(١٣٢٨ - ١٤١٣هـ ) رحمه الله تعالی
المجلد السابع: الحديث الشريف وعلومهويحتوي على:
١ - توجيه العنايةِ لتَعْرِيفِ عِلْمِ الْحَدِيثِ رِوَايَةً و دِرَايَةً. - الأربعون الغماريَّة في شُكْرِ النَّعَمِ.
٣- الأربعون حديثا الصِّدِّيقيَّة في مسائل اجتماعِيَّة.
4- تمام المنَّةِ ببيان الخصال الموجبة للجَنَّةِ. (translated into
bahasa Indonesia and English)
ه - الغرائب والوِحدان في الحديثِ الشَّريف. ٦ - الفَوائِدُ المقْصُودَةُ في الأحاديث الشَّاذَّةِ المردُودَةِ.
- أسانيد السيد عبد الله للكتب السبعة.
- أسماء شيوخي.
۹ - إجازات السيد عبد الله لبعض معاصريه
۱ - تَوْجِيهُ العِنايَةِ
لَتَعْرِيفِ عِلْمِ الْحَدِيثِ رِوَايَةً و دِرَايَةٌ
توجيه العناية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد
وآله الأكرمين، ورضي الله عن صحابته والتابعين.
وبعد: فهذا جزء سميته: "تَوْجِيهُ العِنايةِ لتَعْرِيفِ عِلْمِ الْحَدِيثِ رِوَايَةٌ ودراية" حرَّرت فيه الكلام على تعريف هذين العلمين، وبيَّنت ما وقع فيه للمتأخرين مِن خَبْط وخَلْطٍ، أَوْحَيَا لقارئ كلامهم كثيرا من الغموض
والحيرة.
والله المسئول أن يوفقنا ويهدينا سواء السبيل، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
المؤلّف
عبد الله الصديق الغماري
تمهيد
الحديث الشريف
الخبط والخلط الواقعان في كلام المتأخرين، سببهما: أنَّ الذي عرف العِلْمَين أولا لم يكن من أهل الحديث، ولا خبرة له به ، ثُمَّ تتابع الناقلون لكلامه تقليدًا من غير تمحيص، ولا يأتي التقليد بخير. وأنا أنقل بحول الله ما قيل في تعريف العلمين، ثُمَّ أبين صحيحه من خطأه، وأُحرّر سمينه مِن غَنّه حسبما تلقيته مِن أخي أبي الفيض حين حضرت
عليه "نخبة الفكر".
جاء في تدريب الراوي" للحافظ السيوطي ما نصه: «قال ابن الأكفاني في "إرشاد القاصد" الذي تكلّم فيه على أنواع العلوم: علم الحديث الخاص بالرواية: «علم يشتمل على أقوال النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وأفعاله وروايتها وضَبْطِها وتحرير ألفاظها».
وعلم الحديث الخاص بالدراية: علم يُعرَفُ منه حقيقة الرواية، وشروطها وأنواعها وأحكامها، وحال الرُّواة وشروطهم، وأصناف المرويات وما يتعلق بها». فحقيقة الرواية نقل السُّنَّة ونحوها، وإسناد ذلك إلى من رويت إليه بتحديث وإخبار وغير ذلك، وشروطها تحمل راويها لما يرويه بنوع من أنواع التحمل من سماع أو عرض أو إجازة ونحوها.
وأنواعها: الاتصال والانقطاع ونحوهما.
وأحكامها: القبول والرد.
و حال الرواة: العدالة والجرح.
توجيه العناية
۱۱
وشروطهم في التحمل وفي الأداء ما سيأتي.
وأصناف المرويات: المصنفات من المسانيد والمعاجم والأجزاء وغيرها،
.
أحاديث و آثار وغيرها، وما يتعلق بها، هو معرفة اصطلاح أهلها». اهـ وقال عز الدين ابن جماعة: علم الحديث علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن، وموضوعه السند والمتن، وغايته معرفة الصحيح من غيره».
ونظمه الحافظ السيوطي في " ألفيته " الحديثية بقوله: عِلْمُ الحَدِيثِ ذُو قوانين تُحد يُدْرَى بها أحوالُ مَثْنٍ وسَنَدٌ فَدَانِكَ المَوضُوعُ والمَقْصُودُ أنْ يُعْرَفَ المَقْبُولُ والمَرْدُودُ وقال الشيخ زكريا الأنصاري في شرح ألفية العراقي": «والحديث، ويرادفه الخبر على الصحيح، ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قيل: أو إلى صحابي أو إلى من دونه قولا أو فعلا أو تقريرًا أو صفةً، ويعبر عن هذا بعلم الحديث روايةً، ويُحد بأنه: علمٌ يشتمل على نقل ذلك. وموضوعه: ذات النبي
صلَّى الله عليه وآله وسلم، من حيث إنَّه نبي. وغايته: الفوز بسعادة الدارين. وأما علم الحديث درايةً، وهو المراد عند الإطلاق، كما في النظم، فهو عِلم يُعرف به حال الراوي والمروي من حيث القبول أو الرد. وموضوعه: الرَّاوي والمروي من حيث ذلك. وغايته معرفة ما يُقبل وما يُرد من ذلك، ومسائله ما يُذكر في كتبه من المقاصد» . اهـ وفي "توضيح الأفكار"، نقلا عن الشَّيخ عطاء في مختصره المسمى بـ " القول المعتبر في مصطلح أهل الأثر"، تعريف علم الحديث دراية بأنه علم يُعرف به حال الراوي والمروي من جهة القبول والرد. وموضوعه: الرَّاوي
۱۲
الحديث الشريف
والمروي عنه من هذه الجهة. وغايته: معرفة ما يقبل وما يرد. وأما الحديث فهو علم رواية ورسمه علمٌ يشتمل على نقل ما أضيف إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، قيل: أو إلى صحابي فمن دونه، قولا أو فعلا أو هما أو تقريرًا أو صفةً» . اهـ
وفي "حاشية الشيخ الباجوري على الشمائل": أنهم عرفوا علم الحديث رواية بأنَّه : علم يشتمل على نقلِ ما أُضيف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم،
قيل أو إلى صحابي أو إلى من دونه قولا أو فعلا أو تقريرا أو صفة. وموضوعه: ذات النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث إنَّه نبي. وواضعه: أصحابه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم الذين تصدوا لضبط أقواله
وأفعاله وتقريراته وصفاته.
وغايته: الفوز بسعادة الدارين.
ومسائله: قضاياه التي تذكر ضمنًا.
كقوله: قال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إنّها الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَإِنَّه مُتضمن لقضية قائله: «إنَّما الأعمال بالنِّيَّات من أقواله صلى الله عليه وآله وسلّم،
واسمه علم الحديث رواية.
ونسبته : أنَّه من العلوم الشرعية وهي الفقه والتفسير والحديث. وفضله: أنَّ له شرفًا عظيما من حيث أنَّه تُعرف به كيفية الاقتداء به صلى الله
عليه وآله وسلّم. وحكمه: الوجوب العيني على من انفرد، والكفائي على من تعدد. و استمداده: من أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأفعاله وتقريره
توجيه العناية
۱۳
وهمه وأوصافه الخلقية وأخلاقه المرضية.
وعلم الحديث دراية: وهو المراد عند الإطلاق: علم يعرف به حال الراوي
والمروي من حيث القبول والرد وما يتبع ذلك.
وموضوعه الراوي والمروي من الحيثية المذكورة.
وغايته: معرفة ما يُقبل وما يردُّ من ذلك.
ومسائله: ما يذكر في كتبه من المقاصد كقولك: كل حديث صحيح يُقبل. وواضعه الزهري في خلافة عمر بن عبدالعزيز بأمره.
واسمه علم الحديث دراية، وبقيَّة المبادئ العشرة، تُعلم مما تقدم. نقله القنوجي في "الحطة" وأقره.
وقال المباركفوري في مقدمة "تحفة الأحوذي" بعد أن نقل عدة تعريفات ما نصه: قد ظهر من هذه العبارات أنَّ علم الحديث يطلق على ثلاثة معان: الأول: أنَّه علمٌ يعرف به أقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأفعاله وأحواله، وقد قيل له العلم برواية الحديث كما في عبارة ابن الأكفاني
والباجوري. الثاني: أنه علم يبحث فيه عن كيفية اتصال الأحاديث بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم من حيث أحوال رواتها ضبطا وعدالة، ومن حيث كيفية السند اتصالا وانقطاعا وغير ذلك، وعلم الحديث بهذا المعنى هو المعروف بعلم أصول الحديث.
وقد قيل له العلم برواية الحديث أيضًا، كما في عبارة "الكشف" و"الحطة". وقد قيل له: العلم بدراية الحديث أيضًا، كما في عبارة ابن الأكفاني
١٤
والباجوري.
الحديث الشريف
الثالث: أنَّه علم باحث عن المعنى المفهوم من ألفاظ الحديث، وعن المراد منها مبنيا على قواعد اللغة العربية، وضوابط الشريعة، ومطابقا لأحوال النبي
صلى الله عليه وآله وسلّم، كما في عبارة "الكشف".
وبقيت عبارات للشيخ طاهر الجزائري والشيخ جمال الدين القاسمي والشيخ ظفر التهانوي، وعجاج الخطيب، وصبحي الصالح وغيرهم، مما لم أذكرها؛ لأنها في معنى ما ذكرته من العبارات السابقة، فلم أر تطويل البحث
بذكرها.
التنقيح
أول من عرَّف علم الحديث روايةً ودراية على طريقة أهل المنطق، هو ابن الأكفاني فيما أعلم، ولم يكن من أهل الحديث، ولا خبرة له بالصناعة الحديثيَّة، وإنما عرف هذا العلم، كما عرف غيره في "إرشاد القاصد".
وقلده الحافظ السُّيوطي في تدريب الرَّاوي"، ولم يدرك ما في تعريفه من الخطأ؛ لأنه لم يكن يعرف عِلْم المنطق، بل كان يُحرمه، ولأجل هذا نقل تعريفات أخرى، ولم يُحرّرها ولا بيَّن خطأها من صوابها، وكل من عرف هذين العلمين تبع ابن الأكفاني، ومشى على طريقته تقليدا له مباشرة أو بواسطة من قلده، والتقليد لا يأتي بخير.
والشيخ المباركفوري رحمه الله أراد أن يُحرر الموضوع فاستخلص من التعريفات التي نقلها أنَّ علم الحديث له ثلاث معان، بينتها كما سبق حسب
توجيه العناية
۱۵
فهمه. والقنوجي لمريزد في "الحطة" على كلام الباجوري في "حاشية الشمائل"، والباجوري ما جاوز كلام ابن الأكفاني، وإنّما وضحه وبسطه، وهذه عادته في
كتبه، يوضح عبارة من قبله ويُبسطها ويوضّح ما فيها من غموض، وهي نـ للمبتدئ، مفيدة له.
نافعة
والمقرر في علم المنطق أنَّ التعريفات من قبيل التصور، يشرح الماهية بذاتياتها إن كان حدا، أو بخاصتها أو عرضها إن كان رسما، والتعريفات لا
تختلف إلا في العبارة بأن يكون في بعضها أوضح من بعض.
أما إن كان التعريف يشرح الماهية شرحًا غير مطابق لها، فهو تعريف فاسد، والتعريفات المذكورة هنا وما في معناها مما لم أذكره من هذا القبيل؛ لأنها عرفت علم الحديث رواية ودراية بما لا يوافق حقيقتهما.
علم الحديث
يطلق علم الحديث ويراد به المعنى الشَّامل لعلمي الرواية والدراية. ويرسم بأنَّه علم يُعرف به أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأفعاله
وتقريراته وأحواله.
وموضوعه: ذاتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث أنه نبي.
وغايته: الفوز بسعادة الدارين.
نقله صاحب "كشف الظنون" عن "الفوائد الخاقانية"، وهو عند الكرماني
في "شرح البخاري" وينقسم إلى نوعين:
علم الحديث رواية: وهو علم يُعرف به حقيقة الرواية وشروطها وكيفية
17
الحديث الشريف
الاتصال والانقطاع وحال الرواة وما يتصل بذلك.
وموضوعه: الرَّاوي والمروي.
وغايته: معرفة المقبول والمردود، ويُسمَّى علم مصطلح الحديث، وأصول الحديث. و سُمِّي علم الرواية لأسباب:
أحدها: أنه خاص بالبحث في رواية الحديث من جميع جهاتها.
ثانيها : أن قولهم علم الحديث رواية، تمييز محول عن المضاف إليه.
والأصل علم رواية الحديث.
ثالثها: أنَّ الحافظ الخطيب ألف كتابًا في المصطلح سماه "الكفاية في علم الرواية"، كما ألف الحافظ ابن الجزري كتابًا في المصطلح أيضًا سماه: "الهداية في علم الرواية" وللحافظ السَّخاوي شرحٌ عليه اسمه "الغاية" وللحافظ
عبد الحق الإشبيلي كتاب "مختصر الكفاية في علم الرواية". وقال الحافظ في شرح النخبة في ذكر من ألف في المصطلح: ثُمَّ جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي فصنف في قوانين الرواية كتابا سماه: "الكفاية"، وفي آدابها كتابا سماه: "الجامع لآداب الشيخ والسامع".اهـ وهو يؤيد ما قررناه، والحمد الله. وعلم الحديث دراية، رسمه ! رسمه الشيخ أحمد بن مصطفي المعروف بطاش كبرى زاده، في "مفتاح السعادة" : بأنه علم يبحث فيه عن المعنى المفهوم من ألفاظ الحديث، وعن المعنى المراد منها مبنيا على قواعد العربية وضوابط الشريعة، ومطابقا لأحوال النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.
وموضوعه: أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من حيث دلالتها
توجيه العناية
على المعنى المفهوم أو المراد.
وغايته: التَّحَلّي بالآداب النبوية، والتَّخَلّي عما يكرهه أو ينهى عنه.
ومنفعته أعظم المنافع كما لا يخفى على المتأمل.
۱۷
ومباديه أي استمداده العلوم العربية كلها ومعرفة القصص والأخبار المتعلقة بالنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم ومعرفة الأصلين والفقه وغير ذلك. هذا تعريف علم دراية الحديث، وهو موافق لمعنى الدراية، إذ هي العلم. يقال : دريت الشيء علمته.
وقد كنت ألقيت بدار جماعة أنصار الحجّ في القاهرة محاضرة في هذا الموضوع، حضرها جمع من علماء الأزهر منهم الشيخ الأحمدين بكسر الدال، مدرس الحديث بكلية أصول الدين، والشَّيخ عبدالعظيم الزرقاني مدرّس التفسير بالكلية أيضًا، واستحسنوا ما قرّرته من الفرق بين عِلْمَي الحديث رواية ودراية، وعَلِموا أنَّه الصَّواب، إلَّا الشيخ الزرقاني فإنَّه أصر على ما هو معروف من تسمية المصطلح علم الحديث درايةً محتجا بأنَّ فيه فهما للرواية وعلما بأنواعها وشروطها. فقلت له الدراسة بالمعنى اللغوي موجودة في المصطلح، لكن أهل الفن خصوا اسم الدراية بعلم الاستنباط، وعللوا ذلك بأن علم المصطلح لا علاقة له بفهم الحديث والاستنباط منه، و وإنما بحثه في الرواية من جميع نواحيها، فأصر على رأيه، وكان رحمه الله عنده صلابة رأي. وأقرر بهذه المناسبة : أنّه أجاد في كتابه "مناهل العرفان"، غاية الإجادة
ووفق فيه غاية التوفيق، ولعله يجده في حسناته، بفضل الله تعالى. مما ذكرناه يتبيَّن الفرق بين العِلْمين، فموضوع علم الحديث روايةً: هو
۱۸
الحديث الشريف
الراوي والمروي من حيث القبول والرد.
وموضوع علم الحديث دراية هو المتن من حيث فهمه والاستنباط منه.
أول من وضع علم الحديث
ذكر الشيخ الباجوري فيما نقلناه عنه من تعريف علم الحديث دراية، وهو في نظره علم المصطلح ، أنَّ واضعه الزُّهري في خلافة عمر بن عبدالعزيز، بأمره. وهذا خطأ منه رحمه الله.
والصواب أنَّ أول من كتب في المصطلح، القاضي أبو محمد الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي، كما قال الحافظ ابن حجر، وكتابه "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي"، جيد مفيد وإن كان لم يستوعب، وبناه على حديث: «نَضَرَ اللهُ امْرَءًا سَمِعَ مَقَالَتِي، فَوَعَاهَا فَأَدَّاها كما سَمِعَهَا، فَرُبَّ مُبَلَّغ أَوْعَى مِن سامع». وأما أول من دوّن السُّنَّة، فروى البخاري عن عبدالله بن دينار قال: كتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فاكتبه، فإنّي خفت دروس العلم وذهاب العلماء. قال الحافظ في "الفتح": «يُستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي، وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ، فلما خاف عمر بن عبدالعزيز - وكان على رأس المائة الأولى من ذهاب العلم بموت العلماء، رأى أنَّ في تدوينه ضبطا له وإبقاء، وقد روى أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" هذه القصة بلفظ: كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق: انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاجمعوه».
توجيه العناية
۱۹
و روى ابن عبدالبر" في جامع بيان العلم وفضله" عن عبد العزيز بن محمد
أنَّ
الدراوردي قال : أوّل من دوّن العلم وكتبه ابن شهاب، ووجدت ما يفيد أ ابتداء التدوين كان قبل الزهري، قال ابن سعد في كتاب "الطبقات": كثير بن مرة الحضرمي، ويكنى أبا شجرة، وكان ثقةً، قال عبدالله بن صالح، عن الليث بن سعد، قال: يزيد بن أبي حبيب أن عبد العزيز بن مروان والد الخليفة عمر - كتب إلى كثير بن مرة الحضرمي - وكان قد أدرك سبعين بدريًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم- فكتب إليه أن يكتب إليه بما سمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم من أحاديثهم إلا حديث أبي هريرة
فإنَّه عندنا.
يستفاد من هذا الخبر: أنَّ حديث أبي هريرة كان مجموعا عند عبدالعزيز، ويظهر أنه ورثه عن أبيه مروان الذي كان يتناوب إمارة المدينة هو وأبو هريرة. وبالضرورة كان أمر عبدالعزيز بكتابة أحاديث البدريين قبل أمر ولده
عمر بكتابة الحديث.
مراتب أهل الحديث
ذكر المناوي في شرح الشمائل"، مراتب أهل الحديث على هذا النحو:
أولها الطالب: وهو المبتدئ.
ثمَّ المحدث: وهو من تحمل روايته و اعتنى بدرايته. ثُمَّ الحافظ : وهو من حفظ مائة ألف حديث متنا وإسنادًا. ثُمَّ الحُجَّة: وهو من أحاط بثلاثمائة ألف حديث.
الحديث الشريف
ثم الحاكم: وهو من أحاط بجميع الأحاديث المروية، ونقل هذا الترتيب
عن المطرزي.
ونقل القاري في "شرح الشمائل" أيضًا عن ابن الجزري قال:
الراوي: ناقل الحديث بالإسناد.
والمحدث: من تحمل روايته، و اعتنى بدرايته.
والحافظ : من روى ما يصل إليه، ووعى ما يحتاج لديه.
قلت: ترتيب المطرّزي اشتهر عند المتأخرين، ونقلوه مسلمين له، ومعتمدين عليه، تقليدًا من غير تمحيص، مع أنه خطأ لا يوافق ما عند أهل الحديث، وقد كنت نشرت مقالا في مجلة "دعوة الحق" بينت الصواب في هذا الموضوع، ننقله هنا: جاء في مجلة "دعوة الحق" عدد ٨ السنة السابعة ١٠ شوال سنة ١٣٩٦ موافق أكتوبر سنة ١٩٧٦ المقال الآتي.
رتب الحفظ عند المحدثين
نقل المناوي في أوائل شرح الشمائل" عن المطرزي، قال: «الأهل الحديث مراتب، أولها: الطالب: وهو المبتدئ. ثُمَّ المحدث: وهو من تحمل روايته، واعتنى بدرايته. ثُمَّ الحافظ : وهو من حفظ مائة ألف حديث متنا وإسنادًا، ثُمَّ الحُجَّة وهو من أحاط بثلاثمائة ألف حديث. ثُمَّ الحاكم وهو من أحاط الأحاديث المروية». اهـ وأهل الحديث لا يعرفون هذه المراتب، ولا يعترفون بها؛ لأنها تخالف ما
اصطلحوا عليه.
بجميع
فالطالب هو المبتدئ في كل علم، وليس خاصا بأهل الحديث، وفي حديث
توجيه العناية
۲۱
رواه الطبراني بإسناد ضعيف عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ طَالِبُها: طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالبُ دنيا»، والحجة من مراتب التعديل لا الحفظ، وهي فوق الثّقة كما نص عليه الذهبي في "تذكرة الحفاظ"، وستأتي عبارته بحول الله ، أما الحاكم فلا علاقة له
بالحفظ ولا التعديل، بل هو لَقَب عائلي لبعض الحفاظ والمحدثين.
منهم: أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي الحافظ صاحب كتاب "الكنى" وغيره من المؤلفات، توفي سنة (۳۷۸)، قال الذهبي: وهو الحاكم الكبير.
ومنهم: أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه بن نعيم النيسابوري الحافظ، صاحب كتاب "المستدرك " وغيره يعرف بابن البيع، توفي
سنة (٤٠٥)، وهو تلميذ الحاكم الكبير.
بن عبدالله بن أحمد . بن محمد بن حسكان
ومنهم: أبو القاسم عبيد الله القرشي العامري النيسابوري الحنفي الحافظ، يعرف بابن الحذاء، و بالحسكاني،
أخذ عن الحاكم صاحب "المستدرك " وتوفي بعد سبعين وأربعمائة.
ومنهم: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن الحسن الاستراباذي المحدث، حدث سنة (٤٣٢) ترجم له التاج السبكي في "طبقات الشافعية"، ولم يذكر
سنة وفاته.
والعجيب أنَّ المتأخرين تمالئوا على نقل كلام المطرزي تقليدا بدون
تمحيص.
والواقع أنَّ مراتب الحفظ عند أهل الحديث على الوجه الآتي: مسند، ثمَّ
۲۲
الحديث الشريف
حدث، ثُمَّ مُفيد، ثُمَّ حافظ، ثُمَّ أمير المؤمنين في الحديث. فالمسند - بكسر النون من يعنى بالإسناد من حيث اتصاله أو انقطاعه أو تسلسله بصفة مُعيَّنة وإن لم يكن له خبرة بالمتون.
وكان شيخنا العلامة المرحوم السيد أحمد رافع الحسيني الطهطاوي الحنفي مسند العصر بدون منازع له كتاب "المسعى الحميد إلى بيان وتحرير الأسانيد"، حرّر الكلام فيه على الأسانيد الموجودة في نحو أربعمائة ثبت، ونبه على أوهام وقعت في كتاب فهرس الفهارس" ، وكان لا يعرف في المتون كثيرًا
ولا قليلا.
والمحدث: من سمع الكتب الستة و"الموطأ" و"سنن الدارمي" و" الدارقطني" و"البيهقي" و"مستدرك الحاكم" و"مسند أحمد"، وسمع إلى
جانب هذه الكتب ألف جزء حديثي وحفظ جملة مستكثرة من المتون. الحفظ ويكفي عن في هذا الوقت أن يراجع أحاديث "الجامع الصغير" مرات حتى تعلق أحاديثه بذهنه بحيث يستحضر حديثا منها إذا شاء، ويشتمل الجامع الصغير" على نحو عشرة آلاف حديث فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، فمن أحاط بها واستحضر معانيها، وعرف مظانها، مع بقيَّة الشروط السابقة كان مُحدثًا. والمفيد: رتبة استحدثت في القرن الثالث الهجري، قال الحافظ الخطيب: حدثني محمد بن عبد الله عن أبي بكر محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب، قال: موسى بن هرون يعني الحمال الحافظ - سماني المفيد.
قال الحافظ الذهبي : فهذه العبارة أول ما استعملت لقبا في هذا الوقت،
توجيه العناية
۲۳
قبل الثلاثمائة، والحافظ أعلى من المفيد في العرف، كما أنَّ الحجة فوق النقة». اهـ وممن لقب بالمفيد سوى أبي بكرٍ المذكور، أبو بكر وأبو عبدالله محمد بن يوسف بن يعقوب الرقي المؤرّخ، روى عن الطبراني وغيره، توفي سنة (۳۸۲)، اتهمه الخطيب بوضع حديث في فضل أهل الحديث. قلت: لفظ الحديث المشار إليه: إذا كان يوم القيامة، جاء أصحاب الحديث بأيديهم المحابِرُ ، فيأمر الله جبريل أن يأتيهم فيسألهم، وهو أعلم بهم فيقول: من أنتم؟ فيقولون: نحن أصحاب الحديث، فيقول الله عزّ وجلَّ: ادخلوا الجنة على ما كان منكم، طالما كنتم تصلُّون على النبي في دار الدُّنيا». رواه الخطيب في " التاريخ " من طريق محمد بن يوسف الرقي المذكور، حدثنا الطبراني: ثنا الدبري: ثنا عبد الرازق عن مَعْمَرٍ، عن الزهري، عن أنس رفعه به. ورواه أبو المحاسن الرُّوياني في "فوائده" ، عن عبدالله بن جعفر الجبائري
عن محمد بن يوسف الرقي به، لكن قال: عن مَعْمَرٍ، عن قتادة عن أنس. ورواه ابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق الخطيب وقال: الحمل فيه
على الرقي، وقال الذهبي: وضع على الطبراني هذا الحديث. ورواه الديلمي في "مسند الفردوس"، والنميري في "الأعلام" من طريق آخر، فيه محمد بن أحمد بن مالك الإسكندراني وهو مجهول، واقتصر الحافظ
.
السخاوي في القول" البديع"، على تضعيفه من الطريقين، وهو تساهل منه رحمه الله، فالحديث موضوع كما قال الخطيب وابن الجوزي والذهبي، ومما يؤيد وضعه نكارة معناه، وروايته من طريق أئمة أجلاء عبدالرزاق، عن مَعْمَرٍ عن
الزهري عن أنس.
٢٤
الحديث الشريف
وممن لقب بالمفيد:
أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي البستي، صاحب "معالم السنن" وغيره من المصنفات، وهو أحد شيوخ الحاكم، صاحب "المستدرك " توفي سنة (۳۸۸) ببلدة بست في أفغانستان
وأبو سعد عمر بن علي بن عمر النيسابوري الخشاب المتوفى سنة (٤٥٦). وأبو منصور عبد المحسن بن محمد بن علي الشيمي السفار المتوفى سنة
.(٤٨٩)
وأبو الفرج عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف اليوسفي البغدادي المتوفى سنة (٥٤٨). وأبو على صدر الدين الحسن التيمي البكري الصُّوفي المتوفى سنة (٦٥٦). وشمس الدين علي بن المظفر بن القاسم الربعي الدمشقي المتوفى سنة
.(707)
ثُمَّ المفيد من جمع شروط المحدث ، و تأهّل لأن يُفيد الطلبة الذين يحضرون مجالس إملاء الحفاظ، فيبلغهم مالم يسمعوه، ويفهمهم ما لم يفهموه، وذلك بأن يعرف العالي والنازل والبدل والمصافحة والموافقة . مع مشاركة في معرفة العلل.
والأصل فيه ما رواه أبو داود والنسائي عن رافع بن عمرو قال: رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يخطب النَّاس بمنى حين ارتفع الضُّحى، على بغلة شهباء، وعلي يعبر عنه، وفي "الصحيحين" عن أبي جمرة قال: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس.
توجيه العناية
٢٥
الحافظ: اختلف في تعريفه بين مُشدّدٍ ومُخفّف، وأعدل التعريفات فيه أنَّه
من جمع شروطاً ثلاثة:
۱ - حفظ المتون، ولا يقل محفوظه عن عشرين ألف حديث.
۲ - حفظ أسانيدها وتمييز صحيحها من سقيمها.
- معرفة طبقات الرُّواة وأحوالهم، طبقة بعد طبقة، بحيث يكون من لا يعرفه أقل ممن يعرفه، حتى إذا قال في راو لا أعرفه، اعتبر ذلك الراوي من
المجهولين. ويتفاوت الحفاظ بتفاوت كثرة محفوظاتهم وقلتها، وهذه أمثلة من ذلك: قال يعقوب الدورقي : كان عند هشيم عشرين ألف حديث، وقال يحيى بن
معين: كانت كتب ابن المبارك التي حدَّث بها نحو عشرين ألف حديث. وقال يزيد بن هارون أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بالإسناد ولا فخر، وأحفظ للشاميين عشرين ألفًا لا أسأل عنها. وقال أيضا: سمعت حديث الفتون مرة واحدة فحفظته، وأحفظ عشرين ألفا، فمن شاء فليدخل
فيها حرفًا.
وحديث الفتون طويل، يقع في نحو كراسة، رواه النسائي في "السنن الكبرى" و ابن أبي حاتم، و الطبري في تفسيريهما، وأبو يعلى في "معجمه" من طريق يزيد بن هرون عن أصبغ بن يزيد عن القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. قال ابن كثير: «وهو موقوف من كلام ابن عباس، وليس فيه مرفوع إلا
٢٦
الحديث الشريف
قليل منه، وكأنه تلقاه تما أبيح له نقله عن الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو
غيره، وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك» . اهـ قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد" بعد أن عزاه لأبي يعلى: «رجاله
رجال الصحيح غير أصبغ بن زيد والقاسم بن أبي أيوب وهما ثقتان» . اهـ قلت: وقع في ترجمة أصبغ في "الميزان": راوي حديث القنوت، وكذلك
وقع في ترجمة القاسم في "تهذيب التهذيب"، وهو تصحيف من المطبعة. وقال داود بن عمرو الضبي: كان إسماعيل بن عياش، يحدثنا من حفظه، ما رأيت معه كتاباً قَطُّ، فقال له عبد الله بن أحمد بن حنبل: أكان يحفظ عشرة آلاف .
حديث؟ قال: وعشرة آلاف وعشرة آلاف، فقال له أبي أحمد: هذا مثل وكيع. وقال حرب الكرماني : أملى علينا سعيد بن منصور نحوا من عشرة آلاف حديث من حفظه، وقال الحافظ أبو بكر بن أبي داود صاحب "السنن": حدثت من حفظي بأصبهان ستة وثلاثين ألف حديث، ألزموني الوهم في سبعة أحاديث منها، فلما انصرفت وجدت في كتابي خمسة منها على ما كنت حدثتهم به، وقال الحافظ أبو حفص بن شاهين: أملى علينا ابن أبي داود، ما رأيت في يده كتابًا قَطُّ، إنَّما كان يُملي حفظا، وكان يقعد على المنبر بعدما عمي،
من
ويقعد دونه بدرجة ابنه أبو معمر، بيده كتاب، فيقول له: حديث كذا فيسرده حفظه، فقال أبو تمام الزيني، فقال: الله درك، ما رأيت أحفظ منك إلا أن يكون إبراهيم الحربي، فقال: كل ما يحفظه إبراهيم فأنا أحفظه، وأنا أعرف
بالنجوم وما كان يعرفها. وقال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير
توجيه العناية
صحيح.
۲۷
وسأل رجل أبا زرعة أنَّه حلف بالطلاق: أنك تحفظ مائة ألف حديث؟ فقال : تمسك بامرأتك. وقال أبو زرعة أيضًا أحفظ في القراءات عشرة آلاف
حديث.
وقال الحافظ أبو بكر العباس بن عُقْدَة: أحفظ مائة ألف حديث بأسانيدها. وقال أيضًا: دخلت الرَّقّة، وكان لي ثُمَّ قِمَطْر من كتب، فجاء غلامي مغتها وقال: ضاعت الكتب، فقلت: يابني لا تَغْتَم، فإنَّ فيها مائتي ألف
حديث، لا يُشكل على حديث منها، لا متنه ولا إسناده.
الحافظ نوعان:
۱ - حافظ على طريقة الفقهاء كالطحاوي، والبيهقي، والباجي، وابن العربي المعافري، والقاضي عياض، والنووي، وابن تيمية، وابن كثير. ۲ - حافظ على طريقة المحدثين، وهم معظم الحفاظ.
والحافظ على طريقة المحدثين أكثر حِفْظًا وأوسع رواية، وأعرف بأحوال الرجال وطبقاتهم، وأدرى بقواعد التصحيح والتضعيف لتمكنه في معرفة العلل وغرائب الأحاديث.
وأمير المؤمنين في الحديث هي الرتبة العليا في الحفظ، لا رتبة فوقها، واستحدثت هذه الرتبة في المائة الثانية للهجرة، قال الحافظ السيوطي في " التدريب": «كأنَّ هذا اللقب مأخوذ من قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: اللهمَّ ارْحَمْ خُلَفَائي قيل : ومَن خُلَفَاؤك؟ قال: «الذين يأتون من بعدي يَرْوُون أحاديثي وسُنَّني» رواه الطبراني وغيره».
۲۸
الحديث الشريف
قلت: هذا الحديث رواه الرَّامَهُرْمُزِيُّ في "المحدث الفاصل" والطبراني في "المعجم الأوسط" وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" والخطيب في "شرف أصحاب الحديث"، كلهم من طريق أحمد بن عيسى العلوي: أخبرنا ابن أبي فديك، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عباس قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: «اللهمَّ ارْحَمْ خُلَفَائي»، قلنا: يا رسول الله ومَن هم؟
قال: «الذين يأتون من بعدي يَرْوُون أحاديثى وسُنَّتي ويُعَلِّمونها النَّاسَ». أحمد بن عيسى العلوي نقل الذهبي في ترجمته من "الميزان" عن الدارقطني أنه قال فيه : كذَّابٌ، وحكم الذهبي ببطلان هذا الحديث، بعد أن ساقه بإسناد الرَّامَهُرْ مُزي، وقال الحافظ الزيلعي في نصب الراية": «وقد روى الحافظ أبو محمَّد الرَّامَهُرْ مُزي في أول كتاب "المحدث الفاصل " حديثاً موضوعاً لأحمد بن عيسى هو المتهم به، وذكر هذا الحديث.
ورواه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" من طريق عبدالسلام بن عبيد: حدثنا ابن أبي فديك عن هشام بن سعد به.
عبد السلام بن عبيد، قال ابن حِبَّان: يسرق الحديث، ويروي الموضوعات». وسرقة الحديث: أن يعمد الرَّاوي إلى حديث معروف من طريق معين فيرويه من طريق آخر. مثاله: روى الليث ويونس عن الزهري عن أنس حديث: «مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعمَّدا... الحديث رواه عبد السَّلام هذا، عن سفيان بن عيينة عن الزهري،
فحوله من رواية الليث و يونس إلى رواية ابن عيينة، وهذه سرقة.
توجيه العناية
۲۹
وروى ابن عُيِّينَة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة حديث :
لا يُلْدَعُ المؤمِنُ مِن جُحْرٍ واحدٍ مرَّتين». سرقه عبدالسلام فرواه ابن عيينه عن الزهري، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
وعبد السلام هذا، روى عنه أبو عوانة في "صحيحه"، كأنه لم يعرف حاله، وهذا كما روى مالك في "الموطأ" عن عبد الكريم بن أبي المخارق مع ضعفه؛ لأنه لم يعرف حاله.
ولحديث الخلفاء طريق ،آخَر، أخرجه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" من طريق أبي الصباح عبدالغفور عن أبي هاشم الرماني، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ألا أدلكم على آية الخلفاء مِنِّي، ومن أصحابي، ومن الأنبياء قبلي ؟ هم حَمَلَةُ القُرآنِ والأحاديث عَنِّي وعنهم في الله والله عزّ وجلَّ».
عبدالغفور، قال ابن حِبَّان كان ممن يضع الحديث»، وقال ابن عدي:
«ضعيف منكر الحديث».
ولا شكّ أنَّ أهل الحديث نُوَّابٌ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في تبليغ أحاديثه ونشر سُنته، فهم خلفاؤه، ولهذا سُمِّي بعضهم: أمير المؤمنين في الحديث، كما أن الخلفاء الحكّام سُمُّوا أمراء المؤمنين، لنيابتهم عنه في تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وحماية بيضة الإسلام، وليس كل عالم أو فاضل أو صاحب رأي، يصلح لخلافة الحكم بل يشترط فيمن يتولى هذا المنصب الخطير شروط مفصلة في كتب الفقه الإسلامي، كذلك ليس كل حافظ يستحق لقب
أمير المؤمنين في الحديث، إنَّما يستحقه من توفّرت فيه الشروط الآتية:
۳۰
الحديث الشريف
۱ - شدَّة الإتقان والضّبط بنوعيه، ضبط صدر، وضبط كتاب.
٢ - التبريز في العلل أو الرّجال
- أن يؤلف كتابا له قيمته العلميَّة، كبير الأمر في موضوعه، أو يتخرج
عليه حفاظ مهرة.
ولعزَّة اجتماع هذه الشروط في شخص، لم ينل هذا اللقب من الحفاظ على
كثرتهم إلا نفر قليل منهم لا يتجاوز عددهم عشرين شخصا. منهم الإمام مالك بن أنس، قال يحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين: مالك أمير المؤمنين في الحديث، على أنه لم يكن واسع الحفظ؛ لأنه لم يرحل إلى البلدان والأقطار، كما رحل غيره من الحفاظ، ولم يبارح المدينة المنورة إلا للحج، ثُمَّ رجع، وبسبب ، وبسبب ذلك فاته حديث كثير، لكنه كان شديد الإتقان، بالغ التحري، مُبرِّزًا في نَقد الرجال.
قال الترمذي في "العلل": سمعت إسحاق بن موسى الأنصاري قال: سمعت معن بن عيسى يقول: كان مالك بن أنس يُشدّد في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الياء والتاء ونحو هذا».
وروى أيضا عن علي بن المديني، قال: قال يحيى بن سعيد القطان: «ما في
القوم أصح حديثاً من مالك بن أنس، كان مالك إماما في الحديث».
وقال علي بن المديني عن سفيان بن عُيَيْنَة: «ما كان أشد انتقاد مالك
للرجال، وأعلمه بشأنهم». وقال يحيى بن معين كل من روى عنه مالك، فهو «كل
ثقة إلا عبدالكريم".
: 0
قلت: عبدالكريم هذا هو ابن أبي المخارق - بضم الميم - أبو أمية البصري
توجيه العناية
۳۱
المعلم، قال ابن عبدالبر : «لا يختلفون في ضعفه، غر مالكًا منه سمته، ولم يكن
من أهل بلده فيعرفه، ولم يخرج عنه حكما بل ترغيبا وفضلا» . اهـ وقال الحافظ ابن سيد النَّاس في "شرح الترمذي": لكن لم يخرج عنه مالك إلَّا الثابت من غير طريقه: «إذا لم تَسْتَح فاصْنَعْ مَا شِئْتَ، ووضع اليُمنى على اليسرى في الصَّلاة، وقد اعتذر لما تبيَّن له أمره، وقال: غرني بكثرة بكائه في
المسجد.
وكتابه "الموطأ" من كتب السُّنَّة النافعة مدحه الإمام الشافعي بكلمته المعروفة: «ما على ظهر الأرض بعد كتاب الله أكثر صواباً من "موطأ مالك". الشهرته
وأثنى عليه غيره من العلماء ثناءً كثيرًا لا حاجة إلى الإطالة . به با وانتشاره في شروح "الموطأ" وغيرها من كتب السنة، ولولا ما فيه من
المرسلات والبلاغات، ما تقدم عليه الصحيحان ولا غيرهما. ولم يُقَدِّره المالكيَّة حَقَّ قَدْرِهِ، حيث قدَّموا عليه "المدونة"، مع أنَّ القواعد
الأصولية والحديثية، توجب تقديمه لأمور: 1 - أنَّ "الموطأ" كتبه الإمام بيده ، ونقّحه في مدى أربعين سنة، و"المدوَّنة"
ليست كذلك؛ لأنه لم يكتبها ولا نقحها.
۲ - أنَّ "الموطأ" رواه عن الإمام عِدَّة فئات من العلماء، فهو منقول
بالتواتر، و"المدوّنة" ليست كذلك. - أن جملة رواة "الموطأ" أصحاب مالك المدنيين، وهم الذين لازموه إلى
وفاته، وابن القاسم الذي بُنيت "المدوّنة" على روايته، فارق مالكا قبل وفاته بعشرين سنة، والملازم للشَّيخ مُقَدَّم على المفارق له.
۳۲
الحديث الشريف
- أن أقوال الإمام في "الموطأ" مصحوبة بدليلها من آية أو حديث أو أثر، والأقوال المنسوبة إليه في "المدونة " عارية عن الدليل، ولكن غلط المالكية أنهم يعتبرون الآراء المجرَّدة فقها ويسمون "المدونة" كتاب فقه، و"الموطأ" كتاب حديث، ولتفصيل هذا البحث موضع غير هذا.
ومنهم إمام الحفاظ، جبل العِلم أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري
صاحب "الصحيح " ، قال عنه شيخه علي بن المديني: «ما رأى مثل نَفْسِهِ». وقال ابن خزيمة: «ما تحت أديم السَّماء أعلم بالحديث من البخاري». وقال الحافظ أحمد بن نصر الخفَّاف: «محمد بن إسماعيل أعلم في الحديث من أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه بعشرين درجة».
وقال الترمذي : لم أرَ أحدًا بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل، أجمعت الأمة على تلقيه بالقبول
وأجله العلماء الفحول. له عند الحفاظ هيبة، وفي قلوبهم رهبة».
ومنهم
الإمام الحافظ المتقن أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، قال
الحاكم: صار الدارقطني أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع، وإماما في القراء والنحويين. أقمت ببغداد أربعة أشهر، وكثر اجتماعنا، فصادفته فوق ما وصف لي، وسألته عن العلل والشيوخ، فأشهد أنه لم يخلف على أديم الأرض
مثله».
وقال الخطيب: «كان الدارقطني فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال
وأحوال الرواة، مع الصدق والثَّقة وصحة الاعتقاد، وسلامة المذهب».
توجيه العناية
۳۳
قال الحافظ الذهبي : وإذا شئت أن تعرف براعة هذا الإمام الفرد، فطالع
كتاب "العلل"؛ فإنَّك تندهش ويطول تعجبك !!» . اهـ قلت: كتاب "العلل" له في سبعة مجلدات، رأيته، وهو يدلُّ على براعته حقا، والعجيب أنه أملاه على تلميذه الحافظ البرقاني، فإنَّه قال: كان الدارقطني
يملي على "العلل" من حفظه، وأنا الذي جمعتها، وقرأها النَّاس من نسختي. ومنهم شعبة ومحمد بن إسحق وعبد الله بن المبارك ومحمد بن يحيى الذهلي وإسحق بن راهويه والحافظ ابن حجر، وهو خاتمتهم، ولم يأتِ بعده من نال هذه الرتبة بحق. وإن كان في تلامذته حُفَّاظٌ كالسَّخاوي ثم الدِّيمي والسيوطي لكنهما لم يدركاه، وإنما تتلمذا على كتبه وانتفعا بها كثيرًا، وهو يعتبر خاتمة الحفاظ بالمعنى المصطلح عليه عند أهل الحديث، ومن وصف بعده بالحافظ كالسيد مرتضى الزبيدي شارح "الإحياء"، فذلك على سبيل التوسع في العبارة، نظرا لكثرة
اطلاعه.
وكان يُجيزنا العلّامة الشيخ محمد زاهد الكوثري الحنفي - رحمه الله - يصف ابن طولون الحنفي بالحافظ، وناقشته في ذلك، فقال: إنَّ مروياته كثيرة، وهذه مغالطة؛ لأنَّ كثرة المرويات إنّها تعتبر في الحافظ بشرط أن تكون مسموعة له، ومرويات المتأخرين كابن طولون إنَّما هي بالإجازة، والغرض منها بقاء سلسلة الإسناد والتبرك برجال السلسلة، كما قال الحافظ السَّخاوِيُّ: «إنَّه لبس الخرقة الصوفية تجاه الكعبة المشرفة تبركًا برجالها الصَّالحين، وإن كان يعتقد أنَّ سندها منقطع» . اهـ
٣٤
الحديث الشريف
وأنا لبست الخرقة تبركًا من الشريف أحمد التبر، ألبسنيها بالقاهرة. ولما كنت أدرس العلم بجامعة القرويين، أعاد الله مجدها، علمت أنَّ رجلًا عاميًا - هو سيدي المهدي العزوزي - يروي بالإجازة عن أبيه عن جده عن السيد مرتضى الزَّبيدي، فذهبت إليه واستجزته فأجاز لي، مع أنَّ لي رواية عن السيد مرتضى بواسطة شيوخ كثيرين منهم بالمغرب شقيقي أبو الفيض، وسيدي عبدالحي الكتاني، والقاضي عبدالحفيظ الفاسي، والشيخ المكي البطاوري والشيخ فتح الله البناني، وسيدي محمد بن إدريس القادري، رحمهم الله وأكرم
مثواهم.
توجيه العناية
۳۵
تنبيهات هامة
المطرزي الذي نقل عنه رتب الحفظ، لم نقف له على ترجمة، ولم نعرف اسمه، غير أني وجدت في ترجمة ابن دقيق العيد أنَّ له شرحًا على "مقدمة المطرزي" في علم الأصول، ورأيت في كتاب "المساقاة من نيل الأوطار"، كلمة في اشتقاق لفظ المزارعة، نقلها الشوكاني عن المطرزي.
قال الحافظ أبو شامة: «علوم الحديث الآن ثلاثة:
أشرفها حفظ متونه، ومعرفة غريبها وفقهها.
والثاني: حفظ أسانيده ومعرفة رجالها، وتمييز صحيحها من سقيمها. وهذا كان مهما ، وقد كُفيه المشتغل بالعلم، بما صُنف فيه من الكتب، فلا فائدة في تحصيل ما هو حاصل.
والثالث: جمعه وكتابته وسماعه وتطريقه وطلب العلم فيه، والرحلة إلى البلدان، والمشتغل بهذا مشتغل عما هو الأهم من العلوم النافعة، فضلا عن العمل به الذي هو المطلوب الأصلي، إلا أنه لا بأس به لأهل البطالة، لما فيه من
بقاء سلسلة الإسناد المتصلة بأشرف البشر» . اهـ
قال الحافظ : « وفي بعض كلامه نظر؛ لأنَّ قوله : وهذا قد كفيه المشتغل بما صُنف فيه، قد أنكره العلامة أبو جعفر بن الزبير، وغيره، ويقال عليه: إن كان
التصنيف في الفن يوجب الاتكال على ذلك، وعدم الاشتغال به، فالقول كذلك في الفن الأوّل، فإن فقه الحديث وغريبه لا يُحصَى كم صُنف فيه، بل لو ادعى مُدَّعِ أنَّ التصانيف فيه أكثر من التصانيف في تمييز الرجال والصحيح من السقيم لما أبعد، بل هو الواقع، فإن كان الاشتغال بالأول مهما، فالاشتغال
٣٦
الحديث الشريف
بالثاني أهم؛ لأنَّه المرقاة إلى الأوَّل، فمن أضل به خلط السقيم بالصحيح، والمعدل بالمجرح وهو لا يشعر، فالحق أنَّ كلا منهما في علم الحديث مهم. ولا شكّ أنَّ من جمعهما حاز القدم العليَّ مع قصور فيه إن أخل بالثالث،
ومَن أخل بهما فلا حظ له في اسم الحافظ، ومن أحرز الأول وأخل بالثاني كان المحدّث عرفا، ومن يحرز الثاني وأخل بالأول لم يبعد عنه اسم
بعيدا من اسم ا المحدث، ولكن فيه نقص بالنسبة إلى الأول.
.
لا، ومن جمع
وبقي الكلام في الفنّ الثالث، ولا شكّ أنَّ من جمع ذلك مع الأولين كان أوفر سهما وقسما، ومن اقتصر عليه كان أحسن حظا وأبعد حفظا، . الثلاث كان فقيها مُحدّثا كاملا، ومن انفرد باثنين منهما كان دونه، إلَّا أنَّ من اقتصر على الثاني والثالث، فهو مُحدّثٌ صِرْفٌ لا حظ له في اسم الفقيه، كما أنَّ من انفرد بالأول فلا حظ له في اسم المحدّث، ومن انفرد بالأول والثاني فهل يُسمَّى محدثا؟ فيه بحث . اهـ
قلت: الظاهر أنَّه محدثٌ، بل هو الواقع، وقول أبي شامة: وقد كفيه المشتغل ... إلخ، يظهر منه أنَّه يوافق ابن الصلاح في امتناع التصحيح والتحسين من المتأخرين.
وبهذا ينتهي ما أردناه من تحرير الفرق بين علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية، والحمد لله رب العالمين.
٢ - الأربعون حديثًا العُمارية في شُكْرِ النَّعَمِ
الأربعون في الشكر
۳۹
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
اللهم لك الحمد أنت ربُّ السماوات و الأرض، لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهنَّ، لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهنَّ، أنت الحق، وقولك الحق، ووَعْدُك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنَّارُ حقٌّ، والساعة حق.
اللهم لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكلتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمت، وإليك حاكمتُ فاغفر لي ما قدَّمتُ وما أخرتُ، وأسررتُ وأعلنت، أنت إلهي لا إله غيرك (۱).
اللهم صل وسلم وبارك على نبيك المصطفى ورسولك المرتضى، سيدنا القيامة،
محمد المخصوص بالكرامة، والمميّز بالسيادة والشفاعة العُظْمَى . يوم وعلى إخوانه النبيين والمرسلين، وارضَ اللهم عن آله والهم الطيبين الطاهرين، وعمن تبع صراطهم السوي بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإني قرأت بعضًا من أجزاء ابن أبي الدنيا الكثيرة، واستفدت منه فوائد غزيرة، وكان هذا البعض الذي قرأته ما بين مخطوط ومطبوع ومقروء و مجاز به ومسموع، غير أني وجدت ما طبع منه قد امتدت إليه يد التحريف، وتناوله الطابعون بتصحيح هو في بعض الأحايين تصحيف، والتصحيف -مع
(۱) هذه الخطبة نص دعاء كان يدعو به النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم حين يقوم من الليل كما في "صحيح البخاري" عن ابن عباس.
الحديث الشريف
أنه يُفسد اللفظ ويُشوِّه المعنى - يولّد للقارئ متاعب تبعث بالظن والتخمين فيظل يقلب الكلمة المحرَّفة أو المصحفة على عدة وجوه لعل الصواب في
بعضها يبين هذا عدا ما يوجبه من الإثم لفاعله إذا وقع في خبر قدسي أو
حديث نبوي ري (١) لعِظَم خطرهما وقُبح الخطأ فيهما، حتى أنهم عدوا المحرّف في الحديث واللاحن فيه داخلين في عموم قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن كَذَبَ عليَّ متعمدا فليتبوأ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ». وبينوا ذلك بما يُعلم من مراجعة
كتب المصطلح والحديث. فرأيت لهذا أن أُجرد من تلك الأجزاء التي قرأتها الأحاديث المرفوعة، وأجعلها في أوراق مجموعة، مع ذكر أسانيدها وتصحيح أسماء رواتها، وبيان حالها من الصحة والحسن والضعف بيانًا موجزًا كافيًا، و بدأت بكتاب "الشكر"
(1) الحديث القدسي: هو الذي يرويه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن الله تعالى و يُسمَّى الحديث الرباني أيضًا. والحديث النبوي: هو المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كلامه، وهذا هو الفرق بينهما. وأما الفرق بين الحديث القدسي والقرآن فهو أنَّ القرآن مُنَزَّل على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بواسطة جبريل عليه السلام، ومنقول إلينا نقل التواتر جيلًا عن جيل، ومتعبد بتلاوته، بخلاف الحديث القدسي، فيجوز أن يكون بغير واسطة جبريل، ولا يُشترط فيه التواتر، ولا متعبد بتلاوته، وتجوز روايته بالمعنى.
والقرآن معجز، بخلاف الحديث القدسي. والقرآن يحرم مشه وقراءته للجنب، ويتعين في الصلاة، بخلاف الحديث القدسي.
الأربعون في الشكر
٤١
فجردت ما فيه من الأحاديث، فإذا هي ستة وأربعون حديثا، فتيمنت بهذا القدر
من العدد؛ لأنه عدد أجزاء النبوة المذكور في حديث البخاري (۱).
ورجوت أن أكون في عداد من حفظ على الأمة المحمدية أربعين حديثاً حتى أحشر في زمرة العلماء وتنالني شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، كما جاء
في الحديث الوارد من عِدَّة طرق استوفاها شقيقنا الحافظ السيد أحمد في كتابه المسمى "إرشاد المربعين إلى طرق حديث الأربعين" وهو إن كان ضعيفًا يُرجى حصول ما فيه من الثواب بفضل الكريم الوهّاب، وقد عمل به جماعة من العلماء الأعلام كالآجري وابن عساكر وعبد الغافر الفارسي وعبدالقادر الرهاوي والنووي والمنذري وغيرهم ممن لا يُحصون كثرة، رحمهم الله وأثابهم
رضاه. وقد اخترت أن أسمي ما جمعته بـ " الأربعين الغمارية". والله المسؤول أن ينفع بها كاتبها وقارئها وسامعها ويشملهم جميعا بستره وعنايته في الدنيا والآخرة إنه قريب مجيب.
(۱) وأجزاء النبوة عبارة عن الأوصاف التي كان يأتي عليها الوحي، فتارة يأتيه الوحي في المنام، وتارة بطريق الإلهام، وتارة يأتيه الملك على صورته الأصلية، وتارة على صورة رجل، إما دِحية الكلبي أو غيره، وهكذا. وقد استوفى ذكر هذه الأجزاء الإمام
الحليمي.
٤٢
مقدمة
الحديث الشريف
سيجد الناظر في هذه الأربعين أحاديث منصوصًا عليها بالضعف، فلا يحملنه على إهمالها وترك العمل بما فيها فيُحرم بسبب إهماله خيرًا كثيرًا، وليعلم أنَّ الحديث الضعيف معمول به في الفضائل.
قال الحافظ ابن الصَّلاح: يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها، فيما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما، وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب مما لا تعلق له بالأحكام والعقائد» . اهـ ومثله للإمام النووي في "التقريب" و"الأذكار" و"المجموع"، وقال الحافظ العراقي في "الألفية" :
وسَهَّلُوا فِي غَيْرِ مَوْضُوع رَوَوْا مَنْ غَيْرِ تَبِينِ لَضَعْفٍ وَرَأَوْا بيانه في الحُكْمِ والعَقَائِدِ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٌّ وَغَيْرِ وَاحِدِ بَيَانَهُ وأخرج الحافظ البيهقي في "المدخل" عن عبدالرحمن بن مهدي -أحد أئمة الحديث - قال: «إذا روينا عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم في الحلال والحرام والأحكام شدَّدنا في الأسانيد وانتقدنا في الرجال، وإذا روينا في
الفضائل والثواب والعقاب سهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال». وورد مثل هذا عن سفيان الثوري وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم أسند ذلك عنهم أبو أحمد بن عدي الحافظ في مقدمة كتابه "الكامل" حيث عقد الجواز العمل بالضعيف في
الأربعون في الشكر
٤٣
الفضائل بابا مستقلاً وأورد فيه نقولا كثيرة، وكذا فعل أبو بكر الخطيب
الحافظ في "كفايته". وقال الحاكم: سمعت أبا زكريا العنبري يقول: الخبر إذا ورد لم يُحرم حلالا ولم يُحل حرامًا ولم يُوجب حكما وكان في ترغيب أو ترهيب أغمض عـ
وتشوهل في رواته». اهـ
عنه
وقال أبو عمر بن عبدالبر :الحافظ أحاديث الفضائل لا نحتاج فيها إلى من يحتج به . اهـ (۱)
(۱) بل ذكر بعض العلماء أنه يجوز العمل في هذا الباب بالرؤيا، ففي اختصار "حاشية الرهوني" للفقيه قنون بالقاف المعقودة وتشديد النون ما نصه: «قال سيدي المهدي الفاسي -رحمه الله - : وإذا كانت الفضيلة المستدل لها مما شهد الشرع باعتبار جنسه واندرج تحت أصل عام وليس في الأصول والقواعد ما يخالفه، فمن العلماء من قال: يعمل فيها بالمرائي المنامية أيضًا، ويستأنس لها بها فتكون مؤكدة لها لا مؤسسة، والله أعلم» . اهـ نقله في "باب الجنائز".
ولا يخفى أن الرؤيا التي يعمل بها - على القول بذلك - هي التي يُرى فيها النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرًا بشيء أو ناهيا عنه، لأن كلامه حُجَّةٌ في الدين ولأن الشيطان لا يتمثل به، أما رؤيا غيره فلا يُعمل بها، مثال من ذلك: ما نقله العلامة الحطاب في باب الآذان من شرحه على مختصر الشيخ خليل" عن صاحب "المسائل الملقوطة" عن العالم المجتهد الأرْضَى صدرِ الدين بن الصَّلاح بهاء الدين عثمان بن علي الفارسي قال: القيت الشيخ العالم المتقن المفسّر المحدث المشهور الفضائل نور الدين الخراساني بمدينة شيراز وكنت عنده في وقت الأذان، فلما سمع المؤذن يقول: «أشهد أن محمدًا رسول الله قبل الشيخ إبهامي يديه اليمنى واليسرى، ومسح بالظُّفُرِ من أجفان عينه
٤٤
الحديث الشريف
لكن شُرط الجواز العمل بالضعيف شروط ثلاثة: أحدها: أن يكون ضعف الحديث غير شديد، فإن كان شديدا بأن كان واهيًا أو موضوعًا فلا يجوز العمل به، وهذا الشرط متفق عليه كما قال الحافظ العلائي والإمام التقي السُّبكي، ومثال الضعف الشديد أن يتفرد بالحديث كذَّاب أو متهم به، أو مَن فَحُشَ غلطه، أو كثرت غفلته، أو ظهر فسقه، ونحو
ذلك.
ثانيها: أن يكون الحديث مندرجا تحت أصل عام من أصول الشريعة، فلا يجوز العمل به في غير ذلك، كما إذا كان الحديث يقتضي إحداث شيء ليس في قواعد الشرع ما يشهد له كحديث ابن عباس مرفوعًا: «مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا البَهِيمَةَ». رواه أحمد والأربعة.
عند كل تشهد مرة، بدأ بالموق من ناحية الأنف وختم باللحَاظِ من ناحية الصُّدْغِ، فسألته عن ذلك فقال : كنت أفعله من غير رواية حديث ثم تركته، فمَرِضَتْ عيناي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في المنام فقال : التركتَ مَسْحَ عَيْنَيْكَ عندَ ذكرِي فِي الأَذَانِ؟! إِنْ أَردتَ أَنْ تَبْرَأَ عَيْنَاكَ فَعُدْ إِلَى المَسْحِ»، أو كما قال. فاستيقظت ومسحت فبَرِئَتْ عيناي ولم يعاودني مرضهما إلى الآن. ثُمَّ قال الحطاب: ورُوي عن الخضر عليه السلام أنه قال: من قال حين يسمع المؤذن يقول: «أشهد أن محمدا رسول الله - : مرحبا بحبيبي وقرة عيني : عيني محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلَّم، ثم يُقبل إبهاميه ويجعلهما على عينه لم يَعْمَ ولم يَرْمَدُ أبدا» . اهـ وما ذكره عن الخضر رواه عنه الشيخ أحمد الرداد في كتاب "موجبات الرحمة " بإسناد منقطع وفيه مجاهيل، ولم يصح في هذا الباب حديث كما قال الحافظ السخاوي، والله أعلم.
٤٥
الأربعون في الشكر فهذا الحديث - مع ضعفه - ليس في قواعد الشرع ما يشهد له، إذ ليس في الأحاديث الصحيحة ولا غيرها من الأدلة ما يشهد لقتل البهيمة في مثل هذا
الموطن.
ثالثها: ألا يعتقد العامل به ثبوته عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم لئلا يقع في نسبة ما لم يقله إليه، بل يعمل به على أنه محتمل الثبوت والانتفاء لأن الضعيف ليس ثبوته راجحا كالحديث الصحيح. ذكر هذين الشرطين الإمامان الكبيران عز الدين بن عبدالسلام وتلميذه
تقي الدين بن دقيق العيد رحمهما الله.
ولا يخفى أن أحاديث هذه "الأربعين" تتعلق بفضيلة من فضائل الأعمال، وخصلة من سني الخصال، هي شكر النعم، الذي دلت قواعد الشرع ودلائله على طلبه من عموم النَّاس، وكفى دليلا قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُ والي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: ۱۵۲]، فينبغي العمل بما كان ضعيفًا من هذه الأحاديث، بل يتأكد لاستيفائه الشروط المقررة.
على أنَّ ما كان منها شديد الضعف يجب تركه عملا بالشرط الأول المتفق عليه، والله الموفق لا رب غيره.
٤٦
الحديث الشريف
الحديث الأول
أخبرنا أبو عبدالله محمد بن محمود خفاجي الدمياطي: أنا أبو المحاسن محمد بن خليل الطرابلسي: أنا محمد بن محمود الجزائري: أنا علي بن الأمين: أنا الجوهري: أنا النخلي أنا الصفي القشاشي أنا الرملي: أنا القاضي زكريا: أنا أبو الفضل أحمد بن علي الحافظ : أنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الشامي البعلي: أنا أبو بكر بن عبدالدائم وأبو العباس أحمد بن أبي بكر الأُرْمَوِيُّ، قال الأول : أنا محمد بن إبراهيم الأربلي: أنا فخر النساء شُهدة الكاتبة قالت: أنا أبو الحسين أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف، وقال الثاني: أنا أبو القاسم عبدالرحمن بن مكي الطرابلسي: أنا جدي لأمي الحافظ أبو طاهر السلفي: أنا محمد بن عبدالسلام الأنصاري، وأبو سعد محمد بن عبدالكريم بن حشيش: أنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان، وقال ابن عبدالسّلام وأبو الحسين بن عبد القادر: أنا أبو القاسم عبد الرحمن الخِرَقِي، قالا: أنا أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد قال : أنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد القرشي الحافظ، عُرِف بابن أبي الدنيا رحمه الله تعالى، قال: حدثني الحسن بن الصباح: ثنا عمر بن يونس: حدثنا عيسى بن عون بن عمرو بن حفص بن الفرافصة الجمحي (١)، عن عبدالملك بن زرارة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَا أَنْعَمَ الله عَلَى عَبْدِ نِعْمَةٌ فِي أَهْلِ أَوْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ،
(۱) هذا السند موجود في كتاب "الشُّكر" المطبوع هكذا: حدثنا عيسى بن عون الحنفي، عن جعفر بن العرامصة الحنفي، عن عبد الملك بن زُراره، وهو تصحيف فاحش.
الأربعون في الشكر
فَيَقُولُ: «مَا شَاءَ الله لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ»، فَيَرَى فِيهِ آفَةٌ دُونَ الْمَوْتِ».
٤٧
قلت: «عيسى بن عون وشيخه عبدالملك»، قال الأزدي في كل منها: «لا
يصح حديثه»، لكن للحديث طرق تقويه (۱).
الحديث الثاني
بالسند إليه قال: حدثنا حاجب بن الوليد: ثنا الوليد بن محمد المُوَكَّرِيُّ، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فرأى كِسْرةً مُلْقَاةً فمسحها، فقال: «يا عائشة، أَحْسِنِي جوارَ نِعَمِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فإنها قلَّمَا نَفَرَتْ عن أهل بيتٍ فكادت أن ترجع إليهم». قلت: المُوَقِّرِي مُجمع على ضعفه كما قال الذهبي في "الميزان"().
(۱) ذكرها الحافظ السيوطي في "الدر المنثور" عند تفسير قوله تعالى: وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [الكهف: ٣٩] ومعنى الحديث: أنَّ من قال هذا الذكر عند حدوث أي نعمة في أهله أو ماله أو ولده، حفظ الله عليه تلك النعمة من الآفات، إِلَّا الموت إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَايُؤَخَّر لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [نوح: ٤] وقد كان
جميع
عروة بن الزبير إذا دخل حوائطه وبساتينه وأعجبه ما فيها قال: «ما شاء الله لا قوة إلا بالله». والسر في اختيار هذا الذكر أنه ينبئ باستسلام العبد لربه وخضوعه له حيث فوض المشيئة إليه واعترف بأن لا قوة إلا به سبحانه و تعالى. (۲) لصدر الحديث شاهد من حديث علي عليه السلام قال : مرَّ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم على كِسْرِةٍ مُلْقَاةٍ فقال: «يا سُميراء أو يا حميراء- أحسني جوار نعم الله
٤٨
الحديث الشريف
الحديث الثالث
حدثني علي بن داود ثنا عبد الله بن صالح ثنا أبو زهير يحيى بن عطارد القرشي، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «لا يرزُقُ الله عزّ وجلَّ عبدا الشكر فيحرمُهُ الزيادةَ لأَنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول: لين
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: ٧].
قلت: هذا مرسل لكن له طرق تقويه (١).
عليك.... الحديث. رواه ابن حِبَّان في "الضعفاء" وفي سنده: «أبو شرس، عن شريك قال ابن الجوزي: روى عنه ما لم يحدث به قط».
وقد ورد في إكرام الخبز بضعة عشر حديثا، جمعها شقيقنا الحافظ السيد أحمد في جزء صغير سماه: رفع الرجز بإكرام "الخبز وبين ما فيها من ضعف، ولم يصح منها إلا حدیث واحد وهو حديث عائشة مرفوعا: «أكرموا الخبز». صححه الحاكم وأقره الذهبي، وإكرامه يكون بعدم إلقائه في الطريق وفي المواضع المستقذرة ونحو ذلك.
(1) منها عن ابن مسعود مرفوعا: «من أُعطي الشُّكْرَ لم يُحرمِ الزَّيَادَةَ لأن الله تعالى يقول: لَن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: ۷] ومن أُعطي التوبة لم يُحرم القبول لأن الله
تعالى يقول: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ﴾ [الشورى: ٢٥]». رواه ابن مردويه. وروى الترمذي الحكيم في "نوادر" "الأصول" عن أبي هُرَيْرَة مرفوعا أيضًا: «أربع من أُعطيهن لم يُمنع من الله أربعًا: من أُعطي الدعاء لم يُمنع الإجابة لأن الله تعالى يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُوا [غافر: (٦٠]، ومن أعطي الاستغفار لم يُمنع المغفرة لأن الله يقول: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَارًا ﴾ [نوح: ١٠]، ومن أُعطي الشكر لم يُمنع
الأربعون في الشكر
الحديث الرابع
٤٩
حدثنا محمد بن عبدالله المديني: ثنا المعتمر بن سليمان: سمعت أبا الأشهب، عن الحسن قال : سمع نبي الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم رجلًا يقول: الحمد لله بالإسلام. فقال: «إنك لَتَحْمَدُ الله على نعمة عظيمة». قلت: هذا مرسل أيضا (۱).
الزيادة لأن الله تعالى يقول: لَن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم: 7 ]، ومن أعطي التوبةَ لم يُمنع القبول لأن الله تعالى يقول: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ
[الشورى: ٢٥ ] .
وروى البخاري في "التاريخ" والضياء المقدسي في "المختارة" عن أنس مرفوعا: «من ألهم خمسة لم يُحرم خمسة». فذكر الأربعة السابقة وزاد عليها: «ومن أُلهم النفقة لم يُحرم الخَلَفَ لأن الله تعالى يقول: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [سبأ: ٣٩]، وعن قتادة في تفسير قوله تعالى: لَن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: ٧] قال: «حق على الله أن يُعطي من سأله ويزيد من شكره والله مُنعِم يحب الشاكرين فاشكروا الله نعمه. رواه عبد بن حميد وابن المنذر وغيرهما.
وقوله: «حق على الله هذا حقٌّ تفضلي لا بمعنى أنه واجب عليه؛ فإنَّ الله تعالى لا يجب عليه شيء أبدا، نعم هذا الحق واجب الوقوع من جهة أنَّ الله وَعَد به، وهو
سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد.
(۱) وفي إسناده ضعف، والباء في بالإسلام»: سببية ، أي : الحمد لله بسبب الإسلام الذي أنعم به، وكون الإسلام نعمة عظيمة لا يحتاج إلى بيان، ولو لم يكن فيه إلا أنه يوجب دخول الجنة والخلود فيها لكفى به نعمة أي نعمة، فالحمد لله على الإسلام حمدًا كثيرًا.
الحديث الشريف
الحديث الخامس
حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي، وأزهر بن مروان الرقاشي قالا : ثنا بشر بن منصور الباهلي السليميُّ، عن زهير بن محمد، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فانطلقنا معه، فلما طعم وغسل يده أو قال: يديه- قال: «الحمد لله الذي يُطعِم ولا يُطعم منَّ علينا فهَدَانا، وأَطْعَمَنا وسَقَانا، وكل بالإحسان أتلانا الحمد الله غير مودَّع ربي ولا مكافا ولا مَكْفُورٍ ولا مُستغنى عنه، الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العري، وهدى من الضلالة، وبصَّر من العَمَى، وفضَّلنا على كثير ممن خلقه تفضيلا،
والحمد لله رب العالمين».
قلت: إسناده صحيح
(1)
(۱) قوله: «الحمد لله الذي يُطعم»: بضم الياء وكسر العين، ولا يُطعم»: بضم الياء وفتح العين بالبناء للمفعول، أي: يَرزُق ولا يُرزَق، لأن المنافع كلها منه سبحانه، ويجوز فتح الياء والعين بالبناء للفاعل، أي: لا يذوق الطعام ولا يأكله، لتنزهه سبحانه وتعالى عن ذلك.
وقوله: «وكل بالإحسان أتلانا كذا في كتاب "الشكر" المطبوع ولعله تحريف، والصواب: وكلا بالإحسان»، والإتلاء: الإتباع، وهناك مضاف إليه محذوف ناب عنه التنوين في كل والتقدير وكل نعمة أتبعنا وأردفنا بالإحسان منه لا باستحقاق منا عليه، لأنه لا يجب عليه شيء سبحانه وتعالى.
وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند ابن السني: وكل الإحسان آتانا». وفي
الأربعون في الشكر
الحديث السادس
۵۱
حدثنا محمد بن إدريس - هو أبو حاتم الرازي الحافظ المشهور - : ثنا محمد ابن مقاتل المروزي: ثنا هاشم بن مخلد المروزي، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أنه كان يقول: «اللهم إني أعوذُ بك من زوالِ نِعمتِكَ وَفَجْأَةِ نِعْمَتِكَ
وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وجَميعِ سَخَطِكَ». قلت: إسناده صحيح أيضًا (۱).
الحديث السابع
حدثنا سُوَيْدُ بنُ سَعِيدٍ: ثنا صالح بن موسى، عن ليث بن أبي سليم، عن عثمان، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يُؤتَى بالنّعم يوم القيامة والحسنات والسيئاتِ، فيقول الله عزّ وجلَّ لنعمةٍ من نِعَمِهِ: خذي حَقَّكَ مِن حسناته، فما تترك له
رواية عن أبي هُرَيْرَة عند الطبراني في الدعاء وكل بلاء حسن أبلانا». وكلاهما أوضح من لفظ حديث الترجمة ومودّع بفتح الدال المشددة معناه: متروك، ومكافأ - بفتح الفاء وبالهمز - من المكافأة، ومستغنى بفتح النون، وغير: منصوب على الحال من الطعام المفهوم من المقام والضمير في مُوَدَّع ومُكَافًا ومكفور ومستغنى عائد إليه، وربي: منادى بحذف حرف النداء.
والمعنى: الحمد لله على هذا الطعام حال كونه غير متروك يا ربي ولا مكافأ ولا مكفور ولا مستغنى عنه، وفي الحديث احتمالات أخرى مذكورة في "الأذكار" وشرحها. (۱) ورواه مسلم عن ابن عمر.
۵۲
الحديث الشريف
حَسَنَةٌ إِلَّا ذَهَبَتْ بها». قلت: إسناده ضعيف (۱).
الحديث الثامن
حدثنا يعلى بن عبد الله بن يعلى الهذلي : ثنا بشر بن عمر: ثنا ابن لهيعة: ثنا عقبة بن مسلم، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا رأيتَ اللهَ عزَّ وجلَّ يُعْطِي العبادَ ما يشاءون، على مَعاصِيهِم إِيَّاهُ
فذلك استِدْرَاجُ منه لهم».
قلت: إسناده حسن إن شاء الله (۲).
(۱) هذا بيان لعظم نعم الله على عبده، وأنه لا يستطيع مكافأتها مهما يعمل من الحسنات، وقد جاء في بعض الآثار: «أَنَّ عابدا من بني إسرائل عبد الله طول عمره، فلما مات قال الله: «أدخلوه الجنة برحمتي»، فقال العابد: بل بعملي يا رب، فحاسبه الله على نعمه فاستغرقت نعمة البصر جميع عباداته، وبقيت النعم الأخرى بدون مقابل، فأمر
الله به إلى النار، فقال: يا رب أدخلني الجنة برحمتك». رواه ابن أبي الدنيا. وروي أيضا عن الحسن قال : قال داود عليه السلام: إلهي لو أنَّ لكل شعرة مِنِّي لسانين يُسَبِّحَانَكَ الليل والنهار ما قضيت نعمةً من نِعَمِك».
(۲) وهذا نحو قوله تعالى: ﴿ سَنَستَدْرِجُهُم مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ) وَأُمَلِي لَهُمْ [الأعراف: ۱۸۲-۱۸۳] قال المفسرون: استدراجهم بالإنعام عليهم لأنهم يحسبونه إيثارا لهم على غيرهم وتفضيلا ، وهو سبب لهلاكهم حيث لم يشكروا الله ولم
يطيعوه.
وروى ابن المبارك، عن داود بن عبدالرحمن، عن عمر بن سعد بن أبي حسن، عن أبي
حازم قال: «إذا رأيتَ اللهَ عَزَّ وجلَّ سابغًا نِعَمَهُ عليك وأنتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ».
الأربعون في الشكر
الحديث التاسع
٥٣
حدثنا محمودُ بنُ غَيْلَانَ المَرْوَزِيُّ، ثنا مُؤَمَّلُ بن إسماعيل: ثنا حماد بن سلمة: ثنا حميد الطويل، عن طلق بن حبيب، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «أَرْبَعٌ مَنْ أُعْطِيَهُنَّ فَقَدْ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: قلب شاكر، ولسان ذاكِرٌ ، وبَدَنٌ على البَلاءِ صابر، وزَوْجَةٌ لا تَبغِيهِ خَوْنًا فِي نَفْسِها ولا مالِهِ». قلت: رجال إسناده ثقات، غير مؤمل بن إسماعيل فقد اختلف فيه فوثقه ابن مَعِينٍ، وقال البخاري: «منكر الحديث». لكن صنيع الذهبي في الميزان يقتضي أنَّ العمل على توثيقه؛ لأنه لما ترجمه ذكر قبالة اسمه لفظة: «صح» وهذه اللفظة في اصطلاحه تدل على ذلك (۱).
الحديث العاشر
حدثنا محمد بن علي بن الحسن - هو ابن شقيق العبدي، عن بشر بن السري، عن همام بن يحيى، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أنَّ رجلا كان يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فيسلم عليه فيقول النبي: «كيف
(۱) نص عليه الحافظ في خطبة "لسان الميزان"، والحديث ذكره المنذري في "الترغيب" باللفظ المذكور إلا أنه قال: «حوبًا» وعزاه للطبراني في "الكبير" و"الأوسط" وقال: إسناد أحدهما جيد». والحوب بضم الحاء وفتحها : الإثم، وفي الباب عن ثوبان قال: لما نزلت: وَالَّذِينَ يَكْذِرُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَةَ ﴾ [التوبة: ٣٤]، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه: أُنزلت في الذهبِ والفِضَّة، ولو علمنا أيُّ المال خيرٌ فتَخِذَهُ؟ فقال: «أَفْضَلُهُ لِسَانُ ذَاكِرٌ ، وقَلْبٌ شَاكِرٌ ، وزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ على إيمَانِهِ». رواه ابن ماجه، والترمذي وحسنه.
٥٤
الحديث الشريف
أصبحت؟ فيقول الرجل : إليك أحمد الله، أو أحمد الله إليك، فكان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم يدعو له.
فجاء يوما فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «كيف أنتَ يا فلان؟» قال : بخير إن شكرتُ. فسكت النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال الرجل: يا رسول الله كنت تسألني فتدعو لي وإنك سألتني اليوم فلم تدع لي! قال: «إنّي كنتُ أسألُكَ فتشكر الله وإني سألتُكَ اليومَ فَشَكَكْتَ فِي الشُّكْرِ».
قلت: هذا مرسل صحيح الإسناد (۱).
الحديث الحادي عشر
حدثني الحسن بن الصباح البزار: حدثني محمد بن سليمان قال: أنبأ هشام بن زياد، عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي ا عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما أنعم الله على عَبْدِ نِعْمَةٌ فَعَلِمَ أَنَّهَا مِن عَبْدِ اللَّهِ إلَّا كُتِبَ له شُكْرُهَا، وما عَلِمَ اللهُ مِن عبدِ نَدَامَةً على ذَنْبٍ إِلَّا غَفَرَ لَهُ قَبْل أَن يَستغفِرَهُ، وإنَّ الرَّجُلَ ليَشتَرِي الثوبَ بالدِّينارِ فَيَلْبَسُهُ فَيَحْمَدُ اللهَ، فما يَبْلُغُ رُكْبَتَيْهِ حتى يُغفر له . قلت: هشام بن زياد ضعيف ، ورأيت الحافظ المنذري عزاه في "الترغيب" لا بن أبي الدنيا والحاكم والبيهقي، ونقل عن الحاكم أنه قال: «لا أعلم في رواته
(۱) «المرسل» عند المحدثين والأصوليين هو قول التابعي: قال رسول الله: كذا». وقول "البيقونية": "ومرسل منه الصَّحابيٌّ سَقَط». تعريف له ببعض صوره، ثُمَّ هو حُجَّةٌ
عند المالكية والحنفية، ضعيف عند الجمهور .
الأربعون في الشكر
٥٥
مجروحا». وقال: «كذا قال». فأشار إلى أنَّ كلام الحاكم فيه شيء.
الحديث الثاني عشر
حدثني الهيثم بن خارجة: ثنا عبد ربه بن عبدالله الفلسطيني، عن هليل بن يزيد المدني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما مِن عَبْدِ تَوَكَّلَ بِعِبَادَةِ الله إِلَّا غُرِّمَ السَّماوات والأرضُ - يعني رزقه، فجعلهُ في يَدَي بني آدمَ يَعْمَلُونَهُ حتَّى يَدْفَعُوهُ إليه، فإن العبدُ قَبِلَهُ أوْجَبَ عليه الشَّكْرَ، وإن أباهُ وَجَدَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ عِبَادًا فُقَرَاءَ يأخذون رِزْقَهُ ويَشْكُرُونَ لَهُ (۱)
قلت: عبد ربه الفلسطيني وشيخه ما عرفتهما، على أني أرجح أن يكون هليل محرفًا عن هلال بن يزيد وهو المازني، ذكره الحافظ في "تعجيل المنفعة".
(۱) يقال: «غرم السحاب»: بضم الغين المعجمة وتشديد الراء مبنيا للمفعول، أي أمطر. فعلى هذا تغريم السماوات للرزق في الحديث معناه: إنزال المطر، لأنه سبب الرزق، وتغريم الأرض: إخراج الحب ونحوه. ثم يُجعل في أيدي بني آدم يعملونه ويهيئونه حتى يصلح للأكل والانتفاع، ثم يدفعونه إلى العبد المتوكل بعبادة الله بطريق من الطرق الشرعية، كبيع أو عطاء أو هبة، فإن هو قبله أوجب قبوله شكرا لله على هذه النعمة التي وصلت إليه من غير أن يتعب فيها كما تعب غيره فهي نعمة مزدوجة، وإن أبي قبوله لاستقلال له أو نحو ذلك وجد الغني الحميد عبادا له فقراء يأخذون هذا الرزق ويشكرونه عليه. و«خُرم» في الحديث: مبني للمفعول، و«السماوات»: نائب الفاعل، ومعنى توكل بعبادة الله ) أي : تكفل بها وألزم نفسه إياها. هذا ما ظهر لي في معنى هذا الحديث الذي لم أقف عليه في غير هذا المحل، والعلم عند الله تعالى.
٥٦
الحديث الشريف
الحديث الثالث عشر
حدثني أبو خيثمة وإبراهيم بن سعيد :قالا: ثنا روح بن عبادة: ثنا شعبة، عن الفضيل بن فضالة رجل من قيس عن أبي رجاء العطاردي، واسمه عمران بن ملحان، قال: خرج علينا عمران بن حصين رضي الله عنه، وعليه مِطْرَفُ خَز لم نره عليه قبل ولا بعد، فقال: إن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «إذا أنعم الله على عبد نعمةً أَحَبَّ أَن يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلى عَبْدِهِ». قلت: رجال إسناده ثقات (۱).
(۱) للحديث طرق، منها: عن أبي الأحوص عن أبيه، وسيأتي بعد هذا بحديث. وعن عبد الله بن عمرو، وهو بعد هذا.
وعن أبي هريرة مرفوعا: ما أنعم الله على عبد نعمة إلا وهو يحب أن يرى أثرها عليه». رواه أحمد وإسحاق بن راهويه.
وعن أبي سعيد الخدري رفعه: (إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى نعمته على عبده، ويبغض البؤس والتباؤس". رواه أبو يعلى، والبيهقي في "الشعب" من طريق عطية العوفي عنه.
وعن أنس مرفوعا: «إن الله جميل يحب الجمال ويحبُّ أن يرى أثر نعمته على عبده». رواه الطبراني في "مسند الشاميين" من طريق عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عنه. وعن ابن عمر مرفوعا نحوه.
رواه الطبراني في "الأوسط" من طريق موسى بن عيسى القرشي، عن عطاء الخراساني، عن نافع عنه.
وعن جابر رفعه: «إن الله ليحب أن يرى أثر نعمته على عبده . رواه ابن عدي بإسناد ضعيف، وعن علي بن زيد مرسلا، وسيأتي.
الأربعون في الشكر
٥٧
الحديث الرابع عشر
حدثنا أبو عبيدة بن الفضيل بن عياض ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، عن همام، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وتَصَدَّقُوا فِي غَير يَحِيلَةٍ ولا سَرَفٍ فَإِن اللَّهَ عزّ وجلَّ يُحِبُّ أَن يَرَى أَثَرَ نعمتِهِ على عبدِهِ .
قلت: رجال الإسناد ثقات على كلام في بعضهم لا يضر، والحديث علقه البخاري بصيغة الجزم (۱).
الحديث الخامس عشر
حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري: ثنا هشام بن عبدالملك: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق - هو عمرو بن عبد الله السبيعي - عن أبي الأحوص - هو عوف بن مالك بن نضلة - عن أبيه قال: أتيتُ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم وأنا قشِفُ الهيئة فقال: «هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ؟ قلت: نعم، قال: «من أي المالِ؟» قلت: من كل المال، قد أتاني الله من الإبل والخيلِ والرَّقيقِ والغَنَمِ. قال: «فإذا آتاكَ اللهُ
وفي "صحيح مسلم" من حديث ابن مسعود مرفوعا: «إن الله جميل يحب الجمال». والمقصود من هذه الأحاديث الحض على تحسين الهيئة وتجميلها، وأن يكون الشخص حَسَنَ الملبس نظيف الثيابِ كما جاء في حديث عن ابن عمر مرفوعا: «إن الله جميل يحب الجمال، سَخِيٌّ يُحِبُّ السَّخَاءَ، نظيف يحب النظافة». رواه ابن عدي بإسناد
ضعيف، ولكن معناه صحيح. (۱) ورواه الترمذي وحسنه لكن شطره الأخير وهو: إن الله يحب... إلخ، و البخاري
علق شطره الأول في كتاب اللباس». والمخيلة: بفتح الميم وكسر الخاء، الكبر.
ол
الحديث الشريف
مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ».
قلت: رجال إسناده ثقات (۱).
الحديث السادس عشر
علي بن شعيب : ثنا عبد المجيد بن عبدالعزيز - هو ابن أبي روّاد، عن ابن جريج، عن علي بن زيد بن جدعان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِن اللَّهَ يُحِبُّ أَن يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ فِي مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ». قلت: هذا مرسل في إسناده ضعف، لكنه يتأيد بالأحاديث قبله.
الحديث السابع عشر
حدثني سُوَيْدُ بنُ سَعِيدٍ: حدثني عبدالله بن يزيد المقري، عن أبي مَعْمَر، عن بكر بن عبد الله يرفعه: «من أعطي خيرًا فرئي عليه سُمِّي حبيب الله مُحدثًا بنعمة الله ، ومن أُعطي خيرًا فلم يُرَ عليه سُمِّي بَغِيضَ الله مُعاديًا لنعمة الله».
قلت: هذا مرسل أيضًا، وسُوَيْدُ بنُ سَعِيدٍ مختلف فيه (۲) .
(۱) وصححه ابن حِبَّان والحاكم، وقَشِفُ الهيئة: بكسر الشين، هو مُتَغَيَّرُ الحالةِ رَبُّ الهيئة
من الفقر. (۲) لكنه في معنى الأحاديث التي قبله فهو معضود بها، وفي الحديث وعيد شديد لهؤلاء الحريصين الذين يملكون الأموال الكثيرة وهم مع ذلك لا يلبسون إلا الخرق من الثياب، ولا يأكلون إلا الرديء الرخيص من الطعام، ولا يعرفون الصدقة والإحسان إلا سماعاً من الناس، بل قد تبلغ الدناءة والحرص بأحدهم إلى حد أن
يمد يده مستجديًا، فأحرى بهم أن يكونوا بغضاء الله معادين لنعمته.
الأربعون في الشكر
۰۹
الحديث الثامن عشر
حدثنا عمر بن إسماعيل الهمداني: ثنا إسحاق بن عيسى، عن وكيع، عن أبي عبد الرحمن الشامي، عن الشَّعْبِي، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «التَّحَدُّثُ بِالنِّعَمِ شُكْرُ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ، وَمَنْ لَا يَشْكُرُ الْقَلِيلَ لا يَشْكُرُ الْكَثِيرَ ، وَمَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ لا يَشْكُرُ اللهَ، وَالجَمَاعَةُ بَرَكَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ» (۱). قلت: عمر بن إسماعيل متروك.
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ سَأَلَ مِنْ غَيْرِ فَقْرِ
فَكَأَنها يَأْكُلُ الجُمْرَ».
وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعا: «لا تَزَالُ المُسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةٌ لحم. المزعة: بضم الميم، القطعة. وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ : مَالي مَالِي وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ؟! وما سِوَى ذلك فأَنتَ ذَاهِبٌ وتَارَكُهُ لِلنَّاسِ».
(1) أبو عبدالرحمن الشامي في سند الحديث، قال شقيقنا الحافظ السيد أحمد في تخريج أحاديث "الشهاب": «أظنه سـ ه سعید بن بشير وهو ضعيف».
لكن للحديث طرق و شواهد، فروى الديلمي من طريق حماد بن سعيد بن معروف الأنصاري: ثنا ليث بن أبي سليم، عن أبي الزبير عن جابر رفعه: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومَن لم يشكر الناس لم يشكر الله عزّ وجلَّ، وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفُرْقَةِ، وفي الجَمَاعَةِ رحمةٌ وفِي الفُرْقَةِ عَذَابٌ». وروى القضاعي في "مسند الشهاب" من طريق الربيع بن مسلم: سمعت محمد بن زياد يقول: سمعت أبا هُرَيْرَة يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلّم
الحديث الشريف
يقول: «لا يَشكُرُ اللهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ».
ورواه أبو عمرو عبدالوهاب بن أبي عبد الله بن منده في الأول من "فوائده" من طريق شعیب بن صفوان عن عبد الله بن شبرمة، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هُرَيْرَة مرفوعا: «لا يَشكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ».
ورواه ابن الأعرابي من طريق محمد بن فضيل، عن ابن شبرمة، عن أبي معشر، عن الأشعث بن قيس به مرفوعا.
ورواه أحمد من حديثه أيضًا، وصححه الترمذي وذكره في "الجامع" بلفظ : «مَن لم يَشكُرِ النَّاسَ لم يَشكُرِ الله. وعزاه لرواية أحمد والترمذي والضياء من حديث أبي سعيد الخدري.
وروى أحمد من طريق محمد بن طلحة بن مُصَرِّف، عن عبدالله بن شريك العامري، عن عبدالرحمن بن عدي الكندي، عن الأشعث بن قيس مرفوعا: «إِنَّ أَشْكَرَ النَّاسِ اللَّهُ أَشْكَرُهُمْ لِلنَّاسِ». وروى أبو داود، والضياء في "المختارة" عن جابر مرفوعا: «مَنْ أُبَلِيَ بَلَاءٌ - أي أنعم عليه بنعمة - فَذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ».
وجاء عن عمر مرفوعا: «عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَة». صححه الترمذي والحاكم وله طرق وألفاظ تتبعتها في تخريجي لأحاديث "منهاج البيضاوي". ولا شك أن حديث الترجمة تقوى بهذه الأحاديث وتأيد.
ويؤخذ منه الحض على أمور:
الأول: التحدث بالنعم وإذاعتها وأن ذلك من الشكر المطلوب وذلك مقيد بما إذا لم يكن في التحدث مفاخرة أو مكاثرة أو رياء، وإلا فهو مذموم
الثاني: القناعة بالقليل اليسير والشكر عليه كما يشكر على الكثير الغزير، وإن من لا
الأربعون في الشكر
الحديث التاسع عشر
٦١
حدثني
محمد بن عباد بن موسى من كتابه: حدثني يحيى بن سليم
الطائفي، عن إسماعيل بن أمية، عن عمرو بن سعيد بن العاص، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قَرَأَ سُورَةَ الرَّحمنِ أو قُرِئَتْ عنده، فقال: «مَا لِي أَسْمَعُ الْحِنَّ خَيْرًا مِنكُم جَوَابًا لِرَبِّهَا، مَا أَتَيْتُ على قَوْلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِبَانِ ﴾ [الرحمن: ١٣] إلا قالتِ الحِنُّ : وَلا بِشَيْءٍ مِنْ نِعْمَةِ رَبِّنَا نُكَذِّبُ».
يشكر القليل يورثه ذلك جشعًا وحرصًا حتى يستقل الكثير فلا يشكره. الثالث: الاعتراف بالوسائط وشكرهم على ما تسبّبوا فيه من وصول الخير إلى الشاكر، وأن شكرهم من شكر الله .
الرابع الحض على الجماعة والألفة والتنفير من الفرقة والاختلاف، والدين الإسلامي مبني على هذا، وما جاء إلا ليجمع الناس على كلمة واحدة وعقيدة واحدة ومبدأ واحد ويكونوا عباد الله إخوانا متألفين متحابين، وهذا هو سر تقدم أسلافنا الأولين وبلوغهم الدرجة العليا من عز الدنيا وسعادة الآخرة، كما أن التفرق والتخاذل والتكاسل والتواكل سر انحطاطنا وتأخرنا في هذه العصور حتى صار المسلمون في كل مكان وهم أربعمائة ألف ألف يُساقون كالأنعام ويُسخَّرون في مصالح الأجانب تسخيرا شائناً معيبًا.
فإلى الله نشتكي وإليه نبرأ من هذه الحالة التي لا ترضيه ونسأله أن يعطينا عزما وقوة ويهبنا إيمانا صادقا وفتوة ويمن علينا بتألف يرتق الفَتْقَ ويَرأَبُ الصَّدْعَ ويجمعُ الشَّمْلَ حتى نقوم قومة رجل واحد فنحيي ما أممي من مجدنا و نستخلص ما اغتصب من
حقوقنا إنه قريب مجيب.
٦٢
الحديث الشريف
قلت: رجال الإسناد ثقات إلا عمرو بن سعيد بن العاص فلم أرَ فيه
توثيقا بل رأيت في "التقريب": أنَّه كان مسرفًا على نفسه» (۱).
الحديث العشرون
كتب إلي عبد الرحمن بن واقد ثنا الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: لما قَرَأَ رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم (سُورةَ الرَّحمنِ) على أصحابه، قال حِينَ فَرَغَ مِنْهَا: مَا لِي أَرَاكُمْ سُكُونَا ؟ لَلْجِنُّ كَانُوا أَحْسَنَ مِنْكُمْ رَبًّا، مَا قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ مِن مَرَّةٍ: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: ۱۳] إِلَّا قَالُوا: وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبِّنَا نُكَذِّبُ». قال: ولا أَعلَمُه إِلَّا قَالَ: «فَلَكَ الحَمْدُ». قلت: رجال إسناده ثقات إلا أن الوليد بن مسلم شديد التدليس عن
(۱) ورواه ابن جرير قال : ثنا محمد بن عباد بن موسى، وعمرو بن مالك البصري قالا: ثنا يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر به. ورواه البزار عن عمرو بن مالك به، وقال: لا نعلمه يروى عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد» . اهـ
وهو سالم بن عمرو بن سعيد كما ترى ويظهر لي أن هذا هو الصواب وأن كلمة عن عمرو بن سعيد - في سند ابن أبي الدنيا تحرَّفت عن كلمة بن عمرو بن سعيد؛ لأن
أمية والد إسماعيل هو ابن عمرو بن سعيد، ومثل هذا التحريف يقع كثيرًا.
وعليه فرجال الحديث ثقات من غير اسثناء وقول البزار: «لا نعلمه يُروى إلا بهذا الإسناد فيه شيء؛ لوروده من حديث جابر الآتي.
الأربعون في الشكر
٦٣
الضعفاء وغيرهم، ولم يصرح فيه بالسماع (۱).
الحديث الحادي والعشرون
حدثنا عليُّ بنُ الجَعْدِ: أنا فُضَيلُ بن مرزوق، عن جابر، عن أبي جعفر قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إذا شَرِبَ الماءَ قال: «الحَمْدُ لله الذي جَعَلَهُ عَذْبًا فُرَاتًا بِرَحْمَتِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْحًا أُجَاجًا بِذُنُوبِنَا».
قلت: هذا مرسل (۲).
(۱) ورواه الترمذي بهذا السند نفسه وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد، ثم حكى عن أحمد أنه كان لا يعرفه ينكر رواية أهل الشام عن زهير بن محمد هذا . اهـ ثم وجدت الوليد بن مسلم صرَّح بالسماع من زهير، فروى الحاكم من طريق هشام بن عمار وعبدالرحمن بن واقد قالا : ثنا الوليد بن مسلم: ثنا زهير بن محمد به. ثم قال: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي، وقول الترمذي: «لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم فيه شيء ، لوروده من حديث ابن عمر السابق.
(فائدة): إذا حمل كلب على شخص وخاف أن يؤذيه فليقرأ قوله تعالى: يَمَعْشَرَ الجن والإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا ) إلى قوله ويسلطن ﴾ [الرحمن: ٣٣ ] فإن الكلب لا
يؤذيه بإذن الله تعالى. كذا نقل القرطبي في كتاب " التذكار" عن بعض المتقدمين. (۲) وسنده ضعيف لكن له طريق آخر فأسنده الحافظ في "أمالي الأذكار" عن أبي جعفر أيضًا، وله شاهد عن الحسن موقوفا عليه بإسناد حسن. (فائدة): أبو جعفر: هو الباقر، يروي عن جابر ويروي عنه جابر، قال الحافظ في "أمالي الأذكار": «فيؤخذ من هذا نوع لطيف من علوم الحديث: الباقر عن جابر وعنه جابر، الأدنى الجعفي والأعلى الصحابي وليس هذا في كتاب ابن الصلاح . اهـ
٦٤
الحديث الشريف
الحديث الثاني والعشرون
حدثنا خلف بن هشام ثنا أبو عَوَانَةَ، عن زياد بن علاقة، عن المغيرة بن شُعْبَةَ قال : قامَ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ : يَا نَبِيَّ الله تَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ ؟! قال: «أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟!».
قلت: هذا حديث صحيح
(1)
الحديث الثالث والعشرون
حدثنا علي بن الجعد: ثنا ياسين الزيات، عن عبيد الله بن زَحْرٍ، عن القاسم ابن عبد الرحمن، عن أبي أُمَامَةَ رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(۱) رواه البخاري ومسلم ولفظهما: قام النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حتى تورّمت قدماه فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!». وفي رواية عن عائشة: أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم كان يقوم من الليل - تعني يصلي - حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا؟!». رواه البخاري ومسلم.
وفي الباب عن أبي هُرَيْرَة عند ابن خزيمة في "صحيحه"، وقوله في حديث الترجمة: التكلف هذا هو بفتح التاء وأصله تتكلف حذفت إحدى التاءين تخفيفا. ويؤخذ من الحديث أن شكر الله يكون بالإكثار من طاعته، وأن قيام الليل أفضل الأعمال لأن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا يُكثِرُ إلا من الأفضل والأكمل، هذا مع كون الليل وقت صفاء الفكر وهدوء البال تحلو فيه المناجاة ويُسمَع فيه الدعاء والعمل فيه أبعد من الرياء.
الأربعون في الشكر
لبس قميصا، فَلَما بَلَغَ تَرْقُوتَهُ قال: «الحَمْدُ لله الذي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ فَنَظَرَ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ يَزِيدُ عَلَى بَدَنِهِ فَقَطَعَهُ، ثُمَّ أنشأ يُحدِّثُ قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقولُ: «مَنْ لَبِسَ ثوبًا - أَحْسَبُهُ قال : جَدِيدًا فَقَالَ حِينَ يَبْلُغُ تَرْقُوَتَهُ - أَوْ قَالَ: قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ تَرْقُونَهُ - مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى ثَوْبِهِ الخَلِقِ فَكَسَاهُ مِسْكِينًا، لم يَزَلْ فِي جِوَارِ اللَّهِ وفي كنف الله حيا وميتا حيا ومينا حيا وميتا - ثلاثًا - مَا بَقِيَ مِنَ التَّوْبِ شِلْو». قال ياسين قلت لعبيد الله من أي الثوبين؟ قال: لا أدري.
قلت: «إسناده ضعيف» (۱).
الحديث الرابع والعشرون
حدثني علي بن إبراهيم اليَشْكُري: ثنا يعقوب بن محمد الزهري، عن عبد العزيز بن محمد - هو ابن عُبيد الجُهَنِي - ، عن عمرو بن أبي عمر، عن سعيد
(۱) رواه البيهقي والحافظ عبدالعزيز بن الأخضر في الأول من "الفوائد الحسان" من طريق عبد الله بن زَحْرٍ، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة. ورواه الترمذي وابن ماجة والحافظ عبدالعزيز بن الأخضر كلهم من طريق أصبغ بن
زيد عن أبي العلاء الشامي عنه، وقال الترمذي: «حديث غريب». وفي الباب عن أبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم إذا استجَدَّ ثوبا سماه باسمه عمامة أو قميصا أو رداءًا، ثم يقول: «اللهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ». رواه أبو داود، والترمذي وحسنه.
الحديث الشريف
المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم - يعني عن رَبِّهِ تَعَالَى -: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةٍ كُلَّ خَيْرٍ ؛ يَحْمَدُنِي وَأَنَا
أَنْزِعُ نَفْسَهُ مِنْ بَيْنِ جَنْبَيْهِ».
قلت : يعقوب الزهري مختلف فيه فوثقه جماعةٌ وضعفه آخرون (۱).
الحديث الخامس والعشرون
حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ : ثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ : ثَنَا عَبْدُ الله - هو ابنُ المبارَكِ : أنا يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ الله قَالَ : سَمِعْتُ أَي قَالَ: سَمِعْتُ أَبا هريرة يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَعْرِفَ قَدْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ
عليه فلْيَنْظُرْ إلى مَن هُوَ تَحْتَهُ، ولا يَنظُرْ إِلى مَن هُوَ فَوْقَهُ».
قلت: يحيى بن عبيد الله ضعیف» (۱).
(۱) وعزاه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد" لأحمد وقال: «رجاله رجال الصحيح». الحديث: أن منزلة المؤمن عند الله . . هي كل خير أي: خير كلها لأنه يحمد الله على الحالتين شدة ورخاء وبؤس ونعماء، حتى إنه ليحمد الله وروحه تنزع من بين
ومعنى
แ
جنبيه، والحمد في جميع الحالات دليل على الرضا وهو فيه الخير كله كما قال عمر . كتب إلى أبي موسى الأشعرى: «أما بعد فإنّ الخير كله في الرّضَا فإن استطعت أن ترضَى وإلا فاصبر» . اهـ ثم إن رضا العبد عن الله يورث رضا الله عنه وهو غاية ما تطمح إليه أنظار السالكين ونهاية مقامات الواصلين، قال أبو القاسم القشيري نقلا عن مشايخ الطريقة: الرضا باب الله الأعظم، قال: يعنون أن من أكرم بالرضا فقد لقي بالترحيب الأوفى،
وأكرم بالتقريب الأعلى». حققنا الله بهذا المقام بحرمة نبيه عليه الصلاة والسلام.
الأربعون في الشكر
٦٧
الحديث السادس والعشرون
حدثنا إبراهيم بن المنذِرِ الحِزامِيُّ: ثنا موسى بن إبراهيم الأنصاري: ثنا طلحة . بن خراش، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الذِّكْرِ الحَمْدُ الله» (۲). قلت: رجال إسناده ثقات.
(1) لكن في معناه الحديث الصحيح الآتي: انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَلَّا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ». (۲) طلحة بن خراش - في السند - قال الأزدي: له ما ينكر» وقال النسائي: «صالح»، ووثقه ابن حبان وأخرج له في "صحيحه".
والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من طريق طلحة بن خراش عن جابر بلفظ: «أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ الله . ولعل هذا هو المحفوظ، وإطلاق الدعاء على كلمة «لا إلهَ إِلَّا اللهُ متخرج على
أحد وجهين: الأول: أنه لما كان الثناء والذكر يحصل أفضل مما يحصل الدعاء للحديث القدسي: مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ». أطلق على هذه الكلمة لفظ الدعاء لحصول مقصوده بها.
روي عن الحسين بن الحسنِ المَروَزِيُّ قال: سألت سُفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال: «لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ»، فقلت له: «هذا ثناء وليس بدعاء»، فقال: «أما تعرف حديث مالك بن الحارث، هو تفسيره؟!» فقلت: «حدثنيه أنت»، فقال: حدثني منصور، عن مالك بن الحارث قال: يقول الله عز وجل: إذا شَغَل عَبْدِي ثَنَائي عن مسألتي، أعطيتُه أَفضَلَ ما أُعطي السائلين». قال:
الأربعون في الشكر
فليحفظ فإنه مهم. وبالله التوفيق (۱).
الحديث الرابع والثلاثون
۷۷
حدثنا أحمدُ بنُ عمرَ المَقْدِسِيُّ : ثنا حُسينُ بنُ عَلِيٍّ، عَن زَائِدَةَ، عَن عَاصَمٍ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قام أبو بكر رضي الله عنه على المنبر فقال: لقد علمتم ما قام به فيكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عامَ أوَّل في مقامي هذا ثم أعادها ثم بكى ثم أعادها ثم بكى، فقال: إن النَّاسَ لم يُعْطَوا في هذه الدُّنيا شيئًا أفضل من العفو والعافية فَسَلُوهما الله عزَّ وجلَّ (٢).
(۱) ثم رجعت إلى "المستدرك " فوجدت اسم الراوي فيه موافقا لما استصوبته ولله الحمد، قال الحاكم: حدثنا أبو بكر بن إسحق : أنبأ أبو المثنى: ثنا مُسَدَّدٌ: ثنا عبد الواحد بن زياد: ثنا هلال بن حباب عن عِكْرِمَةَ، عن ابن عبّاس: أن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال لعمّه: «أَكْثِرِ الدُّعَاءَ بِالْعَافِيَةِ». قال الحاكم: «صحيح على شرط البخاري». وأقره الذهبي والمنذري.
(۲) رواه الترمذي عن أبي بكرٍ رضي الله عنه بلفظ: «سَلُوا اللَّهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ، فَإِنْ أَحَداً لَمْ يُعْطَ بعد اليقين خَيْراً مِنَ الْعَافِيَةِ». قال الترمذي: حديث حسن غريب».
ورواه النسائي من طرق وعن جماعة من الصحابة قال الحافظ المنذري: «وأحد أسانيده صحيح».
ورواه الحاكم من طريق سُلَيم بن عامر قال: سمعت أوسَط البَحَلي على منير حمص يقول: سمعت أبا بكر الصديق على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على هذا المنبر يقولُ، قَالَ: فَاحْتَنَقَتْهُ العبرة وبَكَى ثم قَالَ : سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على هذا المنبر يقول عامَ أوَّل: «سَلُوا اللهَ العَفْوَ َوالعَافِيَةَ واليَقِينَ فِي الأُولَى وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ مَا أُوتِيَ
۷۸
الحديث الشريف
قلت: رجال إسناده ثقات.
الحديث الخامس والثلاثون
حدثنا محمد بن يزيد الرَّفَاعِيُّ: ثَنَا أبو بكر بن عَيَّاشٍ: حدثني الكَلْبِي، عن أبي صالح، عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله: أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قَرَأَ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِي فَإِنِي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
[البقرة: ١٨٦].
فقَالَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «اللهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَ بِالدُّعاءِ، وتَوَكَّلْتَ بالإِجَابَةِ، لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والملك لا شَرِيكَ لكَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ فَرْدٌ أَحَدٌ صَمَدٌ لم يَلِدْ ولم يُولَدْ ولم يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وأَشْهَدُ أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ، وَلِقَاءَكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةَ حَقٌّ، والنَّارَ
العَبْدُ بَعْد اليَقِين خَيْراً مِنَ العَافِيَةِ». قال الحاكم: حديث صحيح»، وأقره الذهبي. وفي الباب عن أنس أنَّ رُجلا قال: يا رسول الله، أيُّ الدُّعَاءِ أَفضَلُ؟ قَالَ: «سَلْ رَبَّكَ العَافِيةَ والمُعَافَاةَ في الدُّنيا وَالآخِرَة». ثم أتاهُ في اليوم الثَّانِي فَقالَ: يا رسولَ الله أَيُّ الدُّعَاءِ أفضل؟ فقال له مثل ذلك، ثمَّ أَتَاهُ في اليوم الثالث فَقَالَ له مثلَ ذلكَ، قَالَ: «فَإِذَا أُعْطِيتَ
الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَأُعْطِيتَها فِي الآخِرَةِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ». رواه الترمذي وحسَّنَه. وعن أبي مالك الأَشْجَعِي عن أبيه أنَّ رُجلا قال: يا رسول الله، كَيفَ أقولُ حين أسألُ رَبِّ؟ قَالَ: «قُلِ اللهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي، وَيَجْمَعُ أَصَابِعَهُ إِلَّا الْإِنْهَامَ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ». رواه مسلم. وعن أنس أيضًا مرفوعًا: «الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ». قالوا: فماذا نقول يا
رسول الله، قال: «سَلُوا الله العافيةَ في الدُّنيا والآخِرَةِ». رواه الترمذي وحسنه.
الأربعون في الشكر .
حَقٌّ، والسَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّكَ تَبْعَثُ مَن فِي القُبُورِ».
قلت: «إسناده ضعيف» (۱).
۷۹
(۱) ورواه ابن مردويه في "التفسير" والبَيْهَقِيُّ في "الأسماء والصفات" والديلمي في "مسند الفردوس" من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر به. وهذا من جملة الثناء الذي يُقدَّم على الدعاء، وقد ورد طلبه في غير ما حديث، فعن فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قاعد إذ دخل رجلٌ فَصَلَّى فَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي. فَقَالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «عَجِلْتَ أَيُّهَا المُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلَّ عَلَيَّ ثُمَّ ادْعُهُ». قَالَ : ثمَّ صلَّى رجلٌ آخَرُ بعد ذلكَ فَحَمِدَ الله وصلَّى على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم، فقال له النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «ادْعُ تُجَبْ». رواه أحمد والأربعةُ إلا ابن ماجه، وحسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حِبَّان. وعن عبد الله بن بُرَيدَةَ، عن أبيه: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم سَمِعَ رُجلًا يقول: اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنتَ اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَرَ يَلِدْ، وَلَا يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ له كُفُوًا أَحَدٌ. فَقَالَ: «سَأَلْتَ اللَّهَ بِالاسْمِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ». حسنه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم، وقال الحافظ أبو الحسن المقْدِسِيُّ: «إسناده لا مطعن فيه».
وعن معاويةَ قَالَ: سَمِعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «مَن دَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله». رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بإسناد حسن. قاله الحافظ
المنذري.
۸۰
الحديث الشريف
الحديث السادس والثلاثون
حدثني أبي ثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ عُلَيَّةَ : ثنا سَعِيدُ الجُرَيْرِيُّ - بضم الجيم-، عن أبي الوَرْدِ بنِ تُمَامَةَ، عن اللَّجَلاجِ عن مُعَاذ رضي الله عنه: أَنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أتى على رجل وهو يقول: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَمامَ النِّعْمَةِ، فَقَالَ: ابنَ آدَمَ هل تَدْرِي مَا تَمامُ النّعْمَةِ؟ قال: يا رسولَ الله دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بها أرجُو
وتقدم في خطبة هذا الكتاب دعاء من أدعية النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، وفي الباب أحاديث غير ما ذكرت، ويؤخذ منها أنه يتأكد افتتاح الدعاء بالثناء على الله وتحميده وذلك لأن الله يحب أن يحمد كما جاء في حديث الطبراني عن الأسود بن سريع، وروى أبو يعلى بإسناد صحيح عن أنس مرفوعا: «التَّاني مِن الله والعَجَلَةُ مِن الشَّيْطَانِ، وما أحدٌ أَكثرُ مَعَاذِيرَ مِن اللَّه، وما شيء أحبُّ إلى الله من الحمد». ولذا قال إبراهيمُ التّيمِيُّ : كان يُقالُ : إذا بدأ الرجلُ بالثَّناءِ قبل الدُّعاء فقد استوجَبَ، وإذا بدأ بالدُّعاءِ قبل الثَّنَاءِ كان على رَجَاء». رواه ابن أبي شيبة.
وهو لحبه الحمد والثناء يُعطي عليه أفضل مما يعطي على الدعاء كما تقدم في الحديث القدسي. وكذلك يتأكد استفتاح الدعاء بالصَّلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه الواسطة في وصول كل خير إلينا، فمن الشكر الواجب له علينا أن نُصلّي عليه، ونجعل الصلاة فاتحة دعائنا متوسلين بذلك إلى الله راغبين إليه فيكون الدعاء أسرع إجابة، كما قال عمر رضي الله عنه: «إنَّ الدُّعاءَ موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيءٌ حتى تُصَلِّيَ على نبيك». رواه التُّرمذي. وجاء عن علي رضي الله عنه نحوه، وفي الباب حديث مرفوع.
الأربعون في الشكر
۸۱
الخير بها، فقال: «إنَّ من تمامِ النّعْمَةِ فَوْزًا من النَّارِ ودُخُولًا إلى الجَنَّةِ» (۱). قلت: أبو الوَرْدِ بن ثُمَامَةَ بن حَزْنِ الغُشَيْرِيُّ البَصْرِيُّ لم أرَ فيه توثيقا وإن كان معروفًا، وكذلك والد ابن أبي الدنيا ما عرفت حاله، نعم هما ثقتان على أصل ابن حبان، أما ابن عليَّةَ والجُرَيْرِيُّ فمن رجال السنة، وأما اللجلاج فصحابي. ثم رجعت
(1) على أن أبا الوَرْدِ روى له البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود والترمذي في "السنن"، والنسائي في "مسند علي"، وهذا مؤذن بصدقه وقبوله، فالحديث محتمل
للتحسين. ثم وجدت الحديث في "سنن الترمذي" من طريق أبي الوَردِ، عن الأَجْلَاج، عن مُعَاذ قال: سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم رجلا يقول: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَمامَ النَّعْمَةِ. فقال: «أَيُّ شَيْءٍ تَمَامُ النِّعْمَةِ؟ قال : دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بها أَرجُو بها الخَيرَ، قال: «فَإِنَّ مِن تمامِ النَّعْمَةِ دُخُولَ الجَنَّةِ وَالفَوْزُ مِنَ النَّارِ».
وسمع رجلًا وهو يقول: يا ذا الجلال والإكْرَامِ. فقال: «اسْتُجِيبَ لَكَ فَسَلْ». رجلًا وهو يقول: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ. فقال: «سَأَلْتَ اللهَ الْبَلاءَ فَسَلْهُ وسمع الْعَافِيةَ». قال الترمذي: حديث حسن». فصح ما قلناه والحمد لله. وإنما كان الفوز من النار والدخول إلى الجنة من تمام النعمة لأن هناك ما هو أعظم وأكبر منهما وهو النظر إلى وجه الله الكريم فهو النعمة العُظمى والمنة الكبرى، وقد ثبت في الصحيح: «إِنَّ أهلَ الجَنَّةِ ما أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِم مِن النَّظَرِ إِلى رَبِّهِم ثم تلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) [يونس: ٢٦)، ﴾ متعنا الله بذلك نحن وجميع أحبائنا بفضله وكرمه. (فائدة): جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل : من أَحَبَّ أن يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجُنَّةَ فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ وهو يُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ ويأتي إلى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَن يُؤْتَى إليه».
"
۸۲
الحديث الشريف
إلى "التقريب" فوجدت الحافظ يقول في أبي الوَرْدِ إنه مقبول، وهذا لا يُفهم منه أنه ثقة كما يُعلم من اصطلاحه المذكور في خطبة الكتاب.
الحديث السابع والثلاثون
حدثنا إسحق بن إسماعيل: ثنا جَرِيرٌ وأبو معاوية، عن الأَعْمَشِ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «انْظُرُوا إلى من هو أَسْفَلُ مِنكُم فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَن لَا تَزْدَرُوا نِعَمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُم».
قلت: هذا حديث صحيح (۱).
(۱) ورواه مسلم أيضًا من طريق معاوية ووكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيْرَة ولفظه: «انظروا إلى من هو أَسْفَلُ مِنكُم، ولا تَنْظُرُوا إلى من هو فَوقَكُم فهو أَجْدَرُ أن لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيكُم. وفي رواية لمسلم من طريق أبي الزَّنَادِ، عن الأَعْرَجِ، عن أبي هُرَيْرَةَ: «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إلى من فُضْلَ عَلَيْهِ فِي المَالِ وَالخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلى مِن هُوَ أَسْفَلُ منه
من فُضَّلَ عَلَيْهِ. ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه باللفظ الأول.
ومعنى أجدر أحقُّ، وتزدروا: تحتقروا. قال ابن جرير وغيره: هذا الحديث جامع الأنواع من الخير لأن الإنسان إذا رأى من فضّل عليه في الدُّنيا طلبت نفسه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله، وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه، وفي ذلك هلاكه، وأما إذا نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها، ظهرت له فيها نعمة الله عليه فشكرها وتواضع وفعل فيها الخير وفي ذلك سعادته.
الأربعون في الشكر
۸۳
الحديث الثامن والثلاثون
حدثني محمدُ بنُ الحُسَينُ : حدَّثني عبد الله بن مَسْلَمَة وابن إدريس: ثنا سليمان بن بلال، عن ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عنبسة، عن ابن غنام - واسمه عبدالله صحابي ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللهُمَّ مَا أَصْبَحَ بي مِن نِعْمَةٍ أَو بِأَحَدٍ من خَلْقِكَ فمنك وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ فَلَكَ الحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، أَدَّى شُكْرَ ذَلِكَ اليَوم» (۱). قلت: رجال إسناده ثقات إلا ابن عَنْبَسَةَ فمستور.
(۱) ورواه النسائيُّ والمَعْمَرِى في "اليوم والليلة"، وابن حِبَّان والطبراني في "الدعاء" .
طريق سليمان بن بلال بسنده المذكور.
من
ورواه أبو داود عن عبد الله بن غَنَّام، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم به. وزاد: ومن قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتَهُ إِلَّا أَنَّه لم يَقُل: «أو بِأَحَدٍ من
خَلْقِكَ».
ورواه النسائي بلفظ الترجمة عن ابن غنام أيضًا، وقال الحافظ في "أمالي الأذكار " بعد أن أسنده مثل رواية أبي داود: حديث حسن أخرجه النسائي في "الكبرى" والفريابي في "الذكر .. ثم ذكر من رواه بزيادة ابن عباس في سنده وقال: «قال أبو نعيم في "المعرفة": من قال فيه ابن عباس فقد صحف، وقال ابن عساكر في "الأطراف": هو خطأ» . اهـ فالحديث يُعَدّ في مسند ابن غَنَّام، لا ابن عباس، ومثل هذا الخطأ لا يؤثر في ثبوت الحديث كما لا يخفى. و«ما» في قوله: «ما أَصْبَحَ بي من نعمة شرطية؛ أي نعمة أصبح عليها الإنسان أو أمسى في بدنه وماله وكل ما يتصل به فمن الله وحده، وهذا مثل قوله تعالى: وَمَا بكُم مِّن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ﴾ [النحل : ٥٣].
Λε
الحديث الشريف
الحديث التاسع والثلاثون
حدثني محمد بن الحسينُ : حدثني علي بن بَحرٍ : حدثني محمدُ بنُ العَلَاءِ الكوفي، عن زيادِ بنِ خَيْثَمَةَ، عن أبي داود، عن عبد الله بنِ سَخْبَرَةَ، عَن سَخْبَرَةَ قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنِ ابْتِلِيَ فَصَبَرَ، وَأُعْطِيَ فَشَكَرَ، وَظُلِمَ فَغَفَرَ، وَظَلَمَ فَاسْتَغْفَرَ» ثمَّ سَكَتَ. قالوا: ما له يا رسول الله قال: أولَيكَ هُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: ۸۲] .
قلت: أبو داود هو نُفَيعُ بالتصغير - ابن الحارث الهَمْدَانِي الكوفي الأعمى، كذَّبه قتادة وغيره وقال الذهبي: تالف. وعبد الله بن سَخْبَرَةَ مجهول (۱). الحديث الأربعون
حدثنا إسحاق بن إسماعيل: حدثنا سفيان: حدثني رجلٌ: أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أَوصَى رجلًا بثَلاثٍ قالَ: «أَكْثِرُ ذِكْرَ الْمَوْتِ يُسْلِكَ عَمَّا سِوَاهُ، وعليك بالدُّعاءِ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي متى يُسْتَجَابُ لَكَ، وعليك بالشُّكْرِ فَإِنَّ الشُّكْرَ زِيَادَةٌ . قلت: هذا مرسل لم يسم راويه (٢).
(۱) رواه الطبراني أيضًا من طريق أبي داود عن عبد الله بن سَخْبَرَةَ، عن سَخْبَرَةَ والحديث ضعيف، لكن معناه وارد من عدة طرق، وسَخْبَرَةُ - بفتح السين وسكون الخاء له صحبة، وابتلي، وأعطي، وظُلِمَ الأولى»: مبنية للمجهول، وباقي الأفعال مبنية
للفاعل، ومعنى الحديث واضح لا يحتاج إلى بيان. (۲) هكذا جاء في كتاب "الشكر" ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب "ذكر الموت" عن سفيان النوري عن شُريح القاضي ،مُرسلًا، وشُرَيح من كبار التابعين، ولاه عمر رضي الله
الأربعون في الشكر
الحديث الحادي والأربعون
حدثنا محمد بن إدريس الحَنْظَلِيُّ : ثنا بشر بن محمد الواسطي : ثنا خالدُ بنُ
مَفْدُوحٍ أبو رَوْحٍ، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أكَلَ قالَ: «الحَمدُ لله الذي أَطْعَمَنِي، وَسَقَانِي وَهَدَانِي فكل بالإِحْسَانِ أَنلاني، الحَمدُ لله الرَّازَّقِ ذي القُوَّةِ المَتِينِ ، اللهُمَّ لَا تَنْزِعْ مِنَّا صَالِحَ مَا أَعْطَيْتَنَاهُ،
ولا صَالِحَ مَا رَزَقْتَنَاهُ، وَاجْعَلْنَا لَكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ» (۱).
قلت: «خالد بن مَفدوح - ويقال: تجدوح- ضعيف جدا، ذكر البخاري في
" الضعفاء": أنَّ يزيد بن هارون كان يرميه بالكذب».
عنه قضاء الكوفة، والحديث سنده ضعيف لكن معناه ،ثابت، فروى الترمذي وحسنه عن أبي هُرَيْرَة مرفوعًا: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ المَوتِ». وله طرق. وعن أنس مرفوعا: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ المَوْتِ، فَإِنَّهُ يُمَحِّصُ الذُّنُوبَ وَيُزَهْدُ فِي الدُّنْيا؛ فَإِن ذَكَرْتُمُوهُ عِنْدَ الغِنَى هَدَمَهُ وإِن ذَكَرْتُمُوهُ عِنْدَ الفَقرِ أَرضَاكُم بِعَيْشِكُم». رواه ابن أبي الدنيا في ذكر الموت. وقال أبو الدَّرْدَاء: من أكثر ذكر الموت قل حسده وقل فرحه. رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" وأحمد في "الزهد"، وتقدم حديث: «من أُعطِيَ الشُّكَرَ لم يُمَنَعِ الزِّيَادَةَ ومن أُعطِيَ الدُّعاءَ لم يُمنع الإجابة» انظره في شرح الحديث الثالث.
(۱) ورد فيما يقال بعد الطعام والشراب أذكار من طرق كثيرة ذكر بعضا منها الإمام النووي في "الأذكار" وتتبعها الحافظ في "الأمالي" عليها فهذا الحديث على ضعفه مؤيد بتلك الطرق، وقوله هنا : فكل بالإحسانِ أتلاني» مثل قوله فيها تقدم وكل بالإحسان أتلانا» وقد تكلمنا على هذه العبارة في شرح الحديث الخامس فلينظر هناك، وباقي الحديث واضح.
٨٦
الحديث الشريف
الحديث الثاني والأربعون
حدثنا الفضل بن سهل : ثنا عبد الله بن محمد بن عُمارَةَ: ثنا تَخَرَمَةُ بن بُكَيْرٍ، عن أبيه، عن زُهْرَةَ بنِ مَعْبَدٍ، عن أبي عبد الرحمن الحيلي، عن أبي أيوب رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أنه كان إذا أكل قال: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وجعَلَ لَهُ مَخْرَجًا» (۱). قلت: عبد الله بن محمد بن عُمارَةَ هو القداح الأنصاري المدني، إخباري نسابة، قال الذهبي: «مستور، ما وثق ولا ضعف وقلما روى» . اهـ وبقية رجال الحديث ثقات.
الحديث الثالث والأربعون
حدثنا علي بن شعيب: ثنا محمد بن إسماعيل، عن أبي مَديَن: ثَنَا محمدُ بنُ سمعتُ السَّرِيَّ بن عبد الله وهو على الطائف وأصابنا مطر فخطب الناس فقال : أيها الناس احمدوا الله على ما وضع لكم من رزقه فإنه بلغني عن
عمرو:
(۱) تقدم آنفًا أنَّ هذا الباب ورد فيه عدة أحاديث فالحديث بالنظر إلى مجموعها لا ينزل عن رتبة الحسن، ويكفي شاهد له وللحديث قبله في أصل المعنى ما رواه مسلم في "صحيحه" عن أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عن العَبْدِ أَن يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا». والأَكلة - بفتح الهمزة - المرة الواحدة من الأكل ويجوز ضمها بمعنى: الطعام المأكول، والشربة - بفتح الشين المرة من الشرب، وما يُشرب من الماء ونحوه مرة واحدة. وفي الباب عن أبي موسى الأشعري مرفوعا : من أَكَلَ فَشَبِعَ وَشَرِبَ فَرَوِيَ، فَقَالَ: الحمد لله الذي أَطْعَمَنِي فَأَسْبَعَنِي وَسَقَانِ فَأَروَانِ، خَرَجَ مِن ذُنُوبِهِ - يعني الصَّغَائِرَ - كَيَومِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» رواه أبو يَعْلَى، وإسناده ضعيف.
الأربعون في الشكر
AV
النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أَنَّه قال: «إذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدِ نِعْمَةٌ فَحَمِدَهُ
عندها فقد أدى شُكْرَها». قلت: هذا بلاغ إسناده ضعيف (۱).
الحديث الرابع والأربعون
حدثني علي بن شُعَيبٍ: ثنا ابن أبي فديك قال: بلغني عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كانَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم إذا نَظَرَ فِي المِرْآةِ قَالَ: «الحمد لله الذي خَلَقَني فأَحْسَنَ خَلْقِي وخُلْقِي، وزَانَ مِنِّي مَا شَانَ مِن غَيْرِي». قلت: هذا مرسل وفيه انقطاع (۲).
(۱) وصله الحاكم في "المستدرك " من طريق عبد الرحمن بن قيس الزعفراني، عن محمد بن أبي حميد، عن ابن المنكدر ، عن جابر مرفوعا: «ما أَنْعَمَ اللَّهُ على عبدِ نِعْمَةٌ فَقَالَ: الحَمدُ الله ، إِلَّا أَدَّى شُكْرَها. فإن قالَهَا الثَّانيةَ جدَّدَ اللهُ لهُ ،ثوابًا، فإن قالَهَا الثَّالثَةَ .
ذنوبه».
غفر
الله له
قال المنذري: «عبدالرحمن بن قيس واهي الحديث، وهذا الحديث مما أُنكر عليه»، وقال الذهبي: حديث منكر، وروى ابن حبان في "صحيحه"، والطبراني من طريق عبد الله بن كَيْسَانَ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابن العباس: أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال- من حديث طويل - : إذا أصبتُم مثل هذا - وأشار إلى خبز ولحم وتمر وبسر ورُطَب - فَضَربتُم بأيدِيكُم، فقولوا: بِسْمِ الله، فإذَا شبعتم فقُولوا: الحمد لله الذي أشْبَعَنَا وأنعم علينا فَأَفْضَلَ. فَإِنَّ هذا كفاف بهذا». (۲) تقدَّم نحوه عن أنس وهو الحديث التاسع والعشرون، وهذا الحديث وصله أبو يعلى والطبراني من حديث ابن عباس بلفظ : كانَ إذا نَظَرَ في المرآةِ قَالَ: «الحَمدُ لله الذي حَسَنَ خَلْقِي وخُلُقِي». الحديث. و«إسناده ضعيف» كما قال المناوي في شرح "الجامع الصغير".
۸۸
الحديث الشريف
الحديث الخامس والأربعون
حدثني هاشم بن القاسمِ : ثنا محمد بن سنان العوفي: ثنا عبد الله بن عمر، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن رَأَى صَاحِبَ بَلاءِ فقالَ: الحَمدُ لله الذي عافاني م ما ابْتَلَاكَ
به وفَضَّلَني عليك وعلى جميعِ مَن خَلَقَ تَفْضِيلًا فقد أَدَّى شُكْرَ تلك النِّعْمَةِ». قلت: رجاله ثقات على كلام في بعضهم لا يضر
(1)
وروى ابن أبي الدُّنيا في "الشُّكر" عن ابن سيرين قال: كان ابن عمر يكثر النظر في المرآة وتكون معه في الأسفار ، فقلتُ له : ولم؟ قال: أنظر فما كان في وجهي زينا وهو في وجه غيري شَيْنٌ أحمد الله عليه.
(۱) تكلم في عبد الله بن عمر العُمري من جهة اضطراب حديثه وضعف من أجل ذلك، وهو ثقة صدوق من رجال مسلم والأربعة.
والحديث في الجزء الثاني من شعار "الأبرار" من طريق العُمَري أيضًا بلفظ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُم أحدًا في بَلاء فَلْيَقُلْ الحَمْدُ لله الذي عَافَانِ مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عليك وعلى كثير من عباده تفضيلا. فإنَّه إذا قال ذلك كان شُكْرُ تلك النِّعْمَةِ». وعزاه الحافظ
المنذري في "الترغيب" للبزار، والطبراني في "الصغير"، وقال: «إسناده حسن». وهو في "سنن الترمذي" بلفظ: من رَأَى مُبْتَلى فقالَ: الحَمدُ لله الذي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي على كثير ممن خَلَقَ تَفضِيلا، لم يُصِبْهُ ذلك البَلاءُ». وقال الترمذي: حسن غريب، ورواه أيضًا من حديث عمر رضي الله عنه وقال: «غريب». ورواه ابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وليس بين اللفظتين تخالف كما قد يُظَن، فإن من قال هذا الذكر الوارد عند رؤية مبتلى كان قوله شكرًا لنعمة الله عليه بالعافية، وجُوزِيَ بألا يُصاب بذلك البلاء.
الأربعون في الشكر
19
الحديث السادس والأربعون
حدثني حمزة: ثنا عَبْدَانُ: ثنا عبد الله هو ابن المبارك-: أنا المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «خَصْلَتانِ من كَانَتَا فِيهِ كَتَبَهُ اللَّهُ صَابِرًا شَاكرًا، ومن لم تكونا فيه لم يَكْتُبُهُ صَابَرًا ولا شَاكرًا مَن نَظَرَ فِي دِينِهِ إلى من هو فَوقَهُ فاقتدى به، ومن نَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إلى من هو دُونَهُ فَحَمِدَ اللهَ على ما فَضَّلَهُ به عليه، كَتَبَهُ اللهُ صَابَرًا شَاكرًا. ومن نَظَرَ في دِينِه إلى من هو دُونَهُ، ونَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إلى من هو فَوقَهُ فَأسِفَ على ما فَاتَهُ، لم يَكْتُبُهُ اللهُ صَابَرًا ولا شَاكرًا» (۱).
قلت: المثنى بن الصباح ضعيف، والله أعلم.
(تنبيه): قال الترمذي عقب رواية الحديث ما نصه: «وقد روي عن أبي جعفر محمد بن على أنه إذا رأى صاحب بلاء فتعوّذ منه يقول ذلك في نفسه ولا يُسمع صاحب البلاء» . اهـ قلت: قد فصل العلماء في ذلك تفصيلاً حسناً فقالوا: إذا كان مبتلى في بدنه بما لم يتسبب فيه بمعصية فينبغي أن لا يُسمعه ذلك لئلا يتأذى ويتألر، وهذا محمل كلام أبي جعفر الباقر عليه السلام، وإذا كان مبتلى في دينه فينبغي أن يُسمعه ذلك
ليرتدع وينزجر إلا إن خاف من إسماعه ضررًا على نفسه فيقوله سرا والله أعلم. (۱) الحديث رواه الترمذي أيضًا وإسناده ضعيف لكن معناه وارد في عدة أحاديث،
وتقدم حديث أبي هريرة: «انْظُرُوا إلى من هو أَسْفَلُ مِنكُم». وهو حديث صحيح. فيتأكَّد على الإنسان أن ينظر في دينه إلى من هو فوقه وينافسه في ذلك من غير حسد ولا رياء، فإنَّ المنافسة في الخير مطلوبةٌ، وأن ينظر في دنياه إلى من هو أسفل منه فيعرف قدر نعمة الله عليه ويشكره عليها، وبذلك يستحق زيادة الفضل من الله في الدُّنيا وتوفية
الأجر يوم القيامة قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوفَ الصَّبِرُونَ اَ حِساب ﴾ [الزمر: ١٠].
خاتمة تشتمل على مسائل
الحديث الشريف
المسألة الأولى: روى أبو القاسم القشيري في "الرسالة" أن السَّرِيَّ السَّقَطِيَّ سأل الجنيد وهو صبي فقال: ما الشكر يا غلام؟ فقال الجنيد: الشكر أن لا تعصي الله بنعمه.
قلت: هذا أجمع ما قيل في الشكر وأحسنه، ومعناه أن الإنسان لا يستعمل نعم الله التي أنعم بها عليه من قوة ومال وغيرهما في معاصيه، فإن من الكفر
بالنعمة أن يُستعان بها على مخالفة أوامر الله، وذلك موجب للانتقام الشديد. وقد قرأت في نسخة يحيى بن صالح الوُحَاظِيّ: ثنا حفص بن عمر : ثنا أبو الرَّبيع الدِّمَشْقِيُّ، عن مَكْحُول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنَّ الله عزّ وجلَّ يقولُ: يا ابن آدم، قد أنعمت عليك نعما عِظَامًا لا تُحصِي عددها، ولا تطيقُ شكرها، وإن مما أنعمت عليك أن خلقتُ لك عَينَينِ تَنْظُرُ بهما وجعلت لهما غِطاءً فانظُرْ بعَينَيك إلى ما أحللت لك، فإن رأيت ما حرَّمتُ عليك فأطبق عليهما غِطَاءَهُما ، وجعلتُ لك لسانًا وجعلتُ له غُلاقًا فانطق بها أمرتك وأحللتُ لكَ، فأنّى عرض لك ما حَرَّمْتُ عليك فأغلق عليك لِسَانَك، وجعلت لك فَرْجًا وجعلتُ لك سِتّرًا فأصِبْ بفَرْجِكَ ما أحللتُ لك، فأنّي عرض لك ما حَرَّمْتُ عليك فأَرْخِ عليك سِتْرَكَ. ابنَ آدَمَ إِنَّكَ لَا تَحْمِلُ سَخَطِي ولا تُطِيقُ انتقامي».
قوله: «فانی عرض بفتح الهمزة وتشديد النون المفتوحة، بمعنى: متى.
فليجتهد الشخص ألا يراه مولاه حيث نهاه، وبالله التوفيق.
۹۱
الأربعون في الشكر المسألة الثانية: تكرّر في هذا الكتاب كلمة: أنا (فلان وهي . مختصرة من: أخبرنا واثنا فلان، ونا (فلان وهما مختصرتان من: حدثنا فليتنبه القارئ
لذلك.
المسألة الثالثة: قد اجتهدتُ في تصحيح أسماء الرواة ورَدَّ المحرَّف منها إلى أصله وبالغتُ في التصحيح بقدر طاقتي حتى جاء الكتاب صحيحًا بحمد الله، وقد لاقيت في ذلك عَرَقَ القِرْبَة، لأن كتاب "الشُّكر" في غاية ما يكون من التصحيف بل هو توراةٌ مُبدَّلة أو إنجيل مُحرَّف. والله أسألُ أن يَمُنَّ عليَّ في جميع أعمالي بالإخلاص والقبول، وأن يحوطني
وجميع أحبائي بحفظه ورعايته ويجعلنا جمعيًا في كنفه، عزّ جاره وجل ثناؤه. آخر الأربعين الغمارية، والحمد لله على نعمه التي لا تُحصى حمدًا كثيرًا طيبًا كما يحبُّ ربنا ويَرضَى، وصلَّى الله على سيدنا محمد وآله وسلَّم.
تم تسويدها صباح يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي الحجة الحرام ختام سنة ١٣٥٩هـ
- الأربعون حَدِيثًا الصِّدِّيقيَّة في مسائل اجتماعِيَّة
الأربعون الاجتماعية
بسم ا ـم الله الرحمن الرحيم
90
الحمد الله الذي تواضع كلُّ شيءٍ لعَظَمَتِه، والحمد لله الذي ذلَّ كلُّ شيءٍ لعِزَّته، والحمد لله الذي خَضَعَ كلُّ شيءٍ لملكه، والحمد لله الذي استسلم كل شيء لقدرته (۱).
و الصَّلاة والسَّلام على سيدنا ومولانا محمّد النَّبي الأمي الكريم، وعلى آله ذوي القدر العظيم، وصحابته الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم في نصرة دينه ففازوا بالسَّعادة والنعيم الدائم المقيم.
أما بعد: فهذه ستة وأربعون حديثا من الأحاديث النبوية الشريفة أوردتها محذوفة الأسانيد ليسهل حفظها وتداولها، واخترت أن تكون خاصة بما أصاب المجتمع من بلايا وأدواء، عسى أن يكون فيها ببركة صاحبها صلى الله عليه
وآله وسلَّم الهدى والشفاء، وسميتها بـ "الأربعين حَدِيثًا الصِّدِّيقية". والله المسئول أن يكسوها حُلَّة القبول، وأن ينفع بها كاتبها وقارئها والمستمع إليها ويمنَّ عليهم بالتوبة والإنابة، إنه سميعُ الدُّعاء فعال لما يشاء.
(۱) ورد في الحديث: أنَّ من حمد بهذا التحميد يطلب به ما عند الله كتب الله له ألف حسنة ورفع له ألف درجةٍ وَوَكَّلَ به سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة، رواه الطبراني بإسناد ضعيف.
٩٦
الحديث الشريف
الحديث الأول
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال حماد ولا أعلمه إلا قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم- قال: «عُرَى الإِسْلَامِ وَقَوَاعِدُ الدِّينِ ثَلَاثَةٌ عَلَيْهِنَّ أُسِّسَ الإِسْلَامُ مَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَهُوَ بِهَا كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ: شَهَادَةُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَالصَّلَاةُ المَكْتُوبَةُ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ». رواه أبو يعلى بإسناد حسن.
الحديث الثاني
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فلم يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثْلَ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ شُجَاعٌ أَقْرَعُ (۲) لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّتُهُ
(۱) وأن محمدا رسول الله كما ثبت في الأحاديث الأخرى، ولم يذكر الزكاة والحج مع أنهما من أركان الإسلام الخمس، لأن القصد بهذا الحديث بيان الأركان التي تجب على كل واحد لا فرق فيها بين غني وفقير ولا بين ملك وحقير ولا يعذر أحد في تركها، وهي هذه الثلاثة : الشهادة، والصلاة والصوم. أما الزكاة والحج فلا تجبان إلا على الغني فلذا لم يذكرا في هذا الحديث. وعُرَى: جمع عُرُوة، وهي التي يشد بها بين طرفي الثوب، وحكم تارك الصلاة أو الصوم: القتل حدا، وفي المسألة تفصيلات تُطلب من
كتب الفقه.
(۲) الشجاع الأقرع: هو الحيَّة الذكر الذي ابيض رأسه من شدة سُمه. والزبيبتان: نکتتان سوداوان فوق عينيه وقيل نابان يخرجان من فيه. ومعنى يُطَوَّقُهُ: يصير طَوْقًا في عنقه. وليس هذا وحده عقاب تارك الزكاة، بل له عقاب أشد كما في أحاديث أخرى - مع ما يعجل له في الدنيا من تلف المال وغيره، وورد في الحديث: «ما تَلَفَ مالٌ في بَر ولا بحر إلا بحبس الزكاة».
الأربعون الاجتماعية
۹۷
يَومَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهزِمَتَيْهِ - يَعْنِي شِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ». ثُمَّ تلا هَذِهِ الآيَةَ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَلَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ [آل عمران:
١٨٠] الآية (۱). رواه البخاري ومسلم.
الحديث الثالث
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَقُولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: إِنَّ عَبْدًا صَحَحْتُ لَه جِسْمَهُ وَوَسَعْتُ عَلَيْهِ فِي المَعِيشَةِ تَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَفِدُ إِليَّ لَمَحْرُوم». رواه ابن حِبَّان في
«صحيحه» والبيهقي في «سُنَنِه) ونقل عن علي بن المنذر قال: أخبرني بعض أصحابنا قال: كان حسن بن حَيَّ يعجبه هذا الحديث وبه يأخذ ويحب للرجل الصحيح الموسير أن لا يترك الحج خمس سنين (٢).
(۱) بقية الآية: هُوَ خَيْرَاهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌ هُمْ سَيْطَوَلُونَ مَا يَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران:
.[۱۸۰
(۲) هذا لمن أدى الفرض، أما من لم يُؤَدَّ فرض الحج فيعجل قبل الخمس سنين، إذ لا يدري ما يعرض له.
وللحج فوائد كثيرة يطول تتبعها منها تكفير الذنوب، وقبول الدعاء، والغنى، ونفي الفقر، ومضاعفة النفقة، والعافية في الدنيا، والمغفرة في الآخرة، وغير ذلك مما وردت به الأحاديث. وينبغي لمن حج أن يزور النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ويتشرف بالمثول بين يديه، ويتوسل به إلى الله، فهو صلى الله عليه وآله وسلم حي في قبره كما تواتر في الأحاديث، ودلّ عليه القرآن في حياة الشهداء، ولا عبرة بما يقول الجهلاء.
۹۸
الحديث الرابع
الحديث الشريف
عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: مَا تَرَكَ قَوْمُ الجِهَادَ إِلَّا عَمَّهُمُ اللهُ بالعَذَابِ (۱). رواه الطبراني، وإسناده حسن.
الحديث الخامس
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن رَغِبَ عن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي». رواه مسلم في "صحيحه"
(Y),
(لطيفة): ذكر القاضي عياض في "الشَّفا": أن قوما أتوا سعدون الخولاني بالمنستير - مكان بالقيروان فأعلموه أن كتامة قتلوا رجلا، وأضرموا عليه النار طوال الليل فلم تعمل فيه شيئًا وبقي أبيض البدن فقال: لعله حج ثلاث حجج ؟ قالوا: نعم. قال: حدثت أن من حَجَّ حَجَّةٌ أَدَّى فرضَه، ومن حَجَّ ثانيةً دَايَنَ رَبَّهُ، وَمَن حَجَّ ثَلَاثَ حجج حَرَّمَ اللَّهُ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ عَلَى النَّارِ». اهـ
وهذا الحديث طالما سئلت عنه ولم أقف عليه في شيء من كتب الحديث، حتى أن
الحافظ السيوطي لم يتكلم عليه في "مناهل الصفا". (۱) المراد بالعذاب هو الذل. كما سيأتي في الحديث العاشر، والذل: شر أنواع البلايا، خصوصا ذل الاستعمار.
(۲) من الرغبة عن السنة : حلق اللحية، وإعفاء الشارب كما شاع بين الناس - وهي عادة أعجمية سرت إلينا من الترك، وقد نهى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عنها في غير ما حديث عن التشبه بالعجم.
وقد قرأت في جزء من حديث الحسن بن علي بن عفان العامري وأخيه محمد بن علي وإبراهيم بن إسحاق بن أبي العنبس من طريق عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُتْبَةَ قَالَ: جَاءَ
الأربعون الاجتماعية
الحديث السادس
۹۹
عن أنس أيضًا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ اللهَ حَجَبَ التَّوْبَةَ عن كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَته» (۱). رواه الطبراني بإسناد حسن.
الحديث السابع
عن معاذ بنِ جَبَلٍ رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قَالَ: «مَا مِن عَبْدِ يَقُومُ فِي الدُّنْيَا مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ إِلا سَمَّعَ ) اللَّهُ بِهِ عَلَى رُءُوسِ
رَجُلٌ مِنَ الْمَجُوسِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم وَقَدْ حَلَقَ لِحِيْتَهُ، وَأَطَالَ شَارِبَهُ، فَقَالَ لَهُ: «لِمَ تَفْعَلُ هَذَا؟». قال: هَذَا فِي دِينِنَا . قَالَ عليه الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: وَلَكِنْ فِي دِينِنَا نَجُرُّ الشَّوَارِبَ، وَنَعْفِي اللَّحْيَةَ». وفي الصحيح: «جُزُوا الشَّوارِبَ وَأَرْخُوا اللَّحَى خَالِفُوا
المَجُوسَ». وفي الصحيحين: «خَالِفُوا المُشْرِكِينَ وَفَّرُوا اللَّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ». وهذه الأحاديث وغيرها ترد زعم بعض المبتدعة الوهابية: أن إعفاء اللحية من السنن العادية. وهذا كذب بل إعفاء اللحية أمر ديني، ومعلل بعلة دينية، ومن أراد التوسع في الموضوع فليقرأ كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" لابن تيمية، ولشقيقنا الصوفي الصالح السيد محمد الزمزمي رسالة "تنبيه أولي البصائر على أن حلق اللحية من الكبائر". (۱) من البدع الشائنة بدعة الزار التي تقع فيها منكرات - بل كفريات - كحمل الصليب للتبرك به أو لغير ذلك من الأغراض، والعجب أن يحصل هذا من أناس يزعمون أنهم مسلمون وفي بلد إسلامي وما أكثر البدع في هذا العصر كبدعة الوهابية المجسمة الذين يشبهون الله بخلقه تشبيها صريحًا، ويُكَفِّرون عموم المسلمين، ويثيرون الفتن بين حين وآخر، ويَتَنَطَعون تَنَطَّعًا بالغا.
(۲) التسميع بالشخص هو التشهير به وهَتْك أمره. نسأل الله أن يجملنا بستره.
۱۰۰
الحديث الشريف
الخَلائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه الطبراني، وإسناده حسن أيضًا.
الحديث الثامن
عن أبي بكر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ جَسَدٌ خُذْيَ بِحَرَامِ ()). رواه أبو يعلى والبزار وغيرهما وهو حديث . يَعْلَى حسن. ن
الحديث التاسع
عن عُمَرَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامًا، ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالجَذَامِ وَالإِفلاس (۲). رواه ابن ماجه في «سُنَنِه» بإسناد صَحَّحه الحافظ البوصيري، وحَسَّنَه الحافظ ابن حَجَرٍ.
الحديث العاشر
عن عطاء بن أبي رَبَاحٍ، عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدَّرْهَم، وتبايعوا
(۱) لأن الجنة دار الطيبين لا يدخلها إلا مؤمن طيب والحرام خبيث وآكله خبيث فلا يدخل الجنة حتى يتطهر بالنار، وأكل الحرام كما يمنع دخول الجنة يمنع قبول الدعاء، كما في الحديث الصحيح. (۲) الاحتكار معروف، وهو أن يحتكر التاجر السلعة المطلوبة للاستهلاك فلا يبيعها إلا بثمن مرتفع. وهو معصية من الكبائر لأنه إضرار بالناس وإيذاء لهم، والمؤذي ملعون. ولذا جاء في الحديث: «الجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالمُحْتَكِرُ مَلْعُونَ». رواه ابن ماجه. وفي حديث آخر رواه الحاكم: مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُعَالِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِي - أي آثِمٌ - وَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الله».
الأربعون الاجتماعية
۱۰۱
بالعِينَةِ)، وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ البَقَرِ، وَتَرَكُوا الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : أَنزَلَ اللَّهُ بِهِم ذُلَّا، فَلَمْ يَرْفَعْهُ عَنْهُمْ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ». رواه الإمام أحمد في "الزهد" و"المسند" بإسناد رجاله ثقات، وصححه الحافظ ابن القَطَّانِ السَّجِلْماسِي، وله طريق آخر في "سنن أبي داود" لكنه ضعيف.
الحديث الحادي عشر
عن أبي سَرِيحةَ حُذَيْفَةَ بن أَسِيدٍ الغِفَارِيٌّ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ آذَى المُسْلِمِينَ في طُرقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ». رواه
(۱) العينة: بكسر العين، هي أن يبيع الرجل السلعة بثمن مؤجل، ويسلمها إلى المشتري، ثم يشتريها قبل الأجل بثمن نقد أقل مما باعها به، وهي نوع من الربا. واتباع أذناب البقر : كناية عن الاشتغال بالحرث. وفي الرواية الأخرى عند أبي داود: «وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ البَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ. ولا شك أن البخل بالمال والاشتغال بالحرث يمنعان الجهاد، وذلك سبب الذل والهوان كما هو مشاهد لا يحتاج إلى بيان.
وقد ثبت عن أسلم بن عمران قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبدالرحمن بن خالد بن الوليد - وفي رواية فَضَالَةُ بن عُبيد والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة فحمل رجل على العدو فقال الناس : مَهُ مَهُ لا إِلَهَ إِلَّا الله يلقي بيده إلى التهلكة. فقال أبو أيوب إنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا نقيم في أموالنا ونصلحها. فأنزل الله تعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُلْقُولا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: ١٩٥]، فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وصَحَّحَهُ النَّسائي.
۱۰۲
الحديث الشريف
الطبراني بإسناد حسن(۱).
الحديث الثاني عشر
عن ثَوْبَانَ رضي الله عنه، عن ا الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ، لا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يُزِيدُ فِي العُمرِ إلا البر». رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وصححه (").
الحديث الثالث عشر
عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ َرسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ الخَمْرَ نَزَعَ اللهُ مِنْهُ الإِيمَانَ كَمَا يَخْلَعُ الْإِنْسَانُ الْقَمِيصَ مِنْ رَأْسِهِ». رواه الحاكم بإسنادٍ صَحِيحٍ (۳)
(۱) من أنواع الإذاية التبرز في الطريق، أو إلقاء القاذورات والوساخات، ونحو ذلك مما يؤذي المارة، أو القعود على قارعة الطريق والتعرض للمارين والمارات بما يؤذيهم في أنفسهم أو في أعراضهم، فكل من فعل شيئًا من هذا وجبت عليه اللعنة كما جاء في عدة أحاديث. (۲) إنما كان الرجل يُحرم الرزق بالذنب لأن الرزق من فضل الله والذنب من غضبه
وفضل الله وغضبه لا يجتمعان، فإذا عصى الشخص حرم الرزق بشؤم معصيته. أما رد القضاء بالدعاء فالمراد به - والله أعلم - أن الدعاء يخفف القضاء النازل ويهونه حتى يصير كأنه لم ينزل، وأما زيادة العمر بالبر فكناية عن أن فاعل البر مع أهله وذوي رحمه يترك ذكرى طيبة بين الناس فيطول عمره ببقاء ذكراه الطيبة.
(۳) وفي حديث آخر رواه الطبراني: مَنْ زَنَى خَرَجَ مِنْهُ الإِيمَانُ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ».
الأربعون الاجتماعية
۱۰۳
وروى البيهقي وغيره حديث: «الزنا يُورِثُ الفَقْرَ».
والأحاديث في تقبيح الزنا وبيان شناعته كثيرة سيأتي بعضها، وكذلك الخمر وردت فيها أحاديث كثيرة منها حديث : الاَ يَزَالُ الْعَبْدُ في فُسْحَةٍ مِنَ الله» وفي رواية: «لَا يَزَالَ الْعَبْدُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يَشْرَبِ الخَمْرَ ، فَإِذَا شَرِبَهَا خَرَقَ اللَّهُ عَنْهُ سِتْرَهُ وَكَانَ الشَّيْطَانُ وَلِيَّهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَرِجْلَهُ يَسُوقُهُ إِلَى كُلِّ شَرٌ وَيَصْرِفُهُ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ». رواه الطبراني، ومحمد بن أيوب بن الصَّموت المصري في "فوائده" من حديث قتادة بن عياش الرهاوي.
ثم إن شرب جرعة من الخمر يساوي في الإثم والحكم شرب برميل منها للحديث الصحيح: «مَا أَسْكَرَ الفَرَقُ مِنْهُ - وهو بفتحتين مكيال يسع سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا - فَمِلْءُ الكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ». وفي حديث آخر صحيح: «ما أسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَليله حرام». ولا خلاف في هذا. وما يقال عن الخمر من لذة وسرور، ناشئ عن فقدان العقل والدين بها، كما قال أبو الفضل الجوهري: زَعَمَ المُدَامَةَ شَارِبُوهَا أَنَّهَا تَنْفِي الغُمُومَ وتَطْرَحُ الهَمَّا صَدَقُوا سَرَتْ بِعُقُولِهِمْ فَتَوَهَّمُوا انَّ السُّرُورَ لَهُمْ بِمَا تَمَا سلَبَتْهُمْ أَدْيَانَهُمْ وَعُفُوهُم أَرَأَيْتَ فَاقَدَ ذَيْنِ مُعْتَها ؟ أما الحشيشة: فالقدر الكثير المفتر للعقل منها حرام بالإجماع، لحديث أم سلمة: «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عن كلِّ مُسْكرٍ وَمُفتر». رواه أبو داود من طريق شَهْرِ بن حَوْشَبٍ عن أم سلمة، وحسنه الحافظ ابن حجر.
وذكر العلقمي في شرح الجامع الصغير": أن رجلا من العجم دخل القاهرة وطلب الدليل على تحريم الحشيشة، وعقد لذلك مجلسًا حضره علماء العصر، فاستدل الحافظ
١٠٤
الحديث الشريف
الحديث الرابع عشر
عن أبي الدرداءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يَقُول: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا الرَّجِلَ يموتُ مُشْرِكَا أَوْ يَقَتُلُ
مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا» . رواه أبو داود وابنُ حِبَّان في "صحيحه" والحاكم.
وروى النسائي بإسناد صحيح أيضًا من حديث معاوية باللفظ المذكور غير أنه قال كافرًا» بدل «مشرگا» (۱).
العراقي بالحديث المذكور، فأعجب الحاضرين.
والقدر القليل منها الذي لا يفتر العقل ليس بحرام لكنه لا ينضبط، فيحرم تناوله أيضًا، وهكذا الحكم في سائر المخدرات كالأفيون والكفتة والقات - وهما معروفان في بلاد اليمن والسيكران بضم الكاف وعسل البلادر - يشرب للحفظ - وجوزة الطيب والمعاجين المعروفة بالنسخ أو السطل، وغير ذلك مما هو في معناها، فكل ذلك يحرم منه الكثير والقليل أيضًا لعدم إمكان تحديده. (۱) معنى الروايتين واحد لأن الكافر والمشرك مخلدان في النار أبدا، وقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ) [النساء: ٤٨]. يعني يغفر الذنوب غير الكفر إذا شاء، أما الكفر فلا يغفره أبدًا بدليل قوله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ
غير الإسلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَسِرِينَ [آل عمران: ٨٥]. وقوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «وَالَّذِي نَفْسُ محمَّد بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ فِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ». وهو حديث صحيح.
ولا يتصور وجود شخص في هذا العصر لم تبلغه الدعوة المحمدية لأن القرآن العظيم غزا سائر الأقطار على اختلاف أديان أصحابها ومللهم، وترجم إلى عدة لغات، ويتلى
الأربعون الاجتماعية
1.0.
الحديث الخامس عشر
عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: إذا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فقد قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ وَمَنْ جَمْعَ مَالًا حَرَامًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ وَكَانَ إِصْرُهُ عَلَيْهِ» (۱).
كل صباح ومساء في راديو ألمانيا وانكلترا وفرنسا واليابان وغيرها. بل استمد المشرعون الفرنسيون في قوانينهم من القرآن وكتب الفقه الإسلامي كما هو معلوم، ومكاتب بلاد أوربا تزخر بالكتب الإسلامية في جميع العلوم والفنون وطبعت
هناك كتب التفسير والقراءات والحديث والتاريخ والنحو وما إلى ذلك بعناية كبيرة. لكن مع هذا كله يجب على المسلمين جميعًا خصوصًا منهم الملوك والأمراء والعلماء والأغنياء أن يقوموا بالدعوة إلى الإسلام بالوسائل الممكنة من تأليف جمعيات وإيفاد بعثات وغير ذلك، فمن العار الذي لا يُمحى أن يغزونا المبشرون في عُقْرِ ديارنا بالدعوة إلى دينهم ونحن نائمون بل ،ميتون هذا والله عقوق كبير لديننا ولنبينا، وعصيان كبير لربنا ويوجب عقابه.
فاللهم محيي العظام، وجامع الناس ليوم القيام، أحي المسلمين واجمع شتات شملهم وبصرهم بما يجب عليهم القيام به نحو الدين الذي رضيته لهم وأتممت به عليهم
نعمتك.
(۱) هذا الحديث يَرُدُّ على أولئك الذين يضعون أموالهم في البنك أو صندوق التوفير بفوائد، ويظنون أن التصدق بتلك الفوائد يخلصهم من إثم الربا وهو خطأ شنيع سببه عدم معرفة الأحكام الدينية على وجهها الصحيح، وفي مثل ذلك قال الشاعر: بَنَى مَسْجِدًا اللهِ مِنْ غَيْرِ حِلْهِ فَكَانَ بَحَمْدِ اللهِ غَيْرَ مُوَفَّقِ كُمُطْعِمَةِ الْأَيْتَامِ مِنْ كَسْبٍ فَرْجِهَا لكِ الوَيْلُ لَا تَزْنِي وَلَا تَتَصَدَّقِي
١٠٦
الحديث الشريف
رواه ابن خُزَيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم في "المستدرك" وله شاهد من حديث أبي الطُّفَيلِ، وَمِن مُرْسَلِ القَاسِمِ بن مُخَيْمِرَةَ.
الحديث السادس عشر
عن عبد الله بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَالمَكْرُ وَالخِدَاعُ في النَّارِ». رواه الطبراني،
وصححه ابن حِبَّان. وهذا الحديث أعني مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» مُتَوَاتِرٌ (۱).
فمن تصدق بمال حرام لم يقبل الله منه صدقته بل هو آثم باكتساب الحرام قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّباً».
وكذلك من حج بمال حرام لم يقبل الله حَجَّه، وإذا قال في طوافه: لبيك اللهم لبيك. ناداه مناد: لا لبيك ولا سَعْدَيْكَ، وحَجُك مردود عليك. (۱) رواه عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم جماعة من الصحابة يزيدون على عشرة، وهو تخرّج في "صحيح مسلم" وغيره، وفي بعض طرق الحديث: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ - يعني حَبَّ القَمْحِ - فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بللا فقال: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ - يعني المَطَرَ - يَا رَسُولَ اللَّهُ. قَالَ: «أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». ومَرَّ أبو هُرَيْرَة بِنَاحِيَةِ الحَرَّة فإذا إنسان يحمل لَبَنا يبيعه فنظر إليه أبو هُرَيْرَة فإذا هو قد خَلَطه بالماء فقال له أبو هريرة كيف بك إذا قيل لك يوم القيامة خلّص الماء من اللبن؟ رواه البيهقي.
وفي حديث عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَشُوبُوا اللبَنَ البَيْعِ» وذكر حديث المُصَرَّاةِ - والتَّصْرِيَة حبس اللبن في ضرع الشاة أو البقرة حتى يجتمع فيظن المشتري أنها كثيرة اللبن - ثم قال: «أَلَا وَإِنَّ رَجُلاً مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ جَلَبَ خَيْرًا إِلَى قَرْيَةٍ
الأربعون الاجتماعية
1 V-
الحديث السابع عشر
عن أبي هريرة -رضي الله عنه - ق - قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أربَعَةٌ يُبغِضُهُمُ اللهُ - تَعَالَى - ؛ البَيَّاعُ الخَلَّافُ، وَالفَقِيرُ الْمُخْتَالُ، وَالشَّيخُ الزَّانِي، وَالإِمَامُ الجَاثِرُ».
رواهُ النَّسَائي، وابن حِبَّان في "صحيحه"، والبيهقي ().
فَشَابَهَا بِالمَاءِ فَأَضْعَفَ ضِعَافًا - يعني رَبِحَ كَثِيرًا فَاشْتَرَى قِرْدًا، فَرَكِبَ الْبَحْرَ حَتَّى إِذَا لَجَّ فِيهِ، أَلهُمَ اللهُ القِرْدَ صُرَّةَ الدَّنَانِيرِ ، فَأَخَذَهَا فَصَعِدَ الدَّقْلَ، فَفَتَحَ الصَّرَّةَ وَصَاحِبُهَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ دِينَارًا فَرَمَى بِهِ فِي البَحْرِ، وَدِينَارًا فِي السَّفِينَةِ، حَتَّى قَسَمَهَا نِصْفَيْنِ».
رواه البيهقي.
وفي حديث آخر عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «مَنْ بَاعَ عَيْبًا -أي سِلْعة فيها عيب- لَمْ يُبَيِّنُهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللهِ، وَلَمْ تَزَلِ المَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ».
وقوله عليه الصلاة والسلام: وَالمَكْرُ وَالخِدَاعُ في النَّارِ» يعني أَنَّ صاحبَهما في النَّارِ، وفي حديث آخر: «المَكْرُ والخَدِيعَةُ والخِيَانَةُ في النَّارِ». رواه أبو داود في "مراسيله" عن الحسن مرسلًا. وهذه الأوصاف ليست بصفات للمؤمن ولا تليق به بل هي صفات المنافق وهي به أليق، فلا جَرَمَ أن كان صاحبها في النار كما في الحديث المذكور. وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام قال: «المُؤْمِنُونَ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ نَصَحَةٌ وَادُّونَ - أَي مُتَحَابُّونَ - وَإِنْ بَعُدَتْ مَنَازِهُمْ وَأَبْدَاتُهُمْ، وَالفَجَرَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مُتَخَاوِنُونَ، وَإِنِ اقْتَرَبَتْ مَنَازِهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ». رواه أبو الشيخ ابن حيان في كتاب
غَشَشَةٌ
"التوبيخ". (1) أما الحلف في البيع فمذموم ولو كان الحالف صادقًا، بل ورد في الحديث الصحيح:
۱۰۸
الحديث الشريف
الخَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ تَمحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ». وجاء في حديث آخر: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ غَدًا - أي لا يَرَضَى عنهم : شَيْخٌ زَانٍ، وَرَجُلٌ اتَّخَذَ الأَيْمَانَ بِضَاعَتَهُ يَحْلِفُ فِي كُلِّ حَقٌّ وَبَاطِلٍ، وَفَقِيرٌ مُخْتَالٌ مَزْهُو».
وأما الاختيال -وهو الزهو والتكبر - فقبيح لا يجمل بالمؤمن، لأن الكبر من خصوصيات المولى عز وجل، قال تعالى في حديث قدسي : الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي والعَظَمَةُ
إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحَدًا مِنْهُمَا الْقَيْتُهُ فِي النَّارِ». وخَصَّ الحديث الفقير بالذكر لأن وقوع الكبر منه أقبح وأشنع، وكذلك وقوع الزنا من الشيخ -وهو من كبر في السن أقبح، وإن كان الزنا في حد ذاته قبيحا منكرا، وهكذا سائر الكبائر تتفاوت في القبح وإن كانت كلها مستوجبة لغضب الله، كما أن الطاعات تتفاوت في الحسن. وقد جاء في حديث رواه السمرقندي بإسناد لا بأس به عن أبي هريرة: «إنَّ الله تعالى يُبْغِضُ ثلاثةَ نَفَرٍ وبُغْضُهُ لثلاثة منهم أ اشد، أولها: يُبْغِضُ الفُسَّاقَ وَبُغْضُهُ الشَّيخِ ، أشدُّ، والثَّاني: يُبغِضُ البخلاء وبُغضه للغَني البخيل أشدُّ، والثالثُ: يُبغِضُ المتكبّرينَ وبُعْضُهُ للفقير المتكَيَّرِ أشد. ويُحِبُّ ثلاثةَ نَفَرٍ وحُبُّهُ لثلاثة منهم أس أشد، أولها: يُحِبُّ المُتَّقِينَ وحُبُّه للشَّاب التقيّ أشدُّ والثَّاني: يُحِبُّ الأَسْخِياءَ وحُبُّهُ للفقير السَّخي
الفاسق
أشد، والثالث : يُحِبُّ المتواضعين، وحُبُّه للمُتواضِعِ الغَني أشد».
وأما الإمام الجائر وهو الحاكم الظالم فمصيبته أشد وعقوبته أفظع لتضييعه حقوق الرعية التي ولاه الله أمرها. ثبت [في] الحديث عن أبي أُمَامَةَ: «صِنْفَانِ مِن أُمَّتِي لن تنالهما شفاعتي: إمامٌ ظَلُومٌ غَشُومٌ، وكلُّ عَالِ مارِقٌ». رواه الطبراي.
وجاء في حديث آخر : الا تَظْلِمُوا فَتَدْعُوا فلا يُستجاب لكم، وتَسْتَسْقُوا فَلا تُسْقَوْا، وتَسْتَنْصِرُوا فلا تُنْصَرُوا». رواه الطبراني أيضًا.
الأربعون الاجتماعية
۱۰۹
الحديث الثامن عشر
عن ابن عباس -رضي الله عنهما - عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «إذا ظَهَرَ الزَّنا والرِّبا في قرية فقد أَحَلُّوا بِأَنفُسِهِمْ عَذَابَ الله )). رواه
الطبراني، والحاكم وصححه.
الحديث التاسع عشر
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لم أَرَهُمَا قَومٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلَاتٌ رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وكذا». رواه مسلم في " صحيحه "(۲).
(1) أما الربا، فهو محاربة الله ورسوله قال تعالى: يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الربوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (3) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأَذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [البقرة: ۲۷۸ - ۲۷۹]، ومن حارب الله ورسوله حَلَّ عليه العذاب وهلك. وأما الزنا فإنه ينزع الإيمان من فاعله كما تقدم في الحديث الثالث عشر وإذا ذهب الإيمان - والعياذ بالله - نزل عذاب الله ونقمته.
(۲) هذا الحديث من أعلام النبوة وهو قطرة من بحر من المغيبات التي أخبر بها النبي صلَّى الله عليه وآله وسلّم فوقعت كما أخبر، والأحاديث في ذلك متواترة كما قال القاضي عياض وغيره، وتتبعها يستدعي إنشاء تأليف في مجلد وقد جمعها غير واحد لكن من غير استيفاء.
ففي
هذا الحديث إشارة واضحة إلى الشرط الذين يلاحقون الباعة في الطرق
۱۱۰
الحديث الشريف
الحديث العشرون
عن عمار بن يَاسِرٍ - رضي الله عنهما - عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ أبدا الدَّيُّوتُ مِنَ الرِّجَالِ، وَالرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاءِ، ومُدْمِنُ الخُمْرِ». قالوا: يا رسول الله، أَمَّا مُدِّمِنُ الْخَمْرِ فقد عَرَفنَاهُ، فما الديوث ؟ قال : الذي لا يُبَالِي مَن دَخَلَ على أَهْلِهِ». قلنا: فما الرَّجُلَةُ مِن النِّساء؟ قال: التي تَشَبَّه بالرِّجالِ» (۱). رواه الطبراني. قال الحافظ المنذري:
والأسواق ويضايقونهم ضربًا بسياط تشبه أذناب البقر، أما آخر الحديث فيشير بجلاء إلى ما وصلت إليه المرأة اليوم من تبرج فاضح واستهتار شائن تخرج كاشفة ذراعيها وساقيها وجزءًا من صدرها عليها ثياب مهلهلة لا تستر ما تحتها فهي كاسية عارية تمشي متمايلة لتلفت أنظار الناس إليها وتميل قلوبهم نحوها، تلبس على رأسها برانيط مختلفة الأشكال تشبه في احديد ابها سنام الجمل.
وجاء لعنها في حديث أخر صحيح ولفظه: «يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى المياثر حتى يَأْتُوا أَبْوَابَ المَسَاجِدِ» وفي رواية: «يَرْكَبُونَ عَلَى سُرْجِ كَأَشْبَاءِ الرِّحَالِ يَنْزِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ عَلَى رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ العِجَافِ العَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ، لَوْ كَانَ وَرَاءَكُمْ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ خَدَمَهُنَّ نِسَاؤُكُمْ كَمَا خَدَمَكُمْ نِسَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ».
وفي هذا الحديث إشارة أخرى إلى السيارات التي تقل أصحابها إلى المسجد كما هو مشاهد فهي المراد بالمياثر أو السرج التي تشبه الرحال، ولا يخفى أن نساء أصحاب هذه السيارات كاسيات عاريات على رؤوسهن برانيط تشبه أسنمة البخت العجاف، فصلى الله عليك يارسول الله ما أكثر آياتك وأبلغ معجزاتك.
(۱) وثبت في حديث آخر أنَّ امرأة مرَّت على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مُتَقَلَّدَةٌ
الأربعون الاجتماعية
۱۱۱
ورواته لا أعلم فيهم مجروحًا، وشواهده كثيرة» . اهـ وهو حديث حسن.
الحديث الحادي والعشرون
عن أنس -رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «سَبْعَةٌ لا يَنظُرُ الله إليهم يومَ القِيَامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ ولا يَجْمَعُهُمْ مع العالمينَ ويُدْخِلُهُمْ النَّارَ في أَوَّلِ الدَّاخِلِينَ إِلَّا أَن يَتُوبُوا، ومَنْ تَابَ تَابَ اللهُ عليهِ: النَّاكِحُ يَدَهُ، والفَاعِلُ والمفعول به، ومُدْمِنُ الخَمْرِ والضَّارِبُ وَالِدَيْهِ حَتَّى يَسْتَغِيثَا، والمؤذي جِيرَانَهُ حَتَّى يَلْعَنُوهُ، وَالنَّاكِحُ حَلِيلَةَ جَارِهِ».
رواه الحسن بن عَرَفَة في جزئه المشهور وليس في إسناده متروك، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو يرتقي به إلى درجة الحسن كما بينته في رسالة " الاستقصاء لأدلة تحريم الاستمناء "(۱).
قوسًا فقال: «لَعَنَ اللهُ الْمُتَشَبُهَاتِ من النِّسَاءِ بالرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهِينَ من الرِّجَالِ
بالنِّسَاءِ».
(1) أما نكاح اليد وهو العادة السرية - فقد بينت مضاره ودلائل تحريمه ووجوب تعزير فاعله في الكتاب المشار إليه فليراجع.
وأما الفاعل والمفعول فالمراد بهما عمل قوم لوط وهو فاحشة منكرة أشد قبحا من الزنا، وقد حكى الله في القرآن ما فعل بأهله من تدمير بلدتهم وقلب أسفلها على أعلاها وإمطارهم بحجارة من سجيل عياذا بالله تعالى لأنهم بفعلتهم الخبيثة تلك خرجوا عن سنن الطبيعة التي خلقها الله وشذوا عن بني الإنسان بل انحطوا عن درجة الحيوان الأعجم. وأما مدمن الخمر - وهو المداوم على شربه - فتقدم في الحديث السابق أنه لا يدخل
۱۱۲
الحديث الشريف
الحديث الثاني والعشرون
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنِ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنِ السَّبِيلِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ سَبَّ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ). قَالَهَا ثَلَاثًا فِي عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ. رواه ابن
الجنة، وثبت في حديث آخر: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ مُدْمِنَ خَيْرٍ، لَقِيَهُ كَعَابِدِ وَثَنِ». ولما يجب التنبه له أنه لا يجوز شرب الخمر للتداوي ولا للهضم ولا لعذر من الأعذار التي ينتحلها شاربوا البيرة والويسكي والبوظة فذلك لا يجديهم وهم
ملعونون إلا أن يتوبوا ففي الحديث: «إنَّ الله لم يجعل شفاءَكُمْ فيما حُرِّمَ عليكم». وسأل جماعة من أهل اليَمَن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أن يُرَخُصُ لهم في شَرَابِ
المزر. (۱) من الذبح لغير الله ذبح الخروف مثلا على مدد الولي الفلاني أو ذبحه عند ضريح من الأضرحة كما هو مشاهد في الموالد التي هي مواسم المنكرات وسوق رائجة لتعاطي الحشيش وسائر المخدرات والمسكرات.
وتغيير تخوم الأرض: هو تغيير حدودها كما يحصل في كثير من بلاد الفلاحين، يغير أحدهم حدود الأرض ليدخل أرض غيره في أرضه وبعضهم يحتجز من الطريق العام قطعة يضمها إلى بيته أو غيطه وكل ذلك حرام وعاقبته عند الله شديدة فإن الشبر من الأرض إذا أخذ بغير حق يطوقه صاحبه من سبع أرضين يوم القيامة كما صح في الحديث، وفي رواية أخرى: «يخسف به إلى سبع أرضين». وكمه الأعمى تضليله عن الطريق. وسب الوالدين نوع من العقوق وقد تقدم
الكلام عليه ويحتمل نوعا آخر وهو أن يسب الشخص أبا شخص آخر فيسب أباه
الأربعون الاجتماعية
۱۱۳
حبان في "صحيحه".
الحديث الثالث والعشرون
عن أنس -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: إِذَا اسْتَحَلَّتْ أُمَّتِي خَمْسًا فَعَلَيْهِمُ الدَّمَارُ: إِذَا ظَهَرَ التَّلَاعُنُ، وَشَرِبُوا الْخُمُورَ، وَلَبِسُوا الحَرِيرَ ، وَاتَّخَذُوا القِيَانَ، وَاكْتَفَى الرَّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ». رواه البيهقي وغيره (۱).
ويسب أمه فيسب أمه ردّا عليه بالمثل فهذا سب للوالدين أيضا كما جاء في حديث آخر لتسببه في سبهما بالاعتداء على غيره.
وتولي غير الموالي: هو أن ينكر المملوك ولاء مولاه ويدعيه لغيرهم وهو كبيرة كانتساب الشخص إلى غير أبيه، ثبت في الحديث الصحيح: «ومن ادعى إلى غير أبيه منه يوم
أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه . القيامة صرفا ولا عدلا». وعمل قوم لوط تقدم الكلام عليه، وفاتنا أن ننبه على حكمه في الشرع وهو وجوب قتل فاعله محصنا كان أو غير محصن. ثبت في الحديث: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به». وصح عن عثمان رضي الله عنه أنه أشرف على الناس يوم الدار وهم مجتمعون حول بيته فقال: أما علمتم أنه لا يحل دم امرئ مسلم إلا بأربعة: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفس، أو عمل عمل قوم لوط؟.
وثبت عن أبي بكر وعلي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أنهم حرقوا اللوطي بالنار، وكذلك فعل هشام بن عبد الملك في عهده.
(۱) هذا الحديث من أعلام النبوة وكل ما أخبر به حاصل، أما التلاعن فهو منتشر بين
١١٤
الحديث الشريف
الحديث الرابع والعشرون
عن ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال : أَقْبَلَ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسُ خِصَالٍ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ
الأفراد والجماعات والأحزاب الدينية والسياسية بشكل لم يعهد له مثيل من قبل. وأما الخمور فقد شربت بكثرة فادحة حتى لا تكاد بقعة تخلو منها ويرخص ببيعها وتعاطيها كما يرخص بتعاطي الزنا جهارًا نهارًا.
وأما الحرير فقد شاع استعماله بين الناس خصوصا العلماء وينتحلون أعذارا واهية مع أنه صح في الحديث: (إنما يلبس الحرير من لا خلاق له»، وصح في حديث آخر : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريرًا ولا ذهباً». وصح أيضًا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أخذ حريرا فجعله في يمينه وذهبا فجعله في شماله ثم قال: إن هذين حرام على ذكور أمتي». وذكر العلماء أن من الأعذار المبيحة لترك إجابة الدعوة أن يكون في الوليمة حرير أو ذهب مفروش أو نحو ذلك من المنكرات.
وأما القيان - وهي المغنيات - فما أكثر من وما أكثر من يستمع إليهن ويقدر من حتى صرن ذوات مال وجاه. وأما اكتفاء الرجال بالرجال فهو اللواط وهو شائع ذائع، واكتفاء النساء بالنساء هو السحاق. وجاء في حديث آخر: «ثلاثةٌ لا تُقبل لهم شهادة أن لا إله إلَّا الله: الراكب والمركوب، والراكبة والمركوبة، والإمام الجائر.
وقول الله تعالى: وَالَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِسَآبِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً منكم إلى قوله سبيلا [النساء: ١٥] وارد في السحاقيات على ما قال أبو مسلم بن بحر الأصفهاني، وخالفه الجمهور.
الأربعون الاجتماعية
١١٥ -
بالله أن تُدْرِكُوهُنَّ - لم تَظْهَرُ الفاحشة في قومِ قطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِها إِلَّا فَشَا فيهم الطَّاعُونُ والأوجاع التي لم تكن مَضَتْ في أسلافهم الذين مَضَوْا، ولم يَنْقُصُوا المكيال والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وَشِدَّةِ المؤُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا القَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا البَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهُ يَتَخَيَّرُوا فِيمَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللهُ بأَسهُمْ بَيْنَهُمْ» (۱). رواه ابن ماجه وغيره. وقال الحافظ البوصيري:
(۱) هذا أيضا من أعلام النبوة وكل ما فيه حاصل أما الفاحشة فهي اللواط وقيل الزنا ولا مانع أن يكونا مرادين وكلاهما منتشر ظاهر لا يخفى على أحد ولذا فشت
الأمراض السرية التي لم تكن معروفة في أسلافنا وفشا كثير من الأوبئة أيضًا. ونقص المكيال والميزان حاصل كما أن شدة المؤونة وجور الحكام واقعان والزكاة ممنوعة فلا يكاد يخرجها واحد في الألف ولذا نرى البلاد الإسلامية موعودة بين حين وآخر بقلة الأمطار أو قلة المحصول بسبب الآفات السماوية ولولا البهائم التي يرحمنا الله لأجلها لعمنا البلاء وفي حديث آخر: الولا عباد الله رُكَّع وصِبيةٌ رُضّع وبهائم رُتَّع لصب عليكم العذاب صبا ثم رص رضا».
و نقض عهد الله وعهد رسوله كناية عن التفريط في التكاليف الشرعية التي من جملتها أخذ الأهبة وإعداد العدة للدفاع عن حوزة الدين ودفع عادية الملحدين، وقد حصل
بتفريطنا أن سلط علينا أعداؤنا فاحتلوا بلادنا وفعلوا بنا وبديننا ما هو مشاهد. أما كتاب الله فقد ترك واستبدل بأحكامه قوانين وضعية فألغيت الحدود وغيرها من أحكام الشريعة وما تبقى في المحاكم الشرعية من أحكام النكاح والطلاق والمواريث تخير منه ما يليق بالعصر الحاضر في زعم أولي الأمر الذين ما فتئوا يشكلون لجانا بين
117
الحديث الشريف
هذا الحديث صالح للعمل به».
الحديث الخامس والعشرون
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِن أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ الفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، والطَّعْنُ في الأنساب، والاسْتِسْقَاءُ بالنُّجُومِ، والنِّيَاحَةُ، وَالنَّائِحَةُ إِذا لم تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقام يومَ القِيامَةِ وعليها سِرْبالٌ مِن قَطِرَانٍ ودِرْعٌ مِن جَرَبٍ» (۱) رواه حين وآخر لمنع تعدد الزوجات أو لتقييد الطلاق بأن يكون أمام القاضي أو وضع قانون بتطليق المسيحية من زوجها إذا أسلم كأن الإسلام عيب طرأ على الزوج أو لإدخال تعديل في المواريث التي تولى الله بيانها في كتابه، وهكذا. فلا جرم أن جعل الله بأس الأمة بينهم لتفريطهم في كتاب الله الذي وحد صفوفهم وجمع كلمتهم وأتاهم من القوانين بما فيه سعادة الدين والدنيا.
(۱) الحسب ما يعد من المآثر والمناقب، كان من عادة العرب إذا تفاخروا أن يعد كل واحد مناقبه وأفعاله الحسنة فسمي ذلك حسبًا وفي الحديث: «تنكح المرأة لحسبها»، أي لمآثرها وأفعالها الحميدة.
والطعن في الأنساب معروف وحاصل والاستقاء بالنجوم: اعتقاد أن المطر نزل بنجم كذا وهو كفر إن اعتقد تأثير النجم. صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الصبح بالصحابة في غزوة الحديبية أثر مطر كان في الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب.
الأربعون الاجتماعية
مسلم في "صحيحه".
الحديث السادس والعشرون
۱۱۷
عن أبي هريرة - رضي ! الله عنه - . قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَى سُمَّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجأُ بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ
والنياحة من الكبائر العظيمة وهي منتشرة في قبائل البربر وفي مصر انتشارا كبيرا، وكذلك حلق الشعر عند المصيبة، أو صبغ الوجه بالنيلة، أو ضرب الوجه ولطم الخد، أو شق الثياب، أو التفوه بألفاظ تتضمن الاعتراض على الله فيما قدره وقضاه كما يصدر من العدادة وغيرها، أي غير ذلك من المنكرات والموبقات التي تنافي الإيمان. فلذلك جعل الله عقاب الواحدة من هؤلاء أن يسلط عليها الجرب حتى يصير جلدها بمثابة درع من الجرب ثم يسربلها من سربال من قطران وهو النحاس المذاب ليزيد في ألمها واشتعال النار فيها ثم يؤتى بالنائحات جميعا ويجعلن في جهنم صفين صفا عن اليمين وصفا عن الشمال فينبحن على أهل النار كما تنبح الكلاب كذا جاء في الحديث.
وجاء في حديث آخر: «لا تصلي الملائكة على نائحة ولا مرنة». ومن المحرمات العظيمة أيضا لبس السواد حزنًا على الميت وحدادًا عليه وهذا مع
أنه الأسف الشديد شائع بمصر مع من عادات الكفار وأعمال الجاهلية، ودين
الإسلام لا يُقر هذا ولا يعترف به ولا يجيز الحداد على ميت كائناً من كان إلا الزوجة تحد على زوجها أربعة أشهر وعشرا وحدادها ألا تمس طيبًا ولا تتزين، أما لبس السواد فلا.
۱۱۸
الحديث الشريف
خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» (۱). رواه البخاري ومسلم.
الحديث السابع والعشرون
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «لَعَنَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم المُخَنَّشِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجُلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ»(۳). رواه البخاري في
"صحيحه".
الحديث الثامن والعشرون
عن جابر بن عبدِ الله -رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَدْخُلِ الْحَيَّامَ إِلا بِمِثْزَرِ، وَمَن
كانَ يُؤْمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فَلا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الحَمامَ» (۳).
(۱) تكلمت على هذا الحديث في رسالتي قمع الأشرار عن جريمة الانتحار" وهي مطبوعة مع "الأربعين الغمارية".
(۲) المخنث من الرجال هو الذي يتشبه بالمرأة في الكلام والمشية وغيرهما كما يفعل كثير من الشبان اليوم يزججون حواجبهم ويبالغون في نتف شعر وجوههم حتى يصيروا أنعم وجها من المرأة، ويتكسرون في غنائهم بكلام كله أنوثة وخلاعة، فهؤلاء
ملعونون. وكذلك المتشبهات من النساء بالرجال فإنهن ملعونات حيث خرجن عن النظام الذي خلقهن الله عليه وزاحمن الرجال في مزاولة الأعمال الخاصة بهم كما هو مشاهد لا يحتاج إلى بيان.
(۳) هذا الحديث يفيد حرمة دخول المرأة الحمام وروى الحاكم بإسناد صحيح ) الحمام حرام على نساء أمتي لكن تستثنى منه المريضة والنفساء فيجوز لهما دخول الحمام
الأربعون الاجتماعية
۱۱۹
لحديث آخر جاء فيه: «استفتحُ عليكم أرضُ العَجَم وستجدون فيها بيوتا يُقال لها الحمامات فلا يدخلنها الرّجال إلَّا بالأُذُرِ - جمع إزار - وامنعوها النساء إلا مريضةً أو نفساء». رواه أبو داود وابن ماجه.
وروى ابن حِبَّان في "صحيحه" أن . عمر بن عبد العزيز منع النساء في خلافته من دخول الحمام لما بلغه الحديث بذلك. ودخل نساء من الشام على عائشة -رضي الله عنها - فقالت: أنتُنَّ اللاتي تدخلن نساؤكن الحمامات؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ما من امرأةٍ تَضَعُ ثِيابها في غير بيتِ زَوْجِهَا إِلَّا هَنكَتْ السِّتَرَ بينها وبين ربها». رواه الترمذي وحسنه.
وحصل مثل ذلك من أم سلمة رضي الله عنها - مع نساء من أهل حمص دخلن عليها أيضًا وروت الحديث بلفظ: «أيها امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها خرق الله عنها ستره». أما الرجال فيجوز دخولهم الحمام بشرط لبس الإزار الساتر للعورة كما أفاده الحديث، وفي حديث آخر: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بإزار، ومن كان يؤمن بالله واليوم والآخر فلا يدخل حليلته الحمام». وورد من طريق آخر بزيادة: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر ومن
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينه وبينها محرم».
أما دخوله بغير إزار فحرام لما تقدم والحديث: «من دخل الحمام بغير مئزر لعنه الملكان». رواه الشيرازي
وفي حديث رواه ابن عساكر: إذا كان آخر الزمان حرم فيه دخول الحمام على ذكور أمتي بمآزرها». قالوا يا رسول الله لما ذلك؟ قال: «لأنهم يدخلون على قوم عراة، ألا
وقد لعن الله الناظر والمنظور إليه».
۱۲۰
الحديث الشريف
رواه النسائي، والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه.
الحديث التاسع والعشرون
عن ابن عمر - رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٌ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ - عزّ وجلَّ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْحَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ، وَلَيْسَ بخارج (۱). رواه أبو داود، والطبراني، والحاكم وصححه.
وقال ابن جرير: بلغني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج فإذا هو بأجير له يغتسل عاريا، فقال: «لا أراك تستحي من ربك، خذ إجارتك، لا حاجة لنا بك».
وقال الشافعي: «إذا رؤي الرجل في الحمام مكشوف العورة فلا تقبل شهادته». وحكي أن أحمد بن حنبل قال: كنت يومًا مع جماعة تجردوا ودخلوا الماء فاستعملت الحديث: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر». ولم أتجرد
فرأيت تلك الليلة قائلا لي يا ،أحمد أبشر فإن الله قد غفر لك باستعمالك السنة
:
وجعلك إماما . قلت: من أنت؟ قال: جبريل». ذكره القاضي عياض في "الشفا". (1) أمر الله بإقامة الحد على من فعل ما يوجبه ونهى عن تركه رأفة بالمحدود، فمن شفع في ترك حد فقد ضاد الله فيها أمر به، وتلك معصية كبرى، والحدود الشرعية تركت منذ زمان فلذلك كثرت الجرائم وفسدت الأخلاق، وطلب المصلحون والمتشرعون الدواء وعز عليهم وجوده ، مع أن الدواء الناجع والعلاج الوحيد هو إقامة الحدود طبق ما أمر الله ورسوله لا علاج غير ذلك، وقد قال الإمام مالك: «لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أو لها».
الأربعون الاجتماعية
۱۲۱۰
الحديث الثلاثون
عن أبي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «ألا أُنتُكُمْ بأكبر الكبائر - ثلاثا الإشراك بالله، وعُقُوقُ الوالدين، ألا وشهادة الزور أو قولُ الزُّورِ ) (۱). وكان مُتَّكِنًا فَجَلَسَ فما زالَ يُكررها حتَّى قلنا: ليته سَكَتَ. رواه البخاري ومسلم.
والحديث وإن كان واردّا في الحد فيدخل في وعيده كل من شفع في حق بعد ثبوته بالطرق المشروعة، وأما المخاصمة في الباطل مع العلم به فتحصل من كثير من المحامين حيث يترافعون في قضايا يعلمون أنها خاسرة رغبة في الحصول على المال، بل جميع المحامين الأهليين داخلون في هذا لأنهم يترافعون بقانون يعلمون أن الله لم ينزله على رسوله ويعلمون أنه مخالف لقانون الشريعة الغراء.
واردغة الخبال فسرها حديث آخر بأنها : عصارة أهل النار فالويل لمن كان هذا
سكناه في جهنم. (1) الإشراك بالله هو أكبر الكبائر لا يقبل معه عمل، والعقوق تقدمت فيه أحاديث، والزور معروف، وثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الصبح فلما انصرف قام قائما فقال: «عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ثلاث مرات ثم قرأ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَنِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ النُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مشركين به ﴾ [الحج : ٣٠ - ٣١] رواه أبو داود وغيره. وفي حديث آخر: «إنَّ الطير لتضرب بمناقيرها وتُحرّك أذنابها مِن هَوْلِ يوم القِيامَةِ وما يوما يتكلم به شاهِدُ الزُّور، ولا تُفارِق قدماه على الأرضِ حَتَّى يُقذَف به في النَّارِ». رواه الطبراني. وورد في حديث آخر : مَن كَتَمَ شهادةً إذا دُعي إليها كان كمن شَهِدَ بالزور». رواه الطبراني أيضًا.
۱۲۲
الحديث الشريف
الحديث الحادي والثلاثون
عن سعيد بن أبي الحسن وهو أخو الحسن البصري - قال: كنت جالسا عند ابن عباس إذ جاءه رجل فقال : يا ابن عبّاسٍ، إِنِّي رَجُلٌ إِنَّا مَعِيشَتِي من صَنْعَةِ يَدِي، وإنِّي أَصْنَعُ هذه التَّصَاوِيرَ. فقال ابن عباس: لا أُحَدِّثُكَ إلا ما سَمِعْتُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، سَمِعْتُهُ يقول: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وليسَ بنافخ فيها أبدًا». فَرَبا الرجلُ رَبِّوَةٌ شَدِيدةً. فقال : ويحك، إن أبيْتَ إلا أن تصنع فعليك بهذا الشَّجرِ وكل شيء ليس فيه رُوح (۱). رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.
(۱) ربا الرجل: انتفخ غيظًا وغضبا، والأحاديث في تشديد حرمة التصوير كثيرة صحيحة منها حديث: «إنَّ أشدَّ النَّاسِ عذابًا يومَ القِيامَةِ المصورون».
وحديث: يخرج عُنق - بضم العين والنون - من النار يوم القيامة له عينان يبصر بهما وأذنان يسمعان ولسان ينطق به يقول: إني وكلت بثلاثة: بمن جعل مع الله إلها آخر، وبكل جبار عنيد، وبالمصورين.
وحديث: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة». والمراد بالملائكة في هذا
الحديث ونحوه ملائكة الرحمة والبركة، أما الحفظة فلا يفارقون الشخص. وفي حديث آخر: "إِنَّ أشدَّ أهل النَّارِ عذابًا يومَ القِيامَةِ مَن قتل نبيًّا أو قتله نبي، وإمام جائر، وهؤلاء المصورون
إلى غير ذلك من الأحاديث التي تفيد أنَّ التصوير معصية فاحشة كما قال الإمام النووي نقلا عن العلماء. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «والوعيد إذا حصل لصانع التصاوير فهو حاصل المستعملها لأنها لا تصنع إلا لتستعمل فالصانع متسبب والمستعمل مباشر فيكون أولى .اهـ
الأربعون الاجتماعية
۱۲۳
وذكر العلامة الشيخ الدردير في شرحه لـ"مختصر الإمام خليل": «أن النظر إلى الصورة المحرمة حرام . اهـ
وعلى هذا يجب على الإنسان أن يغض نظره عن التماثيل المنصوبة في ميادين القاهرة وغيرها لأنها محرمة بالإجماع، والنظر إلى المحرم حرام كما قال العلامة الدردير، وذكر المالكية أن من المنكرات التي تمنع عيادة المريض وتمنع إجابة دعوة لوليمة أن يكون في البيت تماثيل أو صورة ممنوعة شرعًا أو ستائر من حرير أو ستائر نقش عليها صورة حيوانات أو كانت السقوف مثلا مذهبة أو كان هناك لعب ممنوع... إلخ ما ذكروه. وذكر صاحب "المدخل": أن الصائغ يتعين عليه ألا يعمل في صياغته شيئًا من الصور فإن ذلك محرم . اهـ (فائدتان): الأولى: «ذكر الفاكهاني أنه سمع بعض العلماء يقول: الناس بالنسبة إلى الحساب وعدمه ثلاثة:
قسم يدخلون الجنة بلا حساب الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع والذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، والحمادون الله.
وقسم يدخلون النار بلا حساب وهم الذين يؤذون الله ورسوله، والذين يتكبرون في الأرض بغير الحق، والمصورون.
وقسم اختلف فيهم وهم المجانين والبله وأولاد اليهود والنصارى وأهل
الفترات» . اهـ
الثانية: الصور الفوتوغرافية لا تدخل في الوعيد المذكور ولا يشملها التحريم على ما قال شيخنا المرحوم الشيخ محمد بخيت في رسالة "الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي" وبين ذلك بأن معنى التصوير لغة وشرعا إيجاد الصورة وصنعها بعد أن لم تكن والتصوير الفوتوغرافي ليس فيه ذلك بل كل ما فيه أن الشخص حين يقف
١٢٤
الحديث الشريف
الحديث الثاني والثلاثون
عن أبي أُمَامَةَ .
-رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
ما مِن رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ عَشَرَةٍ فما فوقَ ذلك إِلَّا أَتَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَغْلُولًا يَوْمَ القِيامَةِ يَدُهُ إلى عُنُقِهِ، فَكَهُ بِرُّهُ أو أَوْثَقَهُ إِثْمُهُ، أَوَّهُا (۱) مَلَامَةٌ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ،
أمام عدسة الآلة ينعكس ظله فيها كما ينعكس في المرآة فتحبس الآلة ذلك الظل بحيث لا يذهب بذهاب الشخص فالآلة الفوتوغرافية لم تصنع صورة وإنما حبست ظلا مخلوقا الله تعالى.
وإني أميل إلى هذا الاستنباط منه وإن نازعه فيه بعض أفاضل العلماء عندنا بالمغرب وألف في نقضه رسالة خاصة اطلع عليها الشيخ بخيت لكن لا أدري ماذا قال عنها، على أن الورع يقتضي اجتنابها إلا لضرورة، وأذكر أن مولانا السيد الإمام الوالد رضي الله عنه ما أخذ لنفسه صورة فوتوغرافية قط حتى أنه لما دعي لحضور مؤتمر الخلافة بالقاهرة وطلب جواز سفر من غير صورة توقفت الحكومة عن إجابته إلا بالصورة وأصر على الامتناع ورفع الأمر للمقيمية العامة بعاصمة المغرب رباط الفرح فرخص له بصفة استثنائية أن يحمل جوازا من غير صورة في جميع أ أسفاره وكان مع هذا لا يمنعنا من أخذ صورنا السفر أو غيره من المقتضيات، وكذلك السيد محمد بن جعفر الكتاني لم يأخذ صورة قط ولم ينه أولاده عنها، وقد كان والدي وهذا السيد الجليل مع تبحرهما في العلوم وسعة حفظهما للحديث وكثرة اطلاعهما، منقطعي النظير في الورع واتباع السنة بحيث لم أر عالما يدانيهما، ولهما كرامات كثيرة رحمهما الله ورضي عنهما. (۱) يعني الولاية على الناس، وثبت عن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي» فناديت بأعلى صوتي: وما هي يا
الأربعون الاجتماعية
۱۲۵
رسول الله؟ قال: «أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل وكيف يعدل مع قريبه ؟!».
وورد في حديث عن المقدام بن معدي كرب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم ضرب على منكبيه ثم قال: أفلحت يا قديم بضم القاف وفتح الدال - إن مت ولم تكن أميرًا ولا كاتبًا ولا عريفا». رواه أبو داود.
العدل
.
العريف: في اللغة بمعنى العمدة أو شيخ البلد، وثبت في الحديث: «يدعى القاضي ، يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في عمره قط». وطلب حمزة من النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم أن يجعله على عمل يعيش به فقال له: «يا حمزة نفس تحييها أحب إليك أم نفس تميتها؟ قال حمزة: نفس أحييها. قال عليه الصلاة والسلام: «عليك نفسك».
وقال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر يا أبا ذر إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تؤمرن على اثنين، ولا تَلِيَنَّ مال يتيم. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة تفيد أن حساب الحكام والقضاة والولاة وعذابهم
عند الله شديد إلا من عدل وبر وقليل من يعدل ثم هو في خطر.
ورد عن العباس قال: كان عمر رضي الله عنه لي خليلا، ولما توفي لبثت حولا أدعو الله أن يرينيه في المنام، فرأيته على رأس الحول يمسح العرق عن جبهته قلت: يا أمير المؤمنين ما فعل بك ربك؟ قال: هذا أوان فرغت وإن كاد عرشي ليهد لولا أني لقيت ربي رؤفا رحيما رواه الإمام أحمد في "الزهد".
وجاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص :قال ما كان شيء أعلمه أحب إلي أن أعلمه من أمر عمر، فرأيت في المنام قصرًا، فقلت لمن هذا؟ قالوا: لعمر. فخرج من القصر عليه ملحفة كأنه قد اغتسل فقلت كيف صنعت؟ قال: خيرا، كاد عرشي يهوي بي
١٢٦
الحديث الشريف
وآخِرُهَا خِزْيٌ يومَ القِيَامَةِ». رواه أحمد بإسناد جيد.
الحديث الثالث والثلاثون
عن عبد الرحمن بن شِبُل -رضي الله عنه - قال : سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله قـ عليه وآله وسلَّم يقولُ: «إِنَّ التَّجَارَ هُمُ الْفُجَّارُ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَيْسَ اللهُ قَدْ أَحَلَّ الْبَيْعَ ؟! قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ فَيَأْثَمُونَ وَيُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ» (۱).
رواه أحمد، والحاكم وصححه.
الحديث الرابع والثلاثون
عن أبي هريرة - رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةَ فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ ، كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى
لولا أني لقيت ربي غفورا . قلت: كيف صنعت؟ قال متى فارقتكم؟ قلت: منذ اثنتي عشرة سنة. قال: الآن انفلت من الحساب.
والمقصود أن مسئولية الحكام والولاة عند الله شديدة، وكيف لا وقد تولوا شئون العباد، وأمروا أن يسووا بينهم في إقامة الحق ورفع الظلم؟. (1) أما الحلف فتقدمت أحاديث تفيد النهي عنه ولو كان الحالف صادقا، وفي القرآن الكريم : ولا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَنِكُمْ ﴾ [البقرة: ٢٢٤] والحلف بغير الله أشد حرمة وإنما الحديث صحيح من حلف بغير الله فقد أشرك». والتجار يكثرون الحلف بالله وبغيره كشرف أبائهم وحياة أعينهم ونحو ذلك، ويحلفون بالطلاق وقد يكونون كاذبين فيعيشون مع زوجاتهم في الحرام وهم لا يشعرون. من أجل ذلك مع ما جاء في الكذب من لعن صاحبه ونفي الإيمان عنه كما في القرآن سماهم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: فُجَّارًا، فهل من التجار من يتعظ أو ينزجر ؟
الأربعون الاجتماعية
مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم». رواه أحمد والأربعة (۱).
۱۲۷
(۱) هذه رواية غير أبي داود، ورواية أبي داود: «فقد برئ مما أنزل على محمد». والحديث يفيد أن هذه الثلاثة من الكبائر العظيمة وهي كذلك، أما الحائض فلأن الحيض أذى كما قال تعالى: وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا نَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ الله وهو محل الحرث كما جاء في بقية الآية: ﴿وَنِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ [البقرة: ۲۲۲ - ٢٢٣] فمن عدل عما أمره الله به وأحله له إلى ما نهاه عنه كان مع شذوذه ومخالفته- مستحقا للعنة الله مستهدفا لغضبه يوم القيامة كما جاءت بذلك أحاديث. منها حديث: العن الله الذين يأتون النساء في محاشهن. أي أدبارهن. رواه الطبراني وإسناده لا بأس به. وحديث: «لا ينظر الله عز وجل إلى رجل أتى رجلا، أو امرأة في دبرها». رواه الترمذي، والنسائي، وصححه ابن حبان. وأما الكاهن: فهو الذي يخبر ببعض المضمرات فيخطئ في أكثرها، ومثل الكهانة العرافة، وهي ادعاء معرفة الأمور المجهولة بمقدمات وأسباب كمعرفة الأشياء المسروقة ونحوها بمندل مثلا والطَّرْق - بفتح الطاء وسكون الراء وهو الضرب بالحصى أو الودع، والعيافة وهي الكتابة لاستخراج الضمير كالطالع مثلا وكل ما له تعلق بذلك فهو حرام شديد الحرمة لأنه تهجم على ما اختص الله به، قال تعالى: قُل لَا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ ﴾ [النمل: ٦٥]. وورد في الحديث: «من أتى
كاهنا فسأله عن شيءٍ حُجبت عنه التوبة أربعين ليلة، فإن صدقه بما قال كفر». وفي حديث آخر: «لن ينال الدرجات العُلَى مَن تكهن أو اسْتَقْسَم أو رجع من سفر تطير الاستقسام طلب معرفة ما قسم له كان من عادة الجاهليين إذا أراد أحدهم
۱۲۸
الحديث الشريف
الحديث الخامس والثلاثون
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله : عليه وآله وسلَّم: «مَنْ لَعِبَ بِنَرْدٍ أَوْ نَرْدَشِيرٍ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (۱). رواه
سفرًا أو شيئًا غيره عمد إلى ثلاثة أقداح صغيرة تسمى الأزلام - مكتوب على أحدها: أمرني ربي وعلى الثاني: نهاني ربي والثالث خال من الكتابة. فإن خرج
الأمر مضى لشأنه، وإن خرج النهي رجع، وإن خرج الخالي أعاد الاستقسام. وفي الحديث الآخر: «العيافة والطيرة والطرق من الجبت». رواه أبو داود، وصححه ابن حبان. الجبت كل ما عبد من دون الله. وفي "صحيح مسلم": «من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما والأحاديث في هذا المعنى كثير. (تنبيه): من باب الاستقسام بالأزلام قرعة الأنبياء وقرعة الطيور، نص عليه الشيخ زروق في "عدة المريد الصادق" ، وكذلك أخذ الفأل من المصحف قال العلامة ابن عرضون الغماري
وقرعَةُ النِّساءِ والرّجالِ وأَخُذُ مُصْحَفِ لأجل الفال والخــط والجزم الصغير والكبير من الكَهَانَةِ ووِزُرُهُم كبير وما به اکتسبه حرام نَصَّ على ذا كُلِّهِ الأعلامُ وكُلَّ مَن يَسْمَعُ كَاهِنًا فقد عَصَى إِلَهُ ودِينَهُ فَقَدْ لا يَعْلَمُ الغيب سوى الله العظيم سبحانه جل الهنــا العليم وما أشار إليه من حرمة الكسب بهذه الأشياء ثبت في الحديث الصحيح وهو مجمع عليه، وممن نص على حرمة أخذ الفأل من المصحف العلامة الطرطوشي، نقله عنه الإمام القرافي في "الذخيرة". (۱) النرد أو النردشير هو الطاولة، ولعبها حرام مطلقا سواء أكان على نقود أم لا،
الأربعون الاجتماعية
الإمام مالك، والإمام أحمد بن حنبل.
الحديث السادس والثلاثون
۱۲۹۰
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لُعِنَتْ الوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ وَالنَّامِصَةُ
للحديث المذكور وهو عام، وفي حديث آخر : الا يقلب أحد كعابها ينتظر ما تأتي به إلا عصى الله ورسوله».
وقرأت في نسخة أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر، ويحيى بن صالح الوحاظي، من حدیث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اللاعب بالنرد قمارا كآكل لحم خنزير، واللاعب به بغیر قمار كالمدهن بشحمه».
وقد نص على تحريمه الإمام الشافعي، بل نقل القرطبي في "شرح مسلم" اتفاق العلماء عليه، وصرح الماوردي والروياني وغير واحد أن لاعبه يفسق وترد شهادته. ويلحق به في التحريم كل لعب ينبني على الزهر والحظ كورق الكوتشينة واسمها الكنجفة - ونحوها. أما ما يعتمد فيه على الفكر ففيه خلاف بين العلماء، فمن ذلك الشطرنج حرمه مالك وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل وحكموا برد شهادة لاعبه إن أدامه، وكرهه الشافعي
كراهة تنزيه، وكان سعيد بن جبير والشعبي وهشام بن عروة يلعبون به. وشرط اللعب به عند من أباحه أن لا يؤدي إلى إخراج الصلاة عن وقتها، وألا يكون فيه قمار، وأن يجتنب فيه فحش اللسان وألا تكون بيادقه فيها صور فيل أو فرس. فإن اختل شرط من هذه حرم بالإجماع، وفي الشطرنج وغيره أبحاث كثيرة تنظر في كتاب "كف
الرعاع عن محرمات اللهو والسماع " وقال المساري في منظومته في آداب الطلبة: والضـــام دعها للعــــام تُبرز ولعب الشطرنج ـ ولعب الشطرنج قد يُجوز وينظر شرح المنظومة للبلغيثي وهو مطبوع.
۱۳۰
وَالْمُتَنَمِّصَةُ وَالوَاشِمَةُ وَالْمُسْتَوْشِمَةً مِنْ غَيْرِ دَاءٍ (). رواه أبو داود.
الحديث الشريف
(۱) في حديث البخاري ومسلم: لعن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة. وعن ابن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. فقالت له امرأة في ذلك فقال: ومالي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو في كتاب الله، قال الله تعالى: وَمَا انَنكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا هَنكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾ [الحشر: ٧] رواه الشيخان. وجاء في حديث آخر : لعن الواشرة والمستوشرة .
الواصلة: هي التي تصل الشعر الصناعي بشعر النساء، والمستوصلة: هي المعمول بها ذلك، والنامصة : هي التي تنتف شعر الوجه وترقق الحاجب، والمتنمصة: المعمول بها ذلك. والتنمص للرجل أشد حرمة من المرأة. والواشمة: هي التي تجرح البدن نقطاً وخطوطاً فإذا جرى الدم حشته كحلا أو نحوه على شكل خيلان وصور تتزين به
المرأة للرجل والرجل للمرأة، والمستوشمة المعمول بها ذلك. قال ابن العربي: ورجال صقلية وإفريقية يفعلون الوشم ليدل كل واحد منهم على رجولته في حداثته.
قلت: لا يزال الوشم شائعا عند أهل تافيلات وقبائل البربر لكن بين النساء غالبا أما
في مصر فلا يزال شائعا بين كثير من الرجال والنساء من الطبقة الجاهلة. والمتفلجة: هي التي تجعل بين الأسنان فلجة أي انفراجا خفيفًا، والواشرة: هي التي تحد أسنانها بمبرد مثلا، والمستوشرة: هي التي تطلب ذلك.
فكل هذه الأشياء محرمة ملعون فاعلها لأنها تبديل لخلق الله وهي داخلة في قول الله
تعالى: وَلَا مُرتَهُمْ فَلَيُغَيْرُ خَلَقَ اللَّهِ ﴾ [النساء: ١١٩] كما قال الحسن، وفيها أيضًا غش وتغرير وتلبس بالزور.
الأربعون الاجتماعية
۱۳۱۰
الحديث السابع والثلاثون
عن ابن عباس -رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يَكُونُ قَوْمٌ يُخَضُبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يَرِيحُونَ
رَائِحَةَ الجنَّةِ» (۱). رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم.
أما القرامل جمع قرمل، بفتح القاف وسكون الراء - أصله نبات طويل الفروع لين، والمراد به هنا خيوط من حرير أو صوف تصل به المرأة شعرها فهي جائزة لأنه ليس فيها تغرير كما قال الخطابي - ولا تغيير الخلق الله. وقوله في الحديث: «من غير داء عائد إلى الوشم يعني أنها ذا صنعت الوشم من داء كأن كان بجسدها جراح فداوتها فنشأ عنها وشم فلا شيء عليها. أما الوصل والنمص والوشر فلا تحل مطلقا كما في الحديث الصحيح. وأجازها بعض العلماء إن أذن الزوج بها لانتفاء التدليس حينئذ.
(تنبيه) : الموضع الموشوم من اليدين نجس لأن الدم انحبس فيه وتجب إزالة الوشم ولو بالجرح إلا إن خاف تلفا أو شيئًا أو فوات منفعة عضو فيجوز إبقاؤه وتكفي
التوبة في سقوط الإثم ويستوي في ذلك الرجل والمرأة. قاله الحافظ ابن حجر. (۱) وفي حديث آخر سنده لين عن أبي الدرداء مرفوعا: من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة». فالخضاب بالسواد حرام لأنه تدليس وغرور، ورخص فيه بعض العلماء في حالة الجهاد.
قال الحافظ ابن حجر: ومنهم من رخص فيه مطلقا، وأن الأولى كراهته وجنح النووي إلى أنها كراهة تحريم، وقد رخص فيه طائفة من السلف واختاره ابن أبي عاصم في كتاب "الخضاب له. ومنهم من فرق بين الرجل والمرأة فأجازه لها دون الرجل واختاره الحليمي، لكن الحديث يرد كل هذه الأقوال.
۱۳۲
الحديث الشريف
الحديث الثامن والثلاثون
عن أبي موسى عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَيُّها امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ، وَكُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ». رواه
ابن خزيمة وابن حِبَّان والحاكم بإسناد صحيح، وهو في السنن
الحديث التاسع والثلاثون
().
عن ثَوْبَانَ - رضي الله عنه - عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَيُّهَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقَهَا مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» (٢). رواه أبو
داود وابن ماجه والترمذي وحسنه، وصححه ابن حِبَّان.
ثم هذا في خضب الشعر أما خضب اليدين والرجلين فهو حرام على الرجل إلا
لضرورة. (فائدة): أول من خضب بالسواد مطلقًا ، فرعون، وأول من خضب به من
العرب عبد المطلب. قاله الحافظ ابن حجر.
(۱) يعني "سنن أبي داود" و"الترمذي"، ولفظ الحديث عندهما: «كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا». يعني زانية. قال الترمذي: «حسن صحيح». والأحاديث في هذا كثيرة، والحكمة فيها ظاهرة، والعين زناها النظر كما صح في الحديث، فإن كان عن قصد أو استدامة أيم الناظر، وإلا فلا.
(۲) فسؤال المرأة الطلاق من غير سبب معصية كبيرة لأنه يؤدي إلى انفصام عرى الزوجية مع أن أبغض الحلال إلى الله ،الطلاق، وقد يكون بينهما أولاد فيشتد الإثم وتعظم
المصيبة.
الأربعون الاجتماعية
۱۳۳
الحديث الأربعون
عن أبي هريرة: أنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لَعَنَ زَوَّارَاتِ
القبور (1)
رواه ابن ماجه والترمذي وابن حبان وصححاه.
(۱) وفي حديث آخر: لعن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم زائرات القبور والمتخذين
عليها المساجد والسرج.
صححه الترمذي وابن حبان، وفي سنده مقال.
وورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم عاد من جنازة بعد دفنها فلما وصل إلى داره وقف بالباب فرأى امرأة مقبلة فإذا هي فاطمة - عليها السلام- فقال: «يا فاطمة ما أخرجك من بيتك؟». قالت أتيت يا رسول الله أهل هذا الميت فرحمت إليهم ميتهم أو عزيتهم به، فقال: «لعلك بلغت معهم الكدا». الكدا. بضم الكاف وفتح الدال المقابر. قالت: معاذ الله وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر قال: لو بلغت معهم | الكدا ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك».
وقد اختلفت الأحاديث في هذا المعنى واختلف العلماء بسببها فمن قائل بكراهة التحريم ومن قائل بكراهة التنزيه والتحقيق المستخلص من كلام القرطبي أن زيارة القبور للمرأة جائزة بشرط ألا تكثر منها فإن أكثرت كانت ملعونة لأنها حينئذ تكثر التبرج والتزين وتضيع حق بيتها وزوجها وبشرط أن تؤمن الفتنة وأن يأذن الزوج، أما زيارة النساء على الشكل المشاهد اليوم فهي حرام باتفاق المذاهب، وكذلك لا يجوز للنساء أن يخرجن في تشييع الجنازة كما يفعلن اليوم فإنه منكر لا يرضى به الله ولا رسوله ولا المؤمنون
١٣٤
الحديث الشريف
الحديث الحادي والأربعون
عن المغيرة بن شُعْبَةَ، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الله حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنْعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُم قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ» (۱). رواه البخاري ومسلم.
(۱) العقوق: تقدم الكلام عليه وخصت الأمهات في هذا الحديث بالذكر تنبيها على عظم موقعهن لما لهن من مزيد الشفقة وكبير العناية.
ووأد البنات دفنهن بالحياة وهي عادة ذميمة جاهلية قطعها الله بالإسلام. يقال أول من فعل الوأد قيس بن عاصم التميمي، وكان بعض أعدائه أغار عليه فأسر بنته فاتخذها لنفسه، ثم حصل بينهم صلح فخير بنته فاختارت زوجها. فالى
قيس على نفسه ألا تولد بنت إلا دفنها حية فتبعه العرب في ذلك. قاله الحافظ. قوله: ومنع وهات»، في رواية للبخاري ومنعا وهات» فـ«منع في الروايتين بسكون النون مصدر و هات : مبني على الكسر ، فعل أمر من الإيتاء. قال الخليل
أصله «آت» قلبت الألف هاء والمعنى أن الله حرَّم على الإنسان أن يمنع ما أمر
بإعطائه كزكاة مثلا، ويطلب ما لا يستحق أخذه من مال ليس له فيه حق.
قوله: «وكره لكم قيل وقال : هما فعلان محكيان بلفظهما، والمراد بذلك حكاية كلام الناس بقال فلان كذا وقيل كذا، وهو مذموم حتى في المسائل الدينية إن كثر بحيث لا يؤمن معه الزلل في فتوى مثلا. وفي الحديث الصحيح: «كفى بالمرء إنما أن يحدث بكل ما سمع.
قوله: وكثرة السؤال: هو أيضًا مما كرهه الله ونهى عنه سواء أكان في المال أم في المسائل العلمية أم في غير ذلك، فالسؤال في ذلك كله مذموم لا يرخص فيه إلا لحاجة ملحة تدعو إليه. وقد صحت أحاديث في النهي عن سؤال الناس والتشديد
الأربعون الاجتماعية
۱۳۵۰
الحديث الثاني والأربعون
أ
عن أبي هريرة رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟». قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِن أُمَّتِي يَأْتِي يَومَ القِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةِ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِن حَسَنَاتِهِ فَإِن فَنِيَت حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَن يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِن
خَطَايَاهُمْ فَطْرِحَت عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» (۱). رواه مسلم في "صحيحه".
فيه تشديدًا كبيرًا، كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الأغلوطات وهي المسائل التي يغالط بها كالألغاز والمعميات قال الحافظ: وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جدا لما في ذلك من التنطع والقول بالظن . اهـ
وإضاعة المال»: إنفاقه في غير وجهه المأذون فيه شرعًا، واختلف العلماء في حد الإنفاق الفاصل بين الإسراف وغيره واختلفت آراؤهم بسبب اختلاف ظواهر النصوص، ومن أحسن من تكلم في ذلك تقي الدين السبكي حيث قال في "الحلبيات": «الضابط في إضاعة المال ألا يكون لغرض ديني أو دنيوي فإن انتفيا حرم قطعا وإن وجد أحدهما وجودًا له بال وكان الإنفاق لائقًا بالحال ولا معصية فيه جاز قطعا وبين الرتبتين وسائط كثيرة لاتدخل تحت ضابط... إلخ ما قال، فليراجع كلامه. ولينظر "فتح الباري" للحافظ. (فائدة): قال الطيبي: هذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق وهو تتبع جميع
الأخلاق الحميدة والخلال الجميلة.
(۱) قال الإمام النووي رضي الله عنه: معنى الحديث أن هذا حقيقة المفلس وأما من ليس
١٣٦
الحديث الشريف
الحديث الثالث والأربعون
عن أسماء بنت عُميس قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول: «بِئْسَ العَبْدُ عَبْدُ تَجَبَّرَ وَاعْتَدَى وَنَسِيَ الجَبَّارَ الْأَعْلَى، بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ وَاخْتَالَ وَنَسِيَ الكَبِيرَ الْمُتَعَالِ بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ بَغَى وَعَتَى وَنَسِيَ الْمَبْدَأَ وَالْمُنْتَهَى، بِئْسَ العَبْدُ عَبْدُ يَخْتِلُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدنيا بِالشُّبُهَاتِ، بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقودُهُ، بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ هَوًى يُضِلُّهُ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تُزِيلُهُ الرَّغْبَةُ عَنِ الحَقِّ» (۱). رواه الترمذي والخطيب في "الكفاية" واللفظ له.
له مال ومن قل ماله فالناس يسمونه مفلسا وليس هو حقيقة المفلس لأن هذا أمر يزول وينقطع بموته وربما ينقطع بيسار يحصل له بعد ذلك في حياته، وإنها حقيقة المفلس هو المذكور في الحديث فهو الهالك الهلاك التام والمعدوم الإعدام المفظع فتؤخذ حسناته لغرمائه فإذا فرغت حسناته أخذ من سيئاتهم فوضع عليه ثم ألقي في
النار فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه . اهـ
(۱) بئس كلمة ذم وتقبيح، والحديث يحذر من جملة خصال ذميمة لا يليق بالمؤمن أن
يتصف بشيء منها.
إحداها التجبر والاعتداء على الناس.
ثانيتها: أن يتخيل في نفسه فضلا على غيره ويختال ويتكبر.
ثالثتها : أن يبغي ويجاوز الحد في بغيه وظلمه.
رابعتها: أن يطلب الدنيا بالدين بأن يجعل المظاهر الدينية شَركًا لاقتناص المال. كحال أغلب مشايخ الطرق وأغلب الجمعيات الدينية التي اتخذ أصحابها الدين وسيلة لكسب المال والحصول على الرياسة والجاه.
خامستها: أن يطلب الدنيا بارتكاب الشبهات التي هي سد بينه وبين الحرام وذلك
الأربعون الاجتماعية
الحديث الرابع والأربعون
۱۳۷
عن مُعَادِ بن جَبَلِ رضي الله عنه قَالَ : أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَمَشَى قليلا ثم قَالَ: «يَا مُعَاذُ أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَصِدْقِ الحَدِيثِ، وَوَفَاءِ العَهْدِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَتَرْكِ الْخِيَانَةِ، وَرَحْمِ اليَتِيمِ، وَحِفْظِ الْحَوَارِ، وَكَلْمِ الغَيْظِ، وَلِينِ الكَلامِ، وَبَذْلِ السَّلامِ، وَلُزُومِ الإِمَامِ، وَالتَّفَقهِ فِي القُرْآنِ، وَحُبَّ الآخِرَةِ، وَالجَزَعِ مِنَ الحِسَابِ، وَقِصَرِ الأَمَلِ، وَحُسْنِ الْعَمَلِ، وَأَنْهَاكَ أَنْ تَشْتُمَ مُسْلِمًا، أَوْ تُصَدِّقَ كَاذِبًا، أَوْ تُكَذِّبَ صَادِقًا، أَوْ تَعْصِي إِمَامًا عَادِلا، وَأَنْ تُفْسِدَ فِي الأَرْضِ، يَ ، يَا مُعَاذُ اذْكُرِ الله عِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ وَحَجَرٍ، وَأَحْدِتْ لِكُلِّ ذَنْبٍ تَوْبَةٌ،
السِّرُّ بِالسِّرِّ ، وَالعَلانِيَةُ بِالعَلانِيَةِ» (۱). رواه البيهقي في كتاب "الزهد".
يوقعه في الحرام لا محالة كما جاء في الحديث الآخر : فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام».
سادستها: أن يكون تابع طمعه فيقوده إلى الذل والهوان.
سابعتها: أن يكون متبع هواه فيضله ويرديه.
ثامنتها: أن يعدل عن قول الحق أو يترك عمل الحق رغبة في الحصول على مصلحة يريدها من أحد، ويخاف إن هو قال الحق أن تضيع عليه تلك المصلحة.
فهذه مجامع خصال الذم وجوامع خلال اللؤم، حذر منها هذا الحديث الشريف، فما أجدره بالحفظ والدرس.
(۱) هذا الحديث جمع خصالا من الخير وجملة من مكارم الأخلاق فهو من الوصايا الجامعة، والتقوى كلمة جامعة لكل ما يُتقى به غضب الله من فعل طاعته واجتناب معصيته، وصدق الحديث أشرف الخصال أمر الله به ورسوله، بل لا قيمة للمرء إذا لم يكن صادق الحديث. ووفاء العهد وآداء الأمانة وترك الخيانة ورحم اليتيم أي رحمته
۱۳۸
الحديث الشريف
الحديث الخامس والأربعون
وحفظ الجوار وكظم الغيظ ولين الكلام هذه الخصال تطابق على مدحها الشرع والعقل، وحض الله عليها في غير ما آية من القرآن العظيم، وكان العرب في جاهليتهم يحافظون عليها ويفتخرون بفعلها. ولزوم إمام المسلمين وخليفتهم أمر يوجبه الدين ولو كان الإمام جائرا لأن في الخروج عليه تفريقًا لكلمة المسلمين وتشتيتا لوحدتهم فيصبحوا لقمة سائغة كما
حصل وشوهد.
والتفقه في القرآن أمر واجب متعين بقدر ما تدعوا إليه حاجة المتفقه لأن القرآن قانون سماوي دائم فيه حكم الفرد ونظام الأسرة وسياسة الدولة وسعادة الدنيا والآخرة، ويجب أن يكون التفقه في القرآن طبق القواعد الشرعية المقررة لا على حسب مقتضى الهوى كما يفعل مبتدعة هذا العصر.
وحب الآخرة يقتضي بغض الدنيا وإخراجها من القلب.
والجزع، أي الخوف من الحساب، يقتضي ترك المحرمات جملة.
وقصر الأمل يقتضي الإقلال من الدنيا وترك زخرفها، وحسن العمل شامل لكل خير والفساد في الأرض يشمل اللصوصية وقطع الطريق والتعرض للناس بما
يؤذيهم. وذكر الله مطلوب في كل موطن لأن المواطن تشهد للذاكر فيها وتشهد على من عصى الله فيها كما ورد.
والتوبة واجبة عقب حصول الذنب فورا لا عذر في تأخيرها، وينبغي أن تكون
مطابقة للذنب المتاب منه إن كان سرًا كانت سرًا أو علانية فعلانية.
وشرح هذا الحديث الجامع يقتضي كتاباً مستقلاً لأنه مشتمل على مسائل تستدعي بحوثا واسعة، وأرجو أن يوفقني الله لذلك في المستقبل.
الأربعون الاجتماعية
۱۳۹۰
عن رَكْبِ المِصْرِيٌّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طُوبَى مَنْ تَوَاضَعَ في غَيْرِ مَنْقَصَةٍ، وَذَلَّ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَأَنْفَقَ مَالًا جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلُّ والمَسْكَنَةِ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالحِكْمَةِ، طُوبَى مِنْ طَابَ كَسْبُهُ، وَصَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ، وَكَرُمَتْ عَلانِيْتُهُ، وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ، طُوبَى مَنْ عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَأَنْفَقَ الفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وَأَمْسَكَ الفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ» (۱).
(۱) قال الحافظ ابن عبد البر: في هذا الحديث آداب وحض على خصال من الخير والحكمة والعلم . اهـ وراويه ركب المصري كندي مختلف في صحبته.
وطوبى كلمة مدح معناها طيب عيش وراحة وحسن وخير.
والتواضع خلق ممدوح مطلوب لكن بشرط أن يكون في غير منقصة بألا يضع نفسه في مكان يزري به وكثيرًا ما يشتبه التواضع بالضعة والعزة بالكبر، والضعة والكبر مذمومان قبيحان والتواضع هو الحد الفاصل بينهما. والذلة في غير مسكنة: هي ألا يكون حاله يستجلب عطف الناس عليه ويستدر صدقاتهم كما يفعل كثير من الناس بدعوى الزهد أو الخضوع الله وما هي إلا حيلة لجلب الأموال. وإنفاق المال في غير معصية: صرفه في وجوه الطاعات والمباحات.
وأهل الفقه هم أهل العلم والفهم عن الله.
والحكمة: الإصابة في القول والعمل
وطيب الكسب كون المال من حلال ليس فيه ربّا ولا غش ولا غير ذلك. وصلاح السريرة صفاء الباطن من الضغائن والأحقاد والعيوب. وكرم العلانية ظهور أنوار السريرة على الجوارح الظاهرة فتحصل عنها أفعال كريمة. وعزل الشر عن الناس علامة المسلم الكامل كما في الحديث الآخر: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».
١٤٠
الحديث الشريف
رواه البخاري في "التاريخ" والباوردي وابن شاهين والبغوي والطبراني
واللفظ له.
الحديث السادس والأربعون
عن ابن عباس -رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «النَّادِمُ يَنْتَظِرُ مِنَ الله الرَّحْمَةَ، وَالْمُعْجَبُ يَنْتَظِرُ المَقْتَ، وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أنَّ كُلَّ عَامِلٍ سَيَقْدُمُ عَلَى عَمَلِهِ، وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَرَى حُسْنَ عَمَلِهِ وَسُوءَ عَمَلِهِ وَإِنَّا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا، وَالليْلُ وَالنَّهَارُ مَطِيَّتَانِ فَأَحْسِنُوا السَّيْرَ عَلَيْهِمَا إِلَى الْآخِرَةِ، وَاحْذَرُوا التَّسْوِيفَ فَإِنَّ المَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً، وَلَا يَغْتَرَنَّ أَحَدُكُمْ بِحِلْمِ الله عزَّ وجلَّ فَإِنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ» (۱). ثُمَّ
والعمل بالعلم : فرض لازم، وأشد الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم يعمل بعلمه.
وإنفاق الفضل من المال : هو التصدق بما زاد عن الحاجة. وإمساك الفضل من القول: كناية عن إمساك اللسان وتقليل الكلام فيما لا يعني لأن من كثر كلامه كثر سقطه.
(۱) إعجاب المرء بنفسه يحمله على استحسان ما يفعله فيقدم على المعاصي مستحسنًا لها معجباً بها فيقع في مقت الله عياذا بالله تعالى ولا كذلك النادم الذي يشعر بخطأه ويعترف بذنبه فيندم على ما فرط منه ويعزم على ألا يعود إليه فإن هذا ينظر الله إليه بعين الرحمة والقبول وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: ٢٥].
والندم شرط أساسي في التوبة لا تقبل بدونه، ولذا صح في الحديث: «الندم توبة». وليس من التوبة في شيء ما شاع عند الناس من قولهم للشيخ في آخر الدرس مثلا:
الأربعون الاجتماعية
١٤١
قَرَأَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَا يَرَهُ [الزلزلة: ۷ - ۸] . رواه أبو
القاسم الأصبهاني.
توبنا، فيتوبهم الشيخ بألفاظ محفوظة تتلى. فإن هذا العمل مكروه أشد الكراهة لأنهم يتلون ذلك الاستغفار وهم غير مقلعين ولا مستحضرين معنى الإقلاع وعدم العود بل قد يكون فيهم من هو على موعد لتنفيذ معصية بعد حضور الدرس فيصدق عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلَّم والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ
بربه». رواه البيهقي وابن عساكر ورجّح وقفه على ابن عباس، والله سبحانه وتعالى
أعلم.
تمت التعليقات والحمد لله رب العالمين.
٤ - تمام المنة
بِبَيَانِ الحَصَالِ المُوجِبَةِ لِلجَنَّةِ
تمام المنة
١٤٥
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله البر الرَّحيم الغفور الحليم، الذي يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد النبي الكريم صاحب الخلق العظيم، الداعي إلى فعل الخيرات للفوز بجنات النعيم، ورضي الله عن آله وأصحابه ومن نهج نهجهم القويم. أما بعد: فقد روينا في صحيح البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، قال: «أَرْبَعُونَ خَصْلَةٌ: أَعْلَاهَا مَنيحَةُ العَنْزِ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَة مِنْهَا؛ رَجَاءَ ثَوَابِهَا وتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ».
قال حسان: فعدَدْنا ما دون مَنيحَةِ العَنْزِ من رد السلام، وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه، فما استطعنا أن نبلغ خَمْسَ عَشَرَة. قلت: لا شك أنها موجودة، لكن يحتاج جمعها إلى تتبع الأحاديث المروية
في أبواب متعددة من أنواع الطاعات المختلفة. ولما لم أر أحدًا من شُرَّاح "البخاري" تعرَّض لبيانها، أردت - بحول الله تعالى أن أبينها في هذا الجزء الذي سميته: "تمام المِنَّة ببيان الخصالِ المُوجِبَةِ
للجنة " .
ومن الله أسأل العناية والتوفيق، والهداية إلى أقوم طريق.
١٤٦
الحديث الشريف
الخصلة الأولى: مَنِيحَةُ العَتَزِ
بدأت بها لأنها مُصرَّح بها في الحديث، والعَنْزُ : أنثى المَعْزِ، وَمَنِيحَتُها: أن يعطيها لشخص يحلب لبنها يأكله ويردها إليه ومثلها: أن يعطيه شاة أو بقرة أو جاموسة أو ناقة يحلب لبنها ويردها إليه.
و كانت منيحة العنز أعلى الخصال الأربعين؛ لأن التبرع فيها وقع باللبن الذي هو غذاء كامل، لأنه طعام وشراب، ولذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا تناول طعامًا قال: «بِسْمِ اللهِ اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتَنَا وَزَدْنَا خَيْرًا منه». وإذا تناول لَبَنًا، قال: «اللهُمَّ بَارِكَ لَنا فِيمَا رَزَقْتَنَا وَزَدْنَا مِنْهُ». وقال: «ليس شيء يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ والشَّرَابِ غَيرَ اللَّبَنِ).
و أيضا: فإن المتبرع بالطعام يتبرع بشيءٍ قليل منه يكون دون الكفاية، ولهذا اشترط الشارع في إطعام الطعام في الكفارات: أن يكون كافيا، مشيعًا، بخلاف العنز فإن حالبها يأخذ منها كفاية.
ثُمَّ الملاحظ في هذه الخصال: أن يكون فيها نفع لمسلم ولو بكف الأذى عنه كما يأتي، أو لبهيمة من البهائم العجماوات.
الخصلة الثانية: إِمَاطَةُ الأَذَى عن الطَّرِيقِ
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، قال: «لقد رأيتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ، في شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِن ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي المُسْلِمِينَ». رواه مسلم في "صحيحه"، وفي رواية له: «مرَّ رَجُلٌ بِغُصْنٍ شَجَرَةٍ على ظَهْرِ طَرِيقِ فَقالَ: والله لأُنْحْيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهُمْ،
تمام المنة
فأُدْخِلَ الجَنَّةَ».
١٤٧
وفي مسندي "أحمد" و"أبي يعلى" عن أنس رضي الله عنه قال: كانت شَجَرَةٌ تُؤْذِي النَّاسَ، فَعَزَلَهَا رَجُلٌ عن طَرِيقِ النَّاسِ، قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَتَقَلَّبُ فِي ظِلَّهَا فِي الْجَنَّةِ».
فأماطه
وروى البخاري في "الأدب المفرد" عن المُسْتَنِيرِ بن الأَخْضَر بن مُعَاوِيَةَ بن قرة، عن جده، قال: كنت مع مَعْقِلُ بن يَسَار في بعض الطرقات فمررنا بأذى عن الطريق، فرأيت مثله فنحيته، فأخذ بيدي، وقال: يا ابن أخي، ما حملك على ما صنعت؟ قلت يا عم رأيتك صنعت شيئًا فصنعت مثله. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ أَمَاطَ أَذًى مِنْ طَرِيقِ المُسْلِمِينَ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَمَنْ تُقِبَّلَتْ مِنْهُ حَسَنَةٌ دَخَلَ الْجَنَّةَ».
وروى الطبراني بإسنادٍ رجاله ثقات، عن أبي شيبة الهروي، قال: كان معاذ رضي الله عنه يمشي ومعه رجل فرفع حَجَرًا من الطريق، فقال: ما هذا؟ قال سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: «مَنْ رَفَعَ حَجَرًا مِنَ الطَّرِيقِ
كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَةٌ دَخَلَ الْجَنَّةَ».
ومثل هذا: أن يُنَجِّي عن الطريق ورقٌ مكتوب فيه آية قرآنية أو حديث نبوي أو اسم من أسماء الله تعالى؛ فإنَّ وجوده في الطريق يؤذي المسلمين ويُعرضهم لإثم كبير، فرفعه من الطريق وإبعاده إلى مكان لا يداس فيه ولا يهان يوجب دخول الجنة أيضًا. وقد كان بشر الحافي الزاهد المعروف يمشي مرة في بعض طرق بغداد، فرأى ورقة ملقاة في الطريق فيها اسم من أسماء الله تعالى، فأخذها واشترى
١٤٨
بدرهم
الحديث الشريف
كان معه طيبًا ضمَّخها به ووضعها في مكان أمين، فسمع في منامه هاتفًا يقول له: طَيِّبت اسمي، لأطيين اسمك في الدنيا والآخرة (١).
الخصلة الثالثة: سقي بهيمة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقِهِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ فَوَجَدَ بِثْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثْ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبُ مِنَ العَطَشِ مِثْلَ الذي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ البِثْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقَى فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ». رواه الشيخان، وهذا لفظ إحدى روايات البخاري، وهو لفظ رواية ابن حبان في "صحيحه" أيضًا.
وفي الصحيحين أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، قال: «بَيْتَها كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذ رَأَتْهُ بَغِي مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ». أي فدخلت الجنة؛ لأن الحائل بين الشخص وبين دخول الجنة ذنوبه، فإذا غفرت دخل الجنة.
(۱) من المؤسف الذي ينفطر له قلب المؤمن؛ ما شاع من استعمال الجرائد العربية في لفٌ الأحذية . ومسح الأوساخ والنجاسات وغير ذلك، مع أنها لا تخلو من آية أو حديث أو اسم الله تعالى، وهذا إثم كبير، ويعتبره المالكية ردَّةٌ عن الإسلام، نعوذ بالله
تعالى.
تمام المنة
١٤٩
فإذا سمعت في حديث غفر الله له» أو «غفر له». فاعلم أن هذه العبارة تساوي عبارة «دخل الجنة وبقية الحديث عند الشيخين: قالوا: يا رسول الله إِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: «فِي كُلِّ كَبِدِ رَطْبَةٍ أَجْرُ».
الكبد الرطبة: كناية عن حياة صاحبها؛ لأن الميت كبده يابسة، والحديث
(۱)
يفيد حصول الثواب المذكور لمن سقى هرة أو شاة أو أي حيوان أعجم (1). ويستثنى من ذلك ما صرح الشارع بقتله كالخنزير، والفأر، والكلب العقور، والغراب ،والحدأة ،والحية والعقرب، والوزغ، فهذه الحيوانات ومثلها في الإذاية لا ثواب في سقيها أو إطعامها، بل الثواب في قتلها لضررها ونجاستها. وقد ثبت الحث على قتل الوَزَغ؛ لأنه كان ينفخ النار على إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
الخصلة الرابعة: عِيَادَةُ المَرِيضِ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخَا لَهُ في اللَّهِ، نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَشَاكَ، وَتَبَوَّاتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلًا». رواه الترمذي وحسنه.
(۱) ولهذا يوجد في كثير من البلاد الإسلامية حياض لسقي البهائم، كما يوجد في بعض بلاد المغرب مثل فاس، أعيان موقوفة يصرف ريعها في إطعام وعلاج نوع من الطيور «أبا اللارج» يألف البيوت المهجورة والأماكن الخربة، وكان في مكة المكرمة وقف لإطعام الكلاب، والمقصود أن الإسلام بتعاليمه الرحيمة وجه المسلمين إلي رحمة البهائم والعناية بها، وسبق الأوروبيين الذين أنشأوا في آخر الزمان جمعية الرفق بالحيوان، في حين أنهم يستعبدون بني الإنسان.
10.
الحديث الشريف
ورواه ابن حِبَّان في "صحيحه" ولفظه: «إِذَا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ أَوْ زَارَهُ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى : طِبْتَ وَطَابَ تَمْشَاكَ، وَتَبَوَّاتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلا».
ولا منافاة بين الروايتين فالله تعالى يقول هذا الكلام، ويأمر مناديًا ينادي به. وعن ثوبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ المُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ المُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ» قِيلَ: يا رسول الله، وما خُرْفَةِ الجنَّةِ؟ قال: «جَنَاهَا». رواه مسلم في "صحيحه"، خُرفة بضم الخاء وسكون الراء: ما يُخترف ويجتني من ثمارها.
وعن علي كرم الله وجهه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً - صباحًا ۖ إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكِ حَتَّى يُمْسِي، وَإِنْ عَادَ عَشِيَّةٌ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وكانَ لَهُ خَرِيفٌ في الجَنَّةِ». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن غريب، وقد روي عن علي موقوفا». اهـ. قلت: رواه أبو داود موقوفا، ثُمَّ قال: «وأسند هذا عن علي من غير وجه صحيح، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اهـ. والحاصل: أنه صحيح مرفوعًا وموقوفا (۱).
وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ :أي: وكان له ثمار في الجنة يخرفها ويجتنيها، فمن عاد
مريضا مسلما يثوب بثلاثة أشياء: أحدها: يصلّي عليه سبعون ألف ملك إذا عاد صباحًا حتى يمسي، وإذا
(1) المرفوع: هو كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، والموقوف: هو كلام الصحابي.
تمام المنة
101
عاد مساء حتى يصبح.
ثانيها: يدخل الجنة.
ثالثها يكون له فيها ثمار يجتنيها ويأكلها.
(تنبيه): روى ابن أبي الدنيا في كتاب "المرض والكفارات"، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا مَن عَادَ مَرِيضًا وجَلَسَ عِندَهُ سَاعَةٌ، أَجْرَى اللَّهُ لَهُ عَمَلَ أَلْفِ سَنَةٍ لا يَعْصِي الله فيها طَرْفَةَ عَيْنٍ. وهو حديث موضوع لا يجوز العمل به فليعلم ذلك. (تنبيه آخر): ينبغي للمريض أن يُقدِّم لمن يعوده شيئًا من مطعوم أو مشروب، لما رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيد، عن حميد الطويل، عن أنس رضي الله عنه: أن قوما دخلوا عليه يعودونه، فقال يا جارية هَلُمي لأصحابنا ولو كسْرًا فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
«مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ مِنْ عَمَلِ الْجَنَّةِ».
الخصلة الخامسة: زِيَارَةُ أَخِ فِي اللَّهِ تَعَالَى
تقدم في الخصلة السابقة حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: مَن عَادَ مَرِيضًا، أو زَارَ أَخَا لَهُ فِي اللَّهِ، نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طبْتَ وَطَابَ لَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا».
وعن أنس رضي الله عنه ، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ عَبْدِ أَتَى أَخَاهُ يَزُورُهُ في الله إِلَّا نَادَاهُ مَلَكٌ مِنْ السَّمَاءِ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَتْ لَكَ الجنة. وإلا قالَ اللهُ فِي مَلَكُوتِ عَرْشِهِ: عَبْدِى زَارَ فِيَّ وَعَلَى قِرَاهُ. فلم يَرْضَ لَهُ
١٥٢
الحديث الشريف
بثَوَابِ دُونَ الجَنَّةِ». رواه البزار وأبو يعلى في مسنديها وإسنادهما جيد. وسيأتي حديث ثالث بحول الله تعالى.
وفي "صحيح مسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «زَارَ رَجُلٌ أَخًا لَهُ في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا مَرَّ عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ القَرْيَةِ. قال: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُهَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: لا، غَيْرُ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ في الله تعالى. قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ». أَرْصَد : وكُل مَدْرَجته بفتح الميم والراء -: طريقه. تربها بضم الراء
والباء المشددة : تصلحها وترعاها.
أفاد الحديث: أن الله تعالى أحب الرجل الذي أحب أخاه في الله وذهب يزوره الله، وإذا أحب الله عبدا أدخله الجنة، فدخول الجنة لازم لحب الله. خمس خصال متتابعة
عن أبي كَثِيرٍ السُّحَيْمِيُّ، عن أبيه، قال: سَأَلتُ أبا ذر رضي الله عنه قُلْتُ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلَ العَبْدُ بِهِ دَخَلَ الجنَّةَ؟ قال: سألتُ عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال: «تُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الْآخِرِ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله ، إِنَّ مَعَ الإِيمَانِ عَمَلًا؟ قَالَ: «يَرْضَخُ مِمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فَقِيرًا لا يَجِدُ مَا يَرْضَحُ بِهِ؟ قَالَ: «يَأْمُرُ
بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَبِيًّا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ
تمام المنة
١٥٣
وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: «يَصْنَعُ لَأَخْرَقَ».
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَخْرَقَ أَنْ يَصْنَعَ شَيْئًا؟ قال: «يُعِينُ المَغْلُوبَ». قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ضَعِيفًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعِينَ مَغْلُوبًا؟ قَالَ: «مَا تُرِيدُ أَنْ
يَكُونَ فِي صَاحِبِكَ مِنْ خَيْرٍ ؟! يُمْسِكُ عَنْ أَذَى النَّاسِ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ دَخَلَ الجَنَّةَ؟ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعْمَلُ
خَصْلَةٌ مِنْ هَؤُلاءِ، إِلا أَخَذَتْ بِيَدِهِ حَتَّى تُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ».
رواه الطبراني، وابن حِبَّان في "صحيحه"، والحاكم وصححه على شرط
مسلم. اشتمل هذا الحديث على خمس خصال غير الإيمان، فإنا لم نعده لأنه شرط صحة في فعل أي خصلة من خصال الخير، فبدونه لا يصلح عمل ولا يحصل ثواب.
تُؤْمِنُ بِالله وَاليَومِ الآخِرِ» لم يذكر الإيمان بالرسل وكتبهم مع أن الإيمان بدون ذلك لا يصح لأن الإيمان باليوم الآخر لم يُعرف إلا من جهة إخبارهم به
في كتبهم
(۱) فالإيمان به يستلزم الإيمان بهم من غير شك. ذكر في مقدمة الخصال الخمس: «يَرْضَحُ مِمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ». معنى يرضخ: يعطي قليلا، وعبّر بالمضارع الذي يفيد التجدد والحدوث؛ ليفيد تجدد الرضخ بتجدد الرزق، فإذا رزقه الله بمائة قرش رضخ منها للمسكين بقرش أو قرشين
(۱) والعقل لا يدرك وحده اليوم الآخر وما فيه من نعيم وعذاب وإنما يُدرك ذلك من
جهة الرُّسل فقط .
١٥٤
الحديث الشريف
أي: أقل من نصاب الزكاة، وبهذه النسبة يرضخ من طعام أو غيره. والرضخ يعتبر شكرًا لنعمة الرزق التي أعطاها الله لعبده وجبرا لخاطر الفقير المحتاج وجاء الأمر به في قسمة الميراث قال الله تعالى: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبُ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبُ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَ مِنْهُ أَوْ كثر نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَمَى لمن ليس لهم في الميراث نصيب فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ :أي: أعطوهم قليلا من المال المقسوم. وهذا هو الرضخ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: ٧-٨] يطيب خاطرهما، بأن تقولوا لهم ليس المال لنا ولكنه حق لليتامى والأرامل ونحو هذا من الكلام اللين اللطيف.
وكان النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في غزواته يقسم الغنائم بين المجاهدين كل منهم حسب استحقاقه، ويرضخ لمن حضر الغزوة ولم يقاتل؛ كالصبيان والعجائز.
الرضخ في الحقيقة ليس صدقة لكنه إكرام ومجاملة لمن حضر حدوث نعمة
بإشراكه فيها.
وجاء في حديث ضعيف: «إِذَا أُهْدِيث لِأَحَدِكُمْ هَدِيَةٌ فَجُلَسَاؤُهُ شُرَكَاءُ
فيها». والشركة هنا ليست شركة استحقاق لازمة، أو صدقة واجبة، لكنها شركة إتحاف ومكارمة.
(تنبيه) شاع بين كُتّاب العصر وأدبائه استعمال رَضَخَ» بمعنى: خَضَعَ
وأطاع، وهو استعمال حادث مُوَلَّد ، ولهم استعمالات كثيرة مُوَلَّدة.
تمام المنة
سأل أبو ذر رضي الله عنه، النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن عمل يُدخِل الجنة؟ فلما ذكر له الرَّضْخ أراد أن يسأل عن عمل أسهل منه وإن كان الرَّضْخ سهلا يسيرًا، فقال: أرأيت إن كان فقيرًا لا يجد ما يَرْضَخُ به؟ قال: «يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ». فهذه الخصلة أسهل من سابقتها؛ لأنه ليس فيها بذل مال أو طعام، وإنما فيها بذل نصيحة، والفقير يستطيع أن يبذلها لإخوانه وأصحابه وغيرهم، فيأمرهم بمعروف قصروا عنه وينهاهم عن منكر فعلوه. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دِعامة من دعائم صلاح المجتمع، وهو نوع من النقد البناء الذي يهدف إلى خير الفرد والمجموع بترك النقائص وتحصيل الكمالات، ولذلك جعله الشارع فرض كفاية يجب أن تقوم به طائفة من المسلمين فإن تركوه أثموا جميعا قال الله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَيكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران:
.[١٠٤
وفي صحيح الحاكم: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الإِسْلامُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ البَيْتَ ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَسْلِيمُكَ عَلَى أَهْلِكَ، فَمَنِ انْتَقَصَ شَيْئًا مِنْهُنَّ فَهُوَ سَهُمْ مِنَ الإِسْلَامِ يَدَعُهُ، وَمَنْ تَرَكَهُنَّ كُلَّهُنَّ فَقَدْ وَلَّى الإِسْلَامَ ظَهْرَهُ».
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سهم من الإسلام أي: شُعبة من شُعَبِه. ذكر الله تعالى في ممادح عباده المؤمنين المجاهدين فقال: التيبون
107
الحديث الشريف
العبدُون الحَمدُونَ السَّبِحُونَ الرَّكِعُونَ السَّجِدُونَ الْأَمرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّامُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَفِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: ١١٢].
وقد أوجبه الله على بني إسرئيل، فلما فرّطوا فيه وأضاعوه لعنهم الله على لسان رسلهم، قال تعالى: لعن الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ لا كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: ۷۸ -
[٧٩
—
ذلك أن المجتمع إذا وجد فيه منكر ، ولم يوجد من ينهى عنه ويبين ضرره دَبَّ إليه الفساد، وأسرع فيه الانحلال، وله غضب الله وعقابه، فقد صح عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أنه قال: «إِنَّ القَوْمَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيَّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِ مِنْهُ».
ومن مظاهر غضبه عليهم: ألا يستجيب دعائهم إذا دَعوه. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «التَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ». رواه الترمذي
وحسنه.
وينبغي أن يكون الأمر بالمعروف ليّن الكلام، حسن العبارة، يتجنَّب اللفظة الجارحة، والكلمة النابية. قال النبي عليه الصَّلاة والسَّلام: «إِذا أَمَرَ أَحَدُكُم بِالمَعْرُوفِ فَلْيَكُنْ أَمْرُهُ ذَلِكَ بالمَعْرُوفِ». ليكون كلامه مؤثرًا مقبولا،
تمام المنة
١٥٧
ويُنكر المنكر المتفق على حُرمته، أو الذي تحققت مفسدته كالخمر والميسر أنواعه، أما ما اختلف فيه العلماء بالتحليل والتحريم ولم تكن له مفسدة
محققة فلا ينهى عنه.
قال أبو ذر: «أرأيت إن كان عَيِيًّا لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؟». العبِيُّ : الذي لا يبين عما في نفسه وهو خلاف الفصيح. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يَصْنَعُ لأَخْرَقَ». الأخرق: هو الذي لا يحسن التصرف لضعف إدراكه ومعنى يصنع له يعينه، كما جاء في رواية البيهقي: فَلْيُعِنِ الأَخْرَقَ». وأوجه الإعانة متعددة، يعينه في إختيار بضاعة يريد شرائها،
أو في حمل شئ لم يقدر على حمله ، أو يصلح له شيئًا لم يهتد لوجه إصلاحه. قال أبو ذر : أرأيت إن كان أخرق أن يصنع؟» لفظ أخرق هنا تفسره رواية البيهقي أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ أَنْ يَصْنَعَ» قال النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يُعِينُ مَغْلُوبًا». المراد بالمغلوب المظلوم كما في رواية البيهقي. وإعانته: مساعدته في رفع الظلم عنه. قال أبو ذر أرأيت إن كان ضعيفًا لا يستطيع أن يعين مغلوبًا؟». قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يُمْسِكُ عَنْ أَذَى النَّاسِ». أي: لا يؤذيهم بلسانهم ولا بيده ولا يسعى في إذايتهم. فهذه الخصال الخمس تضم إلى الخمسة السابقة تصير الخصال عشرة.
(تنبيه): الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتبرناه خصلة واحدة؛ لأنهما
متلازمان.
الحديث الشريف
أربع خصال
رد السلام، تشميت العاطس، إجابة الدعوة إتباع الجنازة
ذكر الخصلتين الأوليين حسّان بن عطيَّة وتقدم كلامه في خطبة الكتاب. ولأن هذه الخصال جعلها الشارع من حقوق المسلم على أخيه المسلم، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ : رَدُّ السَّلَامِ، وَعِبَادَةُ المَرِيضِ، وَاتَّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ». سلك الحديث الخصال الأربعة مع عيادة المريض في نظام، وهو يدل على
أن حكمها واحد والجزاء عليها واحد أيضًا، وهذا واضح لا خفاء به. ورَدُّ السَّلَامِ» واجب على الكفاية بمعنى أن شخصا لو سلم على شخصين أو أكثر فَرَدَّ السلام واحد كفى عن البقية، وإن لم يرد أحد أثموا جميعا. ويكون رد السلام بصوت مرتفع بحيث يسمعه من سلَّم، وردُّ جواب الكتاب واجب كرد السلام، هكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما، فإذا جاءك كتاب من أخيك المسلم ولم ترد عليه فأنت آثم.
و «عِيَادَةُ المريض»: تقدمت وهي الخصلة الرابعة.
واتَّبَاعُ الجَنَائِزِ»: تشييعها إلى القبر. هذا هو الذي يثاب عليه بدخول الجنة وبقيراطين من الأجر أيضًا، ففي صحيح مسلم": عن عامر بن سعد بن أبي وقاص: أنه كان جالسا عند ابن عمر رضي الله عنهما، إذ طَلَعَ خَبَّابٌ صَاحِبُ المقصورة - فقال: يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ يقول: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا
تمام المنة
۱۵۹
وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَاتَّبَعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ الْأَجْرِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ».
فأرسل ابن عمر خبَّابًا إلى عائشة رضي الله عنها يسألها عن قول أبي هريرة؟ ثم يرجع إليه يخبره بما قالت وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في
C
يده حتى يرجع فقال: قالت عائشة : صدق أبو هريرة. فضرب ابن عمر
بالحصى الذي كان بيده الأرض، ثم قال : لقد فرطنا في قراريط كثيرة. وفي "صحيح مسلم" أيضًا: عن ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ القِيرَاطُ مِثلُ أُحُدٍ». وأغلب المشيعين اليوم يصلون مع الجنازة إلى المسجد ولا يصلُّون عليها، بل ينتظرون على باب المسجد حتى يصلى عليها، فيكررون التعزية لأهل الميت، ثم يرجعون فلم يحصلوا على قيراط فضلا عن أكثر منه، وهؤلاء لم يدركوا الحكمة التي قصدها الشارع حين حض على اتباع الجنازة وهي انتفاع الميت بالصلاة عليه المشتملة على الدعاء والاستغفار له، وكلما كثر المصلون عليه كثر
رضي
انتفاعه بصلاتهم. ففي "صحيح مسلم" عن. عائشة الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَا مِنْ مَيتٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلَّا شُفْعُوا فِيهِ».
وعلى هذا فصلاة ثلاثة على الميت أنفع له من ألف يشيعونه ولا يصلون
عليه، بل قد يحصل من المشيعين ما يؤذي الميت كخوضهم في غيبة أو شئ من
17.
الحديث الشريف
الدنيا يشغلهم عن العبرة بالموت وحال الميت.
«إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ حق للمسلم على أخيه، صحت فيه أحاديث كثيرة: ففي "صحيح مسلم : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلَّم: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ». وفي الصحيحين عنه أيضًا : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُم إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا».
وفي "صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ
شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ». طَعِمَ بفتح الطاء وكسر العين: أكل.
وفي "صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَاتِها فَلْيُصَلِّ،
وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمَ».
«فَلْيُصَلِّ»: فليدع لصاحب البيت بالبركة ونحوها.
فليطعم بسكون اللام وفتح الياء والعين: فليأكل.
ولا عذر في ترك إجابة الدعوة إلا أن يكون في مكان الدعوة خمر أو حشيشة أو أواني ذهب أو فضة أو ما أشبه من ذلك من المحرمات، فحينئذ لا يجيب الدعوة صرح بهذا علماء المذاهب الأربعة.
(تنبيه): إذا دعي شخص إلى طعام وتبعه آخر من غير دعوة استأذن فيه صاحب البيت حتى لا يحصل له ضيق وضجر، لما في الصحيحين عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: دعا رجل النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم
تمام المنة
١٦١
لطعام صنعه له خامس خمسة، فتبعهم رجل فلما بلغ الباب قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ هَذَا تَبِعَنَا فَإِنْ شِئْتَ أنْ تَأْذَنَ، وَإِنْ شِئْتَ رَجَعَ». قال: بل آذَنُ لَهُ يَا رَسُولَ الله . وتَشْمِيتُ العَاطِسِ» حق أيضًا إذا حمد الله تعالى. فيقول له: يرحمك الله وليقل هو لمشمته : يهديكم الله ويصلح بالكم. فإن لم يحمد الله فلا يُشَمَّت وينبغي لجليسه أن ينبهه إلى الحمد.
عَطَسَ عِنْدَ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم رَجُلانِ، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقَالَ الذي لَوْ يُشَمِّتُهُ: عَطَسَ فُلانٌ فَشَمَّتَهُ، وَعَطَسْتُ فَلَمْ تُشَمِّنِي؟ فَقَالَ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «هَذَا حَمِدَ اللَّهِ، وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهِ». رواه الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه.
والتشميت بالرحمة خاص بالمسلم ، أما الكتابي إذا عطس وحمد الله فيدعي
النَّبي
له بالهداية، فعن أبي موسى الأشعري قال: كان اليهودُ يَتَعَاطَسُون عند ا صلى الله عليه وآله وسلَّم يَرْجُونَ أن يقول لهم يرحمكم الله، فيقول: «يَهْدِيكُمُ اللهُ،
وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ».
رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وكان بعض شيوخنا ممن جمع بين العلم الواسع والولاية الكبرى يرى تحريم النشوق كما هو إجماع من الصوفية فكان في دروسه الحديثية أو الفقهية أو غيرها من سائر العلوم إذا عطس بعض تلامذته قال له: يرحمك الله إذا لم تكن من طابا - يعني النشوق - فكان ذلك باعثاً لكثير من تلامذته على ترك النشوق رحمه الله ورضي عنه.
١٦٢
الحديث الشريف
تنبيهان
(التنبيه الأول): من أدب العُطاس : أن يخفض العاطس صوته، وأن يغطي أنفه، حتى لا يصاب جليسه بشئ يضايقه، ففي سنن أبي داود" و"الترمذي" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ إِذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فيه - أي فمه - وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَه . قال الترمذي: «حديث حسن صحيح. التنبيه الثاني: روى البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «إِنَّ الله يُحِبُّ العُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ حَقًّا عَلَى كُلُّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَنَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ». الخصلة الخامسة عشرة والسادسة عشرة
البدء بالسلام، وبذل النصيحة
روى مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ سِتٌ». قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلَّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمَّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ». «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلَّمْ عَلَيْهِ هذا معنى البدء بالسلام، وهو المراد بإفشاء السلام
الثابت في أحاديث يأتي بعضها في خصلة إطعام الطعام بحول الله تعالى. وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ» استنصحك: طلب منك النصيحة في أمرٍ
تمام المنة
١٦٣
عَرَضَهُ عليك. فانصح له أو فانصحه، لغتان.
والنصيحة من الأهمية بحيث جعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم دينا فَقَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قِيلَ: لَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الله وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». رواه الشيخان.
وفي الصحيحين" عن جَرِيرٍ قَالَ : بَايَعْتُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عَلَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ فَلَقْتَنِي: «فِيهَا اسْتَطَعْتُ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ».
فالنصيحة الله: الإيمان به وإخلاص العمل له والجهاد في سبيله. والنصيحة لرسوله: تصديقه وإتباع سنته والدفاع عنها والدعوة إلى العمل بها. والنصيحة لأئمة المسلمين: طاعتهم ومساعدتهم وإرشادهم فيما أخطأوا فيه وتذكيرهم بما نسوه. قال النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالْأَمِيرِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ، إِنْ نَسِيَ ذَكَرَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ، وَإِذَا أَرَادَ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سوء، ـوءٍ ، إِنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكَّرْهُ، وَإِنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ». رواه أبو داود، وصححه ابن حبان.
والنصيحة لعامة المسلمين أنواع:
منها : تعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
ومنها: جرح الرواة المجروحين وشهود الزور حتى لا يغتر الناس بروايتهم ولا شهادتهم.
ومنها: إذا استشارك شخص في مصاهرة إنسان أو مشاركته في تجارة أو إيداع أمانة عنده أو مجاورته في سكن أو غير ذلك فيجب عليك أن تبين له حاله وتذكر المساوئ التي فيه بقصد النصيحة.
١٦٤
الحديث الشريف
ومنها: إذا رأيت متفقها يتردد في مبتدع أو فاسق يتعلم منه وخفت أن يضره
في عقيدته أو في سلوكه فاذكر له بدعة شيخه أو فسقه بقصد النصيحة فقط. ومنها: أن يكون الشخص ناظر ،وقف أو وصيا على أموال يتامى ولا يُحسن القيام بعمله لإهماله أو سرقته فيجب بذل النصيحة له، فإن لم يرجع وجب تبليغ أصحاب الشأن ليستبدلوا غيره به ممن يكون صالحا للقيام بعمله. وهذا أحد المواضع الستة التي تجوز فيها الغيبة.
الثاني: التظلم، فيجوز للمتظلم أن يذكر عند الحاكم ظلم خصمه له ويقول: ظلمني فلان في كذا ولا يزيد في الدعوى شيئًا لم يحصل من خصمه، فإن زاد فهو فجور، والفجور من خصال المنافق للحديث الصحيح: «وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ». الثالث: الاستعانة على تغيير المنكر فإذا رأيت شخصا يفعل معصية - كشرب خمر مثلا - فيجوز لك أن تقول لمن يقدر على إزالة المنكر: فلان يفعل كذا فازجره لئلا يعود.
الرابع: الاستفتاء فيجوز أن يقول للمفتي: تعدى علي فلان فهل له ذلك؟ وكيف أفعل لأخذ حقي منه ؟
الخامس: المجاهرة بالمعصية فإذا كان شخص يجاهر بشرب الخمر مثلا
فيجوز لك أن تذكره بما جاهر به فقط، فإن ذكرته بالزنا فهي غيبة.
السادس: أن يشتهر الشخص بلقب مَعِيب ويُنسى اسمه الأصلي وذلك كالأعمش والأعرج والأعمى والضال والأصم ونحوه فيجوز ذكره بلقبه لأنه لا يعرف بغيره.
تمام المنة
١٦٥
الخصلة السابعة عشرة: إخراج الأذى من المسجد عن ابن عباس رضي الله عنهما : أَنَّ امْرَأَةٌ كَانَتْ تَلْقِطُ القَدَى مِنَ الْمَسْجِدِ فَتُوفِيتْ فَلَمْ يُؤْذَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَفْنِها فَقَالَ: «إِذَا مَاتَ لَكُمْ مَيَّتُ فاذِنُونِي» (۱). وَصَلَّى عَلَيْهَا وقال: «إِنِّي رَأَيْتُهَا فِي الْجَنَّةِ تَلْقِطُ القَدَى مِنَ الْمَسْجِدِ». رواه الطبراني في "الكبير". وفي سنن ابن ماجه" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ أَخْرَجَ أَذًى مِنْ
المَسْجِدِ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ». وصلَّى عليها: أي على قبرها، بعدما دفنت. وحق المخرج الأذى من المسجد أن يثاب بالجنة لأنه أدى بعمله حقين: حق الله تعالى وذلك بتنظيف بيته وحق المصلين بتطهير المكان مما يؤذيهم في ثيابهم أو أعضاء سجودهم. وقد تقدم أن الرجل الذي عزل الأذى عن طريق المسلمين دخل الجنة.
خمس خصال
التبسم في وجه المسلم إرشاد الضال، البصر لردئ البصر النهي عن المنكر، إفراغك من دلوك في دلو أخيك
عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَيْكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ في أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتْكَ الأَذَى وَالشَّوْكَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ
(۱) وذلك الحرصه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على الصلاة على موتى المسلمين والشفاعة لهم خصوصا ضعفاؤهم.
177
الحديث الشريف
صَدَقَةٌ». رواه الترمذي وحسنه.
ورواه ابن حِبَّان في "صحيحه" وزاد وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ». سلك الحديث هذه الخصال الخمس مع إماطة الأذى عن الطريق في نظام فاقتضى أن ثوابها واحد، وأيضًا سَمَّى كلًا منها صدقة والصدقة ثوابها الجنة كمنيحة العنز.
تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ». وفي رواية: «أنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهِ طَلِيقٍ». وفي أخرى أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ ووَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطُ». ومدلول هذه الألفاظ واحد وهو أن يلقى المسلم أخاه المسلم مبتسما طليق الوجه، مظهرا له البشاشة والفرح بلقياه، فإن ذلك يؤكد روابط الألفة والمودة بينهما، وقد يكون محزونا فتسري هذه المقابلة اللطيفة عنه بعض حزنه أو كله، أو تكون له مسألة . قضاءها فتشجعه ابتسامتك على الإفصاح بمسألته وبسط حاجته. قدمنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خصلة واحدة، وهو خطأ وقع
يريد
مني بسبب غفلتي عن هذا الحديث الذي جعلها خصلتين. وأكثر من هذا غفلتي عن حديث جعلهما أيضًا خصلتين، وهو في صحيح مسلم عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَة، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌّ عَنْ
الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى».
و تلازمهما في الذكر في القرآن والحديث لا يجعلهما خصلة.
وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ». وفي رواية: «وَهَدْبُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ
تمام المنة
١٦٧
الضالة». ومعناهما واحد وهو: أن المسلم إذا كان في سفر أو غيره وضل الطريق الذي يوصله إلى مقصده فهديته إليه كتبت هدايتك إياه صدقة ودخلت بها الجنة. وَإِفْرَاضُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ». هذه أيضًا توجب لك الجنة؛
لأنك أفرغت في دلو أخيك الماء وكفيته مشقة الازدحام وتعب الاستقاء. وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ». رجل ضعيف البصر يمشي في طريق فأبصرت حفرة جنبته إياها، أو حجرًا نحيته عنه، أو كان يشتري بضاعة فأبصرت له الجيد الصالح ودللته عليه حتى لا يغبن، فهذا ومثله مما تقدمه لشخص ضعيف البصر، رجلًا كان أو امرأةٌ، يكتب لك صدقة وتدخل به الجنة.
خصال أربعة
إسماع الأصم، هداية الأعمى، دلالة المستدل على حاجته إعانة
الضعيف
عن أبي ذر رضي الله عنه أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لَيْسَ مِنْ نَفْسِ ابْنِ آدَمَ إِلَّا عَلَيْهَا صَدَقَةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ». قِيلَ: يَا رَسُولَ الله مِنْ أَيْنَ لَنَا صَدَقَةٌ نَتَصَدَّقُ بِهَا ؟ قَالَ: «إِنَّ أَبْوَابَ الخَيْرِ لَكَثِيرَةٌ: التَّسْبِيحُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَالتَّهْلِيلُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وتيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَتُسْمِعُ الأَصَمَّ، وَتَهْدِى الْأَعْمَى، وَتُدِلُّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى حَاجَتِهِ، وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكِ مَعَ اللهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ، وَتَحْمِلُ بِشِدَّةِ زِرَاعَيْكَ مَعَ
الضَّعِيفِ، فَهَذَا كُلُّهُ صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ». رواه ابن حبان في "صحيحه".
«التَّسْبِيحُ : سبحان الله، ومعناه: تنزيه الله عن النقائص كالولد والصاحبة ومشابهة الحوادث. و«التَّحْمِيدُ»: الحمد لله، ومعناه: إثبات الكمال الله ونفيه عما
١٦٨
الحديث الشريف
سواه. فكل واحد من هذه الأربعة صدقة لقائله يدخل به الجنة. وَتَهْدِى الأَعْمَى». ترشده لأنه لا يبصر . «وَتُسْمِعُ الأَصم». ترفع صوتك حين تسمعه ما هو في حاجة إلى سماعه مما يجلب له نفعا أو يدفع عنه ضررًا، أما أن تسمعه غيبة أو نميمة أو شتيمة فهذا إثم كبير. «وَتُدِلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَتِهِ». أي المملوكة، أو المطلوبة له.
الأول: كأن ترك ثوباً أو كتابًا في مكان ثم نسي المكان فدللته عليه. والثاني: كأن أراد أن يشتري بضاعة يحتاج إليها فدللته علي المكان الذي
توجد فيه دون غيره.
وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكِ مَعَ اللهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ». اللهفان المظلوم، فإذا
استغاث مظلوم وأغثته بما استطعت كانت إغاثته صدقة تدخل بها الجنة. وَتَحْمِلُ بِشِدَّةِ زِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيف . متاعه أي: تعينه على حمله لضعف جسمه. فَهَذَا كُلُّهُ صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ». أي: تصدقت به على نفسك حيث نفعتها بما قدمته من خير لأخيك المسلم فأثابك الله عليه بالجنة.
ثلاث خصال
إعانة الرجل في دابته العدل بين اثنين، الكلمة الطيبة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم كُل سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ؛ يَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَو يَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». . رواه الشيخان
تمام المنة
179
سلامي - بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم: مفصل. وعدد
مفاصل الإنسان ستون وثلاثمائة .
ففي "صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمَانَةِ مَفْصِلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّه وَحَمِدَ الله وَهَلَّلَ الله وَسَبَّحَ اللَّهِ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهِ وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْما عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِمِائَةِ فَإِنَّهُ يُمْسِي أَوْ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ
النَّارِ». تَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ». فعل تعدل والأفعال الأربعة بعده جاءت بالتاء للخطاب وبالياء للغيبة. ومعنى الجملة: أن المسلم إذا وجد شخصين يتنازعان
ففصل بينهما بالعدل وردهما عن نزاعهما كان عمله صدقة يثاب عليها بالجنة. وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَو يَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ». جملة واضحة لا تحتاج إلى شرح، ومثل الدابة السيارة. فلو وجدت مسلما في طريق سفر . مثلا توقفت به سيارته لخلل فيها فساعدته على إصلاح خللها حتى
استطاع مواصلة السير بها كانت مساعدتك له صدقة تثاب عليها بالجنة. «وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ». تقولها لأخيك المسلم «صَدَقَةٌ». ثوابها الجنة.
وفي "معجم الطبراني": عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «في الجَنَّةِ غُرَفٌ يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا». فَقَالَ أبو مَالِك الأَشعري : لَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: «لَنْ أَطَابَ الكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَبَاتَ قَائِمَا وَالنَّاسُ نِيَامٌ». صححه
۱۷۰
الحديث الشريف
الحاكم على شرط الشيخين.
إطابة الكلام: اعتياد الكلمة الطيبة يقولها لأخيه المسلم يفرح بها قلبه
ويرضى بها نفسه.
وَبِكُلُّ خَطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ». وذلك إذا توضأت وخرجت قاصدًا المسجد للصلاة، وثواب خطواتك التي هي صدقة: أن إحداها تحط عنك سيئة والأخرى ترفع لك درجة في الجنة.
ففي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «مَنْ تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، لِيَقْضِي فَرِيضَةٌ مِنْ فَرَائِضِ الله، كَانَتْ خُطُوَاتُهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةٌ، وَالْأُخْرَى
تَرْفَعُ دَرَجَةً».
الخصلة الموفية ثلاثين
التعبير عن الأرت
عن أنس رضي الله عنه قال: حدث نبي الله صلى الله عليه وآله وسلّم بحديث فما فرحنا بشئ منذ عرفنا الإسلام أشد من فرحنا به قال: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُؤْجَرُ فِي إِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَفي هِدَايَةِ السَّبِيلِ، وَفِي تَعْبِيرِهِ عَنِ الْأَرْتَمِ، وَفِي مَنِيحَةِ اللَّبَنِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُؤْجَرُ فِي السِّلْعَةِ تَكُونُ مَضْرُورَةً، فَيَلْمِسُهَا فَتُخْطِئُهَا يَدُهُ». رواه أبو يَعْلَي، والبزار وَزَادَ: «إِنَّهُ لَيُؤْجَرُ فِي إِثْيَانِهِ أَهْلَهِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُؤْجَرُ فِي السِّلْعَةِ تَكُونُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ فَيَلْمَسُهَا فَيَفْقِدُ مَكَانَهَا، فَيَخْفِقُ بِذَلِكَ فُؤَادُهُ فَيَرُدُّهَا اللَّهُ عَلَيْهِ وَيَكْتُبُ لَهُ أَجْرَهَا». وهو حديث حسن لغيره.
تمام المنة
۱۷۱
التاء
«وَفي هِدَايَةِ السَّبِيلِ». هو إرشاد الضال وقد تقدم.
«وَفِي تَعْبِيرِهِ عَنِ الأَرْتَمِ». المراد بالأرتم: الأرت بفتح الراء وتشديد
هو الذي لا يفصح الكلام ولا يبينه فتعبيرك عن مراده وإفصاحك
بمقصوده تثاب عليه بالجنة.
ومثله الترجمة عمن لا يحسن اللغة العربية أولا يفهمها من المسلمين الباكستانيين والهنديين والإفريقيين والأوروبيين وغيرهم، وكذلك التعبير عن الأخرس وإفهام مراده.
«وَفِي مَنِيحَةِ اللَّبَنِ». تقدمت أول الكتاب وهي أولى الخصال. حَتَّى إِنَّهُ لَيُؤْجَرُ فِي السِّلْعَةِ تَكُونُ مَضْرُورَةً، فَيَلْمِسُهَا فَتُخْطِئُهَا يَدُهُ». ثواب هذه الخصلة أقل من سابقاتها؛ لأنها مقصورة على صاحبها ليس فيها نفع يفيد غيره من المسلمين. وحاصل هذه الخصلة أن المسلم تكون عنده البضاعة مصرورة ومربوطة في طرف ثوبه فيلمسها ليتأكد من وجودها فتخطئها يده فيفقد مكانها فيخفق فؤاده، ويطرب فزعا لظنه ضياعها، ثم يجدها فيردها الله عليه، ويكتب له أجر فزعه عليها وأجرها: تكفير سيئة من سيئاته. روى ابن أبي الدُّنيا، عن أمينة: أنها سألت عائشة رضي الله عنها عن هذه الآية وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ ﴾ [البقرة: ٢٨٤] الآية، مَن يَعْمَلْ سوء ا يُجْزَ بِهِ ﴾ [النساء: ۱۲۳]، فقالت عائشة: ما سألني أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، فقال لي النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «يَا عَائِشَةُ هَذِهِ مُبَايَعَةُ اللهِ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الحُمَّى وَالنَّكْبَةِ وَالشَّوْكَةِ، حَتَّى الْبِضَاعَةُ يَضَعُهَا فِي
۱۷۲
الحديث الشريف
كُمِّهِ فَيَفْقِدُهَا فَيَفْزَعُ هَا فَيَجِدُهَا فِي ضِبْنِهِ، حَتَّى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا
يَخْرُجُ الذَّهَبُ الْأَحْمَرُ مِنَ الكِيرِ».
الضينُ بكسر الضاد وسكون الباء ما تحت الإبط لجهة الخلف. يُؤْجَرُ فِي إِثْيَانِهِ أَهْلَهِ». يعني: أنه إذا جامع زوجه كان له إعفاف نفسه وزوجه عن الزنا وأجره في ذلك أجر صدقة.
جاء ناس فقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقالوا: يَا رَسُولَ الله ذَهَبَ أَهْلُ الدُّنُورِ - الأموال - بِالأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفَضْلِ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ: «أَوَلَيسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَتَصَدَّقُونَ بِهِ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَأمْرُ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهَيٌّ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ
صَدَقَةٌ».
قالوا : يا رسولَ الله أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قال: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِرْرُ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ». رواه مسلم في "صحيحه" عن أبي ذر رضي الله عنه.
والبُضْعُ بضم الباء: الفرج. أخذ علماء الأصول من هذا الحديث قياس العكس وهو: إثبات عكس الحكم في شئ لثبوت عكس علته وبيان ذلك أن الحديث أثبت الأجر في جماع الزوجة لعلة الحلية قياسًا على ثبوت الوزر في جماع الأجنبية لعلة
التحريم.
تمام المنة
۱۷۳
الخصلة الواحدة والثلاثون سَقَى الْمَاءِ
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال : ما عَمَل إِن عَمِلْتُ بِهِ دَخَلْتُ الجنَّةَ؟ قال: «أَنْتَ بِبَلَدٍ يُحْلَبُ بِهِ الْمَاءُ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاشْتَرِ بِهَا سِقَاءً جَدِيدًا ثُمَّ اسْتَقِ فِيهَا حَتَّى تَخْرِقَهَا فَإِنَّكَ لَنْ
تَخْرِقَهَا حَتَّى تَبْلُغَ بِهَا عَمَلَ الْجَنَّةِ». رواه الطبراني في "الكبير" ورواته ثقات. وفي يحيى بن عبد الحميد الحماني كلام لا يضر؛ لأنه ثقة حافظ مشهور تكلم من تكلم فيه حسدًا - كما قال ابن مَعِين والرَّمَادِيُّ - وهو أول من صنف المسند بالكوفة، وهذا الحديث في "مسنده". وقد قال ابن عَدِيٌّ: لم أرَ في مسنده وأحاديثه أحاديث مناكير وأرجو أنه لا بأس به» . اهـ فالحديث حسن بلا شك، وقد تقدم حديث الصحيحين: أن رجلًا سَقَى كلبًا فأدخله الله الجنة. وأن بَغِيَّة سَقَت كلبًا أيضًا فغفر الله لها، فكيف بمن يسقي مسلما؟ بل تقدم في الحديث الصحيح: «وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ. فَسَفّي الماء للمسلمين في مكان يقل وجوده فيه عمل يوجب الجنة بفضل الله تعالى وهو إلى جانب هذا علاج روحي يشفي الله به
المريض. روى البيهقي في شعب "الإيمان" عن علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت عبدالله بن المبارك وسأله رجل: يا أبا عبدالرحمن قرحة خرجت في
١٧٤
الحديث الشريف
ركبتي منذ سبع سنين وقد عالجت بأنواع العلاج، وسألت الأطباء فلم أنتفع ؟ قال: اذهب فانظر موضعاً يحتاج الناس إلى الماء فيه، فأحفر هناك بئرا فإني
أرجو أن تنبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ».
مجلسه
قال البيهقي: وفي هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبدالله - صاحب "المستدرك " - رحمه الله فإنه قرح في وجهه وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب، وبقي فيه قريبا من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني أن يدعو له في يوم الجمعة، فدعا وأكثر الناس التأمين فلما كانت الجمعة الأخرى أَلْقَتِ امرأة في المجلس رُقْعَةً بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبدالله تلك الليلة، فرأت في منامها رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كأنه يقول لها قولي لأبي عبد الله : يوسع الماء على المسلمين.
قال البيهقي : فجئت بالرقعة إلى الحاكم فأمر بسقاية بنيت على باب داره وحين فرغوا من بنائها أمر بصب الماء فيها وطرح الحمد بسكون الميم: الثلج في الماء. أخذ الناس في الشرب، فما مَرَّ أسبوع حتى ظهر الشفاء وزالت تلك القروح وعاد وجهه إلى أحسن ما كان وعاش بعد ذلك سنين. قلت: يؤخذ من هذه القصة: أنَّ النساء كن يحضرن مجالس العلم والحديث، لكن مع التزام الحجاب والحشمة، والدين لا يمنع من تعليم المرأة. وحديث: لا تُسْكِنُوهُنَّ العَلَالِ وَلا تُعَلِّمُوهُنَّ الكِتَابَةَ، وَعَلِّمُوهُنَّ الغَزْلَ وَسُورَةَ النُّورِ». حديث واءٍ شديد الضعف في سنده عبدالوهاب بن الضحاك وهو كذاب.
وقد كان في رواة الحديث النبوي نساء كثيرات، قال الحافظ الذهبي في
تمام المنة
۱۷۵
"الميزان": وليس في النساء - يعني راويات الحديث من اتهمت ولا من
تركوها». أي: ليس فيهن متهمة بالكذب ولا متروكة بشدة ضعفها. وهذه ميزة لراويات الحديث يَمْتَزنَ بها عن الرجال، وكانت امرأة الحافظ الهيثمي - وهي بنت شيخه الحافظ العراقي - تساعد زوجها في مراجعة كتب
الحديث.
ثلاث خصال
وَهَبُ صِلَة الحَبْلِ، وَهَبُ الشَّيْعِ إِينَاسُ الوَحْشَان
عَنْ أَبِي جُرَيٌّ الهُجَيْمِيُّ رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ فَعَلَّمْنَا شَيْئًا يَنْفَعُنَا اللَّهُ به. قَالَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا أَنْ تَأْتِيَهُ، وَلَوْ أَنْ تَهَبَ صِلَةَ الْحَبْلِ، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ الْمُسْلِمَ وَوَجْهَكَ بَسْطُ إِلَيْهِ، وَلَوْ أَنْ تُؤْنِسَ الوَحْشَانِ بِنَفْسِكَ، وَلَوْ أَنْ تَهَبَ الشَّسْعَ». رواه النسائي
بإسناد صحيح.
وَلَوْ أَنْ تَهَبَ صِلَةَ الحَبْلِ». يكون لأخيك المسلم حبل يستقي به، أو يربط
به شيئًا من متاعه ويحتاج إلى وصلة لقصره فوهبته قطعة حبل وصله بها قاصدًا مساعدته بها راجيا ثواب الله فإن الله يثيبك الجنة.
وَلَوْ أَنْ تُؤْنِسَ الوَحْشَانِ بِنَفْسِكَ». وجدت أخاك المسلم وحشان أي:
مختليًا مهموما من شئ يخافه فآنست وحشته بنفسك وأذهبت عنه همه وفزعه
حتى أمن واستأنس واطمأن فإن الله يثيبك الجنة.
١٧٦
الحديث الشريف
وَلَوْ أَنْ تَهَبَ الشَّسْعَ الشَّسْع ما يشد إلى زمام النعل، وهو في اصطلاح عصرنا: رباط الحذاء. فانظر إلى عظيم فضل الله تعالى! أشسع النعل القليل
القيمة تثاب عليه بالجنة إذا نفعت به أخاك المسلم؟!
ألا ما أعظم كرم الله وفضله ! وما أعظم سماحة هذا الدين الإسلامي الذي
جاء بهذه التعاليم اليسيرة في عملها، الكبيرة في مغزاها وثوابها !
الخصلة الخامسة والثلاثون والسادسة والثلاثون
السماحة في البيع والشراء وفي القضاء والاقتضاء
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَدْخَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ رَجُلًا كَانَ سَهْلًا مُشْتَرِبًا وَبَائِعًا وَقَاضِبًا وَمُقْتَضِبًا
الجنَّة». رواه النسائي بإسناد جيد.
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «دَخَلَ رَجُلٌ الْجَنَّةَ بِسَمَاحَتِهِ قَاضِبًا وَمُقْتَضِيّا». رواه أحمد ورواته
ثقات.
السهولة في الشراء: ألا يُلح على البائع في تخفيض الثمن وألا يحلفه على أن ثمن البضاعة كذا وكذا، ونحوه هذا مما يدخل به علي البائع ضيق وضجر، وإنما ينظر البضاعة التي يريدها ويتأكد من صلاحيتها ثم يعطي البائع الثمن الذي يراه مناسبًا لها، فإن رضي فذاك، وإن لم يرض ورأى أنها تستحق أكثر من
ذلك الثمن زاده بقدر ما تستحق في نظره وإلا تركه وذهب لغيره. والسهولة في البيع: ألا يقابل البائع المشتري بوجه عبوس، وألا يغلي سعر
تمام المنة
۱۷۷
البضاعة، وأن يقنع بالربح المعقول.
والسماحة في القضاء أن المدين يرد الدين في ميعاده ولا يؤخره إن كان قادرًا؛ لأن تأخيره حرام قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَطْلُ الغَنِي ظُلم». رواه الشيخان. وإذا رَدَّ الدَّيْنَ شكر صاحبه ودعا له.
والسماحة في الاقتضاء -وهو الطلب: أن يطلب الدائن دينه برفق ولين
من غير تعنيف ولا تثريب، وألا يخجله أمام الناس.
نعم إن تحقق أن المدين يمطله مع استطاعته الأداء فله أن يعنفه ويؤنبه لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا». ولقوله عليه الصلاة والسلام: «لَى الوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ». أي امتناع الواجد المستطيع من
قضاء ما عليه يبيح تعنيفه وتأنيبه.
الخصلة السابعة والثلاثون والثامنة والثلاثون
إنظار المعسر التجاوز في النقد
عن حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ رَجُلًا مَاتَ فَقِيلَ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْمَلُ؟ فَإِمَّا ذَكَرَ وَإِمَّا ذُكْرَ . فَقَالَ: كُنْتُ أُبايِعُ النَّاسَ فَكُنْتُ أُنْظِرُ المُعْسِرَ، وَأَتَجَوَّزُ في السِّكَةِ أَوْ فِي النَّقْدِ، فَغُفِرَ لَهُ فَدَخَلَ
الجنَّة». رواه مسلم وابن ماجه.
إنظار المعسر - أي تأخيره إلى أن يتيسر له الأداء واجب بنص القرآن، قال الله تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى ميسرة [البقرة: ۲۸۰] ومسامحته
أفضل كما في بقية الآية: ﴿وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
۱۷۸
الحديث الشريف
وهذا أحد المواضع التي كان المندوب فيها أفضل من الواجب. والثاني رد السلام واجب والبدء به مندوب وهو أفضل. والثالث: الوضوء للصلاة بعد دخول وقتها واجب، وقبله مندوب وهو
أفضل.
«وَأَتَجَوَّزُ فِي السَّكَةِ أَوْ فِي النَّقْدِ». يحتمل هذا الكلام معنيين: أحدهما: أنه يبيع البضاعة بمائة درهم، فإذا دفع المشتري الثمن وجده
ينقص درهما أو نصفه ولم يكن معه نقود فتجوز فيه ولم يطالبه بإحضاره. ثانيهما: أنه باع البضاعة بمائة درهم ولما نقده المشتري الثمن وجد فيه درهما زائفًا أو نصفه راج على المشتري فتجوز فيه البائع ولم يطلب بدله.
وهذان المعنيان مرادان واللفظ عام يشملهما معا.
وفي "الصحيحين عن حُذَيْفَةَ أيضًا رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَتَاهُ الْمُلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ، فَقَالَ : هَلْ عَمِلْتَ مِنْ خَيْرِ ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ قِيلَ لَهُ: انْظُرْ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ شَيْئًا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أَبَايِعُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا فَأُنْظِرُ المُوسِرَ وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمُعْسِرِ
فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ».
فقال أبو مسعود رضي الله عنه: وأنا سمعته.
قلت هذه قصة أخرى كان الرجل فيها ينظر الموسر ويمهله مع يساره واستطاعته، أما المعسر فكان يترك له ما عليه ولا يطالبه به، وهذه أفضل كما مر
آنها.
تمام المنة
۱۷۹
الخصلة التاسعة والثلاثون
ستر عورة المؤمن
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يَرَى مُؤْمِنٌ مِنْ أَخِيهِ عَوْرَةً فَيَسْتُرُهَا عَلَيْهِ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ»
رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير".
العورة: معصية توجب حدا أو تعزيرًا كشرب الخمر أو الحشيشة مثلا، فإذا اطَّلَعْتَ من أخيك على عورة مثل هذه وسترتها عليه فلم ت تحدث بها أحدًا كان ثوابك الجنة؛ لأنك بستر تلك العورة ودفنها في صدرك أبقيت على كرامته وأحييت منزلته بين إخوانه. ولذا اعتبرها الشارع بمنزلة إحياء المؤودة ففي أوسط معاجم الطبراني عن رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ قال : سمعت مَسْلَمَةَ بْنَ خَلَدٍ يقول : بينا أنا على مصر فأتى البواب فقال: إنَّ أعرابياً على الباب يستأذن! فقلت: من أنت؟ قال: أنا جابر بن عبدالله فأشرفتُ عليه فقلت: أنزل إليك؟ أو تصعد؟ قال: لا تنزل ولا أصعد، حديث بلغني أنك ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في ستر المؤمن جِئتُ أَسمعه. قلت: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُؤْمِنٍ عَوْرَةٌ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا مَوْءُودَةٌ». فضرب بعيره راجعا. ومن أحيا موءودة فله الجنة، وكذلك من أحيا كرامة المؤمن ومنزلته بدفن عورته كان ثوابه الجنة.
وفي "سنن أبي داود" و"الترمذي" عن دخين أبي الهيثم كاتب عقبة بن عامر - قال: قلت لعقبة: إِنَّ لَنَا جِيرَانًا يَشْرَبُونَ الخَمْرَ، وَأَنَا دَاعِ هُمُ الشُّرَطَ لِيَأْخُذُوهُمْ. قَالَ : لا تَفْعَل وَعِظْهُمْ وَهَدَّدْهُمْ. قلت: إِنِّي نَهَيْتُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، وَأَنَا
۱۸۰
الحديث الشريف
داع هُمُ الشُّرَطَ لِيَأْخُذُوهُمْ. فَقَالَ عُقْبَةُ: وَيْحَكَ لا تَفْعَلْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «مَنْ سَتَرَ عَوْرَةً فَكَأَنَّهَا اسْتَحْيَا مَوْءُودَةٌ فِي
قبْرِهَا». صححه ابن حبان والحاكم.
الخصلة الموفية أربعين تعزية المسلم أو المسلمة
عن عمرو بن حَزْمٍ رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَنِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الكَرَامَةِ يَوْمَ
القِيَامَةِ». رواه ابن ماجه في "سننه".
وروى الترمذي في "سننه" عن أبي بَرزَةَ رضي الله عنه، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ عَزَّى تَكْلَى كُسِيَ بُرْدًا فِي الْجَنَّةِ».
التعزية: حق من حقوق المسلم على أخيه كشهود جنازته. فثوابهما واحد وهو: الجنة. والشُّكل بضم الثاء وسكون الكاف أو بفتحهما-: فقد المرأة ولدها. يقال: امرأة ثكلى وثاكل بُرد - بضم الباء وفتح الراء-: جمع بردة وهي
كساء أسود مربع فيه تصاوير. هذه الخصال الأربعون التي أشار إليها الحديث السابق هي كما ترى يسيرة
في العمل كبيرة في الثواب وهي إلى جانب ذلك تربط بين المسلمين برباط الألفة والمودة والتعاون، يشعر أحدكم بحاجة أخيه إلى مساعدة مادية أو معنوية فيخِفٌ إليها قاصدًا صلة أخيه وتخفيف ما نزل به راجيا رضاء الله عنه ونيل ثوابه، وبذلك يكون المجتمع الإسلامي أرقى المجتمعات، ومستوى أخلاق المسلمين أعلى المستويات، والله الموفق والهادي.
تمام المنة
۱۸۱
خصال أخرى من أنواع الطاعة وأعمال الخير
هذا وقد بقيت خصال غير قليلة من أنواع الطاعة وأعمال الخير يُثاب فاعلها بالجنة كتلك الخصال الأربعين أحببت إيرادها إتماما لموضوع الكتاب، وسيجد القارئ فيها خصالا مكرّرة وذلك لا يضر وهو محمول على
تكرار الأسباب التي ورد الحديث لأجلها أو كررت للدلالة على أهميتها أو لغير ذلك من المناسبات.
والنبي صلى الله عليه وآله وسلّم طبيب القلوب والأرواح يعلم ما يُذهب أدواءها ويُزيل عنها أسقامها فيدلُّ السائل المتعلم على ما يناسب حاله، ويهدي الحيران المسترشد إلى ما يذهب عنه حيرته ويرد إلى قلبه طمأنينته، وهو مع ذلك يفتح باب الرجاء للخاطئ العاصي وللمفرط المقصر، ويستحثُ همة عامل الخير والساعي إليه على الاستكثار منه ويحضه على استدامته داعيًا هؤلاء
إلى جنة عرضها السموات والأرض مبينا لهم طريقها في هذه الأحاديث.
۱۸۲
الحديث الشريف
الحديث الأول
عن عبدالله بن سلام رضي الله عنه قال : أَوَّلُ مَا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم المَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَكُنتُ فِيمَنْ جَاءَهُ، فَلَا تَأَمَلْتُ وَجْهَهُ واستبنتُه عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا سَمِعْتُ مِنْ كَلَامِهِ أَنْ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُّوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجنَّةَ بِسَلَامٍ». رواه الترمذي وصححه، وابن
ماجه، وصححه الحاكم على شرط الشيخين.
وفي "مسند أحمد" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ : قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي وَقَرَّتْ عَيْنِي، أَنْبِتْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنَ المَاءِ». قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ؟ قال: «أَطْعِمِ الطَّعَامَ وَأَفْشِ السَّلامَ وَصِلِ الأَرْحَامَ، وَصَلَّ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُ الْجَنَّةَ بسلام». صححه ابن حبان والحاكم.
إفشاء السلام هو : البدء به حين تقابل أخاك المسلم، وهو من حقوقه كما تقدم.
وإطعام الطعام يكون بالقليل وبالكثير حسبما يتيسر . وصلة الأرحام تكون بالزيارة أو بالكتابة، أو بالمساعدة المادية أو المعنوية، ونحو هذا مما يشعر بالعطف والمودة.
والأرحام كل من تربطك به صلة القرابة من جهة الأب أو من جهة الأم. وصلاة الليل : فضلها عظيم يتجلى الله فيها على عباده المصلين بأنواع
المكرمات.
ودخول الجنة بسلام يحتمل أن يكون بسلام من أهوال الموقف وشدة
تمام المنة
۱۸۳
الحساب، ويحتمل أن يكون مصحوبًا بسلام الملائكة عليهم. وهذا كما قال
تعالى في أهل الجنة: ﴿وَالْمَلَتَيكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابِ ( سَلَامُ عَلَيْكُم بِمَا صَبَبْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: ٢٣ - ٢٤] كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنَ المَاءِ» هذا مثل قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ
حي [الأنبياء: ٣٠] فالإنسان خلق من ماء دافق، وكذلك الحيوان وسائر المخلوقات النباتية وما يتصل بها مخلوقة من ماء السماء.
(تنبيه): هذا الحديث أول حديث ورد بالمدينة وقد تحمله راويه وهو غير مسلم ثم أداه بعد إسلامه؛ لأن عبد الله بن سلام كان من علماء اليهود بالمدينة، ولما تحقق نبوة النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم أسلم، ونزل فيه قوله تعالى: قُلْ أَر يَتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَاءِ بِلَ عَلَى مِثْلِهِ فَتَامَنَ وَاسْتَكْبَر ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأحقاف: ١٠] فهو الشاهد الذي آمن وشهد له النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم بأنه من أهل الجنة، كذلك ثبت في "الصحيحين" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
الحديث الثاني
عن البراء بن عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله عَلَّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلْنِي الجَنَّةَ؟ قَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الخُطْبَةَ ، لَقَدْ أَعْرَضْتَ المَسْأَلَةَ، أَعْتِقِ النَّسْمَةَ، وَفُكَ الرَّقَبَةَ». قَالَ: أَلَيْسَنَا وَاحِدَةً؟ قَالَ: «لَا عِتْقُ النَّسْمَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكُ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعْطِيَ فِي ثَمَنِهَا، وَالمِنْحَةُ الوَكُوفُ، وَالفَيءُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ القَاطِعِ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ،
١٨٤
الحديث الشريف
فَأَطْعِمِ الجَائِعَ، وَاسْقِ الظُّمْآنَ، وَأَمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ، فَكُفَّ لِسَانَكَ إِلا مِنْ خَيْرٍ». رواه أحمد في "مسنده"، وابن حبان في
"صحيحه" واللفظ له.
النسمة - بفتح النون والسين: النفس والرقبة: النفس أيضًا. وقد بين الحديث الفرق بين العتق والفك، فجاء في القرآن بلفظ التحرير، أما الفك فجاء في القرآن كما جاء في الحديث قال تعالى: ﴿ فَلَا أَقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) وَمَا أَدْرَنكَ مَا الْعَقَبَةُ فَتُ رَقَبَةٍ ﴾ [البلد: ۱۱-۱۳] جعل الحديث عتق النسمة موجبًا لدخول الجنة؛ لأن من أعتق نفسًا حررها من ذل العبودية، فحرر الله نفسه من النار فدخل الجنة، وأما دخول الجنة بفك الرقبة فلأجل التضعيف، ذلك أن الشخص إذا أعطى في ثمن الرقبة أضعف الله له ما أعطى (١) كما يضعف الصدقة حتى تصير مثل أحد والله يضاعف لمن يشاء. وَالمِنْحَةُ الوَكُوفُ»، بفتح الواو وضم الكاف هي: التي يدر لبنها وهي
منيحة العنز أو الناقة أو البقرة، وكذلك منحها لأخذ وبرها أو صوفها. وَالفَيءُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ القَاطِعِ». الفيء: الرجوع. والمعنى: أن المسلم إذا كان له قريب يقاطعه فلا يعامله بالمثل بل يصله ويعود عليه بفضل ماله أو طعامه
أو ثيابه ويساعده إذا احتاج إلى مساعدة، فهذه هي الصلة التي يدخل بها الجنة. أما أن يصل قريبه الذي يصله فهي مكافأة وليست بصلة، ففي "صحيح البخاري" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله
(۱) وفيه مع هذا حضّ على الإسهام في عتق الرقاب.
تمام المنة
۱۸۵
عليه وآله وسلَّم قال: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِاللْكَافِي؛ وَلَكِنْ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحمهُ وَصَلَهَا». قَطَعَت - بفتح القاف والطاء - مبني للمعلوم، ورحمه فاعله، ومن قرأه بالبناء للمجهول فقد حرف.
وفي صحيحي "ابن خزيمة" و"الحاكم": عن أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بن أَبي معيط رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ». ومعنى الكاشح: الذي يضمر في كشحه –
خَصْره - العداوة وبقية الحديث لا يحتاج إلى شرح.
الحديث الثالث
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ اليَوْمَ صَائِمًا؟». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. فَقَالَ: «مَنْ أَطْعَمَ اليَوْمَ مِنْكُمْ مِسْكِينًا؟». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا. قَالَ: «مَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ اليَوْمَ جَنَازَةٌ؟». قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا. قَالَ: «مَنْ عَادَ مِنْكُمُ اليَوْمَ مَرِيضًا؟». قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ قَطُّ فِي رَجُلٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ». مَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الحِصَالُ قَطُّ فِي رَجُلٍ إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ». اقتصر على ذكر
الرجل لأن المرأة ليس لها أن تتبع الجنازة ().
(۱) رأى النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم نساءً يتبعن جنازة فسألهن: هل تحملن فيمن يحمل؟» قلن: لا. قال: «هل تدلين فيمن يدلي؟ قلن لا. قال: «ارجعن مأزورات
غير مأجورات».
١٨٦
الحديث الشريف
الحديث الرابع
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يقول: خَمْسٌ مَنْ عَمِلَهُنَّ فِي يَوْمٍ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا، وَشَهِدَ جِنَازَةٌ، وَصَامَ يَوْمًا، وَرَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَأَعْتَقَ رَقَبَةٌ» (۱). رواه ابن حبان في "صحيحه".
هذا الحديث واضح لا يحتاج إلى شرح.
الحديث الخامس
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يقول: يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ عَلَى رَأْسٍ شَظِيَّةِ لِلْجَبَلِ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ
الصَّلَاةَ يَخَافُ مِنِّي ، قَدْ غَفَرْتُ لَهُ وَأَدْخَلْتُهُ الجَنَّة». رواه أبو داود والنسائي. شَظية - بفتح الشين وكسر الظاء وتشديد الياء: قطعة من الجبل. يَعْجَبُ رَبُّكَ»: العجب كناية عن الإقبال أي يقبل عليه إقبال المتعجب من الشئ المستحسن له «فَيَقُولُ اللهُ عزَّ وجلَّ» أي للملائكة «يَخَافُ مِنِّي» والخوف
من الله جزاؤه الجنة ، قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ، وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ام ) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: ٤٠-٤١].
أما قوله تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: ٤٦]؛ فذلك لأن الخائف من الله تعالى لما قاوم نفسه والشيطان جُوزي بإباحة التنقل بين جنتين
(1) يمكن اجتماع هذه الخمس في يوم جمعة من شهر رمضان.
تمام المنة
۱۸۷
كما يكون للشخص في الدنيا بيتان ينتقل بينهما .
الحديث السادس
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا، وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ، وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا فِي أُمَّتِكَ اليَوْمَ كَثِيرٌ. قَالَ: «وَسَيَكُونُ فِي قَوْمٍ بَعْدِى».
رواه الحاكم وصححه. «مَنْ أَكَلَ طَيِّبا» : أي حلالا .
وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ»: أي عمل في طريقة رشد وهداية لم يبتدع بدعة في الدين،
ولم يتبع من ابتدعها.
وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ»: أي غوائله وشروره، فلم يُؤذِ أحدا، ولم يَسْعَ في إذايته. والمسلم إذا اجتمعت فيه هذه الخصال جمع الخير كله؛ لأنه بأكله الحلال اجتنب المحرمات كالربا والغش والسرقة وبعمله في سنة اجتنب البدعة والفسوق، وبأمن الناس من شروره كان مسلما حقا لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».
وَسَيَكُونُ فِي قَوْمٍ بَعْدِى»: أي بكثرة، وذلك في القرنين الثاني والثالث الهجريين وهما بقية القرون الفاضلة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «خَيْرُ القُرُونِ القَرْنُ الذِي أَنَا فِيهِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ». وأهل
هذه القرون هم السلف الصالح ، ثم ظهر بعدهم بدع ومفاسد آلت بالدين وأهله إلى ما ترى، والأمر لله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
۱۸۸
الحديث الشريف
الحديث السابع
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله دُلَّنِى عَلَى عَمَلِ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجَنَّةَ؟ قَالَ: «تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ». قَالَ: وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا فَلَمَا وَلّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم:
«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلى هَذَا». رواه الشيخان. تَعْبُدُ اللهَ»: توحده وهو النطق بشهادة الإسلام مع اعتقاد مضمونها اعتقادا راسخا لا يخامر شك. ولم يذكر الحج إما لأنه كان لم يفرض إذ فرضيته متأخرة عن أركان الإسلام فهو آخرها نزولا، وإما لأن الأعرابي كان لا يستطيع الحج، وإما لأنه كان قد أداه. مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلى هَذَا»: أَي إِن وَفَّى بما قال. فهذا الشرط ملحوظ في الكلام، ويجوز أن يكون النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم علم بالوحي أن الأعرابي يفي بقوله فيكون من جملة المبشرين بالجنة.
الحديث الثامن
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه : أَنَّ رَجُلًا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: أَخْبِرْنِي بِعَمَلِ يُدْخِلْنِي الجَنَّةَ؟ قال: «تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ». رواه الشيخان.
معنى الحديث ظاهر ولم يذكر الصوم والحج؛ لأن هذا الحديث ورد في أوائل ما قَدِمَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم المدينة ونزل ببيت أبي أيوب، والصوم إنما فرض في السنة الثانية.
تمام المنة
۱۸۹
الحديث التاسع
عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قَالَا: خَطَبَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فَقَالَ: وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ». ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَكَبَّ، فَأَكَبَّ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا يَبْكِي لَا يَدْرِي عَلَى مَاذَا حَلَفَ؟ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَفِي وَجْهِهِ البُشْرَى، فَكَانَتْ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، فَقَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ وَيَصُومُ رَمَضَانَ وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ وَيَجْتَنِبُ الكَبَائِرَ السَّبْعَ؛ إِلَّا فُتَّحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجُنَّةِ وَقِيلَ لَهُ: ادْخُلْ بِسَلَامٍ». رواه النسائي، وابن ماجه، وصححه ابن
حبان والحاكم. «ثُمَّ أَكَبَّ»: أي أطرق برأسه إطراق مهموم وكأنه كان ينتظر الوحي.
حمر النعم: نوع من الإبل من أنفس أموال العرب.
وَيَجْتَنِبُ الكَبَائِرَ السَّبْعَ : هي الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات هكذا ثبتت في حديث "الصحيحين" عن أبي
هريرة.
الحديث العاشر
عن عُبَيْدِ بن عُمَيْر الليثي، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْمُصَلُّونَ، وَمَنْ يُقِيمُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ الَّتِي كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَيهِ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ وَيَحْتَسِبُ صَوْمَهُ، وَيُؤْتِي الزَكَاةَ طَيِّبَةٌ بِهَا نَفْسُهُ، وَيَجْتَنِبُ الكَبَائِرَ الَّتِي نَهَى اللهُ عَنْهَا». فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَمِ الكَبَائِرُ ؟ قال : تِسْعٌ أَعْظَمُهُنَّ : الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْرِ حَقٌّ،
۱۹۰
الحديث الشريف
وَالفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَالسِّحْرُ، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَأَكْلُ الرَّبَا، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَاسْتِحْلَالُ البَيْتِ العَتِيقِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَانًا، لَا يَمُوتُ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ هَؤُلَاءِ الكَبَائِرَ، وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْنِ الزَّكَاةَ إِلَّا رَافَقَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم في بُحْبُوحَةٍ جَنَّةٍ، أَبْوَابُهَا مَصَارِيعُ الذَّهَبِ». رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن.
«إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله المُصَلُّونَ»: لأن الصلاة عماد الدين وهي صلة بين الله وعبده، وجدير بمن يَطْرُق باب مولاه خمس مرات في اليوم والليلة أن يتولاه
برعايته.
طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ : يعطيها طيب النفس منشرح الصدر، غير متكره ولا
ضجر، معتقدا أن الله تعالى يطهر بها ماله ويزكي قلبه ويبارك رزقه. وَالفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ»: هو التولي يوم الزحف، وهو الهروب من القتال في الجهاد ضد الكفار.
فالواجب على المسلم أن يستميت في جهادهم حتى يستشهد أو ينصره الله تعالى قال سبحانه: يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأنبار )) وَمَن يُوَلِهِمْ يَوْمَن دُبُرَهُ فرارًا منهم والا مُتَحَرِّفا لِقِتَالٍ بأن تراجع من جهة ليقاتل في جهة أخرى أكثر ملائمة منها، أَوْ مُتَحَيَا إِلَى فشة من المسلمين ليقاتل بجانبهم فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَنَهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الأنفال : ١٦].
«وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ»: يفيد أن عقوق الوالدين الكافرين أقل تحريا
تمام المنة
وأَدْوَنُ إِنَّهَا.
۱۹۱
وَاسْتِحْلَالُ البَيْتِ العَتِيقِ القديم؛ لأنه أقدم بيت الله وضع في الأرض
قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: ٩٦]، واستحلاله بقتل مسلم فيه أو إذايته. قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاء وَأَمْوَانًا»: يفيد وجوب دفن المسلم مستقبل القبلة كما في
الصلاة فإن دفن إلى جهة غيرها أخرج وأعيد دفنه إلى جهتها. بحْبُوحَةِ»: بضم البائين - بينهما حاء مهملة ساكنة - معناها: سعة. مَصَارِيعُ : جمع مصراع بكسر الميم، وللباب مصراعان.
الحديث الحادي عشر
عن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانِ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةٌ بِهَا نَفْسُهُ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ». قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا أَدَاءُ الأَمَانَةِ؟ قَالَ: «الغُسْلُ مِنَ الْجُنَابَةِ، إِنَّ اللَّهَ
لَمْ يَأْمَنِ ابْنَ آدَمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ غَيْرَهَا». رواه الطبراني بإسناد جيد. الحديث الأمانة بالغسل من الجنابة؛ لأنه لا يكون إلا في خلوة من
فسر
الناس لما فيه من كشف العورة بخلاف الفرائض الأخرى كالصلاة والزكاة
والصوم والحج - فإنها تكون بصفة جماعية.
أما الأمانة في قول الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
۱۹۲
الحديث الشريف
وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾ [الأحزاب: ٧٢] فاختلف فيها على أقوال كثيرة الذي نرجحه منها: أنها التكاليف الشرعية التي كلف الله بها عباده؛ لأن الله تعالى لما خلق الإنسان ليجعله خليفة في الأرض حمله أمانة التكاليف التي يمشي عليها من عبادات ومعاملات فمن أخل بها عُذْبَ ومن أقامها غُفِرَ له. وَحَمَلَهَا الْإِنسَنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنْفِقِينَ وَالْمُنَفِقَتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب: ۷۲ - ۷۳]
الحديث الثاني عشر
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ مِنْ حَوْلَهُ: «اكْفُلُوا لِي بِسِتٌ أَكْفُلْ لَكُمُ الجَنَّةَ». قُلْتُ: مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالأَمَانَةُ وَالفَرْجُ وَالبَطْنُ وَالنِّسَانُ». رواه الطبراني في
"الأوسط" بإسناد لا بأس به.
وَالأَمَانَةُ»: أي تؤديها إلى صاحبها قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأمنتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: ٥٨]. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَدْ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ اشْتَمَنَكَ، وَلَا تَخْنْ مَنْ خَانَكَ».
وَالفَرْجُ : يحفظ من الزنا، واللواط، وإتيان الحائض، والمرأة في دبرها،
والاستمناء.
وَالبَطْنُ : يحفظ من الحرام كالخنزير، والربا، والخمر، وإفطار رمضان
بغير عذر.
تمام المنة
۱۹۳
وَاللَّسَانُ : يحفظ من الكذب والغيبة والنميمة، وشهادة الزور، ونحو
ذلك من المعاصي اللسانية.
الحديث الثالث عشر
عن عثمان بن عفان
رضي
الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه
وآله وسلَّم يَقُولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ».
رواه الشيخان لهذا الحديث طرق وألفاظ، وفي "الصحيحين" وغيرهما عن عثمان وأبي ذَرّ وغيرهما، وفي بعض الفاظه : مَنْ بَنَى مَسْجِدًا اللهُ وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ». ومَفْحَص القطاة مكان جلوسها؛ لأنها لا تفحصه وهو كناية عن صغر المسجد. والمعنى: أن الله تعالى يثيب باني المسجد ببيت في الجنة إذا كان بناؤه الله لا للتباهي والتفاخر سواء أكان المسجد كبيرًا أم صغيرًا، ومثله: إنشاء مصليات في الطريق وعلى حافة الترع، وكذلك بناء مستشفى لعلاج مرضى المسلمين أو بناء مدرسة لتعليم أولادهم.
الحديث الرابع عشر
عن عياض بن حمار رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: «أَهْلُ الجَنَّةِ ثَلاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٌ ، وعَفيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ». رواه مسلم في
"صحيحه".
١٩٤
الحديث الشريف
ذُو سُلْطَانٍ»: صاحب سلطة وحكم. «مُقْسِط»: عادل لا يجور في حكمه. مُوَفَّقٌ : في أعماله؛ لأن الله يوفقه حيث كان عادلا. «وَرَجُلٌ رَحِيمٌ»: ليس عنده قسوة القلب. و«رَقِيقُ القَلْبِ»: لين القلب عطوف. «لِكُلَّ ذِي قُرْبَى»: من تربطه قرابة ورحم. «وَمُسْلِمٌ : ولكل مسلم أيضًا. «وعفيف»: لا
بهم
يسأل الناس. مُتَعَفِّف»: لا يأخذ من أحد أعطاه شيئًا، وهو مع ذلك «ذُو عِبَالٍ» يقوتهم مما يرزقه الله من عمله وإن كان قليلا فهو قنوع؛ لأن العفة والقناعة متلازمان.
الحديث الخامس عشر
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم قَالَ: «مَنْ أَذَّنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةٌ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَكُتِبَتْ لَهُ بِتَأْدِينِهِ كُلَّ يَوْمٍ ستُونَ حَسَنَةٌ، وَبِكُلٍّ إِقَامَةٍ ثَلاثُونَ حَسَنَةٌ». رواه ابن ماجه والدارقطني في
"سننيهما"، وصححه الحاكم على شرط البخاري.
هذا الثواب لمن أذن بدون أجر؛ لأنه كذلك كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، ولأن الآذان من الوظائف الدينية التي لا يؤخذ عليها أجر.
الحديث السادس عشر
عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فَقَامَ بِلال رضي الله عنه يُنَادِي، فَلَمَّا سَكَتَ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا يَقِينًا دَخَلَ الجَنَّة». رواه النسائي وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم.
تمام المنة
۱۹۵
«مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا» وهي كلمات الأذان. «يَقِينًا»: أي مصدقًا بها معتقدًا
لها؛ لأنها تشتمل على المعاني الآتية:
1 - تكبير الله، وتعظيمه والاعتراف بأنه أكبر من كل كبير.
-۲- شهادة الإسلام وهي الشهادة التي تحرز دم الإنسان وماله
وتنجيه من النار.
- الدعوة إلى الصلاة: وهي أمر بالمعروف.
- الدعوة إلى الفلاح ويعم كل خير وهو أمر بالمعروف.
ه - الميللة : وهي | أفضل الذكر.
الحديث السابع عشر
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِذَا قَالَ: الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ: أَحَدُكُمُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله ، قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ». رواه مسلم وأبو داود النسائي. فمن قال مثل قول المؤذن مدركًا لمعناه متيقنا به دخل الجنة؛ لاشتمال الآذان
على تلك المعاني العظيمة التي بيناها آنفًا.
وثبت في ثواب حكاية المؤذن حديث يشتمل على زيادة تضم إلى ما هنا ففي "صحيح مسلم" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع
١٩٦
الحديث الشريف
رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لي الوَسِيلَةَ (۱) فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ
(۱) قد يقال: كيف يطلب من أُمَّته أن يسألوا له الوسيلة وهو عظيم الجاه عند مولاه كبير القدر لديه ؟!
وقد وَعَدَهُ بعطاء لا كُنه لوصفه حيث قال له: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرَضَى [الضحى: ٥] وهل يرضى بدون الوسيلة منزلة؟
سؤال وجيه وقع مضمونه في كلام للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الحاتمي ولم يجب عنه بل صرح بتوقفه في فهم حِكْمَة هذا الطلب منه صلى الله عليه وآله وسلَّم. وأنا أجيب عنه بما فتح الله به عليَّ وألهمنيه، وهو: أنَّ شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم نوعان: عامَّةٌ وخاصة.
فالعامة: لا تتوقف على عمل يقوم به المشفوع فيه وهي شفاعته في أهل الموقف
بتعجيل حسابهم، فيعم بشفاعته المؤمنين والكفار والطائعين والعصاة. والخاصة: تتوقف على عمل يقوم به المشفوع فيه، فشفاعته في العصاة لإخراجهم من النار أو عدم دخولهم لها متوقفةٌ على أن يكونوا مسلمين لقوله صلى الله عليه وآله وسلم «شفاعتي لكل مسلم».
وشفاعته لرفع درجات بعض المؤمنين متوقفةٌ على أن يكون للمشفوع فيه شيء من عمل صالح، سأله بعض خدمه أن يشفع له فقال: «إني فاعل، فأعني على نَفْسِكَ
بكثرة السجود». والصَّلاة عليه حق من حقوقه على الأمة بنص القرآن الكريم، ومع ذلك قال: «من صَلَّى علي عشرًا إذا أصبح وإذا أمسى أدركته شفاعتي». بين بهذا أن رصيدا من
تمام المنة
۱۹۷
أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ».
عن
الحديث الثامن عشر
عُقْبَةَ بن عَامِرٍ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ، وَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ
عَلَيْهِمَا إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الجُنَّةُ». رواه مسلم في "صحيحه".
يفيد الحديث: ندب صلاة ركعتين بعد الوضوء.
الحديث التاسع عشر
عن عبدالله بن بُرَيْدَةَ بن الحُصَيْبِ، عن أبيه رضي الله عنه قال: أَصْبَحَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَوْمًا، فَدَعَا بَلَالًا رضي الله عنه فَقَالَ: «يَا بِلالُ بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الجَنَّةِ؟ إِنِّى دَخَلْتُ البَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي. فَقَالَ بِلالُ : يَا رَسُولَ الله مَا أَذَنْتُ قَطُّ إِلا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا
الصلاة عليه يجعل للمصلي حق في شفاعة خاصة تناله.
كذلك جعل سؤال الوسيلة سببا لنيل شفاعة خاصة ينالها المقيمون للصلاة - المحافظون عليها حيث قرنه بسماع الآذان وصاغه في أسلوب شائق أخبر فيه أن الوسيلة منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله تحريضا لهم على سؤالها له لينتفعوا بشفاعته، وهذا كما حضّ الله تعالى المسلمين على الصدقة بقوله: مَن ذَا الَّذِي يُقرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: ٢٤٥] فجعل الصدقة قرضًا له - وهو غني عن المخلوقات لكنه حضهم على الصدقة بهذا الأسلوب الذي يحرّك في نفوس المؤمنين الهمة والعزيمة.
۱۹۸
الحديث الشريف
أَصَابَنِي حَدَتْ قَطُّ إِلا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهُ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله
وسلم: «بِهَذَا». رواه ابن خُزَيْمَةً في "صحيحه".
يفيد الحديث أمرين :
أحدهما: استحباب صلاة ركعتين عقب الآذان للمؤذن، ومن قرأ الحديث: «ما أذنبت قط إلا صليت ركعتين. فقد حرف، إذ الرواية ثبتت
بالأذان لا بالذنب.
ثانيهما: استحباب الوضوء عند كل حدث ليكون المؤمن مستعدا للصلاة، أو حمل مصحف، أو نحو ذلك من العبادات.
(تنبيه): ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال لبلال رضي الله عنه: «يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ في الإِسْلَامِ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ». قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي مِنْ أَنِّي لَوْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلِ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا
صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أَصَلِّي.
دَفَ نَعْلَيْكَ: أي حركة المشي بهما.
رضي
جملة الله عنه
من
وهذا الحديث والذي قبله يفيدان: أنَّ بلالا . المبشرين بالجنة، وهم . جماعة من الصحابة فيهم العشرة، وفاطمة، وخديجة وحفصة، والحسن والحسين، وعبد الله بن سلام، وعُمير بن الحمام، وأنس بن مالك، ووالدته، وسعد بن معاذ، وصفية بنت عبدالمطلب، وأبو الدحداح، ومالك بن سنان، وغيرهم.
تمام المنة
۱۹۹
الحديث العشرون
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِد أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلًا فِي الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ». رواه
الشيخان.
النزل - بضم النون والزاي : الطعام الذي يعد للقادم. والغُدُو : الذهاب صباحًا. والرَّوَاحُ : الذهاب مساء.
وهذا الثواب يشمل من غدا إلى المسجد أو راح لصلاة أو انتظارها، أو لحضور مجلس علم أو ذكر، أو للجلوس فيه بشرط ألا يتكلم بغيبة أو كذب أو ما أشبههما .
الحديث الحادي والعشرون
عن أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلَّى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً - غَيْرَ الفَرِيضَةِ - إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا في الجَنَّةِ». رواه مسلم في صحيحه». وهذه الاثنتا عشرة ركعة هي ركعتا الفجر أي سنة الصبح، وأربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وأربع ركعات قبل العصر، واليوم من أذان الفجر إلى غروب الشمس.
الحديث الثاني والعشرون
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ». رواه الشيخان.
البردان - بفتح الباء وسكون الراء الصبح، والعصر. والحديث يفيد
۲۰۰
الحديث الشريف
تأكيد المحافظة على هاتين الصلاتين في وقتها.
وفي "صحيح مسلم عن عُمارَةَ بن رُوَيْبَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا». يعني الصبح والعصر، وهذا دليل من قال: إن هاتين
الصلاتين هما الصلاة الوسطى.
الحديث الثالث والعشرون
عن أنس رضي الله عنه: أنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بَعَثَ رَجُلا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لَأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيُفتتح بـ «قل هو الله أحد». وذكر حديثاً طويلًا قال في آخره: فَلَما أَتَاهُمُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أَخْبَرُوهُ الخَبَرَ ، فَقَالَ: «يا فُلَانُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ؟ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟» فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا. فَقَالَ: «حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الجنَّة». رواه البخاري والترمذي.
(سورة الإخلاص) سورة عظيمة حبها يوجب دخول الجنة كما في هذا الحديث، بل قراءتها توجب دخول الجنة أيضًا كما في الحديث الآتي بعده، وثبت في "الصحيحين": «أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ». لأنها تدل على المعاني الآتية:
١ - التوحيد الخالص.
٢ - نفي الشرك بجميع أنواعه.
٣- نفي المشابهة والتكافؤ بين الله ومخلوقاته.
وللحافظ - أبي العباس - أحمد بن تيمية جزء في تفسيرها مطبوع وهو مفيد.
تمام المنة
۲۰۱
الحديث الرابع والعشرون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أقْبَلْتُ مَعَ رَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ : قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدُ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحد ان کا [الإخلاص: ١-٤]. فقال رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «وَجَبَتْ». فَسَأَلْتُهُ: مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «الجنَّةُ». فَأَرَدتُ أَنْ أَذْهَبَ إِلَى الرَّجُلِ فَأَبَشِّرَهُ، ثُمَّ فَرِقْتُ أَنْ يَفُوتَنِي الغَدَاءُ مَعَ رَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ ذَهَبَ. رواه الإمام مالك واللفظ له، والنسائي، والترمذي والحاكم وصححاه.
الحديث الخامس والعشرون
عن شَدَّادِ بن أَوْسٍ رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: سيدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ العَبْدُ اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». رواه البخاري في "صحيحه".
وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ» الذي أخذته على بني آدم حين قلت لهم الستُ
بريكُم قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: ۱۷۲] ولذا استفتح بقوله: «اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّ». تأكيدًا للوفاء بالعهد والاستمساك به.
۲۰۲
الحديث الشريف
وَوَعْدِكَ»: الذي وعدك به آدم حين حمل أمانة التكاليف بأن يطيع ولا
يعصي ويمتثل ولا يخالف مَا اسْتَطَعْتُ» بقدر استطاعتي. فإذا عصيتك بإغواء الشيطان، أو خالفت بعض أمرك لسهو أو نسيان، فإنى ألجأ إليك متوسلا بضعفي وعجزي بين يديك. أعُوذُ بِكَ»: أتحصن بك. «مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ»: مما أخلفت به وعدك فأنت تقيني عاقبته. «أبوءُ لَكَ»: أعترف لك. وكان هذا الدعاء سيد الاستغفار ومن قرأه موقنا به فمات دخل الجنة؛
لاشتماله على معاني عظيمة:
۱ - الإقرار بربوبية الله تعالى للعبد، وتفرده بالألوهية وبالخلق.
۲- تجديد البقاء على عهد الله ووعده بقدر الاستطاعة.
- التحصن بالله، والالتجاء إليه فيما يقع من العبد مخالفًا للوعد.
- الاعتراف بنعمة الله على عبده وهو شكر الله عليها.
ه - الاعتراف بالذنب، وطلب غفرانه.
٦ - الإقرار بأن الذنب لا يغفره إلا الله تعالى، ولا يغفره غيره كائنا من كان، فالذين يطلبون مغفرة ذنوبهم من رئيسهم الديني كالبطريرك والبابا، في
ضلال مبين
الحديث السادس والعشرون
عن رافع بن خَدِيجٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «إذا اضْطَجَعَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إليك، ووَجَهْتُ وَجْهِي إليكَ، وألجأتُ ظَهْرِي إِليكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِليكَ، لا مَنْجَى مِنْكَ ولا مَلْجَأَ إِلَّا إليكَ، أُؤْمِنُ بِكِتَابِكَ وبرسولكَ. فَإِنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ
تمام المنة
۲۰۳
دَخَلَ الجَنَّةَ». رواه الترمذي وحسنه.
اللهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إليك»: الشخص حين ينام لا يدري أين تذهب
نفسه ؟ فهو يسلمها إلى الله تعالى يحفظها عليه في نومه كما يحفظها في يقظته. وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إليك هذا كقول إبراهيم عليه السلام: إنِّي وَجَهْتُ
وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: ۷۹]، والمراد بهذه العبارة : إفراد الله بالتوحيد الخالص ونبذ ما سواه. وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إليك»: هذه العبارة كناية يراد بها معنى اعتمدت عليك.
وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إليك»: هذا كقول مؤمن آل فرعون: وَأَفَوَضُ أَمْرِى إِلَى الله إن الله بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر: ٤٤] ومقام التفويض عزيز لم يذكر في
القرآن إلا في هذه الآية؛ لأنه مقام من كمل إيمانه وصدق يقينه. لَا مَنْجَى» : - بفتح الميم والجيم وسكون النون- لا مكان للنجاة. «مِنكَ»: من عقابك. وَلَا مَلْجَأَ»: من عذابك. «إِلَّا» بالتجاء «إِلَيْكَ»
وطلب العفو منك.
أُؤْمِنُ بِكِتَابِكَ»: القرآن المصدق لما بين يديه من الكتاب والمهيمن عليه. وَبِرَسُولِكَ»: النَّبي الأمي خاتم النبيين صلى الله عليه وعليهم وسلم.
الحديث السابع والعشرين
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِذَا أَوَى الرَّجُلُ إِلَى فِرَاشِهِ ابْتَدَرَهُ مَلَكٌ وَشَيْطَانٌ فَيَقُولُ الَمَلَكُ: اخْتِمْ بِخَيْرٍ، وَيَقُولُ الشَّيْطَانُ: اخْتِمْ بِشَرِّ ؛ فَإِنْ ذَكَرَ اللهَ ثُمَّ نَامَ بَاتَ الْمَلَكُ يَكْلَؤُهُ. وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ
٢٠٤
الحديث الشريف
الملك : افْتَحْ بِخَيْرِ ، وَقَالَ الشَّيْطَانُ : افْتَحْ بِشَر؛ فَإِنْ قَالَ: الْحَمْدُ لله الذي رَدَّ عَلَيَّ نَفْسِي وَلَمْ يُمِنْهَا في مَنَامِهَا الحَمْدُ لله الذي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا، الحَمْدُ لله الذي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ. فَإِنْ وَقَعَ عَنْ سَرِيرِهِ فَمَاتَ دَخَلَ
الجنة».
رواه أبو يعلى بإسناد صحيح.
ورواه الحاكم وزاد في روايته: «الحَمْدُ لله الذي يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ». وصححه على شرط مسلم. و
يكلوه»: يحفظه.
وَلَمْ يُمِنْهَا في مَنَامِهَا»: يشير إلى قوله تعالى: اللهُ يَتَوَفَّى يقبض الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا * ويقبض وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ لا يردها إلى بدنها وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى وهي النفس التي توفاها وفاة نوم فيردها إلى بدنها تديره إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى [الزمر:
٤٢] وهو انتهاء العمر فيتوفاها حينئذ وفاة موت لا رجوع لها بعده. وحمد الله على أنه لم يمت الشخص في النوم؛ لأنه أعطاه فرصة لتدارك ما
فاته من عمل.
يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ»: يفيد أن السماء مرفوعة بقدرة الله
تعالى لا على عمد، وهو موافق للآية الأخرى : خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ
ترونها [لقمان: ١٠].
تمام المنة
٢٠٥
الحديث الثامن والعشرون
عن ثَوْبَانَ رضي
الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم:
مَنْ يَكْفُلُ لي أَنْ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا وَأَتَكَفَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ؟ فَقُلْتُ: أَنَا. فَكَانَ لَا
يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وفي "مسند أحمد" بإسناد حسن عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فَقَالَ: «هَلْ لَكَ إِلَى البَيْعَةِ وَلَكَ الْجَنَّةِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، وَبَسَطْتُ يَدِي. فَقَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: وَهُوَ يَشْتَرِطُ عَلَى أَلَّا أَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «وَلَا سَوْطَكَ إِنْ سَقَطَ مِنْكَ حَتَّى تَنْزِلَ فَتَأخُذَهُ». هذان الحديثان يحضان على ترك سؤال الناس، ورفع
الهمة
عنهم؛
لأن
في السؤال إراقة ماء الوجه ونقص الكرامة وإهانة لعزة
الإيمان، ومن الحكم المشهورة: السؤال ولو : كيف الطريق مذلة. وفي الحديث عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «لَا تَزَالُ المَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ
حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةٌ لَحْمٍ».
مُزْعَةُ»: بضم الميم وسكون الزاي: قطعة. أذهب سؤال الناس في الدنيا
لحم وجهه يوم القيامة.
الحديث التاسع والعشرون
عن عُمَرَ بن الخَطَّابِ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أو فَيُسْبِعُ الوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ
٢٠٦
الحديث الشريف
الجَنَّةِ الثَّانِيَةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ». رواه مسلم في "صحيحه"، والترمذي وزاد:
اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ».
"
فيُبْلِغُ أو فَيُسْبِغُ ) بضم أولها: أي فَيُتِمُّ الوضوء.
فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ» يعني يوم القيامة.
اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ المُتَطَهِّرِينَ» ليدخل في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة: ۲۲۲] .
الحديث الثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: مَا مِنْ رَجُلٍ تَعَلَّمَ كَلِمَةٌ أَوْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وجلَّ فَيَتَعَلَمُهُنَّ وَيُعَلِّمُهُنَّ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ».
قال أبو هريرة فَمَا نَسِيتُ حَدِيثًا بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم. رواه أبو نعيم في كتاب العلم.
قال الحافظ المنذري : إسناده حسن لو صح سماع الحسن من أبي هريرة». قلت صح سماعه في حديث عند أبي يَعلَى في "مسنده" إسناده جيد وصرح بسماعه من أبي هريرة أيضًا في حديث عند الطبراني في "المعجم الصغير " لكن في إسناده ضعف. تَعَلَّمَ كَلِمَةً أَوْ كَلِمَتَيْنِ أي جملة أو جملتين لأن الكلمة يراد بها الجملة من الكلام قال الله تعالى: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَابِلُهَا ﴾ [المؤمنون: ١٠٠] أراد بكلمة: قول الكافر عند موته رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلى أَعْمَلُ صَلِحَا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون:
تمام المنة
۲۰۷
٩٩ - ١٠٠] وقال الله تعالى: ﴿وَالْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ﴾ [الفتح: ٢٦] أي: لا إله إلا الله. «مِما فَرَضَ اللهُ عزَّ وجلَّ» فرض عين أو فرض كفاية.
فالأول: كمسائل الطهارة والحيض والنفاس والصلاة والصيام والزكاة لمن عنده مال يزكيه والحج لمن يريده وأحكام التجارة والزراعة لمن يباشرهما، وأحكام المعاشرة الزوجية ليعلم كل من الزوجين ما له وما عليه.
والثاني: كالتوسع في علوم الشريعة بأنواعها وفي علوم اللغة وما يتعلق بها، وكتعلم الطب والحساب وبعض اللغات الأجنبية وسائر العلوم التي تعود على المجتمع بفائدة، إلا التصوير باليد(۱) وصناعة التماثيل والرقص فإن الشرع لا يقر هذه الأشياء ولا يعتد بها أما الغناء بالآلات، ففيه خلاف بين العلماء والراجح عند الجمهور تحريمه (۲).
الحديث الحادي والثلاثون
عن أبي أُمَامَةَ البَاهِلي رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الجَنَّةِ مَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقَّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الجَنَّةِ لَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجُنَّةِ لَنْ حَسُنَ خُلُقه». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
(1) لما فيه روح أما ما لا روح فيه كالجبال والدور والأنهار فتصويره جائز لا شيء فيه ويجوز أيضا تصوير إنسان أو حيوان صورة ناقصة لا يعيش بها صاحبها بأن يصور رأسه فقط، سواء أكان تصويرًا باليد على ورقة أم رقمها في ثوب أم نحتا في حجارة. (۲) إلا الدف والطبل فيجوزان
۲۰۸
الحديث الشريف
زعيم»: كفيل. في رَبَضِ الجَنَّةِ) بفتح الراء والباء: ما حولها خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع. «ترك المراء»: أي الجدال، لأنه لا خير فيه بل يولد الضغائن ويورث الأحقاد وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلا أُتُوا الجَدَلَ ثم تلا قول ا الله تعالى: مَاضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَا بَلْ هُوَ قَوْمُ خَصِمُونَ ﴾ [الزخرف: ٥٨] ولا يدخل في هذا علم الجدل والخلاف لأنه مبني على قواعد يراد بها إظهار الحق مع بيان دليله
:
ودحض الباطل وكشف شبهه، لكن من استعمل شيئًا من قواعده في هدم حق أو
تأييد باطل بطريق المغالطة والتمويه فهو آثم يدخل في قسم الجدل المنهي عنه. مَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا»: الكذب كله قبيح منهي عنه، أوجب الله فيه اللعن والإبعاد من رحمة الله تعالى وكثير من الناس في مصر يقولون: الكذب على سبيل المزاح كذب أبيض لا إثم فيه، ولهم ولوع كبير بكذبة أبريل وهي بدعة أوروبية تلقاها المصريون على عادتهم في تلقي كل ما هو أوروبي بدون تمحيص أو تمييز والكذب عند الشرع كله أسود قبيح، جادا كان الكاذب أم هازلا . وقد روى أبو داود والترمذي والنسائي: عن بهز بن حَكِيمٍ، عن أبيه، عن جده مُعَاوِيَةَ بن حَيْدَةَ رضي ! الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ فَيَكْذِبُ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ». حسنه الترمذي. هذا جزاء الكذب الأبيض كما يقولون، وبئس الويل جزاء، نعم يجوز
الكذب في بعض الحالات لمصلحة شرعية.
تمام المنة
۲۰۹
ففي الصحيحين عن عن أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بن أَبِي مُعَيِّطٍ رضي الله عنها : أَنَّها سَمِعَتْ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «لَيْسَ الكَذَّابُ الذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا».
زاد مسلم في رواية: قالت أمُّ كُلْثُومٍ وَلَوْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إلا في ثَلاثِ الحَرْبَ وَالإِصْلاحَ بَيْنَ النَّاسِ وَحَدِيثَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ
وَحَدِيثَ المَرْأَةِ زَوْجَهَا . فهذه ثلاثة مواضع يجوز فيها الكذب: ١ - إذا أصلحت بين متخاصمين متهاجرين فيجوز لك أن تنمي، أي تنسب خيرا لم يحصل بأن تقول لأحدهما سمعت صاحبك يثني عليك ويذكرك بخير ونحوه هذا مما يقرب بينهما .
٢- إذا كنت في جهاد ضد الكفار فيجوز لك الكذب لأن الحرب خدعة
ويكون الكذب بقصد إرهابهم وإضعاف معنوياتهم.
- حديث الرجل امرأته بأن يعدها بإحضار ما تطلبه من ثياب وحلي وغيرهما يقصد جبر خاطرها وإسكات طلباتها المتكررة، وكذلك المرأة إذا كان الزوج يرهقها بمطالب ليست بذات قيمة فلها أن تمطله في تنفيذها بما تخلقه من الأعذار.
٤- بقي موضع رابع يجوز فيه الكذب بل يجب وهو ما إذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وأنت تعرف مكانه أو المكان الذي يضع فيه ماله فيجب أن تكذب وتنفي معرفتك له سترا عليه أو على ماله، وكذلك إذا كان عندك مال أو غيره وديعة المسلم وطلب منك تسليمه بغير حقه فلا
۲۱۰
الحديث الشريف
تسلمه وادع ضياعه، أو أن صاحبه أخذه (۱).
«مَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ» لما كان هذا أعلى من الخصلتين قبله ضمن لصاحبه بيتا
في أعلى الجنة.
وحسن الخلق جماع مكارم الأخلاق ثبت فيه من الأحاديث ما يؤيد ذلك. ففي "سنن أبي داود" عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ» صححه ابن حبان والحاكم. وفي أكبر معاجم الطبراني عن أنس رضي الله عنه، عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «إِنَّ العَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ عَظِيمَ دَرَجَاتِ الْآخِرَةِ وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ العِبَادَةِ، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ بِسُوءٍ خُلُقِهِ أَسْفَلَ دَرَجَةٍ فِي
جَهَنَّمَ». إسناده حسن.
الحديث الثاني والثلاثون
عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ رضي الله عنه، الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عيه وسلم: «مَنْ شَهِدَ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ
(۱) وإن استحلفك فأحلف له واستعمل في يمينك التورية؛ بأن تأتي بعبارة موهمة، لأنه لا حق له في أخذ المال ولا في استحلافك على ضياعه، أما لو كان لشخص على آخر حق من مال أو غيره واختلفا فيه واستحلفه صاحب الحق فلابد أن يحلف له على قصده ولا تنفعه التورية؛ لقوله عليه الصلاة والسلام اليمين على نية المستحلف». رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
تمام المنة
۲۱۱
الجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ». رواه
الشيخان.
وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ لا يتم إسلام المسيحي إلا إذا قال هذا، معتقدًا إياه، ونبذ عقيدته الخرافية: أن عيسى ابن الله أو فيه طبيعة ناسوتية، وطبيعة لاهوتية، وأنه مخلّص العالم. إلى آخر تلك الخرافات التي يستسخفها
العقل، ويبطلها المنطق.
وَكَلِمَتُهُ» هي خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: ٥٩].
قول: كن. قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ
ورُوحُ مِنْهُ» يستدل المسيحيون بهذه العبارة على أن عيسى جزء من الله
.
فيكون ابنه، لأن الولد جزء من أبيه. وقد احتج بها قسيس على عالم مسلم أنه أفحمه. فذكر له قول الله تعالى في سورة الجاثية): وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية: ۱۳] وقال له: إذن ما في السموات وما في الأرض، جزء من الله ! فبُهِتَ القسيس.
والحقيقة أن «من» في الموضعين ليست للتبعيض، ولكنها للابتداء. والمعنى: أن عيسى روح مبتدأ من الله : أي أن الله ابتدأ خلقه، وأن تسخير ما في
السموات وما في الأرض، مبتدأ من الله، لم يشركه في تسخيره غيره.
وَأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ»: بمعنى أن النعيم والعذاب فيهما حقيقي ملموس مدرك، لا معنوي كما يقول الفلاسفة ومن نحا نحوهم من الكفار
الملاحدة.
۲۱۲
الحديث الشريف
الحديث الثالث والثلاثون
عن المنذِرِ صَاحِبِ رَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وَكَانَ يُقِيمُ بإفريقية، وتوفي بطرابلس رضي الله عنه، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ: رضيت رَضِيتُ بِاللهِ رَبَّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، فَأَنَا الزَّعِيمُ لَا خُذَنَّ بِيَدِهِ حَتَّى أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ». رواه الطبراني
في "الكبير"، بإسناد حسن. «الزَّعِيمُ» الضامن.
استنبطت من هذا الحديث مسألة ما أظن أحدًا سبقني إليها، وهي: أن الله تعالى خالق الخلق، وبيده النفع والضر، وهو الذي رضي لنا الإسلام دينًا لقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دينا [المائدة: ٣] واختار محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رسولا، وجعله خاتم النبيين. ومع ذلك يُحِبُّ من عبده أن يبدي رضاه به ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبياً، ويكون إبداء رضاه طوعًا واختيارًا ، لا يشوبه ضغط. فأين هذا من الحكام الظلمة الذين يضغطون على شعوبهم بوسائل الإرهاب المختلفة ليظهروا رضاهم بحكمهم وقوانينهم.
الحديث الرابع والثلاثون
عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رضي الله عنه، أنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبَّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّة». فَعَجِبَ لَهَا أبو سَعِيدٍ. فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأُخْرَى يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا لِلعَبْدَ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ، بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَينِ كَمَا بَيْنَ
تمام المنة
۲۱۳
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ قَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ الجِهَادُ
في سَبِيلِ الله» (۱) . رواه مسلم في "صحيحه"
الحديث الخامس والثلاثون
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «مَنْ عَلِمَ أَنَّ الصَّلاةَ حَقٌّ وَاجِبٌ دَخَلَ الْجَنَّةَ». رواه أبو يعلى بإسناد
صحيح.
العلم بحقيَّة الصلاة ووجوبها، يقتضي فعلها والمحافظة عليها، فالحديث يحض على آداء الصلاة بطريق الاقتضاء، وهذا كما تريد أن تستحثّ شخصا على إقامة الصلاة، فتقول له: أنت تعلم أن الصلاة فرض.
الحديث السادس والثلاثون
عن حَنْظَلَةَ الكَاتِبِ رضي الله عنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؛ رُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَعَلِمَ أَنَّهُنَّ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ، دَخَلَ الْجَنَّةَ» أَوْ قَالَ: «وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ» أَوْ قَالَ: «حُرِّمَ عَلَى النَّارِ» (٢). رواه أحمد بإسناد جيد.
(۱) هذا الحديث يبيّن أن النطق بالرضاء في الحديث السابق لا بد أن يكون صادرًا عن
عقيدة وإيمان.
(۲) فتلخص من الحديثين أن من عَلِمَ وجوب الصلاة وحافظ على آدائها دخل الجنة، ويجوز أن يكون المعنى في الحديث السابق: الإشارة إلى أن من مات يعتقد وجوب الصلاة كان مسلما يدخل الجنة ولو عذب بمعاصي اقترفها بخلاف من أنكر وجوب الصلاة، فلا يكون مسلما.
٢١٤
الحديث الشريف
هذا الحديث بين الحديث السابق. وأوضح مجمله.
الحديث السابع والثلاثون
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَتَانِ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ، هُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ : يُسَبِّحُ دُبُرَ كُلَّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَيَحْمَدُ عَشْرًا، وَيُكَبِّرُ عَشْرًا فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللَّسَانِ، وَأَلْفُ وَخَمْسُمِائَةِ فِي المِيزَانِ. وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ، وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ. فَتِلْكَ مِائَةٌ بِالنِّسَانِ، وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ». فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عليه وآله وسلَّم يَعْقِدُهَا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ؟ قَالَ: يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ فِي مَنَامِهِ فَيُنَوِّمَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ، وَيَأْتِيهِ فِي صَلَاتِهِ فَيُذَكِّرُهُ حَاجَةٌ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ». رواه أبو داود والنسائي والترمذي،
وقال: حدیث حسن صحيح، وصححه ابن حبان. يُسَبِّحُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا» هذه مُعَقِّبَات، تقال عقب الصلاة وقد ثبتت
في كيفيتها أحاديث هذا أحدها
والثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ سَبَّحَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَانًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَقَالَ تَمَامَ المِائَةِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ». رواه مسلم في "صحيحه".
تمام المنة
۲۱۵
والثالت: حديث كَعْبِ بن عُجْرَةَ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، قال: مُعَقِّبَاتٌ لاَ يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ - دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ : ثَلَاثًا وَثَلاثِينَ تَسْبِيحَةً، وَثَلانًا وَثَلاثِينَ تَحْمِيدَهُ، وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً رواه مسلم أيضًا. والمكلّف مخيَّر بين هذه الأنواع أيها أخذ به أجزأه، ويستحب أن يقول هذا مرة، وهذا مرة.
وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ»: لقَّنَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم هذا الذكر بهذه الكيفية، لعلي وفاطمة عليهما السلام(۱)، كذلك ثبت في
الصحيحين. وَيَأْتِيهِ في صَلَاتِهِ فَيُذَكِّرُهُ حَاجَةً قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ» لأنَّ الشيطان يحبُّ أن
يشغل الإنسان عن طاعة ربه ويبعده عن قربه.
ومما يُذكر في هذا الموضوع: أنَّ رجلًا قال لأبي حنيفة: وضعتُ دنانير لي في مكان ثم نسيته ؟ فقال له أبو حنيفة: ليس هذا بحكم شرعي أفتيك فيه، ولكن اذهب فصل ركعتين لله فذهب الرجل وتوضأ وشرع في الصلاة، فتذكر المكان أثناء الصلاة، فقطعها وأخذ الدنانير، وأخبر أبا حنيفة وشكره فقال له: هلا أحيَيْتَ ليلتك بالصلاة شكرًا الله تعالى؟
فقيل له: لم أمرته بالصلاة؟ قال: لأني علمت أن الشيطان لا يتركه يصلي.
(1) لما ذهبا يسألانه خادما - من فيء جاءه - يساعدهما على العمل الذي أتعبهما، فقال صلى الله عليه وآله وسلّم: «لا أعطيكما وأدع أهل الصفة لا أجد ما أنفق عليهم". فرجعا. ولما أخذا مضجعهما من الليل، جاءهما فقال لهما : ألا أدلكما علي خير مما سألتماني؟» فلقنهما الذكر المذكور. وأخذ منه أن خاصية هذا الذكر إذهاب التعب عمن قاله.
٢١٦
الحديث الشريف
الحديث الثامن والثلاثون
.
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلا. فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ. فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم ، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلُّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ هُمْ، وَيُنْذِرَهُم شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ هُمْ. وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيْتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأَمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِينْ يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ ، ويُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلَتَاتِهِ مِنيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنَ بالله واليَوْمِ الآخِرِ، وَليَأْتِ إِلَى النَّاسِ الذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ. وَمَنْ بَايَعَ إمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَمِينِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ ، فَلْيُطِعْهُ إِن اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرٌ يُنَازِعُهُ
فَاضْرِبُوا عُنْقَ الآخَرِ». رواه مسلم في "صحيحه". إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلُّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ هُمْ»: هذا واجب أيضًا على كل عالم، وهو من باب النصيحة الواجبة. ومن أخل بها، أخل بواجب
ديني يأثم بتركه. جُعِلَ عَافِيتُهَا في أَوَّلِهَا» وهم أهل الصدر الأول من الصحابة والتابعين
وأتباعهم. فإنه وإن وقعت في أيامهم أحداث وفتن، منذ قتل عثمان، كان الخير غالبًا، وحدود الشرع قائمة والوازع الديني يمنع الناس عن كثير من الشرور. ثم بدأ الخير يقل، وأهملت حدود الشرع واضمحل الوازع الديني من قلوب
الناس، حتى صار الحال إلى ما ترى ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تمام المنة
۲۱۷
وَأمُورٌ تُنْكِرُونَهَا»: مثل انتشار المعاصي والمنكرات، وفُشُو المبادئ الهدامة
للدين، وللقيم الخلقية، كالبهائية والشيوعية والوجودية ونحوها. فتِنُ يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا»: أي يصير بعضها خفيفًا رقيقا لعظم ما بعده،
فالفتنة الثانية تجعل الفتنة قبلها خفيفة.
«فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَمِينِهِ»: أي ضرب على يمين الإمام، مبايعا له.
«وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ»: أي أخلص في بيعته، ولم يكن مُسْتَكْرَها عليها.
فَلْيُطِعْهُ إن استَطَاعَ»: ما لم يأمر بمعصية أو يخرج على قواعد الشرع وإلا فلا طاعة له، لأن طاعة الإمام مشروطة بمتابعته للشريعة.
«فَاضْرِبُوا عُنْقَ الآخَرِ»: لخروجه عن طاعة الإمام الحق، وتفريقه كلمة
المسلمين.
الحديث التاسع والثلاثون
عن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الخَيْرَ ، وَالرَّامِي بِهِ ، وَمُنَبِّلَهُ . وَارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ تَرْكَبُوا وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عُلِّمَهُ فَإِنَّهُ نِعْمَةٌ كَفَرَهَا». رواه أبو داود. وصححه الحاكم.
«إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ : هو النَّبلُ الذي يرمى به من النشاب.
صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ في صَنْعَتِهِ الخَيْرَ »: بأن يقصد بصنعته الاستعداد لجهاد
الكفار، أو لدفع عدوان البغاة المعتدين.
۲۱۸
الحديث الشريف
«وَمُنَبِّلَهُ»: أي: مناوله للرامي به وجاء في رواية للبيهقي: «صَانِعَهُ الذِي يَحْتَسِبُ فيهِ الخَيْرَ ، وَالذِي يُجَهَرُ بِهِ في سَبِيلِ الله، وَالذِي يَرْمِي بِهِ فِي سَبِيلِ الله». فقوله: وَالذِي يُجَهرُ بِهِ في سَبِيلِ الله ويقتضي أنه بيان لمنبله في هذه الرواية، ولا مانع من أن يكون معنى المنبل ما ذكرناه، ويكون ذكر المجهز بالسهم في رواية البيهقي زيادة يعمل بها. والحديث يشمل الأسلحة الحديثة مثل البندقية والمدفع والدبابة والمسدس وغيرها، فمن صنع شيئًا منها بقصد الجهاد في سبيل الله أو استعمله فيه كمحاربة اليهود في فلسطين أو جهز به من يستعمله مثل منظمة التحرير الفلسطينية، أدخله الله الجنة.
«وَارْمُوا وَارْكَبُوا» أي تعلموا الرمي والركوب على الخيل، تنفيذا لقوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ [الأنفال: ٦٠] قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أَلَا إِنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُّ، أَلَا إِنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُّ، أَلَا إِنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ». رواه مسلم.
والرمي عام يشمل الرمي بالنَّبلِ والرصاص والقنابل بأنواعها، فيجب تعلم الرماية بهذه الأسلحة الحديثة. والركوب يتناول ركوب الخيل والدبابات والعربات المصفحة والطائرات المقاتلة بأنواعها، فيجب تعلم ركوب هذه المركبات، لأنها من آلات الجهاد في هذا العصر. وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ تَرْكَبُوا لأن أساس الجهاد ومبناه رمي
الأعداء بما يزهق أرواحهم، وما الركوب إلا أسلوب من أساليب الجهاد
تمام المنة
۲۱۹
يتمكن به الراكب من أن يكون رميه أقوى أو أعم، وذلك لا يكون في كل
معركة.
«فَإِنَّهُ نِعْمَةٌ كَفَرَهَا» وكفر النعمة معصية. فترك الرمي - أي: نسيانه – بعد
تعلمه معصية؛ لأنه ترك لواجب كفائي (١) بعد تعينه في حقه (٢). الحديث الأربعون
عن مُعَاذِ بن جَبَلِ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ». رواه أبو داود،
وصححه الحاكم.
لا إله إلا ان الله : هي كلمة التقوى. قال الله تعالى: ﴿ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى
رَسُولِهِ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ﴾ [الفتح: ٢٦]. وهي أفضل الكلام، قَالَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وقال صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَفْضَلُ الذِّكْرِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ (۳). فمن مات عليها مات على التوحيد الخالص وكان
(1) تعلم الرماية بالأسلحة الحديثة فرض كفاية تقوم به طائفة من المسلمين، والجيش هو الذي يقوم بهذا الواجب فينبغي لأفراده من جنودٍ وضُبّاط أن يُخلصوا النيَّة ويصدقوا العزيمة لينالوا الثواب الموعود. (۲) القاعدة الشرعية: أنَّ فرض الكفاية إذا شرع فيه المكلف، صار فرض عين عليه. (۳) وحديث: من قال : لا إله إلَّا الله ومَدَّها هُدِمَتْ له أربعة آلاف ذنبٍ مِن الكَبَائِر».
حدیث موضوع
۲۲۰
الحديث الشريف
من أهل الجنة.
(تنبيه): ثبت في مناقب الحافظ أبي زُرْعَةَ الرَّازِي أنه لما حضرته الوفاة، سأله بعض الحاضرين أن يروي لهم هذا الحديث، فرواه بإسناده، حتى قال: مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ففاضت روحه، رحمه الله ورضي عنه.
الحديث الحادي والأربعون
عن سَهْلِ بن سَعْدٍ رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنَّ في الجنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخِلُ مِنْهُ الصَّائمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، فَإِذَا دَخَلُوا أُخْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ». رواه الشيخان. يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ»: ضد العطشان اختص الصائمون بالدخول من هذا الباب جزاء لهم على أن تحملوا في صيامهم ظمأ الهواجر، والرَّيَّان أحد أبواب الجنة الثمانية خصصه الله بالصائمين تنبيها على فضل الصوم ويجوز أن يكون بابا فرعيا صغيرًا من داخل أحد أبوابها الكبيرة.
الحديث الثاني والأربعون
عن أبي أُمَامَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَدْخُلُ به الجنَّةَ؟ قال: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ». رواه ابن حبان في صحيحه. لا مِثْلَ لَهُ» : لأن الصائم يشبه الملائكة في إمساكه عن الشهوات الجسمية، وتغذية روحه بأنواع العبادة من صلاة وذكر وغيرهما، ولأن الصوم أبعد عن
الرياء وأقرب إلى الإخلاص ولذلك كانت دعوة الصائم مستجابة.
تمام المنة
الحديث الثالث والأربعون
۲۲۱
عن حُذَيْفَةَ ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهُ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الجنة». رواه أحمد في "مسنده"، وإسناده لا بأس به.
يؤخذ من الحديث: أن من ختم حياته بطاعة دخل الجنة، وذكرت هذه الطاعات عنوانا لغيرها، فالهيللة عنوان للطاعات اللسانية كالذكر وتلاوة القرآن، والصوم عنوان للطاعات البدنية كالصلاة والصدقة عنوان للطاعات المالية كالهبة والإنفاق في بناء مسجد ونحوهما.
الحديث الرابع والأربعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: عُرِضَ عَلَى أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ، وَأَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ، فَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ : فَالشَّهِيدُ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكُ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِسَيِّدِهِ، وَعَفيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ، وَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ: فَأَمِيرٌ مُسَلَّطُ، وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ مَالٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّ الله فيهِ، وَفَقِيرٌ فَخُورٌ». رواه ابن خزيمة وابن حِبَّان في صحيحيهما.
عُرِضَ عَلَيَّ»: يفيد أن الله تعالى يعرض عليه أحوال أمته المنعمين والمعذبين؛ ليبلغهم ذلك فيجتهدوا في عبادة فتؤديهم إلى النعيم، ويجتنبوا أسباب الجحيم.
۲۲۲
الحديث الشريف
«فَالشَّهيد»: هذا اللفظ إذا أطلق في القرآن والحديث فالمراد به شهید
المعركة في الجهاد.
وَعَبْدٌ تَملُوكُ : بأن كان كافرًا وأسر في الجهاد، وضرب عليه الإمام الرق،
ثم أسلم فأحسن عبادة ربه ونصح لسيده.
وَعَفيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ»: تقدم في الحديث الرابع عشر .
فَأَمِيرٌ مُسَلَّدٌ»: أي حاكم ظالم يقهر الناس لقوانين ظلمه.
«لَا يُؤَدِّي حَقَّ الله فيهِ»: حق الله الزكاة لأن الله أوجب على الأغنياء حقا
معلوما يدفعونه للأصناف المذكورة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمُ } [التوبة: ٦٠] ومن امتنع عن دفع الزكاة أخذها الإمام منه عَنْوة، وعاقبه بأخذ جزء من ماله يضعه في مصالح المسلمين.
«وَفَقِيرٌ فَخُورٌ »: لأن الله يبغضه كما ثبت في حديث آخر، ومن أبغضه الله دخل النار، وإذا كان للغني بعض العذر في افتخاره بغناه وثروته فأي عذر للفقير في فخره (۱)؟!
(۱) ومن الأمثال المشهورة بين الناس بمصر، قولهم: «ربنا يحب عبده الفشار، ولا يحب عبده النكار»: يقصدون أنه ينبغي للفقير أنه يتزيَّن بالكذب والفشر، فيقول: «أكلت، شربت لبست إظهارًا للغنى. لكن هذا المثل كاذب، فالله لا يحب الكذب والفشر، بل يبغضهما ويلعن صاحبهما، وإنما يحب الله من عبده الفقير أن يكون متعففا قانعا.
تمام المنة
۲۲۳
الحديث الخامس والأربعون
عن ابن عباس رضي الله عنهما :قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «يَا شَبَابَ قُرَيْشٍ، احْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَلَا تَزْنُوا، أَلَا مَنْ حَفِظَ فَرْجَهُ فَلَهُ
الجنة». رواه الحاكم، وصححه على شرط الشيخين.
الحديث السادس والأربعون
عنه أيضًا رضي الله عنه فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: الله «مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ وَقَرَى الضَّيْفَ دَخَلَ الْجَنَّةَ». رواه
الطبراني في "الكبير". وَقَرَى الضَّيْفَ : قِرَى الضيف من مكارم الأخلاق التي كانت عند العرب
في جاهليتهم، فلما جاء الإسلام أقره وحَضَ عليه وجعله من خصال الإيمان. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». وفيهما عنه أيضًا رضي الله عنه ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فَقَالَ : إِنِّي مَجْهُودٌ. فَأَرْسَلَ إلى بَعْضِ نِسَائِهِ فَقَالَتْ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ. ثُمَّ أَرْسَلَ إلى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ. حَتَّى قُلْنَ
كُلُهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ: «لَا، وَالذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءُ».
فَقَالَ: «مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللهُ؟» فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ : أَنَا
٢٢٤
الحديث الشريف
يَا رَسُولَ الله فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لَا، إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، قال: فَعَلَّلِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا أَرَادُوا العَشَاءَ فَنَوْمِيهِمْ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِنِي السِّرَاجَ، وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ.
فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ وَبَانَا طَاوِييْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدًا عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّه
عليه وآله وسلَّم فَقَالَ: «قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا».
ونزلت هذه الآية: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: ٩] والرجل المجهود أبو هريرة نفسه. ومعنى مجهود : أصابته مشقة من الجوع. ومقتضى الأحاديث أن الضيافة واجبة ومدتها يوم وليلة إذا اجتاز مارا
بأهل المنزل، وثلاثة أيام إذا قصدهم.
وبوجوب الضيافة قال أحمد بن حنبل والظاهرية، وفي الصحيحين عن أبي شُرَيْحٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضَّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ».
قال الترمذي: معنى لا يثوِي: لا يقيم حتى يَشْتَدَّ على صاحب المنزل». والحرج الضيق. وفي "المسند" بإسناد رجاله ثقات عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «أَيُّهَا ضَيْفِ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَأَصْبَحَ
الضَّيْفُ تَحْرُومًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ قِرَاهُ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ». صححه الحاكم. وفي "سنن أبي داود" عن المِقْدَامِ بن مَعْدِي كَرِبَ الكِنْدِي رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ
تمام المنــة
مُسْلِمٍ فَمَنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ فَهُوَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إِنْ شَاءَ قَضَى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ».
٢٢٥
وفي السنن عنه أيضًا، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَضَافَ قَوْمًا فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ غَحْرُومًا فَإِنَّ نَصْرَهُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَتَّى يَأْخُذَ
بِقِرَى لَيْلَتِهِ مِنْ زَرْعِهِ وَمَالِهِ». صححه | نه الحاكم.
الحديث السابع والأربعون
عن عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ أَدْخَلَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سُرُورًا لَمْ يَرْضَ اللَّهُ لَهُ ثَوَابًا دُونَ الْجَنَّةِ».
رواه الطبراني في "الكبير".
«سُرُورًا»: أي فعل أمرًا يَسُرُّهم، كأن أهدى إليهم هدية أو قضى لهم حاجة أو بشرهم بنجاح موضوع كانوا ينتظرون نجاحه أو بقدوم غائب انقطعت عنهم أخباره، أو ما أشبه هذا.
الحديث الثامن والأربعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ يَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءُ إِلَّا الْجَنَّةُ». رواه
مالك والشيخان «العُمْرَةُ»: طواف الكعبة سبع مرات، وسعي بين الصفا والمروة مثل ذلك. فعلها في جميع شهور السنة، أما الحج، فله وقت لا يتعداه. قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرُ مَعْلُومَتُ ﴾ [البقرة: ۱۹۷] وهي شوال وذو القعدة وعشر
ويصح
من ذي الحجة.
٢٢٦
الحديث الشريف
الحديث التاسع والأربعون
عن جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الحَج المبرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءً إِلَّا الجَنَّةُ قِيلَ: وَمَا بِرُّهُ؟ قَالَ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَطِيبُ
الكَلامِ». رواه الطبراني، وابن خُزَيْمَةَ في "صحيحه"، والحاكم وصححه. ورواه أحمد والبيهقي في رواية بلفظ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ».
فتلخص من الروايتين أن الحج المبرور، يشتمل على ثلاثة أشياء:
1- إطعام الطعام للفقراء والمحتاجين على سبيل المواساة، وللإخوان والأصدقاء على سبيل المكارمة.
٢ - طيب الكلام، وهو أن يُعوّد لسانه الكلام الطيب الجميل، منذ خروجه من بيته إلى حين عودته فلا يَشْتُم ولا يَصْخَب ولا يجادل، وفي أخلاق أهل مكة شدة فليقابلها بلين ولطف وليحسن أخلاقه معهم ما استطاع.
- إفشاء السلام وله مزيد ثواب في أيام الحج؛ لأن المسلم يلتقي هناك بإخوانه المسلمين من مختلف بقاع الأرض فإفشاء السلام بينهم يؤدي إلى تحابب وتعارف ثم معاونة ومساعدة في قضاء مصالح بعضهم لبعض فيعظم
الأجر ويكثر الثواب.
الحديث الخمسون
عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهَا يَنْفِيانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَلَيْسَ لِلحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابُ إِلَّا الجَنَّةُ». رواه
تمام المنة
۲۲۷
الترمذي، وابن خُزَيْمَةَ وابن حِبَّان في صحيحيهما، وقال الترمذي: «حديث
حسن صحيح.
تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ: أي وَالُوا بينهما بأن تعتمروا داخل السنة وتؤدوا الحج آخرها في وقته.
«فَإِنَّهُما يَنْفِيانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ»: لأن فيها إنفاقا في سبيل الله، والله تعالى يقول : وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [سبأ: ٣٩] ولكون هذا الإنفاق يتعلق بحج بيته والاعتمار فيه محا به ذنوب المنفق. قال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُتْ وَلَمْ يَفْسُقُ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». رواه الشيخان.
كما ينفي الكير»: هذا المثال يفيد أن أعمال الحج والعمرة تحرق الذنوب وتمحوها، كما يحرق الكير الخبث العالق بالحديد والذهب والفضة ويذهبه فيخرج الحاج المعتمر من مكة نظيفًا من الذنوب، كما تخرج تلك المعادن من الكير، نظيفة من الخبث.
الحديث الحادي والخمسون
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «مَا أَهَلَّ مُهِلٌ قَطُّ وَلَا كَبَّرَ مُكَبِّرُ قَطُّ إِلَّا بُشِّرَ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِالجَنَّةِ؟ قَالَ:
«نَعَمْ». رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد صحيح. مَا أَهَلَّ مُهِلٌ »: أَهَلَّ بفتح الهمزة والهاء وتشديد اللام: رفع صوته بالتلبية:
البيك اللهم لبيك ..... إلى آخر التلبية.
۲۲۸
العيد.
الحديث الشريف
وَلَا كَبَّرَ مُكَبّر رفع صوته بالتكبير في ذبح الهدايا والضحايا في أيام
«إِلَّا بُشِّرَ : أَي بشَره مَلَكٌ من قِبل الله تعالى بأن له الجنة.
الحديث الثاني والخمسون
عن أُمَّ حَكِيمٍ بنت أبي أُمَيَّةَ بن الأَخْنَسِ، عن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَرَ» أو «وَجَبَتْ لَهُ
يو
الجنة». رواه أبو داود والبيهقي.
وفي رواية للبيهقي أيضًا عن أمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «مَنْ أَهَلَّ بالحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ». مَنْ أَهَلَّ بالحَج وَالعُمْرَةِ هذه الرواية مبينة للرواية الأولى، وهي تحتمل
معنيين.
أحدهما: أن يُهل بهما جميعًا، فيكون قارنا.
ثانيهما: أن يهل بالحج مُفْرِدًا، فإذا أتمه، عاد في السنة نفسها فأحرم بعمرة، وهذا هو المعنى الراجح، لأنه إذا قَرن بينهما كانت العمرة مندرجة في الحج، فلم يكن لها أثر. والحديث أفردها بالذكر ، ليفيد أن الإهلال بها يكون منفردًا عن الحج فيصير المهل بها، بعد إهلاله بالحج وإتمامه، قائها بعبادتين مستقلتين،
يستحق جزاء هما العظيم.
تمام المنة
۲۲۹
مِنَ المَسْجِدِ الأَقْصَى هو ثاني مسجد أُقيم في الأرض بعد المسجد الحرام،
وكان قبلة المسلمين أول ما فرضت الصلاة، فالإحرام منه بالحج أو العمرة
قيام بعبادة بين مسجدين هما أول مكان عبد الله فيه على وجه هذه المعمورة. «وَمَا تَأَخَّرَ»: وقعت هذه اللفظة في عدة أحاديث، في فضل صيام رمضان وقيام ليلة القدر وصلاة التسابيح وغير ذلك مما أفرد بالتأليف وأنكرها ابن تيمية، وقال: «لم تجيء في حديث صحيح، وإنما صحت الأحاديث بجملة: غفر له ما تقدم من ذنبه وهو مخطئ في إنكار ثبوتها.
الحديث الثالث والخمسون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بِشِعبٍ فيهِ عُيَيْنَة مِنْ مَاءٍ عَذْبَة، فَأَعْجَبَتْهُ، قَالَ: لَوِ اعْتَزَلْتُ النَّاسَ فَأَقَمْتُ في هَذَا الشِّعْبِ، وَلَنْ أَفْعَلَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم فذكَرَ ذَلِكَ لِرَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، قَالَ: «لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ مُقَامَ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَامًا، أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ، وَيُدْخِلَكُمُ الجَنَّةَ؟ اغْرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ». رواه الترمذي، وقال: «حدیث حسن». وصححه
الحاكم على شرط مسلم.
بشعب»: بكسر الشين: طريق في الجبل.
«لَا تَفْعَلْ»: نهاه عن اعتزال الناس؛ لأن في اعتزالهم انقطاعا عن شهود الجماعة والجمعة، وإخلالا بما يوجبه الدين من الأمر بالمعروف والنهي عن
۲۳۰
الحديث الشريف
المنكر، ومساعدة الضعيف، وإرشاد الضال في الطريق وغير ذلك مما لا يتأتى
مع العزلة.
فُوَاقَ» بضم الفاء وتخفيف الواو ما بين الحلبتين. لأنها تحلب، ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتُدِرَّ ، ثم تحلب. وفي هذا دليل على فضل الجهاد
وعظم ثوابه.
الحديث الرابع والخمسون
عن أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه، ف قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقٌ بِكَلِمَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أَوْ يَرْدَّهُ إِلى سَكَنِهِ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ».
رواه مالك والبخاري والنسائي.
تَكَفَّلَ الله» أي ضمن والمتكفل الضامن
وَتَصْدِيقٌ بِكَلِمَاتِهِ» وهي قوله تعالى: تَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو هَلْ أَدُلُ كُر عَلَى بَصَرَ وَتُجِيكُم مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُول اليمن تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَهدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ لا يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرُ مَنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: 10
.[١٣
« أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ»: إن مات أو قتل في الجهاد. وهذا الثواب مشروط بأن تكون النية خالصة للجهاد في سبيل الله، كما أفاده الحديث فإن خالطها غرض آخر، كأن يقصد التجارة أو الدفاع عن عصبية من العصبيات، أو قومية من
تمام المنة
۲۳۱
القوميات، أو الظهور بمظهر الشجاع الجرئ أو نحو ذلك، فلا ثواب له. بل
يكون آنهما لأنه مرائي أظهر خلاف ما يقصد.
الحديث الخامس والخمسون
عن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه ، عن رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: رِبَاطُ شَهْرٍ خَيْرٌ مِنْ صِيامِ دَهْرٍ، وَمَنْ مَاتَ مُرابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمِنَ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَغْدِيَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ وَرِيحٍ مِنَ الْجَنَّةِ وَيَجْرِي عَلَيْهِ أَجْرُ الْمُرَابِطِ حَتَّى يَبْعَثَهُ الله عزّ وجلَّ». رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات.
رِبَاطُ شَهْرٍ» الرباط: الإقامة ببلد مُعَرَّض لهجوم الكفَّار، من جهة البر أو البحر. فالمرابط بقصد حراسة المسلمين من عدوهم يُعطى هذا الأجر العظيم. أمِنَ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ» وهو فزع يوم القيامة.
وَغُدِيَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ وَرِيحٍ مِنَ الْجَنَّةِ»: وهو في القبر، بأن ترزق روحه صباحًا ومساءً كالشهيد ، إلا أنه أقل رتبة منه. حيث أن الشهيد تنتقل روحه في الجنة تعلق من ثمارها وروح المرابط يأتيها رزقها في مكانها من البرزخ. «وَيَجْرِي عَلَيْهِ أَجْرُ المُرابِطِ» بالنسبة السابقة، وهي شهر الصيام دهر.
وهذا أحد المواضع التي يجرى ثوابها على صاحبها بعد موته. والثاني: علم علمه، أو كتاب ألفه في علم ينتفع به.
والثالث: مصحف ورثه من بعده.
والرابع: نهر أجراه أو عين أنبطها.
والخامس مسجد بناه، أو معهد لتعليم العلم، أو مستشفى لمرضى
۲۳۲
الحديث الشريف
المسلمين.
والسادس: صدقة جارية، كأن أوقف دارًا أو بستانًا مثلا ينفق ريعها على
بعض وجوه الخير.
والسابع: ولد صالح يدعو له.
وقد أُفرِدَت مؤلفات في بيان هذه المواضع، وقد أوصلها بعضهم إلى أكثر
من عشرة.
الحديث السادس والخمسون
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللهُ لِلمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا
بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ». رواه البخاري.
الحديث السابع والخمسون
رضي
الله عنه: أنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه وآله
عن سَهْلِ ابن ا الحنظلية وسلم قَالَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ: «مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟» قَالَ أَنَسُ بْنُ أَبِي مَرْتَدِ الغَنَوِيُّ رضي الله عنه : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «ارْكَبْ فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ، وَجَاءَ إِلَى رَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: اسْتَقْبِلْ هَذَا الشِّعْبَ حَتَّى تَكُونَ فِي أَعْلَاهُ وَلَا نُغَرَّنَّ مِنْ قِبَلِكَ اللَّيْلَةَ». فَجَاءَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم. قَالَ : إِنِّي انْطَلَقْتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَى هَذَا الشَّعْبِ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فَلَا أَصْبَحْتُ اطَّلَعْتُ الشَّعْبَيْنِ كِلَيْهِمَا فَلَمْ أَرَ أَحَدًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم:
تمام المنة
۲۳۳
هَلْ نَزَلْتَ اللَّيْلَةَ؟» قَالَ: لَا ، إِلَّا مُصَلِّيَا أَوْ قَاضِبًا حَاجَةً. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلَّم: «قَدْ أَوْجَبْتَ فَلاَ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَعْمَلَ بَعْدَهَا». رواه أبو داود والنسائي. اسْتَقْبِلْ هَذَا الشَّعْبَ» بكسر الشين وسكون العين: الطريق في الجبل. «وَلَا نُغَرَّنَّ»: بضم النون وفتح الغين وتشديد الراء والنون: لا نؤخذن على غرة. مِنْ قِبَلِكَ اللَّيْلَةَ قِبَلِكَ بكسر القاف وفتح الباء: جهتك. والمعنى: لا تنم فيأتي الكفار من جهتك فيأخذونا على غِرَّة. فيجب أن يكون في الجيش طائفة يحرسونه وقت النوم والراحة وما كانت هزيمة جيش أحمد عرابي في التل الكبير بالشرقية، إلا بالتفريط في الحراسة.
«هَلْ نَزَلْتَ عن فَرَسِكَ اللَّيْلَةَ قَالَ: لَا» أي لم أنزل عن فرسي إلا لضرورة صلاة أو قضاء حاجة، بل بتُ راكبا على فرسي أحرس جيش
المسلمين. «قَدْ أَوْجَبْتَ» أي عملت عملا أوجب لك الجنة.
وفي هذا فضل كبير للحراسة، لا يقل عن فضل الجهاد. ويعد هذا الحارس في جملة المبشرين بالجنة.
الحديث الثامن والخمسون
عن معاذ بن جَبَلِ رضي الله عنه ، قَالَ: عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم في خَمْسٍ مَنْ فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ، أَوْ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامٍ
٢٣٤
الحديث الشريف
يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ، أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَسَلِمَ وَسَلِمَ مِنْهُ النَّاسُ . رواه أحمد. «كَانَ ضَامِنًا عَلَى الله أن يدخل الجنة. كذا جاء مفسّرًا في حديث عائشة
رضي الله عنها، عند الطبراني في "الأوسط".
تقدمت عيادة المريض، واتباع الجنازة، والغزو الجهاد.
يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ»: التعزيز بالزاي، والتوقير: التعظيم. ومن تعزيز الإمام إبداء النصيحة له، وتنبيهه إلى وجوه من الخير قد تكون
غائبة عنه، أما تعظيمه بالمدح الكاذب ومدح ما يصدر عنه من أفعال مخالفة
للشرع فذلك نفاق يوجب النار لصاحبه.
وفي صحيحي " ابن خُزَيْمَةَ" و"ابن حِبَّان": عن مُعَاذٍ أيضًا رضي الله عنه، عَنْ رَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «مَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللهِ ، وَمَنْ عَادَ مَرِيضًا كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ، وَمَنَ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى إِمَامٍ يُعَزِّرُهُ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ لَمْ يَغْتَبْ إِنسَانًا كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ». لم يذكر هذا الحديث اتباع الجنازة، وذكر بدله الغُدُو إلى المسجد أو الراوح
إليه. فيستفاد منه ومن الحديث قبله ست خصال.
وهكذا جاءت في حديث عَائِشَةَ عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: خِصَالٌ سِتٌ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إِلَّا كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ» وذكرها. رواه الطبراني في "الأوسط".
وفي سنن أبي داود" و "صحيح ابن حبان": عن أبي أُمَامَةَ رضي الله عنه،
تمام المنة
۲۳۵
أَنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، إِنْ عَاشَ رُزِقَ وَكُفِي، وَإِنْ مَاتَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ: مَنْ دَخَلَ بَيْنَهُ بِسَلَامٍ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ، وَمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى الله».
الحديث التاسع والخمسون
عن مُعَاذٍ أيضًا رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول: «مَنْ قَاتَلَ في سَبِيلِ الله فَوَاقَ نَاقَةٍ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ سَأَلَ اللَّهِ القَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيد». رواه الأربعة، وقال
الترمذي: حديث حسن صحيح. «فُوَاقَ»: بضم الفاء أو فتحها وتخفيف الواو، تقدم بيان معناه. وَمَنْ سَأَلُ الله القَتْلَ»: أي سأل أن تقتل نفسه في الجهاد. صَادِقًا»: في طلب الاستشهاد في سبيل الله.
«ثُمَّ مَاتَ : حَتْفَ أنفه «أَوْ قُتِلَ» في غير الجهاد.
«فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيد عملا بنيته وصدق طلبه، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».
وفي القرآن الكريم : وَمَن يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ
فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [النساء: ١٠٠].
نزلت هذه الآية في رجل خرج مهاجرًا إلى المدينة، فمات وهو لا يزال في
ضواحي مكة.
٢٣٦
الحديث الشريف
الحديث الستون
عن كَعْبِ بن مُرَّةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «مَنْ بَلَغَ العَدُوِّ بِسَهُم رَفَعَ اللَّهُ لَهُ دَرَجَةٌ» فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن النَّحَامِ: وَمَا الدَّرَجَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَمَا إِنَّهَا لَيْسَتْ بِعَتَبَةِ بَابِكَ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامِ». رواه النَّسَائِيُّ وغيره.
أَمَا إِنَّهَا لَيْسَتْ بِعَنبَةِ بَابِكَ»: يفيد أن درجة الجنة معناها: المرقاة التي يرقى عليها، وارتفاعها كناية عن ارتفاع المكان الذي يتوصل بها إليه، كما أن كثرتها تقتضي كثرة القصور التي تعطى لصاحبها، لأن لكل قصر في الجنة درجة يرقى بها إليه، فكثرة الدرجات - حيثما جاءت في الحديث - كناية عن كثرة القصور.
الحديث الحادي والستون
عن عَمْرُو بن عَبْسَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ فِي حِصَارِ الطَّائِفِ: «مَنْ بَلَغَ بِسَهُم فَهُوَ لَهُ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ». فَبَلَغْتُ يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ سَهُمَا. رواه النسائي.
الحديث الثاني والستون
عن مَعْدَانَ بن أبي طَلْحَةَ رضي الله عنه، قَالَ: حَاصَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم الطَّائِفَ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ بَلَغَ بِسَهُم فَهُوَ لَهُ دَرَجَةٌ فِي
الجَنَّةِ. فَبَلَغْتُ يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمَا.
رواه ابن حبان في "صحيحه".
تمام المنة
الحديث الثالث والستون
۲۳۷
عن عتبة بن عَبْدِ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ لأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَقَاتِلُوا». فَرَمَى رَجُلٌ بِسَهُم. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أَوْجَبَ هَذَا». رواه أحمد، وإسناده حسن.
«أَوْجَبَ هَذَا» أي أوجب لنفسه الجنة، لأنه كان أسبق جيش المسلمين إلى ضرب العدو، وفيه حث على مبادأة الكفار بالقتال إذا التقى الجيشان.
الحديث الرابع والستون
عن سَبرَةَ بن الفَاكِهِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِطَرِيقِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ؟ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ فَغُفِرَ لَهُ. فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ دَارَكَ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ ؟! فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ. فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ وَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ المَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الَمَالُ ؟! فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ».
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى الله أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ». رواه النسائي والبيهقي، وصححه ابن
جبان.
إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ»: لأنه لما امتنع عن السجود لآدم عليه السلام ! فلعنه الله وطرده قال: قَالَ فَيمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدُنَ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) ثُمَّ لَا تِيَنَّه
۲۳۸
الحديث الشريف
منْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَنِهِمْ وَعَن شَمَالِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَكِرِينَ ﴾ [الأعراف :
.[١٦ - ١٧
بِطَرِيقِ الهِجْرَةِ يعني الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، لأن من أسلم من أهل بلاد الكفر انقطعت الصلة بينه وبين أهل بلده، ووجب أن يهاجر إلى بلد الإسلام ليكون مع إخوانه المسلمين ويتمكن من إقامة الجماعة والجمعة وسائر الشعائر الدينية، وإن كان له والدان كافران فيمكنه أن يواصلها بزيارته وبره وله أن يحملهما على السفر معه من غير ضغط ولا تهديد، بل يرغبهما فيه.
فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ»: أي أسلم أو هاجر أو جاهد.
«كَانَ حَقًّا عَلَى الله هذا حق تفضلي أوجبه الله على نفسه تفضلًا منه
سبحانه. «وَإِنْ غَرِقَ»: يدل على مشروعية الجهاد في البحر.
وَإِنْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ»: أي قتلته بدوسها عليه.
الحديث الخامس والستون
عن فَضَالَةَ بن عُبَيْدٍ رضي الله عنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «أَنَا زَعِيمٌ - وَالزَّعِيمُ الْحَمِيلُ - لَنْ آمَنَ بِي وَأَسْلَمَ وَهَاجَرَ بِبَيْتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ وَبِبَيْتٍ في وَسَطِ الجَنَّةِ، وَأَنَا زَعِيمٌ لَنْ آمَنَ بِي وَأَسْلَمَ وَجَاهَدَ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الجَنَّةِ وَبِبَيْتٍ في وَسَطِ الْجَنَّةِ وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى غُرَفِ الْجَنَّةِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَدَعْ لِلْخَيْرِ مَطْلَبًا وَلاَ مِنَ الشَّرِّ مَهْرَبًا يَمُوتُ حَيْثُ شَاءَ أَنْ يموت». رواه النسائي، وصححه ابن حبان.
تمام المنة
۲۳۹
فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أي أسلم وجاهد.
لَمْ يَدَعْ لِلْخَيْرِ مَطْلَبًا وَلاَ مِنَ الشَّرِّ مَهْرَبًا»: لأنه باع نفسه الله، بجهاده في
سبيل الله، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَاهُم بأن لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا التَّوْرَةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا
بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: ١١١].
الحديث السادس والستون
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يَقُولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: المُجَاهِدُ في سَبِيلِي هُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ إِنْ قَبَضْتُهُ أَوْرَثْتُهُ
الجَنَّةَ، وَإِنْ رَجَعْتُهُ رَجَعْتُهُ بِأَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ». رواه الترمذي و وصححه. هذا حديث قدسي ويسمى ربانيا، وهو الحديث الذي يرويه النَّبي صلى الله
عليه وآله وسلَّم عن الله تبارك وتعالى والفرق بينه وبين القرآن من وجوه: الأول: أن القرآن نزل بلفظه ومعناه، والحديث القدسي نزل بمعناه، والنبي
صلى الله عليه وآله وسلّم يعبر عنه بلفظه.
الثاني: أن القرآن نزل للإعجاز والتحدي، بخلاف الحديث القدسي. الثالث: أن القرآن نزل به جبريل عليه السلام، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (٢) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ) بِلِسَانٍ عَرَبِي ) مبين ﴾ [الشعراء: ۱۹۲ - ۱۹٥] بخلاف الحديث القدسي، فقد ينزل به ملك غير
جبريل.
٢٤٠
الحديث الشريف
أما الحديث النبوي، فلفظه ومعناه من النَّبي صلى الله عليه وآله وسلّم.
والخلاصة:
أن القرآن لفظه ومعناه من الله تعالى.
والحديث القدسي: معناه من الله تعالى، ولفظه من النبي صلى الله عليه وآله
وسلم. والحديث النبوي لفظه ومعناه من النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم. رَجَعْتُهُ بِأَجْرٍ» إن لم ينتصر «أَوْ غَنِيمَةٍ» إن انتصر وغنم من الكفار،
والحديث يفيد أن الغنيمة تنقص أجر المجاهد.
الحديث السابع والستون
عن أبي المُنذِرِ رضي الله عنه : أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله ، إِنَّ فُلَانًا هَلَكَ فَصَلِّ عَلَيْهِ. فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه :
أَصْبَحْتَ
إِنَّهُ فَاجِرٌ فَلَا تُصَلِّ عَلَيْهِ. فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ الله أَلَمْ تَرَ اللَّيْلَةَ التِي أَ. فيها في الحَرَسَ؟ فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فَصَلَّى عَلَيْهِ. ثُمَّ تَبِعَهُ حَتَّى جَاءَ قَبْرَهُ، فَعَدَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُ حَنَا عَلَيْهِ ثَلَاثَ حتياتٍ. ثم قال: «يُثْنِي عَلَيْكَ النَّاسُ شَرًا، وَأُثْنِي عَلَيْكَ خَيْرًا». فَقَالَ عُمَرُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «دَعْنَا مِنْكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، مَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ». رواه الطبراني في "الكبير"، بإسناد لا بأس به. حَنَا عَلَيْهِ ثَلاثَ حَشَيَاتٍ هذا دليل لما يفعله كثير من الناس حين يحثون
تمام المنة
٢٤١
على الميت عند دفنه، ثلاث حثيات من تراب ولعل حكمة ذلك: الإشارة إلى قوله تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَتَكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا تُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 00] فالإنسان خلق من الأرض، وفيها يعود بعد موته، ومنها يخرج للبعث.
الحديث الثامن والستون
عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، قَالَ سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ بِحَضْرَةِ العَدُوِّ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ». فَقَامَ رَجُلٌ رَبُّ الهَيئَةِ، فَقَالَ : يَا أَبَا مُوسَىٰ أَنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلَامَ . ثُمَّ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَأَلْقَاهُ، ثُمَّ مَشَى بِسَيْفِهِ إِلَى العَدُوِّ فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ . رواه مسلم والترمذي. إِنَّ أَبْوَابَ الجَنَّةِ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ»: هذه كناية عن كون الضرب بالسيف في سبيل الله موصلا إلى باب الجنة ومؤديا إلى دخولها، ولذلك لما استثبت الرجل أبا موسى في الحديث وتأكد له ثبوته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، كسر غمد سيفه وضرب به حتى استشهد.
عن
الحديث التاسع والستون
، عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «جَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، يُنْجِي اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنَ الهَمِّ وَالغَم». رواه أحمد والطبراني بإسناد
رواته ثقات، وصححه الحاكم.
٢٤٢
الحديث الشريف
يُنْجِي اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنَ الهَمِّ وَالغَمَّ»: لأن المجاهد إن مات أو قتل في الجهاد كان شهيدا ينجيه الله من هم الموقف وغمه، وإن عاش انتصر وغنم و صرف الله عنه هم الدنيا وغمها.
الحديث السبعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ القَانِتِ الصَّائِمِ لَا يَفْتُرُ صَلَاةٌ وَلَا صِيَامًا حَتَّى يُرْجِعَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِهِ بِمَا يُرْجِعُهُ إليهم مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ».
رواه ابن حبان في "صحيحه". حَتَّى يُرْجِعَهُ»: بفتح الياء وبضمها مع تخفيف الجيم وتشديده لأن هذا الفعل يتعدى بالحركة كما في القرآن، وبالهمزة، وبالتضعيف «مِنْ أَجْرٍ» بأن تنازل عن غنيمته لأحد إخوانه.
(تنبيه) روی ابن حِبَّان هذا الحديث عن شيخه عمرو بن سعيد بن سنان
عاش ثمانين سنة صائمًا بالنهار قائما بالليل غازيًا ومرابطًا.
الحديث الحادي والسبعون
عن شَدَّادِ بن الهَادِ رضي الله عنه ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلَّم، فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَهَاجِرُ مَعَكَ. فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلَّم بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزَاةٌ غَيْمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلَّم فَقَسَمَ ، وَقَسَمَ لَهُ. فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَهُ فَجَاءَ إِلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله
تمام المنة
٢٤٣
وسلَّم فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: «قَسَمْتُهُ لَكَ». قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَاهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهُم فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ. فَقَالَ: «إِنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ». فَلَبِثُوا قَلِيلًا، ثُمَّ نَهَضُوا إِلى قِتَالَ العَدُوِّ فَأْتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلّم يُحْمَلُ، قَدْ أَصَابَهُ سَهُمْ حَيْثُ أَشَارَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَهُوَ هُوَ ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «صَدَقَ اللَّهُ فَصَدَقَهُ». ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في جُبَّتِهِ التِي عَلَيْهِ، ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. وَكَانَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ: «اللهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا. أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ» رواه النسائي وغيره.
من الأعراب»: هم أهل البادية، الواحد: أعرابي.
يَرْعَى ظَهْرَهُمْ»: أي إبلهم وأفراسهم التي يركبونها، والظهر: ما يركب مأخوذ من الظهير ، وهو المعين. إِنْ تَصْدِقِ «الله» في طلب الاستشهاد في سبيله «يَصْدُقَكَ» بإعطائك ما تطلب. ويصدقك بفتح الياء وسكون الصاد وضم الدال. «قَدْ أَصَابَهُ سَهُمْ حَيْثُ أَشَارَ : هذه كرامة أكرم الله بها الأعرابي، حيث
حقق له طلبه كما أراد، وحيث أشار.
ا
الحديث الثاني والسبعون
عن أنس رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَومَ بَدْرٍ: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ قَالَ عُمَيْرُ بْنُ الحَمامِ: يَا رَسُولَ الله جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: بَحْ بَحٍ، فَقَالَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ: بَحْ بَحْ؟» فَقَالَ: لَا
٢٤٤
الحديث الشريف
وَالله يَا رَسُولَ الله إِلا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ: «فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا». فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ أَنَا حَبِيتُ حَتَّى أَكُلَ تَرَانِي هَذِهِ إِنَّهَا حَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ، رضي الله عنه . رواه مسلم في "صحيحه".
بخ بخ بخ بوزن ،هل كلمة تقال عند المدح والرضا. فإن وصلت كسرت ونونت فيقال: بخ بخ بكسر الخاء وتنوينها. وهي اسم مبني للشبه
الوضعي.
«فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا»: فَعُمَيرُ من المبشرين بالجنة.
إِنَّهَا حَيَاةٌ طَوِيلَةٌ»: استطال حياته، لا شيتاقه إلى الجنة التي بشر بها، وهذا
يدل على قوة إيمانه، وصدق يقينه.
الحديث الثالث والسبعون
عن أنس أيضا رضي وسلَّم: «يُؤْتَى بِالرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ اللهُ: يَا ابْنَ آدَمَ كَيْفَ وَجَدْتَ مَنْزِلَكَ؟ فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ خَيْرَ مَنْزِلٍ، فَيَقُولُ: سَلْ وَلَتَهُ. فَيَقُولُ: وَمَا أَسَأَلُكَ وَأَتَمنَّى؟ أَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا فَأَقْتَلَ فِي سَبِيلِكِ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ». رواه النسائي، والحاكم وصححه على شرط مسلم. «وَتَمَيَّة»: الهاء هنا هاء السكت، وليست مفعولا به أَيْ رَبِّ»: أي حرف لنداء القريب وأهل الجنة يرون الله قريبا منهم
الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله
بسبب رضاه عنهم وتقريبه إياهم.
تمام المنة
٢٤٥
والحديث يدل على عظم فضل الشهادة في سبيل الله، لأن أهل الجنة ما تمنوا أن يقتلوا في سبيل الله عشر مرات مع كونهم في الجنة إلا لأنهم شاهدوا من فضل الشهادة ما حملهم على هذا التمني.
الحديث الرابع والسبعون
عن عتبة بن عَبْدِ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «القَتْلَى ثَلَاثَةٌ : رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حَتَّى إِذَا لَقِيَ العَدُوَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُقْتَلَ ، فَذَلِكَ الشَّهِيدُ الْمُمْتَحَنُ فِي جَنَّةِ اللَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ، لَا يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلَّا بِفَضْلِ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ. وَرَجُلٌ فَرِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ الله حَتَّى إِذَا لَقِيَ العَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ، فَتِلْكَ مُمَصْمِصَةٌ تَحَتْ ذُنُوبَهُ وَخَطَايَاهُ، إِنَّ السَّيْفَ تَحَاءُ لِلخَطَايَا، وَأُدْخِلَ مِنْ أَيِّ أَبْوابِ الْجَنَّةِ شَاءَ، فَإِنَّ لَهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ - وَلَجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ- بَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَرَجُلٌ مُنَافِقٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ العَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ ، فَذَلِكَ فِي النَّارِ، إِنَّ السَّيْفَ لَا يَمْحُو النَّفَاقَ». رواه أحمد بإسناد جيد، وابن حبان في "صحيحه" وهذا لفظه.
«المُمْتَحَنُ».
بفتح الحاء المهملة: أي امتحنه الله بالجهاد ومشاقه فصدق
وصبر ونجح. وَرَجُلٌ فَرِقَ» بكسر الراء خاف على نفسه من الذنوب والخطايا أن توقعه في النار «فَتِلْكَ» القتلة «مُصْمِصَةٌ» بضم الميم الأولى وفتح
الثانية وكسر الثالثة وسكون الصاد ماحية. محت ذنوبه وخطاياه.
و«بَعْضُهَا» أي بعض أبواب الجنة «أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ».
٢٤٦
الحديث الشريف
إِنَّ السَّيْفَ لاَ يَمْحُو النَّفَاقَ»: لأن المنافق - وإن أظهر الإسلام بلسانه- مصر على الكفر بقلبه، فهو أشد من الكافر المعلن بكفره، ولذلك قال الله تعالى: إِنَّ الْمُنَفِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ [النساء: ١٤٥ ] وهذا النوع يسمى نفاق كفر ، لأن صاحبه أظهر الإسلام وأخفي الكفر. بقي نوعان من النفاق لا يكفر صاحبها لكنه يأثم:
أحدهما: نفاق العمل، وعليه يتنزل حديث الصحيحين: «آيةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعْدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» يضاف إليها خَصْلَتَان،
ثبتتا في حديث الصحيحين أيضًا وهما: «إِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ». ثانيهما: نفاق اجتماعي، وهو مدح الشخص بما ليس فيه كأن يُوصف كبير في المجتمع بأنه كريم أو حكيم أو شجاع وهو بخلاف ذلك وفي مثل هؤلاء المنافقين قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «احْنُوا فِي وُجُوهِ المَداحِينَ التُّرَابَ».
الحديث الخامس والسبعون
عن نُعَيْمٍ بن هَمَّارٍ رضي الله عنه، أ الله عنه ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: أَيُّ الشُّهَدَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الذينَ إِنْ يَلْقَوْا فِي الصَّفُ لَا يَلْفِتُوا وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا، أُولَئِكَ يَتَلَبَّطُونَ فِي الغُرَفِ العُلا مِنَ الْجَنَّةِ، وَيَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ، وَإِذَا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلَى عَبْدِ فِي الدُّنْيَا فَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ». رواه أحمد وأبو يعلى في مسنديهما، ورجال إسنادهما ثقات.
«إِنْ يَلْقَوْا: بفتح الياء والقاف أي يلقوا العدو «في الصَّفّ» مجاهدين «لَا يَلْفِئُوا بفتح الياء، وضمها خطأ - أي لا يَلوُوا وجوههم بقصد الرجوع
تمام المنة
والتقهقر بل يثبتون في مواقفهم أو يتقدمون مهاجمين.
يَتَلَبَّطُونَ»: يضطجعون.
٢٤٧
يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ»: عند استشهادهم. والضَّحِك كناية عن الرضا، لأن من رضى عن شخص استقبله ضاحكًا إظهارًا لرضاه عنه. والحديث يدل على فضيلة الثبات في الجهاد ومصابرة العدو. وفي القرآن الكريم: يَتَأَيُّهَا الذين آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال: ٤٥].
وللحديث طريق آخر عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيٌّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمِ القِيَامَةِ : الَّذِينَ يَلْتَقُونَ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ فَلا يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا أُولَئِكَ يَتَلَبَّطُونَ فِي الغُرَفِ العُلَى مِنَ الجَنَّةِ يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ، وَإِذَا ضَحِكَ إِلَى قَوْمٍ فَلَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ». رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن.
الذِينَ يَلْتَقُونَ»: أي جهاد الذين يلتقون. فهو كقوله تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ
مَنِ اتَّقَى [البقرة: ۱۸۹]، أي بر من اتقى.
الحديث السادس والسبعون
،
،
عن المقدام بن مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لِلشَّهِيدِ عِنْدَ الله سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ اليَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوِّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنْ
٢٤٨
الحديث الشريف
الحور العينِ، وَيُشَفَّعُ في سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ». رواه ابن ماجه والترمذي
وصححه.
آخر.
يُغْفَرُ لَهُ في أَوَّلِ دَفْعَةٍ»: من دمه جميع ذنوبه إلا الدين فقد استثناه حديث
وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنْ الفَزَعِ الْأَكْبَرِ»: هذه خصلة واحدة ذات شقين متلازمين: الأمن من عذاب القبر، اللازم عنه الأمن من الفزع الأكبر. وحاصل هذه الخصلة : أنها أمن من شيئين مؤلمين: عذاب القبر، وفزع
عند البعث.
وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ»: لما كان المجاهد حين استشهاده يقع على الأرض فيعلو التراب وجهه ورأسه جوزي بوضع تاج الوقار على رأسه إجلالا له. «وَيُشَفَعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ»: يشفع بفتح الياء، أو بضمها مع
تشديد الفاء المفتوحة تقبل شفاعته فيهم.
الحديث السابع والسبعون
عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قَالَ: «إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ الله سَبْعَ خِصَالٍ : أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الجَنَّةِ وَيُحَلَّى حَلَّةَ الإِيمَانِ، وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنَ مِنْ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ اليَاقُونَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنْ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ». رواه أحمد بإسناد حسن.
٢٤٨
الحديث الشريف
الحور العينِ، وَيُشَفَّعُ في سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ». رواه ابن ماجه والترمذي
وصححه.
آخر.
يُغْفَرُ لَهُ في أَوَّلِ دَفْعَةٍ»: من دمه جميع ذنوبه إلا الدين فقد استثناه حديث
وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنْ الفَزَعِ الْأَكْبَرِ»: هذه خصلة واحدة ذات شقين متلازمين: الأمن من عذاب القبر، اللازم عنه الأمن من الفزع الأكبر. وحاصل هذه الخصلة : أنها أمن من شيئين مؤلمين: عذاب القبر، وفزع
عند البعث.
وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ»: لما كان المجاهد حين استشهاده يقع على الأرض فيعلو التراب وجهه ورأسه جوزي بوضع تاج الوقار على رأسه إجلالا له. «وَيُشَفَعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ»: يشفع بفتح الياء، أو بضمها مع
تشديد الفاء المفتوحة تقبل شفاعته فيهم.
الحديث السابع والسبعون
عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قَالَ: «إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ الله سَبْعَ خِصَالٍ : أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الجَنَّةِ وَيُحَلَّى حَلَّةَ الإِيمَانِ، وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنَ مِنْ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ اليَاقُونَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنْ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ». رواه أحمد بإسناد حسن.
تمام المنة
٢٤٩
الحديث الثامن والسبعون
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الجَنَّةِ فِي قُيَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيَّا». رواه أحمد وابن حِبَّان في "صحيحه"، والحاكم وصححه على شرط مسلم. الشُّهَدَاءُ» أي أرواحهم. «عَلَى بَارِقِ نَهَر» أي شاطئ نهر. وهؤلاء الشهداء هم الذين استشهدوا وعليهم حقوق لغيرهم كدين مثلا، تمكث أرواحهم في هذا المكان على باب الجنة حتى يأتي يوم القيامة فيؤدوا ما عليهم ثم يدخلون الجنة، أما الشهداء الذين ليس لأحد عليهم حق، فأرواحهم في جوف طير خُضْرٍ تَعلُقُ من ثمار الجنة، ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، كما في الحديث الآتي.
الحديث التاسع والسبعون
عن مَسْرُوقٍ قَالَ : سَأَلْنَا عَبْدَ الله - يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: ١٦٩] فَقَالَ: أَمَا إِنَّا سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم فَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا فَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِى إِلَى تِلكَ القَنَادِيلِ فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطَّلَاعَةٌ فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا؟! فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ
٢٥٠
الحديث الشريف
نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ
لَيْسَ هُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا». رواه مسلم.
فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطَّلَاعَةٌ»: اطَّلع بتشديد الطاء. اطلاعة بكسر الطاء
المشددة. وهذه العبارة. كناية عن تجلي الله لهم وإقباله عليهم بنواله. وفي "صحيح الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «لما أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرِ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظلَّ العَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا: مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَا أَحْيَاءُ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ؟ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «أَنَا ابلغُهُمْ عَنْكُمْ». قَالَ: «فَأَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: ١٦٩]» إلى آخر الآية.
ما أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ»: في غزوة أحد. «خُضر»: جمع أخضر. وهذه الطيور مراكب لأرواحهم. «وَمَقِيلِهِمْ»: أصل المقيل : النوم وقت الظهيرة. وهو هنا كناية عن اضطجاعهم لأن الجنة لا نوم فيها.
الحديث الثمانون
عن أَنَسٍ رضي الله عنه : أَنَّ رَجُلًا أَسودَ أَتَى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم
ا
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ أَسْوَدُ مُنْتِنُ الرِّيحِ قَبِيحُ الْوَجْهِ لَا مَالَ لِي، فَإِنْ أَنَا قَاتَلْتُ هَؤُلاءِ - يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ حَتَّى أَقْتَلَ، فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ». فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم فَقَالَ: «قَدْ بَيَّضَ اللَّهُ وَجْهَكَ
تمام المنة
٢٥١
وَطَيِّبَ رِيحَكَ وَأَكْثَرَ مَالَكَ». وَقَالَ لِهَذَا أَوْ لِغَيْرِهِ: «لَقَدْ رَأَيْتُ زَوْجَتَهُ مِنَ الْحُورِ العِينِ نَازَعَتْهُ جُبَّةٌ لَهُ مِنْ صُوفٍ تَدْخُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جُبَّتِهِ». رواه الحاكم وصححه
على شرط مسلم.
«قَدْ بَيَّضَ اللهُ وَجْهَكَ»: هذا إخبار بما أكرم الله به ذلك الرجل الأسود من الفضل والثواب على جهاده في سبيل الله. والإسلام لا يعرف عنصرية ولا عصبية، بل ينكرهما ويجعل الناس سواء لا فرق بين أبيض وأسود ولا بين غني وفقير ولا بين شريف وحقير إلا بالتقوى والعمل الصالح. قال الله تعالى: يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَتَكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَابِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَنْقَلَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: ١٣].
وَقَالَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فِي بَعْضِ خُطَبِهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ مُبيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ، إِنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ: مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّه».
وحصل بين أبي ذَرٍّ وبلال رضي الله عنهما جدال، فقال أبو ذر لبلال : يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ، فَلَما عَلِمَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ لأَبي ذَرٌ: «إِنَّكَ امْرُةٌ فيكَ جَاهِلِيَّةٌ».
وَقَالَ هَذَا أَوْ لِغَيْرِهِ»: أي عن هذا أو عن غيره، فاللام بمعنى عن. والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا الحديث . هذا الأسود وعن غيره، فليس خاصا به بل هو عام في كل مسلم جاهد في سبيل الله وإن كان سبب وروده حادثة الرجل الأسود.
٢٥٢
الحديث الشريف
الحديث الحادي والثمانون
عن أنس أيضًا رضي ا الله عنه: أن أُمَّ الربيع بنتَ البَرَاءِ رضي الله عنها - وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بن سُرَاقَةَ - أَتَتِ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ؟ - وَكَانَ قَدْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ - فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ في البُكَاءِ. فَقَالَ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى». رواه البخاري في "صحيحه".
«إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الجَنَّةِ»: يعني أ أن الجنة اسم جنس، يشمل جنات مثل جنة
عدن، وجنة المأوى، وجنة الفردوس وهكذا. أَصَابَ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى»: لأنه من شهداء بدر وأهل بدر لهم فضل خاص يمتازون به عن أهل سائر الغزوات لأن غزوة بدر هي الغزوة التي انتصر فيها المسلمون مع قلتهم وقلة سلاحهم - على المشركين الكثيري العدد والعدة فانتصر الإسلام على الكفر، وانتصف منه، وقويت شوكة المسلمين، وخافهم أعداؤهم.
بل بقاء الإسلام إلى اليوم وإلى يوم القيامة كان نتيجة انتصار المسلمين في واقعة بدر، يشير إلى ذلك دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك اليوم قبيل القتال: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي نَصْرك الذي وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تَهْلِكُ هَذِهِ العِصَابَةُ لَا تُعْبَدُ في الأَرْضِ». فمن هنا كان أهل بدر من خيار المسلمين في الأرض، ومن خيار الملائكة في السماء.
تمام المنة
٢٥٣
الحديث الثاني والثمانون
عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مَرَّ بِخِبَاءِ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ يُرِيدُونَ الغَزْوَ فَرَفَعَ الْأَعْرَابِيُّ نَاحِيَةٌ مِنَ الْحِبَاءِ، فَقَالَ: مَنِ القَوْمُ؟ فَقِيلَ لَهُ: رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وَأَصْحَابُهُ، يُرِيدُونَ الغَزْوَ. فَقَالَ: هَلْ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا يُصِيبُونَ؟ قِيلَ لَهُ: نَعَمْ، يُصِيبُونَ الغَنَائِمَ، ثُمَّ تُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. فَعَمَدَ إِلَى بَكْرٍ لَهُ فَاعْتَقَلَهُ وَسَارَ مَعَهُمْ، فَجَعَلَ يَدْنُو بِبَكْرِهِ إِلَى رَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَذُودُونَ بَكْرَهُ عَنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «دَعُوا لِي النَّجْدِيَّ، فَوَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَنْ مُلُوكِ الجَنَّةِ». قَالَ: فَلَقُوا العَدُوَّ فَاسْتُشْهِدَ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فَأَتَاهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ مُسْتَبْشِرًا يَضْحَكُ، ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ. فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ مُسْتَبْشِرًا تَضَحَكُ ثُمَّ أَعْرَضْتَ عَنْهُ؟ فَقَالَ: «أَمَّا مَا رَأَيْتُمْ مِنِ اسْتِبْشَارِي فَلِها رَأَيْتُ مِنْ كَرَامَةِ رُوحِهِ عَلَى الله عزَّ وجلَّ، وَأَمَّا إِعْرَاضِي عَنْهُ فَإِنَّ زَوْجَتَهُ مِنَ
الحورِ العِينِ الآنَ عِنْدَ رَأْسِهِ».
رواه البيهقي، وإسناده حسن.
«لَنْ مُلُوكِ الجَنَّةِ»: فهو من جملة المبشرين.
وَأَمَّا إِعْرَاضِي عَنْهُ فَإِنَّ زَوْجَتَهُ مِنَ الْحُورِ العِينِ الآنَ عِنْدَ رَأْسِهِ: غَضَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم بصره عن زوجته، رعاية لحرمته وهذا كما امتنع
من دخول قصر عمر في الجنة نظرًا لغَيْرَته.
٢٥٤
الحديث الشريف
الحديث الثالث والثمانون
عن أبي موسى: أَنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قَالَ اللهُ تَعَالَى مَلائِكَتِهِ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: فَمَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الجَنَّةِ وَسَمُوهُ بَيْتَ الحَمْدِ». رواه الترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان.
القصد بتراجع السؤال والجواب بين الله تعالى وملائكته عليهم السلام بيان ما للمسلم من ثواب كبير حين يصاب بفقد ولده وهو أعزُّ شئ عنده، فيقابل المصيبة بالحمد والاسترجاع.
وستأتي بحول الله أحاديث في ثواب فقد الأولاد، يتأسى بها من أصيب بفقد أولاده، مثل الحافظ السيوطي الذي ألف رسالة سماها "بَرْدُ الأَكْبَادِ عِنْدَ فَقَدِ الأَوْلَادِ".
الحديث الرابع والثمانون
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ - إِذَا قَبَضْتُ صَفِيهُ مِنْ أَهْلِ
الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ - إِلَّا الجَنَّةُ». رواه البخاري في "صحيحه".
إِذَا قَبَضْتُ صَفيه»: الصفي: المصافي الصادق الود، أخا كان أو صديقًا أو ابنا أو زوجة. فإذا أصيب المؤمن في صَفي له فصبر واحتسب كان جزاؤه
الجنة.
٢٥٤
الحديث الشريف
الحديث الثالث والثمانون
عن أبي موسى: أَنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قَالَ اللهُ تَعَالَى مَلائِكَتِهِ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: فَمَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الجَنَّةِ وَسَمُوهُ بَيْتَ الحَمْدِ». رواه الترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان.
القصد بتراجع السؤال والجواب بين الله تعالى وملائكته عليهم السلام بيان ما للمسلم من ثواب كبير حين يصاب بفقد ولده وهو أعزُّ شئ عنده، فيقابل المصيبة بالحمد والاسترجاع.
وستأتي بحول الله أحاديث في ثواب فقد الأولاد، يتأسى بها من أصيب بفقد أولاده، مثل الحافظ السيوطي الذي ألف رسالة سماها "بَرْدُ الأَكْبَادِ عِنْدَ فَقَدِ الأَوْلَادِ".
الحديث الرابع والثمانون
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ - إِذَا قَبَضْتُ صَفِيهُ مِنْ أَهْلِ
الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ - إِلَّا الجَنَّةُ». رواه البخاري في "صحيحه".
إِذَا قَبَضْتُ صَفيه»: الصفي: المصافي الصادق الود، أخا كان أو صديقًا أو ابنا أو زوجة. فإذا أصيب المؤمن في صَفي له فصبر واحتسب كان جزاؤه
الجنة.
تمام المنة
٢٥٥
الحديث الخامس والثمانون
عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ حَدِّثْنِي بَعَمَلِ يُدْخِلْنِي الجَنَّةَ؟ لَا أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ غَيْرَهُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «بَحْ بَحْ بَحْ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ الْخَيْرَ تُؤْمِنُ بِالله وَاليَومِ الآخِرِ، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤتِي الزَّكَاةَ، وَتَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا حَتَّى تَمَوتَ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» رواه أحمد والنسائي، والترمذي وصححه.
وهو في كتاب "الأربعين النووية" مطولًا بلفظ قريب مما هنا. وهو وإن
صححه الترمذي، فيه إرسال لكن له طرق تقويه.
وَتَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ »: أي تدوم على عبادته بأن تفعل الطاعات قاصدا بها وجهه العظيم، قال تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو القَاءَ رَبِّهِ ، فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَلِحَا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ ريه أحدا ﴾ [الكهف: ١١٠].
الحديث السادس والثمانون
عن ثَوْبَانَ رضي الله عنه . الله عنه ، عَنْ رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: مَنْ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ بَرِيئًا مِنْ ثَلَاثٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ : الكِبْرِ وَالغُلُولِ وَالدَّيْنِ». رواه
النسائي وابن حبان، والحاكم وصححه على شرط الشيخين.
«الكبر» : هو بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ، هكذا عرفه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في حديث رواه مسلم، وبَطَرُ الحَقُّ»: رَدُّه، وعدم قبوله، و«غَمْطُ النَّاسِ»: احتقارهم.
٢٥٦
الحديث الشريف
«وَالغُلُولِ»: بضم الغين: السرقة من الغنيمة في الجهاد.
وَالدَّيْنِ»: بفتح الدال، معروف.
وكانت هذه الأشياء تمنع من دخول الجنة لأن الكبر يبغضه الله تعالى لما فيه من رَدَّ الحق واحتقار الناس، ولأنه لا يليق بالمخلوق، بل هو من صفات الخالق سبحانه، قال تعالى: «الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَصَمْتُهُ ثُمَّ أَلْقَيْتُهُ في جَهَنَّمَ ، ومعنى الكبر في حق الله تعالى: العُلُو
عن سمات المحدثات.
والغلول خيانة للمجاهدين في غنيمة اكتسبوها بحد سيوفهم، والدين حق لصاحبه لا يُغْفَرُ إلا بأدائه أو تنازل صاحبه عنه.
الحديث السابع والثمانون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فَقَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ عُدِيَ عَلَى مَالِي؟ قَالَ: «فَانْشُدُ بِاللَّهِ» قَالَ: فَإِنْ أَبَوا على؟ قال: «فَانْشُدُ بِاللهِ» قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ؟ قَالَ: «فَانْشُدُ بِاللَّهِ» قَالَ: فَإِنْ أَبَوا عَلَيَّ؟ قَالَ: «فَقَاتِلْ فَإِنْ قُتِلْتَ فَفِي الْجَنَّةِ وَإِنْ قَتَلْتَ فَفِي النَّارِ». رواه النسائي. هذا الحديث يُبيَّن حكم الصَّائل، وهو الذي يهجم على الشخص ويأخذ منه ماله بالقوة، وحاصل الحكم: أن ينشده بالله صاحب المال ويذكره بأخوة
الإسلام ثلاث مرات، فإن أبي للمرة الرابعة، قاومه وقاتله.
إِن عُدِي عَلَى مَالِي: المال :نوعان صامت كالنقد والعروض، وناطق
كالأنعام.
٢٥٦
الحديث الشريف
«وَالغُلُولِ»: بضم الغين: السرقة من الغنيمة في الجهاد.
وَالدَّيْنِ»: بفتح الدال، معروف.
وكانت هذه الأشياء تمنع من دخول الجنة لأن الكبر يبغضه الله تعالى لما فيه من رَدَّ الحق واحتقار الناس، ولأنه لا يليق بالمخلوق، بل هو من صفات الخالق سبحانه، قال تعالى: «الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَصَمْتُهُ ثُمَّ أَلْقَيْتُهُ في جَهَنَّمَ ، ومعنى الكبر في حق الله تعالى: العُلُو
عن سمات المحدثات.
والغلول خيانة للمجاهدين في غنيمة اكتسبوها بحد سيوفهم، والدين حق لصاحبه لا يُغْفَرُ إلا بأدائه أو تنازل صاحبه عنه.
الحديث السابع والثمانون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فَقَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ عُدِيَ عَلَى مَالِي؟ قَالَ: «فَانْشُدُ بِاللَّهِ» قَالَ: فَإِنْ أَبَوا على؟ قال: «فَانْشُدُ بِاللهِ» قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ؟ قَالَ: «فَانْشُدُ بِاللَّهِ» قَالَ: فَإِنْ أَبَوا عَلَيَّ؟ قَالَ: «فَقَاتِلْ فَإِنْ قُتِلْتَ فَفِي الْجَنَّةِ وَإِنْ قَتَلْتَ فَفِي النَّارِ». رواه النسائي. هذا الحديث يُبيَّن حكم الصَّائل، وهو الذي يهجم على الشخص ويأخذ منه ماله بالقوة، وحاصل الحكم: أن ينشده بالله صاحب المال ويذكره بأخوة
الإسلام ثلاث مرات، فإن أبي للمرة الرابعة، قاومه وقاتله.
إِن عُدِي عَلَى مَالِي: المال :نوعان صامت كالنقد والعروض، وناطق
كالأنعام.
تمام المنة
٢٥٧
«فَانْشُدُ بِالله»: أي قل له: نَشَدتُّكَ بالله، أي سألتك به أن تكف عن مالي
ولا تأخذه.
«فَقَاتِلْ»: إن رأيت أنه لا يرجع عنك إلا بالقتال، فإن أمكن رده بما دون
المقاتلة، وجب رده بذلك الطريق وحرمت المقاتلة.
«فَإِنْ قُتِلْتَ»: بالبناء للمجهول أي قتلك الصائل «ففي الجنَّة» لأنك شهيد، للحديث الصحيح: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ». ويُقْتَضُ من الصائل لقتله نفسًا معصومة. وإن كانوا جماعة اقتص من الذي باشر القتل،
وعُزِّرَ غيره.
«وَإِنْ قَتَلْتَ»: الصائل ففي النَّارِ» لأنه كان عازما على قتلك وأخذ مالك، وهما كبيرتان. ولا قصاص عليك إن لم تجد مخلصا منه إلا بقتله.
الحديث الثامن والثمانون
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يَجِيءُ صَاحِبُ القُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ القُرْآنُ: يَا رَبِّ حَلَّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ وَيُزَادُ بِكُلُّ آيَةٍ حَسَنَةٌ». رواه الترمذي وحسنه. وصححه ابن خُزَيْمَةَ والحاكم.
يَجِيءُ صَاحِبُ القُرْآنِ» هو الحافظ للقرآن التالي له، العامل به «فَيَقُولُ القُرْآنُ المتلو الذي تلاه القارئ في الدنيا، يتجسّد يوم القيامة فيقول: «يَا رَبِّ حَلَّه» أي البسه حُلَّةٌ وتَاجًا.
تمام المنة
٢٥٧
«فَانْشُدُ بِالله»: أي قل له: نَشَدتُّكَ بالله، أي سألتك به أن تكف عن مالي
ولا تأخذه.
«فَقَاتِلْ»: إن رأيت أنه لا يرجع عنك إلا بالقتال، فإن أمكن رده بما دون
المقاتلة، وجب رده بذلك الطريق وحرمت المقاتلة.
«فَإِنْ قُتِلْتَ»: بالبناء للمجهول أي قتلك الصائل «ففي الجنَّة» لأنك شهيد، للحديث الصحيح: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ». ويُقْتَضُ من الصائل لقتله نفسًا معصومة. وإن كانوا جماعة اقتص من الذي باشر القتل،
وعُزِّرَ غيره.
«وَإِنْ قَتَلْتَ»: الصائل ففي النَّارِ» لأنه كان عازما على قتلك وأخذ مالك، وهما كبيرتان. ولا قصاص عليك إن لم تجد مخلصا منه إلا بقتله.
الحديث الثامن والثمانون
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يَجِيءُ صَاحِبُ القُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ القُرْآنُ: يَا رَبِّ حَلَّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ وَيُزَادُ بِكُلُّ آيَةٍ حَسَنَةٌ». رواه الترمذي وحسنه. وصححه ابن خُزَيْمَةَ والحاكم.
يَجِيءُ صَاحِبُ القُرْآنِ» هو الحافظ للقرآن التالي له، العامل به «فَيَقُولُ القُرْآنُ المتلو الذي تلاه القارئ في الدنيا، يتجسّد يوم القيامة فيقول: «يَا رَبِّ حَلَّه» أي البسه حُلَّةٌ وتَاجًا.
٢٥٨
الحديث الشريف
والمعاني تتجسد يوم القيامة، فالموت يتجسد في صورة كبش أملح، فيُذبح بين الجنة والنار. والأعمال تتجسد فتوضع في الميزان فيثقل العمل الصالح، ويخف العمل السيء (۱) والميت إذا وضع في قبره دخل عليه عمله الصالح في
صورة رجل حسن الوجه طيب الرائحة. وبالعكس يجئ عمله السيء. وعلى هذا لا غرابة في أن يظهر متلو القارئ في صورة جسم نوراني فيطلب من الله إكرام القارئ، أما القرآن الذي هو الصفة القديمة القائمة بذات الله تعالى، فيستحيل أن تتجسد في صورة من الصور كما يستحيل أن تقول: يا رب، لأنها صفة الله سبحانه مثل علمه وقدرته، وبقية صفاته القديمة (٢)
«وَارْقَ بفتح القاف أمر من رَقِيَ بكسرها : إذا صَعِدَ. والمعنى اقرأ القرآن وترق في درج الجنة.
الحديث التاسع والثمانون
عن عبد الله بن عَمْرِو بن العاص رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «يُقَالُ لِصَاحِبِ القُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي
الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا».
رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه، وابن حبان في "صحيحه".
(۱) للحافظ السيوطي رسالة نفيسة في تجسد المعاني يوم القيامة. (۲) المسماة بصفات المعاني وهي الحياة والقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والكلام وأنكرها المعتزلة مستدلين بما لا تقوم به حجة.
٢٥٨
الحديث الشريف
والمعاني تتجسد يوم القيامة، فالموت يتجسد في صورة كبش أملح، فيُذبح بين الجنة والنار. والأعمال تتجسد فتوضع في الميزان فيثقل العمل الصالح، ويخف العمل السيء (۱) والميت إذا وضع في قبره دخل عليه عمله الصالح في
صورة رجل حسن الوجه طيب الرائحة. وبالعكس يجئ عمله السيء. وعلى هذا لا غرابة في أن يظهر متلو القارئ في صورة جسم نوراني فيطلب من الله إكرام القارئ، أما القرآن الذي هو الصفة القديمة القائمة بذات الله تعالى، فيستحيل أن تتجسد في صورة من الصور كما يستحيل أن تقول: يا رب، لأنها صفة الله سبحانه مثل علمه وقدرته، وبقية صفاته القديمة (٢)
«وَارْقَ بفتح القاف أمر من رَقِيَ بكسرها : إذا صَعِدَ. والمعنى اقرأ القرآن وترق في درج الجنة.
الحديث التاسع والثمانون
عن عبد الله بن عَمْرِو بن العاص رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «يُقَالُ لِصَاحِبِ القُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي
الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا».
رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه، وابن حبان في "صحيحه".
(۱) للحافظ السيوطي رسالة نفيسة في تجسد المعاني يوم القيامة. (۲) المسماة بصفات المعاني وهي الحياة والقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والكلام وأنكرها المعتزلة مستدلين بما لا تقوم به حجة.
تمام المنة
٢٥٩
وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا» يفيد أن هذا الثواب لا يعطى إلا لمن كان
يقرأ القرآن بالترتيل، وهو الترسل في القراءة وتبيين مخارج الحروف وإعطاؤها حقها (۱)
فإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا» قال الإمام الخطابي في "معالم السنن": جاء في الأثر: أن عدد آي (۲) القرآن، على قدر درج الجنة فيقال للقارئ: ارق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن. فمن استوفى قراءة جميع استولى على أقصى درج الجنة في الآخرة. ومن قرأ جزءا منه كان رقيه في الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة.
الحديث التسعون
القرآن
عن بريدة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُورٍ، ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ هُمَا الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟
فَيُقَالُ: بَأَخْذِ وَلَدِكُمَا القُرْآنَ».
رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم. في الحديث حَضُّ على تعلم القرآن وتعليمه والعمل به، فينبغي للمسلم أن
يُعَلَّمَ أولاده القرآن ويحملهم على التمسك بما فيه من أخلاق وآداب.
(۱) قال الله لنبيه: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: ٤] أما الهذرمة في قراءة القرآن أو عدم
تجويده فلا ثواب فيهما.
(۲) آي بالمد وآياي أيضًا كلاهما جمع آية.
تمام المنة
٢٥٩
وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا» يفيد أن هذا الثواب لا يعطى إلا لمن كان
يقرأ القرآن بالترتيل، وهو الترسل في القراءة وتبيين مخارج الحروف وإعطاؤها حقها (۱)
فإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا» قال الإمام الخطابي في "معالم السنن": جاء في الأثر: أن عدد آي (۲) القرآن، على قدر درج الجنة فيقال للقارئ: ارق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن. فمن استوفى قراءة جميع استولى على أقصى درج الجنة في الآخرة. ومن قرأ جزءا منه كان رقيه في الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة.
الحديث التسعون
القرآن
عن بريدة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُورٍ، ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ هُمَا الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟
فَيُقَالُ: بَأَخْذِ وَلَدِكُمَا القُرْآنَ».
رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم. في الحديث حَضُّ على تعلم القرآن وتعليمه والعمل به، فينبغي للمسلم أن
يُعَلَّمَ أولاده القرآن ويحملهم على التمسك بما فيه من أخلاق وآداب.
(۱) قال الله لنبيه: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: ٤] أما الهذرمة في قراءة القرآن أو عدم
تجويده فلا ثواب فيهما.
(۲) آي بالمد وآياي أيضًا كلاهما جمع آية.
٢٦٠
الحديث الشريف
الحديث الحادي والتسعون
عن عبد الله بن عَمْرِو بن العَاصِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا غَنِيمَةٌ مَجَالِسِ الذِّكْرِ؟ قَالَ: «غَنِيمَةُ عَجَالِسِ الذِّكْرِ الجَنَّةُ». رواه أحمد، وإسناده
حسن.
«غَنِيمَةُ عَجَالِسِ الذِّكْرِ»: أي ما يغنمه المسلم من مجالس ذكر الله تعالى.
«الجنَّة»: أي دخول الجنة.
والذكر أنواع الهيللة، والتسبيح والتحميد، والتكبير، والحوقلة، والصلاة على النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم، وغير ذلك. وأفضل الذكر:
تلاوة القرآن.
الحديث الثاني والتسعون
عن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَقْوَامًا فِي وُجُوهِهِمُ النُّورَ، عَلَى مَنَابِرِ اللُّؤْلُؤِ، يَغْبِطُهُمُ النَّاسُ، لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلا شُهَدَاءَ». فَجَنَا أَعْرَابِيُّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله حَلِّهِمْ لَنَا نَعْرِفُهُمْ؟ قال: «هُمُ المُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى وَبِلَادٍ شَتَّى يَجْتَمِعُونَ عَلَى ذِكْرِ الله يَذْكُرُونَهُ». رواه الطبراني في "الكبير"، بإسناد
حسن
«حَلِّهِمْ»: بفتح الحاء وكسر اللام المشددة: صفهم لنا.
هُمُ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّه»: وصفهم بصفتين: ۱ - التَّحَابُّ في الله تعالى، وصاحب هذه الصفة، يظله الله في ظل عرشه،
تمام المنة
٢٦١
يوم لا ظل إلا ظله».
الاجتماع على ذكر الله تعالى، وتقدم في الحديث قبله أن غنيمة هذا
الاجتماع دخول الجنة.
الحديث الثالث والتسعون
عن رِفَاعَةَ الجُهَنِيِّ رضي ! الله عنه ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالكَدِيدِ أَوْ بِقَدِيدٍ - مَوْضِعَ - فَحَمِدَ اللَّهِ وَقَالَ خَيْرًا . وَقَالَ: «أَشْهَدُ عِنْدَ اللهِ : لَا يَمُوتُ عَبْدُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ ثُمَّ يُسَدَّدُ إِلَّا سُلِكَ فِي الجَنَّة». رواه أحمد، وإسناده لا بأس به. ثُمَّ يُسَدِّدُ إِلا سُلِكَ في الجَنَّةِ»: معنى يُسَدِّدُ: يستقيم، وسُلِكَ في الجنة: أي
دخلها وسلك فيها.
الحديث الرابع والتسعون
عن عبد الله بن عَمْرِو رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ». رواه
البزار، وإسناده جيد.
سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ سبحان اسم مصدر من التسبيح، وهو منصوب وجوبا، بدلًا من النطق بفعله، ومعنى هذه الجملة: تنزيه الله، وبكماله نزهته. أي أن كماله دل على تنزيهه عن النقائص ؛ لأن من له الكمال المطلق استحال أن
يلحقه نقص.
٢٦٢
الحديث الشريف
الحديث الخامس والتسعون
عن جابر رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ». رواه النَّسَائِيُّ، وصححه ابن حبان والحاكم.
في هذا الحديث زيادة صفة «العَظيمِ ؛ هي صفة تناسب تنزيه الموصوف بها
عن النقائص.
شَجَرَةٌ»: أي كشجرة تفاح أو رمان أو أي نوع يشتهيه.
الحديث السادس والتسعون
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ الله وَالحَمْدُ للهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ غُرِسَ لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَجَرَةٌ في الجَنَّةِ». رواه الطبراني بإسناد حسن، وتقدم معنى هذه
الكلمات.
الحديث السابع والتسعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا فَقَالَ: «يَا أَبا هريرة مَا الَّذِي تَغْرِسُ؟» قُلْتُ: غِرَاسًا. قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ مِنْ هَذَا؟ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، تُغْرَسَ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الجَنَّةِ». رواه ابن ماجه
بإسناد حسن، وصححه الحاكم. كان أبو هريرة منقطعًا إلى النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم، يتلقى عنه
تمام المنة
٢٦٣
الحديث ويتعلم منه أمور الدين وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يتولى الإنفاق عليه مع جملة أهل الصُّفَّةِ المنقطعين لتلقي العلم منه عليه الصلاة والسلام، والانقطاع لتلقي العلم واجب ديني حض الله تعالى عليه بقوله: فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَنَفَقَهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: ۱۲۲] فانشغال واحد من هؤلاء بالغراسة أو التجارة، يشغله عما انقطع له. فلهذا قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لأبي هريرة حين وجده يغرس غِرَاسًا: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ مِنْ هَذَا؟» بالنسبة لأبي هريرة وأمثاله الذين انقطعوا إلى الله، وتفرغوا لتعلم دينه .
أما غرس الأشجار وزرع الثمار فأمر مُرَغَبٌ فيه لمن أهله الله لذلك وجعله
سبب رزقه.
ففي "صحيح مسلم" عن جابر رضي الله عنه : الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إِلا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ». فالفلاح الذي يأكل الدود قطنه له ثواب ما أُكل منه وإن كان يجب عليه مقاومة الدودة حفظاً لماله، فإنَّ ما يذهب منه أثناء المقاومة أو قبلها بإفساد
الدودة لا يضيع عليه سُدى بل يُثاب عليه.
وهكذا جمع الدين الإسلامي للمسلم دنياه ودينه، أوجب عليه حفظ ماله من الضياع، ثم أوجب له الثواب فيما ضاع منه بغير تفريط .
٢٦٤
الحديث الشريف
11
وفي "صحيح مسلم عن جابر أيضًا :قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ».
«يَرْزَؤُهُ»: يصيب منه . وفي الصحيحين عن أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ». وفي "المسند" بإسناد حسن، عن خَلادِ بن السَّائِبِ، عن أبيه رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ زَرَعَ زَرْعًا فَأَكَلَ مِنْهُ الطَّيْرُ أَوِ العَافِيةُ كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ».
«العافية»: طالب الرزق من إنسان أو حيوان.
وفي "المسند" بإسناد حسن أيضًا، عن رَجُلٍ مِن الصَّحَابَةِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «مَنْ نَصَبَ شَجَرَةٌ فَصَبَرَ عَلَى حِفْظِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا حَتَّى تُنْمِرَ كَانَ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُصَابُ مِنْ ثَمَرِهَا صَدَقَةٌ عِنْدَ الله عزَّ وجلَّ». وفي "المسند" أيضًا: أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بأبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا بِدِمَشْقَ فَقَالَ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا وأنتَ صَاحِبُ رَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم؟! قَالَ : لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ:
مَنْ غَرَسَ غَرْسًا ، لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ آدَمِيٌّ وَلَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ». وفيه أيضًا، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، عن رسول الله صلَّى الله
تمام المنة
٢٦٥
عليه وآله وسلَّم قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ قَدْرَ
مَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الغَرْسِ».
وفي "مسند البزار" عن أَنَسٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدِ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ كَرَى (١) نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِثْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ».
و لهذا تجد كثيرًا من الفلاحين بالمغرب، يغرسون بعض الأشجار المثمرة
كشجرة التين (٢) ويجعلونها وقفا، يأكل منها كل من يمر بها. والمقصود أن غرس الأشجار وزرع الثمار أمر ممدوح ندب الشارع إليه
وحثّ الناس عليه.
الحديث الثامن والتسعون
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ الذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَزَّ وجلَّ فِي السَّرَاءِ وَالضَّرَّاءِ». رواه البزار والطبراني بأسانيد أحدها حسن، وصححه الحاكم على شرط مسلم.
السراء: الرخاء والضراء: الشدة.
والحمد في السراء، معهود يشترك فيه عامة المسلمين وخاصتهم، أما الحمد
(1) كرى نهرًا أي حفره. وورّث مصحفاً بتشديد الراء أي تركه بعده لمن يتلو فيه. وانظر الحديث رقم (٥٥).
(۲) والتين يسميه المغاربة: الكرموس، ويوجد في المغرب منه أنواع جميلة.
٢٦٦
الحديث الشريف
في حالة الضراء والشدة فمقام عزيز لا يناله إلا قليل من خاصة العارفين. اجتمع شَقِيقُ البَلْخِيُّ الزاهد المعروف بأحد كبار الزهاد فسأله: كيف الحال عندكم، فأجابه: الحال عندنا أننا إن أُعطينا حَمِدنا، وإن مُنِعنا صَبَرنا.
قال شَقِيقٌ : هكذا كلاب بَلْخِ عندنا.
سأله ذلك الزاهد فكيف الحال عندكم؟ قال شَقِيقٌ: حالنا: أننا إن منعنا حمدنا، وإن أعطينا آثرنا.
وفلسفة الحمد في الضراء: أن الله تعالى إذا أصاب عبده بشدة فقد اختاره للابتلاء، فإن صبر من غير ضجر أثيب ثوابًا مضاعفا لنجاحه في مقابلة الشدة بعلاجها الذي عينه الشارع لها، أما إن حمد الله عليها فقد ارتقى إلى مقام الرضا عن الله في كل ما يصدر عنه فكان من خاصة عباده المقربين.
ورد عن بعض كبار التابعين أنه دخل بيته ليلة فوجد زوجته مهمومة لعدم وجود عشاء للأولاد، فأحيا ليلته تلك بالصلاة شكرًا على هذه النعمة ولهذا قال عمر رضي الله عنه في بعض كتبه لأبي موسى إن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر. وهذا كما يصاب الإنسان بمرض جسمي، فإن عالج نفسه بالأدوية التي يصفها له الطبيب فقد سلك السبيل المحمود المشروع، وإن قدر على ترك العلاج ثقة بأن الله هو الشافي ارتقى إلى مقام المتوكلين(۱)، وهو مقام إبراهيم
عليه السلام حيث يقول : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: ٨٠] والحاصل : أن الإسلام راعى الحالتين: فشرع للعامة العلاج بالدواء الحسي
(۱) وصل إلي هذا المقام أبو بكر الصديق وعكاشة بن محصن رضي الله عنهما.
تمام المنة
٢٦٧
للأمراض الجسمية، وبالصبر (۱) للشدائد المعنوية، وحَضَّ الخاصة على التوكل
في الأولى والرضا في الثانية.
الحديث التاسع والتسعون
عن قيس بن سَعْدِ بن عُبَادَةَ رضي الله عنهما ، أَنَّ أَبَاهُ دَفَعَه إلى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَخْدُمُهُ، قَالَ : فَأَتَى عَلَيَّ نَبِيُّ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وَقَدْ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ؟» قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله». رواه الحاكم وصححه على شرط
الشيخين.
الحديث المتمم مائة
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أ أنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ، فَقَالَ لَهُ: «يَا مُحَمَّدُ، مُرْ أُمَّتَكَ فَلْيُكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِ الْجَنَّةِ فَإِنَّ تُرْبَنَهَا طَيِّبَةٌ وَأَرْضَهَا وَاسِعَةٌ. قَالَ: وَمَا غرَاسُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله». رواه أحمد بإسناد حسن،
وصححه ابن حبان. مرُ أُمَّتَكَ»: ينطبق على هذا الأمر قاعدة أصولية معروفة، هي أن «الأمر
بالأمر بالشيء، ليس أمرا بذلك الشيء».
(۱) مر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم برجل يسأل الله أن يرزقه الصبر، فقال له: سألت الله البلاء فاسأله العافية. فأفاد أن الإنسان لا ينبغي له أن يسأل الصبر ابتداء، إنما يسأله
عند وقوع البلاء لأنه علاجه.
٢٦٨
وتوضيح
الحديث الشريف
هذه القاعدة: أن إبراهيم عليه السلام أَمَرَ النَّبيَّ صلَّى الله عليه
وآله وسلَّم أن يأمرنا بقول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإبراهيم ليس آمر ا لنا بهذا
الذكر، وإنما الأمر به هو النَّبي صلى الله عليه وآله وسلّم.
ونظير هذا حديث أبي داود: «مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ». هذا أمر من النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم للآباء بأن يأمروا أولادهم بالصلاة، فالأولاد مأمورون بالصلاة من آبائهم لا من النَّبي صلى الله عليه وآله
وسلم.
(تنبيه) هذا الحديث رواه النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم عن إبراهيم
عليه السلام، هو من رواية الأبناء عن الآباء.
وروى عن عيسى عليه السلام ليلة الإسراء أيضًا حديث نزوله إلى الأرض في آخر الزمان، وقتله الدجال. أخرجه الحاكم عن ابن مسعود،
وصححه.
وروى حديث الجَسَّاسَةِ عن تميم الدَّارِيِّ، وهو في "صحيح مسلم". وهذا نوع من علوم الحديث يسمى رواية الأكابر عن الأصاغر، وقد أفرد بالتأليف، كما أفرد نوع رواية الأبناء عن الآباء، بالتأليف أيضًا.
الحديث الحادي والمائة
عن أبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِيُّ دُبُرَ كُلُّ صَلَاةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُونَ». رواه النسائي والطبراني بأسانيد أحدها صحيح، ورواه ابن حبان في كتاب
تمام المنة
٢٦٩
الصلاة وصححه، وقال الحافظ أبو الحسن بن المفضل: إسناد الحديث صحيح على شرط البخاري، وزاد الطبراني في بعض طرقه: وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، وإسناد هذه الزيادة جيد، وأخطأ ابن الجوزي بذكر الحديث في الموضوعات. آية الكرسي سيدة آي القرآن و قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد تعدل ثلثه (۱)، فلا
غَرْوَ إن كانت قراءتهما عقب الصلاة توجب دخول الجنة.
وانظر كتابنا جَوَاهِرُ البَيَانِ في تَنَاسُبِ سُوَرِ القُرْآنِ" تعرف لم كانت آية الكرسي سيدة آي القرآن؟ ولم كانت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * تعدل ثلثه. الحديث الثاني والمائة
،
عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ: يَا وَيْلَي أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ». رواه مسلم وابن ماجه.
«فَلَهُ الجَنَّةُ»: يفيد الترغيب في سجود التلاوة وهو مطلوب من القارئ
والمستمع.
«فَلِيَ النَّارُ»: يفيد أن مطلق الأمر للوجوب لأن النار لا تستحق إلا على
ترك واجب.
والمسألة مبسوطة في كتب الأصول، وهذا وإن كان كلام الشيطان، فإن
النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم حكاه مُقرا له.
(۱) وانظر الحديث الثالث والعشرون أيضًا.
۲۷۰
الحديث الشريف
الحديث الثالث والمائة
عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي بَكْرٍ رضي الله عنهما : أَنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «يَدْعُو اللَّهُ بِصَاحِبِ الدَّيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ فِيمَ أَخَذْتَ هَذَا الدَّيْنَ؟ وَفِيمَ ضَيَّعْتَ حُقُوقَ النَّاسِ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّى أَخَذْتُهُ، فَلَمْ اكُلْ، وَلَمْ أَشْرَبْ، وَلَمْ أَلْبَسُ، وَلَمْ أُضَيِّعْ، وَلَكِنْ أَتَى عَلَى إِمَّا حَرَقٌ، وَإِمَّا سَرَقٌ، وَإِمَّا وَضِيعَةٌ، فَيَقُولُ اللَّهُ: صَدَقَ عَبْدِى، أَنَا أَحَقُّ مَنْ قَضَى عَنْكَ، فَيَدْعُو اللَّهُ بِشَيْءٍ فَيَضَعُهُ فِي كِفَّةِ مِيزَانِهِ، فَتَرْجَعُ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ». رواه أحمد والبزار والطبراني وأبو نعيم بأسانيد أحدها حسن. فيم أ- مَ أَخَذْتَ هَذَا الدَّيْنَ؟»: القصد بهذا السؤال بيان خطورة الدَّيْنِ وأن الله
تعالى يعاقب على تضييع حقوق الناس. حَرَقٌ»: بفتح الحاء والراء: النَّار، «سَرَقٌ»: بفتح السين والراء أو بكسرها :
السرقة. «وَضِيعَةٌ»: هي البيع بأقل مما اشترى به.
وحاصل هذا: أن المدين يعتذر الله بأنه لم يأخذ الدين فيضيعه في أكله أو شربه أو لبسه، ولكن أخذه ليَدْعَمَ به تجارته ثم يُردَّه إلى صاحبه، فأتت على تجارته آفة أهلكتها: إما نار أحرقتها، وإما سُرقت منه، وإما كساد أصابها فاضطر أن يبيعها بأقل مما اشتراها به أو نحو هذا من الآفات التي لا دخل له فيها، وعجز بسببها عن أداء الدين. يفيد الحديث أن من أخذ دينا لغرض صحيح، وهو عازم على رده
تمام المنة
۲۷۱
لصاحبه، ثم ضاع منه بسبب خارج عن إرادته حتى مات وهو عاجز عن
الوفاء به، فإن الله تعالى يقضيه عنه يوم القيامة.
فَيَضَعُهُ في كِفَّةِ مِيزَانِهِ: هذا صريح في أن الميزان يوم القيامة مثل الميزان المعهود في الدنيا له كفتان ولسان والأحاديث في وصفه بذلك متواترة اعتقدها أهل السنة، فأثبتوا الميزان كما وصفه النَّبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وضل المعتزلة بإنكاره لجهلهم بالحديث وحملوا الميزان الوارد في القرآن على العدل بطريقة الكناية، وتبعهم بعض مبتدعة هذا العصر من أهل الأزهر مخالفا لما أجمع عليه أهل السنة من وجوب حمل ألفاظ القرآن والحديث على ظاهرها والتمسك بها متى كان ذلك الظاهر ممكنا، على أن الأحاديث صريحة في وصف الميزان، والصريح لا يقبل التأويل.
الحديث الرابع والمائة
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قَالَ: عَبْدٌ أَطَاعَ اللَّهَ وَأَطَاعَ مَوَالِيَهُ أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ قَبْلَ مَوَالِيهِ بِسَبْعِينَ خَرِيفًا، فَيَقُولُ السَّيِّدُ: رَبِّ هَذَا كَانَ عَبْدِي فِي الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: جَازَيْتُهُ بِعَمَلِهِ وَجَازَيْتُكَ
بِعَمَلِكَ». رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وفيه راويان مجهولان.
لكن يتأيد بما رواه في "الأوسط" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ عَبْدًا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَرَأَى عَبْدَهُ فَوْقَ دَرَجَتِهِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ هَذَا عَبْدِي فَوْقَ دَرَجَتِي؟! فَقَالَ: نَعَمْ، جَزَيْتُهُ بِعَمَلِهِ
۲۷۲
وجَزَيْتُكَ بِعَمَلِكَ».
الحديث الشريف
يفيد هذا الحديثان أن الله تعالى يُفضّلُ العبد المملوك يوم القيامة على سيده بعمله الصالح، وهذا تأكيد للآية الكريمة: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَنْقَلَكُمْ ﴾
[الحجرات: ١٣].
وكان الأمريكيون يعتقدون أن المملوك مجرد متاع كالحيوان، ليس له إحساس وشعور كالإنسان، ولا نصيب له في الجنة عند الله تعالى، وكان بعض
الرهبان يستخرجون من الإنجيل عبارات تؤكد هذه العقيدة وتؤيدها. ولما قام إبراهام لنكولن بالحرب لتحرير العبيد وجد مقاومة من أهل
الجنوب لشدة تمسكهم بنظام الرق واستماتتهم في الدفاع عنه. وهكذا كان الحال في أوروبا وغيرها، بل الرق موجود في جميع الشعوب منذ عهد سحيق، وقصة يوسف في القرآن الكريم تدل على أن الرق كان مشروعا في ذلك العهد وكان له سوق بمصر يباع فيها الرقيق، بل تدل تلك القصة على أنه كان من المعهود في ذلك العهد أن يبيع الرجل أخاه أو ابنه لمن يشتريه رقيقا.
وفلاسفة اليونان أيدوا نظام الرق وناصروه حتى قال أفلاطون: إن الناس خُلقوا طبقتين: سادة وعبيد. والديانة اليهودية صرّحت بتأييد الرق، ودعت إلى استرقاق غيرهم من
الأميين، وعلى وتيرتها جاءت الديانة المسيحية. أما الديانة الإسلامية فمع أنها ظهرت في وقت عَمَّ فيه نظام الرق جميع
البلاد؛ شرقها وغربها، عجمها وعربها، لم تؤيده ولم تدع إليه، بل عملت على
تمام المنة
إلغائه بالتدريج إذ كان من غير الممكن إلغاؤه مرة واحدة.
۲۷۳
فأوجدت نظام المكاتبة، وهو يقضي باتفاق العبد مع سيده على مبلغ يدفعه
له مُنَجَّا - أي على دفعات - فإذا دفعه صار حرا.
وطلبت من السيد أن يساعد عبده بالتنازل له عن بعض النُّجوم، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَبَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَتُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَاتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى مَاتَنكُمْ ﴾ [النور: ٣٣] وجعل العتق كفارة لبعض
الخطايا، وهي: ١ قَتْلُ المؤمن خطأ: وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَنَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ: إِلَّا أَن يَصَدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُةٍ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثَقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ، وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَة [النساء: ٩٢] وأوجب الشافعية العتق في القتل العمد، قياسًا على الخطأ.
- الحِنْتُ في اليمين: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَنِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم
بِمَا عَقَدَتُمُ الْأَيْمَنَ فَكَفَرَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ [المائدة: ۸۹] .
الظهار: أي كفارة من ظاهر من امرأته ليجوز له العودة إليها:
وَالَّذِينَ يُظْهِرُونَ مِن نِّسَابِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَا
[المجادلة: ٣].
- الجماع في نهار رمضانَ عمدا أوجب النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم
٢٧٤
الحديث الشريف
فيه عتق رقبة، وقاس المالكيَّة والحنفيّة عليه كل مفطر فأوجبوا فيه العتق أيضًا. ه - إذا ضرب شخص امرأة وهي حامل فقتل الجنين في بطنها، فالواجب عليه غرة، بضم الغين: عبد يعتقه أو أمة. هكذا قضى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وإيجاب العتق في هذه الصورة وصور القتل السابقة حكمته واضحة، وهي إحياء نفس بإعطائها حريتها بدل النفس التي أزهقت.
و إيجابه في الصور الباقية حكمته إعتاق المُكَفِّرِ نفسه من الإثم والعقاب، بإعتاق نفس من الرق وذله.
٦- إذا ضرب السيد عبده أو لطمه روى أبو داود عن زَاذَان الكِنْدِي قَالَ: أَتيتُ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما - وَقَدْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ ۖ فَأَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ عُودًا، فَقَالَ: مَا لِي فِيهِ مِنَ الأَجْرِ مَا يُسَاوِى هَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه
وآله وسلَّم يَقُولُ: «مَنْ لَطَمَ تَلُوكًا لَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ». وهو في "صحيح مسلم" ، ولفظه مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ، أَوْ لَطَمَهُ، فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ».
وفي "صحيح مسلم" و "سنن أبي داود" و"الترمذي" و"النسائي" عن مُعَاوِيَةَ بن سُوَيْدِ بن مُقَرِّنٍ قَالَ: لَطَمْتُ مَوْلًى لَنَا، فَدَعَاهُ أَي وَدَعَانِ فَقَالَ: اقْتَصَّ مِنْهُ فَإِنَّا مَعْشَرُ بني مُقَرِّنٍ كُنَّا سَبْعَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا خَادِمٌ. فَلَطَمَهَا رَجُلٌ مِنَّا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم أَعْتِقُوهَا» قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَادِمٌ غَيْرَهَا، قَالَ: «فَلْتَخْدُمْهُمْ حَتَّى يَسْتَغْنُوا فَإِذَا اسْتَغْنَوْا فَلْيُعْتِقُوهَا».
تمام المنة
وفي "صحيح مسلم عن أبي مَسْعُودٍ البَدْرِيٌّ رضي الله عنه، قال: كُنتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ» فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الغَضَبِ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم. فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ هُوَ حُرِّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: «أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ».
ولا يوجد دين من الأديان السماوية ولا قانون من القوانين الأرضية شرع مثل هذه التشريعات التي شرعها الإسلام لإلغاء الرق، هذا سوى ما جاء في القرآن والسنة من الحضّ على الإعتاق ابتداء. ففي (سورة البلد): فَلَا أَقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَنكَ مَا الْعَقَبَةُ فَتُ رَقَبَةٍ ﴾ [البلد: ١١ - ١٣ ] .
.
بلالا
رضي الله عنه وغيره من
ولما أعتق أبو بكر الصديق رضي الله عنه العبيد الذين كانوا يعذبون بمكة نزل في مدحه قول الله تعالى وسيجنبها الْأَنْقَى ) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْرَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل : ۱۷ - ۲۱]. وفي (سورة محمَّد): تكلَّم الله على قتال الكفار، فذكر في أسراهم أمرين: المن أو الفداء. قال تعالى: فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرَبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَخَنَتُمُوهُمْ فَسُدُوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاة ﴾ [محمد: ٤] وأهمل الاسترقاق، وفي ذلك إشارة إلى
تركه، وتقدمت أحاديث في فضل العتق منها حديث رقم (٢، ٤ ) .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله
٢٧٦
الحديث الشريف
عليه وآله وسلَّم: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرًا مُسْلِمَا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوِ مِنْهُ عُضْوا مِنْهُ مِنَ النَّارِ». قَال سَعِيدُ بن مَرْجَانَةَ فَانْطَلَقْتُ بِهِ - أي بالحديث - إلى عَلي بن الحسين - وهو زَيْنِ العَابِدِينَ - فَعَمَدَ عَلِيُّ بن الحُسَينِ إِلَى عَبْدِ لَهُ قَدْ أَعْطَاهُ فِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَم أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ فَأَعْتَقَهُ.
وفي "سنن الترمذي" عن أبي أُمَامَةَ رضي ا الله عنه وغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلَّم، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «أَيُّهَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرًا مُسْلِمَا كَانَ فَكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِي كُلُّ عُضْوِ مِنْهُ عُضْوا مِنْهُ. وَأَيُّهَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فَكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِي كُلُّ عُضْوِ
مِنْهُمَا عُضْوا مِنْهُ». قال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
وفي "صحيح الحاكم عن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةٌ فَكَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوِ مِنْ أَعْضَائِهِ عُضْوًا مِنْ
أَعْضَائِهِ مِنَ النَّارِ».
وفي سنن أبي داود" عن وَايْلَةَ بن الأَسْفَعِ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في غَزْوَةِ تَبُوكَ فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَقَالُوا: إِنَّ صَاحِبًا لَنَا قَدْ أَوْجَبَ أَيْ: فَعَلَ مَا يُوجِبُ لَهُ النَّارَ، وَكَانَ قَدْ مَاتَ. فَقَالَ: «أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يُعْتِقِ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوِ مِنْهَا عُضْوا مِنْهُ مِنَ النَّارِ». صححه ابن حبان والحاكم.
والأحاديث في فضل العتق كثيرة جدا، نكتفي منها بما ذكرناه. وإلى جانب هذا أوصى بالرقيق، وأوجب معاملتهم معاملة كريمة.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ صلَّى الله
تمام المنة
۲۷۷
عليه وآله وسلَّم نَبِيُّ التَّوْبَةِ: مَنْ قَذَفَ عَمَلُوكَهُ بَرِيئًا مِمَّا قَالَ، أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ
القِيَامَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ».
وهذا الوعيد يقتضي تحريم سَب السيد عبده أو أمته بمثل: يا زاني أو يا زانية أو يا ابن الزانية، أو نحو ذلك مما يَظْلِمُ العِرْضَ.
وفي "المسند" و "سنن ابن ماجه" عن أبي بَكْرِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّعُ المَلَكَةِ» - أَيِّ قبِيحُ الصَّنِيعِ إِلَى مَمَالِيكِهِ - قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، أَلَيْسَ قَدْ أَخْبَرْتَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أكثر الأُمَمِ تَمُلُوكِينَ وَيَتَامَى؟ قَالَ: «نَعَمْ فَأَكْرِمُوهُمْ كَكَرَامَةِ أَوْلَادِكُمْ وَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ».
وفي الصحيحين - واللفظ للبخاري - عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «هُمْ - أَي المَمْلُوكُونَ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدَيْهِ ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلَيُلبِسْهُ مِمَّا
يَلْبَسُ، وَلَا يُكَلِّفْهُ مِنَ العَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ». وفي "صحيح ابن حِبَّان" عن أبي هريرة: أَنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ : لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلِّفُ مِنَ العَمَلِ إِلَّا مَا يُطِيقُ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ، وَلاَ تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ - خَلْقًا أَمْثَالَكُمْ». وفي "سنن أبي داود" عن عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: قَالَ: كَانَ أَخِرُ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلَّم - يَعْنِي عِنْدَ الوَفَاةِ : الصَّلاةَ الصَّلاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيهَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ». وقد أطلنا في هذا الموضوع بعض الإطالة لداع اقتضى ذلك، وبالله التوفيق.
۲۷۸
الحديث الشريف
الحديث الخامس والمائة
عن أَبِي بَكْرِ الصَّدِّيقِ رضي الله عنه ، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَخِيلٌ وَلَا خَتْ وَلَا خَائِنُ وَلَا سَيِّئُ الْمَلَكَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الجَنَّةِ المَمْلُوكُونَ إِذَا أَحْسَنُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
-
مَوَالِيهِمْ». رواه أحمد وأبو يَعْلَى في مسنديهما، وإسنادهما حسن.
«لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ بَخِيلٌ : هو الذي يقبض يده عن فعل الخير ولا ينفق في وجوه البر . وَلَا خَبّ» بفتح الخاء وتشديد الباء: ماكر خبيث. «وَلَا خَائِنٌ»: يخون الأمانات. «سَيِّئُ المَملكَةِ»: يسئ معاملة مماليكه .
المَمْلُوكُونَ إِذَا أَحْسَنُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الله عزَّ وجلَّ»: يفيد أن العبد
مكلف بطاعة الله تعالى مثل الحر (۱).
وثبت في الصحيحين عن ابن عُمَرَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا نَصَحَ لِسَيْدِهُ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهُ فَلَهُ أَجْرُهُ
مَرَّتَيْنِ". وحيث أن الإسلام شرع لتحرير العبيد تلك الطرق التي مضى شرحها، وأوصى السادة بحسن معاملتهم وإكرامهم كإكرام الأولاد، أوجب كذلك
على العبيد أن يطيعوا سادتهم، وينصحوهم ولا يغشوهم.
وهذا سيدنا يوسف عليه السلام استُرِقَّ بغير حَقٌّ ومع ذلك أدى لمالكه
(۱) بعض المذاهب يري أن العبد لا تجب عليه الجمعة ولكننا نرى أنه مطالب بها لعموم
الأدلة.
تمام المنة
۲۷۹
حق خدمته ونصح له في بيته وأهله، فحرّره الله من الرق وأكرمه بالملك
فللأرقاء فيه أسوة حسنة.
(تنبيه): روى الشيخان عن أبي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «ثَلاثَةٌ هُمْ أَجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وآله وسلَّم- وَالعَبْدُ المَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ».
هؤلاء الثلاثة يؤتون الأجر مرتين؛ أما الكتابي فقد جاء التصريح به في القرآن: وَلَقَدْ وَصَلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) الَّذِينَ ايْنَهُمُ الْكِتَبَ مِن ) قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ ) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا ءَامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ [القصص: ٥١ - ٥٣] الآية .
وأوتي الكتابي حين يسلم الأجر مرتين لإيمانه بنبيه وكتابه ثم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وكتابه، وأما المملوك؛ فإنه أدى حق الله وحق سيده، وأما
صاحب الأمة فإنه أعتقها ثم تزوجها فأعفها وصانها. وقوله: «ثَلاثَةٌ» لا مفهوم له (۱)، لأنه يوجد أشخاص آخرون يؤتون أجرهم مرتين، أفردهم الحافظ السيوطي برسالة، منهم أمهات المؤمنين رضي الله عنهنَّ، قال الله تعالى يخاطبهن: وَمَن يَقنُتْ مِنكُن لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَعْمَلْ صَلِحَاتُؤْتِهَا أَجْرَهَا
(۱) في مفهوم العدد خلاف بين العلماء هل يعمل به أو لا؟ والخلاف مبسوط في كتب الأصول، لكن قد تقوم قرينة علي إلغائه كما هنا فلا يعمل به اتفاقا.
۲۸۰
الحديث الشريف
مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: ٣١].
تعطى أجرًا على الطاعة وأجرًا على خدمة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وحبس نفسها عليه بعد انتقاله.
الحديث السادس والمائة
عن مَالِكِ بن الحَارِثِ رضي ! الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «مَنْ ضَمَّ يَتِيمَا بَيْنَ أبوين مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ، وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ البَتَّةَ، وَمَنْ أَعْتَقَ امْرًا مُسْلِمًا كَانَ فَكَاكَهُ مِنَ النَّارِ
يُجْزِي بِكُلِّ عُضْوِ مِنْهُ عُضْوا مِنْهُ مِنَ النَّارِ». رواه أحمد وإسناده حسن.
بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ»: هذا تصوير وبيان لموضوع المسألة، إذ المفروض في الذي يضم اليتيم إليه أنه مقيم في بلد إسلامي لأنه لا يجوز للمسلم أن يقيم في بلاد الكفار إلا لضرورة فإذا انتهت الضرورة عاد إلى بلاده الإسلامية حيث يمكنه آداء الواجبات الدينية مثل صلاة الجماعة والجمعة، وصيام رمضان، وتوزيع زكاة ماله على فقراء المسلمين، وكذلك زكاة الفطر، وحضور مجالس العلم التي يعرف منها كيف يعبد الله وكيف يعامل أهله وإخوانه وما يحل له وما يحرم عليه إلى غير ذلك مما لا يتيسر له في بلد غير إسلامي. حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ» بأن يصير قادرًا على العمل والتكسب. «البتة»: أي قطعا. جمع الحديث بين اليتيم والرقيق لتساويهما في العجز عن العمل، هذا لرقه، وذاك ليتمه، فمن أزال عن اليتيم العجز بالإنفاق عليه حتى يدرك أو عن
الرقيق بإعتاقه كان جزاؤه الجنة.
تمام المنة
۲۸۱
الحديث السابع والمائة
عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أَنَّ نَبِيَّ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: مَنْ قَبَضَ بَنِيرًا مِنْ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ البَتَّةَ إِلَّا أَنْ يَعْمَلَ ذَنْبًا لا يُغْفَرُ». رواه الترمذي.
الذنب الذي لا يغفر هو الشرك (۱) لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ
بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } [النساء : ٤٨] .
فالمشرك إذا ضَمَّ إليه يتيما وكَفَلَه أو فعل نوعًا من أنواع الخير والبر، فإن الله تعالى يجزيه على ذلك في الدنيا بالصحة أو بالمال أو بالأولاد أو بغير ذلك مما يطمئن إليه قلبه وترتاح إليه نفسه، حتى إذا جاء في الآخرة لم يكن له في الجنة نصیب (۲)
الحديث الثامن والمائة
عن أبي هريرة أو أبي سَعِيدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: لَّا كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ تَجَاعَةٌ، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَواضِحَنَا، فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «افْعَلُوا».
(۱) والكفر مثل الشرك لا يغفر أبدا، لقوله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَسِرِينَ [آل عمران: ٨٥، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الكَفِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ﴾ [الأحزاب: ٦٤].
(۲) قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلِ فَجَعَلْتَهُ هَبَا مَّنثُورًا ﴾ [الفرقان: ۲۳]، هذا
في الآخرة لجميع الكفار.
۲۸۲
الحديث الشريف
فَجَاءَ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ، وَلَكِن ادعُهُمْ بفَضلِ أَزْوَادِهِمْ ثُمَّ ادْعُ اللهَ هُمْ عَلَيْهَا بِالبَرَكَةِ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذلِكَ
البركة.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «نَعَمْ» فَدَعَا بِنَطْعٍ فَبَسَطَهُ، ثُمَّ دَعَا بِفضلِ أَزْوَادِهِمْ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ، وَيَجِيءُ بِكَفِّ تَمرٍ، وَيَجِيءُ الآخَرُ بِكِسْرَةٍ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النَّطْعِ مِنْ ذلِكَ شَيْء يَسِيرٌ. فَدَعَا رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بِالبَرَكَةِ. ثُمَّ قَالَ: «خُذُوا فِي أُوعِيَتِكُمْ». فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِم حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي العَسْكَرِ وِعَاء إِلَّا مَلَؤُوهُ وَأَكَلُوا حَتَّى شَبعُوا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وأَنِّي رَسُولُ الله لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدُ غَيْرَ شَاكٌ فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنَّةِ». رواه مسلم في "صحيحه".
عن أبي هريرة أو أبي سَعِيد»: الشك في الصحابيين أيهما روى الحديث لا يضر لأن الصحابة عدول، بخلاف الشك في الراويين من التابعين أو غيرهم
فإنه يؤثر ضعفًا في سند الحديث إذ قد يكون أحد الراويين ضعيفًا.
نعم إذا حصل التردد بين راويين كلاهما ثقة، مثل سَعِيدِ بن المُسَيَّبِ ونَافِعِ، أو مَالِكِ واللَّيْثِ ، فهو كالتردد بين الصحابيين، لا يؤثر في صحة الحديث.
فَنَحَرْنَا نَواضِحَنَا»: هي الإبل يُستقى عليها.
قل الظَّهْرُ : هي الإبل التي تركب سميت نواضح لإتيانها بالماء الذي
ا
ينضح منه على الظمآن وسميت ظهرًا حين تركب لأنها تعينه على بلوغ قصده، والظهر المعين.
تمام المنة
۲۸۳
حَتَّى مَا تَرَكُوا في العَسْكَرِ وِعَاء إِلا مَلَؤُوهُ»: في هذا التكثير الطعام القليل ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وهي معجزة تكررت في حفر
الخندق وغيره، وذكرنا جملة منها في كتاب المعجزات.
وَأَنِّي رَسُولُ الله بهذا اللفظ ليبين أن المعجزة التي حصلت من إشباع الجيش الكبير بالطعام الذي كان قليلا إنها حصلت بسبب أنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يؤيده الله بآياته. أما في التشهد في الصلاة وغيرها فكان يقول: «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله».
فَيُحْجَبَ» منصوب بـ «أن» مقدرة، والفعل منفي لعطفه على فعل منفي أيضًا. والمعنى: إذا لقي الله العبد بالشهاديتن وهو موقن بهما فلا يحجب عن الجنة، بل يدخلها لأن هذه الشهادة تفتح له أبوابها.
ففي مسندي "أحمد" و"البزار": عن مُعَاذ بن جبل رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَفَاتِيحُ الْجَنَّةِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ». أي وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم بدليل حديث الترجمة، فهو
من باب الاكتفاء.
الحديث التاسع والمائة
عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «اضْمَنُوا لي سِتَّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِثْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ،
وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ». رواه أحمد، وصححه ابن حبان والحاكم، وفيه إرسال.
٢٨٤
الحديث الشريف
وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ»: من الزنا واللواط والاستمناء. «وَخُضُوا أَبْصَارَكُمْ»: عن النساء والغلمان والعورات. وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ»: عن الناس لا تمدوها إليهم مؤذين ولا سائلين.
وفيه إرسال: أي انقطاع بين الصحابي والراوي عنه. لكن للحديث
شواهد كثيرة.
الحديث العاشر والمائة
عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا صَلَّتِ المَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا،
وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا : ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ؟». رواه أحمد في "مسنده"، وإسناده حسن ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة بنحوه.
الحديث الحادي عشر والمائة
عن أنس رضي ا الله عنه ، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «أَلَا أُخبِرُكُمْ بِرِجَالِكُمْ فِي الْجَنَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ، وَالصَّدِّيقُ فِي الجَنَّةِ، وَالرَّجُلُ يَزُورُ أَخَاهُ في نَاحِيَةِ المِصْرِ لا يَزُورُهُ إِلَّا اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ فِي الْجَنَّةِ؟» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «وَدُودَ وَلُودٌ إِذَا غَضِبَتْ أَوْ أُسِيءَ إِلَيْهَا أَوْ غَضِبَ زَوْجُهَا قَالَتْ: هَذِهِ يَدِي فِي يَدِكَ لَا أَكْتَحِلُ
بِغُمْضِ حَتَّى تَرضَى». رواه الطبراني، وهو بمجموع طرقه حسن.
وَالصِّدِّيقُ»: بكسر الصاد والدال وتشديدهما: الذي يؤمن بالله ورسله.
تمام المنة
٢٨٥
قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أَوَلَيْكَ هُمُ الصِّدِيقُونَ ﴾ [الحديد: ١٩].
وَالرَّجُلُ يَزُورُ أَخَاهُ»: تقدم في الخصال الأربعين.
وَدُودُ : تتودد (۱) إلى زوجها. «وَلُودٌ»: ليست بعقيم بل هي كثيرة الولادة. والأحاديث في تفضيل زواج الولود كثيرة وهي تقتضي عدم جواز تعاطي
المرأة ما يمنع الحمل منعا دائما أو مؤقتا، إلا إذا ثبت أن الحمل يضر صحتها فلها أن تمنعه قبل تكوين الجنين، وإلا كان وأدا له.
والقرآن يدل على تحريم استعمال ما يمنع الحمل، فإنه نهى الفقراء عن قتل أولادهم لأجل الفقر المانع من الإنفاق عليهم : وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ
إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾ [الأنعام: ١٥١].
كما نهى الأغنياء عن قتلهم أيضًا مخافة الفقر الذي قد يطرأ : وَلَا تَقْتُلُوا أَوَلَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَبْلَهُمْ كَانَ خِطْنَا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: ٣١] ولو كان استعمال ما يمنع الحمل جائزا لبين في هذا الموضع لأنه أخف من القتل،
فلما لم يبيَّنْ دَلَّ على أنه لا يجوز (۲) لأن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر. «قَالَتْ: هَذِهِ يَدِي فِي يَدِكَ» أمدها المصالحتك «لَا أَكْتَحِلُ بِغُمْضِ» أي لا
(۱) وصف الله تعالى الحور العين في (سورة الواقعة بأنهن عُرب، والعرب - بضم العين والراء - جمع عَرُوب بفتح العين وهي المرأة المتحببة إلى زوجها. (۲) ومن استدل على جوازه بحديث العزل فقد وهم لأن الصحابة كانوا يعزلون عن إمائهم في الغزوات للضرورة، والعزل عن الأمة جائز، بخلاف الزوجة فلا يجوز العزل عنها إلا برضاها.
٢٨٦
الحديث الشريف
أنام حتى يذهب ما بيننا من خصام. ومعنى هذا أنها سَهْلَةُ الخُلُقِ لَيِّنَةُ العَرِيكَةِ إذا غضبت لم يطل غضبها بل تسرع بالرجوع إلى مألوف عادتها.
الحديث الثاني عشر والمائة
عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: جاءتني مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُها ثَلَاثَ تَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَمرَةٌ، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمرَةٌ لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُم، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الذي صَنَعَتْ لِرَسُول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فَقَالَ: «إِنَّ الله قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بهَا الجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ». رواه مسلم في "صحيحه". إِنَّ الله قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهِمَا الجَنَّةَ»: لقيامها بتربيتهما وإطعامهما وإيثارها لهما
على نفسها، مع أنها لا ترجو منهما نفعا في مستقبل حياتهما لأنهما لا تستطيعان الإنفاق عليها إذا كبرتا وتزوجتا، بخلاف الأولاد الذكور فإنهم إذا أدركوا نفعوا والديهم بالإنفاق عليهما طوعا باختيارهم أو كرها بحكم القضاء عليهم. الحديث الثالث عشر والمائة
عن أنس رضي الله عنه ، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ دَخَلْتُ أَنَا وَهُوَ الْجَنَّةَ كَهَاتَيْنِ». وَأَشَارَ بِأَصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا. رواه الترمذي وابن حِبَّان في "صحيحه"، ولفظه: «مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى يَبِنَّ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ». وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ
وَالتِي تَلِيهَا. يَبِنَّ»: بفتح الياء وكسر الباء وتشديد النون: ينفصلن عنه بزواج
أو موت.
تمام المنة
۲۸۷
الحديث الرابع عشر والمائة
عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ بِنْتَانِ أَوْ أُخْتَانِ
فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فيهِنَّ فَلَهُ الجَنَّةُ». رواه الترمذي.
ورواه أبو داود بلفظ : «فَأَدَبَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ وَزَوَّجَهُنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ». وصححه ابن حبان.
الحديث الخامس عشر والمائة
عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَيْدْهَا وَلَمْ يُنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرُ وُلْدَهُ (۱) - يَعْنِي الـ الذُّكُورَ -
عَلَيْهَا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ». رواه أبو داود، وصححه الحاكم.
«فَلَمْ يَئِدْهَا»: يدفنها على قيد الحياة. «وَلَمْ يُؤْثِرُ»: يُفضّل. «وُلْدَهُ»: بضم الواو وسكون اللام؛ جمع وَلَدَ. «عَلَيْهَا»: في المعاملة.
الحديث السادس عشر والمائة
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قَالَ: «مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَى لَأَوَائِهِنَّ وَضَرَّائِهِنَّ وَسَرَّائِهِنَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُنَّ». فَقَالَ رَجُلٌ : وَاثْنَتَانِ (۲) يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَاثْنَتَانِ» قَالَ
(۱) من الإيثار الظالم أن يكتب الشخص لأولاده الذكور هبات زائدة على نصيبهم من الميراث ويحرم منها بناته. (۲) الواو في هذه الكلمة للعطف على ثلاث في الحديث. عطفا تلقينيا كأن ويسمى السائل يلقن المجيب أن يوافق على سؤاله.
۲۸۸
الحديث الشريف
رَجُلٌ: وَوَاحِدَةُ؟ قَالَ: «وَوَاحِدَةٌ». رواه الحاكم وصححه.
لَأَوَائِهِنَّ وَضَرَّائِهِنَّ»: أي شِدَّتِهِنَّ. والمعنى: أنه تحمل المشقة في تربيتهن
وأجهد نفسه في إدخال السرور عليهن.
الحديث السابع عشر والمائة
عن سهل بن سَعْدٍ رضي ا الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا». وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى وَفَرَّجَ
بينهما. رواه البخاري وغيره.
الحديث الثامن عشر والمائة
،
عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيم لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ». وَأَشَارَ مَالِكٌ لَ
بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى. رواه مسلم في "صحيحه".
وَكَافِلُ اليَتِيمِ لَهُ» : بأن كان قريبه كابن أخيه مات مثلا.
«أَوْ لِغَيْرِهِ : بأن كفل يتيما لعائلة من المسلمين لا قرابة بينهم وبينه.
الحديث التاسع عشر والمائة
وَعَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو مَالِكٍ، أَوِ ابْنُ مَالِكِ، سَمِعَ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَقُولُ: «مَنْ ضَمَّ يَتِيمَا بَيْنَ مُسْلِمِينَ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ، وَجَبَتْ لَهُ الجُنَّةُ الْبَتَّةَ. وَمَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا ثُمَّ لَمْ يَرَهُمَا ثُمَّ دَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، وَأَيُّهَا مُسْلِمٍ أَعْتَقَ رَقَبَةٌ مُسْلِمَةٌ
كَانَتْ فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ». رواه أبو يعلى والطبراني، بإسناد حسن.
تمام المنة
۲۸۹
وأيها مُسْلِمٍ أَعْتَقَ رَقَبَةٌ مُسْلِمَةٌ»: وكذلك المرأة المسلمة إذا أعتقت رقبة
مسلمة تثاب هذا الثواب ففي "سنن أبي داود" عن أَبِي نَجِيح السُّلَمِيِّ قَالَ: حَاصَرْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ، وَسَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَيُّهَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِمًا، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ وِقَاءَ كُلُّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ عَظْما مِنْ عِظَامِ مُحَرِّرِهِ مِنَ النَّارِ، وَأَيُّهَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ، فَإِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ جَاعِلٌ وِقَاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهَا عَظْما مِنْ عِظَامِ
مُحَرَّرِ تِهَا مِنَ النَّارِ». صححه ابن حِبَّان.
«فَإِنَّ الله جَاعِلٌ وِقَاءَ - بكسر الواو - كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ»: أي المسلم المعتق، بكسر التاء «عظما مِنْ عِظَامِ مُحَرِّرِهِ »: بفتح الراء المشددة: العبد العتيق. جَاعِلٌ وِقَاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهَا»: أي المسلمة المعتقة، بكسر التاء. عَظْما مِنْ عِظَامِ مُحَرِّيتِهَا»: بفتح الراءة المشددة: الأمة العتيقة.
ومن قرأ «محرره، ومحرّرتها» بكسر الراء فيهما فقد أخطأ وغير المعنى. وحاصل معنى الحديث : أن الله تعالى يجعل عظام العبد المحرر، وعظام الأمة المحررة، وقاء يحفظ عظام المسلم المعتق، والمسلمة المعتقة من النار (۱).
الحديث العشرون والمائة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَنَا أَوَّلُ مَن يَفتَحُ باب الجَنَّة، إلَّا أَنِّي أرى امرأَةٌ تُبَادِرُني فأقولُ لَهَا: مالكِ؟ ومَنْ أنتِ؟ فتقول: أنا امرأةٌ فَعَدْتُ على أيتام لي». رواه أبو يعلى في
(۱) من غير أن يدخل العبد والأمة النار بدلا من معتقهما.
۲۹۰
الحديث الشريف
"مسنده" بإسناد حسن. «أنا أول من يفتح باب الجنة» في صحيح مسلم" عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «آتي بابَ الجَنَّةِ فَأَسْتَفْتِحُ، فيقول الخازنُ: مَنْ أَنتَ؟ فأقول: محمد . فيقول: بِكَ (۱) أُمِرْتُ أَلَّا أفتح لأحدٍ قبلك». قَعَدْتُ على أيتام لي»: أي مات زوجها وترك لها أيتاما، فلم تتزوج
وقعدت على أيتامها تُربَّيهم.
الحديث الحادي والعشرون والمائة
عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنثَ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ بفضلِ
رحمتِه إِيَّاهُم». رواه الشيخان.
لم يبلغوا الحنث أي الإثم والمعنى: أنهم ماتوا أطفالا قبل البلوغ لم يكتب عليهم إثم معصية.
الحديث الثاني والعشرون والمائة
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لنسوة من الأنصار: «لا يموتُ لإحداكُنَّ ثلاثة من الولد فَتَحْتَسِبُ إِلَّا دَخَلَت الجنَّة». فقالت امرأة منهن أو اثنان يا رسول الله؟ قال: «أو اثنان». رواه مسلم.
«فتحتسب»: تطلب الثواب بالصبر وترك الجزع.
(1) أي بسببك أمرت، فالباء للسببية.
تمام المنة
۲۹۱
الحديث الثالث والعشرون والمائة
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من كان له فَرَطَان من أُمَّتى أدخله الله بهما الجنة». فقالت له عائشة : فمن كان له فرط من أمتك ؟ قال : ومن كان له فرط يا موفقة». قالت: فمن لم يكن له فرط من أمتك؟ قال: «أنا فَرَطُ أمتى، لن يصابوا بمثلي». رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب . من كان له فَرَطَان» تثنية فَرَط بفتح الفاء والراء: الذي يتقدم القوم إلى
الماء فيهيئ لهم الحبال والدلاء ويصلح الحياض ويستقي لهم، شبه به الطفل الذي يموت حيث ينتظر والديه على باب الجنة. فأنا فرط أمتي» أي سابقهم إلى الآخرة والمستغفر لهم وشفيعهم يوم
القيامة.
لن يصابوا بمثلي»: فإن بانتقاله انقطع الوحي وحصل الخلاف وبدأت
الفتن تظهر شيئًا فشيئًا حتى عم ضررها وعظم وزرها.
قال أنس بن مالك: ما فرغنا من دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حتى أنكرنا قلوبنا.
الحديث الرابع والعشرون والمائة
عن قرة بن إياس رضي الله عنه أن رجلا كان يأتي النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم ومعه ابن له فقال النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم «تحبه؟» قال: نعم يا رسول الله؛ أحبك الله كما أحبه، ففقده النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال:
۲۹۲
الحديث الشريف
ما فعل فلان ابن فلان قالوا يا رسول الله ،مات. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبيه: «ألا تحب أن لا تأتي بابًا من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟» فقال رجل : أله خاصة أم لكلنا ؟ قال : بل لكلكم». رواه أحمد بإسناد صحيح. في الحديث دليل على أن خطاب الشارع محمول على العموم، وإن كان موجها لشخص معين، لأن الأصل تساوي الناس في التكليف، إلا إذا قام دليل على تخصيص الخطاب بمن وجه إليه، فلا يشمل غيره حينئذ، وهذا كما قال النبي صلَّى الله عليه وآله وسلّم لأبي بردة في شاته التي لم تستوف شروط الأضحية تجزئك ولا تجزئ أحدًا بعدك». رواه الشيخان
الحديث الخامس والعشرون والمائة
عن أبي أمامة، عن عمرو بن عيسة، قال: قلت له: حدثنا حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ليس فيه انتقاص ولا وهم. قال: سمعته يقول: «من وُلِدَ له ثلاثة أولاد في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث أدخله الله برحمته إياهم، ومن أنفقَ زوجين في سبيل الله فإنَّ للجَنَّةِ ثمانية أبواب
الجنة
يُدْخِلُه الله من أي باب شاء من الجَنَّة». رواه أحمد، وإسناده حسن.
أبو أمامة بن سهل تابعي يسأل أبا نجيح عمرو بن عبسة بفتح العين والباء - الصحابي رضي الله عنه أن يحدثه حديثًا . الله عنه أن يحدثه حديثًا سمعه بنفسه ليس فيه نقص ولم يدخله وهم، وهذا يدل على توقي التابعين في رواية الحديث وتأكدهم سلامته
مما يؤثر فيه ضعفًا. «برحمته» أي : الله إياهم» أي : الأولاد والمعنى: أن دخول الوالدين للجنة
تمام المنة
۲۹۳
سببه رحمة الله لأولادهما الذين ماتوا قبل البلوغ.
ومن أنفق زوجين: أي شيئين كدينار وثوب، وكفرس وسلاح
في سبيل الله»: أي الجهاد. وورد في حديث أن النفقة في الحج نفقة في
سبيل الله .
الحديث السادس والعشرون والمائة
عن بريدة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «القضاةُ ثلاثة: واحدٌ في الجَنَّةِ واثنان في النَّارِ، فأما الذي فِي الجَنَّةِ فرجلٌ عَرَفَ الحَقَّ فَقَضَى به. ورجل عَرَفَ الحَقَّ فَجَار في الحكم فهو في النار، ورجلٌ قَضَى للناس على جهل فهو في النار». رواه أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي، وحسنه
الترمذي.
فرجل»: يفيد أن المرأة لا تتولى القضاء وقد أجاز بعض المذاهب توليتها
القضاء، وهو خطأ.
الحديث السابع والعشرون والمائة
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ المُقْسِطِينَ عند الله على منابر مِن نُور عن يمين الرحمن - وكِلْتَا يديه يمين الذين يَعْدِلُون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا». رواه مسلم
والنسائي. على منابر من نور»: في موقف القيامة، وهذا دليل على أنهم من أهل
الجنة.
٢٩٤
الحديث الشريف
وكلتا يديه يمين»: جاءت هذه الجملة لبيان أن يمين الله ليست بجارحة تقابلها شمال كما هو معهود في المخلوقات، فإن الله منزه عن ذلك وعن الجهات الست التي هي يمين وشمال وأمام وخلف وفوق وتحت، وهي أمور اعتبارية، وإنما جرت عادة الملوك والرؤساء أنهم إذا أكرموا شخصا وافدًا عليهم أقعدوه عن يمينهم، فكنَّى الحديث عن تكريم المقسطين عند الله بأنهم عن يمين الرحمن.
الذين يَعْدِلُون»: هذا بيان للمقسطين، وأما القاسطون فهم الجائرون في الحكم، عكس المقسطين، قال الله تعالى: وَأَمَّا الْقَسِطُونَ فَكَانُوالِجَهَنَّمَ حَطَبًا
[الجن: ١٥] والقسط بالكسر : العدل. والقسوط بالضم: الجور. وما وَلُوا» بفتح الواو وضم اللام ، ويجوز قراءته بضم الواو مع تشديد
اللام.
الحديث الثامن والعشرون والمائة
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يقول الله تعالى: من ترك الخمر وهو يقدر عليه لأسقينه منه في حظيرة القدس، ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه لأكسونه إياه في حظيرة القدس». رواه البزار بإسناد حسن.
«وهو يقدر عليه»: يقدر على شرب الخمر ويقدر على لبس الحرير، ولكن
تركها امتثالا للشرع وخوفا من عقاب الله تعالى.
وذلك أن ترك المعصية يقع على ثلاثة أوجه:
تمام المنة
٢٩٥
أحدها: أن يترك الشخص المعصية عاجزا عنها ولو أتيحت له فرصة فَعَلَها، فهذا أثم وعليه عقاب العزم على المعصية التي لم يمنعه منها إلا عدم
القدرة.
ثانيها : أن يتركها عادة، بأن اعتاد ألا يشرب الخمر أو لا يلبس الحرير أو لا يلعب القمار، فهذا لا يأثم لأنه لم يفعل المعصية، لكنه لا يثاب على تركها الذي هو عادته منذ نشأته.
ثالثها: أن يتركها خوفًا من الله تعالى مع القدرة عليها ووجود الرغبة الداعية إليها، فهذا هو الذي يثاب بالثواب الذي بينه هذا الحديث وغيره. في حظيرة القدس: هي الجنة.
الحديث التاسع والعشرون والمائة
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «من يَضْمَن لي ما بين لَحَيَيْه وما بين رِجْلَيْه تَضَمَّنْتُ له بالجنة». رواه
البخاري. وفي معجم الطبراني" بإسناد جيد عن أبي رافع رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ حَفِظَ ما بين فَقْمَيْه وفخذيه دخل الجنة».
الحييه، وفَقْمَيّه» بفتح أولهما وسكون ثانيهما: عظما الحنك، وما بينهما هو اللسان. وما بين الرجلين والفخذين الفرج. والمقصود حفظ اللسان والفرج من معاصيهما.
٢٩٦
الحديث الشريف
الحديث الثلاثون والمائة
عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «من سَرَّهُ أنْ يُشْرَفَ له البنيانُ وتُرْفَعُ له الدرجاتُ فَلْيَعْفُ عَمَّن ظَلَمَهُ ويُعْطِ من حَرَمَهُ ويَصِلْ من قَطَعَهُ». رواه الحاكم وصححه، وفيه إرسال، لكن
له شواهد.
«يُشْرَفَ له البنيانُ»: يُبنى له في الجنة قصور عالية. يقال: مكان مشرف: أي
مرتفع.
وتُرْفَعُ له الدرجات»: في الجنة.
فلْيَعْفُ عَمَّن ظَلَمَه» إذا عفا الشخص عمن ظلمه وأعطى من حرمه
ووصل من قطعه، فقد تنازل عن حقه وهضم نفسه فجوزي بإعلاء مكانه في الجنة ورفع درجته فيها.
الحديث الحادي والثلاثون والمائة
عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا وقف العباد للحساب جاء قوم واضعوا سيوفهم على رقابهم تَقْطَرُ دَمًا فَارْدَ حَمُوا على باب الجنة. فقيل : من هؤلاء؟ قيل الشهداء كانوا أحياء مرزوقين.
ثم نادى مناد: ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة، ثم نادى الثانية: ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة. قيل : ومن ذا الذي أجره على الله ؟ قيل: العافون عن الناس. ثم نادى الثالثة: ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة. فقام كذا وكذا ألفًا فدخلوها بغير حساب». رواه الطبراني في "الكبير" وإسناده حسن.
تمام المنة
۲۹۷
«تقطر دمًا» : في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ما من مكلوم يُكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة
وكلمه يدمي، اللون لون دم وريحه ريحُ مِسك».
فدخلوها بغير حساب لأنهم لما عفوا عن الناس، ولم يحاسبوهم على ظلمهم إياهم جوزوا بإدخالهم الجنة بغير حساب، وكذلك المتوكلون يدخلون الجنة بغير حساب لأنهم لما تركوا التداوي والتطير توكلا على الله ترك حسابهم (۱)
الحديث الثاني والثلاثون والمائة
عن معاوية بن جَاهِمَةَ، أنَّ أباه جَاهِمَةَ جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؟ فقال: «هل
(1) وكذلك الورعون، روي الطبراني عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: إن الله عز وجل ناجى وكان فيما ناجاه أن قال: ياموسى إنه لم يتصنع المتصنعون بمثل الزهد في الدنيا، ولم يتقرب إلي المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم، ولم يتعبد إلى المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي. قال موسى: يارب البرية كلها ويا مالك يوم الدين ويا ذا الجلال والإكرام ماذا أعددت لهم؟ وماذا جزيتهم؟ قال: أما الزهاد في الدنيا فإني أبحتهم جنتي يتبوأون منها حيث شاءوا، وأما الورعون عما حرمت عليهم فإنه إذا كان يوم القيامة لم يبق عبد إلا ناقشته وفتشته إلا الورعون فإني أستحييهم وأجلهم وأكرمهم فأدخلهم الجنة بغير حساب، وأما البكاؤون من خشيتي فأولئك لهم الرفيق الأعلى لا يُشاركون فيه».
۲۹۸
الحديث الشريف
لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة عند رجلها». رواه النسائي، وصححه الحاكم.
فإن الجنة عند رجلها»: كناية عن أن خضوعه لأمه وتواضعه لها سبب في دخول الجنة.
والحديث يفيد تقديم بر الوالدين على الغزو لأنه فرض كفاية يقوم به غيره
عنه بخلاف بر والديه فإنه فرض متعين عليه لا يقوم به غيره عنه.
الحديث الثالث والثلاثون والمائة
عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رجلا أتاه فقال: إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه». رواه الترمذي وصححه".
الوالد»: أي الشخص الوالد فيشمل الأم والأب.
أوسط أبواب الجنة: أي طاعته تؤدي إلى دخول الجنة من أوسط أبوابها. فإذا أمره أبوه أو أمه بطلاق امرأته ،طلقها، وقد ثبت في الصحيح عن عبدالله بن عمر: أن أباه عمر بن الخطاب أمره بطلاق امرأته، وكان يحبها فلم
يفعل، فشكاه إلى النبي صلى الله صلى عليه وسلم فقال له: «فارقها». وفي الصحيح أيضًا عن ابن عباس عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في حديث ذهاب إبراهيم بهاجر (۱) وإسماعيل إلى مكة وتركهما هناك، ورجوعه إلى (
(1) من تعصب اليهود والنصارى على العرب والمسلمين دعواهم أن إسماعيل عليه
تمام المنة
۲۹۹
فلسطين ثم ذهابه بعد مدة لزيارة إسماعيل عليهما السلام، فلم يجده ووجد امرأته وسألها عنه فقالت ذهب يصطاد وسألها عن حالهم فشكت ضيق المعيشة فقال لها: إذا جاء زوجك فأبلغيه السلام وقولي له: يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل أخبرته بما حصل فقال لها : ذاك أبي وأنت العتبة وقد أمرني بفراقك؛ اذهبي إلى أهلك.
الحديث الرابع والثلاثون والمائة
عن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رجل إلى النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال : يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الخمس وأديت زكاة مالي، وصمت رمضان. فقال النبي صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا - ونصب أصبعيه - ما لم يعق والديه». رواه أحمد والطبراني بإسناد صحيح.
كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة»: وهؤلاء في الجنة.
الصلاة والسلام ابن جارية وهي دعوى تدل على حقد دفين وحسد في النفس كامن. فالرق لم ينقص قدر هاجر، كما لم ينقص قدر يوسف عليهما السلام؛ لأن منشأه ظلم الإنسان لأخيه الإنسان واستعباده إياه مع أن الله تعالى خلق عباده أحرارًا ولم يُعط لبعضهم حق تملك الآخرين أو استعبادهم، فإذا تملك شخص ظالم أخاه بغير حق، فكيف يصح أن نعيب الرقيق المظلوم بوصف لا دخل له فيه ولا يرضاه الله له؟ ومن الدليل المادي الملموس على أن الله لا يرضى استرقاق الإنسان لأخيه ؛ أنه أخرج من هاجر إسماعيل وهو أفضل أولاد إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، ثم أخرج من نسله سید المرسلين صلى الله عليه وآله وسلّم.
۳۰۰
الحديث الشريف
الحديث الخامس والثلاثون والمائة
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وهو في سفر، فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها، ثم قال: يا رسول الله أخبرني بما يُقربني من الجنة ويباعدني من النار؟ قال: فكف النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم ثم نظر في أصحابه ثم قال: «لقد وفق هذا، كيف قلت؟» فأعادها ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيمُ الصَّلاةَ، وتُؤتِي الزَّكاةَ وتَصِلُ الرَّحِمَ. دع الناقةَ» فلما أدبر. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إن تمسك بما أمرته به دخل الجنة». رواه
الشيخان.
«أن أعرابيا» مفرد أعراب، والأعراب سكان البادية، وهم المراد في قوله تعالى: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَافًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رسوله [التوبة: ۹۷] يقابلهم سكان القرى، وهي المدن، والقرية: المدينة. قال تعالى: وَقَالُوا لَوْلَا نُزِلَ هَذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] المراد بالقريتين: مكة والطائف. ويقابل القرية: الكفر، بفتح الكاف. وفي الحديث: «لا تَسْكُنوا الكُفُورَ فإنَّ ساكِنَ الكُفُورِ كسَاكِن القُبُورِ»، وذلك
لبعدهم عن المدن، فلا يحضرون الجمعات ولا مجالس العلم. والنسبة إلى القرية قروي، وإلى الكفر. كفري.
فأخذ بخطام ناقته أو زمامها»: الخطام والزمام بكسر أولهما: الخيط الذي
يربط في خشاش الناقة ثم يشد في طرف المقود.
تمام المنة
۳۰۱
الحديث السادس والثلاثون والمائة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، فلانة تصوم النَّهار وتقوم الليل وتُؤذي جيرانها. قال: هي في النَّارِ». قالوا: يا رسول الله فلانة تصلي المكتبوات وتَصَّدَّق بالأَنْوَارِ مِن الأَقِطِ ولا تُؤذي جيرانها. قال: «هي في الجنة». رواه ابن أبي شيبة وهذا لفظه، وأحمد والبزار، وصححه ابن حبان والحاكم. هي في النار ولم ينفعها صيامها ولا قيامها لإذايتها جيرانها. ومن شرط العبادة النافعة أن يكفَّ صاحبها عن إذاية الناس، بل يسعى في
التاء
نفعهم ما استطاع، استجلابًا لمحبة الله تعالى، جاء في الحديث: «الخَلْقُ كُلُّهم عيال الله، فأحبُّ الخَلْقِ إلى الله مَن أحسنَ إلى عِيالِهِ». وتَصَّدَّق بفتح ا أصله تتصدق، حذفت إحدى التائين تخفيفًا. بالأثوار : جمع ثور. قطعة من «الأقط» بوزن الكتف : طعام يتخذ من مخيض لبن الغنم ويجمد ويقطع قطعا . هي في الجنة»؛ لأنها أدَّت فرض الله عليها وكفت أذاها عن جيرانها، و نفعت الفقراء بصَدَقَتها.
الحديث السابع والثلاثون والمائة
عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن كان وُضلَةٌ لأخيه المسلم إلى ذي سُلْطَانٍ فِي مُبْلَغ بِرِّ أو إدخال سُرورِ، رَفَعَهُ اللهُ في الدَّرجات العُلا مِن الجنَّة». رواه الطبراني في معجميه . "الأوسط" و"الصغير".
۳۰۲
الحديث الشريف
من كان وصلة لأخيه المسلم. إلى ذي سلطان»: أي حاكم، ابتدأ من عمدة أو مأمور إلى ملك أو رئيس. في مُبْلَغ بضم الميم وسكون الباء وفتح اللام: أي إبلاغ بر كوظيفة أو مساعدة مادية أو معنوية. أو إدخال سرور» على قلبه بإنهاء مسألة كان ينتظرها. والمعنى: أن من رفع حاجة أخيه المسلم إلى حاكم فأبلغ إليه نفعًا أو أدخل عليه سرورًا رفعه الله في الدرجات العلا من الجنة» جزاء وفاقا.
الحديث الثامن والثلاثون والمائة
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الحياء من الإيمان، والإيمانُ في الجنَّة. والبَذَاءُ مِن الجَفَاءِ والجَفَاءُ في
.
النَّارِ». رواه أحمد والترمذي وصححه، وابن حبان في "صحيحه". الحياء من الإيمان»: لأنه خُلقٌ يمنع صاحبه من ارتكاب المحرمات وسفاسف الأمور والأخلاق الذَّميمة، والإيمان يأمر بترك هذه الأشياء. والبَذَاء»: أي الفحش من الجفاء»: غلظ الطبع ووقاحة الوجه، وهما
يؤديان إلى النار.
الحديث التاسع والثلاثون والمائة
عن أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنَّة؟ فقال: «تَقْوَى الله وحُسْنُ الْخُلُقِ». وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ؟ فقال: «الفَمُ والفَرْجُ». رواه الترمذي وصححه، وابن حبان في "صحيحه".
تمام المنة
۳۰۳
تقوى الله وحُسْن الخلق . جمعت هذه الجملة الخير كله، فتقوى الله تشمل
طاعة الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وحسن الخلق معاملة الناس بالحسنى. الفم والفرج»: هذان أصل المعاصي، فالفم طريق إلى البطن يدخل منه الأكل الحرام كالربا والسرقة والخنزير والمشروب الحرام كالخمر والحشيشة مع ما ينطق به اللسان من الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور ونحو ذلك، والفرج شهوته عظيمة على الإنسان توقعه في الزنا واللواط وهما من الكبائر الموجبة لدخول النار.
الحديث الأربعون والمائة
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: دلني على عمل يدخلني الجنة. قال: «لا تَغْضَبْ، ولك الجنَّةُ». رواه الطبراني بإسناد صحيح. وفي "المسند" بإسنادٍ صحيح أيضًا عن حميد بن عبدالرحمن عن رجل من أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، قال: قال رجل يا رسول الله : أوصني، قال: «لا تَغْضَبْ قال: ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله.
الحديث الحادي والأربعون والمائة
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ العبد ليتكَلَّم بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ الله تعالى ما يُلْقِي لها بالا يَرْفَعُهُ اللهُ بها درجات في الجنَّةِ، وإنَّ العَبْدَ ليتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهُ تعالى لا يُلْقِي لها بالا
٣٠٤
الحديث الشريف
يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ». رواه البخاري في "صحيحه".
ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى»: بأن قال كلمة نصح بها مسلما، أو
ذب عن عرضه، أو دفع بها ظلما عنه، أو دافع بها عن كتاب الله، أو سنة رسوله، أو رد بها تهمة وجهت إلى شيء من أمور الدين.
ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى بأن كذب كذبة يضحك بها إخوانه، أو قال لمسلم مازحًا يا ابن الزانية، أو وجد جماعة يأتمرون بمسلم
ليقتلوه أو يؤذوه فساعدهم بكلمة استحسان.
الحديث الثاني والأربعون والمائة
عن سُراقة بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال له: «يا سُراقة ألا أُخْبِرُكَ بأهل الجنَّةِ وأهلِ النَّارِ؟» قلتُ: بلى يا رسول الله. قال: «أَمَّا أَهلُ النَّارِ فَكُلُّ جَعْظَرِيٌّ جَوَّاطٍ مُسْتَكْبِرُ، وَأَمَّا أَهلُ الجَنَّةِ فَالضُّعَفَاءِ المغلوبونَ». رواه الطبراني بإسنادٍ حسن، وصححه الحاكم على شرط مسلم. جعظري» بفتح الجيم وتشديد الياء، هو المنتفخ بما ليس عنده. «جَوَّاظِ» بتشديد الواو هو الفظ الغليظ . «مستكبر» يحتقر الناس. فالضعفاء المغلوبون على أمرهم بالنسبة لإخوانهم المؤمنين. وأما بالنسبة للكفار، فهم أعزة أقوياء، هكذا وصف الله المؤمنين في القرآن: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَفِرِينَ ﴾ [المائدة: ٥٤] فإذا قرأت في حديث فضل الضعفاء فذلك فيما بين المؤمنين بعضهم مع بعض ولا يجوز لمؤمن أن يَضُعُفُ أمام كافر أو يذل نفسه له. فإن الله تعالى يقول: ﴿وَلِلَّهِ
تمام المنة
٣٠٥
الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: ۸] .
الحديث الثالث والأربعون والمائة
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «احتجتِ الجنَّةُ والنَّارُ ، فقالت النَّارُ : في الجبارون والمتكبرون. وقالت الجنة: في ضعفاء المسلمين ومساكينُهم. فقضى الله بينهما: إِنَّكَ الجنَّةُ رَحْمَتي أرحمُ بكِ مَن أشاء. وإنك النَّارُ عَذَابِي أُعذِّبُ بِكِ مَن أَشاء، و لكِلَيْكُمَا عَلَى
مِلْؤُهَا ». رواه مسلم في "صحيحه".
وهم .
عصاة المسلمين، يرحمهم الله بالجنة بعد أخذ
أرحم بك من أ أشاء»: حظهم من العذاب، أو بشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو بمجرد
رحمته تعالى.
أعذب بك من أشاء»: وهم الكفار والمنافقون والجبارون والمتكبرون. والتعبير بالمشيئة في جانب الجنة والنار يفيد أن دخول المؤمنين الجنة
والكفار النار بمشيئته لا وجوبًا عليه، خلافًا للمعتزلة.
الحديث الرابع والأربعون والمائة
عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ألا أُخبرك بأهل الجنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُسْتَضْعَفْ لو يُقْسِمُ على الله لأبره، ألا أُخبركُم بأهلِ النَّارِ؟ كلُّ عُتُلٌ جَوَّاطٍ مُسْتَكْبِرِ». رواه
الشيخان.
مُسْتَضْعَفْ»: بفتح العين: يستضعفه الناس لسهولته ولين عريكته، لكنه
٣٠٦
الحديث الشريف
في الحق عزيز مهابٌ، وهو كريمٌ على الله بحيث لو يُقسم على الله لأبره وأجاب طلبه في الحال تكرما منه وتفضّلا حيث وعد بإجابة الصادقين.
عتل»: بضم العين والتاء وتشديد اللام هو الجافي العنيف، و«الجواظ»:
تقدم تفسيره.
الحديث الخامس والأربعون والمائة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رجلان من بلي -حي من قضاعة - أسلما مع رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم، فاستشهد أحدهما، وأخر الآخر سنة. قال طلحة بن عبيد الله : فرأيت المؤخر منهما أدخل الجنة قبل الشهيد. فتعجبت لذلك، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أليس قد صَامَ بَعْدَهُ رمضانَ وصَلَّى ستة آلاف ركعة وكذا وكذا ركعة صلاة سُنَّة؟». رواه أحمد بإسناد حسن، ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث طلحة، أطول منه.
«بلي» بوزن يلي بفتح أوله وكسر ثانيه، وقضاعة بضم القاف أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
هذا كقول ملكة سبأ : رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَنَ لِلَّهِ رَبِّ العلمين لم [النمل: ٤٤] و «مع»: تفيد المصاحبة. والمعنى: أسلما مصاحبين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في الإسلام، وأسلمت مصاحبة لسليمان في إسلامه لرب العالمين. ويلاحظ أن ملكة سبأ أعلنت إسلامها حين قال لها سليمان عن الصرح
تمام المنة
۳۰۷
إِنَّهُ صَرْحُ مُّمَرَدٌ مِّن قَوَارِيرَ ﴾ [النمل: ٤٤] وكانت قد ظنته لجة ماء، وكشفت عن ساقيها لتخوضه. فلما تبين لها خطأ ظنها فيما رأته بعينها أدركت بسلامة فطرتها أن ما هي عليه من عبادة الشمس تقليدًا من غير دليل أولى بقبول الخطأ
ودخول الوهم فيه من المشاهد المرئي بالبصر، فلذلك أعلنت إسلامها. وصلى ستة آلاف ركعة يعني أن الذي عاش بعد الشهيد سنة، زاد عليه بآداء عبادتها من صلاة وصوم وغيرهما، فلذا سبقه بدخول الجنة، وهذا يدل على فضل المؤمن الذي يطول عمره في الطاعة. وفي الحديث: «خيركم من طال عمله». عمره وحسن
الحديث السادس والأربعون والمائة
عن عبد الله بن شداد أن نفرا من بني عُذرة ثلاثة، أتوا النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فأسلموا، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن يَكْفيهم؟» قال طلحة: أنا. فكانوا عنده. فبعث النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بَعْنًا، فخرج فيه أحدهم فاستشهد. ثُمَّ بعث بَعْثًا، فخرج فيه آخر فاستشهد. ثُمَّ مات الثالث على فراشه. قال طلحة فرأيت هؤلاء الثلاثة في الجنة. فرأيت الميت على فراشه أمامهم، ورأيت الذي استشهد أخيرًا يليه، ورأيت أولهم آخرهم. قال: فداخلني من ذلك. فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له. فقال: (وما أنكرتَ مِن ذلك؟ ليس أفضل عند الله عزَّ وجلَّ مِن مُؤْمِنٍ يُعَمَّر في الإسلام لتَسْبيحه وتكبيره وتَهْلِيلِهِ». رواه أحمد وأبو يعلى في مسنديها وإسنادهما على شرط الصحيح.
۳۰۸
الحديث الشريف
بني عذرة» : بضم العين وسكون الذال المعجمة. من يكفيهم: يؤخذ منه أن الكافر إذا أسلم، فينبغي للمسلمين أن يؤوه ويمدوا له يد المساعدة، لأن بإسلامه انقطعت صلة المودة بينه وبين أقاربه من الكفار، فيجب أن يجد في المسلمين إخواناً ينسونه بعطفهم وحسن معاملتهم ما
فقده من عطف أهله وأقاربه.
فداخلني من ذلك»: شئ من الشك، لأن المعروف أن الشهيد أعلى رتبة
من الذي يموت على فراشه.
من مؤمن يُعمَّر : بضم الياء وفتح الميم المشددة: أي يعمره الله في الإسلام. التسبيحه وتكبيره وتهليله»: أي لعباداته المتنوعة وطاعاته المختلفة.
الحديث السابع والأربعون والمائة
عن عطاء بن أبي رباح قال قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: إني أُصْرَعُ، وإنِّي أتكشف ، فادْعُ الله لي. قال: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ ولك الجنة، وإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ الله أن يُعافِيَكِ» فقالت: أصْبِرُ. فقالت: إنّي أتكشَفُ فَادْعُ الله لي ألَّا أتكشَفَ، فَدَعَا لها. رواه الشيخان. إني أصرع»: الصرع علة ،معروفة مصدرها مس الجن للشخص
المصروع.
إن شئت صبرت ولك الجنة يفيد أن من كان مصابا بصرع، وصبر عليه
لقوة إيمانه، دخل الجنة.
تمام المنة
۳۰۹
وليس في الحديث حضّ على ترك العلاج كما قد يتوهم؛ لأن الصرع ليس له دواء مادي يعالج (۱) به، وإن كان علماء الطب الحديث يعالجونه بالصدمات الكهربائية؛ لأن الطب لا يعترف بمس الجن، وهو علاج لا يفيد.
ولكن المرأة سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو لها بالشفاء، فخيرها بين الصبر والدعاء وعلم أن عندها من قوة الإيمان ما يحملها على
الصبر، فصبرت وكانت من المبشرين بالجنة.
الحديث الثامن والأربعون والمائة
عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول: «إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال : إذا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُه منهما
الجنَّة». رواه البخاري.
وفي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يذهب الله بحَبِيبَتَيْ عَبدِ فَيَصْبِرُ ويَحْتَسِبُ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ
الجنة».
«بحبيبتيه» أي عينيه والمعنى: أن من ابتلي بالعمى فصبر كان جزاؤه الجن. لكن لا ينبغي للشخص أن يطلب العمى لأجل تحصيل هذا الثواب، بل
(۱) بل يعالج بآيات قرآنية ودعوات نبوية. ومنذ أيام شكا إلى شخص من مس جن ينوبه كل ليلة حتى اشتد عليه ونَنَّص معيشته، فأرشدته إلى قراءة (سورة الجن) عند نومه فواظب عليها، فأذهب الله عنه مس الجن وجاء يشكرني. ومن قبل ذلك عالجت قريبة لنا كان يأتيها صرع شديد بـ (سورة الجن) أيضًا.
۳۱۰
الحديث الشريف
يطلب العافية، فهي خير للمؤمن في الدنيا والآخرة. كما ثبت في الأحاديث. وأذكر لهذه المناسبة أن رجلًا كان عندنا بطنجة وكان صوفيا عابدا صالحا
سمع بفضل العمى في هذين الحديثين وغيرهما، فسأل الله ذهاب بصره فأجاب الله دعاءه، وقام بصره، أي ذهب الإبصار والحدقة سليمة كما حصل لابن عباس رضي الله عنهما، فجزع جزءًا شديدًا وقل صبره وكثر أنينه وشكواه، إلا أن الله تعالى لطف به فعالجه رجل بطريقة القدح المعروفة عن العرب، ورجع إليه إبصاره.
الحديث التاسع والأربعون والمائة
عن أبي رافع رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: مَن غَسَّلَ مَيْتًا فَكَتَمَ عليه غَفَرَ اللهُ له أربعين مرَّةٌ، وَمَن كَفَّنَ مَيْتًا كَسَاهُ اللَّهُ مِن سُندُس وإستبرق في الجنَّةِ، ومَن حَفَرَ لميت قبرًا فأجنَّه فيه أجرى الله له من الأجر كأجر مسكن أسكنه إلى يوم القِيامَةِ». رواه الحاكم وصححه على شرط
مسلم. فكتم عليه: أي ستر على الميت ما يرى فيه من عيب خلقي أو ناشئ عن معصية، كان يخفيها عن الناس. غفر الله له أربعين مرة: أي أربعين ذنبًا.
ومعنى هذا أن من أفشى على الميت سرًا أو نشر عنه عيبا فإثمه كبير عند الله. «فأجنه» ستره. ومادة جنن تدل على الستر : أجنه الليل ستره. والجنون ستر للعقل. والجن مستترون لا يظهرون. والجنين مستور في الرحم. والصيام جنَّة بضم الجيم، أي: ساتر من النار.
تمام المنــة
۳۱۱
الحديث الخمسون والمائة
عن مالك بن هبيرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يقول: «ما مِن مُسْلِمٍ يَمُوتُ فيُصَلِّي عليه ثلاثة صفوفٍ مِن المسلمين إِلَّا أَوْجَبَ». وكان مالك إذا استقبل أهل الجنازة جزاهم ثلاثة صفوف لهذا
الحديث.
رواه الأربعة إلا النسائي، وحسنه الترمذي.
إلا أوجب»: يعني وَجَبَت له الجنة.
الحديث الحادي والخمسون والمائة
عن أبي الأسود قال : قدمت المدينة، فجلست إلى عمر رضي الله عنه فمرت بهم جنازة فأثنوا على صاحبها خيرًا، فقال عمر: وجبت. ثم مر بأخرى فأثنوا على صاحبها خيرًا، فقال عمر: وجبت. فقلت: ما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَيُّهَا مُسْلِمٍ شَهِدَ له أربعة نَفَرٍ بخيرٍ أَدخَلَهُ اللهُ الجنَّةَ». فقلنا: وثلاثة؟ قال: «وثلاثة» فقلنا : واثنان؟ قال: «واثنان ثم لم نسأله عن واحد. رواه البخاري.
شهد له أربعة نَفَرٍ بخير» وكانوا صادقين، فإن كانوا كاذبين فشهادتهم مردودة. قالوا: رحمه الله كان صالحًا وأثنوا عليه. أما أن تطلب منهم الشهادة فيقال لهم عقب الصلاة عليه ما تقولون فيه ؟ فليست بشهادة لأنهم يثنون عليه مجاملة لأهله.
۳۱۲
الحديث الشريف
الحديث الثاني والخمسون والمائة
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ أَهْلَ الجنَّةِ ليتراءون أهل الغُرَفِ مِن فَوْقِهم كما تتراءون الكَوْكَبَ الدري الغابِرَ في الأفق مِن المَشْرِقِ والمَغْرِبِ لتفاضل ما بينهم قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال: «بلى والذي نَفْسِي بِيَدِهِ رجال آمنوا بالله وصَدَّقُوا المرسلين». رواه الشيخان.
هذا الحديث يفيد تفاضل أهل الإيمان في الجنة بمسافات بعيدة. لأن الكوكب الدري الذي يُرى غابرًا في الأفق، يبعد عنا بضعة ملايين من السنين
الضوئية.
الحديث الثالث والخمسون والمائة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
ومعه
وسلَّم: «عُرِضت عليّ الأُمَمُ فرأيتُ النَّبيَّ و ، الرُّهَيْطُ، والنبيُّ ومعه ا ه الرَّجُلُ ـه أحد. إذ رُفِعَ لي سواد عظيم فظننتُ أنهم أمتي.
والرَّجُلان، والنبي ليس . فقيل لي: هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق. فنظرتُ فإذا سواد عظيم. فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر ، فنظرت فإذا سواد عظيم. فقيل لى: هذه أُمتك
ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير عَذَابٍ ولا حِساب».
ثُمَّ نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا
تمام المنة
۳۱۳
بالله، وذكروا أشياء.
فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «ما الذي تخوضون فيه؟» فأخبروه فقال: «هم الذين لا يَرْقُونَ ولا يَسْتَرْقُونَ ولا يتطيرون وعلى رَبِّهم يتوكَّلون». فقام . عكاشة
بن محصن فقال: ادْعُ اللهَ أن
يجعلني منهم. فقال: «أنت منهم». ثُمَّ قام رجل آخر. فقال : ادْعُ الله أن يجعلني
منهم.
. فقال: سبقك بها عُكاشة». رواه الشيخان
عرضت على الأمم»: هذا العرض كان بالمدينة في أواخر حياته صلى الله عليه وآله وسلّم. ومعه الرهيط»: بضم الراء وسكون الياء تصغير رهط وهو ما دون العشرة. والمعنى: أن بعض الأنبياء لم يؤمن معه إلا عدد قليل لم يبلغ العشرة، ومنهم من لم يؤمن معه أحد.
هذا موسى وقومه»: فهو أكثر الأنبياء تابعا بعد نبينا صلى الله عليه وآله الفارق الكبير بينهما، إذ يعد الذين آمنوا بموسى عليه السلام بالآلاف، والمؤمنون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالملايين.
وسلّم مع ا
والمراد: الإيمان الصحيح المنجي عند الله تعالى، لا كإيمان اليهود والنصارى بموسى وعيسى عليهما السلام بعد البعثة المحمدية، فإنه ليس بصحيح ولا ينجي يوم القيامة.
هم الذين لا يرقون أي لا يتخذون الرقية طريقا للتكسب وفي رواية «لا يكتوون»: أي لا يتعالجون بالكي. ولا يسترقون» لا يطلبون الرقية لمرض ينزل بهم، أي لا يتعالجون. ولا يتطيَّرون من شخص ولا حيوان ولا يوم ولا ساعة ولا رقم، ولا غير ذلك مما يتيطير منه ضعفاء الإيمان.
٣١٤
الحديث الشريف
وعلى ربهم يتوكَّلون في جميع أمورهم، فهم على قدم إبراهيم عليه السلام، حيث يقول: إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ( وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ [الشعراء: ۷۷ - ۸۱] وهذا مقام عزيز لا يناله إلا الخاصة من المؤمنين لقوة يقينهم ومزيد ثقتهم بالله تعالى.
أما من لم يصل إلى رتبتهم فعليه سلوك الأسباب المعتادة ومعالجة أمراضه
بالأدوية المعهودة، من رُقى ومراهم وحقن وعمليات جراحية وغيرها. وقد كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إذا مرض يتعاطى الأدوية، ويتعالج بها ليكون أسوة لعموم المسلمين. وقال: «تداووا عباد الله فإنَّ الذي أنزِلَ الدَّاءَ أَنزَلَ الدَّواءَ». لكن لم يكن يتطير ولا يحب الطيرة بل نهى عنها أشد النهي، فلا ينبغي المسلم أن يتطيَّر من شيءٍ؛ لأن التطير خُلُقٌ جاهلي يُبطله الإسلام ويستخفه
العقل.
سبقك بها عُكاشة: بضم العين وتخفيف الكاف وبتشديدها وهو أفصح،
فهو من المبشرين ومن المتوكلين رضي الله عنه.
الحديث الرابع والخمسون والمائة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّ الله تبارك وتعالى ملائكةٌ سَيَّارَةً فُضُلاءَ يَبْتَغُونَ بَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذا وَجَدُوا تَجْلِسًا فيه ذِكْرٌ قَعَدُوا معهم وحَفَّ بعضُهم بعضًا بِأَجْنِحَتِهِم حَتَّى يملؤوا ما بينهم وبين السماء فإذا تفرَّقوا عَرجوا وصعدوا إلى السماء فيسألهم الله
تمام المنة
٣١٥
عز وجل وهو أعلم من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض يُسَبِّحُونَكَ ويُكَبِّرُونكَ ويُهللونكَ ويَحْمُدونَكَ ويَسْأَلُونكَ. قال: فما يسألوني؟ قالوا: يسألونك جَنَّتَكَ قال : وهل رأوا جَنَّتي؟ قالوا: لا يا ربِّ، قال: وكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويَسْتَجِيرونك قال : ومِمَّ يَسْتَجِيرون؟ قالوا: مِن نارك يا رب. قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا يا رب. قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويَسْتَغْفِرونَكَ قال : قد غَفَرْتُ لهم وأعطيتهم ما سألوا وأَجَرْتُهم تما استجاروا. فيقولون: ربِّ، فيهم عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فجلس معهم. فيقول: وله غَفَرْتُ، هم القومُ لا يَشْقَى بهم جَلِيسُهُمْ». رواه الشيخان، وهذا لفظ
مسلم. فيسألهم ربهم وهو أعلم : حكمة هذا السؤال والأسئلة بعده: أن يعرف الملائكة في الملأ الأعلى فضل الذكر، ويعرفوا ما يتفضل الله به على عباده
الذاكرين من إعطائهم ما سألوا وإجارتهم مما استجاروا وغفران ذنوبهم. وكيف لو رأوا جنتي؟»: زاد في البخاري: فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا، وأشد لها طلبًا وأعظم فيها رغبة» وقالوا في النار: «لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا وأشد لها مخافة». وهذا يفيد أن عين اليقين أقوى من علم
اليقين (۱).
وأعطيتهم ما سألوا»: وهو دخول الجنة. والحديث يفيد فضل الاجتماع
(1) ولذا طلب إبراهيم عليه السلام عين اليقين حيث قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْلَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْ مِنْ قَالَ بَلَى آمنت وَلَكِن لِيَطْمَينَ قَلْبي ﴾ [البقرة: ٢٦٠] وفي الحديث:
«ليس الخبر كالمعاينة».
٣١٦
الحديث الشريف
على الذكر، والجهد به وللحافظ السيوطي جزء اسمه "نتيجة الفكر في الجهر
بالذكر " طبع بتعليقاتي عليه.
هم القوم لا يشقى بهم جليسهم يفيد أن من جالس الصالحين، وأهل
الفضل، نالته بركتهم.
الحديث الخامس والخمسون والمائة
عن أنس رضي الله عنه، قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال: «يَطْلُعُ الآنَ عليكم رَجُلٌ مِن أَهلِ الجنَّةِ». فطلع رجلٌ من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعله بيده الشمال، فلما كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم، تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحيت أبي، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثا. فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت؟ قال: نعم. قال أنس: فكان عبد الله يُحدِّث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقومُ مِن الليل شيئًا، غير أنه إذا تعار-تقلب في فراشه - ذكر الله عز وجل، وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر . قال عبدالله : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث ليال وكدتُ أحتقر عمله قلتُ: يا عبدالله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول لك ثلاث مرّاتٍ:
تمام المنة
۳۱۷
يطلع الآنَ عليكم رجلٌ مِن أهلِ الجنَّةِ». فطلعت أنت ثلاث المرات. فأردتُ أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم؟ قال: هو ما رأيت، فلما وليتُ دعاني فقال: هو ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا، ولا أحسد أحدًا على خير أ أعطاه الله إياه. قال عبدالله: هذه التي بلغت بك. رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط
الصحيحين، ورواه النسائي بإسناد صحيح أيضًا، والبيهقي وغيرهم. يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة: هذا من جملة المبشرين وقد تقدم بعضهم في هذا الكتاب.
وفي رواية البيهقي من طريق سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن أبيه قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقال: «ليطلعن
عليكم رجل من هذا الباب من أهل الجنة». فدخل منه سعد بن مالك. تنطف، بضم الطاء وكسرها: تسيل لحيته من ماء وضوئه.
تبعه أي الرجل - عبدالله بن عمرو بن العاص وكان كثير الصيام وتلاوة القرآن حريصًا على العبادة، فلذلك تبع الرجل ليقتدي به في تعبده
وتهجده.
لاحيت أي خاصمت أبي، وهو لم يخاصمه كما سيأتي، وإنما قال ذلك
ليتمكن من المبيت عند الرجل فيرى عمله.
تعار - بتشديد الراء - استيقظ من الليل.
لم أسمعه يقول إلا خيرًا: أي لم يغتب أحدًا ولم يذكره بسوء ولم ينطق
۳۱۸
الحديث الشريف
بفحش الكلام ولا لغوه.
يقول لك: أي يقول عنك.
هذه التي بلغت بك: وهي خصلة ذات شقين فهو حين ينام يبيت سليم
القلب من هذين الدائين: الغش والحسد.
وفي رواية النسائي والبيهقي: قال عبد الله: هذه التي بلغت لك، وهي التي لا نطيق (۱).
والحديث يفيد أن السلامة من الغش والحسد توجب دخول الجنة.
الحديث السادس والخمسون والمائة
من
عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: « قرأ القرآن فاسْتَظْهَره فأحلَّ حلاله وحرَّم حرامه أدخله الله به الجنة وشفعه في
عشرة من أهل بيته كلهم قد وَجَبَت لهم النار». رواه الترمذي وابن ماجه. «فاستظهره» حفظه فأحل حلاله وحرم حرامه» أي عمل به ووقف عند حدوده فكان مؤمناً كامل الإيمان فأدخله الله الجنة. وشَفَعَه» بتشديد الفاء: قبل شفاعته في عشرة من أهل بيته لأن القرآن ثلاثون جزءًا فيعتق بكل ثلاثة أجزاء منه شخصا من أهل بيته من النار.
الحديث السابع والخمسون والمائة
عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في
(۱) فليس الشأن من كثرة العبادة لكن الشأن تصفية القلب من أدوائه الخبيثة.
تمام المنة
۳۱۹
الجنة». فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إذن نستكثر يارسول الله. قال: «الله أكثر وأطيب». رواه أحمد في "مسنده" . الله أكثر» فضلا «وأطيب» جزاء.
الحديث الثامن والخمسون والمائة
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ليذْكُرَنَّ اللهَ أقوامٌ في الدنيا على الفُرُسُ المُمَهَّدَة يُدْخِلُهم الدرجات العلا». رواه ابن حبان. على الفرش الممهدة الموَطَّأة، لأن ذكر الله لا يُشترط فيه أن يكون على
فراش خشن، أو غير ممهد قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ، وَالطَّيِّبَتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ [الأعراف: ۳۲].
الحديث التاسع والخمسون والمائة
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من قال: لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة» قيل: وما إخلاصها؟(۱) قال:
أن تحجزه عن محارم الله». رواه الطبراني في "الأوسط".
الحديث الستون والمائة
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَن قال: لا إله إلا الله وَحْدَهُ لا شريك له، له الملك وله الحَمْدُ يُحيي ويميت وهو الحى الذي لا يموتُ بيده الخير وهو على كلّ شيءٍ قدير. لا
(1) أي: ما علامة إخلاصها ؟
۳۲۰
الحديث الشريف
يُرِيدُ بها إِلَّا وجهَ الله أدخله الله بها جَنَّاتِ النَّعيمِ». رواه الطبراني في "الكبير".
الحديث الحادي والستون والمائة
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ عز وجل ليُدْخِلُ بلُقَمَةِ الخُبز وقبصة التَّمْرِ - ومثله مما ينتفع به المسكين - ثلاثة الجنة: ربَّ البيتِ الآمِرَ به والزَّوجَةَ تُصْلِحُهُ، والخادم الذي يُناول المسكين». رواه الطبراني في "الأوسط" والحاكم.
القبصة، بفتح القاف وضمها وبالصاد المهملة: ما يتناوله الآخذ برؤوس
أصابعه.
الحديث الثاني والستون والمائة
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن أطعم مُؤمِنًا حَتَّى يُشْبِعَهُ مِن سَغَبٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بَابًا مِن أبوابِ الجَنَّةِ لا يَدْخُلُهُ إِلَّا مَن كانَ مِثْلُهُ». رواه الطبراني في "الكبير".
سغب»: بفتح السين والغين المعجمة جوع. لا يدخله إلا من كان مثله معنى هذا أن للجنة بابا لا يدخل منه إلا مطعم المؤمن الجائع. وهذا كما أن للصائمين بابا خاصا بهم، وللذاكرين بابا كذلك.
الحديث الثالث والستون والمائة
عن أم سلمة رضي الله عنها، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: صَنائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، والصَّدَقَةُ خَفِيًّا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزيدُ فِي العُمْرِ، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَأَهلُ المَعْرُوفِ فِي الدُّنيا هم
تمام المنة
۳۲۱
أهل المعروفِ فِي الآخِرَةِ، وأهل المُنكَرِ في الدُّنيا هم أهلُ المُنكَرِ فِي الآخِرَةِ، وأَوَّلُ مَن يدخُلُ الجنَّةَ أَهلُ المَعروفِ». رواه الطبراني في "الأوسط".
تقي مصارع السوء»: فصانع المعروف لا يصاب بسوء.
والصدقة خفيًا» سرًا تطفئ غضب الرب»: أي جهنم لأنها مظهر غضب الله على العصاة من عباده.
.
وفي الصحيحين في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه». لأن إخفاء الصدقة أبعد عن الرياء وأقرب إلى الإخلاص وأحفظ لكرامة الفقير. تزيد في العمر الزيادة في العمر يحتمل أن يكون معناها وضع البركة في عمر واصل رحمه فيتيسر له من الأعمال النافعة في حياته ما يوازى عمرا طويلا، و يحتمل أن يكون معناها بقاء ذكراه الحسنة وثناء الناس عليه، والذكرى عمر للإنسان، ويحتمل أن يكون معناها أن الجنين في بطن أمه يكلف الله الملك الموكل بكتب رزقه وأجله وعمله : أن يكتب عمره ثمانين سنة إن وصل رحمه وخمسين إن لم يصلها، أو أن الله تعالى يظهر لملك الموت في اللوح المحفوظ أقصر العمرين، فإذا جاءت ساعة تنفيذه. قيل له: قد زيد في عمره كذا وكذا سنة لأنه وصل رحمه.
هم أهل المعروف في الآخرة: يعرفهم أهل الموقف بحسن حالهم، وما يعلوهم من نور وبهاء. هم أهل المنكر في الآخرة يعرفون هناك بقبح حالهم وما يغشاهم من
۳۲۲
علامات العذاب.
الحديث الشريف
وأول من يدخل الجنة بعد الذين يدخلونها بغير حساب «أهل المعروف» يدخلونها جماعات كالمتوكلين لأن هؤلاء وكلوا أمورهم الله وأولئك نفعوا
عباد الله.
الحديث الرابع والستون والمائة
عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ثلاث مَن كُنَّ فيه نَشَرَ اللهُ عليه كَنَفَهُ وأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ: رِفْقُ بِالصَّعِيفِ، وشَفَقَةٌ
على الوالدين، وإحسان إلى المملوك». رواه الترمذي.
رفق بالضعيف : كالطفل اليتيم والشيخ الهرم والمرأة العجوز. وشفقة على الوالدين إكراما لهما وعرفانا الجميلهما . وإحسان إلى المملوك في معاملته ومن الإحسان إليه إعتاقه، بل هو أعظم إحسان وأفضله فإن انضم إليه إمداده بما يصلح شأنه ويقيم أوده كان إحسانًا مضاعفا وثوابه عند الله عظيم. قال تعالى : هَلْ جَزَاء الْإِحْسَنِنِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: ٦٠].
الحديث الخامس والستون والمائة
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن صَامَ الأربعاء والخميس والجُمُعَةَ بنى الله له بيتا في الجنَّةِ يُرَى ظاهِرُهُ مِن باطِنِهِ وباطِنْهُ مِن ظَاهِرِهِ. رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواه في
"الكبير" من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. يوم الخميس تعرض فيه الأعمال فينبغي للمسلم أن يعرض عمله وهو
تمام المنة
۳۲۳
صائم كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في صوم شعبان: «هو شهر ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملى وأنا صائم، وأما صوم الأربعاء والجمعة، فلأجل يوم الخميس، حتى يكون يوم العرض بين صومين، واختير الصوم ليوم العرض لأنه يستغرق اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ففي أي ساعة منه حصل عرض العمل كان صاحبه متلبسًا بعبادة الصوم.
الحديث السادس والستون والمائة
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أحيا الليالي الخمسَ وجَبَتْ له الجنَّةُ ليلةَ التَّروِيَةِ، وليلةَ عَرَفَةَ، وليلةَ النَّحْرِ، وليلةَ الفِطْرِ، وليلةَ النَّصْفِ مِن شعبان». رواه الأصبهاني في
"الترغيب".
«ليلة التروية» أي يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي
بذلك لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء لما بعده.
وليلة النصف من شعبان انظر كتابنا "حسن" البيان في ليلة النصف من
شعبان" فقد استوفى ما ورد فيها مع نقد وتفصيل.
الحديث السابع والستون والمائة
عائشة
عن
رضي
الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلَّم: «مَن خرج في هذا الوجه لَحَجّ أو عُمْرَةٍ فمَاتَ فيه لم يُعْرَضُ ولم يُحَاسَبْ وقيل له: ادخل الجنَّةَ». رواه أبو يعلى والطبراني والدارقطني والبيهقي.
هذا النوع يضاف إلى الشهداء والمتوكلين والورعين، في دخول الجنة بغير
٣٢٤
حساب.
الحديث الشريف
الحديث الثامن والستون والمائة
عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ هذا البيتَ دِعامَةٌ مِن دعائم الإسلام فمَن حَجَّ البيت أو اعْتَمَرَ فهو ضامِنٌ على الله، فإن ماتَ أَدْخَلَهُ اللهُ الجنَّةَ، وإن رَدَّهُ إلى أهله رَدَّهُ بِأَجْرٍ وغَنِيمَةٍ». رواه الطبراني في
"الأوسط".
«دعامة»: بكسر الدال. من دعائم الإسلام»: الخمس والأربعة الباقية: الشهادة والصلاة والصوم والزكاة. رده بأجر وغنيمة»: أما الأجر فهو ثواب أعمال الحج والإنفاق فيه، وأما الغنيمة فهي ما يستفيده من معرفة العلماء
والفضلاء، ومن فوائد مادية كالتحف والهدايا الثمينة.
الحديث التاسع والستون والمائة
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الأعمال عند الله عزَّ وجلَّ سبعٌ : عَمَلان مُوجِبان، وعَمَلان بأمثالهما، وعمل بعشر أمثاله، وعَمَلٌ بسبعمائة، وعَمَلٌ لا يعلمُ ثَوابَ عَامِلِهِ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وجل. فأمَّا المُوجِبان : فمَن لَقِيَ اللَّهَ يَعْبُدُه مُخلصًا لا يُشْرِكُ به شيئًا وَجَبَتْ له الجنَّة، ومَن لَقِيَ الله قد أَشْرَكَ به وَجَبَتْ له النَّارُ. وَمَن عَمِلَ سَيِّئَةٌ جُزِيَ مثلها، ومَن أراد أن يَعْمَلَ حَسَنَةُ فلم يَعْمَلُها جُزِيَ مثلها. ومَن عمل . حَسَنةٌ جُزِيَ عشرًا. ومَن أنفقَ مالَهُ في سبيل الله ضُعَفَتْ له نَفَقَتُهُ، الدرهم بسبعمائة درهم
تمام المنة
٣٢٥
والدينار بسبعمائة. والصيام لا يعلمُ ثواب عامِلِهِ إِلَّا اللهُ عزَّ وجلَّ». رواه
الطبراني في "الأوسط" والبيهقي.
الحديث السبعون والمائة
عن ابن عمر أيضًا رضي الله عنهما، أنَّ رجلا من الحبشة أتى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال: يا رسول الله فضلتم علينا بالألوان والنبوة، أفرأيت إن آمنتُ بمثل ما آمنت به وعملتُ بمثل ما عملت به إني لكائن معك في الجنَّةِ؟ فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «نعم». ثُمَّ قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن قال: لا إله إلا الله كان له بها عَهْدٌ عند الله، ومَن قال: سبحان الله كتب له مائة ألف حسنة». فقال رجل: يا رسول الله كيف نهلك بعد هذا؟ فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «والذي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَجِيء يومَ القِيامَةِ بِعَمَلٍ لو وُضِعَ على جَبَلٍ لأثقله فتقوم النِّعْمَةُ مِن نِعَمِ الله فتكاد تستنفذ ذلك كله لولا ما يتفضّل الله مِن رَحْمَتِهِ». ثم نزلت: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَيْنِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَذْكُورًا إلى قوله: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثُمَّ رَأَيْتَ نَعِيا وملكا كبيرا ﴾ [الإنسان: ١-٢٠]. فقال الحبشي: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهل ترى عيني في الجنة مثل ما ترى عينك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «نعم». فبكى الحبشي حتى فاضت نفسه. قال ابن عمر فأنا رأيت رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلّم، يدليه في حفرته. رواه الطبراني في "الكبير".
فضّلتم علينا بالألوان»: يفيد فضل اللون الأبيض على الأسود.
٣٢٦
الحديث الشريف
والنبوة»: يفيد أن الحبشة لم يكن فيها نبي. ويؤيده حديث: «سابق الحبشة
بلال ولقمان كان نوبيًا وكان حكيمًا بنص القرآن ومن قال بنبوته أخطأ وأبعد
عن الصواب. كان له بها عهد عند الله أن يدخله الجنة.
هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَين أي قد أتى على آدم الْإِنسَيْنِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ أربعون سنة وهو جسم من طين لا حياة فيه. وافتتاح هذه السورة ببيان أصل نشأة الإنسان، ثم الإفاضة في وصف نعيم الأبرار الطائعين)، واختتامها بإبعاد الظالمين الكافرين؛ للإشارة إلى أن النوع البشري أبيضه وأسوده يرجع في أصله إلى شخص واحد خلق من طين، وأن الله تعالى لا ينظر إلى الصور والألوان وإنما ينظر إلى الأخلاق والأعمال فنزول السورة مناسب لحال الحبشي وجواب عن سؤاله.
فاضت بالضاد المعجمة، وبالظاء المشالة، لغتان: أي مات.
الحديث الحادي والسبعون والمائة
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أتي بفرس يجعل كل خطو منه أقصى بصره، فسار وسار معه جبريل عله السلام. وذكر حكاية النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم لما شاهده ليلة الإسراء، في حديث طويل جاء فيه: ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم على واد، فوجد ريحا
(۱) ذكرت السورة من أعمال الأبرار عملين: الوفاء بالنذر ، إطعام الطعام؛ إشارة إلى أنهم قاموا بحق الله حيث وفوا بالنذر إذ النذر عبادة من الله ونفعوا أضعف عباد الله
بإطعامهم المسكين واليتيم والأسير، وذلك منتهى البر.
تمام المنة
۳۲۷
طيبة، ووجد ريح مسك مع صوت فقال: ما هذا؟ قال: صوت الجنَّةِ تقول: يا رب ائتنى بأهلي وبما وَعَدْتَني، فقد كَثُرَ غَرْسي وحريري وسُندسي وإستبرقي وعبقريي ومُرجاني وفِضَّتي وذَهَبي وأكوابي وصحافي وأباريقي وفواكهي وعَسَلي وثياب ولَبَني وخمري، ائتني بما وَعَدْتَني». فقال: «لك كلُّ ، مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة، ومَن آمن بي وبرُسُلِي وعَمِلَ صَالِحًا ولم يُشْرِكْ بِي شَيئًا ولم يتخذ من دوني أندادًا فهو آمِنٌ، ومَن سألني أعطيتُه ومَن أقرضنى جزيئه ومن توكَّل عليَّ كفيته، وإنّى أنا الله لا إله إلا أنا، لا خُلْفَ لميعادي، قد أفلح المؤمنون، تبارك الله أحسن الخالقين فقالت قد رضيت» الحديث رواه البزار في "مسنده".
«أتي بفرس»: هو البراق. ومن آمن بي مَنْ اسم شرط، وآمن فعل الشرط، جوابه جملة : فهو آمن أي من فزع يوم القيامة. ومن أقرضني»: أي أنفق في وجوه الخير «أحسن الخالقين»: أي المقدرين.
الحديث الثاني والسبعون والمائة
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ العَبْدَ إِذا وُضِعَ في قَبْرِه وتولَّى عنه أصحابه وإنه ليَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِم إِذا انصرفوا أتاه ملكان فيُقْعِدانِهِ فيقولان له: ما كنتَ تَعْبُدُ؟ فإن هداه الله قال: كنتُ أعبد الله فيقولون له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله. فما
يسأل -
عن شيء بعدها، فينطلق به إلى بيت كان له في النَّار فيُقالُ: هذا كان لك ولكن الله عَصَمَكَ فأَبْدَلَكَ به بيتًا في الجنَّةِ فيراه. فيقول: دعونى حتّي أذهب
۳۲۸
الحديث الشريف
فأُبَشِّرَ أهلى، فيقال له: اسْكُنْ». الحديث رواه الشيخان وأبو داود وغيرهم. «أتاه ملكان اسمهما : منكر ونكير كما ثبت في أحاديث كثيرة يسألان المؤمن والكافر يأتيان المؤمن في صورة حسنة فيقال لهما حينئذ: مبشر وبشير» ويأتيان الكافر في صورة قبيحة فيقعدانه حيث تعود الروح إلى نصفه الأعلى، فيكون كمن به شلل نصفي. فإن حرف شرط ونونه مكسورة
لإلتقاء الساكنين الله ) مرفوع فاعل لفعل الشرط المحذوف، يفسره «هداه». في هذا الرجل هو النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وظاهر الإشارة يقتضي أنه يحضر معهما، ولا مانع من ذلك، ويجوز أن تكون الإشارة للعهد «هذا كان لك» لو كفرت ولكن الله عصمك» منه بإيمانك «فأبدلك به بيتًا في الجنة» لأن المسلم ماله إليها «فيراه أي يرى بيته في الجنة.
الحديث الثالث والسبعون والمائة
عن أم مبشر الأنصاري رضي الله عنها ، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول عند حفصة رضي الله عنها: «لا يَدْخُلُ النَّارَ إِن شاء الله مِن أهلِ الشَّجَرَةِ أحدٌ مِن الذين بايعوا تحتها». قالت: بلى يا رسول الله. فانتهرها، فقالت :حفصة : وَإِن مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ [مريم: ۷۱] فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «قد قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوَاوَ نَذَرُ الظَّلِمِينَ فِيهَا جِيا [مريم: ۷۲]». رواه مسلم وابن ماجه.
من الذين بايعوا تحت الشجرة ذكر الله هذه البيعة في (سورة الفتح)، فقال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الفتح:
تمام المنة
۳۲۹
١٨ ] أخبر برضاه عنهم، فهم من أهل الجنة.
وإن منكم إلا واردها أي داخلها هكذا فهمت حفصة الآية، وأقرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث استدل بقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا ونَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِيا ، فسلم فهمها للورود بالدخول، وبين لها ببقية الآية
انهم لا يمكثون فيها ولا يعذبون بها. وحينئذ فيكون معنى قوله عليه الصلاة والسلام في أول الحديث: «لا يدخل النار من أهل الشجرة أحد»: أنه لا يدخلها للعذاب، كما يدخلها العصاة ،والفساق وإن كان يدخلها مارا بها فذلك ليس بعذاب
الحديث الرابع والسبعون والمائة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار اللهم أجره من النار». رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم.
الحديث الخامس والسبعون والمائة
عن الحسن البصري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ بُدَلاءَ أُمَّتى لم يَدْخُلُوا الجنَّةَ بِكَثْرَةِ صَلَاةٍ ولا صَوْمِ وَلا صَدَقَةٍ ولكن دَخَلُوها بِرَحْمَةِ الله وسَحَاوَةِ الأَنْفُسِ وسَلامَةِ الصُّدُورِ». رواه ابن أبي الدنيا في
۳۳۰
الحديث الشريف
كتاب "الأولياء "(۱).
بدلاء أمتي»: بدلاء جمع بديل وأبدال جمع بدل، وهم طائفة من الأولياء عدتهم أربعون في كل عصر كلما مات شخص منهم أبدل الله مكانه آخر. كان
منهم الإمام الشافعي، وحماد بن سلمة، وغيرهما (٢).
«دخلوها برحمة الله لهم، أو برحمة الله التي وضعها في قلوبهم يرحمون بها
الناس.
وسخاوة الأنفس»: منهم، فإذا أعطوا شيئًا قليلا كان أو كثيرًا لم تتبعه
نفوسهم، ولو عاد إليهم، لم يقبلوه.
وسلامة الصدور» من الغل والحقد والحسد، فهم على قدم سعد بن مالك الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه من أهل الجنة وتقدم
حديثه قريبا، وهو الحديث الخامس والخمسون والمائة.
الحديث السادس والسبعون والمائة
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يَدْخُلُ مِن أهلِ هذه القِبْلَةِ النَّارَ مَن لَا يُحِصِي عَدَدَهُم إِلَّا اللَّه
(۱) وروي الطبراني في "الأجواد" وابن لال في مكارم الأخلاق" عن أنس، عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ بُدَلاء أُمتي لم يَدْخُلُوا الجنَّةَ بِصَلاةٍ ولا صِيام ولكن
دَخَلُوها بسخاوَةِ الأَنْفُسِ وسَلامَةِ الصّدورِ والنُّصْحِ للمسلمين».
(۲) كثيرًا ما يقول البخاري في "تاريخه" في ترجمة حافظ أو عالم: «كانوا لا يشكون أنه من
الأبدال».
تمام المنة
۳۳۱
بما عَصَوا الله واجتروا على معصيته وخالفوا طاعته، فيؤذن لي في الشفاعة فأثني على الله ساجدا كما أثني عليه ،قائما، فيقال لي : ارْفَعْ رأسكَ، وَسَلْ تُعْطَهُ، وَاشْفَعْ تُشَفّع». رواه الطبراني وإسناده حسن.
من أهل هذه القبلة»: هي الكعبة، وأهلها هم المسلمون.
«واشفع»: بفتح الفاء «تُشَفّع»: بضم التاء وفتح الشين والفاء المشددة: أي تقبل شفاعتك. والذي يجب اعتقاده - حسبما تقرر في علم التوحيد - أنه لا بد أن يدخل النار جماعة من عصاة المسلمين بأنواع المعاصي المختلفة تنفيذا للوعيد الوارد في القرآن والحديث، ثم يخرجون منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشفاعة الصالحين ثم بمجرد رحمة الله تعالى، ولا يبقى في النار أحد من العصاة بعد أخذ حظه من العذاب الذي عوقب به. وورد في حديث ضعيف
أن أقصى ما يمكث المسلم العاصي في النار سبعة آلاف سنة. وهو أسبوع من أيام الآخرة.
الحديث السابع والسبعون والمائة
عن أنس رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «إنِّى لقائم انتظرُ أُمَّتِي تَعْبُرُ إذ جاء عيسى عليه السلام، فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يجتمعون إليك يدعون الله أن يُفرّق بين جمع الأمم إلى حيث يشاء لعظم ما هم فيه، فالخَلْقُ مُلَجَمُون في العرق فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة وأما الكافر فيتغشاه الموت. قال: يا عيسى انتظر حتى أرجع، قال: وذهب نبي الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقام تحت العرش. فلقي ما لم يَلْقَ
۳۳۲
الحديث الشريف
مَلَكٌ مُصْطَفَى ولا نبيُّ مُرسَلٌ، فأوحى الله إلى جبريل عليه السلام: أن اذهب إلى محمد فقل له: ارْفَعْ رأسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهُ، واشْفَعْ تُشَفّع. قال: فشفعتُ في أمني: أن أخرج من كلّ تسعة وتسعين إنسانًا واحدا. قال: فما زلت أتردد على ربي فلا أقوم مقامًا إِلَّا شفعتُ حتَّى أعطاني الله من ذلك أن قال: أن أدخل من أمتك مَن شَهِدَ أن لا إله إلَّا الله يومًا واحدًا مُخلصًا ومات على ذلك». رواه أحمد
بإسناد صحيح. «أنتظر أمتي تعبر الصراط. هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد»: لعلمهم
بمنزلتك من الله، وقربك لديه.
فيتغشاه الموت»: لكن لا يموت. فقل له ارفع رأسك»: لأنه كان ساجدًا كما ثبت في حديث الصحيحين سل تعطه الهاء ساكنة وهي هاء السكت، وليست مفعولا به «تُشَفّع»: بضم التاء وتشديد الفاء المفتوحة: تقبل شفاعتك. فشفعت»: بضم الشين وكسر الفاء المشددة: قبلت شفاعتي. «أن أخرج»: يا محمد. من كل تسعة وتسعين إنسانًا»: للنار. «واحدا»: مفعول لأخرج وهذا الواحد هو الذي يدخل الجنة من تسعة وتسعين.
فما زلت أتردد على ربي: أن يقبل شفاعتي في التسعة والتسعين الذاهبين إلى النار من العصاة. فلا أقوم مقاما إلا شفعت»: بالبناء للمجهول: أي إلا قبلت شفاعتي. أدخل الجنة. من أمتك»: أمة الإجابة؛ وهم الذين شهدوا الله بالتوحيد، ولنبيه بالرسالة.
تمام المنة
۳۳۳
الحديث الثامن والسبعون والمائة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت: يارسول الله ماذا رد ربك إليك في الشفاعة؟ قال: «والذي نَفْسُ محمد بيَدِهِ لقد ظننتُ أَنَّكَ أَوَّلُ مَن يسألني عن ذلك مِن أُمتى لما رأيتُ مِن حرصك على العِلْمِ، والذي نَفْسُ محمَّدٍ بِيَدِهِ لا يُهِمُّني مِن انقِصَافِهِم على أبواب الجنة أهم عندي من تمام شفاعتي لهم وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصًا وأن محمدا رسول الله يُصَدِّق لسانُه قَلْبَهُ وقَلْبُهُ لِسَانَهُ». رواه أحمد، وصححه ابن حبان.
من انقصافهم: أي ازدحامهم على أبواب الجنة». والمعنى أن ازدحام الأمة على أبواب الجنة ودخولهم لها بطاعتهم، أهم عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم من شفاعته لهم، وهذا من شدة حرصه على أمته وحب الخير لهم لا بحيث يصلون في الطاعة والتقوى إلى درجة لا يحتاجون معها إلى شفاعة. يصدق لسانه بالضم؛ فاعل قلبه بالنصب مفعول. «وقلبه»: مرفوع.
السانه» منصوب.
٣٣٤
الحديث الشريف
الحديث التاسع والسبعون والمائة
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «خيّرْتُ بين الشَّفاعَةِ أو يدخل نصف أُمتى الجنَّة، فاخترتُ الشَّفاعَةَ؛ لأنها أَعَمُّ وأَكْفَى، أما أنها ليست للمؤمنين المتقين ولكنها للمذنبين الخطائين المتلوثين». رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد، ورواه ابن ماجه من حديث أبي موسى الأشعري.
«المتقين من التقوى، ومن قرأه المتقدمين» وفسره بالسلف الصالح، فقد صحف وأطْرَف.
ويشبه في ذلك ما حكاه ابن الجوزي في أخبار الحمقى والمغفلين": أن
رجلا مغفلاً قرأ: والله ميزاب السموات والأرض. يعني ميراث. فأراد الإمام الشافعي أن ينبهه إلى خطئه بأسلوب لطيف فسأله: ما معنى ميزاب؟ فأجاب: هذه الميازيب التي ينزل منها المطر. فقال الشافعي: لا يكون
تصحيف إلا بتفسير!!
المتلوثين»: بالمعاصي والآثام.
الحديث الثمانون والمائة
عن صهيب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ يقول الله عزّ وجلَّ: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟! ألم تدخلنا الجنَّة وتُنْجِنا من النار ؟! فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم. ثم تلا هذه الآية: ﴿وَلِلَّذِينَ أَحْسَنُوا
تمام المنة
٣٣٥
الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس: ٢٦] رواه مسلم والترمذي والنسائي. تريدون شيئًا أزيدكم؟»: هذا السؤال تمهيد لأفضل نعمة ينعم بها عليهم،
وهي
کشف الحجاب عنهم حتى يروه. ثم تلا هذه الآية: اللَّذِينَ أَحْسَنُوا بطاعة الله وتقواه الحُسْنَى الجنة وَزِيَادَةٌ هي النظر إلى وجه الله الكريم. متعنا الله بالنظر إليه في جنات النعيم، وأماتنا على دينه القويم، وجعلنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
٣٣٦
الحديث الشريف
الخاتمة
في آيات رتبت دخول الجنة على التقوى والعمل الصالح
بعد إذ انتهيت من تأليف الكتاب، ظهر لي أن أختمه بالآيات التي رتبت
دخول الجنة على التقوى والعمل الصالح، لتكون مؤيدة للأحاديث السابقة وداعمة لها، وها هي ذه:
بسم الله الرحمن الرحيم
وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ عُلَمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَبِهَا
وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجُ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: ٢٥].
طوير والذين امنوا وعملوا الصالحات أو لتبكَ أَصْحَبُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ ﴾ [البقرة: ۸۲].
قُل أو نبتكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَجٌ مُطَهَرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ الله وَالله بَصِيرُ بِالْعِبَادِ [آل عمران: ١٥].
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: ۱۳۳] .
أو لَكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّتُ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: ١٣٦].
تمام المنة
۳۳۷
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران:
.[١٦٩
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَمِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأَخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفَرَنَ عنهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ لَا يَغُرَنَكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ) مَتَعُ قَلِيلٌ ثُمَّ
(110
مَأْوَنهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْارَبَّهُمْ هُمْ جَنَّتُ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: ١٩٥ -
.[19A
تلك حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [النساء:
.[١٣
وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَلِدِينَ
فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلَّا ظَلِيلًا ﴾ [النساء: ٥٧].
وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: ۱۲۲].
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّلِحَتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَيْكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء: ١٢٤].
۳۳۸
الحديث الشريف
لارا فاما الذينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ، فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: ١٧٥].
وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَقَ بَنِي إِسْرَاءِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَى عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ الله إني مَعَكُمْ لَنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَوَةَ وَعَاتَيْتُمُ الزَّكَوةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفَرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَرُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَبِيلِ ﴾ [المائدة: ۱۲].
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ وَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَهُمْ جَنَّتِ النَّعِيمِ ﴾ [المائدة: ٦٥].
فَأَنبَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ
الْمُحْسِنِينَ } [المائدة: ٨٥].
قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّدِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَد
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة: ١١٩].
وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُوْلَيْكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ (٢) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ عِلَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَرُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَيْنَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِى لَوْلَا أَنْ هَدَنَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ
وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: ٤٢-٤٣]. الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ
تمام المنة
۳۳۹
وَأُولَيكَ هُمُ الْفَابِرُونَ ) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانِ وَجَنَّتٍ قَمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمُ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التوبة: ٢٠ -
.[٢٢
وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا ومسكن طَيِّبَةً فِي جَنَّتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: ٧٢].
لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ جَهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَيكَ هُمُ الخَيْرَات وَأُوْلَيكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ
خَلِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: ۸۸ - ۸۹] .
وَالسَّبِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحتَهَا الْأَنْهَارُ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: ١٠٠].
إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةُ يُقيلُون في سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَةِ والإنجيلِ وَالْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ، مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمُ
بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة : ١١١]. إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَنِهِمْ تَجْرِى مِن تهِمُ الْأَنْهَرُ فِي جَنَّتِ النَّعِيمِ ) دَعْوَنهُمْ فِيهَا سُبْحَنَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّهُمْ فِيهَا سَلَمُ
٣٤٠
الحديث الشريف
وَءَاخِرُ دَعْوَنَهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: ٩ - ١٠ ] . لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ فَتَرُ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَيكَ أَصْحَبُ الْجَنَّةِ هُم
فيها خَلِدُونَ ﴾ [يونس: ٢٦].
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أَوَلَيْكَ أَصْحَبُ الْجَنَّةِ همْ فِيهَا خَلِدُونَ } [هود: ٢٣].
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عطَاءٌ غَيْرَ مَجْذُونَ ﴾ [هود: ۱۰۸].
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ويدرهُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أَوَلَيْكَ لَمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ اباتِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ وَالْمَلَيْكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (۳) سَلَامُ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُم فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: ٢٢ - ٢٤].
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ أَكُلُهَا دَابِرُ وَظِلُّهَا تِلْكَ
عُقْبَيَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الكَفِرِينَ النَّارُ ﴾ [الرعد: ٣٥].
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَتِ جَنَّتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَالِدِينَ
فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَم ﴾ [إبراهيم: ٢٣].
إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّتٍ وَعُيُونٍ اَدْخُلُوهَا بِسَلَدٍ عَامِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ عِلَّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُنْقَبِلِينَ ) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بمخرجين [الحجر: ٤٥ - ٤٨].
تمام المنة
٣٤١
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (ج) جَنَّتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَر هُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ) الَّذِينَ نَتَوَفَّهُمُ الْمَلَيْكَةُ طيبين يَقُولُونَ سَلَهُ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: ٣٠ - ٣٢].
قيما ليُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنَا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف: ٢ - ٣].
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) أَوَلَيْكَ هُمْ جَنَّتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَرُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا من سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِثِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَابِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: ٣٠
.[۳۱ -
وَأَمَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحَافَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [الكهف: ۸۸] . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حولا ﴾ [الكهف: ۱۰۷ - ۱۰۸]. إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأَوَلَيْكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْنَا لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغُوا إِلَّا سَلَمَا وَهُمْ
رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيَّا تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ يَقيا ﴾ [مريم: ٦٠
.[٦٣
-
وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّلِحَتِ فَأُولَيْكَ هُمُ الدَّرَجَتُ الْعُلَى جَنَّتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن عيها الأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَن تَرَكَ ﴾ [طه: ٧٥-٧٦].
٣٤٢
الحديث الشريف
إن الذينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَا الْحُسْنَى أُولَكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اسْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَلِدُونَ (3) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَنَتَلَقَّهُمُ الْمَلَبِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: ۱۰۱ -
.[١٠٣
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ [الحج : ١٤ ] . إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يحلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ [الحج:
.[٢٣
الْمُلْكُ يَوْمَذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّتِ النَّعِيمِ ﴾ [الحج : ٥٦].
قدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ )) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوةِ فَعِلُونَ )) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَفِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلِكَ فَأُولَيكَ هُمُ الْعَادُونَ ) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَنتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ على صَلَواتِهِمْ يُحَافِظُونَ )) أُولَمكَ هُمُ الْوَرِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فيها خَلِدُونَ ﴾ [المؤمنون: ١ - ١١]. قُلْ أَذَلِكَ خَيْرُ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا ) كُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُ ونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا ﴾ [الفرقان: ١٥ - ١٦].
تمام المنة
٣٤٣
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) أُولَبِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلْقَوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَلِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَراوَمُقَامًا ﴾ [الفرقان: ٧٤ - ٧٦].
وَأَزْ لِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الشعراء: ٩٠].
ار و الذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ نبونَهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحِيهَا الْأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَمِلِينَ ) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
العنكبوت: ٥٨ - ٥٩].
.[10
)
فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ﴾ [الروم:
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ لَهُمْ جَنَّتُ النَّعِيمِ خَلِدِينَ فِيهَا وَعَدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [لقمان: ٨ - ٩]
أَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ فَلَهُمْ جَنَّتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
[السجدة: ١٩].
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوَلَدُكُم بِالَّتِي تُقَرِيكُمْ عِندَ نَازُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحًا فَأُولَبِكَ
هُمْ جَزَاءُ الضِعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ عَامِنُونَ ﴾ [سبأ: ٣٧].
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمُ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُم مقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ
[فاطر: ۳۲ - ۳۳].
٣٤٤
الحديث الشريف
إنت ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةُ قَالَ يَلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ
بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ [يس: ٢٥ - ٢٧].
إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) أَوَلَيْكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومُ فَوَاكِةٌ وَهُم مُّكْرَمُونَ فِي جَنَّتِ النعيم ) عَلَى سُرُو مُنقَبِلِينَ ) يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسِ مِن مَّعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّرِبِينَ ) لَا فِيهَا غَوْلُ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُزَقُونَ ) وَعِندَهُمْ قَصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينُ كَأَنَّهُنَّ بَيْضُ مكنون ﴾ [الصافات: ٤٠ - ٤٩].
هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَنَابِ ) جَنَّتِ عَدْنٍ مُّفَنَّحَةٌ لَهُمُ الْأَبْوَابُ مُتَّكِثِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفكهة كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ) وَعِندَهُمْ قَصِرَاتُ الطَّرْفِ أَنْرَابُ ) هَذَا مَا .
تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ ﴾ [ص: ٤٩ - ٥٤].
لَكِنِ الَّذِينَ أَنْفَوْا رَبَّهُمْ هُمْ غُرَفٌ مِن فَوقِهَا غُرَفٌ مَّيْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ﴾ [الزمر: ٢٠].
ر وسيق الذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ ههُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامُ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَلِدِينَ ﴾ [الزمر: ٧٣].
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ
اب بِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [غافر: ۷-۸] . مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى
تمام المنة
٣٤٥
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَيْكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر: ٤٠]. إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَيْكَةُ أَلَّا تَخَافُوا
،
وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَوةِ
الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيَ أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ )
تر لا مِنْ غَفُورٍ رَّحِيم ﴾ [فصلت: ۳۰-۳۲].
الَّذِينَ ءَامَنُوا بِنَايَتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُم تُخبرون ) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابِ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَلِدُونَ ) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيهَا فَكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [الزخرف: ٦٩ - ٧٣].
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينِ ) فِي جَنَّتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ ا وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَبِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَهُم بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِ فاكهة امنين ﴾ [الدخان: ٥١ - ٥٥].
فاما الذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ، ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ المُبِينُ} [الجاثية : ٣٠].
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) أَوَلَيْكَ
أصْحَبُ الْجَنَّةِ خَلِدِينَ فِيهَا جَزَاءُ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأحقاف: ١٣ - ١٤].
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرَبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَعْتُمُوهُمْ فَشَدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّا بَعْدُ وَإِمَا فِدَاءٌ حَتَّى تضعَ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَا نَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِيَبْلُوا بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي
٣٤٦
الحديث الشريف
سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَلَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَفَهَا لَمْ ﴾
[محمد: ٤ - ٦].
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ جَنَّتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَمُ وَالنَّارُ مَثْوَى لَهُمْ ﴾ [محمد: ۱۲].
سوموار ہے اگر
مثل الجنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنهَرُ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ اسِنٍ وَأَنْهَرُ مِن لَّبَنِ لَمْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ وَأَنْهَرُ مِّنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّرِبِينَ وَأَنْهَرُ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَلِدُ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً جَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾ [محمد : ١٥].
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا } [الفتح: ٥].
قُل لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ نُقَتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبَكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا }
[الفتح: ١٦].
واز لفتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٌ ( مَنْ خَشِيَ الرحمن بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبِ مُنِيبٍ (۳) ادْخُلُوهَا بِسَلَ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ) لَهُم مَا يَشَاءُ ونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق: ٣١-٣٥].
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّتٍ وَعُيُونٍ ءَاخِذِينَ مَا ءَالَهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ
[الذاريات: ١٥ - ١٦].
ما زاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَتِ رَبِّهِ الكُبرى ( أَفَرَءَ يَمُ اللَّتَ وَالْعُزَّى () ومنوة الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴾ [النجم: ١٧ - ٢٠].
تمام المنة
٣٤٧
إنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكِ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: ٥٤ - ٥٥] وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: ٤٦] .
والسَّبِقُونَ السَّبِقُونَ ) أُولَيْكَ الْمُقَرَبُونَ فِي جَنَّتِ النَّعِيمِ ﴾ [الواقعة: ۱۰-۱۲]. فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) فَرَوْحُ وَرَيْحَانُ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } [الواقعة: ۸۸ - ۸۹]. يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَنِهِ بُشْرَنَكُمُ الْيَوْمَ جَنَّتُ تَجْرِي مِن عَيْهَا الْأَنْهَرُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الحديد: ١٢].
سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ امَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد:
.[٢١
لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا وَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أَوْلَبِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحِ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَيْهَا الْأَنْهَرُ خلِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أَوَلَهَكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المفلِحُونَ ﴾ [المجادلة: ٢٢].
ياتها الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُكُمْ عَلَى تِجَرَةٍ تُجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَهِدُونَ فِي سبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ لَعَامُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّتٍ
تجري من تحتهَا الْأَهْرُ وَ مَسَكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [الصف: ١٠ - ١٢ ] . يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَلِحَا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَائِهِ
٣٤٨
الحديث الشريف
وَيُدْخِلْهُ جَنَّتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدَأَ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
[التغابن: ٩].
يَوْمَ يَجْمَعُكُرَ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَغَابُنِ وَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَلِحَا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَائِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
[التغابن: ٩].
رسُولَا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ ايَتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتِ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَلِحَا يُدْخِلْهُ جَنَّتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ﴾ [الطلاق: ١١].
بتأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَنِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَيْهِمْ لَنَا نُورَنَا وَأَغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التحريم: ۸] .
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّتِ النَّعِيمِ ﴾ [القلم: ٣٤].
فَأَمَّا مَنْ أُوتِ كَتَبَهُ بِيَمِينِهِ ، فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَ، واكتبية ( إِنِّي ظَنَنتُ أَنَّ مُلَقٍ حِسَابِيَّة ) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيةِ قُطُوفُهَا دَانِيَّةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيَا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الخالية ﴾ [الحاقة: ١٩ - ٢٤].
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٢) أُولَبِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾ [المعارج: ٣٤ - ٣٥]. كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةُ إِلَّا أَصْعَبَ اليَمِينِ ) فِي جَنَّتِ يَتَسَاءَلُونَ (3) عَنِ الْمُجْرِمِينَ ﴾
[المدثر: ٣٨ - ٤١]
تمام المنة
٣٤٩
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُر جَزَاء وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَبْطَرِيرًا ) فَوقَهُمُ اللَّهُ شَرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَهُمْ نَضْرَةَ وَسُرُورًا ) وَجَزَيْهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةٌ وَحَرِيرًا ) مُتَكِينَ فيها على الأريكَ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ) وَدَانِيَةٌ عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِلَتْ قُطُوفُهَا نَذْلِيلًا ﴾
[الإنسان: ٩ - ١٤].
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَلٍ وَعُيُونٍ ) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَيْتَنَا بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } [المرسلات: ٤١ - ٤٤].
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَارًا) حَدَائِقَ وَأَعْتَبَا وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا وَكَأَسَادِهَا قَالَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغَوا وَلَا كِذَا بَا جَزَاء مِن رَّبِّكَ عَطَاءٌ حِسَابًا [النبأ: ٣١ - ٣٦].
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ، وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات:
إِنَّ الْأَبْرَار لَفِي نَعِيمِ ﴾ [ الانفطار : ١٣].
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ) عَلَى الْأَرَابِكِ يَنظُرُونَ ) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (1) يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَحْتُورٍ حَتَمُهُ مِسْكُ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَا فَسِ الْمُتَنفِسُونَ وَمِنَ اجُهُ
مِن تَسْنِيمِ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [المطففين : ۲۲ - ۲۸] .
إنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ هَمْ جَنَّتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَر ذَلِكَ الْفَوْزُ الكبير ﴾ [البروج: ١١].
يكايتها النَّفْسُ الْمُطْمَينَةُ ) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةٌ ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّنِي ﴾ [الفجر: ۲۷ - ۳۰].
٣٥٠
الحديث الشريف
إن الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَاتِ أَوَلَيْكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ربه [البينة : ۷ - ۸] .
والحمد لله في البدء والختامِ والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد خير الأنام ورضي الله عن آله نجوم الهدى ومصابيح الظلام.
وقع الفراغ من كتابته ليلة الخميس الثاني عشر من شهر ذي الحجة الحرام سنة ست وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية الشريفة بخط ناسخه محمد عمر عمر التومي عافاه الله ووفقه.
ه الأحاديث المُخْتَارَةُ فِي الأَخْلاقِ والآداب المسمى: «الغَرَائِبُ والوحْدَان
هذا كِتابٌ فيه جَمُّ فَوَائـد يَهْدي إلى الخُلْقِ الكَرِيمِ الفَاضِلِ فاحفظ فوائِدَه وأَوْعِبُ جَمعها واعمل بها تَسْعَد بفوز عاجل واطلب لكاتبه صلاح مالِهِ وعُمُومَ مَغْفَرَةٍ بِعَفْو هاطِل والله أرجو أن يُجيبَ سُؤلَنَا فهو المجيب لكل عبـد ســائل
الغرائب والوحدان
بسم الله الرحمن الرحيم
٣٥٥
الحمد الله الأحد الواحد، الغني الماجد، أحمده مُستزيدًا نِعمَهُ، وأشكره مُستدفعًا نِقَمَهُ، وأشهد أن لا إله إلَّا الله فرد في أحديَّته، وعزّ في فرديَّته، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله بعثه لهداية الأمة، فكشف عن عقولها كل ظُلمة، وأزاح عنها كلَّ غُمَّةٍ، صلَّى الله عليه وآله وسلم، صلاة وسلاما دائمين
إلى يوم الدين، ورضي الله عن آله الأطهار، وصحابته الأبرار. أما بعد: فهذا كتاب جمعتُ فيه بعض الأحاديث التي رويت في أجزاء غريبة، أو روى حديثاً منها صحابي ولم يرو غيره، وجعلته امتحانًا للمشتغلين بعلم الحديث النبوي الشريف، يمتحنون به قوة ذاكرتهم، ويعرفون منه مقدار اطلاعهم علي كتب الحديث وأجزائه المفردة، فهو مثل باب «الإخبار بالذي والألف واللام» الذي وضعه النحويون في كتب النحو لاختبار ذكاء الطالب، ومعرفة قوة ملاحظته، وسميته: "الأحاديث المختارة في الأخلاق والآداب" المسمى "الغرائب والوِحْدَان".
كثيرة:
ولا شك أنَّ الاطلاع علي كتب الحديث وأجزائه يُفيد المحدث فوائد
منها: معرفة بعض الأحاديث التي يظنُّ بعض الناس أو جُلُّهم أنها لا أصل لها، مثل حديث: ومَن لَغا فلا مُجمعة له». وقع السؤال عنه عندنا
بالمغرب: هل رواه أحدٌ من أصحاب الكتب المسندة؟ وما رتبته (۱)؟
(۱) سبب السؤال عنه أنَّ العادة جرت في المغرب إذا جلس الخطيب علي المنبر يوم
٣٥٦
الحديث الشريف
وألف فيه الشيخ عبدالحي الكتاني رسالة سماها: "عقد اليواقيت والزبرجد في أن حديث ومَن لغا فلا جمعة له» مما نقب عنه في الأخبار ولم : يوجد"، جزم فيها بأنه لا أصل له معتمدًا على أنَّ الكتب المشهورة لم تذكره ولم
تُعرّج عليه وأطال في عد تلك الكتب مع بيان المخطوط منها والمطبوع. ثُمَّ . م وجدنا الحديث مسندًا من حديث ابن عباس) بلفظه المسؤل عنه في "تاريخ واسط" للحافظ أسلم بن سهل الواسطي الملقب ببحشل، أحد شيوخ الطبراني. وهو كتاب غريب لم يقف عليه الكتاني، ولو وقف عليه لما كتب رسالته السابقة، ولما أكثر فيها من ذكر الكتب التي راجعها لأجل ذلك
الحديث.
ومثل جملة: «وإذا كانت حاجة فافعل مثل ذلك» في حديث توسل الضرير
الجمعة، وأذن المؤذنون الثلاثة علي المنارة، وقف المبلغ على دكة أمام المنبر، وقال بصوت فيه تطريب: اللهم صل وسلم وبارك وأنعم وتفضل علي سيدنا محمد الذي كان إذا تكلم كفى، وإذا عاهد وفى، وإذا صاحب صفا. ويستمر في ذكر مثل هذه الصفات النبوية، ثُمَّ يقول: روى إمامنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلَّم: «إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمة فقد لغوت. وفي حديث آخر : ومَن لَغَا فلا جمعة له». أنصتوا رحمكم الله. ثلاث مرات، ثُمَّ يقعد، ويقوم الإمام.
(۱) وفي سنده مجالد بن سعيد الهمداني، وهو وإن ضعفه يحيي بن سعيد، والدارقطني، فقد وثقه النسائي، وروى له مسلم ،مقرونا، وقال الذهبي في جزء "الدينار من
حديث المشايخ الكبار": «حديثه حسن».
الغرائب والوحدان
حاجتي
٣٥٧
حين علمه النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن يُصلي ركعتين ويقول: «اللهم إني أسالك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في هذه لتقضى لي فشفّعه في». وجاء في بعض طرقه زيادة تلك الجملة، لكن لم تُروى في "سنن الترمذي"، و"ابن ماجه"، ولا في "عمل اليوم واللية" للنسائي، وابن السني، ولا في "مستدرك الحاكم"، و"معجم الطبراني". فظن الشيخ رشيد رضا أنها غير موجودة وزعم وضعها، وتحدى الشيخ الدجوي أن يأتيه بسندها إن كانت موجودة(1).
واعتقد كثير من الناس أنها موضوعة استنادا لقول الشيخ رشيد، الذي كان في نظرهم من كبار المحدثين، ثُمَّ وجدتُها مُسندَةً في "تاريخ ابن أبي خيثمة" الحافظ المشهور، بإسناد صحيح، صححه الحاكم على شرط البخاري، وسلّمه
الذهبي.
وقد ذكرتها بإسندها في كتاب "الرد المحكم المتين" وفي كتاب "مصباح الزجاجة في فوائد صلاة الحاجة". ومنها: أن يكون الحديث الوارد في الكتب المشهورة يشتمل علي لفظ عام أو مطلق أو مُجمَلٍ أو مُشكِل، فتختلف أنظار العلماء في فهمه، ثُمَّ يتبيَّن بالاطلاع علي بعض طرقه في أحد تلك الأجزاء تخصيص عمومه، أو تقييد
إطلاقه، أو بيان إجماله، أو توضيح إشكاله. ومنها: تقوية الحديث بتعدد طرقه، أو دَفْعُ الغرابة والتفرد عنه.
(۱) وذلك في مناظرة بينهما علي صفحات مجلتي "المنار" و"الأزه
٣٥٨
الحديث الشريف
ومنها: معرفة سبب ورود الحديث مثل حديث: «الأرواح جنود مجندة». رواه مسلم في "صحيحه"، وجاء سبب وروده في كتاب "المزاح والمفاكهة" للزبير بن بكار (۱).
ومنها غير ذلك مما يظهر بالاطلاع على كتب الحديث.
وقد شرحت الأحاديث التي أوردتها في هذا الكتاب؛ ليكون الإنتفاع به عاما، لا يخص طائفة دون أخري، ولم أقصد فيه الاستيعاب وإنما ذكرت ما تيسر الوقوف عليه، وفيه كفاية وبلاغ، والله المسؤل أن يبلغنا من رضاه
مطلوبنا، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
(۱) انظر آخر حديث في هذا الكتاب وهو الحديث الخمسون والمائة.
الغرائب والوحدان
الحديث الأول
٣٥٩
قال النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: ائتِ المعروف، واجتنب المنكر، وانظر ما يُعجبُ أُذُنَك أن يقول لك القومُ إذا قُمْتَ مِن عندهم فأتِهِ، وانظر
الذي تكره أن يقول لك القومُ إذا قمتَ من عندهم فاجْتَنِبه».
رواه البخاري في الأدب المفرد"، والبغوي في "المعجم"، والباوردي في
"معرفة الصحابة" عن حرملة بن عبد الله بن أوس، ولم ير وغيره.
ائت المعروف واجتنب المنكر»: كلمتان جامعتان، فالمعروف: كل ما يُقره الشرع من خير ينفع به المسلم نفسه كالصلاة، أو إخوانه كالصدقة، وإغاثة
الملهوف.
والمنكر: كل عمل لا يُقره الشرع كالقمار، وشرب الخمر، وإيذاء الناس
باليد أو اللسان.
من
والمسلم لا بد له من هذين لا غنى له عنهما، بإتيان المعروف يتحلى بمكارم الأخلاق و فضائل الأعمال، وباجتناب المنكر يتخلى عن المعاصي والرذائل. وانظر ما يُعجبُ أُذُنَكَ أن يقول لك» أي عنك القومُ إذا قُمْتَ . عندهم فأته فإذا بلغك عنهم أنهم يقولون عنك: فلان عنده نجدة يغضي عن الحرمات، ولا يتتبع العوارت، ونحو هذا، فافعل ما أثنوا عليك به، فإنه من المعروف المطلوب فعله.
كان أبو حنيفة الإمام مارا في طريق، فسمع صبيانًا يقول بعضهم لبعض:
هذا أبو حنيفة لا ينام الليل؛ فداوم على قيام الليل منذ تلك اللحظة. وانظر الذي تكره أن يقول لك أي عنك القومُ إذا قمت من عندهم
٣٦٠
الحديث الشريف
فاجتنبه فإذا بلغك أنهم يقولون عنك فلان بخيل، أوكذَّابٌ، أو حقود، أو
مخادع، ونحو هذا فاجتب ما ذموك به؛ لأنه من المنكر الواجب اجتنابه. ويشترط في القوم الذين يُثنون عليك بمعروف فتأتيه، أو يذمونك بمنكر فتجتنبه: أن يكونوا أهل صلاح وخُلُقٍ قويم، ذوي معرفة بما يُقره الدين، وبما يُنكره. ومثل هؤلاء إذا أثنوا على ميت خيرًا وجبت له الجنة، وإذا أثنوا عليه
شرا وجبت له النَّار، كما ثبت في الصحيح عن عمر رضي الله عنه.
وأغلب الناس اليوم الذين يستحسنون من الشخص أمورًا يُنكرها الدين لجهلم بأحكامه، ولانحراف أخلاقهم، فلا عبرة بثنائهم، ولا بدمهم لأننا في زمن صار فيه المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا
الحديث الثاني
عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، قال: «أبو بكر وعمر مني بمنزلة
السمع والبصر من الرأس.
رواه أبو يعلى من طريق عبد المطلب بن عبدالله بن حنطب، عن أبيه، عن
جده، ولم يرو غيره. قاله الحافظ ابن عبدالبر.
هذا الحديث يُفيد مزيَّة الشيخين رضي الله عنهما، ويُبين قرب منزلتهما من النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، بحيث إنه لا يستغي عنهما، كما لا يستغني الرأس عن السمع والبصر، وتلك منزلةٌ عظيمة تليق بما قدما الله ولرسوله من نصيحة وإخلاص، وبما بذلا في سبيل دينه من مال وجهد وجهاد، ويكفيهما
شرفًا أنهما ضجيعا النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم في روضته المطهرة.
الغرائب والوحدان
٣٦١
الحديث الثالث
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أُحدٌ جبل يُحِبُّنا ونُحبه». رواه
أحمد والضياء المقدسي عن سويد بن عامر الأنصاري، ولم يرو غيره. أحدٌ» بضم الهمزة والحاء: جبل بضواحي المدينة المنورة، وقعت فيه الغزوة المشهورة بغزوة أحد، وهي مذكورة في القرآن، استشهد فيها حمزة رضي الله عنه، ونزل فيها جبريل وميكائيل فكانا على يمين النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وعن يساره يقاتلان عنه أشدَّ المقاتلة، رآهما سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ثبت ذلك في الصحيحين. وجبل أُحدٍ يحمل اسمه حروف الأحدية، ويضم جوفه شهداء المسلمين الموحدين، فلا غرو أن كان يُحِبُّ سيد الموحدين وصحبه الكرام كما أفاده
الحديث (۱).
ويوخذ منه قيام الحب بالجماد، ولا مانع من ذلك عقلا، وقد ثبت في الحديث الصحيح: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم أول ما جاءته الرسالة كان لا يمرُّ بحجرٍ ولا شجرٍ في مكة المكرمة إلا قال له: السلام عليك يا رسول سمع ذلك علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فالذي أنطق الحجر قادر أن يضع فيه الحب أو البغض.
(۱) وروى أحمد، والبخاري، والترمذي وابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه - قال: صعد النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعثمان رضي الله عنهم جبل أحد، فرَجَفَ بهم فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «اثبت أُحُدُ؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان». كانت رجفة أحدٍ هزة فرح وسرور بأكرم أهل الأرض.
٣٦٢
الحديث الشريف
الحديث الرابع
قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِذا أَتاكم مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عَرِيض». رواه الترمذي، والبيهقي في سنتيهما عن أبي حاتم المزني، ولم يرو غيره.
إذا أتاكم مَنْ تَرْضَوْنَ خُلْقَهُ ودينه أي: إذا أتاكم شخص يخطب منكم بنتا لكم، يُريد أن يتزوجها، وكان مستقيم الخلق، متين الدين، فأجيبوا طلبه وزوجوه. ويؤخذ منه أنَّ الكفاءة في الزواج تُعتبر بالدين، والخلق، لا بالمال ولا بالحسب، وقد زوّج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنت عمته زينب بنت جحش لمولاه ،زيد، ولم يُطلقها إلا لتعاليها عليه بنسبها وحسبها. إلَّا تفعلوا» بأن لم تزوجوه تكن فتنة في الأرض بمنع ) الكفء من
الزواج، وعضل البنت وربَّما تُحاول الاتصال به بطريق غير شرعي. وفساد عريض برد صاحب الخلق والدين عن طلبه، وبتأخير زواج البنت مع أنه
يطلب التعجيل بزواجها إذا جاءها خاطب كف.
وهذه إحدي المسائل التي يجب التعجيل بها.
والثانية: الميت إذا تتحقق موته عُجِّل بدفنه.
والثالثة: إذا حضر الضيف عُجِّل له القِرَى. والرابعة: إذا حلّ أجل الدين وجب التعجيل بوفائه.
والخامسة: إذا حصل ذنب وجب التعجيل بالتوبة منه.
ويؤخذ من الحديث أيضًا جواز الاقتباس من القرآن الكريم، وأنه لا يلتزم
فيه لفظ الآية.
الغرائب والوحدان
الحديث الخامس
٣٦٣
عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا أراد الله بعبدِ هَوَانًا أنفق ماله في البنيان والماء والطين». رواه البغوي في "معجم الصحابة"، والبيهقي في
"الزهد"، عن محمد بن بشير الأنصاري، ولم يرو غيره.
إذا أراد الله بعبد هونًا» في دينه وآخرته أنفق ماله في البنيان والماء والطين» فيبني من البيوت زيادة على ما يكفيه ويكفي أسرته؛ لأنه إسراف وتضيع للمال فيما لا يعود عليه بفائدة دينية ولا دنيوية إلا التفاخر، وهو ممنوع. نعم إذا بنى بيوتا ليسكنها الناس بأجرة، فهذا نوع من التجارة مباح لا يُدم عليه.
الحديث السادس
عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «الزموا هذا الدعاء: اللهم إني اسألك باسمك الأعظم، ورضوانك الأكبر. فإنه اسم من أسماء الله». رواه الطبراني عن حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه . اللهم إني أسألك باسمك الأعظم اختلف العلماء في تعيين اسم الأعظم على أقوال كثيرة ذكرها الحافظ السيوطي في رسالة "الدر المنظم في اسم الله الأعظم". فقيل: الله، وقيل: رب، وقيل: الحيي القيوم، وقيل: بديع
السموات والأرض، وقيل: اللهم، وقيل: هو، وقيل: غير ذلك.
الله
ورضوانك الأكبر» وهو رضاه عن أهل الجنَّة رضا لا يسخط بعده أبدا،
وهذا استفتاح دعاء يدعو الشخص بعده بحاجته بأن يقول: أن تغفر لي، أو
تفرج كربي، أو تختم لي بالإيمان، أو نحو ذلك.
٣٦٤
الحديث الشريف
الحديث السابع
قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ الله وَضَعَ عن المسافر الصوم، وشَطر الصَّلاة». رواه أحمد والأربعة عن أنس بن مالك القشيري، ولم يرو غيره.
وَضَعَ عن المسافر الصَّومَ يعني أنه لا يجب على المسافر صوم رمضان ما دام مسافرا، بل يفطر ثُمَّ يقضي الأيام التي أفطرها بعد رمضان، قال الله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: ١٨٥]. وهل يُستحب له الصوم أو الإفطار ؟ قال العلماء: إن كان عليه في السفر مشقة فيستحب له الإفطار، بل يجب إذا كانت المشقة شديدة يخاف منها الهلاك
على نفسه، وإن كان لا مشقة عليه في سفره استحب له الصوم. وقال الظاهرية: يجب الفطر على المسافر، ولو صام لم يصح صومه واستدلوا بالآية المذكورة؛ لأن قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مصدر وقع في جواب الشرط وهو يقتضي وجوب قضاء أيام أخر، وما ذاك إلا لوجوب الفطر في السفر، وبالحديث الصحيح: ليس من البر الصيام في السفر».
وأجاب الجمهور عن الآية بأنَّ فيها حذفًا دل عليه السياق، والتقدير وَمَن كان في يضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ وأفطر فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. وعن الحديث بأن سبب وروده أنَّ رجلًا كان مسافرًا وشقّ عليه الصوم حتى أُغمي عليه، ولا شك أنَّ من بلغ به الجهد إلى هذه الحالة وجب عليه الفطر بلا خلاف.
الغرائب والوحدان
٣٦٥
وقد صح في الحديث عن أنس أنَّ الصحابة كانوا في سفر مع النَّبي صلى الله عليه وآله وسلّم فمنهم الصائم ومنهم المفطر فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم.
هذا ولا يُشترط في السفر أن يكون شاقًا بالفعل، فمن سافر في القطار أو الأتوبيس أو الطائرة وهو صائم فله أن يُفطر ويأخذ برخصة الله التي رخصها له، بل يُستحب ذلك لحديث: «إنَّ الله يُحِبُّ أن تؤتى رخصه كما يُحِبُّ أَن تُؤْتَى عزائمه». صححه ابن حبان.
وشَطر الصَّلاة»: أي وَضَعَ عن المسافر نصف الصلاة الرباعية، فيُصلّي
الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين حتى يعود من سفره.
ويشترط في السفر الذي يترخّص فيه بالفطر وقصر الصلاة أن يكون سفرًا مشروعا، كالسفر لحج أو صلة رحم، أو زيارة أصدقاء، أو لتجارة، أو لصيد مباح. أما السفر المحرَّم كالسفر لصيد الخنازير والسباع البرية، أو لإذاية مسلم أو الوشاية به، أو سفر المرأة بغير إذن زوجها، فلا يجوز فيه الفطر ولا قصر الصلاة؛ لأنه عصيان الله فلا يترخص فيه برخصة الله.
الحديث الثامن
عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «قابلو النعال». رواه البغوي في معجم الصحابة"، والطبراني وأبو نعيم عن إبراهيم الطائفي ولم يرو غيره. يُشير الحديث إلي أدب من آداب مجتمعنا الإسلامي العربي، فإنَّ الشخص إذا حضر اجتماعا في مسجد أو بيتٍ أو أجاب دعوة لحضور وليمة أو غيرها،
٣٦٦
الحديث الشريف
فإنه يخلع نعليه عند الباب، وينبغي له أن يُقابل بينهما، بأن يضع سفل أحدهما علي سفل الأخرى، ويضعهما في مكان مُعَدَّ للنعال، ومن هنا تعلم أنَّ الإسلام لم يدع ناحية من نواحي الآداب العامة، ولو صغيرة كهذه، إلا أرشد إليها وحضّ عليها.
الحديث التاسع
قال النبي صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجةً». رواه الترمذي من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن مطر بن
عُكَامِس، وقال: حديث حسن ولا يُعرف المطر غيره».
جعل له إليها حاجة يعني أنَّ الله تعالى إذا قضى لشخص أن يموت في بلد جعل له حاجة فيها، كزيارة صديق أو رغبة في تجارة، أو نحو ذلك، حتي إذا وصل إليها تُوفي ودفن فيها.
وهذه إحدى المسائل الخمس التي اختص الله بعلمها قال تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسُ بِأَيِّ أَرْضِ تَمُوتُ ﴾ [لقمان: ٣٤].
فإن قيل: حاول الناس في هذا العصر معرفة المطر قبل نزوله بآلات استحدثت لذلك كما اخترع بعض الأطباء علاجًا يُعرف به نوع الجنين في
الرَّحِم أذكر هو أم أنثى، فهل يرد هذا على الآيه المشار إليها؟
فالجواب: أنه لا يرد، وبيان ذلك من وجوه
الأول: أنَّ لفظ الآية الكريمة: إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْتَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضِ
الغرائب والوحدان
٣٦٧
تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [لقمان: ٣٤].
غايرت الأسلوب في عَدَّ هذه المسائل، فجعلت علم الساعة خاصا بالله تعالى : و إن اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ فقطعت الأطماع عن الوصول إلى علمها وأغلقت الباب في وجه من يريد ذلك، ونفت الدراية عن كسب الغد، والأرض التي يحصل بها الموت وَمَا نَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى
نَفْسُ بِأَيِّ أَرْضِ تَمُوتُ إشارة إلى أنه لا طريق لدرايتهما.
وأثبتت علم الله بما في الأرحام إشارة إلى أنَّ غيره إن وصل إلى معرفة ذلك بعلامات أو علاج أو آلات فلن تتجاوز معرفته حد الظنِّ والتخمين، كما أنَّ
عبارة وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ تُشير إلى إمكان معرفة وقت نزوله. الثاني: أنَّ الآية تُفيد علم الله بهذه المسائل تفصيلا علما شاملا في جميع الأزمان والحالات فلا يُنافي أن يعرف بعض الناس بعضها في بعض ا وبعض الأزمنة معرفة جزئية.
الحالات
الثالث: أن المقصود بالآية إبطال ما كان أهل الجاهلية يسلكونه من كهانة وعرافة وعيافة وضرب بالحصى لاستطلاع الغيب، ومعرفة الأحداث المستقبلية، ولا ينافي أن يُلهم الله بعض الناس معرفة بعضها بطريق الإلهام، أو بطريق من الطرق العلمية الحديثة.
(۱) بالطرق المعهودة، لكن يمكن درايتها بطريق الوحي أو الإلهام على سبيل المعجزة أو الكرامة.
٣٦٨
الحديث الشريف
الحديث العاشر
عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «الدنيا سبعة آلاف سنة، أنا في آخرها ألفا، لانبي بعدي، ولا أُمة بعد أُمتي». رواه الطبراني عن عبدالله بن
زمل، وليس له غيره.
هذا الحديث يُفيد أنَّ عمر الدنيا منذ عهد آدم عليه السلام إلى يوم القيامة
سبعة آلاف سنة، واعتمده الحافظ السيوطي في رسالة "الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف" ردَّ بها على من زعم . أنَّ الساعة تقوم على رأس المائة العاشرة للهجرة، ورجح أن قيام الساعة لا يتجاوز المائة الخامسة بعد القرن العاشر الهجري، وكذلك نقل عن الشيخ عبد السَّلام الأسمر أنه قال: لا تجي سنة خمسمائة وألف هجرية، حتى يكون فريق في الجنة وفريق في السعير.
ونحن الآن في أواخر القرن الرابع عشر الهجري أي في سنة (۱۳۸۸)، ولم تظهر علامة من علامة الساعة الكبرى التي ثبتت في الصحيح، فلم يصح كلام السيوطي، ولا كلام الشيخ عبدالسلام الأسمر، والحقُّ أنَّ الساعة لا يعلم إلَّا الله
متى يكون وقت قيامها: (يَسْتَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ [الأحزاب: ٦٣]. والحديث المذكور ضعيفٌ لا يصح اعتماده، وعمر الدنيا أكثر من
سبعة آلاف سنة بكثير، ومن الناس من يبلغ بعمرها بضعة آلاف مليون سنة(1).
(۱) لا مانع أن يكون عمر الدنيا منذ خلقها الله تعالى عدة ملايين من السنين، أما مدتها منذ سكنها آدم أبو البشر عليه السَّلام فما أظنها تبلغ أو تزيد عن خمسين ألف سنة؛ لأنَّ مقدار
يوم القيامة خمسون ألف سنة، وهو يعادل مدة مكث بني آدم على ظهر الأرض.
الغرائب والوحدان
٣٦٩
الحديث الحادي عشر
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أتاني جبريل فقال: يا محمد كن عجاجا بالتلبية، تجاجا بنحر البدن». رواه القاضي عبد الجبار في "أماليه".
العج بتشديد الجيم: رفع الصوت والمعنى: رفاعًا لصوتك بالتلبية، واجهر بها وهي: البيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك». وهي من شعائر الحج.
والثج بتشديد الجيم: إسالة دماء الهدي. والبدن بضم الباء والدال وبتسكينها أيضًا: جمع بَدَنة وهي ا الناقة. والمعنى: كن سيالا لدماء الهدايا في
الحج.
ولما حجّ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم حجة الوداع أهدى للبيت مائة
بدنة، نحر منها ستين بنفسه، ونحر سائرها علي عليه السَّلام.
الحديث الثاني عشر
عن طليب بن عرفة قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «اتق الله في عُسْرك ويُسْرِك». رواه أبو قُرَّة الزبيدي في "سننه".
اتق الله» أي اجعل بينك وبين غضبه وقايةٌ، وتلك الوقاية ذات شقين: فعل الطاعات، واجتناب المعاصي. وأي تقصير في أحد الشقين يؤدي إلى خلل في الوقاية وإضعافها، فيقع المقصّر في غضب الله وعقابه، وأصل التقوى اتقاء الشرك الظاهر بالتوحيد، والخفي بالإخلاص، ثُمَّ اتقاء المعاصي بفعل
۳۷۰
الحديث الشريف
الطاعات، ثُمَّ اتقاء الشبهات بالورع.
في عُشرك ويُشرك أي : اتق الله في جميع أحوالك؛ لأنَّ الإنسان إما في أو في يُسر لا يخلو من أحدهما: فإذا اتقى الله في حال عسره يسر الله له قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمَا [الطلاق: 4]. وإذا اتقاه في حال يسره أعظم أجره وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ، وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: ٥].
الحديث الثالث عشر
عن كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف، عن أبيه . جده، عن عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اتقوا زلة العالم، وانتظروا فيه». رواه الحلواني
في "جزئه".
العالم قد يزل لأنه ليس بمعصوم، وإنما العصمة للإنبياء والملائكة عليهم السَّلام. وقد يكون زَلّل العالم في عقيدته، كما نُقل عن كبار التابعين قول في القدر يوافق المعتزلة، وفي المعتزلة علماء كبار زلُّوا في عقيدهم، وكما وقع من إمام الحرمين كلام في علم الله تعالى كان زلَّةٌ منه كبيرة، وقد يكون زلل العالم في عمله بأن يرتكب معصية جهارًا أو بتأويل.
وقد نقل عن جماعة من كبار (۱) علماء أهل السُّنَّة ترك الصلاة وأكل مال اليتيم، ونحو ذلك، ولا داعي لذكر أسماءهم، وإنما نرجو الله أن يغفر لهم،
ويغفر لنا معهم.
(۱) فيهم فقهاء وحفاظ وأصوليون، ولهم مؤلفات لها قيمتها العلمية في البحث والتحقيق.
الغرائب والوحدان
۳۷۱
فإذا زل العالم فعلى العامة أن يحذروا زلتة ولا يتخذوها حجَّةً فيفعلوا مثلها بدعوى أنَّ العالم ارتكبها، فإنَّ ذلك لا يعفيهم من عقابها عند الله تعالى،
بدليل قوله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾ [الأنعام: ١٦٤].
وانتظروا فَيْئَتَهُ أي ترقبوا رجوعه وتوبته، فإنَّ معه من العلم ما يحمله على الإسراع بالتوبة، إلَّا إن كان زللـه عن هوى، فمن الصعب رجوعه (۱) مالم
يتداركه الله بلطفه.
الحديث الرابع عشر
عن أبي أمامة رضي ! الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: اجتنبوا التكبر، فإنَّ العبد لا يزال يتكبّر حتى يقول الله تعالى : اكتبوا عبدى هذا في الجبارين». رواه ابن لال" في مكارم الأخلاق"، وعبدالغني بن سعيد في "إيضاح الإشكال". التكبر : احتقار الناس وازدراؤهم، ودفع الحق وعدم قبوله وهو . خُلق ذميم لا يتصف به إلا من يشعر بنقص ومهانة، وقد جعله الشارع من الكبائر،
وأوجب فيه النار.
ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: قال الله تعالى: «الكبرياء رِدَائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني منهما قذفته في النار».
واحدا
اكتبوا عبدي هذا في الجبارين: أي المتكبّرين الذين يُحشرون يوم القيامة
(۱) لأنه يرى نفسه مصيبا، فكيف يرجع عن الصواب إلى الخطأ !!
۳۷۲
الحديث الشريف
في صورة الذر(۱)، يطؤهم الناس بأقدامهم لتعاليهم في الدنيا على الناس.
الحديث الخامس عشر
عن علي عليه السَّلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «اجتنبوا ما أَسْكَر». رواه الحلواني في "جزئه".
اجتنبوا ما أسكر» أي اجتنبوا المسكر لا تشربوه قليلا كان أو كثيرًا؛ للحديث الصحيح المشهور : ما أَسْكَرَ كَثيره فقليله حرام». وفي لفظ آخر صحيح أيضًا: (ما أسكر الفَرَق منه فملء الكفّ منه حرام». الفرق بفتح الفاء والراء: مكيال يسع ستة عشر رطلًا. وشُرب المسكر من الكبائر، وفيه الحد وهو ثمانون جلدة. وانظر كتابنا واضح البرهان على تحريم الخمر في القرآن" ففيه مباحث نفيسة تتعلَّق بالخمر وبسائر المسكرات، كالبيرة والبوظة والخمير. الحديث السادس عشر
عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اجعل بين أَذَانِكَ وإقامَتِكَ نَفَسا؛ حتَّى يقضي المتوضّى حاجَتَهُ فِي مَهَلٍ، ويَفْرُغُ الأكلُ مِن طعامه في مَهَلٍ». رواه أبو الشيخ في كتاب "الأذان" بإسناده عن سلمان. ورواه بإسناد آخر عن أبي هريرة.
يشتمل الحديث على حكم من أحكام الأذان، وهو أنَّ المؤذن إذا فرغ من أذانه لا يُسرع بإقامة الصَّلاة، بل ينتظر بمقدار ما يقضي المتوضّى حاجته إذا كان في بيت الخلاء، ويتوضّاً في مَهَل بلا ،استعجال، ويفرغ الآكل من طعامه في
(1) يحشر الله المتكبرين بأجسامهم كاملةً، إلَّا أنها مصغرة في حجم الذرة.
الغرائب والوحدان
۳۷۳
مهل بلا استعجال، والحكمة في ذلك تكثير الجماعة بانتظار من يأتي إليها، ودخول المصلي في صلاته بخشوع ليس مشغولا بطعام، ولا بقضاء حاجة؛ ولذا ثبت في الصحيح: إذا حَضَرَ العَشَاءُ وأُقيمت الصلاة، فابدءوا بالعَشَاءِ»(۱). وفي
الصحيح أيضا: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان». وانتظار المؤذن بعد الأذان مطلوب في جميع الصلوات حتى المغرب،
ومعظم الناس في مصر يُعجّلون بصلاة المغرب عقب الأذان مباشرة، ولا ينتظرون متوضأ ولا غيره، ويحتجون بقولهم: «المغرب جوهرة فالتقطوها». يعتقدونه حديثا نبويًا مع أنه ليس بحديث، ولا أصل له. والمصرح به في كتب الفقه: أنَّ المساجد التي يقصدها الناس، يُستحبُّ أن تؤخّر فيها الصَّلاة بعد الأذان، ريثما يحضر المصلون بخلاف الزَّوايا والربط التي لا تقصد فلا بأس على المقيمين بها أن يُعجّلوا بالصَّلاة.
الحديث السابع عشر
عن عائشة - رضي الله عنها - عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «احذروا الشهرتين: الصُّوف، والخَزُّ». رواه أبو عبد الرحمن السلمي في "سنن الصوفية". ثبت النهي عن ثوب الشهرة، فعن أبي ذرّ - رضي الله عنه - قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ لَبِسَ ثوبَ شُهْرَةٍ أَعرضِ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى يَضَعَهُ
متي وَضَعَهُ». رواه ابن ماجه في "سننه"، والضياء في "المختارة". وفي "سنن أبي داود وابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما
(1) أما قولهم: «إذا حضر العَشَاءُ والعِشَاءُ فابدءوا بالعَشَاء». فليس بحديث.
٣٧٤
الحديث الشريف
«مَنْ لَبِسَ ثَوبَ شُهْرَةٍ أَلبسهُ اللَّهُ يوم القيامةِ ثوبًا مِثله، ثُمَّ يُلْهِبُ فيه النَّارِ». ثوب الشُّهرة: هو الثوب الذي يلفت النظر لكونه شعار الزماد والصلحاء، كثياب الصُّوف؛ فإنَّ الناس يعتقدون في لابسها الزهد والصلاح، ويقصدونه للتبرك به، وطلب دعائه، أو لكونه شعار العلماء كالجبة والعمامة،
فإنَّ الناس يظنُّون لابسها من أهل العلم ويستفتونه في بعض أمور دينهم، وبعض الناس يلبس عمامة خضراء ليوهم أنه من أهل البيت، حيث صارت العمامة الخضراء علامةً عليهم عند المشارقة، فكل من لبس ثوبا يلفت نظر الناس، ويحملهم على أن يظنوه صالحًا، أو زاهدًا، أو عاما، أو شريفا منسبًا، أو نحو ذلك عوقب بأمرين:
١ - إعراض الله عنه في الدنيا حتى ينزعه، ولا يعود إلى لبسه. ٢ - إلباسه مثل ذلك الثوب في الآخرة، وإلهاب النار فيه، فيشتعل ويحرقه. فإن لبس ثوب شهرة لغلائه كالثياب الحريرية، أو المخصوصة بالذهب فإنه يُعاقب العقاب المذكور مضافًا إليه عقاب لبس الحرير أو الذهب المحرم، وعقاب إظهار الحرام والتباهي به.
الحديث الثامن عشر
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «أحسنوا إذا وَلِيتُم (۱)، واعفوا عمَّا مَلَكتم». رواه ابن لال "في مكارم
الأخلاق".
(۱) بفتح الواو وكسر اللام وضم التاء.
الغرائب والوحدان
۳۷۵
اشتمل الحديث على خصلتين من مكارم الأخلاق
۱ - «أحسنوا إذا وَلِيتُم» يعني أنَّ الإنسان إذا ولي أمر الناس - خليفة كان أو ملكًا أو عمدةً أو شيخ بلدٍ مثلا - فيجب عليه الإحسان إلى الناس في معاملتهم، بأن يرفق بهم ولا يشق عليهم. ففي "صحيح مسلم" عن عائشة - رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «اللهم مَنْ وَلِي مِن أمر أُمَّتِي شيئًا فَشَقَّ عليهم فاشْقُقُ عليه، وَمَنْ وَلِيَ مِن أَمر أُمَّتِي شَيئًا فَرَفَقَ بيهم فارفق به».
٢ - «واعفوا عما ملكتم»: يعني أنَّ الإنسان إذا كان له رقيق، فليعامله بكرم ولطف، وليعفوا عن هفواته مرةً ومرتين وثلاثا.
ففي "صحيح مسلم " عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي: «اعلم أبا مسعود» فلم أفهم الصوت من الغضب فلما دنا منّي، إذا هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا هو يقول: «اعلم أبا مسعود أنَّ الله عزّ وجلَّ أقدر عليك منك على هذا الغلام». فقلت: يا رسول الله هو حُرٌّ لوجه الله تعالى فقال: «أما لو لم تفعل لمستك النَّارِ».
وبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلّم خادمة له في أمرٍ فتأخرت عنه كثيرا، حيث وقفت في بعض الشوارع تنظر إلى لعب الصبيان حتى استعجلتها أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها ، فلما جاءت قال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يُشير إلى سواك بيده: «أما والله لولا خوف القصاص يوم القيامة لأوجعتك بهذا السواك».
٣٧٦
الحديث الشريف
الحديث التاسع عشر
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ الله أدبني فأحسن تأديبي، ثُمَّ أمرني بمكارم الأخلاق، فقال: خُذِ العفو، وأمر بالعُرْفِ، وأعرض عن الجاهلين». رواه أبو سعد بن السمعاني في "أدب الإملاء".
إنَّ الله أدبني فأحسن تأديبي أي: تولّى تربيتي وتهذيبي، فكان خيرا لي من والدي. أَلَمْ يَجِدُكَ يَتِيمَا فَشَاوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَابِلًا فأغنى الضحى: ٦)، وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: ١١٣].
والسر في ولادته يتيما : أن يكون منذ نشأته معتمدًا على الله، لا يقول يا أماه ولا يا أبتاه. «خذ العَفْوَ» أي: خُذ الميسور من أخلاق الرجال، ولا تستقص
عليهم، ويقول الشاعر العربي
ولستَ بِمُسْتَبقِ أَخَا لا تَلُمُهُ على شَعْثٍ، أَيُّ الرجال المُهذَّبُ؟ فكان عليه الصَّلاة والسَّلام يصبر على جفوة الجافي، ويغضُّ عن هفوة
الجليس. وأمر بالمعروف أي مر بالمعروف من الأخلاق الفاضلة، والأفعال الكريمة كالصَّلاة والصدق والعفاف والبر والصلة والصبر. وأعرض عن
الجاهلين» أي: أعرض عن السُّفهاء لا تقابلهم بمثل سفاهتهم.
قال جعفر الصادق عليه السَّلام: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية».
الغرائب والوحدان
الحديث العشرون
۳۷۷
عن عبد الرحمن بن غنم قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «سلَّم علي مَلَكَ ثُمَّ قال لي: لم أزل أستأذن ربي عزَّ وجلَّ في لقائك حتى كان هذا أوان أذن لي،
وإني أُبشرك أنه ليس أحد أكرم على الله منك». رواه ابن عساكر في "تاريخه". يفيد أن الملائكة كانوا يسأذنون الله تبارك وتعالى في زيارة النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتشرف بلقائه؛ لعلمهم بفضيلته عند الله وكرامته لديه. «ليس أحدٌ أكرم على الله منك» يفيد أفضليَّة النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على الملائكة، وهو إجماع، إلا ما كان من خلاف شاةٌ لا يُعمل به. وانظر كتابنا "دلالة القرآن المبين على أنَّ النبي أفضل العالمين" تجد فيه الدلائل مبسوطة واضحة.
الحديث الحادي والعشرون
عن أبي هريرة قال : أخبرني أنس بن مالك: «أَنَّ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يُشير في الصَّلاة». رواه الطبراني، وقال: «لا نعلم روى أبو هريرة عن أنس غير هذا الحديث» (۱).
(1) فيه من لطائف الإسناد: رواية صحابي عن صحابي، وكلاهما من . السبعة المجموعين في قول الشاعر:
حفاظ الصحابة
سبع مِن الصَّحْبِ فَوقَ الألفِ قد نَقَلُوا عن النبي المصطفى المختار خير مُضَر أبو هريرة سعد جابر أنس صديقة وابن عباس كذا ابن عُمر سعد: هو أبو سعيد الخدري، والصِّدِّيقة هي عائشة، وأحفظ هؤلاء السبعة أبو هريرة رضي الله عنه.
۳۷۸
الحديث الشريف
كان يُشير في الصَّلاة برأسه أن نعم أو بيده أن انتظر، ونحو ذلك، وهو
يفيد أنَّ مثل هذه الإشارة لاتبطل الصَّلاة، ولا تُنا في الخشوع.
الحديث الثاني والعشرون
عن علي عليه السَّلام عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن، فإنَّ حَمَلَةَ القرآن في ظلّ الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه». رواه أبونصر
عبد الكريم الشيرازي في "فوائده".
أدبوا أولادكم ونَشّؤوهم على ثلاث خصال: حب نبيكم» لقنوهم فضائله، وعلّموهم ما له من فضل على العالم بإخراجه من ظلمات الجهل
والشرك والظلم، إلى نور العلم والمعرفة والواحدنية والعدل، وصِفُوا لهم ما كان يتحلى به من صفات الشجاعة والتمسُّك بالحق، وحب الصدق، والعطف على الضعيف واليتيم، والصبر على الشدائد، وأفهموهم أن حبَّه وطاعته شرط في صحة الإيمان، واتلوا عليهم قول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: ۳۱] وقوله سبحانه:
من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله ﴾ [النساء: ۸۰] ونحوهما من الآيات الدالة .
وجوب طاعته وحبه .
على
وحب أهل بيته» لأنَّ أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أوصى بهم فقال: «أُذكِّرُكم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي». وقال يُخاطب بعض أهل بيته: «والله لايدخل قلب رجل الإيمان حتى يُحبكم الله والقرابتي».
الغرائب والوحدان
۳۷۹
وقراءة القرآن ليحفظوا منها سورًا يصلُّون بها، وليكون أول ما يتلقونه
في تعلمهم كتاب الله، فتعود عليهم وعلى أهاليهم بركة ما فيه من هدى ونور. فإِنَّ حَمَلَةَ القرآن في ظل الله يوم لا ظلَّ إِلَّا ظِلُّه» (۱) يعني أنهم إذا حفظوا
القرآن كله وكانوا من حملته فجزاؤهم يوم القيامة أن يظلهم الله في ظل العرش في معية أنبيائه وأصفيائه، وهذه فضيلة عظيمة، لم ينالوها إلا لحملهم كتاب الله
في صدورهم.
الحديث الثالث والعشرون
عن معاذ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «أَخْلِصْ دِينَكَ يَكْفيك القَليلُ مِن «العمل». رواه ابن أبي الدنيا في كتاب
"الإخلاص". أخلص دينك» أي توجه به إلى الله تعالى، كما قال إبراهيم عليه السلام إِنِّي وَجَهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِن المشركين ﴾ [الأنعام: ۷۹]، وقال الله سبحانه: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا
(۱) هذه إحدى الخصال التي يكون صاحبها في ظل عرش الله يوم لا ظل إلَّا ظِلُّه. والثانية: إمام عادل. والثالثة: شاب نشأ في طاعة الله. والرابعة: رجل تصدق بصدقة فأخفاها فلم تعلم شماله ما أنفقت يمينه والخامسة رجلان تحابا في الله. والسادسة: رجل قلبه معلق بالمساجد والسابعة: رجل دعته إمرأة ذات منصب وجمال فامتنع وقال: إني أخاف الله والثامنة: رجل ذكر الله في خلوته ففاضت عيناه. والتاسعة:
إنظار معبر. وهي نحو ثلاثين خصلة، أفردها الحافظ السيوطي برسالة خاصة.
۳۸۰
الحديث الشريف
فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِن أكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: ٣٠].
وقال تعالى: الا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر: ٣] وحقيقة الإخلاص أن يقصد الشخص بطاعته وجه الله تعالى لا يقصد مع ذلك ثناء من أحد، ولا التقرب إليه، ولا جلب مصلحة لنفسه، ولا أي غرض آخر، بحيث يكون مدح الناس له وذمهم عنه سواء.
والإخلاص مقام عزيز، لا يناله إلا قليل؛ لأنَّ الناس تشوب أعاملهم
أغراض ظاهرة أو خفية، تُفسد إخلاصهم. قال بعض الصالحين دخلت على سهل بن عبد الله التستري يوم جمعة قبل الصلاة، فرأيت في البيت حيَّةٌ، فجعلت أُقدّم رجل وأؤخّر أخرى. فقال: ادخل، لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان وعلى وجه الأرض شئ يخافه، ثُمَّ قال: هل لك في صلاة الجمعة؟ فقلت بيننا وبين المسجد مسيرة يوم وليلة فأخذ بيدي فما كان إلا قليل حتى رأيت المسجد فدخلناه وصلينا الجمعة ثُمَّ خرجنا فوقف ينظر
إلى الناس وهم يخرجون، فقال: أهل لا إله إلا الله كثير والمخلصون منهم قليل. قلت: سهل هذا هو قائل الجملة المشهوره: «كل الناس هَلْكَى إِلَّا
العالمون، والعالمون هَلكَى إِلَّا العاملون والعاملون هَلكَى إِلَّا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم. وهي مذكورة في باب الاستثناء من "شرح
الكفراوي على الأجرومية" باعتبار أنها حديث نبوي وليست بحديث. يكفيك القليل من العمل»: لأنَّ الإخلاص سبب في قبول العمل، وإذا
الغرائب والوحدان
۳۸۱
الله عملا ولو قليلًا أغنى صاحبه عن كثير من الأعمال غير المقبولة، لعدم
الإخلاص فيها.
الحديث الرابع والعشرون
عن أنس -رضي الله عنه - قال : قال النَّبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «أخاف على أمتي خصلتين: تكذيبًا بالقَدَرِ، وَتَصْدِيقًا بالنُّجُومِ». رواه الخطيب
في "كتاب النجوم". تكذيبا بالقَدَرِ» ظهر في عصر التابعين وأواخر عصر الصحابة طائفة
.
جماعة أنكروا القدر، وقالوا:
تُسمَّى «القَدَريَّة» بفتح القاف والدال. وهم . «الأمر أنف»، . بضم الهمزة والنون؛ أي أنَّ الأمر الذي يحدث الآن - أي أمرٍ كان مستأنف ومبتدأ لم يُقدِّر الله وقوعه في الأزل، بل زعموا أنَّ الله لا يعلمه حتى يحدث، كما لا نعلمه نحن قبل حدوثه، وهؤلاء كفَّارٌ لا خلاف في
كفرهم.
وقد تبرأ منهم عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، كما ثبت في "صحيح مسلم" وانقرضت هذه الطائفة والحمد لله، وبقيت طائفة المعتزلة الذين لا ينكرون علم الله بما يحدث في المستقبل، ولكنهم يقولون: لا يريد الشر ولا يقدره، ويلزم على كلامهم أنَّ الكفر والمعاصي واقعة بغير إرادة الله، وبلا تقديره، وهذا خلاف ما تدل عليه آيات القرآن الكريم: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْتَهُ يقدر [القمر: ٤٩] وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ﴾ [الأنعام: ۱۱۲] وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ ﴾ [الإنسان: ۳۰]. والسُّنَّة النبوية المتواترة جعلت الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة. وإنما خاف النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على أمته
۳۸۲
الحديث الشريف
التكذيب بالقدر ؛ لأنه دائر بين تكذيب هو كفر، كقول الطائفة المنقرضة، وبين
تكذيب هو ضلال كقول المعتزلة.
وتصديقًا بالنجوم أي: أخاف على أُمَّتي تصديقا بأنَّ للنجوم دخلا في السعد والنحس ، وأنَّ النجم الفلاني إذا كان في ناحية كذا يدل على وفاة زعيم، أو حصول حرب، أو مجاعة، أو اقتران نجم بكذا يدل على رَوَاحٍ في الأسوق، ونجاح في التجارة، ونحو ذلك من التنبؤات التي تُسمى بالطوالع التي تظهر في معظم النتائج المطبوعة في مصر. وكلُّ ذلك من أعمال الجاهلية التي حرمها الشارع، وأخبر أنَّ الغيب لا يعلمه إلَّا الله ، وأنَّ ما يقع في الكون من حوادث وأحداث مَرَدُّه إلى مشيئة الله وإرادته، وأنَّ النجوم والكواكب مُسيَّرة بأمره. قال تعالى: وَالنُّجُومَ مُسَخَرَاتٍ بِأَمْرِهِ ﴾ [الأعراف: ٥٤] وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَابِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ [إبراهيم: ٣٣].
الحديث الخامس والعشرون
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا أردت أن تذكر عيوب غيرك فاذكر عيوب نفسك». رواه الرافعي في كتاب
"التدوين في تاريخ قزوين".
إذا أراد الإنسان أن يذكر عيوب غيره فلا يخلو إما أن يذكرها بقصد أن ينبه صاحبها ليصلحها، وإما أن يذكرها على سبيل الغيبة المحرمة، وعلى كلا الحالين فالواجب أن ينشغل بعيوب نفسه، ويحاول إصلاحها؛ فذلك أنفع له وأبعد عن إثم الغيبة، وأسلم لدينه ودنياه.
الغرائب والوحدان
۳۸۳
منه. وسبب
وقد يعيب على غيره خُلُقًا أو فعلا، ويكون هو متخلّقاً بأقبح مـ ذلك: أن يكون راضيا عن نفسه، مزكّيًا لأحولها وفي ذلك هلاكه قال الجنيد:
من نظر إلى نفسه باستحسان شيء منها فقد أهلكها، وكيف يصلح لعاقل الرضا عن نفسه ؟!». والكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم الخليل يقول: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَارَةٌ بالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (1) [يوسف: ٥٣]. وفي "الحلية" من حديث أبي هريرة: «يُبصِرُ أحدُكُم القَذَى في عين أخيه، وينسى الجذع في عينه». وفي بعض الأمثال: «الجمل لا يرى سَنَامَهُ، ولكن يرى سَنَامَ أخيه».
الحديث السادس والعشرون
عن سليك الغَطَفاني، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا عَلِمَ العالم فلم يَعْمَل كان كالِصْباحِ يُضِيئ للنَّاسِ ويُحرق (۲) نفسه». رواه ابن قانع في "معجم الصحابه".
الغرض من تعلم العلم: العمل به، وتعليمه للناس. فإذا لم يعمل العالم بعلمه، فمثله كمثل المصباح يُضئ للناس وينورهم بتعليمهم وإرشادهم،
(1) بناء على أنَّ هذا كلام يوسف عليه السَّلام، ورجّح جماعة على أنه كلام امرأة العزيز؛ لأن يوسف لم يكن موجوداً حين قال الملك للنساء وَمَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَوَدتُّنَ يُوسُفَ عَن نفْسِهِ ﴾ [يوسف: ٥۱] ، ومما يؤيد هذا: أنه بعد انتهاء كلامها قال الملك : أنتوني بيه
اسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي [يوسف: ٥٤].
(۲) بضم الياء، وقراءته بفتحها لحن.
٣٨٤
الحديث الشريف
ويُحرق نفسه، بترك العمل، حيث يعاقب عليه.
وثبت في الصحيح: «أنَّ عالما يدخلُ النَّار فتَنْدلِقُ أَقْتَابُه، ويدور كما يدور حمار الرَّحَى، فيسأله بعض العُصاة المعذَّبين: كيف دخلت النار وقد كنتَ في الدنيا تأمر بالخير وتنهي عن الشر؟ فيقول: كنت آمركم بالخير ولا آتيه، وأنهاكم عن الشر وآتيه». (تنبيه): سُليك الغَطَفايُّ راوي الحديث هو الذي دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وآله وسلّم قائم يخطب يوم الجمعة، وجلس فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «قُمْ فصل (۱) ركعتين خفيفتين». يعني: تحية المسجد.
عن عبدالله (۲)
الحديث السابع والعشرون
رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أربعون رجلًا أُمَّة، ولم يخلص أربعون رجلا في الدعاء لميتهم إلا وهبه الله تعالى
لهم، وغفر له». رواه الخليلي في "مشيخته".
(1) أخذ منه الشافعية أنَّ الرجل إذا دخل المسجد والإمام يخطب يُصلّي تحية المسجد ركعتين خفيفتين، ثُمَّ يجلس. والمالكية الذين لا يجيزون ذلك قالوا: كان سُلَيك فقيرًا رقيق الحال فأمره النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم بصلاة ركعتين ليعلم الناس حاله فيتصدقوا عليه. لكن يرد عليهم: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بعد أن أمر سليكا بالصَّلاة قال: «إذا دخل أحدكم المسجد والإمام يخطب يوم الجمعة، فليركع
ركعتين وليتجوز فيهما». وهذا عموم.
(۲) إذا أطلق عبدالله في الصحابة فالمراد به ابن مسعود، وهو حامل نعل رسول صلى الله عليه وآله وسلّم، كان من قراء الصحابة وعلمائهم.
الغرائب والوحدان
٣٨٥
.
التعبير برجل يفيد أنَّ المرأة لا تجب عليها صلاة الجنازة، ولا تشييعها، ويفيد الحديث: استحباب تكثير المصلين على الجنازة بحيث لا يقلُّون عن أربعين رجلًا، وإخلاصهم في الدعاء له، لعل الله يقبل شفاعتهم فيه. وإن كان لأحدهم قبل الميت مظلمة فينبغي أن يسامحه فيها، ولا يجوز أن يتشدد، كما حصل من بعض العلماء الأزهريين فقد حكى لي ولده: أنَّ رجلا مات بقريتهم «شرنوب» فجاء أهل البلد إلى والده ليصلي على الميت لأنه العالم الموجود في بلدهم، فامتنع لأنَّ له على الميت أربعة جنيهات أقرضها له بغير شهود ولم يستطع طلبها من الورثة، فلما ألح الناس عليه، وأفهموه أنه لا يمكن دفن الميت إلا بعد أن يُصلّي هو عليه، ولم يجد مخلصا منهم، تقدم للصلاة عليه، ونوى بقلبه أنه لا يُسامحه في أربعة جنيهات، وأنها مستثناه . من الدعاء الذي سيدعواله فيه بالمغفرة.
وهذا تشدد ما كان ينبغي، مع أنَّ ذلك العالم كان من الأغنياء الموسرين، له
مؤلفات كثيرة طبعها في حياته وكسب منها أرباحًا كثيرةً، وظل أولاده بعد
وفاته يطبعونها مرةً بعد مرة لكثرة الطلب عليها.
الحديث الثامن والعشرين
اشتد
عن أنس رضي الله عنه ، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال : ( غضب الله على الزناة». رواه أبو سعد الجُرْبَادَقَايُّ في "جزئه"، وأبو الشيخ في
"عواليه".
الزنا: من الكبائر الفواحش، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِفَ إِنَّهُ كَانَ
٣٨٦
الحديث الشريف
فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: ۳۲] وفيه من المفاسد: انتهاك عرض المزني بها،
وتلويث شرف أهلها ، واختلاط الأنساب، وغير ذلك.
فمن هنا اشتدَّ غضب الله على الزناة، وأوجب عليهم الحد الرادع لأمثالهم
من الوقوع فيه.
الحديث التاسع والعشرون
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أشدُّ النَّاسِ عذابًا يوم القيامةِ من يُرِي النَّاسَ أَنَّ فيه خيرًا ولا خير فيه». رواه
أبو عبدالرحمن السلمي في "الأربعين".
من يُرِي بضم الياء وكسر الراء «النَّاسَ» بالنصب مفعول أول أنَّ فيه خيرا مفعول ثاني. والمعنى: أن الذي يُظهر للناس الخير وهو في الواقع خال منه يكون أشد الناس عذابًا يوم القيامة؛ لأنه مراء، عمل بقصد أن يراه الناس ولم يقصد رضى الله تعالى، وفي الحديث الصحيح أن الله يقول للمرائين يوم القيامة: «اذهبوا إلى الذين عملتم لهم فى الدنيا، فاطلبوا الأجر منهم». وقال السَّرِيُّ السَّقَطيُّ: من تزيَّن للناس بما ليس فيه، سقط من عين الله تعالى».
الحديث الثلاثون
عن عبدالله بن الحكم، عن أبيه، عن جده: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أربعٌ من سَعَادةِ المرء: أن تكون زَوْجَتُه صالحةً، وأولاده أبرارًا، وخُلَطَاؤُهُ صالحين، ورِزْقُهُ في بلده». رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "الإخوان". أن تكون زوجته صالحةً فسَّرها في حديث آخر بأنها إن نظر إليها سرته،
الغرائب والوحدان
۳۸۷
وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها ومالها. «وأولاده أبرارًا» بأن ربَّاهم على الأخلاق الفاضلة، والتمسك بالدين. «وخلطاؤه» أي: شركاؤه في تجارة أو زراعة «صالحين لا يخونون ولا يسرقون ورزقه في بلده» لا يحتاج في الحصول عليه إلى السَّفَر، وارتكاب مشاقّه، فيكون محل عمله قريبا من بيته، وبذلك يستطيع أن يُشرف على تربية أولاده وتعليمهم عن كَتَبٍ، ثُمَّ إِنَّ الأولاد إذا رأوا والدهم بجانبهم جدوا واجتهدوا هيبة له، وسعيا في إرضائه.
الحديث الحادي والثلاثون
عن علي عليه السَّلام قال: أشهد بالله وأشهد الله لقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَشهدُ بالله وأشهدُ الله لقد قال لي جبريل: يا محمد، إِنَّ مُؤْمِنَ الخمر كعابد وَثَنِ». رواه أبو نعيم في "مسلسلاته" وقال: «صحيح ثابت عنه». المُسَلَّسَلُ - بضم الميم وفتح السينين بينهما لام ساكنة-: هو الذي يتفق رواته في صفةٍ واحدةٍ كهذا الحديث فإن كل راو يقول أشهد بالله وأشهد الله لقد أخبرني فلان. وكالمسلسل بقول كل راو لتلميذه: «إني أحبُّك فلا تدعن أن تقول دبر كل
صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (۱).
وكالمسلسل بالأولية، والأحاديث المسلسلات نحو ثمانين، أغلبها ضعيف، والصحيح فيها قليل وأغرب المسلسلات حديث نرويه مسلسل باليمين،
(۱) نرويها عن الشيخ محمد عبد الباقي الأنصاري المدني سكنا ووفاة، وعن الشيخ أبي النصر القاوقجي، عن والده أبي المحاسن، وعن غيرهما.
۳۸۸
الحديث الشريف
يحلف كل راو بالله العظيم لقد حدَّثه شيخه، حتى يصل إلى جبريل فيحلف بالله العظيم لقد أخبره الله تعالى، وذكر حديثا في فضل قراءة الفاتحة موصلة بالبسملة في نفس واحد، وهو مع ذلك حديث مكذوب !!
إنَّ مدمن الخمر وهو الذي يشربها متى وجدها «كعابد وَثَنِ» لأنه عبد شهوته، وآثرها على رضا مولاه
الحديث الثاني والثلاثون
عن أبي أمامه -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أصحاب البِدَعِ كلابُ النَّار». رواه أبو حاتم الخزاعي في "جزئه". أصحاب البدع هم الخوارج، فقد جاء في حديث آخر: «الخوارج كِلابُ
النَّارِ». لأنهم كَفَّروا بعض الصحابة، واستحلُّوا قِتالهم. ويقول أحدهم وهو عِمران بن حِطَّان يمدح عبدالرحمن بن ملجم الذي قتل عليا عليه السلام: يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقيُّ ما أرادَ بها إِلَّا لِيبلُغَ مِنْ ذِي العرشِ رِضْوَانا إنِّي لأذكُرُهُ يوما فأحسَبُهُ أَوْفَى البَرِيَّة عند الله ميزانا أكرم بقومٍ بطون الأرض أَقْبُرُهم لا يخلطوا دينهم بَغْيًا وَعُدوانا ورد عليه القاضي أبو الطيب الطبري بقوله: يَا ضَرْبَةٌ مِنْ شَقِيٌّ ما أرادَ بها إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العرشِ خُسْرانا إنِّي لأَذْكُرُهُ حِينًا فَأَلْعَنُهُ دِينًا وَأَلْعَنُ عِمْرَانَ بنَ حِطَّانا فأنتمو من كلابِ النَّارِ جــاء بـذا نَصُّ الشريعة بُرهانًا وتبيانا
الغرائب والوحدان
۳۸۹
الحديث الثالث والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: أفضل الأعمال أن تُدخل على أخيك المؤمن سُرورًا، أو تقضي عنه دَيْنًا،
أو تطعمه خُبزًا. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "قضاء الحوائج".
أفضل الأعمال بعد الفرائض من صلاة وصيام وزكاة «أن تُدخل على أخيك المؤمن سُرورًا بأن تنقل إليه خبرًا صادقًا يسره، أو تمازحه في حدود اللياقة والأدب أو تقضي عنه دَيْنًا عجز عن قضائه لعُسره، وتُنظرُه لحين يُسْرِه، أو تتنازل عنه وهو أفضل «أو تُطعمه خُبزًا» أي: تُشبعه إذا كان جائعا. فمثل هذه الأعمال أفضل من كثير النوافل؛ لأنك نفعت به أخاك المؤمن، ويتضاعف ثوابها إذا كان جارًا لك في السكن كما يتضاعف أيضًا إذا كان قريبا لك، بل كثير من الأعلماء والصالحين تركوا الحج النفل وساعدوا بما كانوا ينفقونه فيه يتامى وأرامل ومحتاجين.
الحديث الرابع والثلاثون
عن أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أفضل الصدقة في رمضان». رواه سليم الراضي في "جزئه". «أفضل الصدقة» صدقةٌ في رمضان»؛ لأنه شهر نزل فيه القرآن، والقرآن يَحضُّ على البر والصدقة؛ ولأنَّ النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم يكون في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة والله تعالى يقول: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: ٢١].
۳۹۰
الحديث الشريف
الحديث الخامس والثلاثون
عن علي كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «إقرأ القرآن على كلّ حالٍ إِلَّا وأنت جُنُب». رواه أبو الحسن بن صخر في "فوائده". يفيد الحديث عدم قراءة القرآن للجنب، وهو مذهب الجمهور، وكذالك الحائض. نعم، يجوز لها قراءة آية أو آيتن للتعوذ من الجن والشياطين. أما . المصحف فلا يجوز (۱) إلَّا للمتوضئ لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر». وأجاز المالكية لمعلم الصبيان في الكتاب أن يمس القرآن بغير وضوء للمشقة.
الحديث السادس والثلاثون
مس
عن فن ن أنس -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: إِنَّ الله احتجز التوبة عن كل أصحاب بِدْعَةٍ». رواه ابن فيل في "جزئه".
البدعة: الأمر الذي لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم. وهي نوعان:
بدعة في العقيدة، كبدعة القَدَرِيَّة والمعتزلة والخوارج، وهذه البدعة لا تكون إلا ضلالةً وعليها ينطبق الحديث؛ لأنَّ أصحابها يعتقدون أنهم على هدى، فهم لا يتوبون من عقيدتهم الضالة بل يفتخرون بها، كما يُحكى عن الزمخشري أنه كان إذا قرع باب أحد أصحابه، فسأل: من بالباب؟ أجاب:
(۱) وأجاز المالكية للحائض أن تمسَّ اللوح وتكتب فيه القرآن لأجل التعليم، سواء أكانت تُعلّم غيرها أم يُعلّمها غيرها. بل أجازوا أيضًا للحائض المعلمة أو المتعلمة
مس المصحف الكامل.
الغرائب والوحدان
۳۹۱
محمود المعتزلي، ونجده في تفسير" الكشاف" يستعيذ بالله من ضلال الأشعرية الذين يسمّيهم بالمخبرة (۱) فهؤلاء مُحتجزون عن التوبة إلَّا إن أراد الله بأحدهم
خيرًا ففتح قفل قلبه.
والأخرى بدعة في الأعمال الفرعية، وهي بحسب ما فيها من مصلحة أو
مفسدة تنقسم إلى بدعة حسنة وسيئة:
فالبدعة الحسنة مثل: تشيع الجنازة بالذكر جهرًا، فإنَّ فيها من المصلحة اشتغال المشيعين بالذكر عن الكلام في الميت أو غيره، مع ما يُضيفه الذكر من
الهيبة والوقار.
والبدعة السيئة مثل: ما يُرتكب عند الموت من نصب المآتم وما يصرف
فيها (٢).
الحديث السابع والثلاثون
عن علي عليه السلام عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الله تعالى يُبْغِضُ البخيل في حياته، السَّخي عند موته». رواه الخطيب في كتاب " البخلاء".
(۱) بضم الميم وسكون الجيم، وكسر الباء التحتية الموحدة، نسبة إلى القول بالجبر وما يُحكى عنه أنه رجع عن الاعتزال ليس بصحيح.
(۲) وعليها يتنزل الحديث الصحيح: «مَنْ سَنَّ في الإسلام سُنَةٌ حَسَنَةً فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن يُنقص من أجورهم شي، وَمَنْ سَنَّ سُنَةٌ سَيِّئَةً فعليه
وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن يُنقَصَ مِن أوزارهم شيء».
۳۹۲
الحديث الشريف
(1)
البخيل في حالة صحته وحياته مُبْغَض ) عند الله تعالى؛ لأنه لا يؤدي حق الله فيها أعطاه، ويقبض يده عن اليتيم والمسكين والمحتاج، ولا يسهم في بناء مسجد أو مستشفى أو معهد للتعليم، بل همه جمع المال وتكديسه، حتى إذا أشرف على الموت، ولم يبقَ له في الحياة أمل سخا ببعض المال، وأوصى به لفلان وفلان
وفي الحديث: خير الصدقة أن تَصَدَّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تَدَعْ حتَّى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا وكذا، وقد كان لفلان كذا».
الحديث الثامن والثلاثون
عنه أيضًا كرَّم الله وجهه عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان لها».
رواه الخلعيُّ في "فوائده"، ورواه الخرائطي في "اعتلال القلوب" عن عمر رضي الله عنه.
كتمان الحاجة أنجح لقضائها وإفشاؤها أدعى لفشلها، بسبب سعي حاسد، أو خصم معاند أو نحوهما ممن يكون دأبه إذاية الناس، وتعطيل مصالحهم. ويقول عمر - رضي الله عنه -: «مَنْ كَتَم سِرَّهُ مَلَك أَمْرَهُ».
وحكى المؤرخون أنَّ مِن أسباب فشل ابن الزبير، وغلبة بني أمية عليه: أنه
كان يُفضي بأسراره ولا يكتمها.
(۱) بضم الميم وسكون الباء وفتح الغين المعجمة وقولهم: مبغوض لحن.
الغرائب والوحدان
۳۹۳
عن
عائشة
-رضي
الحديث التاسع والثلاثون
الله عنها - قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلَّم: «إنَّ الشَّيطان يأتي أحدكم فيقول: مَن خَلَقكَ؟ فيقول الله. فيقول: مَن خلق الله ؟ فإذا وَجَدَ أحدُكم ذلك فليقل: آمنتُ بالله ورُسُلِهِ. فَإِنَّ ذلك يذهب عنه». رواه بن أبي الدنيا في "مكايد الشيطان".
هذا نوع من وسوسة الشيطان يريد إغواء المسلم بإلقاء الشك في إيمانه، حيث يسأله من خلق الله ؟ وهو يعلم أنَّ الله خالق، وليس بمخلوق، وقصته مع
آدم تدل على ذلك، حيث قال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [الأعراف: ۱۲] وحلف على إغوائهم بقوله: فَبِعِزَّئِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ ص: ۸۲] فإذا وجد المسلمُ هذه الحالة فليقل: آمنت بالله ورسله، فإنَّ الشيطان يذهب عنه حين يسمع لفظ الإيمان؛ لأنه يكره أن يرى أحدًا من ذرية آدم متمسكا بإيمانه.
الحديث الأربعون
عن الحسن بن علي عليهما السلام، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلّم:
إن أحسن الحسن الخلق الحسن». رواه المستغفري في "مسلسلاته". هذا الحديث مسلسل يقول كل راو: حدثني فلان وعلمه حسن، أو خلقه حسن، أو وجهه حسن، أو خطه حسن، أو كل حاله حسن، وقد تلقيته من شقيقي الحافظ أبي الفيض رحمه الله، كما تلقيتُ منه عدة مسلسلات (۱) بعضها
(۱) منها مسلسل عاشوراء، والمسلسل باليمين، ومن ألطف الأحاديث التي تلقيتها عنه
٣٩٤
الحديث الشريف
ببيتنا وبعضها بزاويتنا الصِّدِّيقية عمرها الله بذكره وهذا الحديث وإن كان
ضعيفًا تؤيده أحاديث كثيرة في فضل حُسْنِ الخُلُق.
الحديث الحادي والأربعون
عن علي عليه السَّلام عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك». رواه أبو نعيم في كتاب "السواك". يفيد الحديث : استحباب تطيب الفم لقراءة القرآن وفضل السواك؛ لأنه ينظف الأسنان، ويشد اللثة، ويطيب النكهة إلى غير ذلك من فوائده المقررة في كتاب "الطب النبوي". ولأبي نعيم في كتاب "السواك" عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «السواك من الفِطْرَةِ». أي الدين قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفَأَ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ﴾ [الروم: ٣٠] وإنما كان من
الدين لأنه آلة نظافة، والدين نظيف يحضُّ على النظافة.
الحديث الثاني والأربعون
عن أنس رضي الله عنه، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ أنواع البر نصف العبادة والنصف الآخر الدُّعاء». رواه ابن صهري في "أماليه".
حديث رواه البيهقي في "السنن" معظم رجاله مرضى: أعرج، عن أعمى، عن أقطع، عن أشل، وهكذا وما ألقاه في بعض دروسه بالزاوية الصديقيه سأله بعض الظرفاء من الإخوان الصديقيين: في أي مستشفي تلقيت هذا الحديث؟ وكان شقيقنا أبو الفيض يُلقي الحديث بإسناده في دروسه، مثل مولانا الأستاذ الإمام
الوالد حين كان يلقي دروسا في صحيح البخاري" بالجامع الأعظم بطنجه
الغرائب والوحدان
۳۹۵
العبادة معناها: الخضوع والتذلل. والدعاء: طلب من الله، وخضوع له والتجاء إليه. فمن هنا كان نصف العبادة معادلا لنصفها الآخر الذي هو أنواع
البركله.
الحديث الثالث والأربعون
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ أهل السَّماءِ لا يسمعون شيئًا من أهل الأرضِ إِلَّا الأذان». رواه أبوأمية
الطرسوسي في "مسنده".
يحتمل الحديث معنيين:
أحدهما: أن يكون الملائكة سُكّان السماء لا يسمعون شيئًا من أمور
الأرض إلا الأذان، فإنَّ الله يسمعهم إيَّاه على سبيل خَرِّقِ العادة لما فيه من
.
توحيد الله والشهادة لرسوله، والدعوة إلى الصلاة التي هي أفضل العبادت. والمعنى الأخر: أن يكونوا يسمعون من أهل الأرض ما يصدر عنهم من أقوال وأصوات، لكن لا يسمعون منهم سماع قبول ورضا إلا الأذان، لما فيه من المعاني المذكورة.
الحديث الرابع والأربعون
عن عقبة بن عامر، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ في الجنة دارًا يقال لها: دار الفَرَحِ، لا يدخلها إلَّا مَن فرح يتامى المسلمين». رواه الحافظ
حمزة بن يوسف السهمي في "معجمه". هذا الحديث يحضُّ على تفريح يتامى المسلمين بإعطائهم ثيابًا جديدة، أو
٣٩٦
الحديث الشريف
حلواء، أو لعبا أو نحو ذلك في الأعياد والمواسم، أو مساعدتهم على التعليم بشراء الكتب اللازمة لهم، أو تفهيمهم ما صعب عليهم من الدروس، أو التسرية عنهم من حزن أصابهم. إلى غير ذلك من أوجه التفريح والتفريج. الحديث الخامس والأربعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ الله تسعة وتسعين اسما من أحصاها كلها دخل الجنَّة».
يعني صفةً تدلُّ على الذات مع معنّى من معاني الكمال الذي يجب له تعالى، وليس فيها اسم علم يدل على مجرد الذات إلا الاسم المفرد (الله) «من أحصاها» حفظاً تدبر معانيها الموجب لخشية الله، والبعد عن معاصيه. مع «كلها» توكيد أريد به استقصاء تلك الأسماء بالحفظ والتدبير، لتفيد تحصيها
الالتجاء إلى الله، وصدق التوكل عليه. «دخل الجنة» مع السابقين. (الله): اسم للوجود الأعظم المتصف بصفات الألوهية، المنعوت بنعوت
الربوبية.
(الرحمن) الذي يعطف على عباده بالإيجاد، ثُمَّ بالهداية إلى الإيمان،
وأسباب السعادة، ثُمَّ بالإسعاد في الآخرة.
(الرحيم): الذي يفيض الخير على عباده من يستحق منهم ومن لا
يستحق.
(الإله): المعبود بحق.
(الرب): الذي يربي عباده بما يصلحهم.
الغرائب والوحدان
۳۹۷
(الملك): الذي يستغني عن كل موجود، ويحتاج إليه كل موجود. (القدوس) بضم القاف أي المنزه عن كل وصف يدركه حس، أو يتصوره خيال، أو يسبق إليه وَهُم، أو يختلج به ضمير، أو يقضي به تفكير. (السَّلام): الذي سَلِم ذاته عن العيب، وصفاته عن النقص، وأفعاله عن
الشر.
(المؤمن): الذي يَهَبُ الأمن والأمان، أو الذي يُصدق رسله بالآيات. المهيمن): المستولي على عباده، المشرف على أرزاقهم وأعمالهم وأجلهم.
(العزيز): الذي يستحيل وجود مثله، وتشتد الحاجة إليه. (الجَبَّار): الذي تنفذ مشيئته في كل أحد، ولا تنفذ فيه مشيئة أحد، أو الذي
يجبرُ فَقْرَ خَلْقه، ويسد حاجتهم.
(المتكبر) : الذي يكون جميع خلقه حُقَراء بالنسبة إليه، ومن ثَم وجبت
عليهم عبادته والتذلل له.
(الخالق): المقدر للأشياء قبل وجودها.
(البارئ): المخترع والموجد لها.
(المصوّر) : المرتب لصور المخترعات أحسن ترتيب.
(الحكيم): الذي أحكم المخلوقات وأتقن صنعها، أو الذي تشتمل أفعاله على حكم ظاهرة أو خفية، أو الذي يهب الحكمة لمن يشاء.
(العليم): أي الذي أحاط علمه بكل شيء، كليه وجزئيه، ظاهره وباطنه،
أوله وآخره، جليله ودقيقه كبيره وصغيره.
(السميع): الذي لا يغيب عن إدراكه أي مسموع، واضحًا كان أو خفيًّا،
۳۹۸
الحديث الشريف
يسمع دبيب النملة على الصخرة، وحديث النفس، لا تكنه الجوانح، لا يختلط عليه صوت بصوتٍ، ولا يحجب إدراكه جهرٌ عن سر .
(البصير) الذي يرى ما في السموات وما بينهما وما تحت الثرى، تنزّه إبصاره عن الحدقة، كما تنزه . سمعه عن الأذان والصماخ.
(الحي) حياة ذاتية لا يعتورها فناء.
(القيوم) : الذي يقوم به كل موجود سواه.
(الواسع): الذي وَسِعَ علمه جميع المعلومات، ووسع كرمه وإنعامه جميع
المخلوقات.
(اللطيف) الذي يعلم دقائق المصالح وغوامضها الدقيقة الخفية،
ويوصلها إلى مستحقها برفق ولطف.
(الخبير ) : الذي يعلم الأشياء الباطنة والأمور الغامضة.
(الحنان): الشديد الرحمة والعطف.
(المنان): الكثير الإنعام.
(البديع) : الذي لم يعهد له مثله في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
(الودود): الذي يحب الخير لجميع خلقه.
(الغفور) الكامل الغفران
(الشكور ) : الذي يجازي على الطاعة اليسرة بدرجات كثيرة.
(المجيد): الشريف الذات، الجميل الفعال.
المبدئ): الذي أوجد الخلق عن عَدَمٍ.
(المعيد) : الذي يوجد الناس بعد فنائهم، فيُعيدهم كما كانوا.
الغرائب والوحدان
۳۹۹
(النور): الظاهر في نفسه المظهر لغيره.
(الهادي) الذي هدى العُقلاء إلى معرفته بما نصب لهم من الدلائل والآيات، وهدى كل مخلوق إلى ما لابد منه في قضاء ضرورياته.
(الأول): الذي لم يسبقه عدم.
(الآخر): الذي ينتهي إليه جميع المخلوقات.
(الظاهر) لذوي العقول بدلائل وحدانيته.
(الباطن) عن الحواس والخيالات، فلا يدركه وَهُم ولا تحشه جارحة. (العفو): الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي. (الغفَّار): الكثير الغفران للعصاة، يغفر لهم مرَّةً بعد مرة. (الوهاب): الذي يُعطي كل محتاج حاجته لا يعوض، ولا لِغَرض (الفرد): الذي يستحيل أن يكون له شأن يماثله أو يُشاكله. (الأحد): الذي لا يتجزأ ولا يثنى.
(الصَّمد): الذي يُطْمَدُ إليه - أي يُقصد - في الملمات. (الوكيل): الذي تُوكَّلُ إليه الأمور وهو كُفُو بالقيام بها وفي بإتمامها. (الكافي): الذي يكفي الأسواء والأدواء والشرور.
الباقي) الذي لا ينهي وجوده أي: لا يطرأ عليه عَدَم أصلًا.
(الحميد) الذي يحمده الخلائق.
(المقيت): بضم الميم؛ الذي يُعطي كل بدن قوته، ويغذي كل روح بقوته
المعنوي، أو هو المستولي على الأشياء كلها المحيط بها علما وقدرةً.
(الدائم): الذي ليس له أول ولا آخر.
٤٠٠
الحديث الشريف
(المتعالي): البالغ منتهى العُلو.
ذا الجلال والإكرام): صاحب نعوت الجلال، وهي: الغنى، والقدرة،
والعلم. وصاحب الإكرام الذي يفيضه على خلقه.
(الولي): المحب لعباده المخلصين.
(النَّصير): الذي ينصر أحبابه.
(الحق) : أي الواجب الوجود لذاته.
(المبين): المظهر لخلقه آياته وآلاءه.
(المغيث): الذي يُغيث الملهوفين والمكروبين.
(الباعث): الذي يُحي الخلق يوم النشور، ويبعث من في القبور.
(المجيب): الذي يُجيب دعوة الداعين.
(المحي): خالق الحياة.
(المميت): خالق الموت.
(الجميل) : أي الذي كل فعله حسن جميل.
(الصادق) في القول وفي الوعد. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء:
۱۲۲) إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران: 9].
(الحفيظ) الذي يحفظ الأشياء بإدامة وجودها إلى حين انتهاء أجلها، ويحفظ المتضادات والمتعاديات بصيانة بعضها عن بعض، فلا يطغى الماء على النَّار، ولا النَّار على الماء، ولا الحرارة على البرودة، ولا البرودة على الحرارة..
وهكذا.
الغرائب والوحدان
٤٠١
خلقه إحاطة علم وقدرة، فلا يغيب شيء عن علمه،
(المحيط): بجميع - ولا يخرج شيء عن قدرته.
(الكبير) الذي كمل وجوده فلم يقطعه عَدَم سابق، ولا عَدَم لاحق،
وصدر عنه وجود كل موجود.
(القريب): القريب من عباده قرب عناية وتأييد لا قرب مسافة وتحديد. (الرقيب): الذي يراعي المخلوقات مراعاة تامة لا تعتريها غفلةٌ،
ويلاحظها ملاحظة كاملة لا يغيب عنه منها شيء.
(الفتاح): الذي يفتح كلَّ مُغلق، ويكشف كلَّ مُشكل، ويحكم بالحق. (التواب): الذي ييسر أسباب التوبه لعبادة، وإذا تابوا قبل منهم. (القديم): الذي يستحيل أن ينتهي وجوده في الماضي إلى أول، ويقال له
الأزلي.
الوتر): المنفرد بالألوهية.
(الفاطر): الذي بدأ خلق الموجودات من عدم.
(الرزاق): خالق الأرزاق الحسّية كالطعام، والمعنوية كالعلم، وموصلها
إلى عباده.
العلام): الذي لا نهاية لمعلوماته.
(العلي): الذي لا رتبة تصل إلى رتبته.
(العظيم): الذي يستحيل أن تحيط العقول بكنه حقيقته.
(المغني): الذي يفيض على عباده ويغينهم. (المليك): الواسع الملك.
٤٠٢
الحديث الشريف
(المُقْتَدِر ): التام القُدرة كاملها.
(الأكرم): الكثير الإعطاء.
(الرءوف): الشديد الرحمة
(المدبر) : الذي يُدير شئون المخلوقات حسب علمه. (المالك): الذي تنفذ مشيئته في مُلْكِهِ.
(القاهر) الذي قهر عباده، فهم في قبضته. (الشاكر): الذي يجزي العاملين، ويثني عليهم.
(الكريم): الذي يعفو مع قدرته على العقاب.
(الرفيع) الذي يرفع رتبة أوليائه، ويرفع درجاتهم في الآخره. (الشهيد) الذي يشهد جميع خلقه ويراهم : وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ
[الحديد: ٤].
(الواحد) الذي يستحيل الانقسام في ذاته. (ذو الطول): صاحب الامتنان.
(ذو المعارج): صاحب المصاعد الذي يصعد عليها الملائكة إلى السموات،
وإلى ما شاء الله .
(ذو الفضل): صاحب الكمال المطلق الذي لا يدانيه كمال. (الخلاق): الذي خلق العالم بمن فيه وما فيه، ويخلق كل لحظة ما لا يُحصى
من النفوس.
إليه.
(الكفيل): الذي كفل أرزاق المخلوقات، فلا يوجد حي إلَّا أوصل رزقه
الغرائب والوحدان
٤٠٣
(الجليل) الذي يوصف بصفات الجلال من الغنى والملك والقدرة
والعلم وغيرها.
وهذه الأسماء تُقرأ منصوبة لأنها مفعولةٌ لفعل «أسأل» في أول الحديث.
رواه أبو الشيخ في "التفسير"، وأبو نعيم في "الأسماء الحسنى".
الحديث السادس والأربعون
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنَّ الجنَّهم بابًا لا يدخله إِلَّا مَنْ شَفَى غَيْظه بمعصية الله». رواه ابن أبي الدنيا في
كتاب "ذم الغضب". الغضب: جمرةٌ من الشيطان تُوقد في قلب ابن آدم، فإذا أطفأها الإنسان بكَظم غيظه أرضاه الله تعالى يوم القيامة على رؤس الأشهاد، وإن هو استرسل معها وانتقم ممن أغضبه بمعصية الله تعالى بأن ردَّ على الشتيمة بالضرب، أو
رد على الضرب بالقتل، فإنه يدخل جنَّهم من باب خُصص له ولأمثاله. ومن حكم عمر رضي الله عنه قوله: «ما عاقبت من عصى الله بمثل أن تطيع الله فيه».
الحديث السابع والأربعون
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم:
إنكم لن تروا ربكم عزَّ وجلَّ حتى تموتوا». رواه الطبراني في "السنة". يفيد الحديث: أنَّ المؤمنين يرون الله تعالى بعد الموت يعني يوم القيامة، وانعقد عليه إجماع أهل السُّنَّة، وتواترت به الأحاديث، ودلت عليه آيات من
٤٠٤
الحديث الشريف
القرآن الكريم مثل : وُجُوهٌ يَوْمَذٍ نَاضِرَةُ ) إلَى رَتِهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: ۲۲-۲۳] كلا إنهم عن ربهم يَوْمَيذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ [المطففين: ١٥] وما خص الكفَّار بالحجاب إِلَّا لأنَّ المؤمنين يرونه. كما يفيد الحديث: أنَّ أحدا لن يرى الله في الدنيا، وهو إجماع من أهل السُّنَّة أيضًا، ولو ادعاه أحدٌ يُحكم بكفره، وسئل الإمام مالك: لولمير المؤمنون ربهم في الدنيا؟ فأجاب: «لأنهم فانون وهو باقٍ، فإذا كان يوم القيامة أُعطوا أبصارًا باقية فرأوا الباقي بالباقي . وهل رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ليلة المعراج؟ في ذلك خلافٌ قيل : اميره، وقيل: رآه بقلبه فقط. والصحيح أنه رآه رؤية بصرية حقيقية. الحديث الثامن والأربعون
عن علي عليه السَّلام عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «أَهْلُ القرآنِ أَهْلُ الله وخاصَّتُه». رواه أبو القاسم ابن حيدر في "مشيخته". إنما كان أهل القرآن أهل الله لأنهم حفظوا كلامه، والتزموا أحكامه وقد ورد: «مَن أوتي القرآن ورأى أنَّ غيره قد أُعطي أعظم مما أُعطي فقد صفّر ما
عظم الله».
الحديث التاسع والأربعون
عن علي أيضًا كرَّم الله وجهه عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ألا أدلكم على الخلفاء منّي ومن أصحابي ومن الأنبياء قبلي ؟ هم - حملة القرآن والأحاديث عني وعنهم في الله والله». رواه السجزي في "الإبانة"، والخطيب في
الغرائب والوحدان
٤٠٥
شرف أصحاب الحديث".
في الحديث شرف كبير لأصحاب الحديث، ومنه أُخذ لقب أمير المؤمنين في الحديث، وهو : أعلى لقب للحفظ عند المحدثين لم ينله إلا نفر قليل (۱) منهم الإمام مالك، وعبد الرحمن بن مهدي، والبخاري، وآخر من وصف به الحافظ ابن حجر.
في الله والله» يعني أنهم يحملون القرآن والحديث عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعن أصحابه حبا في الله ولأجل دين الله (٢).
الحديث الخمسون
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: أُوتِيَ موسى الألواح ، وأُوتيت المثاني». رواه أبو سعيد النقاش الحافظ في
"فوائد العراقيين".
«المثاني» هي السور التي تقل عن مائة آية مثل سورة الأنفال سُمِّيت مثاني لأنها ثنت السور المئين أي هي ثوان، والمئون أوائل، والمعنى: أنَّ السُّور المثاني تعدل الألواح التي أُوتيها موسى عليه السَّلام.
(1) وهم نحو خمسة وعشرين جمعهم المرحوم الشيخ حبيب الله الشنقيطي في رسالة. وألقاب الحفظ هي: مُسند، ثُمَّ مُحدّث، ثُمَّ مُفيد، ثُمَّ حافظ، ثُمَّ أمير المؤمنين في الحديث. أما لقب «الحاكم فليس من ألقاب الحفظ، كما أن لفظ «الحجة» من ألفاظ
التعديل.
(۲) ولذا قال بعض العلماء: علم الحديث من علوم الآخرة ليس للدنيا فيه نصيب.
٤٠٦
الحديث الشريف
الحديث الحادي والخمسون
عن عثمان رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أول مَن يَشْفَعُ يوم القيامةِ الأنبياء، ثُمَّ العلماء، ثُمَّ الشُّهداء». رواه المرهبي في "فضل
العلم".
أول من يشفع يوم القيامة على الإطلاق هو النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم، حين يؤذن له بالشفاعة في فصل القضاء، ثُمَّ بعد ذلك يُؤذِّنُ بالشفاعة للأنبياء، ثُمَّ العلماء؛ لأنهم ورثة الأنبياء، ثُمَّ الشهداء؛ لأنهم جادوا بأنفسهم في
سبيل الله.
الحجة
والمراد بالعلماء الذين يشفعون أهل الاجتهاد الذين تقوم بهم ويُجددون الدين، وليس المراد بهم المقلّدين، ولو كانوا يحملون شهادات من
الأزهر، أو غيره من الجامعات.
الحديث الثاني والخمسون
عن سعيد بن مسعود رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «إيَّاكم ومحادثة النِّساء؛ فإنه لا يخلو رجلٌ بامرأةٍ ليس لها تَحْرَمُ إِلَّا هَمَّ بها». رواه الحكيم الترمذي في كتاب "أسرار الحج". أثبتت التجارب المتعدّدة المستقاة من الوقائع المختلفة: أن انفراد الرجل بامرأة أجنبية عنه لا يخلو من إثم، إلَّا إذا وُجِدَ مانع قهري. كما ثبت أنَّ وازع العلم أو الخلق لا يحول دون وقوع خطيئة بينهما، فمن هنا حذر الشارع من مُحادثة النساء والخلوة بهنَّ؛ مخافة الوقوع في الزنا أو في مقدماته.
الغرائب والوحدان
٤٠٧
الحديث الثالث والخمسون
عن عمر رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إيَّاكم والتعمق في الدين فإنَّ الله تعالى قد جعله سهلًا، فخذوا منه ما تُطيقون، فإنَّ الله يحب ما دام من عمل صالح، وإن كان يسيرا». رواه أبو القاسم بن بشران في
"أماليه".
التعمق في الدين: أي التشدد فيه، منهي عنه لأنه يؤول بالتعمق إلى الكَلل والتفريط، والدين الإسلامي سهل مُيسر يُجاري الحياة، ويحضُّ على الأخذ من طيبتها في حدود الاعتدال، ويطلب من المسلم أن لا يُقصر في الفرائض، وأن يعمل من النوافل القدر الذي لا يمله ولا يتعبه، ويؤكد أن العمل الصالح الدائم مع قلته خير من العمل الكثير المنقطع ، فصلاة ركعتين كل يوم خير من صلاة مائة ركعة لمدة شهرٍ ثُمَّ تنقطع، وعلى هذا القياس.
الحديث الرابع والخمسون
عن البراء رضي الله عنه، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أيها إمام سها فصلى بالقوم وهو جُنُب فقد مَضَتْ صلاتهم، ثُمَّ ليغتسل هو، ثُمَّ ليعد صلاته، وإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك». رواه أبو نعيم في "معجم شيوخه". إذا نسي الإمام أنه جُنب أو على غير وضوء فصلى بالناس، ثُمَّ تذكَّر بعد الصَّلاة فقد صحت صلاة من صلى بهم، أمَّا هو فيجب عليه أن يغتسل أو يتوضأ، ثُمَّ يُعيد الصَّلاة، فإنَّ تذكَّر وهو في الصَّلاة فليستخلف، بمعنى أنه
يقدم بعض المصلين يؤم النَّاس بدله ، ويذهب هو ليغتسل أو يتوضأ.
٤٠٨
الحديث الشريف
الحديث الخامس والخمسون
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أيما راع لم يرحم رعيَّته حَرَّم الله عليه الجنَّة». رواه خيثمة الطرابلسي في "جزئه". الراعي: أي الحاكم الذي يلي أمر الناس يجب عليه أن يُعامل أفراد الرّعيَّة معاملة حسنة فيها رفق ورحمةٌ ، فلو شدّد أو شقّ عليهم وجبت له النَّار؛ لأنه ضيع أمانةٌ وكِلَتْ إليه، ومن هنا كان عمر - رضي الله عنه - يتفقد أفراد الرّعيَّة، خشية أن يكون فيهم ضعيف يحتاج إلى مساعدة، أو جائع يلمتس الطعام، أو أرملة فقدت عائلتها، وحوادثه في ذلك بالغة العبرة.
الحديث السادس والخمسون
عن علي عليه السّلام عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «الإيمان والعمل أخوان شريكان في قرن، لا يقبل الله أحدهما إلا بصاحبه». رواه ابن
شاهين في "السنة".
الإيمان
محله
القلب، تظهر ثمرته على الجوارح، فإن كان القلب عامرا بالإيمان الصادق ظهر أثره على الأعضاء بالطاعة والعمل الصالح. أما من يدعي الإيمان بلسانه وليس له نصيب في عمل صالح فإيمانه غير مقبول لنقصانه، كما أنَّ العمل من غير المؤمن، غير مقبول فلا تصح صلاةٌ ولا صوم ولا زكاة من كافر، وكذلك سائر الأعمال الصالحة، وهذا معلوم لا يحتاج
إلى بيان.
و«قرن» في الحديث بفتح القاف والراء.
الغرائب والوحدان
الحديث السابع والخمسون
٤٠٩
عن عبد الله بن جَرَادٍ رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وآله
وسلم: «الآمر بالمعروف كفاعله». رواه يعقوب بن سفيان في "مشيخته". من أمر بمعروف فعُمِل (۱) به كان له ثواب العامل به، لأنه الذي أمر به، وأرشد إليه، ومثله حديث: «الدال على الخير كفاعله». رواه ابن جميع في " مسنده " من حديث ابن عباس.
وفي "صحيح مسلم" عن أبي مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: احملني، أي أعرني ناقة تحملني، فقال: «ما أجد ما أحملك عليه ولكن انتِ فلانًا فلعله يَحمِلُك».
فأتاه فحَمَلَه ، فقال النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن دل على خير فله
مثل أجر فاعله».
الحديث الثامن والخمسون
عن
عبدالله بن
مغفل
رضي
الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله
وسلم: «ويلٌ للرَّاعي من الرَّعيَّة، إلَّا واليا يحوطهم من ورائهم بالنصيحة».
رواه الروياني في "مسنده".
مسؤلية الحاكم شديدة؛ لأنه يأتي يوم القيامة وللرعية قبله حقوق يطالبونه بها، فلا يلبث أن يهوي في جهنّم مغلولاً مقيَّدًا، إلَّا إن كان ناصحًا لرعيته، لا يغشهم ولا يَبْخَسُهم شيئًا من حقوقهم، فإنه يكون من الناجحين الفائزين.
(۱) بضم العين وكسر الميم.
٤١٠
الحديث الشريف
الحديث التاسع والخمسون
عن عمر رضي الله عنه قال: قال النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «الإيمان بالنية واللسان، والهجرة بالنفس والمال» رواه عبدالخالق بن زاهر في
"الأربعين". الإيمان لا يتم إلا بأمرين: عقد بالقلب، ونُطق باللسان. فلو اعتقد الإيمان بقلبه ولم ينطق بما يدل عليه وهو الشَّهادة، فإن كان لعذر، كخرس، أو معاجلة
الموت فهو مؤمن، وإن لم يكن عذر فليس بمؤمن.
والهجرة من دار الكفر تكون بالنفس بأن يُفارق بلاد الكفار إلى بلاد المسلمين، وبالمال ينفقه في سبيل تحقيقها، كما فعل صهيب رضي الله عنه، فإنه لما خَرَجَ مِن مكة مهاجرًا إلى المدينة اعترض طريقه المشركون ومنعوه، فأعطاهم مالا له بمكة نظير تركهم له، ونزل فيه قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشَرِى
نفسه ابتغاء مرضاتِ اللهِ ﴾ [البقرة: ٢٠٧].
الحديث الستون ]
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلّم: «بين العبد والجنة سبع عقباتٍ أهونها الموت، وأصعبها الوقوف بين يدي الله تعالى إذا تعلق المظلومون بالظالمين». رواه أبو سعيد النقاش في "معجمه".
سبع عقباتٍ أهونها الموت»، ثُمَّ سؤال الملكين، ثُمَّ انتظار الحساب في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، وأخذُ الصحيفة المسجل فيها العمل من البلوغ إلى الممات، والوقوف عند الميزان لوزن الأعمال، والمرور على الصراط،
الغرائب والوحدان
والسابعة
وهي
أصعبها: «الوقوف بين يدي الله تعالى إذا تعلق المظلومون
بالظالمين» يطالبون حقَّهم المهضوم، وليس هناك دينار ولا درهم، إنما هي الحسنات والسيئات يأخذ المظلمون من حسنات الظالمين حتى يستوفوا حقهم، فإذا فنيت حسنات الظالمين أخذ من سيئات المظلومين وطرحت على
الظالمين، ثُمَّ طُرحوا في النَّار.
الحديث الحادي والستون
عن أنس رضي الله عنه أيضًا قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ بدلاء أُمتي لم يدخلوا الجنة بصلاة ولا صيام، ولكن دخلوها بسخاء الأنفس،
وسلامة الصدور، والنُّصح للمسلمين». رواه الطبراني في "الأجواد".
«لم يدخلوا الجنة بصلاة ولا صيام»: أي وحدها. ولكن دخلوها»: مع الصَّلاة والصيام. «بسخاوة الأنفس»: وذلك أنهم إذا أعطوا شيئًا في الله لم تتبعه نفوسهم، ولو كان شيئًا كثيرًا له بال. وسلامة الصدور»: من الحقد والغش والحسد. «والنصح للمسلمين»: يُقدِّمون النصيحة لكل مسلم خالصةً الله لا يريدون غرضًا أو منفعة.
الحديث الثاني والستون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: بئس الكسْبُ أجر الزَّمَّارَةِ، وثَمَنُ الكَلْبِ». رواه أبو بكر بن مقسم في "جزئه" الزمارة والنَّاي والعُود وجميع آلات الغناء يحرم بيعها وشراؤها، وكسبها خبيث، وكذلك الكلب يحرم بيعه وشراؤه ، الحُرمة أكله، ولنجاسته في مذهب
٤١٢
الحديث الشريف
الشافعية (١) والحنفية، واقتناؤه في البيت يمنع دخول الملائكة، ويُنقص من عمل صاحب البيت كل يوم قيراط أجر، إلا كلب الصيد أو الحراسة، فقد أذِنَ
الشارع في اقتنائه لما فيه من المصلحة.
الحديث الثالث والستون
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تجافوا عن عقوبة ذوي المروءة». رواه أبو بكر بن المزربان في كتاب "المروءة"، وأبو الشيخ في كتاب "الحدود".
ذووا المروءة: هم الذين يُعرفون بالخير، ويخفون لنجدة الضعيف ومساعدة المحتاج، فإذا حصل من أحدهم ذنب من الصغائر التي ليس عليها حد في الشرع، وإنما فيها التعزير (٢)، فينبغي ألَّا يُعذِّر على ذنبه بل يتغاضى عنه ويتسامح رعاية المروءته ونجدتة وفي معجم الطبراني الأوسط" عن ابن
(۱) ومع ذلك جوزوا بيعه وسمُّوه نقل اختصاص: أي يدفع الشخص نقودا لصاحب الكلب نظير نقل اختصاصه من صاحبه إليه. وكذا يجوز عندهم بيع الأشياء النجسة المحتاج إليها باسم نقل الاختصاص وهو تحايل واضح. (۲) التعزير - بالعين المهملة والزاي-: عقوبة يُحدّدها الحاكم لذنب ليس فيه حد شرعي، ويكون بضرب أو تأنيب، أو نحو ذلك مما يراه الحاكم رادعا.
قال الإمام الشافعي: سمعت من أهل العلم ممن يعرف الحديث يقول: يتجافى للرجل ذي الهيئة عن عثرته ما لم يكن حدا، قال: وذو الهيئات الذين يقالون عثراتهم: الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلّة». قلت: وليس المراد بذي الهيئة: أن يكون حَسَنَ النياب، أو صاحب مال أو جاء، مع خُلُوه من الخير.
الغرائب والوحدان
٤١٣
مسعود مرفوعا: «تجاوزوا عن ذَنْبِ السَّخيّ فإِنَّ الله يأخذ بيده عند عَثَرَاتِهِ».
والسَّخي من ذوي المروءة.
الحديث الرابع والستون
عن أنس رضي الله عنه ، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَعلَّموا من العِلْمِ ما شئتم فوالله لا تُؤجروا (۱) بجَمْعِ العِلْمِ حَتَّى تَعْمَلُوا». رواه أبو
الحسن ابن الأخرم المديني في "أماليه".
فائدة العلم - أي علم كان- هي: العمل به وتنفيذه. فالذي يتعلم العلوم الدينية يجب عليه أن يُنفّذ ما فيها من أحكام ليؤجر على علمه، وعلى عمله به، أما إذا لم يعمل فيكون إثمه مضاعفًا، وكذلك العلوم التي تتعلق بالصناعات والاختراعات يجب تنفيذها وتحقيق نظرياتها بالتجربة، وما تأخر المسلمون إلا بتقصيرهم في هذه الناحية، فقد كان فيهم علماء في الكيمياء والطبيعة والهندسة وغيرها، ولم يحاولوا أن يحققوا ما فيها من نظريَّات تحقيقا عمليا إلا قليلًا منهم حاولوا ذلك في نطاق ضيق.
الحديث الخامس والستون
عن ابن مسعود رضي | الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تقربوا إلى الله ببُغض أهل المعاصي، والقوهم بوجوه مُكْفَهِرَة)، والتمسوا
(۱) بحذف النون أجريت لا النافيه مجرى لا الناهية، وقوّى ذلك هنا وحسنه وقوعها بعد
القسم.
(۲) بضم الميم وسكون الكاف وفتح الفاء وكسر الهاء وتشديد الراء: عابسة.
٤١٤
الحديث الشريف
رضا الله بسخطهم وتقرَّبوا إلى الله بالتباعُدِ منهم». رواه أبو حفص بن شاهين في "الأفراد".
يحضُ الحديث على التقرُّب إلى الله ببغض أهل المعاصي المدمنين لها، ولقائهم بوجوه عابسة، والتماس رضا الله بإسخاطهم في القول والفعل، والتباعد عنهم وعدم مُجالستهم. وجاء مثل هذا في القرآن أيضًا قال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي ءَايَتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، وَإِمَّا
يُنسِينَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا نَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: ٦٨]. فهذا نهي عن مجالسة أهل المعاصي، وأخبر عن بني إسرائيل أنهم لُعِنُوا لأسباب، منها عدم نهي بعضهم بعضًا عن المعاصي لَمِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ به سوریه بَنِي إِسْرَاهِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَالِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يعْتَدُونَ ) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يفْعَلُونَ [المائدة: ۷۸ - ۷۹]
الحديث السادس والستون
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: تنظفوا بكل ما استطعتم؛ فإنَّ الله تعالى بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل
الجنة إلا كلُّ نظيف». أبو الصعاليك الطرسوسي " في جزئه".
بكل ما استطعتم من أنواع المنظّفات فإنَّ الله تعالى بنى الإسلام على
النظافة يعني: النظافة المعنوية والحسية.
أما النظافة المعنوية: فعقيدته السليمة في الله، وفي رسله وأنبيائه.
الغرائب والوحدان
٤١٥
وأما النظافة الحسية فإيجاب الغسل من الجنابة، وإيجاب الوضوء للصلاة،
واشتراط الطهارة للمصلّي في بدنه وثوبه ومكانه، وإيجاب الختان والاستحداد،
وتأكيد السواك والغسل يوم الجمعة، واستعمال الطيب، وغير ذلك. ولن يدخل الجنَّة إلا كلُّ نظيف» من أدران المعاصي، بأن يتنظف منها بالتوبة النصوح، فإن مات غير تائب طُهر بالنَّار، ثُمَّ دخل الجنَّة طاهرا نظيفا.
الحديث السابع والستون
عن أنس رضي الله عنه، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «التائب من الذَّنب كمن لا ذنب له، وإذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب». رواه القشيري
في "الرسالة".
إذا تاب العبد من الذنوب توبةً صادقة محا الله عنه ذنبه؛ فكان كمن لا ذنب له. وإذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب إما بأن يوفقه للتوبة عقب كل ذنبٍ، وإما أن يختم له بعمل صالح يمحو ما تقدَّم من ذنوبه. ومن دعاء الصوفية المؤخوذ من هذا الحديث: «اللهم اجعل سيئاتنا سيئات من أحببت، ولا تجعل حسناتنا حسنات من أبغضت».
الحديث الثامن والستون
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق». رواه الأزرقي في "تاريخ مكة". ماء زمزم نبع من الأرض بضَرْب جناح جبريل عليه السلام- ليسقي هاجر وابنها إسماعيل عليه السَّلام، وهو ماء ليس بعَذْبِ، فالذي يشربه
217
الحديث الشريف
منه
لا يقصد التلذذ به، ولكن يقصد البركة والاستشفاء، والذي يتضلَّع ويُكثر . مع عدم عذوبته يكون ثابت الإيمان بريئًا من النفاق؛ لأنَّ المنافق ليس عنده الإيمان الذي يحمله على الإكثار من شرب ماء غير عذب، لا لذة فيه عنده، ليتبرك بأثر جبريل.
الحديث التاسع والستون
عن أنس رضي الله عنه، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «ثلاث دعوات لا تُردُّ : دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر». رواه أبو
الحسن ابن مهرويه في "الثلاثيات".
إنما كانت دعوة الوالد لا تردُّ لأنه يدعو لولده بقلب مخلص شفيق، وأما الصائم فلأنه يدعو وهو متلبس بعبادة الصوم الذي لا يدخله رياء؛ لأنه سر بين الله وبين عبده، أما المسافر فلأنه يدعو في حالة اضطرار.
الحديث السبعون
عن أنس رضي الله عنه ، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ثلاث من كُنَّ فيه فهو منافق، وإن صام وصلَّى، وحجّ واعتمر، وقال إني مسلم من إذا حدث كَذَب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان». رواه رستة في "الإيمان"، وأبو الشيخ " في التوبيخ".
هذه الخصال الثلاثة من نفاق العمل، وهو مخالفة قول الشخص لعمله،
يحدث زاعما أنه صادق، وهو في الواقع كاذبٌ ، ويَعِدُ بالشيء وهو ناو ألا يفي
به، ويُؤتمن على الأمانة من مال أو سر أو عَرَض فيخون، ولهذا لم تنفعه عبادته
الغرائب والوحدان
٤١٧
من صلاة وصيام وحج وعمرة ولا دعواه الإسلام بلسانه؛ لأنَّ الإسلام
الكامل : أن يكون قول المسلم وفعله متوافقين.
الحديث الحادي والسبعون
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: حُرِّ باع حُرّا، وحُرِّ باع نفسه، ورجلٌ أبطل كراء أَجِيرٍ حين جفَّ رَشْحُهُ». راوه الإسماعيلي في "معجمه".
لا ينظر الله إليهم يوم القيامة نظر رحمة ورضا، ولكن ينظر إليهم نظر غضب وعقاب . «حرّ باع حرا» بأن يسرق ولدا من أبويه ويذهب به إلى بلد
آخر فيبعه على أنه عبد.
وقد وقع هذا في كثير من البلدان، ووقع بسببه مآسي، وهذا رِقٌ لا يُجيزه الشرع ولا يُقره القانون.
وكان مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه- يشتري هؤلاء الأرقاء المظلومين ويردُّ إليهم حريَّتهم. اشترى مرَّةً بنتا تسمى مسعودة وأعتقها وجعلها كفرد من العائلة، وهي كانت مربيتي، وبعد مدة كبيرة نحو عشرين سنة، كانت في زيارة بعض صديقاتها فسمعت وصف جارية جيء بها من مراكش إلى طنجة، فتقصَّت عنها فإذا هي أختها ، فلما علم مولانا الإمام الوالد
- رضي الله عنه - بذلك بعث إلى سيدها فاشتراها منه وأعتقها، ومكثت عندنا في البيت مع أختها. وحر باع نفسه لأنه رضي بذل الرّق والعبودية، وفي حديث حسن عن
٤١٨
الحديث الشريف
جابر: «نهي المؤمن عن إذلال نفسه. وأيضًا فإنه لا يملك أن يبع نفسه (١) كما
(1) مع أنه كان في بعض الشرائع السابقة يجوز بيع الرجل نفسه لغيره. روى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «بينما الخضر ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل أبصره رجلٌ مُكاتب، فقال: تصدق عليَّ بارك الله فيك. فقال الخضر : آمنت بالله، ما عندي شيءٌ أُعطيكه. فقال المسكين: أسألك بوجه الله لما تصدقت عليَّ، فإني نظرت السماحة في وجهك، ورجوت البركة عندك. فقال الخضر: آمنت بالله، ما عندي شيءٌ أُعطِيكَهُ، إِلَّا أَن تأخذني فتبيعني. فقال المسكين وهل يستقيم هذا؟! قال: نعم، أقول: لقد سألتني بأمر عظيم أما إني لا أُخيِّبك بوجه ربِّ، يعني. فأخذه فباعه بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زمانًا لا يستعمله في شيء، فقال: إنما اشتريتني التماس خير عندي فأوصني بالعمل. قال: أكره أن أشُقّ عليك إنك شيخ كبير ضعيف، قال: ليس يشُقُ علي. قال: قم فانقل هذه الحجارة - وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم- فخرج الرجل لبعض حاجته ثُمَّ انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة، قال: أحسنت وأجملت وأطقت مالم أرك تُطيقُهُ. ثُمَّ عرض للرجل سفر فقال: إني أحسبك أمينًا فاخلفني في أهلي خلافةٌ حَسَنةٌ. قال: وأوصني بعمل. قال: فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقدم عليك، فمرَّ الرجل لسفره، فرجع وقد شيَّد بناءً. قال: أسألك . بوجه الله ما سببك؟ فقال الخضر : سأخبرك من أنا؟ أنا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكين صدقة فلم يكن عندي شئ أعطيه، فسألني بوجه الله، فأمكنته من رقبتي فباعني. وأخبرك أنه من سُئل بوجه الله فرد سائله وهو يَقْدِر، وقف يوم القيامة جِلْدُهُ ولا لحم له يتقعقع. فقال الرجل: آمنت بالله شَقَقْتُ عليك يا نبي الله ولم أعلم، بأبي أنت وأمي يا نبي الله احكم في أهلي ومالي بما شئت أو اختر فأُخلي سبيلك، قال أُحبُّ أن تخلي سبيلي فأعبد ربي، فخلى سبيله. فقال الخضر : الحمد لله الذي أوثقني في العبودية، ثُمَّ نجاني منها».
الغرائب والوحدان
٤١٩
لا يملك أن يزهقها (۱) ، ورجل أبطل كراء أجير حين جفَّ رَشْحُهُ». أي عرقه، ومعنى إبطال كراءه أنه استأجر أجيرًا على عمل، فلما أتمه وطلب أجره ادعى عليه أنه سرق شيئًا يساوي أجرته ، ولم يعطه شيئًا وعلى هذا القياس.
الحديث الثاني والسبعون
عن أنس رضي الله عنه ، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «جَهْدُ البلاء قِلَّةُ الصَّبر». رواه أبو عثمان الصابوني في "المائتين".
الجهد
هو: المشقة، ، وقد استعاذ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم من جَهْدِ البلاء، أي: مشقته التي لا يطقها الإنسان وإنما تأتي المشقّة . من قلة الصبر أو عدمه، لأن الصبر على البلاء يُهوّنه ويُخفّف وطأته، بسبب انتظار فرج الله، والأمل في نيل ثوابه. فإذا قل الصبر أو عُدِم فقد الأمل، وضعفت مقاومة البلاء فشق وقوعه، واشتدَّت وَطأته، وهذا معنى جَهْدُ البلاء.
الحديث الثالث والسبعون
عن أنس رضي الله عنه، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «الجماعة بركة، والسُّحُور بَرَكةٌ، والشَّرِيد بَرَكةٌ». رواه بن شاذان في "مشيخة". الجماعة بركة» لأنَّ في الجماعة من التعاون على الخير ما لا يتحقق مع
هذا الحديث يدل على أن بيع الرجل نفسه كان جائزا في شريعة الخضر عليه السلام،
لكنه في شريعتنا كبيرةً من الكبائر.
(۱) إزهاق الإنسان نفسه، يُسمَّى الانتحار، وهو كبيرة، وقد بيّنت حكمه وذكرت ما ثبت فيه
من الأحاديث في كتاب "قمع الأشرار عن جريمة الانتحار". طبع ونفد منذ مدة.
٤٢٠
الحديث الشريف
الفرقة والسحور بركة لأنَّ الصائم يتناوله في وقت السحر، وهو وقت مبارك، وأيضًا فهو يساعد الصائم على صيامه، وتلك بركة منه. والثريد بركة» لأنه يشتمل على خبز ولحم، وهما عماد الطعام وأساسه (۱).
الحديث الرابع والسبعون
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الجمعةُ حَج المساكين». رواه حميد بن زنجويه في "الترغيب". أهم أركان الحجّ الوقوف بعرفة، حيث يخطب إمام المسلمين بالواقفين هناك يعلمهم أحكام الحج وغيرها، والجمعة كذالك بالنسة للمساكين، حيث يجتمعون بالمصلين الذين قصدوا المسجد من أماكن مختلفة، ويستمعون إلى خطبة الإمام، ويصلُّون جميعا خلفه كما في عرفات، والحديث يدل على فضل الجمعة.
الحديث الخامس والسبعون
عن أبي رافع رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «حق
الوالد أن يعلمه الكتابة، والسباحة، والرماية وألا يرزقه إلا طيبا». رواه أبو الشيخ في "الثواب". تعليم الكتابة محاربة للأُمِّيَّة، وعمل على تحوها من أفراد المجتمع. ولو أنَّ
(۱) في الحديث الشريف: وفضل عائشة على النساء كفضل الشَّريد على سائر الطعام». وقال الشاعر:
إذاما الخبز تَأْدِمُهُ بلحم فذاك أمانة الله الثّريد أمانة بالكسر ، على إضمار حرف القسم.
الغرائب والوحدان
٤٢١
كل والد نفذ هذا الحديث وعلم ولده الكتابة لما كان في الأُمة الإسلامية أُمي. والسباحة من الواجبات الكفائية، وهي إلى جانب كونها رياضة تقوي الجسم وتكسبه مرونة، لها فائدتها الهامة وهي إنقاذ الغرقى، وانتشال ما يسقط في البحر من موتى، ومال له قيمة وربما انكسر المركب أو غرق فيستطيع الراكب السباح أن يصل إلى البر، أو إلى مركب آخر مثلا.
أما تعليم الرماية فهو نافع في التدريب على الجهاد، ومحاربة أعداء الدين، وإخوانهم المستعمرين، ولما تلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قول الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: ٦٠] قال: «أَلَا إِنَّ القوَّة الرمي، أَلَا إِنَّ القوة الرَّمي، أَلا إِنَّ القوَّة الرَّمي». وهو تفسير جامع يشمل الرمي
بأنواعه: ابتداءً من الرمي بالنبال... إلى الرمي بالقنابل والصواريخ. والرزق الطيب هو الحلال، فيجب على الأب أن يطعم أولاده من مال حلال، لينبتوا نباتا حسنًا، فتصفوا قلوبهم، وتستقيم أخلاقهم، ويُستجاب دعاؤهم.
الحديث السادس والسبعون
عن أنس، عن النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «الحج سبيل الله، تُضعَفُ فيه النفقة سبعمائة ضعف». رواه سمويه في "فوائده".
الحج مثل الجهاد، كلاهما سبيل الله، تُضعف فيهما النفقة، فمن أنفق درهما أعطي ثواب سبعمائة درهم، ومن أنفق دينارًا أعطي ثواب سبعمائة دينار، ومن أعطى فرسا للركوب في الجهاد في سبيل الله أو الحج، أعطي ثواب سبعمائة فرس، وعلى هذا القياس.
٤٢٢
الحديث الشريف
الحديث السابع والسبعون
عن أبي هريره رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: خلفت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله، وسُنَّتي، ولن يتفرقا حتى
يردا على الحوض».
رواه أبو بكر الشافعي في "الفوائد الغيلانيات". معني الحديث واضح لا يحتاج الي بيان، غير أن في الحديث نكتة، نبينها لقلة من يتنبه لها، فقوله: ولن يتفرقا حتي يردا على الحوض» يفيد أن الكتاب والسُّنَّة متوافقان، متآخيان لا يوجد بينهما تناقض أو تخالف، وما يتوهمه بعض الناس من تخالف بينهما ليس تخالفا يفضي إلي التضارب ولكنه تخالف بالعموم والخصوص، أو الإطلاق والتقييد، أو الإجمال والتبيين، أو نحو ذلك مما هو
مبين في علم الأصول.
والحديث الذي يقول: «اعرضوا حديثي على كتاب الله فما وافقه فأنا قلته،
ومالم يوافقه فلم أقله».
حديث مكذوب كما قال الأئمة: الشافعي، وعبدالرحمن ابن مهدي، وابن عبدالبر، وغيرهم. غير أنَّ العلماء اختلفوا في نسخ القرآن بالسُّنَّة، فمنعه بعضهم استعظاما لأن تكون السُّنَّة ناسخةً للقرآن، لكن إذا علمنا أنَّ السُّنَّة بـ بوحي من الله تعالى زال الاستعظام، ولم يبقَ له محلّ، على أنَّ الإمام الشافعي قال دفعًا للاستعظام
المشار إليه: «لم تكن سُنَّةٌ ناسخة للقرآن إلَّا ومعها قرآن شاهد لها ومؤيد».
الغرائب والوحدان
٤٢٣
عن
الحديث الثامن والسبعون
، عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلّم: دَثَرَ مكان البيتِ؛ فلم يحجه هودٌ ولا صالح، حتَّى بوأه الله لإبراهيم». رواه الزبير بن بكار في "الأنساب".
لما جاء الطوفان بدعاء نوح عليه السَّلام، وعم الشرق الأوسط، دَبَّر مكان البيت الحرام ولم يعرف له أثر ، ولذلك لم يحجه هودٌ ولا صالح عليهما السلام، لأنَّ الله تعالى لم يتعبدهما بحجه، ولما جاء إبراهيم عليه السَّلام - بوأه الله وأظهر له مكان البيت فبناه، لأنه أراد أن يجعله مولد خير خلقه، وقبلة أمته.
الحديث التاسع والسبعون
عن عبدالله بن جعفر -رضي الله عنهما - قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «دخلتُ الجنَّة فإذا جاريةٌ أَدْماءُ لَعْسَاءُ، فقلتُ: ما هذه يا جبريل؟! فقال: إنَّ الله تعالى عرف شهوة جعفر بن أبي طالب للأُدمِ اللمس فخلق له هذه». رواه جعفر بن أبي أحمد القمي في "فضائل جعفر"، والرافعي في
"تاريخه".
أدماء: سمراء، والجمع أدم بالضم ، ولعساء: لون شفتها يميل إلى السواد
قليلا، وذلك يستملح عند العرب، والجمع لعس بالضم أيضًا. والحديث يدل على فضل جعفر بن أبي طالب أخي علي رضي الله عنهما،
وهو المعروف بذي الجناحين قطعت يداه في غزوة مؤتة التي استشهد فيها، فعوضه الله منهما جناحين يطير بهما مع الملائكة.
٤٢٤
الحديث الشريف
الحديث الثمانون
عن أم كرز رضي الله عنها، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «دعوة الرجل لأخيه بظهر الغيب مستجابةٌ ، ومَلَك عند رأسه يقول: آمين، ولك بمثل
ذلك». رواه أبو بكر الشافعي في "الفوائد الغيلانيات".
إذا دعا المسلم لأخيه المسلم دعوة خير في غيبته أجاب الله دعاءه، وأعطاءه
مثل ما دعا به لأخيه، لإيثاره على نفسه.
عن
الحديث الحادي والثمانون
عائشة رضي الله عنها، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدنيا
لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمَّدٍ». رواه أبو عبدالرحمن السلمي في كتاب
"الزهد".
كان بعض أمهات المؤمنين يطلبن التبسط في الدنيا والتوسع في المعيشة؛ فأنزل الله تعالى: يَتَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَوْةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فعالين أميعْكُنَّ وَأُسَرِحْكُنَّ سَرَامًا جَمِيلًا وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: ۲۸ - ۲۹] . فتلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم الآية عليهن، وخيَّر هنَّ فاخترناه فقال
هذا الحديث.
ومعناه: أنَّ التوسع في الدنيا وملذتها، لا ينبغي له ولا لآله، لأنَّ الله اختار لهم ما عنده، وطهرهم من الدنيا وأوضارها.
الغرائب والوحدان
٤٢٥
الحديث الثاني والثمانين
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ذراري المسلمين يكفلهم إبراهيم. رواه أبو بكر بن أبي داود في كتاب "البعث".
إبراهيم عليه السلام أبو المسلمين بدليل قوله تعالى: مَلَة أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ : [الحج: ۷۸] فأطفال المسلمين الذين يموتون صغارًا يكفلهم إبراهيم ويرعاهم حتى يردهم إلى أبائهم وأمهاتهم في الجنَّة، وتلك مزيَّة اختص الله بها من يموت من أطفال الأُمَّة المحمدية.
الحديث الثالث والثمانون
عن الزهري، عن أنس رضي الله عنه ، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَوِّحوا القلب ساعةً فساعةً». رواه أبو بكر بن المقري في "فوائده" . يعتري القلوب ملالٌ من الاستمرار في العمل، فينبغي ترويحها بشيء من
الفكاهة اللطيفة، والمزاح البرئ حتى تستعيد نشاطها وحيوتها.
وفي "صحيح مسلم " عن حنظلة بن الربيع الأسيدي -رضي الله عنه- أنه قال: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «وما ذاك؟». قلت: يا رسول الله نكون عندك تُذكَّرنا بالنَّار والجنَّة كأَنَّا رَأْي عينٍ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضَّيِّعات نَسِينا كثيرًا. فقال رسول صلى الله عليه وآله وسلَّم: والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فُرشكم، وفي طرقكم،
٤٢٦
الحديث الشريف
ولكن يا حنظلة، ساعةً وساعةٌ». ثلاث مرّات، وهذا أصل المثل المشهور:
ساعة لقلبك، وساعة لربك».
الحديث الرابع والثمانون
عن أنس رضي الله عنه ، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «زينوا العيدين بالتهليل والتكبير والتحميد والتقديس». رواه زاهر في كتاب "تحفة
عيد الفطر".
جعل الله للمسلمين عيدين يجيئان عقب ركنين من أركان الدين، عيد الفطر عقب صيام رمضان، وعيد الأضحى عقب الحج، فينبغي تزيينها معنويا بذكر الله وأفضله أربع كلمات :
التهليل أي قول: لا إله إلا الله والتكبير: قول: الله أكبر. والتحميد
قول: الحمد لله. والتقديس: أي قول: سبحان الله .
والتزين الحسي بلبس الثياب الجديدة، والاغتسال، ومس الطيب مُرغَبٌ
فيه أيضًا، مع شيء من اللهو المباح، والرياضة المرحة.
الحديث الخامس والثمانون
النَّار
عن عبدالله بن عمرو عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الزَّانِي بحَلِيلَةِ جَارِهِ لا ينظُرُ الله إليه يوم القيامةِ ولا يُزكّيه، ويقول له : ادخل ا الداخلين». رواه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق".
للجار على جاره ،حقوق، أوجب الإسلام القيام بها ومراعتها، منها: حفظ
عرضه، وعدم التعرُّض لزوجته أو بناته بشيء من الزنى والفجور، فإن هَتَكَ
الغرائب والوحدان
٤٢٧
عرْضَهُ وزنى بامرأته أو بنته أو قريبته لم ينظر الله إليه يوم القيامة نظر رحمة، ولم
يزكه، أي: لم يطهره بمغفرته، بل لابد أن يدخله النَّار، ويمسه عذابها جزاء ما
مس من امرأة جاره أو قريبته.
الحديث السادس والثمانون
عن عمر بن حصين رضي الله عنهما، عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: سألت ربي ألا : ألا أ يدخل أحدا من أهل بيتي النَّار فأعطانيها». رواه أبو
القاسم ابن بشران في "أماليه".
يُفيد الحديث أنَّ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم شَفَعَ لأهل
يدخلوا النار فقبل الله شفاعته فيهم، تكريما له