بسم الله الرحمن الرحيم
موسوعة الحافظ عبد الله في 133 لغة
(۱۳۲۸ - ١٤١٣هـ ) رحمه الله تعالىالمجلد الرابعالمجلد الرابع: القرآن الكريم وعلومه
ويحتوي على

۱ - فَضَائِلُ القُرآنِ الكَرِيمِ (الجزء الأول والثاني). - الإِحْسَانُ في تَعْقِيب الإِتقانِ

- جَواهِرُ البَيانِ فِي تَناسُبِ سُورِ القُرآنِ. ٤ - منحة الرؤوف المعطي بيان ضَعْفِ وقُوفِ الشيخ القبطي

ه - أحاديث التفسير.

٦- بيان صحيح الأقاويل في تَفْسِير آية بني إسرائيل.

- تَوْضِيحُ البَيانِ لوصُولِ ثَوابِ القُرآنِ.

كمال الإيمان في التداوي بالقُرآنِ.

-1

۱ - فَضَائِلُ القُرْآنِ الكَرِيمِ الجزء الأول

فضائل القرآن - الجزء الأول .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله مُنزّل الكِتابِ، ومُنشئ السَّحابِ، وهازم الأحزاب، وموفق من شاء إلى صوب الصَّوابِ والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد الذي أُنزل عليه القرآن هدى للنَّاسِ وبَيِّنَاتٍ مِن الهُدَى والفُرقان، ورضي الله عن آله وأصحابه،

أولي الهِمَمِ القَوَيَّة، والعَزْمِ الثَّابت، وسائر من والاهم من أهل الإيمان. أما بعد: فهذا كتابنا الثاني نُقدِّمه إلى القُرَّاء الكرام، يشتمل على نُبذةٍ وَجِيزة من فضائل القرآن، وثواب حامليه وتلاوته وبيان بعض خواصه وفوائده، ولم نقصد إلى استيعاب ما ورد في هذا الموضوع الواسع المتشعب الأطراف؛ لأنَّ كلام الله بحرٌ خِضَمٌ مُتلاطِمُ الأمواج ، يلتقط كل واحدٍ من لآلئه ودرره على قدر استعداده و بحسب ما آتاه الله من قوة الإيمان وجودة الفهم وسرعة الإدراك. وإنما أردنا أن نُعطي للقراء صورةً مُصغَرةً يعرفون منها فضل كتاب الله الذي جعله الله معجزة خاتم أنبيائه، وتولى حفظه بنفسه، فكان معجزة الدهر،

و كتاب الخلود، ودستور العالم، وسبيل السعادة في الدُّنيا والآخرة. وقد ألف في فضائل القرآن جماعةٌ كثيرون، منهم الإمام أبو عبيد القاسم

ابن سلام، والحافظ، وابن الضريس، وابن زنجويه، والقرطبي صاحب التفسير والنووي، وابن كثير ... وغيرهم.

ولشقيقنا الحافظ أبي الفيض السَّيد أحمد بن الصديق كتاب: "رياض التنزيه في فضل القرآن وفضل حامليه"، وهو كتاب واسع، محفوظ بدار الكتب المصرية، ألفه في طنجة حينما أمر مولانا الوالد رضي الله عنه الإخوان

القرآن الكريم

المتجردين في الزاوية الصديقيَّة بحفظ القرآن، فحفظه جمع منهم وأتقنوه. ولم أتعرض في هذا الكتاب للبحوث العلمية المتعلقة بالقرآن مثل: بحث نزول القرآن، وجمعه وترتيبه ومعنى كونه أنزل على سبعة أحرف، والقراءات المتعلقة . به، وغير ذلك من البحوث التي لا تعني القراء أو معظمهم؛ لأنها بحوث عويصة، فيها أقاويل وآراء، واختلافات وترجيحات بحسب اجتهاد الباحثين، وفي إيراد ذلك شغل لأذهان القُرّاء بما يصعب عليهم هضمه، أو يعسر عليهم فهمه.

وهي

المخرجة

فلهذا اقتصرنا على الناحية الواضحة السهلة من النواحي المتعلقة بالقرآن، يراها القارئ ويلمسها في هذا الكتاب من الأحاديث والآثار مع بيان رتبتها وشرح الغامض من ألفاظها، واستنباط بعض الأحكام والفوائد منها، ولعلنا بذلك نكون قد قمنا ببعض الواجب نحو كتاب الله الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: ٤٢]. ونرجوا أن يجد القرَّاء في هذا الكتاب كما وجدوا في كتبنا السابقة - متعةً رُوحيَّةً ورياضة عقلية، وإفادة جديدة لم يكن لهم بها سابق علم. كما نرجو أن يكون هذا الكتاب حافزًا لهم إلى الاهتمام بكتاب الله وتلاوته، وتدبره والتعبد به، وتطبيقه في حدود ما يستطيعون من شؤون أنفسهم وأهليهم وأولادهم..... وفقنا الله وإيَّاهم إلى تحقيق ذلك حتى نحظى بسعادة الدنيا ونعيم الآخرة، فهو الموفق، لا ربَّ غيره، ولا خير إلَّا خَيْره.

أبو الفضل

عبد الله محمد الصديق الغماري

فضائل القرآن - الجزء الأول .

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة في معنى القرآن وذكر أسمائه

۱۱

أما القرآن فقد عرَّفه العلماء بأنَّه : اللفظ المنزّل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم للإعجاز بسورة منه، المتعبد بتلاوته.

قال القرطبي في كتاب "التذكار": «لا خلاف بين الأُمَّة ولا بين الأئمة؛ أَنَّ القرآن اسم لكلام الله عزّ وجلَّ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلَّم معجزة له غابر الدَّهرِ ، وأَنَّه محفوظ في الصُّدورِ، مقروء بالألسِنَةِ، مَكْتُوبٌ في المصاحِفِ، مَعْلُومَةٌ بالضّرورةِ سُوَره وآياته، مُبرَّاتٌ مِن الزيادة حروفه

وكلماته، فلا يحتاج في تعريفه بحد، ولا في حصره بعد». اهـ مختصرا. ولفظ «القرآن» مأخوذ في الأصل مِن القَرْء» وهو الجمع والضم، يُقال:

قرأتُ الماء في الحوض إذا جمعتُه وضَمَمْتُه.

قال الهروي: سُمِّي بالقرآن؛ لأنَّه جُمع فيه القصص والأمر والنهي والوَعْدُ والوعيد» . اهـ

وأما أسماء القرآن فهي الكتاب المتشابه، النَّبأ، المثاني، القرآن، الفرقان، الحق، النُّور ،السراج المبين، البيان، البينة، التبيان، الهدى، البُشْرَى، الموعظة، الذكرى المبارك، الشَّفاء، الدواء، العِلم، الحِكْمَة، الرحمة، النعمة، الكلام، الكلم، القيل، القول، الحديث، الأمر، الفصل، الفَضْل، المُصَدَّق، المهيمن، الصدق، التصديق الصراط، الحبل الشرف، الذكر، الآيات، الرُّوح، العلي، البشير، النذير ،الحكيم الكريم العظيم المجيد، العزيز، التنزيل، الصحف المطهرة، التذكرة، القيم، البلاغ، الشافع، المشفّع، الماحِل، المُصَدَّق، المأدبة،

۱۲

القرآن الكريم

النَّافِعِ، العِصْمَة، النَّجاة، السبب.

هذه بضعة وستون اسما مأخوذة من القرآن والحديث، وكلها تدلُّ على ما

في كتاب الله من نواحي العظمة والقوة، وتوحي بما فيه من أبواب الهداية والعلم والحكمة، وقد جاء وصفه في حديثين عظيمين. أحدهما: عن الحارث الأعور قال: مررتُ بالمسجد فإذا النَّاس يخوضون في الأحاديث، فدخلت على علي عليه السلام فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ترى

الناس قد خاضوا في الأحاديث؟ قال: أوقد فعلوها؟ قلت: نعم. قال: أما إني قد سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّها ستكونُ فِتْنَةٌ) فقلتُ: فما المَخْرَجُ منها يا رسول الله؟ قال: «كِتابُ الله؛ فيه نَبَأُ ما قَبْلَكُمْ، وخَبَرُ ما بَعْدَكُمْ، وحُكْمُ ما بَيْنَكُمْ، هو الفَضْلُ ليس بالهَزْلِ، مَن تَرَكَهُ مِن جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللهُ، ومَن ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، فهو حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ، ونُورُه المبين، والذِّكْرُ الحَكِيمُ ، وهو الصِّراطُ المُسْتَقِيمُ، وهو الذي لا تَزيغُ ـ الأَهْوَاءُ ولا تَلْتَبِسُ به الأَلْسِنَةُ، ولا تتشَعَبُ مَعَهُ الآراء، ولا يَشْبَعُ مِنه العُلَماءُ، ولا يَمَلُّهُ الأتقياء، ولا يَخْلَقُ على كَثْرَةِ الرَّد، ولا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وهو الذي لم

تنته الحنُّ إذ سَمِعَتُهُ أَنْ قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرَانًا عَجَبًا [الجن: ١]، مَن عَلِمَ عِلْمَهُ سَبَقَ، وَمَن قَالَ بِه صَدَقَ، وَمَن حَكَمَ به عَدَلَ، وَمَن عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَن دَعَا إِلَيهِ هدي إلى صراطٍ مُسْتَقِيمٍ». خذها إليك يا أعورُ. رواه الدارمي وهذا لفظه، والترمذي وقال: «حديث غريب لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه من حديث حمزة الزيَّات، وإسناده مجهول، وفي الحارث مقال» . اهـ

فضائل القرآن - الجزء الأول .

۱۳

وحمزة الزيَّات ضعيفٌ في الحديث مع أنه أحد القراء السبعة المشهورين،

وفيه يقول صاحب "الشَّاطِيَّة":

وحَمْزَةُ مَا أَزْكَـاهُ مِنْ مُتَوَرِّع إِمَامًا صَبُورٌ لِلْفُرَانِ مُرَتَّلَا لكنه لم ينفرد برواية هذا الحديث، بل تابعه محمد بن إسحاق وغيره،

والحارث - وإن تُكلّم فيه- فقد وثقه ابن معين، وقال النسائي: «لا بأس به». قال شقيقنا الحافظ أبو الفيض بعد كلام في هذا: «فالحديث عن علي عليه السلام صحيح لا شك فيه، إلَّا أنَّ في النَّفس شيئًا من جهة رفعه بهذا السياق، فلعل بعض الرواة وَهِمَ فيه، وقد قال الحافظ ابن كثير بعد دفاعه عن الحارث: وقصارى أمره أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وقد وَهِمَ بعضهم في رفعه». وهو كلام حسن صحيح، على أنه قد رُوي له شاهد مرفوع من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه» . اهـ ورواه الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنهقال : ذَكَرَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم الفتن فعظَّمها، فقال علي بن أبي طالب: فما المَخْرَجُ منها يا رسول الله؟ قال: «كِتَابُ الله؛ فيه حَديثُ مَا قَبْلَكُمْ، وَنَبَأُ ما بَعْدَكُمْ، وَفَضْلُ ما

هو

بَيْنَكُمْ، مَن تَرَكَهُ مِن جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللهُ، ومَن اتَّبَعَ الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ الله، حَبْلُ الله المتين، والذِّكْرُ الحَكِيمُ، والصَّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هو الذي لما سَمِعَتْهُ الجِنُّ

قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُر، انَّا عَجَبا) [الجن: ١]، هو الذي لا تَخْتَلِفُ فيه الأَلسَنُ، ولا يُخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدُّ». وفي سنده عمرو بن واقد وهو متروك.

ثانيهما، وهو

الله الشاهد الذي عناه ابن كثير عن عبدالله بن مسعود رضي ا

١٤

القرآن الكريم

عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ هذا القُرآنَ مَأْدُبَةُ الله، فتَعَلَّمُوا مِن مَأْدُبَتِهِ ما اسْتَطَعْتُمْ إِنَّ هذا القُرآنَ هو حَبْلُ الله المتين، والنُّورُ المُبِينُ، والشَّفاء النَّافِعُ عِصْمَةٌ لَمَن تَمَسَّكَ به ، ونَجَاةٌ مَن اتَّبَعَهُ، لَا يَعْوَجُ فَيُقَوَّمَ، وَلا يَزِيعُ فيُسْتَعْتَبَ، ولا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، ولا يَخْلَقُ عَن كَثْرَةِ الرَّدُّ، فَاتْلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ على تِلاوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَناتٍ، أما إنّي لا أقول: اله حرف، ولكن ألِفٌ حَرْفٌ، ولامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ. رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن، ومحمد بن نصر المروزي في "قيام الليل"، والحاكم، وابن حِبَّان. وفي سنده إبراهيم بن مسلم الهجري، قال أبو حاتم الرازي: «لين ليس بالقوي»، وقال أبو الفتح الأزري: «رَفَّاعٌ، كثير

الوهم". قال ابن كثير: فيحتمل والله أعلم أن يكون وَهِمَ في رفع هذا الحديث،

وإنما هو من كلام ابن مسعود. لكن له شاهد من وجه آخر». اهـ ويؤيد كلام ابن كثير . أنَّ الطبراني رواه موقوفا على ابن مسعود من طريق إبراهيم الهجري نفسه، ورواه أيضًا عن أبي الأحوص قال: قال ابن مسعود: هذا القرآن مأدبة الله فمن استطاع أن يتعلم منه شيئًا فليفعل، فإنَّ أصفر البيوت من الخير؛ الذي ليس فيه من كتاب الله شيء، كخراب البيت الذي لا عامر له، وإنَّ الشَّيطان يخرج من البيت يسمع فيه سورة البقرة». إسناده

صحيح.

قال أبو عبيد: «شبه القرآن بصنيع صنعه الله عزَّ وجل للنَّاس لهم فيه خير

فضائل القرآن - الجزء الأول .

10

ومنافع، ثم دعاهم إليه. يقال: «مأدبة ومأدبة»، فمن قال: «مأدبة» بضم الدال - أراد الصنيع يصنعه الإنسان فيدعو إليه الناس، ومن قال: «مأدبة» -

بفتح الدال - فإنَّه يذهب به إلى الأدب» . اهـ

ويؤيده ما رواه الدارمي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «ما مِن مُؤدَّبٍ

إِلَّا وهو يحبُّ أَنْ يُؤْتَى أَدَبُهُ، وَإِنَّ أَدبَ الله القُرآنُ».

فضل القرآن على سبيل الإجمال

ورد في فضل القرآن الكريم أحاديث و آثار نورد منها في هذا المحل ما تيسر من غير قصد إلى استيعاب جميعها وبالله التوفيق. ثبت في "الصحيحين" وغيرهما، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ أو خ تَعَلَّمَ القُرْآنَ أَو عَلَّمَهُ». وفي رواية

للبخاري: «إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ أَو عَلَّمَهُ».

وفي هذا الحديث بيان فضل تعليم القرآن وترغيب فيه، وقد سئل سفيان الثوري عن الجهاد وتعليم القرآن فرجّح الثاني، واستدل بهذا الحديث. وقعد

أبو عبدالرحمن السلمي يعلم القرآن مدَّةً طويلة بسبب سماعه لهذا الحديث. وفي "سنن الترمذي" عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قَرَأَ حَرْفًا مِن كِتابِ الله فله به حَسَنَةٌ، والحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمثالها، لا أقول: الم حَرْفٌ، ولكن ألِفٌ حَرْفٌ، ولام

حَرْفٌ، ومِيمٌ حَرْفٌ». قال الترمذي: «حسن صحيح غريب».

وفي "صحيح مسلم" و "سنن أبي داود" وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله

١٦

القرآن الكريم

عنه: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «ما اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِن بيوت الله يَتْلُونَ كِتابَ الله ويَتَدارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهم السَّكِينَةُ

وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ».

قال العلماء: التقييد بـ بيت الله خرج مخرج الغالب، لا مفهوم له، فلو

اجتمعوا في غير المسجد لكان لهم ذلك النواب أيضًا.

والمراد بـ«السكينة»: الوقار والطمأنينة.

والحديث يدلُّ على فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وهو مذهب الجمهور، وكرهه مالك في "المدوّنة"، وقال: «يقاموا»؛ لأنَّه لم يره من عمل أهل المدينة،

أما إذا كان الاجتماع لأجل تعليم القرآن فهذا لم يكرهه مالك ولا غيره. وفي "صحيح مسلم" و "سنن أبي داود" أيضًا، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ونحن في الصُّفَّة فقال: أيكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ إلى بطخان أو إلى العَقِيقِ، فيأتي منه بناقَتَيْنِ كَومَاوَيْنِ في غير إثْمٍ ولا قطعِ رَحِمٍ؟». فقلنا يا رسول الله: كلنا يحبُّ ذلك. قال: «أفلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إلى المسجدِ فيَعْلَم أو فيَقْرَأ آيتين من كتاب الله عزَّ وجلَّ خَيْرٌ له مِن ناقَتينِ، وثلاث خُيْرٌ مِن ثلاث، وأربع خير من أربع، ومن

أعدادهن من الإبل». يَغْدُو»: يذهب صباحًا.

بطحان» بضم الباء وسكون الطاء: اسم وادٍ بالمدينة، سُمّي بذلك لسعته

وانبساطه.

فضائل القرآن - الجزء الأول .

۱۷

و«العقيق»: وادٍ على ميلين أو ثلاثة من المدينة، وخص بطحان والعقيق»

بالذكر ؛ لأنّهما أقرب الأماكن التي تقام فيها أسواق الإبل إلى المدينة. كَوْمَاوَيْنِ»: بفتح الكاف تثنية «كوماء»، وهي الناقة العظيمة السنام. فيعلم»: بفح الياء وسكون العين.

وفي "صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إذا رَجَعَ إِلى أَهْلِهِ أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلَاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سمان؟ قلنا: نعم، قال: فثلاث آياتٍ يَقْرَأْ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ خَيْرٌ لَهُ مِن ثلاث خَلِفاتٍ عِظامِ سمان».

«خلفات»: بفتح الخاء وكسر اللام، هي الحوامل من الإبل إلى أن يمضي عليها نصف أمدها ، ثمَّ هي عشار بكسر العين، والمفرد: «خَلفه»، وعُشَراء:

بضم العين وفتح الشين، وخص الخلفات»؛ لأنها محبوبة عند العرب. وفي "معجم الطبراني" بإسناد رجاله ثقات عن أبي أمامة بضم الهمزة- الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن تَعَلَّمَ آيَةً مِن كِتابِ الله تعالى، اسْتَقْبَلَتْهُ يَوْمَ القِيامَةِ تَضْحَكُ فِي وَجْهِهِ».

رضي

وفي "مسند أحمد" عن أبي هريرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم قال: «مَن اسْتَمَعَ إلى آيةٍ مِن كِتابِ الله كُتِبَتْ له حَسَنَةٌ مُضَاعَفَةٌ، وَمَن تَلاها كانَتْ له نُورًا يومَ القِيامَةِ». وروى الطبراني، والحافظ أبو محمد عبدالغني، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قَرَأ القُرْآنَ أَو جَمَعَ

۱۸

القرآن الكريم

القُرآنَ كانَتْ له عِندَ الله دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، إِنْ شاءَ عَجَلَها له في الدُّنيا، وإِنْ شَاء

ادَّخَرَها له في الآخِرَةِ».

وفي "شعب الإيمان" للبيهقي عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وآله

وسلَّم قال: «إِنَّ لَحَامِلِ القُرْآنِ دَعْوَةٌ مُستَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا فَيُسْتَجَابُ لَهُ». وروى أحمد وأبو يعلى والطبراني، عن عقبة بن عامر: أنَّ رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم قال: «لو أنَّ القُرآنَ جُعِلَ فِي إِهَابٍ ثُمَّ أُلْقِي فِي النَّارِ مَا احْتَرَقَ». ورواه الطبراني من حديث عصمة بن مالك بلفظ: «لو مُجمع القُرآنُ في

إهابٍ مَا أَحْرَقَتْهُ النَّارُ».

وفي رواية للطبراني من حديث سهل بن سعد: «لو كان القُرآنُ في إهاب ما

مَسَّتْهُ النَّارُ» والحديث حسن.

«الإهاب» بكسر الهمزة الجلد.

وقد اختلف العلماء في هذا الحديث:

فقال الإمام أبو عبيد : وجه هذا عندنا أن يكون أراد بـ«الإهاب» قلب

المؤمن وجوفه الذي قد وعى القرآن».

وقال أبو جعفر الطحاوي: تكلَّم أهل العلم في هذا الحديث، فقالت طائفة: معناه أنَّ من كان معه القرآن وقاه الله من النار كما وقى إبراهيم الخليل عليه السلام

من النار، فمعنى المراد بذكر «الإهاب» الإنسان.

وقالت طائفة أخرى: «الإهاب» المذكور في الخبر هو الذي يكتب فيه القرآن، أي إهاب كان، فإذا ألقي في النار وفيه القرآن، وقى الله تعالى القرآن

فضائل القرآن - الجزء الأول .

۱۹

ونزهه عن النار، فيرفعه من الإهاب» فتحرق النَّار «الإهاب» وهو خال من القرآن لا قرآن فيه والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم». اهـ كلام الطحاوي.

وفسره بعض رواة أبي يعلى: بأنَّ من جمع القرآن ثُمَّ دخل النَّار فهو شر من

الخنزير.

وفي "الصحيحين" و"سنن النسائي"، و"ابن ماجه"، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَثَلُ يَقْرَأُ القُرآنَ مَثَلُ الأُتُرجَةِ، رِيحُها طَيِّبٌ وطَعْمُها طَيِّبٌ، ومَثَلُ

المؤمِنِ الذي المؤمِنِ الذي لا يقرأ القُرآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لا رِيحَ لها وطَعْمُها طَيِّبٌ، ومثل المنافِقِ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَة رِيحها طَيِّبٌ وطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ المُنافِقِ الذي لا

يَقْرَأُ القُرآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ ليس لها رِيحٌ وطَعْمُهَا مُرٌّ .

وفي رواية للبخاري: «المؤمِنُ الذي يَقْرَأُ القُرآنَ ويَعْمَلُ بِهِ، كَالأُتُرُجَّةِ طَعْمُهَا طيب وريحها طَيِّبٌ، والمُؤمِنُ الذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَعْمَلُ بِهِ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ ولا ريح لها، ومَثَلُ المُنافِقِ الذي يَقْرُأُ القُرآنَ كَالرَّيْحَانَةِ رِيحُها طَيِّبٌ وطَعْمُهَا مُرٌّ، ومَثَلُ المُنافِقِ الذي لا يَقْرَأُ القُرآنَ كالحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ - أو خَبِيثٌ - ورِيحُهَا مُرٌّ». يؤخذ من الحديث الحض على حفظ القرآن و دوام تلاوته والعمل به، قال الطيبي: «اعلم أنَّ هذا التشبيه والتمثيل في الحقيقة وصف لموصوف اشتمل على معقول صرف، لا يبرزه عن مكنونة إلا تصويره بالمحسوس بالمشاهدة، ثمّ إنَّ كلام الله تعالى المجيد له تأثير في باطن العبد وظاهره، وإنَّ العباد متفاوتون في ذلك، منهم من له النصيب الأوفر من ذلك التأثير، وهو المؤمن القارئ،

۲۰

القرآن الكريم

ومنهم من لا نصيب له البتة وهو المنافق الحقيقي، ومنهم من تأثر ظاهره دون باطنه وهو المرائي، أو بالعكس وهو المؤمن الذي لم يقرأه، وإبراز هذه المعاني وتصويرها في المحسوسات ما هو مذكور في الحديث، ولم تجد ما يوافقها ويلائمها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك؛ لأنَّ المشبهات والمشبه بها واردة على التقسيم الحاصر؛ لأنَّ النَّاس إمَّا مؤمنٌ أو غير مؤمن، والثاني: إما منافق صرف أو ملحق به، والأول: إمَّا مواظب على القراءة أو غير مواظب عليها، فعلى هذا قس الأثمار المشبهة بها.

ثُمَّ إِنَّ إثبات القراءة في قوله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «يقرأ القرآن» على صيغة المضارع، ونفيه في قوله: «لا يقرأ ليس المراد منه حصولها مرة، ونفيها بالكلية. بل المراد منها : الاستمرار والدوام عليها، وأن القراءة دأبه وعادته، أو

ليس ذلك من هجيراه كقولك فلان يُقريء الضيف ويحمي الحريم». اهـ وحاصل التشبيه: أنَّ الإيمان الثابت في نفس المؤمن هو طيب الطعم المشبه بطيب طعم الأترجة، وحفظ القرآن وتلاوته هو طيب الرائحة المشبه بريحها، وأن نفاق المنافق هو خبث الطعم المشبه بطعم الريحانة والحنظلة، و«الأترجة» بتشديد الجيم وقد تخفف، ويزاد قبلها نون ساكنة فيقال: «أترنجة»، وتحذف الألف فيقال: ترجة وترنجة».

وروى ابن الأنباري عن أبي نضرة أنَّ رجلا من التابعين كان إذا جلس إليه أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أعجبهم مجلسه وحديثه فقال يوما: إنَّ مثل هذا القرآن مثل المطر، حلو طيب طهور مبارك، أنزله الله تعالى فأصاب به الشَّجر حلوه ومره، فزاد الحلوة حلاوة إلى حلاوتها، والمرة مرارة

فضائل القرآن - الجزء الأول

۲۱

إلى مرارتها، وكذلك القرآن هدى وشفاء للذين آمنوا، قال الله تعالى: قُلْ هُوَ

لِلَّذِينَ ءَامَنُوا هُدًى وَشِفَاءُ : [فصلت: ٤٤] . اهـ

الماهر بالقرآن

أخرج الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «الماهِرُ بالقُرآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرآنَ ويَتَتَعْتَعُ فيه وهو عليه شَاقٌ له أَجْرَان». وفي رواية: «والذي يَقْرَأُه وهو يشتد عليه له أجران».

«الماهر»: الحاذق، الكامل الحفظ، المتقن التلاوة.

«السَفَرة»: بفتح السين والفاء، جمع سافر : الملائكة.

قال ابن الأنباري : سموا بذلك لنزولهم بالوحي، وما يقع به الصلاح تشبيها بالسفير الذي يصلح بين الرجلين.

وقال ابن عرفة: «سُموا بذلك؛ لأنَّهم يُسْفِرون بين الله تعالى وأنبيائه عليهم

السلام». أي: ينزلون برسالات الله تعالى إلى الأنبياء، وهو بمعنى الأول. وقيل: «السَفَرة»: الملائكة الكتبة، ويُسمَّى الكتاب سافرًا؛ لأنَّه يُبيِّن الشَّيء، )

والأسفار الكتب ، وأسفر عن الشَّيء: بيَّنه وأوضحه.

البَرَرَة»: بفتحات المطيعون.

قال المهلب: ومعنى كون الماهر بالقرآن مع السفرة أنَّه معهم في الحفظ في

درجة واحدة».

وقال عياض: ويحتمل أنه معهم في منازلهم في الآخرة، أي: يكون رفيقا

۲۲

القرآن الكريم

لهم فيها لاتصافه بصفتهم في حملهم كتاب الله تعالى، ويحتمل أن يكون المعنى أنه عامل بعملهم كما يقال: معي بنو فلان، أي: في الرأي والمذهب، كما قال لوط عليه السلام: ونحني ومن معى الآية [الشعراء: ١١٨]، وجاء أنَّ من تعلّمه . من صغره وعمل به خلطه الله بلحمه ودمه وكتبه عنده من السَفَرَة الكرام البَرَرَة . اهـ

يَتَتَعْتَعُ فيه»: يتردد فيه لقلة حفظه، والتتعتع التردد.

و«الأجران» أحدهما: في قراءته، والثاني: في تعبه ومشقته.

قال عياض: وليس المعنى أنَّه أكثر أجرًا من الماهر بل الماهر أكثر؛ لأنه مع السَفَرَة عليهم السّلام، وله أجور كثيرةٌ ، وكيف يلتحق من لم يعتن بكتاب الله بمن اعتنى به حتى مهر فيه . اهـ

وروى أبو نصر السجزي في "الإبانة"، عن معاذ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قَرَأَ القُرآنَ وَعَمِلَ بما فيه ومات مع الجماعةِ، بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ مع السَفَرَةِ». قال أبو نصر: «حديث حسن

غريب».

وروى الطبراني وابن زنجويه والبيهقي، عن معاذ أيضًا، عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قَرَأَ القُرآنَ وَعَمِلَ بما فيه ومات في الجماعَةِ، بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ السَفَرَةِ وَالْحَكَامِ، وَمَن قَرَأَ القُرآنَ وَهُوَ يَنْفَلِتُ مِنه لا يَدَعُهُ فله أَجْرُه مَرَّتين، ومَن كان حريصًا عليه ولا يَسْتَطِيعُهُ ولا يَدَعُهُ بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ مَعَ أَشْرافِ أَهْلِهِ ، وفُضْلُوا على الخلائق كما فُضَّلَتِ النُّسُورُ

فضائل القرآن - الجزء الأول .

۲۳

على سائر الطُّيُورِ، وكما فُضَّلَتْ عَيْنٌ في مَرْجِ على ما حَوْلها، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَين الذين كانوا لا تُلْهِيهِمْ رِعْبَةُ الأنعام عن تلاوةِ كِتابي؟ فيقومون فيُلْبَسُ أَحَدُهُمْ تاجَ الكَرامَةِ ويُعْطَى الفَوْزُ بيَمِينِهِ، والخُلْدَ بشِمَالِهِ، فَإِنْ كَان أَبَوَاهُ مُسْلَمَيْنِ كُسِيا حُلَةُ خَيْرًا مِن الدُّنيا وما فيها، فيقولان: أنَّى هذه لنا؟ فيُقال: بما كان وَلَدُكُما يَقْرَأُ

القُرآنَ».

«الحكام»: الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه؛ لأنهم يقيمون حكم الله

بين الناس. تنبية: تقدَّم أنَّ الماهر بالقرآن هو الحاذق فيه المتقن لحفظه وتلاوته. وقال القرطبي: «لا يكون ماهِرًا حتى يتعلم أحكامه فيفهم عن الله تعالى مراده، وما فرض عليه، ويعرف المكي من المدني ليعرف ما افترضه الله في أول الإسلام، وما زاد من الفرائض في آخره، ويعرف الإعراب والغريب، ثُمَّ ينظر في السنن المأثورة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فيها يصل الطالب إلى مراد الله عزَّ وجل، وهي تفتح له أحكام القرآن فتحا (۱).

وقد قال الضَّحَّاك في قوله تعالى: كُونُوا رَبَّنِينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِمُونَ الْكِتَبَ

آل عمران: ۷۹]، قال: «حق على كل من تعلم القرآن أن يكون فقيها». وذكر ابن أبي الحواري قال: أتينا الفضيل بن عياض سنة خمس وثمانين ومائة ونحن جماعة، فوقفنا على الباب فلم يأذن لنا بالدخول، فقال بعض القوم: إن كان خارجا لشيء فسيخرج لتلاوة القرآن، فأمرنا قارئًا يقرأ فطلع

(۱) لكن مبتدعة اليوم يحضون على ترك السُّنَّة الجهلهم بها ويُفسرون برأيهم الفاسد.

٢٤

القرآن الكريم

علينا من كوة، فقلنا السَّلام عليك ورحمة الله، فقال: وعليكم السلام، فقلنا: وكيف أنت يا أبا علي؟ وكيف حالك؟ قال: أنا من الله في عافية ومنكم في أذى، وإنَّ ما أنتم فيه حدثٌ في الإسلام، فإنَّا الله وإنا إليه راجعون، ما هكذا كنا نطلب العلم، ولكنا كنا نأتي المشيخة فلا نرى أنفسنا أهلا للجلوس معهم، فنجلس دونهم نسترق السمع فإذا مرَّ الحديث سألناهم إعادته وقيدناه، وأنتم تطلبون العلم بالجهد وقد ضيّعتم كتاب الله، ولو طلبتم كتاب الله لوجدتم فيه شفاء لما تريدون. قال: قلنا: قد تعلمنا القرآن. قال: إنَّ في تعلمكم القرآن شغلًا لأعماركم وأعمار أولادكم. قلنا : كيف يا أبا علي؟ قال: لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه ومُحكَمه من متشابهه وناسخه من منسوخه، فإذا عرفتم

ذلك استغنيتم عن كلام فضيل وابن عيينة» . اهـ باختصار. قلت: لا شك أنَّ من عرف إعراب القرآن ومحكمه ومتشابهه وفقه أحكامه، كان في الدرجة العليا من الميزة والفضل، لكن لا يشترط في الماهر بالقرآن أن يكون كذلك، بل يكفي فيه ما تقدَّم من إتقان الحفظ وإجادة التلاوة، بدليل مقابلته في الحديث بالذي يتتعتع فيه وتشتد عليه تلاوته. والله أعلم.

ثواب قارئ القرآن

أخرج الترمذي وابن خزيمة والحاكم، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يجيء صاحِبُ القُرآنِ يومَ القِيامَةِ فيقولُ القُرآنُ: يَا رَبِّ حَلَّه، فيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يقولُ: يا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسَ حُلَّةَ الكَرامَةِ، ثُمَّ يقول: يا رَبِّ إرضَ عنه، فيَرْضَى عنه، فيقال له: اقْرَأْ وَارْقَ وَيَزْدَادُ بِكُلِّ آيَةٍ

فضائل القرآن - الجزء الأول .

حَسَنَةٌ. حَسَّنه الترمذي، وصححه الحاكم.

٢٥

وأخرج أحمد عن أبي هريرة أو أبي سعيد - شكٍّ الأعمش - قال: «يُقالُ لصاحِبِ القُرآنِ يَوْمَ القِيامَةِ اقْرَأْ وارْقَ، فَإِنَّ مَنْزِلِكَ عِندَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُهَا».

إسناده صحيح. ورواه أحمد من طريق آخر عن أبي سعيد قال: قال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يُقال لصاحِبِ القُرآنِ إذا دَخَلَ الجنَّةَ: اقْرَأْ وَارْقَ وَاصْعَدْ، فَيَقْرَأُ ويَصْعَدُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً حَتَّى يَقْرَأَ آخِرَ شَيءٍ مَعَهُ».

وروى الترمذي وأبو داود وابن ماجه عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «يُقال لصاحِبِ القُرْآنِ اقْرَأْ وارْقَ ورَتَّلْ كما كنتَ تُرتِّل في الدُّنيا، فإِنَّ مَنْزِلِكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُهَا». صَحَّحه الترمذي وابن حبان.

قال الخطابي: «جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قَدْرِ دَرَجِ الجنَّةِ، فيقال للقارئ: ارْقَ في الدَّرَجِ على قَدْرِ ما كنتَ تقرأ من آي القرآن، فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج في الجنة في الآخرة، ومن قرأ جزءًا منه كان رقيه في الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب .

عند منتهى

القراءة» . اهـ قلت: الأثر الذي أشار إليه الخطابي رحمه الله تعالى رواه البيهقي عن

عائشة

رضي

الله عنها مرفوعا: «عَدَدُ دَرَجِ الجَنَّةِ عَدَدَ أَي القُرْآنِ، فَمَن دَخَلَ الجنَّةَ مِن أَهْلِ القُرآنِ فليس فَوْقَهُ دَرَجَةٌ». ورواه ابن مَرْدُويَه عنها

٢٦

القرآن الكريم

مرفوعاً أيضًا، وذكره مكيّ عنها أيضًا، موقوفا عليها غير مرفوع. وروى ابن شاهين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «دَرَجُ الجنَّةِ على قَدْرِ آي القُرآنِ لكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةٌ، فتلك ستة آلاف ومائتا آية وست عشرة آية بين كلّ دَرَجَتين كما بين السَّماء والأرض، فينتهي به إلى أعلى قبة في عليين لها سبعون ألف رُكْنٍ، وهي من ياقوتة تُضيء مسيرة أيام وليال». ورواه ابن شاهين وأبو حفص الميانشي من طريق آخر، وزاد قال: «وتُصَبُّ

عليه حُلَّةُ الكَرامَةِ، فلولا أَنَّه يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ لَأَذْهَبَ تَلَالُوْهَا بِنَظَرِهِ». قلت: لم يصح حديث في تعداد آي القرآن، وفي عدّها خلاف بين الأئمة من القراء وغيرهم، وإنَّما الذي صح أنَّ قارئ القرآن يقال له في الجنة: «اقرأ واصعد درجة حتى يقرأ آخر شيء معه. وكذلك ورد في عد حروف القرآن حديث في إسناده نظر، فروى الطبراني في "الأوسط" عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «القُرآنُ أَلفُ أَلْفِ حَرْفٍ وسبعةٌ وعشرون ألفِ حَرْفٍ، فَمَن قَرَأَهُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا كان له بِكُلِّ حَرْفٍ زَوْجَةٌ مِن الحور العين». تفرد بروايته محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني شيخُ

الطبراني.

وقال الذهبي في "الميزان": «إنَّه خبر باطل». ورواه أبو نصر السجزي في "الإبانة" وقال: غريب الإسناد والمتن وفيه زيادة على ما بين الدفتين، ويمكن

حمله على ما نسخ منه تلاوة مع المثبت بين الدفتين اليوم». اهـ

قلت: وهو حمل لا يُفيد.

فضائل القرآن - الجزء الأول .

۲۷

وقال أبو سلمة بن عبدالرحمن: يُقال لصاحب القرآن يوم القيامة اقرأ

وارق، فإن كان يهذه - أي يُسرع ولا يرتل - أُعطي بقدر هذه . بتشديد الذال المعجمة وإن كان يرتله أعطي بترتيله، وفي صحيح ابن حبان" عن أبي ذرٍ رضي الله عنه - أثناء حديث قال: قلت يا رسول الله أوصني، قال: «عليك بتَقْوَى الله فإنَّها رَأْسُ الأَمْرِ كُلِّهِ». قلت: يا رسول الله زدني، قال: «عليك بتِلاوَةِ

القُرآنِ فَإِنَّه نُورٌ لكَ في الأرضِ، وذُخْرٌ لك في السَّماءِ».

تفضيل القرآن على الكتب السماوية

أخرج أحمد والطبراني عن وائلة بن الأسقع : رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أُعْطِيتُ مكان التَّوراةِ السَّبْعَ، وأُعْطِيتُ مكان الزَّبورِ المتين، وأُعْطِيتُ مكان الإنجيل المثاني، وفُضِّلْتُ بالمُفَصَّلِ».

وروى الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَعْطاني رَبِّ السَّبْعَ الطُّوال مكانَ التَّوْرَاةِ، والمتين مكانَ الإنجيل،

وفُضّلْتُ بالمُفَصَّلِ». وفيه راو ضعيفٌ.

.

وصح عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: إِنَّ السَّبع الطوال مثل التوراة، والمئين مثل الإنجيل والمثاني مثل الزبور، وسائر القرآن بعد فضل السبع الطوال من أول (البقرة)، وآخرها مجموع (الأنفال) و(براءة)؛ لأنَّه لم يفصل بينهما في المصحف، وبعضهم عدَّ (يونس) في الطوال ولم يعد (الأنفال) و(براءة)، والأول أصح، ثمَّ ذوات المائة وهي السورة التي فيها مائة ونحوها، ثم المثاني وهي ما كانت أقل من المائة وأكبر من المفصل، ثم المفصل واختلف

۲۸

القرآن الكريم

أنَّ

فيه مع الاتفاق على منتهاه آخر القرآن فقيل: يبتدئ من (سورة

وروی

الصافات). وقيل: من سورة الفتح). وقيل من (سورة ق). وقيل غير ذلك. الحافظ محمد بن ناصر المروزي، عن أنس بن مالك رضي ا الله عنه مرفوعا: «إِنَّ اللهَ تعالى أَعْطَانِي السَّبْعَ مكانَ التَّوْرَاةِ، وأَعْطَانِي الراآت إلى الطواسين مكان الإنجيل، وأعطاني ما بين الطواسين إلى الحواميم مكان الزبورِ، وفَضَّلني بالحواميم والمفصل، ما قرأهنَّ نبي قَبْلي».

«الراآت»: السور المبدوءة بالر

و«الطواسين»: السور المبدوءة بطس .

و«الحواميم»: السور المبدوءة بحم .

القرآن أفضل من الذكر والدعاء ومن سائر الكلام

أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يقولُ الرَّبُّ تبارك وتعالى مَن شَغَلَهُ قِرَاءَةُ القُرْآنِ عَن مَسْأَلَتِي، أَعْطَيْتُهُ أفضلَ ما أُعْطِي السَّائِلِينَ». قال: «وفَضْلُ كلام الله تعالى على سائر الكلام كفَضْلِ الله على خَلْقِهِ». قال الترمذي: «حديث حسن غريب». ورواه البزار وابن شاهين وابن الأنباري في كتاب "الوقف والابتداء" عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يقولُ اللهُ تعالى مَن شَغَلَهُ قِراءَةُ القُرآنِ عن دُعائي ومَسألتي أَعْطَيْتُهُ أفضل ثواب الشاكرين». وقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ فَضْلَ كلام الله تعالى على سائر الكَلامِ كفَضْلِ الله على خَلْقِهِ». ولا بن عدي عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه

فضائل القرآن - الجزء الأول .

۲۹

وآله وسلَّم: «فَضْلُ القُرْآنِ على سَائِرِ الكَلامِ كَفَضْلِ الله عَلى خَلْقِهِ». إسناده

ضعيف.

ورواه يحيى بن عبد الحميد الحماني في "مسنده" من حديث عمر بن الخطاب نحوه، ورواه ابن الضريس في "فضائل القرآن" عن شهر بن حوشب، مرسلًا بإسناد لا بأس به.

وروى الحاكم وصححه عن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّكُمْ لا تَرْجِعُونَ إلى الله بشيءٍ أَفضلَ ممَّا خَرَجَ مِنْهُ» يعني: القرآن. ورواه أبو داود في "المراسيل" عن جبير بن نفير مرسلا، وكذلك رواه أحمد في "الزهد"، والترمذي.

وأخرج الوايلي عن عطية بن قيس التابعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ما تكلَّمَ العِبادُ بكَلامِ أَحَبَّ إلى الله تعالى مِن كلامه، وما تقرب إلى الله عزَّ وجلَّ بأحَبَّ إليه مِن كَلامِه». قال الوايلي: «هذا حديث فيه

إرسال . اهـ وللحديث شواهد وثبت عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال: رأيت ربَّ العِزَّة في المنام، فقلت: يا رب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك؟ فقال: كلامي يا أحمد». فقلت: يا رب بفهم أو بغير فهم؟ قال: «بفهم وبغير فهم».

القرآن حُجَّةٌ لك أو عليك

أخرج مسلم في "صحيحه" عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمانِ، وَالحَمْدُ لله تملأ الميزان، وسُبْحَانَ الله والحَمْدُ لله تملآن - أو تَملا - ما بين السَّماواتِ والأرضِ،

۳۰

القرآن الكريم

والصَّلاةُ نُورٌ والصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، والصَّبْرُ ضِياء، والقُرْآنُ حُجَّةٌ لكَ أو عليكَ، كلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا».

وهذا الحديث من جوامع الكلم، ولذلك ذكره النووي في "الأربعين"، فقوله في الحديث: «والقُرْآنُ حُجَّة لك أو عليك» يعني: إِنْ عَمِلْتَ به كان حُجَّةٌ لك، وإن لم تعمل به كان حُجَّةٌ عليك، قال القرطبي: ويحتمل لأنه المفزع عند التنازع فتحتج به أو يُحتج به عليك».

وأخرج ابن حِبَّان في "صحيحه" عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «القُرْآنُ شَافِعٌ مُشَفّع، وماحِلٌ مُصَدَّقٌ،

مَن جَعَلَهُ أَمَامَهُ قادَهُ إِلى الجَنَّةِ، ومَن جَعَلَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ سَاقَهُ إِلى النَّارِ». «ماحل» بكسر الحاء المهملة: خصم مجادل، «مصدق» بفتح الدال المشددة. وأخرج الطبراني في "الصغير" عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قَرَأَ القُرْآنَ يَقُومُ به آناء الليلِ والنَّهَارِ، يُحِلُّ حَلالَهُ ويُحرِّمُ حَرامَهُ، حَرَّمَ اللهُ لَحْمَهُ ودَمَهُ على النَّارِ ، وجَعَلَهُ رَفِيقَ السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ،

حتّى إذا كان يومَ القِيامَةِ كان القُرْآنُ له حُجَّةً».

وأخرج البزار وابن شاهين عن عبدالله بن عمر، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يقولُ: يَأْتي القُرْآنُ إلى الذي حَمَلَهُ فأَطاعَهُ في صورة حَسَنةٍ فيأخُذُ بيَدِهِ، حَتَّى يأتي رَبَّه عزَّ وجلَّ، فيصيرُ خَصِيمًا مِن دُونِهِ، فيقول: أي ربِّ حَفَظْتُهُ إياي فَخَيْرُ حَامِلٍ حَفِظَ حُدودي، وعَمِلَ بفرائضي، واتَّبَعَ طَاعَتِي، واجْتَنَبَ مَعْصِيَتي، فلا يزالُ يَقْذِفُ دُونَهُ بالحجج حتَّى يُقال له: فشأنَكَ به قالَ: فيأخذ بيده لا يَدَعُهُ حَتَّى يَسْقِيَهُ بكأس الخُلْدِ وَيُتَوجَهُ تَاجَ المُلْكِ، قال: ويأتي

فضائل القرآن - الجزء الأول -

۳۱

صاحبه الذي جَمَلَهُ فَأَضاعَهُ فيَأخُذُ بِيَدِهِ حَتَّى يأتي ربَّه عزَّ وجلَّ فيصير له خَصِيمًا، فيقول: يا ربِّ حَمَلْتَهُ إِيَّاي فشر حامِلٍ، ضَيَّعَ حُدودِي وتَرَكَ فَرائِضي، واجْتَنبَ طاعتي وعَمِلَ بِمَعْصِيَتِي، فلا يزالُ يَقْذِفُ عليه بالحجج حتَّى يُقال له: فشأنَكَ به، فيأخذ بيده فلا يَدَعُهُ حتَّى يُكِبَّهُ على مَنْخَرِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ». هذا لفظ رواية ابن شاهين، ورجال الإسناد ،ثقاتُ إلَّا أنَّ فيه ابن إسحاق وهو مع كونه

3

ثقة - مُدلّس، لكن للحديث شواهد.

وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب "الجوع"، والطبراني في "الكبير" عن عبدالله بن عمرو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الصيامُ والقُرْآنُ يَشْفَعانِ للعَبْدِ، يقولُ الصِّيامُ: يا رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ والشَّرَابَ بِالنَّهَارِ فَشَفَعْنِي فيه، ويقول القرآنُ: رَبِّ مَنَعْتُهُ النَّومَ باللَّيل فشَفَعْني فيه فيَشْفَعان». صححه الحاكم على شرط مسلم.

فضائل سور القرآن

الفاتحة

أخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد بن المعلى بفتح اللام المشدّدة رضي الله عنه قال: كنت الله عنه قال: كنت أصلي بالمسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فلم أُجِبُهُ، ثُمَّ أَتيتُه فقلتُ: يا رسول الله إنّي كنتُ أُصلِّي فقال: «ألم يَقُلِ الله تعالى: أَسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحييكُمْ ﴾ [الأنفال: ٢٤] ثُمَّ قال: «لأُعَلَّمَنَّكَ سورةً هي أعظم سورة في القُرْآنِ قبل أنْ تَخْرُجَ مِن المسجدِ» فأخذ بيدي فلما أردنا أن

۳۲

القرآن الكريم نخرج قلتُ يا رسول الله: إِنَّكَ قلت: «لأُعَلَّمَنَّكَ أَعظَمَ سُورَةٍ فِي القُرآنِ»،

قال: «الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، هي السَّبْعُ المثاني والقُرآنُ العَظِيمُ الذي أُوتِيتُهُ».

وروى الترمذي والنسائي وأحمد عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج على أبي بن كعب، فقال: «يا أُيُّ» وهو يُضلي، فالتفت أبي فلم يُحبه، وصَلَّى أُيُّ فخفَّفَ ثُمَّ انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: السّلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: وعليك السَّلام، ما مَنَعَكَ يا أُيُّ أنْ تجيبني إِذْ دَعَوْتُكَ؟» فقال: يا رسول الله إِنِّي كنت في الصلاة، قال: فلم تَجِدْ فيها أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ أَنْ أَسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحييكُم ؟ قال : بلى، ولا أعودُ إن شاء الله، قال: «أتحبَّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سورةً لم يَنْزِلُ في التَّوْراةِ ولا في الإنجيل ولا في الزَّبورِ، ولا في الفُرقان

مِثْلُها؟ قال: نعم يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: كيف تَقْرَأُ فِي الصَّلاة؟» فقرأ أم القرآن فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «والذي نَفْسِي بِيَدِهِ ما أَنزَلَ اللهُ في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزَّبورِ

ولا في الفُرقانِ مِثْلُها، وإِنَّهَا سَبْعٌ مِن المثاني والقُرآنُ العَظِيمُ الذي أُعْطِيتُهُ». قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان

والحاكم. استنبط القاضيان أبو الوليد الباجي وعبدالوهاب البغدادي المالكيان من الحديثين أنَّ إجابة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في الصلاة فرض

فضائل القرآن - الجزء الأول .

۳۳

يُعصي المرء بتركه، وهو قول الشَّافعيَّة، ثُمَّ هل تبطل صلاته أو لا تبطل؟

قولان، وهذا من خصائص النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.

ويؤخذ من الحديثين جواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وهو قول إسحاق بن راهويه والحليمي وابن العربي وابن الحصار وغيرهم من

العلماء والمتكلمين. وذهب أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني وأبو حاتم ابن حبان صاحب "الصحيح" وجماعة من الفقهاء إلى منع التفاضل، وروي عن مالك، قال يحيى بن يحيى - تلميذ مالك - تفضيل بعض القرآن

معناه

على بعض خطاً؛ ولذلك كره مالك أن تعاد سورة يعني في الصَّلاة، أو تردد دون غيرها، واحتجوا بأنَّ الأفضل يشعر بنقص المفضول، وكلام الله

لا نقص فيه.

والجواب: أن التفضيل من حيث المعنى لا من حيث الصفة، ومما لا شك

فيه أنَّ المعاني تتفاوت وتتفاضل. فمعاني قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: (١]، أفضل من معاني وتَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ [المسد: ١]، ومعاني وَإِلَهُكُمْ إِلَهُ وَاحِدٌ ﴾ [البقرة: ١٦٣]، أفضل من معاني: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٌ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ﴾ [الأنعام: ١٤٣]، أنَّ الكل مشتركُ في الصفة وهو كونه كلام الله، وقد قال الله تعالى:

مَا نَنسَحْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نَفْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ﴾ [البقرة: ١٠٦]، وهذا بحث طويل اقتصر نا منه هنا على هذه الخلاصة الوجيزة.

٣٤

القرآن الكريم

وأخرج ابن حِبَّان والحاكم في "صحيحيهما" عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم في مسير، فنزل ونزل رجل إلى جانبه، قال: فالتفت النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال: «ألا أُخْبِرُكَ بأفضل القُرْآنِ؟»

قال: بلى، فتلا: «الحَمدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: ٢]»، صححه الحاكم

على شرط مسلم. وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يقول: «قال الله تعالى : قَسَمْتُ الصَّلَاةُ بَيْنِي وَبَيْنِ عَبْدِي نِصْفَينِ، فنِصْفُها لي ونِصْفُها لعَبْدي ولِعَبْدي ما سَأَلَ ، فإذا قال العبد: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ المسلمين قال الله : حَمِدَني عبدي، فإذا قال: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ قَالَ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، فإذا قال: مَلِكِ يَوْمِ الذين قال : تَجَدَنِي عَبْدي، وإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين قال: هذا بَيْني وبَيْنَ عَبْدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

[الفاتحة: ١-٧] قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سَأَلَ».

قوله: «قَسَمْتُ الصَّلاةَ».

يعني

القراءة، وسُمِّيت القراءة صلاة؛ لأنها جزء

من أجزائها، وأخذ المالكيَّة من الحديث أنَّ البسملة ليست من الفاتحة.

قوله: «حمدني» بكسر الميم: والحمد هو الوصف بالجميل.

«مجدني» بفتح الجيم المشددة: والتمجيد التعظيم.

وأخرج مسلمٌ أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وآله وسلّم سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه

فضائل القرآن - الجزء الأول .

٣٥

فقال: «هذا باب مِن السَّماء فُتِحَ اليوم، لم يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا اليومَ، فَنَزَلَ مِنه مَلَكٌ فقال: هذا مَلَكُ نَزَلَ إلى الأرضِ لم يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا اليومَ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: أَبْشِرْ بنُورين أُوتيتَهُما لم يُؤتَهما نبي قَبْلَك، فاتِحَةُ الكِتابِ وخواتيم(سورة البقرة)،

لن تَقْرَأَ بحرف منهما إِلَّا أُعْطِيتَهُ».

نقيضا» بفتح النون: أي صوتا.

وقول الملك: «أبشر» إلخ : يُستفاد منه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم

قد يتلقى الوحي عن غير جبريل عليه السلام، وقد ثبت ذلك في أحاديث. قوله: «لن تقرأ بهما حَرْفًا إِلَّا أُوتيته»، قال العلامة الأبي: «إن أريد حرف الهجاء، فالمعنى: أنَّ ما يرتب عليه من العشر حسنات محققة القبول، وإلا فلا خصوصيَّة؛ لأنَّ حروف غيرها كذلك، وقيل: أراد بالحروف الطرف؛ لأنَّ حرف الشيء طرفه، وكنى به عن الجملة أي لن تقرأ بالجملة إلا أعطيت ما ا تضمنت إن كانت دعاء كاهدنا أجبت، وإن كانت ثناء أعطيت الثواب». اهـ وأخرج أحمد عن عبد الله بن جابر البياضي، قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وقد أهراق الماء فقلت: السَّلام عليك يا رسول الله، فلم يرد علي، فقلت: السَّلام عليك يا رسول الله، فلم يرد عليَّ، فقلت: السَّلام عليك يا رسول الله، فلم يرد عليَّ، فانطلق رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يمشي وأنا خلفه حتى دَخَلَ رَحْلَهُ، ودخلتُ أنا في المسجد، فجلست كئيبا حزينا، فخرج عليَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم وقد تَطَهَّرَ، فقال: عليك السلام ورحمة الله عليك السلام ورحمة الله، عليك السلام ورحمة الله» ثُمَّ قال: «ألا أُخْبِرُكَ يا عبدالله بن جابر بأخير سورة في القرآن؟» قلت: بلى، قال:

٣٦

القرآن الكريم

«اقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ حتى ختمها». إسناده حسن. قلت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتنزه أن يجري على لسانه ذكر اسم الله وهو على غير وضوء، فلذا لم يُجب هذا الصحابي حتّى توضّأ، وكذلك فعل مع غيره في مثل هذه المناسبة أيضا وليس ذلك بلازم شرعًا، ولكنه عليه الصَّلاة والسَّلام يحبُّ أنْ يُكَرّمَ اسم مولاه سبحانه وتعالى، فمن استطاع أن يتأسى به فهو خير ومن لا فلا حرج.

ويؤخذ من الحديث: أن ردَّ السَّلام لا يجب على الفور بل يجوز تأخيره

لعُذْرِ ما، كما يؤخذ منه أنَّ الرَّد يكون بحيث يسمعه الذي سلَّم. وأخرج الطبراني في "الأوسط" بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال: «إنَّ

إبليس رَنَّ حين أنزلت فاتحة الكتاب، وأنزلت بالمدينة».

وأخرج ابن الأنباري في كتاب "الرد عن مجاهد" قال: إنَّ إبليس لعنه الله رَنَّ أربع رَنَّاتٍ: حين لعن، وحين أهبط من الجنَّة، وحين بُعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وحين أُنزلت فاتحة الكتاب، وأنزلت بالمدينة.

وقول أبي هريرة ومجاهد: إنَّ فاتحة الكتاب أنزلت بالمدينة، وَرَدَ مثله عن عطاء بن يساء والزهري، والصحيح أنها أُنزلت بمكة، وهو قول ابن عباس وقتادة وأبي العالية وجمهور العلماء. وقيل: إنّها مكيَّة مدنية، نزلت مرتين، مرة بمكة، ومرة بالمدينة، حكاه الثعلبي وجمع بعض العلماء بين هذه الآثار: بأنها نزلت بمكة بواسطة جبريل عليه السلام، ونزل فضلها بالمدينة بواسطة ملك آخر كما سبق في حديث مسلم، وبقيت أحاديث في فضلها سنذكرها في

موضعها من هذا الكتاب بمشيئة الله تعالى.

فضائل القرآن - الجزء الأول .

سورة البقرة

۳۷

أخرج مسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِن البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سورة البقرة) وأخرج ابن حبان في "صحيحه" عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّ لكُلِّ شيءٍ سَنَامًا، وإِنَّ سَنَامَ القُرآنِ (سورة البقرة)، مَن قَرأها فِي بَيْتِهِ ليلًا لم يَدْخُلِ الشَّيطانُ بَيْنَهُ ثلاث ليالٍ، ومَن قَرَأها نهارًا لم يَدْخُلِ الشَّيطانُ بَيْتَهُ ثلاثةَ أَيَّامٍ». وروى الحاكم عن عبدالله بن مسعود قال: «اقرأوا (سورة البقرة) في بيوتكم، فإنَّ الشَّيطان لا يدخل بيتاً يُقرأ فيه (سورة البقرة)»، صححه الحاكم، ورواه أيضًا مرفوعًا بإسناد حسن. وفي "مسند الدارمي عن الشَّعبي قال: قال عبدالله - يعني ابن مسعود : من قرأ عشر آيات من (سورة البقرة) في ليلةٍ لم يدخل البيت شيطان تلك الليلة حتَّى يُصبح أربعًا من أولها وآية الكرسي وآيتين بعدها، وثلاث خواتيمها أولها لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [البقرة: ٢٨٤].

قصة الصحابي الذي كان يقرأ سورة البقرة) فنزلت الملائكة السماعه

أخرج البخاري تعليقا، ومسلم والنسائي وأبو عبيد في "فضائل القرآن"، وابن حبان في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري، عن أُسَيْد بن حُضَيرُ رضي الله عنه قال: بينما هو يقرأ من الليل (سورة البقرة وفرسه مَرْبُوطٌ عنده، إذ جالَتِ الفرسُ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، فقرأ فجالَتْ الفرسُ فَسَكَتَ وَسَكَنَتْ الفرسُ، ثُمَّ

۳۸

القرآن الكريم

قرأ فجالَتِ الفرسُ ، فانصرف وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تُصيبه، فلما اجتره رفع رأسَهُ إلى السَّماء فإذا هو بمثل الظَّلَّة فيها أمثال المصابيح عَرَجَتْ إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال له: «اقْرَأْ يا ابن حُضَيْرِ، اقْرَأْ يا ابن حُضَيْرٍ» قال: فأشفقتُ يا رسول الله أن تطأ

الظلة

يحيى وكان منها قريبا، فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل ! فيها أمثال المصابيح، فعرجت حتى لا أراها . قال : وتَدْري ما ذاك؟» قال: لا. قال: «تلك الملائكة دَنَتْ لصَوْتِكَ، ولو قرأتَ لأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِليها لا تَتَوَارَى منهم». وفي رواية ابن حبان: تلك الملائكةُ تَنَزَّلَتْ لقراءة (سورة البقرة)، أما إنَّك لو مَضَيْتَ لرأيتَ العجائب». وقد ذكرت هذا الحديث في كتاب "الكرامات" ، وبيَّنتُ بعض ما فيه من الفوائد.

قصة أخرى تماثلها

قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن": حدثنا عباد بن عباد، عن جرير بن حازم، عن عمه جرير بن يزيد، أن أشياخ أهل المدينة حدثوه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قيل له: ألم تر ثابت بن قيس بن شماس، لم تزل داره البارحة تُزْهِرُ مَصابيح ؟ قال: «فلعله قرأ (سورة البقرة)». قال: فسئل ثابت؟ فقال: قرأتُ (سورة البقرة).

تأمير النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم رجلًا لحفظه (سورة البقرة) أخرج الترمذي وابن ماجه وابن حِبَّان في "الصحيح" عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بَعْنًا، وهم ذوا عددٍ فاستقر أهم،

فضائل القرآن - الجزء الأول .

۳۹

فاستقرأ كل رجل منهم - يعني ما معه من القرآن- قال: فأتى على رجل من أحدثهم : سنا فقال: ما معك يا فلان؟ قال: معي كذا وكذا و(سورة البقرة). فقال: «أمعك (سورة البقرة)؟ قال: نعم. قال: «اذهب فأنت أميرهم». فقال رجل من أشرافهم والله ما منعني أن أتعلم البقرة إِلَّا خشية ألا أقوم بها. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «تَعَلَّموا القُرآنَ وَاقْرَأوه فإنَّ مثل القُرآنِ لمن تَعَلَّمَهُ، فَقَرَأَهُ كَمَثَلِ جِرابٍ مُحْشُوِّ مِسْكًا يَفُوحُ رِيحُهُ فِي كُلِّ مكانٍ، وَمَن تَعَلَّمَهُ فَيَرْقُدُ وهو في جَوْفِهِ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ جِرَابٍ أُوكِيَ على مِسْكِ». هذا لفظ

الترمذي وقال: حديث حسن».

خواتيم (البقرة)

أخرج الترمذي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّماواتِ والأَرضَ بِأَلْفَيْ عَامِ، أَنزَلَ منه آيتين خَتَمَ بهما (سورة البقرة، لا يُقْرَآنِ في دارٍ ثلاث ليالٍ فيَقْرَبُها شيطان». قال الترمذي: «حديث حسن غريب».

ورواه النسائي وابن حِبَّان والحاكم إلَّا أنَّ عنده: «ولا يُقْرَآنِ فِي بَيْتٍ فَيَقْرَبُهُ

شيطان ثلاث ليال». ثم قال: «صحيح على شرط مسلم».

وأخرج الحاكم بسند على شرط مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «إِنَّ اللهَ خَتَمَ (سورة البقرة) بآيتين أَعْطَانِيهما مِن كَنْزِه الذي تحتَ العَرْشِ، فَتَعَلَّمُوهُنَّ وَعَلِّمُوهُنَّ نسائكُمْ وأبناءَكُمْ، فإنَّها صَلاةٌ وقُرآن ودعاء». ورواه أبو داود في

اسيله عن جبير بن نفير مرسلًا.

القرآن الكريم

وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبي مسعود -عقبة بن عمرو الأنصاري البدري - رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «وَمَن

قَرَأَ بالآيتين من آخر (سورة البقرة) في ليلةٍ كَفَتَاهُ».

قوله «كَفَتَاهُ»: أي أجزأنا عنه من قيام الليل بالقرآن.

وقيل: «كَفَتَاهُ» عن قراءة القرآن مطلقًا في الصَّلاة وفي غيرها. وقيل: «كَفَتَاهُ» في الإيمان لاشتمالهما على الإيمان بالله والملائكة والكتب

والرسل، والابتهال إلى الله ودعائه، إلى غير ذلك.

وقيل: «كَفَتَاهُ» شَرَّ الشَّيطانِ.

وقيل: «كَفَتَاهُ» شَرَّ الإنس والجن.

وقيل: «كَفَتَاهُ» بثوابهما عن طلب شيء آخر.

وقال الحافظ ابن حجر: «يجوز أن يُراد جميع ما تقدَّم من المعاني».

قلت: وهو الظاهر.

آية الكرسي

أخرج مسلم وأبو داود عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يا أبا المنذِرِ، أتدري أي آية من كتاب الله معك أَعْظَمُ؟» قال: قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: «يا أبا المنذِرِ، أتدري أَيُّ آيَةٍ مِن كتاب الله معك أَعْظَمُ؟» قلتُ : اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: ٢٥٥]،

قال: فضرب في صدري وقال: «ليَهْنِكَ العِلْمُ يا أبا المنذرِ».

ورواه أحمد وابن أبي شيبة وزاد في روايته: «والذي نفسي بيده إنَّ لهذه الآية

فضائل القرآن - الجزء الأول .

لسانًا وشَفَتَيْنِ تُقدِّسُ المَلِك عند ساق العَرْشِ». وإسناد هذه الرواية صحيح.

قصة الشيطان الذي كان يسرق من أبي هريرة

٤١

أخرج البخاري وابن خزيمة عن أبي هريرة قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته، فقلتُ: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنِّي مُحتاج وعلي دين وعيال ولي حاجة شديدة فخليت . عنه. فأصبحتُ، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «يا أبا هريرة، ما فعل أسيرُكَ البارِحَةَ؟» قال: قلتُ: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته فخليت عنه، قال: «أما إنَّه قد كَذَبَكَ وسيعود»، فعرفتُ أنَّه سيعود لقول رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّه سيعود»، فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذتُه فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، قال: دَعْني فإنّي مُحتاج وعلي مالٌ ولِيَ عيال، لا أعودُ فرحمته فخليت سبيله، فأصبحتُ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: ما فعل أسيرُكَ البارِحَةَ؟ قلتُ: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته فخليت سبيله، قال: «أما إنَّه قد كَذَبَك وسيعود»، فرصدته الثالثة فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلتُ: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه آخر ثلاث مرات تزعم أنَّك لا تعود، قال: دَعْنِي أُعَلِّمُكَ كلمات ينفعك الله بها. قلت: ما هي؟ قال: إذا أَوَيْتَ إِلى فِراشِكَ فاقرأ آية

.

الكرسي : اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: ٢٥٦] حتى آخر الآية. وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يَقْرَبُكَ الشَّيطان حتى تُصبح، فخلَّيتُ سبيله، فأصبحتُ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ما فعل

٤٢

القرآن الكريم

أَسِيرُكَ البارِحَةَ؟» فقلتُ يا رسول الله: إنَّه زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمني كلماتٍ فينفعني الله بها، فخلَّيتُ سبيلَهُ، فقال: «ما هي؟ ؟ قلتُ: قال: إذا أَوَيْتَ إِلى فِراشِكَ فاقرأ آيةَ الكرسي من أولها حتى تختم الآية، وقال: لن تزال عليك من الله حافظا ولا يقربنك شيطان حتى تُصبحَ وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أما إنَّه قد صَدَقَكَ وهُو كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَن تُخَاطِبُ منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟» قال: لا، قال: «ذاك شيطان».

ورواه النسائي أيضًا، ووقع في روايته أنَّ أبا هريرة شكا أولا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما وقع من سرقة الطعام ولم يجد السارق، فقال له: إن أردت أن تأخذه فقل: سبحان من سخّرك مُحمَّدٍ» قال: فقلتها فإذا أنا به قائم بين يدي فأخذتُه. وقوله: «صَدَقَكَ وهو كَذُوبٌ» يعني: صدقك فيما ذكره عن «آية الكرسي»، وإن كان كذوبا بطيبعته، وهذا كما جاء في المثل العربي: «قد يَصْدُقُ الكَذُوبُ».

قصة أخرى تشبهها

أخرج الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه كانت له سهوة فيها تمر، وكانت تجيء الغول فتأخذ منه، قال: فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: اذهب فإذا رأيتها فقل: بسم الله أجيبي رسول الله» قال: فأخذها فحلفت ألا تعود فأرسلها، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «ما فعل أسيرك؟ قال: حَلَفَتْ أَلَّا تعود، قال: «كَذبَتْ وهي مُعاوِدَةٌ للكَذِبِ»، قال: فأخذها مرة أخرى فحَلَفَتْ أَلَّا تعود، فأرسلها فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: «ما فعل أسيرُكَ؟» قال : حَلَفَتْ أَلَّا تعود،

فضائل القرآن - الجزء الأول .

٤٣

فقال: «كَذَبَتْ وهي مُعاوِدَةٌ للكَذِبِ» فأخذها فقال: ما أنا بتاركك حتى أذهب بك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، فقالت: إني ذاكرة لك شيئًا، «آية الكرسي، اقرأها في بيتك فلا يقربك شيطان ولا غيره، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: «ما فعل أسيرك؟» قال: فأخبره بما قالت، قال: «صَدَقَتْ وهي كَذُوبٌ». قال الترمذي: «حديث حسن غريب».

البقرة وآل عمران

أخرج مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اقرأوا القرآنَ فإنَّه يأتي يومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأصحابه، اقرأوا الزَّهْرَاوَيْنِ: (البقرة) و (سورة آل عمران)، فإنَّهما يأتيان يومَ القِيامَةِ كأنها غَمامتان، أو كأنهما غَيايَتان أو كأنهما فِرْقان مِن طَيْرٍ صَوَافٌ تُحاجان عن أصحابهما، اقرأوا (سورة البقرة) فإنَّ أخذَها بَرَكَةٌ وتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، ولا تَسْتطيعُها البَطَلَةُ».

الزَّهْرَاوَيْنِ»: أي النيّرتين إمَّا لهدايتهما قارئها، أو لما يكون له من النور يوم القيامة بها. «الغمامة»: السحابة. و«الغياية»: كلُّ ما أظل الإنسان فوق رأسه من سحاب وغيره. «فرقان : بكسر الفاء وسكون الراء وكسر النون، جماعتان من الطير. «صَوَافٌ» باسطة أجنحتها ملتصقة بعضها ببعض كما كانت تُظل سليمان عليه السلام). «البَطَلَة»: السَّحرة، كذا فسَّرها أحد رواة الحديث، وقيل: «البطلة» أهل البطالة والكسالى. قال عياض: «قيل المعنى أنه قد يخلق الله تعالى خَلْقًا من قراءته السورتين

٤٤

القرآن الكريم

على صفة الغمامة، أو جماعة الطير تحاج عنه يومَ القِيامَةِ، ويحتمل أنه مثل

حراسة السورتين إيَّاه مِن حَرِّ الموقف، وكرب يوم القيامة» . اهـ

وأخرج مسلم والترمذي عن النواس بن سمعان الكلابي، سمعتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: «يُؤْتَى بِالقُرآنِ يومَ القِيامَةِ وَأَهْلُهُ الذين كانوا يَعْمَلُون به تَقْدُمُهُ (سورة البقرة) و (آل عمران)». وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ثلاثة أمثال ما نَسِيتُهنَّ بعد، قال: «كأنهما غَامَتان، أو ظُلَّتان سَوْدَاوَان بينهما شَرَقٌ، أو كأنهما فِرقان من طَيْرِ صَوَافٌ تُحاجان عن صاحبهما». قال الترمذي: «حديث حسن غريب». سَوْدَاوَان»: تثنية سوداء. وكانت الظُّلَّتان سوادوين لتكاثفهما وهو أقوى

ما يكون من الإظلال.

«شرق» بفتح الشين والراء: الضوء وقد تسكن الراء.

لما قال: «سوداوان» يتوهّم أنَّهما مظلمتان فرفع ذلك التوهم بقوله: «بينهما شرق» أي: يتخللهما أضواء ولا يمحوانه.

«تَقْدُمُه»: أي القرآن، أي: يقدم ثوابهما القرآن، وقيل: «يُصوَّر القرآن صورة تجيء يومَ القِيامَةِ ويراها النَّاسُ كما تجعل الأعمال صورًا، وتوضع في الميزان ويقع فيها الوزن، وقُدْرَةُ الله صالحة لإيجاد كل شيء، والإيمان به واجب، وفي تقدم السورتين على القرآن دليل على أنهما أعظم من غيرهما؛ لأنهما أطول وأكثر أحكاما». اهـ من "شرح " الأبي.

فضائل القرآن - الجزء الأول .

آخر سورة آل عمران

٤٥

أخرج ابن حِبَّان في "صحيحه" عن عبيد بن عمير أنه قال لعائشة رضي الله عنها: أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فسكتت، ثم قالت: لما كانت ليلة من الليالي، قال: «يا عائشةُ، ذَرِيني أتعبدُ الليلةَ لرَبِّي» قالت: والله إني لأحبُّ قُرْبَكَ، وأُحِبُّ ما يَسُرِكَ. قالت: فقام وتَطَهَّر ثم قام يُصلِّي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حِجْرَهُ، قالت: وكان جالسا فلم يزل يبكي صلَّى الله عليه وآله وسلّم حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى حتى بل الأرض، فجاء بلال يُؤذِنُهُ بالصَّلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله تبكي وقد غَفَرَ اللهُ ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عَبْدًا شَكُورًا، لقد أُنزلَتْ عَلَيَّ الليلةَ آيةٌ ويلٌ لمن قرآها ولم يَتَفَكَّرْ فيها: إِنَّ فِي خَلْقِ

السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [آل عمران: ١٩٠] الآية كلها».

ورواه الديلمي عن عائشة مختصرًا ولفظه: «ويلٌ لمن قَرَأ هذه الآيةَ ثُمَّ لم يتفكر فيها». يعني: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ . وروى ابن أبي الدنيا عن سفيان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن قرأ آخِرَ (آل عمران) ولم يتفكّر فيها، وَيْلُهُ». فعَدَّ بأصابعه عشرا، وهو مُعْضَل.

سورة الكهف وآيات منها

أخرج مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أَوَّل (سورة الكهف) عُصِمَ مِن الدَّجَّالِ». ورواه أبو داود والنسائي أيضًا.

٤٦

القرآن الكريم

وفي رواية للنسائي: «مَن قَرَأَ العَشْرَ الأواخِرَ مِن (سورة الكهف)، عُصِمَ مِن فِتنة الدَّجَّالِ».

ورواه الترمذي ولفظ روايته: «مَن قرأ ثلاث آياتٍ مِن أَوَّلِ (الكهف) عُصِمَ مِن فِتنة الدَّجَّال».

وفي "صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان: «فمن أدركه - يعني الدجال - فليقرأ عليه فواتح (سورة الكهف)».

قال عیاض رحمه الله: سبب ذلك ما في أوَّلها مِن العجائب من تدبَّره لم يستغرب أمر الدَّجَّال فلا يُفتتن به، وكذلك ما في آخرها من قوله تعالى:

أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الكهف: ١٠٢] الآية. وقيل: خاصية لها.

وقد جاء من حفظ ( سورة الكهف) ثمّ أدرك الدجّال لم يُسلَّط عليه» . اهـ وقال الأبي رحمه الله: «التعريف في الدَّجال للعهد وهو الذي يخرج آخر الزمان، وقيل: يجوز أن تكون للجنس؛ لأنَّ الدجال من يكثر منه الكذب والتلبيس، وفي الحديث: يكونُ في آخِرِ الزَّمانِ دَجَالون كذَّابون مُموِّهُون». وقيل: كما عَصَمَ اللهُ أولئك الفتية من ذلك الجبَّار كذلك . ، يعصم قارئها من كل جبَّارٍ، ولا يحتج بالحديث على جواز الدُّعاء بالعصمة؛ لأنَّه لا يمتنع ا الدعاء بها من نوع معين، نحو «اللهم اعصمني من الزنا»، وإِنَّما النظر في الدُّعاء بها مطلقا، وليس في الحديث، وإنما يمتنع الدُّعاء بها؛ لأنَّ العصمة عند المتكلمين

عدم خَلْقِ القُدْرَة على المعصية، وهو مختصّ بالأنبياء عليهم السلام» . اهـ قلت: ولا يجوز إطلاق العصمة على الله تعالى، فلا يصح أن يقال: العصمة الله تعالى كما يقوله كثير من النَّاس خطأ منهم، وإنما يُقال: الكمال الله تعالى

فضائل القرآن - الجزء الأول .

والعصمة لأنبيائه.

٤٧

وأخرج الحاكم في "المستدرك" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن قَرَأ (الكهف) كما أُنزلَتْ، كانت له نورًا يومَ القِيامَةِ مِن مَقامِهِ إلى مكَّةَ ومَن قرأ عشرَ آياتٍ مِنْ آخِرها ثُمَّ خرجَ الدَّجَّال لم يُسَلَّط عليه، ومن توضأ ثم قال: سبحانك اللهم وبحَمْدِكَ لا إِله إِلَّا أَنتَ أستغفرُكَ وَأَتُوبُ إليكَ، كُتبَ في رَقُّ ثمَّ طُبع بطابع فلم يُكسر إلى يوم القيامة». ورواه الطبراني في

"الأوسط" ورجاله رجال الصحيح.

«الرق» بفتح الراء: ما يكتب فيه من ورق ونحوه.

وروى أحمد والطبراني عن معاذ بن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: مَن قرأَ أَوَّلَ (سورة الكهف) وآخِرَها، كانت له نُورًا مِن قَدَمِهِ إلى رأسِهِ ومَن قرأها كلَّها كانت له نورًا ما بين الأرض إلى السَّماءِ».

قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة ويومها

أخرج النسائي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن قرأَ (سورة الكهف) في يومِ الجُمُعَةِ أَضَاءَ له مِن النُّورِ ما بين الجمعتين».

ورواه الدارمي موقوفًا على أبي سعيدٍ ولفظ روايته: «من قرأ (سورة

الكهف) ليلةَ الجُمُعَةِ أضاءَ له من النور ما بينه وبين البيت العتيق».

وأخرج ابن مردويه في تفسيره" بإسنادٍ لا بأس به عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «من قرأ (سورة الكهف)

٤٨

القرآن الكريم

في يومِ الجمعةِ سَطَعَ له نورٌ مِن تحت قَدَمِهِ إِلى عَنانِ السَّماءِ، يُضيء له يومَ القِيامَةِ، وغفر له ما بين الجمعتين». «عنان» بفتح العين، سحاب.

والأحاديث في هذا كثيرة، ولأجلها أمر مولانا الوالد رضي الله عنه جميع الإخوان بقراءة الكهف يوم الجمعة وليلتها، واتخاذها من ضمن وظائف الطريق.

قصة الرجل الذي كان يقرأ الكهف فنزلت الملائكة لسماعه

أخرج البخاري والترمذي عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رجل يقرأ (سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشَطَنين، فغشته سحابة فجعلت تدنُو، وجعل فرسه ينفِرُ فلمَّا أصبحَ أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له. فقال: «تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنزَّلَتْ بالقُرآنِ». ورواه أبو داود الطيالسي ولفظ روايته تلك السَّكينة تنزَّلَتْ للقرآن»، أو «تنزَّلَتْ على

القرآن». الشَطَن» بفتح الشين والطاء: هو الحبل الذي تُربط به الدابة.

وأما «السكينة» بفتح السين وكسر الكاف فتكرّرت في القرآن والحديث،

واختلف في معناها على أقوال حكاها الحافظ في "فتح الباري". الأول: أنّها ريح هفَّافة لها وجه كوجه الإنسان، وقيل: لها رأسان، وقيل:

لها رأس كرأس الهر، وقيل: لعينها شعاع.

الثاني: أنها طست من ذهب الجنَّة يغسل فيها قلوب الأنبياء، قاله السُّدِّي. الثالث: هي التي ألقى فيها موسى الألواح والتوراة والعصا. قاله أبو مالك. الرابع: هي روح من الله، قاله وهب بن منبه.

فضائل القرآن - الجزء الأول .

الخامس: هي !

الرحمة، قاله الضَّحَّاك بن مزاحم.

السادس: هي سكون القلب، واختاره الطبري.

السابع: هي الطمأنينة.

الثامن: هي الوقار.

التاسع: هي الملائكة.

٤٩

العاشر: قال النووي: «المختار أنّها شيء من المخلوقات فيه طمأنينة ورحمة

ومعه الملائكة».

خاتمة الكهف

ذكر الثعلبيُّ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رجلًا قال له: إني أضمر أن أقوم ساعة من الليل فيغلبني النوم. فقال: إذا أردت أن تقوم أي ساعة شئتَ من الليل فاقرأ إذا أخذت مضجعك قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادَ الكَلِمَتِ رَبِّي [الكهف: ١٠٩]، إلى آخر السورة، فإنَّ الله يُوقِظُك متى شئتَ مِن الليل. وروى الدَّارميُّ عن زِر بن حبيش قال: من قرأ آخر (سورة الكهف)

لساعة يريد أن يقوم من الـ يقوم من الليل قامها، قال: فجربناه فوجدناه كذلك. قلت: علمنا مولانا الوالد رضي الله عنه قراءة آخر الكهف من أول إِنَّ

الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّلِحَتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّتُ الْفِرْدَوس ﴾ [الكهف: ١٠٧]، الآية. ولقننا دعاء نقوله بعدها وهو: «اللَّهم لا تُؤْمِنَّا مَكْرَكَ، ولا تُنسنا ذِكْرَكَ، ولا تَكْشِفْ عَنَّا سِتّركَ، ولا تجعلنا من الغافلين، اللهم أيقظنا في أحب الساعات إليك، حتّى نذكرك فتذكرنا، ونسألُكَ فتُعطينا، وندعوك فتستجيب لنا، ونستغفرك فتغفر لنا، إنَّك على كلِّ شيءٍ قدير». فكنا نقرأ الآية والدعاء

فنستيقظ في الوقت الذي نريده.

سورة طه

القرآن الكريم

أخرج الدارمي وابن خزيمة والطبراني في "الأوسط" والبيهقي وأبو نصر الوايلي في "الإبانة" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الله تعالى قرأ (طه) و(يس) قبل أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، فَلَمَّا سَمِعَتِ الملائكة القرآنَ قالت: طُوبَى لأمَةٍ يَنْزِلُ عليها هذا، وطُوبَى لأجوافٍ تَحْمِلُ هذا، وطُوبَى لألْسِنَةٍ تتكلم بهذا». ولفظ رواية الوايلي: «إنَّ الله تعالى قرأ (طه)

و (يس) قبل أن يخلق السَّماواتِ والأرض بألفي عام ... الحديث . قال الوايلي: «هذا حديثٌ حسن غريب، ومخرجه من المدينة». وأورده ابن

الجوزي في "الموضوعات"، وتعقبه الحافظ ابن حجر.

وأخرج أبو نصر الوائلي من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أول سورة تعلمت من القرآن كلها بأسرها (طه)، فكنت إذا قرأتها عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى [طه: ۲] قال: «لا شقيت يا عائشة». قال

الوايلي: «هذا حديث غريب شامي الطريق حسن».

سورة الأنبياء

أخرج أبو داود والترمذي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «دعاءُ ذِي النُّونِ فِي بَطْنِ الحَوتِ لَا إِلَهَ

إلا أنتَ سُبْحَنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: ۸۷] لم يَدْعُ اللهَ . }

لم به

فضائل القرآن - الجزء الأول .

رجل مسلمٌ قطُّ في شيءٍ إِلَّا اسْتُجيب له». ورواه أحمد مُطوَّلًا بذكر قصة في

أوله وإسناده صحيح.

سورة المؤمنون

أخرج أحمد والترمذي والحاكم عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «لقد أُنزِلَتْ عليَّ عَشْرُ آيَاتٍ مِن أَقامَهُنَّ دَخَلَ الجنَّةَ:

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون: ١] الآيات».

.

خاتمتها

أخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم في "التفسير" وأبو نعيم في "الحلية" وأبو نصر الوايلي في "الإبانة عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أ أنه قرأ في أذن مبتلى فأفاق، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «ما قرأت في أذنه؟»، قال: قرأت أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَكُمْ عَبَنَا ﴾ [المؤمنون: ١١٥] حتى فرغ من السورة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «والذي نَفْسِي بِيَدِهِ لو أَنَّ رَجُلًا مُوقِنًا قرأ بها على جَبَلٍ لزال». قال الحافظ الهيثمي: «فيه ابن لهيعة، وفيه ضعف وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح . اهـ

سورة الروم

أخرج أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «مَن قال حين يُصْبِحُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تصبحون ﴾ [الروم: ١٧] إلى قوله: وَكَذَلِكَ تُخرَجُونَ ﴾ [الروم: ١٩] أدرك ما فاته

۵۲

القرآن الكريم

مِن يَوْمِهِ ذلك، ومَن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في لَيْلَتِهِ».

سور السجدة

ثبت في الصحيحين" عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «أنه كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة، الم تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ

فيه [السجدة: ١-٢] وهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَنِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ ﴾ [الإنسان: 1]). وأخرج الدارمي والترمذي عن جابر بن عبدالله رضي ا الله عنهما قال: كان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل

الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ ، وتَبَرَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾ [الملك: 1 ] » . وروى الدارمي عن خالد بن معدان قال: اقرأوا المنجية. وهي الو تنزيل (السجدة)، فإنَّه بلغني أنَّ رجلًا كان يقرأها ما يقرأ شيئًا غيرها، وكان كثير الخطايا، فنشرت جناحها عليه وقالت: ربِّ اغفر له فإنَّه كان يكثر قراءتي، فشفّعها الربُّ فيه، وقال: «اكتبوا له بكل خطيئة حسنة، وارفعواله درجةً».

رضي

سورة يس

أخرج أحمد وأبو داود والنسائي واللفظ له وابن ماجه عن معقل بن يسار الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «قَلْبُ القُرآنِ (يس)، لا يقرأها رجلٌ يريدُ اللهَ َوالدَّارَ الآخِرَةَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ له، اقرءُوها على مَوْتَاكُمْ»، صححه الحاكم. وأخرج مالك وابن السني عن جندب رضي الله عنه

قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قرأ (يس) في ليلة ابتغاء

فضائل القرآن - الجزء الأول .

وَجْهِ الله غُفْرَ له». صححه ابن حِبَّان.

۵۳

ورواه الدارمي وأبو نعيم من حديث أبي هريرة بلفظ: «من قرأ (سورة

يس) في ليلة ابتغاءَ وَجْهِ الله غُفِرَ له في تلك الليلة».

وروى الترمذي بإسناد ضعيف عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «إنَّ لكلّ شيءٍ قَلْبًا، وقَلْبُ القرآنِ (يس)، ومَن قرأ (يس) كتب الله له بقراءتها قراءةَ القُرآن عشر مرات». زاد في رواية: «دون

(يس)).

وأخرج أبو نصر السجزي في "الإبانة" عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «القرآنُ أفضلُ مِن كلِّ شيءٍ دون الله، وفَضْلُ القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خَلْقِهِ، فَمَن وَقَرَ القرآنُ فقد وَقَرَ الله، ومَن لم يُوَكَّرِ القُرآنَ فقد استخفَّ بحق الله، وحُرْمَةُ القرآنِ عند الله كحُرْمَةِ الوالِدِ على وَلَدِهِ، والقرآنُ شافِعٌ مُشَفّع، وماحِلٍ مُصَدَّقٌ، فَمَن شَفَعَ له القرآن شفع، ومن محل به القرآن صَدَقَ ، ومن جعل القرآنَ أَمَامَهُ قادَهُ إلى الجنَّة، ومن جعله خَلْفَهُ ساقَهُ إلى النَّارِ، حَمَلَةُ القرآنِ هم المَحْفُوفُونَ برحمة الله تعالى، المُلْبَسُونَ نور الله المتعلّمون كلام الله مَن عاداهم فقد عادَى اللَّهَ، ومَن والاهم فقد والى الله ، يقول الله عزَّ وجلَّ: يا حَمَلَةَ كتاب الله، استجيبوا لله بتوقير كتابه، يَزِدْكُم حُبًّا، ويُحبِّكم إلى خَلْقِهِ، يُدفَعُ عَن مُستمِعِ القرآنِ سوءَ الدُّنيا، ويُدفَعُ عن تالي القرآن بَلْوَى الآخرةِ، ولمستمع آية من كتاب الله خير له من صبير ذهبًا، وتالي آية من كتاب الله خير له مما تحت أديم السَّماء، وإنَّ في القرآن لسورة تُدعى العظيمة عند الله تعالى يدعى صاحبها: الشريف عند الله،

٥٤

القرآن الكريم

تشفع لصاحبها يومَ القيامَةِ في أكثر من ربيعة ومُضَر، وهي (يس)». قال أبو السجزي: «هذا من أحسن الحديث، وأغربه، وليس في إسناده إلَّا

نصر

مقبول ثقة» . اهـ ورواه الحكيم الترمذي عن محمد بن علي مرسلًا.

ورواه الحاكم في "التاريخ" عن محمد بن الحنفية عن علي عليه السلام

موصولًا.

وفي "مسند الدارمي

.

عن شَهْرِ بن حَوْشَبِ قال ابن عباس: «مَن قرأ (يس) حين أصبح أُعطيَ يُسْرَ يومِهِ حَتَّى يُمسي، ومن قرأها في ليلةٍ أُعطِيَ يُسْرَ

ليلته حتَّى يُصبح». قلت: حديث (يس) لما قُرأتُ له لا أصل له، وإن كان جماعةٌ مِن الصالحين جرَّبوها لقضاء الحوائج . وفي "مسند الدارمي" عن عطاء بن أبي رباح بلاغا: «مَن قرأ (يس) صَدْرَ النَّهَارِ قُضِيتْ حَوائِجُهُ».

وروى البيهقي عن أبي قلابة بكسر القاف -: «من قرأ يس غُفِرَ له، ومن قرأها وهو ضال هدي، ومن قرأها وله ضالة وجدها، ومَن قرأها عند طعام خاف قلته كَفَاهُ، ومَن قرأها عند مَيّتٍ هُون عليه، ومن قرأها عند امرأة عسر

عليها ولدها يُسر عليها، ومن قرأها فكأنها قرأ القرآن إحدى عشر مرة، ولكل شيء قلب وقلب القرآن (يس)».

وذكر ابن إسحاق في هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومقام علي عليه السلام في فراشه، قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده، وأخذ الله على أبصارهم فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات: يسَ وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ

فضائل القرآن - الجزء الأول .

٥٥

إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [يس: ١ - ٣] حتى بلغ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [يس: ٩]

حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم من هؤلاء الآيات، ولم يبقَ رجل منهم إلا وقد وَضَعَ على رأسه تراب، ثم انصرف إلى حيث أراد».

سورة الصافات

أخرج الثعلبي وعبد الغافر الفارسي بسند ضعيف، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم غير مرَّةٍ ولا مرتين يقول في آخر صلاة، أو حين ينصرف سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامُ عَلَى الْمُرْسَلِينَ )) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: ۱۸۰ - :

.[۱۸۲

سورة الزمر

أخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينام حتى يقرأ (الزمر) و (بني إسرائيل)، وقال سعيد بن جبير: إني لأعرف موضع آية ما قرأها أحد قط فسأل الله شيئًا إِلَّا أَعطاه قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَدَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ

يَخْتَلِفُونَ [الزمر: ٤٦].

الحواميم

أخرج الحاكم عن ابن مسعود قال: «الحواميم ديباج القرآن».

ورواه أبو الشَّيخ ابن حَيَّان في كتاب "الثواب" عن أنس مرفوعًا، وروى ابن مردويه عن سمرة مرفوعا: «الحواميم روضة من رياض الجنة».

٥٦

القرآن الكريم

وروى الدارمي عن سعد بن إبراهيم قال : كنَّ الحَوامِيمُ يُسمَّينَ العَرائِسَ». وروى أبو عبيد عن محمد بن قيس قال: رأى رجل سبع جوار حسان مريشات في النوم، فقال : لمن أنتن بارك الله فيكنَّ ؟ فقلن: نحن لمن قرأنا، نحن

الحواميم.

وروی حمید بن زنجويه في فضائل القرآن" عن ابن مسعود قال: «إنَّ مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلا فمرَّ بأثر غيث، فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه إذْ هبط على روضات دمئات، فقال: عجبتُ من الغيث الأول فهذا أعجب وأعجب، فقيل له: إنَّ مثل الغيث الأول مثل عظم القرآن - يعني معظم القرآن - وإنَّ مثل هؤلاء الروضات الدمثات مثل آل حم في القرآن. وروى أبو عبيد عن ابن عباس قال: إنَّ لكل شيءٍ لُبابا، ولباب القرآن آل حم ، أو قال: الحواميم.

وروى أبو داود والترمذي عن المهلب بن أبي صفرة قال : حدثني من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول - يعني في بعض الغزوات-: «إنْ

بيتم الليلة فقولوا: حم لا ينصرون».

تنبيه كره بعض ا السلف

منهم

محمد بن سيرين- أن يُقال: الحواميم،

وإنما يقال : آل حم ، وأجازه الجمهور، وهو الصحيح.

فضائل القرآن - الجزء الأول .

سورة المؤمن وهي سورة غافر

OV

روى الترمذي والبزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه

وآله وسلَّم: «مَن قرأ آية الكرسي، وأول رحم (المؤمن) عُصِمَ ذلك اليوم مِن كلِّ سُوءٍ».

ورواه أبو نصر الوائلي بلفظ: «من قرأ آية الكرسي، وأول حتم (المؤمن) حين يُصبح، حفظ في يومه ذلك حتى يمسي، ومن قرأها حين يمسي، حفظ في ليلته حتى يُصبح».

وأول (المؤمن) هو: احم )) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي القَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [غافر : ١ - ٣]. وروى ابن أبي حاتم عن ثابت البناني قال: كنتُ مع مصعب بن الزبير في سواد الكوفة فدخلتُ حائطا أُصلي ركعتين فافتتحت حم (المؤمن) حتى بلغتُ: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ فإذا رجل خلفي على بغلة شهباء عليه مُقطَّعاتُ يَمَنيَّة، فقال: إذا قلت غَافِرِ الذَّنْبِ ، فقل: يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي، وإذا قلت: وَقَابِلِ التَّوبِ ، فقل: يا قابل التوب اقبل توبتي، وإذا قلت: شَدِيدِ الْعِقَابِ فقل : يا شديد العقاب لا تعاقبني، قال فالتفتُ فلم أرَ أحدًا فخرجت إلى الباب فقلت مرَّ بكم رجل عليه مقطعات يمنية؟ قالوا: ما رأينا أحدا، فكانوا يرون أنه إلياس.

۵۸

القرآن الكريم

سورة الدخان

أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: من قرأ حم (الدخان) في ليلة أصبحَ يَسْتَغْفِرْ له سبعون ألفَ مَلَكِ». قال الترمذي: «حديث غريب».

وروى الطبراني والأصبهاني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله

يوم

صلى الله عليه وآله وسلَّم: «من قرأ حم (الدخان) في ليلة الجمعة أو . الجمعة بنى الله له بيتا في الجنَّةِ». ورواه الترمذي من حديث الحسن البصري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «من قرأ حتم الدخان) في ليلة الجمعة غُفر له». ثم قال: «غريب، وهشام أبو المقداد يُضعف، والحسن لم يسمع من أبي هريرة» . اهـ قلت: للحديث طريق آخر، قال أبو يعلى حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل: حدثنا حجاج بن محمد عن هشام بن زياد عن الحسن قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قرأ (يس) في ليلة أصبح مَغْفُورًا له، ومن قرأ لحم التي يذكر فيها (الدخان) أصبح مَغْفُورًا له». هذا إسناد جيد كما قال الحافظ ابن كثير، وفيه التصريح بسماع الحسن من أبي هريرة، وهو يرد أيضًا قول ابن العربي المعافري في "سراج المريدين":

حم (الدخان) حديثها منكر لا يلتفت إليه أحدٌ أصلا» . اهـ

وفي "مسند الدارمي" عن أبي رافع قال: «من قرأ (الدخان) في ليلة الجمعة أصبح مغفورا له، وزُوج من الحور العين».

فضائل القرآن - الجزء الأول .

۰۹

سورة الفتح

روى الأئمة مالك وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن عمر رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في سَفَرٍ، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «نَزَلَ عليَّ البارحة سورةٌ هي أحبُّ إليَّ مِن الدُّنيا وما فيها إِنَّا

فتحنَا لَكَ فَتْعَامُبِينا ) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَرَ ﴾ [الفتح: ۱ - ۲ ]» . وروى أحمد والشيخان عن أنس قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وآله

وسلم لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَرَ مرجعه من الحديبية، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لقد أُنزلَتْ عَلَيَّ الليلةَ آيةٌ أَحبُّ إليَّ مما على الأرض». ثُمَّ قرأها عليهم النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: هنيئًا مريئا يا الله، بين الله عزّ وجلَّ ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت ليُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ

وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَرُ حتى بلغ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: ٥]. قلت: يؤخذ من هذا الحديث جواز التهنئة بما يتجدد على الإنسان من نعم الله وأفضاله.

سورة الرحمن

أخرج البيهقي عن علي عليه السلام أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لكلّ شيءٍ عروس وعروس القرآن (سورة الرحمن)».

وأخرج الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه فقرأ عليهم (سورة الرحمن) من أولها إلى آخرها فسكتوا، فقال: «لقد قرأتها على الجن - ليلة الجن- فكانوا أحسن منكم رَدًّا،

القرآن الكريم

كلما أتيتُ على قوله: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، قالوا: ولا بشيءٍ مِن نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ، فلك الحمد». ضعفه الترمذي، لكن بيَّنتُ صحته في كتاب " الأربعين الغمارية".

سورة الواقعة

أخرج الترمذي عن أبي بكرٍ رضي الله عنه قال: يا رسول الله قد ثبت؟! قال: «شَيَّبتني (هود)، و(الواقعة)، و(المرسلات)، و عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ، وإِذَا الشَّمْسُ كُورَتْ . قال الترمذي: «حسن غريب».

ورواه الطبراني عن أبي بكرٍ أيضًا ولفظه قلت يا رسول الله: لقد أسرع إليك الشَّيْبُ، قال: «شَيَّبتني (الواقعة)، وعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ، ووَإِذَا الشَّمْسُ كُورَتْ » ورجال

إسناده رجال "الصحيح". وللعلامة الشيخ عبدالعزيز الزمزمي رسالة اسمها "فيض الجود على حديث

شيبتني هود" وهي مطبوعة مع تعليقاتي عليها. وقال مسروق: «مَن سره أن يعلم علم الأولين والآخرين، وعلم الدنيا والآخرة، فليقرأ سورة الواقعة».

وروى ابن عساكر في "تاريخ دمشق" عن أبي ظبية قال: مرض عبدالله - يعني ابن مسعود- مرضه الذي توفّي فيه، فعاده عثمان بن عفان رضي ا الله عنه فقال: ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي. قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي. قال: ألا آمر لك بطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني، قال: ألا آمر لك بعطاء؟ قال: لا حاجة لي فيه، قال: يكون لبناتك من بعدك، قال: أتخشى على بناتي الفقر ؟ إني أمرت بناتي

فضائل القرآن - الجزء الأول .

٦١

يقرأن كل ليلة (سورة الواقعة، وإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله

وسلم يقول: «من قرأ (سورة الواقعة) كلَّ ليلةٍ لم تُصِبْهُ فاقةٌ أبدًا».

وقال عبدالله بن وهب أخبرني السري بن يحيى أنَّ شجاعًا حدثه عن أبي ظبية عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَن قرأ سورة الواقعة) كلَّ ليلةٍ لم تُصِبْهُ فاقةٌ أبدًا». فكان أبو ظبية لا يدعها وللحديث طرق ذكرها ابن عساكر، وفي أسانيده كلام ليس هذا محل بسطه .

المسبحات

أخرج أبو داود والترمذي واللفظ له، وأحمد عن العرباض بن سارية رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان لا ينام حتى يقرأ المسبحات، ويقول: «فيها آيةٌ خيرٌ مِن ألف آية». يعني بـ «المسبحات»: (الحديد) و (الحشر) و(الصف) و(الجمعة) و(التغابن). قال الترمذي: حديثٌ حسن غريب». ورواه النسائي موصولًا ومُرسلًا. قال الحافظ ابن كثير : والآية المشار إليها في الحديث هي قوله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3] . اهـ

سورة الحشر

أخرج أحمد والترمذي عن مَعْقِل بن يسارٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن قال حين يُصبحُ ثلاث مراتٍ: أعوذُ بالله السميع العليم من الشَّيطانِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ قرأ ثلاث آيات من آخر (سورة الحشر)، وكَّلَ الله به سبعين ألفَ مَلَكِ يُصلُّون عليه حتَّى يُمسي، وإن مات في ذلك اليوم

٦٢

القرآن الكريم

مات شهيدًا، ومن قالها حين يُمْسِي كان بتلك المَنْزِلَةِ». قال الترمذي: «حديث غريب».

وروى ابن عدي والبيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قرأ خَوَاتِيمَ (سورة الحشر) في ليل أو نهارٍ فقَبَضَهُ الله تعالى في تلك الليلة أو في ذلك اليوم، فقد أوجب الله له الجنة». وهو حديث ضعيف أيضًا، وخواتيم (الحشر) هي قوله تعالى: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ

عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَشِعًا ﴾ [الحشر: ٢١] إلى آخر السورة.

سورة الطلاق

أخرج أحمد والنسائي وابن حِبَّان والحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «يا أبا ذرّ إِنِّي لَأَعْرِفُ آيَةً لَو أَنَّ النَّاسِ كلَّهم أَخَذُو بها لكَفَتْهُم وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾

[الطلاق: ٢-٣].

سورة تبارك

أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «إنَّ سورةٌ في القُرآن ثلاثون آيةٌ شَفَعَتْ لرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ له، وهي تَبَرَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ». حسنه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم. وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «وَدِدْتُ أنَّها في قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ» يعني: تَبَرَكَ الَّذِي بِيَدِهِ

الْمُلْكُ .

فضائل القرآن - الجزء الأول .

قصة الرجل الذي سمع الميت يقرأها

٦٣

أخرج الترمذي وابن عدي والبيهقي عن ابن عباس قال: ضَرَبَ رجلٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم خِبَاءَهُ على قبر، وهو لا يَحسِبُ أنه قبر، فإذا قبر إنسان يقرأ (سورة الملك حتى ختمها. فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال : يا رسول الله ضربتُ خِبائي على قبر وأنا لا أحْسِبُ أَنَّه قبر، وإذا قبر إنسان يقرأ ( سورة الملك) حتَّى ختمها. فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم: «هي ا ، المَانِعَةُ هي المُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ». قال الترمذي: حديث غريب»، وفي بعض النسخ: حسن غريب».

وزعم بعض الوهابية أنَّ هذا الحديث موضوع، فبينت خطأه في كتاب

الرد المحكم المتين على كتاب القول المبين".

سورة إِذا الشَّمْسُ كُورَتْ * وما يذكر فيها

أخرج أحمد والترمذي والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلى يومِ القِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنِ فَلْيَقْرَأْ إِذَا الشَّمْسُ كُورَتْ ، وإِذَا السَّمَاءُ أَنفَطَرَتْ ، وإِذَا السَّمَاءُ أَنشَقَّتْ . صححه

الحاكم.

وتقدم حديث: «شَيبتني (هود)، و(الواقعة)، و(المرسلات)، وعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ، وإِذَا الشَّمْسُ كُورَتْ .

٦٤

القرآن الكريم

سورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ

أخرج الطبراني بإسنادٍ صحيح عن أبي رجاء العطاردي قال: كان أبو موسى يُقرئنا، فيجلسنا حِلَقًا حِلَقًا عليه ثوبان أبيضان، فإذا قرأ هذه السورة أَقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، قال : هذه الآية أول سورة أُنزلت على محمد صلى الله عليه وآله وسلَّم.

سورة لو لم يكن له

أخرج الشيخان عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال لأي: «إنَّ الله أمرني أن أقرأ عليك لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) قال : وسَماني

لك؟ قال: «نعم»، قال: فبكى.

قال المازري: «قراءتُه صلَّى الله عليه وآله وسلم علي أُبي - بضم الهمزة - إنما

هي ليأخذ أُبي عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وليتعلم الأداء».اهـ وقال عياض: بكى أب فرحًا بتسمية الله تعالى إيَّاه، وتأهيله لهذه الدرجة العالية».اهـ قال النووي: وخصَّ سورة لَمْ يَكُن لأنها وجيزة جامعة لفوائد كثيرة من أصول الدين وفروعه» . اهـ

سورة إِذَا زُلْزِلَتِ

أخرج الترمذي والحاكم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذَا زُلْزِلَتِ ﴾ تَعْدِلُ نِصْفَ القُرآنِ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ، وقُلْ يَتَأَيُّهَا الكَفِرُونَ ﴾ تَعْدِلُ رُبعَ القُرآنِ». قال الترمذي: «هذا

فضائل القرآن - الجزء الأول .

70

حديث غريب». وروى الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن قَرأَ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ عَدَلَتْ لَهُ بِنِصْفِ القُرآنِ». قال الترمذي: «حديث غريب».

ورواه البزار بلفظ: « قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرآنِ، وَإِذَا زُلْزِلَتِ ﴾ تَعْدِلُ رُبعَ القُرآنِ». وسيأتي حديث آخر يُفيد أنها تعدل ربع القرآن أيضًا.

سورة الهَنكُمُ اللكار

أخرج الحاكم والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أما يَسْتَطِيعُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ أَلفَ آيَةٍ كلَّ يومٍ؟» قالوا: ومَن يَسْتطيع ذلك؟ قال: «أما يَسْتَطِيعُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ الْهَنكُمُ التَّكَاثُرُ ؟».

سورة العصر

أخرج الطبراني عن عُبيد الله بن حِصْنٍ قال: كان الرَّجُلان مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إذا التقيا لم يَفْتَرِقا إِلَّا عَلى أَنْ يَقْرَأَ أَحدُهما على الآخر (سورة العصر)، ثُمَّ يُسَلَّم أحدهما على الآخر. وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه : لو تَدَبَّر النَّاسُ هذه السورة لوسعتهم.

قصة مسيلمة الكذاب في معارضتها

قال الحافظ ابن كثير : ذكروا أنَّ عمرو بن العاص وَفَدَ على مسيلمة وذلك بعدما بعث رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وقبل أن يُسلم عمرو، فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة؟ فقال: لقد أنزل عليه سورة

77

القرآن الكريم

وَجِيزَةٌ بَلِيغَةٌ، فقال: وما هي ؟ فقال : وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: ١ - ففكّر مسيلمة هنيهة ثُمَّ قال: وقد أُنزل على مثلها، فقال له عمرو: ما هو ؟ فقال : يا وَبر يا وبر، إنما أنت أذنان ،وصدر، وسيرك حفر ونقر. ثم قال: كيف

تری یا عمرو ؟ فقال له عمرو: والله إنَّك لتعلم أني أعلم أنك تكذب . اهـ و الوبر» بفتح الواو وسكون الباء دويبة تشبه الأرنب، أعظم ما فيه أذناه وصدره، وأكله جائز، قال ابن كثير: «فأراد مسيلمة أن يركب من هذا الهذيان ما يعارض به القرآن، فلم يرج ذلك على عابد الأوثان - يعني عمرا- في ذلك

الزمان» . اهـ

وإلى هنا نمسك عنان القلم على أن نتمم بقيَّة الفضائل وما يتعلق بها في الجزء الثاني بحول الله تعالى ومشيئته.

فَضَائِلُ القُرْآنِ الكَرِيمِ

الجزء الثاني

فضائل القرآن - الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

79

الحمد لله أبلغ الحمد وأكمله، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد خير نبي أرسله، وبعد: فهذا هو الجزء الثاني من "فضائل القرآن الكريم"، نقدمه إلى قرائنا الكرام، على ما شرطنا في الجزء الأول، من سلوك سبيل الإيجاز والاختصار، وتجنب طريق التطويل والإكثار ، ولو أرخينا العنان للقلم متتبعين كل ما ورد في هذا الموضوع الجليل، لجاء الكتاب في بضعة أجزاء من هذا القبيل. ورأينا إتماما لفائدة القُرَّاء إدراج رسالةٍ صغيرة داخل هذا الجزء تنفعهم في معرفة الأحاديث الموجودة في تفاسير "الكشاف" و"البيضاوي" و"أبي السعود" و"النسفي"، فإنَّ مؤلّف هذه الرسالة نبه على تلك الأحاديث، وبيَّن ما فيها، وهذه فائدة عظيمة يقدرها أهل العلم ويتقبلونها بالشكر والامتنان. على أننا لا نريد شكرًا من أحد، ولكننا نريد ثواب الله، ونطلب غفرانه. هذا وقد عمي على بعض القرّاء ما أشرنا إليه في الجزء الأول من تفضيل بعض السور والآيات على بعض، وإن كان الكل كلام الله ووحيه وتنزيله، وفهم من كلامنا هناك أننا استنقصنا سورة تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾ [المسد: ١]

وغمطنا آية ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٌ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ . فكتب إلينا خطابًا يدلُّ على سوء فهمه، وقلة أدبه، وما درى المسكين أنَّ من استنقص آيةً من القرآن بل كلمةً واحِدَةً منه فهو كافر بإجماع المسلمين، وأنَّ المفاضلة بين الآيات لا تدل على نقص في بعضها، ولو كانت المفاضلة تدلُّ على النقص لما فضَّل اللهُ الرُّسَلَ بعضهم على بعض، ولما فضَّل بين الملائكة أو الصحابة

۷۰

القرآن الكريم

والعلماء والمؤمنين، ثُمَّ مما لا شك فيه أنَّ ما يتعلق بالخالق أفضل مما يتعلق بالمخلوق، فـ(سورة الإخلاص لكونها خالصة لتوحيد الله وتنزيهه أفضل من (سورة تبت) التي نزلت للردّ على أبي لهب، وبيان مصيره في الآخرة، ولذا ورد في فضل (سورة الإخلاص أحاديث كثيرةٌ جُمعت في مؤلّف خاص، على حين أنه لم يرد في تَبَتْ يَدَا حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف، وإنما ورد فيها حديث ساقط موضوع لا يُعوّل عليه. ولعل في هذا الإيضاح الوجيز ما يزيل الغشاوة عن بعض الأعين، ويفتح قفل بعض القلوب ويُذهِبُ صَمَمَ بعض الآذان، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أبو الفضل

عبدالله بن محمد الصديق الغماري

خادم الحديث عفي عنه

فضائل القرآن - الجزء الثاني

۷۱

سورة الكوثر

أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءةً ثُمَّ رَفَعَ رأسَهُ مُتبسما ، قلن: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: «لقد

أُنْزِلَتْ عَليَّ آنفًا سورةٌ، فقرأ: ب الله الرحمن الرحيم ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ

بسم

فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: ١ - ٣]» ثُمَّ قال: «أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسول أعلم، قال: «فَإِنَّه نهرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عز وجل عليه خَيْرٌ كثيرٌ ، وهو حَوْضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتِي يومَ القِيامَةِ أَنِيتُهُ عَدَدَ نُجُومِ السَّماءِ، فَيَخْتَلِجُ العَبْدُ منهم فأقول: رَبِّ إِنَّهُ مِن أُمَّتِي، فيقول إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ بَعْدَكَ». استدل بهذا الحديث كثير من القراء على أنَّ السورة مدنية، كما استدل به كثير من الفقهاء على أنَّ البسملة من السُّورة، وأنها مُنزَّلَةٌ معها، وأحاديث الحوض متواترة مقطوع بورودها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم كما صرح به عیاض وابن كثير وغيرهما من الحفاظ والعلماء، فمنكر الحوض مُبتدع ضال كما هو معروف عند أهل العلم، وقد تكلمت على الذين يُذدادون عن الحوض في كتاب "نهاية الآمال في صحة وشرح حديث عرض الأعمال" فليرجع إليه. (فائدة): قال القسطلاني: رأيت في بعض المجاميع أن من أدمن قراءة

(المزمل) و (الكوثر) رأى النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم، يعني في المنام». ونقل القسطلانيُّ أيضًا عن التميمي أنَّ من قرأ (الكوثر) بعد صلاة العشاء

۷۲

القرآن الكريم

من ليلة الجمعة ،ألف مرَّةٍ، وصلَّى على النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ألف مرَّةٍ، وسأل الله أن يريه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام، رآه. كذا نقل القسطلاني في كتاب مسالك الحنفا إلى مشارع الصلاة على النبي المصطفى"، وكذا ذكر العارف بالله الشيخ عبدالله الهاروشي المغربي المالكي في كتاب "كنوز الأسرار في الصلاة على النبي المختار".

سورة الكافرون

تقدم في الحديث أنها تعدل ربع القرآن، وروى أحمد وأبو داود عن فَروَةَ بن نوفل عن أبيه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال له أي لنوفل-: «اقرأ

قُلْ يَتَأَيُّهَا الْكَفِرُونَ ﴾ ثُمَّ نَمْ على خاتِمِتِها فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِن الشَّرِكِ». قال ابن عباس: ليس في القرآن أشد غيظا لإبليس من قُلْ يَتَأَيُّهَا

الكَفِرُونَ ؛ لأنها توحيدٌ وبَراءةٌ من الشّركِ . وروى أبو نصر الوائلي عن جابر بن عبدالله أنَّ رجلا قام فركع ركعتي الفجر، فقرأ في الركعة الأولى قُلْ يَأَيُّهَا الكَفِرُونَ ) حتى ختم السورة، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «هذا عَبْدُ آمَنَ بِرَبِّهِ، ثُمَّ قرأ في الثانية: قُلْ هُوَ اللهُ أَحد حتى انقضت السورة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «هذا عَبْدٌ عَرَفَ رَبَّه» قال :طلحة فأنا أحب أن أقرأ هاتين السورتين في هاتين الركعتين.

قلت: ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ بهما في ركعتي الفجر، وفي "المسند" و"سنن الترمذي"

فضائل القرآن - الجزء الثاني

۷۳

و" النسائي" و " ابن "ماجه عن ابن عمر قال: رَمَقْتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم شَهْرًا وكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر - يعني سُنَّةَ الصُّبح - بـ قُلْ يَتَأَيُّهَا

الكَفِرُونَ وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، قال الترمذي: «حديث حسن». ورواه أحمد أيضًا بلفظ: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قرأ في الركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب بضعا وعشرين مرة أو بضع عشرة

مرة قُلْ يَتَأَيُّهَا الكَفِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ .

وثبت في "صحيح مسلم" عن جابر أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قرأ بهما في ركعتي الطواف. وروى الإمام أحمد عن شيخ أدرك النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفرٍ فمرَّ بَرَجُلٍ يقرأ قُلْ يَأَيُّها الكَفِرُونَ ﴾ فقال: «أما هذا فقد بَرِيءَ مِن الشِّرْكِ»، وإذا آخر يقرأ وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ فقال: «بها وَجَبَتْ لَهُ الجنَّة». وفي رواية: «أما هذا فقد غُفِرَ لَهُ». وإسناده حسن.

سورة النصر وتسمى سورة التوديع

أخرج الترمذي عن أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل من أصحابه: «هل تَزَوَّجْتَ يا فلان؟» قال: لا والله يا رسول الله، ولا عندي ما أتزوج به. قال: «أليس معك قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدُ ؟» قال: بلى. قال: «تلتُ القُرآنِ». قال: «أليس معك إذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ ؟» قال: بلى، قال:

٧٤

القرآن الكريم

رُبُعُ القُرآنِ». قال: أليس معك قُلْ يَتَأَيُّها الكَفِرُونَ ؟ قال: بلى. قال: «رُبُعُ القُرآنِ». قال: أليس معك إذَا زُلْزِلَتِ ؟ قال: بلى، قال: «ربع

القُرآنِ، تَزَوَّجْ تَزَوج». حسنه الترمذي، وتكلم فيه مسلم صاحب "الصحيح" في كتاب "التمييز". والحديث يدلُّ على جواز جعل القرآن صَدَاقًا في الزَّواج، ويؤيده في ذلك حديث الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ثبت أنها لما عرضت نفسها على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم ولم يقض فيها بشيء، قام رجل من أصحابه فقال : يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزَوَّجنيها، فقال: «فهل عندك من شيءٍ؟ فقال: لا والله يا رسول الله، فقال: «اذْهَبْ إلى أهلك فانظر هل تَجِدْ شيئًا ؟» فذهب ثُمَّ رجع فقال: لا والله ما وجدتُ شيئًا، فقال صلى الله عليه وآله وسلَّم: «انظر ولو خَاتَمَا مِن حَدِيدٍ»، فذهب ثُمَّ رجع، : لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «ما تَصْنَعُ بِإِزارِك ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لم يَكُنْ عليها منه شيء، وإنْ لَبِسَتْهُ لم يَكُنْ عليكَ مِنه شيء». فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موليا فأمر به، فدعى فلما جاء قال له: «ماذا معكَ مِن القُرآنِ؟». قال: معي سورة كذا وسورة كذا عددها، فقال: «تَقْرَؤُهُنَّ عن ظَهْرِ قَلْبِ؟ قال: نعم. قال: «اذهب فقد

فقال:

.

، مِن مَلَكْتُكَها بما مَعَكَ مِن القُرآنِ». وفي رواية: «انْطَلِقُ فقد زَوَّجْتُكَها فعَلَّمْهَا القُرآنِ». أخرجه مالك والشيخان والأربعة بألفاظ وروايات.

فضائل القرآن - الجزء الثاني

Vo

ولهذه القصة - قصة الواهبة نفسها - طرق عن أبي هريرة وابن مسعود

وابن عباس وأبي أمامة وجابر وضميرة. وفي هذه المسألة خلاف مبسوط في

كتب الفقه ليس هذا موضعه.

تنبيه: (سورة النصر ) آخر سورة نزلت من القرآن، كذا ثبت عن ابن عباس في "صحيح مسلم " و "سنن النسائي".

وروى البخاري عن ابن عبّاس قال: كان عمر رضي الله عنه يدخلني مع أشياخ بدر فكأنَّ بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم يدخل هذا معنا؟ ولنا أبناء مثله، فقال عمر: إنَّه من قد علمتم - يعني في علمه وقرابته، فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم. فقال: ما تقولون في قوله عزّ وجل: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: ١]؟ فقال بعضهم: أمرنا أن

نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا. فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عبّاس ؟ فقلت: لا. فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أَجَلُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أعلمه له. قال: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: ١] فذلك علامة أَجَلِكَ، الفَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ

إِنَّهُ كَانَ تَوَابَا ﴾ [النصر: ٣] فقال عمر : لا أعلم منها إلا ما تقول. وفي "المسند" عن ابن عباس قال: لما نزلت إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «انُعِيتُ إِليَّ نَفْسِي بِأَنِّي مَقْبُوضٌ في

تِلْكَ السَّنَةِ».

وفي "سنن النسائي" و "معجم الطبراني" عن ابن عباس قال: لما نزلت

٧٦

القرآن الكريم

إذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ إلى آخر السُّورة، نُعيت لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم نَفْسُه حين أنزلت، فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة. وأخرج الستة إِلَّا الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربَّنا وبحَمْدِكَ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي» يتأوَّل القرآن.

تنبيهان

الأول: ما ذكره أشياخ بدر من جلساء عمر فه، أنه قد أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، هو معنى صحيح أيضًا، فإنَّه يُستحبُّ لأمير الجيش إذا فتح بلدًا أن يُصَلِّي فيه أول ما يدخله ثمان ركعات كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يوم فتح مكة، وكما فعل سعد بن أبي وقاص رضي ا الله

عنه يوم فتح المدائن. الثاني: أخرج الإمام أحمد عن أبي عمار قال: حدثني جار لجابر بن عبدالله قال: قدمت من سفر فجاءني جابر بن عبدالله فسلَّم عليَّ، فجعلت أُحَدِّثه عن افتراق النَّاس وما أحدثوا فجعل يبكي ثُمَّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يقول: «إِنَّ النَّاسَ دَخَلُوا في دينِ الله أفواجًا وسَيَخْرِجُون مِنه أفواجا». إسناده ضعيف.

وقد حصل ما أخبر به، فقد ضعف الدين في قلوب النَّاس، وكثر الزنادقة والملحدون، وأصبح المسلمون في فوضى تشبه أيام الجاهلية الأولى، فإنَّا لله وإنا

إليه راجعون.

فضائل القرآن - الجزء الثاني

سورة الإخلاص

۷۷

مكة قالوا

ورد عن ابن مسعود وأبي بن كعب أنَّ قريشًا ومشركي. للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم يا محمد، انْسُبْ لنا رَبَّكَ، فَأَنزَلَ اللهُ تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدُ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ )

وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص : ١ - ٤].

وروى الطبراني بإسناد ضعيف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «لكلّ شيءٍ نِسْبَةٌ، ونِسْبَةُ الله قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ )

اللهُ الصَّمَدُ والصَّمد ليس بأجوف.

ما ورد في أنها تعدل ثلث القرآن

أخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «احْشُدُوا فإنّي سأقرأ عليكم ثُلُثَ القُرآنِ»، فَحَشَدَ مَن حَشَدَ، فقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ﴾ ثُمَّ دَخَلَ، فقال بعضنا لبعض: إنا نرى هذا خبر جاءه من السماء فذلك الذي أدخله ؟ ثمَّ خرجَ نبي الله صلى الله عليه وآله وسلَّم

فقال: «إني قلتُ لكم سأقرأ عليكم ثُلُثُ القُرآنِ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرآنِ». وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد الخدري أنَّ رجلًا سمع رجلا يقرأ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ﴾ يُرَدَّدُها فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له، وكأنَّ الرجل يَتَقَالها - بضم اللام المشدودة أي يعدها قليلة لصغرها - فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «والذي نَفْسِي

۷۸

القرآن الكريم

بِيَدِهِ إِنَّهَا لِتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ».

قلت: القارئ الذي بات يُردّدها، قتادة بن النعمان وهو أخو أبي سعيد

الخدري من الأم، وكانا متجاورين في السكنى.

وأخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أيعْجِزُ - بكسر الجيم - أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ القُرآنِ فِي لَيْلَةٍ؟» فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: «الله الواحِدُ الصَمَدُ ثُلُثُ القُرآن».

وفي "سنن الترمذي" عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ق الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأ في ليلةٍ ثُلُثَ القُرْآنِ؟ مَن قَرَأَ الله الواحِدُ الصَّمَدُ فقد قَرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ». قال الترمذي: حديث حسن». والأحاديث في هذا كثيرة.

واختلف العلماء في معنى كونها تعدل ثلث القرآن

فقال بعضهم: هي ثلث باعتبار معاني القرآن؛ لأنه ثلاثة أنحاء: أحكام،

وأخبار، وتوحيد.

وقد اشتملت على التوحيد فهي ثلث القرآن ويشهد له ما في "صحيح مسلم" عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنَّ اللَّهَ جَزَّأَ القُرْآن ثلاثة أجزاء فجعل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ جُزْءًا مِن أَجْزاء القُرآنِ». قال عياض: ويشهد له الركتَب أَحْكِمَتْ وَ ايَنتُهُ ثُمَّ فَصَلَتْ ﴾ [هود: 1] ثم بين التفصيل فقال : أَلَا تَعْبُدُوا إِلَّا الله فهذا فصل الإلهية. ثم قال:

فضائل القرآن - الجزء الثاني

۷۹

إنني لكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرُ ﴾ [هود : ۲ ، فهذا فصل النبوة والقصص منه؛ لأنها

أدلتها، ثم قال: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ﴾ [هود: ٣] فهذا فصل التكليف، والوعد والوعيد منه . اهـ

وقال القرطبي: اشتملت هذه السورة على اسمين من أسماء الله تعالى، يتضمنان جميع أوصاف الكمال لم يوجدا في غيرها من السور، وهما: «الأحد الصمد»؛ لأنهما يدلان على أَحَدِيَّة الذَّات المُقدَّسة الموصوفة . أوصاف بجميع الكمال، وبيان ذلك: أنَّ «الأحد» يُشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره، و«الصمد» يُشعر بجميع أوصاف الكمال؛ لأنَّه الذي انتهى إليه السؤدد، فكان الطلب منه وإليه، ولا يتم ذلك إلا لمن حاز جميع خصال الكمال، وذلك مرجع لا يصلح إلا لله تعالى، فلما اشتملت هذه السُّورة على معرفة الذات المقدَّسة

كانت بالنسبة إلى تمام المعرفة بصفات الذات وصفات الفعل ثلثا . اهـ وقيل معنى كونها ثلث القرآن أن ثواب قراءتها يوازي مثل ثواب قراءة ثلث القرآن. وقيل: مَن عَمِلَ بما تضمنته من الإخلاص والتوحيد كان كمن قرأ ثلث القرآن.

قصة الرجل الذي كان يقرؤها في كل صلاة

أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بَعَثَ رَجُلًا على سَرِيَّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بر قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «سَلُوهُ لأيّ شيءٍ يَصْنَعُ ذلك؟» فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا

۸۰

القرآن الكريم

أحب أن أقرأ بها، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «أخبروه أنَّ الله تعالى

قوله : فيختم بـ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، يعني يختم بها قراءته في الصلاة،

أي: يقرأ بها بعد الفاتحة. قال العلامة الأبي: وكان شيخنا أبو عبد الله بن عرفة رحمه الله تعالى يستحب ختم أعمال الطاعة بقراءتها، وكان يختم قيامه بالليل بقراءتها عشر مرات يعدها في أصابعه، ولا يرى العد شغلًا، وكذلك كان يعد تكبيرات الصَّلاة على الجنائز» . اهـ قلت: ورد حديث ضعيف في الحضّ على قراءتها عشر مرات، فروى أحمد والطبراني عن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من قرأ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عَشْرَ مرَّاتٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ». فقال عمر بن الخطاب إذا نستكثر يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: : «اللهُ أَكْثَرُ وأَطْيَبُ. وفي إسناده روايان ضعيفان، وفي أوسط معاجم الطبراني بإسناد ضعيف أيضًا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ بُنِي له قَصْرٌ فِي الجَنَّةِ، ومَن قرأها عشرين مرَّةً بني له قصران، ومن قرأها ثلاثين مرَّةً بني له ثلاث». قصة أخرى تشبهها

أخرج الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بـ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، حتى يفرغ منها، ثم كان يقرأ سورة

فضائل القرآن – الجزء الثاني

۸۱

أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة فكلمه أصحابه فقالوا: إنَّك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزيك حتى تقرأ بأخرى؟ فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بالأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلتُ، وإن كرهتم تركتركم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم أخبروه الخبر فقال: «يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟» قال: إني أحبها، قال: حبّك إيَّاها أدخلك الجنة». قال الترمذي: «حديث

صحيح غريب».

قلت: وعلقه البخاري بصيغة الجزم، وعن البخاري رواه الترمذي. وفي "مسند أحمد" عن أنس أيضًا قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إني أحب هذه السورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «حُبُّكَ إيَّاها أدخلك الجنَّة». وأخرج الإمام مالك واللفظ له والترمذي والنسائي والحاكم عن أبي هريرة قال: أقبلتُ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فسمع رجلًا يقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدُ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: ١ - ٤]، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «وَجَبَتْ» فسألته ماذا يا رسول الله ؟ فقال: «الجنَّة». قال أبو هريرة: فأردتُ أن أذهب إلى الرجل فأبشره ثمَّ فرقت بكسر الراء أي خفت- أن يفوتني الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، ثُمَّ ذهبت إلى الرجل فوجدته قد ذهب،

۸۲

القرآن الكريم

صححه الترمذي والحاكم.

وروى أحمد والطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: مَرَّ رسول الله

صلى الله عليه وآله وسلَّم بَرَجُلٍ يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فقال: «أَوْجَبَ هذا» أو «وَجَبَتْ له الجنَّةُ».

وذكر الحافظ الخطيب أبو بكر عن عيسى بن أبي فاطمة الرازي قال: سمعتُ مالك بن أنس يقول : إذا نُقس بالنَّاقُوس اشتد غضب الرحمن فتنزل الملائكة فيأخذون بأقطار الأرض فلا يزالون يقرأن قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حتى يسكن غضبه عزَّ وجلّ.

سورة الإخلاص وتكثير الرزق

أخرج الطبراني عن جرير بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قَرَأَ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ : حين يَدْخُلُ مَنْزِلُهُ نَفَتِ الْفَقْرَ عن أهل ذلك المنزل والجيران». إسناده ضعيفٌ.

وروى الحافظ أبو موسى المديني عن سهل بن سعد قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فشكا إليه الفَقْرَ وضِيقَ العِيشة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا دَخَلْتَ مَنْزِلَكَ فَسَلَّم إنْ كان فيه أحدٌ، أو لم يكن

فيه أحدٌ، ثمَّ سَلّم على واقرأ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ مَرَّةً واحِدَةً» ففعل الرجل فأدر الله عليه الرّزقَ حتى أفاض على جيرانه وقرابته. سنده ضعيف أيضًا. وهذا من الفضائل التي يجوز فيها العمل بالضعيف كما هو معروف.

فضائل القرآن - الجزء الثاني

سورة الإخلاص والاسم الأعظم

۸۳

أخرج أصحاب السنن" عن بريدة رضي الله عنه أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم المسجد فإذا رجلٌ يُصَلِّي يدعو يقول: اللهم إنِّي أسألك بأني أشهد أنَّك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، قال: والذي نَفْسِي بِيَدِه لقد سأله بِاسْمِهِ الْأَعْظَمْ الذي إذا سُئل به أَعْطَى، وإذا دُعِيَ به أَجابَ». حسنه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم.

ونقل الحافظ المنذري عن شيخه الحافظ أبي الحسن بن المفضل المقدسي المالكي

قال: «إسناده لا مطعن فيه، ولم يرد في الباب حديث أجود إسنادًا منه . اهـ قلت: في تعيين الاسم الأعظم أقوال كثيرة، أرجحها: أنه مما استأثر الله بعِلمه كليْلَةِ القَدْرِ وساعة الإجابة يوم الجمعة؛ ليجتهد الإنسان في الدعاء بجميع أسماء الله الحسنى.

سورة الإخلاص وتكفير الذنوب

أخرج الترمذي عن أنس عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن قَرَأَ كُلَّ يومٍ مائتي مَرَّةٍ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدُ تَمَا اللَّهُ عنه ذُنُوبَ خَمسين سنةً إِلَّا أَنْ

يكون عليه دين». قال الترمذي: «حديث غريب».

ورواه أبو يعلى الموصلي، ولفظ روايته: «مَن قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ خمسين مَرَّةً غَفَرَ الله له ذنوبَ خمسين سنةً». وفي رواية لأبي يعلي أيضًا: «مَن قَرَأَ

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ في يومٍ مائتي مَرَّةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلفًا وخمسمائة حَسَنَةٍ، إِلَّا أَنْ

ΛΕ

القرآن الكريم

يكون عليه دين». إسناده ضعيفٌ أيضًا. وفي "مسند الدارمي" عن أنس أيضًا

قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ خمسين مَرَّةٌ غُفِرَتْ له ذُنوبَ خمسين سَنَةٌ».

سورة الإخلاص والعتق من النار

أخرج الطبراني في "الكبير" عن فيروز الديلمي -وهو ابن أخت النجاشي وقد خدم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مائة مَرَّةٍ فِي الصَّلاةِ أو غيرها كَتَبَ اللهُ له براءَةٌ مِن النَّارِ». إسناده ضعيف.

وروى إبراهيم بن محمد الخيارجي في "فوائده" عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعا: «مَن قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ َألفَ مَرَّةٍ فقد اشْتَرَى نَفْسَهُ مِن الله». قال المناوي في "التيسير": «أي يجعل الله ثواب قراءتها عِنقَه مِن النَّارِ، وينبغي قراءتها كذلك عن الميت .اهـ

وجاء في "مسند البزار" مرفوعا: «مَن قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ مائة ألف

مَرَّةٍ أَعْتَقَهُ اللهُ مِن النَّارِ وتَحمَّلَ عنه التَّباعَات». وهذا حديث ضعيف جدا. ونص جماعة من متأخري المالكيَّة على استحباب عتاقة الصمدية وحضوا على قراءتها واستعمالها، منهم: الشيخ عبدالسلام الأسمر الطرابلسي في بعض نصائحه - وهو غير عبد السَّلام بن مشيش المراكشي - والشيخ العارف محمد بن ناصر الدرعي، والعارف أبو زيد عبدالرحمن الفاسي، والشيخ محمد بن عبد القادر الفاسي، والشيخ أبو عبدالله المسناوي في أجوبة لهم في هذه المسألة،

فضائل القرآن - الجزء الثاني

٨٥

والعلامة الشيخ الطيب بن كيران في شرحه على توحيد ابن عاشر" وهو

مطبوع. كل هؤلاء استحبوا عتاقة الصمدية مع اعتراف بعضهم كالمسناوي بشدة ضعف حديثها، اعتمادًا على أنَّ هذا من الفضائل التي يتساهل فيها، فمن شاء أن يستعملها رجاء حصول ما فيها فلا بأس بذلك، على شرط ألا يعتقد ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم حَتَّى لا يَقَعَ فِي الكَذِبِ عليه. قراءتها عند النوم

أخرج الترمذي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أرادَ أنْ ينام على فِراشِهِ فنامَ علي يَمِينه ثُمَّ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مائة مَرَّةٍ فإذا كان يوم القِيامَةِ، يقول له الرَّبُّ عزّ وجلَّ: يا عَبْدِي ادْخُلْ على يمينك الجنَّةَ». قال الترمذي: حديث غريب، وقد روي من غير هذا الوجه».اهـ

قلت: إذا قال الترمذي في الحديث: «غريب» فإنَّه يقصد ضعفه كما هنا، أما إذا قال: «حسن غريب» أو «صحيح غريب»، أو «حسن صحيح غريب»، فإنَّه حينئذ يقصد بالغرابة معنى آخر غير الضعف مما هو معروف عند المحدثين. وأخرج الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد في كل يوم خميس مرَّةً نُودي يومَ القِيامَةِ مِن قَبْرِهِ، ثُمْ يا مادحَ الله

فادْخُلِ الجنَّةَ». رجال إسناده ثقاتُ إِلَّا شيخ الطبراني فلم يُعرف حاله.

Δη

القرآن الكريم

قراءتها دُبُرِ كلِّ صَلَاةٍ

أخرج أبو يعلى الموصلي عن جابر أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ثلاثُ مَن جَاءَ بِهِنَّ مع الإيمانِ دَخَلَ مِن أي أبواب الجنَّةِ شَاءَ، وزُوِّجَ من الحور العين حيث شاءَ: مَن عَفَا عن قاتِلِهِ، وَأَدَّى دَيْنًا خَفِيَّا، وَقَرَأَ فِي دُبُرِ كُلَّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * عَشْرَ مَرَّاتٍ». قال: فقال أبو بكر رضي الله

عنه: أو إحداهنَّ يا رسول الله ؟ فقال: «أو إحداهنَّ». إسناده ضعيف جدا. وأخرج ابن عساكر في "تاريخه" عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ثلاثُ مَن كُنَّ فيه أو واحدةٌ مِنهنَّ فليتزوج مِن الحور العين حيث شاء: رجلٌ انْتُمِنَ على أمانة فأداها مخافة الله عزّ وجلَّ. ورجل خلّى - بفتح اللام المشددة - عن قاتله أي عفا عنه قبل موته - ورجلٌ قرأ في دُبُرِ كلِّ صلاة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ». إسناده ضعيفٌ. قصَّةِ الرَّجُل الذي كان يُحبُّها ويتلوها في جميع الحالات

أخرج الطبراني، وابن الضريس في فضائل القرآن"، وسمويه في "فوائده"، وابن منده، والبيهقي في "دلائل النبوة ، عن أنس بن مالك قال: نزل جبرائيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال : يا محمد، مات معاوية المزني أتحب أن تُصَلِّي عليه؟ قال: «نعم»، فضرب بجناحيه فلم تبقَ أَكَمَةٌ ولا شَجَرَةٌ إِلَّا تَضَعْضَعَتْ، فرفع سريره حتى نظر إليه فصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة كل صف سبعون ألف ملك فقال : يا جبريلُ بِمَ نالَ مُعاويةُ هذه المَنْزِلَةَ؟» قال: بحب

وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) وقراته إيَّاها ذهابا وجانيا وقاتها وقاعدًا وعلى كل حال.

فضائل القرآن - الجزء الثاني

AV

وأول الحديث عند ابن الضريس كان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بالشام فجاءه جبريل ... الحديث.

ورواه أبو يعلى وابن سنجر" في "مسنده" وابن الأعرابي، وابن عبدالبر في " الاستيعاب " وحاجب الطوسي في "فوائده" والبيهقي في "الدلائل" عن أنس قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة تبوك فطلعت الشمس يوما بنور وشعاع وضياء لم نره قبل ذلك، فتعجب النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم من شأنها إذ أتاه جبريل عليه السلام فقال : مات معاوية بن معاوية الليثي فبعث الله سبعين ألف مَلَكٍ يُصلُّون عليه، قال: «بِمَ ذاك؟» قال: بكثرة تلاوته وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه؟ قال: «نعم» فصلى عليه. قوله: «الليثي». خطأ من راويه عن أنس وهو العلاء بن زيد الثقفي ضعيف جدا. والصواب: المزني.

ورواه أحمد والحاكم في "فوائده"، والطبراني في "مسند الشاميين"، والخلال في "فضائل قُلْ هُوَ اللهُ أحد"، وابن عبدالبر من حديث أبي أمامة نحوه، وفيه:

فوضع جبرائیل جناحه الأيمن على الجبال فتواضعت حتى نظرنا إلى المدينة». ورواه ابن الضريس في فضائل "القرآن" عن سعيد بن المسيب مرسلًا. ورواه البغوي وابن منده في "الصحابة" عن الحسن البصريذ مرسلًا أيضًا. وطرق الحديث ضعيفة. قال ابن عبدالبر: «أسانيد هذا الحديث ليست بالقوية، ولو أنها في الأحكام

۸۸

القرآن الكريم

لم يكن في شيء منها حُجَّة ومعاوية بن مقرن المزني معروف هو وإخوته، وأمَّا معاوية بن معاوية فلا أعرفه» . اهـ

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «قد يحتج به من يجيز الصَّلاة على الغائب، ويدفعه ما ورد أنه رفعت الحجب حتى شهد جنازته فهذا يتعلق بالأحكام والله أعلم . اهـ

فضلها مع المعوذتين

أخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن معاذ بن عبدالله بن حبيب - بضم الخاء المعجمة - عن أبيه قال: أصابنا عَطَضٌ وظُلمةٌ فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يُصلِّي بنا فخرج فأخذ بيدي فقال: «قل». قلت: ما أقول؟ قال: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مراتٍ تكفيك من كلّ شيء». قال الترمذي: «حسن صحيح غريب».

وأخرج البزار بإسنادٍ صحيح عن عبدالله الأسلمي قال: كُنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في عمرة حتى إذا كنا ببطن رابغ استقبلتنا ضبابة فأضلَّتنا الطريق فلم نشعر حتى طلعنا على ثنية، فلما رأى النَّبيُّ ذلك عدل إلى إلى كتيب فأناخ عليه، ثُمَّ قام وقام عليه من شاء الله، فما زال يُصلي حتى طلع الفجر فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برأس ناقته ثمَّ مشى، وعبدالله الأسلمي إلى جنبه ما أحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غيره، فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على صدره وقال: «قل». قلت: ما أقول؟ قال: « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ

فضائل القرآن - الجزء الثاني

19

الْفَلَقِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ حتى فرغت منها. فقال رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلّم: «هكذا فتعوذ فما تعوَّذَ العِبادُ بِمِثْلِهِنَّ قَطُّ».

حديث آخر في فضلهنَّ

أخرج أحمد عن عقبة بن عامر قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فابتدأته فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله بم نجاة المؤمِن؟ قال: «يا عقبة، أمسك عليك لِسانَكَ وليَسَعْكَ بَيْتُكَ وابْكِ على خطيئتك» قال: ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فابتدرني فأخذ بيدي فقال: «يا عقبة بن عامر، ألا أُعَلّمُكَ خير ثلاث سور ما أنزل في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان

مثلهنَّ؟ قال: قلت: بلى جعلني الله فداك، قال: فأقرأني قُلْ هُوَ اللهُ أحد قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * ثمَّ قال: «يا عقبة، لا تنسهن ولا تبت ليلة حتّى تقرأهنَّ قال: فما نسيتهنَّ منذ قال: «لا تنسهن، وما بتُ ليلة حتى أقرأهنَّ قال عقبة: ثم لقيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم فابتدأته فأخذت بيده فقلت يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال؟ فقال: «يا عقبةُ صِلْ مِن قَطَعَكَ ، واعْطِ مَن حَرَمَكَ، وَأَعْرِضْ عَمَّن ظَلَمَكَ». رجاله ثقات على ضعف في بعضهم، وروى الترمذي بعضه وحسنه. حديث في الاستشفاء بهنَّ

أخرج البخاري وأصحاب السنن" عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أوى إلى فِرَاشِهِ كلَّ ليلةٍ جمع كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَتَ فيهما فقرأ فيهما: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، وَقُلْ أَعُوذُ ﴿

۹۰

القرآن الكريم

برب النَّاسِ ثُمَّ يمسح بهما ما استطاع مِن جَسَدِه يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده. يفعل ذلك ثلاث مرات.

وفي "الصحيحين وغيرهما عن عائشة أيضًا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات ويَنْقُتُ، فلما اشتدَّ وَجَعُهُ

كنتُ أقرأُ عليه وأمسح بيده رجاء بَرَكَتِها.

«المعوذات» بكسر الواو المشدَّدة هي سورة (الإخلاص) و(الفلق)

و(الناس).

المعوذتان

أخرج مسلم والترمذي والنسائي عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ألم ترَ آياتٍ أنزلت الليلة لم يرَ

مثلهن ؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ .

ورواه أبو داود ولفظه: كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في السفر، فقال: «يا عقبةُ، ألا أُعَلمُكَ خير سورتين قُرئتا»، فعلمني: قُلْ أَعُوذُ

بِرَبِّ الْفَلَقِ ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ .

وفي رواية له أيضًا عن عقبة قال: بينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الجحفة والأبواء، إذ غشيتنا ريح مظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يتعوَّذ بـ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ويقول: «يا عقبةُ، تَعَوَّذ بهما فما تَعوَّذَ مُتعَوَّذُ بمثلهما». قال: وسمعته يؤمنا بهما في الصَّلاة.

فضائل القرآن - الجزء الثاني

۹۱

وروى النسائي وابن حبان - واللفظ له والحاكم عن عقبة بن عامر قال: اتبعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وهو راكب، فوضعت يدي على قدميه، فقلت: أقرأني آيا من سورة هود وآيا من سورة يوسف، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «يا عقبة بن عامر، إنَّك إن تقرأ سورة أحب إلى الله ولا أبلغ عنده من أن تقرأ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، فإن استطعت أَلَّا تفوتك ؟ في الصلاة فافعل». صححه الحاكم.

سورتين

وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن عقبة أيضًا قال: بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في نقب من تلك النقاب، إذ قال لي: «يا عقبة، ألا ترکب؟» قال: فأشفقت أن تكون معصية، قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وركبت هنيهة ثم ركب، ثمَّ قال: «يا عُقْبُ، ألا أُعَلّمُكَ . من خير سورتين قَرَأَ بهما النَّاس؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأقراني: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثمَّ أقيمت الصلاة فتقدَّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقرأ بهما ثُمَّ مرَّ بي فقال: «كيف رأيتَ يا عُقْبُ؟ اقرأ بهما كلَّما نِمْتَ وكلما قُمْتَ». قلت: عُقْبُ ترخيم عُقبة.

وفي "المسند" و "سنن أبي داود" و"الترمذي" و"النسائي"، عن عقبة قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة. وروى النسائي عن عقبة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قرأ بالمعوذتين في صلاة الصبح، وروى النسائي وابن حِبَّان عن جابر بن عبدالله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «اقرأ يا جابر» قلت: وما أقرأ؟ بأبي أنت

۹۲

القرآن الكريم

وأمي، قال: «اقرأ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ » فقرأ : بهما، فقال: «اقرأ بهما ولن تقرأ بمثلها».

وأخرج النسائي عن ابن عباس الجهني أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال له: يا ابن عباس ألا أدلك أو ألا أخبرك بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، وقُلْ

أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ هاتان السورتان».

وفي "المسند" بإسناد صحيح عن أبي العلاء يزيد بن عبدالله بن الشخير قال: قال رجل كُنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفرِ والنَّاس يعتقبون - أي يتناوبون في الركوب وفي الظهر قلة - الظهر كناية عما يركب من البهائم - فحانت نزلة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزلتي، فلحقني من بعد فضرب على منكبي فقال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ » فقلت : أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فقرأها رسول الله وقرأتها .

معه

ثمَّ قال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ

الْفَلَقِ فقرأها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقرأتها معه قال: «إذا أنت صَلَّيْتَ فاقرأ بهما».

قال الحافظ ابن كثير: «الظاهر أنَّ هذا الرجل هو عقبة بن عامر».اهـ وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يَتَعَوَّذُ مِن أعين الجان وأعين الإنس، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك، قال الترمذي: «حديث حسن». قلت: معنى الحديث أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كان يتعوذ من

فضائل القرآن - الجزء الثاني

۹۳

العين والحسد وشر الإنس والجن، بتعاويذ من أدعية ونحوها فلما نزلت المعوذتان

صار يتعوّذ بهما وترك غيرهما؛ لأنهما يكفيان عن سائر المعوذات، وفي هذا دليل

على عظيم فضلهما، والله أعلم.

فضل سور القرآن من غير تعيين

أخرج الترمذي عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ما من مسلم يأخذ مَضْجَعَهُ يقرأ سورةً من كتاب الله عزَّ وجلَّ إِلَّا وكلَّ الله به مَلَكًا فلا يقربه شيطانُ حتَّى يَهُبَّ متى هَبَّ». وأخرجه أبو نصر الوايلي ولفظه: «من أخذ منكم مضجعه ليرقد فليقرأ بأم القرآن وسورة فإِنَّ الله عزّ وجل يوكل به ملكًا يَهبُّ معه إذا هَبَّ».

محمد

وإلى هنا ينتهي ما أوردناه من فضائل القرآن من غير استيعاب كما قدمنا. وقد أردنا أن نثبت هنا رسالة في هذا الموضوع للعلامة الأديب الشيخ محمد بن بن الطيب المغربي التافلاتي المالكي مفتي القدس المتوفى سنة (۱۱۹۱) هجرية وهي مشتملة على فصلين وخاتمة. الفصل الأول: فيما ورد في فضل بعض السور والآيات مما هو صحيح أو

حسن أو ضعيف معمول به في الفضائل.

الفصل الثاني: في التنبيه على أحاديث جاءت في "تفسير الكشاف"

و"البيضاوي" وغيرهما وهي غير صحيحة.

الخاتمة :

في بيان من وضع أحاديث السور التي امتلأت بها كتب التفاسير المطبوعة

٩٤

المتدوالة(1).

القرآن الكريم

وليعلم حضرات القراء الكرام أننا نورد في كتبنا أحاديث متنوعة موضوعة، وننبه عليها ليعلم القارئ حالها ولا يغتر بها إذا رآها في كتاب تفسير أو حديث أو وعظ أو نحو ذلك، وما سلكنا هذ المسلك في كتبنا حتى كثرت علينا الأسئلة في أحاديث موضوعة أو واهية، ووجدنا معظم أصحاب تلك الأسئلة يرتكنون على وجود الأحاديث في كتب مشهورة متداولة، وإن كان مؤلفوها لا يعرفون الحديث، فمن اعترض علينا إيراد حديث موضوع مع التنبيه عليه فهو جاهل استبدل المقد بالشكر ، وجعل جزاءنا على ما نقدمه إليه عتابا ولوما، ولم يعلم أنَّ أبا زرعة الرازي أحد أئمة الحديث كان يحفظ أربعة ألاف حديث موضوعة، وأنَّ الإمام البخاري كان يحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح (۲۰۰۰۰۰) وأن معرفة الحديث الموضوع أهم في نظر العلماء من معرفة الحديث الصحيح، فأيُّ لوم علينا بعد هذا إذا مشينا على هدى العلماء الراسخين؟! هذا ما رأينا أن نلفت أنظار القراء إليه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

(١) لم نذكر هذه الرسالة لأننا التزمنا أن تكون هذه الموسوعة خاصة بما كتبه السيد عبدالله بن

محمد بن الصديق الغماري فقط.

فضائل القرآن - الجزء الثاني

۹۵

التداوي بالقرآن

قال الله تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا [الإسراء: ۸۲] قال العلماء: من لبيان الجنس، أي وتنزل من جنس القرآن ما هو شفاء، فالقرآن قليله وكثيره شفاء من الأمراض الحسية الظاهرية، وشفاء من الأمراض المعنوية الباطنية كالاعتقادات الباطلة والأخلاق المذمومة وما إليها.

فالقرآن العظيم شفاء من جميع الأمراض وعلاج نافع في جميع الحالات، وقد سبق في فضل سورة الإخلاص»، وما معها استشفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقُلْ يَتَأَيُّهَا الكَفِرُونَ ) و (الإخلاص) و(المعوذتين)، وقد حكى الحافظ ابن حجر العسقلاني إجماع العلماء على جواز الرقى بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، ومستند هذا الإجماع الكتاب والسُّنَّة، أما الكتاب فالآية السابقة، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا هُدًى وَشِفَا [فصلت: ٤٤] ومن يحمل الشفاء في هاتين الآيتين على الشَّفاء المعنوي فقط فقد أخطأ خطأ كبيرًا. وأمَّا السُّنَّة فكثيرة سبقت الإشارة إلى بعضها، ونشير هنا إلى بعض آخر منها. قصة اللديغ الذي رُقِي بالفاتحة

ثبت في "الصحيحين" وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنَّ ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتوا على حي من أحياء العرب، فلم يُقْرُوهُم - أي لم يُضَيَّفُوهم - فبينما هم كذلك إِذْ لدغ سيد أولئك الحي، فقالوا: هل معكم من دواء؟ أو راقٍ ؟ فقالوا: إنكم لم تَقْرُونا، ولا نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لنا

97

القرآن الكريم

جعلا - بضم الجيم، أي أجرًا - فجعلوا لهم قطيعًا من الشَّاءِ، فجعل – يعني رئيس الصحابة في تلك السَّفريَّة وهو أبو سعيد الخدري - يقرأ بأم القرآن ويَجْمَعُ بُزَاقَهُ ويَنْفِلُ فبَرَأَ الرجل، فأتوا بالشَّاءِ، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبيَّ صلَّى الله عليه

وآله وسلم، فسألوه فضحِكَ، وقال: «وما أدراك أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ خُذُوها -أي الشياء- واضْرِبُوا لي بسهم". يؤخذ من هذا الحديث جواز أخذ الأجرة على العلاج، وجواز أخذ الأجرة على القرآن، وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث في "الصحيحين" أيضًا قول النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم - حين سألوه: «إِنَّ أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عليه أجرًا كتاب الله .

قصة أخرى

ثبت في "سنن أبي داود وغيرها عن خارجة بن الصلت التميمي، عن عمه قال : أقبلنا من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتينا على حي من العرب فقالوا: إنَّا أُنبئنا أنَّكم قد جئتم من عند هذا الرجل بخير، فهل عندكم من دواء؟ أو رُقيّةٍ؟ فإنَّ عندنا مُعتوها في القيود، قال: فقلنا: نعم. قال: فجاءوا بمعتوه في القيود قال: فقرأت عليه بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية، أجمع بزاقي ثمَّ أتفلُ، قال: فكأنها نُشِطَ مِن عِقال، قال: فأعطوني جعلًا، فقلت: لا، حتى أسأل رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم، فسألته فقال: «كُل، فلَعَمْرِي مَن أَكَلَ بِرُقية باطل، لقد أكلتَ برُقْيَةِ حَقٌّ». وللحديث طرق وألفاظ في السنن وغيرها.

فضائل القرآن - الجزء الثاني

قصة ثالثة

۹۷

أخرج عبدالله ابن الإمام أحمد في "زوائد "المسند" بإسناد فيه راو ضعيف عن أبي بن كعب قال: كنتُ جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاءه أعرابي، فقال: يا نبي الله إنَّ لي أخا وبه وَجَعٌ، قال: «وما وَجَعُهُ؟» قال: به لم - أي مس من الجن - قال: «فائتني به»، قال: فوضعه بين يديه فعوَّذه النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بفاتحة الكتاب وأربع آياتٍ من أول (سورة البقرة) وهاتين الآيتين والهكر إِلَهُ وَاحِدٌ ﴾ [البقرة: ١٦٣]، و «آية الكرسي» وثلاث آيات من آخر (سورة البقرة)، وآيةٌ من (آل عمران) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [آل عمران: ١٨]، وآية من (الأعراف) إِنَّ رَبَّكُمُ الله ﴾ [الأعراف: ٥٤]، وآخر آية (المؤمنين) فَتَعَلَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾ [المؤمنون: ١١٦]، وآيةٌ من (سورة الجن) وَأَنَّهُ تَعَلَى جَدُّ رَبَّنَا ﴾ [الجن: ٣] وعشر آيات من أول (سورة الصف)، وثلاث آيات من أول (سورة الحشر)، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] و(المعوذتين). فقام الرجل كأنه لم يشتك قطُّ. ورواه أبو يعلى بنحوه، غير أنَّه

قال: عشر آيات من (سورة الصف)، ولم يقل من أولها.

دعاء لإذهاب الهم والغم

من أصابه هم أو غم أو حُزْنٌ فليدعُ بهذا الدعاء، فإنَّ الله يُذهب همه وغَمَّه، وهذا نص الدعاء: «اللهم إني عبدك وابن عَبْدِكَ، وابن أَمَتِكَ، ناصيتي بيَدِكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، أسألُك بكل اسم هو لك سَمَّيْتَ به

۹۸

القرآن الكريم

نَفْسَكَ، أو أنزلته في كِتابِكَ، أو عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِن خَلْقِكَ، أَو اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمٍ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أنْ تَجَعَلَ القُرْآنَ العَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي، ونُورَ بَصَرِي وَجِلاءَ حُزْنِي، وذهاب همي وغمي». هكذا ثبت في "المسند" و"صحيح ابن حبان" عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم.

الختام

اللهم يا كاشف البَلْوَى، وياعالم السِّرِّ وأَخْفَى، أسألك بأسمائك الحُسْنَى، وصفاتك العليا، أن تهدي بالقرآن العظيم قَلْبِي، وتُنوّر به بَصَرِي، وتَشْفِي به علتي، وتجلعه في الدُّنيا إمامي، وفي الموقف شفيعي، وعلى الصراط قائدي، بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين، والحمد لله رَبِّ العالمين.

أبو الفضل

عبدالله بن محمد الصديق الغماري

خادم الحديث، عفي عنه

٢ - الإِحْسَانُ فِي تَعْقِيبِ الإِثْقَانِ

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۰۱

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله الذي شرفنا بكتابه وجعلنا أهلا لخطابه، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد سيد أحبابه، الذي فاز من تبعه بنعيم الله وثوابه، وشقي من خالفه

بغضب الله وعقابه، ورضي الله عن آله وأصحابه.

أما بعد: فإن كتاب "الإتقان في علوم القرآن" للإمام الحافظ أبي الفضل جلال الدين السيوطي - رحمه الله تعالى ورضي عنه - كتاب عظيم المزايا، كثير الفوائد، جمع ما تفرق في كتب هذا العلم من عيون المسائل ونوادر الشوارد، غير أنه ضم آراء شاذة وروايات ساقطة، فات المؤلّف أن يُنبه على شذوذها وسقوطها، فاتخذها المستشرقون وأذنابهم سلَّما إلى الطعن في بعض آيات القرآن الكريم وفيما يتعلق بجمعه، وقد أخبرني صديقنا ويُجيزنا العلامة المرحوم الشيخ محمد زاهد الكوثري أنه كان يُدرِّس علوم القرآن لطلبة التفسير بجامعة استانبول بالآستانة وكان يُعنى بالاطلاع على ما يكتبه المستشرقون ليرد عليه وينبه إليه الطلبة، فكان يجد كثيرًا من مطاعنهم يستندون فيه إلى تلك الآراء الشاذة والروايات الساقطة، في كتاب "الإتقان".

وكان هذا من أسباب حملته الشديدة على مؤلّفه، حتى كان هو والعلامة المرحوم الشيخ محمد سعيد العرفي لا يعترفان له إلا بإتقان علم العربية دون سائر العلوم التي كتب فيها مؤلفات قيمة، يعتبر انها ملخصة من كتب غيره. وهذا غلو في التعصب ضده وإفراط في الحمل عليه، والحقيقة أنه

مع

تفوقه في علم العربية - برز في علوم أخرى كالبلاغة والتفسير والأصول

۱۰۲

القرآن الكريم

والفقه الشافعي والحديث وشارك مشاركة جيدة في القراءات والتاريخ والرجال وفقه الحديث.

وما لخصه من كتب المتقدمين يدل على فهمه لها وحسن تصرفه فيها، مع ما

يضمه إليها من زوائد استفادها من سعة اطلاعه وكثرة بحثه.

لكن يُعاب عليه ذكره لأحاديث واهية أو أقوال ساقطة، تُنسب لصحابي أو تابعي أو إمام ولا يُنبَّه عليها، فيظنها الجاهل صحيحة ويتخذها الجاحد حجَّةً للطعن والغَمز، وإن اعتذر معتذرون عن الطبراني وأبي الشيخ وأبي نعيم في روايتهم للأحاديث الموضوعة غير مبينين وضعها، بأنهم حيث ذكروا إسنادها أحالوا عليه وبرئوا من عهدتها، فكيف يُعتذر عن السيوطي وهو لا يذكر الإسناد؟! بل هو ملزم ببيان رتبة ما يذكره من أحاديث وآثار؛ لأنَّ مَن حذف الإسناد تعهد بالصحة. لا نجد ما يُعتذر به عنه إلَّا مِن قبيل السهو والغفلة، أو أنه قدَّر في نفسه أنَّ قراء كتبه لابد أن يكون عندهم من العلم ما يميزون به بين الثابت والواهي وبين الصحيح والساقط، أما أن يكون قصده فلا؛ لأن دينه وخُلقه لا يسمحان به، يضاف إلى ذلك أنه صوفي شاذلي، أفيضت عليه فتوحات ومواهب لا يحظى بها من يتعمد ترويج الأحاديث والآثار المكذوبة؛ لأن مروج الكذب مبغض مطرود، والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَن حدَّث عنِّي بحديث يُرى - بضم الياء: يُظنُّ - أنه كذب فهو أحد الكاذبين». فالذين يذكرون الأحاديث الموضوعة عالمين أو ظانين ولم يبينوها يشملهم قوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن كَذَبَ عليَّ مُتعَمِّدًا فليتبوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۰۳

وهو حديث متواتر، يفيد عظم أثر الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم

وشدة خطورته.

فمن هنا اعتنى العلماء بتقييد الحديث وتمييز صحيحه من سقيمه، ووضعوا لذلك علما سموه علم رواية الحديث، وأفردوا كتبا خاصة لبيان الموضوعات والواهيات وجرَّحوا رواتها تجريحًا مبنيا على قواعد وموازين علمية ثابتة لا يعتريها خلل.

أما القرآن الكريم فقد تواتر الصحابة على حفظه وجمعه وكتابته كما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وأخذه عنهم التابعون كذلك، ثُمَّ تابعوا التابعين، وهلم.

وعني العلماء بالبحث في قراءاته وكيفية جمعه وترتيب سوره وآياته وعددها وغير ذلك مما سموه علوم القرآن وأفردوا لها كتبا خاصة منها المختصر الموجز، والبسيط المتوسط، والمطول الجامع، وجاء في بعضها أشياء ينفيها البحث والتمحيص، وتبطلها القواعد العلمية الثابتة، ومع ذلك جعلها المبشرون - وهم المستشرقون الحاقدون ذريعة للكلام في القرآن الكريم والتشكيك فيه. (۱)

ومن أجل هذا الغرض الخبيث طبعوا بعض الكتب المتعلقة بالقرآن العظيم، مثل كتاب "المصاحف" لابن أبي داود، و"شواذ القراءات" لابن خالويه، يوهمون الجهلاء أنهم يطبعون هذه الكتب للبحث العلمي الخالص،

(1) على أنهم يعتقدون أن القرآن من إنشاء النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.

القرآن الكريم

وهم في الواقع خُبثاء يريدون تشكيك المسلمين في كتابهم الذي ضمن الله حفظه من التبديل والتغيير.

ولست متجنيًّا عليهم فيما أقول؛ فإن من يقرأ المقدمة التي كتبها ناشر كتاب "المصاحف" باللغة الإنجليزية، يجد فيها الغَمز الصريح والطعن الواضح، وكذلك ما كتبه جولدزيهر وغيره بحيث يجزم من تتبع ما كتبوه عن القرآن والإسلام أنه لا يرضيهم من المسلمين إلا أن يتركوا دينهم إلى المسيحية أو اليهودية، وقد سجّل الله تعالى ذلك في كتابه حيث قال : وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَرَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: ١٢٠].

وأخبرني شقيقنا الحافظ أبو الفيض أنه التقى بالأستاذ محمد كردي في مكتبة الخانجي، وتجاذبا أطراف الحديث في مسائل علمية حتى انتهى الكلام إلى الاستشراق وأساليبه، فقال له الأستاذ كردي: «اسمع يا سيد أحمد، أمر هؤلاء المستشرقين عجيب جاءوا إلينا بكتبهم وآرائهم مُدَّعين أنهم يقصدون البحث العلمي الحرّ، فقبلنا منهم ما أبدوه من طعن في كتابنا وديننا بل شاركناهم فيه تمسكًا بالمبدأ المذكور، حتى إذا ما أردنا أن نناقش أحدهم في مسائل دينية كالتثليث أو الصَّلب أو الفداء هز رأسه استنكارا وقال: العقائد الإيمانية لا تقبل المناقشة ولا يدخلها العقل

.

ونسى ما كان يدعو إليه من بحث في دين الإسلام بقصد هدمه !!! كان الدكتور منصور فهمي يدرس بجامعة السوربون اقتنع بآراء أساتذته الفرنسيين في الطعن على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم حيث تزوج بتسع نسوة خصوصية له خصه الله بها دون سائر المسلمين، فألف رسالة

الإحسان في تعقيب الإتقان

1.0

سماها: "نبي الإسلام يُشرع للناس وينسى نفسه" ثُمَّ ما تقدَّمت به السن واتسعت مداركه وأدرك حكمة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وفهم أسرارا كثيرة من الأحكام الإسلامية عَلِمَ ما وقع فيه من كُفْرٍ بتضليل المستشرقين، فتاب ورجع إلى دينه وأحرق ما بقي عنده من نسخ تلك الرسالة». هكذا تحدث إلى شقيقنا الحافظ أبي الفيض.

طه حسين حين كتب كتابه " في الشعر الجاهلي" وأنكر إبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام وصرّح بأنَّ القرآن لا يكفي دليلا على وجودهما، لم يكن ذلك رأيا قاله باجتهاده ولكنه كلام مستشرق أخذه الدكتور والتزمه. والدكتور محمد حسين هيكل حين أوَّل «الإسراء» تأويلا يقضي بإنكاره،

كان متأثرًا بالمستشرق الفرنسي الذي ترجم هو كلامه. والمقصود أنَّ الكتاب والأدباء في الشرق العربي والإسلامي ما من أحد منهم يبدي طعنا في القرآن الكريم، أو السُّنَّة النبوية وصاحبها عليه الصلاة والسلام، أو في شيء من أحكام الإسلام باسم البحث العلمي إلَّا وهو متشبع

بكلام بعض المستشرقين مقتنع بآرائهم.

فالاستشراق نوع مهم من نوعي التبشير المسيحي، أُنشئ لغزو عقول

الطبقة المثقفة من المسلمين.

أما النوع الآخر وهو الوعظ في الأسواق والمجتمعات وإنشاء مستشفيات وبذل مساعدات، فهو لغزو الطبقة الفقيرة وغير المتعلمة، وقد نجح النوع الأول نجاحًا كبيرًا مع جهل المستشرقين باللغة العربية وقواعد الأحكام الإسلامية جهلًا فاضحا واضحًا.

القرآن الكريم

وهذا يدل على أن كتابنا وأدباءنا يتلقون ما يأتيهم من المستشرقين تقليدًا من غير إعمال فكر، حتى أصبحوا يأخذون برأيهم في نقد كتبنا العربية والإسلامية من غير تفكير أيضًا. عرضتُ مرَّة على الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي كتابًا مخطوطًا في فضل بيت المقدس وتاريخه وما يتعلق به ليوافق على طبعه باعتباره رئيس لجنة اختيار الكتب بمكتبة ومطبعة عيسى الحلبي، وبيَّنت له قيمة الكتاب وميزته وأهمية موضوعه في الوقت الحاضر، فقال لي: إنه لميره ولا سمع به من قبل الآن، ولذلك لا يستطيع إبداء رأيه فيه وطلب إمهاله إلى الغد فتركت الكتاب عنده، ورجعت إليه ثاني يوم فأخبرني أنه اتصل بصديق له وسأله عن الكتاب، فأجابه بأن بروكليمن ذكره في كتابه ومدحه، وعقب على إجابة صديقه يخاطبني بقوله: وحيث أن بروكليمن مدحه، فلابد أنه كتاب قيم. هكذا أثنى على الكتاب بدون تحفظ لمجرد أن بروكليمن المستشرق الألماني

مدحه

نحن لا ننكر المجهود المبذول في كتاب بروكليمن؛ حيث ضم نفائس المخطوطات العربية والإسلامية في معظم مكتبات العالم، مع بيان وصف المخطوط والتنصيص على تعدد نسخه أو عدم تعدُّدها، فهو مجهود يذكر له بالتقدير، لكن لا نعتمد عليه في تقييم تراثنا العربي والإسلامي؛ لأن تقييمه لا يسلم من خطأ وانحراف، وإصابته حين يصيب- إصابة غير مقصودة، فلا تصلح أساسا للاعتماد عليه في ذلك، وأشد المستشرقين تعصبا الهولنديون فالفرنسيون فالإيطاليون فالإنجليزيون وإن كانوا بجميع أجناسهم متفقين

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۰۷

على هدم الإسلام وتقويض دعائمه فهم بالنسبة إلينا ينطبق عليهم قول العربي حين سُئل: أي حماريك شر؟ قال: هذا ثُمَّ هذا.

ولا شك أن محاربتهم

واجبة؛ لأنها جهاد في سبيل الدفاع عن كتاب

الإسلام ونبي الإسلام ودين الإسلام.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «جاهدوا المشركين

بأموالكم وأنفُسكم وألسنتكم». رواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث أنس، وصححه ابن حبان والحاكم.

والقلم أحد اللسانين وهو أقواهما وأبقاهما ذكرًا.

لهذا أردنا أن نُسهم في هذا الواجب المقدَّس ببيان ما في كتاب "الإتقان" من روايات واهية موضوعةٍ، وأقوال ساقطة مرفوعة، غفل المؤلّف عن فحصها ومحصها، ليعلم أن دليلهم الذي يستندون إليه اجتمع فيه الخستان، فلم يكن له نتيجة سوى الهذر والهذيان. ومن الله أستمد المعونة والتوفيق، وأسأله أن يجزل أجري، ويشرح لي صدري، ويحطّ عنِّي وزري، ويجعل عملي خالصا له مقبولا عنده، إنه تعالى سميع الدعاء فعال لما يشاء.

۱۰۸

القرآن الكريم

النوع الأول

معرفة المكي والمدني

معرفة المكي والمدني ذكر فيه السُّور التي نزلت بمكة أو بالمدينة، ثُمَّ نقل عن البيهقي في "الدلائل" أنَّ في بعض السُّور التي نزلت بمكة آيات نزلت بالمدينة فألحقت بها.

ونقل عن الحافظ في "شرح البخاري" قال: «قد اعتنى بعض الأئمة ببيان ما نزل من الآيات بالمدينة في السور المكية. ثُمَّ أخذ المؤلّف في سردها فذكر فيها (سورة الحجر) وقال: «ينبغي استثناء قوله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ ﴾ [الحجر: ٢٤] الآية لما أخرجه الترمذي وغيره في سبب نزولها وأنها في صفوف الصَّلاة».

قلت: روى الترمذي والنسائي وابن ماجة من طريق أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: كانت امرأة حسناء من أحسن الناسِ تُصلِّي خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان بعض القوم يتقدَّم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصفّ المؤخَّر فإذا ركع نظر مِن تحت إبطه فأنزل الله هذه الآية.

وهذا الأثر وإن صححه ابن حِبَّان له عِلَّة، فقد رواه عبدالرزاق في "تفسيره" عن أبي الجوزاء ولم يذكر ابن عباس، وقال الترمذي: «روي عن أبي الجوزاء مرسلًا وهو أشبه».

فهذه عِلَّةٌ تقتضي ضعفه من جهة الإسناد، وأما من جهة المعنى فإن السياق يرده، قال الله تعالى: وَإِنَّا لَنَحْنُ تُحي، وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَرِثُونَ ) وَلَقَدْ عَلِمْنَا

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۰۹

الْمُسْتَقْدِمِينَ منكم ولادة وموتا وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَخِرِينَ ( كذلك، فلا يختلط علينا متقدم بمتأخر وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْضُرُهُم جميعا مع كثرة عددهم وتباعد أزمانهم. فلا محل لصفوف الصَّلاة في الآية ولا معنى لاستثنائها، والله تعالى أعلم.

النوع الثاني

معرفة الحضري والسَّفَرِي

معرفة الحضري والسَّفَري ذَكَر في الآيات التي نزلت في السَّفَر قوله تعالى: ما كان للنَّبِي وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [التوبة: ۱۱۳] وقال -مبينا ذلك- أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أنها نزلت لما خرج النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم معتمرًا وهبط من ثنيَّة عُسفان ، فزار قبر أمه واستأذن في الاستغفار لها. قلت: هذا ما تناقض فيه المؤلّف تناقضا بينا لا عذر فيه، فهو يعلم أ

أنَّ

الأبوين الشريفين من أهل الفترة وأنهما ناجيان، وألف بضع رسائل في نجاتهما، قرأناها وأعجبنا بما أبدى فيها من أدلَّةٍ جيدة، وأنشأ مقامةً ردَّ بها على الحافظ

السخاوي الذي اختار التوقف عن القول بنجاتها وعدمها، وأصاب في ردّه. وهو يعلم أيضًا أنَّ الآية نزلت في أبي طالب بدليل أنه ذكر في النوع التاسع ما رواه الشيخان من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه - وهو صحابي - قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أميَّة فقال: «أي عم، قل: لا إله إلا الله، أُحاج

لك بها عند الله». فقال أبو جهل وعبد الله : يا أبا طالب أترغب عن . عبدالمطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال: على ملة عبدالمطلب، فقال النبي

القرآن الكريم

صلى الله عليه وآله وسلَّم: «لأستغفر لك ما لم أُنْهَ عنه» فنزلت ما كان

لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة: ١١٣ ] . فهذا الحديث الصحيح صريح في أنَّ الآية نزلت في أبي طالب الذي أبى النطق بالشهادة ومات على كفره، وهو يقضي على أثر ابن عباس السابق لضعفه. كما يقضي على مرسلين ضعيفين جاء فيهما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: ليت شِعْرِي ما فعل أبواي؟» فنزل: ﴿وَلَا تُسْتَلُ عَنْ أَصْحَابِ الجَحِيمِ ﴾ [البقرة: ١١٩] لكن المؤلف ذكر بعده ما رواه الحاكم عن ابن مسعود قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يوما إلى المقابر ، فجلس إلى قبر منها فناجاه طويلًا ثُمَّ بكى فقال: «إنَّ القبر الذي جلست عنده قبر أمي، وإني استأذنت ربي في الدُّعاء لها فلم يأذن لي فأنزل على مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) وجمع بينهما بتعدد أسباب النزول، يعني أنَّ الآية نزلت مرة

بسبب أبي طالب ومرة بسبب أم النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم. غير أن هذا الحديث ليس بصحيح، نعم يمكن أن تكون الآية نزلت مرة ثانية بسبب ما رواه أحمد وابن أبي شيبة والترمذي والنسائي وأبو يعلي والبزار والحاكم من طريق أبي الخليل عن علي عليه السَّلام قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت له: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟! فقال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فنزلت. حسنه الترمذي.

الإحسان في تعقيب الإتقان

تنبيهان

۱۱۱

(التنبيه الأول): مما يدل على ضعف حديثي ابن عباس وابن مسعود من

جهة المعنى مضافًا إلى ضعف إسنادهما أمران:

أحدهما: تعارض مدلوليهما، فإن حديث ابن عباس يفيد أن الآية نزلت والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في طريقه إلى مكة معتمرًا؛ ولذا أوردها المؤلف مثالا للآيات التي نزلت في السَّفَر ، وحديث ابن مسعودٍ يفيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن مسافرا، وإنما خرج يوما إلي المقابر لزيارة قبر أمه، وهذا تعارض لا سبيل إلى دفعه.

ثانيهما: تفيد الآية بمقتضاها - أنَّ أمَّ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من أصحاب الجحيم، والتاريخ يثبت أنها ماتت قبل البعثة، فتكون هذه الآية معارضة لقوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: ١٥] ومعلوم بالضرورة أن آيات القرآن لا تتعارض.

لأنهم

(التنبيه الثاني): يؤخذ من الآية حرمة الاستغفار للمشركين؛ أصحاب الجحيم، ويتفرع على ذلك أمران: أحدهما: تحريم الترحم عليهم بطريق الأولى؛ لأنَّ الرحمة أعلى من المغفرة؛ إذ أنها لا تكون إلا لمذنب، والرحمة تكون لمن لا ذنب له، قال الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَوْلَيكَ سيرحمهم الله } [التوبة: ۷۱] وقال: إنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: ٥٦] وقال الملائكة لآل إبراهيم رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَنَتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ

۱۱۲

القرآن الكريم

البيت ﴾ [هود: ٧٣] وفي بعض طرق الصَّلاة الإبراهيمية «وارحم محمدا وآل محمد كما رحمت إبراهيم وآل إبراهيم وعلي هذا فما ينشر في الجرائد اليومية من استغفار أو ترحم علي موتى اليهود والنصارى أو غيرهم من سائر الملل محرم تحريما قاطعا يوجب غضب الله ومقته.

ثانيهما: خلود المشركين في النار أبدًا إذ لو جاز خروجهم منها لأجاز الله الاستغفار لهم كما أجاز الاستغفار لعصاة المسلمين لأنه استشفاع، فلما حرمه

دل علي أنهم غير خارجين من النار وأنَّ الشفاعة فيهم غير مقبولة.

ولهذا حين يقول عيسى الله تعالى يوم القيامة عن النصارى: إن تُعَذِّبْهُم فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة: ١١٨] يعدل عن قوله: «فإنك أنت الغفور الرحيم؛ لأنَّ ذِكْر المغفرة والرحمة في هذا الموضع

استشفاع، وهو يعلم أنَّ الشفاعة فيهم لا تقبل. وذكر في الآيات السَفَريَّة أيضًا أول سورة الروم، وقال: روى الترمذي عن أبي سعيد قال : لما كان يوم بدر ظهرت الرُّوم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت الم غُلِبَتِ الرُّومُ ﴾ [الروم: ۱ - ۲ ] إلى قوله: ينصر

الله ﴾ [الروم: ٥] قال الترمذي: «غلبت، يعني بالفتح». قلت: وسيغلبون على هذا بضم الياء بالبناء للمجهول، ومعنى هذه

القراءة: غلبت الروم فارس وسيغلبهم المسلمون في بضع سنين. لكن هذه قراءة شاذة لا ينبغي اعتمادها، والقراءة المتواترة: غلبت، بالبناء للمجهول، وسيغلبون بالبناء للمعلوم، وهذا هو الموافق لسبب نزولها على أنَّ

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۱۳

البضع من ثلاث إلي تسع، والمسلمون إنما التقوا بالروم وغلبوهم بعد نزول

الآية بنحو عشرين سنة في عهد عمر رضي الله عنه.

ثُمَّ إِنَّ القراءات الشاذة لا تجوز الصَّلاة بها ولا تلاوتها ولا العمل بها إلا

إذا كانت مفسرةً لقراءة متواترة كقراءة وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَلَةٌ أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخُ أَوْ أُخْتُ ﴾ [النساء: ۱۲] من أم» ويكون العمل بها حينئذ على أنها

خبر آحاد إن صح سندها؛ لأن القرآن لكونه معجزة تحدى الله به الثقلين تتوفّر الدواعي على نقله تواترا، وهكذا وصل إلينا بقراءاته المتواترة بتلقي جيل عن جيل، وأي حرفٍ منه فَقَدَ التواتر فَقَدَ قرآنيته ودخل في حيز أخبار الآحاد، فعومل معاملتها من حيث شروط القبول والرد.

:

إذا تقرر هذا فلا يصح التمثيل لآيات قرآنية حضرية أو سفريَّة أو ليليَّة أو نهارية مثلًا بشيء من القراءات الشاذة، ومَن فعل ذلك أدخل في القرآن ما ليس فيه، كمن ذكر حديثا وجعله آية.

فليجعل القارئ هذه الحقيقة منه على ذكر ينتفع بها في قراءة هذا الكتاب وغيره من كتب علوم القرآن وتفسيره، وتنحل له مشكلات بسبب شواذ

القراءات.

وذكر أيضًا قوله تعالى: وَكَاتِن مِن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَنِكَ ﴾ [محمد: ۱۳] الآية ونقل عن السخاوي المقرئ قال في "جمال" القراء": «قيل إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لما توجه مهاجرًا إلى المدينة وقف فنظر إلى مكة فبكى فنزلت». قلت: ليس له إسناد يعتمد عليه.

١١٤

القرآن الكريم

النوع التاسع

معرفة سبب النزول

معرفة سبب النزول، ذكر في أمثلة ما تعدد سبب نزوله ورجّح أصحها إسنادًا ما رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد، عن ابن عباس قال: خرج أمية بن خلف وأبو جهل ورجال من قريش فقالوا: يا محمد تعال فتمسح بالهتنا وندخل في دينك. وكان يحب إسلام قومه فرق لهم فأنزل الله تعالى: وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ اللَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ [الإسراء: ٧٣].

وما رواه ابن مردويه عن العوفي، عن ابن عباس قال: إنَّ ثقيفا قالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أجلْنا سنة حتى يُهدى لآلهتنا فإذا قبضنا الذي يُهدى

إليها أحرزناه ثم أسلمنا. فهم أن يؤجلهم، فنزلت.

وقال هذا يقتضي نزولها بالمدينة، وإسناده ضعيف. والأول يقتضي نزولها بمكة وإسناده حسن وله شاهد عند أبي الشيخ عن سعيد بن جبير يرتقي به

إلى درجة الصحة فهو المعتمد.

هذا كلامه وقد رجح فيه أنَّ الآيات المذكورة مكية، لكنه حين تكلم في النوع الأول على السور المكية التي فيها آيات مدنية ذكر (سورة الإسراء) واستثنى منها هذه الآيات وآياتٍ أخرى لنزولها بالمدينة، وهذا تناقض لا يليق. وأنا أُرجح أنها مدنية؛ لأن سياق الآيات يقتضي ذلك، ودلالة السياق لها الاعتبار الأول في مثل هذا الموطن، والعوفي الذي ضعف به رواية ابن عباس الثانية ليس ضعفه شديد؛ فقد قال عنه أبو حاتم: «ضعيف يكتب حديثه». بل

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۱۵

وثقه ابن معين، وحسن له الترمذي عدّة أحاديث تفرد بها، وروايته هنا تتأيد

بدلالة السياق كما مر .

ورواية سعيد بن جبير التي اعتبرها شاهدا لرواية ابن عباس الأولى ليست بشاهد على ما تقرّر في علوم الحديث؛ لأن علم سعيد في التفسير مأخوذ عن ابن عباس، فاستقر الأمر على أن لابن عباس روايتين متعارضتين وإسنادهما حسن، لكن تتأيد ثانيتهما بما بيناه آنفا فهي المعتمدة.

وذكر أيضًا في أمثلة ما تعدد سبب نزوله، ورجح أحدها بكون راويه حاضر القصة: ما رواه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بالمدينة وهو يتوكَّاً على عَسِيبٍ فمرَّ على نفر من اليهود فقال بعضهم: لو سألتموه. فقالوا: حدثنا عن الرُّوح. فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي، ثُمَّ قال: ﴿ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: ٨٥].

وما رواه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود: اعطونا شيئًا نسأل هذا الرجل فقالوا: اسألوه عن الروح. فسألوه فأنزل الله وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ثُمَّ قال: فهذا يقتضي أنها نزلت بمكة، والأول

خلافه».

وقد رجح بأن ما رواه البخاري أصحُ مِن غيره، وبأن ابن مسعود كان حاضرا القصة. ثُمَّ نقل في النوع الحادي عشر -وهو ما تكرر نزوله عن ابن كثير أن آية الروح تكرر نزولها وهذا هو الصحيح.

117

القرآن الكريم

أما ما اعتمده المصنف من الترجيح فضعيفٌ؛ لأن الترجيح إنما يُصار إليه إذا تعذر الجمع، وهو هنا ممكن بأن يكون اليهود كلَّفوا قريشًا بالسؤال عن الرُّوح فنزلت الآية بمكة، ثُمَّ لما هاجر النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة أعادوا سؤاله عن الروح مؤملين أن يختلف جوابه أو يتناقض، فنزلت الآية ثانيا لإفادة أنَّ الجواب هو الجواب لا يختلف ولا يتناقض، ويؤيد هذا الجمع أن الذي نزل بالمدينة بعض الآية وهو قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَتي الآية ولم ينزل صدرها وهو: وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ الرُّوح لأنه نزل بسبب سؤال قريش بمكة.

وذكر فيما تعدد سبب نزوله آية: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ [النور: ٦] وذكر ما رواه البزار عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكرٍ رضي الله عنه: «لو رأيت مع أم رومان رجلًا ما كنتَ فاعلا به؟» قال: شرا. قال: فأنت يا عمر ؟ قال: كنت أقول: لعن الله الأَعْجَزَ وإنه لخبيث. فنزلت. قلت: هذا حديث منكر لا يصح لوجوه: أحدها: ضعف إسناده. ثانيها: أنَّ المعلوم من حال النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ضرورة أنه يغضُّ عن الأعراض والحرمات، فلا يمكن أن يوجه هذا السؤال إلى أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما.

ثالثها: ما ثبت في "الصحيحين عن سهل بن سعد قال: جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال: اسأل رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا فقتله أيقتل به؟ أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۱۷

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فعاب السائل. وفي رواية فكره المسائل وعابها فأخبر عاصم عويمرا فقال: والله لآتينَّ رسول الله فلا سألته فقال: «إنه قد نزل فيك وفي صاحبك قرآنا .... الحديث.

فانظر كيف عاب النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم السائل وكره سؤاله ولولا نزول الآية ما أجابه، وذلك لكراهته التعرُّض للأعراض إلَّا بقدر ما

تقتضي به ضرورة الحكم. فكيف يتصوّر أن يوجه ذلك السؤال ؟! رابعها: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم ما سأل قط عن حادثة قبل

وقوعها، ولم يكن ذلك من عادته.

خامسها أنه لا يتلاقى مع الآية التي نزلت فيمن قذف زوجته، فلا يصح

أن يكون من أسباب نزولها.

النوع الثالث عشر

ما نزل مفرقا وما نزل جمعاً

ذكر فيما نزل جمعا (سورة المرسلات واستدل بما في "المستدرك" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في غارٍ فنزلت عليه وَالْمُرْسَلَتِ عُرفا ﴾ [المرسلات: ١] فأخذتها مِن فيه، وإنَّ فاه رَطِبٌ بها، فلا أدري بأيها :ختم فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ [المرسلات: ٥٠] أو وَإِذَا قِيلَ هُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ﴾ [المرسلات: ٤٨] قلت: قوله: فلا أدري بأيها ختم زيادة منكرة، فإنَّ الحديث في "صحيح البخاري" بدونها، وآخر (سورة المرسلات) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ *

۱۱۸

القرآن الكريم

وذكر فيما نزل جمعا أيضًا (سورة الأنعام) واستدل بآثار ضعيفة لا تقوم بها

حجَّةٌ، والصحيح أنها نزلت مفرقة كأغلب السور.

النوع الخامس عشر

ما أنزل منه على بعض الأنبياء

ما نزل منه على بعض الأنبياء وما لم ينزل منه على أحد، نقل فيه ما رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن" عن كعب قال: إنَّ محمدا صلى الله عليه وآله وسلَّم أعطي أربع آيات لم يُعطَهنَّ موسى، وموسى أُعطي آيةً لم يعطها محمد، والآيات التي أعطيها محمدٌ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [البقرة: ٢٨٤] حتى ختم (البقرة) فتلك ثلاث آيات، وآية الكرسي.

والآية التي أعطيها موسى «اللهم لا تولج الشيطان في قلوبنا، وخلصنا منه، من أجل أنَّ لك الملكوت والأبد، والسلطان والملك والحمد، والأرض والسماء الدهر الداهر أبدا أبدا آمين أمين». قلت: هذه بقيَّةٌ يهودية في كعب؛ لأنه لا نسبة بين خواتيم (البقرة) وآية الكرسي وبين ما سماه آيةً أعطيها موسى عليه السَّلام لا في فصاحة الألفاظ

وبلاغة الجُمَل ولا في سمو المعنى وفخامته.

والعجيب من المؤلّف كيف نقل هذا الكلام ولم يتعقبه بشيء؟! ويقال لكعب : إنما لم يُعطَ محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ما سميته آيةً؛ لأنها لا ترقى إلى مصاف آي القرآن الكريم المعجز.

ونقل ما رواه الحاكم عن ابن عباس قال: لما نزلت سَبَحَ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۱۹

[الأعلى: 1] قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «وكلها في صحف إبراهيم

وموسى».

قلت: هذا الحديث غير صحيح، والإشارة في قوله تعالى: إِنَّ هَذَا إلى جملة : قَدْ أَفَلَحَ مَن تَزَكَى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ، فَصَلَّى بَل تُؤْثِرُونَ الْحَيَوَةَ الدُّنْيَا ) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: ١٤ - ١٧ ] . والمراد أن مضمون هذه الجملة في صحف إبراهيم وموسى، وليس المراد أنها موجودة بلفظها العربي. ضرورة أنَّ تلك الصحف غير عربية، وكذلك ما ورد في آياتٍ أنها موجودة في التوراة فالمراد مضمونها ومعانيها لا ألفاظها وتراكيبها العربية وقوله تعالى: إِنَّهُ مِن سُلَيْمَنَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل: ٣٠] الآية. ترجمة لمعنى ما كتبه سليمان عليه السَّلام.

ثُمَّ نقل ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: وَلَوْلَا أَن رَّا بُرْهَنَ ريه ﴾ [يوسف: ٢٤] قال: رأى آيةً من كتاب الله نهته، مثلت له في جدار الحائط. قلت: هذا الأثر غير صحيح، وهو مبني على ما جاء في الإسرائيليات أنَّ

يوسف عليه السلام فسخ تكة سراويله، وعزم على إتيان تلك المرأة. وذلك لم يحصل، وغاية ما في الأمر أنها لما دعته إلى نفسها مالت نفسه إليها بحكم شبابه وتمام قوته، ثُمَّ رأى أنَّ زوجها أكرم معاملته وائتمنه على بيته فلا أن يلوّث عرضه ويخون أمانته، فهذا هو البرهان الذي رآه بعقله وفكره

يصح

لا يبصره.

۱۲۰

القرآن الكريم

النوع السادس عشر

في كيفية إنزاله

ذكر في المسألة الثانية في كيفية إنزال القرآن رأيا حكاه عن بعضهم، وذلك بعد أن نقل كلام القطب الرازي في حواشي الكشاف" قال ما نصه: «وقال

غيره في المنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أقوال: أحدها: أنه اللفظ والمعنى، وأن جبريل حفظ القرآن في اللوح المحفوظ

ونزل به.

والثاني: أن جبريل إنما نزل بالمعاني خاصة وأنه صلى الله عليه وآله وسلَّم

علم تلك المعاني وعبّر عنها بلغة العرب، وتمسّك قائل هذا بظاهر قوله تعالى :

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ ﴾ [الشعراء: ١٩٣ - ١٩٤ ] . والثالث: أن جبريل ألقى إليه المعنى وأنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب،

وأنَّ أهل السماء يقرءونه بالعربية، ثُمَّ إنه نزل به كذلك بعد ذلك.

قلت: القول الأول هو الذي وقع عليه الإجماع، وعرف علماء الأصول وغيرهم القرآن بأنه: «اللفظ المنزَّل على محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلّم للإعجاز بسورة منه المتعبد بتلاوته».

والله تعالى يقول: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } [التوبة: ٦].

والكلام: ما تركب من «ألفاظ كما هو معلوم، والصَّلاة لا يجب فيها إِلَّا

القرآن لكونه كلام الله.

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۲۱

والقولان الأخيران شاذان ساقطان لا عبرة بهما ولا يصح ذكرهما، وقوله

(۱۹۳)

تعالى : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (۳) عَلَى قَلْبِكَ معناه: حفظك وفهمك إياه وثبته في قلبك إثبات ما لا ينسى فهو كقوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى ﴾ [الأعلى: 1]، ولا يدل على أنَّ اللفظ من عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو من جبريل عليه السلام بل قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَهُ قُرْءَانَا عَرَبِيَّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: ٢] قاطع في أنَّ اللفظ مُنَزَّل من الله تعالى.

النوع السابع عشر

في معرفة أسمائه وأسماء سوره

حكى الخلاف في القرآن، هل هو اسم علم غير مشتق خاص بكلامه تعالى؟ فهو غير مهموز ، وبه قرأ ابن كثير وهو مروي عن الشافعي.

وذكر مارواه البيهقي والخطيب عن الشافعي أنه كان يهمز قراءة و لا يهمز القرآن ويقول: القرآن اسم وليس بمهموز ولم يؤخذ من «قرأت»، ولكنه اسم لكتاب الله مثل التوراة والإنجيل.

وذكر القول بأنه مهموز وأنه مصدر لـ «قرأت كالرجحان والغفران سمي

به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر.

أو هو صفة على فُعْلان مُشتق من «القرء» بمعنى الجمع؛ لأنه جمع السور بعضها إلى بعض، أو لأنه جمع ثمرات الكتب السابقة، أو لأنه جمع أنواع العلوم

كلها.

ثُمَّ قال: والمختار عندي في هذه المسألة ما نص عليه الشافعي.

۱۲۲

القرآن الكريم

قلت: قرأ السبعة لفظ القرآن بالهمز وهو الأصل، وقراءة ابن كثير عن السبعة بدون همز وهو تخفيف كما قال اللحياني، والقراءتان مسموعتان من النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لا يصح تضعيف أحدهما ، وما روي عن الشافعي لعله لم يصح ي عنه، ولو صح فهو خطأ لا يعمل به واختيار المؤلّف له خطأ أيضًا.

النوع الثامن عشر

في جمعه وترتيبه

ذكر ما رواه ابن الضريس في فضائل القرآن" عن عكرمة قال : لما كان بعد بيعة أبي بكر رضي الله عنه قعد علي بن أبي طالب عليه السَّلام في بيته، فقيل لأبي بكر : قد كره بيعتك. فأرسل إليه، فقال: أكرهت بيعتي؟ قال: لا والله. قال: ما أقعدك عني؟ قال: رأيت كتاب الله يُزاد فيه فحدثتُ نفسي أَلَّا ألبس ردائي إلَّا لصلاة حتى أجمعه. قال له أبو بكر: فإنك نعم ما رأيت.

قلت: هذا أثر منقطع لا يصح؛ لأن عكرمة لم يدرك عليا عليه السَّلام، وأبو بكر بويع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيومين، فكيف يُنسب إلى علي أنه قال: رأيت كتاب الله يُزاد فيه ؟! ومَن الذي زاد فيه داخل ذينك اليومين؟! ونحن الآن في المائة الرابعة عشرة من نزوله وهو بحاله ولم يزد فيه حرف! فالمؤلّف مخطئ في إيراد هذا الأثر المنكر وسكوته عليه.

وتكلم على ترتيب الآيات، وصرح بأنه توقيفي بدليل الإجماع الذي حكاه أبو جعفر بن الزبير والبدر الزركشي، وبالنصوص التي أورد جملة منها وأشار إلى أنها بلغت مبلغ التواتر. ثُمَّ قال: نعم يشكل على ذلك ما خرَّجه ابن أبي داود في "المصاحف" من

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۲۳

طريق محمد بن إسحاق، عن يحي بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن أبيه قال: أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر (سورة براءة) فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووعيتها. فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما، ثُمَّ قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حِدَةٍ فانظروا آخر سورة من القرآن فألحقوها بآخرها.

ونقل عن الحافظ ابن حجراً أنه قال: «ظاهر هذا أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم، وسائر الأخبار تدل على أنهم لم يفعلوا شيئًا من ذلك إلَّا

بتوقيف» . اهـ

قلت: المقرر في علم الأصول أن خبر الآحاد إذا خالف الإجماع أو التواتر فإنه يكون مردودا لا يُعمل به ولو كان متصلا صحيحًا، فكيف إذا كان منقطعا ضعيفًا كهذا الأثر ؟! فإن راويه عبَّادًا لم يدرك جمع القرآن الذي حصل في عهد أبي بكرٍ رضي الله عنه بل كان سن أبيه عبد الله بن الزبير حينئذ أقل من خمس عشرة سنة. فالعجب من المؤلّف الذي أورده إشكالا على ما أجمع عليه العلماء وتواتر

به النقل من أن ترتيب الآيات توقيفي !!

ثم عاد يعارضه بما رواه ابن أبي داود أيضًا عن طريق أبي العالية، عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنهم جمعوا القرآن فلما انتهوا إلى الآية التي في سورة براءة: ثم انصرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة: ١٢٧] ظنوا أَنَّ هذا آخر ما أنزل فقال أبي : إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أقرأني بعد

هذا آيتين لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوك [التوبة: ۱۲۸] إلى آخر السورة.

١٢٤

القرآن الكريم

والحقيقة أنَّ أثر عبَّادٍ لا يحتاج إلى معارضة بما خالفه؛ لأنه مردود من

أساسه لسببين:

1 - مخالفته للإجماع والتواتر.

۲- ضعفه وانقطاعه.

وقول الحافظ ابن حجر: وسائر الأخبار تدل على أنهم لم يفعلوا شيئًا من ذلك إلا بتوقيف». يشير إلى ردّه بسبب مخالفته لسائر الأخبار .

أما حديث أبي بن كعب فهو من أفراد النصوص المتواترة المشار إليها فيما مر. وذكر أثرين في تأليف مصحف أبي وابن مسعود رضي الله عنهما. قلت: ذانك المصحفان شاذان لا يُعوّل عليهما ولا على غيرهما من المصاحف الشادة كمصحف علي عليه السلام، وإنما يُعوّل على المصحف الإمام الذي أجمع عليه الصحابة، وتلقاه المسلمون في جميع الأقطار والأمصار

جيلًا عن جيل.

النوع التاسع عشر

في عدد سوره وآياته

قال: أما سوره فمائة وأربع عشرة سورة بإجماع من يعتد به.

قلت: أجمع الصحابة على المصحف الإمام وهو يشتمل على أربع عشرة ومائة سورة بترتيبها المعهود الذي تلقاه المسلمون حفظا وتلقينا جيلًا عن جيل وطبقة بعد طبقة، ولم يكتب ابن مسعود في مصحفه سورتي المعوذتين، والإسناد إليه بذلك صحيح كما قال الحافظ ابن حجر، لكنه شاذ لا يعمل به. وكتب أُبي بن كعب في مصحفه سورتي الحفد والخلع وليستا بقرآن؛ لأنهما

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۲۵

لم تنقلا بطريق التواتر المطلوب في نقل القرآن وعلى هذا لا تجوز القراءة بهما في

الصَّلاة حسبما بيناه في النوع الثاني.

والمقصود أنَّ ما ذكره المؤلف من الآثار في هذا الموضع لا يُعوّل عليه؛ لأنه إما ضعيف أو مرسل والصحيح في هذا الباب مردود لأنه يناهض الإجماع والتواتر، وسورتا الحفد والخلع المدعى فيهما أنها قرآن ليستا مِن نَمَطِهِ ولا تعلوان إلى بلاغة سُوَرِهِ، ولم تعدوا أن تكونا دعاء يتوجه بهما إلى الله في القنوت، مثل القنوت الذي رواه الحسن بن علي عليهما السلام.

قال: وعن مالك أن أولها - يعني سورة التوبة - لما سقط سقط معه البسملة

فقد ثبت أنها كانت تعدل البقرة لطولها.

قلت: هذا ليس بصحيح، ونسخ تلاوة آية من القرآن محال عقلا وقد

بينت ذلك في كتاب "ذوق الحلاوة ببيان امتناع نسخ التلاوة". وذكر حديث عمر مرفوعًا: «القُرْآنُ ألْفُ ألف حَرْفٍ وسبعة وعشرون

ألف حَرْفٍ الحديث. وهو حديث باطل كما قال الذهبي.

وقال: «وقد حمل ذلك على ما نُسخ رَسمُهُ مِن القرآن أيضًا، إذ الموجود الآن لا يبلغ هذا العدد». قلت: هذا حمل باطل لما بيناه آنفًا.

النوع العشرون

في معرفة حفاظه ورواته

نقل عن الباقلاني أنه قال: «الثالث: لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته وما لم ينسخ إلا أولئك الأربعة». قلت: هذا جواب باطل لما مر آنفًا.

١٢٦

القرآن الكريم

النوع الخامس والثلاثين

في آداب تلاوته

وقال ابن مجاهد: «إذا شك القارئ في حرفٍ هل هو بالتاء أو بالياء فليقرأه

بالياء فإنَّ القرآن مُذكَّرًا... إلخ

قلت: هذا غير صحيح، بل لابد أن يرجع فيما شك فيه إلى المصحف، أو

يسأل بعض الحفاظ، فإنَّ لم يجد فليترك القراءة حتى يتأكد من صحة الحرف

الذي شك فيه.

وحمزة والكسائي لم يقرءا إلَّا بما روياه وتلقناه من شيوخهما.

النوع التاسع والثلاثون

في معرفة الوجوه والنظائر

قال: وكلُّ سَكِينةٍ فيه طمأنينة إِلَّا التي في قصة طالوت فهو شيء كرأس

الهرة له جنحان».

قلت: استند في ذلك إلى أثر عن علي لم يصح عنه بل هي خُرافة إسرائيلية.

النوع السابع والأربعون

في ناسخه ومنسوخه

قال: «السابعة: النَّسْخُ في القرآن على ثلاثة أضرب: أحدها: ما نسخ تلاوته

و حُكْمِهِ معًا... ثُمَّ قال: «الضَّرب الثالث: ما نسخ تلاوته دون حُكْمِه». قلت: هذان الضربان غير جائزين بل هما مُحالان عقلا، كما بينت ذلك في رسالة "ذوق الحلاوة ببيان امتناع نسخ التلاوة" وتثبت هذا المقصود منها ليستفاد.

الإحسان في تعقيب الإتقان

قلت فيها: الأسباب التي اقتضت امتناع نسخ التلاوة

۱۲۷

1 - أنه يستلزم البَدَاء وهو ظهور المصلحة في حذف الآية بعد خفائها وهو في حَقٌّ الله مُحالٌ، وما أبدوه من حِكْمةٍ في جوازه تمحل وتكلف لا يدفع المحال. ٢ - أن تغيير اللفظ بغيره أو حذفه بجملته إنها يُناسب البَشَر لنقصان عِلمه وعدم إحاطته، ولا يليق بالله الذي يعلم السِّرَّ وأَخْفَى؛ فإنَّا نرى الكاتب البليغ والخطيب المفوَّه يُنشئ موضوعًا يتأنّق فيه، ثُمَّ يُعيد نَظَره عليه فيجد أنَّ بعض كلماته وجمله يجب أن يُحذف، وأنَّ بعضها يجب أن يُغيَّر بما هو أفصح منه أو

أوفق أو أليق.

- أنَّ ما قيل كان قرآنا ثُمَّ نُسخ لفظه لا نجد فيه أسلوب القرآن ولا

تلاوته ولا جرس لفظه .

٤ - أنَّ منه ما يُخالف أسلوب القرآن قال الله تعالى : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة [النور: ۲] . قال العلماء: قدّمت الزانية في الذكر للإشارة إلى

أن الزنا منها أشد قبحًا، ولأنَّ الزِّنا في النساء كان فاشيا عند العرب. لكن إذا قرأت جملة: «الشَّيْحُ والشَّيْخَةُ إذا زَنيا» وجدت الزَّانِي مُقدَّمًا في الذكر على خلاف الآية، وهذا يقتضي أن تقديم أحدهما كان مصادفة لا لحكمة وهو لا يجوز؛ لأن من المقرَّر المعلوم أنَّ ألفاظ القرآن الكريم موضوعة وضعا

حكيما، بحيث لو قدم أحدهما عن موضع أو أخر اختل نظام الآية.

ه - أنه ورد في سبب نسخ هذه الجملة من القرآن أخبار منكرة نبين ما فيها

باختصار.

۱۲۸

القرآن الكريم

في "صحيح البخاري" في باب الاعتراف بالزنا وذكر عن ابن عباس قال: قال عمر : لقد خشيت أن يطول بالنَّاسِ زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرَّجمَ في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، أَلَا وَإِنَّ الرَّحِمَ حَقٌّ عَلَى مَن زنى وقد أُحصن.

ولم يرو البخاري قول عمر : وقد قرأناها: «الشيخ والشيخة إذا زنيا...».

قال الحافظ : «ولعل البخاري تركها عمدًا».

ومن الروايات المنكرة: ما رواه النسائي : أنَّ مروان بن الحكم قال لزيد بن

ثابت: ألا تكتبها في المصحف؟ قال: لا، ألا ترى الشابين الثيبين يرجمان؟ وهذه نكارة واضحة، كيف يترك زيد آية الرَّجُمِ لأنها تخالف حُكم الشابين

المحصنين ؟!

رواية أخرى منكرة: روى الحاكم عن كثير بن الصلت قال: كان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص يكتبان المصحف فمرًا على هذه الآية فقال زيد

سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيا فارجوهما البَنَّة». فقال عمر: لما نزلت أتيتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقلت أكتبها ؟ فكأنه كره ذلك فقال عمر: ألا ترى أنَّ الشيخ إذا زنى ولم يحصن

جلد وأنَّ الشاب إذا زنى وقد أحصن رحم؟

قال الحافظ ابن حجر: «فيستفاد من هذا الحديث السبب في نسخ تلاوتها

لكون العمل على غير الظاهر من عمومها».اهـ

قلت: في هذه الرواية نكارتان

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۲۹

إحدهما : كراهة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكتابة آية الرجم، وكيف

يكره كتابة آية أُنزلت عليه؟!

والأخرى: قول عمر ألا ترى أنَّ الشيخ إذا زنى... إلخ، كيف يعترض

عمر على آية يعتقد أنَّ الله أنزلها؟!

وقول الحافظ : «يُستفاد من هذا الحديث السبب في نسخ تلاوتها لكون العمل على غير الظاهر من عمومها . اهـ سهو منه رحمه الله ففي القرآن عمومات كثيرة لم يُنسخ لفظها مع أنَّ عمومها غير مراد، ولكن بين المراد بمخصصات أخرى في القرآن أو السُّنَّة.

ونكارة ثالثة: وهي أ أنَّ الله تعالى لم يكن ليحذف آيةً من القرآن لاعتراض بعض المكلفين عليها.

فهذه النكارات تؤيد أنَّ جملة «الشيخ والشيخة إذا زنيا» لم تكن آية من القرآن قط.

٦ - أن تلك الجمل التي قيل إنها كانت من القرآن لا رابط يربطها بآياته بل

هي جمل مقتطعة لا يدرى أين كان محلها من المصحف الشريف.

- إذا قرأت خواتيم سورة (البقرة) وخواتيم (آل عمران) وما فيها من دعاء وتوجه إلى الله بأسلوب في نهاية البلاغة، ووازنته بما قيل إنها كانت سورة «الحفد» وجدت فرقا بينهما بعيدًا جدًّا، هو الفرق بين كلام الله وكلام البشر،

لأن قُنوت الحد من إنشاء عمر كما قيل. - تقرر في علم الأصول أنَّ القرآن إنهما يثبت بالتواتر وما لم يتواتر لا

۱۳۰

القرآن الكريم

يكون قرآنا، وتلك الجمل التي قيل بقرآنيتها ليست متواترةً فهي شاذة، والشاد

لا يكون قرآنا ولا تجوز تلاوته

-

٩ - إِنَّ السُّنَّة النبوية وقع فيها نسخ المعنى أي الحكم كما وقع في القرآن الكريم، ولم يثبت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أنه رجع عن لفظ مِن ألفاظ حديثه أو بدله بغيره أو قال للصحابة عن حديث لا تحفظوه فقد نسخت لفظه أو رجعت عنه فلا تبلغوه عنّي.

لم يثبت هذا عنه أصلا بل صح عنه من طرق بلغت حد الاستفاضة والشهرة أنه قال: «نَضَّر الله امْرَأَ سَمِعَ مَقَالَتي فَوَعَاهَا فَأَدَّاها كما سَمِعَهَا، فَرُبَّ

حامِل فِقْه غير فقيه، ورُبَّ حَامِل فِقْهِ إِلى مَن هو أَفْقَهُ مِنه».

وإذا كان الأمر كذلك في السُّنَّة ؛ فكيف يجوز أن ينسب إلى الله تعالى رجوعه عن آية ونسخ تلاوتها؟!

١٠ - إنَّ معنى نسخ التلاوة عند القائلين به أنَّ الله أسقط الآية المنسوخة من القرآن، وهذا خطير جدا؛ لأن كلام الله قديم وكيف يعقل أن يُغيّر الله كلامه القديم بحذف آيات منه ؟ !

وهل يقال كانت من كلام الله والآن ليست منه؟! كيف يجوز هذا والله

تعالى يقول: لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَتِ اللهِ ﴾ [يونس : ٦٤] وانظر بقية البحوث في الرسالة المذكورة.

الإحسان في تعقيب الإتقان

النوع الحادي والخمسون في وجوه مخاطباته

۱۳۱

نقل عن ابن القيّم قوله تأمَّل خطاب القرآن تجد مَلِكًا له الملك كله، وله الحمد كله أزمة الأمور كلها بيده ومصدرها منه وموردها إليه، مستويًا على عرشه، لا تخفى عليه خافية من أقطار مملكته». قلت: قوله: «مستويا على عرشه زلةٌ من ابن القيم تدل على ميله للتشبيه سامحه الله .

نعم قال الله تعالى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] لكن لا يجوز أن نأخذ منه اسم فاعل نصفه به كما فعل ابن القيم، كما لا يجوز أن نصف الله بأنه مستهزئ وإن قال : الله يستهزئ بهم ﴾ [البقرة: ١٥] لأنه لا يوصف إلا بصفة وردت صريحة في الكتاب أو السُّنَّة كما تقرر في علم الكلام. وغفل المؤلّف أن ينبه على هذه الزلة القبيحة؛ لأنَّ شَغَفه بالجمع يشغله عن تأمل ما ينقله، وعن تحرير ما يقوله ويكتبه.

النوع الرابع والخمسون في كناياته

قال: ثانيها ترك اللفظ إلى ما هو أجمل منه نحو: إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعُ وَتَسْعُونَ

نعْجَةً وَلِى نَعْجَة وَاحِدَةٌ [ص: ۲۳] فكنَّى بالنعجة عن المرأة كعادة العرب في ذلك؛

لأن ترك التصريح بذكر النساء أجمل منه.

قلت: ما ذكره غير صحيح لوجهين:

الأول: أن العرب لا يتنزهون عن ذكر اسم المرأة ولا عن لفظها، وفي القرآن الكريم: لا فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَ انسان ﴾ [البقرة: ۲۸۲] ووجد مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ﴾ [القصص: ۲۳] لا ضَرَبَ الله مثلا وَوَجَدَ

۱۳۲

القرآن الكريم

للَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوط ﴾ [التحريم: ١٠] وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا للَّذِينَ ءَامَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ﴾ [التحريم: ۱۱] وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ [ المسد: ٤] بل ثبت التصريح بأسماء كثير من النساء على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وكثير من الصحابة، فهذه النكتة باطلة أو غير مطّردة. والآخر: دعوى أنَّ لفظ «النعجة» في الآية كناية عن المرأة مبنية على خرافة اسرائيلية ألصقت بداود عليه السَّلام - كذبًا وبهتانا، وتمالاً على ذكرها معظم المفسرين، بل جميعهم فيما أعلم.

والصحيح في تفسير الآية أنَّ الخصم الذين دخلوا على داود كانوا إسرائيليين بينهم خصومةٌ في نعاج حقيقية، واستغفار داود بعد ذلك لأنه فزع منهم حين تسوّروا عليه المحراب، وتذكر أنه ما كان ينبغي له أن يفزع من مخلوق وهو في حضرة الخالق يعبده ويُثني عليه، فاعتبر هذا الفزع امتحان

من الله وفِتْنَةٌ فَخَرَّ راكعا وأناب.

النوع الخامس والستون

في العلوم المستنبطة من القرآن الكريم

قال : قال الله تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْء ﴾ [الأنعام: ٣٨] . قلت: حمل الكتاب في هذه الآية على القرآن ضعيف مخالف للسياق، والصحيح أنَّ الكتاب هنا هو اللوح المحفوظ وهذا مثل قوله تعالى: وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلَّ فِي كِتَبٍ مُّبِينٍ [هود: ٦] هو اللوح المحفوظ، والقرآن نفسه مكتوب في اللوح المحفوظ.

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۳۳

قال: «وفي الولد الذي سماه عبد الحارث».

قلت: يريد بهذه الجملة ما رواه ابن جرير عن سمرة قال: «سمى آدم ابنه

عبد الحارث».

وروى الترمذي وغيره عن سمرة مرفوعًا: لما ولدت حواء طاف بها إبليس - وكان لا يعيش لها ولد - فقال : سميه عبد الحارث فسمته فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره.

وهذا الحديث حسنه الترمذي، وهو ضعيف منكر بل هو خرافة إسرائيلية

كما بينه ابن كثير في "تفسيره". قال: «وتزوجه بنت شعيب». قلت: يريد أنَّ موسى تزوج بنت شعيب، والظاهر أنه أراد شعيبا الرسول كما قال ذلك مالك وغيره، وليس بصحيح؛ لأن شعيبا كان قبل موسى بدلالة

القرآن.

فقي (سورة الأعراف) ذكر قصة نوح ثُمَّ هودٍ ثُمَّ صالح ثُمَّ لُوطٍ ثُمَّ شعيب

على هذا الترتيب وبعد ذلك قال الله تعالى: ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِم مُوسَى [الأعراف: ١٠٣]

قال ابن كثير : أي الرسل المتقدم ذكرهم كنوحٍ وهود وصالح ولوط

وشعيب» . اهـ

فكيف يتزوج بنت رسول كان قبله؟! ولعل الذي تزوج موسى بنته كان

اسمه على اسم شعيب الرسول، إن صح أن ذلك اسمه.

قال: «وقصة القوم الذين ساروا في سرب من الأرض إلى الصين». قلت: هذه القصة وإن رواها ابن جرير عن ابن عباس، خرافة إسرائيلية.

١٣٤

القرآن الكريم

النوع التاسع والستون

فيما وقع في القرآن

نقل عن سَمُرة أنَّ إدريس رُفع إلى السماء السادسة، ونصَّ على أنَّ إسناده واه. وفي حديث المعراج الصحيح أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وجَدَ

إدريس في السماء الرابعة.

قال: والرعد، ففي الترمذي من حديث ابن عباس: أنَّ اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقالوا: أخبرنا عن الرَّعْد. فقال: «مَلَكٌ مِن الملائكة مُوكَّل بالسَّحابِ». قلت : قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح غريب».

وليس كذلك، في سنده بكير بن شهاب ليس من شرط الصحيح ولا

الحسن، والحديث ضعيف منكر.

وكذلك ما ذكره من أنَّ البَرْق مَلَكٌ له أربعة أوجه... إلخ، ليس بصحيح

بل هو خرافة إسرائيلية. وكذلك «السجل» و««عيد» ليسا بملكين وإنما قيل ذلك وليس بصحيح. قال: و«ق» وهو جَبَل محيط بالأرض.

قلت: لا دليل على هذا ولا أصل له وإن شاع على ألسنة كثير من النَّاس فيهم علماء مثل المؤلف. ذو القرنين غير إسكندر، وكلام للإمام السيوطي

حول ذي القرنين غير صحيح، بل فيه ما هو من قبيل الخرافة

قال: ومنها ذو القرنين واسمه إسكندر.

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۳۵

قلت: بل هو غيره؛ لأن إسكندر كان كافرًا وذو القرنين مسلم، بل قيل

بنبوته.

قال: «ولقب ذا القرنين لأنه بلغ قرني الأرض المشرق والمغرب، وقيل لأنه ملك فارس والروم، وقيل كانت صفحة رأسه من نحاس، وقيل كان على رأسه قرنان صغيران تواريهما العمامة، وقيل أنه ضرب على قرنه فمات ثُمَّ بعثه الله فضربوه على قرنه الآخر ، وقيل كان كريم الطرفين، وقيل لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس وهو حي ، وقيل لأنه أعطي علم الظاهر وعلم الباطن، وقيل لأنه دخل النُّور والظلمة».اهـ

قلت: جميع ما ذكره المؤلف غير صحيح، بل فيه ما هو من قبيل الخرافة. وهذه الأقوال قيلت عن ظنُّ وتخمين لا عن دليل، وأطرف ما فيها أنَّ المراد بالقرنين علم الظاهر وعلم الباطن، وهذا اصطلاح صوفي فهل كان ذو القرنين صوفيا ؟ !

والأقرب إلى الصواب أنه كان لذي القرنين في التاج الذي يضعه على رأسه

قرنان يرمز بهما إلى القوة على المعتاد عندهم في ذلك الزمان. قال: ومنها فرعون، واسمه الوليد بن مصعب، وكنيته أبو العباس، وقيل الوليد وقيل أبو مرة.

قلت: هذا غير صحيح؛ فإنَّ فرعون قبطي واسم الوليد عربي والكنية من

خصائص العرب. والصواب أن اسمه «منفتاح»، وجثّته موجودة بدار الآثار المصرية مع بيان

اسمه وتاريخه وأنه ابن رمسيس، ولم تذكر له كنية.

١٣٦

القرآن الكريم

النوع الثمانون

في طبقات المفسرين

قال: وقد ورد عن ابن عباس في التفسير ما لا يُحصى كثرة، وفيه روايات وطرق مختلفة، فمن جيّدها طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي عنه.

قلت لكن قال الميموني، عن أحمد: «له أشياء منكرات».

وقال ابن حِبَّان في "الثقات: روى عن ابن عباس ولم يره، وفي تهذيب التهذيب روى عن ابن عباس ولم يره، بينهما مجاهد، فروايته عن ابن عباس

منقطعة، ولا يكفي أن يكون الواسطة بينهما مجاهدًا أو سعيد بن جبير، ف

يكون الواسطة غير هما من الضعفاء». قال: ولم يورد عنه ابن أبي حاتم شيئًا لأنه التزم أن يخرج أصح ما ورد. قلت: لمريف بما التزمه كما يظهر لمن قرأه وتتبعه.

، فقد

قال: وأما أبي بن كعب فعنه نسخةٌ كبيرة يرويها أبو جعفر الرازي عن

الربيع عن أنس، عن أبي العالية عنه. وهذا إسناد صحيح.

قلت: أبو جعفر الرازي ليس من شرط الصحيح فقد ضعفه أحمد، وقال ابن المديني: «كان يخلط»، وقال أبو زرعة كان يهم كثيرًا»، وقال ابن حبان:

كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير».

ووثقه ابن معين وغيره، لكن قال ابن معين: «ليس بمتقن».

قلت: ومما يدل على عدم إتقانه وانفراده بالمناكير، ما رواه عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: إنَّ روح عيسى -عليه السلام- من جملة الأرواح التي أخذ عليها العهد في زمان آدم عليه السّلام، وهو الذي

الإحسان في تعقيب الإتقان

۱۳۷

تمثل لها بَشَرًا سويا - أي روح عيسى - فحملت الذي خاطبها وحلّ في فيها. قال ابن كثير: «وهذا في غاية الغرابة والنكارة»، وقال ابن تيمية: «هذا محال».

ما ورد في التفاسير المرفوعة

قال: وأخرج الطبراني عن علي ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «السَّكِينَةُ رِيحٌ خَجُوجٍ

قلت: في إسناده مجهولان، ورواه ابن جرير موقوفا على علي، وتقدم كذلك. والحديث منكر، لا يبعد أن يكون موضوعًا، والسكينة هي طمأنينة القلب

وسكونه.

(سورة الأعراف):

قال: وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لما ولدت حواء طاف بها إبليس» الحديث. قلت: تقدَّم في النوع الخامس والستين ونبهنا على أنه ضعيف منكر. (سورة التوبة):

قال: وأخرج ابن المبارك في "الزهد"، والطبراني، والبيهقي في "البعث"، عن عمران بن حصين وأبي هريرة قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية ﴿ وَمَسَكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّتِ عَدْنٍ ﴾ [التوبة: ۷۲] الحديث. قلت: هو حديث ضعيف ولم ينبه عليه المؤلّف.

(سورة يوسف)

قال : أخرج أبو يعلى، وسعيد بن منصور، والحاكم وصححه، والبيهقي في "الدلائل"، عن جابر بن عبد الله قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وآله

۱۳۸

القرآن الكريم

وسلم فقال: يا محمد أخبرني عن النجوم التي رآها يوسف ساجدة له.

الحديث.

قلت: تفرد به الحكم بن ظهير، متروك، والعجب من المؤلف كيف سكت

عن التنبيه عليه مع علمه بحال الحكم ابن ظهير.

قال: وأخرجه ابن مردويه عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لما قال يوسف : ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَن لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ [يوسف: ٥٢] قال له

جبريل : يا يوسف اذكر همك فقال: وَمَا أُبَرَى نَفْسِي [يوسف: ٥٣] . قلت: هذا الحديث غير صحيح، بل هو منكر ويشبه أن يكون موضوعا والراجح عند المحققين وهو مقتضى السّياق أنَّ جملة: ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ

بالغيب كلام امرأة العزيز ولا بن تيمية في ترجيحه تأليف خاص.

(سورة الرعد) ذكر أحاديث ضعيفة منكرة في أنَّ الرَّعْد مَلَكُ والبَرْقَ طرف مَلَك يقال له روقيل وحديث: «إنَّ مَلَكًا مُوكَّلْ بِالسَّحَاب... إلخ. وقد سبق الحديث الأول منها في النوع التاسع والستين ونبهنا على أنه من

الإسرائيليات.

وذكر في تفسير آية يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُنْبِتُ ﴾ [الرعد: ٣٩] أحاديث ضعيفة المراد بها محو الرزق والأجل... إلخ.

وتلك أحاديث لا يعتمد عليها، والصحيح الموافق لسياق الآية أن المراد

بها محو الشرائع وإثبات ما شاء منها.

الإحسان في تعقيب الإتقان

(سورة الإسراء):

۱۳۹

قال: أخرج البيهقي في "الدلائل" عن سعيد المقبري: أَنَّ عبد الله بن سَلَامٍ سأل النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن السواد الذي في القمر ... الحديث قلت: هو مرسل ضعيف لا يعتمد عليه.

إلى هنا انتهى ما أردت التنبيه عليه من أقوال ساقطة وروايات واهية

وأخبار اسرائيلية، وتركت التنبيه على بعض الأحاديث الضعيفة؛ لأن الأمر فيها قريب، والله الموفق والهادي.

٣- جَوَاهِرُ البَيانِ

في تَناسُب سُورِ القُرْآنِ

عِلمُ التَّناسُب للسُّورُ عِلْمٌ جَليل ذو خَطَرْ قَدْ قَــل فيــه مــن كَتَبُ فلـــــذاك عَنَّ المُستَطَـــــر وابن الزبير نراه في الــــــ برهانِ أَوَّلَ مَن سَطَرْ إذ جــــــاء فيـــــــه مُجلّيـــــــا يتلوه بحرٌ قَدْ زَخَر أعني السيوطي الذي كتب التناسق للدرر وكتبتُ مثل كتابهم بحثا يؤيده النَّظَـــــر أعْمَلْتُ فيه قريحتي واختَرْتُ أنسب الفكر وفَتَحْتُ بَعْضَ المُغلَقِ من آي زِكْرِ مِن سُورٌ وأتيـــت مــــن عــــن المــــا يــــل بالبدائع والغُــــــر أهمتُ مِن فَيْض الإلهِ بفَيضِ فَضْلٍ مُدَّخَرٌ حمد الواهـــــب فـــــه ولـــــه التــــــول إذْ سَــــــر وصَلَاتُهُ دَومــا على خير البريَّةِ مِن مُضَر

جواهر البيان

تمهيد

١٤٥

الحمد لله الذي أنزل كتابه هدى ورحمةً، وجعله شفاء ونعمةً، أودعه علومًا وأسرارًا، وضمنه أحكامًا وأخبارًا ، كتابٌ يُبيّن طريق السَّعادةِ والشَّقاء، ويُرشد إلى حقائق يتوصل إلى كَشْفِها بعد بحث طويل كبار العلماء.

والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد الذي اختصه الله بمعجزة القُرآن، وفضله على جميع خَلْقِهِ من مَلَكِ وإنس وجان ، ) وجان، ورضي الله عن آله وأصحابه، وعمن تبع هديه ودخل في زُمْرَةِ أحبابِهِ. أما بعد: فقد أردت بمشيئة الله تعالى أن أبين في هذا الكتاب مناسبات سور

القرآن الكريم بعضها لبعض حسب ترتيبها في المصحف الشريف، وهذا فن عزيز قل من تعرض له من العلماء على كثرة من تعرض منهم لفنون القرآن المتنوعة مثل: تفسيره، وإعرابه ،وقراءاته وتجويده واستنباط أحكامه

وقصصه، وغير ذلك، وسمّيته: "جواهر" البيان في تناسب سور القرآن". والله أسأل، وإليه بكتابه العزيز أتوسل، أن يوفقني ويُلهمني رشدي، وأن

يفرج كربتي، ويُذهب عنِّي غُمَّتي، إنه قريب مجيب.

١٤٦

القرآن الكريم

مقدمة

تشتمل على مسائل

المسألة الأولى: في أسماء سور القرآن

قال الجاحظ: سمَّى الله تعالى كتابه اسما مخالفا لما سمَّى العرب كلامهم على الجمل والتفصيل، سمَّى جملته قرآنا كما سمَّوا ديوانًا، وبعضه سورة كقصيدة، وبعضها آية كالبيت، وآخرها فاصلة كقافية».

وقال ابن قتيبة السورة تهمز ،ولا ، همز ، فمن هَمَزَها جعلها من أسأرت، أي: أفضلت من السُّؤر، وهو ما بقي من الشراب في الإناء، كأنها قطعة من القرآن، ومن لم يهمزها جعلها من المعنى المتقدّم، وسهل همزها، ومنهم من يشبهها بسورة البناء، أي القطعة منه».

وقيل: من سور المدينة؛ لإحاطتها بآياتها، واجتماعها كاجتماع البيوت بالشور، ومنه السوار لإحاطته بالساعد.

وقيل: سُمّيت سورة لارتفاعها؛ لأنها كلام الله، والسورة: المنزلة الرفيعة،

قال النابغة: الم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاكَ سُورَةٌ تَرَى كُلِّ مَلْكِ حَوْلَهَا يَتَذَبْذَبُ

أي منزلة شرف ارتفعت إليها عن منازل الملوك.

وقيل لتركيب بعضها على بعض من التسور بمعنى التصاعد والتركيب، ومنه: إن سوروا المِحْرَابَ ﴾ [ ص: ۲۱] هذا أصل اشتقاق كلمة السورة من

حيث اللغة.

وأما معناها في الاصطلاح، فقال الجعبري: «حد السُّورة: قرآن يشتمل

جواهر البيان

١٤٧

على أي ذو فاتحة وخاتمة، وأقلها ثلاث آيات».

وقال غيره: «السورة: الطائفة المترجمة توقيفا، أي المسماة باسم خاص بتوقيف من النبي صلى الله عليه وآله وسلم».

قال الحافظ السيوطي: وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الحديث والآثار». قال: «ومما يدل لذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم، عن عكرمة، قال: كان المشركون يقولون : (سورة البقرة)، و (سورة العنكبوت)، يستهزئون بها،

فنزل: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِينَ ﴾ [الحجر: ٩٥]).

قلت: هذا مرسل ضعيف.

وقد يكون للسورة اسم واحدٌ - وهو الأصل - وقد يكون لها أكثر، مثل: (الفاتحة) تسمى: «فاتحة الكتاب»، و«فاتحة القرآن»، و«أم الكتاب»، و«أم

القرآن»، و«السبع المثاني»، و«الوافية»، و«الكافية»، وقد أوصل السيوطي أسماءها في "الإتقان" إلى خمسة وعشرين اسما.

الحاكم،

و(سورة البقرة) ثبت تسميتها سنام القرآن في حديث عند وورد تسميتها «فسطاط «القرآن» في حديث ضعيف، وسميت هي و (آل

عمران) بـ «الزهراوين» في حديث صحيح.

و(المائدة): تسمى «العقود».

و (الأنفال): قال ابن عباس: «سورة بدر».

و(التوبة): تسمى (براءة»، و«الفاضحة»، و«سورة العذاب»، «المقشقشة»، و«المنقرة»، و«البحوث» بفتح الباء - و «المثيرة»، و«المبعثرة»، و«الحافرة»، لأنها فضحت المنافقين، وكانت عذابًا عليهم، وبرأت من النفاق، ونقرت عما في

١٤٨

القرآن الكريم

قلوب المنافقين، وبحثت عن أسرارهم وأثارتها، وبعثرت عنها، وحفرت عنهم.

و (النحل): تسمى «سورة النعم».

و(الإسراء): تسمى «سورة سبحان»، «وبني إسرائيل».

و (طه): تسمى «سورة الكليم».

و(الشعراء): وقع في تفسير الإمام مالك" تسميتها بـ«سورة الجامعة».

و (النمل): تسمى «سورة سليمان».

و(السجدة): تسمى «سورة المضاجع».

و (فاطر): تسمى «سورة الملائكة».

و(يس): سميت في حديث يأتي: «قلب القرآن». و(الصافات): تسمى «سورة الذبيح».

و(ص): تسمى «سورة داود».

و ( الزُّمَر): تسمَّى «سورة العُرَف».

و (غافر): تسمى سورة «الطول»، و«المؤمن».

و (فصلت): تسمى «سورة السجدة»، و«سورة المصابيح».

و(الجاثية): تسمَّى سورة الشريعة»، و«سورة الدهر».

و «اقتربت» (سورة القمر).

و(الرحمن): سميت في حديث يأتي: «عروس القرآن». و(المجادلة): سميت في مصحف أبي بن كعب سورة الظَّهار).

و (الحشر): قال ابن عباس: «سورة بني النضير».

و(الصف): «سورة الحواريين».

جواهر البيان

و (الطلاق): قال ابن مسعود: «سورة النساء القُصْرَى».

و(الملك): «سورة تبارك» و«المانعة».

و(المعارج): «سورة سأل» و«الواقع».

و (النبأ): «سورة عم»، و«التساؤل»، و«المعصرات».

١٤٩

و (البيّنة): سورة القيمة»، و «لم يكن»، و«البرية»، و«الانفكاك»، وسميت في مصحف أبي بن كعب: «سورة أهل الكتاب».

و(الماعون): «سورة أرأيت»، و«الدين».

و(الكافرون): سورة العبادة، وتسمى: «المقشقشة».

و (النصر): «سورة التوديع».

و«ثبت»: (سورة المسد).

و (الإخلاص): سورة الأساس».

المسألة الثانية في ترتيب سور القرآن

الصحيح عند عامَّة السَّلَف أنَّ ترتيب السُّور توقيفي، بمعنى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلّم يلقاه عن جبريل عليه السلام- وتلقاه عنه الصحابة. قال عبد الله بن وهب سمعت مالكًا يقول: إنها ألف القرآن على ما كانوا

عنهم

جمعوا بين

يسمعونه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم». وقال البغوي في "شرح السُّنَّة": «الصحابة رضي ا الله الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئًا؛ خوف ذهاب بعضه بذهاب حَفَظَتِهِ، فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله

10.

القرآن الكريم

عليه وآله وسلَّم، وكان رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل إياه على ذلك، وإعلامه عند نزول كل آية أنَّ هذه الآية تكتب عقب كذا في سورة كذا، فثبت أنَّ سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحدٍ لا في ترتيبه؛ فإنَّ القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب، أنزله الله جملة إلى السماء الدنيا، ثُمَّ كان يُنزِله مُفرَّقًا عند الحاجة، وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة».

وقال ابن الحصار: ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحي، كان رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول: «ضَعُوا آيةَ كذا في موضع كذا». وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من تلاوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم ومما أجمع الصحابة على وضعه هكذا في

المصحف.

وقال أبو بكر بن الأنباري في كتاب "الردُّ على من خالف مصحف عثمان": «إنَّ الله تعالى أنزل القرآن جملةً إلى السماء الدنيا، ثُمَّ فرقه على النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في بضع وعشرين سنة، وكانت السورة تنزل في أمر يحدث، والآية تنزل جوابًا مُستخير يسأل ، ويوقف جبريل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على موضع السورة والآية».

فانتظام السور كانتظام الآيات والحروف كله عن رسول الله خاتم النبيين، عن رب العالمين، فمن أخر سورة مقدَّمة، أو قدم أخرى مؤخّرة، كمن أفسد نظم الآيات، وغير الحروف والكلمات، ولا حُجَّة على أهل الحق في تقديم (البقرة)

جواهر البيان

١٥١

على (الأنعام)، و (الأنعام) نزلت قبل (البقرة)؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم أخذ عنه هذا الترتيب، وهو كان يقول: «ضَعُوا هذه السُّورة مَوْضِع كذا

وكذا من القرآن . وكان جبريل عليه السَّلام يوقفه على مكان الآيات. وقال الكرماني في "البرهان: ترتيب السور" هكذا هو عند الله في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب، وكان صلَّى الله عليه وآله وسلّم يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه، وعرضه عليه في السنة التي توفّي فيها مرتين، وكان آخر الآيات نزولا: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾ [البقرة: ۲۸۱] فأمره جبريل أن يضعها بين آيتي الربا والدين». وقال العلامة الطيبي: أنزل القرآنُ أوَّلا جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثُمَّ نزل مُفرَّقًا على حسب المصالح، ثُمَّ أُثبت في المصاحف على

التأليف والنظم المثبت في اللوح المحفوظ» (۱).

وذهب القاضي الباقلاني في أحد قوليه وابن فارس إلى أن ترتيب السور

باجتهاد من الصحابة، ونُسب إلى مالك.

(۱) وقال ولي الدين الملوي: «قد وَهِم مَن قال: لا يُطلَبُ للآي الكريمة مناسبة؛ لأنها على حسب الوقائع المفرَّقة. وفَصِّلُ الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلا، وعلى حسب الحكمة ترتيبا وتأصيلا، فالمصحف على وفق ما في اللوح المحفوظ مرتبةٌ سُوَره كلُّها وآياته بالتوقيف، كما أنزل جملةً إلى بيت العِزَّة.

ومن المعجز البين: أسلوبه ونَظْمه الباهر، والذي ينبغي في كلِّ آيَةٍ أَن يُبحثَ أَوَّل كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها أو مستقلةً، ثُمَّ المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها؟ ففي ذلك عِلْمٌ جَمٌ، وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها، وما سيقت له.

١٥٢

القرآن الكريم

ومال ابن عطية في "تفسيره " : إلى أنَّ كثيرًا من السور كان قد علم ترتيبها في حياته صلى الله عليه وآله وسلّم كالسبع الطوال والحواميم والمفصل، وأنَّ ما

سوى ذلك يمكن أن يكون قد فوض الأمر فيه إلى الأمة بعده. قال الزركشي في "البرهان": والخلاف بين الفريقين لفظي؛ لأن القائل بالثاني يقول: إنه رمز إليهم ذلك، لعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته، ولهذا قال مالك: إنما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مع قوله بأن ترتيب السور باجتهاد منهم». فآل الخلاف إلى أنه هل هو

بتوقيف قولي؟ أو بمجرد إسنادٍ فعليّ؟ بحيث يبقى لهم فيه مجال للنظر. وقال البيهقي في "المدخل": «كان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرتبًا سُوَره وآياته على هذا الترتيب إلا الأنفال وبراءة، لحديث عثمان». ومال إليه السيوطي.

وحديث عثمان لا دلالة فيه لما قاله كما سيأتي بحول الله تعالى.

قال أبو جعفر النحاس: «المختار أنَّ تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لحديث وَائِلة: «أُعْطِيتُ مكان التوراة السَّبْعَ الطَّوَال». فهذا الحديث يدل على أنَّ تأليف القرآن مأخوذ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه من ذلك الوقت، وإنما تُجمع في المصحف على شيء واحد؛ لأنه جاء هذا

الحديث بلفظ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم على تأليف القرآن». قلت: لفظ حديث واثلة: «أُعطيتُ مكان التوراة السَّبْعَ الطُّوال، وأُعطيت مكان الزَّبُور المئين، وأُعطيتُ مكان الإنجيل المثاني، وفُضّلْتُ بالمُفَصَّل». رواه

جواهر البيان

أحمد والطبراني.

١٥٣

وفي إسناده عمران بن داود القطَّان، وهو وإن ضعفه يحيى بن معين، وأبو داود، والنسائي؛ فقد وثقه عفان، ومشاه أحمد، وقال ابن عدي: «هو ممن يكتب حديثه». واحتج به ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم، فهذا الحديث حسن.

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": «ومما يدل على أن ترتيبها توقيفي ما أخرجه أحمد، وأبو داود عن أوس بن أبي أوس، عن حذيفة الثقفي قال: كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف... الحديث.

وفيه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «طرأ على حِزْبُ من القرآن فأردتُ ألا أخرج حتى أقضيه».

فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلنا كيف تُحَزّبون القرآن؟ قالوا: نُحزبه ثلاث ،سور، وخمس ،سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورةً، وثلاث عشرة سورةً، وحزب المفصل من (ق) حتى

يختم.

قال: «فهذا الحديث يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف

(۱) اسمه: "فتح الباري بشرح صحيح البخاري وهو أحسن شروحه من حيث جمع الطرق والروايات، والجمع بين الأحاديث المختلفة. التزم ألا يذكر فيه إلا حديثا صحيحا أو حسنًا، وأن يُنبه على الحديث الضعيف إذا ذكره، ولذلك تجد الحافظ السخاوي في "المقاصد الحسنة" إذا نقل تضعيفًا أو توهينا لحديث، يستدرك أحيانًا

بقوله: «لكن ذكره شيخنا في "شرح البخاري".

١٥٤

القرآن الكريم

الآن، كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم». قال: «ويحتمل أن

الذي كان مرتبا حينئذ حزب المفصل خاصة، بخلاف ما عداه .

قلت: هو احتمال بعيد، يبطله حديث واثلة.

وفي "صحيح مسلم " حديث: «اقرؤا الزَّهْرَاوين البقرة وآل عمران». وفي "مصنف ابن أبي شيبة من حديث سعيد بن خالد قال: قرأ النبي

صلى الله عليه وآله وسلم بالسبع الطوال في ركعة.

وفي "صحيح البخاري عن ابن مسعودٍ أنه قال: «في (بني إسرائيل)، و(الكهف)، و(مريم)، و(طه) و (الأنبياء): إنهنَّ من العِتاق الأول، وهُنَّ من يلادي (١)) . فذكرها نسقا كما هي في المصحف الآن. قال الحافظ السيوطي: ومما يدل على أن ترتيب السور توقيفي كون الحواميم رتبت ولاء، وكذا الطواسين، ولم تُرتّب المُسَبِّحات ولاء، بل فصل بين سُورِها وفصل بين طسم (الشعراء)، وطق ﴾ (القصص) بطش (النمل)، مع أنها أقصر منهما ، ولو كان الترتيب اجتهاديًا لذكرت المسبحات ولاء، وأخرت طس (النمل) عن (القصص).

والخلاصة: أن ترتيب السور توقيفي كترتيب الآيات. أما ما رواه أحمد وأصحاب السنن" عن ابن عباس قال: «قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى (الأنفال) وهي من المثاني، وإلى بَرَاءَةٌ وهي من

(۱) بكسر التاء وفتحها يريد أنه أخذهنَّ قديما بمكة، والتلاد المال القديم الذي نشأ عند الشخص وتولد عنده، ويقال له : التالد أيضًا وخلافه : «الطارف» وهو المال الحادث.

جواهر البيان

100

المئين، فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر ابن الله الرحمن الرحيم ووضعتموهما في السبع الطوال؟ فقال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب، فيقول: ضَعُوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا». وكانت (الأنفال) من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت (براءة) من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، فقبض رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما بسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ووضعتهما في السبع الطوال». صححه ابن حبان والحاكم. فهذا لا يدل على أنَّ عثمان ربَّبهما باجتهادٍ منه، وإنما يدل على أنه ظنهما سورة واحدة، ولهذا لم يكتب لـ (براءة) بسملة، وهذا رأي راه مجاهد وأبو رَوْقٍ وسفيان فقالوا: (الأنفال) و (براءة) سورة واحدة».

والصحيح أنَّ (براءة) سورة قائمة بنفسها، وهو ما عليه عامة العلماء، ولم تكتب في أولها البسملة؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم لم يأمر بكتابتها، كما في "المستدرك " للحاكم، والحكمة في ذلك ما رواه الحاكم عن ابن عباس، قال: «سألت عليَّا بن أبي طالب : لِمَ لم تكتب في براءة ابن الله الرحمن الرحيم ؟ قال: لأنها أمان، و (براءة) نزلت بالسيف» (۱).

(۱) ولأنها كانت عذابًا على المنافقين، فضحتهم وكشفت أسرارهم. ففي "صحيح البخاري" عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة التوبة، قال: التوبة؟ ، بل هي الفاضحة، ما زالت تنزل ومنهم، ومنهم حتى ظننا أن لا يبقى أحدٌ مِنَّا إِلَّا

١٥٦

القرآن الكريم

(تنبيه): السَّبْعُ الطُّوال: أولها (البقرة) وآخرها (براءة). والمِيُّون: هي السور التي تبلغ كل واحدة منها مائة آية أو تُقاربها. والمثاني : ما كانت أقل من المائة، وسُمِّيت مثاني: لأنها ثنت المئين، أي كانت

لها ثوان، والمئون لها أوائل، والأنفال من المثاني.

والمفصل: ما ولي المثاني من قصار السور، وأوله (ق) إلى الآخر.

المسألة الثالثة: أنواع المناسبة

المناسبة علمٌ شريف عزيز ، قَلَّ اعتناء المفسرين به لدقته، واحتياجه إلى

مزيد فكرٍ وتأمل، وهو نوعان:

أحدهما: مناسبة الآي بعضها لبعض بحيث يظهر ارتباطها وتناسقها كأنها

جملة واحدة.

قال الإمام الرازي في تفسيره " : «أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات

والروابط». وذكر كثيرًا من المناسبات في "تفسيره" المذكور.

وقال ابن العربي المعافري في "سراج المريدين": «ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه (سورة البقرة)، ثُمَّ فتح الله لنا فيه، فلما لم نجد له حملةً ورأينا الخلق بأوصاف البَطَلة ختمنا عليه، وجعلناه بيننا وبين الله

ورددناه إليه».

ذُكر فيها». وفي "مستدرك الحاكم" عن حذيفة، قال: «التي تسمون سورة التوبة، هي

سورة العذاب.

جواهر البيان

10V

ولعله يقصد الشيخ النيسابوري فإنه أول من أظهر علم المناسبة - وكان غزير العلم في الشريعة والأدب وكان يقول على الكرسي إذا قرئ عليه: «لم جُعِلَت هذه الآية إلى جنب هذه؟ وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟». وكان يُزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة. وللبرهان البقاعي تفسير التزم فيه بيان مناسبة الآي والسور، قال في مقدمته: وسميته "نظم الدرر في تناسب الآي والسور" ويناسب أن يسمى "فتح الرحمن في تناسب أجزاء "القرآن وأنسب الأسماء له "ترجمان القرآن ومبدي مناسبات الفرقان". وذكر في كتابه الذي ردَّ به على الحافظ السخاوي أنه ألفه في مدى أربع عشرة سنة، طبع منه مبحث الميسر " بنفقة مستشرق سويدي اسمه «الندبرج» وكان يسمي نفسه عمر السويدي، وسماه "لعب العرب بالميسر في الجاهلية الأولى" وطبعه في ليدن ضمن مجموعة "طرف عربية".

وللحافظ السيوطي كتاب في "أسرار التنزيل" وصفه بأنه جامع لمناسبات السور والآيات مع ما تضمنه من بيان وجوه الإعجاز وأساليب البلاغة، سماه قطف الأزهار في كشف الأسرار".

والزمخشري يتعرّض في "تفسيره" لبيان مناسبة بعض الآي، لكن الإمام

الرازي أكثر تعرضا منه لبيان تلك المناسبة. وأرجو أن يوفقني الله إلى تأليف كتاب واسع في هذا الموضوع.

ثانيهما: مناسبة السور بعضها البعض، وأول من أفرد هذا النوع بالتأليف - فيما أعلم - العلامة أبو جعفر بن الزبير الأندلسي، شيخ العلامة أبي حَيَّان، ألف

۱۵۸

القرآن الكريم

كتابا سماه "البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن"، ثُمَّ كتب الحافظ السيوطي

11

.

كتابه "تناسق الدرر في تناسب "السور الخصه من كتابه "قطف الأزهار"

السالف ذكره

وكتابي هذا ثالث كتاب في هذا العلم الشريف، ألهمنيه الله وله الحمد

والمنة، وهو أنواع ثلاثة: أحدها: تناسب بين السورتين في موضوعهما وهو الأصل والأساس.

ثانيها: تناسب بين فاتحة السورة والتي قبلها كالحواميم.

ثالثها: مناسبة فاتحة السورة لخاتمة ما قبلها، مثل: ﴿وَإِدْبَرَ النُّجُومِ ﴾ [الطور:

:

٤٩، وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾ [النجم: ( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مأْكُولِم ﴾ [الفيل: ٥] لإيلافِ قُرَيْشٍ ﴾ [قريش: 1].

ويوجد نوع رابع من المناسبة، وهو مناسبة فاتحة السورة لخاتمتها، أفرده السيوطي بالتأليف كتب فيه جزءًا صغيرًا سماه "مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع ، ويدخل في هذا النوع ردُّ العَجز على الصدر» وهو من المحسنات البديعية، وسنبه على شيء من ذلك في محله من هذا الكتاب، والله

الموفّق إلى الصواب.

جواهر البيان

١٥٩

مناسبة ابتداء القرآن بالفاتحة

اشتملت (الفاتحة) على معاني عظيمة، ومقاصد سامية، يمكن تلخيصها

فيما يلي:

۱ - حمد الله تعالى ومعنى الحَمدُ لِلَّهِ ﴾ [الفاتحة: ٢]: الثناء على الله بإثبات كل كمال له سبحانه. وهذه الجملة تتضمن أمرين: الإقرار بوجود الله، وباستحقاقه لكل كمال.

۲ - وصفه بأنه رب العلمين ) وهو يفيد الإقرار بأمرين أيضًا: أنَّ الله مالك العالمين، وأنه يربيهم بما يصلح لكلّ فردٍ منهم، ويمد كلا منهم بما ينفعه: كُلَّا نُمِد هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء:

.[٢٠

- وصفه بـ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: ٣]. ومعنى الرحمن: المنعم

بجلائل النعم، والرحيم: المنعم بدقائقها. وهذا الوصف يفيد أمرين أيضًا أنَّ وصف الرحمة ذاتي لله تعالى كربوبيته، وترغيب العباد في فعل ما يستجلب رحمته بهم.

-

وصفه بأنه : مَلِكِ يوم الدين [الفاتحة: ٤]، أي: الجزاء. وهذا الوصف يفيد الإقرار بأمرين: بيوم البعث وبأن الله في ذلك اليوم الملك المُطلَق لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر : ١٦].

ه - تخصيص الله بالعبادة جميعها من صلاة وصوم وصدقة وحج وغيرها، وهذا مستفاد من إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة: ٥]، أي: نخصك بالعبادة ولا نعبد

17.

القرآن الكريم

غيرك ولا نقصد رياءً في عبادتك.

٦ - تخصيصه بطلب الإعانة منه على العبادة وغيرها من سائر الشئون، وهذا

مستفاد من وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أي: لا نطلب الإعانة في جميع أمورنا إلا منك. - الالتجاء إليه بطلب الهداية إلى الصراط المستقيم الذي هو دين الإسلام. وهذا يتضمن الإقرار بأمرين: ۱ - بنبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وحقية ما جاء به مما يشتمل عليه

الإسلام من عقائد، وعبادات، ومعاملات، وهو صراط المنعم عليهم. ٢ - ويبطلان صراط المغضوب عليهم والضالين، وهم اليهود والنصارى

كما ثبت في الحديث الصحيح (۱)

فهذه المعاني السبعة تعتبر إجمالاً لما فصله القرآن الكريم، فمعظم السور المكية بل جميعها - تفيض في إثبات وجود الله، ووحدانيته، واتصافه بالكمالات، وتنزهه عما يصفه به المشركون من نقائص، واستحقاقه للعبادة، وتفرده بالإعانة وما في معناها، وإثبات النبوات، وخاصة منها نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإثبات يوم البعث وما يليه، إلى آخر ما هو مفصل فيها بأدلته

المتنوعة.

(۱) هو حديث عدي بن حاتم قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ المغضوب عليهم هم اليهود، وإنَّ الضالين هم النَّصارى». رواه أحمد، والترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان. وذلك أنَّ اليهود جَحَدوا الحق وهم عالمون به، فغضب الله عليهم، والنصارى قلدوهم فضلوا.

جواهر البيان

١٦١

والسور المدنية تشتمل على بيان الأحكام من عبادات، ومعاملات ومواريث، وحدود ،وعقوبات وجهاد وغير ذلك، فلهذه المناسبة القوية الواضحة - أعني اشتمال (الفاتحة) على مجمل ما فصله القرآن - ابتدئ بها، ومن مقتضيات البلاغة تقديم الشئ مُجملاً، ثُمَّ تفصيله بعد ليكون أوقع في النفوس وأدعى لتمكنه منها.

ومناسبة أخرى للابتداء بها تلك هي براعة الاستهلال، وهي إشعار المتكلم في مفتتح كلامه بما يريد أن يفيض فيه، ولا شك أنَّ من تدبَّر الفاتحة

وتأمل معانيها، أشعرته بالمعاني التي فصلتها السور بعدها.

ومن المناسبات للابتداء بها: أنَّ الله أرشد عباده إلى ابتداء مهام أمورهم

بحمده تعالى، والثناء عليه سبحانه.

ومن هنا قال العلماء: ينبغي افتتاح الأمور المهمة بالحمد، تأسيا بصنيع القرآن العظيم، وذلك مثل خطبة الجمعة، والعيدين، وخطبة النكاح، والمؤلفات العلمية». ورغب الحديث في ذلك أيضًا، ففي سنن أبي داود" من حديث أبي هريرة كلُّ أمرٍ ذي بال لا يُبدأ فيه بحمد الله أقطع». أو كما قال صلى الله عليه

الله عنه

وآله وسلم. (تنبيه): روى ابن حِبَّان والحاكم في "صحيحيهما" عن أنس رضي ا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «ألا أُخبرك بأفضل القرآن؟

أنَّ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

١٦٢

القرآن الكريم

وفي "المسند" من حديث عبد الله بن جابر البياضي رضي الله عنه مرفوعا:

«ألا أخبرك بأخيرِ سورة في القرآن؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وفي "صحيح البخاري عن أبي سعيد بن المعلى، قال: «كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فلم أُجِبهُ، ثُمَّ أتيته فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، فقال: «ألم يقل الله تعالى: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم ﴾ [الأنفال : ٢٤] ثُمَّ قال: «الأعلمنَّك سورة هي أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد فأخذ بيدي، فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن، قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ

رب العلمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أُوتيته». قال ابن التين في شرح البخاري": «لأعلمنَّك سورةً هي أعظم سُوَرٍ القرآن». معناه: أنَّ ثوابها أعظم من غيرها». وقال غيره: «إنما كانت أعظم السور لأنها جمعت جميع مقاصد القرآن، ولذلك سميت أم القرآن».

روى البيهقي عن الحسن البصري قال: «إنَّ الله أودع علوم الكتب السابقة في القرآن، ثُمَّ أودع علوم القرآن في (الفاتحة)، فمن علم تفسيرها كان كمن

علم تفسير جميع الكتب المنزلة».

واختلفت عبارات العلماء في كيفية بيان اشتمالها على علوم القرآن، نذكر

منها عبارة العلامة الطيبي: قال رحمه الله تعالى: «هي . مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي

جواهر البيان

مناط الدين:

١٦٣

أحدها: علم الأصول، ومعاقده معرفة الله تعالى وصفاته، وإليها الإشارة

وهي

بقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ومعرفة النبوة، المراد بقوله: أنعمتَ عَلَيْهِمْ ومعرفة المعاد، وهو الموحى إليه بقوله: مَلِكِ يَوْمِ

ثانيها: علم الفروع، وأسه العبادات، وهو المراد بقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ . ثالثها: علم ما يحصل به الكمال، وهو علم الأخلاق، وأجمله: الوصول إلى الحضرة الصمدانية، والالتجاء إلى جناب الفردانية، والسلوك لطريقه، والاستقامة

فيها، وإليه الإشارة بقوله: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . رابعها : علم القصص والأخبار عن الأمم السالفة، والقرون الخالية السعداء منهم والأشقياء، وما يتصل بها من وعد مُحسنهم، ووعيد مسيئهم وهو المراد بقوله: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: ١ ٧]. وقال الغزالي: مقاصد القرآن ستة ثلاثة مُهمَّة، وثلاثة مُتمَّة :

الأولى: تعريف المدعو إليه، كما أشير إليه بصدرها، وتعريف الصراط الْمُسْتَقِيمَ ، وقد صرّح به فيها، وتعريف الحال عند الرجوع إليه تعالى وهو

الآخرة، كما أشير إليه بملك يوم الدين .

والأخرى: تعريف أحوال المطيعين كما أشير إليه بقوله: ﴿وَالَّذِينَ أَنْعَمْتَ

عليهم وحكاية أقوال الجاحدين وقد أشير إليها بـ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا

178

القرآن الكريم

الضالين وتعريف منازل الطريق كما أشير إليه بقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ

نَسْتَعِينُ

.

٢- سورة البقرة

لما ختمت (الفاتحة) بطلب الهداية إلى القِرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِينَ ) ناسب أن يبين من هم المنعم عليهم وما طريقهم، فقيل في أول هذه السورة : ذَلِكَ الْكِتَبُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَمَا رَزَقْهُم يُنفِقُونَ ( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٢) أَوَلَيْكَ عَلَى هُدًى مِن رَبِّهِمْ وَأَوْلَبَكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: ٢ - ٥].

فبينت الآية المنعم عليهم، وهم المتقون، كما بينت طريقهم وهو الإيمان

والعمل الصالح، وهذا هو مسمى الدين الإسلامي.

تنبيهان

(التنبيه الأول): لو وضعت (الفاتحة) بجانب أي سورة، لناسبتها بوجه

من الوجوه، إذ ما من سورة إلَّا فيها تفصيل لما أجملته معانيها، وهذا من خصائص الفاتحة، ومن ثم سُمِّيت أم القرآن، وأم الكتاب، وأفرد تفسيرها بمؤلفات خاصة تكشف عن بعض أسرارها، وحكمها وأحكامها، ومن أجمع تلك المؤلفات، "تفسير" "الفاتحة" الجدنا الإمام العلامة العارف الكبير أبي

العباس أحمد بن عجيبة الحسني وهو في مجلد.

جواهر البيان

١٦٥

وقد كان سيدنا الإمام الأستاذ الوالد رضي الله عنه افتتح قراءة التفسير بالزاوية الصديقية، فمكث يفسر الفاتحة شهرا كاملا، أتى فيه بالمدهش المطرب، وكان بحرًا لا تنزفه الدلاء

(التنبيه الثاني): افتتحت ( سورة البقرة) بمدح المتقين الذين آمنوا بما أنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وما أنزل على من قبله من الرسل، ثُمَّ بدم الكفار، واختتمت بمدح المؤمنين الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله وطلبهم من الله - في ختام دعائهم له أن ينصرهم على القوم الكافرين، فتناسب مطلعها ومقطعها.

تناسب السور الأربع الطوال

اعلم وفقك الله تعالى أنَّ (سورة البقرة)، و(آل عمران)، و(النساء)، و (المائدة)، تتناسب في أمرين نزولها بالمدينة، واشتمالها على أحكام تشريعية. ففي (البقرة) بيان القبلة، وإتمام الحج والعمرة، والإحصار، والخلع،

وعدة المطلقات، والمتوفى أزواجهنَّ، والدين، والرَّهن، وغير ذلك. وفي (آل عمران: إيجاب الحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، وبيان فضل الشهداء، وغير ذلك. وفي (النساء): إيجاب الصداق، وإباحة الزواج بأربع نسوة، وبيان المحرمات في النكاح، والمواريث، والوصاية على أموال اليتامى، وأحكام القتل الخطأ، وغير ذلك.

و(في المائدة: إيجاب الوضوء، وبيان ما يحرم أكله، وطعام أهل الكتاب،

وحرمة صيد البر على المحرم، وإباحة صيد البحر مطلقا، وغير ذلك.

وقال بعض الأئمة في بيان تناسبها :

القرآن الكريم

(سورة الفاتحة) تضمنت الإقرار بالربوبية والالتجاء إليه في دين الإسلام

والصيانة عن دين اليهودية والنصرانية.

و (سورة البقرة) تضمنت قواعد الدين وآل عمران) مكملة لمقصودها، فـ (البقرة) بمنزلة إقامة الدليل على الحكم ، وآل عمران) بمنزلة الجواب عن

شبهات الخصوم، ولهذا ورد فيها ذكر المتشابه، لما تمسك به النصارى. وأوجب الحج في (آل عمران)، وأما في (البقرة) فذكر أنه مشروع، وأمر بإتمامه بعد الشروع فيه.

وكان خطاب النصارى في آل عمران أكثر، كما أن خطاب اليهود في (البقرة) أكثر؛ لأن التوراة أصل والإنجيل فرع لها، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما هاجر إلى المدينة دعا اليهود وجاهدهم، وكان جهاده للنصارى في

آخر الأمر، كما كان دعاؤه لأهل الشرك قبل أهل الكتاب.

ولهذا كانت السور المكية فيها الدين الذي اتفق عليه الأنبياء، فخوطب به جميع الناس، والسور المدنية فيها خطاب من أقرّ بالأنبياء من أهل الكتاب والمؤمنين، فخوطبوا بـ«يا أهل الكتاب»، «يا بني إسرائيل»، «يا أيها الذين آمنوا». وأما (سورة النساء) فتضمَّنت أحكام الأسباب التي بين الناس وهي

نوعان: مخلوقة الله، ومقدرة لهم كالنسب والصهر.

ولهذا افتتحت بقوله: ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا

ثم قال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾ [النساء : 1].

فانظر هذه المناسبة العجيبة في الافتتاح وبراعة الاستهلال، حيث تضمنت

جواهر البيان

١٦٧

الآية المفتتح بها ما أكثر السورة في أحكامه من نكاح النساء ومحرماته، والمواريث المتعلقة بالأرحام، فإن ابتداء هذا الأمر كان بخلق آدم، ثُمَّ خَلْق

زوجه منه، ثُمَّ بثّ منهما رجالًا كثيرًا ونساء في غاية الكثرة.

وأما (المائدة فسورة العقود، تضمنت بيان تمام الشرائع ومكملات الدين، والوفاء بعهود الرسل وما أخذ على الأمة، وبها تم الدين، فهي سورة التكميل؛ لأن فيها تحريم الصَّيد على المحرم الذي هو من تمام الإحرام، وتحريم الخمر الذي هو من تمام حفظ العقل والدين، وعقوبة المعتدين من الشراق والمحاربين الذي هو من تمام حفظ الدماء والأموال، وإحلال الطيبات الذي هو من تمام عبادة الله تعالى، ولهذا ذكر فيها ما يختص بشريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم كالوضوء، والتيمم، والحكم بالقرآن على كل ذي دين. ولهذا أكثر فيها من لفظ الإكمال والإتمام، وذكر فيها أنَّ من ارتد عوض الله بخير منه، ولا يزال هذا الدين كاملا، ولهذا ورد أنها آخر ما نزل لما فيها من إشارات الختم والتمام، وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيات من أحسن الترتيب.

٣- سورة آل عمران )

ختمت (سورة البقرة) بآية ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَتَيكَيْهِ، وَكُنْبِهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [البقرة: ٢٨٥].

فافتتحت هذه السورة ببيان بعض صفات الله تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ

القيوم ﴾ [البقرة: ٢٥٥] لتأكيد أنه أهل لأن يتوجه إليه بتلك الطلبات في الآية

١٦٨

القرآن الكريم

السابقة ورَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: ٢٨٦] إلى ختام السورة. تم ببيان الكتب التي آمن بها الرسول والمؤمنون و نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَبَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَنَةَ وَالإنجيل ) مِن قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: ٣-٤] وهذه أمهات الكتب السماوية.

ثُمَّ عم بقيتها وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ كالزبور والصحف، ثُمَّ أتبع هذا ببيان أنَّ المؤمنين آمنوا بالكتاب كله، لم يفرّقوا بين مُحكَمِه ومتشابهه، كما لم يفرقوا بين أحد من رسله هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَبَ مِنْهُ ايَتُ تُحكَمَتُ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَبِهَتُ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَبَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَمَا يعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَسِحُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبَّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَني ﴾ [آل عمران: ٧]. ثُمَّ مناسبة قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِنَايَاتِ اللَّهِ القرآن وبقية الكتب لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) [آل عمران: ٤] ظاهرة، وهي أ أنَّ الله

ينتقم من الكفَّار بنصر المؤمنين عليهم استجابة لدعائهم السابق : فانصرنا

عَلَى الْقَوْمِ الْكَفِرِينَ ﴾ [البقرة: ٢٨٦].

(تنبيه): افتتحت هذه السورة بأمرين:

۱ - دعاء المؤمنين: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الميعاد ﴾ [آل عمران: ۸ - ۹] .

جواهر البيان

٢

١٦٩

- وتهوين شأن الكفار وبيان مصيرهم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِي عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوَلَدُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأَوَلَيْكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ صَدَأْبِ عَالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِنَايَتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران : ۱۰ - ۱۲]. واختتمت بمثل ذلك :

ا رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَيْنِ أَنْ ءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَامَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا وَعَائِنَا مَا وَعَدَتَنَا على رسلك وَلَا تُخْرِ نَا يَوْمَ الْقِيَمَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الميعاد ﴾ [آل عمران: ١٩٣ - ١٩٤]. لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَدِ﴾ [آل عمران: ١٩٦]، فتناسب

فيها المطلع والمقطع .

- سورة النساء

ختمت السورة السابقة بالأمر بالتقوى: يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: ٢٠٠]. وهو خطاب للمؤمنين، فناسب أن يوجه الخطاب في هذه السورة لجميع الناس: يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ﴾ [النساء: (١]، وزيد هنا وصف الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء ليتناسب مع قوله في أواخر السورة السابقة: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَمَلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثَى بعضُكُم مِّن بَعْضٍ ﴾ [آل عمران: ١٩٥].

۱۷۰

القرآن الكريم

فكأنه يقول: أتبتكم على أعمالكم الصالحة جميعًا ذكورًا وإناثًا؛ لأنكم جميعا مأمورون بالتقوى وترجعون في أصل نشأتكم إلى آدم وحواء.

ه سورة المائدة

قال الصاوي في "حاشية تفسير الجلالين": «وجه المناسبة بينها وبين ما قبلها: أنه حيث وعدنا الله بالبيان كراهة وقوع الضلال منا، تمم ذلك الوعد

بذكر هذه السورة ، فإن فيها أحكاما لم تكن في غيرها».

قال البغوي: عن ميسرة قال: «إنَّ الله تعالى أنزل في هذه السورة ثمانية عشر

حكما لم تنزل في غيرها من سور القرآن وهي: وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزلَم [المائدة: ٣] ، وَمَا عَلَمْتُم مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ﴾ [المائدة: 4]، وَطَعَامُ

الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ حِلٌّ لَكُمْ ﴾ [المائدة: ٥]، وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ وبيان تمام الطهر في قوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ ﴾ [المائدة: ٦] وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ﴾ [المائدة: ۳۸]، ولا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾ [المائدة: ٩٥]، ومَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَابِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامِ ﴾ [المائدة: ١٠٣] وقوله: وَشَهَدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ﴾ [المائدة: ١٠٦] ».

قلت: من تدبَّر هذه السورة وجد فيها أحكاما أخرى لم تذكر في غيرها. وقال الكواشي في تفسيره": «لما ختم (سورة النساء) أمر بالتوحيد والعدل بين العباد أكد ذلك بقوله: يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1] .

جواهر البيان

۱۷۱

٦- سورة الأنعام

ختمت السورة السابقة بقوله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرُ ﴾ [المائدة: ۱۲۰ ] فناسب أن يبين سبب تلك الملكية ومنشأها فافتتح هنا بجملة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَتِ وَالنُّور ﴾ [الأنعام: ١].

فسبب ملكية الله للسموات والأرض أنه خالقهما وما فيهما، وتلك ملكية حقيقية، لا كمِلْكيَّة الناس لما يملكونه بشراء أو هبة أو توريث، فإنها مِلْكِيَّةٌ مجازية، والحقيقة فيها الله تعالى.

وفي قوله: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَتِ وَالنُّورَ إشارة إلى أنَّ ما يؤلمه بعض الكفار كالثانوية وعبدة الكواكب ما هو إلا بعض من مقدوراته التي شملها قوله: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ [المائدة: ۱۲۰] ، ومَن ثَمَّ كان المشركون بجميع فرقهم في

غاية البعد والانحطاط العقلي حين سووا بالله في الربوبية والعبادة بعض مملوكاته المخلوقة له، والتي هي من آثار قدرته العامة الشاملة، فأشار بـ«ثم المفيدة للبعد والتحقير في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام: ١] وعبارة: الَّذِينَ كَفَرُوا ) تشمل أهل الكتاب الذين الهوا عيسى أو عُزَيرًا، وعبدوهما مع الله تعالى.

وقال بعض العلماء: افتتاح (سورة الأنعام بالحمد، مناسب لختام (المائدة) من فصل القضاء، كما قال الله تعالى: وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ

۱۷۲

القرآن الكريم

رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الزمر : ٧٥]

قلت: لأن المراجعة المذكورة في آخر (المائدة) بين الله تعالى وبين عيسى

عليه السّلام إنما تكون يوم القيامة.

ومناسبة أخرى بين السورتين: فإنَّ (سورة المائدة) اشتملت على أحكام لم تذكر في غيرها، وكذلك (سورة الأنعام) ، فاشتملت آية: ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَهَا إبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ ﴾ [الأنعام: ۸۳] على ثمانية عشر رسولا لم تجمعهم سورة أخرى. وفيها من الأحكام التي لم تذكر في غيرها: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ [الأنعام: ١١٨] وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ [الأنعام: ۱۲۱] وَءَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: ١٤١] وهو غير الزكاة، بل المراد إعطاء ما سقط من الزرع والثمار ساعة الحصاد لمن حضر من الفقراء ولهذا قيل: يوم حصاده

- سورة الأعراف

نوه الله عن القرآن في أواخر السورة السابقة بقوله تعالى: وَهَذَا كِتَبُ أَنزَلْنَهُ مُبَارَك فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: ١٥٥] إلى أن توعد المكذبين به والمعرضين عنه فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِشَايَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا

سنجرى الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ ءَايَدَيْنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُو يَصْدِفُونَ ﴾ [الأنعام: ١٥٧]. فافتتح هذه السورة بنهي نبيه أن يكون في صدره ضيق منه بسبب تكذيب

قومه به وصُدُوفهم عنه: كِتَبُ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ

جواهر البيان

۱۷۳

[الأعراف: ۲] بل استمر في تبليغه: لِتُنذِرَ بِهِ المكذبين الصادقين أي: المعرضين وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِين به قل لهم جميعًا: اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن ربِّكُمْ ﴾ [الأعراف: ٣] وهذا كقوله في الآية السابقة: وَهَذَا كِتَابُ أَنزَلْنَهُ مُبَارَكَ فَاتَّبِعُوهُ ﴾ [الأنعام: ١٥٥] فالمناسبة ظاهرة والحمد لله.

تنبيهان

أحدهما: جملة : أَنزَلْنَه صفة كتاب ومُبَارَك صفة ثانية، وصنيع الآية يرد على من زعم من النحويين أنه إذا اجتمع في الكلام صفتان لموصوف إحداهما جملة والأخرى مفرد، وجب تقديم المفرد على الجملة.

ثانيهما: ابتدئت هذه السورة بالأمر باتباع القرآن، وختمت بالأمر

بالاستماع إليه : وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْهانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾

[الأعراف: ٢٠٤] فتناسب المطلع والمقطع .

- سورة الأنفال

مناسبتها لما قبلها أن الله تعالى ختم السورة السابقة بالأمر بذكره في جميع الحالات: وَاذْكُر رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُةِ

وَالْأَصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَفِلِينَ ﴾ [الأعراف: ٢٠٥].

فذكر في مفتتح هذه السورة ما يحدثه ذكر الله عند المؤمنين من الآثار الحميدة: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ وَايَنتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَنَا وَ عَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: ٢].

١٧٤

القرآن الكريم

وفي هذه الآية إشارة إلى مناسبة أخرى وهي ما يحدثه سماع القرآن المأمور به

في الآية السابقة: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْوَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾

فهاتان مناسبتان واضحتان والحمد الله.

9- سورة التوبة

مناسبتها للأنفال أنَّ موضوعهما الحضُّ على قتال الكفار وترك مهادنتهم، وحكم المغانم وما إلى ذلك، وقد تقدَّم عن عثمان رضي الله عنه أنه ظنَّ أَنَّ (التوبة) مع (الأنفال) سورة واحدة؛ لأن قصتها تشبه قصتها، ناهيك بمناسبة حملت على الاعتقاد باتحاد السورتين والله تعالى أعلم.

10- سورة يونس

مناسبتها لما قبلها من وجهين

أحدهما: أنَّ الله امتنَّ على المؤمنين - في آخر (التوبة) - بمجئ رسول إليهم من أنفسهم عزيز عليه عَنتُهم، حريص عليهم، أي: على هدايتهم، رءوفٌ رحيم بهم، فذكر في مُفتتح هذه السورة عجب الكفار من أن يوحي الله إلى رسوله لينذر ويُبشِّر : أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَفِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَحِرُ مين ﴾ [يونس: ٢] والاستفهام إنكاري لإنكار تعجبهم من إرسال رسول منهم، أي: لا يليق ولا ينبغي أن يتعجبوا من إرسال بشر؛ لأن البشر أهل

جواهر البيان

۱۷۵

لتحمل الرسالة، خصوصًا محمَّدًا صلَّى الله عليه وآله وسلّم في كمال صفاته

ونعوته.

ثانيهما: أنه قال في ختام السورة السابقة -: ﴿ فَإِن تَوَلَّوْا ﴾ [التوبة: ١٢٩] أي: الناس جميعًا عن الإيمان فقُل حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ فبيَّن هنا الأوصاف التي أوجبت التوكل عليه والالتجاء إليه: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُدَبِرُ الْأَمْرَ مَا مِن شَفِيعِ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تذكرون ﴾ [يونس: ٣].

فلأجل أنه خالق السموات والأرض ومدبر الأمر فيهما، ومربي الخلق بما يصلح شئونهم وجب إفراده بالعبادة ومن أعلى مقاماتها التوكل عليه

والاكتفاء به عن سائر مخلوقاته، سبحانه وتعالى.

تنبيهان

(التنبيه الأول) جرى بعض المفسرين على تفسير العرش في الآيتين

السابقتين ونحوهما بالكرسي وهو غلط، والصواب: أنَّ العرش غير الكرسي

كما تقتضيه الأدلة، ولا يوجد دليل ولا شبه دليل ليقتضي أنهما شيء واحد.

أنَّ

(التنبيه الثاني): قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ اتفق العلماء على ا الاستواء المعهود وهو الجلوس - غير مرادٍ هنا ؛ لقيام الأدلة العقلية والنقلية على

تنزه الله عنه، لأنه من صفات المُحْدَثات، ثُمَّ اختلفوا بعد ذلك فذهب السلف

١٧٦

القرآن الكريم

إلى التفويض فقالوا : استوى استواء يليق به ونكل تعيين المعنى إليه سبحانه وتعالى». وذهب الخلف إلى التأويل فقالوا معنى استوى: «استولى». واستدلوا بقول الشاعر:

قَدِ اسْتَوَى بِشر على العِرَاقِ مِنْ غَيرِ سيف ودمٍ مُهْرَاقٍ ورُدَّ هذا التأويل بوجهين: أحدهما: أنَّ الله تعالى مسئول على الكون كله ومن فيه وما فيه، فما السر في

تخصيص العرش؟

ثانيهما: أنَّ الاستيلاء يكون بعد قهر وغَلَبة، والله تعالى منزه عن ذلك. سئل ابن الأعرابي عن معنى استوى، فقال: «هو على عرشه كما أخبر». فقيل: يا أبا عبد الله معناه استولى؟ قال: اسكت، لا يقال: استولى على الشيء إلَّا إذا كان له مضاد فإذا غلب أحدهما قيل: استولى». رواه اللالكائي في

"السنة".

والصواب عندي في التأويل - إن ذهبنا إليه - أن يقال: جملة: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ أريد بها انتظام الملك، وتمام خلق السموات والأرض وما فيهما على وفق ما سبق في العلم الإلهي القديم فهي من باب الاستعارة التمثيلية المعروفة في علم البيان. ومما يؤيد هذا التأويل: أنَّ الاستواء تكرّر في القرآن ست مرات فذكر في (سورة طه)، و(الفرقان)، و(السجدة)، و(الحديد)، كما ذكر هنا عقب خلق السموات والأرض، وذكر في (سورة الرعد) عقب رفع السموات وهو مظهر

جواهر البيان

۱۷۷

من مظاهر انتظام وضعها بالنسبة لوضع الأرض، وذلك من تمام انتظام الملك

الذي عبّر عنه بالاستواء على سبيل الاستعارة كما مر .

١١- سورة هود

مناسبتها لما قبلها أنَّ الله تعالى ختم السورة السابقة بأمر الناس جميعا باتباع

القرآن يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَ كُمُ الْحَقُّ القرآن مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) وهذه الصيغة تفيد وجوب الهداية بالقرآن واتباعه بطريق الكناية؛ لأنه إذا كان نفع هداية الإنسان عائدًا لنفسه وضرر ضلاله يعود عليها فيجب عليه اتباع طريق الهداية وترك طريق

الضلال.

ثُمَّ أمر نبيه باتباع القرآن والصبر على الكفَّار الذين لم يؤمنوا به حتى يحكم الله وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمُ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَكِمِينَ ﴾ [يونس: ۱۰۸ - ۱۰۹] فذكر في مفتتح هذه السورة بيان حقيقة القرآن: كتب أحكمت اينه بعجيب النظم وبديع المعاني فصلت بينت بالأحكام والقصص والمواعظ من لدن من عند حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: ١] ثُمَّ عاد إلى الاستدلال على حقيقته ليتأكد وجوب اتباعه والاهتداء به فتحدى العرب أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات إن كان مفترى كما يزعمون أَمْ يَقُولُونَ أَفْتَرَنَةٌ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيتِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ ﴾ [هود: ١٣] وهذه مناسبة ظاهرة والحمد لله.

۱۷۸

القرآن الكريم

١٢- سورة يوسف

قال الصاوي مناسبة هذه السورة لما قبلها جمع قصص الأنبياء، فإن ما قبلها ذكر فيها سبع قصص للأنبياء، وهذه من محاسن قصص الأنبياء، وأيضا ليتسلى النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بما وقع للأنبياء من أذى الأقارب والأباعد، عما وقع له من أذى قومه الأقارب والأباعد».

قلت: ولهذا قال في ختام السورة السابقة: ﴿ وَكُلَّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود: ۱۲۰ ] وقال هنا : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْهَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَفِلِينَ ﴾ [يوسف: ٣]. ويصح اعتبار هذا، أعني مناسبة افتتاح هذه السورة لخاتمة تلك، مناسبة أخرى تضم لما سبق. مناسبة أخرى وهي: أنَّ هذه السور الست (سورة يونس)، و(سورة هود)، و(سورة يوسف)، و(سورة الرعد)، و(سورة إبراهيم)، و(سورة الحجر)، كل سورة منها بدئت بحرف الر يليه الحديث عن القرآن(۱)، إلا

(۱) وكل سورة فتحت بحرف الهجاء تلاه الحديث عن القرآن نحو: الم ) ذَلِكَ الْكِتَبُ لَا ريب البقرة: ١-٢ والة ) اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَبَ بِالْحَقِّ [آل عمران: ۱ - ۳] المص كتب أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف: ١-٢] كهيعص ) ذكر رحمتِ رَبِّكَ [مريم: ١-٢] أي: هذا الموحى إليك ذكر رحمة ربك، وهكذا كل سورة بدئت بحرف الهجاء، إلَّا (سورة العنكبوت) و (الروم) و(القلم)، لم يذكر في فاتحتها شيء عن القرآن، لحكمة نبينها فيما يأتي بحول الله .

جواهر البيان

۱۷۹

(سورة الرعد فبدئت بحرف المر وكلها مكية إلا (الرعد) ففيها

خلاف، قال ابن عباس: «مكية». وقال غيره: «مدنية».

تنبيهات

(التنبيه الأول): سُئِلْتُ بقرية أويش الحجر بجهة المنصورة: لم ذكر الله قصة يوسف كلها في سورة واحدة؟ ولم يوجز فيها؟ ولا كررها كما فعل في غيرها من القصص؟

فأعملت فكري حتى فتح الله على بجواب لم أجده في كتب التفسير التي

وقفت عليها، وقد ذكرته في كتابي كمال" الإيمان في التداوي بالقرآن". وتلخيصه أنَّ الله تعالى أورد هذه القصة مرة واحدة ولم يوجزها ولا كررها

لنكتتين: ترجع إحداهما العلم الأصول، والثانية إلى علم البلاغة. أما الأولى: فإن هذه القصة نزلت بسبب سؤال وقع: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ايْتُ لِلسَّابِلِينَ ﴾ [يوسف: ٧] وذلك يقتضي أن تُذكر كلها في هذا الموضع، ولو أُخر شيءٌ منها إلى سورة أخرى كان الجواب غير واف بالسؤال وذلك غير جائز؛ لأن المقرّر في علم الأصول: «أن تأخير البيان عن وقت

الحاجة لا يجوز».

وأما الثانية: فإن القصة ذكرت مجملة في قول يوسف لأبيه: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبَا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَجِدِينَ ﴾ [يوسف: ٤] وما حصل بعد ذلك بينه وبين إخوته يعد تفصيلا لهذه الرؤيا وتمهيدا لتفسيرها، ألا ترى إلى يوسف حين تلاقى بأبويه وإخوته وخروا له سُجَّدًا، قال: يَابَتِ هَذَا تَأْوِيلُ

۱۸۰

القرآن الكريم

ريكى مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَتي حَقًّا ﴾ [يوسف: ١٠٠] يشير إلى ما ذكرنا . ولا شك أنَّ السامع للرؤيا تطلعت نفسه إلى تأويلها ومعرفة ما المراد بالكواكب؟ وما المراد بالشمس والقمر؟ وما معنى سجودهم؟ فكان من مقتضيات البلاغة - التي هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال - تفصيل القصة بعد هذا الإجمال وتفسير الرؤيا بعد ذاك الإبهام، لتهدأ نفس السامع ويطمئن قلبه، وأما عدم تكرارها فهو مبني على ما سبق لأنها إما أن تتكرر بالأسلوب نفسه، وهو تكرار لا داعي إليه، وإما بأقل منه وهو إخلال بالمقصود، وإما بأزيد منه وهو إطناب لا حاجة إليه.

(لمحة إشارية): لما امتنع يوسف عن فعل الفاحشة، وقاوم في نفسه شهوة الإنسان (۱) كما خالف دعوة النساء -يؤيدهن الشيطان مخافة الوقوع في

معصية الملك الديان، أفردت قصته بسورة في القرآن، يتردد اسمه فيها على تطاول الزمان، تنويها بشأن العِفَّة والطُّهر والبعد عن الخنا والعصيان، وتنبيها على أن بلايا الأبدان لا تبلغ في كفة الميزان ثواب الصبر عن الوقوع فيما يغضب الرحمن، أيوب عليه السلام ابتلي في جسمه وأهله وماله، فأثنى الله عليه بقوله: إِنَّا وَجَدْنَهُ صَابِر أَنِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَابُ ﴾ [ ص: ٤٤] لكن يوسف عليه السلام أثنى الله عليه بقوله: إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: ٢٤] فنظمه في سلك الكليم، حيث قال عنه: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَبِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخلصا ﴾ [مريم: ٥١]

(۱) لأنه قد هم بإتيانها، لكنه قاوم همه ولم يعزم ، فاستحق المدح والثناء، راجع ما كتبناه في "بدع التفاسير".

جواهر البيان

۱۸۱

وشتان بين المخلص والأوَّاب، فتدبر آيات الكتاب، تفهم سر الخطاب، ويرفع

عنك الحجاب، أرشدنا الله وإياك إلى الصواب.

(التنبيه الثاني): قال الكرماني في كتاب "العجائب": في قوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف: ٣] قيل: «هو قصة يوسف، وسماها أحسن القصص، لاشتمالها على ذكر حاسد ،ومحسود، ومالك ومملوك، وعاشق ومعشوق، وشاهد ومشهود، وحَبْس ،وإطلاق وسجن وخلاص، وخصب وجدب، وغيرها مما يعجز عن بيانها طوق الخلق».

(التنبيه الثالث): افتتحت هذه السورة بقوله تعالى: نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ

الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَفِلِينَ واختتمت بقوله تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَبِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لقَوْمِ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: ۱۱۱] فتناسب مطلعها ومقطعها، وبالله التوفيق.

١٣- سورة الرعد

مناسبتها لما قبلها من وجهين

أحدهما: أنَّ الله تعالى قال في السورة السابقة: وَكَامَن مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [يوسف: ١٠٥] فبين هنا بعض تلك الآيات اللهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ [الرعد: ٢] إلى قوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد: ٤].

۱۸۲

القرآن الكريم

ثانيهما: نفى في السورة السابقة الافتراء عن القرآن: مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لقومِ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: ۱۱۱] وأثبت هنا حقيته، أي أنه حق منزّل من الله تلك اتُ الْكِتَبِ وَالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الرعد: ١ ] سماه هناك هدى ورحمة، وسماه هنا: الحق.

١٤- سورة إبراهيم

مناسبتها لما قبلها من وجوه

أحدها: قال تعالى في السورة السابقة: وَكَذَلِكَ أَنزَلْتَهُ القرآن حكمًا

عربيا [الرعد: ۳۷]، وقال هنا مبينا حكمة ذلك: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَين هم ﴾ [إبراهيم: ٤]

عربي.

فالقرآن نزل عربيًّا؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم عربي ولسان قومه

ثانيها: قال تعالى هناك يرد على الكفار الذين عابوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم بكثرة النساء: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد: ۳۸] فذكر هنا دعاء إبراهيم لذريته: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْنِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَوةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً من النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: ٣٧]. وذكر قول إبراهيم أيضًا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَعِيلَ

جواهر البيان

۱۸۳

وَإِسْحَقَ [إبراهيم: ٣٩]

يشير أن إبراهيم الذي يعتقده الكتابيون كان له أكثر من زوجة، وصرح بذكر ولديه ليذكّرهم - إن نسوا أو تناسوا - أنهما كانا من زوجتين، فكأنه يقول لهم: إن عبتم على محمد تعدد الزوجات، فقد كان لجده إبراهيم أكثر من زوجة، ورزق ببكره أفضل ولديه من زوجته الثانية، فلم تعيبون الطاهر المعصوم وأنتم المعيبون؟!

(لمحة إشارية): ترك إبراهيم عليه السَّلام فلذة كبده وأعزّ ولده إسماعيل مع أمه هاجر في مكانٍ قَفْرٍ، لا زرع فيه ولا ضرع، ولا نبات ولا ماء، أرض جرداء تعلوها قبة زرقاء، لكنه توجه إلى الله بصدق في الدعاء، وأخلص في الالتجاء، وبسط له كف الرجاء، فسمع الله دعاءه، وقبل رجاءه، كيف لا وهو خليله الذي ردَّ الأمور كلها إليه حين يقول : إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِى هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يمتني ثم يعين ﴾ [الشعراء: ۷۷ - ۸۱]، فأنبع لأهله زمزم عينًا معينا، وجعل قلوب الناس تهفو إلى ذلك المكان لأنه بيته الحرام، وسخر لإسماعيل الخيل، وكانت قبل ذلك وحشية لا تُستأنس، ومِن ثَمَّ كُني أبا السباع، وجعل الله ركوبها عزا وقوة لذريته العرب، ثُمَّ إكراما لها - وقد تأنست بعد توحش وكان

في نواصيها الخير - حرم الله على المحرم صيد البر ما دام مُحرما. فيا أيها المريد، كن على قدم الخليل: توجّه إلى الله بصدق، والجأ إليه بإخلاص، وفوض الأمور كلها إليه، يخرق لك ،العادات، ويسخر لك الكائنات، ويريك ما

١٨٤

القرآن الكريم

تحب في نفسك وأهلك وولدك، ويجعل مع البركة بركات. ثالثها: قال تعالى يرد على الكفَّار الذين طلبوا الآيات عنادًا: وَمَا كَانَ لِرَسُول أَن يَأْتِيَ بِشَايَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: ۳۸] فذكر هنا أنَّ كلَّ رسول قال ذلك لقومه وليس خاصا بنبينا صلى الله عليه وآله وسلَّم قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَحْنُ إلا بشرُ مَثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَأْتِيَكُم بِسُلْطَن ﴾ [إبراهيم: ۱۱] آية تقوم بها الحُجَّةِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ .

تنبيهان

(التنبيه (الأول): قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ﴾ [الرعد: ٣٧] وقوله سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ [إبراهيم: ٤] لا ينافيان الآيات الدالة على إرسال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى العالمين؛ لأن القرآن إنما نزل بلغة العرب ليكون حُجَّةً عليهم، لعجزهم عن معارضته

والإتيان بشيء مما فيه من أنواع العلوم والحقائق والأحكام والنظم وغيرها. ثُمَّ العرب الذين أسلموا وغيرهم من المسلمين الذين فهموا القرآن، مأمورون على سبيل الوجوب، بنقل الدعوة وتبليغها إلى سائر الأمم، وذلك

بترجمة تفسير القرآن والأحاديث إلى اللغات الأجنبية المختلفة. وتَعَلُّم اللغات - لهذا ولغيره من المقاصد- فرض كفاية تأثم الأمة بتركه، كما أثمت بترك تبليغ الدعوة الإسلامية، والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم

يقول: «بلغوا عني ولو آية»، ويقول: «ليبلغ الشاهد منكم الغائب».

جواهر البيان

فالواجب على العلماء بصفة خاصة أن يتعلموا اللغات الأجنبية، لينقلوا بها تعاليم الدين وأحكامه إلى المسلمين غير العرب وليبشروا بالدين الإسلامي في البلاد الأوربية والأفريقية وسائر بلاد العالم.

(التنبيه الثاني): بدئت هذه السورة بقوله تعالى: كِتَبُ أَنزَلْنَهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [إبراهيم: ١] وختمت بقوله تعالى: هَذَا بَلَغَ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهُ وَحِدٌ وَلِيَدَّ كَرَ أُولُوا الْأَلْبَابِ [إبراهيم: ٥٢] وهذا نوع من المحسنات البديعية يسمَّى «رد العَجُز على الصدر» وهو أيضًا من تناسب مطلع السورة ومقطعها.

15 - سورة الحجر

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله ذكر مكر الكفار بالنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حين أرادوا نفيه أو حبسه أو قتله لا وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مكرهم } [إبراهيم: ٤٦] أي جزاؤه وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال وتوعدهم بما يحصل لهم يوم القيامة يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَيذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ) سَرَابِيلُهُم مِن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [إبراهيم: ٤٨ - ٥١]. فذكر هنا أنَّ الكفَّار يتمنون يوم القيامة لو كانوا مسلمين في حياتهم رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ﴾ [الحجر: ٢] وذلك حين يذوقون

١٨٦

العذاب الذي أُوعِدوا به في الآيات السابقة، والله تعالى أعلم.

القرآن الكريم

مناسبة أخرى: ختمت السورة السابقة بالحديث عن القرآن هَذَا بَلَغُ للنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهُ وَاحِدٌ وَلِيَذَكَرَ أُولُوا الْأَلْبَبِ وفتحت هذه

بالحديث عنه أيضًا تِلْكَ ايَتُ الكِتَابِ وَقُرْءَانِ مُّبِينٍ } [الحجر: 1]. وتحدثت عن زعم الكفَّار جنون الآتي به وَقَالُوا يَتَأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّدِقِينَ ﴾ [الحجر: ٦ - ] ورد الله عليهم بأنه الذي نزل الذكر وأنه يتولى حفظه إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]. مناسبة أخرى ذكرت السورة السابقة قصة ذهاب إبراهيم بابنه مع أمه إلى الحجاز وتركهما هناك، وسبب ذلك - على ما صح - إبعاد هاجر وولدها عن سارة التي غارت منها غيرةً شديدة، حيث لم ترزق بولد مثلها، فذكرت هذه السورة قصة بشارة إبراهيم بولد من زوجته الغيرى وَنَيْنَهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ

دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (٢) قَالُوالَا نَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَمٍ عَلِيمٍ [الحجر: ٥١ - ٥٣] وقد جاءت البشارة متأخرة، فإنهم حين بشروه بإسحاق كان قد جاوز المائة بعشر أو أكثر، فاستبعد أن يرزق بولد في هذا السِّنِّ قَالَ أَبَشِّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ) قَالُوا بَشَرْنَكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ القَيْطِينَ ) قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُونَ ﴾ [الحجر: ٥٤ - ٥٦] وهذه مناسبة واضحة، والدليل على أن المبشر به هنا إسحاق عليه السَّلام، التصريح به في قصة الضيف في سورة هود وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى

جواهر البيان

۱۸۷

قَالُوا سَلَما قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيدٍ ﴾ [هود: ٦٩] مشوي فَأَمَارَها أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ ﴾ [هود: ۷۰] أي لم يأكلوا منه لأنهم ملائكة الانكرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً وصرح لهم بوجله كما هنا قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَ اتُه قايمة ﴾ [هود: ۷۰ - ۷۱] تساعده على خدمة الضيف إذ ليس لها خادم فضحكت فرحًا بإرسال رسل لإنقاذ لوط عليه السَّلام، وهو ابن أخي زوجها إبراهيم عليه السَّلام فَبَشَّرنَها على لسان الرسل بِاسْحَقَ وَمِن وَرَاء إسْحَقَ يَعْقُوبَ [هود: ٧١] يعني أنها تعيش حتى يتزوج إسحاق وترى ولده يعقوب، وهذا أحد الأدلة على أنَّ الذبيح غير إسحاق؛ لأن الله بشر أمه بأن يعيش حتى يتزوج ويلد، فكيف يأمر بذبحه قبل ذلك؟! هذا خلف.

وقد استبعدت سارة هذه البشارة كما استبعدها زوجها من قبلها قَالَتْ يَوَيْلى وَالِدُ وَأَنَا عَجُورٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْئًا إِنَّ هَذَا الشَيْءٍ عَجِيبُ ) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ [هود: ۷۲ - ۷۳] وقد أبعد من عد سارة أو مريم نبية، لمخاطبة الملائكة إياها، فإن نبوة الشخص لا تثبت بمجرد خطاب الملائكة له بسلام أو بشارة أو نحو ذلك (١)، وإنما تثبت (۱) وقد كانت الملائكة تسلّم على عمران بن حصين رضي الله عنهما ويسمع سلامهم ويرد عليهم، وكان أهل بيته يسمعون سلامهم أيضًا، وذلك كل ليلة، فلما اكتوى لأجل البواسير انقطع السلام، ولما ذهب أثره عادوا للسلام عليه. والحديث بهذا صحيح بل مستفيض، وفي "بدء الأمالي": وما كانت نبيَّا قَط أُنثَى ولا عَبْدٌ وشَخص ذو افتعال

۱۸۸

القرآن الكريم

بأن يوحي الله إليه بتشريع.

مناسبة أخرى ذكر الله في السورة السابقة مراجعة الكفّار بعضهم لبعض، وكلام الشيطان معهم وَقَالَ الشَّيْطَنُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقِّ وَوَعَدتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكم ﴾ [إبراهيم: ٢٢] بمغيثكم

وَمَا أَنتُم بِمُصْرِفت بمغيني إنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ وهم لم يعبدوه لكن طاعتهم له فيما زَيَّن لهم من الكفر والمعاصي اعتبرت شركا، فذكر هنا أنَّ إغواء هم المشار إليه هناك، عزم عليه الشيطان (۱) منذ خلق آدم عليه السلام، حين امتنع من السجود وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَكَةِ إِنِّي خَلِقُ بَشَرًا مِّن صَلْصَلٍ مِّنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) فَإِذَا سَوَيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ ) سجدين (٥) فَسَجَدَ الْمَلَيْكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين ) قَالَ يَإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) قَالَ لَمْ أَكُن لِأَسْجُدَ لبشر خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَلٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونِ (۳) قَالَ فَأَخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَحِيمُ ) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ) الْمُنظَرِينَ ) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْنَنِي لَأَزَيْنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ

وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: ٢٨ - ٤٠].

(۱) وأخبرنا بهذا العزم منه لنحذره، بل قال في سورة فاطر: لا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَأَتَخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْعَبِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 1]

جواهر البيان

۱۸۹

١٦ - سورة النحل

ذكر الله تعالى في السورة السابقة بداية خلق آدم أبي البشر ولقد خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَلٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونِ (۱) وَالْجَانَّ خَلَقْنَهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ ) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَكَةِ إِنِّي خَلِقُ بَشَرًا مِّن صَلْصَلٍ مِنْ حَمَةٍ مَّسْنُونِ ﴾ [الحجر: ٢٦ - ٢٨] فذكر في هذه السورة ما خلق من النعم له ولأولاده: خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمُ مُّبِينٌ ( وَالْأَنْعَمَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ )) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالُ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ) وَتَحْمِلُ أَنْقَا لَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمُ والخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) وَعَلَى اللَّهِ قصدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَابِرُ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَنكُمْ أَجْمَعِينَ ) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَا لَكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرُ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ والزيتون والنَّخِيلَ وَالْأَعْتَبَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يتفكرون ا وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتُ بِأَمْرِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُختَلِفًا أَلْوَنَةٌ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَكَرُونَ ) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيَّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ، وَلَعَلَكُمْ تَشْكُرُونَ

وَالْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَرا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )

۱۹۰

القرآن الكريم

وَعَلَمَت وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (٢) أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النحل : ٤ - ١٨]. وآيات أخرى في نعم اللبن والعسل والأزواج والذرية وغير ذلك، ولهذا قال قتادة: «تُسمَّى هذه السورة سورة النّعم». أي لكثرة ما عدد الله فيها من النعم على عباده، وهذه مناسبة واضحة.

ومناسبة أخرى أمر الله تعالى نبيَّه أن يجهر بالدعوة وأن يُعرض عن المشركين، وتوعدهم بأنهم سوف يعلمون عاقبة أمرهم فَأَصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) إِنَّا كَفَيْنَكَ الْمُسْتَهْزِ مِنَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَيْهَا ) دریا به روبه ر اخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر: ٩٤ - ٩٦] فأخبر هنا أنَّ يوم القيامة الذي

يلاقون فيه جزاءهم آت لا محالة، ونزّه نفسه عن إشراكهم أَتَ أَمْرُ اللَّهِ [النحل: ١] هو يوم القيامة، وعبر بالماضي لتحقق وقوعه، والمراد: يأتي وفلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَنَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }

مناسبة أخرى: خُتمت السورة السابقة بقوله: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليقين [الحجر: ٩٩] ، وهو الموت، سُمِّي يقينًا لأنه لابد من وقوعه.

وفتحت هذه السورة بقوله: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ » يوم القيامة.

فتناسبت فاتحة هذه وخاتمة تلك في ذكر أمرين واجبي الوقوع، شاملين للمخلوقات يكشفان حين وقوعهما ما كان غائبا عن المكلف من شئون

الآخرة وما فيها.

جواهر البيان

۱۷ - سورة الإسراء

۱۹۱

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى أثنى في ختام السورة السابقة على إبراهيم عليه السَّلام: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتَا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَوْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَهُ وَهَدَنَهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( وَمَاتَيْتَهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّلِحِينَ ﴾ [النحل: ۱۲۰ - ۱۲۲] فذكر في مفتتح هذه السورة ما أكرم به أفضل الأنبياء من ذريَّته، وهما محمد وموسى عليهما السّلام سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِي بَرَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَيْنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَهُ هُدًى لِبَنِي إسراءيل [الإسراء: ١ - ٢].

مناسبة ثانية: قال الله تعالى في آخر السورة السابقة إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم تُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: ۱۲۸] وهي معيَّة عناية وإكرام، فذكر هنا إكرامه لسيد المتقين والمحسنين سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ، لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِي بَرَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَنَيْنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء: 1]. والباء في بِعَبْدِهِ تفيد المصاحبة والمعية. وثنى بذكر موسى، لأنه حظي بمثل هذه المعيَّة، حين قال الله تعالى له ولأخيه لما أبديا تخوفهما من فرعون: قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦] والله تعالى أعلم. ومناسبة ثالثة: ذكر الله تعالى في السورة السابقة كثيرًا من النعم التي أ

أنعم

بها على بني آدم، وذكر هنا أجل تلك النعم، وهى نعمة التكريم والتفضيل

۱۹۲

القرآن الكريم

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْتَهُمْ فِي الْبَرِ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْتَهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْتَهُمْ

على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: ٧٠] وهذه مناسبة واضحة.

تنبيهان

(التنبيه الأول): افتتحت هذه السورة بالتسبيح، إشارة إلى أنَّ الإسراء من المعجزات العظيمة التي تثير دهشة السامع وإعجابه، فلا يَمْلِك إِلَّا أَن يُسبِّح الله تعالى تنزيها له عما ينسبه له الجاهلون. وهذا أحد الأدلة على أنَّ الإسراء كان يقظة بالجسم والروح (1) .

وقال ابن الزملكاني لما اشتملت هذه السورة على الإسراء الذي كذَّب المشركون به النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه تكذيب الله سبحانه وتعالى أتى بـ «سبحان»؛ لتنزيه الله تعالى عما نُسب إلى نبيه من الكذب، واختتمت بالتحميد. فتناسب مطلعها ومقطعها؛ حيث بدئت بتنزيه الله عن النقائص، وانتهت

بإثبات الكمال له تعالى، وهذا هو الوضع الطبيعي: نفي، ثُمَّ إثبات. الثاني: من تأمل صنيع القرآن الكريم، وجده إذا ذكر الإنسان أتبعه غالبًا بوصف ذم اقرأ الآيات التالية: ﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَارُ (۲) ) [إبراهيم: ٣٤] وَحَمَلَهَا الْإِنسَنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا

(۱) إذ لو كان منامًا كما يقول بعض المبتدعة، لم يكن للتسبيح معنى. انظر ما كتبناه في "فضائل النبي في القرآن".

(۲) وفي سورة الإسراء أيضًا قبل آية التكريم بآيتين: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَجَنكُمْ إِلَى الْبَرَ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنسَنُ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: ٦٧].

جواهر البيان

۱۹۳

جهولا [الأحزاب: ۷۲] لَا يَسْمُ الإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسُ قنوط [فصلت: (٤٩) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَنِ أَعْرَضَ وَنَنَا بِجَانِبِهِ، وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فذو دُعَاء عَرِيض ﴾ [فصلت: ٥١] وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَنَ مِنَا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تصِبْهُمْ سَيِّئَةُ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَنَ كَفُورٌ ﴾ [الشورى: ٤٨] وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ، جُزْء إِنَّ الإِنسَن لَكَفُورٌ مُّبِينُ ﴾ [الزخرف: ١٥] إِنَّ الإِنسَنَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرَ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج : ۱۹ - ۲۱] قيل

الإنسن ما اكفره ) [عبس: ۱۷] يَأَيُّهَا الْإِنسَنُ مَا غَرَكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ ﴾ [ الانفطار : ٦] كَلَّا إِنَّ الْإِنسَنَ لَيَطْغَى أَن رَوَاهُ اسْتَغْنَى [العلق : ٦ - ٧] إِنَّ الإنسكن لربه، لكنود

العاديات: ٦] وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [العصر: ۱ - ۲ ].

هذا سوي وصفه بالضعف: ﴿وَخُلِقَ الْإِنسَنُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: ۲۸]. وبكثرة الجدل: وَكَانَ الإِنسَنُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: ٥٤]. وبالعَجَل : خُلِقَ الْإِنسَنُ مِنْ عَجَل [الأنبياء: ۳۷] وَكَانَ الإِنسَنُ عَجُولًا ﴾ [الإسراء: ١١] إلى غير ذلك.

وحين أخبر عن تكريمه قال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ ﴾ [الإسراء: ٧٠] وذلك يُشير إلى أن الله تعالى لم يكرم الإنسان - وتلك صفاته - إلا من حيث بنوته لآدم الذي خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأكرمه بالنبوة، وكلمه قبلا (1)، ولما خالف النهي نسيانا، بادر بالتوبة معترفا بالخطيئة قالا

(۱) وأيضًا فإنَّ آدم مخلوقٌ من أديم الأرض، فتكريمه لأجل تواضع أصله، وفي ذلك

١٩٤

القرآن الكريم

هو وزوجه رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَسِرِينَ فاجتباه ربه وتاب ،عليه وهداه. ومن كرامته على مولاه أن الله تعالى يعتذر له

(1)

يوم القيامة ثلاثة معاذير بشأن تعذيب أولاده الكفار والعصاة، كما جاء في حديث أبي هريرة في "المعجم الصغير" للطبراني فهو أول الأنبياء، وسيّد التائبين فعلى أولاده أن يقتدوا بأبيهم الأقدم، والرسول الأكرم، كلما خَطئ منهم خاطئ، أو أساء مسيء، أسرع بالرجوع إلى الله والإنابة إليه، حتى يكون يوم القيامة -يوم يدعى كل أناس بإمامهم - ممن

يؤتى كتابه بيمينه، ويفوز برضاء الله ونعيمه.

۱۸ - سورة الكهف

روى البيهقي في "الدلائل" عن طريق ابن هشام، عن زياد بن إسحاق: أنَّ أهل مكة بعثوا رهطا منهم إلى اليهود، يسألونهم أشياء يمتحنون بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقالوا لهم سلوه عن ثلاث؛ فإن عرفها فهو نبي، سلوه عن أقوام ذهبوا في الأرض فلم يُدر ما سمعوا؟ وسلوه عن مَلِكِ ذهب

إشارة إلى أنَّ الله يحب المتواضع ويُكرمه، قال صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن تواضع الله رَفَعَهُ. ومن هنا كان الإنسان حين يضع وجهه على الأرض ساجدًا الله تعالى قريبا

منه، قال النبي صلى الله عليه وسلم : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد». (۱) وفي "معجم الطبراني الكبير" من طريق يزيد الرقاشي، عن أنس، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يُشَفّع الله تبارك وتعالى آدم يوم القيامة من ذريته في مائة

ألف ألف وعشرة آلاف ألف أي مائة مليون وعشرة ملايين.

جواهر البيان

۱۹۵

إلى المشرق وإلى المغرب؟ وسلوه عن الرُّوح؟

فرجعوا وسألوه، فبيَّن لهم قصة أصحاب الكهف، وقصة ذي القرنين،

وأنهم أمر الروح، وهو في التوراة كذلك، فندم اليهود.

ووجه المناسبة: أنَّ الجواب عن الرُّوح تقدم في السورة السابقة، وذكر هنا الجواب عن القصتين.

فإن قيل: ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بالمدينة، وهو يتوكَّاً على عَسِيبٍ، فمر بنفرٍ من اليهود، فقال بعضهم : لو سألتموه. فقالوا : حدثنا عن الرُّوح، فقام ساعة ورفع رأسه، فعرفت أنه يوحى إليه، حتى صعد الوحي، ثُمَّ قال: ﴿ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: ٨٥].

فهذا الحديث الصحيح يفيد أنَّ السؤال عن الروح وقع بالمدينة، وفيها

نزلت الآية.

فالجواب : أنَّ اليهود بعثوا إلى المشركين وهم بمكة ليسألوه عن الرُّوح كما مر عن ابن إسحاق، وروى الترمذي وصححه، عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئًا نسأل هذا الرجل، فقالوا اسألوه عن الرُّوح؟ فسألوه فأنزل الله وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلا قليلا . فالسؤال وقع من قريش بمكة بإرشاد اليهود، ونزلت الآية

بسبب

، هذا السؤال، كما صرح به ابن عباس. ثُمَّ لما هاجر النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، أعاد اليهود سؤاله

١٩٦

القرآن الكريم

عن الروح، إما لأنهم طمعوا أن يختلف جوابه، فيزعموا أنه ليس بنبي، وإمَّا أَنَّ الذين شافهوه بالسؤال غير الذين أرشدوا قريشًا إليه. فأنزل الله الآية مرة ثانية، لإفادة أنه لا جواب لهم غير ذلك. وابن مسعود لم يقل: فنزلت الآية، وهي العبارة المعهودة في سبب النزول، بل قال : ثُمَّ قال: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ

ربي ويؤخذ من هذه العبارة أنَّ الآية كانت معروفة له، لنزولها قبل ذلك. (تنبيه): جاء الجواب عن الرُّوح مبهما، ليكون دليلا لليهود على نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وصحة رسالته؛ لأنه عندهم في التوراة مبهم، ومِن ثُمَّ ندموا على تقديم السؤال، وعلى هذا فالقرآن لا يفيد المنع من البحث في الرُّوح (1) ، أو كراهية الخوض في الكشف عن حقيقتها بمقتضى ما يؤدى إليه

النظر والاستدلال.

مناسبة أخرى: ختم الله تعالى السورة السابقة بالحمد على صفاته الذاتية، لإفادة أنه المستحق للحمد لكمال ذاته وتفرده في صفاته وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَمْ يتخذ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَهُ شَرِيكُ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَهُ وَلِيُّ مِنَ الذُّلَّ وَكَبَّرَهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: ١١١] فافتتح هذه السورة بقوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عوجا [الكهف: ١ لإفادة أنه تعالى يستحق الحمد على إنزال الكتاب، وهو أفضل النعم وأجلها؛ لأن فيه صلاح المعاش والمعاد، وبه تنال سعادة الدنيا

(۱) وقول التاج السبكي في "جمع الجوامع ": «وحقيقة الروح لم يتكلم عليها محمد صلى الله عليه وآله وسلم فنمسك عنها مبني على فهمه أن الكتاب والسنة يكرهان البحث فيها،

وليس كذلك، فقد بحث فيها الإمام مالك وغيره، انظر كتاب "الروح" لابن القيم.

جواهر البيان

۱۹۷

والآخرة، مع إجابته عما يسأل عنه اليهود والمشركين، فالله تعالى يستحق الحمد

لذاته ولنعمه.

ومناسبة بين فاتحة تلك السورة وهذه تلك بدئت بالتسبيح، وبدئت هذه بالتحميد، وهو يأتي بعد التسبيح، نحو فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ [الحجر: ۹۸] سبحان الله والحمد لله» ؛ لأنه إثبات للكمال بعد نفي النقص، فهو ترقي في

وصف الله تعالى والثناء عليه.

(تنبيه): فتحت هذه السورة ببشارة المؤمنين الذين يعملون الصالحات وإنذار للمشركين الذين دعوا الله ولدًا فَمَا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّلِحَتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَّكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾ [الكهف: ٢ - ٤] .

وختمت بإيجاب العمل الصالح، والنهي عن الشرك قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَى أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهُ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُوا يخاف لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَلِحَا وَلَا

يشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: ۱۱۰] فتناسب فيها المطلع والمقطع. (فائدة): ثبت في صحيح مسلم" عن أبي الدرداء: أنَّ نبي الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: من حَفِظ عشر آياتٍ من أول سورة الكهف عُصِم من

الدجال».

وفي رواية لمسلم وأبي داود: عشر آياتٍ من آخر سورة الكهف» والروايتان صحيحتان، والحديث بروايتيه يحضُّ على حفظ عشرين آية: عشر من أولها،

وعشر من آخرها، أما العشر الأوائل فتشتمل على المعاني الآتية في حمد الله على

۱۹۸

القرآن الكريم

إنزال الكتاب بشارة المؤمنين إنذار المشركين الذين كذبوا على الله بنسبة الولد إليه، جعل ما على الأرض زينةً لها وابتلاء لهم، الإشارة إلى أصحاب الكهف الذي تمسكوا بتوحيدهم وهربوا إلى الكهف فارين بدينهم من قومهم المشركين، ومن تأمل هذه المعاني وتدبّرها علم أنَّ الدَّجّال مشرك بادعائه الإلوهية، وأنَّ ما معه من متاع ومال، إنما هو ابتلاء وامتحان، واتخذ أهل الكهف قدوة له، فتمسك بدينه كما تمسكوا، واعتصم بتوحيده، والتجأ إلى الله فحماه من الدَّجَّال وعصمه من فتنته، وأراه كرامات كما فعل مع أهل الكهف من قبل.

والعشر الأواخر أولها: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَفرين نزلا ﴾ [الكهف: ۱۰۲] وهي تتفق مع سابقتها في المعنى المقصود، وهو إنذار المشركين الذين يتخذون بعض عباد الله آلهة، وتبشير المؤمنين، ثُمَّ تختتم بإخلاص العبادة الله وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا وهذه المعاني خصوصا الإخلاص- تعصم صاحبها والمتمسك بها من فتنة الدجال، والله تعالى أعلم. ١٩- سورة مريم

مناسبتها لما قبلها : أن السورة السابقة اشتملت على قصص عجيبة تدل على كمال قدرة الله تعالى وبديع حكمته، كقصة أصحاب الكهف، وقصة موسى والخضر عليهما السَّلام وقصة ذي القرنين؛ فجاءت هذه السورة مشتملة على قصص لا تقل عجبًا وحكمةً عن القصص السابقة؛ كإعطاء يحيى لزكريا بعد كبره وعُقم امرأته وحمل مريم بعيسى وهي بكر لم تتزوج، وكلام

عيسى وهو في المهد.

جواهر البيان

۱۹۹

(تنبيه): ثبت في "صحيح البخاري" عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال الجبريل عليه السَّلام: «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟» فأنزل الله اعتذار جبريل في هذه الآية: ﴿ وَمَا نَتَنَزِّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ

ما بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيا ﴾ [مريم: ٦٤]

سئلت مرة عن مناسبة وضعها بعد قوله تعالى في وصف جنات عدن: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغُوا إِلَّا سَلَمَا وَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيَّا تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا [مريم: ٦٢ - ٦٣] والذي يظهر لي في ذلك - والله أعلم بسر كتابه أن الله ذكر رزق أهل الجنَّة، وأنه يأتيهم في وقتين منتظمين: بكرةً وعشيا، لا يتخلَّف ولا يتأخَّر ، ولما كان الوحي رزق النبي صلى الله عليه وآله وسلم الروحي (۱) وغذاءه القلبي، وكان يتأخّر أحيانًا عنه كما في قصة أصحاب الكهف، ناسب أن يذكر بعد رزق أهل الجنة ما يتعلق برزق سيدهم الذي هو أصل رزقهم، وسبب نعيمهم.

فقال على لسان المكلف به: وَمَانَنَزِّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ﴾ أي ما نننزل بالوحي الذي هو حياة روحك وغذاء قلبك، إلا بأمر ربك وَلَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بين ذلك أي هو مالك شأننا كلّه، لا نملك معه شيئًا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيا أي لا ينسى شيئا أبدا، فلابد أن يبعث لك رزقك الروحي في الوقت الذي يريده هو سبحانه وتعالى رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَابَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَدَيهِ ﴾ [مريم: ٦٥]

(۱) قال أبو شامة وغيره في قوله تعالى: ﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: ۱۳۱ ]: إنه القرآن.

القرآن الكريم

أي ما عليك إلَّا أن تعبده وتصبر على عبادته، وهو يتولى إمداد روحك وتغذية

قلبك.

وهذا كما قال عند الكلام على رزقه الحسّي وَأَمْر أَهْلَكَ بِالصَّلَوةِ وَاصْطَبِرْ عليها لا نَسْتَلْكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ ﴾ [طه: ۱۳۲].

فيؤخذ من الآيتين أنَّ كلَّا من الرّزق المعنوي والحسي يُستجلب بعبادة الله وطاعته. وفي الحديث الصحيح فإن استبطاً أحدكم رِزْقَه فلا يطلبه بمعصية الله، فإنَّ فضلَ الله لا يُنال بمعصيته».

وبهذا وضحت المناسبة بين الآيتين، والحمد لله على ما ألهم وعلم. (لطيفة): روى الطبراني عن أبي مريم الغَسَّاني، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقلت: ولدت لي الليلة جارية، فقال: «والليلة أنزلت على سورة مريم ؛ سمها مريم )

(1)

سورة طه

تناسب السورة السابقة في اشتمالها على خوارق عجيبة، تدل على كمال

قدرة الله تعالى، وعنايته بخاصة خلقه.

قلب عصا موسى عليه السَّلام حيَّةٌ ، وجعل يده بيضاء من غير سوء قَالَ الْقِهَا يَمُوسَى ) فَأَلْقَيْهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ( ستعيدها سِيرَتَهَا الْأُولَى وَأَضْهُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاعِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ

(۱) هذا من أدلّة الصوفية على أنَّ المريد يرجع إلى شيخه في تسمية أولاده.

جواهر البيان

۲۰۱

ءَايَةً أُخْرَى لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَتِنَا الْكُبْرَى [ طه : ۱۹ - ۲۳] .

وألقته أمه رضيعا في اليم، فالتقطه عدوه فرعون وربَّاه في بيته إِذ أَوْحَيْنَا إلَى أُتِكَ مَا يُوحَى ) أَنِ اقْدِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَأَقْدِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذَهُ عَدُوٌّ لي وَعَدُولَهُ، وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةٌ مِّنِي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أدلُكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ، فَرَجَعْنَكَ إِلَى أُمَكَ كَيْ نَقَرَ عَيْنَهَا وَلَا تَحْزَنَ [ طه : ۳۸ - ۰

وألقى عصاه فانقلبت حَيَّةً، فالتقمت ما صنعه السَّحَرَة وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَن فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا

امَنَّا بِرَبِّ هَرُونَ وَمُوسَى } [طه: ٦٩ - ٧٠]

(تنبيه): قوله تعالى: ﴿وَيَأْخُذَهُ عَدُوُّلِي وَعَدُولَهُ ﴾ [طه: ٣٩] أخبر في هذه الآية أن فرعون عدو له والموسى، والخبر لا يدخله نسخ، ومعنى هذا أنَّ فرعون مات كافرا بلا شك، وقد غفل عن هذا من زعم أن فرعون قبل إيمانه، فوقع في

خطأ

جسیم

(۱)

(تنبیه آخر) فُتحت هذه السورة بالحديث عن القرآن مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَن يَخْشَى تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى [طه: ٢ - ٤ وختمت بالحديث عنه وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِقَايَةٍ مِن رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى ﴾ [طه: ۱۳۳] أي دليل صحة ما في الكتب المنزلة

1

السابقة، وهو القرآن، فتناسب مطلعها ومقطعها.

(۱) انظر ما كتبناه في هذا الموضوع في (سورة يونس) من كتاب "بدع التفاسير".

۲۰۲

القرآن الكريم

۲۱ - سورة الأنبياء *

مناسبتها لما قبلها أنَّ الله تعالى قال في آخر السورة السابقة وَلَوْأَنَّاً أَهْلَكْنَنهُم بِعَذَابٍ مِن قَبْلِهِ ﴾ [طه: ١٣٤] قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَقَالُوا يوم القيامة ورَبَّنَا لَوْلَا هلا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ينك التي أوحيت بها إليه مِن قَبْلِ أَن نَذِلَ وَتَخْزَى فذكر هنا أنه أرسل إليهم رسولا، وأنزل عليه آياتٍ فأعرضوا وكذَّبوا مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم تُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) بَلْ قَالُوا أَضْغَتُ أَحْلَم بَلِ افْتَرَكَهُ بَلْ هُوَ شَاعِرُ فَلْيَأْتِنَا بِشَايَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ مَا امَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَمَا جَعَلْتَهُمْ جَسَدًا لا ) يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَلِدِينَ ) ثُمَّ صَدَقْنَهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَهُمْ وَمَن نَّشَاءُ وأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَبَا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * [الأنبياء: ٢ - ١٠].

(تنبيه): قوله تعالى: تُحْدَثٍ لا يدل على خَلق القرآن كما زعمت المعتزلة؛ لأنَّ المراد: مُحدَث النزول، بدليل يأتيهم فإتيانه نزوله، وهو حادث قطعا، أما كلام الله تعالى وهو القرآن الكريم- فقديم ليس بمحدث،

جواهر البيان

۲۰۳

لأنه صفة الله تعالى.

مناسبة أخرى: ذكر الله تعالى في السورة السابقة إنجاءه لموسى وهارون

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى فَأَضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَلَفُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ، فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمَ مَا غَشِيَهُمْ ﴾ [طه:

[۷۸

-

وذكر هنا إنجاءه الإبراهيم قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا الهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَنارُ كُونِي بَرَدَا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَهُمُ

الأخْسَرِينَ ﴾ [الأنبياء: ٦٨ - ٧٠].

ولنوح وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَهُ وَأَهْلَهُ مِن الكَرْبِ الْعَظِيمِ ( وَنَصَرْنَهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ

(٧٦

فَأَغْرَقْنَهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الأنبياء: ٧٦ - ٧٧] وهؤلاء زعماء الرسل، أنجى الله كلا منهم بمعجزة، فنوح أبو البشر الثاني أنجاه الله بالطُّوفان، وإبراهيم أن أنجاه الله بإطفاء النار عنه، وموسى أعظم أنبياء بني إسرائيل وصاحب شريعتهم، أنجاه بانفلاق البحر له.

(تنبيه): فتحت هذه السورة بالحديث عن قُرب الساعة اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ

حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 1].

وختمت بالحديث عنه وَاقْتَرَبَ الوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَخِصَةُ أَبْصَرُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَلِمِينَ ﴾ [الأنبياء: ۹۷] فتناسب المطلع والمقطع.

٢٠٤

القرآن الكريم

۲۲ - سورة الحج

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى تكلم عن البعث في ختام السورة السابقة: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَخِصَةُ أَبْصَرُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَلِمِينَ ) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ عَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلُّ فِيهَا خَالِدُونَ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرُ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِنَّا الْحُسْى أُولَبِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَلِدُونَ ) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَنَتَلَقَّهُمُ الْمَلَيْكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) يَوْمَ نَطْوِى السَّمَاءَ كَطَي السجل لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَ أَنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فعلين الأنبياء: (٩٦ - ١٠٤]. فأمر هنا بالتقوى استعدادًا لذلك اليوم الشديد هوله: يَتَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ عَظِيمُ ) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مرضعةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَرَىٰ وَمَا

هُم بِسُكَرَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: ١-٢].

ومناسبة أخرى: ذكر الله تعالى في السورة السابقة أنَّ جميع الرسل دعوا إلى وحدانية الله وإفراده بالعبادة وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: ٢٥] وذكر هنا أنه يحكم بين أهل الأديان

جواهر البيان

المختلفة

يوم

۲۰۵

القيامة إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّبِئِينَ وَالنَّصَرَىٰ وَالْمَجُوسَ

وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

[الحج : ١٧].

وهذا وعيد شديدٌ لجميع فِرَق الكفر؛ لأنهم خالفوا دعوة الرسل المشار

إليها في السورة السابقة.

تنبيهات

(التنبيه الأول): قال محمود بن حمزة الكرماني في كتاب "العجائب

والغرائب": ورد في القرآن سورتان، أولهما يتأَيُّهَا النَّاسُ ﴾ [النساء: ١] في كل نصف سورة، فالتي في النصف الأول تشتمل على شرح المبدأ - يعني (سورة

النساء) - والتي في الثاني على شرح المعاد، يعني هذه السورة.

(التنبيه الثاني : ذكر العلماء أنَّ هذه السورة من عجائب القرآن؛ لأنها تشتمل على المكي والمدني، والليلي والنَّهاري والحضري والسَّفَري، والحربي والسلمي، والناسخ والمنسوخ.

فالمكي من رأس ثلاثين إلى آخرها، والمدني من رأس خمس عشرة إلى رأس الثلاثين، والليلي خمس آيات من أولها، والنهاري من رأس تسع آيات إلى رأس اثنتي عشر، والحضري إلى رأس العشرين، والسفري أولها، والناسخ: أذِنَ لِلَّذِينَ يُقْتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ﴾ [الحج: ٣٩] وهو الحربي، والمنسوخ اللَّهُ يَحْكُمُ

بينكم ﴾ [الحج : ٦٩] وهو السلمي، نسختها آية السيف.

(التنبيه الثالث): افتتحت هذه السورة بأمر عامة الناس بالتقوى:

٢٠٦

يَتَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ﴾ [الحج : ١].

القرآن الكريم

واختتمت بأمر المؤمنين بإفراد التقوى: يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَرْكَعُوا واسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَأَفْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: ٧٧] وهو نوع لطيف من التناسب بين المطلع والمقطع بالعموم والخصوص، والإجمال والتفصيل، عمّ أولا الناس وأجمل التقوى، ثُمَّ خصَّ ثانيا المؤمنين وفصل أفراد التقوى.

۲۳ - سورة المؤمنون

مناسبتها لما قبلها: أنَّ الله تعالى قال في ختام السورة السابقة يايها الذِينَ ءَامَنُوا اَرْكَعُوا وَأَسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَأَفْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون فذكر هنا أوصاف المؤمنين التي أفلحوا بسببها، وبين الفلاح بأنه وراثة الفردوس قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوةِ فَعِلُونَ ) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ

حفظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) فَـ ) ابتغى وراءَ ذَلِكَ فَأُولَجِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) وَالَّذِينَ هُمْ لِأُمَنَتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَعُونَ ) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )) أَوَلَيْكَ هُمُ الْوَرِثُونَ ) الَّذِينَ يَرِثُونَ )

الْفِرْدَوسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: ١ - ١١].

مناسبة أخرى: قال الله تعالى في السورة السابقة: المْتَرَانَ اللَّهَ أَنزَلَ بين السمالوما، فتصيحُ الأَرض لنصرة إن الله عليك خير ) [الحج: ٦٣) ذكر

جواهر البيان

۲۰۷

هنا كيفية اخضرار الأرض، بذكر ما ينبته فيها من أنواع الثمار وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابِ بِهِ لَقَدِرُونَ ) فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ، جَنَّتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَبِ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبعَ للا كلينَ ﴾ [المؤمنون: ۱۸ - ۲۰].

(تنبيه): قال الزمخشري في "الكشاف": جعل فاتحة السورة: قد أفلح الْمُؤْمِنُونَ وأورد في خاتمتها: إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الكَفِرُونَ ﴾ [المؤمنون: ۱۱۷]

فشتان بين الفاتحة والخاتمة.

قلت: وهو تناسب بالتضاد بين المطلع والمقطع

٢٤- سورة النور

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى قال في آخر السورة السابقة: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَتَكُمْ عَبَنَا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: ١١٥] والاستفهام إنكاري، أنكر حسبانهم أنهم خُلِقوا عبئًا، ثُمَّ نَزَّه نفسه فَتَعَلَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾ [المؤمنون: ١١٦] عن العبث، فلم يخلق عباده إلا ليتعبدهم بالأمر والنهي، وليردهم إليه بعد فنائهم ليجزيهم على أعمالهم.

فذكر في هذه السورة جملة من الأوامر والنواهي التي تعبدهم بها، وأشار في مفتتحها إلى البعث بقوله تعالى: وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [النور: ٢] ولهذه المناسبة افتتح هذه السورة بقوله تعالى سُورَة

۲۰۸

القرآن الكريم

أَنزَلْنَهَا وَفَرَضْنَهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا ءَايَتِ بَيِّنَتِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور: 1] فوصفها بثلاث صفات: أنه أنزلها، وفرضها، وأنزل فيها آيات بينات، مع أن سور القرآن تشاركها في هذه الصفات، لكنها جاءت هنا لمناسبة رد حسبان الكفار أنهم خُلِقوا عبئًا، وللتنبيه على أنَّ ما فيها من أحكام يجب الاهتمام بها، لتعلقها

بصيانة الأنساب والأعراض، وهما من الضروريات الخمس (1) المتفق على

وجوب حفظها في جميع مسالك العلة من علم الأصول.

الملل، وهي

مبينة بتفصيل في مبحث المناسبة، في

تنبيهات

(التنبيه الأول): تضمَّنت السورة وجوب حد الزنا والقذف، ووجوب تصون المرأة وعدم إبداء زينتها إلا لأفراد معدودين، ووجوب غض البصر من الرجال والنساء عما لا يحل وحرمة دخول منازل الأجانب إلا باستئذان، وبيان كيفية الاستئذان في هذا، وفي دخول الخدم على مخدوميهم، والأولاد على آبائهم وأمهاتهم، وإباحة الأكل من بيوت الأقارب والأصدقاء، وغير هذا مما يدخل في تنظيم الأسرة وآداب السلوك، والسورة تشير بهذه الأحكام إلى أنه لا

(۱) بقيتها الدين والنفس والمال، وأضيف إليها العقل شرع لحفظ الأول: قتال الكفار، وقتل المرتد، ومحاربة المبتدعة. وشرع لحفظ الثانية: القود في القتل العمد، والدية مغلظة في شبهه، ومخفّفة في الخطأ المحض، والقصاص في الجناية على الأعضاء. وشُرع لحفظ الثالث: قطع يد السارق. وشُرع لحفظ الرابع: إيجاب الحد في المسكر، والتعذير في المفتر.

.

جواهر البيان

۲۰۹

يجوز أن يعيش المؤمنون في عبث وفوضى، كما كان الحال في الجاهلية، بل يجب أن يكون مجتمعهم أفضل المجتمعات؛ أنسابهم محفوظة من التلويث، وأعراضهم مصونة موفورة الكرامة، وعلاقة بعضهم ببعض أفرادا وجماعات مبنية على العفاف والتصون والاحترام، وكل هذا يؤكد الردَّ على ظنّ المشركين

أنهم

خُلِقوا عبثاً لا لحكمة.

(التنبيه الثاني): ورد في الحديث أنَّ عبد الله بن أم مكتوم استأذن على

.

رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فأذن له وعنده أم سلمة وميمونة فقال: احتجبا منه» قالتا: إنه أعمى لا يُبصرنا. قال: «أفعَمْيَاوان أنتها؟ ألستما

تُبْصِرَانِهِ؟».

فهذا الحديث يُفسّر الآية، ويُبيّن أن المراد منها وجوب غض بصر المرأة عن الرجل مطلقا لا فرق بين مُبصر وأعمى؛ لأنها تشتهيه، كما أن الرجل يشتهيها، وهذا مما تساهل فيه الناس اليوم تساهلًا كبيرًا، أدى إلى وقوع جرائم خُلُقية فاحشة، فكم من أعمى يسر له عماه دخول البيوت وتلويث أعراض، وهو محل عطف من دخل بيوتهم ولوث أعراضهم.

(التنبيه الثالث):

صرح في فاتحة السورة باليوم الآخر : وَلَا تَأْخُذَكُرَ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ

تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ

وفي خاتمتها بالرجوع إليه: وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَتِتُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم وهو تناسب بين المطلع والمقطع.

۲۱۰

القرآن الكريم

٢- سورة الفرقان

مناسبتها لما قبلها أنَّ الله تعالى أثنى في السورة السابقة على المؤمنين الذين يسلكون الأدب الواجب في حق النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وذم المنافقين على مخالفتهم لذلك: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أمي جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَعْدِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَذِنُونَكَ أَوْلَيكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَتَذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأَذَن لِمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمُ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيرُ ﴾ [النور: ٦٢ - ٦٣].

فذكر هنا فضل النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ

عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: ١].

فهذه الآية كالتعليل لما سبق، وكأن الله تعالى يقول: إنما أوجبت مراعاة الأدب في حضرته، وحرمت عليكم أن تنادوه باسمه، وحذرتكم مخالفة أمره، ، عبدي المختار، ومحل نظري من خَلقي، خصصته بتنزيل الفرقان، وبعثته

لأنه

إلى العالمين.

ولهذا أخذ يردُّ على الكفَّار كلامهم الذي يدل على جهل بعلو مقامه، وعدم إدراكهم الجلال منصبه وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكُ افْتَرَكَهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمُ اخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوظُلْمًا وَزُورًا ﴾ [الفرقان: 4].

جواهر البيان

۲۱۱

ثُمَّ سلاه بقوله سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ

ليا كلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾ [الفرقان: ٢٠] فإذا طعنوا فيك

بذلك، فقد طعنوا فيهم، فلا تحزن.

وهذا مما يزيد في توضيح المناسبة وتأكيدها، والله تعالى أعلم.

(تنبيه) : جاء في فاتحة السورة: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ . وفي خاتمتها : تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا منيرا ﴾ [الفرقان: ٦١].

وفي هذا تناسب بالمقابلة بين نور والأرض، ونور السماء، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم نور الأرض وسراجها، سمَّاه الله سراجًا منيرًا يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَكَ شَهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِبًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب: ٤٥ - ٤٦].

ونوره أقوى من سرج السماء وكواكبها وأعم منها وأبقى؛ لأنه يُنير القلوب، وهو مشرقٌ لا يَعْتَريه غروب؛ ولهذا قال جابر بن سَمُرة رضي ا عنه: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في ليلة إضْحِيَان - مُقْمِرَة - حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر ، فلهو في عيني أحسن من

وعليه حُلَّةٌ .

القمر.

يشير إلى ما كساه الله من نور النبوة وجمالها، وإلى ما ألقى عليه من هيبة

الوحي وجلاله.

۲۱۲

٢٦

٢ - سورة الشعراء

القرآن الكريم

ذكر الله تعالى في السورة السابقة هَجْرَ الكفار للقرآن، وعداواتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وامتناعهم من الإيمان وَقَالَ الرَّسُولُ يَرَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِي عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بربك هاديا و نَصِيرًا ﴾ [الفرقان: ۳۰ - ۳۱].

ت

وَإِذَا رَأَوكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِن كَادَ لَيُضِلَّنَا عَنْ وَالِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: ٤١ - ٤٢] .

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾

[الفرقان: ٦٠].

فافتتح هذه السورة بتسلية نبيه عمَّا لحقه من الحزن بسبب كفرهم وعنادهم لَعَلكَ بجع نَفْسَكَ [الشعراء: ٣] قاتلها عما وحزنًا من أجل أَلَا يَكُونُوا مؤمنين ولعل هنا معناها الأمر ، أي ارحم نفسك ولا تقتلها حزنًا على عدم إيمانهم إن نَّشَأ [الشعراء: ٤] وقوع الإيمان منهم نُنَزِلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيه ام

:

معجزة تخوفهم فَظَلَّتْ أَعْنَقُهُمْ لَهَا خَضِعِينَ ﴾ فيؤمنون.

ثُم ذكر بعض الرسل الذين لقوا من قومهم تكذيبا وعنادا في الكفر، زيادة في تسلية نبيه صلى الله عليه وآله وسلَّم والتسرية عنه، وهذا من دلائل كرامته

على مولاه وفضله لديه.

جواهر البيان

۲۱۳

۲۷- سورة النمل

لما زعم المشركون أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كاهن، وأنَّ ما يتلوه من القرآن يتلقاه من الشياطين، نفى الله ذلك في السورة السابقة وَمَا نَزَّلَتْ بِهِ ( ) الشَّيطِينُ ) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْرُولُونَ ﴾ [الشعراء: ۲۱۰ - ۲۱۲]. هَلْ أَنتُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَطِينُ ) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَاكِ

أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَذِبُونَ ﴾ [الشعراء: ۲۲۱ - ۲۲۳] . فأثبت هنا صفات القرآن التي تخالف الكهانة والشعر، وصرح بأنه متلقى من الله عزّ وجلَّ: تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْمَانِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ( هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَا لَهُمْ أَعْمَلَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ أَوَلَمْكَ الَّذِينَ هُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥) وَإِنَّكَ لَتَلَقَى الْقُرْءَانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } [النمل: ١ - ٦] . ثُمَّ ذكر خمس قصص وقعت في أزمان متعددة، وأمكنة مختلفة، تأكيدًا لكونه متلقى من حكيم عليم.

(تنبيه): فتحت السورة بالحديث عن القرآن، كما مرّ، وختمت بالأمر بتلاوته إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَ هَذِهِ الْبَلْدَةِ ﴾ [النمل: ٩١] مكة الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتَلُوا الْقُرْءَانَ ﴾ [النمل: ۹۱ - ۹۲] فتناسب مطلعها ومقطعها.

٢١٤

القرآن الكريم

۲۸- سورة القصص

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى قال في السورة السابقة: إِنَّ هَذَا الْقُرْوَانَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَاء يلَ أَكْثَرَ الَّذِى هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [النمل: ٧٦] فقال هنا: نَتْلُوا

عليْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [القصص : ٣].

وذكر قصة موسى عليه السَّلام وهو رسول بني إسرائيل وصاحب شريعتهم، بتفصيل لم يُذْكَر في سورة أخرى، وذلك منذ التقاط فرعون له وهو رضيع إلى أن عاد إليه رسولا وما تبع ذلك من مجادلات ومناقشات انتهت بإغراق فرعون وقومه، وذكر قصة قارون، ولم تُذكر في سورة غير هذه، وبعض ذلك مما اختلفوا فيه، حتى أن بعضهم أنكر قصة قارون.

تنبيهان

(التنبيه الأول): قال تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ الُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوا وَحَزَنا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَمَنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَطِعِينَ } [القصص: ۸] في هذه الآية دليلان على كفر فرعون لم يتنبه لهما من ادعى إيمانه. أحدهما: الإخبار بأنَّ التقاط آل فرعون لموسى كان عاقبته أن كان لهم عدوا وحزنًا، وعدو الرسول كافر بلا شك.

ثانيهما: الإخبار بأنَّ فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين، أي: آثمين، ولو آمن فرعون، لم يكن عليه إثمٌ؛ لأن الإيمان يحبُّ ما قبله (۱) وتقدم دليل

(۱) إن قيل: هذا خبر عن فرعون قبل إغراقه الذي آمن عنده، قلنا: تقدَّم في (سورة طه)

جواهر البيان

۲۱٥

ثالث في (سورة طه).

(التنبيه الثاني): بدئت السورة بأمر موسى ونشأته، وقوله: ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا

لِلْمُجْرِمِينَ ﴾ [القصص: ١٧ ] وخروجه من وطنه، ثُمَّ عوده إليه مؤيَّدًا منصورًا. وختمت بأمر النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بأن لا يكون ظهيرا للكافرين، وتسليته عن إخراجه من مكة ووعده بالعودة إليها إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَ ان تراتُكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [القصص: ٨٥] وقال في حق موسى: انار آدوه [القصص: ۷]. قال الجلال السيوطي: وهو تناسب بديع بين مطلع السورة ومقطعها».

۲۹ - سورة العنكبوت

مناسبتها لما قبلها أنَّ الله تعالى ذكر في السورة السابقة افتتان بعض المؤمنين الفقراء بزينة قارون، وتمنيهم أن يكون لهم مثل ماله، وأنَّ أهل العلم نهوهم عن ذلك، وأفهموهم أنَّ ثواب الله خير للمؤمن فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ، قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِي قَرُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظِّ عَظِيمٍ ) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّهَا إِلَّا الصَّبِرُونَ ﴾ [القصص: ٧٩ - ٨٠]. فذكر هنا أنَّ المؤمن لابد أن يختبر ويمتحن بالمصائب من فقر وغيره ليظهر صدق إيمانه(1):

أنَّ الخبر لا يدخله نسخ.

(۱) ولرعاية هذه المناسبة التي هي مقتضى الحال في هذا الموضع، لم يذكر حديث عن

٢١٦

القرآن الكريم

أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله علم ظهور ومشاهدة الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ كذلك الكَذِبِينَ ﴾ [العنكبوت ٣:٢].

(تنبيه): قال الله تعالى في فاتحة السورة: وَمَن جَهَدَ فَإِنَّمَا يُجَهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ

اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَلَمِينَ ﴾ [العنكبوت: ٦].

وقال في خاتمتها : وَالَّذِينَ جَهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: ٦٩].

وهذا من المحسنات البديعية، مرَّ مثله في (سورة إبراهيم) عليه السَّلام، وهو

القرآن عقب كلمة: الم كما ذكر عقب أخواتها. أما (سورة الروم) فلم يأتِ في أولها حديث عن القرآن لسبب يتعلّق بصدقه، ذلك أن جيش الروم وفارس تلاقوا بأذرعات وبصرى في الشام، وكانت بينهما حرب فغَلَبَتْ ،فارس، وبلغ الخبر مكة فشق ذلك على الصحابة وكانوا يحبون انتصار الروم لأنهم أهل كتاب، وفرح كفَّار مكة بانتصار الفرس؛ لأنهم وثنيون مثلهم فنزل: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِينِينَ ﴾ [الروم: ٢ - ٤] فتراهن أبو بكر رضي الله عنه مع أبي بن خلف على أنَّ الرُّوم سينتصرون في بِضْعِ سنين، وانتصرت الروم على رأس سبع سنين من نزول الآية، وكان أبي قد هَلَك، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه الخطر من أولاده، وكانت المراهنة جائزة حينئذ، وظهر صدق ما أخبر به القرآن قال الزمخشري: هذه الآية من الآيات البيئة الشاهدة على صحة النبوة، وأنَّ القرآن من عند الله؛ لأنها إنباء عن علم الغيب الذي لا يعلمه إلَّا الله».

جواهر البيان

من تناسب المطلع والمقطع .

(تنبيه آخر): ذكرت المجاهدة في القرآن مرتين:

۲۱۷

الأولى في سورة الحج وَجَهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [الحج: ۷۸].

والثانية: في هذه السورة وَالَّذِينَ جَهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا .

والمراد بالجهاد في الله أي في ذاته ولأجل رضاه، جهاد النفس بكبح جماح شهواتها وترويضها بأنواع العبادة والذكر حتى تنقاد، وهذا الجهاد أشق من الجهاد في سبيل الله الذي هو جهاد الكفار. وقد جاء تسميته بالجهاد الأكبر في حديث ضعيف رواه البيهقي عن جابر رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال عند عودتهم من غزوة تبوك وقد وصلوا ضواحي المدينة: «قَدِمْتُم خير مَقْدَم، ورجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، جهاد العبد هواه .

والقرآن يُشير إلى هذا أيضًا، حيث ختم الآية بجملة وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ

الْمُحْسِنِينَ فأفادت أنَّ المجاهد في الله من المحسنين.

والإحسان أعلى مقامات الدين الثلاثة وهي الإيمان والإسلام

والإحسان، كما في حديث سؤال جبريل الثابت في "الصحيحين" وغيرهما. ولفظ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ * يفيد تشريفًا كبيرًا للمجاهدين في الله؛ بأن الله معهم برعايته وعنايته معهم بحفظه ،وكلاءته، معهم بتوفيقه وهدايته، معهم برضاه ونعمته، وللصوفية في هذا الموضع لطائف وإشارات، يضيق عنها نطاق العبارات.

۲۱۸

القرآن الكريم

- سورة الروم

مناسبتها لما قبلها : أنّ الله تعالى ضرب في السورة السابقة مثلا للأصنام وعابديها، بالعنكبوت في الضعف والوَهَن وعدم القدرة على دفع ضر ولا تحصيل نفعٍ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْنَا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ

[العنكبوت: ٤١].

فذكر في هذه السورة أدلة كمال قدرته، وتفرده بالألوهية: ﴿ وَمِنْ ءَايَتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرُ تَنتَشِرُونَ ﴾ [الروم: ٢٠] وَمِنْ آيَيْهِ، خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَيَكُمْ ﴾ [الروم: ۲۲] وَمِنْ ءَايَيْهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ [الروم: ٢٤] وَمِنْ ءَايَيْهِ» أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ [الروم: ٢٥] وَمِنْ اينيْهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتِ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ، وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ، وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الروم: ٤٦].

(تنبيه): فتحت السورة بقوله تعالى: وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ

النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: ٦] .

وختمت بقوله تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: ٦٠] فتناسب المطلع والمقطع.

جواهر البيان

۲۱۹

۳۱ - سورة لقمان

مناسبتها لما قبلها أنَّ الله تعالى قال في السورة السابقة تسلية لنبيه صلى الله عليه وآله وسلَّم فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَوْا مُدْبِرِينَ ) وما أنتَ بِهَدِ الْعُمْيِ عَن ضَلَلَئِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِنَايَتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [الروم: ٥٢ - ٥٣] وهذا تصوير بديع لعناد الكفّار، وإعراضهم عن سماع القرآن، وعن الله وآياته، فذكر هنا من أصر منهم على الإعراض، ولج فيه مع

الاعتبار بنعم ! ذكر جزائه وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوا أَوَلَيْكَ هُمْ عَذَابٌ مُّهِينُ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَتُنَا وَلَى مُسْتَكْبِرًا كَان لَمْ يَسْمَعْهَا كَانَ فِي أُذُنَيْهِ وَقَرَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيم ﴾ [لقمان: ٦ - ٧] وذكرت البشارة على سبيل التهكم.

مناسبة أخرى ذكر الله تعالى في السورة السابقة أدلة على كمال قدرته وتفرده بالألوهية، فأعاد هنا بعضها مضافًا إليه ما لم يذكر هناك، وصرح بمطالبة الكفَّار أن يبينوا ما فعلت آلهتهم من دونه: خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ ترونها ووَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَننَا فِيهَا مِن كُلِ زَوْجٍ كَرِيمٍ )) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُوفِ مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن

دُونِهِ } [لقمان: ١٠ - ١١].

ور

مناسبة أخرى ذكر البعث في السورة السابقة بضع مرات، منها: وَهُوَ

الَّذِي يَبْدَوُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [الروم: ۲۷] فبين هنا أنَّ كلَّا من

۲۲۰

القرآن الكريم

البدء والإعادة هيّن عليه، ليس أحدهما أهون من الآخر؛ لأنه كنفس واحدة

مَا خَلَقَكُمْ وَلَا بَعْتُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [لقمان: ٢٨] وهذه مناسبات

ظاهرة، وبالله التوفيق.

۳۲- سورة السجدة

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى ذكر في ختام السورة السابقة اختصاصه بعلم مفاتح الغيب إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسُ بِأَيِّ أَرْضِ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خبير القمان: ٣٤].

فذكر في مفتتح هذه السورة اختصاصه بالخلق والتدبير اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِي وَلَا شَفِيعِ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ) يُدَبِرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ نُوَ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٢) ذَلِكَ عَلِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَدَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

[السجدة: ٤ - ٦].

والمقصود في الموضعين بيان إحاطة علمه، وسعة قدرته، وإحكام تدبيره وذيل الآية الثانية بأنه عالم الغيب والشهادة؛ للإشارة إلى أن الخلق والتدبير موافقان لما سبق في العلم القديم.

(تنبيه): (سورة العنكبوت) و (الروم) و (لقمان) و(السجدة) تتناسب في

أنها مفتتحة بحرف الم بمكة، وتحدثت عن المبدأ والمعاد.

جواهر البيان

۳۳- سورة الأحزاب

۲۲۱

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى توعد الكفار في السورة السابقة بأن يذيقهم من العذاب الأدنى في الدنيا بالقتل والأسر، قبل العذاب الأكبر، وهو عذاب الآخرة وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّن الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يرجعون [السجدة: ٢١] فأخبر هنا بتحقيق الوعيد المذكور يايُّهَا الَّذِينَ امَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَ تَكُمْ جُنُودُ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾ [الأحزاب: ۹] وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَوْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ فَوِيًّا عَزِيزا ) وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَهَرُوهُم مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وتأسرون فريقا ﴾ [الأحزاب: ٢٥ - ٢٦].

تنبيهان

(التنبيه الأول): اشتملت هذه السورة على جملة من فضائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعض خصائصه وما يجب له من حقوق، وعلى فضل أزواجه وأهل بيته والصادقين من أصحابه رضي الله عنهم، فهي كلها تنويه بمقام النبي صلى الله عليه وسلَّم، وبيان لرفعة قدره، راجع كتابنا " فضائل النبي في القرآن" أما قصة زيد وزوجه، فقد بينا في "خواطر دينية" بالأدلة الدامغة بطلان ما ذكره فيها كثير من المفسّرين مما لا يليق بجلال منصب النبوة، وبالله التوفيق. الثاني: فتحت السورة بأمر النبي بالتقوى يَأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾ [الأحزاب:

۲۲۲

القرآن الكريم

١]، وختمت بأمر أمته بها بايُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا *

[الأحزاب: ٧٠] فتناسب مطلعها ومقطعها.

٣٤- سورة سبأ

مناسبتها لما قبلها أنَّ الله تعالى ذكر - في ختام السورة السابقة- سؤال الكفار عن الساعة، وهو سؤال استهزاء، وأجابهم إجابة مبهمة تتضمن تهديدا بقربها يَسْتَلْكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قريبًا [الأحزاب: ٦٣] فذكر هما تصريحهم بإنكارها وردّ عليهم، مع تأكيد الرد بمؤكدات: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾ [سبأ: ٣] أما قوله تعالى: عَلِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْرُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أصغر من ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَبٍ مُّبِين فهو لبيان إحاطة علمه، بحيث لا يضل عنه مخلوق، بل يحييهم جميعًا لينال كل فرد جزاء عمله.

٣٥- سورة فاطر

مناسبتها لما قبلها أنها افتتحت بالحمد كسابقتها وتناسبتا من موضوعهما الذي افتتحتا بالحمد لأجله، وهو تفصيل بعض النّعم الدينية والدنيوية، ويلاحظ أن افتتاح السورة السابقة كان بحمد الله مالك ما في السموات وما في الأرض، وافتتاح هذه بحمد الله فاطرهما :أي: مبدعهما لا على مثال سابق، وهذا نوع من الاحتباك، ذكر في السورة السابقة ملكيته لما في السموات وما في الأرض وسكت

عنهما، وذكر هنا إبداعه لهما وسكت عما فيهما، وهو من المحسنات البديعية.

جواهر البيان

تنبيهان

۲۲۳

(التنبيه الأول): قال بعض العلماء: افتتاح (سورة فاطر) بالحمد لله مناسب لختام ما قبلها من قوله تعالى: وَحِيلَ بينَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قبل اسبا: ٥٤] كما قال تعالى: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: ٤٥].

(التنبيه الثاني): أخرج أبو عبيد في فضائل" القرآن" عن مجاهد عن ابن عباس، قال: كنت لا أدري ما فاطر السموات؟ حتى أتاني أعرابيان يختصمان

في بير، فقال أحدهما: أنا فَطَرْتُها. يقول : أنا ابتدأتها.

قلت: هذا اللفظ ومثله يسمَّى غريب القرآن. وقد أفرد بالتصنيف. ألف فيه أبو عبيدة، وابن دريد وابن الأنباري وتلميذه العزيزي. ومن أحسنها كتاب مفردات القرآن" للراغب الأصفهاني.

به

قال ابن الصلاح وحيث رأيت في كتب التفسير : قال أهل المعاني، فالمراد . مصنفوا الكتب في معنى القرآن كالزجاج، والفراء، والأخفش، وابن

الأنباري.

قلت: وكذلك إعرابه حيث ورد في حديث أو أثر.

أخرج البيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا: «أَعْرِبوا القرآن والتمسوا

غَرَائِبه». ورواه عن عمرو بن مسعود موقوفًا.

وروي

أيضًا من حديث ابن عمر مرفوعا: من قرأ القرآن فأعربه كان له

بكل حرف عشرون حسنةً، ومن قرأه بغير إعراب كان له بكل حرف عشر

٢٢٤

حسنات».

القرآن الكريم

قال الحافظ السيوطي: المراد بإعرابه معرفة معاني ألفاظه، وليس المراد به الإعراب المصطلح عليه عند النحاة، وهو ما يقابل اللحن؛ لأن القراءة مع

فقده لیست قراءة، ولا ثواب فيها (۱).

٣٦- سورة يس

حكى الله تعالى في السورة السابقة عن الكفار حلفهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من أهل الكتاب الذين كذَّبوا رسلهم، فلما جاءهم النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حَيْثوا في يمينهم وكذَّبوه، وزادوا نفورًا وتباعدا عن الهدى، مستكبرين عن الإيمان، وأرادوا المكر بنبيهم حيث عزموا على تقييده أو نفيه أو قتله، وما دروا أنَّ مكرهم السيئ لا يُحيط إلَّا بهم، ولا يعود ضرره إلا عليهم؛

فهم بتكذيبهم ومكرهم ينتظرون ما حل بالمكذبين قبلهم؛ لأن سنة الله .

مع

مكذبي رُسُلِه لا تتبدل ولا تتحوّل وَأَقْسَمُوا اللَّهِ جَهْدَ أَيْمَتِهِمْ لَإِن جَاءَ هُمْ نَذِيرٌ ليَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرُ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيْ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيْئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ، فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ [فاطر: ٤٢ - ٤٣].

وذكر في هذه السورة إنزال الكتاب على رسوله، لينذر أولئك القوم الذين لم

(۱) ولأنه اصطلاح مستحدث لا يجوز حمل كلام الشارع عليه، وقد أخطأ من فعل ذلك خطأ كبيرا. انظر كتابنا "بدع التفاسير".

جواهر البيان

٢٢٥

يأتهم نذير، فهم غافلون عن الإيمان والهدى، وأن العذاب حقٌّ على أكثرهم لكفرهم، وأشار إلى عذابهم يوم القيامة بأن تجعل الأغلال في أيديهم وتضم إلى أعناقهم، كما أرادوا أن يقيدوا نبيهم ونذيرهم، بعد أن افتتحها بالقسم على رسالته

ردا لإنكارهم لها يسَ وَالْقُرْه إِنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم ) تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَنذِرَ ءَابَاؤُهُمْ فَهُمْ عَفِلُونَ ) لَقَدْ )) حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَقِهِمْ أَغْلَلًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ ) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَهُمْ فَهُمْ لَا

يبصرون [يس: ١ - ٩ ] فكانت المناسبة بينهما ظاهرة، والله أعلم بسر كلامه. (تنبيه) ورد في فضل سورة يس أحاديث ضعيفة وواهية، أمثلها حديث معقل بن يسار: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «قَلْبُ القرآن يس، لا يقرأها رجل يريد الله والدار الآخرة إِلَّا غُفِرَ له، اقرءوها على

موتاكم». رواه أحمد، والأربعة إلا الترمذي، وصححه الحاكم وفيه كلام. وهو أصل في قراءة هذه السورة على الأموات، لكن حمل ابن القيم لفظ الموتى فيه على المحتضرين، قال: «اليتذكَّروا توحيد الله والبعث وما يتبعه من نعيم أو عذاب»، ونازعه الشوكاني بأنَّ الأصل حمل اللفظ على حقيقته وهو الميت، لا المحتضر.

وسُمِّيت (يس) قلب القرآن؛ لأن ما فيها من التوحيد والبعث ودلائلها

محله القلب، لأنه من المعتقدات القلبية.

وقال الغزالي: سميت (يس) قلب القرآن؛ لأن الإيمان صحته بالاعتراف

٢٢٦

القرآن الكريم

بالحشر والنشر، وهو مقرَّرُ في هذه السورة بأبلغ وجه، فجعلت قلب القرآن

لذلك».

وقال النَّسَفي: يمكن أن يقال: إنَّ هذه السورة ليس فيها إلا تقرير الأصول الثلاثة الوحدانية والرسالة والحشر، وهو القدر الذي يتعلق بالقلب، وأما الذي باللسان والأركان ففي غير هذه السورة فلما كان فيها أعمال القلب لا غير سماها قلبًا، ولهذا أمر بقراءتها عند المحتضر؛ لأن في ذلك الوقت يكون اللسان ضعيف القوة، والأعضاء ساقطة، لكن القلب قد أقبل على الله تعالى ورجع عما سواه، فيقرأ عنده ما يزداد به قوة في قلبه، ويشتد تصديقه بالأصول الثلاثة».

قلت: هذا يؤيد تأويل ابن القيم، كما يؤيده ما أخرجه أبو الشيخ ابن حِبَّان في "الفضائل" بإسناد ضعيف عن أبي ذرّ مرفوعا: «ما من ميت يموت فيقرأ عنده يس إِلَّا هون الله عليه».

وفي "معجم الطبراني" من حديث أنس: «من دام على قراءة يس كلَّ ليلةٍ ثُمَّ مات مات شهيدًا». وللترمذي، والدارمي، من حديث أنس: «إنَّ لكلّ شيءٍ قلبًا،

وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات». في "الموطأ" للإمام مالك: عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه

وآله وسلَّم: «مَن قرأيس في ليلة ابتغاء وجه الله غُفر له» صححه ابن حِبَّان. أما حديث: «يس لما قُرئت له فلا أصل له، لكن الشيخ إسماعيل الجبرتي وأصحابه باليمن، جرَّبوا قراءتها لقضاء الحاجات؛ بحيث صارت عندهم قطعية. نعم، روى البيهقي عن أبي بكرٍ رضي الله عنه مرفوعا: «سورة يس تُدعى

جواهر البيان

۲۲۷

في التوراة المعممة؛ تعم صاحبها بخيري الدنيا والآخرة، وتُدعى المدافعة والقاضية تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضى له كل حاجة». قال البيهقي: حديث منكر».

وروى المحاملي في "أماليه" من حديث عبد الله بن الزبير: «من جعل يس أمام حاجة قضيت له و له شاهد مرسل عند الدارمي. وروى ابن الضريس

.

عن سعيد بن جبير أنه قرأ على رجل مجنون (سورة يس) فبرئ.

وفي "المستدرك" للحاكم عن أبي جعفر محمد بن علي قال: «من وجد في

قلبه قسوة فليكتب (يس) في جام بماء ورد وزعفران ثُمَّ يشربه».

وأخرج ابن الضريس في "فضائل القرآن" عن يحيى بن أبي كثير قال: «من قرأ يس إذا أصبح لم يزل في فرح حتى يُمسي، ومن قرأها إذا أمسى لم يزل في فرح حتى يُصبح، أخبرنا من جرَّب ذلك».

قلت المدار في هذا على التجربة، أما الأحاديث فضعيفة كما قلنا، سوى ما

نبهنا على صحته.

۳۷- سورة الصافات

ذكر الله تعالى في السورة السابقة استبعاد الكافر للبعث وردَّ عليه : أَوَلَوْ يَرَ الْإِنسَنُ أَنَّا خَلَقْتَهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلَقَةٌ، قَالَ مَن يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمُ ) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ يككُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [يس: ۷۷ - ۷۹] فأعاد الكلام هنا على منكري البعث جميعًا، مع ذكر جزائهم : وَقَالُوا إِن

۲۲۸

القرآن الكريم

هَذَا إِلَّا سِحْرُ مُبِينُ )) أَعِذَا مِتْنَا وَكُنَّا نُرَابًا وَعَظَامًا أَنَا لَمَبْعُوثُونَ أَوَءَابَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ) قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ ) فَإِنَّمَا هِيَ زَجَرَةٌ وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ) وَقَالُوا يَوَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ

هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِبُونَ ﴾ [الصافات: ١٥ - ٢١].

ثُم ذكر اطلاع بعض أهل الجنَّة على النار، وفيها صديقه الذي كان ينكر البعث في الدنيا ومخاطبته إياه على سبيل الشماتة : قَالَ قَابِلُ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَعِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِقِينَ أَعِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَمًا أَءِ نَالَمَدِينُونَ ) قَالَ هَلْ أَنتُم مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَعَاهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٥) قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدتَ لَتُرْدِينِ ) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ [الصافات: ٥١ - ٥٧].

ثُمَّ أخذ يُعيد عليه كلامه في الدنيا تبكينًا واستهزاء أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ) إِلَّا مَوْنَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذِّبِينَ ) إِنَّ هَذَا ﴾ [الصافات: ٥٨ - ٦٠] ما نحن فيه من

النعيم هو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الصافات: (٦٠)، وهذه مناسبة واضحة، والله أعلم. (تنبيه): قال أبو بكر بن العربي المعافري : أخبرنا أبو بكر الفهري قال: أنبأنا التميمي: أنبأنا هبة الله ، المفسّر، قال: نزل القرآن بين مكة والمدينة إلا . آيات، نزلت لا في الأرض ولا في السماء:

ست

1 - ثلاث في سورة الصافات وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامُ مَّعْلُومٌ ﴾ [الصافات: ١٦٤]

الآيات الثلاث.

٢- وواحدة في الزخرف وَسْتَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن

دُونِ الرَّحْمَنِ الِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ [الزخرف: ٤٥].

والآيتان من آخر (سورة البقرة)، نزلتا ليلة المعراج.

جواهر البيان

قال ابن العربي: «ولعله أراد في الفضاء بين السماء والأرض».

۲۲۹

الله

قال الحافظ السيوطي: «لم أقف على مستند لما ذكره في الآيات المتقدمة إلا آخر (البقرة)، فيمكن أن يستدل له بما أخرجه مسلم عن ابن مسعود رضي ا عنه قال: لما أُسري برسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم انتهى إلى سدرة المنتهى... الحديث. وفيه: فأعطي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم (سورة البقرة)، وغفر لمن لم يشرك من أمته بالله شيئا المقيمات (۱).

قلت: وجه مناسبة الآيات الثلاث المذكورة في هذه السورة لما قبلها من الآيات: أنَّ الله تعالى لما حكى قول الكفَّار الذين جعلوا الملائكة بنات له

سبحانه فقال: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ نَسَبًا ) والمراد بالجنة الملائكة لاجتنانهم، أي استتارهم وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ ) أي المشركين المُحْضَرُونَ في العذاب يوم القيامة، نزّه نفسه عما وصفوه به سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ثم

استثنى المؤمنين إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فإنهم غير محضرين في العذاب. ثُم خاطب المشركين فإنَّكُر وَمَا تَعْبُدُونَ من الآلهة مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ على الله

يقتنين أحدًا من عباده إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ * مثلكم.

ثُمَّ حكى كلام الملائكة يتبرؤون من المشركين وعبادتهم وَمَا مِنَّا أحد

(۱) بضم الميم وسكون القاف وكسر الحاء؛ يعني الكبائر لأنها تقحم مرتكبها أي تدخله

النار.

۲۳۰

القرآن الكريم

إلا لَهُ مَقَامُ مَّعْلُومٌ لا يتعداه في عبادة مولاه: منا الراكع، ومنا الساجد، ومنا

القائم وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُونَ أجنحتنا أو أقدامنا في صلاتنا وَإِنَّا لَنَحْنُ المُسبِّحُونَ [الصافات: ١٥٨ - ١٦٦] المنزهون الله عما يصفه به المشركون من ولديتنا له، وما

نحن إلا عبيده المخلصون، فظهر تناسب الآيات وترابطها، والحمد لله. تنبيه آخر: إن كان قوله تعالى: وَالصَّفَنتِ صَفًّا ﴾ [الصافات: ١] وصفا للملائكة - وهو الراجح فهو مع قوله تعالى هنا وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُونَ من تناسب المطلع والمقطع .

۳۸- سورة ص (1)

مناسبتها لما قبلها: الإشارة إلى جملة من قصص الأنبياء، وما امتحن الله به بعضهم ذكر في السورة السابقة نوح وإبراهيم وموسى وهارون وإلياس ولوط ويونس، وذكر في هذه السورة داود وسليمان وأيوب وإسماعيل واليسع وذو الكفل وإسحاق ويعقوب. مناسبة أخرى بيَّن في ختام تلك السورة كفر المشركين بنسبتهم الملائكة بنات الله تعالى فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَيْكَة إِنَنا وَهُمْ شَهِدُونَ ) أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ) وَلَدَ اللَّهُ

(۱) من المناسبات اللطيفة أن افتتاح هذه السورة بحرف (ص) مؤذن بما ذكر فيها من خصومات متنوعة: وَهَلْ أَتَنكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَوَرُوا الْمِحْرَاب ) [ ص: ۲۱] ، إِنَّ ذَلِكَ

لَن تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴾ [ ص: ٦٤]، ﴿ مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمِ بِالْمَلَا الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ [ ص: ٦٩].

جواهر البيان

۲۳۱

وَإِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ ﴾ [الصافات: ١٤٩ - ١٥٢].

وبين هنا كفرهم بنوع آخر، وهو اعتقاد آلهة مع الله، وتكذيبهم للرسول وعجبوا أَن جَاءَهُم مُنذِرُ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَفِرُونَ هَذَا سَاحِرُ كَذَابُ ) أَجَعَلَ الْأَلِمَةَ إِلَهَا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَى عُجَابٌ : [ ص: ٤ - ٥] وهذه مناسبة ظاهرة.

(تنبيه): فتحت هذه السورة بذكر القرآن ص وَالْقُرْمَانِ ذِي الذِّكْرِ) [ص: ١] أنزِلَ عَلَيْهِ الذِكرُ مِنْ بَيْنِنَا ﴾ [ص: ۸]. وختمت به: قُلْ مَا أَسْتَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرُ لِلْعَالَمِينَ ﴾ [ ص: ٨٦ - ٨٧] فتناسب المطلع والمقطع .

۳۹- سورة الزمر

مناسبتها لما قبلها: أنَّ الله تعالى أمر نبيه في ختام السورة السابقة أن يقول للكفار: أنه ليس من المتكلّفين، أي المتقولين للقرآن من قبل أنفسهم قُلْ مَا

أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ : فذكر هنا أنه تنزيل من الله العزيز الحكيم، وأكد إنزاله بالحق، لإفراد الله بالعبادة، على خلاف عمل المشركين الذين ذكر عنهم في السورة السابقة أنهم اتخذوا آلهة مع الله، وحكى عنهم هنا قولهم: أنهم إنما عبدوها لتقربهم إليه تَنزِيلُ الْكِتَبِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَبَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَ

مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [الزمر: ١ - ٣].

۲۳۲

القرآن الكريم

٤٠ - سورة غافر

ذكر الله تعالى في السورة السابقة أنه يحكم يوم القيامة بين المسلمين والمشركين إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بين المسلمين الموحدين والكفار المشركين في مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [الزمر: ٣] وهو التوحيد والشرك، وحكمه أن يدخل المسلمين الجنة والكفار النَّار.

فذكر هنا حُكْمَهُ المذكور الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا ا يقولون: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَابِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ إِنَّكَ أنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( وَقِهِمُ جزاء السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ جزاء اما السَّيِّئَاتِ يَوْمَيد يوم القيامة فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَون يوم القيامة لَمَقْتُ اللهِ أنفسكم على شرككم به

أَكْبَرُ مِن مَفْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ اليوم حين اطلعتم على بطلان عملكم :

تدعون إلى الإِيمَنِ في الدنيا فَتَكْفُرُونَ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَنَا اثْنَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوج مِّن سَبِيلٍ يقولون هذا بعد دخولهم النار ذَلِكُم العذاب الذي أنتم فيه بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ في الدنيا كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكَ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِله حيث حكم عليكم بالعذاب

الدائم العلي الكبير [غافر: ٧-١٢] وهذه مناسبة واضحة.

جواهر البيان

۲۳۳

مناسبة أخرى: ذكر الله تعالى في ختام السورة السابقة نهاية الدنيا وقيام الناس للبعث، ومصير الكفَّار إلى النَّار، والمتقين إلى الجنَّة وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامُ ينظرُونَ ﴾ [الزمر: ٦٨]، إلى آخر السورة.

فافتتح هذه السورة ببعض صفاته التي تناسب ما مر : حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ بخلقه لا يعزب عنه من أعمالهم شي، فيجازي كلا منهم بعمله غَافِرِ الذَّنْبِ للمؤمنين وَقَابِلِ التَّوْبِ ممن تاب منهم

ومن غيرهم شَدِيدِ الْعِقَابِ للكفار بإدخالهم جهنم زمرا وذي الطول صاحب الفضل، حيث تفضل على المتقين فأدخلهم الجنة زمرا، بعد أن عمهم وغيرهم فضله في الدنيا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [غافر: ١-٣] المرجع بعد فناء العالم، حيث يلقى المؤمنون والكافرون جزاؤهم المذكور فيما سبق.

٤١- سورة فصلت

تناسبت هذه السورة مع التي قبلها في الموضوع، وهو ذكر أدلة وحدانية الله تعالى، وذم الشرك والإنذار لما يحصل للمشركين من الهلاك في الدنيا، والعذاب

في الآخرة.

وكذلك بقية (آل (حم) كلها متناسبة في الموضوع المذكور؛ لاشتراكها فيه

وفي البدء بحرف وحم [فصلت: ١] وفي كونها نزلت بمكة، ونذكر مع

ذلك مناسبة لكل سورة بحسب ما يفتح الله تعالى.

٢٣٤

القرآن الكريم

(تنبيه): فتحت السورة بالحديث عن القرآن كِتَبُ فُصِّلَتْ ايَتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِقَوْمِهِ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: ٣]. وختمت بالحديث عنه قُلْ أَرَهَ يَتُمْ إِن كانَ مِنْ عِندِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ، مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت:

٥٢]، فتناسب فيها المطلع والمقطع .

٤٢- سورة الشورى *

من المناسبة بينها وبين ما قبلها أنَّ الله تعالى قال في ختام السورة السابقة يخاطب نبيه: قُلْ أَرَهَيْتُمْ إِن كَانَ القرآن مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ

مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: ٥٢].

فأثبت في افتتاح هذه السورة أنَّ الله أوحى إلى نبيه كما أوحى إلى الأنبياء من قبله: كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الشورى: 3] فهو رد لكفر المشركين بالقرآن، وإثبات أنهم في ضلال بعيد.

(تنبيه): فتحت السورة بالحديث عن الوحي: كَذَلِكَ يُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . وختمت بالحديث عنه: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مَنْ

أَمْرِنَا ﴾ [الشورى: ٥٢] فتناسب مطلعها ومقطعها.

٤٣- سورة الزخرف

ذكر الله تعالى في ختام السورة السابقة أنه أوحى إلى رسوله روحًا، أي قرآنا تحيا به القلوب، وقد كان قبل الوحي لا يعلم ما هو الكتاب ولا ما هي شرائع الإيمان، فصار به هاديًا ودالًا إلى صراط مستقيم: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ

جواهر البيان

۲۳۵

رُوا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَبُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْتَهُ نُورًا تَهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ

عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: ٥٢]

فذكر هنا أنه جعله قرآنا عربيًا ليعقله قومه، ويفهموا ما فيه من أحكام وتشريعات، وأن الله لم يكن ليهملهم لإشراكهم، فلا ينزل عليهم كتابا : إِنَّا جَعَلْنَهُ قُرْهَانَا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيُّ حَكِيمُ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ

[الزخرف: ٣ - ٥] وهذه من المناسبات الظاهرة، والله أعلم.

(تنبيه): ذكر في أوائل السورة قوله تعالى وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ، جُزْءًا م [الزخرف: ١٥] الآيات. وفي أواخرها قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ

العبدِينَ } [الزخرف: ۸۱] فتناسب مطلعها ومقطعها.

٤٤- سورة الدخان

من المناسبة بينها وبين ما قبلها أنَّ الله تعالى ذكر في السورة السابقة شكوى نبيه من عدم إيمان ،قومه، وأمره بالصفح عنهم، وهددهم بأنهم سوف

يعلمون ما يحصل لهم من العذاب وَقِيلِهِ - يَنَرَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ ) فَأَصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَمُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: ۸۸ – ۸۹] فبين هنا نوع العذاب الذي توعدهم به فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُعَانٍ مُّبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ )) رَبَّنَا أَكَيْفَ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (٢) أَنَّ لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِين )) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَهُ تَجَنُونُ ) إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَابِدُونَ

٢٣٦

القرآن الكريم

يَوْمَ تَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾ [الدخان: ١٠ – ١٦] وهذه مناسبة ظاهرة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

مناسبة بين فاتحة السورتين فتحت تلك بالحديث عن القرآن: حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ )) إِنَّا جَعَلْتَهُ قُرْءَنَا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الزخرف: ١ - ٣] وفتحت هذه بالحديث عنه أيضًا حم ( وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ )

إِنَّا أَنزَلْنَهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَرَكَةِ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ [الدخان: ١ - ٣].

(تنبيه): فتحت السورة بالحديث عن القرآن كما مر آنفا، وختمت بالحديث عنه : فَإِنَّمَا يَسَرْنَهُ القرآن بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَرُونَ ﴾ [الدخان:

٥٨ فتناسب مطلعها ومقطعها .

- سورة الجاثية

ذكر الله تعالى في ختام السورة السابقة أنه يسر القرآن بلسان نبيه أي بلغته العربية؛ ليتذكر العرب به فَإِنَّمَا يَسَرْنَهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَرُونَ فذكر هنا الكتاب، أي القرآن أنزله الله العزيز الحكيم: حم تَنزِيلُ الْكِتَبِ مِنَ اللَّهِ

أنَّ

العزيز الحكيمِ ﴾ [الجاثية : ١ - ٢]. ومن حكمته أن جعله عربيًّا، ليملك على العرب -وهم أئمة اللسان وزعماء البيان أزمة قلوبهم، ويسوقهم بسوط الحُجَّة إلى الاعتراف بفصاحته،

والعجز عن معارضته، وتلك مناسبة ظاهرة، والله أعلم بسر كتابه.

جواهر البيان

۲۳۷

(تنبيه): فتحت السورة بصفتي العزيز الحكيم، كما مر آنفا، وختمت بهما

وَلَهُ الكبرياء في السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) [الجاثية: ٣٧] فتناسب المطلع والمقطع. وتناسبا أيضًا بذكر السموات والأرض في الافتتاح : إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لآيَاتِ لِلْمُؤْمِنِينَ [الجاثية: ٣]، وبذكرهما في الختام : فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ

الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الجاثية : ٣٦].

٤٦- سورة الأحقاف

من المناسبة بينها وبين ما قبلها أن الله تعالى ذكر في السورة السابقة ما يحصل للكفار من العذاب يوم القيامة، لإعراضهم عن القرآن واستكبارهم

عن الإيمان وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُن اينِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا تُجْرِمِينَ [الجاثية :۳۱] إلى قوله تعالى: ذَلِكُر بأنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُرُوا وَغَرَتَكُمُ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْنَبُونَ ﴾ [الجاثية : ٣٥]. فذكر هنا أن الكتاب الذي أعرضوا عنه تنزيل من الله العزيز الحكيم، وذكر أنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق ليدل على ربوبيته ووحدانيته، وأن لهذا العالم أجلًا ينتهي عنده . عنده، ويأتي يوم القيامة بما فيه من العذاب الذي أنذروا به فيما سبق، وهم عما أنذروا معرضون لا يؤمنون حم تَنزِيلُ الْكِتَبِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا

۲۳۸

القرآن الكريم

إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأحقاف: ۱ - ۳]. مناسبة أخرى: خُتمت السورة السابقة بصفتي العزيز الحكيم، وفتحت

هذه بهما أيضًا.

(تنبيه): فتحت السورة بالخبر عن إعراض الكفار عما أنذروا به كما سبق، وختمت بالخبر عن إهلاكهم : فَهَلْ يُهْلَك إِلَّا الْقَوْمُ الْفَسِقُونَ ﴾ [الأحقاف:

٣٥] وهو تناسب بين المطلع والمقطع .

- سورة محمد

ذكر الله تعالى في السورة السابقة أنه صرف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفرا من الجنّ يستمعون القرآن، فلما حضروه أنصتوا له، فلما انتهى ذهبوا إلى قومهم منذرين بما سمعوه مؤمنين به: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرَا مِنَ الْجِنِ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُنذِرِينَ قالُوا يَقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَبًا أُنزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدَقَا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى

الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقِ مُسْتَقِيم ﴾ [الأحقاف: ٢٩ - ٣٠]. فذكر هنا أنَّ من الإنس من لم يفقه القرآن ولا فهم له معنى : ومنهم من يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ مَانِنَا أَوْلَيْكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَ هُمْ ﴾ [محمد : ١٦].

بل بلغ بهم الجهل والعناد أن أخرجوا النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من بلده وكَأَن مِن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَنِكَ الَّتِي أَخْرَجَنَكَ أَهْلَكْتَهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ﴾

جواهر البيان

۲۳۹

[محمد: ١٣] والمناسبة في هذا بيان ما بين جنس الجن والإنس من التباين، وأنَّ

الجن أسرع إلى الطاعة من الإنس، وهي مناسبة ظاهرة.

(تنبيه): سألني المرحوم الدكتور محمد عبد السلام العيادي، لم قال الجن: إنَّا سَمِعْنَا كِتَبًا أُنزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى ﴾ [الأحقاف: ٣٠] ولم لم يذكروا عيسى؟

فأجبت: لم يذكروا عيسى السببين :

أحدهما : أنَّ عيسى بعث متمما لشريعة موسى، وتابعا لها.

ثانيهما: أنَّ الإنجيل أغلبه مواعظ ألقاها عيسى على الحواريين، ولم يكتب في كتاب، والأناجيل الموجودة اليوم كتبت بعد رفع عيسى بزمن طويل، وهي تحتوي على سيرته وبعض أقواله بخلاف التوراة فإنها كانت مكتوبة في الألواح، وتشتمل على تشريع ،وقصص فأشبهت القرآن من هذه الجهة، فمن ثُمَّ ذكروا موسى عليه السَّلام.

ويجوز أن يكون على شريعته، وإن لم يكن مرسلًا إليهم؛ لأن من اتبع شريعة صحيحةً قبل نسخها كان ناجيًا عند الله، وإن لم يكلف باتباعها، وعيسى عليه السلام لم ينسخ من شريعة موسى إلا قليلا.

مناسبة أخرى: خُتمت السورة السابقة بقوله تعالى: ﴿ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَسِقُونَ وافتتحت هذه ببيان الفاسقين أنهم الكافرون، مع زيادة فائدة؛ هي الإخبار بأنَّ الله أبطل أعمالهم الصالحة لكفرهم: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ

اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَلَهُمْ ﴾ [محمد: ١] وهذه مناسبة واضحة.

(تنبيه): فتحت السورة بالآية المذكورة، وذكر في خاتمتها قوله تعالى: إِنَّ

٢٤٠

القرآن الكريم

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارُ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ [محمد: ٣٤]

فتناسب مطلعها ومقطعها.

٤٨- سورة الفتح

حض الله تعالى في السورة السابقة على جهاد الكفار، وذم المنافقين على جبنهم وتلكئهم عن الجهاد، وتواطئهم مع المشركين على عداوة النبي عليه الصلاة والسَّلام وَيَقُولُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْلَا نُزَلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ تُحْكَمَةٌ وذكر فيها الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِي عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلُ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا

(۲۰)

لهُمْ ﴾ [محمد: ۲۰-۲۱] الآيات، إلى قوله تعالى: وَلَوْنَشَاءُ لَأَرَيْنَكَهُمْ فَلَعَرَفْنَهُم

بِسِيمَهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَلَكُمْ ﴾ [محمد: ٣٠].

فأثنى في هذه السورة على المؤمنين الذين بايعوا النبي عليه الصَّلاة والسَّلام على الجهاد، وأخبر برضاه عنهم، وأثابهم فتحًا ومغفرة لذنوبهم، وجنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهار، كما عرّج على المنافقين بالذم والوعيد، وهذه مناسبة في غاية الوضوح، والله تعالى أعلم.

(تنبيه): فتحت السورة بذكر ما امتنَّ الله به على نبيه من الفتح المبين والنصر العزيز، وهداية الصراط المستقيم، وإنزال السكينة في قلوب أصحابه لزيادة إيمانهم: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَرَ وَ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمَا وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ

جواهر البيان

٢٤١

السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَنَا مَّعَ إِيمَنِهِمْ ﴾ [الفتح: ١ - ٤] . وختمت بالثناء عليه وعلى أصحابه هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ

الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِهِ، وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) تُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَبَّهُمْ رُكَعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانَا سِيمَاهُمْ في وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْعَهُ فازَرَهُ، فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الرُّزَاعَ لِيَغِيظُ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ امَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: ۲۸ - ۲۹] فتناسب فيها المطلع والمقطع .

٤٩- سورة الحجرات

ذكر الله تعالى في السورة السابقة بعض ما أنعم به على نبيه من الفتح المبين، والعصمة المكنّى عنها بالمغفرة، وإتمام النعمة، والنصر العزيز، والهداية

إلى الصراط المستقيم، وإرساله بالهدى ودين الحق.

فذكر هنا ما يجب في حقه من الاحترام والتوقير؛ لأنه رسوله المختار، وصفوته من خلقه، فتوقيره توقير الله عزّ وجل، كما أن مبايعته مبايعة له حسبما تقدم في السورة السابقة.

مناسبة أخرى: ختم الله تعالى السورة السابقة بالثناء على الصحابة، وذكر لهم مثلين في التوراة والإنجيل، ووعدهم مغفرةً وأجرًا عظيما، فافتتح هنا ببيان ما يجب عليهم لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم من التعظيم والأدب؛ لأنهم بصحبته نالوا الشرف بذلك الثناء، وباتباعه فازوا بسعادة الدارين، فلا

٢٤٢

القرآن الكريم

ينبغي لهم التقدم بين يديه، ولا مخاطبته كما يخاطب بعضهم بعضًا: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا لَا نُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَلُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَعْضُونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَيْكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرُ عَظِيمُ ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الحجرات: ١ - ٥] وتلك مناسبة ظاهرة ليس بها خفاء. (تنبيه): فتحت السورة بإثبات صفتي السمع والعلم الله تعالى، كما مر آنفًا، وختمت بإثبات صفتي العلم والبصر و إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ

بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحجرات : ۱۸] وهو من تناسب المطلع والمقطع .

٥- سورة ق

مناسبتها لما قبلها: أن الله تعالى وجه في السورة السابقة خطابا للناس عامة

لا

أنه خلقهم من ذكر وأنثى وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا فيما بينهم ليتفاخروا بالأنساب والأحساب، وأنَّ أكرمهم عنده أتقاهم : يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْتَكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عليم خبير [الحجرات: ۱۳] فذكر هنا ما أعدَّ للمتقين من الكرامة عنده يوم القيامة وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٌ ( مَنْ ) خَشِي الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ

٢٤٣

(1)

جواهر البيان

فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدُ [ق: ٣١ - ٣٥] و الله تعالى أعلم .

(تنبيه): فتحت السورة بذكر القرآن ف وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ ) [ق: ١]

وختمت به أيضًا فَذَكَرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: ٤٥] فتناسب فيها

المطلع والمقطع .

٥١- سورة الذاريات

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى ذكر في السورة السابقة ما أعد للكفار من عذاب، وللمؤمنين من الثواب، وختمها بذكر صيحة البعث وما: وَاسْتَمِعْ

(1) كثر في هذه السورة ذكر كلمات فيها حرف القاف): رفَ وَالْقُرْء انِ الْمَجِيدِ [ق: ١] قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ﴾ [ق: ٤]، ﴿ وَالنَّخْلَ بَاسِقَتِ ﴾ [ق: ۱۰)، إِذْ يَتَلَقَّى

الْمُتَلَقِيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدُ [ق: ۱۷]، ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَولِ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: ۱۸]، سكرة المَوْتِ بِالْحَقِّ [ق: ۱۹]، مَعَهَا سَابِقُ وَشَهِيدُ [ق: ۲۱]، ﴿ وَقَالَ قَرِيتُهُ هَذَا مَ لَدَى عيد [ق: ۲۳]، أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَارِ عَنِيدٍ [ق: ٢٤]، فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَدِيدِ [ق:

٢٦]، قال قرينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ﴾ [ق: ۲۷]، ﴿ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَى وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُرَ بِالْوَعِيدِ ق: ۲۸] يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَاتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَزِير ﴾ [ق: ۳۰]، وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَبُوا فِي الْبَلَدِ [ق: (٣٦)، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبُ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: ۳۷]، وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ﴾ [ق: ٤١، فَذَكَرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ [ق: (٤٥]، وهي مناسبة واضحة بين مفتتح

السورة وبين بقيتها.

٢٤٤

القرآن الكريم

()

يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوج إِنَّا نَحْنُ نَحِي، وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ يَوْمَ نَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرُ عَلَيْنَا يَسِيرُ [ق: ٤١ - ٤٤]. فأقسم سبحانه وتعالى هنا عدة أقسام على أنَّ ما يوعدون من البعث

:

صادق، وأنَّ الدين وهو الجزاء المذكور فيما مر - واقع لا محالة : وَالنَّارِيتِ

ذَرُوا فَالْحَمِلتِ وِقُرًا )) فَالْحَرِيتِ يُسْرًا فَالْمُقَيِّمَتِ أَمْرًا ) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقُ

وَإِنَّ الدِّينَ وقع ﴾ [الذاريات: ١ - ٦] وهذه المناسبة واضحة، والله تعالى أعلم. (تنبيه): فُتحت السورة بذكر . يوم البعث والجزاء، وختمت بذكره أيضًا

فويل للذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِى يُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: ٦٠] فتناسب

مطلعها ومقطعها.

٥٢

- سورة الطور

ختم

الله تعالى السورة السابقة بأنَّ للكفار من هذه الأمة نصيبا من

العذاب مثل نصيب أصحابهم الكفَّار الهالكين قبلهم، فلا يستعجلون به: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَبهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ ) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِن

يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: ٥٩ - ٦٠].

فأقسم هنا في هذه السورة أقسامًا عظيمة، على أنَّ العذاب واقع بالكفار القيامة، غير مدفوع عنهم وَالطُّورِ وَكَتَبٍ مَسْطُورٍ فِي رَةٍ مِّنشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوع ) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَقِعُ )

يوم

جواهر البيان

٢٤٥

مَّا لَهُ مِن دَافِع ) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَنَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ) فَوَيْلٌ يَوْمَيدٍ

للْمُكَذِّبِينَ ﴾ [الطور: ١ - ١١] الآية.

مناسبة أخرى تناسبت هذه السورة والتي قبلها في افتتاح كل منهما بالقسم على حقية البعث، وعذاب الكفار.

(تنبيه): ذكر في فاتحة السورة وعيد الكفَّار بأن العذاب واقع بهم يوم القيامة، وذكر في خاتمتها مثل ذلك فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ [الطور: ٤٥ - ٤٦] فتناسب فيها المطلع والمقطع.

سورة النجم

حكى الله تعالى في السورة السابقة قول الكفار في النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرُ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ( قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ المتر يصِينَ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَعْلَمُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ أَمْ يَقُولُونَ نَقَولَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ ) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثِ مِثْلِهِ إِن كَانُوا صَدِقِينَ } [الطور : ٣٠ - ٣٤]. فأقسم هنا على تبرئة نبيه مما اتهموه به، وأنه لا ينطق إلا عن وحي وتعليم وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا عَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إلَّا وَحَى يُوحَى ) عَلَمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم: ١ - ٥] الآيات، نفى عنه الضلال والغي والنطق عن الهوى، وأثبت أنَّ كلامه إنما هو بالوحي، وأنه يتلقاه من

جبريل عليه السَّلام، وهذا أبلغ ما يكون في رد كلام الكفَّار السابق.

٢٤٦

القرآن الكريم

مناسبة أخرى: خُتمت السورة السابقة بقوله تعالى: ﴿وَإِدْبَرَ النُّجُومِ ا

[ الطور : ٤٩] فافتتحت هذه بقوله سبحانه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى } [النجم: ١] (تنبيه): فتحت السورة بالحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما مر، وختمت بالحديث عنه أيضًا هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذْرِ الْأُولَى ﴾ [النجم: ٥٦]

فتناسب مطلعها ومقطعها .

٥٤- سورة القمر

مناسبتها لما قبلها أنّ الله تعالى أخبر في ختام السورة السابقة بقرب الساعة وأنه لا يكشفها -أي: يظهرها - إلا هو سبحانه: أَزَفَتِ الْأَرْفَةُ لَيْسَ

لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةُ : [ النجم : ٥٧ - ٥٨].

فذكر هنا قربها أيضًا مع ظهور علامة من علاماتها: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَأَنشَقَ الْقَمَرُ ﴾ [القمر: ١] وأخبر بأنَّ الكفار أعرضوا عن آية انشقاقه: وَإن

يَرَوْا ءَايَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌ ﴾ [القمر: ٢].

مناسبة أخرى أخبر تعالى هناك أن الكفار أعرضوا عن القرآن أَفَمَنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَمِدُونَ ﴾ [النجم: ٥٩ - ٦١] أي لاهون عن التذكر ،به والتدبر لما فيه فأخبر هنا أنه يشر القرآن للتذكر والاتعاظ وأمر بالاتعاظ به ولَقَدْ يَسَرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ [القمر: ۱۷] تكررت هذه الآية في هذه السورة عدة مرات للحضّ على التذكر بالقرآن

جواهر البيان

٢٤٧

والاتعاظ به، على خلاف ما اتبعه الكفار من الإعراض عنه (۱).

(تنبيه): فتحت السورة بذكر الساعة كما مرَّ آنفًا، وختمت بذكرها أيضًا:

الله بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُ ﴾ [القمر: ٤٦] فتناسب المطلع والمقطع .

00

٥٥ - سورة الرحمن

مناسبتها لما قبلها : أنَّ تلك السورة خُتمت باسمين من أسماء الله الحسنى إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكِ مُقْتَدِيم ﴾ [القمر: ٥٤ - ٥٥] ففتحت هذه السورة بذكر اسمه الرحمن إشارة إلى أنَّ رحمته عمَّت الدنيا

والآخرة، وأنَّ أهل الجنة إنها دخلوها ونالوا تلك الخطوة برحمته. وفي الحديث الصحيح: لن يَدخُلَ أحَدُكم الجنة بعمله». قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إِلَّا أَن يَتغَمَّدَنِي اللهُ برحمةٍ منه». وبها تعلموا القرآن، ووُفِّقوا للعمل به الرَّحْمَنُ عَلَمَ الْقُرْءَانَ ﴾

[الرحمن: ١-٢].

وأيضًا فإنَّ الأسماء الثلاثة صيغ تكثير، فمعنى مليك: واسع الملك، ومقتدر: واسع القُدرة، والرحمن واسع الرحمة، وفي ذلك إشارة إلى أنَّ ما فيه أهل الجنَّة من نعيمٍ وحَظْوَةٍ لا ينقطع ولا يزول؛ لأن مصدره من هو موصوف

(۱) مناسبة ثالثة: أشير في السورة السابقة إلى أربع قصص على سبيل الإجمال: ﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عادًا الأُولَى وَثَمُودَا فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى وَالْمُؤْنَفِكَةَ أَهْوَى

فَعَشَهَا مَا عَشَى ﴾ [النجم: ٥٠ - ٥٤] وذكرت في هذه السورة على سبيل التفصيل.

٢٤٨

بتلك الصفات العظيمة.

القرآن الكريم

وأيضًا فإنَّ السورة السابقة ذكرت ما يلقاه المتقون من النعيم في ا

الجنة

على

سبيل الإجمال، ففصلت هذه السورة بيان النعيم بذكر أنواعه المختلفة، في جنات متعدّدة. كما بينت أنه لا يختص بالمتقين من الإنس، بل يشمل معهم المتقين من

الجن (۱) فما في هذه السورة تفصيل وبيان لما في تلك، والله تعالى أعلم. (تنبيه): روى الترمذي والحاكم بإسناد صحيح عن جابر رضي

.

الله

عنه قال: خرج رسول الله عليه الصلاة والسلام على أصحابه، فقرأ عليهم (سورة الرحمن)، من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: «لقد قرأتها على الجنّ فكانوا أحسنَ مردودًا منكم، كنتُ كلما أتيتُ على قوله: ﴿ فَبِأَيِّ الَآءِ رَبِّكُمَا

تكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: ۱۳ قالوا: ولا بشيءٍ مِن نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّب فلك الحمد». قلت: يستحب قول هذا عند سماع هذه الآية، وهو من الأدب المأخوذ عن الجن، ويدخل في رواية الأكابر عن الأصاغر وهي فن لطيف من فنون علم الحديث الشريف. أما حديث: «لكلِّ شيءٍ عروس وعروس القرآن سورة الرحمن». رواه

البيهقي في "الشعب" من حديث علي عليه السلام، فهو حديث ضعيفٌ. وسميت بذلك لاشتمالها على وصف الجنان ونعيمها، وما فيها من حور

مقصورات في الخيام، وهن عرائس الجنان.

(۱) وفي هذا رد على من زعم أنَّ مؤمني الجن لا يدخلون الجنة، وإنما جزاؤهم أن يجاروا من النار، وهو قول باطل، وإن قاله بعض أئمة أهل السُّنَّة.

جواهر البيان

٢٤٩

-07

٥- سورة الواقعة

ذكر الله تعالى في السورة السابقة نعيم أهل الجنة بإسهاب فكان من المناسب أن يقسم هنا المخلوقات إلى ثلاثة أقسام: السابقون: أي المقربون. وأصحاب اليمين وهم أهل الجنة. وأصحاب المشأمة: أي أصحاب الشمال، أو المكذَّبون الضالون، وهم أهل النار المعبّر عنهم بالمجرمين في السورة السابقة. فاستوفت السورتان أنواع المنعمين والمعذبين، أو السعداء والأشقياء، والله تعالى أعلم.

(تنبيه): فتحت السورة بتقسيم الخلق إلى ثلاثة أنواع: ﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَثَةَ فَأَصْحَبُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَبُ الْمَيْمَنَةِ ) وَأَصْحَبُ الْمُشْتَمَةِ مَا أَصْحَبُ الْمَشْمَةِ ) والسَبِقُونَ السَّبِقُونَ ﴾ [الواقعة: ٧ - ١٠ ] .

وختمت بهذا التقسيم أيضًا فَأَمَا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) فَرَوْحُ وَرَيْحَانُ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْعَبِ الْيَمِينِ فَسَلَمُ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الصَّالِينَ ) فَنَزَلُ مِنْ حَمِيمٍ ) وَتَصْلِيَةُ حَمِيم [الواقعة: ۸۸ -

٩٤] فتناسب فيها المطلع والمقطع

(فائدة): روى أبو عبيد في فضائل القرآن"، والحارث بن أبي أسامة في

الواقعة !

" مسنده " عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: «من قرأ كل ليلةٍ سورة لم تُصبه فاقة أبدًا». هذا حديث ضعيفٌ لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، لكن ثبت من كلام ابن مسعود.

٢٥٠

القرآن الكريم

وهو يدخل في باب الخواص، والمدار فيها على التجربة، ولعل السر في هذه السورة: أنَّ تاليها كل ليلة يتلو فيها قول الله تعالى يخاطب الكفار بعد تعداد نعمه عليهم : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ [الواقعة: ۸۲] أي شكر رزقكم أَنَّكُمْ تكَذِبُونَ ﴾ [الواقعة: ۸۲] فيحمله على شكر رزق الله ونعمته، حتى لا يكون مثلهم، فيفيض الله عليه الرزق، لقوله تعالى: لَين شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: ٧] والله تعالى أعلم.

سورة الحديد

بينت السورة السابقة أنواع الخلق يوم القيامة، وقسمت أهل الجنة إلى قسمين: سابقين مقربين، وأصحاب ميمنة. وذكرت في أهل النار نوعًا واحدا، هم أصحاب المشأمة المكذِّبون الضالون.

فضمت هذه السورة إليهم نوعًا آخر كان الناس في الدنيا يحسبونهم مؤمنين؛ لأنهم كانوا يظهرون الإيمان وأعماله، وهم في الباطن مكذبون، أولئك هم المنافقون: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَنِهِ مُشْرَبِّكُمُ الْيَوْمَ جَنَّتُ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) يَوْمَ يَقُولُ الْمُتَفِقُونَ وَالْمُتَفَقَتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضْرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَهُ بَابٌ باطنه فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ تَكُن مَّعَكُمْ قَالُوابَلَىٰ وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَتَصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَتْكُمُ الْأَمَانُ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَنكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ الله

جواهر البيان

٢٥١

[الحديد: ١٢ - ١٥] فما هنا متمم لما هناك ومُوضّح له، والله تعالى أعلم. مناسبة أخرى: خُتمت السورة السابقة بالأمر بتسبيح الله: مسيح باسم رَبِّكَ العظيم [الواقعة: ٩٦] وفتحت هذه بالخبر عن تسبيح المخلوقات الله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحديد: ١] وهذه الآية كالعلة للأمر السابق؛ أي سبِّح ربَّك لأن المخلوقات سبحته فلا تشذ عنها، وهي مناسبة ظاهرة، والله تعالى أعلم. وقال بعض العلماء: افتتاح سورة الحديد بالتسبيح مناسب لختام سورة الواقعة بالأمر به.

(تنبيه): فتحت السورة بالثناء على الله تعالى حسبما مرَّ، وختمت به أيضًا: وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم الحديد:٢٩)، وهو تناسب

بين مطلعها ومقطعها.

-OA

- سورة المجادلة

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى ذكر في السورة السابقة وعيد المنافقين بدخول النار، لأنهم فتنوا أنفسهم بإبطان الكفر، وتربَّصوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وبالمؤمنين الدوائر: يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَىٰ وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ

أَنفُسَكُمْ وَتَرَتَصَتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد: ١٤]، فذكر هنا نوعًا آخر من الكفر أوجب لهم الخلود في النار أيضًا؛ وهو موالاتهم لليهود الوَتَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم وهم اليهود، كان المنافقون يوالونهم ويبلغونهم أسرار المسلمين ما هُم مِّنكُم يا معشر المسلمين

٢٥٢

القرآن الكريم

ولا منهم من اليهود، هذا وصف المنافقين.

كما وصفهم في آية أخرى مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ [النساء: ١٤٣]، وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ حيث يحلفون أنهم مسلمون وهم

يعلمون أنهم كاذبون في دعوى الإسلام أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُو يَعْمَلُونَ ﴾ [المجادلة: ١٤ - ١٥] الآيات وهذه مناسبة ظاهرة.

مناسبة أخرى: وجه الله تعالى الخطاب في السورة السابقة لأهل الكتاب يأمرهم بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بموسى وعيسى اتَّقُوا اللَّهَ وَ امِنُوا بِرَسُولِهِ محمَّد يُؤْتِكُمْ كَفَلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ لإيمانكم به وبنبيكم، وتصديقكم بكتابه وبكتابكم وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ به يوم القيامة، كما جعله للمؤمنين من هذه الأمة، كما مر في الآية الثانية عشرة وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الحديد: ۲۸].

"

فذكر هنا ما كان يقصد إليه اليهود من إيذاء النبي والمؤمنين، وهو ضد ما أمروا من الإيمان به أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ الذي أمرناهم بالإيمان به: وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَوكَ بِمَا لَمْ يُحَتِكَ بِهِ اللهُ حيث يقولون: السام عليك، والسام: الموت. وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ له إن كان نبيًّا، ثُمَّ توعدهم بقوله: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [المجادلة: ۸]، تشير الآية إلى أنَّ إيمانهم غير متوقع؛ لأنهم أعرق في الكفر ، وأشد في الحقد، وأكثر سعيا في

جواهر البيان

٢٥٣

الإيذاء، وهي مناسبة ظاهرة، والله تعالى أعلم. (۱)

(تنبيه): ذكر في فاتحة السورة وعيد اليهود ومن يمالئهم: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، كَبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا ايَتِ بَيِّنَتْ وَلِلْكَفِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ [المجادلة: ٥] وذكر في خاتمتها وعيدهم أيضًا: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَوَلَيْكَ في الأذلِينَ كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة : ۲۰ - ۲۱] فتناسب مطلعها ومقطعها.

٥٩- سورة الحشر

ذكر الله تعالى في السورة السابقة موالاة المنافقين لليهود: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْما غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ ﴾ [المجادلة: ١٤]. فذكر هنا أنه سلّط رسوله والمؤمنين على اليهود فأجلوهم، وأن موالاة

(۱) قد يقع السؤال عن المناسبة التي تربط بين مفتتح السورة وهو يتحدث عن الظهار، وبين بقية آياتها التي تتكلم على اليهود والمنافقين. والجواب: أن الله تعالى لما ذكر حكم الظهار وكان يُخالف حكمه عند العرب في جاهليتهم، دیگه بقوله : ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، بقبول تلك الأحكام من

الإعتاق والصيام والإطعام؛ لأن من لم يقبل حكم الله لا يكون مؤمنا وتلك ا الأحكام المذكورة حُدُودُ اللهِ لا يجوز تعديها، ثم توعد الذين لا يقبلونها رجوعا إلى حكم الجاهلية بقوله: ﴿وَالْكَفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: ٤] فكان توعد الكافرين مناسبة للتخلص إلى التحدث عن اليهود والمنافقين؛ لأنَّ الكفر يربط بينهم، ومحادة الله

ورسوله تجمعهم.

٢٥٤

بني

القرآن الكريم

المنافقين لهم لم تنفعهم: هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ هم يهود النضير من ديرهم بالمدينة إلى أريحا وأذرعات بالشام لِأَوَّلِ الْحَشْرِ عند أول حشرهم إلى الشام، وآخر حشرهم إجلاء عمر إياهم من خيبر إلى الشام أيضًا: مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّا نِعَتُهُمْ حُصُوتُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَنَتَهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَت ولِي الْأَبْصَرِ ﴾ [الحشر : ٢] الآيات.

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَبِ لَإِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَ مَعَكُمْ وَلَا تُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَذِبُونَ ) لَبِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَبِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَصَرُوهُمْ لَيُولُنَ الْأَدْبَرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ﴾ [الحشر: ۱۱ – ١٢] الآيات. وهي مناسبة ظاهرة، والله تعالى أعلم.

(تنبيه): فتحت السورة بقوله تعالى: سَبَحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر: ١] وختمت بقوله تعالى: يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر : ٢٤] فتناسب مطلعها ومقطعها.

٦٠- سورة الممتحنة

لما ذكر الله تعالى في السورة السابقة خُذلان اليهود والمنافقين، وكان للمؤمنين فيهم قرابةٌ وصداقة ومعاملة، يوادونهم لأجلها، ويصانعونهم المراعاتها، وربما أدَّت الموادة والمصانعة إلى إفشاء بعض أسرار المؤمنين، نهى في

جواهر البيان

٢٥٥

هذه السورة عن موالاة الكفَّار عموما؛ لأنهم أعداؤه وأعداء المؤمنين: ياتها الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الحَقِّ ﴾ [المتحنة: ١] لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيِّمَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا

تَعْمَلُونَ بَصِيرُ ﴾ [الممتحنة: ٣] فهذه مناسبة واضحة، والله تعالى أعلم. (تنبيه): فتحت السورة بالنهي عن موالاة الكفار كما مر آنفًا، وختمت بالنهي عن موالاتهم أيضًا: يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا نَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَبِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَبِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ﴾ [الممتحنة: ١٣ ] فتناسب مطلعها ومقطعها.

ختم

٦١- سورة الصف

الله تعالى السورة السابقة كما بدأها - بالنهي عن موالاة الكفار، وهو المحسنات البديعية، يسمِّيه أهل البلاغة: «ردُّ العَجُز على الصدر»، فناسب أن يحضّ هنا على قتالهم لنصرة دينه وإعلاء كلمته، ويعاتب المؤمنين على تباطئهم عن القيام بهذا العمل الجليل الذي أخبر أنه تجارة رابحة عند الله تعالى، تنجي من عذابه، وتُورث مغفرته ورضوانه يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوالِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنين مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: ٢ - ٤] .

ر

يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُكُمْ عَلَى بَحْرَ وَتُجِيكُرَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجْتَهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّةٍ

تجري من تحيهَا الْأَهْرُ وَمَسَكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الصف: ١٠ - ١٢].

٢٥٦

القرآن الكريم

(تنبيه): ذكر في فاتحة السورة حديث موسى لقومه : ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَنقَومِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَعْلَمُونَ أَنِي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾ [الصف: ٥] وختمت بحديث عيسى لقومه : يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مريم لِلْحَوَارِينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [الصف: ١٤].

فتناسب مطلعها ومقطعها؛ لأن موسى وعيسى رسولان إلى بني إسرائيل، وثانيهما تابع لشريعة أولهما.

٦٢- سورة الجمعة

ذكر الله تعالى في السورة السابقة رسالة موسى وعيسى عليهما السلام إلى بني إسرائيل، فناسب أن يذكر في هذه السورة رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى العرب وهم الأميون، وبذلك ضمت السورتان ذكر الرسالات الثلاث التي هي كبرى الرسالات في العالم. وأيضًا فإنَّ الله تعالى حكى في السورة السابقة عن عيسى أنه بشر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَنبَنِي إِسْرَاءِ بِلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم

مصد قالمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَيَةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولِ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: ٦].

فدم هنا بني إسرائيل الذين حرَّفوا صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وجَحَدوها: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِلُوا التَّوْرَنَةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِنَايَتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الجمعة: ه]. وهذا ذمّ بليغ لهم حيث لم ينفذوا تلك البشارة، وإنما اقتصر على ذم اليهود،

جواهر البيان

٢٥٧

لأنهم أسبق إلى التحريف، والنصارى مقلّدون لهم فيه، ولأن التوراة كانت

مكتوبة، بخلاف الإنجيل فإنه لم يكتب.

تنبيهات

(التنبيه الأول): أخبر كل من موسى وعيسى بأنه رسول الله إلى قومه، أمَّا نبينا

فإنَّ الله تعالى تولى الإخبار عنه بذلك: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِنَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ، بَيْهِ، وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } [الجمعة: ٢] وفي هذا تشريف كبير له.

(التنبيه الثاني): لم يقتصر الله تعالى على الإخبار بإرساله النبي إلى الأميين، ولكن جعل رسالته عامةً إلى غيرهم أيضًا حيث قال: ﴿ وَ اخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَا يَلْحَقُوا م [الجمعة: ٣].

(التنبيه الثالث): فُتحت السورة بالحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما مرَّ، وختمت بالحديث إليه: وَإِذَا رَأَوْا تِجَرَةً أَوْهَوْا أَنفَضُوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ فَابِما قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ النَّجَرَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّزِقِينَ ﴾ [الجمعة: ١١]،

فتناسب المطلع والمقطع .

٦٣- سورة المنافقون

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى ذكر في السورة السابقة رسالة النبي عليه

الصَّلاة والسَّلام إلى العرب ،وغيرهم وذم اليهود الذين جَحدوا رسالته، وحرَّفوا صفته، فكشف هنا كذب المنافقين الذين يداخلون المؤمنين ويدعون

الإيمان، وهم يبطنون الكفر الصريح إذَا جَاءَكَ الْمُنْفِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ

٢٥٨

القرآن الكريم

الله وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَفِقِينَ لكَذِبُونَ ﴾ [المنافقون: ١] الآيات. وهي مناسبة ظاهرة، والله تعالى أعلم.

(تنبيه): فتحت السورة بكشف كذب المنافقين في دعوى الإيمان، وهو مما تكنه القلوب، لا يعلمه إلا الله تعالى، وختمت بقوله تعالى وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: ١١] لإفادة أنَّ علمه محيط الأعمال ظاهرها بجميع وخفيها، وأنه كما علم كذب المنافقين يعلم من أخلص في عمله من المؤمنين، ومن أشبه منهم المنافقين بعدم إخلاصه في عمله، فتناسب فيها المطلع والمقطع.

٦٤- سورة التغابن

حذر الله تعالى في السورة السابقة من المنافقين بعد أن أخبر بعداوتهم

للمؤمنين: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبُ مُسَنَدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُو فَاحْذَرْهُمْ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المنافقون: ٤] فأخبر هنا- أن بعض أزواج المؤمنين وبعض أولادهم

أعداء

لهم

يثبطونهم عن فعل الخير، كما يثبطهم المنافقون، وحذر منهم: يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ا منوا إن مِنْ أَزْوَجكُمْ وَأَوَلَدِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَأَحْدَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمُ﴾ [التغابن: ١٤].

فالمناسبة بين السورتين هي التحذير من عدوين متداخلين، قد تخفى عداوتهما أو يتساهل في الاحتراس منهما، فيعظم الضرر وتقع الكارثة بالمؤمنين من حيث لا يشعرون، والله تعالى أعلم.

جواهر البيان

٢٥٩

(تنبيه): فتحت السورة السابقة بالثناء على الله تعالى: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التغابن: ١] الآيات. وختمت به: وَاللَّهُ شَكُورُ حَلِيمُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَدَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

[التغابن : ۱۷ - ۱۸] فتناسب فيها المطلع المقطع .

٦٥- سورة الطلاق

قال الله تعالى في السورة السابقة: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنفُسِكُمْ ﴾ [التغابن: ١٦] فكان الأمر بالتقوى والسمع والطاعة تمهيدا لتلقي ما بيَّن هنا من أحكام الطلاق والعدة والنفقة والإرضاع، ولأهمية هذه الأحكام، سُمّيت حدود الله ، وتخللها الأمر بالتقوى عدة مرات، بصريحه تارة، وبالترغيب المفيد له أخرى، مع الإخبار بأن من تعدى حدود الله وتجاوزها فقد ظلم نفسه. وتلك مناسبة ظاهرة، والله تعالى أعلم.

٦٦ | 1 - سورة التحريم

ذكر الله تعالى في السورة السابقة أحكام الطلاق وما يتبعه، فذكر هنا حكم تحريم الرجل سريته على نفسه، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حرَّم مارية، إرضاء لزوجه حفصة : تأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَنِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَنَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }

[التحريم: ١ - ٢] وهي مناسبة ظاهرة، والله تعالى أعلم.

مناسبة أخرى : فُتحت السورة السابقة بقوله: وَيَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَقْتُمُ النِّسَاءَ

٢٦٠

القرآن الكريم

فَطَلِقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةٌ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1]. وفتحت هذه بالآية السابقة، وهي مناسبة بين فاتحتيهما.

- سورة الملك

مناسبتها لما قبلها: أنَّ الله تعالى بيَّن في السورة السابقة أنَّ القرابة من الرسول لا تغني القريب، ولا تمنعه من دخول النار إذا استوجبها بكفره: ضرب اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَنَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عبادنا صالحين فخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الداخلين : [التحريم: ١٠].

فبين هنا الكفر الذي يوجب دخول النار وهو تكذيب الرسول: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذَا الْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تميز مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ

فَكَذَّبَنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَلٍ كبيرٍ ﴾ [الملك: ٦ - ٩] الآيات. ويؤخذ منها أنَّ خيانة امرأة نوح وامرأة لوط هي تكذيبهما لزوجيها، لا

شيء آخر، وقد بينت ذلك بدلائله في "خواطر دينية". مناسبة أخرى : خُتمت السورة السابقة بقوله تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخَنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ، وَكَانَتْ مِنَ

جواهر البيان

٢٦١

القننِينَ [التحريم: ۱۲]. وفتحت هذه السورة بالثناء على الله تعالى بإثبات كماله، وعموم قدرته؛ ردا لما يدعيه النصارى في مريم من تجسد الله بها، وبيانا لأن حملها بنفخ جبريل في فرجها، أثر من آثار قدرته: تَبَرَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ﴾ [الملك: ۱] فعبارة بِيَدِهِ الْمُلْكُ تفيد استحالة اتصال الله

ببعض مملوكاته بتجسد أو حُلُول أو اتحاد، وصفة: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَوةَ [الملك: ٢] تؤكد تلك الاستحالة؛ لأنه إذا كان خالق الموت والحياة اللذين لا يخلو منهما مخلوق، فكيف يتصل بمن هو عرضة للموت في كل لحظة؟! هذا مما ترده العقول وتأباه. وهذه مناسبة واضحة، والحمد لله.

(تنبيه): أخرج الحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «وَدِدْتُ أنها في قلب كل مؤمن». يعني: تَبَرَكَ الَّذِى

بِيَدِهِ الْمُلْكُ . وفي "السنن" عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غُفر له، وهي تبارك الذي بيده الملك». حسنه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم.

وفي "سنن النسائي" عن ابن مسعود مرفوعا: «من قرأ تبارك الذي بيده الملك كل ليلةٍ مَنَعَهُ الله عزَّ وجلَّ بها من عَذابِ القَبْرِ». وكنا في عهد رسول الله

عليه الصَّلاة والسَّلام نسمّيها المانعة، وإنها في كتاب الله سورة، من قرأ بها في

كل ليلةٍ فقد أَكْثَر وأَطَابَ. وروى الترمذي والبيهقي بإسناد ضعيف عن ابن عباس قال: ضرب

٢٦٢

القرآن الكريم

بعض أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم خِباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا قبر إنسان يقرأ (سورة الملك حتى ختمها، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «هي المانعة، هي المنجيةُ تُنْجِيه من عذابِ القَبْرِ». ولهذا يقرأها أهل المغرب على الموتى، كما يقرأون (سورة يس).

٦٨- سورة القلم (1)

أشار الله تعالى في السورة السابقة إلى اتهام الكفار للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالضلال: قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ ءَامَنَّا بِهِ، وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَلٍ مبين ﴾ [الملك: ۲۹] ومن الضلال الجنون الذي رموه به صلى الله عليه وآله وسلَّم ؛ لأن المجنون ضال في جنونه لا يهتدي لوجه الصواب.

فنفى هنا ما رموه به نفيا صريحا قاطعًا: انَّ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونِ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيَتِكُمُ الْمَفْتُونُ ) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ

(۱) نزلت هذه السورة بعد (سورة العلق)، فهي ثاني سورة نزلت من القرآن، وكان اتجاه المشركين إذ ذاك إلى رمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجنون؛ لأنهم اعتبروا ما بدئ به من الوحي جنونًا طرأ على عقله، فلهذا جاءت فاتحتها مصرحة بنفي الجنون عنه عليه السلام، ولم يأتِ حديث عن القرآن؛ لأنه لم يكن نزل منه ما يدعو إلى الحديث عنه، فهذه – والله أعلم - حكمة عدم ذكر ما يتعلق بالقرآن، بعد حرف «ن»، على أنه ذكر القلم والكتابة - لأنه معنى يسطرون يكتبون - إشارة إلى القرآن الذي سينزل ويكتب.

جواهر البيان

٢٦٣

بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القلم: ۱ - ۷] وهي مناسبة ظاهرة، والله تعالى أعلم.

مناسبة أخرى وجه الله تعالى خطابًا إلى الكفار في السورة السابقة إن هو

حَبَسَ رِزْقَهُ عنهم بحبس المطر - فمن يرزقهم غيره؟ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ

أَمْسَكَ رِزْقَهُ ﴾ [الملك: ۲۱].

فأخبر في هذه السورة أنه امتحنهم بالقَحْط كما امتحن من قبلهم : بَلَوْنَهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِ مُنَهَا مُصْبِحِينَ (۳) وَلَا يَسْتَغْنُونَ ) فَطَافَ عَلَيْهَا طَابِفٌ مِن

رَبِّكَ وَهُمْ نَايَمُونَ ) فَأَصْبَحَتْ كَالصريم ﴾ [القلم: ١٧ - ٢٠] الآية.

(تنبيه): فتحت السورة بقوله تعالى: مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونِ ﴾ [القلم: ٢] وختمت بقوله سبحانه وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَرِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ

لمجنون ﴾ [القلم: ٥١] فتناسب مطلعها ومقطعها.

19- سورة الحاقة

توعد الله تعالى في السورة السابقة المكذبين بالقرآن: فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمَلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينُ ﴾ [القلم: ٤٤ - ٤٥] فختم هذه السورة برد دعاويهم في القرآن، وبيان أنه من عنده: فَلَا أُقْسِمُ بِمَا بصِرُونَ لا وَمَا لَا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَولُ رَسُول كَرِيمٍ ) وَمَا هُوَ بِقَولِ شَاعِرِ قَلِيلًا مَا نُؤْمِنُونَ ) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِن قَلِيلًا مَاتَذَكَّرُونَ ) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الحاقة: ٣٨ - ٤٣] الآيات إلى آخر السورة. وهذه مناسبة واضحة، والله تعالى أعلم.

٢٦٤

القرآن الكريم

- سورة المعارج

ختمت السورة السابقة برد دعاوى المكذبين بالقرآن فافتتحت هذه بالإخبار عن العذاب الواقع بهم : سَالَ سَابِلُ بِعَذَابٍ وَاقِعِ لِلْكَفِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعُ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِج تَعْرُجُ الْمَلَتَبِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ﴾ [المعارج: ١ - ٤] ومعنى سأل سائل: دعا داع؛ لأن سبب نزولها كما قال ابن عباس: أنَّ النضر بن الحارث قال: اللهم إن كان هذا القرآن الذي يقرأه محمد هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو اثتنا بعذاب أليم).

وهذه مناسبة واضحة، والله تعالى أعلم. مناسبة أخرى: فُتحت السورة السابقة بذكر القيامة وتهويل شأنها:

الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَة وَمَا أَدْرَيكَ مَا الْحَاقَّةُ ﴾ [الحاقة: ١ - ٣].

فذكر هنا مقدار يومها، ووصف ما يحصل فيه فِي يَوْمِ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَتَهُ قَرِيبًا يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ﴾ [المعارج: ٤ - ٩] الآيات.

تنبيهان

(التنبيه الأول): قوله تعالى: في يوم متعلق بقوله: واقع والتقدير:

سأل سائل بعذاب واقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة (٢) و

(۱) آية ٣٢ من (سورة الأنفال).

(۲) فالوقف على كلمة «إليه» لازم.

وهو

جواهر البيان

٢٦٥

يوم القيامة كما مر ، وهذا التقدير هو الصحيح؛ لما رواه أحمد وغيره (۱) عن أبي سعيد الخدري قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ما أطول هذا اليوم؟! قال: «والذي نفسي بيده إنه ليُخَفَّف

على المؤمِنِ حتَّى يكون أخفَّ عليه مِن صَلاةٍ مكتوبةٍ يُصلِّيها في الدُّنيا». وفي "الصحيحين" وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ما مِن صاحب ذهب ولا فضَّةٍ لا يُؤدِّي فيها حقها إِلَّا إِذا كان يوم القيامَةِ صُفْحَتْ له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجَبِينُه وظهره كلما بردت أُعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتَّى

يُقضى بين العبادِ، فيرى سبيله إما إلى الجنَّة وإما إلى النار ..... الحديث (۲).

(1) كأبي يعلى من طريق دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد، صححه ابن حبان، وهو والترمذي والحاكم يُصححون رواية هذا الطريق. (۲) بقيته: قيل: يا رسول الله فالإبل؟ قال: «ولا من صاحب إبل لا يؤدّي منها حقها ومن حقها حَلَبُها يوم ورودها، إلا إذا كان يوم القيامة بُطِحَ لها بقَاعِ قَرْقَرٍ، أَوْفَرَ ما كانت، لا يَفْقِدُ منها فَصِيلًا واحدًا، تطؤه بأخفافها وتعضُه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها عاد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنةٍ، حتى يُقضَى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار»، قيل: يا رسول الله فالبقر والغنم؟ قال: «ولا من صاحب بقرٍ ولا غنم، لا يؤدّي منها حقها إلَّا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قَرْقَرٍ، أوفر ما كانت لا يفقد منها شيئًا، ليس فيها عَقْصَاء ولا جَلْحاء ولا عَضْبَاء تنطحه بقرونها،

وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها، رُدَّ عليه أخراها. في يوم كان مقداره خمسين

ألف سنة، حتى يُقضَى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنَّة وإما إلى النار».

٢٦٦

القرآن الكريم

وأما تقديره متعلقا بتعرج» ويكون التقدير: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فليس بصحيح؛ ) - لأن عُروج الملائكة والروح والأعمال يكون في يوم مقداره ألف سنة، قال تعالى: يُدبر الأمر من السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [السجدة: الأمر الشامل للأعمال وللروح وغيرهما- كناية عن عروج

ه و عروج

الملائكة المكلفين بذلك.

أما قوله تعالى: ﴿وَإِن يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَالْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [الحج: ٤٧] فالمراد به يوم من أيام عذاب الكفَّار في النار، وذلك أنهم استعجلوا العذاب الذي توعدوا به فقال تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وعده بتعذيبهم وَإِن يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ حين يعذبون في النَّارِ كَالْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ في شدَّته وطوله ، وهذا كما قال في أهل الجنة: وَهم

رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّا } [مريم: ٦٢].

وما قررناه في هذه الآيات الثلاث هو المؤيَّد بالدليل من الكتاب والسُّنَّة، فاعتمده، ولا تلتفت لما يروى من خلافه عن ابن عباس، فإنه ليس بصحيح عنه. (التنبيه الثاني): فُتحت السورة بذكر ! فتحت السورة بذكر يوم القيامة : في يَوْمِكَانَ مِقْدَارُهُ خمسين ألف سنة ﴾ [المعارج: ٤] وختمت به أيضًا: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَ بَلْعَبُوا حَتَّى يُلْقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَحْدَاثِ سِرَاعًا كَانَهُمْ إِلَى نَصْبِ يُوفِضُونَ ( خَيْعَةً أَبْصَرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ

ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [المعارج: ٤٢ - ٤٤] فتناسب مطلعها ومقطعها.

جواهر البيان

٢٦٧

۷۱- سورة نوح

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى ذكر في السورة السابقة حال الكفَّار مع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم واستهزاءهم بالمؤمنين، وأمر نبيه بأن يتركهم في

خوضهم ولعبهم حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون فيه العذاب.

فذكر في هذه السورة ما لاقى قوم نوح من الهلاك والعذاب بعده، حين كذَّبوا رسولهم مِمَّا خَطِيَتَيْهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ

أنصَارًا ﴾ [نوح: ٢٥] فما حل بهؤلاء من العذاب، سيَحِلُّ بأولئك، وهذه مناسبةٌ ظاهرة، والله تعالى أعلم.

من

سورة الجن

مناسبتها لما قبلها أنَّ الله تعالى ذكر في السورة السابقة ما أبداه نوح لقومه

ذلك

الأدلة المتعددة على توحيد الله وسعة نعمته وقرب مغفرته، ومع أصروا على الشرك، وتواصوا به فيما بينهم : وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ الهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [نوح: ٢٣]. فذكر في هذه السورة أنَّ الجنَّ حين سمعوا القرآن آمنوا به، وأقلعوا عن الشرك : قُلْ أُوحِيَ إِلَى أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنَ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرَ، أَنَّا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَنَا مَنَا بِهِ، وَلَن تُشْرِكَ بِرَبْنَا أَحَدًا وَأَنَّهُ تَعَلَى جَدُّ رَبَّنَا مَا اتَّخَذَ صَحِبَةً وَلَا وَلَدًا ﴾ [الجن: ١ - ٣] الآيات. وهذا تعريض بأنَّ الجنَّ أحسن حالا من كفَّار الإنس، وأسد رأيا، وأبعد عن الجدل منهم، وأسعد بقبول الحقِّ، وأكد هذا التعريض بذكر

٢٦٨

القرآن الكريم

حرصهم على استماع القرآن من النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وَأَنَّهُ لَاقَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ [الجن: ١٩].

(تنبيه): فتحت السورة بذكر الوحي كما مر، وختمت به أيضًا: عَلِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا من حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين ليَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَمُوا

، .

رسلت ربهم التي أوحاها إليهم لتبليغها وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ

عددا [الجن: ٢٦-٢٨] فتناسب المطلع والمقطع.

۷۳- سورة المزمل

تقدم في السورة السابقة مدحُ القرآن، وتسميته هدى: وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهُدَى ءَامَنَابِهِ ﴾ [الجن: ۱۳] فأمر النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في هذه السورة بالقيام به وبترتيله، وبالاستعداد لما سينزل عليه منه: يَأَيُّهَا الْمُزَمَلُ ) قُرِ الَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوَزِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا ) إِنَّا سَنُلْقِى

عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ [المزمل: ١ - ٥] مهيبا. وتلك مناسبة ظاهرة. مناسبة أخرى هي الإشارة إلى تعدُّد حِكَمه وفوائده، فذكر من حكمه هناك الرشد والهداية، وذكر هنا فيها القيام به وتلاوته على وجه التثبت والتأني، والله تعالى أعلم. (تنبيه): فتحت السورة بالكلام على قيام الليل وقراءة القرآن كما مرَّ، وختمت به: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُنِي الَّيْلِ وَنِصْفَهُ، وَتُلْتُهُ، وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ

جواهر البيان

٢٦٩

وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَنَابَ عَلَيْكُمْ فَأَقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ عَلِمَ أَن سيكون منكم تَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَوَاخَرُونَ يُقَتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَقْرَهُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَوَةَ وَاتُوا الزَّكَوَةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُر مَنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المزمل:

٢٠] وهذا تناسب بين مطلعها ومقطعها.

٧٤- سورة المدثر

هذه السورة نزلت بعد سابقتها، جاء النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم حين أنزل أقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ [العلق : ١] وبوادره ترجف من شدة الوحي وفجأته، فقال لخديجة رضي الله عنها: «زَمِّلُونِ زَمّلُونِ»، فرمَّلَته.

فنزل: تَأَيُّهَا الْمُزَّمَلُ ﴾ [المزمل: ١] ثُمَّ فَتَر الوحي مدَّة، ثُمَّ فاجأه مرَّة أخرى. فرجع يرتجف، وقال لأهله: «دَتَّرُونِي دَتَّروني»، فدَثْروه.

فنزل أَيُّهَا الْمُدَّثِرُ ﴾ [المدثر: 1] فتناسبت السورتان في أنَّ كل واحدة منهما سجلت حالة من حالتيه صلى الله عليه وآله وسلّم.

مناسبة ثانية أمر في السورة السابقة بقيام الليل استعدادًا لما يُلقى إليه، وترقبا لما يفاض عليه، فألقي إليه في هذه السورة الأمر بالإنذار وما معه: وقر فَأَنذِرُ وَرَبَّكَ فَكَبَرْ وَثِيَابَكَ فَطَعَرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثر: ٢ - ٥] وأفيض عليه وصف الرسالة، بعد أن كان نبيًّا، ومن هنا قال بعض الصوفية في: ياتها المزمل [المزمل: ١] إنه تزمل بالنبوة، وفي يَأَيُّهَا الْمُدَّيْرُ ﴾ [المدثر: 1] إنه تدثر

۲۷۰

القرآن الكريم

بالرسالة. وهي إشارة لطيفة.

مناسبة ثالثة : أمر في السورة السابقة بترتيل القرآن لتدبره واستخراج جواهره ولآلئه، فذكر هنا وعيد المكذب به: إِنَّهُ فَكَرَوَقَدْرَ فَقِيلَ كَيْفَ قَدَّر ثم قيل كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ ثم نظر) ثُمَّ عَبَسَ وَبَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَر )) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ بُونَ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ البشر سَأُصْلِيهِ سَفَرَ وَمَا أَدْرَيكَ مَا سَقَرُ لا تبقي وَلَا نَذَرُ ﴾ [المدثر : ۱۸ - ۲۸] الآيات. مناسبة رابعة: توعد الله هناك المكذبين هول يوم القيامة: ﴿ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُم يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبا ) السَّمَاءُ مُنفَطِرُ بِهِ ، كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا ﴾ [المزمل : ۱۷ - ( ١٨] فذكر هنا ما يحصل لهم من العذاب في ذلك اليوم، واعترافهم بكفرهم كل نفس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةُ إِلَّا أَصْحَبُ الْيَمِينِ فِي جَنَّتِ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَفَرَ قَالُوا لَوْنَكَ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٢) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخايضِينَ (١) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَنَا الْيَقِينُ ) فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَعَهُ ) الشَّيْفِعِينَ ﴾ [المدثر : ٣٨ - ٤٨].

٧٥- سورة القيامة

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى ذكر في السورة السابقة اعتراف الكفار وهم في سَقَر بأنَّ من أسباب دخولهم لها تكذيبهم بيوم الدين وهو يوم القيامة. فافتتح هذه السورة بالقسم به: لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيِّمَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللوامة [القيامة : ۱ - ۲ ]ثُمَّ ذكر قدرته على البعث والدليل عليها: أَيَحْسَبُ الإِنسَنُ أَلَن جَمَعَ عِظَامَهُ ) بَلَى قَدِرِينَ عَلَى أَن تُسَوَى بَنَانَهُ [القيامة: ٣ - ٤] أَيَحْسَبُ

جواهر البيان

۲۷۱

الإِنسَنُ أَن يُتْرَكَ سُدى ) التيك نُطْفَةٌ مِن مَنِي يُمْنَى )) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى ) فَجَعَلَ مِنْهُ

الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (٢) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَدِرٍ عَلَى أَن يُحيي الموتى ﴾ [القيامة : ٣٦ - ٤٠].

تنبيهان

(التنبيه الأول): أخبرني المرحوم متولي العوضي أنَّ مستشرقا إنجليزيا عنده إنصاف - على ندرة المنصف في المستشرقين - كان يكلمه على ما في القرآن من إشارات إلى حقائق علمية فذكر له على سبيل المثال أن الغربيين اكتشفوا

البصمة من البحث في آية : بَلَى قَدرِينَ عَلَى أَن تُوَى بَنَانَهُ ﴾ [القيامة : ٤] أصابعه. حيث لفت نظرهم تخصيص الأصابع بالذكر في الاستدلال على إحياء الموتى للبعث، فبحثوا حتى وصلوا إلى أن الخطوط والتعاريج التي في الأصابع لا تتشابه رغم كثرة الناس، وأنه إذا استعرضت أصابع ألف ألف شخص فلا يوجد تشابه بين شخصين منهم، وإذا أحرق جلد الأصبع يعود بعد التئامه بخطوطه وتعاريجه كما كانت وبهذا صارت البصمة تدل على صاحبها دلالة قاطعة، فسبحان الخلاق العليم.

(التنبيه الثاني: قوله تعالى: لَا تُحرَكَ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ

وقرة انه (۳) فَإِذَا قَرَأَنَهُ فَاتَّبِعْ قُرْهَانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة : ١٦ - ١٩]. ثبت في "الصحيحين" عن ابن عباس -في . سبب نزول هذه الآيات الأربع - أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان يقرأ مع جبريل عليه السّلام القرآن حين ينزل عليه به مخافة النسيان. وقد اختلف العلماء في توجيه المناسبة

بين هذه الآيات، وبقية آيات السورة التي تتكلم عن البعث وما بعده.

۲۷۲

القرآن الكريم

قال الزمخشري: فإن قلت: كيف اتصل قوله لا تحرك بِهِ لِسانك إلى آخره بذكر القيامة؟ قلت اتصاله به من جهة هذا التخلّص إلى التوبيخ بحب العاجلة وترك الاهتمام بالآخرة» (۱).

وقيل لما نزل أول السورة إلى قوله تعالى وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ [القيامة: ١٥] صادف أنه صلى الله عليه وآله وسلَّم في تلك الحالة بادر إلى حفظ ما نزل عليه. فقيل له لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ﴾ الآيات (۲) ثُمَّ عاد الكلام إلى تكملة ما ابتدئ به. قال الفخر الرازي: ونحوه ما لو ألقى المدرس على الطالب -مثلا- مسألة، فتشاغل الطالب بشيءٍ عَرَض له. فقال له: ألقِ بالك وتفهم ما أقول، ثُمَّ كمّل المسألة، فمن لا يعرف السبب يقول: ليس هذا الكلام مناسبا للمسألة بخلاف من عرف ذلك. وقيل: لما تقدَّم ذكر النفس في أول السورة، عدل إلى ذكر نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كأنه قيل: هذا شأن النفوس، وأنت يا محمد نفسك أشرف

النفوس، فلتأخذ بأكمل الأحوال من التأنّي والتثبت، وقيل غير ذلك.

(۱) لكن أين المناسبة بينها وبين ما قبلها ؟ فالظاهر أنها من الاقتضاب، بل ذكر أبو العلاء محمد بن غانم: أنَّ القرآن لم يقع فيه شيء من التخلص، لما فيه من التكلُّف، وقال: إنَّ

القرآن إنما ورد على الاقتضاب الذي هو طريقة العرب من الانتقال إلى غير ملائم. وغلط في ذلك، بل القرآن فيه تخلص لا تكلُّف فيه، ومنه ما مرَّ بيانه في سورة المجادلة، والتخلُّص طريقة العرب أيضًا، إلَّا أنَّ الغالب في استعمال العرب الأولين

ومن يليهم من المخضرمين طريقة الاقتضاب.

(۲) ويؤيده ما صح في سبب نزولها.

جواهر البيان

۲۷۳

الثالث: فتحت السورة بذكر القدرة على البعث بلَى قَدِيرِينَ عَلَى أَن تُسوى

بنان هو ما تم القيامة: ٤] وختمت به أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَدِرٍ عَلَى أَن يُحيى الموتى } [القيامة : ٤٠]

فتناسب مطلعها ومقطعها.

٧٦- سورة الإنسان

مناسبتها لما قبلها : أن الله تعالى ذكر في السورة السابقة أنَّ الناس ينقسمون في الآخرة قسمين: وُجُوهٌ يَوْمَيذِ نَاضِرَة إِلَى رَبِّهَانَاظِرَ وَوُجُوهٌ يَوْمَينِي بَاسِر تَظُنُّ أَن يُفعَلَ بِها فاقرة القيامة : ۲۲ - ۲۵] فذكر هنا ثواب أهل النضرة بتفصيل: إنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْس كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنَا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِرُونَهَا تفجيرا [الإنسان: ٥ - ٦] الآيات وأيضًا تتفق هذه السورة مع تلك في الكلام على البعث وما يليه، والله تعالى أعلم.

(تنبيه): ذكر في فاتحة السورة وعيد الكفَّارِ: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَفِرِينَ سَلَسِلَا وَأَغْلَلًا وَسَعِيرًا ﴾ [الإنسان: ٤] وخُتمت به وَالظَّلِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا

اليما ﴾ [الإنسان: ۳۱] فتناسب مطلعها ومقطعها.

۷۱- سورة المرسلات

هذه السورة تناسب سابقتها أيضًا في الكلام على البعث وما بعده من

نعيم أو عذاب، والله تعالى أعلم.

(تنبيه): قال أبو بكر بن العربي: نزلت سورة المرسلات في الغار تحت

الأرض كما في الصحيح عن ابن مسعود .

٢٧٤

القرآن الكريم

قلت: وأخرج الإسماعيلي في "صحيحه" -وهو مستخرجه على البخاري عن ابن مسعودٍ أيضًا قال نزلت سورة المرسلات) ليلة عرفة بغار منى. وفي "المستدرك" عنه أيضًا :قال: كنا مع النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في غار، فنزلت عليه وَالْمُرْسَلَتِ ، فأخذتها من فيه وإن فاه رطب بها. قلت: هذه السورة نزلت جملة واحدة.

هي

۷۸- سورة النبأ

كسابقتها تتعلق بالبعث وما بعده، وهكذا أغلب السور المكية تتعلق

بهذا الموضوع؛ لأنها نزلت في قومٍ ينكرونه فردَّ الله تعالى عليهم بعدة سور، نوع لهم فيها الأدلة، وعدد الأساليب، وأوضح الحُجَّة، وسدَّ عليهم باب الإنكار، وأبطل شبههم فيه، بحيث لم يبق لهم من حُجَّةٍ على إنكار اليوم الآخر وما فيه، إلَّا العناد المجرد، وهو أقبح الكفر، وصاحبه لا يرجى له علاج، والله تعالى أعلم.

٧- سورة النازعات ا

مي أيضًا تُناسب سابقتها في الموضوع لما قدمنا، والله تعالى أعلم. (تنبيه): فتحت السورة بالحديث عن يوم القيامة : يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاحِفَةُ

تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾ [النازعات: ٦ - ٧] الآية.

وختمت به : يَسْتَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْر نَهَا إِلَى رَبِّكَ

منتهها إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخشَهَا كَانَهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَنَهَا

جواهر البيان

۲۷۵

النازعات: ٤٢ - ٤٦] فتناسب مطلعها ومقطعها.

۸۰- سورة عبس

تناسب سابقتها في موضوع البعث وما بعده أيضًا.

۸۱ - سورة التكوير

تناسب سابقتها في الموضوع نفسه. والله أعلم.

۸۲ - سورة الانفطار

تتناسب مع سابقتها في وصف يوم القيامة وصفًا تنخلع له النفوس، وتلاحقها صُوَرُه ومشاهده في صورة إنذار بالغ. قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي العين فليقرأ: إذَا الشَّمْسُ كورت وإِذَا السَّمَاء أَنفَطَرَتْ وإِذَا السَّمَاءُ أَنشَقَّتْ . رواه الترمذي من حدیث ابن عمر بإسناد جيد.

(تنبيه): فُتحت السورة بوصف . يوم القيامة : إِذَا السَّمَاءُ أَنفَطَرَتْ وَإِذَا

الكَواكِبُ انترت ) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجَرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بعُثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَرَتْ } [الانفطار : ١ - ٥].

تَمْلِكُ

وختمت به : وَمَا أَدْرَكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَنكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا

1

تملك نَفْسُ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَذٍ لِلَّهِ ﴾ [الانفطار: ١٧ – ١٩] فتناسب مطلعها ۱۷

ومقطعها.

٢٧٦

القرآن الكريم

۸۳- سورة المطففين

تناسب سابقتيها في الموضوع؛ لأنها توعد المطففين بالويل في يوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين. وتصف حالتي الفجار والأبرار، في ذلك اليوم.

٨٤- سورة الانشقاق

تصف يوم القيامة كأنه رأي العين كما مرَّ في الحديث فهي تناسب سابقتها

مناسبة موضوعية.

(تنبيه): أفادت هذه السورة أنَّ الكافر يُعطى كتابه يوم القيامة وراء ظهره،

وهي فائدة زائدة على ما أفاده غيرها من السور من إعطائه كتابه بشماله. وعلى هذا فالكافر في الآخرة يُعطى كتابه بشماله من وراء ظهره، والله تعالى

أعلم.

- سورة البروج

تناسب سابقتها في ذكر يوم القيامة وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوحِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ *

[البروج: ١ - ٢] يوم القيامة.

وفي ذكر عذاب الكفَّار ونعيم المؤمنين: إِنَّ الَّذِينَ فَسَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ

هُمْ جَنَّتُ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَر ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [البروج: ١٠ - ١١].

جواهر البيان

۲۷۷

- سورة الطارق

تناسب سابقتها في ذكر يوم البعث إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرُ يَوْمَ تُبْلَى السَرَابِرُ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِر [الطارق: ۸ - ۱۰]، وفي وصف القرآن، هناك بَلْ هُوَ قُرْءَان تجيدٌ في لَوْحٍ تَحْفُوظ ﴾ [البروج: ۲۱ - ۲۲]، وهنا إِنَّهُ لَقَولُ فَصل ( وَمَا هُوَ الْهُزَلِ

[الطارق: ١٣ - ١٤].

- سورة الأعلى

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى ردَّ على المشركين في السورة السابقة قولهم: لا يرجع الإنسان بعد موته وإنَّهُ عَلَى رَحِمِهِ لَقَادِرُ يَوْمَ تُبلَى السَّرابِرُ [الطارق: ۸ - ۹] وقولهم في القرآن سِحْرٌ وكَهَانَةٌ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرجعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ إِنَّهُ لَقَولُ فصل ( وَمَا هُوَ بِالْهَزَل ﴾ [الطارق: ١١ - ١٤]، وقول الكفار المذكور يلزم منه نسبة

-

النقص إلى الله تعالى بتكذيبه في البعث ووصف كلامه بالكهانة والسحر. فافتتح هذه السورة بالأمر بتسبيحه أي تنزيهه سبحانه عن كل نقص، مثبتا علوه وقدرته التامة، وحكمته في أفعاله سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فسوى [الأعلى: ۱ - ۲ ] الآيات.

وأيضًا فقد قال في السورة السابقة يأمر الإنسان بالنظر في أصل خلقه فَلْيَنظُرِ الإِنسَنُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَرَابِ} [الطارق: ٥ فأشار هنا بصفتي الَّذِى خَلَقَ فَسَوَى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [الأعلى: ٢ - ٣] إلى

۲۷۸

القرآن الكريم

أنه تعالى خلق من الماء الدافق خلقا سويًا، وقدر له ما يصلحه، فهداه إليه، وعرفه وجه الانتفاع به وحذف مفعول خلق لإرادة التعميم في الإنسان والحيوان، ومن أراد أن يعرف ما تشير إليه هذه الآية من حقائق وأسرار، فليقرأ علم الحيوان وعلم الأحياء (۱).

- سورة الغاشية

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى أخبر في السورة السابقة أنَّ الناس يُؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى: ١٦ - ١٧].

فأراد في هذه السورة أن يستنهض هممهم إلى طلب الآخرة ويحذرهم

هول يوم القيامة : هَلْ أَتَنكَ حَدِيثُ الْغَشِيَةِ ﴾ [الغاشية: ١] الآيات. (تنبيه): فتحت السورة بيوم القيامة كما مرَّ، وختمت به: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم ﴾ [الغاشية : ٢٥ - ٢٦]فتناسب مطلعها ومقطعها.

۸۹- سورة الفجر

مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى أمر نبيَّه في السورة السابقة بتذكير الكفَّار، وأوعدهم بالعذاب: فَذَكَرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِرٌ لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ )) إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ (۳) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ [الغاشية: ٢١ – ٢٤] فذكر هنا

(۱) علم الأحياء يبحث عن الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات من حيث نموها وبناءها وتغذيتها وتنفسها ونشاطها وحركاتها وتكاثرها وتوالدها.

جواهر البيان

۲۷۹

أنه أهلك كفَّارًا كانوا أشدَّ من كفَّار مكة وأقوى منهم: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّحْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْثَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: ٦ - ١٤] فما أصاب هؤلاء من الهلاك والعذاب، ليس ببعيد من أولئك، والله تعالى أعلم.

9- سورة البلد

ذكر الله تعالى في السورة السابقة اهتمام الإنسان بالدنيا، وحبه للمال، وإهماله للطاعة، ولما يفيده في الآخرة فَأَمَّا الإِنسَنُ إِذَا مَا ابْتَلَنَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ، وَنَعَمَهُ

فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (3) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْنَلَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، فَيَقُولُ رَبِّي أَهَنَنِ كَلَّا [الفجر: ١٥ - ١٧ ] ردع للإنسان عن هذا القول، ثُمَّ وجَّه الخطاب للكفار الذين كانوا يرون بسط الرزق إكراما وتقتيره إهانة بل ﴾ [الفجر: ١٧] حين يكرمكم الله بالمال لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ) وَلَا تَخَضُونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ القُرَاثَ أَكْلًا لَمَّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَما ﴾ [الفجر:

١٧ - ٢٠] فأعاد الكلام هنا على الإنسان وأخبر أنه خلق في مكابدة المشاق والشدائد، وأنه يتباهى بكثرة ما أنفقه في شهواته ولم ينفقه في طاعة الله ورضاه لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَا لَا أُبَدًا أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدُ أَلَمْ تَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَهُ النَّجْدَينِ فَلَا أَقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) وَمَا أَدْرَنكَ مَا الْعَقَبَةُ ) فَكُ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَمُ فِي يَوْمٍ

۲۸۰

القرآن الكريم

ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمَا ذَا مَقَرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينَا ذَا مَتَرَبَة ﴾ [البلد: ٤ - ١٦]. فسجلت السورتان على الإنسان حبه للدنيا وتركه للآخرة، وبينت هذه السورة أن الإنسان المتحدث عنه فيهما هو الكافر ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَوَاصَوْا

بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحمَةِ ﴾ [البلد: ١٧] وهذه مناسبة واضحة.

۹۱- سورة الشمس

مناسبتها لما قبلها أنّ الله تعالى يُبيّن في السورة السابقة أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة، فذكر هنا أصحاب الميمنة بوصف الفلاح، وأصحاب المشأمة بوصف الخيبة : قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَنهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّنَهَا ﴾ [الشمس: ٩ - ١٠] فيستفاد تما هناك معنى هنا أنَّ أصحاب الميمنة مفلحون أي: فائزون لدخولهم الجنة. وأصحاب المشأمة خائبون أي خاسرون لدخولهم النار، والله تعالى أعلم.

۹۲- سورة الليل

تناسب هذه السورة سابقتها في تقسيم الناس إلى قسمين: مؤمن وهو

المفلح ميسرا للجنة وهي اليُسرى، وكافر وهو الخائب ميسر للنَّار، وهي العُسْرَى وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَقَى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَقَ بِالْحُسْنَى [الليل: ١ - ٦] بالملة الحسنى وهي ملة

الإسلام: فَسَنُسَرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَبَ بِالْحُسْنَى فَسَرُهُ الْعُسْرَى [الليل: ٧ - ١٠].

جواهر البيان

۲۸۱

۹۳- سورة الضحى

ذكر الله في السورة السابقة أنَّ المصدق بملة الإسلام ميسر للجنَّة، وختمها بذكر ما أعده من الثواب لأول رجل أسلم من هذه الأُمة وهو أبو بكرٍ وَسَجَنَّبها الألقَى ) الَّذِي يُؤْتِي مَا لَهُ يَتَرَكَى وَمَالِأَحَدٍ (

"

الصديق رضي الله عنه : روسيه عِندَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجرى ) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل : ۱۷ - ۲۱] فناسب أن تكون هذه السورة في فضل النبي الأكرم والرسول الأعظم إيذانًا

بأن شرف التابع هناك لشرف المتبوع هنا والله تعالى أعلم.

(تنبيه): أول من أسلم على الإطلاق خديجة رضي الله عنها، وتلاها علي عليه السلام؛ لأنه كان يتربَّى في بيت النبي عليه الصَّلاة والسلام، وكان عمره يوم أسلم ثمان سنين تقريبا، ولم يسجد لصنم قطُّ، ولذا قيل عنه : كرم الله وجهه.

٩٤- سورة الشرح

نفى الله تعالى في السورة السابقة ترك نبيه وقلاءه؛ ردا لدعوى بعض المشركين ذلك، وامتن عليه ببعض نعم أنعم عليه بها قبل النبوة، ثُمَّ قال له:

وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِتْ ﴾ [الضحى: ١١].

فذكر هنا نعما منحه إياها في بدء نبوته وبعدها، وهي شرح صدره

ووضع وزره، ورفع ذكره وتيسير العسير له فالسورتان متناسبتان في

الموضوع متقاسمتان بيان فضل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم.

۲۸۲

القرآن الكريم

موازنة بين نبينا وبين موسى وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام

موسى طلب

الله أن من يشرح صدره وييسر أمره: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي

صَدْرِي وَبَرْ لِي أَمْرِي ﴾ [طه: ٢٥ - ٢٦].

وإبراهيم طلب أن يجعل له ذكرًا في الآخرين أي في هذه الأمة: وَاجْعَل لي لِسَانَ صِدْقِ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [الشعراء: ٨٤].

ونبينا أعطاه الله ذلك من غير طلب اللَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح: ١ - ٥] وهذا مما يدل على رفعة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم .

٩٥- سورة التين

امتن الله تعالى على نبيه في السورة السابقة بخصال شرفه بها، فناسب أن يشرف بلده الذي نشأ فيه، فأقسم به تشريفاً له: وَالدِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ

وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ [التين: ١ - ٣] مكة.

٩٦- سورة العلق

مناسبة هذه السورة لما قبلها : أنَّ الله تعالى أنكر في السورة السابقة على

الكفَّار تكذيبهم بالبعث: فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ﴾ [التين: ٧].

و الخطاب للمكذَّب بالبعث والاستفهام إنكاري، فصرح هنا بالبعث

وأكد وقوعه: إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى } [العلق : ۸].

جواهر البيان

۲۸۳

(تنبيه): قال بعض العلماء: سورة أقرأ مشتملة على نظير ما اشتملت عليه الفاتحة من براعة الاستهلال لكونها أول ما نزل فإن فيها الأمر بالقراءة والبداءة فيها باسم الله وفيه الإشارة إلى علم الأحكام (۱) وفيها ما يتعلق

بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفة من صفات ذاته وصفة فعل. و في هذه الإشارة إلى أصول الدين وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله: علَمَ الإِنسَيْنَ مَا لَوَيَعلَم [العلق : ٥]، ولهذا قيل: إنها جديرة أن تسمى عنوان القرآن؛ لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله.

۹۷- سورة القدر

افتتحت السورة السابقة بأمر النبي عليه الصلاة والسلام بالقراءة: أقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: ١]، فناسب أن يذكر في هذه السورة إنزال القرآن

المأمور بقراءته إِنَّا أَنزَلْنَهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1].

و قال أبو جعفر بن الزبير في البرهان حكى الخطابي أن الصحابة لما اجتمعوا على القرآن وضعوا سورة القدر عقب العلقة استدلوا بذلك على أن المراد بهاء الكناية في قوله: ﴿إِنَّا أَنزَلْتَهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ الإشارة إلى قوله:

(۱) لأن معنى أقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ اقرأ مبتدئاً باسم ربك، أي قل: باسم الله، وهذا حكم شرعي يشير إلى أحكام تأتي بعده وقوله : رَبِّكَ إثبات لذات الله واتصافه بالربوبية، وهو إشارة إلى التوحيد والأكرم صفة ذاتية و الَّذِي خَلَقَ صفة فعل، وذلك إشارة إلى أصول الدين.

٢٨٤

القرآن الكريم

أقرأ قال القاضي أبو بكر بن العربي وهذا بديع جدا.

٩٨- سورة البينة

مناسبتها لما قبلها أنَّ الله تعالى أخبر في السورة السابقة بإنزال القرآن، فذكر هنا ما كان عليه الفريقان من الكفَّار ، مشركين وكتابيين كانوا يقولون: لا نزال على ديننا حتى يأتينا الرسول الموعود في آخر الزمان يتلو صحفًا مُطهَّرةً، هي القرآن اور لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكَينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولُ مِنَ اللَّهِ يَنلُوا مُحْفَا مُطَهَّرَهُ ﴾ [البينة : ١ - ٢]، ثُمَّ بعد مجيئه وتلاوته للقرآن الذي أنزل عليه، تفرّق فيه أهل الكتاب - وتبعهم المشركون - فكفر معظمهم حسدا وبغيا. وآمن من سبقت له السعادة وَمَا نَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَ نهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ [البينة : ٤] ، وهذه مناسبة ظاهرة والله تعالى أعلم.

٩٩- سورة الزلزلة

ذكر في السورة السابقة جزاء الكفَّار والمؤمنين: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَبِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَلِدِينَ فِيهَا أَوَلَيْكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَاتِ أَوَلَيْكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ [البينة: ٦ - ٧]

فناسب أن يذكر هنا يوم القيامة، وما يسبقه من شدة؛ لأن بعده يصير المؤمنون

إلى الجنة، والكفار إلى النار: إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَنْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَنُ مَا لَهَا يَوْمَيذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا

جواهر البيان

٢٨٥

يَوْمَيذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْنَانَا لِبُرُوا أَعْمَلَهُمْ ) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ

خيْرَ ايَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة : ۱ - ۸] . (تنبيه): ورد في حديث ضعفه الترمذي عن ابن عباس مرفوعا: «إذا زُلْزِلَتْ تَعْدِلُ نِصْفَ القرآنِ، و (قُلْ هو الله أحدٌ) تَعْدِلُ ثلث القرآن، و(قل يا أيها الكافرون) تَعْدِلُ ربع القرآنِ».

وجاء في حديث آخر حسنه الترمذي وفيه كلام: أنها يعني إذا زلزلت تعدل ربع القرآن.

قال ناصر الدين بن الميلق المالكي الشاذلي في توجيه الحديثين: أحكام القرآن تنقسم إلى أحكام الدنيا وأحكام الآخرة، وهذه السورة تشتمل على أحكام الآخرة كلها إجمالا وزادت على القارعة بإخراج الأثقال وتحديث الأخبار. وأما تسميتها في الحديث الآخر ربعًا فلأن الإيمان بالبعث ربع الإيمان في الحديث الذي رواه الترمذي: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله بعثني بالحقِّ، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر». فاقتضى هذا الحديث أنَّ الإيمان بالبعث الذي قررته هذه السورة ربع الإيمان الكامل الذي دعا إليه القرآن.

١٠٠- سورة العاديات

تناسب سابقتها في ذكر البعث أيضًا: ﴿ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ) وَحُصلَ مَا فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَذلَّ مذ لخير [ العاديات: ۹ - ۱۱].

٢٨٦

القرآن الكريم

١٠١- سورة القارعة

تناسب سابقتها أيضاً في ذكر يوم القيامة، مع إفادة تسميته بالقارعة؛ لأنها

.

تقرع النفوس بأهوالها وشدائدها. والله تعالى أعلم.

١٠٢- سورة التكاثر

مناسبتها لما قبلها : أنه تعالى ذكر فيما مر أهوال يوم القيامة، فذم هنا اللاهين عنها قاله الصاوي في حاشية "تفسير الجلالين".

(تنبيه): روى الحاكم بإسنادٍ فيه مجهول عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم؟». قالوا: ومن يستطيع ذلك؟ قال: «أما يستطيع أحدكم أن يقرأ ألهاكم التكاثر؟». قال الناصر بن الميلق: إنَّ القرآن ستة آلاف آية ومائتا آية وكسر، فإذا تركنا الكسر كان الألف سدس القرآن وهذه السورة تشتمل على سدس مقاصد القرآن، فإنها - فيما ذكره الغزالي سنة ثلاث مهمة، وثلاث متممة - وتقدمت في سورة الفاتحة - وأحدها معرفة الآخرة المشتمل عليه السورة، والتعبير عن هذا المعنى بألف آية أفخم وأجل وأضخم من التعبير بالسدس.

103- سورة العصر

مناسبتها لما قبلها : أنه تعالى ذمّ في تلك اللاهين عن يوم القيامة بالمال والمعاصي واتباع الشهوات فذكر هنا أنَّ اللهو بذلك يعم جنس الإنسان فسماه خُسْرًا إلا المؤمنين وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا

وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: ١ - ٣].

جواهر البيان

۲۸۷

١٠٤- سورة الهمزة

مناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما قال فيما سبق إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ العصر : ٢] بين هنا حال الخاسرين ومآلهم. قاله الصاوي.

سورة الفيل

تناسب سابقتها في بيان مآل بعض الخاسرين وهم أصحاب الفيل خصوا

بالذكر؛ لاجترائهم على حرم الله تعالى.

١٠٦- سورة قريش

إن قلنا إنَّ الإيلاف متعلق بآخر السورة السابقة، والمعنى: فجعلهم

كعصف مأكول، ليبقى إيلاف قريش رحلتي الشتاء والصيف، فالسورتان مرتبطتان. وقد كان يعدهما أُبي بن كعب وجعفر الصادق وأبو نهيك سورة

واحدة. وإن قلنا: إنه متعلق بالأمر بعده فَلْيَعْبُدُوا فالمناسبة بينهما في قوله وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوفي [قريش: ٤] ، والمعنى: فليعبدوا الله الذي آمنهم من جيش الفيل، وقد كانوا خائفين منه، والله تعالى أعلم.

۱۰۷- سورة الماعون }

هذه السورة فيها سبع آيات ثلاث منها نزلت في وصف كفار مكة، ووجه مناسبتها لما قبلها : أنَّ الله تعالى امتنَّ على قريش بأنه أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، وأمرهم أن يعبدوه شكرًا على ذلك. فلمهم هنا بأنهم

۲۸۸

القرآن الكريم

يكذبون بالدين، ويدفعون اليتيم دفعا عنيفًا، ولا يبذلون الطعام للمسكين الجائع، وهو ضد ما أمرهم الله، بل ضد ما يقتضيه شكر نعمة الإطعام والأمن. أما الأربع الباقية فإنها نزلت في المنافقين الذين يظهرون الصلاة والعبادة رياء وسمعة، وهم في الباطن مثل كفَّار مكَّة، يكذبون بالدين ويتحلون بما لا يصح التحلي به.

١٠- سورة الكوثر

ذم الله تعالى في السورة السابقة الكفَّار على تكذيبهم بالدين وبخلهم بإطعام المسكين، فأخبر هنا بكرمه الذي أكرم به نبيه، وسلاه بذلك عن تكذيب قومه وإيذائهم، وأمره بالصَّلاة والنَّحر أي لإطعام المساكين، على عكس ما عليه الكفار من البخل وترك عبادة الله تعالى.

و قال بعض العلماء: من لطائف سورة الكوثر أنها كالمقابلة للتي قبلها: لأن السابقة وصف الله فيها المنافق بأربعة أمور: البخل، وترك الصَّلاة، والرياء فيها، ومنع الزكاة.

فذكر في مقابلة البخل : إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ أي الخير الكثير، وفي مقابلة ترك الصلاة فَصَلِ أي دم عليها ، وفي مقابلة الرياء لربك أي لرضاه لا للناس ، وفي مقابلة منع الماعون وانحر [الكوثر: ١-٢] وأراد به

التصدق بلحم الأضاحي. قلت: فحاله صلَّى الله عليه وآله وسلّم يباين حالهم غاية المباينة. ولهذا والله

جواهر البيان

۲۸۹

أعلم أمره في:

١٠٩- سورة الكافرون

أن يخبرهم بأنه لا صلة بينه وبينهم لأنه يعبد الله وحده، وهم يعبدون

.

غيره، ودينه التوحيد، ودينهم الشرك.

(تنبيه): روى الترمذي والبيهقي وغيرهما من طريق سلمة بن وردان عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لرجل من أصحابه: «هل تزوجت؟» قال: لا والله يا رسول الله، ولا عندي ما أتزوج به. قال: «أليس معك قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ؟» قال: بلى. قال: «ثُلُثُ القرآنِ »، قال: «أليس معك إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله؟ قال: بلى قال: «رُبُعُ «القرآن»، قال: «أليس معك قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ ؟ قال : بلى. قال: «أليس معك إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ؟» قال: بلى،

قال: «ربع القرآنِ، تزوج تزوج». حسنه الترمذي. لكن سلمة ضعيف، قال أبو حاتم: ليس بالقوي، عامة ما عنده عن أنس منكر». وقال ابن معين: «ليس حديثه بذاك»، من هنا تكلم مسلم في هذا الحديث في كتاب "التمييز". وسيأتي توجيه كون هذه السورة ربع القرآن بحول الله تعالى.

١١- سورة النصر

لما أيأس الله نبيه من الكفار والمنافقين، وقطع كل صلة بينه وبينهم فيما يتعلق بعبادة الله وتوحيده بشره هنا بمجئ نصر الله وفتحه، وبانتشار دينه،

ودخول الناس فيه أفواجًا، وهذه مناسبة ظاهرة، والله تعالى أعلم.

۲۹۰

القرآن الكريم

۱۱۱- سورة تبت

لما بشَّر الله نبيه في السورة السابقة بنصره ونَشِّر دينه، ناسب أن يُبشِّره هنا بهلاك عدوين عنيدين من أشد أعدائه طالما قاسى من إيذائهما وسبهما؛ ولهذا أفرد الله هذه السورة للبشارة بهلاكهما وخسرانهما، إكراما لنبيه، وانتقاما له من

أعدائه، والله تعالى أعلم.

۱۱۲ - سورة الإخلاص

كان العرب يجمعون المال عدَّة لنوائب الزمان وحوادث الدهر، ويطلبون البنين المكاثرة الخصوم ومحاربة الأعداء، فذكر الله في السورة السابقة أنَّ أبا لهب حين نزل به الهلاك و الخسار لم ينفعه ماله ولا ما كسب من أولاد، وقد كان بهما على عادة قومه وعشيرته فنزَّه الله تعالى نفسه هنا عن مشابهة خلقه فلا ولد له ولا ،والد ولا يماثله أحد، سبحانه وتعالى.

يعتز .

وقال بعض العلماء في المناسبة بين السورتين التوازن في اللفظ بين آخر

السابقة، وأول هذه ؛ أي بين مسد» و «أحد»، وهذه مناسبة لفظية. (تنبيه): ثبت في "الصحيحين وغيرهما من طرق: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآنِ». واختلف في معنى الحديث وتوجيه كونها ثلث القرآن فقيل لأن القرآن يشتمل على شرائع،

وقصص، وصفات، وهذه السورة كلها ،صفات فكانت ثلثا بهذا الاعتبار. وقال الغزالي في "الجواهر": معارف القرآن المهمة ثلاث: معرفة التوحيد، والصراط المستقيم، والآخرة، وهي مشتملة على الأول فكانت ثلثا».

جواهر البيان

۲۹۱

وقال أيضًا فيما نقله عنه الرازي: القرآن يشتمل على البراهين القاطعة على وجود الله تعالى ووحدانيته وصفاته : إمَّا صفات الحقيقة، وإما صفات الفعل وإما صفات الحكم، فهذه ثلاثة أمور. وهذه السورة تشتمل على صفات الحقيقة، فهي ثلث».

وقال الجويني: المطالب التي في القرآن معظمها الأصول الثلاثة التي بها يصح الإسلام، ويحصل الإيمان ؛ وهي معرفة الله والاعتراف بصدق رسوله واعتقاد القيام بين يدي الله تعالى. فإن من عرف أنَّ الله واحد، وأنَّ الرسول صادق، وأنَّ الدين ،واقع، صار مؤمنًا حقا، ومن أنكر شيئًا منها كفر قطعا،

وهذه السورة تفيد الأصل الأول، فهي ثلث القرآن من هذا الوجه».

وقيل القرآن قسمان: خبر وإنشاء والخبر :قسمان: خبر عن الخالق، وخبر عن المخلوق، فهذه ثلاثة أثلاث وهذه السورة أخلصت الخبر عن الخالق، فهي بهذا الاعتبار ثلث.

وقال ناصر الدين بن الميلق في توجيه الحديث وحديث الكافرون، مع أن كلا منهما يسمى الإخلاص: «إنَّ (سورة الإخلاص) اشتملت من صفات الله تعالى على ما لم تشتمل عليه (الكافرون)، وأيضًا فالتوحيد إثبات إلهية المعبود وتقديسه، ونفي إلهية ما سواه. وقد صرّحت (الإخلاص) بالإثبات والتقديس، ولوحت إلى نفي عبادة غيره، و(الكافرون) صرحت بالنفي، ولوحت بالإثبات والتقديس، فكان بين الرتبتين من التصريحين والتلويحين، ما بين الثلث والربع.

وقيل: تعدل ثلث القرآن في الثواب وهذا هو المشهور عند الناس، لكن

۲۹۲

القرآن الكريم

ضعفه أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي، وقال: لا يجوز أن يكون المعنى أن من قرأها فله أجر ثلث القرآن، لقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات.

وقال ابن عبد البر في "التمهيد: السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام فيها، وأسلم». ثُمَّ روى بإسناده إلى إسحاق بن منصور، قال: قلت لأحمد بن حنبل: قوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآنِ» ما وجهه؟ فلم

يقم لي فيها على أمر.

وقال لي إسحاق بن راهويه معناه: أنَّ الله لما فضَّل كلامه على سائر الكلام، جعل لبعضه أيضًا فضلًا في الثواب لمن قرأه، تحريضا على تعليمه، لا أنَّ من قرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات كان كمن قرأ القرآن جميعه، هذا لا يستقيم، ولو قرأها مائتي مرة.

۱۱۳ - سورة الفلق

اول

لما بين فيما سبق أنه الصمد، أي المقصود في كل أمر، أرشد هنا إلى الالتجاء

إليه، والاستعاذة به من شرور خَلْقه.

١١٤ - سورة الناس

تناسب سابقتها في الاستعاذة، وخُصَّت بالاستعاذة من شر الوسواس

الخناس؛ لعظم ضرره، والجريانه من الإنسان مجرى الدم، كما ثبت في الحديث. نعوذ بالله من شره، ونسأله العصمة من ضرره.

جواهر البيان

۲۹۳

خاتمة وفيها مسألتان

المسألة الأولى: في فواتح السور

ألف فيها ابن أبي الأصبع كتابا سماه "الخواطر السوانح في أسرار الفواتح". قال أهل البيان من البلاغة حسن الابتداء، وهو أن يتأنق في أول الكلام، لأنه أول ما يقرع السمع، فإن كان محرَّرًا، أقبل السامع على الكلام ووعاه، وإلا أعرض عنه، ولو كان الباقي في نهاية الحسن، فينبغي أن يؤتى فيه بأعذب لفظ وأجزله وأرقه وأسلسه وأحسنه نظما وسبكا، وأصحه معنى، وأوضحه

وأخلاه من التعقيد والتقديم والتأخير الملبس أو الذي لا يناسب. قالوا: وقد أتت جميع فواتح السور على أحسن الوجوه، وأبلغها وأكملها،

كالتحميدات وحروف الهجاء والنداء وغير ذلك.

وبيان ذلك على ما جمعه أبو شامة في كتاب "المرشد الوجيز في علوم تتعلق بالقرآن العزيز : أنَّ الله تعالى افتتح سور القرآن بعشرة أنواع من

الكلام، لا يخرج شيء من السور عنها: الأول الثناء عليه تعالى، والثناء قسمان: إثبات لصفات الكمال، ونفي وتنزيه عن صفات النقص

فالأول: التحميد، في خمس سور : (الفاتحة) و(الأنعام ) و (الكهف) و (سبأ)

و (فاطر)، وتبارك في سورتين: (الفرقان) و(الملك).

والثاني: التسبيح، في سبع ،سور، قال الكرماني في "متشابه القرآن": التسبيح كلمة استأثر الله بها، فبدأ بالمصدر في (بني إسرائيل)؛ لأنه الأصل، ثُمَّ بالماضي في (الحديد) و(الحشر) و(الصف)؛ لأنه أسبق الزمانين، ثُمَّ بالمضارع في (الجمعة)

٢٩٤

القرآن الكريم

و (التغابن)، ثم بالأمر في (الأعلى ) استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها. الثاني: حروف التهجي، في تسع وعشرين سورة: (البقرة) و(آل عمران) و(الأعراف) و(يونس) و (هود) و(يوسف) و (الرَّعد) و(إبراهيم) و(الحجر) و (مريم) و (طه) و ( الشُّعراء) و (النَّمل) و (القصص) و(العنكبوت) و(الروم) و(لقمان) و(السجدة) و(يس) و(ص) و (غافر) و(فصلت) و(الشورى)

و(الزخرف) و(الدُّخَان) و (الجاثية) و(الأحقاف) و(ق) و(ن). الثالث: النداء، في عشر سور: خمس بنداء الرسول: (الأحزاب)

و(الطَّلاق) و (التَّحريم) و(المزمّل) و(المدثر).

وخمس بنداء الأُمة: (النساء) و(المائدة) و(الحج) و(الحجرات) و(الممتحنة). الرابع: الجمل الخبرية في ثلاث وعشرين سورة: (الأنفال)، (التوبة)، (النَّحْل)، (الأنبياء)، (المؤمنون)، (النُّور)، (الزمر)، (القِتال)، (القمر)، (الرَّحمن)، (المُجَادَلة)، (الحَاقَّة)، (المعارج)، (نوح)، (القيامة)، (عبس)، (البَلد)، (القَدْر)، (البينة)، (القارعة)، (ألهاكُم)، (الكَوْثَر).

الخامس: القسم، في خمس عشرة سورة أقسم فيها بالملائكة وهي: (الصافات)، وسورتان بالأفلاك: (البروج) و(الطارق). وست سور

بلوازمها: فـ (النَّجم) قَسَمٌ بالثريَّا، و(الفَجِّر) بمبدأ النهار، و(الشمس) بآية النَّهار، و(الليل) بشَطْر الزمان، و (الضُّحَى) بشطر النَّهار، و(العصر) بالشطر الآخر، أو بجملة الزمان، وسورتان بالهواء الذي هو أحد العناصر، (والذاريات)، (والمرسلات)، وسورة بالتربة التي هي منها أيضًا وهي: (والطُّور)، وسورة بالنبات وهي: (والتين)، وسورة بالحيوان الناطق وهي:

جواهر البيان

۲۹۵

(والنازعات)، وسورة بالبهيم وهي: (والعاديات).

السادس الشرط، في سبع سور : (الواقعة)، (المنافقون)، (التكوير)

(الانفطار)، (الانشقاق)، (الزَلْزَلَة)، (النصر).

السابع: الأمر، في ست سور (الجنّ)، (العلق)، (الكافرون)،

الإخلاص)، المعوذتان.

الثامن: الاستفهام في ست سور (الإنسان)، (النبأ)، (الغاشية)،

(الشرح)، (الفيل)، (الماعون).

التاسع: الدُّعاء، في ثلاث سور: ويل للمطففين)، (ويل لكل همزة)،

(تبت).

العاشر: التعليل، في لإيلاف قريش).

قال أبو شامة: وما ذكرناه في قسم الدعاء، يجوز أن يذكر مع الخبر، وكذا الثناء كله خبر، إلَّا «سبح؛ فإنه يدخل في قسم الأمر، و«سبحانه» يحتمل الأمر والخبر ونظم ذلك في بيتين فقال : أثنى على نَفْسِهِ سُبْحَانَهُ بتُبُوتِ الحَمْدِ والسَّلْبِ لمَّا اسْتَفْتَحَ السُّورَا والأمرِ والشَّرْطِ النَّدا التعليلِ الدُّعَاحُروفِ التَهَجِّي اسْتَفْهِمِ الخَبَرَا

٢٩٦

القرآن الكريم

المسألة الثانية: في خواتيم السور

وهي مثل الفواتح في الحسن؛ لأنها آخر ما يقرع السَّمع (۱) ولهذا جاءت متضمنة للمعاني البديعة، مع إيذان السامع بانتهاء الكلام، حتى لا يبقى معه للنفوس تشوف إلى ما يذكر بعده؛ لأنها بين أدعية ووصايا وفرائض وتحميد وتهليل ومواعظ ووَعْدٍ ووَعِيد، إلى غير ذلك.

كتفصيل جملة المطلوب في خاتمة الفاتحة، إذ المطلوب الأعلى: الإيمان المحفوظ من المعاصي المسبّبة لغضب الله والضلال. ففصل جملة ذلك بقوله: اللَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: ٧] والمراد: المؤمنون ولذلك أطلق الإنعام ولم يقيده ليتناول كل إنعام؛ لأن من أنعم الله عليه بنعمة الإيمان فقد أنعم عليه بكل نعمة؛ لأنها مستتبعة لجميع النعم.

ثم وصفهم بقوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضالينَ ﴾ [الفاتحة: ٧] يعني أنهم جمعوا بين النعم المطلقة وهي نعمة الإيمان، وبين السلامة من غضب الله تعالى والضَّلال المسببين عن معاصيه وتعدي حدوده.

وكالدعاء الذي اشتملت عليه الآيتان من آخر (سورة البقرة). وكالوصايا التي ختمت بها (آل عمران): يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا

أصبروا ﴾ [آل عمران: ٢٠٠] إلى آخر السورة.

وكالفرائض التي خُتمت بها (سورة النساء)، وحسن الختم بها لما فيها من

(۱) قال الخطيب القزويني في "الإيضاح " : جميع فواتح السور وخواتمها؛ واردة على أحسن وجوه البلاغة وأكملها. يظهر ذلك بالتأمل فيها مع التدبر لما تقدم من الأصول.

جواهر البيان

۲۹۷

ختمت به

أحكام الموت الذي هو آخر أمر كلّ حيّ، ولأنها آخر ما نزل من أحكام. وكالتبجيل والتعظيم الذي خُتمت به (المائدة)، وكالوعد والوعيد الذي ختمت به (الأنعام)، وكالتحريض على العبادة بوصف حال الملائكة، الذي ختمت به (الأعراف)، وكالحضّ على الجهاد وصلة الأرحام الذي . (الأنفال)، وكوصف الرسول والتهليل اللذين خُتمت بهما (التوبة)، وكتسليته عليه الصَّلاة والسَّلام التي خُتمت بها سورتا (يونس) و(هود)، وكوصف القرآن ومدحه الذي ختمت به سورة (يوسف)، وكالوعيد والرد على من كذَّب الرسول اللذين خُتمت بهما سورة الرَّعْد)، وكالثناء على الله تعالى الذي

ختمت به (الإسراء)، ومثلها سورتا (الحج) و(الحشر).

ومن أوضح ما آذن بالختام خاتمة إبراهيم: هَذَا بَلَغْ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهُ وَاحِدٌ وَلِيَذَكَرَ أُولُوا الْأَلْبَابِ ﴾ [إبراهيم: ٥٢].

ومثلها خاتمة (الأحقاف): بلع فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَسِقُونَ ﴾ [الأحقاف: ٣٥]. وكذا خاتمة (الحجر) بقوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ

الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: ٩٩] فُسر بالموت، وهذه الخاتمة في غاية البراعة. وخاتمة (الشورى) مثلها : ألا إلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: ٥٣]. و (سورة الزلزلة) بدئت بوصف أهوال يوم القيامة، وختمت بقوله تعالى : فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًا

يره [الزلزلة : ٧ - ٨] وهي خاتمة في منتهى البراعة.

وكذلك خاتمة (سورة النصر)، فيها إيذان بالوفاة: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ

۲۹۸

القرآن الكريم

وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر: ٣] وهي خاتمة بديعة. ﴾ روى البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس، قال: كان عمر رضي الله عنه يدخلني مع أشياخ بدر، فكأنَّ بعضهم وَجَد في نفسه، فقال: لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟!. فقال عمر: إنه من قد علمتم. ثُمَّ دعاهم ذات يوم، فقال: ما تقولون في قول الله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: ١]؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا جاء نصرنا وفتح علينا. وسكت بعضهم، فلم يقل شيئًا فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول صلى الله عليه وآله وسلم، أعلمه له. قال: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وذلك علامة أجلك فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا فقال عمر رضي الله عنه: إني لا أعلم

منها إلا ما تقول.

قلت: ولهذا كانت ربع القرآن كما جاء في الحديث السابق، أي ربع الإيمان

الذي يدعو إليه القرآن كما مر عن العارف ابن الميلق في (سورة الزلزلة). وهكذا كل سورة تجد خاتمتها في غاية الحسن والبراعة، أحسن الله خاتمتنا بالوفاة على الإيمان، وفرج كربتنا، وجعلها كفَّارة لنا عما اقترفناه، وبيض وجهنا يوم نلقاه.

كان الفراغ من تحريره مساء يوم الأربعاء الثالث من شهر ذي القعدة الحرام، من شهور سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وألف هجرية، أحسن الله خاتمتها، آمين.

جواهر البيان

۲۹۹

تتميم

في وجوب مراعاة التناسق والترتيب بين السور

علمت تما مرَّ في الكتاب ومقدّمته أنَّ آيات القرآن الكريم وسوره تتسق في تناسب عجيب، وترتبط بعضها مع بعض في تألف بديع غريب، بحيث لو وضعت آية مكان غيرها أو سورة في غير موضعها، اختل الاتساق والتناسب، وتفكك الارتباط والتالف. وهذا مما اختص به القرآن العظيم وكان وجها من وجوه إعجازه المتعددة، فينبغي لتاليه أن يراعي هذا المعنى في تلاوته، فلا ينتقل من سورة إلى تاليتها حتى يتمها. ومن هنا تدرك خطأ بعض المقرئين الذين ينتقلون من سورة إلى غيرها، غير مراعين ذلك، فبينما يتلو أحدهم سورة من السبع الطوال، أو المئين، ينتقل فجأة إلى سورة من طوال المفصل، أو قصاره، ولا يدرك ما في انتقاله من إخلال بالمناسبة المقصودة وفصم للارتباط المطلوب. وإنما يدركه العلماء المتخصصون في علوم القرآن، وتفهم أسراره، بل يشاهده أهل البصائر المنوّرة بنور المعرفة.

ذكر العارف الشعراني في ترجمة الشيخ محمد بن أحمد الفرغل من "طبقاته": أنَّ فقيها جلس عنده يقرأ القرآن، فنط الفقيه، فقال له الشيخ: نطيت. فقال له: من أعلمك يا سيدي وأنت لا تحفظ القرآن؟ فقال: كنت أرى نورا متصلا صاعدًا إلى السماء، فانقطع النور ولم يتصل بما بعده.

۳۰۰

القرآن الكريم

وذكر لي سيدنا الأستاذ الإمام الوالد رضي الله عنه: أنَّ الولي الكبير السيد الأستاذ الهاشمي بو زيد - من تلاميذ جدنا القطب الكبير سيدي الحاج أحمد - كان جالسًا بمسجد بعد صلاة المغرب وجماعة يقرأون القرآن بصوت مرتفع، فانتقلوا من سورة إلى أخرى بسبب آية أشكلت عليهم، فصفق السيد الهاشمي بيده ينبههم إلى خطئهم، فتنبهوا ورجعوا.

فسأله أحد الحاضرين كيف عرفت خطأهم وأنت لا تحفظ القرآن؟! فقال: كنت أرى نورا صاعدًا مع تلاوتهم في استقامة واستواء، فلما انتقلوا

حصل في النور اضطراب، ووصل بعد انقطاع، فعرفت خطأهم. قلت: هذا من الكشف المؤيد بالدليل، فالقرآن نور حسي ومعنوي، ومن أسمائه: النور، وإذا قُرِئ في مكان غشيته سكينة ونور.

وقريب من هذا أنني كنت أُلقي دروسًا حديثية، بأويش الحجر بجهة المنصورة، فذكر بعض الصالحين من المفتوح عليهم أنه كان يرى النور يخرج

مع تلاوتي للحديث منذ البدء في ذكر إسناده إلى الانتهاء منه.

٤ - مِنْحَةُ الرَّؤُوفِ المُعْطِي

بِبَيَانِ ضَعْفِ وُقُوفِ الشَّيخِ الهِبْطِي

منحة الرؤوف المعطي

۳۰۳

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله الذي أنزل كتابه هدى ورحمةً، وجعله شِفاء ونِعْمَةً، والصَّلاة والسلام على سيدنا محمد هادي الأُمَّة، وكاشف الغُمَّة، ورِضوان الله على آله

ذوي الرتب السَّنِيَّة وشرف الهمة.

أما بعد: فإنَّ الوقوف عِلْمٌ من علوم القرآن الكريم عُني به الصحابة لتلقيهم إيَّاه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم واعتنى به العلماء فكتبوا فيه المؤلفات الكثيرة مثل كتاب الوقف والابتداء" لابن الأنباري، وأبي جعفر النحاس،

والداني، والزجاجي، والعماني، والسَّجاوندي، والأشموني، وغيرهم.

روى البيهقي، عن ابن عمر قال: «لقد عشنا برهةً من دَهرنا وإِنَّ أحدنا ليؤتَى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وآله وسلَّم فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم، ولقد رأينا اليوم رجالًا يُؤتَى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري أمره ولا زجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه». ورواه أبو جعفر النحاس في كتاب "الوقف" بإسناده، وعلق عليه بقوله: فهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون الأوقاف كما يتعلمون القرآن، وقول ابن عمر: «لقد عِشْنا بُرهةٌ مِن دَهرنا». يدل على أنَّ ذلك إجماع من الصحابة ثابت».

وقال ابن الأنباري : من تمام معرفة القرآن معرفة الوقف والابتداء».

٣٠٤

القرآن الكريم

وقال النكزاوي: «باب : الوقف عظيم القدر، جليل الخطر؛ لأنه لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن ولا استنباط الأدلة الشرعية منه إلَّا بمعرفة الفواصل».

وصرحوا بأنه لا يقوم بالوقف إلا عالم بالنحو والقراءات والتفسير والقصص. لكن الشيخ الهبطي الذي عمل الوقف لم يقرأ هذه النصوص ولم يكن يعرف علم العربية ولا شيئًا مما اشترطوه لصحة الوقف، بل أقدم على عملية الوقف بحسب ما ظهر له من غير مراعاة للقواعد، فكان كثير من وقوفه من قبيل الممنوع؛ لأنه يفصل بين المبتدأ والخبر، وبين الفعل ومتعلقه والفعل ونائبه، والمفعول، وحرف الجر ، وغير ذلك مما نبينه في هذه الرسالة بحول الله

تعالى.

والعَجَبُ العُجَاب أنّ أهل المغرب استعملوا هذه الوقوف منذ وقت صاحبها ومنشئها إلى وقتنا هذا، لم يفكر عالم منهم ولا باحث أن يغير القبيح منها بالصحيح، حتى ظنَّ كثير من الناس، فيهم مثقفون وأهل علم أنَّ القرآن نزل بهذه الوقوف، بل قيل: إنَّ الهبطي رأى وقوفه في اللوح المحفوظ ومنه

أخذها !

ولم يكن سكوت المغاربة على هذه الوقوف جهلًا بما فيها من فساد - حسبما أعتقد- ولكن كان سكوتهم إهمالا واستهانة لظنّهم أنَّ هذا موضوع هين، مع علبة التقليد عليهم وركونهم إلى ما ورثوه عمن مضى خطأ كان أو صوابا، قبيحا أو حسنًا، ولهم قاعدة يسوّغون بها جمودهم على التقليد وهي قولهم: «خطأ مشهور خير من صواب مهجور».

منحة الرؤوف المعطي

٣٠٥

وهذه الكلمة لا أصل لها في الدين ولا في العلم، بل هما يقدمان الصواب

مطلقا ومن أظهر صوابًا مهجورًا كان له ثواب إظهاره والعمل به. ولما كانت وقوف الهبطي بالصفة التي ذكرتها من المنكر الذي يجب تغييره لأنها تلحق بكلام الله خطأ يتنزّه عنه، وكان السكوت عن تغييرها إنما يعم أهل العلم جميعا بالمغرب، أردت أن أقوم بهذا الواجب عن نفسي وعنهم بتأليف

هذه الرسالة التي أبين فيها - بحول الله - الوقوف القبيحة.

وأنا أعلم أنَّ أفرادا من العامة وأشباههم ستأخذهم الحَمِيَّة للهبطي على حساب كلام الله تعالى فيرفعون عقيرتهم بذم عملي هذا، غير مدركين ما فيه من تنزيه القرآن عن الخطأ واللحن، بل قد يتجرأ بعضهم فيحاول تصحيحها بتقديرات متعسفة لم تخف علي. وأقول لهؤلاء: قد نصَّ العلماء على أنه لا يجوز تخريج شيء من الآيات على تقديرات ضعيفة؛ لأن ذلك يؤدّي إلى أن يكون في القرآن ما ليس بفصيح وهذا خطير جدا؛ لأن القرآن ليس فيه إلَّا الفصيح والأفصح، ولا أُنبه على جميع

الوقوف المخطئة وإنما أُنبه على ما كان قبحه ظاهرا لا يخفى على متعلم. ثُمَّ استدركت بأنَّ الشيخ المهدي الفاسي ألف رسالة في بيان وقوف الهبطي

الضعيفة وغير الصحيحة.

٣٠٦

القرآن الكريم

1- سورة البقرة

الآية الأولى: ﴿ وَلَتَجِدَتَهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَوةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا

[البقرة: ٩٦].

الوقف الصحيح على أشركوا كما في مصحف حفص، والآية واردة في اليهود، قال الزمخشري: وفيها توبيخ عظيمٌ؛ لأن الذين أشركوا لا يؤمنون بعاقبة ولا يعرفون إلَّا الحياة الدنيا، فحرصهم عليها لا يستبعد لأنها جنتهم،

فإذا زاد عليهم في الحرص من له كتابٌ وهو مُقر بالجزاء كان حقيقا بأعظم

التوبيخ» . اهـ ووقف الهبطي على لفظ: «حياة» وهو خطأ لم يختص به فقد قال بعض المفسرين: «المراد بالذين أشركوا المجوس كانوا يقولون الملوكهم عش نيروز وألف مهرجان».

ألف

وضعفه ابن جُزَيٌّ، قال في "تفسيره": «وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا فيه وجهان: أحدهما: أن يكون معطوفا على ما قبله فيوصل به، والمعنى أن اليهود أحرص على الحياة من الناس ومن الذين أشركوا ، فحمل على المعنى كأنه قال: أحرص من الناس ومن الذين أشركوا ، وخصَّ الذين أشركوا بالذكر بعد دخولهم في عموم الناس؛ لأنهم لا يؤمنون بالآخرة بإفراط حبهم للحياة الدنيا. الآخر: أن يكون وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ابتداء كلام فيوقف على ما قبله والمعنى: من الذي أشركوا قوم يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [البقرة: ٩٦]

منحة الرؤوف المعطي

۳۰۷

فحذف الموصوف، وقيل أراد به المجوس؛ لأنهم يقولون لملوكهم عش ألف سنة. والأول أظهر؛ لأن الكلام إنما هو في اليهود، وعلى الثاني خرج الكلام

عنهم . اهـ

وقال الإمام الرازي في تفسيره" - بعد حكاية القولين: «القول الأول أولى (١) لأنه إذا كانت القصة في شأن اليهود خاصَّة فالأليق بالظاهر أن يكون المراد: ولتجدن اليهود أحرص على الحياة من سائر الناس ومن الذين أشركوا، ليكون ذلك أبلغ في إبطال دعواهم وفي إظهار كذبهم في قولهم: إنَّ الدار الآخرة لنا لا لغيرنا» . اهـ

اختار هذا القول أيضًا ابن جرير الطبري، وهو المتعين الذي لا يجوز غيره في الآية، لوجهين:

الأول: أنه موافق لسياق الآيات السابقة واللاحقة، ومراعاة السياق واجبة، غفل عنها كثير من المفسّرين فوقعوا بسبب ذلك في أغلاط نبهتُ على بعضها في قصة داود عليه السَّلام، وهذا الموضع منها، وإن لم أنبه عليه هناك، فأي ارتباط بين تعجيز اليهود وتكذيبهم في دعواهم، وبين قول المجوس

لملوكهم: عش ألف سنة؟!.

الثاني:

أنَّ

حمل وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا على الابتداء يحتاج إلى تقدير

موصوف محذوف وهو قوم أو أناس، والأصل عدم التقدير ولا ضرورة تدعو

(۱) لفظ : «أولى» يستعمل في مثل هذا الموضع بمعنى أوجب، كقولهم: «الجمع بين الدليلين إذا أمكن أولى»، و«إذا احتمل الكلام التأكيد والتأسيس فالأخير أولى»، وهكذا.

۳۰۸

القرآن الكريم

إليه في هذا الموضع.

الثالث: أنَّ حملها على الابتداء يوقع في الكلام اضطرابا وعدم تناسب، إذ بينما سياق الكلام على اليهود، ينتقل فجأة إلى المشركين ثُمَّ يعود إلى اليهود أيضًا، وكلام الله تعالى يمشي في تناسق وانتظام فهو منزّه عن هذا الاضطراب. رجعت إلى "تفسير الجلالين" وهو يعتمد القول الصحيح في الآية

ثُمَّ

فوجدته يقول: وَلَتَجِدَتَهُمْ لام قسم أَحْرَمَ النَّاسِ عَلَى حَيَوةٍ وَ أحرص مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا - - المنكرين للبعث - عليها، لعلمهم بأن مصيرهم

النار دون المشركين لإنكارهم له». اهـ

وجملة يَوَدُّ أَحَدُهُمْ * مستأنفة لبيان حرص اليهود على الحياة.

الآية الثانية: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: ١٨٠] الوقف على:

«بالمعروف» أو «المتقين».

ووقف الهبطي على: «خيرا» ففصل بين الفعل وهو «كُتِبَ» المبني للمجهول ونائب الفاعل وهو «الوصية»، وتصحيحه يحتاج إلى تقدير فيه تكلف وخروج عن الظاهر لغير ضرورة ولا حاجة.

الآية الثالثة هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَيكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ [البقرة: ۲۱۰] الوقف على: «الأمر» كما في مصحف حفص، ووقف الهبطي على: «الغمام» ففصل بين الفاعل والمعطوف عليه بلا

داع ولا موجب.

منحة الرؤوف المعطي

۳۰۹

الآية الرابعة: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَنِكُمْ أَن تَبَرُوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [البقرة: ٢٢٤] الوقف على: «الناس» كما في مصحف حفص وقالون، ووقف الهبطي على: «أيمانكم»، ففصل بين النهي والمنهي عنه، ويمكن تخريجه على وجوه ضعيفة، يتنزه عنها كلام الله تعالى.

الآية الخامسة : وَلَا يَأْبَ كَاتِبُ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ ﴾ [البقرة: ۲۸۲] الوقف على اسم الجلالة كما في مصحف حفص وقالون، ووقف الهبطي على:

يكتب»، وتخريجه يجعل الكاف في : «كما متعلقة بقوله فليكتب.

قلت: كما قال أبو حَيَّان لأجل الفاء، قال: «ولأجل أنه لو كان متعلقا بقوله: «فليكتب لكان النظم: «فليكتب كما علمه الله»، ولا يحتاج إلى تقديم ما هو متأخر في المعنى» . اهـ

۲- وسورة آل عمران )

الآية الأولى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَنتُ تُحْكَمَتُ هُنَّ أُمُّ الْكِتَبِ وَأُخَرُ متشبهت ﴾ [آل عمران: ٧] الوقف على: «متشابهات» كما في مصحف حفص

وقالون، وكلمة: «منه» خبر مقدَّم، و «آيات محكمات» مبتدأ مؤخر. ولكن الهبطي وقف على لفظ: «منه فدل على أنه لا يعرف النحو؛ لأنه فصل بين المبتدأ والخبر وصير المبتدأ بلا خبر.

الآية الثانية: كَدَأْبِ الِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [آل عمران: ١١] الوقف على: «قبلهم كما في مصحف حفص، ووقف الهبطي على: «فرعون»

۳۱۰

القرآن الكريم

ففصل بين المعطوف والمعطوف عليه من غير داع، وأوهم أن كَذَّبواب اينتنا بيان لدأب الذين قبل آل فرعون فقط، وهو إيهام قبيح.

ومثله في الفصل بين المتعاطفين بلا ضرورة قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: ٥٣] وقف الهبطي على: «الكتاب» ولا قائل به.

الآية ثالثة : وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ

بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [آل عمران: ۱۹] الوقف على: «بينهم» كما في مصحف حفص وقالون، ووقف الهبطي على العلم ففصل بين جزئي الجملة بدون سبب، لأن ((بغيّا) مفعول له والعامل فيه: «اختلف فالفصل بينهما فصل بين الفعل ومفعوله وهو غير جائز.

- سورة النساء

الآية الأولى: وَلِكُلّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ﴾ [النساء: ٣٣] الوقف على الأقربون» كما في مصحف حفص وقالون؛ لأن «الوالدان» فاعل «تَرَك»، و«الأقربون» معطوف عليه، ووقف الهبطي على «ترك» ففصل بين الفعل وفاعله، وقد وُجّه وقفه بتقديراتٍ لا داعي لها، ويكفي في ردها أنَّ الأصل عدم التقدير.

الآية الثانية: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثَقُ أَوْ جَاءُ وَكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَتِلُوكُمْ أَوْ يُقَتِلُوا قَوْمَهُمْ ﴾ [النساء: ٩٠] الوقف على: «قومهم» كما

منحة الرؤوف المعطي

۳۱۱

في مصحف حفص وقالون وجملة «حصرت حال، فهو تتمة الجملة ومحل فائدتها

فائدتها، ووقف الهبطي على: «جاء وكم» ففرق بين جزئي الجملة وضيع فـ

المقصودة.

الآية الثالثة وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَا ﴾ [النساء: ٩٢] الوقف على «خطأ» كما في مصحف حفص وقالون، وزاد الهبطي الوقف على:

«مؤمنًا» ففصل بين المستثنى والمستثنى منه بدون داع.

الآية الرابعة: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَيْهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحُ مِنْهُ ﴾ [النساء: ۱۷۱] الوقف على: «منه» كما في مصحف حفص وقالون، وجملة: «ألقاها» حال، ووقف الهبطي على: «كلمته» ففصل بين الحال

وصاحبها.

- - سورة المائدة :

الآية الأولى: فَأَصْبَحَ مِنَ النَّدِمِينَ ) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي

-

إسراءيل ﴾ [المائدة: ۳۱ - ۳۲] الوقف على: «النادمين» كما في مصحف حفص وقالون، وهو وقف لازم، لانتهاء الآية ، ثُمَّ يستأنف الكلام بقوله تعالى : ومِن أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا ، و من أجل جار ومجرور متعلق بـ«كتبنا وهو علة له. والمعنى: من أجل قتل أحد ابني آدم لأخيه ظلما، كتبنا على بني إسرائيل تغليظ الإثم في القتل العمد والعدوان. وهذا المعنى واضح موافق للسياق، ولكن الهبطي وقف على: «ذلك»، ففصل بين الفعل ومتعلقة وقطع العلة عن

۳۱۲

القرآن الكريم معلولها وصارت جملة: كتبنا على بني إسرائيل منقطعة عما قبلها لا رابط بينهما، وهذا إفساد المعنى الآية، سامحه الله .

الآية الثانية: أُحِلَّ لَكُمْ صَيدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَنَعَا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ﴾ [المائدة: ٩٦] الوقف على وللسيارة كما في مصحف حفص وقالون، و«متاعًا» مفعول له متعلق بـ«أحل» ووقف الهبطي على وطعامه» ففصل بين الفعل ومفعوله بدون سبب.

الآية الثالثة فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَدَلْنَا أَحَقُّ مِن شَهَدَتِهِمَا وَمَا أَعْتَدَيْنَا [المائدة: ١٠٧] الوقف على: «اعتدينا»، ووقف الهبطي على: «فيقسمان» ففصل بين الفعل ومتعلقه بدون دليل.

والعجيب أنَّ الآية التي قبل هذه وهي: فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِى بِهِ ثَمَنًا ﴾ [المائدة: ١٠٦] لم يقف على: «فيقسمان» بل وقف على: «قربي» مع أن الفعل في الجملتين واحد. وله مثل هذا من التفريق بين متماثلين، وسننبه عليه في مواضعه بحول الله تعالى.

ده

الآية الرابعة: ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَدَةٌ قُلِ اللَّهُ شَهِيدُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ [الأنعام: ١٩] الوقف على: «بينكم»، وزاد الهبطي فوقف على اسم الجلالة، وفصل بين المبتدأ هذا الوقف على وجه مرجوح بأن يقدر اسم الجلالة مبتدأ

والخبر، ويصح محذوف الخبر، تقديره: «الله أكبر «شهادة» ثُمَّ يضمر مبتدأ يكون «شهيد» خبرًا

له تقديره: «وهو شهيد بيني وبينكم.

قال ابن حَيَّان ولا يتعيّن حمله على هذا بل مرجوح لكونه أضمر فيه

منحة الرؤوف المعطي

۳۱۳

آخرًا وأولا، والوجه الذي قبله - يعني كونه مبتدأ وخبرا- لا إضمار فيه مع

صحة معناه، فوجب حمل القرآن على الراجح لا على المرجوح» . اهـ ه- سورة الأنفال

الآية الأولى: ﴿ كَدَأْبِ وَالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِشَايَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾ [الأنفال: ٥٢] الوقف على آخر الآية، ووقف الهبطي على: «فرعون»، وفيه ما سبق في نظيره في (آل عمران) وفي مصحف حفص وضع على كلمة «فرعون» «لا» إشارة إلى أنَّ الوقف عليها غير جائز .

الآية الثانية: كَدَأْبِ وَالِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِنَايَتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْتَهُم بِذُنُوبِهِمْ ﴾ [الأنفال: ٥٤] وقف الهبطي أيضًا على: «فرعون»، وفيه ما سبق فإنَّ هذا وقف ممنوع.

٦- سورة التوبة

المصحف المطبوع بالمغرب يجعل فيه بياض قبل كلمة براءة إشارة إلى البسملة وهذا شيء لا معنى له، بل لا يجوز، وذلك لوجهين: الأول: أنَّ أهل المغرب لا يقرؤن البسملة في السور كلها لا في الصَّلاة ولا خارجها فلماذا يتركون لها بياضًا في هذا الموضع ؟!

والآخر: أنَّ سورة التوبة لم تنزل فيها البسملة أصلا، فكيف يضعون بياضًا

لأمر لم يكن ؟!

ووجه ثالث: وهو أنَّ ذلك البياض يوحي لمن لم يعرف، أنَّ شيئًا من القرآن حذف، لا سيما حين يجد مصاحف المشرق خالية من ذلك البياض.

٣١٤

القرآن الكريم

7- سورة يونس

الآية الأولى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَهُ مِنَ السَّمَاءِ فَأَخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ

الأَرْضِ الآية [يونس: ٢٤] وقف الهبطي على: «فاختلط» وهو وقف ممنوع لأنه فصل بين الفعل ومتعلقه، ولا أحد يجيزه.

ومن العجيب جدا أنَّ آيةً نظير هذه جاءت في (سورة الكهف)، وهي قوله

به نبات

تعالى: وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْتَهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ . الأَرْضِ الآية [الكهف: ٤٥] لم يقف هنا على: (فاختلط» . مع أنَّ السياق فيها واحد، وهذا يدل على أن الهبطي لم يكن يرجع في وقوفه إلى قاعدة من علم

العربية أو القراءات أو التفسير.

- سورة يوسف

قوله تعالى: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا مَالَكَ لَا تَأْ مَنَا عَلَى يُوسُفَ [يوسف: ١١] كثير من أهل المغرب يقرؤن: «تأمنا» بالفك وضم النون، وهو خطأ، والصواب قراءته

بالإدغام. قوله تعالى : لا قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ ﴾ [يوسف: ٩٢] الوقف على: «اليوم» وجملة: يغفر الله لكم دعاء لهم بالمغفرة، وهكذا ثبت في الحديث، فقد جاء في كتب السيرة أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وقف على قريش وهم أسرى يوم الفتح فقال: ماتظنون أني فاعل بكم؟» قالوا: «خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أقول كما قال أخي

منحة الرؤوف المعطي

٣١٥

يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء».

ولا أدري لم وقف الهبطي على: «عليكم»، وخالف جمهور القراء وخالف

الحديث وغير معنى الآية من الدعاء إلى الخبرا

9- سورة الكهف

قوله تعالى: لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي ﴾ [الكهف: ٣٨] كثير من أهل المغرب يقرؤن «لكنا» بمد النون، والصواب ترك المد.

قوله تعالى: فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا [الكهف: ٦١] وقف الهبطي على: «سربا» فوافق الجمهور.

في قوله تعالى: وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ﴾ [الكهف: ٦٣] وقف على: «البحر»، قال ابن جُزَيٌّ في "تفسيره : «يحتمل أن يكون هذا من كلام يوشع، أي اتخذ الحوت سبيله في البحر عجبًا للناس، أو اتخذ موسى سبيل الحوت عجبًا، أي تعجب هو منه، وأعرب عجبًا) مفعول ثاني لـ«اتخذ» مثل «سَربا». وقيل: إنَّ الكلام تَمَّ عند قوله: «في البحر» ثُمَّ ابتدأ التعجب فقال: «عجبًا» وذلك بعيد» . اهـ ويأتي السؤال الماضي: لم اختار الهبطي الاحتمال البعيد؟!

١٠- سورة الأنبياء

قوله تعالى: وَوَهَبْنَالَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ [الأنبياء: ۷۲] الوقف على: «نافلة» ووقف الهبطي على: «إسحاق».

قال ابن جُزَيٌّ : واختار بعضهم الوقف على إسحاق لبيان المعنى وهذا

٣١٦

القرآن الكريم

ضعيف؛ لأنه معطوف على كل قول . اهـ فلم اختار الهبطي هذا القول الضعيف؟!

۱۱-

- سورة الحج

قوله تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَتِ اللهِ ﴾ [الحج: ٣٠] قال ابن جُزَيٌّ: «ذلك» هنا وفي الموضع الثاني مرفوع على تقدير: «الأمر ذلك» كما يقدم الكاتب جملة من كتابه ثُمَّ يقول: هذا وقد كان كذا وكذا، وأجاز بعضهم الوقف على قوله : «ذلك» في ثلاثة مواضع من هذه السورة، وهي .

هذا،

و ذَلِكَ وَمَن يُعَظِمْ شَعَرَ اللهِ ﴾ [الحج: ۳۲]، و«ذلك ومن يشرك بالله» لأنها جملة مستقلة، أو هو خبر ابتداء مضمر والأحسن وصلها عند شيخنا أبي جعفر ابن الزبير لأن ما بعدها ليس كلاما أجنبيًا ومثلها: وذلك وَمَنْ عَاقَبَ [الحج: ٦٠] و ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ ﴾ [الأنفال: ١٤] في (الأنفال)، و هَذَا وَإِنَّ لِلطَّعِينَ ) [ ص: ٥٥] في (ص) . اهـ

فوقف الهبطي هنا جائز.

۱۲- سورة الفرقان

قوله تعالى: أنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَلَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: ٩] وقف الهبطي هنا على: «سبيلا» وفي (سورة الإسراء) وقعت هذه الآية أيضًا فوقف الهبطي على: «فضلوا» ولا أدري لم فرق بينهما مع أنَّ

منحة الرؤوف المعطي

۳۱۷

سياقهما واحد. وهذا يدل على أنه لا يرجع إلى قاعدة وإنما يرجع إلى ما يظهر له.

١٣- سورة سبأ *

قوله تعالى: أَعْمَلُوا الَ دَاوُودَ شُكْرًا ﴾ [سبأ: ١٣] قال ابن جزي: «حكاية ما قيل لآل داود، وانتصب «شكرًا» على أنه مفعول لأجله، أو مصدر من المعنى؛ لأن العمل شُكر تقديره اشكروا شكرًا، أو مصدر في موضع الحال تقديره شاكرين، أو مفعول به . اهـ

فالوقف على: «شكرًا» كما في مصحف حفص وقالون، وزاد الهبطي فوقف على داود) وفصل بين الفعل ومعموله بلا سبب.

١٤- سورة يس :

قوله تعالى: وَلَهُمْ مَايَدَعُونَ سَلَمُ قَوْلًا مِن رَّبٍ رَّحِيمِ ﴾ [يس: ٥٧ - ٥٨] الوقف على: «ما يدعون»، وهو وقف تام.

ووقف الهبطي على «سلام» وهو خطأ؛ لأن الكلام تمَّ عند: «يدَّعون» و «سلام» مبتدأ - كما قال ابن جُزيٌّ - خبره محذوف تقديره: «عليكم» أو خبره

الفعل الناصب لـ«قولا» تقديره: «سلام يُقال لهم قولا من رب رحيم». وإعراب «سلام») صفة لما يدَّعون، أو بدل منه، أو خبر عنه، لا يسلم من

اعتراضات.

ولا أدري لم يعدل الهبطي عن الوقف التام الواضح إلى وقف يحتاج تصحيحه إلى تقدير وتكلف؟!.

قوله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [يس: ۸۲]

۳۱۸

القرآن الكريم

تقدمت عبارة كن فيكون في عدة ،سور، ويقف الهبطي في كل واحدة ) منها على: «كن» وهو خطأ، لا يوجد في مصحف حفص وقالون ولا غيرهما لأنه يغير معنى الآية، إذ مقصودها: سرعة تنفيذ الأمر التكويني بدون مهلة، والوقف على «كن يضيع هذا المقصود. يضاف إلى ذلك أنَّ لفظ : «كن» ليس مقصودا لذاته بل لما يترتب عليه فالوقف عليه خطأ لا محالة.

10 - سورة الصافات:

قوله تعالى: ﴿وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبِ دُحُورًا وَهُمْ عَذَابٌ وَاحِبُ ﴾ [الصافات: ۸ - ٩] الوقف على: «دُحُورًا» أو «وَاصِبٌ».

قال ابن جُزيٌّ: «دُحُورًا: أي طَرْدًا وإبعادًا وإهانة؛ لأن الدَّحْر: الدفع بعنف، وإعرابه: مفعول من أجله، أو مصدر من يقذفون» على المعنى، أو مصدر في موضع الحال تقديره : مَدْحُورين» . اهـ

وزاد الهبطي وقفًا على: «جانب» وفصل بين الفعل ومعموله بدون سبب!

١٦- سورة فصلت

قوله تعالى: ﴿ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُم مِن تَحِيصٍ [فصلت: ٤٨] قال ابن جُزيٌّ : وَظَنُّوا مَا هُم مِن تَحِيصٍ : «الظنُّ هنا بمعنى اليقين، والمحيص الهرب، أي علموا أنهم لا مهرب لهم من العذاب، وقيل:

يوقف على ظنوا ويكون ما لهم» استثنافًا، وذلك ضعيف» . اهـ

منحة الرؤوف المعطي

۳۱۹

والهبطي اختار هذا الوقف الضعيف، ولا أدري لما اختاره !

۱۷- سورة الدخان

قوله تعالى: ﴿ أَهُمْ خَيْرُ أَمْ قَوْمُ تُبَعَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَهُمْ ﴾ [الدخان: ٣٧] قال ابن جزي: والذين من قبلهم: عطف على قوم تبع، وقيل: هو مبتدأ فيوقف على ما قبله، والأول أصح». اهـ

ووقف الهبطي على: «تبع» كما وقف على: «كدأب آل فرعون»، وفيه فصل

بين المتعاطفين بدون موجب.

١٨- سورة الجاثية

قوله تعالى: فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنَهُمْ ﴾ [الجاثية: ١٧] الوقف على: «بينهم كما في مصحف حفص وقالون، لأن «بغيا» مفعول من أجله والعامل فيه اختلفوا».

والهبطي وقف على: «العلم، وفصل بين الفعل ومعموله بدون دليل.

١٩- سورة الأحقاف

قوله تعالى: فَاصْبِرَ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل أَمْ ﴾ [الأحقاف: ٣٥] الوقف على: «لهم وهو وقف واضح يدركه من قرأ "المقدمة الآجرومية". ولكن الهبطي وقف على «تستعجل»، وهو ممنوع باتفاق، كما سبق في

۳۲۰

القرآن الكريم

(سورة يونس) حين وقف على «اختلط».

٢٠- سورة الذاريات *

قوله تعالى: كَانُوا قَلِيلا مِنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ [الذاريات: ١٧] الوقف على: يهجعون» ووقف الهبطي على: «قليلا» وهو وقف باطل ممنوع، ولست أدري

ما الذي دعاه إليه ! .

۲۱- سورة المعارج

قوله تعالى: ﴿ سَأَلَ سَابِلُ بِعَذَابٍ واقع لِلْكَفِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعُ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِج تَعْرُجُ الْمَلَيْكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ

[المعارج: ١ - ٤]

ينبغي أن يكون الوقف على: «إليه» لئلا يتوهم أن «في يوم» متعلق بـ«تعرج مع أنه صفة لـ«عذاب) أي: بعذاب) واقع للكافرين في يوم كان مقداره...» الآية.

٢- سورة النبأ

قوله تعالى: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَا الْعَظِيمِ ﴾ [النبأ: ١ - ٢] قال ابن جُزَي: «أصل «عم»: «عن ما أدغمت النون في الميم وحذفت ألف «ما» لأنها استفهامية تقديرها: عن أي شيء يتساءلون؟» ويتعلق «عن النبأ» بفعل

منحة الرؤوف المعطي

۳۲۱

محذوف يفسره الظاهر تقديره : يتساءلون عن «النبأ» ووقعت هذه الجملة جوابًا عن الاستفهام وبيانا للمسئول عنه، كأنه لما قال: «عم يتساءلون؟» أجاب فقال: يتساءلون عن النبأ العظيم، وقيل: يتعلق «عن النبأ» بـ«يتساءلون» الظاهر، والمعنى على هذا لأي شيء يتساءلون عن النبأ العظيم؟ والأول

أفصح وأبرع وينبغي على ذلك أن يوقف على قوله : عم يتساءلون».اهـ وهكذا هو في مصحف ،قالون، أما الهبطي فوقف على: «عم» وهو وقف غير جائز ولم يقل به أحدٌ من القراء!

سورة البروج

قوله تعالى: ذُوالْعَرْشِ الْمَجِيدٌ ﴾ [البروج: ١٥] الوقف على: «المجيد» لأنه آخر الآية وهو صفة الله أيضًا ووقف الهبطي على العرش وهو وقف غير تام فلا

يجوز.

سورة المسد

قوله تعالى: سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ هَبِ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ [ المسد: ٣ - ٤] الوقف على لهب»، وامرأته حمالة الحطب» مبتدأ وخبر. ووقف الهبطي على وامرأته فيحتاج إلى تقدير حذف مبتدأ يكون «حمالة» خبرًا عنه، والتقدير : وهي حمالة الحطب» ولكن الأصل عدم التقدير،

والله تعالى أعلم.

۳۲۲

القرآن الكريم

خاتمة

تشتمل على مسائل

المسألة الأولى: اقتصرت في هذا الجزء على الوقوف الواضح خطأها والتي يحتاج تصحيحها إلى تكلُّف في التقدير أو تعسف في التأويل يجب تنزيه كلام الله عنه، وتركت وقوفًا كثيرة وهي خطأ أيضًا لكن يمكن تصحيحها بضرب من التقدير المقبول.

والمقرر عند العلماء أنه لا يجوز تخريج شيء من الآيات القرآنية على قول ضعيف أو إعراب مَرْجُوح أو تأويل مُتكلّف؛ لأن ذلك يؤدّي إلى أن يكون في القرآن ما ليس بفصيح وهو غير جائز، إذ القرآن فيه الفصيح والأفصح فقط كما هو منصوص عليه في علوم القرآن. المسألة الثانية: لا أرى وجهًا للتمسك بوقوف الشيخ الهبطي مع ما فيها من انتقاد واعتراض، بل يجب انشاء وقوف أخرى صحيحة، والطريق إلى ذلك

شيئان:

أحدهما: أن يقوم شخص أو أكثر بمراجعة المصحف الشريف على بعض التفاسير مثل "تفسير أبي حَيَّان وابن جُزَيٌّ" و"ابن عطية" ويعمل الوقوف على حسب ما يشيرون إليه.

ثانيهما: أن نتبع الوقوف الموجودة في مصحف مصر فإنها وقوفٌ مُحرَّرة على ما في كتب التفسير، ليس فيها وقفٌ ضعيف فضلا عن ممنوع ويطبع عليها مصحف ورش عندنا، والوقوف لا تختلف باختلاف القراءات، فإنَّ قُرَّاء مصر مثل الشيخ صديق المنشاوي والشيخ الحصري والشيخ مصطفي إسماعيل

منحة الرؤوف المعطي

۳۲۳

يقرأون قراءة ورش بالوقوف الموجودة في مصاحفهم وهي وقُوفٌ سليمةٌ في غاية الصحة، ولا يعرفون وقوف الشيخ الهبطي ولا سمعوا به ولم تغير وقوفهم شيئًا من قراءة ورش فلو عملنا بها في مصاحفنا تخلصنا من وقوف أقل ما يقال فيها أنها تحتاج إلى تصحيح وتصويب.

المسألة الثالثة: في التعريف بالشيخ الهبطي رحمه الله تعالى:

قال العلامة سيدي محمد بن جعفر الكتاني في "سلوة الأنفاس": «ومنهم الشيخ الإمام العالم العلامة الهمام، الفقيه الأستاذ المقرء الكبير، النحوي الشهير، الولي الصالح، والعلم الواضح أبو عبد الله سيدي محمد بن

الفرضي

أبي جمعة الهبطي منسوب البلاد الهبط - الصماتي الفاسي صاحب تقييد وقف

القرآن.

ترجمه في "الجذوة" فقال: «محمد بن أبي جمعة الهبطي الصماتي الأستاذ صاحب وقف القرآن العزيز توفّي بمدينة فاس سنة ثلاثين وتسعمائة». اهـ وقد كان رضي ا

الله عنه - عالم فاس في وقته فقيها نحوبًا فَرَضيّا أستاذًا

مقرنًا، عارفا بالقراءات مرجوعا إليه فيها . وكان موصوفًا بالخير والفلاح والبركة والصلاح، ذا أحوال عجيبة

وأسرار غريبة، أخذ عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن غازي وغيره، وأخذ عنه الأستاذ أبو عبد الله محمد بن علي بن عدة الأندلسي، وجماعة، واستقر عمل قراء فاس ومراكش وما والاهما من جميع هذا المغرب الأقصى من زمانه إلى زماننا هذا على اعتماد ما قيد عنه من وقف القرآن العزيز، وقد قيد عنه ما قيد من ذلك باعتبار قول من أخذ من شيوخ المقرئين في الوقف والابتداء بمراعاة

٣٢٤

القرآن الكريم

الإعراب والمعنى، وإن كان قد وقع له في مواضع من ذلك ما وقع، مما لا يخلو عنه البشر من مواقع ضعيفة، وأخرى بعدم الصحة موصوفة، لكن تلقاه قراء المغرب بالقبول وعملوا عليه في التعلم والتعليم.

وقد وضع العلامة الصوفي البركة أبو عبد الله سيدي محمد المهدي بن أحمد بن علي بن يوسف الفاسي شارح دلائل الخيرات" موضوعا بين فيه أحكام تك المواضع سماه "الدرة الغراء في وقف القرَّاء".

وكذلك الشيخ الأستاذ أبو عبد الله محمد بن عبد السلام الفاسي ألف في ذلك تأليفا مستقلا قال فيه ما نصه: «وقد سمعت من شيخنا العلامة أبي زيد

مولاي عبدالرحمن بن إدريس المنجرة الشريف ما حاصله: أنَّ العلامة أبا عبدالله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني ورد على محروسة فاس فاجتمع مع الهبطي، فراجعه في بعض الأوقاف المقيَّدة عنه على جهة إفسادها، وكان الهبطي من أصحاب الأحوال فأخذته الحال فقال للسنوسي: انظر إلى اللوح المحفوظ فإنها موجودة فيه، فنظر السنوسي إلى اللوح وكشف له عنها فرآها فيه كما هي . مقيدة عن الهبطي فلم يسعه إلَّا التسليم، ثُمَّ عمل على قراءة ختمة بمقتضاها على الشيخ الهبطي وكان ذلك سبب إقبال الناس على ما قيّد هذا حاصل الحكاية، وإن كنت لم أضبطها عنه كل الضبط لطول الزمن وتناسيها من البال. وبعد، ففي النفس منها شيء وذلك أنَّ السنوسي توفّي خمس وتسعين وثمانمائة وقيل رأس تسعمائة، والهبطي الذي قيّد عنه . ه ما قيد توفي سنة ثلاثين وتسعمائة فيبعد أن يكون السنوسي تلميذه وإن كان كثير من الشيوخ تتأخر

عنه .

منحة الرؤوف المعطي

٣٢٥

وفاتهم عن وفاة تلامذتهم بأزمان.

وفي "نشر المثاني": «محمد بن أبي جمعة الهبطي الصماتي -بالصاد والميم والتاء بخط من يعتمد وصحح عليه وتوفي بمدينة فاس سنة ثلاثين وتسعمائة، قاله في "الجذوة" وهو ممن أخذ عن الإمام ابن غازي وعنه قيد الوقف» . اهـ

والحكاية السابقة ذكرها أيضًا الأستاذ أبو العلاء سيدي إدريس بن محمد المنجرة لكن بسياق آخر، فإنه قال : وجُلُّ أهل المغرب إنما يعتنون بما قيد عن الشيخ الإمام محمد بن أبي جمعة الهبطي عصري الإمام العالم العامل سيدي محمد بن يوسف السنوسي الحسني وصاحب حكايته، وهي أنَّ الإمام السنوسي كان دأبه ما التقى بأحدٍ اختص بفنّ له فيه باع أوفر منه إلا وقرأ عليه وأخذ عنه ذلك الفنّ، ولما التقى بالشيخ الهبطي وسأل منه أن يقرأ عليه القرآن بوقف ما اصطلح عليه من الوقف فأجابه إلى ذلك وقرأ عليه حتى بلغ قوله تعالى: قُلْ اللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: ٥٩] فوقف السنوسي على: «لكم فأبى الشيخ الهبطي الوقف عليها ، ثُمَّ عاد السنوسي ولم يأبَ إِلَّا الوقف، فمنعه الهبطي، فإذا بالسنوسي رفع رأسه شاخصا بصره إلى السماء حسه قليلًا ثُمَّ رجع لحاله، ثُمَّ قال: «والله لهكذا هي في اللوح

فغاب عن

المحفوظ»

يعني

الوقف بها وفق ما ذهب إليه الهبطي وادعاه رضي الله عنهما

وناهيك بها منقبة لهما» . اهـ ما في "السلوة".

وأقول: لا شك عندي في صلاح الشيخ الهبطي وفضله -رحمه الله - لكن

٣٢٦

القرآن الكريم

لي ملاحظات على ما ذكر في ترجمته:

منها: أنه حصل الاعتراف بأن وقوفه فيها الضعيف وفيها غير الصحيح، فيجب شرعًا تغيير تلك الوقوف وتركها ؛ لئلا يتلى كتاب الله تعالى بوقوف فاسدة، وجريان العمل بها لا ينتهض عذرًا في ترك هذا الواجب، لأن العمل ليس بإجماع، والإثم حاصل بترك تغييرها.

ومنها: دعوى أنَّ الهبطي قيَّد الوقف عن ابن غازي مستبعدة؛ لأن مقام

ابن غازي - في نظري - يجل عن الأخطاء الواقعة في تلك الوقوف. ومنها: الحكاية المنسوبة للسنوسي مع الهبطي، قصد بها تأييد الهبطي في

وقوفه بطريق الكرامة وهي غير صحيحة لوجوه:

الأول: أن الوقف علمٌ من علوم القرآن الكريم له أصول وقواعد، ما

وافقها قبل وما لم يوافقها لم يقبل ولا دخل هنا للوح المحفوظ .

الثاني: أ

: أنَّ علماء كثيرين من المتقدمين والمتأخرين ألفوا في علم الوقف كتبًا

كثيرة، بينوا فيها الوقف التام والناقص والممنوع وغير ذلك، مع بيان دليله، ولم يقل أحد منهم: أنه رأى ما كتبه في اللوح المحفوظ .

الثالث: أن تلك الحكاية ذكرت بأسلوبين مختلفين وذلك دليل على أنها

مصنوعة.

الرابع: أن دعوى وجود الوقوف المخطئة في اللوح المحفوظ دعوى خطيرة جدا؛ لأنها تقتضي وقوع الخطأ في اللوح الذي حفظه الله عنده وهذا كفر ممن اعتقده ويأتي سؤال وهو :

الخامس : كيف يقر الله في اللوح المحفوظ وقوفًا ضعيفة وفاسدة؟!

منحة الرؤوف المعطي

۳۲۷

الحقيقة أنَّ أنصار الشيخ الهبطي ومحبيه عجزوا أن يؤيدوا وقوفه بدليل علمي فلجأوا إلى حكاية اللوح المحفوظ، وهي حكاية عجيبة لم تخطر على بال أحد من

مخلوقات الله تعالى، وهي مثل من زعم أنَّ قراءة أهل الجنة بقراءة ورش!. والعجب أكثر ممن يصدّق هذه الخرافات ويسجلها على أنها حقائق تروى

وتنقل.

نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويرزقنا السداد في القول والصلاح في العمل ويهدينا سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ه - أحاديثُ التَّفْسِير

(يُطبع لأول مرة)

أحاديث التفسير

۳۳۱

سورة الفاتحة (1)

ان الله الرحمن الرحيم : أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه في "تفسيرهما" من طريق زيد بن المبارك، عن الصنعاني: ثنا سلام بن وهب الجندي: ثنا ابن هارون، عن أبيه، عن ابن عباس: أن عثمان بن . عفان سأل

رسول صلى الله عليه وآله وسلَّم عن لون اللَّه الرحمن الرحيم فقال: «هو اسم أسماء الله، وما بينه وبين اسم الله إلا كما بين سَوَادِ العَيْنَيْنِ وَبَياضِهِما مِن

من

القُرْبِ».

ورواه العقيلي في "الضعفاء" في ترجمة سلام وقال: «لا يُتابع على حديثه، ولا يُعرف إلَّا به». وقال الذهبي في "الميزان": «خبر منكر، بل كذب». ووافقه الحافظ في "لسان الميزان".

- الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ : روى عبدالرزاق، عن مَعْمَرٍ، عن قتادة، عن عبد الله بن عمرو، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «الحمد

رَأْسُ الشُّكْرِ ما شَكَرَ اللهَ عَبْد لم يَحْمَدُهُ». إسناده صحيح إلَّا أن فيه انقطاعا. وروى ابن جرير من طريق بقيَّة بن الوليد: حدثني عيسى بن إبراهيم، عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير وكانت له صحبة- قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا قلت الحمد الله رَبِّ العالمين فقد شَكَرْتَ اللهَ فَزَادَكَ. عيسى بن إبراهيم هو ابن طهمان الهاشمي، قال البخاري

(۱) هذا الكتاب لم يتمه المصنف، ووصل فيه إلى (سورة الحج).

۳۳۲

القرآن الكريم

والنسائي: منكر الحديث»، وقال ابن معين: «ليس بشيء»، وقال أبو حاتم:

«متروك الحديث».

عن

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ : روى مسلم في "صحيحه" . أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «قال الله تعالى قَسَمْتُ الصَّلاةَ بيني وبين عَبْدِي نِصْفَين ولعَبْدِي مَا سَأَلَ، فإذا قال العبد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ ما قال الله تعالى: حَمِدَني عَبْدِي. وإذا قال: الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى : أثنى عليَّ عَبْدِي. وإذا قال: مَلِكِ يَوْمِ الدين ، قال : تجدني عبدي - وقال مرة : فَوَّضَ إِليَّ عَبْدِي - فإذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، قال : هذا بيني وبين عَبْدِي ولَعَبْدِي مَا سَأَلَ. فإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضالين ، قال : هذا العَبْدِي ولعَبْدِي مَا سَأَلَ».

-

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ : روى ابن أبي حاتم وابن جرير، من طريق

حمزة بن حبيب الزيَّات، عن سعيد - وهو ابن المختار الطائي، عن ابن أ الحارث الأعور ، عن عمه، عن علي - عليه السلام- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «الصَّرَاطُ المُسْتَقِيمُ كتاب الله». إسناده ضعيفٌ.

غيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِينَ : روى أحمد والترمذي، من طريق سماك بن حَرْبٍ، عن عباد بن حُبَيش، عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «إِنَّ المَغْضُوبَ عليهم: اليهود، والضالين: النصارى».

أحاديث التفسير

۳۳۳

حسنه الترمذي وصححه ابن حِبَّان.

وروى سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) قال : «هم اليهود». وَلَا الضالين ؟ قال : النَّصَارَى هم الضَّالُّون».

وروى ابن مردويه من طريق إبراهيم بن طهمان، عن بديل بن مَيْسَرَةَ، عن عبدالله بن شقيق، عن أبي ذرّ قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم

عن المغضوب عليهم قال : «اليهود». قلت: الضالين؟ قال: «النَّصَارَى». وقال عبدالرزاق: أنا مَعْمَرٌ، عن بديل العقيلي، أخبرني عبدالله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وهو بوادي القرى وسأله رجل من بَلْقِينَ (۱) فقال : يارسول الله مَن هؤلاء؟ قال: هؤلاء المَغْضُوبُ عليهم

وأشار إلى اليهود، فقال: من هؤلاء؟ قال: «الضَّالُّون» يعني النصارى. ورواه أحمد من هذا الطريق، وقال الحافظ الهيثمي: «رجاله رجال

الصحيح».

قلت: وقع في هذه الرواية أنَّ السائل رجل من بني القين، وتقدم في رواية ابن منده من طريق بديل أيضًا أنَّ السائل أبو ذَر. ورواه عروة عن عبدالله بن شقيق، عن عبد الله بن عمرو، أنه سأل النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم. فيحمل

ذلك على أنَّ السائل عن الآية لم يكن واحدًا بل عدة أشخاص.

(1) أي: بني القين، وهو حي من بني أسد، كما قالوا: بلحارث وبلهجيم.

٣٣٤

القرآن الكريم

وسورة البقرة ))

1 - الم : أخرج البخاري في "التاريخ " من طريق محمد بن إسحاق، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله بن رئاب قال: مرَّ أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتلو فاتحة (سورة البقرة) الم ذَلِكَ الْكِتَبُ لَا رَيْبَ فِيهِ فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال : تعلمون؟! والله لقد سمعتُ محمَّدًا يتلوا فيما أنزل الله

عليه : الـ ( ذلِكَ الْكِتَبُ فقال: أنت سمعته؟ قال: نعم.

فمشى حيي بن أخطب في أولئك النَّفَر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا محمد ، ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك: المان ذلك الكتب ؟ فقال: بلى» فقالوا: أتاك بهذا جبريل من عند الله؟ قال: «نعم» قالوا: لقد بعث الله قبلك أنبياء، ما نعلمه بيَّن لنبي منهم ما مُدَّة مُلْكِهِ وما أجل أمته غيرك! فقام حُيَي بن أخطب وأقبل على من كان معه فقال: لهم الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أفتدخلون في دين نبي إنها مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟! ثُم أقبل على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد هل مع هذا غيره؟ قال: «نعم، المص». قال: هذا أثقل وأطول، الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه مائة وإحدى وستون، هل هذا يا محمد غيره؟ قال: «نعم» قال: ماذا؟ قال: الر . قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان فهذه إحدى وثلاثون

مع

أحاديث التفسير

٣٣٥

ومائتا سنة، فهل مع هذا غيره؟ قال: «نعم، المر قال: فهذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون سنة ومائتان ، ثُمَّ قال : لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلًا أعطيت أم كثيرًا؟!

الكلبي كذَّابٌ، ورواه يونس بن بكير في "المغازي" عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس وجابر بن رئاب. وهو منكر لا يصح وإنما ذكرته لأنبه عليه.

- كُلَمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ [البقرة: ٢٥]: أخرج الطبراني والحاكم، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يَنْزِعُ رَجُلٌ مِن أَهْلِ الجنَّةِ شَيْئًا مِن ثَمَرِهَا إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِثْلَهَا». ورواه البزار أيضًا ولفظه: «إِلَّا أُعِيدَ في مكانه مثلها».

وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجُ مُطَهَّرَةٌ ﴾ [البقرة: ٢٥]: أخرج ابن مردويه في "تفسيره" والحاكم في "المستدرك" من طريق أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في قوله: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجُ مُطَهَّرَةٌ قال: من الحَيْضِ َوالغَائِطِ والنُّخَامَةِ والبُزَاقِ». حَسَّنه الحافظ ابن كثير في "تاريخه". وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلُ ﴾ [البقرة: ٤٨]: أخرج ابن جرير بإسناد رجاله ثقات، عن عمرو بن قيس الملائي، عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن عليه الثناء، قال: قيل : يارسول الله ما العَدلُ؟ قال:

1

٣٣٦

القرآن الكريم

العَدْلُ الفِدْيَةُ». هذا حديث مرسل.

-0

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ

سجدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ تَغْفِرْ لَكُمْ خَطَبَكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْرًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [البقرة : ٥٨ - ٥٩] روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: قيل لبني إسرائيل: «ادْخُلُوا البَابَ سُجَّدًا وقُولُوا حِطَّةٌ فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ على أَسْتَاهِهِمْ وقالوا: حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ».

- وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾ [البقرة: ٦٧]: أخرج البزار وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم قال: «لو اعْتَرَضَتْ بنوا إسرائيل أَدْنَى بَقَرَةٍ فَذَبَحُوها ،لكَفَتْهُمْ ، ولكن شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللهُ عليهم». في إسناده عباد بن منصور وفيه ضعفُ. والحديث يدل على أنَّ المطلق الوارد في كلام الشارع

يتمسك بإطلاقه.

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَبَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ [البقرة: (۷۹] أخرج الترمذي: عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «وَيْلُ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يهوي الكافر فيه أربعين خَريفًا قبل أن يَبْلُغَ قَعْرَهُ». - كُلُّ لَهُ قَيتُونَ ﴾ [البقرة: ١١٦]: روى أحمد: عن أبي سعيد أيضا، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: كُلُّ حَرْفٍ مِن القُرْآنِ يُذْكَرُ فِيهِ القُنُوتُ

أحاديث التفسير فهو الطَّاعَةُ».

۳۳۷

الَّذِينَ آتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُوْلَيْكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [البقرة: ۱۲۱]:

روى الخطيب بإسنادٍ فيه مجاهيل عن نافع عن مالك، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في قوله يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ قَالَ: «يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ

اتَّبَاعِهِ». حديث ضعيفٌ.

قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّلِمِينَ ﴾ [البقرة: ١٢٤]: أخرج ابن مردويه في "تفسيره" عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ ﴾ قال: «لا طاعة إلا في المعروفِ». إسناده ضعيف. ومعناه: أنَّ الإمام له على الرَّعِيَّة عهد الله أن يُطيعوه، فإذا كان ظالما لم يكن له عليهم عهد بالطاعة.

يؤيد هذا ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال: «ليس لظالم عليك عهد أن تُطيعه في معصية الله». ۱۱ - وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى ﴾ [البقرة: ١٢٥]: أخرج أبو نعيم في "الحلية" من طريق مجاهد، عن ابن عمر أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم أخذ ا بيد عمر رضي الله عنه فمَرَّ على المقام فقال له: يا نبي الله هذا مقام إبراهيم؟ قال: «نعم». قال: ألا تَتَّخِذُهُ مُصَلَّى ؟ فأنزل الله: وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى . وفي "صحيح مسلم" في حديثه الطويل في صفة الحج أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من الطواف صلى خلف المقام، وقرأ الآية.

۱۲- رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولَا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَتِكَ ﴾ [البقرة: ١٢٩]:

۳۳۸

التي

القرآن الكريم

أخرج أحمد والبزار والحاكم عن العرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إنّي عبد الله وخاتَمُ النبيِّين وإِنَّ آدَمَ مُنْجَدِلٌ فِي طيئَتِهِ، وسأُخْبِرُكُمْ عن ذلك: أنا دَعْوَةُ أبي إبراهيم، وبشارَةُ عيسى، ورؤيا أُمي رَأَتْ» الحديث. صححه ابن حِبَّان والحاكم في "المستدرك" من طريق إسحاق عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: «دَعْوَةُ إبراهيم، وبُشْرَى عيسى، ورَأَتْ أُمِّي أَنه خَرَجَ منها نورُ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ». وَكَذَلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: ١٤٣]: أخرج أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري في قوله : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا قال: «عَدْلًا». صححه الترمذي والحاكم.

۱۳

وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «يُدْعَى نُوحٌ يومَ القِيامَةِ، فيقولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ يا رَبِّ، فيقولُ: هل بلغت؟ فيقولُ: نَعَمْ، فيُقالُ لأُمَّتِهِ: هل بَلَّغَكُمْ؟ فيقولون: ما أَتَانَا مِن نَذِيرٍ، فيقولُ: مَن يَشْهَدُ لك؟ فيقول: محمدٌ وأُمَّتُهُ، فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قد بَلَّغَ: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: ١٤٣] فذلك قوله عزّ وجلَّ: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ، والوَسَطُ العَدْلُ».

١٤ - فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: ١٥٢]: أخرج أبو الشيخ في "تفسيره" والديلمي في "مسنده" من طريق جويبر، عن الضَّحَّاك، عن ابن عباس قال:

أحاديث التفسير

۳۳۹

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: ١٥٢] يقول: اذْكُروني يا مَعْشَرَ العِبادِ بطاعَتِي أَذْكُرْكُمْ بِمَغْفِرَي». إسناده ضعيف جدا.

١٥ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) الَّذِينَ إِذَا أَصَبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رجعُونَ ﴾ [البقرة: ١٥٥ - ١٥٦]: روى الطبراني عن أبي أمامة قال: انقَطَعَ قبال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فاسْتَرْجَعَ. فقالوا: مُصيبَةُ يارسول الله؟ فقال: ما أَصَابَ المُسْلِمَ لَمَّا يَكْرَهُهُ فهو مُصيبَةٌ». حديث ضعيفٌ.

-17

وأخرج أبو داود في "المراسيل" عن عمران القصير قال: طفئ مصباح النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فاسْتَرْجَعَ، فقالت عائشة -رضي الله عنها- إنما هذا مصباح . ! فقال: «كُلُّ ما سَاءَ الْمُؤْمِنَ فهو مُصيبَةُ». حديث مرسل. ١٦ - يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَوَة ﴾ [البقرة: ١٥٣]: أخرج أحمد وأبو داود، عن حذيفة رضي الله عنه - قال: كان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إذا احَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى. ورواه الطبري في "تفسيره" بلفظ : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزَعَ إِلَى الصَّلَاةِ.

۱۷ - إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَارِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَوَّفَ بِهِمَا ﴾ [البقرة: ١٥٨]: أخرج الشافعي وأحمد وإسحاق والدارقطني والحاكم من طريق عطاء بن أبي رباح، عن صَفِيَّةَ بنت شَيْبَةَ، عن حبيبة بنت أبي تَجرَاةَ قالت: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف

٣٤٠

القرآن الكريم

بين الصفا والمروَةِ والنَّاسُ بين يديه وهو وراءَهُمْ وهو يَسْعَى حتى إني لأرى رُكْبَتَيْهِ مِن شِدَّةِ السَّعي، وهو يقول: «اسْعَوا فإِنَّ اللهَ كَتَبَ عليكم السَّعْيَ».

إسناده ضعيف.

ورواه الحاكم من طريق آخر عنها قالت: اطلعت بكرة بين الصفا والمَرْوَةِ فأشرفت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وإذا هو يَسْعَى ويقول

لأصحابه: «اسْعَوا فإِنَّ اللهَ كَتَبَ عليكم السَّعْيَ».

أُولَتَبِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّنعِنُونَ } [البقرة: ١٥٩]: أخرج ابن

ماجه، وابن أبي حاتم، عن البراء بن عازب قال: كنا في جنازة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: «إِنَّ الكافِرَ يُضْرَبُ ضَرْبَتِين بين عَيْنَيْهِ فَيَسْمَعَه كُلُّ دَابَّةٍ التقلين، فتَلْعَنه كل دابَّةٍ سَمِعَتْ صَوْتَهُ فذلك قول الله: وَيَلْعَنُهُم

غير

اللَّاعِنُونَ } يعني دوابَّ الأَرضِ.

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: ۱۸۷]: أخرج الشيخان عن عدي بن حاتم قال: عَمِدْتُ إلى عِقالين أبيض وأسود فجعلتها تحت وسادتي، فكنت أقوم من الليل فأنظر إليهما فلا يتبين لي الأبيض من الأسود، فلما أصبحت غدوتُ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فأخبرته فضحِك وقال: إن كان وسادُكَ لعَريض، إنما ذاك بَياضُ النَّهارِ وسَوادُ اللَّيْلِ».

۲۰ - وَأَتِمُوا الْحَجَ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: ١٩٦]: روى الطبراني من جهة أبي الزبير، عن جابر: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم سُئل عن العُمْرَةِ، أواجبةٌ

أحاديث التفسير

٣٤١

هي؟ قال: «لا ، وأن تَعْتِمَرَ خَيْرٌ لك». إسناده ضعيفٌ.

وروى الترمذي من طريق حجاج بن أ أرْطَاةَ . محمد بن المُنكَدِر أَنَّ

عن

النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم سُئِلَ عن العُمرة أواجبةٌ هي؟ قال: «لا، وأن

تَعْتَمِرَ هو أفضلُ». هذا مرسل ضعيف الإسناد.

۲۱- فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذَى مِن رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْصَدَقَةٍ أَوْ نُسُكِ [البقرة: ١٩٦]: أخرج مالك، والشيخان، والأربعة، عن كعب بن عُجْرَةَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «لعَلَّكَ آذَاكَ هَوامُّ رَأْسِكَ؟» قال: نعم. قال: «احْلِقُ رَأْسَكَ، وصُمْ ثلاثة أيام، أو أَطْعِمْ سِتَّةَ مساكين، أو انسُكْ شَاةً». وكان كعب يقول : في نَزَلَتْ هذه الآية.

وروى إسحاق في " مسنده " من طريق الزبير بن عدي، عن أبي وائل، عن كعب بن عُجْرَةَ قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمسح رأسي فتناثر القمل، فقال: «إنَّ هذا لأذًى». فأمره أن يحلق وأن يَنْسُك أو يصوم أو

يُطعم.

الْحَجُّ أَشْهُرُ مَعْلُومَتُ ﴾ [البقرة: ١٩٧]: روى الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في الآية: «شَوَّالٌ وذو

القَعْدَةِ وذو الحِجَّةِ».

۲۳- فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَج ﴾ [البقرة: ١٩٧]: أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في الآية: الرَّفَثُ: التعرُّضُ للنِّساءِ بالجماع، والفُسُوقُ: المعاصي، والجدال: جدالُ الرَّجُلِ

٣٤٢

القرآن الكريم

صَاحِبَهُ». لا بأس بإسناده.

٢٤ - وَلَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَنِكُمْ ﴾ [البقرة: ٢٢٥]: أخرج أبو داود عن عطاء: أنه سئل عن اللغو في اليمين؟ فقال : قالت عائشة: إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: هو كلام الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ: كلَّا والله وبلى والله». رواه موقوفا وصحح الموقوف.

٢٥- الطَّلَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَنِ ﴾ [البقرة: ٢٢٩]:

أخرج الدار قطني، وابن مردويه من طريق حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس قال: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: إني أسمع الله يقول: الطَّلَقُ مَرَّتَانِ فأين الثالثة؟ قال: «إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحُ بإِحْسَانٍ هي

الثالثة».

أَوْ يَعْفُوا الَّذِي بِيَدِهِ ، عُقدَةُ النِّكَاحِ ﴾ [البقرة: ٢٣٧]: أخرج الطبراني من

طريق ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ : الزَّوْجُ».

۲۷ - حَفِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى ﴾ [البقرة: ۲۳۸]: أخرج الترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: الصَّلاةُ الوُسْطَى صَلَاةُ العَصْرِ». صححه ابن حِبَّان.

وفي "صحيح مسلم عن علي عليه السلام: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال يوم الأحزاب: «شَغَلُونا عن الصَّلاةِ الوُسْطَى صَلَاةِ العَصْرِ ؛ مَلَا اللَّهُ قُبُورَهُمْ نَارًا».

أحاديث التفسير

٣٤٣

۲- يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ﴾ [البقرة: ٢٦٩]: أخرج ابن مردويه في "تفسيره" من طريق جُوَيْبِر، عن الضَّحَّاك ، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: قوله يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ قال: «القُرآنُ». قال ابن عباس: يعني تفسيره، فإنه قد قرأه البرُّ والفاجر. إسناده ضعيف جدا.

وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: ٢٨٤]: روى ابن أبي الدنيا عن أميَّة أنها سألت عائشة عن هذه الآية وآية: مَن يَعْمَلْ سُوء ا يُجزَيهِ ﴾ [النساء: ۱۲۳]، فقالت: ما سألني عنها أحدٌ منذ سألتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال لي: «يا عائشةُ هذه مُتابَعَةُ الله العَبْدَ بما يُصِيبُهُ مِن الحُمَّى والنَّكْبَةِ والشَّوْكَةِ حَتَّى البِضَاعَةُ يَضَعُهَا فِي يَدِ كُمِّهِ فَيَفْقِدُها فيَفْزَعُ لها فَيَجِدُهَا فِي ضِبْنِهِ حَتَّى إِنَّ الْمُؤمِنَ لِيَخْرُجُ مِن ذُنُوبِهِ كما يَخْرُجُ الذَّهَبُ الأحمر من الكبير». وإسناده ضعيفٌ، لكن يُؤيده ما يأتي في تفسير آية: ﴿مَن

يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ .

أحمد

-

سورة آل عمران

فَأَمَا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَبَهَ مِنْهُ ﴾ [آل عمران: ٧]: أخرج أبي أمامة عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في الآية قال: «هم

عن أبي

الخوارج». حديث ضعيف.

-

وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ ﴾ [آل عمران: ٧]: أخرج الطبراني

عن أبي الدرداء رضي الله عنه - أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم سُئل

٣٤٤

القرآن الكريم

عن الراسخين في العِلْمِ فقال: مَن بَرَّتْ يَمِينُهُ وَصَدَقَ لِسَانُهُ وَاسْتَقَامَ قَلْبُهُ

وعَفَ بَطْتُهُ وفَرْجُهُ فذلك مِن الرَّاسِخينَ فِي العِلْمِ».

وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ ﴾ [آل عمران : ١٤] : أخرج الحاكم وصححه عن أنس رضي الله عنه قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عن قول الله : وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ » فقال: «القِنْطَارُ أَلْفا أُوقِيَةٍ»

-

قُل إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ } [آل عمران: ۳۱]: روی الحاكم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: «الشَّرْكُ أَخْفَى مِن دَبِيبِ الدَّرِّ على الصَّفَا فِي اللَّيْلَةِ الظُّلْمَاءِ، وَأَدْنَاهُ أَن تُحِبَّ على شيءٍ مِن الجَوْرِ، وتُبْغِضَ على شيءٍ مِن العَدْلِ وهو الدِّينُ، إِلَّا الحبُّ والبغض في الله عزَّ وجلَّ ؟! قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ . قال

الحاكم: صحيح الإسناد.

-0

وَإِنِّي أُعِيدُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [آل عمران: ٣٦]:

أخرج الشيخان عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما من بني آدمَ مَوْلُودٌ إِلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطانُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلْ صَارِخًا مِن مَسَّ الشَّيْطانِ غير مريم وابنها. قال أبو هريرة اقرؤا إِن شئتم: ﴿وَإِنِّي أُعِيدُهَا بِكَ

وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَنِ الرَّحِيمِ * يريد أبو هريرة أنَّ الحديث مفسر للآية. : - أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْها ﴾ [آل عمران: ۸۳]: أخرج الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في قوله: وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا

أحاديث التفسير

٣٤٥

وَكَرْها قال: «أَمَّا مَن في السَّماواتِ فالملائكةُ، وأَمَّا مَن فِي الْأَرْضِ فَمَن وُلِدَ على الإسلامِ، وَأَمَّا كَرْهًا فَمَن أُوتِي به مِن سَبايا الأُمَمِ فِي السَّلاسِلِ والأَغْلالِ

يُقادُونَ على الجنَّة وَهُمْ كَارِهُونَ». إسناده ضعيفٌ.

وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العلمينَ ﴾ [آل عمران: ۹۷]: أخرج الحاكم وصححه عن أنس -رضي الله عنه - أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم سُئل عن قول الله تعالى: مَنِ اسْتَطَاعَ

إِلَيهِ سَبِيلًا ما السبيل ؟ قال: «الزَّادُ والرَّاحِلَةُ». وهو معلول. وله طرق ضعيفة، وحسنه الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وروى عبد بن حميد في "تفسيره" عن نفيع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) فقام رجلٌ من هُزَيل فقال: يا رسول الله مَن تَرَكَهُ فقد

كَفَرَ؟ قال: مَن تَرَكَهُ لا يَخافُ عُقُوبَتَهُ ولا يَرْجُو ثَوابَهُ». هذا حديث مرسل إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوَلَيْكَ لَا خَلَقَ لَهُمْ فِي الآخرة ﴾ [آل عمران: ۷۷] أخرج الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «مَن حَلَفَ عَلى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَير حَقَّهِ لَقِيَ الله وهو عليه غَضْبَانُ». ثُمَّ قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم مصداقه من كتاب الله عزّ وجلَّ: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا . يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَانِهِ ﴾ [آل عمران: ١٠٢]: أخرج

-

٣٤٦

القرآن الكريم

الحاكم وصححه، وابن مردويه من وجه آخر من طريق ابن وهب، عن سفيان الثوري، عن زيد عن مرة، عن ابن مسعود رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في قوله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَائِهِ : أَن يُطَاعَ فلا يُعْصَى، ويُذْكَرَ فلا يُنْسَى». ورواه الطبراني وأبو نعيم.

1 - وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾ [آل عمران: ١٠٤]: أخرج ابن مَرْدُويَه في "تفسيره" عن أبي جعفر الباقر قال: قرأ رسول الله: وَلْتَكُن مِّنكُمْ

أمة يدعُونَ إِلَى الخَيْرِ ﴾ ثُمَّ قال: «الخيرُ اتِّباعُ القُرآنِ وسُنَّتي». حديث مُعضَلٌ. ۱۱ - يَوْمَ تَبْيَضُ وُجُوهُ وَتَسَوَدُّ وُجُوهُ ﴾ [آل عمران: ١٠٦]: أخرج الديلمي في "مسند الفردوس" عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه

وآله وسلَّم في قوله: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُ وُجُوهُ وَتَسَوَدُ وجُوهُ ﴾ قَالَ: «تَبْيَضُ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ البِدَعِ». إسناده ضعيفٌ. وروى الطبراني من طريق شَهْرِ بن حَوْشَبٍ، عن أبي أمامة . عنه - عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في قوله: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُ وُجُوهُ وَتَسْوَدُّ

الله

وُجُوهُ } قال: «هُمُ الخَوَارِجُ». وروى أحمد والترمذي وابن ماجه وعبدالرزاق وأبو يعلى والطبراني مِن

رضي

طريق أبي غالب عن أبي : أمامة الله عنه - في قوله: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُ وُجُوهُ وَسَوَدُّ وجُوهُ ، قال : هم الخوارج»، ولما رآهم على درج دمشق دمعت عيناه ثُمَّ قال: كِلابُ أَهْلِ النَّارِ ، هؤلاء شَرُّ قَتلَى تحت أَدِيمِ السَّماءِ، وَخَيْرُ قَتْلَى تَحْتَ

أحاديث التفسير

٣٤٧

أديمِ السَّماءِ الذين قَتَلَهُمْ هؤلاء».

فقال له أبو غالب: أشيء تقوله برأيك، أم شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم؟ قال: بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير مرَّةٍ. قال: فما شأنك دمعت عيناك؟ قال: رحمة لهم، كانوا من أهل الإسلام فكفروا، ثُمَّ قرأ هذه الآية. ورواه الحاكم من طريق عكرمة بن عمار، عن شداد، عن أبي أمامة.

۱۲- كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ [آل عمران: ۱۱۰]: روى أحمد، وأبو يعلى، والطبري، والبيهقي في " الشعب " من طريق شريك، عن سماك، عن عبد الله بن عُميرة، عن دُرَّة بنت أبي لهب قالت: كنت عند عائشة فجئ برجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ناداه وهو على المنبر فقال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: ا أَمْرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَأَنْهاهُمْ عن المُنكَرِ وَأَتْقَاهُمْ اللَّهُ وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ». ۱۳ - لَيَسُوا سَوَاء مِنْ أَهْلِ الْكِتَبِ أُمَّةٌ فَقَابِمَةٌ يَتْلُونَ ءَايَاتِ اللَّهِ وَأَنَاءَ الَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ [آل عمران: ۱۱۳]: أخرج النسائي في "سننه"، وابن حبان في "صحيحه"، وأحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى والبزار، من طريق عاصم، عن زر، عن ابن مسعود رضي الله عنه - قال: أخَّرَ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم صلاة العشاء ليلةً ثُمَّ خَرَجَ إلى المسجد فإذا النَّاسُ ينتظرون الصَّلاةَ فقال: «أَمَّا إنَّه ليس مِن أَهْلِ الأَدْيَانِ أَحَدٌ يَذْكُرُ الله هذه السَّاعَةَ غَيْرَكُمْ». وقرأ هذه الآية.

والحديث يفيد شمول الآية لصلاة العشاء جماعة بعد مضي جزء من الليل.

٣٤٨

القرآن الكريم

- يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ الفِ مِنَ الْمَلَكَةِ مُسَوّمِينَ ﴾ [آل عمران: ١٢٥]: قال الواقدي: حدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لأصحابه يوم أُحُدٍ: «تَسَوَّمُوا فَإِنَّ الملائكة قد تَسَوَّمَتْ». فأعلموا بالصوف في مغافرهم.

-رضي

وأخرج الطبراني وابن مردويه في "تفسيره" بإسناد ضعيف عن ابن عباس الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: مسومين قال: «مُعَلَّمِينَ»، وكانت سيما الملائكة يوم بَدْرٍ عَمائمَ سُودًا، ويوم أُحُدٍ عَمائِمَ حُمرا وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَاءَ اتَنهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ ثُمَّ سَيْطَوَقُونَ مَا يَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: ١٨٠]: أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن آتاه الله مالا، فلم يُؤَدُّ زَكَاتَهُ مُثْلَ له مَالُهُ يومَ القِيامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَه زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يومَ القِيامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ - يعني بِشِدْقَيهِ - ثُمَّ يقولُ أَنَا مَالُكَ أَنا كَنْزُكَ»، ثُمَّ تَلَا هذه

الآية: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَاءَ اتَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } الآية.

١٦ - فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [آل عمران: ١٨٥]: أخرج مسلم في "صحيحه" عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في حديث طويل: «فَمَن أَرادَ أَن يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ ويَدْخُلَ الجنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وهو يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخِرِ وليأتِ إلى النَّاسِ ما يُحِبُّ أَن يُؤْتَى إليه».

أحاديث التفسير

٣٤٩

سورة النساء

ذلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: ٣]: أخرج ابن أبي حاتم، وإبراهيم الحربي، والطبري من طريق عمر بن محمد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن ، عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:

أبيه، عن .

ذلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: ٣] قال: «أَلَّا تَجُورُوا». صححه ابن حِبَّان لكن قال ابن أبي حاتم عن أبيه: «الصواب: موقوف».

فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ ﴾ [النساء: ٤]: أخرج الثعلبي والواحدي في تفسيرهما، من طريق جُوَيْبِر، عن الضَّحَّاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سُئل عن قوله: فَإن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فقال : إذا جَادَتْ لَزَوْجِهَا بِالعَطِيَّةٍ طَائِعَةٌ غير مُكْرَهَةٍ، لا يقضي به عليكم سلطان ولا يُؤاخِذُكُم اللهُ بِه فِي الآخِرة». جُوَيْرٌ

ضعيف جدا.

إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَلَ الْيَتَمَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ﴾ [النساء: ١٠]: أخرج أبو يعلى وابن حِبَّان في "صحيحه" من طريق زياد ابن المنذر، عن نافع بن الحارث، عن أبي بَرْزَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يَبْعَثُ اللهُ يومَ القِيامَةِ قَوْمًا مِن قُبُورِهِمْ تَأَجَجُ أَفْواهُهُمْ نَارًا». قيل: مَن هم يا رسول الله؟ قال: «ألم تر أنَّ الله تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَلَ الْيَتَامَى ظُلْمًا . الآية». زياد بن المنذر كذبه ابن

٣٥٠

القرآن الكريم

معين، وبه أعل الحديث ابن عدي في " الكامل".

- تِلكَ حُدُودُ اللهِ ﴾ [النساء: ۱۳]: روى النسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الإضْرَارُ في الوَصِيَّةِ

مِن الكَبَائِرِ». ثُمَّ تلا : تِلكَ حُدُودُ اللهِ . إسناده صحيح.

-0

ه - وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ [النساء: ۲۹]: أخرج أحمد، وأبو داود، من طريق عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص قال احتلمتُ في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشْفَقْتٍ أن أغتسل فأهْلِكَ فتيمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيتُ بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: «يا عَمْرو، صَلَّيْتَ بأصْحَابِكَ وأنتَ جُنُب؟!». فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلتُ: إنِّي سمعت الله يقول: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا فَضَحِكَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل شيئًا.

كل ما نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ [النساء: ٥٦]:

-

أخرج الطبراني وابن عدي عن ابن عمر رضي الله عنه - قال: قرأ رجل عند

عمر

رضي

الله عنه - :

كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا

العذاب فقال معاذ رضي الله عنه - عندي تفسيرها: تُبدل في كلّ ساعَةٍ مائة مرة. فقال عمر: هكذا سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم.

إسناده ضعيف جدا.

وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَلِدًا فِيهَا

أحاديث التفسير

٣٥١

[النساء: ٩٣]: أخرج الطبراني عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم

في قوله: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ قَالَ: «إِن

جَازَاهُ». إسناده ضعيف.

-A

ليْسَ بِأَمَانِيكُمْ وَلَا أَمَانِي أَهْلِ الْكِتَبِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء: ۱۲۳]: روى ابن حِبَّان في "صحيحه" عن عائشة أَنَّ رَجُلًا تَلَا هذه الآية مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَبِهِ فقال : إِنَّا لَنُجْزَى بكل ما عَمِلْنَا، هَلَكُنا إِذًا، فبلغ ذلك رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، فقال: «نَعَمْ، يُجْزَى بِهِ فِي الدُّنيا مِن مُصِيبَةٍ فِي جَسَدِهِ مِمَّا يُؤْذِيهِ».

وروى ابن حِبَّان أيضًا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله كيف الصَّلاح بعد هذه الآية : لَيْسَ بِأَمَانِيكُمْ وَلَا أَمَانِي أَهْلِ الْكِتَب مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ؟ وكل شيء عملناه جزينا به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «غَفَرَ اللَّهُ لك يا أبا بكرٍ، أَلستَ تَمرُضُ؟ ألست يُصِيبُكَ اللَّأْواءُ؟». قال: بلى، قال: «فهي ما تُجْزَونَ بِهِ».

- إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِتَاخَرِينَ ﴾ [النساء: ۱۳۳]: أخرج الطبري في "تفسيره" من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة قال: لما نزلت إن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِتَاخَرِينَ ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بيده على ظهر سلمان وقال: «إنهم قوم هذا». يعني عجم الفرس.

وسه

۱ - فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَاتِ فَيُوَفِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن

٣٥٢

القرآن الكريم

فضله (النساء: ۱۷۳]: أخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه - قال:

وَيَزِيدُهُم

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في قوله: فَيُوَفِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيد من فَضْلِهِ : «الشَّفَاعَةُ فِي مَن وَجَبَتْ له النَّارُ مَمَّن صَنَعَ إِليهم المَعْرُوفَ في الدُّنيا». إسناده ضعيف.

۱۱ - يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكللة ﴾ [النساء: ١٧٦]: أخرج أبو الشيخ في كتاب "الفرائض عن البراء -رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله

صلى الله عليه وآله وسلّم عن الكلالة فقال: «ما خَلَا الوَلَدُ والوَالِدُ».

وأخرج أبو داود في "المراسيل" عن أبي سلمة ابن عبدالرحمن قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يسأله، فسأله عن الكلالة فقال: «أما سَمِعْتَ الآيةَ التي نَزَلَتْ في الصَّيْفِ : يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ * فمن لم يَتْرُكُ ولَدًا ولا والِدًا فَوَرَثَتُهُ كَلَالَةٌ ». حديث مرسل.

سورة المائدة

1 - وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾ [المائدة: ٦]: أخرج الدارقطني في "السنن" عن جابر رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كان إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه. إسناده ضعيف.

-

وجَعَلَكُمْ مُلُوكًا ﴾ [المائدة: ۲۰]: أخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد

الخدري، عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابَّةٌ وامرأةٌ كُتب مَلِكًا». إسناده ضعيف، وله شاهد من

أحاديث التفسير

مرسل زيد بن أسلم، ورواه ابن جرير في "تفسيره".

٣٥٣

فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: ٥٤]: أخرج ابن أبي شيبة وإسحاق والطبراني والحاكم من طريق سماك بن حرب، عن عياض الأشعري قال : لما نزلت هذه الآية أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم إلى أبو موسى، وقال: «هُمْ قَوْمُ هذا». صححه الحاكم.

ورواه البيهقي في "الدلائل" من طريق آخر عن سماك، عن عياض، عن أبي موسى الأشعري قال: تلوتُ عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَومِ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ الآية، فقال: «قومك يا أبا موسى، أهل

اليمن».

- وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٦٧]: أخرج الترمذي من طريق أبي قدامة الحارث بن عُبيد، عن سعيد الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن الله عنها قالت: كان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يُخرَسُ

عائشة

رضي

.

حتى نزلت: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ * فأخرج رأسه من القبة فقال: انصَرِفُوا أَيُّهَا النَّاسُ فإِنَّ اللهَ قد عَصَمَنِي مِن النَّاسِ». قال الترمذي: «حديث غريب، ورواه بعضهم عن الجريري مرسلًا ليس فيه عائشة، ورواه الطبري

من طريق آخر عن الجريري موصولاً.

-0

يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَنِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: ٩٠]: الآيتين. أخرج مسلم في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب

٣٥٤

القرآن الكريم

بالمدينة يقول: «يا أَيُّها النَّاسُ، إِنَّ اللهَ تعالى يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ، ولعلَّ اللَّه سَيُنْزِلُ فيها أمرًا، فمن كان عنده منها شيء فليبعه وليَنْتَفِعْ بِهِ»، قال: فما لَبِئْنَا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّ اللهَ تعالى حَرَّمَ الْخَمْرَ، فمن أَدْرَكَتْهُ

هذه الآية وعنده منها شيء فلا يَشْرَبْ، ولا يبع».

وفي "مسند أبي داود الطيالسي عن ابن عمر قال: نزلت في الخمر ثلاث آيات فأول شيءٍ نزل يَسْتَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾ [البقرة: ٢١٩] الآية. فقيل: حُرمت الخمر. فقالوا: يارسول الله دعنا ننتفع بها كما قال الله تعالى، فسكت عنهم. ثُمَّ :نزلت لَا تَقْرَبُوا الصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَرَى } [النساء: ٤٣] فقيل : حُرِّمَتِ الخمر. فقالوا: يارسول الله إنا لا نشربها قرب الصلاة فسكت عنهم. ثُمَّ نزلت: يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَكُمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } الآيتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «حُرِّمَتِ الخَمْرُ».

- أَوَكسْوَتُهُمْ ﴾ [المائدة: ۸۹]: أخرج الطبراني عن عائشة -رضي ا

الله

عنها- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في قوله: ﴿أَوَكسَوَتُهُمْ } قال:

«عَبَاءَةُ لكلِّ مِسْكِينٍ». يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ [المائدة: ١٠٥]: أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه من طريق عبد الله بن المبارك، عن عتبة بن أبي حكيم، عن عمرو حارثة اللَّحْمِيُّ، عن أبي أميَّة قال: لقيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف نصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت قوله تعالى: يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ

أحاديث التفسير

٣٥٥

أَنفُسَكُمْ ﴾ الآية؟ قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: بل انتَمِروا بالمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رأيتَ شُعًا مُطَاعًا، وهَوَى مُتَّبَعًا، ودُنيا مُؤْثَرَةٌ، وَإِعْجَابَ كلَّ ذِي رَأيِ بَرَأْيِهِ، فعليك بخَاصَّة نَفْسِكَ ودَعِ العَوَامَ، فَإِنَّ مِن وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ القَبْضِ

على الجَمْرِ، للعَامِلِ فِيهِنَّ مثلُ أَجْرِ خمسين رجُلاً يعملون مثل عَمَلِكُمْ».

قال ابن المبارك: وزادني غير عتبة : قيل: يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: «لا بل منكم . ورواه أبو يعلى، والطبراني، وصححه ابن حبان

والحاكم.

-

لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: ١٠٥]: أخرج أحمد والطبراني عن أبي عامر الأشعري قال: سألتُ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية فقال: لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ مِن الكُفَّارِ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ .

سورة الأنعام

١ وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ ﴾ [الأنعام: ٦٠]: أخرج أبو الشيخ وابن مردويه من طريق نَهْشَلٍ، عن الضَّحَّاك عن ابن عباس رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «مع كُلِّ إِنسَانٍ مَلَكٌ إِذَا نَامَ يَأْخُذُ نَفْسَهُ، فإن أَذِنَ اللَّهُ فِي قَبْضِ رُوحِهِ قَبَضَهُ وإِلَّا رَدَّهُ إِليه فذلك قوله: يَتَوَفَّكُم

بِاليْلِ . حديث واهِ، ونَهْشَلٌ كَذَّابٌ.

الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَنَهُم بِظُلْمٍ أُولَك لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾ [الأنعام: ۸۲]:

٣٥٦

القرآن الكريم

الآية. أخرج أحمد والبخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي ا الله عنه - قال: لما نزلت هذه الآية الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَنَهُم بِظُلْمٍ شَقَّ ذلك على النَّاسِ فقالوا: يا رسول الله وأَيُّنا لا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قال: «إِنَّهُ ليس الذي تَعْنُونَ، أَلم تَسْمَعُوا ما قال العَبْدُ الصَّالِحُ : إِن الشِرْكَ لَامُ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: ١٣] إِنَّما هو الشَّرْكُ». لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَرُ ﴾ [الأنعام: ١٠٣]: أخرج ابن أبي حاتم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في قوله: لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَرُ قال: «لو أنَّ الحِنَّ والإنسَ والشَّياطين والملائكةَ مُنذُ خُلِقُوا إلى أن فَنَوْا صُفُوا صَفًّا واحدًا ما أحَاطَوا بالله أبدًا». حديث ضعيف الإسناد، مُنكَر

المعنى.

فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ﴾ [الأنعام: ١٢٥]: أخرج الفريابي في "تفسيره" من طريق عمرو بن مرَّة، عن أبي جعفر قال: سُئل النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم عن هذه الآية قالوا كيف يشرح صدره؟ قال: «نور يُقْذَفُ فيه فيَنْشَرِحُ له ويَنْفَسِحُ له». قالوا: فهل لذلك من أمارة يُعرف بها؟ قال: الإنابة إلى دار الخُلُودِ والتَّجَافِي عن دار الغُرورِ والاستعداد للمَوْتِ قبل لقاء المَوْتِ». حديث مُعضَل لكن له شواهد.

وَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: ١٤١]: أخرج ابن مردويه، والنحاس في "ناسخه"، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في قوله: ﴿ وَءَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ، قال: «ما سَقَطَ مِن السُّنْبُلِ».

أحاديث التفسير

1

٣٥٧

1 - وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [الأنعام: ١٥٢]: أخرج ابن مَرْدُويَه عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا فقال: «مَن أَوْفَى على يديه في الكَيْلِ والميزان والله يعلم صحة نيته بالوفاء فيهما لم يؤاخَذ». وذلك تأويل وُسْعَهَا . مرسل ضعيف الإسناد. وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَنَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سبيلك [الأنعام: ١٥٣]: أخرج النسائي وأحمد وإسحاق والبزار وأبو يعلى من طريق عاصم وغيره، عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: أنه خَطَّ خَطَّا ثُمَّ قال: «هذه سَبِيلُ الله». ثُمَّ عن يمينه وعن شماله خُطوطًا ثم قال: «هذه سُبل، على كل سبيل منها شيطان يَدْعُو إليه». ثُمَّ تلا: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا

السُّبُلَ فَنَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ الآية. صححه ابن حبان والحاكم.

-A

يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ايَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَنْهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ

في إيمانها ﴾ [الأنعام: ١٥٨]: أخرج أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَنْهَا لَمْ تَكُن ا مَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَنِهَا ) قال: «يوم طُلُوعِ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبها».

وأصله في الصحيحن عن أبي هريرة من طرق.

- إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: ١٥٩]:

٣٥٨

القرآن الكريم

أخرج الطبراني عن عمر -رضي الله عنه - أ . أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعائشة : إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ هُمْ أصحاب البدع وأصحاب الأهواء». إسناده جيد.

وأخرج الطبراني أيضًا عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ «هُمْ أَهْلُ

البدع والأهواء في هذه الأمة». إسناده صحيح.

سورة الأعراف

ا يَنبَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: ٣١]: أخرج ابن مَرْدُويَه عن أنس -رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في قوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَكُل مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: ۳۱] قال: «صَلُّوا فِي نِعَالِكُمْ». إسناده

ضعيف، وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه أبو الشيخ في "تفسيره". - إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِنَايَتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا نُفَتَحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ [الأعراف: ٤٠]: أخرج أحمد وأبو داود والحاكم عن البراء بن عازب رضي الله عنهما - أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ذَكَرَ العبد الكافر إذا قبضت روحه قال: «فيَصْعَدُونَ بها فلا يَمَرُّون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الرُّوحُ الخَبيثُ حتى ينتهي بها إلى السَّماءِ الدُّنيا فَيَسْتَفْتِحُ فَلا يُفْتَحُ له». ثُمَّ قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: لَا نُفَتَحُ لَهُمْ أَبْوَبُ السَّمَاءِ فيقول الله: اكتبوا كتابهُ في سِجِّينٍ في الأرضِ السُّفْلَى فيُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا. ثُمَّ قرأ رسول الله

أحاديث التفسير

٣٥٩

صلى الله عليه وآله وسلَّم وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ

الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانِ سَعِيقٍ ﴾ [الحج: ٣١]

وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: ٤٣]: روى مسلم والترمذي عن أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال : إذا دَخَلَ أَهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ ينادي مُنادٍ : إِنَّ لكم أن تَصِحوا فلا تَسْقَمُوا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أبدًا، وإِنَّ لكم أن تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبدًا، وذلك قول الله عزّ وجلَّ: ﴿ وَنُودُوا أَن تِلكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ .

وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالُ يَعْرِفُونَ كُلَّا بِسِيمَنهُم ﴾ [الأعراف: ٤٦]: أخرج ابن مَرْدُويَه في "تفسيره" عن جابر رضي الله عنه - فن الله عنه - قال: سُئل رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عمَّن استوت حَسَناتُهُ وسَيِّئاته، فقال: «أولئك أصحاب الأعراف». إسناده ضعيف، لكن له شواهد.

وأخرج سعيد بن منصور والطبراني والبيهقي عن عبدالرحمن المزني قال: سُئل رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن أصحاب الأعراف، فقال: «هُمْ أُناسٌ قُتِلُوا في سَبيلِ الله بمَعْصِيةِ آبائهم، فَمَنَعَهُمْ مِن دُخولِ الجنَّةِ مَعْصِيَةُ

آبائهم، ومَنَعَهُمْ مِن دُخُولِ النَّارِ قَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ الله». له شاهدان أحدهما عن أبي هريرة رواه البيهقي، والآخر عن أبي سعيد

الخدري رواه الطبراني. وليس مخالفًا للحديث الأول بل موافق له؛ لأن معصية هؤلاء الشهداء

٣٦٠

القرآن الكريم

لآبائهم ساوت شهادتهم في سبيل الله.

أما ما رواه البيهقي عن أنس -رضي الله عنه - عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم في أصحاب الأعراف قال: «هُمُ مُؤمِنُو الجنّ». فهو حديث ضعيفٌ، مخالف للقرآن الكريم فقد دلّت (سورة الرحمن) على أنَّ مُؤمني الجن يدخلون الجنة مثل مؤمني الإنس.

-0

٥- فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ ﴾ [الأعراف: ١٣٣]: أخرج ابن جرير عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم:

«الطُّوفانُ المَوْتُ». أرني أنظر إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف: ١٤٣]: قال الترمذي الحكيم في "النوادر": ثنا محمد بن رزام الأيلي: ثنا الهجيمي: ثنا محمد بن نصير، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية : رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ فقال: قال تعالى: يا موسى، إنه لا يراني حَيٌّ إلا مات، ولا يابِسٌ إِلَّا تَدَهْدَه، ولا رَطِبٌ إِلَّا تَفَرَّقَ، وإنما يراني أهل الجنَّةِ الذين لا تموتُ أعينهم، ولا تَبْلَى أجسادهم».

فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَا وَخَرَ مُوسَى صَعِقَا ﴾ [الأعراف: ١٤٣]: أخرج أحمد والحاكم عن أنس رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قرأ: فَلَمَا تَجَلَى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكَا قال: «هكذا» وأشار بطرف

إبهامه على أنملة أصبعه اليمنى «فَسَاحَ الْجَبَلُ» وَخَرَ مُوسَى صَعِقًا .

:

- الوَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: ١٤٥]: أخرج

أحاديث التفسير

٣٦١

أبو الشيخ في "تفسيره" من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «الألواح التي أُنزلت على موسى كانت من سِدْرِ

الجنَّة، كان طول اللوح اثني عشر ذراعًا». إسناده ضعيف وهو حديث منكر. - وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّنَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعراف: ۱۷۲]: أخرج أحمد والنسائي عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ اللَّهَ أَخَذَ الميثاقَ مِن ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمان يوم عرفة، فأخرجَ مِن صُلْبِهِ كلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأها فتَثَرَها بين يديه ثُمَّ كَلَّمَهم فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى». صححه الحاكم.

وأخرج ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في هذه الآية: «أَخَذَ مِن ظَهْرِهِ كما يُؤْخَذُ بِالمِشْطِ مِن ألست بربكم؟ قالوا: بلى. قالت الملائكة: شَهِدْنا». إسناده

الرأس فقال لهم:

ضعيف.

وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأعراف: ۱۸۱] أخرج الثعلبي في "تفسيره" عن قتادة وابن جريج قالا: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم إذا قرأ: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ قال: «هذه لكم وقد أُعطي القومُ بين أيديكم مِثْلَهُ». يعني: وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ

وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأعراف: ١٥٩] حدیث مرسل ضعيف.

١٠- فَلَمَّا اتَنهُمَا صَلِحَا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا ءَاتَنهُمَا ﴾ [الأعراف: ١٩٠]: أخرج أحمد والترمذي والحاكم عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم

٣٦٢

القرآن الكريم

قال: «لا حَمَلَتْ حَوَّاءُ طَافَ بها إبليس، وكان لا يَعِيشُ هَا وَلَدٌ، فقال: سَمِّيهِ عبدالحارث، فإنَّه يَعِيشُ، فَسَمَّوْهُ عبد الحارث، فعاشَ، وكان ذلك مِن وَحْيِ

الشَّيْطانِ، وأَمْرِهِ». حديثٌ مُنكَرُ ، بيَّنا نكارته في كتابنا قصة آدم عليه السلام. ۱۱ - خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَن الجهلين ﴾ [الأعراف: ١٩٩]:

أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي قال: لما أنزل الله خُذِ الْعَفْوَ الآية، قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «ما هذا يا جبريل؟» قال: لا أدري حتى أسأل العالم. فذهب ثُمَّ رجع ، قال : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُ أَن تَعْفُو عَمَّن

ظَلَمَكْ، وتُعْطِيَ مَن حَرَمَكَ، وتَصِلَ مَن قَطَعَكَ». حديث مرسل. قَ

ووصله ابن مردويه في تفسيره" من حديث جابر، ومن حديث قيس بن سعد وزاد في أوله : لما نظر رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم إلى حمزة قال: «والله

لأُمَثْلُنَّ بسبعين منهم». فنزل جبريل بهذه الآية فسأله عنها، وذكر الحديث.

-1

سورة الأنفال

وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ

الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال: ٧]: أخرج الترمذي وأحمد وإسحاق وأبو يعلى والبزار من طريق إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس – رضي الله عنهما - قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين فَرَغَ مِن بَدْرٍ : عليك بالعير فليس دونها شيءٌ فناداه العباس - رضي ا الله عنه- وهو في وثاقه - : لا يصلح، قال: «ولم؟» قال: لأن الله إنما وعدك إحدى الطائفتين وقد

أحاديث التفسير

٣٦٣

أعطاك ما وعدك. صححه ابن حبان والحاكم.

قلت: المراد بالطائفتين العير ،والنفير وقد فسر العباس إحداهما بالنفير

وأقره النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم، فهو تفسير مرفوع.

يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ

[الأنفال: ٢٤]: أخرج أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد الحارث بن أوس بن المعلى قال: كنت أصلي، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فلم أُجِبُهُ حتَّى صليت قال: فأتيته فقال: «ما مَنَعَكَ أن تأتيني؟». قلت: يارسول الله إني كنت أصلي. قال: «ألم يقل الله تعالى: ﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ؟!.

وروى أحمد والترمذي والنسائي عن أبي هريرة قال: خَرَجَ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على أُبي بن كعب وهو يُصي... فذكر مثل حديث أبي سعيد بن المعلى. قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة والحاكم. ورواه ابن مردويه في "تفسيره" وزاد: قال أُيُّ: إني لا جَرَمَ يارسول الله لا تدعوني إلَّا أجبتك، وإن كنت أُصلي.

وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ [الأنفال: ٢٦]: أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ قيل: يارسول الله

ومن الناس؟ قال: «أهل فارس».

- وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ

٣٦٤

القرآن الكريم

يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: ۳۳]: أخرج الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَنزَلَ اللهُ عليَّ أمانين لأُمَّتِي: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ فَإِذا مضيتُ تَرَكْتُ فيهم الاستغفار إلى يوم القيامةِ». ضعفه الترمذي. وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ، وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَمَى وَالْمَسَكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال: ٤١]: أخرج أبو داود في "المراسيل"، وأبو عبيد في "الأموال"، والطبري من طريق الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال : كان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم إذا أتي بالغنيمة قسمها خمسة أقسام. ثُمَّ يقبض بيده قبضةً من الخمس أجمع ثُمَّ يقول: «هذه للكعبة» ثُمَّ يقول: «لا تجعلوا الله نصيبا فإنَّ الله الآخِرة والأولى». ثُمَّ يأخذ سَهما لنفسه وسَهُما

لذي القُربَى وسَهما لليتامى وسَهما للمساكين وسهما لابن السبيل. مرسل. -٦ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ [الأنفال: ٦٠]: أخرج مسلم عن عتبة ابن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على المنبر يقول: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَةٍ * «أَلَا إِنَّ القوَّة

الرَّمْي».

و آخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ ﴾ [الأنفال: ٦٠]: أخرج الطبراني من طريق سعيد بن سنان، عن يزيد بن عبد الله بن عريبٍ، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في قوله: وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ ﴾

أحاديث التفسير

قال: «هُمُ الحِنُّ، ولا يَخْبِلُ الشَّيْطَانُ إِنسَانًا في داره فَرَسٌ عَتِيقٌ».

٣٦٥

ورواه ابن عدي في "الكامل" من هذا الطريق وأعله بسعيد بن سنان،

ضعفه ابن معين. وله شاهد من رواية الوَضِين بن عطاء، عن سليمان بن موسى

مرسلا، والوضين ضعيف أيضًا.

سورة براءة )

عند

وَأَذَانُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجَ الْأَكْبَرِ ﴾ [التوبة: ٣]: روى البخاري تعليقا وأبو داود والحاكم من طريق هشام بن الغاز، عن نافع عن ابن عمر: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم وقف يوم النَّحْرِ . الجَمَراتِ في حَجَّةِ الوَدَاع فقال: «هذا يوم الحَجّ الأَكْبَرِ». وكذا رواه الطبراني وابن أبي حاتم والطبري وأبو نعيم من طريق سعيد بن عبدالعزيز بن نافع، عن ابن عمر: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم رمى الجَمْرَةَ يومَ النَّحْرِ وقال: «هذا يومُ الحَجّ الأَكْبَرِ».

وأخرج ابن أبي حاتم عن المسور بن محرَمَةَ: أَنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال يوم عرفة: «هذا يومُ الحَجِّ الأَكْبَرِ».

إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [التوبة : ١٨]: أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من طريق دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «إذا رأيتم الرَّجُلَ يَعْتَادُ المَسْجِدَ فَاشْهَدُوا له بالإيمان، قال الله:

٣٦٦

القرآن الكريم

إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَجِدَ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ . اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ۳۱]: روى الواقدي من طريق عامر بن سعد، عن عدي بن حاتم قال: انتهيتُ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وفي عنقي صليب من ذهب فقال: «أليس يُحرمون ما أَحلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ؟ ويُحِلُّون ما حَرَّمَ اللَّهُ فَتُحِلُّونه؟» قلت: بلى. قال: فتلك عِبادَتُهم».

ورواه ابن مَرْدُويَه من طريق آخر عن عطاء بن يسار، عن عدي بن حاتم به. ورواه البيهقي في "المدخل" من طريق مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم أيضًا. -وَالَّذِينَ يَكْذِرُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة: ٣٤]: أخرج أبو داود والحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت ألبس أوضاحًا من ذهب فقلت: يا رسول الله أكثر هو؟ فقال: «ما بَلَغَ أَن تُؤدَّى زَكاتُه فزَكِّي، فليس بكنز». صححه الحاكم وله شواهد.

: وَعَدَ وعد اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خلدين فيها ومَسَكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّتِ عَدْنٍ ﴾ [التوبة: ٧٢]: أخرج البزار والطبراني والدارقطني في "المؤتلف والمختلف" وابن مردويه من طريق زيادة بن محمد، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «عَدْنُ دار الله التي لم تَرَها عينٌ، ولم تَخْطُرْ على قَلْبِ بَشَرْ، لا يسكنها غير ثلاثة: النبيين والصديقين والشهداء، يقول الله

أحاديث التفسير

٣٦٧

تعالى: طُوبَى لمن دَخَلَكِ».

قال البزار: لا نعلمه إلَّا مِن هذا الوجه، وزيادة لا يعلم روى عن غير

الليث.

وأخرج ابن المبارك في "الزهد والطبراني والبيهقي في البعث عن عمران بن حصين وأبي هريرة قالا: سُئل النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية: ومسكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّتِ عَدْنِ قال : « قَصْرٌ مِن لُؤْلُؤَةٍ، في ذلك القَصْرِ سبعون دارًا مِن يَاقُوتَةٍ حمراء في كلّ دارٍ سبعون بَيْتًا مِن زَبَرْ جَدَةٍ خضراء، في كلِّ بَيْتٍ سبعون سَرِيرًا، على كلِّ سَرِيرٍ فِرَاشًا مِن كُلِّ لَوْنٍ، على كلِّ فِرَاشٍ زَوْجَةٌ مِن الحورِ العِينِ في كلِّ بَيْتٍ سبعون مائِدَةً، على كلِّ مَائِدَةٍ سبعون لَوْنًا من طَعَامٍ، في كلِّ بَيْتٍ سبعون وَصِيفَةً، ويُعْطَى الْمُؤْمِنُ مِن القُوَّةِ فِي غَدَاةٍ واحدةٍ ما يأتي على ذلك كله أجمع ». إسناده ضعيفٌ.

اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ هَمْ إِن تَسْتَغْفِرْ هُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لهم ﴾ [التوبة: ۸۰]: أخرج الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما تُوفّي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فسأله أن يُعطِيَهُ قَميصَهُ يُكَفِّن فيه أباه فأعطاه، ثُمَّ سأله أن يُصَلِّي عليه فأخذ عمر بثوبه فقال: أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تُصَلِّي عليه ؟ فقال: «إنما خَيَّرني فقال: اسْتَغْفِرْ همْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ ) الآية. وسأزيده على «السبعين». قال: إنَّه مُنافِقٌ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم ماتَ أَبَدًا [التوبة: ٨٤]، فتَرَكَ الصَّلاةَ عليهم.

٣٦٨

القرآن الكريم

وَصَلَ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة: ۱۰۳]: أخرج الشيخان عن عبدالله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إذا أتاه قوم بصَدَقَتِهم قال : اللهمَّ صَلِّ عليهم، فأتى أبو أوفى بصدقته فقال: «اللهم صلّ على آل أبي

أَوْفَى».

لَمَسْجِدُ أُسَيْسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلَ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ﴾ [التوبة: ١٠٨]:

أخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: اختلف رجلان في المسجد الذي أُسس على التقوى فقال أحدهما: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقال الآخر: هو مسجد قباء. فأتيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فسألاه عن ذلك فقال: «هو مسجدي .

وأخرج أحمد وابن ماجه وابن خزيمة عن عويم بن ساعدة الأنصاري أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أتاهم في مسجد قباء فقال: «إِنَّ اللهَ قد أَحْسَنَ عليكُمُ الثَّناءَ في الطُّهُورِ فِي قِصَّةِ مَسْجِدِكُمْ، فما هذا الطَّهُورُ؟» قالوا: ما نعلم

شيئًا إلَّا أنا لنَسْتَنجِي بالماء. قال: «هو ذاك فعَلَيْكُمُوه». ولا تعارض بين هذا الحديث والذي قبله؛ لأن كلا من المسجد النبوي ومسجد قباء أُسس على التقوى فالآية تشملها، غير أن قوله تعالى: وفيه رجال يحبون أَن يَنطَهَرُوا ﴾ [التوبة: ۱۰۸] قرينة على أنَّ الآية نزلت في مسجد قباء؛ لأن المنافقين دعوا النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم إلى الصلاة في مسجد الضرار الذي بنوه خارج المدينة، فنهاه الله عن القيام فيه ورغب إليه القيام في مسجد قباء الذي بني خارج المدينة أيضا.

أحاديث التفسير

٣٦٩

التَّبِبُونَ الْعَبِدُون الحَمدُون السني خون ﴾ [التوبة: ١١٢]:

أخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم:

«السَّائِحُونَ الصَّائِمُونَ».

- إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَاهُ حَلِيمُ﴾ [التوبة: ١١٤]: روى ابن جرير من طريق حجاج بن منهال : حدثني عبد الحميد بن بهرام: ثنا شَهْرُ بن حَوْشَبٍ، عن عبدالله بن شداد بن الهاد قال: بينا النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم جالس قال رجل: يا رسول الله ما الأَوَّاه؟ قال: «المتضَرَّعُ وتَلَا: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّهُ حَلِيمٌ . رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن المبارك عن عبدالحميد بن بهرام به، ولفظه: قال: «الأَوَّاهُ: الْمُتَضَرَّعُ الدُّعاءِ». وهو مرسل.

سورة يونس

١ - ويايها النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ﴾ [يونس: ٢٣]: أخرج الحاكم في "المستدرك" عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تَبْغِ، ولا تُعِنْ باغيًا؛ فإنَّ الله تعالى يقول: ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ﴾ [يونس: ٢٣] . وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم ﴾ [يونس: ٢٥]: روى البيهقي عن أبي الدرداء رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: « ما مِن يومٍ طَلَعَتْ شَمْسُهُ إِلَّا وكان بِجَنْبَتَيْها مَلَكَانِ يُنادِيانِ نِدَاءً يَسْمَعُهُ ما خَلَقَ اللهُ كلُّهم غير الثَّقَلَيْنِ يا أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ، إِنَّ مَا قَلَّ وكَفَى خيرٌ ما كَثُرَ واهَى، ولا آبَتِ الشَّمْسُ إِلَّا وَكَانَ بِجَنْبَتَيْها مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ نِدَاءً

۳۷۰

القرآن الكريم

يَسْمَعُهُ خَلْقُ الله كلُّهم غير الثَّقَلَيْنِ: اللهمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا، وأَنْزَلَ اللهُ في ذلك قُرْآنًا في قولِ المَملكَينِ يا أَيُّها النَّاسُ هَلَمُوا إلى رَبِّكُمْ: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلَهِ وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم، وأنزل في قولها: «اللهم أَعْطِ

مُنْفِقًا خَلَفًا»: ﴿وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى إلى قوله: المسرى ﴾ [الليل: ١ - ١٠].

-٣ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس: ٢٦]: أخرج مسلم عن صهيب رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال في قوله تعالى: لِلَّذِينَ

أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ : «الْحُسْنَى : الجنَّة، والزيادة: النَّظَر إلى رَبِّهِم».

وأخرج ابن مردويه في تفسيره" عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا } قال: «شَهَادَةُ أَن لا إله

إلَّا الله»، الحُسْنَى : الجنة، وَزِيَادَةٌ : النظر إلى الله تعالى».

-

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس: ٥٨]: أخرج ابن مَرْدُويَه وأبو الشيخ عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا * بفَضْلِ الله: القُرآن، وبرَحْمَتِهِ: أَن جَعَلَكُمْ مِن أَهْلِهِ».

-0

وَشِفَاهُ لِمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [يونس: ٥٧]: أخرج بن مردويه، عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: إنّي أشتكي. قال: «اقرأ القُرآنَ، يقول الله تعالى: ﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ . وأخرج

البيهقي في "الشعب" نحوه من حديث واثلة بن الأسقع.

أحاديث التفسير

۳۷۱

ألا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: ٦٢]:

أخرج أبو داود عن عمر -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ مِن عِبادِ اللهِ نَاسًا يَغْبِطُهُمْ الأَنْبِياءُ والشُّهَدَاءُ».

قيل : مَن هم يا رسول؟ قال: «قومُ تَحَابُّوا في الله مِن غير أموالٍ ولا أنسابٍ، لا يَفْزَعُونَ إِذا فَزِعَ النَّاسُ، ولا تَحْزَنُونَ إِذا حَزِنوا» ثُمَّ تلا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . وأخرج ابن مَرْدُويَه في تفسيره" عن أبي هريرة قال: سُئل النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن قول الله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ قال: «الذين يَتَحَابُّونَ في الله تعالى». وأخرج ابن مردويه مثله أيضًا من حديث جابر. وروى النسائي والبزار من طريق محمد بن سعيد بن سابق، عن يعقوب السهمي، عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: من أولياء الله؟ قال: «الذين إذا رُءُوا

ذُكِرَ الله». قال البزار : رواه غير محمد عن يعقوب بغير ذكر ابن عباس. قلت: رواه ابن مَرْدُويَه من طريق يحيى الحماني عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير مرسلًا.

وهذه الأحاديث لا تعارض قوله تعالى: لا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يتقون ﴾ [يونس: ٦٣] بل توافقه؛ لأن التحابّ في الله مِن أخَص أوصاف المؤمنين المتقين.

۳۷۲

القرآن الكريم

وفي "سنن أبي داود عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «مَن أَحَبَّ الله ، وأَبْغَضَ الله ، وأَعْطَى الله ، ومَنَعَ الله، فقد اسْتَكْمَلَ الإيمان». كما أنَّ الله يَكْسُو المتقين حُلَّةَ وَقَارٍ بحيث إذا رآهم أحد لم يتمالك أن يذكر الله تعالى.

روى ابن حبان في "صحيحه" عن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ مِن عِبَادِ الله عِبَادًا ليْسُوا بأنبياءَ، يَغْبِطُهُمُ الأنبياء والشُّهَدَاءُ، قيل : مَن هُمْ لَعَلَّنَا نُحِبُّهُمْ؟ قال: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُوا بِنُورِ اللَّهُ مِن غير

.

أَرْحَامٍ ولا انتِسَابِ، وجُوهُهُمْ نُورٌ عَلى مَنَابِرَ مِن نُورٍ، لَا تَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، ولا يَحْزَنُونَ إِذا حَزِنَ النَّاسُ، ثُمَّ قَرَأَ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ

عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .

لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [يونس: ٦٤]: أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن قوله تعالى: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي

الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) قال : هي الرُّؤيا الصَّالِحِةُ يراها المُؤْمِنُ أو تُرَى له». إسناده جيد إلَّا أن فيه انقطاعا.

ورواه ابن مَرْدُويَه من وجه آخر عن عبادة موصولًا.

وروى الترمذي وأحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى والطبراني والبيهقي من طريق عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر قال: سألت أبا الدرداء عن قول الله تعالى: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا ) فقال: سألت عنها رسول الله صلى الله

أحاديث التفسير

۳۷۳

عليه وآله وسلَّم فقال: «هي الرُّؤيا الصَّالِحِةُ يَراها المُؤْمِنُ أو تُرى له». زاد

بعضهم: «وفي الآخِرَةِ الجنَّةُ».

فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَسَتَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَبَ مِن

قبلك ﴾ [يونس: ٩٤]: أخرج عبدالرزاق، عن مَعْمَرٍ، عن قتادة في هذه الآية قال: بلغنا أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «لا أشتُ ولا أَسْأَلُ».

إلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءَامَنُوا ﴾ [يونس : ٩٨]: أخرج ابن مردويه في

تفسيره" عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: إلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءَامَنُوا ) قال: «دَعوا». إسناده ضعيف.

سورة هود

ليَبْلُوَكُمْ أَنكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود: ٧]: أخرج ابن مردويه عن

ابن عمر قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عملا ) قال : «أَيُّكُمْ أحسنُ عَقَلا، وأحْسَنُكُم عَقْلًا أورَعُكُمْ عن تحارِمِ ا تحارم الله

وأَعْمَلُكُمْ بِطَاعَةِ الله». إسناده ساقط.

-

قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ فَوَةً أَوْ ءَاوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ [هود: ٨٠]: أخرج

الشيخان عن أبي هريرة : أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قرأ هذه الآية فقال:

رَحِمَ اللهُ أَخِي لوطًا لقد كان يَأْوي إلى رُكْنٍ شَديد».

وَأَقِمِ الصَّلَوَةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَتِ يُذْهِبْنَ

٣٧٤

القرآن الكريم

السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: ١١٤]: أخرج الشيخان عن ابن مسعود -رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم فقال: إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإنّي أصبت منها دون أنَّ أمسها، فأنا هذا فاقْضِ في ما شئت. فقال له . -رضي الله عنه - : لقد سَتَرَكَ اللهُ، لو سَتَرْتَ على نَفْسِك. ولم يرد عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم شيئًا. فانطلق الرجل، فأتبعه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم رجلا فدعاه فتلا عليه وَأَقِمِ الصَّلَوَةَ طَرَفِي النَّهَارِ } الآية. فقال رجل من القوم: يا رسول الله أله خاصَّةً أم للناس؟ فقال: «بل للنَّاسِ

عمر

كافة».

وأخرج الطبراني عن ابن عبّاس قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: لم أرَ شَيْئًا أَحسَنَ طَلَبًا ولا أَسْرَعَ إِدْراكًا مِن حَسَنَةٍ لسَيَّةٍ قديمةٍ إِنَّ الْحَسَنَتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ إسناده ضعيف.

وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: ١١٧]: أخرج الطبراني وأبو الشيخ عن جرير بن عبدالله قال: لما نزلت وَمَا كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ قال رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم: «وَأَهْلُهَا يُنْصِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا».

روى الطبراني وغيره عن أبي بكرٍ الصَّدِّيق قال: قلتُ يارسول الله عَجِل إليك الشَّيبُ قال : شَيَّبتي هودٌ وأخواتها: الواقعة، والحاقة، وعم يتسائلون، وهل أتاك حديث الغاشية».

أحاديث التفسير

۳۷۵

ولهذا الحديث طرق جمعتها في تعليقي على كتاب "فيض الجود على حديث

شيبتني هود"، وروى مسلم من حديث أبي هريرة مثله.

سورة يوسف

الله عنه

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَتَأَبَتِ ﴾ [يوسف: ٤]: الآية أخرج الحاكم من طريق أسباط، عن السُّدِّيّ، عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر رضي ا ا قال: جاء شيبان اليهودي إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد هل

قال:

تعرف النجوم التي رآها يوسف وسَجَدْنَ له؟ فسكت النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم حتى نزل جبريل فأخبره فقال: «إن أخبرتك تُسلم؟» قال: نعم. النُّجُومُ: حَدَثَانُ والطَّارِقُ والذَّبَّالُ وقَابِسُ والعُودَانِ والفَلِيقُ والنُّصْحُ والقَرُوحُ

وذُو الكَنَفَانِ وذُو الفَرَعِ والوَهَّابُ، رَآهَا يوسف مُحِيطَةٌ بأَكْنَافِ السَّماءِ ساجِدَةً له فقصها على أبيه، فقال له أبوه إنَّ هذا أمرٌ فلْيُشَتَتْ وسَيَجْمَعُهُ الله إِن شَاءَ بَعْدُ». صححه الحاكم. وهو بعيد من الصحة، فقد نقل ابن أبي حاتم في "العلل" عن أبي زرعة أنه قال: «حديث مُنكَر»، ورواه العقيلي في "الضعفاء" من طريق الحكم بن ظهير عن السدي نحوه، وقال: لا يثبت. وذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" وهو لا شك من الإسرائيليات.

فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف: ۱۸]: أخرج الطبري من طريق حِبَّان بن أبي جَبَلَة قال : سُئل رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن قوله: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ قال: «صَبْرٌ لا شَكْوَى فيه». قال: «مَن بَثَّ فلم يَصْبِر». حديث مرسل.

٣٧٦

القرآن الكريم

وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [يوسف: ٢٦]: أخرج أحمد وابن أبي

شيبة والبزار وأبو يعلى من طريق حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: تَكَلَّمَ أربعةٌ في المَهْدِ وهُمْ صِغَارٌ : ابن ماشِطَةِ بنت فِرْعَونَ، وشَاهِدُ يوسف،

وصاحِبُ جُريج، وعيسى عليه السلام». صححه ابن حبان والحاكم. وعطاء قد اختلط، لكن رواه الحاكم أيضًا من طريق مسلم بن إبراهيم، عن جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مثله، وانظر كتاب "الحجج البينات في إثبات الكرامات". فَلَمَا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكُ

كريم [يوسف: ۳۳۱]: أخرج الثعلبي من طريق أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «مَرَرْتُ بيوسف في الليلة التي عُرِجَ بي إلى السَّماءِ، فقلتُ الجبريل من هذا؟ قال: يوسف». قالوا

يارسول الله كيف رأيته ؟ قال : كالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ». أبو هارون ضعيفٌ. وفي "صحيح مسلم" عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في حديث المعراج: «ثُمَّ عُرِجَ بنا إلى السماء الثالثة فَاسْتَفْتَحَ جبريلُ فَفُتِحَ لنا فإذا أنا بيوسف وإذا هو قد أُعْطِي شَطْرَ الحُسْنِ».

-0

قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دابا ﴾ [يوسف: ٤٧] الآيات: روى الطبري من طريق عبدالرزاق، عن سفيان بن عُيَيْنَة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لقد عَجِبْتُ مِن يوسفَ وصَبْرِهِ

أحاديث التفسير

۳۷۷

وكَرَمِهِ، واللهُ يَغْفِرُ له حِينَ سُئِلَ عن البَقَراتِ العِجانِ والسَّمانِ، ولو كنتُ مكانَهُ ما أَخْبَرْتُهُمْ بِشيءٍ حَتَّى أَشْتَرِطَ أَن يُخْرِجُونِي، ولقد عَجِبْتُ مِن يوسفَ وصَبْرِهِ وَكَرَمِهِ واللَّهُ يَغْفِرُ له حِينَ أَتَاهُ الرَّسُولُ، ولو كنتُ مَكَانَهُ لبادَرْتُهُمُ البَابَ، ولكنه أراد أن يكون له العُذْرُ». هذا حديث مرسل.

ووصله إسحاق بن راهويه من طريق إبراهيم بن يزيد الخوزي، عن عمرو، عن عكرمة عن ابن عباس بمعناه، وزاد: «ولولا الكَلِمَةُ التي قالها ما لَبِثَ في السِّجْنِ حتَّى يَبْتَغِي الفَرَجَ مِن عند غير الله». يعني قوله: اذْكُرْنِ

عند ربك [يوسف: ٤٢] وإبراهيم ضعيف.

وروى الطبري من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «يَرْحَمُ اللهُ يوسف لو كنتُ أنا المَحْبوسُ ثُمَّ

أُرْسِلَ إليَّ لخرجتُ سريعا إن كان لحليها ذا أناة». في إسناده راو لم يُسَمَّ.

لكن رواه ابن مَرْدُويَه في تفسيره من طريق ابن إسحاق، عن عبدالله بن أبي بكر، عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة به.

ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [يوسف: ٥٢] الآية: روى ابن مردويه في "تفسيره" عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لما قال يوسف : الله ذلك ليعلم أني لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ) قال له جبريل: يا يوسف اذكر همك،

قال: وما أُبَرِّئ نَفْسِي».

۷- قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَايِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: ٥٥]:

روى الثعلبي من طريق إسحاق بن بشر، عن جويبر، عن ا الضحاك

عن

۳۷۸

القرآن الكريم

ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَحِمَ اللهُ أخي يوسف لو لم يَقُلْ اجْعَلْني على خَزائن الأرضِ لاسْتَعْمَلَهُ مِن سَاعَتِهِ ولَكنَّه أَخَّر ذلك سَنَةٌ». إسناده ساقط.

-A

وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَتَأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ [يوسف: ٨٤]: روى الثعلبي من طريق محمد بن سعيد الهادي، عن إسحاق بن الربيع، عن سفيان الثوري، عن زياد العصفري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لم تُعْطَ أُمَّةٌ مِن الأُمَمِ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ عند المصيبةِ إِلَّا أمة محمد، ألا ترى إلى يعقوب عليه السلام - حين أصابه ما أصابه لم يَسْتَرْجِعُ وإنما قال: يَأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ؟».

ورواه الطبراني في "الدعاء" من طريق آخر عن الثوري عن زياد. ورواه الطبري من طريق عبد الرزاق، عن الثوري، عن زياد العصفري، عن سعيد بن جبيرٍ من كلامه وكذلك رواه البيهقي في "الشعب" من طريق

أبي عامر ، عن الثوري ثم قال: ورفعه بعض الضعفاء وليس بشيء».

- قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ [يوسف: ٩٢]: روى النسائي والبيهقي من طريق ،ثابت، عن عبدالرحمن بن رباح، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أخذ بعضادتي باب الكعبة يوم الفتح فقال لقريش: «ما تظنُّون أتي فاعل بكم؟ قالوا: نظنُّ خيرًا، أخٌ كريم وابن أخ كريم. فقال: «أقول ما قال أخي يوسف : لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ . ورواه الثعلبي من طريق سمعان، عن عطاء، عن ابن عباس به. وله طرق وألفاظ.

أحاديث التفسير

۳۷۹

سورة الرعد كم

وَنُفَضَلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُل ﴾ [الرعد: ٤]: روى الترمذي والحاكم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآية قال: الدَّقَلُ والفَارِسِيُّ والحُلْوُ والحَامِضُ». حسنه الترمذي، وصححه الحاكم. وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾ [الرعد: ٦] الآية: روى ابن أبي حاتم والثعلبي من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال : لما نزلت وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ } الآية. قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لولا عَفْوُ اللَّهِ وَتَجَاوُزُهُ مَا هَنَا أَحَدٌ العَيْشَ، ولولا وعِيدُهُ وعِقابِهِ لاتَكَلَ كُلُّ أَحَدٍ ». حديث مرسل.

وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ﴾ [الرعد: ١٣]: روى الطبري من طريق إسرائيل، عن ليث، عن رجل، عن أبي هريرة رضي الله عنه - : : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سمع الرعد قال: «سُبْحانَ مَن يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بحَمْدِهِ». إسناده ضعيفٌ.

ورواه البخاري في "الأدب المفرد" عن كعب بن مالك من قوله رضي الله عنه. وروى أحمد والترمذي والنسائي من طريق بكر بن شهاب، عن سعيد بن

جبير، عن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقالوا: أخبرنا يا أبا القاسم عن الرَّعْدِ ما هو ؟ قال: «مَلَكٌ . ، من الملائكة مُوَكَّلٌ بالسحاب معه تخاريقُ مِن نارٍ يَسُوقُ بها السَّحابَ» قالوا: فما هذا الصوت؟

قال: «زَجْرة للسحاب إِذا زَجَرَهُ» قالوا: صَدَقْتَ.

۳۸۰

القرآن الكريم

وروى الطبراني في "الأوسط" من طريق أبي عمران الكوفي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر، أنَّ خزيمة بن ثابت وليس بالأنصاري- سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم عن الرَّعْدِ، فقال: «هو ـ مَلَكٌ بيده خراقٌ، إذا ، رَفَعَ بَرَقَتْ وإِذا زَجَرَ رَعَدَتْ وإِذا ضَرَبَ صَعَقَتْ». هذا الحديث والذي قبله ضعيفان. - سَلَمُ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: ٢٤]: روى الطبري من طريق عبدالرزاق، عن سهل بن أبي صالح، عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: كان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول

فيقول: «السَّلامُ عليكم بما صَبَرَتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ مرسل. - طُوبَ لَهُمْ وَحُسْنُ مَتَابٍ ﴾ [الرعد: ٢٩]: روى أحمد، وابن حبان في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: طوبى: شَجَرَةٌ في الجنة مسيرة مائة عام (1). ٦ - يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ﴾ [الرعد: ٣٩]: روى الطبراني عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يَمْحُو الله ما يشاءُ وَيُثْبِتْ إِلَّا الشَّقَاءَ والسَّعَادَةَ والحياة والموت».

وروى ابن مَرْدُويه عن ابن عباس : أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم سُئل عن قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُنْبِتُ ، قال: «ذلك كل ليلة القَدْرِ ويَرْفَعُ ويَجْبُرُ ويَرْزُقُ غير الحياة والموتِ والشَّقاء والسَّعادَةِ؛ فَإِنَّ ذلك لا يُبَدِّل».

(۱) ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها.

أحاديث التفسير

۳۸۱

وروى ابن مردويه أيضًا عن علي عليه السلام: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عن هذه الآية فقال: «لأُقِرَّنَّ عَيْنَكَ بِتَفْسِيرها، ولأُقِرنَّ عَيْنَ أُمتي ! من بعدي بتفسيرها: الصَّدَقَةُ على وَجْهِها، وبر الوالدين، واضطناع المعروفِ تُحوّل الشَّقاء إلى سعادةٍ وتَزيدُ فِي العُمرِ».

هذه الأحاديث ضعيفة، وبعضها أشد ضعفًا من بعض.

سورة إبراهيم

لين شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: ٧]: روى ابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن أُعْطِيَ الشَّكْرَ لم يُحْرَمِ الزِّيادَةَ؛ لأنَّ اللهَ يقول: لَين شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .

وَيُسْقَى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ } [إبراهيم: ١٦ - ١٧]: روى ) أحمد والترمذي والنسائي عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في هذه الآية قال: «يُقَرَّبُ إليه فيَتَكَرَهُهُ، فإذا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، فإذا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ، حَتَّى يَخْرُجَ مِن دُبُرِهِ يَقولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَسُقُوا مَا جَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾ [محمد: ١٥] وقال تعالى: وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهُ بِئْسَ الشَّرَابُ ﴾ [الكهف: ٢٩]. صححه الحاكم.

سواءٌ عَلَيْنَا لَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيص [إبراهيم: ۲۱]: روی ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن كعب بن مالك رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فيما أحسب قال في هذه الآية: «يقولُ أَهلُ النَّارِ: هَلَمُوا

۳۸۲

القرآن الكريم

فلْنَصْبِرْ فيضرون خمسمائة عامٍ، فلما رأو ذلك لا ينفعهم قالوا: هلم فلنَجَزْع فيبكون خمسمائة عام، فلما رأو ذلك لا ينفعهم قالوا: سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ

صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن محيص . ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَة طَيِّبَة [إبراهيم: ٢٤] الآية:

روى الترمذي والنسائي وغيرهما عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله النَّخْلَهُ وَمَثَلُ كَلِمَة

وسلم في قوله تعالى: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ قال : «هي ا

:

خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةِ } [إبراهيم: ٢٦] قال: (هي)) الحَنْظَلُ» صححه ابن حِبَّان

والحاكم.

.

وروى أحمد وابن مردويه عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله : كشَجَرَة طَيِّبَة قال: «هي التي لا يَنْقُصُ ورَقُها وهي النَّخْلَةُ». إسناده جيد.

وروى البزار عن ابن عمر أيضًا قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية لا ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة فقال : «أتدرون ما هي؟» فلم يَخْفَ عليَّ أنَّها النَّخْلَةُ، فمنعني أن أتكلم مكان سنّي، فقال: «هي ! النَّخْلَةُ». والحديث ابن عمر طرقٌ في الصحيحين بغير هذا السياق. يثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرة [إبراهيم: ۲۷]: روى أبو داود عن البراء بن عازب رضي الله عنهما - أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُ إِذا سُئِلَ فِي قَبْرِهِ يَشْهَدُ

0

أحاديث التفسير

۳۸۳

أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله، فذلك قوله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا

بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَوَةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ

روى البزار بإسناد رجاله ثقات عن عائشة -رضي الله عنه - قالت: قلت: - يا رسول الله تبتلى هذه الأُمَّةُ في قبورها فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة؟ قال:

يشبتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَوَةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم: ٢٧].

1 - يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ﴾ [إبراهيم: ٤٨]: روى مسلم والترمذي وابن ماجه عن عائشة -رضي الله عنها - قالت: أنا أوَّل النَّاسِ سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عن هذه الآية قلت: أين النَّاسُ يومئذ؟ قال: «على

الصراط».

وروى مسلم عن ثوبان رضي الله عنه - قال: جاء حَبْرٌ مِن اليهود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقال: أين تكون الناس يوم تُبدِّلُ الأرضُ غير الأرض؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دونَ

الجشير».

وروى البزار والطبراني في "الأوسط"، وابن مَرْدُويَه في "التفسير"، والبيهقي في "البعث" عن ابن مسعود رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ أرضُ بيضاءُ كَأَنَّهَا فِضَّةٌ ، لم يُسْفَكْ فيها دَم حَرامٌ، ولم يُعْمَلْ فِيهَا خَطِيئَةٌ».

٣٨٤

القرآن الكريم

سورة الحجر

ا تُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ﴾ [الحجر: ٢]: روى

-

الطبراني في "الكبير"، وابن مردويه في "التفسير"، وابن حبان في "صحيحه"، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه- أنه سُئل: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في هذه الآية تُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مسلِمِينَ ) قال: نعم، سمعته يقول: «يُخْرِجُ اللَّهُ أُناسًا مِن المؤمنين مِنَ النَّارِ بعدما يأخُذُ نِقْمَتَهُ منهم، قال: لما أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ النَّارَ مِع الْمُشْرِكين، قال المُشْرِكُون: أليس كنتم تَزْعُمُون في الدُّنيا أَنَّكُمْ أولياء الله في الدُّنيا فما لكم معنا في النَّارِ، فإذا سمع الله ذلك منهم أَذِنَ في الشَّفاعَةِ، فَيَتَشَفَّعُ لهم الملائكةُ والنَّبِيُّون حتَّى يَخْرُجُوا بإذن الله، فلما أُخْرِجُوا، قالوا: يا ليتنا كنَّا مثلهم، فتُدْرِكُنَا الشَّفَاعَةُ، فَنُخْرَجُ مِن النَّارِ، فذلك قول الله جَلَّ وعَلَا تُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ . لهذا الحديث طرق من حديث علي وجابر وأبي موسى.

لكُلِّ بَابِ مِنْهُمْ حُزْهُ مَقْسُوهُ ﴾ [الحجر: ٤٤]: روى ابن مردويه في "تفسيره" عن أنس رضي ا الله عنه - قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله

وسلم في قوله تعالى: لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْ مَقْسُوم : «جزء أشركوا، وجزء

شَكُوا في الله، وجزء غَفَلُوا عن الله تعالى».

- إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَتِ لِلْمُتَوَسَمِينَ ﴾ [الحجر: ٧٥]: روى الترمذي في «التفسير» من "جامعه"، والعسكري في "الأمثال"، من طريق عمرو بن قيس الملائي، عن

أحاديث التفسير

٣٨٥

عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اتَّقُوا فِراسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّه يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّه». ثُمَّ قرأ: إِنَّ فِي ذَلِكَ

وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَبُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الحجر: ٨٠]: روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مَرَرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الحِجْرِ، فقال لنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، إِلَّا أَن تكونوا باكِينَ حَذَرًا، أَن يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما

أَصابَهُمْ ثُمَّ زَجَرَ فَأَسرِعَ حَتَّى خَلَّفَهَا.

-0

وَلَقَدْ آنَيْنَكَ سَبْعَا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءَان العظيم [الحجر: ۸۷]: روى

البخاري والترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أُمُّ القُرآنِ هي السَّبْعُ المَثَانِ والقُرآنُ العَظِيمُ».

-7

كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْهَانَ عِضِينَ ﴾ [الحجر:

٩٠ - ٩١]: أخرج الطبراني في "الأوسط" عن ابن عباس قال: سأل رجل

رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال: أرأيت قول الله تعالى: كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى

:

الْمُقْتَمِينَ مَن المقتسمين؟ قال: «اليهودُ والنَّصَارَى». قال: الَّذِينَ جَعَلُوا

الْقُرْءَانَ عِضِينَ قال : ما عِضِين؟ قال: «آمَنُوا بِبَعْضٍ وكَفُرُوا بِبَعْضِ».

فوريكَ لَنَسْتَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر: ۹۲]: روى الترمذي والطبري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه

٣٨٦

القرآن الكريم

وآله وسلَّم في قوله: فَورَيكَ لَنَسْتَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[الحجر: ۹۲ - ۹۳] قال: «عن قول لا إله إلا الله».

سورة النحل

- أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ [النحل: 1]: روى الطبراني عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يَطْلُعُ عليكم قَبلَ السَّاعَةِ سَحَابَةٌ سوداءُ مِن قِبَلِ المغربِ مثل التُّرْسِ، فلا تزال تَرْتَفِعُ فِي السَّماءِ، وَتَنْتَشِرُ حتَّى عملاً السَّماءَ، ثُمَّ يُنادي مُنادٍ: يا أَيُّها النَّاسُ انَ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ . قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: « فوالذي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الرَّجُلَيْنِ يَنْشُرَانِ الثَّوبَ فلا يَطْوِيانِهِ، وإِنَّ الرَّجُلَ ليَمْدُرُ حَوْضَهُ فَلا يَسْقِي مِنْهُ شَيئًا أبدًا، والرَّجُلُ يَحْلُبُ ناقته فلا يَشْرَبُهُ أبدًا». إسناده جيد.

- يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ تُخَتَلَفُ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾ [النحل: ٦٩]: روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أَنَّ رجلا جاء النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال : إنَّ أخي يَشْتَكِي بَطْنَهُ. قال: «اسْقِهِ عَسَلًا». فذهبَ ثُمَّ رَجَعَ فقال: قد سقيتُه فما نفع. قال: «اسْقِهِ عَسلًا». فذهب ثُمَّ رجع فقال: قد سقيته فما نفع. فقال له في المرة الثالثة: «صَدَقَ اللهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أخيك». فذهب

فسقاه فيرى. وروى ابن ماجه وابن خزيمة والحاكم من طريق زيد بن الحباب، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبدالله رضي الله عنه،

أحاديث التفسير

۳۸۷

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عليكم بالشَّفاءينِ: العَسَلِ والقُرآنِ». الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ [النحل: ۸۸] روى ابن مَرْدُويَه في "تفسيره" عن البراء رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم سئل عن قول الله: زِدْتَهُم

عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ قال: «عَقَارِبُ أَمثالُ النَّخْلِ الطُّوالِ تَنْهَشُهُمْ فِي جَهَنَّمَ». - إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَنُ بِالْإِيمَنِ ﴾ [النحل: ١٠٦]: قال ابن أبي شيبة: حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّةَ، عن يونس، عن الحسن: أنَّ عيونا المُسَيْلَمة أخذوا رجلين من المسلمين فأتوه بهما، فقال لأحدهما أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال: نعم. قال: أتشهد أنّي رسول الله ؟ فأهوى إلى أذنيه وقال: إني أَصَمُّ فأعاد عليه فقال مثله فأمر بقتله وقال للآخر: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم. قال أتشهد أنّي رسول الله؟ قال: نعم. فأرسله، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «أما صاحِبُك فمَضَى على إيمانِهِ، وأَمَّا أَنتَ فَأَخَذْتَ

بالرخصة».

هذا حديث مرسل.

وذكر الواقدي في "المغازي" أنَّ الذي قتله مسيلمة اسمه حبيب بن زيد،

عم عباد بن تميم، واسم الآخر عبدالله بن وهب الأسلمي.

۳۸۸

القرآن الكريم

سورة الإسراء

- سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ﴾ [الإسراء: ١] الآية. روى الشيخان

عن مالك بن صَعْصَعَةٍ.

وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ ايَنَيْنِ فَمَحَوْنَا ءَايَةَ الَّيْلِ وَجَعَلْنَاءَ ايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً

[الإسراء: ١٢]: روى البيهقي في "الدلائل" عن سعيد المقبري: أنَّ عبدالله بن سلام سأل النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن السواد الذي في القمر فقال: كانا شَمْسَين فقال الله: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ءَايَنَيْنِ فَمَحَوْنَاءَ ايَةَ الَّيْلِ وَالسَّوَادُ

الذي رأيت هو المخو» إسناده ضعيف جدا، مع انقطاعه.

ضعيف.

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: ٧٠]: «الكرامة الأكل بالأصابع». إسناده

٤ - يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسِ بِامَمِهِمْ ﴾ [الإسراء: ٧١]: روى ابن مردويه في "تفسيره" عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم

في هذه الآية «يُدْعَى كلُّ قوم بإمام زمانهم، وكتاب رَبِّهم، وسُنَّة نَبِيَّهم». روى الترمذي وابن حِبَّان في "صحيحه" واللفظ له، والبيهقي في

"البعث"، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في قوله: ﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسِ بِاسمِهِمْ ﴾ [الإسراء: ۷۱] قال: «يُدْعَى أَحَدُهُمْ، فَيُعْطَى كِتَابَهُ بيَمِينِهِ ويُمَدُّ له في جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا ويُبَيَّضُ وَجْهُهُ، ويُجْعَلُ على رأسِهِ تاجُ مِن لُؤْلُو يَتَلالا»، قال: «فَيَنطَلِقُ إلى أصحابه، فيرونَهُ مِن بعيد، فيقولون: اللهم

أحاديث التفسير

۳۸۹

بارك لنا في هذا حتَّى يأتيهم، فيقول: أبشروا ، فإِنَّ لكُلِّ رَجُلٍ منكم مِثلَ هذا، وأما الكافِرُ، فيُعْطَى كِتَابَهُ بِشِمالِهِ مُسْوَدًّا وَجْهُهُ ، ويُزادُ فِي جِسْمِهِ سِتّونَ ذِراعًا على صُورَةِ آدَمَ ويَلْبَسُ تاجًا مِن نارٍ، فيراه أصحابه، فيقولون: اللهم أَخْزِهِ، فيقول: أبعدَكُمُ اللهُ، فَإِنَّ لكلّ واحِدٍ منكم مِثلَ هذا».

-0

- أَقِمِ الصَّلَوَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ﴾ [الإسراء: ۷۸]: روى ابن مردويه عن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: ﴿ أَقِمِ الصَّلَوَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) قال: «لزوال الشَّمْسِ».

وروى البزار ، وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله

صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «دُلُولُ الشَّمْسِ : زَواها». إسناده ضعيفٌ.

- إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: ۷۸]: روى الترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في قوله : إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } قال: «تَشْهَدُهُ ملائكةُ اللَّيْلِ وملائكةُ النَّهارِ». صححه الترمذي. وعَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ﴾ [الإسراء: ٧٩]: روى أحمد وابن أبي شيبة والترمذي من طريق داود بن يزيد الأودي، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في قوله تعالى: عَسَى أَن يَبْعَثَكَ

رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا وسُئل عنه فقال: «هي الشَّفاعَةُ».

وله طرقٌ عن أنس عند البخاري، وعن ابن عمر عنده أيضًا، وعن ابن

۳۹۰

القرآن الكريم

مسعود عند أحمد والنسائي والحاكم مُطوَّلًا ومُختصرًا، وعن كعب بن مالك عند الحاكم، وعن جابر عند أحمد والحاكم، وعن أبي سعيد الخدري عند الترمذي وابن ماجه، وعن سعد بن أبي وقاص عند ابن مَرْدُويَه، وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عند ابن مَرْدُويَه أيضًا، وعن سلمان عند الطبراني. وَنُنَزِلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءُ وَرَحْمَةٌ [الإسراء: ۸۲]: تقدَّم في سورة

النحل حديث: «عليكم بالشفاءين: العَسَلِ والقُرآنِ». الغساني. وروى الثعلبي من طريق أحمد بن الحارث: حدثتنا ساكنة بنت الجعد قالت: سمعت رجاء الغنوي يقول : قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم:

مَن لم يَسْتَشْفِ بالقُرآنِ فلا شِفاء له». حديث مرسل.

-9

وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيَا وَبُكْمَا وَصُمَّا ﴾ [الإسراء: ٩٧] روى أحمد وإسحاق بن راهويه والترمذي والبزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: كيف يُحشرون على وجوههم؟ قال: «إنَّ الذي أَمْشَاهُمْ على أَقْدامِهِمْ فهو قادِرٌ على أَن يُمْشِيَهُمْ على

وجُوهِهِمْ».

ولفظه عند الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يُحْشَرُ النَّاسُ يومَ القِيامَةِ على ثلاثة أصناف: صِنْفٌ مُشَاةٌ، وصِنْفٌ رُكبان، وصنف على وجُوهِهِمْ». قيل: يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: «إِنَّ الذي أَمْشَاهُمْ على أَقْدامِهِمْ قادِرٌ أَن يُمْشِيَهُمْ على وجُوهِهِمْ، أما إنهم يَتَّقون بوجوههم كلَّ حَدَبٍ وشَوْكِ». قال الترمذي: «حديث حسن».

۳۹۱

أحاديث التفسير

ورواه ابن مردويه من حديث أنس بإسناد ضعيف.

وروى الشيخان عن أنس رضي الله عنه: أنَّ رجلا قال: يارسول الله كيف

يُحشر الكافر على وجهه؟ قال: «أليس الذي أَمْشَاهُ على رِجْلَيْهِ فِي الدُّنيا قادرًا على

أن يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يومَ القِيامَةِ».

سورة الكهف

إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ [الكهف: ٢٩]: أخرج أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «لِسُرادِقِ النَّارِ أربعةُ جُدُرٍ، كَثَافَةٌ كلَّ جِدَارٍ مثل مَسافَةِ أربعين سنةً». صححه الحاكم.

- يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ ﴾ [الكهف: ۲۹]: روى أحمد والترمذي من طريق رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: كَالْمُهْلِ قالَ: «كَعَكَرِ الزَّيْتِ، فإِذا قَرَّبَهُ إِلَى وَجْهِهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ». فيه رشدين: ضعيفٌ. لكن رواه أحمد وأبو يعلى من طريق ابن لهيعة، عن

دراج

ورواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، من طريق ابن وهب، عن

عمرو بن الحارث، عن دراج. وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

وَالْبَقِيتُ الصَّلِحَتُ خَيْرُ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا ﴾ [الكهف: ٤٦]: روى أحمد عن

۳۹۲

القرآن الكريم

أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الباقيات الصَّالِحَاتُ : التَّكْبِيرُ والتَّهْلِيلُ والتَّسْبِيحُ والحَمْدُ ولا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِالله». ورُوي أيضًا عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «سُبْحَانَ الله ، والحَمْدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هُنَّ الباقياتُ الصَّالِحِات».

وروى الطبراني من حديث سعد بن جنادة مثله.

وروى ابن جرير من حديث أبي هريرة مثله أيضًا.

وَرَهَا الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا ﴾ [الكهف: ٥٣]: أخرج

أحمد عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ الكافِرَ ليرى جَهَنَّمَ ويَظُنُّ أَنَّهَا مُواقِعَتْهُ مِن مَسيرة أربعين سَنَةٌ».

0-

فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا ﴾ [الكهف: ٧٧]: روى النسائي، من طريق اسرائيل بن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في قوله: ﴿فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا قال: «كانوا أهْلَ قَرْيَةٍ لِيَّامًا». إسناده صحيح.

وَكَانَ تَحْتَهُ، كَنزَلَهُمَا ﴾ [الكهف: ۸۲]: روى البزار من طريق ابن حجيرة، عن أبي ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الكَنْزُ لَوْحُ مِن ذَهَبٍ مُصْمَةٍ، عَجِبْتُ لَن أَيْقَنَ بالقَدَرِ ثُمَّ نَصَبَ، وَعَجِبْتُ مَنْ ذَكَرَ النَّارَ ثُمَّ ضَحِكَ ، وعَجِبْتُ مَنْ ذَكَرَ المَوْتَ ثُمَّ غَفَلَ. لَا إِلَهَ إِلَّا الله محمَّدٌ رسولُ الله». قال البزار : لا نعلمه عن أبي ذرّ إلا بهذا الإسناد». قلت: وهو ضعيف.

ورواه ابن دريد من حديث علي عليه السلام بإسناد ضعيف.

أحاديث التفسير

۳۹۳

ورواه ابن شاهين في «الجنائز) من "الترغيب"، والواحدي في "تفسيره"

من طريق محمد بن مروان السُّدِّي الصغير، عن أبان، عن أنس مرفوعا أيضًا

وسنده واه.

وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ [الكهف: ٨٦]: روى أحمد، وابن أبي شيبة وأبو داود وأبو يعلى من طريق سفيان بن حسين، عن الحكم بن عتبة، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذرّ قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على حمارة والشمس عند غروبها فقال: «هل تَدْرِي أين تَغْرُبُ

هذه؟» قلتُ: الله ورسوله أعلم. قال: «فَإِنَّهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حامية». هذا حديث شاذ يُخالف ما رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر قال: كنتُ مع رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم والشمس عند الغروب فقال: «يا أبا ذَرِّ أَتَدْرِي أين تَغْرُبُ الشَّمْسُ ؟»، قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنَّها تَذْهَبُ حتَّى تَسْجُدَ تحت العَرْشِ، فَتَستأذِنَ فيُؤذَنُ لها ويُوشِكُ أَن تَسْجُدَ، فَلا يُقْبَلَ منها، وتستأذن فلا يُؤْذَنَ لها يُقالُ لها ارْجِعِي مِن حيث جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِن

مغربها ...». مَغْرِبِها... إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الكهف: ٩٤] روى ابن حبان في "صحيحه" عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «إِنَّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ أقلُّ ما يَتْرُكُ أَحَدُهُمْ لِصُلْبِهِ ألفًا مِن الذُرِّيَّةِ ....

وروى النسائي عن عمرو بن أويس، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يُجامِعون ما شاءوا، ولا يَموتُ

٣٩٤

القرآن الكريم

رَجُلٌ منهم إِلَّا تَرَكَ مِن ذُرِّيَّتِهِ ألفًا فصاعِدًا».

1

-9

وروى الحاكم في "المستدرك" عن عبدالله بن عمرو ورفعه: «إِنَّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِن وَلِدِ آدَمَ، ولن يموتَ رَجُلٌ منهم إِلَّا تَرَكَ مِن ذُرِّيَّتِهِ أَلْفًا فَصاعِدًا». فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ) ، اتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصدفين قال أنفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ وَاتُونِي أَفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴾ [الكهف: ٩٥ - ١٩٦: روى الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: ذكر لنا أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله قد رأيتُ سَدَّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ قال: «انْعَتُهُ لي» قال: كالبُرْدِ المُحَبَّر طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال: «قد رَأَيْتُهُ».

ورو

وروى ابن أبي عمر العدني في "مسنده" عن سفيان بن عينة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن رجل من أهل المدينة أنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم رأيت الردم... فذكر مثله.

ورواه الطبراني في "مسند الشاميين وعنه ابن مردويه في "تفسيره" من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، عن رجل، عن أبي بكرة الثقفي: أنَّ رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم... فذكر مثله إلَّا أنه قال: طريقة حمراء من نحاس وطريقة سوداء من حديدة.

1 - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّتُ الْفِرْدَوسِ نُزُلًا ﴾ [الكهف: ۱۰۷]: روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا سَأَلْتُم الله فاسْأَلُوه الفِرْدَوْسَ فَإِنَّه أعلى الجنَّةِ وأَوْسَطُ الجنَّةِ، وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحمن، ومِنه تَفَجَّرُ أنهارُ الجنَّةِ».

أحاديث التفسير

۳۹۵

-1

سورة مريم

ا قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْنَكِ سَرِيَا [مريم: ٢٤]: الطبراني في "الصغير"، وابن عدي، من طريق أبي سنان سعيد بن سنانٍ، عن أبي إسحاق، عن البراء رضي الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم في قوله تعالى: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْنَكِ سريا ما قال: «السَّرِيُّ : النَّهْرُ». قال الطبراني لم يرفعه عن أبي إسحاق إلَّا أبو سنان، رواه عنه معاوية بن يحي وهو ضعيف. وروى الطبراني، وأبو نعيم في " "الحلية". من طريق أيوب بن نهيك عن عكرمة عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنَّ السَّرِي الذي قال الله تعالى لمريم نَهْرٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَتَشْرَبَ مِنه». وأيوب بن

نهيك ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة.

۲ - يَتأُخْتَ هَرُونَ ﴾ [مريم: ۲۸]: روى مسلم والنسائي والترمذي عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم إلى نجران فقالوا: أرأيتم شيئًا تقرؤنه يَنأُخْتَ هَرُونَ * وبين موسى وعيسى كذا وكذا؟ فلم أدر ما أجيبهم ! فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

هلًا أَخْبَرَتَهم أنهم كانوا يُسَمُّون بأسماء أنبيائهم والصالحين من قبلهم».

وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَة [مريم :۳۹] روى أحمد والشيخان والنسائي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنادٍ: يَا أَهْلَ الجنَّةِ، فَيَشْرَئِئُونَ

٣٩٦

القرآن الكريم

ويَنْظُرُونَ، فيقول: هل تَعرِفُونَ هذا؟ فيقولون: نَعَمْ، هذا المَوْتُ، وكلُّهم قد رَاهُ، ثُمَّ يُنادي: يا أهلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُونَ ويَنْظُرُونَ، فيقول: وهل تَعْرِفُونَ هذا؟ فيقولون: نَعَمْ، هذا المَوْتُ، وكلُّهم قد رَآهُ، فيُذْبَحُ، ثُمَّ يقول: يا أَهْلَ الجنَّةِ خُلُودٌ فلا مَوْتَ َويا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فلا مَوْتَ ثُمَّ قَرَأَ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ

الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ . وأشار بيده إلى الدنيا. يعني أن أهلها في غفلة. - وَرَفَعْنَهُ مَكَانًا عَلِيًّا } [مريم: ٥٧] روى مسلم عن أنس رضي ال الله عنه عن

النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أُتِيتُ بالبُرَاقِ، وهو دَابَّةٌ أَبيضُ طَوِيلٌ فَوقَ الحمار، ودُونَ البَغْلِ، يَضَعُ حافِرَهُ عند مُنتَهَى طَرْفِهِ» قَال: رَكِبْتُهُ حَتَّى أَتيتُ بَيْتَ المقدس ... وذكر عروجه إلى السماوات حتى قال: «ثُمَّ عُرِجَ بنا إلى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فاسْتَفْتَحَ جبريل عليه السَّلام قِيلَ: مَن هذا؟ قال: جبريلُ، قِيلَ: ومن معك؟ قال: محمد، قال: وقد بُعِثَ إليه؟ قال: قد بُعِثَ إليه، ففُتِحَ لنا فإذا أنا بإدريسَ، فَرَحبَ

ودعا لي بخَيْرٍ، قال الله عزَّ وجلَّ: وَرَفَعْنَهُ مَكَانَ عَلِيًّا ... الحديث.

وروى الترمذي عن قتادة في قوله: وَرَفَعْنَهُ مَكَانَ عَلِيًّا ) قال: حدثنا أنس بن مالك: أنَّ نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لما عُرِجَ بي رأيتُ إدريس في السَّماءِ الرَّابعة». قال: هذا حديث حسن صحيح». قال: «وهو عندي مختصر من حديث أنس عن مالك بن صعصعة في المعراج

-فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيَّا [مريم :٥٩] روى الطبراني والبيهقي عن أبي أمامة، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «في وآثام بئران في أسفل جَهَنَّمَ يَسِيلُ فيهما صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ». وقال الحافظ ابن كثير: «حديث منكر».

أحاديث التفسير

۳۹۷

وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: « لو أنَّ صَخْرَةً وزَنَتْ عَشْرَ خَلِفَاتٍ، قُذِفَ بها مِن شَفِيرِ جَهَنَّمَ مَا بَلَغَتْ قَعْرَها سبعين خَرِيفًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلى غَيٌّ وَأَنَامٍ». قِيلَ: وما غَيٌّ وأَثَامٌ؟ قِيلَ: «بِثْرَانِ فِي جَهَنَّمَ، يسيل فيهما صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، وهما اللذان ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: أَضَاعُوا الصَّلَوَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوفَ يَلْقَوْنَ غَيَّا ﴾ [مريم: (٥٩] ، وقوله: وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ

اناما ﴾ [الفرقان: ٦٨] وروي موقوفا على أبي أمامة وهو أصح. 1 - وَإِن مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمَا مَقْضِيا [مريم: ۷۱]: روى ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد، قالوا: حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا أبو صالح غالب بن سليمان، عن كثير بن زيادٍ، عن أبي سُمَيَّة قال : اختلفنا في الوُرُودِ؛ فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن، وقال بعضنا يدخلونها جميعًا ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذينَ اتَّقَوا. فلقيت جابر بن عبدالله فقلت له: إنَّا اختلفنا هاهنا في الوُرُود، فقال تَرِدُونها جميعًا. فقلتُ له إنَّا اختلفنا في ذلك فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن وقال بعضنا يدخلونها جميعا. فأهوى بأصبعيه إلى أذنيه وقال صَمتا! إن لم أكن سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الوُرُودُ الدُّخولُ، لَا يَبْقَى بَرُّ ولا فاجِرُ إِلَّا دَخَلَها فتكون على المؤمنين بَرْدًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم حتّى إنَّ للنَّار - أو

قال لجهنَّمَ - ضَجِيجًا مَن بَرْدِهِمْ، ثُمَّ يُنَجِّي الله الذينَ اتَّقَوا ويَذُرُ الظالمين». ورواه أبو يعلى، والنسائي في "الكنى"، والحكيم الترمذي في «الأصل السادس عشر من نوادر" الأصول"، والبيهقي في «باب النار» من كتاب

۳۹۸

"البعث " :

القرآن الكريم

" كلهم من طريق سليمان بن حرب، عن أبي صالح، عن كثير، عن أبي

سُميَّة. ورجاله ثقات ولذلك حسنه البيهقي.

ورواه الحاكم في "المستدرك " من طريق سليمان، عن أبي صالح، عن كثير عن منيَّة، عن عبد الرحمن بن شيبة، عن جابر به.

وروى الحاكم من طريق المسيب بن واضح قال: سألتُ مُرَّةَ الهمداني عن قوله تعالى وَإِن مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ [مريم: ٧١]، فحدثني أن ابن مسعود حدثهم: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ، ثُمَّ يَصْدُرُونَ بِأَعْمَالِهِمْ فَأَوَّهُمْ كَلَمْعِ البَرْقِ، ثُمَّ كَمَرَ الرِّيحِ، ثُمَّ كَحُضْرِ الفَرَسِ، ثُمَّ كالرَّاكِبِ، ثُمَّ كشَدَّ الرَّحَالِ، ثُمَّ كَمَشْيِهِمْ». قال الحاكم: «إسناده على شرط

مسلم".

قلت: لكن المسيب ليس من رجال مسلم، بل ضعفه الدارقطني وقال: أبو حاتم صدوق: «يُخطئ كثيرًا وإذا قيل له يقبل». ووثقه النسائي وابن حِبَّان

وصحح له عدة أحاديث، فهذا الحديث صحيح على شرط ابن حبان. وروى مسلم وابن ماجه عن أمّ مُبَشِّرِ الأنصارية -رضي الله عنها- أنها سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول عند حفصة: «لا يَدْخُلُ النَّارَ إن شاء اللهُ مِن أَهْلِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ، الذين بايعوا تحتها». فقالت: بلى يا رسول الله . فانتهرها فقالت حفصة: وَإِن مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قد قال الله عزَّ وجلَّ: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا حِييَا

[مریم: ۷۲].

أحاديث التفسير

۳۹۹

وروى الترمذي من طريق إسرائيل عن السُّدِّي قال: سألتُ مُرَّة الهمداني عن قول الله صلى الله عليه وسلم وَإِن مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا .. فحدَّثني أنَّ عبد الله بن مسعود حدثهم قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ ثُمَّ يَصْدُرُونَ مِنها بأَعْمَالِهِمْ، فَأَوَهُمْ كَلَمْحِ البَرْقِ، ثُمَّ كَالرِّيحِ، ثُمَّ كَحُضْرِ الفَرَسِ، ثُمَّ كَالرَّاكِبِ فِي

رَحْلِهِ، ثُمَّ كَشَدَّ الرَّجُلِ، ثُمَّ كَمَشْيِهِ قال الترمذي: «هذا حديث حسن». ورواه شعبة عن السُّدِّيّ ولم يرفعه، ثُمَّ أخرج من طريق يحي بن سعيد: نا شعبة، عن السُّدِّي، عن مُرَّة، عن عبد الله: وَإِن مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا » قال: يردونها ثُمَّ يَصْدُرُونَ عنها بأعمالهم.

ومن طريق عبدالرحمن بن مهدي عن شعبة، عن السدي بمثله. قال

مرة

عبدالرحمن قلت لشعبة: إنَّ إسرائيل حدثني عن السُّدِّيّ، عن . عبدالله، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم. قال شعبة: وقد سمعت من

السُّدِّي مرفوعا ولكني أدعه عمدًا.

قلت: كأن شعبة يُرجح وقفه.

يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفَدًا ﴾ [مريم: ٨٥]: قال أبو بكر بن أبي داود في كتاب "البعث " : حدثنا عباد بن يعقوب: ثنا محمد بن فضيل، عن عبدالرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي عليه السَّلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في قوله: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفَدًا قال : «أما والله ما يُحْشَرُ الوَفْدُ على أَرْجُلِهِمْ، ولا يُسَاقُونَ سَوْقًا، ولكنَّهم يُؤْتَوْنَ بِنُوقٍ لم يَرَ الخَلَائِقُ مِثلها، عليها رِحَالُ الذَّهَبِ ، وأَزِمَّتُها الزَّبَرْجَدُ، فيركبون عليها

٤٠

القرآن الكريم

حتَّى يَضْرِبوا أبواب الجنَّةِ».

ورواه ابن أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند"، والطبري، وابن أبي حاتم من طريق عبدالرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي عليه السلام به. وعبدالرحمن ضعيف، ورواه ابن عدي في "الكامل" عن ابن عباس

-رضي الله عنهما - مرفوعًا، وإسناده ضعيف أيضًا.

-A

ا :

لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ [مريم: ۸۷]: قال

الثعلبي في "تفسيره" روى أبو وائل، عن ابن مسعود رضي ! الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه ذات يوم: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُم أَن يَتَّخِذَ كلَّ صباح ومساء عند الله عَهْدًا؟» قالوا وكيف ذلك؟ قال: «يقول كل صباح ومساء: اللهم فاطِرَ السَّمواتِ والأرضِ عالمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ إِنِّي أَعْهَدُ إليك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأنَّ محمَّدًا عَبْدُكَ ورَسُولك وأنَّك إن تكلني إلى نَفْسِي تُقَرِّبْني مِن الشر وتُباعِدْنِي من الخير، وإنِّي لا أثقُ إِلَّا برحمتك، فاجعل لي عندك عَهْدًا تُوفِّينيه يومَ القِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الميعاد. فإذا قال ذلك طُبعَ عليه بطابع ووُضِعَ تحتَ العَرْشِ، فإذا كان يومَ القيامَةِ نادى مُنادٍ: أين الذين لهم عند الرحمن عَهْدٌ فَيَدْخُلُون الجنَّة».

وروى ابن مَرْدُويَه في تفسير سورة الأحزاب) من طريق عون بن عبدالله عن رجل من بني سليم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «العَهْدُ أن تقول: اللهمَّ فاطِرَ السَّماواتِ والأَرضِ عالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ إِنِّي أَعْهَدُ إليك بأنّي أشهد أنه لا إله إلا أنت، وحَدْكَ لا شَريكَ لك،

أحاديث التفسير

وأَنَّ محمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسولُك».

٤٠١

إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم: ٩٦] روی مسلم والترمذي عن أبي هريرة: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا أحبَّ اللَّهُ عَبْدًا نادَى جبريل: أنّي قد أَحْبَبْتُ فُلانَا فَأحِبَّه، فيُنَادِي فِي

السَّماءِ، ثُمَّ تَنْزِلُ له المَحَبَّةُ في الأَرضِ فذلك قوله: سَيَجْعَلُ هُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا .

سورة طه

1 - وَأَقِمِ الصَّلَوَةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: ١٤]: روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن نَسِيَ صَلاةٌ

فليصلها إذا ذَكَرَها فإنَّ الله تعالى قال: وَأَقِمِ الصَّلَوَةَ لِذِكْرِي .

وفي رواية للبخاري عن أنس -رضي الله عنه - مرفوعًا: «مَن نَسِيَ صَلاةً أو نامَ عنها فكفَّارَتُها أَن يُصَلِّيَها إِذا ذَكَرَها وَأَقِمِ الصَّلَوَةَ لِذِكْرِي .

وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَنَى [طه: ٦٩]: روى ابن أبي حاتم والترمذي عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: إذا وَجَدُتْم السّاحِرَ فَاقْتُلُوه» ثُمَّ قرأ: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى قال: «لا

يؤمن حيثُ وُجِدَ». حديث ضعيفٌ.

فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾ [طه: ١٢٤]: روى البزار عن أبي هريرة، عن

النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في قوله: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا قَالَ: «عَذَابُ

٤٠٢

القرآن الكريم

القبر» وإسناده جيد.

وروى أبو يعلى، وابن حِبَّان في "صحيحه" واللفظ له، من طريق دراج عن ابن حُجَيْرةَ، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنَّ المُؤمِنَ فِي قَبْرِهِ لفي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، ويُرْحَبُ لَه قَبْرُهُ سبعون ذِرَاعًا، ويُنَوَّرُ له كالقَمَرِ ليلةَ البدرِ أتدرون فيَا أُنزِلَتْ هذه الآية: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا

وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: ١٢٤ ] تَدْرُونَ مَا المَعِيشَةُ الضَّنْكَةُ؟». قالوا: الله ورسوله أعلمُ قال : عَذَابُ الكافِرِ في قَبْرِهِ، والذي نَفْسِي بيدِهِ، إنَّه يُسَلَّطَ عليه تِسْعَةٌ وتسعون تِنّينا، أتدرون ما التَّنْينُ ؟ سبعون حَيَّةٌ، لكلَّ حَيَّةٍ سبع رُءُوسِ يَلْسَعُونه، ويَخْدِشُونه إلى يومِ القِيامَةِ».

سورة الأنبياء )

وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ ﴾ [الأنبياء: ٣٠]: روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله أنبئني عن كلِّ شيءٍ قال: «كُلُّ

شيءٍ خُلِقَ مِن الماء».

عن

عائشة

وَنَضَعُ الْمَوَزِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَمَةِ ﴾ [الأنبياء: ٤٧]: روى أحمد والترمذي

رضي الله عنه: أنَّ رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جلس بين يديه فقال: يا رسول الله إِنَّ لِي تَملُوكِين يُكَذِّبونني ويخونونني ويعصونني، وأضربهم وأشتمهم، فكيف أنا منهم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يُحْسَبُ ما خَانُوكَ وعَصَوْكَ وَيُكَذِّبُونَكَ وَعِقابُكَ إِيَّاهُمْ. فَإِن

أحاديث التفسير

٤٠٣

كان عِقَابكَ إِيَّاهم دُونَ ذُنُوبِهِمْ كان فَضْلا لك عليهم، وإن كان عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بقَدْرِ ذُنُوبِهِم كان كَفَافًا، لا لك ولا عليك، وإن كان عِقابُكَ إِيَّاهم فوق ذُنُوبِهِمْ اقْتُصَّ لهم مِنكَ الفَضْلُ الذي بَقِيَ قِبَلَكَ ». فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ويهتف. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مالك؟ ما تقرأ كتاب الله؟ وَنَضَعُ الْمَوَزِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَمَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بنا حسين [الأنبياء: ٤٧]. رجال إسناده ثقات.

وَنَجَيْنَهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَرَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: ۷۱]: روى الخطيب أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المقدسي المعروف بابن الواسطي في كتاب "فضل بيت المقدس" عن طريق غالب بن عبدالله، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعا: «الأنهار كلُّها والسَّحابُ والبحارُ والرِّياحُ مِن

تحت صَخْرَة بيتِ المَقْدِسِ». غالب متروك، والحديث ضعيف جدا.

٤

- فَأَسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَيْنَهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ تُ فِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: : روى الترمذي والحاكم من طريق إبراهيم بن محمد بن سعد، عن أبيه، عن جده سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «دَعُوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بَطْنِ الحَوتِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّلِمِينَ ﴾ [الأنبياء: ۸۷) فإنَّه لم يَدْعُ بها رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شيءٍ قَطُّ إلى

اسْتُجِيبَ له».

ورواه الحاكم من طريق كثير بن زيد عن المطلب بن حنطب، عن

٤٠٤

القرآن الكريم

مصعب بن سعد، عن أبيه، ومن طريق معتمر بن سليمان، عن مَعْمَرٍ، عن

الزهري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن سعد أيضا.

ه إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا واردون [الأنبياء: ۹۸]: أخرج ابن مردويه والواحدي من طريق أبي رزين،

عن أبي يحيي عن ابن عباس قال: لما نزلت إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دون الله الآية، شقّ ذلك على قريش وقالوا: يَشْتُمُ آلهتنا. فجاء ابن الزِّبَعْرَى وقال: يا محمد هذا شَتْم لآلهتنا خاصَّةً أم لكل من عُبد دون الله؟ قال: «لكل مَن عُبد دون الله». قال : خصمتك ورب الكعبة، أليس اليهود عبدوا عُزيرا، والنصارى عبدوا المسيح، وبنو مليح عبدو الملائكة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ كلَّ مَن أحبَّ أن يُعْبَدَ مِن دون الله فهو مَعَ مَن عَبَدَهُ، إِنَّهُم إِنَّا يَعْبُدُون الشَّياطين».

سورة الحج

روى أبو داود في "المراسيل"، والبيهقي، عن خالد بن معدان: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فُضَّلَتْ (سورة الحج) على القُرآنِ بِسَجْدَتين». وروى أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي في "السنن" عن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله، أفضّلت (سورة الحج) على سائر القرآن بسجدتين؟ قال: «نَعَمْ، فَمَن لم يَسْجُدُهُما فَلا يَقْرَأَهُما».

- يَتَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِن زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ عَظِيمُ [الحج: ١: روى أحمد والشيخان وابن جرير والبيهقي في "الأسماء والصفات" عن

أحاديث التفسير

٤٠٥

أبي سعيد الخدري قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «يقولُ اللهُ يومَ القِيامَةِ: يا آدمُ، ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ فيقولُ : يارَبِّ ومَا بَعْثُ النَّارِ ؟ فيقولُ: مِن كُلَّ ألف تسعمائةٌ وتِسْعَةٌ وتِسْعُون، فعند ذلك يَشِيبُ الوَلِيدُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمَلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَرَى وَمَا هُم بِسُكَرَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدُ ان [الحج: ٢] قال : فشَقَّ ذلك على النَّاسِ :فقالوا: يا رسول الله فأينا ذلك الواحد فقال: «يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ أَلْفُ ومِنكم واحِدٌ، وهل أنتم في الأُمَمِ إِلَّا كالشَّعْرَةِ السوداء في الثور الأبيض، أو كالشَّعْرَةِ البيضاء في النَّور الأسود».

يَتَأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْتَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ تُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ﴾ [الحج: ٥]:

روى أحمد والشيخان وأصحاب السنن والأربعة عن ابن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وهو الصادق المصدوق: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمَّهِ أربعين يومًا، ثُمَّ يكون في ذلك عَلَقَةٌ مِثلَ ذلك، ثُمَّ يكون في ذلك مُضْغَةً مِثلَ ذلك، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بأربع كلمات: بكَتُبِ رِزْقِهِ، وأَجَلِهِ، وعَمَلِهِ، وشَقِيٌّ أو سَعِيدٌ، فوالذي لا إِلَهَ غيره إِنَّ أَحَدَكُمْ لِيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهلِ الجنَّةِ حَتَّى ما يكون بينه وبينها إِلَّا ذِراعٌ، فَيَسْبِقُ عليه الكتاب، فيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ، فيدخُلُها، وإِنَّ أَحَدَكُمْ لِيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حتَّى ما يكون بينه وبينها إلَّا ذِراعٌ، فيَسْقُ عليه الكتابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهلِ الجنَّةِ فَيَدْخُلُها ».

وروى ابن جرير عن ابن مسعود قال: «إذا وَقَعَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ بَعَثَ اللَّه

٤٠٦

القرآن الكريم

مَلَكًا فقال : يا رَبِّ، مُخَلَّقَةٌ أو غير مُخَلَّقَةٍ؟ فإن قال: غيرُ مُخَلَّقَةٍ تَجَتْهَا الْأَرْحَامُ دَمًا، وإن قال : مُخَلَّقَةٌ، قال: يا رَبِّ، فما صِفَةُ هذه النُّطْفَةِ: أَذَكَرْ أَم أُنْثَى؟ ما رِزْقُهَا؟ ما أَجَلُهَا؟ أَشَقِيُّ أو سَعِيدٌ؟ قال: فيُقال له: انطَلِقُ إلى أُمَّ الكِتابِ فَاسْتَنْسِخُ مِنه صِفَةَ هذه النُّطْفَةِ قال : فيَنْطَلِقُ المَلكُ فيَنْسَخُها، فلا تزال معه - ، حتّى يأتي على آخِرِ

صفتها.

وَتَرَى الْأَرْضَ هَا مِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن

كل زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُتِي الْمَوْنَ ﴾ [الحج : ٥ - ٦] الآية : روى أحمد في مسنده" عن لقيط بن عامر قال: قلت: يا رسول الله كيف يحي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خَلْقِهِ؟ قال: «أَمَا مَرَرْتَ بوادي أَهْلِكَ تَحْلا؟» قال: بلى، قال: «أَمَا مَرَرْتَ به يَهْتَزُّ خَضِرًا؟» قال: بلى قال: «ثُمَّ مَرَرْتَ بِه تَحْلا؟»

قال: بلى قال: «فكذلك يُحيي الله الموتى».

- وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرُ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ﴾ [الحج: ١١]: روى ابن مردويه مِن طريق عطية عن أبي سعيد قال: أسلم رجلٌ من اليهود فذهب بَصَرُهُ وماله وولده فتشاءم بالإسلام، فأتى النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال: أقلني. فقال: «إنَّ الإسلامَ لا يُقالُ» فقال: لم أصب في ديني هذا خيرا؛ ذهب بصري ومالي ومات ولدي . فقال يا يهودي، الإسلامُ يَسْبِكُ الرِّجالَ كما تَسْبِكُ النَّارُ خَبَثَ الحَدِيدِ والذَّهَبِ والفِضَّةِ ونزلت الآية.

ه قوله تعالى: يُطْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴾ [الحج: ٢٠]: روى

أحاديث التفسير

٤٠٧

الترمذي والحاكم وصححاه عن أبي هريرة أنه تلا هذه الآية فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يقول: «إِنَّ الحَميمَ لِيُصَبُّ على رُءُوسِهِمْ فيَنْفُذُ الجُمْجُمَةَ حَتَّى يَخْلُصَ إلى جَوْفِهِ فَيَسْلِتُ مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يُمَزِّقَ قَدَمَيْهِ

وهو الصَّهْرُ، ثُمَّ يُعاد كما كان».

-

وَلَهُم مَّقَمِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ [الحج: (۲۱) روى أحمد والحاكم وصححه، والبيهقي في "البعث" عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لو أنَّ مِقْمَعًا مِن حَدِيدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ فَاجْتَمَعَ له الثقلان ما أقلوه مِن الأَرضِ، ولو ضُرِبَ الجَبَلُ بِمَقْمَعٍ مِن حَدِيدٍ لَتَفَتَّتَ ثُمَّ عَادَ كما

كان.

وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ [الحج: ۲۳] روى الشيخان عن عمر قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن لَبِسَ الحريرَ فِي الدُّنيا لم يَلْبَسْهُ فِي

الآخِرَةِ . وروى النسائي وابن حِبَّان والحاكم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن لَبِسَ الحرير في الدُّنيا لم يَلْبَسُهُ في الآخِرَةِ وإِن دَخَلَ الجنَّةَ لَبِسَهُ أهل الجنَّةِ ولم يَلْبَسْهُ».

٦ - بيان صحيح الأقاويل

في تفسير آية بني إسرائيل

بيان صحيح الأقاويل

٤١١

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد، وآله الأكرمين.

وبعد: فإن بعض المعاصرين فسَّروا آية بني إسرائيل» بما هو بعيد عن معناها، ولا يجوز أن يُنسب إلى أنه المراد منها، بل هو من بدع التفاسير التي يجب اجتنابها وتنزيه كلام الله عنها، ولذلك كتبتُ هذا الجزء لبيان تفسير الآية تفسيرًا صحيحًا، موافقا لما دلت عليه، ومطابقا لما أخبرت عنه، حسبما ذكره المفسرون من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، والله الموفق والهادي، وعليه

اعتمادي.

٤١٢

القرآن الكريم

أقوال المفسرين في تفسير «آية بني إسرائيل»

قال الله تعالى: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَاءِيلَ فِي الْكِتَبِ لَنُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَ عُلُوا كَبِيرًا ) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شدِيد فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِوَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ثُمَّرَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْتَكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا المَسجِد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِتَبِرُوا مَا عَلَوْا تَبِيرًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَفِرِينَ حَصِيرًا [الإسراء: ٤-٨]

قوله تعالى: لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ : عن عطية العوفي قال: «أفسدوا المرة الأولى فبعث الله عليهم جالوت فقتلهم، وأفسدوا المرة الثانية فقتلوا يحيى بن

زكريا عليهما السَّلام، فبعث الله عليهم بختنصر». أخرجه ابن أبي حاتم. وقال ابن عباس : بعث الله عليهم في الأولى جالوت، فجاس خلال ديارهم وضرب عليهم الخراج والذلّ، فسألوا الله أن يبعث إليهم ملكًا يقاتلون في سبيل الله، فبعث الله طالوت فقتل جالوت، فنصر بنو إسرائيل، وقتل جالوت بيدي داوود عليه السَّلام، ورجع إلى بني إسرائيل ملكهم، فلما أفسدوا بعث الله عليهم في المرة الآخرة بُخْتُنَصَّرَ ، فخرَّب المسجد وتبر ما عَلَوا تتبيرًا، قال الله بعد الأولى والآخرة : عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُمْ عُدْنَا صلى الله عليه وسلم قال: فعادوا فسلط الله عليهم المؤمنين». رواه ابن جرير في "تفسيره". وقال قتادة: «أما المرة الأولى فسلّط عليهم جالوت حتى بعث طالوت مَلِكًا

بيان صحيح الأقاويل

٤١٣

ومعه داود، فقتله داود ثُمَّ ردَّ الكرة لبني إسرائيل وَجَعَلْنَكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ) أي : عدَدًا، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ آخر العقوبتين وَلِيَسْكُنُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ قال : ليقبحوا وجوهكم وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ قال : كما دخل عدوهم قبل ذلك وَلِتَبِرُوا مَا عَلَوْا تَبِيرًا قال: يدمروا ما عَلَو تدميرًا، فبعث الله عليهم في الآخرة بختنصر البابلي المجوسي، أبغض خلق الله إليه، فسبى

وقتل وخرب بيت المقدس وسامهم سوء العذاب». رواه ابن جرير.

وقال ابن زيد في الآية: كانت الآخرة أشد من الأولى بكثير، فإنَّ الأولى كانت هزيمة فقط، والآخرة كانت تدميرًا، وحرق بختنصر التوراة، حتى لم

يترك فيها حرفًا واحدا، وخرب بيت المقدس». رواه ابن جرير.

وقال الضَّحَّاك في قوله تعالى: عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ : «كانت الرحمة التي وعدهم : بَعْثُ محمَّد صلَّى الله عليه وآله وسلّم». رواه ابن أبي حاتم في تفسيره.

وقال قتادة : وَإِنْ عُدتُمْ عُدْنَا : فعادوا فبعث الله عليهم محمدا صلى الله عليه وآله وسلَّم، فهم يعطون الجزية». رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم في

تفسيرهما.

.

وكذا قال المفسرون: إنَّ المرتين وقعتا قبل البعثة المحمدية لم يختلفوا في ذلك، وإنما اختلفوا فيمن سُلّط عليهم بسبب الإفسادين، ونقل كلامهم يطول، فلينظره من أراده في كتب التفسير الآتية: "تفسير ابن جرير" بر"، و"ابن عطية"، و" الزمخشري"، و"القرطبي"، و"البيضاوي"، و"النسفي"، و"أبي حَيَّان"، و"ابن جُزَيَّ"، و"أبي السُّعود" ، و" السيوطي"، و"الجلالين"، و"حاشية

٤١٤

القرآن الكريم

الجمل على الجلالين".

وآثرت أن أنقل كلام شيخنا بالإجازة العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره، قال رحمه الله: «والقضاء بمعنى الحكم وهو التقدير، ومعنى كونه في الكتاب: أنَّ القضاء ذُكِر في الكتاب، والمراد بالكتاب: التوراة، والتعريف للعهد، لأنه ذُكِر آنفًا ويجوز أن يكون الكتاب: بعض كتبهم الدينية. فتعريف الكتاب تعريف الجنس، وهو الأسفار المسماة بكتب الأنبياء: "أشعياء"، و"أرمياء"، و "حزقيال" ، و "دانيال" ، وهي في الدرجة الثانية من التوراة، وكذلك كتاب "النبي ملاخي والإفساد مرتين ذُكر في كتاب "أشعياء"، وكتاب "أرمياء" ، وأولى المرتين مذكورة في كتاب "أرمياء" في

الإصحاح الثاني، والإصحاح الحادي والعشرين وغيرهما.

ويجوز أن يكون المراد بالكتاب التوراة وكتب الأنبياء، ولذلك أيضًا وقع الإظهار دون الإضمار، وجملة النفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ إلى قوله:

حَصِيرًا مُبيِّنَةٌ الجملة : وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَاءِيلَ فِي الْكِتَبِ . وهذه الآية تُشير إلى حوادث عظيمة بين بني إسرائيل وأعدائهم من أُمتين عظيمتين حوادث بينهم وبين ،البابليين وحوادث بينهم وبين الرومانيين. فانقسمت بهذا الاعتبار إلى نوعين: نوع منهما تندرج فيه حوادثهم مع البابليين، والنوع الآخر حوادثهم مع الرومانيين، فعبر عن النوعين بمرتين لأنَّ كل مرة

منهما تحتوي على عدة ملاحم.

فالمرة الأولى .

هي

مجموعة حوادث متسلسلة تُسمى في التاريخ: بالأسر

بيان صحيح الأقاويل

٤١٥

البابلي، وهي غزوات بختنصر ملك بابل وآشور لبلاد أورشليم، والغزو الأول كان سنة (٦٠٦) قبل المسيح)، أَسَرَ جماعاتٍ كثيرةً من اليهود، ويُسمَّى الأسر الأول ، ثُمَّ غزاهم أيضًا غزوا يُسمَّى الأسر الثاني، وهو أعظم من الأول

كان سنة (٥٠٨ قبل المسيح، وأسر ملك يهوذا، وجمعا غفيرا من الإسرائيليين، وأخذ الذهب الذي في هيكل سليمان وما فيه من الآنية النفيسة، والأسر الثالث المبير سنة (٥٥٨ قبل المسيح)، غزاهم بختنصر وسبى كل شعب يهوذا، وأحرق هيكل سليمان، وبقيت أورشليم خرابا يبابا، ثُمَّ أعادوا تعميرها كما

سيأتي.

ثمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَكُمْ أَكْثَرَ

نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا . «ثُمَّ»: تفيد التراخي الرتبي والتراخي الزمني معا، و«الكرة»: الرجعة إلى المكان الذي ذهب منه.

وذلك أن بني إسرائيل بعد أن قَضَوا نيفًا وأربعين سنةً في أسر البابليين، وتابوا إلى الله، سلط الله ملوك فارس على ملوك بابل الآشوريين، فإنَّ الملك كورش ملك فارس حارب البابليين وهزمهم . ، فضعف سلطانهم، ثُمَّ نزل بهم داريوس ملك فارس ، ففتح بابل سنة (٥۳۸ قبل المسيح)، وأذن لليهود في سنة (٥٣٠ قبل المسيح أن يرجعوا إلى أورشليم ويُحدثوا دولتهم، وذلك نصر انتصروه على البابليين، إذ كانوا أعوانًا للفرس عليهم، والوعد بهذا النصر ورد

(۱) هو ذو القرنين، ويقال له: غوروش

٤١٦

القرآن الكريم أيضًا في كتاب "أشعياء" في الإصحاحات العاشرة، والحادي عشر، والثاني عشر، وغيرها، وفي كتاب "أرمياء" في الإصحاح الثامن والعشرين، والتاسع والعشرين.

وقوله: ﴿وَأَمْدَدْنَكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ) هو من جملة المقضي الموعود به. ووقع في الإصحاح التاسع والعشرين من كتاب "أرمياء": هكذا قال الرب إله بني إسرائيل لكل السَّبي الذي سبيته من أورشاليم إلى بابل: ابنوا بيوتا واسكنوا واغرسوا جنات وكلوا ثمرها، خذوا نساء ولدوا بنين وبنات، وأكثروا هناك ولا تقلوا».

وقوله: ﴿وَإِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا من جملة المَقْضِيُّ في الكتاب، وهو حكايةٌ لما في الإصحاح التاسع والعشرين من كتاب " أرمياء": «وصلُّوا لأجلها إلى الربِّ لأنه بسلامها يكون لكم السلام». وفي الإصحاح الحادي والثلاثين: يقول الرب : ازرع بيت إسرائيل وبيت يهوذا، ويكون كما سهرت عليهم للاقتلاع والهدم والقرض والإهلاك، كذلك أسهر عليهم بالبناء والغرس في تلك الأيام، لا يقولون: الآباء أكلوا حِصْرِمًا وأسنان الأبناء ضَرِست، بل كل واحد يموت بذنبه، كل إنسان يأكل الحصْرَم تَضرس

أسنانه».

ومعنى إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكة : أننا نرد لكم الكرة لأجل التوبة وتجدد الجيل، وقد أصبحتم في حالة نعمة، فإن أحسنتم كان جزاؤكم حسنا، وإن أسأتُم أسأتُم لأنفسكم، فكما أهلكنا من قبلكم بذنوبهم، فقد

بيان صحيح الأقاويل

٤١٧

أحسنًا إليكم بتوبتكم، فاحذروا الإساءة كي لا تصيروا إلى مصير من قبلكم. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسْنُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِتَبِرُوا مَا عَلَوْا تَثْبِيرًا )) عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَفِرِينَ حَصِيرًا ( هذا الكلام من بقيَّة ما قُضي في الكتاب بدليل تفريعه بالفاء، والآخرة ضد الأولى، ولم يعدهم الله في هذه المرة إلا بتوقع الرحمة دون رد الكرة، فكان إيماءا إلى أنهم لا مُلك لهم بعد هذه المرة، وبهذا يتبيَّن أنَّ المشار إليه بهذه المرة الآخرة هو ما اقترفه اليهود من المفاسد والتمرد، وقتل الأنبياء والصالحين والاعتداء على عيسى وأتباعه، وقد أنذرهم النبيُّ ملاخي في الإصحاحين الثالث والرابع من كتابه وأنذرهم زكريا ويحيى وعيسى

عليهم السلام، فلم يرعووا فضربهم الله الضربة القاضية بيد الرومان. وبيان ذلك: أنَّ اليهود بعد أن عادوا إلى أورشاليم وجدَّدوا ملكهم ومسجدهم في زمن داريوس، وأطلق لهم التصرف في بلادهم التي غلبهم عليها البابليون، وكانوا تحت نفوذ مملكة فارس فمكثوا على ذلك مائتي سنة من سنة ( ٥٣٠ إلى سنة ۳۳٠) قبل المسيح ، ثُمَّ أُخذ ملكهم في الانحلال بهجوم البطالسة ملوك مصر على أورشاليم، فصاروا تحت سلطانهم إلى سنة (١٦٦ قبل المسيح)، إذ قام قائد من بني إسرائيل اسمه ميثيا، وكان من اللاويين، فانتصر لليهود وتولى الأمر عليهم، وتسلسل الملك بعده في أبنائه في زمن ملئ بالفتن إلى سنة أربعين قبل المسيح دخلت المملكة تحت نفوذ الرومانيين، وأقاموا عليها أمراء من اليهود كان أشهرهم هيرودس، ثُمَّ تمردوا للخروج على

٤١٨

القرآن الكريم

الرومانيين، فأرسل قيصر رومية القائد سيسيانوس مع ابنه القائد طيطوس بالجيوش، في حدود سنة أربعين بعد المسيح، فخربت أورشليم واحترق المسجد، وأسر طيطوس نيفًا وتسعين ألفا من اليهود، وقتل من اليهود في تلك الحروب نحو ألف ألف، ثُمَّ استعادوا المدينة، وبقي منهم شرذمة قليلة بها إلى أن وافاهم الإمبراطور الروماني أدريانوس فهدمها وخربها، ورمى قناطير الملح على أرضها كي لا تعود صالحة للزراعة وذلك سنة (١٣٥ بعد المسيح). وبذلك انتهى أمر اليهود وانقرض وتفرَّقوا في الأرض، ولم تخرج أورشليم من حكم الرومان إلا حين فتحها المسلمون في زمن عمر بن الخطاب سنة (١٦

هجرية) صلحًا مع أهلها، وهي تسمَّى يومئذ إيلياء». اهـ مُلخصا.

وإنما آثرته على غيره من التفاسير لأنه حرَّر الكلام على المرتين وما ترتب عليها، بما نقله عن كتب أنبياء بني إسرائيل، وهي موافقة لمعنى الآية وموضّحة لما فيها، مع بيان تاريخ المرتين، بما لا يدع مجالا للشك في أنَّ ما قُضِيَ إلى بني إسرائيل

في الكتاب قد حصل قبل ظهور الإسلام بمدة لا تقل عن ثلاث مائة سنة. إذا علم هذا، فاتجاه بعض المعاصرين الآن لتفسير الإفساد مرتين باحتلال خطا اليهود لفلسطين وحربهم للعرب واضح، وقد رأيت رسالة للدكتور السيد إدريس الكتاني اسمها: العرب تحت وطأة الإفساد الأول لبني إسرائيل"، خطأ المفسرين فيما ذهبوا إليه، وزعم أنَّ الآية تُشير إلى حالة اليهود اليوم، وأنَّ هذا من إعجاز القرآن ويزعم أنَّ الإفساد الثاني سيأتي –طال الزمان أو قصر - فيه ينتصر المسلمون.

بيان صحيح الأقاويل

٤١٩

وأقول: إعجاز القرآن ثابت بالأدلة العقلية والنقلية، ولا حاجة إلى إثباته

إعجاز القرآن أنَّ

بهذه الآية، وقد أبدى كثير من الناس آراء فجَّةٌ في بعض الآيات، وزعموها من مع القرآن غني عن مزاعمهم، ودعوى أنَّ المسلمين سينتصرون بعد الإفساد الثاني مجرَّد أمل يدور بخُلدِ قائله، وليس في الآية

إشارة إليه.

ورغم ما أبداه السيد إدريس الكتاني لتأييد رأيه فإنه باطل، وبيان بطلانه

من وجوه

الأول: أنَّ الله تعالى أخبر اليهود بما قضى إليهم في الكتاب، حين كان دينهم صحيحًا وشريعتهم قائمة أنهم سيخالفونها بإفسادهم، ويعاقبهم بتسليط أعداء لهم ليس لهم دين. الثاني: أنَّ الله تعالى أخبر عنهم أنهم قتلوا الأنبياء والصالحين، وهذا أعظم الإفساد بلا شك، وفي الحديث الصحيح: «لَزَوالُ الدنيا أهون على الله مِن قتلِ رجل مسلم. فكيف بقتل الأنبياء والصالحين؟!

الثالث: أن أنبياء بني إسرائيل أنذروهم بإفسادهم الذي حصل مرتين،

وبالعقوبة عليهما، وهذا الإنذار الذي وقع من الأنبياء كان بوحي إلهي. الرابع: أنَّ الله قال لهم عقب المرة الأولى: ﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأنفسكم وهذا دليل على أنهم كانوا حينئذ متمسكين بدين صحيح، وهم الآن كفَّار مغضوب عليهم، لا يتصوّر منهم إحسان عمل، ولو أمكن وقوعه

لا يُقبل منهم.

٤٢٠

القرآن الكريم

الخامس: أنَّ الله تعالى ترجى لهم الرحمة عقب المرة الآخرة بقوله: عَسَى ربُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وهذا يدلُّ على أنهم كانوا إذ ذاك على أمل أن تنالهم رحمة الله تعالى لتمسكهم بدين موسى عليه السَّلام، أما الآن فلا يمكن ولا يجوز أن يتوجه هذا الخطاب إليهم؛ لأنهم كُفَّارٌ آيسون من الرحمة، على أنَّ الضَّحَّاك قال في تفسير هذه الآية: «كانت الرحمة التي وعدهم: بَعْثَ محمَّدٍ صَلَّى الله عليه وآله وسلم». رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره".

السادس: قول الله تعالى لهم في المرّة الآخرة: ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ، يفيد أنهم

محمدا

إن عادوا مرة ثالثة يعاقبهم الله. قال قتادة: «فعادوا فبعث الله عليهم : صلى الله عليه وآله وسلَّم، فهم يعطون الجزية». رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم

في تفسيريهما. السابع: أن الإفساد حصل من بني إسرائيل، وعوقبوا عليه، وسجّله التاريخ وإنذارات أنبيائهم، فكيف يزعم زاعمون أنَّ الإفساد المذكور في الآية لم يحصل إلا في هذا العصر ؟! جرأة غريبة لم يسبق لها نظير !!

الثامن: أنَّ قول الله تعالى: بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادَا لَنَا لا يفيد أنهم مسلمون؛ لأن الخلق كلُّهم عباد الله ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادُ

أَمْثَالُكُمْ ﴾ [الأعراف: ١٩٤]، وقال: إن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ﴾ [المائدة: ۱۱۸] قُل مَن حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ ﴾ [الأعراف: ۳۲] لَأَتَّخِذَنَ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [النساء: ۱۱۸] وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوقَ عِبَادِهِ ﴾ [الأنعام: ۱۸] ذَلِكَ

بيان صحيح الأقاويل

٤٢١

هدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [الأنعام: ۸۸] وإنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ

يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبادِهِ ﴾ [الأعراف: ۱۲۸] والآيات في هذا كثيرة. التاسع: أن الله تعالى أعطى لأمَّتِنا المحمدية استما خاصا بها، فقال سبحانه: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّنكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا } الآية. [ الحج : ۷۸] قال ابن عباس: هُوَ سَمَّنكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ : الله عزَّ وجلَّ سماكم. وعن مجاهد: هُوَ سَمَّنكُمُ الْمُسْلِمِينَ } قال: الله عز وجل سماكم، ومن

قبل في الكتب كلها، وفي الذكر، وَفِي هَذَا قال : القرآن. وعن سفيان: هُوَ سَمَّنكُمُ الْمُسْلِمِينَ ) قال : الله عز وجل، من قبل

قال: في التوراة والإنجيل، وَفِي هَذَا ، قال : القرآن. وعن ابن زيد في الآية قال: «لم يذكر الله بالإسلام والإيمان غير هذه الأمة،

ذكرت بهما جميعًا، ولم يُسمع بأمَّةٍ ذُكرت بالإسلام والإيمان غيرها».

وروى ابن أبي شيبة في "المصنف"، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" عن مكحول : أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم قال: «تَسمَّى الله باسمين سَمَّى بهما أمتي، هو السلام وسمَّى أمتي المسلمين، وهو المؤمن وسمى أمتي المؤمنين». فالآية والحديث والآثار المذكورة أدلة قاطعة في أنَّ قول الله تعالى: بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا لم يرد به المسلمين ، وإنما أراد قوما حاربوا إسرائيل في ذلك

الزمان.

العاشر: أنَّ قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَا مِنْ بَنِي إِسْرَاءِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ

٤٢٢

القرآن الكريم

قَالُو النَي لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ﴾ [البقرة: ٢٤٦] الآية. إلى

بني

قوله: وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَرِنَا وَأَبْنَابِنَا ﴾ [البقرة: ٢٤٦] صريح في أنَّ إسرائيل غلبوا على أمرهم وأخرِجُوا من ديارهم وأبنائهم بسبب حرب

جالوت رئيس العمالقة لهم ، حتى طَلبوا تعيين ملك لهم يقاتلون معه أعداءهم، فلتكن هذه إحدى المرتين التي أعاد الله لهم فيها الملك وجَعَل داوود عليه السلام - ملكًا عليهم، ولا نَجْزِم بذلك وإن قال به كثير من المفسرين، ولكنه

احتمال قائم. الحادي عشر : قول الله تعالى: وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ

مرة لا يدل على أنهم مسلمون لوجهين:

الأول: أنَّ لفظ المسجد ترجمةٌ عما يُسمَّى عندهم بالكنيسة؛ لأنَّ اللغة العبرية ركيكة، والقرآن العظيم منزّه عن الركاكة في جمله وألفاظه، والمحراب لفظ عربي، والكنيسة وإن كانت مُعرَّبةً ، ثقيلةٌ في السمع، وليس في ألفاظ القرآن ثقل، ألا تراه عبر في قوله تعالى: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ [التحريم: ٤] بالجمع ولم يقل قلباكما، لأنَّ التثنية ثقيلة والجمع أخف منها، وعبر بالجمع في أولي الألباب دون اللب، لثقله في السمع.

الثاني: أن بيت المقدس بناه يعقوب عليه السَّلام بعد بناء جده إبراهيم عليه السلام للبيت الحرام بأربعين عاما، ثُمَّ جدّد بناءه سليمان عليه السلام، وكان اسمه منذ بنائه بيتُ المَقدِس أو المسجد، وتسميته هَيْكلا اسم . حادث

اليهود بعد تجديده.

عند

بيان صحيح الأقاويل

٤٢٣

الثاني عشر : التعبير بالاستقبال في قوله تعالى: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَهُمَا ـ الحقيقة والواقع؛ لأنَّ الله تعالى أخبر أنه قضى ذلك في التوراة، وبين نزولها ووقوع ذلك من بني إسرائيل مدَّةُ طويلةٌ تُسمَّى مستقبلا حقيقةً لا مجازا، فكيف تُلغَى تلك المدة الطويلة التي تزيد على ألف سنة، ويُعتبر الاستقبال ما حصل الآن؟! هذا تَمخُل وتكلُّف شديدان يردهما معنى الاستقبال في اللغة ولما نزلت سورة: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ ﴾ [النصر: ١] في حَجَّة الوداع، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «نُعيّت إلى نفسي، وتُوفِّي بعدها بمدة لا تزيد على سنتين، فكان الاستقبال الذي أفادته إذا حقيقةً.

الثالث عشر : حديث "الصحيحين: «تقاتلكم اليهود فتُسلطون عليهم حتى يقول الحَجَرُ : يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله». بعيد عن آية بني إسرائيل بعد الضب من النون، وإنما هو من الإخبار عن الحوادث التي تقع قرب قيام الساعة، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تقومُ الساعةُ حتّى تقاتلوا قوما نعالهم الشَّعر، وحتى تقاتلوا التُّرْكَ صِغَارَ الأَعْيُنِ، مُحمر الوجوه ذُلْفَ الْأُنُوفِ، كَأَنَّ وجوههم المَجَانُّ

المطرقة». وفيه أيضًا: «لا تقوم حتَّى تُقاتلوا خُوزًا وَكَرْمَان مِن الأعاجم». وحديث قتال الترك ترجم عليه البخاري: «باب قتال الترك» وهو في «كتاب الجهاد».

وحديث مقاتلة اليهود ترجم عليه البخاري: «باب قتال اليهود»، وذكره

أيضًا في باب علامات النبوة»، ورواه مسلم في «كتاب الفتن».

٤٢٤

القرآن الكريم

قال الحافظ في فتح الباري" ما نصه: «في رواية أحمد من طريق أخرى، عن سالم عن أبيه: ينزل الدَّجَّال هذه السَّبْخَةَ - أي خارج المدينة - ثُمَّ يُسلّط الله عليه المسلمين فيقتلون شيعته، حتّى أنَّ اليهودي ليختبئ تحت الشجرةِ والحَجَرِ، فيقول الحجر والشَّجرة هذا يهودي فاقتله». وعلى هذا فالمراد وقوع ذلك إذا خرج الدجال ونزل عيسى، وكما وقع صريحًا في حديث أبي أمامة في قصة خروج الدجال ونزول عيسى وفيه: «وراء الدجال سبعون ألف يهودي، كلُّهم ذو سيف مُحلّى، فيدركه عيسى عند باب لد فيقتله، وينهزم اليهود فلا يبقى شيء مما يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء فقال: يا عبد الله المسلم، هذا

يهودي فتعال فاقتله. إِلَّا الغَرْقَد فإنها مِن شَجَرِهم».

أخرجه ابن ماجة مطولًا، وأصله عند أبي داود، ونحوه في حديث سَمُرَة عند أحمد بإسناد . حسن وأخرجه ابن منده في كتاب الإيمان" من حديث

حذيفة بإسناد صحيح» . اهـ كلام الحافظ.

وأي علاقة بين حديث الدَّجَّال وبين آية بني إسرائيل؟!

وبعد، فقد توقفت مدةً في هذا التفسير المبتدع، بل توقفت في معنى الآية الكريمة نفسها، ولم يظهر لي وجه تفسيرها، وسُئلت مرَّةً عنها فقلتُ: لم يظهر لي وجهها ولم أفهمها ، ثُمَّ بعد تأمُّل وإمعان نظر، تبيَّن لي بوضوح معنى الآية كما فسرها به علماء التفسير، وتبيَّن لي أيضًا أنَّ التفسير الذي ذكره المعاصرون مثل: الشيخ عبدالرحيم ،فوده، والشيخ متولي الشعراوي، والشيخ عبد الحميد واكد، والأستاذ سيد قطب، والسيد إدريس الكتاني، باطل جملة وتفصيلا، وأنَّ إلصاقه بالآية الكريمة تحريفٌ لمعناها وعُدوان على كلام الله سبحانه

بيان صحيح الأقاويل

٤٢٥

وتعالى، ووجدتهم غفلوا عن أمر مهم لو تنبهوا له لما صدر عنهم ذ ذلك التفسير الباطل، ولما كتب السيد إدريس الكتاني رسالته التي سماها: "العرب تحت وطأة الإفساد الأول لبني إسرائيل".

وإيضاح ذلك: أنَّ موسى عليه السَّلام حين بعثه الله إلى بني إسرائيل كانت الوثنية غالبةً على المنطقة التي بعث فيها من البابليين وفارس والكنعانيين والعمالقة والبطالسة، ولم يكن فيهم من يعبد الله ويوحده، بل كانوا مجوسًا، وعباد الكواكب، فلما عرف بنو إسرائيل التوحيد الذي جاء به رسولهم وعبدوا الله كما في شريعتهم، أظهر الله عنايته بهم، وأول ذلك أنه فضلهم على ذلك العالم الوثني، وهو معنى قوله تعالى: يَنبَنِي إِسْرَاءِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِي فَضَلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: ٤٧] (١) و ومن عنايته بهم أنه أنزل عليهم التوراة فيها أحكام وتشريعات تتناسب مع ظروفهم ومجتمعهم، وزاد في تكريمهم لأجل كليمه عليه السَّلام، ووالى عليهم بعث أنبياء منهم في كلّ جيلٍ يرشدونهم ويهدونهم الطريق القويم، ولما يعلمه الله من خبث طينتهم، وفساد

(۱) ومن هنا نشأت عند اليهود عقيدة أنهم شعب الله المختار وهي خطأ؛ لأنَّ الله لم يفضّل جنسًا أو شخصا لذاته، وإنما فضَّله لما عنده من الطاعة والاستقامة، قال تعالى: إن أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَنفسكم ﴾ [الحجرات: ۱۳]، وقال سبحانه: لَيْسَ بِأَمَانِيكُمْ وَلَا أَمَانِي أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾ [النساء: ۱۲۳] وَقَالَتِ الْيَهُودُ والنصري نحنُ ابْنَتَوُا اللَّهِ وَاحِبَلُوهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِبُكُم بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ

[المائدة: ۱۸] .

٤٢٦

القرآن الكريم

طَوِيَّتهم، أنذرهم في التوراة، وفي كُتب الأنبياء بعدها، بما يحصل من المخالفات لهم، وبعقابهم عليها، ومن جملة ما أنذرهم به ما ذكره تعالى في قوله سبحانه: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَاءِيلَ فِي الْكِتَابِ لَنُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ الآية، وكان عقابهم عليهما أن بعث عليهم أعداء وَثَنيين لا يعرفون الله، ولا يخافون عذابه، ولذلك قال : بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا فذكر عبادا تقليلا لشأنهم وتحقيرًا لهم، ولم يكن تنكيرهم لأجل أنهم مؤمنون كما قيل.

واستمر حال اليهود وهم على شريعة موسى - عليه السلام - مدة تزيد على

ألفي سنة، حصل فيها الإفسادان المذكوران في الآية وغيرهما. فلما جاء الإسلام وبُعِث النبيُّ عليه الصَّلاة والسلام، حسدوه وأظهروا عداوته وحاولوا قتله مرَّتين وتواعدوا مع قريش على محاربته في غزوة الخندق، فلما أظهروا الكفر الصّريح والعناد القبيح تخلى الله عنهم، بل غضب

عليهم ولعنهم، وأنزل في ذمّهم عدة آيات منها قوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةَ لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [المائدة: ۸۲] وقوله سبحانه: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَعْلُولَةٌ غُلَتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا مَا قَالُوا ﴾ [المائدة: ٦٤] وقوله جل شأنه قليلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَغِرُونَ ﴾ [التوبة: ٢٩]، وقد نفّذ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم هذه الآية في قتال يهود خبير والنضير وقريظة، وصح في الحديث عن النبي صلى الله

بيان صحيح الأقاويل

٤٢٧

عليه وآله وسلَّم في تفسير: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: ٧] قال: هم اليهود». وجاء ذمهم أيضًا في سورة البقرة، والأحزاب، والحشر، والجمعة،

وغيرها.

فصار اليهود بعد نسخ دينهم وكُفرهم بالإسلام طائفة من الكفَّار، مثل المجوس والمشركين، بل هم أبغض إلى الله من جميع أنواع الكفرة، لا يبالي بهم بالة، فلا يُعقل ولا يجوز أن يقول لهم في هذا الوقت: إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأنفسكم لأنهم بعد كفرهم لا إحسان لهم ولا حسنة، ولا يجوز أن يقول هم عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ لأنهم لا رحمة تلحقهم، وغلبتهم على بيت المقدس وفلسطين سببها ضعف العرب والمسلمين وتفرقهم، واشتغالهم بشهواتهم ومصالحهم الشخصية، فلا يجوز أن نتملص من هذه الكارثة التي حلت بنا لضعفنا وتفرقنا وترك تعاليم ديننا، ثُمَّ نُلقي تبعتها على أن القرآن أخبر بها، هذا لا يجوز أبدا والقرآن بريء مما يُنسب إليه براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فيجب على العرب والمسلمين أن يجتهدوا في تخليص القدس من اليهود لعنهم الله، وينبذوا من عقولهم وقلوبهم الأماني الفارغة، والتفسيرات الملصقة بالقرآن زورا وكذبًا، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

٤٢٨

القرآن الكريم

خاتمة

منذ فتح الشام في عهد عمر رضي الله عنه لم يكن لليهود دولة في فلسطين، بل كانوا يعيشون فيها أقليَّةً تحت ذِمَّة المسلمين، وكانوا متفرقين في بقاع الأرض، وفي القرن الثامن عشر بدأت محاولتهم لامتلاك فلسطين والسيطرة عليها، فخاطبوا السلطان عبد الحميد في ذلك وأغروه بالمال، فلم يقبل منهم

رحمه الله وقال لهم: «فلسطين بلد المسلمين لا أملك التصرف فيها بشيء». فحاولوا إسقاطه بإطلاق دعاياتٍ كاذبة في الصُّحف والمجلات، وأحدثوا الاضطرابات في تركيا واليونان وغيرهما ضدَّ حكمه وضد الخلافة من أصلها، وانساق معهم المغفلون من العرب والمسلمين. وقامت الحرب العالمية الأولى، فوجدت بريطانيا عدوة الله وعدوة المسلمين الفرصة سانحة لإسقاط الخلافة الإسلامية، فأثارت شعوب مصر والشام والعراق والحجاز على تركيا، واعدةً لهم بالاستقلال بعد انتهاء الحرب، وطلبت من الإمام يحيى أن يثور على تركيا أيضًا ويحاربها، فامتنع من ذلك وقال لها: «لا أحارب المسلمين». فكان هذا منه موقفًا إسلاميًا مُشرفًا عَرَفَه له المسلمون بالإعجاب والتقدير، وأنشأ صديقنا الأديب الفاضل الأستاذ الشيخ مصطفى بوعشرين - رحمه الله - قصيدةً في الثناء على الإمام والإشادة بفضله، جاء في مطلعها:

هكــذا هكــذا يكـــون الـوفـاء فلنعل الإمـام خـــدي وطــاءُ وعقب انتهاء الحرب مباشرة سنة (۱۹۱۸م) أخذ اليهود من وزير خارجية بريطانيا - واسمه: "بلفور" - وعدًا بإعطائهم وطنا قوميا في فلسطين،

بيان صحيح الأقاويل

٤٢٩

ولما استقرت الحال بعد الحرب نكثت بريطانيا بوعدها للعرب، فأعلنت تمسكها بالحماية على مصر، واحتلت العراق، وقسمت الشام إلى أربع دويلات أعطت منها سوريا ولبنان لفرنسا، واحتفظت بفلسطين عندها لتُسلّمها لليهود، وحطّت في الأردن الأمير عبدالله بن حسين شريف مكة، وسمتها إمارة الأردن - وهي اليوم مملكة ما أظنُّها تبلغ مليون نسمة- وعرف العرب حينئذ أن بريطانيا غادرة خائنة لا عهد لها ولا وفاء، لكن بعد فوات الأوان، واستمروا رغم ذلك في الثقة بها والتعامل معها. وفي سنة (١٩٢٥م) تقريبا أعلن أتاتورك عدو الله - إسقاط الخلافة وإلغاء الإسلام، وأعلن أنَّ تركيا دولة علمانية، وألغى اللغة العربية من البلاد التركية، وأباح زواج المسلمة بالنصراني، وسوَّى بين الذكر والأنثى في الميراث، ومنع السفر إلى الحج منعا باتا. وفي سنة (۱۹۳۷م) اجتمعت شُذَّاةٌ من اليهود تنتمي إلى عصابات لهم إجرامية، بقصد أخذ فلسطين وانتزاعها من العرب بالقوة، فتركتها بريطانيا وتخلت عنها وهي متيقنة أنَّ اليهود سيتغلبون عليها، وحصل قتال بين العرب وشراذم اليهود، وظهر تخاذل العرب وخيانة كثير منهم، وكان قتالهم مهزلة، ذلك ورغم ذلك كادوا يصلون إلى تل أبيب، ولكن بريطانيا الصهيونية اقترحت الهدنة، فوافق العرب لأنهم يحبون بريطانيا وينفذون ما تقوله لهم، وكانت الهدنة سبيلا إلى استيلاء اليهود على فلسطين، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأخيرة اعترفت الأمم المتحدة بهم دولةً في فلسطين، وبعد الاعتراف بهم سموا أنفسهم دولة إسرائيل.

ومع

٤٣٠

القرآن الكريم

هذا عرض موجز لحركة اليهود وحربهم في سبيل الاستيلاء على فلسطين، يُعلم منه أنَّ العرب إنها قاتلوا عصاباتٍ من اليهود لا كيان لهم ولا دولة ولا وطن، وهم الذين هاجموا العرب وجاسوا خلال الديار في فلسطين العربية، بغية أخذها من أصحابها الشرعيين.

فتفسير الآية. كما فعل المعاصرون مبني على غير أساس، ثُمَّ إِنَّ الآية الكريمة تكلمت على بني إسرائيل، وهؤلاء الشراذم سموا أنفسهم إسرائيل، فتفسير الآية بهم باطل شكلا وموضوعًا. وبالله التوفيق.

۷- تَوْضِيحُ البَيانِ

لوصُولِ ثَوَابِ القُرْآنِ

اقْرَأْ على المَوْتَى كَلامَ إلهنا ودَعِ الخُصُومَةً فِي وُصُول ثَوابِـهِ وإذا سُئِلْتَ عن الدَّلِيلِ فَأَفْصِحَنُ بجَوَابِ طَالِبِهِ وَحُسْنِ خِطَابِهِ يَصِلُ الدُّعاء كذا الصيامُ تَفُضُلا من ربنا فكذاكَ حُكْمُ كِتَابِهِ

لا فرق بين عِبَادَةٍ وعِبَادَةٍ ومَن ادَّعى التفريق ليس بنَا بِهِ

وحَدِيثُ لَجْلَاجِ يؤيِّدُ قَوْلَنَا ويَعِيضُ عن : خَطَأَ بِوَجْهِ صَوَابِهِ وإذا أنـــاكَ مُعَانِدٌ بِلَجَاجَةٍ فَأَصِمَّ أَذْنَكَ عن سَماعِ سِبَابِهِ لا تَفْتَحَنُ بَابَ الجدال فإِنَّهُ يُفضي بصَاحِبِهِ لسُوءِ عِقَابِهِ

توضيح البيان

مقدمة

٤٣٥

الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء

والمرسلين، ورضي الله عن آله الأكرمين، وصحابته والتابعين.

أما بعد: فهذا بحثٌ مُحرَّرٌ مُفيدٌ ، بيَّنتُ فيه وصول ثواب القرآن للميت إذا

أهداه القارئ بلفظه أو نيَّته، بعد أن استعرضتُ الأقوال وأدلتها، وأجبتُ عن أدلة المانعين للوصول، بما يفيد ضعف ما ذهبوا إليه.

والله أسأل أن يهديني سواء السبيل، فهو حسبي ونعم الوكيل.

٤٣٦

القرآن الكريم

أقوال العلماء في وصول ثواب القرآن للميت

اختلف العلماء في إهداء قراءة القرآن للميت، هل يصل ثوابها إليه؟ مشهور مذهب مالك والشَّافعيّ: أنَّ قراءة القرآن لا تصل للميت. ومذهب أحمد وأكثر المتقدمين: أنّها تصل، وهو الذي رجحه متأخرو المالكية

وغيرهم.

قال النووي في "الأذكار" - بعد حكاية الإجماع على أنَّ الدُّعاء يصل الميت وينفعه ثوابه ما نصه: واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرءان؟ فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة: أنَّه لا يصل، وذهب أحمد وجماعةٌ مِن العلماء، وجماعة من أصحاب الشَّافعيّ إلى أنه يصل، فالاختيار أن يقول القارئ

بعد فراغه: اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان . اهـ

وقال ابن القيم واختلفوا في العبادة البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذكر، فمذهب الإمام أحمد وجمهور السلف وصوله، وهو قول بعض ال

أصحاب أبي حنيفة.

نص على هذا الإمام أحمد في رواية محمد بن يحيى الكحال قال: «قيل لأبي

عبد الله: الرجل يعمل الشيء من الخير من صلاة أو صدقة أو غير ذلك، يجعل نصفه لأبيه أو أمه، قال: أرجو ، وقال الميت يصل إليه كل شيء من صدقةٍ أو

غيرها. وقال أيضًا: اقرأ آية الكرسي) ثلاثة مرات، و(قل هو الله أَحَدٌ)، وقل: اللهم إنَّ فضله لأهل المقابر. والمشهور من مذهب مالك والشافعي أنَّ ذلك لا يصل. وذهب بعض أهل البِدَعِ مِن أهل الكلام أنه لا يصل إلى الميت شيء البتة لا دعاء ولا غيره . اهـ

توضيح البيان

٤٣٧

وقال الحافظ ابن حجر في الجواب الكافي عن السؤال الخافي" ما نصه:

مسألة

وأما الحادي عشر وهو: هل يصل ثواب القراءة للميت؟ فهي مشهورة، وقد كتبتُ فيها كرّاسةً، والحاصل أنَّ أكثر المتقدمين من العلماء على

الوصول، وأنَّ المختار الوقف عن الجزم في المسئلة، مع استحباب عمله

والإكثار منه . اهـ

وأفتى ابن رشد من أئمة المالكيَّة: أنَّ الميت ينتفع بقراءة القرآن ويصل إليه

نفعه ويحصل له أجره إذا نوى القارئ هبة ثواب قراءته له» . اهـ

واعتمده غير واحدٍ من مُتأخّري المالكيَّة قال ابن هلال في نوازله: «وبه جرى عمل النَّاس شرقًا وغربًا، ووقفوا على ذلك أوقافًا، واستمر عليه الأمر أزمنة سالفة».اهـ

دليل المانعين للوصول

استدلوا بقوله تعالى: ﴿ وَأَن لَيْسَ لِلْإِنسَيْنِ إِلَّا مَا سَعَى } [النجم: ٣٩] قال الحافظ ابن كثير في تفسيره": ومن هذه الآية استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتَّبعه أنَّ القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى؛ لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم؛ ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أمته، ولا حنّهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم يُنقل ذلك . عن أحد من الصَّحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرًا ما سُبقوا إليه، وباب القُربات يُقتصر فيه على النُّصوص، ولا يُتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء، فأما الدعاء

والصدقة فذاك مجمع على وصولهما، ومنصوص من الشارع عليهما».اهـ

٤٣٨

القرآن الكريم

قلت: قوله : أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم لم يندب أمته إلى ذلك، وأنَّ الصحابة لم يفعلوه، منقوض بما يأتي إن شاء الله ودعواه أنَّ القُرُبات لا يُتصرف

فيها بالقياس مخالف لما قرره أهل الأصول والفقه.

أما الآية، فالجواب عنها من وجوه

الأول: أنها لم تبق على عمومها، بل أخرج منها الدعاء والصيام والصدقة والحج، وفي حُجَّيَّة العام بعد تخصيصه خلاف كبير بين الأصوليين، وإن كان

الراجح بقاءها ففي الاستدلال بالآية نزاع كما ترى.

الثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: والحَقْنَابِهِمْ ذُرِّيَّنَهُمْ ﴾ [الطور: ۲۱] الآية،

د

رُوي عن ابن عباس، ولا يصح؛ لأنَّ الآية خبر، والخبر لا يدخله نسخ. الثالث: أنها إخبار عن شريعة إبراهيم وموسى، أما هذه الأمة فلها ما

سعت وما سعى لها غيرها، للأحاديث الدالة على ذلك. قاله عكرمة. الرابع: أنها في الكافر، أمَّا المؤمن فله ما سعى وما سعي له. قاله الربيع بن

أنس.

الخامس: أنَّ اللام في الإنسان بمعنى: (على)، أي: ليس على الإنسان إلا ما

سعى. وهذا ضعيف أو باطل.

السادس: أنَّ في الآية حذفًا تقديره وأن ليس للإنسان إلا ما سعى أو

سعي له. وهذا باطل.

السابع: أنَّ المراد بالإنسان في الآية الحي، لا الميت. وهذا باطل. الثامن: أنّها في الذنوب، وقد اتفق على أنَّه لا يحتمل أحد ذنب أحد، ويدلُّ

توضيح البيان

٤٣٩

على هذا قوله :قبلها أَلَّا نَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم: ٣٨] وكأنه يقول: لا

يؤخذ أحدٌ بذنب غيره، ولا يؤاخذ إلا بذنب نَفْسِهِ. وهذا ضعيفٌ.

التاسع:

أنَّ للإنسان ما عمل بحقِّ، وله ما عمل له غيره بهبة العامل له

فجاءت الآية في إثبات الحقيقة، دون ما زاد عليها.

العاشر: أن ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل، فأما من باب

الفضل فجائز أن يزيده الله تعالى ما شاء. قاله الحسين بن الفضل.

الحادي عشر : أنَّها لم تنفِ انتفاع الرجل بسعي غيره، وإنما نفت ملكه لغير سعيه وبين الأمرين فرق لا يخفى فأخبر الله تعالى أنَّ الإنسان لا يملك إلَّا سعيه، أما سعي غيره فهو ملك لساعيه : فإن شاء أن يبذله لغيره، وإن شاء أن يبقيه لنفسه، وهو سبحانه لم يقل لا ينتفع إلا بما سعى، قال ابن القيم: «وكان

شيخنا - يعني ابن تيمية - يختار هذه الطريقة ويرجحها» . اهـ

وقال القرطبي : وقيل إنَّ الله عزّ وجلَّ إِنَّما قال: ﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَيْنِ إِلَّا مَا

سعى ﴾ [النجم: ۱۳۹، ولام الخفض معناها في العربية الملك والإيجاب؛ فلم يجب للإنسان إلَّا ما سعى، فإذا تصدّق عليه غيره، فليس يجب له شيء، إلَّا أنَّ الله عزّ وجل يتفضّل عليه بما لا يجب له، كما يتفضّل على الأطفال بادخالهم الجنة

بغير عمل".اهـ

الثاني عشر: أنَّ معنى إلا مَا سَعَى إِلَّا ما نوى بدليل قوله صلَّى الله عليه

وآله وسلَّم: «يُبعثُ النَّاسُ على نِيَّاتهم». قاله أبو بكر الوراق.

الثالث عشر: أنَّ الإنسان بسعيه وحسن عشرته اكتسب الأصدقاء، وأولد

٤٤٠

القرآن الكريم

الأولاد، ونكح الأزواج، وأسدى الخير وتودَّد إلى النَّاس، فترحموا عليه، وأهدوا له العبادات وكان ذلك أثر سعيه، كما قال صلى الله عليه وآله وسلّم: إِنَّ أَطْيَبَ ما أكَلَ الرَّجُلُ مِن كَسْبِ يَدِهِ وإِنَّ وَلَدَهُ مِن كَسْبِهِ»، قال أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي ، قال ابن القيم: وهذا جواب متوسط، يحتاج إلى تمام، فإنَّ العبد بإيمانه وطاعته الله ورسوله، قد سعى في انتفاعه بعمل إخوانه المؤمنين، مع عمله، كما ينتفع بعملهم في الحياة مع عمله، فإنَّ المؤمنين ينتفع بعضهم بعمل بعض في الأعمال التي يشتركون فيها، كالصَّلاة في الجماعة، فإن كل واحد منهم تضاعف صلاته إلى سبعة وعشرين ضعفًا؛ لمشاركة غيره له في الصلاة فعمل غيره كان سببا لزيادة أجره، كما أن عمله سبب لزيادة أجر الآخرين، بل قد قيل : إِنَّ الصَّلاة يُضاعف ثوابها بعدد المصلين. وكذلك اشتراكهم في الجهاد والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى، وقد قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «المؤمِنُ للمؤمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بعضُهُ بعضًا، وشبك بين أصابعه، ومعلوم أنَّ هذا بأمور الدين أولى منه بأمور الدنيا. فدخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه، في حياته وبعد موته، ودعوة المسلمين تُحيط من ورائهم وقد أخبر الله تعالى عن حملة العرش ومن حوله أنهم يستغفرون للمؤمنين ويدعون لهم. وأخبر عن دعاء رسله واستغفارهم للمؤمنين، كنوحٍ وإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وآله وسلّم. فالعبد بإيمانه، قد تسبب في وصول هذا الدعاء إليه، فكأنه من سعيه، يوضحه : أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل الإيمان

توضيح البيان

٤٤١

سببا لانتفاع صاحبه بدعاء إخوانه من المؤمنين وسعيهم، فإذا أتى به، فقد سعى في السبب الذي يوصل إليه ذلك، وقد دلّ على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن العاص : «إنَّ أباك لو كان أقرَّ بالتوحيد نفعه ذلك» يعني: العتق الذي فعل عنه بعد موته، فلو أتى بالسبب لكان قد سعى في عمل يوصل إليه ثواب العتق. وهذه طريقة لطيفة حسنةٌ جدًا» . اهـ والحديث الذي أشار إليه، رواه أحمد وغيره عن عبد الله بن عمرو ا رو أنَّ العاص بن وائل ، نَذَرَ في الجاهلية أن يَنْحَر مائة بدنة، وأنَّ هشام بن العاص نحر خمسا وخمسين، وأنَّ عَمْرًا سأل النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن ذلك؟ فقال: «أما أبوك فلو أقرّ بالتوحيد فصُمْتَ وتصَدَّقت عنه نَفَعَهُ ذلك». أفاد الحديث أن السبب في انتفاع الميت بما يُهدى إليه من الأعمال إي