المجلد السادس عشر: فتاوى وأجوبة
ويحتوي على فتاوى وأجوبة في:
۱ - علم الكلام.
٢ - القرآن الكريم وقصص الأنبياء.
الحديث النبوي الشريف.
٤ - الفقه وأصوله.
ه - التصوف والأدب.
٦ - مسائل خلافية.
- السير والشمائل والمناقب والتراجم.
- فتاوى عامة ومتفرقات.
فتاوى وأجوبة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة مشرف العمل
هذه فتاوى سُئل عنها العلامة المُحَقِّق السيّد عبدالله بن الصديق الغماري
الحسني رح رحمه الله تعالى، سأله عنها تلاميذه وهم:
١ - الشيخ عبد السلام بو عياد الطنجي.
- الشيخ إبراهيم شحاته.
- الشيخ عبدالسلام ماضي.
- الشيخ مصطفى البقالي.
ه - محمود سعيد ممدوح
٦ - الشيخ محمد حبيب الله الباكستاني.
وقراؤه في عددٍ من المجلات الإسلامية التي كان يكتب فيها وهي:
١ - مجلة الشرق العربي.
۲ - مجلة الإسلام.
- مجلة المسلم.
- مجلة الرابطة الإسلامية.
ه - مجلة دعوة الحق.
وقد جعلناها على أبواب الفقه ليسهل الاطلاع عليها في أبوابها، وأفردنا بابا للفتاوى الحديثية، وإذا كان المخاطب من الشيخ يحتاج إلى بيان ذكرناه في
الحاشية.
محمود سعيد بن محمد ممدوح
۱- علم الکلام
علم الكلام
هل يكفي في الإيمان قول: «لا إله إلا الله»؟
11
س ۱ - سئل رضي الله عنه: هل يكفي في الإيمان بالله قول : لا إله إلا الله؟ ج ۱ - فأجاب رضي الله عنه: دعوى الاكتفاء في الإيمان بشهادة ألا إله إلا الله جهل يؤدي إلى الكفر، واقتصار آية (البقرة) على الإيمان باليوم الآخر؛ لأنه يستلزم الإيمان بالرسول لأنه لم يُعرف إلا من طريقه، ولأنه لا يمكن أن يؤمن باليوم الآخر ولا يؤمن بالرسول الذي جاء به، وهذا من إيجاز القرآن؛ يكتفي بالملزوم لاستتباعه اللازم حتما. وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «قل كلمة أحاج لك بها عند الله». لأنَّ أبا طالب كان يُصَدِّق النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم صرَّح بذلك ،مرات، وإنما كان يمتنع من كلمة التوحيد تقليدا
لآبائه، فأمره النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بقولها ليجتمع له الإيمان بشقيه. وفي الحديث المتواتر: «بني الإسلام على خمس: شهادة ألَّا إله إلا الله، وأنَّ محمدا رسول الله .... الحديث. وكذلك في حديث سؤل جبريل، وفي "صحيح مسلم": «والذي نَفْسُ محمَّدِ بيدِهِ لا يَسْمَعُ بي أَحَدٌ مِن هذه الأُمَّةِ يهودي، ولا نصراني، ثُمَّ يَمُوتُ ولم يُؤْمِنُ بالذي أُرسلتُ به، إِلَّا كان مِن أصحابِ النَّارِ». ثُمَّ لو كان الإيمان بالله يكفي دون الرسول لكان أهل الكتاب مؤمنين،
ولكن الله حكم بكفرهم في القرآن وأمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية. س ۲- وسئل رضي الله عنه : كيف طلب النبيُّ مِن عمه قول: «لا إله إلا الله»
فقط ؟
ج ۲ - فأجاب رضي الله عنه: كان العرب وسائر المشركين لا يعرفون: لا إله إلا الله، ولا يعترفون بها. فلما جاء بها النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنكروها
۱۲
فتاوى وأجوبة
عليه، وعرضها على عمه فلم يقبلها، وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ ) وَيَقُولُونَ أَبِنَّا لَتَارِكُوا ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرِ تَجنُونِ ﴾ [الصافات: ٣٥ - ٣٦] فالاقتصار عليها في الحديث من باب الاكتفاء؛ لأن الإيمان بها يستلزم عقلا الإيمان بمن جاء بها.
هل يجب على النصراني إذا أسلم في بلده أن يهاجر منها، وهل النصارى اليوم أهل كتاب؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الأكرمين. وبعد: فقد سئلت عن أمرين:
س ٣- أحدهما: هل يجب على النصراني إذا أسلم في بلده أن يهاجر منها إلى
بلاد الإسلام؟ ج - والجواب: لا تجب عليه مفارقة بلده لأنه يستطيع أن يؤدِّيَ شعائر دينه فيها، وكثير من المسلمين يعيشون في بلاد النَّصارى ولهم مساجد تقام فيها الجماعة والجمعة ولهم في تلك البلاد حرية أكثر من بلادهم.
على أن بلاد المسلمين اليوم فيها منكرات وفجور مثل بلاد النَّصارى أو
أكثر منها.
س ٤ - ثانيهما: هل النَّصارى اليوم أهل كتاب؟ وهل يجوز التزوج بنسائهم وأكل ذبائحهم؟
ج - والجواب: المقرر عند جمهور الفقهاء أنَّ النَّصارى الذين ينتسبون إلى دين المسيح يكونون من أهل الكتاب بالتبعية، فأهل أوروبا الآن كلُّهم أهل
علم الكلام
۱۳
كتاب بهذا الاعتبار، وإن كان عيسى عليه السلام إنما أرسل لليهود خاصة. لكن لا يجوز التزوج بنسائهم، وإذا عقد مسلم على نصرانية فالعقد فاسد، وإذا ولدت له فالولد ابن زنا، لأنَّ النكاح غير صحيح، وشرط الزواج بالكتابية ألا تكونَ من أمة محاربة، والنَّصارى في هذا الزمان يحاربون المسلمين
ويعادونهم عداوة قبيحةً، فالزواج بنسائهم حرام بالإجماع.
وكذلك أكل ذبائحهم حرام أيضًا لأنهم لا يذبحون بل يقتلون الذبيحةَ
بالمسدس أو الكهرباء، فذبائحهم موقوذة محرمة بالقرآن، والسلام.
الاشتقاق من أسماء الله الحسنى، وفي أسماء الله الحسنى
سه - وسئل رضي الله عنه عن الاشتقاق من أسماء الله الحسنى، و في أسماء الله الحسنى.
جه - فأجاب رضي الله عنه: الاشتقاق من أسماء الله الحسنى فيه خلافٌ؛ ذهب الجمهور إلى التوقيف بمعنى أنه لا يطلق اسم أو صفة على الله إلَّا إذا
جاء في آية أو حديث صحيح، ولا يكفي ورود الفعل.
وقال الغزالي: «إذا ورد فعل منسوب الله تعالى وكان معناه يليق به جاز اشتقاق صفة منه الله تعالى مثل «سَتَرَ» أما إذا كان لا يليق به مثل: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ م [البقرة: ١٥]، ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ﴾ [آل عمران: ٥٤]، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] فلا يجوز أن يقال: مستهزئ، ولا ماكر، ولا مستوي. وأخطأ ابن القيّم خطأ فاحشًا حيث أطلق على الله «مستوي» وخالف إجماع العلماء، سامحه الله.
١٤
فتاوى وأجوبة
وأما الاشتقاق في أسماء الله فيرى الغزالي جوازه إذا كان لا يفيد نقصا في حق الله تعالى، وعلى هذا لا مانع من إطلاق ساتر » لأنه في معنى «ستير»، ومن
أنكر على من أطلقه على الله لم يُصِب.
إيمان فرعون
س ٦ - وسئل رضي الله عنه : هل تفرّد ابن العربي بالقول بإيمان فرعون؟
رضي
الله عنه: ابن العربي لم ينفرد بالقول بقبول إيمان
فأجاب ج - فرعون، بل سبقه إليه بعض الصوفية، حكاه عنهم عبدالصمد الحنفي في "تفسيره" وهو من علماء المائة الرابعة.
والقائلون بإيمان فرعون اشتبه عليهم مقام الدعاء بمقام الإيمان، فقالوا إنَّ فرعون كان مضطرًا والله تعالى يقبل دعاء المضطر، وهذا صحيح، ولو دعا فرعون ساعة الغرق لنجاه الله، ولكنه لم يدع بل آمن، والإيمان في تلك الساعة لا يقبل، بنص القرآن والدليل الصريح على موته كافرا من القرآن قول الله تعالى: فَلْيُلْقِهِ الْيَمُ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذَهُ عَدُوُّلِي وَعَدُولَهُ ﴾ [طه: ٣٩] فهذه الآية تخبر )
أنَّ
فرعون عدو الله والخبر لا يتغيَّر ولا ينسخ، ففرعون مات كافرًا عدوا الله، إذ لو قبل إيمانه لم يسم عدوا الله، وهذا باطل.
كتابة أعمال العباد في علم الله القديم
س ۷- وسئل رضي الله عنه: إن الله سبحانه وتعالى كتب في علمه القديم أنّي أزني أو أقتل أو أسرق فلم يعذَّبني على هذا الإثم وهو الذي كتبه علي، ولو اجتمع
الإنس والجن على أن ينفعوني بشيء لن ينفعوني إلَّا بشيء قد كتبه الله لي؟
علم الكلام
۱۵
ج - فأجاب رضي الله عنه: ورد في الحديث: «إذا ذُكِرَ القَدَرُ فَأَمْسِكُوا»،
وورد في حديث آخر: «أُخر الكلام في القَدَرِ لشرار أمتي آخر الزمان». وقد نص ابن السمعاني وغيره من العلماء على أنَّ سِرَّ القَدَر مما اختصَّ اللهُ
بعلمه، فلم يُطلع عليه نبيًّا مرسلًا ولا مَلَكًا مُقَرَّبًا. ولا يمكن لأحدٍ من الخلق أن يقف على حقيقة القدر وسره لا في الدنيا ولا بعد الموت ولا في موقف القيامة، وإنما يُطلعهم الله عليه بعد دخول أهل الجنة الجنة ودخول أهل النَّارِ النَّارَ، فهناك فقط يعرف الخلق سر القدر
وحقيقته، أما قبل ذلك فلا مطمع لأحدٍ في معرفته كائناً من كان. وقد خاض قوم في القدر وحاولوا أن يعرفوه بعقولهم فضلوا وأضلوا، بل كفرت طائفة .
منهم حيث زعمت أنَّ الله لم يُقَدِّر خيرًا ولا شرا، ولا يعلم ما يفعله العبدالا بعد حصوله، وهذا كفر صُراح؛ لأن فيه إثبات الجهل الله تعالى عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
وزعمت طائفةٌ أخرى أنَّ الله قدر الخير ولم يُقدِّر الشر، وهذا ضلال في العقيدة. وزعمت طائفةٌ أخرى أنَّ الله قدر الخير وقدَّر الشر ولكنها اعترضت على
تعذيب العاصي لعصيانه.
وكل هذا ضلال أدى إليه الخروج عن أوامر الشرع بغية الوصول إلى شيء أخبر الله أنه اختص بعلمه، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا
[آل عمران: ٧]
ومع هذا يجب أن تعلم أنَّ علم الله بحصول الشيء أو كتابته له في اللوح
١٦
فتاوى وأجوبة
المحفوظ لا يؤثر في حصوله، ولا يرغم الشخص على فعله؛ لأن العلم والكتابة ليس من شأنها التأثير، وإنما التأثير شأن القدرة فعلم الله أنك ستزني لم يرغمك على فعل الزنا وإنما الذي أرغمك شهوتك الشيطانية وتزيين الشيطان لك، ولا دخل لعلم الله ولا لمشيئته ولا لكتابته في إرغامك على الفعل، ولا انسياقك إليه فاعرف هذا وتأمله جيدا، والله يتولى هداك.
الوعد والوعيد
س - وسُئل رضي الله عنه: هل يجوز أن يتوعد الله بعقوبة على ذنب ثُمَّ لا
ينفذها ؟
ج - فأجاب
-^C
رضي
الله عنه: جزاء الشخص على ذنب فعله لا يلزم
تنفيذه، وكثيرًا ما يقول الإنسان لابنه أو خادمه: «جزاؤك أن أعاقبك عقوبة
شديدة ولكني سامحتك».
ومثل هذا قوله تعالى: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ﴾ [النساء: ٩٣ ] أي إن لم يسامحه لشفاعة فيه أو لرحمة تلحقه، ودليل هذا قوله تعالى: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَالِكَ لِمَن يشَاءُ ﴾ [النساء : ١١٦].
هل رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربَّه بالبصر؟
س ۹ - وسُئل رضي الله عنه: هل رأى النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ربَّه بالبصر؟
ج ۹ - فأجاب رضي الله عنه : ذكرت في "الأحاديث المنتقاة" أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم رأى الله رؤية بصرية حقيقية مقلدًا في ذلك الإمام أحمد، ثُمَّ
علم الكلام
۱۷
تبيَّن لي أخيرًا أنني كنت مخطئًا، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم رأى الله بقلبه لا ببصره؛ لأنه لم يثبت حديث يُثبت رؤية البصر، ولأن رؤية الله تعالى أعظم جزاء للمؤمنين في الآخرة، وإذا رآه في الدنيا لم يبق ما يجازيه به في الآخرة، ولهذا منع الله موسى من رؤيته وادَّخرها له في الآخرة لتكون جزاءه.
حديث: «إن الله ينزل إلى سماء الدنيا»
س ۱۰ - وسُئل رضي الله عنه: حديث: «إنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إلى سماء الدُّنْيا فِي ثُلُثِ الليل... إلخ» هل هو على ظاهره أم مؤول؟
ج ١٠ - فأجاب رضي الله عنه صح في حديث أنَّ الله سبحانه وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة فيقول: «هل من داع فأستجيب له؟ وهل من سائل فأُعْطِيَه ... إلخ». وهو حديث مستفيض من طرق، وهذا الحديث وما في معناه فيه طريقان معلومان طريق السَّلَف هو تفويض المراد منه إلى الله تعالى مع تنزيه الله عن النزول المتعارف بيننا؛ لأنه حركة لا تليق إلَّا بالحوادث والله مُنَزَّه عن
ذلك.
وطريق الخلف وهو تأويل الحديث على وجه سائغ في اللغة العربية، وقد أوله بعضهم هنا بمزيد من الإقبال وخصوص العناية، وأوله آخرون بنزول الملك، وهذا التأويل هو الأوجه، فقد جاء في بعض طرق هذا الحديث أنَّ الله يأمر مَلَكًا فينادي: «هل من داعٍ، هل من سائل.... إلخ» فيكون المراد بنزول الله نزول ملك بأمر الله، وهذا واضح لا خفاء فيه.
أما حمل النزول على ظاهره من غير تنزيه ولا تأويل فهو مذهب المجسمة
۱۸
. فتاوى وأجوبة
المشبهة الذين يُشبهون الله بخَلْقِهِ، والسَّلَف بريئون من هذا المذهب والله أعلم.
ما هو الحق الواجب على الله ؟
س ۱۱ - وسئل رضي الله عنه: عن الحق الواجب على الله ؟
ج ۱۱ - فأجاب رضي الله عنه: الحق نوعان: حق إيجابي، يكون بين المخلوقين بعضهم مع بعض ولا يجوز أن يتعلق بالله تعالى، وحق تفضلي أوجبه الله على نفسه تفضلا منه، فقال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: ٤٧] ولما كان
وعد الله لا يخلف سمَّى وعده حقا باعتبار أن خلفه لا يجوز.
ومع
ذلك صرَّح عز الدين بن عبد السلام في "الفتاوى الموصلية" أنَّ من خصائص النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم جواز أن يُقسم بحقه على الله تعالى لعلو رتبته ، وعِظَم منزلته، ولا يلحق به في ذلك رسول ولا مَلَكٌ، وكذلك قال السيوطي في "الخصائص الكبرى".
رؤية الله في المنام
س ۱۲ - وسئل رضي الله عنه: هل رأى الله تعالى في المنام أحد من
المسلمين؟
ج ۱۲ - فأجاب رضي الله عنه : اختلف العلماء هل تجوز رؤيا الله في المنام؟ والصحيح أنها جائزة، وقد رآه جماعة من الأئمة منهم الإمام أحمد بن حنبل،
راه تسعا وتسعين مرة، ورآه في المرة المائة فسأله ما أفضل ما يتقرب المتقربون إليك يارب؟ فقال: كلامي يا أحمد». فقال أحمد: بفهم أو بغير فهم؟ فقال: بفهم وبغير فهم".
علم الكلام
۱۹
ورآه أيضًا حمزة بن حبيب الزيات أحد أئمة القراءة السبعة، وقرأ عليه القرآن في المنام، وبعد القراءة حلاه بأسورة من ذهب وتوجه، وقال هذا بإقرائك الناس من غير أجر. ورآه أيضا شيخنا الإمام المحدث شمس الدين محمد بن جعفر الكتاني
الحسني وقد كان ختام السلف الصالح.
وقد حلل الإمام الغزالي رؤيا الله في المنام بما يبعد عن الوهم ما يعلق بالذهن من اتصاف الله بالجسمية التي هو منزّه عنها.
مقولة: «رب الأرباب»
س ۱۳ - وسئل رضي الله عنه عن خطيب قال في خطبته: «يا ربَّ الأرباب» فانتقد عليه أستاذ من الأساتذة وقال إن فيه سوء أدب.
ج ١٣ - فأجاب رضي الله عنه : هذا ليس فيه سوء أدب مع الله؛ لأن الله ربُّ الجميع، وإن كانت هذه الأرباب والآلهة باطلة ولكن الله هو ربها وإلهها وخالقها. مقولة: «ما شاء الله وشاء فلان»
س ١٤ - وسئل رضي الله عنه: لماذا ورد النهي عن قول: «ما شاء الله وشاء
فلان»؟
ج ١٤ - فأجاب رضي الله عنه: معنى: «لا تقل ما شاء الله وشاء فلانٌ» أنَّ الواو تقتضي التشريك فيكون المعنى أن مشيئة فلان شاركت مشيئة الله وهذا باطل، لكن «ثُمَّ» تقتضي الترتيب والتراخي، فمعنى: «ما شاء اللهُ ثُمَّ شاء فلان». أنَّ مشيئة فلان متأخّرة عن مشيئة الله ومُترتبة عليها.
۲۰
فتاوى وأجوبة
مقولة: «أنا مع الله»
س ١٥ - وسُئل رضي الله عنه: هل يصح للإنسان أن يقول: «أنا مع الله»؟ ج ١٥ - فأجاب رضي الله عنه : عبارة: «أنا مع الله». لم ترد في آية ولا حديث، والله مع عبده بعِلمِهِ أو بعفوه أو بعنايته أو بنصره، والعبد كيف يكون
-
مع الله ؟ فالعبارة غير صحيحة في معناها، وإن اشتهرت بين الناس.
مقولة: «اسمع ندائي»
س ١٦ - وسئل رضي الله عنه : كيف يقول الإمام ابن بشيش في صلاته اسمع ندائي بما سمعت به نداء عبدك زكريا»؟
ج ١٦ - فأجاب رضي الله عنه: وأما قول ابن بشيش: «اسمع ندائي بما سمعت به نداء عبدك زكريا». معناه: (قبل)»، ولا شيء فيه، لقوله تعالى: إنَّني مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦] وقوله: إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ ﴾
[الشعراء: ١٥] وقوله : قد سَمِعَ اللهُ ﴾ [المجادلة: ١].
أسماء الأنبياء والرسل حسب تواريخ نزولهم
س ۱۷ - وسئل رضي الله عنه: أرجو ذكر جميع أسماء الأنبياء والرسل مرتبة حسب تواريخ نزولهم؟ وما مهمة كل نبي أو رسول باختصار ؟ ج ۱۷ - فأجاب رضي الله عنه: أول الأنبياء آدم، ثُمَّ إدريس، ثُمَّ نوح، ثُمَّ هود، ثُمَّ صالح، ثُمَّ إبراهيم ، ثُمَّ ولداه إسماعيل وإسحاق، ولوط ابن أخي إبراهيم، ثُمَّ يعقوب بن إسحاق، ثُمَّ يوسف بن يعقوب، ثُمَّ موسى وهارون،
علم الكلام
ثُمَّ إلياس من ذريَّة هارون.
وشعيب في قول جمهور المفسّرين كان معاصرا لموسى وهو صهره،
داوود و سليمان ابنه، ثُمَّ زكريا ، ثُمَّ ابنه يحيى وابن خالته عيسى.
۲۱
ثُمَّ
أما أيوب فهو من بني إسرائيل واختلف فيه هل كان قبل موسى أو بعده على قولين، واليسع من بني إسرائيل أيضًا، وقيل هو إلياس نفسه، وذو الكفل من بني إسرائيل خلف اليسع بعد موته واختلف فيه، فقيل كان نبيا وقيل كان صالحا وليس بنبي. وأما يونس فلا يعرف عنه أكثر من أنه يونس بن متى، وأنَّ الله أرسله إلى أهل نينوى من أرض الموصل، ولا يعرف تاريخه بالضبط إلَّا أنَّ الحافظ ابن حجر قال في "شرح البخاري : يقال إنه كان في زمان ملوك الطوائف من الفرس». وملوك الطوائف كانوا قبيل إبراهيم. أمَّا مُهمَّة كل نبي ورسول فهي الدعوة إلى توحيد الله وتبليغ الناس شرائع الله وأحكامه حتى تنتظم حياتهم الدنيوية والأخروية على أكمل وجه وأحسن حال. هل للأنبياء «داية» خاصة بولادتهم.
س ۱۸ - وسئل رضي الله عنه: الأنبياء هل لهم «داية» خاصة بولادتهم، أم هي «داية» للعوام؟ ج ۱۸ - فأجاب رضي ا الله عنه: إنَّه لم يرد في ذلك أثر، وليست المسألة بمهمة، وأي معنى في أن تكون لهم (داية)) خاصَّةٌ : بهم؟ فالصواب أنَّ «دايتهم»
هي «داية) العوام، ومَن ادَّعَى خلاف هذا فعليه الدليل، والله أعلم.
۲۲
فتاوى وأجوبة
عصمة الأنبياء
س ۱۹ - وسئل رضي ! الله عنه: حصلت مشادة مع أحد المسيحيين بسبب
قوله أن نبي الله داود زنی، نرجو شرح هذا الموضوع.
ج ۱۹ - فأجاب رضي الله عنه : المسيحيون وكذا اليهود لا يعتقدون عصمة الأنبياء، ولذلك نسبوا إلى جماعة من الأنبياء جملة من الفواحش، فزعموا أنَّ داود زني، وأنَّ ابنه سليمان كان ساحرًا، وأنَّ لوطا شرب الخمر ووقع على بنته، إلى غير ذلك من الكفريات التي يجدها القاريء في كتبهم المسماة: "العهد
القديم" و"العهد الجديد" وكل ذلك افتراء وكذب، بل كفر والحاد. والذي يجب اعتقاده أنَّ الأنبياء والرسل معصومون، ما فعلوا معصية قطُّ، هذا ما تؤيده الدلائل العقلية وبه نطقت الكتب السماوية؛ لأن الله اصطفى الأنبياء واختارهم لهداية الخلق وإرشاد الناس، ومن المحال أن يكون المختار للهداية والإرشاد مُلوّنا بالمعاصي؛ لأن فاقد الشيء لا يُعطيه، ولأنَّ الله حكى عن الأقوام السابقين أنهم كذَّبوا رسلهم واتهموهم بالجنون ولم يحك عنهم أنهم اتهموا رسلهم بشيء من المعاصي أو بنقص في أخلاقهم؛ لأنهم كانوا يرون الرسل على غاية ما يكون في الكمال فلا يجدون سبيلا للطعن إلا بأن يكذبوهم حسدًا وعدوانًا.
وهذا أبو جهل وأبو سفيان وغيرهما من المشركين سُئلوا غير مرَّةٍ هل تتهمون محمدًا بالكذب؟ فقالوا: والله ما عهدنا عليه كذبا وما كنا ندعوه إلَّا محمدا الأمين.
علم الكلام
۲۳
والله تعالى يقول في حق رسله: وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ﴾ [ص: ٤٧]، وقال في كثير منهم: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابُ ﴾ [ص: ٣٠]، وبرأ موسى مما نسب إليه قال الله تعالى: ﴿ فَبَرَاهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَحِيهَا ﴾ [الأحزاب: ٦٩]. وقال في شأن اليهود وكذبهم على سليمان: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَن وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَنُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السحر [البقرة: ۱۰۲]، وقال في حقٌّ إبراهيم: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَاهُ حَلِيمٌ ﴾ [التوبة :
١١٤] وقال في حقٌّ يوسف: إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: ٢٤]. وهكذا تجد القرآن مليئًا بتنزيههم عن المعاصي والرد على الكفار الذين لمزوهم بالسوء، والله أعلم.
عموم رسالة النبي لأهل الأرض والملائكة
س ۲۰ - وسُئل رضي الله عنه: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أرسل إلى الناس عامة ولم تكن يوم انتقاله إلى الرفيق الأعلى دولة أمريكا مثلا، فهل تعم الدعوة من لم يكن وجد بعد؟ وهل رسالته صلى الله عليه وآله وسلّم تعم
الملائكة وهم أجسام نورانية لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؟. ج ٢٠ - فأجاب رضي الله عنه: دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عامة لكل الناس من وجد ومن لم يوجد إلى يوم القيامة، ويجب على المسلمين تبليغ الدعوة إلى غيرهم كالأمريكانيين واليابانيين وجميع الأوروبيين؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كلفنا بذلك حين وقف على عرفة في حجة
٢٤
فتاوى وأجوبة
الوداع فقال للصحابة: «فليُبَلّغ الشَّاهِدُ منكم الغائب»، وقال في حديث آخر صحيح: «بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيةً». إلى غير ذلك من الدلائل الكثيرة. فالمسلمون اليوم مُكلَّفون بتبليغ دينهم إلى جميع الأمم ولكنهم قصروا،
هداهم الله.
وأما عموم رسالة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم للملائكة فقد اختلف فيها العلماء، منهم من قال لم يكن مرسلًا إليهم، وحكى فخر الدين الرازي في "تفسيره" الإجماع على ذلك.
ومنهم من قال إنه كان مرسلًا إليهم رسالة تشريف لا رسالة تكليف وهو قول جمهور الأشاعرة.
لكن اختار تقي الدين السبكي وتبعه السيوطي أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كان مرسلًا إلى الملائكة رسالة تكليف واستدل على ذلك بأدلة: منها: أنَّ الملائكة جاهدوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزواته كبدر وغيرها، ولو لم يكونوا مكلفين برسالته ما جاهدوا معه كما لم يجاهدوا مع غيره من الأنبياء.
ومنها: ما ثبت في الأحاديث أنَّ الملائكة تُؤمن مع تأمين الإمام في الصَّلاة،
فهذا يدل على أنهم مكلفون بالصلاة التي فرضها الله على نبيه وأُمته. ومنها: قوله تعالى: وَمَن يَقُل مِنْهُمْ إِنّى إِلَهُ مِن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمُ
كذالك تَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: ٢٩].
قال الحافظ السيوطي: «هذا إنذار من الله للملائكة على لسان نبيه في
علم الكلام
القرآن أنَّ مَن ادَّعى منهم الألوهية يُجزى جهنَّم».
٢٥
قال: «وهو أقوى دليل على رسالته إليهم لقوله تعالى في آية أخرى:
الأُنذِرَكُم بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام: ١٩]، والقرآن بَلَغَ الملائكة.
وقال تعالى أيضًا: تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: ١]، والعالمين يشمل الملائكة بلفظه
إلى غير ذلك مما بسطه السيوطي في رسالة خاصة في هذا الموضوع، وكون الملائكة أجساما نورانية لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون لا يمنع من إرسال الرسول إليهم، على أنَّ الأشاعرة يرون أنَّ الملائكة غير معصومين، وإن كان قولهم في هذا ضعيفًا، والله أعلم.
استشكال حول قوله تعالى: يَتَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَتِ س ۲۱- وسئل رضي الله عنه: كيف تربّى موسى عند فرعون ويوسف
عند العزيز وطعامهما حرام على الأنبياء لقوله تعالى: ﴿ يَتَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ
الطَّيِّبَتِ ﴾ [المؤمنون: ٥١]؟
ج ۲۱ - فأجاب رضي ا الله عنه: قول الله: يَتَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَتِ [المؤمنون: ٥١] خطاب للرسل بعد رسالتهم، وقبلها لا حكم ولا تكليف، وطعام فرعون والعزيز حلال على الأصل، وإنما جاءك الإشكال من جهة أنك تقيس فروع الشرائع السابقة على شريعتنا، وهذا خطأ لأنه الله تعالى يقول: ول كل جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: ٤٨] فمن أين لك أن طعام فرعون
٢٦
فتاوى وأجوبة
والعزيز حرام؟ ومَن الذي حرَّمه؟ وهل كان في مصر رسول قبل موسى؟
وقبل يوسف؟ وهل ثبت أنهما حرَّما طعام فرعون؟ أو طعام العزيز؟
ومن اختلاف الشرائع قول يوسف: إِنَّهُ رَبِّي ﴾ [يوسف: ٢٣] يعني العزيز، فهو جائز عندهم، مكروه أو حرام عندنا، بل قد تختلف الأحكام بين مذهبين فالخيل حلال عند الشافعية حرام عند المالكية، وإذا كان هذا في شريعة
واحدة فكيف بشريعتين؟
هل أراد سيدنا موسى عليه السلام قتل القبطي
س ۲۲- وسئل رضي الله عنه: هل أراد سيدنا موسى عليه السلام قتل القبطي كما هو ظاهر من قول الله تعالى: فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا ﴾ [القصص: ١٩]؟
ج ۲۲ - فأجاب رضي الله عنه: قول الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي الله هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا ﴾ [القصص: ۱۹] لا يدل على إرادة النبي للمعصية لوجوه:
۱ - دفاع العدو ومقاتلته أمر تفرضه الطبيعة البشرية ويؤيده الدين. ٢ - أنَّ موسى استغِيثَ به، وإغاثة المستغيث ثما تضافر الدِّين والمروءة على
استحسانه.
- أنَّ كون الفعل طاعةً أو معصية إنما يُعرف بالوحي، وموسى لم يكن في ذلك الوقت رسولا، ففعله ليس بمعصية ولا طاعة لعدم الوحي حينئذ، وإنما استغفر من قتل القبطي واعتبره من عمل الشيطان؛ لأنه عرَّضَ نفسه لعقوبة الإعدام في حكم فرعون.
علم الكلام
معه ؟
هل كان هارون السلام رسولا أم وزيراً؟
۲۷
س ۲۳- وسئل رضي الله عنه: هل كان هارون وزيرا لموسى أم رسولاً
ج ۲۳ - فأجاب رضي الله عنه: قال الله تعالى لموسى : اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِشَايَتِي وَلَا نَنِيا في ذكرى) [طه: ٤٢] وموسى طلب من الله أن يجعل أخاه هارون وزيرا له ورسولاً . معه، قال: ﴿وَاجْعَل لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَرُونَ أَخِي أَشْدُدْ بِهِ أزرى وأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه: ۲۹ - ۳۲] أي: الرسالة، ﴿ فَأَنْيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا
ريك [طه: ٤٧].
-
فهارون رسول بنص القرآن. وكذلك طلب موسى من الله أن يحل عقدة
لسانه فقال: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي يَفْقَهُوا قولي ﴾ [طه: ۲۷ – ۲۸] وليست
الفصاحة شرطًا في التبليغ.
شبهة حول إلقاء سيدنا يونس لنفسه في البحر
س ٢٤ - وسئل رضي الله عنه: هل إلقاء سيّدنا يونس لنفسه في البحر يُعد
انتحارا منه ؟
ج ٢٤ - فأجاب رضي الله عنه: عمل يونس لم يكن انتحارا؛ لأن الله يقول: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ﴾ [الصافات: ١٤١] المغلوبين بالقرعة، فأُلقي في
البحر مغلوبا لا باختياره. وعلى فرض أنه رمى نفسه مختارا، فالانتحار لم يكن محرَّمًا عليه ولا على
۲۸
. فتاوى وأجوبة
الأمم السابقة بل جعله الله طريقا للتوبة في شريعة موسى؛ فَتُوبُوا إِلَى بَارِيكُمْ
فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِندَ بَارِيكُمْ ﴾ [البقرة: ٥٤] الآية .
وما حرم الانتحار إلَّا في شريعتنا، وكان تحريمه بعد الهجرة، وأحكام
الشرائع تختلف كما قال الله تعالى: لِكُلِّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: ٤٨]. فكيف يعاب على يونس فعل لم يكن حرامًا عنده؟! بل لعله قدم نفسه قربانا وتوبة الله تعالى. ولا يرد على هذا حديث "الصحيحين": «كان فيمن كان قبلكم رجل به جُرْح فَجَزِعَ فَأَخذ سِكِّينًا فَحَزَّ بها يَدَهُ فما رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ فَقالَ اللَّهُ : بادَرَنِي عبدي بنَفْسِهِ فحرَّمتُ عليه الجنة».
لأن هذا المريض قتل نفسه جَزَعًا وتسخطا لقضاء الله، والفعل المباح قد يحرم لما يصحبه من قصد سيء.
حول نبوة الخضر
س ٢٥ - وسئل رضي الله عنه: عن ترجيحه بأنَّ الخضر كان نبيا، وذكر له اعتراض بعض الإخوان على ذلك.
ج ٢٥ - فأجاب رضي الله عنه : المعروف عند العلماء أن الباحث ينبغي له أن يعد بحثه بذكر الأقوال في الموضوع ويبين الراجح منها، وهذا ما فعلته في جوابي، حكيت الأقوال الموجودة في الخضر وهي خمسة ولي، نبي، نبي ورسول، مَلَكٌ، التوقف فيه، وبيَّنت الراجح منها، وهذا فيما أرى أسلوب
سليم، فإن كان فيه خطأ فما هو ؟ بينه لي لأتفاداه فلست معصوما من الخطأ.
علم الكلام
۲۹
والقول بولاية الخضر لم يصدر عن صحابي ولا تابعي، وإنما قال به بعض الصوفيين بعد القرون الثلاثة، فلذلك قلنا لا دليل عليه، ويبطله قاعدتان متفق عليهما بين العلماء:
1 - لا يجوز أن يكون الولي أعلم من النبي، كما لا يكون أفضل منه، ولهذا أخذ الصحابة نبوة الخضر من أنه علم موسى.
٢- لا يجوز أن يتساوى علم الولي الملقى إليه بطريق الإلهام مع النبي الذي يشافهه الملك بوحي الله وتشريعه.
والقائلون بنبوَّة الخضر استدلوا بأدلَّةٍ ذكرنا بعضها، وهاتان القاعدتان من أعظم الأدلة على نبوته والإلهام إنما يفيد الظن في الأصل، بدليل أنه يقبل الخطأ، وقد يفيد اليقين بقرينة كإلهام عمر فإنه أفاد اليقين لأن الوحي أيده، ولا نستطيع أن نقول: إنَّ إلهام الأولياء في قوة إلهام عمر إلا إذا أيد بكتاب أو سُنَّة. وهل نستطيع أن نقول: أنَّ عمر أعلم من موسى؟!
فنحن أمام رسولين ،ووليين، فإما أن نقول : بأعلمية الوليين على الرسولين، فنخالف القاعدتين المتقدمتين ونطرق باب الكفر، على رأي ابن حزم، وإما أن نقول بأعلمية الرسولين وهو الحق، أما أن نفرق بينهما، فهو تفريق مبني على العاطفة، وتحكُم لا يؤيده نقل ولا عقل، والصوفية القائلون بولاية الخضر،
غفلوا عن هذا الإلزام الذي لا مفر لهم عنه ولا محيص، ولو فطنوا لهذا الإلهام لسلموا بنبوة الخضر، والولي لو فعل ما يخالف الشريعة بإلهامه عوقب؛ لأنه
غیر معصوم، بخلاف النبي المعصوم ، فإنه إذا فعل أمرًا يخالف شريعة لنا يحمل على أنه شريعة له.
۳۰
فتاوى وأجوبة
وفي "صحيح مسلم" عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «إنَّ الغُلامَ الذي قَتَلَهُ الخَضِرُ طُبع كافرًا ولو عاش لأَرْهَقَ أبويه طُغْيانًا وكُفْرًا». ورواية: «لقد أحببتك قبل أن أخلقك». تدل على نبوته من حيث أنَّ الله خاطبه بهذا الكلام وحيّا أوحاه إليه، والولي لا يقول الله له هذا وحيا ولا إلهاما.
وقوله: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى ﴾ [الكهف: ۸۲]بل بوحي، هذا هو المتعين. ولا يجوز فعلته بإلهام؛ لأن موسى عنده الوحي وهو دليل، والإلهام ليس بدليل، ولا يجوز في حق نبي أن يسكت على محرّم يدعي فاعله أنه فعله بإلهام. وهل يجوز أن يقول ولي في أمرٍ محرَّم بالكتاب والسُّنَّة: أنَّ الإلهام أباحه لي ؟! طبعا لا يجوز ، فكذلك لا يجوز أن يقول الخضر: فعلت المحرَّم بإلهام، ولا
سيما وهو يخاطب نبيًّا يُوحَى إليه.
والخلاصة: أن القول بولاية الخضر لا أصل له في الكتاب ولا في السُّنَّة، ولا في قول صحابي ولا تابعي، وإنما هو فلتةٌ من بعض الصوفية منشأها غلوهم في شأن الولاية وتقدسيها، فتخيلوا أنَّ الولي يمكن أن يكون معلم نبي،
ونسوا الفوارق البعيدة بينهما .
ونظير هذا الغلو ما حكاه بعض الجهلة عن جلال الدين الرومي شيخ الطريقة المولوية: أنَّ ناسا كانوا يتكلمون في الكرامات ومقارنتها بالمعجزات وتطرقوا إلى معجزات عيسى وإحيائه الموتى، فقال لهم جلال الدين: كيف كان يحيي الموتى؟ قالوا: كان يقول للميت قم بإذن الله، فيقوم، ومرت بهم جنازة، فقال جلال الدين للمشيعين حطوا النعش، وقال: قم بإذن الله، فقام في
علم الكلام
۳۱
الحال». فجعل هذا الجاهل كرامة الولي أقوى من معجزة الرسول. وقرأت في ترجمة الشعراني لبعض أحفاده: «أن بعض أتباعه مات، رد روح
فلحق الشعراني مَلَكُ الموت وهو صاعد بالأرواح، وطلب منه . صاحبه فلم يقبل، فهجم الشعراني وأخذ الروح من الملك، وتشتتت الأرواح،
فعادت إلى أصحابها»!! . وهذا غلو قبيح لا يرضاه الأولياء أنفسهم. وقرأت خطبة جمعة كتبت في القرن الهجري الماضي في فضائل السيد البدوي كلها مغالاة مُكفّرة، ومما جاء فيها أنَّ السيد البدوي طلب من الله أن يأذن له بدخول النار فلم يأذن له؛ لأنه لو دخلها لانطفأت ولا يتعذَّب العصاة بعد ذلك، وهذا مقام لم يدركه الأنبياء، فهو كالقول بولاية الخضر سواء بسواء. هل كان آدم وإدريس نبيين ورسولين
س ٢٦ - وسُئل رضي الله عنه: هل كان آدم نبيا ورسولا وكذلك إدريس؟ ج ٢٦ - فأجاب رضي ا الله عنه: آدم نبي ورسول بدليل القرآن، قال الله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [البقرة: ٢٥٣] والإشارة إلى الرسل المذكورين في (سورة البقرة وهم ،آدم وموسى، وعيسى، وإبراهيم،
وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، وسليمان و داود
وفي قصة ابني آدم ذكر المقتول أحكاما شرعيَّة منها قول الله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: ٢٧] وقوله تعالى: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العلمينَ ﴾ [المائدة: ۲۸] وقوله تعالى: إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوا بِإِثْمِي وَإِثْكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَب النَّارِ ﴾ [المائدة: ٢٩] وقوله تعالى: إِذْ قَرَبَا قُرْبَانًا ﴾ [المائدة: ۲۷]، وهذه
۳۲
فتاوى وأجوبة
أحكام لا تعرف إلا من رسول، وهو آدم، كان رسولا إلى زوجته وأولاده. وإدريس كان نبيا رسولا كما جاء في صحيح ابن حِبَّان" عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم.
وقوله تعالى: وَرَفَعْنَهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴾ [مريم: ٥٧] حمله بعض التابعين على الرفع المعنوي، لكن الآية ليست بصريحة فيه؛ لأن الرفع الحسي تذكر معه: «إلى» الدالة على الانتهاء إلى مكان ،محسوس، مثل قول الله تعالى: ﴿وَرَافِعُكَ إلى ﴾ [آل عمران: ٥٥] وقوله تعالى: بَل رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ [النساء: ١٥٨] أمَّا رفع المكان فالظاهر منه رفع المكانة ووصف الله له بذلك، لئلا يتوهم متوهم أن إدريس عليه السلام أقل رتبة من الأنبياء الذين جاهدوا قومهم، وتحملوا في دعائهم الشدائد كنوحٍ وهودٍ وصالح، فكأنَّ الآية تقول: إدريس مرفوع الرتبة مثل إخوانه الأنبياء وإن لم يكن له جهاد كجهادهم.
هل يعد عيسى عليه السلام صحابيا؟
س ۲۷ - وسئل رضي الله عنه: هل يعتبر عيسى عليه السلام صحابيا؟ ج ۲۷ - فأجاب رضي الله عنه: عيسى صحابي كما قال الذهبي، والعراقي، وابن حجر، والسيوطي؛ لأنه اجتمع بالنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم ليلة الإسراء اجتماعا متعارفًا، والبيتان اللذان ذكرهما الجرداني هما لتاج الدين
السبكي، وهما:
مَن بِاتِّفَاقِ جَميعِ الخَلْقِ أَفْضَلُ مِن يع الخَلْقِ أَفْضَلُ مِن خَيْرِ الصحابِ أبي بكر ومن عمر و من عليّ ومن عثمان وهو فتى مِن أُمَّةِ المُصْطَفَى المَبعوث مِن مُضَر
علم الكلام
۳۳
وأجابه الشيخ محمد الطالب بن الحاج المالكي بهذين البيتين: ذاك ابنُ مَرْيَمَ رُوحُ الله حيث رأى نبينا المصطفى في أحسن الصُّوَرِ فَوْقَ السَّمواتِ ليلًا عندما اجتمعا كذاك عند ظرابِ البَيتِ والحجر وتقييد الجرداني الصحبة كون الاجتماع في الأرض لا يعتبره المحدثون، بل المعتبر عندهم أن يكون الاجتماع حال الحياة في الأرض أو في السماء، ولم يقم دليل على أن الإسراء كان للأنبياء، وإنما هي أقوال لبعض العلماء اجتهادًا
منهم، فالصواب أن الإسراء خاص كالمعراج.
هل يعد موسى عليه السلام صحابيا؟
س ۲۸ - وسئل رضي الله عنه : إذا كان عيسى صحابيا لاجتماعه بالنبي ليلة الإسراء، فلماذا لا يكون موسى كذلك وقد تردد عليه النبي صلى الله عليه وآله
وسلَّم ليلة الإسراء أكثر من مرة؟
ج ۲۸ - فأجاب رضي الله عنه: الإجماع المتعارف أن يكون في اليقظة وفي حال الحياة، وموسى مات فاجتماعه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم روحي غير متعارف، بخلاف عيسى فإنه حي ، فاجتماعه متعارف، ولذلك كان صحابيًا ومن الأمة المحمدية وصلاته خلف المهدي تأكيد لذلك.
قول أنس: «لو بقي إبراهيم لكان نبيًّا»
س ۲۹ - وسئل رضي الله عنه : ما معنى قول أنس رضي الله عنه: «لو بقي إبراهيم لكان نبيا مع أنه لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم؟ ج ۲۹ - فأجاب رضي الله عنه: لو عاش إبراهيم لكان نبيا» يُزيل الإشكال
٣٤
فتاوى وأجوبة
الذي فيه قول أنس: «لو بقي إبراهيم لكان نبياً ولكن لم يكن ليبقى فإن نبيكم آخر
الأنبياء».
وقول عبدالله بن أبي أوفى الصحابي : مات إبراهيم صغيرًا، ولو قضي أ
أن
يكون بعد محمد نبي عاش إبراهيم، ولكن لا نبي بعده». على أنه لا إشكال من الأصل؛ لأن لفظ «لو» لا يقتضي وقوع الشرط بل يتعلق بالمحال مثل: لَوْ كَانَ فِيهِمَاءَ الهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَنَا ﴾ [الأنبياء: ۲۲] قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ وَالِهَةٌ كَمَايَقُولُونَ ﴾ [الإسراء: ٤٢] وَلَوْ رُدُّ والعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ﴾ [الأنعام: ۲۸] لَوْ أَنَّ لَنَاكَرَةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: ١٦٧] والحديث من هذا القبيل.
·Jdas.
رسالة يوسف عليه السلام
س ۳۰ وسئل رضي الله عنه: كيف كانت رسالة يوسف عليه السلام؟ ج ۳۰ - فأجاب رضي الله عنه : يوسف عليه السلام دعا إلى الله في السجن وخارجه، لكن لم يُعارض من أهل مصر؛ لأنه كان ملكًا عليهم، بل أظهروا الطاعة ظاهرا فلما مات عادوا لكفرهم، يدل على هذا آية غافر وَلَقَدْ جَاءَ كُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَتِ ﴾ [غافر: ٣٤].
نقد بيت في البردة
س ۳۱- وسئل رضي الله عنه : ما معنى قول الإمام البوصيري في "بردته " : وقَدَّمَتُكَ جَميعُ الأنبياء بها والرُّسُلِ تَقْدِيمَ تَخَدُومٍ على خَدَمِ ج ٣١- فأجاب رضي الله عنه: قول البوصيري: «تقديم مخدوم على خدم»،
علم الكلام
۳۵
خطأ قبيح؛ لأن الرسل اشتركوا معه في شرف الرسالة، وإنما فضلهم بميزة اختصه الله بها ، فلا يجوز إنزالهم إلى درجة الخدم، فإن هذه استهانة بمقام النبوة. س ۳۲ - وسئل رضي الله عنه: ما وجه تخطأة صاحب "البردة" في قوله: تقديم مخدوم على خَدَم»؟
ج ۳۲- فأجاب رضي الله عنه: صاحب البردة مخطئ في قوله: «تقديم مخدوم على خدم». ومخطئ أيضًا في قوله:
فإِنَّ مِن جُودِكَ الدُّنيا وضَرَّتَها ومِن عُلومِكَ عِلْمَ اللُّوحِ والقَلَمِ لأنَّ الدنيا والآخرة من جود الله تعالى لا من جود رسوله، وعلم اللوح والقلم من علم الله تعالى لا من علم رسوله، وهذا التغالي في المدح يكرهه النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وينهى عنه.
س ۳۳- وسُئل رضي الله عنه: كيف يخطئ الإمام البوصيري في "بردته"، وقد كان جبريل عليه السلام يمسك الركاب لرسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم؟
ج ۳۳- فأجاب رضي الله عنه: جهلة الصوفية يعطون بجهلهم سلاحًا قويا للوهابيين وهم لا يشعرون، كما أنهم لا يدركون أن تغليط البوصيري وألف مثله أهون من المساس بمقام جبريل والأنبياء عليهم السلام، وقد مدح
الله جبريل، يقول تعالى: إِنَّهُ لَقَولُ رَسُول كريم ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينِ ) مطاع ثم أمين ﴾ [التكوير: ۱۹-۲۱] وسماه: روح القدس، فكيف نصفه بأنه أمسك الركاب ليلة المعراج ؟ مع أنَّ هذا لم يرد في حديث، وإنما هو من زيادات
٣٦
فتاوى وأجوبة
القُصَّاص كذبًا.
ولقد تعرضتُ لقصة المعراج في درسي ونفيت حكاية مسك الركاب فعارضني عالم ممن كان حضر على الشيخ الأنبابي وقال: «إنَّ هذه الحكاية ذكرها كل من كتب في المعراج».
قلت: لكنها كذب، بل الثابت أنَّ جبريل كان راكبًا مع النبي صلى الله عليه
في
وآله وسلم على صدر البراق والنبي خلفه، وقد أثبت ذلك الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ، ثُمَّ إِنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم نهى عن التفضيل بين
الأنبياء لأجل ألا ينشأ عنه غلو في حقٌّ الفاضل ونقص في حق المفضول. وقد وقع جهلة الصوفية فيما نهى عنه النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم ونحن مشينا مع القرآن قال الله تعالى: تِلكَ الرُّسُلُ ﴾ [البقرة: ٢٥٣] أي أنهم سواء في وصف الرسالة فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ بميزات خارجة عن أصل الرسالة كالمخلة والكلام ونحو ذلك.
وليس فيهم خادمٌ لآخر لدليل قوله لرسوله: وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [البقرة: ٢٥٢] أي واحد منهم، ولما قابلوه ليلة المعراج قالوا له: «مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح». فالبوصيري زَلَّ بتلك الكلمة ونرجو الله أن يغفر له تلك الزَّلَّة؛ لأنه لم يقصدها .
هل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسل إلى الملائكة
س ٣٤ - وأمَّا قولك: هل النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم مرسل إلى الملائكة على سبيل الوجوب؟
علم الكلام
۳۷
ج ٣٤- فجوابه: أن العلماء اختلفوا في ذلك، فقال الحليمي والبيهقي أنَّه غير مرسل إليهم، وجزم به الحافظ العراقي في نكته على ابن الصلاح، والجلال
المحلي في "شرح جمع الجوامع"، وحكى الرازي في "تفسيره" الإجماع عليه. وقال البارزي والتقيُّ السُّبكيُّ أنَّه مرسل إليهم، ووافقهما الحافظ السيوطي، واحتجوا قوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ بعموم
ليَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1] وقوله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: ۱۰۷] وقوله: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام: ١٩]. وقوله عليه وآله السلام: «وأرسلت إلى الخلق كافة».
ولا شك أنَّ لفظي «العالمين» و «الخلق» يشملان الملائكة لغةً وعُرفًا، كما أنَّه لا شَكٍّ فِي أَنَّ القرآنَ بلَغَ الملائكة.
واحتجوا أيضًا بخصوص أدلَّةٍ أصرحُها في الدلالة قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَد أَسُبْحَنَهُ بَلْ عِبادُ مُكْرَمُون يعني: الملائكة لَا يَسْبِقُونَهُ ) بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنبياء: ٢٦ - ٢٧] إلى قوله: وَمَن يَقُلْ
منهم يعني الملائكة إنت إِلهُ مِن دُونِهِ ، فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ﴾ [الأنبياء: ٢٩]. ففي هذه الآية إنذار للملائكة على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن الذي أُنزل عليه. وأما ما قاله بعض الفُضَلاء من أنَّه مرسل إليهم على سبيل الكمال فهذا وإن قاله بعض العلماء وصرح به البناني في "حاشية جمع الجوامع" لا معنى له ولا تحصيل فيه؛ لأنَّ الإرسال لا يكون إلى على سبيل الوجوب، وليس في اللغة
۳۸
فتاوى وأجوبة
ولا في الشرع إرسال على سبيل التشريف والكمال.
وما علل به ذلك من أنّهم لا يعصون الله ما أمرهم سهو وذهول، إذ ليس
الإرسال خاصا بمن يعصي بل يكون له ولغيره. ألا ترى أنَّ الأنبياء مرسلون إلى أنفسهم وهم معصمون بالإجماع، والأدلة العقلية القاطعة ؟! وأَجِلْ طَرْفَك في القرآنِ تجده كثير الأمر والنهي للنبي عليه وآله السلام مع أنَّه أفضل من الملائكة بالإجماع وأولى بالعصمة منهم على أ
أنَّ
الآية التي ذكرناها قريبا فيها إنذار الملائكة مع عصمتهم فكل هذا يدلك على
بطلان ذلك التعليل.
رؤية الملائكة الله تعالى في الجنة
س ٣٥ - وسُئل رضي الله عنه عن رؤية الملائكة الله تعالى في الجنة. ج ٣٥ - فأجاب رضي الله عنه: وأما رؤية الملائكة الله تعالى ففيها قولان أيضا. أحدهما: أنهم لا يرونه. صرح بهذا عز الدين بن عبد السلام في "القواعد الصغرى" وهو مبني على أنَّ الرؤية خاصة بالبشر وهي دعوى لا دليل عليها. والقول الثاني: أنَّهم يرونه وهذا هو القولُ المنصور لعمومات الأدلة، ولما رواه روح بن عبادة قال : حدثنا عباد بن منصور قال: سمعت عدي بن أرطأة يخطب على المنبر بالمدائن فجعل يعظُ النَّاسَ حتى بكى وأبكانا ثم قال: لقد سمعت فلانا - يعني رجلا من الصَّحابة نبي عباد اسمه - يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّ لله ملائكة ترعُد فرائصُهُم مِن مخافتِه ما منهم ملك تقطرُ دمعته من عينه إلا وقَعَتْ ملكًا يسبِّحُ الله تعالى. قال: وملائكة
علم الكلام
۳۹
سُجُودٌ منذُ خَلقَ اللهُ السَّمواتِ والأرضَ لم يرفَعُوا رؤوسَهُم ولا يرفَعُونَهَا إلى يوم القيامة، وصفوفٌ لم ينصَرِفُوا عن مصافهم ولا ينصرفُونَ إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامةِ وتجلّى لهم ربَّهُم فنظَرُوا إليه قالوا: سُبحانَكَ ما عبدناك كما ينبغي لكَ أَنْ نَعبُدكَ».
وقال صدقة بن عمرو العقدي: قرأتُ على محمد بن إسحاق: حدثني أمية بن عبدالله بن عمرو بن عثمان عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّه كان يُحدث مروان بن الحكم وهو أميرُ المدينة قال: إِنَّ الله خلق الملائكة لعبادتِهِ أصنافًا، فإنَّ منهم ملائكة قيامًا صافين من يوم خلقهم إلى يوم القيامة وملائكة ركوعا خشوعا من يوم خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة سجودًا منذ خلقهم إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة، وتجلى لهم تعالى، ونظروا إلى وجهه الكريم، قالوا: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك.
جبريل أفضل أم إسرافيل ؟
س ٣٦ - وسُئل رضي الله عنه: هل جبريل أفضل أم إسرافيل؟ وهل الملائكة العالون صنفٌ من الملائكة لم يأمروا بالسجود لآدم كما ذكر ذلك
الشيخ الدجوي؟ وكيف يرى الديك الملائكة؟
ج ٣٦ - فأجاب رضي ا الله عنه: اختلف في جبريل وإسرافيل أيهما أفضل؟ والراجح أفضلية جبريل؛ لأنه صاحب الوحي، ولأنَّ الله وصفه بأوصاف عظيمة لم يصف بها غيره من الملائكة.
وما ذكره المرحوم الدجوي لا دليل عليه ولا أصل له، وليس المراد
بـ «العالين» صنفًا من الملائكة وإنما المراد به المتكبرون بطبعهم.
فتاوى وأجوبة
ولا توجد ملائكة ولا تراهم الملائكة وإثبات مثل هذا من شطحات بعض الصوفية، كما قالوا: «توجد أوادم غير آدم».
ولا تطاق رؤية الملك بصورته الأصلية، لكن تطاق رؤيته بصورة مثالية فلا مانع أن يرى الديك مَلَكًا في صورة رجل أو ديك ويلهم أنه ملك فيصرخ.
اسم ملك الموت
س ۳۷ - وسُئل رضي الله عنه : هل ثبت تسمية ملك الموت بعزرائيل؟ ج ۳۷ - فأجاب رضي ا الله عنه : لم يرد تسمية ملك الموت بعزرائيل إلَّا في حدیث موضوع، وورد تسميته عن أشعث بن سليم الكوفي، وهذا الاسم
مأخوذ من الإسرائيليات.
هل أرسل نوح إلى الجن؟
س ۳۸ - وسئل رضي الله عنه: هل أرسل نوح إلى الجن؟
ج ۳۸- فأجاب رضي الله عنه: الله عنه: نوح عليه السلام لم يرسل إلى الجن ولم يكونوا مكلفين باتباعه، فلم يعمهم الطوفان، كما لم يعم الأرض كلها، وإنما عم
منطقة الشرق الأوسط.
هل أرسل الله سليمان إلى الجن؟
س ۳۹ - وسُئل رضي الله عنه : هل أرسل الله سليمان إلى الجن؟ ج ۳۹ - فأجاب رضي الله عنه وأما قولك: هل أرسل الله سليمان إلى الجن؟ أو كان يحكُم فيهم فقط؟ فجوابه: أنَّه كان مَلِكًا عليهم غيرَ مُرسَل إليهم لأنه لم يرسل إلى الجنّ قبل نبينا رسول. ففي الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أُعطِيتُ خسا لم يُعطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ
علم الكلام
٤١
الأنبياء قبلي... فذكرها إلى أن قال: وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قومه خاصةً
وبُعثتُ إلى النَّاس عامة».
فقوله: «وكان النبيُّ يُبعَثُ إلى قومه خاصَّةً» صريح في أنَّ الأنبياء لم يُبعثوا إلى الجن لأنهم ليسوا قوما لهم وإنَّما قومُهم الإنسُ كما هو واضح. عقيدة الجن
س ٤٠ - وسئل رضي الله عنه: ما عقيدة الجن التي يؤمنون بها؟، ومَن الذي يتولى إرشادهم؟
ج ٤٠ - فأجاب رضي الله عنه : الجن قبل البعثة المحمدية كانوا على أقسام منهم من آمن برسول من رسل الله وإن لم يكن مرسلًا إليهم، فهو مؤمن كمن آمن منهم بموسى عليه السلام، ومنهم من أشرك أو حرّض على الشرك فهو كافر، ومنهم أهل فترة لم يؤمنوا ولم يشركوا، والذي يتولى إرشادهم بعد إسلامهم علماء منهم ومن الإنس في عهد التابعين ومن بعدهم إلى الآن، وقد وفدوا إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم مرات كالإنس، وتعلموا منه قرآنا
وأحكامًا.
وفي قرافة مصر قبر أبي الحسن علي بن الحسن الخلعي الشافعي، كان الجن
يأتون إليه ويقرءون عليه وكان يقال له: «قاضي الجن».
وللشيخ الشعراني كتاب اسمه كشف الران عن أسئلة الجان" ذكر في خطبته أنَّ الجنّ سألوه عن مسائل في التوحيد نحو (۸۰) سؤالا، طلبوا
الإجابة عليها فأجابهم بهذا الكتاب، وهو مطبوع بمصر.
٤٢
فتاوى وأجوبة
والشيخ المدابغي الشافعي كان في بيته جني يلازمه يستفيد منه في صورة قط، والشيخ لا يعلم، ولما علم به، وطلب منه أن يأتيه بنقود خرج ولم يعد. وكان كثير من علماء المغرب وأوليائه يعلمون الجنَّ القرآن ويلقنونهم
الطريق، منهم جدي الإمام أحمد بن عبدالمؤمن الغماري، ووالدي رضي |
الله
عنه، وهم يحضرون دروس من يرضونه من علماء الإنس، إما خفية، أو في صورة إنسان، وإن كان من الأولياء ظهر واله وأظهروا حقيقتهم.
هل يدخل مؤمنوا الجنِّ الجنَّة؟
س ٤١ - وسئل رضي الله عنه: هل يدخُل مؤمنوا الجن الجنَّة؟
ج ٤١ - فأجاب رشي الله عنه وأما أن مؤمني الجن هل يدخلون الجنة ويتنعمون فيها من أكل وشرب ويترقَّون في الدرجاتِ ويكون لهم الثواب
والعقاب ويرون الله تعالى كما يراه بنو آدم ويتزوجون بالحور العين؟ فهذه مسائل اختلف فيها العلماء، فأما دخولهم الجنَّة ففيه أربعة أقوال:
أحدها: أنهم يدخلونها وهو قول الجمهور.
الثاني: أنهم لا يدخلون الجنَّة بل يكونون في رَبَضِها يراهُم الإنسُ من حيثُ لا يرونهم، وهذا مروي عن مالك والشافعي، وأحمد، ومحمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة. الثالث: أنّهم على الأعراف، وهو قول بعض العلماء، واحتج له بما رواه الكنجرودي في "أماليه" عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنَّ مؤمني الجنّ لهم ثواب وعليهِم عِقاب». فسألناه عن ثوابهم فقال: «على
علم الكلام
الأعراف وليسوا في الجنَّةِ مع أمة محمد فسألناه عن الأعراف، قال: «حائط الجنة تجري منه الأنهار وتنبتُ فيه الأشجار والنمار». وقال الذهبي: «هذا حديث منكر جدا .
الرابع: الوقفُ، وهذا أضعفُ الأقوال وأسخَفُها، لأنَّ الوقف يحسن عند تعارض الأدلة وتساويها في القوَّة وليس الأمر هنا كذلك، بل القول الأول هو
الصحيح وأدلته هي القوية دون غيرها وهي كثيرة:
منها: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مرسل إلى الثَّقَلَيْنِ وهما الجن والإنس وقد جاء عنه في الأحاديث المتواترة أنَّ من أطاعه دخل الجنة ولم يفرق بين إنسي وجني.
ومنها: العمومات الواردة في القرآن كقوله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بعيد [ق: ۳۱] وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: ۱۳۳] في آيات كثيرة لا يجوز الإقدام على تخصيصها إلا بدليل، ودون وجودِه خَرْطُ القَتَادِ.
-
ومنها: قوله تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذوَاتَا أَفنان ﴾ [الرحمن: ٤٦ - ٤٨] فهذه الآية صريحة في دخول الجن للجنة لأنَّ الخطاب في (سورة الرحمن) موجّه إلى الإنس والجن بنص القرآن وإجماع الأمة. وجاء عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأصحابه لما تلا عليهم هذه السورة: «الجنُّ كانو أحسن جوابًا منكم، ما تلوتُ عليهِمْ من آيةٍ إِلَّا قالوا: ولا بشيء من آلائِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ». رواه الترمذي.
٤٤
فتاوى وأجوبة
ومنها ما رواه أبو الشيخ ابن حيان بإسناد فيه انقطاع عن ابن عباس قال: الخلق أربعة: فخلق في الجنَّة كلُّهم وهم الملائكة، وخلق في النَّار كلُّهم وهم الشَّياطين، وخلقٌ في الجنَّة والنار وهم الإنس والجن، لهم الثواب وعليهم
العقاب».
وأما تنعمهم في الجنة بالأكل والشرب ففيه قولان:
أحدهما: ما رواه ابن أبي الدنيا عن مجاهد أنَّه قال في الجن: «يدخلون الجنة ولكن لا يأكلون ولا يشربون، يُلهمون من التسبيح والتقديس ما يجده أهل الجنَّة من لذة الطَّعَامِ والشَّرابِ».
والقول الثاني: أنَّهم يأكلون ويشربون وهذا هو الصحيح وبه جاءت
الأدلة.
وأما ترقيهم في الدرجات فهو مبني على دخولهم للجنة، وتقدم أنهم يدخلونها، وعليه فيترقون في الدرجات بحسب أعمالهم. وأما ثوابهم وعقابهم فالثاني مُجمَعٌ عليه لمجئ الآيات والأحاديث به، والأول فيه قولان:
أحدهما: أنَّه لا ثوابَ لهم إلا النَّجاة من النار ثم يقال لهم: «كونُوا ترابا» كبقية البهائم. وهذا قول أبي الزناد، وليث بن أبي سليم، وأبي حنيفة، وهو قول
ضعيف.
والقول الثاني: أنَّهم يُثابون. وهذا قول ابن عباس، وضمرة بن حبيب، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأحمد، وابن أبي ليلى، وأبي يوسف، ومحمد بن
علم الكلام
الحسن، وابن وهب، وابن القاسم، وجماهير العلماء، وهو الصحيح.
٤٥
غير أن هؤلاء اختلفوا في ثوابهم بماذا يكون؟ هل بدخول الجنة؟ أو
بالبقاء على الأعراف؟... إلخ الأقوال المتقدمة.
وأما رؤيتهم الله تعالى ففيها قولان أيضًا:
الأول: أنهم لا يرونه، لأنَّ الرُّؤية خاصة . بمؤمني البشر. وهذا قول
ضعيف لا دليل عليه، والخصوصية لا تثبت بالادعاء.
والقول الثاني: أنهم يرون الله تعالى كما يراه بنو آدم. وهذا ما نقله ابن العماد عن شيخه سراج الدين ابن الملقن وأبداه بحثًا من عنده جلال الدين البلقيني. وهو الصحيحُ الذي لا يجوز أن يُعتقد غيره لأنَّ آيَاتِ الرُّؤية وأحاديثها عامة في كل مؤمن، فكيف يجوز إخراج الجن من عمومها بالادعاء العاري عن
الدليل ؟!. وأما تزوجهم بالحور العين فهو من جملة النَّعيم الذي يتنعمون به في الجنَّة، وفي القرآن في وصف الحور العين: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسُ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانُ ﴾ [الرحمن:
٧٤] ففي هذه الآية دليل على تَأْتي طَمْثِ الحور العين من الجن. وأما رؤيتنا لهم في الجنَّة دون أن يرونا فهذا قول قاله الحارث المحاسبي ولم نقف على حديث يؤيده ويعضده.
دليل دخول الجن الجنَّة
س ٤٢ - وسئل رضي الله عنه : ما هو دليل دخول الجن الجنَّةَ يوم القيامة؟ ج ٤٢ - فأجاب رضي الله عنه: أما دخول الجن الجنَّة، فدليله (سورة الرحمن)؛
٤٦
فتاوى وأجوبة
فإنَّ الله تعالى خاطب فيها الإنس والجن، وتوعدهم بالنار، كما وعد طائعيهم بالجنة، وصح عن جابر قال: «قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (سورة الرحمن حتَّى ،ختمها، ثُمَّ قال: مالي أراكم سُكُونًا؟ فالجن كانوا أحسن رَدًّا منكم، ما قرأت عليهم هذه الآية من مَرَّةٍ: فَبِأَيِّ الَآءِ رَبِّكُمَا تكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: ۱۳] إلا قالوا ولا بشيءٍ مِن نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فلك
الحمد».
فلماذا قرأ عليهم هذه السورة إن كانوا لا يدخلون الجنة؟! وهل يجوز في حكمة الله وفضله أن يدخل بعض الطائعين الجنة دون بعض؟! مع أنه وعد الطائعين عامة بالجنة.
والحقيقة أنَّ مَن من زعم أن الجنَّ لا يدخلون الجنَّة زَعَمَ باطلا، وحَجَّر
فضل الله، وبخل على طائعي الجن بما لا يملكه.
ومثل هذا الزعم في السقوط قول مَن زعم أنَّ الملائكة والنساء لا يرون الله يوم القيامة، فهم محجوبون عن رؤية الله كالكفار، وهذه أقوال شادَّةٌ لا يُعتَدُّ
بها.
هل الجنُّ كلّهم يتطوَّرون؟
س ٤٣ - وسئل رضي الله عنه: هل الجنُّ كلّهم يتطوَّرون؟
ج ٤٣ - فأجاب رضي الله عنه وأما قولك: هل الجن كلّهم يتطوَّرون أو فيهم من لا يتطوَّر ؟ فجوابه أنّهم كلهم يتطوَّرون لأنَّ الأدلة التي أثبتت لهم التطور لم تفرق بينهم فيه.
علم الكلام
٤٧
هل إبليس من الجن أم من الملائكة؟
س ٤٤ - وسئل رضي الله عنه : هل إبليس من الجن أم من الملائكة ؟ ج ٤٤ - فأجاب رضي الله عنه: وأما أنَّ إبليس هل هو من الجن أو هو من
الملائكة ففي ذلك قولان:
أحدهما: أنَّه من الملائكة من صنفِ يقال لهم الجن.
والثاني: أنَّه من الجنّ الذي هو خلاف الإنس وهو أبوهم، كما أنَّ آدم أبو الإنس، وهذا القول هو الصحيحُ وأدلته في كتب التفسير كـ"تفسير ابن كثير"
وغيره.
كيفية مجيء الذرية الشيطانية وطريقة تناسلها س ٤٥ - وسئل رضي الله عنه : المعروف أن إبليس طرد من رحمة الله بدون
زوجة فمن أين أتت هذه الذرية الشيطانية وما هي طريقة تناسلها؟ ج ٤٥ - فأجاب رضي الله عنه: لم يرد نص صحيح في أنَّ إبليس كان ساعة الطرد بدون زوجة أو ذرية بل الظاهر أنه كان له ذرية قبل خلق آدم بدليل قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَلٍ مِّنْ حَمَإٍ مَسْنُونِ (1) وَالْجَانَ خَلَقْتَهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السموم [الحجر: ٢٦ - ٢٧] فهذه الآية تفيد أنَّ الجنَّ كانوا موجودين قبل آدم. وقد ورد في الآثار أنهم كانوا سكان الأرض فلما عتوا وطغوا وأفسدوا بعث الله عليهم ملائكة طردوهم إلى الجبال والجزر وانضم إبليس منهم مع الملائكة بعبادة الله حتى وقع منه ما وقع.
وأما طريقة تناسلهم فلم يأتِ في بيانها حديث صحيح يعتمد عليه،
ΕΛ
فتاوى وأجوبة
والظاهر أنها كطريقة تناسل الآدميين بدليل أنَّ أناسا تزوجوا بجنيَّات، وكان
بعض التابعين يقول: «اللهم ارزقني بجنية أتزوج بها».
وكون أصلهم من نار لا يمنع أن تكون أجسامهم مثلنا كما أنَّ الإنسان مخلوق من طين لكن تركيبه الحالي لا يشاهد عليه شيء من التراب أو الطين.
مكان سكن الشياطين وكيفية موتهم
س ٤٦ - وسئل رضي الله عنه: هل تسكن الشياطين على وجه الأرض وهل تموت مثل الإنسان؟
ج ٦ ٤ - فأجاب رضي الله عنه: تسكن الشياطين على وجه الأرض، وتأوي إلى الأماكن الموبوءة بالنجاسات وما يشابهها، وتموت مثل الإنسان لكن منهم
منظرون لا يموتون إلا عند قيام الساعة.
جني؟
هل يجب الغسل على الإنسية إذا وطئها جني؟
س ٤٧ - وسئل رضي الله عنه: هل يجب الغسل على الإنسية إذا وطئها
ج ٤٧ - فأجاب
فأجاب رضي الله عنه: وأما قولك: إذا وجدنا إنسيَّة تزوجت بجني ويطوها وتنال منه ما تنال من الإنسي من اللذة فهل يجب عليها الغسل أم لا؟ فجوابه: أنَّ بعض الفقهاء الحنابلة ولعله أبو الوفاء بن عقيل فيما أظنُّ
قال: «لا يجب عليها الغُسْلُ» وعلل ذلك بعلَّةٍ فيها نظر. والصواب الذي لا يجوز أن يُفتى بغيره: وجوبُ الغُسل، لأنَّ الشَّارِعَ أوجب الغسل بإيلاج الحشفة أو إنزال المني فإذا وجدا أو أحدهما وجبَ
علم الكلام
٤٩
الغُسل، سواء كان ذلك من إنسيَّين أو جنيَّين أو إنسي وجنيَّة أو العكس، ومن ادعى تفرقة بين هذه الصور فقد أتى بما لا يستطيع أن يُقيم عليه دليلًا أو يلج
الجَمَلُ في سَمِّ الْخِيَاطِ .
الأرواح بعد الموت هل هي حرة أو مقيدة؟
س ٤٨ - وسئل رضي الله عنه: هل الأرواح بعد مفارقتها للأجساد تعتبر حرة أم هي مقيدة سجينة؟ وما حكم علم استحضار الأرواح بعد أن أتى علماء هذا الفن من الغربيين بالأدلة والبراهين لإثبات ذلك؟
ج ٤٨ - فأجاب رضي الله عنه: الروح بعد مفارقة البدن إما أن تكون طائعةً أو لا، فالأولى تذهب إلى البرزخ ويُؤذن لها في زيارة قبرها أحيانًا وتكون طليقة. والثانية تُحبس على صخرة في باب جهنّم فتتألم بنظرها إلى النَّارِ مع علمها
بأنها ستصير إليها، وقد يُؤذَن لها في الاتصال بغيرها في بعض الأحيان. ولكن سواء أكانت الروح طليقةً أم حبيسة فلا يستطيع أحد من الأحياء استحضارها؛ لأنها في مكان ليس من عالم الدنيا بل من عالم البرزخ، ولا يهتدي أحد من الأحياء إلى معرفة ذلك المكان، ولو فرض وعرفه - وهذا محال - فلا
يعرف كيف الطريق إلى استحضار الروح المراد استحضارها. وعلم تحضير الأرواح الذي كتب فيه الغربيون المؤلفات الكثيرة وبنوه على تجارب قاموا بها في بلادهم باطل لا أصل له وإن اغتر به كثير من إخواننا الشرقيين. وقد حضرت بنفسي بعض المجالس فتيقنت أنه حديث خُرافة، وأنه لا ينبني على أساس من العلم الصحيح ولا يهولنك اجتماع الغربيين على
٥٠
فتاوى وأجوبة
الاعتراف بهذا العلم؛ فإن اجتماعهم لا قيمة له في مسألة تتصل بالدين كهذه المسألة، ومن شرط الإجماع الذي هو حُجَّةٌ عند معظم المسلمين أن يكون
المجمعون عُدُولًا ،مسلمين، فلا قيمة لإجماع غيرهم ولو ملأوا الأرض. والغربيون إنما يُرجع إليهم فيما أتقنوه من الماديات كهذه المخترعات الحديثة، أما الروحيات والدينيات فلا دخل لهم فيها، وإن تكلموا فيها فتطفل منهم، وكل فنّ يُرجع فيه إلى أربابه.
وإن أردت تعليلا معقولا لتحضير الأرواح على فرض صحته فاعلم أنَّ كل إنسان مِنا معه قرينه من الجنّ كما ثبت في القرآن والحديث الصحيح، فإذا
مات إنسان انضم قرينه إلى جند إبليس للإغواء والإضلال، والجن كما تعلم أُعطوا قدرة التّشَكُل في صور مختلفة، فهذا الذي يحضر بسبب الوسيط ما هو إِلَّا جنّي قرين للميت يزعم أنه الميت ويخبر بأشياء يعرفها عن الميت روح بحكم مصاحبته طول حياته، فيظن الحاضرون أنها روح الميت حضرت وتكلمت، وما هي في الواقع إلا جنِّي حضر وكذب عليهم وأضلهم كما هو
شأنه مع بني الإنسان. هذا ما نراه تعليلا لتحضير الأرواح يتمشى مع العلم والدين، وما سوى
ذلك لا عبرة به ولا التفات إليه، والله أعلم.
سؤال القبر وكيفيته
س ٤٩ - وسُئل رضي الله عنه : ما حكم سؤال القبر وما كيفيته ؟ ج ٤٩ - فأجاب رضي الله عنه: سؤال القبر ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث كثيرة بلغت نحو سبعين حديثا، ولهذا اتفق أهل السُّنَّة
이
علم الكلام على إثباته والقول به وأنكره المعتزلة لجهلهم بالسُّنَّة كما أنكروا الصراط
والميزان والشفاعة وغيرها من الأمور التي تثبت بالسنة المتواترة، وحكموا في
إنكارها عقولهم جاهلين بما ورد فيها.
والسؤال ينحصر في ثلاثة أمورٍ، هي: مَن رَبُّك؟ وما دينك؟ وما تقول في
هذا الرجل الذي بعث فيكم؟
فالموفّق يجيب بما يوافق الحقِّ، والكافر ومن في معناه يقول في الثلاثة: لا أدري. فيجيبه الملكان منكر ونكير لا دريت ولا تليت، قد كنا نعلم إن كنت لكافرا، ثُمَّ يضرب بمقمعة من حديد خلف أذنه ثُمَّ يُفتح له باب من الجنَّة فيقال له: هذا مكانك لو آمنت، أما إذ كفرت فانظر ما أبدلك الله به، ويُفتح له باب إلى جهنم، ويقال له: هذا مقعدك حين يبعثك الله، ويُضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه.
أما المؤمن فبعد أن يجيب إجابةً موفّقةً يقول له الملكان منكر ونكير: قد علمنا إن كنت لمؤمنًا، ثُمَّ يفتح له باب إلى جهنم فيقال: انظر إلى مكانك لو كفرت أما إذ آمنت فانظر ما أبدلك الله به، ويُفتح له باب إلى الجنَّة ويوسع عليه قبره مد البصر ، ثُمَّ يقول له الملكان نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلَّا أحب أهله إليه.
فهذا معنى كون القبر حُفْرةً مِن حُفَر النَّارِ أو روضةً من رياض الجنة. وهذه الأشياء التي تقع للميت حقيقية يحس بها ويشعر ويفرح ويتألم
ولكن لا نحس نحن بها لأنها في عالم غير العالم الذي نعيش فيه.
أما الحساب الذي يكون في الموقف يوم القيامة فهو أن يسأل الإنسان عما
٥٢
فتاوى وأجوبة
عمل من وقت بلوغه إلى وقت موته من طاعات ومعاص.
فسؤال القبر يختلف عن الحساب في الموقف، إذ سؤال القبر خاص بأصول
الإيمان فهو بمثابة جواز السفر. أما السؤال في الموقف فهو حساب دقيق عما
فعله الإنسان طول حياته، والله أعلم.
الصراط وأدلة وجوده
س ٥٠ - وسئل رضي الله عنه: بعض من ينتسب إلى العلم يقول ليس في
يوم القيامة صراط؛ لأن القرآن لم يذكره، فما هي أدلة إثبات الصراط ؟ ج ٥٠ - فأجاب رضي الله عنه: الأحاديث المثبتة للصراط ثابتة في الصحيحين وبقية الكتب الستة بل هي متواترة كما قال القاضي عياض في "الشفاء" والحافظ السيوطي في "الأزهار المتناثرة" وشيخنا السيد محمد بن جعفر الكتاني في كتاب "نظم المتناثر" وغيرهم، ولهذا أدرجه أهل السنة في جملة العقائد التي يجب على المؤمن اعتقادها فلا تجد كتابًا من كتب التوحيد على مذهب أهل السُّنَّة إلا وتجد فيه وجوب اعتقاد الصراط، وأنه جسر على جهنم يمر عليه الناس إلى الجنَّة فناج مُسَلَّمٌ وتخدوش مُكرِّدَس، على هذا أجمع أهل السنة عملا بالحديث المتواتر كما قدمنا.
وأنكره المعتزلة لجهلهم بالحديث، كما أنكروا غير ذلك من المعتقدات الثابتة
بالسُّنَّة مثل: الحوض والشفاعة والميزان ونحو ذلك.
والمعتزلة طائفة ضالة؛ لأنهم أنكروا عقائد ثبتت بالأحاديث، وتمسكوا بأنَّ القرآن لم يذكرها، فكان هذا سبب ضلالهم عند أهل السنة؛ لأن القرآن ترك أشياء
علم الكلام
۵۳
كثيرة لم يذكرها؛ ليبينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في سُنَّته. والله يقول في كتابه مخاطبا نبيه: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: ٤٤]، ويقول مخاطبًا لنا : وَمَا الَنَكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) [الحشر: ٧].
فمن لم يقبل ما أخبر به رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم من أمور الآخرة وأحوالها وأهوالها فقد خالف الله ورسوله؛ لأنه لم يقبل بيان رسول الله ولم يمثل قول الله: وَمَا الَنَكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا . وهذا هو
الضلال، وقانا الله ذلك بمنه وكرمه، والله أعلم.
شهادة أعضاء الإنسان
س ٥١ - وسئل أيضًا رضي الله عنه : عن شخص نقل له عضو من الرجل
أو اليد أو اللسان علام تشهد هذه الأعضاء للأول أم للثاني؟
-012
فأجاب رضي
الله عنه: بأنها تشهد للجسم الذي خلقت معه أما
الثاني فإنها مستعارة له فقط.
حكم الأطفال في الجنَّة
س ٥٢ - وسُئل رضي الله عنه : عن الصبيان والصغار جدا ماذا حكمهم في
الجنة يوم القيامة؟
ج ٥٢ - فأجاب رضي الله عنه: أنهم يبقون على حالتهم التي ماتوا عليها صغارًا، ولكن الذي يموت بعد البلوغ سواء مات هرما أو متوسطا يكون سن الجميع ثلاثا وثلاثين سنة، هكذا أفتى الشيخ عبدالله أيضًا بأنَّ الصغار يكونون
٥٤
فتاوى وأجوبة
في الجنة صغارًا على الحالة التي ماتوا عليها .
هل يقرأ أهل الجنة القرآن؟
س ٥٣ - وسئل رضي الله عنه: هل يقرأ أهل الجنة القرآن؟
ج ٥٣ - فأجاب رضي الله عنه: جاء في حديث ضعيف لفظه: «كل قرآن يُوضَعُ عن أهلِ الجنَّةِ فلا يَقرؤون منه شيئًا إلا طه ويس فإنهم يقرؤون بهما في
الجنة».
رواه ابن مردويه عن أمامة والثعلبي عن الحسن مرسلا، وكلاهما ضعيف، ولا عبادة في الجنة، لكن جاء في حديث صحيح: «أنَّ أهل الجنة يُلْهَمُون التسبيح والتكبير كما نلهم النفس هنا». وليس هذا بعبادة، بل تلذذ بتنزيه الله وتعظيمه، ويتذاكر أهل الجنة ما كان بينهم في الدنيا من مسائل علمية وغيرها، وهناك ينكشف لهم ما غمض عليهم في الدنيا، كحقيقة الروح وسر
القضاء والقدر.
القول بفناء النار
س ٥٤ - وسئل رضي الله عنه : عن الأسباب التي جعلت ابن تيمية وابن القيم يقولان بفناء النار.
ج ٥٤ - فأجاب رضي الله عنه: شدَّ ابن القيم وشيخه وخرجا عن الإجماع بقولهما بفناء النار مع من فيها من الكفار، ووجّه ابن القيم ذاك بأن النار تظهر غضب الله، والغضب صفة فعل، فلذلك تفنى، والجنة تظهر رحمة، والرحمة صفة ذاتية، فلذلك لا تفنى. ولكن النصوص تردُّ ذلك وتقطع بأبدية النار
والجنة.
علم الكلام
الإمام المهدي المنتظر والمسيح الدجال
٥٥
س ٥٥ - وسُئل رضي الله عنه: أنكر أحد الناس ظهور المسيح الدجال والمهدي وقال لا أُصَدِّق إلَّا بآية من القرآن أرجو توضيح هذا الموضوع. ج ٥٥ - فأجاب رضي الله عنه: روى أبو داوود وغيره عن المقدام بن معدي كَرِبَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «لا أعرفن - وفي رواية: لا الفين - أحدكم مُتكِنًا على أريكته يأتيه الأمر مما أمرتُ به أو نهيتُ عنه فيقول: لا ندري ما وَجَدْنا في كتابِ الله اتَّبَعْناهُ زاد في رواية أخرى: «ألا وإنِّي أُوتِيتُ القرآنَ ومِثْلَهُ مَعَهُ». صدق رسول الله .
فهذا الحديث ينطبق تمام الانطباق على جماعة المبتدعة، زعموا ألا يعملوا ولا يعتقدوا إلا ما جاء في القرآن وكأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى: وَمَا الكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾ [الحشر: ٧]، وقوله تعالى: وأنزلنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: ٤٤]، وقوله تعالى: من يطع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: ٨٠].
وقد ظهر قرن هذه الفئة في عهد الصحابة، إذ ظهر جماعةٌ في ذلك الوقت ينكرون أشياء وردت في السُّنَّة ولم ترد في القرآن، فكان ممن ردَّ عليهم عمران بن حصين الصحابي الجليل إذ قال لأحد هؤلاء المبتدعة: أخبرني عن عدد ركعات الصلاة في القرآن، وعن تحديد أوقاتها، وعن تحديد مقادير الزكاة وبيان الأنواع التي تزكى، فكأنما ألقم ذلك المبتدع حجرًا وهداه الله فتاب.
فالنغمة التي تسمعها اليوم من الاقتصار على القرآن ورد الحديث؛ فتنة
٥٦
فتاوى وأجوبة
قديمة كما بينا، إلَّا أنها كثرت اليوم لضعف الدين وكثرة المارقين. وبعد؛ فحديث المسيح الدَّجَّال تواتر عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم
من طرق تجاوزت ثلاثين صحابيا، وهي مخرجة في الصحاح كـ"البخاري"
السنة
و"مسلم" و"ابن خزيمة" و"ابن حِبَّان" و"الحاكم"، بل في جميع كتب ا على اختلاف أنواعها. بل هذه الصلاة التي تصليها كل يوم خمس مرات أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تقول فيها بعد التشهد الأخير وقبل السلام: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنّمَ، ومن عذاب القَبْرِ ، ومِن فِتْنَةِ المَحْيا والممات، ومِن فِتْنَةِ المسيح الدَّجَّالِ».
بل ذهب ابن حزم إلى أن ذكر هذا الدعاء في الصلاة فرض لازم من تركه بطلت صلاته، قال: «لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أمر به وواظب
عليه».
ومن نص على تواتر أحاديث الدَّجَّال من الحفاظ: الحافظ ابن كثير، وابن القيم، والحافظ ابن حجر، وغيرهم.
وكذلك حديث المهدي متواتر أيضًا؛ لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طريق ثلاثين صحابيًا بأسانيد وطرق متعدّدةٍ مُحرَّجةٍ في كتب
السنة الصحاح والسنن والجوامع والمصنفات وغيرها.
ونص على تواتره الحافظ أبو الحسين السجزي، والقرطبي صاحب التفسير، والحافظ السخاوي، وغيرهم.
وألف الإمام الشوكاني في بيان تواتر حديث المهدي والدجال ونزول
علم الكلام
OV
عيسى كتابًا خاصًا سماه "التوضيح لبيان تواتر حديث المنتظر والدجال
والمسيح" أطال فيه وأطاب وهو كتاب جيد وقد طبع بالهند.
وقد بين تواتر هذه الثلاثة أيضًا أعني حديث الدَّجال والمهدي ونزول (ملك خان القنوجي
الساعة"
وهو
عيسى - تلميذ الشوكاني وهو السيد الصديق حسن بهو بال بالهند في كتابه "الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي مطبوع في الهند أيضًا. وقال السفاريني الحنبلي في العقيدة التي نظمها على مذهب السلف ما نصه: وما أتى في النَّصُ مِن أَشْرَاطِ فكلــــه حــــق بــــلا شِطَاطِ منها الإمامُ الخَاتَمُ الفَصِيحُ محمد المهدي والمسيح وقد نصَّ على هذا في كتب العقائد المتدولة المشهورة، فالمنكر لهذا مصادم للسنة المتواترة ومُخالف للإجماع وعاصي الله ؛ لأن الله أمر بطاعة نبيه وقبول قوله، وهذا المنكر المبتدع لم يقبل قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتواتر المجمع عليه إلَّا إذا كانت معه آية تؤيده وتصرح بمضمونه، وكفى بهذا ابتداعًا في الدين. س ٥٦ - وسئل رضي الله عنه : في مقالكم ظهور المهدي حق» كلام على الدجال هل هو الذي يظهر آخر الزمان ويكون أتباعه أهل الطبول والملاهي والزمور، يعني المزامير ؟ وهل هو الذي له جنَّةٌ ونار، فالذي يُطيعه يُدخِله جنَّته، والذي يعصيه يُدخله ناره، ويأمر السماء أن تُمطر فتمطر ؟
ج ٥٦ - فأجاب رضي الله عنه: إِنَّ الدَّجَّال المذكور في مقالنا «ظهور المهدي حق هو الدَّجَّال الذي يظهر آخر الزمان على الوصف المذكور في السؤال، إلَّا
۵۸
فتاوى وأجوبة
أن أتباعه أهل الطبول والملاهي لم يرد في الحديث، وإنما ورد أن أتباعه اليهود ومَن يرتدُّ مِن هذه الأمَّة افتتانًا به والعياذ بالله تعالى، ولا يفهمنَّ السائل من
هذا أن آلة الملاهي حلال، كلا، بل حرام بنص الحديث الوارد في الصحيح. س ٥٧ - وسئل رضي الله عنه: هل المهدي له وزراء أم هو قائم بالدعوة وحده؟ وهل هو من ملوك الفواطم أم من غيرهم؟
ج ٥٧ - فأجاب رضي الله عنه: إنَّ المهدي له وزراء وغيرهم مما هو ضروري للقيام بمصالح الأمة وأعباء الخلافة، وفي بعض الآثار التي أوردناها إشارة إلى ذلك. وأما هل هو من ملوك الفواطم فالجواب: أنه ليس بملك بل
هو خليفة، وليس من الفواطم بل من غيرهم.
س ٥٨ - وسُئل رضي الله عنه: ما قولكم -دام فضلكم- في شخص ادَّعى المهدية؟ هل وقع في محذور؟ وهل إذا ادعى شخص أنه المهدي المنتظر واجتمعت
فيه شروط المهدي الصحيحة وأنكر عليه مسلم ذلك، يقع المنكر في محذور؟
ج ٥٨ - فأجاب رضي مضى بدلائل حاول المهوِّشون وسماسرة التبشير أن ينقضوها فلم يستطيعوا ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا.
الله عنه: ظهور المهدي حق لازم، وقد أثبتناه فيما
ولكن مع هذا مَن ادَّعى المهدوية في وقتنا هذا أو قبله فهو كاذب آثمٌ مُضَلَّل، فلا تثق بأحد يقول إنه المهدي المنتظر مهما رأيت عليه من سيما الصلاح والعبادة؛ وذلك أنَّ المهدي لا يُخبر عن نَفْسِهِ أحدًا ولا يعرض نَفْسَهُ على النَّاسِ كما فعله أولئك الدجالون الذين ادعوا المهدوية، ولكن المهدي يُبايع بين الركن والمقامِ بإكراه، بل لا يقبل البيعة حتى يُهدّده المبايعون له كما ورد في الحديث. ثُمَّ بعد
علم الكلام
۵۹
انعقاد البيعة يخرج على أنه خليفةٌ يُقيم العدل ويُبطِل الظُّلْمَ ويُقاتِل بمَن أطاعه مَن عصاه، في أوصافٍ أخر جعلها الشارع علامة عليه، وبغيرها لا يكون المهدي. فأما الرجل يرى في نَفْسِهِ صلاحًا ورايا ويرى في غيره فسادًا وغيَّا فيهيَّأ له أنه المهدي الذي يُصلح ما فسد مِن أخلاق الناس، ويقوم من اعوجاجهم، وتختمر الفكرة في رأسه فيجهر بها ويذيعها، فكل هذا أضغاث أحلام وضروب من الأوهام، وأجدر بصحابها أن يُحوّل على مستشفى الأمراض العقلية إن لم يكن غرضه التضليل والإيهام.
ومن هنا ظهر لك عدم صحة السؤال الثاني؛ لأن المهدي كما قلنا لا يدعي المهدوية ولا يُخبر عن نفسه.
نعم، منكر ظهور المهدي فاسقٌ كما نصَّ على مثله في كتب العقائد، وبالله
التوفيق.
كرامات الأولياء
س ٥٩ - وسئل رضي الله عنه : كيف تؤثر كرامة الولي في الشفاء من المرض
وكيف يؤثر حسد الحاسد في إصابة المحسود بدون واسطة؟
ج ٥٩ - فأجاب رضي الله عنه: تأثير كرامة الولي بالشفاء كتأثير معجزة النبي، وذلك أنَّ الشخص المتصل بالله إذا توجّه إلى الله في شيء أجاب الله طلبه في الحال كما في حديث البخاري: ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه، ويكون لمس الولي للمريض بيده سببًا عاديا يخلق الله عقبه الشفاء من غير أن يكون للولي في ذلك تأثير أصلا، وإنما هو من إظهار فضل الله على عبده المخلص، ولهذا يقول ابن عطاء الله في "الحكم": «إذا أراد الله إظهار فضله
7.
فتاوى وأجوبة
عليك خلق ونسب إليك».
كذلك جعل الله نظر الحاسد إلى المحسود سببًا عاديا يخلق الله عقبه ضررًا في الشخص المحسود ولو شاء ما خلقه.
وبعض العلماء يقول: إنَّ الحاسد إذا نظر ينفصل من عينه شعاع بسيط كالذرة يتصل بالمحسود فيحصل الضرر ، ولكن هذا لم يقم عليه دليل شرعي. س ٦٠ - وسئل رضي الله عنه عن إشاعة وجود أجساد بعض العلماء عند نقلهم من قبورهم سليمة؟ ج ٦٠ - فأجاب رضي ا الله عنه: أهل مصر يتساهلون في الكرامات، فقد باطلة، فقد فقد ألف شاع بينهم حكاية طيران نعش الميت وهي بـ الشيخ الشعراني رسالة في بيان بطلانها لأنها ظهرت في زمانه. وأخبرني صديق بمصر أنهم لما حفروا قبر سعد زغلول لينقلوه، وجدوه بضعة عظام نخرة لكنهم أشاعوا أنهم وجدوا جسمه صحيحًا. وقال محمود بسيوني إنه رأى جسمه صحيحًا بعينيه ولمسه بيده. ولما حضرت جنازة شيخنا المرحوم الشيخ محمد بخيت وخرجنا به من الأزهر بعد الصلاة عليه زعم بعض الطلبة أنه رأى نعشه يطير، وأخبرتني امرأة متدينة من جماعة السيدات المسلمات أنها رأت نعش الشيخ محمد المنير الواعظ يطير، وهكذا.
٦١ - (فائدة) العقائد ثلاث: إلهيات، ونبوات، وسمعيات.
٦٢ - (قاعدة): كل من أنكر حديثًا متواترا معلوما من الدين بالضرورة فهو كافر، وإن كان حديثا صحيحًا فهو فاسق، وإن كان متواترا وغير معلوم من الدين بالضرورة فهو ضال
علم الكلام
٦١
سبب ذكر الصحابة في العقائد
س ٦٣ - وسئل رضي الله عنه، عن سبب ذكر الصحابة في العقائد.
ج ٦٣ - فأجاب
رضي
الله عنه: ذكر الصحابة في العقائد الأصل فيه
والغرض منه الرد على المبتدعة الذين طعنوا فيهم مع أنهم نقلوا لنا القرآن والسنة والسيرة والأحكام والمفاضلة بينهم ذكرت تبعا لبيان الأخذ بالأفضل عند تعارض أقوالهم. ولم يتفق أهل السُّنَّة على تقديم أبي بكر، وعمر... إلخ، بل جماعة من الصحابة فضلوا عليا على الجميع، فيهم جابر، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان، وفاطمة، وهذا رأي أخي.
أما فاطمة عليها السلام فإنَّ مالكًا فضَّلها على جميع ا الصحابة من حيث
.
هي بضعة نبوية، وهذا لا يسري على وَلَدَيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أنَّ أباهما أفضل منهما رضي الله عنهم.
حول من يضلل الأشاعرة ويكفرهم
س ٦٤ - وسُئل رضي الله عنه عمن يُضلل الأشاعرة ويراهم مبتدعة
ويكفرهم بذلك؟
ج ٦٤ - فأجاب : أمَّا الذي يُكفِّر المبتدعة ويُضلل الأشاعرة فهو الضال المضل حقيقة، وهو إن لم يكن كافرًا قريب من الكفر؛ لأنه يُضلل معظم المسلمين، فالمسلمون اليوم إما أشعرية وهم المالكية والشافعية، وإما ماتريدية
وهم الحنفية، فكيف يجرؤ من عنده دين على تضليل عامة المسلمين؟!
٢ - القرآن الكريم
وقصص الأنبياء
القرآن الكريم .
بيان كبائر الإثم ومعنى اللمم
70
س ٦٥ - سُئل رضي الله عنه: ما هي كبائر الإثم، وما هو اللمم، وذلك من
قوله تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَّرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَ ﴾ [النجم: ٣٢]؟ ج ٦٥ - فأجاب رضي الله عنه : كَبَّرَ الإِثْمِ : هي المعاصي التي يعظم إثمها ويشتد ضررها وتنبئ عن قلة دين صاحبها، وهي كثيرة، منها: القتل، والزنا، وشرب الخمر والرّبا، وترك الصلاة، وشهادة الزور، والقمار... إلخ، وقد أوصل بعض العلماء الكبائر إلى سبعين كبيرة.
والكبيرة لا تكفّر باستغفار ولا بعمل صالح وإنما يُكفّرها الحد الشرعي أو التوبة الصادقة، وتُسمَّى الكبائر مُقحِمات؛ لأنها تُقحِمُ مرتكبها إلى النَّار، وكما
تُسمى الموبقات لأنها توبقه في النار أيضا ما لم يتب.
أما
اللهم فهي الذنوب الصغائر التي لا حد فيها ولا تُنبئ عن قِلَّة دين
صاحبها كسرقة لقمة، أو التطفيف بتمرة - أي نقصها من الميزان أو النظر إلى أجنبية، أو لمسها باليد ونحو ذلك، فهذه الصغائر تسمى «لما» تُكفر بالتوبة أو بعمل صالح يقع بعدها، كصدقة أو صلاة أو باجتناب الكبائر كما قال تعالى: إن تَجْتَنِبُوا كَبَابِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ [النساء: ٣١]، أي الصغائر، والله أعلم.
فتاوى وأجوبة
معنى قوله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
س ٦٦ - وسئل رضي الله عنه: نرجو تفسير قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: ۷۲].
ج ٦٦- فأجاب رضي الله عنه: قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ أي ﴿ التكاليف الشرعية جميعها :وقيل: المراد بالأمانة الصلاة، وقيل: الغسل من الجنابة، وقيل: الأمانة المعروفة وهي أن يضع شخص عندك شيئًا أمانة تحفظه له، والصحيح الأول لأنه يشمل جميع ما ذكر.
على السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ بأن خلق فيها فهما ونطقا فابين أي امتنعن أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾ أي خفن من حمل الأمانة، ويجوز أن يكون إباؤهن كناية عن عدم استعدادهنَّ الحمل الأمانة بخلقتهنَّ التي خلقهنَّ الله عليها وَحَمَلَهَا الإِنسَنُ آدم أو المراد النوع الإنساني من حيث هو بعد عرضها عليه إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا لنفسه بما حمله من الأمانة جَهُولا بما يلزمه
عند تفريطها من المؤاخذة والمسئولية.
معنى الحروف المذكورة في أوائل بعض سور القرآن
س ٦٧ - وسُئل رضي الله عنه: أرجو التكرم بإفادتي عما يأتي الم أول (سورة البقرة) وأوائل سورة مريم)، و (ص) ، و (ق)، ما معنى هذه الحروف وأغلب المفسرين يقولون: الله أعلم بمراده في ذلك؟
القرآن الكريم .
٦٧
ج ٦٧ - فأجاب رضي الله عنه : الأحرف المذكورة في أوائل السور اختلف
فيها على أقوال:
منها: قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: الله في كل كتاب من كُتُبِهِ سِر،
وسره في القرآن أوائل السور»، وهو قول الشعبي أيضًا.
ومنها: قول روي عن ابن عباس، وهو أنَّ هذه الحروف أقسام أقسم الله بها على صدق ما بعدها من الكلام.
ومنها: أنَّ الله أراد أن يظهر الإعجاز على يد نبيه حيث يأتي بهذه الحروف التي هي مُسمَّى الحرف مع أنه أُمِّي، وهذا شيء لا يعلمه إلَّا الذين تعلموا
القراءة والكتابة.
ومنها: قول ذكره الزمخشري في "الكشاف"، والبيضاوي في "التفسير" وغيرهما، وهو الإشارة إلى أنَّ القرآن مؤلَّفٌ من حروف ينطقون بها وتجري على ألسنتهم في تخاطبهم، ومع ذلك لا يستطيعون الإتيان بمثله، وهذا أبلغ ما يكون في الإعجاز.
ومنها قول روي عن ابن عباس أيضًا، وهو أنَّ هذه الحروف مقتطعةٌ من كلمات فلفظ الم مقتطع من «أنا الله أعلم ، أو «من الله أرسل جبريل إلى محمد». و كهيعص) مقتطعة من كاف هاد عدل -أو عليم- صادق»، وهكذا في سائر الحروف، وهذا قول ضعيف.
ومنها: قول جماعة من العلماء أنها أسماء للسور فيقال: (سورة ألم) و (سورة ص) مثلا.
٦٨
فتاوى وأجوبة
ومنها: قول آخر ذكره بعض العلماء أيضًا، وهو أنَّ الكفار لما قالوا لبعضهم وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: ٢٦] أنزل الله هذه الحروف المقطعة ليلفت نظرهم إلى سماع القرآن؛ لأن الإنسان من طبعه إذا سمع شيئًا غريبًا عن مألوف عادته أصغى له واهتم به، وبذلك يحصل استماعهم للقرآن باهتمام منهم، هذا ما يتسع له المقام الآن، والله أعلم.
هل في القرآن مبالغة؟
س ٦٨ - وسُئل رضي الله عنه: هل في القرآن مبالغة؟
ج ٦٨- فأجاب رضي الله عنه: الله عنه بأن القرآن لا توجد فيه المبالغة، وما يقولون في قوله تعالى: مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكَ كَرِيمُ [يوسف: ٣١] فأجاب بأن هذا فيه حكاية عن قول النساء وليس من كلام رب العالمين، وما يقولون:
وَإِنِّي لَغَفَّارُ ﴾ [طه: ۸۲] فالمراد بتلك الصيغة الكثرة لا المبالغة.
حكم قرآة الفاتحة لقضاء الحوائج ، وإهدائها للنبي الهلال س ٦٩ - وسئل رضي الله عنه : عن أسباب التماس كثير من الناس قضاء مصالحهم بقراءة الفاتحة، وعن جواز إهدائها للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم. ج ٦٩ - فأجاب رضي الله عنه : ودليل قراءة الفاتحة قول عطاء بن أبي رباح التابعي: «مَن كانت له حاجة يريد قضاءها فليقرأ الفاتحة». ثُمَّ افتتاح القرآن بها يدل على استحباب تقديمها في الأمور المهمة اقتداء بصنيع القرآن العظيم. لكن في إهدائها للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قولان
القرآن الكريم .
٦٩
للعلماء حكاهما ابن القيم: منهم من قال: يجوز إهداؤها، ومنهم من منع، وعِلَّة المنع بأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يصله ثواب أعمال أُمَّته تلقائيا سواء
أهدوه أم لا، فإهداء الفاتحة إليه لا معنى له.
قراءة القرآن بأجر
س ۷۰ وسئل رضي الله عنه : قراءة القرآن بأجر في المناسبات والليالي
وعلى القبور حلال أم حرام ؟
ج ۷۰- فأجاب رضي الصحابة مرُّوا بحي من أحياء العرب فلم يُضيفوهم، فلُدِغَ سيد الحي فأتوا إلى الصحابة وقالوا: هل فيكم من راقٍ فإنَّ سيّدنا قد لدغ؟ فقال أبو سعيد الخدري: لو ضيفتمونا لرقيناه ولكن لا أذهب إلا على أجر. فاتفق معهم على قطيع من
الله عنه: ثبت في "الصحيحين" أن جماعة من
الغنم - أي نحو ثلاثين خروفًا - فذهب فرقاه بفاتحة الكتاب ثُمَّ ساق القطيع. فقال أصحابه: أخذت على كتاب الله أجرًا؟! فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال لأبي سعيد: من أنبأك أنَّها رُقيه؟ خذوها واضربوا لي معكم بسهم».
وفي روايـة أخــرى في "الصحيحين": «إِنَّ أحـق مـا أَخَذْتُمْ عـليـه أجرًا
كتاب الله».
فمن هذا الحديث الصحيح يُستفاد أنَّ أخذ الأجره على القرآن جائزة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أقر الصحابة على أخذ الغنم مقابل الرقية بفاتحة الكتاب وأخذ نصيبه معهم، وعمَّم الحكم فقال: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عليه أجرًا
۷۰
فتاوى وأجوبة
كتاب «الله» وهذا أقوى ما يكون في إفادة العموم.
وأما حديث: «اقرءوا القرآنَ ولا تَجْفُوا عنه، ولا تغلو فيه، ولا تأكلوا به فهو حديث ضعيفٌ في إسناده انقطاع، وعلى فرض صحته فالحديث الذي ذكرناه أصح وأقوى؛ لأنه ثبت في "الصحيحين"، وهذا الحديث في "مسند أحمد"، والمسند لا يختص بالصحيح بل فيه الضعيف كما هو معلوم.
أهل الأعراف
س ۷۱- وسُئل رضي الله عنه: هل أصحاب الأعراف هم الذين توازنت حسناتهم وسيئاتهم؟ وما حكم البكم والهبل والأطفال الذين لا يعرفون شيئًا
هل يستحقون جنة أم نارًا يوم القيامة أو لا؟
ج ۷۱ - فأجاب رضي الله عنه: قال الله تعالى: وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالُ يَعْرِفُونَ كُلَّا بسِيمَنهُم وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَمُ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴾ [الأعراف: ٤٦]. وورد في الحديث أنَّ الأعراف هو سور الجنَّة عليه رجال استوت حسناتهم وسيئاتهم يعرِفُونَ كُلا من أهل الجنة وأهل النار بسِيمَنهُم أي بعلامتهم، وهي بياض وجوه المؤمنين وسواد وجوه الكافرين، وَنَادَوْا ﴾ أي نادى أصحاب الأعراف أصحاب الجنة قائلين لهم سَلَام عَلَيْكُمْ ، قال الله تعالى :
لَمْ يَدْخُلُوهَا أي الجنة وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴾ في دخولها .
قال الحسن البصري: الميطمعهم إلا الكرامة يريدها بهم».
وروى الحاكم في "المستدرك " عن حذيفة قال: «بينما هم كذلك إذ اطلع
القرآن الكريم .
عليهم ربك فقال : قوموا ادخلوا الجنة فقد غفرت لكم».
۷۱
أما البكم والصم والمجانين ففيهم خلافٌ، وقد ورد في الحديث الذي رواه البزار وغيره أنهم يحتجون عند الله يوم القيامة بأعذارهم، وأنهم لو سلموا من الأعذار والآفات لما سبقهم غيرهم إلى الإسلام، فيمتحنهم الله هناك بأن يخرج لهم عنقا من النار ثُمَّ يأمرهم بالاقتحام فيه فمن سبقت له السعادة اقتحم العنق فيكون عليه بردًا وسلامًا ويدخل الجنَّة، ومَن سبق عليه الشقاء يحجم عن
الاقتحام فيقول الله له: إياي عصيت فكيف برسلي؟!»، ويدخل النار. وأما أطفال المسلمين الذين يموتون دون البلوغ فهم ملحقون بآبائهم كما قال تعالى: وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَنِ الْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّنَهُمْ وَمَا أَلَيْتَهُم مِنْ
عَمَلِيهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ أَمْرِي بِمَا كَسَبَ رَهِينُ ﴾ [الطور : ٢١].
وأما أطفال الكافرين الذين يموتون دون البلوغ ففيهم خلاف، قيل مع آبائهم وقيل يكونون على الأعراف وهو سور الجنة كما قدمنا، والصحيح أنهم يدخلون الجنة ويكونون خَدَما لأهلها.
قراءة القرآن بلحون العرب
س ۷۲ - وسئل رضي الله عنه: كيف تكون قراءة القرآن بلحون العرب
دون لحون أهل الفسق ؟
ج ۷۲- فأجاب رضي
الله عنه: قراءة القرآن بلحون العرب قراءته بمد
وتنغيم وتحسين الصوت، ولحون أهل الفسق هو تلحينه على قواعد الغناء كما هو حاصل الآن، وبعض المغنيين عندكم لحن (سورة الرحمن) على العود،
۷۲
فتاوى وأجوبة
وبالطبع قراءة القرآن بهذه اللحون الفاجرة لا يتعظون به ولا ينتفعون بقراءته؛
لأنه لا يدخل قلوبهم، وهمهم إجادة النغم لا غير.
سبب نزول آية التحريم
س ۷۳- وسئل رضي الله عنه : وما هو سبب نزول آية التحريم؟ ج ۷۳- فأجاب رضي الله عنه: سبب نزول آية التحريم كما في "صحيح البخاري" عن عائشة أنَّ حفصة لما قالت للنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ ، إِنِّي أَجِدُ مِنكَ رِيحَ مَغَافِيرَ. قال: «لا، ولكني كنتُ أشربُ عَسَلًا عند زينب بنتِ جَحْشٍ، فلن أعُودَ له، وقد حَلَفْتُ، لا تُخْبِرِي بذلك أَحَدًا». وصح أيضًا عن عمر قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم لحفصة: «لا
تُخبري أحدًا أَنَّ أُمَّ إبراهيم عليَّ حرام».
فالآية نزلت بسبب تحريم العسل وتحريم مارية، وقد حلف النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم كما أخبر عن نفسه، ولم يصدق حفصة في أنه أكل مغافير، وإنما حرم العسل كراهة أن يوجد منه إن أكله رائحة كريهة، والخبرة بأنواع الطعوم والنباتات والمأكولات صفة النَّهِم الأكول، وهي صفة ذمّ، وفي الأمثال الشائعة: «مَن كانت همته في بطنه فقيمته ما يخرج منها». والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مُنزَّه عن ذلك، فلا يعيبه ألا يفرق بين ،
طعوم الأكل.
(۱) «مغافیر»: جمع مغفور ، وهو شيءٌ يَنْضَحُهُ شجرُ العُرْفُط، حُلْوٌ وَلَهُ رِيحٌ كريهة منكَرةٌ .
وانظر: النهاية لابن الأثير (٣٧٤/٣).
القرآن الكريم .
معنى تشبيه الله تعالى المنافقين بقوله: ﴿كَأَنَّهُمْ حُشُبُ مُّسَنَدَةٌ
۷۳
س ٧٤ - وسئل رضي الله عنه: ما معنى تشبيه الله تعالى المنافقين بقوله:
كَانَهُمْ خُشُبُ مُّسَنَدَهُ ﴾ [المنافقون: ٤]؟
ج ٧٤- فأجاب
الله عنه: قول الله تعالى: ﴿ كَأَنَّهُم خُشُرٌ مُسَنَدَهُ رضي [المنافقون: ٤] معنى هذا التشبيه أنَّ الخشب إما أن يكون في شجرة تثمر، وإما أن يكون في سقف أو باب أو منبر أو كرسي أو نحو ذلك مما ينتفع به، فإن لم يكن
فيه نفع أسند إلى الحائط بعضه إلى بعض. والمؤمنون ينفع بعضهم بعضًا بالدعاء والاجتماع في الصلاة وغيرها والتعاون على الخير، والمنافقون لا نفع فيهم، فشبههم الله بِخُشُبٍ مُسندة خالية من المنفعة، فهم أشباح بلا أرواح، وإذا أسلم أحدهم صار مؤمناً نافعا ولم يبق خشبا مسندة.
وتشبيه المنافقين بخشب مسندة يحمل معاني كثيرة منها: أن المنافقين لا ينتفعون بحضور الجماعة والجمعة وغيرهما من مواسم الخير التي لا يحركهم
لحضورها إلَّا خوف افتضاح كفرهم، فهم كخشب مسندة لا فائدة فيها. أو أنَّ المنافقين موتى بكفرهم، والإيمان حياة، فشبهوا في استنادهم في مجلس النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بالخشب المسندة؛ لأن أجسامهم خالية من الإيمان والخير. أو أنَّ الخشب كانت في الأصل أغصانا طرية تصلح لأشياء ينتفع بها، فلما كبرت غلظت ويبست فسندت إلى الحائط، وكذلك المنافقون ولدوا على
٧٤
فتاوى وأجوبة
الفطرة، فلما كفروا خرجوا عن الصلاحية للإسلام ومنافعه، فصاروا كخشب
مسندة.
أو أنَّ الخشب المسندة حطب يصلح للنار، والمنافقون كذلك حطب للنار القيامة، أو أنَّ الخشب المسندة إلى الحائط أحد طرفها إلى جهة وطرفها يوم الآخر إلى جهة أخرى، وكذلك المنافقون أحد طرفيهم وهو الباطن إلى جهة
الكفر، وطرفهم الآخر وهو الظاهر إلى جهة الإسلام.
حكم تفسير القرآن بالرأي
س ٧٥ - وسئل رضي الله عنه: ما قولكم في أحد الفقهاء عندنا بالمغرب فسر القرآن برأيه وقال في قوله جل ذكره وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ [الفرقان: ۲۷] الآية، هو الفقير -المريد - مع شيخه هل معه الصواب في هذا التفسير أم لا؟ فعجلوا لنا بكشف الغطاء عن هذه الآية جعلكم الله رحمة لهذه الأمة. ج ٧٥- . فأجاب رضي الله عنه: لا خلاف بين العلماء فيما أعلم أن تفسير القرآن كلا أو بعضًا ولو أقصر آية - بالرأي والهوى من غير معرفة بقواعد
التفسير وعلومه حرام، وأزيد على ذلك أنه كبيرة توجب لصاحبها دخول النَّارِ إلا أن يتوب هو أو يعفو الله عنه.
والدليل على ما قلنا ما رواه الترمذي في "جامعه" قال: حدثنا محمود بن غيلان نا بشر بن السري : نا سفيان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن
ابن عباس قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قال في القرآنِ بغير
Vo
القرآن الكريم . عِلْمٍ فَلَيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». قال الترمذي: «هذا حديثٌ حسن صحيح». وقال أيضًا: حدثنا سفيان بن وكيع نا سويد بن عمر، والكلبي: نا أبو عوانة: عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «اتقوا الحديث عَنِّي إِلَّا مَا عَلِمْتُمْ، فَمَن كَذَبَ عليَّ مُتعَمِّدًا فليتبوأ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ ، ومَن قال في القرآنِ برأيه فليتبوأ مَقْعَدَهُ . النَّارِ». قال الترمذي: «هذا حديث حسن».
من
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار : ثنا يحيى بن سعيد: ثنا سفيان - هو الثوري - حدثني عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «مَن قال في القرآنِ برأيه أو بما لا يَعْلَمُ فليتبوأ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ». وقال عبد الرزاق نا الثوري ، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس به مرفوعا. ففي الحديث وعيد شديدٌ على القول في القرآن بالرأي من غير علم، لمثل هذا الوعيد أجمع العلماء على أنَّ الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كبيرة، حتى بالغ أبو محمد الجويني فأكفر مُرتكبه. فإن أعل أحد الحديث بما رواه ابن جرير، عن محمد بن حميد، عن الحكم بن
بشير، عن عمرو بن قيس الملاثي، عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن ابن عباس
به موقوفا.
ورواه أيضًا عن محمد بن حميد، عن جرير، عن ليث، عن بكر، عن سعيد،
عن ابن عباس موقوفًا.
٧٦
فتاوى وأجوبة
قلنا: ليس هذا بعِلَّةٍ توجب ردَّ الحديث؛ لأن الروايات إذا اختلفت بالرفع والوقف فالعمل على الأول، إلَّا إن ترجح الثاني بدليل من الدلائل المقررة في المصطلح وهي مفقودةٌ هنا، ولئن سلَّمنا وجودها ورجحنا الوقف على الرفع فذلك من حيث الصناعة الإسنادية فقط، وأما من حيث المعنى فالحديث في حكم المرفوع جزما؛ لأنه مما لا مجال فيه للاجتهاد ولا يمكن أخذه عن الإسرائليات.
وقد كان أكابر السلف يُشدّدون في التفسير من غير علم، ويبتعدون عنه كل الابتعاد، كما قال أبو عبيد : ثنا محمد بن يزيد، عن العوام بن حوشب، عن
إبراهيم التيمي : أنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه سُئل عن قوله تعالى: وَفَكِهَةٌ وَأَنا [عبس: ۳۱) فقال: «أيُّ سماءٍ تُظِلُّني وأي أرض تُقِلُّني إذا أنا قلتُ في كتاب الله مالا أعلم؟!». وقال شعبة: عن سليمان، عن عبد الله بن مرَّة، عن أبي معمر، عن أبي بكرٍ رضي الله عنه قال: «أَيُّ أرض تُقِلُّني وأيُّ سماءٍ تُظلُّني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟!». وقال أبو عبيد : ثنا يزيد: ثنا حميد، عن أنس: أنَّ عمر رضي الله عنه قرأ على المنبر وَفَكِهَةً وَأَبَا ﴾ [عبس: ۳۱] فقال: «هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟». ثُمَّ رجع إلى نفسه فقال: «إنَّ هذا لهو التكلُّف يا عمر».
وقال ابن سعد: ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: كنا عند عمر رضي الله عنه وفي ظهر قميصه أربع رقاع فقرأ:
القرآن الكريم .
وَفَكَهَةً وأبا فقال : فما الأب؟ ثُمَّ قال: هو التكلف.
VV
وقال ابن جرير : ثنا يعقوب بن إبراهيم: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة: أنَّ ابن عباس سُئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.
وقال أبو عبيد : ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة قال : سأل رجل ابن عباس عن يَوْمِ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [السجدة: ٥] فقال له ابن عباس : فما يَوْمِ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج: ٤] فقال له الرجل: إنما سألتك لتحدّثني . فقال ابن عباس: «هما يومان ذكرهما الله في كتابه، الله أعلم بهما». فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم.
وروى مالك، عن يحيي بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: أنه كان إذا سُئل
عن تفسير آية من القرآن قال: «إنا لا نقول في القرآن شيئًا». وروى الليث بن سعد، عن يحيي بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب: أنه كان
لا يتكلم إلَّا في المعلوم من القرآن.
وروى شعبة، عن عمرو بن مرة قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن فقال: «لا تسألني عن القرآن وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شئ يعني عكرمة.
وقال ابن شوذب عن يزيد بن أبي يزيد قال: «كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحرام والحلال وكان أعلم الناس فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع».
۷۸
فتاوى وأجوبة
وقال ابن جرير: ثني أحمد بن عبدة الضبي : ثنا حماد بن زيد: ثنا عبيد الله بن عمر قال: لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم
سالم بن عبدالله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع. وقال أبو عبيد : ثنا عبد الله بن صالح، عن ليث - هو ابن سعد، عن هشام بن عروة قال: «ما سمعت أبي يؤول آيةً من القرآن قط».
وروى أيوب، وابن عون وهشام الدَّسْتُوائي، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة بفتح العين - وهو السلماني - عن آية من القرآن فقال: «ذهب الذين كانوا
يُعلمون فيمَ أنزل القرآن فاتق الله وعليك بالسداد».
.
وخرج أبو عبيد : ثنا معاذ، عن ابن عون، عن عبدالله بن مسلم بن يسار،
عن أبيه قال: «إذا حدثت عن الله حديثا فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده». وقال أيضا: ثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم - هو النَّخَعِيُّ - قال: «كان
أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه».
وروي
أيضًا عن هشيم: عن عمرو بن أبي زائدة، عن الشعبي، عن مسروق قال: «اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله تعالى. فهذه الآثار - وكلها صحيحة - تدل دلالة واضحةً على ما كان عليه الصحابة والتابعون من تحرجهم عن القول في القرآن بغير علم، واعتقادهم أنه ذنب كبير. وكيف لا يكون كذلك وهو اجتراء على الله وتقول عليه، إذ تأويل الآية على معنى من المعاني حكم من المؤول بأن ذلك المعنى هو ما أراده الله وقصده. ومن يجترئ على هذا ممن يخاف الآخرة ويرجو رحمة ربه ؟! ولذا كان النبي صلى الله
القرآن الكريم .
۷۹
عليه وآله وسلم لا يُفسر شيئًا من القرآن برأيه.
كما جاء في "مسند البزار" من طريق حفص - قال البزار: أظنه ابن
عبدالله - عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم لا يُفسّر شيئًا من القرآن برأيه، إِلَّا آياتٍ بعددٍ عَلَّمَهُ إياهنَّ
جبريل.
وروى أبو يعلى فقال: عن فلان بن محمد بن خالد، عن هشام، عن أبيه،
عن عائشة به.
فإذا كان حال النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وأصحابه والتابعين من التأدب . مع القرآن ما ذكرناه، فما لنا نرى الأدعياء في هذا العصر يُفسرونه
بمقتضى آرائهم وأهوائهم غير متقيدين بما قرره أئمة التفسير وأعلامه؟! بل بلغت بهم الوقاحة إلى حد أن رموهم بالجمود والتقصير وعدم الفهم،
لم يزعهم وازع من دين ولا حياء، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وبعد؛ فما قاله ذلك الفقيه من أنَّ المراد بتلك الآية هو المريد مع شيخه خطأ محض ليس له من الصحة نصيب، وبيان ذلك يتوقف على أمرين:
۱ - بيان سبب نزول الآية:
أخرج ابن مَرْدُويَه في "التفسير" وأبو نعيم في "الدلائل" بإسناد صحيح من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان أبو مُعَيطٍ يجلس مع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بمكة لا يؤذيه، وكان رجلا حليما وكان بقية قريش
إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب بالشام فقالت قريش: صباً
۸۰
فتاوى وأجوبة
أبو مُعَيط . وقدم خليله من الشام ليلا فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد مما كان أمرًا. فقال: ما فعل خليلي أبو معيط ؟ فقالت: صباً . فبات بليلة سوء فلما أصبح أتاه أبو مُعَيط فحيَّاه فلم يرد عليه التحية فقال: مالك لا ترد على تحيتي ؟ فقال : كيف أرد عليك وقد صبوت؟ قال: أو قد فعلتها قريش؟ قال: نعم. قال : فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟ قال: تأتيه في مجلسه وتبرق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلمه من الشتم، ففعل. فلم يزد النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أن مسح وجهه من البزاق ثُمَّ التفت إليه فقال :
إن وجدتُك خارجًا مِن جبالِ مكَّة أضرب عُنُقَكَ صَبْرًا».
فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج، فقال له أصحابه: اخرج معنا. قال: قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجًا من جبال مكة أن يضرب عنقي صَبرًا. فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت عليه. فخرج معهم فلما هزم الله المشركين وَحَلَ به جمله في جددٍ من الأرض فأخذه رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أسيرًا في سبعين من قريش وقدم إليه أبو
معيط فقال : تقتلني بين هؤلاء؟! قال: «نعم، بما بَزَقْتَ في وَجْهِي».
فأنزل الله في أبي مُعَيطٍ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا ( يَوَيْلَقَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذَ فَلَانَّا خَلِيلًا ( لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَ فِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَنِ خُذُولا ﴾ [الفرقان: ۲۷ - ۲۹] .
وخرج أبو نعيم من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال:
!
كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر إلَّا صنع طعاما فدعا إليه أهل مكة
۸۱
القرآن الكريم . كلهم، وكان يكثر مجالسة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم ويُعْجِبُه حديثه، وغلب عليه الشقاء فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعامًا ثُمَّ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فقال: «ما أنا بالذي أكل من طعامِكَ حتّى تَشْهَد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله». فقال: اطعم يا ابن أخي. قال: «ما أنا
بالذي أفعل حتى تقول...» فشهد بذلك، وطعم من طعامه. فبلغ ذلك أبي بن خلف فأتاه فقال : أصبوت يا عقبة؟ وكان خليله، فقال: لا والله ما صبوت، ولكن دخل عليَّ رجل فأبى أن يَطْعَمَ مِن طعامي إِلَّا أَن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يَطْعم، فشهدت له فطَعِم. فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك حتى تأتيه فتبصق في وجهه. ففعل عقبة، فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لا ألقاك خارجًا مِن مَكَة إِلَّا عَلَوتُ رَأْسَكَ بالسَّيفِ»، فأُسِر عقبة يوم بدر فقُتل صَبْرًا، ولم يُقتل من الأسارى
يومئذ غيره. وخرج ابن جرير قال: حدثني محمد بن عمرو: ثنا أبو عاصم: ثنا عيسى. وحدثني الحرث : ثنا الحسن: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ [الفرقان: ۲۷] قال: عقبة ابن أبي معيط دعا مجلسا فيهم النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على الطعام فأبي النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أن يأكل وقال: «لا أكل حتَّى تَشْهَدَ أَن لا إله إِلَّا الله وأَنَّ محمَّدًا رسول الله». فقال: ما أنت بآكل حتَّى أشهد؟ قال: «نعم». قال: أشهد أن لا إله إِلَّا الله وأَنَّ محمَّدًا رسول الله . فلقيه أبي بن خلف فقال: صبوت؟! فقال: إنَّ أخاك على ما تعلم ولكني
۸۲
فتاوى وأجوبة
صنعت طعاما فأبى أن يأكل حتى أقول ذلك فقلت، وليس من نفسي. والروايات في سبب نزول الآية كثيرة متضاربة ذكر الحافظ السيوطي في "الدر المنثور" منها جملة وافرةً، ولكن المعتمد منها هو ما تضمنته هذه الرواية والتي قبلها مِن أنَّ الآية نزلت في عقبة بن أبي مُعَيْطٍ وأُيِّ بن خلف إذ هو الذي تؤيده الدلائل
فمعنى الآية على هذا هكذا وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ عقبة بن أبي معيط، والعضُّ كناية عن التندم والتحسر ، يَقُولُ يَلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سبيلا أي طريقا إلى النجاة من النار وهو الإيمان يونلى كلمة تحشر، ليتني كلمة تمنِّي لَمْ أَتَّخِذْ فَلَانًا أبي بن خلف خَلِيلًا، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ } أي: القرآن بَعْدَ إِذْ جَاءَ نِي .
ومعنى الآية على سبيل الإجمال: أنَّ عقبة بن أبي معيط حينما يشاهد العذاب ويتيقن أن لا مناص له منه يتحسّر على ما فرط منه من الإشراك بالله ويتمنى أن لو كان اتخذ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا طريقا يُنجيه مما هو أمامه من العذاب، وهذا الطريق هو الإيمان بالله ورسوله، ويكرر التحسر على ذلك متمنيا أن لو لم يتخذ أبيًا خليلا، إذ هو الذي أضله عن القرآن
وحرمه بسبب ذلك من كل خير. هذا ما تفيده الآية تفصيلا وإجمالا. فإن قال قائل: إنَّ العام إذا ورد على سبب خاص بقي على عمومه كما صححه ابن برهان والآمدي، والإمام الرازي، وابن الحاجب، والبيضاوي، فنزول الآية في عقبة بن أبي معيط لا يقتضي تخصيصها به بل يبقى لفظ الظالم
القرآن الكريم .
فيها متناولا لكل ظالم.
۸۳
ويؤيد هذا ما ذكره علماء التفسير عند الكلام على هذه الآية: قال ابن كثير ما نصه: قوله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ الآية
يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم، وما جاء به من عند الله من الحق المبين الذي لا مرية فيه، وسلك طريقا أخرى غير طريق الرسول فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم، وعضّ على يديه حسرةً وأسفًا، وسواء كان سبب نزولها في عقبة ابن أبي معيط أو غيره من الأشيقاء فإنها عامَّةٌ في كل ظالم كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تُقَلَبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ﴾
[الأحزاب: ٦٦] الآيتين. فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، ويعض على يديه قائلا: ياليتني اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُول سَبِيلًا ) يَوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ [الفرقان: ۲۷ – ۲۸] يعني من صرفه عن الهدى وعدل به إلى طريق الضلال من دعاة الضلالة وسواء في ذلك أمية بن خلف أو أخوه أبي بن خلف أو غيرهما» . اهـ
ونحوه في "البيضاوي" و"النسفي" وجها. قلنا: ما ذكر مبني على أن لفظ الظالم عام ونحن نمنع ذلك؛ لأنه مفرد محلى بأل، والمفرد المحلَّى ليس بعام على ما صححه الرازي في "المحصول"، والفاضل تاج الدين الأرموي في "الحاصل" واختارا أنه للجنس الصادق بالواحد كماء وعسل، وقد صدق لفظ الظالم هنا على عقبة بن أبي معيط فلا يَصْدُق على غيره.
٨٤
. فتاوى وأجوبة
سلمنا أنه عام، لكن عموم المفرد المحلّى مُقيَّد بما إذا لم تكن «ال» عهدية ففي "جمع الجوامع " و "شرحه " ما مؤداه: «والمفرد المحلى باللام مثل المضاف في أنه للعموم مالم يتحقق عهد» .اهـ
أي فإن تحقق عهد فلا عموم، وال في «الظالم» للعهد كما وضح من سبب
نزول الآية، فلا يتأتى تعميمه.
وهذا جواب جدلي، وأمَّا الجواب التحقيقي وهو الأمر الثاني فملخصه: أنَّ المفرد المحلَّى إما أن تكون «ال» فيه استغراقية أو عهدية (1) وهو على كليهما عام وهو مذهب أكثر العلماء غير أن مدلوله يختلف بحسب المعنيين فهو على الاستغراقية يعم جميع الأفراد لا فرق بين فرد وآخر نحو: إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا } [العصر: ٢ - ٣] فلولا الاستثناء لكان المؤمنون داخلين في الإنسان المحكوم عليه بالخسران كما دخل غيرهم، بخلافه على العهدية فإنه يكون عاماً في أفراد المعهود بصفته المعهودة لا يتعداه إلى غيره كما صرح به الإسنوي في شرح المنهاج ، وعبارته: «الحال الثاني أن يكون عمومه مستفادًا من اللغة لكن بقرينة وتلك القرينة قد تكون في الإثبات وهي ال والإضافة الداخلان على الجمع المنكر كالعبيد وعبيدي وعلى المفرد كقوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِنَى ﴾ [الإسراء: ۳۲] ، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾
[النور: ٦٣] إن كانت «ال) عهدية فإن تعميمها لأفراد المعهودين خاصة». اهـ
(۱) أنواع ال غير منحصرة في هذين القسمين كما يعلم من "المغني" و"المطول" وإنما اقتصرنا عليهما لأن بحثنا هذا لا يعدوهما.
القرآن الكريم
۸۵
و «ال» في الظالم عهدية كما نبهنا عليه فيما سبق، والمعهود مشرك فيكون لفظ الظالم عاماً في المشركين خاصَّةً، ولا يصح أن يتناول فردًا من أفراد المسلمين. فتأويل الآية على المريد مع شيخه كتأويلها على بعض الصحابة، قال النيسابوري في "تفسيره" بعد أن ذكر أنَّ الآية نزلت في عقبة وأبي كما ذكرنا، ما نصه: (وفي رويات الشيعة أنَّ الظالم هو رجل بعينه، وأنَّ المسلمين غيروا اسمه وكتموه وجعلوا فلانًا بدلا من اسمه، وذكروا فاضلين من الصحابة».اهـ فهذا التأويل وذلك سيَّان في التلاعب بالقرآن وحمل آياته على غير محاملها
الصحيحة المطابقة للقواعد الأصولية وأسباب النزول.
ومن
الدليل على بطلان هذين التأويلين أنَّ السبيل الذي يتمناه الظالم يوم القيامة هو الإيمان بالله ورسوله، وهذا القدر حاصل لكل مسلم فكيف يتمنى ما هو حاصل له ؟!
وهذا الوجه وحده كان كافيًا لذلك الفقيه في الرجوع عن تأويله إن لم يعرف تلك الوجوه التي أوضحناها.
وليت شعري ما الذي أوقعه في ذلك التأويل الخاطئ الآثم؟! أصح عـ أن شيخا أمر مريده بالكفر والعصيان؟! لئن صح عنده هذا فالذي نعرفه عن الطريق الصحيحة خلافه، لقد خبرنا عدة طرق من طرق الصوفية الحقيقية فما رأينا فيها شيئًا يخالف قواعد الشرع إلا مسائل اختلفت فيها آراء العلماء كالسماع والرقص وبعض أنواع من الذكر فبعضهم حرمها، وبعضهم أباحها، وبعضهم رأى أن الأولى اجتنابها.
فتاوى وأجوبة
فعلى فرض تحريمها لا ينبغي أن نوسع من يرتكبها شتما وسبا ونحمل عليه آيات الوعيد الواردة في الكفَّار والمشركين، كما فعل ذلك الفقيه في الآية المذكورة حيث حملها على المريد مع شيخه.
لا ينبغي ذلك؛ لأنَّ العلماء نصوا على أنه لا يُنكر ويبالغ في إنكاره إلَّا ما
أجمع على أنه منكر حرام وما سواه فالأمر فيه واسع.
على أن التلطُّف في إنكار المنكر مطلوب مطلقا، وفي الحديث: «إذا أمر
أحدكم بالمعروف فليكن أمره ذلك بالمعروف» (۱).
نعم، نحن لا ننكر أنَّ في شيوخ الطرق أدعياء دخلاء اتخذوا الطريق وسيلة إلى تحصيل أغراضهم وشهواتهم فباعوا آخرتهم بدنياهم، لكن ليس من الإنصاف في شيء أن نجري حكمهم على غيرهم ونجعله كلية عامة شاملة لكل شيخ وكل طريق، ونصيحتي لذلك الفقيه وأمثاله من مفسري عصرنا أن ينتهوا عن تفسير القرآن بآرائهم، وإلا فليتبوأوا مقاعدهم من النار، عافانا الله
منها بمنه.
حكم التغنّي بقراءة القرآن
س ٧٦ - وسُئل رضي الله عنه: عن حكم الشرع في التغني بقراءة القرآن ؟ ج ٧٦ - فأجاب رضي ا الله عنه : التغنّي بالقرآن جائز إذا لم يؤد إلى الإخلال
بقواعد التلاوة وإلا فهو حرام.
(1) أخرجه البيهقي في "الشعب" من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.اهـ
كاتبه.
القرآن الكريم .
سبب نزول آية طلب الصدقة عند المناجاة
AY
س ۷۷ وسئل رضي الله عنه : ما سبب نزول آية طلب الصدقة عند
مناجاة الرسول عليه الصلاة والسلام، وكذلك (سورة الكوثر)؟
ج ۷۷- فأجاب رضي الله عنه : وأما آية المناجاة فسبب نزولها أنَّ المسلمين أكثروا سؤال النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حتى شَقُوا عليه، فأوجب الله الصدقة عند مناجاته، وكان هذا الوجوب عند الله مؤقتا قصد به التخفيف عن
نبيه. وكان عند علي دينار فصرفه عشرة دراهم وناجي بها عشر مرات. وخاف المسلمون أن يستمر وجوب الصدقة، كاستمرار وجوب الزكاة فلا يستطيعون السؤال عما يهمهم، فنزل قول الله: وَأَشْفَقْتُكُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَى نَجْوَنَكُمْ
صَدَقَت [المجادلة: ۱۳] إذا استمرَّ وجوب الصدقة عند المناجاة فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا لم تناجوا حيث لم تجدوا صدقة الفقركم وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُم رجع بكم إلى التخفيف ورفع عنكم وجوب الصدقة فَأَقِيمُوا الصَّلَوَةَ وَاتُوا الزَّكَوَةَ أَي
استمروا على إقامتها ولا تتراخوا فيها كما تراخيتم في صدقة المناجاة.
وهذا كقوله تعالى: يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [النساء: ١٣٦] أي استمروا على الإيمان بهما، وقوله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: ١١٢] أي استمر على الاستقامة.
ونسخ الآية بعد عمل بعض الناس بها جائز في علم الأصول، وليس في ذلك تعليل للآية؛ لأن المقصود حصل وهو التخفيف عن الرسول، فلم
يعودوا إلى كثرة السؤال.
ΑΛ
فتاوى وأجوبة
أما (سورة الكوثر) ففي صحيح مسلم عن أنس قال: «بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: «لقد أنزلت علي آنها سورة الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَأَغْخَرُ
فقرأ: بسم
إن شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر : ١-٣]».
وهذا يقتضي
أنها مدنيةً، وهو قول الحسن وعكرمة وقتادة وهو الذي
أرجحه ومعنى الله فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر : فصل لربك وانحر له، أي: اجعل نحرك الله تقربا إليه، بخلاف المشركين الذين ينحرون لآلهتهم تقربا إليها، فليس الأمر لإيجاد النحر بالفعل، بل أن يكون النحر حين يوجد خالصا الله كالصلاة، والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أهدى في حَجَّه مائة بدنة، نحر ثلاثا وستين منها بيده وناب عنه علي في نحر بقيتها. شانك مفرد مضاف، يعم كل شانئ بمكة كالعاص بن وائل، وأبي جهل، وأبي لهب، وعقبة بن أبي معيط، وبالمدينة ككعب بن الأشرف والمنافقين، ثُمَّ نزول الآية بعد هلاك أهل مكة يكون إخبارًا عن بترهم حقيقة حيث هلكوا وانبتر ذكرهم.
أهمية المناسبة بين الآيات والسور
س ۷۸ - وسُئل رضي الله عنه عن أهمية المناسبة بين الآيات والسور؟ ج ۷۸ - فأجاب رضي الله عنه : لا يمكن فهم القرآن الكريم فهما صحيحًا إلا بالمناسبة بين الآيات ويعجبني كتاب البقاعي وأحرص عليه وأتمنى أن يوفقني الله لعمل تفسير بالمناسبة بين الآيات والسور.
القرآن الكريم .
الإعجاز العددي لرقم (۱۹) في القرآن
۸۹
س ۷۹- وسئل رضي الله عنه عن الإعجاز العددي لرقم (۱۹) في القرآن. ج ۷۹ - فأجاب رضي الله عنه: الإعجاز العددي في القرآن دسيسة بهائية لأنَّ عدد ۱۹ له اعتبار كبير في الدين الجديد للبهائية المرتدين، وهم يحبون أن ينتزعوا من القرآن ما يؤيد دعواهم.
من القائل: إِنَّهُ مِن سُلَيْمَنَ ؟
س ۸۰- وسئل رضي الله عنه: وسأل فضيلته عن قول الله تعالى: إِنَّهُ مِن
سُلَيْمَنَ ﴾ [النمل: ٣٠] هل هو من كلام سيدنا سليمان؟
ج ۸۰- فأجاب رضي الله عنه : جملة إِنَّهُ مِن سُلَيْمَنَ ﴾ [النمل: ٣٠] من
كلام ملكة سبأ، لا من كلام سليمان.
معنى قوله: ﴿ أَلَا تَعْلُوا عَلَى
س ۸۱ - وسئل رضي الله عنه: وما معنى قوله: أَلا تَعْلُوا عَلَى ﴾ [النمل:
(۳) هل يدل على العظمة؟
رضي
ج ۸۱- فأجاب . يشير إلى عظمة، وإنما يطلب منهم ألا يتعاظموا عليه كما يفعل الملوك، ومن حق أي شخص عادل أن يرفض تعاظم غيره عليه، فكيف بسليمان الذي جمع
الله عنه: وقوله: ﴿أَلَا تَعْلُوا عَلَى [النمل: ٣١] لا
بين عظمة الدين بالرسالة، وعظمة الدنيا بالملك ؟!
على أنَّ التعاظم على الكفار محمود غير مذموم؛ لأنهم ليسوا أهلا للتواضع
۹۰
فتاوى وأجوبة
معهم، وقول موسى: وَأَن لَّا تَعْلُوا عَلَى اللهِ ﴾ [الدخان: ١٩] هو بمعنى كلام سليمان؛ لأنَّ العلو على الله إنما يكون بالعلو على رسوله، واختلف الأسلوبان بحسب المقامين موسى خاطب فرعون الذي يدعي الإلوهية، فذكره بالعلي الأعلى، وسليمان خاطب مَلِكَة وقومها بما جرت به عادة الملوك في مخاطبة بعضهم لبعض، فلا تعارض والحمد لله.
تفسير قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ
س ۸۲- وسُئل رضي الله عنه: عن قول الله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ
آل عمران: ۱۲۸] هل يفيد ما ثبت في سبب نزولها؟
ج ۸۲- فأجاب رضي الله عنه: وقوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ﴾ [آل عمران: ۱۲۸ ] يفيد ما ثبت في سبب نزول الآية(1). أما نصرة الله للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فتفيده آيات أخرى مثل: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: ٦٧ وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ ﴾ [الأنفال: ٦٢]، ﴿إِنَّا كَفَيْنَكَ الْمُسْتَهْزِينَ ﴾ [الحجر: ٩٥].
(1) عن أنسي والله أن رسول الله الله وكسرت رباعيَّتُهُ يومَ أُحُدٍ وشُجَّ فِي رَأْسِهِ وجعل يسيل الدم عنه ويقول: «كيف يُفْلِحُ قومٌ شَجُوا نبيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَّتُهُ وهو يَدعُوهُمْ إلى رَبِّهِمْ فأنزل الله عزَّ وجلَّ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْء ﴾ [آل عمران: ۱۲۸]. انظر: " أسباب النزول" للواحدي (۱۲۱/۱).
القرآن الكريم .
۹۱
ما هي موعدة إبراهيم أباه
س ۸۳- وسئل رضي الله عنه: وما هي الموعدة التي وعد إبراهيم بها أباه؟ ج ۸۳ - فأجاب رضي الله عنه: وأما قول الله تعالى: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ ﴾ [التوبة: ١١٤] يشير إلى قوله لأبيه: سَلَامُ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَان بي حفيا [مريم: ٤٧] هذه هي الموعدة وقد نفّذها بقوله: وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الصَّالِينَ ﴾ [الشعراء: ٨٦].
الضمير في قوله تعالى: ﴿وَتُسَبِّحُوهُ ﴾
س ٨٤- وسئل رضي الله عنه: هل إعادة الضمير في سورة الفتح وَتُسَبِّحُوهُ } [الفتح: 9] على النبي ؟
:
ج ٨٤ - فأجاب رضي الله عنه: يمنع من عود الضمير في وَتُسَبِّحُوهُ ﴾ [الفتح: ٩] على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أنَّ التسبيح خاص بالله تعالى، وقد
جاءت هذه المادة في القرآن مصدرًا نحو: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ
[الإسراء: 1] وماضيا نحو: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ } [الحديد: ١] ومضارعا نحو : ويُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [الجمعة: ١] وأمرًا نحو: وسيع أسْمَ رَبِّكَ الأعلى ﴾ [الأعلى: ١] للدلالة على اختصاصها بالله، ولأن التوحيد نصفان:
نصف تنزيه عن النقص وهو التسبيح، ونصف إثبات الكمال لله وهو الحمد.
۹۲
فتاوى وأجوبة
عودة الضمير في قوله تعالى: فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ
س ٨٥ - وسُئل رضي الله عنه: هل الضمير في قول الله تعالى: فَأَنزَلَ اللهُ
سكِينَتَهُ عَلَيْهِ ﴾ [التوبة : ٤٠] يعود على النبي أم على أبي بكر؟ ج ٨٥ - فأجاب رضي الله عنه : والضمير في قول الله تعالى: فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَليه ﴾ [التوبة: ٤٠] يعود على الرسول، وقال ابن عباس وحبيب بن أبي ثابت: الضمير يعود على أبي بكر». والأول المشهور كما قال
ابن كثير.
ولا مانع أن يُنزل الله على رسوله سكينةً خاصة بذلك المقام، أو المراد فأدام الله إنزال سكينته عليه مجازا مرسلًا، وهذا نظير قوله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ
[هود: ۱۱۲] أي دم على الاستقامة؛ لأنه مستقيم.
معنى قول الله تعالى: وَاللَّهُ غَالِبُ عَلَى أَمْرِهِ
س ٨٦ - وسئل رضي الله عنه : عن معنى قول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أمره ﴾ [يوسف: ۲۱].
ج ٨٦ - فأجاب رضي الله عنه : يعرض للرئيس الحازم أو الملك القوي أن تتشعب عليه الأمور، وتصعب مسالكها فيغلب على أمره ويعجز عن علاج مشاكله، فنفى الله تعالى هذه الحالة عن نفسه بقوله: وَاللَّهُ غَالِبُ عَلَى أَمْرِهِ ﴾ [يوسف: ٢١] أي أنه تعالى لا يعرض له أمرٌ يَعجز عن حَلَّه كما يحصل للبشر، بل
الأمور كلها صعبها وسهلها مملوكة له، مرهونة بإشارة «كُن».
القرآن الكريم .
۹۳
علة التعبير بفاسق في قوله: ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَا فَتَبَيَّنُوا ﴾ س ۸۷- وسُئل رضي الله عنه: ما العِلَّة في وصف الله تعالى للصحابي الذي
ذهب لجمع الزكاة بلقب فاسق ولم يعبر بكلمة رسول أو مخير؟
ج ۸۷- فأجاب رضي الله عنه: التعبير بفاسق في قوله: إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَا
فتبينوا ﴾ [الحجرات: ٦] دون رسول أو مخبر سببه أمران:
1- الحكم بفسق ناقل الخبر الكذب كما ثبت في سبب نزول الآية. ٢- ترتيب التبين والتثبت على خبر ،الفاسق وأنه لا يُقبل حتى يثبت ومن هنا اشترط الفقهاء في الشاهد أن يكون عدلًا، وكذلك اشترط
صدقه،
أهل الحديث في الراوي أن يكون عَدْلًا ضَابِطا.
عنى لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ
س ۸۸- وسئل رضي الله عنه: ما معنى لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ﴾ [آل
عمران: ۱۲۸]؟
ج ۸۸- فأجاب رضي الله عنه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَى ﴾ [آل عمران: شَيْءٌ ۱۲۸] هذه الآية تُحدد اختصاص النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وتُبيَّن مُهمَّته، فهو لا يملك تعذيب الكفَّار، ولا يملك تخفيف العذاب عنهم، وإنها مهمته التبليغ والإنذار، وكان صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يدعو عليهم؛ لأنهم كسروا رباعيته ومَثَلوا بعمه حمزة، فقيل له هذا، وهو يشير إلى أنَّ الله يتولى الانتقام من أعدائه من غير أن يدعو عليهم، ولهذا جاء عنه عليه الصلاة
٩٤
فتاوى وأجوبة
والسلام : «اللهم واقيةً كواقية الوليد». والوليد لا يملك شيئًا، والذي يتولى
وقايته والده.
إثم إهانة حملة القرآن
س ۸۹ - وسئل رضي الله عنه: رجلٌ حَلَفَ أن يضرب قارئًا للقرآن بالحذاء
الخلافات بينهما فساعده بعض الناس في تنفيذ يمينه لإنهاء الخلاف بينهما فهل يجوز منهم ذلك؟
ج ۸۹- فأجاب رضي ا الله عنه : ضَرْبُ قارئ القرآن «بالجزمة» على رأسه كبيرة، والذين ساعدوه على تنفيذ يمينه ،آئمون بل كان يجب عليه أن يُكَفِّر عن يمينه ولا يعصي الله بضرب مسلم على رأسه بالنَّعْل وهذا هو المقرر في كتب الفقه الإسلامي، ولكن الجهل يؤدي إلى أقبح من هذا.
قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
س ۹۰ - وسئل رضي الله عنه : جرت العادة بأن تتلى (سورة الكهف) يوم
الجمعة في المساجد فما السر في ذلك؟
ج ۹۰ - فأجاب رضي الله عنه : السِّرُّ في قراءة (سورة الكهف) يوم الجمعة ما ورد في الحديث : أنَّ الإنسان إذا قرأ سورة الكهف)، وفي رواية أخرى عشر
آيات من أولها يوم الجمعة عُصِمَ مِن فتنة الدَّجال. أخرجه مسلم عن أبى
الدرداء.
وأخرج النسائي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن قرأ سورةَ الكَهْفِ في يومِ الجُمُعَةِ أضاءَ له مِن النور ما بين
القرآن الكريم .
۹۵
الجمعتين»، فلهذا أختير قراءتها يوم الجمعة.
أما كون قراءتها سِرًا أو جهرًا فليس بذي أهمية في الموضوع؛ لأنه إذا ثبت
الأصل فأمر الكيفية سهل، لذلك ينبغي لكل شخص أن يقرأ هذه السورة يوم
الجمعة وليلتها للفضل الوارد فيها، والله أعلم.
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ
س ۹۱ - وسُئل رضي الله عنه: لماذا سأل النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم الأنصار عن الطهارة التي يفعلونها عند نزول قول الله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: ٢٢٢]؟
ج ۹۱ - فأجاب رضي الله عنه: حديث السؤال عن الطهارة حين نزل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة: ۲۲۲] حديث صحيح لا شك في صحته، وسؤال الأنصار عن الطهارة لا للجهل بها، بل لأجل أن يعلم غيرهم هذه الطهارة التي مدحها الله فيفعلونها، فهو سؤال تعليم، كما يسأل الله ملائكته الذين يقفون على مجالس الذكر فيقول لهم: «كيف تَرَكْتُم
عبادي؟» يسألهم ليريهم فضل الذكر وثوابه وهو العالم بالخفيات. س ۹۲ - وسُئل رضي ! الله عنه: هل قول أصحاب الجنَّةَ: عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا
خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبَّنَا عَبُونَ ﴾ [القلم: ٣٢] يعتبر توبة؟
ج ۹۲ - فأجاب رضي ! الله عنه: قول أصحاب الجنة : العَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِ لَنَا خَيْرًا منها إنا إلى ربنا رَاغِبُونَ ﴾ [القلم: ۳۲] توبةٌ وندم ، قال ابن مسعود: «بلغني أنَّ القوم
97
فتاوى وأجوبة
أخلصوا وعلم الله منهم الصدق، فأبدلهم الله بها جنَّة يقال لها الحيوان». وقول الله تعالى: كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾ [القلم: ۳۳] معناه كفعلنا . بهم نفعل بمن تعدى حدودنا وخالف أمرنا، وهو تهديد لأهل مكة، وليس فيه ما يفيد عدم
قبول توبتهم.
معنى كلمة «الرُّوح» في القرآن الكريم
س ۹۳ - وسُئل رضي الله عنه: ما معنى كلمة «الرُّوح» في القرآن الكريم؟ ج ۹۳ - فأجاب رضي الله عنه: الروح جسم نوراني تكون به الحياة، وسُمِّي القرآن «روحا» لأن به تحيا القلوب، وكذلك سُمِّي جبريل «روحا» لأنه مكلف بالوحي الذي يُحيي القلوب، وعيسى «روح» لأنه كان يُحيي الموتى.
ونفخ الروح إجراء ريح في تجاويف جسم آخر مثل النفخ في الزمارة. وقوله تعالى: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾ [الحجر: ٢٩] معناه أجريت الحياة في جسم آدم عليه السلام، فهو كناية، لاستحالة النفخ في حق الله تعالى. وقوله: ﴿وَرُوحُ مِنْهُ ﴾ [النساء: ١٧١] أي روح من صنع
الله وتخليقه
و «من» ابتدائية أي عيسى مبتدأ من الله بغير واسطة كونه نطفة وعلقة... إلخ، ولهذا قال: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ } [آل عمران: ١٥٩ فَنَفَحْنا فيه ﴾ [التحريم: ۱۲] أي أجرينا الحياة، أو فنفخنا: أمرنا جبريل بالنفخ فيه، كما يقال: بني الأمير البيت، أي أمر ببنائه، وإضافة الروح إلى الله للتشريف مثل بيت الله وناقة الله.
القرآن الكريم .
۹۷
معنى قول الله تعالى
في حق يوسف السلام: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ
س ٩٤ - وسئل رضي الله عنه : ما معنى قول الله تعالى في حق يوسف:
وكَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ﴾ [يوسف: ٢٤] ؟
ج ٩٤ - فأجاب رضي الله عنه: قول الله تعالى: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ﴾ [يوسف: ٢٤] المراد بالسوء الخيانة؛ لأنها لما قالت له: هَيتَ لك قال: مَعَاذَ اللَّهِ ﴾ [يوسف: ۲۳] فلا أخونه، فقدم السوء لأنه بمجرد لمسها أو تقبيلها تحصل الخيانة قبل وقوع الزنا.
معنى قول الله تعالى: ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرِ فَهُوَ لَكُمْ
س ٩٥ - وسُئل رضي الله عنه: ما معنى قول الله تعالى: ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرِ فَهُوَ لَكُمْ ﴾ [سبأ: ٤٧]؟
ج ٩٥ - فأجاب رضي الله عنه: قــول الله تعالى: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرِ فَهُوَ لكُمْ ﴾ [سبأ: ٤٧] كناية عن عدم سؤاله أجرًا بدليل قوله: إِنْ أَجْرِى إِلَّا عَلَى اللَّهِ
فهو كقول القائل: إن أعطيتني شيئًا فخذه». كناية عن أنه لم يعطه شيئًا. ويحتمل أنه طلب منهم أجرًا يعود نفعه عليهم كقوله تعالى: قل ما أَسْتَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: ٥٧] واتخاذ
۹۸
فتاوى وأجوبة
السبيل ينفعهم، وقوله تعالى: قُل لا أَسْلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى
[الشورى: ۲۳] وقربى النبي قرباهم.
قراءة (سورة الأنعام) وقت تغسيل الميت
س ٩٦ - وسئل رضي الله عنه: ما قولكم في قراءة بعض الناس (سورة الأنعام) وقت تغسيل الميت؟
ج ٩٦ - فأجاب رضي الله عنه : قراءة (سورة الأنعام) وقت تغسيل الميت لم يرد فيها شيء من الأحاديث، وإنما ورد أنَّ من قرأها على عليل شفاه الله . خرجه الخطيب مسلسلًا يقول كل راو : قرأت على شيخي فأخذ علي خمسا فعقدها بيده ثُمَّ قال لي: حسبك فقلت: زدني.
قال الذهبي في "الميزان": «وهو حديث موضوع».
وورد في فضل (سورة الأنعام أحاديث غير هذا الحديث كلها ضعيفة بل فيها الموضوع وبعضها في "تفسيير "النسفي" و"البيضاوي" و"أبي السعود" و" الزمخشري" فليحذرها قارئها.
أشد آية نزلت على النبي ال
س ۹۷ - وسئل رضي الله عنه : وكتب فضيلته يسأل عن أشد آية نزلت على
النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم.
ج ۹۷ - فأجاب رضي الله عنه: أشدُّ آية على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: ۱۱۲]، قاله ابن عباس.
وروى البيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي علي السري قال: رأيت النبي
القرآن الكريم .
۹۹
صلى الله عليه وآله وسلّم - يعني في المنام فقلت: يا رسول الله روي عنك أنك قلت شيبتني هود، قال نعم قلت ما الذي شيبك منها؟ قصص الأنبياء وهلاك الأمم ؟ قال : لا ، ولكن قوله : فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: ۱۱۲].
حكم قراءة القرآن في الراديو
س ۹۸ - وسُئل رضي الله عنه: هل قراءة القرآن في الراديو حرام؟ ج ۹۸ - فأجاب رضي الله عنه : وماذا في قراءة القرآن بالراديو؟ وما الدليل على حرمتها أو حتى كراهتها؟
ما هو الأعراف
س ۹۹ - وسئل رضي الله عنه : ما هو الأعراف المذكور في القرآن الكريم؟ ج ۹۹ - فأجاب رضي الله عنه : الأعراف سور بين الجنة والنار، ليس فيه حور ولا نعيم، يوقف عليه من استوت حسناتهم وسيئاتهم، وشهداء عاقون لآبائهم، حتى يغفر الله لهم بشفاعة أو غيرها فيدخلون الجنة.
المراد من قول الله تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ
س ۱۰۰- وسئل رضي الله عنه: ما المراد من قول الله تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَى ﴾ [الأنعام: ٣٨]؟
ج ۱۰۰ - فأجاب رضي الله عنه: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيء ﴾ [الأنعام: ۳۸] المراد بالكتاب هنا اللوح المحفوظ، كما قال بذلك ابن عباس وقتادة وابن زيد وهو المتعين؛ لأن سياق الآية يفيد أنَّ الله كتب في ذلك الكتاب أجناس الأمم
۱۰۰
فتاوى وأجوبة
وأنواعها، والقرآن ليس فيه ذلك؛ ولأن ابن عباس يقول: «خَلَقَ اللهُ اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم اكتب عِلْمي في خَلْقي فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة».
وإلى هذا تشير الآية مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَبِ مِن شتى ) [الأنعام: ۳۸] وأيضا القرآن نفسه في اللوح المحفوظ، قال تعالى: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيُّ حكيم [الزخرف: ٤] بَلْ هُوَ قُرْ أَنْ تَجِيدٌ في لوح محفوظ ﴾ [البروج: ۲۱ - ۲۲] ومن اللوح المحفوظ أنزله جبريل بأمر الله ودعوى الفخر الرازي غير مسلمة (۱) بل المعهود بين المسلمين عامة هو القرآن لا الكتاب، والمعهود بين العامة في الدعاء الذي يتلونه ليلة نصف شعبان أن المحو والإثبات يكون في تلك الليلة طبقا لما في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ .
تنسيق الضمائر في آيات المعراج
س ۱۰۱ - وسُئل رضي الله عنه: كيف يتم تنسيق الضمائر في آيات المعراج من أول قول الله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْى يُوحَى ﴾ [النجم: ٤]؟
ج ١٠١ - فأجاب رضي الله عنه: قوله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْى يُوحَى ) أي: ما نطقه في الدين إلا وحي من الله يوحى إليه عَلَمَهُ شَدِيدُ القوى هو جبريل عليه
(۱) قال الإمام فخر الدين الرازي في الكلام على آية: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَى و [الأنعام: ۳۸] الألف واللام إذا دخلا على الاسم المفرد انصرف إلى المعهود السابق
والمعهود السابق من الكتاب عند المسلمين هو القرآن.
القرآن الكريم . السلام ، فاسْتَوى : أي: استقام على صورته الحقيقية له ستمائة جناح، وَهُوَ بالأفق الأعلى من جهة المشرق ثم دنا جبريل فتدلى من الأفق إلى الأرض فكان في قربه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْأَدْنَى
فَأَوْحَى جبريل إلى عَبْدِهِ ) أي : عبدالله مَا أَوْحَى } [النجم: ٤ -١٠]. لما أقسم الله على نفي الضلال والبغي عن نبيه وذكر أنه إنما يتكلم بوحي، بين صفة من يأتيه بالوحي وأنه رآه على صورته الحقيقية رؤية حقيقية لم يعزب قلبه عنها أو بصره، بحيث لا يصح أن يماروه فيها، والمشركون كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أن جبريل صاحبه، وكانوا ينكرون عليه ذلك، فأيَّد الله كلام نبيه بهذه الآيات وزاد عليها أنه رأى جبريل مرة أخرى عند سدرة المنتهى، وهذا تأكيد في التأييد، وأخبر الله أنه رآه عند حراء في قوله تعالى: وَلَقَدْ رَوَاهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ﴾ [التكوير: ٢٣] وهذا تنسيق الضمائر وربطها ربطا منسجما لا يبقى معه اشتباه فيما أظن.
رد كلام الإمام الرازي في قوله تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ س ۱۰۲ - وسئل رضي | الله عنه: لماذا لا تأخذ بكلام الإمام فخر الدين الرازي في قول الله تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيء [الأنعام: ٣٨] هو
القرآن؟
ج ۱۰۲ - فأجاب رضي الله عنه : قول الإمام الرازي يرده أمور: 1 - أنَّ الألف واللام الداخلين على المفرد لا يتعيَّنان للعهد بل يكونان
۱۰۲
فتاوى وأجوبة
أيضًا للجنس والعموم، وعلى فرض أنهما في الآية للعهد فالمعهود عند المسلمين كتابان اللوح المحفوظ والقرآن وتعيين أحدهما في الآية يحتاج إلى دليل، والدليل على أنه اللوح المحفوظ عدم التقدير في الآية إذ يبقى مِن شَيء على عمومه، ولو كان المراد القرآن لاحتيج إلى تخصيص من شتى بكونه يتعلق بالدين، وما لا يحتاج إلى تقدير أولى مما يحتاج إليه، وأيضًا إبقاء الآية على عمومها أولى من تخصيصها.
۲- قال الله تعالى: ﴿ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ﴾ [النساء: ١٦٤]، وَقُرُونَا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا ﴾ [الفرقان: ۳۸] هذه أمور لم تذكر في القرآن فتعيَّن أنَّ المراد اللوح المحفوظ؛ لأنها موجودة فيه
بالتفصيل. - إنَّ القرآن لم يذكر عدد ركعات الصلاة، ولا مقادير الزكاة، ولا أنواع الربا والبيوع، والمعاملات، وإدخالها فيه بواسطة وَمَا ءَالَكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } [الحشر: ٧] لا ينفي أن القرآن لم يذكرها.
٤- قول الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَبَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أرتك الله } [النساء: ١٠٥] إذن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاجتهاد فيما لا نص فيه من القرآن. ه - لما بعث النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم معاذا إلى اليمن سأله: «كيف تَقْضِي إذا عَرَضَ لك قضاء»؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد في
القرآن الكريم .
کتاب
۱۰۳
الله؟ قال: «أقضي بسُنَّة رسول الله...». الحديث، فهذه الأدلة تؤيد أن
الكتاب في الآية هو اللوح المحفوظ
قوله تعالى: وَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَبَ تِبْيَنَا لِكُلِّ شَيْءٍ لا يفيد العموم
س ۱۰۳ - وسُئل رضي الله عنه: هل قول الله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ
الْكِتَبَ تِبْيَنَنَا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: ٨٩] يفيد العموم أم لا؟
ج ١٠٣ - فأجاب رضي الله عنه: قوله تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَبَ تبينا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النحل: ۸۹] يعني من أمر الدين وما يتعلق به، فلا يفيد العموم كما في اللوح المحفوظ
معنى قوله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فِي اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمَن نَّفْسِكَ
س ١٠٤ - وسُئل رضي الله عنه: ما معنى قول الله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ
حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمَن نَفْسِكَ ﴾ [النساء: ٧٩]؟
ج ١٠٤ - فأجاب رضي الله عنه: قول الله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ أي: نعمة فمن الله ) أي : من فضله وخلقه، وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّنَةِ أي: نقمة فين نَفْسِكَ أي: من أجل نفسك تربية لها وتأديبا؛ لأن دوام النعمة يُطغي النفس. قال الزجاج وأبو جعفر أحمد بن نصر الداودي: الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم والمراد غيره.
وهذا كقول العرب: «إياك أعني واسمعي يا جارة».
1.2
فتاوى وأجوبة
معنى قوله تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً
س ١٠٥ - وسئل رضي الله عنه: هل بلوغ الرجل عند سن الأربعين كما
ترشد إليه الآية: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ [الأحقاف: ١٥]؟ ج ١٠٥ - فأجاب رضي الله عنه : الصبيُّ إذا احتلم وجب عليه التكليف لحديث: «رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثة: عن النَّائمِ حَتَّى يَسْتَيْقَظَ، وعن الصَّبِيِّ حَتَّى يختلم، وعن المجنونِ حتَّى يَعْقِلَ». رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم عن عائشة.
ورواه أحمد وأبو داود والترمذي عن علي عليه السلام، وصححه ابن حبان والحاكم، وحسنه الترمذي.
وله طرق عن عمر وابن عباس وثوبان وغيرهم وانعقد عليه الإجماع. وقال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَلُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَذِنُوا كَمَا اسْتَتَذَنَ الذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [النور: ٥٩].
فأوجب الاستئذان على الطفل إذا بلغ كما أوجبه على الرجل البالغ أربعين. ثُمَّ إِنَّ الطفل منذ ولادته تنمو أعضاؤه وتزداد قوته، فإذا بلغ ثمانية وعشرين سنة وقفت أعضاؤه عن النمو وبقيت قوته في ازدياد، حتى إذا بلغ أربعين سنة وقفت قوته وبلغ أشده وكمل عقله، وسُمي كهلا. فآية (الأحقاف) ترشد من بلغ هذه السِّنَّ أن يُجدد الإنابة إلى الله ويترك ما
كان عليه أيام الشباب من اللهو والغفلة؛ لأنه أشرف على الشيخوخة. ولا علاقة للآية بالتكليف بل فيها ما يثبت أنَّ ابن الأربعين مُكلَّف؛ لأن
القرآن الكريم .
1.0
قوله: وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي )) [الأحقاف: ١٥] يدل على أن له أولادا يدعو
لصلاحهم، وكيف يكون له أولاد وهو غير بالغ ولا مكلف؟!
كيف كان طول آدم عليه السلام حين نزل من الجنة؟ س ١٠٦ - وسُئل رضي الله عنه : في "مولد الحلواني" أنَّ سيدنا آدم عليه السلام كان طوله عند هبوطه من الجنَّة بحيث تمس رأسه السماء، ودلل على ذلك بما هو مذكور في ذلك الكتاب فهل ورد في ذلك نص؟ وما المراد بالذراع الوارد في خبر طول أهل الجنة؟
ج ١٠٦ - فأجاب رضي الله عنه : أما ما ذكر في "مولد الحلواني" من طول آدم علیه السلام فورد فيه حديث وآثار.
فأما الحديث فرواه عبد الرزاق في "المصنف" عن أبي هريرة مرفوعا: «أَنَّ
آدم لما أُهْبِطَ : كانت رِجْلَاهُ في الأرضِ ورأسُهُ في السَّماءِ فَحَطَّهُ اللهُ إلى ستين
ذراعًا». وهو حديث ضعيف جدا ولا يصح رَفْعُهُ.
وأما الآثار، فخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان"، وابن عساكر في "التاريخ" عن جابر بن عبد الله قال: «إنَّ آدمَ لما أُهبط إلى الأرضِ هَبَطَ بالهند، وإن رأسه كان ينال السماء، وإنَّ الأرض شكت إلى ربها ثِقَلَ آدَمَ فَوَضَعَ الجُبَّارُ
تعالى يده على رأسه فانحَطَّ منه سبعون ذراعًا».
وخرج ابن سعد عن ابن عباس قال: «ما خَلَقَ اللهُ آدَمَ كان رأسُهُ يمس السَّماءَ فوَطَّدَه الله إلى الأرض حتَّى صار ستين ذراعًا في سبع أذرع عَرْضًا». وخرج أيضًا من طريق آخر عن ابن عباس قال: «كان آدم حين أهبط
1.7
فتاوى وأجوبة
يَمْسَحُ رأسُهُ السَّماءَ ، فمِن ثَمَّ صَلُعَ وأَوْرَثَ وَلَدَهُ الصَّلَعَ، ونَفَرَتْ مِن طوله دواب البر، فصارت وَحْشا من يومئذ، وكان آدم وهو على ذلك الجبل - يعني الجبل الذي نزل عليه بالهند ويسمى نودا قائما يسمع أصوات الملائكة ويجد ريح الجنة فهبط من طوله ذلك إلى ستين ذراعًا فكان ذلك طوله حتى مات». وخرج الطبراني عن عبد الله بن عمرو قال: «لما أهبط الله آدم أهبطه بأرض الهند ومعه غرس من شجر الجنَّة فغرسه بها، وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وكان يسمع كلام الملائكة فكان ذلك يُهون عليه وحدته، فغمز غمزة فتطأطأ إلى سبعين ذراعًا، فأنزل الله: إني منزل عليك بيتا يطاف حوله كما تطوف الملائكة حول عرشي، ويُصَلَّى عنده كما تُصَلِّي الملائكة حول عرشي، فأقبل نحو البيت فكان موضع كل قدم قرية وبين رجليه مفازة، حتى قدم مكة، فدخل من باب الصفا وطاف بالبيت وصَلَّى عنده ثُمَّ خرج إلى الشام
فيات بها».
وخرج أبو الشيخ ابن حَيَّان في "العظمة" عن مجاهد قال: «لما أهبط آدم إلى الأرض، فَزِعَتِ الوحوش ومَن في الأرض من طوله فأُطِرَ منه سبعون ذرعا». وهذه الآثار كلها ضعيفة، وهي مع ضعفها مأخوذة من الإسرائيليات، فلا يجوز الاعتماد عليها، خصوصًا وقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلَّم ما يخالفها، وهو ما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «خَلَقَ اللهُ آدَمَ على صُورَتِهِ وَطُولُهُ سِتُون ذِرَاعًا... إلخ.
وروى أحمد بإسناد حسن عن أبي هريرة رفعه: «كان طول آدمَ سِتَّين ذراعًا في سبعة أذرع عرضًا.
القرآن الكريم .
۱۰۷
فهذا هو الذي يجب أن يتمسك به، ويُنبذ ما سواه، ولا ينافيه ما في "تفسير ابن أبي حاتم" بإسنادٍ حسن عن أبي بن كعب مرفوعًا: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ رَجُلًا طُوَالًا كثير شَعْرِ الرأسِ ، كأَنَّه نَخْلَةٌ سَحُوقٌ»، وصححه الحاكم موقوفًا وأقره؛
لأنَّ الطول وقع في هذا الحديث مطلقا، فيقيد بما وقع في الحديثين قبله. والمراد بالذراع الوارد في خبر طول أهل الجنة ذراع الملك، كما ورد مُصرَّحًا به في رواية أنس.
قال ابن أبي الدنيا في كتاب "صفة الجنة": حدثنا القاسم بن هشام: حدثنا صفوان بن صالح: حدثنا رواد بن الجراح العسقلاني: حدثنا الأوزاعي، عن هارون بن رئاب - بكسر الراء - عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلَّم: «يَدْخُلُ أهل الجنَّةِ الجنَّةَ على طولِ آدمَ سِتَّين ذراعًا بذراع الملك، وعلى حُسْنِ يوسف، وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثون سنةً، وعلى لِسَانِ محمد صلى الله عليه وآله وسلَّم جُرْدٌ مُرْدُ مُكَحَلُونَ».
اسم والد سيدنا يونس
س ۱۰۷ - وسئل رضي الله عنه: هل «متى» اسم والد سيدنا يونس أم اسم
والدته؟
ج ۱۰۷ - فأجاب رضي الله عنه في صحيح البخاري" عن ابن عباس عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «ما يَنْبَغِي لعبد أن يقولَ إِنِّي خيرٌ مِن يونس بن مَتَّى». ونسبه إلى أبيه . فمتَّى أبوه، وكلمة: «ونَسَبَهُ إلى أُمِّه»، وقعت في
"تفسير عبدالرزاق"، وهي ضعيفة مردودة برواية البخاري، فلا يعتد بها.
۱۰۸
فتاوى وأجوبة
فضل يونس السلام
س ۱۰۸ - وسئل رضي الله عنه: لماذا زيد في حديث ابن عباس في يونس بن
متى ونسبه إلى أبيه؟ وهل في قول الله تعالى: لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ يَعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَنْ مُوم [القلم: ٤٩] لوم ليسدنا يونس؟
ج ۱۰۸ - فأجاب رضي الله عنه : كلمة : ونسبه إلى أبيه» في حديث ابن عباس نكتة، زيادتها أنه لا يجوز تنقيص يونس من جهة أبيه، وبيان ذلك أن والد النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم اسمه عبدالله وهو أشرف الأسماء، ومتى اسم قبطي، فكما لا يجوز تنقيص يونس من جهة ما حصل له في السفينة كذلك لا يجوز تنقيصه من جهة اسم أبيه . ونظير ذلك ما يحصل من بعض الجهلة عندكم في مصر أثناء المناقشة مع المسيحيين في شأن المفاضلة بين النبي وعيسى عليهما السلام، حيث يقولون: النبيُّ أفضل لأنه رجل ابن رجل، وعيسى رجل ابن امرأة، فهذه مفاضلة قبيحةً، تخدش مقام نبي كريم. وعلى هذا لا يجوز أن يقال: يونس أبوه قبطي ويفضل عليه النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بأن والده عربي من عائلة كريمة، فإنَّ هذا فيه تنقيص ليونس عليه السلام.
وقول الله تعالى: لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعَمَهُ مِن رَّبِّهِ لَبِدَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَدْمُومُ ﴾ [القلم: ٤٩] شرط مُعلَّق على جواب والمعنى لو لم تتداركه نعمة الله نبذ وهو مذموم، لكن
نعمة الله تداركته فلم ينبذ مذموما، ولهذا قال تعالى: ﴿فَنَبَذْنَهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سقيم [الصافات: ١٤٥] وهذه عبارة فيها شفقة ورحمة بدليل قوله: وَأَنبَتْنَا
عَلَيْهِ شَجَرَةٌ مِّن يَعْطِين [الصافات: ١٤٦] وإذن فلا شدَّة في التعبير.
القرآن الكريم .
۱۰۹
كيفية وسوسة الشيطان لآدم
س ۱۰۹ - وسُئل رضي الله عنه عن كيفية وسوسة الشيطان لآدم؟ ج ۱۰۹ - فأجاب رضي الله عنه : الشيطان يوسوس في صدور الناس ويلتقم قلوبهم، ويجري منهم مجرى الدم، وهذا المعنى عصم الله منه أنبياءه وحفظ أولياءه، ووسوسته لآدم لم يتسلّط فيها على قلبه، بل كلمه شفاها كما يُكلم الرجل الرجل، وكذب عليه وأكَّد كذبه القسم، وهذا لا غضاضة فيه على آدم فكثير من الكفار حدَّثوا أنبياءهم وكذبوا عليهم، وقد فضح الله المنافقين بعد أن صدقهم النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وحال إبليس كحال
المنافقين.
منه ؟
هل في قتل موسى للقبطي ذنب؟
س ۱۱۰ - وسئل رضي الله عنه: هل في قتل موسى للقبطي ذنب يستغفر
مكلفا
ج ۱۱۰ - فأجاب رضي الله عنه: موسى حين قتل القبطي لم يكن . لأنه لا تكليف إلَّا بشرع، ولا شرع في ذلك الوقت حتى جاءته الرسالة، فقتله للقبطي لم يكن معصية إطلاقا، لا كبيرة ولا صغيرةً، وإنما استغفر لأنه عرض نفسه لعقوبة الإعدام مع ما يتبعها من تنكيل بقومه الإسرائيليين.
هل مس الشيطان سيدنا أيوب
س ۱۱۱ - وسُئل رضي الله عنه: هل مَسَّ الشيطان سيدنا أيوب كما صرح بذلك في القرآن الكريم؟
ج ۱۱۱ - فأجاب رضي الله عنه: وأيوب لم يمسه الشيطان بشيء، وإنما مس
فتاوى وأجوبة
زوجه وبعض أتباعه حين ألقى إليهم : لو كان أيوب نبيا لم يبتله الله»، وحصل عندهم زعزعة بكلامه، ومَن مسَّ أهلك فقد مَسَّك، وردَّ اللهُ على أيوب أهله حقيقة كما أحيا صاحب القرية بعد موته بمائة عام.
كيف ينسب العصيان لآدم لام مع أنه أكل من الشجرة ناسيا؟ س ۱۱۲ - وسُئل رضي الله عنه : كيف يُنسب العصيان لآدم مع أنه أكل من الشجرة ناسيا؟ ج ۱۱۲ - فأجاب رضي الله عنه: المعصية تقع على وجهين:
١ - أن يفعلها الشخص عامدًا عالما بحرمتها.
٢- أن يفعلها الشخص خطأ أو نسيا، وهذه ليست معصية في شريعتنا لقوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَسِينَا أَوْ أَخْطَأنا ﴾ [البقرة: ٢٨٦] ولقوله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «رُفِعَ عن أُمَّتِي الخطأ والنِّسيانُ».
وكانت الشرائع السابقة تعتبرها معصيةً، ولهذا قال الله تعالى: وَعَصَى
ادم ربة [ طه : ۱۲۱] مع أنه أكل ناسيًا لكنها لم تخدش العصمة، إنما يخدشها التعمد والعِلم بحرمتها، والله أن يؤاخذ عباده بما شاء من نسيان أو
الإقدام مع عمد، وموسى لم يتعمد القتل وإنما وَكَزَ القبطي بيده، والوكز لا يقتل في العادة
كما يقتل السيف أو السكين، وإذن فموسى قتل القبطي خطأ.
هل آزر عم سيدنا إبراهيم أم والده؟
س ۱۱۳ - وسُئل رضي الله عنه: هل آزر عم سيدنا إبراهيم أم والده؟
ج ۱۱۳ - فأجاب رضي الله عنه: آزر أبو إبراهيم عليه السلام بلا شك،
القرآن الكريم .
۱۱۱
وسبب قول معظم المفسرين أنه عمه، ما رواه أبو نعيم في "الدلائل" وغيره عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لم يزل اللهُ يَنْقُلني مِن الأصلاب الطَّيِّبة إلى الأرحام الطَّاهِرة مُصَفِّى مُهذَّبًا .... الحديث. قالوا: «فلو كان أبو إبراهيم مشركا لم يكن صلبه طيبا لأنه مشرك». فوجب أن يكون المذكور في القرآن عمُّه ليتفق مع الحديث، هذا دليلهم فيما ادعوه وهم
واهمون.
أما أولا : فإنَّ مراد الحديث أن أبويه عليه السلام لم يلتقيا إلَّا بنكاح صحيح
لا بسفاح. أما ثانيا : فإنَّ والد إبراهيم حين التقى بوالدته وخلف منها إبراهيم لم يكن مشركا بل كان من أهل الفترة، غير مخاطب بدين، فصلبه طيب إذ ذاك، وإنما حكم بشركه بعد أن بعث إليه ابنه فكفر به فالشرك طارئ عليه، ولو مات قبل أن يبعث إليه ابنه لم يُعذِّب لقول الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولَا
[الإسراء: ١٥].
خفاء موت سليمان عليه السلام على الإنس والجن
س ١١٤ - وسُئل رضي الله عنه: كيف خفي عن الإنس والجن موت سليمان عليه السلام مدة سنة ؟
ج ١١٤ - فأجاب رضي الله عنه سيدنا سليمان عليه السلام كان يخلو بنفسه للعبادة الشهر والشهرين بل والسَّنة أيضًا، ويأخذ معه الزاد الكافي لتلك
المدة، وحين أخبره مَلَك الموت بقرب أجله، صادف أنه يبني بيت المقدس
وبقي على إتمامه سنة، وخاف إن علموا بموته ألا يتمُّوا بناء المسجد، فأخذ زاد
۱۱۲
فتاوى وأجوبة
سنة، وأوصى بعض أهله ألا يعلنوا موته حتى يتم البناء، ودخل خلوته، ومات
وهو قائم متكئ على عصاه، وسقطت العصا بعد سنة، هذا حاصل ما ذكره العلماء في هذه القصة.
مكانة سيدنا موسى عليه السلام
س ١١٥ - وسُئل رضي الله عنه: لماذا خصَّ ورقة موسى بالذكر عندما أخبره النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم بأمر الوحي؟ ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمر: «لو كان موسى حيًّا ما وَسِعَهُ إِلَّا اتباعي»؟
ج ١١٥ - فأجاب رضي الله عنه: موسى عليه السلام أُنزلت عليه التوراة وهي تشبه القرآن في كبرها وفيها تشريع وقصص، وهو صاحب شريعة مستقلة، وأنبياء بني إسرائيل بعده تابعون له، حتى عيسى عليه السلام، فلهذا
خصه ورقة بالذكر، وقال الجن: إِنَّا سَمِعْنَا كِتَبًا أُنزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [الأحقاف: ٣٠] والإنجيل لم يكتب، والأناجيل الموجودة الآن ليست هي المنزلة، بل هي تشتمل على سيرة عيسى ككتب السيرة عندنا، وعيسى حي وسينزل في آخر الزمان خليفة عن نبينا يحكم بشريعته، فلهذا لم يقل: «لو كان عيسى حيا.... إلخ» ولأن عمر نسخ من بعض أحبار اليهود قطعة من التوراة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «لو كان موسى حيًّا ما وَسِعَهُ إِلَّا اتِّباعي».
سجود الملائكة لآدم عليه السلام
س ١١٦ - وسئل رضي الله عنه: هل هناك ملائكة لم يؤمروا بالسجود لآدم كما ذكر ذلك عبدالكريم الخطيب؟
القرآن الكريم .
۱۱۳
ج ١١٦ - فأجاب رضي الله عنه : ما ذكره عبدالكريم الخطيب لا أصل له بل هو من التقول على الله بغير علم، والله تعالى يقول: فَسَجَدَ الْمَلَيْكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ [الحجر: ۳۰] وهو يقول: «في ملائكة لم يؤمروا بالسجود»! من أين أتاه هذا؟! والجنة قد اختلف فيها قيل أنها في السماء وقيل: في الأرض، ولكل قول دليل.
٣- الحديث الشريف
الحديث الشريف
۱۱۷
معنى حديث أفضل الأعمال
س ۱۱۷ - وسئل رضي الله عنه : ما معنى حديث عبدالله بن مسعود حين سأل يَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن أي العمل أفضل، قال: «الصَّلاةُ على ميقاتها»،
النبي
قال : ثُمَّ أي؟ قال: «بر الوالدين»، قال: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». ج ۱۱۷ - فأجاب رضي الله عنه : الحديث صحيح، ومعناه: أن الصلاة المفروضة في وقتها المعيَّن لها أفضل أعمال الشخص؛ لأنها أهم أركان الدين بعد الشهادتين، حتى لقد ورد في الحديث الصحيح نفي الإسلام عمَّن ترك صلاةً واحدةً حتى يخرج وقتها، وورد في حديث آخر: «الصَّلَاةُ خَيْرٌ مَوْضُوعٌ، فَمَن شاء فليُقِلَّ ومَن شَاء فَلْيُكْثِر».
ثُمَّ يليها في الفضل بر الوالدين وطاعتهما، وهذا أمر واجب بنص القرآن في قوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَنًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: ٢٣ - ٢٤].
وفي قوله: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَى الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: ١٤].
ففي الآية الأولى قرن طاعتهما بعبادته وفي الآية الثانية قرن شكرهما بشكره، وذلك لتأكيد حقهما وتعظيم شأنها؛ لما تحملا من المشاق في حمل الولد
وتربيته، ولما أسديا إليه من الإحسان.
والله تعالى أوجب شكر من أسدى إلى الشخص معروفًا، فكيف
۱۱۸
جرم
فتاوى وأجوبة
أنَّ
بالوالدين؟! لا أن كان البر بهما أفضل الأعمال بعد الصلاة، كما أن عقوقهما من الكبائر بنص الحديث الصحيح.
ثُمَّ يلي هذا الفضل الجهاد في سبيل الله ، والجهاد هو مقاتلة الكفار ومحاربتهم بالنفس والمال واللسان.
وقد أعد الله للمجاهدين من الثواب ما لم يعطه لغيرهم ويكفي دليلًا على ذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ أَشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة: ١١١].
وقوله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ
يرزقون (1) فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَنهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ [آل عمران: ١٦٩ - ١٧٠]. وهذا الحديث اشتمل على أهم الفروض الواجبة على الشخص نحو ربه،
ووالديه، ودينه، هذا شرح موجز للحديث لعله يكون كافيا والله أعلم. شرح حديث: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله روحي
س ۱۱۸ - وسئل رضي الله عنه : ما معنى حديث: «ما مِن أحدٍ يُسَلَّم على إِلَّا رَدَّ اللَّهُ إِلَى رُوحي حتَّى أردَّ عليه السلام»؟
ج ۱۱۸- فأجاب رضي الله عنه: حديث: «ما مِن أحدٍ يُسَلَّم علي...» حديث صحيح صححه جماعة . منهم ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" وإن خالف في تصحيحه ابن عبدالهادي المقدسي فلا عبرة بخلافه لتعنته وتعصبه، فإنَّ سند الحديث على شرط الصحيح كما قال ابن تيمية، وقد أطال ابن القيم في الرد على من أعل الحديث وأتى بوجوه حسنة في بيان اتصال
الحديث الشريف
سنده وصحته.
۱۱۹
وأما معنى الحديث فقد اختلف العلماء في فهم معنى قوله: «إِلَّا رَدَّ اللهُ إِلَى رُوحي وأبدوا في شرحه وجوهًا سردها الحافظ السيوطي في كتابه "إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء" فبلغت خمسة عشر وجها:
منها: أنَّ الروح كناية عن النطق، والمعنى أنَّ الله يردُّ عليه النطق ليرد
السلام، لأنه لا داعي لنطقه إلا حين يسلم عليه المسلم.
ومنها: أنَّ ردَّ الروح كنايةٌ عن التفات روحه الشريفة من الاستغراق في حضرة الملكوت إلى هذا العالم لردّ سلام المسلم، والأول رأي ابن المنير والثاني رأي تقي الدين السبكي. ومنها: أنَّ هذا الحديث كناية عن دوام الحياة له؛ لأن الوجود لا يخلو من مسلم يُسلَّم عليه في لحظة من ليل أو نهار، وهذا الوجه ذكره القسطلاني في "المواهب" وأطال في تقريره والمقصود أنَّ حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قبره وهو و سائر
الأنبياء ثابتة بالكتاب والسنة المتواترة والإجماع.
أما الكتاب: فقد أثبت حياة الشهداء، والأنبياء أفضل من الشهداء بالإجماع، مع أنَّ نبينا صلى الله عليه وآله وسلَّم مات شهيدًا بأكلة خيبر كما في
الصحيح.
وأما السُّنَّة: فقد تواتر الحديث عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بأنَّ الأنبياء أحياء في قبورهم يصلُّون، نصَّ على تواتره غير واحدٍ من الحفاظ آخرهم الحافظ السيوطي.
۱۲۰
فتاوى وأجوبة
وأما الإجماع: فقال الحافظ السخاوي في "القول البديع" ما نصه: (ونحن نؤمن ونصدّق بأنه حي يرزق في قبره الشريف، وأن جسده لا تأكله الأرض والإجماع على هذا».
وقد سبقه إلى حكاية الإجماع الإمام الحافظ أبو محمد بن حزم الأندلسي في
كتابه "المحلى" وكتابه "الفصل" والله أعلم.
حياة الخضر و إلياس عليهما السلام
س ۱۱۹ - وسئل رضي الله عنه: هل مات الخضر و إلياس عليهما السلام أم مازالا في زمرة الأحياء، وهل ورد حديث يثبت ذلك؟
ج ۱۱۹ - فأجاب رضي الله عنه : في ذلك خلاف بين العلماء، أما الخضر فذهب البخاري وجماعةٌ من المحدثين إلى أنه مات، وذهب جماعة من العلماء
والصوفية إلى أنه لا يزال حيا .
وذكر
عن
جماعة من الصوفية أنهم تقابلوا معه وأخذوا عنه، وللعارف الشعراني كتاب "الميزان "الخضرية ذكر فيه أنه تقابل مع الخضر وسأله اختلاف المذاهب الأربعة وعن سبب هذا الاختلاف فأفاده الخضر بجواب دونه في ذلك الكتاب، وسماه بالاسم المذكور وهو مطبوع، وصح عن عمر بن عبدالعزيز أنه رآه واجتمع به، وبشره بالخلافة.
وأما إلياس عليه السلام ففيه خلافٌ أيضًا، قال سعد التفتازاني في "شرح العقائد النسفية" ذهب العظماء من العلماء إلى أربعة من الأنبياء في زمرة
الأحياء الخضر و إلياس في الأرض، وعيسى وإدريس في السماء.
الحديث الشريف
۱۲۱
وقد وردت أحاديث في حياة الخضر و إلياس عليهما السلام لكنها لم تصح بل كلها واهية أو موضوعة.
وجوه
الفرق بين القرآن والحديث القدسي
س ۱۲۰ - وسُئل رضي الله عنه : ما الفرق بين القرآن والحديث القدسي ؟ ج ١٢٠ - فأجاب رضي الله عنه : الفرق بين القرآن والحديث القدسي من
۱ - القرآن نزل به جبريل خاصَّةً دون غيره من الملائكة، والحديث القدسي قد ينزل به جبريل أو غيره. ٢ - أنَّ القرآن نزل على قلب النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في اليقظة لا في
المنام، بخلاف الحديث القدسي فقد نزل كثير منه في المنام. ٣- أنَّ القرآن نزل بهيئته الموجودة الآن لفظاً ومعنى بحيث لا يصح تغيير حرف منه بآخر ولو كان في معناه، بخلاف الحديث القدسي فإنه نزل معناه وفوض التعبير عنه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتجوز روايته بالمعنى كسائر الأحاديث.
- أن القرآن أعجز الله به العالمين وأخبر أنهم لا يستطيعون الإتيان بسورة مثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا - أي نصيرًا - بخلاف الحديث القدسي فلم يحصل به إعجاز بل جازت روايته بالمعنى كما تقدم. ه - أنَّ القرآن منقول نقل تواتر جيلا بعد جيل، بمعنى أنَّ المصحف الذي بأيدينا تلقته الأمة بهيئته وحالته عن مثلها بحيث لا يوجد حرف منه إلا وهو منقول نقل كافَّةٍ عن كافة إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم ولهذا من أنكر
۱۲۲
فتاوى وأجوبة
شيئًا من القرآن يكفر بإجماع المسلمين.
بخلاف الحديث القدسي فإنه مروي في كتب الأحاديث التي لا يعرفها
كثير من الناس، وفيه كثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وليس كل الناس يدرك الفرق بين الضعيف والموضوع والله أعلم.
حقيقة سحر لبيد اليهودي للنبي
س ۱۲۱ - وسئل رضي الله عنه: هل سحر لبيد اليهودي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حقيقة؟ وما الحكمة في تأثير السحر في سيد الرسل إذا ثبت أنه
شجر ؟
ج ۱۲۱ - فأجاب رضي الله عنه: ثبت حديث السحر في صحيحي "البخاري" و "مسلم" وهو حديث صحيح لم يطعن فيه أحد، حتى أتى الشيخ محمد عبده فطعن فيه بأمرٍ تافه لا يستحق الذكر، وقد كان تأثير السحر في النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من قبيل الأمراض التي تعرض لذاته الشريفة، ولم يتأثر عقله بشيءٍ؛ لأن الله عَصَمَ عقله من جميع الآفات، وغاية تأثير السحر فيه، أنه كان إذا أراد أن يأتي أهله لم يجد النشاط الذي كان يعهده من نفسه حتى أنزل الله عليه سورتي المعوذتين فانفك الربط وذهب تأثير السحر، كما جاء مُبيِّنًا في طرق الحديث.
ظن.
والشيخ محمد عبده ظنَّ أنَّ السِّحْر أثر على عقله فنفاه لذلك فهو مخطئ فيما
الحديث الشريف
۱۲۳
العمل بالحديث الضعيف
جاءني خطاب من أحد الأفاضل يقول فيه بعد الديباجة والتحية ما هذه صورته أرجو من فضيلتكم الجواب عما يأتي ولكم منا الشكر ومن الله حسن الثواب:
س ١٢٢ - في تفسير سورة البقرة) من كتاب "فتح البيان" لعلامة الهند المرحوم صديق حسن ما نصه: «قد أخطأ من قال إنه يجوز التساهل في الأحاديث الواردة في فضائل الأعمال؛ وذلك لأن الأحكام الشرعية متساوية الإقدام، لا فرق بين واجبها ومحرمها، ومسنونها ومكروهها ومندوبها، فلا يحل إثبات شيء منها إلا بما تقوم به الحُجّة، وإلا فهو من التقول على الله بما لم يقل... إلخ كلامه. ثم إن المقرر عند جمهور أهل الحديث أنه يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال بشروطه، فنرجو توضيح المقام وإزالة الإبهام في هذا الموضوع مع بيان المراد من العمل في قولهم: «يجوز العمل بالحديث
الضعيف... إلخ. س ١٢٣ - هل يجوز التصدّي لقراءة كتب الحديث بدون أن يكون لذلك القارئ سند أو إجازة، أو يكفي في ذلك صحة الكتب التي تُقرأ، كـ"مختصر
البخاري"، و"الأربعين النووية"، أو لا؟
الجواب: وأقول للسائل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ج ١٢٢ - أما ما ذكرته عن القنوجي في تفسيره "فتح البيان" فقد صرح به
أيضًا في كتابه نزل الأبرار بالعلم المأثور من الأدعية والأذكار".
١٢٤
فتاوى وأجوبة
وعبارته: «تساهل العلماء وتسامحوا حتى استحبُّوا العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعا، وإلى هذا ذهب الجمهور، وبه قال النووي، وإليه نحا السخاوي وغيره، ولكن الصواب الذي لا محيص عنه أنَّ الأحكام الشرعيَّة متساويةٌ ، فلا ينبغي العمل بحديث حتى يصح أو يحسن لذاته أو لغيره، أو انجبر ضعفه فترقى إلى درجة الحسن لذاته أو
لغيره . اهـ
وهذا مذهب الحافظ أبي بكر ابن العربي المالكي كما نقله البدر الزركشي في حواشيه على ابن الصلاح، والحافظ السخاوي في "فتح المغيث"، و"القول البديع"، وهو أحد الأقوال في المسألة، وحاصله منع العمل بالحديث الضعيف في الأحكام وغيرها.
القول الثاني: أنه يجوز العمل بالحديث الضعيف في الأحكام إذا لم يكن في الباب دليل غيره من كتاب أو سُنَّة صحيحة، حتى لو كان هناك قياس قدم الحديث الضعيف عليه، وهذا مذهب أحمد بن حنبل وأبي داود. قال الحافظ السخاوي: روينا بالإسناد الصحيح عن عبدالله بن الإمام أحمد، قال: سمعت أبي يقول: لا نكاد نرى أحدا ينظر في الرأي إلَّا وفي قلبه ل، والحديث الضعيف أحب إلي من الرأي. قال عبدالله: فسألته عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيه إلا صاحب حديث لا يدري صحيحه من سقيمه وصاحب رأي فمن يسأل ؟ قال : يسأل صاحب الحديث، ولا يسأل صاحب
الرأي».
وورد عن أحمد أيضًا، قال لابنه عبدالله لو أردت أن أقتصر على ما صح
الحديث الشريف
١٢٥
عندي، لم أروِ من هذا المسند إلَّا الشيء بعد الشيء، ولكنك يا بني تعرف
طريقتي، أني لا أخالف ما يضعف إلَّا إذا كان في الباب شيء يدفعه. وصرح ابن الجوزي في "الموضوعات" أنَّ أحمد كان يُقدِّم الضعيف على
القياس، وكذا قال ابن تيمية فيما نقله عن الطوفي.
وقال الحافظ.
بن منده: كان أبو داود يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره؛ لأنه أقوى عنده من رأي الرجال، نقله ابن الصلاح في "علوم الحديث" ونظمه الحافظ العراقي في "الألفية" فقال:
كان أبو داود أقوى ما وَجَدْ يَرْوِيهِ، والضَّعِيفَ حيثُ لا يَجِدْ في البابِ غَيرَهُ فَدَاكَ عِنْدَهُ مِن رَأَي أَقوَى قَالَهُ ابْنُ مَنْدَهُ ونقل الحافظ أبو محمد ابن حزم اتفاق الحنفية على مذهب أبي حنيفة تقديم
الحديث الضعيف على الرأي والقياس، ونوزع في نقل هذا الاتفاق. القول الثالث: جواز العمل بالحديث الضعيف فيما عدا الأحكام من
ترغيب وترهيب وما إلى ذلك، وهذا مذهب الجمهور. قال الحافظ ابن الصلاح: يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام بیان ضعفها فيما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما، وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب مما لا تعلق له بالأحكام والعقائد». اهـ
ومثله للنووي في " التقريب" و"المجموع" وغيرهما من كتبه، بل حكى في بعضها إجماع المحدثين على ذلك، لكن لا يصح الإجماع لما تقدم من مخالفة ابن
١٢٦
فتاوى وأجوبة
العربي، وقد تخرج صحته على من لا يعد مخالفة الواحد والاثنين خارقة للإجماع، وهو قول محكي في كتب الأصول وفي "الألفية" :
وسَهَّلُوا فِي غَيْرِ مَوْضُوعِ رَوَوْا مِنْ غَيْرِ تَبِينِ لِضَعْفٍ، وَرَأَوْا بَيَانَهُ في الحُكْمِ والعَقَائِدِ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٌّ وَغَيْرِ وَاحِدِ وخرج البيهقي في "المدخل" بإسناده إلى عبدالرحمن بن مهدي قال: «إذا روينا عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في الحلال والحرام والأحكام شدَّدنا في الأسانيد وانتقدنا في الرجال، وإذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب سهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال».
وورد مثل هذا عن سفيان الثوري وابن عيينة وعبد الله بن المبارك ويحيى بن
معين وأحمد بن حنبل وغيرهم، أسند ذلك عنهم ! الحافظ أبو أحمد بن عدي في مقدمة كتابه "الكامل" حيث عقد الجواز العمل بالضعيف في الفضائل بابا مستقلا، وأورد فيه نقولا كثيرةً وكذا فعل الخطيب في "كفايته". وقال الحاكم: سمعت أبا زكرياء العنبري يقول: الخبر إذا ورد لم يحرم حلالا ولم يحل حراما، ولم يوجد حكمًا وكان في ترغيب أو ترهيب، أغمض عنه
وتساهل في رواته.
وقال الحافظ بن عبدالبر : أحاديث الفضائل لا نحتاج فيها إلى من يحتج
به» . اهـ
لكن شرط الجواز العمل بالضعيف شروط: ١ - أن يكون ضعف الحديث غير شديد، فإن كان شديدا فلا يجوز العمل
به، وهذا الشرط متفق عليه كما قال الحافظ العلائي والتقي السبكي.
الحديث الشريف
۱۲۷
ومثال الضعف الشديد أن يتفرد بالحديث متهم بالكذب، أو مَن فَحُشَ
غلطه، أو كثرت غفلته، أو ظهر فسقه ونحو ذلك.
٢- أن يكون الحديث مندرجا تحت أصل عام من أصول الشرع، فلا يعمل به في غير ذلك، كما إذا كان الحديث يقتضي اختراع شيء ليس في قواعد الشرع ما يشهد له. - ألا يُعتقد عند العمل به ثبوته عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لئلا ينسب إليه ما لم يقله، وهذان الشرطان ذكرهما العز بن عبدالسلام وتلميذه التقي بن دقيق العيد.
والمراد بالعمل في قولهم: «يجوز العمل بالحديث الضعيف» أن يفعل الشخص ما رغب فيه الحديث الضعيف بقصد تحصيل ما وعد به من الثواب على ذلك الفعل، ويجتنب ما نفر منه رهبة مما أوعد به من العقاب عليه. ولنذكر لك أمثلة يتضح بها المقام :
١ - مثال الضعيف الشديد الضعف حديث: «مَن صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ركعتين إيمانًا واحتسابًا كتب الله له مائتي حَسَنَةٍ، ومحا عنه مائتي سَيِّئة، ورفع له
مائتي درجةٍ، وغُفِرَتْ له ذنوبه كلُّها ما تقدم منها وما تأخر إلَّا القَصَاصَ». رواه آدم ابن أبي إياس في كتاب "الثواب" من حديث عليّ عليه السلام، وهو حديث ضعيف جدا كما قال الحافظ ابن حجر فلا يجوز العمل به، بمعنى أنَّ الإنسان لا يجوز له أن يُصلِّي الضُّحَى اعتمادًا على ما في هذا الحديث من الثواب، بل يُصليها على أنها سنة اعتمادًا على الأحاديث الصحيحة الواردة
بسنيتها.
۱۲۸
فتاوى وأجوبة
٢ - مثال المندرج تحت أصل عام حديث: «مَا مِن عَبْدِ يَبْسُطُ كَفَّيْهِ فِي دُبُرِ كلَّ صلاةٍ ثُمَّ يقول: اللهم إلهي وإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب...... ثُم ذكر
الحديث وقال في آخره: «إِلَّا كان حَقًّا على الله أَلَّا يرد يَدَيْهِ حَائِبَتَين». رواه بن السُّنّي عن أنس مرفوعًا، فهذا حديث ضعيف لكنه مُندرج تحت عموم أحاديث دالة على استحباب رفع اليدين في الدعاء في جميع الأوقات من غير تقييد بكونه بعد الصَّلاة أو قبلها، كحديث سلمان مرفوعا: «إِنَّ اللهَ حَبِيٌّ كريم يَسْتَحِي إِذا رَفَعَ الرَّجُلُ إليه يَدَيْهِ أَن يَردَّهُما صِفْرًا خَائِبتَين». حسنه الترمذي وصححه الحاكم. وحديثه أيضًا : ما رَفَعَ قومٌ أكفَّهُم إلى الله عزَّ وجلَّ يسألونه شيئًا إِلَّا كان ا على الله أن يَضَعَ في أيديهم الذي سألوا». رويناه في "معجم الطبراني"
حَقًّا
بإسناد صحيح. فيجوز العمل بحديث أنس، بمعنى أنه يجوز للإنسان أن يرفع يديه في الدعاء عقب الصلاة، معتقدًا أَنَّ اللهَ لا يرده خائبا.
٣- مثال المخالف لقواعد الشرع حديث صلاة التسابيح، ورد من طرق ضعيفة أمثلها طريق ابن عباس لقربه من شرط الحسن، ومع ذلك لا يجوز العمل به؛ لأنه يدل على اختراع نوع من الصلاة مخالف لسائر أنواع الصلوات، كذا قال النووي. ووافقه الحافظ ابن حجر في "التلخيص" ثُمَّ خالفه في " الخصال المكفرة"، وكذا خالفه السبكي وجماعة، وفي المسألة كلام طويلٌ ليس هذا موضع بسطه. - مثال آخر من نوع ما قبله، وهو حديث: «مَن وَقَعَ على بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ
الحديث الشريف
۱۲۹
واقتلوا البهيمة». رواه أحمد وأصحاب السنن عن ابن عباس، فهذا الحديث مع ضعفه ليس في قواعد الشرع ما يُؤيَّده، إذ ليس في الأحاديث ولا غيرها من
الأدلة ما يدل على قتل البهيمة في مثل هذا الموطن، فلا يجوز العمل به. هذا وقد بقي رأي آخر في العمل بالحديث الضعيف تركناه لاستدعائه طول بحث لسنا بصدده الآن، وربما نُفرد له مقالا مستقلا فيما بعد إن شاء الله
تعالى.
ج ١٢٣ - وأما التصدّي لقراءة كتب الحديث بدون أن يكون للقارئ سند أو إجازة، فحكى الحافظ المقري أبو بكر محمد بن خير الإشبيلي المالكي الاتفاق على أنه لا يجوز إلَّا إذا كان للقاريء سند ولو بالإجازة. ذكر ذلك في أول معجم شيوخه، وهذه عبارته: اتفق العلماء رحمهم الله تعالى على أنه لا يصح المسلم أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم كذا، حتى يكون عنده ذلك القول مرويًّا ولو على أقل وجوه الروايات، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن كَذَبَ عليَّ مُتعَمِّدًا فَليَتبوأ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ» (۱)،
وفي بعض الروايات: «مَن كَذَبَ عليَّ مطلقا بدون تقييد» . اهـ
ونقله الحافظ العراقي في "الألفية" فقال: قلتُ: وَلابْنِ خَيْر امْتِنَاعُ نَقْلِ سِوَى مَرْوِيهِ إِجْمَاعُ غير أنَّ البدر الزركشي تعقب ما قاله الحافظ ابن خير بما نصه: «نقل
الإجماع عجيب، وإنما حُكي ذلك عن بعض المحدثين، ثُمَّ هو معارض بنقل
(۱) هذا الحديث رواه ثمانية وتسعون صحابيا . اهـ كاتبه.
۱۳۰
فتاوى وأجوبة
ابن برهان إجماع الفقهاء على الجواز، فقال في "الأوسط": ذهب الفقهاء كافةً إلى أنه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه، بل إذا صح عنده النسخة جاز له العمل بها، وإن لم يسمع.
وحكى الأستاذ الإسفرايني الإجماع على جواز النقل من الكتب المعتمدة ولا يشترط اتصال إلى مصنفيها، وذلك شامل لكتب الحديث والفقه، وقال الكيا الطبري في تعليقه من وجد حديثا في كتاب صحيح جاز له أن يرويه ويحتج به، وقال قوم من أصحاب الحديث : لا يجوز له أن يرويه لأنه لم يسمعه، وهذا غلط». ثُمَّ نقل الزركشي عن العزّ بن عبد السلام أنه قال: «اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد على الكتب الصحيحة الموثوق بها؛ لأن الثقة قد حصلت بها كما تحصل بالرواية، ولذلك اعتمد الناس على الكتب المشهورة في
النحو واللغة والطب وسائر العلوم لحصول الثقة بها، وبعد التدليس». ثُمَّ قال الزركشي: «واستدلاله - يعني الحافظ ابن خير - على المنع بالحديث المذكور، أعجب وأعجب، إذ ليس في الحديث اشتراط ذلك، وإنما فيه تحريم القول بنسبة الحديث إليه حتى يتحقق أنه قاله، وهذا لا يتوقف على روايته، بل يكفي في ذلك علمه بوجوده في كتب من خرج الصحيح، أو كونه نصَّ على صحته إمام، وعلى ذلك عمل الناس». اهـ
والحاصل:
أنَّ المعتمد عند المحدثين أنه يجوز قراءة الكتب الصحيحة
الموثوق بها من غير أن يكون للقارئ سند ولا إجازة، بشرط أن يُصحح كتابه على نسخة صحيحة أو على شيخ يثق بصحة فهمه وشدة إتقانه، كما نص عليه ابن الصلاح والنووي والعراقي، هذا مع بقاء الإجماع على استحباب اتصال
الحديث الشريف
۱۳۱
سند القارئ بأصحاب الكتب التي يقرؤها، ولو بالإجازة حفظا لبقاء الإسناد الذي هو من خصوصيات هذه الأُمَّة؛ لأن الأمم السابقة كانت روايتهم ليست إلا مجرد تعليق أو وجادَةٍ.
أما الكتب التي فيها الصحيح وغيره كـ"نزهة المجالس للصفوري"، " والروض الفائق" لشعيب الحريفيش، وتنبيه الغافلين" لأبي الليث السمرقندي ونحوها، فالإجماع على عدم جواز قراءتها إلا لعارف بالحديث مميز
لصحيحه من سقيمه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
تبليغ الرسالة ليأجوج ومأجوج
س ١٢٤ - سؤال: أرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا هل ورد حديث صحيح أو حسن يُفيد أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بلغ يأجوج ومأجوج
الدعوة فلم يُجيبوا ؟ وأسأل الله الكريم أن يحفظكم وينفع الإسلام بكم.
ج ١٢٤ - الجواب: تبليغ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم الدعوة ليأجوج ومأجوج لم يرد فيه حديث صحيح ولا حسن وإنما ورد فيه حديث ضعيف خرجه نُعيم بن حماد في كتاب "الفتن" وابن مردويه في "التفسير" عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «بَعَثَنِي اللهُ ليلةَ أُسْرِيَ بي إلى يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ فَدَعَوْتُهم إلى دين الله وعبادَتِه فأبوا أن يُجيبوني، فهم في النَّارِ مع
مَن عَصَى مِن وَلَدِ آدمَ ووَلَدِ إبليس». وإسناده واه.
وخرج الطبراني نحوه من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة عن رجلين عن
أبي بكرة.
۱۳۲
فتاوى وأجوبة
وورد حديث يدل على أنَّ رجلًا منهم يُسْلِم عند قُرب خروجهم من السد،
وهو ما رواه ابن مَرْدُويه في "التفسير " عن حذيفة رفعه: «إنَّ يأجوج ومأجوج يحفرون السَّدَّ كلَّ يوم حتَّى إذا كادوا يَخْرِقُونَهُ قال الذي عليهم: ارْجِعُوا فستَخْرِ قونه غَدًا، فيُعيدُه الله كأشد ما كان حتَّى يُسْلِمَ رَجُلٌ منهم حين يُريد الله أن
يبلغ أمره، فيقول المؤمن غدًا نفتحه إن شاء الله، فيُصبحون ثُمَّ يغدون عليه
فيفتحونه.... الحديث.
لكن قال الحافظ : «سنده ضعيف جدا»، والله أعلم.
معنى: «إنِّي أخافُ عليكم مِن الدَّجَّال غير الدَّجَّالِ»
س ١٢٥ - سؤال: الرجاء من حضرتكم أن تفيدونا، ما معنى حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إني أخافُ عليكم مِن الدَّجَّال غير الدَّجَّالِ». ج ١٢٥ - الجواب: لفظ الحديث هكذا: «غيرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفَني عليكم» خرجه مسلم من حديث النواس بن سَمْعَان، وهذا بظاهره يُعارض ما ثبت عنه عليه وآله الصلاة والسَّلام أنه قال: «لا فِتْنَةَ أعظمُ مِن فِتنة الدَّجَّالِ» وكان يستعيذ منها في صلاته تشريعا لأمته.
ولكنه في الحقيقة لا تعارض؛ ففتنة الدَّجّال هي أعظم الفتن على الإطلاق ) أعاذنا الله منها، وأما قوله: غيرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفَني عليكم فإنما خاطب به الصحابة؛ لأن الذي خافه عليهم من الفتن والملاحم التي حصلت بينهم أقرب إليهم من الدجال، فالقريب المتيقن وقوعه لمن يخاف عليه يشتد الخوف منه على البعيد المظنون وقوعه به ولو كان أشد، قاله الحافظ.
۱۳۳
الحديث الشريف
جواب عن أحاديث
س ١٢٦ - وسئل رضي الله عنه كثيرًا ما نسمع ونقرأ في الكتب والمجلات هذا الحديث الشريف: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «اعْمَلْ لدنياك كأَنَّكَ تَعِيشُ أبدًا، واعْمَلْ لَآخِرَتك كأَنَّك تموتُ غَدًا». وقد طالعت كتبا كثيرة في الحديث فلم أعثر عليه، فنرجو منكم إبداء رأيكم فيه، هل هو حديث أو حكمة؟ ج ١٢٦ - فأجاب رضي الله عنه : الحديث المذكور غير وارد، وأحسب العوام أخذوه من حديث: «اعْمَلْ عَمَلَ امرئي يظنُّ أن لن يموت أبدا، واحْذَرْ حَذَرَ امرئ يَخْشَى أَن يَموتَ غَدًا وهذا الحديث خرجه البيهقي في "السنن
الكبرى" من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص بإسناد ضعيف جدا. وروى القضاعي في "مسند الشهاب" قال : أخبرنا الحسن بن محمد الأنباري: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن المسور: ثنا مِقدامُ بن داود: ثنا علي بن معبد: ثنا عيسى بن واقد الحنفي، عن سليمان بن أرقم ، عن الزهري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَصْلِحُوا دُنياكُمْ واعْمَلُوا لَآخِرَتِكُمْ كَأَنَّكُمْ تَموتون غَدًا». سليمان بن أرقم متروك ساقط. ورواه الديلمي في "مسند الفردوس" من حديث أنس رضي الله بإسناد فيه مجهول.
عنه
ومما ينخرط في معنى الحديث ما رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" قال: أخبرني محمود بن عمر العكبري : أخبرنا أبو طالب عبدالله بن محمد بن عبدالله : ، أبو العباس أحمد بن عبد الله فيها أجازه لنا: أنَّ أحمد بن عيسى المصري
أنا عمي .
حدثهم، قال: ثنا نعيم بن سالم بن قنبر، عن أنس بن مالك، عن رسول الله
١٣٤
فتاوى وأجوبة
صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «خَيْرُكُمْ مَن لم يترك آخِرَتَهُ لدنياه، ولا دُنياه
لآخِرَتِهِ، ولم يكن كلا على النَّاسِ».
هذا حديث واه جدا، في سنده كذَّابٌ وهو يغنم –بياء مثناة تحت وغين
معجمة ونون ابن سالم بن قنبر.
ووقع في "تاريخ الخطيب" نعيم - بنون فعين مهملة فياء مثناة تحت - وكذا !
وقع للحافظ أبي الحسن بن القطان السجلماسي فقال: «لا يعرف». وقال الحافظ: «تصحف عليه اسمه، وإلا فهو معروف مشهور بالضعف
متروك الحديث، وأول اسمه ياء مثناة تحتية ... إلخ ما تقدم. قلت: والتصحيف أتى من بعض الرواة كما نبه عليه ابن عدي في ترجمته من "الكامل".
والحاصل أن الحديث المسئول عنه لا أصل له بذلك اللفظ، وفي معناه الأحاديث التي أوردناها مع ما فيها من الضعف الشديد الذي لا يَنْجَبِر، والله أعلم.
هل بال النبي قائما؟
س ۱۲۷ - وسئل رضي الله عنه: هل ورد . الله عنه : هل ورد حديث يُثبت أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بال قائما؟ وإن كان كذلك فنرجو الكتابة على صفحات "الإسلام" مع أنَّ السيدة عائشة نَفَتْ ذلك بحديث أوردته. أرجو إفادتنا
ولكم الشكر ؟
ج ۱۲۷ - فأجاب رضي الله عنه : صح أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بال قائما، ففي الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه قال: أتي النبيُّ صلَّى الله
الحديث الشريف
۱۳۵
عليه وآله وسلَّم سُبَاطَة قوم بضم السين وتخفيف الموحدة قبال قائما، ثُمَّ
دعا بماء فجئته بماء فتوضأ.
وفيهما أيضًا - واللفظ للبخاري عن حذيفة قال: رأيتني-بضم التاء- أنا والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم نتماشى، فأتى سُبَاطَة قومٍ خَلْفَ حَائِط فقام كما يقوم أحدكم فبال، فانتبذتُ منه فأشار إلي فجئته، فقمت عند عقبه حتى فرغ. وقد اختلف العلماء في سبب بوله صلَّى الله عليه وآله وسلم قائما وذكروا
أسبابًا كثيرة أظهرها كما قال الحافظ: «أنه فعل ذلك لبيان الجواز». وأما نفي عائشة فرواه الترمذي وابن ماجه عن طريق شريك عن المقدام بن شريح بن هانيء، عن أبيه ، عن عائشة قالت: «مَن حَدَّتْكُم أَنَّ رسول الله صلَّى الله
عليه وآله وسلّم كان يبول قائما فلا تُصَدِّقوه، أنا رأيته يبول قاعدًا». فروى الحاكم من طريق سفيان عن المقدام عن أبيه عنها قالت: «ما بال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائها منذ أنزل عليه الفرقان».
وقد تمسك بهذا أبو عوانة وابن شاهين، فادعيا أنَّ البول عن قيام منسوخ، وفاتهما ما ثبت في حديث حذيفة وغيره أنَّ بول النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن قيام كان بالمدينة، أي بعد نزول القرآن بمُدَّةٍ.
ففي " التمهيد" بإسناد صحيح من طريق عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة في حديثه المتقدم: أنَّ ذلك يعني البول قائما كان
بالمدينة.
"
وفي "معجم الطبراني الكبير عن عصمة بن مالك، قال: خرج علينا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى شباطة
١٣٦
فتاوى وأجوبة
قوم ثُمَّ قال: يا حذيفة استرني، وبال قائما.
فهذان الحديثان يتضمنان إثبات ما نفته عائشة فيجب تأويل كلامها بأن يحمل على أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم لم يفعل ذلك في البيوت وفي غالب أحواله، وأما في غير البيوت ففعله قليلا، ولم تكن هي معه فتشاهده، وقد كان معه حذيفة وشاهده وأخبر عن عيان، وهو من كبار الصحابة وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، فلا يكون نفي عائشة مقدما على إثباته
رضي الله عنهما، ومن المقرر في الأصول: «أَنَّ النبتَ مُقَدَّمُ على النَّافِي». هذا وأخبرني حضرة السائل أنَّ بعض الناس ممن يبول قائما يقول عند بوله: اللهمَّ صَلِّ على مَن بال قاعِدًا وقائما، وهذه عادة قبيحة وبدعةٌ مُنكَرةٌ يجب اجتنابها؛ لما فيها من مُخالفة الشرع، ومن المفاسد التي لا تخفى، والله سبحانه أعلم.
هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنَّه لبس السراويل؟ س ۱۲۸ - سئل رضي الله عنه: هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أَنَّه لبِسَ السَّراويل ؟
ج ۱۲۸ - فأجاب رضي الله عنه : لم يثبت ذلك وإنّما ورد فيه حديث ضعيف رواه الطبراني في "الأوسط" وأبو يعلى في "مسنده" من طريق يوسف بن زياد الواسطي، عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، عن أبي مسلم الأغر، عن أبي هريرة قال: دخلت يوما الشوق مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فجلس إلى بزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهيم.
الحديث الشريف
۱۳۷
وكان لأهل السُّوق وزّان فقال له رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: زِنْ وأَرجِحْ». وأخذ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم السراويل وذهبت
الأحمله عنه فقال: «صاحبُ الشَّيء أحقُّ بحَملِهِ إلَّا أن يكون ضعيفًا يعجِز فيعينه أخوه المسلم». قلتُ: يا رسول الله وإنَّك لتلبِسُ السَّراويل؟ قال: «أَجَلْ
في السَّفَرِ والحضَرِ وباللَّيلِ والنَّهارِ فَإِنِّي أُمِرْتُ بالسَّتْرِ فلم أَجِدْ أَستَرَ مِنْه». ويوسف بن زياد وشيخه ضعيفان ولأجلهما أورد ابن الجوزي الحديث في "الموضوعات" فأخطأ لأنهما لم يصلا في الضعف إلى حد أن يُحكَمَ على حديثهما
بالوضع. حديث: «من لم يُكثر ذكر الله فقد بَرِئَ مِنَ الإِيمَانِ» س ۱۲۹ - وسئل رضي الله عنه عن حديث: «مَنْ لم يُكثر ذكر الله فقد بَرِئَ من الإيمان .
ج ۱۲۹ - فأجاب رضي الله عنه: وأما حديث: «مَنْ لم يُكثر ذكرَ الله فقد بَرِئَ من الإيمان». فهو حديث واهِ خرَّجَه الطبراني في في "الأوسط" و"الصغير"، قال فيهما: حدثنا محمد بن سهل ابن المهاجر الرَّقي، عن مُؤمل بن إسماعيل، ثنا حماد، عن سهيل، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: منْ لم يُكثر ذكر الله فقد بَرِئَ مِنَ الإيمانِ» تفرد به مؤمل وهو مجمع على ضعفه وتوهينه، ومحمد بن سهل مجهول، وقد صرّح الحافظ في بعض تقاييده بأنَّ ا الحديث موضوع. وعلى كلا الحالين فنحنُ في غنى عن تأويله لعدم ثبوته كما علمت، وإن
۱۳۸
فتاوى وأجوبة
كان لا بدَّ من تأويله فيؤوّل على ما ذكرت من زيادة الإيمان ونقصه. ومثل هذا ما ورد عن بعض الصَّحابة أنَّه كان يقول: «اجلس بنا نُؤمِن
ساعة». يعني بذلك : الذكر فهو محمول أيضًا على زيادة الإيمان.
تخريج حديث من غسل واغتسل
س ۱۳۰ - وسئل رضي الله عنه عن تخريج حديث من غسل واغتسل. ج ۱۳۰ - فأجاب رضي الله عنه : قال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا يحيى ابن آدم: حدثنا بن المبارك، عن الأوزاعي، عن حسّان بن عطية، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَن غَسَّلَ واغْتَسَلَ وغَدَا، وابْتَكَرَ، فَدَنَا، وَأَنْصَتَ ولم يَلْغُ كان له
بكلِّ خُطْوَةٍ، كأَجْرِ سَنَةٍ صِيَامِها وقيامها». وله في المسند طرق وألفاظ.
وخرجه ابن ماجه قال : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة : ثنا عبد الله بن المبارك. وخرجه الترمذي قال: ثنا محمود بن غيلان: ثنا وكيع: ثنا سفيان وأبو جَنابِ يحيى بن أبي حَيَّة، عن عبد الله بن عيسى، عن يحيى بن الحرث، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ اغْتَسَلَ يومَ الجُمُعَةِ وغَسَّلَ وبَكَرَ وابْتَكَرَ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وأَنْصَتَ، كان له بكلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا ».
ثُمَّ قال الترمذي: حديث أوس بن أوس حديث حسن، وأبو الأشعث
اسمه شراحيل ابن آدة، وأبو جناب يحيى بن حَبيبٍ القَصَّاب». اهـ
وخرجه الحاكم وابن حِبَّان والنسائي وغيرهم، ولم استحضر طرقهم الآن
الحديث الشريف
۱۳۹
فأذكرها، وقد تكلّم عليه الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" وغيره،
والله أعلم.
التوسعة يوم عاشوراء
س ۱۳۱ - وسُئل رضي | الله عنه: روى الطبراني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه في سنته كلها». فحسما للنزاع القائم بيني وبين فئةٍ مِن النَّاسِ في صحة هذا الحديث أرجو البيان، وهل لهذا الحديث أصل صحيح من السُّنَّة؟ وفي أي كتاب ؟ ج ۱۳۱ - فأجاب رضي الله عنه : هذا الحديث ورد من حديث عبدالله بن
مسعود وأبي هريرة وجابر وأبي سعيد الخدري وابن عمر رضي الله عنهم. فحديث ابن مسعودٍ خرَّجه الطبراني قال : ثنا عبدالوارث بن إبراهيم : علي بن أبي طالب البزار : ثنا هيضم بن شداخ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن
وَسَّعَ على عِيالِهِ يومَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عليهِ سائِرَ سَنَتِهِ».
وهذا إسناد ضعيف لاتفاق المحدثين على ضعف هَيْضَمِ.
وحديث أبي هريرة خرجه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" قال: ثنا علي بن محمود بن علي بن مالك: ثنا إبراهيم بن أحمد بن الفضل: ثنا إبراهيم بن عون: ثنا حجاج بن نصير: ثنا محمد بن ذكوان، عن يعلى بن حكيم، عن سليمان بن أبي عبدالله، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن وَسَّعَ على عِيالِهِ وأهله يومَ عاشوراءَ وَسَّعَ الله عليه سائِرَ سَنَتِهِ». وهذا إسناد ضعيف أيضًا.
١٤٠
فتاوى وأجوبة
وحديث جابر خرَّجه ابن عبدالبر" في "الاستذكار" قال: أنبأنا أحمد بن قاسم ومحمد بن إبراهيم ومحمد بن حكم قالوا: ثنا محمد بن معاوية: ثنا الفضل بن الحباب: ثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي : ثنا شعبة، عن أبي الزبير، عن جابر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَن وَسَّعَ عَلى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ يوم عاشوراءَ وَسَّعَ اللهُ عليهِ سائِرَ سَنَتِهِ».
قال جابر: جربناه فوجدناه كذلك، وقال أبو الزبير وشعبة مثله. وحديث أبي سعيد الخدري خرَّجه الطبراني في "الأوسط" قال: ثنا هاشم بن مرتد : ثنا محمد بن إسماعيل الجعفري: ثنا عبد الله بن سلمة الربعي، عن محمد بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صَعْصَعَةَ، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن وَسَّعَ على أَهْلِهِ يومَ عَاشُورَاءَ، وَسَّعَ اللهُ عليه سَنَتَهُ كلّها».
وحديث ابن عمر خرَّجه الدارقطني في "الأفراد" والخطيب في "رواة مالك"، بإسناد فيه مجهولون من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن كان ذَا جِدَةٍ وَمَيْسَرَةٍ فَوَسَّعَ عَلى نَفْسِهِ وعِيالِهِ يومَ عَاشُوراءَ وَسَّعَ اللهُ عليه إلى رأس السَّنَةِ المُقْبِلَةِ».
فهذه الطرق - وإن كانت ضعيفةً - إذا ضُمَّ بعضها إلى بعض أحدثت قوةً، يصير الحديث بها قريبا من درجة الحسن، على أنَّ الحافظ العراقي نقل عن الحافظ أبي الفضل بن ناصر أنه صحح بعض طرق حديث التوسعة، ولا يخلو
هذا التصحيح عن تساهل. والحاصل: أنَّ الحديث المسئول عنه ليس بصحيح ولا حسن، ولكنه قوي
الحديث الشريف
١٤١
قريب من الحسن، والله أعلم.
س ۱۳۲ - وسُئل رضي الله عنه: أرجو إفتاءنا عن حديث: «مَنْ اعْتَصَمَ
بعد النبيِّ كَفَرَ هل هذا الحديث صحيح؟ وإذا كان كذلك فلماذا؟ ج ۱۳۲ - فأجاب رضي الله عنه : هذا كلام وليس بحديث، والله أعلم. س ۱۳۳ - وسُئل رضي الله عنه: عن حديث: «عَبْدِي أَطِعْني أجعلك
رَبَّانِيًّا تقول للشيء كن فيكون هل هو موجود في "صحيح البخاري"؟ ج ۱۳۳ - فأجاب رضي ا الله عنه : هذا الحديث غير موجود في "صحيح البخاري"، ولا في بقيَّة الكتب الستة، وإنّي لشديد العجب ممن ادعى أنه رآه في "صحيح البخاري"؛ لأنه حديث موضوع، لم يُخرجه أحدٌ من أئمة الحديث وإنما ذكره بعض الصوفية مُعلَّقًا بدون إسناد، وهو من الإسرائيليات التي أدخلت في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هذا هو الفصل في
الموضوع، فشُدَّ عليه بكلتا يديك أيها السائل، والله الموفق.
س ١٣٤ - وسئل رضي الله عنه: عن حديث: «إذا كان آخر الزمان تَقِلُ الرجال... إلخ هل هو صحيح؟ وإذا كان ذلك ففي أي كتاب من الكتب؟
فقد حصلت مجادلة في هذا الحديث.
ج ١٣٤ - فأجاب رضي الله عنه : نعم، هو حديث صحيح خرجه البخاري في "صحيحه" قال: ثنا حفص بن عمر - هو الحوضي-: ثنا هشام - هو الدَّسْتوائي - عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال: لأحَدَّثنكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم لا يُحدثكم به أحد غيري، سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ مِن أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَن يُرْفَعَ
١٤٢
فتاوى وأجوبة
العِلْمُ ويَكْثُرَ الجَهْلُ ، ويَكْثُرَ الزِّنَا، ويَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ
النِّسَاءُ حتى يكون لخمسين امْرَأَةُ القَيِّمُ الواحِدُ».
وخرجه مسلم في "صحيحه": ثنا أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا محمد بن بشر. (ح) وثنا أبو كريب، ثنا عبدة، وأبو أسامة؛ كلُّهم عن سعيد بن أبي عروبة،
عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثل حديث البخاري، والله أعلم.
الفرق بين القرآن والحديث القدسي
س ١٣٥ - وسُئل رضي الله عنه: هل الأرجح أن الحديث القدسي نزل باللفظ
والمعنى، أو بالمعنى فقط ؟ وما الفرق بينه وبين القرآن والسُّنَّة؟ مع بسط المقام. ج ١٣٥ - فأجاب رضي الله عنه: الحديث القدسي ويُسمَّى «الربَّاني، والإلهي أيضًا، قال الطيبي: «إنما نزل معناه، وفُوّض إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يرويه بأي عبارة شاء».
صدر
ووافقه الجرجاني وعلي القاري، وعبارة الثاني: «الحديث القدسي ما يرويه الثقات وبدر الرُّواة عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات عن الله تبارك وتعالى، تارةً بواسطة جبريل عليه السلام وتارة بالوحي والإلهام والمنام مفوضًا إليه التعبير بأي عبارة شاء من أنواع الكلام.
وقال الكرماني في أول كتاب الصوم من شرح البخاري" ما يفيد أنه نزل لفظه ومعناه معا وهو ظاهر كلام "التحرير" و"شرحه"، وكلام الجلال المحلي في "شرح جمع الجوامع وهو الراجح؛ لأن السنة النبوية، والحديث القدسي
الحديث الشريف
١٤٣
متساويان في نزول معناهما من الله تعالى بدليل : وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ
إِلَّا وَحْى يُوحَى ﴾ [النجم: ٣ - ٤] .
فروايته - أعني الحديث القدسي عن الله تعالى دون السُّنَّة النبوية مع تساويهما فيما تقدَّم ليس إلا لمزيَّة له عليها ، وليست تلك المزيَّة إلَّا أن لفظه منزل
أيضًا، وعلى هذا يظهر الفرق بينه وبين السُّنَّة النبوية.
وحاصله: أنَّ السُّنَّة النبوية معناها من الله تعالى واللفظ مِن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم بخلاف الحديث القدسي فإنَّ لفظه ومعناه من الله تعالى وليس للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم منه إلا مجرد روايته.
وأما الفرق بينه وبين القرآن فمن وجوه:
1 - أنَّ القرآن معجز بخلاف الحديث القدسي.
٢ - أنَّ القرآن مُتعَبَّد بتلاوته وليس كذلك الحديث القدسي . - أنَّ القرآن لا يكون إلا متواترا، والحديث القدسي غالبه آحاد، بل لا
أعرف حديثا قدسيّاً متواترا على كثرة ما قرأت من الأحاديث القدسية. ومن الفروق أيضًا عدم صحة الصلاة بالحديث القدسي وعدم حرمة مسه
وقراءته للجنب وعدم كُفْر منكره بخلاف القرآن في جميع ذلك.
هذا وقد كنت أريد أن أبسط المقام إجابة لرغبة السائل ولأني لم أر أحدًا وافاه حقه من البحث والتحقيق، لكن منعني كثرة ما لدي من الأسئلة التي يلح على أصحابها في الجواب عنها فورًا، فاقتصرت على ما رأيت أنه كافٍ في الموضوع، ريثما يسنح وقت يتسع لأكثر من هذا.
١٤٤
. فتاوى وأجوبة
هل أحاديث الصحيحين تفيد اليقين؟
س ١٣٦ - وسئل رضي الله عنه: هل ما في الصحيحين يُفيد القطع أو الظنَّ؟ وهل كل ما فيهما صحيح قطعا؟ أرجو من فضيلتكم الإجابة جعلكم الله نبراسًا
للدين، وأيد بكم الإسلام والمسلمين.
ج ١٣٦ - فأجاب رضي الله عنه: إِنَّ في ذلك خلافًا كبيرًا.
فذهب أبو إسحاق، وأبو حامد الإسفراينيَّان، وأبو إسحاق الشيرازي والقاضي أبو الطيب الطبري، والقاضي عبدالوهاب، والسرخسي، وأبو يعلى القاضي، وأبو الخطاب، وابن الزاغوني، وابن فورك، والحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، وأبو نصر عبدالرحيم بن عبدالخالق بن يوسف، والحافظ ابن الصلاح، إلى أنَّ ما في الصحيحين يُفيد القطع. قال بعض الحفاظ المتأخرين: «وهو مذهب أكثر أهل الكلام من الأشعرية وأهل الحديث قاطبة والسلف عامة» . اهـ
واستثنى ابن الصلاح من ذلك أحاديث فيهما انتقدها حذاق الحفاظ، كالحافظ أبي الحسن الدارقطني وأبي مسعود الدمشقي وأمثالهما، وعدة الأحاديث المنتقدة فيهما مائتان وعشرون حديثا، اتفقا على اثنين وثلاثين وانفرد البخاري بثمانية وسبعين ومسلم بمائة، وما عدا هذا فمقطوع بصحته عند من
ذكرنا، واختاره الحافظ ابن كثير، وخاتمة الحفاظ الجلال السيوطي. وذهب ابن برهان والنووي وابن عبد السلام والحافظ العراقي، إلى أنَّ ما في الصحيحين يفيد الظن ما لم يتواتر. وحكاه النووي عن المحققين والأكثرين؛
الحديث الشريف
١٤٥
لأن ذلك شأن الآحاد.
قال في "شرح مسلم: لا فرق في ذلك بين الشيخين وغيرهما، وتلقي الأمة بالقبول إنما أفاد وجوب العمل بما فيهما من غير توقف على النظر فيه، بخلاف غيرهما فلا يعمل به حتى ينظر فيه ويوجد فيه شروط الصحيح، ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على القطع بأنه من كلام النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم».اهـ
وقال الحافظ: «ما ذكره النووي مُسَلَّمٌ مِن جهة الأكثرين أمَّا المحققون فلا، فقد قال بالقطع محققون».اهـ
وقال في "شرح النخبة": «الخبر المحتفُ بالقرائن يُفيد العِلْمَ خلافًا لمن أبي ذلك»، قال: «وهو أنواع؛ منها ما رواه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر فإنه احتف به قرائن منها جلالتهما في هذا الشأن، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى من إفادة العِلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر، إلَّا أنَّ هذا مختص بما لم ينتقده أحد من الحفاظ وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه حيث لا ترجیح لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر، وما عدا ذلك فالإجماع حاصل على تسليم صحته، وما قيل من أنهم إنما اتفقوا على وجوب العمل بكل ما صح، ولو لم يخرجاه، فلم يبق للصحيحين في هذا مزيَّة، والإجماع حاصل على أنَّ لهما مَزيَّة فيها يرجع إلى نفس
الصحة، ويحتمل أن يقال المزية المذكورة كون أحاديثهما أصح الصحيح».
١٤٦
فتاوى وأجوبة
ثُمَّ ذكر الحافظ بقية أنواع الخبر الذي يفيد العلم، ثُمَّ قال: «وهذه الأنواع التي ذكرناها لا يحصل فيها العلم إلا للعالم المتبحّر في الحديث العارف بأحوال الرواة والعلل، وكون غيره لا يحصل له العلم لقصوره عن الأوصاف المذكورة، لا ينفي حصول العلم للمتبحر المذكور» . اهـ
وخلاصة الجواب: أن ما في الصحيحين يفيد القطع على نحو ما فعله الحافظ ابن حجر، وعليه يحمل إطلاق كلام الحافظ ابن الصلاح ومن ذكر معه. وأما هل ما فيهما صحيح قطعًا، فقد علم جوابه مما سبق، وهو أنه صحيح
ظنا،
قطعا، سوى ما انتقده الحافظ وما وقع تجاذب بين مدلوليه فإنه صحيح وقد بالغت في الاختصار مع أنَّ المقام واسع طويل الذيول، وفيه فوائد ونفائس قل من يعرفها، وعذري في الاختصار ما قدمته.
ضبط كلمة في حديث: «لعن الله آكل الربا وموكله» س ۱۳۷ - وسئل رضي الله عنه : عن لفظ: «مُوكِله» من حديث: «لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبا ومُو كِلَهُ». هل هو بالهمزة أو عدمه؟
ويذكر السائل أنه وجد في ضبطه اختلافًا، قال: فقد رأيت في بعض كتب الحديث ضبط قوله: «موكله بفتح الواو بدون همز، كما في "مختصر جامع الأصول" الذي صححه الشيخ محمد هارون، ولكن في "نهاية" ابن الأثير، بالهمز فوق الواو، وكذا في كتب اللغة كل هذا مضبوط بالشكل، وبرجوعي لـ"شرح النووي على مسلم"، لم أره تعرّض لضبط هذه الكلمة، كما أنَّ العزيزي أهملها أيضًا، وكذا الحفني.
الحديث الشريف
١٤٧
ثم رأيت الشيخ الحلواني في رسالته "الوسم في الوشم" يقول في ضبط هذه الكلمة: «إنها بضم الميم وسكون الواو».
فنرجو أن تبينوا لنا الرواية في الحديث هل وردت بالهمز وعدمه، أو أنَّ الرواية واحدة فقط؟
ج ۱۳۷ - فأجاب رضي الله عنه : إنَّ الأوجه المذكورة في السؤال في ضبط لفظ «موكله» كلها جائزة من حيث اللغة والمعنى عليها واحد لكن الرواية جاءت في "صحيح البخاري" بالضبط الذي ذكره الحلواني، وكذا في بقية الكتب الستة.
وروينا الحديث في سنن الدارمي بلفظ «مؤكله» بالهمز مع السكون فهذان الوجهان مرويَّان، وما عداهما من تصرف الرواة وهو جائز، والله أعلم.
وصايا فاطمة الزهراء
س ۱۳۸ - وسئل رضي الله عنه: هل هذا الحديث صحيح أو موضوع روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دَخَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم على ابنته فاطمة الزهراء رضى الله تعالى عنها فوجدها تطحن شعيرا وهي تبكي، فقال لها النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «ما يُبكيك يا فاطمة؟». فقالت: يا أبتِ مِن هَمّ الطحين وحاجة البيت، فلو سألت الإمام عليا
رضي الله عنه يشتري له جارية لكان له أجر عظيم». قال: فلما سمع النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كلامها رَقَّ قَلْبُهُ عليها وفاضت عيناه من الدموع، قال: فعند ذلك جلس النبيُّ صلَّى الله عليه وآله
١٤٨
فتاوى وأجوبة
وسلم عند الرَّحَى، وأخذ كفا من الشعير بيده المباركة وقال: «بسم الله الرحمن الرحيم» وجعل يلهى في الرحى، فدارت فوجدها تُسَبِّح الله سبحانه وتعالى
تسبيحا بلسان فصيح وصوتٍ مَليحٍ فلم تزل كذلك حتى فرغ الطحين. فقال لها النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «اسْكُتي أَيَّتها الرَّحَى». فأنطقها الله الذي انطق كل شيء فقالت: «والذي بعثك بالحق نبيا وبالرسالة نجيا لا
أسكت حتى تضمن لي على الله الجنَّة والنَّجاة مِن النَّارِ».
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أنتِ حَجَرٌ وتخافين مِن النَّارِ؟» فقالت: «یا رسول الله سمعت في القرآن العظيم: يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَيْكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: ٦] فدعا لها النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم، فلما فَرَغَ من الدعاء هبط الأمين جبريل عليه السلام وقال: «يا محمد، الرب سبحانه وتعالى يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك: بَشِّر هذا الحَجَرَ أنَّ الله سبحانه وتعالى أعتقه من النَّار وجعله من حجارة الجنَّة في قصر فاطمة الزهراء، نوره كنور الشمس في الدنيا»، قال: فبشره، ثُمَّ التفت إلى فاطمة رضى الله تعالى عنها وقال لها: «يا فاطمة، لو شاء الله سبحانه وتعالى لطَحَنَتِ الرَّحَى وحدها كل يوم، ولكن الله سبحانه وتعالى يكتب لك الحسناتِ ويرفع ! الدَّرَجاتِ في تحملك الأذى.
لك
يا فاطمة، ما من امرأة طحنت إِلَّا كتب الله بكل حَبَّةٍ حَسَنَةٌ . يا فاطمة، ما من امرأة عرقت عند خبيزها إِلَّا جعل الله بينها وبين النار
الحديث الشريف
خنادق ما بين الخندق والخندق كما بين السماء والأرض.
١٤٩
يا فاطمة، ما من امرأة كسرت البصلة عند الطعام فدمعت عيناها إلا كتب الله لها ثواب الباكين من خشية الله. يا فاطمة، ما من امرأة غزلت بيدها إلا كتب الله لها بكل خيط مائة حسنة ومحا عنها مائة سيئة. يا فاطمة، ما من امرأة برمت غَزْلَهَا إِلَّا كان لها دوي تحت العرش يوم القيامة يا فاطمة ما من امرأة غسلت وكست أولادها وعيالها إلَّا كتب الله لها ثواب من أطعم ألف جائع وكسا ألف عريان. يا فاطمة، ما من امرأة دهنت رأس أولادها وحلت شعورهم وغسلت ثيابهم وقتلت قملهم إلا كتب الله بكل شعرة حسنة، ومحا عنها بكل شعرة سيئة، وزيَّنها في أعين الناظرين يا فاطمة ما من امرأة منعت جيرانها من حاجتها إلا منعها الله تعالى الشرب من الكوز يوم القيامة. يا فاطمة، خمسة أشياء لا يحل منعهنَّ : الماء، والنار، والخميرة، والرَّحَى، والإبرة، ولكل واحدة منهنَّ حسنةٌ.
یا فاطمة، من منع الماء ابتلاه الله بالاستسقاء، ومَن منع ا النار ابتلاه الله بالعداوة بينه وبين أهله، ومَن منع الرَّحَى ابتلاه الله بالصداع، ومن منع الإبرة ابتلاه الله بالمرض. يا فاطمة، أفضل الأعمال عند الله تعالى رضا زوجك عنك. يا فاطمة، من رضي عنها زوجها ومات وهو راض عنها كتب الله بكل شعرة على جسده حسنةً، ولا تخرج روحها من جسدها حتى يرضى عنها ربها. يا فاطمة، ما من امرأة ماتت على طاعة زوجها إلَّا كتب الله لها ألف حسنة.
١٥٠
يا فاطمة، ما من امرأة بلا زوج إلا كشجرة بلا ثمر.
فتاوى وأجوبة
يا فاطمة، إذا نظر الرجل في وجه زوجته كتب الله له مائة حسنة، فإن جامعها كتب الله بكل شعرة في جسده حسنةً، فإن اغتسل من الجنابة خلق الله تعالى من كل قطرةٍ ملكًا يُسبِّح الله تعالى ويستغفر له إلى يوم القيامة وله ثوابهم. يا فاطمة، فإذا حملت المرأة تستغفر لها الملائكة في السماء والحيتان في الماء
وكتب الله لها ألف حسنة، ومحا عنها ألف سيئة، ولها في كل يوم من حملها ثواب المجاهدين في سبيل الله تعالى، فإذا وضعت حملها خرجت من ذنوبها كيوم ولدتها أمها، وكتب الله لها ثواب سبعين حَجَّة مقبولة، فإذا أرضعت ولدها كتب الله لها بكل قطرة لبن حسنةً، وكفّر عنها سيئة، وتستغفر لها الحور العين في جنات النعيم. يا فاطمة، ما من امرأة عبست في وجه زوجها إِلَّا غضب الله عليها، وغضب عليها الملائكة أجمعون، فإن منعته الفراش لعنها كل رطب ويابس. يا فاطمة، ما من امرأة قالت لزوجها أفٍّ عليك إلا لعنها الله والملائكة والناس أجمعون يا فاطمة، ما من امرأة خففت عن زوجها صداقها إلَّا كتب الله لها بكل درهم قصرًا في الجنة. يا فاطمة ما من امرأة صلت صلاتها ودعت
لنفسها ولم تدع لزوجها إلَّا ردَّ الله عليها صلاتها حتى تدعو لزوجها. يا فاطمة، ما من امرأة غضب عليها زوجها ولم تسترضه حتى يرضى إلا كانت في سخط الله وغضبه.
يا فاطمة، ما من امرأة لبست ثيابها وتزيَّنت وخرجت من بيتها من غير إذن
زوجها إلا لعنها كل رطب ويابس حتى ترجع إلى بيتها، وما من امرأة نظرت إلى
الحديث الشريف وجه زوجها ولم تضحك إلَّا غضب الله عليها والملائكة والناس أجمعون.
١٥١
يا فاطمة، ما من امرأة كشفت عن وجهها لغير زوجها إلَّا أكبها الله على وجهها في النَّارِ.
يا فاطمة، ما من امرأة دخلت في بيت من يكره زوجها إلَّا أدخل الله عليها
سبعين عقربا من عقارب جهنم تلدغها إلى يوم القيامة.
يا فاطمة، ما من امرأة صامت بغير إذن زوجها إلَّا ردَّ الله عليها صومها، ولم يقبل منها صَرْفًا ولا عَدْلًا يا فاطمة ما من امرأة سرقت من بيت زوجها
إلَّا كتب الله عليها وزر سبعين سرقة.
والله أعلم، وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم. ج ۱۳۸ - فأجاب رضي الله عنه هذا الحديث يعرف عند المحدثين بـ«وصايا فاطمة عليها صلوات الله، وهو حديث موضوع كما صرح به جماعةٌ من الحفاظ، آخرهم الحافظ جلال الدين السيوطي رضي الله عنه، والله أعلم. حديث: «كنتُ كنزًا لا أُعرف...»
س ۱۳۹ - حديث: كنتُ كنزًا لا أعرف فأردتُ أَنْ أَعْرَفَ فخلقتُ خلقًا فعرفتهم بي فعرفُوني». وفي لفظ: كنتُ كنزا مخفيًّا فأحبتُ أنْ أُعْرَفَ فخلقت خلقا
عرفُوني».
فبي
ج ۱۳۹ - اشتهر على الألسنة وذكره كثير من الصوفية، قال ابن تيمية: ليس من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يعرفُ له سند صحيح ولا
١٥٢
فتاوى وأجوبة
ضعيف. ووافقه الزَّركشي، والحافظ ابن حجر، والحافظ السخاوي، والحافظ
السيوطي، والله أعلم.
حديث: «السلطان ظلّ الله في الأرض»
١٤٠ - (فائدة): قرأتُ كلمة الأستاذ ماء العينين في الرد على أخي الذي بين وضع حديث: السلطان ظلّ الله في الأرض». فوجدتها بعيدة عن الصناعة الحديثية بعدًا كبيرًا ولا تمت إلى قواعد مصطلح الحديث.
فأردت أن أبين ما فيها بإيجاز :
۱ - غفل الأستاذ كما غفل السيد عبد الكبير العلوي عن أمر مهم وهو أنَّ السيوطي حين عزا الحديث إلى ابن النجار أشار إلى تضعيفه لأنَّه بيّن في خطبة "الجامع الكبير" الذي هو أصل "الجامع الصغير" أنَّه إذا عزا الحديث للعقيلي وابن عدي والخطيب وابن عساكر والحكيم الترمذي والحاكم في "تاريخه" وابن النجار والديلمي فهو ضعيفٌ، فيستغنى بالعزو إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفها، وعلى هذا فالحديث ضعيف عند السيوطي، والموضوع من أقسام الضعيف كما تقرر في المصطلح. ۲ - دعوى حسن الحديث بأنَّ السُّيوطي رمز له بـ «الحاء» خطأ عليه ! السيوطي لم يقل ذلك، ولكنَّ العلقمي يذكر في شرحه للـ"جامع الصغير"
لأنَّ
عقب الحديث قوله : بجانبه علامة الصحة، أو علامة الحسن، أو الضعف. ونص العلماء على أنَّه لا يجوز الاعتماد على هذه الحروف لأن تحريف
النساخ أفسدها، وحديثنا هو عند السيوطي ضعيف فكيف يرمز له بالحاء؟!
الحديث الشريف
١٥٣
- دعوى أنَّ "الجامع الصغير" ليس فيه حديث موضوع غير صحيحة،
بل فيه أحاديث موضوعةٌ كثيرة، منها على سبيل المثال: حديث: «آخرُ أربعاء في الشهر يوم نحْسُ مُستَمِرٌّ». وحديث: «ربيع أمتي العِنَبُ والبطيخ».
والسيوطي متساهل، نصَّ عليه العلماء، منهم صاحب "عون المعبود شرح سنن أبي داود".
٤ - العبرة عند أهل الحديث بالسند لا بالتقليد لفلان وفلان، وحديثنا الذي نتكلم عنه في سنده شيخُ ابن النجار المطعون فيه فكيف تنتظر من يحكم عليه أو من يرمز له بالحاء؟!
نعم قد يكون حكم أخي شديدا، والحديثُ لا يخرج عن كونه واهيا، والواهي مثل الموضوع، والتفرقة بينهما أمر اصطلاحي يعرفه أهل الحديث.
أسئلة حديثية وأجوبتها
حديث: «لا خاب من استخار ولا ندم من استشار».
س ١٤١ - وسئل رضي الله عنه عن حديث: «لا خاب من استخار ولا ندم من استشار».
ج ١٤١ - فأجاب رضي الله عنه: رواه الطبراني في "الصغير" والقضاعي في "مسند الشهاب" عن أنس بن مالك مرفوعًا بلفظ: «ما خابَ مَن اسْتَخارَ، ولا نَدِمَ مَنِ اسْتَشارَ ولا عَالَ مَن اقْتَصَدَ». وفي سنده عبدالقدوس ابن حبيب
وابنه عبد السلام، وهما ضعيفان لكن للحديث شواهد تقويه.
١٥٤
فتاوى وأجوبة
حديث: «من أتى بعراف فقد كفر بما أنزل على محمد :
"
س ١٤٢ - وسئل رضي الله عنه عن حديث: «من أتى بعراف فقد كفر بما أنزل على محمد .
ج ١٤٢ - فأجاب رضي الله عنه: رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن ماجه عن أبي هريرة بلفظ: «مَن أَتَى مِنكُمْ كَاهِنًا أَو عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يقول فقد كَفَرَ بما أُنزل على محمد». وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم. ورواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" والبزار وأبو يعلى عن أبي مسعودٍ
.
موقوفا بإسناد صحيح، عدا سند الطبراني في "الأوسط" فإنه ضعيف. وفي الباب أحاديث كثيرة.
-
حديث موضوع في "دلائل الخيرات"
س ١٤٣ - وسئل رضي الله عنه عن حديث رآه السائل في "دلائل الخيرات" في حزب يوم الجمعة الخامس وهو : قال رسول الله صلى الله عليه . وآله وسلم: من قرأ هذه الصَّلاة مرَّةً واحدةً كتب الله له ثوابَ حَجَّةٍ مقبولة، وثواب من أعتق رقبةً من ولد إسماعيل عليه السلام، فيقول الله تعالى: يا ملائكتي هذا عبد من عبادي أكثر الصلاة على حبيبي محمد فوعِزَّتي وجلالي ومجدي وجودي وارتفاعي لأعطينه بكل حرف صلَّى قصرًا في الجنة وليأتين يوم القيامة تحت لواء الحمد نور وجهه كالقمر ليلة البدر وكفُّه فى كفّ . محمد، هذا لمن قالها كل يوم جمعة له هذا الفضل والله ذو الفضل العظيم».
حبيبي
ج ١٤٣ - فأجاب رضي الله عنه : لا أصل لهذا الحديث في شيء من كتب
الحديث الشريف
١٥٥
السنة النبوية ولقد تتبعت الأحاديث القدسية حتى أتيت على أقصى ما وصل إليه اطلاع خاتمة الحفاظ -وهو تسعمائة حديث قدسي- لعلي أجد ذلك
الحديث، فلم أعثر عليه بحال. وإني جازم بأنه موضوع لأمور:
أ- نَكَارَةُ مَعْنَاهُ ورَكَاكَةُ مَبْناهُ.
ب - أنَّ الصلاة التي ذكر هذا الحديث مُبيِّنًا لفضلها لم ترد عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم ولا عن أحدٍ من أصحابه.
ت أن أول من ذكر هذا الحديث - وهو ابن عظوم القيرواني- لم يكن من أهل الحديث ولا من المتثبتين في نقله، فتراه يذكر في كتابه الذي ألفه في فضل الصلاة على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أحاديث لا يشك قارئها أنها منقولةٌ
من مثل "سيرة البكري"، و "ضياء الأنوار"، و"رأس الغول" ونحوها. ثُمَّ رجع رجعت إلى شرح" دلائل الخيرات" لسيدي المهدي الفاسي فوجدته تبرأ من عهدة الحديث المذكور وألقى تبعته على ناقله أولا، وهو من : ذكره، والله أعلم.
حديث: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل»
قدمنا
س ١٤٤ - وسئل رضي الله عنه عن حديث «علماء أمتي كأنبياء بني
إسرائيل» هل هو صحيح؟ وهل حاج الغزالي موسى عليه السلام؟ ج ١٤٤ - فأجاب رضي الله عنه: أمَّا الحديث فقال الحافظ الدميري والبدر الزركشي والحافظ ابن حجر والحافظ السخاوي والحافظ السيوطي: «لا أصل
له»، يعنون أنه موضوع، وعندي أنه واه فقط، وليس بموضوع.
107
فتاوى وأجوبة
وهو مسند في كتاب "الكامل" لابن عدي، وقد شرحه ابن العربي الحاتمي في جزء خاص ليس هو عندي الآن، وتكلّم عليه أيضًا في كتاب "الأنوار"، فقال ما نصه: «اعلم أنَّ كلَّ ولي الله تعالى فإنه يأخذ ما يأخذ بواسطة روحانية نبيه الذي هو على شريعته ومن ذلك المقام شهد، فمنهم من يعرف ذلك ومنهم من لا يعرفه ويقول: قال لي الله ، وليس غير الروحانية، وهنا أسرار لطيفة تضيق هذه الأوراق عنها لما أردناه من التقريب والاختصار، غير الأولياء من أُمَّة محمد عليه الصلاة والسلام الجامع لمقامات الأنبياء عليهم
أنَّ
الصلاة والسلام قد يرث الواحد منهم موسى عليه السلام، ولكن من النور المحمدي لا من النور الموسوي، فيكون حاله من محمد عليه الصلاة والسلام حال موسى عليه الصلاة والسلام وربما يظهر من ولي عند موته ملاحظة موسى أو عيسى فيتخيَّل العامي ومن لا معرفة له أنه تهود أو تنصر لكونه يذكر هؤلاء الأنبياء عند موته، وإنما ذلك من قوة المعرفة بمقامه، إلَّا القطب فإنه على قلب محمّد عليه الصلاة والسلام، ولقد لقينا رجالًا على قلب عيسى وهو أول شيخ لقيته، ورجالا على قلب موسى وآخرين على قلب إبراهيم وغيرهم عليهم الصلاة والسلام ولا يعرف ما نذكره إلا أصحابنا. واعلم أنَّ محمدا صلى الله عليه وآله وسلّم هو الذي أعطى جميع ا الأنبياء والرسل مقاماتهم في عالم الأرواح حتى بعث بجسمه صلَّى الله عليه وآله وسلّم وتبعناه، والتحق بنا من الأنبياء في الحكم من شاهده أو أنزل بعده (۱)، فأولياء
(۱) يعني عيسى عليه السلام فإنه سينزل عند قرب الساعة كما تواتر في الحديث.
الحديث الشريف
١٥٧
الأنبياء الذين سلفوا يأخذون عن أنبيائهم، وأنبيائهم يأخذون عن محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلّم فشاركت الولاية المحمدية الأنبياء في الأخذ عنه، ولهذا ورد في الخبر: «علماء هذه الأمة كأنبياء بني إسرائيل» وقال تعالى فينا: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: ١٤٣] وقال في حق الرسل: ﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ
شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ﴾ [النحل: ۸۹] ، فنحن والأنبياء شهداء على أتباعهم» . اهـ كلامه، وليتأمل. وأمَّا مُحاجَّة الغزالي لموسى عليه الصلاة والسلام فهي - وإن اشتهرت بين علماء الأزهر وتلقيتها من أفواه كبرائهم ومُحققيهم؛ مكذوبة وموضوعةٌ، بل هي من أسمج الكذب وأفحشه لعن الله مختلقها ما أجرأه على الكذب.
الله عنه
نعم، ذكر ابن السبكي في "الطبقات" أنَّ أبا الحسن الشاذلي رضي ! رأى النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في النوم وهو يباهي موسى وعيسى عليه وعليهما الصلاة والسلام بالغزالي ويقول: «أفي أُمَّتكما حَبْرٌ مثل هذا؟» فقالا: «لا». هذا أصل الحكاية قبل أن يزيد فيها الدَّجّالون والمضللون قاتلهم الله أنى
يؤفكون.
س ١٤٥ - وسئل رضي الله عنه عن حديث، وهو سؤال الصحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم كم تكفي المؤمن من الأكل في اليوم؟ قال: «أكلتان»، قالوا أو ثلاثة؟، قال: «علقوا له المعلقة».
ج ١٤٥ - فأجاب رضي الله عنه قال: هذا ليس بحديث. وإنما الحديث هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أكلتان في اليوم إسراف» وهو حديث ضعيفٌ.
١٥٨
. فتاوى وأجوبة
«إنما العلوم أربعة... ليس بحديث
س ١٤٦ - وسئل رضي الله عنه: عن حديث: «إنها العلوم أربعة: علم الفقه لحفظ الأديان، وعلم الطب لحفظ الأبدان، وعلم النحو لحفظ اللسان، وعلم
النجوم لحفظ الزمان».
هو
ج ١٤٦ - فأجاب رضي الله عنه : فقال رضى الله عنه: ليس بحديث وإنما
قاعدة علمية لا حديث.
أسئلة حديثة وأجوبتها
كتب إلى فضيلة الأستاذ الشيخ عبدالغني عوض يشكرني على ما أجبته به في مسألة ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويطلب مني أن أجيبه على
الأسئلة الآتية:
س ١٤٧ - «مَن عَرَفَ نَفْسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ».
س ١٤٨ - «علماء أُمتي كأنبياء بني إسرائيل» .
س ١٤٩ - «مَن تكلَّمَ يومَ الجُمُعَةِ والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا، والذي يقول له أنصت ليست له لجمعة».
س ١٥٠ - كنتُ كنزا مخفيًا فأحببتُ أن أُعرَف... » إلخ.
س ١٥١ - انور أبي بكر وعمر وعثمان وعلي من نوري». هل هذه بهذه الصيغ أحاديث أم لا؟
حديث: «مَن عَرَفَ نَفْسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ».
ج ١٤٧ - أما الحديث الأول فليس من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قال النووي، وابن تيمية، والبدر الزركشي، والسخاوي،
الحديث الشريف
١٥٩
والسيوطي، وذكر أبو المظفر السمعاني في مبحث التحسين والتقبيح العقليين
من كتاب "القواطع " أنه من كلام يحيى بن معاذ الرازي.
حديث: «علماء أُمتي كأنبياء بني إسرائيل».
ج ١٤٨ - وأما الحديث الثاني: فقد ذكرنا فيما سبق من أجوبتنا أنه واه، ويجب أن تعلم أنَّ الواهي حكمه حكم الموضوع من حيث عدم جواز العمل به، وعدم جواز روايته إلَّا إن قرنت ببيان حاله، وأنَّ التفرقة بينهما أمر صناعي خاص
بالمحدثين.
حديث: «مَن تكلِّمَ يومَ الجُمُعَةِ والإمام يخطب ....
ج ١٤٩ - وأما الحديث الثالث: فرواه أحمد، والبزار، والطبراني، في "الكبير" من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف، ورواه حماد : بن سلمة في جامعه عن ابن عمر موقوفا بإسناد قوي.
«كنتُ كترًا مخفيًا فأحببتُ أن أُعرف......
ج ١٥٠ - وأما الحديث الرابع: فموضوع كما نبهنا عليه فيما مضى من
أجوبتنا.
حديث: «نور أبي بكر وعمر وعثمان وعلي من نوري».
ج ١ ١٥ - وأما الحديث الخامس: فسنده مُظلِم فيه أبو معشر السندي وأبو شعيب السوسي والهيثم بن جميل وهم متروكون، وفيه أيضًا أحمد بن يوسف المسبحي مجهول وهو الذي وَضَعَهُ.
17.
فتاوى وأجوبة
سؤال عن قراءة البسملة ٢١ مرة
س ١٥٢ - ما حكم قراءة البسملة ۲۱ مرة بين فرض الصبح وسنته القبلية، وهل وردت؟
ج ١٥٢ - قراءة البسملة على الوصف المذكور بدعة لم يرد فيها حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيفٌ، وإنما ذكرها أصحاب الخواص كالبوني في "شمس المعارف" والديربي في "المجربات" والسنوسي في "فوائده" وغيرهم وليس على ذلك أَثَارَةٌ مِن عِلْمٍ.
وقد ورد فيما يقرأ بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح أحاديث: منها: حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الركعتين بعد طلوع الفجر ثُمَّ يقول: «اللهم رَبَّ جبرئيل وميكائيل وربَّ إسرافيل وربَّ محمَّد، أعوذ بك مِن النَّارِ، ثُمَّ يخرجُ إلى صَلاتِهِ». خرجه أبو يعلى وفيه عبيد الله بن أبي حميد وهو ضعيف.
ومنها حديث أسامة بن عمير أنه صلى مع رسول الله و ركعتي الفجر فصلى قريبا منه، فصلى ركعتين خفيفتين: فسمعته يقول: «رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ومحمد أعوذ بك من النَّارِ» ثلاث مراتٍ. خرجه الطبراني
وفيه عباد بن سعيد، عن مُبشِّرِ ضعيفان، وذكر هما ابن حبان في "الثقات". ومنها: حديث ابن عباس أنه رقد عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: قام النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثُمَّ انصرف فنام حتى نفخ، ثُمَّ فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات، ثُمَّ أوتر بثلاث، فأتاه بلال فآذنه
الحديث الشريف
١٦١
بالصلاة حين طلع الفجر فصلى ركعتين الفجر، ثُمَّ خرج إلى الصلاة وهو يقول: «اللهم اجعل في قَلْبِي ،نورا، وفي لساني نورا، واجعل في سمعي نورا، واجعل في بصري نورًا، واجعل مِن خَلْفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل من فوقي نورا، ومن تحتي نورًا، اللهمَّ أعطني نورًا .. خرجه مسلم وأبو داود واللفظ له. فذكر هذا الدعاء الصحيح أفضل من ذِكْرِ ما تقدم.
أسئلة حديثية وأجوبتها
كتب إلي حضرة الأستاذ الضوي مصطفى سلمان خطيب مسجد النواصر بالمطاعنة كتابًا يقول فيه بعد الدّيباجة ما نصه: أرجو من فضيلتكم التكرم بالإجابة عن طرق هذه الأحاديث وأسانيدها ورواتها، وهل صحيحة أم حسنة أم ضعيفة؟ نرجو بيان ذلك كله بالتفصيل ولكم منا الشكر ومن الله المثوبة والأجر: س ١٥٣ - حديث الذباب: «إذا وَقَعَ الذُّبابُ فِي إِناءِ أَحَدِكُمْ...» إلخ. س ١٥٤ - عن أم عطية قالت : نُهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا. س ١٥٥ - كان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في جنازة فرأى عمر رضي الله
عنه امرأة فصاح بها فقال: «دَعْهَا يا عمر».
س ١٥٦ - «مَن غَسَّلَ مَيْتًا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ».
س ١٥٧ - هل ورد حديث صحيح في عدد تكبيرات العيدين أم لا؟
حديث الذباب
ج ١٥٣ - أما حديث الذُّباب فبين يدي الآن من طرقه أربعة: طريق أبي هريرة، وأبي سعيد، وعلي، وأنس، رضي الله عنهم.
١٦٢
فتاوى وأجوبة
فطريق أبي هريرة ورد من رواية عبيد بن حنين، وسعيد المقبري. فرواية عبيد بن حنين أخرجها البخاري في موضعين من "صحيحه" فقال في كتاب بدء الخلق»: حدثنا خالد بن مخلد ثنا سليمان بن بلال قال: حدثني عتبة بن مسلم قال : أخبرني عبيد بن حنين قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِذَا وَقَعَ الذُّبابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فليَغْمِسْهُ ثُمَّ لَيَنْزِعْهُ؛ فَإِنَّ فِي إحْدَى جَناحَيْهِ دَاءً والأَخرَى شِفاء». قلت: خالد بن مخلد هو القَطَواني - بفتح القاف والطاء من كبار رجال البخاري، احتج به السته إلَّا أبا داود، وهو ثقة شيعي غير أن أحمد قال: «له
مناكير». قال الحافظ ابن حجر: تتبعها ابن عدي من حديثه وأوردها في كامله وليس فيها شيء مما أخرجه له البخاري، بل لم أر له عنده من أفراده سوى
حديث واحد وهو حديث أبي هريرة: من عادى لي وليا .... الحديث» . اهـ قلت على أنه لم ينفرد بهذا الحديث أيضًا فقد ورد من طرق غير طريقه استوعبناها في تعليقاتنا على كتاب " تأييد الحقيقة العلية" للحافظ السيوطي وبينا هناك خطأ الحافظ الذهبي فيما ادعاه من التفرد والنكارة في الحديث بما
يشفي ويكفي.
وسليمان بن بلال هو الكوفي المدني احتج به الستة وهو ثقة مشهور، ولا أحدًا طعن فيه إلَّا ما قاله ابن شاهين في "الثقات" عن عثمان بن أبي شيبة أنه قال فيه: «لابأس به لكن ليس ممن يعتد عليه .
نعلم
قال الحافظ ابن حجر: «وهو تليين غير مقبول».
الحديث الشريف
وعتبة بن مسلم ثقة احتج به الستة إلَّا الترمذي.
١٦٣
وعبيد بن حنين ثقةٌ قليل الحديث لا نعلم أحدًا تكلم فيه إلَّا ما بلغنا عن الشيخ رشيد رضا عفا الله عنا وعنه أنه جرَّحه بحُجَّة أنه ليس عريقا في الإسلام. وهذا - إن صح عن الشيخ رشيد - من أسخف ما وقع له فمتى اشترط في عدالة الراوي وثقته أن يكون عريقا في الإسلام، وليت شعري كيف يقبل رواية الصحابة وجلهم حديثو عهد بالإسلام؟! أم كيف يحتج بالبخاري وأضرابه ممن لم يتجاوز الإسلام جدهم الثالث أو الرابع ؟!
تالله إن هذا لتجديد في علم التعديل والتجريح لم يكن لنا بحسبان، ولا غرابة فالدنيا أم العجائب تلد كل يوم عجيبة، ووقتنا هذا وقت اختراع وابتداع
حتى فيما لا يقبل الاختراع والابتداع.
والشيخ رشيد كان ينكر أحاديث صحيحة ويُجرّح رواة ثقات لا عن جهل
منه بالقواعد الحديثية لكن لحوائج في نفسه قضاها سامحه الله. وقال البخاري في كتاب «الطب»: حدَّثنا قتيبة: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن
عتبة بن مسلم مولى بني تميم ، عن عبيد بن حنين مولى بني زريق، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا وَقَعَ الذُّبابُ في إناء أحدكم فليَغْمِسْهُ كلَّه ثُمَّ لَيَطْرَحْهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَناحَيْهِ دَاءً وفي الآخَرِ شِفاء». وقال ابن ماجه: حدثنا سويد بن سعيد، ثنا مسلم بن خالد، عن عتبة بن
مسلم، عن عبيد بن حنين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «إذا وَقَعَ الذُّبابُ في شَرابِكُمْ فَليَغْمِسْهُ فِيهِ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ
جَناحَيْهِ داءً وفي الآخر شفاء». هذا إسناد على شرط الحسن.
١٦٤
فتاوى وأجوبة
ورواية سعيد المقبري خرَّجها أبو داود في "السنن" قال: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا بشر - يعني ابن المفضل عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا وَقَعَ الذُّبابُ في إناء أحدكم فإِنَّ فِي أَحَدَ جَناحَيْهِ داءً وفي الآخر شفاء، وإنه يُتَقَي بجَناحِهِ الذي فيه الداء؛ فليَغْمِسْهُ كلَّه». رجاله رجال الصحيح إلَّا ابن عجلان فهو وإن كان
ثقة لكن اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة فهذا الحديث حسن.
وطريق أبي سعيد خرجه ابن ماجه في "سننه" قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا بن هرون، عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد، عن أبي سلمة حدثني أبو سعيد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «في أَحَدِ جَناحَي الذُّباب سُمٌ وفِي الآخَرِ شِفَاءٌ، فإِذا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ
ويُؤخِّرُ الشَّفَاءَ».
وقال النسائي في كتاب الفرع والعتيرة من "سننه" أخبرنا عمرو بن علي - هو الفلاس- قال : حدثنا : ـا يحيي قال : حدثنا ابن أبي ذئب قال : حدثني سعيد بن خالد، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «إذا وَقَعَ الذُّبابُ في إناء أحدكم فليَمْقُلْهُ». رجال الإسنادين رجال الصحيح غير سعيد بن خالد ففيه ضعف، وقد وثقه النسائي وابن حبان، وصحح له هذا الحديث في "صحيحه".
وطريق علي عليه السلام خرَّجه ابن النجار في "تاريخه" ولفظه: «في الذُّباب أحد جناحَيْهِ داءً وفي الآخر شِفاءٌ، فَإِذَا وَقَعَ فِي الإِناءِ فَأَرْسِبُوهُ، فَيَذْهَبُ شفاؤه بدائِهِ». وإسناده ضعيف.
الحديث الشريف
١٦٥
وطريق أنس خرَّجه البزار في مسنده" والطبراني في "الأوسط" ولفظه: إذا وَقَعَ الذُّبابُ في إناء أحدكم فليَغْمِسْهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَناحَيْهِ دَاءً، وفي الآخر
شفاء». قال الحافظ الهيثمي : «رجال إسناد البزار رجال الصحيح». قلت: وروى البزار أيضًا من طريق عبد الله بن المثنى الأنصاري، عن عمه ثمامة: أنه حدثه قال : كنا عند أنس فوقع ذباب في إناء، فقال أنس بأصبعه فغَمَسَهُ في ذلك الإناء ثلاثا، ثُمَّ قال: بسم الله. وقال: إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم أمرهم أن يفعلوا ذلك. ورجال إسناده ثقات كما قال الحافظ ابن حجر.
حديث أم عطية: نُهينا عن اتِّباع الجنائز
ج ١٥٤ - وأما حديث أم عطية فهو حديث صحيح ا أيضا كسابقه خرجه البخاري في مواضع من "صحيحه" فقال في كتاب الحيض»: حدثنا عبد الله بن عبدالوهاب: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن حفصة، عن أم عطية قالت: «كُنَّا تنهى أن نُحِدَّ على مَيِّتٍ فوقَ ثلاث، إلا على زَوْجِ أربعة أشهر وعشرا، ولا نكتحل ولا نتَطَيَّبَ ولا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبوعًا، إِلَّا ثوبَ عَصْبٍ، وقد رُخَّصَ لنا عند الظُّهْرِ إِذا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِن يَحِيضها في نُبْذَةٍ مِن كُسْتِ أَطْفَارِ، وَكُنَّا نُنْهَى عن اتباع الجنائز». قال البخاري: وروى هشام بن حسان، عن حفصة، عن أمّ عطية عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم. قلت: غرض البخاري بهذه الجملة التنبيه على أن النهي في قول أم عطية : كنا ننهى أن نُحِدَّ.... إلخ صادرٌ مِن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم، وقد تقرر في عِلْمي الحديث والأصول أنَّ الصحابي إذا قال: «أُمرنا، أو نهينا» يُحمل كلامه على الرفع؛ لانصراف هذا اللفظ إلى مَن له الأمر والنهي وهو النبي
177
فتاوى وأجوبة
صلى الله عليه وآله وسلّم، وفي المسألة تفاصيل وخلافات لسنا بصددها الآن. وقال في كتاب الجنائز) : حدثنا قبيصة بن عقبة: ثنا سفيان - هو الثوري -
عن أم الهذيل - هي حفصة بنت سيرين، عن أم عطية قالت: «نهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا» (۱).
وروى الإسماعيلي في "المستخرج" من رواية يزيد بن أبي حكيم عن الثوري، عن أم الهذيل، عن أم عطية قالت : «نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا».
وقال البخاري في كتاب الطلاق»: حدثني عبدالله بن عبدالوهاب: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن حفصة، عن أم عطية... وذكر الحديث باللفظ المذكور في كتاب الحيض وقد نقلنله آنفًا. وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة : ثنا أبو أسامة، عن هشام، عن حفصة، عن أم عطية قالت: «نُهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا». إسناده
صحيح.
حديث: «دَعَهَا يا عمر، فإنَّ العَيْنَ دامِعَة.....
ج ١٥٥ - وأما الحديث الثالث فخرَّجه ابن أبي شيبة في "المصنف" قال: حدثنا وكيع، عن هشام، عن عروة - هو وهب بن كيسان- وعن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في جنازة فرأى عمر امرأةً فصاح بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم :
(۱) بهذا اللفظ رواه مسلم في "صحيحه" ونسينا أن نذكر سنده فليراجعه من أراده في «كتاب الجنائز) من الصحيح المذكور.
الحديث الشريف
١٦٧
دَعْها يا عمرُ ، فإِنَّ العَيْنَ دامِعَةٌ، والنَّفْسُ مُصابَةٌ، والعَهْدُ قَريبٌ». وقال ابن ماجة : ثنا أبو بكر بن شيبة وعلي بن محمد قالا: ثنا وكيع عن هشام بن
عروة، عن وهب بن كيسان، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي هريرة به.
عن
وقال أيضا: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا عفان، حماد
بن
سلمة،
عن هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سلمة بن الأزرق، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنحوه. ورجال الحديث ثقات كما قال الحافظ ابن حجر.
حديث: «مَن غَسَّلَ مَيْتًا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ». ج ١٥٦ - وأمَّا الحديث الرابع فخرَّجه الترمذي قال: حدثنا محمد بن عبدالملك بن أبي :الشوارب نا عبدالعزيز بن المختار، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مِن غَسْلِهِ الغُسْلُ، ومِن حَمْلِهِ الوُضُوءُ». يعني الميت. قال الترمذي: وفي الباب عن عليّ وعائشة». قال: «وحديث أبي هريرة
حديث حسن، وقد رُوي عن أبي هريرة موقوفا» . اهـ قلت: وفي الباب أيضًا عن المغيرة بن شعبة، وأبي سعيد، وحذيفة، وسعيد بن المسيب، وأبي قلابة.
فأما حديث عليّ عليه السلام فخرَّجه ابن أبي شيبة قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر عن الحرث عن علي قال: «مَن غَسَّل ميتا
فليغتسل».
١٦٨
فتاوى وأجوبة
وقال أيضا : ثنا شريك، عن أبي إسحاق: أنَّ رجلين من أصحاب على وأصحاب عبدالله غسَّلا ميتا فاغتسل الذي من أصحاب علي وتوضأ الذي من أصحاب عبدالله، يعني بن مسعود. وأما حديث عائشة رضي الله عنها فخرجه ابن أبي شيبة أيضا قال: ثنا محمد بن بشير العبدي، عن زكريا، عن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن عبدالله بن الزبير أنَّ عائشة حدثته أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال يُغْتَسَلُ مِن غُسْلِ المَيِّتِ».
وأما حديث المغيرة فخرجه أحمد قال: ثنا يعقوب: ثنا أبي، عن إسحاق قال: وقد كنت حفظت من كثير من علمائنا بالمدينة أن محمد بن عمرو بن حزم كان يروي عن المغيرة أحاديث، منها أنه حدثه أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَن غَسَّلَ مَيْتًا فَلْيَغْتَسِلْ».
وأما حديث أبي سعيد رضي الله عنه فخرَّجه الضياء في "المختارة" ولفظه: الغُسْلُ مِن الغُسْلِ والوضُوءُ مِن الحَمْلِ».
وأما حديث حذيفة رضي الله عنه فخرَّجه ابن أبي شيبة قال : ثنا وكيع، عن سعيد بن العزيز عن مكحول قال: سأل رجلٌ حذيفة كيف أصنع : قال اغسله
فإذا فرغت فاغتسل.
وأما أثر سعيد بن المسيب فخرَّجه ابن أبي شيبة أيضا قال: ثنا عبد الأعلى عن مَعْمَرٍ ، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال : مِن السُّنَّةَ أَنَّ مَن غَسَّلَ مَيْتًا
اغتَسَلَ.
وأما أثر أبي قلابة فقال ابن أبي شيبة أيضًا: ثنا عبدالوهاب الثقفي، عن
الحديث الشريف
١٦٩
أيوب، عن أبي قلابة أنه كان إذا غَسَّلَ مَيْتًا اغتسل .
وإذ قد أتينا على جميع ما في الباب نرجع إلى الكلام على حديث أبي هريرة ونذكر من رواه غير الترمذي فنقول : قال أبو داود: ثنا أحمد بن صالح: ثنا ابن فديك: ثني ابن أبي ذئب عن القاسم بن عبّاس، عن عمرو بن عمير، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن غَسَّلَ المَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ ومَن حَمَلَهُ فليتوضأ».
وقال أيضًا: ثنا حامد بن يحيي ، عن سفيان، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن إسحاق مولى زائدة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه. وقال ابن أبي شيبة: ثنا شبابة، عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «مَن غَسَّلَ مَيْتًا فليَغْتَسِلْ، ومَن حَمَلَهُ فليتوضأ». وقول الترمذي فيما نقلناه عنه سابقا: وقدروى عن أبي هريرة موقوفًا. قلت: كذلك رواه ابن أبي شيبة قال: ثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنه كان يقول: «مَن غَسَّلَ مَيْتًا فَليَغْتَسِلْ ومَن حَمَلَهُ فليَتوضّأ». هذا ما يتعلّق بطرق الحديث ورواياته، أمليناه على وجه لا يوجد في غير هذا المحل والحمد لله.
أما ما يتعلق بمعناه: فحكى الترمذي في ذلك خلافا بين أهل العلم من الصحابة وغيرهم وعبارته : اختلف أهل العلم في الذي يُغسل الميت، فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وغيرهم: إذا
۱۷۰
فتاوى وأجوبة
غَسَّلَ مَيَّتًا فعليه الغُسْلُ، وقال بعضهم: عليه الوضوء». وقال مالك بن أنس: استحب الغُسْلُ مِن غُسل الميت، ولا أري ذلك واجبا». وهكذا قال الشافعي، وقال أحمد: «مَن غَسَّلَ مَيَّتًا أرجو ألا يجب عليه الغسل، وأما الوضوء فأقل ما فيه». وقال إسحاق: «لابد من الوضوء». وقد روى عن
عبد الله بن المبارك أنه قال : لا يغتسل ولا يتوضَّأَ مَن غَسَّلَ الميت .اهـ قلت: أما الصحابة الذين أوجبوا الغسل فقد تقدم ذكرهم، وأما غيرهم ممن نفى الوجوب فهم ابن عبّاس وابن عمر وابن مسعود، وسعد، وعائشة، وعائذ بن عمرو، وأبو برزة، وإبراهيم النَّخَعِيُّ، والشعبي. واحتجوا لما قالوه بأنَّ الميت ليس بنجس فلا : يوجب مسه مشه غُسْلًا، أسند
ذلك
عنهم أبوبكر بن أبي شيبة في "مصنفه" تحت ترجمة «من قال: ليس على
غاسل الميت غُسل».
والحق أن الحديث ظاهر في الوجوب أخذا بحقيقة الأمر، فيحتاج من حمله
على الندب كالشافعية إلى إبداء دليل صارف عن الوجوب، وقد رأيت أبا داود صرح في السنن بأنَّ الحديث منسوخ، فإن صح هذا فهو أحسن ما يُعتذر به عن عدم الأخذ بظاهر الحديث.
هل ورد حديث صحيح في عدد تكبيرات العيدين ؟
ج ١٥٧ - وأما عدد تكبيرات العيدين فورد فيه أحاديث عن عمرو بن عوف المزني، وابن عباس ، وابن عمر وابن عمرو، وأبي هريرة، وسعد القرظ، وعائشة، وأبي موسى، وحذيفة، وعبدالرحمن بن عوف، وأبي واقد الليثي، بأسانيد ضعيفة لا تقوم بمثلها الحُجَّة، وأصحها إسنادا حديث عمرو بن
الحديث الشريف
۱۷۱
شعيب، عن أبيه، عن جده عبدالله بن عمر بن العاص أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم كبر في العيدين الأضحى والفطر ثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الأخيرة سوى تكبيرة الإحرام خرَّجه أحمد، وابن ماجه، وأبو داود، والدارقطني واللفظ له.
هذا أمثل إسناد في الباب، وهو إسناد حسن على ما أصله نُقاد المحدثين كالحافظ الذهبي من تحسين رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وإن كانت وِجَادَةً على أن الترمذي نقل عن أحمد بن حنبل وعلي بن المديني والبخاري أنهم صححوا هذا الحديث، وهذا التصحيح لا يخلو عن تساهل إلَّا
إن كان مرادهم بالنظر إلى شواهده فيمكن أن يُسلَّم.
فقد كنا نريد أن نتوسع في ذكر الطرق وبيان عللها وما فيها من توثيق وتضعيف وتعديل وتجريح ولم يُساعد الوقت على ذلك، وفيما ذكرناه كفاية،
وبالله التوفيق.
أسئلة حديثية و أجوبتها
أحاديث موضوعة في فضل بعض الأذكار
س ١٥٨ - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن صَلَّى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ في كل ركعة (فاتحة الكتاب) مرَّةً و (سورة الزلزلة) خمسة عشر مَرَّةً ، فإِذا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ يقول: يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. مائة مرة أمَّنه الله من عذاب القبرِ وظُلْمَتِهِ وضيقته ومن أهوال يوم القيام، ولا يقومُ مِن مَقامِهِ، لا جائعًا ولا ظمآنا
ويُكْسَى حُلَّةٌ مِن نورٍ ولا يخرج مِن الدُّنيا حتى يرى مَقْعَدَهُ في الجنَّةِ».
۱۷۲
فتاوى وأجوبة
س ١٥٩ - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن صلَّى ليلة السبت ستّ ركعات يقرأ في كل ركعة (فاتحة الكتاب) مرة و(سورة الإخلاص إحدى وثلاثين مرة أُخرج الغل والمكر والوسواس والعجب والرياء من قلبه ويجمع الله في قلبه النور والرحمة والرأفة، ويُلبسه يوم القيامة المغفرة، ويبقى وجهه كالقمر ليلة البدر، ويبني له بكل ركعة قصرًا في الجنَّةِ».
س ١٦٠ - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن صلَّى ليلة الأحد ست ركعات يقرأ في كل ركعة (فاتحة الكتاب) مرة و(سورة الاخلاص) سبع مراتٍ أعطاه الله ثواب الشاكرين والصابرين وأعمال المطيعين وكتب له عبادة سنتين، ولا يقوم من مقامه إلَّا
مغفور له، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مقعده في الجنَّةِ». س ١٦١ - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن صلَّى ليلة الاثنين عشر ركعات يقرأ في كل ركعة (الفاتحة) مرة وآية الكرسي مرة، فإذا فَرَغَ مِن صلاته يقرأ (سورة الاخلاص) ثنتي عشرة مرة فينادي منادٍ يومَ القِيامَةِ: أين فلان بن فلانة؟ يقوم يأخذ ثوابه من الله تعالى. فأوّل ما يُعطيه من الثواب ألف حُلَّةٍ مِن النور ويُتوج بتاج من النور، ويدخل الجنَّة مع الصدِّيقين والشهداء والصالحين، ويستقبله
ألفُ مَلَك يسير كلُّ مَلَك بهدية، وترون له ألف قصر من النور تتلألأ». س ١٦٢ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن صلَّى ليلة الثلاثاء ست ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب) مرة و(سورة الاخلاص)
الحديث الشريف
۱۷۳
والمعوذتين، فإذا فَرَغَ مِن صلاته يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي دائمٌ لا يموت أبدًا بيده الخير وهو على كل شيء قدير. سبعين مرة، أعطاه الله بكل حرف عشرة حوريات من الحور العين على كل واحدة منهنَّ سبعون حُلَّة مِن النور، ويُبنى له عشرة مدينات في كل مدينة ألف قصر، وله من الثواب ما لا يصفه الواصفون».
س ١٦٣- وعن أنس بن مالك قال: قال الرسول : «من صلى ليلة الأربعاء أربع ركعات يقرأ في كل ركعة (الفاتحة) مرة و(سورة الاخلاص) مائة مرة فإذا فَرَغَ مِن صلاته ينام ووجهه إلى القبله فإنه يراني وكأنها اشترى نَفْسَهُ من الله
تعالى.
س ١٦٤ - وعن أنس بن مالك قال: قال الرسول : «مَن صلَّى ليلة الخميس ثمان ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب) مرة و(سورة الإخلاص) عشرة مرات ثُمَّ يقول: لا إله إلَّا الله الملك الحق المبين، محمد رسول الله الصادق الوعد الأمين. مائة مرة بنى الله له ثمانمائة قصر من ياقوته حمراء ويصرف الله عنه كل شيطان مريد».
س ١٦٥ - «من قرأ في اليوم الآيتين آخر (سورة التوبة) لم يمت ذلك اليوم». وفي رواية «لم يُقتل ، ولم يقربه أحد بحديدةٍ ، ومن قرأها في ليلة كذلك». ذكر هذا سيدي علي الأجهوري.
والجواب: هذه الأحاديث كلها موضوعة وبيان ذلك:
1-1012
أن الحديث الأول في سنده عبد الله بن داود الواسطي كان يأتي
بالطامات ولذلك اتهمه البخاري وغيره وإن كان ابن عدي قال في " الكامل":
١٧٤
فتاوى وأجوبة
«هو مما لا بأس به إن شاء الله». فقد ردَّ كلامه الذهبي في "الميزان" وقال: «بل كل البأس به ورواياته تشهد بصحه ذلك» . اهـ
وهو كما قال ؛ فإنَّ من يروي مثل الحديث الذي تكلمنا عليه ويروي مثل حديث: «جاءني جبريل بسفرجلة من الجنّة أكلتها فواقعت خديجة فعلقت بفاطمة..... الحديث. فقد أغنى الناس عن بيان حاله. ولما ذكر الذهبي حديث السفر جله أعقبه بقوله : وقد علم الصبيان أن جبريل لم يهبط على نبينا إلَّا بعد مولد فاطمة بمدة». يشير إلى أنَّ هذا كذب مكشوف.
ج ١٥٩ : ج ١٦٤ - وأما الأحاديث الباقية (۱) فقد اتهم ابن الجوزي بوضعها الجوزقاني، وبنى ذلك على أنَّ رجال الإسناد كلهم ثقات سواه فانحصرت
التهمة فيه.
لكن خطأه الحافظ وقال: «لعل الجوزقاني دخل عليه إسناد في إسناد؛ لأنه كان قليل الخبرة بأحوال المتأخرين..... إلخ ما ذكره في "اللسان" فليرجع في ترجمة الحسين بن إبراهيم. وما ذكره هو الصواب؛ لأن الجوزاقاني حافظ صدوق ما نعلم أحدا تكلم فيه قبل ابن الجوزي.
ج ١٦٥ - أما الحديث الثامن فلم يتبيَّن لي الآن على من تقع تبعته. وكأنَّ واضعه أخذه مما رواه أبو داود بإسنادٍ لا بأس به عن أبي الدرداء موقوفا قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسى حسبي ا ، الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربُّ
العرش العظيم. سبع مرات كفاه الله ما أهمه».
(1) يعني من س ١٥٩ ألى س١٦٤ .
الحديث الشريف
۱۷۵
ورواه ابن عساكر في ترجمة عبد الرزاق بن عمر الدمشقي من "تاريخه" عن
أبي الدرداء مرفوعًا بزيادةٍ مُنكَرة.
وأخرج ابن النجار في "تاريخه" عن الحسن موقوفًا عليه قال: «من قال حين يصبح سبع مرات حسبي ا الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربُّ العرشِ العظيم. لم يصبه ذلك اليوم ولا تلك الليلة كرب ولا سلب ولا غرق». هذا ما رأينا إملاءه على تلك الأحاديث وبالله التوفيق.
أسئلة حديثية وأجوبتها
ورد كتاب من حضرة جلال فارس بالقوصية يقول فيه: سمعت من أحد العلماء في جلسة من جلسات التدريس بعض أحاديث أحببت أن أتثبت منها لأعرف هل هي صحيحة أو موضوعة، فأرجو البيان ولكم الشكر.
س ١٦٦ - حديث: كلّما أغضب القلب يغضب الله، ولو قلب بهيم. س ١٦٧ - حديث: لو صَدَقَ السائل لهلك المسئول .
س ١٦٨ - حديث: يأتي على أُمَّتي زمانٌ مَن لم يتوحش فيه تأكله الذئاب. س ١٦٩ - حديث: استعينوا على نسائكم بالعري.
حديث كلما أغضب القلب يغضب الله، ولو قلب بهيم.
ج ١٦٦ - أما الحديث الأول: فلا أصل له.
وقد يؤدي بعض معناه حديث مسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكُمْ ولا إلى صُورِكُمْ ولكن يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ».
فإنه إذا كانت القلوب محل نظره كما أفاده هذا الحديث الصحيح - لابد
١٧٦
فتاوى وأجوبة
وأن يغضب لغضبها ، لكن ينبغي أن يكون ذلك خاصا بقلوب الأولياء ومن على طريقتهم من صالحي المؤمنين، فأمَّا الفسّاق ومَن على شاكلتهم فإنَّ اللهَ لا يغضب لغضب قلوبهم ولا يأبه لهم في أي وادٍ هَلكوا.
حديث: لو صَدَقَ السائل لهلك المسئول
ج ١٦٧ - وأما الحديث الثاني: فذكر الحافظ ابن عبدالبر في "الاستذكار" أنه روي من جهة جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده مرفوعًا بلفظ : «لو صَدَقَ السَّائِلُ مَا أَفْلَحَ مَن رَدَّهُ».
ومن طريق يزيد بن رومان عن عروة، عن عائشة مرفوعا: «لولا أنَّ السؤال يَكْذِبُونَ مَا أَفْلَحَ مَن رَدَّهُمْ».
ورواه القضاعي في "المسند" بلفظ: «ما قُدَّسَ مَن رَدَّهُمْ». وروى الطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعا: «لولا أنَّ السائلين يَكْذِبون ما أَفْلَحَ مَن رَدَّهُمْ». قال ابن عبد البر: «وأسانيد هذه الأحاديث ليست بالقوية». وسبقه إلى ذلك علي بن المديني كما قال السخاوي حيث أدرجه في خمسة أحاديث قال أنه لا أصل لها، ورواه العقيلي في "الضعفاء" من حديث عائشة
وابن عمر وقال: «لا يصح في هذا الباب شيء».
حديث: يأتي على أُمَّتي زمانٌ مَن لم يتوحش فيه تأكله الذئاب. ج ١٦٨ - وأما الحديث الثالث: فرواه الدارقطني في "الأفراد" من طريق زياد بن أبي زياد الجصاص، عن أنس مرفوعا: «يأتي على النَّاسِ زمان هم فيه ذئاب، فمن لم يكن ذئباً أكلته الذِّئاب». قال الدارقطني : «تفرد به زياد، وهو متروك»، فهو
الحديث الشريف
۱۷۷
حديث ضعيفٌ وأخطأ ابن الجوزي حيث ذكره في "الموضوعات".
حديث: استعينوا على نسائكم بالعري.
ج ١٦٩ - وأما الحديث الرابع: فرواه ابن عدي في "الكامل" بذلك اللفظ وفي إسناده زكريا بن يحيى الخزاز، عن إسماعيل بن عباد الكوفي وهما متروكان. ورواه الطبراني من طريق آخر فيه موسى بن زكريا شيخ الطبراني، وهو ضعيف. وروى الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" من طريق مجمع بن كعب، عن مسلمة بن مخلد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَغْرُوا النِّسَاءَ يَلْزَمْنَ الحِجالَ». مجمع بن كعب مجهول، وبقية رجاله ثقات.
وروي عن أنس مرفوعا: «أجيعوا النِّساءَ جُوعًا غير مُضِرٌ وأَعْرُوهُنَّ عُرْيَا غير مبرح؛ لأنهنَّ إذا سَمِنَّ واكْتَسَيْنَ فليس شيء أحب إليهنَّ مِن الخروج، وإن هنَّ أصابهنَّ طَرَفٌ مِن العُرْي والجوع فليس شيء أحب إليهنَّ مِن البيوت، وليس شيء خيرًا لهنَّ مِن البيوتِ». وفي إسناده ثلاثةٌ مِن الرُّواة: أولهم يكذب والثاني عنده مناكير، والثالث مجهول، وللحديث أصل في الجملة، والله أعلم. حديث البسملة المسلسل بالحلف
محيي
س ۱۷۰ - وسئل عن حديث البسملة المسلسل بالخلف المروي عن سيدي الدين بن العربي رضي الله عنه ، الوارد في شأن قرأتها مع (الفاتحة) في
نفس واحد، هل هو صحيح ؟ وما رتبته ؟ ج ۱۷۰ - والجواب: حديث البسلمة رواه أبو حفص عمر الميانشي في "المجالس المكية" قال: حدثنا القاضي الإمام أبو المظفر محمد بن علي بن
۱۷۸
فتاوى وأجوبة
الحسين الشيباني، وقال: بالله العظيم لقد أنبأنا الجليل الفقيه أبو علي الحسين بن محمد الطوسي المعروف بالصاهلي.
(ح) وقال قطب العارفين محيي الدين بن العربي الحاتمي في "الفتوحات المكية": بالله العظيم لقد حدَّثني أبو الحسن علي بن أبي الفتح المعروف والده بالكناري بمدينة الموصل سنة إحدى وستمائة وقال: بالله العظيم لقد سمعت شيخنا أبا الفضل عبد الله بن أحمد بن بن عبد القاهر الطوسي الخطيب يقول: بالله العظيم لقد سمعت والدي أحمد يقول : بالله العظيم لقد سمعت المبارك بن أحمد بن محمد النيسابوري المقري يقول : بالله العظيم لقد سمعت من لفظ أبي بكر الفضل بن محمد الكاتب الهروي.
قال هو والصاهلي: بالله العظيم لقد ثنا أبو بكر محمد بن علي الشاشي الشافعي من لفظه وقال : بالله العظيم لقد ثنا عبدالله المعروف بابن نصر السرخسي، وقال: بالله العظيم لقد ثنا أبو بكر محمد بن الفضل، وقال: بالله العظيم لقد ثنا أبو عبدالله محمد بن يحيى الورّاق الفقيه، وقال: بالله العظيم حدثني يونس بن محمد الطويل الفقيه وقال : بالله العظيم لقد ثني محمد بن الحسن العلوي الزاهد، وقال: بالله العظيم لقد ثني موسى بن عيسى، وقال:
بالله العظيم لقد ثني أبو بكر الراجفي بالبصرة، وقال: بالله العظيم لقد ثني عمار بن موسى البرمكي، وقال: بالله العظيم لقد ثني أنس بن مالك، وقال: بالله العظيم لقد حدثني علي بن أبي طالب رضي ا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال: بالله العظيم لقد حدثني أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقال: بالله العظيم لقد حدثني محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم وقال: بالله العظيم لقد ثني جبريل
الحديث الشريف
۱۷۹
عليه السلام وقال : بالله العظيم لقد حدثني ميكائيل عليه السلام وقال: بالله العظيم لقد حدثني إسرافيل عليه السلام وقال: قال الله تعالى: «يا إسرافيل وعزتي وجلالي وجودي وكرمي من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم متصلة بفاتحة الكتاب مرة واحدة اشهدوا علي أنّي قد غفرت له وقبلت منه الحسنات وتجاوزت عن السيئات، ولا أحرق لسانه في النَّارِ، وأجيره من عذاب القبر وعذابِ النَّارِ
وعذاب القِيامَةِ والفَزَع الأكبر، ويلقاني قبل الأنبياء والأولياء أجمعين».
وكذا رواه ابن الطيلسان والسخاوي في في "مسلسلاتهما"، وقال الحافظ السخاوي عقب روايته وهو باطل متنا وتسلسلًا، ولولا قصد بيانه ما استحسنت حكايته، قَبَّحَ الله واضِعَهُ». ثُمَّ حكى عن ا الحافظ ابن حجرٍ أ
بوضعه أيضًا...
أنه حكم
قلت: وحكم الحافظ السيوطي أيضًا بوضعه فأورده في كتاب الصلاة من
" الذيل".
وللحديث إسناد آخر أورده ابن العربي في "مشكاة الأنوار" حيث قال: ثنا محمد بن قاسم، عن عمر بن عبدالمجيد، عن محمد بن حامد المقدسي، عن محمد القلانسي، عن أبي سعيد محمد بن الحسن بن علي بن محمد، عن حمدان، عن أبي عبدالله الحسين بن علي البيع، عن أبي بكر محمد بن الحسن، عن عمه إسحاق بن علي، عن محمد بن مسلم، عن محمد بن خالد، عن سواد بن عاصم، عن عاصم، عن طلحة، عن مالك، عن مكحول، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذكر الحديث كما تقدم. وفي هذا السند مجاهيل، مع أنَّ مكحولا ما سمع من أبي بكر رضي الله عنه.
۱۸۰
وبالجملة فالحديث باطل كما قال الحافظ السخاوي.
فتاوى وأجوبة
ومما يدل على بطلانه ما اشتمل عليه من ذلك الوعد العظيم الكبير على فعل قليل يسير، فقد ذكر أهل الحديث في العلامات التي تدل على الوضع الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير، أو الوعد العظيم على الفعل الحقير كهذا الحديث.
وليت شعري ماذا عسى أن يكون في وصل البسملة بالفاتحة من الفضل حتى يستوجب فاعله أن يلقى الله قبل الأنبياء والأولياء علاوة على غفران ذنوبه ومحو سيئاته .... .... إلخ ذلك الكذب السمج.
والعجب من الشيخ إبراهيم الكوراني حيث نازع الحافظين ابن حجرٍ والسخاوي في حكمهما بوضعه مستدلا بحجج واهية غافلا عما احتوى عليه الحديث من نكارة في المتن وجهالة في الإسناد، وغير ذلك مما لو أدركه لتذوق
صحة قول الحافظين رحمهما الله تعالى.
زيادة رب اغفر لي عند قول الإمام ولا الضالين»
س ۱۷۱ - وسئل رضي الله عنه : نص في طرح التثريب" على أنه لا يطلب من المأموم أن يقول: رب اغفر لي) عند قول الإمام: «ولا الضالين» لضعف الحديث، ولكن نصَّ ابن عِلَّان في شرح الأذكار" على أنه مطلوب، وأنَّ
الحديث حسن ناقلا ذلك عن ابن حجر.
ج ۱۷۱ - فأجاب رضي الله عنه: زيادة رب اغفر لي عند قول الإمام:
«ولا الضالين» حديثها ضعيف كما قال الحافظ العراقي.
الحديث الشريف
۱۸۱
وبيان ذلك أنَّ الحديث رواه البيهقي في "سننه" قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران: أنبأ أبو جعفر الرزاز: ثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي: ثنا أبي، عن أبي بكر النهشلي، عن أبي إسحاق، عن أبي عبدالله اليحصبي، عن وائل بن حجر: سمع رسول صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا
أنه
الضالين [الفاتحة: ٧] قال: رب اغفر لي، آمين.
هذا هو الحديث الذي استند إليه من قال من الفقهاء باستحباب زيادة رب اغفر لي عند قول الإمام وَلَا الضالين وهو حديث ضعيف؛ لأن في
سنده أحمد بن عبد الجبار العطاردي وأبا بكر النهشلي وهما ضعيفان.
وقد ورد الحديث بدون تلك الزيادة أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني وابن حِبَّان والبيهقي، عن وائل ابن حجر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قرأ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: ٧] فقال: «آمين» يمد بها صوته.
حسنه الحافظ ابن حجر في "أمالي الأذكار" كما نقله ابن علان في "شرحها" وصححه في " التخليص الحبير"، وكذا صححه الدراقطني، وحسنه الترمذي وإعلال ابن القطَّان له بجهالة حجر بن عنبس رده الحافظ بأنه ثقةٌ معروف بل قيل له صحبة.
والحاصل أن الحديث بدون زيادة: رب اغفر لي حسن صحيح كما قال
ابن حجر وغيره، وهو بها ضعيف كما قال الحافظ العراقي، فظهر أن لا تناقض بين القولين لاختلاف موردهما وإن كان أصل الحديث واحد، وبالله التوفيق.
۱۸۲
. فتاوى وأجوبة
هل يُسَنُّ لإمام الجمعة الإتيان بالذِّكر المسنون عقب الإقامة؟ س ۱۷۲ - هل يُسَنُّ لإمام الجمعة الإتيان بالذكر المسنون عقب الإقامة؟
وهل يُسَنُ الخطيب الجمعة الإتيان بالذكر المسنون عقب الأذان الثاني؟ ج ۱۷۲ - نعم يسن له ذلك؛ لأنَّ الأحاديث الواردة في فضل الذكر تعم
إمام الجمعة وغيره، فلا معنى لإخراجه منها بدون دليل يقتضيه. وقول من قال من الفقهاء: «ينبغي لإمام الجمعة أن يسرع بتكبيرة الإحرام عقب الإقامة ليس عليه دليل، وكذلك يسن الخطيب الجمعة الإتيان بالذكر المسنون عقب الأذان الثاني لعموم الأحاديث أيضًا؛ ولأن الدعاء مطلوب عقب الأذان فيتكرر بتكرره كما قال عز الدين بن عبدالسلام في إجابة المؤذن.
حديث: يا رسول الله، إن امرأتي لا ترد يد لامس
س ۱۷۳ - كتب حضرة أحمد عبدالعزيز محمد رزق باشتمورجي بعيادة
الدكتور جلال أبو السعود بالعتبة الخضراء يسأل عن الحديث الآتي: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يارسول، إنَّ امرأتي لا ترد يد لامس. فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «فارقها». فقال: إنّي أحبها. فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «تمتع بها». رواه أبوداود والنسائي
وغيرهما.
أرجو التكرم بالبحث عن حقيقة هذا الحديث وإفادتنا عن صحته ومن الراوي له؟ وهل السند بعيد عن الطعن أم لا؟ مع شرح هذا الحديث وما الغرض من ذكر الرسول له بقوله: «تمتع بها»؟
الحديث الشريف
۱۸۳
ج ۱۷۳ - والجواب: هذا الحديث رواه أبو داود في "سننه" قال: كتب إليَّ الحسين بن حريث المروزي : ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة عن ابن عبّاس، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال : إنَّ إمرأتي لا ترديد لامس. قال: «طلقها» قال: إني أُحِبُّها. قال: «اسْتَمْتِع بها».
ورواه النسائي في "سننه" قال: أنبأنا الحسين بن حريث فذكره. قال الحافظ المنذري في اختصار سنن أبي داود": «رجال إسناده محتج بهم
في الصحيحين على الاتفاق والانفراد». قال الحافظ ابن حجر يريد بالنسبة إلى مجموع الصحيحين لا إلى كلّ فردٍ فرد منها، فإنَّ البخاري ما احتج بالحسين بن واقد، وكذلك لم يحتج مسلم بعمارة، ولا بعكرمة، فلو سلم أن الحديث على شرط الصحيح، لم يسلم أنه على شرط البخاري ولا على شرط مسلم".اهـ
وقال الحافظ الذهبي في "مختصر السنن": «إسناده صالح» . اهـ وأطلق النووي عليه الصحة لكنه متعقب، فإنَّ الحسين بن واقد مع كونه
ثقة فإنه قد يُخطئ، والفضل بن موسى قال أحمد: «في روايته مناكير». قال الحافظ : «وإذا قيل مثل هذا في الراوي توقف الناقد في تصحيح حديثه الذي ينفرد به، وقد قال البزار بعد تخريجه لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد، وقال الدارقطني : تفرد به الحسين بن واقد، عن عمارة، وتفرد به الفضل بن موسى، عن الحسين». ثُمَّ قال الحافظ : ودعوى البزار فيها نظر؛ لأن النسائي أخرجه من وجه
١٨٤
فتاوى وأجوبة
آخر عن ابن عباس بإسناد قوي، وللحديث مع ذلك شاهد عن جابر بن عبدالله أخرجه الخلال والطبراني ورجاله موثقون إلَّا أنه من رواية أبي الزبير
عن جابر وهو موصوف بالتدليس، ولم أرَه من حديثه إلَّا بالعَنْعَنَةِ». قال الحافظ : «فلو انضمت هذه الطريق إلى ما تقدم من طريقي ابن عباس
لم يتوقف المحدّث عن الحكم بصحة الحديث». اهـ
وأما الإمام أحمد فإنه أنكر الحديث لما سأله الخلال عنه فقال: «ليس له أصل»، وتمسك بهذا ابن الجوزي فأورد الحديث في "الموضوعات" حاكما
ببطلانه.
قال الحافظ : «فأبان ذلك عن قلة اطلاعه وغلبة التقليد عليه حتى حكم بوضع الحديث بمجرد ما جاء عن إمامه، ولو عرضت تلك الطرق على إمامه لاعترف بأن للحديث أصلا، ولكنه لم تقع له فلذلك لم أر له في "مسنده" ولا فيما يروى عنه ذكرًا، لا من طريق ابن عباس ولا من طريق جابر، سوى ما سأله عنه الخلال وهو معذورٌ في جوابه بالنسبة لتلك الطريق بخصوصها». اهـ هذا ما يتعلق بالحديث من حيث صناعة الإسناد على سبيل الاختصار. وأما ما يتعلق بمعناه فاختلف العلماء في المراد بقوله: «لا ترد يد لامس» فقيل : معناه الفُجور، وأنها لا تمنع من يطلب منها الفاحشة، وبهذا قال أبو عبيد والخلال والنَّسائي وابن الأعرابي والخطاي والغزالي والنووي، وهو مقتضى كلام الرافعي في اللعان. وهذا القول ضعيف أو باطل؛ لأنه لو كان المراد ذلك لعد الزوج قاذفا
فيجب عليه حد القذف أو الملاعنة، ولم ينقل في الحديث شيء من ذلك.
الحديث الشريف
وقيل : معناه التبذير وأنها لا تمنع أحدًا طلب منها شيئًا من مال زوجها.
وبهذا قال أحمد والأصمعي وابن ناصر ونقله عن علماء الإسلام.
۱۸۵
وهو ضعيف أيضًا؛ لأن استعمال ذلك اللفظ في الكناية عن التبذير بعيد ولأنها إن كانت تُبذّر من مالها فليس له منعها، وإن كانت تُبذِّر من ماله فعليه حفظه ولا يوجب شيء من ذلك الأمر بطلاقها.
وقيل : معناه أنها لا ترديد لامس يمد يده ليتلذذ بلمسها، وأن زوجها فهم
ذلك من حالها لا أنه وقع منها، وهذا هو الظاهر المتعين.
ولهذا قال له النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم: «استمتع بها». لعدم تحقق ذلك منها، ولأنه لو طلقها مع حبه لها لتشوفت إليها نفسه فيقع معها في الزنا
المحظور. وبالله التوفيق.
حديث صلاة التسبيح
وكتب إلى حضرة عبد السلام محمود سرحان يقول: للأستاذ الغماري أرفع سؤالي هذا راجيا منه الإجابة على صفحات مجلة الإسلام ليعم النفع، والسلام. س ١٧٤ - يجتمع الناس على أحد العلماء الأجلاء في مسجد من مساجد القاهرة ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان فيَعِظُهم ويذكرهم، ثُمَّ يُصلِّي بهم أربع ركعات التسابيح بتسليمتين، وكيفية هذه الصلاة: أن يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وآيةٍ ثُمَّ يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» عدد (۱٥) ثُمَّ يركع ويقوله عدد (١٠) ثُمَّ يرفع ويقوله كذلك، ثُمَّ في السجود كذلك ثُمَّ بين السجدتين كذلك وفي السجدة الثانية كذلك وإذا قام للركعة الثانية يقولها كذلك ويفعل في الباقي كما فعل في الأولى.
١٨٦
فتاوى وأجوبة
وقد زعم هذا الفاضل أنَّ هذه الصلاة علمها النبيُّ صلَّى الله عليه وآله
وسلم لعمه العباس وأخبره بأنها تُكفر الذنب كبيره وصغيره. ج ١٧٤ - والجواب: أن حديث صلاة التسبيح أورده ابن الجوزي في
"الموضوعات" وردَّ عليه الحفاظ ذلك وحكموا بخطئه.
ثُمَّ اختلفوا هل هو حديث صحيح أو حسن أو ضعيف؟
أقوال ثلاثة، ولو أردنا أن نبين الراجح من هذه الأقوال لطال الحال لتوقف ذلك على تتبع الأسانيد وبيان حال رجالها وغير ذلك مما لسنا بصدده الآن. لكنا نشير إلى طرقه إجمالا فنقول :
ورد حديث صلاة التسبيح من طريق عبدالله بن عباس وأخيه الفضل وأبيهما العباس وعبدالله بن عمر وأبي رافع وعلي بن أبي طالب وأخيه جعفر وابنه عبدالله وأمّ سلمة والأنصاري - غير مسمى وقيد قيل أنه جابر بن عبدالله - وثبت فعلها عن جماعة من السلف . أبو الجوزاء وابن المبارك وقال أبو عثمان الحيري الزاهد : ما رأيت للشدائد والغموم مثل صلاة التسبيح. والمقصود أنَّ فعلها مرغب فيه لكن لم يرد فعلها في جماعة كما يفعل ذلك
منهم
العالم، فالصواب أن يصليها الإنسان منفردًا اتباعا للسلف.
من هم أهل الفترة، وهل هم ناجون أم لا؟
س ١٧٥ - من هم أهل الفَتْرَة وهل هم ناجون أم لا؟ وإذا كانوا غبر ناجين فما الحكم في أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم؟
ج ١٧٥ - الفترة هي ما بين الرسولين من رسل الله من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة، وأهل الفترة هم الموجودون في ذلك الوقت كالعرب فيما
الحديث الشريف
۱۸۷
بين انقطاع رسالة إسماعيل إلى بعثة نبينا عليهما الصلاة والسلام. وقد اختلف العلماء هل هم ناجون أو معذبون وذلك مبني على الخلاف في تكليفهم بالتوحيد والإيمان.
فجمهور الأشاعرة يقولون أنهم غير مكلفين بشيء من ذلك أصلا، فلا إثم عليهم بكفر، ولا يجب عليهم إيمان واحتجوا بقوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ
حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: ١٥]
وبعض الأشاعرة وأكثر المعتزلة يقولون أنهم مكلفون بذلك، فمن بلغته منهم دعوة نبي ممن سبقهم وترك أن يستدل على صحتها بعقله فهو كافر آثم، واحتجوا بأحاديث وردت في تعذيب بعض أهل الفترة كعمرو بن لحي
الخزاعي، وأجاب الأولون بأنَّ هذه هذه الأحاديث آحاد لا تعارض الآيات السابقة لأنها قطعية.
وهذا جواب ضعيف؛ لأن تلك الآيات وإن كانت قطعية المتن فإن دلالتها
ظنية كما قال الإمام والأصفهاني وغيرهما.
والتحقيق الذي يدفع التعارض بين تلك الأدلة ويرفع الإشكال جملة، هو
أنَّ أهل الفترة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
۱ - .
قوم غيّروا الشرائع وبدلوا فيها وعبدوا الأوثان كعمرو بن لحي، فهؤلاء معذبون وعليهم تتنزل الأحاديث الواردة في تعذيب بعض أهل الفترة. ٢- قوم نظروا في شريعة من قبلهم فاتبعوها وعبدوا الله عليها كزيد بن
عمرو بن نفيل فهؤلاء مثابون كما وردت بذلك أحاديث.
قوم لم يغيّروا الشرائع ولا عبدوا الأوثان ولم يتبعوا شريعة من قبلهم
۱۸۸
فتاوى وأجوبة
بل عاشوا كما ولدوا على البساطة والسذاجة فهؤلاء ناجون وعليهم يتنزل قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: ١٥].
إذا علمت هذا فاعلم أنَّ أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم من القسم الأخير فهما ناجيان، وما ورد من الأحاديث في حقهما مما ظاهره يوهم خلاف
ذلك فهو مؤول، وأخطأ من قال أنهما معذبان خطأ فاحشا.
والعجب أنَّ ابن سلطان ألف في إثبات عذابهما تأليفا مستقلا، وتالله إنها الجرأة تضع من رتبة صاحبها وتوهن من قدره، فما كان أغناه عن الكتابة في هذا الموضوع، سامحنا الله وإياه.
وبالجملة فالكلام طويل لا يسعه هذا المحل وسنظهر إن شاء الله كتابنا "نقد المباحث المحرَّرة" ففيه بغية كل باحث في هذا الموضوع إذ جمع فأوعى،
وعمد إلى الجفلى (۱) حين دعا، وبالله التوفيق.
حديث موضوع في أكل البطيخ
س ١٧٦ - قرأت في كتاب "مختصر تذكرة الإمام القرطبي" للشيخ عبدالوهاب الشعراني رضي الله عنهما في باب ما جاء في أشجار الجنة وثمارتها
وما يشبه ثمرات الجنة في الدنيا» الحديث الآتي:
روى عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلَّم: «تفكَّهوا بالبطيخ وعَظْمُوه؛ فَإِنَّ مَاءَهُ مِن الجنَّةِ وحَلَاوَتَهُ مِن حَلاوَةِ الجنَّةِ، وما مِن عبد أَكَلَ منها لقمةً إلَّا أدخل الله جوفه سبعين دواءً
(۱) «الجفلى»: هي أن تَدْعُوا النَّاسَ إلى طعامِكَ دَعْوَةٌ عَامَّةٌ مِن غير اختِصَاصِ.
الحديث الشريف
۱۸۹
وأخرج عنه سبعين داءً، وكتب له بكل لقمة عشر حسنات، ومحا عنه عشر
سيئات، ورفع له عشر درجات».
ثُم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: وَأَنْبَتَنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن
يَقْطِينِ ﴾ [الصافات: ١٤٦]. ثُمَّ قال: «إِنَّ الدُّبَّاءَ والبطيخ مِن الجنَّةِ». رواه الإمام القرطبي بسنده المتصل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم. وهذا الحديث بصفحة (۹۳) طبعة أولى من الكتاب المذكور.
فما موقع هذا الحديث من الصحة وما الحكمة في تعظيم البطيخ؟ وإذا كان الحديث صحيحا فما الحكمة في أنه يكتب لأكل البطيخ عشر حسنات ويُمحى
عنه عشر سيئات ويرفع له عشر درجات؟
ج ١٧٦ - هذا الحديث ذكره أيضًا الشيخ عبدالرحمن الثعالبي في كتاب "العلوم الفاخرة" وقال عقبه ما نصه : ذكر القرطبي هذا الحديث ولم يذكر في سنده مطعنا والله أعلم بصحته، وقد ذكر بعض المحدثين أنَّ أكثر أحاديث الخضراوات ضعيفةً، ولا يخفى عليك لين مثل هذا، فجزى الله نقاد الأئمة عنا
خيرًا وما أعظم مصيبة من يكذب على الله ورسوله». اهـ
وأقول: الحديث موضوع بلا شك. وقد ظننت لأول وهلة أنه من وضع هناد بن إبراهيم النسفي؛ لأنه متهم بأحاديث البطيخ، فقد قال ابن الجوزي: «سمعنا عنه - يعني روينا من طريقه، لأن ابن الجوزي لم يدرك هنادًا - أحاديث كثيرة منها مرفوع ومنها موقوف
كلها في فضائل البطيخ لم نجدها عند غيره وكلها محال». اهـ لما راجعت تذكرة القرطبي" وجدته يقول: «رأيت بخط الإمام
لكني .
۱۹۰
فتاوى وأجوبة
الفقيه المحدث أبي الحسن علي بن خلف الكومي: أن شيخنا أبا القاسم عبدالله، قال: وجدت حديثًا عليه سماع جماعة على أبي الفرج محمد بن أبي حاتم محمود بن الحسن القزويني في ربيع الأول سنة ٤٩٨ قال: ثنا أبو جعفر بن زيد الجعفري في شوال ۳۳۸ ثنا أبي: ثنا يحيى بن الحسين الحسيني: ثنا عقيل بن سمير: ثنا علي بن حماد القاري : ثنا العباس بن حميد : ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي به مرفوعًا.
فإذا سند الحديث ليس فيه هناد لكن فيه علتان أخريان يقتضيان الحكم
بالوضع مع ركاكة لفظ الحديث ومعناه:
إحداهما : أنه وجادة على وجادة.
ثانيتهما: أنَّ السند من أبي بكر بن عياشي فمن دونه كله مجاهيل، فالآفة من أحد أولئك المجاهيل.
غير أني لم أطمئن إلى حكمي هذا، فنظرت هل أجد أحدًا وافقني؟ فوجدت الحافظ السيوطي سبقني إلى الحكم بوضع الحديث حيث أورده في "ذيل اللآلي" من "مسند الفردوس"، وجزء البطيخ" لأبي عمرو النوقاني فالحمد الله حمدًا كثيرًا.
وإني أختصر الطريق للسائل وأقول له كما قال ابن الجوزي: «لم يصح في فضل البطيخ أكثر من أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم أكله»، وبالله التوفيق. س ۱۷۷ - هل هناك حديث ما معناه أنَّ الرجل إذا جامع زوجته يوم وفاة ابنها الذي رزقه الله منها تحمل في هذه الليلة؟ وما نص الحديث؟ ومن هم الرواة؟ كما أرجو إيضاح هذا الحديث بشرح موجز، وما الحكم إذا كانت
الحديث الشريف
۱۹۱
الست في هذه الليلة في الحيض أو النفاس ؟
ج ۱۷۷ - هذا الحديث لا أصل له ولا نعرف حديثا في هذا المعنى وإنما هو من باب الخواص، وأكثر الخواص خرافات لا يَصْدُق منها إلا النادر على سبيل
المصادفة.
جمع بين حديثين
س ١٧٨ - كتب إلي حضرة محمد فهمي بغدادي أبو زيد من البياضية بالأقصر يقول: أرجو التكرم والنزول بالإجابة على حديثين هل هما صحيحان؟ إذا كان كذلك فبأي شئ يحصل الوفاق بينهما ؟
۱ - ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة .
٢ - «المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه».
ج ۱۷۸ - والجواب: أما الحديث الأول فأنبأنا به بدر الدين الدمشقي: أنا البرهان السقا: أنا محمد بن محمد السنباوي: أني والدي: أنا علي بن أحمد العدوي الصوفي: أنا عقيلة المكي الصوفي: أنا حسن العجمي الصوفي: أنا أحمد بن القُشَاشِيُّ الصوفي : أنا أحمد بن علي بن علي الشناوي الصوفي: أنا والدي
محمد
علي بن عبد القوي الصوفي : أنا عبدالوهاب الشعراني الصوفي: أنا زكريا بن محمد الفقيه الصوفي : أنا زين الدين المراغي العثماني الصوفي: أنا شرف الدين إسماعيل بن إبراهيم العقيلي الصوفي: أنا أبو الحسن علي بن عمر الوافي الصوفي : أنا محيي الدين محمد بن علي بن علي بن العربي الحاتمي الصوفي شيخهم: أنا عبدالوهاب بن علي بن سكينة البغدادي الصوفي: أنا أبو الفتح عبدالملك بن
۱۹۲
فتاوى وأجوبة
عبدالله الكروخي الصوفي: أنا شيخ الإسلام عبدالله بن محمد الأنصاري الهروي الصوفي: أنا عبدالجبار الجراحي: أنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي: حدثنا أبو عيسى الضرير البوغي الترمذي قال في "جامعه": ثنا حسين بن يزيد الكوفي: نا أبو يحيي الحماني: نا عثمان بن واقد، عن أبي نُصَيْرَةَ، عن مولى لأبي بكر، عن أبي بكرٍ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ما أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ ولو فَعَلَهُ فِي اليوم سبعينَ مَرَّةٌ».
11
وكذا رويناه في سنن أبي داود"، ومسانيد "أبي يعلى"، "والبزار"، و"القضاعي" و"عمل اليوم" لابن السُّنّي من طريق عثمان بن واقد، عن أبي نصيرة به باللفظ المذكور في السؤال.
قال الترمذي عقب روايته : هذا حديث غريب إنما نعرفه من حديث أبي نُصَيْرَة وليس إسناده بالقوي». وقال البزار: «لانحفظه إلا من حديث أبي بكرٍ بهذا الطريق وأبو نُصَيْرَةَ وشيخه لا يُعرفان» . اهـ
وأقول: أما أبو نصيرة فمعروف، اسمه مسلم بن عبيد الواسطي، ضعفه الأزدي ووثقه أحمد وابن معين وابن حِبَّان، وهو الذي رجحه الحافظ في
" التقريب" وأمَّا مولى أبي بكر فاسمه أبو رجاء وهو مجهول كما قال البزار. ورأيت الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" قال: «إن جهالته لا تضر إذ يكفيه نسبته إلى الصديق وحسن الحديث بناء على ذلك، وقول البزار لا يحفظه إلا من حديث أبي بكر بهذا الطريق هذا بحسب ما وصل إليه حفظه كما هو مقتضى كلامه.
وقد وجدنا له طريقًا آخر لم يحفظه البزار، نروي هذا الطريق بالسند
الحديث الشريف
۱۹۳
السابق إلى السنبلوي قال: أنا البدر الحفني: أنا البديري: أنا الملا إبراهيم الكردي: أنا صفي الدين القشاشي: أنا الشمس الرملي: أنا شيخ الإسلام زكريا الأنصاري : أنا مسند الديار المصرية عز الدين ابن الفرات: أنا ابن أبي حفص بن الحسين بن يزيد المراغي أنا الفخر علي بن أحمد بن عبدالواحد: أنا أبو جعفر الصيدلاني: أنا فاطمة بنت عبدالله الجوذقانيه : أنا أبوبكر محمد بن عبدالله الأصبهاني قال: حدثنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني قال: في جزئه المسمى بـ "كتاب الدعاء : ثنا محمد بن الفضل السقطي: ثنا سعيد بن سليمان:
ثنا أبو توبة، عن ابن أبي ملكية، عن ابن عباس به مرفوعا باللفظ السابق. وأما الحديث الثاني فرواه ابن أبي الدنيا في "كتاب التوبة" ومن طريقه البيهقي في "الشعب"، وابن عساكر في "التاريخ" عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «التَّائِبُ مِن الذَّنْبِ كَمَن لا ذَنْبَ لَهُ، والمُسْتَغْفِرُ مِن الذَّنْبِ وهو مُقِيمٌ عليه كالمُسْتَهْزِي بِرَبِّهِ، وَمَن أَذَى مُسْلِمًا كان عليه من الذَّنْبِ كذا وكذا». لفظ ابن أبي الدنيا.
ولفظ ابن عساكر: «ومن آذى مُسْلِمًا كان عليه مِن الذُّنوبِ مثل مَنابِتِ
النَّخْلِ». وسنده ضعيف كما قال الحافظ العراقي.
وقال الحافظ الذهبي: «سنده مظلم والأشبه وقفه».
قلت: كذا قال الحافظ المنذري أيضًا أنه روي موقوفا، ولعله أشبه فالحديثان كما ترى غير صحيحين، لكن الأول أحسن حالا وأنظف إسنادا من الثاني، وعلى فرض صحتهما فلا تعارض بينهما؛ لأن المراد بالاستغفار في الحديث الأول الاستغفار الذي يصحبه الندم على الذنب والعزم على عدم الرجوع إليه، ولا
١٩٤
فتاوى وأجوبة
شك أن المستغفر بهذه الكيفية يكون تائبا توبة صحيحة ماحية لما وقع قبلها من الذنوب، فإذا صدر منه بعد ذلك ذنب بحكم الاتفاق أو غلبة النفس عليه لا يسمَّى مُصِرًا؛ لأنه كلَّما أحدث ذنبًا جدد له توبةً صادقة تمحوه.
وهكذا روينا في معجمي الطبراني "الكبير" و"الأوسط" بإسناد حسن عن عتبة بن عامر: أنَّ رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله أحدنا يذنب قال : يكتب عليه قال : ثُمَّ يستغفر منه ويتوب. قال: يُغْفَر له ويُثاب عليه». قال: فيعود فيذنب. قال: «فيُكتَبُ عليه». قال: ثُمَّ يستغفر منه ويتوب. قال: «يُغْفَرُ له ويُثاب عليه ولا يمل الله حتى تم تملوا». أما المستغفر بلسانه وهو فرح بذنبه، عازم على العود إليه متي سنحت له فرصة، فهذا كاذب في استغفاره مستهزئ بربه كما نطق به الحديث الثاني فافهم.
إذا أكلتم فأفضلوا، والإناء يستغفر للاعقه. لا أصل لهما
س ۱۷۹ - وسئل رضي الله عنه عن حديثي: إذا أكلتم فأفضلوا»، و «الإناء
يستغفر للاعقه».
ج ۱۷۹ - فأجاب رضي الله عنه : هذا الحديثان لم أجد لها أصلا وهما غير واردين جزما، والله أعلم.
حديثان موضوعان من كتاب "نزهة المجالس"
س ۱۸۰ - ورد كتاب من حضرة منير عبد القادر شهاب، تاجر ببيروت. ونص ذلك الكتاب بعد الديباجة والتحية المبدي إلى جنابكم تفسير المشروح أدناه هل هو صحيح أم لا، لأننا قد وجدناه في أحد الكتب تأليف العالم الشيخ
الحديث الشريف
۱۹۵
عبد الرحمن الصفوري الشافعي رحمه الله :
- الاتسبُّوا أصحابي ، فإنه يجيء قوم في آخر الزمان يسبون أصحابي فلا تُصَلُّوا عليهم ولا تُصَلُّوا معهم، ولا تُناكحوهم ولا تجالسوهم، وإن مرضوا
فلا تعودوهم . - يا علي، أنت في الجنَّة، يا علي، أنت في الجنة، يا علي، أنت في الجنة وسيكون قوم يقال لهم الرافضة فإذا أدركتهم فقاتلهم». قال: يا نبي الله ما
علاماتهم؟ قال: «لا يرون جماعة ولا جمعة ويشتمون أبا بكر وعمر». ج ۱۸۰ - والجواب: هذا الحديثان موضوعان وكتاب الشيخ عبدالرحمن الصفوري اسمه "نزهة المجالس ومنتخب النفائس" يحرم النظر فيه إِلَّا لعارف بالحديث لأنه محشو بأحاديث موضوعة، وأخرى واهية، وبكثير من الخرافات والإسرائليات، وفيه نزر يسير من الأحاديث المقبولة ما بين ضعيف مُنجَبرٍ،
وحسن.
أما الحديث الصحيح فوجوده في هذا الكتاب نادر جدا ولهذا لما جمعه مؤلّفه الصفوري المذكور وأظهره للناس وتناقلوه عنه بالشام - لأنه كان مقيما هناك نهاه محدث الشام برهان الدين إبراهيم الناجي عن ذلك، ونصحه بالرجوع عنه، وما زال به حتى أظهر التوبة وقال: إني رجعت عنه كما رجع الإمام الشافعي عن أقوال القديم. ثُمَّ بعد مدَّةٍ عاد إلى إظهاره ثانيًا فكتب البرهان الناجي إلى علماء مصر يسألهم عن الكتاب المذكور : هل يجوز قراءته وتداوله لمن لا معرفة له تميز بين الصحيح والسقيم؟، ونقل عدة أحاديث مع السؤال ليجاب عنها، فأجابه
١٩٦
فتاوى وأجوبة
الحافظ السيوطي موافقا له على ما قال؛ إلا في بضع أحاديث أطلق الناجي أنها لم ترد فبين الحافظ السيوطي أنها واردة .
وأيضًا "الروض الفائق" للشيخ شعيب الحريفيش وكتاب "خزينة الأسرار" و"التحفة المرضية" وغيرها إلَّا إذا كان القارئ ذا معرفة بالحديث على طريقة أهله لا على طريقة أدعياء هذا العصر الذين يصححون ويضعفون بمقتضى أهوائهم كما فعل بعضهم في حديث: «شَفاعتي لأهل الكبائرِ مِن أُمتي. فزعم أنه ضعيف،
وآخر زعم أنه مختلف في صحته، مع أنه صحيح باتفاق المحدثين.
والعجب أني لما سألت من ضعفه عن سبب ضعفه كان جوابه أن قال: «لم يدخل مخي لأنه يعين على ارتكاب المعاصي !!، ويلاحظ أنَّ هذا المتكلم عالم فما بالك بغيره؟! نسأل الله أن يلهمنا رشدنا بمنه وفضله.
أسئلة حديثية وأجوبتها
كتب إلى حضرة محمود أحمد إبراهيم بملوي كتابا فيه بعد الديباجة ما لفظه : وقع خلاف بين بعض أهل العلم بشأن المواضيع الآتية:
حديث: «حياتي خير لكم ومماتي خيرٌ لكم.....
س ۱۸۱- حديث: حياتي خيرٌ لكم وتماتي خير لكم...» إلخ، هل هو صحيح أم ضعيف؟ فإن كان الثاني فخير، وإن كان الأول فما وجه التوفيق بينه وبين حديث الصحيح القائل في شأن قوم يذادون عن حوض الرسول يوم القيامة: «إنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ»؟ ج ۱۸۱ - والجواب: هو حديث صحيح لا غبار عليه، ورَدَ مِن حديث ابن
الحديث الشريف مسعود، وأنس بن مالك، ومن مرسل بكر بن عبدالله المزني.
۱۹۷
أما حديث ابن مسعودٍ فخرَّجه البزار في مسنده" عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «حَياتي خيرٌ لكم تُحْدِثُونَ ويُحْدَثُ لكم، ووفاتي خيرٌ لكم تُعْرَضُ عليَّ أعمالكم فما رأيتُ مِن خير حمدت الله عليه، وما رأيتُ مِن شَرِّ استغفرتُ اللهَ لكم».
قال الحافظ العراقي في كتاب الجنائز من "طرح التثريب في شرح التقريب": «إسناده جيد».
وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد، والمحدث القسطلاني في الجزء
الثاني من شرح البخاري: رجاله إسناده رجال الصحيح». وقال الحافظ السيوطي في كتاب المعجزات والخصائص: «إسناده صحيح».
وكذا قال القاري والشهاب الخفاجي في أول شرحيهما على "الشفاء". وأما حديث أنس فخرَّجه الحرث بن أبي أسامة في "مسنده"، وابن عدي في "الكامل" من طريق خراش عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «حياتي خيرٌ لكم تُحدِثون ويُحدَثُ لكم، فإذا أنا مِتُّ كانت وفاتي خيرًا لكم تُعرَضُ عليَّ أعمالكم فإن رأيتُ خيرًا حمدت الله، وإن رأيتُ غير ذلك استغفرتُ الله لكم». قال الحافظ العراقي في "المغني": «إسناده ضعيف لضعف خراش» . اهـ قلت: لكن له طريق آخر:
قال الحافظ أبو نصر محمد بن إبراهيم اليونارتي الأصبهاني في "معجمه " : سمعت الشريف واضح بن أبي تمام الزينبي يقول: سمعت أبا علي بن تومة
۱۹۸
فتاوى وأجوبة
يقول: اجتمع قوم من الغرباء عند أبي حفص بن شاهين فسألوه أن يُحدثهم أعلى حديث عنده فقال: لأحدثنكم حديثا من عوالي ما عندي: ثنا عبدالله بن محمد البغوي: ثنا شيبان بن فروخ الأيلي: ثنا نافع أبو هرمز السجستاني: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول: حياتي خير لكم...» الحديث.
خرجه ابن النجار" في تاريخ "بغداد" عن معمر بن محمد الأصبهاني، عن أبي
نصر اليونارتي به. وهذا إسناد ضعيف أيضًا لاتفاقهم على ضعف أبي هرمز . وأما مرسل بكر بن عبدالله المزني فأخرجه الحرث بن أبي أسامة قال: ثنا الحسين بن قتيبة : ثنا جسر بن فرقد، عن بكر بن عد الله المزني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «حَياتي خيرٌ لكم تُحدِثون ويُحدَثُ لكم، ووفاتي خير لكم تُعْرَضُ عليَّ أعمالكم فما كان من حسن - حمدت الله عليه، وما كان من سيء
استغفرتُ الله لكم». إسناده ضعيف لضعف الحسن بن قتيبة.
:
لكن خرجه إسماعيل القاضي المالكي من طريق آخر فقال: ثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد بن زيد، عن غالب القطان، عن بكر بن عبدالله المزني به مرفوعًا. وهذا إسناد صحيح. وقال أيضا : ثنا حجاج بن المنهال : ثنا حماد بن سلمة، عن كثير بن الفضل، عن بكر بن عبدالله به مرفوعا أيضًا.
فالحديث كما قلنا صحيح لا شك في صحته، وقد طعن فيه بعض الناس لمن لا معرفة لهم بهذا العلم الشريف وأتى في طعنه بما دلّ على جهل تام وغباوة متزايدة وإليك ما قاله، جاء في كتاب يسمى "القول المبين في حكم
الحديث الشريف
۱۹۹
دعاء ونداء الموتى والأنبياء والصالحين" عند الكلام على أدلة أصحاب التوسل ما نصه: «الشبهة السادسة : حديث حياتي خير لكم... إلخ وهذا الحديث وإن اشتهر على ألسنة كبار الناس وصغارهم فقد خَلَت منه جميع كتب السنة . ، حتى الحاكم الذي يروي ما هبَّ ودبّ، ومع هذا فالذي رواه وقفه على بكر بن عبدالله المزني وهو تابعي مشهور، ومع ذلك لم يذكر فيه الصحابي أحد من رواة السُّنَّة لا في صحيح الكتب ولا في ضعيفها، وهو منقطع لا يصلح
للاحتجاج به» . اهـ وهو باطل من وجوه:
مع
۱ - ادعاؤه أن الحديث خلت منه جميع كتب السُّنَّة . أنه موجود في "طبقات ابن سعد"، و"مسند" الحرث ، ومسند البزار"، و"تاريخ ابن النجار"، و"بغية الباحث لزوائد مسند الحرث"، و"مجمع الزوائد" كلاهما للحافظ الهيثمي، و"الشفا" للقاضي عياض، و"القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" للحافظ السخاوي، والجامع الصغير" و"الجامع الكبير" و"الخصائص الكبرى" الثلاثة للحافظ السيوطي، و"طرح التثريب" للحافظ العراقي، و"شرح البخاري للقسطلاني، وكنز العمال في سنن الأقوال
والأفعال" لابن المتقي الهندي وغيرهم، أليست هذه من كتب السُّنَّة؟! - ادعاؤه أنَّ الحاكم يروي ما هبّ ودبّ، وهو معذور في هذا الادعاء لأنه لم يقرأ "المستدرك " ولا رآه بعينه ولا عرف ما فيه من الأحاديث ولا
قيمتها في نظر الحفاظ، وإنما سمع - كما يسمع العامة أنَّ الحاكم روى أحاديث ضعيفة وموضوعة فأخذه على عِلاته وزاد عليه أنه يروي ما هبَّ ودبّ؛ ليوهم
۲۰۰
. فتاوى وأجوبة
بذلك أن الحديث في نهاية الغرابة وهيهات أن يرد الحديث الصحيح بمثل
هذه التمويهات.
قوله: «ومع هذا فالذي رواه وقفه على بكر بن عبدالله المزني...» وهو خطأ مركب على خطأ ، فإنَّ مثل هذا لا يُسمَّى موقوفا ولا يمكن أن تنطبق عليه حقيقة الموقوف بحال من الأحوال، إنما تنطبق عليه حقيقة المرسل لا غير، ولكنه فيما يظهر سمع أنَّ عند المحدثين شيئًا يسمونه الموقوف فراح يطبقه على كل ما هب ودبَّ، ثُمَّ إنَّ بين قوله : ومع هذا فالذي رواه...» وقوله: «خلت منه جميع كتب السُّنَّة» تناقضا لا يخفى.
٤- قوله: «ومع . ذلك لم يذكر فيه الصحابي أحدٌ مِن رواة السُّنَّة لا في صحيح الكتب ولا في ضعيفها وأنت خبير مما تقدَّم أنَّ الحديث وصله البزار من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح، ورواه الحرث وغيره من حديث أنس بإسنادين ضعيفين. ثُمَّ ارتقى في الطعن من هذه الإطلاقات الكاذبة التي ظنها غاية في التحقيق إلى وجه آخر يساويها في البطلان أو يزيد فقال: ومما يدل على بطلان هذا الحديث معارضته للحديث الصحيح» ثُمَّ ذكر حديث الحوض الذي ذكره السائل، وهذا مما زادني دلالة على أنَّ الرجل يتكلم من غير علم ويهرف بما لا يعرف.
وذلك أن حديث الحوض ذكر البخاري الجواب عنه عقب روايته له، فروى عن شيخه قبيصة بن عقبة في الجماعة الذين يذادون عن الحوض قال: هم المرتدون الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر رضي الله عنهم»
ورجح هذا أبو الوليد الباجي، والقاضي عياض، وغيرهما.
الحديث الشريف
۲۰۱
ويؤيده قوله في الحديث: «إنهم لم يزالوا على أعقابهم مرتدين». وحديث أم سلمة: «إِنَّ مِن أصحابي مَن لا يراني بعد أن أفارقه». رواه أحمد،
وابن عبدالبر في ترجمة ابن عوف من الاستيعاب" بأسانيد بعضها صحيح. والحاصل أن حديث الحوض خاص بالصحابة الذين لم يراعوا شرف الصحبة فبدلوا وغيّروا وأتوا العظائم بعد انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى فتقطعت بينهم وبينه الأسباب، ولم يكن لعرض أعمالهم عليه حينئذ فائدة؛ لأنه لا يستغفر للمرتدين ومن على شاكلتهم، ما
كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ } [التوبة: ١١٣]. فلهذا خفي عليه صلى الله عليه وآله وسلّم حالهم ودعاهم إلى الحوض ظنّا منه أنهم لا زالوا على الحال التي فارقهم عليها، فلما أخبر بتبديلهم قال: «سُحْقًا سُحْقًا سُحْقًا» . هذا وجه من الجمع بين الحديثين وهناك وجوه
لمن بدل بعدي : أخر تركناها خوف الإسهاب.
حديث: «ما من أحدٍ يُسَلِّمُ عَليَّ عند قَبْرِي...»
س ۱۸۲ - حديث: «ما من أحدٍ يُسَلَّمُ عليَّ عند قَبْرِي إِلَّا رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحي حتى أرد عليه السلام هل هو صحيح أم ضعيف أيضًا؟ وإذا كان الأول فهل هو خاص برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم هو عام بصالحي المؤمنين؟ ج ١٨٢ - وأما حديث: «ما مِن أحدٍ يُسَلَّم على ... إلخ» فهو حديث
(1) يلاحظ أنَّ في السؤال زيادة عند قبري ولم تثبت هذه الزيادة في شيء من الطرق. وإن عزاها ابن قدامة إلى "مسند أحمد"، فهو خطأ منه رحمه الله تعالى.
۲۰۲
. فتاوى وأجوبة
صحيح أيضًا أخرجه أحمد وأبو داود، والطبراني، والبيهقي، وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورجال إسناده محتج بهم في الصحيحين وإن كان في بعضهم كلام فهو غير ضار، ولذلك صححه النووي في "الأذكار" والسبكي في "جزء الزيارة" وغيرهما، وقال الحافظ: «رجاله ثقات».
والعجب من الحافظ السخاوي حيث اقتصر على تحسينه ونازع هؤلاء في الحكم بالصحة بأنَّ: «في سنده يزيد بن قُسَيْط وقد تفرد به وهو يمنع من الجزم
بصحته لأن فيه مقالا».
وأعجب منه قول الحافظ ابن عبد الهادي المقدسي: «إن إسناده مقارب صالح أن يكون متابعاً لغيره . اهـ
وهو تعنت شديد وتعسُّفُ غير مرض، فالحق ما قدمناه مِن أنَّ الحديث صحيح، ولو كان عندنا ثمة وقت وفراغ بال لبينا بطلان كلام السخاوي وابن عبد الهادي ومن نحا نحوهما بناصع الحجّة وواضح البرهان، ولعل لنا إلى ذلك عودة إنشاء الله تعالى. وأمَّا ردُّ السلام هل هو خاص بالنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أو عام لصالحي المؤمنين؟ فالجواب: أنَّ الخاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو ردُّ السلام على كلِّ مَن سلَّم عليه سواء أكان في المشرق أم في المغرب أم في أي جهة من جهات الأرض، وأما ردُّ السلام على مَن سلَّم عند القبر فهو عام؛ لما ورد في أحاديث أنَّ المؤمن إذا زار قبر صديقه فسلَّم عليه عرفه ورد عليه السلام واستأنس به
مادام جالسا عنده.
الحديث الشريف
۲۰۳
سؤال عن حديث عَكَّاف بن وداعة
س ۱۸۳ - وورد كتاب من صفاقس يسأل فيه صاحبه الطالب الشيخ
بن وداعة الواقع في إحدى خطب
صادق علي الحمامي عن حديث . عاف صديقنا فضيلة الأستاذ محمود خليفة المنشورة بالعدد ٤٦ من السنة الثانية
للمجلة فطلب مني فضيلة الأستاذ المذكور أن أجيب عنه.
عاف
ج ۱۸۳ - وتلبية لطلبه أقول : روينا في "مسند أبي يعلى" قال: حدثنا أبو طالب عبدالجبار بن عاصم ثنا بقية بن الوليد، عن معاوية بن يحيى، عن سليمان بن موسى، عن مكحول، عن غضيف بن الحرث، عن عطية بن بسر المازني قال: جاء بن وداعة الهلالي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يا عَكَّاف ألك زوجة؟» قال: لا. قال: «ولا جارية؟» قال: لا. قال: وأنت صحيح مُوسِرٌ». قال: نعم. قال: «فأنتَ إِذًا مِن إخوان الشياطين، إما أن تكون من رهبان النصارى فأنت منهم، وإما أن تكون مِنَّا فاصنع كما نصنع، وإنَّ مِن سُنتنا النكاح، شراركم عُزابكم، ويحك يا عَكَّاف تزوج. فقال عكاف يا رسول الله لا أتزوج حتَّى تزوجني من شئت. فقال: «قد زوجتك على اسم الله والبركة كريمة - وفي رواية: زينب بنت كلثوم الحميرية». وهكذا رواه ابن منده وابن السكن من طريق بقية بهذا الإسناد، إلا أنَّ الأخير قال: عن عطية بن بسر عن عَكَّاف بن وداعة فهو على هذا من رواية
صحابي عن صحابي.
.
ورواه العقيلي من طريق الوليد بن مسلم، عن معاوية بن يحيى، عن سليمان بن
موسى، عن مكحول، عن عطية بن بسر به. ولم يذكر غضيف بن الحرث.
٢٠٤
. فتاوى وأجوبة
ورواه أشعث بن شعبة، عن معاوية بن يحيى، عن رجل من بجيلة، عن
سلیمان بن موسی به
ورواه الطبراني في "مسند الشاميين" ، والعقيلي من طريق برد بن سنان،
عن مكحول، عن عطية بن بسر، عن عكاف بن وداعة الهلالي به. وروى بن شاهين من طريق محمد بن عبدالرحمن السلماني، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعكاف الهلالي: «يا عكاف ألك زوجة». قال: لا... الحديث. وكل هذه الطرق فيها ضعف
واضطراب كما لا يخفى على خبير بصناعة الإسناد.
ثم وجدت طريقين آخرين شادين: ۱- قال أحمد: ثنا عبدالرزاق عن محمد بن راشد، عن مكحول، عن غضيف بن الحرث، عن أبي ذَرٍّ قال: جاء عَطَّاف بن بشر التميمي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم... وذكر الحديث.
۲- قال الديلمي: أنبأنا حميد بن نصر: أنا عبدالرحمن بن عمرو: حدثنا إسماعيل بن الحسين بن عبد الله الصرصري: ثنا أبو القاسم عمر بن محمد بن أحمد بن هارون العطار: ثنا علي بن داود القنطري: ثنا سعيد بن سليمان الزبيدي بالتصغير - حدثني عمر بن الصبيح عن بسر بن عطاء، عن ابن عباس بمثل حديث أبي ذر . هذا طريقان غريبان جدا وفيهما مخالفةٌ كبيرة للطرق السابقة والآفة في الطريق الأول منهما محمد بن راشد كما صرح به الحافظ، وفي الثاني عمر بن الصبيح على ما
أظن. وبالجملة فالحديث ضعيفٌ مضطرب والله سبحانه وتعالى أعلم.
الحديث الشريف
٢٠٥
هل ماورد في الصلاة خلف الفاسق صحيح
س ١٨٤ - وسألته عن صحة حديث الصلاة خلف الفاسق. ج ١٨٤ - فأجاب سيادته بما نصه: وأما حديث: «صلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَر وفاجر». فرواه الدار قطني في "السنن"، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «سيليكُمْ مِن بعدي ولاةٌ البَر ببره والفاجر بفُجُورِه، فاسمعوا له وأطيعوا فيها وافق الحَقِّ، وصَلُّوا وراءهم، فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساؤوا فلكم وعليهم». وهو حديث ضعيف.
وروى أبو داود في "السنن"، عن أبي هريرة أيضًا، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا، والصلاة واجبة على كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر».
وهو ضعيف أيضًا.
وروى الدارقطني من حديث أبي هريرة أيضًا بلفظ: «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَر وفاجِرٍ، وَصَلُّوا على كل بَر وفاجر، وجاهدوا مع كل بَر وفاجر». وهو حديث
ضعيف أيضًا.
الاستتار عند الجماع
س ١٨٥ - وسألته عن صحة قول السيدة عائشة رضي الله عنها: «ما رأيت
منه ولا رأى مني. ج ١٨٥ - فأجاب سيادته بقوله : وحديث عائشة: «ما رأيت منه ولا رأى مني صحيح، وكان اغتساله صلَّى الله عليه وآله وسلم بمئزر سواء كان وحده أم مع
زوجته.
٢٠٦
فتاوى وأجوبة
بيان عورة المرأة
س ١٨٦ - وسألته عن صحة حديث دخول السيدة أسماء بنت أبي بكرٍ
رضي الله عنها بثياب رقاق على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم؟ ج ١٨٦ - فأجاب سيادته قائلا: عائشة رضي الله عنها أنَّ أسماء بنت عن
أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم وقال: «يا أسماء إنَّ المرأة إذا بلَغَتْ المحيض لم يصح أن يُرَى منها إلا هذا وهذا». وأشار إلى وجهه وكفَّيه، رواه أبو داود وقال: هذا مرسل وخالد بن دريك – يعني الراوي عن عائشة- لم يدرك عائشة.
وروى الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، عن أسماء بنت عميس، قالت: دخل رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم يوما على عائشة وعندها أختها أسماء وعليها ثياب شامية واسعة الأكِمَّة، فلما نظر إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام فخرج، فقالت لها عائشة تنحي، فقد رأى منك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أمرًا كَرِهَهُ، فتنحت فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألته عائشة لمقام، فقال: «ألم تري إلى هيئتها؟ إنه ليس للمرأة المُسلِمَةِ أن يَبْدو منها إلَّا هكذا». وأخذ كُمّيه فغطَّى بهما ظهر كفَّيه حتى لم يبد
من كفَّيه إلَّا أصابعه، ثُمَّ نصب كفَّيه على صدغيه حتى لم يبد إلا وجهه. قال الحافظ الهيثمي : فيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح» . اهـ
وعلى هذا يكون ستر المرأة لوجهها إذا خيفت الفتنة كما يقول الفقهاء
الحديث الشريف
۲۰۷
بطريق القياس والنظر في حكمه ووجوب احتجاب سائر جسمها.
معنى حديث: «مَنْ عَشِقَ فَعَفْ»
س ۱۸۷ وسألته عن معنى حديث: «مَن عَشِقَ فَعَفَّ»، هل هو خاص بالنساء أم لا؟ وإذا كان الحديث صحيحًا فإنه يفيد جواز النظر إلى النساء ومجالستهنَّ؛ لأنه لا يكون عِشْقٌ إلا بعد تقدم أسباب ذلك من النظر
والمجالسة؟
ج ۱۸۷ - فأجابني سيادته بما نصه: وحديث: «مَنْ عَشِقَ فَعَفَّ فَكَتَمَ فَمَاتَ مات شهيدًا». مُتكلّم فيه من جهة راويه سويد بن سعيد، لكنه لم ينفرد به بل له طريق آخر صحيح، ولأخي السيد أحمد فيه رسالة اسمها "دَرْءُ الضَّعف .
عن
حديث مَن عَشِقَ فَعَف". وعلى فرض صحته فالمراد به عشق النساء وليس في ذلك إشكال، ومعناه: من عشق امرأةً فعَفَّ عن قربانها في الحرام، بأن منع نفسه من التمتُّع بها فكَتَمَ الحديث عنها والتغزل فيها، فمات مات شهيدًا؛ لأنه جاهد نفسه وهواه وكبح جماح شهوته، ومما يُزيل الإشكال عنك حديث: "الصحيحين" في السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظله، فذكر منهم: ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذات مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فقال: إني أخافُ الله».
وحديث: "الصحيحين" في الثلاثة الذين وقعت عليهم الصخرة في غار فتوسلوا بصالح أعمالهم، وأحدهم توسل بأنه كان يحب ابنة عم له حتَّى إذا تمكن منها تركها الله.
۲۰۸
وحديث: الكفل من بني إسرائيل وهو حديث صحيح أيضًا.
فتاوى وأجوبة
بل في القرآن الكريم مدح الله يوسف عليه السلام على امتناعه عن قربان المرأة ميله إليها فقال: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ، وَهَمَ بِهَا لَوْلَا أَن رَّمَا بُرْهَنَ رَبِّهِ كَذَلِكَ
لنصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: ٢٤]. والحديث لا إشكال فيه ولكن يتوقف على فهم معنى عَفَّ، ومعناها: أنه كَفَّ عن مكالمة المعشوقة والنظر إليها ومجالستها؛ لأن ذلك كله حرام وزنًا كما سماه الشارع، ومعنى كَتَم» أنه لا يتغزّل في محاسن معشوقته؛ لأن ذلك حرام أيضًا، أما أن يخبر بأنه يُحبها فيجوز بشرط ألا يعود بضرر عليها بأن يصل خبر حبه إلى زوجها أو أبيها مثلا فهذا أيضًا حرام بلا نزاع
والحاصل أن مَن عَشقَ امرأةً وكافح نفسه، فلم يتصل بالمعشوقة ولا جالسها ولا تغزّل فيها ومات على ذلك كان شهيدًا، فإن اختل شرط من ذلك لم يكن شهيدا بل يكون عاصيًا بقدر فعله من كلام أو جلوس... إلخ، وحتى
لو تاب فإنَّ اللهَ يتوب عليه لكن لا يكون شهيدًا.
حكم الوعظ بأحاديث موضوعة
س ۱۸۸ - وسئل رضي الله عنه : عن حكم الوعظ بأحاديث موضوعة؟ ج ۱۸۸ - فأجاب رضي الله عنه ذلك الواعظ الذي يعظ بأحاديث موضوعة لا ثواب له في وعظه، بل يجب منعه من الوعظ كما أفتى به البخاري وغيره، وللحافظ السيوطي كتاب "تحذير الخواص من أكاذيب القُصَّاص" وهو مفيد في هذا الباب، والقُصَّاص هم الوعاظ .
الحديث الشريف
حكم اختلاط الرجال والنساء
۲۰۹
س ۱۸۹ - وسئل رضي الله عنه عن حديث دعوة الفارسي للنبي صلى الله
عليه وآله وسلم والسيدة عائشة هل يفيد جواز اختلاط الرجال والنساء؟ ج ۱۸۹ - فأجاب سيادته بما نصه حديث دعوة الفارسي للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم رواه مسلم في "صحيحه" عن أنس، وكان الفارسي جارًا للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم. وهو لا يدل على جواز الاختلاط بين الرجال والنساء، فعائشة جلست مع امرأة الفارسي ولم تقعد مع الرجال، ولا مانع أن يذهب الرجل بزوجته إلى دعوة أحد أصدقائه، فتقعد الزوجة مع النساء، ويقعد الزوج مع صاحب المنزل، أمَّا أن تقعد المرأة مع الرجال فهذا ليس في الحديث ما يدل عليه، والله تعالى يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَعًا فَسْتَلُوهُنَّ مِن وراء حجاب [الأحزاب: ٥٣] فكيف يعقل بعد هذه الآية أن يُخرج النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم زوجته ويُجلسها مع الرجل؟
وحديث دعوة أبي أسيد الساعدي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقديم زوجته الطعام وهي عروس، رواه البخاري عن سهل بن سعد، قال الحافظ ابن حجر: «في الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه، ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر» . اهـ
فامرأة أبي أسيد كانت مُتحَجّبة بالحجاب الشرعي، ولو كانت مُتبرجةً لنهاها النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم؛ لأنه لا يسكت على باطل، ولا يُقر على
معصية.
۲۱۰
فتاوى وأجوبة
والذي أثار الكلام في هذين الحديثين هو الشيخ الباقوري في "مجلة
العربي" ورد عليه دكتور شامي اسمه حسن هويدي في "مجلة الحضارة الإسلامية" ردا قويًا أظهر جهل الباقوري.
الأحاديث الواردة في ذَمِّ المكوس
س ١٩٠ - وسألته عن الأحاديث الواردة في ذم المكوس؟
ج ۱۹۰ - فقال سيادته والأحاديث في ذم المكوس كثيرة، منها الأحاديث الواردة في فضل ليلة النصف من شعبان: «إنَّ ممَّنْ لا يَغْفِر الله له فيها العشار» وهو المكاس، وأخذ العشور من الأجانب جائز ، وصفة المكوس أن تعين الحكومة حراسًا على الأسواق والميناء ونحوهما يأخذون على البضاعة مبلغا تفرضه الحكومة بنسبة معينة، وأخذه من المسلمين حرام؛ لأن المسلم لا يجب عليه في ماله إلَّا الزكاة والنفقة على أهله ودابته، والضيافة إذا نزل به ضيف لمدة
ثلاثة أيام.
تجريد "صحيح البخاري" من الأسانيد
س ۱۹۱ : هل يوجد تجريد لأحاديث صحيح البخاري" من الأسانيد؟ ج ۱۹۱ - تجريد "صحيح البخاري" من الأسانيد موجود ومطبوع بمصر، واسمه "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" للحسين ابن المبارك
أيضا
الزبيدي، وشرحه الشيخ عبدالله الشرقاوي، وشرحه مطبوع بمصر ومقرر بالجامع الأزهر، وابن أبي جمرة جرَّد أسانيد ثلاثمائة حديث من البخاري وشرحها في أربعة مجلدات، وشرحه مطبوع بمصر، ولصديقنا المرحوم الشيخ
الحديث الشريف
۲۱۱
مصطفى عمارة كتاب "جواهر "البخاري جرَّد فيه نحو ٧٠٠ حديث من
البخاري وهو مطبوع أيضًا.
حديث مكذوب، وبيان بعض مظان الأحاديث الموضوعة
-
س ۱۹۲ - وسمعت خطيبًا ليلة الإسراء والمعراج يذكر أن الله تعالى فوض النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في أن يُدخلَ مَن يشاء الجنَّةَ ومَن يشاء النَّارَ، وأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أخبر بأنه لن يدخل الجنَّةَ مَن لم يُصَلِّ عليه، فذكرت ذلك لسيادته؟
ج ۱۹۲ - فقال ما نصه: وذلك الحديث الذي ذكره الخطيب ليلة الإسراء والمعراج من أقبح الكذب وأسمجه، بل هو أقرب إلى الكفر كما ذكرت،
ومصدر هذه الأحاديث المكذوبة
۱ - "نزهة المجالس" للصفوري.
- الروض الفائق" للحريفيش. - "الكنز المدفون" المنسوب للسيوطي - "مفيد النعم ومبيد النقم" للخوارزمي. ه - "مشارق الأنوار" للشيخ حسن العدوي.
٦ - "التحفة المرضية".
- "دقائق الأخبار".
- "نور الأبصار" للشَّبَلَنجي. - "خزينة الأسرار" لحقي النازلي.
۲۱۲
فتاوى وأجوبة
۱۰ - "فضل الصلاة على النبي للهاروشي، وكتاب مثله أيضًا للشيخ
عظوم القيرواني.
۱۱ - "قصة المعراج" المنسوبة لابن عباس.
۱۲ - "قصة المعراج" لنجم الدين الغيطي.
۱۳ - "قصة المعراج" " للدردير. فهذه الكتب وأمثالها ملأى بالموضوعات، وهي مستند الخطباء والوعاظ. نقد كتاب "الأضواء القرآنية"
س ١٩٣ - وأرسلت لسيادته كتاب الأضواء القرآنية" الذي أنكر فيه مؤلفه (۲۰۰) حديثا من "صحيح البخاري".
ج ۱۹۳ - فكتب إلى سيادته ما نصه وصل كتاب "الأضواء القرآنية" وصاحبه جاهل جريء، وهو أقبح من الوهابية؛ لأنهم لا ينكرون المعراج ولا أحاديث "البخاري"، وهو لا يستند في إنكاره على قواعد علمية وإنما يستند على محه، مع جهله بأبسط الأشياء. فأول حديث أنكره حديث محاولة إلقاء النبي صلى الله عليه وآله وسلّم نفسه من الجبال عند فترة الوحي، وهذه المحاولة ذكرها الزهري بلاغا كما في "البخاري" فهي. منقطعة ضعيفة.
وعلى فرض صحتها فإنَّ الانتحار لم يكن حراما في ذلك الوقت وإنما حُرّم
بعد الهجرة.
وعلى فرض حرمته قبل البعثة فمَن حرَّمه؟ والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله
الحديث الشريف
۲۱۳
وسلم مكث بمكة ثلاث عشر سنة يدعو إلى التوحيد فقط، ولم تأتِ الشريعة بالتحريم والإيجاب إلا بعد الهجرة كما هو معروف، والنبي معصوم من فعل المعصية لا من الهم بها، قال الله تعالى في حقٌّ يوسف: وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّهَا برهن رَبِّهِ ﴾ [يوسف: ٢٤].
مهم
فالنبي : بالمعصية تحقيقا لبشريَّته، لكن لا يفعلها تحقيقا لنبوته، ولو لم يهم بالمعصية لم يكن بشرًا ولم يكن له فضل في ترك المعصية، وإنما الفضل لمن يهم بها ثُمَّ يتركها ، ولذلك مدح الله يوسف عليه السلام لأنه ترك المعصية بعد همه بها. وقال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: ٤٦] لأنه قاوم الشيطان و نفسه، والصبر عن المعصية أكثر ثواباً من الصبر على الطاعة وعلى المعصية. والخلاصة: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم يهم بالمعصية لكن لا يعزم عليها فضلا عن عملها، والهم غير مؤاخذ به إطلاقا لا النبي ولا غيره.
القواعد التي يعرف بها وضع الحديث
س ١٩٤ - وسألت سيادته عن القواعد التي يُعرف بها وضع الحديث؟ ج ١٩٤ - فأجاب سيادته بما نصه: والقواعد التي يعرف بها وضع الحديث
كثيرة:
منها: أن يكون فيه مبالغة في الثواب أو العقاب على عمل قليل، أو من قال كذا.... خَلَقَ اللهُ من قوله مَلَكًا، أو أعطاه الله ثواب سبعين صِدِّيقًا، أو لقي الله قبل الأنبياء. ومنها: وروده في فضل الأطعمة مثل: «الباذنجان لما أكل له». «قدس
٢١٤
فتاوى وأجوبة
العدس على لسان سبعين نبيا».
ومنها: أن يكون معارضًا لآية أو حديث صحيح.
تخريج حديث: «ما طفئ الصباحُ على قومٍ إِلَّا غُفِرَ لَهم» س ١٩٥ - وسئل عن صحة حديث: «ما طفئ المِصْباحُ على قومٍ إِلَّا غُفِرَ
ج ١٩٥ - فأجاب: وحديث: «ما طفئ المصباحُ على قومٍ إِلَّا غُفِرَ لهم». موضوع لا أصل فيه، وفيه من علامات الوضع اشتماله على الثواب الكبير على ما ليس بعمل. نعم، روى أبو داود في "المراسيل" عن عمران القصير قال: «طفئ مصباح النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فاسترجع أي قال: «إنا لله وإنا إليه راجعون»-
فقالت عائشة: إنَّما هذا مصباح. فقال: «كلُّ ما سَاءَ الْمُؤْمِنُ فهو مُصِيبَةٌ». وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "العزاء" عن عكرمة، قال: «طفئ مصباح النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: «إنا لله وإنا إليه راجعون». فقيل: يا رسول الله أمصيبةٌ هي؟ قال: «نعم، وكلُّ ما يُؤذى المؤمِنَ فهو مُصِيبَةٌ له وأَجْرٌ». وروى ابن أبي شيبة، والبيهقي في "الشعب" عن عمر، أنه انقطع شِسْعهُ فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون. فقيل له: مالك؟ قال: انقطع شسعي فساءني، وما ساءك فهو لك مصيبة. وروى الطبراني بإسناد ضعيف عن أبي أمامة: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم انقطع شِسْعُهُ فاسْتَرْجَعَ ، فقال له رجل: هذا الشَّسْعُ؟ فقال: «إنَّها مُصيبةٌ».
الحديث الشريف
معنى حديث المرأة التي لا ترد يد لامس
٢١٥
س ١٩٦ - وسئل رضي الله عنه: عن معنى حديث المرأة التي لا ترديد
لامس ؟ ج ١٩٦ - فأجاب رضي ا الله عنه: الرجل الذي أخبر بأن امرأته لا ترديد لامس لم يقصد الزنا؛ لأنه لو قصده لوجب اللعان أو الحد، ولم يحصل ذلك، وإنما قصده أنها متساهلة لا تمنع لمس جسمها ، أما إذا تحقق زناها فلابد من فراقها.
حديث: «الدنيا جيفة وطلابها كلاب»؟
س ۱۹۷ - وسئل رضي الله عنه: عن صحة حديث: «الدنيا جيفة وطلابها
كلاب»؟
ج ۱۹۷ - فأجاب رضي الله عنه: قولهم: «الدنيا جيفة وطلابها كلاب». ليس
بحديث.
معنى: «عبث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامه»
رضي
الله عنها:
س ۱۹۸ - وسألت فضيلته عن معنى قول السيدة عائشة . عَبَثَ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في مَنامِهِ». ج ۱۹۸ - فأجاب سيادته بما نصه: أما حديث عائشة: «عَبَثَ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في منامه ... إلخ».
فمعنى «عبث فيه أنه حرَّك يده كالآخذ لشيء أو الدافع لشيء، وهذا لما يرى النائم أنه يأخذ شيئًا عن أحدٍ مثلا فيمد يده لذلك الشيء فيقال عبث في منامه، أي: فعل فعلا لا فائدة له فيما يرى المستيقظ وإن كان النائم فَعَلَه لباعث
وداع.
٢١٦
فتاوى وأجوبة
هل صح أن أحد الأنصار تطاول على العباس رضي الله عنه بالسب؟
س ۱۹۹ - هل صح أن أحد الأنصار تطاول على العباس رضي
بالسب؟
الله عنه
ج ۱۹۹ - أما حديث تلاحم العباس والأنصاري ففي حفظي أن الحافظ الهيثمي استنكره - أي عده منكرًا - لمواجهة العباس لما يؤلم، مع أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم كان يحترم العباس ويُحِلُّه، وكان يرى له ما يرى الولد للوالد، كما قال عمر؛ فالحديث مُنكَرُ من هذه الناحية وقد احتطت في كلامي عليه حيث قلت: إسناده على شرط الحسن، ولم أقل إسناده حسن». وبين العبارتين فرق لا يخفى على أهل الصنعة.
1
تقبيل قدم النبي :
س ٢٠٠ - وأنكر أحد السبكيين ما ورد في تقبيل قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسئل فضيلته عن ذلك.
ج ۲۰۰ - فرد سيادته عليه بما نصه وما أنكره ذلك السبكي جائز غير مستنكر، فقد ثبت في حديث وفد عبد القيس عن زارع - أحد رجال الوفد قال: «ما قَدِمنا المدينة جعلنا نُبادِرُ مِن رَواحِلنا فنُقَبِّل يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ورِجْلَيْهِ». رواه أبو داود والبخاري في "الأدب المفرد"
وغيرهما، وهو حديث جيد كما قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري". وعن بريدة أنَّ أعرابيا أتى النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال: «يا رسول الله قد أسلمتُ فأمر لي بشيء أزدد به يقينًا قال: «ما تريد؟» قال: ادعُ تلك
الحديث الشريف
۲۱۷
الشجرة فلتأتك، قال: اذهب إليها فادْعُها». فذهب إليها فقال: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمالت فقطعت عروقها حتى أتت النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فقالت السلام عليك يا رسول الله، فقال: حسبي، فمرها فلترجع. فرجعت، فدلت عروقها في ذلك المكان. فقال: ائذن لي أن أُقبل رأسك ورِجْلَيكَ. فأذن له. ثُمَّ قال: ائذن لي أن أسجد لك. قال: «لا يَسْجُدُ أَحدٌ لأحد، ولو كنتُ آمِرًا أحدًا أن يَسْجُدَ لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا تَعْظِيمًا لَحَقِّهِ». صححه الحاكم، وسلّمه الذهبي، وصححه العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء". وروى البخاري في "الأدب المفرد" أنَّ عليا قبل يد العباس ورِجْلَهُ.
فقل لذلك السبكي: إنّ تقبيل الرجل غير ممنوع ولا قبيح، ولكن الممنوع والقبيح شرعًا وعرفًا هو البخل المنافي للإيمان، فما اجتمع إيمان وبخل في قلب أبدا، والله تعالى يقول: ﴿وَمَن يُوقَ شُعَ نَفْسِهِ، فَأُوْلَيكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: ٩]. والسبكيون لم يوقوا شح أنفسهم فهم غير مفلحين بدلالة القرآن، ولا تجد عندهم مروءة ولا نجدة ولا شهامة بل هم بخلاء جبناء حريصون على جمع المال بأي طريق.
الحكمة في مخاطبة جبريل النبي باسمه مجردًا س ۲۰۱ - وكتب فضيلته يسأل : لماذا خاطب جبريل رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلّم باسمه مُجرَّدًا؟
ج ۲۰۱ - فأجابه سيادته بما نصه : أما قول جبريل عليه السلام: «يا محمد»
ففيه احتمالان
۲۱۸
فتاوى وأجوبة
جفاة
أحدهما أنه أراد مبالغة التعمية على الصحابة فيعتقدون أنه . من الأعراب، بل عمي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا، فقد ثبت في بعض روايات الحديث في آخره قوله عليه الصلاة والسلام: «جبريل أتاكم يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُم، وما أتى في صورةٍ إِلَّا عَرَفْتُهُ فِيهَا إِلَّا في هذه». وهذا واضح. ثانيهما: أنَّ جبريل فعل ذلك إذلالا؛ لأنَّ له دالة الشيخ إذ لم يأتِ مُتعلّما وإنما أتى معلما ويدل على هذا من لفظ الحديث أمور:
1 - أنه قال: فجلس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل: فجلس بين يديه كما هو شأن المتعلم مع أستاذه.
- أنه وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفخذيه كما جاء صريحا في رواية البزار.
٣- أنه قال له: «صدقت» عقب الجواب، وهو يدل على أنه كان عالما
بالجواب، فكان قوله: يا محمد» من تمام الدالة.
وجواب آخر: وهو أنَّ النهي عن دعائه باسمه المجرَّد لا يشمل الملائكة بل هو متوجه للآدميين الذين يقصد بعضهم من ذلك التنقيص أو عدم الاعتراف له بالرسالة أو نحو ذلك مما لا يمكن صدوره ولا قصده من الملائكة.
معنى أن تلد الأَمَةُ رَبَّتها
س ۲۰۲ - كيف أخبر النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بأن من علامة الساعة أن تلد الأمَةُ رَبَّتها، وهذا أمرٌ غير موجود في وقتنا الحاضر ؟
ج ٢٠٢ - قوله في آخر الحديث: أن تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا». فعلى قول مَن فسَّره
الحديث الشريف
۲۱۹
بالإماء الشرعيَّات يقال في جوابه ليس من شرط العلامة أن تستمر ولا تنقطع، بل يكفي في العلامة أن تظهر مرة فيكون ظهورها إيذانا باختلال الحال، ولا مانع أن تنقرض بعد ذلك؛ لأنه لم يأتِ نص بدوامها إلى آخر الزمان، بل الأحاديث تفيد أنَّ العلامات تنقرض وتتعاقب، أي يعقب بعضها بعضًا.
سبب كون النساء أكثر أهل النار
س ٢٠٣ - وأرسل فضيلته يسأل عن الحِكْمة في أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم رأى أكثر أهل النَّارِ النِّساء؟
ج ٢٠٣ - فأجاب سيادته بما نصه: أما حديث اطلاع الرسول صلى الله عليه
وآله وسلَّم على النار ورؤيته أكثر أهلها النساء... إلخ، فالذي أعرفه أنَّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله
:
الحديث مروي بهذا اللفظ عن أبي أمامة . : و
صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أريتُ أنّي دَخَلْتُ الجنَّةَ فإذا أعالي أهل الجنَّةِ فُقراء المهاجرين وذَراري المؤمنين ، وإذا ليس فيها أقل من الأغنياء، فإنَّهم على الباب يُحاسبون ويُمَحصُون، وأمَّا النِّساءُ فألهاهُنَّ الأحمران الذهبُ والحَريرُ...»
الحديث.
رواه أبو الشيخ ابن حَيَّان وغيره بإسناد ضعيف. ومعناه: أنَّ الأحمرين شغلا النساء عن أن يكن من أعالي أهل الجنة؛ لأنهنَّ
فتن بهما عن الإكثار من الطاعة كما فتن الأغنياء غناهم. أما كثرة النساء في النار فسببها ما جاء في "الصحيحين" عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: ورأيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا
۲۲۰
فتاوى وأجوبة
كَاليَوْمِ قَطُّ أَنْظَعَ، ورأيتُ أكثر أهلها النِّساء» قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: بكُفْرِهِنَّ قيل : يَكْفُرن بالله؟ قال: يَكْفُرنَ العَشِيرَ ويَكْفُرْنَ الإحْسان، لو أحسنت إلى إحداهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنكَ شيئًا قالت: ما رأيتُ مِنكَ خَيْرًا
قط».
.. والمراد بالعشير: الزوج.
وفي حديث جابر ما لفظه: وأكثر من رأيتُ فيها - يعني النَّار - مِن النِّساء اللَّاتِي إِن اوْتَمَنَّ أَغْشَيْنَ، وَإِن سُئِلْنَ بَخِلْنَ، وإِن سَئَلْنَ الْخَفْن (۱) ، وإِن أُعْطِين لم
يَشْكُرن ...».
والحاصل : أنَّ سبب كثرة النِّساء في النَّار ما اشتمل عليه هذان الحديثان من كفران الزوج وكفران الإحسان... إلخ.
ومَن دَخَلَ منهنَّ الجنَّة فسبب قصور هن عن الرتبة العليا فيها اشتغالهنَّ بالذهب والحرير، وتقصير هنَّ بسبب ذلك عن الإكثار من الطاعة، ولعل في هذا الجواب كفاية.
معنى حديث: «تُبَخَلُونَ وتُجَبِّنُون»
س ٢٠٤ - وسأل فضيلته عن معنى حديث: «تُبَخّلُون وتُجبَنُون». ج ٢٠٤ - فأجاب سيادته بما نصه حديث: « تُبخّلُون وتُجبَنُون». معناه أَنَّ
قالت
الأولاد يحملون آبائهم على البخل والجبن ؛ فإنه إذا أراد أن ينفق في خير نفسه والشيطان ولدك أولى بما تعطيه للغير، فيقبض يده عن الإنفاق ويبخل. وإذا أراد أن يُجاهِدَ أو يقول كلمة حَقٌّ عند أمير مثلا ذكرته نفسه
(۱) الحق في المسألة يُلْحِف الحافًا، إذا أَلَحَ فيها ولزمها . النهاية لابن الأثير (٤/ ٢٣٧).
الحديث الشريف
۲۲۱
والشيطان بأولاده ويتمهم بعده فخاف الهلاك وجَبُن.
تخريج حديث: «العلماء ورثة الأنبياء».
س ٢٠٥: وكتب فضيلته يسأل هل حديث: «العلماءُ وَرَثَةُ الأنبياءِ مِن كلام علي بن أبي طالب؟
ج ٢٠٥ - فأجاب سيادته بما نصه: حديث: «العلماء ورثة الأنبياء» ليس من كلام على، فقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في جملة حديث، وفي سنده انقطاع واضطراب، فهو ضعيف يُعمل به في الفضائل، بخلاف حديث: «علماء أُمتي كأنبياء بني إسرائيل». لا
يعمل به في الفضائل كالموضوع، والتفرقة بينهما أمر اصطلاحي.
حديث في فضل العلم
س٢٠٦- وكتب فضيلته يسأل عن نص حديث أبي الدرداء في فضل العلم؟ ج ٢٠٦ - فأجاب سيادته بما نصه : حديث أبي الدرداء هذا لفظه : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّل الله له طريقا إلى الجنَّةِ، وإنَّ الملائكة لتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لطَالِبِ العِلْمِ رِضًا بما يَصْنَعُ، وإنَّ العَالِمَ لِيَسْتَغْفِرُ له مَن فِي السَّمَواتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ حَتَّى الحيتانُ في الماء، وفَضْلُ العَالم على العابِدِ َكفَضْلِ القَمَرِ عَلى سَائِرِ الكَواكِبِ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ ورَثَةُ الأنبياء، وإنَّ الأَنبياء لم يُورَثُوا دينارًا ولا درهما إِنَّا ورَّثوا العِلْمَ، فَمَن أَخَذَهُ أَخَذَ بحظ وافر». رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وصححه ابن
۲۲۲
فتاوى وأجوبة
جبان، وفي سنده اختلاف كبير، وهو على كل حال صالح للعمل به.
«خُذ من القرآن ما شئت لما شئت» كلام عامي
س ۲۰۷ - وسُئل عن حديث: «خُذْ مِن القرآنِ ما شِئتَ لما شئت»؟ ج ۲۰۷ - فأجاب سيادته بما نصه: «خُذْ مِن القرآن ما شِئتَ لما شئت» ليس
بحديث ولا حِكْمَةٍ، ولكنه كلام عامي.
تخريج حديث: رجعنا من الجهاد الأصغر..؟
قَفَلْنا
من
س ۲۰۸ - وسئل عن صحة حديث: رجعنا من الجهاد الأصغر ..»؟ ج ۲۰۸ - وحديث: رجعنا من الجهاد الأصغر ... إلخ». قال ابن تيمية: موضوع والصواب أنه ضعيفٌ، رواه البيهقي عن جابر، قال: ق تبوك، فلما بدت المدينة، قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «قَدِمْتُمْ خَيْرَ مَقْدَمٍ رَجَعْتُمْ مِن الجهادِ الأَصْغَرِ إلى الجهادِ الأكبر جهادُ العَبْدِ هَواهُ». هذا لفظ الحديث. ويؤيده أن جهاد الكفار فرض كفاية، وجهاد الهوى فرض عين، وهو أقوى وأعظم.
الاحتجاج بالقدر
س ۲۰۹ - وهل صح حديث احتجاج آدم بالقدر على موسى بسبب الخطيئة؟ ج ۲۰۹ - وحديث احتجاج آدم وموسى رواه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «اختج آدم وموسى عند ربهما، قال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك
ملائكته، وأسكنك في جنّته، ثُمَّ أهبطت النَّاسَ بخطيئتك إلى الأرض؟!. فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه، وأعطاك الألواح
الحديث الشريف
۲۲۳
فيها تبيان كلِّ شيء، وقربك نجيَّا، فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق، قال موسى بأربعين عاما، قال :آدم فهل وجدت فيها وعصى آدَمُ رَبَّهُ فغوى، قال : نعم، قال: أفتلومني على أن عملت عَمَلًا كتبه الله عليَّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟!» قال رسول الله: «فحَجَّ آدم موسى».
وإنما غلب آدم موسى؛ لأنه لامه على ذنب تاب منه وقبلت توبته: تم اجْتَبَهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ﴾ [طه: ۱۲۲ ] والممنوع شرعًا هو أن يحتج الإنسان لتبرير معصيته بالقَدَر من غير أن يتوب منها ، كالكفَّار الذين ماتوا على كفرهم مصرين عليه ثُمَّ يقولون يوم القيامة: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾ [الأنعام: ١٤٨] فلم ينفعهم احتجاجهم.
وأيضًا فإنَّ الاحتجاج بالقَدَر من غير توبة يتضمن التكبر على الله بترك
التوبة من الذنب، وكيف يتوب مِن أمر يراه مُقَدَّرًا عليه ؟ و آدم نبي مُكَلَّمٌ كما جاء في حديث أبي ذر، والفرق واضح بين أن يكلّم الإنسان عدوه بغضب وزعل، وبين أن يكلم صديقه بلطف وبشاشة.
تخريج حديث: «ما بين قبري ومتبري...»
س ۲۱۰- وهل رواية حديث: «ما بين قَبري ومنبري رَوْضَةٌ مِن رياضِ الجنة». صحيحة أم لا؟
ج ۲۱۰ - وحديث: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنَّةِ». هكذا ثبت في "الصحيحين" وغيرهما، ورواية « قبري». ضعيفة، لكن معناها صحيح؛ لأن قبره في بيته.
٢٢٤
فتاوى وأجوبة
والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كان يعلم أنه يموت في المدينة؛ لأن الأنصار تخوّفوا أن يقعد النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد فتحها ويترك المدينة، فقال لهم صلَّى الله عليه وآله وسلم: «المخيا محياكم والممات
مماتكم». فعرف الأنصار أنه يموت عندهم في المدينة وفرحوا بذلك. وأخبر صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنَّ النبيَّ يدفن حيث يقبض، ولذلك حفر الصحابة قبره في بيته.
معنى حديث: « النساء ناقصات عقل ودين
س ۲۱۱- وسئل عن معنى حديث: « النساء ناقصات عقل ودين»؟ ج ۲۱۱ - وأما حديث: «النِّساءُ ناقصات عقل ودين». فليس المقصود به التعيير أو التبكيت، وإنما المقصود الإخبار عن خاصية الجنس النسائي فهو مثل
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الإِنسَنَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ منوعا) [المعارج : ۱۹ - ۲۱].
وفائدة هذا الإخبار قطع طمع المرأة عن التطلع إلى مناصب الرجال،
كالخلافة والإمامة والقضاء ونحو ذلك، والحكم على المجموع طبعا. وفي "الصحيحين" حديث: كَمُلَ مِن الرِّجالِ كثير ولم يَكْمُلْ مِنَ النِّساءِ إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النِّساءِ كفضل الشَّريدِ على سائر الطعام. ومنع الحائض أو الجنب من المكث في المسجد لأجل احترامه؛ لأنه بيت الله وبيت الله لا يكون كبيوت الناس، بل يمتاز
عليهنَّ بأن لا يجلس فيه إلا طاهر، كما أنَّ كلامه لا يقرؤه إِلَّا طاهر.
الحديث الشريف
٢٢٥
تخريج حديث: «من مات يوم الجمعة...»
س ۲۱۲ - وسئل رضي الله عنه : هل صح حديث: «مَنْ ماتَ يومَ الجمعةِ أو ليلتها وقي فِتْنَةَ القَبْرِ»؟
ج ۲۱۲ - فأجاب رضي ا الله عنه: وحديث: «مَن ماتَ يومَ الجمعةِ أو ليلة الجمعة وقاهُ اللهُ فِتنةَ القَبْرِ». حسَّنه الترمذي مع اعترافه بانقطاع فيه، لكن وصله الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" وهذا منحة من الله منحها لعباده المسلمين طائعهم وعاصيهم ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: ٢١].
هل يفدى آزر يوم القيامة؟
س ۲۱۳ - هل يُفدَى والد إبراهيم يوم القيامة حتى لا يدخل النار؟
٢١٣ يوما ج ۲۱۳ - وأما قصة إبراهيم مع أبيه يوم القيامة فقد رواها البخاري عن أبي م هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَلْقَى إبراهيم أباهُ آزَرَ يومَ القيامة، وعلى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وغَبَرَةٌ، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تَعْصِني، فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رَبِّ إِنَّكَ وعَدْتَني أَن لا تُخْزِيَني يوم يبعثون، فأَيُّ خِزْيِ أَخْزَى مِن أبي الأبعدِ؟ فيقول الله تعالى: «إِنِّي حَرَّمْتُ الجنَّة على الكافرين، ثُمَّ يقال: يا إبراهيم، ما تحتَ رِجْلَيْكَ؟ فينظُرُ، فإذا هو بـ بذيخ مُلْتَطِخ، فيؤخذ بقوائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ». والذبح بكسر الذال : ذكر الضباع. فالحديث صريح في أنَّ آزر مسخ ضبعًا ودخل النار، وأنَّ الجنَّة محرمة على الكافر، ولم تُجب دعوة إبراهيم عليه السلام؛ لأن دعوة النبي إنما تستجاب في
٢٢٦
فتاوى وأجوبة
الأمر الجائز، والمغفرة للكافر ممتنعة شرعًا وعقلا، والدعاء بالممتنع لا يجوز. ولذلك لما تبيَّن إبراهيم كفرَ أبيه تبرَّأ منه، لكنه حين يراه يوم القيامة في حالته القبيحة تأخذه الشفقة على أبيه فيحاول أن يشفع له، فيمسخ الله أباه ضبعا متلطخا بالنتن فيأخذ إبراهيم بأنفه من نتن ريحه ويقول له: «لست أبي،
فيتبرأ منه أبديا».
فحكاية الفداء خطأ كبير، وآزر في النَّار قطعا ولا يُفدَى أبدًا.
هل يعرفُ الميتُ مَن يزوره
س ٢١٤ - هل يعرفُ الميتُ مَن يزوره؟
ج ٢١٤ - وأما حديث: «ما مِن مُسْلِمٍ يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه ..... المراد بالمعرفة هنا معرفةٌ خاصَّةٌ، كأن كان قريبه أو جاره أو صديقه مثلا؛ لأن بقية الحديث: «فإن لم يكن يعرفه رَدَّ عليه السلام».
والحاصل: أنَّ الميت كالحي إن مرَّ على قبره شخص كان له به صلةٌ ومعرفة فسلم عليه وجلس عنده رد عليه واستأنس به كما كان في الحياة، وإن مرَّ عليه شخص لا يعرفه وسلَّم عليه ردَّ عليه السلام
تصحيح حديث: «أنا مدينةُ العِلْمِ وعلي بابها»
س ٢١٥ - هل صح حديث: «أنا مدينةُ العِلْمِ وعلى بابها»؟ ج ۲۱۵ - حديث: «أنا مدينةُ العِلْمِ وعلى بابها». صحيح لا غبار عليه، صححه جماعة من الحفاظ كالطبري والسمرقندي والحاكم. والذين ضعفوه نوعان: نوع ضعفوه باعتبار طرق مخصوصة ضعيفة لم يقفوا على غيرها. ونوع
الحديث الشريف
۲۲۷
أنَّ
ضعفوه لأنهم ظنوه يفيد أفضلية عليّ على أبي بكرٍ رضي الله عنهما، حتى أ المتعصبين أوّل الحديث فقال: «علي: من العلو». والمعنى: «أنا مدينة
بعض
العلم وبابها عال». وهذا تحريف قبيح.
والأعلمية لا تستلزم الأفضلية، ولو سلمنا أنها تستلزمها، فلا ضرر في ذلك، وقد كان جماعة من الصحابة يُفضّلون عليا على الشيخين، منهم سلمان الفارسي، وأبو ذر، والمقداد بن الأسود، وجابر بن عبد الله، وغيرهم كعمار بن ياسر .
زيارة القبور للنساء
س ٢١٦- هل يجوز زيارة القبور للنساء
مع ورود حديث: «لَعَنَ اللهُ
زَوَّارَاتِ القُبورِ»؟ ج ٢١٦- زيارة القبور للنّساء مباحة بشرط ألَّا يُرتكب فيها محظور، فإن ارتُكِبَ محظور اختل الشرط وسقط الجواز، وحديث : «لَعَنَ اللهُ زَوَّارَاتِ القُبورِ» حسنه الترمذي، وصححه ابن حِبَّان، لكن في سنده انقطاع، وراو متكلم فيه، فلا يكون صحيحًا ولا حسنًا، وحديث: «ارجعنَ مَأْزوراتٍ غير مأجوراتٍ وارد في منع النساء من تشييع الجنازة؛ لأنهن لا يحملن الميت ولا يدفنه. «هذه يد لا تمسها النَّارُ حديث واو
س ۲۱۷ - هل صح حديث سعد بن معاذ في تقبيل النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ليده؟
ج ۲۱۷ - حديث سعد بن معاذ الأنصاري - غير المشهور - أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قبل يده وقال: «هذه يدٌ لا تَمسُّها النَّارُ». هذا لفظ الحديث،
۲۲۸
فتاوى وأجوبة
وهو واه لا يجوز ذكره، ولا العمل به لأن الواهي حكمه حكم الموضوع.
حديث: «وَمَن ذَكَرَنِي فِي مَلا ...»
س ۲۱۸ - هل حديث «مَن ذَكَرني في ملأ ...» يدل على فضل الملائكة؟ ج ۲۱۸ - حديث: ومَن ذَكَرَني في مَلأ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأَ خَيْرٍ مِن مَلائِهِ»، هو من تفضيل المجموع، والمعنى: أنَّ الجانب الذي يكون الله معه ذاكرًا أفضل من
الجانب الآخر وهذا واضح.
هل صح في فضل الحج يوم الجمعة حديث؟
س ٢١٩ - هل صح في فضل الحج يوم الجمعة حديث؟
ج ٢١٩- لم يصح حديث في فضل الحج يوم الجمعة، وإنما صح أ الوقوف بعرفة في حَجَّة الوداع كان يوم جمعة.
هل قصر أهل مكة الصلاة في حجة الوداع؟
س ٢٢٠ - هل أهل مكة المكرمة قصروا الصلاة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في حَجَّة الوداع؟
ج ٢٢٠ - لم يثبت التصريح بأن أهل مكة قصروا الصلاة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في عرفة، ولكن روى أبو داود والترمذي عن عمران بن حصين قال: «غزوت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يُصلّي إلا ركعتين، ويقول: «يا أهلَ البَلَدِ صَلُّوا أربعًا فإِنَّا قومٌ سَفْرٌ». فهذا الحديث يقتضي أنهم لم يقصروا معه في حجة الوداع ولو ثبت أنهم قصروا معه، ففيه دليل لمن حدّ مسافة القصر بخمسة عشر ميلا؛
الحديث الشريف
لأن بين مكة وعرفة ٢٥ كم.
أحاديث العقل كلها موضوعة
س ٢٢١: هل ورد في فضل العقل أحاديث؟
۲۲۹
ج ۲۲۱ - أحاديث العقل كلها موضوعة فلا تتعب نفسك في فهمها
وتأويلها.
حديث: «من اعتكف في المسجد فواق ناقة»؟
س ۲۲۲ - هل صح حديث: «مَن اعتكف في المسجد فواق ناقة»؟ ج ۲۲۲ - حدیث: من اعتكف في المسجد فواق ناقة بني له قصر في الجنة».
موضوع.
حديث: «أبشر بالفقر... ليس بصحيح
س ۲۲۳ - هل صح حديث الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إني أحبك. قال: أبشر بالفقر ...» إلخ؟
ج ۲۲۳ - حديث: أنَّ رجلا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إنِّي أحبك. قال: أبشر بالفقر... إلخ. ليس لكن روى أحمد عن أبي بصحيح.
هريرة حديث: «إنَّ اللهَ إذا أحبَّ أحدًا ابْتلاه ليسمعَ تَضَرُّعَهُ».
وروى الطبراني عن أبي عنبة الخولاني صحابي - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا أحبَّ الله عبدا ابتلاه، وإذا أحبه الحب البالغ اقتناه، لا يترك له مالا ولا ولدا».
وفي الحديث الصحيح: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثُمَّ الصالحون، ثُمَّ
الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ».
۲۳۰
فتاوى وأجوبة
الظالم عَدَلُ الله في الأرض» ليس بحديث
س ٢٢٤ - هل صح حديث: «الظالم عدلُ الله في الأرض»؟
ج ٢٢٤ - «الظالم عدل الله في الأرض» ليس بحديث.
لكن روى الطبراني بإسناد ضعيف عن جابر مرفوعا: «إنَّ الله تعالى يقول: أنتقم من أبغضُ بِمَن أبعْضُ ثُمَّ أصير كلًّا إلى النَّارِ».
وحديث: إنَّ اللهَ ليؤيد هذا الدين بالرَّجُلِ الفاجِرِ». في "صحيح البخاري" وسببه أنَّ رجلا في غزوة أُحُدٍ أكثر القتل في المشركين، فقالوا عنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآه قال: «هو في النار».
فتبعه بعض الصحابة، فما زال يقاتل حتى كثرت عليه الجراحة، فقتل نفسه، فأخبروا النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم فقال: «إِنَّ اللَّهَ ليؤيد هذا الدين
بالرَّجُل الفاجر». وقد حصل مثل هذا في عصرنا ، فإنّ المستشرقين مع عداوتهم للإسلام، طبعوا كتب التفسير والحديث والسيرة في ألمانيا وهولندا وإسبانيا وغيرها، وهذا تأييد للدين.
حديث صلاة التسابيح صحيح
س ٢٢٥ - هل صح حديث صلاة التسابيح ؟ ج ٢٢٥ - حدیث صلاة التسابيح أخطأ ابن الجوزي بذكره في "الموضوعات" ورد عليه الحافظ ابن حجر، وضعفه ابن تيمية والمزي وهو خطأ أيضًا، وحسنه العلائي، وتناقض النووي وابن حجر فيه فحسَّناه في موضع، وضعفاه في موضع
آخر، والصواب أنه حديث صحيح.
الحديث الشريف
۲۳۱
التنبيه على خطأ بعض المؤلفين
س ٢٢٦ - إن بعض المؤلّفين ذكر أنَّ رجلاً جاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أصبتُ حدا وهو الزنا، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم:
«هل صليت معنا».؟ قال: نعم، قال: «قد غُفِرَ لك». كيف ذلك؟
ج ٢٢٦ - ما ذكره هذا المؤلّف أخطأ فيه، والذي في الحديث الصحيح: أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أصبتُ حدا». وفي رواية: «أصبت ذنبا». فقال: «أصلَّيتَ معنا»؟ قال: نعم، قال: «قد غُفر لك». وفسر الذنب في الحديث بأنه: قبل امرأة ولمسها ولم يجامعها، وظنَّ الذي فعل هذا - وهو أبو اليسر - أن فيه حدا، فكلمة زنيتُ مِن تصرُّف المؤلّف.
دفع تعارض بين آية وحديث
س ۲۲۷ - هل يتعارض حديث: «لن يَدْخُلَ أَحَدُكُم الجنَّةَ بِعَمَلِهِ». مع
قول الله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: ٣٢]؟
وبين
ج ۲۲۷ - لا تعارض بين حديث: «لن يُدْخِلَ أحدكم الجنَّةَ عَمَلُهُ». و قول الله: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: ٣٢] لأن الحديث ينفي استحقاق العمل لدخول الجنَّة ؛ لأن العبد لا حق له على الله، والآية تريد
تفضل الله على عبده بإدخاله الجنَّة بعمله، فلا معارضة بينهما.
س ۲۲۸ - هل حديث: «لَعَنَ اللهُ اليهود والنصارى اتَّخَذُوا قبور أنبيائهم
مساجد». يتعارض مع القرآن؟
ج ۲۲۸ - الجمع بين القرآن والحديث واجب؛ لأن مصدرهما واحد،
۲۳۲
فتاوى وأجوبة
والقرآن يُقرر أن اليهود قتلة الأنبياء، والحديث يخبر أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم
مساجد فكيف يتفق عقلا أن يقتلوهم ويتخذوا قبورهم مساجد؟! ثُمَّ اليهود موحدون إلا طائفة العزيرية، وهذا إشكال لا مخلص منه ولم أجد له حلًا إلى الآن، وفلسطين هي محل أنبياء بني إسرائيل وليس فيها قبر نبي ظاهر إلا قبر موسى ولم يعبد، وهذا إشكال آخر، ونحن نؤمن بصحة الحديث ونقول لا نعمل به حتى يظهر حل إشكاله.
نعم النصارى عبدوا عيسى وأمَّه، فالحديث بالنسبة إليهم واضح لا خفاء فيه، والحديث حُجَّةٌ لا محالة ولكن نحب أن نفهمه فهل عند أحدٍ لهذا الإشكال حل؟
ما صحة حديث: «ما وَسِعَني سماء ولا أرض...»؟
س ۲۲۹ - هل صح حديث: «ما وَسِعَني سماء ولا أرض، ووسعني قلب عبدي المؤمن»؟
ج ۲۲۹ - حديث: «ما وسعني سماء ولا أرض ووسعني قلب عبدي المؤمن لا أصل له. ولكن أخرج أحمد في "الزهد" عن وهب بن منبه قال: إنَّ الله فتح السموات الحزقيل حتى نظر إلى العرش فقال حزقيل: سبحانك ما أعظمك يا رب فقال الله تعالى: إنَّ السموات والعرش ضعفن عن أن يسعنني ووسعني قلب المؤمن الوادع اللين». هذا أصله في الإسرائيليات. وروى الطبراني عن أبي عتبة الخولاني، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّ الله آنيةً مِن أهل الأرض وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقُها».
الحديث الشريف
قول ابن مسعود: «لا غفر الله لك». ليس بصحيح
۲۳۳
س ۲۳۰ - هل صح أنَّ عبدالله بن مسعود قال لمن طلب المغفرة للميت:
«لا غَفَرَ الله لك»؟ وهل ثبت ذلك للميت؟
ج ۲۳۰ - قول ابن مسعود: «لا غفر الله لك». ليس بصحيح. وحديث ابن عمر قال: لم يكن يسمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يمشي خلف الجنازة إلَّا قول: «لا إله إلا الله» ضعيف.
وروى ابن أبي شيبة عن بكير بن عتيق قال: كنت في جنازة فيها سعيد بن جبير، فقال رجل استغفروا الله غفر الله لكم، فقال سعيد: «لا غفر الله لك». وسعيد ليس بصحابي. وروى عبدالرزاق عن ابن جريح قال: قلت لعطاء: قولهم: «استغفروا له غفر الله لكم؟». قال: «مُحدَث، وبلغني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لذي البجادين: «اسْتَغْفِرُوا له غَفَرَ اللهُ لكم». وروى عبدالرزاق عن أبي جحيفة أنه أخذ بقوائم سرير عمرو بن شرحبيل فما فارقه حتى أتى القبر، وهو يقول: «اللهم اغفر لأبي ميسرة». وأبو جحيفة صحابي معروف. وعن عكرمة قال : مات ابن لأبي بكر كان يشرب الشراب، فقال أبو هريرة: استغفروا له، فإنما يستغفر لمسيء مثله».
اليهود قتلة الأنبياء
س ۲۳۱- وسئل رضي الله عنه عن قبر إبراهيم عليه السلام، وعن اليهود وكيف كانوا مع أنبيائهم؟
ج ۲۳۱ - فأجاب رضي الله عنه: إبراهيم عليه السلام أقدم من أنبياء بني إسرائيل بمدة كبيرة وقبره معروف ومعه أولاده إسحاق ويعقوب ويوسف،
٢٣٤
فتاوى وأجوبة
واليهود قتلة الأنبياء بصفة دائمة حتى أنهم قتلوا زكريا ويحيى وشبيه عيسى وحاولوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مرتين أنجاه الله منهما، ولا زالوا إلى الآن يتخلصون من مناوئيهم بقتلهم.
واليهود ليس في كنائسهم صلبان ولا تصاوير ولا قبور، وأنبياء بني إسرائيل كلهم كانوا بفلسطين لم يخرجوا عنها، واكتشف رأس يحيى في عهد الأمويين وهو مدفون بالشام الآن وعليه مسجد، وذكر القرآن أنواع المعبودات من دون الله من جنّ وإنس وملائكة وأصنام وتماثيل وكواكب، ولم يذكر قبرا من القبور؛ لأن قبرا لم يعبد، لهذا أقول إنَّ حديث: «لعَنَ اللهُ اليهودَ اتَّخذوا قبور
أنبيائهم مساجد» لا أفهمه وأنا متوقف فيه حتى يظهر لي وجهه.
هل الألباني مُحدِّثْ يُعتمد عليه في تصحيح الأحاديث
س ۲۳۲ - هل الألباني مُحدِّثْ يُعتمد عليه في تصحيح الأحاديث؟ ج ٢٣٢ - الألباني مُحدِّثُ بلا شك. لكنه لا يعرف الأصول، ولذلك يخلط في فهم الأحاديث، ويخلط في الاستنباط فيجعل الحكم منسوخا والمجاز حقيقة، ويخرق الإجماع وهو لا يشعر، وقد ردَّ عليه الوهابية أنفسهم بالرياض والهند وبينوا خطأه في تضعيف بعض الأحاديث أو تصحيحها؛ لأنه يُصحح ويُضعف بالهوى. وممن ردَّ عليه الشيخ إسماعيل الأنصاري بالرياض، وحمود التويجري بالرياض، أيضًا وأرشد السلفي بالهند، والدكتور سعيد البوطي بالشام، وغيرهم، مثل الشيخ عبدالله الحبشي ببيرو.
وقد قرأت ردود هؤلاء وغيرهم، وهو مع هذا عنيد لا يرجع عن رأيه، وشتّام
الحديث الشريف
٢٣٥
سفيه اللسان، ، وهو يعترف لي بعلم الحديث في كتبه ومع أصحابه، ولما جاء إلى طنجة طلب منه بعض الوهابيين أن يكتب له عنوانًا بالشام ليراسله فيما يعرض له في الحديث، فقال له الألباني: عندك الشيخ عبدالله الصديق مُحدّث فارجع إليه.
معنى تكرار الفعل في قوله : «نَجَوْا، وَنَجَوْا جميعًا» : :
س٢٣٣ - لماذا تكرر الفعل في حديث: «مَثَلُ القائم على حدود الله والواقع فيها...». الحديث؟
ج ۲۳۳ - في صحيح البخاري عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلَّم قال: «مَثَلُ القائم على حُدُودِ الله والواقع فيها، كَمَثَلِ قومٍ اسْتَهَمُوا على سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بعضهم أعلاها وبعضُهم أسْفَلَها، فكان الذين في أسْفَلِها إذا اسْتَقَوا مِن الماءِ مَرُّوا على مَن فوقَهُم، فقالوا: لو أَنَّا خَرَقْنا في نَصِيبنا خَرْقًا ولم نُؤْذِ مَن فوقنا، فإن يَتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا هَلَكُوا جميعًا، وإن أَخَذُوا على أيدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جميعًا».
أي الذين أرادوا الخرْقَ نَجَوا، ونَجَوْا هم أي رُكَّاب السفينة جميعًا. وهذا معنى تكرار الفعل لتعدد الفاعل، ومعنى الحديث: أنَّ منع من أرادوا خرق السفينة من علمهم لا ينجيهم وحدهم بل ينجيهم وينجي رُكَّاب السفينة أيضًا.
هل صح زواج النبي في الجنة من مريم وكلثم وآسيا س ٢٣٤ - هل صح أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم يتزوج في الجنة
مريم ابنة عمران وكلثم أخت موسى وآسيا امرأة فرعون؟
ج ٢٣٤ - روى الزبير بن بكار عن أبي داود قال: دخل النبي صلى الله عليه
٢٣٦
فتاوى وأجوبة
وآله وسلم على خديجة في مرضها الذي ماتت فيه، فقال: «أما عَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ زوجني معك في الجنَّة مريم ابنة عمران، وكُلْتَم أخت موسى، وآسيا امرأة فرعون؟». فقالت: «وقد فعل ذلك يا رسول الله؟ قال: «نعم». قالت: بالرفاء والبنين.
وهذا الحديث واه متروك لا أصل له، ولم يثبت أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله
وسلَّم يتزوج في الجنة مريم أو غيرها.
معنى: «وإن أَفْتَاكَ النَّاسُ وَافْتَوَكَ»؟
س ٢٣٥: ما معنى الجملة الثانية من حديث: «اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وإِن أَفْتَاكَ النَّاسُ وأَفْتَوْكَ»؟
ج ٢٣٥ - حديث : اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وإن أَفْتاكَ النَّاسُ وأَفْتَوْكَ». معنى الجملة الثانية أنَّ المؤمِن المنوّر القلب، إذا اطمأن قلبه لشيء عمله، وإن أفتاه الناس بتحريمه وإن كرَّروا الفتوى عليه، فلا يعمل بفتواهم ولا بتكرارها عليه.
سؤال عن السموات
س ٢٣٦ - نرجو الإفادة عن بُعد السَّماء عن الأرض وعن سمك كل سماء، وبعد كل سماء إلخ؟ وهل صحيح أن الأولى من موج مكفوف، والثانية من
مرمر، والثالثة من حديد والرابعة من نحاس والخامسة من فضة، والسادسة من ذهب، والسابعة من ياقوتة حمراء؟ وفي مختصر بن أبي جمرة" في هامشه للشيخ الشنواني في ليلة الإسراء في حديث المعراج، عن أنس بن مالك عن صَعْصَعَةٍ في صحيفة (١٦٦) يقول الله: «بعد السَّماء عن الأرض
بن
الحديث الشريف
۲۳۷
خمسمائة عام، وغلظ كل سماء خمسمائة عام، وهكذا إلى السماء السابعة»، فالرجاء
إفادتنا بالجواب. ج ٢٣٦ - أمَّا بعد السَّماء عن الأرض، وسُمك كل سماء... إلخ، فروى
الله
الترمذي وأبو الشَّيخ وابن مردويه من طريق الحسن عن أبي هريرة رضي ! عنه قال: بينما نبي الله صلَّى الله عليه وآله وسلم جالس وأصحابه، إذ أتى عليهم سحاب فقال نبي الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: «هل تدرون ما هذا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا العنان بفتح العين» وفي رواية: «هذه الغياية - بياءين السَّحابة - هذه رَوَايا الأرضِ يَسُوقُهَا اللَّهُ إلى قومِ لَا يَشْكُرُونَهُ ولا يَدْعُونَهُ»، وفي رواية ولا يعبدونه»، ثمَّ قال: هل تدرون ما فوقكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنَّها الرَّقِيعُ سَقْفٌ محفوظ ومَوجٌ مَكْفُوفٌ، ثُمَّ قال: «هل تدرون كم بينكم وبينها؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: «بينكم وبينها خمسمائة سنة»، ثمَّ قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنَّ فوق ذلك سماءَين ما بينهما مسيرة خمسمائة عام، حتى . سبع سماوات ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض، ثُمَّ قال: «هل تدرون
G
عد
ما فوق ذلك؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنَّ فوق ذلك العَرْشَ، وبينه وبين السماء بعد ما بين السَّماءين، ثمَّ قال: هل تدرون ما الذي تحتكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها الأرض، ثمَّ قال: «هل تدرون ما الذي تحتها؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: «فإنَّ تحتها أرضًا أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتَّى عدَّ سبع أرضين بين كلّ أرضين مسيرة خمسمائة سنة، ثمقال: والذي نَفْسُ محمَّد بيده، لو أنكم دلّيتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ثم
G
۲۳۸
فتاوى وأجوبة
قرأ: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3]، رجال إسناده عند الترمذي رجال الصحيح إلَّا أنَّ فيه انقطاعا؛ لأنَّ الحسن لم يسمع من أبي هريرة غير حديث واحد، وهو حديث: «المنتزعات والمختلعات من المنافقات (۱)
ورواه أحمد أيضًا وفي سنده الحكم بن عبدالملك وهو ضعيف، وقوله: لهبط على الله نقل الترمذي تأويله عن بعض أهل العلم بأنَّ المعنى: لهبط على
علم الله وقدرته وسلطانه، قال: وعلم الله وسلطانه وقدرته في كل مكان. وروى ابن راهويه والبزار في "مسنديهما" وأبو الشيخ عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وكثف كل سماء خمسمائة عام، وما بين السماء إلى التي تليها مسيرة كذلك إلى السَّماء السابعة والأرضون مثل ذلك، وما بين السماء
خمسمائة
عام
السابعة إلى العرش مثل جميع ذلك»، وإسناد ابن راهويه والبزار صحيحٌ إِلَّا أَنَّ فيها نقطاعًا أيضا؛ لأنه من رواية أبي نصر حميد بن هلال عن أبي ذر ولم يسمع منه. وروى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب "الرد على الجهمية"، وابن المنذر والطبراني وابن خزيمة وغيرهم عن ابن مسعود قال: «بين السماء والأرض
(۱) هذا على ما في "تهذيب التهذيب"، لكني وجدت حديثا آخر سمعه ! الحسن من أبي هريرة، قال أبو يعلى: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل: ثنا حجاج بن محمد عن هشام بن زياد، عن الحسن قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قرأ يس في ليلةٍ أصبح مَغْفُورًا له، ومَن قرأ (حم) التي يُذكر فيها الدخان أصبح مغفورا له»، وهذا إسناد جيد كما قال الحافظ ابن كثير.
۲۳۹
الحديث الشريف
خمسمائة عام، وما بين كل سمائين خمسمائة عام، وبصر كل سماء يعني غلظ ذلك - خمسمائة عام، وما بين السَّماء إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء والله فوق العرش». يعني: علمه، كما سيجيء في رواية أخرى.
وروى أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي في "الأسماء والصفات" وغيرهم، عن العباس بن عبدالمطلب قال: كنا جلوسا بالبطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، فمرت سحابة فقال: «هل تدرون ما هذا؟ فقلنا: السَّحاب، فقال: «والمزن»، قلنا: والمزن، قال: «والعنان»، قلنا والعنان، فقال: «هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض؟ قلنا : لا، قال: «فإنَّ بُعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون قال: وإلى فوقها مثل ذلك حتى عدهُنَّ سبع سماوات على نحو ذلك، قال: «ثم فوق السَّابعة بحر بين أعلاه وأسفله مثل ما بين السماء إلى السَّماء، ثم فوقه ثمانية أوعال ما بين أظلافهنَّ وركبهنَّ مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم العرش فوق ذلك، ما بين أعلاه وأسفله مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم إنَّ الله تبارك وتعالى فوق العرش وفي رواية: والله سبحانه وتعالى علمه فوق ذلك، وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء». قلت: «البحر» المذكور في هذا الحديث هو المراد بقوله تعالى: وكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾ [هود : ۷] و «الأوعال الثمانية هي صورة الأوعال كما جاء ذلك في رواية عن العبّاس بن عبدالمطلب في تفسير
قوله تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَذٍ ثَنِيَّةٌ [الحاقة: ١٧].
أملاك في
٢٤٠
. فتاوى وأجوبة
وأما قوله: «إنَّ بُعد ما بين السَّماء والأرض أحد وسبعون، وكذلك بين كلّ سماءين فلا ينافي الرّوايات المشهورة المصرحة بأنَّ البعد في ذلك مسيرة خمسمائة سنة، وذلك لاختلاف التقدير بطء السير وسرعته كما نص عليه ابن خزيمة في كتاب "التوحيد" والحافظ في "الفتح"، هذا ما يتعلق بالسؤال الأول على سبيل الاختصار.
وأما قول السائل: وهل صحيح أن الأولى من موج مكفوف والثانية من
مرمر والثالثة من حديد والرابعة من نحاس ... إلخ؟. فهذا كلام الربيع بن أنس رواه الطبراني وغيره بإسناد رجاله ثقات غير أبي جعفر الرازي فمختلف فيه.
رضي
من
وروى أبو الشَّيخ في "العظمة" بسند ضعيف جدا عن سلمان الفارسي الله عنه قال: «السَّماء الدُّنيا من زمردة خضراء واسمها رقيعاء، والثانية فضَّةٍ بيضاء واسمها ،أزقلون والثالثة من ياقوتة حمراء واسمها قيدوم
والرابعة من دُرَّةٍ بيضاء واسمها ماعونا، والخامسة من ذهبة حمراء واسمها ريقا أو ربعا، والسادسة من ياقوتة صفراء واسمها دقناء، والسابعة من نورٍ واسمها عريبا» ومثل هذا لا يصلح للتعويل عليه؛ لأنه مع كونه ضعيفا واهيا لم يرد عن
الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلَّم، فلا حُجَّة فيه مطلقا. نعم تقدم في حديث أبي هريرة في أول الجواب أَنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم سمَّى السَّماء الدُّنيا بالرقيع، وقال: «إنَّها سقف محفوظ وموج مكفوف»، وروى أبو الشيخ وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أنَّ رجلا قال: يا رسول الله ما هذه السماء؟ قال: «موج مكفوف عنكم».
الحديث الشريف
٢٤١
وروى ابن أبي حاتم عن الشَّعْبِيِّ أنَّ ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله
عن السماء من أي شيء هي ؟ فكتب إليه أنَّ السَّماء من موج مكفوف. هذا ما بلغنا مما ورد في السَّماء الدُّنيا، وما عداها من السماوات لم يرد فيه شيء والعلم عند الله تعالى.
حديث: «من صام رمضان وفي نيته معصية في شوال .....
س ۲۳۷- وسئل عن حديث مَن صام رمضان وفي نيته معصية في
شوال، فصيامه مردود عليه».
ج ۲۳۷ - فأجاب رضي الله عنه: حديث موضوع.
حديث: «من نوى على معصية ولم يفعلها لم تكتب عليه». س ۲۳۸ - وسئل عن حديث من نوى على معصية ولم يفعلها لم تكتب
عليه».
ج ۲۳۸ - في معناه مارواه مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنةٌ ، ومَن هَمَّ بحسنةٍ فعملها كُتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، و من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه، وإن عملها كتبت».
الحديث القدسي: «مَن طلبني وَجَدني...» موضوع
.
س ۲۳۹- وجاء كتاب من الأستاذ صالح عمر العفيفي طالب الأزهر يقول فيه أنه سمع بمسجد السيدة زينب رضي الله عنها عالما نِحْرِيرًا، يقول في خلال درسه: قال الله تعالى في الحديث القدسي: «مَن طَلبني وَجَدني ومَن
٢٤٢
فتاوى وأجوبة
وَجَدَنِي عَرَفَني، ومَن عَرَفَنِي عَشِقَني، ومَن عَشِقَنِي قَتَلْتُهُ، قَتَلْتُه كنت ومن دِيَّته، ومن كنتُ دِيَّته لا فرق بيني وبينه فلما قال هذا الحديث لأهل بلده أثناء
تدريسه، أنكروا عليه، وجادلوه ونازعوه، فهو لذلك يطلب الفصل فيه إلخ. ج ۲۳۹ - والجواب: هذا الحديث موضوع وأمره معروف بين المحدثين، فالحق مع أولئك الذين أنكروه واستبعدوه. ولقد غلط الأستاذ السائل حيث اعتمد على ذلك العالم التحرير كما قال؛ فإنَّا رأينا كثيرًا من العلماء النَّحَارِير - لا نذكر أسماءهم احتفاظا بمكانتهم - يحتجون في مذاكراتهم العلمية بأحاديث موضوعة، لا يشتبه في وضعها صغار المحدثين كالحديث المسؤول عنه- وهم غير عارفين بذلك.
والمقصود أنَّ الإنسان لا يطمئن لحديث إِلَّا إِذا سمعه من محدِّثٍ مُتَّقِن لفنه، أما إذا سمعه من غيره - مهما كان عالما نِحْرِيرًا ومُحققًا شهيرًا فلا بد أن يسأله عن مصدر الحديث، وفي أي كتاب رآه ليكون على بصيرة من أمره، وإذا كان التساهل
في مطلق الأشياء مذموما قبيحًا فهو في الحديث أكثر دما وأشد قبحا .
كلمة حول كتاب مسائل عبد الله بن سلام للنبي " س ٢٤٠ - وبعث إليَّ حضرة عبد السلام محمود ماضي من أويش الحجر بنسخة من كتاب اسمه "مسائل عبدالله بن سلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم"، يريد أن يعرف هل ما فيه صحيح؟
ج ٢٤٠ - والجواب: اطلعنا على تلك النسخة فإذا هي موضوعةٌ ليس فيها
-
شيء ثابت، وأصل القِصَّة في سؤال عبدالله بن سلام، مارواه البخاري في
الحديث الشريف
٢٤٣
"صحيحه" عن أنس، أن عبدالله بن سلام بلغه مقدم النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بالمدينة، فأتاه يسأله عن أشياء؟ فقال: إنِّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنَّ إلا نبي، ما أوّل أشراط الساعة؟ وما أوَّلُ طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: «أخبرني بهنَّ جبريل آنفًا».
قال ابن سلام ذاك عدو اليهود من الملائكة؟ قال: «أما أول أشراط الساعة: فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة: فزيادة كبد الحوت، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد - بنصب الولد على المفعولية - وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد».
قال: أشهد أن لا إله إِلَّا الله وأَنَّك رسول الله .
قال: يا رسول الله إنَّ اليهود قوم بهت، فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي، فجاءت اليهود، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أي رجلٍ عبد الله بن سلام فيكم؟؟ قالوا خَيْرُنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أرأيتم إن أسلم عبدالله بن سلام؟» قالوا: أعاده الله من ذلك، فأعاد عليهم، فقالوا مثل ذلك، فخرج إليهم عبدالله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله قالوا: شَرنا وابن شرنا، ونقصوه، قال : هذا ما كنت أخاف يا رسول الله
هذا سؤال عبدالله بن سلام رضي الله عنه على حقيقته، فأضاف إليه القصاص الكذابون تلك النسخة المكذوبة في غير ورع ولا حياء، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
٢٤٤
فتاوى وأجوبة
حديث: «من زار وليا في الله .... موضوع
س ٢٤١: وسئل عن حديث: «من زار وليا في الله، خير ممن عبد الله في جميع زوايا الأرض، حتّى تقطَّع جسمه إربا إربا».
ج ٢٤١- حديث: «من زار لي وليا في الله .... إلخ، فهو حديث موضوع. وأذكر أني سئلت عنه قبل هذا فنبهتُ عليه.
نعم روى الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعا: «من عاد مريضًا أو زار أخا في الله ، ناداه منادٍ من السَّماء، طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلًا». وهو حديث ضعيفٌ.
وفي "صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعا: «أَنَّ رجلًا زار أخا له في قريةٍ أخرى، فأرصد الله على مدرجته ملكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، قال: هل له عليك من نعمةٍ تَرُيُّها؟ قال: لا. غير أَنِّي أُحِبُّه
في الله ، قال : فإنّي رسول الله إليك، إنَّ الله قد أحبك كما أحببته فيه». فضل قضاء الحوائج
النَّاس
س ٢٤٢- وسئل عن حديث: «إنَّ الله خلقا خلَقَهم لقضاء حوائج ال الى على نفسه ألا يعذبهم بالنَّار، فإذا كان يوم القيامة وضعت لهم منابر من نور،
فيجلسون عليها ويتحدثون مع الله والنَّاس في الحساب». ج ٢٤٢ - حديث: «إنَّ الله خلقا ... إلخ. فيقرب من معناه ما رواه الطبراني عن ابن عمر مرفوعا: «إنَّ الله خَلْقًا خَلَقَهُمْ لحوائج الـ يفزع النَّاس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله»، وهو حديث ضعيف، وحسنه المناوي في "شرح الجامع الصغير" فوهم.
الحديث الشريف
٢٤٥
ورواه أبو الشَّيخ ابن حَيَّان في "الثواب" من طريق الجهم بن عثمان عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده مرفوعًا، والجهم شيعي مجهول عند ابن أبي حاتم، وضعفه الأزدي، وللطبراني عن أبي أمامة مرفوعا: «إنَّ الله عبادا يجلسهم يوم القيامة على منابر من نور يغشى وجوههم النُّور، حتى يفرغ من حساب الخلائق» وإسناده جيد.
وورد في أحاديث أخرى أنَّ هؤلاء هم المتحابون في الله وبالله التوفيق.
حديث: «أحبب حبيبك هونا ما .... موقوف
٢٤٣- (تنبيه): اطلعت على شرح الحديث في العدد الفائت، فكان مما لفت نظري فيه، أن رأيت الحديث المشروح لا يصح رفعه عند المحدثين
فأردت أن أنبه عليه تتميما للفائدة فأقول :
قال الترمذي : ثنا أبو كريب: ثنا سويد بن عمرو الكلبي، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة أراه رفعه قال: «أحبب حبيبك هونا ما .... الحديث. ثمَّ قال الترمذي: «هذا حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث عن أيوب بإسنادٍ غير هذا، رواه الحسن بن أبي جعفر وهو حديث ضعيف أيضًا - بإسناد له عن علي عن النبي
صلَّى الله عليه وآله وسلم، والصحيح عن علي موقوف» اهـ كلام الترمذي. وقد رواه البيهقي وابن عدي والدارقطني بطرق ضعيفة، وصرح الدار قطني في "الأفراد" بأنَّ رفعه لا يصح، وقال ابن حبان: رفعه خطأ. والحاصل : أن الحديث موقوف على علي عليه السلام.
٢٤٦
فتاوى وأجوبة
هل تُردُّ أرواح الأنبياء؟
س ٢٤٤ - وسئل رضي الله عنه: هل صح حديث في رد أرواح الأنبياء إليهم بعد موتهم وكيف ذلك؟
ج ٢٤٤ - فأجاب سيادته بما نصه: حديث: «ما من نبي يموتُ فيُقيمُ في قَبْرِهِ إلا أربعين صباحًا حتَّى تُرَدَّ إليه رُوحُهُ». فقد ذُكِر في "الجامع الصغير" مختصرا، ولفظه الذي أوردناه لا إشكال فيه وبهذا اللفظ أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" أنس وأعله بالخشني، لكن نازعه السيوطي وقال: «إنَّ للحديث شواهد ترقيه إلى الحسن». يعني بذلك الأحاديث الدالة على حياة الأنبياء في قبورهم. نعم، روى الثوري في "جامعه" عن شيخ، عن سعيد بن المسيب قال: «ما يمكث نبي في قبره أكثر من أربعين حتى يُرفع». وهذا شيء لم يرد فيه حديث
صحيح بل الأحاديث تُخالفه، وورد عن سعيد نفسه ما يُخالفه أيضًا. س ٢٤٥ : ما معنى قول النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ اغْتَسَلَ يومَ الجمعةِ غُسْل الجنابة»؟
ج ٢٤٥ - حديث: «مَن اغتسل يومَ الجُمُعَةِ غُسْل الجنابة.... إلخ. وزيادة هذه اللفظة لبيان أن غسل الجمعة ليس لمجرَّد النظافة والتزين بل هو عبادة، يكون بنية كغسل الجنابة.
حديث أم عطية في غسل الميت
س ٢٤٦ : وسُئل رضي الله عنه عن حديث أم عطية في غسل الميت؟ ج ٢٤٦ - فأجاب: وحديث أم عطية في غسل الميت رواه الستة عنها، قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين ماتت بنته، فقال: «اغْسِلنها
الحديث الشريف
٢٤٧
ثلاثا أو خمسا أو أكثر إن رأيتُنَّ ذلك بماءٍ وسِدْرٍ، واجعلن في الأخيرة شيئًا من
كافور». وأعطاها حِقْوَهُ - أي إزاره - وقال: «أَشْعِرْنها إِيَّاهُ» أي ألففنها فيه. وفي رواية «ابدأن بميامينها ومواضع الوضوء منها». وله روايات، والتي
غسلتها أم عطية أم كلثوم أو زينب على خلاف.
الصلاة الوسطى
س ٢٤٧: هل حديث: «شَغَلُونا عن الصَّلاة الوُسْطَى صَلاةِ العَصْرِ». يفيد أنَّ الصلاة الوسطى هي العصر ؟
ج ٢٤٧ - حديث: «شغلُونا عن الصَّلاةِ الوُسْطَى صَلَاةِ العَصْرِ». وهو في "صحيح مسلم" لكنه لم يقطع الخلاف في صلاة العصر؛ لأن الحديث ليس بمشهور ولا بمستفيض ، فكثيرٌ من العلماء لم يطلع عليه ولم يسمع به، ومن هنا
جاء الخلاف.
«مَن أَتَى كَاهِنًا أو عَرَّافًا...»
س ٢٤٨ - وسئل أيضًا عن حديث: مَن أتى كاهنًا أو عَرَّافًا .... إلى آخر
الحديث «فقد كَفَرَ بما أُنزل على محمّد صلَّى الله عليه وآله وسلّم على أي شيء
يحمل الكفر ؟ ج ٢٤٨ - فأجاب: إنَّ هذا كفر عملي سيؤول فيما بعد إلى الكفر؛ لأن الشارع لما جاء الإسلام منع من تصديق هؤلاء لأنهم يخدمون الجنَّ.
٢٤٨
فتاوى وأجوبة
من شيوخ المصنّف في الرواية والكلام على بعض الأثبات
س ٢٤٩ - وسئل عن روايته عن بعض العلماء؟
ج ٢٤٩ - فأجاب رضي الله عنه: أروي عن الشيخ محمد راغب الطباخ، والشيخ عبدالقادر توفيق الشلبي، والسيد محمد زبارة الحسني، والشيخ عبدالواسع اليمني، والسيد المهدي العزوزي - والد السيد محمد العربي العزوزي - استجزته بفاس.
ولا أروي عن الشيخ حسن المشاط ولا عن الشيخ محمد الحجوي صاحب
" الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي" لأنه ليس عندي منهما إجازة. والشيخ حسن بن محمد المشاط المكي علامة وكان بيننا صداقة وروى عني وصححت له بعض كتبه التي كانت تطبع بالقاهرة ككتابه "طلعة الأنوار" في المصطلح وهو شرح على نظم مختصر الألفية للشيخ عبد الله العلوي الشنقيطي. والسيد المهدي العزّوزي لا ثبت له، وأخبرتك أنه رجل عامي، وقد استقبلته بفاس واستجزته لي ولأخي الأكبر. أما البوجمعوي واسمه علي بن سليمان الدمنتي البوجمعوي فثبته مطبوع بمصر، طبعه مؤلفه حين طبع حواشيه على الكتب الستة سنة ،۱۳۰۳ ، والسيد العربي العزوزي توفي ببيروت، ولا يعرفون عنه في المغرب إلا أنه ابن السيد المهدي.
والسيد أحمد رافع الطهطاوي سمعت منه حديث الأولية وأجازني، والسيد عبدالحي الكتاني سمعت منه حديث الأولية وأجازني، وثبت السيد . رافع مقدَّم على "فهرس الفهارس" لشدَّة إتقانه، ولأنه نبه على أوهام "فهرس الفهارس" وغيره، وأنا لم أره ، ولكن أخبرني عنه أخي السيد أحمد
أحمد
الحديث الشريف
٢٤٩
الذي رآه وأثنى عليه كثيرًا، بل فضَّله على كثير من الأثبات لتحقيقه، ولو طبع لكان يغني عن غيره، لكن أولاد المؤلّف لا علاقة لهم بالعلم فلم يهتموا بطبعه، ثُمَّ إِنَّ بعض من لا يتقي الله استعار بعض كراسات منه ولم يردها حتى مات
المؤلّف وبقي الكتاب ناقصا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
و"فهرس الفهارس" لا يحتاج إلى شرح ولم يشرحه أحد.
والشيخ الحجوي لم أقابله ولم أروِ عنه وكذلك أخي لم يرو عنه وثبته لا بأس به وإن كان ضيق الرواية. والشيخ سليمان الصنيع كان على صلة بنا في مصر وكان رجلًا طيبًا رحمه الله لكن لم أروِ عنه ولم يرو عني، ولم أعهد فيه العناية بالحديث، وإن كان له عناية بالكتب واطلاع فيها كبير.
والسيد أحمد رافع الطهطاوي مُسند العصر لأن كتابه "المسعى الحميد إلى بيان وتحرير الأسانيد" حرّر الكلام فيه على أكثر من أربعمائة ثبت من المتقدمين والمتأخرين مع دقة في اتصال رجالها ووفياتهم. وقد حاول ذلك الشيخ عبدالحي الكتاني لكنه لم ينجح كثيرًا ووقع له
أخطاء نبه عليها السيد أحمد رافع في كتابه. أما عبدالحفيظ الفاسي ومحمد بن جعفر الكتاني وأخي فإنهم ألفوا أثباتًا في روايتهم وشيوخهم فقط، أما بدر الدين الحسني الدمشقي فهو وإن كان من شيوخي ليس من أهل الحديث ولا علم له به.
والحجوي وإن كان علامة مُحققًا لم تكن له عناية واسعة بالرواية والإسناد كبعض معاصريه بالمغرب والحجاز والهند وكذلك الكوثري عنايته بالرواية قليلة جدا وأسانيده نازلةٌ، ومع ذلك استجزته قبيل وفاته تبركا بعلمه وفضله رحمه الله.
٢٥٠
فتاوى وأجوبة
والشريف محمد الباقر هو ابن السيد محمد بن عبدالكبير الكتاني، توفّي رحمه الله منذ عدة سنوات، ولم أرو عنه وإنما أروي عن عمه السيد عبدالحي. والشيخ محمد حبيب الله ناولني رسالةً في المصافحة وأجازني، لكن ليس له شيوخ كثيرون ولا سند عال، وليس هو صاحب موضوع الإرسال بل أخوه
الخضر. والشيخ محمد سالم النجدي يمكن أن يروي عن الأمير الكبير بواسطة؛ لأنه مات عن سن عالية، والكوثري أدركه بمصر، وأدرك الشيخ محمد إمام السقا، لكن لا أدري هل قابله؟ لأني لم أسأله عنه، ولا يجوز أن يسند من طريقه
عمن عاصرهم ممن أجازوا إجازة عامَّةٌ ؛ لأنه لا يُعرف هل علم بها وقبلها؟ ورواية الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصارى عن سيدي محمد بن جعفر بواسطتين سند نازل جدا؛ لأن ابن جعفر توفّي سنة (١٣٤٥) وأدركته بفاس. وشيخنا القاضي عبد الحفيظ الفاسي لم يكن حافظا ولا محدثًا ولكنه مُسند، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي الجزائري لم يكن له معرفة بالحديث لا قليلا ولا كثيرا، زرته بمصر مرات وناقشته فوجدته خاوي الوفاض بادي الإنقاض وكنت أنوي استجازته فلما تبيَّن لي بعده الشاسع عن علم الحديث عدلت عن
نيتي، وتبين لي أيضًا أنه لا رواية له وكان وهابيا سفيه اللسان.
والشيخ بدر الدين الحسني أجازني، وليس له إلَّا سند واحد لا غير، وأخبرني أخي رحمه الله أنه حضر درسه الذي يلقيه بعد صلاة الجمعة فوجده يذكر الأحاديث الضعيفة والموضوعة ولا يعرفها.
الحديث الشريف
٢٥١
السبب في ترك البخاري الرواية عن الإمام الشافعي
س ٢٥٠ - وسئل رضي الله عنه: لماذا لم يرو البخاري للشافعي؟ ج ٢٥٠ - فأجاب : والبخاري لم يرو للشافعي في "الصحيح" لسببين - غير علو السند، فالشافعي لم يُعمَّر وللخطيب البغدادي جزء في هذا الموضوع: الأول: أنَّ الشافعي كثيرًا ما يقول : أخبرنا الثقة، أو أخبرني من لا أتهم. أنَّ الرجال الذين روى لهم الشافعي فيهم ضعفاء ومجاهيل،
الثاني:
والشافعي نفسه ينبه على بعضهم.
ثالث وسبب
: وهو أنَّ الشافعي لم يكن واسع الراوية، والأحاديث التي رواها صحيحة قليلة، معظمها ليس على شرط البخاري، والذي منها على شرطه هي عند البخاري بطريق أعلي.
وقد نقل البخاري عن الشافعي مرتين في "صحيحه"، مرة في كتاب الزكاة
تحت عنوان: «باب في الركاز الخمس»، ومرة في كتاب البيوع تحت عنوان: باب تفسير العرايا».
الأحاديث الضعيفة في "مسند أحمد"
س ٢٥١ - وسئل رضي الله عنه عن الضعيف في "مسند أحمد"؟
ج ٢٥١ - فأجاب: "مسند أحمد" كتاب عظيم وفيه أحاديث ضعيفة رواها أحمد نفسه، وسبب ذلك فيه أنه روى عن رجال يرى توثيقهم وضعفهم الجمهور، أو أنه كان يرى العمل بالضعيف إذا لم يجد غيره، ويراه خير من رأي الرجال، وهذا رأي تلميذه أبي داود أيضًا.
٢٥٢
فتاوى وأجوبة
تفرد حماد بن شاكر
س ٢٥٢ - وسُئل رضي الله عنه عن تفرد حماد بن شاكر بأحاديث في روايته
للبخاري عن باقي الرواة.
ج ٢٥٢ - فأجاب: ما تفرد به حماد بن شاكر يعزى إلى البخاري مقيدا
برواية حماد بن شاكر لا مطلقا.
أمراء المؤمنين في الحديث
س ٢٥٣ - وسئل عن أمراء المؤمنين في الحديث.
ج ٢٥٣ - فأجاب: أمراء المؤمنين في الحديث عشرون جمعهم الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي في رسالةٍ مطبوعة بمصر، منهم: شعبة، ومحمد بن إسحاق، ومالك، والبخاري، والدارقطني ، وخاتمتهم ابن حجر العسقلاني. رواية شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن البرهان التنوخي س ٢٥٤ - وسُئل: عن رواية شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن البرهان
التنوخي. ج ٢٥٤ - فأجاب: زكريا الأنصاري يروي عن البرهان التنوخي مباشرةً كما يروي عنه الحافظ ابن حجر.
مرتبة النجديين في الحديث
س ٢٥٥ - وسئل عن عناية النجديين بالصناعة الحديثية.
ج ٢٥٥ - فأجاب: القوم هناك ليس لهم عناية بالحديث ولا بكتبه النادرة؛ فلذلك توجد مكاتبهم خاوية من النفائس كما ذكرت، وعنايتهم متوجهة إلى كتب ابن تيمية وكتب الحديث المشهورة مع تزمتهم داخل المذهب الحنبلي،
الحديث الشريف
٢٥٣
والإمام أحمد نفسه كان متزمتا وسرت روحه في أهل مذهبه.
تحقيق "أحاديث القصاص" للشيخ محمد الصباغ
س ٢٥٦- وسئل عن تحقيق الشيخ محمد الصباغ الدمشقي لـ"أحاديث
القصاص".
ج ٢٥٦ - فأجاب : الشيخ محمد الصباغ رأيت له "أحاديث القصاص" فقط، وهو ليس بذاك.
مرسي
التعليقات على "البرهان الجلي
س ٢٥٧ - وسئل عن كاتب التعليقات على "البرهان الجلي". ج ٢٥٧ - فأجاب: التعليقات التي على كتاب "البرهان الجلي" للشيخ أحمد
أخذها عني.
رأي الشيخ رحمه الله في بعض من وصف بالحفظ
س ٢٥٨- وسأله تلميذه الشيخ محمود سعيد محمد ممدوح عن بعض الحفاظ من بعد الحافظ ابن حجر، وعن رأيه في بعض من وصف بالحفظ ؟ ج ٢٥٨ - فأجاب رضي الله عنه: مسألة الحفاظ بعد ابن حجر بحث طريف ينبغي الاعتناء به وقيامك به حسن جدا. والحافظ في هذه العصور المتأخرة من عنى بعلم الحديث، وقرأ كتبه الكثيرة سماعا، وحفظ جملة مستكثرة
من الأحاديث، وكان له اطلاع ومعرفة بالمتون والرجال والمؤلفات المختلفة. والأسماء التي ذكرتها (۱) ليس في أصحابها من يستحق اسم الحافظ إِلَّا ابن
(۱) هذا الخطاب موجه لتلميذه الشيخ محمود سعيد محمد ممدوح فإنه كان يشتغل في
٢٥٤
فتاوى وأجوبة
فهد، ونسيت أن تذكر الحافظ عثمان الديمي كان معاصرا للسيوطي وصديقا له، وتلميذًا للحافظ ابن حجر، وقاسم بن قطلوبغا الحنفي تلميذ ابن حجرٍ
أيضا.
وراجعت كشف الحفاظ الذين ذكرتهم فلاحظت ما يأتي:
١ - ابن سنة الفلاني شخص لا وجود له وإنما اختلقه الشيخ صالح الفلاني غفر الله له، كما اختلق اسم الشريف محمد بن عبدالله الولاتي، ادعى لهما علو
السند، وهو نفسه لا يستحق اسم الحافظ.
٢ - سُقين العاصمي له إجازات وليس بحافظ.
إطلاق الشيخ زاهد لفظ : «حافظ على شيوخه الأتراك يقصد به حفظ القرآن على عادة الأتراك في ذلك، فإن مَن يُتقن حفظ القرآن منهم
يسمونه حافظا.
- الديمي الصغير ليس بحافظ
الإمام البخاري مقدم على الإمام أحمد في الصناعة الحديثية س ٢٥٩ - وسُئل رضي الله عنه: لماذا يُقدَّم الإمام البخاري على الإمام أحمد؟ وهل كان الترمذي أعلم من أحمد في العلل؟ ج ٢٥٩ - فأجاب: الإمام البخاري له كتابان يدلان على تقدمه في الصناعة الحديثية على الإمام أحمد وغيره، وهما "الجامع الصحيح" و"التاريخ الكبير"،
"ذيل الحفاظ" وكان يراسل شيخه العلامة عبد الله بن الصديق رحمه الله تعالى وكل ما
سيأتي من نظائره فهو هو.
الحديث الشريف
٢٥٥
ما خطت أنامل أحمد بن حنبل مثلهما، فإنَّ فيهما من الاستنباط الدقيق والتعديل والتجريح والترجيح عند التعارض ما يقضي بتفوق البخاري على كثير من شيوخه، ودخل شيخه إسحاق بن راهويه - وهو من هو - عليه يعوده فاستفاد منه أثرًا أخرجه في سنده.
ويقول البخاري عن شيخه علي بن المديني: «ما استصغرت نفسي عند أحد غير علي، وودت لو كنت شعرة في صدره، ومع ذلك كنت أغرب عليه».
يعني أن البخاري كان يذكر لعلي بن المديني أحاديث لا يعرفها.
وفي "صحيح البخاري" حديث: من عادى لي وليا .... إلخ، ليس هو في "المسند" على كبره، لأن أحمد لم يطلع عليه.
أما الترمذي فتلميذ البخاري ومنه استفاد في العلل والتجريح، وكتابه "السنن " مفيد في هذا الباب خصوصًا العلل، وهذا علم البخاري، ولا عجب
أن يكون أعلم من الإمام أحمد من هذه الناحية.
ا
ونظير هذا أنَّ ابن رجب أعلم بعلل الأحاديث من ابن تيمية بمراحل، وكتابه "شرح علل الترمذي" يدل على ذلك، وابن تيمية مع حفظه كان ضعيفا في علم العلل، ومع ذلك كان أحمد عالما بالعلل وله أجوبة وآراء.
حاشية على "صحيح مسلم" للمؤلف
س ٢٦٠ - وسأله تلميذه الشيخ محمود سعيد محمد ممدوح عن حاشية على "صحيح مسلم" في أربعة مجلدات وجدها بخط السيد عبدالله بن الصديق الغماري بمكتبة جامعة الرياض، واستغرب لذلك ؟
٢٥٦
فتاوى وأجوبة
(1)n
ج ٢٦٠ - فأجابه رضي ا الله عنه: والهوامش التي على صحيح" "مسلم" إن أمكنك نقلها فحسن جدًا لأنها خلاصة أبحاثي وأبحاث غيري من بعض
المحققين.
ترتيب كتب السنَّة بحسب الأصحية
س ٢٦١ - وسُئل رضي الله عنه : عن ترتيب كتب السُّنَّة بحسب الأصحية؟ ج ٢٦١ - فأجاب : ترتيب كتب الحديث الصحيحة: البخاري، ثُمَّ مسلم، ثم أبو عوانة والإسماعيلي، ثُمَّ ابن خزيمة، ثُمَّ ابن حِبَّان، ثُمَّ الحاكم، ثُمَّ الضياء
المقدسي.
ثُمَّ كتب السنن: سنن الدارمي، ثُمَّ النِّسائي، ثم أبو داود، ثُمَّ الترمذي، ثُمَّ الموطأ، ثُمَّ ابن ماجه.
الفرق بين ميزان الاعتدال" و"تهذيب التهذيب"
س ٢٦٢ - وسُئل رضي الله عنه عن الفرق بين "ميزان الاعتدال" و "تهذيب التهذيب"، وهل يكفيان في الرجال؟
ج ٢٦٢ - فأجاب: "ميزان الاعتدال" في الضعفاء مطلقا، و"تهذيب التهذيب" في رجال الستة، وأحدهما لا يغني عن الآخر ، وكلاهما لا يكفيان في الرجال.
(۱) قصة هذه الهوامش على "صحيح مسلم" أنها حاشية على الصحيح في أربع مجلدات بخط السيد عبد الله بن الصِّدِّيق بيعت في محنته بمصر ووقف عليها الشيخ محمود سعيد ممدوح بمكتبة الرياض وكانت تحوي في ذلك الوقت مكتبات سليمان الصنيع، خير الدين الزركلي، أحمد خيري، ورجل من آل الشيخ.
الحديث الشريف
اصطلاح الحافظ عند الزيدية
٢٥٧
س ٢٦٣ - وسُئل رضي الله عنه : عن اصطلاح الحافظ عند اليمنيين الزيدية؟ ج ٢٦٣ - فأجاب : ليس في اصطلاح اليمنيين إطلاق الحافظ على حافظ القرآن، لكنهم يطلقونه على من يكون كثير الاطلاع كالحسين العمري
الصنعاني.
صاحب "كشف الأستار المسبلة"
س ٢٦٤ - وسُئل رضي الله عنه عن صاحب "كشف الأستار المسبلة". ج ٢٦٤ - فأجاب: "كشف الأستار "المسبلة" صاحبه أبو الحسن علي بن
كان أحمد، يمني مقتل الإمام يحيى، وحديث: «البسملة واءٍ بلا شك، وكتاب "إفهام الحي" لم
بمصر ثم رجع إلى اليمن وقتل في الفتنة التي حصلت بعد
أره ولم يطبع بل لم يكمل.
تحسين الترمذي لحديث «طيب الرجال»
س ٢٦٥ - وسئل رضي الله عنه عن تحسين الترمذي لحديث «طيب الرجال». ج ٢٦٥ - فأجاب : للترمذي اصطلاح خاص في الحديث الذي يقول فيه: «حسن» فقط، بينه في كتاب العلل» حيث قال:
وما ذكرنا في هذا الكتاب: حديث حسن» فإنما أردنا حسن إسناده عندنا، كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذًا
ويروى من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حديث حسن . اهـ كلامه.
وحديث: طيب الرجال كذلك ؛ لأنه ليس في إسناده متهم وليس هو
٢٥٨
فتاوى وأجوبة
بشاذ وله طرق أخرى، فلهذا قال عنه: حديث حسن» ولا مشاحة في
الاصطلاح.
ثُمَّ الغريب ما ليس له إلا طريق واحد، وحديث: «طيب الرجال» له
طريقان أو ثلاثة فلا يكون غريباً.
هل في البخاري أحاديث ضعيفة
س ٢٦٦ - وسُئل رضي الله عنه : هل في البخاري أحاديث ضعيفة؟ ج ٢٦٦ - فأجاب: في صحيح البخاري" أحاديث ضعيفة لا من جهة السند بل من جهة المعنى، لكنها ليست بكثيرة، وشرح ذلك يطول، وأذكر لك
مثالا واحدا للتوضيح:
في "صحيح البخاري" حديث: «لَعَنَ اللهُ اليهودَ اتَّخَذُوا قُبور أنبيائهم
مساجد». فهذا الحديث لم يعترضه الحفاظ مع أنه باطل لأمور: 1 - أنَّ الله أخبر عن اليهود أنهم يقتلون أنبيائهم في عدة آيات فكيف يعقل أن يقتلوهم ثُمَّ يتخذوا قبورهم مساجد؟!
٢ - أنه لا يوجد قبر نبي معروف لليهود ولا للمسلمين إلا قبر إبراهيم وأولاده في بلدة الخليل، ولم يثبت أنَّ اليهود عبدوا هذه القبور.
٣- أن كنائس اليهود ليس فيها قبر نبي ولا صورة له. ٤ - أنَّ اليهود لم يكونوا يحترمون الأنبياء أو يقدسونهم، فإلى جانب قتلهم لهم آذوا موسى، وكفّروا سليمان ونفوا عنه النبوة، واتهموا داود بالزنا وشرب
الخمر، وقالوا تهكما: إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ ﴾ [النساء: ١٥٧].
الحديث الشريف
٢٥٩
السيوطي أوسع حفظا من ابن حجرٍ
س ٢٦٧ - وسئل رضي الله عنه عن حفظ الحافظ السيوطي. ج ٢٦٧- فأجاب: كان الحافظ السيوطي أوسع حفظا .
حجر مع قلة إتقانه وكثرة تساهله.
المقصود من قول الشافعي «حدثني الثقة»
من
الحافظ ابن
س ٢٦٨- وسُئل رضي الله عنه عن المبهم في قول الشافعي: حدثني
الثقة»، هل هو مالك؟
ج ٢٦٨ - فأجاب: إذا قال الشافعي: حدثني الثقة» فلا يقصد مالكا، بل يقصد يحي بن حسان أو إسماعيل بن علية أو غيرهما.
وقال: وإذا قال الشافعي: حدثني من لا أتهم» فقد يريد إبراهيم بن أبي
يحيى وقد يريد غيره.
معنى قول بعض المحدثين: «فلان لا يروي إلا عن ثقة» س ٢٦٩ - وسئل رضي الله عنه عن معنى قول بعض المحدثين: «فلان لا
يروي إلا عن ثقة». ج ٢٦٩ - فأجاب رضي الله عنه: قول بعض المحدثين: «فلان لا يروي إلَّا عن ثقة يستفاد منه في ترجيح صحة حديث روي من طريق شخص روى عنه من لا يروي إلا عن ثقة، أو ترجيح توثيق ذلك الراوي إذا ضعفه أحد، أو
اختلف في تضعيفه وتوثيقه.
٢٦٠
فتاوى وأجوبة
متى يحسن حديث المستور
س ۲۷۰ - وسئل رضي الله عنه : متى يحسن حديث المستور؟
ج ۲۷۰ - فأجاب: المستور قد يُحسن حديثه إذا لم يكن منكرا، وكان رجال
السند ثقات سواه.
العمل بالحديث الضعيف وموقف الألباني منه
س ۲۷۱ - وسئل عن العمل بالحديث الضعيف وموقف الألباني منه ؟ ج ۲۷۱ - فأجاب: أما دعوى الألباني فهو مخطئ. أولا: لإيهامه أنها من اجتهاداته مع أنه مقلد لابن العربي المعافري، والأمانة العلمية توجب أن يقول: هذا رأي فلان وأنا أرجحه، وابن عباس
يقول: «السرقة في العلم أشد من السرقة في «المال».
وثانيا: الحفاظ حين أجمعوا - إلَّا ابن العربي- على العمل بالضعيف في الفضائل اقتدوا بالشارع، فإنه تسامح في فضائل الأعمال ما لم يتسامح في الفرائض؛ أجاز للصحيح القادر أن يصلّي النافلة قاعدًا، وأن يصلي ركعة منها قائما وأخرى قاعدًا، ويبتدئ النافلة قاعدًا ثُمَّ عند الركوع يقوم فيركع من قيام، ويجوز أن يُصليها مضطجعا، كل هذا في الحديث.
وأجاز في النافلة أن تصلى على الراحلة ولو اتجهت لغير القبلة، وفي الصوم أجاز للمتنقل أن ينويه من النهار ما لم يأكل، وفي الفرض لا يصح إلا بنية قبل
الفجر، والصائم المتطوّع إذا شاء أفطر ولم يتم صومه ولا إثم عليه، والترتيب بين المناسك في الحج سنةٌ، وسُئل النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عمن .
خالف
الحديث الشريف
٢٦١
ترتيبها وقدم ما هو مؤخّر وبالعكس فقال: «افعل ولا حرج». وهذا باب واسع لمن تتبعه، فالحفاظ ماعدوا أن اقتدوا بالشارع.
وثالثًا: فإنهم اشترطوا للعمل بالضعيف شرطين مهمين:
أحدهما: أن يكون ضعفه خفيفا لا شديدًا. والآخر: أن يكون مندرجا
تحت أصل عام كآية أو حديث أو قاعدة لئلا يستقل الضعيف بإثبات فضيلة لا يوجد ما يشهد لها .
ورابعا : قولهم: الضعيف لا يُعمل به في الأحكام» كلام نظري لم يطبق عمليا، فقد عمل الأئمة الأربعة بالحديث الضعيف في الأحكام مجتمعين ومنفردين، وللحافظ ابن الملقن كتاب "المعيار " مرتب على الأبواب الفقهية، ذكر في كل باب الأحاديث الضعيفة التي عمل بها الأئمة كلهم أو بعضهم وهو نفيس. وخامسا: قرر أبو حنيفة تقديم الضعيف على القياس في الأحكام، وهو مذهب أحمد أيضًا. وقد كنت كتبت مقدمة لـ"رياض الصالحين" طبع بالدار البيضاء، تعرضت فيها للعمل بالضعيف في الفضائل.
نهاية تقييد الحديث مسندا
س ۲۷۲- وسئل رضي الله عنه عن تقييد الحديث الشريف بالإسناد، وهل انتهى بعصر البيهقي ؟
ج ۲۷۲ - فأجاب رضي الله عنه : تقييد الحديث لم ينته بالبيهقي، بل امتد بعده فشمل الديلمي صاحب مسند الفردوس"، والضياء المقدسي صاحب "المختارة"، والطبسي؛ من شيوخ ابن عساكر، وتلميذه ابن عساكر صاحب
٢٦٢
فتاوى وأجوبة
"التاريخ" المشهور، وابن النجار صاحب ذيل" تاريخ بغداد". وكتب هؤلاء مشهورة يُعزى إليها الحديث كما يُعزى لكتب المتقدمين عليهم، بل قال ابن تيمية: «تصحيح الضياء في "المختارة" أعلى من تصحيح الحاكم».
درجة أحاديث تاريخ بغداد
س ۲۷۳ - وسئل رضي الله عنه عن الأحاديث المذكورة في "تاريخ بغداد" للحافظ الخطيب البغدادي، ودرجتها من حيث الصحة والضعف. ج ۲۷۳ - فأجاب فأجاب رضي الله عنه: "تاريخ "تاريخ الخطيب" فيه أحاديث حسنةٌ وصحيحة لكنها قليلةٌ، وفيه موضوعات ومنكرات أوردها للتنبيه عليها بواسطته أو بواسطة مشايخه ومشايخهم، وهو كتاب مفيد جدًا وفيه، فوائد تشد إليها الرحال. زيادات رزين العبدري
س ٢٧٤ - وسئل رضي الله عنه عن زيادات رزين العبدري في كتابه الذي جمع فيه الأصول الستة.
ج ٢٧٤ - فأجاب رضي الله عنه: رزين العبدري لم يكن من الحفاظ، والزيادات التي زادها لا يوردها بإسناد بل هي معلقة، وأغلبها لا أصل له.
هل أحاط المجتهدون بالسنة؟
س ٢٧٥ - وسئل رضي الله عنه: هل أحاط المجتهدون بالسنة؟ ج ٢٧٥ - فأجاب رضي الله عنه : أبو حنيفة والشافعي والأوزاعي لم يحيطوا بالسنة، بل لم يكن الشافعي وأبو حنيفة من الحفاظ، فادعاء إحاطتهما بالسُّنَّة غلو شدید مردود.
الحديث الشريف
٢٦٣
ترتيب كتب الحديث؟
س ٢٧٦ - وسئل رضي الله عنه عن ترتيب كتب الحديث.
ج ٢٧٦ - فأجاب رضي الله عنه: لابن حزم كلام في ترتيب كتب الحديث نقله الذهبي في " تذكرة الحفاظ " (ج ٣ ص ١١٥٣) في ترجمة ابن حزم فانظره هناك. كتاب "الفوائد الموضوعة"
س ۲۷۷ - وسئل رضي الله عنه عن كتاب "الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة" للشيخ مرعي الكرمي المقدسي الحنبلي، والذي حققه محمد بن لطفي الصباغ، وطبع بالرياض.
ج ۲۷۷- فأجاب: قرأت كتاب "الفوائد" الموضوعة في الأحاديث الموضوعة" فوجدته عديم الفائدة، والذي حققه لا يعرف الحديث.
الرد على الألباني في منعه العمل بالحديث الضعيف س ۲۷۸ - وسئل رضي الله عنه عن منع الألباني للعمل بالحديث الضعيف وما حجة من عمل به من الحفاظ والفقهاء؟ ج ۲۷۸ - فأجاب والألباني محدثٌ صُحفي، مغرور، هَجَّامٌ، شَتَامٌ، جاهل بالأصول وقواعد الاستنباط، له استنباطات مضحكة ومخالفة للإجماع. ثُمَّ هو غير مأمون؛ يُصَبِّح ويُضعف حسب هواه ، ولا يُحسن إِلَّا سَبَّ العلماء والولوغ في أعراضهم. وإنكار العمل بالضعيف في الفضائل سبق إليه ابن العربي المعافري، وقلده القنوجي في "نزل الأبرار"، ثُمَّ جاء الألباني في مؤخرة القطار يُردّد
٢٦٤
الصَّدَى.
فتاوى وأجوبة
ولم يعلم أنَّ ابن الملقن له كتاب "المعيار " جمع فيه الأحاديث الضعيفة التي عمل بها الأئمة الأربعة مجتمعين أو منفردين ورتَّبه على الأبواب الفقهية، وأنَّ الشارع نفسه تساهل في الفضائل خذ مثلا صلاة النفل؛ تصح من قعود مع القدرة على القيام ولا يصح ذلك في الفرض، وصوم التطوع يصح بنيَّة من النهار ما لم يطعم والفرض لا يصح إلا بنية من الليل والصائم المتطوع له أن يفطر قبل المغرب كما في الحديث، أي لا يتم صومه، وصيام الفرض لا يجوز فيه ذلك.
ومن فضائل الحج ترتيب المناسك كالرمي والحلق والذبح والطواف، وقد سئل النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عمن عكس ترتيبها فقال: «افعل ولا
حرج.
فأهل الحديث حين تساهلوا في الضعيف بالنسبة للفضائل؛ بالشارع
اقتدوا فماذا يقول الألباني الجاهل المتزمت؟
حول كتاب "المنتقى" لابن الجارود
س ۲۷۹ - وسئل رضي الله عنه عن قول الشيخ حماد بن محمد الأنصاري: إن "المنتقى" لابن الجارود مستخرج عن صحيح ابن خزيمة"، ونقله عن
الحافظ ابن حجر ؟ ج ۲۷۹ - فأجاب : ما ذكره الشيخ حماد عن كتاب "المنتقى" ليس بصحيح، وهو في نقله عن الحافظ ابن حجر واهم.
الحديث الشريف
٢٦٥
إنكار ابن تيمية والذهبي مؤاخاة النبي ا لعلي السلام س ۲۸۰ - وسئل رضي الله عنه عن إنكار ابن تيمية والذهبي مؤاخاة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السلام.
ج ۲۸۰ - فأجاب رضي الله عنه : مؤاخاة النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم لعلي عليه السلام ثابتةٌ في "سيرة ابن إسحاق" وهي مستفيضة، ولم يثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم آخى بين عليّ وأحد من الصحابة، وإنكار ابن تيمية والذهبي لها؛ نزعة شامية ناصبية.
وليقولا لنا : من أخو عليّ من الصحابة ؟؟! فإنهما لن يستطيعا جوابًا عن ذلك لأنه لم يكن له أخ إلَّا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنكار هذا إنكار للضروريات كإنكار عِلْمِهِ وشجاعته وزُهْدِه عليه السَّلام.
حكمة صوفية وليس بحديث
س ۲۸۱ - وسئل عن حديث: «ما عبدالله بشيء أكثر من جبر الخواطر»؟ ج ۲۸۱ - فأجاب: «ما عبد الله بشيء أكثر من جبر الخواطر» ليس بحديث، بل هو حكمة صوفية يتداولها الصوفية في كتبهم ومحاضراتهم.
الراوي المختلف فيه
س ۲۸۲ - وسُئل رضي الله عنه عن كيفية التصرف مع الراوي المختلف فيه؟ ج ۲۸۲ - فأجاب رضي الله عنه : الراوي المختلف فيه يُحسّن حديثه لقرينة تقوم به، بصرف النظر عن قواعد الجرح والتعديل، وهو أمر يتعلق بشخص المحدث وشفوف نظره، وكذلك الحديث المختلف فيه.
٢٦٦
فتاوى وأجوبة
سكوت الحافظ ابن حجر عن الحديث في "فتح الباري"
س ۲۸۳ - وسئل رضي الله عنه عن سكوت الحافظ ابن حجر عن الحديث
في "فتح الباري"، هل يعد تصحيحا له؟
ج ۲۸۳ - فأجاب رضي الله عنه: سكوت الحافظ
عن الحديث في "فتح
الباري" يعتبر مقبولًا عنده، صرح بذلك في أول "فتح الباري"، وسكوته عن الحديث في "التلخيص الحبير" لا يدل على ذلك.
ترك العمل بالحديث في زمن الصحابة والتابعين
س ٢٨٤- وسئل رضي الله عنه عن الحديث إذا ترك العمل به في زمن
الصحابة والتابعين.
ج ٢٨٤ - فأجاب رضي الله عنه : ترك العمل بالحديث في زمن الصحابة والتابعين لا يشير إلي شيء، إلَّا إذا كان الترك إجماعا منهم مع علمهم بالحديث، فيشير إلى أنه شاذ أو منسوخ.
كتاب "قواعد في علم الحديث" للتهانوي
س ٢٨٥- وسئل رضي الله عنه عن كتاب "قواعد في علم الحديث"
للتهانوي.
ج ٢٨٥ - فأجاب رضي الله عنه: كتاب قواعد في علم الحديث" للشيخ
ظفر أحمد التهانوي، وهو يمشي فيه على أصول الحنفية.
الحديث الشريف
هل الحسن عند الترمذي ضعيف عند أحمد؟
٢٦٧
س ٢٨٦ - وسُئل عن قول ابن تيمية وابن القيم: «أنَّ الحسن عند الترمذي ضعيف عند أحمد»؟
ج ٢٨٦ - فأجاب وقول ابن تيمية وابن القيم: «أنَّ الحسن عند الترمذي ضعيف عند أحمد ليس بقاعدة منصوص عليها في المصطلح، وإنما أخذاه من أنَّ المتقدمين قسموا الحديث إلى صحيح وضعيف وأنَّ الترمذي أَوَّل مَن قسمه إلى صحيح وحسن وضعيف؛ فاستنبطا من هذا أنَّ الحسن عند الترمذي ضعيف عند أحمد، وهذا خطأ من وجهين:
الأول: أنَّ الحسن جاء في كلام علي بن المديني وبعض القدماء. أن الترمذي حسّن أحاديث هي في "صحيح مسلم" أو
الثاني:
" البخاري". وأيضًا فإنَّ تعريف الحسن عند الترمذي يخالف تعريف الضعيف عند الجمهور، نعم قد يكون حديثٌ حسنٌ عند الترمذي ضعيفًا عند أحمد لكن ليس دائما ولا مطَّرِدًا.
كتاب "الكنز الثمين" وطباعة بعض كتب الشيخ بدون إذنه (۱) س ۲۸۷ - وسئل عن كتاب "الكنز الثمين" وطباعة بعض كتبه بدون إذنه. ج ۲۸۷ - فقال: مؤلفاتي التي طبعت أحب أن أعرفها وأود أن لا يكون فيها "الكنز الثمين" لأني غير راض عن هذا الكتاب لأني كتبته في ظروف صعبة لم
(1) كانت مكتبة عالم الكتب ببيروت قد طبعت بعض كتبه رضي الله عنه بدون إذنه.
٢٦٨
فتاوى وأجوبة
يكن عندي مراجع فجاءت فيه أحاديث ضعيفة، ولذلك يحتاج إلى تنقيح وتحرير.
معاوية بن أبي سفيان
س ۲۸۸ - وسئل عن معاوية بن أبي سفيان؟
ج ۲۸۸ - فأجاب : معاوية من مسلمة الفتح، فهو صحابي.
لكن جاءت عنه أشياء نقمها عليه الصحابة، وأنا شخصيا لا أتكلم فيه ولا أترضى عنه، ولا خلاف أنه كان باغيًا بخروجه على الإمام الحق علي عليه السلام. وقال في موضع آخر خمسة من الصحابة لا أترضى عنهم ولا أسبهم:
معاوية، وعمرو، والنعمان بن بشير، وسمرة بن جندب، والمغيرة بن شعبة. وكان المغيرة بن شعبة واليا لمعاوية على الكوفة وكان خطيب المسجد يسب عليا عليه السلام فاعترضه سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، واعترضه حُجر بن عدي وأصحابه وهذا كان سبب قتل معاوية الحجر بن
عدي رضي الله عنه. ومعاوية كان كاتبا لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بعد الفتح لكن لم يكتب الوحي.
سند السيد عبد الله إلى كتاب "اللمع " للشيرازي
س ۲۸۹ - وسأله تلميذه محمود سعيد محمد ممدوح عن سنده إلى كتاب "اللمع "لأبي إسحاق الشيرازي ؟
ج ۲۸۹ - فأجابه بقوله: بدا لي أن أسعفك بمطلوبك فأذكر سندي إلى أبي إسحاق الشيرازي فأنا أروي كتاب "اللمع" وغيره من كتبه عن شيخنا خطيب الجامع الأزهر الشيخ محمد إمام السَّقا الشافعي، عن والده شيخ الشافعية بمصر
الحديث الشريف
٢٦٩
الشيخ إبراهيم السقا، عن محمد بن سالم الفشني ثعيلب، عن الشهابين الجوهري والملوي، كلاهما عن أبي العز محمد بن أحمد العجمي الوفائي، عن شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب الشوبري، عن شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الرملي، عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، عن محمد بن مقبل الحلبي، عن محمد بن علي الحراوي، عن الحافظ شرف الدين الدمياطي، عن أبي الحسن بن المقير، عن الفضل بن سهل الاسفرايني، عن الحافظ أبي بكر الخطيب، عن الإمام أبي إسحاق الشيرازي رحمه الله ورضي عنه.
هل البيهقي أمير المؤمنين في الحديث
س ۲۹۰ - وسئل رضي الله عنه : هل البيهقي أمير المؤمنين في الحديث؟ ج ۲۹۰ - فأجاب رضي الله عنه : البيهقي حافظ بارك الله في علمه ومصنفاته ولم يكن أمير المؤمنين في الحديث والحاكم شيخه أعلم منه وأوسع رواية.
رد كلام ابن تيمية في حديث صلاة التسابيح
س ۲۹۱ - وسئل رضي الله عنه عن كلام لابن تيمية رد فيه حديث صلاة التسابيح. ج ۲۹۱ - فأجاب رضي الله عنه: زعم ابن تيمية أثناء كلام له على صلاة التسابيح حكم فيه بوضع حديثها أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ضمن في عمل أنه يغفر لصاحبه ما تأخر من ذنبه.
قال: «وقد جمع عبد العظيم المنذري في ذلك مصنفًا وأحاديثه كلها ضعيفة بل باطلة حتى حديث العمرة بإحرام من المسجد الأقصى.
۲۷۰
فتاوى وأجوبة
وإنما الأحاديث الصحيحة مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن صامَ رمضان إيمانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ مِن ذَنْبِهِ»، «مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يرفُتْ ولم يَفْسُقُ رَجَعَ مِن ذُنُوبِهِ كيومِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، «مَن توضأ نحو وُضُوئي هذا ثُمَّ صَلَّى ركعتين لا يُحدِّثُ نَفْسَهُ فيهما بشيءٍ غُفِرَ لَهُ ما تقدَّم مِن ذَنْبِهِ»، وكقوله: الصَّلواتُ الخَمْسُ والجُمُعَةُ إلى الجُمُعَةِ ورمضان إلى رمضانَ مُكَفِّرَاتٌ لما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائر». فهذه الأحاديث وأمثالها هي الأحاديث التي رواها أهل الصحيح وتلقاها أهل العلم بالقبول». اهـ كلامه، وهو مردود باطل.
ويكفي في رده ما ثبت في "صحيح مسلم" عن أبي قتادة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عن صيام عرفة فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية». وفي "صحيح البخاري" عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لعل الله اطَّلَعَ على أهلِ بَدْرٍ فقال اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد وَجَبَتْ لَكُم الجنَّةُ، أو فقد غَفَرْتُ لَكُمْ». ورواه مسلم بنحوه من حديث ابن عباس عن عمر، ورواه أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود من حديث أبي هريرة ولفظه: «إِنَّ الله اطَّلَعَ على أهل بَدْرٍ فقال: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غَفَرْتُ لَكُمْ». أفاد الحديث الأول أن صوم عرفة يكفر السنة الآتية، كما أفاد الحديث الثاني أن شهود بدر غفر للبدريين ما تأخر من ذنوبهم وقال الله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا
لك فتحا مُبِينَا لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [الفتح: ١ - ٢]. فالحق أن الأحاديث صحت في أعمال تغفر لصاحبها ما تأخر من ذنبه وهي
الحديث الشريف
۲۷۱
التي بينها المنذري وابن حجر في كتابيهما، وابن تيمية تعود الإطلاقات المهولة التي لا تنبني على تحقيق علمي، مع أن كلا من المنذري وابن حجرٍ أعلم منه بصناعة الحديث وقواعده وأخبر بالعلل والرجال بل لا نسبة بينهما وبينه في ذلك، وهما إلى
جانب هذا أتقى الله وأورع من أن يصححا حديثاً ضعيفًا أو باطلاً.
جواز العمل بالحديث الضعيف بشروطه
س ۲۹۲ - وسئل رضي الله عنه عن حكم العمل بالحديث الضعيف. ج ۲۹۲ - فأجاب رضي الله عنه : قال ابن الصلاح وغيره: «يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب مما لا تعلق له بالأحكام والعقائد» . اهـ
وورد نحو هذا عن أئمة الحديث والسنة سفيان الثوري وسفيان بن عيينة وعبدالله بن المبارك وعبدالرحمن بن مهدي ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم. وقد أفرد كل من ابن عدي في "الكامل" والخطيب في "الكفاية" بابًا لجواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل أوردا فيه نصوصا كثيرة لكن يشترط لذلك شروط. أحدها: ألا يشتد ضعف الحديث، فإن اشتد كان واهيًا أو متروكا لم يعمل به حینئذ كما لا يعمل بالموضوع.
۲۷۲
فتاوى وأجوبة
ثانيها: أن يكون الحديث مندرجا تحت أصل عام من أصول الشرع بألا
ينفرد باختراع شيئ مثلا ليس في قواعد الشريعة ما يشهد له. ثالثها: ألا يعتقد العامل به ثبوته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لئلا يقع في إثم الكذب عليه.
والشرط الأول حكى الاتفاق عليه الحافظ العلائي وتقي الدين السبكي، والشرطان بعده ذكر هما عز الدين بن عبد السلام وتلميذه تقي الدين بن دقيق العيد.
درجة حديث شهر بن حوشب
س ۲۹۳ - وسئل رضي الله عنه عن درجة حديث شهر بن حوشب. ج ۲۹۳ - فأجاب رضي الله عنه: شهر بن حوشب بفتح الحاء والشين الأشعري الشامي أبو سعيد وأبو عبدالله وأبو عبدالرحمن وأبو الجعد مولى أسماء بنت يزيد بن السكن الصحابية التي كانت تسمى خطيبة النساء. كان شهر فقيها قارئًا عالما وقد اختلف فيه فضعفه جماعة ووثقه آخرون ومما ضعف به تزييه بزي الجند وسماع الغناء بالآلات وكان على بيت المال. فأخذ خريطة فيها دراهم فقال فيه قائل: لقد باع شهر دينه بخريطة فمن يأمن القراء بعدك يا
شهر؟
قال الحافظ ابن القطان السجلماسي: «لا حجة في هذا على تضعيفه لأنه إما
لا يصح أو خارج على مخرج لا يضره» . اهـ
وقد استقر عمل الحفاظ على تحسين أحاديثه كالحافظ المنذري والحافظ الهيثمي والحافظ ابن حجر.
الحديث الشريف
۲۷۳
صلاة التسبيح
س ٢٩٤ - وسئل رضي الله عنه عن صلاة التسابيح.
ج ٢٩٤ - فأجاب رضي ا الله عنه: صلاة التسبيح وردت من حديث ابن عباس وأخيه الفضل وأبيهما العباس وعبد الله بن عمرو وأبي رافع وعلي وأخيه جعفر وابنه عبدالله بن جعفر وأم سلمة وأنس والأنصاري غير مسمى، قال الحافظ: «وقد قيل: إنه جابر بن عبدالله قال: والظاهر أنه أبو كبشة الأنماري
بالميم فتصحف بالصاد». ووردت أيضًا من مرسل إسماعيل بن رافع. ولكل من الداراني والحافظ الخطيب كتاب "صلاة التسبيح" أوردا فيه طريق هذه الأحاديث.
واختلف العلماء في هذه الصلاة من الصحة إلى الوضع، فأورد ابن الجوزي حديثها في الموضوعات ووافقه ابن تيمية وهذا منهما تعنت مبني على غير أساس، وقد ردَّ الحافظ كلام ابن الجوزي وقالوا أساء بذكر الحديث في الموضوعات، ورأى النووي أنَّ الحديث ضعيف.
والصحيح أن حديث صلاة التسبيح صحيح كما قال غير واحد، منهم ابن منده، وأبو موسى المديني وأفردا لتصحيحه جزءا خاصا، وأبو سعد السمعاني، وأبو الحسن بن المفضل، وأبو محمد عبدالرحيم المصري، والمنذري، وابن الصلاح، وصلاح الدين العلائي، والتقي السبكي، وابنه التاج، والبلقيني، والزركشي، والحافظ في "أمالي الأذكار" وفي "الخصال المكفرة"
وقد كتبها بعد تخريج أحاديث الرافعي المسمى بـ"التلخيص الحبير". قال البيهقي: «كان عبد الله بن المبارك يصليها، وتداولها الصالحون بعضهم
٢٧٤
فتاوى وأجوبة
عن بعض، وفي ذلك تقوية للحديث».
وممن كان يواظب على فعلها من التابعين أبو الجوزاء أوس بن عبدالله البصري، وقال عبدالعزيز بن أبي روّاد من أراد الجنة فعليه بصلاة التسبيح». وقال أبو عثمان الحيري الزاهد: ما رأيت للشدائد والغموم مثل صلاة التسبيح». وقال التاج السبكي في "الترشيح لصلاة التسبيح": «وأما من يسمع عظيم الثواب الوارد فيها ثم يتغافل عنها فما هو إلا متهاون في الدين غير مكترث بأعمال الصالحين لا ينبغي أن يعد من أهل العزم في شيء نسأل الله السلامة».اهـ
تنبيه حول هيئة صلاة التسبيح
احتج مضعفوا حديث صلاة التسبيح بأن هيأتها تخالف هيئة باقي الصلوات في إطالة جلسة الاستراحة وجعلوا هذا الوجه مقتضيا لضعف الحديث أو بطلانه، وهذا التضعيف منهم ضعيف بل باطل، بدليل صلاة الكسوف فإن هيئتها تخالف هيئة باقي الصلوات مخالفة شديدة لأن في كل ركعة منها ركوعين أو ثلاث ركوعات أو أربعة أو خمسة وكل ركوع يستتبع
قياما وقراءة طويلة وأحاديثها مخرجة في الصحاح والسنن ومع ذلك لم يضعفها أحد بالمخالفة المذكورة.
الحافظ يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي
س ٢٩٥ - وسئل رضي الله عنه عن يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي. ج ٢٩٥ - فأجاب رضي الله عنه: يحيى بن عبد الحميد الحماني - بكسر الحاء وتشديد الميم الكوفي، الحافظ الكبير، أول من صنف المسند بالكوفة، كان شيعيا يتكلم في معاوية وبغيه وحطه على علي عليه السلام، فبالغ النواصب في
الحديث الشريف
۲۷۵
تضعيفه والحط عليه، وهو بالرغم من ذلك ثقة كما قال ابن معين وغيره. توفي
في رمضان سنة ۲۲۸ رحمه الله.
أحاديث باطلة في فضل بعض الأعمال
س ٢٩٦ - وسُئل رضي الله عنه عما جاء في بعض الأحاديث: من عمل كذا خلق الله من ذلك العمل ملكا؟
ج ٢٩٦ - فأجاب رضي الله عنه : جاء في بعض الأحاديث من عمل كذا خلق الله من ذلك العمل ملكًا يسبح أو يحمد الله ... إلخ وكلها أحاديث باطلة والملائكة مخلوقون جميعا قبل آدم خلقهم الله من نور كما ثبت في الصحيح، لا يتناكحون، ولا يتناسلون ولا يموتون إلا عند انقراض العالم وفناء الدنيا، فلا ملك يخلق الآن لا من عمل ولا من غيره.
وهم
والملائكة أفضل من جميع بني آدم إلا الأنبياء عليهم السلام وهم كالأنبياء معصومون هذه حقائق يجب أن تعرفها وتشد عليها يد الضنين فإن أغلب
الناس يخطئون فيها، وبالله التوفيق.
أحاديث زيارة النبي عليه الصلاة والسلام
س ۲۹۷- وسئل رضي الله عنه عن الأحاديث الواردة في فضل زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والترغيب فيها. ج ۲۹۷ - فأجاب رضي ا الله عنه: أحاديث الزيارة استوعبها الإمام التقي السبكي في كتاب "شفاء السقام بزيارة خير الأنام" رد به على ابن تيمية الذي زعم أن الأحاديث الواردة في زيارة القبر النبوي الشريفة باطلة وأن السفر
٢٧٦
فتاوى وأجوبة
بقصد ذلك معصية لا تقصر فيه الصلاة، وهذا من جملة إطلاقاته المهولة أملاها عليه الغرض والهوى وإلا فحديث: من زار قبري وجبت له شفاعتي رواه ابن خزيمة في "صحيحه" وأشار إلى تضعيفه فقط، ورواه البيهقي بنحوه وضعفه، وقال الذهبي: طرقه كلها لينة واللين: الضعف الخفيف لكن يتقوى بعضها ببعض لأن ما في رواتها متهم بالكذب ومن أجودها إسنادا حديث حاطب من زارني بعد موتي فكأنها زارني في حياتي أخرجه ابن عساكر وغيره . اهـ نقله السخاوي في "المقاصد الحسنة وسلَّمه، وهؤلاء أعلم من ابن تيمية
بالعلل والرجال.
وقد انتصر له أحد أشياعه؛ الحافظ ابن عبد الهادي بكتاب سماه "الصارم
المنكي في نحر السبكي" لكنه تعنت كثيرًا وخرج عن حد الإنصاف. وانتصر للسبكي ابن علان الصديقي بكتاب سماه "المبرد المبكي" وللشيخ السمنودي صاحب كتاب "سعادة الدارين في الرد على الفرقتين" كتاب
نصرة الإمام السبكي برد الصارم المنكي" لكنه ليس بذاك.
الحديث الشريف
أجوبة على أسئلة
الشيخ محمد حبيب الله الباكستاني
۲۷۷
الحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وآله الأكرمين، ورضى الله عن صحابته والتابعين.
وبعد، فقد بعث إلى الأستاذ الفاضل والطالب النجيب الشيخ محمد حبيب الله أحبه الله وفتح عليه - سؤالات طلب الإجابة عليها، فلبيت طلبه وحققت رغبته، والله الموفق والهادي.
۲۹۸- أراد الحافظ إبطال دعوى الحافظ ابن الصلاح: «عزَّة المتواتر» فذكر ما نقله عنه مختصرا.
وقوله: «المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها» لا يقتضي أنَّ القطع حاصل عن التواتر، ولا يفهم ذلك منه، بل قد يكون عن خبر الآحاد المحتف بالقرائن كما ذكرت، أو عن السماع المنتشر بين النَّاس، فإنَّنا نقطع بأن "الإحياء" للغزالي ولم ينقل إلينا بالتواتر ولا بالآحاد، وإنما هو السَّماع المنتشر بين عامة أهل العلم بأن "الإحياء" تأليف الغزالي، ولا يدخلهم شك في ذلك. وكذلك صحيح البخاري" مقطوع بنسبته إلى مؤلّفه بطريق السماع
المنتشر ، حتى أنَّ العامة يحلفون به، وهم لا يعرفون تواترا ولا غيره. الحافظ لا يخالف هذا ، ولا يفيد أنَّ صحة نسبة الكتاب إلى مؤلّفه
وكلام
تستلزم صحة الأحاديث الموجودة فيه.
نعم كلام الحافظ لا يفيد ذلك مطابقة ولا التزاما.
ومعنى كلام الحافظ في عِزَّة المتواتر: أنَّ الكتب المعروفة المتداولة كالسنن
۲۷۸
فتاوى وأجوبة
والمسانيد والمعاجم إذا اجتمعت على رواية حديث وتعددت طرقه عندهم بأن رواه أحدهم عن أبي هريرة، وآخر عن ابن عباس، وآخر عن ابن عمر، وهكذا حتى زاد رواته على عشرين صحابيا، ورواه كل صحابي عن تابعي أو أكثر، واستمر حتى انتهي إلى أصحاب الكتب المتداولة فإنَّه يكون متواترا، وعلى هذا الأساس حكم الحفاظ بتواتر أحاديث الشَّفاعة والحوض ونزول عيسى والدجال وغيرها، وليس المراد أن تستمر الكثرة إلى عصرنا، فإنَّ هذا لمريقله أحد ولا يمكن أن يقوله؛ لأنَّ الرواية بالإسناد ختمت بابن عساكر، وبقيت الإجازة فقط. ۲۹۹ - نبهني أخي رحمه الله إلى أنَّ الحفاظ خالفوا في استعمالهم لفظ «المنكر» لما قرروه في تعريفه، وهذا صحيح، فإنَّك تجد تخالفا ظاهرا بين المنكر وبين تعريفهم له، ولا يمكن تعريفه بما يجمع استعمالاتهم
استعمالهم المختلفة؛ لأنهم يستعملونه في المنفرد وفي الواهي، وفي الموضوع.
فكيف يجمع بين هذه المعاني في تعريف واحد؟
ففي
" تذكرة الحفاظ" ذكر الذهبي حديثا وقال عقبه: «هذا حديث مُنكَرُ
. يعني أنه: واه. جدا. يعني وفي "الميزان" في ترجمة عبدالملك بن بديل ذكر الذهبي حديثا قال: «إنَّه منكر، يعني: أنَّه موضوع، وقول الحافظ: «إنَّ الإمام أحمد يطلق المنكر على تفرد الثقة وعلى الحديث الفرد»، هذا من جملة استعمالاتهم للمنكر.
وإطلاق أحمد لفظ المنكر يقصد به معنيين، يتميز أحدهما
بالقرائن
عن
الآخر
١ - تفرد الثقة ولم يخالف، وهذا ليس بعلة . عنده، و المنكر بهذا المعنى
الحديث الشريف
يرادف الغريب.
۲۷۹
- تفرد الثقة مع المخالفة، وهذا علَّةٌ عنده. و به علل حديث الاستخارة، حيث قال: «كان يروي حديثًا منكرًا عن ابن المنكدر عن جابر في الاستخارة، قال: وأهل المدينة يقولون إذا كان الحديث غلطا : ابن المنكدر عن جابر. وأهل البصرة يقولون: ثابت عن أنس، يحملون عليهما».اهـ
وأحمد لم يعل حديث الاستخارة بمجرد تفرد ابن أبي الموال ولكن بضميمة أن راويه غلط في سنده، فجعله عن ابن المنكدر عن جابر، على عادة أهل المدينة حين يكون الحديث غلطّا يلصقونه براويه ابن المنكدر عن جابر، وابن أبي الموال في نظر أحمد لا بأس به، لم يرتفع إلى درجة الثّقة، وطرق حديث الاستخارة لم يقف عليها أحمد جزمًا ولم يروها في "المسند" ولا في غيره من كتبه، رغم تبحره وسعة حفظه.
وقد
والخلاصة: أنَّ المنكر في الاصطلاح هو كما عرفه الحافظ ابن حجر و يستعمل في الواهي والموضوع، أما الإمام أحمد فيستعمله بمعنى الغريب، وبمعنى المعلل.
٣٠٠ - المتروك أو المطروح والواهي والتالف ألفاظ مترادفة، ومثلها ضعيف جدا، وقد وقعت في عبارات المتقدمين، غير أنَّ أكثرها دورانًا بينهم
المتروك والمطروح، كما أنَّ الألفاظ الباقية يكثر دورانها بين المتأخرين. ۳۰۱ - ذهب البخاري وشيخه علي بن المديني إلى اشتراط ثبوت السماع أو
اللقاء في الجملة، لا في حديث حديث.
قال الحافظ ابن رشيد في رسالة "السَّنَن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة
۲۸۰
فتاوى وأجوبة
بين الشيخين في المسند المُعَنْعَن": «وهذا هو الصحيح من مذاهب المحدثين، وهو الذي يعضده النظر، فلا يحمل منه على الاتصال إلا ما كان بين متعاصرين، يعلم أنهما قد التقيا من دهر هما مرة فصاعدا، ومالم يعرف ذلك فلا تقوم منه إلا بما شهد به لفظ السَّماع أو التحديث أو أشبههما من الألفاظ الصريحة إذ أخبر بها العدل عن العدل» . اهـ
وقال ابن عبدالبر : وجدت أئمة الحديث أجمعوا على قبول المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطا ثلاثة: عدالتهم، ولقاء بعضهم لبعض مجالسة ومشاهدة، وبرائتهم من التدليس وقال ابن الصلاح والاعتماد في
الحكم بالاتصال على مذهب الجمهور إنَّما هو على اللقاء والإدراك».اهـ وقال ابن رشيد: ينبغي أن يحمل قول البخاري وابن المديني على أنهما يريدان باللقاء السماع، واستدل لذلك بما نقله عن مسلم والحاكم، ولا يرد على البخاري شيء مما أورده عليه مسلم؛ لأنَّه شرط اللقي في صحة المعنعن، ولم يشترطه في صحة كل حديث، فإذا ثبت لقاء الراوي النقة لشيخه، ولم يكن مدلسا، فإنَّ عنعنته محمولةٌ على الاتصال، وإذا كان مسلم اكتفى بالمعاصرة، فإنَّ البخاري ضم إليها شرط اللقي؛ لتكون العنعنة مبنية على أساس متين، ولا يخدش في ذلك كون صغار الصَّحابة رأوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوا منه؛ لأن الصحابة كلهم عدول ، وهم يروي بعضهم عن بعض، أما في غير الصحابة فإنَّ البخاري إذا احتمل عنده أنَّ الرَّاوي لم يسمع من شيخه، يأتي بإسناد يثبت السماع تصريحا أو يقول : تابعه فلان، ومن تتبع الصحيح وجد فيه ذلك بكثرة.
الحديث الشريف
۲۸۱
٣٠٢ - الخلاف في قبول رواية المبتدع خلاف نظري، أما في التطبيق فالعمل على قبول روايته إذا كان ثقةً ضابطاً سواء كان داعية أم لا، ولا عبرة بمذهبه، يقول الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي: «شيعي جلد، لكنه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته . اهـ من "الميزان".
و هذا هو الصواب الذي استقر عليه العمل.
٣٠٣ - جهالة الراوي العينية تزول برواية راويين، وأما جهالة عدالته، وهي جهالة الحال، ويسمى صاحبها مستورًا، فتزول برواية اثنين مع توثيق أحد أئمة
الجرح والتعديل، فإن لم يوثقه أحدٌ ، واشتهر الأخذ عنه بين الرواة، احتج به. وهذا حال رجال في "الصحيحين"، اشتهروا وأخذ عنهم ولم يوثقهم أحد، وتجهيل ابن أبي حاتم لبعض المشاهير قصور منه لا يُعتمد عليه، وطريقة ابن حبان أنه يوثق المجهول إذا روى عن ثقة وروى عنه ثقة، ولم يأتِ بحديث
منگر، وفيه بعض تساهل، وأرى أنَّ مثل هذا يكون حديثه حسنًا. أما تشدد ابن حِبَّان في الجرح، فقد عابه الذهبي، فقال في ترجمة أفلح بن كأنه لا يدري ما
سعيد المدني من "الميزان": «ابن حِبَّان ربما قصب النقة حتى . يخرج من رأسه». ٣٠٤ - رواية الرَّاوي عمَّن لقيه ولم يسمع منه تدليس على الصحيح،
والمرسل الخفي: أن يروي الرَّاوي عمَّن عاصره ولم يَلْقَه. وما قاله الذهبي عن أحاديث في صحيح مسلم"، لم يصرح فيها أبو الزبير بالسماع من جابر صحيح. وقال أيضًا في ترجمة الحافظ أبي الفضل محمد بن أحمد الجارودي: رأيت له جزءًا فيه بضعة وثلاثون حديثا تتبعها من "صحيح
۲۸۲
فتاوى وأجوبة
مسلم" وبيَّن عللها. وما ذكره الحافظ العلائي مبني على تحسين الظن بمسلم، وذلك لا يجزئ عند البحث والتمحيص
فالصواب أنَّ في "مسلم" أحاديث منقطعة لا شك في ذلك، بل فيه حديثان موضوعان.
٣٠٥ - جمع الترمذي بين وَصْفَي صحيح وحسن، أو حسن غريب، أو صحيح حسن غريب أشكل على كثير من النَّاس، وقد أجاب الحافظ ابن حجر بجواب أزال كل إشكال وهو في "النخبة" و"شرحها" ولا تجد جوابًا أوفق بالقواعد وباستعمال الترمذي من ذلك الجواب، وما أظن أحدًا من الحفاظ وفق إليه قبله.
٣٠٦- الحسن معمول به كالصحيح والحسن لا يكون ضعيفا بالنسبة للصحيح، بل هو مثله في شروط القبول إلَّا أنَّ الضّبط فيه خفيف وهذا لا يقتضي ضعفه، فإذا تعارض حديث حسن مع حديث صحيح وكان الحسن متأخرا في الورود عن الصحيح، قوي جانبه بذلك، وصح النسخ به، كما أنَّ
خبر الآحاد إذا جاء متأخرا عن آية نسخها. وهذا لا إشكال فيه. الحافظ : «القوي لا تؤثر فيه مخالفة الضعيف». يقصد الضعيف
وقول
الحقيقي، لا الضعيف النسبي. ۳۰۷- قول الذهبي: «لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن على توثيق ضعيف، ولا تضعيف ثقة». يقصد به أنهما لا يتفقان على خلاف الواقع. فإذا
وثقا شخصا فهو في الواقع ثقة، وكذلك إذا ضعفاه.
٣٠٨ - المعتبر في حد الصحيح تمام الضبط، وتمام ضبط الراوي يعرف
الحديث الشريف
۲۸۳
بتتبع مروياته، وبهذا الطريق عرف تمام ضبط الزهري ومالك والثوري وأضرابهم، فإنَّ الحفاظ تتبعوا رواياتهم، فوجدوها في غاية الضبط والإتقان، تتبعوها من أفواه الرُّواة عنهم، ومن الأجزاء الحديثية وغيرها، ولم يتتبعوا رواية أو روايتين أو عشرة أو مائة، بل تتبعوا الآلاف.
ومن هذا التتبع وجدوا بعض الرُّواة يكون متقنا في روايته عن شخص معيّن للزومه له أكثر من غيره، أو لقرابة منه أو لصهر ونحوه. فقالوا: فلانٌ أثبت في فلان من غيره، ولا تناقض في ذلك؛ لأنَّ الضبط تختلف رتبه، ولا أن يكون ضبط الرَّاوي متساويًا في جميع الحالات، وبالنسبة إلى جميع الشيوخ، بل الواقع أثبت خلاف ذلك، وهذا كما يكون الشخص متقنا في علم، ضعيفًا في علم آخر. مثلا حفص القارئ إمام متقن في القراءات حتى قال عنه ا نه الشاطبي:
يلزم
و حَفْصُ وبالإتقان كان مُفَضَّلا
وهو في رواية الحديث ضعيفٌ، وشيخه عاصم إمام متقن في القراءات،
وضبطه في الحديث خفيف، لا يرقى فوق درجة الحسن، ومثل هذا كثير. ٣٠٩ - قرّر الحافظ أنَّ الشَّيخ إذا لم يجزم بنفي مرويه كأن يقول: ما أذكر هذا، أو لا أعرفه قبل ذلك المروي في الأصح؛ لأنَّ ذلك يُحمل على نسيان الشيخ... إلخ. واستشعر سائلا يقول: لم لا يسقط المروي في هذه الصورة قياسًا على الشهادة؟ فإنَّ الشَّاهد الأصل إذا أنكر الشهادة جزمًا أو احتمالا، سقطت شهادة الفرع، فأجاب : أمَّا قياس ذلك بالشهادة ففاسد، وفرق بينهما بأن شهادة الفرع لا تسمع إلا بتعذَّر الأصل بموته أو مرضه، بخلاف الرواية
٢٨٤
فتاوى وأجوبة
فإن رواية الفرع تسمع مع وجود الأصل ولا يحتاج إلى السماع منه فافترقا، واعترض ابن قطلوبغا: بأن الفرق يؤثر إذا ورد على العلة التي تجمع بين الفرع
والأصل، والفرق الذي لم يذكره الحافظ لم يرد على العلة هنا. وهي: أنَّ كلَّا من الفرع في الرواية والفرع في الشَّهادة اشترك في آداء ما تحمله، وحيث بطلت شهادة الفرع بإنكار الأصل جزمًا أو احتمالا، وكون شهادة الفرع
لا تسمع مع إمكان شهادة الأصل أمر خارج عن العلة، لا يؤثر فيها.
هذا توضيح كلامه وبيان ،مرامه وغرضه الميل إلى ترجيح بطلان رواية الراوي الذي أنكر شيخه روايته جزمًا أو احتمالا بدون تفصيل، ويرى أنَّ هذا أحوط لصحة الحديث.
۳۱۰- قال الحافظ الخطيب في "الكفاية" : ويرجح أن يكون رواته فقهاء؛ لأن عناية الفقيه بما يتعلّق من الأحكام أشد من عناية غيره بذلك، ثُمَّ أسند عن علي بن خشرم قال: قال لنا وكيع أي الإسنادين أحبُّ إليكم؟ الأعمش عن أبي وائل عن عبدالله، أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله ؟ قلنا: الأعمش عن أبي وائل فقال : سبحان الله ! الأعمش شيخ، وأبو وائل شيخ، وسفيان فقيه، ومنصور فقيه، وإبراهيم فقيه، وعلقمة فقيه، وحديث تداوله الفقهاء، خير من أن يتداوله الشيوخ».اهـ فرجح إسنادًا نازلا على إسنادٍ عال بفقه الرواة. وهذا هو الذي استمر عليه عمل المحدثين الفقهاء.
۳۱۱- عبارة الحافظ التي نقلتها عنه، وهي في "النخبة" و"شرحها"، يحكي فيها الإجماع على أنَّ "اللصحيحين" مزيَّة فيما يرجع إلى نفس الصحة.
الحديث الشريف
٢٨٥
واعتراضك لا يتوجه؛ لأنَّ الإجماع يسلَّم له ولا يعترض عليه، وإنها يمكن
أن يقال: ما قاله الحافظ في ذلك المحل، ويحتمل أن يقال: المزيَّة المذكورة كون
أحاديثها أصح الصحيح». اهـ.
ين
وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول من قرائن إفادة حديثهما العلم النظري، وهذا أعلى من مجرد الصحة، وقد ظهر في "مسلم" أحاديث معللة بالانقطاع، وحديثان موضوعان، وهذا ينفي ما قلته. ۳۱۲ - هذه المسألة بحث منطقي، ذكر في علم الأصول استطرادا، فما كان ينبغي لابن قطلوبغا أن يشير إليها هنا؛ لأنها بعيدة عن علم المصطلح غاية البعد، وخلاصته ما أشار إليه: أنَّ المتواتر خبر يفيد العلم، ولفظ: «خبر»، جنس يشمل خبر الواحد والاثنين ،والمشهور ولفظ: «يفيد العلم»، فصل أخرج تلك المذكورات.
والمشهور: خبر لا يفيد العلم إلَّا بقرينة، وهو مباين للمتواتر؛ لأنه يفيد
العلم والمشهور لا يفيده.
وقول الحافظ : فكل متواتر مشهورٌ عن غير عكس»، لا يصح لتباينهما. وإنما يصح إذا قلنا: المتواتر خبر ،جمع، وألغينا قيد إفادة العلم. فيتلاقى مع المهشور؛ لأنَّ كليهما خبر جمع حينئذ، ويصح قولنا: كل متواتر مشهور. ولكن اعتبار الجنس بدون فصل خطأً مُبيَّن في بحث المباح من الأصول. وتوضيح ذلك: أنَّ المباح عرفه الأصوليون: بأنه المأذون في فعله. وعرَّفوا الواجب: بأنه المأذون في فعله مع المنع من تركه. فقال بعضهم: المباح جنس للواجب، بمعنى أنه يتناوله فيصدق أن كل واجب مباح من جهة أنَّ كلَّا
٢٨٦
فتاوى وأجوبة
منهما مأذون في فعله وإن كان الواجب يختص بأنه ممنوع من تركه، ورد عليهم بأن المباح مقيّد بفصل وهو أنه جائز تركه، ولا يجوز أن يكون جنسًا للواجب
إلا إذا ألغينا اعتبار الفصل، وهو جواز تركه، وذلك لا يصح. فالصواب: أنَّ الواجب نوعٌ وحده له جنس وفصل، والمباح نوع وحده، له جنس وفصل.
وعلى هذا يُقال: المتواتر نوع وحده، له جنس و فصل، والمشهور نوع وحده له جنس وفصل، وليس أحدهما جنسًا للآخر.
هذا غاية ما يمكن توضيحه وفهم هذه المسألة ينبني على خبرة بعلم المنطق والأصول. ۳۱۳ - وصف الشخص بأفعل التفضيل يقتضي نفي المساواة غالبا، وقد ينفي التفوق بقرينة، هذا بالنسبة لاستعمال النَّاس حسب وضع ا اللغة، والناس لا يحيطون بأوصاف المفاضلة. أما إذا وقع في كلام الله المحيط علمه بكل شيء، فيقتضي نفي التفوق، وكذلك في كلام رسوله المبلغ عنه، فإن وجد في كلام الله أو رسوله تصريح بأنَّ أبا بكر أفضل، فإنَّه يقتضى حتمًا استجماع أبي بكر لأوصاف المفاضلة كلها بلا إشكال وإن لم نعلمها.
٣١٤- الراجح عند علماء الكلام عدم التكفير بلازم المذهب؛ لأنه لا يعد
مذهبا لقائله، وهذا يكاد يكون مجمعا عليه بينهم ودليله أمران: أ - أنَّ الشخص يقول القول ، ولا يخطر بباله لازمه، فضلا عن أن يقصده، فكيف نكفره بما لم يخطر على باله؟
الحديث الشريف
۲۸۷
ب - أنَّ التكفير لا يكون إلَّا بالقول الصّريح الذي لا يحتمل غير الكفر،
قال العلماء: ولو كان الكلام يحتمل الكفر من عدة وجوه، ويحتمل عدم الكفر
من وجه واحد لم يُكفّر صاحبه. والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.
٤ - الفقه وأصوله
الفقه وأصوله
۲۹۱
التشدد في شروط الاجتهاد
س ٣١٥ وسئل عن اعتراض محمد بن عبدالوهاب على التشدد في بعض شروط الاجتهاد.
ج ٣١٥- فأجاب: غرض محمد بن عبدالوهاب أنَّ المتأخرين صعبوا شروط الاجتهاد فذكروا فيها ما لعله لا يوجد في أبي بكر وعمر، وهذا منه على سبيل المبالغة لا الحقيقة.
والتحقيق في هذا أن الاجتهاد نوعان:
اجتهاد استقلال بأن يستقل المجتهد بتقعيد قواعد وتأصيل أصول يجتهد
على أساسها، وهذا النوع انقطع بعد الأئمة.
والآخر اجتهاد إطلاق وهو أن يعمل المجتهد بالدليل ولا يتقيد بمذهب، لكن لا يخرج عن الأصول التي أصلها الأئمة وهذا موجود لم ينقطع. وقال: الاجتهاد يتجزأ؛ فيكون الشخص مجتهدا في باب، مُقلّدًا في غيره، ولهذا قلد بعض الصحابة غيرهم فيما لم يبلغوا فيه درجة الاجتهاد، وهذا مقرر في علم الأصول.
وقال: العامي لا يطلب الدليل من المفتي وإنما يهمه معرفة حكم الله، فإذا أخبره المفتي بأن هذا حكم الله عمل به. نعم إذا كان يفهم معنى الدليل وأراد الاطمئنان جاز له طلب الدليل، لا إن كان متعنتا.
۲۹۲
فتاوى وأجوبة
الاستدلال بالأحاديث الضعيفة في الأحكام
س ٣١٦- وسئل عن استدلال العلامة الشوكاني ببعض الأحاديث الضعيفة في الأحكام في كتابه "نيل الأوطار"؟
ج ٣١٦- فأجاب: عمل الشوكاني بالحديث الضعيف مسبوق به، فقد عمل به قبله فقهاء المذاهب الأربعة، ويمكنك أن تعرف ذلك بمراجعة "نصب الراية"، و"التلخيص الحبير " ، وقد اطلعت على كتاب اسمه "المعيار" مرتب على الأبواب الفقهية ذكر فيه مؤلّفه وهو من ال الحفاظ - الأحاديث الضعيفة التي عمل بها الأئمة الأربعة مجتمعين أو منفردين، وهو جدير بالطبع. وأحمد وتلميذه أبو داود يريان العمل بالضعيف إذا لم يوجد في الباب
غيره، وأبو حنيفة يقدم الضعيف على القياس. وقد حقق هذا الموضوع أخي في كتابه "المثنوني والبتار" وقال: «إن قولهم: الحديث الضعيف لا يعمل به في الأحكام قاعدة نظرية خالفوها في التطبيق فعملوا بالأحاديث الضعيفة وتعلَّلوا في بعضها بأن له شواهد أو تلقي بالقبول، أو أيده قول صحابي، وسكتوا عن باقيها إذ لم يجدوا ما يؤيده فعملوا
به كذلك».
هل تجوز الرواية بالإجازة مناما
س ۳۱۷- رأى بعض المحبين الحافظ السيد أحمد بن الصديق الغماري رحمه الله تعالى في المنام وأجازه فيه، فسأل: هل يجوز أن يروي عنه؟
ج ۳۱۷- فأجاب: لا تجوز الرواية عن أخي برؤيا منامية لأن العمل
الفقه وأصوله
۲۹۳
بالرؤيا ممنوع ، وقال : كلام أحمد بهجت ترديد لكلام عبد الحميد جودة السحار في كتابه "محمد رسول الله والذين معه وقد رددت عليه باختصار في آخر كتاب "الرؤيا في القرآن والسُّنَّة".
جواز الصلاة على الأولياء والصالحين
س ۳۱۸ - وسُئل هل تجوز الصلاة على الأولياء والصالحين؟
ج ۳۱۸ - فأجاب: اتفق العلماء كما قال النووي على جواز الصلاة على غير الأنبياء، تبعًا لهم والأحاديث متواترة بذلك، ومنه قول بعض السلف: «اللهم صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك ،والمرسلين، وأهل طاعتك أجمعين من أهل السماوات والأرضين.
وأما الصلاة على غير الأنبياء، استقلالا كأن يقال: «اللهمَّ صَلِّ على أبي بكر، أو صل اللهم على على وسلّم فاختلف فيه العلماء، فمنعها مالك وأبو حنيفة وسفيان الثوري وابن عُيّنية، وبه قال طاوس، وهو مذهب
الجمهور. ثُم اختلف أصحاب الشافعي: هل هذا المنع معناه التحريم، أو كراهية التنزيه، أو خلاف الأولى؟ ثلاثة أوجه لهم حكاها النووي في "الأذكار"، وصحح الثاني منها وقال: «عليه الأكثر».
قلت: والمنقول عن مالك هو التعبير بـ «أكره ذلك» وهو يوافق ما صححه
النووي.
ثُمَّ احتج هؤلاء المانعون بما رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي في
٢٩٤
فتاوى وأجوبة
كتابه "أحكام القرآن" بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: «لا تصح الصلاة على أحد إلا على النبي صلَّى الله عليه وآله وسلّم ولكن يُدعى للمسلمين
والمسلمات بالاستغفار».
وروى هو وابن أبي شيبة بإسنادٍ حسن عن عمر بن عبدالعزيز أنه كتب إلى أحد عماله: «أما بعد: فإنَّ ناسا من الناس قد ألهموا الدنيا بعمل الآخرة، وإن من القصاص من قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فإذا جاءك كتابي فمرهم أن تكون صلاتهم
على النبيين، ودعاؤهم للمسلمين عامة ويَدَعُوا ما سوى ذلك». واحتجوا أيضًا بما قاله مالك لم يكن ذلك من عمل من مضى»، يعني الصحابة والتابعين، وبأنها صارت شعار أهل الأهواء، يصلون على من يعظمونه من أهل البيت وغيرهم، ذكره النووي وغيره.
وبأن الصلاة صارت شعارًا للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم لا يُشاركه فيها غيره، كما صار لفظ «عزّ وجلَّ ونحوه شعار الله تعالى، فكما لا يصح أن يقال: «محمد عزّ وجلَّ» وإن كان معناه صحيحا، كذلك لا يصح أن يقال: «أبو بكر صلى الله عليه وآله وسلَّم، وإعطاء كل رتبة ما يناسبها، فلا يصح أن يلحق غير النبي صلى الله عليه وآله وسلّم به فيما هو ثناء خاص به، كما لا يصح أن يلحق النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بالله في الثناء الخاص به، وبأنَّ الله سبحانه ذكر الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في معرض حقوقه وخواصه التي خَصَّه بها من تحريم نكاح أزواجه وجواز نكاحه لمن وهبت نفسها له، وإيجاب اللعنة لمن آذاه وغير ذلك من حقوقه، فدل ذلك على
الفقه وأصوله
٢٩٥
أنَّ الصلاة حق له خاصة في وجوه أخر يطول ذكرها. وذهب الحسن البصري وخصيف ومجاهد ومقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان وإسحاق بن راهوية وأبو ثور وأحمد وابن جرير الطبري وأبو داود وأبو الحسين بن الفراء وكثير من أهل التفسير إلى جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم استقلالا واستدلوا بقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهَرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلَّ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة: ١٠٣].
وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَيكُتُهُ ﴾ [الأحزاب: ٤٣]. وبحديث "الصحيحين" عن عبدالله بن أبي أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهمَّ صَلِّ على آل فلانٍ» فأتاه أبي بصدقتهم فقال: «اللهم صل على آل أبي أوفى». وبحديث مسلم عن أبي هريرة: إذا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُضعِدانها، ويقولُ أَهْلُ السَّماءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِن قِبَلِ الْأَرْضِ، صَلَّى اللَّه
عليك وعلى جَسَدِ كنتِ تَعْمُرِينَهُ.... الحديث.
وبحديث أبي داود وغيره عن جابر أنَّ امرأة قالت: يا رسول الله ، صل على
وعلى زوجي، فقال: «صلى الله عليك وعلى زوجك». وبحديث : «إِنَّ اللهَ ومَلائكَتَهُ يُصَلُّون على الصف الأول».
وبحديث: «إنَّ اللهَ وَمَلائكَتَهُ يُصلُّون علي مَيامِن الصُّفوفِ». وفي حديث آخر: «إنَّ الله وملائكتهُ يُصَلُّون على الذين يَصِلُونَ الصَّفوف». وبما صح في أحاديث أنَّ مَن صلَّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم مرَّةٌ
٢٩٦
. فتاوى وأجوبة
صلى الله عليه عشرا، واحتجوا أيضًا بوجوه أُخر لا تخلو من ضعف. وأجاب المانعون بأنَّ هذه الآيات والأحاديث ليست في محل النزاع؛ لأنه ليس فيها إلا صلاة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على غيره، أو صلاة الله على عبده وصلاة الملائكة معه ، وكلُّ ذلك لا يفيد هنا، أما صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فلأنه صاحب الحق وله أن يتفضّل مِن حَقَّه بما شاء وليس لغيره أن يتصرف إلَّا بإذنه، ولم يثبت إذن في ذلك وأيدوا ذلك بأن قتل شاتمه ومؤذيه حق له يجب على الأُمَّة القيام به، وقد صح أنه كان يعفو عنه حين يبلغه ويقول: «رَحِمَ اللهُ موسى لقد أُوذي بأكثرَ مِن هذا فصَبَرَ» وهذا لا يسقط حق
شاتمه عن الأمة.
وأما صلاة الله سبحانه وتعالى فهي غير الصلاة من العبد قطعا، وحتى لو اتفق معناهما على سبيل الفرض ، فكيف يصح قياس فعل العبد على فعل الرب سبحانه؟!
وأما صلاة الملائكة فكذلك خارجة عن محل النزاع؛ لأنهم ليسوا داخلين تحت أحكام تكاليف البشر حتى يصح قياس فعلنا على فعلهم بل هم رسل الله في خَلْقِهِ يتصرفون بأمره.
فظهر أن لا شيء من تلك الآيات والأحاديث يدل على الجواز المذكور. وذهبت طائفة منهم ابن القيم - إلى التفصيل فقالوا: لا يجوز اتخاذ الصلاة على شخص مُعيَّن شعارًا لا يخل به، بحيث كلما ذكر اسمه يُصلَّى عليه كما تفعل الرافضة وأهل الأهواء بمن يعظمونه، وأمَّا أن يُصلّي عليه أحيانًا بحيث لا يصير ذلك عادةً وشعارًا فهذا لا بأس به، كما جاء عن علي عليه
الفقه وأصوله
۲۹۷
السلام أنه دخل على عمر وهو مسجّى فقال: «صلى الله عليك، ما أحد لقي الله
بصحيفته أحب إلي من هذا المسجى بينكم . رواه ابن سعد في "الطبقات". قالت هذه الطائفة وبهذا التفصيل تتفق الأدلة وينكشف وجه الصواب في
المسألة وبالله التوفيق.
هل «فضائل الأعمال» من الأحكام الشرعية؟
س ۳۱۹- وسُئل: أشكر لكم إجابتكم القيمة عن السؤال الخاص بالعمل بالحديث الضعيف، ثُمَّ إني لأرجو من فضيلتكم إزالة ما بقي من إلباس؛ فقد جاء صريحا في كلامكم أنّ فضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب غير مندرجة في الأحكام الشرعيَّة، مع أنه معلوم لفضيلتكم من كتب الأصول أنَّ الحكم الشرعي الذي هو خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلفين..... إلخ. شامل لها؛
لأنها لا تخرج عن كونها من باب الندب والكراهة وهما من الأحكام الخمسة. ج ۳۱۹ - الجواب: لا خلاف بين الأصوليين أن الحكم هو: خطاب الله المتعلق بفعل المكلف. كما أنه لا خلاف أنَّ الندب والكراهة داخلان فيه، وأنهما من جملة أقسامه الخمسة المعروفة أو الستة بزيادة خلاف الأولى الذي استدركه ابن السبكي على الأصوليين أخذا من كلام متأخري فقهاء الشافعية.
ولكن هل المندوب والمكروه مُكلَّف بهما؟ في ذلك خلافٌ. قيل: نعم، بناءً على أنَّ التكليف طلب ما فيه كُلْفَةٌ، سواء كان على وجه
الإلزام أو لا. وهذا قول القاضي أبي بكر الباقلاني، وهو ضعيفٌ.
وقيل: لا، بناءً على أنَّ التكليف إلزام ما فيه كُلْفَةٌ ولا إلزام في المندوب
۲۹۸
فتاوى وأجوبة
والمكروه، وهذا ما صححه ابن الحاجب والعضد وابن السبكي ومحققوا الحنفية، وعليه دَرَجَ المتأخّرون.
إذا علم هذا، فالمراد بالأحكام في قول المحدثين: «يجوز العمل بالحديث الضعيف فيما عدا الأحكام من ترغيب وترهيب.... إلخ: الأحكام التكليفية، أعني التي فيها تكليف وإلزام، ولا شك أنَّ فضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب لا إلزام فيها، فهي خارجة من الأحكام بهذا المعنى، وإذا كانت داخلة في الأحكام بمعنى خطاب الله المتعلق... إلخ لشموله -أي الخطاب - لما فيه إلزام ولما لا إلزام فيه.
والحاصل أن المراد بالأحكام في مسألة العمل بالحديث الضعيف نوع خاص منها، وهي ما كان فيه الزام كالواجب والحرام والعقائد وما إلى ذلك دون غيره مما لا إلزام فيه، كالترغيب والترهيب ونحوهما.
هل النهي للتحريم؟
س ٣٢٠ - وسئل عن صيغة النهي وهل هي للتحريم؟
ج ۳۲۰- فأجاب : النهي ليس له قواعد مُعيَّنة، وإنما يُعرف عدم كونه
للتحريم بالقرينة. كأن يكون الذي يتعلَّق بالفضائل مثل حديث: «لا تقولوا للعِنَبِ الكَرْمُ؛
فَإِنَّ الكَرْمَ، قَلْبُ الْمُؤْمِنِ». أو مثل حديث: «إذا دَخَلَ أَحَدُكُمْ المسجد فلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّى رَكْعَتَينِ».
أو حديث: «لا تَصُوموا يومَ الجُمُعَةِ مُفْرَدًا».
أما النهي الوارد في الأحكام فهو للتحريم إلَّا إذا دلَّ حديث آخر على أنه
الفقه وأصوله
ليس للتحريم.
۲۹۹
توضيح حول تقليد الأئمة
س ۳۲۱- وسئل ما ذكرته سيادتكم بخصوص صلاة الجمعة كلام مقنع مفيد ولكن الناس يقولون كلام الأئمة يجب اتباعه؛ لأنهم أعلم ولعلهم اطلعوا على ما لم نطلع عليه.
ج ۳۲۱ - فأجاب : ما ذكرته من اقتناعك بكلامي بعد أن كان عندك تردد من جهة كلام الناس وقولهم : أنَّ الأئمة أعلم... إلخ». حسن جميل، وكون : « الأئمة أعلم لا يوجب قبول كلامهم في كل شيء، ولا يسيغ ردَّ دليل لم يطلعوا عليه لأجل كلامهم، وهم قد احتاطوا لمثل هذا فأمروا من وجد الحديث يُخالف رأيهم أن يأخذ بالحديث. ثُمَّ إِنَّ الإنسان مسئول عند الله عمَّا عَلِمَ هو لا عما عَلِمَ غيره، فلا يقال لك يوم القيامة: ما عملت فيما عَلِمَ الشافعي أو مالك؟ ولكن يقال لك: ما عملت
فيما علمت أنت؟
بعد هذا نعود إلى الموضوع فنقول: إنَّ الأئمة اشترطوا في الجمعة شروطا لم يقم عليها دليل :
منها: العدد وهل يكفي أربعون أو ثلاثون أو اثنا عشر أو أربعة؟ ومنها: أن تكون في بناء، وأن لا تتعدد، فإن تعددت فأيها تصح؟
قال المالكية: «تصح جمعة المسجد القديم وإن تأخرت».
وقال الشافعية: «تصح الجمعة السابقة بتكبيرة الإحرام»، وبنوا على ذلك قولهم: «الجمعة لمن سبق، وظنه الناس حديثا وليس بحديث، كقولهم:
۳۰۰
فتاوى وأجوبة
المغرب جوهرة فالتقطوها».
ومنها: عند الحنفية: أن تكون في بلدٍ كبير فيه حاكم وقاض و... و.... إلخ.
فعلى هذا لا تصح في قرى مصر إطلاقا.
ومنها : عندهم - أي عند الحنفية - أن يأذن في إقامتها الإمام الخليفة.
ومنها عند الأربعة: أن يكون مُصلِّيها حرًّا أَمَّا العبد لا تجب عليه. كأنه لا يدخل في قوله تعالى: يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوَةِ مِن يَوْمِ
الْجُمُعَةِ ﴾ [الجمعة: ٩ ] واحتجوا بأنَّ العبد مشغول بخدمة سيده. قلنا: وهل خدمة السيّد مُقدَّمةٌ على فرض الله ؟ إذن قولوا: لا يُصَلِّي الظهر
ولا العصر للعلة المذكورة، وهم لا يقولون ذلك.
ومنها: أن تفعل مرة واحدة. أي لا تعاد جمعة وإنما تعاد ظهرا، اتفق على هذا الأئمة الأربعة واحتجوا بأنه لم يثبت أنها أعيدت جمعة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عهد الخلفاء الراشدين.
وهذا صحيح، كما أنه لم يثبت أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم نهى عن إعادتها جمعة، ولا الخلفاء الراشدون والحُجَّة في نهيه لا في وقوع الإعادة في عهده، ثُمَّ لا تنس أنَّ القياس دليل عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء، وهو يقتضي جواز إعادة الجمعة إذا فاتت؛ لأنه إذا جازت إعادة الظهر أو العصر جماعة فالجمعة كذلك، بل هي أولى لأن الظهر لم يوجب الشرع فيه الجماعة عند الأئمة الثلاثة بخلاف الجمعة فالجماعة فيها واجبة وشرط، فهي أولى بالإعادة كما لا يخفى.
الفقه وأصوله
والمقصود
.
۳۰۱
أنَّ الأئمة أحاطوا الجمعة بشروط لم يقم على أكثرها دليل
اجتهادًا منهم لا يُلامون عليه بل هم مثابون، وإنما اللوم على من عرف الدليل ثُمَّ استمر في التقليد بدعوى أنهم أعلم، ولعلهم أطلعوا على ما لم نطلع عليه. وهذه دعوى باطلة إذ لو اطلعوا على شيء لذكروه وبينوه ولم يكتموه عنا؛ إذ في كتم العلم إثم كبير. سلَّمنا أنهم كتموه ولم يظهروه فنحن غير مسئولين عما لا نعلم وإنما نسأل عما علمناه وظهر لنا دليله، ألا ترى لو أنَّ الشافعي مثلا خالف حديثا لم يطلع عليه لم يكن مؤاخذا إجماعا وإن كان غيره قد اطلع على ذلك الحديث كمالك مثلا، وما ذاك إلَّا أنه لا يؤاخذ بما لم يعلمه، فكذلك نحن مع الأئمة سواء بسواء، والكلام في هذا طويل نكتفي منه بهذا القدر.
حكم التلفيق
س ۳۲۲- وسُئل: وهل يجوز عقد الزواج على مذهب أبي حنيفة مع الأخذ بمذهب الشافعي في الرَّضاع المُحَرِّم؟
ج ۳۲۲- فأجاب : كتابة عقد الزواج على مذهب أبي حنيفة مع الأخذ بمذهب الشافعي في الرَّضاع المُحَرِّم جائز لا شيء فيه؛ لأنَّ التزام مذهب إمام في جميع أقواله ليس بلازم ولا واجب.
فللشخص أن يُقلّد مالكًا في الوضوء والشافعي في الصلاة وأبا حنيفة في البيوع مثلا، ولا يلزم مراعاة شرط الإمام المقلد كأبي حنيفة في مسألة الزواج، ولا يلزم لمن قلد مالكًا في الصلاة أن . يمسح جميع رأسه في الوضوء، هذا ما
حققه العلماء واستقر عليه الأمر.
۳۰۲
فتاوى وأجوبة
وكان الحافظ ابن حجر وهو شافعي، قاضي القضاة بمصر، إذا عرضت عليه قضية ورأى مذهب مالك فيها أصلح حولها إلى القاضي المالكي ليحكم فيها بمذهبه. س ۳۲۳- وسُئل: هل يجوز التلفيق في صوم اليوم الواحد حيث أن القول
بجواز التلفيق في العبادة هو معتمد مذهب الإمام مالك.
ج ۳۲۳- فأجاب: يجوز بناء على المعتمد من جواز التلفيق في العبادة، ولا شك أنَّ الصوم من العبادات.
هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟
س ٣٢٤- وسئل: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟
ج ٣٢٤- فأجاب: آية (فصلت) (۱) دليل على أنَّ الكفَّار مخاطبون بفروع الشريعة، وكذلك آية المدَّثر : ﴿ قَالُوا لَوْنَكَ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾ [المدثر: ٤٣] وهم أيضًا مخاطبون بتحصيل الإسلام الذي هو شرط، والقاعدة الأصولية: «أن الأمر بالشيء أمر بشرطه»، فالأمر بالصلاة أمر بالطهارة لها، والكفار يعذبون على ترك الإسلام وترك فروعه، وآية (المدثر) بينت ذلك.
هل المزية لا تقتضي التفضيل؟
س ٣٢٥ - وسُئل: هل المزية لا تقتضي التفضيل ؟ ج ٣٢٥- فأجاب سيادته بما نصه: عبارة: «المزية لا تقتضي التفضيل» ليست بقاعدة أصولية، ولا يشهد لها دليل والواقع يبطلها، فإنَّ التفضيل مبني
(۱) قوله عزّ وجلَّ: الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَوْةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَفِرُونَ ﴾ [فصلت: ٧]
الفقه وأصوله
۳۰۳
على المزيَّة، فالنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أفضل الرسل؛ لأن مزاياه التي أعطيها أكثر من مزاياهم، وإبراهيم بعده؛ لأن مزيَّة الخلة التي أُعطيها تعدل بمزايا الرسل، ثُمَّ موسى بعده لمزيَّة الكلام ... وهكذا. فإذا وجد في المفضول مزيَّةٌ لا توجد عند الفاضل فليس معنى ذلك أنَّ المزيَّة لا تقتضي التفضيل، بل هي تقتضيه ولكن عارضها وجود مزايا عند الفاضل أكثر منها عددًا أو أقوى قيمة. فمزية خالد تقتضي تفضيله وبها فضل على كثير من الصحابة، لكن مزايا
عمر أقوى منها وأكثر، ولولا ذلك لكان خالد أفضل.
فكل مزيَّة في حد ذاتها تقتضي التفضيل فإذا تعارضت مزايا الفضائل والمفضول رجّحنا مزايا الفاضل، إمَّا لكثرة عددها وإما لقوة قيمتها المعنوية، ولهذا لا تجد فاضلاً إلا وتجد عنده مزايا تزيد على مزيَّة المفضول.
وبعبارة أخرى المزايا أدلة على التفضيل فإذا تعارضت بين الفاضل والمفضول رجّحنا بعضها لقوته، ومثل هذا إذا تعارض حديثان رجحنا أصحها، فالمسألة من باب ترجيح دليل على آخر .
هل يجوز تخصيص القرآن بالسنة؟
س ٣٢٦- وسئل رضي الله عنه: هل يجوز تخصيص القرآن بالسُّنَّة كما حدث في منع أبي بكر السيدة فاطمة عليها السلام من ميراثها؟
ج ٣٢٦- فأجاب: آية الميراث عامة، وتخصيص عموم القرآن بالحديث الصحيح قول الجمهور؛ لأنَّ السُّنَّة تبين القرآن، ومن بيانها له تخصيص عمومه، وهناك دقيقة ننبه إليها، وهي أنَّ أبا بكرٍ رضي ا الله عنه
سمع
حدیث
٣٠٤
فتاوى وأجوبة
نحن معاشر الأنبياء لا نُوَرَّث». عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم كما سمع منه الآية، فهما بالنسبة له في درجةٍ واحدةٍ من اليقين، ليس أحدهما أقوى من الآخر ولذا خَصَّصَ الآية بالحديث، وفاطمة رضي الله عنها لم تسمع الحديث من أبيها صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فهو بالنسبة إليها ظني، لكنها لم تُكَذِّب أبا بكر، وإنما أخذتها صدمة منع الميراث مضافةً إلى صدمة الحزن، فغضبت،
وذهب بعد ذلك أبو بكر إليها في بيتها واسترضاها فرضيت.
معنى قوله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَنَيَتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنَا س ۳۲۷- وسئل رضي الله عنه : هل في قول الله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَنَيَتِكُمْ
عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَردنَ تَعَضُنَا لِبْنَعُوا عَرَضَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا ﴾ [النور: ۳۳] جواز الزنا للأمة؟ ج ۳۲۷- فأجاب : المقرَّر في الأصول: «أنَّ الكلام إذا وقع فيه صفة لبيان
الواقع، فإنها لا تفيد حكما زائدا مثل قول الله تعالى: وَرَبِّبُكُمُ الَّتِي فِي حُجُورِكُم ﴾ [النساء: ٢٣] فهذه صفة لبيان الواقع؛ لأن اليتيمة التي تتزوج أنها تتربى عادةً في حجر زوج أمها، فلا تفيد الآية حل نكاح البنت التي لم تترب في حجر زوج أمها، وكذلك قوله تعالى في خطاب الأوصياء: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَفَا خَافُوا عَلَيْهِمْ ﴾ [النساء: ٩] غرض حض الوصي على مراعاة اليتيم كما يراعي ابنه الذي يخاف عليه في الضياع لو مات وتركه، فصفة خافوا عليهم لبيان الواقع لأن كل واحد يخاف على ابنه، فلا تفيد حكما زائدا.
الفقه وأصوله
۳۰۵
وكذلك قوله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَنَيَتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصْنَا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الحيوة الدُّنْيَا [النور: ۳۳] كان عبد الله بن أبي بن سلول يُكرِه أَمَته على الزنا
ليأخذ مهرها، وهي تكره ذلك، فنزلت الآية تنهى عن هذا الواقع، فلا تفيد
حل الزنا إذا لم يكن إكراه.
حكم التلفيق للمقلد
س ۳۲۸- وسئل رضي الله عنه: هل التلفيق في التقليد جائز ؟ ج ۳۲۸ - فأجاب: التلفيق في التقليد جائز إلَّا إذا اجتمعت منه صورة لا يقول بها أحدٌ من الأئمة، فللشافعي أن يخرج زكاة الفطر نقودا كما يقول أبو حنيفة ولا حرج عليه في ذلك، واشتراط النصاب عند الحنفية لا يمنع تقليدهم، وقول الحنفية بإخراج ثمن الزكاة قوي من جهة الدليل، واشتراطهم النصاب في زكاة الفطر ضعيف.
هل الرؤيا تعتبر دليلا من أدلة الأحكام
س ۳۲۹- وسُئل رضي الله عنه : هل الرؤيا تعتبر دليلا من أدلة الأحكام؟ ج ۳۲۹- فأحاب الرؤيا ليست من مصادر الأحكام، ومثلها الإلهام، وهذا مقرَّر في علم الأصول.
المياه التي تصلح للعبادة، وحكم ماء المجاري المعالج بالكيماويات
س ۳۳۰ - وسئل رضي الله عنه: ما هي المياه التي تصلح للعبادة؟ وهل كل ما في جوف الأرض ماء؟ وهل إذا حفرنا بئرا وجد به بنزين فهل يعتبر هذا طهورا
كالماء؟
٣٠٦
. فتاوى وأجوبة
ج ۳۳۰ - فأجاب: الماء الذي يصلح للعبادة هو الماء المطلق الذي لم يتغيَّر طعمه ولا ريحه ولا لونه بشيء يضاف إليه، فإذا أضيف إليه شيء وغير أحد أوصافه الثلاثة اللون، الطعم الرائحة» نظر في ذلك المغيّر فإن كان طاهرا كالورود مثلا، استعمل في العادات من طبخ وشرب ونحوها، وإن كان المغيّر
نجسا لم يستعمل في العادات، وإنما يستعمل في سقي البهائم والأرض فقط. نعم، إذا اقتضى الحال وضع دواء في الماء لتنقيته مما فيه من ميكروبات فيصح استعماله والوضوء به... إلخ، ويكون التغير هنا معفوا عنه لأجل الضرورة بشرط أن يكون الدواء المضاف إليه طاهرا غير نجس. أما سائر المعادن السائلة في جوف الأرض فلا تصلح العبادة بها؛ لأنها لا تُسمى ماءً لغةً ولا شرعًا بل هي داخلة في باب الزيوت، والشرع إنما علق صحة العبادة على الماء المطلق غير المقيد بشيء من الأوصاف، فماء الورد مع كونه ماء لا تصح به العبادة؛ لأنه مقيّد غير مطلق، وهكذا الحكم في سائر المياه المتغيرة، والله أعلم.
وماء المجاري المعالج بالكيماويات حتى ذهب لونه ورائحته وطعمه يكون طاهرا بالاستحالة ولا يكون مطهرًا، لأنَّ شرط طهورية الماء ألا تكون بعلة،
مثل الخمر يحل إذا صار خلا بنفسه ولا يحل إذا خُلَّل بعلاج.
س ٣٣١- وسئل أيضًا عن رجل اشترى ثيابا من محل الدلالة (١) أو من
الطريق مستعملة. هل يغسلها أم لا؟
(۱) مكان بيع الأشياء المستعملة.
الفقه وأصوله
۳۰۷
ج ۳۳۱ - فأجاب: الأصل حملها على الطهارة، ولكن يغسلها لئلا يكون صاحبها مريضًا مرضًا خطيرًا. لهذا قال يجب غسلها من هذه الناحية. وكذلك الحذاء إذا اشتراه مستعملا يجب غسله، وكل شيء ملبوس يجب غسله قبل لبسه. ماء الطهر الذي ينزل من فرج المرأة
۳۳۲ - ماء الطهر الذي ينزل من فرج المرأة بكثرة متنجس برطوبة فرجها، فيجب الوضوء منه إلا إذا وقع منها مرات فيعطى حكم السلس لأنه يعشر
التحرز منه. والله أعلم.
حكم الصلاة لمن تلوثت ملابسه بلحم الخنزير
س ٣٣٣- أنا أشتغل عند جماعة مسيحيين، وهم يأكلون لحم الخنزير جاهزا كالمرتديله، وتتلوّث بعض الأطباق والسكاكين التي تصيب ملابسي، فهل صلاتي صحيحة أم باطلة؟.
ج ۳۳۳- يكره الاشتغال عند المسيحيين ما لم يتعرض المشتغل عندهم لإهانة في دينه أو في نفسه بأن يساعدهم على ما يتناولون من المحرمات كالخمر والخنزير وإحضار الأكل لهم في نهار رمضان ونحو ذلك، فإن تعرض المشتغل عندهم لشيء من هذا، كان بقاؤه عندهم في هذه الحالة حرامًا ويجب عليه أن يفارقهم في الحال، ولو لم يجد عملًا عند غيرهم. ولم يجعل الله رزق شخص موكولا إلى أحد من الناس بل تكفّل سبحانه وتعالى برزق كل أحد، حيث قال تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 1]. وقال : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: ٥٨]. وقال أيضا:
۳۰۸
فتاوى وأجوبة
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: ٢ - ٣]. أما الأطباق الملوَّثة من أثر الخنزير فلا يقربها، وإن أصابه شيء منها في ثيابه أو في بدنه فليغسله حتى تصح صلاته، فإن لم يفعل فصلاته باطلة، والله أعلم. س ٣٣٤ - وسُئل أيضًا عن رجل شرع في الوضوء وغسل بعد الأعضاء ثُمَّ خرج منه الريح هل ينتقض وضوءه أم لا؟
ج ٣٣٤ - فأفتى أنه ينتقض وضوءه ويعيد الوضوء، وبعض العلماء أفتوا بأنه لا ينتقض وضوءه وقد خطأهم.
حكم الوضوء مع لبس الخاتم وطلاء الأظافر
س ٣٣٥- وسئل سيادته عن لبس الخاتم عند الوضوء؟ وعن وضع الطلاء على أظافر النساء هل يمنع هذا الوضوء أم لا؟
ج ٣٣٥- فأجاب سيادته من توضأ وفي يده خاتم فهل يحركه أو لا؟ قيل: لا يحركه، وهو رواية ابن القاسم عن مالك وهو المشهور، وسواء كان الخاتم واسعا أم ضيقًا. وهذا القول هو الموجود في "حاشية الصفتي".
وقال ابن شعبان: «يُحرك الخاتم مطلقا».
وقال ابن حبيب: «يُحركه إن كان ضيقا ليصل الماء إلى الأصبع».
وقال ابن الحكم: «يزيل الخاتم عند الوضوء».
وقال العلامة الشيخ محمد مَيَّارة في شرحه الكبير" على "المرشد": «أما
غير الخاتم مما يحول بين الماء والعضو يدًا كان أو وجها أو غيرهما فلابد من نزعه فإن لم ينزع فموضعه لمعة».
الفقه وأصوله
۳۰۹
لها
فيندرج فيه ما يُزين به النساء وجوههنَّ وأصابعهنَّ مِنا النقط التي تجسد، وما يُضفّرن به شعورهنَّ من الخيوط، وما يكون في شعر الرأس من
حناء، أو حلتيت، أو غيرهما مما له تجسُّد، وما يلصق بالظفر أو الذراع أو
غيرهما من عجين، أو زفت، أو شمع، أو نحوها.
فإن كان العجين ونحوه يسيرًا فقولان استظهر ابن رشد تخفيف ذلك، لكن محل القولين بعد الوقوع والنزول، وأمَّا ابتداء فلابد من إزالته، والنشادر لمعة؛ لمشاهدته يتقشّر ، فإن نُفضت الحِنَّاء من الرأس ولم تغسل، فحكى بعض
الشيوخ في جواز المسح خلافًا ثُمَّ مال إلى الجواز.
قال الشيخ زروق: وكان شيخنا أبو عبدالله القوري رحمه الله يقول: «إني لأفتي النساء بالمسح على الحناء؛ لأنا إن منعناهنَّ تركن الصلاة رأسًا، وإذا دار الأمر بين ترك الصلاة وبين فعلها على خلاف فارتكاب الخلاف أولى».اهـ
كلامه
وفيه تصريح بما سألت عنه، ويؤخذ منه أن ما كان على الأظفار لا يجوز إلَّا إذا كان يسيرًا فيعفى عنه. ولك أن تقيس على فتوى أبي عبدالله القوري، لكن بشرط أن يستعمل الطلاء بعد وضوء، نظير المسح على الخفين وطلاء الأظافر لا بد أن يقيد بمدة لأنه إنها أجيز للترخص، وثلاثة أيام جعلها الشارع مدة المسح في السفر، أما
مدة الحضر فيومان، وهي أنسب بمدة طلاء الأظافر.
۳۱۰
فتاوى وأجوبة
حكم المسح على الجبائر
س ٣٣٦ - وسئل رضي الله عنه : هل يجوز المسح على الجبائر؟ ج ٣٣٦ - فأجاب: المسح على الجبائر مذهب المالكية أنَّ الجبائر التي تشد على الجراح والقروح والفصاد يجوز المسح عليها وعلى العصائب المشدودة فوقها، سواء كانت في أعضاء الغسل أو الوضوء، أو كانت على الموضع وحده، أو انتشرت عنه، ولا يشترط شدها على طهارة ولا يعيد الصلاة إذا برأ وصح، وإذا نزعها للمداواة ثُمَّ ردّها أعاد المسح، وإذا صح فنزعها غسل الموضع على الفور، وإن سقطت الجبيرة وهو في الصلاة بطلت صلاته؛ لأن طهارة الموضع قد انتقضت بظهوره، هذا مذهب مالك، وفيه سعة.
من انقطع عنه الماء قبل غسل رجليه
۳۳۷ - من انقطع . عنه الماء قبل غسل رجليه يتيمم ويدرك الجماعة، فإن أمكنه الحصول على ماء تعين عليه غَسْلُ رجليه.
السلام على المرأة للمتوضئ
س ۳۳۸ - إذا كان الإنسان متوضئ للصلاة وسلم على امرأة فهل ينتقض
وضوءه أم لا؟ ج ۳۳۸ - السلام على المرأة لا ينقض الوضوء إلَّا إذا حصلت شهوة، بأن أحس الشخص بنزول مذي منه، فإن لم يحصل فلا شيء، هذا في مذهب الحنفية والدليل يؤيده.
وذهب الشافعية إلى أنَّ لمس المرأة غير المحرَمِ ينقض الوضوء إطلاقا سواء
الفقه وأصوله
۳۱۱
أكان بشهوة أو لا.
وتوسط المالكية فقالوا من لمس المرأة قاصدًا الشهوة ينتقض وضوءه ولو لم يجد لذة، وكذلك من وجد لنَّةً ولم يقصدها ينتقض وضوءه أيضًا، أمَّا مَن لمس امرأة ولم يقصد اللذة ولا وجدها فلا ينتقض وضوءه هذا مذهب المالكية، والله
أعلم.
انتقاض الوضوء بلمس المرأة
س ۳۳۹ - هل لمس المرأة ينقض الوضوء؟
ج ۳۳۹ - لمس المرأة لا ينقض الوضوء عند الحنفية، والدليل يؤيدهم: كان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يُقبل عائشة ويُصلِّي ولا يتوضأ». ومذهب الشافعية في اللمس ضعيفٌ، وفيه شدَّة تنافي التيسير، كما أنَّ مذهبهم بتخصيص التيمُّم بالتراب فقط ضعيف أيضًا ومخالف للقواعد ومناف للتيسير.
س ٣٤٠- وسئل عن وجه الصواب في حكم نقض الوضوء بمس المرأة لاختلاف المذاهب فيه. ج ٣٤٠ - فأجاب سيادته بما نصه : أما نقض الوضوء بمس المرأة فقال به الشافعية مطلقا بدون قيد، وقيَّده المالكية بوجود الشهوة أو قصدها، وقال الحنفية: مسها لا ينقض مطلقا إلَّا إذا انتشر أو أمذَى.
وليس في السُّنَّة دليل يؤيد الشافعية وإنما تمسكوا بظاهر قوله تعالى: أو لمسلم النِّسَاء [النساء: ٤٣]، وأنَّ في قراءة: «أو لمستم»، وهي تشمل كل لمس
۳۱۲
فتاوى وأجوبة
باليد وغيرها، فيكون مطلق لمس المرأة ناقضا.
لكن في الاستدلال بالآية مناقشات تتعلق بعلم الأصول قد يكون من
الصعب بسطها هنا.
واستدل الحنفية بحديث: كان صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يُقبل عائشة ثُمَّ يُصلي من غير وضوء». وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا فله طرقٌ، ثُمَّ هو مؤيَّدٌ بالأصل، إذ الأصل عدم النقض إلا إذا ثبت بدليل صحيح ولم يصح في النقض دليل.
بل روى النسائي بإسناد صحيح، عن عائشة قالت: «إن كان رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم ليصلّي بالليل وأنا معترضة في قبلته اعتراض الجنازة، فإذا أراد أن يوتر مسني برجله».
تريد ليوقظها للصلاة، وهذا صريح في أنَّ مَسَّ المرأة لا ينقض، واحتمال أن
يكون بحائل كما أوله الشافعية احتمال بعيدٌ مُتكَلَّفٌ.
.
ثُمَّ راجعت فوجدت حديثا رواه البزار، عن عائشة: «أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يُقبل بعض نسائه ولا يتوضأ». وإسناده جيد، قال عبدالحق الإشبيلي المالكي: «لا أعلم له عِلَّةً توجب تركه».
ووجدت حديثا آخر عن أم سلمة: «أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يُقبل ثُمَّ يخرج إلى الصلاة ولا يتوضأ». رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله على شرط الحسن إلا راويًا فمختلف فيه، ضعفه أحمد ووثقه البخاري، وبمجموع الطرق يكون حسنا، بل صحيحًا.
الفقه وأصوله
۳۱۳
وأما دليل المالكية فتجده في مسالك الدلالة في شرح متن الرسالة" وهو
اسم کتاب لشقيقي الحافظ أبي الفيض أحمد بن الصديق رحمه الله. والتحقيق المبني على الدليل أن اللمس لا ينقض بنفسه بل هو من أسباب النقض كالنوم، فإذا وجد مع اللمس أو القبلة إنعاظ أو مذي انتقض الوضوء وإلا فلا، وهذا ملحظ الحنفية وهو الراجح، على أن مجرد الإنعاظ لا ينقض أيضًا إلَّا إذا نزل مذي. وبيان ذلك أنَّ النواقض قسمان: أحداث تنقض بنفسها كالبول، والغائط،
.
والمذي، والودي، والريح وأسباب كالنوم، وزوال العقل مثلا. فهل اللمس سبب ينقض مطلقا؛ لأنه مظنَّة الشهوة وخروج المذي الذي الحدث، وبهذا قال الشافعية، أو لا ينقض إلَّا إن وجد الحدث بالفعل وهو خروج المذي وبهذا قال الحنفية.
وتوسط المالكية فقالوا: إذا قصد اللامس اللذة أو وجدها ينتقض الوضوء لقرب المظنَّة، وإذا لم يقصد ولم يجد لا ينتقض لبعد المظنة حينئذ. هذا مأخذ الأقوال وملحظ أصحابها فتأمله جيدًا.
الوضوء من حمل الميت وغسله
س ٣٤١- وسُئل أيضًا عن رجل حمل ميتًا أو غسله، هل يجب عليه
الوضوء، أو الغسل؟
ج ٣٤١ - فأجاب: لا يجب عليه وضوء ولا غسل، وإنما يندب ويستحب
فقط الوضوء لمن حمل ميتًا أو عسل ميتا .
فتاوى وأجوبة
حكم سلس البول
س ٣٤٢- وسئل : ما حكم من ينزل منه البول بمعدل كل ربع ساعة مرة
كيف يُصلّي؟ ج ٣٤٢ - فأجاب: حكم من ينزل منه البول باستمرار ينطبق عليه حكم السلس؛ لأنه يخرج منه حدث كل ربع ساعة، والسَّلَسُ عند المالكية معفو عنه، بمعنى أنه يتوضأ ويُصَلِّي ولو كان الحدث ينزل منه أثناء الصلاة، والحدث إنما ينقض عند المالكية إذا خرج من الإنسان على وجه الصحة والعادة، أما إذا
خرج منه على خلاف ذلك كمثل هذه الحالة فلا ينقض الوضوء. والذي أفتي به أنه يتوضأ حين يحضر وقت الصلاة ولا يضره ما ينزل منه
وهو يصلي، أو في الفترة بين الوضوء والصلاة؛ لأنَّ الله تعالى يقول: لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: ٢٨٦] وهذا ما في وسعه، ويقول النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا أَمَرْتُكُمْ بأَمْرِ فَائتُوا مِنه مَا اسْتَطَعْتَمُ». وهذه استطاعته، فليصل كما ذكرتُ لك، وليطمئنَّ باله فصلاته صحيحة لا خلل فيها.
الوضوء من مس الدبر
س ٣٤٣ - رجل وامرأة، سواء، يستعمل القوالب في دبره من أجل الدواء،
هل ينتقض وضوءه أم لا إذا أصاب يده دبره؟
ج ٣٤٣- الجواب: مس الدبر لا ينقض الوضوء، وإنما ينقض الوضوء
مس الذَّكَر والفرج فقط.
الفقه وأصوله
أسئلة متفرقة في أحكام الطهارة والجواب عليها
٣١٥
س ٣٤٤- وسُئل أيضًا عن رجل جامع أهله ولم ينزل منه المني، واغتسل
وبعد الغسل خرج منه المني هل يجب عليه الغسل من خروج المني أم لا؟ ج ٣٤٤- فأفتى أنه يجب عليه الغسل من خروج المني وهو مذهب
الشافعي، وفي المذهب المالكي لا يجب عليه الغسل. س ٣٤٥ - وسُئل أيضًا عن امرأة متزوجة وزوجها فيه قوة الجماع كل يوم، وهي يصعب عليها الحال من ناحية الغسل ورأسها يبرد من الماء فيحصل لها زكام قوي يغلق أنفها فتتيمم يوما ويومين وبعد ذلك تغتسل.
ج ٣٤٥ - فأفتى لها بالتيمم لهذا العذر .
س ٣٤٦ - وسئل أيضًا عن رجل جامع أهله ليلا وتوضأ هل يصلي بذلك الوضوء أو يمس المصحف أو يدخل المسجد؟
فقط.
ج ٣٤٦- فقال: ذلك الوضوء لا يصلح به شيء وإنما هو وضوء الجنابة
س ٣٤٧- وسئل أيضًا عن امرأة إذا اغتسلت تشتكي من رأسها سواء في الصيف والشتاء.
ج ٣٤٧- فأفتى بأنها تمسح عليها وتتيمم وعند الوضوء تتوضأ وتمسح
رأسها.
س ٣٤٨ - ما هي الأشياء التي يجوز التيمم بها؟
ج ٣٤٨ - في مذهب مالك يجوز التيمم على التراب والحجر والرمل والحصى والرَّحَى والطين والثلج وجص قبل طبخه، وشب وملح في مقرهما
٣١٦
. فتاوى وأجوبة
قبل أن يُنقلا، والغبار على الأرض أو الجدار إذا كان كثيرا لا قليلا والتراب
أفضل.
س ٣٤٩ - هل لا بد من استعمال التراب عند التيمم؟
ج ٣٤٩ - الصعيد في الآية عام يشمل التراب، والحجر، والزلط، والرمل، والملح في الملاحة، وجذع الشجرة، والرخام ولفظ التراب في الحديث لا يُخصص الآية لقاعدة مقرّرة في الأصول ذكرها السبكي في "جمع الجوامع"
وغفل عنها الشافعية، والكمال الله وحده، والله أعلم. س ٣٥٠ - وسُئل أيضًا عن رجل احتلم مع رفقة في السفر أو في دار
صديق له ولا يستطيع أن يغتسل من أجل التهمة.
ج ٣٥٠ - فقال: إنَّ الشافعية أباحت التيمم مِن أجل هذا العُذر، وقال أيضًا: يجوز أن يكون إمامًا، والمالكية تمنع إمامة المتيمم بالمتوضئ.
س ٣٥١- وسُئل أيضًا أنَّ امرأةٌ وصلت من السن أكثر من ستين سنة وقد كان انقطع منها الدم أي دم الحيض والآن صار ينزل منها الدم هل يعتبر هذا دم الحيض أو عِلَّةٍ وفساد؟
ج ٣٥١ - أجاب بأن هذا مرضٌ يجب معالجته، ولا تقطع الصلاة والصيام ويجامعها زوجها.
س ٣٥٢- وسئل عن بنت يأتيها حق الشهر أربعة أيام أو خمسة أيام ولا
ينقطع.
ج ٣٥٢ - فأفتى بها أن تنتظر سبعة أيام وإذا بقي الدم تزيد ثلاثة أيام إلى نهاية خمسة عشر يوما بعد ذلك يعتبر مرضا تصلي وتصوم.
الفقه وأصوله
۳۱۷
س ٣٥٣ وسُئل أيضًا عن شخص مقطوع اليدين ما حكمه في الغسل
والوضوء والتيمم.
ج ٣٥٣- أفتى لا شيء عليه، ويصلّى بلا وضوء ولا تيمم. غاية الأمر في الغسل إن دخل في ماء وخرج فيصح غسله، ويجوز لأهله المكاشفة عليه إن لم تكن
له زوجة.
من أحكام الحيض
س ٣٥٤ - وسئل رضي الله عنه عن أحكام الحيض.
ج ٣٥٤- فأجاب رضي ا الله عنه: أما ما سألت عنه فالحيض أقله قطرة وأكثره خمسة عشر يوما، والمرأة تعمل على ما اعتادت من الأيام التي تحيض فيها، ويحرم على الحائض الصلاة والصيام، وقراءة القرآن، إلا نحو الآيتين للتعوذ والتحصن، ولا يجوز جماعها حتى تغتسل من الحيض ويجوز ملاعبتها
ومباشرتها حالة الحيض إلا في الفرج.
س ٣٥٥ - وسئل أيضًا عن أحكام الحيض؟
ج ٣٥٥- ومسألة الحيض إن كانت المرأة عادتها خمسة أيام وزاد الحيض عليها فإن انقطع بعد ثلاثة أيام أخرى أو أقل منها تغتسل وتُصلّي. وإن لم ينقطع ثلاثة أيام أخرى، كلما انقطع اغتسلت وصلت، فإذا بلغ مجموع أيام الحيض خمسة عشر يوما بما فيها الأيام الخمسة المعتادة فإنها تغتسل وتُصلّي، ولو استمر نزوله فإنه دم ا استحاضة لا يمنع الصلاة ولا يوجب
الغسل.
والحاصل: أنَّ المرأة إذا زاد نزول الدم على عادتها فإنها تنتظر ثلاثة أيام
۳۱۸
فتاوى وأجوبة
استظهارًا، فإن انقطع داخلها أو عند تمامها اغتسلت وصلت، وإن لم ينقطع انتظرت ثلاثة أيام أيضًا، حتى تصل الأيام إلى خمسة عشر، فإن زاد عليها لم يكن حيضًا بل استحاضة لا يمنع الصلاة، وقبل وصوله إلى خمسة عشر يوما، كلما انقطع اغتسلت وصلت وإذا نزل امتنعت عن الصلاة والصوم، هذا حكم التي ينقطع حيضها بالتفصيل.
هل يجب الغسل من الإجهاض
س ٣٥٦- وسُئل أيضًا عن امرأةٍ عمل لها زوجها إجهاضًا أي المسمى
«الكرطاج» (۱) وهو غسل «الولدة» (٢).
ج ٣٥٦ - فأفتى بأنه يلزمه صدقة عن هذا العمل، وأيضًا تغتسل عندما ينقطع الدم لأنه مثل دم النفاس.
س ٣٥٧- وسئل أيضًا عن امرأة عملت الإجهاض أي المسمى بالكورطاج.
ج ٣٥٧- قال: يجب عليها الغسل لأنه يشبه الولادة، أما مجرد غسل الولدة لأنها تكون بعض المرات فيها شيء يمنع الحمل فذا يجب منه الوضوء فقط. س ٣٥٨ - وسُئل أيضًا عن رجل أراد أن يشتري مصحفاً كاملا وليس على وضوء هل ممنوع أن يمسه أو لا؟
ج ٣٥٨- فأفتى : لا بأس به.
(۱) كلمة فرنسية: «cutage» مستعملة في الدارجة وتعني الإجهاض.
(۲) كلمة دارجة وتعني الرحم.
الفقه وأصوله
۳۱۹
حكم الكلام والدعاء من سامع الأذان وقت الأذان س ٣٥٩ - ما حكم الكلام والدعاء من سامع الأذان وقت الأذان، وهل خاصة تقال فقط أم يقاس غيرها عليها، ولو حال الأذان الثاني
للدعاء صيغ . الذي يقال يوم الجمعة والخطيب فوق المنبر، وهل الأفضل الاشتغال بالدعاء أم بسماع الأذان؟ ج ٣٥٩ - الكلام من سامع الأذان جائز لما روى مالك في "الموطأ" قال: ثنا ابن شهاب، عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه أخبره أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلُّون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون قال ثعلبة: جلسنا نتحدث فإذا سكت المؤذن وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم مِنَّا أحدٌ.
وأما الدعاء فمحله بعد الفراغ من الأذان كما في الصحيح وله صيغ خاصة وردت في صحيحي "البخاري" و"مسلم" والسنن الأربعة وقد ذكرها الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" والإمام النوي في "الأذكار " فلا نطيل بها. ومع ذلك فلا مانع أن يدعو السامع بما شاء من أمر دينه ودنياه لكن بعد الفراغ من الأذان؛ لأنه من مواطن الإجابة، والأولى أن يشتغل السامع حالة الأذان بمحاكاة المؤذن، بل ذلك متأكد شديد التأكيد خروجًا من خلاف من أوجب المحاكاة . ، وهم جماعةٌ من السلف والحنفية وابن وهب وأهل الظاهر قاطبةً، واستدلوا بالحديث: «فقولوا مثل ما يقول المؤذن». والأمر للوجوب على ما تقرر في الأصول. وأجاب الجمهور عن هذا بأجوبة أحسنها فيما أعلم على ما فيه، ما ذكره
۳۲۰
فتاوى وأجوبة
ابن عبد السلام المالكي في شرح مختصر ابن الحاجب" فقال: «ظاهر الحديث الوجوب لكن قد تكون القرينة الصارفة عنه هي تبعية قول الحاكي للقول المحكي الذي هو الأذان».اهـ ومما هو جدير بالذكر في هذا الموطن ما شاع بين كثير من الناس عند قول المؤذن: أشهد أن محمدًا رسول الله أنهم يقبلون ظاهر إبهامهم ويمسحون بها أعينهم قائلين: مرحبًا بحبيبي... إلخ، وقد عزا الديلمي في "الفردوس" هذا لفعل أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه و الله عنه وأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: لما رآه فعل ذلك: «من فعل مثل ما فعل خليلي فقد حلت عليه شفاعتي. وهو غير صحيح كما قال الحافظ السخاوي. وخرج أبو العباس أحمد بن أبي بكر الرداد في كتابه موجبات الرحمة وعزائم المغفرة" بسند فيه مع مجاهيل عن الخضر عليه السلام أنه قال: من قال حين يسمع المؤذن يقول أشهد أن محمدًا رسول الله : مرحبًا بحبيبي وقرة عيني محمد بن عبدالله صلى الله
عليه وآله وسلم ثم يقبل إبهاميه ويجعلها على عينيه لم يرمد أبدا».
انقطاعه
وقال شمس الدين محمد بن صالح المدني في "تاريخه": روي عن الفقيه محمد بن سعيد الخولاني قال: أخبرني الفقيه العالم أبو الحسن علي بن محمد بن حديد الحسيني: أخبرني الفقيه الزاهد البلالي، عن الحسن عليه السلام قال: من قال حين يسمع المؤذن يقول «أشهد أنَّ محمدا رسول الله»: مرحبا بحبيبي وقرة عيني محمد بن عبد الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم. ويقبل إبهاميه ويجعلها على عينيه لم يعم ولم يرمد. وقال صاحب المسائل الملقوطة" : حدثنا الفقيه الصديق الصالح الأزكى
الفقه وأصوله
۳۲۱
العالم الأوفى المجتهد المجاور بالمسجد الحرام المتجرّد الأرضى صدر الدين ابن سيدنا الصالح بهاء الدين عثمان بن علي الفارسي حفظه الله قال: لقيت الشيخ العالم المتفنن المفسّر المحدّث المشهور الفضائل نور الدين الخرساني بمدينة شيراز، وكنت عنده في وقت الأذان فلما سمع المؤذن يقول: أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله قبل الشيخ نور الدين إبهامي يديه اليمني واليُسرى ومسح بالظفرين أجفان عيينيه عند كل تشهد مرة، وبدأ بالموق من ناحية الأنف وختم باللحاظ من ناحية الصدغ قال: فسألته عن ذلك فقال : إني كنت أفعله من غير رواية حديث، ثُمَّ تركته فمرضت عيناي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في المنام فقال: «المتركت مسح عينيك عند ذكري في الأذان؟ إن أردت أن تبرأ عيناك فعد إلى المسح». أو كما قال فاستيقظت ومسحت فبرئت عيناي ولم يعاودني مرضهما إلى الآن.
وهناك مراء من هذا القبيل تركناها لعدم إفادتها في مثل هذا الصدد، وإن كان المضللون يتخذونها حُجَّةٌ قاطعةً لا تقل عن رتبة حديثي البخاري ومسلم
ليتوصلوا بها إلى أغراضهم السيئة هداهم الله وعفا عنهم.
الحكمة من تجريد الأذان من العطف
س ٣٦٠ - لماذا جُرِّد الأذان مِن العطف بينما التشهد حصل فيه العطف بين
كلماته؟
ج ٣٦٠- والأذان: إعلام بدخول الوقت، وكل جملة منه إعلام بنفسها؛ فجُرِّد من العطف لكمال الاتصال بين جمله بخلاف التشهد في الصلاة، فإنَّ المقصود به الذكر، والإقرار بوحدانية الله ورسالة رسوله، فحصل العطف
۳۲۲
فتاوى وأجوبة
رعاية لتغاير معنى الجملتين، وبقية هذا البحث يعرف مِن عِلم المعاني. نكتة بلاغية في الفرق بين ألفاظ الأذان والتشهد
س ٣٦١: هل العطف بالواو كما هو في التشهد يقتضي المغايرة؟ ج ٣٦١ - العطف بالواو أو غيرها يقتضي المغايرة، ولهذا لا يجوز العطف بين متغايرين حقيقة أو اعتبارًا، نحو جاء زيد وعمرو، فعمرو غير زيد
حقيقة، ونحو: ﴿وَإِذْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: ٥٣] فالفرقان غير الكتاب باعتبار أنَّ الصفة تغاير الموصوف؛ لأن الكتاب قد يكون غير فرقان، أما إذا كان الشيئان متحدين فلا يجوز العطف نحو: جاء خالد أخو بكر، لا يجوز أن تقول وأخو بكر؛ لأن المعنى يتغير بالعطف. إذا تقرر هذا فاعلم أن الأذان جعله الشارع إعلاما بدخول الوقت فكانت ا كلماته غير معطوفة؛ لأنها تفيد معنى متحدّا، وكذلك الإقامة، فلو عطفت بعض كلمات الأذان والإقامة لأفاد العطف خروج المعطوف عن معنى والإقامة إلى الذكر المجرَّد ، وهو غير مقصود هنا، بخلاف التشهد في الصلاة فإنَّ المقصود منه الذكر، وتكثير أنواع الذكر مطلوب شرعا، فعطفت جملتا التشهد ليحصل الذكر بالشهادة الله بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، وهما متغايران
حقيقةً، أما الأذان فهما متحدان باعتبار معنى الإعلام.
كيف كان أذان عائشة رضي الله عنها ؟
س ٣٦٢ - كيف كان أذان عائشة .
رضي
الله عنها ؟
الأذان
ج ٣٦٢ - عائشة كانت تمكث في مكة بعد الحجاب وكانت محتجبةً، وأذانها
في بيتها للنّساء بصوت منخفض، وصوت المرأة ليس بعورة على الراجح
الفقه وأصوله
۳۲۳
عندي الآن، وإنما يكون عورة ويحرم سماعه إذا كان فيه تخنت وغنج، لقول الله تعالى: فَلَا تَحْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * [الأحزاب: ٣٢].
أسئلة متفرقة عن أحكام الصلاة
س ٣٦٣- وسئل عن رجل كان نائما ونسي صلاة الظهر، وعندما استيقظ وجد وقت العصر حاضرًا فتوضأ وشرع في صلاة العصر في الركوع تذكر أنه لم يصل الظهر فحول نية العصر إلى صلاة الظهر.
ج ٣٦٣ - فأفتى بعدم الجواز وأنه يعيد تلك الصلاة لأنها مختلطة النية. س ٣٦٤- سؤال آخر: رجل احتلم عند شخصي ولم يستطع أن يغتسل خوف التهمة وتوضأ وصلى وأصبح صائما صيام رمضان.
ج ٣٦٤ - أفتى الشيخ أنَّ صلاته باطلة لأنه صلاها بلا وضوء وأن صيامه صحيح .
س ٣٦٥ - وسئل أيضًا عن إمام يتكئ في الصلاة على حائط في الوقوف أو
الجلوس.
ج ٣٦٥- فقال: إنَّ الصلاة صحيحة، وهذا الفعل مكروه، أما إذا كان الإمام بدينا وذا جسم كبير فله عذره ولا كراهة فيه. س ٣٦٦ - وسُئل أيضًا عن رجل كان بين أسنانه شيءٌ ضعيف من الأكل وفي الصلاة خرج من بين أسنانه فابتلعه عمدًا. فأفتى بعض الجهال بأن صلاته باطلة. ج ٣٦٦ - فأفتى بأن صلاته صحيحةٌ، قال: لأن تعمد الأكل هو الذي يبطل الصلاة وهذا ليس بأكل.
٣٢٤
. فتاوى وأجوبة
حكم اللحن في الصلاة
س ٣٦٧ - وأفتى عندنا أحد المتعلّمين بأن اللحن في السورة يُبطل الصلاة،
فسألت سيادته عن ذلك؟
ج ٣٦٧ - فأجاب بما نصه ولا دليل على أنَّ اللحن في السورة يُبطل
الصَّلاةَ إِلَّا في صورتين: 1 - أن يتعمَّد المصلّي اللحن في السورة ، فهو تحريف لكلام الله وهو معصيةٌ
تبطل الصلاة.
٢- أن يقتصر الحنفي على السورة في الصلاة دون (الفاتحة) ويلحن في السورة لحنا يغير المعنى، فتبطل صلاته؛ لأن السورة عنده ركن في الصلاة، واللحن في الركن يبطلها، وفي غير هاتين السورتين لا تبطل الصلاة باللحن في السورة إطلاقا.
س ٣٦٨- كيف يقول المالكية بعدم قضاء الصلاة عند فقد الطهورين؟ ج ٣٦٨- عند المالكية قول: إذا كان الرجل في سفينة مثلا ولم يجد دلوا يأخذ به ماء البحر ولا ما يتيمم به، حتى خرج الوقت فلا أداء عليه ولا قضاء؛ لأن الوقت صادفه وهو فاقد لشرط من شروط الصلاة، وهذا قول مالك نفسه، ولكن المالكية رجحوا وجوب القضاء.
س ٣٦٩ - هل يكفي عن تكبيرة الإحرام نية القلب؟
ج ٣٦٩- تحريك اللسان بتكبيرة الإحرام بحيث يسمع الإنسان نفسه لابد
منه في صحة الصلاة وكذلك في قراءة الفاتحة.
س ۳۷۰ - وسئل أيضًا عن الخطيب يوم الجمعة يدخل المسجد ولا يُصلّي
الفقه وأصوله
٣٢٥
تحية المسجد.
ج ۳۷۰- قال : لابد أن يعمل تحية المسجد لأن الأدلة العامة في تحية المسجد
تشمله.
س ۳۷۱- وسئل أيضًا عن أشخاص اشتروا جهة من الكنيسة في ألمانيا لأجل صلاة الجمعة والعيد.
ج ۳۷۱ - فأفتى بالجواز لأن الصلاة في جانب الكنيسة جائزة، والذي يمنع أن يكون محل الصلاة أسفل والكنيسة فوق كما وقع في فرنسا، فهذا ممنوع.
ومسجد قرطبة الآن نصفه لا زال كنيسة ونصفه يصلى فيه.
س ۳۷۲ وسُئل أيضًا عن مسجد في جانبه مراحيض وأراد الجماعة أن
يهدموها ويوسعوا المسجد ويجعلوا المراحيض فوق المسجد.
ج ۳۷۲- فأفتى بالمنع وقال إنَّ المراحيض فوق المسجد فيها إهانة للمسجد
والله يقول : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ﴾ [النور: ٣٦].
حكم وجود الراديو في المسجد
س ۳۷۳- وسئل عن حكم وجود الراديو في المسجد؟
ج ۳۷۳- والراديو في المسجد ليس بحرام، وهو مثل الميكروفون.
الصلاة في مسجد تحت كنيسة
س ٣٧٤ - وسُئل أيضًا عن مسجد في فرنسا تحت كنيسة، هل يجوز فيه
الصلاة؟
ج ٣٧٤ - فأفتى بالمنع والبطلان لأن بها إهانة لبيت الله. وأفتى عالم أفريقي
٣٢٦
ببطلان الصلاة ووافقه الشيخ عبدالله رحمه الله .
الصلاة بين
الأعمدة في المسجد
س ٣٧٥- هل تكره الصلاة بين الأعمدة في المسجد ؟
فتاوى وأجوبة
ج ٣٧٥- قال البخاري في "الصحيح": «باب الصلاة بين السواري في غير جماعة». وروى حديث ابن عمر عن بلال أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم صلى في الكعبة بين العمودين المقدمين، قال الرافعي: «احتج البخاري بهذا الحديث على أنه لا بأس بالصلاة بين الساريتين إذا لم يكن في جماعة، وأشار إلى أن الأولى للمنفرد أن يصلّي إلى السارية و ومع هذه الأولوية فلا كراهة
للمنفرد في الوقوف بينهما اهـ
وقال المحب الطبري: كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد عن ذلك، ومحل الكراهة عند عدم الضيق والحكمة فيه إما لانقطاع الصف، أو لأنه موضع النعال» . اهـ
قال القرطبي: «روي في سبب كراهة ذلك أنه مصلَّى الجن المؤمنين والكعبة تعتبر مسجدًا لقول الله تعالى: جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَام ﴾ [المائدة: ٩٧] وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَعِيلُ ﴾ [البقرة: ۱۲۷] فَوَلِ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة: ١٤٤] أي الكعبة».
أيهما أرجح في الصلاة القبض أم السدل ؟
س ٣٧٦: اختلف عندنا عالمان جليلان في مسألة القبض والسدل في مذهب المالكية في الصلاة، وكلاهما أيد قوله بأقوال من أئمة المذهب، فما هو
الفقه وأصوله
۳۲۷
القول الراجح في هذه المسألة الذي يجب الاعتماد عليه ؟
أئمة
ج ٣٧٦: العالم المؤيد لاستحباب القبض في الصلاة هو المعتمد الراجح وأدلته واضحة لا غبار عليها، وممن نصَّ على استحباب القبض من المالكية المشهود لهم بالاجتهاد في المذهب القضاة: أبو الوليد الباجي، وأبو الوليد بن رشد الجد، وأبو بكر بن العربي المعافري، وابن رشد الحفيد، والقاضي عياض والماذري، وغيرهم، كما بينه العلامة أبو عبدالله المسناوي في رسالته التي ألفاها في سنية القبض في الصلاة على مذهب مالك، وشيخنا العلامة المحدث السيد محمد بن جعفر الكتاني الحسني في كتابه المسمى "سلوك
السبيل الواضح إلى أنَّ القبض في الصلوات كلها على مذهب مالك مشهور وراجح " وهو كتاب نفيس قرأته في مكتبة مؤلّفه الخاصة بفاس. وكذلك للعلامة الشيخ محمد المكي بن عزوز المالكي رسالة في سُنية القبض في الصلاة على مذهب مالك، اسمها "هيئة الناسك" كما رجح العلامة محمد الطالب بن الحاج في حاشيته على شرح المرشد المعين" سُنية القبض أيضًا، وهي حاشية محرّرة معتمدة عندنا بالمغرب. أما من حيث الحديث فالأحاديث في القبض متواترة؛ لأن الصحابة الذين رووها عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم تجاوز عددهم عشرين شخصا، ثُمَّ هي مخرجة في الكتب الستة وغيرها كـ"مستدرك الحاكم" وصحاح "ابن حبان"، و"ابن خزيمة"، و"ابن الجارود"، و"الإسماعيلي"، و"الجوزقي"، عدا كتب السنن والمسانيد. ولهذا أخذ الأئمة الثلاثة بالقبض، بل مالك نفسه كان يقبض، وروي عن
۳۲۸
فتاوى وأجوبة
أصحابه المدنيون القبض، ولا يوجد في مذهب مالك قول بالسدل إلا رواية ابن القاسم، وهي واردة في كراهة القبض للاعتماد، ولم يرد في السدل حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيفٌ، بل ولا موضوع أيضًا، فالحالف على عدم ورود حديث فيه بار في يمينه، بخلاف الحالف على القبض فإنه حانت في يمينه تلزمه الكفارة.
وكلام الشيخ عليش في "فتاويه" مردود جملة وتفصيلا، وهو أحد أخطائه المعدودة في تلك الفتاوى، وما يذكره عليش وغيره من أنَّ السدل عمل أهل المدينة باطل لا أصل له؛ فإنَّ مالكًا يعنى بعمل أهل المدينة وفقهائها من الصحابة والتابعين الذين منهم شيوخه مثل عمر وزيد بن ثابت، و عبدالله بن عمر، وسعيد بن المسيب، ونافع، والزهري، وغيرهم، وهؤلاء ثبت عنهم تواتر القبض عملا ،وقولًا، ولم يرد في شيء من الكتب نسبة السدل إلى واحد منهم ولو بسندٍ واحدٍ ضعيف، فاستحباب القبض في الفرائض والنوافل هو مذهب مالك الذي كان يعمل به في نفسه وروى حديثه في "الموطأ" ولقنه لأصحابه المدنيين، وبالله التوفيق.
حكم قراءة سورة من القرآن في الركعتين الأخيرتين من الصلاة الرباعية
س ۳۷۷- هل يستحب قراءة سورة أو بعض آيات من القرآن في الركعتين الأخيرتين من الصلاة الرباعية؟
ج ۳۷۷- قال تقي الدين السبكي: يحسن قراءة سورة أو شيء من القرآن بعد الفاتحة في الركعتين الأخيرتين في الرباعيات، وفي الثالثة في المغرب» . اهـ
الفقه وأصوله
۳۲۹
وكان أبو بكرٍ رضي الله عنه يقرأ في ثالثة المغرب: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: ۸] بعد (الفاتحة). رد على الألباني في قوله: « كان النبي يعجن في صلاته». س ۳۷۸ - الألباني قال بأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم- كان يعجن في صلاته فلماذا لم ترد عليه ؟
ج ۳۷۸- عدم إجابتي عن قول الألباني: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعجن في صلاته»، سببه أنَّ هذه المسألة ليست من فرائض الصلاة ولا سننها، مع تزمت الألباني وميله إلى شواذ المسائل ليظهر اطلاعه ويَصْدُقُ عليه المثل: «خالف تُعرَف وأنا لا أحب أن أدخل في نقاش من هذا القبيل. وحيث أصررت على معرفة رأيي، فأصغ سمعك: قول الألباني المذكور خطأ من جهة الصناعة ومن جهة الفقه.
وبيان ذلك: أما الصناعة فروى البيهقي في "السنن" عن الأزرق بن قيس قال: رأيت ابن عمر إذا قام من الركعتين اعتمد على الأرض بيديه، فقلت
لولده والجلسائه : لعله يفعل هذا من الكبر؟ قالوا: لا ولكن هكذا يكون. وروى عبدالرزاق، عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يقوم إذا رفع رأسه من السجدة معتمدا على يديه.
وروى الطبراني في "الأوسط" عن الأزرق بن قيس قال: رأيت عبدالله بن عمر وهو يعجن في الصلاة - يعتمد على يديه - إذا قام كما يفعل الذي يعجن
العجين.
۳۳۰
فتاوى وأجوبة
فهذه الروايات مُصرّحةٌ بأن هذا الفعل موقوف على ابن عمر، لا من فعل
النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم.
وروى إبراهيم الحربي في غريب الحديث عن الأزرق بن قيس قال: رأيت ابن عمر يعجن في الصلاة فسألته ما هذا؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يعجن في الصلاة». وهذا الحديث معلول من جهات:
١ - أنه شاةٌ مُنكَرُ؛ لأن الأحاديث في وصف سجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أبي وائل وأبي حميد الساعدي ومالك بن الحويرث وغيرهم في الكتب الستة وغيرها ليس فيها صفة العجن.
٢ - أنَّ سنده ليس بصحيح ولا حسن، وقول الألباني: «إسناده صالح»، - يريد دعم دعواه - لا يفيده؛ لأنه يعلم أنَّ الصالح دون الحسن، وهو نفسه لا يعمل به إذا كان يخالف هواه، كما يعلم من تصرفاته في كتبه، والمقرر عند أهل الحديث: «أن الحديث الصحيح الشاذ لا يعمل به». وهذا أولى بعدم العمل به لأنه ليس بصحيح، أي فلا يجوز العمل به. ٣- قول الألباني: ومعناه عند البيهقي بسند صحيح»، أتى بما هو دليل عليه لا له، لأن حديث البيهقي الذي استدل به هو الذي بدأت به كلامي، وليس فيه صفة العجن، وكذلك في رواية عبدالرزاق والطبراني، بل هذه الروايات كلها ذكرت أن ابن عمر كان يقوم من السجدة معتمدًا على يديه، إلَّا رواية الطبراني فيها العجن وليس كل اعتماد يكون عجنا، وهذه الروايات أيضًا ذكرت أنَّ الاعتماد من فعل ابن عمر، ولم تنسبه إلى النبي صلى الله عليه
الفقه وأصوله
وآله وسلّم.
۳۳۱
بل ذكر البيهقي في روايته أنَّ الأزرق سأل جلساء ابن عمر وولده فلم يقولوا له أنَّ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فعله. وابن عمر فقيه له رأيه
واجتهاده.
٤- قال ابن الصلاح: عمل بهذا -أي العجن- كثير من العَجْمَى، وهو
إثبات هيئة شرعية في الصلاة لا عهد لها، بحديث لم يثبت» . اهـ ه - أن الاعتماد ليس خاصًا بالعجن، فالمالكية يستحب عندهم الاعتماد
عند الرفع من السجود إلى القيام، لكن لا يعجنون. و المقصود أنَّ الألباني مخطئ في العجن صناعة وفقها، وهو لا يرجع عن رأيه لأنه عنيد، ومن شواذه ومخالفته للإجماع دعواه أن خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التشهد نسخ بالغيبة.
وقد بينت خطأه في كتاب "الرؤيا في القرآن والسنة"، وهو صاحب هوى، يرى كل من خالفه مُبتدِعا، وهو وحده على الحقِّ، وهو متزمت، ويعتقد الجهة.
هل يصح السلام على النبي ل لا لا لا له في التشهد بصيغة الغيبة؟
س ۳۷۹- هل يصح السلام على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في التشهد بصيغة الغيبة بدلا من صيغة الحضور؟
ج ۳۷۹- ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود قوله: «كنا نقول
والنبي حيٌّ : السلام عليك أيها النبيُّ ، فلما مات قلنا السلام على النبي». زعم الألباني أنَّ الخطاب في التشهد منسوخ بكلام ابن مسعود، وهو جهل
۳۳۲
فتاوى وأجوبة
بعلم الأصول، فالخطاب في التشهد ثابت من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم
وفعله، وانعقد عليه الإجماع إلى اليوم، حكى الإجماع ابن حزم، وابن تيمية. وقال التقي السبكي: كلام ابن مسعودٍ يفيد أنَّ الخطاب في التشهد لا
يتعيَّن، بل تجوز الغيبة.
س ۳۸۰- وسئل أيضا عن رجل يقع له شك هل سجد سجدتين أم سجد
واحدة؟
ج ۳۸۰ - فأفتى : يبني على اليقين ويسجد سجدة أخرى ويسجد قبل
السلام.
سنن الصلاة والصيام وأوقاتها
س ۳۸۱ - ما هي سنن الصلاة، وما هي أوقاتها؟
ج ۳۸۱ - سنن الصلاة مع بيان أوقاتها على الوجه الآتي: سنة الصبح ركعتان قبل فرض الصبح، وتسميان ركعتي الفجر. ووقتها
يدخل بأذان الصبح.
وسُنَّة الظهر : أربع ركعات قبلها، وأربع بعدها.
وسُنَّة العصر : أربع ركعات قبلها ولا صلاة بعدها.
وسُنَّة المغرب: ركعتان بعدها.
وسُنَّة العشاء: ركعتان بعدها غير الوتر وهو ثلاث ركعات.
س ۳۸۲- وسئل أيضًا عن رجل صلى العصر ثم تصدق على شخص
بالنافلة بعد العصر.
الفقه وأصوله
۳۳۳
ج ۳۸۲ - فقال بالجواز ولكن إذا لم يحن وقت الغروب.
معنى التهجد
س ۳۸۳ - هل التهجد هو الصلاة بالليل بعد النوم؟
ج ۳۸۳- والتهجد في اللغة: القيام بعد نوم، وفي عُرف الشرع صلاة الليل مطلقا، فالمصلي بالليل متهجد شرعًا ولو لم ينم قبل الصلاة.
س ٣٨٤ - هل يفيد قول السيدة عائشة: «ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره عن ثلاثة عشرة ركعة» على قلة تهجده
بالليل
ج ٣٨٤- فأجاب سيادته بما نصه: قول عائشة: «ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاثة عشرة ركعة». لا ينفي تهجده الكثير؛ لأنها تتكلم على ما رأته في بيتها بعد الهجرة، وآيات (المزمل)، و (الإسراء) نزلت بمكة قبل أن يتزوجها بل كانت حينذاك صغيرة جدا، ولأن ثلاثة عشرة ركعة منه توازي قيام الليل كله؛ لأنه كان يقرأ في الركعة (سورة البقرة)، و(آل عمران) و (النساء)، ولا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا بآية عذاب إلا وقف وتعوذ، ويسجد مقدار خمسين آية فكم تأخذ من الوقت؟! ومن هنا قال كثير من العلماء: الأفضل طول القيام في صلاة الليل؛ لأنها صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم. ولقول الصحابي: «قام حتى تورمت قدماه». ولقوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَنِتِينَ ﴾ [البقرة: ۲۳۸].
٣٣٤
فتاوى وأجوبة
الصلاة خلف الفاجر
س ٣٨٥ - هل يجوز الصلاة خلف الفاجر مثل مُدَّعي المهدوية؟
ج ۳۸۵- حديث: «صَلُّوا خَلْفَ كلِّ بَر وفاجِرٍ وَصَلُّوا على كلِّ بر وفاجِرٍ». ضعيف لكن له طرق تقويه، وتؤيده أيضًا القاعدة الأصولية، وهي: «أَنَّ كلَّ
من صحت صلاته لنفسه صحت صلاته لغيره».
والمراد: الفاجر الذي فجوره خاص به، أمَّا مُدَّعي المهدوية ففجوره يتعدى إلى غيره، حيث يُضلل الناس ويحملهم على اعتقاد الباطل، ويؤدي بهم إلى تكذيب الحديث إن ظهر كذبه أو الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن اعتقدوا أنه المهدي حقًا، وهو كاذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا وهو كفر عند والد إمام الحرمين.
لا؟
س ٣٨٦ - وسُئل أيضًا عن رجل يسب الدين هل تجوز إمامته إذا تاب أم
ج ٣٨٦- أجاب: تجوز إمامته إذا تاب.
النية عند تكبيرة الإحرام
س ۳۸۷- هل للمصلي أن ينوي الصلاة عند تكبيرة الإحرام؟
ج ۳۸۷ - المصلّي ينوي الصلاة ظهرًا أو عصرًا أو غيرهما وينوي صلاة الجنازة، ولا داعي لنية التكبيرات أو الركعات ولا دليل على ذلك في السُّنَّة،
وإن اشترط الشافعية تعيين الركعات، فهو تضييق.
وزاد بعضهم تضييقا فاشترط على المصلّي أن يستحضر الصلاة كلها عند
الفقه وأصوله
۳۳۵
تكبيرة الإحرام، ولفظ صلاة الجنازة يطلق على التكبيرات والقراءة والسلام،
والتكبيرة الأولى هي تكبيرة الإحرام.
حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام
س ۳۸۸ - وسئل عن قراءة الفاتحة خلف الإمام؟
ج ۳۸۸ - مذهب المالكية: «أنَّ المأموم يقرأ فيهما أسر فيه الإمام ولا يقرأ فيما جهر فيه فقط». والحنفية يستدلون لمذهبهم بحديث: «مَن كانَ له إمام فقراءةُ الإمام له ق له قراءة». وهو حديث ضعيف بجميع طرقه، ولا يقوى على معارضة حديث: «لا صَلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». لأنه متواتر كما قال البخاري، والإمام لا يحمل عن المأموم الفرض وإنما يحمل عنه السنة، فلابد من قراءة الفاتحة مع الإمام جَهَرَ أو أسَرَّ ، ولو أدرك الإمام في الركوع لا يعتد بتلك الركعة، بل يأتي بدلها بركعة يقرأ فيها فاتحة الكتاب، هذا ما أفعله وأُفتي به. حكم من سلم قبل الإمام ناسيا
س ۳۸۹- وسئل أيضًا عن رجل سلَّم قبل الإمام ناسيا.
ج ۳۸۹ - فأجاب بأن صلاته صحيحةٌ على مذهب أبي حنيفة، ولا يرجع
إلى الصلاة فيسلم مع الإمام.
أسئلة متفرقة عن أحكام الصلاة والجواب عليها
س ۳۹۰ - وسُئل أيضًا أنَّ رجلا صلَّى وراء شخص يُخفّف في الصَّلاة جدًّا، وعندما سجد المأموم السجدة الأولى عندما كان رافعا رأسه من السجود وجد
الإمام ساجدا السجدة الثانية سجد المأموم ولم يجلس مطمئنا ؟
٣٣٦
فتاوى وأجوبة
ج ٣٩٠- فأفتى بأن صلاته باطلة. وأفتى له بعض الناس بأن عليه السجود البعدي، وقد أخطأوا لأن السجود البعدي والقبلي يكونان في السنن
المؤكدة .
س ۳۹۱- وسُئل أيضًا عن إمام ترك التشهد الأوسط وسبَّح له كثير من النَّاسِ، والإمام حصل له تشويش، وعندما أتمَّ الصَّلاةَ وقبل أن يُسلَّم تكلَّم الناس فقال لهم: ماذا تركتُ؟ فأجاب بعض الناس: تركت التشهد الوسط، فسجد قبل السلام. فأفتى بعض الناس بأن صلاة الإمام والمأموم
مع
باطلة.
ج ۳۹۱- وأفتى الشيخ بأن صلاتهم جميعًا صحيحة على مذهب الإمام أبي
حنيفة .
س ٣٩٢ - وسُئل أيضًا عن إمام استخلف شخصا في الصلاة الجهرية بماذا
يبتدئ المستخلف هل من قراءة الإمام أم يبتدئ الفاتحة لنفسه ؟ ج ٣٩٢- أجاب: يبتدئ الفاتحة لنفسه لتصح صلاته، أما في الصلاة السرية فكذلك الحكم لا يختلف.
س ۳۹۳- وسئل أيضًا عن شخص دخل مع الإمام في صلاة المغرب في الركعة الثانية، وعندما جلس الإمام للتشهد الأخير قام المسبوق يتم الركعة
قبل سلام الإمام. فأفتى له ذلك الإمام بأن صلاته باطلة.
ج ٣٩٣- لكن الشيخ عبدالله أفتى بأن صلاة المسبوق صحيحة، إنما أثم لكونه لم يبق ملتزما بالإمام حتى يُسلّم، خالف الإمام في مفارقته له قبل السلام. س ٣٩٤ - وسُئل أيضًا أن إماما يصلّي التراويح وختم القرآن في آخر
الفقه وأصوله
۳۳۷
رمضان وقرأ في الوتر في آخر الليل (الفاتحة) وبعدها (سورة الإخلاص) و(المعوذتين) وكرر (الفاتحة) والآيات الأولى من (سورة البقرة)، هل يلزمه في تكرار (الفاتحة) شيء أم لا؟
ج ٣٩٤ - فأفتى بأن هذا أساء فلا ينبغي له أن يفعل ذلك، ولكن لا يلزمه
سجود.
س ٣٩٥ - وسئل أيضًا عن تعديل الصفوف إذا تم الصف الأول وشرع في الصف الثاني هل يبتدئ من يمين الإمام أو وسطه؟
ج ٣٩٥ - فقال يبتدئ من يمين الإمام كما هو مقرر في الفقه وكما يؤذن به قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله وملائكته يُصَلُّون على ميامن الصفوف». س ٣٩٦- وسئل أيضًا عن رجلين دخلا مع الإمام مسبوقين ثُمَّ لما ا قاما يقضيان فاقتدى أحدهما بالآخر.
لما انتهى
ج ٣٩٦- فقال: جائز، ولكن لا داعى للجماعة هنا؛ لأنها قد تحصلا عليها عندما دخلا مع الإمام، نعم إذا جاء شخص متأخر ووجد مسبوقا يدخل معه ويأتم به ليحصل على فضل الجماعة، ولكن هذا عند غير المالكية، أما المالكية
يمنعونه.
س ۳۹۷- وسُئل أيضًا عن إمام بالمخفي قبيلة أنجرة صلَّى بالناس المغرب ركعتين وسلم وعندما وصل وقت صلاة العشاء وقال له بعض الناس إن المغرب صليت ركعتين فأجابهم لم لم تُسبحوا لها ؟ ج ۳۹۷- وأفتى الشيخ عبد الله بأن تعاد المغرب يعيدونها جميعا الإمام ومن
معه.
۳۳۸
فتاوى وأجوبة
حكم إعادة صلاة الجماعة منفرداً طلبا للثواب
س ۳۹۸ - وهل يجوز الصلاة جماعةً، ثُمَّ إعادتها ثانيًا منفردًا طلبا للثواب؟
ج ۳۹۸ - قال الأصوليون:
۱ - الأداء: «فعل الصلاة في وقتها المحدد لها شرعًا أولاً».
٢ - والقضاء: «فعلها خارج وقتها».
والإعادة: «فعلها في وقتها ثانيًا لعذر ، كخلل حصل في فعلها أولا، أو لفقد شرط أو نقص ركن، أو طلب حصول فضل الجماعة للمصلي إن كان صلاها أولا منفردًا أو لغيره». وكما جاء في الحديث: «ليتصدق عليه أحدكم». هذه هي الإعادة المشروعة، أمَّا أن يصلّي الشخص صلاةً صحيحة في جماعة، ثُمَّ يعيدها منفردًا، لا لعذر فهذا منهي عنه شرعًا، ولم يفعله أحدٌ من الصحابة، كما قلت في كتابي "الرأي القويم".
كيفية صلاة النساء
س ۳۹۹ - هل صلاة النّساء في صفوف خلف الرجال صحيحة ولو كانوا
في مكان مرتفع عن الإمام؟ ج ۳۹۹ - وصلاة النساء في المسجد على الكيفية المرسومة صحيحة لا غبار عليها، وصلاة الرجال أو النساء في مكان مرتفع كسطح المسجد صحيحة لا شبهة في صحتها.
ولو صلت المرأة في بيتها مع الجماعة في المسجد وسمعت تكبيراتهم
فصلاتها صحيحة ولها فضل الجماعة.
وصلاة الرجل جماعة مع أولاده وأهله في بيته مع أولاده وأهله في بيته أفضل من الصلاة في
الفقه وأصوله
۳۳۹
المسجد في النافلة كالتراويح، لا في الفريضة.
وموقف المرأة خلف الرجل، زوجة كانت أو محرما، وكذلك موقفها يكون
خلف الصبي ولو كانت محرما له.
هل ينقص ثواب صلاة القائم خلف القاعد
س ٤٠٠ - هل ينقص ثواب صلاة القائم خلف القاعد؟
ج ٤٠٠ - صلاة القائم خلف الجالس تنقص عن صلاة خلف القائم في صلاة النافلة كالتراويح إذا كان الإمام الجالس قادرًا على القيام، وأما إذا كان الإمام مريضا وصلَّى جالسًا في فريضة أو نافلة، فالصلاة خلفه مثل الصلاة
خلف القائم سواء بسواء، لا فضل لإحداهما على الأخرى. وحديث: «صلاةُ القاعِدِ على النّصفِ مِن صلاة القائم». إنما هو في صلاة
النافلة للقادر، كما حرره الحافظ ابن حجر.
حكم وقوف الرجل بين النساء المحارم في الصلاة؟
س ٤٠١ - ما حكم وقوف الرجل بين النساء المحارم في الصلاة؟ ج ٤٠١ - في صحيح البخاري عن أنس أن جدته مليكة دعت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لطعام صنعته له، فأكل منه ثُمَّ قال: «قُومُوا فَلَأُصَلَّ لكم. فقام النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وصَفَفْتُ واليتيم وراءه، والعجوز جدته - من ورائنا، فصلى لنا ركعتين ثُمَّ انصرف.
ترجم عليه البخاري: «باب المرأة وحدها تكون صفا».
وقال الحافظ ابن حجرٍ: «فيه أن المرأة لا تصف مع الرجل، وأصله ما
٣٤٠
فتاوى وأجوبة
يخشى من الافتتان بها فلو خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور، وعند
الحنفية : تفسد صلاة الرجل دون المرأة، وهو عجيب».اهـ
حكم زيادة ركعة في الصلاة نسيانا
س ٤٠٢ - هل إذا زاد الإمام ركعة في الصلاة نسيانا فهل صلاة المأمومين خلفه تكون صحيحة؟
ج ٤٠٢ - في الصحيحين عن ابن مسعود أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر خمس ركعات، فلما سُئل قيل: «أزيد في الصلاة»؟ قال: «لا وما ذاك؟» قيل: صلَّيتَ خمسًا. فسجد سجدتين وسلَّم، ثُمَّ قال: «لو زِيدَ في
الصَّلاةِ لأخبرتكم، ولكنّى بشر أنسى كما تَنْسَون، فإذا نسيتُ فذَكِّروني». أخذ بهذا الحديث المالكيَّة والشافعية والحنابلة فقالوا: «لو صلَّى الإمام
خمس ركعات سهوا فصلاته صحيحة، ويسجد للسهو». وحيث صحت صلاة الإمام فصلاة المأمومين صحيحة؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم لم يأمر المأمومين أن يعيدوا صلاتهم. س ٤٠٣ - وسُئل أيضًا أن جماعة أدركوا مع الإمام ثلاث ركعات من صلاة العصر ولم يعمل التشهد الوسط، وعندما انتهى من الصلاة قبل أن يسلم سجد سجدتين، والمسبوقون قاموا عندما سجد، وبعدما أتموا الصلاة قبل السلام سجدوا السجدتين. ج ٤٠٣ - فأفتى بأنَّ الصلاة في هذه الصورة باطلة ولكن هنا يعذرون
الجهلهم.
الفقه وأصوله
صلاة القصر للمسافر
٣٤١
س ٤٠٤ - هل على المسافر وجوب صلاة القصر رغم قدرته على أدائها
كاملة؟
ج ٤٠٤ - صلاة القصر للمسافر واجبةٌ عند الحنفية، وسُنَّةٌ عند المالكية وفي الحديث الصحيح: «إِنَّ اللهَ يحبُّ أن تُؤتَى رُخَصُهُ كما يُحِبُّ أَن تُؤْتَى عَزائِمُهُ». وعلى هذا ينبغي للمسافر صلاة القصر ولو كان قادرًا على أدائها كاملا ؛ لأن الشارع رخص للمسافر أن يُصلّي صلاة قصر ولو لم يتعب في سفره، بل لو
سافر بالطائرة لتأكد في حقه أن يصلي صلاة القصر.
وقد صح عن عمر رضي الله عنه أنه قال: صلاة السفر ركعتان تمام غير
قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم».
وقالت عائشة
رضي
الله عنها فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة
السفر وزيدت صلاة الحضر ركعتين».
س ٤٠٥ - ماذا يفعل المسافر في القطار إذا لم يجد ماءًا وحل وقت الصلاة؟ ج ٤٠٥ - المسافر في القطار أو غيره يتيمم إن لم يجد ماء، وهل يُعيد أو لا يُعيد؟ قولان للمالكية، وإن لم يجد ما يتيمم به أيضًا فلهم أقوال أربعة: ۱ - يُصلّي كذلك ثُمَّ يعيد إذا وصل المحل.
۲ - يؤدي كذلك ولا يقضي.
٣- ينتظر حتى يصل، ثُمَّ يقضي.
٤ - إذا استمر كذلك حتى خرج الوقت فلا أداء عليه ولا قضاء.
٣٤٢
فتاوى وأجوبة
هل يؤخر الوتر عند جمع التقديم؟
س ٤٠٦ - وكتب فضيلته يسأل إذا جمع الإنسان العشاء مع المغرب يصلي الوتر أم ينتظر مَغيب الشَّفَق؟
ج ٦ ٤٠ - لو جمع الإنسان العشاء مع المغرب يُصَلِّي الوتر، ولا ينتظر مغيب الشَّفق، ولا دليل على انتظاره.
س ٤٠٧ - وسئل أيضًا عن الإخوة الذين يقدمون من الخارج لبلادهم هل
يصلون في بلادهم ومنازلهم ركعتين أم أربع ركعات؟
ج ٤٠٧ - فأفتى بأنهم يجب عليهم أن يصلوا أربع ركعات، ولا يجوز لهم أن يصلوا ركعتين، لكن عندما يكونون في طريقهم ذهابًا وإيابًا يصلون ركعتين. من بعض أحكام صلاة الجمعة
٤٠٨ - الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وآله.
وبعد: فإنَّ إقامة الجمعة في مسجدِ المعهد صحيحة، ولا يضر كون المعهد خارج المدينة، واشتراط اتصال البنيان بمسجد الجمعة ليس عليه دليل، ولهذا لم تقل به الشافعية. ولا يشترط في الجمعة إلا أن تكون بخطبتين وفي جماعة، وما عدا ذلك من الشروط لا دليل عليه، وليس من الورع أن تعطل فريضة أنزلها الله في كتابه لأجل شروط لم يذكرها الله ورسوله. أما سماع آلاتِ الطَّرب الوتريَّة والنُّحاسية فهو حرام عند الجمهور، وأباحها ابن حزم وللشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي رسالة في إباحتها
الفقه وأصوله
٣٤٣
سماها: "إيضاح الدلالات في سماع الآلات"، وللشيخ جعفر الكتاني رسالة اسمها: "مواهب الأرب المبرئة من الجرب في إباحة سماع آلة اللهو والطَّرب"،
وهو مالكي.
والحافظ السيوطي أباح استماع الطّرب للصوفية، قال: «لأنهم يستعينون بها على ذكر الله». ولكن الحديث يقتضي منع الطرب بجميع آلاته إلا ما كانت آلة جلدية كالدُّفٌ، والله أعلم
تعدد صلاة الجمعة في بلد واحد
س ٤٠٩ : تعداد بلدنا يصل إلى حوالي عشرة آلاف نسمة وبها مسجدان أحدهما . المصلين يسع في بعض الأحيان ويضيق بهم في البعض الآخر، فهل
هناك مانع من أن تصلى الجمعة في المسجدين معا؟
ج ٤٠٩ : لا مانع من إقامة الجمعة في المسجدين المذكورين، بل وفي مسجد ثالث إن وُجِدَ؛ لأنَّ العِبرة في إقامة الجمعة بأهل البلد لا بالمصلين فقط، لأن المفروض في أهل البلد إذا كانوا مسلمين أنهم يصلون الجمعة ولو كان أكثرهم لا يصلي، على أنَّ الصواب جواز تعدد الجمعة في البلد الواحد، ولو لغير حاجة، وليس في كتاب الله ولا في سُنَّة رسول الله ما يمنع من تعدد الجمعة كما يقول متأخر و الفقهاء، هذا هو الحق، والله أعلم.
س ٤١٠ - وسئل أيضًا عن جماعة انتظروا يوم الجمعة إمامًا فتأخَّر جدًا ثُمَّ صلوا الظهر أربع ركعات، وعندما انتهوا من الصلاة أتى الإمام وطلب منهم أن يصلوا الجمعة.
٣٤٤
فتاوى وأجوبة
ج ٤١٠ - فأفتى بالمنع وقال: إنَّ الجمعة تصلى عند النداء فلا ينتظر بها أي وقت ولا أية حالة كما أمر الله في القرآن والفريضة لا تعاد في اليوم مرتين. س ٤١١- سئل عن حادثة وقعت في يوم عيد العرش وكان الناس مجتمعين في دار الجماعة عندما وصل وقت الجمعة ذهب الناس إلى المسجد ليؤدوا صلاة الجمعة وبقيت طائفة من الناس في دار الجماعة فتقدم شخص
.
من مدشر علوش المخروط» (۱) المفتن بين الناس المؤذي وصلى بهم الجمعة في
دار الجماعة.
ج ٤١١ - فأفتى الشيخ عبد الله بأن هذه الجمعة باطلة، ولا ضرورة تلجئ
للصلاة هناك، وتعاد ظهرا.
س ٤١٢ - وسُئل أيضًا عن مشكلة تقع كثيرا، وهي أنَّ بعض الناس يذهبون من الحي الذي يسكنون فيه إلى مسجد آخر بعيد عنهم لأجل صلاة
الجمعة، فبعض الحي وخطيبهم يقول لهذا الشخص إن جمعته باطلة. ج ٤١٢ - فأفتى الشيخ بأن جمعته صحيحة وهو يذهب للبحث عن الفائدة
والموعظة الواضحة.
س ١٣ ٤ - وسُئل أيضًا عن رجلٍ حضر خطبة الجمعة وعند الانتهاء منها انتقض وضوءه، وعندما توضأ ورجع وجدهم صلوا هل يصلي الجمعة
ركعتين على أساس أنه حضر الخطبة أم يصلي الظهر أربعًا؟
ج ٤١٣ - فأفتى بأن يصلي الظهر أربعًا؛ لأنه وقع له خلل في الخطبة .
(۱) كلمة دارجة تعني: المشاء بالشر بين الناس.
الفقه وأصوله
٣٤٥
س ٤١٤ - ما قولكم في الدعاء الذي يحصل من الناس وقت جلوس خطيب الجمعة بين الخطبتين مع وجوب الإنصات عند المالكية وسنية عند الشافعية.
ج ٤١٤ - الدعاء وقت جلوس الخطيب بين الخطبتين لا بأس به؛ لأن الإمام في تلك الآونة غير خاطب، والنهي إنما قيد بحالة الخطبة، ويحتمل أن لأن سكوت الإمام في تلك اللحظة يسير فلا يعد فاصلا كالسكون
يمنع
.
للتنفس، وهذا مذهب مالك والأوزاعي وإسحاق بن راهويه، ويحتمل أن يفرق بين رفع الصوت بالدعاء فيمنع وبين الإسرار به فيجوز، وهو تفريق
حسن تنطبق عليه قواعد المالكية، والله تعالى أعلم.
حكم تعدد الجمعة في بلدٍ واحدٍ
س ٤١٥ - هل قول الإمام الشافعي: ولا يجمع في مصر وإن عظم أهله وكثر عامله ومساجده». يفيد ترك تعدد الجمعة في بلدٍ واحدٍ أم لا؟
ج ٤١٥ - وأمَّا قول الشافعي: ولا يجمع في مصر وإن عظم أهله وكثر عامله ومساجده.... إلخ». فليس بدليل على منع التعدد بل هو نفسه يحتاج إلى دليل، وقد استدل له الإمام الشافعي بأنَّ الجمعة لم تتعدد في العهد النبوي، ولا عهد الخلفاء الراشدين، وهو استدلال بالعدم فلا يُفيد؛ لأنَّ عدم تعدد الجمعة في العهد النبوي لا يستلزم منع تعدُّدها ولا يُفيده كما بينته في (ص ٤٩ -٥٠) من كتابي "الرد المحكم المتين" فانظره. ويجب أن تعلم أنَّ الأئمة الأربعة مجتمعين ومنفردين شرطوا في الجمعة
٣٤٦
فتاوى وأجوبة
شروطا لم يقم عليها دليل، كاشتراطهم عددًا معينًا، وكونها في بنيان، وعدم تعددها، وعدم إعادتها لمن فاتته إلى غير ذلك.
وفي عزمي أن أكتب تأليفا خاصا في الجمعة أبين منه ما صح دليله من شروطها على قواعد علم الأصول ؛ لأني سئلتُ في ذلك غير مرَّةٍ ونسأل الله أن يوفقني إلى تأليفه قريبا.
وأما صلاة أسعد بن زرارة الجمعة بالمدينة فكان بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك أن الجمعة فرضت بمكة ولم يستطع النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أن يصليها لأجل الكفَّار، فلما هاجر من هاجر من أصحابه قبله كتب
إليهم يأمرهم بإقامة الجمعة فأقاموها في نقيع يقال له نقيع الخصمات. وهذا أحد الأدلة على أنَّ المسجد لا يُشترط في الجمعة ولا البناء أيضًا؛ لأن المكان الذي صلوها فيه لم يكن مبنيا ولا فيه مسجد، وصلاة النبي صلى الله
عليه وآله وسلَّم ببطن الوادي دليلٌ ثانٍ على عدم اشتراط البناء أيضًا. وهذا الحديث وإن كان فيه ضعفُ فإنَّ الأصل يؤيده إذ الأصل عدم اشتراط مكان مبني للصلاة، أي صلاةٍ كانت جمعة أو غيرها. كيف وقد صح في الحديث: (وجُعِلَتْ لي الأرضُ مَسْجِدًا». وصح عن ابن عمر أ أنه كان يرى
أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعتب عليهم.
وأهل المياه قومٌ رُحَلٌ يتّبعون الماء حيث كان يسكنون في خيامهم ينقلونها
معهم كلما رحلوا، وهؤلاء لا تجب عليهم الجمعة في مذهب مالك لعدم الاستقرار وعدم البناء.
الفقه وأصوله
٣٤٧
متى فرضت الجمعة؟
س ٤١٦- وسُئل: متى فرضت الجمعة؟، وهل يشترط لإقامتها عددا
معينا؟
ج ٤١٦ - فأجاب سيادته بما نصه : ومسألة فرض الجمعة بالمدينة أو مكة ما قلته لك فيها هو الصحيح وإليك الدليل على ذلك، قال البخاري في "الصحيح" باب فرض الجمعة، وقول الله تعالى: تَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِي
لِلصَّلَوةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ ﴾ [الجمعة: ٩ ] .
قال الحافظ ابن حجر في شرحه "فتح الباري" بعد كلام ما نصه: واختلفت في وقت فرضيتها فالأكثر على أنها فرضت بالمدينة». وهو مقتضى ما تقدم أن فرضيتها بالآية المذكورة وهي مدنية.
وقال الشيخ أبو حامد: «فرضت بمكة وهو غريب». اهـ وذكر قبل ذلك أنّ الإمام الشافعي استدل على فرضية الجمعة بالآية المذكورة ونقل كلامه في "الأم".
والقول بفرضيتها بمكة حديث وارد عن ابن عباس عند الدارقطني في "السنن" وهو مستند من قال بذلك ورجال الحديث ثقات والبحث في هذا طويل نرجئه إلى فرصة أخرى.
وأما الاستدلال بقوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 9] على وجوب الجماعة في الجمعة ووجوب الاجتماع إليها فغلط يخفى على كثير من الناس؛ لأنَّ القاعدة المقرَّرة في الأصول: أنَّ الأمر المتوجه للجميع لا يوجب
٣٤٨
فتاوى وأجوبة
الاجتماع على المأمور به ساعة فعله»، نحو: وَأَقِيمُوا الصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا الزَّكَوةَ [البقرة: ١١٠] وقوله : وافعلوا الخير ﴾ [الحج: ٧٧] فلا يقدر أحد أن يقول
أنَّ الاجتماع في الصلاة واجب بهذه الآية، أو في الزكاة، أو فعل الخير. فكذلك الأمر في الجمعة، وسر هذا أن الأمر المتوجه للجميع في قوة أوامر متعددة موجّهة لكلِّ فردٍ مِن الأُمَّة وليس من شرط صحة فعل الفرد للمأمور به أن يكون معه فيه فرد آخر إلَّا إذا دلّ على ذلك دليل خارج عن مطلق الأمر. والدليل على ذلك في الجمعة أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم صلاها في جماعة وقال: «صلوا كما رأيتموني أُصَلَّى».
ولما لم يشترط في الجماعة عددًا مُعيَّنا بل ورد حديث ضعيف: «الاثنان فما فوقها جماعةٌ». وترجم البخاري به في "صحيحه" فقال: «باب اثنان فما فوقهما جماعة»، قلنا: تصح الجمعة بما يُسمَّى جماعةً شرعًا فتأمل هذا جيدًا.
كيفية قضاء صلاة الجمعة
س ٤١٧ - وسئل عن كيفية قضاء صلاة الجمعة لمن فاتته صلاتها ؟ ج ٤١٧ - الجمعة قد اشترط لها العدد وليس بشرط، واشترط لها المسجد وليس بشرط، واشترط لها المصر وليس بشرط، واشترط عدم تعدُّدها وليس
بشرط، إلى غير ذلك مما اشترط فيها.
ثُمَّ المقصود من حضور الجمعة سماع الخطبة وهي المراد بذكر الله في الآية، فإذا فاتت الجمعة شخصا بغير عذر فهو آثم، وإن كان لعذر فلا إثم عليه، ويقضيها كما فاتته جهرًا ركعتين، وإن فاتت جماعة وكانوا ثلاثة غير إمام لهم
الفقه وأصوله
٣٤٩
جاز أن يصلوها جماعةً بخطبة.
وهنا في المغرب يصلون الجمعة بالترتيب، مسجد يصلّي عند آذان الظهر، وآخر بعده بنصف ساعة، وهكذا حتى يكون آخر مسجد يصلّي في الساعة الثانية يعملون حساب من تفوته الجمعة من العمال وذوي الأشغال.
كيفية صلاة الاستخارة
س ٤١٨ - أرجو بيان الاستخارة بالتفصيل وهل يصح للإنسان أن يصليها يوميا عن الأعمال التي ستقع في اليوم أم لا؟
ج ٤١٨ - صلاة الاستخارة الشرعية كيفيتها أن تصلى ركعتين تقرأ في الأولى (الفاتحة)، و(قل يا أيها الكافرون) وفي الركعة الثانية تقرأ (الفاتحة)، و(قل هو الله أحد). فإذا سلمت منها تقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ فإنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ وتَعْلَمُ ولا أَعْلَمُ وأنتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ اللَّهُمَّ إن كنتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأَمرَ - وتذكر حاجتك باسمها - خَيرٌ لي في ديني ومَعَاشِي وعاقبة أمري وعاجِلِهِ وآجِلِهِ فاقدره لي ويسره لي ثُمَّ بارك لي فِيهِ، وإن كنتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأَمرَ - وتذكر حاجتك - شَرٌّ
عنه
لي في ديني ومَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي وعاجِلِهِ وآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي . واقدر لي الخير حيثُ كان ورَضّني به، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ». ثُمَّ بعد هذا الدعاء تنظر ماذا يشرح الله له صدرك فافعله، ولا مانع من صلاة استخارة كل يوم إلَّا أنها إنها تطلب عند عروض حاجةٍ مهمَّةٍ مُعيَّنةٍ وذلك لا يتأتي كل يوم.
٣٥٠
. فتاوى وأجوبة
حكمة مخالفته صلى الله عليه وآله وسلم بين الطريق في العيد س ٤١٩ - يؤخذ من كلام شراح حديث مخالفة الطريق في العيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم كان يزور قبور أقاربه قبل العودة إلى المنزل، فهل هذا صحيح مطلقا؟ أم فيه فرق بين القبور القريبة والبعيدة؟ أم لا تسن الزيارة للقبور إلا بعد العودة إلى الأهل في يوم العيد؟
ج ٤١٩ - هذا القول واحد من عشرين قولا أبداها العلماء في حكمة مخالفته صلَّى الله عليه وآله وسلّم بين الطريق في العيد، وإليك بقيتها:
٢ - أنه فعل ذلك ليشهد له الطريقان
٣- ليشهد له سكانهما من الجن والإنس.
٤ - ليسوي بينهما في مزيَّة الفضل بمروره والتبرك به.
ه - ليشم رائحة المسك من الطريق التي يمر بها؛ لأنه كان معروفًا بذلك. ٦ - أنَّ طريقه إلى المصلى كانت على اليمين فلو رجع منها لرجع على جهة
الشمال، فرجع من غيرها.
- أنه خالف الطريق لإظهار شعائر الإسلام فيهما.
٨- لإظهار ذكر الله.
۹ - ليغيظ المنافقين أو اليهود.
١٠ - ليرهبهم بكثرة من معه. ورجحه ابن بطال.
۱۱ - حذرا من كيد الطائفتين أو إحداهما. ونظر فيه ابن التين.
١٢ - ليعمهم بالسرور برؤيته والانتفاع به في قضاء حوائجهم في الاستفتاء أو التعلم والاقتداء والاسترشاد وغير ذلك.
الفقه وأصوله
۱۳ - ليصل رحمه.
١٤ - ليتفاءل بتغير الحال إلى المغفرة والرضى.
٣٥١
١٥ - أنه كان في ذهابه يتصدَّق فإذا رجع لم يبق معه شيء فيرجع في طريق
أخرى لئلا يرد من يسأله. وهذا ضعيفٌ.
١٦ - أنه فعل ذلك لتخفيف الزحام. وهذا رجحه أبو حامد.
۱۷ - كانت طريقه التي يتوجه منها أبعد من التي يرجع فيها فأراد تكثير الأجر بتكثير الخطا في الذهاب وأمَّا في الرجوع فليسرع إلى منزله. وهذا
اختيار الرافعي، وهو مرود. ۱۸ - لأن الملائكة تقف في الطرقات فأراد أن يشهد له فريقان منهم. ۱۹ - أنه فعل ذلك حذرًا من إصابة العين على حد قول يعقوب لبنيه :
وَقَالَ يَنبَنِي لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابِ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابِ مُّتَفَرِّقَةٍ ﴾ [يوسف: ٦٧]. قاله ابن أبي جمرة. وليس على هذه الأقوال دليل بل هي مجرد احتمالات.
ولذلك قال ابن القيم بعد حكايتها: «إنه فعل ذلك لجميع ما ذكر من الأشياء المحتملة القريبة، وبه تكمل الأقوال عشرين. ولم نجد في الأحاديث ما يدل على استحباب زيارة القبور في خصوص يوم العيد كما هي العادة المتبعة الآن في مصر، فلا ندري متى اعتاد المصريون ذلك
ومن أين تسرب إليهم؟ مع أنَّ سائر الأقطار الإسلامية لا يعرفون ذلك. س ٤٢٠ - قال الفقهاء يسن التكبير في خلال خطب الأعياد من الخطيب، كما يسن لمن سمعه من الخطيب أن يكبر عند سماع تكبير الخطيب، فما دليل الأمرين؟
٣٥٢
فتاوى وأجوبة
وهل هذا عام في عيد الفطر والأضحى؟ وكيف مع قولهم ينتهي سماع تكبير الخطيب؟ وكيف مع قولهم ينتهي تكبير عيد الفطر بخروج الإمام أو باحرامه ؟ ج ٤٢٠ - قول الفقهاء: يسن التكبير خلال خطب الأعياد من الخطيب دليله ما رواه ابن ماجه عن سعد المؤذن قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُكبر بين أضعاف الخطبة يكثر التكبير في خطبة العيدين. وإسناده
ضعيف.
وأخرج البيهقي عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة قال: «السُّنَّة أن تفتتح
الخطبة بتسع تكبيرات تترى والثاني بسبع تكبيرات تترى». وعبيد الله تابعي وليس قول التابعي: «السُّنَّة كذا» ظاهرا في سُنَّة النبي
صلَّى الله عليه وآله وسلم وآله وسلم على ما تقرر في الأصول.
وأما قولهم: يُسن لمن سمعه من الخطيب أن يكبر عند سماع تكبير الخطيب فهذا قول مالك، واحتج له الباجي بأنه مروي عن ابن عباس ولا مخالف له. وأما قولهم: ينتهي تكبير عيد الفطر بخروج الإمام أو بإحرامه فلا ينافي قول مالك المتقدم لإمكان حمل كلامهم على انتهاء الجهر بالتكبير، وحمل كلام مالك على الإسرار به فيتوافقان وبالله التوفيق.
أسئلة متفرقة عن أحكام الصلاة والجواب عليها
س ٤٢١- سؤال: رجل عمل عملية ولم يجد ما يتيمم به وترك الصلاة ليومين أو ثلاثة، هل يقضي تلك الصلاة أم يكثر النافلة كما يفتي بعض الناس. ج ٤٢١ - أجاب الشيخ عبد الله بن الصديق أنه يقضي تلك الصلاة الفائتة . س ٤٢٢- سؤال: رجل في أول شبابه كان قد ترك الصلاة وترتبت عليه
الفقه وأصوله
٣٥٣
فرائض كثيرة وعندما تاب ورجع يُصَلِّي صار يُصَلِّي مع كل فريضة أداء فريضة قضاء، وبقي على هذه مدَّةً ثم حصل له تعب وترك الصلاة المقضية، والآن يبحث ماذا يعمل ليتخلَّص من هذا الدين الذي في ذمته، هل يكثر من النوافل أم يقضي مع كل فريضة فريضة؟
ج ٤٢٢ - المطلوب في حقه أن يكثر من النوافل.
س ٤٢٣ - وسُئل أيضًا أنَّ شخصًا يشتغل في التلفون في المطار وهذا المحل له اتصال بالشركات الخارجية والداخلية باستمرار، وعندما يشرع في الصلاة «يقع التليفون»(۱)، ماذا يفعل؟
ج ٤٢٣ - وأفتاه الشيخ عبدالله لابد أن ينيب شخصا ليقوم مقامه ليؤدي
الصلاة.
س ٤٢٤ - وسُئل أيضًا عن امرأة تترك أولادها الصغار وتذهب لتصلي في المسجد الصلوات الخمس والتراويح.
ج ٥٢٤ - فأفتى بالجواز ولكن من الأحسن والأفضل أن تصلي في قعر .
بيتها وتصون أولادها وتحافظ عليهم.
حكم المصافحة عقب الصلوات
س ٤٢٥ - وسُئل: ما حكم المصافحة عقب الصلوات؟
ج ٤٢٥ - والمصافحة سُنَّةٌ . اللقاء عند وهذا مما اتفقت عليه العادات في جميع البلاد، أما المصافحة عقب الصلاة فهي تختلف باختلاف العادات
(۱) يقصد: «يرن».
٣٥٤
فتاوى وأجوبة
والأذواق، فهي في مصر شائعة، لكن معظم البلاد الإسلامية لا يستعملونها ولا يعتبرونها من الذوق في شيء، ومسألة الذوق والظرف مرجعها إلى العرف والعادة، فربّ أمر يكون ظرفًا وذوقا في بلد ووقت، ثُمَّ يكون غير ظرف ولا
ذوق في بلد ووقت آخر ، فمن الصعب إصدار حكم عام في مسألة ذوقية.
فيها ؟
حكم إعادة صلاة صبح يوم الجمعة إذا تركت السجدة س ٤٢٦ - هل يجوز إعادة صلاة صبح يوم الجمعة إذا ترك الإمام السجدة
ج ٦ ٤٢ - إعادة صلاة الصبح يوم الجمعة لأجل السجدة باطلة لا تصح، والصلاة لا تُعاد شرعًا إلا لتحصيل الجماعة أو لتدارك ركن أو شرط في الصلاة، والسجدة ليست ركنا ولا شرطًا، ولا بعضًا وإنما هي هيئة، ولكن الجهل مصيبة.
س ٤٢٧ - ما هي السور التي كان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم يقرأ بها
في صبح يوم الجمعة ؟ ج ٤٢٧ - روى الطبراني في "الصغير" عن ابن مسعود أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: الم تنزيل
الكتب [السجدة: ١ - ٢] وهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَنِ ﴾ [الإنسان: ١] يديم
ورجاله ثقات.
القيام للجنازة
ذلك،
س ٤٢٨ - ما معنى حديث جابر :قال مرَّت بنا جنازة يهودي فقام لها النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وقمنا معه فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي!،
الفقه وأصوله
٣٥٥
فقال: «إذا رأيتمُ الجَنازَةَ فقوموا لها».
ج ٤٢٨ - القيام للجنازة قد ورد فيه أحاديث بعضها يفيد أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كان يقوم للجنازة كالحديث المذكور في السؤال، وبعضها يفيد أنه لم يكن يقوم للجنازة. وقد اختلف العلماء في ذلك فمنهم مَن رأى أنَّ القيام للجنازة مطلوب، سواء كانت جنازة مسلم أو غيره، وعلل ذلك بأنَّ القيام ليس لأجل الميت بل إجلالا لرهبة الموت ولمن مع الميت من الملائكة.
ومنهم مَن رأى أنَّ الجنازة لا يقام لها أصلا لا لمسلم ولا لغيره وقال: إنَّ القيام لها من عادة الكفَّار، وأجاب عن الأحاديث التي تفيد قيام النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم للجنازة بأنه قام لأمر خاص لا يتعدى غيره، إما لكونه رأى الملائكة وغيره لا يراهم، أو لأنه صادف قيامه وقت مرور الجنازة أو لغير
ذلك.
ومنهم من قال: إن القيام للجنازة كان مشروعًا أول الأمر ثُمَّ نُسخ، ولكن دعوى النسخ تحتاج إلى دليل وهو مفقود.
والذي نراه صوابا استحباب القيام للجنازة كما أفاده الحديث المذكور في السؤال والله أعلم.
ثناء الناس على الميت بعد الصلاة عليه
س ٤٢٩ - هل ورد ما يثبت عمل بعض الناس بعد الصلاة على الميت من
الشهادة له بالخير أو بأنه من أهل الخير؟
ج ٤٢٩ - في "صحيح البخاري عن أبي الأسود قال: أتيت المدينة
٣٥٦
فتاوى وأجوبة
فجلست إلى عمر فمُرَّ بجنازة فأثنوا عليها خيرًا فقال: وجبت. ثُمَّ مُرَّ بجنازة أخرى فأثنوا على صاحبها شرًا فقال: وجبت. فقلت: يا أمير المؤمنين، ما وجبت؟ فقال: قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أيها مُسْلِمٍ شَهِدَ له أربعةُ نَفَرٍ بخير أَدْخَلَهُ اللهُ الجنَّةَ»، قال: فقلنا: وثلاثة؟، فقال: «وثلاثة» فقلنا: واثنان؟ فقال: «واثنان» ثُمَّ لم نسأله عن الواحد.
:
وفي صحيح ابن حِبَّان" و "مسند أبي يعلى" عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ما مِن مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَشْهَدُ لَهُ أَربعةُ أَهْلِ أَبْيَاتٍ مِن جِيرَتِهِ الأَدْنَيْنَ أَنَّهم لا يَعْلَمُون إِلَّا خيرًا إِلَّا قال الله جلَّ وعلا قد قَبِلْتُ عِلْمَكُمْ فيه وغَفَرْتُ له ما لا تعلمون».
ومن هنا قال العلماء: ينبغي الثناء على الميت بخير والسكوت عن مساوئه، لكن ينبغي في الثناء ألا يجزم الشخص في الميت بأنه من أهل الخير، بل يقول كما في الحديث لا أعلم إلا خيرًا أو أرجو أن يكون من أهل الخير، ويترك باطن الأمر وخفي حال الميت إلى خالقه الذي يعلم السر وأخفى، والله أعلم. الصمت خلف الجنازة
س ٤٣٠ - عن الصمت خلف الجنازة أفضل أم الجهر بالذكر ؟
ج ٤٣٠ - الصَّمْتُ في الجنازة أفضل وهو السُّنَّة. س ٤٣١ - أيهما أفضل للميت اللحد أو الشق؟ وهل في حثو التراب على الميت أصل ؟ وهل زيارة القبور للنساء جائزة؟
ج ٤٣١ - اللحد والشق جائزان، وإنما اختلفوا أيهما أليق وأفضل ؟ وهم في الحقيقة لم يختلفوا، وإنما قالوا: نستخير الله ونبعث للذي يلحد ويشق فأيهما
الفقه وأصوله
٣٥٧
سبق كانت الخيرة فيه فسبق الذي يلحد.
وأما حثو التراب على الميت فروى ابن ماجه عن أبي هريرة أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم صلّى على جنازةٍ ثُمَّ أتى قبر الميت فحثا عليه من قبل رأسه ثلاث حثيات.
وروى البيهقي عن أبي أمامة قال: «لما وُضِعت أم كلثوم بنت النبي في القبر قال صلى الله عليه وآله وسلّم: مِنْهَا خَلَقْتَكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا تُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى ﴾ [طه: ٥٥]». قال البيهقي سنده ضعيف. وزيارة النساء للقبور جائزة؛ لأن عائشة قالت: «كيف أقول يا رسول الله إذا زرت القبور؟ قال: قولي: السَّلامُ على أهل الديار من المؤمنين». الحديث، رواه مسلم في "صحيحه" ، ومرَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم على امرأةٍ تبكي عند قبر ، فقال لها: «اتقي الله واصبري». رواه البخاري ولم ينكر عليها زيارة القبر. وروى الحاكم : أنَّ فاطمة عليها السلام كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة، فتصلي وتبكي عنده ولأن الشارع علل زيارة القبور بأنها تذكر الآخرة، وهذه العلة تشمل النساء كالرجال.
س ٤٣٢ - هل يجوز للمرأة أن تُغسل زوجها بعد موته؟
ج ٤٣٢ - روى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة قالت: «لو استقبلت من أمري ما اسْتَدْبَرْتُ ما غَسل النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إِلَّا نساؤه».
وفي سنده عنعنة مدلسي.
س ٤٣٣ - وسئل رضى الله عنه عن الميت يعمل له دواء وحنوط ليبقى
٣٥٨
فتاوى وأجوبة
جسمه غير متغيّر طول السنين هل هو جائز ؟
ج ٤٣٣ - فبيّن أنه لا يمكن أن يعمل له ذلك حتى يخرج أمعاءه وتبقى وحدها في إناء ويعمل لها حنوط وحدها وتكون قرب جسمه كما هو موجود
في مصر في أجسام الفراعنة وغيرهم، لهذا فهو ممنوع.
حكم إحياء ليلة الأربعين للأموات
س ٤٣٤ - وسئل عن دليل إحياء ليلة الأربعين للأموات؟
تلك
ج ٤٣٤ - إحياء ليلة الأربعين لا أصل له في الدين، وإنما صح عن طاووس أنه قال: «إنَّ الموتى يُفتنون سبعًا». فكانوا يستحبون أن يطعموا عنهم : الأيام، وقال عبيد بن عمير التابعي: يفتن رجلان مؤمن ومنافق، فأما المؤمن فيفتن سبعًا، وأما المنافق فيفتن أربعين صباحًا».
هل يتأذى الميت مما يتأذى منه الحي؟
وحكم الانتفاع بالأرض التي كانت مدفنًا
س ٤٣٥ - هل يتأذى الميت مما يتأذى منه الحي؟ وهل يجوز الانتفاع بالأرض إذا كانت مدفنا للأموات وطال عليها الزمن وأصبحت خرابا لا يدفن فيها أحد؟
ج ٤٣٥ - وأما مسألة القبور فالحق فيها ما ذكرته لأن الميت يتأذَى مما يتأذى منه الحي كما في الحديث، والقبر وقف على صاحبه ما دام فيه منه بقية ولو عظما
واحدا.
ولا يصح نقل الميت إلا لمصلحة، بشرط ألا تنتهك حرمته ككسر عظم من
الفقه وأصوله
٣٥٩
عظامه أو نحو ذلك مما يُشينه أو يؤذيه.
فإن نقلت الموتى على هذا الوصف وتحقق أن لم يبق منهم شيء أصلا نظر في الأرض التي كانت مدفنا لهم هل كانت ملكًا لأحد وأوقفها لهذا الغرض؟ فإن كان ذلك روجع شرط الواقف وعمل عليه حتى أنه لو أراد الواقف استرجاعها بعد انتهاء الدفن منها فله ذلك.
فإن لم يعلم الواقف أو لم تكن شروط الوقف مكتوبة تنقل الأرض إلى
جهة برعامةٍ كمسجد البلد فتكون وقفا ينفق منها عليه.
أما ما يفعلونه الآن من البناء، وأخذ السماد فكله حرام لا يُقره الدين ولكن أين من يسمع ؟! وأين من يعمل ؟!
فضل الدفن بجوار الصالحين
س ٤٣٦ - وهل للإنسان أن يوصي بالدفن بجوار من يعتقد صلاحه؟ وهل يجوز أن تُدفن المرأة مع زوجها؟
ج ٤٣٦ - من حقٌّ المسلم أو المسلمة أن يوصي أن يدفن بجوار من يعتقد صلاحه، لحديث: «ادْفنوا موتاكم وَسَط قوم صالحين؛ فإن الميت يتأذى بجار
.
السوء كما يتأذى الحي بجار السُّوء». وهو وإن كان ضعيفا؛ له شواهد تقويه وعمل السلف بمقتضاه، كما قال الحافظ السخاوي. وعمر رضي الله عنه لما ا حضرته الوفاة أوصى أن يدفن مع صاحِبيه بعد
استئذان عائشة رضي
الله عنها؛ لأنها صاحبة المحل، فلما استأذنوها قالت:
«كنت أعددته لنفسي، ولأوثرنه اليوم .به فصرَّحت بأنها كانت تريد أن تدفن
٣٦٠
فتاوى وأجوبة
مع زوجها وأبيها لكنها احترمت وصية عمر فنفّذتها إيثارًا منها له، وهذه القصة في "الصحيحين" وغيرهما.
وعليه لا وجه لمنع الزوجة أن تدفن مع زوجها، وكيف تمنع عنه وهو زوجها؟ ولكن الناس يتكلمون بما لا يعلمون، ويتدخلون فيما لا يُحسنون، ولو سئلوا: ما الدليل على منع دفن المرأة مع زوجها؟ لم يجدوا دليلًا.
دفن المرأة مع زوجها
س ٤٣٧ - وسأل فضيلته: إنّ العلماء عندنا اشترطوا أن يكون بين المرأة ا
وزوجها عند الدفن حائل؟
-
ج ٤٣٧ - كلام هؤلاء العلماء لا يُغيّر الحكم ولا يؤثر فيه؛ لأنه ليس من شرط الجواز أن يكون بين الجارين حاجز، بل كل من كان بجانبك في مسكن
أو جلوس أو نوم أو ركوب فهو جارك، وفي اللغة يُسمَّى الزوج جارا، وكذا الزوجة؛ لأن كلا منهما يجاور الآخر، ودفن ميت بجانب آخر في غرفةٍ واحدةٍ
يصدق عليه أنه جار له وأنه دفن معه، ولا مانع يمنع من ذلك شرعًا بالنسبة لدفن المرأة مع زوجها.
س ٤٣٨ - هل جسم المؤمن بعد موته محترم لذاته؟
ج ٤٣٨ - جسم المؤمن بعد موته محترم لذاته، لما فيه من العلم والإيمان مجمدين، ثم الروح تزوره كل يوم جمعة.
س ٤٣٩ - وسئل أيضًا عن رجل توفي وهو سكران هل يُصلَّى عليه أم لا؟ ج ٤٣٩ - فأجاب: يُصلَّى عليه وتطلب له الشفاعة والرحمة، وقال: مثل
الفقه وأصوله
٣٦١
هذا الذي تطلب له الشفاعة والرحمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
«شَفاعَتِي لَأَهْلِ الكَبَائِرِ مِن أُمَّتِي».
عدم ورود شيء يسقط إثم ترك الصلاة على الميت
س ٤٤٠ - هل ورد شيء يُسقط إثم ترك الصلاة عن الميت؟
ج ٤٤٠ - إسقاط الصلاة عن الميت لم يرد في حديث صحيح ولا حسن ولا
ضعيف، وإنما ورد في حديث مكذوب اغتر به بعض متأخري الحنفية، كما نبه عليه العلامة المحقق الشيخ عبد الحي اللكنوي الهندي الحنفي، وليس في الدين شيء اسمه إسقاط الصَّلاة، وكل ما يوجد من ذلك في بعض الكتب التي قرأناها ورأيناها فإنما هو خرافات لا يصح التعويل عليها، والطريق الشرعي للذي يريد أن يُخفّف العقاب عن الميت هو :
1 - أن يتصدق عنه.
٢ - أن يدعو له.
أن يهب له بعض أعماله الخيرية.
ويرجو بعد ذلك من الله أن يُخفّف عنه أو يتجاوز عن ذنبه أو يغفر له، أمَّا أن يجزم بأنَّ هناك عملا يُسقط عن الميت الصَّلاةَ فهذا ما لا سبيل إليه إِلَّا
بوحي من الله والوحي قد انقطع، والله أعلم.
دفع الزكاة في بناء المساجد
س ٤٤١ - عندنا مسجد مهدم فهل يجوز دفع جزء من زكاة المال لإعادة
بناء هذا المسجد أم لا؟
ج ٤٤١ - لا يجوز صرف الزكاه في بناء المسجد لأن الزكاة نص الله على
٣٦٢
فتاوى وأجوبة
الأصناف التي تستحقها فقال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَكِينِ وَالْعَمِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: ٦٠] وعلى هذا انعقد إجماع العلماء، وقد أفتت مجلة الأزهر أخيرًا بجواز إعطاء الزكاة في بناء المساجد
بناء على توسع بعض العلماء في معنى قوله تعالى : وفي سبيل الله ) وهو قول شاذ لا يجوز اعتماده، والله أعلم. ا
احتساب الضريبة الحكومية من الزكاة المفروضة س ٤٤٢ - هل يجوز أن تحتسب الضريبة التي تدفع للحكومة من زكاة المال أم يجب دفع الزكاة مهما كان الأمر ؟
ج ٤٤٢ - فرض الله الزكاة على الأغنياء شكرًا على نعمة المال يدفعونها إلى الفقراء والمساكين وبقية الأصناف المذكورة في الآية، حتى لا يجوز دفعها في بناء مسجد ولا مستشفى ولا ،مدرسة ولا غير ذلك من المصالح العامة، ومعنى ذلك أنَّ المُزكِّي يدفع نصيبا من ماله المحض امتثال أمر الله من غير أن تعود عليه
فائدةٌ من دفع الزكاة غير الثواب المدخّر عند الله إذا أعطاها بطيب نفسي. والضريبة التي تأخذها الحكومة لا تشتمل على هذا المعنى؛ لأن الحكومة تأخذ الضريبة في نظير المرافق العامة، ومن هنا يُعلم أنَّ الضريبة لا تكفي عن الزكاة أصلا، بل لابد من دفع الزكاة، حيث أنه لا يوجد بيت المال اليوم فالمزكّي يوزعها على الفقراء بمعرفته، هذا هو حكم الشرع في هذا الموضوع، فلا تغتر بمن يقول خلاف ذلك والله أعلم.
س ٤٤٣ - وسُئل أيضًا عن رجل ذي عيال، ضعيف الحال، هل يجوز له أن
الفقه وأصوله
يسأل الناس؟
٣٦٣
ج ٤٤٣ - فأفتى بالجواز لأجل ،ضعفه ولكن يسأل لأجل قوته وقوت
عياله وكسوتهم فقط لا للادخار والغِنَى.
أسئلة متفرقة عن أحكام الزكاة والجواب عليها
س ٤٤٤ - وسئل رضى الله عنه عن مال مجموع للمسجد من أجل الإصلاح وغيره ودار عليه الحول هل يلزم فيه الزكاة أم لا؟ ج ٤٤٤ - فأجاب بأنَّ بعض المذاهب تقول فيه الزكاة، ورجح أنه لا زكاة فيه؛ لأن المساجد لا تملك .
س ٤٤٥ - الأرض - أي العقار - وبناء الدور للبيع، هل يلزم في ذلك المال الزكاة؟، وهل تلزم الزكاة في جميع المال أم في الربح فقط؟ وهل يُزكَّى ذلك المال عند كل رأس سنة أم يزكى مرة واحدة؟
.
ج ٤٤٥ - فأجابني مرَّةً أنه عندما يبيع الأرض أو الدار يُزكَّى ذلك المال على سنةٍ واحدةٍ، وأجاب مرَّةً أخرى أنه لا زكاة في هذا كله. س ٤٤٦ - سؤال آخر: امرأة سألت هل يمكن أن تبعث بالصدقة خارج
البلد لرجل معلق متزوج وله عيال.
ج ٤٤٦ - أفتى بالجواز .
س ٤٤٧ - سُئل أيضًا عن رجل يبيع ال السلعة مختلطة بالخمر وأخرج الزكاة
وأعطاها الشخص يعرف بهذه الصفة، هل يأخذ تلك الزكاة أم لا؟ ج ٤٤٧ - أجاب: لا يأخذها وإذا أخذها يعطيها لشخص آخر، هذا من باب الورع.
٣٦٤
فتاوى وأجوبة
س ٤٤٨ - وسئل أيضًا عن مال الكفَّار ومال الحرام هل تخرج منه الزكاة؟ ج ٤٤٨ - أجاب : أما مال الكفَّار فإنه لا تنفع فيه الزَّكاة حتى يؤمنوا، وأما مال الحرام في حق المسلم فإنه لا تنفعه الزَّكاة، وأيضًا هي غير مقبولة؛ لأنَّ الله اشترط في المال أن يكون حلالا وطيبا .
س ٤٤٩ - وسئل أيضًا عن قضية الفلاحة الموجودة في هذا الوقت مصاريفها كثيرة جدا، منها كراء الأرض وشراء الزريعة وكراء آلة الحرث والدواء للزرع وكراء آلة الحصاد وغيرها من المصاريف، هل تكون الزكاة بعد إخراج المصاريف أم قبلها؟ ج ٤٤٩ - أجاب بأنَّ الزكاة تكون بعد إخراج المصاريف والله سبحانه لا
يضر أحدًا.
س٤٥٠- وسئل أيضا عن رجل عنده تجارة مختلطة من ثياب وغيره، وعند رأس الحول يُقوّم تجارته وعندما تترتب الزكاة يخرج بعضها بالدراهيم
وبعضها بالثياب التي تبقى لا تباع وهي جديدة وصالحة.
ج ٤٥٠ - فقال : يعمل لها ثمن الشراء لا يزيد ولا يغش. وأفتى له بالجواز يعطى بعضها ثياب وبعضها دراهيم .
س ٤٥١ - وسئل أيضًا أنَّ رجلا ترتبت بذمته زكاة، وعندما جمعها وأراد إخراجها ذهبت منه إما بسرقة أو ضياع، ولم يتمكن منها أصحابها، هل تسقط
عليه أم تبقى بذمته؟
ج ٤٥١ - فأفتى بأنها لا زالت بذمته لأنها لم يتمكن منها أربابها. س ٤٥٢ - وسُئل أيضًا أنَّ مُعلَّما أقرض معلما شيئًا من النقود ولكن
الفقه وأصوله
٣٦٥
أحاطت بهذا المعلّم المستلف للنقود ديون كثيرة من أجل زفاف وأراد المقرض
أن يخرج زكاة ماله ويسمح له في تلك النقود مقابل الزكاة هل هذا جائز؟
ج ٤٥٢ - فأفتى بالجواز أن يسمح له وتحسب زكاة.
س ٤٥٣ - وسُئل عن رجل في البادية لزمته الزكاة في الحبوب وأراد أن يعطي قيمة الحب نقودًا.
ج ٤٥٣ - فأفتى بالجواز لأن النقود تقضى بها جميع المصالح الدينية والدنيوية. كيف تحسب زكاة التجارة
س ٤٥٤ - وسألته كيف تحسب زكاة التجارة؟
ج ٤٥٤ - فأجاب سيادته بما نصه وزكاة التجارة كالبقالة مثلًا- تجب عند تمام ا السنة الهجرية لا الميلادية، فإذا ابتدأ التاجر تجارته في شهر شعبان مثلا، فإذا جاء شعبان التالي قَوَّمَ البضاعة التي في المحل بالسعر الذي تباع به في السوق لا بالثمن الذي اشتراها به، وما أكله هو وأولاده لا يدخل في الحساب، وما جد من الربح يضاف إلى رأس المال ويُزكَّى عنهما، فمن بدأ تجارته بألف جنيه، وبعد مرور سنة وجد عنده ألفا ومائتين أو أكثر زكَّى عن المبلغ كلّه.
زكاة التجارة والمعدن والركاز
س ٤٥٥ - وسألته عن الصايغ هل يُزَكِّي عن جميع ما في محله من الذهب؟ وعن زكاة المعادن والركاز ؟
ج ٤٥٥ - فأجاب سيادته بما نصه الصايغ يزكي عن جميع ما في دكانه من الذهب لأنه مقصود به التجارة.
والمعدن يُزَكَّى عنه كيفما كان ذهبًا أو فضة أو غيرهما قليلا أو كثيرًا، وقيمة
٣٦٦
زكاته ربع العشر.
فتاوى وأجوبة
والركاز ما يلقى في أرض مهجورة، أو دار خربة داخل صندوق، أو زلعة» مثلا، فإن كانت الأرض لمسلم فهو ملك له، وان كانت غير مملوكة فهو
لمن أصابه، ويُخرج منه الخمس، ولا ينتظر الحول.
العلة في فرض زكاة الفطر، وهل تجب على الصغير؟
س ٤٥٦ - ما العلة في فرض زكاة الفطر ؟، وهل تجب على الصغير الذي لم
يصم؟ ج ٦ ٤٥ - وأمَّا زكاة الفطر فعن ابن عباس قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم زكاةَ الفِطْرِ طُهِّرَةٌ للصَّائِمِ مِن اللغوِ والرَّفَثِ وطُعْمَةً
للمساكين». رواه أبو دود وابن ماجه، وصححه الحاكم. وبه أخذ سعيد بن المسيب والحسن البصري فقالا: «لا تجب زكاة الفطر إلا على من صام». وذهب الجمهور إلى وجوبها على الصبي لقول ابن عمر: فرض رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم زكاةَ الفِطْرِ مِن رمضان صاعًا مِن تمر، أو صاعا من شعير على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين». رواه الشيخان. قال الحافظ ابن حجر: «وأجيب عن حديث ابن عباس بأنه ذكر التطهير خرج مخرج الغالب، كما أنها تجب على متحقق الصلاح كأبي بكرٍ مثلا أو على من أسلم قبل غروب الشمس بلحظة، أي مع أنَّ إسلامه محا ذنوبه كلها بنص القرآن». ويُجاب أيضًا بأنَّ إخراجها عن الصبي يكون طهرَةٌ لوليه الذي أخرجها
الفقه وأصوله
٣٦٧
عنه، أو بأن قوله: «طهرَة الصَّائم» بيان الحكمة وجوب الزكاة، والحكمة لا يجب وجودها في صور الحكم كلها بل يكفي وجودها في بعضها، بخلاف العلة، لابد من وجودها في جميع الصور. مثلا: حُرمت الخمرُ لِعِلَّة الإسكار، حِكمة التحريم حفظ العقل، فإذا فقد الإسكار فقد التحريم، لكن لو وُجد شخص أو أشخاص لا يتأثر بالخمور ولا تذهب عقله، فإنها تحرم عليه لوجود العِلَّة، وإن كانت الحكمة غير موجودة.
قيمة زكاة الفطر
س ٤٥٧ - عن قيمة زكاة الفطر حيث يذهب بعض العلماء إلى رفع قيمتها إلى جنيه وأكثر.
ج ٤٥٧ - فقال سيادته ما نصه: وزكاة الفطر مقدارها ٢ كيلو ونصف على «النفر» من الدقيق المعتاد، أو ما يعادلها في القيمة من التمر أو الزبيب أو النقود، وثمن الدقيق لا يبلغ خمسين قرشًا صاغا، وإن بلغها فلا يزيد عليها فلا أدري لم يرفع بعض المفتين هنا وعندكم ثمنها إلى جنيه وأكثر؟! هل اعتبروها من الدقيق الفاخر ؟ وهذا تزيد منهم على الشارع لا يثابون عليه، بل يأثمون لأنهم أوجبوا على الناس ما لم يُوجبه الشارع.
زكاة ما لم ينص عليه
س ٤٥٨ - هل يجوز إخراج الزكاة عن الأشياء التي لم يرد نص فيها
بوجوب الزَّكاة؟ ج ٤٥٨ - روى أحمد بإسناد صحيح عن عمر: أنَّ رجالًا مِن أهل الشام أتوه، فقالوا إنا أصبنا أموالا خيلا ورقيقا نحب أن تكون لنا فيها زكاة
(
٣٦٨
فتاوى وأجوبة
وطهور ، فقال : ما فعله صاحِباي فأفعله، واستشار الصحابة، فقال له علي: هو
حسن إن لم تكن جزيةً راتبةً يؤخذون بها من بعدك، فأخذها منهم». وهذا أمر جائز بل مندوب، فلو أخرج رجل الآن زكاة خيل أو عسل أو
عقار مثلا كانت زكاة نافلة يُثاب عليها كصلاة النافلة.
س ٤٥٩ - هل يجوز دفع مال الزكاة في عمارة المساجد؟
ج ٤٥٩ - من أجاز دفع الزكاة للمساجد أدخلها في قوله تعالى: وفي سبيل الله } [التوبة: ٦٠] وأورد عليه أنَّ الزكاة تمليك، والمسجد لا يملك، وأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال لمعاذ: «أخبر أهل اليمن أنَّ الله فرض عليهم الزكاة تُؤخَذُ مِن أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم».
عند
وأما الزكاة في الأموال الموقوفة على المساجد، ففي ذلك خلاف، والراجح متأخري المالكية عدم وجوب الزكاة؛ لأنها تجب على وجه العبادة والمساجد لا عبادة عليها، وكذلك المال المرصد الإصلاح طريق، أو بناء كوبري مثلا، لا زكاة فيه أيضًا، والله أعلم.
س ٤٦٠ - ما حكمة إيجاب زكاة الفطر على الصغير ؟
ج ٤٦٠ - إيجاب زكاة الفطر على الصغير أمر تعبدي، ويمكن أن يلتمس له حكمة بأنَّ الطفل إذا وعي وعَلِم أنَّ أبويه يُخرجان عنه الزكاة، تعود البذل، هذا إلى أنَّ الصَّدَقَةَ تدفع عنه البَلاء.
س ٤٦١ - هل يجب توزيع صدقة الفطر على الأصناف الثمانية المذكورين في القرآن؟
الفقه وأصوله
٣٦٩
ج ٤٦١ - صدقة الفطر لا يجب توزيعها على الأصناف الثمانية، بل
الأحاديث تدل على أنها للمساكين فقط.
لماذا يتأخر المغاربة في الصيام عن المشرق
س ٤٦٢ - وسُئل: عن معرفته بالفلك، ولماذا يتأخر المغاربة في الصيام عن المشرق مع اتفاقهم في أكثر الليل والنهار؟
ج ٤٦٢ - فأجاب: أنا لا أعرف علم الفلك ولكن أعرف أنَّ الهلال يظهر في المغرب قبل المشرق كما قرره الفلكيون، وفي هذا قال الشاعر: المغــــــــرب أفـضـــــــــل أرض ولي دليــــــــــــل علي
البدر يرقب من
ويعني بالبدر الهلال.
والشمس تسعى إليه
وإذا صام مغربي ثلاثين يوما ووجد في الهند ۲۸ أو ٢٩ من رمضان فإنه يفطر ولا يصوم، والتوحيد في الشهر لا يكون فيما زاد على ٣٠ يوما، والمسافر
يعتبر بالبلد الذي سافر منه وصام فيه لا بالبلد الذي سافر إليه.
جواز صوم أهل السودان برؤية الهلال بمصر
س ٤٦٣ - هل يجوز لأهل السودان مثلا أن يصوموا شهر رمضان على الأخبار التي تأتي من مصر بالبرقية أم لابد من رؤية الهلال في السودان لصحة
الصوم هناك؟
ج ٤٦٣ - ثبت في صحيح مسلم عن كريب أنه كان في الشام في مصلحة ورأوا الهلال بالشام فصام معهم، ثُمَّ رجع إلى المدينة فسأله ابن عباس: هل
۳۷۰
فتاوى وأجوبة
رأيت الهلال؟ قال نعم رأيته ورآه الناس وأمر معاوية بالصيام، فقال ابن عباس: ولكن لا نفطر هنا حتى نرى الهلال، ثُمَّ قال: هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. يفهم من هذا الحديث أنَّ كل بلد يعتمد في الصيام والفطر على رؤية أهله، به أخذ الشافعية لكن اشترطوا أن يختلف المطلع، وذلك بأن تكون البلاد بعيدة كالشام والمدينة، أو مصر والحجاز. ولكن ذهبت المالكية إلى أنه إذا رؤي الهلال في بلد وجب الصيام على سائر أهل البلاد سواء بعدت أو قربت، وفرق بعضهم بين البلاد البعيدة فيكون لكل بلد رؤيته وبين البلاد القريبة فتكتفي برؤية واحد لجميعها .
وحيث
أنَّ مصر والسودان يعتبران قطرًا واحدًا لاتفاقهما في المطلع وفي كثير من العادات والتقاليد كما هو مشاهد فتكفي رؤية مصر للعمل بها في السودان وتكفي رؤية السودان للعمل بها في مصر، ونقل الخبر بالبرقية يعتمد شرعًا؛ لأن الشارع اعتمد في تبليغ الأحكام والشرائع على الخطابات التي كان يبعث بها إلى البلاد، وهل البرقية إلا نوع من الخطابات المقتضب السريع؟! فالعمل بها لا يعد خروجا عن الشريعة.
حول أحكام الصيام
أرجو الجواب عن دلائل المسائل الآتية التي قرأتها بإحدى المجلات
الإسلامية وهي: س ٤٦٤ - أنَّ الصائم إذا نام في نهار رمضان واحتلم فصومه صحيح ولا
قضاء عليه ولا كفارة.
الفقه وأصوله
۳۷۱
س ٤٦٥ - أنَّ الصائم إذا أصبح جُنُبا فصومه صحيح ولو ظل طول اليوم
بدون غسل.
س ٤٦٦ - أنَّ صوم المرأة دون إذن زوجها مكروه.
س ٤٦٧ - أن تقبيل الزوجة لا يُفسد الصومَ إِلَّا إذا حصل إنزال. س ٤٦٨ - ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا نسى الصائم فأكل أو شرب فليتمَّ صَوْمَهُ فإِنما أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ»؟.
س ٤٦٩ - ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا مات الرجل وعليه صيام صام عنه وليه»؟.
ج ٤٦٤ - فدليلها الإجماع؛ لأنَّ العلماء اتفقوا على ذلك ولم يختلفوا فيه، والمعني في ذلك ظاهر لأن الفطر يحصل بتعمد الأكل ونحوه، والنائم غير
متعمد بل غير مُكَلَّفٍ في نومه، فلم يكن لاحتلامه أثر في إفساد الصوم. ج ٤٦٥ - ففيها خلاف، ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ الصائم إذا أصبح جنبًا صح صومه واستدلوا بقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ القِيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نسابكم [البقرة: ۱۸۷] فإنه يقتضي إباحة الوطء في ليلة الصوم، ومن جملتها
الوقت المقارن بطلوع الفجر وذلك يقتضي بالضرورة أن يصبح جنبا. وفي "الصحيحين" عن عائشة وأم سلمة أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله
وسلم كان يصبح جنبًا من غير احتلام ثُمَّ يصوم في رمضان. وفي رواية لأُم سلمة أيضًا قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يصبح جُنبا مِن جماع لا حلم، ثُمَّ لا يفطر ولا يقضي». رواه الشيخان.
۳۷۲
فتاوى وأجوبة
وذهب أبو هريرة وعروة بن الزبير وطاوس وجماعةٌ إلى أَنَّ مَن أصبح جُنْبا فصومه باطل ، واستدلوا بحديث: (مَن أصبحَ جنبا فلا صوم له»، وهو حديث صحيح، وأجاب الجمهور بأنَّ هذا الحديث منسوخ، نَسَخَهُ حديث عائشة وأم سلمه، ولذلك رجع أبو هريرة عن قوله لما بلغه، وقد قيل في تأويل الحديث من أصبحَ جُنُبا فلا صوم له أي لا صوم له كامل، وذلك للحضّ على التعجيل بالغُسل فلا ينافي أنه لو لم يغتسل كان صومه صحيحًا.
ج ٤٦٦ - فدليلها قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تَصومُ المرأة وبعْلُهَا شاهِدٌ إلا بإذنه، غير ،رمضانَ، ولا تأذنُ في بيته وهو شاهِدٌ إلا بإذنه ». رواه
أبو داود بإسناد صحيح، وهذا في صوم التطوع، أما الفرض فتصومه بغير إذنه كما دلّ عليه الحديث المذكور. ج ٤٦٧ - ففيها أيضًا خلافٌ، فذهب الجمهور إلى أنَّ القُبلة لا تُفسد الصوم إلا إذا حصل إنزال زاد المالكية: نزول المذي، فإنه يوجب القضاء عندهم، وقالوا: إذا لم يترتب على القبلة مذيّ ولا مني فتجوز مع الكراهة، وهو رأي ابن عمر. وقال ابن شبرمه: «القبلَةُ تُفسد الصوم مطلقا» وهو ضعيف، وأباح القبلة قوم مطلقا وحرمها قوم مطلقا، وقال آخرون تجوز للشيخ ولا تجوز للشاب، وقال قوم: تجوز لمن يَمْلِك نَفْسَهُ وتحرم على من لا يَمْلِك نَفْسَهُ. وقال بعض الظاهرية تستحب القبلة وآله وسلم كان يُقبل عائشة وأم سلمة وهو صائم.
؛ لأن النبي صلى الله عليه
وقال ابن حزم: «مَن قبل امرأته فصومه صحيح سواء أنزل أو لم ينزل، ومن
الفقه وأصوله
قَبَّل أجنبيةً عنده فصومه باطل سواء حصل إنزال أو لا».
۳۷۳
وقد ورد أنَّ رجلا سأل النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، وإذا الذي نهاه شاب. رواه أبو داود.
ج ٤٦٨ - فمعنى الحديث فيها أنَّ الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا فصيامه صحيح ولا يجب عليه القضاء كما جاء في رواية من روايات الحديث، وبهذا أخذ الجمهور فقالوا: من أكل أو شرب أو جامع ناسيا فليتم صومه ولا قضاء
عليه.
وقال ابن أبي ليلى والمالكية والقاسمية يفسد صومه وعليه قضاء يوم بدله. وقال أحمد بن حنبل : يبطل الصوم بالجماع نسيانا، وفيه كفارة، ولا يبطل
بالأكل نسيانا، والحديث حُجَّةٌ للجمهور على من خالفهم. ج ٤٦٩ - فإنَّ الحديث فيها يدل على أنَّ الشخص إذا مات وعليه صوم فرض كرمضان أو نذر فإن وليَّه يصومه عنه، وبهذا أخذ أهل الحديث وأبو ثور
والأوزاعي وجعفر الصادق والليث بن سعد وغيرهم.
وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه يصوم الولي عن الميت النذر دون رمضان، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي في أحد قوليه: لا يصوم الولي عن
الميت لا نذرا ولا غيره، والصحيح الأول.
ثُمَّ ذهب جمهور القائلين بصوم الولي عن الميت إلى أن الصوم ليس بواجب بل يندب فقط، وحكى إمام الحرمين الإجماع عليه وهو غلط، بل ذهب الظاهرية إلى أن صوم الولي عن الميت واجب سواء أوصى به الميت أو لا، وأيد
٣٧٤
فتاوى وأجوبة
ابن حزم ذلك. والحديث المذكور يؤيد الوجوب أيضًا. ثُمَّ اختلفوا في الولي الذي يصوم عن الميت هل هو قريبه أو وارثه أو عصبته ؟ الراجح الأول وقيل الثاني قال الحافظ ابن حجر: «وهو قريب».
كيفية قضاء شهر رمضان لمن كان مريضاً
س ٤٧٠ - كنت مريضًا لم أتمكن من صيام شهر رمضان، وقد مرت السنة دون أن أتمكن من صيامه لأنَّ صحتي مازالت معتلة، وقد صمت ثلاثة أيام شعرت بعدها بالتعب، فما العمل هل أكفّر أم أصوم وأتحمل المتاعب إزاء الفرض
المطلوب؟ وهل إذا صمت أياما من رجب ومن شعبان يجوز ذلك أم لا؟ ج ٤٧٠ - المقرر عند المالكية أنَّ الإنسان لا يُكفّر عن الصوم إلَّا إذا كان المرض مستصحباً معه بحيث لا يُرجَى برءه، وقد أجازوا للنفساء والمرضع أن تفديا عن صومهما بشروط مُفصَّلة في كتب الفقه، وحيث أن مرضك يُرجى برءه فلا بأس أن تؤخّر الصّيام إلى حين المقدرة ولا تلزمك الفدية عن التأخير؛ لأنه ليس بتفريط منك، وإذا أمكنك أن تصوم في رجب أو شعبان فذلك جائز لا شيء فيه، والله أعلم.
س ٤٧١ - ما هي سنن الصيام؟
(15 ،14 ،13)
ج ٤٧١ - أما سنن الصوم فهي: صيام ستة أيام من شوال، ثاني يوم عيد الفطر وما يليه من الأيام. وثلاثة أيام من كل شهر عربي وتُسمَّى الأيام البيض بالنسبة لبياض لياليها بنور القمر. وصيام يوم عرفة، ويوم عاشوراء مع يوم قبله أو يوم بعده، ويوم الاثنين والخميس من كل
الفقه وأصوله
۳۷۵
أسبوع، ويوم النصف من شعبان.
س ٤٧٢ - وسُئل أيضًا عن شخص عنده مرض المعدة، ولكن عنده تجربة إن طرأ عليه ذلك الوجع يشرب ماءًا باردًا ويزول في الحين، وقد طرأ عليه بعد صلاة الفجر في شهر رمضان فشرب وذهب الوَجَع، هل يستمر في الأكل لأنه بطل له اليوم أم يكتفي بذلك الماء فقط؟ ج ٤٧٢ - فأجاب: يستمر في الأكل لأنه بطل له اليوم بالشرب، ويقضي ذلك اليوم ولا أجر له. س ٤٧٣ - وسُئل أيضًا أنَّ رجلا يسكن في القصر الكبير وله أولاد هناك وهو يشتغل بمدينة طنجة، وذهب لداره في نهار رمضان وصادف زوجته قد طهرت من دم الحيض واغتسلت فجامعها نهارا. ج ٤٧٣ - فأفتى : عليه الكفَّارة، وهي إطعام ستين مسكينا خمسة دراهم
لكل مسكين في اليوم المجموع ثلاثمائة درهم. س ٤٧٤ - وسُئل أيضًا أنَّ رجلًا لاعب امرأته في نهار رمضان فخرج منه المذي هل عليه قضاء ذلك اليوم أم لا؟
ج ٤٧٤ - فأفتى لا قضاء عليه، وإن كانت المالكية يقولون عليه القضاء . س ٤٧٥ - وسُئل أيضًا عن رجل جامع امرأته بعد أذان الفجر وصلاته. ج ٤٧٥ - فأفتى بأن عليه الكفارة وهي إطعام ستين مسكينا خمسة دراهم لكل مسكين المجموع ثلاثمائة درهم ولا شيء على زوجته لا قضاء ولا
كفَّارة.
س ٤٧٦ - وسئل أيضًا عن امرأة هبطت منها صفرة في نهار رمضان مثل
٣٧٦
فتاوى وأجوبة
اشلال»(۱)
ج ٤٧٦ - فقال : إن اتصلت بدم الحيض تقضي ذلك اليوم، وإن لم تتصل بها دم الحيض وبقيت تلك الصفرة فقط فلا قضاء عليها، وإن أتاها الحيض بعدها بيوم فلا تقضي ذلك اليوم الذي خرج منها ذلك النوع ؟ س ٤٧٧ - وسئل عن رجلٍ عنده علةٌ في أنفه ينقطع فيه النفس حتى يعمل
قطرة أعطاها له الطبيب ويستعملها في رمضان.
ج ٤٧٧ - فأفتاه الشيخ باستعمالها ولكن عند الضرورة، فلا قضاء فيها ولا يستعملها في غير الضرورة، وإن استعملها لزمه القضاء . س ٤٧٨ - وسئل عن امرأةٍ حصلت لها ضيقة فشربت بعد أذان الفجر بخمس دقائق.
ج ٤٧٨ - فأفتى بأنه لا قضاء عليها وصومها صحيح.
س ٤٧٩ - وسئل أيضًا أن رجلاً جاء من سفر نهارًا وهو مفطر فوجد امرأته طهرت من دم الحيض نهارًا واغتسلت ولم تنو الصيام ليلا؛ لأنها لازالت حائضا، وبعدما اغتسلت جامعها هل يترتب عليه شيء أم لا؟
ج ٤٧٩ - فأجاب : لا شيء عليه . س ٤٨٠ - وسئل عن رجل كان يعيش في الخارج وأكل شهر رمضان عمدًا والآن يريد التوبة ويجب أن يكفر عن ذلك الشهر.
ج ٤٨٠ - فأفتى أنه يُطعم عن كل يوم ستين مسكينا، وإذا لم يستطع فباب
(۱) كلمة بالدارجة، وتعني الماء الذي يصب من غسل الشاي، ويكون لونه أصفر.
الفقه وأصوله
۳۷۷
التوبة مفتوح، يتوب إلى الله والله يتوب عليه.
س ٤٨١ - وسئل أيضًا عن امرأة وقع لها مشكل في رمضان أدى بها إلى
الغيبوبة، فشربت ولما فاقت فكرت مع نفسها أنها أفطرت فهيَّات الأكل وأكلت، فتسأل هل عليها القضاء والكفارة أم القضاء فقط ؟
ج ٤٨١- فأفتى بأنها عليها القضاء فقط؛ لأنها متأوّلة وشربت بسبب العذر.
س ٤٨٢ - وسُئل عن رجل له قرحة في المعدة ولا يستطيع الصيام ومنعه
الطبيب.
ج ٤٨٢ - فأفتى له أن يُطعِم عن كل يوم مسكينا؛ لأنه يعتبر كالمرض
المزمن. س ٤٨٣ - وسُئل عن رجل في العرائش تسحر في الساعة الخامسة والنصف بعد صلاة الفجر خطأ. وامرأة في المصلَّى شربت الماء في الساعة الخامسة بعد الفجر أيضًا خطأ.
ج ٤٨٤ - فأفتى: صومهما صحيح، لا شيء عليهما لا قضاء ولا كفارة. س ٤٨٥ - صيام الثلاثة أشهر رجب وشعبان ورمضان» متواليا كما يفعل كثير من الناس سُنَةٌ أم بدعة؟ فإن كانت الأولى فما هو التوفيق بين فعلها وبين ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام مِن أنَّ خير الصيام صيام داود عليه السلام إذ كان يصوم يوما ويفطر يوما؟ نرجوا من فضيلتكم التفضل بالإجابة على صفحات "مجلة الإسلام" الغراء تعميما للفائدة.
ج ٤٨٥ - صوم رجب وشعبان ورمضان على التوالي بدعة لم يرد عن أحدٍ
۳۷۸
فتاوى وأجوبة
من السلف، والأحاديث الواردة في فضل صوم رجب وصوم أول يوم منه كلها واهية وفيها الموضوع، وكذلك ما شاع أنَّ المعراج كان في ليلة السابع والعشرين من رجب موضوع أيضًا.
والصيام في حد ذاته مندوب مرغب فيه، ولكن أفضل الصيام صيام داود
عليه السلام كما ورد في الصحيح.
والموضوع طويل يحتاج إلى بسط وإيضاح غير أنَّ وقتي لم يتسع لأكثر من هذا وفيه الكفاية إذ هو خلاصة مراجعة طويلة واستقراء شديد.
فدية الصيام
س ٤٨٦ - وسئل عن فدية الصيام؟
ج ٤٨٦ - فدية الصيام هي: إطعام المسكين بما يُشبعه، «عيش، وغموس» من وسط الطعام، كما في كفَّارة اليمين، والتشدد لا معنى له، والله تعالى يقول:
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: ١٨٥]. س ٤٨٧ - هل المرأة إذا نذرت صوم الإثنين والخميس وحل بها مانع من
حيض أو مرض يلزمها قضاء ما أفطرت فيه من أيام نذرها أم لا؟ ج ٤٨٧ - المرأة التي نذرت كل يوم إثنين وخميس أن تصوم عليها الوفاء بالنذر كلما قدرت عليه، فإذا منعها مانع من مرض أو عمل فلا تصوم، ولا
يلزمها قضاء، ولا يُكلف الله نفسًا إِلَّا وسعها.
س ٤٨٨ - هل إدخال الإصبع في الدبر أو الفرج يفطر الصائم؟
ج٤٨٨ - إدخال الأصبع في الدبر أو الفرج لا يُفطر، وقول ابن عباس:
الفقه وأصوله
۳۷۹
الفطر ممَّا دَخَلَ وليس مما خرج رأي له خاص به لا يجب اتباعه فيه.
س ٤٨٩ - ما معنى حديث: «مَن ذَرَعَهُ القى فلا قضاء عليه»؟ ج ٤٨٩ - حديث: «مَن ذَرَعَهُ القى فلا قضاء عليه» يعني إذا لم يرجع إلى جوفه شيء ومَن استقاء فعليه القضاء.
والخلاصة: أنَّ الفِطر لا يكون إلا بما وَصَلَ مِن منفذ كالفم والأنف. س ٤٩٠ - هل من أكل أو شرب ناسيًا صح صيامه في الفرض والنفل ؟ ج ٤٩٠ - مَن أَكَلَ وشَرِبَ ناسيا فإنما أَطْعَمَهُ اللهُ وسَقَاهُ». عام في الفرض والنفل، وتخصيص بعض الفقهاء له بالفرض لا دليل عليه، إلا أنهم رأوا أنَّ النفل لا يجب فيه القضاء إذا أكل الصائم عمدًا، وهذا فيه خلاف، فعند المالكية: «إذا أفطر صائم النفل عمدًا وجب عليه القضاء وإذا أفطر ناسيا لم يجب عليه».
س ٤٩١ - أفتى الشيخ نجيب بفطر الحقن فهل هذه الفتوى صحيحة ؟ ج ٤٩١ - فتوى الشيخ نجيب بفطر الحقن تجري على قواعد الشافعية، والشافعية تشدَّدوا في الصوم كثيرًا، والصحيح أنَّ الحقن لا تفطر ولو كانت حقنة شرجية، وكذلك الكحل والتقطير في الأذن وإدخال الإصبع، كل ذلك لا يفطر. حكمة تقبيل الحجر الأسود
س ٤٩٢ - لماذا يُقبل الناسُ الحَجَرَ الأسود مع أنه حَجَرٌ ؟!
ج ٤٩٢ - تقبيل الحجر الأسود لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كان يُقبله، ولأنه نزل من الجنَّة، ولأن في الحديث: «الحَجَرُ الأَسْوَدُ يمينُ الله»، ولأنه يشهد لمن قبله يوم القيامة كما قال علي بن أبي طالب.
۳۸۰
فتاوى وأجوبة
حكم الإحرام من مدينة جدة للمسافر
س ٤٩٣ - وسألته هل يجوز الإحرام بالحج أو العمرة من مدينة جدة للمسافر بالطائرة إذا تعذر عليه الإحرام قبل ركوب الطائرة؟ ج ٤٩٣ - فأجاب سيادته بما نصه والإحرام بالحج أو العمرة من جدة جائز لا شيء فيه، روى ابن عدي والبيهقي في "السنن" عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في قول الله تعالى: ﴿ وَأَتِمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة:
١٩٦ ] قال: «إِنَّ مَن تمامِ الحَجّ أن تُحْرِمَ مِن دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ». إسناده ضعيفٌ. لكن يؤيده ما رواه الحاكم بإسناد صحيح عن علي عليه السلام في الآية قال: «إتمام الحَجّ والعُمْرَةِ أن تُحرِمَ لهما مِن دُوَيرَةِ أَهْلِكَ». وروى الشافعي في "الأم" عن عمر رضي الله عنه مثله.
ونحن حين حَجَجْنا أحرمنا بالعمرة في بيتنا - أي بمدينة طنجة بالمغرب وركبنا الطائرة مُحرمين. استدراك: السؤال عن الإحرام بالحج أو العمرة من مدينة جدة معناه: أنَّ ذلك في حالة عدم إحرامه من دويرة أهله، بل يركب الطائرة غير ناو للحج أو العمرة، وإن كان يريدها فالنية شيءٌ والرغبة شيء آخر، ثُمَّ عند وصوله جدة ينوي ويقول مع النية «البيك اللهم بعمرة أو حجّ». وحينئذ يجب عليه الإحرام. حول أحكام الحج
س ٤٩٤ - وسئل أيضًا: الإحرام قبل الميقات هل هو جائز أم لا؟ وما الأفضل الإحرام قبل الميقات لأجل الضرورة الموجودة الآن في السفر على
متن الطائرة، أو المرور عليه بلا إحرام حتى ينزل في جدة؟
الفقه وأصوله
۳۸۱
ج ٤٩٤ - أجاب الشيخ بالجواز أي يجوز المرور بلا إحرام لأجل الضرورة أما اختيارًا فإنه مكروه.
س ٤٩٥ - وسئل أيضًا عن رجلٍ حجّ عن أبيه أو أخيه أو أي مسلم إما مات أو له عذر مانع، فالنائب عن هؤلاء قام بهذه الفريضة على نفقتهم هل له أجر أم لا؟ ج ٤٩٥ - أفتى بأن له أجرًا وثواباً .
س ٤٩٦ - وسئل الشيخ أيضًا عن امرأة تسافر في السيارة إلى مدينة بعيدة
في مهمة وحدها بدون محرم أو في الطائرة أو القطار.
ج ٤٩٦ - فأفتى تسافر لا شيء عليها. وأفتى بالجواز وكذلك إلى الحج مع رفقة بدون تحرم . س ٤٩٧ : ما مكان الإحرام لمن يقدم الزيارة على الحج؟
ج ٤٩٧ - الحجاج الذين يقدمون الزيارة يحرمون من ميقات المدينة عند ذهابهم إلى مكة؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال لما بين المواقيت: «هنَّ لهنَّ ومَن أتى عليهنَّ مِن غير أهلهنَّ». والإحرام إنهما يجب من الميقات لمن قصد مكة، أمَّا لو مرَّ بالميقات وهو لا يريد مكة فلا إحرام عليه
س ٤٩٨ - هل يصح الحج لمن فاته طواف الوداع؟
ج ٤٩٨ - ذكر شيخنا المرحوم الشيخ محمد بخيت أن الشخص إذا وقعت عبادته موافقة لمذهب من المذاهب المعتمدة فهي صحيحة، ولو لم يقصد تقليد ذلك المذهب، بل ولو لم يعلم به. وعليه فالذين فاتهم طواف الوداع حجهم تام ولا شيء عليهم؛ لأن طواف الوداع عند المالكيَّة من الفضائل، لا إثم في تركه.
س ٤٩٩ - هل يجوز الحج عمن يكون صحيح البنية كامل العقل؟
۳۸۲
فتاوى وأجوبة
ج ٤٩٩ - من لا يجب عليه الحج إذا كان طفلاً أو معتوها جاز الحج .
وإن كان صحيح البنية تام العقل فلا يحج عنه.
عنه،
س ٥٠٠ - هل يجوز للمتمتع إذا فرغ من أعمال العمرة أن يذبح الهدي قبل
أن يحرم بالحج؟ ج ٥٠٠ - إذا فرغ المتمتّع من أعمال العُمرة جاز أن يذبح الهدي قبل أن يُحرم بالحجّ، لأنَّ المحرم بالعُمرة صار متمتعا، وبانتهاء العمرة يجوز له ذبح الهدي، هذا ما تفيده الآية الكريمة، وهو مذهب الشافعية.
ا
وقال المالكية: لا يجوز ذبح الهدي قبل يوم النحر» ودليلهم القياس على الأضحية، وهذا خطأ؛ لأن الأضحية عيّن الشارع لها يوم النحر بعد صلاة العيد، والهدي جعله الشارع بالتمتُّع ولم يعين له يوم النحر مثل الأضحية. كيفية إحرام المرأة بالحج والعمرة
غطّته
س ٥٠١ - ما كيفية إحرام المرأة بالحج والعمرة؟
ج ١ ٥٠ - الفقهاء صرَّحوا بأنَّ إحرام المرأة مثل الرجل في الحج إلا في التجرد من الثياب، فإنَّ المرأة تبقى في ثيابها، ويجب عليها كشف وجهها، ولو وجبت عليها الفدية، وإحرامها مثل إحرام الرجل، تُحرم بالحج أو العمرة أو بهما، والأفضل لها التمتع أي تحرم بالعمرة وكشف وجهها، فإذا طافت وسعت، قصَّت بعض شعرها وتحللت وجاز لها تغطية وجهها
والاستحمام وتنظيف شعرها، فإذا كان يوم التروية تحرم بالحج وتهدي، فإن لم يكن عندها هدي تصوم ثلاثة أيام في الحج وهي :
:
ثلاثة أيام في الحج وهي ثاني أيام العيد وما بعده،
وسبعة أيام في بلدها ، وفي هذا تيسير بلا شك، لكن لا بد من بعض التعب.
الفقه وأصوله
۳۸۳
والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم لما بعث عائشة مع أخيها إلى التنعيم لتعتمر منه، قال لها: «أَجْرُكِ على قَدْرِ نَصَبِكِ».
والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان عنده شعر كثير، فلما حج لبده، والتلبيد وضع شيء لزج على الشعر كالعسل أو الصمغ فيتلبد بعضه على بعض ولا يتخلله غبارٌ ولا هوام، فيجوز للمرأة أن تلبد شعرها لتحفظه من الهوام.
س ٥٠٢ - وسئل أيضا كيف يكون على المرأة إحرام؟
ج ٥٠٢ - الإحرام: الإهلال بالحج أو العمرة مع التجرد من المخيط والمحيط واجتناب الممنوعات والمرأة عليها إحرام؛ لأنه يجب عليها كشف وجهها والامتناع عن التطيب وعن الزينة طول مدة الحج، وعليها الفدية إن غَطَّت وجهها أو فعلت شيئًا من الممنوعات.
وقال الشافعي في "الأم": «أحب للمرأة عند الإحرام أن تمسح وجهها أيضًا بالحناء». فهذه العبارات تصرح بأنَّ المرأة عليها إحرام، وليس معنى الإحرام أن تقول: «أحرمت». بل معناه أن تقول هي أو الرجل: «لبيك بحج أو عمرة أو هما». وليس لفظ الإحرام شرطًا في ذلك.
مسائل في المعاملات
س ٥٠٣ - وسُئل أيضًا عن رجل أراد أن يشتري سلعة وصاحبها لا يعرفه، فجاء شخص آخر وضَمِنه وقال له خذ ما شئت فإني أضمنك عنده وقبل صاحب السلعة ولكن شريطة أن تعطيني «قهوة» (۱) أي شيئًا من
(1) كلمة عامية، وتعني عمولة
٣٨٤
فتاوى وأجوبة
الدراهم، هل هذا جائز أم لا؟ وهل هو من باب الربا أم لا؟ ج ٥٠٣ - فأجاب: إنه ليس من باب الرّبا، ولكن من باب أخذ الأجرة على الضمانة، وهي غير ممنوعةٍ شرعًا، والسلام .
س ٥٠٤ - سُئل رضى الله عنه عن امرأة أرادت أن تبيع ميراثها في ابنها
لولد ابنها وقدمته على سائر أولادها وأولاد أولادها هل هو جائز أم لا؟ ج ٥٠٤ - فأفتى بالجواز؛ لأن هذا بيع وليس هبة فهي حُرَّةٌ فيه تبيعه لمن
شاءت.
س ٥٠٥ - وسُئل أيضًا عن رجلٍ عمل عقد مع صاحب معمل أن يبيع له السلعة خاصةً ولا يبيعها لأحدٍ إن وجد الدراهيم، وفي وقت ما فقد الدراهيم واضطر صاحب المعمل أن يبيعها للغير، فاضطر المشتري أن يأخذ الدراهيم من بعض عائلته واشترى تلك السلعة فأعطاها لأصحاب الدراهيم، بعضهم باعها بنفسه وبعضهم أعطاها للمشتري أن يبيعها على أنَّ الربح أنصافا بينهما. ج ٥٠٥ - فأفتى بالجواز ولا شيء فيه.
س ٥٠٦- سؤال: بنت معذورة في الركن عند رجل وله أولاد آخرون وأراد أن يعطيها شيئًا دون إخوتها، هل يجوز أم لا؟
ج ٥٠٦ - فأفتى الشيخ عبد الله بن الصديق بالجواز لأجل عذرها، ولكن إذا كان لتمييز فقط بين الإخوة لا يجوز .
س ٥٠٧ - وسُئل أيضًا عن رجل اكتراه شخص سواء كان مسلما أو كافرا أن يحمل له خنزيرا مقتولًا إمَّا ليأكله أو يبيعه.
ج ٥٠٧ - فقال : إنَّ حمله بأجرة أو بغير أجرة حرام لا يجوز.
الفقه وأصوله
٣٨٥
س ٥٠٨ - وكذلك سُئل عمن يفتح مقهى أو مطعم في رمضان ليأكل فيه
مسلم أو كافر.
ج ٥٠٨ - فقال : هذا حرام أيضًا لأن الجميع يعين على معصية الله. س ٥٠٩ - وسئل أيضًا عن أشياء من العقار وغيره تغصبها الدولة أو يصول عليها شخص ويبيعونها بالمزايدة.
ج ٩ ٥٠ - فقال : إنَّ شراءها حرام، ومن يشتريها يكون مشاركًا في الإثم، وكذلك المكلفون بالمياه والغابات يأخذون من بعض الأفراد فحتما ويجمعونه
ثُمَّ يبيعونه بالمزايدة فقال حرام على المسلم أن يشتريه.
س ٥١٠ - وسُئل أيضًا عن أخوين لهما شركة في التجارة، وأحدهما هو المتصرف ويشتري سلعة إنَّ أدى ثمنها في الحين تكون بثمن، وإذا تأخر في أداء
الثمن إلى أجل تكون بثمن زائد، فأخوه ينتقد عليه ويقول إنَّ هذا ربا. ج ٥١٠ - فأجاب الشيخ بالجواز وقال : هذا من باب البيعان في بيعة في فقه بعض المذاهب، وأجازه البعض الآخر منهم الشافعية والشوكاني، وليس من نوع الربا في شيء. س ٥١١ - وسُئل أيضًا عن عمل يقع في بعض القبائل وهو أنَّ شخصا يعمد إلى أرض بدون إذن مالكها ويصير يلقم فيها الزيتون ويحرص عليها حتى تطعم ثُمَّ بعد ذلك يأتى ربَّ الملك ويريد أن يخرج منها فيطلب منه أن له ثلثا في الزيتون ورب الملك يطلب منه أن يعطيه أجر عمله. ج ٥١١ - فأجاب : يعطيه أجر عمله فلا حق له في الثلث لأنه نزل فيها بغير إذن مالكها.
٣٨٦
فتاوى وأجوبة
س ٥١٢ - وسُئل أيضًا عن رجل يملك أرضًا وفيها «قعدة»(۱) من شجرة الزيتون محبسة على المسجد وطال الزمن ثُمَّ اندثرت الزيتونة ويبست، وبعد
مدة خرج منها عرق بري فلقمه صاحب الأرض هل تبقى الشجرة له أو لا
زالت حبسا ؟
ج ٥١٢ - فأفتى : لا تزال حبسًا .
س ٥١٣ - وسئل أيضًا عن رجل يبيع ويشتري الأشرطة للغناء وفيها صور هل يجوز البيع والشراء فيها أم لا؟
ج ٥١٣ - فأفتى بالكراهة؛ لأنها تابعة للغناء، والغناء فيه ما هو قبيح وما هو حسن؛ لأنه شعر . س ٥١٤ - وسئل أيضًا عن رجل يشتغل هنا في المغرب بما قدره ٥٥٠ درهم ولكن يريد أن يذهب إلى العراق لأجل العمل هناك، ولكن لا بد أن يدفع دراهم من أجل الوساطة. ج ٥١٤ - فأفتى بأنه يقنع بعمل في بلده خاليا من دفع أي ثمن حتى يغنيه الله من فضله. وقال في هذا الموضوع: الرشوة حقيقتها إعطاء مال
لإحقاق باطل أو إبطال حق، أو لتولي عمل ليس هو أهلا له. س ٥١٥ - وسُئل أيضًا عن امرأة كانت اكترت من امرأة أخرى محلا بالقزدير وهذه المرأة الأخرى كانت اكترت هذا المحل من الأحباس بـ ١٥٠٠ فرانك وهي تأخذ من هذه المرأة ٥٠ درهم ولكن تؤدي ٥٠ درهما أدت بعض الشهور وامتنعت فدفعتها إلى المحكمة والمحكمة أبطلت هذه الدعوى
(۱) كلمة دارجة تعني: قطعة صغيرة من الأرض.
الفقه وأصوله
۳۸۷
وخرجت من عندها وبقيت في ذمتها من قبل هذا الكراء قيمة ٥٠٠ درهم
وماتت المرأة المكرية وبقي لها الورثة هل تؤدي هذا الحق للورثة أم لا؟ ج ٥١٥ - فأفتى لا شيء عليها لأن الأولى لا حق لها لأنه ليس ملكا لها. س٥١٦ - وسئل أيضًا عن رجل يشتري نخالة من محل .
لعلف الدواب.
ج ٥١٦ - فقال: جائز لا شيء فيه .
عصير
الخمر
س ٥١٧ - وسُئل أيضًا عن رجل أعطاه شخص دكانا فيه سلعة، وتفاهم أن يستخدمه ولكن سنة كاملة لم يعطه أجرةً ، فكان ذلك العامل يأخذ في كل درهم خفية مقابل أجرته، وعندما انتهت السنة تفاهم معه مفاهمة
شهر
جديدة بعدما انتهت سنتان افترقا. ج ٥١٧ - أفتى بجواز أخذه تلك القيمة مقابل أجرته، ويعرض القضية على أرباب المعرفة وأصحاب المهنة، ولا يمكن أن يضيع هذا العامل.
حكم البيع بضعف ثمن الشراء
س ٥١٨ - وسألته عن حكم الدين في بيع الأشياء بضعف ثمن شرائها، هل في ذلك حرمة ؟
ج ٥١٨ - فأجاب سيادته بما نصه: أما بيع التاجر الشيء بأربعة أمثاله أو أكثر أو أقل فلم يرد في تحريمه آيةٌ ولا حديث، والشارع لم يُحدد في الربح قدرًا مُعيَّنا، وقولهم مَن رَبحَ أكثر من النصف فهو مُحرَّم ليس بحديث، بل ورد أنه حصل غلاء في المدينة فجاء الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقالوا: سعر لنا يا رسول الله، فقال: «إنَّ الله هو المُسَعر». ولم يرضَ أن يُسَعر
۳۸۸
فتاوى وأجوبة
لهم بل ترك السوق حُرًا يبيع كل واحد كيف شاء.
ومع
ذلك، فقد حَضَّ الشارع على القناعة ونهى عن الحرص والطمع،
ورغب في الاكتفاء بالربح القليل من غير أن يُحرم الربح الكثير .
حكم بيع الزرع قبل حصاده
س ٥١٩ - ما حكم بيع المحصول من الزرع قبل حصاده؟
ج ٥١٩ - وأما بيع المحصول قبل حصاده بمدةٍ فإنه يجوز بيع الثمر والزرع بعد بدو صلاحه، وظهور صلاح الثمر ظهور مبادئ النضج والحلاوة في الثمر الذي لا يتلوّن، وفي الثمر الذي يتلوّن أن يأخذ في الحمرة أو السواد وظهور صلاح الزرع اشتداد الحب، ويكفي بدو بعضه ولا يشترط بدو كله. أما قبل أن يظهر صلاح الثمر أو الزرع فلا يجوز البيع إلا إذا كان الثمر مقصودا، وينتفع به قبل بدو صلاحه فحينئذ يجوز بيعه مع شرط قطعه فور البيع حتى يتم تسليمه على ما هو عليه الآن فلا يشتمل على الغرر وأصل ذلك كله خبر مسلم نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع السنبل حتّى يبيض. وحديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الثمار حتى تزهو، قيل: وما زهوها؟ قال : تحمر وتصفر. رواه البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه.
حكم المعايدة
س ٥٢٠ - وسألته عن حكم المال الذي يدفعه بعض الأغنياء في مناسبة الأعياد للذين يؤدون لهم بعض الخدمات.
ج ٥٢٠ - فأجاب سيادته بما نصه ومسألة أخذ المعايدة لا شيء فيها
الفقه وأصوله
۳۸۹
الجريان العادة بها، ومن القواعد الأصولية عند العلماء أن: «العادة مُحكمة» أي: يرجع إليها في أشياء ويقضى بما جرت به، وأيضًا فقد صح قوله عليه الصلاة والسلام: « ليس لك مِن مالِ أخيك إلَّا ما طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ». وحيث أَنَّ المُعطِي طابت نفسه بإعطاء المعايدة فهي جائزة بنص الحديث، ومن هنا أجاز العلماء ما سمحت به نفس الشخص سواء كان في مقابل عمل أو لا، إلا أن يكون في مقابل عمل محرَّم كرشوة مثلا - فلا يجوز ، والمعايدة ليست من هذا القبيل فهي جائزة على جميع الاعتبارات.
هل الوكالة تنتهي بوفاة الموكل؟
س ٥٢١ - ولما أرسلتُ إليه إجابة الشيخ أرسل إلي ثانيا قائلًا: قد أجاز الشيخ للمسلم أن يوكل من يقوم بعد وفاته بصرف مبلغ في سبيل الله، وقال بعد حديث الشريد بن سويد: «الوكالة مثل الوصية فلا فرق قالوا هنا: الوكالة تنتهي بوفاة الموكل وتكون وصية يسري عليها أحكامها من حيث الثلث... إلخ، فالوكالة ليس لها شروط ولا حدود كالوصية فما هو الصواب؟ ج ٥٢١ - فأجاب سيادته بما نصه: الوكالة عند الجمهور تنتهي بوفاة الموكل، وقال مطرف وابن الماجشون من أصحاب مالك: «لا تنتهي بوفاة الموكل». وهو الذي أفتيت به أولا.
هل تجوز الوكالة بعد الوفاة؟
س ٥٢٢ - وأرسل إلى أحد الإخوان يطلب مني أن أسأل الشيخ: هل يجوز أن يوكل المسلم من يقوم بعد وفاته بصرف مبلغ في سبيل الله ؟
ج ٥٢٢ - فأجاب سيادته بما نصه توکیل شخص يقوم بصرف مبلغ في
۳۹۰
. فتاوى وأجوبة
سبيل الله أو عمل خير آخر جائز بإجماع العلماء، ويكون للموكل أجر ما عمل من الخير بعد وفاته بواسطة وكيله.
عن الشريد بن سويد أن أمه أوصت أن يعتق عنها رقبة مؤمنة بعد موتها، فسأل رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن ذلك فقال: عندي جارية سوداء فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «ائت بها» فدعا بها فجاءت، فقال لها: من ربك؟» قالت: الله، قال: من أنا ؟ قالت رسول الله، قال: «اعتقها فإنها مؤمنة». رواه أحمد والنسائي. والوكالة مثل الوصية بلا فرق.
هل يجوز وقف مال مستثمر ؟
س ٥٢٣ - هل يجوز إيقاف مال مُسْتَمَر لما يريد الواقف وأن يكون ذلك بعد
وفاته؟
ج ٥٢٣ - إيقاف مال مُسْتَمَرٍ لما يريد الواقف ويكون بعد وفاته جائز بل
مطلوب.
في "الصحيحين" عن أنس أنَّ أبا طلحة قال: يا رسول الله إنَّ الله يقول: لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: ٩٢] وإنَّ أحب أموالى بَيْرُ حَاءُ وإنها صدقة الله أرجو ثوابها وذخرها عند الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ذاك مال رابح اجعلها في قرابتك». و بَيْرُحَاءُ أرضُ كان
يستثمرها أبو طلحة.
وفي "الصحيحين" أيضًا عن ابن عمر أن عمر أصاب أرضًا بخيبر، فقال يا رسول الله: «أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس منها فما تأمرني؟
الفقه وأصوله
۳۹۱
فقال صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إن شئتَ حبست أصلها وتصدق بها». فتصدق بها عمر على ألا تباع ولا توهب ولا تورث، في الفقراء وذوي القربى،
والرقاب، والضيف، وابن السبيل.
حكم مقدم الإيجار والخلو
س ٥٢٤ - وسألتُ سيادته عن مقدَّم الإيجار الذي يحصل عليه المالك عند تأجير السكن للساكن علاوةً على قيمة الإيجار؟ وكذلك ما يأخذه المستأجر عند تركه للسكن من المستأجر الجديد مبلغا من المال يقتسمه
السكن؟
مالك
ج ٥٢٤ - فأجاب سيادته بما نصه والمبلغ الذي يأخذه صاحب الدار زيادةً على الكراء لا يجوز، وكذلك لا يجوز أخذ المكتري واقتسامه مع صاحب الملك. العمل عند المسلم الفاسق
س ٥٢٥ : هل يجوز العمل عند المسلم الفاسق في الأعمال النافعة وهو يعلم بفسقه، وما حكم المرتب الذي يتقاضاه منه ؟ ج ٥٢٥ : يجوز التعامل مع الفاسق في سائر الأعمال كالتجارة والاستصناع وغير ذلك بشرط أن لا يكون في ذلك التعامل مساعدة له على الفسق، فعلى هذا لا يجوز الاشتغال مع المرابي، ولا مع صاحب مطعم يفتح مطعمه في نهار رمضان، ولا مع صاحب قهوة يلعب فيها الميسر .
والحاصل: أنَّ القاعدة الشرعية هي أنَّ كلَّ تعامل خلا مِن محرَّمٍ أو من أن
يكون وسيلة إلى محرَّم فهو جائز والله أعلم.
۳۹۲
فتاوى وأجوبة
من أحكام الهبة
س ٥٢٦ : مسلم يملك أموالا يستثمرها والعائد منها ينفقه جميعه في سبيل الله وهو يريد أن يهبه الجمعية خيريَّة دينيَّة على أن يأخذ جزءا من العائد لإنفاقه بمعرفته والباقي للجمعية وبعد وفاته يكون كله للجمعية فهل هذا جائز؟ وإذا وهب الزوج مالا أو عقارًا حال حياته لزوجته واشترط عليها برضاها إن هي توفيت قبله بعودة المال إلى الواهب فهل هذا يجوز؟ ج ٥٢٦ - هبة المال المستثمر الجمعية دينية مع استثناء جزء منه بنفقة الواهب بمعرفته جائز لا شيء فيه، أمَّا هبة الرجل لزوجته هبة على أن تعود إليه بعد موتها فلا يجوز؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «مَثَلُ العَائِدِ فِي هِبَتِهِ كَالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْنِهِ».
حكم استرجاع الهبة
س ٥٢٧ - وكتب فضيلته يسأل عن استرجاع سيدنا أبي بكرٍ لما وَهَبَهُ
للسيدة عائشة عند موته؟
وفيها
ج ٥٢٧ - فأجاب سيادته بما نصه ومسألة استرجاع أبي بكر ما أعطاه لابنته عائشة رضي الله عنهما رواها مالك في "الموطأ" بإسنادٍ صحيح، و كرامة لأبي بكر، حيث أخبر بالبنت قبل ولادتها وهي أم كلثوم. وتتعلق بها مسألة فقهيَّةٌ وهي جواز استرجاع الرجل هبته لابنه أو بنته
بشرط ألا
يتم الحوز، وعائشة لم تحز التمر الذي وهبه لها أبوها فلذلك استرجعه عند الوفاء؛ لأنه صار من حقّ الورثة والنهي عن رجوع الرجل في هبته خاص عند الفقهاء بغير هبة الرجل لأحد أولاده.
الفقه وأصوله
اللقطة
۳۹۳
س ٥٢٨ - وسُئل أيضًا عن رجلٍ وجد أمانة من الدراهم وعرف بها سنة، ثُمَّ صار ليستغلها، وبعد مدة ظهر صاحبها هل يدفع له المال كله حتى الربح أم يعطيه رأس المال والربح يحتفظ به؟
ج ٥٢٨ - فأجاب: يعطيه المال والربح لأنها كانت عنده أمانة. س ٥٢٩ - وسُئل أيضًا عن رجل أراد أن يعمل التلفون في الشارع فوجد داخل التلفون نقوداً مجموعة تركوها هناك؛ لأنهم لا يعرفون كيفية التلفون وأَخَذَ نقودهم، وهو يعرف كيفية الآلة الوقتية فوجد هناك سبعة عشر درهما عندما وضع يده على الآلة أخرجت له هذه النقود. فتحيَّر، ماذا يعمل بهذه
النقود؟ .
ج ٥٢٩ - فأفتى الشيخ بأنها لا تحل له فيتصدق بها على الفقراء والمساكين، وتكون في صحيفة الأخوة الذين تركوها هناك.
فتوى في الإشهاد بالوصية
٥٣٠ - (فتوى) : الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد: فإن الفصل من "المدوّنة" (رقم ١٩٤) جاء فيه: «فصل: إشهادٌ بوصية أو رجوع عنها ، تمَّ بعَدلين يجب أن يحرّر ويسجل بكناش المحكمة المختصة داخل ثلاثة أيام تبتدئ من وقتِ الإشهاد». وقد قرر الفقهاء أن ما يذكر في المسألة من ألفاظ تفيد تقييدها بصفة معينة يتعين العمل عليها، ولا تصح المسألة إلا بتلك القيود، واعتمد الفقهاء في هذا
٣٩٤
فتاوى وأجوبة
على ما تقرر في علم الأصول من حجية مفهوم المخالفة. وهنا في هذا الفصل لفظان مقيدان: «يجب» ومعناه: «يتحتم»، و«داخل» وهو ظرف. ومن أخل بما يتحتّم عليه في أي عمل بطل ذلك العمل ولم يُعتَد به، والتقييد بكون التسجيل بكناش المحكمة داخل ثلاثة أيام يفيد بطلان الزيادة عليها، كما يفيد بطلان التقييد بغير كناش المحكمة.
أنَّ
وعلى هذا فالذي يفيده (الفصل ١٩٤) في ضوء قواعد الفقه والأصول أ تسجيل الإشهاد بكناش المحكمة بعد ثلاثة أيام يكون لاغيا عديم التأثير، وكذلك التسجيل بغير كناش المحكمة.
ودعوى عدم بطلان مخالفة الفصل المذكور بحجة أنه جاء على غير منوال الفصلين (١٩٢ - ١٩٤ غير صحيحة؛ لأنَّ الفصلين المذكورين جاءت الصيغة فيهما: يشترط في صحة كذا».
وصيغة (الفصل ١٩٤): «يجب» ومعناها في اللغة والشرع: «يتحتم»، أي: لا تجوز مخالفة الفصل، ومخالفة ما يجب تُساوي في البطلان مخالفة ما يشترط،
فتساوت الصيغتان «يجب» و«يشترط»، ولا فرق بينهما شرعًا ولغة. والتعلل بأن مخالفة (الفصل (١٩٤) تشكّل مخالفة إدارية لا تأثير لها على صحة العقد، تعلل باطل؛ لأنَّ ألفاظ العقود في الوصية وغيرها يرجع فيها إلى الشريعة، والمخالفة الإدارية لا دخل لها هنا ولا تعتبرها الشريعة، وإنما تعتبر ما تدلّ عليه الألفاظ بحسب مدلولاتها اللغوية والشرعية، فإدخال المخالفة الإدارية هنا خطأ لا معنى ولا مسوغ له.
وفي "جمع الجوامع : يحمل الكلامُ على عُرف المخاطب ففي الشرع
الفقه وأصوله
٣٩٥
يحمل على المعنى الشرعي لأنَّه عُرْفُه ، وحديث الصحيحين عن ابن عمر: «ما من امرئ مسلم له شيءٌ يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيَّته مكتوبةٌ عنده». لا علاقة له بالناحية الإدارية من جهة المنطوق ولا المفهوم، والتحديد فيه بليلتين أمر مندوب، وما علاقة الندب بالإدارة؟!
أنَّ ودعوى الفصل (۲۱۱) تناول بصريح اللفظ مبطلات الوصية على سبيل الحصر ولم يذكر من بينها مقتضيات الفصل ١٩٤) ولا أحال عليه، غفلة كبيرة عن مدلولات الألفاظ ومقتضياتها، فإنَّ (الفصل (۲۱۱) بين ما يعرض للوصية الصحيحة فيبطلها، ومخالفة الفصل ١٩٤) تجعل الوصية لاغية عديمة التأثير.
والمقرر فقها وأصولا أنَّ المعدوم شرعًا كالمعدوم حسا، فلهذا لم يذكرها الفصل (۲۱۱) لأنّها ليست من شمولاته، لبطلانها .
هذا مما يؤيد ما أفتينا به، وبالله التوفيق.
مسائل في الميراث
س ٥٣١ - وسُئل أيضًا عن رجل مات وترك زوجا حاملا وبنتا وأخا شقيقا وأخا للأب ثُمَّ توفي الشقيق وترك ابنا له ثُمَّ ولدت المرأة أنثى. ج ٥٣١ - فأجاب لا شيء للأخ الشقيق، والإرث الذي فضل عن أصحاب الفروض وهما الزوجة والبنتان يأخذه الأخ للأب؛ لأن الأخ الشقيق كان مشكوكًا في إرثه إن ولدت ذكرًا فلا شيء له، وإن ولدت أنثى فله الإرث. س ٥٣٢ - وسُئل أيضًا عن امرأةٍ باعت لابنة أخيها محلا ولكن صورة بيع
٣٩٦
. فتاوى وأجوبة
فقط، وعندها رفد (۱) لهذا تسأل لأن الورثة طلبوا ميراث عمتهم وهي كانت
تقوم بشؤونها منذ زمن طويل وصرفت عليها مالا كثيرًا.
ج ٥٣٢ - فأفتى الشيخ بالجواز ولا حق للورثة، وهي غير مسؤولة ولا إثم عليها في ذلك المحل.
س ٥٣٣ - وسئل أيضًا عن ولد توفي وترك والدين فقيرين، وكانت مهنته
إصلاح الماء (۲) ، وترك بعض الوثائق أنه يتبع كثيرًا من الناس في دين عليهم. ولما طلب الوالدان منهم أداء ذلك الدين أنكروا وأتى بعض الناس يطلبون .
حقهم من المال يتبعونه فيه، والوالدة سألت ما حل المشكل؟ ج ٥٣٣ - فأفتى بأن الوالدين لا شيء عليهما ولا يؤدوا عنه شيئًا؛ لأن المال
الذي يتبع فيه الناس يكون مقابل المال الذي يتبعه الناس هذا بذاك. س ٥٣٤ - وسئل أيضًا عن امرأة أوصت بمالها لولد أخيها فماتت هل تنفذ
الوصية؟
ج ٥٣٤ - فأجاب: يعطى الثلث فقط، ولا يجوز أن يأخذ الزائد على الثلث إلا إذا رضي الورثة، والتصرف في هذه الوصية من المال كله إلى الثلث جائز ؟ س ٥٣٥- سؤال آخر: رجل مات وترك زوجة وأولادًا ولهم مال، والأم تنوب عنهم وتتصرف تصرفًا مخطئًا، تعطي للبعض دون البعض، هل البعض
المحروم له الحق في المطالبة أم لا؟
(1) وثيقة تثبت قيام هذه المرأة بخدمة عمتها في حياتها بدون مقابل.
(۲) يعني: رصاص.
۳۹۷
الفقه وأصوله
ج ٥٣٥ - أجاب: له الحق في طلب حقه ولا يكون هذا من باب العقوق في
شيء.
حرمان البنات من الوصية من بقايا أعمال الجاهلية س ٥٣٦ - الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الأكرمين، وبعد: فقد سُئِلت عن شخص أوصى بثلث ماله لأحفاده الذكور فقط من أولاده الذكور أيضًا، هل يوجد في السُّنة النبوية ما يفيد جواز هذه الوصيَّة؟
ج ٥٣٦ - والجواب: حرمان البنات من الوصية من بقايا أعمال الجاهلية التي أبطلها دين الإسلام وأوجب البر بالبنات وإكرامهنَّ والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة نذكر منها ما تيسر الآن:
روى ابن مردويه عن ابن عمر أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «من بركة المرأةِ ابتكارها بالأنثى لأنَّ اللَّهَ قَالَ: يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِننا
وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴾ [الشورى: ٤٩].
وروى الطبراني في "الصغير" عن نُبيط بن شريط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا وُلِدَ لرجُل ابنةٌ بَعَثَ الله عزَّ وجلَّ ملائكةٌ يقُولون السَّلام عَلَيْكُم أهل البيت يكسُونَها بأجنِحَتِهم ويمسحُون بأيديهم على رأسها ويقولون ضَعِيفةٌ خرجتْ من ضَعِيفة القيم عليها مُعان إلى يوم القيامةِ». وروى أحمد والطبراني عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلَّم: «لا تكْرَهُوا البناتِ فَإِنَّهنَّ المؤنِسَاتُ الغاليات».
۳۹۸
فتاوى وأجوبة
وروى الطبراني عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «اليد العليا أفضلُ مِنَ اليدِ السُّفْلى وابدأ بمَنْ تَعُولُ أُمَّك وأباك وأختك وأخاك وأدناك فأدناك». قدَّم الحديث الأختَ على الأخ في النفقة لئلا تترك على عادة أهل الجاهلية في إهمال المرأة أختا كانت أو بنتا.
وروى البزار عن أنس أنَّ رجلًا كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه، وجاءت بنت له فأجلسها بين يديه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ألا سَوَّيت بينهما؟!». أنكر النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على هذا الصحابي التفريق بين ابنه وبنته حيث قبل ابنه وأجلسه على فخِذه ولم يقبل بنته ولم يجلسها على فخذه، وهنا أمر قريب، فالذي يحرم بناته وحفيداته من الوصية أشدُّ قُبحا وأكثر بعدًا عن السنة.
وروى أبو داود والحاكم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: من كانتْ له أُنثى فلم يدها ولم يُمِنْها ولم يُؤْثِر وُلْدَهُ يعني
الذكور - عليها أدخله الله الجنّة».
فالذي حَرَم بناته وحفيداته من الوصيَّة لا يدخل الجنَّة لأنَّه آثر الذكور على
الإناث. وعلى هذا فالوصية المسئول عنها مخالفة للسنة ولتعاليم الدين. والعجيب أن صاحب الوصية قال أنه قصد بها وجه الله، وهذا عجيب،
فإنَّ الإنسان يقصد وجه الله بشيء موافق للسنة وللدين، ووصيته تخالفها. فيجب على الورثة أن يعدلوا تلك الوصية ويجعلوها تشمل الإناث، وإذا فعلوا ذلك أصابوا السُّنة وأراحوا مورّثَهم في قبره لأنه الآن يتألم ويتحسر
الفقه وأصوله
۳۹۹
لمخالفته السنة، والله يوفق الجميع لما فيه الخير، والسلام.
منع الحمل بطريقة العزل
س ٥٣٧ - ساءت صحة زوجتي من كثرة الحَملِ والوَضْعِ والإرضاع، فهل إذا استعملت طريقة (العزل) رحمةً بصحتها، وتمكينا لها من التفرغ لتربية
ما حولنا من أطفال أكون أنها أم لا؟
ج ٥٣٧ - الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فإنَّ العَزْل هو وسيلة من وسائل منع الحمل عن المرأة، وتفسيره: تحويل
الماء عن الرَّحِمِ قبل أن يقع مخافة الولد في المحيط. اختلف أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم في العزل؛ فعلي له كان يكره ذلك، وابن عبّاس وابن عمر وابن مسعود رضوان الله عليهم أ
أجمعين
كانوا يكرهون ذلك. إلَّا أَنَّ علماءنا رحمهم الله قالوا في المرأة الحرة المنكوحة يشترط رضاها في العزل، وفي الأمةِ المنكوحة يشترط رضا المولى عند أبي حنيفة وعندهما يشترط رضا الأمة، وفي الأمة المملوكة لا يشترط رضاها بلا خوف، والمسألة على هذا الوجه مذكورة في "الجامع الصغير"، وفي "فتاوى أهل سمرقند": أنه إذا عزل خوفًا من الولد لفساد الزمان فهو جائز من غير رضا المرأة.
وجاء في "فتح القدير " ما نصه: «العَزْلُ جائز عند عامة العلماء، وكرهه قوم من الصحابة وغيرهم لما في "مسلم" من حديث عائشة رضي الله عنها عن جُدَامَةُ بنت وهب أخت عكاشة قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه
٤٠٠
فتاوى وأجوبة
وآله وسلم في أناس يسألوه عن العزل قال: «ذاك الوَأْدُ الخَفِيُّ». وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «هو الموءودَةُ الصُغْرَى».
وعن أبي أمامة أنه سُئل عنه فقال: «ما كنت أرى مسلما يفعله». وقال نافع عن ابن عمر : ضَرَبَ عمر على العَزّل بعض بنيه».
وعن عمر وعثمان أنهما كانا ينهيان عن العزل.
والصحيح الجواز، ففي "الصحيحين" عن جابر: «كنَّا نَعْزِلُ والقرآنُ
يَنزِلُ. وفي "مسلم" عنه: «كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم فبلغ ذلك النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فلم ينهنا».
وفي "السنن" عن أبي سعيد الخدري: أنَّ رجلا قال: يا رسول الله إنَّ لي جارية وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أنَّ العزل هو الموءودة الصُغْرَى؟ قال: « كذبت يهود، لو أراد الله أن يَخْلُقَه ما استطعت أن تَصرِفَه ».
وفي "صحيح مسلم عن جابر قال: سأل رجل النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال: إنَّ عندي جاريةٌ وأنا أعزل عنها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّ ذلك لا يَمْنَعُ شيئًا أراده الله تعالى».
قال: یا رسول الله، إنَّ الجارية التي كنت قد ذكرتها لك قد حملت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «أنا عبدالله ورسوله».
فهذه أحاديث ظاهرة في جواز العزل.
وقد روي عن عشرة من الصحابة عليّ، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن
الفقه وأصوله
٤٠١
ثابت، وأبي أيوب، وجابر، وابن عباس ، والحسن بن علي، وخَبَّاب بن الأرت، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود.
وحديث السنن يدفع حديث جذامة، وهو وإن كان في السنن فهو حديث
صحيح.
وإن وقع فيه اختلاف على يحيى بن أبي كثير فقيل فيه: عن محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان، عن جابر.
وقيل فيه: عن أبي مطيع بن رفاعة. وقيل: عن رفاعة. وقيل: عن أبي سلمة عن أبي هريرة. فإنَّ الطرق كلها صحيحة، وجاز أن يكون الحديث عند يحيى من حديث الكل بهذه الطرق.
لكن بقي أنهما إذا تعارضا يجب ترجيح حديث جدامة؛ لأنه مخرج عن الأصل، أعني الإجابة الأصلية، إلَّا أنَّ كثرة الأحاديث تدل على استهتار خلافه. وقد اتفق عمر وعلي رضي الله عنهما أنها لا يكون لها ذلك (۱)؛ لأن قبل مضي مدة ينفخ فيها الروح لا حكم لها، فهذا والعزل سواء وفي "فتاوى أهل سمرقند : «لا تكون موءودةً حتى تمر عليها التارات السبع».
أسند أبو يعلى قال : جلس عمر وعلي والزبير وسعد في نفر من أصحاب الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فتذاكروا العزل فقالوا: لا بأس به. فقال رجل منهم: إنهم يزعمون أنها الموءودة الصُّغْرَى فقال علي: لا تكون موءودة حتى تمر عليها التارات السبع حتى تكون سلالة من طين، ثُمَّ تكون نطفةً، ثُمَّ
(1) أي لا يكون للنطفة حكم الوأد.
٤٠٢
فتاوى وأجوبة
تكون عَلَقَةً، ثُمَّ تكون مُضْغَةً، ثُمَّ تكون عِظامًا، ثُمَّ تكون لحما، ثُمَّ تكون خَلْقًا
آخر. فقال عمر : صدقت. انتهى، والله أعلم.
حكم رضاع الكبير
س ٥٣٨ - وهل يجوز إرضاع الكبير، وكيف ذلك؟
ج ٥٣٨ - وأما إرضاع الكبير ففي "الصحيح": أنَّ سهلة زوجة أبي حذيفة قالت: يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالي. فقال لها صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمي عليه». فأرضعته بصبّ اللبن في حلقه لا بمص الثدي، زاد مالك في روايته في "الموطأ" عن عروة بن الزبير قال: فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال». وتبين بهذا أنَّ عائشة لم ترضع أحدًا، ورضاع الكبير على القول به لا يكون إلَّا بصب اللبن في الخلق.
الإجهاض
س ٥٣٩ - وسُئل عن امرأةٍ عملت الإجهاض -أي: «الكورطاج»- بعد تسعة عشر يوما أو عشرين يوما على الوقت الذي يأتي فيه دم الحيض. فأفتى
خطيب بأن عليها أن تصوم شهرين متتابعين.
ج ٥٣٩ - ورد عليه بأنه لا شيء عليها من الصيام وغيره وإنما هي معصية
يجب منها التوبة فقط.
الفقه وأصوله
الزفاف يوم الجمعة
س ٥٤٠ - هل الزفاف يوم الجمعة حرام أم مكروه ؟
٤٠٣
ج ٥٤٠ - الزفاف يوم الجمعة جائز لا حرمة فيه، ويوم الجمعة من أبرك الأيام وأسعدها وهو أفضل أيام الأسبوع، فقد ورد في الحديث الصحيح: «ما طَلَعَتِ الشمسُ ولا غَرَبَتْ على يوم أفضل من يومِ الجُمُعَةِ». وفي هذا الحديث الصحيح أيضًا: «إِنَّ في يوم الجُمُعَةِ سَاعَةً لا يُوافِقُها عبدٌ يَدْعُو اللَّهَ إِلَّا اسْتُجِيبَ له ، وزَعُمُ الناس أنَّ في الجمعة ساعة نحس، أو أنَّ الزفاف فيها حرام إنما هو خيالات وأوهام، بل هي آراء شيطانية دسها أعداء الدين ليصرفوا الناس عما ثبت في السُّنَّة الصحيحة من فضل يوم الجمعة وفضل العمل فيه وسعادته عند الله، وإنَّ من الإجرام في حقٌّ الدين أن يزعم مسلم أنَّ الزفاف يوم الجمعة
محرَّم فأين وجد هذه الحرمة أفي كتاب الله ؟! أم في سُنَّة رسوله؟!
ومثل هذا التحريف ما اشتهر بين العامة أنَّ الزواج محرَّم في شهر المحرم وخصوصا في العشر الأول من الشهر والسر في هذا أنَّ الحسين قتل في شهر المحرم في يوم عاشوراء، فاتخذ الشيعة الفاطميون وغيرهم هذا الشهر مأتما وقلدهم الناس في ذلك.
.
جواز تزاوج الإنس من الجن
س ٥٤١ - هل ثبت أنَّ رجالًا من الإنس تزوجوا بنساء من الجن أو لا؟ ج ٥٤١ - زواج الإنس بالجنيَّات أمرٌ فيه خلاف بين العلماء؛ هل هو ممكن أو غير ممكن ؟ وعلى فرض إمكانه هل وقع أو لا؟ ذهب إليه جماعة من العلماء
كما بسط ذلك بدر الدين الشَّبلي في كتابه "آكام المرجان في أحكام الجان".
٤٠٤
فتاوى وأجوبة
وقد ذكر محيي ! الدين ابن العربي الحاتمي أنه تزوج بجنية فرد عليه بعض العلماء، بل صرح بعضهم بتكذيبه والواقع أنه ثقة لا يكذب. وقد أشار إلى هذه المسألة الحافظ الذهبي في "الميزان"، والحافظ ابن حجر في "لسان الميزان". والذي أراه أنَّ الزواج بالجنية جائز قد يقع، ولكن من يدعون ذلك نصابون لا يُوثَق بهم غالبا، وأنَّ من الحزم سوء الظن كما قال عمر رضي الله عنه.
هل يجوز للرجل أن يسكن زوجتيه في دار واحدة؟
س ٥٤٢ - أرجو بيان حكم الشريعة المطهرة في الرجل المتزوج بامرأتين هل يباح له إسكانهما ببيتٍ واحدٍ وفراش واحد، أو لكل واحدةٍ فراس مُستقل والبيت واحد؟ وعلى فرض أنه وقع فهل ذلك ما يلزم الزوج شرعًا؟ وإن كان عاجزا عن إسكان كل واحدة بانفرادها، ما العمل؟ هل يسوغ للزوج جعل فاصل
کحائط ضعيف أو حائل بينهما والبيت واحدٌ؟ جوابكم الشافي تؤجرون وترحمون. ج ٥٤٢: يجوز للرجل أن يُسكن امرأتيه ببيتين من دارٍ واحدةٍ رَضِيتا بذلك أو لا، حيث كان كل بيت مستقلاً بمنافعه من مطبخ وغيره، فإن لم يكن للبيتين إلا مطبخ واحد مثلا، فلا يجوز جمعهما إلا برضاهما، وكذلك إسكانهما ببيت واحد من دار واحدةٍ، لا يجوز إلا برضاهما وأما جمعهما في فراش واحد
فممنوع.
قال الشيخ خليل في "المختصر ": ولا يجوز جمعهما في فراش ولو بلا وطء، فيلزمه لهذا ومراعاة للعدل بينهما الواجب عليه أن يجعل لكل واحدة فراشا مستقلا، ثُمَّ إن كانتا في بيتين أو في دارين فالأمر واضح، وإن كانتا في بيت
الفقه وأصوله
٤٠٥
واحد لزمه أن يفصل بينهما بفاصل من نحو ما ذكره السائل، غير أنه لابد أن يكون الحائط صفيقا، بحيث لا تسمع منه إحدى الضرتين ما يقع من الزوج مع الضرة الأخرى مما هو مثار الغيرة بينهما، ولأنه يجب ستر ما يقع بين الزوجين ولو عن زوجةٍ أخرى ،وأَمَة هذا كله على مذهب الإمام مالك، وإنما اقتصرنا عليه لأنه ليس بالمغرب مذهب غيره، والله أعلم.
حول أحكام النكاح
س ٥٤٣ - رجل عنده خالة متزوّجة وأراد زوجها أن يتزوج عليها ووافقت له أن يتزوج بنت ولد أختها، هل هو جائز شرعا أم لا؟ ج ٥٤٣ - لا يجوز أن يعطي الرجل بنته لزوج على خالته . س ٥٤٤ - سئل عن رجل تزوج امرأة كبيرةً، ثُمَّ أراد أن يتزوج، فزوجته امرأته بنت أختها وعَقَدَ عليها ودخل بها وطلق زوجته الأولى.
ج ٥٤٤ - فأفتى بأنَّ هذا العقد فاسد وباطل شرعا، وأنه إن عمل أولادًا مع تلك المرأة الثانية فهم أولاد ،زنا، ويجب عليه أن يبتعد عنها ويستبرئها
بثلاث حيضاتٍ إن أراد أن يتزوج بها، ولولا الشبهة لكان يُرجم.
س ٥٤٥ - سؤال : الرجل يتزوج الأجنبية اليهودية أو النصرانية؟ ج ٥٤٥ - أفتى: لا يجوز في تاريخنا هذا أن يتزوج المسلم بالأجنبية؛ لأن كثيرا من الناس تزوجوا وصار أولادهم يهودًا أو نصارى وقال أيضًا ! الكفار الآن الموجودين على وجه الأرض كلهم محاربون للمسلمين والإسلام.
يجوز؟
س ٥٤٦ - سؤال أيضًا: رجل وطئ امرأة في زنى ثُمَّ تزوج ابنتها هل
٤٠٦
فتاوى وأجوبة
ج ٥٤٦ - أجاب مذهب الحنفية والمالكية يمنعون ويقولون حرام، والشافعية يُجيزون ويقولون إنَّ الماء الفاسد لا يُعتبر.
ورجح المنع لأنه اطلع على فرج الأم وبنتها، وسيترتب عليه مفسدة قبيحة. س ٥٤٧ - وسئل أيضًا عن الرجل الذي يمنع زوجته أن تلتقي بزوج بنته
وهو صهره وصهر زوجته معا.
ج ٥٤٧ - فقال: يجوز أن يلتقي بها؛ لأن الله يقول: وَأُمَّهَاتُ نسابكم [النساء: ۲۳] فهي من المحرمات عليه، لكن إذا كان هذا الرجل لا يخاف الله وليس من أهل المروءة فيجوز أن يمنعه من اللقاء بها، ولكن لا يُعمم هذا الحكم، وإن منعها فإنه قد فعل حراما.
س ٥٤٨ - وسُئل أيضًا عن رجلٍ مُتزوّج بامرأة وله بنات وذكور، وله بيتان فقط، ماذا يفعل ينام الأولاد بعضهم مع بعض، الذكور والإناث، أم ينام الإناث معه؛ لأن زوجته ليست أمهم وتمنعهنَّ من النوم معها في بيت زوجها.
ج ٥٤٨ - أجاب الشيخ: لا ينام الإخوة بعضهم مع بعض؛ لأنه منهي -
شرعًا، وقد حصل أن حبل الأخ أخته.
عنه
س ٥٤٩ - وسئل أيضًا عن رجل قالت له امرأته: إنَّ أباه وطئها وسأل هو الأب فأنكر، وقال ما فعل أبدًا هذا الفعل فطلقها، وبعد ذلك حكمت المحكمة بالعدة والتمتيع والنفقة وأتى يسأل هل يجوز له أن يردها أم لا؟
ج ٥٤٩ - أجابه: يتزوجها ولا شيء عليه. س ٥٥٠ - وسُئل أيضًا أنَّ رجلا ماتت له امرأة وتركت له ولدا ذكرًا ثُمَّ
الفقه وأصوله
٤٠٧
تزوج امرأة أخرى و أتت ببنت لها من رجل آخر، فهل يجوز لابنه أن يتزوج من هذه البنت؟.
ج ٥٥٠ - فأجاب: إن كانت البنت لا زالت في الرّضاع لا يجوز للولد أن يتزوج بها، وإن كانت فاتت سنَّ الرَّضاع فيجوز له أن يتزوجها؛ لأنها إن كانت في سن الرضاع فتكون أختا له وإلا فلا.
س ٥٥١ - وسئل أيضًا أنَّ رجلًا قالت له امرأته إنها ستذهب إلى دار أمها، ولقد لحقها ليلًا فلم يجدها في دار ،أمها، وقالت له أمها إنها ذهبت في المساء وبحث عليها في عدة أماكن فلم يجدها، وعند الصباح في الساعة الثامنة جاءت لدار زوجها وأخبرته أنها كانت عند بعض العائلة، وقد سبق له أن بحث في هذا المحل، ثُمَّ صارت تخترع الكذب عندما افتضحت. فهو يسأل هل يطلقها وعنده معها بنت صغيرة جدا أم ماذا يفعل؟
ج ٥٥١ - فأجابه الشيخ: يستبرؤها بحيضة ليتحقق أنَّ رحمها فارغ؟ س ٥٥٢ - وسُئل أيضًا عن رجلٍ يسكن في محل ضيق يجتمع فيه الزوجة والزوج والأم والأب والأخ والأخت على مائدة واحدة في الطعام، ولكن زوجته مستورة لا يظهر منها إلَّا الوجه والكفين هل هذا جائز شرعا أم لا؟ ج ٥٥٢ - فأفتى بالجواز مادامت مستورةً، ولكن إذا لم تكن مستورة فلا
يجوز.
س ٥٥٣ - وسُئل أيضًا أنَّ رجلًا تزوج امرأة أخيه على أنها بنت بكر عذراء، وعندما دخل بها وجدها ،مفتضّة، واستعطفته على أن يسترها، وعندما سترها مرت عليها ست أشهر فولدت وعند ذلك اعترفت أن الذي افتضها
٤٠٨
فتاوى وأجوبة
هو أخوه، وأخوه جاء عند فقيه يطلب التوبة من ذلك العمل الخطير. ج ٥٥٣ - فأفتى الشيخ بأن الولد ينسب للرجل المتزوج وهو ابنه، وألا يسمع لكلامها وكلام أخيه؛ لأن المرأة أتت بالحمل على الوجه الشرعي وهو ستة أشهر، فلو أتت به أقل من ستة أشهر لكانت تعتبر زانية ويفسخ العقد،
وقد حكم بهذا عمر اتباعًا لقول الله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف: ١٥] لأنَّ مدَّة الرضاع سنتان وهي قول الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ [البقرة: ۲۳۳] بقيت مدة الحمل ستة أشهر. بهذا أفتى رضى الله عنه.
س ٥٥٤ - وسُئل أيضًا عن رجل تزوج بامرأة رضعت مِن أُمه مع أخته مرَّةً
واحدة.
ج ٥٥٤ - فأفتى بمذهب الشافعية وهو لابد من خمس رضعات
معدودات.
س ٥٥٥ - وسُئل أيضًا عن رجل وطئ امرأة في الزنا وحملت منه ثُمَّ أكره
قانونا على التزوج بها وعقد عليها وهي حامل وعمل معها ثمانية أولاد. ج ٥٥٥ - فأفتى بأن هذا العقد فاسد وهؤلاء الأولاد أولاد زنا؛ لأن العقد على المرأة وهي حامل لا يجوز حتى تضع الحمل.
س ٥٥٦ - وسُئل أيضًا عن رجل في قبيلة «بني جرفط» تزوج بامرأةٍ ثُمَّ تزوج عليها بامرأة أبيها وجمع بينهما هل هذا جائز أم لا؟
ج ٥٥٦ - فأجاب بالجواز ولا شيء فيها.
الفقه وأصوله
٤٠٩
س ٥٥٧ - وسُئل أيضًا عن زوجةٍ مريضةٍ هل يجب على الزوج أن يعالجها وينفق عليها من ناحية الدواء، وإن أدَّى الحال إلى العملية وتكون هذه المساعدة من لوازم النفقة أم لا؟
ج ٥٥٧ - فأفتى بأن كل هذه المساعدة من لوازم النفقة؛ لأنه لا يتمتع بها
وهي مريضة أو مصابة بالألم فلهذا تكون هذه الأشياء تابعة للنفقة
لوازمها.
ومن
س ٥٥٨ - وسئل أيضًا عن رجل تزوج بامرأة على خالتها وجمعهما في عقد واحد وعصمة، وعمل مع بنت الأخت الأولاد هل هؤلاء الأولاد يلحقون بأبيهم أو أولاد زنا؟
ج ٥٥٨ - فأفتى بأنهم أولاد زنا ولا يلحقون بأبيهم ولا يرثونه، ولا شبهة
في هذا العقد؛ لأن الإجماع وقع على أنَّ العقد فاسد وباطل. س ٥٥٩ - وسُئل أيضًا عن فقيه يعظ النساء يجلسن أمامه متحجبات بلا سترة ولا حجاب بينه وبينهنَّ.
ج ٥٥٩ - فأفتى بالجواز، والدليل في ذلك هو أنَّ الرسول وعظ النساء وحدهنَّ وأمر هنَّ بالصدقة وبلال يجمع منهنَّ ويعمل في حجره.
وأما الآية وهي قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَنَعًا فَسْتَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حجاب [الأحزاب: ٥٣] فهي خاصة بأزواج الرسول، وأما منع أزواج الرسول من النظر للأجنبي فهو خاص بهنَّ. وأما جميع المؤمنات فيجوز لهنَّ النظر ولكن مع غض الطرف من الرجل
فتاوى وأجوبة
والمرأة كما أمرت الآية: قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [النور: ٣٠]
وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ ﴾ [النور: ٣١].
س ٥٦٠ - وسُئل أيضًا عن رجل جامع زوجته بعدما ماتت وغسلت.
ج ٥٦٠ - فأفتى بأن الرجل فعل حراما.
ويقول الدردير شارح "المختصر": «يعزر».
والشيخ عبد الله يقول : لا يعزر لأن العصمة قد انقطعت بالموت فيحل له أن يتزوج في الحال، والمرأة لا شيء عليها ولا تعاد بالغسل بل يغسل الفرج إذا
بقي فيه شيء من المني.
س ٥٦١ - وسئل أيضًا عن الرجل يصافح امرأة ابنه.
ج ٥٦١ - فأفتى بالجواز؛ لأنها تحرم عليه في الزواج فيجوز له أن
يصافحها.
س ٥٦٢ - وسئل أيضًا عن التزوج بالأجنبيات.
ج ٥٦٢ - فقال إنه حرام والعقد على الأجنبية باطل وفاسد، وهو عقد على محرم، فالأولاد يكونون أولاد زنا لا يلتحقون بأبيهم ولا يرثونه ولا يرثهم. س ٥٦٣ - وسُئل عن رجل له زوجتان هل يجامعهما في محل واحد تنظر إحداهما إلى الأخرى؟
ج ٥٦٣ - فأفتى بالمنع، لا بد أن يجامع كل واحدة على انفراد، لكن النوم معهما معا جائز لا بأس به، لكن يجامعها معا كل واحدة تنظر إلى الأخرى في
الجماع حرام.
الفقه وأصوله
طهارة البنت (الختان)
٤١١
س ٥٦٤ - هل طهارة البنت حرام أم حلال ؟
ج ٥٦٤ - طهارة البنت مكرمة عند المالكية وهو الخفاض، وقد ورد في الحديث أن أم عطية -صحابية معروفة - كانت تخفض النساء فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «اخْفِضي ولا تُنهكي» أي لا تستأصلي البظر بالقطع فإنه أَنْضَرُ للوَجْهِ وأَحْظَى عند الزَّوْجِ». ولكن في صحة هذا الحديث خلاف، والله أعلم.
سؤال في الزواج وجوابه
س ٥٦٥ - ما قولكم في شخص أراد أن يتزوج بابنة أختي، وبعد أن عقد عليها فعلا تُوفّيت قبل الدخول بها، وأراد ذلك الشخص أن يقترن بي ولي أخ يأبى على الزواج به، فهل لأخي أن يمانع في الزواج إذا أنا تزوجت منه بدون إذنه ؟ وهل له الحق في إيذائي إذا أنا تزوّجت أو إيذاء الزوج نفسه؟ وهل عليَّ بأس شرعًا أو عقلا أو عادة إذا أنا نفذت هذا الزواج؟ أرجو الجواب ولكم
الشكر.
ج ٥٦٥ - قال ابن رشد: اتفقوا على أنه ليس للولي أن يمنع موليته إذا دعت إلى كفء وبصداق مثلها، وأنها ترفع أمرها إلى السلطان فيزوجها ما عدا الأب».اهـ وقال ابن جزي في "القوانين الفقهية" ما نصه: «الفرع الرابع إن عضل الولي - أي منع المرأة - أمره السلطان بإنكاحها، فإن امتنع زوجها السلطان، وذلك إذا دعت إلى كفء وبصداق مثلها . اهـ
٤١٢
فتاوى وأجوبة
من هذين النصين يعلم حكم الصورة المسئول عنها، فإذا كان الزوج الذي يريد الاقتران بهذه المرأة كفوا لها فلا وجه لأخيها في منعه لها من الزواج به، بل يعتبر منعه لها في هذه الحالة كبيرة على ما صرح به ابن حجر الهيتمي في كتاب "الزواجر"، فيجب عليه أن يزوّج أخته من الزوج المذكور وإن كان صدر منه يمين بخلاف ذلك فليُكَفِّر عن يمينه، وإن أصر على امتناعه ولم يرضَ أن يزوجها ترفع أمرها إلى القاضي وهو يزوجها بدون إذنه ولا حق له أن يؤذيها ولا أن يؤذي زوجها فإن آذى أحدا منهما فهو عاص آثم.
وقد وقع نظير هذه القصة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فحكم فيها بنحو ما ذكرنا ففي صحيح البخاري" و "سنن أبي داود" و"الترمذي" عن معقل بن يسار قال: كانت لي أخت تخطب إلي فزوجتها من رجل ثم طلقها طلاقا له رجعة ثم تركها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إلي أتاني يخطبها فقلت له: زوجتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها ؟! لا والله لا تعود إليك أبدا. وكان رجلًا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه. فأنزل الله هذه الآية: ﴿وَإِذَا طَلَقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ﴾ [البقرة: ۲۳۲] الآية. قال: فكفرت عن يميني وزوجتها إياه.
فإذا تأملت في هذا الحديث الصحيح وجدته صريحا فيما قدمناه. والخلاصة أنه لا مبرر لهذا الرجل في منع أخته من الزواج بالزوج المذكور مهما كانت الأسباب والظروف، فليتق الله ولا يكن عونا للشيطان على أخته لا سيما وهي لم تطلب إلا خيرًا؛ فإنَّ الزواج سُنَّة سيّد المرسلين، وهو مع «
ذلك
الفقه وأصوله
٤١٣
يغض البصر، ويعف النفس، ويحفظ العرض والشرف، ويعين على إقامة شعائر الدين، وحسبك قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «إذا تزوج العبد فقد استكمل نِصْفَ الدِّين فليتق الله في النصفِ الباقي». رواه البيهقي عن أنس
وبالله التوفيق.
آداب الزوجية
س ٥٦٦ - ولما وفقني الله تعالى للزواج سألته عن آداب الزوجية؟ وسألته
عن كتاب سَهْلِ يوضّح حقوق الزوجين بالأدلة من الكتاب والسنة ؟ ج ٥٦٦ - ومِن آداب الجماع أن يُسمِّي الله عنده ويقول: «اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطانَ ما رَزَقْتَنا». ويُقدِّم شيئًا من الملاعبة، وألا ينظر إلى فرج امرأته لا حالة الجماع ولا بعده، فإنه وإن كان النظر إلى فرجها جائزا إِلَّا أنه خلاف المروءة ويورث في الذرية وقاحة.
وكذلك لا ينبغي للزوجين أن يتجرَّدا من ثيابهما حالة الجماع بل يستتران ويلتزمان السكينة، وإذا قضى الرجل شهوته قبلها فلا يعجلها ولينتظر حتى تقضي شهوتها.
ومن حق المرأة على زوجها ألا يقصر في إطعامها وكسوتها حسب استطاعته، وأن يُنبهها إذا أخطأت بلطف، وإذا فعلت ما يوجب عقابها فليعظها أولًا ثُمَّ ليهجرها في الفراش ثانيًا، ثُمَّ ليضربها ضَرْبًا غير شديد، لكن لا يضربها على الوجه ولا في المواضع الخطرة، ولا يقبح وجهها ولا يعبس فيها، وله أن يهجرها في الكلام إذا اقتضى الحال إلى غاية شهرٍ .
ومن حقه عليها ألا تمنع نفسها عنه إلَّا لعذر شرعي كالحيض، وألا تدخل
٤١٤
. فتاوى وأجوبة
في بيته أحدا لا يريده ولو كان أباها مثلا، وألا تتصدق بنقوده إلا بإذنه، أمَّا الطعام فلها أن تتصدَّق به ويكون الثواب مشتركًا بينهما، وألا تصوم التطوع إلا بإذنه، وألا تخرج من البيت إلا بإذنه كما يجب عليها القيام بشئون البيت وإتمام الراحة للزوج.
وكتاب أحكام الزوجين لا يوجد بالوصف الذي تريده، لكن توجد كتب في هذا الموضوع بالذات تذكر فيها الأحكام الفقهية مجردة عن الدليل على عادة الفقهاء، وأغلبها للشافعية.
حكم مجامعة الرجل امرأته وهي مكشوفة كلها
س ٥٦٧ - هل يجوز أو يحرُمُ أو يكره للرجل أن يجامع امرأته وهي مكشوفة كلها؟
ج ٥٦٧ - جوابه : نعم يجوز له ذلك مع امرأته وأمَتِه، لأنَّ الشارع أباحَ الاستمتاع بجسم المرأة والأمة ولم يقيَّد ذلك بنوع خاص من الاستمتاع، كما أنَّه لم يُوجب على الرجل أن يجامع امرأته وهي مستورة ولا ندبه إلى ذلك، فمن حرم ذلك أو كرهه فقد أتى سُخفًا من القول، وإن رأيت أحدًا من الفقهاء نص
على كراهة ذلك فاحمله على الكراهة الخفيفة التي هي خِلافُ الأولى. وقد ورد حديث يقتضي منع نظر الرجل إلى فرج امرأته، ونص الحفاظ
على أنَّه موضوع.
والحاصل : أنَّ مجامعةَ الرَّجل لامرأته مكشوفة كلها من الاستمتاع المباح
الذي لا إثم على فاعله البتَّةَ ، فمن ادعى خلاف ذلك فليأتِ بالدليل.
الفقه وأصوله
210
حكم الزواج على المرأة الشريفة
س ٥٦٨ - وسألته عن جواز الزواج على المرأة الشريفة؟
ج ٥٦٨ - وأمَّا الزواج على الشريفة فالذي يظهر أنه جائز، وأنَّ المنع منه خصوصية لفاطمة عليها السلام، لكن مع جوازه ينبغي تركه أدبا وحفظاً لقلب الشريفة من التغير، فقد روى الطبراني بإسناد لا بأس به، أنَّ الحسن ابن الحسن والد عبدالله الكامل بعث إلى المسور يخطب ابنة له فقال : قل له يوافيني في وقت ذكره. فلقيه فحمد الله المسور وقال : ما من سبب ولا نسب ولا صهر أحبُّ إليَّ من نسبكم وصهركم، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «فاطمةُ شُجْنَةٌ مِنّي، يَبْسُطُني ما بَسَطَها، ويَقْبِضُنِي مَا قَبَضَها، وإِنَّهُ يَنْقَطِعُ يومَ القِيامَةِ الأنساب والأسبابُ، إِلَّا نَسَبي وسببي». وتحتك ابنتها فلو زوجتك قبضها ذلك، فذهب الحسن عاذرا له وكان الحسن متزوجا بشريفة من بنات عمه فلذلك اعتذر المسور من تزويجه للعلة التي أبداها.
والمسور بن مخرمة هو ابن أخت عبدالرحمن بن عوف، رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو صغير وسمع بعض حديثه، فهو صحابي صغير. حكم الزواج بفتاة ستراً عليها
س ٥٦٩ - وعلمت بزلّة فتاةٍ من أسرة كبيرة فعرضت على أحد إخواني
الزواج بها سترا لها، وأرسلت لسيادته أسأله عن حكم ذلك شرعًا؟ ج ٥٦٩ - فأجاب بما نصه: وزواج الفتاة التي أشرت إليها فيه خير كثير، ويصدق على متزوّجها بنيَّة سترها قوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «وَمَن سَتَرَ
٤١٦
فتاوى وأجوبة
مُسْلِما سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنيا والآخرة». وقد حصلت هذه الحادثة عندنا في طنجة لفتاة من أسرة طيّبة غُرّر بها فزلت، ورفع أمرها إلى مولانا الوالد فزوجها في
الحال سَيّرًا عليها؛ لأن والدها كان من صلحاء الشاذلية.
نعم، ينهى عن زواج المعروفة بالزنا إذا لم تتب كما هو مقرر في كتب الفقه.
لبس الذهب والحرير للرجال
س ٥٧٠ - هل الذهب والحرير حرام للرجال أم حلال ؟
ج ٥٧٠ - الذهب والحرير حرام على الرجال إلا في مسائل خاصة وهي: ربط السن بالذهب، وتحلية السيف والمصحف، والأنف إذا قطع يجوز استعمال بدله من الذهب. وكذلك الحرير يحل استعماله لمن أصيب بالجرب أو كثرة القمل كما ورد في الحديث، وفي غير هذه المسائل لا يصح استعمال الذهب والحرير للرجال، والله أعلم.
حكم مصافحة النساء
س ٥٧١ - وسألته عن حكم مصافحة النساء.
ج ٥٧١ - فقال سيادته ومصافحة النساء الأجنبيات حرام عند كثير من الفقهاء، لأنها ربما تؤدي إلى ما هو أعظم منها، والذي يقتضيه الدليل أنها تكره، إلَّا إذا قصدت الشهوة فتحرم؛ لأن بعض الصحابيات كن يخرجن في الغزوات مع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يضمدن الجَرْحَى - أي يربطن جراح المصابين بخرقةٍ ونحوها ليمتنع نزيف الدم- وهذا ثابت في "صحيح البخاري" وغيره.
الفقه وأصوله
٤١٧
ومبايعة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بالكلام دون المصافحة لا يدل على تحريم مصافحتهن حسب قواعد علم الأصول، بدليل أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يدخل على أم حرام يأكل عندها وتفلّي رأسه كما في "الصحيحين" ولو كان اللمس بدون شهوة حرامًا لما تركها تلمس رأسه وتفليه، مع أن التفلية فيها لمس كثير كما هو معروف.
والحاصل أنَّ مصافحة النِّساء بدون شهوة لا تحرم؛ لأن كفها غير عورة، نعم يحرم لمس شيء من جسدها غير الكفّين لأنه عورة كما يحرم النظر إليه، وعليه تحمل الأحاديث الواردة في تحريم اللمس، ولكنه معصية صغيرة كما قال
ابن عباس رضي الله عنهما وكلامه في "صحيح البخاري". استدراك: حكم مصافحة النّساء حكمتُ بكراهتها ثُمَّ تبيَّن لي أنها حرام
كما ذهب إليها جمهور الفقهاء.
معنى التفريق بين الأبناء في المضاجع
س ٥٧٢ - وسألته . عن معنى التفريق بين الأبناء في المضاجع كما ورد في
حديث الأمر بالصلاة؟
ج ٥٧٢ - فأجاب سيادته بما نصه والتفريق بين الأبناء في المضاجع يراد به التفريق بين الذكور والإناث، بحيث لا ينام الولد مع أخته في فراش واحد. هل الغيلة حرام؟
س ٥٧٣ - وسئل عن تحريم الغيلة؟ وهي جماع الزوجة أثناء إرضاع طفلها
الصغير.
ج ٥٧٣ - وتحريم الغيلة لأجل الطفل، فإذا لم يتضرر بها فلا تحرم، وجاء
٤١٨
فتاوى وأجوبة
حديث بعدم تحريمها.
هل صوت المرأة عورة؟
س ٥٧٤ - وسُئل: هل صوت المرأة عورة؟
ج ٥٧٤ - وصوت المرأة ليس بعورة لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَنَعًا فَسَتَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب: ٥٣] وأجاز الشارع للمرأة أن تمارس البيع والشراء وغير ذلك من العقود، وأوجب عليها أن تتعلم الضروري مِن أمور دينها وحياتها الزوجية، وأجاز أن تكون شاهدةً، قال الله تعالى:
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة: ۲۸۲] وكان عبدالله بن جعفر وبعض الصحابة يسمعون غناء مغنية معروفة بالمدينة، وقراءة المرأة للقرآن جائزة، لكن لا تقرأ وهي حائض. ما تحل به المرأة لزوجها الأول
س ٥٧٥ - وسُئل: هل الإيلاج من الزوج كاف في تحليل المرأة لزوجها
الأول؟
ج ٥٧٥ - وحديث عائشة في امرأة رفاعة التي قالت عن عبدالرحمن بن الزبير: «ما معه إلَّا مثل هُدِّبَةِ الثوبِ». وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: حتَّى تَذُوقي عُسَيْلَتَهُ ويَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ. يفيد أن الإيلاج كافٍ في التحليل، وعليه عامة الفقهاء غير الحسن البصري فإنه اشترط الإنزال وهو شاذ؛ لأن
الإيلاج يوجب الحد والمهر، ويُفسد الصوم والحج ولو لم يحصل إنزال. فالعسيلة: هي الإيلاج بانتشار، وهو الذي تتلذذ به المرأة، وتلك الزيادة
الفقه وأصوله
٤١٩
التي فيها أنها أتت النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فقالت: «يا رسول الله، إنه كان مَسَّني، فقال صلى الله عليه وآله وسلَّم: «كُذِّبْتِ بقولك الأول، فلن أصدقك.... إلخ. معناها: أنَّ المرأة كذَّبت نفسها في قولها أوَّلا: «ما معه إلَّا
مثل هدبَةِ الثوب». وأنه كان قد جامعها جماعًا صحيحًا لكنها كذبت عليه التشينه؛ لأنها لا تحبه، على أنَّ تلك الزيادة ضعيفة لا تقوم بها حُجَّةٌ.
مدة استبراء السبايا
س ٥٧٦ - ما مدة استبراء السبايا؟
ج ٥٧٦ - استبراء المسبيَّة يكون بحيضة كما جاء في الحديث، والحيضة تكفي في براءة الرَّحِم، ولم يكتف الشارع بها في عِدَّة المطلقة لأجل أن يعطي لزوجها فرصة مراجعتها إذا أراد.
والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم لم يدخل بصفية حتى حلت بطهرها من حيضة، كما في "البخاري". وقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في سبايا أوطاس: «لا توطأ حامل حتَّى تَضَعَ، ولا غير ذات حَمْلٍ حَتَّى تحيض حَيْضَةٌ». رواه أبو داود. س ٥٧٧ - مات زوج قبل أن يدفع لزوجته مهرها، فهل لها أن تأخذ من ميراثه؟ وجهاز المنزل كان هو القائم به، فهل هو لها كذلك أم لا؟ ج ٥٧٧- إذا مات الزوج استحقت الزوجة المهر
كله؛ لأنه حقها ولا
يدخله ميراث، أما الجهاز فترث ربعه ويأخذ أهل الميت باقيه، وهذا عند
المالكية الذين يعتبرون الجهاز ملكًا للزوج يورث عنه.
٤٢٠
فتاوى وأجوبة
هل للعبد الرقيق أن يتزوج مالكته
س ٥٧٨ - هل للعبد الرقيق أن يتزوج مالكته؟ ج ٥٧٨ - المقرر في الفقه أنَّ الرقيق يحرم عليه أن يتزوج مالكته فهي بالنسبة
إليه من المحارم، ولهذا كانت عائشة تصلي خلف عبدها ذكوان. يقول عروة بن الزبير: إنّ ذكوان غلام عائشة كان يؤم قريشا وخلفه
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق؛ لأنه كان أقرأهم للقرآن.
وقال عبدالله بن أبي مليكة كانت عائشة مجاورة بين حراء وكبير - يعني بمكة - فكان يأتيها رجالات قريش فإذا حضرت الصلاة أمنا عبدالرحمن بن
أبي بكر، فإذا لم يحضر عبدالرحمن أمنا فتاها ذكوان.
وما رواه البيهقي : أنَّ عائشة كانت تؤذن وتؤمُّ النِّساء وتقف وسطهنَّ. ليس ذلك بصفة مستمرة، كما أن إمامة عبدها ذكوان لم تكن بصفة مستمرة.
الحلف بالطلاق على شرب الدخان
س ٥٧٩ - حلفت بالطلاق إني لا أشرب الدخان وشربته وحلفت ثانيا وثالثا فهل لي مندوحة لرجوع زوجتي أم لا؟ ج ٥٧٩ - الحلف بالطلاق ، بالطلاق عادة سيئة طالما أدت إلى وقوع مآس زوجية خربت البيوت وشردت الأولاد، وربما اتصل الزوج ببعض المتساهلين في أمور الدين ليرد له اليمين لقاء أجرٍ زهيد فيعيش الزوجان في حرام، وهما يعتقدان أن عيشهما حلال. ولهذا أثر ظاهر في فساد الذريَّة كما لا يخفى، أما الحلف بالطلاق على عدم
الفقه وأصوله
٤٢١
فعل شيء أو فعل شيءٍ تعتبره المحاكم الشرعية الآن غير يمين ا استنادًا إلى بعض الآراء التي ترى أنَّ الحلف بالطلاق إنما يقصد به التهديد، أو الامتناع ولا يقصد به الطلاق، فلا يقع الطلاق إذا حنث فيه، فعلى هذا يجوز للسائل أن تستمر معه زوجته ولا داعي إلى عملية رجوع اليمين؛ لأنه ليس بيمين كما قلنا بالنسبة إلى الرأي المذكور.
ومع هذا فإني أنصح للسائل أن يقلع عن هذه العادة السخيفة التي تعرّضه في حياته الزوجية إلى عيشة حرام.
رجل شرب لبن امرأته غلطا هل تحرم عليه
س ٥٨٠ - وسُئل رضى الله عنه عن رجل شرب لبن امرأته غلطا هل تحرم عليه بسبب هذا اللبن أم لا؟
ج ٥٨٠ - فأجاب رضى الله عنه : لا تحرم عليه؛ لأن الرضاع المحرّم هو الذي يكون داخل الحولين كما قال الله: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كاملين [البقرة: ۲۳۳] والرّضاع بعد الحولين لا يحرم، وهذا رأي الجمهور إلَّا عائشة وبعض الصحابة منهم عروة بن الزبير وبعض التابعين.
حول أحكام الطلاق
س ٥٨١ - وسئل عن رجل قال لزوجته: سأطلق سأُطلق، وهو يهودي إن
جامعها. ماذا يترتب عليه؟
ج ٥٨١ - فأفتى أنه لا تُطلق عليه، ويلزمه استغفار وتوبة من هذه الكلمة
الخطيرة وهو قوله: يهودي.
٤٢٢
. فتاوى وأجوبة
س ٥٨٢ - وسُئل أيضًا عن شخص طلق امرأته الطلقة الأولى وكتب العدول الرجعة، وطلق الثانية ولم يكتبها العدول، ثُمَّ طلق الثالثة فلم يكتبها
أيضًا.
ج ٥٨٢ - فأفتى أنها تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره . س ٥٨٣ - وسُئل أيضًا أنَّ رجلًا كانت عنده امرأة متزوج بها وهي تدخل لدار الجيران باستمرار، ويوما قال لها إن وجدتك عندهم مرَّةً أخرى لابد أن أوصلك لداركم، وإن لم أوصلك لداركم فهو يهودي. وعندما سُئل هل قصد الطلاق أم لا؟ أجاب أنه لا يعرف شيئًا من هذا ولا يعرف الكناية ولم يقصد شيئًا. ج ٥٨٣ - أجاب الشيخ رضى الله عنه أنه لا يلزمه شيء ويستغفر الله من قوله إنه يهودي لأنها كلمة خطيرة .
س ٥٨٤ - وسُئل أيضًا عن رجل في ناحية البرج مهنته «غياط»(۱) وقع له
نزاع مع أصحابه فقال عليه «بأثلاث مثلث (۲) لا يشتغل معهم. ج ٥٨٤ - فأفتى بأنه لا يلزمه شيء، وبعض العلماء أفتى له أنه يطلق امرأته ثُمَّ يُراجعها.
س ٥٨٥ - وسُئل أيضًا عن رجل قال لزوجته: أنت طالق ثلاث مرات. وبعد ذلك أتى إليها وجامعها.
ج ٥٨٥ - فأجاب بأن جماعه لها يعد رجعة، ولا يشترط الإشهاد، ويبقى
يملك فيها طلقتين ولا شيء عليه.
(۱) بالدارجة وتعني زامر.
(۲) صيغة تأكيد لطلاق الثلاث في الدارجة.
الفقه وأصوله
٤٢٣
- نطلقك»(۱) و س ٥٨٦ - وسئل أيضًا عن رجل قال لزوجته: «غدى نطلقك» (۱) ولكن عندما ذهب لعند العدلين وقع التدخل وقال له العدلان: لا تقل تلك الكلمة؟
وتأخر لأمور، هل تحسب عليه طلقة أم لا؟
ج ٥٨٦ - فأفتى لا تحسب عليه ولا شيء عليه وإن كانت نيته الطلاق . س ٥٨٧ - وسُئل أيضًا عن رجلٍ من الحسيمة كتب رسالة وقع له خصام مع ولد أخيه ثُمَّ قال إن دخل دار أخيه فامرأته طالق طلاق الثلاث، ماذا
يلزمه ؟
ج ٥۸۷ - فأفتى تلزمه طلقة واحدة إن كانت هذه الطلقة الأولى أو الثانية، وإذا صادفت الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
س ٥٨٨ - وسُئل أيضًا عن رجل كان يصلي فجاءت زوجته وأخذت منه
دراهيم وهو في الصلاة، وعندما انتهى غضب وقال: والله حتى نطلقك. ج ٥۸۸ - فقال : تلزمه كفارة يمين ولا يلزمه الطلاق لأن لفظه أنه سيطلق فيما
بعد.
س ٥٨٩ - وسئل عن رجلٍ غضب مع زوجته وقال إن لم يُطلقها لا يشفع فيه الله، ماذا لزمه عن هذه المقالة؟ ج ٥٨٩ - فأفتى بأنَّ هذا القول وهو: «لا يشفع فيه الله» لا يجوز أن يقولها فإنها قولة قبيحةً، والحكم أنه يستغفر الله ويتوب ويتصدق، ولا شيء عليه،
وزوجته غير طالق عليه.
(1) بالدارجة وتعني: سوف أطلقك.
٤٢٤
فتاوى وأجوبة
س ٥٩٠ - وسُئل أيضًا عن رجل قال لزوجته إن أتيت لي بشيء من إرث
عائلتك «سأسالي معك»(۱)، وهذه العبارة هل تفيد الطلاق أم لا؟
ج ٥٩٠ - فقال : لا تفيد الطلاق في شيء فزوجته لا زالت في عصمته. س ٥٩١ - وسُئل أيضًا عن رجل زنا بامرأةٍ ثُمَّ تزوجها ولم يستبرئها، ثُمَّ طلقها ثُمَّ تزوجها ثُمَّ طلَّقها ثُمَّ تزوّجها ثُمَّ طَلَّقها، ثُمَّ أراد بعد هذا الطلاق أن يتزوجها هل هذا الطلاق الأول يعتبر طلاقًا أم لا؟
ج ٥٩١ - فأفتى بأنَّ هذا الطلاق الأول لم يصادف محله لأنها لم تكن زوجة شرعية ولم يكن ذلك العقد صحيحًا شرعًا حتى يصادف الطلاق محله فعدته في
هذه المرأة طلقتان فقط بقي له طلاق واحد فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا
غيره. س ٥٩٢ - وسئل أيضًا عن رجل كان غائبا فسأله شخص عن غيبته فقال كنت عند الوالدة في البادية، فقال له كم لك من أم؟ فأجابه واحدة في البادية وأخرى في الحاضرة، يقصد بها الزوجة، فأفتى عالم وهو بومغايث خطيب جامع المصلى أن المرأة حرمت عليه لأنه اعتبره ظهارًا.
ج ٥٩٢ - والشيخ عبد الله أفتى : لا بأس به ولا يلزمه شيء. س ٥٩٣ - وسُئل أيضًا عن رجل وقع له سوء التفاهم مع خال زوجته وعندما عصبه قال له نلتقي عند العدول غدًا، ولم يتكلم بطلاق لا تصريحا ولا
إشارة.
ج ٥٩٣ - فأفتى لا يلزمه شيء.
(۱) كلمة دارجة تستعمل بمعاني متعددة، وتعني هنا: سأنهي علاقتي بك.
الفقه وأصوله
من أحكام الظهار
س ٥٩٤ - هل أحكام الظهار لا يُعمل بها الآن لجهل العامة بها؟
٤٢٥
ج ٥٩٤ - متأخر و الفقهاء تفلسفوا فقالوا: إنَّ العامة في هذا الزمان لا
يعرفون معنى الظهار كما تقصده العرب ولا يفهمونه، فلا يلزمهم حكمه المصرح به في (سورة المجادلة). ثُمَّ اختلفوا كيف يكون حكمه؟ فمنهم من اعتبره كناية؛ إن قصد به الطلاق وقع، وإن لم يقصد لم يقع. ومنهم من اعتبره تحريما للزوجة وألحقه بقصة مارية، فأوجب فيه الكفارة لقوله تعالى : قد فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَنِكُمْ ﴾ [التحريم: ٢] ومنهم من شبهه بتحريم الشخص على نفسه أكل اللحم مثلا، فقال: لا كفارة فيه، لأنه تحريم لاغ. هذا منشأ الخلاف وهم في هذا مخطئون؛ لأنهم أبطلوا حكم النص بالاجتهاد، وهو غير جائز.
حكم قتل الزاني والزانية وقت التلبس
س ٥٩٥ - شخص وجد أخته متلبسة بجريمة الزنا وهي متزوجة فقتلها وقتل الزاني بها وهو متزوج أيضًا، فما حكمه؟
ج ٥٩٥ - الشخص الذي يجد أخته أو امرأته متلبسة بالزنا فالواجب عليه أن يقيم البينة، ليقوم الحاكم بإقامة الحد الشرعي في ذلك، فإن تعجل بالقتل في
هذه الحالة وجب عليه القصاص عند الجمهور.
وقال بعض العلماء: لا يجب القصاص؛ لأنه في حالة دفاع عن العِرْضِ،
واستدل هذا البعض بحديث: كَفَى بِالسَّيْفِ شَا» ( أي شاهدًا).
والصحيح قول الجمهور، وكان عمر رضي ا الله عنه في هذه الحالة يقتص
٤٢٦
فتاوى وأجوبة
من القاتل ويدفع الدية لأهله سِرًّا، وليس على القاتل في الحالة المذكورة عقوبة
في الآخرة، والله أعلم.
هل لولي الدم أن يقتص ممن ظلمه بنفسه
س ٥٩٦ - إذا انعدم الحاكم بالشريعة الإسلامية فهل لولي الدم أن يقتص ممن ظلمه بنفسه ؟ وإن لم يستطع فهل له أن يؤجر مَن يَقْدِر على القصاص أم يهاجر إلى بلدة تحكم بالشريعة الإسلامية؟
ج ٥٩٦ - لا يجوز لولي الدم أن يقتصَّ بنفسه ولا أن يؤجر على ذلك لما في هذا العمل من الفوضى والاضطراب والإخلال بالأمن العام، والشرع الإسلامي فوّض إقامة الحدود إلى الحكام المسئولين ولم يتركها فوضى ليقوم بها أفراد الناس، فإذا انعدم الحاكم الشرعي وجب على الشحيح بدينه أن يهاجر إلى بلد إسلامي تقام فيه الحدود وتصان فيه الدماء حسب ما أمر الله. وإنما يجوز للشخص أن يقتل ظالمه في حالة الدفاع عن نفسه أو ماله أو عِرْضِهِ، على أن يتفادى في دفاعه القتل ما أمكن إلَّا إذا اضطر إليه اضطرارا،
والله أعلم.
س ٥٩٧ - سؤال آخر : الشخص الذي يقتل إنسانًا في حادثة السير خطأ. ج ٥٩٧ - عليه الدّية والصِّيام، فإن لم يستطع الصيام فإطعام ستين مسكينا.
فحكم الإطعام قياسًا على الظهار والجماع في رمضان. (۱)
س ٥٩٨ - وسُئل أيضًا عن الملاكمة يموت صاحبها.
(1) أفتى بهذا للسيد مصطفى العوامي يوم الأربعاء ٢٦ في شهر شوال سنة ١٤٠١ هجرية.
الفقه وأصوله
٤٢٧
ج ٥٩٨ - فقال: من مات في الملاكمة يموت مُنتحِرا، والقتل في الملاكمة والكرة وجميع الرياضة كله من هذا القبيل، فإنه يشبه العمد تكون فيه الدية
ا
.
مُغلظة؛ لأن القتل ينقسم إلى ثلاثة أقسام العمد، وشبه العمد، والقتل خطأ. والعمد فيه القصاص، وشبه العمد الدّية مُغلظة، والخطأ فيه الدية وعتق الرقبة
المؤمنة.
قتل الجماعة بالواحد
س ٥٩٩ - هل يجوز قتل الجماعة بالواحد؟
ج ٥٩٩ - قتل الجماعة بالواحد ليس متفقا عليه، ومعناه عند القائلين به: أن تشترك الجماعة في مباشرة ،القتل بأن يضربوه حتى يموت، أما المحرض على القتل من غير مباشرة، فلا يقتل، ولكن يُعزّر بالحبس أو غيره، والذي باشر قتل عمر أبو لؤلؤة وحده، والهرمزان محرّضُ ،ومتآمر، فلا يقتل، ولهذا طلب علي رضي الله عنه القصاص من قاتله.
س ٦٠٠ - وسئل أيضًا عن امرأة كانت في الشهر الثاني من الحمل فيها وحم على لحم الخنزير فأكلتها.
ج ٦٠٠ - فأفتى بالحرمة في أكلها لحم الخنزير فتتوب إلى الله وتستغفره. س ٦٠١ - وسئل أيضًا عن حيوان مأكول اللحم أرضع من جروة ولما كبر ذلك الحيوان ضحى به صاحبه بعض الناس أفتى بأنه حرام؛ لأنه أخو
الكلب.
ج ٦٠١ - والشيخ عبد الله أفتى بحله؛ لأنه ليس محرَّمًا أصلاً . س ٦٠٢ - وسئل أيضًا عن ذكاة الأبكم الذي لا يتكلم.
٤٢٨
فتاوى وأجوبة
ج ٦٠٢ - فأجاب: إذا كان مسلما تجوز ذكاته ولا شيء فيها، والآية التي تقول: فَكُلُوا مِمَّا ذُكر اسم اللهِ عَلَيْهِ ﴾ [الأنعام: ۱۱۸] وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ﴾ [الأنعام: ۱۲۱] قال: الآية في سياق المشركين والمسلم إن نسي التسمية ذكاته صحيحة وجائز أكلها.
س ٦٠٣ - وسُئل الشيخ عبدالله عن رجل مات له ثورٌ كبير فلم يذكه وأخذ جلده وباعه قبل دبغه
ج ٦٠٣ - فأفتى بالجواز اعتمادًا على ما في "البخاري". س ٦٠٤ - وسُئل أيضًا عن بقرة ضربت أختها وذُبحت المضروبة فوجد في بطنها جنين ميت.
ج ٦٠٤ - فأفتى بأن ذكاة أمه ذكاة الجنين يؤكل بلا ذبح.
س ٦٠٥ - وسُئل عن الكنور الذي يصنع في الدار البيضاء إما من دجاج أو الغنم أو البقر. ج ٦٠٥ - فأفتى بحليته وهو قد أكله في مصر .
أم لا؟
س ٦٠٦ - وسئل أيضًا عن رجل ذبح العقيقة قبل سابع الولادة هل هو جائز
ج ٦٠٦ - فأفتى لا بأس به.
موضع ذبح الحيوان
س ٦٠٧ - هل ذبح الحيوان قبل الجوزة يعد باطلا أم لا؟
ج ٦٠٧ - لا دليل على أنَّ الذَّبح يكون فوق الجوزة أو تحتها وقوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ما أَنْهَرَ الدَّمَ َوذُكِرَ اسم الله عليه فكُلْ، ليس السِّنَّ والظُّفْرَ».
الفقه وأصوله
٤٢٩
عام يشمل ما إذا كانت الجوزة تحت أو فوق.
حكم ذبيحة النصارى
جاءني كتاب من الأستاذ الفاضل صراوي الطاهر بن محمد الخروب بعمالة القسنطينة - الجزائر، يقول فيه بعد الديباجة نظرًا لثقتنا بفضيلتكم، ويقينا أنكم مرجع المسلمين لاستفتاء الأحكام الدينية، معولين على بيانكم للحكم في هاته المهمة، أتقدم إلى فضيلتكم بالسُّؤال الآتي ملتمسا الإجابة، مع نشره على صفحات مجلة الإسلام الغراء أرجوكم تحقيق آمالنا.
س ٦٠٨ - ما هو الحكم في ذبيحة نصارى زماننا؟ أتنطبق عليهم أحكام الإنجيل حتى يسموا بأهل الكتاب؟ وهل في الإنجيل شرط قطع الحلقوم والودجين أم لا؟ وهل يسمح الشَّرع العزيز بأكل لحوم وشحوم ذكاتهم أم لا؟ أفيدونا أبقاكم الله منارا للدين والسلام. ج ٦٠٨ - ذبيحة الكتابي وهو اليهودي والنصراني، حلال بإجماع العلماء كما قال الحافظ ابن كثير وغيره، ولا يشترط في تسميتهم بأهل الكتاب أن يكونوا متمسكين، بحيث تنطبق عليهم أحكام كتبهم كالإنجيل؛ لأنَّ الله سماهم أهل کتاب، ورتب على ذلك أحكاما كحل ذبائحهم، ونكاح نسائهم وغير ذلك، مع أنه أخبر في عدة آيات من القرآن أنهم بدلوا دينهم وحرَّفوا كتبهم، ولعنهم على ذلك لعنا كثيرًا، فكان في هذا إشارة إلى أنَّ المشترط في الكتابيين كونهم ينتسبون إلى كتب صحيحةٍ أُنزلت من : عند الله، وإن كانت تلك الكتب الآن محرفة مبدلة، بل ولو كانت صحيحة لما قبل منهم التمسك بأحكامها؛ لأنها منسوخة بالقرآن وأحكام الإسلام
٤٣٠
فتاوى وأجوبة
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَسِرِينَ [آل عمران: ٨٥]، وكذلك لا يشترط في ذكاتهم أن تكون على وفق أحكام التوراة والإنجيل، بل يشترط فيها أن تكون على وفق ذكاتنا الشرعية الإسلامية، ولهذا لا يجوز لنا أكل ما وقذوه (۱) مثلا بالإجماع، وإن أخبرونا أنه حلال عندهم؛ لأنَّ الوقد ونحوه ليس بذكاة شرعيَّة، ولقد أخطأ ابن العربي في هذا الموضوع في كتابه "الأحكام" خطاً شنيعا، حيث أجاز أكل الدجاجة التي يفتل عنقها النصراني فتموت بذلك، واحتج بأنَّ هذا طعامهم وطعام رهبانهم، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا، وقد ردَّ عليه علماء المذهب وفنّدوا كلامه بعدة وجوه، حتى قال العلامة البساطي شارح "المختصر": «اليت قوله هذا لم يخرج للوجود، ولا سُطّر في كتب الإسلام، ثمَّ جاء الشَّيخ محمد عبده في آخر الزمان فقلد هذا القول الخاطئ المنبوذ باتفاق علماء المالكية وغيرهم، وأجاز في فتاواه الترنسفالية أكل البقر الذي يضربه النَّصارى بالبلطة (٢) ثم يذبحونه بعد ذلك، وزاد من عنديَّاته في هذه الفتاوى إباحة لبس البرنيطة إذا كان لبسها لحاجة من حجب شمس مثلا، فكم جرَّت هذه الفتاوى المغرضة- وما أكثرها في كلام الشيخ محمد عبده - من ويلات على الإسلام لا يعلم مداها إلا الله، وسوف يكون حسابه عليها عسيرا إن لم يتداركه الله بعفوه.
ومع . هذا تجد طائفة من المفتونين يدعون له الاجتهاد المطلق، فأنعم باجتهاد
(۱) الوقد: الضرب بحجر ونحوه.
(۲) هي الشاقور.
الفقه وأصوله
٤٣١
تكون نتيجته مثل الفتاوى الترنسفالية !!! ولم يكن غرضنا أن نعرض لهذا لولا المناسبة مع ما نراه من المفاسد التي ترتبت على فتاوى الأستاذ الإمام! وإن شئت فقل: تساهلاته أو تلاعباته، وما شيوع ورق اليانصيب بالقطر المصري ذلك الشيوع الذي ليس بعده من شيوع، وولوع النَّاس به على اختلاف طبقاتهم، إلا نتيجة فتوى الأستاذ الإمام بجوازه، وقد تغالى الناس فيه حتى اتخذوه وسيلة للمشاريع الخيريَّة العامة فبنوا عن طريقه المستشفيات والملاجيء والمدارس فحق عليهم قول القائل:
بنى مسجدا الله من غير كده فكان بحمد الله غير موفق كفعل التي تزني وتبذل مالها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي
ولقد ناظرت مرَّةً بعض العلماء في هذا الورق، فكانت حجته على إباحته فتوى الأستاذ الإمام !! أمَّا الطَّامة فقد شاهدنا من حال كثير منهم وسمعنا من كلامهم، ما دلّنا على أنّهم لا يشكون في إباحته اعتمادًا على فتوى الأستاذ الإمام أيضا، وفتاواه التي من هذا القبيل يطول استيفاؤها، فلنرجع إلى ما كُنَّا بصدد الكلام عليه.
ذكرنا أنَّ المعتبر في ذبيحة الكتابي أن تكون موافقة لذكاتنا الشَّرعية فلا بدَّ إذا من قطع الحلقوم ،والودجين، ويُشترط مع ذلك في حل ذبيحته عند المالكية شروط ثلاثة: 1 - أن يذبح ما يحل له بشرعنا كالبقر والغنم، فإن ذبح ما ثبت تحريمه عليه بشرعنا حُرمت ذبيحته، فلو ذبح اليهودي ذا الظفر وهو الإبل والنعام والأوز لا الدَّجاج، لم يحل لنا أكله؛ لأنَّه محرَّم على اليهود فلا تؤثر فيه ذكاتهم
٤٣٢
فتاوى وأجوبة
هذا على المشهور، وقيل: يكره ولا يحرم نقله ابن عبدالبر عن مالك. أمَّا الشُّحوم المحضة من ذبيحة اليهود ففيها أقوال ثلاثة:
أ - الكراهة وهو قول مالك، وهو المشهور.
ب - والجواز وهو الأقوى دليلًا.
ت - والحرمة وهو ضعيف.
٢ - ألا يذبح للصنم أو عزير أو عيسى عليهما السلام، فإن ذبح لشيء من ذلك بمعنى: أنَّه سُمي الصَّنم بأن قال: باسم الصنم أو باسم عيسى قاصدا تحليل الذبيحة بذلك متبركا به تبرك الألوهية، حُرمت ذبيحته، أمَّا إِنْ ذبح للصنم مثلا بمعنى أنه قصد التقرب بإهداء ثواب الذبيحة إليه فتكره ذبيحته، ولا تحرم كما في "المختصر" لكن بشرط ألا يذكر اسم الصنم بل ذكر اسم الله أو لم يذكر شيئًا، ومن هنا تعلم أن التسمية لا تشترط في ذبيحة الكتابي، بل الشَّرط ألا يذكر اسم الصنم ونحوه سواء ذكر اسم الله أو لم يذكره. - ألا يكون الكتابي يستبيح أكل الميتة، فإن كان يستبيح أكل الميتة، حرمت ذبيحته، إلَّا إن ذبحها بحضرة مسلم عارف بالذكاة الشَّرعية، فيحل أكلها حينئذ، هذا قول مالك في "الموازية" وهو المشهور وإليه أشار في "المختصر" بقوله: «وإن أكل الميتة إن لم يغب وقيل: لا تحل مطلقا سواء ذبحها بحضرة مسلم أو لا، واستظهره ابن عرفة في "مختصره"، والقولان مبنيان على خلاف آخر، وهو هل تشترط نيَّة الزَّكاة بمعنى قصد التحليل من الكتابي أو لا؟
قيل: تشترط، وعليه ابن عرفة ولذلك استظهر الحرمة في ذبيحة الكتابي الذي يأكل الميتة، سواء ذبحها بحضرة مسلم أو لا.
الفقه وأصوله
٤٣٣
وقيل: لا تشترط، وهو المعتمد وعليه فتحل ذبيحة الكتابي الذي يأكل الميتة
إذا ذبحها بحضرة ،مسلم ، لا إن ذبحها غائبًا عنه، وهذا هو المشهور المعتمد. ونصارى زماننا يأكلون الميتة بلا شك، فعلى مشهور مذهب مالك يتجه
.
الحكم بعدم أكل لحوم ذبائحهم التي تأتي من بلادهم؛ لأنهم غابوا عليها فلا
، أم ندري أذبحوها أم وقذوها؟ إلَّا إن تيقّن في بعضهم أنهم لا يأكلون الميتة أو علمنا أنهم يذبحونها فتحل ذبيحتهم حينئذ، واللحوم والشُّحوم في ذلك
سواء؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى لم يحرم على النصارى شحتما ولا غيره، ولكن حرم على اليهود الشُّحوم الممضة من البقر والغنم، وأباح لهم غيرها من الشحم المختلط بعظم والحوايا وهي الأمعاء، فالتفريق بين اللحم والشحم إنَّما يتأتى في ذبيحة اليهود، على أنَّ الجمهور لا يفرّقون في ذبيحة اليهودي بين ما أبيح له وما حُرّم عليه، بل كل ذلك عندهم جائز من غير كراهة، لعموم قوله
تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ حِلٌّ لَكُمْ ﴾ [المائدة: ٥] وهو أظهر وأقوى، هذا حكم المسألة في مذهب مالك، وقد آثرناه على غيره؛ لأنه المذهب المعمول به في تلك البلاد، فإن بقي إشكال في المسألة عند السائل
فليبده لنا حتى نبينه له، وبالله التوفيق.
حكم أكل السردين
س ٦٠٩ - وسُئل: عن حكم السردين المحفوظ في العلب؟ ج ٦٠٩ - فأجاب: السردين المحفوظ في علب، والسلمون ليس بحرام لعدم نتنه، وهي علة حرمة الفسيخ، وفي الحديث جواباً عن سمك العنبر
٤٣٤
«كلوه مالم ينتن».
فتاوى وأجوبة
حكم النهي عن خلط التمر والزبيب
س ٦١٠- وسئل عن حكم النهي عن خلط التمر والزبيب، هل هو للتحريم أم لا؟ ج ٦١٠ - فأجاب سيادته بما نصه: في "صحيح مسلم" عن أبي سعيد الخدري أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم نهى عن التمر والزبيب أن يُخلط بينهما، وعن التمر والبُسْرِ أن يُخلط بينهما - يعني في الانتباذ- وقال: «مَن شَرِبَهُ مِنكُم فَليَشْرَبُهُ زَبِيبًا فَرْدًا، وتَمَرًا فَرْدًا، وبُسْرًا فَرْدًا». والنهي للتنزيه عند الجمهور. من أحكام الأيمان والنذور
س ٦١١- وسئل أيضًا عن رجل حلف يمينا وأحدها بالحرام الثلاث إن ذهبت امرأته إلى زفاف يشتمل على رقص ونوع الفساد فلا تبقى معها معه أبدا. ج ٦١١ - فأفتى أنه يُكفّر عن اليمين ويزيد صدقة أخرى في مقابل الحرام. س ٦١٢ - وسئل عن إمام قال: «علي الحرام أن لا أدخل المسجد»، ثُمَّ راوده الناس وألحوا عليه حتى صار إماما في ذلك المسجد. ماذا عليهم في الصلاة خلفه، وهل يلزمه شيء أم لا؟
ج ٦١٢ - فأفتى بأنه لزمه كفَّارة يمين ولا شيء عليهم في الصلاة خلفه. س ٦١٣ - وسئل عن شخص قال : حرام على ديني أن فعل كذا». ماذا
يلزمه ؟
ج ٦١٣ - فأفتى أنه يستغفر الله كثيرًا ويتصدق .
الفقه وأصوله
٤٣٥
س ٦١٤ - سؤال: رجل حَيْثُ في يمينه فكفر عن يمينه أطعم ستين
شخصًا أعطاهم خبزة ونصف درهم لكل واحد، هل يكفي هذا أم لا؟ ج ٦١٤ - أجاب رضى الله عنه: لا يكفي لابد أن يطعم عشرة مساكين وفق الآية فإن الخبزة الواحدة ونصف درهم لا يكفي، لابد من أن «الخبز
والكواز» (۱) يكون من الوسط، لا من الأعلى ولا من الأدنى .
س ٦١٥- وسئل عن رجل قال هو يهودي أو نصراني أو مجوسي إن فعل
كذا وكذا، وفعل ذلك الفعل، ماذا يلزمه؟
ج ٦١٥ - أجاب: يستغفر الله ولا يعود ويطعم عشرة مساكين. س ٦١٦ - وسئل أيضا عن رجل نذر نذرا فلم يوف به، ماذا يلزمه؟ ج ٦١٦ - قال: تلزمه كفَّارة اليمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فإن لم يجد هذه الثلاثة بعد ذلك يصوم ثلاثة أيام.
س ٦١٧ - وسئل أيضًا عن رجل حلف في استقرار ابنه أن لا يفضحه في عمل، وعند ذلك أقرَّ ابنه وبعد نصف ساعة قال إن شاء الله. هل هذا اليمين
يفسخ ولا يحنث فيه إن أعلن ذلك القوم وأفشى ذلك السر أم يحنث ؟ ج ٦١٧ - فأجاب بأن اليمين ينفسخ ولا يبقى عليه شيء لأن إن شاء الله
هنا تنفعه.
س ٦١٨ - وسئل أيضًا عن رجل نذر على نفسه أنَّ زوجته إذا وضعت ذكرًا ينعمها من جميع نعيم الدنيا وهو لا يملك إلا شيئًا قليلا من الدنيا، ما الحل؟ ج ٦١٨ - فأفتى رحمه الله أن يشترى لها مصحفا من القرآن.
(۱) بالدارجة المغربية، وتعني الإدام.
٤٣٦
فتاوى وأجوبة
فتاوى في قضايا معاصرة
العمل بالبنوك التي تتعامل بالفوائد
س ٦١٩: أفتى بعض النَّاسِ بأنَّ العمل بالبنوك حرام بحجة أن البنوك
تتعامل بالفوائد ومرتبات الموظفين تُصرف من هذه الفوائد فما الحكم؟ ج ٦١٩: العمل بالبنوك التي تتعامل بالفوائد حرام؛ لأنه إعانة على المعصية، والمعين على المعصية عاص بلا خلاف، وفي الحديث الصحيح: «لَعَنَ اللهُ آكِلَ الربا ومُو كِلَهُ وكاتِبَهُ وشَاهِدَيْهِ».
أما أخذ المال الملوّث بالرِّبا فحرام أيضًا، وللغزالي تفصيل كبير في المعاملة مع من يعلم أنَّ كلَّ ماله أو جله حرام، وقد بسط ذلك في "الإحياء" فارجع إليه.
حكم شرب الدخان
س ٦٢٠ - لقد قلتم بحرمة شرب الدخان في كتاب "خواطر دينية" ثُمَّ عدتم إلى القول بجوازها؟
ج ٦٢٠ - حين ذكرت حُجَّة منع شرب الدخان رجحتها ثُمَّ رجعت عنه عمدا، لأني وجدت أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كان يكره البصل والثوم، وقال: «مَن أَكَلَ مِن هاتين الشَّجَرَتَيْنِ الْخَبيثَين فلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدنا». ولم يُحرمها، وكان يعاف الضب ولا يأكله ولم يُحرّمه، وأرشد إلى التداوي بالكي وقال: «أنا لا أُحِبُّ النَّارَ». :
والرجوع عن الرأي لا يكون نسيانا. وقد رجع الشافعي عن مذهبه
القديم بالعراق ولم يقل أحد أنه نسي بل عُدَّ رجوعه مِن سَعَة عِلْمِهِ.
الفقه وأصوله
٤٣٧
شرب الخمر للتداوي
س ٦٢١ : يعتريني التهاب كلوي حاد وقد أشار علي أحد المسلمين بشرب كأسين من الخمور عند ظهور الألم بحُجَّة أنه جرب ذلك فمنع المرض، وأنه ليس على المريض حرج، مع العلم بأن الطبيب يستعمل حقن المورفين لتسكين الألم والمورفين من المخدرات؟
ج ١ ٦٢: لا يصح التداوي بالخمر لحديث: «إِنَّ اللهَ لم يجعل شفاءَكُمْ فيما حَرَّمَ عليكم، وفي حديث آخر: أنَّ ناسا من اليمن سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: إن أرضنا باردة، وإن أرضنا محمة - أي ذات حمى - ولا يصلحنا إلا هذا الشراب الذي يقال له المزر. فقال: «أوَيُسْكر؟»، قالوا: نعم. فلم يأذن لهم فيه. فالتداوي بالخمر حرام ولو شرب المريض الخمر بقصد التداوي لوجب عليه الحد الشرعي وقول الله تعالى: وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَ [النور: ٦١] معناه في القعود عن الجهاد وفي فطر رمضان وفي الصلاة قاعدًا وفي غير ذلك مما أذن فيه الشرع. أما الخمر وسائر المحرّمات فلم يأذن الشارع باستعمالها في التداوي بل نهى
عنها، واستعمال الدكتور لحقن المورفين ليس بحُجَّةٍ، والله أعلم.
شرب الحشيش
س ٦٢٢ : هل تدخين الحشيش حرام أم مكروه وما أدلة ذلك؟ ج ٦٢٢ : تدخين الحشيش حرام بالإجماع، حكى هذا الإجماع الإمام النووي وغيره، وروى أبو داود في "السنن" عن أم سلمة قالت: نهى رسول الله صلى الله
٤٣٨
فتاوى وأجوبة
عليه وآله وسلَّم عن كلِّ مُسْكِرٍ ومُفَتّر. فالمسكر: الخمر والبيرة والبوظة، والمفتر الحشيش والأفيون وما في معناهما.
وذكر العلقمي في شرح الجامع الصغير" أنَّ رجلا من العجم دخل مصر وطلب الدليل على حرمة الحشيش وعقد لذلك مجلسًا حضره علماء مصر، فاستدل الحافظ العراقي بحديث أم سلمة المذكور فارتضاه العلماء وأفحم
الخصم. وذكر ابن تيمية في كتاب الأشربة» من "فتاويه" أنَّ الحشيش أقبح من الخمر، وأنَّ معتقد حليتها يكفر، وهذا منه بناء على أنَّ الحشيش مسكر، وهو قول قال به جماعةٌ من العلماء ورجّحه الزركشي وغيره من الشافعية، لكن الذي رجحه القرافي وغيره - وهو الراجح من حيث النظر - أنها مُفَتّرةٌ أي من قبيل
المخدرات. وعلى كلتا الحالتين فالإجماع منعقد على تحريمها لكن لا يكفر من يعتقد حليتها خلافًا لابن تيمية، نعم يجب تعزيره وتأديبه حتى لا يعود إلى القول
بإباحة ما حرَّمه الله، والله أعلم.
شرب الكينا المقوية
س ٦٢٣ : شرب الكينا المقوية المقصود بها المداواة هل يجوز أو لا؟
ج ٦٢٣ : إذا كان الدواء خاليا من الخمر أو فيه كمية من الكحول مستهلكة في الدواء بحيث لم يعد لها أثر في الطعم أو الرائحة أو التأثير على العقل فشربه
جائز، وإن لم يكن مستهلكا بحيث بقيت رائحة أو طعم أو تأثير فلا يجوز.
الفقه وأصوله
٤٣٩
حكم الشرع في ارتياد السينما والملاهي
س ٦٢٤ - ما حكم الشرع في ارتياد السينما والملاهي؟
ج ٦٢٤ - ارتياد السينما والملاهي حرام؛ لأنه إضاعة للمال والوقت في غير فائدة، مع ما يشتمل عليه من اختلاط الشُّبان والفتيات ورؤية المناظر المخلة بالآداب والمثيرة للغرائز الشهوانية، وفي ذلك من المفاسد ما لا يخفى على أحد. استعمال العقاقير لمنع الحمل
س ٦٢٥ - ما حكم من يعمل على عدم النَّسل بإعطاء زوجته بعض
العقاقير لمنع الحمل، مع العلم بأن الصحة جيدة والحالة المعيشية حسنة. ج ٦٢٥ : العمل على منع النَّسل قبل تكوين الجنين مكروه وتشتد الكراهة إذا كانت المعيشة حسنةً، وصحة الوالدين جيدة كما ذكر السائل، ومنع الحمل بعدم إيصال الماء إلى الرَّحم لا يجوز عند المالكية إلا برضاء المرأة؛ لأنه من
حقها.
وقد ورد في الحديث عن جابر قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن ينزل فلم ينهنا.
وورد أيضًا في العزل أنه الوأد الخفي، والجمع بين هذين الحديثين بحمل العزل على الكراهة؛ لأن الحديث الأول يفيد جواز العزل إطلاقا ولكن الثاني
أفاد أن فيه كراهة حيث سماه وأدًا خفيًا كل هذا يختص بما قبل تكون الجنين. أما العمل على منع النسل بعد تكون الجنين بإنزاله بطريق الإجهاض مثلا فيحرم لأنه جناية على نفس بغير ذنب.
٤٤٠
فتاوى وأجوبة
نعي الميت في الجرائد
س ٦٢٦ - هل نعي الميت في الجرائد حرام؟ ج ٦٢٦- نعي الميت في الجرائد إذا كان بقصد إعلام أقاربه أو أصدقائه الخاصين به فلا بأس، أما إذا كان نشر النعي بقصد الشهرة والتفاخر بتعداد أقارب الميت وأنسابه فهو حرام شرعًا لورود النهي عنه، ولأن الموت ينافي الافتخار. إقامة المآتم خصوصاً في مواسم الأعياد
س ٦٢٧ - ما هو الحكم في إقامة المآتم خصوصا في مواسم الأعياد؟ ج ٦٢٧ : إقامة المآتم من أصلها بدعةٌ مُنكَرةٌ محرَّمة في الدين وتحصل بسبب هذه المآتم مآثم لا عداد لها، فربما يكون الميت فقيرا فيستدين أهله لإقامة المأتم،
وربما يكون في ورثته قُصر لا يجوز التصرف في مالهم بشيء لأنهم أولى به. ثُمَّ هذه المآتم إنها تقام للفخر والتظاهر وترتكب فيها أمور لا تليق بجلال الموت وهيبته، فترى المعزّين الوافدين على المآتم يقطعون الجلسة كلامًا وحديثا وشرب قهوة وسجائر أثناء تلاوة القرآن فلا هم يعتبرون بحال الميت الذي
أتوا يعزون فيه ولا هم استمعوا إلى كلام الله الذي يزجرهم بقواطع وعظمة. أما إقامتها في مواسم الأعياد فحرمته تحريما مضاعفا؛ لأن العيد جعله الله للمسلمين يوم فرح وسرور ، وأباح لهم فيه اللهو البريء ليسروا عن أنفسهم متاعب الحياة ويشكروا الله على ما هداهم إليه من نعمة الإسلام، فإقامة المآتم وزيارة القبور تنافي حكمة الشرع التي قصدها في يوم العيد، ولهذا لا تجوز إقامة المآتم ولا زيارة القبور في يوم العيد.
الفقه وأصوله
٤٤١
س ٦٢٨ - رجل يسأل أنه يلاقي في بلاده في المغرب متاعب ومصاريف وأزمة مادية، هل يجوز له أن يذهب إلى الخارج أم لا؟
ج ٦٢٨ - الجواب : الأولى والأحسن والأفضل له أن يبقى في بلده محافظة
على دينه وتربية أولاده. أفتى بهذا أيضًا الشيخ عبدالله .
س ٦٢٩ - وسُئل أيضًا عن رجل دفع شيكا من قبل دين كان عليه وليس له حساب في البنك، وإذا لم يؤد في الوقت المحدد سيدخلونه السجن، وليس
عنده ما يؤدي. هل يمكن له أن يستلف من البنك بالفائدة أم لا؟
ج ٦٢٩ - أجاب: ليستلف من البنك بالفائدة، ولكن فعل حراما لأنه اعتبر في هذه الصورة الاضطرار، وقال: إنَّ الآخذ هنا للربا أكثر حرمة من
المعطي. س ٦٣٠ - وسُئل أيضًا عن رجلٍ عنده أولاد يشتغلون في الخارج وأمهم وأختهم صغيرة، ومعاملة الأولاد مع أبيهم وأمهم غير مستقيمة، هل
معه
يجوز له شرعًا أن يعطي شيئًا للزوجة والبنت الصغيرة؟
ج ٦٣٠ - فأفتى بالجواز ولا يكون من باب تفضيل الأولاد وتمييزهم،
ولكن لابد أن يكون عن طريق البيع أو طريق يُصححها الفقه الإسلامي. س ٦٣١ - وسُئل أيضًا عن امرأة متزوجة وهي حامل من شهرين ونصف وألح عليها الزوج أن تعمل الإجهاض، هل هو جائز في هذا الوقت أم لا؟ ج ٦٣١ - فأجاب: جائز مع الكراهة إن لم يكن من أجل الفقر، وإلا مع خوف الفقر أو وجود الفقر فهو حرام.
٤٤٢
فتاوى وأجوبة
س ٦٣٢ - وسُئل أيضًا أنَّ رجلا اشترى لأولاده علبة صابون «أومو»(۱) ووجدوا فيه دعاية يؤخذ بها آلة الخياطة، فدفع لهم تلك الورقة وأعطوه آلة الخياطة؛ لأنهم يعملون دعاية وتشجيعًا لسلعتهم، هل هذا من باب القمار أم لا؟ ج ٦٣٢ - فأجاب: لا ليس هذا من باب القمار وإنما هو من باب التشجيع
وترويج للسلعة.
وكذلك بعض الأسئلة يجاب عنها فيفوز بعض الأفراد بجائزة ورقة
الطائرة للحج أو للعمرة، فأجاب بالجواز ولا شيء فيها .
س ٦٣٣ - وسُئل أيضًا أن شخصًا وضع مالا في البنك وعندما أتى لأخذه فوجئ بالفائدة هل يأخذها وينفقها في المشاريع أو أشياء غير شرعية مثل الضريبة والتأمين أو أشياء من هذا القبيل؟
ج ٦٣٣ - فأفتى : لا يجوز له أن يأخذ ذلك المال شرعًا؛ لأنه سيعاقب عليه
لأنه ربا.
س ٦٣٤ - وسئل عن رجل قطعت يده حدًّا في السرقة وأراد طبيب أن يرد يده في الحين طريَّةٌ هل يجوز أم لا؟
ج ٦٣٤ - فأفتى لا يجوز؛ لأن فيه محاربة للشارع، فلا بد أن تبقى يده
مقطوعة ليرتدع غيره ويراها الناس.
س ٦٣٥ - وسُئل أيضًا عن رجلٍ عنده امرأة عقيم لا تلد وذهب بها إلى أمريكا ولقحوا لها منيا أجنبيا ليس المني له، وحملت.
ج ٦٣٥ - فأفتى بكون هذا العمل حراما، والولد ولد زنا ولا حد عليهما
(۱) اسم تجاري لنوع من مسحوق الصابون.
الفقه وأصوله
٤٤٣
شرعًا، أعني الرجم - لأنها لم تباشر الزنى ولم يباشرها رجل؛ لأن الحد
المشترط فيه مباشرة الذكر بالدخول في الفرج. س ٦٣٦ - وسُئل أيضًا عن حادثة وقعت في لبنان، وهو أن جماعة من الفلسطينيين حصروا في مخيَّمٍ ولم يجدوا الأكل حتى اضطر بهم الحال إلى أكل
الفيران والقطط والكلاب. وأفتى لهم عالم شرقي شيعي بأكل لحم إخوتهم الموتي. ج ٦٣٦ - فأفتى بالمنع.
فهي
التبرع بالأعضاء
س ٦٣٧ - وسُئل أيضا عن رجل أو امرأة يوصيان إذا ماتا أنهما يتبرعان بأعينهما أو قلبيهما أو أي عضو منهما المريض بقصد العلاج. ج ٦٣٧ - فأفتى هذه الوصية باطلة ولا تنفّذ؛ لأن الأعضاء ليست ملكاله ملك لله، ولهذا حرَّم الله على الإنسان أن يقتل نفسه أو يجني عليها بأي شيء من الهلاك، ورغب الرسول في أن الإنسان يصبح مطلوبًا بالصدقة عن أعضائه شكرًا الله وأشياء من هذا القبيل. س ٦٣٨ - وسُئل أيضًا عن شخصين أخوين بينهما شركة في تجارة بيع الثياب وأرادا أن يشتريا ثيابًا من ألمانيا فطلبت الشركة الألمانية أن يضمنها البنك وهما عندهما حساب في البنك الشعبي وعندما ذهبا إلى البنك فطلب منهما التعويض على الضمانة ۱٫٥٪ لأجل أن تجيء السلعة في اسم البنك وهو الضامن لقيمة السلعة. فبعض العلماء أفتوا بأن هذا التعويض على الضمانة ربا. ج ٦٣٨ - وأفتى الشيخ عبدالله بالجواز، وأنَّ هذه الأجرة على الضمانة
ليست ربا في شيء وإنما هؤلاء غلطوا في تسميتهم هذه ربا.
222
فتاوى وأجوبة
س ٦٣٩ - وسئل أيضًا عن رجل يشتغل مع المحامي كاتبًا ويعطيه أجرة قدرها في كل شهر ٥٠٠ درهم وهو عندما يأتيه أي واحد لأداء اللوازم يزيده عشرين درهما أو ثلاثين درهما أو أكثر أو أقل والناس لا يعرفون أن كل ذلك القدر من
اللوازم.
ج ٦٣٩ - فقال إن هذا فيه شبهة وفيه خيانة ولا يمكن أن يكون حلالا . وسئل أيضًا عن بنت عندها في الكلى حجر والأطباء كلهم يقولون لها لا عملية لهذا الحجر لأنه نبت في اللحم مع ولادتها فلا تكون لها العملية وأمروها
أن تشرب كل ساعتين ومنعوها من الصيام طول حياتها. فأفتى لها بأن تطعم عن كل يوم مسكينًا ويقدر بستة دراهم عن كل يوم
حسب اليسر .
س ٦٤٠ - وسُئل عن رجلٍ باع سيارة لشخص وأعطاه ذاك الشخص شيكا بنكيا، فأخذ نقوده ثُمَّ ظهر له أن يردَّ سيارته ولا يبيعها فرد له سيارته ورد له نقوده، ثُمَّ بعد ذلك ظهر له بيعها فأعطاه السيارة وأعطاه المشتري النقود عندما بحثها وجد هناك زيادة قدرها ٥٠٠ ٥٠٠ درهم فأخبر المشتري بالزيادة، فقال: إني لم أزد شيئًا، النقود التي رددت لي لم أزد عليها ولم أنقص منها، فذهب إلى البنك يسأل عن الساعة واليوم الذي أخذ تلك النقود هل وقع نقص؟ فلم يجد أي نقص وقع في ذلك اليوم، وإنما وقع بعده في يوم آخر وقدره ۷۰۰ درهم.
ج ٦٤٠ - يتصدق بها على الفقراء والمساكين.
س ٦٤١ - وسئل أيضًا عن فرقة كرة القدم وأرسلت لها من الجامعة الملكية
الفقه وأصوله
٤٤٥
بالرباط تبرع من المال، فاتفقت كلمتهم أن يتبرعوا بها على المسجد هل هو
جائز أم لا؟
ج ٦٤١ - فأفتى بالجواز.
حكم دفع المال من أجل الحصول على وظيفة
س ٦٤٢- وسألته عن حكم الشرع في دفع أحد الإخوان مالا لمقاول
إحدى الدوائر الزراعية لتعيينه بها؟
ج ٦٤٢ - فأجاب سيادته بما نصه : ولا بأس عليه أن يدفع لمقاول الدائرة ما طلبه منه وليس هذا من الرّشوة؛ لأن الرّشوة المحرمة هي التي تُعطى لإبطال حق أو إحقاق باطل، أما عن دفع مالا ليصل إلى حقه أو ليرفع ظلما نزل به فلا حرمة عليه في دفع المال ولا إثم، وإنما يأثم الآخذ فقط، هذا نص عليه جماعةٌ من العلماء منهم ابن حجر في كتابه "الزواجر". ثُمَّ إنَّ هذا كله فيما يتعلَّق بالقضاء والحكّام ، أما ما يتعلق بإلحاق شخص في عمل معيَّن فلا يظهر انطباق وصف الرّشوة عليه وبيان ذلك: أنَّ الموظف يحرم عليه أخذ الأجر على عمل واجب عليه بحكم دينه أو وظيفته، ومن هنا قال جماعة من العلماء: «يحرم أخذ الأجر على الصلاة؛ لأنها واجبة لابد من أدائها على أي حال. وهكذا كل واجب على الشخص لا يصح أخذ الأجر عليه، أمَّا إلحاق شخص مُعيَّن في عملٍ مُعيّن فليس واجبًا على الموظف سواء كان مقاولا أو غيره، فأخذ الأجر عليه لا يعد رشوة إلَّا إذا كان يعلم أن الذي سيلحقه بالعمل ليس أهلا له فيكون حينئذ غِشًا وخيانة، نعم أخذ الأجر على مثل هذه الخدمات يعد منافيًا لمكارم الأخلاق
٤٤٦
فتاوى وأجوبة
حكم عمل المرأة
س ٦٤٣ - وسألته عن حكم اشتغال المرأة في الوقت الحاضر في الأعمال العامة. ج ٦٤٣ - فأجاب سيادته بما نصه: أنَّ الشرع أباح للمرأة مزاولة البيع والشراء، وكان النساء يخرجن في الغزوات مع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم يُضَمدن الجرحى ويسقينهم، فإذا كانت المرأة في عمل تعيش منه وهي محتشمةٌ في حجابها لا تمس رجلًا ولا يمسها فلا مانع من ذلك، على ألا تقعد في مكتب مع رجل وحده، نهي عن ذلك، ولأنه مظنة الفساد والتهمة.
س ٦٤٤ - وسئل عن حكم سفر المرأة بدون تحرم؟
ج ٦٤٤ - سفر المرأة وحدها مع الأمن جائز؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم لعدي بن حاتم: «يُوشِكُ أَن تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِن الحِيرَةِ تَوْمُ البيتَ لا
زَوْجَ معها». الحديث رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر: «هذا خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز» . اهـ لكن يشترط أمن الطريق وأمن الفتنة، فإن فُقدا أو أحدهما فلا يجوز لها السفر وحدها.
حكم سفر المرأة بدون محرم للعمل
س ٦٤٥ - وسألته عن حكم سفر المرأة بدون محرم للعمل في غير بلدها؟ ج ٦٤٥ - فأجاب سيادته بما نصه وسفر المرأة للعمل في غير بلدها محل بحث ونظر، ففي الحديث الصحيح: «لا تُسافِرُ المَرأةُ إِلَّا مع ذي تَحْرَمٍ، ولا يَدْخُلُ عليها رَجُلٌ إِلَّا ومعها تَحْرَم». وهو في "صحيح البخاري
الفقه وأصوله
٤٤٧
وقال القفال الشاشيُّ الشافعي: «يجوز للمرأة أن تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنا؛ وذلك لأن حكمة منعها من السفر وحدها هو الخوف عليها. وحَجَّ أمهات المؤمنين في عهد عمر ومعهنَّ عثمان وعبدالرحمن بن عوف كما في " البخاري".
ومما يدل على جواز سفرها وحدها حديث عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: يوشك أن تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِن الحِيرَةِ تَؤُمُ البَيْتَ لا تَخَافُ أَحَدًا
إلا الله». فهذا يدل على جواز سفر المرأة وحدها عند الأمن.
قال الحافظ ابن حجرٍ وتُعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه. قال: وأجيب بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز».اهـ وهو في "صحيح البخاري" ويدل على الجواز كما قال الحافظ، لا سيما وقد قال عدي بن حاتم كما في "البخاري": فرأيت الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِن الحيرة حتَّى تطوف بالكعبة لا تخافُ إِلَّا الله». لكن يبقى البحث في جواز سفر المرأة لأجل الوظيفة، عند الحنفية: يجوز سفرها إلى بلد آخر لأجل معيشة ضرورية، فهل الوظيفة معيشة ضرورية؟ تقدير هذا يرجع إلى ظروف المرأة وظروف أهلها، وعلى أساس هذا يمكن أن يتقرر سفر امرأة أو عدم سفرها ، وإذا سافرت فأين تقيم ؟ ومع من؟.
حكم التنميص
س ٦٤٦- وسألته عن حكم ترقيق حواجب المرأة وإزالة شعر وجهها، وعن حكم من يقول بإباحة التبرج للنساء.
٤٤٨
فتاوى وأجوبة
ج ٦٤٦ - فأجاب سيادته بما نصه والنهي عن ترقيق حواجب المرأة وإزالة شعر وجهها عام في كل حال. نعم قال العلماء: «إذا أذن لها زوجها بذلك
فيكون من باب التزين للزوج، لكن لا تخرج به للشارع».
والمستحلون للتبرُّج إن لم يكونوا كفَّارًا فهم قريبون من الكفر؛ لأن التبرج
منهي عنه في القرآن الكريم.
حكم العمل بالجمارك والبنوك والمحاكم
س ٦٤٧ - وسألته عن العمل بالجمارك التي تحصل المكوس، والبنوك التي تتعامل بالربا، والمحاكم التي يحكم فيها بالقوانين الوَضْعِيَّة؟ ج ٦٤٧ - فأجاب سيادته بما نصه: العمل بالجمارك والبنوك والمحاكم حرام، ومَن لا مورد له إلَّا مِن ذلك العمل يتجنَّب أكله.
العمل بالجمارك
س ٦٤٨ - وسألته كيف يكون العمل بالجمارك حرام مع أن المقصود منها زيادة موارد الدولة وحماية الصناعة المحلية من المنافسة الأجنبية؟
ج ٦٤٨ - فأجاب سيداته بما نصه: ومسألة الجمرك يراجع عليها كتاب "الشرح الصغير" في باب الجهاد عند الكلام على الجزية وما يلحق بها، فهناك نص الشيخ الدردير على أنَّ أخذ العُشُور من تجار المسلمين حرام بالإجماع، على أنَّ الشاطبي أفتى بجواز ضرب ضريبة على المسلمين إن كانت الدولة ضعيفة لتقوي نفسها وتقوم بمصالح رعيتها، والجمرك مثل ذلك.
الفقه وأصوله
٤٤٩
بسم الله الرحمن الرحيم أجوبة هامة في الطب
الحمد لله والصلاة والسَّلام على سيدنا محمد وآله.
.
وبعد: فقد سُئلتُ من بعض طلبة الطب بالإسكندرية أسئلةً : عن قضايا جديدة، في عالم الطب الذي يُدرس ويُمارس على الطَّريقة الأوربية التي تخالف
التعاليم الأسلامية جملة وتفصيلا، ومع هذا فالمسلمون في حاجة شديدةٍ مُلِيَّةٍ إلى الطب الحديث، تعلُّما وتعليما ومُمارسة؛ لحفظ صحتهم وعلاج أمراضهم، فارتقى عن رتبة الحاجيات إلى رتبة الضروريات؛ لتعلقه بحفظ النفس ووقايتها.
والشريعة الإسلامية تُعطي للضروريَّات عناية تتفق ومالها من أهميَّة، فحرّمت إتلاف النفس بالانتحار وأسبابه كوصال الصوم، والإضراب عن الطعام، وأوجبت شقّ بطن الميت إذا كان فيه مال لأحد؛ لأنَّ حفظ المال من الضروريات.
وإذا ماتت نُفَسَاء وفي بطنها جنين حي وجب إخراجه.
وإذا ماتت امرأةٌ وسط رجال لم يجز لهم أن يُغسلوها؛ لأنَّ حِفظ عورتها من الضروريات، ولكن يُيَمَّمُونها في وجهها وكفيها، ومن هنا قال العلماء: الضروريَّات تُبيح المحظورات يقصدون أنَّ حفظ النَّفس وما في معناها من الضروريات إذا توقف على ارتكاب مُحرَّمِ سَاغَ ارتكابه، ولم يَصِر مباحًا بل هو
لم يزل مُحرَّما، ولكنَّ الله تعالى يغفره لأجل الضرورة، كما قال الله تعالى: فَمَنِ
٤٥٠
فتاوى وأجوبة
أضطر غير باغ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمُ )) [الأنعام: ١٤٥] أفادت الآيه أنَّ الله
غفر ارتكاب المحرم - مع كونه مُحرَّمًا - لأنَّ مرتكبه مُضْطَر .
ولهذا قال العلماء أيضًا: «ماجاز للضَّرورة يُقَدَّر بقدرها» يعنى لا يُتوسع في سائر المباحات، بل يقتصر فيه على قدر الضرورة بحسب زمانها ومكانها. والضرورة في علم الطب تنحصر في أمرين:
١ - إنقاذ نفس المريض مِن التَّلف إن كان له أَجَلٌ. ٢ - إذهاب اليه، أو تخفيفه على الأقل.
ووظيفة الطبيب أن يُعالج المريض لا أن يشفيه؛ لأنَّ الله هو الشَّافِي وَإِذَا
مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: ٨٠]
وفي إطار هذه المقدمة يظهر جواب الأسئلة المقدمة إلى:
ج ٦٤٩ - يُشرع للرجل مُمارسة طب أمراض النساء والولاده، بل هو فرض كفاية يقوم به بعض الرجال، لقلة النساء الطبيبات وقلة كفاءتهنَّ، لكن لا يباشر علاج امرأة أو توليدها إلَّا إذا لم يوجد في المكان طبيبة، أو كانت موجودةً وعجزت، أو استعانت به فحينئذ يتعين عليه علاجها.
ج ٦٥٠ - إذ كانت حالة المريضة خطيرة تستدعي العلاج؛ فيجب عليه المبادرة إلى علاجها. أما إذا كانت حالة المريضة لا تستدعي الاستعجال فلا بأس أن يُؤخر العلاج، على أنه لو عجل علاجها في هذه الحالة أيضا لم يكن عليه حرج؛ لأنَّ الضّرورة موجودة وهي إنقاذ حياة المريضة، أو تخفيف ألها. ج ١ ٦٥ - يحرم اختلاء الطَّبيب بالمرأة أثناء الكشف عليها، ولابد من
الفقه وأصوله
٤٥١
وجود تحرمِ معها، ففي الحديث: «ما خَلا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كان الشَّيطانُ ثالثهما، فوجود الزوج أو المَحرَم واجب شرعًا، وهل يكفي وجود امرأة من قريباتها؟ محل نظر، وأنا أرى أنها لا تكفي بل لابد من امرأتين فأكثر؛ لأنَّ المرأة تستر صاحبتها أو قريبتها إذا رأت منها ما يشين.
وإذا أتت مريضة بدون تحرَم معها فلا يكشف عليها الطبيب إلَّا إذا ترك باب العيادة مفتوحًا على مصراعيه أو يدخل معها مريضات أخر، حتى لا يختلي بها. وعلى هذا ينبغي للطبيب أن يكون كشفه على النساء مجتمعات، لا منفردات، أما إذا كانت حالة المريضة تستدعي التدخل الفوري وليس معها أحد وهي في عيادته أو في بيتها، فيتصرف حسبما تقتضيه الضرورة العاجلة، وفي العيادة يترك باب غرفة الكشف مفتوحًا حتى لا تكون خَلْوَةٌ، وإذا حضرت المريضة إلى العيادة بغير تَحرَمٍ وحالتها غير عاجلة فلا يكشف عليها. ج ٦٥٢ - توليد الطَّبيب للمرأة إن كان يتوقف على التدريب على عملية الولادة فيجوز بقدر الضرورة، يعني إذا كان التدريب على عملية أو إثنتين مثلا، تحرم الزيادة عليها. ويأتي هنا سؤال وهو: هؤلاء «الدايات» الماهرات في التوليد منذ أقدم العصور، كيف تعلمن ؟
ج ٦٥٣ - يُشترط في الطَّبيب المعالج لمسلمة أن يكون مسلما أو طبيبة نصرانية مثلا. دخل أبو بكر الصديق على عائشة وهي مريضة، ووجد يهودية ترقيها فقال لها: ارقيها بكتاب الله، والمقرَّر في الشريعة أنَّ الذمي-يهوديا أو نصرانيا - إذا كشف عورة مسلمةٍ متعمدا انتقضت ذمته، ولم يبقَ له حرمة وعلى هذا إذا فُقدت الطَّبيبة المسلمة والطَّبيب المسلم، والطَّبيبة النصرانية، جاز
٤٥٢
فتاوى وأجوبة
أن يُعالجها الطبيب غير المسلم للضرورة، بشرط أن يكون مرضها شديداً يخاف
على حياتها منه.
ج ٦٥٤ - يجب على الطبيب أن يتحاشى النَّظر إلى العورة المغلظة إِلَّا في حالة الضرورة القُصْوَى؛ لأنَّ النَّظر إلى العورة المغلَّظة يوجب المقت كما في الحديث، والنظر إلى عورة المرأة أشدُّ مَقتا. وإذا كان النجاح في الامتحان يتوقف على الكشف على مريضة وتشخيص مرضها فيجوز مع البعد عن عورتها إن أمكن، ولا يجوز التدريب على مريضة مطلقاً إلَّا إذا لم يكن مفر من ذلك بوجه من
الوجوه.
ج ٦٥٥ - التكسب من الطب مشروع لابأس به، وهو على قدر ما يبذله الطبيب من مجهودٍ، وعلى هذا يُقَدِّر الطَّبيب الأجر الذي يأخذه على أساس مستوى المريض الاجتماعي، والطَّب في الأصل ليس المراد منه التكسب والإثراء كسائر المهن والصناعات، بل هو خدمة إنسانية، فلذلك ينبغي للطبيب أن يُراعي الرفق في تقديره أجرته.
كان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في سفر، فعرضت له امرأة تحمل ابنا لها، فقالت يارسول الله ابني هذا يُصرَع في اليوم كذا مرة، فأخذه بين يديه وعالجه ردَّه إليها وذهب، وفي عودته لقيته المرأة في ذلك المكان ومعها كبشان، فقالت يارسول الله ابني لم يعد يُصرع مِن ذلك اليوم وهذان لك، فأخذ واحدًا ورد عليها الآخر رِفقاً بها، وكان ابن جُرَيج حافظا للحديث وطبيبًا يعالج
بالمجان.
وأخبرني صديق مصري أنه ذهب إلى لندن لعملية استخراج الحصوة،
الفقه وأصوله
٤٥٣
واتفق معه الطبيب على مبلغ (٤١٠) جنيه) وبعد انتهاء العملية ولوازمها، ردَّ له الطبيب (۱۰۰) جنيه) فقال ما هذا ؟ قال الطَّبيب هذا من حقك؛ لأنَّ المبلغ الذي طلبته منك تبيَّن أنَّه أكثر مما يلزمك، فمن من الأطباء هنا يردُّ على المريض
مما دفعه ؟ !
والطبيب الذي يقول لأهل المريض: انقلوه إلى المستشفى أوكلمة نحوها لا يستحق أجرةً، ولو أخذها فإنَّه يأخذ حرامًا. ويشبه ذلك أنَّ طبيبا أعرفه، دعي للكشف على طبيب فوجده في سياق الموت وهذه حالة لا تخفى على ذلك كتب له دواءً وأخذ الأجر، ولم يبعد عن البيت بضع
الطبيب ومع خطوات حتى سمع صراخ أهله عليه، فكان ينبغي له أن يرد ما أخذه منهم لكنه لم يفعل، بل ما كان ينبغي له أن يأخذ أجرا من مريض في سياق الموت، ولكنه الحرص على المال. ويجوز للطَّبيب الكشف على البنت الصغيرة إذا كان معها من يحرسها، والمرأة العجوز لابد أن يكون معها تحرم؛ لأنَّ الله نهى العجائز عن التبرُّج في قوله تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحَا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِحَتِ بِرِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور ٦٠] لأنَّ أطماع الرجال قد تمتد إليهنَّ وترغب فيهنَّ، وفي المثل العربي : ما من ساقطة إلا ولها لاقطة.
والطبيبة تكشف على الرجل إذا لم يوجد غيرها لكن لا يجوز اختلاؤهما. ج ٦٥٦ - التشويهات الخلقيَّة الوِراثية، لا تجوز إزلتها بعملية تجميل؛ لأنَّ النبيَّ لعن النساء المتزيَّنات بالنَّمْص ووَصْلِ الشَّعْرِ، وسماهنَّ مُغَيَّرَاتٍ لخَلْقِ الله، والمرأة
٤٥٤
فتاوى وأجوبة
أحوج إلى التزين من الرجل، والحالة النفسية لا اعتبار لها في هذا الباب، إلَّا إذا كانت التشوهات تُسبب آلاماً وأضراراً ،بدنيَّةً جاز إزلتها، أما إذا كان التشوه نتيجة حادث عارض فيجوز إزالته؛ لأنَّ صحابيا قطع أنفه في حرب أيام الجاهلية، فأمره النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن يتخذ أنفا من ذهب. ومن هذا الحديث يؤخذ جواز استعمال الأطراف الصناعية مثل: يد، أو رجل، أو عين، أو طقم أسنان . ج ٦٥٧ - أما نقل عضو من ميت فور موته، كعين أو كلية، إلى مريض، فهذا مما شاع عند الأطباء الأوربيين، وقلّدهم فيه أطباء المسلمين، وهو - لأنَّ الدين الأسلامي يحترم المسلم الميت، ولا يُجيز نقل عضو منه إلى غيره كيفما
مريض،
خطأ
كبير؛
كانت الأسباب، ولو أوصى المسلم قبل موته بأن يُنقل عضو منه المصلحة لا تُنفّذ وصيَّته؛ لأنَّ أعضاءه ليست ملكا له، فلا يملك التصرف فيها وقد أخبر النبيُّ أنَّ المسلم فيه (٣٦٠) مفصلا، وأنه ينبغي له كل مطلع شمس أن يُقدم صدقاتٍ بعددها شُكرًا على إنعام الله بها عليه، وأنه يقوم مقام الصدقات طاعات أخرى كالتسبيح والتحميد، والتكبير، والتهليل بعدها، ذلك أنَّ الأعضاء مِلكُ الله تعالى، لا يجوز إزالة عضو منها إلَّا إذا كان به مرضٌ يُخشى أن يتسرب منه إلى بقيَّة الأعضاء، فيجب بَتّره حفظا لها، وإبقاء عليها. وقد ظهرت الأكَلَةُ في رجل عُروة بن الزبير - أحد فقهاء المدينة وعلمائها-
وأخبره الأطباء أنَّ رجله إذا لم تُقطع فسيسري المرض إلى غيرها فقطعها. وبعض المتحذلقين يُسوّغ نقل عضو من ميت إلى حي، بقوله : الحي أفضل من الميت، وهذا قول باطل؛ فإنَّ الصَّالح الميت أفضل من الفاسق الحي،
الفقه وأصوله
٤٥٥
والعادل الميت أفضل من الظالم الحي، فنقل العضو من الميت حرام، وتزداد
،
الحرمة إذا نُقل من مسلم إلى كافر. أما نقل الدم من شخص إلى آخر ، والدَّم: سائل نجس كالبول فهل يجوز
التداوي به ؟ مسألة فيها نظر، ثبت في الحديث أن قوما استوخموا المدينة لم يوافقهم هواؤها، فأمرهم النبيُّ بشرب أبوال الإبل وألبانها فصَحُوا. قال الشافعي، بول الإبل نجس وجاز شُربه للتداوي، وعلى وزنه يقال : يجوز نقل الدم مع نجاسته لأجل التداوي.
ج ٦٥٨ - وبالنسبه للكحول يحرم التداوي به، أما إذا كان داخل دواء واستهلك فيه، بحيث لم يبق له رائحةٌ ولا طعم جاز التداوي به، ولا حرج فيه . وبالنسبه للتخدير، يجوز استعماله لإجراء جراحة، أو لدفع آلامها بعد نهايتها، أما إعطاؤه للمرضى فلا يجوز؛ لأنَّه يُعوِّدُهم الإدمان عليه ويُفسد
مزاجهم. ج ٦٥٩ - كذلك لا يجوز علاج المصروع بإعطائه محدرًا، إذ هو علاج وقتي لا يُذهب الصرع من أصله، والطب الحديث لا يعترف بصرع الجنّ، ويلجأ في علاجه إلى المخدر أو للصدم الكهربائي، وهو خطأ كبير، فالواجب على الطبيب المسلم ألَّا يُعالج المصروع بالتخدير بل يعالجه علاجا روحيا بالقرآن
والأذكار الوارده في السُّنه، أو يُحيله على رجل صالح يُعالجه بذلك. وقد حدث في شبابي أنَّ ابنة خالتي صرعها جني، ولازمها وأكثر من صرعها، فكنتُ أعالجها بسورة الجن أقرأها عليها وكانت إذا رأتني داخلا
٤٥٦
فتاوى وأجوبة
عليها تخاف مني وتصرخ، وهذا عمل الجني الذي يصرع، وبعد شهرين من
العلاج صحت وسلمت، وهي الآن متزوجة ولها أولاد وأحفاد.
ج ٦٦٠ - بالنسبة للتشريح ، لا يجوز تشريح جسد ميت مسلم للتدريب، أو لغيره من الأسباب، والذين أفتوا بجواز تشريحه مخطئون متساهلون؛ لأنَّ النبي قال: كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيَّا»، والحكومة السعودية تستورد من الهند جثث البوذيين الوثنيين الذين يموتون في حادث غَرَقٍ أو سَيرٌ، ليتدرب عليها طلبة الطب عندها.
فيجب على الحكومه أن تفعل مثل السعودية، كما يجب على وزارة الصحة وكلية الطب بوجه خاص أن تذكر أنّها في بلد إسلامي وبين شعب مسلم . فيجب أن تُراعي شروط الإسلام في تعليم الطب، فلا يختلط الطلبة والطالبات في محاضرة ولا تدريب ولا يتعلم الطالبات إلا التوليد وأمراض النِّساء، ولا يحضر الطلبة تشريح امرأة .
ج ٦٦١ - إذا دُعي طبيب لإجهاض حامل فيحرم عليه إجهاضها، إلا في
حالتين: - أن لا يتم تكوين الجنين في بطنها.
- أو تم تكوينه ولكن حالتها خطيرةٌ، بحيث يتعين الإجهاض لإنقاذها
من الموت ففي هذه الحالة تكون المحافظة على حياتها أهم من الجنين. ٦٦٢ - (تنبيه): بقي أن ننبه على أمر لا يعرفه الأطباء المسلمون لتقليدهم ، الأوربين: إذا دعي طبيب مسلم للكشف على مريض مسلم في بيته، فقد علم
الفقه وأصوله
٤٥٧
أنَّ مسلما مريض، والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أخبر أنَّ حق المسلم على المسلم ستّ، وذكر منها: «أن يَعُودَهُ إذا مَرِضَ»، فليجعل الطبيب خطواته إلى بيت المريض قياما بحقِّ العياده المطلوبة، فيُثاب عليها، ويأخذ الأجر من المريض باعتبار أنه كشف عليه في عيادته لا في بيته، وهذا المعنى لم يتفطن له الأطباء المسلمون مع وضوحه ونحن قد نسينا ديننا وتقاليدنا واتبعنا الأوربين في كل ما جاؤا به من غير استثناء .
وحِسَابنا عند الله عسير إن لم نتدارك الأمر، ونرجع إلى قواعد ديننا
الحنيف، والسلام.
حكم تعلم علم الطب وتشريح الميت
٦٦٣ - تعلم علم الطب فرض كفاية وكان في العهد النبوي أطباء منهم الحارث بن كلدة. ولا يجوز تشريح الجثث بغرض التعلم كما لا يجوز فحص المرأة بغرض التعلم أيضًا، لأن الشارع قرّر حرمة الميت المسلم ولم يُجز . بأي شيء في
.
مسه
جثته، ولو صرّح شخص بأن يُشرح جسمه بعد موته فلا يجوز أيضًا؛ لأن جسمه ملك الله لا له، ولذلك لا يجوز له الانتحار ولا قطع عضو من أ
إلا لمرضي به.
حكم الاختلاط للطالبات
أعضائه
س ٦٦٤- وسُئل: هل يجوز للطالبات بكلية الطب حضور محاضرة
مختلطة ؟ وما حكم ركوب الطالبات للمواصلات العامة.
ج ٦٦٤ - فأجاب : لا يجوز للطالبات بكلية الطب أن يحضرن محاضرة
٤٥٨
فتاوى وأجوبة
مختلطة إلا إذا كنَّ محتشمات وفي مكان خاص بهن.
ولا يجوز لهن أن يحضرن عملية تشريح الميت، ولا يجوز لهن أن يكشفن على مريض إلَّا إذا لم يوجد الطبيب، وإذا كشفت الطالبة عن مريضي فلابد أن يكون معها امرأة أخرى أو محرم بحيث لا تكون مختلية بالمريض، ولا يجوز لهنَّ حضور دروس خادشة للحياء إلَّا إذا دعت الضرورة لذلك.
أما مسألة ركوب المواصلات فهي عويصة؛ إذ الزحام فيها بالرجال كثير،
فلا تركب الطالبة إلا لضرورة وتبتعد عن الزحام بالرجال بقدر إمكانها. وقال: إذا كانت للطالبة رغبة في عدم الذهاب للكلية لما فيها من المحرمات فلتقعد في بيتها، ومخالفة والديها في هذا لا تحرم عليها ولا عقوق فيها؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومن أفتاها بالذهاب إلى الكلية مع ما فيها من المحرمات فهو متساهل مجازفٌ في دينه، وهذه الأمور واضحة لا تحتاج إلى إفاضة في الجواب. والمرأة لا يجب عليها شرعًا أن تتعلم إلا مسائل دينها
وحكم الزواج، وما زاد على ذلك فهو جائز إن لم يتصل به محرم.
ه - التصوف والأدب
التصوف والأدب .
أصل اجتماع الصوفية على الذكر
٤٦١
س ٦٦٥: وسئل عن أصل اجتماع الصوفية على الذكر ؟ ج ٦٦٥ - اجتماع الصوفية للذكر أصله اجتماع أهل الصفة في المسجد النبوي للذكر والدعاء، وفيهم نزل قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَوْةِ وَالْعَشِي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الكهف: ٢٨] ثُمَّ كان الاجتماع في عهد الحارث بن أسد المحاسبي ثُمَّ الجنيد والشبلي وغيرهم، وانظر "عوارف المعارف" للسهروردي بهامش "الإحياء".
س ٦٦٦ - توجد عبارات في كتب ابن العربي غير مفهومة فما القول فيها؟ ج ٦٦٦ - ابن العربي الحاتمي له في "الفتوحات" و"الفصوص" عبارات صعبة تخالف نصوص الشريعة بحسب ظاهرها، ولذلك قال الحافظ السيوطي: «لا تجوز قراءة كتب ابن العربي إلَّا لمن كان في درجته من الولاية».
حكم الذكر بلفظ «آه»
٦٦٧ - الذكر بلفظ: «آه» لا يجوز لأنه لم يرد فيه إلا حديث موضوع ويعرف (آه) بالأنين، وهو اسم الصدر عند الطريقة الفاسية بمصر.
استعمال الطبل والكأس عند ذكر الله
س ٦٦٨ - ما حكم ضرب الطبل والكأس عند ذكر الله تعالى؟
ج ٦٦٨ - آلة الطَّرَب فيها مذاهب :
الأول: تحريمها مطلقا وهو مذهب الشافعية.
٤٦٢
فتاوى وأجوبة
والثاني: إباحتها مطلقا وهو رأي منسوب إلى جماعة من الصحابة والتابعين وأطال ابن حزم في الانتصار لهذا الرأي.
والثالث: التفصيل وهو تحريم الآلات ذات الأوتار كالكمنجة. وإباحة آلة الطرب كلها للصوفية لأنهم يستعينون بها على الذكر وهو رأي
الحافظ السيوطي. وللشيخ عبدالغني النابلسي الحنفي إيضاح الدلالات في سماع الآلات"
رجح فيه الجواز وأطال في ذلك وكتابه هذا مطبوع. وللعلامة السيد جعفر الكتاني المالكي شيخ الجماعة بالمغرب كتاب مواهب الأرب المبرئة من الجرب في استعمال آلة اللهو والطرب" واختصره تلميذه العلامة السيد أحمد ابن الخياط شيخ الجماعة بعده، واختصاره هذا مطبوع بالمغرب. وعلى إباحة استماع الطرب جرى العمل عندنا بالمغرب فجميع طرق الصوفية هناك يقيمون الحضرة بهذه الآلات، مع العلم بأن إباحة آلة الطرب مقيدة بما إذا لم
تشتمل على محرم كما هو معلوم، ولعل في هذا القدر كفاية والله أعلم.
أول اجتماع للصوفية على الذكر بالاسم المفرد
س ٦٦٩ - وسألته عن أول اجتماع للصوفية على الذكر بالاسم المفرد؟ ج ٦٦٩ - فقال سيادته وأول اجتماع الصوفية على ذكر الاسم المفرد كان في بغداد في عهد أبي بكر الشبلي ، وكان قليلًا ثُمَّ بدأ انتشاره في عهد أبي العباس المرسي حتى صار شعارًا للشاذلية، والأصل فيه ذكر بلال اسم «أحد أحد» والمشركون يُعذبونه.
التصوف والأدب -
٤٦٣
كيفية إحياء ذكرى مشايخ الصوفية بالمغرب
س ٦٧٠ - وسألته عن كيفية إحياء ذكرى مشايخ الصوفية بالمغرب؟ ج ٦٧٠ - فأجاب سيادته بما نصه وكيفية الاحتفال عندنا أن يجتمع الإخوان عقب صلاة المغرب، ويقرأ كلُّ واحدٍ جزءا من القرآن حفظاً أو نظرًا بحيث يقرءون ختمةً أو ختمتين هديَّةً لصاحب الذِّكْرَى، وبعد صلاة العشاء يلقى درس في فضل الصالحين وما يتصل بذلك، ثُمَّ يُقدَّم الطعام، ثُمَّ تقام
الحضرة لمدة ساعة أو أكثر، ويختم الاحتفال بقراءة الفاتحة والدعوات. ومثل هذا الاحتفال أحدثه الصوفية إحياء لذكرى مشايخهم الكبار ولأجل أن ينهجوا نهجهم، وليس له دليل خاص، وإنما هو داخل في عموم فعل الخير والاجتماع للذكر وتلاوة القرآن
س ٦٧١ - وسألته عن حكم ما يفعله بعض المنشدين في حلقات الذِّكْرِ مِن
طلب المددِ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو من مشايخهم؟ ج ١ ٦٧ - فأجاب سيادته بما نصه وطلب المددِ كنت قرأت رسالة لبعض المتصوفة في طنطا يُجيزه ، وهو عندي من التوسل غير الجائز، لكنه ليس بشرك وإن كانت عبارته موهمة، ومن الأدلة على تحريمه أن فيه تشبها بالمشركين في العبادة وفيه طلب من غير الله ما لا يقدر عليه إلَّا الله.
فضل الخوف من الله
س ٦٧٢ - وسُئل عن معنى قول أبا بكر الصديق: «لا آمَن مَكْرَ الله ولو
كانت إحدى رجلاي في الجنة»؟
ج ٦٧٢ - يقول الله تعالى: ﴿ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَسِرُونَ ﴾
٤٦٤
فتاوى وأجوبة
[الأعراف: ٩٩] فالأمن لمكر الله كبيرة، وغرض أبي بكر رضي الله عنه بمقالته التبري من هذه الكبيرة، وأنه لا يفعلها ولو كان بباب الجنة حيث ينسيه الفرح كلَّ شيءٍ إِلَّا خوفه مِن الله.
ومثل هذا قوله عليه الصلاة والسلام: «أنا أَعْلَمُكُمْ بِالله وَأَشَدُّكُمْ له خَشْيَةٌ». فهو صلَّى الله عليه وآله وسلَّم معصوم ، ومن عصمته أن يخاف الله ولا يأمن مَكْرَه؛ ذلك لأن خوف الله عبادةٌ كالتوكُل، والإنابة، هي مطلوبة من كل مُكلَّف نبي وغيره، والآيات في مدح خوف الله كثيرة.
وفي "الخريدة" :
وغلبِ الخوف على الرَّجاءِ وسر المــــولاك بــلا تـــــائي فالخوف من الله لا ينافي كون الخائف معصوما أو مُبشِّرًا بالجنَّة؛ لأن ملحظه عظمة الربوبية وذل العبودية، ولولا الخوف لما عبد عابد، والعوام إذا رأوا شخصا جريئًا على المعاصي يقولون: هذا لا يخاف الله، وأشار أيضًا أبو بكر بمقالته إلى أنَّ العبد لا يأمن مَكْرَ الله إلَّا بعد دخول الجنة، وقول الله للمؤمنين فيها: «اليومَ أُحِلُّ عليكم رِضْواني فلا أَسْخَطُ بعده أبدًا».
هل الصدقة أفضل أم الذِّكر ؟
س ٦٧٣ : هل الصَّدَقة أفضل أم الذكر ؟ ج ٦٧٣ - الصدقة والذكر يتفاضلان بحسب الأحوال والمناسبات لا مطلقًا، وكذلك سائر الطاعات يحصل التفاضل بينها بالاعتبارات المختلفة
ليحصل الفضل لكل متمسك بطاعة منها .
التصوف والأدب .
٤٦٥
فالذكر للفقير أفضل والصدقة للغني أفضل، نعم إذا كان الذكر بإخلاص وحضور قلب، وشهودٍ لعظمة الله واستغراق في محبته، فهو أفضل من الصدقة، بل الذكر بهذه الصفة يفضله الصوفية على جميع الأعمال بعد
الفرائض.
س ٦٧٤ - وسئل أيضًا عن الإشارة الصوفية الموجودة في "تفسير ابن
عجيبة" والإشارة الموجودة في "تفسير الألوسي" بينهما فرق كبير. ج ٦٧٤ - فأجاب بأن إشارة الشيخ أحمد بن عجيبة ذوقية؛ لأنه كان عنده شيخ التربية وهو سيدي محمد البوزيدي، والألوسي إشارته تقليدية لأنه كان
عنده شيخ التبرك فقط، ولم يكن عنده شيخ التربية.
أثر زيارة قبور الصالحين
س ٦٧٥ - وسأله بعض الأخوة عن أسباب ما يحصل عنده من الانقباض
والضيق عند زيارة قبور الصالحين؟ ج ٦٧٥ - فأجابه
رضي
الله عنه: أما انقباضك بعد زيارة الصالحين
والفضلاء فدليل على وجود أثر للزيارة، وذلك أنَّ الإنسان إذا زار الصالحين اكتسب منهم نورًا وبركةً، فإذا هجم ذلك النور على باطن الإنسان قاومته ظلمة النفس فيحصل الانقباض، فإذا توالت الزيارة وتوالى ورود النور على الباطن ضعفت الظلمة أو ذهبت كلية، فيبقى الصدر منشرحا، فدواء حالك هو المداومة على الزيارة مع الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وزيارة مادحه الإمام البوصيري فلذلك تأثير في شرح الصدور
ង ។ ។
وإذهاب الانقباض.
فتاوى وأجوبة
كتاب المدخل لابن الحاج
س ٦٧٦ - ولما قرأت كتاب "المدخل" لابن الحاج العبدري وجدت في كثير من المواضع تشددًا كبيرًا فسألته عن ذلك؟
ج ٦٧٦ - فأجاب سيادته بما نصه وكتاب "المدخل" لابن الحاج جيد لا بأس به، لكنه شديد ووجه شِدَّته أنه فقيه مالكي يريد تطبيق ما في فقه مالك بالحرف الواحد، وفاته أن يراعي المذاهب الأخرى التي قد يكون فيها سعة في بعض الأشياء بالنسبة لمذهب مالك، وقد تنبه على ما فيه من الشدة تلميذ مؤلفه وهو الشيخ خليل صاحب "المختصر"، بل قال الشعراني أنَّ مطالعته تورث ظلمةً في القلب؛ وذلك لأنه كما تقدم- يُطبق الفقه المالكي تطبيقا
شديدا من غير مراعاة ما في المذاهب الأخرى من رخص وتوسعات. والشيخ محمود خطاب السبكي كان شيخًا للطريقة الخلوتية لكنه طالع كتاب "المدخل" وتشبع به فأنكر التصوف وقلب طريقته الخلوتية إلى طريقة السبكية. المعاملة مع المعارف
س ٦٧٧ - وشكى له البعض من أحوال الناس، وأنهم لا يسألون عمن يعرفونه إلا لمصالحهم.
ج ٦٧٧ - فأجابه سيادته بما نصه وعدم سؤال المعارف عنك ليس خاصا بك بل هو عام؛ لأن الناس في هذا الزمان شغلتهم شئونهم ا الخاصة وألهتهم شواغل الحياة فلا يسأل أحدٌ عن أحدٍ، وكأننا في يوم القيامة، كل واحد يقول
نفسي نفسي !! فمن زارك فرحب وافرح به ومَن لم يزرك فلا تعتب عليه ولا
التصوف والأدب.
٤٦٧
تغضب منه، وهذا ما أعمله أنا مع معارفي بمصر وهنا.
حكم مداراة الناس
٦٧٨ - حديث المداراة هو من باب المجاملة المطلوبة وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في عيينة بن حصن : ( بِئسَ أخو العشيرة» لبيان حاله؛ لأنه كان فحاشا جافي الطبع، وكان مع ذلك رئيس قومه وسماه النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم الأحمق المطاع، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يلاينه ويلاطفه يؤلّفه بذلك على الإسلام، فهو من المؤلفة قلوبهم.
وقد ارتد في عهد أبي بكرٍ وانضم إلى طليحة المتنبي، وأسره المسلمون في
حربهم لأهل الرّدة فأسلم ثانيًا بعد أن كاد يقتل.
وعبارة: «إنَّا لنبش في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم». ليست بحديث، بل هي من كلام أبي الدرداء، وهي محمولة على مجاملة من له رياسة وزعامة مع قبح حاله، ويكون في الإنكار عليه فساد وفتنة.
حول استغفار النبي الأمه
س ٦٧٩ - وسُئل: لماذا لم يُأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في الاستغفار لأمه؟
ج ٦٧٩ - وعدم الإذن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الاستغفار لأمه، يجاب عنه بوجهين : 1 - أنَّ الاستغفار يكون لمن بلغته الدعوة وآمن لكن ارتكب معاصي، وأهل الفترة لم تبلغهم الدعوة فلا يُستغفر لهم؛ لأنه لا عذاب عليهم وهو
٤٦٨
الصحيح. ٢
فتاوى وأجوبة
- أنَّ الحديث الوارد بعدم الاستغفار شاذ وإن كان صحيح السند لمخالفته قول الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: ١٥] والقاعدة أنَّ الحديث الصحيح إذا خالف قطعيا كالقرآن أو السُّنَّة المتواترة يكون شاذا غير معمول به.
وأبو طالب كان يدافع عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم ويناضل الحماية النسب والقرابة لا لأجل الدين، بدليل أنه عند الوفاة أبى أن يقول : لا إله إلا الله، وصرح بأنه يموت على مِلَّة عبد المطلب، كما صرح بأنه لم يقل كلمة التوحيد مخافة أن تُعيّره قريش أنه قالها جَزَعًا من الموت، فهو قدمات مُصِرا على الشرك،
ونزل فيه قوله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ
[القصص: ٥٦].
والله تعالى بين بهذا أنَّ حب الرسول لا ينفع صاحبه إلا إذا كان لأجل الدين فقط، وإنما فعل النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بعبد الله بن أبي ما فعل، إجابة لطلب ابنه عبدالله، وهو صحابي فاضل مع أنَّ قوله تعالى: إِن تَسْتَغْفِرْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ هُمْ ﴾ [التوبة: ۸۰] أطمعه في أن يزيد على السبعين
ثم
رجاء المغفرة كما ثبت في "الصحيح" فلما نزل قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا نَهُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾ [التوبة: ٨٤] فامتنع نهائيا.
التصوف والأدب .
٤٦٩
كلمة حول الهجر
س ٦٨٠ - هل ثبت أنَّ عائشة رضي الله عنها حلفت ألَّا تُكلّم عليا رضي الله
عنه؟ وهل يجوز هجر أهل المعاصي ؟
ج ٦٨٠ - لم يثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها حلفت ألَّا تُكلّم عليا عليه السلام. لكن ثبت في صحيح البخاري" أنها نذرت ألَّا تُكَلِّم ابن أختها عبدالله بن الزبير لاعتراضه على تصرُّف في مالها، ثُمَّ تشفّع إليها فكلمته وكفّرت عن نذرها وثبت عن ابن عمر أ أنه هجر ابنه، وعن عبدالله بن مُغَفَّل
أنه هجر قريبا له، وثبت مثل ذلك عن كثير من التابعين.
وقال مالك وأحمد والخطَّابِيُّ والنووي وغيرهم: «يجوز هجر المبتدعة وأهل المعاصي حتى يتوبوا». وذلك كله خطأ، والهجر لا يجوز لأي مسلم كان فوق ثلاثة أيام، بل هو كبيرة. والشارع لم يأمرنا أن نهجر اليهود والنصارى مع أنهم أعداء الدين، بل أجاز لنا معاملتهم وأكل طعامهم والتزوج بنسائهم، وليس العاصي أو المبتدع شرا من اليهودي والنصراني، فالذين أجازوا هجر المسلم لمعصية أو بدعة مخطئون، ابتداء من عائشة ومَن ذُكِر معها إلى النووي رضي الله عنهم، وقد أخطأ كثير من الصحابة في اجتهاداتهم وهذا منها.
اعتراضات على المؤلف والجواب عليها
س ٦٨١- وكتب فضيلته يخبر بأن بعض الإخوان استعظم تخطئة السيدة عائشة. وكيف تنهى عن الهَجْرِ وقد هَجَرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم نساءَه
٤٧٠
فتاوى وأجوبة
شَهْرًا؟ وأخبر بأنَّ تصحيح حديث: «أنا مدينةُ العِلْمِ». لأن سيادتكم من شيعة علي رضي الله عنه ؟
-
ج ٦٨١ - الذين استعظموا تخطئة عائشة يقال لهم: حين خرجت عائشة على علي في وقعة الجمل كانت مخطئةً أم لا؟
والهجر كبيرةٌ كما قلتُ لك، ومن أجازه لأجل فسق أو امتهان أخطأ ولم يفهم روح الشريعة.
والنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم اعتزل نساءه شهرًا وحلف أن لا يدخل عليهنَّ، وهذا إيلاء، وهو هجر الزوجة في الفراش لا في الكلام، وقال الله في تأديب الزوجات: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾ [النساء: ٣٤] أي: لا في
الكلام.
وحديث قصة كعب وصاحبيه قضية عَيْنٍ خاصة بهم لا يجوز تعميمها، كما ،
بينته في مقال لي "بحث في المعصية" نشر في مجلة "دعوة الحق". أما من أصر على ألا تكلمه ولا تتصل به فلا إثم عليك في متاركته، بل
الإثم عليه وحده، وكذلك المؤذي والسيئ الخلق لا إثم في متاركتهما. وقوله إنَّنا صححنا حديث: «أنا مدينةُ العِلم» لأننا شيعة. يقال له: بل الذين ضعفوه ناصبية، والشيعة يحبون آل البيت والناصبية يبغضونهم، فأي الفريقين خير؟ والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: «لا يحبُّكَ إِلَّا مؤمن ولا يَبْغَضُكَ إِلَّا منافق». وهو في "صحيح مسلم".
التصوف والأدب .
٤٧١
الحكمة من مدارة النبي و
س ٦٨٢ - وكيف يقول النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في الرجل: «بئس
أخو العشيرة». ثُمَّ يُجامِلُهُ فِي المُعامَلَةِ؟
ج ٦٨٢ - كان الرجل يزور النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وهو منافق أو ضعيف الإيمان، أو سليط اللسان، وله منزلةٌ في قومه، فكان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يُجامِلُه في المقابلة مداراة له وتألقا لقلبه، وهذا محمل قوله: بئس أخو العشيرة». أما إذا حصل مُنكَرُ وعلم به فإنه يغضب، ولا يراقب في تغييره صغيرًا ولا كبيرًا، فالمداراة في المقابلة لا تنافي الصراحة في الحق، وهذا عمر جاءَه ضيف فأكرمه وأحسن نزله، وفي اليوم الثاني سَكِرَ مِن نبيذ شربه فأقام عليه الحد، وفي المثل: «دي نقرة ودي نقرة».
مقام الصديقين
س ٦٨٣ - لماذا غضب النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم من أبي بكر حين أراد أن ينتصر لنفسه؟ ج ٦٨٣ - مقام الصديقين أعلى مقام بعد النبوة، ومن مقتضيات هذا المقام الأخذ بعزائم الأمور، ومن عزائها ألا ينتصر لنفسه، قال الله تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: ٤٣] وأبو بكر ا الله الصديق رضي عنه كانت فيه حِدَّةٌ، والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم بقيامه حين احتد أبو بكرٍ على شاتمه، أراد أن يحمله على التمسك بصديقيَّته، وأخبره أنَّ الصِّدِّيقين يتولَّى الله الدفاع عنهم، فالصَّدِّيق مع الله كالطفل مع أُمه هي التي تتولى شئونه، وتدفع
٤٧٢
فتاوى وأجوبة
عنه الأذى، وقد حصل خصام بين عائشة وبعض ضراتها فتركها تنتصر لنفسها
ولم يقم من مجلسه؛ لأنها لم تنل مقام والدها رضي الله عنهما.
تحريم لعن المعين
س ٦٨٤ - هل يجوز لعن شخص مُعيَّن إذا كان مُصِرا على معصية ؟ ج ٦٨٤ - قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ». يقتضي بطريق مفهوم المخالفة جواز لعن مَن لا يحب الله ورسوله إذا شرب الخمر كالكافر، وهذا المفهوم لا ينظر إليه، كما قال صاحب السيرة؛ لأن لعن المعيَّن لا يجوز ولو كان كافرًا لجواز أن يسلم، فتعود اللعنة إلى
الشخص
اللاعن.
س ٦٨٥ - لماذا أعطى النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم لأبي هريرة نعليه علامة ليبشر المؤمنين بالجنة؟
ج ٦٨٥ - كان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم في بستان، ولم يكن معه ما يعطيه أمارة غير نعليه، وأنه حين حَجَّ قلّد بهما هديه؛ فأي صحابي رآهما يعرف
أنهما له.
.
وماذا يقول المثقف في الذي يمد رجليه لمن يمسح . حذاءه؟ وقد يكون الماسح أفضل منه أو أعلم أو أسن وقد رأيت بمصر ماسح أحذية يحمل شهادة ليسانس، ورأيت أخوين في فرنسا متعلمين نزلا من سيارتهما وخلع الأكبر «جزمته»، ولبس «جزمة برقبة طويلة وحدف «الجزمة» التي خلعها إلى أخيه ليوصلها إلى البيت، فتلقفها بيديه وضمها إلى صدره حتى أوصلها إلى البيت، فلم يعب عليه ذلك أحد، ولا عدوه إذلالا وإهانة، وفرنسا بلد
التصوف والأدب .
٤٧٣
الحضارة العصرية وبلد الموضة.
س ٦٨٦ - كيف رجع النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم عن البشارة
للمؤمنين لقول عمر رضي الله عنه؟
ج ٦٨٦ - في "مسند البزار" عن أبي سعيد الخدري: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال يومًا: مَن قال: لا إله إلا الله وَجَبَتْ له الجنَّة». فاستأذنه معاذ أن يبشر بها الناس، فلقيه عمر فأخبره، فقال: لا تعجل، ثُمَّ دَخَلَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال : يا نبي الله أنت أفضل رأيا، إنَّ الناس إذا سمعوا بهذا اتكلوا عليه. فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم لمعاذ: «فخلهم».
لا يعتبر رجوعاً عن الوحي، بل يدل على أنَّ الأمر لا يقتضي العمل فورا، كصلاة الظهر تجب في أول وقتها ويجوز تأخيرها ما لم يخش خروج الوقت فأمر البشارة كان أمرًا مُوسعًا، جاز تأخيره بإشارة عمر، لكن لما خشي النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فوات تبليغه نفّذه ولم يلتفت إلى رأى عمر أو غيره. ففي "معجم الطبراني الكبير" عن بلال: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال له: «يا بلال، نادِ فِي النَّاسِ مَن قال: لا إله إلَّا اللَّهُ قَبلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ دَخَلَ الجنَّةَ، أو شهر، أو جُمعة، أو يوم، أو ساعة». قال: إِذَا يَتَّكِلوا، قال: «وإن اتَّكَلُوا». الأشياء المحترمة لذاتها في الإسلام
س ٦٨٧ - ما هي الأشياء المحترمة لذاتها في الإسلام؟
ج ٦٨٧ - المحترم لذاته هو الذي يكون احترامه ناشئًا من ذاته لا من شيء خارج عنه، مثل القرآن والحديث، وأسماء الله، وأسماء النبي صلى الله عليه
٤٧٤
وآله وسلّم.
فتاوى وأجوبة
والمحترم لغيره مثل الحروف العربية هي في ذاتها لا حرمة لها، وإنما
احترمت لما يكتب بها من القرآن وغيره من المحترم لذاته.
وعلى هذا فالجريدة العربية إذا كانت خالية من آية أو حديث أو اسم معظم يحرم درسها أو رميها عند المالكية؛ لأجل الحروف العربية، ولا يحرم
ذلك عند الشافعية.
وكذلك جلدة المصحف يحرم لمسها بدون وضوء احتراما للمصحف لا لذاتها، وليلة القدر احترمت لنزول القرآن فيها لا لذاتها، ومكة احترمت لوجود البيت الحرام فيها لا لذاتها.
هل يجوز للإنسان الافتخار بنفسه
س ٦٨٨ - هل يجوز للإنسان الافتخار بنفسه لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «أنا ابن عبدالمطلب»؟
ج ٦٨٨ - القاعدة الأصولية: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إذا نهى عن شيء ثُمَّ فعله، فيكون خاصا به». وعلى هذا فقوله: «أنا ابن عبدالمطلب..إلخ». من خصوصياته ولا يجوز للأُمة، لأنه في افتخاره معصوم من العجب، بخلاف غيره.
حكم الهجر
س ٦٨٩ - كيف ينسب الخطأ لعائشة في هجرها لعبد الله بن الزبير؟
ج ٦٨٩ - هجر عائشة لابن الزبير تكلَّمتُ عنه في كتاب "القول المسموع رضي الله عنها كانت فيها
في بيان الهجر المشروع" وخلاصة ما قلته أنَّ عائشة )
التصوف والأدب -
٤٧٥
حدة كأبيها رضي الله عنهما، فلما بلغها كلام ابن أختها احتدت وأسرعت بنذر قطيعته، ونسيت الحديث الذي روته وهو: «لا نَذْرَ في مَعْصِيةٍ». ونسيت أن
النَّذْرَ في المعصية لا ينعقد، فأخطأت عن نسيان، ولا يجوز تقليدها في ذلك. س ٦٩٠- هل أصاب الشيخ عبد الجليل شلبي في قوله بجواز هجر العاصي أو المبتدع ؟
ج ٦٩٠ - قول الشيخ عبد الجليل شلبي بجواز هجر العاص أو المبتدع خطأ قلد فيه غيره، والصواب أنه لا يجوز هجر عاص ولا مبتدع، ولا أي مسلم أكثر من ثلاثة أيام، وعثمان لم يعص ولم يبتدع وإنما حصل بينه وبين ابن عوف خلاف ما فتهاجرا أيامًا ثُمَّ اصطلحا.
س ٦٩١ - لماذا لم يدعُ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم لمن يحبه بالهداية؟ ج ٦٩١- لم يدعُ الرسول لمن كان يحبه رجاء أن يؤمن عن اقتناع ودليل، ولتنفذ إرادة الله بموته على الشرك. ولا يدعو الرسول بهلاك قومه عامة إلا بعد إذن الله كما في قصة نوح ولوط وغيرهما. س ٦٩٢ - تشبب (۱) ابن زهير بامرأةٍ في قصيدته المشهورة فهل يجوز ذلك؟ ج ٦٩٢ - كعب بن زهير حين أنشد قصيدته لم يكن مسلما بل قالها مُعتذرا ثُمَّ أسلم بعدها، والإسلام يهدم ما قبله، والتشبيب الممنوع إذا كان بامرأة معنية، لأن ذلك يعيبها ويثلم عرضها، أمَّا التشبيب بامرأة مجهولة فلا يحرم ولا
يعاب؛ ولذلك لم ينكر النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم على كعب بن زهير.
(۱) تَشْبِيبُ الشِّعر ترقِيقُ أَوَّله بذكر النِّساء. انظر لسان العرب لابن منظور (١/ ٤٨١).
٤٧٦
فتاوى وأجوبة
إطلاق الدُّعاء على الثَّناء
س ٦٩٣ - هل يجوز إطلاق الدُّعاء على الثناء؟
11
ج ٦٩٣ - في صحيح البخاري عن أبي موسى قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في سَفَرٍ، فكنا إذا عَلَونا كبرنا، فقال: «أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصيَّا ولا غائبًا ولكن تدعون سميعا بصيرا». سمى التكبير دعاء من باب مجاز المجاورة؛ لأن العادة جرت أنَّ الإنسان إذا طلب
شيئًا من أحد قدم قبله طلبه الثناء على المسئول، كما قال الشاعر العربي أطلب حاجتي أم قد كَفَاني ثنائي إِنَّ شِيمَتُكَ السَّخَاءُ وقال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: ۱۸۰] أي أثنوا عليه بها يستجب لكم، ويونس عليه السلام حين ابتلعه الحوت قال: لا إله إِلَّا أَنتَ سُبْحَنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: ۸۷] فكان ثناؤه دعاء قال الله: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَيْنَهُ مِنَ الْغَةِ ﴾ [الأنبياء: ۸۸] فإطلاق الدُّعاء على الثناء مجاز شائع.
كيفية طاعة أم لا تصلي ولا تصوم وتسب الدين
س ٦٩٤ - أم تبلغ من العمر ستين عاما لا تصلي ولا تصوم مهما نصحناها، وهي مع ذلك ذات خُلُقٍ ذميم تسبُّ الدِّين وتُسيء لكل من يراها
بسب فظيع، فما حكم الطاعة لها؟ وماذا يصنع الابن المكلف بها معها؟ ج ٦٩٤ - سب الدين أو الخالق سبحانه وتعالى رِدَّةٌ والعياذ بالله، ومرتكب ذلك يعتبر مرتدا في حكم الدين الإسلامي تجب استتابته شرعًا، وهل يستتاب
التصوف والأدب .
٤٧٧
مدة ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر؟ خلاف بين العلماء في ذلك. فإن تاب قبلت توبته، وإن لم يتب يُقتل كافرًا ولا يُدفن في مقابر المسلمين،
ولا يرثه أهله بل يكون ماله فينا لجميع المسلمين، والذي يتولى الاستتابة والقتل هو الحاكم الشرعي، وهو مفقود الآن.
وتركُ الصَّلاةِ كفر عند الإمام أحمد بن حنبل وعبدالملك بن حبيب من
المالكية، وقال به جماعة من الصحابة منهم عمر وعلي وغيرهما.
وقال المالكية والشافعية والحنفية ترك الصلاة فسق وكبيرة من الكبائر،
لكنه ليس بكفر. ثُمَّ اتفق الحنابلة والشافعية والمالكية وغيرهم على أنَّ تارك الصلاة يقتل إِلَّا أن الحنابلة قالوا يقتل كفرًا، وغيرهم قال يقتل حدا أي يحكم بإسلامه كما يرجم الزاني مثلا، وكذلك حكم الصوم عند المالكية كما صرح به الحطاب في شرح مختصر خليل"، إلَّا أنَّ الحاكم الشرعي الذي يُنفّذ الأحكام غير موجود، والحدود الشرعية مُعطَّلَةٌ مِن زمن بعيد.
والذي نراه أنَّ هذه الأم إن صح عنها ما ذكر في السؤال سقطت طاعتها؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق والله تعالى أوجب طاعة الوالدين فيما لا يمس الدين. وليس لأحدٍ أن يقول: إنَّ الله أوجب البر بالوالدين الكافرين؛ لأنا نقول: الوالدان الكافران أصالة قد أقرهما الشرع نظير الجزية المقررة، أما هذه الأم فهي شر من الوالدين الكافرين؛ لأنها إن صح عنها ما ذكر في السؤال تكون مرتدة، لا تقر على حالها أبدًا ، فالفرق بين المسألتين واضح، والله أعلم.
٤٧٨
فتاوى وأجوبة
إلقاء فضلات الطعام في المراحيض
س ٦٩٥ - هل يجوز إلقاء فضلات الطعام في المراحيض؟
ج ٦٩٥- ينبغي احترام الطعام وعدم تعريضه للإهانة لقوله: «أكْرِمُوا الخبر» صححه الحاكم، وفي معنى الخبز كل ما يؤكل؛ لأن العِلَّة في إكرام الخبز كونه من نعم الله علينا وبركته، وذلك يشمل كل مطعوم، وقد وردت آثار عن جماعة من السلف على تكريم فضلات الطعام وعدم إهانتها، وعلى هذا لا ينبغي لإنسان أن يلقي فضلات الطعام في المراحيض، بل يلقيها لما يأكلها من الحيوانات كالهِرَّة ونحوها، أو يلقيها في الأمكنة المخصصة لذلك والله أعلم.
منها ؟
حكم من ينتقد بعض أحكام الدين
س ٦٩٦ - ما حكم من انتقد شيئًا من أحكام الدين لعدم معرفته الحكمة
ج ٦٩٦ - من أنكر شيئًا من التشريع على سبيل الانتقاد له فهو كافر؛ لأنه تَسَخُط لحكم الله ورسوله، وتعديل عليهما والله تعالى يقول: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنِ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: ٣٦]. ويقول: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَ أُولَيكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: ٥١].
وليس من الضروري أن يفهم الإنسان حكمة كل تشريع؛ إذ لو كان الأمر كذلك لكان الإنسان مؤمنًا بعقله لا بالشرع، ولهذا نص العلماء على أن الحكم
التعبدي أكثر ثوابا من الحكم المعقول المعنى لأن فيه إيمانا بالغيب.
التصوف والأدب .
٤٧٩
وقد مدح الله المؤمنين بالغيب في أول سورة البقرة)، وجعلهم في طليعة
المفلحين والله أعلم.
حدود الغيبة
س ٦٩٧ - ما حدود الغيبة؟ وما هي الأقوال التي تعتبر غيبةً شرعًا؟ ج ٦٩٧ - الغيبة سُئل عنها النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال: «هي ذِكْرُكَ أَخَاكَ بما يَكْرَهُ». قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلّم: «إن كانَ فيه ما تقول فقد اغْتَبْتَهُ ، وإن لم يكن فيه ما تقول ف
بهته.
فالغيبة هي
أن تذكر الشخص بما فيه من العيوب التي يكره الاطلاع
عليها، وهي حرام كما قدمنا، لكنها تجوز بل تجب في مواضع : أحدها: أن تكون على وجه النصيحة، مثلا شخص يريد أن يتزوج أو
عائلة
يعامل شخصا في تجارة وأنت تعرف عنه من العيوب ما لا يتفق مع الزوجة، أو مع الشخص الذي يريد معاملته في التجارة، وسألت عن رأيك في هذا الشخص وعما تعرفه عنه ، فمن النصيحة الواجبة أن تبين ما فيه من العيوب بقصد النصح لا بقصد التشفي.
ثانيها: أن يكون الشخص مجاهرًا بالمعاصي مستهترا لا يبالي ما أتى من المنكرات فغيبته جائزة لتبين حاله عند من لا يعرفه، وعلى هذا يحمل الحديث: لا غيبة لفاسق وحديث: حتَّى متى تَزَعُونَ عَن ذِكْرِ الفَاجِرِ اهْتِكُوهُ حَتَّى يَحْذَرَهُ النَّاسُ . وإن كان هذان الحديثان ضعيفين.
ثالثها: المتظلم، أي الشاكي من شخص ظلمه في حق من الحقوق، يجوز أن
٤٨٠
فتاوى وأجوبة
يذكره بعيوبه التي حصلت منه في حقه.
رابعها المستفتي، بمعنى أن شخصًا إذا استفتى عالما في شيء يتعلق بشخص واقتضى الاستفتاء ذكر بعض عيوب الشخص المستفتى في حقه
فيجب ذكر تلك العيوب لتوضيح الفتوى حتى يكون الجواب الشرعي عنها صحيحًا سالما.
خامسها : إذا اشتهر الشخص بوصفٍ من الأوصاف ولم يعرف إلا بها، كما عرف بين المحدثين تلقيب أئمة من العلماء بأوصاف مكروهة ولكنها صارت علما عليهم لا يعرفون إلا بها مثل: الأعمش، والأعرج، والأعمى.
وقوع المعصية ممن يدعي أنه من الأشراف
س ٦٩٨ - بعض الناس يدعي أنه من الأشراف رغم أنه يرتكب كثيرًا من المعاصي ويستدل بقوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: ٣٣].
ج ٦٩٨ - فعل المعاصي لا يدل على نفي النَّسَب عن الشخص المنسب؛ لأن الشريف غير معصوم بل هو كغيره من المسلمين، لكن لا يليق به أن يفعل معصية تكريما لنسبه، فإذا فعل الشريف معصيةً واتكل على أنه شريف كان إثمه مضاعفا وعذابه أشد . ثُمَّ إِنَّ الإسلام لا يعرف شريفا ولا غيره بالنسبة لأحكام الدين، والله تعالى يقول : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَنْقَنَكُمْ ﴾ [الحجرات : ١٣ ] والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول: «النَّاس رجلان: مؤمن تقي كريم على الله، وفاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ على الله .
التصوف والأدب .
٤٨١
وقد حذر آل بيته أن يتكلوا على النسب، وأمَرَهُم أن يستبقوا إلى الطاعات ويبتعدوا عن المعاصي.
وأما قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا [الأحزاب: ۳۳]، فقد ثبت في الحديث الصحيح أنها نزلت في خمسة وهم: النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وهؤلاء كانوا فعلًا مُطهرين ما عصوا الله قط.
ج
س ٦٩٩ - ولما تُوفّي زوج شقيقتي سألته عن ثواب بر أبنائه من بعده؟ ٦٩٩- فقال سيادته: أعانكم الله على مساعدة اليتامى والأخذ بساعدهم، فإنَّ في ذلك أجرًا عظيما وخيرًا جسيما. كيف لا وقد جمعوا بين اليتم والقرابة، فمساعدتهم تشتمل على ثوابين ويُضاعف أجرها مرتين، وكفاك قوله تعالى: فَلَا أَقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) وَمَا أَدْرَنكَ مَا الْعَقَبَةُ ) فَقُ رَقَبَةٍ ) أَوْ إِطْعَمُ فِي يَوْمِ ذِى مَسْغَبَةٍ يَتِيمَاذَا مَقرَبَةِ ﴾ [البلد: ١١ - ١٥]. وفي الحديث: «إنَّ أحبَّ البيوتِ إلى الله بيت فيه يتيم يُكْرَم... إلى غير هذا مما ورد في القرآن والسُّنَّة.
ما يستحب للتائب أن يفعله
س ۷۰۰ واعترف أحد إخواني على نفسه بارتكاب معصية فكتبت لسيادته في ذلك؟
ج ۷۰۰- فأجاب بما نصه: وأما مسألة ذلك الشخص الذي اعترف بما اعترف به فهي خطيرة، وما كنا نحب أن : نسمع ذلك عنه ولا عن أحدٍ من الإخوان، وحيث أنه تاب فنرجو أن يتوب الله عليه، لكن من تمام توبته أن
٤٨٢
فتاوى وأجوبة
يترك المكان الذي حصلت فيه المعصية بل تكرّرت وإلا فقعوده في المكان نفسه يدعو إلى معاودة المعصية، ولأن يَهْدِيَ الله بك رَجُلًا واحدًا خيرٌ لك مِن مُحمرٍ النَّعَمِ». كما جاء في الحديث.
تحدث الرجل بما يدور بين أهله
س ٧٠١ - ما حكم الشرع في تحدث الرجل بما يدور بينه وبين زوجته؟ ج ۱ ۷۰- تُحدث الرجل بما يدور بين أهله حرام، وكذلك تحدث المرأة بما
يحصل من زوجها معها حرام أيضًا، وقد ورد التشديد فيه كثيرًا. ففي "صحيح مسلم " عن أبي سعيد الخدري أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ مِن شَرِّ النَّاسِ مَنْزِلَةٌ عند الله يومَ القِيامَةِ الرجلُ يُفْضِي إلى امرأته وتفضي إليه، ثُمَّ يَنْشُر أحدهما سِرَّ صَاحِبِهِ».
وفي "مسند أحمد" بإسنادٍ حسن عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والرجال والنساء عنده قعود، فقال لعل رجلًا يُحدث بما فعل بأهله ولعل امرأة تُحدّث بما فعلت مع زوجها فأرم القوم - أي سكتوا عن خوف؟ فقالت أسماء: أي والله إنهم ليفعلون وإنهنَّ ليفعلنَ، فقال: «فلا تَفْعَلُوا
فإنَّ مثل ذلك مثل شيطان لقي شَيْطَانَةٌ في طريق فَغَشِيها والنَّاسُ يَنْظُرُون». وفي حديث آخر حسن أيضًا عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «السباع حرام». وهو الافتخار بالجماع وما يحدث فيه من
أفعال وأقوال.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرةٌ تُبيَّن قُبح هذه العادة الخبيثة التي
تستوجب مقت الله تعالى، والله أعلم.
٦ - مسائل خلافية
مسائل خلافية .
الصلاة في المساجد التي بها أضرحة
ΕΛΟ
س ۷۰۲: كثر الكلام عندنا جدًّا وطال النّزاع في مسألة الأضرحة وفي حكم الصلاة فيها، حتَّى تجرأ بعض الناس وقالوا إنَّ الصلاة فيها باطلة وحرام لقول النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لَعَنَ اللهُ اليهودَ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيائهم مساجِدَ». ولقوله: «لَعَنَ اللهُ زَوَّارَاتِ القُبُورِ والمتخذين عليها المساجد والسُّرجَ»، أضرحة الأولياء لا تخلو من هذا فما الحكم؟
ج ٧٠٢: إنَّ بناء الضريح على القبر إن كان في مقابر مُسَبَّلة أي موقوفة حرم ووجب هدم الضريح؛ لأنه شَغَلَ قطعةً من أرض الوقف بغير حَقٌّ، وما كان كذلك وجبت إزالته. وإن كان في مقبرة خاصة بالميت أو قرابته لم يحرم بناء الضريح بل يكره
فقط ولا تجب إزالته بعد بنائه لأنه ليس بحرام.
وأما بناء المسجد على ضريح ولي من الأولياء بقصد التبرك فقد صرح البيضاوي بجوازه وقال: «لا يدخل في النهي عن بناء المساجد الذي حكاه النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم عن اليهود والنصارى؛ لأنهم كانوا يقصدون ببناء المساجد على القبور عبادة أصحابها والسجود لهم، وهذا المعنى منتف في بناء مسجد على رجل صالح للتبرك به».
وناقشه الحافظ ابن حجر بما يعلم من مراجعته في "فتح الباري". أما الصلاة في الأضرحة وفي المساجد المبنية عليها فهي صحيحة لا شيء فيها؛ لأن المدار في صحة الصلاة على طهارة المكان واستقبال القبلة، فكل مسجد
تصح فيه الصلاة سواء كان على قبر أو لا.
فتاوى وأجوبة
نعم، لو قصد المصلّي جهة القبر وصمد إليه، قاصدا استقباله في الصلاة،
بطلت صلاته حينئذ، والله أعلم.
التوسل بالأولياء والصالحين
س ۷۰۳: رجائي الإجابة على التوسل بالأولياء والصالحين أحياء وأمواتا، وهل الولي حي في قبره أم لا؟ وهل مخاطبة الرسول والأولياء حقٌّ أم
لا؟
ج ۷۰۳: التوسل بالأولياء جائز بمعنى أن يقول المتوسل: اللهم إنّي أسألك ببركة فلان -مثلا- أن ترزقني أمَّا من يقول في توسله: يا سيدي أعطني كذا أو اشفِ مريضي أو نجحني في قضيتي، فهذا غير جائز لأن السؤال
لغير الله لا يجوز. والأنبياء أحياء في قبورهم وكذا الأولياء وهي حياة روحية برزخية ومخاطبة الأولياء حق؛ لأنه ورد في الحديث الأمر بالسلام على الموتى والإخبار بأنهم يردون السلام ويعرفون شخص المسلّم عليهم، ويستأنسون به إذا كانت لهم معرفة به في الدنيا ولنا في تحقيق هذه المسائل بأدلتها كتاب اسمه: "الرد المحكم المتين على كتاب القول المبين" وهو مطبوع.
الاجتماع على الذكر مع التمايل فيه
س ٧٠٤: نحن في موقف حرج مع إمام مسجد يدعي أننا على غير حق في اجتماعنا للذكر بالمسجد مع رفع الصوت به والتمايل، ويقول: هذا حرام، محتجا بقوله تعالى: وَاذكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ
مسائل خلافية .
٤٨٧
الْقَوْلِ [الأعراف: ۲۰۵]، وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ارأفوا
بأنفسكم لأنكم لا تدعون أصم».
فقلت له: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا مَرَرْتُمْ برياض الجنَّة فارْتَعُوا قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: «حِلَقُ الذِّكْرِ».
فقال ذلك الإمام: هذا خاص بمجلس العلم.
فنرجو الإجابة مع بيان الدليل. ج ٧٠٤: الاجتماع على الذكر إذا كان خاليًا مما يشين حرمة الذكر لا شيء فيه، ورفع الصوت به في المسجد في غير أوقات الصلاة جائز أيضًا، وكذلك الرقص والتمايل جائز إذا كان الاسم الذي يذكر به صحيحًا ليس فيه تحريف. أما الاجتماع على الذكر ففيه أحاديث كثيرة منها الحديث القدسي: «أنا عند ظَنِّ عَبْدِي بي وأنا معه إذا ذَكَرَنِي فإن ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِن ذَكَرَنِي في ملا) يعني جماعةٌ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خير منه» يعني جماعة الملائكة، والذكر في الملأ لا يكون إلَّا جهرًا كما هو واضح. وجاء في حديث آخر: «إنَّ الله ملائكة يطوفون بحِلَقِ الذِّكْرِ فَإِذا وَجَدُوا طلبتهم نادى بعضهم بعضًا هلموا ، فحفوهم بأجنحتهم حتى إذا انتهى الذِّكْرُ صعدوا إلى الله فقالوا: جئنا من عند عبادك يُسبحونك ويحمدونك ويهللونك»
أي يقولون : سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله ... إلى آخر الحديث. وهو يُبين أنَّ المراد بحلق الذكر هو الذكر المعتاد، ويرد دعوى ذلك الإمام
تخصيصه الحديث بحلق العلم.
وجاء في حديث آخر صحيح عن شداد بن أوس قال: إني لعند النبي صلى الله
٤٨٨
فتاوى وأجوبة
عليه وآله وسلَّم إذ قال: «ارْفَعُوا أيدِيكُمْ فقولوا لا إلهَ إِلَّا الله» ففعلنا، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ بَعَثْتَني بهذه الكلمةِ، وأَمرتني بها، ووَعَدْتَني عليها الجنَّةَ، إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الميعادَ» ثُمَّ قال: «أَبْشِرُوا فإن الله قد غَفَر لكم».
وفي حديث آخر عن جابر بن عبدالله : أنَّ رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل: لو أنَّ هذا خفض من صوته. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «دَعْهُ فَإِنَّه أَوَّاهُ». أي خاشع متضرع.
والأحاديث في الاجتماع للذكر والجهر به كثيرة تبلغ نحوست وعشرين حديثا جمعها الحافظ السيوطي في جزء خاص سماه "نتيجة الفكر في الجهر
بالذكر" وقد طبع مع تعليقنا عليه وهو كتاب نافع في هذا الباب.
وأما التمايل في الذكر فدليله ما ورد بإسناد جيد عن أبي أَرَاكَةَ قال : صَلَّيتُ مع علي بن أبي طالب صلاة الفجر، فلما انفتل عن يمينه مكث كأنَّ عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح صلى ركعتين ثُمَّ قلب يده فقال: «والله لقد رأيت أصحاب محمَّد صلَّى الله عليه وآله وسلم فما أرى اليوم شيئًا يشبههم، لقد كانوا يُصبحون شُعَنَا غُبْرًا صُفْرًا بين أعينهم كأمثال ركب المعزى قد باتوا الله سُجَّدًا وقياما يتلون كتاب الله ويتراوحون بين جباههم وأقدامهم فإذا أصبحوا فذكروا الله مَادُوا - أي تمايلوا - كما يَمِيدُ الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم». فهذا الأثر صريح في التمايل ساعة الذكر. وأما قوله تعالى: وَاذكُر رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ القول ﴾ [الأعراف: ۲۰۵] فهذه الآية مكية نزلت بمكة وكان الإسلام إذ ذاك
مسائل خلافية .
٤٨٩
غريبا والمسلمون في قِلَّةٍ، وكان المشركون إذا سمعوا الذكر أو القرآن سبوا القرآن ومن أنزله؛ فأنزل الله هذه الآية بسبب ذلك، وأنزل الآية الأخرى وهي قوله تعالى: وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَائِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء:
١١٠] فلما انتشر الإسلام وقويت شوكته لم يبق داع لإخفاء الذكر.
وقد جمع
الحافظ السيوطي في "نتيجة الفكر" بين هذه الآية والأحاديث المصرحة بالجهر بالذكر بمسلك آخر نقله عن النووي وغيره، والمقصود أنه لا
تعارض بين الأدلة الدالة على الجهر بالذكر وبين الآية المتقدمة لأنَّ لكل محملا،
والله أعلم.
الصلاة على النبي بعد الأذان
س ۷۰۵ : ما حكم الزيادة في الأذان بعد قول المؤذن: «لا اله إلا الله»؟ ج ٧٠٥: زيادة الصلاة على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم بعد الأذان لا بأس بها، أحدثها صلاح الدين الأيوبيُّ لغرض استدعى ذلك، وأفتى العلماء بجوازها بل بمشروعيتها، منهم الحافظ السخاوي وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري وابن حجر وغيرهم، وهي على كل حال ليست زيادة في الأذان بل
هي زيادة بعد تمام الأذان فلا تضر شيئًا.
قراءة القرآن على المقابر
س ٧٠٦: هل قراءة القرآن على المقابر تفيد الأموات، وهل ثبت أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم أو أحد أصحابه قرأ سورة من القرآن وأهدى ثوابها إلى أحد الأموات، وكيف يتفق هذا مع قوله تعالى: وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَيْنِ إِلَّا مَا
٤٩٠
فتاوى وأجوبة
سَعَى } [النجم: ٣٩].
ج ٧٠٦: يتلى القرآن على الأموات لأمرين:
الأمر الأول: رجاء تنزل الرحمة على الميت؛ لأنَّ القرآن إذا تُلي في موضع
نزل فيه الرحمة كما ثبت في الحديث، فتعم الحاضرين، ومن ضمنهم الميت. الأمر الثاني: انتفاع الميت بثواب القراءة إذا أهداه له القارئ، ومسألة انتفاع الميت بتلاوة القرآن كثر فيها النزاع، والحقُّ الذي لا مراء فيه أنَّ القراءة تصل إلى الميت إذا أهداها إليه القارئ، والدليل على ذلك أنه ثبت بالنص والإجماع انتفاع الميت بالدعاء.
وثبت بالحديث الصحيح الحج عن الميت والصوم عنه، ولهذا ذهب الشافعية وجماهير من العلماء إلى أن الرجل إذا مات وعليه حج أو صوم مفروض فلوليه أن يحج عنه ويصوم وينتفع الميت بذلك ويسقط عنه فرض الحج والصوم، بل ذهب الظاهرية إلى أنَّ ولي الميت يجب عليه أن يصوم عن الميت إذا كان عليه صوم مفروض، وتمسكوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلّم:
من مات وعليه صيام صامَ عنه وليه». والحديث صحيح.
فإذا ثبت وصول الدعاء والحج والصوم ثبت وصول القراءة بلا شك؛ لأن الكل عبادة، والتفريق بين هذه وتلك تحكم لا دليل عليه، بل في حديث الحج إخبار بوصول القرآن إلى الميت؛ لأن الحج يتضمن صلاة ركعتي الطواف وهي تشتمل على قراءة القرآن قطعا، وقد أخبر الحديث بوصول الحج إلى الميت ففيه إخبار ضمني بوصول القراءة إليه.
وأيضًا فقد ثبت عن الشَّعْبي وهو تابعي أنَّ الأنصار كانوا إذا مات لهم
مسائل خلافية .
٤٩١
ميت، اختلفوا على قبره يقرأون عليه القرآن.
بل ثبت أعلى من هذا وهو أنَّ اللجلاج أوصى ابنه العلاء إذا مات ودفنه
أن يقرأ على قبره بخاتمة (البقرة)، وقال: «فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك».
وهذا حديث حسن قال عنه الحافظ الهيثمي: «رجاله موثقون»، وهناك آثار أخرى ضاق المقام عنها.
وأما قوله تعالى: وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَيْنِ إِلَّا مَا سَعَى } [النجم: ٣٩]. فإنه لا ينفي وصول القراءة إلى الميت بدليل أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أخبر بوصول الحج والصوم إلى الميت، وبدليل انعقاد الإجماع على وصول الدعاء إلى الميت، والدعاء والصوم والحج مِن سعي الحي لا من سعي الميت، فكيف
وصلت إليه ؟!
وإيضاح القول في هذه الآية الكريمة: أنها تخبرنا بتمام عدل الله، وأنَّ الله سبحانه وتعالى لعدله لا يضيع من عمل الإنسان شيئًا، فما عمل الإنسان من عمل خيرًا كان أو شرًا يجده حاضرًا أمامه لا زيادة فيه ولا نقصان، ولا يظلم ربك أحدًا.
أما إهداء عمل إلى آخر على سبيل المحبَّة والتودُّد فليس في الآية دلالة على نفيه أصلا بل الدليل يدل على وصول العمل المهدى إلى الميت، وهو الأحاديث الصحيحة التي أشرنا إليها.
وقد ذهب ابن القيم إلى وصول ثواب القراءة إلى الميت، وحكاه عن نص
٤٩٢
فتاوى وأجوبة
أحمد وأطال في تقرير ذلك والاستدلال عليه في كتاب "الروح" فليراجع.
الجمع بين أحاديث فضل الزيارة وحديث: «لا تشد الرحال س ۷۰۷: كيف يمكن الجمع بين أحاديث فضل زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحديث: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلى ثلاثة مَساجِدَ». ج ۷۰۷: أحاديث زيارة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم حصل فيها نزاع شديد بين ابن تيمية وأتباعه وبين جمهور المسلمين، فابن تيمية يزعم أنها موضوعة، وتبعه على ذلك ابن عبدالهادي المقدسي فنصر رأي ابن تيمية وتعصب له كثيرًا وبالغ في الحط من هذه الأحاديث ونقدها بمبالغة كبيرة، وألف في ذلك كتابا ردَّ به على تقي الدين السبكي الذي ألف كتابًا في تصحيح حديث الزيارة ورد فيه كلام ابن تيمية وكلا الكتابين - أعني كتاب السبكي والمقدسي - مطبوع.
ولو أردنا أن نذكر الأحاديث الواردة في الزيارة بأسانيدها مع بيان حالها وما عليها لطال الحال، ولكن يمكننا أن نقول كلمة موجزة تعتبر خلاصة لما قرأناه في هذا الموضوع، وهي | أن أحاديث الزيارة صحيحة باعتبار مجموعها، أما أفرادها فضعيفةٌ لوجود الضعف في سند كل منها، لكن ليس في سند واحد منها كذَّابٌ أو متهم بالكذب كما قال الذهبي، وهو إمام هذا الشأن فلذلك اكتسبت بانضمامها قوة فصارت صحيحة. أما حديث: «لا تُشَدُّ الرِّجالُ إِلَّا لثلاثة مساجد... إلخ» فلا يعارض هذه الأحاديث ولا يناقضها، وذلك لأن الحصر في هذا الحديث إضافي بالنسبة إلى الصلاة لا إلى شيء آخر، ومعناه أنَّ الإنسان لا يشد رحاله إلى مسجد لأجل
مسائل خلافية .
٤٩٣
الصلاة فيه إلَّا هذه المساجد الثلاثة.
والدليل على ما نقول ما رواه أحمد وغيره بإسناد حسن في هذا الحديث بلفظ : لا تُشَدُّ الرحال إلى مسجدٍ تُبتغَى فيه الصَّلاةُ إِلَّا المساجد الثلاثة ... إلخ» فهذا الحديث صريح كما قال الحافظ ابن حجر في تخصيص شد الرحال بالصلاة فقط. ويدل عليه أيضًا أنَّ بعض الصحابة ذهب إلى مسجد الطور يُصلّي فيه فلما
علم أبو هريرة قال: لو علمت قبل سفرك ما تركتك ... ثُمَّ ذكر الحديث. وكذلك ورد في الحديث أنَّ رجلًا قام يسأل النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم عام الفتح وهو بمكة وقال له نذرت أن أصلّي في بيت المقدس. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «الصَّلاة ها هنا أفضل» فهذا الحديث يدل أيضًا على أن شدَّ الرحال لغير الصلاة جائز، والله أعلم.
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
س ۷۰۸- وسئل عن قول الشيخ عبدالله بن حميد الحنبلي المفتي في درس له في الحرم المكي محرّماً أو مبدعًا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف: «قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] ولم يقل: وما
أولدناك».
ج ۷۰۸- فأجاب: ابن حميد قليل الأدب في تعبيره، كثير الجهل في علمه، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سُئل عن صوم يوم الاثنين قال: «ذاك : وُلدت فيه فلمح إلى الاحتفال به لكونه وُلد فيه، وصام يوم عاشوراء وأمر
بصيامه احتفالا بنجاة موسى، والله تعالى شرع لنا العقيقة فرحًا بوجود الولد.
يوم
٤٩٤
فتاوى وأجوبة
أنفرح بوجود ولد ونذبح عنه ولا نفرح بوجود النبي صلى الله عليه وآله
وسلم؟!
وعدم الاحتفال به في عهد السلف لا يدل على منعه، وإنما يدل على جواز تركه، وهذه قاعدة أصولية لا يعرفها كثير من الناس، وهي داخلة في العبادات أيضًا، ودليلها عدة أحاديث مذكورة في إتقان الصنعة"، والذي سألك لم يتنبه لها لأنه متشبع بفكرة: كل ما لم يحدث في عهد السلف فهو بدعة لا تجوز»، ولو جرَّد نفسه من هذه الفكرة لانتفع بقراءة "إتقان الصنعة" واستفاد منه، ولكن التقليد يمنع من ذلك.
وعند اجتماعنا إن شاء الله نتوسع في الموضوع بحول الله .
أول من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي
س ۷۰۹- مَن أوَّل مَن أحدث الاحتفال بالمولد النبوي؟ وما حكم العادات التي جرى عليها الناس في الاحتفال من إقامة الحفلات وتقديم الحلوى وغير ذلك؟
ج ٧٠٩- للحافظ جلال الدين السيوطي فتوى قيمة في هذا الموضوع، نلخصها فيما يأتي قال رحمه الله: «إِنَّ أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن، ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وما وقع في مولده من الآيات، ثُمَّ يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنه التي يُثاب عليها صاحبها؛ لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار الفرح
مسائل خلافية .
٤٩٥
والاستبشار بمولده الشريف.
وأول من أحدث فعل ذلك صاحب إريل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري ابن زين الدين علي بن بكتكين، أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد وكان له آثار حسنةٌ، وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون.
قال ابن كثير في تاريخه " : كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا ، وقد صنف له الشيخ أبو الخطاب ابن دحية مجلدا في المولد النبوي سماه التنوير" في مولد البشير النذير" فأجازه على ذلك بألف دينار. وقد طالت مدته في الملك إلى أن مات وهو محاصر للفرنج بمدينة عكا سنة ٦٣٠ هـ محمود السيرة والسريرة.
إلى أن قال: وحكت زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب أخت الملك الناصر صلاح الدين أنَّ قميصه كان من كرباس غليظ لا يساوي خمسة دراهم، قالت: فعاتبته في ذلك، فقال : لبس ثوب بخمسة والتصدق بالباقي خير من أن ألبس ثوبا مثمنا وأدع الفقير والمسكين. وقال ابن خَلّكان في ترجمة الحافظ أبي الخطاب ابن دحية: «كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء قدم من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بأربل سنة ٦٠٤ هـ فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد فعمل له كتاب "التنوير في مولد البشير النذير وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار. وقد تكلَّم أبو عبدالله ابن الحاج في كتابه "المدخل" على عمل المولد فأتقن الكلام فيه جدا وحاصله مدح ما كان فيه من إظهار شعار هو شكر، وذم ما احتوى عليه من محرّمات ومنكرات، فمن ذلك قوله: «وإن كان النبي صلى الله
٤٩٦
فتاوى وأجوبة
عليه وآله وسلم لم يزد فيه على غيره من الشهود شيئًا من العبادات وما ذاك إلَّا لرحمته صلى الله عليه وآله وسلَّم لأمته ورفقه بهم؛ لأنه صلى الله عليه وآله
وسلم كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته رحمة منه بهم. لكن أشار صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين: ذاك يوم وُلِدتُ فيه» فتشريف هذا اليوم متضمن التشريف هذا الشهر الذي ولد فيه، فينبغي أن نحترمه غاية الاحترام ونُفضّله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة، وهذا منها لقوله صلى الله
عليه وآله وسلَّم: «أنا سيّد وَلَدِ آدمَ ولا فَخْرَ، آدمُ فَمَن دُونَهُ تَحتَ لِوائي». وفضيلة الأزمنة والأمكنة بما خصها الله به من العبادات التي تفعل فيها لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تشرف لذاتها وإنما يحصل لها التشريف بما خُصت به من المعاني، فانظر إلى ما خصَّ الله به هذا الشهر الشريف ويوم الاثنين، ألا ترى أنَّ
صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم لأنه صلى الله عليه وآله وسلَّم وُلِد فيه. فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يُكرم ويُعظَّم ويُحترم الاحترام اللائق به اتباعًا له صلى الله عليه وآله وسلم في كونه كان يخص
الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات.
ألا ترى إلى قول ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان». فنمتثل تعظيم الأوقات
الفاضلة بما امتثله على قدر استطاعتنا.
فإن قال قائل: قد التزم صلَّى الله عليه وآله وسلم في الأوقات الفاضلة ما التزمه مما قد علم، ولم يلتزم في هذا الشهر ما التزمه في غيره.
مسائل خلافية .
٤٩٧
فالجواب: أنَّ ذلك لما علم من عاداته الكريمة أنه يريد التخفيف عن أُمته سيما فيما كان يخصه، ألا ترى أنه صلى الله عليه وآله وسلم حرم المدينة مثل ما حرم إبراهيم مكة، ومع ذلك لم يشرع في قتل صيده ولا شجره الجزاء تخفيفا على أُمته ورحمة بهم، فكان ينظر إلى ما هو من جهته وإن كان فاضلا في نفسه فيتركه تخفيفا عنهم.
فعلى هذا تعظيم هذا الشهر الشريف إنما يكون بزيادة الأعمال الزاكيات فيه والصدقات... إلى غير ذلك من القُربات، فمن عجز عن ذلك فأقل أحواله أن يجتنب ما يحرم عليه ويسكن له تعظيما لهذا الشهر الشريف، وإن كان ذلك مطلوبًا في غيره إلَّا أنه في هذا الشهر أكثر احتراما، كما يتأكد في شهر رمضان وفي الأشهر الحرم». اهـ
وقد سئل شيخ الإسلام الحافظ ابن حجرٍ عن عمل المولد فأجاب بما نصه: «أصل عمل المولد بدعة لم تُنقل عن أحدٍ من السلف الصالح من القرون
الثلاثة - الصحابة، والتابعين، وتابع التابعين ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرَّى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنةً وإلا فلا.
قال الحافظ السيوطي: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في "الصحيحين" من أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجا موسى، فنحن نصومه شكرًا الله تعالى فيستفاد منه فعل الشكر الله على ما
من به في يومٍ مُعيَّن من إسداء نعمةٍ أو دفع نِقْمَةٍ، ويعاد ذلك في نظير ذلك
٤٩٨
فتاوى وأجوبة
اليوم من كل سنة. والشكر الله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام،
والصدقة والتلاوة
وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم نبي
الرحمة في ذلك اليوم.
التوسل
س ۷۱۰: تضاربت الأقوال وتعارضت الأدلة حول مسألة التوسل ونجم
عن ذلك اختلاف كبير بين الناس فما هو الحق في ذلك؟
ج ۷۱۰: التوسل أنواع:
الأول: التوسل بأسماء الله الحسنى وهذا أمرٌ مُرغب فيه اتفاقا، بدليل قوله
تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: ۱۸۰].
الثاني: التوسل بالأعمال الصالحة وهذا أيضًا مُرغَبُ فيه اتفاقا بدليل حديث أصحاب الغار الثلاثة الذي انطبق عليهم فم الغار فتوسلوا إلى الله
بأعمالهم الصالحة فنجاهم الله كما ثبت في "الصحيحين".
الثالث: التوسل بجاه النبي أو الوليّ أو ببركتهم كأن يقول: «اللهم إني
أسألك ببركة فلان أو بجاه فلان، أو بما له من المنزلة عندك، أن تعطيني كذا وهذا جائز لحديث الترمذي أنَّ أعمى أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وسأله أن يدعو الله لكشف بصره، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويقول: «اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه في وشفعني في نفسي». وزاد ابن أبي خيثمة في روايته : فإن كانت لك حاجة فمثل ذلك»، أي إذا
مسائل خلافية .
٤٩٩
عرضت لك حاجة فقل مثل هذا الدعاء. والحديث بهذه الزيادة صحيح. الرابع: أن ينادي الشخص الولي المتوسل به كأن يقول: يا سيد اشفِ مريضي»، «يا سيّدة خلي بالك مِنّي» ونحو ذلك، فهذا توسل حرام لا يجوز.
حلق اللحية
س ٧١١: هل حلق اللحية للرجل حرام أم مكروه؟
ج ۷۱۱: اختلف في حَلْقِ اللحية، فمذهب المالكية ونص الشافعي في "الأم" ومذهب الحنابلة أنَّ حلق اللحية حرام؛ لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «خالفوا المشركين وفّرُوا اللحية وقُصُّوا الشَّوارِبَ». وفي رواية: «أعفوا اللحى، وجُذُوا الشَّوَارِبَ». وللحديث ألفاظ وطرق في "الصحيحين" وغيرهما.
والأمر إذا أطلق فهو للوجوب عند الجمهور لا سيما وقد عُلّل في الحديث بمخالفة المشركين أو بمخالفة المجوس كما في بعض الطرق، ولا شك أن مخالفة المشركين أو المجوس واجبةٌ بل هي من أهم مقاصد الدين الإسلامي فيكون الأمر المعلَّل بها واجبًا أيضًا كما بين ذلك بإيضاح وإسهاب أبو العباس ابن تيمية في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" وهو مطبوع. ورأى متأخر و الشافعية أنَّ حلق اللحية مكروه كراهة تنزيهية، واستدلوا بقوله
صلى الله عليه وآله وسلَّم: «عَشْرٌ مِن الفِطْرَة.... فذكرها، منها إعفاء اللحى. وهو استدلال ضعيفٌ؛ لأن الفطرة في الحديث مراد بها الدين، وهكذا كل فِطْرةٍ ترد في الشرع فالمراد بها الدين، والدِّين اسم لمجموع الأوامر والنواهي سواء أكانت واجبة أم مندوبة، واقتران إعفاء اللحية في حديث الفطرة بأمورٍ مندوبة كالسواك لا يقتضى ندبه، إذ يجوز لغة وشرعًا قرن الواجب بالمندوب
0..
فتاوى وأجوبة
وعطف بعضهما على بعض، وذلك واقع كثيرًا لا سبيل إلى إنكاره، فيبقى الأمر في حديث: «وفّروا اللَّحَى»، أو «أعفوا اللَّحَى»، أو «أرخوا اللحى» خالصا
للوجوب لا صارف له عنه.
وقول الغزالي في "الإحياء": «في اللحية عشرة خصال مكروهة، بعضها أشد كراهة من بعض فذكرها وذكر منها حلقها؛ لا يصلح مخصصا للحديث ولا صارفًا له عن الوجوب؛ لأن الغزالي لا يعرف الحديث كما اعترف هو بذلك وإن وافقه النووي على عد تلك الخصال العشرة مكروهة فهو سهو من النووي رحمه الله. والخلاصة: أنَّ حلق اللحية حرام في مذهب مالك إلَّا في قول شاةٌ نُسب لعياض، وحرام في نص الشافعي، وفي مذهب أحمد بن حنبل، ومكروه عند متأخري الشافعية، وهو الذي رجّحوه واستقرَّ عليه العمل عندهم، وهذا ما
يقال في هذه المسألة باختصار، والله أعلم.
تلقين الميت
س ۷۱۲ : ما حكم تلقين الميت وقت دخوله القبر؟
ج ۷۱۲: تلقين الميت بعد دفنه ورد فيه حديث ضعيفٌ رواه الطبراني عن أبي أمامة، وقد قوَّى الحديث الحافظ ابن حجر، وسئل عنه الإمام أحمد فقال: استمر عليه العمل في الشام والحجاز وسائر الأمصار»، ولذلك نص على استحبابه جماعة من المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم. ومما تقرر عند العلماء أنَّ الحديث الضعيف إذا تُلفّي بقبول واستمر العمل عليه كان حُجَّةٌ كما ذكره غير واحد، فالتلقين المذكور مستحب والذين ينكرونه
مسائل خلافية -
0.1
مخطئون في إنكارهم، والله أعلم.
قراءة القرآن على المقابر وتوزيع الصدقات
س ۷۱۳ : ما حكم قراءة القرآن على المقابر وتوزيع الصدقات على روح الموتى عند القبر خصوصا في المواسم والأعياد؟
ج ۷۱۳: قراءة القرآن على القبر جائزة، بل ذكر النووي نقلا عن الشافعية استحباب قراءة القرآن على القبر بعد دفن الميت، وروى البيهقي بإسناد حسن عن العلاء بن اللجلاج أنه أوصى أولاده إذا دفنوه أن يقرءوا على قبره بخاتمة (البقرة)، وذكر أن ابن عمر كان يفعل ذلك، وورد عن الشعبي - وهو تابعي - أن الأنصار كانوا إذا مات لهم ميت اختلفوا إلى قبره -أي تواردوا عليه
مختلفين - يقرءون عليه القرآن.
وذكر الخلال في كتاب "الجامع" عن الإمام أحمد أنه حضر جنازة فلما دفن الميت قام ضرير يقرأ على القبر فقال له الإمام أحمد: يا هذا إنَّ القراءة على القبر بدعة. فروى محمد بن قدامة الجوهري للإمام أحمد حديثًا صحيحًا عن اللجلاج أنه أوصى أولاده إذا دفنوه أن يقرأوا عليه بفاتحة (البقرة) أو خاتمتها، وقال: إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان يقول ذلك، فلما سمع الإمام أحمد هذا الحديث قال لابن قدامة : ارجع إلى الرجل وقل له يقرأ.
فانظر إلى إنصاف الإمام أحمد وسرعة رجوعه إلى الدليل.
أما الصدقة على روح الميت فهي مستحبة بالإجماع لم يخالف فيها أحد، لكن يستحب إخفاؤها لأن إخفاء الصدقة أبعد عن الرياء وأدعى للقبول.
٥٠٢
فتاوى وأجوبة
وأما زيارة الموتى في مواسم الأعياد فهي عادة مسيحية لا إسلامية فيجب
على المسلمين تركها.
الجمعة، على
والزيارة المشروعة هي أن يزور الشخص قريبه الميت : يوم شرط ألا تخرج النساء للزيارة إلَّا إذا كانت المرأة كبيرة غير متزينة، وبشرط ألا يحصل في المقابر اختلاط النساء بالرجال كما هو مشاهد اليوم، والله أعلم.
وجود الصور بالمنزل
س ٧١٤: هل وجود الصور بالمنزل حرام؟ وهل التحريم يشمل جميع الصور أم صور مخصوصة؟
ج ٧١٤: الصور الفوتوغرافية جائزة لأنها حبس الظل المنعكس على عدسة الآلة وما عداها من الصور المجسّمة أو المرسومة على الحائط، أو المنقوشة على الثوب فهي حرام، وعليها تتنزل الأحاديث الواردة في تحريم التصوير والصور، وعلى هذا فتعليق الصور الفوتوغرافية بالمنزل جائز، وأما ما عداها من الصور فاقتناؤها حرام بل مجرَّد النظر إليها حرام حسب ما نص عليه الشيخ الدردير في "الشرح الكبير".
حكم الانضمام إلى الأحزاب السياسية
س ۷۱۵ : هل يجوز أن أنضم إلى حزب من الأحزاب مع العلم بأن من بيدهم تيسير هذه الأحزاب لا يؤدون الفرائض الدينية؟
وما الحكم فيمن يسير في ركب هؤلاء الرؤساء يبجل أسماءهم ويهتف
بحياتهم، هل يصدق عليه أنه باع آخرته بدنيا غيره؟
مسائل خلافية .
۵۰۳
ج ٧١٥: هذه الأحزاب بدعةٌ مُنكَرةٌ، وهي أثر ممن آثار الاستعمار أحدثها المستعمرون ليفرّقوا بين أبناء الأُمَّة الواحدة، وليجعلوا أبناء الوطن الواحد شِيَعًا وأحزابًا، فتجد هذا الحزب ينابذ ذاك الحزب ويَصِمُهُ بأقبح الوصمات، ويتراشقون التهم في الجرائد والمجلات كما هو حاصل مشاهد؛ فالانضمام إلى حزب من هذه الأحزاب هو نفسه بدعةٌ لا يُقرها الشرع، فكيف إذا انضم مع ذلك عدم تمشك رؤساء الحزب بالدين واتخاذهم الدين طريقا لنيل أغراضهم ونيل مطلوبهم ؟! ولا شك أنَّ من يمشي في ركاب هؤلاء ويهتف بحياتهم ويُضحي بنفسه
وماله في سبيل حزبهم يصدق عليه أنه باع آخرته بدنيا غيره. والدين لا يعرف أحزاباً ولا جماعات وإنما يأمرنا إذا حدق الخطر بنا أن نتعاضد ونتعاون ونقوم قومة رجل واحدٍ للدفاع عن ديننا الذي لا حياة للأمم والأفراد بدونه، وما سوى ذلك فهو هراء باطل ضرره أكثر من نفعه بل لا نفع
فيه عند التحقيق، والله أعلم.
٧- السير والشمائل
والمناقب والتراجم
السير والتراجم
۵۰۷
قول المؤذن: يا أول خلق الله
س٧١٦: أنكر رجل على المؤذن قوله بعد الأذان في الثناء على رسول الله: «يا أول خلق الله وخاتم رسل الله»، وقال: إنَّ آدم عليه السلام هو أول خلق الله وليس محمدا صلى الله عليه وآله وسلَّم.
ج ٧١٦: صح في الحديث: «كنتُ نبيًّا وآدم مُنْجِدَلٌ فِي طِينَتِهِ» رواه الترمذي
والبخاري في "التاريخ" والحاكم.
وفي حديث آخر صحيح سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا؟ فقال: «وآدم بين الرُّوحِ والجَسَدِ».
وفي حديث آخر : كنتُ أوَّلَ النَّاسِ خَلْقًا وَآخِرَهُمْ بَعْنًا».
والمراد بالنَّاسِ في هذا الحديث الأنبياء عليهم السلام كما جاء في رواية أخرى، فلهذه الأحاديث وغيرها لم يختلف العلماء الذين كتبوا في دلائل النبوة والسيرة النبوية كأبي نعيم، والبيهقي، والقاضي عياض، وابن القطان وغيرهم في أنه صلى الله عليه وآله وسلّم كان نبيا قبل خلق آدم، وذلك بالطبع يستلزم أنه تقدم خَلْقُه صلى الله عليه وآله وسلَّم على خَلْقِ آدم.
وإنما اختلفوا ما الذي كان موصوفًا بالنبوة قبل آدم هل حقيقته المحمدية أو روحه الشريفة، بمعنى أنَّ الله خلق حقيقته قبل الحقائق أو روحه قبل الأرواح وأفاض عليهما وصف النبوة قبل نفخ الروح في آدم، ثُمَّ خَلَقَ جسده الشريف بعد ذلك في وقته الذي ظهر فيه، وهذا بحث طويل تكلم عليه تقي الدين السبكي في رسالة خاصة.
۵۰۸
فتاوى وأجوبة
فذلك المنكر إن قصد أن آدم عليه السلام هو أول المخلوقات أي جسده وهيكله البشري المعروف فهو محق، وإن أراد أن حقيقة آدم أو روح آدم خلقت قبل حقيقة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أو روحه فهو مخطئ أشد الخطأ لمخالفته الأحاديث الصحيحة التي سقناها وغيرها، والله أعلم.
معنى صلاة الله على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمقصود منها س ۷۱۷: ما معنى صلاة الله على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم؟ وما القصد منها؟ وما تفسير ذلك؟
ج ۷۱۷: صلاة الله على نبيه زيادة تشريف وتكريم له، وصلاة الملائكة والناس على النبي دعاء بذلك: فقولنا : اللهم صل على سيدنا محمد» معناه: «اللهم زده تشريفا وتكريما وأعل شأنه. وبالطبع ما عند الله من التشريف والتكريم لا يتناهى فيكون النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم دائماً في ازدياد
بصلاة الله عليه.
أما صلاة الله على عباده فهي رحمته بهم ولطفه ورعايته لهم كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَتَبِكَتُهُ لِيُخْرِ حَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [الأحزاب:
٤٣، وصلاة الملائكة علينا دعاء لنا بالرحمة والمغفرة.
والقصد من صلاة الله على نبيه إعلاء قدره وتعريف الخلق منزلته عنده، وإنما أمرنا بالصلاة عليه مع أنَّ صلاة الله كافية؛ لنقوم بحق شكره الواجب علينا، فإنَّ الله بسبب نبيه هدانا وأنقذنا من عبادة الأوثان، وأخرجنا من الظلمة إلى النور، فمن الواجب علينا أن نشكره بالصلاة عليه، وإن كنا لا نبلغ
السير والتراجم
بذلك قدره ولكنه جهد المقل جزاءه الله عنا أفضل ما جزى نبيا عن أُمَّته.
الحلف بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
۵۰۹
س ۷۱۸: هل الحَلِفُ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كفر لحديث: «مَن كان منكم حالفًا فليَحْلِف بالله أو ليَصْمُتْ»؟
ج ۷۱۸ : الخَلِفُ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم مكروه عند المالكية والشافعية وللإمام أحمد فيه قولان:
الأول: أنه يمين تلزم في الحنث به الكفَّارة كما تلزم في اليمين بالله؛ لأن اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحد شَطْرَي كلمة الشهادة.
القول الثاني: أنه ليس بيمين ولا كفارة فيه.
وما علمنا أحدا من العلماء في المذاهب الأربعة قال: إنَّ الحلف بالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم كفر، والحديث المذكور في السؤال ورد في النهي عما اعتاده أهل الجاهلية من الحلف بأصنامهم وأوثانهم وآبائهم المشركين، وهذا المعنى لا ينطبق على الحلف بالنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم، فالحكم عليه بالكفر جرأةٌ
قبيحة يُخشَى على صاحبها سوء الخاتمة.
كثرة أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلّم
س ۷۱۹: ما العِلَّة في أنَّ سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم له أسماء كثيرة وما أصل ذلك؟ ومن الذي سماه بها؟
ج۷۱۹: العِلَّة في ذلك: أولا: شرف النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وعُلُو
قدره، والعادة عند العرب أنَّ كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى.
01.
فتاوى وأجوبة
ثانيا : أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم امتاز بصفات حميدة اشتق له من كل صفة منها اسم كالرؤوف الرحيم، والبشير النذير، وأحمد، ومحمود وحامد، ونحو ذلك.
ثالثًا: أنَّ الله أخبر عنه في الكتب السابقة وبشر به كل نبي أُمته، فكان كل نبي يُسميه بوحي من الله بالصفة التي يعرف بها بينهم على اختلاف لغاتهم وعاداتهم وتقاليدهم. والذي سماه هذه الأسماء هو الله تعالى إما بوحي لبعض أنبيائه أو بإلهام كما ألهم جده عبد المطلب أن يسميه محمدا.
كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على نفسه س ۷۲۰ - كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على نفسه
في الصلاة وخارجها ؟
ج ۷۲۰ - كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على نفسه في الصلاة وخارجها هي ا الصلاة الإبراهيمية كما تواترت بها الأحاديث في الجملة، وإن اختلفت روايتها بزيادة ألفاظ ونقص أخرى.
وقد كنا نريد أن نقف على تلك الرويات بجميع طرقها، ثُمَّ وجدنا الوقت
لا يساعدنا على ذلك فأرجأناه لفرصة أخرى.
عدد مؤذني الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
س ۷۲۱ - كم كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم من المؤذِّنِينَ؟
ج ۷۲۱ - فالذي يحضرني الآن ثلاثة : بلال، وأبو محذورة، جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤذنه بمكة المكرمة، وابن أم مكتوم.
السير والتراجم
ثُمَّ تذكرت رابعا وهو زياد بن الحارث الصُّدَائِيُّ.
هل أذَن بلال بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
۵۱۱
س ۷۲۲- هل أذن بلال بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم؟ ج ۷۲۲ - جوابه: نعم أذن مرَّةً في خلافة عمر رضي الله عنه ولم يتم الأذانَ لاختناقه بالبكاء كما جاء في تاريخ ابن عساكر " بإسناد جيد على ما قال
السبكي.
وورد في "مصنف
ابن
ن أبي شيبة" أنَّه أذن لأبي بكرٍ رضي !
الله عنه مدة
خلافتِه ثُمَّ بعد موته خرج إلى الشام ولم يرجع حتى مات، وإسنادُ هذا الأثر منقطع ضعيف.
حول أولية النور المحمدي
س ٧٢٣- وأرسلت لسيادته كلام أحد الإخوان حول أولية النور المحمدي؟ ج ۷۲۳- فقال سيادته بما نصه:
1 - أولية النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فضيلة من الفضائل وليست
بعقيدة فلا ينبغي التشديد فيها ولا كثرة الخصومة حولها. ٢ - أحسن ما يؤيد الأولية حديث ميسرة الفجر ، وأبي هريرة، والعرباض بن سارية بالطريقة التي بينتها في "الأحاديث المنتقاة".
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَيْكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي ﴾ [الأحزاب: ٥٦] لا تفيد الأولية للتعبير فيها بالفعل المضارع، وهو يدل على التجدد والحدوث أي أنَّ اللهَ وملائكته يصلون الآن وبعده إلى يوم القيامة، نعم لو قال: «صلوا» بالماضي لأفادت الأولية على احتمال بعيد، والحقيقة أنَّ الآية تفيد أولية الملائكة؛ لأن الله
۵۱۲
فتاوى وأجوبة
أخبر أنهم يصلون معه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى هذا فقد كانوا
مخلوقين قبله.
- في الآية دليل على أمر أعظم من الأولية وأفخم، ذلك أنَّ الله شرف آدم عليه السلام فأمر الملائكة بالسجود له، والله تعالى منزّه عن السجود لا يليق به، وفي هذه الآية أخبر أنه يُصلِّي هو وملائكته على نبيه، ولا شك أن تشريفا يصدر عن الله تعالى أفضل من تشريف يحصل من الملائكة وحدهم.
وأيضًا فإنَّ سجود الملائكة لآدم حصل لحظة وانتهى، أما صلاة الله
والملائكة على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فهو تشريفٌ مُستَمِرٌّ لا ينقطع. وليس من الأولية كبير فضل، وقد كتبت فيها عدة مقالات "بمجلة الإسلام" سنة ١٩٣٦ م ردًّا على الشيخ سيد الطوبجي، ثُمَّ بحثت عن حديث جابر: «أول ما خَلَقَ اللهُ نور نبيك يا جابر حتى وجدته في كتاب "تلقيح الأذهان ومفتاح معرفة الإنسان" لابن العربي الحاتمي فإذا هو حديث طويل وموضوع، ثُمَّ وجدت الحافظ السيوطي نصَّ على أنه حديث غير ثابت، وتبيَّن لي أنَّ الأولية فكرةً صوفية قالها أهل التصوف ذوقا، واستدل لها بعضهم بدليل عقلي حتى زعم زكي مبارك أن الصوفية ادعوا في الحقيقة المحمدية مثل النصارى في عيسى ورددت عليه، والمقصود أن الأولية ليس لها كبير أهمية وإنكارها لا يخدش العقيدة ولا يُغيّرها.
س ٧٢٤- لماذا كان حديث أوَّليَّة النور المحمدي موضوع، وقد قال
بالأوليَّة الكثير من الصوفية وغيرهم؟
ج ٧٢٤ - حديث أولية النور المحمدي حديث موضوع، ولا يجوز أن
السير والتراجم
۵۱۳
يُنسب إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم ما لم يقله انتصارًا للرأي، نعم، يمكن استنباط الأولية من حديث: كنتُ نبيًّا وآدم بين الرُّوح والجَسَدِ». وحديث: كنتُ أَوَّلَ النَّاسِ فِي الخَلْقِ وَآخِرَهُمْ في البَعْثِ». على أنَّ أَوَّلية الخَلْقِ ليس فيها فضيلة، ألا ترى أنَّ الجِنَّ مخلوقون قبل الإنس بنص القرآن، والإنس أفضل منهم بلا خلاف، وسخَّرهم الله لسليمان، ولكل من يستعمل الأسماء الروحانية كما هو معلوم، ولكثير من الأولياء، وللشيخ الشعراني كتاب: كشف الرَّان عن وجه أسئلة الجان" أجاب فيه عن ثمانين سؤال