير به إلى ما

ذهب إليه الفراء من جواز البدلية في نحو قول المرار الأسدي: أنا ابن التارك البكري بشر عليه الطير ترقبه وقوعــا وليس بمرضى عند الجمهور كما قال. (فائدة): عطف البيان لا يكون إلا بعده مشترك كما قاله الأعلم. (فائدة) الكوفيون يسمون عطف البيان بالترجمة. والقسم الثاني عطف النسق وهو المراد من هذا الباب، والنسق بفتح السين اسم مصدر نسقت الكلام أنسقه نسقا أتيت به متتابعا .

قال الأزهري: «وكثيرا ما يسميه سيبويه باب الشركة».اهـ

قلت: وبهذا يسميه البصريون أيضًا، وأما عطف النسق فاصطلاح الكوفيين، قال أبو حَيَّان: ولكونه بأدوات محصورة لا يحتاج إلى حده، ومن حده كابن مالك بكونه تابعًا بأحد حروف العطف لم يصب مع ما فيه من

الدور لتوقف معرفة المعطوف على حرفه ومعرفة الحرف على العطف». انتهى من "الهمع". قلت: ولهذا لم يجد المصنف العطف واستغنى عن حده بذكر حروفه فقال: (وحروف العطف عشرة وفاقًا وخلافا (وهي: الواو) أم الباب

تشييد المباني

وأصلها؛ ولهذا انفردت عن سائر حروف العطف بأحكام: أحدها: احتمال معطوفها للمعية والتقدم والتأخر.

۲۸۷

الثاني: اقترانها بإما نحو: إما شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: ٣]. الثالث: اقترانها بلا إن سبقت بنفي ولم يقصد المعية نحو: «ما قائم زيد ولا

عمرو»، ليفيد أن الفعل منفي عنهما في حالتي الاجتماع والافتراق وإذا فقد

أحد الشرطين امتنع دخولها.

الرابع: اقترانها بـ «لكن» نحو: وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ } [الأحزاب: ٤٠]. الخامس: عطف المفرد السببي على الأجنبي عند الاحتياج إلى الربط

ک امررت برجل»، «قام زيد وأخوه».

السادس : عطف العقد على النيف نحو أحد وعشرين.

السابع: عطف الصفات المفرقة مع اجتماع منعوتها نحو: على أربعين مسلوب وبال

الثامن عطف ما حقه التثنية والجمع نحو: «فقدان مثل محمد ومحمد». التاسع: عطف ما لا يستغني عنه كـ «اختصم زيد وعمرو»، و«جلست بين زيد وعمرو».

العاشر والحادي عشر : عطف العام على الخاص وبالعكس نحو: رب

اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَتِ ﴾ [نوح: ۲۸]. وَمَلَبكَتِهِ وَرُسُلِهِ ، وَجِبْرِيلَ وَمِيكَنلَ } [البقرة: ٩٨] ويشاركها في هذا الحكم الأخير «حتى»، كـمات الناس حتى الأنبياء» فإنها عاطفة خاصا على

۲۸۸

النحو

عام.

الثاني عشر : عطف عامل حذف وبقي معموله على عامل آخر، يجمعهما معنى واحد نحو: وزججنَ الحواجب والعيونا أي وكحلن العيون، والجامع بينهما التحسين.

الثالث عشر : عطف الشيء على مرادفه، نحو: «وألفي قولها كذبا ومينا». الرابع عشر : عطف المقدم على متبوعه للضرورة كقوله: «عليك ورحمة الله

السلام

الخامس عشر : عطف المخفوض على الجوار نحو: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ

وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ [المائدة: 1].

السادس عشر: ذكر أبو علي الفارسي أن عطف الجملة الاسمية على الفعلية وبالعكس يجوز بالواو فقط دون الحروف، نقله عنه ابن جني في "سر

الصناعة " . اهـ

ومن "شرح الجمل " للأعلم: أصل حروف العطف الواو؛ لأن الواو لا تدل على أكثر من الجمع والتشريك، وأما غيرها فيدل على الاشتراك وعلى معنى زائد، كالترتيب والمهلة والشك والإضراب والاستدراك والنفي؛ فصارت بمنزلة الشيء المفرد، وباقي الحروف بمنزلة المركب، والمفرد أصل المركب». انتهى من "الأشباه" بلفظه.

وقال ابن هشام في "تذكرته: «ليس في التابع ما يتقدم على متبوعه إلا المعطوف بالواو لأنها لا ترتب . اهـ

تشييد المباني

۲۸۹

قال الأبذي في شرح الجزولية": لا يجوز عطف الضمير المنفصل على

الظاهر بالواو، ويجوز فيهما عدا ذلك» . اهـ

قال ابن الصائغ وأورد شيخنا شهاب الدين عبد اللطيف على ذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ ﴾ [النساء: ١٣١]،

وقوله تعالى : يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ﴾ [الممتحنة: ١].

قال ابن الصائغ وعندي أنه ينبغي أن ينظر في علة منع ذلك حتى يتلخص هل هذا داخل تحت منعه فلا يلتفت إليه، أو ليس بداخل فيدور الحكم مع العلة، والذي يظهر من التعليل أن الواو لما كانت المطلق الجمع فكان المعطوف مباشرا بالعمل، ولا يجوز العمل في الضمير وهو منفصل مع إمكان اتصاله، أما في غير الواو فليس الأمر معها كذلك كقولك: «زيد قام عمرو ثم هو، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّا أَوْلِيَاكُمْ لَعَلَى هُدًى } [سبأ: ٢٤]. فنجيء إلى الآيتين فنجد المكانين مكان ثم لأن المقصود في الآية الأولى ترتبها على الزمان الوجودي، مع إرادة كون المخاطب له أسوة بمن مضى، وكذلك في الآية الثانية المقصود ترتيب المتعاطفين من جهة شرفهما والبداءة بما هو أشنع في الرد على فاعل ذلك، وإذا تلخص ذلك لم يكن فيهما رد على الأبذي. ويحمل المنع على ما إذا لم يقصد بتقديم أحد المتعاطفين معنى وهذا تأويل حسن لكلامه، موافق للصناعة وقواعدها. انتهى كلامه ملخصا من "الأشباه". قال المؤلف: (والفاء) للترتيب مع التشريك، وهو معنوي كقام زيد

فعمرو، وذكري وهو عطف مفصل على مجمل نحو: { وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ، فَقَالَ

۲۹۰

النحو

رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ﴾ [هود : ٤٥] وأنكر الترتيب الفراء مطلقا. قال في "المغني" ": «وهذا مع قوله: إن الواو تفيد الترتيب غريب».اهـ

البأس

واحتج بقوله تعالى: أَهْلَكْنَهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا } [الأعراف: ٤] ومجيء سابق للإهلاك، وأجيب بأن المعنى أردنا إهلاكها، أو بأنها للترتيب الذكري، وأنكر الجرمي إفادتها الترتيب في البقاع والمطر، واحتج بقول امريء القيس: قِفَا نَبِّكِ مِن ذِكْرَى حَبيبٍ ومَنْزِلَ بِسَقْطِ اللَّوى بينَ الدَّخُولِ فَحَوْمَـلِ وقولهم: «مطرنا مكان كذا فمكان كذا وإن كان وقوع المطر فيهما في

وقت واحد.

والتعقيب في كل شيء بحسبه نحو: جاء زيد فعمرو»، أي: عقبه بلا مهلة، وتزوج فلان فولد له ، إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل، ومنه قوله

تعالى : وأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُحْضَرَةً ﴾ [الحج: ١٣].

قال ابن هشام قيل: الفاء في هذه الآية للسببية وفاء السببية لا تستلزم التعقيب بدليل صحة قولك: إن يسلم فهو الجنة»، ومعلوم ما بينهما من

المهلة، وقيل: الفاء تقع تارة بمعنى «ثم» ومنه الآية، وقوله تعالى: وَخَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَم لحما ﴾ [المؤمنون: ١٤] فالفاءات في فخلقنا العلقة» وما بعدها بمعنى ثم

لتراخي معطوفاتها.

وتارة بمعنى الواو كقوله: «بين الدخول فحومل.

وزعم الأصمعي أن الصواب روايته بالواو ولأنه لا يجوز «جلست بين

تشييد المباني

۲۹۱

زيد فعمرو»، وأجيب بأن التقدير بين مواضع الدخول فمواضع «حومل»، كما يجوز جلست بين العلماء فالزهاد . اهـ وللسببية غالبا في عطف جملة أو صفة نحو: فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَةٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: ۳۷]، لاكِلُونَ مِن شَجَرِ مَن زَقُوم فَالِمُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٢) فَشَرِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ﴾ [الواقعة: ٥٢ - ٥٤] وقد تأتي في ذلك لمجرد الترتيب نحو: لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ ﴾ [ق:

.[٢٢

(تنبيه): تختص الفاء بعطف مفصَّل على مجمل كما تقدم في الأمثلة آنفا، و بعطف جملة شرطها العائد وخلت منه صفة أو صلة أو خبرا أو حالا لما فيها من الربط نحو «اللذان يقومان فيغضب زيد أخواك»، «خالد يقوم فيقعد عمرو»، و«مررت برجل يبكي فيضحك عمرو»، و«عهدت زيدا يغضب فيطير الذباب، قال ابن هشام: يجب أن يدعى أن الفاء في ذلك كله قد أخلصت لمعنى السببية وأخرجت عن العطف كما أن الفاء كذلك في جواب

الشرط».اهـ

(فائدة): قيل: ترد الفاء للغاية بمعنى إلى وجعل منه بعض البغداديين قوله: بين الدخول فحومل» على أن الأصل: «ما بين» فحذف «ما» دون ا بين»، كما عكس ذلك من قال: يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم» أصله: «ما بين قرن» فحذف «بين» وأقام «قرنا» مقامها، و«الفاء» نائبة عن «إلى». قال ابن هشام وكون الفاء بمنزلة إلى غريب قال: ويستأنس له بمجيء عكسه في نحو قوله:

۲۹۲

النحو

وأنتِ التي حبيتِ شَعبًا إلى بَدا إليَّ وأوطاني بـــلاد سواهما إذ المعنى «شغبا فبدا وهما موضعان ويدل على إرادة الترتيب قوله بعده: حَلَلْت بهذا حَلَّةٌ ثم حَلَّةٌ بهذا فطــاب الواديانِ كِلاهُمَا وهذا معنى غريب لإلى لم أر من ذكره. وترد للاستئناف نحو قول جميل : الم تسأل الرَّبعَ القَوَاء فينطق وهل تُخبرنك اليوم بيداءُ سَمْلقُ أي فهو ينطق؛ لأنها لو كانت عاطفة لجزم ما بعدها أو كانت سببية لنصب، ومثله:

فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [البقرة: ١١٧] أي فهو يكون.

وقول الحطيئة:

زلت به إلى الحَضِيض قَدَمُه يُريدُ أن يُعْرِبَهُ فَيُعْجِمُ أي فهو يعجمه قال ابن هشام والتحقيق أن الفاء في ذلك كله للعطف، وأن المعتمد بالعطف الجملة لا الفعل» . اهـ

وترد زائدة دخولها كخروجها، ولا يثبته سيبويه، وجوز الأخفش زيادتها في الخبر مطلقا، وحكى أخوك فوجد، وقيد جماعة منهم الأعلم والفراء-

الجواز بكون الخبر أمرًا أو نهيا كقول عدي بن زيد:

أرواح مـــــــودع أم بكــــــور أنـــت فـــانظر لأي ذاك تصير

وحمل عليه الزجاج : هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ ﴾ [ ص: ٥٧].

قال المؤلف: (وثم) ويقال فيها «فم» كما يقال في جدث: جدف، قاله ابن هشام، وثمت بفتح التاء المثناة وسكونها، قاله في "الهمع"، وتقتضي التشريك

تشييد المباني

۲۹۳

في الحكم والترتيب.

قال ابن هشام وفي كل منهما خلاف؛ فأما التشريك فزعم الأخفش والكوفيون أنه قد يتخلف بأن تقع زائدة فلا تكون عاطفة، وحملوا على ذلك قوله تعالى: حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة: ١١٨]. وخرجت الآية على تقدير الجواب. وأما الترتيب فخالف جماعة منهم قطرب في اقتضائها إياه تمسكا بقوله تعالى: خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ [النساء: ١] وقول

الشاعر: إنَّ من ســادثـم ســاد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده وأجيب بأنها في الجميع لترتيب الإخبار لا الحكم. انتهى كلامه بالمعنى. والمهلة وفي إفادتها إياه أيضًا، فزعم الفراء أنها بمعنى الفاء كذا في "الهمع". وقال ابن هشام أما المهملة فزعم الفراء أنها قد تتخلف بدليل قولك: أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، لأن ثم في ذلك لترتيب الإخبار ولا تراخي بين الإخبارين وجعل منه ابن مالك: ثُمَّ اتَيْنَا مُوسَى الكتب ﴾ [الأنعام: ١٥٤] . اهـ

وقد تقع موقع الفاء كقول حارثة بن الحجاج:

كهز الرديني تحتَ العَجَاجِ جرى في الأنابيب ثم اضطرب إذ الهز متى جرى في أنابيب الرمح يعقبه اضطرابه بلا تراخ.

قال الفراء: وتقع للاستئناف نحو أعطيتك ألفا ثم أعطيتك قبل ذلك

٢٩٤

النحو

مالا». قاله في "الهمع".

قلت: ومنه الحديث فيهما يظهر لي وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه بالرفع على الاستئناف ولم يذكره الفراء ولا ابن هشام ولا السيوطي ولا غيرهم من المتأخرين فيما أعلم، ثم إني وقفت بعد كتب هذا بعض شروح "المغني" فوجدت ما قلته صحيحًا والله الحمد. قال المؤلف: (وأو) موضوعة لإحدى الشيئين أو الأشياء عند المتقدمين، قال ابن هشام: وهو التحقيق، والمعاني التي ذكرها غيرهم مستفادة من غيرها . اهـ والمتأخرون أنهوا معانيها إلى اثني عشر :

الأول: الشك، نحو: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [الكهف: ١٩].

الثاني: الإبهام، نحو: وَإِنَّا أَوْلِيَاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ

سبا: ٢٤] الشاهد في الأولى.

والثالث: التخيير، نحو: تزوج هندا أو أختها.

والرابع الإباحة، نحو: جالس العلماء أو الزهاد.

والخامس الجمع المطلق، كالواو عند الكوفيين والأخفش والجرمي والأزهري وابن مالك محتجين بقول توبة :

وقد زعمت ليلى بأني فاجر لنفسي- تقاها أو عليها فجورهـا والسادس: الإضراب كبل نقل عن سيبويه إجازة ذلك بشرطين تقدم نهي أو نفي وإعادة العامل نحو: لا يقم زيد أو لا يقم عمرو، وما قام زيد أو ما قام عمرو، ومطلقا عند الكوفيين والفارسي وابن جني وابن برهان محتجين بقول

٢٩٥

تشييد المباني

جریر

كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية لولا رَجَاؤُك قد قَتَلْتُ أولادي وأما قوله تعالى: وَأَرْسَلْنَهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾ [الصافات: ١٤٧] فاختلف فيه، فقال الفراء بل يزيدون هكذا جاء في التفسير مع صحته في العربية، وقال بعض الكوفيين: بمعنى الواو، وللبصريين فيها أقوال؛ قيل: للإبهام، وقيل: للتخيير، ولا يصح، وقال ابن جني: هي للشك مصروفا إلى

الرائي.

والسابع التقسيم، نحو: الكلمة اسم أو فعل أو حرف، ذكره ابن مالك في "الألفية" وفي "شرح الكافية"، وعدل عنه في "التسهيل" وشرحه فقال: تأتي للتفريق المجرد من الإبهام والشك والتخيير. والثامن: أن تكون بمعنى إلا في الاستثناء، وينتصب المضارع بعدها بأن مضمرة كقول زياد الأعجم:

وكنتُ إِذا غَمَزْتُ قنـاة قـوم كسرت كعوبها أو تستقيما والتاسع أن تكون بمعنى إلى وهي كهذه قبلها في انتصاب المضارع بعدها بأن مضمرة، كقوله:

لأستسهلنَّ الصَّعب أو أُدرِك المني فما انقادت الآمال إلا لصابر والعاشر: التقريب نحو ما أدري أسلم أو ودع، قاله الحريري وغيره. الحادي عشر: الشرطية نحو الأضربنه عاش أو مات ذكره ابن

الشجري

٢٩٦

النحو

والثاني عشر : التبعيض، نحو: وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَرَى ﴾ [البقرة:

١٣٥]، نقله ابن الشجري عن بعض الكوفيين. اهـ

(تنبيهات):

الأول: قال ابن هشام: قول الحريري بين الفساد لأن التقريب من إثبات اشتباه السلام بالتوديع فهي للشك.

وقال في قول ابن الشجري: إنها تأتي للشرط»: الحق أنها للعطف على بابها، لكنها لما عطفت على ما فيه معنى الشرط دخل المعطوف في معنى

الشرط.

وقال في قول الكوفية بالتبعيض والذي يظهر لي أنه أراد معنى التفصيل، فإن كل واحد مما قبل أو التفصيلية وما بعدها بعض لما تقدم عليها من، ولم يرد أنها ذكرت لتفيد مجرد معنى التبعيض . اهـ

الثاني: لا تقع «أو» بعد همزة التسوية، قال ابن هشام: وقد أولع بها الفقهاء وهو لحن.اهـ

قلت: وجه اللحن أن «أو» لأحد الشيئين أو الأشياء، والتسوية تقتضي شيئين فأكثر، وقرأ ابن محيصن أو لم تنذرهم قال في "الكامل": وهي من الشذوذ بمكان. قال: أما همزة الاستفهام فيعطف بعدها بـ«أو» نحو: أزيد عندك أو عمرو ؟ . اهـ

قال السيوطي: وفي البديع" قال سيبويه : إذا كان بعد سواء همزة الاستفهام فلا بد من «أم» اسمين كانا أو فعلين، تقول: سواء علي أزيد في الدار أم عمرو، وسواء علي أقمت أم قعدت وإذا كان بعدها فعلان بغير ألف

تشييد المباني

۲۹۷

الاستفهام عطف الثاني بـ «أو» تقول: سواء علي قمت أو قعدت، وإن كانا اسمين بلا ألف عطف الثاني بالواو تقول : سواء علي زيد وعمرو، وإن كان بعدها مصدران كان الثاني بالواو حملًا عليها.

قال الدماميني وبذلك تبين صحة قول الفقهاء، وكأن ابن هشام توهم أن

الهمزة لازمة بعد كلمة سواء» في أول جملتيها وليس كذلك.

الثالث: قال أبو البقاء: «أو» في النهي نقيضة أو في الإباحة فيجب اجتناب الأمرين كقوله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ، أَيْمًا أَوْ كَفُورًا ﴾ [الإنسان: ٢٤] فلا يجوز فعل أحدهما؛ فلو جمع بينهما كان فعلا للمنهي عنه مرتين لأن كل واحد منها

أحدهما . اهـ

(فائدة): أخرج البيهقي عن ابن جريج قال: كل شيء في القرآن فيه «أو» فللتخيير إلا قوله أَن يُقَتَلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا ﴾ [المائدة: ٣٣] ليس بمخير فيها، قاله في "الإتقان". قال المؤلف: (وأم) وأنكرها أبو عبيدة، وتبعه محمد بن مسعود الغزي فقال: ليست بحرف عطف بل بمعنى همزة الاستفهام، ولهذا يقع بعدها جملة يستفهم عنها كما تقع بعد الهمزة، لكن لما كانت تتوسط بين محتملي الوجود كتوسط «أو» قيل إنها حرف عطف، وزعم ابن كيسان أن أصلها «أو» وأبدلت واوها ميما، فتحولت إلى معنى يزيد على معنى «أو»، قال أبو حَيَّان: دعوى بلا دليل، ولو كان كذلك لاتفقت أحكامها، وهما مختلفان من أوجه منها: أن جواب «أو» بنعم أو لا، وجواب «أم» بالتعيين بالاسم أو الفعل، وأن الأحسن مع «أو» تقديم الفعل ومع «أم» تقديم الاسم، وأن «أو» لا يلزم

وهي

۲۹۸

النحو

معادلتها للاستفهام بخلاف أم»، انتهى مختصرا من "المع".

وهي قسمان:

القسم الأول: متصلة: وهي نوعان:

الأول: أن يتقدم عليها همزة التسوية نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَ أَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ ﴾ [البقرة: ٦].

والثاني: أن تتقدم عليها همزة يطلب بها وبأم التعيين نحو : الذَّكَرَيْنِ حرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ ﴾ [الأنعام: ١٤٣].

وسميت متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغني . أحدهما عن الآخر، وتسمى أيضًا معادلة لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية في النوع الأول والاستفهام في الثاني.

(تنبيه): يفترق النوعان من أربعة أوجه؛ الأول والثاني: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جوابًا؛ لأن المعنى معها ليس على الاستفهام، وأن الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب، وليست تلك كذلك؛ لأن الاستفهام معها على حقيقته.

الثالث والرابع: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين، ولا تكون الجملتان معها إلا في تأويل المفردين، وتكون الجملتان فعليتين كما تقدم واسميتين كقوله: ولست أبالي بعد فقدي مالكًا أموتي ناء أم هو الآن واقع

ومختلفتين نحو : سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَمِتُونَ ﴾ [الأعراف :

تشييد المباني

۲۹۹

١٩٣]. و«أم» الأخرى تقع بين مفردين وهو الغالب فيها نحو : وَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا

أم السماء بنتها ﴾ [النازعات: ٢٧] وبين جملتين ليستا في تأويلها.

القسم الثاني: منقطعة: وهي ثلاثة أنواع:

مسبوقة بالخبر المحض تنزيل الكتب لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) أمْ يَقُولُونَ افْتَرَنهُ ﴾ [السجدة: ٢ - ٣].

ومسبوقة بهمزة لغير الاستفهام، نحو: أَلَهُمْ أَرْجُلُ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يبْطِشُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: ۱۹٥] إذ الهمزة في ذلك للإنكار فهي بمنزلة النفي، والمتصلة لا تقع بعده.

ومسبوقة باستفهام بغير الهمزة، نحو: هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ ستوى الظُّلُمَتُ وَالنُّورُ ﴾ [الرعد: ١٦]. وأم المنقطعة هي التي لا يفارقها معنى

الإضراب، وقد تقتضي معه استفهاما إنكاريا أو استفهاما حقيقيًّا. فمن الأول : أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظُّلُمَتُ وَالنُّورُ لأن الاستفهام لا يدخل على

الاستفهام، ومن الثاني قول العرب: «إنها لا بل أم شاء»، أي: بل هي شاء.

(تنبيهات):

الأول : ترد «أم » محتملة للاتصال والانقطاع كقوله تعالى: ﴿ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: ٨٠].

الثاني: سمع حذف «أم» المتصلة ومعطوفها كقول أبي ذؤيب :

۳۰۰

النحو

دعاني إليها القلب إني لأمره سميع فما أدري أَرُشْدُ طِلابُها

تقديره: «أم غي».

الثالث: قال أبو زيد الأنصاري: تَرِد «أم» زائدة، واستدل بقول ساعدة:

ياليت شعري ولا مَنْجَى من الهَرَمِ

أم هل على العيش بعد الشيب من تدم

قال المؤلف : (وإما ) بكسر الهمزة وتشديد الميم، وقد تفتح همزتها وقد تبدل ميمها الأولى ياء وهي عند سيبويه مركبة من إن» و«ما» الزائدة، وبسيطة عند غيره واختاره أبو حَيَّان لأن الأصل البساطة، ولها خمسة معان:

الأول: الشك، نحو: جاءني إما زيد وإما عمرو.

والثاني: الإبهام، نحو: وَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ

عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة: ١٠٦].

.[AT

والثالث: التخيير، نحو: إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن نَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾ [الكهف:

والرابع الإباحة، نحو: تعلم إما فقها وإما نحوا.

والخامس: التفصيل، نحو: إما شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: ٣]. وهذه المعاني لـ «أو» كما تقدم، والفرق أن «إما» يبنى معها الكلام من أول الأمر على ما جيء بها لأجله من شك أو غيره ولذلك وجب تكرارها، و«أو» يفتح الكلام معها على الجزم ثم يطرأ الشك وغيره ولهذا لم تتكرر، قال في

تشييد المباني

" الهمع"

۳۰۱

ـع : والتحقيق أنها لأحد الشيئين أو الأشياء وهذه المعاني تعرض في الكلام من جهة أخرى كما في "أو " . اهـ وأنكر قوم فيها الإباحة مع إثباتهم إياها في «أو».

(تنبيه) لا خلاف في أن «إما الأولى غير عاطفة، واختلفوا في الثانية فذهب الأكثر إلى أنها عاطفة وذهب يونس والفارسي وابن كيسان وابن برهان وابن عقيل وابن مالك إلى أنها غير عاطفة، قال ابن هشام: وهو الحق، قال: وقال الجرجاني عدها من حروف العطف سهو ظاهر . اهـ

قال ابن مالك وذلك لملازمتها غالبًا الواو العاطفة، وادعى ابن عصفور الإجماع عليه تخلصا من دخول عاطف على عاطف، قال: وإنما ذكروها في باب العطف المصاحبتها الحرفه . اهـ

وقال بعضهم: إنها عطفت الاسم على الاسم، والواو عطفت «إما» على «إما»، قال ابن هشام وعطفت الحرف على الحرف غريب.اهـ، وقال الرضي: غير موجود. اهـ

(تنبيه) ليس من أقسام إما» التي في قوله تعالى: فَإِمَّا تَرَينَ مِنَ الْبَشَرِ

أحدا ﴾ [مريم: ٢٦] بل هذه «إن» الشرطية و«ما» الزائدة. قال المؤلف: (وبل) للإضراب وتعطف بشرطين: إفراد معطوفها، وأن تسبق بإيجاب أو أمر أو نهي أو نفي ومعناها بعد الأولين سلب الحكم عما قبلها حتى كأنه مسكوت عنه ولم يحكم عليه بشيء وجعله لما بعدها، كـ«قام زيد بل عمرو»، و«ليقم زيد بل «عمرو»، وبعد الأخيرين تقرير حكم ما قبلها

۳۰۲

النحو

وجعل ضده لما بعدها نحو: «لا تضرب زيدًا بل عمرا»، و«ما قام زيد بل عمرو» . اهـ "توضيح". وأجاز المبرد وعبد الوارث أن تكون ناقلة معنى النفي والنهي إلى ما بعدها، وعلى قولهما فيصح «ما زيد قائما بل قاعدًا» أو «بل قاعد» ويختلف المعنى. اهـ "مغني". قال ابن مالك: قولهما مخالف لاستعمال العرب

كقوله:

لو اعتصمت بنالم تعتصم بعدى بل أولياء كفاة غير أوغاد. اهـ ومذهب الجمهور أنها لا تفيد نقل حكم ما قبلها لما بعدها إلا بعد الإيجاب والأمر، ومنع الكوفيون وأبو جعفر بن صابر أن يعطف بها بعد النفي والنهي، قال هشام منهم: محال ضربت زيدا بل إياك»، قال أبو حَيَّان: وهذا من الكوفيين مع كونهم أوسع من البصريين في اتباع شواذ العرب دليل على أنه لم يسمع العطف بها في الإيجاب ولو على قلته. انتهى من "همع الهوامع". (فائدة): لا يعطف بـ«بل» بعد الاستفهام اتفاقاً.

(تنبيه): تزاد «لا» قبل (بل)) لتوكيد الإضراب بعد الإيجاب كقوله: وجهك البدر لا بل الشمس لو لم يقض للشمس كسفة وأفول

ولتوكيد تقرير ما قبلها بعد النفي، ومنعها ابن درستویه ورد بقوله: وما هجرتك لا بل زادني شغفا هجر وبعد تراخى لا إلى أجــل ولتوكيد تقرير ما قبلها بعد النهي، ومنعها ابن عصفور قال: لأنه لم

يسمع. ورد بقوله:

لا تملن طاع ن طاعة الله لا بل طاعة الله ما حييت استديما

تشييد المباني

۳۰۳

وقد تزاد لا ضرورة.

(فائدة): قال أبو حَيَّان يقال في « لا بل»: «نابن» و«لابن» و«نابل» بإبدال اللامين أو إحداهما نونًا. اهـ "همع "

(تنبيه): إذا تلى «بل» جملة فهي لإبطال معنى الأول وإثباته لما بعد، نحو: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ ﴾ [المؤمنون: ٧٠]، أو للانتقال من غرض إلى غرض آخر بدون إبطال نحو: ﴿وَلَدَيْنَا كِتَبُ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُم في عمرة ﴾ [المؤمنون: ٦٢ - ٦٣] وليست حينئذ عاطفة على الصحيح بل حرف ابتداء، وزعم بعضهم أنها تستعمل جارة وجعل منه قول رؤبة : «بل بلد ملء الفجاج قتمَهُ».

وهو وهم إذ الجر بـ (رب) محذوفة والتقدير : بل رب بلد موصوف بهذا

الوصف قطعته، فهو من باب دخولها على الجملة كما في "المغني". (تنبيه): ذهب صاحب "الأزهرية" إلى أن بل)) تكون حرف جر، ووهمه أبو حَيَّان وابن هشام وغيرهما، فقد نقل ابن عصفور وابن مالك اتفاق النحويين على خلافه . اهـ "أشباه".

(فائدة) : لم تقع «بل» في القرآن عاطفة، قاله في "الإتقان".

قال المؤلف: «ولا) وتعطف بثلاثة شروط: أحدها: أن تسبق بأمر أو إيجاب اتفاقا كجاء زيد لا عمرو، واضرب زيدا لا عمرا. قال سيبويه أو نداء نحو: يابن أخي لابن عمي، وزعم ابن سعدان أنه ليس من كلام العرب، قال أبو حَيَّان هذه شهادة على نفي والظن بسيبويه

٣٠٤

النحو

أنه لم يذكره في كتابه إلا وهو مسموع.

والثاني: أن لا تقترن فإذا قلت: ما جاءني زيد ولا عمرو، فالعاطف الواو،

ولا توكيد للنفي.

الثالث: شرط السهيلي في "نتائج "الفكر" والأبذي في "شرح الجزولية" وأبو حَيَّان في "الارتشاف" وابن هشام في "المغني" تعاند متعاطفيها، فلا يجوز: «جاءني رجل لا زيد، لصدق اسم الرجل عليه، بخلاف لا امرأة» أو «عالم لا جاهل»، وعلله الأبذي، وأجاب عنه البدر الدماميني بما يعلم من مراجعتهما، ومنع جماعة منهم الزجاجي- العطف بها على معمول فعل ماض، فلم يجيزوا: قام زيد لا عمرو»، مع إجازتهم ذلك في المضارع؛ قالوا: لأنها تكون نافية للماضي ونفي الماضي لا يجوز، وما جاء منه حفظ ولم يقس عليه؛ وقيل: لأن العامل مقدر بعد العاطف. ولا يقال: «لا قام عمرو» إلا على الدعاء، قال ابن هشام وهو مردود؛ فإنه لو توقفت صحة العطف على تقدير العامل بعد الحرف لامتنع ليس زيد قائما ولا قاعدًا». ولا يعطف بـ«لا» جملة لا محل لها على الأصح ، وقد يحذف متبوعها نحو: «أعطيتك لا لتظلم»، أي: لتعدل لا لتظلم. انتهى من "همع الهوامع".

(فائدة) : لم تقع لا في القرآن عاطفة، قاله في "الإتقان".

قال المؤلف: (ولكن) وأنكرها يونس والجمهور على أنها تعطف بشرطين:

أحدهما: أن يتقدمها نفي أو نهي نحو ما قام زيد لكن عمرو، و لا يقم زيد لكن عمرو، وزاد الكوفيون أو إيجاب كـ«بل» لأنها مثلها في المعنى نحو: قام زيد لكن عمرو، والبصريون منعوه لأنه لم يسمع فيتعين كونها حرف ابتداء

تشييد المباني

۳۰۵

بعده الجملة فيقال : لكن عمر و لم يقم.

الثاني: أن لا تقترن بالواو، قاله الفارسي وأكثر النحويين، فإن اقترنت بالواو فحرف ابتداء لأن العاطف لا يدخل على مثله، وقال ابن خروف لا تكون عاطفة إلا بالواو، وقال ابن مالك العطف بالواو ،دونها، لكن عطف جملة حذف بعضها على جملة صرح بجميعها، والتقدير: ولكن قام عمرو. وقال ابن عصفور الواو زائدة لازمة، والعطف بلكن، وقال ابن كيسان الواو زائدة غير لازمة، والعطف بـ«لكن أيضًا.

(فائدة): إذا تلت «لكن جملة فهي حرف ابتداء لا عاطفة، سواء اقترنت بالواو نحو : ولكن كَانُواهُمُ الظَّالِمِينَ ﴾ [الزخرف: ٧٦]. أو بدونها كقول زهير : إنَّ ابن ورقاء لا تخشى بوادره لكن وقائعه في الحربِ تُنتظرُ

وزعم ابن أبي الربيع أنها حين اقترانها بالواو عاطفة جملة على جملة، وأنه

ظاهر قول سيبويه. اهـ "مغني".

(تنبيه) اشتركت «لا» و «بل» و «لكن من وجهين

أحدهما: أنها عاطفة.

والثاني: أنها تفيد رد السامع عن الخطا في الحكم إلى الصواب.

وافترقت من وجهين أيضًا: أحدهما: أن لا تكون لقصر القلب وقصر الإفراد، وبل ولكن إنما يكونان

لقصر القلب فقط، تقول: جاءني زيد لا عمرو، ردا على من اعتقد أن عمرًا جاء دون زيد، أو أنهما جاءاك معًا، وتقول: ما جاءني زيد لكن عمرو، أو بل عمرو، ردا على من اعتقد العكس.

٣٠٦

النحو

والثاني: أن «لا» إنما يعطف بها بعد الإثبات وبل يعطف بها النفي، ولكن يعطف بها بعد النفي، ويكون معناها كما ذكرنا ويعطف بها بعد الإثبات ومغناها حينئذ إثبات الحكم لما بعدها وصرفه عما قبلها وتصييره كالمسكوت عنه من قبل أنه لا يحكم عليه بشيء. اهـ قاله ابن هشام.

قال المؤلف: (وحتى) وتكون جارة نحو: سَلَمُهيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [

ه] وحرف ابتداء فتدخل على الجملة الاسمية كقول جرير : فما زالت القتلى تمـــج دماءهـــا بدجلة حتى ماء دجلة أشكل والفعلية كقوله تعالى: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ [البقرة: ٢١٤] بالرفع في قراءة نافع. وعاطفة وذلك قليل، والكوفيون ينكرونه البتة، ويجعلون ما وردت فيه عاطفة على أنها ابتدائية وما بعدها على إضمار عامل. قاله ابن هشام وغيره. وقول المصنف: (في بعض المواضع يشير إلى هذا وهو وجه تخصيصه حتى بهذا القيد، ويحتمل أن يكون هذا القيد عاما في الحروف المتقدمة؛ لأن كل واحد منها له معان غير العطف.

(تنبيه) للعطف بـ «حتى» شروط:

أحدها: كون المعطوف اسما لا فعلا فلا يجوز على العطف: «أكرمت زيدا

بكل ما أقدر عليه حتى أقمت نفسي خادما له»، وأجازه ابن السيد. والثاني: كونه ظاهرا لا مضمرًا ، فلا يجوز قام الناس حتى أنا»، ذكره ابن

هشام الخضراوي، قال في "المغني": ولم أقف عليه لغيره.

والثالث: كونه بعضًا من المعطوف عليه إما بالتحقيق بأن يكون جزءا من

تشييد المباني

۳۰۷

كل، نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، أو فردًا من جمع، نحو: قدم الحجاج المشاة، أو نوعًا من جنس، نحو: أعجبني التمر حتى البرني، أو بالتأويل

حتى

كقول ابن مروان النحوي

ألقى الصحيفة كي يخفِّفَ رحله والزاد حتى نعله ألقاها فإن ما قبلها في تأويل «ألقى ما يثقله»، أو شبيها بالبعض نحو: أعجبتني الجارية حتى كلامها، فإنه لشدة اتصاله بها صار كجزئها. قال ابن هشام وضابط ذلك أنه إن حسن الاستثناء المتصل حسن دخول حتى وإن لم يحسن

امتنع . اهـ

والرابع: كونه غاية لما قبلها في زيادة حسية أو معنوية أو في نقص كذلك،

وقد اجتمعا في قوله:

قهرناكم حتى الكماة فأنتم تها بوننا حتى بنينا الأصاغراً (تنبيه): «حتى» كالواو المطلق الجمع لا للترتيب خلافا لمن زعم ذلك، قال ابن مالك: وهي دعوى بلا دليل، ففي الحديث: «كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس. وليس في القضاء ترتيب وإنما الترتيب في ظهور

المقضيات . اهـ

وتفارق الواو من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها لا تعطف إلا بالشروط الأربعة.

الثاني: أنها لا تعطف الجمل ؛ لأن شرط معطوفها أن يكون جزءا مما قبلها

كما تقدم، ولا يتأتى ذلك إلا في المفردات.

الثالث: أنها إذا عطفت على مجرور أعيد الجار فرقا بينها وبين الجارة،

.۳۰۸

النحو

فتقول: مررت بالقوم حتى بزيد قال ابن عصفور يعاد رجحانا، وقال ابن الخباز وأبو عبد الله الجليس وجوبا، وقال ابن مالك: إن لم يتعين للعطف وجب، نحو: اعتكفت في الشهر حتى في آخره، وإن تعينت له فلا، لحصول الفرق، كقوله:

جود يمناك فاض في الخلق حتى بائس دَانَ بالإساءة دِينَا قال ابن هشام وهو حسن، وأما أبو حَيَّان فرده وقال: هي في المثال جارة

وفي البيت محتملة. اهـ (فائدة) هذيل تقول في «حتى»: «عتى»، وبها قرأ ابن مسعود، قال في

"الإتقان": لا أعلم حتى جاءت في القرآن عاطفة. اهـ

(مُهمَّة): حروف العطف أربعة أقسام: قسم يشرك بين الأول والثاني في الإعراب والحكم وهو الواو والفاء وثم وحتى، وقسم يجعل الحكم للأول فقط وهو: لا، وقسم يجعل الحكم الثاني فقط وهو: بل ولكن، وقسم يجعل الحكم لأحدهما بعينه وهو أو، وهي على اختلاف معانيها تشرك ما بعدها لما قبلها في الإعراب. قال المؤلف : (فإن عطفتَ بها على اسم (مرفوع) ظاهرا كان أو ضميرًا منفصلا (رفعت المعطوف بلا شرط سواء صلح لمباشرة العامل أم لا، فيجوز قام زيد وأنا، وقمت أنا وزيد، وقام زيد وعمرو، وأنا وأنت قائمان. ومنع الأبذي عطف ضمير منفصل على ظاهر، قال أبو حَيَّان ووهم في ذلك؛ وكلام العرب على جوازه ومنه وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ مِن قَبْلِكُمْ

تشييد المباني

۳۰۹

وَإِيَّاكُمْ ﴾ [النساء: ١٣١]. انتهى من "همع الهوامع".

قلت: خص الأبذي منع العطف بالواو فقط، وأجازه فيما عداها كما نقلنا عبارته من "الأشباه" فيما تقدم فبين العبارتين فرق.

(مسألة): لا يعطف على ضمير رفع متصل اختيارًا إلا بفاصل ما، ضميرًا منفصلا أو غيره، نحو: كنتُمْ أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ ﴾ [الأنبياء: ٥٤]، يَدْخُلُونَهَا وَمَن

صلح [الرعد: ۲۳]، ﴿ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا ءَابَاؤُنَا } [الأنعام: ١٤٨]، والكوفيون يجيزون العطف عليه بلا فصل اختيارًا :حكي مررت برجل سواء والعدم، وفي الصحيح: «كنت وأبو بكر وعمر، فعلت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر»، انتهى من "همع الهوامع".

قال المؤلف: (أو على اسم (منصوب) ظاهرًا كان أو ضميرًا (نصبت) المعطوف بلا شرط نحو ضربت زيدا وعمرا، وضربت زيدا وإياك، وقوله تعالى: جَمَعَنَتَكُمْ وَالأَوَّلِينَ ﴾ [المرسلات ۳۸] (أو على مخفوض) ظاهر (خفضت) المعطوف، وأما الضمير المخفوض فلا يكثر العطف عليه إلا بإعادة الخافض نحو : فَقَالَ لَهَا وَالْأَرْضِ ﴾ [فصلت: ۱۱] قَالُوا نَعْبُدُ الهَكَ وَإِلَهَ ءَابَابِكَ ﴾ [البقرة: ١٣٣] وليس بلازم وهو رأي يونس والأخفش والزجاج والكوفيين، وصححه ابن مالك وأبو حَيَّان خلافًا لجمهور البصريين في قولهم بوجوب إعادته لأنه الأكثر كما في الآيتين وغيرهما، ودليل القول الأول قراءة ابن عباس

والحسن البصري وحمزة تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ [النساء: ١] بالخفض، وحكاية قطرب ما فيها غيره وفرسه بالخفض أيضًا.

۳۱۰

النحو

(فائدة): قال الحريري في "درة الغواص": «فإن قيل: كيف جاز العطف على المضمرين المرفوع والمنصوب من غير تكرير ، وامتنع العطف على المجرور إلا بالتكرير؟ فالجواب: إنه لما جاز أن يعطف ذانك المضمران على الاسم الظاهر، جاز أن يعطف الظاهر عليهما، ولما لم يجز أن يعطف المضمر على الظاهر إلا بتكرير الجار في قولك مررت بزيد وبكر، لم يجز أن يعطف الظاهر على المضمر إلا بتكريره أيضا، نحو مررت بك وبزيد، وهذا من لطائف علم العربية ومحاسن الفروق النحوية». انتهى كلامه.

وكتب عليه الخفاجي في الشرح: «هذا تخيل لا أصل له لأن المرفوع والمنصوب يكون متصلا ومنفصلا ؛ فلذا جاز عطف المنفصل، وأما المجرور

فلا يكون منفصلا، فلذا لم يصح عطفه بدون العامل» . اهـ

قلت: وهو الأحسن إلا أن تفريقه أيضًا لا أصل له لثبوت نقيض المدعى

في آيات قرآنية وأشعار عربية مما لا يمكن إنكاره إلا على طريق المباهتة. ثم قال: (أو على مجزوم جزمت المعطوف فيه دليل على أن العطف جائز في الأفعال كالأسماء، ونحوه قول ابن مالك وعطفك الفعل على الفعل يصح وذلك بشرط اتحاد زمنيهما، سواء اتحدا في النوع أم لا، قال تعالى: لَنُحْى بِهِ بلدة ميتا وَنُسُقِيَهُ ﴾ [الفرقان: ٤٩]، وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْيَكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْتَلَكُمْ أمْوَالَكُمْ ﴾ [محمد: ٣٦]، يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ﴾ [هود: ۹۸]

تبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّتِ ﴾ [الفرقان: ١٠] الآية. (فرع): قال ابن مالك:

تشييد المباني

۳۱۱

واعطف على اسم شبه فعل فعلا وعكسا استعمل تَجِدُه سَهْلَا نحو: فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحَا فَأَثَرْنَ بِهِ نَفْعًا ﴾ [العاديات: ٣ - ٤] ونحو:

صَفَاتِ وَيَقْبِضْنَ [الملك: ١٩] ونحو قول الشاعر:

يا رُبَّ بيضــاء مــن العــواهِجِ امْ صَبي قد حَبَـــا أو دَارِجِ قال المؤلف: (تقول) في مثال عطف المرفوع: (قام زيد وعمرو) وفي عطف المنصوب ورأيت زيدًا وعمرًا وفي عطف المخفوض: (ومررت بزيد

وعمرو) وفي عطف المجزوم: (وزيد لم يقم ولم يقعد).

(خاتمة): أقسام العطف ثلاثة :

أحدها: العطف على اللفظ، وهو الأصل نحو : ليس زيد بقائم ولا قاعد،

وشرطه: إمكان توجه العامل إلى المعطوف فلا يجوز في نحو ما جاءني من امرأة ولا زيد إلا الرفع عطفا على الموضع لأن «من» الزائدة لا تعمل في المعارف، وقد يمتنع العطف على اللفظ والمحل جميعا نحو: ما زيد قائما لكن - أو بل - قاعد؛ لأن في العطف على اللفظ إعمال ما في الموجب، وعلى المحل

اعتبار الابتداء مع زواله بالناسخ، والصواب الرفع على إضمار مبتدأ. الثاني: العطف على المحل، نحو: ليس زيد بقائم ولا قاعدًا وله شروط. أحدها: إمكان ظهور ذلك المحل في الفصيح فلا يجوز مررت بزيد

وعمرا.

الثاني: أن يكون الموضع بحق الأصالة، فلا يجوز: هذا الضارب زيدا وأخيه؛ لأن الوصف المستوفي لشروط العمل الأصل إعماله لالتحاقه بالفعل.

۳۱۲

النحو

الثالث: وجود الطالب لذلك المحل، فلا يجوز: إن زيدًا وعمرو قائمان؛

لأن الطالب لرفع عمر و الابتداء وقد زال بـ «إن».

الرابع: العطف على التوهم نحو ليس زيد قائما ولا قاعد بالخفض وشرط جوازه صحة دخول ذلك العامل المتوهم، وشرط حسنه كثرة دخوله هناك، انتهى مختصرا من "الأشباه".

تشييد المباني

۳۱۳

باب التوكيد

ثم قال المصنف رحمه الله: (باب) (التوكيد وهو مصدر «وكد» والتأكيد بالهمز وعدمه مصدر «أكد ) والواو أفصح وبها جاء القرآن قال تعالى: بَعدَ توكيدها ﴾ [النحل: ۹۱] ولذلك شاع استعماله بالواو عند النحويين وهو لغة: التقوية والتسديد واصطلاحًا ضربان معنوي وسيأتي، ولفظي ولم يذكره المصنف، وهو اللفظ المكرر به ما قبله أو تقويته بمرادفه، ويكون في الاسم والفعل والحرف والجملة، ولا يزيد على ثلاث نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فنكاحها باطل باطل باطل» وقوله:

فأين إلى أين النجاة ببغلتي أتاكِ أتاك اللاحقون احبس احبس

وقول جميل:

لا لا أبــوح بحب بثنة إنها أخذت على مواثقا وعهودا وقوله تعالى: أَولَى لَكَ فَأَوْلَى ) ثم أَولَى لَكَ فَأَولَى [القيامة: ٣٤ - ٣٥] ومثال توكيد اللفظ بمرادفه نحو حقيق جدير، وصمت سكت زيد، وأجل جير، وانزل نزال، أو ضمير متصل بضمير منفصل نحو قمت أنت وأما التوكيد المعنوي فبألفاظ محصورة. (التوكيد) هو (تابع للمؤكَّد) بفتح الكاف (في رفعه ونصبه وخفضه وتعريفه) ولم يذكر التنكير لأن ألفاظه لا تتبع النكرة مطلقا عند أكثر البصريين، وأجاز بعض الكوفيين تبعيتها للنكرة مطلقًا أفادت أم لا، نقله ابن مالك في "شرح التسهيل"، خلاف دعواه في شرح الكافية" الاتفاق، ودعوى ابن

النحو

هشام في "التوضيح" كذلك، وأجاز الأخفش والكوفيون توكيد النكرة إن كانت مؤقتة وإلا فلا. قال ابن مالك وهذا القول أولى بالصواب لصحة سماع بذلك ولأن فيه فائدة؛ لأن من قال: صمت شهرًا، قد يريد جميع الشهر وقد

يريد أكثره، ففي قوله احتمال يرفعه التوكيد، ومن الوارد فيه قوله: «قد صرت

البكرة يوما أجمعا»

وقوله: «تحملني الذلفاء حولا أكتعا».

وقوله: «أوفت به حولا وحولا أجمعا».

وقول عائشة

رضي

الله عنها: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله

وسلَّم صام شهرًا كلَّه إلا رمضان».

أما غير المؤقت فلا فائدة فيه فلا يقال : اعتكفت وقتا كله، ولا رأيت شيئا نفسه، والمانعون مطلقًا أجابوا بأن ما ورد من ذلك محمول على البدل أو النعت أو الضرورة. اهـ قال رحمه الله: (ويكونُ) هذا التوكيد (بألفاظ معلومة) وتلك الألفاظ منها ما هو لدفع توهم المجاز من حذف مضاف أو غيره أو السهو (وهي: النفس والعين) فإذا أكدت بأحد منهما أو بهما زال ذلك الاحتمال، وزعم ابن عصفور

أن التأكيد يضعف المجاز ولا يرفع احتماله أصلا.

(فائدتان)

الأولى: إذا أكدت بالنفس والعين مثنى ففيهما ثلاث لغات: أفصحها الجمع تقول: جاء الزيدان أنفسهما أعينهما، ودونه الإفراد نحو: جاء الزيدان

نفسهما عينهما، دونه التثنية نحو: جاء الزيدان نفساهما عيناهما.

تشييد المباني

۳۱۵

الثانية: النفس أنثى إن أريد بها الروح قال تعالى: خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء: 1] وإن أريد الشخص فمذكر ، وتجمع في القلة على أنفس، وفي الكثرة على نفوس.

والعين تقع بالاشتراك على الباصرة وعين الماء وعين الشمس والعين الجارية وعين الشيء نفسه، ومنه أخذت مالي بعينه أي: أخذت عين مالي. أفاده في "المصباح". (وكل وأجمع) ومنها ما هو للشمول ودفع توهم إطلاق البعض على الكل

وهي في المثنى: «كلا، وكلتا» وفي الجمع وما في معناه: «كل، وجميع، وعامة» مضافة كلها إلى الضمير المطابق للمؤكد، وأجمع بفتح الميم حكاه ابن السكيت. ( وتوابع أجمعَ ) ينوى فيها ضمير المؤكد ولا يصرح به (وهي: أكتعُ) مأخوذ من قولهم: أتى عليه حول كتيع، أي: تام (وأبتع) مأخوذ من البتع وهو طول العنق؛ لأن الدابة إذا طال عنقها جالت في المرعى وضمت ما حولها وجمعته (وأبْصَعُ) مأخوذ من البصع وهو العرق المجتمع، وبعضهم يقوله بالضاد المعجمة (تقولُ) في مثال المرفوع (قام زيد نفسُه) وإن شئت زدت عينه، وفي مثال المنصوب ( رأيتُ القومَ كلّهم) ولك أن تزيد ما شئت من ألفاظ التوكيد،

وفي مثال المخفوض مررتُ بالقوم أجمعين) أكتعين أبتعين أبصعين.

(فوائد):

الأولى: لا يؤكد بهذه الألفاظ غير ذي أجزاء ولو حكمًا؛ إذ ما لا جزء له لا يتوهم فيه عدم الشمول حتى يرفع بالتوكيد بها ، فلا يقال: جاء زيد كله ويقال : قبضت المال كله، وبعت العبد كله. اهـ "همع".

٣١٦

النحو

الثانية: قال ابن هشام في "تذكرته " : إذا اجتمعت ألفاظ التوكيد بدأت بالنفس فالعين فكل فأجمع فأكتع فأبصع فأبتع، وأنت مخير بين أبتع وأبصع فأيهما شئت قدمته فإن خدمت النفس أتيت بما بعدها مرتبا، أو العين فكذلك، أو كلا فكذلك. انتهى من "الأشباه".

الثالثة: قال ابن النحاس: هل يجوز أن يقع كل واحد من أكتع وأبصع

وأبتع تأكيدًا بمفرده؟ فيه ثلاثة مذاهب :

أحدها: نعم، وهو مذهب الكوفيين.

والثاني: لا ، بل تكون بعد أجمع تابعا بالترتيب، وهو مذهب الجمهور. والثالث: جوز أن يتقدم بعضها على بعض بشرط تقديم أجمع قبلهن. قال: وهذا الخلاف مبني على أنه هل لكل واحد منهن معنى في نفسه أم لا؟ فإن قيل: لا معنى لها إلا الاتباع فلا بد من تقدم أجمع، وإن قيل بأن لها معاني، جاز أن تستعمل بأنفسها. انتهى كلامه من "الأشباه". الرابعة: اختلف في توكيد محذوف فأجازه الخليل وسيبويه والمازني وابنا طاهر وخروف، ومنعه الأخفش والفارسي وثعلب وابنا جني ومالك، وصححه أبو حَيَّان؛ لأن التوكيد بابه الإطناب والحذف للاختصار فتدافعا؛ ولأنه لا دليل على المحذوف.

الخامسة خالف التوكيد النعت في أنه ألفاظ مخصوصة ووجوب ترتيبها إذا اجتمعت، وأنه لا يجري على النكرة على رأي الجمهور، ولا على محذوف على الأصح، ولا على توكيد، ولا يعطف بعض ألفاظه على بعض، وفي أنه لا

تشييد المباني

۳۱۷

يقطع لا إلى رفع ولا إلى نصب، أفاده في "الهمع".

باب البدل

ثم قال المصنف رحمه الله : (باب) البدل) والتعبير به اصطلاح البصريين. والكوفيون - قال الأخفش يسمونه بالتبيين، كذا نقله في "الهمع"، وقال الأزهري نقلا عنه أيضًا : والترجمة . اهـ وقال ابن كيسان: التكرير. وهو لغة:

العوض قال الله تعالى : عَسَى رَبِّنَا أَن يُبْدِ لَنَا خَيْرًا مِنْهَا ﴾ [القلم: ٣٢].

وفي الاصطلاح تابع مقصود بالحكم بلا واسطة فخرج بالمقصود ما عدا النسق، وبلا واسطة النسق، وهو تابع للمبدل منه في رفعه ونصبه وخفضه وجزمه، وهذا معنى قوله: (إذا أبدل اسم من اسم، أو فعل من فعل تبعه في جميع إعرابه ، وهو) أي البدل (أربعة أقسام: بدل الشيء من الشيء، وبدل البعض من الكل، وبدل الاشتمال، وبدل الغلط).

والكلام هنا في ثلاثة مسائل

الأولى: اعلم أن البدل أقسام أربعة :

الأول: بدل كل من كل بأن اتحدا معنى، نحو: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )

صِراطَ الَّذِينَ ﴾ [الفاتحة: ٦-٧].

الثاني: بدل بعض من كل إن دل على بعض ما دل عليه الأول، نحو: مررت بقومك ناس منهم.

والثالث: بدل اشتمال، إن دل على معنى في الأول أو استلزامه فيه، نحو: عجبت من زيد علمه أو قراءته، وقوله تعالى: يَسْتَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ

۳۱۸

النحو

فيه ﴾ [البقرة: ٢١٧].

وشرط بدل البعض والاشتمال صحة الاستغناء بالمبدل منه وعدم اختلال الكلام لو حذف البدل، فلا يجوز قطعت زيدًا أنفه، ولا لقيت كل أصحابك أكثرهم، ولا: أسرجت القوم دابتهم.

(فائدة): رجع السهيلي بدل البعض والاشتمال إلى بدل الكل قال: لأن العرب تتكلم بالعام وتريد به الخاص وتحذف المضاف وتنويه، فإذا قالوا: أكلت الرغيف ثلثه وأعجبني زيد ،علمه، فالمعنى أكلت بعض الرغيف، وأعجبني

وصف زيد، ثم أبدل من البعض والوصف، ثم حذفا للدليل عليهما. والرابع البدل المباين للمبدل منه، وهو أقسام لأنه لا بد أن يكون مقصودا، ثم الأول إن لم يكن مقصودا البتة بل سبق إليه اللسان فهو بدل الغلط، وهذا القسم أثبته سيبويه وغيره، وإن كان الأول مقصودًا فإن تبين بعد ذكره فساد قصده فهو بدل نسيان وهذان النوعان جائزان قياسًا ولم يرد بهما سماع، وإن كان قصد كل واحد منهما صحيحًا، فهو بدل إضراب، ويسمى بدل بداء، وهذا يثبته سيبويه وغيره كابن مالك.

(فائدة): أنكر جماعة بدل النداء والغلط، وقالوا في الأول : إنه مما حذف فيه حرف العطف، وفي الثاني: إنه لم يوجد، قال المبرد - على سعة حفظه : بدل الغلط لا يكون مثله في كلام الله ، ولا في شعر، ولا في كلام مستقيم. أفاده في

"الهمع". المسألة الثانية: قول المصنف: إذا أبدل اسم من اسم) يبدل المضمر من الظاهر، نحو: رأيت زيدًا إياه، والمفرد من غيره وبالعكس كقوله تعالى: إلى صراط

تشييد المباني

۳۱۹

مستقيم ﴾ [البقرة: ١٤٢] والظاهر من المضمر مطلقا إن كان الضمير لغائب نحو:

وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [الأنبياء: ٣] وكذا إن كان الحاضر نحو: تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا ﴾ [المائدة: ١١٤] وقول الشاعر:

أوعدني بالسجن والأداهِم رِجلي فرجلي شَـنَةُ المناســم

مالك

ولا يبدل المضمر من المضمر ولا المضمر من الظاهر عند ابني وهشام، وتبدل المعرفة من المعرفة والنكرة من المعرفة وبالعكس نحو: الصراط المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ ﴾ [الفاتحة: ٦ - ٧]، لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَة [العلق: ١٥]، إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ ﴾ [الشورى: ٥٢ - ٥٣].

وتبدل الجملة من الجملة نحو: أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (3) أَمَدَّكُم بِأَنْعَمْ وَبَنِينَ ﴾ [الشعراء: ۱۳۲ - ۱۳۳] وقد تبدل من المفرد عند ابن جني وابن مالك كقول

الفرزدق

إلى الله أشكو بالمدينة حاجة وبالشام أخرى كيف يلتقيان

فكيف يلتقيان بدل من حاجة أخرى، وهما مفردان.

قوله: (أو فعل من فعل) يبدل كذلك عند الشاطبي إذا أفاد زيادة بيان للأول، فبدل الكل نحو: وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَنَا مَا يُضَعَفُ [الفرقان: ٦٨ - ٦٩]، وبدل البعض نحو: «إنّ تُصل تسجد الله يرحمك»، وبدل الاشتمال

كقوله:

إنَّ على الله أن تُبايِــــــــا تؤخذ كرها أو تجيءَ طائعا

۳۲۰

النحو

وبدل الإضراب والغلط نحو: إن تطعم زيدا تكسه أكرمك . اهـ كلامه مختصرا من "التصريح".

وقوله: (بدلُ الشيء من الشيء) عبارة عن بدل كل، وسماه ابن مالك بدلا مطابقا وذلك لوقوعه في اسم الله تعالى نحو: إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ()

ا

الله } [إبراهيم: ۱ - ۲] بجر الجلالة فلا يقال فيه: بدل كل؛ لأنه لا يقال إلا فيما يقبل التجزي وهو ممتنع في الآية. وقوله: (وبدل البعض من الكل) قال أبو حاتم: قلت للأصمعي: رأيت في كلام ابن المقفع العلم كثير ولكن أخذ البعض خير من ترك الكل، فأنكره أشد الإنكار وقال: «كل)، وبعض معرفتان فلا تدخلها الألف واللام لأنهما في نية الإضافة. اهـ وقال الأزهري: «أجاز النحويون إدخال أل» على «بعض، وكل» إلا الأصمعي».اهـ، "مصباح"

وفي "القاموس" ما نصه: «بعض لا تدخله اللام خلافا لابن درستویه قال أبو حاتم: استعملها سيبويه والأخفش في كتابيهما لقلة علمها بهذا النحو. واستعملها الزجاجي في جمله واعتذر عنه بأنه تسامح فيه موافقة للناس». اهـ

بلفظه .

وفيه أيضًا ما نصه: يقال: كل وبعض معرفتان لم يجيء عن العرب

بالألف واللام وهو جائز» . اهـ

وفي "المختار": كل وبعض معرفتان ولم يجيء عن العرب بالألف واللام

تشييد المباني وهو جائز لأن فيهما معنى الإضافة أضفت أو لم تضف».اهـ

۳۲۱

فلا اعتراض حينئذ على المصنف لما تلخص من جواز استعمالهما بـ«أل». (تنبيه) : لا بد في بدل البعض من اتصاله بضمير يرجع إلى المبدل منه فإن وجد فذاك وإلا يقدر.

وقوله: (وبدل الاشتمال واختلف في المشتمل فقال الرماني والفارسي وخطاب هو الأول، واختاره في "التسهيل" وقال أبو علي في "الحجة" والرماني أيضًا: الثاني، وقال المبرد والسيرافي وابن جني وابن الباذش وابن الأبرش وابن أبي العافية وابن ملكون هو العامل بمعنى أن الفعل يستدعيها أحدهما على سبيل الحقيقة والقصد، والثاني على سبيل المجاز والتبع.اهـ، وأمره في الرابط له بالمبدل منه كأمر بدل البعض.

قوله: ( وبدل الغلط) أي بدل عن اللفظ الذي هو غلط لا أن البدل نفسه

هو الغلط كما قد يتوهم من ظاهر اللفظ. انتهى من "التوضيح". (فائدة): قال أبو عمرو : «الغلط في القول والغلت في الحساب» . اهـ وفي "المختار": غلط في الأمر من باب طرب وأغلطه غيره، والعرب تقول: غلط في منطقته وغلت في الحساب وبعضهم يجعلهما لغتين بمعنى .اهـ وفي "القاموس": « الغلط محركة أن تعيا بالشيء فلا تعرف وجه الصواب فيه، وقد غلط كفرح - في الحساب وغيره أو خاص بالمنطق، وغلت بالتاء في الحساب، والتغليط أن تقول له: غلطت . اهـ

قال المؤلف: «نحو قولك: قام زيد أخوك ، وأكلتُ الرغيف ثلثه ونفعني

۳۲۲

النحو

زيد علمه لا يشترط في البدل البعض أن يكون أقل من النصف كما يوهمه مثال المصنف، بل يكون أقل كذا وأكثر؛ كأكلت الرغيف ثلثيه، ومساويا كأكلت الرغيف نصفه، وذهب الكسائي وهشام إلى أن بدل البعض لا يقع إلا

على ما دون النصف.

قال المؤلف: ورأيت زيدًا الفرسَ أردتَ أن تقول: الفرس، فغلطت وأبدلت زيدًا منه ظاهره أن الفرس مبدل منه وليس كذلك فإن الفرس هو البدل من زيد، وإنما ذكر زيد غلطا، وتوضيح ا المسألة أنك أردت أن تقول:

رأيت الفرس فسبقك لسانك إلى زيد، فرفعت الغلط وأبدلت منه بقولك

الفرس.

(تتمة): يجوز قطع البدل على إضمار مبتدأ فيها فصل به جمع أو عدد، كمررت برجل طويل وقصير وربعة وقوله عليه الصلاة والسلام: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله...» الحديث.

وكذا غير التفصيل يجوز فيه القطع نحو مررت بزيد أخوك، نص عليه سيبويه والأخفش، وقيل: يقبح في غير التفصيل ما لم يطل الكلام فيحسن

نحو: بِشَرِ من ذَلِكُمُ النَّارُ ﴾ [الحج: ٧٢]. أفاده في "الهمع".

المسألة الثالثة: اعلم أن البدل في نية إحلاله محل الأول لأنه المقصود كما تقدم والمبدل في نية الطرح، وعلى هذا مبني لفائدة المقررة وهي أن البدل على نية تكرار العامل، ثم رأيت في كتاب "الأشباه والنظائر" النحوية للجلال السيوطي ما نصه: قال الأعلم في "شرح الجمل": الدليل على أن البدل على

تشييد المباني

۳۲۳

نية تكرار العامل ثلاثة أدلة شرعي، ولغوي، وقياسي، فالشرعي قوله تعالى: اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْلُكُمْ ﴾ [يس: ۲٠ - ۲۱] الآية، قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ ﴾

[الأعراف: ٧٥]، واللغوي قول الشاعر:

إذا ما مات ميت من تميم فسرك أن يعيش فجيء بزادِ بخبز أو بتمر أو بسَمْنٍ أو الشـ أو الشـــيء الملفــف في البجـــادِ والقياسي: يا أخانا ،زيد لو كان في غير نية النداء لقال: يا أخانا زيدا.اهـ

بلفظه .

قلت: وكثير ما كنت أسمع هذه القاعدة من الطلبة ولا أعرف لها دليلا

حتى وجدته والله الحمد.

ولما فرغ من العمد وتوابعها شرع يتكلم في الفضلات وتوابعها فقال:

باب منصوباتِ الأسماء)

قال المؤلف: (المنصوبات خمسة عشر ) بعد الظرفي واحدا، وخبر كان

وأخواتها واسم إن وأخواتها واحدا، وعد التوابع أربعة. قاله أبو النجا. (فائدة): قوله: «خمسة عشر في محل رفع على الخبرية وهو مبني على الفتح في الجزأين الصدر والعجز؛ لأن الأعداد المركبة كلها تبنى نحو أحد عشر وثلاث عشر، ويستثني من ذلك اثنا عشر ، واثنتا عشرة، فإن صدرهما يعرب بالألف رفعا وبالياء جرًا ونصباً كالمثنى وأما عجزهما فيبنى على الفتح.

٣٢٤

النحو

والمنصوبات» جمع منصوب والنصب لغة الإقامة والعلامة والرفعة، واصطلاحًا إعراب الكلمة بالفتح لأنه استعلاء ويكون في الأفعال وقد تقدم وفي الأسماء وهو المراد هنا.

قال المؤلف: «وهي: المفعول به، والمصدر، وظرف الزمان، وظرف المكان، والحال، والتمييز، والمستثنى واسم لا، والمنادى، وخبر كان وأخواتها، واسم إن وأخواتها، والمفعول من أجله، والمفعول معه، والتابع للمنصوب وهو أربعة أشياء: النعتُ والعطف، والتوكيد، والبدلُ) وقال الأزهري: الخامس عشر خبر ما الحجازية»، وقد أخل بذكره. اهـ

تشييد المباني

باب المفعول به

٣٢٥

قال المصنف: (باب المفعول به «أل» في المفعول موصولة بدليل عود

الضمير من به عليها.

(فوائد)

الأولى: حدَّ ابن الحاجب المفعول به بأنه ما وقع عليه فعل الفاعل، والمراد بالوقوع التعلق المعنوي لا المباشرة ليدخل نحو أردت السفر، وما ضربت زيدا، وخرج بقولنا : ما وقع عليه المفعول المطلق؛ فإنه نفس الفعل الواقع، والظرف؛ فإن الفعل يقع فيه، والمفعول له؛ فإن الفعل يقع لأجله، والمفعول

معه؛ فإن الفعل يقع معه لا عليه، قاله في "شرح الشذور. الثانية: اختلف في ناصب المفعول به فقال البصريون: الفعل أو شبهه، وقال هشام من الكوفيين الفاعل، وقال الفراء الفعل والفاعل معا، وقال خلف: معنى المفعولية.

الثالثة: مذهب البصريين أن المفاعيل خمسة : مفعول مطلق، ومفعول به وله، وفيه، ومعه وزعم الكوفيون فيما نقله أبو حَيَّان في "شرح التسهيل" عنهم أن الفعل إنما له مفعول واحد وهو المفعول به وباقيها ليس شيء منها مفعولاً وإنما شبه بالمفعول، وزعم الزجاجي أنها أربعة فنقص المفعول معه وجعله مفعولا به وزعم الكوفيون فيما نقله ابن هشام عنهم أنها أربعة فأزالوا المفعول به وجعلوه من باب المفعول المطلق، وزاد السيرافي سادسًا وهو المفعول منه نحو: وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا ﴾ [الأعراف: 100] لأن المعنى: «من قومه»، وسمى الجوهري المستثنى مفعولاً دونه. انتهى من

٣٢٦

النحو

"الجمع" و "شرح القطر" بالمعنى.

وبدأ المصنف من المفاعيل بالمفعول به كما فعل الفارسي وجماعة؛ منهم ابن عصفور وابن مالك؛ لا بالمفعول المطلق كما فعل ابن الحاجب، ووجه ما اختاره المصنف أن المفعول به أحوج إلى الإعراب لأنه الذي يقع بينه وبين الفاعل الالتباس، ولأنه جرى في اصطلاحهم على أنه إذا قيل: «مفعول» وأطلق لم يرد إلا المفعول به؛ ولما كان أكثر المفاعيل دورًا في الكلام خفضوا اسمه وإن كان حق ذلك أن لا يصدق إلا على المفعول المطلق، ولكنهم لا يطلقون على ذلك اسم المفعول إلا مقيدا بقيد الإطلاق. أفاده ابن هشام بالمعنى. ثم قال المصنف : (وهو) أي: المفعول (الاسم) فلا يكون فعلا ولا حرفًا (المنصوب) وسمع رفعه ونصب الفاعل ورفعهما ونصبهما، وقد تقدم شاهد ذلك (الذي يقعُ به (الفعل) أي عليه الفعل فالباء بمعنى على (نحو: ضربت زيدا، وركبت الفرسَ فزيدًا والفرس واقع عليهما الفعل وقوعًا حسيّا، وقد يكون الوقوع معنويا نحو طالعت الكتاب ومن ثم يسمى الفعل متعديًا وواقعا وله علامتان: إحداهما : أن يصح أن تتصل به هاء غير ضمير المصدر على وجه لا يكون

خبرا.

والثانية: أن يصح أن يبنى منه اسم مفعول تام وذلك كـ«ضرب»، ألا ترى أنك تقول: زيد ضربه عمرو، فتصل به هاء ضمير غير المصدر وهو زيد

وتقول: هو مضروب والفرس مركوب، فيكونان تامين

(فائدة): ينصب المفعول به واحدا من أربعة : الفعل المتعدي كما تقدم ووصفه

تشييد المباني

۳۲۷

نحو: إِنَّ اللَّهَ بَلغ أَمْرِهِ ﴾ [الطلاق: ٣] ومصدره نحو: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ

[البقرة: ٢٥١] واسم فعله نحو: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ [المائدة: ١٠٥] أفاده في "شرح

الشذور".

(وهو) أي: المفعول بحسب الإظهار والإضمار (على قسمين: ظاهر ومضمر، فالظاهر ما تقدم ذكره في الأمثلة السابقة، والمضمر قسمان: متصل ومنفصل، فالمتصل) تقدم تعريفه وهو (اثنا عشر) ضميرًا (نحو قولك) وهي بحسب التكلم والحضور والغيبة ثلاثة أقسام للمتكلم وحده منها (ضربني)، وله معظما أو مشاركًا ضَرَبْنَا (و) للمخاطب المذكر (ضرَبَكَ) بفتح الكاف (و) المؤنثة (ضربَكِ ) بكسرها (و) للمثنى مطلقًا (ضربكما) (و) للجمع المذكر (ضربكم و) المؤنث (ضربكنَّ (و) للمفرد الغائب (ضربه و) الغائبة (ضرَبَها و) للمثنى مطلقا (ضربها) و( للجمع المذكر (ضربهم و) المؤنث (ضربهنَّ. والمنفصل اثنا عشر أيضا ( نحو قولك) تختص بمحل النصب لا تتجاوز غيره

نحو: (إيات) للمتكلم وحده (و) فرعها (إيَّانا ) فقط (وإيَّاك) بفتح الكاف للمخاطب (و) فروعها أربعة (إياك) بكسر الكاف (وإياكما وإياكم وإياكن و)

للمفرد الغائب (إياه و) فروعها أربعة أيضًا إياها وإياهما وإياهم وإياهن). (تتمة): المختار أن الضمير نفس «إيا» فقط، وأن اللواحق لها حروف تكلم وخطاب وغيبة وهو مذهب سيبويه والفارسي، وعزاه صاحب "البديع" إلى

الأخفش، قال أبو حَيَّان وهو الذي صححه أصحابنا وشيوخنا.

واستشكل بأن الضمير ما دل على متكلم أو مخاطب أو غائب، و«إيا» على حدتها لا تدل على ذلك.

۳۲۸

النحو

وأجيب بأنها وضعت مشتركة بين المعاني الثلاثة فعند الاحتياج إلى التمييز أردفت بحروف تدل على المعنى المراد.

وذهب بعض البصريين وجمع من الكوفيين واختاره أبو حَيَّان أن اللواحق هي الضمائر، وذهب الخليل والمازني واختاره ابن مالك أن «إيا» ضمير مضاف إلى ما بعده وأن ما بعده ضمير أيضًا.

وذهب الزجاج إلى أن «إيا ) اسم ظاهر لا ضمير واللواحق له ضمائر

أضيف «إيا» إليها فهي في محل خفض بالإضافة.

وذهب الكوفيون إلى أن مجموع يا ) ولواحقها هو الضمير، وقال ابن درستويه : إنه بين الظاهر والمضمر وليست مشتقة من شيء، وذهب أبو عبيدة وغيره إلى أنها مشتقة، فقيل من الآية فتكون عينها باء، وفيها سبع لغات قريء بها تشديد الياء، وتخفيفها مع الهمزة وإبدالها هاء مكسورة ومفتوحة، فهذه امع

ثمانية تسقط منها فتح الهاء مع التشديد. أفاده في "الهمع".

(تكملة): إذا تعدد المفعول في غير باب ظن» و«أعلم» كباب «أعطى» و «اختار» فالأصل تقديم ما هو فاعل في المعنى، وما يتعدى إليه الفعل بنفسه على ما ليس كذلك، هذا مذهب الجمهور، وقيل: المفعولان في مرتبة واحدة بعد الفاعل فأيهما تقدم فذلك مكانه، وعليه هشام وبعض البصريين.

قال أبو حَيَّان وينبني على هذا الخلاف جواز تقديم المفعول الثاني إذا اتصل به ضمير يعود على الأول، نحو: أعطيت در همه زيدا، فعند الجمهور

يجوز، وعند غيرهم لا، بناء على ما ذكر . قاله في "الأشباه".

(خاتمة): يجوز حذف المفعول لغرض إما لفظي كتناسب الفواصل في

تشييد المباني

۳۲۹

نحو: مَاوَدَعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى: ٣] وكالإيجاز في نحو: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا ﴾ [البقرة: ٢٤] وإما معنوي كاحتقاره نحو: لو كتب الله لأفلين [المجادلة: ۲۱] أي: الكافرين، أو لاستهجانه، كقول عائشة رضي الله عنها: ما رأى مني ولا رأيت منه أي العورة، وقد يمتنع . حذفه كأن يكون محصورا فيه نحو: إنما ضربت زيدًا، أو جوابًا: كضربت زيدا، جوابًا لمن قال: من ضربت؟. انتهى من "التوضيح".

۳۳۰

النحو

باب المصدر

ثم قال المصنف: (باب المصدر): هذا هو الثاني من المفاعيل وهو المفعول مطلقا لأن يقع عليه اسم المفعول بلا قيد، بخلاف باقي

المطلق، وسمي المفاعيل فإنها مقيدة بـ فيه وبه وله ومعه»؛ ولهذه العلة قدمه ابن الحاجب في

الذكر على غيره لأنه المفعول حقيقة، قاله في "شرح الشذور ".

وقال السخاوي: قال النحويون أقوى تعدي الفعل إلى المصدر لأن الفعل

صيغ منه ، لذلك كان أحق باسم المفعول. انتهى من "الأشباه". المصدر أظهر في محل الإضمار إيضاحًا للمبتديء (وهو الاسم المنصوب ثالثا الذي يجيء في تصريف الفعل نحو قولك: ضرب يضرب ضربًا، وهو قسمان: لفظي، ومعنوي، فإن وافق لفظه لفظ فعله فهو لفظي، نحو قولك: قتلته قتلا. وإن وافق معنى فعله دون لفظه فهو معنوي نحو: جلست قعودًا، وقمت وقوفًا وما أشبه ذلك).

(تنبيه): حدَّ ابن هشام المفعول المطلق بأنه المصدر الفضلة المسلط عليه عامل من لفظه أو من معناه.اهـ، فخرج بقوله: «الفضلة» غيرها نحو: جلوسك جلوس؛ فجلوس وإن كان مصدرًا سلط عليه عامل من لفظه فليس

بفضلة لأنه خبر.

(تنبيهات):

التنبيه الأول: المصدر يفيد ثلاثة أمور:

الأول: التوكيد لعامله نحو: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: ١٦٤]. الثاني: بيان نوعه، نحو قوله تعالى: فَأَخَذْنَاهُمْ أَخَذَ عَزِيزِ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: ٤٢].

تشييد المباني

۳۳۱

الثالث: بيان عدده كقوله تعالى: فَذَكَنَارَكَةً وَاحِدَةً ﴾ [الحاقة: ١٤] ونحو قولك: ضربت ضربتين أو ضربات. اهـ

التنبيه الثاني: يُنصب المصدر بمثله نحو: فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً موفُورًا ﴾ [الإسراء: ٦٣] ونحو: أعجبني إيمانك تصديقا. وقول الجرمي: لا يعمل المصدر في المصدر، مردود بالآية ،وغيرها، وبما اشتق منه من فعل غير تعجبي ولا ناقص ولا ملغي عن العمل نحو: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ، وبوصف اسم فاعل أو مفعول أو للمبالغة نحو: وَالصَّفَاتِ صَفًّا ﴾ [الصافات: ١] ونحو: «الخبز مأكول أكلا، وزيد ضراب ضربا»، وإلى ناصب المفعول المطلق أشار ابن مالك بقوله: بمثله أو فعل أو وصف نصب.

الثالث: ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعولية المطلقة نحو: «كل، وبعض»، مضافين لمصدر :نحو فَلَا تَمِيلُوا كُلِّ الْمَيْلِ ﴾ [النساء: ١٢٩]، وَلَوْ نَقُولَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل } [الحاقة: ٤٤] وكذلك العدد نحو: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَنِينَ جلْدَة [النور: ٤] وأسماء الآلات نحو ضربته سوطا. وكذلك الصفة عند

بعضهم نحو: اشتمل الصَّاء، وجعلوا منه قوله تعالى: وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا [البقرة: ٣٥] كذا قال المعربون، وزعموا أن الأصل أكلا رغدًا، وأنه حذف الموصوف ونابت صفته منابه ومذهب سيبويه أن ذلك إنما هو حال من

مصدر الفعل المفهوم منه، والتقدير : فكلا حالة كون الأكل رغدًا، ويدل على ذلك أنهم يقولون سير عليه طويلا، فيقيمون الجار والمجرور مقام الفاعل، ولا يقولون: «طويل» بالرفع فدل على أنه حال لا مصدر، أفاده في "شرح

۳۳۲

النحو

القطر".

الرابع: المصدر المؤكد لا يثنى ولا يجمع اتفاقا لأنه بمنزلة تكرير الفعل،

اتفاقا.

فعومل معاملته في عدم التثنية والجمع والمصدر العددي يثنى ويجمع ا والنوعي فيه خلاف، قيل: يثنى ويجمع وعليه ابن مالك قياسًا على ما سمع منه كالعقول والألباب والحلوم والثاني: لا، وعليه السَّلوبِين قياسًا للأنواع على الآماد فإنها لا تثنى ولا تجمع، ونسبه أبو حَيَّان لظاهر كلام سيبويه. أفاده في

"الهمع". الخامس: لا يجوز أن تقع «أن» والفعل في موقع المصدر، لأن «أن» تخلص الفعل للاستقبال، والتأكيد إنما يكون بالمصدر المبهم، وأجاز الأخفش ذلك. السادس: يجوز لقرينة لفظية أو معنوية حذف عامل المصدر غير المؤكد ويجب حذفه في مواضع أشار لها ابن مالك:

والحذف حتم مع آتِ بَدَلا من فعله كندلّا اللَّدْ كَانُدُلا وما التفصيل كإمَّا مَنَّــا عامله يحذف حيثُ عَنَّــا كذا مكرر وذو حصر ورد نائب فعل لاسم عين استند ومنه ما يدعونه مؤكدا لنفسه أو غيره فالمبــــدا نحوله على ألف عُرفا و الثاني كابني أنتَ حِقًّا صِرْفَـا كذاك ذو التشبيه بعد جُمله ك: لي بُكَى بُكَاءَ ذاتِ عَضْله. اهـ السابع من المصدر ما هو علم للمعنى كـ سبحان» علم للتسبيح، و«برة» علم للمبرة، و«فجار» للفجرة، و يسار» للميسرة، يقال: برة برة، وفجر به

تشييد المباني

۳۳۳

فجرة، وهو معلق على الجنس.

الثامن: لا يجوز عمل الفعل في مصدرين عند الأخفش والمبرد وابن

السراج، وذهب السيرافي وابن طاهر إلى أنه يجوز أن ينصبهما وأن ينصب ثلاثة إذا اختلف معناها. أفاده في "الهمع".

التاسع : قوله: «فإن وافق لفظه لفظ فعله» وكان جاريًا عليه «فهو لفظي نحو: قتلته قتلا ونحو: وَمَابَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: ٢٣]. وهو منصوب بفعله عند الجمهور، ونفى صاحب "الإفصاح" فيه الخلاف، وقال ابن الطراوة: هو مفعول به بفعل مضمر لا يجوز إظهاره، والتقدير في «قعد قعودا» أفعل قعودًا. وقال السهيلي كذلك، إلا أنه قال: انصبه بمضمر من لفظ الفعل السابق

فإذا قيل: «قعد «قعودًا فهو عنده بـ «قعد آخر لا يجوز إظهاره. وإن كان من لفظه وهو غير جار عليه نحو: أَنْبَتَكَر مَنَ الْأَرْضِ نَبَانًا ﴾ [نوح: ١٧] ففيه مذاهب أحدها: أنه منصوب بذلك الفعل الظاهر، وعليه المازني.

والثاني: أنه منصوب بفعل ذلك المصدر الجار عليه مضمرا، والفعل

الظاهر دل عليه وعليه المبرد وابن خروف وعزاه لسيبويه.

والثالث: التفصيل، فإن كان معناه مغايرا لمعنى الفعل كالآية فنصبه بفعل مضمر والتقدير: فنبتم نباتا، وإن كان غير مغاير فنصبه بالظاهر كقوله: «وقد تَطَوَّيْتُ انطواءَ الحِضْبِ واختاره ابن عصفور. أفاده في "الهمع".

٣٣٤

النحو

قوله: «وإن وافق معنى فعله دون لفظه فهو معنوي وفيه أيضًا مذاهب أحدها: وعليه الجمهور، أنه منصوب بفعل مضمر من لفظه كقوله: السالك الثغرة اليقظان كالتها مشي الهلوكِ عليها الخَيْعَلُ الفُضُلُ

فـ مشي» منصوب بمضمر دل عليه السالك.

والثاني: أنه منصوب بالفعل الظاهر لأنه بمعناه فتعدى إليه كما لو كان من لفظه، وعليه المازني، واختاره المصنف كما هو الظاهر من تقسيمه؛ لأنه لو «مشى» على مذهب الجمهور لاقتصر على اللفظي لأن الثاني عندهم من باب المفعول به. والثالث: التفصيل، فإن أريد به التأكيد عمل فيه المضمر الذي من لفظه كقعدت جلوسًا، وقمت وقوفا، بناء على أنه من قبيل التأكيد اللفظي، فلا بد من اشتراكه مع . عامله في اللفظ؛ أو بيان النوع عمل فيه الظاهر لأنه بمعناه.

.

انتهى من "الهمع" بزيادة.

فائدتان

الفائدة الأولى: استعملوا العطاء مصدرًا بمعنى الإعطاء، والثواب مصدرًا

بمعنى الإثابة. قال الشاعر : وبعد عطائك المائة الرتاعا».

وقال تعالى: ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللهِ ﴾ [آل عمران: ١٩٥] وذلك مسموع لا يقاس عليه. أفاده في "الهمع".

الثانية: قال ابن هشام في "تذكرته " : ذكر ثعلب في "أماليه" أنه يقال: ناب هذا عن هذا نوبا، ولا يجوز ناب عنه نيابة، وهو غريب. انتهى من "الأشباه". (خاتمة): المصدر بينه وبين المفعول المطلق عموم وخصوص بإطلاق، فكل مفعول مطلق مصدر ولا عكس وقيل بينهما عموم وخصوص وجهي،

تشييد المباني

۳۳۵

يجتمعان في نحو ضربت ضربًا، ويتفرد المصدر في نحو يعجبني ذهابك، وينفرد المفعول المطلق في نحو ضربت سوطًا، وقال السيد: المفعول المطلق هو

الحاصل بالمصدر لا المصدر، وإطلاقه على المفعول المطلق بضرب من المسامحة وعدم التمييز بين التأثير والأثر.اهـ

وظاهر كلام ابن مالك في "الألفية" أنهما مترادفان

باب المفعول فيه

(باب المفعول فيه ) وهو (ظرف الزمانِ) وظرف المكان عند البصريين، قال المرادي: ولا يسوغ عند الكوفيين تسميته ظرفًا لأن العرب لم تسمه بذلك في موضع من المواضع، والكسائي وأصحابه يسمون الظروف صفات. اهـ والظرف لغة الوعاء وجمعه ظروف مثل : فلس فلوس، وفي الاصطلاح ما سلط عليه عامل على معنى من في اسم زمان أو مكان مبهم. قال المصنف (هو اسم الزمان) مطلقًا مختصا كان أو مبهما (المنصوب) باللفظ الدال على المعنى الواقع فيه، سواء كان ذلك اللفظ مذكورًا أو مقدرا (بتقدير) معنى (في) وهي الظرفية نحو اليوم) وأوله من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ ولهذا من فعل شيئًا بالنهار وأخبر به بعد غروب الشمس يقول: فعلته أمس لأنه فعله في النهار الماضي، واليوم مذكر وجمعه أيام، وتأنيث الجمع أكثر. ويوم أيوم، ويوم كفرح، ويوم شديد قال رؤبة : شيني الهم الهمام الهمم وليلــــة لــــيـلـى يـــــوم أيــــوم والعرب قد تطلق اليوم وتريد الوقت والحين نهارًا كان أو ليلا فتقول:

٣٣٦

النحو

ذخرتك لهذا اليوم، أي: لهذا الوقت الذي افتقرت فيه إليك، ولا يكادون يفرقون بين يومئذ وحينئذ وساعتئذ.

(فائدة): في "الأساس" ومن المجازي ذكر في أيام العرب كذا؛ أي: في

وقائعها وَذَكَرْهُم بِأَيَّمِ اللَّهِ ﴾ [إبراهيم: ٥] بدمادمه على الكفرة. قال المؤلف : (والليلة) وهي من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق أو الشمس، وتجمع على ليال ،وليائل والليل مثل الليلة، كما يقال: العشي والعشية، وليلة ليلاء وتقصر - طويلة شديدة، أو هي أشد ليالي الشهر ظلمة، وليل أليل كذلك قال : فأيَّمْتُ نِسْوانًا ويتمتُ إِلدَةً وعُدت كما أبدأتُ والليـل اليـل قال المؤلف : (وغُدوة) بالضم هي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس،

وجمعها غدى مثل مدية و مدى.

(فائدة): غدوة غير مصروف لأنها معرفة مثل سحر . اهـ "مختار". أي: إن

أريد بها غدوة يوم بعينه فهي ممنوعة من الصرف، وإلا فمصروفه. قال المؤلف: (وبكرة) بالضم الغدوة، وجمعها بكر مثل غرفة وغرف، وأبكار جمع الجمع مثل رطب وأرطاب، وهي كسحر، إن أريد بها يوم بعينه منعت من الصرف، وإلا صرفت.

(فائدة): في "الأساس": ومن المجاز: بكر بالصلاة» صلاها في أول وقتها، وابتكر الفاكهة أكل باكورتها، وابتكر الشيء» أخذ أوله، وابتكر الجارية» أفتضها.

قال المؤلف: (وسحرًا) بفتحتين قبيل الصبح، وبضمتين لغة، والجمع

تشييد المباني أسحار والسحور وزان رسول؛ ما يؤكل في ذلك الوقت.

۳۳۷

(فائدة): في "الأساس": ومن المجاز: «القيته سحرًا، وبالسحر، وفي أعلى السحر، وعلى أعلى السحرين»، وهما سحر مع الصبح وسحر قبله، كما يقال: الفجران الكاذب ،والصادق و استحروا خرجوا سحرًا، وتسحرت) أكلت السحور، وإنما سمي السحر استعارة لأنه وقت إدبار الليل وإقبال النهار فهو متنفس الصبح. قال المؤلف: (وغدًا) وهو اسم اليوم الذي يأتي بعد يومك على إثره، ثم توسعوا فيه حتى أطلق على البعيد المترقب، وأصله «غدو» مثل: فلس، ثم

حذفت اللام بلا عوض وجعلت الدال حرف إعراب، قال الشاعر:

لا تقلواها وادْلُواهــا دلــوا إِنَّ مَع اليــومِ أَخَـــاه غَدْوَا قال المؤلف: (وعتمة)؛ في "القاموس": العتمة محركة-: ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق، أو وقت صلاة العشاء الآخرة، وأعتم، وعتم سار فيها. وفي "المصباح" : عتمة الليل ظلام أوله عند سقوط نور الشفق، وأعتم: دخل في العتمة، مثل أصبح: دخل في الصباح.

(فائدة) : في "الأساس": ومن الاستعارة: «الليل العاتي» الشديد الظلمة. قال المؤلف: (وصباحًا)؛ في "القاموس : الصبح: الفجر أو أول النهار، جمعه أصباح وهو الصبيحة والصباح والإصباح والمصبح كمكرم، وأصبح: دخل فيه، بمعنى صار . اهـ وفي "المصباح" : قال ابن الجو اليقي: الصباح عند العرب من نصف الليل الآخر إلى الزوال، ثم المساء إلى آخر نصف الليل الأول. هكذا روى عن

۳۳۸

النحو

ثعلب» . اهـ

(فائدة): في "الأساس": ومن المجاز: هذا يوم الصباح، وأصبح يا رجل

انتبه من غفلتك، قال رؤبة :

بل أيها القائل قولا أقذَعَا أصبح فمَنْ نادى تميما أسْمَعَا

وقد أصبح القوم: إذا استيقظوا وذلك في جوف الليل.

(وأبدا)؛ في "القاموس": الأبد - محركة: الدهر، جمعه آباد وأبود، والدائم، والقديم الأزلي.اهـ، وفي "المصباح" : ويقال: الدهر الطويل؛ الذي ليس بمحدود، قال الرماني: فإذا قلت: لا أكلمه أبدًا، فالا بد من لدن تكلمت

إلى آخر عمرك. (فائدة): في "الأساس" ومن المجاز: فلان مولع بأوابد الكلام، وهي

غرائبه، وبأوابد الشعر وهي التي لا تشاكل جودة، قال الفرزدق: لن تُدركوا كرمي بلؤم أبيكم وأوابدي بتنحل الأشعار

(وأمدًا)؛ في "القاموس": الأمد - محركة - : الغاية والمنتهى.

قال المؤلف : (وحيناً)، في "القاموس": الحين بالكسر : الدهر، أو وقت مبهم يصلح لجميع الأزمان طال أو قصر، يكون سنة وأكثر، أو يختص بأربعين سنة، أو . سبع سنين، أو سنتين، أو ستة أشهر أو شهرين، أو كل غدوة وعشية، ويوم القيامة، والمدة، وقوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ﴾ [الصافات: ١٧٤] أي: حتى تنقضي المدة التي أمهلوها، جمعه أحيان وجمع الجمع أحايين، وَلَاتَ حِينَ منَاص [ص: ٣] أي: ليس حين.

تشييد المباني

۳۳۹

(فائدة): غلط كثير من العلماء فجعلوا حين» بمعنى حيث، والصواب أن «حيث» بالثاء المثلثة ظرف مكان، و«حين» بالنون ظرف زمان، يقال: قمت حيث قمت» أي في الموضع الذي قمت فيه، وأما حين بالنون يقال: قمت حين قمت»، أي في ذلك الوقت وضابطه أن كل موضع حسن فيه «أين، وأي اختص به حيث بالثاء، وكل موضع حسن فيه «إذا، ولما، ولم،

ووقت» وشبهه، اختص به «حين» بالنون. قاله أبو حاتم.

(وما أشبه ذلك) من أسماء الزمان المبهمة والمختصة، نحو: ضحى

وضحوة ووقت وساعة وزمان .

(تنبيه): هذه الأمثلة على أربعة أقسام:

منها ما هو ثابت التصرف والانصراف كـ«يوم وليلة، وحين، ومدة». ومنها ما هو منفي التصرف والانصراف كـ «سحر» إذا أريد به التعيين مجردًا من «أل» والإضافة والتصغير فلا ينوى لعدم انصرافه ولا يفارق الظرفية العدم تصرفه، والموافق له في عدم الانصراف والتصرف: «عشية» إذا قصد بها التعيين مجردة عن «أل والإضافة، عزا ذلك سيبويه إلى بعض العرب، وأكثر العرب يجعلونها عند ذلك متصرفة منصرفة.

ومنها ما هو ثابت التصرف منفي الانصراف، وهو «غدوة، وبكرة» إذا جعلا علمين فإنهما لا ينصر فان للعلمية والتأنيث، وينصر فان فيقال في الظرفية: لقيت زيدًا أمس غدوة أو بكرة، ويقال في عدم الظرفية: سهرت البارحة إلى غدوة وإلى بكرة، فلو لم يقصد العلمية تصرف وانصرف كقولك: ما من بكرة

٣٤٠

النحو

أفضل من بكرة يوم الجمعة، وكل غدوة يستحب فيها الاستغفار. ومنها ما هو ثابت الانصراف منفي التصرف وهو ما عين من «ضحى، وسحير، وبكر، ونهار وليل وعتمة، وعشاء، ومساء، وعشية» في الأشهر، فهذه إذا قصد بها التعيين بقيت على انصرافها وألزمت الظرفية فلم تتصرف. قاله ابن مالك في "شرح العمدة" مختصرا.

(فائدة): قال بعضهم: مأخذ التصرف والانصراف في الظروف هو السماع، حكاه الشَّلَوبِين في شرح الجزولية"، ونحوه لابن مالك.اهـ من

" الأشباه". قال المصنف : وظرفُ المكان هو اسم المكانِ) المبهم (المنصوب بتقدير في)

وذلك (نحو) الجهات الست هي: (أمام) : بالفتح مستقبل الشيء وهو مذكر ، وقد يؤنث على معنى الجهة قال

الزجاج: واختلفوا في تذكير «الأمام» وتأنيثه. انتهى بلفظه

(وخَلْف): وهي: ضد قدام.

(وقدام): خلاف وراء» وهي مؤنثة، وتصغر بالهاء فيقال: قديمية، قالوا: ولا يصغر رباعي بالهاء إلا قدام».

(ووراء): في "القاموس": ووراء مثلثة الآخر مبنية - يكون خلف أمام ضد، أو لأنه بمعنى وهو ما توارى عنك، ويكون بمعنى سوى» كقوله تعالى:

فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾ [المؤمنون: ٧] أي سوى ذلك.اهـ

(حكاية): رأيت في كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي: عن

تشييد المباني

٣٤١

عباد بن صهيب قال: قدمت الكوفة لأسمع من إسماعيل بن خالد، فمررت بشیخ جالس فقلت: يا شيخ كيف أمر إلى منزل إسماعيل؟ فقال: إلى ورائك، فرجعت خلفي، فقال: أقول لك وراءك، وترجع؟! فقلت: أليس ورائي خلفي؟ قال : لا ، ثم قال: حدثني عكرمة عن ابن عباس في قوله: ﴿ وَكَانَ وَرَاءَهُم ملك ﴾ [الكهف: ۷۹] أي: بين أيديهم قال: قلت: بالله من أنت؟ قال: جحا» . اهـ

قلت: جحا هذا هو الذي يزعمون أنه من أهل مدينة فاس وأن له بها مآثر، من ذلك دار سكناه الآن .

وهي عندهم حبس لا يسكن فيها إلا العميان

وقرب هذه الدار شارع يسمونه برياض جحا وليس كذلك؛ فإن جحا من أهل الكوفة وبها كان سكناه، وأدرك التابعين. ثم قال المصنف: (وفوق) في "القاموس : فوق نقيض تحت، يكون اسما وظرفًا مبنيا، فإذا أضيف أعرب، وقوله تعالى: بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ [البقرة:

٢٦] أي: في الصغر، وقيل: في الكبر . اهـ (وتحت): في "المصباح" : تحت نقيض فوق وهو ظرف مبهم لا يتبين معناه

إلا بإضافة. اهـ

قلت وكل ظرف مبهم من ظروف المكان كذلك؛ لا يتبين معناه إلا بالإضافة كما ذكره في "التوضيح". والأسفل، واليمين، والشمال، وذات اليمين، وذات الشمال، قال الله تعالى: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْنَكِ سَرِيًّا ﴾ [مريم: ٢٤]، وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾

٣٤٢

النحو

[الأنفال: ٤٢] ، وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ [الكهف: ١٧]، ﴿ وَكَانَ وَرَاءَ هُم مَلِكُ يَأْخُذُ ﴾ [الكهف: ٧٩]. ويلحق بأسماء الجهات ما أشبهها في شدة الإبهام والاحتياج إلى ما يبين

معناها (و) هي:

(عند): في "القاموس : عند - مثلثة الأول - : ظرف في المكان والزمان غير متمكن ويدخله من حروف الجر «من»، ويقال: عندي كذا، فيقال: ولك عند؟ استعمل غير ظرف ويراد به القلب والمعقول، وقد يغرى: عندك زيدا؛ أي: خذه ولا تقل مضى إلى عنده ولا إلى لدنه.اهـ، وفي "المغني": وقول العامة : ذهبت إلى عنده لحن.

(ولدى) وهي مرادفة لعند نحو: «لدى الحناجر» «لدا الباب». (ومع): وفي "القاموس": مع اسم، وقد يسكن وينون، أو حرف خفض، أو كلمة تضم الشيء إلى الشيء، وأصلها معا، أو هي للمصاحبة، وتكون بمعنى «عند» وتقول : كنا معا أي: جميعا. اهـ

وفي "المصباح": «مع ظرف على المختار بمعنى «لدى» لدخول التنوين. اهـ. (وإزاء): في "القاموس": الإزاء ككتاب : سبب العيش، أو ما سبب من رغده وفضله، وللحرب مقيمها، وللمال: سائسها، وهم ازاؤهم أقرانهم وازى على صنيعه إيزاء أفضل، وعن فلان هابه، والشيء: حاذاه وجاراه. اهـ وفي "المصباح": الإزاء هو الحذاء، وهو بإزائه أي محاذيه.اهـ

تشييد المباني

٣٤٣

(وحِذَاء): في "القاموس: الحذاء: الإزاء، ويقال: هو حذاءك، وحذوتك، وحذتك بكسرهن، وداري حذوة داره، وحذتها حذوها، بالفتح مرفوعًا ومنصوبا : إزاؤها . اهـ

(وتلقاء): بكسر التاء بمعنى تجاه بتثليث التاء كما في "القاموس".

(وثم) : بفتح المثلثة اسم يشار به إلى المكان البعيد وهو ظرف، فلذلك غلط من أعربه مفعولا لـ«رأيت» في قوله تعالى: وَإِذا رأيت ثم رايت ﴾ [الإنسان:

٢٠]. كما في "المغني".

(وهنا): اسم يشار به للمكان القريب.

(وما أشبه ذلك) من أسماء مقادير المساحات كالفرسخ والميل والبريد، ومما كان مصوعًا من مصدر عامله، كقولك: جلست مجلس زيد.

قال الله تعالى: وَأَنَا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَعِدَ لِلسَّمْعِ ﴾ [الجن: ٩].

ولو قلت: ذهبت مجلس زيد لم يصح؛ لاختلاف مصدر اسم المكان ومصدر عامله. أفاده في "شرح القطر".

(تنبيه) قال ابن مالك

وقد ينوب عن مكان مصدر وذاك في ظرف الزمان يكثرُ قال ابن عقيل في شرحه ينوب" المصدر عن ظرف المكان قليلا كقولك: جلست قرب «زيد أي مكان قرب زيد، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فنصب على الظرفية ولا ينقاس ذلك، ويكثر إقامة المصدر مقام ظرف الزمان، نحو: آتيك طلوع الشمس، والأصل وقت طلوع الشمس

٣٤٤

النحو

فحذف المضاف وأعرب المضاف إليه بإعرابه وهو مقيس في كل مصدر».

انتهى مختصرًا.

(مسائل):

المسألة الأولى: الظروف المبنية ثلاثة أقسام:

قسم زماني كـ «أمس، والآن، ومتى، وأيَّان، وقط المشددة، وإذ، وإذا المقتضية جوابًا».

ومكاني: كـ«الدى، وحيث، وأين، وهنا، وثم، وإذا المستقبلية». وقسم تجاذبه الزمان والمكان وذلك قبل وبعد». قاله ابن الشجري في

"أماليه". قلت: في «قط» خمس لغات بناؤها على الضم كـ«قبل وبعد»، وكسر الطاء على أصل التقاء الساكنين، واتباع القاف الطاء في الضم، وتخفيف الطاء مع ضمها وسكونها. وبنيت لشبه الحرف في إبهامه لوقوعها على كل ما تقدم من الزمان، وأما بقية الظروف فعلة بنائها معلومة لا حاجة إلى الإطالة بها. المسألة الثانية: اسم المكان ثلاثة أقسام:

قسم لا يستعمل ظرفًا وهو ما كان محدودًا نحو البيت والدار والبلد والحجاز والشام والعراق واليمن.

وقسم لا يستعمل إلا ظرفا نحو: «عند، ولدى، وسوى، وسواء، ودون». وقسم لا يلزم الظرفية وهو الجهات الست قاله السخاوي في "شرح

المفصل".

المسألة الثالثة: نزلت عند بابه على زيد جائز؛ لأن نسبة الظرف من

تشييد المباني

٣٤٥

المفعول كنسبة المفعول من الفاعل، فكما يصح ضرب غلامه زيد، كذلك يصح ما ذكرناه، قاله الفارسي في " التذكرة".

المسألة الرابعة كما أن الفعل اللازم لا يتعدى إلى مفعول به إلا بحرف الجر، كذلك لا يتعدى إلى ظرف من الأمكنة مخصوص إلا بحرف الجر، نحو: وقفت في الدار ، وقمت في المسجد. قاله ابن يعيش.

المسألة الخامسة: اعلم أن التصرف وعدمه في عبارة النحويين يقال على

ثلاثة معان:

فمرة يقال : متصرف وغير متصرف ویراد به اختلاف الأبنية لاختلاف الأزمنة، وهو المختص بالأفعال.

ومرة يقال ويراد به الظرف الذي يستعمل مفعولا فيه وغيره، وإذا أرادوا الظرف الذي لا يستعمل إلا منصوبا على أنه مفعول فيه خاصة، أو مخفوضًا م ذلك بـ «من» خاصة قالوا فيه: غير متصرف.

ومرة يقال : متصرف وغير متصرف ويراد به أنه ما يتصرف ذاته ومادته على أبنية مختلفة كضارب وقائم، وأما ما لا يكون كذلك كاسم الإشارة. قاله

الشلويين، والأعلم. (فائدة): ذكر الأندلسي أن الظروف التي لا تدخل عليها من حروف الجر

سوى «من» خمسة، وعدها.

قال السيوطي عقب سردها وقد نظمتها فقلت: من الظروفِ خمسة قد خُصَّصَتْ

بمن ولم يجرها سواها

٣٤٦

النحو

عند ومع وقبل بعد ولدى شرح الإمـام الـلــورقي حَوَاهَـا

ثم قال الأندلسي - شارح "المفصل" المشهور : هو الإمام علم اللورقي له ترجمة جيدة في "سير النبلاء" للذهبي.

الدين

(فائدة): الظروف كلها مذكرة إلا قدام ، ووراء» وهما شاذان. قاله ابن عصفور في "شرج الجمل".

(خاتمة): هل يتسع في الظرف مع كان وأخواتها»؟ هو مبني على الخلاف هل تعمل في الظرف أم لا؟ فإن قلنا: لا تعمل؛ فلا يتوسع، وإن قلنا: يجوز أن تعمل فيه؛ فالذي يقتضيه النظر أن لا يجوز التوسع فيه معها. قاله في

"الارتشاف".

التقطت هذه المسائل من "الأشباه والنظائر النحوية" للسيوطي، مع زيادة

من الله بها.

باب الحال

ثم قال المصنف رحمه : باب الحال) في "القاموس": «الحال كينَةُ الإنسان وما هو عليه كالحالة والوقت الذي أنت فيه، ويذكر . جمعه أحوال وأحولة».اهـ وقال في "التصريح : وألفها منقلبة عن واو لقولهم في جمعها: أحوال،

وفي تصغيرها حويلة، واشتقاقها من التحول وهو التنقل» . اهـ ولهم في حدها عبارات منها قول أبي القاسم الزجاجي: الحال كل اسم نكرة جاء بعد معرفة وقد تم الكلام دونه.

ومنها قول بعضهم: الحال كل اسم انتصب لفظا أو تقديرًا أو محلا على

تشييد المباني

٣٤٧

معني في بيانا للهيئة.

ومنها قول ابن هشام؛ وهو أحسنها : الحال عبارة عما اجتمع فيه شروط: أحدها: أن يكون وصفًا، والثاني: أن يكون فضلة، والثالث: أن يكون صالحا

للوقوع في جواب «كيف»، وذلك كقولك: ضربت اللص مكتوفًا. فإن قلت: يرد على ذلك الوصف نحو قوله تعالى: فَأَنفِرُوا نبات

[النساء: ۷۱]؛ «ثبات حال وليس بوصف.

وعلى ذكر الفضلة نحو قوله: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ﴾ [لقمان: ۱۸]؛ فإنه لو

أسقط «مَرَحًا » فسد المعنى، فيبطل كون الحال فضلة.

وعلى ذكر الوقوع في جواب «كيف نحو: وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: ٦٠].

قلت: ثبات في معنى متفرقين فهو وصف تقديرا، أو المراد بالفضلة ما يقع بعد تمام الجملة لا ما . يصح الاستغناء عنه، والحد المذكور للحال المبينة لا

للمؤكدة» . اهـ

قال المصنف: الحالُ) هو الاسم المنصوب المفسر لما انبهم من الهيئاتِ). قوله: «الاسم» يريد صريحا أو ما في تأويله من الجملة الواقعة حالا ماضوية كانت أو مضارعية أو اسمية أو ظرفًا وجارا مجرورًا فهي في جميع ذلك في محل نصب على الحال. وقوله: «المنصوب» هذه صفة لازمة له لأنه فضلة والنصب إعراب

الفضلات، والمصنف كثيرًا ما يدخل الأحكام في الحدود، وفيه مقال يطلب من

٣٤٨

النحو

محله.

واختلفوا من أي باب نصب الحال فقيل: نصب المفعول به، وقيل: نصب التشبيه بالمفعول به. قال السيوطي وهو الأرجح. وقيل: نصب الظروف لأن الحال يقع فيه الفعل؛ إذ المجيء مثلا في نحو: جاء زيد ضاحكًا، وقع في وقت

الضحك فأشبهت ظرف الزمان، ورد بأن الظرف أجنبي من الاسم. وقوله: «المفسر لما انبهم من الهيئات مخرج للتمييز فإنه مفسر لما انبهم من

الذوات.

(تنبيه) في "القاموس": «أبهم الأمر اشتبه كاستبهم». قال الشيخ مرتضى في شرحه عند قوله: استبهم: قال شيخنا - يعني العلامة الشيخ محمد بن الطيب الفاسي - : النحاة يقولون في باب الحال والتمييز : المفسر لما انبهم. ولم يسمع في كلام العرب بل الصواب استبهم، وتوقفت مدة لاشتهاره في جميع مصنفات النحو، ثم رأيت الراغب تعرض له ونقله عن شيخه أن انبهم غير مسموع وأن الصواب استبهم كما قلت . اهـ ثم زاد: «لأن انبهم انفعل وهو خاص بما فيه علاج وتأثير». اهـ

قلت: ونقل الراعي نحو هذا في شرحه لهذا الموضع عن شيخه العلامة أبي الحسن علي بن محمد بن سمعت الغرناطي الأندلسي، ولولا خوف الإطالة

لأتيت بكلامه.

و«الهيئات»: جمع هيئة، والهيئة بفتح الهاء وتكسر: حال الشيء وكيفيته،

ورجل هيئ وهيئ ككيس و ظریف حسنها، كذا في "القاموس".

تشييد المباني

٣٤٩

واعلم أنه يأتي الحال من الفاعل نصا (نحو) قولك: (جاء زيد راكبًا)، (و) من المفعول كذلك نحو ( ركبت) بكسر في العين وفتحها في المضارع (الفرس مسرجًا)، (و) محتملة لأن تكون منهما نحو لقيت عبد الله راكبًا)، ومنهما

جميعا نحو زيد لقيته راكبين (وما أشبه ذلك) من الأمثلة.

ومن إتيانها من المجرور بحرف :نحو مررت بهند جالسة، وفي تقديمها عليه فيقال: مررت جالسة بهند وعدمه ،خلاف، ذهب الجمهور إلى المنع، وذهب الفارسي وابنا كيسان وبرهان إلى جواز ذلك، وتابعهم ابن مالك لورود السماع به. (فرع): قال ابن مالك:

ولا تُجز حالا من المضاف لَهُ إِلَّا إِذا اقتضى المضافُ عَمَلَهُ أو كان جزء مـالـه أُضِيفا أو مثل جزئــــه فـــلا تحيــــفا فمثال المضاف إليه الذي يصح عمله: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ﴾ [يونس: ٤] ونحوه مما تضمن معنى الفعل كاسم الفاعل، ومثال ما هو جزء المضاف وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلّ إِخْوَانًا ﴾ [الحجر: ٤٧] ومثال ما هو كجزئه في صحة الاستغناء عنه: اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [النحل: ١٢٣]. قال المؤلف: ولا يكون الحال إلا نكرة) عند الجمهور، فإن ورد منها ما هو معرف لفظاً فهو منكر معنى كقولهم: «جاءوا الجماء الغفير»، و«أرسلَها العِرَاك » و «اجتهد وحدَك»، و«كلمتُه فَاهُ إلى فيَّ».

٣٥٠

النحو

فالجماء، والعراك، ووحدك، وفاه أحوال معرفة مؤولة بنكرة، والتقدير:

جاءوا جميعًا، وأرسلها معتركة، واجتهد منفردًا، وكلمته مشافهة. وزعم البغداديون ويونس أنه يجوز تعريف الحال مطلقا، وفصل الكوفيون

فقالوا: إن تضمنت الحال معنى الشرط صح تعريفها وإلا فلا. (مسألة): كثر مجيء الحال مصدرًا نكرة وهو خلاف الأصل؛ إذ حق الحال أن يكون وصفا، وهو ما دل على معنى وصاحبه كقائم وحسن ومضروب، والمصدر لا دلالة فيه على صاحب المعنى، فذلك مع كثرة وروده ليس بمقيس لأنه خلاف الأصل، فمنه طلع زيد بغتة ، فـ بغتة» مصدر نكرة وهو منصوب على الحال، والتقدير: طلع زيد ،باغتا، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وذهب الأخفش والمبرد إلى أنه منصوب على المصدرية والعامل فيه محذوف والتقدير: طلع زيد يبغت بغتة، فيبغت هو الحال، وذهب الكوفيون إلى أنه منصوب على المصدرية والناصب له الفعل المذكور وهو «طلع» لتأوله بفعل من لفظ المصدر. قاله ابن عقيل

قال المؤلف : (ولا يكون إلا بعد تمامِ الكلام) يعني بعد أخذ الفعل فاعله والمبتدأ خبره؛ لأنها فضلة كما تقدم. ويجوز تقديمها على صاحبها كالخبر، سواء كان مرفوعا كقوله:

فسَقَى ديارك غير مفسدها صوب الغمام وديمة تهمــي

أم منصوبا كقوله: «وصلت ولم أصرم مُسيئينَ أُسرتي».

أم مجرورًا بحرف زائد نحو ما جاءني عاقلا من أحد، أو أصلي نحو:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَةً لِلنَّاسِ ﴾ [سبأ: ۲۸] هذا هو الأصح.

تشييد المباني

٣٥١

أما المجرور بالإضافة فلا يجوز تقديم الحال عليه لئلا يفصل بين المتضايفين، وسواء كانت الإضافة محضة أم لا، قال ابن هشام في "الجامع": وهو الأصح. ويجوز أيضًا تقديم الحال على ناصبها إن كان فعلا متصرفًا، أو صفة تشبه الفعل المتصرف والمراد بها تضمن معنى الفعل وحروفه كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة نحو مخلصا زيد دعا، ومسرعًا ذا راحل، فإن كان الناصب لها فعلا غير متصرف أو صفة لا تشبه الفعل المتصرف لم تتقدم عليها، وذلك كفعل التعجب وأفعل التفضيل (ولا يكونُ صاحبها إلا معرفةً) وهو الأصل الغالب؛ لأنها لما كانت الحال خبرًا في المعنى وصاحبها مخبرا عنه أشبه المبتدأ؛ فلم يجز مجيء الحال من النكرة غالبا إلا بمسوغ من مسوغات الابتداء بها، واختار أبو حَيَّان مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ كثيرا قياسًا، ونقله عن سيبويه. (تتميم): قال ابن مالك:

وكونه مُنتَقِلَا مُشْتَقًا يَغلِبُ لكن ليسَ مُستَحَقًا ويكثر الجمود في سعر وفي مُبدِي تأوّل بلا تَكَلَّف

(فرع):

والحال قديجي ذا تَعَددِ المفرد فاعلم وغيرِ مُفْرَدِ وعامل الحال بها قد أكدا في نحو لا تَعْثَ فِي الأَرضِ مُفْسِدا

(تنبيهات):

الأول: تنقسم الحال باعتبارات، فتنقسم باعتبار انتقال معناها ولزومه إلى قسمين منتقلة - وهو الغالب وملازمة، وذلك واجب في ثلاث: الجامدة غير

٣٥٢

النحو

المؤولة بالمشتق نحو هذا مالك ذهبا، والمؤكدة نحو: ولى مديرًا ﴾ [النمل: ١٠]، و التي دل عاملها على تجدد صاحبها نحو: وَخُلِقَ الْإِنسَنُ ضَعِيفًا

[النساء: ٢٨].

وتنقسم بحسب قصدها لذاتها وللتوطئة بها إلى قسمين: مقصودة -وهو الغالب وموطئة وهي الجامدة الموصوفة نحو: فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا [مريم: ١٧] فإنما ذكر «بَشَرًا » لذكر «سَوِيًّا».

وتنقسم بحسب الزمان إلى ثلاثة مقارنة وهو الغالب- ومقدرة وهي المستقبلة نحو : فَادْخُلُوهَا خَلِدِينَ [الزمر: ٧٣]، ومحكية وهي الماضي نحو:

جاء زيد أمس راكبًا.

وتنقسم بحسب التبيين والتوكيد إلى قسمين مبينة وهو الغالب وتسمى مؤسسة، ومؤكدة وهي التي يستفاد معناها بدونها وهي ثلاثة مؤكدة لعاملها نحو : ولى مديرًا ﴾ [النمل: ١٠]، ومؤكدة لصاحبها نحو: جاء القوم طرًا، ومؤكدة لمضمون الجملة نحو زيد أبوه عطوفًا.

الثاني مما يشكل قولهم: جاء زيد والشمس طالعة، فإن الجملة الاسمية حال مع أنها لا تنحل إلى مفرد يبين هيئة فاعل ولا مفعول ولا هي مؤكدة، فقال ابن جني: تأويلها جاء زيد طالعة الشمس عند مجيئه، يعني فهي كحال والنعت السببين كمررت بالدار قائما سكانها، وبرجل قائم غلمانه، وقال ابن عمرون: هي مؤولة بمنكر أو نحو .

الثالث: الحال صفة في المعنى، ولذلك اشترط فيها ما يشترط في الصفات

٣٥٣

تشييد المباني من الاشتقاق، فكما أن الصفة يعمل فيها عامل الموصوف، فكذلك الحال يعمل فيها العامل في صاحبها، إلا أن عمله في الحال على سبيل الفضلة، وعمله في الصفة على سبيل الحاجة إليها إذا كانت مبينة للموصوف فجرت مجرى حرف التعريف، وهذا أحد الفروق بين الصفة والحال، وقد ضعف سيبويه: «مررت برجل أسد على أن يكون نعتا؛ لأن «أسدًا» اسم جنس جوهر، ولا يوصف بالجوهر، ولو قلت: «هذا خاتم حديد» لم يجز، وأجاز: «هذا زيد أسدَ شِدَّةٍ» على أن يكون حالا من غير قبح، واحتج بأن الحال مجراها مجرى الخبر، وقد يكون خبرًا ما لا يكون صفة، ألا تراك تقول: هذا مالك درهما، وهذا خاتمك حديدا، ولا يحسن أن يكون وصفًا، وفي الفرق بينها نظر؛ وذلك أنه ليس المراد من السبع شخصه، وإنما المراد أنه في الشدة مثله، والصفة والحال في ذلك سواء، وليس

كذلك الحديد والدرهم؛ فإن المراد جوهر هما. قاله ابن يعيش.

(فوائد)

الأولى: كل ما جاز أن يكون حالا جاز أن يكون صفة للنكرة، وليس كل ما يجوز صفة للنكرة يجوز أن يكون حالا؛ ألا ترى أن الفعل المستقبل يكون صفة للنكرة نحو: هذا رجل سيكتب، ولا يجوز أن يقع حا

حالا.

الثانية: جميع العوامل اللفظية تعمل في الحال إلا «كان وأخواتها»، وعسى» على الأصح فيهما.

الثالث: الحال شبيهة بالظرف قال ابن كيسان: ولذا أغنت عن الخبر في:

ضربت زيدا قائما. اهـ التقطت ذلك من "الأشباه".

(خاتمة): قال ابن هشام أكثر ما يرد حذف الحال إذا كان قولا أغنى عنه

٣٥٤

النحو

المقول نحو : والْمَلَيْكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابِ ( سَلَامُ عَلَيْكُم ﴾ [الرعد: ۲۳ - ٢٤] أي: قائلين ذلك، ومثله: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَعِيلُ رَبَّنَا تقبل منا ﴾ [البقرة: ۱۲۷] ويحتمل أن الواو للحال، وأن القول المحذوف خبر، أي: وإسماعيل يقول؛ كما أن القول حذف خبرًا للموصول في وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِبُونَا } [الزمر: 3] ويحتمل أن الخبر هنا : إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الزمر: ۳] فالقول المحذوف نصب على الحال، أو رفع خبرا، أو لا موضع له لأنه بدل من الصلة هذا إذا إن كان «الذين» للكفار والعائد الواو، فإن كان للمعبودين عيسى والملائكة والأصنام والعائد محذوف، أي: اتخذوهم، فالجزاء أن الله يحكم بينهم، وجملة القول حال أو بدل . اهـ ثم قال المصنف:

تشييد المباني

٣٥٥

باب التمييز)

في "القاموس": «مازه يميزه ميزا: عزله وفرزه، کامازه و میزه فامتاز وانماز

وتميز واستماز، والشيء: فصل بعضه على بعض".اهـ.

قال السيوطي: ويقال له المعين والتبيين والمبين والتفسير والمفسر.

وفي الاصطلاح قال المصنف: (التمييز هو الاسم المنصوب المفسِّر لما انبهم من الذُّواتِ) ومن النسب. وقال ابن هشام التمييز اسم نكرة فضلة يرفع إبهام

اسم أو إجمال نسبة.

فالأول أربعة أقسام:

أحدها: أن يقع بعد العدد وهو :قسمان صريح وكناية، فالصريح الأحد

عشر فما فوقها إلى المائة، نحو قول الله تعالى: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبَا [يوسف: 4]، وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَى عَشَرَ نَقِيبًا ﴾ [المائدة: ۱۲]، وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَهَا بِعَشْرِ فَتَمَّ مِيقَتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾ [الأعراف: ١٤٢] فليثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةِ إِلا خمسين عاما ﴾ [العنكبوت: ١٤]، فَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ ستين مسكينا ﴾ [المجادلة: ٤]، ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا ﴾ [الحاقة: ۳۲]، فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَنِينَ جَلْدَةً ﴾ [النور: ٤] إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ يَسْعُ وَتَسْعُونَ نَعْجَةً ﴾ [ ص: ٢٣].

والكناية : هي (كم) الاستفهامية نحو كم عبدا ملكت، فـ«كم» مفعول مقدم و «عبدا» تمييز واجب النصب والإفراد وزعم الكوفية أنه يجوز جمعه، وهذا لم يسمع ولا قياس يقتضيه، ويجوز جر تمييز «كم الاستفهامية» بشرطين: دخول حرف الجر عليها، وأن يكون تمييزها إلى جانبها، والجر حينئذ عند

٣٥٦

النحو

الجمهور النحاة بـ«من» مضمرة، وزعم الزجاج: أنه بالإضافة.

والثاني: أن يقع بعد المقادير وهي ثلاثة ما يدل على الوزن كقولك: منوان :

سمنا، والمنوان: تثنية «منا» وهو لغة في المن، وما يدل على مساحة كقولك: شبر

أرضًا، وما يدل على الكيل كقولهم: صاع تمرا.

القسم الثالث: أن يقع بعد شبه هذه الأشياء ولذلك أمثلة:

أحدها: قوله تعالى: مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا ﴾ [الزلزلة: ٧] فهذا يعد شبه الوزن؛ لأن مثقال الذرة ليس اسما لشيء يوزن به في عرفنا.

الثاني: قولهم: عندي نحي سمنا، والنحي بكسر النون وإسكان الحاء المهملة بعدها ياء خفيفة؛ اسم لوعاء السمن، وهذا يعد شبه الكيل لأن النحي ليس مما يكال به السمن

الثالث: قولهم على التمرة: مثلها زبدا، فـ«زبدا» واقع بعد «مثل» وهي شبيهة بالوزن.

القسم الرابع: أن يقع بعد ما هو متفرع منه ، كقولهم: هذا خاتم حديدا؛ وذلك لأن الحديد هو الأصل، والخاتم فرع منه.

والقسم الثاني من أقسام التمييز : هو المبين لجهة النسبة أربعة: أحدها: أن يكون محولا عن الفاعل كقول الله تعالى: فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ

مينه نفسا [النساء: ٤] وقوله تعالى: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا } [مريم: ٤] أصلهما: فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء منه، واشتعل شيب الرأس، فحول الإسناد فيهما عن المضاف وهي الأنفس» في الأولى و الشيب» في الثانية إلى المضاف

تشييد المباني

٣٥٧

إليه وهو ضمير النسوة» و«الرأس، وأفردت النفس بعد أن كانت مجموعة؛

لأن التمييز إنما يطلب فيه بيان الجنس وهو يتأدى بالمفرد.

الثاني: أن يكون محولا عن المفعول، كقوله تعالى: ﴿ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونَا [القمر: ١٢] التقدير: عيون الأرض.

الثالث: أن يكون محولا عن غيرهما كقوله تعالى: أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَا لا نام [الكهف: ٣٤] أصله مالي أكثر ، فحذف المضاف وهو المال وأقيم المضاف إليه وهو ضمير المتكلم مقامه فارتفع وانفصل، ثم جيء بالمحذوف تمييزا، ومثله: زيد أحسن وجها، والتقدير وجه زيد أحسن.

الرابع: أن يكون غير محول كقول العرب الله دره فارسا، وحسبك به ناصرا. انتهى كلام ابن هشام مختصرا

إذا تقرر هذا علمت أن قول المصنف : (نحو قولك: تَصبَّبَ زِيدٌ عَرَقًا، وتفقا) أي: تشقق كما في "المصباح" (بكر شحما، وطاب محمد نفسا) من القسم الثاني وهو تمييز النسبة محولا عن الفاعل والأصل تصبب عرق زيد، وتفقاً شحم بكر، وطابت نفس محمد (و) قوله : (اشتريتُ عشرين غلاما، وملكتُ تسعين نعجة) من القسم الأول وهو تمييز الذوات (و) قوله: (زيد أكرم منك أبا وأجمل منك وجها من الثاني فكان حقه أن يقدم على ذكر العدد (ولا يكونُ إلا نكرة عند البصريين، فأما قول رشيد اليشكري:

رأيتك لما أن عرفتَ وجوهَنَا صَدَدْتَ

وطبت النفس يــا قــيـس عـــن عمــرو

٣٥٨

النحو

فمحمول على زيادة «أل» للضرورة، وخالف الكوفيون وابن الطراوة فأجازا تعريف التمييز تمسكًا بنحو ما أوله البصريون (ولا يكون إلا بعد تمام الكلام) في "الأشباه": قال ابن النحاس في "التعليقة": أجاز المازني والمبرد والكوفيون تقديم التمييز على الفعل قياسًا على الحال، ومنعه أكثر البصريين، والقياس لا يتجه؛ لأن الفرق بين الحال والتمييز ظاهر؛ لأن التمييز مفسر لذات المميز، والحال ليس بمفسر ، فلو قدمنا التمييز لكان المفسر قبل المفسر وهذا لا يجوز، وقال الأبذي في شرح الجزولية": التمييز مشبه للنعت فلم يتقدم، وإنما تقدمت الحال لأنها خبر في المعنى، ولتقديرها بـ«في» فأشبهت الظرف، وأيضًا فالحال لبيان الهيئة لا ببيان الذات ففارقت النعت.

وقال ابن يعيش في شرح المفصل": سيبويه لا يرى تقديم التمييز على عامله فعلا كان أو معنى أما إذا كان معنى فظاهر لضعفه، ولذلك يمتنع تقدم الحال على العامل المعنوي، وأما إذا كان فعلا متصرفًا فقضية الدليل جواز تقديم منصوبه عليه لتصرف عامله، إلا أنه منع من ذلك مانع وهو كون المنصوب فيه مرفوعا في المعنى من حيث كان الفعل مسندا إليه في المعنى والحقيقة، ألا ترى أن التصبب والتفقؤ في قولنا : «تصبب زيد عرقا، وتفقاً شحتما في الحقيقة للعرق والشحم والتقدير: تصبب عرق زيد وتفقاً شحمه، فلو قدمناهما موقعا لا يكون فيه الفاعل لأن الفاعل إذا قدمناه . يكون فاعلا، وكذلك إذا قدمناه لم يصح أن يكون في تقدير فاعل نقل عنه

خرج عن أن

الفعل؛ إذ كان هذا موضعا لا يقع فيه الفاعل فإن قيل: فإذا قلت: «جاء زيد راكبًا» جاز تقديم الحال وهو المرفوع في المعنى فما الفرق بينهما؟ قيل: نحن إذا

تشييد المباني

٣٥٩

قلنا: «جاء زيد راكبًا» فقد استوفى الفعل فاعله لفظا ومعنى، وبقي المنصوب فضلة فجاز تقديمه، وأما إذا قلنا : طاب زيد نفسا» فقد استوفى الفعل فاعله لفظا لا معنى، فلم يجز تقديمه كما لم يجز تقديم المرفوع. انتهى المراد منه بلفظها. قلت: وافق الجمهور سيبويه على ذلك، وما ورد من ذلك عندهم ضرورة

كما في "المغني". (تنبيهات):

التنبيه الأول: قال ابن الصائغ في "تذكرته": التمييز المنتصب عن تمام

الكلام يجوز أن يأتي بعد كل كلام منطو على شيء مبهم إلا في موضعين: أحدهما: أن يؤدي إلى تدافع الكلام نحو ضرب زيد رجلا، إذا جعلت رجلًا تمييزا لما انطوى عليه الكلام المتقدم من إبهام الفاعل، وذلك أن الكلام مبني على حذف العامل فذكره تفسيرًا آخره متدافع؛ لأن ما حذف لا يذكر، وقد ذهب إلى إجازته بعض النحويين.

والموضع الثاني: أن يؤدي إلى إخراج اللفظ عن أصل وضعه نحو قولك: ادهنت زيتا، لا يجوز انتصاب زيت على التمييز ؛ إذ الأصل: ادهنت بزيت، فلو نصب على التمييز لأدى إلى حذف حرف الجر والتزام التنكير في الاسم ونصبه بعد أن لم يكن كذلك، وكل ذلك إخراج اللفظ عن أصل وضعه، وتوقف فيما ورد من ذلك على السماع والذي ورد منه قولهم: امتلأ الإناء ماء، وتفقأ زيد شحا، والدليل على أن ذلك نصب على التمييز التزام التنكير ووجوب التأخير بإجماع. انتهى من "الأشباه". قلت: دعواه الإجماع على وجوب التأخير لا يصح، فقد تقدم أن في ذلك

٣٦٠

النحو

خلافا، اللهم إلا أن يحمل ذلك على الفعل الجامد فتصح دعوى الإجماع. التنبيه الثاني: قال ابن الطراوة الإبهام الذي يفسره التمييز إما في الجنس نحو عشرون رجلًا، أو البعض نحو أحسن الناس وجها، أو الحال نحو أحسنهم أدبا، أو السبب نحو: أحسنهم عبدا.

قال ابن هشام في "تذكرته: فهو كالبدل في أقسامه الثلاثة، والقسمان الأخيران نظيرهما بدل الاشتمال ، ويوضح الأول أن الإفراد في موضع الجمع،

فـ «رجل» في موضع «رجال»، فالعشرون نفس الرجال. انتهى من "الأشباه". التنبيه الثالث: قال ابن هشام: اعلم أن الحال والتمييز قد اجتمعا في خمسة أمور وافترقا في سبعة، فأما أوجه الاتفاق فإنهما اسمان نكرتان فضلتان منصوبتان رافعتان للإبهام، وأما أوجه الافتراق: فأحدها: أن الحال يكون جملة كجاء زيد يضحك، وظرفا نحو: رأيت

الهلال بين السحاب، وجارا ومجرورًا نحو: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ [القصص: ۷۹]، والتمييز لا يكون إلا اسما.

والثاني: أن الحال قد يتوقف معنى الكلام عليها كقوله تعالى: وَلَا تَمْشِ فِي

الأرض مرعًا ) [لقمان: ۱۸]، لَا تَقْرَبُوا الصَّلوةَ وَأَنتُمْ سُكَرَى } [النساء: ٤٣]

بخلاف التمييز.

والثالث: أن الحال مبينة للهيئات، والتمييز مبين للذوات.

والرابع: أن الحال يتعدد كقوله:

على إذا ما زرتُ ليلى بخُفية زيارة بيت الله رَجلَانَ حافيا

تشييد المباني

بخلاف التمييز.

٣٦١

والخامس: أن الحال تتقدم على عاملها إذا كان فعلا متصرفا أو وصفا يشبه

نحو: حُشَعًا أَبْصَرُهُمْ يَخْرُجُونَ ﴾ [القمر: ٧]، وقوله: «نَجَوْتِ وهذا تحملين طليق»، ولا يجوز ذلك في التمييز على الصحيح.

والسادس: أن حق الحال الاشتقاق وحق التمييز الجمود، وقد يتعاكسان. والسابع : أن الحال تكون مؤكدة لعاملها نحو: وَلَى مُديرًا ﴾ [القصص: ۳۱] ولا يقع التميز كذلك. اهـ

وأما ما جزم به في "شرح " القطر من التمييز يقع مؤكدًا واستشهد عليه بقوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ أَثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ﴾ [التوبة: ٣٦] فسبقه إلى ذلك ابن مالك، وبهذه الآية استشهد، والجمهور على خلافه، وأجيب بأن شهرًا وإن أكد ما فهم من أن عدة الشهور إلا أنه بالنسبة إلى عامله وهو «اثني عشر " مبين. التنبيه الرابع: يجوز حذف التمييز إذا قصد إبقاء الإبهام، أو كان في الكلام ما يدل عليه، ولا يجوز حذف المميز لأنه يزيل دلالة الإبهام إلا أن يوضع غيره موضعه، كقولهم: ما رأيت كاليوم رجلًا، وقد يحذف من غير بدل كقولهم: الله رجلا» أي: تالله ما رأيت كاليوم رجلا. أفاده في "الهمع".

التنبيه الخامس: قال في "الهمع ": مميز كذا لا يكون إلا مفردًا منصوبا قال الشاعر: «عدِ النفْسَ نُعمى بعد بؤساك ذاكرًا كذا وكذا لطفا به نُسِي الجهد» هذا مذهب البصريين ولا يجوز جره بـ من اتفاقا ولا بالإضافة خلافًا

٣٦٢

النحو

للكوفيين أجازوا في غير عطف ولا تكرار أن يقال: «كذا ثوب، وكذا أثواب» قياسًا على العدد الصريح ورد بأن المحكي لا يضاف وبأن في آخرها اسم إشارة واسم الإشارة لا يضاف وأجاز بعضهم: «كذا درهم بالجر على البدل، وجوز الكوفيون الرفع بعد كذا. قال أبو حَيَّان وهو خطأ لأنه لم يسمع، وجوز الجمع بعد الثلاثة إلى العشرة اهـ. ولا بن هشام في مسألة كذا» مؤلف حافل استدرك فيه على ما كتبه أبو حَيَّان فيها، وبين ما أجمله، وأورد ما أهمله وسماه : "فوح الشذا بمسألة «كذا»" راجعه تستفد، فإنه وإن كان صغير الجرم كبير العلم وبالله التوفيق والهداية. باب الاستثناء

ثم قال المصنف: (باب) الاستثناء) وهو مصدر قولهم: استثنيت الشيء

أستثنيه : حاشيته، واسم المفعول مستثنى: أي: محاشي. قاله الراعي. وفي "المصباح" : الاستثناء استفعال من ثنيت الشيء أثنيه ثنيا، إذا عطفته ورددته، وثنيته عن مراده إذا صرفته عنه ؛ فالاستثناء صرف العامل عن تناول

المستثنى. اهـ

ويحمل على المستثنى لأن الكلام في المنصوبات من إطلاق المصدر وإرادة

اسم المفعول، وهو الاسم الواقع بعد (إلا) وإحدى أخواتها. قاله أبو النجا. وأقول: وقع في نسخة الراعي التي شرح عليها التعبير بالمستثنى، فلا حاجة إلى الحمل والتقدير والعبارة الأولى موافقة لعبارة النحويين سيبويه

فمن بعده، والثانية عبارة ابن مالك في "التسهيل" وابن هشام في "القطر"

تشييد المباني

٣٦٣

و"الشذور" و"التوضيح" والسيوطي في "جمع الجوامع"، وحده في "التسهيل" بأنه المخرج تحقيقا أو تقديرًا من مذكور أو متروك بإلا أو ما في معناها بشرط الفائدة. قال في "التصريح: قوله: «المخرج» جنس يشمل المخرج بالبدل وبالصفة وبالشرط وبالغاية، وقوله: «تحقيقا أو تقديرًا» إشارة إلى قسمي المتصل والمنقطع ، وقوله : من مذكور أو متروك» إشارة إلى قسمي التام والمفرغ، وقوله: (بإلا فصل يخرج ما عدا المستثنى مما تقدم، وقوله: «أو ما في معناها» يشمل جميع أدوات الاستثناء، وقوله: «بشرط الفائدة» احترازا عن نحو: جاءني ناس إلا زيدا، وجاءني القوم إلا رجلا.

قال الشاطبي: ومعنى إخراجه أن ذكره بعد اللامين أنه لم يرد دخوله فيما تقدم، فبين ذلك للسامع بتلك القرينة لا أنه كان مرادا للمتكلم ثم أخرجه، هذا حقيقة الإخراج عند النحويين؛ سيبويه وغيره، وهو الذي لا يصح غيره،

وبه يتضح الحال ويزول الإشكال. انتهى مختصرًا. قال المؤلف : (وحروفُ الاستثناء ثمانيةٌ) قال الراعي في "شرحه": كان الأنسب أن يتكلم على المستثنى، ثم بعد ذلك على حروفه، وأطلق الشيخ على أدوات الاستثناء حروفًا باعتبار الكلمات فكأنه قال: كلمات الاستثناء، وهذا كثير في كلام الأقدمين يطلقون الحروف على الأسماء والأفعال اهـ. (وهي إلا قال ابن إياز أصل أدوات هذا الباب إلا لوجهين: الأول: أنها حرف والموضوع لإفادة المعاني الحروف كالنفي والاستفهام

والنداء.

الثاني: أنها تقع في أبواب الاستثناء فقط، وغيرها في أمكنة مخصوصة بها،

٣٦٤

النحو

وستعمل في أبواب أخر.

(فائدة): ترد إلا لمعان أخر غير الاستثناء أحدها: أن تكون بمنزلة «غير» فيوصف بها وبتاليها جمع منكر أو شبهه، ويعرب الاسم الواقع بعدها بإعراب «غير» نحو: لَوْ كَانَ فِيهِمَا الهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَنَا ﴾ [الأنبياء: ٢٢] فلا يجوز أن تكون هذه للاستثناء لأن «الهة» جمع منكر في الإثبات فلا عموم له، فلا يصح الاستثناء منه، ولأنه يصير المعنى حينئذ: لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا وهو باطل باعتبار مفهومه. قاله في "الإتقان".

قلت: هذه الآية قضية منطقية وقعت في القرآن وبها يستدل على جوازه. ثانيها: أن تكون عاطفة بمنزلة «الواو»، ذكره الأخفش والفراء وأبو عبيدة وجعلوا منه: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة:

١٥٠] أي: ولا الذين ظلموا ، وتأولها الجمهور على الاستثناء المنقطع. ثالثها: أن تكون بمعنى «بل»، ذكره بعضهم وجعل منه : ه: مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ

الْقُرْهَانَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً ﴾ [طه: ٢ - ٣] أي بل تذكرة.

رابعها: أن تكون بمعنى: «بدل» وذكره ابن الصائغ، وخرج عليه : * إِلَّا اللهُ لَفَسَدَنَا ﴾ [الأنبياء: ۲۲] أي: بدل الله أو عوضه، وبه يخرج عن الإشكال

المذكور في الاستثناء وفي الوصف بـ إلا من جهة المفهوم.

خامسها أن تكون زائدة، ذكره الأصمعي وابن جني، وحملا عليه قول

ذي الرمة :

حَرَاجِيجُ ما تنفك إلا مناخةً على الخسف أو نَرْمِي بها بَلَدًا قَفْرًا

تشييد المباني

٣٦٥

انتهى من "المغني" و"الإتقان".

(تنبيه): قال الرماني في تفسيره : معنى إلا» اللازم لها: الاختصاص بالشيء دون غيره، فإذا قلت: جاءني القوم إلا زيدًا، فقد اختصصت زيدًا بأنه لم يجيء، وإذا قلت: ما جاءني إلا زيد فقد اختصصته بالمجيء، وإذا قلت: ما جاءني زيد إلا راكبًا، فقد اختصصته بهذه الحالة دون غيرها من المشي والعدو

ونحوه. اهـ، نقله في "الإتقان".

(وغير) وتقال على أوجه:

الأول: أن تكون للنفي المجرد من غير إثبات معنی به نحو مررت برجل غير قائم، أي: لا قائم، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَبَهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّن الله [القصص: ٥٠]، ﴿ وَهُوَ فِي الْخصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } [الزخرف: ۱۸]، الثاني: بمعنى إلا فيستثنى بها وتوصف بها النكرة نحو: مَا لَكُم مِّنْ إِلَيْهِ غَيْرُهُ

[الأعراف: ٥٩]، هَلْ مِنْ خَلْقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾ [فاطر: ٣].

الثالث: لنفي صورة من غير مادتها نحو: الماء إذا كان حارا غيره إذا كان باردا، ومنه قوله تعالى: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ﴾ [النساء: ٥٦]. الرابع: أن يكون ذلك متناولا لذات نحو: تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ

[الأنعام: ٩٣]، ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبَّا ﴾ [الأنعام: ١٦٤]، أنتِ بِقُرْءَانِ غَيْرِ هَذَا [يونس: ١٥]، وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ﴾ [التوبة: ٣٩]. قاله الراغب في "المفردات".

قال المؤلف : (وسوی) ،کرضا (وسوی) کهدی (وسواء) كسماء، وسواء

٣٦٦

النحو

كبناء، وهي أغربها وقل من ذكرها، ونص عليها الفارسي في "الحجة"، وهي بلغاتها قسم واحد.

قال المؤلف: (وخَلا) وهي على وجهين حرف جار للمستثنى، وفعل ناصب متعد له.

قال المؤلف : (وعدا) كخلا فيما ذكرته من القسمين، وسيبويه لم يحفظ فيها إلا الفعلية (وحاشا) وهي حرف بمنزلة (إلا) عند سيبويه وأكثر البصريين، وقيل: تستعمل حرفًا كثيرًا وقليلا فعلا متعديًا جامدا لتضمنه معنى «إلا»، وعليه الجرمي والمازني والمبرد والزجاج والأخفش وأبو زيد والفراء وأبو

عمرو الشيباني فالمستثنى بإلا ينصَبُ إذا كانَ الكلام تاما موجبًا) واعلم أ أن الذي ينصب بعد إلا ينصب في ستة مواضع: الأول: الاستثناء من الموجب لفظا ومعنى نحو قام القوم إلا زيدا، وخرج الناس إلا عمرا.

الثاني: أن يكون موجبًا معنى لا لفظاً نحو ما أكل أحد إلا الخبز إلا زيدا؛ لأن التقدير يؤدي إلى الإيجاب، فكأنه قال : كل الناس أكلوا الخبز إلا زيدا. الثالث: أن يكون للمستثنى منه حال موجبه نحو ما جاءني أحد إلا راكبًا إلا زيدا؛ لأنه يؤدي أيضًا إلى الإيجاب، فيكون تقديره: كل الناس جاءوني راكبين إلا زيدا.

الرابع: أن تكرر إلا مع اسمين مستثنين، فلا بد من نصب أحدهما نحو: ما جاءني أحد إلا زيد إلا عمرًا، أو إلا زيدا إلا عمرو.

والخامس: أن يقدم المستثنى على المستثنى منه نحو ما جاءني إلا زيدًا أحد.

تشييد المباني

٣٦٧

السادس الاستثناء من غير الجنس نحو ما في الدار أحد إلا حمارًا. قاله

ابن الدهان.

(تنبيهات):

الأول: اختلف في ناصب المستثنى بإلا على ثمانية أقوال:

أحدها: أنه نفس (إلا) وحدها ، وإليه ذهب ابن مالك وزعم أنه مذهب سيبويه والمبرد.

والثاني: تمام الكلام كما انتصب «درهما» بعد «العشرين».

والثالث: الفعل المتقدم بواسطة إلا»، وإليه ذهب السيرافي والفارسي

وابن الباذش.

والرابع: الفعل المتقدم بغير واسطة إلا»، وإليه ذهب ابن خروف. والخامس: فعل محذوف من معنى (إلا) تقديره: استثني زيدا، وإليه ذهب

الزجاج.

والسادس: المخالفة، وحكي عن الكسائي.

والسابع: أن بفتح الهمزة وتشديد النون محذوفة هي وخبرها، حكاه السيرافي عن الكسائي. الثامن: أن (إلا) مركبة من إن)، ولا ) ثم خففت «إن» وأدغمت في اللام، حكاه السيرافي عن الفراء، وزاد ابن عصفور فإذا انتصب ما بعدها فعلى تغليب حكم «إن»، وإذا لم ينتصب فعلى تغليب حكم لا؛ لأنها عاطفة. قاله في

"التصريح". الثاني: إذا ورد الاستثناء بعد جمل عطف بعضها على بعض، فهل يعود إلى

٣٦٨

النحو

الكل؟ فيه خلاف قيل: نعم، وقيل: لا، بل يختص بالجملة الأخيرة. قال أبو حَيَّان والخلاف مبني على الخلاف في العامل في المستثنى، فمن قال أنه «إلا» أعاده إلى الكل ومن قال أنه الفعل السابق قال: إن اتحد العامل عاد إلى الكل، وإن اختلف فللأخيرة خاصة؛ إذ لا يمكن عمل العوامل المختلفة في مستثنى واحد. انتهى كلامه من "الأشباه". وقد بسط الكلام على هذه المسألة في "شرح الجمع" فراجعه.

الثالث: في جواز تقديم المستثنى على المستثنى منه وعلى العامل فيه إذا لم يتقدم وتوسط بين جزئي كلام نحو:- القوم إلا زيدا قاموا خلاف، قيل بالجواز، وقيل بالمنع ، قال أبو حَيَّان وهو مبنى الخلاف في العامل في المستثنى فمن قال: إنه ما تقدم من فعل أو شبهه منعه، ومن قال: إنه «إلا» أو نحوه جوزه. انتهى من "الأشباه".

الرابع: يجب النصب في الاستثناء التام الموجب كيفما كان؛ متصلا كما مر أو منقطعا نحو ضربت القوم إلا حمارًا، وقام القوم إلا حمارًا، ومررت بالقوم إلا حمارًا، والمراد بالمتصل أن يكون المستثنى بعضًا مما قبله، وبالمنقطع أن لا يكون بعضا مما قبله، ويقال للأول: تخصيص ؛ لأنه استثناء من الجنس، وللثاني: استدراك؛ لأنه استثناء من غير الجنس، والبصريون يقدرونه بلكن

الاستدراكية.

قال عبد القاهر: وهو مشبه بالعطف، ولك عطف الشيء على ما هو من غير جنسه كقولك جاءني رجل إلا حمارًا ، فشبهت «إلا» بـ «لا»؛ لأن الاستثناء والنفي متقاربان فقيل: ما مررت بأحد إلا حمارًا، كما قيل: مررت

تشييد المباني

٣٦٩

برجل لا حمار . اهـ

قال المؤلف: (وإن كانَ الكلامُ منفيًّا (تاما، فإما أن يكون متصلا أو منقطعًا، فإن كان متصلا (جاز فيه البدلُ)، وهو المختار ولذا قدمه المصنف (و) يجوز (النصب على الاستثناء نحو قولك: (ما قام القوم إلا زيد) بالرفع على

البدل، ومنه قوله تعالى: وَلَمْ يَكُن لَّمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ ﴾ [النور: 1].

ومثل النفي في ذلك النهي والاستفهام نحو: وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا أمر أنك [هود: ۸۱] قريء بالرفع والنصب، وقوله: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُونَ ﴾ [الحجر: ٥٦] والمشهور أنه بدل من متبوعه، بدل بعض من كل عند البصريين، وليس في المبدلات ما يخالف البدل حكم المبدل منه إلا هنا فقط؛ وذلك أنك إذا قلت: ما قام أحد إلا زيد، فقد نفيت القيام عن أحد وأثبته لزيد، وهو بدل منه .

(وزيدا) وتقول في مثال النصب على الاستثناء: ما قام القوم إلا زيدا، وهو عربي جيد قريء به في السبع.

(تنبيهات):

التنبيه الأول: قال الأبذي في شرح الجزولية": المنفي عندهم هو ما دخلت عليه أداة النفي وما كان خبرًا لما دخلت عليه، نحو: ما أحد يقوم إلا زيدا، وما كان في موضع المفعول الثاني من باب ظننت» نحو: ما ظننت أحدًا يقوم إلا زيدا، وكذلك ما دخلت عليه أداة الاستفهام وأريد بها معنى النفي، وكذلك ما كان من الأفعال بعد «قل» أو ما يقرب منها نحو: قل رجل يقول

۳۷۰

النحو

ذاك إلا زيد، وأقل رجل يقول ذاك إلا زيد، وقل ما يقوم إلا عمرو؛ ولأن العرب تستعمل «قل» بمعنى النفي؛ فإذا قلت: قل رجل يقول ذلك إلا زيد، وأقل رجل يقول ذاك إلا زيد فالبدل فيهما محمول على المعنى دون اللفظ لأن المعنى: ما رجل يقول ذاك إلا زيد، ولا يجوز أن يكون إلا زيد» بدلا من «أقل» المرفوع لأنه لا يحل محله لأن (إلا) لا يبتدأ بها، ولا من «ضمير» لأنه لا يقال : يقول إلا زيد، ولا من رجل)) في (قل رجل لأنه لا يقال: قل إلا زيد؛ ولأن «قل» لا تعمل إلا في نكرة، ولا تقع بعدها «إلا زيد»، ولا من الضمير لأن الفعل في موضع الصفة ولا تنتفي الصفة، ولا يجوز: أقل رجل يقول ذاك إلا زيد بالخفض؛ لأن «أقل» لا يدخل على المعارف فهي كـرب»، وإنما بدل من «رجل» على الموضع لأنه في معنى ما رجل يقول ذاك إلا زيد. انتهى

مختصرا.

قلت: ومن حمل البدل على المعنى قوله تعالى: ﴿ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا منْهُمْ ﴾ [البقرة: ٢٤٩] قال البيضاوي في "تفسيره": النفي في هذه الآية مقدر، والمعنى لم يطيعوه إلا قليل منهم . اهـ

قلت: وليس كما قال، فإنه يجوز البدل من الموجب في لغة، وعليه الآية عند

قوم، ويشهد له قول حضر مي بن عامر الصحابي:

وكل أخ مفارقــــه أنـــــوه لعمـــر أبــــك إلا الفَرْقَدَانِ التنبيه الثاني: قال الأبذي: من أصل هذا الباب أنه لا يجوز أن يستثنى بالاسمين فإذا قلت أعطيت الناس المال إلا عمرًا الدينار، لم يجز، وكذلك

تشييد المباني

۳۷۱

النفي، لا يجوز: ما أعطيت الناس المال إلا عمرًا الدينار، إذا أردت الاستثناء، وإذا أردت البدل جاز في النفي إبدال اسمين ومن هنا منع الفارسي أن يقال: ما ضرب القوم إلا بعضهم بعضًا؛ لأنه لم يتقدم اسمان فتبدل منهما اسمين، وتصحيح المسألة عنده: ما ضرب القوم أحدا إلا بعضهم بعضًا، وتصحيحها عند الأخفش أن يقدم بعضهم، وأجاز غيرهما المسألة من غير تغيير اللفظ على أن يكون البعض المتأخر منصوبًا بضرب نصب المفعول به لا بدل ولا مستثنى وإنما هو بمنزلة اضرب بعضًا لا بعض القوم .اهـ التنبيه الثالث: إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه في النفي وشبهه تعيَّن نصبه وامتنع البدل، نحو: ما جاءني إلا زيداً أحد، لأن البدل لا يتقدم المبدل من حيث كان من التوابع كالنعت والتوكيد وليس ما قبله يكون بدلا منه

فتعين النصب.

التنبيه الرابع: قال ابن إياز: لا يعمل ما بعد إلا» فيما قبلها، فلا يجوز: ما قومه زيدا إلا ضاربون؛ لأن تقديم الاسم الواقع بعد «إلا» عليها غير جائز، فكذا معموله لأن من أصولهم أن المعمول يقع حيث يقع العامل إذا كان تابعا وفرعًا عليه، فإن جاء شيء يوهم خلاف ذلك أضمر له فعل ينصبه من جنس المذكور. انتهى من "الأشباه".

قال المؤلف: (وإن كانَ الكلام) منفيًا ناقصا كان على حسب العوامل) أي معربًا بإعراب ما يقتضيه ما قبل إلا قبل دخولها، وذلك (نحو: ما قام إلا زيد، وما ضربت إلا زيدًا، وما مررت إلا بزيد، فوجود إلا كسقوطها، وهذا الاستثناء المفرغ، ولا يقع إلا في غير الموجب عند الجمهور وهو النفي كما

هو

۳۷۲

النحو

مثل. والنهي والاستفهام نحو: وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾ [النساء: ۱۷۱] يُهْلَك إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنعام: ٤٧]، وجوز بعضهم وقوعه في

الموجب، وأكثر النحاة على منعه لأنه يلزم منه الكذب. وإن كان الاستثناء منقطعاً، فإما أن يمكن تسليط العامل على المستثنى

أولا، قال في "التوضيح": فإن لم يمكن تسليط العامل عليه وجب النصب اتفاقا نحو ما زاد هذا المال إلا ما نقص؛ إذ لا يقال: زاد النقص، وإن أمكن

تسليطه فالحجازيون يوجبون النصب، وعليه قراءة السبعة : مَا هُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلَّا الْبَاعَ الظَّنَ ﴾ [النساء: ١٥٧] وتميم ترجحه وتجيز الإتباع كقوله: وبلدة ليس بها أنيس إلا اليـــــــافير وإلا الـــــــيـس

(تتمتان):

الأولى مذهب الجمهور أن الاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي، فنحو: قام القوم إلا زيدا، وما قام أحد إلا زيد يدل الأول على نفي القيام عن زيد، والثاني على ثبوته له وخالف في ذلك الكسائي وقال: إنه مسكوت عنه لا دلالة له على نفيه ولا ثبوته واستفادة الإثبات في كلمة التوحيد من عرف

الشرع.

الثانية في الاستثناء من العدد أقوال:

أحدها: الجواز مطلقا، اختاره ابن الصائغ .

والثاني: المنع مطلقا، واختاره ابن عصفور؛ لأن أسماء العدد نصوص؛ فلا

يجوز أن ترد إلا على ما وضعت له.

تشييد المباني

۳۷۳

والثالث: المنع إن كان عقدًا نحو: عندي عشرون إلا عشرة، والجواز إن

كان غير عقد نحو: له عشرة إلا اثنين.

ورد هذا وما قبله بقوله تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خمسين عاما با [العنكبوت: ١٤] وقال أبو حيان لا يكاد يوجد استثناء من عدد في شيء من كلام العرب إلا في هذه الآية الكريمة. اهـ، أفاده في "الهمع "

قال المؤلف: والمستثنى بغير وسوى وسوى وسواء مجرور لا غير) لإضافتها إليه. وتعرب غير بما للاسم الواقع بعد إلا من وجوب نصب في الموجب وفي المنقطع وفي المقدم، ومن جوازه ورجحان الإتباع في المنفي ومن كونه على حسب العوامل في المفرغ وبعض بني أسد وقضاعة يفتحها في

الاستثناء مطلقا.

(تنبيهات):

التنبيه الأول: اختلف في ناصب «غير» في الاستثناء على أقوال التنبيه الأول: اختلف في ناصب «غير» في الاستثناء على أقوال: أحدها: أن انتصابها انتصاب الاسم الواقع بعد «إلا»، والناصب له كونه

جاء فضلة بعد تمام الكلام، وذلك موجود في «غير» وعليه المغاربة.

الثاني: أنها منصوبة بالفعل السابق وعليه السيرافي وابن الباذش. الثالث: أنها منصوبة على الحال وفيها معنى الاستثناء وعليه الفارسي . التنبيه الثاني: قال ابن النحاس في "التعليقة " : إن قيل: كيف جاز أن يصل الفعل إلى غير من غير واسطة، وهو لا يصل إلى ما بعد إلا» إلا بواسطة؟ فالجواب أن «غير» أشبهت الظروف بإبهامها، والظرف يصل الفعل إليه،

٣٧٤

النحو

فوصل أيضًا إلى غير كذلك.

فإن قيل: فلم لم تبن لتضمنها معنى الحرف وهو إلا؟ فالجواب: إنها لم تقع في الاستثناء لتضمنها معنى إلا بل لأنها تقتضي مغايرة ما بعدها لما قبلها، والاستثناء إخراج والإخراج مغايرة ، فاشترك إلا» و«غير» في المغايرة، فالمعنى الذي صارت به غير استثناء هو لها في الأصل، لا لتضمنها معنى إلا فلم تبن. اهـ ،کلامه، انتهى من "الأشباه".

التنبيه الثالث: إذا عطف على المستثنى بها جاز في المعطوف مراعاة اللفظ فيجر -وهو الأجود ويجوز مراعاة المعنى فينصب ويرفع، في نحو: ما جاء أحد غير زيد وعمرو، وليس ذلك عطفا على غير بل على المجرور بها؛ لأن

أصله النصب أو الإتباع. أفاده في "الهمع".

والمستثنى بـ«سوى» كـ«غير في وجوب الخفض كما تقدم، قال ابن هشام: قال الزجاج وابن مالك: (سوى) كـ(غير معنى وإعرابا، ويؤيدهما حكاية الفراء: أتاني سواك.اهـ

وقال في "المغني": قولهم لا غير الحن. قال الدماميني: لا نسلم ذلك فقد حكى ابن الحاجب لا غير وتابعه على ذلك شارحو كلامه كالرضي وغيره، وفي "المفصل" أيضًا حكايتها قال الأندلسي: وأما «لا غير» فإن أبا العباس كان يقول: إنه مبني على الضم مثل: قبل وبعد»، وأنشد ابن مالك في شرح "التسهيل":

جوابًا به تَنْجُو اعتَمِد فَوَربَّنَا لَعَنْ عملٍ أَسْلَفْتَ لا غيرُ تُسْأَلُ. اهـ (تتمة): من أدوات الاستثناء: «ليس» و «لا يكون»، والمستثنى بهما واجب

تشييد المباني

۳۷۵

النصب لأنه خبرهما.

وفي الحديث: «ما أنهرَ الدَّم وذُكرِ اسم الله عليهِ فَكُلُوا، ليسَ السِّنَّ

والظفر».

وتقول: أتوني لا يكون زيدًا. واسمهما ضمير مستتر وجوبا عائد على اسم الفاعل المفهوم من الفعل السابق، أو البعض المدلول عليه بكله السابق، فتقدير قاموا ليس زيدا: ليس القائم، أو ليس بعضهم، وعلى الثاني، فهو نظير فَإِن كُن نساء [النساء: ١١] بعد ذكر الأولاد، وجملتا الاستثناء في موضع نصب على

الحال أو مستأنفتان فلا موضع لهما . اهـ توضيح بزيادة.

قال المؤلف: (والمستثنى بخلا وعدا وحاشا يجوز نصبه على أنها أفعال جامدة لوقوعها موقع إلا وفاعلها ضمير مستتر، وفي مفسرة وفي موضع الجملة البعث السابق في ليس ولا يكون (وجرُّه) على أنها أحرف جارة وذلك (نحو: قام القوم خلا زيدًا وزيد، وعدا عمرًا وعمرو، وحاشا بكرًا وبكر)، والأولان لم يحفظ فيهما سيبويه إلا الفعلية والأخيرة لم يحفظ فيها إلا الحرفية، و من شواهد النصب قوله:

اللهم اغفر لي ولمن يَسْمَعُ حاشا الشيطان وأبا الإِصْبَعُ

(فوائد)

الأولى: إذا دخلت «ما» على «خلا) وعدا» تعين النصب بعدها لأنها مصدرية، فدخولها يعين الفعلية، كقوله : ألا كل شيء ما خلا الله باطل». وقوله: «تمل الندامى ما عداني فإنني»

٣٧٦

النحو

وزعم الجرمي والربعي والكسائي والفارسي وابن جني أنه يجوز الجر على تقدير «ما» زائدة. قال في "المغني": فإن قالوه بالقياس ففاسد؛ لأن «ما» لا تزاد قبل حروف الجر بل بعدها، أو بالسماع فشاذ بحيث لا يقاس عليه، وأجاز بعضهم دخول «ما المصدرية» على «حاشا» بقلة تمسكًا بقوله:

رأيت الناس ما حاشا قريشا فإنَّا نحنُ أفضلهم فِعَــالَا والذي نص عليه سيبويه المنع.

الثانية: ذهب الكسائي إلى أنه يجوز دخول «إلا» على «حاشا» إذا جرت وحكى قام القوم إلا حاشا زيد. ومنع البصريون ذلك كما إذا نصبت لأنه جمع

بين أداتين لمعنى واحد، والحكاية شاذة لا يقاس عليها، أفاده في "الهمع". الثالثة: قال ابن السراج في "الأصول": لا ينسق على حروف الاستثناء؛ لا تقول: قام القوم ليس زيدًا ولا عمرا ، ولا قام القوم غير زيد ولا عمرو، قال: والنفي في جميع العربية ينسق عليه بـ «لا» إلا في الاستثناء.اهـ، نقله في " الأشباه".

(خاتمة): قال ابن الدهان في "الغرة": الاستثناء على ثلاثة أقسام:

استثناء بعد استثناء، وتكون إلا فيه بمعنى الواو كقوله تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَبٍ مُّبِينٍ ﴾ [الأنعام: ٥٩]

فكأنه قال : إلا يعلمها وهي في كتاب مبين.

واستثناء

من استثناء، كقوله تعالى: إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا

تشييد المباني

۳۷۷

الَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُوهُمْ أَجْمَعِينَ ) إِلَّا امْرَأَتَهُ، قَدَرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ [الحجر: ٥٨ - ٦٠] فتقديره : إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لئلا نبقي منهم أحدًا بالإهلاك إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين، ثم استثنى من الموجب فقال: إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين، فالأصل في هذا أن الذي يقع بعد معنى النفي

يكون بـ «إلا» موجبا، ومعنى الموجب يكون منفيا.

واستثناء مطلق من استثناء وعليه أكثر الكلام، كقولك: سار القوم إلا زيدا. انتهى كلامه من "الأشباه".

۳۷۸

النحو

باب «لا» التي لنفى الجنس

ثم قال المصنف : (باب)) (( لا ) التي لنفى (الجنس) التي يراد بها نفي الجنس على سبيل التنصيص وعملت لاختصاصها بالأسماء، قال ابن هشام: وتسمى

تبرئة» . اهـ

(فائدة): المراد بنفي الجنس: نفي صفته وحكمه لأن الجنس لا ينفى، وإسناد النفي إليها مجاز من إسناد ما للشيء إلى آلته، والمراد بتبرئة دلالتها على البراءة من ذلك الجنس. اهـ

قال أبو البقاء: وإنما عملت عمل «إِنَّ» المشددة لمشابهتها لها من أربعة أوجه: أحدها: أن كلا منهما يدخل على الجملة الاسمية.

الثاني: أن كلا منهما للتأكيد، فـ «لا» لتأكيد النفي و«إن» لتأكيد الإثبات. والثالث: «لا» نقيضة «إن»؛ والشيء يحمل على نقيضه كما يحمل على نظيره. والرابع: أن كلا منهما له صدر الكلام. اهـ، "تصريح ".

(اعلم) بكسر الهمزة وفتح اللام أمر من علم بكسرها، وهو خطاب لمن يتأتى منه العلم أو لمن ينظر في هذه المقدمة، وإنما صدر الباب بالأمر بالعلم إيذانًا بصعوبتها؛ واستجماعًا لذهن المخاطب (أن) (( لا» تنصب النكرات بغير تنوين) ظاهره أن اسم (لا) معرب وأنه منصوب نصبا صحيحًا، وهو مذهب الزجاجي والجرمي والسيرافي والرماني.

قالوا: وحذف منه التنوين تخفيفا لا بناء، ومذهب البصريين أنه لا يظهر نصب الاسم إلا إذا كان مضافًا أو شبيها به، فإن كان مفردًا ركب معها وبني على الفتح. واختلف في موجب البناء فقيل: تضمنه من الاستغراقية» بدليل

تشييد المباني

۳۷۹

التصريح بها في قوله: «ألا لا من سبيل إلى هند».

وصححه ابن عصفور. وقيل: تركيبه معها تركيب خمسة عشر بدليل زواله عند الفصل، وصححه ابن الصائغ ونقل عن سيبويه، وقيل: تضمنه معنى «اللام الاستغراقية»، ورد بأنه لو كان كذلك لوصف بالمعرفة، كما قيل: لقيته لأمس الدابر، قاله في "الهمع " . ولإعمال «لا» هذا العمل شروط: أحدها: أن يقصد به النفي العام لأنها حينئذ تختص بالاسم، فإن لم يقصد

بها العموم فتارة تلغى، وتارة تعمل عمل ليس. الثاني: أن يكون مدخولها نكرة؛ فلا تعمل في معرفة بإجماع البصريين، وهو مفهوم قول المصنف تنصب النكرات)، وخالف الكوفيون فأجاز الكسائي إعمالها في العلم المفرد، والمضاف لكنية أو الله أو الرحمن والعزيز، وأجاز الفراء إعمالها في ضمير الغائب واسم الإشارة، وكل ذلك خطأ عند البصريين، وأما ما سمع مما ظاهره إعمالها في فمؤول باعتقاد تنكيره.

الثالث: ألا يفصل بينها وبين معمولها ولو بالظرف والمجرور وهو معنى قوله: (إذا باشرت النكرة وأجاز المازني إعمالها مع الفصل ولكنه لا يبنى، وورد في السعة : لا منها بد بالبناء، وليس مما يعول عليه.

الرابع: أن لا تتكرر، وإليه يشير قوله: ولم تتكرر «لا» نحو: لا رجل في الدار) فإن كررت لم يتعين إعمالها؛ بل يجوز (فإن لم تباشرها) أو كان معمولها غير نكرة (وجب الرفع، ووجب تكرار (لا) نحو: لا في الدار رجلٌ ولا امرأة)، ونحو: «لا فيها غول ونحو: لا زيد في الدار ولا عمرو، هذا مفهوم قوله: «إذا باشرت النكرة».

۳۸۰

النحو

ثم ما ذكره من وجوب تكرار لا هو مذهب سيبويه والجمهور، وأجاز المبرد وابن كيسان مع الفصل والمعرفة أن لا تكرر كقوله:

بكت أسفًا واسترجعت ثم آذنت ركائبها أن لا إلينا رجوعها وذلك ونحوه عند الجمهور ضرورة، نعم إن كان مدخولها في معنى الفعل

لم يكرر ، نحو: لا نولك أن تفعل لأنه في معنى: «لا ينبغي». (فإن كررتْ جاز إعمالها وإلغاؤها) يعني : إذا اجتمعت الشروط وتكررت «لا» جاز إعمالها عمل (إن) وإلغاؤها ورفع ما بعدها على الابتداء والخبر، ويجوز إعمالها عمل «ليس» وهو قليل، ولذلك لم يذكره المصنف، وهذا مفهوم قوله: «ولم تتكرر».

(فإن شئت قلت في الإعمال (لا رجل في الدار ولا امرأة) بفتح رجل وامرأة، (وإن شئت قلت في الإلغاء (لا رجلٌ في الدار ولا امرأة برفع رجل

وامرأة.

(فائدة): يجب ذكر خبر (لا) إن جهل نحو : لا أحدَ أغيرُ من الله»، ويجوز حذفه إن علم نحو : فَلا فوت [سبأ: ٥١]، قالوا: لا خير، ويوجبه

التميميون والطائيون.

(تتمات):

الأولى: قال ابن مالك:

و مفردا نعتا المبني يلي فافتح أو انصبَن أو ارفع تعدل الثانية: المفرد في هذا الباب وفي باب النداء هو ما ليس مضافًا ولا شبيها به، وإن كان مثنى أو مجموعا.

تشييد المباني

۳۸۱

زاد.

الثالثة: تزاد «لا» بين الجار والمجرور فيتخطاها الجار كقولهم: جئت بلا

(خاتمة): قال الهلالي في جزء لطيف له على كلمة الشهادة: المراد من ذلك الجزء الاستثناء في قولنا : «لا إله إلا الله متصل قطعا لأن البعضية والإخراج اللذين يتحقق بها الاتصال متحققان دليل البعضية أن الإله في الكلمة المشرفة كلي، والكلي حسبما في فن المنطق هو المفهوم الذي لا يمنع مجرد تصوره من صدقه على متعدد، ولا يشترط إمكان وجود شيء من أفراده خارجا فضلا عن وجودها وعن تعددها، فيصدق بما أفراده مستحيلة كالتشريك وجمع الضدين وبما أفراده معدومة ممكنة كالعنقاء، وبما وجد منه واحد واستحال غيره، ومن هذا القسم «الإله» حسبما أوضحه في "المطول" وابن عرفة في "التفسير"،

a

ولكونه كليا صح دخول لا النافية للجنس عليه، ومعناه فيها: المعبود بحق الغلبة استعماله في ذلك، وإن كان أصل وضعه لمطلق المعبود كما في "القاموس"، فلا يخفى أن مفهوم المعبود بحق كلي، وأن الله علم على الفرد الذي انحصر فيه ذلك الكلي خارجًا وقام البرهان على استحالة غيره، ومن الضروري أن الفرد الواحد بعض من جملة الأفراد. ودليل الإخراج أن الأدلة موضوعة لذلك، وأنه لو لم يخرج من الأفراد التي نفى وجودها على سبيل الاستغراق مع شمول اللفظ له لكان منفيًّا، ولكانت الكلمة المشرفة تعطيلا، واللازم باطل وكفى في اتصاله تصريح أئمة العربية بذلك، ولا يصح أن يكون منقطعًا لأن الاتصال والانقطاع متناقضان متى صح أحدهما بطل الآخر وقد صح الاتصال. فإن زعم زاعم أن منفصل

۳۸۲

النحو

فيقال له: ما معنى الإله الذي نفيت أفراده على سبيل الاستغراق؟ المعبود بحق أم بباطل أم الشامل لهما؟، فإن قال الأول لزمه الكفر لزعمه أن الله لا يصدق عليه أنه معبود بحق، وحينئذ يصدق عليه نقيضه لاستحالة ارتفاع النقيضين، فيكون مدلول الكلمة نفي كل فرد من أفراد المعبود بحق دون إخراج شيء منها، وإثبات واحد لا يصدق مفهوم المعبود بحق وتذكر ما ثبت عن الأصوليين من

كون المنفصل ليس فيه ،تخصيص، بل ما قبل الأداة فيه باق على حاله.

وإن قال الثاني لزمه أمران: الكذب لكثرة المعبودات بالباطل، وخلو الكلمة من التوحيد الذي هو المقصود منها لصدقها بتعدد المعبود بحق،

ومعنى الكلمة عند المسلمين بل والكافرين قصر الألوهية على الله .

وإن قال الثالث لزم الكفر والكذب اللازمان قبله إن قدر الخبر بموجود أو في الوجود، فإن قدر بمعبود بحق لزم الكفر فقط، وإن قال: المراد بالإله المعبود بحق وهو صادق على الله تعالى والأفراد الذهنية لكنها غير مشاركة له في وصف الوجود فلم يكن بعضها بهذا الاعتبار؛ فكان منقطعا وإن وجد فيه الإخراج، قلنا: هذا مفاد جعله في الكلمة متصلا؛ فتسميته منفصلا جهل بمعناه، ولو كان مجرد ما ذكر من المغايرة يوجب كونه منفصلا لما تحقق اتصال أصلا لوجوب مغايرة المستثنى المتصل للمستثنى منه في الحكم التي هي مفاد أن يكون متصلا منفصلا منفصلا للزموية ارتفاعها

الإخراج، ولا يصح

لارتفاع النقيضين.

فإن زعم زاعم أنه واسطة فيقال له: ما حكم هذا المستثنى الذي زدته على

ما عند الناس، وبماذا تعربه؟ فإن النحويين قسموا المستثنى إلى قسمين

تشييد المباني

۳۸۳

وحكموا أن لا واسطة حيث ردوا القسمة إلى نفي وإثبات.

فإن قلت: ما ذكرت من تحتم الاتصال هو لازم عند جعل الكلام تاما، وعند جعله مفرغا، بأن تكون الجلالة خبرًا عن الإله، وبأن تكون مبتدأ قدم خبره فركب مع «لا»، وبأن تكون الجلالة نائب فاعل «إله» سادة مسد خبر «لا»، أم تخص بالوجه الأول فيكون عند الثاني واسطة.

قلت: هو لازم على كليهما؛ لما صرح به النحاة من أن المستثنى منه مقدر عام للمستثنى وغيره، والمستثنى مخرج منه بتحقق البعضية والإخراج دائما في

المفرغ، فلا فرق بين التفريع على التفريغ وعلى التمام.

فإن قلت: إذا كان المستثنى منه في التفريغ مقدرًا فما الفرق بينه وبين التام في الكلمة على ما اختار أبو حَيَّان من كون الا بدال من ضمير الخبر المحذوف معه إذ هو مقدر فيهما . فالجواب: إن التقدير في التفريغ إنما هو الجانب المعنى لا للصناعة فنحو: وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: ٤٣] كلام تام صناعة مشتمل على طرفي الإسناد؛ ولذا يعرب ما بعد الأداة فاعلاً لا بد منه، وأصل التركيب: «يعقلها العالمون»، فجيء بالنفي والإثبات لإفادة القصر، ذكر معناه سيبويه،

بخلاف قولك: نعم إلا زيدا، جوابًا للقائل : أقام القوم؟، أو ما قام القوم؟ فإن قلت: يلزم الا بدال من المحذوف وهو من المحذور وقد اعترض على أبي حيان. فالجواب: إن سلم أنه من المحذور فرب شيء يجوز تبعا ولا يجوز مع عامله لا وحده، فهو كالفاعل ونائبه، لا

استقلالا، والمبدل منه حذف

يحذفان وحدهما ويحذفان مع عامليهما.

٣٨٤

النحو

ومما يقطع به أن الاستثناء في الكلمة متصل؛ إجماع القراء في المتواتر والشاذ على التزام الرفع في نحو : فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ﴾ [محمد: ١٩] ونحو: فَلَا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ﴾ [الأنعام: ۱۷] و لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَنَكَ ﴾ [الأنبياء : ۱۸۷ و شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [آل عمران: ١٨]، وفي الحديث: «لا شافي إلا أنت، ولا شفاء إلا شفاؤك». وأمثالها لا تحصر ، ولم ترد إلا بالرفع ولا يصح الإجماع على الرفع في المنفصل لأنه ممنوع في اللغة الحجازية مرجوح في التميمية تارة وممنوع فيها أخرى، والحاصل أن الانفصال في الكلمة ممنوع بالنظر إلى علم النحو وإلى علم الأصول كما دل عليه كلامهم في المخصصات، وإلى علم البيان، كما دل عليه كلامهم في القصر، وإلى علم القراءات.

وذكر الشيخ اليوسي في منهاج الخلاص" أن الاستثناء في الكلمة المشرفة متصل على كل من التقادير الممكنة فيها، وكذلك الشيخ إبراهيم الكوراني في "إنباء الأنباه".

فإن قلت: بقي نوع من المستثنى ولا نأمن أن يدعي مدع أنه واسطة، فما الحكم فيه؟ وهو المركب من شيئين أحدهما بعض المستثنى منه، والآخر خارج عنه نحو: جاء الناس إلا اثنين رجلا وفرسا.

فالجواب: أنه من المنقطع قطعا؛ لأن المركب من البعض وغيره ليس ببعض ضرورة فيدخل في تعريفه ونظيره بل هو عينه - ما في "شرح المقاصد" للسعد: أن المركب من الداخل والخارج ليس بداخل والله تعالى أعلم.اهـ

تشييد المباني

باب المنادى

وفيه فصول:

٣٨٥

الفصل الأول

النداء لغة الصوت وكسر النون أكثر من ضمها، والمد فيها أكثر من القصر. والمنادى اسم مفعول ناديته وبه : أي دعوته، وفي الاصطلاح: الدعاء بأحرف مخصوصة.

وهو من باب المفعول به عند الجمهور، والناصب له فعل واجب الإضمار، وسبب إضماره قصد الإنشاء، وإظهار الفعل يوهم الإخبار والاستغناء بظهور معناه وكثرة الاستعمال والتعويض منه بحرف النداء ويقدر بـ«أنادي» أو «أدعو» إنشاء، وخالف بعضهم الجمهور فزعم أن الناصب له معنوي وهو القصد، وبعضهم أن الناصب له حرف النداء، فقيل: نيابة وعوضا عن الفعل فهو مشبه بالمفعول به لا مفعول به وعليه الفارسي وقيل هي أسماء أفعال

بمعنى «أدعو» وليس ثم فعل مقدر، وقيل: هي أفعال.

وذهب بعضهم إلى أن النداء قسمان خبر وهو النداء بصفة نحو: يا فاسق و يا فاضل لاحتمال الصدق والكذب في تلك الصفة، وإنشاء وهو النداء بغير صفة وقدر، وكل هذه الأقوال غير قول الجمهور بما لا حاجة إلى الإطالة به.

الفصل الثاني

في أدوات النداء ،وأحكامها أما الأدوات فثمانية: «الهمزة، وأي»، مقصورتين وممدودتين، ويا ، وأيا، وهيا»، و«وا» عند ابن عصفور، نحو:

وافَقَعَسَا وأينَ منِّي فَقعس»، والجمهور أنها لا تستعمل إلا في الندبة.

٣٨٦

النحو

وحكى بعضهم أنها تستعمل في غيرها قليلا كقول ابن الخطاب لابن

العاص واعجبا لك يا ابن العاص .

وأما أحكامها فالهمزة للقريب كقول امريء القيس:

أفاطم مهلا بعض هذا التدلَّل وإن كنتِ قد أَزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجِيلي وزعم شيخ ابن الخباز أنها للمتوسط قال ابن هشام: وهو خرق لإجماعهم، وزعم ابن مالك: أن النداء بها قليل في العرب، وتبعه ابن الصائغ، قال السيوطي: وما قالاه؛ فقد وقفت لذلك على أكثر من ثلاثمائة شاهد، و«أي» للقريب عند الجزولي والمبرد كقوله: «ألم تسمعي أي عبد في رونق الضحى». وللبعيد عند ابن مالك، وللمتوسط عند بعض المتأخرين. و«أيا» للبعيد، وزعم صاحب "الصحاح" فيه أنها لنداء القريب والبعيد. قال ابن هشام: وليس كذلك قال: أيا ظبيةً الوَعْساء بين جلاجل وبين النقـا أنتِ أم أم سالم و «هيا» للبعيد كقوله: «هيا أم عمرو هل لي اليوم عندكم» وهاؤها أصل، وقيل بدل همزة «أيا» وعليه ابن السكيت و جزم به ابن هشام.

وءا» بالمد و«ءاي» بالمد والسكون للبعيد نقلهما الكوفيون عن العرب وزعم ابن عصفور أن ءا) للقريب كالهمزة و يا » أم الباب؛ ومن ثم قال أبو

حَيَّان: إنها أعم الحروف، وإنها تستعمل للقريب والبعيد مطلقا.

وفي "المغني": هي لنداء البعيد حقيقة أو حكمًا، وقد ينادى بها القريب توكيدا، وقيل: هي مشتركة بينهما، وقيل: بينهما وبين المتوسط، ونقل ابن الخباز عن شيخه أنها للقريب، وهو خرق لإجماعهم. اهـ

تشييد المباني

۳۸۷

ولكونها أم الباب كانت أكثر أحرفه استعمالا ولا يقدر عند الحذف سواها، ولا ينادى اسم الله تعالى ،والمستغاث ،وأيها ،وأيتها، إلا بها، ولا المندوب إلا

بها أو بواو، ولم يقع في القرآن مع كثرة النداء فيه غيرها.

(تنبيه): قال بدر الدين بن مالك في شرح خلاصة أبيه: أجمع النحاة على جواز نداء القريب بها للبعيد توكيدا وعلى منع العكس.

الفصل الثالث

في أقسام المنادى وأحكامه المنادى خمسة أنواع المفرد العلم والنكرة المقصودة، والنكرة غير المقصودة، والمضاف، والمشبه بالمضاف. فأما المفرد العلم والنكرة المقصودة فيبنيان على الضم من غير تنوين نحو یا زید ویا رجل، والثلاثة الباقية منصوبة لا غير.

لا يخلو المنادى من أن يكون مفرداً أو مضافًا أو شبيها به، فإن كان مفردًا فإما أن يكون معرفة أو نكرة مقصودة أو غير مقصودة، فإن كان معرفة أو نكرة مقصودة فيجب أن يبنى على ما كان يرفع به؛ فإن كان يرفع بالضمة بني عليها كما في مثال المصنف، وإن كان يرفع بالألف والواو فكذلك نحو: يا زیدان و یا زیدون و یا رجلان و یا مسلمون و یا هندان، وما كان مبنيا قبل النداء كسيبويه وحزام في لغة الحجاز قدرت فيه الضمة وجاز في تابعه الرفع والنصب والمحكي كالمبني. (تنبيه): قال في "الأزهرية" ما نصه: إذا وصفت النكرة المقصودة ترجح

نصبها على ضمها، لأن النعت من تمام المنعوت فالحقت بالشبيه بالمضاف نحو:

۳۸۸

النحو

يا عظيما يرجى لكل عظيم فجملة «يرجى» في موضع نصب نعت لـ«عظيم» هذا قول ابن مالك.

وقال ابن هشام جملة «يرجى) في موضع نصب على الحال من فاعل «عظيما» المستتر فيه والعامل في الحال هو العامل صاحبها، فهي من أمثلة

الشبيه بالمضاف لا من الملحق به انتهى ممزوجا بشرحها باللفظ.

وإن كان مفردًا غير مقصودة فيجب النصب كقول ابن وقاص الحارثي: فيا راكبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَن ندامايَ مِنْ نجران أنْ لا تَلاقِيَا وأحال المازني وجود هذا مدعيًا أن نداء غير المعين لا يمكن، وأن التنوين

في ذلك شاذ أو ضرورة، ومنع الأصمعي نداء المنكر مطلقا. وأما المضاف فيجب نصبه سواء كانت الإضافة محضة نحو: «ربنا اغفر لنا»، أو غير محضة نحو: يا حسن الوجه، وأجاز ثعلب البناء في غير المحضة على الضم، ورد بأن البناء ناشئ عن شبه الضمير والمضاف عادم له. ويجب أيضًا نصب الشبيه بالمضاف وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه، نحو: يا حسنا وجهه ويا طالعا جبلا ويا مارا ،بزيد ويا ثلاثة وثلاثين - فيمن سمي

بذلك ويمتنع إدخال «يا» على «ثلاثين» خلافًا لبعضهم.

(مسألة): يجوز حذف الحرف وهو «يا » خاصة في المنادى مطلقا إلا في ثمان مسائل: المندوب، والمستغاث، والمنادى البعيد، لأن المراد فيهن إطالة الصوت والحذف ينافيه، واسم الجنس غير المعين وأجازه بعضهم وليس بشيء، والمضمر المخاطب ونداؤه شاذ وظاهر كلام ابن مالك أنه مطرد، وقصره ابن عصفور على الشعر، وزعم أبو حَيَّان أنه لا ينادى البتة ويأتي على صيغتي

تشييد المباني

۳۸۹

المنصوب والمرفوع، واسم الله تعالى إذا لم يعوض في آخره الميم المشددة، واسم الإشارة واسم الجنس المعين، وأجازه الكوفيون فيهما تمسكًا بقوله تعالى : وثم أَنتُمْ هَؤُلَاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ ﴾ [البقرة: ٨٥] أي: يا هؤلاء، وقولهم: أطرق كرا إنَّ النَّعام في القُرَى، أي: يا كروان، وهو مرخم على لغة من لا ينتظر، وذلك عند البصريين ضرورة وشذوذ والإنصاف القياس على اسم الجنس لكثرته نظما ونثرا، وقصر اسم الإشارة على السماع إذ لم يوجد في غير الشعر، وأما نحو الآية فمحمول على أن «أَنتُمْ)) مبتدأ و «هَؤُلاء» خبره أو بالعكس، وجملة «تَقْتُلُونَ» حال.

(تتمة): لا يجوز نداء ما فيه أل» لأن نداءه يفيد التعريف، و«أل» تفيد التعريف، ولا يجمع بين معرفين، فلا يقال : يا الرجل عند البصريين إلا في اسم الله تعالى

بالإجماع تقول: «يا الله» بإثبات الألفين، وبحذفهما، وبحذف الثانية فقط. فإن قيل: قد أجازوا نداء هذا») ونحوها وهو معرف بالإشارة فلم لم

يجيزوه مع «أل»؟ قلنا: الفرق من وجهين: أحدهما: أن تعريف الإشارة إيماء إلى حاضر ليعرفه المخاطب، وتعريف النداء خطاب الحاضر وقصد له؛ فلتقارب معنى التعريفين صارا كالتعريف الواحد؛ ولذلك شبه الخليل تعريف النداء بالإشارة في نحو: «يا هذا» وشبهه. ثانيهما: وهو قول المازني أن أصل هذا أن تشير به لواحد إلى واحد، فلما دعوته نزعت منه الإشارة التي كانت فيه وألزمته إشارة النداء، فصارت «يا»

عوضًا من نزع الإشارة؛ ومن أجل ذلك لا يحذف فيه حرف النداء.

۳۹۰

النحو

فإن قيل: فلم جاز نداء اسم الجلالة مع وجود «أل» فيه؟ فالجواب: أنها لا تفارقه، هكذا قال صاحب المفصل" ، قال سيبويه : وهي عوض من همزة

«إله» فصارت بذلك كأنها من نفس الكلمة.

(تنبيهات):

الأول: اختلف في «اللهم»، فمذهب البصريين أن الميم عوض من حرف النداء، ومذهب الكوفيين أنها بقية من جملة محذوفة، والأصل: يا الله آمنا بخير وينبني على هذا جواز إدخال «يا» على «اللهم». فعند البصريين لا يجوز؛ لأنه لا يجمع بين العوض والمعوض، وعند

الكوفيين يجوز لأن الميم على رأيهم ليست عوضا من «يا». قال أبو حَيَّان قول الكوفيين سخيف، لا يحسن أن يقوله من عنده علم . اهـ الثاني: يجوز تنوين المنادى المبني في الضرورة بالإجماع، ثم اختلف هل الأولى بقاء ضمه أو نصبه فالخليل وسيبويه والمازني على الأول عَلَما كان أو نكرة مقصودة، وأبو عمرو وعيسى بن عمر والجرمي والمبرد على الثاني ردا على أصله، واختار ابن مالك بقاء الضم في العَلَم والنصب في النكرة المقصودة، واختار السيوطي عكسه؛ لعدم الإلباس في العلم وللإلباس في النكرة المقصودة بالنكرة غير المقصودة إذ لا فارق إلا الحركة لاستوائهما في التنوين. (فائدة): البناء قسمان:

واجب كبناء المنادى والظروف المقطوعة عن الإضافة ولا رجل

وخمسة عشر» وهذا أقرب المبنيات إلى المعرب.

وجائز كبناء الظرف المضاف إلى جملة فعلية فعلها مبني كقوله:

تشييد المباني

۳۹۱

على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلتُ أَما أَصْحُ والشَّيبُ وازعُ

الثالث: قال ابن هشام تابع المنادى المبني خمسة أقسام:

١ - قسم يجب نصبه على الموضع وهو المضاف الذي ليس بـ«أل».

۲ - وقسم على تقديرين يجب إتباعه على اللفظ وهو «أي». وقسم يجوز إتباعه على اللفظ وعلى المحل وهو اسم الإشارة. - وقسم يجوز إتباعه على اللفظ وعلى المحل مطلقا وهو النعت والتوكيد وعطف البيان المفرد مطلقًا وعطف النسق المفرد الذي بـ «أل».

ه وقسم يحكم له بحكم المنادى المنتقل وهو البدل والنسق الذي بغير «أل». الرابع: إذا كان المنادى علمًا موصوفًا بـ «ابن» مضاف إلى علم، جاز في المنادى مع الضم الفتح اتباعًا لحركة «ابن)» ؛ إذ بينهما ساكن وهو حاجز غير حصين، واختلف في الأجود فقال المبرد: الضم لأنه الأصل، وابن كيسان الفتح لأنه الأكثر في كلام العرب، ونحو: «عيسى» مما تقدر فيه الحركة، فيه ما تقدم. فإن كان غير علم أو علما بعده لكنه غير صفة بل بدل أو بيان أو مفعول بمقدر أو صفة لكنه غير متصل أو متصل لكنه غير مضاف إلى علم أو وصف بغير «ابن»؛ تعين الضم في الصور كلها وجوبًا وأجاز الكوفيون الفتح في الأخير تمسكًا بقوله: « بأجودَ مِنْك يا عمر الجوادا» على أن الرواية بفتح «عمر»، وحكى الأخفش أن من العرب من يضم نون

الابن» اتباعًا لضم المنادى، وزعم الجرجاني أن فتحة «ابن» بناء.

وإن كان الموصوف علما مؤننا ونعت بـ (ابنة» مضافًا على علم فحكمه في النداء حكم المذكر الموصوف بـ(ابن، و به جزم ابن مالك وغيره قياسًا على

۳۹۲

النحو

«ابن»، وجزم بعضهم بالمنع لأن السماع إنما ورد في «الابن» وهو خروج عن الأصل فلا يقاس عليه، وفي الوصف بـ (بنت وجهان رواهما سيبويه نحو: هذه هند بنت عاصم بالتنوين وبحذفه لكثرة الاستعمال فقط، ولو كان المؤنث مبنيا في الأصل نحو: «يا رقاش ابنة عمرو» لم يغير البناء الأصلي، ويكون فتح الاتباع تقديرا، أفاده في "الهمع " مختصرًا.

الخامس: إذا ذكر منادى مضاف وكرر المضاف إليه فهو توكيد، فإن كرر المضاف فقط فيضم الأول منادى مفردًا، وينصب الثاني مضافًا مستأنفا أو بإضمار «أعني» أو عطف بيان أو بدلا، زاد ابن مالك: أو تأكيدًا، قال أبو حَيَّان لم يذكره أصحابنا وهو ممنوع لأنه لا معنوي كما هو واضح، ولا لفظي لاختلاف جهتي التعريف وأجاز السيرافي أن ينصب نعتا وتأول فيه معنى الاشتقاق، وهو ضعيف، وينصب أيضًا الأول، قال سيبويه : على الإضافة إلى متلو الثاني، والثاني مقحم بينهما، ولا يجوز الفصل بين المتضايفين بغير الظرف إلا في هذه المسألة خاصة، والفراء : هو والثاني معا مضافان إلى المذكور، والمبرد: هو على نية الإضافة إلى مقدر مثل المضاف إليه الثاني، والأعلم: هو على التركيب، وفتح الأول والثاني بناء لا إعراب جعلا اسما واحدًا وأضيفا، والسيرافي: هو على الاتباع والتخفيف ولا تختص المسألة عند البصريين بالعلمين، فيجوز نصب في اسمي الجنس وفي الوصفين، والكوفيون أوجبوا في

اسمي الجنس ضم الأول وفي الوصفين ضمه بلا تنوين أو نصبه منونًا. السادس: من الأسماء أسماء لازمت النداء، فلم يتصرف فيها بأن تكون مبتدأ ولا فاعلا ولا مفعولا ولا مجرورًا، بل لا تستعمل إلا في النداء خاصة،

تشييد المباني

۳۹۳

وهي قسمان: مسموع، ومقيس، فمن المسموع فل» للرجل و«فلة» للمرأة وقد جر «فل» في الضرورة قال أبو النجم :

تَضِلَّ منه إيلي بالهوجل في لجة أمسك فلانـا عـن فـل واختلف فيهما فقيل: هما ترخيما فلان وفلانة» و به جزم ابن مالك، ونسبه

.

أبو حَيَّان للكوفيين، وقيل كنايتان عن علم من يعقل و به جزم ابن عصفور. قال أبو حَيَّان ومذهب سيبويه أنهما كنايتان عن نكرة من يعقل، و«فل» الذي في الشعر هو «فلان» صيره الشاعر كذلك ضرورة. ومنها هناة قال ابن مالك: يقال للمنادى المصرح باسمه في التذكير : يا هن، ويا هناه، و یا هنون» وفي التأنيث: «يا هنت و یا ،هنتان ويا هنات وقد يلي أواخرهن ما يلي المندوب من الألف وهاء السكت ومنها ملام، ولومان، ونومان»، ولا

يقاس عليها البتة قال:

إذا قلت يا نومان لم يجهل الذي

أريد ولم يأخذ بشـــيء سوى حجلي

ومنها المدح والذم: «مكرمان، وملأمان، ومخبثان، وملكعان، ومطيبان ومكذبان»، ولا ينقاس عند الأكثر ، وقال بعض المغاربة: إنه منقاس، وإنه

يؤنث بالتاء، وحكى ابن سیده: «ملأمانه».

ومنهم من أجاز استعماله في غير النداء بقلة، ومنها في سب المذكر: «لكع، وفسق، وخبث»، و «غدر» معدولة عن ألكع ، وفاسق، وخبيث، وغادر»، ولا ينقاس عند ابن مالك، قال أبو حَيَّان وأصحابنا نصوا على القياس فيه، والمقيس فعال المعدول في سب المؤنث نحو: «يا لكاع، ويا خباث، ويا فساق»،

٣٩٤

النحو

وأما قوله: «إلى بيت قعيدته لكاع فضرورة وهذا النوع مبني على الكسر لمشابهته حذام في العدل والتأنيث والوزن، وينقاس في السب بلا خلاف وفي الأمر على الأصح وهو قول سيبويه من كل فعل ثلاثي مجرد تام متصرف نحو: «يا لأم، ويا قذار»، بمعني: «يا لئيمة، ويا قذرة» و«جلاس، ونطاق، وقدام»، بمعنى: اجلس، وانطق، وقم، فلا يبنى من غير ثلاثي ولا من مزيد، بل يقتصر فيه على ما سمع نحو: «دراك) من أدرك خلافا لابن طلحة، ولا من ناقص فلا يجوز كوان منطلقا وبیات ساهرا بمعنى «كن» و«بت»، ولا من

جامد فلا يجوز: وذار» ولا «وداع» بمعنى: «ذر، ودع». أفاده في "المع".

(تتمتان):

الأولى: قال ابن يعيش الندبة نوع من النداء فكل مندوب منادى وليس كل منادى مندوبا؛ لأنه يجوز أن ينادى المذكور والمبهم ، ولا يجوز ذلك في الندبة. اهـ وقال الأبذي: المندوب يشرك المنادى في أحكام وينفرد في أحكام وينفرد في إلحاق ألف الندبة.

الثانية: قال المهلبي فيما لا يرخم

إن أسماء توالت عشرة مترخم عند أهل الخبرة مبهم ثمــــــت نـــــت بعــــده والمضافان معا والنكرة ثم شبه المضاف خالص والثلاثي ومندوب الترة يجتذيه مستغاث راحـــــم وإذا كانت جميعا مضمرة (فائدة): قال ابن فلاح في "المغني": قالوا أكثر ما رحمت العرب ثلاثة أشياء وهي: حارث، ومالك، وعامر. انتهى من "الأشباه".

تشييد المباني

٣٩٥

باب المفعول من أجله

ثم قال المصنف : (باب) المفعول من أجله هذا هو الرابع من المفاعيل، وكان حقه أن يذكر عقب المصدر لأنه قريب منه ؛ ولذلك لم يترجم الكوفيون له استغناء بالمصدر عنه. ويسمى المفعول لأجله وله.

قال المؤلف: (وهو الاسم المنصوبُ الذي يُذكر بيانا لسبب وقوع الفعل) وقال في "الشذور": «هو المصدر الفضلة المعلل لحدث شاركه في الزمان

والفاعل . اهـ

قال السيد: وهو قسمان:

أحدهما: علة غائية للفعل كالتأديب للضرب.

الثاني: ما ليس كذلك كالجبين للقعود. والأول يكون بحسب تعقله علة للفعل، وبحسب وجوده في الخارج

معلولا له، والثاني يكون بحسب وجوده في الخارج علة للفعل». اهـ وله خمسة شروط:

الأول: أن يكون مصدرًا؛ وذلك لأن الباعث إنما هو الحدث لا الذوات. وزعم يونس أن قوما من العرب يقولون: «أما العبيد فذو عبيد» بالنصب، وتأوله على المفعول له وإن كان غير مصدر، وتأوله الزجاج بتقدير التملك ليصير بمعنى المصدر ، كأنه قيل: «أما تملك العبيد». الثاني: أن يكون قلبيًّا ، أي : من أفعال النفس الباطنة، نحو: جاء زيد خوفا ورغبة، بخلاف أفعال الجوارح الظاهرة نحو: جاء زيد قتالا للكفار، وقراءة

٣٩٦

النحو

للعلم، فلا يكون مفعولاً له، ذكر هذا الشرط بعض المتأخرين كابن الخباز

والبرندي. وأجاز الفارسي : جئتك ضرب زيد، أي لتضرب زيدا. الثالث: أن يكون معللا بخلاف المصادر التي لا تعليل فيها كقعد

جلوسًا، ورجع القهقرى.

الرابع، والخامس : شرط الأعلم والمتأخرون كالشلويين مشاركته لفعله في الوقت والفاعل، نحو: ضربت ابني تأديباً، بخلاف ما لم يشاركه في الوقت نحو: وقد نَضَّتْ لنوم ثيابها لأن النض ليس وقت النوم، أو الفاعل نحو:

وإني لتعروني لذكراك هزة ففاعل تعروني: هزة، وفاعل ذكرى: الشاعر. ولم يشترط ذلك سيبويه ولا أحد من المتقدمين، وتبعهم ابن خروف في الشرط الخامس؛ فيجوز عندهم أكرمتك أمس طمعا غدًا في معروفك، ومنه:

يرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ [الرعد: ١٢] ففاعل الإراءة هو والخوف والطمع من الخلق. وشرط الجرمي والرياشي والمبرد كونه نكرة، وأنه إن وجدت فيه «أل» فزائدة؛ لأن المراد ذكر ذات السبب الحامل فيكفي فيه النكرة، فالتعريف زيادة لا يحتاج إليها.

ورده سيبويه والجمهور فإن السبب الحامل قد يكون معلوما عند المخاطب فيحمله عليه فيعرفه ذات السيد، وإنها المعلومة له فلا تنافي بينهما. أفاده في "الهمع". فهذه ستة شروط وفاقًا وخلافا.

وبقي سابع وهو أن لا يكون من لفظ الفعل، فإن كان فمفعول مطلق؛

تشييد المباني

۳۹۷

لأن الشيء لا يكون علة لنفسه وهو راجع إلى معنى الشروط المذكورة.

(تنبيهات):

الأول: اختلف في ناصب المفعول ،له فالصحيح وعليه سيبويه والفارسي- أن ناصبه مفهم الحدث، نصب المفعول به المصاحب في الأصل حرف جر لأنه جواب له فقولك في جواب لم ضربت زيدا؟: ضربته تأديبا؛ أصله للتأديب، إلا أنه أسقط اللام ونصب؛ ولهذا تعاد في مثل : ابتغاء الثواب تصدقت له؛ لأن الضمير يرد الأشياء إلى أصولها.

وذهب الكوفيون إلى أنه ينتصب انتصاب المصادر وليس على إسقاط حرف الجر، وكأنه . عندهم من قبيل المصدر المعنوي، فإذا قلت: ضربت زيدا تأديبا، فكأنك قلت: أدبته تأديبا، وذهب الزجاج فيما نقل عنه ابن عصفور إلى ينتصب بفعل مضمر من لفظه، فالتقدير في: جئت إكراما لك: أكرمتك إكراما لك، حذف الفعل وجعل المصدر عوضًا من اللفظ به، فلذلك لم

أنه

يظهر . اهـ

الثاني: متى فقد شرط من الشروط المتقدمة وجب جره باللام، فمثال فقد المصدرية: ﴿ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ﴾ [الرحمن: ١٠]. ومثال فقد المشاركة البيتان السابقان وقد يجر بـ «من» أو «الباء» لأنهما في معنى اللام نحو: خَشِعًا مُّتَصَدِعَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: ۲۱]، فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا [النساء: ١٦٠] وقد يجر بـ«في» السببية نحو: «دخلت امرأة النارَ في هِرَّة». ولا يتعين الجر مع «إن وأن»، وإن كانا غير مصدرين لأنهما يقدران

۳۹۸

النحو

بالمصدر، وإن لم يتحد فيهما الفاعل أو الوقت لأن حرف الجر يحذف معهما

كثيرا نحو: أزورك إن تحسن إلي، أو: إنك تحسن إلي.

الثالث: لا يتعين النصب عند استيفاء الشروط، بل يجوز معه الجر، ثم إن

كان مجردًا من «أل» والإضافة فالنصب أكثر ويقل الجر.

(نحو قولك: قام زيد إجلالا لعمرو) والأمثلة السابقة، ويجوز: ضربته لتأديب. وذهب الجزولي إلى منع جره، قال الشلويين: ولا سلف له في ذلك. وإن كان معرفًا بأل فالجر أكثر، ويقل النصب كقوله:

لا أقعد الجبن عن الهيجاء ولو توالت زُمَــر الأعـداء

وقول قريط:

فليت لي بهم قوما إذا ركبوا شَنوا الإغارةَ فُرسَانًا ورُكبانًا

ويجوز للجبن، وللإغارة

وإن كان مضافًا استوى نصبه وجره قال تعالى: يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابتغاء مرضات الله ﴾ [البقرة: ٢٦٥]، وقال: الإيلافِ قُرَيْشٍ ﴾ [قريش: ١] (و) نحو قولك: (قصدتك ابتغاء معروفك). وقال الكسائي والأخفش: اللام في الإيلف » متعلقة بـ«اعجبوا مقدرا، وقال الزجاج: متعلقة بقوله تعالى: فَعَلَهُمْ كَعَصْفِ مَأْكُولم ﴾ [الفيل : ٥].

الرابع: يجوز تقديم المفعول له على عامله ومنعه ثعلب وطائفة، ورد

بالسماع قال: «فما جزعًا وربّ الناس أبكي». وقال الكميت:

طربت وما شوقا إلى البيض أطرَبُ ولا لعبا مني وذو الشَّيْبِ يلعب؟

تشييد المباني

۳۹۹

الخامس: لا يجوز تعدد المفعول له منصوبًا كان أو مجرورًا، ومن ثم منع في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُسَكُوهُنَّ صِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾ [البقرة: ۲۳۱] تعلق «لِتَعْتَدُوا »

بـ «المسكُوهُنَّ » على جعل «ضرارًا » مفعولاً له، وإنما يتعلق به على جعله حالا. السادس: قال الجزولي: لا يكون المفعول له منجرا باللام إلا مختصا نحو: قمت لإعظامك، ولا يجوز لإعظام لك، قال الشلويين: وهذا غير صحيح، بل هو جائز لأنه لا مانع يمنع منه، ثم قال: ولا أعرف له سلفًا في هذا القول. انتهى من "الأشباه".

٤٠٠

النحو

باب المفعول معه

ثم قال المصنف: (باب المفعول معه هذا هو الخامس من المفاعيل وإنما

أخر عنها في الذكر لأمرين:

الأول: أنهم اختلفوا فيه هل هو قياسي أو سماعي؟ وغيره من المفاعيل لم

يختلفوا في أنه قياسي. والثاني: أن العامل إنما يصل إليه بواسطة حرف ملفوظ به وهو الواو

معه

الفعل)، وفي

بخلاف سائر المفعولات. قاله ابن هشام. (وهو الاسم المنصوب الذي يُذكرُ لبيان من فُعِلَ "الأزهرية": المفعول معه هو الاسم الفضلة الواقع بعد واو المصاحبة المسبوقة بفعل، أو اسم فيه معنى الفعل وحروفه؛ فخرج بالاسم: الفعل نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن؛ بالنصب، وبالفضلة العمدة، نحو: اشترك زيد وعمرو، وبالواقع بعد واو المصاحبة : الواقع بعد «مع» نحو: جئت مع زيد، وبالمسبوقة بفعل نحو كل رجل وضيعته وباسم فيه معنى: الفعل وحروفه نحو: هذا لك وأباك؛ بالموحدة، فلا يتكلم به خلافا للفارسي (نحو) قولك فيما استوفى الشروط: «جاء الأميرُ والجيش، واستوى الماء والخشبة)، وأنا سائر

والنيل.

(فائدة أجنبية): الماء اسم جنس يقع على القليل والكثير، وجمع باعتبار اختلاف أنواعه، فجمعه في القلة: «أمواه»، وفي الكثرة: «مياه»، والنسبة إليه: «مائي، وماوي».

تشييد المباني

(تنبيهات):

٤٠١

التنبيه الأول: الصحيح أن هذا الباب مقيس، واختلف فيه فقوم يقيسونه في كل شيء حتى حيث يراد بالواو معنى العطف المحض، وحيث لا يتصور معنى العطف أصلا نحو: قعدت وطلوع الشمس، وعليه ابن مالك والجمهور، وقال المبرد والسيرافي: يقاس فيما كان الثاني مؤثرًا للأول وكان الأول سببا له نحو: جاء البرد والطيالسة؛ فالبرد سبب لاستعمال الطيالسة. وقال الخضراوي: الاتفاق على أن هذا مطرد في لفظ الاستواء والمجيء والصنع، وفي كل لفظة سمعت وينبغي عندي أن يقاس على ما سمع ما في معناه ولم يكن من لفظه ؛ فيقاس وصل» على «جاء»، و«وافق» على «استوى»، و«فعلت» على «صنعت»، وما ليس من ألفاظها ومعانيها لا ينبغي أن يجوز.اهـ التنبيه الثاني: اختلف في ناصب المفعول معه على أقوال:

أحدها: أنه ما تقدمه من فعل أو شبهه وسواء في الفعل المتعدي أو اللازم عند الجمهور. وقالت طائفة : لا يكون مع المتعدي لئلا يلتبس بالمفعول به. وهل يكون مع كان الناقصة؟ قولان:

الأول: نعم، وعليه الجمهور؛ لأن الصحيح أنها مشتقة، وأنها تدل على

معنى سوى الزمان، قال الشاعر: «يكون وإياها بها هائما بعدي». و الثاني: لا، وعليه طائفة؛ لأنه ليس فيها معنى حدث تعدى بالواو. و مذهب سيبويه أنه لا ينصبه حرف التشبيه واسم الإشارة والظرف والجار

والمجرور، وأجازه الفارسي وغيره وعليه: «هذا ردائي مطويا وسربالا».

٤٠٢

النحو

القول الثاني: أن ناصبه الواو، وعليه عبد القاهر الجرجاني، ورد بأنه لو كان

كذلك لاتصل بها إذا كان ضميرًا كما في سائر الحروف الناصبة. القول الثالث: أن ناصبه فعل مضمر بعد الواو ، وعليه الزجاج قال: وإنما

لم يعمل فيه الفعل السابق لفصل الواو، وعورض بالعطف؛ فإن فصل الواو فيه لم يمنع من تسلط العامل.

الرابع: أن الناصب له الخلاف، ونسبه ابن مالك وهشام للكوفيين، ورد بأن الخلاف لو كان ناصبًا لقيل: ما قام زيد لكن عمرا، ولم يقله أحد من العرب ؛ قال أبو حَيَّان وأكثر الكوفيين والأخفش على أن الواو مهيئة لما بعدها أن ينتصب انتصاب الظرف والأول من هذه الأقوال هو الأصح كما ذكره

المتأخرون.

التنبيه الثالث: لا يتقدم المفعول معه على عامله اتفاقا؛ لأن أصل واوه : للعطف، والمعطوف لا يتقدم على عامل المعطوف عليه اتفاقا، ولا يتقدم على

مصاحبه أيضًا لما ذكر، وأجاز ابن جني لوروده في العطف قال: ألا يا نخلة من ذاتِ عِرق عليك ورحمة الله الســـلام

وسماعه هنا قال:

جمعت وفُحشا غيبة ونميمة خصالًا ثلاثا لستَ عنها بِمُرْعَوِي

ولأن باب المفعولية في التقديم أوسع مجالًا من باب التابعية.

التنبيه الرابع: لا يجوز الفصل بين الواو والمفعول معه بظرف ولا بغيره؛

فلا يقال: قام زيد واليوم عمرًا، وإن جاز الفصل بالظرف بين الواو العاطفة

تشييد المباني

٤٠٣

ومعطوفها؛ لأن الواو هنا نزلت منزلة الجار مع المجرور فمنعوا الفصل بينهما. الخامس: زعم صدر الأفاضل أن المفعول معه يكون جملة، وخرج عليه قولهم: جاء زيد والشمس طالعة، وفر من جعلها حالا لأنها لا تنحل إلى مفرد يبين هيئة فاعل ولا مفعول ولا هي مؤكدة، وأجيب بأنها مؤولة بالحال السببية، أي جاء زيد طالعة الشمس عند مجيئه، وقيل: تؤول بمنكر أو نحوه.

أفاده في "الهمع".

السادس: إذا وقعت بعد المفعول معه خبر لما قبله أو حال طابق ما قبله نحو: كان زيد وعمرًا متفقا، وجاء البرد والطيالسة شديدة، ويجوز عدم المطابقة بأن تثنى نحو: كان زيد وعمرا متفقين، وجاء البرد والطيالسة شديدين، ومنع ذلك ابن كيسان وأوجب المطابقة للأول، قال أبو حَيَّان: وإياه نختار. أفاده في "الهمع".

السابع: مسائل هذا الباب بالنسبة إلى العطف والمفعول معه خمسة أقسام:

الأول: ما يجب فيه العطف وهو شيئان

أحدهما: وعليه الجمهور؛ أن يتقدم الواو مفرد نحو: الرجال وأعضاؤها، والنساء وأعجازها، وجوز الصميري فيه النصب على المفعول معه بـ ، بلا تأويل،

وجوزه بعضهم على تأويل ما قبل الواو جملة حذف ثاني جزأيها. ثانيهما: أن يتقدم الواو جملة ليس فيها معنى الفعل نحو: أنت أعلم ومالك

والمعنى بمالك، وهو عطف على أنت، ونسبة إليه مجاز.

الثاني: ما يجب فيه النصب، وهو أن يتقدم الواو جملة فعلية أو اسمية فيها

٤٠٤

النحو

معنى الفعل، وقبل الواو ضمير متصل مجرور أو مرفوع لم يؤكد بمنفصل نحو : مالك وزيدا، وما شأنك وزيدا، وما صنعت ،وإياك، فلا يجوز العطف هنا لامتناعه، والنصب في الاسمية بـ «كان» مضمرة قبل الجار وهو اللام وشأن»، أي: ما كان شأنك وزيدًا، أو بمصدر «لابس» منويًّا بعد الواو؛ أي: ما شأنك وملابسة زيدا أو ملابسك زيدا، قاله سيبويه.

قال أبو حَيَّان نقلا عن شيخه ابن الضائع هكذا تقدير معنى الإعراب لأنه عند سيبويه مفعول معه وتقدير الملابسة يجعله مفعولا به، وقال السيرافي

وابن خروف المقدر فعل وهو: «لابس لأن المصدر لا يعمل مقدرًا. الثالث: ما يختار فيه العطف، وهو أن يكون المجرور في الصورة السابقة ظاهرا أو ضميرًا لمرفوع منفصلا نحو ما شأن عبد الرحمن وزيد، وما أنت وزيد، فالأحسن العطف لإمكانه وهو الأصل، ويجوز النصب، ومنعه بعض المتأخرين كابن الحاجب.

ورد بالسماع قال: «وما أنت والسير في متلف».

وسمع: ما أنت وزيدًا، وكيف أنت وقصعة من ثريد، قال سيبويه: أي: ما كنت وزيدًا، وكيف تكون وقصعة من ثريد، لأن «كان» تقع هنا كثيرًا. اهـ قال الفارسي وكان هذه المضمرة تامة لأن الناقصة لا تقل هنا، واختاره الشلويين وقال أبو حَيَّان: الصحيح أنها الناقصة، وأنها تعمل هنا و«كيف» خبرها وكذا «ما». الرابع: ما يختار فيه النصب، وهو أن تجتمع شروط العطف لكن يخاف منه

تشييد المباني

٤٠٥

فوات المعية المقصودة نحو: لا تغتذ بالسمك واللبن، أي مع اللبن؛ لأن النصب يبين مراد المتكلم، وكذا إذا كان فيه تكلف من جهة المعنى نحو قوله: فكونوا أنتم وبنـــي أبـــيكم مكانَ الكُلْيَتَيْنِ مع الطَّحَال فإن لم يصلح الفعل للتسلط على المعطوف امتنع العطف عند الجمهور، وجاز النصب على المعية وعلى إضمار الفعل الصالح نحو: فَاضِعُوا أَمْرَكُمْ وشُرَكَاءَكُمْ ﴾ [يونس: ۷۱] فإما أن يجعل مفعولا معه أو مفعولا بأجمعوا مقدرًا، ومثله تبوء و الدَّارَ وَالْإِيمَنَ ﴾ [الحشر: ۹] فالإيمان مفعول معه أو به بـ«اعتقدوا مقدرًا، فإن لم يحسن جعل «مع» موضع الواو ولم يمكن تسليط

العامل على المعطوف تعين الإضمار وامتنع المفعول معه والعطف كقوله: إذا ما الغانيات برزُنَ يوما وزججن الحواجب والعيونــا فيقدر: «وكحلن ؛ لأن «زججن» غير صالح للعمل في العيون، وموضع الواو غير صالح لـ«مع»، وذهب أبو عبيدة والأصمعي واليزيدي والمازني والمبرد إلى جواز العطف على الأول بتضمين العامل معنى يتسلط به على المتعاطفين، واختاره الجرمي وقال: يجوز في العطف ما لا يجوز في الإفراد نحو: أكلت خبرا ولبنا.

الخامس: ما يجوز فيه العطف والمفعول معه على السواء، وذلك إذا أكد ضمير رفع متصل نحو ما صنعت أنت ،وإياك ونحو: رأسه والحائط ؛ أي: دع، وشأنك والحج ؛ أي: عليك بمعنى الزم، وذلك مقيس في كل متعاطفين

٤٠٦

النحو

على إضمار فعل لا يظهر. فالمعية في ذلك والعطف جائزان والفرق بينهما من جهة المعنى أن المعية منها الكون في حين واحد دون العطف لاحتماله مع ذلك التقدم والتأخر ، قال أبو حَيَّان وفي تمثيل سيبويه بهذه الأمثلة رد على من يعتقد أن المفعول معه لا يكون إلا مع الفاعل. أفاده في "شرح الجمع". قال المؤلف : (وأما خبر كان وأخواتها واسمُ إِنَّ وأخواتها فقد تقدم ذكرهما في المرفوعات، وكذلك التوابع فقد تقدمت هناك) فلا حاجة لإعادتها هنا. ولما فرغ من ذكر المنصوبات شرع يتكلم على المخفوضات فقال:

تشييد المباني

٤٠٧

باب مخفوضات الأسماء)

المخفوضات جمع محفوض، والخفض الدعة، وعيش خافض، والخافض في الأسماء الحسنى من يخفض الجبارين والفراعنة، والانخفاض الانحطاط وخفض بالمكان أقام. وهو في الإعراب بمنزلة الكسر في البناء.

والأسماء (المخفوضات ثلاثة أقسام: «محفوض بالحرف، ومحفوض بالإضافة) ومخفوض بالتبعية وهو المراد بقوله: (وتابع للمخفوض) وقد اجتمعت الثلاثة في البسملة وهذه طريقة مرجوحة.

والراجح أن المخفوضات قسمان فأما الخفض بالتبعية فمرجوح عند

الجمهور كما تقدم. فإن قلت: الجر بالإضافة رأي الأخفش وهو مرجوح أيضًا.

قلت: المراد الجر الكائن بسببها من أن الجار المضاف على رأي سيبويه، أو فيها من أنه الحرف المقدر على رأي ابن مالك.

«فأما المخفوضُ بالحرفِ يعني به حرف الجر (فهو ما يخفِضُ بمن) ترد من اسما مفعولاً كقوله تعالى: فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ [البقرة: ۲۲] قال: وكذا حيث كانت فهي في موضع المفعول به.

قال الطيبي في "حاشيته": وإذا قدرتها مفعولا كانت اسما كـ«عن». قلت: وترد فعل أمر من: مان يمين: كذب (وإلى) قال السيوطي: وترد

اسما بمعنى النعمة وجمعه الآلاء . اهـ

قلت: وترد فعل أمر للاثنين من وأل، يئل»: طلب النجاة.

٤٠٨

النحو

قال المؤلف : (وعن): وترد اسما بمعنى جانب من عن يميني مررت

وأمامي»، وكقوله:

على عن يميني مرَّت الطير سنحا وكيـف سـنـوح واليمين قطيع

وتكون عن مصدرية في عنعنة تميم كما تقدم.

قال المؤلف : (وعلى) فعلا ماضييًا بمعنى صعد.

قال المؤلف : (وفي) وترد اسمًا بمعنى «الفم) مجرورا، وفعل أمر للمؤنث من «وفى، يفي». قال المؤلف : (ورُبَّ) وفيها لغات تقدم ذكرها صدر الكتاب، وزعم ابن فضال المجاشعي في "الهوامل والعوامل" أنها ثنائية الوضع ساكنة الثاني كـ«هل، وبل»، وأن فتح التاء مخففة دون الباء ضرورة، وأن فتح الراء مطلقا

شاذ.

والجمهور على أنها ثلاثية ،الوضع، وأن تخفيف التاء وفتح الراء لغة معروفة. وزعم الكوفية وابن الطراوة أنها اسم مبني لأنها في التقليل مثل «كم» في التكثير، وهي اسم بإجماع، وللإخبار عنها في قوله: إن يقتلوك فإنَّ قتلك لم يكن عارًا عليك وربَّ قتل عارُ وتقع مصدرًا كـاب ضربة ضربت، وظرفا كـ«رب يوم سرت»، و مفعولا كرب رجل ضربت واختار الرضي أنها اسم ؛ قال : لأن معنى رجل» في أصل الوضع قليل من هذا الجنس، كما أن معنى كم كثير من هذا الجنس، لكن قال : إعرابه أبدًا رفع على أنه مبتدأ لا خبر له قال فإن كفت بـ «ما» فلا محل لها حينئذ لكونها

تشييد المباني

٤٠٩

كحرف النفي الداخل على الجملة.

وأجاب البصريون بأنها لو كانت اسما الجاز أن يتعدى إليها الفعل بحرف الجر وأن يعود عليها الضمير ويضاف إليها وذلك وجميع علامات الاسم منتفية عنها، وبأن الرواية في البيت وبعض قتل عار»، وإن صحت تلك الرواية فـ«عار» خبر محذوف، أي: هو، والجملة صفة المجرور أو خبره إذ هو في موضع المبتدأ.

قال الفارسي : ومن الدليل على أنها حرف لا اسم أنهم لم يفصلوا بينها وبين

المجرور، كما فصلوا بين كم وبين ما تعمل فيه. أفاده في "الهمع". قال المؤلف: (الباء) مكسورة مطلقا، وقيل: تفتح مع الظاهر قال أبو حَيَّان: حكاه أبو الفتح عن بعضهم. وتزاد توكيدا في ستة مواضع: في الفاعل،

والمفعول، والمبتدأ والخبر، والحال، والتوكيد.

قال المؤلف: (والكاف) وتقع اسما مرادفة لمثل جارة أيضًا، قال سيبويه والمحققون: لا تقع كذلك إلا ضرورة؛ وحينئذ فتجر بالحرف كقوله: يَضْحِكْنَ عَنْ كَالْبَرَدِ الْمَنْهَم

وبالإضافة كقوله:

بكا للَّقَوْةِ الشَّعُواء جُلْتُ فَلم أكُنْ

تيم القلب حب كالبدر لا بل فاق حسنا مــن تـيـم القلب حبـا

وتقع فاعلة كقوله:

أتنتهون ولن ينهى ذَوي شَطَط كالطَّعن يذهبُ فيه الزيتُ والفُتُلُ

ومبتدأة كقوله:

النحو

بنا كالجوى مما نخاف وقد نرى شفاء القلوب الصاديات الحوائم

واسم كان كقوله:

لو كان في قلبي كقدر قلامــة فضلا لغيرك ما أتتك رسائلي ومفعولة كقول النابغة:

لا يبرمون إذا ما الأفق جلله برد الشتاء من الإمحال كالأدم وقال الأخفش والفارسي : تقع كذلك اختيارًا كثيرًا نظرا إلى كثرة السماع، وعليه يجوز في زيد كالأسد أن تكون في محل رفع، و«الأسد» مجرورًا بالإضافة، وعليه كثير من المعربين قال ابن هشام: ولو صح ذلك لجمع في الكلام مثل مررت بكالأسد». وقال أبو حَيَّان: تقع اختيارًا قليلا. قال أبو جعفر بن مضاء: هي اسم دائما، ورده الأكثرون بمجيئها على حرف واحد، ولا يكون على ذلك من الأسماء الظاهرة إلا محذوف منه أو شاذ. وقال بعضهم: هي اسم إذا زيدت ورد بأن زيادة الاسم لم تثبت وقل جرها بـ«مذ». انتهى من "الهمع".

قال المؤلف: ((واللام) والأشهر عند العرب كسرها مع كل ظاهر إلا المستغاث، وفتحها مع المضمر غير الياء. وبعضهم يفتحها مع الظاهر مطلقا. وبعضهم إذا دخلت على الفعل وقريء وما كان ليعذبهم وخزاعة تكسرها المضمر، قال في "الهمع " : وإنما كسرت هي والباء، وإن كان الأصل في الحرف الواحد بناؤه على الفتح تخفيفًا لموافقة معمولها ولم تكسر الكاف لأنها تكون اسما فكان جرها ليس بالإضافة، وبقيت في المضمر على الأصل لأنه

مع

تشييد المباني

٤١١

يتميز ضمير الجر من غيره، ولم يعول في الظاهر على الفرق بالإعراب لعدم اطراده إذ قد يكون مبنيا وموقوفًا عليه (حروفُ القسم بالجر عطفا على من (وهي: الواو) ويضمر معها الفعل وجوبًا كما تقدم خلافا لابن كيسان، وهل هي الواو العاطفة أو بدل من الباء؟ خلاف، جزم مالك ونقله أبو حَيَّان عن الجمهور بأنها بدل من الباء لتقارب معناهما. وقال السهيلي وغيره: بل هي العاطفة كواو «رب» عطفت على مقدر، ويقويه أنها لا تدخل على مضمر

كالعاطفة.

قال المؤلف : (والباءُ) وهي أصل أحرفه، وإن كانت الواو أكثر استعمالا منها، ومن ثم جاز حذفها لا غيرها من أحرفه؛ فينصب المقسم به بإضمار فعل القسم. قال ابنا خروف وعصفور: أو فعل آخر كـ«الزم» ونحوه، ويرفع على الابتداء والخبر محذوف وروي بهما قوله : فقلتُ يمين الله أبرح قاعدًا». ولا تجر خلافًا للكوفيين في إجازتهم الجر بالحرف المحذوف.

قال المؤلف : (والتاء) واللام ويكون لما فيه معنى التعجب وغيره كقولهم: الله لا يؤخِّرُ الأجلُ» ، أي: «الله»، وقوله: «الله يبقي على الأيام منتعل». (تنبيه): بقي من حروف القسم أيمن ، وهو حرف عند الرماني والزجاج، واسم على الأصح وفيه لغات أيمن» بفتح الهمزة وضم الميم، «إيمن» بكسر فضم ، و«أيمن» بفتحها، وإيمن» بكسر ففتح، و«إيم» بالكسر والضم، و«أيم» بالفتح والضم ، و«إيم» بكسرتين، و«هيم» بفتح الهاء مبدلة من الهمزة والضم وهي أغرب لغاتها، و«أم» بفتحتين، و«أم» بالفتح والضم،

٤١٢

النحو

و«أم» بالفتح والكسر ، و«إم بالكسر والضم، و«إمَ» بالكسر والفتح ومن

الشبهه

مثلث الحرفين وم مثلثا. والأصح أنه معرب لعدم سبب البناء. وقال الكوفيون مبني ) بالحرف في عدم التصرف، والأصح أنه لازم للرفع. وقال ابن درستويه: يجوز جره بواو القسم، والأصح أنه مبتدأ حذف خبره ، وقال ابن عصفور: هو خبر

والمحذوف مبتدأ والأصح أنه مضاف الله ، والكعبة، والكاف، والذي. فالأول غالب، والباقي نحو أيمن الكعبة، وقول عروة بن الزبير: أيمنك لئن ابتليت لقد عافيت، وقوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «وأيم الذي نفسي بيده». والأصح أنه مفرد ، وقال الكوفيون: هو جمع «يمين» على أفعل كأفلس؛ لأن بناء أفعل لا يوجد في الأسماء مفردًا. والأصح أنه مشتق من اليمين، وبه جزم ابن مالك، وحكى ابن طاهر عن سيبويه أنه مشتق من اليمين والأصح أن همزتها همزة وصل، وقال الكوفيون همزة قطع.

(تتمتان):

الأولى: يغني عن القسم: لا «جرم» في حكاية الفراء؛ تقول العرب: لا جرم لأتينك؛ فاستغنوا بها عن القسم قاصدين بها معنى حقا، وأصلها بمعنى لا بد. قال الكوفية ويغنى عنه أيضًا «عوض»؛ فيقال: عوض لأفعلن، والبصريون لا يعرفون القسم به وإن ذكره الزجاجي.

ويجمع بين أيمان توكيدا سواء اختلف حرف القسم أم لا، فإن اختلف الحرف لم يؤت بالثاني حتى يوف الأول جوابه، فيقال: تالله لأفعلن، بالكعبة لأفعلن، وجوزه الأخفش فيقال : تالله بالله والله لا أفعل، كما يقال: والله والله لا

تشييد المباني

أفعل البتة.

٤١٣

الثانية: من القسم: غير صريح ، قال في "الهمع": وهو ما لا يعلم بمجرد لفظه كون الناطق به مقسما كـ«علمت نحو: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا

لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَق ﴾ [البقرة: ۱۰۲] قال سيبويه: ومنه قولهم: علم الله، و «شهدت» نحو: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [آل عمران: ۱۸] في رواية الكسر ، نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ﴾ [المنافقون: ١]، و«جاهدت»، و«أوثقت»، وأخذت»، ومنه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: ۱۸۷] وهذه الألفاظ في الخبر.

وفي الإنشاء: «نشدتك الله»، و«عمرتك الله بالتشديد، و«عمرك الله» بضم الراء وفتحها مع ضم العين، وقعدك «الله» بفتح القاف وكسرها، وعزمت»، ويجوز حذف نشدت»، ومنه قوله: قالت له بالله يَا ذَا البُرْدَين لما غَيْتَ نَفْسًا أو اثنَيْنِ ويجوز حذف الباء فينتصب تاليها نحو نشدتك الله لما فعلت، والأصل

بالله» . اهـ

(فائدة): «نشدتك بالله»: سألتك وطلبت منك من نشد الضالة: طلبها. وعمرك الله»: سألتك بتعميرك، أي بإقرارك له بالبقاء، وهو مخفف عمر تعميرا، وجاء في الحديث النهي عن قول: «العمر الله». و«قعيدك الله»، قيل: كأنه قاعد معك بحفظه عليك، أو معناه يصاحبك الذي هو صاحب كل

نجوى.

٤١٤

النحو

ثم قال المصنف: (وبواو (رب) هذا مذهب الكوفيين والمبرد، والصحيح عند البصريين أن الواو عاطفة، وأن الجر بـ«رب» محذوفة. واحتج الكوفيون بافتتاح القصائد بها، لقول رؤبة: «وقاتم الأعماق خاوي

المخترقن»، وقوله: «وليل كموج البحر أرخى سدوله».

وأجيب بجواز تقدير العطف على شيء في نفس المتكلم ويوضع كونها عاطفة أن واو العطف لا تدخل عليها. وذهب المبرد إلى أن الفاء جارة في نحو قول امريء القيس:

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع فالهيتها عن ذي تمائم محــول وبعضهم إلى أن بل كذلك كقول رؤبة : بل بلد ملء الفِجَاج قتمه»، وهو وهم؛ إذ الجر ونحوه بـ«رب» محذوفة.

قال المؤلف: (وبمذ ومنذ ومعناها ابتداء الغاية الزمانية كـ«من» إن كان الزمان ماضياً كقول زهير : لمـــن الـــديارُ بقُنَّةِ الحِجرِ أقوَينَ مُذ حِجَجٍ ومذ دهر

وقول امريء القيس:

قفا نبك من ذكرى حبيب وعِرفانِ وَرَبِّعٍ عَفَتْ آثاره منذ أزمــانِ والظرفية كـ«في» إذا كان الزمان حاضرًا، نحو ما رأيته مذ يومنا أو منذ يومنا ويدلان على ابتداء الغاية وانتهائها كـ«من ، وإلى معا إذا كان الزمان معدودا نكرة نحو ما رأيته مذ يومين أو منذ يومين وأكثر العرب على وجوب جرهما للحاضر، وعلى ترجيح جر منذ للماضي، وعلى ترجيح رفع

مذ)

٤١٥

تشييد المباني

للماضي.

(تنبيه): تقع «مذ» و «منذ اسمين قال ابن هشام: وذلك إذا وقع بعدهما اسم مرفوع أو الجمل الاسمية والفعلية فإن وقع بعدهما اسم مرفوع فقال المبرد والفارسي وابن السراج مبتدآن وما بعدهما ،خبر، ومعناهما «الأمد» إن كان الزمان حاضرًا أو معدودًا وأول المدة إن كان ماضيا، وقال الأخفش والزجاج والزجاجي: ظرفان مخبر بهما عما بعدهما، وقال أكثر الكوفيين ظرفان مضافان الجملة حذف فعلها وبقي فاعلها واختاره السهيلي وابن مالك. وقال بعض الكوفيين: خبر المحذوف بناء على أن منذ مركبة من كلمتين: «من، ذو الطائية. وإذا تليتهما جملة اسمية كقول الأعشى: «وما زِلْتُ أَبغِي المال من أنا يافع»، أو فعلية كقول الفرزدق: «ما زال من عقدَتْ يداه إزاره»؛ فالمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان، فقيل: إلى الجملة، وقيل: إلى زمن مضافًا إلى الجملة، وقيل: مبتدآن فيجب تقدير زمان مضاف للجملة يكون هو الخبر . اهـ

(فائدة): أصل «مذ»: منذ بدليل رجوعهم إلى ضم ذال «مذ» عند ملاقاة الساكن، ولولا أن الأصل الضم لكسروا؛ ولأن بعضهم يضم بلا ساكن، وقال ابن ملكون : هما أصلان لأنه لا يتصرف في الحرف ولا شبهه، ويرده

تخفيفهم إن، وكأن، ولكن» وقال المالقي : إذا كانت «مذ» استما فأصلها «منذ»، أو حرفًا فهي أصل، قاله ابن هشام. (لطيفة): ألغز أبو عبد الله محمد بن مصعب المقري في «مذ» و «منذ» فقال: أيها العالم الذي ليس في الأرض له مُشبِهُ يُضاهيه علما

٤١٦

النحو

أي شيء مـــن الكــلام تــراه عاملا في الأسماء لفظا وحُكْما خافضا ثُمَّ رافعًا إن تفهمت يزد فهمك التفهم فهما يشبه الحرف تارة فإذا ما ضارع الحرف نفسـه صــار اسما هو مرفوع رافع وهو أيضًا رافع غيره وليس معمى فأجبنا إن كنتَ في النحو شهما

وهو من بعد ذاك للجر حرف .

قلت: والشهم: الذكي المتوقد.

(تكملة): من حروف الجر: «حاشا، وخلا، وعدا»، نحو قوله: «من رامها حاشا النبي ورهطه»، وقوله: حاشاي إني مسلم معذور»، وقوله: «خلا الله لا أرجو سواك وإنما»، وقوله: «عدا الشمطاء والطفل الصغير».

وكي: وتختص بما الاستفهامية ، و أي ، وما» المصدرتين لا تجر غيرها كقولهم في السؤال عن العلة كيمه؟ وقال: «يرجى الفتى كيما يضر وينفع . والعل»: والجر بها لغة عقيلية حكاها أبو زيد والأخفش والفراء، قال شاعرهم: «لعل أبي المغوار منك قريب ، وأنكرها قوم منهم الفارسي وتعسف في تأويل البيت. وحكم محلها ومجرورها كـ «رب».

ومتى والجر بها لغة لهذيل بمعنى «من» كقول ابن ذؤيب :

شربن بماء البحر ثم ترفعت متى لحج خُضْرٍ لهنَّ نَشِيجُ وتأتى بمعنى «وسط»، وحكي وضعتها متى كمه، أي: وسطه، وإذا وسطا» كانت بمعنى ) فهي اسم أو من فحرف جزم به ابن هشام وغيره. انتهى من "الهمع".

ا

تشييد المباني

(تنبيهات):

٤١٧

الأول حروف الجر عشرون، ثلاثة لا تجر إلا في الاستثناء وهي: «خلا، وعدا، وحاشا»، وثلاثة لا تجر إلا شذوذا وهي: «كي، ولعل، ومتى»، وسبعة تجر الظاهر والمضمر وهي من وإلى وعن، وعلى، وفي، والباء، واللام»، والسبعة الباقية لا تجر إلا الظاهر وهي تنقسم إلى أربعة أقسام: قسم لا يجر إلا الزمان وهو «مذ، ومنذ»، وقسم لا يجر إلا النكرات وهو «رب»، وقسم لا يجر

إلا لفظي الجلالة» و «رب» وهو التاء، وقسم يجر كل ظاهر، وهو الباقي. الثاني مذهب البصريين أن أحرف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس، كما أن أحرف الجزم والنصب كذلك، وما أوهم ذلك فإما مؤول تأويلا يقبله اللفظ، أو على تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف، أو على النيابة شذوذا، والأخير محل الباب كله عند الكوفيين بلا شذوذ، قال ابن هشام وتبعه السيوطي: هو أقل تعسفا.

الثالث: لا يحذف الجار ويبقى عمله اختيارا، فأما قوله:

إذا قيل أيُّ النَّاس شر قبيلة أشارت كُليب بالأكف الأصابع

وقوله:

وكريمــة مــن آل قيـــس الفتــه حَتَّى تَبَدَّحَ فَارْتَقَى الأَعْلامِ فضرورة، وحديث البخاري: «صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمس وعشرين ضعفا نادر لا يقاس عليه إلا مع «كم» فيحذف بقياس نحو: بكم درهم اشتريت أي بكم من درهم، وزعم الزجاج أن الجر بالإضافة، ورد بما يطول ذكره. ومع الحروف الثلاثة السابقة وهي «واو رب،

٤١٨

النحو

والباء، وبل».

الرابع فصل الجار من مجروره وتأخيره عنه ضرورة، أما الأول فيكون

بظرف كقوله : إنَّ عمرًا لا خير في - اليوم - عمرو. وبجار مجرور كقوله: رُبَّ في الناس موسر كعديم وعديم يــــال ذا إيســـــار ومفعول كقوله: «وأقطع بالخرق الهبوع المراجم»، أي: وأقطع الخرق بالهيوع، وسمع في النثر بقسم؛ حكى الكسائي : اشتريته بوالله ألف درهم، وقاسه تلميذه علي بن المبارك الأحمر في «رب». قال أبو حَيَّان ولا يبعد ذلك إلا أن الاحتياط أن لا يقدم عليه إلا بسماع. قاله في "الهمع".

الخامس: تزاد ما بعد «من وعن والباء فلا تكفهن، كقوله تعالى : عَمَّا قليل ليُصْبِحُنَّ نَدِمِينَ ﴾ [المؤمنون: ٤٠] مِمَّا خَطِيهِمْ ﴾ [نوح: ٢٥]، فيما

نَقْضِهِم مِّيتَقَهُمْ ﴾ [النساء: ١٥٥].

وبعد اللام فلا تكفها أيضًا كقول الأعشى:

إلى ملـــك خــــير أربابه فإنَّ لا كل شيء قرارا وبعد «رب»؛ فالغالب الكف وإيلاؤها الفعل الماضي كقوله: ربـــــا أوفيـــــتُ في علـــــم تَرْفَعَن ثوبي شالات وقد يليها المضارع نحو : رُبَمَا يَوَدُّ ﴾ [الحجر: ٢]، والجملة الاسمية نحو: «ربما الجامل المؤبلُ فيهم»، وقد لا يكف نحو: «ربما ضربة بسيف

تشييد المباني

صقيل».

٤١٩

قال الفارسي : يتعين بعدها الفعلية إذا كفت، وأول البيت على أن «ما» نكرة موصوفة. وقد يحذف الفعل بعدها كقوله:

فذلك إن يلق المنية يلقها حميدًا وإن يَسْتَغْنِ يومًا فَأَجْدِرِ

وقد تلحق التاء بها ولا تكف كقوله : ماوي يا ربتها غارة.

وتزاد «ما» بعد «الكاف» فتكف غالبًا. ويليها الجمل الاسمية والفعلية أخ ماجد لم يخزني يومَ مَشْهَد كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه

وقوله:

المتر أن البغل يتبعُ إِلفَهُ كما عامر واللوم مؤتَلِفَانِ وقد لا يكف كقوله :

وتنصر مولانا ونعلم أنه كما الناس مجروم عليـه وجــارم وقال أبو حَيَّان لا يكف أصلا، وأول الأبيات الواردة في ذلك على أن «ما» مصدرية منسبكة من الجملة بعدها بمصدر بناء على جواز وصلها

بالاسمية ومحله حينئذ جر. قاله في "الهمع".

السادس: يجب تعليق حروف الجر بفعل أو شبهه ولو مقدرا كقوله تعالى:

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَلِحًا ﴾ [الأعراف: ٧٣].

وهل تتعلق بأحرف المعاني؟ أقوال:

أحدها: وهو المشهور؛ المنع مطلقا.

الثاني: الجواز مطلقا.

٤٢٠

النحو

ثالثها: تتعلق بها إن نابت عن فعل حذف ويكون ذلك نيابة لا أصالة، فإن لم يكن كذلك فلا ، وعليه الفارسي وابن جني ؛ قالا في نحو: «يا لزيد»: إن اللام متعلقة بـ«يا». ولا يتعلق من حروف الجر زائد كـ «الباء»، و«من» في: وَكَفَى

بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [الفتح: ۲۸]، هَلْ مِنْ خَلِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾ [فاطر: ٣]. وذلك لأن معنى التعلق الارتباط المعنوي، والأصل أن أفعالا قصرت عن الوصول إلى الأسماء فأعينت على ذلك بحروف الجر، والزائد إنما دخل تقوية وتوكيدا ولم يدخل للربط إلا اللام المقوية فإنها تتعلق بالعامل المقوي نحو: مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ ﴾ [البقرة: ٩١]، فَعَالُ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [البروج: ١٦]، ولا تتعلق «لعل» الجارة في لغة عقيل لأنها بمنزلة الحرف الزائد؛ ألا ترى أن مجرورها في موضع رفع بالابتداء ، ولا لولا إذا جرت الضمير لأنها بمنزلة «لعل»، ولا «خلا، وعدا، وحاشا» إذا جررن المستثنى لأنهن لتنحية الفعل عما دخلن عليه، قال الأخفش وابن عصفور ولا الكاف التي للتشبيه. قاله في

" الهمع". السابع: قال ابن فلاح في "المغني": تعلق حروف الجر بالفعل يأتي لسبعة معان تعلق المفعول به وتعلق المفعول له كـ جئتك للسمن واللبن، وتعلق الظرف كـ «أقمت بمكة ، وتعلق الحال كـخرج بعشيرته»، وتعلق المفعول معه نحو ما زلت بزيد حتى ذهب وتعلق الشبيه بالمفعول به نحو قام القوم حاشا زيد، وخلا زيد لأنها نائبة عن (إلا)) والاسم بعدها ينتصب على التشبيه بالمفعول بها، فكذا المجرور بعد هذه على التشبيه بالمفعول به، وتعلق التمييز

تشييد المباني

٤٢١

نحو: يا سيدا ما أنت من سيد. اهـ

قال المؤلف : (وأما ما يُخفَضُ بالإضافة فنحو قولك: غلام زيد).

قلت الإضافة لغة: الإمالة والإسناد، ومنه ضافت الشمس إلى الغروب وقول امرئ القيس:

فلما دخلناه أَضَفْنَا ظهورنا إلى كل حارِيٌّ قشيبٍ مُشَطَّبِ واصطلاحًا: إسناد اسم إلى آخر على تنزيل الثاني من الأول منزلة تنوينه أو ما يقوم مقام تنوينه وعرفها في الجمع بقوله: نسبة تقييدية بين اسمين توجب لثانيهما الجر، قال في شرحه فخرج بالتقييدية الإسنادية نحو: زيد قائم، وبما بعده نحو: قام زيد.

ولا ترد الإضافة إلى الجمل لأنها في تأويل الاسم، وبالأخير الوصف نحو: زيد الخياط . اهـ

وتصح بأدنى ملابسة كقوله تعالى: لَيَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَهَا ﴾ [النازعات:

٤٦]، أضاف الضحى إلى العشية لكونهما طرفي النهار. وقول الشاعر: إذا كوكب الخرقاء لاحَ بسحرة سهيل أذاعتُ عَزْلَها في القَرَائِب

أضاف الكوكب إليها لجدها في عملها عند طلوعه.

(تنبيهات):

الأول: اختلف في المضاف والمضاف إليه ما هو ؟ فقال سيبويه المضاف هو الأول والمضاف إليه هو الثاني، وهو قول ابن مالك أيضًا. وقال غيره عكسه. وقيل: يجوز في كل منهما أن يكون مضافًا ومضافًا إليه.

٤٢٢

النحو

الثاني: اختلف أيضًا في الجار للمضاف إليه ؛ فقال سيبويه وابن مالك: المضاف لاتصال الضمائر به ولا تتصل إلا بعاملها. وقال الزجاج وابن الحاجب الحرف المقدر. وقال الأخفش: الإضافة، وهو صريح كلام المصنف، والراجح قول سيبويه.

ويحذف من الاسم عند إضافته ما فيه من نون تثنية وجمع وما ألحق بهما، ومن تنوين ظاهر أو مقدر. ولا تحذف نون مفرد وجمع تكسير، وقد تحذف تاء التأنيث للإضافة في قول الفراء وذكر نحوه بعضهم مستدلا بقول زهير : إنَّ الخليط أجدُّوا البين فانجردوا وأخلفوكَ عِدَ الأمر الذي وَعَدُوا وأجاب بعضهم عن البيت بأن عدى» جمع «عدوة» وهي

الناحية،

وقراءة بعضهم «عُدَّه»: لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةَ ﴾ [التوبة: ٤٦]، كقوله تعالى: ﴿وَهُم من بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾ [الروم: ٣]، وَإِقَامَ الصَّلوة ﴾ [الأنبياء: ۷۳] وهذا الحذف سماعي كما في "البحر".

ثم ذكر أن مذهب الفراء مرجوح وأن البصريين لا يرون سقوط التاء من نحو هذا للإضافة وتكون الإضافة بمعنى اللام في قول الجمهور لأنها الأصل، وبمعنى «من» عند قوم إذا كان المضاف بعضًا من الثاني وصح الإخبار به عنه، ولم يشترط ابن كيسان والسيرافي صحة الإخبار اكتفاء بالبعضية؛ واستدلا بظهورها في قوله: «فالعينُ مني كأن غَرب تحط به»، وقوله: «كأن على المتنين منه إذا انتحى». ورده ابن مالك بأن الفصل بمن لا يدل على أن الإضافة بمعناها، وقد

تشييد المباني فصل بها ما ليس بجزء قال: «وإنَّ حديثاً منك لو تعلمينه».

٤٢٣

قال الجرجاني وابن الحاجب في "الكافية" وابن مالك وتكون بمعنى «في» إن كان ظرفًا له كقوله تعالى: والد الْخِصَامِ ﴾ [البقرة: ٢٠٤]، بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ اسبا: ٣٣] تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ﴾ [البقرة: ٢٢٦)، ينصحي

السجن ﴾ [يوسف: ٣٩]، وفي الحديث: «فلا يجدون أعلم من عالم المدينة». قال في شرحي "الكافية" و"التسهيل : معنى «في» في هذه الأمثلة ظاهر، ولا يصح تقدير غيرها إلا بتكلف. اهـ وقول أبي حيان: لا أعلم أحدًا ذهب إلى هذه الإضافة غيره»؛ واضح البطلان؛ بل لا أعلم أحدًا جهل هذه الإضافة غيره، إلا أن تقديرها أقل من

تقدير «اللام» و «من» كما صرح به ابن الحاجب.

وبمعنى «عند» في قول الكوفيين، كـ«هذه ناقة رقود الحلب»: أي: رقود عنده؛ قال أبو حَيَّان: وهذا وما قدر فيه من باب الصفة المشبهة، والأصل رفعه على الفاعلية مجازا للمقايسة. اهـ

والإضافة على قسمين: محضة، وهي التي تفيد تعريفا بالإجماع أو تخصيصا

في الأصح إذا كان الثاني معرفة أو نكرة وتسمى أيضا معنوية. وغيرها وهي التي لا تفيد شيئًا من ذلك بل تأتي للتخفيف ورفع القبح فقط، وتسمى لفظية.

وهي أنواع منها إضافة الصفة إلى معمولها المرفوع بها في معنى أو المنصوب لأنها في تقدير الانفصال، ولذلك وصف بها النكرة في قوله تعالى:

٤٢٤

النحو

هَدْيا بلغ الكعبة ﴾ [المائدة: ٩٥] ووقعت حالا في قوله: ثَانِي عِطْفِهِ [الحج: ٩] ودخل عليه (رب) في قول جرير : يا رُبَّ غابطنا لو كان يطلبكم وقول ابن مالك ردا على ابن الحاجب إنها تفيد التخصيص، رده ابن

هشام في "المغني" بما يعلم من مراجعته.

ويشترط في الإضافة إلى المعمول أن تكون بمعنى الحال أو الاستقبال، فإن

كانت بمعنى الماضي فهي محضة؛ لأنها ليست في تقدير الانفصال. ومنها إضافة «غير، ومثل ،ونحو ،وشبه وخدن، وناهيك، وحسبك، وضربك، وتريك، وندك، وشرعك، ونجلك، وقطك، وقدك»، فإضافتها للتخفيف لمشابهتها اسم الفاعل بمعنى الحال، هذا قول سيبويه والمبرد وارتضاه أبو حَيَّان.

وذهب ابن السراج والسيرافي إلى أنها أضيفت لشدة إبهامها، وارتضاه الشلويين. ومنها إضافة المصدر إلى مرفوعة أو منصوبة في قول ابن برهان: إن المجرور به مرفوع المحل أو منصوبة فأشبه الصفة، وهذا مذهب مرجوح،

والجمهور على أن إضافته محضة بدليل نعته بالمعرفة في قول الشاعر: إِنَّ وجـدي بـكَ الشَّديد أراني عادرًا مَنْ عهدتُ فيك عَذُولَا وتأكيده بها في قوله:

فلو كان حبي أم ذي الودع كله لأهلك ما لم تستمعه المسارح ومنها إضافة اسم التفضيل في قول الكوفيين والفارسي وأبي الكرم بن الدباس والجزولي وابن عصفور وابن أبي الربيع وجماعة من المتأخرين؛ قال

تشييد المباني

٤٢٥

الفارسي : لأنه ينوي بها الانفصال لكونها تضاف إلى جماعة هو أحدها، وإلا لزم إضافة الشيء إلى نفسه إذ لا ينفك أن يكون بعض الجملة المضاف إليها، وهذا قول مرجوح، والجمهور على أنها محضة لأن وروده حالا وتمييزا وبعد «أل» و«رب» لم يحفظ ؛ قال السيوطي قال سيبويه: العَرَب لا تقول هذا زيد أسود الناس؛ لأن الحال لا يكون إلا نكرة. اهـ

وقال ابن السراج: إن كانت إضافة اسم التفضيل بمعنى «من» فغير محضة؛ لأنها حينئذ في حكم الانفصال، وبهذا قيد قول الكوفيين وإلا فمحضة

وعليه حمل قول سيبويه.

وتتعرف الصفة المضافة إلى معمولها إن قصد تعريفها بأن وصف بها من غير اختصاص بزمان دون آخر ولذلك وصف بها المعرفة في قوله سبحانه: مثلك يويد الدين ﴾ [الفاتحة: ٤] غَافِرِ الذَنْبِ [غافر: ٣] فَالِقُ الإصباح * الأنعام: ٩٦] ، إلا الصفة المشبهة فلا تتعرف إلا بدخول «أل»؛ وذلك لأن الإضافة فيها نقلت عن أصل وهو الرفع بخلافها في غيرها فهي عن فرع وهو النصب، وقال الكوفيون والأعلم: هي كغيرها من الصفات؛ فتتعرف إن قصد التعريف، ويجوز اقتران هذا المضاف دون غيره من المضافات بـ«أل» لكون إضافته لفظية، فانتفى المانع وهو اجتماع أداتي تعريف، وذلك إذا كان مثنى أو جمعا على حده، كقول الشاعر: إن يغنيا عني المستوطنا عَدَنِ فإنَّني لستُ يوما عنهما بِغَنِـي

وقوله:

٤٢٦

النحو

ليس الأخلاء بالمصغِي مسامعهم إلى الوشاة ولو كانوا ذَوِي رَحِمِ أو أضيف المقرون بها كقوله تعالى: وَالْمُقِيمِي الصَّلوة ﴾ [الحج: ٣٥] أو إلى مضاف إليه مضاف إلى مقرون بها كقوله: لقد ظَفِرَ الرُّوارُ أقفِيةَ العِدًا بما جاوز الآمال ملامر والقتل

أو إلى مضاف إليه مضاف لضمير هي في مرجعه على الأصح نحو: الود أنتِ المستحقة صفوه مني وإن لم أَرْجُ مِنْكَ نَوَالا ومنع المبرد هذه الصورة وأوجب النصب أو إلى ضمير ما في قول المبرد

والرماني والزمخشري، ومنع سيبويه والأخفش ذلك. أو إلى معرفة ما في قول الفراء، قال السيوطي: ولا حجة له في السماع. أو أضيف عدد إلى معدود قاله الكوفيون، قال السيوطي: قال ابن مالك: وحجتهم السماع، وأما البصريون فاستندوا في المنع إلى القياس لأنه من باب المقادير؛ فكما لا يجوز الرطل زيتا لا يجوز هذا. اهـ

(تنبيه): ذهب الجمهور إلى أنه لا يضاف اسم لمرادفه أو صفته أو موصوفة، أو مؤكدة إلا بتأويل، وأجازه الكوفيون بشرط اختلاف اللفظين، ووافقهم ابن الطراوة، وأبو سعيد الضرير، قال الأشموني: وظاهر "التسهيل" و"شرحه" موافقته. اهـ

قلت: وهو الصواب لوروده في الكلام العزيز كقوله تعالى: حَقُّ الْيَقِينِ

[الواقعة: ٩٥]، وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ ﴾ [الأنعام: ۳۲]، بجانب الغربي ﴾ [القصص: ٤٤]

تشييد المباني

٤٢٧

وفي الشعر كقول امرئ القيس: «كَبكر المقاناة البياض بصُفْرة»، وقول جرير : يا ضَبُ إِنَّ هوى القبور أضلكم كضلال شعبة أعور الدجال ولأن العرب أجازت عطف الشيء على نفسه إذا اختلف اللفظان، وإن كان الأصل في العطف المغايرة، والمضاف والمضاف إليه كالمعطوف والمعطوف

عليه، ومن ذلك في العطف قوله: «فألفى قولها كذبًا ومينا». وأجازت أيضًا نعت الشيء بمرادفه كقوله تعالى: وَغَرابيب سود

[فاطر: ۲۷]، وتأكيده به كقوله تعالى: كُلُهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ [الحجر: ٣٠]. والتأويل الذي ذهب إليه المانعون خلاف الأصل. واختلف في هذه الإضافة هل هي محضة أو لا؟ قال بالأول جماعة واختاره أبو حَيَّان لأنه لا يقع بعد «رب» ولا «أل»، ولا ينعت بنكرة، ولا ورد نكرة. وبالثاني الفارسي وابن الدباس وغيرهما. وذهب ابن مالك إلى أنها شبيهة بالمحضة؛ قال: لأن لها اعتبارين اتصال من جهة أن الثاني غير مفصول بضمير منوي، وانفصال من جهة أن المعنى لا يصح إلا بتكلف خروجه عن الظاهر، وكذلك قال فيما ألغي من مضاف ومضاف إليه كقول لبيد:

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يَبْكِ حَولا كاملًا فقد اعتذر

وقول بعض الطائيين: أقــام بـغــداد العــراق وشوقه لأهل دمشق الشامِ شوق مُبرِّحُ ونصه في "التسهيل": وإضافة الاسم إلى الصفة شبيهة بمحضة لا

٤٢٨

النحو

محضة، وكذا إضافة المسمى إلى الاسم أو الصفة إلى الموصوف، والموصوف إلى القائم مقام الوصف، والمؤكد إلى المؤكد، والملغى إلى المعتبر، والمعتبر إلى الملغى». انتهى بلفظه

وهذا مذهب غريب كما في شرحي "التسهيل " لأبي حيان وابن عقيل فإنه جعل الإضافة ثلاثة أقسام وحصر هذا الثالث في سبعة أنواع، والمعروف أنها قسمان فقط، وما في الصبان من تكلف جعلها غير محضة لعله يخرج على قول الفارسي، وإلا فلا مانع من تسميتها شبيها بغير المحضة، فاعتراضه على الحفني غير صحيح. ولا يقدم على المضاف معمول مضاف إليه لأنه من تمامه. وجوزه

فتى

الكسائي على أفعل، والزمخشري وابن مالك على غير النافية كقوله: ى هو حقا غير ملغ فريضةً ولا تتخذ يومــا ســـاه خـلـيـلا ونص ابن مالك في "التسهيل": «لا يقدم على مضاف معمول مضاف إليه إلا غير مراد به النفي خلافًا للكسائي في جواز : أنت أخانا أول ضارب» . اهـ فأطلق الجواز في غير النافية، وقيده قوم بما إذا كان المعمول ظرفًا أو مجرورًا

كقوله:

إنَّ امراً خصني يومـــا مـودتـــه عند التنائي لعندي غير مكفور وجوزه قوم على لفظة حق كقوله :

فإن لا أكن كل الشجاع فإنني بضرب الطـلى والهـام حـق عـلـيـم قال أبو حَيَّان: والصحيح المنع في المسائل الأربع؛ أما الأولى فلم يرد بها

سماع، وأما الثلاث فلا يقاس عليها لندور ورود ذلك.

تشييد المباني

٤٢٩

قلت: بل الصحيح الجواز في غير الأولى لورود السماع به، والحجة فيه لا في القياس، فإنه إذا تعارض النص والقياس قدم النص كما يعلم من مراجعة أصول هذا العلم، وارتكاب غير هذا تعسف ظاهر، ونقل ابن الحاج أن قوما أجازوا التقديم على مثل.

ويكتسب المضاف من المضاف إليه تأنيئًا وتذكيرًا إن صح الاستغناء عنه،

وكان بعض الثاني أو كبعضه نحو قوله تعالى: يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ [يوسف: ١٠] وقول الشاعر: رؤية الفكرِ ما يؤول له الأمرُ (م) معين على اجتناب الثواني

وغير ذلك، ونظمه السيوطي بقوله: ويكتسب المضاف فخذ أمورًا أحلتها الإضافة فـــوق عشــــر فتخصيص وتعريف بناء وتخفيف كضارب عبد عمرو وترك القبح و التجويز شرط والاستفهام فانتسبا الـصــــدر وتذكير وتأنيت وظرف وسلب للمعارف شبه نكر ومعنى الجنس والحدث المعرى فخذ نظما يحاكي عِقْدَ دُرّ

وهي أمور خمسة عشر ، ذكر منها في "المغني" تبعا للمهلبي عشرة. (تنبيه) لزم الإضافة لفظا : «حمادى، وقصارى» بضم أولهما- مطلقا، فيضافان إلى الظاهر كالضمير نحو

قصر جديد إلى بلى والعيش في الدنيا انقطاعه

واستشهد به الجوهري على أن قصارى» يقال فيها: قصر.

٤٣٠

النحو

و«وحد» إلى ضمير مطلقا، وتجب لما قبله كقوله تعالى: إِذَا دُعِيَ اللهُ

وَحدَهُ [غافر: ١٢]، وقول الربيع الفزاري:

والذئب أخشاه إن مررتُ به وحدي وأخشى الرياح والمطرا وقول عبد الله بن عبد الأعلى القرشي :

وكنت إذ كنت إلهي وحدكا لم يك شيءٌ يا إلهي قبلكــا وقوله:

أعاذل هل يأتي القبائل حظها مِنَ الموتِ أم خُلِّي لنا الموتُ وحدنا وهو لازم النصب على المصدر في حكاية الأصمعي، وقيل: على الحال، أو على حذف حرف الجر والإفراد والتذكير والتنكير، وقد يثنى أو يجر بـ«على»، وبإضافة نسيج، وقريع وجحيش ،وعيير وكلا، وكلتا»، إلى معرفة مثناة لفظا نحو: «وكلا الرجلين»، كلتا الجنين ﴾ [الكهف: ٣٣]، أو معنى نحو قول عبد الله بن الزبعرى إنَّ للخير والشر مَدَى وكلا ذلك وجه وقبل

أو بالاشتراك نحو قول الأبيرد الرياحي:

كلانا غني عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشدُّ تغانيا

واشترطوا في المضاف إليه أن يكون كلمة واحدة احترازا من نحو: كلا أخي وخليلي واحدي عَضُدا في النائبات وإلمام الملمات قالوا: لأنه من الضرورات، وليس كذلك لما قدمنا، قال الكوفيون: وإلى نكرة محدودة سمع كلتا جاريتين عندك مقطوعة يدها، وقال ابن الأنباري أو

تشييد المباني

٤٣١

إلى مفرد إن كررت كـ «لا»، و«ذو) وفروعه» و «أولوا، وأولات إلى اسم جنس

قياسا كـ«ذي علم و وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنكُم [الطلاق: ٢]، ذَوَاتَا أفنان [الرحمن: ٤٨] وإلى علم سماعا وقاسها الفراء، وتلغى حينئذ أو إلى ضمير

على المختار كقوله: «إنما يعرفُ ذا الفضل من الناس ذووه».

وقول الأحوص:

وإنا لنرجو عاجلا منك مثل ما رجوناه قدما من ذويك الأفاضل ومنعه الكسائي والنحاس والزبيدي وجل المتأخرين إلا في الشعر وبه جزم الجوهري وليس كذلك. ولزم الإضافة معنى لا لفظا آل، ويضاف إلى

ظاهر كقوله:

نح

ن آل الله في بلدتنا لمنزل الا على عهدِ إِرَم

وقول الله تعالى: أَدْخِلُواءَ الَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: ٤٦] وإلى ضمير كقول عبد المطلب وانــــــر عــلى آل الصليب وعابديـــه اليـــوم الـــك

ومنع

هذه الأخيرة الكسائي والزبيدي والنحاس. وكل وبعض وهما معرفتان بنيتها عند الجمهور ولذلك امتنع وقوعها حالا وتعريفهما بـ«أل»، وقال الأخفش والفارسي وابن درستويه: إنهما نكرتان يتعرفان بـ«أل» وينصبان على الحال قياسًا على «نصف» ونحوها.

و«أي» بأقسامها فتكون نفس ما تضاف إليه، وهي مع النكرة كـ«كل» ومع المعرفة كـ«بعض»، ولذلك لم تضف المفرد معرف إلا مكررة، أو منويا بها

٤٣٢

النحو

الأجزاء كقوله:

فلئن لقيتُك خالين لتعلَمَنُ أيي وأيك فارس الأحزاب ونحو: أي زيد حسن؟؛ أي: أي أجزائه، فإن لم تكن؛ تعين إضافتها إلى

نكرة أو مثنى.

ويحذف المضاف جواز الدليل نحو أوْ كَصَيِّبِ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [البقرة: ١٩] بدليل : يَجْعَلُونَ أَصَبَعَهُمْ ﴾ [البقرة: (۱۹]، ونحو: أَوْ كَظُلُمَةٍ فِي بَحْرٍ ﴾ [النور:

٤٠] بدليل يَغْشَهُ مَوج ﴾ [النور: ٤٠] ولغير دليل كقول ذي الرمة: عشية فرّ الحارثيون بعدما قَضَى نحبه في ملتقى القومِ هَـوبر وهو قياسي ما لم يستبد الثاني بنية الحكم، نحو: وَسْثَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ۱۸۲، و وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ﴾ [البقرة:

۹۳]، فإن جاز استبداده به فسماعي، وقاسه ابن جني مطلقا.

وقد يحذف متضايفان وثلاثة نحو فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: ٣٢] قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ﴾ [طه: ٩٦]، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ ﴾ [النجم: ٩] ثم

الأفصح نيابة الثاني عن الأول في أحكامه من الإعراب وهو ظاهر. والتذكير نحو قول حسان

يسقُونَ مَنْ وَرَدَ البَرِيصَ عليهُمُ بَردى يصفُقُ بِالرَّحِيقِ السَّلْسَـلِ

والتأنيث نحو:

مرت بنا في نسوة خولة والمسك من أردانها نافِحَة

تشييد المباني

٤٣٣

وعود ضميره نحو: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْتَهُمْ ﴾ [الكهف: ٥٩] وغير

ذلك كحديث: «إن هذين حرام على ذكور أمتي».

والتنكير إذا كان المحذوف مثلا في قول الخليل وابن مالك؛ ولذلك نصب على الحال في نحو تفرقوا أيادي سبأ، وركب مع «لا» كحديث: «إذا هلك

کسری فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده».

ومنعه سيبويه، وقد يبقى على جره إن عطف على مماثل للمحذوف أو مقابل له كقول أبي داود الإيادي:

أكل امرئ تحسبين امراً ونار توقـــد بالليــل نـــارا وقول الله تعالى: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾ [الأنفال: ٦٧]

و شرط ابن مالك اتصال العطف أو فصله بـ «لا» كقوله: ولم أر مثل الخير يتركه الفتى ولا الشر يأتيه امرو وهو طائعُ ورده الجمهور بالآية وشرط بعضهم سبق نفي أو استفهام كالأمثلة، قال أبو حَيَّان: والصحيح الجواز بدونها كقول عروة العذري: لَوَ انَّ طبيب الإنس والجن داويـا الـــذي بي مِـن عَفْــراء مــا شَفَيانِيَ

وقوله:

كل متر في رهطه ظاهر العز وذي غُربُــــة وفـــــر مـــــينُ

أو دون عطف عند الكوفيين كقوله:

الأكـــل المـــال اليتيم بَطَــرا يأكــل نـــارًا وسيصـلى ســـرا

خلافا للبصريين.

٤٣٤

النحو

ويحذف المضاف إليه منويًّا بكثرة في الأسماء التامة، وبقلة في نحو: قبل وبعد ولا يقيسه ابن عصفور إلا في مفرد مضافة زمان وقد يبقى الأول بلا تنوين إن عطف هو على المضاف لمثله، أو عطف عليه مضاف لمثله نحو حديث البخاري عن أبي برزة: غزوت مع رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم سبع غزوات أو ثماني». بفتح الياء بلا تنوين.

وحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «تحيضين في علم الله ستة أو

سبعة أيام». وخصه الفراء بالمصطحبين كالنصف والربع واليد والرجل وقبل وبعد، قال ابن مالك: وقد ينفى بلا تنوين من غير عطف كقراءة ابن محيصن : فلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ [البقرة: ۳۸] وقول الأعشى:

أقول ما جاء في فخـره سبحان من علقمة الفاخر قلت: والبيت شاهد أيضًا على إفراد «سبحان» من الإضافة؛ ولذا أنشده سيبويه في الكتاب وهو عنده علم للتسبيح ممنوع من الصرف، وقد ينون ضرورة كقول ورقة بن نوفل:

سبحانه ثم سبحانا نعوذ به وقبلنا سبح الجودي والحمد وليس كذلك؛ فإنه نون في البيت الثاني لعدم نية المضاف إليه المحذوف، وترك في الأول لنيته.

ولا يفصل بين المتضايفين اختيارًا عند البصريين إلا بمعموله أو ظرفه على الصحيح كقراءة ابن عامر: قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ ﴾ [الأنعام:

تشييد المباني

٤٣٥

١٣٧]، وقرئ: مُخلِفَ وَعَدِهِ، رُسُلَهُ ﴾ [إبراهيم: ٤٧]، وحديث البخاري: هل أنتم تاركو لي صاحبي». وقيل: لا يجوز بهما، ورد بأن الظرف يتوسع فيه، وبأن المفعول ثبت في السبع. ولا يفصل بهما أجنبيين، وأجاز يونس الفصل بالظرف والمجرور غير المستقبل، والصواب قول الكوفيين وهو الجواز مطلقًا فيفصل بالمفعول الأجنبي كقول جرير :

تسقي امتياحًا ندى المسواك ريقتُها كما تضمنَ ماءَ المزنة الرصف وبالظرف الأجنبي كقول أبي حية النميري:

كما خُطَّ الكتاب بكف يوما يهودي يـــــارب أو يزيــــل وبالمجرور كقول عمرة الخثعمية

هما أخوا في الحرب من لا أخالَهُ إذا خاف يوما نبوءة فدعاهما وبالقسم ، قال أبو عبيدة : إن الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربها».

وباما كقوله :

هما خطتــا إما إســار ومنة وإمــادم والقتــل بــالحر أجــدر ووافقهم ابن مالك على هذين الأخيرين، ولم يذكرهما في "التسهيل". وبالنعت كقول معاوية :

نجوتُ وقد بل المرادي سيفه من ابن أبي شيخ الأباطح طالب والمرادي بضم الميم كما في "المصباح" وغيره من كتب اللغة .

الآخرين كما في الحديث، فلعنة الله عليه.

وبالنداء كقوله:

هو

أشقى

٤٣٦

النحو

كأنَّ بِرُدُونَ أبا عِصَام زيــــد حـــــار دق باللجـــــام وذكره في شرح الكافية"، وتأوله ابن هشام باحتمال أن يكون «أبا» مضافًا

إليه على لغة القصر ، و زيد) بدل منه أو عطف بيان، وفيه بعد.

وبالفاعل تعلق بالمضاف أو غيره كقوله: ما إن وجدنا للهوى من طب ولا عدمنا قهر وجد صَبٌ وقول الأعشى:

أنجب أيام والداه به إذنَجَلاهُ فنِعم ما نَجَلا

وبالفعل الملغي كقوله:

بأي تراهُمُ الأرضين حلوا الديران أم عــــفـوا الكفـــارا وبالمفعول له كقول أبي زبيد الطائي:

معاوِدُ جرأة وقـت الهــوادي أَشَم كأَنَّه رجلٌ عَبُوسُ (تنبيه): يجب كسر آخر المضاف للياء مناسبة لها إلا المثنى، والمجموع على حده، وما حمل عليهما، والمعتل الذي لا يجري مجرى الصحيح؛ فيسكن وهو الألف من الأول والأخير ، والواو من الثاني، والياء من الثلاثة، ثم تدغم الياء والواو بعد قلبها ياء في ياء ،الإضافة، وتسلم الألف فلا تقلب في المثنى والمقصور كزيداي وقوله تعالى : قَالَ هِيَ عَصَاى ﴾ [طه: ۱۸]، وأما وتحيات ﴾ [الأنعام: ١٦٢] فقليل، وقد تقلب ياء في المقصور في لغة هذيل كقول أبي ذؤيب : سبقوا هوي وأعنقوا الهواهم فَتُخُرِّمُوا ولكل جنبٍ مَصْرَعُ

تشييد المباني

مع

٤٣٧

المقصور

ويكثر في «الدى، وإلى وعلى الاسمين، وقد تكسر الياء . كقراءة الحسن: «عصاي» والمدغمة في جمع أو غيره كقراءة حمزة : «بمصر خي»،

وقول النابغة:

على لعمر و نعمة بعد نعمة لوالده ليست بذاتِ عقارب بكسر الياء ويجوز فتحها وسكونها في المفرد الصحيح، واختلف في الأصل منهما فجزم ابن مالك بالأول قال: لأنه حرف واحد فقياسه التحريك به ثم سكن تخفيفًا، وبعضهم بالسكون قال : لأنه حرف علة ضمير فوجب السكون كواو «ضربوا»؛ ولأن بناء الحرف على حركة إنما هو لتعذر الابتداء به، والمتصل بغيره لا تعذر فيه.

قلت: وهذا الخلاف لا يجدي كبير فائدة.

ويقل حذفها مع كسر الذي قبلها كقوله تعالى: فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ ﴾

.

[ الزمر : ۱۷ - ۱۸] بحذفها وصلا ووقفا وخطا وقلبها ألفا كقوله: أُطَوْفُ ما أطوفُ ثمَّ آوِي إلى أمــــا ويروينـــــي النَّقِيعُ يريد: أمي، وخصه ابن عصفور بالضرورة، والصواب الجواز كما لغيره. ويقل حذف الألف مع فتح ما قبلها كقوله: ولست بمدرك ما فات مني بلهف ولا بليت ولا لـــواني ومع ضمه كقول ابن غلفاء:

ذرينـــي إنـــا خـطــــي وصــــوبي علي وإنما أهلكــــت مــــالي يريد مالي ذكر هذا الثاني أبو عمرو بن العلاء وأنكره أبو زيد، وقال:

٤٣٨

النحو

معنى البيت أن الذي أهلكته مال لا ،عرض وقال ابن مالك: لا تحذف الياء ولا تقلب ألفا إذا كانت الإضافة لفظية لأنها في نية الانفصال فلم تمازج ما اتصلت به، فتشبه ياء «قاض» في جواز الحذف، فلا حظ لها غير الفتح والسكون، وأنكره أبو حَيَّان زاعمًا أن هذا لم يذكره أحد غيره، ثم نقله في "الارتشاف" عن ثعلب في "المجالس"، ومن هنا تعلم بطلان اعتراضه على

ابن مالك.

وإذا نودي المضاف للياء ففيها لغات أشهرها الحذف وإبقاء الكسر نحو: يَعِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ [الزمر: ١٦] ثم إبقاؤها ساكنة ثم مفتوحة نحو: يَعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: ٥٣] ثم قلبها ألفا نحو:

ما

بحَسْرَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ﴾ [الزمر: ٥٦] ثم حذف الألف مع فتح . بعدها. كذا قال الأخفش والمازني والفارسي، ومنعه الجمهور، ثم مع ضمه

حيث لا لبس قريء : قَلَرَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ ﴾ [الأنبياء: ۱۱۲]، ﴿ قَالَ رَبِّ السَجْنُ

أَحَبُّ إِلَى ﴾ [يوسف: ٣٣]، وأنكره ابن هشام اللخمي.

ويقل إثبات الياء وحذفها ألفًا ثابتة إذا كان المضاف إلى الياء في النداء «أما،

وعما» مع «ابن وابنة» كقول أبي زبيد الطائي: یا ابـن أمـي ويــا شقيق نفسي أنت خلفتني لدهرٍ شديد

وقول أبي النجم العجلي: يا ابنة عمَّا لا تلومي واهجَعِـي وانمي كما ينمي خضاب الأشجع والغالب الحذف مع كسر الميم دلالة على الياء أو فتحها دلالة على الألف،

تشييد المباني

٤٣٩

وذهب سيبويه وأصحابه إلى أنه مركب مبني كأحد عشر، ويرد عليهم قوله تعالى: يَنؤُمَ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَنِي وَلَا بِرَأْسِي ﴾ [طه: ٩٤] فإنه قريء في السبع بالكسر والفتح، أو مع ضمها في قول بعضهم، ولا تحذف في نحو: يا ابن خالي، يا ابنة أخي، ولـ«أب» ما للـ «أم» من الحكم إلا أنهما يزيدان على أخواتهما بقلب الياء تاء مكسورة ومفتوحة، وبهما قريء في السبع والأول أكثر، ومضمومة في قول الفراء والنحاس وحكاية الخليل: «يا أمت لا تفعلي ومنعه الزجاج، وهي عوض من الياء أو الألف على الأصح ولذلك لا يجتمعان اختيارًا عند البصريين، والجمهور من الكوفيين يجيز الجمع بينهما.

قلت: ويشهد له قول الشاعر:

يا أَبَنَا أَرَقَنِي القِذَّانُ فالنوم لا تلاقـــــه العينـــــان ويجوز في «الياء» الفتح والقلب إذا ندب المنادى وذلك على لغة من أثبتها ساكنة فيه، وأما على لغة من فتحها فتفتح فقط وتزاد الألف، وكذلك على اللغات الباقية تقلب ألفًا وتحذف ألف الندبة.

وتحذف الياء من المنادى المعطوف عليه المندوب استغناء عنها بالكسرة في قول الجمهور، ومنعه الفراء.

ويضاف «ابنم» إلى الياء فيقال : ابنمي، وكذلك «الفم» فترد الواو التي هي الأصل وتقلب ياء وتدغم في ياء الإضافة، ويقل فمي، وقيل: إنه ضرورة لأن الإضافة ترد إلى الأصل وليس كذلك ؛ ففي الصحيحين: «الخلوف فم الصائم». قاله ابن مالك وتبعه أبو حَيَّان.

٤٤٠

النحو

وفي "الأشباه والنظائر: إذا أضيف الفم» إلى ياء المتكلم رد المحذوف. قال ابن يعيش: فإن قيل : لم قلبتم الألف هنا ياء مع أنها دالة على الإعراب وامتنعتم من قلب ألف التثنية ؟ وما الفرق بينهما ؟ .

فالجواب: أن في ألف التثنية وجد سبب واحد يقتضي قلبها ياء، وعارضه الإخلال بالإعراب وهاهنا وجد سببان لقلبها ياء؛ وهو وقوعها موقع مكسور، وانكسارها قبلها في التقدير من حيث أن الفاء تكون تابعة لما بعدها فقوي سبب قلبه ولم يعتد بالعارض. انتهى.

ويقال فيه على لغة التضعيف فمي والقصر فماي، وأما «أب وإخوته» فلا يرد له اللام إذا أضيف إليها نحو: إن هذا أخيي؛ لأنه المستعمل في الإضافة

إلى غيرها، وجوزه الكوفيون والمبرد وابن مالك في «أب» نحو: كان أبي كرمـــــا وســــــودا يلقي على ذي اللبــد الجـديــدا قال ابن مالك وكذلك «أخ» قياسًا على «أب»، وكذلك «ذي» على الأصح لأن الأصل في الرفع «ذوي»، قلبت الواو ياء وأدغمت فيها كالجر والنصب، ومنع بعضهم إضافتها إلى الضمير. (تنبيه): قال الأشموني في "شرح الألفية": في المضاف إلى ياء المتكلم أربعة

مذاهب

أحدها: أنه معرب بحركات مقدرة في الأحوال الثلاثة وهو مذهب

الجمهور.

والثاني: أنه معرب في الرفع والنصب بحركة مقدرة وفي الجر بكسرة

تشييد المباني

٤٤١

ظاهرة واختاره في "التسهيل".

والثالث: أنه مبني وإليه ذهب الجرجاني وابن الخشاب.

والرابع: أنه لا معرب ولا مبني وإليه ذهب ابن جني، وكلا هذين المذهبين بين الضعف. انتهى. قال المصنف رحمه الله: (وهو على قسمين)، هو مبتدأ عائد إلى ما في قوله: وأما ما يُخفَضُ بالإضافة و على قسمين خبره؛ يعني أن الاسم الذي يخفض بالإضافة على قسمين : ما يُقدَّر باللام، وما يقدر بمن) وهذا مذهب سيبويه والجمهور، وما يوهم أن الإضافة بمعنى في محمول عندهم على أنها فيه بمعنى اللام ،توسعا، وذهب بعضهم إلى أنها بمعنى اللام على كل حال، وبعضهم إلى أنها ليست على تقدير حرف ولا نيته والراجح خلاف هذا كله كما تقدم

فارجع إليه. واختلف في إضافة الأعداد إلى المعدودات؛ فقيل: إنها بمعنى «اللام» وعليه الفارسي، وقيل: بمعنى «من» وعليه ابن السراج، قال الأشموني: واختاره في شرحي "الكافية" و"التسهيل"، فقال بعد ذكر ما المضاف فيه بعض المضاف إليه مع صحة إطلاق اسمه عليه: «ومن هذا النوع إضافة الأعداد إلى المعدودات والمقادير إلى المقدرات وقد اتفقا فيما إذا أضيف عدد إلى عدد نحو ثلاثمائة على أنها بمعنى: من». انتهى.

(تنبيه): ما لا يمكن تنكيره من المعارف كالمضمرات وأسماء الإشارة لا تجوز إضافته لملازمة القرينة الدالة على تعريفه وضعا، وأما الأعلام فالقياس

٤٤٢

النحو

عدم إضافتها وعدم دخول أل عليها ، والاشتراك الاتفاقي فيها لا يلحقها باشتراك النكرات؛ فإن النكرات تشترك في حقيقة واحدة، والأعلام تتفق في اللفظ دون الحقيقة، وقد جاء إدخال اللام عليها وإضافتها إلحاقا للاشتراك اللفظي بالوضعي في قوله بإعدام العمر ومن أسيرها، وقوله: علا زيدنا يوم

النقا رأس زيدكم. واجتمعت «أل» والإضافة في قوله:

وقد كان منهم حاجب وابن أُمه أبو جندل والزيـد زيـد المـعـارِكِ

إلا أن الإضافة فيها أكثر من تعريفها بـ «أل» وذلك لوجهين: أحدهما: التأنيس بكثرة الأعلام المضافات كعبد الرحمن والكني؛ فلم

يكونا متنافيين.

والثاني: أنه قد عهد من الإضافة عدم التعريف بها في المنفصلة؛ فلم تستنكر كاستنكار دخول أل ) التي لا يكون ما تدخل عليه نكرة، وإن وجد كـ «أرسلها العراك» فقليل بالنسبة للإضافة اللفظية. انتهى مختصرا من " الأشباه". ثم قال رحمه الله : فالذي يُقدَّر باللام نحو: غلام زيد، والذي يقدر بمن نحو: ثوبُ خَزْ، وباب ساج، وخاتم حديد وما أشبه ذلك) والخاتم: بفتح التاء وكسرها، ويقال فيه خيتام وخاتام، قال في "الصحاح": كله بمعنى، والجمع الخواتيم. والخز: نوع من الحرير فارسي معرب . والساج: نوع من الشجر قال في "الصحاح" : وهو أيضًا الطيلسان الأخضر ، وجمعه سیجان بوزن تيجان.

٤٤٣

تشييد المباني وأما تابع المخفوض فقد ذكر في المرفوعات فليراجع هناك. (خاتمة): أثبت جمهور البصريين والكوفيين الجر بالمجاورة للمجرور وذلك في بابي النعت والتوكيد زاد بعضهم عطف النسق؛ فأما النعت ففي قولهم: هذا جحر ضب خرب، بجر «خرب» لمجاورته لـ «ضب» مع أنه نعت الجحر المرفوع، وقول امريء القيس:

كان ثبيرا في عـــرانين ويله كبير أناس في بِجَادٍ مزمل

ف المزمل» نعت لـ «كبير» المرفوع وجر بمجاورته لـ«بجاد».

وأما التوكيد ففي نحو قوله:

يا صاح بلّغ ذوي الزوجات كلهـم

أن ليس وَصْل إِذا انحلت عُرَى الذَّنب

بجر «كلهم» للمجاورة لأنه توكيد ل «ذوي» لا «للزوجات»؛ وإلا لقال:

«كلهن».

وأما العطف ففي قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ ﴾ [المائدة: ٦] قال أبو حَيَّان وذلك ضعيف جدا ولم يحفظ من كلامهم، والفرق بينه وبين النعت والتوكيد أنهما تابعان بلا واسطة فهما أشد مجاورة من العطف المفصول

بالحرف. انتهى.

وأجيب عن الآية بأن العطف فيها على المجرور الممسوح، فقيل: الرجل مغسولة، وأجيب عن ذلك بوجهين:

أحدهما: أن المسح هنا الغسل حكاه الفارسي عن أبي زيد؛ وخصت

٤٤٤

النحو

باسم المسح ليقتصر في صب الماء عليهما إذ كانتا مظنة الإسراف.

ثانيهما: أن المراد المسح على الخفين وجعل ذلك مسحا للرجل مجازا،

والسنة بينت ذلك.

ويرجح هذا القول ثلاثة أمور:

أحدها: أن الحمل على المجاورة حمل على شاذ؛ فينبغي صون القرآن عنه. الثاني: أنه إذا حمل على ذاك كان العطف في الحقيقة على الأيدي فيلزم الفصل بين المتعاطفين بجملة أجنبية، وإذا حمل على العطف على الرءوس لم

يلزم الفصل بأجنبي وهو الأصل.

الثالث: أن العطف على هذا التقدير حمل على المجاور، وعلى الأول حمل

على غير المجاور، والحمل على المجاور أولى.

قال:

فإن قلت: يدل للتوجيه الأول قراءة النصب.

قلت: لا نسلم أنها عطف على الأيدي بل على محل الجار والمجرور، كما

يسلكن في نجد وغورًا غائرًا فواسقا عن قصدها جوائر. اهـ وقال أيضا: لا يمتنع في القياس الخفض على الجوار في عطف البيان لأنه كالنعت والتوكيد في مجاورة المتبوع، وينبغي امتناعه في البدل لأنه في التقدير من جملة أخرى فهو محجوز تقديرا . اهـ وكذا قال أبو حَيَّان في البدل، بل صرح أنه لم يحفظ من كلام العرب، وأنكر السيرافي وابن جني الجر بالمجاورة مطلقا، وتأولا ما ورد من ذلك

تشييد المباني

٤٤٥

بتأويلات واهية وقصره الفراء على السماع، وخصه بعضهم بالنكرة كالمثال،

ورد بما حكاه أبو ثروان كان والله من رجال العرب المعروف له ذلك».

وعن الخليل فيه روايتان

أحدهما: أنه خصه بالمفرد فقط.

ثانيها: أنه أجازه في الجمع أيضًا، وجوزه سيبويه في المثنى، والله سبحانه

وتعالى أعلم.

هذا آخر ما يسر الله جمعه على المقدمة المباركة.

وكان الفراغ منه يوم الثلاثاء ثاني صفر الخير سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وألف، ونسأل الله تعالى أن يتقبله منا ويجعله خالصا لوجهه الكريم وأن يغفر

لنا ولوالدينا ومشايخنا وللمسلمين آمين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، والحمد لله رب

العالمين.

موسوعة

العلامة المُتَفَنِّنِ الجامع بين المَعْقُولِ والمَنْقُولِ

سيدي الشريف عبدالله بن محمد بن الصدِّيق الغماري الحسني (١٣٢٨ - ١٤١٣) ه

قدم لها الشريف الدكتور

عبدالمنعم بن عبدالعزيز بن الصديق

إشراف

الدكتور محمود سعيد بن محمد ممدوح

المجلد الخامس عشر

المنطق

ويحتوي على:

المنطق

١ - التوفّي والاستنزاه عن خطأ البناني في معنى الإله. ۲ - رَفْعُ الإِشْكال عن مَسَأَلَةِ المحال.

٣- التنصل والانفصال من فضيحة الإشكال.

١ - التوقي والاستنزاء عن خطأ البناني في معنى الإله

التوقي والاستنزاه

المقدمة

٤٥٣

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف

المرسلين، ورضي الله عن آله الأكرمين، وصحابته، والتابعين. أما بعد: فهذا جزء سميته: "التوفّي والاستنزاه عن خطأ البناني في معنى الإله"، وأرجو من الله أن يوفقني للصواب، إنه الكريم الوهاب.

قال صاحب "السلم":

فمفهمُ اشتراك الكلي كأسَدٍ وعَكْسُهُ الجُزْنِي قال العلامة البناني في "شرحه: (يعني أنَّ الكلّي هو الذي يُفهم الشركة في معناه، أي : لا يمنع نفس تصور معناه من صدقه على متعدد، كإنسان وأسد، فدخل في تعريف الكلي أنواع». فذكر النوع الأول ثم قال: «وثانيها ما وجد منه فرد واحدٌ إما مع استحالة وجود غيره بدليل خارج عن تصوره، كالإله؛ أي :المعبود بحق فإنَّ مجرد تصور معناه لا يمنع من صدقه على متعدّد، لكن قام الدليل القاطع على وجوب انفراد الله تبارك وتعالى بالألوهية واستحالة ثبوتها لغيره، وتفسير الإله بالمستغني عن كل ما سواه المفتقر إليه كل ما عداه لا يمنعُ كونه كليًّا؛ إذ لا ، تشخُصَه؛ لأنه بهذا المعنى يحتمل أن يصدق على كثير على سبيل

يوجب

البدلية» . اهـ

وقال محشيه العلامة علي قصارة: كان ينبغي إسقاط هذا القسم من أقسام

الكلي لأنه موهم في مقام الألوهية ما لا يصح في حقه

تعالى من

التعدد

٤٥٤

المنطق

والجسميَّةِ والتَّركيب فلا ينبغي إطلاقه كما صرح به القرافي في شرح "التنقيح" ونصه: «إطلاق لفظ الكُلّي على واجب الوجودِ فيه إيهام، تمنع من إطلاقه

الشريعة فلذلك تركته أدبا» . اهـ

قال سيدي عيسى السكتاني: وكذا الجزئي يوهم النسبة إلى جزء الشيء

الموضوع للمجموع فذلك مستحيل في حقه تعالى» . اهـ

علم من هذا أنَّ إطلاق لفظ الكُلّي على الإله لا يجوز شرعًا للإيهام

المذكور

(1)

وهذا أول خطأ من البناني رحمه الله تعالى. الثاني: ويشاركه فيه القرافي وأهل المنطق؛ أنَّ الإله ليس بكلّي بل هو خاص

بالله تعالى كالرحمن وفي النَّاس كثيرون اسمهم عبد الإله. قال الفيومي في "المصباح المنير": «الإله المعبود وهو الله سبحانه وتعالى، ثُمَّ استعاره المشركون لما عبدوه من دون الله تعالى» . اهـ

وقال الراغب في "مفردات القرءان": «وإله حقه أَلَّا يُجمعَ إِذْ لا معبود

سواه لكن العرب لاعتقادهم أنَّ ههنا معبودات جمعوه فقالوا الآلهة». اهـ وفي القرآن الكريم: مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءُ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَن ﴾ [يوسف: ٤٠]، وهذه الآية.

أدلة

(۱) صرح العلماء أيضًا بأنه لا يجوز وصفُ عِلم الله بأنه ضروري وإن كان له معنى صحيح، لإيهامه معنى لا يليق بالله تعالى.

التوقي والاستنزاه

٤٥٥

القائلين بأنَّ اللُّغة توقيفية.

تبيَّن من هذا أنَّ الإله علم خاص كما قلنا، وأنه لتضمنه معنى العبادة أطلقه العرب على معبوداتهم على سبيل الاستعارة، وتوهم أهل المنطق أنَّ هذا إطلاق حقيقي، زعموه كليًّا مع أنه عَلَمٌ خاص، ونظير هذا إطلاقهم لفظ حاتم على الكريم اشتقاقا من معنى الكرم الذي اشتهر به حاتم

الطائي المعروف، ولم يُخرجه ذلك الإطلاق عن عَلَمِيَّته الشخصية. كذلك لفظ «الإله» لا يخرجه إطلاقه على المعبودات اشتقاقا من معنى

العبادة عن عَلَمِيَّته الخاصة بالله تعالى. الثالث: أنَّ الكليَّ إنما يتأتى في الممكنات كالنبي والملك والعرش والكرسي واللوح والقلم والسماء والشمس والقمر والفلك والكواكب والروح والنفس والإنسان والحيوان والنبات وما إلى ذلك مما يتركب من أجناس وفصول ويدخل في دائرة المقولات (۱) العشر المجموعة في قول القائل:

(1) أخذت هذا العلم عن شيخنا العلامة المحقق الشيخ العباس بناني بجامعة القرويين أعاد الله لها مجدها، وهو أحد أربعة علماء عرفوا بالتحقيق. وثانيهم: العلامة مولاي عبد الله الفضيلي، أخذت عنه "رسالة الوضع" ومقدمات "جمع الجوامع".

وثالثهم: العلامة الشيخ الراضي السناني صاحب "الشذرات" أخذت عنه بعض "جمع الجوامع".

ورابعهم العلامة مولاي أحمد القادري أخذت عنه باب الجنايات من "المختصر" بـ"شرح الخرشي"، وأجازني أولهم بما يرويه عن سيدي أحمد بن الخياط رحمهم الله جميعا وأثابهم رضاه.

٤٥٦

المنطق

زيد الطويل الأبيضُ ابن مالك ببيته بالأمس كان متكـــي بيده غصن لـــواه فالتوى فهذه عشر مقولات سوى أما واجب الوجود سبحانه فهو منزَّه عن ذلك، ليس شيء من أسمائه وصفاته كليا يتركَّب من جنس يشترك به مع غيره، ولا من فصل يميزه عنه بل

أسماؤه وصفاته خاصة به الخصوص العلم الشخصي بمسماه.

الرابع: أنَّ الكلّي لا يُتصوّر كونه محالا؛ إذ هو ما له جزئيات موجودة كالحيوان، أو ممكنة الوجود كجبل ياقوت.

والمحال عدم محضّ ليست له صورة في الذهن ولا يمكن أن تكون له صورة، بل لا يُدرَك إلا بطريق التشبيه كأن يعقل اجتماع السواد والحلاوة في العنب مثلًا ثُمَّ يقال : مثل هذا الاجتماع لا يكون بين السواد والبياض، وأحيانًا لا يمكن تقريبه بطريق التشبيه لكون الشيء موجودًا معدوما في آن واحدٍ فكيف يتصوّر كونه كليا له جزئيات ؟!!. والذين اعتبروا الإله» وشريك الباري كليين مخطئون واهمون لم يعرفوا معنى المحال على حقيقته، أو اشتبه عليهم الأمر حين وجدوا كليًّا جزئياته معدومة كجبل ياقوت وبحر زئبق فاعتبروا المحال كليا مثله، لكن بينهما بون شاسع؛ لأنَّ الممكن المعدوم قابل للوجود وقد أخبر الله أنَّ في الجنَّة أنهار من لبَن لَمْ يَنغَير طَعْمُهُ، وَأَنْهَرُ مِنْ خَيْرِ لَذَّةٍ لِلشَّرِينَ وَأَنْهَرُ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَى ﴾ [محمد: ١٥] وهذه أمور ممكنة غير موجودة في الدنيا وهي موجودة في الآخرة. أما المحال فإنه مُغرق في العدم لا يقبل الوجود بحال، لا في الخارج ولا في

التوقي والاستنزاه

٤٥٧

الذهن، ووجود جزئيات الكلي مترتب على وجود صورة له في الذهن والمحال لا صورة له ولا يُذكر إلَّا منفيًّا.

والخلاصة: أنَّ الكلي لا يكون إلا في الممكنات فقط دون الواجب والمحال. الخامس: قول البناني في بيان كلّية الإله: «مجرد تصور معناه لا يمنع من تعدد مصدوقه لكن الدليل القاطع على وجوب انفراد الله تبارك وتعالى بالإلوهية» يشتمل على تناقض؛ إذ حاصله أنَّ الإله مصدوقه جائز التعدد عقلا، والإله واجب الإنفراد في واحد عقلا، وهذا تناقض واضح لا خفاء فيه. السادس: وهو مبني على ما قبله، أن جواز تعدد الإله ثابت وقيام الدليل القاطع على وجوب تفرُّد الله بالألوهية لا يمنع . منه؛ لأن. جواز التعدد مفهوم ذاتي، وما بالذات لا يتخلف، وفي هذا من الخطر ما لا يخفى بل هو هدم

للتوحيد.

السابع: أنَّ زيادة لفظ: «بحقِّ» في معنى الإله لا أصل لها في اللغة ولا علاقة للعقل بها؛ فالإله هو المعبود وكونه معبودا بحق حكم شرعي والحكم لا يدخل في الحد. قال صاحب "السُّلَّم":

وعندهُمْ مِنْ جُملة المردود أن تدخل الأحكام في الحدودِ الثامن: قوله أيضًا : تفسير الإله بالمستغني عن كل ما سواه المفتقر إليه كل

ما عداه لا يمنع كونه كليًّا ؛ إذ لا يوجب تشخيصه؛ لأنه بهذا المعنى يحتمل أن

يصدق على كثير على سبيل البدلية» . اهـ إغراق في الخطأ وتشبت به إلى حد التزمت حتى أنه لم يفرق بين ما يُعين

٤٥٨

المنطق

أنَّ

المسمى ويُخصصه وبين ما ليس كذلك، ومن البدهيات في علم المنطق التشخص في الجزئي يمنع الاشتراك فيه فـ«إنسان» كلي يقبل الاشتراك، و«زيد» جزؤه لا يقبل الشركة لتشخصه وتعينه.

فلو فرضنا أنَّ الإله بمعنى المعبود كلي كما قال فإن تفسيره بالمستغني عن كل ما سواه المفتقر إليه كل ما عداه تخصيص له بما لا يشاركه فيه غيره من المعبودات، فهو بمنزلة التشخص في «زيد»؛ ذلك أنَّ المعبودات بجميع أنواعها من ملائكة وإنس وجن وحيوان وأصنام؛ لا يُجيز العقل في شيء منها أن يكون مستغنيا عن كل ما سواه مفتقرًا إليه كل ما عداه؛ لأنها ممكنة والممكن لا ا يستغني عن المحل والمخصص.

التاسع: قوله: «إذ لا يوجب تشخصه والصواب أن يقول: إذ لا يوجب

تعينه؛ لأن التشخص لا يجوز أن يضاف إلى الله سبحانه وتعالى.

يرد في هذا المقال ثلاثة إيرادات نذكرها مع الجواب عنها :

الأول: دعوى أن المحال ليس بكلي يخالف ما أطبق عليه أهل المنطق من اعتبار شريك الباري كليًّا وكذا الإله وأن لم يذكره بعضهم تأدبا كما مر، وتعريف المحال يقتضي كليته أيضًا. والجواب: مسائل المنطق يُعمَل فيها بما يقضي به العقل والفكر السليم لا بالإجماع أو قول الأكثر، والمنطق الحديث أبطل نظريَّاتٍ أطبق عليها القدماء في المنطق القديم. ومما لا يخفى على دارس أنَّ الكليات مبادئ التصورات التي هي حدود ورسوم لماهيات الموجودات الممكنة، فالحدود والرسوم تتركب من أجناس

التوقي والاستنزاه

٤٥٩

وفصول و خواص كما هو معلوم.

والموجودات نوعان: موجودات بالفعل كالإنسان والشمس، وموجودات

بالقوة كنهر لبن وبحر زئبق وجبل ياقوت، فإنَّ هذه الأشياء ممكنة الوجود وإمكان الشيء كوقوعه فهي موجودة بالقوة.

والكليات التي تدخل في التعريف تقع على أشياء موجودة في الذهن أو

الخارج أو فيهما، والمحال لا يتصور في العقل وجوده ويسميه الحكماء منفيا وحكى شارحُ "العقيدة الطحاوية" إجماع العقلاء على أن المحال ليس بشيء والخلاف الذي حكاه صاحب جمع الجوامع" بقوله: «فعلى الأصح المعدوم ليس بشيء ولا ذاتِ ولا ثابت إنّما هو في المعدوم الممكن كما قيَّده به شارحه الجلال المحلّي فثبت أنَّ المحال لا يكون كليا والعقل لا يمكنه أن يتصور شخصا قائما قاعدًا ولا ثوباً أبيض أسودَ ، وبالضرورة لا يمكن تصور أفراد لما لا يمكن تصوره في نفسه. الثاني: قال الشيخ سعيد قدوره في بيان أفراد الكلي الممتنع: «فإنَّ الجمع بين البياض والسوادِ جمع بين الضّدين، والجمع بين القيام والقعود جمع بين الضدين، والجمع بين الترقي والتدلّي جمع بين الضّدين، فتبيَّن أنَّ الجمع بين الصدين واقع على كثيرين وأفراده كلُّها ممتنعة الوجود في الخارج».اهـ

وهذا الكلام يشتمل على أوهام: 1 - أنَّ الجمع بين الضّدين مثال لمحاولة فعل المحال الذي هو اجتماع

الضدين.

٢ - أن أفراد الكلي ما يتحقق فيها مفهومه كالإنسان يتحقق في جزئياته

٤٦٠

المنطق

مفهومه الذي هو حيوان ناطق، وهذا إنَّما يتأتى في الماهيات الممكنة التي يتمايز أفرادها بالتشخيص وغيره في الوجود الذهني أو الخارجي.

وماهية المحال عدم بحث لا تقبل الوجود في الخارج ولا في الذهن، والعدم لا تمايز فيه بين المعلمات.

- أنَّ الكلّي إنما يطلق على شيء موجود بالفعل أو بالقوة والمحال ليس

أمثلة

بشيء كما مر بيانه. - أن تعدد الأفراد في الأمثلة التي ذكرها الشيخ سعيد إنما هي أ لمتعلق المحال أعني : الضّدين فإنَّه لفظ عام يشمل الأبيض والأسود والقيام والقعود وغير ذلك من الأضداد الموجودة.

فالتعدد واقع فيها، والترقي والتدلّي، والليل والنهار، والحياة والموت، لا في المحال الذي هو اجتماعها وهو المحكوم بنفيه وقد اشتبه الأمر على الشيخ سعيد رحمه الله تعالى، يوضح ذلك أنَّ المحال الذي لا يتعلق بضدين مثلا كشريك الباري لا يتصوّر له أفراد أبدًا.

الثالث: من الإيرادات، دخول النَّفي العام على «إله» في قولنا: «لا إله إلَّا الله» يؤيد القول بكليته، لأنَّه لا يجوز أن يقال: لازيدَ في الدار وإنما يقال: لا إنسان

في الدار.

والجواب: أنَّ النَّفي توجه باعتبار الإطلاق المجازي أي: لا معبود إلا الله، وهذا كما يقال: لا حاتم إلا فلان، أي: لا كريم، أو لاقس إلا فلان، أي: لا فصيح، وهكذا.

فإله في الكلمة المشرفة كلّيّ في المعنى المجازي كما أنَّ لفظ حاتم .

التوقي والاستنزاه

٤٦١

لاستعماله في الكريم مجازا، مع أنَّه في الحقيقة علم شخصي وكذلك قُس كلي لاستعماله في الفصيح مجازا وهو في الحقيقة علم شخصي لقس بن ساعدة. الرابع: اختار السنوسي أنَّ معنى «إله» في كلمة التوحيد لا مستغنيا عن كل

ما سواه ومفتقرًا إليه كل ما عداه إلا الله، فهو على هذا كلي.

والجواب: أنَّ اختيار السنوسي لهذا المعنى هو الذي غر البناني وأوقعه في ذلك الخطأ الذي مرَّ بيانه، والسنوسي إنَّما اختاره ليدعي أن كلمة التوحيد شاملة للصفاتِ الواجبة الله تعالى لكنَّ اختياره غير صحيح ! أحدها: أنه تكلف في إدخال تلك الصفات بما لا دليل عليه ولا حاجة

تدعو إليه.

الأمور:

ثانيها : أنَّ الإله لم يستعمله العرب إلا بمعنى المعبود، كذلك جاء في القرآن الكريم : إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ) وَيَقُولُونَ أَبِنَّا لَتَارِكُوا الهَيْنَا لِشَاعِي تَجنُونِ ﴾ [الصافات: ٣٥ - ٣٦]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهُ وَفِي الْأَرْضِ الله ال [الزخرف: ٨٤]، ﴿ أَجَعَلَ الأَلِمَةَ إِلَهَا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٍ عُجَابٌ ﴾ [ص: ٥] او له مع الله ﴾ [النمل: ٦٠]، ﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهُ وَاحِدُ

[النحل: ٥١].

فالإله في هذه الآيات وغيرها مفردًا ومثنى و مجموعا معناه : المعبود، ونفي المعبودات في الكلمة المشرفة يكفي في إثبات التوحيد ونبذ الشرك ولذلك جعلها الشارع دليلا على الإسلام وعنوانا له لأنه يلزم بالضرورة من نفي المعبودات نفي الخصائص الألوهية عنها وهي منتفية بضرورة العقل والمشاهدة

٤٦٢

المنطق

كما قال الله تعالى: وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ وَالِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتَ وَلَا حَيَوَةً وَلَا نُشُورًا ﴾ [الفرقان: ٣].

فلا حاجة إلى ما تكلفه السنوسي وغيره في شرح الكلمة المشرفة. وهذا آخر ما رأيت كتابته في هذا الموضوع الذي لم يتنبه له أحد فيما

علمت والحمد لله على توفيقه وإلهامه، وأسأله القبول بفضله.

والداعي إلى تحرير هذا البحث أني درست للطلبة بزاويتنا الصديقية شرح بناني على السلم، ولما وصلت إلى هذا الموضع، وبينت لهم خطأ ما قرره بناني كغيره من المنطقيين، طلب مني بعضهم كتابة ذلك البحث، فأجبت طلبهم، لما فيه من عموم . الفائدة، وكان أنس رضي الله عنه يقول لبنيه: يا بني قيدوا العلم

بالكتابة.

أما مسألة تعلق القدرة بالمحال فلي فيها رسالة اسمها: "رفع الإشكال عن

مسألة المحال" أثبت فيها بما لم يسبقني إليه أحد والحمد لله.

وهي منتفية بضرورة العقل والمشاهدة كما قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ وَالِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتَا وَلَا حَيَوَةً وَلَا نُشُورًا ﴾ [الفرقان: ٣].

تتمة: علم مما حرَّرناه أنَّ الكلي والجزئي لا يكونان إلا ممكنين، أما واجب

الوجود والمحال ، فلا شيء منهما يكون كليا لما مر بيانه بتفصيل

٢- رَفْعُ الإشكال عن مسألة المحال

رفع الإشكال

مقدمة

٤٦٥

الحمد لله الكبير المتعال، تنزّه عن مماثلة الحوادث في الذات والصفات والأفعال، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، يهدى ويُضِلُّ وهو الولي الحميد. والصَّلاة والسلام على سيدنا محمَّدٍ الذي عيّن الواجب والجائز، وبين الخائب والفائز؛ ورضي الله عن آله وأصحابه الذين بذلوا في نصرة الدين غاية الإمكان، فنالوا هداية الرحمن

أما بعد: فإني قرأت كلام الإمام أبي محمد بن حزم -رحمه الله - في مسألة تعلق القدرة بالمحال، فوجدته قد خبط فيها وخلط، وأتى بما يُعدُّ في قبيل الشطط، حيث بنى كلامه على جواب سؤال: هل يقدر الله على فعل المحال؟ فقسم في الجواب ونوع، لكنه ما أقنع، ونمَّق الكلام وحَبَّر لكن ما حرَّر. وكان هدفه المقصود، تنزيه الباري - عزَّ شأنه أن يُنسب عجز إلى قدرته العامة الشاملة؛ وهو مقصد نقدره له ونمدحه عليه. غير أنه في فورة عاطفته الدينية

وغيرته الإيمانية غفل عن سرّ البحث ولبابه، فأتى البيت من غير بابه. ولو أعمل فكره لأدرك أنَّ السؤال المذكور فاسد لا يُجاب عليه، وأنَّ الصواب

أن يقال: هل يريد الله فعل المحال ؟ هذا أصل الموضوع، وعليه مدار الكلام. ولأجل توضيحه ألفت هذا الجزء الذي سميته: "رفع الإشكال عن مسألة

المحال".

والله أسأل أن يرزقني التوفيق ويهديني سواء الطريق.

٤٦٦

فصل

المنطق

وقسم ابن حزم المحال إلى أربعة أقسام :

١ - محال بالإضافة : مثل نبات اللحية لابن ثلاث سنين، وإحباله امرأة

وكلام الأبله الغبي في دقائق المنطق؛ ونحو هذا من المعاني الموجودة ممن هي ممكنة منه، ممتنعة من غيره.

٢- محال في الوجود كانقلاب الحيوان جماداً، والجماد حيوانا، ونُطق

الحجر، ونحو هذا مما ليس ممكنا عندنا ولا موجودًا.

قال: وبهذين القسمين تأتي الأنبياء عليهم السلام- في معجزاتهم الدالة على صدقهم في نبوتهم. قلت: وهما من قبيل المحال العادي ؛ بمعنى أن استحالتهما مستمدة من العادة الجارية بين الناس، والسنن الكونية التي يمشي عليها نظام العالم. تعبانا،

والعقل يقضي بجواز خرق العادة ووقوعه، كانقلاب عصا موسى وكلام عيسى في المهد، وانشقاق القمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتسليم الحجر عليه بالرسالة. ثم قال: ٣- محال فيما بيننا في بنية العقل ككون المرء قائما قاعدًا معا في حين واحد. قال: وهذا النوع وإن كان الله قادرًا عليه؛ لا يكون البتة في هذا العالم، لا

معجزة لنبي ولا بغير ذلك البتة، هذا يُدرك بالضرورة .

قال: ولا يبعد أن يكون الله يفعل هذا في عالم له آخر.

٤- محال مطلق: وهو المحال لعينه؛ كوجود شريك الله تعالى، أو الولد له، ونحو هذا مما يقتضى تغييرًا في ذات الله سبحانه وتعالى.

رفع الإشكال

٤٦٧

قال: وهذا النوع لم يزل الله تعالى يعلمه محالاً ممتنعا باطلا قبل حدوث العقل وبعد حدوثه أبدًا.

قال: وأما المحال في العقل وهو القسم الثالث- فإن العقل مخلوق، خلقه الله بعد أن لم يكن أحدثه الله وأحدث رتبه على ما هي عليه، وكل ما خلقه الله تعالى محالا في العقل فقط فإنما كان محالا منذ جعله الله تعالى محالا وحين أحدث صورة العقل لا قبل ذلك، فلو شاء تعالى ألا يجعله محالا لما كان

محالا.

قلت: هذان النوعان - أعنى الثالث والرابع - من قبيل المحال العقلي.

فصارت الأنواع الأربعة نوعين: محال عادي، ومحال عقلي.

وما فرق به بين المحال العقلي وبين ما سماه محالا مطلقا لا معنى له ولا تحصيل فيه؛ لأن كلا النوعين يقضي العقل امتناعه، ويعلمه الله ممتنعا باطلا قبل خلق العقل وبعده، إلا إن كان غرضه أن اجتماع الضدين أو النقيضين مثلا

كان قبل خلق العقل ممكنا ولما خلق العقل وأدرك استحالته صار محالا. وإليه يشير قوله وكل ما خلقه الله تعالى محالا في العقل فقط فإنما كان محالا

منذ جعله الله تعالى محالا .... إلخ. فهذا في غاية الفساد. أما أولاً: فلأن الممكن لا يصير محالا ذاتيًا أبدًا بحال، ولو جاز ذلك جاز :

أن يصير الواجب ممكناً، والمحال واجبا، ويبطل حكم العقل.

نعم؛ قد يصير الممكن محالا عرضيا لداع يقتضي ذلك، كإيمان أبي جهل مثلا هو في نفسه ممكن لكن تعلق العلم الإلهي بعدم وقوعه، فصار محالا من هذه الجهة، فهو محال عرضي وليس كلامنا فيه

.

٤٦٨

المنطق

وأما ثانيا : فلأن الله تعالى لم يجعل المحال لأنه عدم، والله لا يجعل العدم.

ألا ترى إلى قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَكُمْ ﴾ [البقرة: ۲۸] عبر عن عدمهم الأصلي، بكينونتهم أمواتا، ولم يقل: وجعلكم أمواتا»، لأنه لم يجعلهم عدمًا. وإنما كان المحال معدوما لأن العدم فصل مقدم لماهيته، إذ هو ما لا يتصور في العقل وجوده، فلا تحصل له صورة في العقل ولا يمكن أن يتصور إلا على طريق التشبيه بأن يعقل بين السواد والحلاوة أمر هو الاجتماع، ثم يقال: هذا الأمر لا يمكن حصوله بين السواد والبياض أو على طريق النفي بأن يعقل أنه لا يمكن أن يوجد مفهوم اجتماع السواد والبياض . وأما ثالثا: فإن المتكلمين والحكماء اختلفوا في الماهيات الممكنة هل هي مجعولة؟ -وهو قول الأشعري والحكماء -الإشراقيين- أو غير مجعولة؟ -وهو قول المعتزلة والحكماء المشائين ومع هذا اتفق الفريقان على أن الماهيات الممتنعة غير مجعولة لما بيناه.

وقوله في المحال العقلي: «لا يبعد أن يكون الله تعالى يفعله في عالم له آخر»

دعوى باطلة من جهات:

إحداها: أنه لا دليل على وجود عالم آخر.

ثانيتها: أنه لو فرض وجود عالم آخر، فدون إثبات وقوع المحال فيه خرط

القتاد، بل إثباته محال.

ثالثتها: أن عالم الآخرة أوسع من عالم الدنيا وأبقى، وفيه من أنواع النعيم

رفع الإشكال

٤٦٩

والعذاب ما لا يخطر على بال، ومع ذلك لا يقع فيها إلا المحال العادي فقط. ودونك نصوص القرآن والسُّنَّة الواردة في مواقف القيامة ونعيم أهل الجنة

وعذاب أهل النار لا تجد فيها ما يشير إلى وقوع محال عقلي قط. والحاصل: أنَّ ابن حزم اعترف مجبرا - بأن المحال في العقل لا يكون البتة لا معجزة ولا غيرها، وأن عدم كونه مدرك بالضرورة، فذهب يلتمس عالما آخر يمكن أن يكون الله يفعل فيه المحال !

وإذا كان لم يجد العالم الذي التمسه - وهو غير موجود بالضرورة فقد وجده ابن العربي الحاتمي في أرض الحقيقة.

قال: وهي مخلوقة من فضلة فضلت من طينة آدم عليه السلام مقدار السمسمة، وهي من السعة بحيث لو جمع العرش وما حوله والسموات

والأرضون والجنة والنار، كانت كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض !!

وزعم أنه دخلها ورأى المحال العقلي واقعا فيها، كأنه أمر عادي عند أهلها!! وأطال في وصف هذه الأرض المخلوقة من مقدار سمسمة، وفي وصف أهلها وما شاهد فيها، بحيث عقد الباب الثامن من "الفتوحات" لهذه الأرض الغريبة.

قرأت ذلك الباب وأنا لا أزال في الكتاب فراعني خصب خياله وحسن إنشائه ووصفه، وهو في نظري أخصب خيالا من بديع الزمان الهمذاني وأبي القاسم الحريري، وأحسن منهما وصفًا وأقدر على ابتكار المعاني التي لا يقبلها العقل.

ووجدت العطار نقل في حاشية جمع الجوامع"، عن كتاب "اليواقيت

٤٧٠

المنطق

والجواهر" أنَّ ابن العربي الحاتمي قال: إن الله تعالى يقدر على خلق المحال عقلا.

وأنه دخل الأرض المخلوقة من بقية خميرة طينة آدم فرأى فيها ذلك بعينه. قال العطار: إن لم يكن هذا مدسوسًا على الشيخ الشعراني أو ابن العربي فيجب القطع بصرفه عن ظاهره ، ولعل ابن العربي أراد به معنى آخر يعلمه واعتقاد ظاهره لا يجوز، وينسب لأبي حيان

إن عقلي لفي عِقَال إذا ما أنا صدقت قول كل قول مُحال» . اهـ قلت كلام ابن العربي صريح، والصريح لا يجوز صرفه عن معناه ولا التعلل بأن قائله لعله أراد به معنى يعلمه، لأنه لا معنى له إلا ما هو نص فيه . وقد بنى ابن العربي كلامه على حديث خلق النخلة من فضلة طين آدم، لكن لم يثبت أن النخلة خلقت من فضلة طينة آدم عليه السلام إلا ما رواه مسرور بن سعيد عن الأوزاعي، عن عروة بن رويم، عن على عليه السلام مرفوعا: «أكرمُوا عمتكم النخلة فإنها خُلِقَتْ من فضلة طينة أبيكُم آدم» الحديث.

و مسرور ؛ قال ابن حِبَّان: يروي عن الأوزاعي المناكير الكثيرة. وقال العقيلي: هذا الحديث غير محفوظ، لا يعرف إلا بمسرور. وقال ابن كثير في تفسير سورة مريم): هذا حديث منكر جدًّا. قلت: بل هو موضوع كما قال ابن الجوزي في "الموضوعات"، وهو من

يروي

كذبات مسرور. والإمام الأوزاعي أجل من أن السخيف الذي يربط بين الإنسان والنخل برباط النسب )

(1)

هذا الكلام البارد

(۱) وقد ورد ما يخالفه ؛ قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة، عن سعيد بن أبي

رفع الإشكال

٤٧١

وإني لأعجب من ابن العربي كيف خفي عليه كذب الحديث من جهة

الكشف، بعد أن خفي عليه من جهة الصناعة ؟!

وقد سئل عنه القطب سيدي عبد العزيز الدباغ، فقال: «ليس هو من كلام

النبي صلى الله عليه وآله وسلم». انظر "الإبريز".

الواقع أن ابن العربي - رحمه الله - أتى في هذا الخبر بطامات كبار: ۱ - وجود أرض تسمى أرض الحقيقة.

٢ - كونها مخلوقة من قدر السمسمة، من فضلة طينة آدم عليه السلام. ٣- كونها أكبر من الدنيا والآخرة ومعهما العرش وما حوله، يعني

الكرسي

(1)

الحسن، أخي الحسن، قال: إن الله تبارك وتعالى خلق آدم، فبقي من طينته بيده شيء فخلق منه الجراد، فهو جند من جنود الله ليس جند أكثر منها.

وروى أيضا عن معمر عن الزهري، عن ابن المسيب قال : لم يخلق الله بعد آدم شيئا إلا الجراد، بقي من طينته شئ فخلق منها الجراد.

فهذان الأثران يخالفان ذلك الحديث المكذوب، مع أنهما منكران أيضا وأولهما أشد نكارة لتصريحه بأن الله تعالى بقي بيده من طينة آدم بقية، وهذه صفة الحوادث، تعالى الله

عنها.

ثم دعوى وجود بقية فضلت من طينة آدم عليه السلام، تستلزم عدم دقة في تحديد الطين الكافي لخلقه، وهو جهل يتنزه الله عنه.

(۱) مع أن الله تعالى نوه عن كبر العرش وعظمته بقوله سبحانه: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل: ٢٦] وقال في الكرسى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [البقرة: ٢٥٥]

٤٧٢

المنطق

٤ - وقوع المحال العقلي فيها، وهذه كبرى الطامات، والعقدة التي لا تجد

ܥ ܂

ه - أن هذه الأرض عمتنا أيضًا، قياسًا على النخلة !!

يضاف إلى ذلك أن أحدًا من كبار الأولياء، كأبي مدين الغوث وأبي الحسن الشاذلي وأبي العباس المرسي والشيخ محمد الحنفي وسيدي علي وسيدي عبدالعزيز الدباغ وغيرهم، لم يذكروا خبر هذه الأرض العجيبة ولا عرجوا عليه، مع أن ابن العربي صرح بأن الأولياء يدخلونها. ويزاد على ذلك أن سيدي عبد العزيز الدباغ - رضی الله عنه - صدق قول الجمهور أن القدرة لا تتعلق بالمحال، وسيأتي كلامه إن شاء الله .

فصل

.

وحكى ابن حزم أقوال الأشعرية والمعتزلة وطوائف منهم كالبلخي والنظام وعلي الأسواري في عدم تعلق القدرة بالمحال، وناقش أقوالهم وفند

أدلتهم وأورد عليهم إلزامات، كعادته في مناظراته.

ثم اختار أن الله تعالى يقدر على المحال في العقل، وعلى اتخاذ الولد، مع أنه

ولو كانت أرض الحقيقة موجودة كان التنويه بها أحق لأنها أدل على قدرة الله وسعة ملكه. ولا أدرى كيف يجرؤ شخص على ادعاء وجود عالم لم يقم عليه دليل ثم لا

يكتفي بذلك حتى يدعي أنه أعظم مما عظمه الله في كتابه ؟!! (۱) روى الخطيب في كتاب "الكفاية" عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت حفص بن

غياث يقول: إذا أخبر الراوي عن نفسه بأمر مستحيل؛ سقطت روايته .

رفع الإشكال

٤٧٣

من المحال المطلق كما صرح به في تقسيمه السابق، فناقض نفسه. ثم قال: وإن كنا لموقنين - بضرورة العقل - بأن الله تعالى لم يفعله قط، ولا يفعله أبدا» وهذا تناقض أيضًا يهدم حكم العقل بجعل المحال ممكنا، ثم يستدل لعدم وقوعه بضرورة العقل !! وأي عقل يستدل بضرورته بعد هدم أهم أحكامه ؟!!

وقد غفل مع هذا عن أمر خطير لم يتنبه له؛ وهو أنه حيث حكم بأن الله تعالى يقدر على فعل المحال، صار ثبوت العلم والصدق والعدل له من قبيل الجائز لا الواجب، ويكون تنزهه عن الولد والجهل والكذب والظلم جائزا في حقه لا واجبًا، وهذه شناعات بالغة لها خطورة شديدة على عقيدة المسلم، إذ تحمله على اعتقاد جواز لحوق النقص الله تعالى عن ذلك علوا كبيرًا. والقاعدة عند العلماء: أنَّ جواز الشيء بمنزلة وقوعه.

والذي ورط ابن حزم في تلك الشناعات خطأ عنوان المسألة كما سبق في الخطبة، إذ كان السؤال بصيغة : هل يقدر الله على المحال؟ سيئًا خاليًا من

الأدب.

وحسن السؤال نصف العلم . كما ورد في حديث عن ابن عمر رضى الله عنهما. رواه الطبراني في مكارم الأخلاق"، والبيهقي في "الشعب". هذا مع أن مناط البحث إرادة الله لا قدرته. وأنا أريد بحول الله أن أكشف الحجاب عن وجه الصواب، وأفتح الأقفال عن غوامض المحال، حتى تظهر للعيان لا يتمارى فيها اثنان

٤٧٤

فصل

المنطق

هل يريد الله فعل المحال ؟ هذا هو السؤال الصحيح، والجواب عنه بلفظ لا أو نعم، واجب لازم. ومما لا ريب فيه أنَّ تعلق القدرة تابع لتعلُّق الإرادة، فإذا أراد الله فعل

شيء، تعلّقت به قدرته فأوجدته، وإذا لم يرده لم تتعلق به القدرة فلا يوجد. قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَهُ أَن تَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [النحل: ، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فيكون ايس: ۸۲]، إن الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الحج: ١٤].

ومما هو مُدرَك بالضرورة العقلية: أن الله إذا أراد شيئًا، فلا يعوقه عن فعله عائق ولا يحجزه عنه حاجز، قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ فَعَالُ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [هود: ۱۰۷]

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «ما شاءَ الله كان وما لم يشأ لم يكن». أما المخلوق فإنه قد يريد الشيء ولا يفعله؛ لعجز قدرته عنه أو لكسل أو

لعائق، أو نحو ذلك. إذا تمهد هذا فالجواب عن السؤال المذكور أن الله تعالى لا يريد فعل المحال ؛ لأنه يلزم على فعله أحد أمرين: ١ - إما لحوق النقص الله تعالى، كما في الظلم والكذب ونحو ذلك. - وإما العبث، كما في الجمع بين النقيضين أو الضدين مثلا.

وكل من النقص، والعبث، ممتنع في حقه تعالى.

والدليل من القرآن قول الله تعالى: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل

عمران: ۱۰۸]، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ﴾ [غافر: ۳۱].

رفع الإشكال

٤٧٥

أفادت هاتان الآيتان أنَّ الله لا يريد فعل الظلم لأنه نقص لا يليق بكماله، وهكذا كل محال، فإن الله لا يريده لمنافاته كماله سبحانه، وستأتي آيات تفيد هذا المعنى إن شاء الله .

وفي الحديث القدسي الصحيح: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي أي: ما أردت فعله، فعبر عن عدم إرادة الظلم بتحريمه على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.

وقول الله تعالى: إن اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: ٢٠] لا يتناول المحال،

وذلك لأمرين:

أحدهما: أن لفظ شئ موصوف بصفة دل عليها ما تقدم بيانه آنفا، والمعنى:

شئ يريد فعله. والمحال لا يريده الله، فلم تتناوله الآية.

ثانيهما: أن المحال معدوم كما هو معلوم، ولذلك يسميه الحكماء والمتكلمون: «منفيا» وقد اتفقوا على أن المنفي ليس بشيء، وإن اختلفوا في الممكن المعدوم، والأصح عند الأشعرية أنه ليس بشئ أيضًا لقوله تعالى: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾ [مريم: 9]. فلفظ شَيْئًا في الآية،

لا يصدق على المحال ولا يشمله بحال.

فإن قيل : ماذا يكون الحال لو أراد الله فعل المحال؟

قلنا: هذا سؤال باطل فاسد يهمل ولا يجاب عنه. والله تعالى لا يجوز في حقه أن يريد فعل المحال، إذ يلزم عليه كما سبق - لحوق النقص الله تعالى، ولحوق النقص له محال.

٤٧٦

المنطق

فصل

المحال أحد أحكام العقل التي ينبني عليها دلائل علم التوحيد وبراهينه ولا يكون الاستدلال به إلا باعتباره ممتنع الوجود.

وكذلك استعمله القرآن في محاجة المشركين كما يمر بك في الآيات التي نتلوها عليك:

- لَوْ أَرَدْنَا أَن تَتَّخِذَ لَمَوَالَا تَخَذْتَهُ مِن لَدُنَّا إِن كُنَّا فَعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: ۱۷]

-

قال ابن عباس وعكرمة والسُّدِّي : المراد باللهو هنا: الولد. وقال الزجاج: هو الولد، بلغة حضرموت.

قال ابن عباس: هذا رد على من قال : اتخذ الله ولدا.

وقال الحسن وقتادة: اللهو ؛ المرأة بلغة أهل اليمن. وهذا رد على من زعم

أن الله زوجة. ومعنى من لدنا من عندنا.

أفادت الآية تعليق اتخاذ الولد بإرادة ذلك، وهو تعليق محال بمثله. أما استحالة اتخاذ الولد، فدليلها قوله تعالى: وَمَايَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ [مريم: ۹۲]، أي: وما يتأتى له اتخاذ الولد لأن التوالد ممتنع، والتبني لا يكون إلا فيما هو من جنس المتبنى وليس الله تعالى جنس، فالبنوة والتبني

مستحيلان.

وقوله سبحانه: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَهُ صحبة [الأنعام: ١٠١]، أي: كيف يكون له ولد وهذه حاله؟ أي: أن الولد إنما يكون من زوجة وهو لا زوجة له، وعبر عن الزوجة بالصاحبة للإشارة إلى أنه

رفع الإشكال

لا يوجد من يزواجه لأن الزوجة تستلزم المجانسة ولا مجانس له تعالى .

قال الزمخشري في الآية إبطال الولد من ثلاثة أوجه:

٤٧٧

أحدها: أن مبدع السموات والأرض - وهي أجسام عظيمة - لا يستقيم

أن يوصف بالولادة لأنها من صفات الأجسام ومخترع الأجسام لا يكون جسما

حتى يكون والدا.

والثاني: أن الولادة لا تكون إلا بين زوجين من جنس واحد، وهو تعالى متعال عن المجانس.

والثالث: أنه ما من شيء إلا وهو خالقه، والعالم به. ومن كان بهذه الصفة،

كان غنيا عن كل شيء، والولد إنما يطلبه المحتاج» . اهـ

وأما استحالة إرادة الولد، فقد قدَّمنا أن الله تعالى لا يريد المحال، وذلك على وجه الامتناع لأمرين:

أحدهما: أن إرادته تقتضي جواز لحوق النقص الله تعالى. والآخر: أن القضايا الشرطية في براهين التوحيد ومسائل العقيدة يجب أن يكون المقدم فيها ممتنعا .

وتلك الآية - أعني : لَوْ أَرَدْنَا أَن تَتَخِذَ هَوا لَا تَخَذْنَهُ مِن لَدُنَّا - قصد بها الرد على المشركين الذين ادعوا الله الولد أو الزوجة، فهي تنفي ذلك أبلغ نفي بأن إرادة ما ادعوه مستحيلة في حقه تعالى، وجاءت جملة: إن كنا فعلين أي ما كنا فاعلين، مؤكدة لذلك النفي البليغ.

واتخاذ الولد أو الزوجة من المحال المطلق على اصطلاح ابن حزم، وهو

٤٧٨

المنطق

المحال لعينه، وقد اضطرب فيه فذكر أن السؤال عنه متفاسد لا يستحق الجواب، وأصاب في ذلك. ثم زعم أن الله يقدر على فعله، فأخطأ خطاً شنيعا. واستدل لزعمه بهذه الآية، وبقوله تعالى: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ [الزمر: ٤] فكان استدلاله أفحش خطأ وأشد شناعة؛ لأن الآيتين قصد بهما امتناع إرادة الولد على وجه الاستحالة، كما بينا آنفا، ولهذا قال ابن عباس : كل شيء في القرآن: «لو»، فإنه لا يكون أبدا». رواه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عنه.

فهما تفيدان الرد على المشركين وأنهم نسبوا إلى الله ما لا يجوز في حقه أن يريده فضلا عن أن يتخذه، لأنه يتضمن نقصا يتعالى الله عنه، ولهذا ذيلت الآية الأولى بجملة : إن كُنَّا فَعِلِينَ ، وذيلت الثانية بعبارة: سُبْحَنَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . أما لو قيل: أن الآيتين تفيدان إمكان اتخاذ الولد كما فهم ابن حزم خطأ - لم يكن فيهما إبطال دعوى المشركين؛ لأنهم - بناء على هذا الفهم السقيم- نسبوا إلى الله ما هو جائز في حقه، ولا ينفع الرد عليهم بأن هذا لم يقع ولا يقع، لأنه حيث ثبت إمكان اتخاذ الولد صار وقوعه في حيز الإمكان أيضًا، وهذا كاف في عذرهم وتوجيه دعواه، إذ المقرر عند العلماء كما قدمنا - وهو مركوز في فطرة العقلاء أن جواز الشئ بمنزلة وقوعه.

على أن الآيتين مسوقتان كما ترى في معرض إثبات وحدانية الله،

وتنزهه عن الولد، لا في معرض إثبات قدرته .

رفع الإشكال

٤٧٩

(تنبيه): الأمر الجائز يصح الوصف به ويكون حقيقيا وإن لم يقع، وذلك مثل قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكُ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: ۸۸]، وقوله سبحانه:

كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانِ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: ٢٦ - ٢٧]. وقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قالها الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لبيد: ألا كُلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ بَاطِلُ.

ويقال الله تعالى: «الوارث»، لأنه يرث الأرض ومن عليها، وإن لم يقع

إرث الآن.

فهل يصح أن يقال له: متخذ الولد باعتباره جائزا على الرأى الفاسد

يصح

ذلك ولا

الذي عن . جماعة المسلمين ؟!! بالضرورة لا . شد به ابن حزم - يجوز، لأنه شرك صريح : نفاه الله في القرآن وذم قائله، وما نفى الله - ولا يجوز أن ينفي أمرًا جائزا في حقه - يمتنع وصفه به جزمًا.

۲- لَوْ كَانَ فِيهِمَا المَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَنَا ﴾ [الأنبياء: ٢٢] رتبت الآية فساد السموات والأرض، على تعدد الآلهة باعتباره محالا لا يتصور العقل وجوده

ولو كان ممكنا، لما تم الاستدلال به على نفي الفساد.

لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ عَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ﴾ [الأنبياء: ٩٩] وكون الأصنام

آلهة محال، فلذلك دخلوا النار مع عابديهم.

[المؤمنون: ٧١].

وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ

قال الزمخشري: معناه: ولو كان الله يتبع أهواءهم ويأمر بالشرك

٤٨٠

المنطق

والمعاصي لما كان إلها ولما قدر أن يمسك السموات والأرض».اهـ ولاشك ان اتباع الحق لأهواء المشركين محال لا يريده الله.

-0

- قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَبِدِينَ ﴾ [الزخرف: ۸۱] قال الزمخشري:

معناه: إن كان للرحمن ولد وثبت ذلك ببرهان توردونه، فأنا أعظم ذلك الولد

وأسبقكم إلى طاعته، كما يعظم الرجل ولد الملك لعظم أبيه.

وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل للمبالغة في نفي الولد والإطناب فيه وألا يترك لناطق به شبهة إلا مضمحلة، مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في التوحيد؛ وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد، وهي محال في نفسها، فكان المعلق بها محال مثلها، فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها».اهـ

وقال أبو حَيَّان: «إن إله العالم يجب أن يكون واجب الوجود وما كان كذلك فهو فرد مطلق لا يقبل التجزي، والولد عبارة عن أن ينفصل عن الشخص جزء من أجزائه فيتولد منه شخص مثله ولا يكون إلا فيما هو قابل

للتجزي وهذا محال في حقه تعالى، فامتنع إثبات الولد».اهـ - إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا تَابَيْنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا نُفَنَّحُ هُمْ أَبْوَبُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ

الْجَنَّةَ حَقَّ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَةِ الْخيَاطِ ﴾ [الأعراف: ٤٠]، سيقت هذه الآية لتأييس الكفار من دخول الجنة، وأنه لا حظ لهم فيها إن لم يؤمنوا، فهي مثل قوله

تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِنَايَتِ اللهِ وَلِقَابِهِ أُوْلَيْكَ يَسُوا مِن رَّحْمَنِي [العنكبوت: ٢٣] ولو كان دخول الجمل في سم الخياط ممكنا لما كان فيها تأييس سما

رفع الإشكال

٤٨١

للكفار، بل تكون مطمعة لهم في دخول الجنة.

وفيما أوردناه من الآيات كفاية في الدلالة على بطلان كلام ابن حزم،

وفساد استدلاله.

استدل ابن حزم، لإمكان وقوع المحال العقلي بما يراه النائم في منامه مما لا شك أنه محال في حال اليقظة ممتنع يقينًا.

قال: «فبالضرورة يدري كل ذي حس أن الذي جعل المحال ممكنا في

النوم، كان قادرًا على أن يوجده ممكنا في اليقظة» . اهـ

قلت: اشتبه عليه الحال فظن ما يراه النائم في منامه

من

الأضغاث

والغرائب محالا عقليًا، والواقع أنه ليس في المنامات على اختلاف أنواعها ما يخرج عن المحال العادي.

والظاهر أن ابن العربي الحاتمي حصل له مثل هذا الاشتباه أيضًا حيث ظن ما رآه في أرض السمسمة - إن كان يقظة وليس تخيلا- محالا عقليا، مع أنه لم يخرج عن دائرة المحال العادي، لأن من أفراده ما يظن أنه من المحال العقلي لبعده عن المألوف أو لشدة غرابته، فهو من قبيل المشكل.

واستدل ابن حزم أيضًا لرأيه الفاسد بما هو أشد فسادًا منه فقال: إن الله تعالى حكى قول اليهود: عزيرُ ابْنُ اللهِ ﴾ [التوبة: ٣٠] وقولهم : إِنَّ اللَّهَ فَقِيرُ

وَنَحْنُ أَغْنِيَاهُ ﴾ [آل عمران: ۱۸۱]، وقولهم: يدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ [المائدة: ٦٤]. وحكى قول النصارى: المَسِيحُ ابْنُ اللهِ ﴾ [التوبة: ٣٠] وقولهم: إن اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَة [المائدة: ۷۳] وقولهم: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ

٤٨٢

المنطق

مريم [المائدة: ١٧] وهذا كله كذب.

قال: فأي حماقة أشنع من قول من قال: إن الله قادر على أن يقول كل ذلك

حاكيا، ولا يقدر أن يقوله من غير أن يضيفه إلى غيره . اهـ

وأقول بل الحماقة الشنعاء، والداهية الدهياء، والمصيبة التي ليس لها دواء،

هي تجويز الكذب في حق الله تعالى، وإذا كان الله يلعن الكاذب ويذمه، فكيف يصح أن نجوزه في حقه؟!

وقد بينا فيهما مر أن الله لا يريد فعل المحال لما يلزم عليه من شناعات وقبائح تورط فيها ابن حزم، سامحه الله وغفر له، ولقد كنا نُجِلَّه عن أن يسقط هذه السقطة، لكن الكمال الله تعالى.

فصل

في أخبار توهم تعلق القدرة بالمستحيل

۱ - روى الترمذي من طريق أبي قبيل عن شُفي بن ماتع عن عبد الله بن عمرو، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي يده كتابان

فقال: «أتدرون ما هذان الكتابان؟ فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا. فقال للذي في يمينه: «هذا كتابٌ من ربِّ العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزادُ فيهم ولا يُنقصُ منهم أبدا». ثم قال للذي في شماله: «هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرِهم فلا يزادُ فيهم ولا يُنقصُ منهم

أبدًا». ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيديه فنبذهما.

رفع الإشكال

٤٨٣

قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب»، وقال الحافظ ابن حجر: في

"فتح الباري": «إسناده حسن».

قال العلامة الشيخ أحمد بن المبارك في "الإبريز": استشكله بعض الناس وظن أن فيه تعلق القدرة بالمستحيل، حيث جمع أسماء أهل الجنة في كتاب تحمله يمناه عليه السلام وكذا أسماء أهل النار.

وقدم سؤالاً إلى سيدي عبد العزيز الدباغ، قال فيه: سيدي، قال علماء الكلام القدرة تتعلق بالممكنات دون المستحيل. مع أن في حديث جاء عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم أنه خرج ذات يوم وفي يده كتابان على

.

أصحابه، وذكر الحديث. وقال: مع صغر جرم الكتابين وكثرة الأسماء، ففي ذلك إيراد الكبير على الصغير من غير تكبير الصغير ولا تصغير الكبير، وإلا فأي ديوان يحصر أسماء هؤلاء؟!

فهذا أقوى دليل على المحال العقلي من إدخال الواسع على الضيق لو شاء ذلك. مع بقاء هذا على صغره وهذا على كبره.

فأجاب رضى الله عنه بأن ما قاله علماء الكلام وأهل السنة والجماعة هو العقيدة، ولا يمكن أن يكون في أطوار الولاية ولا في معجزات الرسالة ما تحيله العقول، نعم قد يكون فيها ما تقصر عنه العقول فإذا أرشدت إلى المعنى المراد قبلته وأذعنت له.

والكتابة المذكورة في هذين الكتابين كتابة نظر لا كتابة قلم، وذلك أن صاحب البصيرة لا سيما سيدنا محمد . صلى الله عليه وآله وسلم، إذا توجه

قصده إلى شئ بأن ينظره فإن بصيرته تخرق الحجب التي بينه وبين المنظور إليه

٤٨٤

المنطق

حتى يبلغ نورها إليه ويحيط به، فإذا حصلت صورة المنظور إليه في البصيرة وفرضناها بصيرة كالة، فإن حكمها يتعدى إلى البصر وتصير القدرة الحاصلة

لها حاصلة للبصر أيضًا، فيرى البصر الصورة مرتسمة له فيما يقابله. فإن كان المقابل له حائطًا رآها في حائط، وإن كان المقابل له يده رآها في يده، وإن المقابل له قرطاسًا رآها في قرطاس.

وعلى هذا يتخرج حديث: «مثلت لي الجنَّة والنار في عَرْضِ هذا الحائِط» لأنه صلى الله عليه وآله وسلّم توجّه ببصيرته إليهما وهو في صلاة الكسوف فخرق ذلك إلى بصره وكان المقابل له عرض الحائط فرأى صورتهما فيه صلى الله

عليه وآله وسلّم.

وعليه أيضا يتخرج حديث الكتابين، فإنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم توجـ ببصيرته إلى الجنة فحصلت صورتها في بصره وكان المقابل له الكتاب الذي في يمينه فجعل عليه الصلاة والسلام ينظر إلى الجنة وسكانها في ذلك الجرم الذي في يمينه فقال: «هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وآبائهم وقبائلهم ثم توجه ببصيرته إلى النار فحصلت صورتها في البصر وكان الجرم المقابل له الكتاب الذي في شماله فقال: هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وآبائهم وقبائلهم وإنما سمَّى الصورة الحاصلة في الجرم كتابًا، لمشابهتها للكتابة في الدلالة على ما في الخارج، وإنما أضيف الكتاب إلى رب العالمين، لأن النور الذي هو سبب في حصول الصورة التي عبر عنها بالكتاب ليس هو من طوق العبد ولا من كسبه، وإنما هو مدد رباني ونور من عند الله

سبحانه.

رفع الإشكال

٤٨٥

نخرج من هذا أن المراد بالكتابة الصورة الحاصلة في النظر لا غير فالحديث

من نوع الممكنات وهكذا سائر المعجزات والخوارق . اهـ ملخصا. وهو جواب نفيس يدلُّ على عُلو كعب صاحبه ودقة نظره وصحة إلهامه،

وهو مبني على عالم المثال الذي أثبته الصوفية وحققه العلامة الأصولي علاء الدين القونوي في كتاب "الإعلام" ونقلت كلامه مع كلام غيره، في كتاب "الحجج البينات".

ويؤيده ما رواه الطبراني بإسنادٍ صحيح من طريق ابن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عمر: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، خرج فبسط كفه اليمنى فقال: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله الرحمن الرحيم بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم لا يزاد فيهم ولا ينتقص منهم».

ثُمَّ بسط كفه اليُسرى فقال: «بسم ا الله اليسرى فقال: «بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من ا

الرحمن الرحيم إلى أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم لا يزادُ فيهم ولا يُنتقَصُ مِنهم».

فهذا الحديث واضح في أنَّ الكتابة كتابة نظر، وأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم حين نظر إلى كفّه وتحدث، كان يرى أسماء أهل الجنة وأهل النار تمر أمامه وهو يتحدث.

يُوضّح ذلك ويُقربه ما يظهر على شاشة التلفزة من كتابة وأشخاص

ومناظر تمر أمام الحاضرين وذلك كله واقع في دائرة الإمكان.

(تنبيه): روى ابن عدي في "الكامل" هذا الحديث من طريق عبد الوهاب ابن همام أخي عبد الرازق: أخبرنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر

المنطق

قال: خرج رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وفي يده كتابان بتسمية أهل الجنة وتسمية أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم. قال الذهبي في "الميزان": «هو حديث مُنكَر جدًّا، حديث منكر جدًّا، ويقتضي أن يكون زنة الكتابين عدة قناطير».

قال الحافظ في "اللسان" : وليس ما قاله من زنة الكتابين بلازم، بل هو

معجزة عظيمة، وقد أخرج الترمذي لهذا المتن شاهدًا».

قلت: كلام الحافظ صواب، فالحديث معجزة عظيمة، وما فيه من إشكال أزاله القطب الدباغ ببيانه الشافي.

۲ - قال بعض العلماء في حديث: «يا عبادي إِنِّي حَرَّمتُ الظلم على نَفْسِي» يؤخذ منه أنَّ الله يقدر على الظلم لكن لا يفعله فضلا منه وكرما. وبنوا على ذلك أمرين :

الأول: تعريف الظلم بأنه وضع الشيء في غير موضعه، كإثابة الكافر

وتعذيب المؤمن.

الثاني : مدح الله نفسه بأنه لا يظلم والمدح لا يكون إلا بما هو مقدور. وهذا خطأ من وجهين : الأول : أنا بينا فيها مرَّ أنَّ مناط البحث إرادة الله لا قدرته، وأنَّ الله لا يريد فعل المحال لما يلزم عليه من النقص أو العبث، فالله لا يريد فعل الظلم لأنه ينافي كماله، سواء أكان معناه وضع الشيء في غير موضعه أم التصرف في ملك الغير بغير إذنه.

رفع الإشكال

٤٨٧

الثاني: أنَّ المدح معناه في اللغة: الثناء الحسن، ولم يقيد بمقدور أو غيره. وقد مدح العرب النساء وتغزّلوا في أوصافهنَّ الخلقية ونوعوا في وصف جمالهن، كما مدحوا الظُّباء، وعيون المها، ومدحوا الأزهار والورود، وتغنوا

بجمال الطبيعة، وتمدح كثير منهم بأوصافه الخلقية المحمودة. وعلى أسلوبهم جاء القرآن الكريم فمدح الله ذاته بالكمال الواجب له عقلا ومنه تنزهه عن النقائص التي نفاها عنه، في مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا ﴾ [يونس: ١٤٤، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ﴾ [الشورى: ١١]، لَمْ يلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: ٣ - ٤]، ﴿ مَا

اتخذ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلا ﴾ [المؤمنون: ٩١] فهذه نقائص تمدح |

بنفيها عنه، لأنها تنافي كماله الواجب له، وتغير الأسلوب في مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلبر

لأنها سيقت لرد قول المشركين وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾ [البقرة: ١١٦].

فصل

في مسألة التكليف بالمحال

الله

ذات

مما له مناسبة لموضوع هذا البحث مسألة التكليف بالمحال وهي . خلاف بين العلماء، فمنعه الماتريدية والمعتزلة والجمهور وهو الحق، وجوزه

معظم الأشعرية.

ومنهم من منع التكليف بالمحال لذاته وجوزه بالمحال العادي.

واستدل كل فريق لقوله بما يطول جلبه، وإن كانت أدلة المجوزين ضعيفة

٤٨٨

المنطق

لا تقوم بها حجة، ومن أراد تفصيل الأقوال واستيعاب أدلتها فليطلبها في

كتب الأصول. وغرضى هنا أن أذكر دليلين من القرآن يدلان على المنع .

.[1A0

۱- قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْمُسْرَ ﴾ [البقرة:

معنى الآية: يريد الله تكليفكم باليسر الذي تحتمله قدرتكم ويدخل في

استطاعتكم بدون مشقة، ولا يريد تكليفكم بالعسر الذي لا تحتملونه. ولا ريب أن التكليف بالمحال هو نهاية العسر فلا يريده الله بنص الآية؛

وما لا يريده الله لا يجوز أن يكون، وهذا الوجه هو المتعين في الآية. أما من قال : معنى يريد يطلب، فقد أخطأ، لأنه معنى مجازي، والحمل على الحقيقة واجب.

۲- قوله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ﴾ [المائدة: ٦] الحرج: الضيق. والمعنى: ما يريد الله ليجعل عليكم من ضيق فيما يكلفكم به. والتكليف بالمحال غاية الضيق، فلا يجوز لأن الله لا يريده وما لا يريده الله يستحيل أن يكون هذان الدليلان لم أر من سبقني إليهما.

فالحمد لله على ما ألهم وعلم، وصلَّى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

تم عشية يوم الإثنين ۱۲ من رجب سنة ۱۳۹۲ بخط مؤلفه أبي الفضل

عبد الله بن محمد بن الصِّدِّيق عفا الله عنه بمنه .

رفع الإشكال

٤٨٩

خاتمة

في كلام لبعض الفضلاء في الأشعرية وفي قولهم بأن قدرة الله تعالى لا تتعلق بالمستحيل

لما أتممت تحرير هذا الجزء أطلعت على رسالة لبعض الفضلاء كتبها إلى بعض الإخوان جاء فيها ما نصه:

وأما كون قدرة الله تعالى لا تتعلق بالمستحيل، فمن خرافات الأشعرية، وتحكمهم على الله تعالى، ومن أغرب ما رأيته في "الإبريز" إقرار سيدي عبد العزيز لهم على هذا وأخشى أن يكون من زوائد ابن المبارك الذي كان لحمه ودمه أشعريا، ولو فصد لنزل منه بدل الدم آراء الأشعرية المنتنة، وإلا فهو من خطأ كشف الدباغ؛ ولابد.

لأن المستحيل إنما يحكم به العقل المخلوق الله تعالى على صفة محدودة لا

يمكنه أن يتعداها فكيف يحكم خالقه؟ إن هذا العجب !! مع أننا نرى الأولياء -وهم مخلوقون - يتصفون بالمستحيل ككون الواحد منهم في الشرق والغرب في لحظة واحدة وبذات واحدة، هكذا في كثير من كراماتهم المقطوع باستحالتها في العقول كدخول الرجل من جرح في بدن الآخر ويسري مع دمه إلى أن يصل قلبه بدون توسيع الجرح ولا تصغير الجثة. بل وكل الناس يرى المستحيل أحيانًا في الرؤيا فيرى نفسه داخلا في عين إبرة أو مخيط بدون تكبير عين الإبرة ولا صَغُر جسمه. ويرى نفسه حيًّا وهو ميت ويرى نفسه ميتا فوق نعش، وهو حي . حامل

٤٩٠

المنطق

للنعش، في أمثال هذه المستحيلات.

وأخبار أهل الجنة كلها من قبيل المستحيلات وهي صادرة من مخلوق

بحيث ينكح سبعين حوراء في لحظة واحدة، إلى غير ذلك. وهذا القرآن يثبت ذلك أيضًا، فإن اتخاذ الولد الله محال عقلا . فأخبر لو شاء لا تخذه.

ذلك

ومع

وهذه المسألة هي التي كفّروا بها ابن حزم وهم الكفرة في الحقيقة. نعم هناك مستحيل لا تتعلق به القدرة وهو كون الله تعالى يجعل له شريكا في الملك مثله.

وكأن هذا هو الذي قصده من قال : قدرة الله تعالى لا تتعلق بالمحال فأخذه الجهلة وعمموه في كل مستحيل حتى صاروا يحكمون على الله تعالى بما يحكم به على المخلوق» . اهـ

والكلام على هذه الجملة، في مقامات:

المقام الأول:

اتهام العلامة أحمد بن المبارك لم يقم عليه دليل ولا أمارة بل هو ثقة عدل فاضل صالح ليس في أخبار ترجمته وسيرته ما يثير شكا في صدقه وصلاحه، رحمه الله ورضي عنه.

ثم أهل المغرب أشعرية فلابد أن سيدي عبد العزيز الدباغ رضى الله عنه تلقن العقيدة الأشعرية من أبيه أو من العلماء الذين تلقى عنهم مبادئ الدين وأحكام الصلاة.

رفع الإشكال

٤٩١

والمغاربة خصوصا أهل فاس كان لهم عناية كبيرة بـ"صغرى السنوسى" حفظا وشرحًا وتفهما، وكان كثير من العوام يحفظونها كما يحفظون الفاتحة، تبركا بها وبمؤلفها السنوسي الولي الصالح، وفي مفتتحها تقسيم حكم

العقل إلى الواجب والمستحيل والجائز.

المقام الثاني:

اتهام الأشعرية بالضلال ونتانة الرأي اتهام جائر ظالم وأشد منه جورًا وظلمًا أن يقال عنهم: هم الكفرة في الحقيقة.

والواقع أنهم من خيار المسلمين وفضلائهم، وقفوا في وجوه المعتزلة وغيرهم من الطوائف الضالة واعتقدوا ما جاء في السنة من سؤال القبر وعذابه، والشفاعة، والصراط، والحوض، والميزان، وخروج عصاة المؤمنين من النار، وأنه لا يجب على الله صلاح ولا أصلح، وأنه تعالى منزه عن كل نقص، موصوف بكل كمال.

وصرح أبو الحسن الأشعري في كتاب مقالات الإسلاميين" أنه يصف الله تعالى بما جاء في القرآن وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا تكييف ولا تشبيه، وما نقل عنه من أقاويل ضالة مكذوب عليه، كما بينه الحافظ ا . ابن عساكر في كتاب " تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن

الأشعري" وهو مهم نفيس، ينبغي الوقوف عليه.

نعم،

، أوّل متأخروا الأشعرية ظواهر الآيات والأحاديث التي جاءت في

الاستواء والعلو والمعية، مع اعتراف زعمائهم بأن التفويض أسلم وأكمل

٤٩٢

المنطق

والذي دعاهم إلى تأويل تلك الظواهر أسباب : أحدها: أن المتقدمين كابن المبارك وأحمد والترمذي أولوا ظواهر المعية

بأنها معية علم، وذكروا لها شواهد من كلام العرب.

وهذا يؤذن بأن تأويل ما يشكل من الظواهر سائغ، ولا شك أن ظواهر الاستواء والعلو مشكل، فتناولوه بالتأويل دفعا للإشكال. فتخصيصهم بالذم

حيف واضح.

ثانيها: أن المثبتين للصفات المشكلة أسرفوا في إثباتها حتى شبهوا الله بخلقه، فأثبتوا له المكان، وهو العرش وأنه ينزل منه بحركة إلى السماء الدنيا، وإذا نزل خلا منه العرش، وأنه يقعد على الكرسي لفصل القضاء يـ الفصل القضاء يوم القيامة، ويدع مقدار أربع أصابع بجانبه يقعد عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إلى غير ذلك من الطامات التي تجدها في كتاب" الرد على بشر المريسي" للدارمي، و"كتاب التوحيد" لابن خزيمة، وكتاب "الأربعين" لأبي إسماعيل الهروي، و"النونية" لابن القيم.

وقال الهروي المذكور مغرقا في التشبيه: أنا ألتزم بكل ما ورد في حق الله

من العين واليد والرجل والقدم، ما عدا اللحية والعورة فإنها لم تردا. وقال ابن تيمية في تقرير الاستواء بالمعنى المعهود: «إن الله تعالى لو شاء

لاستوى على جناح بعوضة، فاستقلت به بقدرته فكيف بعرش عظیم»(۱).

(1) وتكلم ابن القيم في بدائع الفوائد على المفاضلة بين السماء والأرض وذكر حجج من فضل الأرض وقال: قال المفضلون للسماء: يكفي في فضلها أن رب العالمين

رفع الإشكال

٤٩٣

سبحانه فيها» . اهـ ( ص ٢٤ ج ٤ ) .

وقال في (ص ٣٩ ج ٤): «فائدة: قال القاضي: صنف المروزي كتابا في فضيلة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وذكر فيه إقعاده على العرش، وحكى ذلك عن جماعة ذكرهم بأسمائهم، ثم قال : وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير. وهو قول أبي الحسن الدارقطني، ومن شعره فيه :

حديث الشفاعة عن أحمد إلى أحمد المصطفى مـــــــنده وجــــــــــاء حــــــــــديث بإقعــــــــــاده على العرش أيضا فلا نجحده أمروا الحديث على وجهه ولا تدخلوا فيه ما يفسده ولا تنكروا أنه قاعد ولا تنكروا أنه يقعده هذه الأبيات رواها أبو محمد محمود بن أبي القاسم الدشتي في كتابه "إثبات الحمد لله تعالى، وأنه قاعد وجالس على عرشه"، وإسنادها هالك مظلم، فيه أحمد بن عبيد الله ابن كادش، أقر بوضع حديث في فضل أبي بكر، وقال ابن النجار : «كان مخلطاً كذابا لا يحتج بمثله». والدشتي من الغلاة في الإثبات إلى حد التشبيه والتجسيم كما هو ظاهر من عنوان كتابه.

والعجب من ابن القيم الذي نقل هذه الأبيات محتجاً بها كأنها ثابتة مسلمة، وهو

يسمي الأشعرية معطلة لأنهم نفوا عن الله تعالى وصف القعود والجلوس!!. ويعني بـ قول «مجاهد» ما رواه ابن جرير في تفسيره"، قال: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي: ثنا ابن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله : عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا محْمُودًا ﴾ [الإسراء: ٧٩]، قال: «يجلسه معه على عرشه».

وهذا القول تفرد به مجاهد في تفسير الآية لم يقله صحابي ولا تابعي وراويه عنه ليث ابن أبي سليم وحاله معروف.

٤٩٤

المنطق

ولم يرد في آية أو حديث نسبة الجلوس أو القعود إلى الله تعالى، ولكن المثبتين للاستواء جعلوه جلوسًا وقعودًا بمماسة لغلبة التشبيه عليهم.

بل المتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وعن الصحابة تفسير المقام المحمود بالشفاعة العظمى، وجاء عن مجاهد أيضًا كذلك، وهو الموافق من جهة اللفظ

والمعنى.

أما الأول؛ فإن المقام من القيام، والنبي صلَّى الله عليه وآله وسلم يقوم في الشفاعة قياما طويلًا ولو كان يجلس على العرش لقيل: «مجلسا» أو «مقعدًا».

وأما المعنى؛ فإن شفاعته تريح الخلق من عذاب الوقوف وطول الانتظار ولذلك يحمدونه، وجلوسه على العرش ليس فيه ما يحمد عليه.

ونقل الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" عن مجاهد في قول الله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَذِ نَاضِرَةٌ إلى ربها ناظرة القيامة: ۲۲ - ۲۳]، قال: حقيقة إلى ريهاناظرة ، قال : تنظر الثواب»، وتعقبه بقوله : «قول مجاهد هذا مردود بالسنة الثابتة وأقاويل الصحابة وجمهور السلف، وهو قول عند أهل السنة . ومجاهد وإن كان أحد المقدمين في تأويل القرآن فإن له قولين في تأويل آيتين، هما مهجوران عند العلماء مرغوب عنهما، أحدهما هذا.

مهجور.

والآخر قوله عز وجل : عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا تَحْمُودًا } [الإسراء: ۷۹] قال: يوسع له على العرش فيجلسه معه. وهذا قول مخالف للجماعة من الصحابة ومن

بعدهم، فالذي عليه العلماء في تأويل هذه الآية أن المقام المحمود الشفاعة». اهـ وابن القيم غفر الله له يستحسن هذا القول المهجور الشاذ غافلا عن مخالفته للسنة المتواترة وأقوال الصحابة وغيرهم لميله الشديد إلى التشبيه والتجسيم مثل شيخه ابن

تيمية سامحهما الله.

رفع الإشكال

٤٩٥

وهذه شناعات مخزية تحاماها الأشعرية بالتأويل السائغ المستمد من كلام

العرب في شعرهم ونثرهم، فقاموا بواجب تنزيه الله عن التشبيه بخلقه وهو عمل يثابون عليه عند الله تعالى.

لكن المشبهة والمجسمة لم يعجبهم هذا المسلك من الأشعرية فناصبوهم العداء وسعوا في إذايتهم ورموهم بالكفر والضلال، حتى إن الهروي قال في كتابه "ذم الكلام": «إن ذبائح الأشعرية لا تحل».

وكان ابن تيمية يسميهم

«معطلة» بكسر الطاء المشددة وكذلك ابن

القيم، ويسميهم المعتزلة: «مُجبرة» ، بضم الميم وسكون الجيم وكسر الموحدة،

وما عاداهم أهل الضلال إلا لكونهم على الحق.

ثالثها: المحافظة على عقول العامة من أن يتسرب إليها تشبيه أو تجسيم إذا سمعوا تلك الظواهر وقد تسرب ذلك إلى ابن تيمية وأمثاله مع ما عندهم من العلم فما بالك بالعامي الذي ليس عنده من العلم والقواعد ما يحمى عقله وفكره، من أن ينزلق في هذه المهاوي المهلكة. ومنذ بضعة أشهر قال أحد الخطباء في خطبة الجمعة -وهو يحفظ القرآن فقط - : من لم يعتقد أن الله في السماء فهو كافر ، وحصلت ضجة بين المصلين، وقال بعض المدرسين يرد عليه وأنا أقول: من لم يعتقد أن الله معنا فهو كافر». واتصلت بالخطيب وسألته عن ذلك، فاعترف به وأصر عليه، مستندا إلى أن أبا حنيفة قاله !!. فانظر كيف وقع ذلك الخطيب العامي في هذه الزلة العظيمة وأشاعها بين

٤٩٦

المنطق

العامة ؟! مع أن أبا حنيفة لم تصح عنه تلك الكلمة لأن راويها عنه كذاب. قد يقال: الواجب أن تبقى ظواهر الاستواء والعلو والمعية كما هي من غير

تأويل، ويعتقد معناها من غير تكييف ولا تمثيل.

ونقول: هذا غير متيسر ، لأن التشبيه يسبق إلى الأذهان ويطغى عليها. وقد رأينا المتقدمين الذين تمسكوا بظواهر الاستواء والعلو بدون تكييف ولا تشبيه، كيف صرّح بعضهم بأن الله فوق عرشه بائن من خلقه يفصله عنهم

الكرسي والعرش والسموات، وأن له حدا!! وهذا هو التشبيه عينه. وكذلك ظواهر المعية إذا أبقيت على حالها لابد أن يتسرب إلى الأذهان تحيز

الخالق واتحاده مع الخلق.

على أن القرآن أرشد إلى تأويل المعية بذكر العلم معها، اقرأ الآيات التالية: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: ١٦]، يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾ [الحديد: ٤] .

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةِ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا

[المجادلة: ٧]، ففي هذا الآيات إشارة واضحة ألى أن المعية علمية.

وقوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ ﴾ [الواقعة: ٨٥]، يراد به

ملك الموت وأعوانه بدليل قوله سبحانه: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ

رفع الإشكال

٤٩٧

رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: ٦١] .

والمقصود أن التأويل سلكه كل من السلف والخلف بلا استثناء، ولم يختص به الأشعرية.

(تنبيه): قال الإمام ابن دقيق العيد: إن كان التأويل من المجاز البين الشائع، فالحق سلوكه من غير توقف وإن كان من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه، وإن استوى الأمران فالاختلاف في جوازه وعدم جوازه مسألة فقهية اجتهادية، والأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين . اهـ

وهذه قاعدة نفيسة يستفاد منها أن التأويل لا يذم إلا إذا كان بعيدًا شاذا ينبو عنه ظاهر اللفظ أو ينافيه الأسلوب والسياق. وفيما عدا ذلك فهو دائر بين

الوجوب والجواز .

المقام الثالث:

كشف الدباغ مصيب جدًّا، لأنه يوافق الواقع الذي لا مرية فيه حتى إن ابن حزم الذي أجاز تعلق القدرة بالمحال صرَّح بأنه لم يقع معجزة لنبي ولا يمكن أن يقع أبدًا بحكم الضرورة العقلية كما مر في كلامه.

ودعوى دخول الولي من جرح في بدن الآخر ويسري مع دمه حتى يصل إلى قلبه دون إثباتها خرط القتاد، بل لا يمكن إثباتها حتى ينقلب المحال العقلي جائزا.

ومن المقرر في علم الأصول : أن الخبر إذا خالف المعقول يقطع بكذبه. ويلاحظ أن الله تعالى اعتبر دخول جسم كبير في جسم صغير ممتنع

٤٩٨

المنطق

الوقوع، حيث علق على حصوله دخول الكفار للجنة حيث قال سبحانه: وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَةِ الْخيَاطِ ﴾ [الأعراف: ٤٠]، وما اعتبره الله ممتنعا فهو في الواقع ممتنع لا يمكن وقوعه أبدًا بحال، وما سمعنا أن أحدا رأى

نفسه في الرؤيا يدخل في عين إبرة، بل هذا لم يحصل ولن يحصل أبدا. وما يُرى في الرؤيا من قبيل عالم المثال وهي أشياء تتخيلها الروح وهي سابحة في الخيال، فالشخص الذي يرى نفسه ميتا وهو يحملها يتخيل أنه على النعش، والواقع أنه فارغ ليس عليه شئ.

وقد أخبرني الأستاذ عز الدين عبد القادر أنه رأى في المنام أربعة نعوش يحملها الناس إلى المقابر وهي متتابعة بعضها إثر ،بعض، فسأل عنها، فقيل له: الأول نعش عزيز المصري، والثاني مصطفى النحاس، والثالث جمال عبدالناصر، والرابع عز الدين يعني نفسه.

وبالضرورة كانت النعوش خاوية ليس عليها شئ وإنما هي رموز لهؤلاء الأشخاص والعجيب أنهم ماتوا على هذا الترتيب وأنا بمصر، إلا عز الدين

فتركته حيا.

ووجود الولي في مكانين متباعدين صحيح واقع، لكن ليس بجسمه الطبيعي بل بجسم مثالي، وهو من باب تعدد الصور الروحانية كما في قضية قضيب البان وغيره.

بل في القرآن إشارة إليه في قوله تعالى: فَتَمَثَلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا } [مريم: ۱۷]

وقد حررت هذا البحث في كتاب "الحجج البينات" بما فيه كفاية.

رفع الإشكال

٤٩٩

ولم يقع المحال العقلي كرامة لولي ،قط إلا حكاية نقلها الشعراني في

"الطبقات الكبري" وهي باطلة، بينا بطلانها في غير هذا الكتاب. وليس في أخبار الجنة ونعيمها ما يخرج عن المحال العادي ولم يثبت في حديث أن الرجل في الجنة ينكح سبعين حوراء في لحظة واحدة، ولو ثبت لوجب حمله على الرواية بالمعنى حسب فهم الراوي أو تأويله بأن ذلك يتم بسرعة غير معتادة أو نحو ذلك من التأويل.

ومما تقرر في علم الأصول أن الحديث يجب تأويله إذا خالف ظاهره قضية

عقلية.

ويحسن

أن ننبه على قاعدة غفل عنها كثير من الناس وهي أنه إذا كان البحث في مسألة عقلية كمسألتنا هذه فيجب أن يكون الاستدلال فيها قبولا وردا بدليل عقلي، كما فعل ابن حزم فإنه استدل لرأيه بدليل عقلي، وإن أخطأ في وجه الاستدلال كما مر بيانه ولا تجوز محاولة نقضها أو إبطالها بحديث يحتمل تأويل لفظه أو غلط راويه، ولا بحكايات يجوز تكذيب رواتها أو توهيمهم، ومر آنفا أن الخبر إذا خالف المعقول يقطع بكذبه. وقال ابن الجوزي: «ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين

المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع». ولا شك أن تكذيب الراوي أو توهيمه ولو كان ثقة، أهون وأيسر من إبطال قاعدة بنى عليها علم أصول الدين واعتبرها القرآن في أدلة توحيد الله ونفي الولد عنه.

أما قوله تعالى: ﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَن تَتَّخِذَ هَوَالَاتَّخَذْنَهُ مِن لَدُنَّا ﴾ [الأنبياء: ۱۷] فهو

المنطق

يدل على استحالة اتخاذ الولد لاستحالة إرادته كما مر بيانه بتفصيل مع بيان

خطأ ابن حزم في فهم هذه الآية.

وقوله تعالى: أَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّأَصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ

[الزمر: ٤] يفيد استحالة التبني في حقه سبحانه كاستحالة التوالد.

قال أبو حَيَّان لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا تشريفا له وتبنيا، إذ يستحيل أن يكون ذلك في حقه تعالى بالتوالد المعروف الاصْطَفَى أي: اختار من مخلوقاته ما يشاء ولدًا على سبيل التبني، ولكنه تعالى لم يشأ ذلك لقوله: ومَ يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ [مريم: ۹۲] وهو عام في اتخاذ النسل، واتخاذ الاصطفاء. ويدل على أن الاتخاذ هو التبني والاصطفاء قوله: مِمَايَخلُقُ أي : من التي أنشأها واخترعها» . اهـ كلامه. وقال أبو السعود: أَوَأَرَادَ اللهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى أي: لا تخذ مِمَّا يَخْلُقُ أي من جملة ما يخلقه أو من جنس ما يخلقه مَا يَشَاء أن يتخذه إذ لا موجود سواه إلا وهو مخلوق له تعالى لامتناع تعدد الواجب ووجوب جميع ما عداه إليه، ومن البين أن اتخاذ الولد منوط بالمماثلة بين المتخذ والمتخذ، وأن المخلوق لا يماثل خالقه حتى يمكن اتخاذه ولدا، فما فرضناه من اتخاذ ولد لم يكن اتخاذ ولد بل اصطفاء عبد، وإليه أشير حيث وضع الاصطفاء الاتخاذ الذي تقتضيه الشرطية تنبيها على استحالة مقدمها، لاستلزام

استناد

موضع

فرض وقوعه انتفاءه، أي لو أراد الله تعالى أن يتخذ ولدا لفعل شيئًا ليس هو

رفع الإشكال

0.1

من اتخاذ الولد في شئ أصلا بل إنما هو اصطفاء عبد ولا ريب في أن ما يستلزم

فرض وقوعه انتفاءه فهو ممتنع قة قطعا» . اهـ

المقام الرابع:

من كفر ابن حزم بنى تكفيره على أنه يلزم من قوله جواز اتخاذ الله ولدا وجواز نسبة الكذب والظلم إليه تعالى، وهذا كفر صريح، لكن الراجح عند علماء الكلام أن لازم القول لا يعد قولاً؛ لأنه لم يقصده القائل ولا خطر على باله لاستيلاء الغفلة والنسيان على بني الإنسان.

فتكفير ابن حزم خطأ كبير بل غلو وإسراف، ونحن لا نوافق على تكفير مسلم فضلا عن عالم كبير كابن حزم له مواقف في خدمة الإسلام، وحرصه على اتباع السنة والعمل بها مشهور لا ينكر ، لكننا لا نوافقه على كثير من شواذه ومنها تكفيره لبعض علماء الكلام وحملته العنيفة على الأشعري والباقلاني وأمثالهما، والرفق خير من العنف والإسراع بالتكفير أمر خطير

ووزره كبير. نسأل الله أن يلهمنا الرشد ويرزقنا السداد ويوفقنا لما فيه رضاه. ملحوظة: ردي لكلام ابن العربي في وقوع المحال واعتراضى عليه في ذلك لا يغير اعتقادي فيه أنه من كبار الأولياء والعلماء وأنه كان سليم العقيدة متبعا للسنة النبوية، وأن رميه بالحلول والاتحاد كما زعم ابن تيمية وأشياعه ليس

بصحيح، وأنه برئ من ذلك براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وكلامه في "الفتوحات" وغيرها صريح في تنزيه الباري عن مشابهة

المخلوقات وعن اتحاده أو حلوله فيهم وهو يقضي على الغامض من

بهم

٥٠٢

المنطق

عباراته فالذين رموه بالكفر مخطئون بل آئمون

وابن تيمية الذي رماه بالكفر والزندقة هو نفسه يعتقد عقيدة كفرية، هي

قدم العالم بالنوع، ويقول في جراءة غريبة : إن الله لو شاء لاستوى على جناح بعوضة فاستقلت به بقدرته، فكيف بعرش عظیم ؟!!

والحمد لله رب العالمين. تم صباح يوم الجمعة ١٣ من ذي القعدة الحرام

سنة ١٣٩٣.

٣- التَّنَصُّلُ والانفصال

مِنْ فَضِيحَةِ الإِشْكَال

التنصل والانفصال

0.0

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله وكَفَى، وسلام على عباده الذين اصطفي.

أما بعد: فهذا جزء سميته "التنصُّلُ والانفصالُ مِنْ فضيحة الإشْكالِ"

ورتبته على مسألتين:

المسألة الأولى

تقرر في علم المنطق أن أنواع التقابل أربعة:

١ - تقابل الخلافين.

٢ - تقابل الضدين.

٣- تقابل النقيضين.

٤ - تقابل العَدَم والملكة.

فالأول: أن يكون بين شيئين تغاير في المفهوم، من غير تناف بينهما كالسواد والحلاوة، هما مختلفان في المفهوم لكن لا تنافي بينهما، فيمكن اجتماعهما في طعام مثلا كالعنب الأسود.

والثاني: أن يكون بين شيئين تنافٍ في طرف الإثبات، فلا يجتمعان أبدا، ويمكن ارتفاعهما كالسَّواد والبياض لا يجتمعان في أمرٍ أبدًا فلا يكون شي

أبيض وأسود في وقت واحد، ويمكن ارتفاعهما بأن يكون أخضر. والثالث: أن يكون بين شيئين تنافٍ في طَرَفي الإثبات والنفي، بحيث لا يجتمعان ولا يرتفعان، كالبياض واللابياض، فالشيء إما أن يكون أبيض أو لا أبيض، وكالليل والنهار، فالدنيا إما ليل، وإمَّا نهار، أو ليل في مكانٍ ونهار في

٥٠٦

المنطق

مكان آخر. ولا يجوز أن يكون في مكان في الدنيا ليل ونهار في وقت واحد أبدًا. والرابع: أن يكون بين الشيئين تنافٍ في الوجود بمعنى أنه إذا وُجِدَ أحدهما انعدم الآخر، كالعلم والجهل والحياة والموت، والبصر والعمى، فالجهل عدم العلم عما من شأنه، والموت عدم الحياة عما من شأنه، والعمى عدم البصر عما من شأنه.

وتقرر في علم المنطق أيضًا: «أنَّ القاعدة العقلية لا يدخلها التخصيص» مثل قولنا: الضدان لا يجتمعان وقد يرتفعان النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، ومن ذلك قوله تعالى: وَمَا مِن إِله إِلهُ وَاحِدٌ ﴾ [المائدة: ۷۳] وقوله

سبحانه: لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ [غافر : ١٦] وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: ۲۸۲] فهذه القواعد أو الكُليَّات وأمثالها، لا مجال للتخصيص فيها؛ لأنَّ العقل قاطع بصحتها ودوامها، وإنما يدخل التخصيص في النصوص والقواعد الفقهية، التي تقبل النسخ والتخصيص.

هذه المسائل عرفناها منذ أكثر من أربعين سنة، حين قرأنا متن "السُّلَّم بشرح الملوي"، و"حاشية الصبان عليه، و"السلم" في المنطق مثل "الآجرومية" في النحو، وإنما ذكرناها هنا لأنها تنبني عليها.

المسألة الثانية

مما هو مُدرَك بالضرورة أنَّ المشرق يتقدَّم على المغرب بساعتين من الزمان، في طلوع الفجر وشروق الشمس وزوالها وغروبها، وفي دخول أوقات الصَّلاة، وفي دخول الشهر العربي وانتهائه، ولهذا قال المالكية والحنفية: إذا

التنصل والانفصال

۵۰۷

رؤي هلال رمضان في المشرق فإنه يدخل في المغرب بعد مرور ساعتين، هي مدة الفرق بينهما، وهذا حكم مبني على الواقع الملموس، لكن شخصا شديد الجدل كثير الخصام نقض ذلك الحكم بإشكال يجب أن يُسمى: "فضيحة الفضائح وقبيحة القبائح" حيث زعم أنه بمجرد رؤية هلال رمضان في المشرق يدخل رمضان في المغرب بلا توان فسوَّى بينهما في الزمان، وأسقط مدة الفرق التي تبلغ ساعتين ليفسد قول المالكية والحنفية والجمهور بوجوب صيام المغرب برؤية المشرق. والحامل له على إفساد هذا القول أنَّ الداعي إلى نصره، والكاتب في تأييده عالم يكرهه صاحب الإشكال ويعتبره خصيمه، ولو أنَّ ذلك العالم كتب يؤيد القول الآخر لكان صاحب الإشكال أول الداعين إلى وجوب الصيام على المغرب برؤية المشرق؛ لأنه لا يؤيد رأيا ولا ينصر قولا اتباعًا للدليل ولا تمسكًا بالانصاف ولا طلبا للحقِّ، لكنه ينظر إلى صاحب الرأي أو قائل القول، فإن كان صديقا له نصر قوله وأيد رأيه، وتغاضى عما فيه من خطأ وخَطَلٍ، وإن كان خصيا له حاول هدم رأيه بكل ما يملك من قوة، ولو قال محالا ونطق ضلالا، كما في مسألتنا هذه.

فإنه يدرك بالضرورة العقلية أنَّ المغرب متأخر عن المشرق بساعتين، وأنَّ دخول الشهر في المشرق يتقدَّم دخوله في المغرب بتينك الساعتين، فإذا اعتبرنا أن رمضان يدخل في المغرب بمجرد رؤية هلاله في المشرق، لزم على هذا أن يصير المغرب المتأخر عن المشرق في الزمان مساويا له فيه، وأن يكون المشرق المتقدم على المغرب بساعتين من الزمان مساويا له فيه، والتقدم أو التأخر

0.1

المنطق

نقيض المساواة.

فأي عقل يحكم بأن يكون المغرب في حال كونه متأخرا عن المشرق في الزمان الذي منه دخول رمضان مساويًا له فيه أيضا ؟! هذا أمحل المحال وأبطل الباطل !! وهو مع ذلك يُجاحش ويقاوم إصرارًا على العناد ، هداه الله.

فوائد

الأولى: اشتراك بلدين في الليل سبب في عمل أحدهما برؤية الآخر؛ لأنَّ الليل وقت لرؤية الهلال وظرفٌ لنية الصوم، ولا يضر التفاوت بينهما في الوقت بنصف ساعة أو أكثر؛ لأنَّ ذلك مبني على اختلاف أطوال البلدين، لا على اختلاف مطالعهما، ومَن ظَنَّ أنَّ مطلعهما مختلف فقد أخطأ خطأ فاحشا (۱). الثانية: لو مات رجل بالمغرب وقت رؤية الهلال بالمشرق، فإنه يقال: مات

آخر يوم من شعبان، وإن شئت الدقة في التاريخ قلت: مات قبل غروب آخر يوم من شعبان بساعتين. ذلك أنَّ الشهر يتأخَّر دخوله في المغرب عن المشرق بتينك الساعتين، ونحن نسأله بدورنا عن شخصين يتوارثان: أحدهما بالمشرق، والآخر بالمغرب ، ماتا ساعة رؤية الهلال بالمشرق أيهما يرث الآخر؟ على رأى صاحب الإشكال الذي جمع بين المتناقضين. الثالثة قد بينا استحالة ذلك الإشكال وعدم إمكانه لكن لا يكفي ذلك مع صاحبه العنيد الذي يُنكر البديهيات العقلية، وإنما ينفع معه أن نُجيبه على قدر

(۱) لأنَّ اختلاف المطلع لا يكون إلَّا إذا اختلف البلدان في الليل، بحيث لم يجتمعا فيه

أصلا .

التنصل والانفصال

0.9

عقله الذي لا يزال في دور الطفولة العِلْميَّة، فلنفرض وقوع المحال وهو دخول رمضان بالمغرب وقت رؤية هلاله بالمشرق فلا يجب على أهل المغرب صيام في تلك الساعة لأمرين: 1 - أن رؤية الهلال بالنهار تعتبر لليوم التالي هذا هو المقرر في كتب الفقه، قال الشيخ خليل في "المختصر": ورؤيته بساعتين». وفي "حاشية الصفتي" بيان هذا الحكم بإيضاح. ٢ - أنَّ الساعة الثالثة بعد الظهر ليست وقتا للصوم ولا لنيته بإجماع العلماء، ونظير هذا في الحكم أنَّ رؤية الهلال بعد الغروب لا توجب الصوم في تلك الساعة؛ لأنَّ الليل ليس وقتًا للصيام، فكما لم يجب الصيام على أهل المشرق ساعة رؤية الهلال كذلك لا يجب الصيام على أهل المغرب في الساعة الثالثة بعد الظهر، لسبب واحد، وعلّة واحدة وهي: أنَّ الوقت في الحالين ليس

وقت صيام شرعًا، وهذا قياسٌ جَلَيٌّ لا مناص لصاحب الإشكال منه. ونؤيده بسؤال نوجهه إليه: لو أن شخصا نذر أن يصوم نصف يوم من الظهر إلى المغرب، فهل يجوز له أن يصوم كذلك؟ بالضرورة لا يجوز؛ وما ذلك

إلا لأنَّ بعـ بعض اليوم لا يصح صيامه شرعًا، كما لا يصح صيام الليل.

الرابعة بين طنجة والرباط عشر دقائق فرق ،الوقت، وبينها وبين أكادير ثلث ساعة، وبينها وبين طرفاية نصف ساعة. وصاحب الإشكال الباطل المحال يصوم برؤية هذه البلاد، مع أنَّ الفرق بين البلدين بعشر دقائق، مثل الفرق بنصف ساعة وبساعة وأكثر لأنَّ سببه اختلاف أطوال البلدين كما قلنا، وهذا تناقض منه واضح، ثُمَّ إنه مع صيامه برؤية هذه البلاد لا يفطر بغروبها

۵۱۰

المنطق

بل يفطر بغروب طنجة، على حين أنه يلزم الذين يصومون برؤية المشرق أن يفطروا بغروبه الذي يوافق الساعة الرابعة بعد العصر في طنجة، وهذا تناقض آخر، يؤكد ما قلناه أنَّ الرجل لا يريد الحق والإنصاف، بل يريد العناد والخلاف، هداه الله.

التنصل والانفصال

خاتمة

۵۱۱

إنَّ ذلك الإشكال الباطل المحال الذي أبداه صاحبه معاندة للحق ومؤازرة للباطل أفاد فائدةً يَحْسُنُ السُّكوتُ عليها، كما قال علماء النحو في تعريف الكلام، وهي أن الضّدَّين أو النقيضين قد يجتمعان خلافا لما أطبق عليه العقلاء جميعاً؛ لأنَّ المغرب مع تأخُره عن المشرق بساعتين من الزمان ساواه في دخول شهر رمضان، فصار المغرب متأخّرًا عن المشرق في الزمان ومساويًا له

فيه، وهذا هو اجتماع الدين الذي أفاده ذلك الإشكال.

وتنبني عليه فائدة أخري وهي: أنَّ القاعدة العقلية قد يدخلها التخصيص فيصح على هذا أن يقال : الضَّدَّان أو النقيضان لا يجتمعان إلَّا في دخول شهر رمضان. ناهيك بإشكال يثمر فائدتين تُنابذان ما أجمع عليه العقلاء، وتجعلان المحال العقلي داخلا في حيّز الإمكان. بارك الله في صاحب الإشكال، وبارك في عقله حتى يأتي بالمعجب المطرب من مخالفات العقلاء، وهدم ما تعارف عليه

العلماء من قديم الزمان، فهو جدير بذلك وبما هو أشنع منه. أبطلت إشكال الهلال بحُجَّةِ وحَلَلْتُ عُقْدَتَهُ بِحُسْنِ بَيانِ وفساده لولا اللجاجَةُ واضِح بادِ بُدو الشمس للعَيْنَانِ وجميع ما يبني عليه مُهلهل مُتخَلخِلٌ مُتساقط الأَرْكَانِ فاعْجَبُ مَنْ يزهو به مُتفاخِرًا مُتبجحا كبلاهَةِ الصبيانِ نسأل الله أن يرزقنا الإنصاف ويُجنبنا حبّ العناد والخلاف، إنه ولي

التوفيق والهادي لأقوم طريق.

كتب يوم الخميس ۲۳ من شعبان ۱۳۹۱ هـ.

فهرس الموضوعات

الفهرس

فهرس الموضوعات

النحو

٥١٥

۱ - تشييد المباني لتوضيح ما حَوَتْهُ المقدمة الآجرومية من الحقائق والمعاني

۹

أقسام الكلام. فائدة: قال السيوطي في "الأشباه والنظائر": «ما خرج من الفم إن لم يشتمل على حرف فصوت، وإن اشتمل على حرف ولم يُفد معنى فَلَفْظُ، وإن أفاد معنى فقول، فإن كان مفردًا فكلمةٌ، أو مركبا من اثنين ولم يُفد نسبةً مقصودة لذاتها

فجملة، أو أفاد ذلك فكلام أو من ثلاث فكَلِم..

تنبيه مواضع حذف التنوين.......

تتميم: في نيابة «أل) عن ضمير المضاف إليه .. مُهمَّة: من الغريب أن «أل» تأتي .للاستفهام تنبيه الخفضُ عبارة الكوفيين.

تنبيهان: (الأول): مجموع ما ذُكِرَ من أقسام الواوِ عشرة .

۱۳ ........

۱۷

۲۰

۲۰

۲۱

۳۳ .....

(الثاني): تُحرَّك التَّاءُ في أوائل الأسماء وأواخرها، وتُحرَّك في أواخر الأفعال

وتُسكَنُ في أواخرها............

(فائدة): ذكر ثلاثون علامةً أخرى من علاماتِ الاسمِ..

تتميم ذكر عشر علامات بقيت من علامات الفعل.

خاتمة: أقسام الكلام كله دائر بين خبر وإنشاء، ولا ثالث لهما.. باب الإعراب........

٣٦

٣٦

TA.......

.....

٤١