المجلد الثامن
ويحتوي على:
الحديث الشريف وعلومه
١ - نهاية الآمال في صحة وشرح حَدِيثِ عَرْض الأعمال.
٢ - سميرُ الصَّالِحِين.
٣- الفتح المبين شَرح الكَيْرِ النَّمِين في أحاديث النبي الأمين . ٤ - تعليقات على كتاب "المتجرِ الرَّابِحِ فِي ثَوَابِ العَمَلِ الصَّالِحِ» للحافظ الدمياطي.
ه - تخريج أحاديث كتاب "اللُّمَع" في الأصول لأبي إسحاق الشيرازي. ٦- الابتهاج في تخريج أحاديث كتاب "المنهاج " في الأصول لناصر الدين البيضاوي - تنبيه الباحِثِ المُستفيد للأخطاء الواقِعَةِ فِي الثَّلاثَةِ أجزاء الأُول
المطبوعة من كتاب "التمهيد" للحافظ أبي عمر بن عبدالبر.
- أخطاء للشيخ محمد أبي زَهْرَةِ.
١ - نهاية الآمَالِ
في صِحَّةِ حَدِيثِ: «عَرْضِ الْأَعْمَالِ»
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم قال: حَياتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحْدِثُونَ ويُحْدَثُ لَكُمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عليَّ أَعْمَالُكُمْ، فَما رَأَيْتُ مِن خَيْرٍ حَمِدْتُ اللَّهُ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرِّ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكُمْ.
نهاية الآمال
۱۱
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله الأكرمين، والرّضى عن صحابته الطاهرين.
أما بعد: فهذا جزء جمعته في بيان صحة حديث: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ»، دعاني إلى جمعه ما رأيت من كثرة النزاع الواقع فيه بين فئات من الناس، وخوضهم فيه بغير هدى من عِلْمٍ ولا قاعدة مبنية علي أساس، حتي زَعَم بعض الجهلة أنه حديث مكذوبٌ لا يوجد في شيء من الكتب الحديثية، وأنه مخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة القوية، وبالغوا في الحَطّ علي من يورده في مجلة أو كتاب بأسلوب شديد من الشتم والسباب. فأردت أن أُبيّن في هذا الجزء خطأ هذه الدعوى والأقاويل، وأكشف خطر
ما تُنبئ عنه من أضاليل، مُحتكما في ما أورده إلي قواعد أهل الحديث والأصول، مستندا إلي ما رجّحه جمهور أهل المنقول والمعقول. وسميته "نهايَةُ الأَمَالِ فِي صِحَّةِ حَدِيثِ عَرْضِ الأَعْمالِ" وقدَّمته هديَّةً إلي جناب النبي الكريم عليه أفضل الصَّلاة والتسليم عسى أن يشملني بشفاعته
في الموقف العظيم، حين لا يتقدَّم للشفاعة غيره حتى الخليل والكليم. والله المسئول أن يحقق رجائي، ويقبل دعائي، إنه قريب مجيب لا ربَّ غيره ولا خير إلا خيره.
۱۲
الحديث الشريف
باب
في ذكر طرق الحديث وبيان صحته
قال الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبدالخالق البصري الشهير بالبزار - المتوفى بالرملة سنة ۲۹۲ - في "مسنده" المشهور: حدثنا يوسف بن موسى: ثنا عبد المجيد بن عبدالعزيز بن أبي رَوَّاد، عن سفيان، عن عبدالله بن السائب، عن ،زادان، عن عبد الله - يعني ابن مسعود-، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ لله ملائكة سيَّاحِينَ في الأَرْضِ يُبلِّغُوني عن أُمَّتِي السَّلام». قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «حَياتِي خَيْرٌ لكم تُحْدِثُونَ ويُحدث لكم، ووَفَاتِي خَيْرٌ لكم تُعْرَضُ عليَّ أعمالكم، فما رأيتُ مِن خَيرٍ حمدت الله، وما رأيتُ مِن شَرِّ استغفرتُ اللهَ لكم». قال البزار: «لا نعلمه يُروى عن عبد الله إلا بهذا الإسناد».اهـ
قال الحافظ زين الدين العراقي في كتاب الجنائز من "طرح التثريب في شرح التقريب ": «إسناده جيد».
.()u
(۱) هذا الكتاب من أواخر كتب العراقي حتى أنه مات قبل إتمامه، فأتمه من بعده ولده الحافظ ولي الدين أبو زرعة العراقي، فكلامه هنا يقضي على كلامه في "تخريج أحاديث الإحياء" الذي ألفه في أول أمره حين كان عمره نحو عشرين سنة قبل أن تتسع دائرة حفظه وتكثر ممارسته للقواعد الحديثية، كما يُعلم بالموازنة بينه وبين مؤلفاته التي ألفها بعده، فإنها تدل على حفظ واسع، واطلاع مدهش، وخبرة كاملة
بأصول الفنّ وقواعده بَلَغَ بها رتبة الاجتهاد في علم الحديث الشريف.
ومن الدليل على ما نقول أنه عزا في تخريج أحاديث الإحياء» حديث ابن عمر:
نهاية الآمال
۱۳
وقال الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد": «رجال إسناده رجال الصحيح»، وكذا قال القسطلاني في "شرح البخاري".
وقال الحافظ جلال الدين السيوطي في "الخصائص الكبرى": «إسناده صحيح، وكذا قال علي القاري والشهاب الخفاجي في أول شرحيهما على "الشفا" للقاضي عياض.
وما حكم به هؤلاء صحيح لا غُبار عليه؛ لأن رجال السند كلهم ثقات على شرط الصحيح ، وما رُمي به ابن أبي رَوَّاد من الإرجاء وغيره لا يضره بعد أن روى عنه كبار الأئمة مثل الشافعي وأحمد وابن معين، وصرح بتوثيقه أحمد وابن معين وأبو داود والنسائي، واحتج به مسلم) والأربعة. فلا عبرة بمن ضعفه بعد هذا خصوصا ابن حبان فإنه يبالغ في الجرح.
قال الذهبي في ترجمة أفلح بن سعيد المدني من "الميزان": «ابن حبان ربما
حتى
كأنه لا يدري ما يخرج من رأسه».اهـ وقال في ترجمة
قصب (۲) الثقة أيوب بن عبدالسلام: «ابن حبان صاحب تشنيع وتشغيب». اهـ
أُحِلَّت لنا مَيْتَتان ودَمَان». الحديث، إلى "الصحيحين" مع أنه حديث ضعيف لم يروه من الستة إلا ابن ماجة.
(۱) «والرجل إذا احتج به الشيخان فقد قفز القنطرة» كما يقول الذهبي، وقد طعن في كثير من رجال الشيخين حتى رمي بعضهم بالكذب، فلم يأبه العلماء لهذا الطعن لعلمهم أن فتح هذا الباب يؤدي إلى عواقب وخيمة. وللحفاظ كتب خاصة في الدفاع عن الشيخين، منها كتاب العراقي في الدفاع عن مسلم، وكتاب ابن حجر في الدفاع عن البخاري.
(٢) أي: أصاب ،قصبه وهي أمعاؤه كناية عن مبالغته في التجريح.
١٤
الحديث الشريف
فالحديث من هذا الطريق على شرط مسلم، وله أيضًا طرق أخرى: منها ما رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده"، وابن عدي في " الكامل" من طريق خراش، عن أنس قال: قال صلى الله عليه وآله وسلَّم: «حياتي خير لكم تُحْدِثُونَ ويُخدَثُ لكم، فإذا أنا مت كانت وفاتي خَيْرًا لكم تُعْرَضُ عليَّ أَعْمَالُكُمْ فإنْ رَأَيْتُ خَيْرًا حَمِدْتُ الله، وإِنْ رَأَيْتُ غير ذلك اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لكم».
فال الحافظ العراقي في "المغني": «إسناده ضعيفٌ لضَعْفِ خِراش» . اهـ ومنها: ما ذكره الحافظ أبو نصر الحسن بن محمد إبراهيم اليونارتي المتوفى سنة ٥٢٧ في "معجمه" وهو في عدة أجزاء، قال: سمعت الشريف واضح بن أبي تمام الزينبي يقول: سمعت أبا علي بن تومة يقول: اجتمع قوم من الغرباء عند أبي حفص بن شاهين فسألوه أن يحدثهم أعلى حديث عنده، فقال: لأحدثنكم حديثا من عوالي ما عندي: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي: ثنا شيبان بن فروخ الآيلي: ثنا نافع أبو هرمز السجستاني: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول: «حَياتِي خَيْرٌ لَكُمْ...» وذكر الحديث كما سبق. رواه ابن النجار في "تاريخ بغداد" عن معمر بن محمد الأصبهاني، عن أبي نصر اليونارتي به. وهذا إسناد ضعيف أيضًا لا تفاقهم على ضعف أبي هرمز.
ومنها: ما رواه الحارث بن أبي أسامة التميمي المتوفى سنة ٢٨٢ على الصحيح - في "مسنده" المشهور قال: حدثنا الحسن بن قتيبة: ثنا جسر بن فرقد، عن بكر بن عبدالله المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «حَياتِي خَيْرٌ لكم م تُحْدِثُونَ ويُحْدَثُ لَكُمْ، وَوَفاتِي خَيْرٌ لكم تُعْرَضُ عليَّ أَعْمالَكُمْ، فما كان من
حَسَن حَمِدْتُ اللهَ، وما كان مِن سَيِّءٍ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لكم». إسناده ضعيفٌ.
نهاية الآمال
١٥
طریق آخر : قال الإمام إسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي - المتوفى سنة ۲۸۲ - في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم": حدثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد - هو جد إسماعيل القاضي-، عن غالب القطان، عن بكر بن عبدالله المزني به مرفوعا (۱) ولفظه: «حَياتِي خَيْرٌ لكم تُحْدِثُونَ ويُحْدَثُ لكم، فإذا أنا مُتُّ كانت وَفاتِي خَيْرًا لكم تُعْرَضُ عليَّ أَعْمالَكُمْ،
فإن رأيتُ خَيْرًا حَمِدْتُ اللهَ، وإن رَأَيْتُ غير ذلك اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لكم». قال الحافظ محمد بن عبد الهادي المقدسي في كتاب "الصارم المنكي" (ص ۱۷۸): «هذا إسناد صحيح إلى بكر المزني، وبكر من ثقات التابعين وأئمتهم".اهـ
قلت: بكر المزني احتج به الستة، وهو متفق على إمامته وجلالته. طريق آخر عنه: قال إسماعيل القاضي في كتابه المذكور: حدثنا حجاج بن المنهال: ثنا حماد بن سلمة، عن كثير أبي الفضل، عن بكر بن عبدالله: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «حَياتِي خَيْرٌ لكم وَوَفاتِي خَيْرٌ لكم، تُحْدِثُونَ فيُحْدَثُ لكم، فإذا أنا مُتُّ عُرِضَتْ عليَّ أعْمالَكُمْ، فَإن رأيتُ خَيْرًا حَمِدْتُ اللَّهَ، وإن رَأَيْتُ شَرًا اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لكم».
وهذا إسناد صحيح أيضًا رجاله على شرط الصحيح غير كثير أبي الفضل،
فقال عنه ابن القطان السجلماسي: «حاله غير معروفة». ورد عليه الحافظ بأنه معروف ذكره البخاري في "التاريخ"، وقال: «أثنى
(1) المرفوع : ما قاله النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم، والموقوف: ما قاله الصحابي.
١٦
الحديث الشريف
عليه السعيد بن عامر خيرًا»، وذكره ابن حِبَّان في "الثقات"». قال الحافظ : وكأن ابن القطان لم يقف على كلام البخاري اهـ
واسمه كثير بن يسار البصري الطفاوي، ووقع في كتاب "الصارم المنكي"
(ص ۱۷۸) كثير بن الفضل وهو تحريف.
.
وبالجملة فهذا السند صحيح كما قدَّمنا، وخرج السيوطي هذا الحديث في
"الجامع الصغير" من رواية ابن سعد في "الطبقات" عن بكر المزني أيضًا. وقال شارحه المناوي: «رجاله ثقات» . اهـ
هذا ما يتعلق بلفظ الحديث وتحقيق القول في أسانيده، وقد تبين مما ذكرناه أن الحديث صحيح لا يتطرق إليه شكٍّ ولا ارتياب، فالإقدام على تضعيفه أو تكذيبه جرأةٌ قبيحةً، لا يجوز أن تصدر من مسلم تذوّق معنى قول الله تعالى:
ما يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: ۱۸].
فصل
وللحديث - مع . أعلى درجات الصحة والقبول، وأنا أذكرها بحول الله تعالى مبتدئًا بأقربها إلى
هذا - شواهد تؤيد معناه، وتقوي مبناه بحيث يرتفع إلى
لفظه فأقول: قال أبو نعيم في "الحلية": حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر - هو أبو الشيخ ابن حَيَّان الحافظ المشهور : ثنا أحمد بن عيسى بن مَاهَان الرَّازِيُّ: ثنا محمد بن مُصَفّى: ثنا بقيَّة : ثنا عباد بن كثير ، عن عمران هو القصير، عن أنس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ أَعْمَالَ أُمَّتِي تُعْرَضُ عَلَيَّ فِي كُلِّ
نهاية الآمال
۱۷
يَوْمِ جُمعَةٍ، وَاشْتَدَّ غَضَبُ الله على الزَّنَاةِ».
وروى الحكيم الترمذي في "نوادر" "الأصول" من طريق عبدالغفور بن عبدالعزيز بن سعيد الشامي، عن أبيه، عن جده - وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يومَ الإثنين والخميس على الله تعالى، وتُعْرَضُ على الأنبياء وعلى الآباء والأمهات . فيفرَحُونَ بِحَسَناتِهِمْ، وَتَزْدادُ وُجُوهُهُمْ بَياضًا وإشراقًا، فاتَّقُوا الله ولا تؤذُوا
يوم
الجمعة،
موتاكُمْ». وهذان الحديثان ضعيفان لكن الشواهد يُعتبر فيها بالضعيف كما نبه عليه
الحافظ المنذري في غير موضع من "الترغيب والترهيب"، والحافظ ابن القيم في "جلاء الأفهام" بل هو مقرر في علوم الحديث.
القرآن يؤيد الحديث
قال تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّتِمٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شهيدا [النساء: ١٤] أخبر الله سبحانه في هذه الآية الكريمة أنَّ النبيَّ صلَّى الله ١ ﴾ عليه وآله وسلَّم يأتي يوم القيامة شهيدًا على أن أمته، وذلك وذلك يقتضي أن تُعرض أعمالهم عليه ليشهد على ما رأى وعلم. قال ابن المبارك أخبرنا رجل من الأنصار، عن المنهال بن عمرو، أنه
سمع سعيد بن المسيب يقول: «ليس من يوم إلَّا يُعرض فيه على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم أمته غدوة وعَشيّا، فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم، فلذلك يشهد
عليهم». يقول الله تعالى: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّتِمٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى
۱۸
الحديث الشريف
هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: ١٤].
وقال القرطبي في "التذكرة " : باب ما جاء في شهادة النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم على أمته، ثُمَّ أورد أثر سعيد بن المسيب السابق آنفًا، ثُمَّ قال: «قد تقدم أن الأعمال تُعرض على الله كل يوم اثنين وخميس، وأنها تعرض على الأنبياء والآباء والأمهات يوم الجمعة»، قال: «ولا تعارض فإنه يحتمل أن يخص نبينا بما يعرض عليه كل يوم، ويوم الجمعة مع الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسَّلام» . اهـ وروى الطبراني بإسنادٍ ضعيف عن ابن عباس قال: لما نزلت: تَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَهِدَا وَ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: ٤٥]، وقد كان أمر عليا ومعاذا أن يسيرا إلى اليمن فقال: انطَلِقَا فَبَشِّرَا ولا تُنَفِّرا ويَسْرًا ولا تُعَسِّرَا، فإِنَّهُ نَزَلَ عَلَى يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَكَ شَهِدَا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِبًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ، وَسِرَاجًا منيرا ﴾ [الأحزاب: ٤٥ - ٤٦] .
وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: قوله تعالى: شَهِدَا أي الله بالوحدانية، وأنه لا إله غيره، وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة، «وجئنا بك على هؤلاء شهيدا» كقوله: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: ١٤٣] . اهـ
فإن قيل : قد أخبر الله تعالى عن هذه الأمة أنها تشهد على غيرها حيث قال
جل شأنه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ
نهاية الآمال
۱۹
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: ١٤٣]، ولم يقل أحد أنَّ أعمال الأمم تعرض
على هذه الأمة؟ فالجواب من وجهين:
الأول: أن عرض الأعمال مما خُصَّ به نبينا عليه الصَّلاة والسَّلام، كما
خُصَّ في قبره بحياة أكمل من حياة الشهداء وبالشفاعة وغيرهما. والثاني: أنه ورد في الحديث الصحيح: أنَّ هذه الأمة إنما تشهد على إخبار نبيها وما جاء به في القرآن، وذلك أنها إذا شهدت بأنَّ الرُّسَل بلغوا أُمَهُم فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: «أخبرنا نبينا في ما جاء به من كتاب ربنا أنَّ الرُّسل قد بلغوا فآمنا به وصدقنا» (۱). فيزكيهم الرسول ويصدق قولهم. هذا
معنى ما ثبت في الحديث، وهو واضح لا خفاء فيه.
.
فإن قيل: فما تقول في ما رواه الطبراني، عن محمد بن فضالة : أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أمر قارئًا يقرأ، فلما بلغ قوله تعالى: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمام بشهيد الآية [النساء: ٤١]، بكى حتى اضطرب لحياه وقال: «أَيْ ربِّ شهدت على من أنا بين ظهرانيه فكيف بمن لم أَرَ؟». فربما يفهم بعض الجهلة من هذا أنه ينفي عرض الأعمال.
قلت: هذا الحديث مؤيد لعرض الأعمال لا ناف له، وهو أحد الأسباب التي لأجلها أكرم الله نبيه بهذه الخصوصية، حتى تكون شهادته على أمته عن مشاهدة وعيان، كما أكرمه بعرض أمته مع الأمم الأخرى عليه وهو في المدينة كما ثبت في "الصحيحين".
(۱) فشهادة الأمة من قبيل الإرعاء المعروف في كتب الفقه وهو الشهادة على الشهادة.
الحديث الشريف
وقال الحافظ في "فتح الباري" ( ج ۹ ص:۷۸: ۷۹ طبعة الخشاب) ما نصه: ووقع في رواية محمد بن فضالة الظفري أنَّ ذلك كان وهو صلى الله عليه وآله وسلم في بني ظفر، أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني وغيرهما من طريق يونس بن محمد بن فضالة، عن أبيه : أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أتاهم في بني ظفر ومعه ابن مسعود وناس من أصحابه، فأمر قارئًا يقرأ فأتى على هذه الآية: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّتِمٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: ٤١] فبكى حتى اضطرب الحياه ووَجنتاه وقال: «يَارَبِّ هذا على مَن أنا بين ظهرانيه فكيف بمن لم أره؟».
وأخرج ابن المبارك في "الزهد : من طريق سعيد بن المسيب قال: «ليس
مِن يَومٍ إِلَّا يُعرَض على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أُمَّتُهُ غُدوةً وعشيا فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم . ففي هذا المرسل ما يرفع
الإشكال الذي تضمنه حديث ابن فضالة والله أعلم» . اهـ كلامه. وحاصل الإشكال أنه كيف يشهد على من يأتي بعده من أمته ؟!
و حاصل رفعه: أنَّ أعمالهم تعرض عليه فيشهد عليها شهادة عيان. وجعل الحافظ أثر سعيد بن المسيب مرسلا؛ لأنه لا دخل للرأي والاجتهاد فيه، فيكون من قبيل المحكوم برفعه فلذلك سماه مرسلًا، ومراسيل سعيد بن المسيب من أصح المراسيل وأقواها حتى أن الشافعي قبلها مع رده لغيرها من المراسيل والله أعلم.
نهاية الآمال
حديث الحوض يؤيد حديث عرض الأعمال
۲۱
أخرج أبو يعلى: عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ما بَالُ رِجَالٍ يقولون: إِنَّ رَحِمَ رَسُولِ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا تَنْفَعُ قَوْمَهُ، بَلَى والله إنَّ رَحِمِي مَوْصُولَةٌ فِي الدُّنيا والآخِرَةِ، وإنِّي أَيُّها النَّاسُ فَرطٌ لكم على الحَوْضِ ، فإذا جِئْتُمْ قالَ رَجُلٌ: يا رسول الله أنا فلان بن فلان، وقال آخَرُ: أنا فلان بن فلان، فأقول: فَأَمَّا النَّسَبُ فقد عَرَفْتُهُ، ولكِنَّكُم أَحْدَثْتُمْ ،بعدى وارتَدَدْتُمُ القَهْقَرَى». قال الحافظ الهيثمي: «رجاله
رجال الصحيح غير عبدالله بن محمد بن عقيل، وقد وثق» . اهـ
قلت: حديثه حسن كما صرح به الحافظ الهيثمي نفسه في مواضع من "مجمع الزوائد"، فقوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ولكنَّكُم أَحْدَثْتُمْ بَعْدِى» دليل على أنَّ أعمالهم عُرضت عليه، وإلا لما عرف ذلك منهم.
عرض الأعمال على الأقارب يؤيد حديث: «عرض الأعمال»
قال ابن أبي الدنيا في أول كتاب "المنامات": حدثنا عبدالله بن شبيب: ثنا أبو بكر بن شيبة الحزامي: ثنا فليح بن إسماعيل: حدثني محمد بن جعفر بن أبي كثير، عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تَفضَحُوا أَمواتَكُم بسيِّئاتِ أَعْمَالِكُم فَإِنَّها تُعرضُ على أَولِيائِكُم من أهل القبور». وقال الإمام أحمد : حدثنا عبدالرزاق، حدثنا سفيان، عمن سمع يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ أعمالَكُم تُعرضُ على أقاربكم وعشائركُم، فإن كان خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا، وإن كان غير ذلك قالوا اللهم
أنسا
۲۲
الحديث الشريف
لا تُمِنْهُم حَتَّى تَهْدِيَهُم كَمَا هَدَيْتَنَا».
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا الصلت بن دينار، عن الحسن، عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ على أقارِبِكُمْ فِي قُبُورِهِمْ، فإن كان خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا، وإن كان غَيْرَ ذلِكَ قالوا: اللهم أَطِمْهُم أَن يَعْمَلُوا بِطَاعَتِكَ».
وقال يحيى بن صالح الوحاظيُّ، حدثنا أبو إسماعيل السكوني، سمعت مالك بن أنس يقول: سمعت النعمان بن بشير وهو على المنبر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إنه لم يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مِثْلُ الذُّبَابِ تمورُ في جَوْهَا، فالله اللهَ فِي إِخْوَانِكُمْ مِنْ أَهْلِ القُبُورِ، فَإِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عليهم». وهذه الأحاديث (۱) وإن كانت ضعيفةً فإن الآثار عن الصحابة والتابعين
تؤيدها وتقضي بأنَّ لها أصلا. قال عبدالله بن المبارك: حدثني ثور بن يزيد، عن أبي رُهم()، عن أبي أيوب قال: تُعرضُ أَعمالَكُم عَلى الموتى فإن رأوا حسنا فرحوا واستبشروا وقالوا: اللهم هذه نعمتك على عبدك فأتمها عليه. وإن رأوا سينا قالوا: اللهم راجع به . وقال ابن المبارك أيضًا : حدثني صفوان بن عمرو، عن عبدالرحمن بن جبير
(۱) وقعت أسانيد هذه الأحاديث في كتاب "أهوال القبور " مصحفة غاية التصحيف. انظرها فيه (ص ۷۷ ۷۸).
(۲) رهم بضم الراء، واسم أبي رهم أحزاب بن سيد مختلف في صحبته، ووقع في "كتاب الروح" ( ص ۸ طبعة ثانية): إبراهيم، وهو تصحيف.
نهاية الآمال
۲۳
ابن نفير : أنَّ أبا الدرداء كان يقول: «إنَّ أعمالَكُم تُعرَضُ على أمواتِكُم فيُسَرُّون ويُساءون». وكان أبو الدرداء يقول عند ذلك: «اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملا أخزى به عند عبدالله بن رواحة».
وروى ابن أبي الدنيا من طريق بلال بن أبي الدرداء قال: «كنت أسمع أبا الدرداء وهو ساجد يقول: اللهم إني أعوذ بك أن يمقتني خالي ابن رواحة
إذا لقيته».
وقال أحمد بن أبي الحواري حدَّثني محمد أخي قال: دخل عباد بن عباد على إبراهيم بن صالح وهو أمير على فلسطين فقال له: عِظُني. فقال: بِمَ أعظك أصلحك الله ؟! بلغني أنَّ أعمال الأحياء تُعرَضُ على أقاربهم من الموتى، فانظر ماذا يُعرض على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم من عملك؟ فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه على لحيته. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "القبور". وروى ابن المبارك بسنده: أنَّ سعيد بن جبير سُئل: هل يأتي الموتى أخبار الأحياء؟ قال: نعم، ما من أحدٍ له حميمٌ إلا ويأتيه أخبار أقاربه، فإن كان خيرًا سر به، وإن كان شرا ابتأس وحزن.
قال ابن القيم في كتاب "الروح": وصح عن عمرو بن دينار أنه قال: «ما من ميت يموت إلا وهو يعلم ما يكون في أهله من بعده، وإنهم ليُغسلونه ويُكَفِّنونه وإنه لينظر إليهم». وصح عن مجاهد أنه قال: «إنَّ الرجل ليبشر في قبره بصلاح ولده من بعده» . اهـ وقال أيضا: «وهذا باب فيه آثار كثيرة عن الصحابة، وكان بعض الأنصار من أقارب عبدالله بن رواحة يقول: «اللهم إني أعوذ بك من عمل أخزى به
٢٤
الحديث الشريف
عند عبد الله بن رواحة» . اهـ
والآثار في هذا كثيرة يطول تتبعها وليس الغرض استقصاءها في هذا الموضع، وهي كما قدَّمنا تُقوّي الأحاديث السابقة؛ لأن عرض الأعمال على الأقارب من المغيبات التي لا تُدْرَك بالرأي والاجتهاد، فلولا أنه بلغهم فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ما أخبروا به ولا تناقلوه في مجالس
الوعظ والتذكير.
وإذا كانت أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم الموتى لما بينهم من القرابة التي تدعو إلى الشفقة وحب الخير، فالنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أولى بأن تُعرَضَ عليه أعمال أمته لمزيد شفقته عليهم ورحمته بهم وحرصه على إيصال الخير لهم
بدليل قوله تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوكَ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزُ عَلَيْهِ مَا
عَنتُمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: ۱۲۸]. ولما ذكر ابن رجب جملة من الأحاديث والآثار في عرض أعمال الأحياء على الأموات قال ما نصه: وقد جاء عَرْضُ أعمال الأمة كلها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بمنزلة الوالد»، ثُمَّ ذكر حديث ابن مسعود(۱) السابق أول الباب، وذكر بعض ما يشهد له. وهذا النص غير موجود في كتاب "أهوال القبور " المطبوع بمكة، فلا أدري أسقط سهوا أم قصد إسقاطه؟
(۱) ذكره بإسناده نقلا عن البزار أيضًا (۷۹) أهوال القبور، لكن جاء الحديث غير ملائم لما قبله من الكلام لسقوط النص الذي نقلناه عن نسخة خطية من كتاب "الأهوال" المذكور كتبت سنة ۱۱۱٣ هجرية.
نهاية الآمال
٢٥
الصلاة على النبي تعرض عليه
وهي من جملة الأعمال
أخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في صحاحهم والبيهقي في "حياة الأنبياء" و"شعب الإيمان" وغيرهم، من طريق حسين بن علي الجعفي: ثنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أفْضَل أيامكم يومَ الجُمُعَةِ؛ فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه قُبِضَ، وفيه النفخة وفيه الصَّعقَةُ، فأكْثِرُوا عليَّ مِن الصَّلاة فيه فإن صلاتكم مَعْرُوضَةٌ عليَّ». قالوا: وكيف تُعرَضُ عليك صلاتنا وقد أَرِمْتَ . - يقولون بليت؟ - فقال: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ على الأَرْضِ أن تأكُلَ أجْسَادَ الأنبياء».
قال الحاكم: «صحيح على شرط البخاري»، وسلمه الذهبي. وصححه أيضًا ابن خزيمة وابن حِبَّان والحافظ عبدالغني بن سعيد والنووي في "الأذكار" والقرطبي في "التذكرة" والحافظ أبو الخطاب بن دحية
وغيرهم. وبعضهم أعل الحديث بأنه من رواية عبدالرحمن بن يزيد بن تميم الضعيف، ولكن حسين الجعفي اشتبه عليه الأمر فجعله من رواية عبدالرحمن بن يزيد بن جابر الثقة. وهذا إعلال باطل بيَّن بطلانه الحافظ الدارقطني(۱) وذكر أنَّ حسينًا
(۱) في حواشيه على كتاب أبي حاتم الرازي في الضعفاء، وكان الدارقطني إماما لا يجارى في معرفة العلل والأسانيد والرجال. قال القاضي أبو الطيب الطبري: «الدارقطني
٢٦
الحديث الشريف
الجعفي روى الحديث عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر تحقيقا من غير اشتباه.
قال الحافظ ابن عبدالهادي المقدسي في "الصارم المنكي" (ص١٨٤):
أنَّ
وهذا الذي قاله الحافظ أبو الحسن هو أقرب وأشبه بالصواب، وهو الجعفي روى عن ابن جابرٍ ولم يرو عن ابن تميم، والذي يروي عن ابن تميم
ويغلط في اسم جده هو أبو أسامة كما قاله الأكثرون، فعلى هذا يكون الحديث الذي رواه حسين الجعفي، عن ابن جابر، عن أبي الأشعث، عن أوس حديثا صحيحًا؛ لأن رواته كلهم مشهورون بالصدق والأمانة والثقة والعدالة، ولذلك صححه جماعة من الحفاظ كأبي حاتم ابن حبان والحافظ عبدالغني المقدسي وابن دحية وغيرهم، ولم يأتِ من تكلَّم فيه وعلله بحُجَّةٍ بيِّنةٍ» . اهـ ثُمَّ ناقش كلام من علله بما يكفي فراجعه.
وأخرج ابن ماجة عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أكْثِرُوا مِن الصَّلاة عليَّ في يوم الجُمُعَةِ فَإِنه يومٌ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ المَلَائِكَةُ وإِنَّ أَحَدًا لن يُصَلِّيَ عليَّ إِلَّا عُرِضَت عليَّ صلاتُهُ حتَّى يَفْرُغ منها قال قلت: وبعد الموت؟ قال: وبعد الموت إنَّ اللهَ حَرَّمَ على الأرضِ أن تأكُلَ أجْسَادَ الأنبياء فنبي الله حي يُرزَقُ».
وهكذا رواه ابن وهب في "جامعه" ، قال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب": «إسناده جيد»، وكذا قال العلامة السيد السمهودي في "وفاء الوفا"، وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب : رجاله ثقات»، لكنه أشار إلى
أمير المؤمنين في الحديث».
نهاية الآمال
۲۷
انقطاع فيه، وكذا فعل تلميذه الحافظ السخاوي في "القول البديع"، وصححه الحافظ البوصيري مع الإشارة إلى انقطاعه أيضًا، وقال الحافظ ابن عبدالهادي المقدسي في "الصارم المنكي" (۱۸۸): «وهذا الحديث وإن كان فيه شيء فهو شاهد لغيره وعاضد له» . اهـ
قلت: لا شيء فيه غير الانقطاع المشار إليه وأمره قريب، أما محاولته تضعيف السند بجهالة حال زيد بن أيمن فمردوده بتوثيق ابن حِبَّان له وبتصحيح الحفاظ المذكورين خصوصا المنذري والعسقلاني.
وأخرج أبو داود والنسائي، والبيهقي في "حياة الأنبياء"، وابن نفيل في "جزئه" المعروف، من طريق عبدالله بن نافع عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، ولا تَجْعَلُوا قَبري عِيدًا، وَصَلُّوا عليَّ فَإِنَّ صلاتكم تَبْلُغُنِي حيثما كنتم». رجاله ثقات. ونقل ابن عبدالهادي في "الصارم المنكي" ( ص ١٧٤) عن ابن تيمية: «أن إسناده حسن»، وأيده بما يُعلَم من مراجعته هناك، وصححه النووي في "الأذكار".
ولا بن أبي شيبة وابن مردويه عن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلَّم: «أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عليَّ يومَ الجمعةِ فإنها مَعْروضَةٌ عليَّ». وأخرج أبو الشيخ في كتاب "الثواب" من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن صَلَّى عليَّ عند قبري سمعته، ومَن صَلَّى عليَّ من بعيد
۲۸
الحديث الشريف
أُعْلِمْتُه». قال ابن القيم: «غريب». لكن نقل الحافظ السخاوي عن شيخه
الحافظ ابن حجر أنه قال: «سنده جيد» . اهـ
وللطبراني في "الأوسط": عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أكْثِرُوا الصَّلاةَ عليَّ في الليلة الزهراء واليوم الأَغْرُ فإِنَّ صَلاتَكُمْ
تُعْرَضُ عليَّ». سنده ضعيفٌ. قال السخاوي: «لكن يتقوى بشواهده».اهـ وأخرج عبدالرزاق، عن مجاهد، عن أبي طلحة قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجدته مسرورًا، فقلت: يا رسول الله ما أدري متى رأيتك أحسن بشرًا وأطيب نفسًا من اليوم؟! قال: «وما يمنعني، وجبريل خَرَجَ من عندِي الساعةَ فبَشَّرَنِي أَنَّ لكلِّ عبدٍ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةٌ يُكتبُ لَهُ بِها عَشْرُ حسنات، ويُمحى عنهُ عَشرُ سَيِّئَاتٍ، ويرفع له بها عشر درجات، وتُعرضُ عليَّ كما قالَهَا ويُردُّ عليهِ بمثلِ مَا دَعَا».
وأخرج الحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "الشعب" و"حياة الأنبياء" من طريق أبي رافع، عن سعيد المقبري، عن أبي مسعود الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «أكْثِرُوا الصَّلاةَ عليَّ في يوم الجُمُعَةِ فإنه ليس
يُصَلِّي عليَّ أحَدٌ يوم الجُمُعَةِ إِلَّا عُرِضَتْ عليَّ صَلاتُهُ».
أبو رافع: إسماعيل بن رافع المدني ضعيف عند الجمهور، لكن وثقه البخاري، وقال يعقوب ابن سفيان: يصلح حديثه للشواهد والمتابعات». وقال ابن المبارك:
مریکن به بأس». ولعل الحاكم اعتمد هذا فصحح الحديث، والله أعلم. وأخرج البيهقي من طريق حماد بن سلمة، عن بُردِ بن سِنَانٍ، عن مكحول الشامي، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أَكْثِرُوا
نهاية الآمال
۲۹
عليَّ من الصَّلاةِ في كلَّ يومٍ مُجمعةٍ، فَإِنَّ صَلاةَ أُمَّتِى تُعرضُ عليَّ في كلَّ يوم جمعةٍ، فمن كان أكثرهم عليَّ صَلاةً كان أقربهم مِنِّي مَنْزِلَةٌ».
قال ا الحافظ المنذري : «إسناده حسن إلَّا أنَّ مكحولا قيل: لم يسمع من أبي
أمامة» . اهـ
وفي "الصارم المنكي" ص (۱۸۹): «إسناده جيد فيه إرسال؛ فإنَّ مكحولا الريسمع من أبي أمامة».
وقال الحافظ السخاوي في "القول البديع": رواه البيهقي - يعني الحديث المذكور - بسند حسن لا بأس به، إلَّا أنَّ مكحولا قيل: لم يسمع من أبي أمامة في قول الجمهور، نعم في "مسند الشاميين" للطبراني التصريح بسماعه منه» . اهـ ورجح المزيُّ في "التهذيب" سماعه من أبي أمامة أيضًا، فالسند على هذا
متصل حسن.
وللطبراني بإسنادٍ ضعيف عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «مَن صَلَّى عليَّ صَلَّى اللهُ عليه عَشْرًا بِها مَلَكٌ مُوَكَّلُ بها حتَّى
يبلغنيها».
وقال محمد بن إسماعيل الورّاق حدَّثنا جُبارَة بن المغلس: ثنا أبو إسحاق حازم، عن يزيد الرَّقاشِي، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَكْثِرُوا الصَّلاةَ على يومَ الجمعة فإِنَّ صَلاتَكُم تُعْرَضُ عليَّ». قال ابن
القيم: «وهذا وإن كان ضعيفًا يصلح للاستشهاد». وروى الطبراني في "الأوسط" عن أنس أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: مَن صَلَّى عليَّ صَلاةً واحدةً بَلَغَتْني صَلاتُهُ، وصَلَّيتُ عليه،
۳۰
الحديث الشريف
وكُتِبَ له سوى ذلك عَشْرُ حَسَناتٍ». قال الحافظ المنذري: «إسناده لا بأس
به . اهـ
وأخرج أبو يعلى في "مسنده" من طريق عبدالله بن نافع: أخبرنا العلاء بن عبدالرحمن قال : سمعت الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام يقول: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: صَلُّوا في بيوتكم ولا تَتَّخِذُوها قُبُورًا، ولا تَتَّخِذُوا بَيْتي عِيدًا، صَلُّوا عليَّ وسَلَّموا فإِنَّ صَلَاتَكُم وسلامَكُم يَبْلُعْني أَين
ما كنتم".
وروى الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط": من طريق حميد بن أبي زينب، عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، عن أبيه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «حيثما كنتم فصَلُّوا عليَّ فإِنَّ صلاتَكُم تَبْلُغُني». قال الحافظ المنذري: «إسناده حسن».
وقال أبو عبدالله الحسين ابن إسماعيل المحاملي: ثنا أبو حاتم الرازي: ثنا ابن أبي مريم: ثنا محمد بن جعفر حدثني حميد بن أبي جعفر، عن الحسن بن علي عليهما السّلام، عن أبيه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: حيثما كنتم فَصَلُّوا عليَّ فَإِنَّ صَلاتَكُم تَبْلُغُني».
وقال ابن أبي شيبة في "المصنف": حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن سهل، عن حَسَنِ بن حَسَنٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «لا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَصَلُّوا عليَّ حيثُ ما كنتم فإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي». إسناده صحيح، وهو مرسل في حكم الموصول كما لا يخفى؛ لأنه تقدم من رواية الحسن وعلي عليهما السلام.
نهاية الآمال
۳۱
وقال أبو يعلى: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة : ثنا زيد بن الحباب: ثنا جعفر بن إبراهيم من ولد ذي الجناحين : ثنا علي بن حسين: أنه رأى رجلا يأتي إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فيدخل فيها ويدعو فقال له: ألا أحدثك حديثا عن أبي، عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: «لا تَتَّخِذُوا قبري عِيدًا، ولا تَجْعَلُوا بُيوتكم قُبُورًا، وسلَّموا عليَّ فإن تَسْليمكم يَبْلُغُني أينما كنتم».
قال الحافظ السخاوي في "القول البديع": «وهو حديث حسن». قلت: بل أخرجه الحافظ أبو عبدالله محمد بن عبدالواحد المقدسي في ما
اختاره من الأحاديث الصحيحة الزائدة على "الصحيحين". قال الحافظ ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي": «وشرطه فيه أحسن من شرط الحاكم».
وأخرج أبو الشيخ والبزار والطبراني والحارث بن أبي أسامة وغيرهم، من طريق نعيم بن ضَمْضَم ، عن ابن الحميري، عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ الله تبارك وتعالى مَلَكًا أَعْطَاهُ أسماء الخلائق، فهو قائمٌ على قبري إذا مُتُ فليس أَحَدٌ يُصَلِّي عليَّ صَلاةً إِلَّا قال: يا محمد صلى عليك فلان بن فلان. فيصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك الرَّجُل بكل واحدة عشرا».
نعيم بن ضَمْضَم، قال المنذري : فيه خلاف»، وقال الذهبي: «ضعفه بعضهم». وقال الحافظ (۱) في "اللسان": «ما عرفت إلى الآن من ضعفه». وابن
(۱) لفظ الحافظ أو شيخ الإسلام إذا أُطلق فإنه ينصرف في عرف المحدثين إلى الحافظ ابن
۳۲
الحديث الشريف
الحميري - اسمه عمران - ليّنه البخاري وقال: «لا يُتابع على حديثه». وذكره ابن حِبَّان في "الثقات"، وبقية رجال الحديث رجال الصحيح كما قال
الحافظ الهيثمي.
وأخرج أحمد والنسائي والدارمي وأبو نعيم والبيهقي والخلعي وغيرهم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ الله مَلائِكَةٌ سَيَّاحين يُبلغوني عن أُمَّتِي السَّلام». صححه ابن حِبَّان
والحاكم.
وروى ابن عدي: من حديث ابن عبّاس مثله. وقال الديلمي في "مسند الفردوس": أنبأنا والدي: أنا أبو الفضل الكرابيسي: أنبأنا أبو العباس بن ترکان: حدثنا موسى بن سعيد ثنا أحمد بن حماد بن سفيان: حدثني محمد بن صالح المروزي : ثنا بكر بن خداش ، عن فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل، عن أبي بكر الصديق رضي ا الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: أكْثِرُوا الصَّلاةَ عليَّ فإِنَّ الله وَكَّلَ بي مَلَكًا عند قَبْرِي فَإِذا صَلَّى عَلَيَّ رَجُلٌ مِن أُمتي قال لي ذلك الملك: يا محمَّدُ إنَّ فُلان بن فلانٍ صَلَّى عليك السَّاعَةَ». «في
حجر العسقلاني صاحب فتح الباري" ، و "تهذيب التهذيب"، و"لسان الميزان"، وغيرها من الكتب القيمة النفيسة، كان أعجوبة في الحفظ وسعة الاطلاع ومعرفة العلل والرجال حتى سُمِّي: «أمير المؤمنين في الحديث». فالعجب ممن يحاول الغضّ من رتبته، أو إلحاق بعض متأخري الحنفية بمنزلته وأعجب من هذا أن يَتَّخِذ من لقبي: «البدر، والشهاب» حُجَّةً على تفاوت صاحبيهما في العلم! ومتى كانت الألقاب دليلا على صاحبها وفضله؟!
نهاية الآمال
سنده ضعف» كما قال الحافظ السخاوي.
۳۳
وأخرج الحافظ بن بَشِّكُوال بسند ضعيف كما قال الحافظ السخاوي - عن عمر رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عليَّ في الليلةِ الزَّهْراء واليوم الأَغَر؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُم تُعْرَضُ عليَّ فأدعو
لكم وأسْتَغْفِر». الليلة الزهراء ليلة الجمعة، واليوم الأغر: يومها. وأخرج ابن راهويه والحرفي وابن بشران والبيهقي: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «ليس أحدٌ مِن أمة محمَّد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يُصَلِّي عليه صَلاةً إلا وهي تَبْلُغُهُ. يقول له المَلَكُ: فلانٌ يُصَلِّي عليك كذا وكذا صلاة».
إسناده صحيح، وهو موقوف له حُكم المرفوع؛ لأنه لا يُعلم بالرأي
والاجتهاد.
وقال الحافظ أبو عبد الله المقدسي في "المختارة": أنبأنا أبو عبدالله محمد بن معمر بأصبهان: أن جعفر بن عبد الواحد أخبرهم إجازة: أنبأنا أبو القاسم عبدالرحمن بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الهمداني: أنبأنا أبو محمد أبو عبد الله بن جعفر بن حَيَّان - هو أبو الشيخ : حدثنا إسحاق بن إسماعيل: ثنا آدم بن أبي إياس: ثنا محمد بن بشر : ثنا محمد بن عامر : ثنا أبو قرصافة (١) جَنْدَرة - وكان لأبي قرصافة صحبة، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قد كَسَاهُ بُرْنُسا، وكان النَّاسُ يأتونه فيدعو لهم ويُبارك فيهم فتعرف البركة فيهم، وكان لأبي
(۱) قرصافة: بكسر القاف وسكون الراء، وجَنْدَرة: بفتح الجيم والدال -بينهما نون ساكنة- فهو أبو قرصافة جَنْدَرة بن خَيْشَنة - بفتح الخاء والشين- الكناني: صحابي. قال ابن حَيَّان: «قبره بعسقلان».
٣٤
الحديث الشريف
قِرْصَافة ابن في بلاد الرُّوم غازيًا، وكان أبو قِرْصَافة إذا أصبح في السَّحَر بعسقلان نادى بأعلى صوته يا قِرْصَافة الصَّلاة، فيقول قرصافة من بلاد الروم: لبيك يا أبتاه، فيقول أصحابه ويحك لمن تنادي؟! فيقول: لأبي وربّ الكعبة، يوقظني للصَّلاة - قال أبو قِرْصَافة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَن أَوَى إلى فِراشِهِ ثُمَّ قرأ (سورة تبارك) ثُمَّ قال: اللهم ربَّ الحِل والحرام وربَّ البَلَدِ الحرام وربَّ الرُّكْن والمقام وربَّ المَشْعَرِ الحرام وبحق كلّ آية أنزلتها في شهر رمضان بلّغ رُوحَ محمَّدٍ مِنِّي تحيَّةٌ وسلامًا. أربع مرات، وكل الله به ملكين حتى يأتيا محمَّدًا فيقولان له ذلك. فيقول صلى الله عليه
وآله وسلّم: وعلى فلان بن فلان مِنِّي السَّلام ورحمة الله وبركاته». قال الحافظ المقدسي: «لا أعرف هذا الحديث إلا بهذا الطريق وهو غريب
جدا، وفي رُوَاته مَن فيه بعض المقال» . اهـ
وقال ابن القيم: «إنه معروفٌ من قول أبي جعفر الباقر وهذا أشبه».اهـ ومثله لا يُدرك بالرأي والاجتهاد، فله حكم المرفوع.
وقال سعيد بن منصور في "سننه": حدثنا حِبَّان بن علي: حدثني محمد بن عجلان، عن أبي سعيد مولى المهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «لا تَتَّخِذُوا بَيْتِي عِيدًا ولا بيوتكم قُبُورًا وصَلُّوا على حيثما كنتم في صلاتكم تَبْلُغُني».
فإِنَّ
وقال إسماعيل القاضي: حدَّثنا سالم بن سليمان الضبي: ثنا أبو حرة، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَكْثِرُوا عليَّ الصَّلاة يومَ الجمعة فإنها تُعْرَضُ عليَّ».
نهاية الآمال
۳۵
وروى أيضًا: عن إبراهيم بن الحجاج ثنا وهيب، عن أيوب قال: «بلغني - والله أعلم - أنَّ مَلَكًا مُوَكَّل بكلِّ مَن صلَّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، حتى يُبلغه النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم».
وقال القاضي إسماعيل أيضًا: حدثنا عبد الرحمن بن واقد العطار: ثنا هشيم: ثنا حصين بن عبدالرحمن، عن يزيد الرَّقَاشِي قال: «إِنَّ مَلَكًا مُوَكَّل يوم الجمعة بمن صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، يُبلغ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم، يقول: إنَّ فلانًا من أمتك يصلي عليك».
ورواه سعيد بن منصور في "سننه"، "سننه"، وبقي بن مخلد، ومن طريقه ابن بشكوال، لكن بدون ذكر يوم الجمعة.
وأخرج سعيد بن منصور في "سننه": عن خالد بن معدان، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عليَّ فِي كُلُّ يومٍ جُمُعَةٍ؛ فَإِنَّ صَلاةَ أُمَّتِي تُعْرَضُ عليَّ في كلَّ يوم جُمعة». وأخرج النميري عن حماد الكوفي قال: «إنَّ العبد إذا صلَّى على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم عُرض عليه باسمه».
فتحصل من هذه الأحاديث والآثار - وعددها يزيد على خمسة عشر - أن صلاتنا وسلامنا على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم يُعرضان عليه، وهما لا شك من جملة أعمال الأمَّة التي تُعرض عليه، فكيف يسوغ إنكار حديث
حياتي خير لكم مع وجود هذه الشواهد التي تؤيده وتقويه؟! فإنه لو كان ضعيفًا لارتفع بها إلى درجة القبول، كيف وهو وحده بصرف النظر عن
شواهده - صحيح على شرط مسلم كما قدمنا ؟!
٣٦
الحديث الشريف
وأيضًا فقد قرّر علماء الأصول والحديث أنَّ الحديث المرسل إذا ورد من طريق آخر موصول ضعيف كان مجموعهما صحيحًا تقوم بها الحجة، ويلزم
العمل به.
فإذا صرفنا النظر عن طريق ابن مسعود الصحيح وأخذنا مرسل بكر المزني وضممناه إلى حديثي أنس الضعيفين كان الحديث صحيحًا أيضًا، هذا إن مشينا على قول الجمهور: أنَّ المرسل ضعيفٌ لا يُعمل به، إلَّا إذا ورد ما يؤيده
كما سبق.
أما إذا ذهبنا إلى قول المالكيَّة والحنفية الذين يرون المرسل وحده صحيحًا
يعمل به، وحكاه عنهم العراقي في الألفية:
واحتَجَّ مَالِكَ كَذَا النَّعَمانُ بِه وتابَعُوهُــــا وانــــــوا فمرسل بكر المزني وحده يكون صحيحًا تلزم به الحجة لأن له إسنادين صحح أحدهما الحافظ ابن عبدالهادي وهو أشد الناس تعنتا في هذا الباب. والعجيب في الأمر أنه صححه في كتاب ألفه في الرد على الشبكي انتصارًا
لابن تيمية وقد نقلنا تصحيحه في ما سبق.
والمقصود: أنَّ الحديث صحيح على جميع الاصطلاحات المقررة، وإني أتحدى مَن يُنكره - دفعًا بالصدر واستكبارًا عن قبول الحق - أن يأتي بما يقتضي وضعه من القواعد الحديثية أو الأصولية، فإنه لن يجد إلى ذلك سبيلا متى التزم
طريق البحث العلمي ونهج نهج الحق والإنصاف. أما الكذب في النصوص وتحريف النقول ورمي الخصوم بالعظائم ونبذهم بالشتائم فأمر لا يعجز عنه أحد، وأبرع الناس في هذا الميدان -ميدان
نهاية الآمال
۳۷
السفاهة والشتم - أكثرهم جهلا ، وأبعدهم عن الأخلاق الفاضلة. فليقل الخصوم عنا ما شاءوا وليسودوا صحيفتهم بما أرادوا، فإننا لن نجاريهم في أن هو
مضمارهم الذي برعوا فيه، ولن نحيد عن مطالبتهم بأمرٍ واحدٍ فقط . الحديث بطريق علمي صحيح، فذلك ما لا يقدرون عليه، ولا
يبينوا وضع
يصلون بحمد الله إليه.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
۳۸
الحديث الشريف
باب
في دفع ما أورد على الحديث
اعترض على هذا الحديث أعداؤه بعدة اعتراضات، سمعناها من بعضهم في عدة مجالس ، وقرأناها أخيرًا في صحيفتهم، فلم نزد في كلتا الحالتين على أن
ابتسمنا منها ورثينا لحالهم، إذ وجدنا تلك الاعتراضات أشبه شيء بما يخلط به المَحْمُوم حين تعركه الحُمَّى وتشتد وطأتها عليه، لكنَّا . مع هذا لا نغمط القوم حقهم فقد وجدنا لهم اعتراضًا واحدًا يتمشى مع قواعد البحث ويدخل في باب التعارض، فأفردنا هذا الباب للكلام عليه وتجلية ما غمض منه على كثير
من الناس. وبيان ذلك: أنهم ذكروا حديث الحوض وحاصله على ما في "الصحيحين": أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَرِدُ علي يومَ القِيامَةِ رَهْطُ مِن أصحابي فيُجْلَون عن الحَوْضِ فأقول: يا ربِّ أصحابي؟! فيقول: إنك لا عِلْمَ لك بما أحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهم ارْتَدُّوا على آثارهم القهقرى». زاد في رواية: فأقول: سُحْقًا لمن بدل بَعْدِي، سُحْقًا لمن بدل بَعْدِي».
هذا حاصل حديث الحوض، وله ألفاظ وطرق في "الصحيحين"، وهو - لعمر الله - أقوى اعتراض لديهم بل ليس لهم في الحقيقة غيره، وقد قرروه بقولهم: «إذا جهل حال أصحابه الذين عرفوه وعرفهم فغيرهم من باب أولى، فكيف تزعمون أنَّ أعمال أُمَّتِه تُعرَضُ عليه؟!».
وقد آثرت نقل كلام أحدهم - وهو واعظ بالأزهر - بلفظه ليرى القارئ
نهاية الآمال
۳۹
كيف ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم ألفاظا في غاية القبح وسوء الأدب! فقد كان في إمكان هذا الواعظ أن يُعبّر بقوله: «إذا كان لا يعلم حال أصحابه ... إلخ» ويكون بذلك متأدبا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وموافقًا لعبارة الحديث الذي استدل به، لكنه أثر لفظ: «جهل» بالذات، فما يفهم القارئ من هذا !؟ ونظيره قول بعضهم: إن حديث: «الحوض» يضرب حديث: «حياتي خير لكم بالحذاء !! فانظر إلى أدبهم في المناقشة العلمية، ثُمَّ احكم عليهم بعد بما تشاء.
وحديث الحوض صحيح كما قلنا، ولو أردنا أن نكون مُراوغين مشاغبين
();
مثلهم لرَدَدْناه رغم صحته، ولنا في ذلك وجهة (1) قوية سليمة، لكن معاذ الله أن نراوغ ونغالط، بل نجيب عن الحديث حسب القواعد المقررة، ونُمهد
لذلك بمقدمة وجيزة فنقول :
.
مما علم لمن درس شيئًا من علوم الحديث والأصول أنَّ الدليلين إذا
تعارضا نظر الباحث المستدل أولا هل يمكن الجمع بينهما؟ فإذا أمكنه أن يجمع بينهما وجب المصير إلى ذلك؛ لأن فيه عملا بالدليلين واتباعًا لهما جميعا، ولا يصح في هذه الحالة ترجیح أحدهما على الآخر؛ لأن في ذلك إهمالا لأحد الدليلين وإلغاء له، وهو لا يجوز، فإن تعذر الجمع بين الدليلين ولم يمكن بوجه من الوجوه، انتقل حينئذ إلى الترجيح، فيُقَدَّم أقواهما على غيره، فإن تساويا في القوة - ولم يكن أحدهما ناسخا للآخر - تُركا وانتقل إلى دليل آخر غيرهما.
(۱) بيناها آخر الباب.
الحديث الشريف
هذا أمر معروف لكل باحث ودارس، وعليه استقر عمل العلماء من
الصحابة والتابعين وغيرهم. ألا ترى إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - كيف امتنع من إعطاء فاطمة - عليها السلام ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم مع استدلالها بقوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾ الآية [النساء: ١١] لأنه خصصه بقوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «لا نوَرَّث، ما تركناه صَدَقَةٌ». كما جاء في
"الصحيحين".
فالصديق رضي
|
الله عنه - حرص على الجمع بين الدليلين -كما ترى-
حيث خصَّصَ القرآن بالحديث، وقد كان يمكنه أن يأخذ بالقرآن فقط ويترك
ما سواه كما هو رأي مبتدعة اليوم، لكن إلغاء دليل صحيح بغير مسوغ شرعي
حرام.
وأمثلة هذا كثيرة يطول تتبعها، وهي مبسوطة في كتب الحديث والأصول،
وإنما أوردنا هذا المثال لتوضيح ما أشرنا إليه.
إذا تمهد هذا فنقول: ليس بين حديث: «الحوض وحديث: عرض الأعمال» تعارض ولا تناقض البتة، وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول: أنَّ حديث الحوض ورد في المرتدين، فقد ذكر البخاري عن قبيصة في الذين يُجلون عن الحوض، قال: هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكرٍ فقاتلهم، وقال الحافظ في "الفتح" على قوله: «إنهم ارتدوا على أعقابهم» ما
نصه: «هذا يوافق تفسير قبيصة الماضي في باب كيف الحشر». اهـ
نهاية الآمال -
٤١
ولا شك أنَّ المرتدين لا تُعرض أعمالهم عليه صلى الله عليه وآله وسلّم لانقطاع الصلة بينهم والعياذ بالله تعالى فحين دعاهم وقال: «يا ربّ أصحابي». ظنّ أنهم لازالوا على ما فارقهم عليه، فأخبره الله: «أنهم ارتدوا بَعْدَك، وانقطعت صلتهم بك». أما حديث: عرض الأعمال» فهو وارد في المؤمنين من أُمَّته؛ لأن الاستغفار لا يجوز لغيرهم كما جاء في القرآن الكريم. الوجه الثاني: أنَّ حديث: «الحوض خاص، وحديث: «عرض الأعمال» عام فيكون أولهما مخصصا لثانيهما، وبيان ذلك: أنَّ الحديث الأوَّل يُخبر أنَّ طائفة من الأُمَّة تجلى عن الحوض وتُذَاد عنه، والثاني يفيد أن أعمال الأمة
تعرض على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في قبره، فيُخَصَّص هذا بالأول ويصير المعنى: أن أعمال الأُمَّة تُعرَض على نبيها صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إِلَّا أعمال طائفة منهم لم تُعرَض عليه؛ لأن الله أراد نُفُوذَ الوعيد فيهم، فإذا دعاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم إلى حَوْضِهِ قيل له: «لا تَدْري ما أَحْدَثُوا بعدك؟» لأن أعمالهم لم تُعرَض في جملة ما عُرِض عليك. وهكذا الشأن في كل عام وخاص إذا اجتمعا، أن يُخصَّص العام بالخاص فيتفق الدليلان. وإنما كان حديث: «الحوض» خاصا لأمرين:
الأول: أنه جاء في رواياته ليذادَنَّ رجال-أناس-أقوام-رهط». وهذه جموع منكرة واقعة في سياق الإثبات والقاعدة الأصولية: «أن الجمع المنكر
الواقع في سياق الإثبات ليس بعام.
الثاني: أننا نُدْرِك بالضرورة أنه ليس كل الأُمَّة يُنادون عن الحوض، وإنما
٤٢
الحديث الشريف
تذاد طائفة منهم فقط وهذا هو معنى الخصوص.
في
أما حديث: «عرض الأعمال» فإنما كان عاما؛ لأن أعمالكم في قوله: تعرض على أعمالكم جمع مضاف، والقاعدة الأصولية: «أن الجمع المضاف من صيغ العُموم الموضوعة له حقيقة».
الوجه الثالث: أن عرض الأعمال على سبيل الإجمال، والاستغفار كذلك على سبيل الإجمال، بأن يقال له: فعلت أمتك كذا وكذا من الطاعات واقترفت كيت وكيت من المعاصي، فيحمد الله على فعل الطاعات ويستغفره عن معاصيهم كما
قال تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَتِ ﴾ [محمد : ۱۹]. أما قوله في حديث الحوض»: «لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَك». فمعناه: لا
تدري ما أحدثوه على التفصيل بالنسبة لكل فرد فرد، وإنما تدريه إجمالاً. و ما يقرب هذا ويوضّحه : أنَّ الواحد منا يعلم أحوال العالم إجمالًا بما يقرأه في الجرائد والمجلات، وبما يسمعه في محطات الإذاعة من جميع البقاع، لكنه لا يعلم الحال تفصيلا بالنسبة على كل فردٍ وإلى كل بلد، كذلك يقول الواحد منا : اللهم اغفر لأُمَّة محمّد صلَّى الله عليه وآله وسلم وليس معنى ذلك أنَّ الدعاء بالمغفرة توجه إلى كل فردٍ على حدته، وهذا في غاية الوضوح.
الوجه الرابع : أن حديث: «عرض الأعمال» يفيد أنه يعرف الأعمال نفسها من طاعات ومعاصي، ويعرف أنها منسوبة إلى أُمَّته، لكن لا يعرف أنَّ هذا عمل فلان وهذا عمل فلان إذ لا يلزم من معرفة العمل معرفة صاحبه، وحديث: «الحوض» يفيد أنه لا يعرف تلك الطائفة التي ذيدت: هل هي من
نهاية الآمال .
٤٣
الصالحين أو غيرهم؟ ولا يُنافي أنه يعلم أنَّ أُمته جاءت بأعمال صالحة وأعمال سيئة حسبما عُرِضَت عليه.
يُقرب ذاك ويوضّحه أنَّ الشخص قد يرى في بعض الجرائد أعمالا صالحةً مِن صَدَقاتٍ وتَبرُّعاتٍ غير منسوبة إلى أشخاص مُعيَّنين فيحب تلك الأعمال، ويثني على أصحابها، وقد يكون في مجلسه بعض منهم أو كلهم وهو لا يدري أنهم أصحاب تلك الأعمال التي يمدحها، وقُل مثل ذلك في الأعمال السيئة - فيصدق عليه أنه لم يعرف ما فعلوا لأنه رأى الأعمال مُجرَّدةً عن نسبتها إليهم
بالذات.
فالنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم حين دعا أولئك الرَّهْط إلى حَوْضِهِ فاختلجوا ،دونه، وقيل له: «لا تَدْرِي ما أَحْدَثُوا بعدك» أي من السيئات التي عرضت عليك، ولم تعلم أنها صادرة منهم.
وبهذه الوجوه بل بواحدٍ منها - اندفع الإشكال، ولم يبق بين الحديثين تعارض أصلا، فمن أصر بعد هذا على وجود التعارض، وعلى ترجيح حديث الحوض فهو مُعانِدٌ مُكابرٌ ينطبق عليه قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «الكبر بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ». ومَن وَصَلَ إلى هذا الحد سقط معه الكلام وتوجهت إليه سهام الملام. (تنبيه) : لما تكلَّم الحافظ في "فتح الباري" على حديث: «الحوض» وقع في كلامه ما يشير إلى صحة حديث: عرض الأعمال»، وكونه أمرًا ثابتا متقرّرًا، ونص كلامه وقال غيره : قيل: هو - يعني الارتداد – على ظاهره من الكفر،
٤٤
الحديث الشريف
والمراد «بأمتي» أمة الدعوة لا أمة الإجابة، ورُجّح بقوله في حديث أبي هريرة: «فأقول بُعْدًا وسُحْقًا». ويؤيّده كونهم خفي عليه حالهم، ولو كانوا من أمة الإجابة لعرف حالهم بكون أعمالهم تعرض عليه» . اهـ كلامه. والإشارة فيه إلى ما قلنا ظاهرة، والله ولي التوفيق. (تنبيه آخر) بعد أن ذكرتُ الجمع بين الحديثين بالوجوه السابقة، وهي قوية سليمة، وإن كان بعضها أقوى من بعض، ظهر لي أن أبين الإشكال الوارد على حديث: «الحوض» فأقول:
هذا الحديث يفيد أنَّ طائفة من الصحابة يُذادون عن الحوض ويُطْرَدون عنه مع أنَّ الله تعالى عدّل الصحابة وأثنى عليهم في غير آية من كتابه الكريم، والجمهور مجمعون على عدالتهم جميعًا - حتى المجهولين منهم - فكيف يتأتى
هذا مع طرد طائفة منهم عن الحوض ؟! فإن حملنا الحديث على المرتدين كما رجّحه الباجي وعياض وغيرهما؛ فالخطابي يجزم بأن الصحابة لم يرتد منهم أحدٌ بعده صلى الله عليه وآله وسلّم
وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نُصْرَة له في الإسلام.
وإن حملناه على المنافقين؛ فالنفاق كان على عهده صلى الله عليه وآله وسلّم والحديث يقول: «لا تَدْري ما أَحْدَثُوا بعدك».
وإن حملناه على المبتدعة؛ فالمبتدعة ليسوا أصحابه لأنهم حدثوا بعده. وإن حملناه على من حارب عليا عليه السَّلام في صفين؛ فجمهور الأشاعرة
والماتريدية لا يرضون هذا ويرون أنَّ أولئك المحاربين كانوا مجتهدين مخطئين.
نهاية الآمال .
٤٥
وإن حملناه على أمة الدعوة أو العصاة من أمة الإجابة؛ فإن ألفاظ الحديث تنفي ذلك لأنها تصرّح بأنهم أصحابه يعرفهم ويعرفونه، وأنه يناديهم بأسمائهم. ثُمَّ كيف يتبرأ من أصحابه ويقول في حقهم (۱) «سُحْقًا، سُحْقًا»، وهو صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا يتبرأ من عصاة المسلمين، بل يشفع لهم، ويسعى في
خلاصهم بعد دخول النَّارِ ؟! فالحديث كما ترى مشكل جدا (۲).
(۱) ومن الإشكال في هذا الحديث أيضًا أنه يقتضي ألا نترضى عن جميع الصحابة، وإنما نترضى عمن نجزم بأنه لا يُطْرَد عن الحوض، وتعيين المطرودين منهم يختلف باختلاف الأغراض، فغُلاة الشَّيعة لا يترضَّون عن أصحاب وقعة الجمل، والنواصب والخوارج لا يترضُون عن عليّ وعثمان ومن معهما، وآخرون لا يترضُون عن معاوية ومن كان معه . وكل فرقةٍ ترى أنها على الحق، وأن حديث الحوض يؤيدها، فإن طبقنا الحديث على الجميع أدَّى ذلك إلى أنَّ معظم الصحابة لا نترضى عنهم لأنهم ليسوا أهلا للترضّي، وإن خصصناه بفئة دون أخرى كان تحكما لا معنى له، ثُمَّ ليُعينوا لنا من هم الصحابة الذين لا نترضى عنهم فإن لم يفعلوا ولن يستطيعوا أن يفعلوا - فليجزموا معنا بأن حديث الحوض مشكل المعنى متروك الظاهر لما يلزم عليه مما أوضحناه.
(۲) ولهذا كان الإمام مالك ينهى عن روايته للحُجّاج الوافدين على المدينة، وعلى هذا يقال للوهابيين: إذا كان حديث: عرض الأعمال معارضًا في نظركم الحديث: «الحوض» المتفق على صحته، فحديث الحوض يعارضه القرآن والإجماع، في حين أنَّ القرآن يؤيد حديث: عرض الأعمال كما سبق بيانه، فأي الحديثين أبعد عن الإشكال وأولى بالقبول؟!.
٤٦
الحديث الشريف
وكان واجبًا على الذين عارضوا به حديث: «عرض الأعمال» ورجحوه عليه أن يتفهموا أولا معناه ويتذوقوه، ثُمَّ يجمعوا بينه وبين ما دلّ عليه القرآن وأجمع عليه الجمهور من عدالة الصحابة وفضيلتهم عند الله تعالى، فإذا استقام لهم ذلك ووُفّقوا إليه عارضوا به حينئذ ما شاءوا من الأحاديث، ولكنهم لا
يفقهون.
نهاية الآمال .
٤٧
خاتمة
في شرح ألفاظ الحديث وبيان معناه
قوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «حياتي»: أي وجُودي بين ظهرانيكم، خَيْرٌ لَكُمْ»: أي فيه خير لكم؛ لأن فيه حِفْظا لكم من البدع والفتن والاختلافات، مع ما تورثه مشاهدته عليه الصَّلاة والسَّلام من كمال اليقين ونور العرفان. ثُمَّ بيّن بعض الخير في حياته بما هم في أمس الحاجة إليه فقال: تُحدثون بضم التاء وكسر الدال المشددة من التحديث ويُحدث لكم» بضم الياء وفتح الدال المشددة.
قال المناوي في شرح الجامع الصغير": «أي تحدثوني بما أشكل عليكم، وأحدثكم بما يزيح الإشكال، ويرفعكم إلى درجة الكمال، واحتمال أن المعنى:
.
تحدثون طاعة ويحدث لكم غفرانا يدفعه أن ذلك ليس خاصا بحياته». اهـ قلت: بل يصح ضبطه تُحدِثون» بضم التاء وسكون الحاء وكسر الدال، ويُحدث - بضم الياء وسكون الحاء وفتح الدال من الإحداث فيهما، ويكون المعنى: تحدثون أمورًا وأشياء مما تفعلونه في حياتكم الخاصة والعامة، ويُحدَثُ لكم بإزائها أحكام شرعيَّة من تحليل وتحريم ينزلها الله حسب أسبابها الداعية إليها، مثلا: ورد في الحديث: «أن جماعة شربوا الخمر قبل تحريمها- ثُمَّ حضرت الصلاة فقدموا أحدهم فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، فأنزل الله تعالى: يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَوَةَ وَأَنتُمْ سُكَرَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ [النساء: ٤٣] وهذا باب واسع، بل هو عِلْمٌ مُلْحَق بعلوم القرآن
٤٨
الحديث الشريف
والحديث يسمى علم أسباب النزول ألفت فيه كتب خاصَّةٌ منها المطبوع
والمخطوط.
ثُمَّ قال: «وفاتي خَيْرٌ لكم» أي: فيها خير لكم، لما ثبت في "صحيح مسلم" عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الله عزّ وجل إذا أرادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِن عِبادِهِ قَبَضَ نبيَّها قبلها فجعله لها فَرَطًا وسَلَفًا بين
يديها وإذا أرادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبَهَا ونبيُّها حَيٌّ فأهْلَكَهَا وهو يَنْظُرُ فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِهلَكَتِها حين كَذَّبُوهُ وعَصَوا أَمْرَهُ».
الفَرَط - بفتح الفاء والراء : هو الذي يتقدم القوم ليصلح لهم المكان ويُهيئه لنزولهم. ثُمَّ بيّن الخير في وفاته بما يفيد معنى الفرط في حديث مسلم: تُعْرَضُ عليَّ أعمالكم (۱) عرضًا إجماليا، كما سبق في الوجه الثالث من وجوه
(۱) اعترض الوهابيون على هذه الجملة أيضًا فقالوا: القرآن يعارضها، قال تعالى حكاية
عن عيسى عليه السلام: وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عليهم ﴾ [المائدة: ۱۱۷] فالشهادة خاصة بما رأى في الحياة وليس هناك عرض ولا غيره، والجواب : أنَّ الآية الكريمة لا تعارض الحديث لوجوه: أحدها: أنَّ هذا خاص بدعوى النصارى، وقولهم في عيسى: إنه الله أو ابن الله، وذلك أنَّ الله وجه السؤال إلى عيسى بقوله: ءَ أَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِ وَأُتِيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ [المائدة: ١١٦]، فنفي عيسى أن يكون قال ذلك ونزَّه الله عنه، ثُمَّ قال: وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ أمنعهم من هذا القول فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي بالرفع إلى السماء و كُنتَ أنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ﴾ تمنع من شِئتَ هدايته منهم وتعصمه. ولا شكّ أنَّ عيسى إنما يملك أن يمنع قومه إذا كان موجودًا فيهم، فإذا فارقهم لم يملك منعهم،
نهاية الآمال .
٤٩
الجمع، أو تعرض على أعمالكم نفسها بدون ذكر أصحابها -كما سبق في الوجه
الرابع - لأن المقصود معرفة العمل نفسه، وهل هو خير أو شر.
ويخرج من العرض أعمال المرتدين والكفار فإنها لا تعرض، ثُمَّ قال: «فما رأيتُ مِن خَيْرٍ» في الأعمال «حَمِدتُ الله» على توفيقه لكم وهدايته إياكم وما رأيتُ مِن شَر» في الأعمال استَغْفَرتُ الله لكم» أي طلبت المغفرة لكم إجمالا، أو يكون
معنى استغفرت الله طلبت منه أن يهديكم لأعمال صالحة تغفر بها ذنوبكم. ويؤخذ من الحديث أمور:
الأول: حياة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في قبره الشريف، وهي حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، قال الله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أَمْوَاتُ بَلْ أَحْيَاهُ وَلَكِن لَّا تَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: ١٥٤].
حتى ولو عرضت أعمالهم عليه، فالآية لا علاقة لها بعرض الأعمال نفيا ولا إثباتًا. ثانيها: أنَّ عرض الأعمال خُصَّ به نبينا صلى الله عليه وآله وسلَّم كما خُصَّ بفضائل لم يشركه فيها أحدٌ من الأنبياء، وإذا كان الله قد أكرم أمته لأجله فجعلهم شهداء على غيرهم، فكيف لا يكرمه بعرض أعمال أُمَّته عليه ؟!
ثالثها: أن الأنبياء دعوتهم خاصَّةٌ بقومهم لا تتعدى إلى غيرهم، وشرائعهم محدودة بزمانهم، فإذا مات النبيُّ منهم لم يلزم غيرهم أن يتبعوا شريعته، فكانت شهادة الأنبياء قاصرة على قومهم الذين بعثوا فيهم ، ولم يكن لعرض الأعمال عليهم معنى؛ لأن شريعتهم لم تلزم من يأتي بعدهم بخلاف النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم؛ فإن شريعته باقية، وأُمَّته مستمرة إلى يوم القيامة، فكان لا بد من عرض الأعمال عليه ليشهد عن عيان والله المستعان.
من
الحديث الشريف
وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَنهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ [آل عمران: ١٦٩ - ١٧٠]. قال الإمام ابن حزم في "المحلى" (ص ٢٥ ج ١): ولا خلاف بين مُسْلِمَيْن (۱) في أنَّ الأنبياء عليهم السَّلام أرفع قَدْرًا ودَرَجَةً، وأتمُّ فضيلة عند الله عزَّ وجلَّ، وأعلى كرامة من كلِّ مَن دونهم، ومن خالف في هذا فليس مسلما» . اهـ وقال الحافظ السخاوي في "القول البديع" (ص١٢٥): «السادسة: يؤخذ هذه الأحاديث أنه صلَّى الله عليه وآله وسلم حي على الدوام، وذلك أنه محال عادةً أن يخلو الوجود كله من واحد يُسَلِّم عليه في ليل أو نهار، ونحن نؤمِن ونُصَدِّق بأنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حي يُرزَق في قبره، وأن جسده الشريف لا تأكله الأرض، والإجماع على هذا، وزاد بعض العلماء: الشهداء والمؤذنين، وقد صح أنه كُشف عن غير واحدٍ من العلماء و الشُّهداء فوجدوا لم تتغير أجسامهم، حتى الحِنَّاء وُجِدَت في بعضهم لم تتغير عن حالها، والأنبياء أفضل من الشهداء جَزْما» . اهـ
وفي "صحيح مسلم" عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: مَرَرْتُ بموسى ليلة أُسْرِي بي عند الكَثِيبِ الآخر وهو قائمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ». وفي "صحيح مسلم أيضًا: عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لقد رأيتني في الحِجْرِ وقُريضٌ تَسْألني عن مشراي... الحديث، وفيه:
(1) مُسْلِمَين: بفتح الميم الثانية تثنية مسلم والمعنى واضح، وإنما نبهت على هذا لأن مصحح كتاب "المحلى" أشكلت عليه كلمة «مسلمين فكتب عليها: كذا في الأصل.
نهاية الآمال .
۵۱
وقد رَأَيْتُني في جَمَاعَةٍ مِن الأنبياء، فإذا موسى قائمٌ يُصَلَّى فَإِذا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كأَنه رجلٌ مِن أزد شَنُوءَةَ، وإذا عيسى ابن مريم قائِمٌ يُصَلِّى أَقْرَبُ النَّاسِ به شَبَهَا عُرْوَةُ بن مسعود، وإذا إبراهيم قائِمُ يُصَلَّى أَشْبَهُ النَّاسِ بِه صَاحِبُكُمْ، فحانت الصلاة فأمَمتُهم الحديث. وصح حديث أنس: «الأنبياء أحياء في قبورهم». صححه البيهقي وغيره.
والمقصود أنَّ القرآن والسُّنَّة والإجماع كلها تدل على حياة الأنبياء في قبورهم، وأنَّ أجسادهم لا تبلى.
الثاني: حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على مصلحة أمته، وحبُّ الخير لهم، والدعاء لهم في كل مناسبة، ولا غرو فهو بالمؤمنين رؤوف رحيم كما وصفه خالقه ومولاه جل علاه، وتظهر رأفته بأجلى معانيها في الموقف العظيم حين يتقدم إلى الشفاعة ويراجع ربَّه في أمته المرة بعد المرة، وربه يُجيبه ويُعطيه ويُقربه ويُدنيه حتى يقول مالك خازن النار : ما تركت لغضب ربِّك في أمتك من بقيَّة». فصلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وجزاه عنا أكمل وأفضل ما جازى نبيا عن أمته.
الثالث: الحضُّ على فعل الطاعات وترك المعاصي؛ لأنَّ المؤمن إذا عَلِمَ أَنَّ عَمَلَهُ يُعرضُ على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وأنه يفرح بحسناته، حفره ذلك إلى الإكثار من الطاعات والابتعاد عن المعاصي ما أمكن ليسر نبيه، ولا يحوجه إلى الاستغفار. وإذا كان أبو الدرداء وغيره كانوا يستعيذون بالله من عمل يُخزون به عند أقاربهم كما سبق، فالمؤمن أولى بالابتعاد عن عمل يُخزى به عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
۵۲
الحديث الشريف
هذا آخر الجزء، ووافق الفراغ منه صبيحة يوم الأربعاء ١٥ شوال سنة ١٣٦٨ خَتَمَ الله لنا بالحُسنَى والسَّعادة، وغَفَرَ لنا ولوالدينا ومشايخنا وأحبابنا، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(فائدة)
إذا وَرَدَ على الوهَّابيين حديث لا يوافق هواهم كحديث: عرض الأعمال، ورأوا أنهم لا مناص لهم منه، ردُّوه بقولهم: لا يوجد في "الصحيحين"، أو لم يروه أحدٌ من أهل الكتب الستة. يوهمون بذلك قليلي العلم أنَّ كلَّ حديث لا يوجد في "الصحيحين" ولا في بقية الكتب الستة فهو حديث ضعيفٌ أو موضوع، وهو إيهام باطل لا ينبني على أساس علمي صحيح، بل هو من جملة بدعهم التي أظهروها في هذا الزمن، ولا يوجد عالم في الدنيا - لا من الفقهاء المجتهدين ولا من الحفاظ والمحدثين اشترط في صحة الحديث أن يكون مرويًا في أحد الكتب الستة، بل العلماء متفقون على أنَّ الحديث إذا استوفى شروط الصحة وجب العمل به سواء أكان داخل الستة أم خارجها. فهذا ابن تيمية يستدل في مؤلفاته بأحاديث يعزوها إلى الخلال وابن بطة وغيرهما، وهذا الحافظ ابن القطان صحح حديث ابن عمر: «أنه كان يتوضأ ونَعَلاهُ في رجليه ويمسح عليهما ويقول: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يفعل» رواه البزار في مسنده". وصحح الحافظ الضياء المقدسي أحاديث في "المختارة" لا توجد في الكتب الستة، وكذلك فعل غيره
من الحفاظ كالدمياطي، والمنذري، والعراقي، والعسقلاني، وغيرهم.
نهاية الآمال
۵۳
وقد رتب الحافظ ابن حزم في كتاب "مراتب الديانة" كتب الحديث الصحيحة التي يُعتمد عليها فقال: أولى الكتب: "الصحيحان"، ثُمَّ "صحيح ابن السكن"، و"المنتقى" لابن الجارود، و"المنتقى" لقاسم بن أصبغ، ثُمَّ بعد هذه الكتب: كتاب أبي داود، وكتاب النسائي، و"مصنف" قاسم بن أصبغ، و"مصنف" الطحاوي ومسانيد ،أحمد ،والبزار ، وابن أبي شيبة أبي بكر، وعثمان، وابن راهويه والطيالسي والحسن بن سفيان.... إلخ كلامه فراجعه
إن شئت في تدريب الراوي شرح تقريب النواوي" ( ص ۳۲).
والمقصود أنَّ ما يزعمه الوهابية في الأحاديث المروية في غير الستة لا يسنده نقل ولا يؤيده عقل، وإنما هي بدعة ابتدعوها للتخلص مما لا يوافق هواهم؛ لأنهم لا يعرفون الإنصاف ولا ذاقوا له طعما، ولعلهم لم يسمعوا به إلَّا
من خصومهم ومناظريهم.
هدانا الله وإياهم سواء السبيل.
٢ - سَمِيرُ الصَّالِحِين
ذا سَمِيرُ الصَّالِحِينَ مُؤلَّفَا يُهْدِي إلى القُرَاء خَيرَ هَدِيَّةِ قَصَصُ يُفيدُ السَّامِعِينَ سِياقها خُلُقًا وآدابـا وأَحْسَنَ عِبْرَةِ أقبل عليها واستفد من لفظها حِكَمًا وأَحْكَامًا الخَيْرِ شَرِيعَةِ
سمير الصالحين
بسم الله الرحمن الرحيم
۵۹
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أفضل المرسلين سيدنا
محمد الصادق الأمين، ورضي الله عن آله الطاهرين، وأصحابه والتابعين. وبعد: فهذه بِضْعُ قَصَصِ دينيَّة فيها عِظاتٌ وعِبرة، وفيها فوائد وأحكام، وفيها حَضّ على الأخلاق الحميدة والآداب العالية، طرزت بآيات من الكتاب الكريم، ووشيت بمعجزاتٍ مِن نبينا العظيم، من قرأها زاد إيمانه وقوي يقينه، وأعرض عن المعاصي وأسبابها، وأقبل يطلب الطاعات من أبوابها، لما يرى فيها
من فضل الله على المتقين الصادقين، ومن غضبه على العاصين الفاسقين. وستتبعها بأمثالها إن شاء الله تعالى على هذا الأسلوب السهل الذي لا
يستعصي على عامَّة القُرَّاء ليعم النفع بها، وتحصل منها الفائدة المرجوة. والله المسئول أن يُلهمنا رشدنا، ويوفقنا إلى ما فيه رضاه، إنه سميع مجيب.
الحديث الشريف
١- بناء البيت
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء إبراهيم عليه السلام بأم إسماعيل وبابنها إسماعيل - وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت، عند دَوحَةٍ فوق زَمْزَمَ في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذٍ أحَدٌ ، وليس بها ماء، فوضعها هناك ووَضَعَ عندهما جرابًا فيه تَمْرٌ، وسِقاء فيه ماءُ، ثُمَّ قَفَّى إبراهيمُ مُنطَلِقًا فَتَبِعَتُهُ أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مِرارًا، وهو لا يلتفتُ إليها، قالت له: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن (۱) لا يُضَيَّعنا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فانطلق إبراهيم عليه السلام حتّى إذا كان عند الشَّنْيَّة حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثُمَّ دعا بهؤلاء الكلمات فرفع يديه فقال: ربنا إني أسكنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْنِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَوَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: ٣٧].
وجعلت أم إسماعيل تُرْضِعُ إسماعيل وتَشْربُ مِن ذلك الماءِ، حَتَّى إِذا نَفِدَ ما في السقاء عَطِشت وعَطِشَ ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال يَتَلَبَّطُ - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصَّفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه، ثُمَّ استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا؟ فلم ترَ أحدًا، فَهَبَطَتْ من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنسانِ المجهود حتى جاوزت الوادي، ثُمَّ أتت المروَةَ فقامت عليها تنظر هل ترى
(۱) «إذن» هنا ناصبة للفعل بعدها.
سمير الصالحين
٦١
أحدا؟ ففعلت ذلك سبع مرات.
قال ابن عباس : قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «فلذلك سَعَى النَّاسُ
بينهما».
فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: «صه»، تريد نفسها، ثُمَّ تسمعت فسمعت أيضًا، فقالت: «قد أسمَعْتَ إِن كان عندك غُوَاتٌ فَأَغِث»، فإذا هي بالملك عند موضع ،زمزم، فبحث بعقبه - أو قال: بجناحه - حتّى ظهر الماء فجعلت تحوضُه وتقول بيدها هكذا، وجعلتُ تَغْرِفُ الماء في سقائها وهو يفُورُ بعد ما تَغْرِفُ، وفي رواية: بقدر ما تغرف.
قال ابن عباس : قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «رَحِمَ اللهُ أُمَّ إسماعيل
لو تركت زمزم أو قال: لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزمُ عَيْنًا مَعِينًا». قال: فشَرِبَتْ وأرضَعَتْ ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ
ههنا بيتا الله يبنيه هذا الغُلامُ وأبوه، وإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَهْلَهُ. وكان البيت مُرتفعًا من الأرض كالرَّابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله فكانت كذلك - حتى مرت بهم رُفْقَهُ من جُرْهُم -أو أهل بيت مِن جُرْهُم - مقبلين من كَدَاءٍ فنزلوا في أسْفَلِ مكَّة فرأوا طائرًا عائفًا فقالوا: إِنَّ هذا الطائر ليدور على ماءٍ لعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلو جَرِيًّا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم، فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء فقالوا: أتاذنين لنا أن ننزل عندك ؟ فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم. قال ابن عبّاس: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «فَأَلْفَى ذلك أمُّ إسماعيل وهي تُحِبُّ الأُنسَ». فنزلوا فأرسلوا إلى أهلهم فنزلوا معهم، حتّى إذا
٦٢
الحديث الشريف
كانوا أهل أبياتٍ وشَبَّ الغُلامُ وتعلم العربية منهم، وأَنْفَسَهُم وأَعْجَبَهُم حين شَبَّ، فلما أدرك زوَّجُوه امرأة منهم.
وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوّج إسماعيل يُطالع تَرِكَتَهُ فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا - وفي رواية يصيد لنا- سألها عن عيشهم وهَيْئَتِهم، فقالت: نحن بِشَر، نحن في ضيق وشدَّةٍ وشَكَتْ إليه، قال: فإذا جاء زوجك، فاقرئي عليه السَّلام وقولي له : يُغَيّر عَتَبَةَ
ثُمَّ
بابه.
فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئًا فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، فسألني كيف عَيْشُنا؟ فأخبرته: أنا في جَهْدٍ وشِدَّةٍ، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السَّلام، ويقول: غَيّر عتبة بابك، قال : ذاك أبي ، وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك، فطلقها، وتزوج منهم أخرى. فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثُمَّ أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسأل عنه؟ قالت خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عَيْشِهِم وهيئتهم، فقالت: نحن بخَيرٍ وسَعَةٍ، وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللَّحْمُ، قال: فما شرابكم؟ قالت الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللَّحْمِ
والماء.
قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: ولم يكن لهم يومئذٍ حَبُّ ولو كان لهم
دعا لهم فيه». قال: «فهما لا يخلوا عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه». قال إبراهيم: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السَّلام، ومُريه يثبت عتبة بابه
سمير الصالحين
٦٣
فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحدٍ ؟ قالت: نعم، أتانا شيخُ حَسَنُ الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك، فأخبرته فسألني: كيف عَيْشُنا؟ فأخبرته: أنا بخير، قال: فأوصاك بشيءٍ؟ قالت نعم يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تُثبت
عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك.
ثُمَّ لَبِثَ عنهم ما شاء الله ، ثُمَّ جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دَوحَةٍ قريبا من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوَالِدُ بالوَلَدِ والوَلَدُ
بالوالد. قال: يا إسماعيل إنَّ الله أمرني بأمر قال: فاصنع ما أمرك ربُّك، فقال: وتُعينني؟ قال: وأُعِينك، قال: إنَّ الله أمرني أن أبني بيتا ههنا، وأشار إلى أكَمَةٍ مرتفعة على ما حولها - فعند ذلك رفع القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتَّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحَجَرِ فوضعه له، فقام يبني وإسماعيل يناوله الحجارة. وهما يقولان رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [البقرة: ۱۲۷] رواه البخاري في "الصحيح".
بیان مفردات
دَوْحَة : بفتح الدال وسكون الواو : شجرة عظيمة.
جراب بكسر الجيم ما يحمل فيه المسافر زاده من الطعام، وهو أيضًا المزود، بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الواو.
سقاء بكسر السين إناء يكون للبن وللماء، ولذلك قيَّده بقوله : فيه ماء، بخلاف القربة فإنها للماء فقط .
٦٤
الحديث الشريف
قفَّى: بتشديد الفاء: ولى ورجع.
الثنية: بفتح المثلثة وكسر النون: مكان بمكة. نفد بكسر الفاء وبالدال المهملة فني وانتهى.
درعها قميصها، وهو بكسر الدال.
المجهود: الجائع، وفعله: جُهد - بضم الجيم وكسر الهاء- إذا شقّ عليه
الجوع أو التعب.
صه : - بفتح الصاد- : اسم فعل معناه: اسکت.
غواث: - بضم الغين المعجمة وفتحها: إغاثة.
تخوضه - بضم الحاء المهملة - : تجعل حوله حوضا يمنع سيلانه على الأرض. الرابية والربوة: مثلثة الراء، والرَّباوة - بفتح الراء : الشيء المرتفع. گداء: - بفتح الكاف والمد والتنوين : مكان بأعلى مكة. جَرِيًّا : - بفتح الجيم وكسر الراء-: رسولا.
ألفى :-بفتح الفاء-: وجد.
المعنى
لما ولدت هاجر إسماعيل عليهما السَّلام - غارت منها سارة؛ لأنها كانت عقيما لم تلد (۱)، فقالت لإبراهيم: لا يجمعني وإيَّاها بيت، فأمره الله بإسكانها في
(۱) الغيرة طبيعة في المرأة، وإن عَلَا قَدْرُها في العِلْم والدين. صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لقد غرتُ من خديجة -رضي الله عنها - وما رأيتها وذلك لكثرة ما كان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يَذْكُرها.
سمير الصالحين
70
الحجاز لما ترتب على ذلك من مصالح كبرى، فسافر بها وبابنها إلى مكة فوضعهما بجانب المكان الذي بنيت فيه الكعبة وولى راجعا إلى الشام بعد أن أمرها أن تتَّخِذ لها ولابنها عريسا يقيهما الحر والبرد، فتبعته هاجر تسأله كيف يتركها وابنها في بلد ليس به أنيس ؟! ولم يلتفت إليها؛ لأنه خشي أن ينظر إلى ابنه الوحيد فتغلب عليه عاطفة الأبوَّة فيضعف عن تنفيذ ما أمر به، لكنَّها عادت تسأله: الله أمرك بهذا ؟ لأنها أدركت مما عرفته من خُلُق إبراهيم عليه الصَّلاة والسَّلام وشدة عطفه ورحمته أنه لم يكن ليتركها ووحيده منها في ذلك المكان القفر إلا بأمر الله تعالى وإذنه.
فلما رد عليها بالإيجاب قالت: إذن لا يُضيعنا، وهذا يدل على قوة إيمانها وشدة يقينها، ثُمَّ رجعت إلى مكانها عند الدوحة، أما إبراهيم فوصل إلى الثنية وهي طريق ا العقبة واستقبل البيت يدعو : رَبَّنَا إِنّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرَع
[إبراهيم: ٣٧] أي: بعض (۱) ذريتي؛ لأنه ولد له بعد ذلك إسحاق بالشام. وقوله: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِليهم ﴾ [إبراهيم: ٣٧] -أي: تميل
ثُمَّ إنَّ المرأة المتزوجة تحبُّ أن تُنجِبَ أولادًا يملئون بيتها بهجة وسعادةً، لاسيما إذا كان زوجها مثل إبراهيم عليه السَّلام، فغيرة سارة - مع كونها طبيعية - غير محمودة؟ لأنها كانت تودُّ من صميم قلبها أن تحظى بشرف الإنجاب من الخليل، ورأت أنَّ هاجر حظيت بهذا الشرف ،دونها، ولهذا بشَّرَها الله بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ليذهب من نفسها نار الغيرة وعقدة العقم. فمن نفى عنها حكاية الغيرة
قة
أخطأ من جهة تكذيبه للحديث الصحيح، ومن جهة عدم فهمه لطبيعة المرأة.
(۱) تعبيره بمن - المفيدة للتبعيض - يشعر بأنه كان عنده إحساس بأن سيولد له غير إسماعيل.
٦٦
الحديث الشريف
إليهم لحج بيتك الحرام - دعاء بأن يكثر زوّار البيت وقُصَّاده، وفي كثرتهم فوائد مادية وأدبية تعود على ذريَّته المقيمين به.
مكثت هاجر في مكانها تحت الدوحة تستظل بأغصانها ترضع ولدها وتحوطه بعطفها وحنانها، حتى إذا فني ما عندها من الزاد والماء لم تطق أن ترى ابنها يتلوى من ألم الجوع وقد نضب ما في ثديها من غذاء، فذهبت إلى الصفا تنظر لعلها تجد شيئًا يغذيها أو شخصًا يسعفها، فسعت -أي: مشت مسرعة - بين الصفا والمروة شوطًا أو شوطين، فلم ترَ أحدًا فقالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل الصبي؟ فوجدته كأنه ينشغ للموت - أي: يشهق شهيق الموت- فلم تقرها نفسها فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا، فذهبت إلى الصفا فنظرت ونظرت فلم تحس أحدًا فرفعت طرف قميصها ليساعدها على الإسراع في المشي وسعت بين الصفا والمروة وهي تنظر وتتسمع فسمعت كأن صوتا يناديها فلم تنتبه، فقالت لنفسها: صه - أي: اسكت، مبالغة في الاهتمام ولكنها لم تسمع ثانيةً، ثُمَّ عادت إلى ابنها فسمعت ذلك الصوت أيضًا، فقالت لصاحب الصوت الذي لم تره لقد أسمعت فإن كان عندك غوث فأغث فظهر لها الملك - وهو جبريل عليه السَّلام كما يثبت في رواية للبخاري أيضًا - فبحث برجله أو بجناحه الأرض فظهر الماء، فجعلت تغرف منه.
وهو ماء زمزم، وقد جعله اللهُ طَعَامُ طُعْمٍ وشِفَاءُ سُقْمٍ كما في "الصحيحين (۱) ، ولذلك كفى هاجر من الطعام، ثُمَّ قال لها جبريل: لا تخافوا
(۱) وفي حديث صحيح: «ماءُ زَمْزَمَ لا شُرِبَ له، إِنْ شَرِبْتَهُ نَسْتَشِفِي شَفَاكَ اللَّهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ لقَطْعِ ظَمِاكَ قَطَعَهُ اللَّهُ.
سمير الصالحين
٦٧
الضَّيْعَة فإنَّ في هذا المكان بيتا الله -هي الكعبة- يبنيه هذا الرضيع وأبوه إبراهيم عليهما السَّلام، وهما من أهل الله يبنيان بيت الله، والله لا يُضيع أهله. لما ترك إبراهيم هاجر وإسماعيل عند البيت، كان يزورهما الفينة بعد الفينة، ويتعاهدهما بما يحتاجان إليه من كساء ونحوه.
وفي إحدى هذه الزيارات قال لابنه إسماعيل وكان عمره اثنتي عشرة سنة تقريبا : يا بني خذ المدية والحبل، وانطلق بنا إلى هذا الشعب لحاجة لنا ،
-
فيه، فذهبا وتعرض إبليس لإبراهيم فسأله : أين تريد أيها الشيخ؟ فأجابه: إلى هذا الجبل لحاجةٍ لي فيه، قال إبليس : بل أنت تريد ذبح ابنك لأنك تزعم أنَّ الله أمرك بذلك، قال إبراهيم: اذهب يا عدو الله فوالله لأَمْضِينَّ لأمر الله، ورَجَمَه بسبع حصيات.
فيئس منه إبليس وذهب إلى إسماعيل وسأله هل تدري أين يذهب بك أبوك؟ قال لحاجة في هذا الشَّعب. قال إبليس: إنه يريد أن يذبحك. قال إسماعيل: ولـم يذبحني ؟ قال إبليس : يزعم أن الله أمره بذلك. قال إسماعيل: فليفعل ما أمره به الله، ورماه بسبع حصيات.
فتركه وذهب إلى هاجر وسألها : أين ذهب إبراهيم بابنه؟ قالت: ذهب به
لحاجة. قال: إنه ذهب به ليذبحه. قالت: ولـم يذبحه وهو ابنه الوحيد وأحب الناس إليه ؟! قال: يزعم أنَّ الله أمره بذلك. قالت: فليفعل ما أمره الله به،
ورمته بسبع حصيات أيضًا. فصار رمي الجمار من شعائر الحج.
وصل إبراهيم إلى الجبل وقال لإسماعيل: يَبُنَى إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَاءِ أَنِي
أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ [الصافات: ١٠٢].
الحديث الشريف
ورؤيا الأنبياء وحي؛ لأن النبي تنام عيناه وقلبه في يقظة لا يغفل عن الله لحظة. فأجابه إسماعيل بقلب ثابت وإيمان راسخ: يَابَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: ۱۰۲](۱) يا أبت شد رباطي لا يصبك مني شيء، وأحِدَّ شَفْرَتك حتَّى تُجهز علي فتريحني، وإذا أضجعتني لتذبحني فكبني على وجهي ولا تُضجعني لجنبي؛ فإنك إذا رأيت وجهي أدركتك رأفة حالت بينك وبين تنفيذ ما أمرك الله به .
ففعل ما اقترحه عليه ابنه ، وإذا بجبريل عليه السَّلام يناديه: قَدْ صَدَّقْتَ الريا [الصافات: ۱۰۵] ، وأتاه بكبش عظيم هو الكبش الذي قربه هابيل- فذبحه فداء عن ابنه وصارت الضحية شعيرة من شعائر الإسلام.
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَهُ صرعه صرعه، الجبينِ وَنَدَيْنَهُ أَن يَتَابْرَاهِيمُ قَدْ
لِلْجَبِينِ
صَدَّقْتَ الرُّه يَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) إِنَّ هَذَا هُوَ الْبَلَوُا الْمُبِينُ ( وَفَدَيْنَهُ بذبح عظيم ﴾ [الصافات: ۱۰۳ - ۱۰۷] (۲).
(۱) هذا دليل على أنَّ رؤيا النبي وحي من الله تعالى، وقول الشيخ عبدالوهاب النجار في هذه القصة: «كانت المنامات عند الصالحين من عباد الله بمثابة الوحي والأمر
المباشر غير صحيح بالنسبة للأنبياء فإن رؤياهم وحي كما تقرر في الأصول. (۲) زَعَمَ اليهودُ أنَّ الذبيح إسحاق عليه السَّلام، وتبعهم النصارى تقليدًا بغير دليل إلا ما جاء في التوراة وهو من تحريفاتهم: ففي الإصحاح الثاني والعشرين: «وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهام فقال له يا إبراهام، فقال: هأنذا، فقال الرب: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق واذهب إلى أرض الموريا... إلخ. فزيادة إسحاق، من تحريف اليهود جزما؛ لأن إسحاق لم يكن وحيد إبراهيم قط وإنما ولد بعد
سمير الصالحين
واختلفت العلماء : هل أمَرَّ الشفرة على ابنه ولم تقطع؟ أو لم يمرها؟ ظاهر الآية يفيد الثاني، وفي الآية دليل على جواز نسخ الفرض قبل فعله.
ثُم رجع إبراهيم إلى الشام، ومكثت هاجر ترعى إسماعيل وتحوطه بعنايتها حتى مرت بهم جماعةٌ من جُرْهُم ونزلوا في طريق أسفل مكة فرأوا طيرًا عائفًا - أي: طالبا للماء فقالوا: إن هذا الطير يدور على الماء وعهدنا بهذا الوادي ليس فيه ماء، وبعثوا رسولًا ينظر هل يجد ماءً؟ فأشرف على أبي قبيس فرأى زمزم تفور ماء وعندها خيمة هاجر فرجع وأخبرهم، فجاءوا إلى هاجر واستأذنوها أن يقعدوا معها - وهي كانت راغبة فيمن يقعد عندها يدفع عنها وحشة الوحدة ويُنسيها هم الغربة - فرحبت بهم وأذنت لهم بشرط: ألا يكون لهم حق في امتلاك زمزم؛ لأنها بئر أنشأها الله لها ولا بنها.
إسماعيل الذي ينطبق عليه: أنه ابنه الوحيد عند الذبح، ووهم بعض علماء المسلمين فقالوا : الذبيح إسحاق سرى عليهم هذا الوهم من مسلمة أهل الكتاب، على أنَّ من اليهود والذين أسلموا حقيقة - من اعترف بأن التوراة مصرح فيها بذكر إسماعيل. روی محمد بن كعب القرظي: أن عمر بن عبدالعزيز أرسل إلى رجل من اليهود أسلم وحسن إسلامه وكان من علماء اليهود يسأله عن ذلك وأنا عنده، فقال له عمر: أي بني إبراهيم هو الذبيح ؟ قال الرجل: هو إسماعيل، والله يا أمير المؤمنين إنَّ اليهود لتعلم ذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أبوكم الذي أمر الله بذبحه لما فيه من الفضل لكم. قلت: وما هذا بأول تحريفاتهم ولا آخرها فقد سجل الله عليهم في كتابه: يُحرفون الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: (۱۳)، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: ٤١].
الحديث الشريف
فنزلوا عندها وبعثوا إلى أهلهم فجاءوا ونزلوا معهم حتى صاروا عدة أبيات - وكانوا من العرب العاربة وهم العرب البائدة فتعلم إسماعيل منهم العربية الفصحى وشَبَّ فيهم وأنْفَسَهُم أي صار نفيسا، غلبهم في النفاسة
بقوة جسمه ومتانة خلقه فأعجبهم ذلك منه فزوجوه بنتا منهم. ثم ماتت هاجر عليها السَّلام وجاء إبراهيم عليه الصَّلاة والسلام ينظر ما تركت هاجر من ميراث وسأل امرأة إسماعيل عن زوجها، حيث لم يجده في البيت، وكان يخرج للصيد ويتعيش منه فقالت: خرج يبتغي لنا القوت بصيده، فسألها عن عيشهم وحالهم، فأرت ضجرها من المعيشة وشكت الضيق، وذلك يدل على ضعف إيمانها وعدم قناعتها، يضاف إلى ذلك أنها لم تدعه إلى دخول البيت ولم تُقدّم له قرى الضّيف فكانت امرأة سوء، فلذلك قال لها: إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السَّلام وقولي له: يُغيّر عتبة بابه، كناية عنها لأنها لا تصلح أن تكون زوجا لإسماعيل الرسول الكريم، وقد نفذ رغبة أبيه فطلقها. ويأتي هنا سؤال وهو : لِمَ يمكث إبراهيم ينتظر ابنه حتى يعود من الصيد وكيف طابت نفسه بالسَّفَر قبل أن يراه؟
أشكل هذا على بعض المعاصرين فادَّعى أنَّ الحديث موضوع (۱). وأجاب بعض المتقدمين بأنَّ إبراهيم استأذن سارة في السَّفَر إلى هاجر فأذنت له بشرط ألا ينزل ولا يقعد. وهذا جواب بعيد، بل باطل.
(۱) ادعاء وضع الحديث لمجرد إشكال فيه دليل على قلة العِلم وضيق الأُفق.
سمير الصالحين
۷۱
والذي يظهر في الجواب : أنَّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان في مقام
التوكل ، يسلك الأسباب من غير أن يعتمد عليها أو ينتظر نتائجها، بل يعتمد على الله تعالى وينتظر ما يأتي من قبله، فهو حين شد رحله إلى مكة سلك السبيل المعتاد لرؤية ابنه، لكنه حين وجده في صيده أدرك أنَّ الله لم يرد لقاءهما في تلك المرة، فاكتفى بتوجيه النصيحة إليه بتطليق امرأته التي لا تناسب حاله - ومن الأمثال المشهورة المقابلة نصيب - وكذلك جاء للمرة الثانية فلم يجده ووجد زوجه الجديدة. فسألها عنه، فقالت: ذهب يصيد، ثُمَّ قالت له: ألا تنزل فتطعم وتشرب؟ قال: ما طعامكم؟ قالت اللَّحْمُ، قال وما شرابكم؟ قالت: شرابنا الماء، فدعا لهم بالبركة في طعامهم وشرابهم.
ولو كان عندهم حَبُّ من قمح أو ذرة لدعا لهم بالبركة فيه وبقيت بركة دعوته إلى اليوم وإلى قيام الساعة، فلا يمكن لشخص بغير مكة أن يعيش على اللحم والماء وحدهما.
ثم قال لها : إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له: يمسك عتبة بابه. يكني عنها أي: لا يفارقها؛ لأنها قوية الإيمان، شكرت نعمة الله. وكريمة النفس، دعت ضيفها الكريم إلى تناول الطعام والشراب، فاستحقت أن يمسكها إسماعيل. فهي المرأة الصالحة التي تساعده ويجد الراحة إذا أوى إليها في منزله. ولم ينتظر إبراهيم ابنه في هذه المرة أيضًا لأنه أدرك أنَّ اللقاء لم يُقَدَّر بعد. ومقام التوكل والتسليم عزيز غريب تبدو تصرفات صاحبه عند عامة النَّاسِ
۷۲
الحديث الشريف
غير مفهومة، لكن الذائق له والمتلبس به لا يشعر أنَّ شيئًا يصدر منه غير مفهوم أو غير عادي؛ لأن اعتماده على الله وتسليم القيادة إليه أراح قلبه وأغناه عن تلمس
المناسبات؛ لأنَّ الله إذا أراد شيئًا خَلَقَ مناسبته وهيا لها الظروف الملائمة.
ثُمَّ عاد إبراهيم في زيارة ثالثة فوجد إسماعيل قاعدًا تحت شجرة كبيرة -
قريبا من زمزم يبري نبلا له من النبال التي يصيد بها، فلما رآه قام إليه مستقبلا، فتعانقا وقبله والده قبلة العطف والرحمة كما قبل هو والده قبلة الإجلال والهيبة وبعد انتهاء المقابلة، وسؤال كل منهما الآخر عن صحته وحاله قال إبراهيم: يا إسماعيل إنَّ الله أمرني بأمر. قال إسماعيل: فاصنع ما أمرك به ربُّك. فقال إبراهيم مُستفها: وتُعيتُني؟ فإني أحتاج إلى معين يعاونني فيه، قال إسماعيل : وأُعينك عليه. أطلب رضاك وثواب الله، قال إبراهيم: إِنَّ الله أمرني أن أبني ههنا بيتًا، وأشار إلى الرابية المرتفعة بجانب زمزم.
فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة ويناولها لإبراهيم، وهو يبني. حتى إذا ارتفع البناء أتاه بالحجر الذي هو مقام إبراهيم فوقف عليه وأكمل بناء الكعبة، وهما يقولان أثناء بنائهما: يا رَبَّنَا تَقَبَّل منا هذا العمل الذي هو بناء أول بيت يقام لك في الأرض إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ لدعائنا وأقوالنا العليم بإخلاصنا في طاعتك وسعينا في مرضاتك. ولم يستعينا في البناء بالسكان الموجودين هناك من جُرْهُم والعمالقة؛ لأنهما أحبا أن يقوما بهذه العبادة وحدهما مبالغة في طلب رضا الله وزيادة في التقرب إليه، وقد يكون بعض الناس قد ساعدوهما بعض المساعدة في قطع بعض
سمير الصالحين
۷۳
الأحجار ومناولة بعض الطين.
وكان في أسباب اختيار إبراهيم لهذه المهمة مع سابق علم الله وإرادته: أنَّ إبراهيم رأى في بلده حران معبدا للأصنام التي كانت تعبد من دون الله، ورأى في مصر أيضًا معابد يعبدون فيها الآلهة ويقربون لها القرابين فآلمه كثيرًا أن يكون للآلهة أماكن تعبد فيها مع أنها لا تنفع ولا تضر، ولا يكون الله الواحد القهار في أرضه بيتٌ يُعبَد فيه.
فعهد الله إليه ببناء هذا البيت الذي يُفرد فيه بالعبادة ويُنادى فيه بتوحيده.
ما يؤخذ من القصة
يؤخذ منها أمور:
۱ - منها : أنَّ إبراهيم - عليه الصَّلاة والسلام- كان شديد الثقة بالله، قوي الاعتماد عليه؛ حيث ترك فلذة كبده ووحيده الذي رُزق به بعد دعاء وتوجه الله في مكانٍ قَفْرٍ لا زَرْعَ فيه ولا ضَرْعَ، ولا جَلِيسَ ولا أنيس؛ تنفيذًا لأمر الله وإسراعا في طاعته، وله مواقف كثيرة تؤكّد شدَّة ثقته بالله واستسلامه إليه في كل أموره من أجل ذلك اتخذه خليلا. ٢ - ومنها : أنَّ مَن وثق بالله واعتمد عليه حفظ أهله وأراه فيهم ما يحب، ألا ترى كيف أخرج الماء لهاجر ؟ وأتى بناس يسكنون معها يؤنسون وحشتها ويعلمون ابنها العربية الفصحى الخالصة من لهجات خالطت لغة أبيه إبراهيم
عليه السلام. - ومنها: أنَّ السَّعي لا ينافي التوكُل: فإنَّ هاجر -عليها السلام - لما سألت
٧٤
الحديث الشريف
إبراهيم: الله أمرك أن تتركنا بهذا المكان القَفْر؟ وقال لها: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا. وتوكلت على الله ووثقت به، ومع ذلك لما فني منها الزاد والماء قامت إلى الصفا والمروة تسعى بينهما تحاول أن تجد أحدًا يُسعفها، ولم يخدش ذلك تو گلها، بل جعل الله مكان سعيها من شعائر الحج، قال تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَارِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: ١٥٨]. ٤- ومنها: أنَّ الله تعالى كرَّم هاجر بجعل مكان سعيها من شعائر الله بإضافته إلى ذاته المقدسة، وهو تكريم للمرأة الصالحة لم تنله في دين غير الإسلام (1). ه - ومنها: أنَّ الإنسان إذا سُئل عن حاله فلا يظهر الشَّكْوَى والتضجر، :
(۱) قرأت في جريدة الأخبار الصادرة يوم (١٩٦٧/٩/٨): أنَّ محاميا ألمانيا اسمه كريستوف ييجر كتب رسالة للدكتوراه عن مركز المرأة في الأحوال الشخصية عند المسلمين، تكلم فيها عن المساواة بين الرجل والمرأة في القرآن وبين أنَّ الشريعة الإسلامية هي الشريعة الأولى التي أعطت للمرأة حقوقها كاملة، ومنحتها مزيدا من الحرية والاحترام، وذكر أنَّ احترام المرأة في الغرب يقوم على إعطائها كافة الحريات بحيث يمكنها أن تفعل ما تشاء ما دامت تؤدي عملها ، أمَّا احترام المرأة في الشريعة الإسلامية فيقوم على طريق حمايتها ضد المساوئ والخطيئة، وتوجيهها للعمل الصالح. ونادى المحامي المذكور بضرورة تطبيق مباديء الشريعة الإسلامية في دول العالم؛ لأنها الشريعة الوحيدة التي تقدم للمرأة كافة الحقوق والحريات، وتمنحها مزيدا من الاحترام. وذكرت الأخبار أنَّ ذلك المحامي سيقدم رسالته لتناقش في شهر نوفمبر
(١٩٦٧) في جامعة تويننج جنوب شتوتجارت بألمانيا الغربية.
سمير الصالحين
vo
بل ينبغي له أن يحمد الله ويثني عليه ويظهر رضاه بحاله، ألا ترى إلى امرأة إسماعيل الأولى حين شكت الضيق والشدَّة أمره إبراهيم بمفارقتها، وامرأته
الأخيرة حين أثنت على الله وأظهرت رضاها بحالها أمره بإمساكها. ٦- ومنها: أنَّ الأب الصالح إذا أمر ابنه بطلاق امرأته نفّذ أمره، فقد طلق إسماعيل امرأته الأولى تنفيذا لأمر أبيه (1) .
ومنها: أن المرأة الصادقة يعمل بروايتها ، فقد طلق إسماعيل امرأته لما
روته عن أبيه.
ومنها: أن الشخص لو حفر بئرا في أرض غير مملوكة لأحد كانت ملكا له، فإن الناس الذين استأذنوا هاجر في النزول عندها شرطت عليهم ألا حق لهم في امتلاك الماء.
٩ - ومنها : أن الملك قد يظهر للشخص الصالح ويكلمه، فقد ظهر جبريل عليه السلام لهاجر وكلمها مبشرا لها بأن ابنها سيبني البيت مع أبيه وتلك كرامة أكرمها الله بها، ولم يُصب من قال أنها كانت نبية.
١٠ - ومنها: أن الشخص إذا قدَّم طاعة الله على حظ نفسه جعل الله البركة في أفعاله وما تلمسه بعض أعضائه، فإن إبراهيم لما ترك ابنه في مكان قفر امتثالا لأمر الله جعل البيت الذي بناه مباركًا فقال تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: ٩٦] وجعل الحجر الذي قام
(۱) وأمر عمر ابنه عبدالله -رضي الله عنهما - بطلاق امرأته فلم يفعل، فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمره بفراقها.
٧٦
الحديث الشريف
عليه وهو يبني البيت مكانا يصلي عنده فقال تعالى: وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِم
مُصلى ﴾ [البقرة: ١٢٥].
مناقشات في القصة
أشكلت أشياء في هذه القصة على بعض المعاصرين ونحن نجيب عنها : ۱ - يفيد هذا الحديث أن هاجر ماتت بعد زواج إسماعيل وجاء إبراهيم يطالع تركته منها، قال بعض المعاصرين والمشهور أن هاجر ماتت بعد سارة، وأنها حضرت بناء الكعبة، وأنها كانت على قيد الحياة لما ذهب إبراهيم إلى جبل ثبير بإسماعيل ليذبحه بعد النفر من عرفات». هذا الكلام فيه تخليط فبقاء هاجر بعد سارة لم يستند فيه إلا لما ذكره بعض الإخباريين، وذلك لا يصح أن يرد به ما يثبت في صحيح البخاري"
ودعواه أنها حضرت بناء البيت غير صحيح. وقوله: وأنها كانت على قيد الحياة لما ذهب إبراهيم إلى جبل ثبير بإسماعيل ليذبحه بعد النفر من عرفات، غير مُحرَّرٍ.
فإنَّ حادثة الذبح وقعت لإسماعيل وهو صبي لم يتجاوز الثانية عشر من عمره، وبناء البيت وقع بعد ذلك حين صار إسماعيل رجلا يقدر على حمل الحجارة ومشاق البناء، والذي يرى الحجر الذي هو مقام إبراهيم يتأكد أنه لا يقدر على حمله صبي في الثانية عشر من العمر، ومن الدليل على ذلك أيضًا دعاء إبراهيم وإسماعيل وهما يبنيان: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً
(۱) بل ذكر معظم الإخباريين أيضًا أن هاجر توفيت قبل سارة.
سمير الصالحين
۷۷
مُسْلِمَةٌ لَكَ ﴾ [البقرة: ۱۲۸] فإسماعيل لم يدع بهذا إلَّا وهو رجل متزوج يأمل أن
تكون له ذرية صالحة.
٢- يفيد الحديث أنَّ إبراهيم لما جاء لزيارة إسماعيل بمكة ووجده في
الصيد لم ينتظره وقفل راجعا إلى الشام. وقد أجبنا عنه فيما مر .
جاء في الحديث وتعلَّم منهم العربيَّة، وهذا صحيح، فإنَّ إسماعيل تربى في مكة مع أُمّه المصرية ولغتها لم تكن عربية خالصة بل فيها دخيل كثير من لهجة القبط القديمة، فوجود جُرْهُم أفاد إسماعيل في تعلم العربية الفصحى الخالية من الدخيل.
العبرة
العبرة من هذه القِصَّة أنَّ الله تعالى يمتحن خواص عباده المقربين امتحانات شديدة قاسيةً؛ ليكثر أجرهم عنده ويزداد قربهم منه ويُربيهم على خشونة العيش، وبعد عن التَّرَف والتنعم، لتنمو رجولتهم وتقوى نفوسهم، وليعلموا أن نعيم الدنيا زائل فلا يلتفتون إليه، وأنَّ زخرفها حائل فينصرفون عنه ، ثُمَّ جعلهم بما امتحنهم به وربَّاهم عليه قدوة للمؤمنين ومنارًا للسالكين. فيا أيها المؤمن : لا تضعف إن أصابتك شدَّةٌ، ولا تضجر إن مستك مصيبة، بل اعتصم بإيمانك واثبت على يقينك واتل قول الله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: ٢] واجعل قدوتك إبراهيم الذي امتحن في نفسه وفي ولده فزاد إيمانه وعظم يقينه.
ويا أيها السالك إلى الله الطالب لرضاه : شَمّر عن ساق الجد واترك الرَّاحَةَ
VA
الحديث الشريف
والتنعم جانبًا، وقدّم نَفْسَك قُربانًا الله تعالى كما قدمها إسماعيل قبلك، اذبح شهواتها بمُدّية عَزْمِك وأجهز على طَمَعِها وتطلُّعها بسيف قناعتك، ثُمَّ اذهب إلى الله تعالى بصدق وإخلاص وقل: إني ذاهب إلى ربي سيهدين، يكن معك بالتأييد والتمكين وَالَّذِينَ جَهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[العنكبوت: ٦٩].
أوائل إبراهيم
أخرج البيهقي من طريق سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: «كان إبراهيم عليه السلام أوّل من اخْتَتَنْ، وأوَّل من رأى الشَّيْبَ، وأوَّل مَن جَزَّ شاربه، وأوَّل مَن جَزَّ أظافيره، وأوَّل من استحد». إسناده صحيح.
وروى ابن عدي في "الكامل" والبيهقي في "الشعب"، أيضًا عن أبي هريرة، مرفوعا: «إنَّ إبراهيم عليه السَّلام أوَّل مَن أَضَافَ الضَّيْفَ، وَأَوَّل مَن قَصَّ الشَّارِبَ، وأوَّل مَن رأى الشَّيْبَ، وأوَّل مَن قَصَّ الأَظافِرِ، وَأَوَّل مَن
اخْتَتَنَ بقدوم
(۱)». إسناده ضعيف. وفي "مستدرك الحاكم" و "سنن البيهقي" بإسناد صحيح عن ابن عباس الله عنهما في قوله: ﴿وَإِذْ أَبْتَلَى إِبْرَهِمَ رَبُّهُ بِكَلِمَتِ فَأَتَمَهُنَّ ﴾ [البقرة: ١٢٤] قال: ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد، ففي الرأس: قصُّ الشَّارِبِ، والمَضْمَضَةُ، والاسْتِنْشَاقُ، والسواك، وفَرْقُ الرأس. وفي الجسد:
رضي
(۱) الآلة التي يُنحت بها، اختتن بها إبراهيم إسراعًا في تنفيذ الأمر. وقيل: القدوم اسم المكان الذي اختتن فيه.
سمير الصالحين
۷۹
تقليم الأظافِرِ ، وحَلْقُ العَانَةِ والخِتَانُ، ونَتْفُ الإِبِطِ، وغَسْلُ مكان الغائِطِ
والبول بالماء».
وروى وكيع عن جرير بن حازم، عن واصل مولى عتيبة قال: «أوحى الله تعالى إلى إبراهيم عليه السَّلام يا إبراهيم إنَّكَ أَكْرَمُ أهل الأرض عليَّ، فإذا سَجَدْتَ فلا تَرَ الأرضُ عَوْرَتَك فاتخذ السَّراويل».
(لطيفة): أوحى الله تعالى إلى إبراهيم يا إبراهيم إنك لما أسلمت مالك للضّيفان، وابنك للقُربان، ونَفْسَك إلى النيران، وقلبك إلى الرحمن، اتخذناك خليلا. (تنبيه): قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَبِ إِسْمَعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ [مريم: ٥٤] لأنه وعد أباه بالصبر على الذبح قَالَ يَابَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِ إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصابرين [الصافات: ۱۰۲] فوفّى بوعده ولم يجزع ولم يضطرب، حتى قال له أبوه : نعم الولد أنت يا بني، تُعين على طاعة الله. وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } [مريم: ٥٤]: أرسله الله إلى جُرْهُم المقيمين معه بمكة، وذهب إلى تهامة يبلغ رسالته إلى بقية جرهم والعمالقة. وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ ﴾ [مريم : ٥٥]:قومه، وسمو أهله لأنه أصهر فيهم بالصَّلَوَةِ وَالزَّكَوةِ ﴾ [مريم: 00] هما أهم أركان الدين، فالصلاة: تصل العبد بربه وتنفحه بإمدادات إلهية والزكاة تصل المسلم الغني بأخيه الفقير وتربط بينهما برباط الأخوة والمحبَّة حتى كأنهما روحان يضمهما الجسد. وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّا [مريم: ٥٥]؛ لأنه قَدَّم نَفْسَه في صغره وأدى الرسالة كما أمر بها في كبره، وفيما بين ذلك بنى بيتا لعبادته وتوحيده، وأطعم نَفْسَه وأهله من صيده الحلال.
۸۰
الحديث الشريف
ومما أكرمه الله به أن سخّر له الخيل فذللها للركوب، وكانت وحشيَّةً لم يركبها أحد قبله ولهذا كُني بأبي السباع (۱).
(تنبیه آخر): تقدَّم أنَّ إسماعيل عليه السّلام تعلم اللغة العربيَّة مِن جُرْهُم
فهو أبو العرب المستعربة. ذلك أنَّ العرب ثلاثة أنواع:
الأول: العرب العاربة : وهم المخلص، وهم تسع قبائل ومن ولد أرم بن سام بن نوح، وهي عاد وثمود وأميم وعبيل وطسم وجديس وعمليق
وجُرْهُم ووبار. الثاني: العرب المُسْتَعرِبة: وهم الذين ليسوا بخُلَّص، وهم بنوا إسماعيل من مَعَد بن عدنان بن أدد. الثالث: العرب المتعربة وليسوا بخُلَّص أيضًا، وهم بنو قحطان باليمن
تعلموا العربية من بني إسماعيل الذين نزلوا هناك. قال عبدالملك بن حبيب الأندلسي: كان اللسان الأول الذي نزل به آدم من الجنة عربياً إلى أن بعد العهد وطال وحرف وصار سريانيا، وهو منسوب إلى أرض سورى أو سوريانة وهي أرض الجزيرة، بها كان نوح عليه السَّلام وقومه
(۱) توفي بمكة ودفن في الحجر بجانب والدته، وفي ذلك المكان قبور جماعة من الأنبياء. قال الثعلبي: أخبرنا أبو عمرو أحمد بن أبي الفراتي: أنبأنا المغيرة بن الوليد بمكة في المسجد الحرام بين الركن والمقام: أنبأنا الفضل بن يحيى الجندي - بفتح الجيم والنون-: أنبأنا يونس بن محمد: أنبأنا يزيد بن أبي حكيم عن سفيان الثوري، عن عطاء بن السائب، عن عبدالرحمن بن سابط أنه قال: بين الركن والمقام وزمزم قبور تسعة وتسعين نبيا، وإن قبر
هود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم السلام في تلك البقعة.
سمير الصالحين
.
۸۱
قبل العرق وكان يشاكل اللسان العربي إلَّا أنه محرَّفٌ، وهو كان لسان جميع من في سفينة نوح إلا رجلًا واحدًا يقال له: جُرْهُم، فكان لسانه لسان العربي الأول، فلما خرجوا من السفينة تزوّج أرم بن سام بعض بناته، فمنهم صار اللسان العربي في ولده عوص أبي عاد وعبيل وجائر أبي ثمود وجديس. وسميت عاد باسم جُرْهُم؛ لأنه جدهم من الأم، وبقي اللسان السرياني في ولد أرفخشذ بن سام إلى أن وصل إلى يشجب بن قحطان من ذريته وكان باليمن،
فنزل هناك بنو إسماعيل فتعلم منهم بنو القحطان اللسان العربي» . اهـ وروى الحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "الشعب" عن بريدة رضي الله
محمد بن
عنه في قوله تعالى: بِلِسَانٍ عَرَبيّ مُّبِينِ ﴾ [الشعراء: ١٩٥] قال: بلسان جرهم. وروى الشيرازي في "الألقاب": أخبرنا أحمد بن سعيد المعداني: أنبأنا أحمد بن إسحاق الماسي: حدثنا محمد بن جابر: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن السكيت قال: حدثني الأثرم، عن أبي عبيدة: حدثنا مسمع بن عبدالملك، عن محمد بن علي بن الحسين، عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أوَّل مَن فَتَقَ لِسانه بالعربية المتينة إسماعيل عليه السلام وهو
ابن أربع عشرة سنة».
۸۲
الحديث الشريف
٢- حكم صائب
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الله الله قال: «كانت امرأتان معها ابناهما : جاء الذُّئبُ فَذَهَبَ بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها : إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود عليه السّلام فأخبرتاه فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان عليه السّلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكّين أَشُقُه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل رحمك الله هو ابنها، فقضى به للصغرى». رواه الشيخان
مفردات الحديث واضحة.
المعنى
كانت امرأتان من بني إسرائيل تجمعهما معرفة وصداقة، فبينما هما جالستان معهما ابناهما إذ فاجأهما الذئب فخطف ابن إحداهما وذهب به، وما أفاقتا من دهشتهما ورجعتا إلى وعيهما تنازعتا في الولد الذي تركه الذئب، ادَّعَتْ كل واحدة منهما أنه ابنها وإحداهما تعلم أنه ليس ولدها، لكنها تريد أن تأخذه لتطفئ به نار الحرقة التي في صدرها لفقد ولدها، وأصرت كلتاهما على رأيهما، فلم يكن بد من التحاكم إلى القاضي ليفصل النزاع بينهما، فذهبتا إلى داود النبي والخليفة، وقصَّتا عليه قصَّتهما، ويظهر أن الكبرى منهما كانت قد تردَّدت على المحكمة قبل هذه القضيَّة وعرفت أساليب المحاكمة، فأظهرت من اللباقة في الكلام وأبدت من الحزن المصطنع ما حمل داود على الحكم بأن الولد لها؛ لأنه رأى أنَّ الحق معها، فظفرت بالولد وخرجت الصُّغُرَى خائبة.
سمير الصالحين
۸۳
وكان داود يحضر ابنه سليمان في مجالس الحكم ليتمرن على شئون الخلافة التي يتولاها بعد أبيه، فسبقهما بالخروج وتعرض لهما وهما خارجتان فسألهما عن قضيتهما، فأخبرتاه.
فطلب سِكِّينًا ليشقّ الولد نصفين ويُعطي كل واحدة منهما نصفه، فوافقت الكبرى وقالت الصغرى: لا تفعل رحمك الله هو ابنها. فحكم به للصغرى؛ لأنها فضلت رؤيته حيا عند صاحبتها على قتله بالسكين أمام عينها.
ما يؤخذ من الحديث
يؤخذ منه أمران:
1 - أنَّ اعتراف الشخص بشيء تحت تأثير من المؤثرات يكون لاغيا ولا يعمل به، فإن سليمان عليه السَّلام حكم بالولد للصغرى مع اعترافها بأنه للكبرى؛ لأنها اعترفت مخافة أن يشقّ ابنها بالسكين، وعلى هذا فالاعترافات التي تنتزع من الشخص بأنواع من العذاب كالتهديد بالقتل أو بهتك العرض
أو نحو ذلك تكون باطلة شرعًا.
وبعض الأئمة (1) أجاز أن يمس المتهم بعذاب ليقر ، لكن لم يجز أحد تلك
الطرق التي اخترعت اليوم للتعذيب.
٢ - أنَّ الحكم إذا كان خطأ . يصح نقضه، بل يجب، لإيصال الحق إلى صاحبه، فإنّ سليمان عليه السَّلام نَقَضَ حكم أبيه بحكم كان صوابا حصلت
به صاحبة الحق على حقها.
(۱) هو الإمام مالك.
ΛΕ
الحديث الشريف
ولسليمان قصة أخرى حكم فيها بغير حكم أبيه، وهي مذكورة في القرآن الكريم قال الله تعالى: وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَنَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غنمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَهِدِينَ فَهَمْنَهَا سُلَيْمَنَ وَكُلًّا وَآتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [الأنبياء: ۷۸ - ۷۹]. وحاصل القصة: أنَّ حرنًا، وهو زرع الجماعة من النَّاسِ، نَفَشَتْ فِيهِ غَنَم قوم - أي: رعته ليلا (۱) وليس معها راعٍ - فأفْسَدَتْهُ، فتحاكموا إلى داود عليه السَّلام، وقصّوا عليه القِصَّة فحكم بالغنم لأصحاب الحرث يأخذونها عوضًا عن الحرث الذي أفسدته؛ حيث إن أصحاب الغنم مقصرون، وكان سليمان حاضرا مجلس الحكم وعمره نحو إحدى عشرة سنة فقال: غير هذا أرفق بالفريقين. وأمر أن تدفع الغنم لأهل الحرث ينتفعون بألبانها وأشعارها، ويدفع الحرث لأهل الغنم يقومون عليه بالإصلاح حتى يعود كما كان ثُمَّ يترادان، أي: يردُّ أهل الغَنَمِ الحَرْثَ لأصحابه، ويردُّ أهل الحَرْثِ الغَنَم لأصحابها، هكذا ورد عن ابن عباس وقتادة. وقال ابن مسعودٍ وشريح: إنَّ راعيًا نزل ذات ليلة بجانب كرم فدخلت الأغنام الكرم وهو لا يشعر، فأكلت القضبان وأفسدت الكرم، فصار صاحب الكرم من الغد إلى داود، فقضى بالأغنام له لأنه لم يكن بين ثمن الأغنام وثمن الكرم تفاوت، فمرا بسليمان - وهو ابن إحدى عشرة سنة - فقال لهما : ما قضى
(۱) النَّفَش - بفتح النون والفاء لا يكون إلا بالليل، بخلاف الهمل - بالفتح أيضًا - فإنه يكون بالليل والنهار.
سمير الصالحين
٨٥
بينكما داود؟ فقصَّا عليه القِصَّة، فقال : غير هذا أرفق بالفريقين، فعادا إلى داود فأخبراه بذلك، فدعا سليمان، وقال له: بحقِّ النبوَّة والأبوة إِلَّا ما أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين، فقال سليمان: تُسَلَّم الأغنام إلى صاحب الكرم لينتفع بنسلها وصوفها ومنافعها، ويعمل الرَّاعي في إصلاح الكرم إلى أن يعود كهيئته، ثُمَّ يتسلمه صاحبه وترد الأغنام إلى صاحبها، فقال داود: القضاء ما قضيت وحكم بذلك، فذلك قوله تعالى: فَفَهَمْنَهَا سُلَيْمَنَ وَكُلًّا ءَانَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [الأنبياء: ٧٩].
قال الحسن: كان الحكم ما قضى به سليمان، ولم يُعنّف الله داود في حُكْمِهِ. قلت: وذلك يدل على أنَّ الأنبياء كان يجتهدون، وأنَّ المخطيء في اجتهاده غير مؤاخذ.
العبرة
العبرة من القضيتين: أنَّ الله تعالى قد يتفضَّل على الصغير فيُعطيه ما لا يعطي الكبير - وفي المثل المشهور يضع سِرُّه في أضعف خَلْقِهِ- لكن بشرط الأهلية، وسليمان كان أهلا لما أعطي من إصابة الحكم وتكفي شهادة الله له
بقوله تعالى: وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَنَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابُ ﴾ [ ص: ٣٠]. (تنبيه): سليمان عليه السَّلام أوّل من فرّق بين الشهود، وذلك أنَّ امرأةً رميت بالزنا مع أنها صالحة وشهد عليها أربعة شهود أمام داود عليه . السَّلام فأمر برجمها، فعلم سليمان فطلب من كل شاهد أن يشهد على انفراد، فاختلفت أقوالهم وظهر كذبهم وبرئت المرأة.
الحديث الشريف
(تنبیه آخر): كان العلاء بن الشَّخّير يقول: العافية مع الشكر أحب من البلاء مع الصبر. قال سفيان الثوري وذلك لأن الله تعالى مدح سليمان مع
العافية بقوله: ﴿وَنِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابُ ﴾ [ص: ٣٠] وقال في صفة أيوب .
مع
البلاء الذي كان فيه: ﴿وَنِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابُ ﴾ [ص: ٤٤] فاستوت الصفتان، وهذا معافى وهذا مبتلى، فوجدنا الشكر قد قام مقام الصبر، فلما اعتدلا كانت العافية مع الشكر أحب من البلاء مع الصبر.
سمير الصالحين
AV
۳- صدقة مقبولة
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال رجل: لأتصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فوضَعَها في يد سارق، فأَصْبَحُوا يتحدَّثون: تُصُدِّقَ الليلة على سارق، فقال: اللهم لك الحمد على سارق، لأنصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ. فخرج بصَدَقَتِهِ فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تُصدَّق الليلةَ على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ. فخرج بصَدَقَتِهِ فوضَعَها في يد غَني، فأصْبَحُوا يتحَدَّثون: تُصُدِّقَ الليلةَ على غني، فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غنى. فأُتيَ فقيل له : أَمَّا صَدَقَتُكَ على سارق فلعله أن يَسْتَعِفٌ عَن سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فلعلها أن تَسْتَعِفَّ عن زناها، وأما الغنيُّ فلعله أَن يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ لَمَّا آتَاهُ اللَّهُ.
رواه الشيخان، وهذا لفظ البخاري.
المفردات
تُصدق: بضم التاء والصاد وكسر الدال المشددة وفتح القاف. فاتي: بضم الهمزة وكسر التاء وفتح الياء.
المعنى
صاحب هذه القِصَّة رجلٌ خَيْر أراد أن يتصَدَّق بصدقة يرجو ثوابها من الله،
فخرج بصدقته ليلًا يُخفيها من الناس فوقعت في يد سارق، ويظهر أنها كانت مبلغا له بال، فأصبح الناس يتحدَّثون مُتعَجِّبين يقولون: تُصدق الليلة على سارق مع أنَّ السارق يستحق العقوبة لا الصدقة؛ لأنه يسرق أموال الناس،
۸۸
الحديث الشريف
فحمد الله صاحب الصدقة، وأخرج صدقةً ثانيةً فوقعت في يد زانية فتعجَّبَ الناس! وتحدثوا بهذه الصدقة التي وقعت في غير موقعها: كيف يُتصَدَّق على
زانية تبيع نفسها وتتاجر بعرضها وشرفها ؟ وعلم صاحب الصدقة فحمد الله وأخرج صدقةً ثالثةً فوقعت في يد غني، وتعجب الناس أيضًا وتحدثوا بهذه الصدقة التي أخذها غنيّ هو أولى بأن يدفعها ومثلها لفقير محتاج، وعلم صاحب الصدقة فحمد الله واعتقد أنَّ هذا أمر أراده الله، ولم يحاول أن يخرج
صدقة رابعة. فأتاه ملك في صورة إنسانٍ وأخبره أنَّ صدقته قبلت كما جاء في رواية أخرى، ثُمَّ قال له: أمَّا صدقتك على السارق فلعله أن يستعفّ عن سرقته
عن
بسببها بأن يتخذها رأس مال يُتاجر بها، وأمَّا الزانية فلعلها أيضًا تستعفٌ . الزنا بصدقتك بأن تسهم بها في معاملة تعود عليها بربح يكفيها، وأما الغني فلعله أن يعتبر بك ويقول في نفسه : هذا أخرج بعض ماله صدقة الله يبتغي بها رضاه ومثوبته فينبغي لي أن أعمل مثله، فينفق مما آتاه الله.
وبذلك يكون لصاحب الصدقة أجره مرَّتين مرة على صدقته، وأخرى
على استعفاف السارق والزانية بها، واقتداء الغني به.
يؤخذ منه أمران:
ما يؤخذ من الحديث
1 - أنَّ الإنسان إذا أخرج صدقةً لا يُضِيره أن تقع في يد من لا يستحقها، وهذا في صدقة النَّفْل، أمَّا الصدقة المفروضة: وهي زكاة المال وزكاة الفطر فلا تصح إلَّا إذا أعطيت لمن عيَّنه الشارع لأخذها.
سمير الصالحين
۸۹
قال الله تعالى في زكاة المال: إِنَّمَا الصَّدَقَتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَكِينِ وَالْعَمِلِينَ
عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: ٦٠].
وزكاة الفطر بيَّن الحديث أنها تُعطى للمسلم الفقير، والأفضل ألا يكون
عاصيا ٢ - أنَّ المسلم إذا حصل له ما يكره فينبغي له أن يقابله بالحمد وهو أعلى من الصبر؛ لأنه يدل على الرّضا، ولهذا قال عمر رضي ا الله عنه لأبي موسى الأشعري في كتابه إليه: إن استطعت أن ترضى، وإلا فاصبر.
العبرة
العبرة في هذه القصة أنَّ بعض الأشياء قد تبدو للناس غير مفهومة أو غير معقولة، مثل الصدقة على السارق والزانية والغني، بدت للناس غير مفهومة، فتحدثوا عنها متعجبين منها حتى إن صاحب الصدقة نفسه لم يملك إزاءها إلَّا أن يحمد الله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، لكنها في الباطن اشتملت على حكم تجعلها مفهومة ومعقولة، بحيث ظهر لصاحب الصدقة أنَّ ما وقع كان خيرا وأعظم لأجره ، وهذا معنى ما يقال: «لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع»، والناس يروونه حديثا لكنه ليس بحديث.
وهذه القصة تشبه قصة الخضر عليه السَّلام، فإنه خَرَقَ السَّفينة وقَتَلَ غُلامًا وأقام جدارًا من غير أن يأخذ عليه أجرًا، وبدت أعماله غير مفهومة
لموسى عليه السَّلام فأنكرها عليه فلما بيَّن له حِكْمَتها سلَّم واطمأن.
۹۰
الحديث الشريف
وقصة أخرى تشبهها : كان نبي من بني إسرائيل قاعدًا تحت شجرة يستظل بظلها وتحته عين تجري، فجاء شخص يحمل صُرَّة دراهم ووضعها بجانب العين ونزل إلى حافتها فاستحم، ومكث يستريح، ثُمَّ ذهب ونسي الصُّرَّة حيث تركها، فجاء شخص ثانٍ فاستحم ووجد صُرة الدراهم فأخذها وذهب، ثُمَّ جاء شخص ثالث وقعد بجانب العين يستريح، وإذا بالشخص الأول جاء يجري كأنه جمل هائج تذكَّر صُرَّة الدراهم، فجاء يبحث عنها فوجد ذلك الرجل بجانب العين فسأله عن صُرَّة الدراهم، فأجاب: لم أرها فكذَّبه صاحبها، وحصلت بينهما مخاصمة أدت إلى تماسك بالأيدي فضرب صاحب
الدراهم خصمه بسلاح كان معه فقتله.
فقال ذلك النبيُّ : عجبا يا رب شخص يأخذ الدراهم، وآخر يقتل بسببها؟ فأوحى الله إليه: إنَّ الدراهم التي أخذها ذلك الرجل وذهب كانت دينا لأبيه على الرجل الذي جاء يحملها وماطله بدفعها حتى مات ولم يأخذها فأخذها ولده وأمَّا الرجل الذي وجده على العين وقتله فإنه كان قد قتل والده
من قبل وهو لا يزال طفلا فلم يقتل إلَّا قاتل أبيه، وإن كان لا يعرف ذلك. (تنبيه) : لو قَتَل رجل شخصًا في خصومة مثلًا ثُمَّ تبيَّن أنَّ الشخص المقتول يستحق القتل في قصاص أو حَدٌ فلا يُقتل القاتل في هذه الحالة؛ لإزهاقه نفسا تستحق الإزهاق، لكن يُعاقب بغير القتل لافتياته على الحاكم وإقدامه على
القتل.
سمير الصالحين
٤- إن لنفسك عليك حقاً
۹۱
عن أبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قال: آخَى النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بين سلمان وأبي الدرداء رضي الله عنهما، فزار سليمان أبا الدرداء فرأى أُمَّ الدرداء مبتذلة، فقال: ما شأنك؟ قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال له: كُل فإني صائم. قال: ما أنا بأكل حتى تأكل، فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال: نَم، فنام. ثُمَّ ذهب يقوم، فقال له: نَم، فنام. فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا جميعا، فقال له سلمان: إنَّ لربِّك عليك حقا، وإنَّ لنَفْسِكَ عليك حقا، ولأهلك عليك حَقًّا، فأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٌّ حَقَّهُ.
فأتى النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «صَدَقَ سَلْمانُ». رواه البخاري.
جُحَيْفَة: بضم الجيم وفتح الحاء.
المفردات
مبتذلة - بالذال المعجمة - أي: لابسة ثيابًا مُمتهنة بالية. فأعْطِ: بهمزة قطع مفتوحة، وإسقاطها لحن وتحريف.
المعنى
لما هاجر النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة آخى بين الصحابة توكيدا لأخوة الدين وإذهابًا للفوارق التي كانت في الجاهلية، وكانوا يتوارثون بهذه الأخوة، فإذا مات صحابي أنصاري ورثه أخوه الصحابي المهاجري
۹۲
الحديث الشريف
وبالعكس حتى نزل قوله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ﴾ [الأحزاب: ٦] الآية، فبطل التوارث بهذه الأخوة وبقيت أخوَّة دينية روحية، وتمن آخى بينهم النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم سلمان الفارسي(۱) وأبو الدرداء.
فذهب سلمان إلى أبي الدرداء يزوره في بيته قيامًا بحق أخوته، فوجد امرأته أُم الدرداء مبتذلة في لبسها وهيئتها فسألها لم لا تتجمل لزوجها في بيتها، فقالت: أخوك أبو الدرداء لا حاجة له في الدنيا ولا غرض له في النساء. جعل الزهد غايته، والعبادة صناعته، فلمن أتجمل ؟ وجاء أبو الدرداء ورحب بأخيه سلمان في بيته، ثُمَّ قَدَّم له الطعام وقال له كل ولا تنتظرني فإني صائم صيام تطوع الله تعالى، فقال له سلمان: لست بآكل من هذا الطعام ولا ذائقا منه شيئًا حتى تأكل معي. فأكل أبو الدرداء مع أخيه وضيفه، فلما جاء الليل ترك أبو الدرداء ضيفه ينام وقام يريد إحياء الليل بالصلاة كعادته، فقال له سلمان: نَم وأرح جسمك من تعب العمل طول النهار. فنام إرضاء لضيفه، ثُمَّ أراد أن يقوم للصلاة بعد هَجْعَةٍ فقال له: نَم، فنام. حتى إذا كان آخر الليل وقرب أذان الفجر قال له سلمان قُم الآن فتجهز لصلاة الصبح، فقاما وتوضئا وصَلَّيا جميعا ركعات الله، وأذن الصبح فصلياه جماعة.
وقال له بعد الصلاة يا أبا الدرداء لا تتجه للعبادة والزهد وتترك ما
(١) كان من أجلاء الصحابة وهو من شيعة علي عليه السَّلام وقد اتهمه بعض المعاصرين
بأنه مؤسس مذهب الباطنية، وهي تهمة باطلة.
سمير الصالحين
عداهما فإنَّ عليك حقوقا كثيرة:
إنَّ لربك عليك حقا وهو أداء ما فرضه عليك.
۹۳
وإنَّ لنَفْسِك عليك حقا . وهو أن تُعطيها قسطًا من النوم والراحة، ومن
الطعام الحلال والزينة المباحة: قُل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ، وَالطَّيِّبَاتِ من الرزق ﴾ [الأعراف: ۳۲]. وإن لزوجك عليك حقا: وهو أن تطعمها وتكسوها وتعفها ولا تذرها كالأرملة وهي لها زوج. فأعط كل ذي حَقٌّ حَقَّه، وكما تخشى أن يُحاسبك الله على إضاعة حَقَّه
فاخُشَ أن يحاسبك على إضاعة حَقٌّ نفسك وأهلك.
بدا هذا الكلام غريبا لأبي الدرداء الذي ألِفَ العَزُوف عن الدنيا ومَلَذَّاتها فجاء إلى النبي صلَّى الله عليه وآله وسلّم فحكى له ما جرى بينه وبين سلمان وذكر نصيحة سلمان له، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «صَدَقَ سلمان».
فيما قال، وفهم روح الإسلام الذي أتى بالتيسير ولم يأتِ بالتعسير. وفي "الصحيحين" عن عبدالله بن عمرو بن العاص: أنه صلى الله عليه وآله وسلَّم قال له: «ألم أُخْبَر أَنَّك تصومُ النَّهارَ وتقوم الليل؟» قلت: بلى يا رسول الله ، قال : فلا تفعل، صُمْ وأَفْطِر ، ونَمْ وقُمْ؛ فَإِنَّ الجسدك عليك حَقًّا، وإنَّ لعينيك عليك حَقًّا، وإنَّ لزوجك عليك حَقًّا، وإِنَّ لَزَوْرِكَ زَوَّارك - عليك حَقًّا، وإنَّ بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام؛ فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإنَّ ذلك صيام الدهر». وفي "صحيح البخاري" عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله
٩٤
الحديث الشريف
صلى الله عليه وآله وسلَّم إذا أمَرَهُم أَمَرَهُم من الأعمال بما يُطيقون. قالوا: إِنَّا لسنا كهيئتك يا رسول الله، فيغضب حتَّى يعرف الغضب في وجهه ثُمَّ يقول: إِنَّ أَتْقَاكُم وأعْلَمَكُم بالله أنا». فهذا الحديث يدل على أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كان يأمر الصحابة بما يسهل عليهم دون ما يشق خشية أن يعجزوا
عنه، وكان هو يفعل بمثل ما يأمرهم به ليكون أسوةً لهم بقوله وفعله. والمقصود أنَّ الدين الإسلامي مبني على التخفيف والتيسير لا على التشديد والتعسير، قال الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ
الْمُسْرَ ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج ﴾ [الحج: ۷۸] . وقال في صفة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم التي أنزلها في التوراة:
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَعْلَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأعراف: ١٥٧]. ومن هنا رُخص للمريض والمسافر أن يُفطرا في رمضان، كما رُخص للمريض أن يتيمم إذا لم يقدر على الماء، وأن يصلي قاعدًا إذا لم يقدر على الصلاة قائما، ورخص للمسافر أن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين. وقال النبيُّ صلَّى الله
عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أن تُؤْتَى رُخَصَهُ كَمَا يُحِبُّ أَن تُؤْتَى عَزائِمُهُ». وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في سَفَرٍ وهم صائمون في رمضان فأخذ قدحا من ماءٍ وشَرِبَ منه نهارًا أمام الصحابة ليفطروا، ثُمَّ بلغه أنَّ جماعةً ظلُّوا صائمين، فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «أولئك العُصاة». وكرر هذه العبارة مرتين أو ثلاثا، وفي الحديث الصحيح: «ليس من البر الصيام في
السَّفَر».
سمير الصالحين
ما يؤخذ من الحديث
يؤخذ منه أمور:
۹۵
1 - أنَّ الصائم المتطوّع بصومه يجوز له الإفطار ولا إثم عليه، وقد ثبت في "الصحيح " : ح": أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أصبح يوما صائمًا ثُمَّ أتته
بعض أمهات المؤمنين بطعام فقال: «أرينيه فقد أصْبَحْتُ صَاتها». وأكل منه . وعند المالكيَّة : لا يجوز للمتطوع بصومه أن يفطر، وإذا فعل يكون آنها إلَّا إذا أمره بالإفطار والده أو شيخه فيفطر ولا إثم عليه. وحصل مرة أن حضر مولانا الأستاذ الإمام الوالد . الله عنه حفلة رضي بعض الإخوان الصِّدِّيقين بطنجة، وحضرها بعض الأتباع وهم . صائمون فأمرهم بالإفطار فأفطروا، وعلم بعض أهل العلم فاعترض بأن هذا لا يجوز، فبعث له الاستاذ الإمام الوالد يبين له أنَّ إفطار الصائم المتطوع أجازته السُّنَّة الصحيحة وذكر له الأحاديث، ثُمَّ قال له وحادثتنا جائزة أيضًا في مذهب المالكية؛ لأنهم أجازوا للصائم المتطوع أن يفطر بأمر والده أو شيخه، وأنا
شيخهم وقد أمرتهم بالإفطار، وأراه النص في كتب المالكية. وهكذا كان مولانا الأستاذ الإمام الوالد واسع الاطلاع قوي الحُجَّة، يُلْزِم
المقلدين من كتب مذهبهم ويريهم نصوصا لا يعرفونها. وكان قد رأى في بداية طلبه للعلم رؤيا حاصلها: أنه دخل على الإمام مالك في قبة وجلس بين يديه فسلَّمه كتاب المدوَّنة، فكان بعد في الفقه المالكي لا يشق له غبار، حتى أنَّ شيخه السيّد المهدي الوزاني مفتي الشمال الإفريقي
٩٦
نقل بعض فتاويه(۱).
الحديث الشريف
٢ - أنَّ صاحب البيت ينبغي له أن يأكل مع الضيف ليؤنسه ويذهب عنه وَحْشَة الغُربة، أما النوم فإنه ينبغي له أن يتركه ينام وحده؛ لأن ذلك أدعى لـ لراحته. ٣- أن المؤمن يجب عليه أن يؤدّي ما عليه من حقوق الله ولمخلوقاته، وألا يُغَلب حقا على حقٌّ، ومن هنا عرف العلماء الشخص الصالح: بأنه الذي يؤدي حَقَّ الخالق وحَقَّ المخلوق، وسمَّى الله الأنبياء صالحين؛ لأنهم أدوا حقه في الطاعة وحَقَّ عباده في التبليغ والنصيحة.
- أن المؤمن ينبغي له أن يقتصد في العبادة، وألا يكثر منها حتى يكل
وينقطع.
رضي
ثبت في "الصحيحين" عن عائشة . الله عنها: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم دخل عليها وعندها امرأة (۲) قال: «من هذه؟» قالت: هذه فلانة
(1) وكان يقرأ "جمع الجوامع" في الأصول على العلامة السيد محمد جعفر الكتاني بجامعة القرويين، فصعب فهمه أول الأمر فجاءه العارف الشعراني في المنام وسأله مالك مهموما؟ فأجابه بقوله: صعب على جمع الجوامع"، فأنا مهموم لذلك. فقال له: هات المتن الأشرحه لك، فأحضر المتن وصار الشيخ الشعراني يفك له ألفاظه وعباراته بشرح وجيز، فاستيقظ من نومه وقد سهل عليه فهم الكتاب ولم يجد صعوبة في علم الأصول بعد ذلك، ومن ثَمَّ أحبَّ الشيخ الشعراني ودأب على اقتناء
كتبه حتى تيسر له منها ما لم يتيسر لغيره، وحصل على رسائل من تأليفه بخطه. (۲) قيل: هذه المرأة من بني أسد، والمسلم من طريق الزهري، عن عروة: أنها الحولاء بنت تُوَيْتٍ.
سمير الصالحين
۹۷
يذكر من صلاتها - تعني أنها تُصَلِّي كثيرًا - قال: «مَة، عليكم بما تُطيقون، والله
لا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُوا». الحديث.
مة: كلمة زجرٍ أي: اكتفي.
لا يمل الله : أي لا يُعاملكم معاملة المال فيقطع ثوابه عنكم.
حتى تملوا: فتنقطعوا عن العبادة.
وفي "الصحيحين" أيضًا عن أنس رضي الله عنه قال: دخل النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم المسجد، فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: «ما هذا الحَبْلُ؟» قالوا: هذا حَبل لزينب، فإذا فَتَرَتْ تعلَّقت به، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «حُلُّوه، ليُصَلِّ أَحَدُكُم نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَرْقُد».
ه - أنَّ الإنسان يجوز له أن يعلن عن عبادته إذا أمن الرياء، فإنَّ أبا الدرداء
لما قدم الطعام لسلمان قال له : كل فإني صائم، وبالضرورة لم يقصد رياء. ٦- ينبغي للمرأة في بيتها أن تكون نظيفةً، حسنة الثياب تتجمل بذلك
لزوجها، فإنَّ سلمان أنكر على أُم الدرداء حين وجدها مبتذلة في ثيابها. - أنَّ المؤمن إذا رأى في أخيه أو أخته ما يحتاج إلى إصلاح نبهه إليه؛ لأن المؤمن مرآة المؤمن.
العبرة
العبرة في هذا الحديث: أنَّ التقرب إلي الله ونيل رضاه ليس طريقه كثرة العبادة والتشدد فيها، لكن طريقه أداء العبادة المطلوبة على وجه لا يدعو إلى
الملل والإعياء ولا إلى العجب والرياء.
۹۸
الحديث الشريف
وهنا ترك أبو الحسن الشاذلي -رضي الله عنه- ما كان عليه الصوفية قبله من خُشونة في المأكل والملبس ولبس المرقعة وغير ذلك مما كانوا يأخذون المريدين به. ولهذا أيضًا كان كُمَّل الأولياء لا يزيدون في تعبدهم على ما كان عليه حال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وهديه؛ لأن حاله أشرف حال، وهَدْيَهُ أكمل
هَدْي.
سمير الصالحين
ه معجزة
۹۹
عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يوم حُنَين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم على بغلة له بيضاء، فلما التقى المسلمون والمشركون ولى المسلمون مدبرين، فطَفِقَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يَرْكُضُ بَغْلَتهُ قبل الكُفَّار وأنا آخذ بلجامِ بَغْلَة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أكُفُها إرادة ألا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أي عبَّاسُ، نادِ أصحاب السَّمرَةِ». قال العباس - وكان رجلًا صَيّتا - : فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ فوالله لكأنَّ عَطْفَتَهم حين سمعوا صوتي عَطْفَةُ البَقَرِ على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك، فاقتتلوا هم والكفار.
والدعوة في الأنصار ، يقولون: يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار، ثُمَّ قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: «هذا حين حَمِي
الوطيس». ثُمَّ أخذ رسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حَصَياتٍ فرمَى بهنَّ فِي وجُوه الكُفَّار، ثُمَّ قال: «انْهَزَمُوا وربِّ محمد». فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حَدَّهم كَلِيلًا، وأمرهم
مديرا
المفردات
الحديث الشريف
حُنَين بضم الحاء وفتح النون: موضع قريب من الطائف وقعت فيه الغزوة المعروفة، ويقال لها أيضًا غَزْوَهُ هَوَازِن، وغَزْوَةُ أَوْطَاس-بفتح الهمزة وسكون الواو - اسم لموضع القتال.
السمرة: بفتح السين وضم الميم الشَّجَرة، والمراد بها هنا: الشجرة التي وقع تحتها بيعة الرضوان وهي المذكورة في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحتَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الفتح: ١٨].
صيتا: بتشديد الياء المكسورة: عظيم الصوت. لبيك: مصدر معناه: إجابة لك بعد إجابة.
حمي: بفتح الحاء وكسر الميم وفتح الياء.
الوطيس : بفتح الواو وكسر الطاء، التنور. وهذه العبارة كناية عن اشتداد القتال، ولم ينطق بها أحدٌ قبل النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فهو أول من
قالها.
حدهم بالحاء المهملة بأسهم كليلا ضعيفًا. وأمرهم مدبرا: كناية عن
هزيمتهم.
المعنى
لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم مكة المكرمة أطاعت له العرب إلا هوازن وثقيفًا؛ فإن أهلها كانوا طُغَاةٌ عُتَاةً، فمشى أشراف القبيلتين بعضهم إلى بعض، فأشفقوا أن يغزوهم رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وقالوا : قد فَرَغَ لنا، فلا ناهية له دوننا، والرأي أن نغزوه.
سمير الصالحين
۱۰۱
فجمعوا جموعهم واستعدوا للقتال، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فخرج إليهم في اثني عشر أ ألف رجل، ألفان من أهل مكة، وعشرة الآلاف الذين فتح الله تعالى بهم . مكة، وبعث النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم إليهم عبدالله بن أبي حدرد ،الأسلمي، وأمره أن يدخل فيهم ويسمع منهم ما أجمعوا عليه، فدخل فيهم ومكث فيهم يوما أو يومين وسمع كلامهم، ثُمَّ أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره الخبر. فجاء رجل فقال : يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى اطلعت جبل كذا، فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبيهم بطعنهم ونعمهم وشبابهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسم صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وقال: «تِلْكَ غَنِيمَةُ المسلمين غدًا إن شاء الله تعالى». واستعار صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من صفوان بن أمية قبل إسلامه مائة درع بما يكفيها من السَّلاح، كما استعار من ابن عمه نوفل بن الحارس بن عبد المطلب ثلاثة آلاف رمح وقال له: «كأني أنظر إلى رماحكم هذه تقصف ظهور المشركين». فلما قرب من العدو صَفَهم ووضع الألوية والرايات مع المهاجرين والأنصار، فلواء المهاجرين أعطاه عليا عليه السلام، ولواء الخزرج أعطاه الحباب بن المنذر رضي الله عنه، ولواء الأوس أعطاه أُسيد بن حضير رضي الله عنه، وركب صلَّى الله عليه وآله وسلم بغلته ولبس درعين المغفر والبيضة، ومرُّوا بشجرة سدرة كان المشركون يعظمونها وينوطون بها أسلحتهم، فقال الصحابة : يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «الله أكبر، هذا كما قال قوم موسى عليه السلام:
اجْعَل لَّنَا إِلَنهَا كَمَا هُمْ وَالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: ۱۳۸]، لتركبن
۱۰۲
الحديث الشريف
سَنَن مَن كان قبلكم». سَنَن: بفتح السين، طريق.
فلما وصلوا إلى حنين وانحدروا في الوادي عند غبش الصبح خرج عليهم القوم وكانوا كمنوا لهم في شعاب الوادي ومضايقه بإشارة دريد بن الصمة - فاستقبلوهم بالنبل كأنهم جَرادُ مُنتَشِر وكانوا رماة لا يكاد يسقط لهم سهم فولى المسلمون منهزمين؛ لأنهم فوجئوا بالنَّبال تتساقط عليهم من كل جهة، وثبت النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وثبت معه نحو ثلاثمائة فيهم أبو بكر وعمر وعلي والعباس وابنه الفضل وأبو سفيان بن أخيه الحارث وربيعة بن الحارث ومعتب ابن عمه أبي لهب وفقئت عينه في هذه الغزوة، وصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «أنا رسول الله، أنا محمد بن عبدالله، إني عبدالله ورسوله». ويَرْكُض بغلته إلى جهة الكفَّار، والعباس آخذ باللجام يكفها حتى
لا تسرع إلى جهتهم مخافة أن يحصل أذى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وأبو سفيان ابن الحارث آخذ بركابه فقال صلى الله عليه وآله وسلّم: «يا عبَّاسُ، نادِ أصحاب السَّمُرة». ليذكّرهم بالشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان - وهي التي بايعوا فيها على الجهاد في سبيل الله - وكان العباس عظيم الصوت كان يقف على جبل سلع بالمدينة وينادي غلمانه آخر الليل وهم بالغابة فيسمعهم وبين الغابة وسلع ثمانية أميال - فنادى العباس: يا أصحاب السمرة، فتذكروا بيعتهم تحتها بالجهاد وأفاقوا من دهشة المفاجأة وتحركت همتهم لطلب الاستشهاد فأسرعوا إليه مُجيبين: يا لبيك يا لبيك»، وعطفوا على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عَطْفة البقر على أولادها حين تحس بخطر يُهددها، حتى إذا انتهوا إليه وتتام عددهم ثلاثمائة استقبلوا الكفار فاقتتلوا،
سمير الصالحين
۱۰۳
وأشرف رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فنظر إلى القوم وهم يجتلدون، وجعل يتطاول على بغلته ليستوعب رؤيتهم فقال: «الآن حَمِيَ الوَطِيسُ». أي:
اشتدت الحرب. وصار يقول: «أنا النبيُّ لا كَذِب، أنا ابن عبدالمطلب». ثم تناول قبضةً من تراب فيها حَصَيات فرمى بها في وجوه الكفار ثُمَّ قال: « انهزموا بفتح الزاي وربّ محمد». قال العباس: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحَصَيَاته فما زلت أرى بأسهم ضعيفًا، وولوا مدبرين.
حدث بعض المشركين حضر يوم حنين - قال: التقينا نحن وأصحاب محمد لم يقوموا لنا حَلْبة شاةٍ أن كشفناهم، فبينما نحن بسوقهم ونحن في آثارهم إذ صاحب بغلة بيضاء وإذا هو محمد، فتلقانا عنده رجال بيض الوجوه، حسان الوجوه -هم الملائكة - وقالوا شاهت الوجوه ارجعوا، فانهزمنا من قولهم وركبوا أجسادنا فكانت إياها. يعني: الهزيمة. وإلى رميه صلَّى الله عليه وآله وسلّم بالحصى أشار البوصيري في الهمزية
بقوله:
ورمى بالحَصَى فَأَقْصَدَ جَيْنَا ما العَصَا عِنْدَهُ ومَا الإِلْقَاءُ ؟ يعني: ورمى صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بالحصى فأصاب جيشا عظيما وهزمه، أي شيء عصا موسى عند ذلك الحصى؟ وأي شيء إلقاء موسى - عليه السلام - لعصاه عند إلقاء ذلك الحصى؟ شتّان ما بينهما، فلا يُقاس هذا بذاك؛ لأن هذا أعظم، فانقلاب العصا ثعبانًا مُشابه لانقلاب حبال السَّحَرة وعِصِيَّهم ثعابين، وابتلاعها الحبالهم وعصيهم لم يقهر العدو بل زاد عتوهم، وزعموا أنَّ
الحديث الشريف
موسى - عليه السَّلام - عَلَّم السَّحَرة بعض السحر وغَلَبهم ببعضه الآخر، وأما الحصى فإنَّ إلقاءه أهْلَك العدو وكسر جيشه. ولما انهزم المسلمون في أول الغزوة تكلَّم رجال من أهل مكة بما في نفوسهم من حقد، فقال أبو سفيان - وكان إسلامه مدخولا وكانت الأزلام في كنانته-: لا تنتهي هزيمتهم - يعني المسلمين دون البحر، والله غلبت هوازن فقال له صفوان: بفيك الحجر.
وفرح قوم من مكة بهزيمة المسلمين وأظهروا الشماتة، ولكن الله كبتهم وخيب آمالهم فنصر المسلمين نصرًا مُؤزّرًا، وكانت أموال هوازن غنيمة للمسلمين، والحمد لله رب العالمين.
ما يؤخذ من القصة
يؤخذ منها أمور:
۱- جواز الاستعانة بأسلحة الكفَّار : فقد استعار النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم سلاحا من صفوان بن أمية قبل إسلامه، ولذلك لما بعث إليه يقول له: يا أبا أميَّة أَعِرْنا سلاحك نَلْقَ به عَدُوّنا غدًا». قال صفوان: أغصبا يا محمد؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلَّم: بل عَارِيةٌ وهي مضمونة حتى نؤديها إليك». قال: ليس بهذا بأس.
٢ - أنَّ الصحابة مع إيمانهم التام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومشاهدتهم لنزول الوحي عليه ورؤيتهم للمعجزات التي أيده الله بها، تعتريهم نوبات من الضعف البشري فتحملهم على الهرب والفرار طالبين النجاة بأنفسهم، وأنَّ ذلك لا يخدش إيمانهم ولا ينقص يقينهم، وفي هذا توسعة على
ر الصالحين سمير
1.0
عامة المؤمنين الذين يعتريهم مثل هذا الضعف وهم دون الصحابة إيمانًا ويقينا. - أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان أشجع الناس وأقواهم قلبًا
وأثبتهم جنانًا، وهذا معلوم من حاله صلَّى الله عليه وآله وسلم بالضرورة. وقد قرر العلماء: أنَّ من خصائصه عليه الصَّلاة والسَّلام ألا ينهزم ولا يتراجع، بل يجب عليه أن يثبت ولو اجتمع ضده أهل الأرض؛ لأنه موعود بالنصر، ولذلك قال: أنا النبيُّ لا كذب يشير إلى ثباته صلى الله عليه وآله وسلَّم؛ لأنه نبي صادق مصدوق. ٤ - أنَّ الفخر في الحرب بقصد إغاظة الكُفَّار أو تحريك همم المسلمين جائز، بل مرغوب فيه. ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلّم: «أنا النبيُّ لا كذب، أنا ابن عبدالمطلب». فحرك عزيمة المسلمين وأثار حماسهم بالشطر الأول، وأغاظ الكفار وأهاج حقدهم بالشطر الآخر. - أنَّ من نسي عهدًا قطعه على نفسه ينبغي تذكيره بأسلوب لطيف لا يجرح شعوره؛ لأن الصحابة لما فرُّوا منهزمين ونسوا بيعتهم التي قطعوا فيها العهد بالجهاد حتى الممات، أمر النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم العباس أن يناديهم: «يا أصحاب السمرة تذكيرًا لهم بالعهد، فلما سمعوا وتذكروا وأقبلوا مسرعين حتى يقول بعضهم لشدة إسراعهم - : فلرماحهم أخوف عندي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من رماح الكفار.
٦ - نداؤهم بـ يا أصحاب السَّمُرة -وهذا لقب محبوب لهم؛ لأنه يُذكّر بالبيعة التي يُعرفون بها - يُفيد أنَّ قائد الجيش ينبغي له أن ينادي أفراد جيشه
1.7
الحديث الشريف
بألقاب يُحبونها ويُسمّيهم بسمات يرضونها، فإنَّ ذلك يُحبه إليهم ويجعلهم أكثر
طاعة له.
۷
- أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان يسلك الأسباب المادية
والأسباب المعنوية.
فإلى جانب استعداده عليه الصَّلاة والسَّلام لغزو هوازن بالرجال والسلاح، وهذا سبب مادي، سلك السبيل المعنوي فرماهم بالحصيات، ومعنى هذا: أنَّ المؤمن ينبغي له في جميع شئونه أن يسلك السبيلين اقتداء بنبي الثقلين.
العبرة
لما أقبل الصحابة على حنينٍ، وكانوا اثني عشر ألف رجل، قال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله لن تُغلَب اليوم من قِلَّة، وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وساءته تلك الكلمة، فلما وصلوا إلي حنين انهزموا وفروا وأنزل الله: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضاقَتْ عليكم الْأَرْضُ بِمَا رَجُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُدْبِرِينَ ) ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا أَوْ تَرَوْهَا وَعَذَبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الكفرينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمُ التوبة : [ ٢٥ - ٢٧].
إذن فكثرة الجيش لا تقتضي النصر ولا تستدعيه: كم من فئة قليلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٌ كَثِيرَة بِإِذْنِ اللهِ ﴾ [البقرة: ٢٤٩] والعبرة من ذلك: أنَّ
سمير الصالحين
۱۰۷
المسلمين إذا كانوا في جهادٍ مع الكفار ينبغي لهم ألا يعجبوا بكثرتهم ويركنوا إليها، بل عليهم أن يسلكوا الأسباب المضادة، ويخلصوا النية ويصدقوا العزيمة، ثُمَّ بعد ذلك يلجئون إلى الله تعالى في طلب نصره: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ ﴾ [آل عمران: ١٢٦]. وفي القصة عبرةً من جهة أخرى هي أنَّ الشيء قد يكون صغيرًا في مظهره كبيرًا في أثره، فرمي حصيات في وجوه الكفار أمر يسير لكنه في الأثر الذي ترتب عليه كثير، إذ كان سببا في هزيمة جيش بأكمله؛ لأن الله بارك ذلك الرمي وأضاف إلى ذاته المقدسة: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى
[الأنفال: ١٧].
والعجيب في شأن ذلك الرَّمي أنه أمر عادي ليس فيه قلب حقيقة ولا تغيير سُنَّة كونيّة، ومع ذلك كان بما ترتب عليه معجزة أرقى من قلب الحقيقة وأعلى من تغيير السُّنَّة الكونية.
۱۰۸
الحديث الشريف
٦- فضل الصدق
عن عبدالله بن كعب بن مالك - وكان قائِدَ كعب، مِن بَنِيهِ، حين عَمِي - قال: سمعتُ كعب بن مالك يُحدِّثُ بحديثه حين تَخَلَّفَ عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فِي غَزْوَة تَبُوكَ. قال كعب رضي الله عنه : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ، إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غير أَنِّي قد تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ ولم
الله
يُعَاتِبٌ أَحَدًا تَخَلَّفَ عنه، إنَّما خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون يريدون عير قريش، حتى جمع بينهم وبين عَدُوِّهِمْ على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلةَ العَقَبَةِ، حين تَوَاثَقْنَا على الإسلام، وما أُحِبُّ أنَّ لي بها مَشْهَدَ بَدْرٍ، وإن كانت بَدْرُ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ منها، وكان مِن خَبَرِي حين تَخلَّفتُ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في غَزْوَة تَبُوكَ أَنِّي لم أكن قَطُّ أقوَى ولا أيسَرَ مِنِّي حين ؟ تَخَلَّفْتُ عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعتُ قبلها راحلتين قَطُّ، حتّى جمعتهما في تلك الغزوة، فغزاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في حَرِّ شديد، واستقبل سَفَرًا بَعِيدًا ومَفَازًا، واستقبَلَ عَدُوًّا كثيرًا، فجَلا للمسلمين أمرهم ليتأهبُوا أُهْبَةَ غزوهم،
فأخبرهم بوَجْهِهِم الذي يُريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم كثير، ولا يجمعهم كتاب حَافِظ، يريد بذلك الديوان. قال كعب : فقَلَ رَجُلٌ يريد أن يتغيَّب، يظنُّ أنَّ ذلك سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي من الله عزّ وجلَّ، وغَزَا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك الغزوة حين طابتِ الثَّمَارُ والظَّلَالُ ، فأنا إليها أَصْعَرُ، فَتَجَهَّزَ رسول الله صلَّى الله
سمير الصالحين
۱۰۹
عليه وآله وسلَّم والمسلمون معه، وطَفِقْتُ أَغْدُو لكي أتجهز معهم، فأرجعُ ولم أقض شيئًا، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردتُ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرَّ بالنَّاسِ الجِد، فأصبح رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم غاديًا والمسلمون معه ، ولم أَقْضِ مِن جَهَازِي شيئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ فرجعتُ ولم أَقْضِ شيئًا، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتَّى أَسْرَعُوا وتَفَارَطَ الغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أن أرتَحِلَ فأدركهم، فيا ليتني فعلتُ ، ثُمَّ لم يُقَدَّرْ ذلك لي، فطَفِقْتُ إذا خرجتُ في النَّاس بعد خُرُوحِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يَحْزُنُنِي أَنِّي لَا أَرَى لِي أُسْوَةً إِلَّا رَجُلًا مَعْمُوصًا عليه في النّفاق، أو رجُلًا مَّن عَذَرَ اللَّهُ مِن الضُّعفاء، ولم يَذْكُرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فقال : وهو جالس في القوم بتبوك «ما فعل كعب بن مالك ؟ قال رجل من بني سَلِمَةَ: يا رسول الله حَبَسَهُ بُرْدَاهُ والنظر في عِطْفَيْهِ، فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما عَلِمْنا عليه إِلَّا خيرًا، فَسَكَتَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم. فبينما هو على ذلك رأى رجُلًا مُبَيّضًا يَزُولُ به السَّرَابُ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (كُنْ أبا خَيْثَمَةَ» فإذا هو أبو خَيْثَمَةَ الأنصاري، وهو الذي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حين لمزه المنافقون(۱). فقال كعب بن مالك: فلما بلغني أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قـ
(۱) يُشير إلى قوله تعالى: يا الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَوَعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهَدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [التوبة: ٧٩] وذلك أن أبا خَيثمة أتى بصاع من تمر صدقة ، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صاع هذا، وتصدق عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم أو دينار فقالوا: ما تصدق بها إلا رياء.
۱۱۰
الحديث الشريف
توجة قافِلا مِن تَبُوكَ، حضرني بَنِّي ، فَطَفِقْتُ أتذكَّرُ الكذب وأقول: بِمَ أَخْرُجُ مِن سَخَطِهِ غَدًا؟ وأستعين على ذلك كلَّ ذي رأي من أهلي، فلما قيل لي: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قد أظل قادمًا، زَاحَ عَنِّي الباطل، حتَّى عرفتُ أني لن أنجو منه بشيء أبدًا، فأجمعتُ صِدِّقَهُ.
وصَبَّحَ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قادمًا، وكان إِذا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثمَّ جَلَسَ للنَّاسِ، فلما فعل ذلك جاءه المُخَلَّفُون، فطَفَقُوا يعتذرون إليه، ويحلِفُون له، وكانوا بضعةً وثمانين رجلًا، فقيل منهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووَكَلَ سَرَائِرَهم إلى الله، حَتَّى جِئْتُ، فلما سَلَّمتُ تبسَّمَ تبسمَ الْمَغْضَبِ، ثُمَّ قال: «تَعَالَ» فجئتُ أمشي حتَّى جلستُ بين يديه، فقال لي: «ما خَلَّفَكَ؟ ألم تكن قد ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ قال: قلتُ: يا رسول الله إني، والله لو جَلَسْتُ عند غيرك من أهل الدُّنيا، لرأيتُ أني سأخرجُ مِن سَخَطِهِ بعُدْرٍ، ولقد أُعْطِيتُ جدلا، ولكني والله لقد علمتُ لئن حدَّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنِّي ليُوشِكَنَّ الله أَن يُسْخِطَكَ عليَّ ولئن حدَّثتُكَ حديث صِدْقٍ تجد علي فيه، إني لأرجو فيه عُقْبَى الله والله ما كان لي عُذْرٌ ، والله ما كنتُ قَطُّ أقوى ولا أيسَر مِنِّي حين تخلفتُ عنك، قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أما هذا، فقد صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ الله فيك» فقمتُ. وثَارَ رجالٌ مِن بني سَلِمَةَ فاتَّبعوني، فقالوا لي: والله ما عَلِمْناك أذنبت ذنبًا قبل هذا، لقد عَجَزْتَ في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بما اعتذر به إليه المخَلَّفُون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله
.
ر الصالحين سميرا
۱۱۱
صلى الله عليه وآله وسلَّم لك، قال: فوالله ما زالوا يؤذِّبوني حتَّى أردتُ أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فَأُكَذَّبَ نَفْسِي، قال ثُمَّ قلتُ لهم: هل لَقِيَ هذا معي مِن أحدٍ؟ قالوا: نعم، لَقِيَهُ معك رجلان قالا مثلما قلت، فقيل لهما مثلما قيل لك، قال قلتُ: مَن هما؟ قالوا: مُرَارَةُ بن الربيعة العامري وهلال بن أُمَيَّةَ الواقِفِيُّ، قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شَهِدَا بَدْرًا، فيها أسْوَةٌ، قال: فمَضَيتُ حين ذكر وهما لي.
قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم المسلمين عن كلامنا، أيها تَخَلَّفَ الثلاثة، من بين مَن عنه قال : فاجتنبنا النَّاسُ، وقال: تغيَّروا لنا حتَّى
الأرضُ، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك
!
تَنكَّرَتْ لي في نفسي ا خمسين ليلة، فأما صاحِبَايَ فاستكانا وقَعَدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنتُ أشَبَّ القوم وأجْلَدَهُمْ ، فكنتُ أخرج فأشهد الصَّلاة وأطُوفُ في الأسواق ولا يُكَلِّمُني أحدٌ ، وآتي رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فأسلم عليه، وهو في مجلسه بعد الصَّلاة، فأقول في نَفْسِي : هل حَرَّكَ شفتيه بردَّ السَّلام، أم لا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قريبا منه وأسارقه النَّظَرَ ، فإذا أقبلتُ على صلاتي نَظَرَ إليَّ، وإذا التفتُ نحوه أعرض عنِّي.
حتى إذا طال ذلك عليَّ مِن جَفْوَة المسلمين، مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حائط أبي قتادة، وهو ابن عَمِّي وأحبُّ النَّاسِ إليَّ، فسلَّمتُ عليه، فوالله ما رَدَّ على السلام. فقلتُ له: يا أبا قتادة أنشُدُكَ بِالله هل تَعْلَمَنَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ ورسوله؟ قال: فسكت فعُدتُ فناشدته فسكت، فعدتُ فناشدته، فقال: الله
ورسوله أعلم، ففاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ، حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجِدَارَ.
۱۱۲
الحديث الشريف
فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نَبَطِيٌّ مِن نَبَطِ أهل الشَّام، مَمَّن قَدِمَ بالطعام يبيعه بالمدينة، يقول: مَن يدلُّ على كعب بن مالك، قال: فَطَفِقَ النَّاسُ
يُشيرون له إليَّ، حتّى جاءني فدفع إلى كتابًا مِن مَلِكِ غَسَّانَ، وكنتُ كاتبًا، فقرأته فإذا فيه: «أما بعد، فإنَّه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هَوَانٍ ولا مَضْيَعَةٍ، فالحقِّ بنا نُوَاسِكَ، قال فقلتُ: حين قرأتها: وهذه أيضًا من البلاء فتياتمتُ بها التَّنُّورَ فَسَجَرْتُها بها.
حتَّى إذا مَضَتْ أربعون من الخمسين واستلبث الوحي، إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يأتيني، فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يأمرك أن تَعْتَزِلَ امرأتك، قال: فقلتُ : أُطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها، فلا تَقْرَبَنَّها، قال: فأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك، قال: فقلتُ لامرأتي: الحقي بأهلِكِ فكوني عندهم حتَّى يَقْضِيَ الله في هذا الأمر، قال: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت له: يا رسول الله إنَّ هِلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادمٌ، فهل تَكْرَهُ أَن أَخْدُمَهُ؟ قال: «لا، ولكن لا يَقْرَبَنَّكِ فقالت: إنَّه والله ما به حركةٌ إلى شيء، ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا.
قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في امرأتك ؟ فقد أذِنَ لامرأة هلال بن أميَّة أن تخدمه، قال: فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وما يُدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب؟ قال: فلبثت بذلك عشر ليال، فكمل لنا خمسون ليلةٌ مِن حين نُهِيَ عن كلامنا.
سمير الصالحين
۱۱۳
قال : ثُمَّ صَلَّيتُ صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهرِ بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذَكَرَ الله عزّ وجلَّ مِنَّا، قد ضاقت عليَّ نَفْسِي وضاقت عليَّ الأرضُ بما رَحُبَتْ، سمعت صوت صارخ أَوْفَى على سَلْع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر ، قال : فخَرَرْتُ ساجدًا وعرفتُ أن قد جاء فرج، قال: فآذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم النَّاسَ بتوبة الله علينا، حين صلى صلاة الفجر، فذهب النَّاسُ يُبَشِّرُوننا، فذهب قِبَلَ
صاحبي (۱) مُبَشِّرُون، ورَكَضَ رجلٌ إليَّ فَرَسًا، وسعى ساعٍ مِن أَسْلَمَ قِبَلِي، وأوفى الجبل، فكان الصّوتُ أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعتُ صوته يُبَشِّرُني، فنزعتُ له ثَوْبَيَّ فكسوتها إيَّاهُ ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرتُ ثوبين فلبستهما.
فانطلقت أتَأَمَّمُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، يتلقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا، يُهنئوني بالتوبة ويقولون: لتَهْنِكَ توبة الله عليك حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم جالس في المسجد وحوله النَّاسُ، فقام طلحة بن عبيد الله يُهرول حتَّى صافحني وهناني، والله ما قام رجل من
المهاجرين غيره، قال فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب : فلا سلَّمتُ على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: وهو يَبْرُقُ وجُهُهُ مِن السُّرُور ويقول: «أبشر بخير يومٍ مَرَّ عليك منذ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» قال فقلتُ: أمن عندك ؟ يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال: «لا، بل من عند الله».
(۱) بفتح الباء مثنى، وهما: مرارة بن الربيع وهلال بن أمية.
١١٤
الحديث الشريف
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، إذا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرِ، قال: وكنا نعرف ذلك، قال: فلما جلست بين يديه قلتُ: يا رسول الله إِنَّ مِن توبتي أن أنخَلِعَ مِن مالي صَدَقَةٌ إلى الله وإلى رسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «أمسك بعض
مالك، فهو خير لك قال: فقلتُ : فإِنِّي أَمسِكُ سَهْمِيَ الذي بخيبر.
قال: وقلتُ: يا رسول الله إنَّ الله إنَّما أنجاني بالصدق، وإِنَّ مِن توبتي أن لا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا ما بَقِيتُ، قال: فوالله ما عَلِمْتُ أنَّ أحدًا مِن المسلمين أبلاه الله
في صدق الحديث منذ ذكرتُ ذلك لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إلى هذا أحسن مما أبلاني الله ،به والله ما تعمَّدتُ كذبةً منذ قلتُ ذلك يومي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم إلى يومي هذا، وإنِّي لأرجو أن يحفظني الله
فيما بقي.
قال: فأنزل الله عزّ وجلَّ: لَقَد تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيعُ قُلُوبُ فَرِيقٍ منْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمُ ) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِفُوا حتى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ حَتَّى بَلَغَ: يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّدِقِينَ ﴾ [التوبة: ۱۱۷ - ۱۱۹]. قال كعب : والله ما أنعم الله عليَّ مِن نعمةٍ قَطُّ بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نَفْسِي مِن صِدْقِي رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم، أن لا أكون كذبته فأهلك كما هَلَكَ الذين كذبوا إنَّ الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شَرَّ
الصالحين سمير
110
ما قال لأحد. وقال الله: لا سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا أَنقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا
عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَلَهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاهُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَسِقِين ﴾ [التوبة: ٩٥-٩٦]. قال كعب : كنَّا خُلّفنا أيُّها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين حَلَفُواله ، فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أمرنا حتَّى قضى الله فيه، فبذلك قال الله عزّ وجلَّ: وَعَلَى الثَّلَثَةِ الَّذِينَ خُلِفُوا ، وليس الذي ذَكَرَ الله مما خُلَّفنا، تخلفنا الغزو، وإنما هو تَخْلِيفُهُ إِيَّانا، وإِرْجَاؤُهُ أمْرَنا ، عمَّن حَلَفَ له واعْتَذَرَ إِليه فقَبِلَ
عن
منه. رواه الشيخان
المفردات
تبوك: بفتح التاء وضم الباء: موضع بالشام.
راحلتين تثنية راحلة والراحلة .
هي الناقة التي تصلح لأن ترحل أي:
يشد على ظهرها الرحل وهو أثاث المسافر.
ورى بتشديد الراء المفتوحة، أخفى الغزوة التي يريدها وأظهر غيرها.
وأضعر أميل.
وتفارط : تتابع مسرعًا.
مغموصًا عليه معيبًا عليه.
عطفيه : بكسر العين جانبيه، كناية عن إعجابه بنفسه.
117
بي: حزني.
الحديث الشريف
نبطي : النبط - بفتح النون قوم يسكنون بين العراق والشام.
سجرتها : أحرقتها.
سلع : بفتح السين وسكون اللام: جبل بالمدينة.
المعنى
في شهر رجب سنة تسع من الهجرة خرج النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم إلى تبوك؛ لأنه بلغه أنَّ الرُّوم جمعوا جموعا كثيرة بالشام وأنهم قدموا مقدماتها إلى البلقاء - مدينة بالشام - فخرج صلَّى الله عليه وآله وسلم لملاقاتهم، وسار بالناس - وهم ثلاثون أو أربعون ألفا، وكانت الخيل عشرة آلاف فرس- وخلف على المدينة عليا عليه السَّلام، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلَّا لاستثقاله، فأخذ على سلاحه ولحق بالنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وهو نازل
بالجرف، فقال: يا نبي الله زعم المنافقون أنك ما خلفتني إلا أنك استثقلتني وتخففت مِنِّي، فقال: «كذبوا، ولكنّي خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أما ترضى أن تكون مِنّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»(۱). فرجع علي إلى المدينة.
وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إذا أراد أن يغزو قبيلة من قبائل العرب يسأل عن قبيلة غيرها يظهر بذلك أنه يريد غزوها - ليخفي وجهة -
(۱) ادعى النواصب أنَّ هذا الحديث موضوع، وكذبوا، بل هو في "الصحيحين" وله طرق أفردها الحافظ ابن عساكر في جزء خاص.
سمير الصالحين
۱۱۷
قصده، إلا هذه الغزوة فإنه أظهرها للناس ليستعدوا ويأخذوا أهبتهم لطول السَّفَر وكثرة العدو - وهم الروم - الذين بلغه تجمعهم لقتاله، واستنهض همم الناس للجهاد، وكان الوقت أول الخريف وقد طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم؛ لأن زمن الخريف في الحجاز يكون حارا ولذلك ، حكى الله عن المنافقين: وَقَالُوا لَا تَنفِرُوافي الحر [التوبة: ٨١]، وردَّ عليهم
بقوله تعالى: ﴿ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرَا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة : ۸۱].
وتخلف المنافقون وقال عبد الله بن أبي عند تخلفه: يغزو محمد بني الأصفر
.
مع جهد الحال والحر والبلد البعيد، يحسب محمد أنَّ قتال بني الأصفر معه اللعب، والله لكأني أنظر إلى أصحابه مقرنين في الحبال.
واجتمع جماعة من المنافقين في بيت سويلم اليهودي وقال بعضهم لبعض: أتحسبون أنَّ جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضًا؟! والله لكأنهم - أي الصحابة - غدًا مقرنون في الحبال. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لعمار بن ياسر رضي الله عنهما: أدرك القوم فإنهم قد احترقوا، فاسألهم عما قالوا؟ فإن أنكروا فقل : بل قلتم كذا وكذا». فانطلق إليهم عمار فقال لهم ذلك، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعتذرون إليه وقالوا: إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله تعالى ردّا عليهم:
ولين سالَتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ﴾ [التوبة: ٦٥] الآية. وقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يُرَغَب في الجهاد ويحضُّ عليه: «اغْزُو تبوك تَغْنَموا بنات بني الأَصْفَرِ والرُّوم. فقال قوم من المنافقين: ائذن لنا ولا
۱۱۸
الحديث الشريف
تفتنا، وقال الجد بن قيس: يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني؟ فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبًا بالنِّساء مِنِّي، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر، فأنزل الله تعالى: وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَشْذَن لِي وَلَا نَفْتِي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا } [التوبة: ٤٩].
والفتنة التي سقطوا فيها تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وتخلف بعض المسلمين بغير عذر وهم: أبو خيثمة وأبو ذر - وقد لحقا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في تبوك - وكعب بن مالك ومرارة بن ربيعة وهلال بن أمية وهم أصحاب هذه القصة.
وأقام النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة ولم يحصل فيها قتال، وصالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحنة بن روبة صاحب أيلة على جزية يدفعها وكتب له أمانًا، وكذلك صالح أهل جرباء وأذرح على مائة دينار يدفعونها في كل رجب، وصالح أهل ميناء على ربع
ثمارهم، ثُمَّ قفل صلى الله عليه وآله وسلّم راجعا إلى المدينة.
ووقع في هذه الغزوة أمور:
۱ - في "صحيح مسلم عن أبي سعيد أو أبي هريرة قال: لما كانت غزوة تبوك أصاب النَّاسَ مجاعة فقالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «افعلوا». فجاء عمر فقال: يا رسول الله إن فعلت قل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثُمَّ ادعُ الله لهم عليها بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك البركة، فقال رسول الله صلى الله
سمير الصالحين
۱۱۹
عليه وآله وسلّم: «نعم». فدعا بنطع فبسطه، ثُمَّ دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف ذرةٍ، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع من ذلك شيءٌ يسير، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبركة، ثُمَّ قال: «خذوا في أوعيتكم». فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في المعسكر وعاء إلَّا ملأوه، وأكلوا حتى شبعوا وفضل فضلة، فقال رسول صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أشهد أن لا إله إلَّا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكٌ فيُحْجَب عن الجنَّة».
وهذه آية عظيمة بتكثير طعام يسير حتى شبع منه جيش عدده أربعون ألفا وملأوا أوعيتهم وبقيت منه بقيَّة، وتعددت هذه الآية في مواضع منها غزوة
الخندق.
۲- روى ابن شاهين عن أنس رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في غزوة تبوك، فقال المسلمون: يا رسول الله عَطشت دوابنا وإبلنا، فقال: «هل مِن فَضْلَةِ ماءٍ؟». فجاء رجل في شن بشيء من ماء فقال: «هاتوا صحفة». فصب الماء ثُمَّ وضع راحته في الماء، قال أنس: فرأيت الصحفة تتخلل عيونا بين أصابعه، فسقينا إبلنا ودوابنا وتزوَّدنا، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أكفيتم؟». قلنا: نعم يا رسول الله، فرفع يده من الصحفة : رسول : فارتفع الماء.
وقصة نبع الماء من أصابعه الشريفة تكرّرت في عدة مواطن، ورواها جماعة من الصحابة ثبتت الرواية عنهم في "الصحيحين" وغيرهما من طرق كثيرة
۱۲۰
الحديث الشريف
تفيد التواتر كما قال القرطبي وغيره.
ونبع الماء من بين الأصابع أعظم من نبع الماء من الحجر حين ضربه موسى بعصاه؛ لأن خروج الماء من الحجارة معهود وشاهدناه وشاهده غيرنا، لكن خروج الماء من بين لحم ودم غير معهود، ولذا قال بعض العلماء: إن كان مُوسى سَقَى الأَسْبَاطَ مِن حَجَرٍ
فإِنَّ فِي الكَفِّ مَعْنَى ليس في الحَجَرِ
وإنما طلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضلة ماء ليضع يده فيها تأدبا الله تعالى؛ لأنه المنفرد بابتداع المعدومات وإيجادها من غير أصل، ولئلا يظنُّ بعض الناس أنه الموجد للماء، وللإشارة إلى أنَّ الله تعالى أجرى العادة
مع
بالتسبب.
- لما نزلوا تبوك وجدوا عينها قليلة الماء، تبضُ بشيء من ماء مثل شراك النَّعل، فعرفوا من تلك العين قليلا حتى اجتمع شيء في شَن، فغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وجهه ويديه ومضمض ثُمَّ أعاده فيها، فجرت العين بماء كثير وانخرق منها ماء له حسّ كحسّ الصَّواعق وقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم لمعاذ: «يا معاذ، يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد مليء
جنانًا». أي: بساتين، ولا زالت العين تجري إلى الآن، وحولها بساتين كما قال صلَّى الله عليه وآله وسلّم. ٤- ورد في حديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: رأيت ونحن في تبوك شعلة من نار في ناحية العسكر فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله صلى الله
سمير الصالحين
۱۲۱
عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر، وإذا عبدالله ذو البجادين المزني قد مات، وإذا هم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حفرته وأبو بكر وعمر يدليانه وهو يقول: «أذليا إلي أخاكما». فأدلياه إليه، فلما هيَّاه لشقه قال : «اللهم إني أمسيتُ راضيا عنه فارْضَ عنه. قال ابن مسعود: يا ليتني كنت صاحب الحفرة.
ذكر الحافظ السيوطي: أنَّ الشعلة التي رآها ابن مسعود هي ضوء شمعة، ونقل عن العسكري في "الأوائل": أنَّ أول من أوقد الشمع جذيمة الأبرش وكان قبل البعثة النبوية بمدة، وألف رسالة سماها "مسامرة السموع في ضوء
الشموع".
ه - أهدى بعض النصارى بتبوك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم جبنة، فدعا بالسكين فسمَّى الله وقطع وأكل، وهذا يدل على جواز أكل جبنة النصارى إلا إن تحققنا أنهم أضافوا إليها شيئًا مُحرَّمًا كإنْفِحَة الخنزير، لكن الإمام أبا بكر الطرطوشي المالكي كان يُحرِّمها ، وله في تحريمها تأليف، وذكروا أنَّ مَن زاره (۱) ونذر ألا يأكل الجبنة الرومية قضى الله حاجته، ويظهر أنه تحقق
أنهم يضيفون إليها إنفحة خنزير أو نحو ذلك كما هو حاصل الآن في بعض أنواع الجبنة الرومية.
٦ - نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عن راحلته عند العودة فأوحى الله إليه وراحلته باركة، فقامت تجرُّ زمامها، فلقيها حذيفة رضي الله عنه فأخذ
(۱) قبره بالإسكندرية معروف، وقد زرته.
۱۲۲
الحديث الشريف
بزمامها وجاء إلى قرب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فأناخها ثُمَّ جلس عندها حتى قام النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فأتاه بها فقال: «من هذا؟». قلت: حذيفة، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إني مُسِر إليك سِرا فلا
تذكرنه، إني نهيت عن الصَّلاة على فلان وفلان». وعَدَّ جماعة من المنافقين. ومِن ثَمَّ سُمِّي صاحب سِر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما توفّي النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كان عمر رضي الله عنه إذا مات رجل ممن يظن به أنه من أولئك المنافقين أخذ بيد حذيفة فقاده إلى الصَّلاة عليه، فإن مشى معه حذيفة صلى عليه عمر، وإن نزع يده من يده ترك الصلاة عليه.
عن أنس رضي الله عنه قال: سمعنا -يعني وهم في تبوك - صوتا يقول: اللهم اجعلني من أُمَّة محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم المرحومة، المغفور لها، المستجاب لها، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «يا أنس انظر ما هذا الصوت». قال أنس: فدخلت الجبل، فإذا رجل عليه ثياب بيض، أبيض الرأس واللحية، طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع، فلما رآني قال: أنت خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم؟ قلت: نعم. قال: ارجع إليه وأقرأه السلام، وقل له : أخوك إلياس (1) يريد أن يلقاك، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
(1) الكلام في حياة إلياس وبقائه إلى اليوم كثير وشهير، نذكر بعضه تتميما للفائدة: قال السعد في "شرح العقائد النسفية : ذهب العظماء من العلماء إلى أنَّ أربعة من الأنبياء في زمرة الأحياء الخضر وإلياس في الأرض، وإدريس وعيسى في السماء.
وروى الثعلبي عن عبدالعزيز بن أبي رواد قال: إنَّ الخضر وإلياس يصومان شهر
سمير الصالحين
۱۲۳
رمضان ببيت المقدس ويوافيان الموسم - يعنى الحج - كل عام. وروى أيضا- عن رجل من أهل عسقلان أنه كان يمشي بالأردن عند نصف النهار فرأى رجلا فقال: يا عبد الله من أنت؟ فقال: أنا إلياس فقال : فوقعت عليَّ رعدة شديدة، فقلت له: ادعُ الله لي أن يرفع عني ما أجد حتى أفهم حديثك وأعقل عنك، قال: فدعا لي بثمان كلمات وهي: يا بر یا رحیم یا حنان يا منان يا حيي، يا قيوم، ودعوتين بالسريانية لم أفهمهما قيل: هما : يا هيا شراهي - فرفع الله عني ما كنت أجد، ووضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي، فقلت له أيوحى إليك اليوم؟ فقال: منذ بعث الله محمَّدًا - صلَّى الله عليه وآله وسلم- رسولا فإنه لا يوحى إلى.
فقلت له: فكم من الأنبياء اليوم أحياء؟ قال: أربعة اثنان في الأرض، واثنان في السماء، أما اللذان في الأرض فإلياس ،والخضر، وأمَّا اللذان في السماء: فعيسى وإدريس، قلت: كم الأبدال ؟ قال : ستون رجلا خمسون منهم من لدن عريش مصر إلى شاطئ الفرات ورجلان بالمصيصة ورجلان بعسقلان وستة في سائر البلدان، كلما أذهب الله واحد منهم جاء بآخر مكانه وبهم يدفع عن الناس البلاء، وبهم
يمطرون.
الله
قلت: فالخضر أين يكون ؟ قال : في جزائر البحر، قلت له: هل تلقاه؟ قال نعم قلت: أين؟ قال بالموسم. قلت: فما يكون حديثكما؟ قال يأخذ من شعري وآخذ من شعره،
قال الرجل: وكان ذلك حين جرى بين مروان بن الحكم وبين أهل الشام القتال . قلت: فما تقول في مروان بن الحكم؟ قال: رجلٌ جَبَّارٍ عاتٍ على الله تعالى، والقاتل والمقتول والشاهد في النار، قلت: فإني قد شهدت ولم أطعن برمح ولا رميت بسهم ولم أضرب بسيف، وأنا أستغفر الله من ذلك المقام أن أعود إلى مثله أبدا، قال: أحسنت، فهكذا فكن. قال: فبينما أنا وهو قاعدان، إذا وضع بين يديه رغيفان أشد بياضا من الثلج، فأكلت
١٢٤
الحديث الشريف
وسلم فأخبرته فجاء صلَّى الله عليه وآله وسلّم يمشي وأنا معه، حتى إذا كنت منه قريبا تقدم النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وتأخرت أنا، فتحدثا طويلا
أنا وهو رغيفا وبعض الآخر، ثُمَّ رفعت رأسي وقد رفع باقي الرغيف الآخر، فما رأيت أحدًا وضعه ولا رأيت أحدًا ،رفعه، قال: وله ناقة ترعى في وادي الأردن فرفع رأسه إليها فلما دعاها جاءت وبركت بين يديه فركبها، فقلت له: إني أريد أن أصحبك، قال إنك لا تقدر على صحبتي، قال: فقلت له: إني خلو لا زوجة ولا عيال، قال: تزوّج، وإياك والنساء الأربع الناشزة والمختلعة، والملاعنة، والبرمة. وتزوج ! ما بدا لك من النِّساء، قال: فقلت إني أحب أن ألقاك، قال: إذا رأيتني فقد لقيتني إني أعتكف في بيت المقدس في شهر رمضان، ثُمَّ حالت بيني وبينه شجرة، فو الله ما أدري كيف ذهب؟ قلت: لم يثبت حديث عن النبي -صلَّى الله عليه وآله وسلّم- يفيد بقاء إلياس أو الخضر أو إدريس حيا إلي اليوم، وكل ما في الباب عن الخضر وإلياس آثار عن بعض التابعين وأقوال جماعة من الصوفيين.
وقد ذكر النووي: أنَّ جمهور العلماء ومعهم الصوفية على أنَّ الخضر حتي إلى اليوم، وجاء في "صحيح مسلم " في حديث الدَّجَّال - في الرجل الذي يقتله الدَّجَّال ثُمَّ يُجيبه
ثُمَّ لا يقدر علي قتله - قال الراوي حديث الدَّجّال : بلغنا أنَّ هذا الرجل هو الخضر. وكذلك إلياس جاءت فيه أقوال عن كثير من العلماء والصالحين أنهم قابلوه وسألوه عن أشياء فأجابهم عنها، وقد قيل: إنَّ إلياس هو إدريس عليهما السلام، أما عيسى عليه السلام: فالآيات والأحاديث تفيد بقاءه حيًّا إلى حين نزوله ليقتل الدَّجَّال يموت ويدفن في الحجرة الشريفة بجانب عمر رضي الله عنه. انظر كتابنا "عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام".
سمير الصالحين
١٢٥
فنزل عليهما من السماء شيءٌ شبه السفرة ودعواني فأكلت معهما قليلًا، فإذا فيها كماة ورمان وحوتٌ وتمرّ وكرفس فلما أكلت قمت فتنحيت، ثُمَّ جاءت سحابة فاحتملته وأنا أنظر إلى بياض ثوبه فيها.
رواه الحاكم في "المستدرك"، وهو حديث موضوع كما قال الحافظ ابن كثير وغيره. ومما يدل على وضعه وكذبه أنه مخالف لحديث "الصحيحين" في طول آدم عليه السَّلام، فقد قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «خَلَقَ اللهُ آدَمَ على صُورَتِهِ و (۱) طُولُهُ سِتُّون ذِراعًا، ثُمَّ لم يزل الخلق يتناقص حتى انتهى إلى ما
هو عليه اليوم». فكيف يكون طول إلياس أكثر من ثلثمائة ذراع ؟
والعجب من الحافظ السيوطي حيث ذكر حديث إلياس هذا في الخصائص الكبرى مع التزامه أن يصونها عن الحديث الواهي والموضوع؟!
ما يؤخذ من القصة
يؤخذ منها أمور:
۱ - استحباب كتمان حاجةٍ يريدها الشخص والتورية بغيرها، ألا ترى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها؛ لأن كتمان الحاجة أدعى إلى إنجاحها، وفي حديث ضعيف: «استعينوا على إنجاح
حوائجكم بالكتمان». ويقول عمر رضي الله عنه: من كتم سره ملك أمره. وأيضًا، إخفاء الغزو والتورية بغيره ضرب من المكيدة المطلوبة في الحرب.
(۱) أي صورة آدم. يعني: أنه لم يتطور من نطفة إلى علقة مثل أولاده، ولا تطور من قرد كما يزعم داروين.
١٢٦
-
الحديث الشريف
٢ - أنَّ من سمع غيبة في مسلم دافع عنه، فإنَّ الرجل لما اغتاب كعب بن مالك رد عليه معاذ بن جبل رضي الله عنه بقوله: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلَّا خيرًا. وفي الحديث «مَن رَدَّ عَن عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَن وَجِهِهِ النار يوم القيامة». - أنَّ المسلم إذا قَدِمَ مِن سَفَرٍ يستحبُّ له أن يبدأ بالمسجد فيُصَلِّي فيه ركعتين شكرًا الله على عودته إلى أهله وبلده، ويتأكَّد الاستحباب إذا كان السَّفَر لطاعة كحَج أو جهادٍ أو صلة رَحَم أو سعي في صُلح بين جماعةٍ مُتخاصمين،
أو نحو ذلك.
- أنَّ العاصي يصح هجره تأديبا؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم
نهى المسلمين عن تكليم كعب وصاحِبيه. قال الخطابي في "معالم السنن" على قول كعب: «ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عن كلامنا أيها الثلاثة»، ما نصه: «فيه مِن العِلم أن تحريم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث إنما هو فيما يكون بينهما من قبل عتب وموجدة، أو لتقصير في حقوق عشرة ونحوها دون ما كان من ذلك في حق الدين، فإن هَجرة أهل الأهواء والبدعة دائمة على ممر الأوقات والأزمان، ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق». اهـ قلت: تفصيل مسألة الهجر: أنَّ العاصي المجاهر بالمعصية أو المصر على فعلها يهجر بعد نهيه وإسداء النصيحة له، وكذلك المبتدع المتفق على ابتداعه مثل الخارجي والمعتزلي، يُهجر بعد مناقشته أيضًا لعله يتوب ويقلع، أما أن يختلف شخصان في مسألةٍ فرعيَّةٍ كالتوسُّل وما أشبهه مما يختلف فيه الرأي
سمير الصالحين
۱۲۷
وتتجاذب الأدلة فلا . يصح
الهجر بسببه؛ لأنه لا عصيان فيه ولا ابتداع، ومن
هجر صاحبه بسبب ذلك كان آثما عاصيًا، فإن كان المهجور قريبا له جمع إلى إثم الهجر إثم قطيعة الرَّحِم، ولا حُجَّة في هجر عائشة رضي الله عنها لعبد الله بن الزبير؛ لأنه اجتهاد منها لم تستند فيه إلى نص، وقد قال لها عبيد بن عمير: إنَّ حديثا أخبرتنيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: أنه نهى عن الصرم (۱) فوق ثلاثة أيام، فلم تقبل منه لكنها لم تبد دليلا على إبائها، ونحن لا يمكننا أن نأخذ بفعل مجتهد أو قوله وندع حديثًا صحيحًا يخالفه.
ه - أن توجيه الخطاب للمسلمين لا يشمل المسلمات، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى المسلمين عن تكليم كعب وصاحبيه، وكان أزواجهم وقريباتهم يكلمنهم؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بعث إليهم أن يعتزلوا نساءهم بعد مرور أربعين يوما من نهي المسلمين عن تكليمهم، وأذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه من غير أن يقربها. ٦- لإمام المسلمين أن يُعَذِّر بعض العصاة بنهي الناس عن الكلام معه، وقد أمر عمر رضي الله عنه بهجر صبيغ الذي كان يسأل عن مشكلات القرآن وتشابهه - فكان لا يُكلّمه أحدٌ في المدينة، أما أمر العاصي باعتزال امرأته لمدة معينة فلا يجوز للإمام وإنما هو من خصوصيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم (٢).
(۱) المرم: بضم صاد وسكون الراء: المقاطعة والهجر. (۲) لأن عقد النكاح يبيح للرجل الاستمتاع بزوجه، ولا يملك أحد إيقاف مقتضيات العقد إلا الشارع.
۱۲۸
الحديث الشريف
- أنَّ قول الرجل لامرأته: «الحقي بأهلك» لا يكون طلاقًا إلَّا بقرينة
تدل عليه.
استحباب سجود الشكر لحدوث نعمة؛ لقول كعب: «فخررت ساجدا، وقد صَحَّ سجود الشكر من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم حين بشره جبريل عليه السَّلام بأنَّ مَن صَلَّى عليه مَرَّةً صَلَّى الله عليه عشرا. 9 - أن سجود الشكر يصح في وقت الكراهة، فقد سجد كعب بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس، وهو وقت تُكْرَه فيه الصَّلاة. ۱۰ - استحباب التهنئة بحدوث نعمةٍ دينيَّة، فقد بشر النبيُّ صلَّى الله عليه
وآله وسلم كعبا بتوبة الله عليه، وبشره الصحابة أيضًا. ۱۱ - استحباب إعطاء البشير هديَّة جزاء بشارته، فقد أعطى كعب للذي
بشر بتوبة الله عليه - وهو حمزة بن عمرو الأوسي- ثوبيه.
۱۲- جواز القيام للداخل على سبيل الإكرام والمجاملة، فقد قام طلحة لكعب وهَنَّاه، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم آخى بينهما، ولم يصح حديث في النهي عن القيام. وحديث: (مَن أحَبَّ أن يتمثل له الرّجال قيامًا فليتبوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». لا ينهى عن القيام ولكن ينهى عن حُبِّ الشخص قيام الناس له؛ لأنه تعاظم
وتكبر (۱).
ا
١٣ - استحباب إخراج جزء من المال صدقة الله تعالى إذا حَدَثَ للمسلم
(۱) والذين يستدلون به على تحريم القيام للشخص واهمون مخطئون.
سمير الصالحين
۱۲۹
فَرَجٌ مِن شِدَّةٍ، أو شفاء من مرض، أو نحو ذلك
١٤ - أنه لا يجوز التصدق بالمال كله، فقد قال كعب: يا رسول الله إنَّ من
توبتي أن أنخلع من مالي صَدَقَةً إلى الله وإلى رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك».
١٥ - قول كعب من عندك يا رسول الله أم من عند الله؟» وجواب النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم بقوله: «لا، بل من عند الله عزّ وجلَّ». يدل على أنه
عليه الصلاة والسَّلام كان يجتهد.
إشكال والجواب عنه
الله
صَحَ في الحديث أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم قال لعمر رضي ا عنه: «وما يُدريك لعلَّ اللهَ اطَّلَعَ على أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد
غَفَرْتُ لَكُمْ. وفي هذا الحديث أمر النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم بهجر مرارة بن الربيع وهلال بن أمية وهما بدريَّان، والحديث المذكور يقتضي أنهما مغفور لهما، فكيف يُجمع بين هذين الحديثين؟ والجواب: أنَّ حديث: «لعلَّ الله اطَّلَعَ على أهل بدر». لا يفيد إباحة المعصية للبدريين (١) ، لكنه يفيد أنه إن وقعت منهم معصية غفرها الله لهم.
وهذا هو ما حصل في غزوة تبوك فقد غفر لهما تخلفهما، وهكذا كلما حصل
(۱) لأن الشارع لا يبيح المعصية للمكلف ولو بلغ نهاية درجات القُرب، بل كلما ازداد قربا من الله يضاعف عليه إثم المعصية، اقرأ قوله تعالى: يَا سَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ
بفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾ [الأحزاب: ٣٠].
۱۳۰
الحديث الشريف
من بدري معصية جزمنا بأنَّ الله يغفرها له، ولكن لا نجزم بغفران معصية غير
البدري، بل نرجو ونظن فقط، والله تعالى أعلم.
العبرة من القصة
۱ - قد يَزِلُّ بعض الفضلاء والصُّلَحاء مع عُلُو رتبهم في الفضل والصلاح
كما زل كعب ابن مالك وهو عقبي ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية وهما
بدريَّان، تحققا .
بمعنى الضعف المستولي على عامة البشر إلا
وخُلِقَ الْإِنسَنُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: ۲۸] .
الله
من عصم
لكنهم لا يصرون على زللهم ولا يستحسنون قبيح عملهم، بل يبادرون إلى التوبة والاستغفار ملتجئين إلى الله بصدق وإخلاص وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا
اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: ١٣٥].
فليس الشأن ألا .
يعي
الإنسان، ولكن الشأن إذا عصى أن يسرع بالندم
والإقلاع عن العصيان، «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يُذنبون فيَسْتَغْفِرُونَ فيُغْفَرُ لم». ٢- قد يحدث عن الشر خير، فقد كان تخلف كعب وصاحبيه عن غزوة تبوك وما ترتب عليه من الأمر بهجرهم سببًا في نزول القرآن بتوبتهم وشهادته لهم بصدق التجائهم إلى الله تعالى: حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا
سمير الصالحين
۱۳۱
[التوبة: ١١٨] (۱) ، وهذا شرف كبير لهم.
ولذا قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم لكعب في تهنئته: «أبشر بخير يومٍ
مر عليك منذ ولدتك أمك». صدق الحديث عاقبته حميدة ومآل صاحبه إلى خير، كما أن عاقبة
الكذب وخيمة ومآل الكاذب فضيحة وعار.
سبب
كعب وصاحباه صدقوا النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم حين سألهم عن ، تخلفهم . عنه وتحملوا لوم اللائمين وهجر المسلمين، فآل أمرهم أن
طهرهم الله بالتوبة وأثنى عليهم بالصدق : يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّدِقِينَ ﴾ [التوبة : ١١٩].
والمنافقون كذبوا حين اعتذروا وهربوا من عتاب ساعة وموجدة شهر، فأنزل الله فضيحتهم وخزيهم على مدى الدهر : سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَنهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ
اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: ٩٥-٩٦].
(۱) وظنوا أي: علموا وإطلاق الظنِّ بمعنى العِلم شائع مثل: الْخَشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَقُوا رَتِهِمْ ﴾ [البقرة: ٤٥-٤٦]، إن ظَنَنتُ أَي مُلَقٍ حِسَابِيَّة [الحاقة : ٢٠]
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفَرَاقُ ﴾ [القيامة : ۲۸] .
۱۳۲
الحديث الشريف
نذر
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يخطب، إذا هو برجل قائم فسأل عنه ؟ فقالوا : أبو إسرائيل، نَذَرَ أن يقوم في الشمس ولا يَقْعُدَ، ولا يَسْتَظِلَّ ولا يتكَلَّم، وأن يصوم. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مُرُوه فليَتَكَلَّمْ وليَسْتَظِلَّ وَلِيَقْعُدْ، وليُتِمَّ صَوْمَهُ». رواه البخاري في "صحيحه".
المعنى
النذر : التزام عمل عبادة تقربا إلى الله تعالى، وهو نوعان:
نذر بر: وهو التزام عبادة غير موقوفة على شرط كما في الحديث، وكقول القائل: نذرتُ صلاة ركعتين لله، أو الله علي أن أتصدق بدينار.
ونذر الجاج: وهو الموقوف على شرط نحو إن قضى الله حاجتي فلله على صدقة، أو إن رزقني الله مالا فلله على نذر أن أحج منه.
والوفاء بنوعيه واجب ، ومن الريف به كان آثما، وقد مدح الله تعالى الموفين
به في قوله سبحانه: يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِرُونَهَا تَفْصِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمَا كَانَ شره مُسْتَطِيرًا } [الإنسان: ٦-٧].
والنذر كان معروفًا عند العرب في الجاهلية حيث كانوا ينذرون لأصنامهم أنواعًا من الطاعات في زعمهم، فلما جاء الإسلام وأبطل عبادة الأصنام أبطل النذر لها، وجعله خاصا بالله تعالى؛ لأنه عبادة، وهو داخل في
قوله تعالى: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1].
سمير الصالحين
۱۳۳
فالنذر: عقد يعقده العبد مع ربِّه بتقديم طاعة: إمَّا ابتداءً وإما بعد حصول
شرط، ومِن ثَمَّ كان الوفاء به واجبًا بعموم الآية المذكورة.
يؤخذ منه أمور:
ما يؤخذ من الحديث
1 - أنَّ النذر لا ينعقد في الأمور العادية غير المشروعة كالقيام في الشمس
وعدم الاستظلال من حَرَّها .
۲ - نسخ التعبد بالصمت الذي كان مشروعًا قبلنا، فقد حكى الله عن أن جبريل عليه السلام قال لها : فَكُلِي وَأَشْرَبِي وَقَرِى عَيْنًا فَإِمَّا تَرَينَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلَّمَ الْيَوْمَ إِنسِيَا ﴾ [مريم: ٢٦].
مریم
يؤخذ من الآية أنَّ الصوم عن الكلام كان مشروعا عندهم.
وفي "سنن أبي داود عن عليّ عليه السلام قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يتم بعد احتلام ولا صُبَات) يوم إلى الليل». قال الخطابي: كان مِن نُسُكِ الجاهليّة الصّمات، فنهوا في الإسلام عن ذلك وأمروا بالذكر والحديث بالخير».
وفي "صحيح البخاري" عن قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكرٍ
(۱) صُمات: بضم الصاد، ومعنى الحديث: أنه لا يجوز سكوت يوم إلى الليل على وجه التعبد والتقرب إلى الله تعالى والأحاديث الثابتة في فضل السكوت مثل حديث "الصحيحين": «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت». يراد بها
سکوت مقيَّد، وهو السكوت عن الشر فهو مطلوب شَرْعًا وفيه ثواب لمن قصده.
١٣٤
الحديث الشريف
الصديق - رضي الله عنه - على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلَّم؟ فقالوا: حَجَّتْ مُصْمِتةً، فقال لها: تكلمي، فإنَّ هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت
وهذا ما اتفقت فيه عادة الجاهلية مع شريعة الإسرائيليين، ويجوز أن يكون
العرب أخذوه عن بعض اليهود المقيمين بالشام أو اليمن.
٣- أنَّ النَّذر إذا اشتمل على أشياء مشروعة وأشياء غير مشروعة، لزم المشروع وبطل غيره؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أمر أبا إسرائيل بإتمام صومه المشروع، وأبطل غيره.
وإذا نذر الشخص فعل معصية، وجب عليه ترك الوفاء بالنذر لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن نَذَرَ أن يُطِيعَ اللَّهَ فَليُطِعْهُ، وَمَن نَذَرَ أَن يَعْصِي اللَّهَ فلا يَعْصِهِ». ولأن القصد مِن النَّذر التقرب إلى الله تعالى، والمعصية لا يجوز التقرب بها؛ لأنها منهي عنها. ومِن نَذْرِ المعصية : نَذَرَ ذبح خروف مثلاً لولي من الأولياء، أو نذر مبلغ من المال يضعه في صندوق ضريحه، فلا يجب الوفاء به، بل يجب على الناذر أن يتصدق بذلك المال المنذور على الفقراء والمساكين.
وذبح الخروف أو العجل عند الضريح حرام؛ لأن النُّسُك لا يكون إلا بمكة، وإذا لم يجز النُّسُك عند الروضة الشريفة فعدم جوازه عند ضريح ولي أولى ()، فإن قال : أردت التصدق به على روح الولي، قلنا: فاذبحه في بيتك أو
(۱) من المحرم أيضًا ما جرت به العادة عند بعض المصريين أنهم يذبحون عجلا تحت
سمير الصالحين
۱۳۵
اشتره مذبوحا ثُمَّ تَصَدَّق به على روح من شئت.
فإن قيل : فما الفرق بين ذبح الخروف في البيت أو في دكان، وبين ذبحه عند
ضريح ولي؟ قلنا: ضريح الوليّ يُقَدِّسه العامَّة، ويقصدونه بالزيارة والتوسل، وهو
عندهم أفضل من أي(۱) موضع آخر، فالذبح عنده يكون في معنى النُّسُك، وكذلك يطوفون به والطواف عبادةٌ خاصة بالبيت الحرام لا تجوز بغيره ولو قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم. فإن قيل: فكيف نذرت عائشة رضي الله عنها أن تهجر ابن أختها عبدالله بن الزبير فلا تكلمه أبدا؟ قلنا : كان ذلك اجتهادًا منها أخطأت فيه، لكن لا يصح
تقليدها.
ونحن نذكر القصة بتمامها ونبين وجه الصواب فيها :
ثبت في "صحيح البخاري" عن عوف بن مالك بن الطفيل: أنَّ عائشة رضي الله عنها حدثت أنَّ عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة رضي الله عنها: والله لتنتهينَّ عائشة أو لأحجرن عليها، فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم. قالت: هو الله على نذر ألا أكلم ابن الزبير أبدا. فاستشفع إليها ابن الزبير حين طالت الهجرة، فقالت: لا والله لا أشفع فيه أبدًا ولا أتحنث إلى نذري. فلما طال ذلك على ابن الزبير كلَّم المسور بن مخرمة
نعش الميت وهم خارجون به إلى المقبرة.
(۱) وقد يكون الضريح في قبلة المسجد، فيتعمد بعض الجهَّال أن يستقبله في صلاته تبركا ولا يدري أن هذا يبطل صلاته.
١٣٦
الحديث الشريف
وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وقال لهما : أنشدكما الله لما أدخلتماني على عائشة رضي الله عنها فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي.
فأقبل به المسور وعبدالرحمن حتى استأذنا على عائشة فقالا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أندخل ؟ قالت عائشة : ادخلوا. قالوا: كلنا؟ قالت: نعم، ادخلوا كلكم - ولا تعلم أن معهما ابن الزبير - فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة رضي الله عنها، وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبدالرحمن يناشدانها إلا كلمته وقبلت منه، ويقولان: إِنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم نهى عما قد عملت من الهجرة ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلما أكثروا عليها من التذكرة والتحريج، طفقت تذكرهما وتبكي وتقول: إني نذرت والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها.
فإذا تأملت هذه القصة وجدتها تفيد أشياء:
1 - أن عائشة رضي الله عنها لم تهجر عبدالله بن الزبير لمعصية اقترفها، وإنما غضبت من اعتراضه على تصرُّف من تصرفاتها، وكان يمكن أن تهجره عدة أيام حتى يهدأ غضبها، لكنها أسرعت بنذر هجره لحدة كانت فيها ورثتها عن أبيها رضي الله عنها (۱).
٢ - أن ابن الزبير صرَّح بأن عائشة لا يحل لها أن تنذر قطيعته؛ لأن قوله
والله لأحجرنَّ عليها لا يستوجب ذلك.
(۱) كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيه حِدَّةٌ معروفة.
سمير الصالحين
۱۳۷
- أنَّ المِسْوَر وعبد الرحمن قالا لها: إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم نهى عن الهجرة، وأنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلم تذكر لهما حديثاً يخصص ما أبدياه من الدليل، وإنما اعتذرت بالنذر، وغاب عنها أنَّ هذا النذر لا يجب الوفاء به؛ لأنه يشتمل على قطيعة، لكنها اجتهدت وأخطأت مأجورة على اجتهادها غير مؤاخذة بخطئها، ولا يصح تقليدها كما
فهي
تقدمنا؛ لأن النص في تحريم الهجر ثابت عام لا تُخصص له (۱). (تنبيه) : مَن نَذَرَ نَذرًا مطلقا ولم يعينه كأن قال: الله على نذر - وجب عليه كفارة يمين وهي: إطعام عشرة مساكين من أوسط الطعام أو كسوتهم أو عتق
رقبة، فإن لم يستطع صام ثلاثة أيام.
(۱) وقد خالفها ثلاثة مجتهدون وهم ابن الزبير والمسور وعبدالرحمن، وتمسكوا في
مخالفتهم بعموم النص.
۱۳۸
الحديث الشريف
- اختيار القائد
عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال يوم خيبر : الأُعْطِينَ هذه الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ على يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ ويُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ». فبات الناس يَدُوكُون ليلتهم أيهم يعطاها؟ فلما أصبح النَّاسِ غَدَوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يرجون أن يُعطاها، فقال: «أين علي بن أبي طالب؟» فقيل: يا رسول الله هو يشتكي عَيْنَيْهِ، قال: «فأرسِلُوا إليه».
فأتى به، فبَصَقَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في عينيه، ودعا له فبريء حتى كأن لم يكن به وَجَعٌ، فأعطاه الرَّاية. فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: «انْفُذُ على رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بساحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسلام وأخبرهم بما يَجِبُ عليهم مِن حَقٌّ الله تعالى فيه، فوالله لأن يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لك مِن حُمْرِ النَّعَمِ». رواه
الشيخان.
بيان المفردات
خَيْبَر : بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتية وفتح الموحدة التحتية، موضع بينه وبين المدينة ثمانية برد، يشتمل على حصون ومزارع ونخل كثير .
يَدُوكُون يخوضون، بوزنه ومعناه.
على رِسْلِك: بكسر الراء وفتحها وسكون السين، على مهلك.
حمر النعم: إبل نفيسة من أنفس أموال العرب.
سمير الصالحين
المعنى
۱۳۹
كانت غزوة خيبر في المحرَّم سنة سبع من الهجرة على المشهور عند الجمهور، خرج إليها النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بعد رجوعه من الحديبية، واستنفر الذين شهدوا الحديبية يغزون معه، وجاء المخلفون عنه في غزوة الحديبية يريدون الخروج معه إلى خيبر رجاء الغنيمة، فقال: «لا تخرجوا معي راغبين في الجهاد، فأما الغنيمة فلا». وأمر مناديًا ينادي بذلك، ونزل قوله تعالى: سَيَقُولُ الْمُخَلَفُونَ إِذَا أَنطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَائِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُريدُون أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُ ونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الفتح: ١٥].
وكان الله تعالى وعد رسوله عند منصرفه من الحديبية في (سورة الفتح)
التي نزلت هناك مغانم بقوله تعالى: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَائِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا [الفتح: ٢٠] الآية، وهي مغانم خيبر.
وفي المسير إليها أشرف الناس على وادٍ فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فقال لهم النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «ارْبَعُوا على أنفُسِكُم،
إنَّكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم». وما أشرف صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على خيبر - وكان صباحًا- قال لأصحابه: «قفوا». ثُمَّ قال: «اللهمَّ ربَّ السَّمواتِ وما أَظْلَلْنَ، وربَّ الْأَرْضِين وما أَقْلَلْنَ، وربَّ الشَّياطين وما أَضْلَلْنَ، وربَّ الرِّياحِ وَمَا ذَرَيْنَ، فَإِنَّا نسألك من خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك مِن شَرِّها وشَرِّ أهلها
١٤٠
الحديث الشريف
وشَرَّ ما فيها. أَقْدِمُوا بِاسْمِ الله».
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول هذا الدعاء لكل قرية دخلها. ولما خرج اليهود في الصباح بفئوسهم ومَكاتِلهم رأوا النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قالوا: محمد ،والخميس وأدبروا هَرَبًا، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «الله أكبر خَرِبَتْ خَيْبَرَ ، إِنَّا إِذا نَزَلْنا بساحِةِ قومِ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرين». ونزل صلى الله عليه وآله وسلَّم قريبا من حصن النطاة -وهو من حصون خيبر - فقال له الحباب بن المنذر : يا رسول الله إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان عن أمر أمرت به فلا نتكلم، وإن كان الرأي تكلمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «هو الرأي». فقال: يا رسول الله إنَّ أهل النطاة لي بهم معرفةٌ، ليس قوم أبعد مدى سهم منهم، ولا أعدل رميةً منهم، وهم مرتفعون علينا وهو أسرع لانحطاط نبلهم، ولا نأمن من بياتهم يدخلون في حمرة النخل، تحوّل يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَشَرْتَ بالرأي، إذا أَمْسَينا إن شاء الله تحولنا». ودعا محمد بن مسلمة فقال له: «انظر لنا مَنْزِلًا بعيدًا». فطاف محمد بن الله عنه وقال: يا رسول الله وجدت لك منزلا، فقال صلى الله
مسلمة رضي عليه وآله وسلّم: «على بركة الله». وتحوَّل ما أمسى وأمر الناس بالتحول، وبنى صلى الله عليه وآله وسلّم مسجدا هناك - صلَّى فيه طول مقامه محاصرا الخيبر - وقبل بدء القتال قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم للصحابة: «لا تتمنوا لِقاءَ العدو، واسألوا الله العافية، فإنكم لا تَدْرُون ما تُبتلون به منهم، فإذا لقيتموهم فقولوا: اللهم أنت ربنا وربُّهم، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تقتلهم
سمير الصالحين
١٤١
أنت (۱). ثُمَّ الحَ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على حصن ناعم من حصون النطاة بالرمي ويهود تقاتل، والنبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم على فرس يقال له: الطَّرْف (۲) - وعليه دِرْعَان ومِغْفَرُ وبَيْضَةٌ وفي يده قناة وترس، واستمر القتال عدة أيام، دفع النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم خلالها اللواء لرجل من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئًا، ثُمَّ دفعه إلى آخر من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئًا، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لأُعْطِينَّ هذه الرَّايَةَ غدًا رجلًا يَفْتَحُ الله على يَدَيْهِ، يحبُّ اللهَ ورسولَهُ ويُحِبَّه الله ورسوله». فبات الناس يخوضون أيهم يكون ذلك الرجل؟ حتى قال عمر رضي الله عنه: ما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم، وكان علي رضي الله عنه قد تخلف بالمدينة ثُمَّ لحق بهم في خيبر، وكان أرمد شديد ،الرمد، فلما أصبحوا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن علي عليه السَّلام؟ فقيل له: إنه يشتكي عينيه، فقال: «مَن يأتيني به؟» فذهب إليه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وأخذ بيده يقوده حتى أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قد عصب عينيه، فبصق فيهما -يعني نفث- ودعا له فبريء كأن لم يكن به وجع قطُّ، وأعطاه الراية - تدعى العقاب وكانت سوداء من برد لعائشة رضي الله عنها - فذهب إلى ميدان القتال، وفتحت خيبر على يديه.
(۱) هذا مطابق لقوله تعالى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
ولكن اللهَ رَمَى [الأنفال: ١٧].
(۲) بكسر الطاء وسكون الراء الكريم من الخيل.
١٤٢
الحديث الشريف
ما وقع في غزوة خيبر
وقع في هذه الغزوة أشياء:
- لما توجّه علي -رضي الله عنه - إلى حصن ناعم ركز الراية تحت الحصن، فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال: من أنت؟ قال: علي بن أبي طالب، فقال اليهودي: علوتم وحقٌّ ما نزل على موسى، ثُمَّ خرج إليه أهل الحصن، وكان أول من خرج منهم إليه الحارث أخو- مرحب - وكان معروفًا بالشجاعة، فثبت له علي رضي الله عنه وتضاربا فقتله علي كرم الله وجهه وانهزم اليهود إلى
الحصن، فخرج إليه مرحب - أخو الحارث - وهو يقول: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ شَاكِي السَّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
فأجابه علي رضي الله عنه مُرتجزًا أيضًا:
أنا الذي سَمَّتْنِي أُمّي حَيْدَرَه كَلَيثِ غَابَاتٍ كَرِيـهِ المَنْظَرَه فحمل عليه مرحب ،فضربه فطرح ترسه من يده فتناول علي كرم الله وجهه بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى قتل مرحبا بضربة سيف تلقاها مرحب بترسه فقَدَّتُه وشَقَّت المِغْفَر والحجز الذي تحته وعمامتين وفلق هامته، وأخذ السيف في الأضراس. وإلى ذلك أشار بعض الأدباء بقوله وأجاد :
وشادِن أَبصَرْتُهُ مُقْبِلا فَقُلتُ مِن وَجْدِي بِهِ مَرْحَبا قد فُؤادِي في الهَوَى قَدَّةٌ قَدَّ عليّ في الوَغَى مَرْحَبا وفتح الله حصن ناعم، وهو أول حصن من خيبر فتح على يد علي عليه السلام.
سمير الصالحين
١٤٣
٢ - روى البيهقي في "دلائل النبوة" عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أنَّ رجلا أتى النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وآمن وهو على بعض حصون خيبر، وكان الرجل في غَنَم يرعاها لأهل خيبر فقال: يا رسول الله كيف لي بالغنم؟ قال: «احْصِب وجُوهها، فإنَّ الله سيؤدي عنك أمانتك ويردها إلى أهلها». ففعل، فسارت كل شاةٍ حتّى دخلت إلى أهلها وهذه معجزة عظيمة. وذلك الرجل اسمه أسلم وقيل يسار، وكان عبدا حبشيا، وبعد إسلامه انضم إلى صفوف المسلمين يُجاهد معهم، فأتاه سهم غرب (۱) فقتله فاستشهد ولم يسجد لله سجدةً، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه نفر من أصحابه فأعرض عنه، فقالوا: يا رسول الله لم أعرضت عنه ؟ قال : إنَّ الآن زَوْجَتْبِهِ مِن الحُورِ العِين تَنْفُضَان التُّراب عن وَجْهِهِ، وتقولان: تَرَّبَ اللَّهُ وَجْهَ مَن تَرَّبَ وَجْهَكَ ، وقَتَلَ مَن قَتَلَكَ».
معه
- في "صحيح مسلم عن علي عليه السَّلام: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم نهى عر ا نهى عن متعة النساء يوم خيبر، ثُمَّ أبيحت بعد ذلك، ثُمَّ حُرمت.
قال الإمام الشافعي: لا أعلم شيئًا حُرّم ثُمَّ أبيح ثُمَّ حُرِّم إِلَّا المتعة. ونقل السهيلي وغيره أنها أبيحت وحُرّمت ثلاث مراتٍ، وآخر مرة حُرمت فيها المتعة غزوة أوطاس ولم تبح بعد ذلك.
وثبت تحريمها في "الصحيحين" وانعقد عليه إجماع أهل السنة خلافا للشيعة الإمامية، وابن عباس أباحها للضرورة عند الخوف من الزنا، وقيل:
(۱) غرب، بفتح الراء وإضافة سهم إليه، وبسكون الراء على أنه صفة لسهم، ومعناه على الوجهين: سهم لا يعرف راميه.
١٤٤
الحديث الشريف
رجع عن ذلك.
ووقعت فيها مناظرة بين القاضي يحيى بن أكثم والخليفة المأمون: ذلك أنَّ المأمون نادى بإباحة المتعة فدخل عليه القاضي يحيى متغيّر اللون فقال المأمون: مالي أراك متغيرا؟ قال: لما حَدَثَ في الإسلام، قال: وما حدث؟ قال: النداء بتحليل الزنا، قال: المتعة زنا ؟ قال : نعم المتعة زنا، قال: ومن أين لك هذا؟
قال : من كتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
أما الكتاب: فقد قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خشمون إلى قوله: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَفِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَتُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ( فمن ابتغى وراء ذلك فأوليك هم
الْعَادُونَ ﴾ [المؤمنون: ۱-۷]. يا أمير المؤمنين: زوجة المتعة مِلْك يمين؟ قال: لا. قال: أفهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث ويلحق بها الولد ؟ قال: لا. قال: فقد صار متجاوز هذين من العادين.
وأما السنة: فقد روى الزهري بسنده إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال : أمرني رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أباحها. فالتفت الخليفة للحاضرين وقال: أتحفظون هذا من حديث الزهري؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين، فقال المأمون: أستغفر الله نادوا بتحريم المتعة. - ثبت في "الصحيح" أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم رأى نيرانا
سمير الصالحين
١٤٥
توقد يوم خيبر قال: «علام) توقد هذه النيران؟» قالوا: على الحُمر الإنسيَّة، قال: اكسروها - يعني القدور وأهْرِقُوها» قالوا: ألا نهريقها ونغسلها؟ قال: «اغسلوا». وأمر صلَّى الله عليه وآله وسلّم أبا طلحة فنادى: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس، فأكفئت القُدُور
وإنها لتفور.
وفي "السنن" لأبي داود عن خالد ابن الوليد رضي الله عنه قال : نهى رسول الله
صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن أكل لحوم الحمر الأهلية والبغال والخيل. وهذا الحديث - وإن كان في سنده كلام - يؤيده القرآن، فإن قوله تعالى في معرض الامتنان: ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ [النحل: ۸] يقتضي تحريم الخيل، ولو كانت مباحةً لامتن بأكلها كما امتن به في الإبل إلى جانب امتنانه بشرب لبنها وبركوبها، قال تعالى: وَالْأَنْعَمَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ )) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالُ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ شرحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بِلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ [النحل: ٥-٧]، وقال سبحانه: ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَمِ لَعِبَرَةُ تُسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونَهَا وَلَكُمْ فيها منفعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ [المؤمنون: ۲۱ - ۲۲] ولهذا قال مالك بتحريم أكل الخيل ودليله قوي راجح.
وذهب الشافعي إلى إباحة أكلها، ودليله ما رواه أبو داود بإسنادٍ على شرط
مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال، ولم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عن الخيل.
١٤٦
الحديث الشريف
وما رواه مسلم عن أسماء رضي الله عنها قالت: نحرنا فرسًا على عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأكلناه.
قال السهيلي: وحديث الإباحة أصح.
قلت: لكنه ليس بصريح في الإباحة؛ لأن قول جابر: لم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخيل يحتمل أمورًا:
1 - أنه سكت عن النهي.
٢ - أنَّ جابرًا لم يسمع )
النهي الذي سمعه خالد بن الوليد، فنفى بحسب
علمه ولم يقل: وأباح النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم الخيل.
- أنه لم ينههم عن الخيل ترخيصا لهم؛ لأنهم ذبحوا الحمر من جوع أصابهم كما ثبت في الروايات الصحيحة فنهاهم عنها لاستقذارها، وسكت
عن الخيل ترخيصا ليتقووا بأكلها في غزوتهم تلك.
ويؤخذ منه أن المضطر إذا وجد مُحرَّمين أو أكثر تناول أخفها استقذارًا أو
أقلها تحريما.
وقول أسماء: «نحرنا فرسًا على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم» لا يفيد اطلاعه على ذلك وإقراره، ألا ترى أنهم ذبحوا يوم خيبر حمرا، وطبخوا
لحمها ، ولم يعلم النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم بذلك حتى سأل عنه؟! ثُمَّ إِنَّ قول أسماء يحكي حادثة فردية لم تتكرر، فيجوز أنهم ذبحوا فرسا
لضرورة اقتضت ذبحه كما اقتضت الضرورة ذبح الحمر يوم خيبر. ه - في "عيون الأثر" للحافظ الدمياطي: لما فتحت خيبر واطمأن الناس، جعلت زينب ابنة الحارث - أخي مرحب تسأل: أي الشاة أحب إلى محمد
سمير الصالحين
١٤٧
صلى الله عليه وآله وسلَّم؟ فيقولون: الذَّراع، فعمدت إلى عنز لها فذبحتها وصلتها (۱) ثُمَّ عمدت إلى سُمَّ لا يلبث أن يقتل من ساعته فسمت الشاة وأكثرت في الذراعين والكتف، فلما غابت الشمس وصلَّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم المغرب بالناس انصرف وهي جالسة عند رحله، فسأل عنها؟ فقالت: يا أبا القاسم هديَّةٌ أهديتها إليك، فأمر بها فأخذت منها ووضعت بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه حضور أو من حضر منهم- وفيهم بشر بن البراء بن معرور رضي الله عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «ادنوا». فقعدوا، وتناول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذراع فانتهش منها قطعة فلاكها ثُمَّ ألقاها، وقال للقوم: ارفعوا أيديكم، فإنَّ هذه الذراع تُخبرني أنها مَسْمُومَةٌ». وكان بشر قد بلع اللقمة، فلم يقم من مكانه حتى توفّي.
ثُمَّ أرسل رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم إلى تلك اليهودية فقال: أَسَمَمْتِ هذه الشَّاة؟ فقالت: مَن أخبرك؟ قال: «أخبرتني هذه الذراع التي في يدي». قالت: نعم، قال: ما حَمَلَكِ على ما صَنَعْتِ؟» قالت: قتلت أبي وعمي وزوجي ونلْتَ مِن قومي ما نلت، فقلتُ: إن كان مَلِكًا استرحنا منه وإن كان نبيا فسيخبره، فقتلها ببشير رضي الله عنه.
وأشار إلى هذه المعجزة تقي الدين السبكي في "تائيته" بقوله: وأَحْيَيْتَ عُضْوَ الشَّاةِ بَعْدَ مَمَاتِها فَجَاءَ بِنُطْقِ مُوضِح للنَّصِيحَةِ وقال رسول الله لا تَكُ آكلي فزينبُ سَامَتْنِي الهَوانَ وسَمَّتِ
(۱) صَلَتها - بفتح الصاد واللام المخففة : شوتها.
١٤٨
وقال البوصيري في " الهمزية" :
الحديث الشريف
ثُمَّ سَمَّتْ لَه اليَهُودِيَّةُ الشَّاةَ وكَمْ سَامَ الشَّقْوَةَ الأَشْقِياءُ فأَذَاعَ الذَّرَاعُ مَا فِيهِ مِن سُمَّ بِنُطْقِ إِخْفَاؤُهُ إِبْدَاءُ وبِخُلْقٍ مِن النَّبيِّ كَرِيمٍ لام تقاصَصُ بِجُرْحِهَا العَجْمَاءُ (۱) وفي "الصحيح": أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال في مرضه الذي توفّي فيه: «ما زالت أكْلَةُ خَيْبَر تُعاوِدُني حتى كان هذا أوان انقطاع أَبهري». والأبهر : العرق المتعلّق بالقلب. وبذلك جمع الله له بين النبوة والشهادة فهو صلى الله عليه وآله وسلَّم نبي شهيد.
٦ - روى أبو نعيم في "الدلائل" عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لما فتح خيبر أصاب حمارًا أسود، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ما اسمك؟ قال: يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين حمارًا كل منهم لا يركبه إلا نبي، وقد كنت أتوقعك لتركبني؛ لأنه لم يبق من نسل جدي غيري ولا من الأنبياء غيرك، وقد كنت قبلك لرجل يهودي فكنت أتعثّر به عمدا، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «فَأَنْتَ يَعْفُورٌ». فكان يبعثه إلى الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه، فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه: أن أجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، فلما قُبِضَ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم جاء إلى بيرت كانت لأبي
(۱) أي: سامحها -صلى الله عليه وآله وسلَّم- ولم يقتص منها لأنها سمته، ولكن لأنها قتلت بسمها بشرًا رضي الله عنه.
سمير الصالحين
الهيثم بن التيهان فتردَّى فيها جَزَعًا على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم.
قال ابن حِبَّان: «هذا خبر لا أصل له وإسناده ليس بشيء.
١٤٩
وقال ابن الجوزي: «لَعَنَ اللهُ واضِعَهُ فإنه لم يقصد إلا القدح في الإسلام
والإستهزاء به».
وقال الحافظ بن كثير: «هذا شيء باطل لا أصل له من طريق صحيح ولا ضعيف، وسألت شيخنا المزِّيَّ رحمه الله، فقال: ليس له أصل وهو ضحكة، وقد أودعه كتبهم جماعة منهم القاضي عياض في "الشفا"، والسهيلي في روضه" وكان الأولى ترك ذكره»، ووافقه الحافظ ابن حجر. وقول الزرقاني في شرح المواهب": ليس فيه ما يُنكر شرعًا، فلا بدع في وقوعه له صلَّى الله عليه وآله وسلّم فنهايته الضعف لا الوضع». اهـ.
11
غير
صحيح،
بل الحديث واضح النكارة والبطلان، وما ذكرته هنا :
إلا
للتنبيه على بطلانه.
ما يؤخذ من الحديث
يؤخذ منه أمور:
۱ - فضل علي رضي الله عنه حيث شهد له النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بأنه يحبُّ اللهَ ورسولَهُ ويُحبُّه الله ورسوله، واختصه بإعطاء الراية مع استشراف
الصحابة لها ورجاء كلّ واحدٍ منهم أن يكون صاحب هذه المنقبة. ٢ - أنَّ عليَّا كرَّم الله وجهه أقوى الصحابة جسما، وأشجعهم قلبا، وأعرفهم بفنون الحرب، وأخبرهم بأصول الطعن والضرب، وإلا لما اختاره النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لفتح خيبر وهو يعلم أنَّ أهلها فيهم أبطال
۱۵۰
الحديث الشريف
حروب مثل مرحب وأخويه الحارث وياسر ، وفيهم رماة مثل أهل حصن ) النطاة، حتى كان كثير من قريش يعتقدون أن الصحابة إذا التقوا بأهل خيبر فسيكون مصيرهم الهزيمة.
- أنَّ الإمام يختار للمهمة التي يريد إنجازها الشخص الكفء(۱) لها والقادر على القيام بها، وهذا من النصيحة الواجبة عليه، بحيث لو ولى شخصا
عملا وفي المسلمين من هو أكفأ منه فإنه يكون غاشا لهم كما صح في الحديث. ٤- أن المسلم ينبغي ! له أن يتطلع إلى الوظائف الدينية التي يقضي بها
مصلحة للإسلام والمسلمين، ألا ترى إلى قوله: «فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كلهم يرجو أن يُعطاها»، وصح في رواية: أن عمر رضي الله عنه قال: «فما أحببت الإمارة إلا يومئذ»، وما كان منهم ذلك
الرجاء إلا لأجل أن يتحقق لهم حب الله ورسوله وفتح خيبر. ه - حصول الفتح على يد علي كرم الله وجهه كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يدخل في باب الإخبار بالغيبيات (٢). ٦- شفاء علي من رمده الشديد بنفث النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم
ودعائه، وهي معجزة لا شك فيها ذكرها البوصيري في الهمزية بقوله: وعلي لما تفلت بعينيه وكلتاهمــــا مــــــا رمـــــــاءُ
(۱) بفتح الكاف وكسر الفاء: بوزن النظير ومعناه. (۲) ويدل أيضًا على أنَّ عليا رضي الله عنه كان ميمون النقيبة سعيد الحظ، على نقيض ما قال ابن تيمية في منهاجه عنه: أنه كان مشئوما مخذولا ، وتلك كلمة فاجرة تنبيء عما في قلب
قائلها من حقد على وصي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخيه كرم الله وجهه.
سمير الصالحين
١٥١
فغدا ناظرًا بِعَيْنَي عُقاب في غَزاة لها العُقابُ لِواءُ - أنَّ المسلمين لا يبدأون الكفَّار بالقتال حتى يدعوهم إلى الإسلام
ويُبينوا لهم أحكامه ومحاسنه.
- أن إسلام الكافر بالحجة والبرهان أفضل من إسلامه بالسيف والسنان لقوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «فوالله لأن يهدي الله بك رَجُلًا وَاحِدًا خُيرٌ
لك مِن مُمرِ النَّعَمِ».
عن
٩- ينبغي
أن يكون أمير الجيش عالما فصيحًا يعرف أحكام الدين ويُبين
أحكامه وبراهينه، ولهذا اختار النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام فقد كان أعلم الصحابة وأفصحهم.
١٠ - أنَّ الخليفة يجب عليه أن يراعي فيمن يوليه مجرد المصلحة العامة ولا يراعي فيه قرابة أو صداقة، فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم حين أعطى عليا الراية راعى فيه أمرين: حب الله ورسوله، وقدرته على إدارة دفة الحرب،
بحيث يكون الفتح على يديه ولم ينظر إلى كونه ابن عمه وصِهْرِه.
١٥٢
الحديث الشريف
الاستهانة بالمعصية
عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه: أنَّ أبا بكر وعمر وناسا جلسوا بعد وفاة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فذكروا أعظم الكبائر فلم يكن عندهم فيها علم، فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو أسأله؟ فأخبرني أن أعظم الكبائر . شُرب الخمر، فأتيتهم فأخبرتهم فأنكروا ذلك ، ووَثَبُوا إليه جميعًا حتى أتوه في داره، فأخبرهم أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ مَلِكًا مِن ملوك بني إسرائيل أخذ رجلًا فخيَّره بين أن يشرب الخَمْرَ، أو يَقْتُل نفسا، أو يَزني، أو يأكل لحم خنزير، أو يقتلوه، فاختار الخَمْرَ، وإنه لما شَرِبَ الخَمْرَ لم يمتنع من شيءٍ أرادوه منه». وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما مِن أَحَدٍ يَشْرُ بها فتُقْبَل له صلاةً أربعين ليلةً، ولا يَمُوتُ وفِي مَثَانَتِهِ منها شيءٌ إِلَّا
حُرّمتْ بها عليه الجنَّةُ، فإن مات في أربعين ليلةٌ ماتَ مَيْتةً جاهليَّةٌ». رواه الطبراني بإسناد صحيح، وصححه الحاكم على شرط مسلم.
وَثَبُوا : أسرعوا.
مَثَانَتِهِ : موضع تجمع بوله.
بيان المفردات
مَيْتَة جاهليَّةٌ : مَيتَةً على غير سُنَّة الإسلام.
المعنى
كان ملوك بني إسرائيل إلا القليل منهم . ظلمة يتبعون شهواتهم المحرمة، ويُرغمون بعض الصالحين من رعاياهم على تناول بعض المحرمات ليتخذوا تناول الصالح لمحرَّم وسيلة إلى التظاهر بالمحرمات والإفراط في
سمير الصالحين
١٥٣
تناولها، وإن كان الرجل الصالح قد تناول منها بطريق الإكراه والتهديد، وأهل المعاصي والفسوق يشعرون بقبح عملهم وازدراء الناس لهم فيحبُّون مشاركة غيرهم لهم خصوصا الفُضَلاء والصُّلَحاء، ويسعون في تحقيق تلك المشاركة بطريق الإغراء تارةً والتهديد تارةً أخرى، حتى إذا شاركهم مشارك خَفَّ
عندهم الشعور بقبح ما هم فيه، وهان عليهم إزراء الناس بهم. وقد أخبرني شخص كان يشرب الخمر ثُمَّ تاب: أنه إذا حضر مجلس شربه زائر لا يشرب الخمر يضيق بحضوره ويحاول إغراءه على مشاركته في الشرب، فإن أجابه استراح وانشرح صدره، وإن لم يشرب معه . ظل منحرف المزاج
شاعرًا بنقص قَدْرِه عند زائره حتى يستأذن ويفارق المجلس. على أساس هذه الظاهرة النفسية عند أهل الفسوق والمعاصي نفهم سر إكراه الملك الإسرائيلي لذلك الرجل الصالح على تناول إحدى تلك المحرمات، فإنه كان يشعر بقبح شرب الخمر وأكل الخنزير ومباشرة الزنا وقتل الولد الذي يكون ثمرة زناه.
وأراد من الرجل الصالح أن يفعل بعض تلك الموبقات حتى يخفّ عنده وخز النفس ويقل تأنيب الضمير، ويظهر أنَّ ذلك الرجل المستكره كان ضعيف الإرادة، واهي العزم خاف القتل وآثر اقتراف المعصية على شرف الاستشهاد في سبيل التمسك بطاعة الله ونيل رضاه، فاختار شرب الخمر؛ لظنه أنه أهون ما عرض عليه من الكبائر الأربعة، لكنه لما شربها فقد عقله الذي يميز به بين الحسن والقبيح، وبين النافع والضار، وهذه . خطورة الخمر تطغى على عقل شاربها وتفقده اتزانه وحياءه ووقاره، فيجتريء على عظائم
هي
١٥٤
الحديث الشريف
الذنوب وقبائح الأمور، لا يرى فيها شيئًا يثلم دينه أو يجرح حياءه ووقاره، ومن هنا أقدم ذلك الإسرائيلي على تناول ما أكره عليه؛ فقتل النفس، وزنى، وأكل لحم الخنزير، وهذه الكبائر الثلاثة أكبر من الخمر إنما - إذ القتل يلي الكفر، ثُمَّ يليه الزنا، ثُمَّ أكل الخنزير - إلَّا أنَّ الخمر بما تستتبعه من المعاصي وبما
يترتب على شربها من الموبقات كانت أعظم الكبائر أثرًا.
وسُميت أم الخبائث لأنها تتولد عنها، فقد يزني السكران ببعض محارمه، وقد يُطلق امرأته ثُمَّ يزني بها أو يقتلها، بل قد تصدر عنه أقوال أو أفعال مُكفّرة
والعياذ بالله تعالى، وقد يصل السكران إلى حالة تجعله مثار ضحك وسخرية. وذكر بعض العلماء: أنه كان يمر بشارع من شوارع بغداد فوجد سكران ملقى على الأرض بجانب كناسة، فأتى كلب ورفع رجله وصار يبول، وجعل السكران يتلقى بوله بيده ويمر بهما على وجهه ويقول للكلب : شكرًا لك لم
تكلف نفسك؟ ولا غرابة في حصول هذا وشبهه للسكران؛ لأنه بفقده لعقله يصير أشبه بالمجنون، بل أحط من الحيوان.
ما يؤخذ من الحديث
يؤخذ منه أمور:
1 - أنَّ لحم الخنزير كان محرَّمًا على بني إسرائيل كما هو محرَّم علينا، أما القتل والزنا والخمر فهي من الضروريات الخمس التي اتفقت عليها الملل. ٢ - أنَّ من شرب الخمر لا تقبل صلاته في مدى أربعين ليلة بعدد الجلد الذي يجب في حدّها.
سمير الصالحين
١٥٥
٣- أن الكبيرة تهدم عدة حسنات، ألا ترى أنَّ شارب الخمر لا تُقبل له مائتا صلاة - هي عدة صلاة أربعين ليلة - فكيف إذا انضمت إليها كبائر أخرى، لا شك أنها تقضي على حسناته إن لم تدركه رحمة الله وعفوه، ومن ثُمَّ
جعل الشارع اجتناب الكبائر شرطًا في تكفير الحسنات للصغائر. ففي "صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الصَّلَواتُ الخَمْسُ والجُمُعَةُ إلى الجُمُعَةِ، ورَمَضَانُ إِلى رَمَضَانَ مُكَفِّرات لما بينهنَّ إذا اجتنبتِ الكَبائِرُ».
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أَنَّ عابِدًا مِن بني إسرائيل مَكَثَ يعبد الله في صومعة ستين سنة فأشْرَفَ ذات يومٍ مِن الصَّوْمَعَةِ فرأى الأرض مُحْضَرَّةً بالنبات، وأعجبته بهجتها فقال في نفسه: أنزل وأمشي في هذه الأرض مُتفَكَّرًا ومُعْتَبَرًا، فنزل يمشي فقابلته امرأة فكلمها وكلمته حتَّى غَشِيَها ، ثُمَّ نَدِمَ، ونزل يستحم في غدير، فمرَّ به سائل فأشار له إلى رغيف على ثيابه، فأخذه السائل وذهب، ثُمَّ مات العابد، وعُرِضَ على الله ووُزِنَتْ أعماله فرَجَحَتْ تلك الزَّنْية بعبادة ستين سنةً ولم ينفعه إلَّا ذلك الرغيف الذي تَصَدَّق به».
وإنما نفعته هذه الصَّدَقة ورَجَحَتْ على الزِّنا؛ لأنها جاءت بعد النَّدَم الذي
هو توبة.
٤- أن كبار الصحابة قد تخفى عليهم أحاديث وسُنَن توجد عند صغارهم، فهذا الحديث كان عند عبدالله بن عمرو بن العاص ولم يعرفه أبو
107
الحديث الشريف
بكر وعمر رضي الله عنهما مع كثرة ملازمتهما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنهما كانا يغيبان عن مجالس النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم في طلب نفقة لهما ولعيالهما، فتفوتهما أحاديث يحضرها غيرهما.
وقد اعترف عمر رضي الله عنه بهذا فقال في حديث سمعه . معه صحابي آخر ولم يسمعه هو : ألهانا الصَّفْقُ بالأسواق.
ه تواضع الصحابة وطلبهم للعلم ممن هو أصغر منهم؛ لأنه قد يوجد من العلم عند الصغير ما ليس عند الكبير، وإنما بعثوا إلى عبد الله بن عمرو يسألونه لأنه كان يكتب ما يسمعه من الأحاديث وهم لا يكتبون.
العبرة من هذه القصة
الاستهانة بالمعصية وتهوين شأنها توقع في التهلكة، وتؤدي إلى غضب الله وعقابه، فذلك الرجل الذي استكرهه الملك وخيَّره بين فعل إحدى تلك الكبائر الأربعة أو القتل، استهون منها الخمر ورآها أقلهنَّ إثما، وتناولها على هذا الاعتبار فكان فيها حتفه وضياع دينه.
فيجب على المسلم ألا يهون معصية ولو صغيرة عسى أن يكون فيها غضب الله.
وقد ضرب النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم مثلا للصغائر التي تجتمع على المسلم فتدخله النَّار بقومٍ مسافرين حضر صنيعهم -أي طعامهم- فجاء ذا
بعود، وجاء ذا بعود، فجمعوا حطبًا أنضجوا ما قذفوه فيه.
وقال العلماء: إنَّ الله تعالى أخفى رضاه في طاعته، وغضبه في معاصيه.
سمير الصالحين
ويقول ابن المعتز :
١٥٧
خل الذُّنوبَ صَغِيرها وكَبِيرهـاهـ وكبيرهــــــا هــــذا التقـــــى
واصْنَعْ كَما شِ فَوْقَ أَرْضِ الشَّوكِ يَحْذَرُ ما يَرَى لا تحقرن صغيرة إنَّ الجبال من الحصى
(تنبيه): وقعت قصة أخرى تشبه هذه القصة:
رضي
الله عنه
روى أبي الدنيا في كتاب "ذم المسكر" عن عثمان بن عفان ر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «اجْتَبوا أم الخبائث، فإنه كان رجلٌ من قبلكم يتعبَّد ويَعْتَزل النَّاسَ، فَعَلِقَتْه امرأةٌ فأرسلت إليه خادمًا: إِنَّا ندعوك لشهادة، فدخل، فطفقت كلَّما دخل بابا أغلقته دونه، حتى إذا أفضى إلى امرأةٍ وضيئة جالسة وعندها غلام، وباطية فيها خمر، فقالت: إنَّا لم ندعك لشهادة ولكن دعوتك لتقتل هذا الغلام، أو تَقَعَ عليَّ، أو تشرب : من الخمر، فإن أبيت صِحْتُ بك وفضحتك، فلما رأى أنه لا بد له من ذلك قال: اسقيني كأسًا من الخمر فسقته كأسًا من الخمر، فقال: زيديني، فلم يزل حتَّى وَقَعَ عليها وقَتَلَ النَّفْسَ ، فاجتنبوا الخمر، فإنه والله لا يجتمع إيمان وإدمان
الخمر في صدر رجل أبدا، ليوشكنَّ أحدهما يُخرجُ صاحبه».
كأسًا
صححه ابن حِبَّان، ورواه البيهقي في "السنن" مرفوعًا وموقوفا وذكر أنه
المحفوظ .
قلت: الموقوف هنا له حكم المرفوع.
أم الخبائث : هي الخمر وهو اسم شرعي لها(۱).
الحديث الشريف
والخبائث المعاصي، قال تعالى: في وصف نبيه: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبيثَ [الأعراف: ١٥٧]؛ لأن كل معصية خبيثة، وخبثها إمَّا حِسّيٌّ أ
معنوي.
فالحسي: كالدم والميتة، والمعنوي: كالربا ومهر البغي. وقد استدل جماعة من المالكية على تحريم شرب الدخان بأنه خبيث الرائحة والطعم فتشمله الآية المذكورة، وتكلَّمتُ على هذا الموضوع في "خواطر
دينية".
وثبت في عِلْم الطبّ بطريق قطعي : أنَّ شرب الدخان يؤدي إلى سرطان الرئة، وهو داء خبيث يعسر علاجه، بل يتعذر في بعض الحالات.
«فعلقته» بكسر اللام أحبته وعشقته. «فلما رأى أنه لا بد له من ذلك لأنها أكرهته إكراها أدبيا يتعلق بسمعته وشرفه، وهو يوازي الإكراه بالضرب والتعذيب ويزيد عليه، بل ليس إكراه الملك في القصة السابقة لذلك الرجل بالقتل أشد من إكراه المرأة لهذا الرجل
بفضيحته.
«فإنه والله لا يجتمع إيمان وإدمان خمر : في حديث آخر صحيح: «مَن لَقِيَ اللَّهَ مُدْمِن خمرٍ لقيه كعابد وَثَنِ».
والذي يتحصل من مجموع الأحاديث الصحيحة: أنَّ شارب الخمر مرة أو
(۱) فهو حقيقة شرعية كالصَّلاة، والزَّكاة، وغيرهما من الحقائق الشرعية.
سمير الصالحين
١٥٩
مرتين يعاقب من الله بأمرين :
1 - يُلْعَنُ
٢- لا تقبل له صلاة أربعين يوما، فإن مات داخل الأربعين يوما مات
ميتة جاهلية.
وأن مدمن الخمر يعاقب بأمرين:
۱ - يلقى الله كعابدِ وثَنِ.
٢ - يسقيه الله من طينة الخبال، وهي عصارة أهل النَّارِ.
هذا خلاف الحد الذي أوجبه الشرع في شربها وهو: أربعون جلدةً أو
ثمانون، على الخلاف في ذلك بين الأئمة.
حكم لطيفة
يقال: إنَّ إبليس لعنه الله ظهر لفرعون في صورة رجل وهو في الحمام فأنكره، فقال له إبليس : ويحك أما تعرفني؟ فقال: لا، قال: فكيف وأنت خلقتني ؟! ألست القائل: أنا ربكم الأعلى؟!
وظهر إبليس لسليمان عليه السَّلام فسأله أي الأعمال أحب إليك وأبغض إلى الله تعالى؟ فقال : لولا منزلتك عند الله تعالى ما أخبرتك، إني لست أعلم شيئًا أحب إلي وأبغض إلى الله تعالى من استغناء الرجل بالرجل (۱) والمرأة
بالمرأة.
(۱) استغناء الرجل بالرجل: هو اللواط، واستغناء المرأة بالمرأة: هي المساحقة، ولكونهما شذوذ عن الطبيعة كانا أحب إلى إبليس.
١٦٠
الحديث الشريف
وكان شخص يلعن إبليس كل يوم ألف مرة، فبينما هو ذات يوم نائم أتاه شخص وأيقظه وقال له: قم فإن الجدار سيسقط عليك، فقال له: من أنت الذي أشفقت على هذه الشفقة؟ فقال له: أنا إبليس، فقال له: كيف هذا وأنا ألف مرة؟ فقال: هذا لما علمت من منزلة الشهداء عند الله
العنك كل يوم تعالى، فخشيت أن تكون منهم فتنال معهم كما ينالون (۱).
ويأتي السؤال : هل الاشتغال بلعن إبليس ألفًا أو ألفين يثاب عليه ؟ والجواب: ذكر الغزالي: أن الإنسان لو لم يلعن إبليس طول حياته، لم يسأله الله يوم القيامة لم لم يلعن إبليس ؟ وذلك لأن اللعن ليس بعبادة يُتقرب بها إلى الله كالتسبيح والتحميد، لكنه دعاء بالإبعاد من رحمة الله، فغايته أن يكون الدعاء به على من يستحق جائزا.
(۱) قرأت في ترجمة عبد الله بن هلال، أحد الرواة المجروحين: أنه كان يمشي في بعض طرق البصرة، ورجل يحمل زق عسل فتز حلقت رجله ووقع وسال العسل على الأرض، فجعل الصبيان الذين كانوا يلعبون في الطريق يأخذون العسل بأيديهم من الأرض ويلحسونه ويقولون: لعن الله الشيطان، فقال لهم عبدالله : لم تلعنون الشيطان وهو الذي كان السبب في أكلكم العسل بز حلقة الرجل؟ فكفوا عن لعنه، فظهر له الشيطان وقال له: حيث أنك منعت عنِّي لعن الصبيان فإني مكافئك، واتفق معه على أن يصرع بنات الأغنياء، ويذهب ابن هلال لمعالجتهنَّ، فإذا دخل على البنت المصروعة وقرأ بعض العزائم والتعاويذ تركها الشيطان وبرئت، فجمع من ذلك مالا
كثيرا.
وقرأت في ترجمته أيضًا: أنه لما ذهب إلى الحجاز كان يجمع العقارب ويطلقها في الحرم لتلدغ المصلين والعاكفين والطائفين، وكان ابن هلال هذا يسمى صديق الشيطان.
سمير الصالحين
١٦١
١٠- أخلاق اليهود
قال وهب بن منبه : خرج عيسى عليه السَّلام يسيح في الأرض فصحبه يهودي وكان معه رغيفان، ومع عيسى ،رغيف، فقال له عيسى: تشاركني في طعامك؟ قال اليهودي: نعم، فلما علم أن ليس مع عيسى إلا رغيف واحد ندم، فقام عيسى إلى الصَّلاة، فذهب صاحبه وأكل رغيفا، فلما أتم عيسى صلاته قدما طعامها، فقال لصاحبه أين الرغيف الآخر؟ فقال: ما كان إلَّا
رغيف واحد، فأكل عيسى رغيفا وصاحبه رغيفا، ثُمَّ انطلقا.
فجاءوا إلى شجرة، قال عيسى لصاحبه: لو أنا بتنا تحت هذه الشجرة حتى نصبح فقال: افعل، فباتا
ثُمَّ أصبحا منطلقين، فلقيا أعمى، فقال له: أرأيت إن أنا عالجتك حتى يرد الله بصرك فهل تشكره؟ قال: نعم، فمس بصره ودعا الله له فأبصر، فقال عيسى لليهودي: بالذي أراك الأعمى يبصر، أما كان معك من رغيف؟ فقال: والله ما كان إلا رغيف واحد، فسكت عيسى عنه.
ومرا فإذا هما بمُقْعَد، فقال له عيسى: أرأيت إن عالجتك فعافاك الله فهل تشکره؟ قال: نعم، فدعا الله تعالى عيسى، فإذا هو صحيح قائم على رجليه، فقال صاحب عيسى: ما رأيت مثل هذا قَطُّ، فقال له عيسى: بالذي أراك الأعمى بصيرا والمقعد صحيحًا، مَن صاحب الرغيف الثالث؟ فحلف له: ما كان معه إلا رغيف واحد، فسكت عيسى عنه.
فانطلقا حتى انتهيا إلى نهرٍ عَجَّاج، فقال عيسى: لا أرى جسرا ولا سفينة
١٦٢
الحديث الشريف
فخذ بحجزتي من ورائي وضع قدمك موضع قدمي، ففعل، فمشيا على الماء، فقال له عيسى: بالذي أراك أمر الأعمى والمقعد وسخَّر لك الماء، من صاحب
الرغيف الثالث ؟ فقال : لا والله ما كان إلا رغيف واحد، فسكت عيسى. ثُمَّ انطلقا فإذا هما بظباء ترعى، فدعا عيسى بظبي، فذبحه وشوى منه بعضه وأكلاه، ثُمَّ ضرب عيسى بقية الظبي وقال: قم بإذن الله عزّ وجل: فإذا الظبي يعدو، فقال اليهودي: سبحان الله ! فقال عيسى: بالذي أراك هذه الآية من صاحب الرغيف الثالث؟ فقال: ما كان إلا رغيف واحد.
فمرا بصاحب بَقَرِ فقال عيسى يا صاحب البقر، اجزر لنا من بقرك هذه عجلا، فقال: ابعث صاحبك اليهودي يأخذه، فانطلق اليهودي فجاء به وذبحه وشواه، وصاحب البقر ينظر إليه، فقال عيسى كل ولا تكسر عظما، فلما فرغا قذف بعظامه في جلده ثم ضربه بعصاه وقال له: قم بإذن الله، فقام العجل وله خُوار، فقال له عيسى يا صاحب البقر خذ عجلك، قال: ويحك من أنت؟ قال: أنا عيسى بن مريم قال عيسى السحار؟ ثُمَّ فر منه، فقال عيسى لصاحبه كم كان معك من رغيف؟ فقال: ما كان . إِلَّا رغيف معي واحد، فسكت عيسى. ومضيا حتى دخلا قريةً، فنزل عيسى في أسفلها واليهودي في أعلاها، فأخذ اليهودي عصا عيسى وقال: أنا الآن أبرئ المرضى وأحيي الموتى. وكان ملك تلك القرية مريضًا مدنفًا فانطلق اليهودي ونادى: من يبتغي طبيبا؟ حتى أتى باب الملك فأخبروه بوجعه فقال : أدخلوني عليه فأنا أبرئه، وإن رأيتموه قدمات فأنا أحييه، فقيل له: إن وجع الملك قد أعيا الأطباء قبلك، وليس من
سمير الصالحين
١٦٣
طبيب يداويه ولا يشفيه إلا صلبه، فقال: أدخلوني عليه، فأدخل عليه، فضرب الملك بعصاه فمات، فجعل يضرب الملك بالعصا وهو ميت ويقول : قم بإذن الله فلم يقم، فأخذ ليصلب، فبلغ ذلك عيسى فمرَّ عليه وقد رفع على الخشبة، فقال لهم عيسى: أرأيتم لو أحْيَيْتُ لكم الملك هل تتركون لي صاحبي؟ قالوا: نعم، فدعا الله عزّ وجل فأحياه وقام ، فأنزل اليهودي من الخشبة، فقال لعيسى: أنت أعظم الناس علي مِنة، والله لا أفارقك أبدًا.
فقال له عيسى: أنشدك الله الذي أحيا الظبي والعجل بعد ما أكلناهما، وأحيا هذا بعد ما مات وأنزلك من على هذا الجذع بعد ما صلبك، كم كان
معك من رغيف؟ فحلف بهذا كله وقال: والله ما كان معي إلا رغيف واحد، فقال عيسى: لا بأس. فانطلقا حتى أتيا قريةً عظيمة وهي خربةٌ فيها كثر لثلاث بنات من ذهب قد كشفتها الدواب والسِّباع، فقال الرجل لعيسى: هذا المال لك؟ فقال عيسى: أجل واحدة لك، وواحدة لي، وواحدة للذي أكل الرغيف الثالث فقال اليهودي لعيسى: أنا صاحب الرغيف الثالث أكلته وأنت تُصَلِّي، فقال عيسى: هي لك كلها.
فانطلق عيسى وتركه ينظر ، وهو لا يستطيع أن يحمل منهنَّ واحدةً لثقلها عليه فقال له عيسى : دَعْهُ إِنَّ له أهلا يهلكون عليه، فجعلت نفس اليهودي تتطلع إلى المال ويكره أن يعصي عيسى، ويعجزه حمل المال.
فمشى مع عيسى فبينما هو كذلك مرَّ بالمال ثلاثة نفر يهود، فقال اثنان منهما لصاحبهما الثالث: انطلق إلى بعض القرى فائتنا بطعام وشراب ودواب نحمل
١٦٤
الحديث الشريف
عليها هذا المال، فلما ذهب صاحبهما قال أحدهما للآخر: هل لك أن نقتله إذا رجع ونقتسم المال بيننا ؟ قال : نعم. وقال الذي ذهب - في نفسه: اجعل لهما في الطعام سما، فإذا أكلاه ماتا ويصير المال كله لي، ففعل ذلك، فلما رجع إليهما قتلاه ثُمَّ أكلا الطعام الذي جاء به فماتا.
وإن عيسى عليه السلام مرَّ بهم وهم حوله مقتولون، فقال: لا إله إلا الله، هكذا تصنع الدنيا بأهلها.
ثُمَّ إِنَّ عيسى دعا الله تعالى فأحياهم، فاعتبروا ومروا ولم يأخذوا من المال شيئًا، فتطلعت نفس اليهودي صاحب عيسى إلى المال فقال: أعطني المال، قال عيسى: خذه لك فهو حظك في الدنيا والآخرة، فلما ذهب ليحمله خسف به في
الأرض.
هذه القصة تكشف عن أخلاق اليهود الذميمة، سجلها القرآن الكريم في عِدة آيات في مناسبة كلامه عن اليهود:
١ - قسوة القلب فهذا اليهودي شاهَد من عيسى عليه السّلام آيات يلين
لها الصخر، وأصر مع ذلك على الكذب وتأييده باليمين.
وقد حكى الله تعالى في (سورة البقرة) قصة القتيل الذي تدارءوا فيه وما
أوحى إلى موسى في شأنه، ثم قال كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ ءَايَتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنْ بَعْدِ ذلك المذكور من الآيات التي رأيتموها، فهى أي قلوبكم في قسوتها كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةٌ منها، ثُمَّ بين زيادة قلوبهم في القسوة على الحجارة بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا
سمير الصالحين
١٦٥
يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَرُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءِ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خشية الله ﴾ [البقرة: ٧٣-٧٤] فقسوة القلوب عريقة في اليهود، لازمة لهم لزوم الظل للشاخص. ٢، ٣- الكذب والحلف عليه فهذا اليهودي كذب على عيسى في الرغيف الذي أكله وأيد كذبه بالحلف عليه، وهو خلق أصيل في اليهود، فقد قال الله تعالى في شأنهم: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَنِهِمْ ثَمَقَلِيلًا أُوَلَيْكَ لَا خَلَقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمُ ) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَبِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِن الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: ۷۷ - ۷۸]
فالذين يكذبون على الله في كتابه، وينسبون إليه ما لم يوح به، ويحلفون على كذبهم ليحصلوا بذلك على قليل من حُطام الدنيا يهون عليهم أن يكذبوا في شيء هين كرغيف؛ لأنهم فقدوا رادعا من خشية الله، ووازعًا من الضمير الحي، وسلوكهم مع أنبيائهم سلسلة مخالفات واعتداءات. نجاهم الله من فرعون الذي أذاقهم العذاب الأليم فأغرقه، وفَرَق لهم البحر حتى جاوزوه، ثُمَّ مُرُّوا على قوم يعكفون على أصنام لهم فنسوا نعمة الله عليهم وقَالُوا يَمُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهَا كَمَا لَهُمْ وَالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾
[الأعراف: ۱۳۸].
وذهب موسى لمناجاة الله، وترك هارون خليفة عليهم، فأضلهم السامري
١٦٦
الحديث الشريف
بالعجل الذي أخرجه لهم فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ ﴾ [طه: ۸۸] ونهاهم هارون فقالوا له: لَن نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى } [طه: ۹۱] . ثُمَّ لما ذهبوا مع موسى للاعتذار والتوبة من عبادة العجل وسمعوا كلام الله لموسى قالوا: لَن نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ [البقرة: ٥٥]، فأخذتهم الصاعقة جزاء جراءتهم.
وأمرهم موسى بدخول الأرض المقدسة التي . التي كتب الله لهم فجبنوا عن مقاتلة الجبارين وقالوا: يَمُوسَى إِنَّا لَن نَدْخُلَهَا أَبَدَا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَيْلاً إِنَّا هَهُنَا فَعِدُونَ ) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافَرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَسِقِينَ ) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةٌ
يتيهونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } [المائدة: ٢٤ - ٢٦]. وأتاهم موسى بالتوراة فأبوا قبول أحكامها حتى رفع الله الجبل فوقهم وهدد بإسقاطه عليهم: ﴿وَإِذْ نَنَقْنَا الجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعُ بِهِمْ خُذُوا مَاءَ اتَيْتَنَكُم بِقُوَّةٍ ﴾ [الأعراف: ۱۷۱]. وأخذ عليهم العهد بأن يُبينوا أحكام التوارة وألا يكتموها، فنبذوا العهد وكتموا ما أرادوا كتمانه وأخذوا على ما بينوه منها أجرًا: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ، فَنَبَدُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ
تمنا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: ۱۸۷].
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَتِ وَأَهْدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيْنَهُ لِلنَّاسِ فِي
سمير
ير الصالحين
١٦٧
الْكِتَبِ أُولَتَبِكَ يَلْعَنْهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَمُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأَوَلَيكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة: ١٥٩ - ١٦٠]
وقد حرم الله سبحانه وتعالى عليهم مباشرة الأعمال يوم السبت وجعله لهم عيدا يتفرغون فيه للعبادة، فخالفوا أمر الله ، واحتالوا لصيد السمك الذي كان مُحرَّمًا صيده في ذلك اليوم بحفرهم حياضًا جانب البحر ليدخل فيها مد البحر، فإذا جزر انحسر عنه الماء فيبقى السمك في تلك
السمك الحياض محبوسًا فيأخذونه ويأكلونه.
ولأجل ذلك مسخهم الله قِرَدَةً، قال تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا منكُمْ في السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَسِنِينَ فَجَعَلْنَهَا نَكَلًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: ٦٥-٦٦] ، وَسَئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سبتهم شرعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: ١٦٣].
ولم يكتفوا بهذا وبغيره من الموبقات كأكل الربا، وأكل أموال الناس بالباطل، وموافقتهم على فعل المنكرات من غير أن يتحرك أحد منهم للنهي عنها، حتى غضب الله عليهم ولعنهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة فلزمتهم لزوم النعت للمنعوت، بل ترقوا في كفرهم إلى أن رموا الله بنقائص يتنزه عنها؛ لأنها تنافي كماله المطلق سبحانه وتعالى.
فرموه بالفقر : لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرُ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ
١٦٨
الحديث الشريف
سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَةٍ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) ذلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) [آل عمران: ۱۸۱ -
(۱)[۱۸۲
ورموه بالبخل : وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَعْلُولَةٌ غُلَتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء ﴾ [المائدة: ٦٤](٢).
ونسبوا إليه الولد : ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَرَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّ يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: ٣٠]. وقالوا: إِنَّ الله خَلَقَ السموات والأرض في ستة أيام، أولها الأحد وآخرها الجمعة، ثُمَّ استراح يوم السبت واستلقى على العرش، فأنزل الله ردًّا عليهم: ولَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن
لغُوبِ [ق: ۳۸]. اللُّغُوب: التعب. قال الزمخشري في "الكشاف": وقالوا - يعني العلماء: إنَّ الذي وقع من
(1) لما نزل قوله تعالى: مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَ عِفَهُ لَهُ وَأَضْعَافًا كَثِيرَة ا [البقرة: ٢٤٥]. قال اليهود الله فقير لأنه يقترض مِنَّا ونحن أغنياء نقرضه، فأنزل الله تعالى يرد عليهم بهذه الآية. (٢) أصاب اليهود قحط في زراعتهم فقالوا: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ يعنون أنه بخيل، لعنهم الله. وقوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ، هذه الجملة تثبت كرم الله
المطلق على سبيل الاستعارة التمثيلية المعروفة في علم البيان.
سمير الصالحين
١٦٩
التشبيه في هذه الأمة إنما وقع من اليهود (۱)، ومنهم أخذ. مما تقدَّم نرى أنَّ القرآن الكريم يُصوِّر حياة شعب بني إسرائيل أدقّ
تصویر، كاشفًا عن خَلَجَاتِ نفوسهم، مُعبرًا عن طباعهم ومعاملتهم لرسلهم، ومعاملة بعضهم لبعض. وهذه شهادة رجل منهم كان رئيسًا لهم ومن أكابر أحبارهم، قد عاشرهم صارح
ووقف على أسرارهم وعرف دخائلهم وهو عبد الله بن سلام، فقد . الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم بحقيقة أمرهم، وأنهم قوم مُتَقَلبون متلونون لا يؤمنون بالحق ولا يحبونه، ولا يُركن إليهم ولا يوثق بهم ولا بأقوالهم. ثُمَّ قال: وإذا أردت أن تعرف صدق قولي فإليك الدليل: لقد عرفنا بعثتك مما جاء في التوراة عن صفتك واسمك وزمانك، وما علمت بقدومك أسلمت أنا وأهل بيتي وعمتي خالدة بنت الحارث، ثُمَّ كتمت إسلامي من اليهود لما أعرفه عنهم من بهتهم أي أهل باطل وهأنذا قد جئتك لأعلن إسلامي، وإني أريد أن تخفيني في أحد بيوتك عنهم ثُمَّ تسألهم عني حتى إذا أخبروك كيف أنا فيهم خرجت إليهم وأعلنت لهم إسلامي، وسترى ما يبهتوني به وما
(۱) من قرأ "التلمود" وجد اليهود يصفون الله تعالى فيه : بالندم والبكاء والحزن والخطأ والخطيئة واللعب والرَّقص وأنه في بكائه يزأر كالأسد، وأنَّ . جسمه كان ملء السموات والأرض في جميع الأزمان، فلما هدم الهيكل بأورشليم صار يشغل مساحة أربع سنوات فقط، إلى غير ذلك من الكُفْريَّات الصارخة قاتلهم الله: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ، يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِئَتُ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر : ٦٧] .
۱۷۰
الحديث الشريف
يعيبونه على.
من
فأخفاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ودعا اليهود، فسألهم عن عبدالله بن سلام، وكيف حالته فيهم ؟ فأثنوا عليه خيرًا وقالوا: إنه سيدنا وابن سيدنا، وحبرنا وابن حبرنا، وعالمينا وابن عالمنا، فقال: أرأيتم إن أسلم؟» قالوا: أعاده الله من ذلك. فخرج عليهم عبد الله بن سلام فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله يا معشر اليهود اتقوا الله وآمنوا بما جاء به محمد، فوالله إنكم لتعلمون إنه لرسول الله تجدونه مكتوبًا عندكم في التوارة باسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله وأؤمن به وأصدقه وأعرفه فقالوا: كذبت، أنت شرنا وابن شرنا، ونالوا منه.
فقال: يا رسول الله ألم أخبرك أنهم قوم بهت؟ فأنزل الله تعالى في تلك الحادثة: قُلْ أَرَهَ يَتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَاءِ يلَ عَلَى ١٠](۱)
مِثْلِهِ فَنَا مَنَ وَاسْتَكْبَرَ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأحقاف: ١٠] (۱).
(۱) في "الصحيحين" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأحدٍ يمشي على وجه الأرض: إنه من أهل الجنة، إلا
لعبد الله بن سلام، وفيه نزل: ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَاهيلَ ﴾ [الأحقاف: ١٠]. وروى ابن أبي شيبة عن الشعبي أنه أنكر ذلك؛ لأن السورة مكية وعبد الله أسلم بالمدينة بعد الهجرة.
وأخرج ابن أبي حاتم مثله عن مسروق، وهذا قول ضعيف؛ لأن كثيرًا من السور المكية ألحقت بها آيات مدنية، وكذلك توجد سور مدنية ألحقت بها آيات مكيَّة كما هو معروف لمن درس علوم القرآن.
سمير الصالحين
۱۷۱
وقد أخرج الطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك الأشجعي: أنَّ هذه الآية نزلت بالمدينة في قصة إسلام عبدالله بن سلام.
ثُمَّ لا يخفى عليك أنه من تمام إعجاز القرآن أنه توجد آية مدنية في سورة مكية أو آية مكية في سورة مدنية تنتظم مع آياتها في سياق متناسب كأنهما نزلنا في مكانٍ واحدٍ وموضوع واحد.
هذا ولا يفوتني أن أشير إلى بعض جهلة المعاصرين الذي اتهم عبدالله بن سلام بأنه إنما أسلم ليفسد الإسلام ويثير بين أهله الدسائس وهي تهمة باطلة من أساسها، يؤكد بطلانها أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم شهد له بالجنَّة، مع أنه قال عن رجل أبلى في غزوة أحدٍ بلاءً حسنًا: «إِنَّه مِن أهلِ النَّارِ». فانتحر آخر الأمر. وأسر إلى حذيفة بتعيين جماعة من المنافقين كانوا في جملة المسلمين يصلُّون معهم ويصومون ويجاهدون، فالذي أطلعه على هؤلاء، كيف لم يطلعه على حال عبدالله بن سلام حتى جاء هذا الجاهل في آخر الزمان فاكتشف لذكائه الخارق من حال صحابي ما لم يعرفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! ألا ما أقبح الغرور مع الجهل.
٣- الفتح المبين
يشرح الكنز الثمين من أحاديث النبي الأمين
( يُطبَع لأول مرة )
الفتح المبين
۱۷۵
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد الله الفتّاح العَليمِ، فَتَحَ لَقُصَّادِ فضله أبوابه، وحمى من التجأ إلى حماه وأم رحابه، الوهّاب الكريم، وهبَ من وفقه علما نافعا يعرفُ به سداد القول وصوابه، وأعطى خواصه إلهاماتٍ يفهمون بها كتابه، والصَّلاة والسلام على
سيدنا محمد رسول الله إلى العالمين، وحُجَّتِه على العالمين، أُوتي جوامع الكَلِمِ، وتفجرت من لسانه ينابيعُ الحِكَمِ، ألزم الناس اتباعه، وأوجب الجنةَ لمن أطاعه، ورضي الله . عن آله الأطهار، وصحابته الأبرار، وشمل بواسع رحمته نقلة حديثه وخدام سُنَّتِه، أَمَّا بعد:
فهذا شرح على كتاب "الكنز الثَّمين في أحاديث النَّبي الأمين" يحل ألفاظ أحاديثه، ويوضح مُشكلها ، ويفتحُ مُغلقها ، ويجمعُ بين متعارضها مع استنباط ما فيها من أحكام فقهية، وآداب مَرضيَّة وفوائد لطيفة ومسائل نفيسة، بأسلوب سهل مبسوط ليس فيه تطويل ممل ولا اختصار محل، بل وسط بين الطرفين،
جعله الله خالصا لوجهه الكريم، ورزقنا التوفيق والقبول إِنَّه أكرم مسئول.
١٧٦
الحديث الشريف
حرف الألف
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: - إنَّما الأعمالُ بالنِّياتِ وإنَّما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دُنْيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه». (ق) (٤) عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه عنهُ. ( إنما الأعمالُ بالنِّياتِ): «إنَّما» أداة حصر تفيد انحصار المبتدأ في الخير، وفي
الكلام مضاف محذوفٌ اقتضاه أسلوب الحصر. والتقدير: إنَّما صحة الأعمال بالنيات. ولفظ : «الأعمال» عام يشمل الوسائل والمقاصد والعبادات والمعاملات، فلا يصح وضوء ولا غسل ولا تيمم ولا صلاة ولا زكاة ولا حج ولا صيام إلا بالنية، وهي العزم المصمِّمُ على فعل الشيء، وكذلك ألفاظ الكناية لا يقعُ بها طلاق إلا بالنية ومحلها القلب، فلا داعي للنطق بها، ولم يُنقل عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنه تلفظ بها في طهارته أو صلاته أو في شيء من عباداته، وهذا الحديث عظيم، يعد من جوامع الكلم، ويدخل في كثير من الأبواب الفقهية (1).
(۱) قال الشافعي وأحمد أنه ثلث الإسلام، ووجه البيهقي ذلك بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه، والنية أحد أقسامه الثلاثة وأرجحها، لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها يحتاج إليها، ومن ثمَّ ورد: «نية المؤمن خير من عمله»، وقال الإمام عبدالرحمن بن مهدي: «يدخل في هذا الحديث ثلاثون بابا من العلم».
قلت منها أبواب الوضوء والغسل والتيمم والصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد والضحايا والطلاق
الفتح المبين
۱۷۷
وهو مع عِظم قدره وضخامة معناه حديث غريب لم يروه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إلا عمر رضي الله عنه، ولم يصح من رواية غيره، وادعى بعضُ العلماء أنه حديث متواتر، وليس كذلك، بل هو حديث أحادٍ أما معناه فمتواتر.
(وإنما لكل امريء ما نَوَى هذه الجملة دليل القاعدة الفقهية المعروفة:
الأمور بمقاصدها»، ويؤخذ منها أنَّ الإنسان لو نوى بعمله التوصل إلى عبادة كان له مانواه وقصده، فلو نوى بأكله تقوية نفسه للعبادة والقيام بما يطلب منه ؛ كان له ثواب ما نواه، ولو جامع زوجه ناويًا إعفاقها وإعفاف نفسه؛ كان له ثواب في جماعه، ولو باشر تجارة أو زراعة أو صناعة، قاصدًا الإنفاق على نفسه أو أهله؛ كان مثابًا في ذلك، ولو صنع سلاحًا قاصدا به الاستعداد لقتال الكفار كان عمله طاعةً؛ ولو خرج من بيته ناويًا أن يساعد مسكينًا إذا وجده في طريقة أو يغيث ملهوفًا أو يرشد ضالًا أو يهدي أعمى أُثيبَ في ذلك كله، فتكون أعماله كلُّها طاعةً، بخلاف ما لم ينو شيئًا من الخير فإنَّ أعماله تكون خالية من الثواب، وقد قال العلماء : لو تَرَكَ الانسانُ الخمر اعتيادًا فَإِنَّه لا يُثَابُ على تركها إلا إذا نوى أنه يتركها امتثالا لأمر الله تعالى.
فمَنْ كانت هجرته إلى الله ورسوله) نيةً وقصدًا (فهجرته إلى الله ورسوله) مثوبة وأجرًا، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها بتجارة أو نحوها، (أو امرأة يتزوَّجُها فهجرته إلى ما هَاجَرَ إليه من الدنيا أو الزوجة، ولا ثواب له فيها لأنها لمجرد حظ نفسه.
روى الطبراني عن ابن مسعود قال: كانَ فينا رجل خطب امرأةً يقال لها:
۱۷۸
الحديث الشريف
أم قيس، فأبت أن تتزوجه حتّى يهاجر يعني إلى المدينة فهاجر
فتزوجها، فكنا نسميه : مهاجر أم قيس.
۲- آتي بابَ الجنةِ فأسْتفتِحُ فيقولُ الخازن: من أنتَ؟ فأقولُ: محمد. فيقولُ: بِكَ أمرتُ أنْ لا أفتح لأحدٍ قَبْلكَ». (حم م) عن أنس.
(آتي باب الجنة) بعد انتهاء الموقف يوم القيامة. (فأستفتح) أطلب فتح الباب. فيقولُ الخَازن: من أنتَ؟) سأله لاحتمال أن يكون المستفتح أحد المؤمنين الذين جاوزوا الصراط بسرعة وتركوا النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في الموقف يشفع للعصاة. فأقولُ : محمد . فيقولُ بِكَ) بسببك، (أمرتُ) من الله (ألا أفتح) باب الجنة (الأحدٍ قبلك) فلا تُفتح الجنة لنبي ولا لرسول قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم. ويؤخذ من الحديث فضل نبينا صلَّى الله عليه وآله وسلم على جميع
الرُّسُل، وأنَّ الجنةَ لا يدخلها أحد بجسمه قبل يوم القيامة.
- آكل الربا وموكله وكاتبه وشَاهِدَاه إذا علموا ذلك، والواشمة والموسومة للحسن، ولاوي الصدقة، والمرتد أعرابيا بعد الهجرة ملعونون على لسان محمد –
صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- يومَ القيامةِ». (ن وابن خزيمة) عن ابن مسعود. ( ومؤكله) لغيره بأن أنفق على أهلِه من مال دخله ربا، أو أطعم ضيوفه طعاما اشتراه بمال فيه رِبًا، وكاتبه) أي: كاتبُ عقد اشتمل على رِبًا، فكتاب المصارف التي تتعامل بالرّبا داخلون في هذا الوعيد، وشاهداه) أي: شاهد العقد أو الصفقة المشتملة على ربّا، إذا علِمُوا ذلك) هذا يعود على الكاتب والشاهدين، يعني أنَّ الكاتب للربا ملعون إذا علم ذلك، أمَّا إِذا كَتَبَ عقد
الفتح المبين
۱۷۹
الصفقة وهو لا يعلم أنَّ فيها ربا فلا يكون ملعونا، وكذلك الشاهدان. والواشمة) التي تفعل الوشم، ويُعرف في مصر بالدق (والموسومة) التي تطلب الوشم (للحُسْنِ) لأجل الحسن (ولاوي الصدقة) مانعها، والمرتد أعرابيا) الأعراب سكان البادية، والعرب سكان الحضر، وسكان البادية قساة القلوبِ غلاظ الطباع، يغلب عليهم الجهل لبعدهم عن مشاهدة العلماء ومعرفة الكتاب والسنة قال تعالى: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا من أهل الحضر وَأَجْدَرُ أَلَا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﴾ [التوبة: ٩٧] فالذي يترك المدينة بعد الهجرة إليها ويرتد أعرابياً باختياره سكنى البادية يكون ملعونا، لأنَّه تَرَكَ الجماعة والجمعة ومجالس القرآن والعلم، وآثر مساكنة الكفَّارِ والمنافقين ومن آثر قوما كان معهم، ولهذا كان أبو ذر -رضي الله عنه - يختلف من الرَّبَذَة إلى المدينة مخافة الأعرابية، ذكره الطبري في "تاريخه" عن ابن عباس رضي الله عنهما. وذكر أيضًا أنَّه لما خَرَجَ إلى الرَّبذَة واختط بها مسجدًا بعثَ إليه عثمان رضي الله عنه، أن تعاهد المدينة حتى لا ترتد أعريبًا.
ويؤخذ من الحديث أنَّ أكل الرّبا وتأكيله وكتابة عقده والشهادة عليه
والوشم والأعرابية ومنعَ الزَّكاة كبائر ، لأنَّ اللعن لا يكون إلا على كبيرة. - اكل كما يأكلُ العبد وأجلس كما يجلس العبد». (ع حب) عن عائشة. اكل كما يأكلُ العبد) جائيًا على الرُّكبة، (وأجلس كما يجلس العبد) على الأرض . تواضعًا الله، وسببه أنَّ مَلَكًا نَزَلَ على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فأخبره أنَّ الله يخيره بين أن يكون نبيا عبدا وبين أن يكون نبيا ملكًا، فنظر إلى
۱۸۰
الحديث الشريف
جبريل كالمستشير له فأشار إليه أن تواضع فقال: (بل نبيًّا عبدا)، فمن ذلك الوقت ما أكل متكنّا أي متربعا وقال: «آكل كما يأكل العبد». ويؤخذ من الحديث تواضعه صلَّى الله عليه وآله وسلّم في أكله وفي جلوسه.
ه - «آمرُوا النِّساء في بناتِهِنَّ». (د هق) عن ابنِ عُمَرَ .
(آمروا) بالمد أي: شاوروا (النِّساء في بناتِهِنَّ) لأنَّ الأم تحبُّ مصلحة بنتها، فمن الواجب أن يأخذ الزوج رأي زوجته في بنتها، إذا جاءها خاطب مثلا، وقد أعطى الشَّارِعُ هذا الحق للمرأة في حين أنها كانت في معظم بلاد
العالم تعتبر متاعا من متاع البيت لأيؤخذ رأيها في شيء إطلاقا. ٦ - «آيةُ الإيمانِ حبُّ الأنصارِ وآيةُ النّفاقِ بغضُ الأنصار». (حم ق ن) عن
أنس. (آية الإيمانِ حبُّ (الأنصارِ وهم الذين بايعوا النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم على نصرته وحمايته إذا هاجر إلى المدينة ووفّوا ببيعتهم وعهدهم، فحبهم من هذه الجهة علامة على الإيمان وشعبةٌ منه، وآيةُ النِّفاقِ) أي: علامته (بغضُ الأنصار) لأجل نصرتهم النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، لأنَّه لا يبغضُ نُصرته وأنصاره إلا كافر وإنْ تظاهر بالإسلام، والحديث يحضُّ على إكرام الأنصار وتعظيمهم لأنَّ من أحب شخصًا أكرمه وعظمه.
-۷
آية المنافق ثلاث: إذا حدَّثَ كذبَ، وإِذا وعَدَ أَخْلَفَ، وإِذا انْتُمِنَ خَانَ». (ق ت ن) عن أبي هريرة.
(إذا حدَّثَ كذبَ) في حديثه ولو مازحًا (أخْلفَ) وعده ولم يف به، وهذا إذا كان حين الوعد ناويًا عدم الوفاء، أما إذا وعَدَ وهو ينوي الوفاء ثم طرأ
الفتح المبين
۱۸۱
عليه ما منعه لم يكن منافقا لحديث ثبت بذلك، (وإذا اثْتُمِنَ) على مال أو سر
مثلا (خَانَ) الأمانة بأن ضيّع المال وأفشى السر.
انتِ حرثَكَ أَنَّى شئتَ، وأطْعِمُها إذا طَعِمْتَ، وَاكْسُهَا إِذا اكْتَسَيْتَ
ولا تُقبَّح الوجة». (د) عن بهز بن حكيم عن أبيه، عن جده معاوية بن حيدَةَ. ائتِ حرثَكَ أَنَّى شئت) وهذا مثل قوله تعالى: وَنِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ [البقرة: ۲۲۳] تسمية المرأة حرثا مجاز، تشبيها بالأرض التي يُبذر فيها البذرُ، فتنبتُ الحبَّ، و «أَنَّى» يجوز أن تكون بمعنى: «متى»، أي: ائتِ حرتك أي وقت شئتَ، ويستثنى منه وقت الصيام والإحرام، لأنه لا يجوز للشخص أن يأتي امرأته في نهار رمضان، أو زمن الإحرام بحج أو عُمرة، ويجوز أن تكون بمعنى: «كيف» ، أي: انتِ حرتَك في أي حالة شئت، ويستثنى منه الحيض والنفاسُ، ولا يجوز أن تكون بمعنى: «أين»، لأنَّ «أين» تفيد المحل للحرث ولا محل للحرث إلا الفرج، أمَّا الدبر فيحرم إتيان المرأة فيه للأحاديث الكثيرة الثابتة بتحريمه، ولأنه ينافي حكمة مشروعية الزَّواج، (وأطعِمْهَا إذا طعِمتَ واكسها اذا اكتَسَيْتَ هذان الأمران للوجوب، فيجب على الزوج إطعام زوجته وكسوتها ولو كانت غنيةً، وكذلك يجب الأمر بإتيانها للوجوب لأنه يحصل به الإعفافُ عن الزّنا وهو واجب، (ولا تقبحَ الوجة) بأن تقول لها: وجهك قبيح أو قبح الله وجهك، لأنَّ الله كرَّم الإنسان، وأكرم ما فيه وجهه، ولأن الزواج أباحَ لك الاستمتاع بها ولم يُبح لك إيذائها بتقبيح وجهها أو شتمها، ولا تضرب) إذا أخطأت في شيء من شئون البيت مثلا، لأنه لا يليق
۱۸۲
الحديث الشريف
ضربها مع ما تقوم به من تربية الأولاد، وخدمة المنزل، نعم؛ إذا نشرت فليعظها، فإن استمرت فليهجُرُها ، فإن استمرت فليضربها ضربا غير مبرح،
لأن نشوزها امتناع عن الغرض المطلوب من الزواج فوجب تأديبها عليه. ۹ - انتَمِرُوا بالمعروفِ وتناهُوا عن المنكرِ حَتَّى إذا رأيتَ شُحًا مُطَاعًا، وهوى متبعًا، ودنيا مؤثرةً، وإعجاب كلُّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة ، ودع العوام، وإنَّ من ورائكم أيامًا الصبر فيهنَّ كالقبض علي الجمر، للعامل فيهنَّ مثلُ أجْرِ خمسين رجلا يعملُونَ مثل عمله». قيل: يا رسول الله، أجر خمسين منا أمْ منهم؟ قال: «لا ، بل منكُم». (د ت م ع حب ك طب) عن أبي
نفسك
العالية الحتني انتَمِرُوا بالمعروف) أي ليأمر بعضُكم بعضا بالمعروف، وهو كل ما عرف من عمل محمود في الدين والدنيا، وتناهوا عن المنكر) أي لينة بعضُكم بعضا عن المنكر، وهو كل عمل قبيح ينكره الشرع أو العقل السليم، والانتمار بالمعروف من قـ باب التعاون المأمور به في قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ﴾ [المائدة: ٢] والغرض منه التوصل إلى تحصيل الكمال للمجتمع الإسلامي، بحيثُ يكون على درجة عالية من الرقي الخلقي، أمَّا التَّناهي عن المنكر فهو نوع من النقد البناء الذي يراد به تطهير المجتمع من رذائل تعوق رُقيه وتقدمه، وهما واجبان وجوبًا كفائيا بمعنى أنه يجب أن يقوم بهما طائفة من الأمة.
قال تعالى: وَلَتَكُن مِّنكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوَلَيْكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: ١٠٤]، زادت الآية إيجاب الدعوة
الفتح المبين
۱۸۳
إلى الخير وهو الإسلام وهذا الواجبُ أضعناه آثمين بإضاعته، ونفّذه
الأجانب، فأنشأوا جماعات التبشير بدينهم الباطل. (حتَّى إذا رأيتَ) أَيُّها المخاطب (شُحًا مُطَاعًا) الشُّحُ: بخل مع حرص، ومعنى كونه مطاعًا أن يقبضَ النَّاس أيديهم عن الإنفاق في وجوه الخير والمصالح العامة (وهوى متَّبعًا) من الأهواء التي ظهرت أخيرا كالشيوعية والبهائية والقاديانية وغيرها، بحيث صار لكل هوى أتباع يلتزمونه وينفذونه بقوة الحكم وسلطة القانون، مع أن شرط الإيمان أن يكون هوى المؤمن تابعا
لحكم الشريعة. ودنيا مؤثرة) أي: مقدَّمة بفتح الدال المشددة، يقدمها أهلها على الدين ويختارونها على الآخرة. واعجاب كلّ ذي رأي برأيه) أي استحسان لرأيه و تمشکه به صوابا كان أم خطأ، وهذا كناية عن تفكك الأمة وتقطع أوصال وحدتها، (فعليك بخاصة نفسك) أقبل عليها بالإصلاح والتهذيب، (ودع العوام) ليس المراد بالعَوام غير المتعلمين بل المراد بهم غير الخواص، والمعنى: إذا تغير الزمانُ وفسدت الأحوال وحصلَ الشُّح المطاع وما بعده، وكنت أيها المخاطب توجّه العوام وتنصحهم لفضل علم أو رأي عندك، فدعهم عنك ولا تشتغل بتوجيههم، لأنَّ آرائهم كثرت، وأعجب كل واحد برأيه، ففي توجيه النصح لهم فتح باب جدل لا ينتهي، والجدل منهي عنه لما يلزم عليه من شرور. والحديث يفيد الرخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا لم يوجد من يقبلهما ولا يرفعُ لهما رأسًا. وإنَّ) من ورائكم) أي أمامكم فوراء بمعنى أمام (أيامًا) شديدةً يضعف فيها الدين وأعوانه (الصَّبرُ فيهنَّ) على
١٨٤
الحديث الشريف
التمسك بفرائض الدين كالقبض على الجمْرِ ) في شدته، فكما أنَّ الجمر يحرقُ يد القابض عليه كذلك الصبر في تلك الأيام يحرق نفس الصابر بإجبارها على التمسك بالدين مع عدم النصير والمعين، اللعامِل فيهنَّ مثلُ أجرِ خمسين
يعملون مثل عمله عِظمُ الأجر يقتضي عِظمَ المشقة، والصبر في تلك الأيام. بلْ منْكُم) يفيدُ أنَّ في آخرِ هذه الأمة من يكون عمله أفضل من الصحابة وهذا لا يعارض قوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «دعُوا لي أَصْحَابي فوالَّذِي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثلَ أُحدٍ ذهبًا ما بَلَغَ مَدَّ أَحَدِهِم ولا نَصِيفَه». ولا حديث: «خيرُ القُرونِ قرني»، ولا قوله تعالى: لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَتَلَ أُوْلَيْكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَتَلُوا [الحديد: ١٠] لأنَّ
وهو
معه
الصحابة من جهة رؤيتهم للنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وجهادِهم . الجهاد الذي لولاه لانمحى الإسلام، ومن جهة إنفاقهم الإنفاق الذي كان الدعامة الأولى في بناء الدين لا يدانيهم أحدٌ، ومن هذه الجهة أيضًا كانوا خير القرون، وفيما عدا ذلك فقد يوجد أفراد من الأمة من هو أكثر عملًا من آحادهم، وأكثر اجتهادًا في العبادة، وأيضًا فإنَّ الأيام التي يكون الصبر فيها كالقبض على الجمر يبلغ الدين فيها نهاية الضَّعفِ وغاية الغُربة، فيصير كحالته عند البعثة المحمدية، حيثُ كان يعذب بلال وعمار وأبوه على تمسكهم بالدين، فلا غرو أن كانَ للعامل في تلك الأيام أجرُ خمسين عاملا من الصحابة الذين كانوا يرون النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فيزداد إيمانا برؤيته، وينصحهم بالصبر فيقوى صبرهم بنصيحته.
الفتح المبين
١٨٥
١٠ - «ائتوا الدعوةَ إِذا دُعِيتُم». (م) عن ابنِ عمرَ . اتُوا الدَّعوة إذا دُعِيتُمْ) إلى وليمة عُرس، أو حفلة ختان أو نحو ذلك،
ومن حق المسلم على أخيه أن يجيب دعوته.
۱۱ - «الذَنوا للنِّسَاءِ بِالليل إلى المسَاجدِ». (حم م د ت) عن ابن عمر. ائذنُوا للنساء بالليل أن يذهبنَ ( إلى المَسَاجدَ) ليشهدنَ صلاة العشاء والصبح مع جماعة المسلمين، ويحضرنَ دروسًا دينيةً يتفقهنَ بها في أمور دينهنَّ، وخُصَّ الإذن بالليل لقلة المارين وهدوء الشوارع بالنسبة للنهار.
ويؤخذ من الحديث أنَّ المرأة ليس لها حضور الجماعة إلا بإذن زوجها،
وينبغي له أن يأذن لها بذلك، بل يجب عليه الإذن لها لتتفقه في دينها، ويشترط في خروجها ألا تتبرج ولا تتعطر، انظر الحديث رقم: (١٣٤٣). ۱۲ - «أبى الله أنْ يجعلَ لقاتِلِ المؤمن توبة». (طب والضياء في المختارة) عن أنس. (أبى الله أن يجعل لقاتِل المؤمن) عمدًا (توبةٌ) حتى يسترضي أولياء المقتول، بأن يسلم نفسه إليهم ليقتصوا منه، أو يأخذوا دية فإن فعل ذلك ورضوا منه بقصاص أو دية أو عفو، قبل الله توبته حينئذ. ۱۳ - «أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعةٍ حتى يدع بدعته». (هـ وابن أبي
عاصم في السنة) عن ابن عباس.
أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعةٍ) إمَّا في العقيدة؛ كالمعتزلة والقدرية والخوارج، وإما في العمل؛ كجهلة المتصوفة ومن على شاكلتهم، الذين ابتدعوا أعمالا زعموها طاعات وهي بدع. حتّى يدع بدعته) لأنَّ شرط صحة العمل
١٨٦
الحديث الشريف
أن يكون موافقا للسُّنةِ النَّبوية، ويترتب على صحته قبوله، فإذا كان العمل مبتدعا، أي: مخالفا للسُّنة، لم يكن صحيحًا في نفسه، فلم يقبله الله سبحانه وتعالى. والحديث يفيدُ أنَّ أعمال المبتدعة باطلةٌ شرعًا، وأنَّ العبرة في الدين بما شرعه الله لا بما يبتدعه المكلف ويستحسنه بعقله.
-
«ابدأ بنفسِكَ فتصدق عليها، فإنَّ فَضَلَ شَيءٌ فلأهلِكَ، فَإِنْ فضل
عن أهلك شيءٌ فلذي قرابتِكَ، فإنّ فضلَ عن ذي قرابَتِكَ شيء فهكذا وهكذا». (من) عن جابر. ابدأ بنفسك فتصدَّقُ عليها أي أنفق على نفسك، ناويًا إعفافها عن سؤال الناس، فيكتب إنفاقك صدقة لك، فإن فضَل شيء) من المال بعد نفسك (فلأهلك) فأعطه لأهلك من زوجة وأولاد ووالدين، فإن فضل شيء) بعد أهلك فلذي قرابتِكَ من إخوة وأخوات وغيرهم من ذوي رحمك، (فإنّ فضلَ عن ذِي قَرابتِكَ شيء فهكذا وهكذا) أي فرقه على الغُرباء المحتاجين كجار وابن سبيل مثلا.
والحديث يُبَيِّنُ أنواع مصارفِ المال الذي يكتسبه الشَّخصُ بعمل كتجارة أو إجارة، فيبدأ منه بالإنفاق على نفسه، ثم أهله، ثم قرابته، ثم الغرباء عنه. وله أن يؤثر على نفسه إن قوي إيمانه، لكن لا يجوز له أن يؤثر على أهله فيعطي غيرهم وهم محتاجون لقوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «كفى بالمرء إنما أن يضيَّعَ من يقُوتُ» رواه أحمد وأبو داود عن عبدالله بن عمر بن العاص، وصححه الحاكم. ۱۰ - «أبرِدُوا بالظهرِ فإِنَّ شَدَّةَ الحرّ مِنْ فَيحِ جهنَّم». (خ هـ) عن أبي سعيد
الفتح المبين
۱۸۷
(ن) عن أبي موسي (هـ) عن المغيرة بن شعبة.
|
(أبردُوا بالظهرِ) أي أخّروا الظهر زمن الصيف حتى تذهب شدة الحر فإِنَّ شدَّةَ الحرّ من فَيح جهنّم جاءت هذه الجمل تنفيرا من الصَّلاةِ في ذلك الوقت لأنه يذهب بالخشوع المطلوب في الصَّلاة.
١٦ - أبشِرُوا وأمّلُوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تُبسطَ الدُّنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما
تنافسوها فتُهْلِكَكُم كما أهلكتهم». (ق) عن عمرو بن عوف الأنصاري. (أبشروا) بالخير (وأمّلُوا) بتشديد الميم المكسورة (ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم لأنهم امتحنوا به في أول الإسلام حتى كثرت الفتوحات فصبروا ونجحوا (ولكن أخشَى أنْ تُبسط الدنيا عليكم كما بسطت) وسعت (على من كان قبلكم وهم اليهود والنصارى (فتنافسوها) أي تتنافسوا في جمعها والحرص عليها كما تنافسوها أي كما تنافس فيها من قبلكم فتهلككُم) بالشُّح والحرص (كما أهلكتهم) وهذا من الإعلام بالغيب الذي حصل كما أخبر به النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فلم تتفرق كلمة الأمة ولم يضعف سلطانها إلا بعد إقبال الدنيا عليهم، وتنافسهم فيها. وسبب الحديث أنَّ مالا جاء من جهة البحرين إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فاجتمعَ الصَّحابةُ بعد صلاة الصبح ليأخذوا نصيبهم منه، فلما رآهم صلى الله عليه وآله وسلَّم تبسم وذكر الحديث، وهو يفيد أنَّ فتنة المال أخطر
من فتنة الفقر.
۱۷ - «أبشروا وبشِّرُوا مِنْ وراءَكم أَنَّه منْ شهِدَ أن لا اله إلا الله صادقًا بها
۱۸۸
الحديث الشريف
دخل الجنة». (حم طب) عن أبي موسى.
وبشروا من وراءَكم من الناسِ أنَّ من شَهِدَ أَنَّ لا إله إلا الله) أي وأَنَّ محمدا رسول الله (صادقًا بها أي بالشَّهادةِ، بأن اعتقد معناها بقلبه (دخل الجنة) ابتداء إن لم يحصل منه عصيان، أو حصل وتابَ منه. أو انتهاء بأن دخل
النار في معاصي لم يتب منها ثم غفر الله له.
والحديث يفيدُ أنَّ الموحد ماله الجنة ولو عاصيّا، ووجوب نشر الإسلام
والبشارة بيسره وسهولته، وأنَّ المشرك لا يدخل الجنة ولا حظ له فيها. ۱۸ - «أبشري يا أم العلاء فإِنَّ مَرَضَ المسلمِ يُذهب الله به خطاياه كما تُذهب النارُ خبث الفضَّةِ». (د) عن أم العلاء.
(أبشري يا أمّ المَلاءِ صحابيةٌ فاضلة زارها النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فوجدها مريضةً بالحمى، فقال لها: أبشري بتكفير ذنوبك (فإنَّ مرض المسلم يُذهبُ الله به خطاياه كما تُذهبُ النَّارُ خَبثَ الفِضَّةِ) شبه طهارة المسلم من ذنوبه بالمرض بطهارة الفضة في وساختها إذا أدخلتِ النار، وهذا لا يقتضى ترك التداوي بل ينبغي للمريض أن يستعمل الدواء ويعرض نفسه على الطبيب، معتقدا مع ذلك أن مدة مرضه إلى حين يتم شفاؤه يغفر الله بها خطاياه تكرما منه سبحانه، نعم؛ من قوي يقنه ووصلى إلى درجة وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يشفين } [الشعراء: ۸۰] فله أن يترك الاستشفاء ثقة بخالقة. ۱۹ - «أبغضُ الرِّجالِ إلى الله الألد الخصم». (ق حم ت ن) عن عائشة.
(أبغضُ الرّجالِ إلى الله والبغضُ : المقتُ، وهو أشد الكراهية (الألد) بتشديد
الفتح المبين
۱۸۹
الدال وهو الشديد الخصومة (الخصم) بكسر الصاد: الكثير الخصومة قال تعالى يذم المشركين: بَلْ هُوَ قَوْمُ خَصِمُونَ ﴾ [الزخرف: ٥٨] وإنما كان أبغض الرجال إلى
الله لأنَّه بشدة خصومته وكثرتها يلج في العناد، فيبطل حقا أو يحق باطلا. ۲۰ - «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة
الجاهلية، ومطلب دم امري بغير حق ليهريق دمه». (خ) عن ابن عباس. (ملحد في الحرم أي مرتكب ظلما في حرم مكة أو المدينة، كأن أخَذَ مالا من أحد بغير حق أو قتله أو آذاه إذايةً لا تحتمل (ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية) كأن أحيا عادةً جاهلية جاء الإسلام بإبطالها، مثل أن يصوم عن الكلام طول اليوم أو يذبح ذبيحةً أول رجب أو نحو ذلك مما كان أهل الجاهلية يعتبرونه عبادة وقربة، ويدخل في ذلك من يُحي آثار الفراعنة ويمجد عهدهم ويمدح عاداتهم وتقاليدهم، ومطلب) بتشديد الطَّاء المفتوحة (دم امري بغير حقٌّ ليهريق دمَهُ أي يقتله انتصارًا لرأي خالفه فيه، أو دفاعا عن نظام من النظم المستحدثة كالجمهورية والملكية والاشتراكية والديمقراطية، فهؤلاء الثلاثة إثمهم عند الله عظيم. ۲۱ - «ابغُوني في الضعفاء، فإنَّما ترزَقُون وتُنصَرُون بضعفَائِكم». (حم م
حب ك) عن أبي الدرداء.
(ابغوني) اطلبوني (في الضعفاء) تجدوني عندهم، وهذا دليل على تواضعه (فإنها تنصرون وترزقون بضعفائكم) أي بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم، انظر الحديث رقم ١١٥٨.
۱۹۰
أبي هريرة.
الحديث الشريف
- ابغُوني في ضعفائِكم فإنَّما ترزقون وتنصرون بضعفائكم». (۳) عن
۲۳ - ابنُ أختِ القوم منهم . حم ق ت ن) عن أنس (د) عن أبي موسي
(البزار) عن عائشة (طب) عن جبير بن مطعم.
ابن أختِ القوم منهم ليس غريباً عنهم، لأنه ذو رحم فيهم، وإن كان لا يرثُ، فتوصل رحمه ويندب بره.
٢٤ - أبو بكر في الجنة، وعمرُ في الجنَّةِ، وعثمان في الجنَّةِ، وعلي في الجنَّةِ، وطلحة في الجنَّةِ، والزبير في الجنَّةِ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنَّةِ، وسعدُ بنُ أبي وقاص في الجنَّةِ، وسعيد بن زيد في الجنَّةِ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنَّةِ». رحم والضّياء) عن سعيد بن زيد (ت) عن عبد الرحمن بن عوف. هؤلاء العشرة المبشرون بالجنة هم خيارُ الصَّحابة وأفاضلهم توفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم راضيا عنهم، ولذلك أجمع أهل السنة على وجوب تأويل ما وقع بين بعضهم في منازعاتٍ كان قصدهم منها الخير، لولا تدخل بعض المغرضين فحولوها إلى وجهةِ الشَّرِ التي كانوا يقصدونها، وثبتت البشارة بالجنة لأفراد من الصَّحابة منهم: الحسن والحسين وفاطمة وخديجة
وعمار ووالده ياسر وأنه سمية، وقد أوردت أسماءهم في "خواطر دينية". ٢٥ - أتاكم أهل اليمن هم أضعفُ قلوبًا وأرقُ أفئدة، الفقه يمان والحكمة يمانية». (ق ت) عن أبي هريرة.
(أتاكم أهل اليمن قاله صلَّى الله عليه وآله وسلم لما جاء وفد الأشعريين
الفتح المبين
۱۹۱
وهو بخيبر (هم أضعفُ قلوبًا) من الضَّعفِ الذي يقابل القساوة، أي قلوبهم غير قاسية ولا غليظة وأرقُ أفئدة) أي أفئدتهم رقيقة لينة، فغالب من يوجد من جهة اليمن رقاق القلوب والأبدان بخلاف أهل الشمال فإنَّهم غلاظ القلوب والأبدان، (الفقه يمان والحكمة يمانية) معنى هاتين الجملتين وصف
عنه
الله
الوفد الذي جاءوا بقوة الفهم والحكمة، لأنّهم جاءوا مسلمين طالبين التفقه في الدين لا يريدون مالا ولا جاها، ففي صحيح البخاري عن عمران رضي ا ، قال: إنَّ نفرا من بني تميم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: «أبشروا يا بني تميم قالوا: بشرتنا فأعطنا، فتَغَيَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجاء نفر من أهل اليمن فقال: (اقبلُوا البُشْرَى إِذ لم يقبلها بنو تميم) فقالوا: قد قبلنا البشرى يا رسول الله ، جئنا لنتفقه في الدين، ونسألك عن أول هذا الأمر فقال: «كانَ الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء وكتب في الذَّكرِ كلَّ شيء». ثمَّ المراد مدحُ الوفد اليمني بالفقه والحكمة، فلا يشمل جميع أهل اليمن في كل زمان. ٢٦ - أتاني آت وأنا بالعقيق فقال: إنك بواد مبارك». (البزار) عن عائشة. ۲۷ «أتاني الليلةَ آتٍ من ربِّي وأنا بالعقيق، أنْ صَلِّ في هذا الوادي
المبارك». (ابنُ خُزيمة) عن عمر رضي الله عنه.
( أتاني الليلةَ آت من ربي) وهو ملك غير جبريل (وأنا بالعقيق) وادٍ بظاهر المدينة (أنْ: صلَّ في هذا الوادي المبارك). يؤخذ منه أنَّ الوحي كان يأتي به غيرُ
جبريل ، وأنَّ الصَّلاة تشرع في المكان المبارك ولو لم يكن مسجدا.
۱۹۲
-
الحديث الشريف
أتاني آتٍ من عندِ ربِّي فخيَّرني بين أن يدخل نصفُ أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترتُ الشَّفاعة، وهي لمن مات لا يُشْرِكُ بالله شيئًا». (حم) عن أبي
موسى (ت حب) عن عوف بن مالك الأشجعي.
( أتاني آت من عند ربي فخيَّرني بينَ أنْ يدخُل نصفُ أمتي الجنة) ولا تكون لي شفاعة (وبينَ الشَّفاعةِ) يعطيني إياها، (فاخترتُ الشَّفاعة وهي لمن مات لا
يشرك بالله شيئًا من عصاة المسلمين، وفي الحديث رقم ١٧٤٤ (فاخترتُ الشَّفاعة لأنها أعمُّ ،وأكفى، أترونها للمؤمنين المتقين؟ لا؛ ولكنَّها للمذنبين الخطائين المتلوّثينَ)، والحديثان يثبتانِ الشَّفاعةَ في العُصاة، ويردان على المعتزلة
الذين ينكرونها ويزعمون أنَّ العاصي إذا مات غير تائب يجب دخوله النار. ۲۹ - «أتاني آتٍ من عند ربي عزَّ وجلَّ فقال: من صلى عليكَ مِنْ أُمَّتِكَ صلاة كتب الله له بها عشر حسناتٍ ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر
درجات، ورد عليه مثلها». (حم ن) عن أبي طلحة.
( ومحا عنه عشر سئياتٍ) أي الصَّغَائر قال الله تعالى: إِن تَجْتَنِبُوا كَبَابِرَ مَا تنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ [النساء: ٣١] وقال سبحانه : ﴿وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الجَنَّةِ ﴾ [الأحقاف: ١٦] وقوله: (وردَّ عليها مثلها)، معناه أنَّ الله تعالى يصلي على من صلى على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم، وصلاة الله على العبد رحمته إياه.
والحديث يدلُّ على فضل النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من جهة أنَّ الله
جعل للصلاة عليه هذا الثَّوابَ الكبير، ومن جهة أنه تعالى يرد بنفسه على من
الفتح المبين
صلى على نبيه .
۱۹۳
«أتاني جبريل فقال : بشَّرْ أَمَتَكَ أنَّه منْ ماتَ لا يُشْرِكُ بالله شيئًا دَخَلَ الجنة. قلت: يا جبريلُ وإِنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى؟ قال: نعم. قلتُ: وإن سرق وإِنْ زَنَى؟ قال: نعم. قلتُ: وإِنْ سَرقَ وإِنْ زَنَى؟ قال: نعم، وإِنْ شَرِب الخمرَ». (حم ت ن حب) عن أبي ذر . (دخل الجنة) وإن عُذِّبَ قبل ذلك على الزنا والسرقة، (قال: نعم؛ وإن شرب الخمرَ) صريح في أنَّ ارتكاب الكبائر لا يمنع المؤمن من دخول الجنة، والحديث يرد على المعتزلة الذين يزعمون أنَّ المؤمن العاصي إذا مات غير تائب لا يدخل الجنة، بل يخلَّدُ في النار، والأحاديث الدالة على ردّ زعمهم هذا متواترة تفيد القطع بأنَّ المؤمن العاصي غير التائب لا بد أن يخرج من النار
ويدخل الحنة.
۳۱- أتاني جبريلُ فبشرني أنه من ماتَ مِن أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ بِاللَّهُ شَيئًا دخلَ الجنة. فقلتُ: وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإِنْ زَنَى وإن سرق». (ق) عن أبي ذر . ٣٢- أتاني جبريلُ فقال: يا محمد كنْ عجَاجًا تجاجا». (حم والضياء) عن السائب بن خلاد.
(أتاني جبريلُ في أيام الحج (فقال : يا محمَّدُ كُنْ عَجَاجًا) أي ارفع صوتك بالتلبية ليشهد لك ما في الحرمِ من حصى وحَجرٍ، (تجاجا) أي أسلُ دِماءَ الإبل
بنحرها تقربا الله تعالى.
والحديث يفيدُ أنَّ رفعَ الصَّوتِ بالتلبية، وتقديم الهدي من شعائر الحج،
وانظر الحديث رقم ٣٧.
١٩٤
الحديث الشريف
۳۳- «أتاني جبريل فقال: إنَّ ربِّي وربَّكَ يقولُ لكَ : : تدري كيف رفعتُ ذكرك؟ قلتُ: الله أعلم. قال: لا أُذْكَرُ إِلا ذُكِرْتَ معي». (ع حب والضياء) عن
أبي سعيد.
هي
(تدري كيف رفعتُ ذكرَك؟) أي حيثُ قال له في (سورة الشرح): ورَفَعْنَالَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: ٤] (قال: لا أُذكرُ إلا ذُكِرتَ معي)، في الشَّهادةِ التي عنوان الإسلام، وفي الأذان والإقامة وخطبة الجمعة وفي خطبة النكاح، والتشهد في الصَّلاة وغير ذلك. والحديث تفسير للآية، ويدل على عظم فضل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم. ٣٤ - «أتاني جبريلُ فقال : يا محمَّدُ ، إِنَّ الله لعن الخمر وعاصرها ومُعتَصِرَها وشاربها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومُسقاها». (حم حب ك) عن ابن عباس. (أتاني جبريل فقال : يا محمَّدُ إنَّ الله لَعَنَ الخمرَ) أَخْبَرَ هذا الحديث بلعن الخمر وثمانية معها وهم عاصرها ومعتصرها -أي طالب عصرها - حملت إليه ليقدّمها لضيوف مثلا، وبائعها، ومبتاعها -أي
1
وشاربها، ومن مشتريها - وساقيها الذي يدورُ بكأسها على الشاربين، ومسقاها -أي من قدمت إليه فشربها. والحديث رقم ٢٩٦٨ زاد لعن «حاملها» وهو الذي يوصلها من مكان إلى مكان، وآكل ثمنها، وهو الذي يأكل طعام شخص تجارته الخمر وهو يعلم ذلك. والحديثان يفيدان تشديد الشارع في الخمر وأنها من الكبائر.
الفتح المبين
۱۹۵
٣٥- «أتاني جبريل عليه السَّلامُ فقال: يا محمد، من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، فقلتُ: آمين. ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخلَ النَّارَ فأبعده الله. فقلتُ: آمين. ومن ذكرتُ عنده فلم يصل عليك فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمین». (حب) عن مالك بن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده (ابن خزيمة حب) عن أبي هريرة.
( من أدْرَكَ رمضان) وهو شهر العبادة وتلاوة القرآنِ والمسارعة إلى فعل الخير (فَلَمْ يُغفَر لهُ) بأن قصَرَ فيه، ولم يغتنم أيامه ولياليه لعمل ما يرضي الله، أو عصى الله فيه، والمعصية فيه مضاعفةٌ ( فأبعده الله) بدخول النار، كما جاء في رواية أخر (فدخلَ النَّار فقلتُ: أمين) أمَّنَ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على دعاء جبريل لأنَّ الذي ضيع أيام رمضان فوت على نفسه فرحةً مغفرة ذنوبه، بعد أن مكنه الله منها، فاستحق الإبعاد.
(ومن أدْرَكَ والدَيْه كبيرين ضعيفين (أو أحدهما) فلم يبرهما (فدخل النار فأبعده الله من الجنة لأنَّه لا يستحقها لعدم بره بوالديه وقد أمكنه برهما (ومن ذُكِرْتَ عندَهُ) يا محمد (فلم يُصَلِّ عليك) فخالف أمر الله حيث يقول: يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: ٥٦] ولم يؤد شكر ما أسديت عليه من نعمة الهداية إلى الإسلام، فأبعده الله) لإخلاله بواجبين كما تبين، (قل: آمين، فقلتُ: آمين).
لم يؤمن حتى أمره جبريل عليه السلام، لأنَّ هذه الخصلة تتعلق بشخصه
الكريم، وهو لشدَّة شفقته على أمته لا يحبُّ أنْ يُعذِّبَ أحدٌ . ، بسببه، فصلى الله
١٩٦
الحديث الشريف
عليه ما أكرمه وما أشدَّ رأفته وصدق الله حيثُ يقول : بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ
رحِيمُ } [التوبة: ۱۲۸].
٣٦- أتاني جبريلُ فأمرني أنْ آمَرَ أصْحابي ومَنْ مَعِي أَنْ يرفعوا أصواتهم
بالإهلالِ والتَّلبية». (مالك حم ٤ حب ك هق) عن السائب بن خلاد. (أن يرفعوا أصواتهم بالإهلالِ أي بتسمية الله عند ذبح الهدي إظهارا الذبح،
لمخالفة المشركين، الذين كانوا يرفعون أصواتهم بأسماء آلهتهم عند ويؤخذ منه مشروعية إظهار مخالفة الكفار. ۳۷- «أتاني جبريلُ فقال لي : إنَّ الله يأمرُكَ أنْ تأمرَ أصحابَكَ أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنَّها من شعائر الحج». (حم ٥ حب ك) عن زيد بن خالد. (فإنّها من شعائرِ الحَجّ التَّلبية قول الحاج: «لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة والملك لا شريك لك» وشعائر الحج: أعماله، كالتلبية والهدي والطَّوافِ والسَّعي، مفردُها شَعِيرَةٌ والمشاعرُ: مواضع المناسك كعرفة ومنى ومزدلفة، واحدُها مَشْعَرُ .
۳۸- أتاني جبريلُ فقال : إنّي كنتُ أتيتُكَ البارحة فلم يمنعني أن أكونَ دخلت عليك البيت الذي كنتَ فيه إلا أنَّه كان في بابِ البيتِ تمثال، وكان في البيتِ قِرَامُ سِتر فيه تماثيل، وكانَ في البيتِ كلب، فمُرْ برأس التمثال الذي في الباب فليقطع فيصيرُ كهيئةِ الشَّجَرَةِ، ومُرُ بالسِّترِ فلْيقطع ويُجعل منه وسادتين
منتَبَذَتَينِ تُوطَآنِ ومُرُ بالكَلبِ فيُخْرَج». (۳) حب) عن أبي هريرة.
كان في البيت (تمثال التمثال : الصورة أو حجر أو خشب أو نحو ذلك،
الفتح المبين
۱۹۷
ويؤخذ منه أنهم كانوا يضعون على أبواب البيوت تماثيل على سبيل الزخرفة، (فَمُرَ برأسِ التِّمثالِ الذي في البابِ فليقطع فيصير كهيئةِ الشَّجرةِ) ويوخذُ منه
أمران:
١ - أنَّ الصُّورة المجسمةَ تَحْرُمُ بوجودِ الرَأسِ فيها، فإذا قطع انتفى التحريم، وفي معجم الإسماعيلي" من حديث ابن عباس: «الصورةُ الرَّأْسُ، فإِذا قُطِعَ الرأسُ فلا صُورة». ٢ - أنَّ تصوير الشجرة أو ما في معناها ليس بحرام، والحكمة في ذلك أنَّ مضاهاة خلق الله في تصوير ذي روح أقوى وأظهر منها في تصوير شجرة أو جبل مما لا روح فيه، وأيضًا فإنّ قدرة الله في خلق الحيوان أظهر منها في خلق الجمادِ والنبات، وأيضًا فإنَّ الرُّوحَ منْ أمر الله لا يعرفُ كنهه أحدٌ على حقيقته ولا يدرى كيف يحل في الجسم؟ ولا كيف يخرج منه؟ ولا يمكن تصويره، فكما لا يستطاع أخذ صورة له كذلك لا يجوز تصوير ما يجهل فيه من الأجسام ولهذا جاء في الحديث رقم ۹۳۰: «إنَّ أَصْحَابَ هذه الصُّورِ يعذَّبُونَ يومَ القيامةِ فيقال لهم على سبيل التبكيت «أخيُوا ما خلقتُم». أي حيثُ تجرأتم وصنعتم الجسم الذي يحله الروح فأوجدوا فيه الروح، وبالضرورة لا يستطعيون (ومر بالسِّترِ فلْيُقطع ويجعل منه وسادتين منتَبَذَتِينِ تُوطَآنِ).
يؤخذ منه أمران أيضًا:
١ - أنَّ الصُّورة المنقوشة تطريزا على ثوبِ تحرُمُ أيضًا.
٢ - أنَّ تلك الصُّور لو وضعت بمكان تُمتَهنُ فيه كوسادةٍ توطأ فإنَّها لا تحرم، (ومر بالكلبِ فيُخرَجُ يفيدُ الحديثُ أنَّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة
۱۹۸
الحديث الشريف
أو كلب، وجاء مصرّحًا به في الحديث رقم ٤٣١٦، وسُئلتُ غير مرة عن الحكمة في أنَّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، ورأيتُ من علل ذلك بنجاسته،
بدليل غسل الإناء من ولوغه سبع مرات، ولكنَّ نجاسته غير متفق عليها، فهو عند المالكية طاهر ما دام حيا ، وغسل الإناء من ولوغه تعبدي عندهم، وليس معللا بعلته، والذي يظهرُ لي في حكمةِ ذلك أنَّ الشيطان يتصور في صورة الكلب والملائكة أعداء الشيطان فلا يدخولون مكانا فيه حيوان يتشكل الشيطان في شكله، وأيضًا فإنَّ الكلب لا يتوقى في أكله، فيأكل العذرة والقي وسائر النجاسات ولو كان معتنى به عند أصحابه، وفي هذا تنبيه للإنسان أنَّه إذا لم يتوقَّ في أكله من الحرام يكونُ منبوذا عند الملائكة لا يرفعون عمله ولا دعائه، ولما كان الخنزير شبه الكلب في التغذي بالنَّجَاسَاتِ، أخبرَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنَّ عيسى عليه السَّلام حين ينزل آخر الزمان يقتل الدجال ويكسر الصَّليب، ويقتل الخنزير، وهذا ما ظهر لي والله أعلم. ۹ - «أُتي الله بعبد من عباده آتاه الله ،مالا، فقال له: ماذا عملت في الدُّنيا؟ قال - ولا يكتمون الله حديثًا - : يارب آتيتني مالا فكنتُ أبايعُ النَّاسَ، وكان من خلقي الجواز، فكنتُ أيسر على الموسِر ، وأنظرُ المغير. فقال الله تعالى: أنا أحقُّ
بذلك منك، تجاوزُوا عنْ عبدِي». (م) عن عقبة وأبي مسعود الأنصاري. (أتي الله ) أي يأتي الله يوم القيامة بعبد من عباده) وعبر بالماضي لتحقيق
وقوعه مثل انَ أَمْرُ اللهِ ﴾ [النحل: ١] القيامة، فلا يتيسر لأحد أن يكتم حديث أو يكذب فيه (وكانَ منْ خُلقِي الجواز) أي التجاوزُ في معاملة النَّاس، وعدم التشديد عليهم، وبين التجاوز بقوله: (فكنتُ أيسر على الموسر) لا أغالي
الفتح المبين
۱۹۹
عليه في ثمن البضاعة وأطالبه برفق (وأنظرُ المعسر ) أمهله حتى يتيسر له أداء ما عليه لي (فقال الله تعالى: أنا أحقُّ بِذلكَ التَّجاوز (منكَ، تَجاوَزُوا عنْ عبدِي) كما تجاوز في معاملة عبيدي. والحديث يفيدُ أنَّ الله تعالى يحبُّ الكريم في المعاملة، ويحبُّ ألا يكونَ التعامل بين الناس مبنيا على الناحية المادية فقط، بل يكون مشوبا بمعان إنسانية رحيمة من تيسير على الموسر، وإنظار للمعسر، ومطالبة برفق، وقناعة
بالربح القليل. ٤٠ - «أتدرُونَ من المفلِسُ؟ إنَّ المفلسَ مِنْ أمَّتِي مِنْ يأتي يومَ القيامةِ بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتَمَ هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذَ من خطاياهم فطرِحَتْ عليه ثمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ». (م ت) عن أبي هريرة. (أتدرُونَ من المفلس) وجه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم هذا السؤال إلى الصحابة فأجابوه بقولهم: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، يعنون المفلس في الدنيا حسب المتعارفِ بين التجار وأصحاب المال، فأراد أن يُبين لهم مفلسا أشد منه، وهو المفلس في الآخرة، فقال: (إنَّ المفلس من أمتي يومَ القيامة، من يأتي بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذفَ هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضَرَبَ هذا ، وحاصله أنَّ المفلس في الآخرة هو الذي يكون له طاعات وعليه حقوق للناس، فيتقاضى أصحاب الحقوق حقوقهم من طاعاته لأنه ليس هناك ،مال، إنما التقاضي بالحسنات والسيئات.
۲۰۰
الحديث الشريف
(فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم) بقدر ما بقي لهم قبله، (فطرحت عليه ضمَّتْ إلى صحيفته، ثمَّ طُرحَ فِي النَّارِ) لأنَّ ما كانَ له
من حسنات أخذه أصحاب الحقوق، وطرحوا عليه من خطاياهم بمقدار .
ما
بقي لهم عليه فلم يبق له مكان إلا النار، وهذا هو المفلس حقا. والحديث يفيدُ أنَّ الإنسان يوم القيامة لا بدَّ أن يؤدي الحق الذي عليه من حسناته قليلًا كان الحقُّ أم كثيرًا، وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بعث خادمة له في حاجة، فأبطأت كثيرًا، فلما جاءت قال لها وهو يشير إلى عود آراك بيده: «لولا مخافة القصاص يوم القيامة لأوجعتك بهذا السواك».
٤١ - «اتَّقِ الله حيثما كنتَ، وأَتْبِعِ السَّيئة الحسنةَ تَمحُهَا، وَخَالِقِ الناس
بخلق حسن». (حم ت ك هب) عن أبي ذر ، (حم ت هب) عن معاذ. (اتَّقِ الله ) أي اجعل بينك وبينَ عقابِه وغَضبه حاجزًا من التَّقوى، وهي فعل الطاعات واجتناب المعاصِي (حيثما كُنْتَ) أينما كنتَ، وحدك أو مع النَّاس، سِرا وعلانية (وأتبع السيئة) الصغيرة (الحسنة تمحها) لقوله تعالى: وإِنَّ الْحَسَنَتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: ١١٤]، (وخالقِ النَّاسَ) عاملهم (بخلق حسن) تكسب مودتهم وثواب الله . ٤٢ - «اتَّقِ الله ولا تحقِرَنَّ مِنَ المعروفِ شيئًا، ولو أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إناءِ المنتسقي، وأنْ تَلْقَى أخاكَ ووَجْهُكَ إليه مُنبِسِطٌ، وإياك وإسبالَ الإِزارِ فَإِنَّ إسبال الإزارِ من المخِيلَةِ ولا يحبها الله، وإن امرؤٌ شتَمَكَ وعَيَّرَكَ بأمرٍ ليسَ هو فيك فلا تعيّزه بأمر هو فيه، ودعه يكون وباله عليهِ وأجره لك، ولا تسبَّنَّ
الفتح المبين
۲۰۱
أحدًا». (الطيالسي حب) عن جابر بن سليم الهجيمي. (لا تحقرِنَّ مِنَ المعروفِ شيئًا) تقدمه مساعدة لأخيك المسلم، فقد يقع منه موقع الشيء الكبير ولو أنْ تُفرغ من دلوك في إناء المستسقي، وأنْ تلقى أخاك ووجهك إليه مُنبسط) هذان مثلان للشيء اليسير لكن أثرهما كبير، (وإياك وإسبال الإزارِ) أي لا تسبل ثوبك إزارًا أو غيره، فإنَّ إسبال الإزارِ من المخيلة) وهي الكبرُ ) ولا يحبُّها الله) إنَّ الله لا يحب المستكبرين (وإن امرو شتمك وعيّرك بأمر ليس هو فيكَ فكن كريمًا (فلا تعيره بأمرٍ هو فيه، ودعه يكون وباله عليهِ وأجره لك، يفيد أنَّ المشتوم يكون مثابًا إذا لم يرد على الشَّاتمِ
شتيمته، ولا تسبنَّ أحدا يفيد تحريم السَّبِّ.
یو
٤٣ - «اتَّقُوا الله في البهائِمِ المعجمة ، فاركبوها صالحة، وكلُوهَا صالحةً».
حم د وابن خزيمة حب) عن سهل بن الحنظلية.
اتَّقُوا الله في البَهَائِمِ المعجمة) كالإبل (فاركبُوها صالحةً وكلُوهَا صالحة). يفيد وجوب الرفق بالحيوانات والمحافظة على صحتها، وقد سَبَقَ
الإسلام الأوربيين الذين أنشأوا في آخرِ الزَّمان جمعية الرفق بالحيوان. ٤ - «اتَّقِ دعوة المظلومِ فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب». (ت) عن ابن عباس ورواه (ق د ن) في حديث. (اتَّقِ دعوة المظلوم) زاد في الحديث ٥٤ (وإن كانت من كافر)، فضرر كفره على نفسه (فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب كناية عن استجابتها، وقال في الحديث رقم ٥٣: «فإنَّها تضعدُ إلى السَّماءِ كأنَّها الشَّرارُ» كناية عن سرعةِ قبولها، والإسلام يقرّر بهذا مبدأ العدل المطلق، فلا يُجيز للمُسلِمِ أَنْ يَظلم أحدًا مسلما
۲۰۲
الحديث الشريف
كان أم كافرا، ولقد ذَهَبَ عبدالله بن رواحةَ رضي الله عنه إلى خيبر خارصا لتمر هم فشكى يهود خيبر إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم شدة خرصه، وأرادوا أن يرشوه فقال لهم: يا أعداء الله تُطعموني الشحتَ؟! والله لقد جئتكم من عند أحب النَّاسِ إليَّ، ولأنتُم أبغضُ إليَّ من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي إياكم، وحبي إياه على ألا أعدل ، فقالوا بهذا قامَتِ السَّموات والأرضُ. ٤٥ - «اتَّقُوا اللهَ واعدِلُوا في أولادِكُم». (ق) عنِ النُّعمان بن بشير. (واعدلوا بينَ (أولادِكم في العَطَّيةِ والمُعَامَلةِ، فإنَّ تفضيل بعضهم على بعض يورث . حقدًا وعداوة، ويحملهم على العقوق ويفكك روابط
بينهم
الأسرة، وسبب ورود هذا الحديثِ أَنَّ بشيرًا نَحَلَ ولده النُّعْمانَ نِحْلَةً، وجاء إلى النَّبي صلى الله عليه وآله وسلّم ليشهده عليها، فسأله: (أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا، فذكر الحديث، زاد في رواية: «أشهد على هذا غيري فإنّي لا أشهد على جَوْرٍ»، وهو يفيد تحريم المفاضلة بين الأولاد ووجوب معاملتهم بالعدل، ذكرانا وإناثًا، وقد حصلت مصائب بسبب تفضيل الوالدين أو أحدهما بعض أولادهما، وكم من ولد قتل أباه أو أمه؟ ومنهم من قتل أخاه الذي فضله عليه أبوه، بله القضايا التي رفعها الإخوة في إبطال ما خص به أبوهم بعض أخوتهم إلى غير ذلك. ٤٦ - «اتَّقُوا الله وصَلُّوا خمسَكم، وصُومُوا شَهْرَكُم، وادُّوا زَكَاةَ أَموالِكُم طيبة بها أنفسكم، وأطيعُوا ذا أمركم تدخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ». (ت حب ك) عن أبي
أمامة.
وصَلُّوا خمسَكُم أي الصَّلواتِ الخمسَ، وأضيفت إلى المسلمين لأنها
الفتح المبين
۲۰۳
"
واجبة عليهم لا انفكاك لهم عنها، (شهركم) هو رمضان (طيبة بها أنفسكم) أي راضيةً بدفعها لا كارهةً ولا ضَجرةً؛ ليُثاب عليها، فإنَّ أدَّاها كارِها لم يكن
له ثواب في أدائها ( وأطيعوا ذا أمرِكُم) هو خليفة المسلمين إذا كان عادِلًا. ٤٧ - «اتَّقُوا البَولَ فإنَّه أول ما يحاسَبُ به العبد في القبرِ». (طب) عن أبي
أمامة.
اتَّقُوا البَوْلَ) احترسوا من التَّنْجسِ به بأن تستبرئوا بعد البول بسَلْتِ الذكر ونثره ثلاث مراتٍ حتى لا تبقى قطرة بول في القضيب، ولو بقيت فيه بطل الوضوء والصَّلاة، فالاستبراء من البول واجب، ولو أدَّى إلى خروج الصَّلاة عن وقتها (فإنَّه أول ما يُحَاسَبُ به العبد في القبر)، لأنَّ صحةَ الصَّلاةِ
التي هي عمود الدين متوقفة على إتقان الاستبراء منه. ٤٨ - «اتَّقُوا الظُّلمَ فَإِنَّ الظُّلم ظلمات يومَ القيامةِ، واتَّقُوا الشُّحَ فَإِنَّ الشُّحَ أهلك منْ كانَ قبلَكُم، حملَهُم على أنْ سَفكُوا دماءَهُم واستَحلُّوا محارِمَهُم».
(حم خدم) عن جابر. اتَّقُوا الظَّلمَ أي لا تظلموا أحدًا مسلما كان أو كانوا (فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة)، لأنَّ المسلم ينوّر له يوم القيامة بعمله الصالح، فإذا ظَلَمَ أحدا من النَّاسِ في عرض أو مال غلب ظلمه على صالح عمله، فأطفأ نوره (واتقوا الشُّح) أي اجتنبوه وهو: البخل مع حرص ، فإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مِنْ كانَ قبلَكُم) من أهل الكتاب، (حملهم على أن سفكوا دمائَهُم وَاسْتَحَلُّوا محارِمَهُم)، فتاريخ اليهود مشحون بحوادثِ سفكِ الدّماء، واستحلال المحارم في سبيل الحصول
على المال والحرص عليه، لذا قال الله تعالى: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَيْكَ هُمُ
٢٠٤
الحديث الشريف
الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: ٩]، لأنَّ شُحَ النَّفس يؤدي إلى المهالك. ٤٩ - «اتَّقُوا اللاعِنَينِ: الذي يتخلّى في طريق الناس، أو في ظلهم». (حم م
د) عن أبي هريرة. (اتَّقُوا اللاعِنَينِ) أي الأمرين اللذين يكونان سببا في لعن فاعلهما (الذي يتخلّى) يقضي حاجته في طريق الناس الذي يمرون عليه (أو في ظلّهم) أي أماكن الظل التي يجلسون فيها كالحدائق مثلا. ه - «اتَّقُوا الملاعنَ الثلاثَ البِراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل».
-
د هـ ك هق) عن معاذ.
اتقوا الملاعنَ) بفتح الميم، جمع ملعنة (البراز في الموارد) أي قضاء الحاجة في أماكن ورود الماء كحافة العيون والآبار والترع وشاطئ النهر (وقارعة الطريق) أي أعلاه.
ويؤخذ من الحديثين الحض على نظافة الشوارع والأماكن التي يطرقها الناس كالحدائق والمنتزهات وشواطئ الأنهار ، وأن من وسخ شيئًا منها بنجاسة جاز لعنه، وحيث جاز لعنه جاز تعزيره بما يراه الحاكم رادعا عن هذا
العمل الذي يؤذي المسلمين.
- «اتَّقُوا النار ولو بشقٌ تمرةٍ». (ق (ن) عن عدي بن حاتم (ك) عن ابن
عباس (حم) عن عائشة.
-
. «اتَّقُوا النارَ ولو بشقٌ تمرةٍ، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة». (حم ق) عن
عدي بن حاتم.
اتقُوا النَّار) أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية من الصدقة (ولو) أن تتصدقوا
الفتح المبين
٢٠٥
(بشق تمرة) فإنها تسد من الجوع (فإنَّ لم تجدوا) شق تمرة (فبكلمة طيبة) أي فتصدقوا بكلمة طيبة، بأن يُقالُ للسائل: سَهَّلَ الله لك الخير» أو ما أشبه ذلك، والكلمةُ الطَّيبةُ عند الصُّوفية أن يقول للسائل: استدن عليَّ، كما كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقولُ للسائل: «ما عندي شيء، ولكن ابتَعْ علي»، وهذا مقام عزيز لا يناله إِلَّا خواص العارفين.
وممن رأيتُه في هذا المقامِ مولانا الأستاذ الإمام الشيخ الوالد رضي الله عنه،
كان يجئ إليه الشَّخصُ يطلب منه كسوةً أو نقودًا ولا يكون عنده ـ شيء فيقدم إليه الطعام، ويبعثني إلى بعض التجار لاستلاف النقود أو شراء ثياب على الحساب، ولا ينتهي الضيفُ من طعامه حتى يقدم له ما طلب من كسوة أو مال، كانت هذه عادته مع من يطلب معروفه، فما أعلم أنه ردَّ سائلا ولقد جاءَه مرة شخص وهو راجع من درس الفقه الذي كان يلقيه بالجامع الكبير، وطلب برنسا، فقال له: اتبعني حتى وَصَلَ إلى البيتَ فَدَخَلَ وخلعه خلف الباب وسلّمه إليه، ولم يكن عنده غيره، ولا يمكنه الخروج إلا ببرنس، فأخلف الله عليه وعوضه خيرا منه. ٥- «اتَّقُوا دعوة المظلوم، فإنَّها تصعد إلى السماء كأنها الشرار». (ك والضّياءُ في المختارة) عن ابن عمر.
منه
٥٤ - «اتَّقُوا دعوة المظلوم، وإن كانت من كافر، فإنَّها ليس دونها حجاب».
(حم ع والضياء) عن أنس.
-00
- «اتقوا فراسة المؤمن فإنَّه ينظر بنور الله عزّ وجلَّ». (تخت) عن أبي
سعيد الحكيم وسمويه طب عد) عن أبي أمامة، وحسنه الهيثمي (ابن جرير)
٢٠٦
عن ابن عمر .
الحديث الشريف
اتَّقُوا فِرَاسةَ (المؤمنِ الفِراسةُ بكسر الفاء: التثبتُ والنَّظر، وقد تكون عادية تعتمد على قرائن الأحوال، وقد تكون وهبيةً يخلقها الله في القلب فتنكشف له المغيبات وهي المراد هنا، وعرَّفها الكتاني بأنها مكاشفة اليقين ومعاينة الغَيبِ، وذَكَرَ أنَّها من مقامات الإيمان، (فإنَّه ينظرُ بنورِ الله عزَّ وجلَّ) لأنَّ سواطع أنوار لمعت في قلبه فأدرك بها ما غاب عنه.
عن
قال أبو عمرو بن نجيد، وهو محدثٌ صوفي زاهد: كان شاه الكرماني حاد الفراسة لا يخطئ، ويقول: من غضّ بصره عن المَحَارِمِ وأَمْسَكَ نَفْسَه . الشهوات، وعمر باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السُّنَّة، وتعود أكل الخلال لم تخطئ فراسته. دخل بعض الصحابة على عثمان رضى الله عنه، وكان قد رأى في طريقه امرأة تأمل محاسنها، فقال له عثمانُ : يدخل أحدكم وآثارُ الزنا ظاهرة على عينه، فقال له: أوحي بعد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم؟! فقال: لا ولكن تبصرة وبرهان، وفراسة صادقة.
وكان الشافعي ومحمد بن الحسن في المسجد الحرام فدخل رجل فقال محمد ابن الحسن: أتفرس إنَّه نجار، فقال الشافعي: أتفرس إنَّه حداد. فسألاه فقال: كنتُ قبل هذا حدادًا والسَّاعةُ أنجرُ. وقال السَّرِيُّ السَّقطيُّ للجُنيد: تكلَّم على النَّاسِ. قال الجنيد: وكان في حشمةٌ من الكلام على الناس، فإني كنتُ أتهم نفسي في استحقاق ذلك، فرأيتُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في المنام، وكانت ليلة جمعة فقال لي:
قلبي .
الفتح المبين
۲۰۷
تكلم على النَّاسِ، فانتبهتُ وأتيتُ بابَ السَّري قبل أن أصبحَ، فدققتُ عليه
الباب، فقال : لم تصدقنا حتى قيل لك ؟!
فقعد للناس في الجامع بالغد، فانتشر في الناس أنَّ الجنيد قعد يتكلم على الناس، فوقف عليه غلام نصراني متنكرًا وقال له: أيها الشيخ ما معنى قول رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «اتَّقُوا فِراسةَ المؤمِنِ فَإِنَّ المؤمنَ يرى بنورِ الله تعالى»؟، فأَطَرقَ الجنيدُ ثمَّ رَفَعَ رأسه وقال: أسلم، فقد حَانَ وقت إسلامك،
فأسَلَمَ الغلام. والحديث دليل للكشف الذي يُعطاه الأولياء. ٥٦ - «اتقي الله يا فاطمة وأدّي فريضةَ ربَّكِ واعملي عمل أهلِكَ، وإذا أخذت مضْجَعَكِ فسبِّحِي ثلاثا وثلاثين، واحمدي ثلاثا وثلاثين، وكبري أربعًا
وثلاثين، فتلك مائةٌ، خيرٌ لكِ من خادِم». (ق د ت) عن علي عليه السلام. (اتقي الله يا فاطمةُ) أي دومي على تقوى الله (وأدي فريضةً ربَّكِ) داومي على آدائها واعْمَلي عَملَ أهلِكِ) من طبخ وكنس ونحو ذلك في شئون بيتك، (وإذا أخذتِ مضجَعَكِ) للنَّوم بالليلِ فَسَبِّحِي ثلاثا وثلاثين) قولي: سبحان الله (واحمدي) قولي الحمد لله (ثلاثا) وثلاثين وكبري) قولي: الله أكبر (أربعا وثلاثين فتلك مائة، خير لك من خادم). وكانت فاطمة عليها السَّلامُ قالت لأبيها صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أَنَّها استقتِ الماء وطحنت بالرَّحى حتى تَجَلَتْ يداها وشكت إليه تعبا من عملها
في البيت، وسألته أن يُعطيها خادما من . ، جاءَه فقال لها: «لا أعطيكِ، وأدَعُ
سبي
أهلَ الصُّفَّةِ لا أجد ما أنفق عليهم، ثمَّ جَاءَها إلى البيت وقال هذا الحديث،
۲۰۸
الحديث الشريف
وأخذ منه فضل أهل الصُّفَّة، وأنَّ هذا الذكر من خاصيته إذهاب التّعب عن
صاحبه.
٥٧ - «أتموا الركوع والسجود، فوالذي نفسي بيده إنِّي لأراكُم من وراء
ظهري إذا ركعتُم وإذا سجَدْتُم». (حم ق ن) عن أنس.
أتموا الركوع) بأن تكونَ ظهورُكم مستوية مع رءوسكم، فلا تقوسوا الظهور ولا تطأطئوا الرءوسَ، والسُّجود) بأن تمكنوا جبهتكم منَ الأرضِ وترفعوا أيديكم، بحيثُ لا تلْصِقُوا أذرعتكم بالأرض، (إني لأراكُم من وراء
ظَهرِي إِذا ركعْتُم وإذا سجَدتُم).
قال العلماء في معنى هذا الحديثِ: أنَّ الله تعالى خلق له صلَّى الله عليه وآله وسلم إدراكًا في قفاه يبصر به مَنْ ورائه، ونقل القاضي عياض عن الإمام أحمد وجمهور العلماء أنَّ هذه الرؤية رؤية بالعين حقيقة، نقله النووي في "شرح
مسلم"، وهو يردُّ على المعتزلة الذين يزعمون أنَّ المقابلة شرط في الرؤية. والحديث يفيد وجوب إتمام الركوع والسجود لأنها ركنان من أركان الصلاة، وأنَّ الإمام إذا رأى تقصيرًا من المصلين في أركان الصلاةِ نبههم إليه، وأن الحلف جائز لتأكيد أمر مهم، فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم حلف على أنه يرى من خلفه ليؤكد تحقيق هذه المعجزة، كما يفيد بطلان ما نقله ابنُ الجوزي في بعض كتبه بغير ذلك، من أنه صلى الله وعليه وآله وسلم قال: «إنّي لا أعلمُ ما خَلْفَ جِدارِي هذا»، وقد قال عنه الحافظ ابن حجر أنه لا أصل له. ٥٨ - «أتموا الصفوف، فإنّي أراكم خلف ظهرِي». (م) عن أنس.
الفتح المبين
۲۰۹
٥٩- «أتموا الصفّ المقدَّمَ ، ثمَّ الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في
الصف المؤخَّرِ». (حم دن حب وابن خزيمة والضياء) عن أنس. أتموا الصَّفَّ المقدَّم) وهو الصَّف الأول (فما كان من نقص فليكن في الصَّفِّ المؤخَّرِ) أَي الصَّفِّ الأخير.
يفيد ندب إتمام الصفوف في الصَّلاة، وفضل الصف الأول على ما يليه وهكذا، وفي الحديث رقم :٢٨٤٣: كان يستغفرُ للصَّفِ المقدَّم ثلاثا وللثاني مرة»، وحكمة ذلك أنَّ الصَّفَ الأول يلي الإمام فيرى أفعاله، وإن حصل له سهو في قيام أو قعود عاينه، ثمَّ هو يدل على الاعتناء بالصَّلاةِ والتبكير إليها. ٦٠ - أتيتُ بالبراق، وهو دابَّةٌ أبيضُ فوقَ الحمار ودونَ البغل يضعُ حافره
عند منتهى طرفه، فركبتُ فسارَ بي حتّى أتيتُ بيت المقدس، فربطتُ الدابةَ بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ثم دخلتُ فصليتُ فيه ركعتين، ثم خرجتُ فجاءَ جبريلُ بإناء من خمرٍ وإناءٍ من لبن فأخذتُ اللبن. قال جبريل: أخذت الفطرة ثم عرج بي إلى السَّماءِ الدُّنيا، فاستفتح جبريل، قيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك ؟ قال : محمدٌ ؛ قيل : وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم. ففتح لنا فإذا
أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السَّماءِ الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعثَ إليه؟ قال: قد بُعثَ إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى، فرحبا بي ودعَوَالي بخير، ثم عرج بنا إلى السَّماءِ الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل : ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: قد أُرسل إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أُعطي شطر الحسن،
۲۱۰
الحديث الشريف
فرحب بي ودعا لي بخير. ثُمَّ عُرجَ بنا إلى السَّماءِ الرَّابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل قيل ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بُعثَ إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السَّماءِ ،الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل : وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السَّماءِ السادسة، فاستفتح جبريلُ، فقيل : من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. فقيل: وقد بُعثَ إليه؟ قال: قد بُعثَ إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بموسى، فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السَّماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال جبريلُ. قيل : ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم، فإذا هو مستند إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودُونَ إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا أوراقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، فلما غشِيَها من أمر الله ما غشِيَها تغيَّرتْ فما أحد من خلق الله يستطيعُ يصِفُها من حسنها، فأوحى الله إلى ما أوحى، وفرضَ الله عليَّ في كل يوم وليلةٍ خمسينَ صلاةً، فنزلتُ حتَّى انتهيتُ إلى موسى فقال: ما فرضَ ربُّكَ على أُمَّتِكَ؟ قلتُ:
خمسين صلاةً في كلِّ يوم وليلةٍ، قال: ارجع إلى ربِّكَ فاسأله التخفيف فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا تطيق ذلك، وإني قد بلوتُ بني إسرائيل وخبرتهم. فرجعت إلى ربي، فقلتُ: أي ربِّ، خفّف عن أمتي! فحطّ . خمسًا، فرجعت إلى موسى، فقال: ما فعلت؟ قلت: قد حطّ عنّي خمسًا، قال: إنَّ أمَتَكَ لا تُطِيقُ ذلك، فارجع إلى
عني
الفتح المبين
۲۱۱
ربِّكَ فاسأله التخفيف لأُمَّتِك. فلم أزل أرجعُ بينَ رَبِّي وبينَ مُوسَى ويحطُّ عَنِّي خمسا خمسا ، حتى قال: يا محمد هي خمس صلوات في كل يوم وليلة، بكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاةً، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنةً، فإن عملها كتبت له عشرًا، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب شيئًا، فإن عملها كتبت سيئةً واحدةً. فنزلتُ حتى انتهيتُ إلى موسى فأخبرته فقال: ارجع إلى ربك، فاسأ له التخفيف لأمَّتِك فإنَّ أمَّتَك لا تطيقُ ذلك. فقلتُ: قد رجعت إلى ربي فاستحييتُ منه». (ق) عن أنس. ( أتيتُ بالبراق) أتاه جبريل وهو نائم عند أم هانيء بنتِ أبي طالب، أختِ علي رضى الله عنهما ولم تكن متزوجةً، فأيقظه وقال له: اتبعني، فوصل إلى البيت الحرام فشق صدره الشريف وغسله بماء زمزم، ليقوى على مشاهدة ما نوه الله عنه في تلك الليلة بقوله تعالى: لَقَدْرَأَى مِنْ ءَايَتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: ١٨]، وقَدَّمَ جبريل إليه البراق مسرَّجًا ملجا (وهو دابةٌ فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه)، كناية عن شدة سرعته، فاستصعب عليه فقال له جبريل: أبمحمد تفعل هذا؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه، فارفض البراق عرقا (فربطتُ الدابةَ بالحلقة التي يربط بها الأنبياء) إذا زاروا بيت المقدس، وهذا لا يقتضي أنه أُسري بهم إليه في حياتهم.
وقد طعن بعض الملحدين في هذه الجملة فقال: «هل ربط البراق لأنه خاف أن يهرب؟»!!، وهذا يدلُّ على جهله فإنَّ ربط الدَّابة ليس خوفا من هربها ولكن لأجل ألا تتبعه في الدخول إلى بيت المقدس، ولأنَّه أخبر أنَّ الأنبياء يربطون بتلك الحلقة، فعمل مثلهم، ولأنَّ المتّبع في العادةِ أن الرَّجلَ إِذا نزل
۲۱۲
الحديث الشريف
عن دابته ربطها بمكان بعيد عن المارة حتى لا تزدحم الطريق، ثم دخلتُ فصليتُ فيه ركعتين) يفيد أنَّ الصلاة كانت مشروعة، ولكن لم تفرض الصلوات الخمس إلا في ليلة المعراج كما يأتي آخر الحديث، ووجد الأنبياء مجتعمين، وحضرت الصلاة فقدمه جبريل فصلى إمامًا، ثم عرفه بهم جبريل عليه السلام (ثمَّ خرجتُ من بيت المقدس (فجاءَ جبريلُ بإناء من خمر وإناء من لبن) يؤخذ منه أنَّ الضيف إذا نزل بمكان يقدم للصلاة إذا حضر وقتها، فرضًا كانت أو نفلا، ثم يقدَّم إليه الطَّعام. (قال جبريل : أخذتَ الفطرة) أي الدِّين، واللبن يؤول بالدين، قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفَأَ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ [الروم: ٣٠] زاد في
رواية: «ولو أخذت الخمرَ لَغَوَتْ أَمَّتُكَ» أي لأجتمعت أمتك على الغواية والضَّلال، لأنَّ الخمر إثم وغواية ولهذا تؤول الخمر بالإثم والمعصية، ثم عرج بي) جبريل (إلى السَّماءِ الدُّنيا فاستفتح جبريل) أي طلب فتح الباب، ويؤخذ منه أنَّ السَّمواتِ أجسام كثيفة تحجب ما ورائها، وأنَّ لها أبوابًا عليها خزنة يفتحونها. (قيل: وقد أُرسل إليه؟) يفيد أنَّ محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان معروفًا لأهلِ السَّمواتِ (قال: نعم) وزادَ في رواية «قيل: مرحبا به فلنعم المجيء جاء» وهذا مع قوله: «قيل: وقد بُعثَ إليه؟» يدل على أن معنى «أرسل إليه»: أي دعي لرحلة المعراج لأنه لا يصل إلى السَّمواتِ وما فوقها إلا بدعوة
من الله سبحانه وتعالى.
(ففتح لنا، فإذا أنا بآدمَ فرحَبَ بي ودعا لي بخير) وفي رواية أخرى: «فقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصَّالح، ووجد عن يمينه أسودةً وعن يساره
الفتح المبين
۲۱۳
أسودةً فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل يساره بكي، فسأل جبريل عن ذلك فقال: الأسودة التي عن يمينه نَسَمُ بنيه من أهل الجنة، والتي عن يساره نَسَم بنيه من أهل النار ، فإذا نَظَرَ إلى جهة يمينه ضحك استبشارا، وإذا نظر جهة يساره بكى أسفًا.
(فإذا أنا بابني الحالة يحيى وعيسى)، كان زكريا عليه السلام متزوجا بخالة مريم أم عيسى عليهما السَّلامُ فرحبا بي ودعوا لي بخير) أي قالا له: «مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح»، وهكذا قال له يوسف وإدريس وهارون وموسى، أما إبراهيم فقال له مرحبا بالنبيِّ الصَّالح والابنِ الصَّالح، (فإذا أنا بيوسف وإذا هو قد أُعْطِيَ شطر الحسن) أي نصف الحسن، أمَّا الحسن كلُّه فقد أعطيه نبينا عليه الصَّلاة والسَّلام، لكن كان حسنه مصحوبًا بهيبة وجلال، (فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير أي قال له: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، ولم يقل: الابن الصالح، مع أنه جد نوح الذي يعد الأبَ الثاني للبشر بعد حادث الطوفان، لأنه كان في مقامِ التّواضع، حيث أ مكانا عليا، ومن رفعه الله لا بدَّ أنْ يتواضع. (فإذا أنا بإبراهيم وهو مستند إلى البيت المعمور)، هو كعبةُ أهل السَّمواتِ، (وإذا هو يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملك) للطوافِ والعبادة، (ثم لا يعودون
إليه) يفيد كثرة الملائكة جدًّا.
أنَّ الله رفعه
وفي استقبال هؤلاء الأنبياء له إشارات لطيفة؛ أما آدم فللإشارة إلى أنَّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم سيخرجُ من مكة مهاجرًا ثم يعود إليها منتصرا، كما خرج آدم من الجنة ثم عاد إليها.
٢١٤
الحديث الشريف
وأما يحيى فللإشارة إلى أنه لم يكن له نظير من قبل، كما لم يكن ليحيى سَمِيٌّ من قبل، وأما عيسى فللإشارة إلى أنه خاتمُ الرُّسل كما كان عيسى خاتم رسل بني إسرائيل، وأمَّا يوسف للإشارة إلى أنَّ أقاربه حسدوه وأنه ينتصر عليهم كما حصل ليوسف مع إخوته، ولذلك قال للمشركين يوم الفتح: «أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء».
وأما إدريس فللإشارة إلى رِفْعَةِ مكانته كما رفع إدريس، وأمَّا هارون فللإشارة إلى أنه يصير محبوبا في قومه كما كان هارون محبوبا في بني إسرائيل. وأما موسى فللإشارة إلى أنه كثير الأتباع وله كتاب تشريع، كما أن موسى
كذلك، مع ملاحظة الفارق بينهما.
وأما إبراهيم فللإشارة إلى نيل مقام الخلافة كما نالها إبراهيم عليه السلام، ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسل في أواخر حياته: «لو كنتُ متَّخذا من أمتي خليلا دونَ ربي لأتخذتُ أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، وإنَّ صاحبكم خليل الله». ثمَّ ذَهَبَ بي إلى سدرة المنتهى)، وهي شجرة أصلها في السَّماء السابعة، ولا يعلم نهايتها إلا الله، ينتهي ! ، إليها علم المخلوقات وعندها رأى النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم جبريل على صورته الأصلية كما قال تعالى: وَلَقَدْرَ اهُ نَزَّلَةٌ أخرى عِندَ سِدْرَةِ الْمُسْتَعَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم: ١٣ - ١٥]، والآية تفيد ﴾ وجود الجنة الآن وأنَّ سدرة المنتهى في عالم الآخرة، (فإذا أوراقها كآذان الفيلة) في كبرها وعرضها، وإذا ثمرُها كالقلال) بكسر القافِ: جمع قلة، وهي إناء كالجرة الكبيرة، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله
الفتح المبين
٢١٥
يستطيع يصفها من حسنها).
وفي الحديث رقم :۲۲۹۷: «ثم انطلق بي حتّى انتهى بي إلى سدرة المنتهى
فغشيها ألوان لا أدري ما هي. وهذا تفسير قوله تعالى: إِذْ يَغْشَى السَدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾ [النجم: ١٦].
وفي الحديث المذكور : ثم عرج بي حتى ظهرتُ بمستوى أسْمَعُ فيه صريف الأقلام أي صوتها عند كتابة المقادير وهو مكان لم يصل إليه أحد قبله، (فأوحى الله إلى ما أوحي مما لا يمكن التعبير عنه لعظم قدره، (وفرضَ الله علي في كل يوم وليلة خمسين صلاةً، فنزلتُ حتى انتهيت إلى موسى) في السماء السادسة (فقال: ما فرضَ ربُّك على أمَّتِك؟ قلت: خمسين صلاة في كلّ يومٍ وليلة. قال: ارجع إلى ربِّك فاسأله التخفيف فإنَّ أُمَّتَك لا تطيقُ ذلك، وإنِّي قد بلَوْتُ بني إسرائيل وخبرتهم، سأل بعضُ النَّاس مستشكلا هذه الجملة فقال: لم اختص موسى بسؤاله . ولم لم يسأله إبراهيم؟ وتوجَّسَ أن تكون في الحديث دسيسة إسرائيلية. والواقع أنَّ الحديث لا إشكال فيه ولا دسيسة، أمَّا أَنَّ إبراهيم لم يسأله ولم يشير عليه بالرجوع؛ فلأنَّه في مقامِ التّسليم، وأمَّا أنَّ موسى سأله فلانه كان صاحب كتاب وشريعة، فأحبَّ أن يعرف هل ما فرض على الأمة المحمدية مثل ما فرض على أمته أو أخفَّ أو أثقل ؟ وأما أنه أشار عليه بالرجوع وطلب التخفيف فإنها نصيحة قدَّمها لأخيه في الرسالة وأيَّدها بأنه اختبر بني إسرائيل وامتحنهم فقصروا وضعفوا، ومن الطبعي جدًّا أنَّك إذا قابلت صديقك وهو
٢١٦
الحديث الشريف
مقبل على أمر قد خبرته وعرفت دخائله؛ عرفته به وأرشدته إلى ما فيه مما يخفى عليه، وفي رواية: «فنظرتُ إلى جبريل فقال لي: ارجع إن شئتَ». (فرجعت إلى ربي فقلتُ: أي ربِّ خفّف عن أمتى، فحطّ عنِّي خمسا)، يؤخذ منه حصول النَّسخُ قبل الشروع في العمل، وعظم جاهِ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم
مولاه لأنه كلما طلب منه تخفيفًا أجابه، حتى صير الخمسين خمسا.
عند
(فلم أزل أرجعُ بينَ ربِّي وبين موسى ويحط عني خمسا خمسا حتى قال يا محمد : هُنَّ خمس صلوات في كلِّ يومٍ وليلةٍ بكل صلاة عشر)، في الثواب (فتلك خمسون صلاةً، ومن هم بحسنة فلم يعملها) لعارض طرأ عليه، لا رغبةً عنها (كُتبت له حسنةً)، حسب همه ونيته فإن عملَها كُتبت له عشرا) قال تعالى:
من جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [الأنعام: ١٦٠]، وتضعيفُ الحسنة إلى عشرة من خصوصيات هذه الأمة إكراما لنبيها صلَّى الله عليه وآله وسلَّم. (ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه فإن عملها كتبت سيئةً واحدةً لا تضاعف كالحسنة، وهذا من الله تعالى وفضله عليها، لكن تضاعفُ السَّيئةُ إن انضم إليها ما يقتضي التضعيف، كأن تقع في مسجد أو في الحرم المكي أو المدني أو في أوقات فاضلة
کرم
کرمضان ونحو ذلك، فقلتُ : قد رجعتُ إلى ربي فاستَحْيِيتُ منه). قد يقال: كيف يستحيي من الله وهو سبحانه واسع الكرم والجود، يحب
الملحين في سؤاله، لأنه لا يحفيه سؤال، ولا يثقل عليه طلب؟
والجواب: أنَّه لم يستحي من الله من جهة سعة جوده، ولكن من جهة أنَّ
الفتح المبين
۲۱۷
الرجوع إليه في خفض الصَّلوات من خمس إلى أقل منها، يقتضي التقصير في فرائض الله يحبُ التَّخفُّفُ منها إلى أقل حد ممكن، فالاستحياء مبعثه مخافة التقصير لا غير، والحديث يدلُّ على أهمية الصَّلاة، لأنها فرضت على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في مكان سمع فيه صريف الأقلام دون غيرها من الفرائض التي نزل الأمر بها إلى الأرض.
٦١- أتيتُ بمقاليد الدنيا علي فرس أبلق، جاءني به جبريل، عليه قطيفة
من سندس». (حم) حب والضياء) عن جابر .
.
أتيتُ بمقاليد الدُّنيا) المقاليد: جمع إقليد بكسر أوله، وهو المفتاح (على فرس أبلق) فيه سواد وبياض (جاءني به جبريل عليه قطيفة من سندس)، وتلك المقاليد عبارة عن مفاتيح البلادِ التي فتحت بعده عليه الصَّلاة والسَّلام ودخلها الإسلام؛ كالشَّام ومصر والعراق وفارس إلى الهند والصين شرقًا، ثمَّ ليبيا وما بعدها إلى جبال البرانس غربا، والحديث يفيد معجزة حيث أخبر
باتساع رقعة الإسلام وشموله لمعظم بلاد العالم، فوقع كما أخبر. ٦٢ - «اثنان خير من واحد وثلاثة خيرٌ من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة،
فعليكم بالجماعة فإن الله لن يجمع أمتي إلا علَى هُدَى». (حم) عن أبي ذر . (اثنان خير من (واحدٍ لأنَّ في الاثنين من القوة وتضافر الرأي ما ليس في الواحد، (وثلاثة خير من اثنين وأربعة خير من ثلاثة فعليكم بالجماعة)، وإياكم والفرقة (فإنَّ الله لن يجمع أمتي) التعبير بأمتي يفيد أن هذا من خصوصياتها دون الأمم السَّابقة إلا على هدى) يفيد حجية الإجماع، لأنه إذا كانت الأمة لا تجتمع إلا على هدى، والهدى يجب اتباعه كان اجتماعها على أمر
۲۱۸
الحديث الشريف
يجب اتباعه، وهذا معنى حجية الإجماع، والمراد بالأمة الخواص منها وهم العلماء أصحاب الرأي والاجتهاد، أما العوام فلا يكون اجتماعهم حجَّةً، لأنهم لا رأي لهم يعتد به، بل هم أتباع كل ناعق .
٦٣ - «اثنان لا تجاوز صلاتها رءوسهما؛ عبد أبقَ من مواليه حتى يرجع،
وامرأةٌ عَصَتْ زوجها حتّى ترجع». (طس ك) عن ابن عمر.
(اثنان لا تجاوز صلاتها رُءُوسَهما أي لا ترفعُ، وعدم رفعها كناية عن عدم قبولها، (عبد أبقَ من مواليه حتّى يرجع إليهم وامرأة عصت زوجها حتّى ترجع) في طاعته.
٦٤ - اثنان يكرههما ابن آدم يكره الموت؛ والموتُ خير له من الفتنة،
ويكره قلَّةَ المال، وقلَّةُ المالِ أقلُّ للحسَابِ». (ص حم) عن محمود بن لبيد. (يكره الموت، والموتُ خيرٌ له من الفتنة الكفر أو الضَّلال (ويكره قلة المال) حيثُ تمنعه عن كثير من أغراضه، (وقله المال أقل للحساب) في الآخرة،
حيثُ يُحاسب على النقير والقطمير، فكلما كثر ماله كثر حسابه .
٦٥ - «اثنتان في الناسِ هما بهم كفر الطعن في الأنساب والنياحة على
الميت». (حم م) عن أبي هريرة.
بهم
(اثنتان في الناس هما الجاهلية: (الطعنُ في الأنساب بقصدِ ذمّ الشَّخص وإهانته، وهو كبيرة يصدق عليه قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَنَا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾ [الأحزاب: ٨٥]، ونسبُ الشَّخص لا
كفر) عملي، لأنهما كانتا من عمل الكفار في
الفتح المبين
۲۱۹
كسب له فيه فلا تجوزُ أذيتُه به نعم؛ لو كان الطَّعنُ في النَّسَبِ لمصلحة كأن ألصق شخص بأهل البيت ليتمتع بمزاياهم، أو بغني ليرث ماله بغير حق، أو نحو ذلك؛ لم يكن من عمل الكفار بل هو حينئذ واجب، والنياحة على الميت) وهو كبيرة من عمل الجاهلية أيضًا لأنها تقتضي عدم الرضا بقضاء الله وقدره، وفي الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها قالت: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عند البيعةِ أَلَّا نُوح. ال
٦٦ - اجتمعُوا على طعامكم واذكرُوا اسم الله عليه يبارك لكُم فيه». (حم ده حب ك) عن وحشي بن حرب.
اجتَمِعُوا على طَعَامِكُم) وهذا الأمر للنَّابِ لقوله تعالى: لَيسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَانًا ﴾ [النور: (٦١)، (واذكروا اسم الله عليه يُبارك لكُم فيه، إذا اجتمعتم عليه وسميتم الله، لأنَّ الشخص إذا لم يسم الله على أكله؛ أكل معه الشَّيطانُ، فنزعت البركة من طعامه، بخلاف ما لو سمى الله، فإن الشَّيطان لا يأكل معه؛ فتحصل البركة في طعامه.
٦٧ - «اجتنبوا السَّبع الموبقاتِ الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يومَ الزَّحْفِ، وقذفُ
المحصنات الغافلات المؤمنات». (ق دن) عن أبي هريرة.
السبع الموبقات أي المهلكاتُ لعِظم إثمها (الشرك بالله) يصح فيه وفي المعطوفاتِ عليه النَّصبُ على البدلية من «السَّبع» والرفع على الاستئناف، والشرك : اعتقاد شريك مع الله، كاعتقادِ المشركين في الأصنام أنها آلهة، واعتقاد
۲۲۰
الحديث الشريف
النصارى في المسيح أنه ابن الله أو ثالث ثلاثة، واعتقاد اليهود أنَّ عزيرا ابن الله ونحو ذلك، (والسحرُ) تعلما وتعليما وعملا ، وهو كفر كما يقتضيه القرآن
وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السّحْرَ ﴾ [البقرة: ١٠٢]. لكن رأيتُ الكشناوي نقل عن بعض العلماء أن تعلمه فرضُ كفاية، ليرد به على بعض مدعي النبوة الذي يستعينون على استغفال عقول العامة بخوارق سحرية، وكذلك بعض مدعي الولاية والقطبانية الكبرى يأتون بأشياء سحرية يعتقدها العامة كرامات.
(وقتلُ النَّفْسِ التي حرم الله إلا بالحقِّ) وهذا أكبر المعاصي بعد الكفر، والحق الذي يجوز لأجله قتل النفس ثلاثة أشياء: رجل ارتد عن دينه، ورجل زنا بعد
إحصان، ورجل قتل نفسا عمدًا فيقتل بها قصاصا، انظر الحديث (رقم ٤٤٥٣ ) . (وأكل الربا) فإنَّه محارَبةٌ الله ورسوله قال تعالى: يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [البقرة: ۲۷۸ - ۲۷۹]، وأغلب الآفاتِ التي تصيب الزورع والعمار سببها محاربة الله لأصحابها الذين يتعاملون بالرّبا وأكل مال اليتيم، قال تعالى: يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: ١٠]، وقيدت الآية أكل مال اليتيم بكونه ظلما لأنَّ القيم عليه إذا كان فقيرا وأكل منه بالمعروف فلا أثم عليه، والتولي يومَ الزَّحْفِ أي الفرارُ من القتال إذا كان الكفار ضعف المسلمين قال تعالى: ﴿إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفَا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ هربًا منهم وَمَن يُوَلِهِمْ يَوْمَن دُبُرَهُ فرارًا منهم إلا مُتَحَرِّفا لِقِتَالٍ أي يري
الفتح المبين
۲۲۱
الكفار أنَّه فاز منهم وهو ينوي قتالهم في جهة أخرى أمكن وأصلح أو متحيرا إلى فشتو من المسلمين ابتعد عنهم الفَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَلَهُ جَهَنَّمُ الآية [الأنفال: ١٥ - ١٦]، (وقذف المحصنات الغافلات) عن
المعاصي (المؤمنات) يفيدُ أنَّ قذف الكافرة بالزنا ليس بكبيرة. ٦٨ - «اجتنبوا الخمرَ فإِنَّها مفتاحُ كلَّ شر». (ك هب) عن ابن عباس. (اجتنبوا الخمرَ ) لا تشربوها (فإنَّها مفتاح كلِّ شر ) لأنها تُفقد شاربها عقله،
وإذا فقد عقله لم يمتنع عن أي عمل قبيح. ٦٩ - اجتنبوا هذه القاذوراتِ التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتُبْ إلى الله، فإنَّه من يُبدِ لنا صفحته نُقِمْ عليه كتابَ الله».
ك هق) عن ابن عمر.
(اجتنبوا هذه القاذرواتِ التي نهى الله عنها) كالزنا والخمر واللواط، وسُمِّيت قاذورات لاستقباحِها ونفور ذوي العقول منها كنفرتهم من النجاسات القذرة. سئل أعرابي : هل تحبُّ إتيان الغلمان؟ فقال: أنا أبتعد عن
النجاسة في الطريق فكيف آتيها في وكرها؟!
(فمن ألم بشيء منها فليستتر بسترِ الله، ولا يفضح نفسه بالجهر بها، ( وليتب إلى الله) فورًا (فإنَّه منْ يُبْدِ لنا صفحته) أي يظهر شيئًا من هذه القاذورات التي ألم بها (نقيم عليه كتاب الله ) أي الحد الذي أوجبه الله في القرآن.
ويؤخذ من الحديث أنَّ الحاكم ليس له أن يبحث عن دخائلِ الناسِ
ليعرف من يرتكب المحرمات منهم، وإنما عليه إذا ثبت على أحدٍ من الرعايا
۲۲۲
الحديث الشريف
بطريق مشروع أنه ارتكب ما يوجب الحد أقامه عليه.
۷۰ - اجعَلُوا آخر صلاتكم بالليل وثرا». (ق د) عن ابن عمر . اجعَلُوا آخر صلاتِكُم بالليلِ وِثرًا) فإذا قام الشَّخصُ يتهجد بالليل صلى
ركعتين ركعتين، حتى إذا قربَ طلوع الفجرِ ختم تهجده بركعة الوتر، فإن لم يقم أو خشي ألا يقوم صلَّى الوتر قبل أن ينام.
۷۱- اجْعَلُوا مِنْ صلاتكم في بيوتكم ولا تَتَّخِذُوها قبورًا». (حم ق د)
عن ابن عمر.
(اجعلوا مِنْ) بكسر الميم وسكون النون، أي: بعض (صلاتكم) وهي النوافل ( في بيوتكم ولا تتخِذُوها قبورًا) لأنَّ القبر لا يصلي ساكنه فيه، فالذي لا يصلي في بيته نوافل من الصَّلاةِ يكون كميت في قبر. ومن استنبط من
الحديث منع الصلاة في المقبرة أخطأ في فهمه.
۷۲
اجعلوا بينكم وبينَ الحرام سترا من الحلال، من فعل ذلك استبراً لعرضه ودينه، ومن أرتع فيه كانَ كالمرتع إلى جنبِ الحِمى يوشك أن يقع فيه، وإنَّ لكل ملك حمى، وإنَّ حمى الله في الأرضِ محارمه». (حب طب) عن النعمان بن
بشير.
اجعَلُوا بينكم وبين الحرام سترا من الحلال) بأن تتركوا شيئًا من الحلال ليكون حاجزًا بينكم وبين الوقوع في الحرام، فالأكل طول الليل في رمضان جائز إلى أذان الفجر، لكن ينبغي للصائم أن يمتنع عن تناول المفطرات قبل الفجر بدقائق؛ تكون تلك الدَّقائق حاجزةً بينه وبين الأكل بعد الفجر لو
الفتح المبين
۲۲۳
استمر في أكله، ولو فرضَ القاضي للقيم الفقير في مال اليتيم دينارًا في الشهر مثلا، فينبغي له أن يترك منه درهما لأنه إذا استوعب الدينار كلَّه، امتدت يده إلى دينارٍ آخر فوقع في الحرام. (مَنْ فعل ذلك أي ترك بعض الحلال كدرهم من دينار وإمساك دقائق قبل الفجر في رمضان (استبراً لدينه) بأن تأكد أنه لم يقع في الحرام، (وعرضه) فلم يتهمه أحدٌ بما يثلم عرضه، ومن أرتع فيه) أي استوفى الحلال كله ولم يدع منه شيئًا يقيه من الحرام كانَ (كالمرتع كالشخص المرتع غنمه (إلى جنب الحمى) بكسر الحاء، وهو المكان المحظورُ الذي حظره أصحابه (يوشِكُ) يقرب (أن يقع فيه) بإن ترعى غنمه داخله ( وإن لكل ملك) من ملوك الدنيا (حمي) مكان يحميه ويمنعه من أفرادِ الرَّعية، وإنَّ حمى الله في الأرضِ محارِمُه) معاصيه التي حظرها ونهى عباده عن قربانها. شبه المحرمات بالأرض التي يحميها الملك، وشبه المستوعب للحلال بالمرتع حول الحمى القريب من الوقوع فيه، وهو تشبيه بليغ، يفيد الحضّ على ترك بعض الحلال اتقاء للوقوع في الحرام، وهذا المعنى يفيده أيضا الحديث
(رقم ٤٤٣٣).
۷۳
-٧ «أجِلُّوا الله يَغْفِر لكُمْ». (حم ع طب) عن أبي الدرداء. (أجلُّوا) بتشديد اللام أي عظموا (الله) باستعظام ارتکاب معاصيه (يغفر
لكُم) ما اقترفتموه من الصغائر.
أخذ بعض العلماء كالتقي الشبكي - من هذا الحديثِ أَنَّ الذنوب كلَّها
الحديث الشريف
٢٢٤
كبائر ليس فيها صغائر ، لأنَّ مقتضى إجلال الله ألا تكون معصيته صغيرة. لكن ثبتت التفرقة بين الذنوبِ في مثل قوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُوا كَبَابِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ [النساء: ۳۱]، ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَيرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَم ﴾ [النجم: ۳۲] قال الجمهور: ويتحقق إجلال الله مع ارتكاب الكبيرة بالندم عليها وسرعة الرجوع عنها وصدق اللجوء إليه في غفرانها. ٧٤ - «أجِيبُوا هذه الدعوة إذا دعيتُم لها». (ق) عن ابن عمر.
أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتُم لها يعني وليمةَ العُرس كما يأتي في الحديث رقم ٢١٦: «إذا دُعي أحدُكُم إلى الوليمة فليَأتِها»، وفي الحديث رقم ۲۱۷: «إذا أحدُكُم إلى وليمة عرس فليُجِبْ»، وهذه الأحاديث تفيد وجوب إجابة دعوة الوليمة، وحكمة ذلك مشاركة أهل العرس في فرحهم وتكثير شهودِ
رعيي
الزواج.
٧٥ - «أجِيبُوا الدَّاعي ولا تردُّوا الهدية ولا تضربوا المسلمين». (حم خد
طب هب) عن ابن مسعود
(أجِيبُوا الدَّاعي) إلى وليمة أو غيرها، لأنَّ إجابة الدعوة حق للمسلم على أخيه، كما في الحديث رقم ١٦٢١ ، وفي الحديث رقم ٢٢٢: «إذا دُعِيتُم إلى كراع فاجيبوا»، وهذا يفيد تأكيد وجوب إجابة الدعوة ولو كان الطعام قليلا، بل ولو لم يأكل للحديث رقم ۲۲۱، «إذا دُعِيَ أَحدُكُم إلى طعامٍ فَليُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ لم يَطْعَمْ». (ولا تردوا الهدية) لأنَّ ردّها يكسر خاطر مهديها، وربما يحدث عنده حقدًا
الفتح المبين
٢٢٥
على من ردّها عليه ولا تضربوا المسلمين) أي لا يجوز لكم ضرب المسلمين إلا
في حد شرعي، وانظر الحديث رقم ٢٤٥٨.
٧٦ - أحبُّ الأعمال إلى الله الصَّلاة لوقتها، ثمَّ بر الوالدين، ثمَّ الجهاد في سبيل الله». (حم ق دن) عن ابن مسعود.
(أحبُّ الأعمال إلى الله الصَّلاةُ لوقتها أي في وقتها المقدر لها شرعا، لأنها تشمل على عدة عبادات؛ تلاوة القرآنِ وركوع وسجود وتكبير وتسبيح وتهليل وتحميد وشهادة وصلاة على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ودعاء، (ثم بر الوالدين) وهذا موافق للقرآن وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحسنا [الإسراء: ۲۳] لأنهما ربَّيا ولدهما وتوليا شئونه حتى ميز بين يمنيه وشماله، وعرف قبيله من دبيره، ثمَّ الجهاد في سبيل الله ) لأنَّه يردُّ عادية الكفَّار، ويؤمنُ دارَ الإسلام ويبلّغ دعوته لبعض العقول التي لا تفقه الحجَّةَ ولا تعرفُ البرهان.
٤ - تعليقات على كتاب
المتجرِ الرَّابِحِ في ثوابِ العملِ الصَّالِحِ
للحافظ شرفِ الدِّينِ الدمياطي (ت ٧٠٥) (يُطبَع لأول مرة)
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
بسم الله الرحمن الرحيم أبواب العلم (۱)
۲۲۹
يعني بذلك ما كان يقسمه على المسلمين من أموال الخمس وما في معناه. ولهذا أخرجه البخاري في كتابِ الحُمُسِ أيضًا، ومسلم في كتابِ الزَّكاة. وقوله: ولن يزال أمرُ هذهِ الأُمَّةِ مستقيما يعني . طائفة منها، بدليل: «لا
(۱) هذه تعليقات على كتاب "المتجر الرَّابح في ثواب العمل الصالح" للحافظ شرف الدين الدمياطي، كتبها العلامة سيدي عبدالله بنِ الصِّدِّيق الغماري، ووُجدت مخطوطة بخطه. وقد أرسل إلى الشَّريف الماجد سيدي عبد المغيث بن عبدالعزيز بن الصديق - وفقه الله و حفظه - صورةً من المخطوط تحتوي على تعليقات في مائة ورقة، وهي مرقمة على أرقام الأحاديث في كل باب وقد وَصَلَ العلامة الغماري فيه إلى الحديث رقم (٩٦) من كتاب البر والصلة، ولزيادة النفع بالكتاب ألحقنا الرقم المسلسل للحديث بالكتاب أسفل الرقم الأصلي فمثلا ( ه ) رقم (۱۰)؛ أي البسط الذي أعلى الخط، هو ))))) رقم الحديث بترقيم الشريف الحافظ عبد الله بن الصديق، والرقم الذي أسفل الخط (١٥)؛ يعني المقام، هو رقم الحديث في طبعة الكتاب بتعليق الدكتور عبدالملك بن دهيش، وهي التي كان أصدرها صديقنا الفاضل الشيخ عبدالشكور فدا الكشميري المكي الكتبي المعروف رحمه الله تعالى، فأصل العمل كما تقدم كان بالاتفاق بين شيخنا الغماري والشيخ عبدالشكور فدا، فصورة المخطوط أحضرت بواسطة الحافظ السيد أحمد بن الصديق، مع صور أخرى، وبعد أن قطع شيخنا شوطًا كبيرًا في نسخ الكتاب والتعليق عليه، حالت ظروف محنته في مصر عن إتمام العمل، والله المستعان.
وكتب محمود سعيد بن محمد ممدوح، غفر الله له وللمسلمين .
۲۳۰
الحديث الشريف
تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحقِّ لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله» وهو حديث صحيح، بل صرَّح بتواتره ابن تيمية في كتابه: "اقتضاء الصراطِ المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم".
واستوفى طرقه شقيقنا أبو الفيض في جزء: "الأجوبة الصارفة عن إشكال حديث الطائفة" وأخذ منه البخاري وابن دقيق العيد بقاء الاجتهاد إلى قرب قيام الساعة، وهو الحق. أما المتأخرون الذين أغلقوا بابَ الاجتهاد، وأوجبوا التَّقليد فلم يأتوا بشيء يساوي سماعَه بَلْدَ أنّهم سجّلوا على أنفسهم عدم أهليتهم للتدليل؛ لأنَّ المقلد عامي كما تقرر في الأصول. بقية الحديث عند الطبراني: «إِنَّمَا النَّاسُ رجلانِ مؤمنٌ وجاهل فلا تؤذُوا المؤمن، ولا تُحاوِرُوا الجاهل» وفي إسناده إسحاق بن أسيد - بكسر السين- الأنصاري المروزي، ضعيفٌ.
والصحيحُ كما قال المؤلف - أنه من قول مُطَرِّف بنِ عبد الله بن الشخير،
كذلك رواه عنه البيهقي بإسنادٍ . «تحاوَرُوا بالمهملة من المحاورة صحيح.
وهي المجادلة.
3
حسن المؤلِّفُ هذا الحديث تبعًا لشيخه الحافظ المنذري، وإنْ كانَ في
سنده عبدالله بن عبدالقدوس التميميُّ السَّعدي، ضعفه ابنُ مَعِينٍ والنَّسائي والدَّارَ قُطني، لكن وثقه محمد بن عيسى بن الطباع وابن حبان، وقال البخاري :
هو في الأصل صدوق إلا أنه يروي عن قوم ضعاف».
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۲۳۱
وورد عن أبي هريرة، وابن عباس، مرفوعًا: «العلم خير من العبادة وملاك الدِّينِ الوَرَعُ»، وقال ابن أبي شيبة: ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن عمر بن قيس الملائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «فضْلُ العِلْمِ خير من فضْلِ العبادة وملاكُ الدِّينِ الوَرَعُ». هذا مرسل صحيح الإسنادِ.
فتحسين المؤلّفِ صوابٌ. نَقَل المؤلفُ تحسين الحديث عن ابن عبدالبر، ثمَّ قال: «ولعله أرادَ
الحسن اللفظي، لا الحسن المصطلح عليه».
قلت: كلام ابنِ عبد البر صريح في ذلك، فإنه قال: هو حديث حسن جدا، ولكن ليس له إسناد قوي، وكيف يقصد الحسن الاصطلاحي وهو يرويه من طريق عبدالرحيم بن زيد العَمِّي، وهو ضعيفٌ جدا؟! ثم رواه موقوفا على معاذ والموقوف أشبه، وإن كان لا يصح مرفوعا ولا موقوفًا.
تفرد به ابن ماجه عن الستة، وإسناده ضعيف؛ علي بن يزيد هو الألهاني؛
ضعيف.
أول الحسد في الحديث بالغبطة لوجهين:
الأول: لحديثِ: «إنَّما الدنيا لأربعة نفر: عبدِ رَزقَهُ الله مالا وعِلمًا فهو يتَّقي فيه ربه، ويصلُ فيه رحمه ويعلَمُ الله فيه حَقًّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادقُ النّيةِ ، يقول : لو أنَّ لي مالا لعملتُ بعمل فلان، فهو بنيته فأجرهما سواء» الحديث، صححه الترمذي من حديث أبي كبشة وهو صريح في الغبطة.
۲۳۲
الحديث الشريف
الثاني : أنَّ الحَسَد تمنِّي زوال النعمة عن المحسود، وهذا لا يجوز أبدا بحال. والمراد بالعلماء في هذا الحديث ونحوه: المجتهدون، لأنَّ بهم تقوم الحجَّةُ، بعد الأنبياء، ولهذا كانوا ورثتهم، ولأنَّ الأنبياء ورَّثُوا العلم الذي هو الوحي وهو الحجة، فالتقليد ليس بعلم، والمقلدونَ ليسوا بعلماء.
قوله: «وما والاه» إمَّا من المولاة بمعنى المحبة أي: إلا ذكر الله وما أحب الله من الأعمال غير الذُّكرِ ، أو من المولاة بمعنى المجانسة، أي: إلا ذكر الله وما والاه أي جانسه من كل كلام طيب كمخاطبة الناس بالحسنى المأمور بها في قوله تعال : وَقُولُو الِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: ٨٣]، أو من الموالاة بمعني المتابعة أي: إلا ذكر الله وما والاه، أي تابعه في كونه يستجلب رضا الله وهو سائر الطاعات.
15
15
قوله: «إذا قعد على كرسيه لفضل عباده» هذه اللفظة ليست في جميع طرق الحديث، وإسناد هذا الطريق فيه رجال تكلم فيهم وإن وتقوا، ولهذا قال الحافظ الهيثمي : رجاله موفّقون، فإطلاق المؤلف على هذا الطريق أنَّه جيد فيه تساهل، ثمَّ إن صحت هذه اللفظة فتجري على ظاهرها، مع اعتقادِ تنزيه الله عن ف
مشابهة المخلوقات.
18
18
المراد بالفقيه العالم بالكتابِ والسُّنَّة، وهو المجتهد كما سبق، وروح بن جناح متكلم فيه، واستنكر السَّاجِي وابن حِبَّان حديثه هذا.
19
19
قال المؤلفُ: «وهذا اللفظ إِنَّما هو محفوظ من كلام الزهري». قلت:
وكذلك قال البيهقي أيضًا.
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح.
20
۲۳۳
وضع الملائكة أجنحتها كناية عن إقبالها على طالب العلم ورضاها
بعلمه وعطفها عليه.
21
21
الحديث بهذا اللفظ رواه البيهقي كما قال المؤلف، وإسناده ضعيفٌ، ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" إلى قوله:
«أَخَذَ بحظه».
22
22
قال المنذري عن هذا الحديثِ: «إسناده حسن لو صح سماع الحسنِ من
أبي هريرة».
قلتُ: صَحَ سماعه؛ فروى أبو يعلى: ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل: ثنا حجاج بن محمد، عن هشام بن زياد، عن الحسن قال : سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «من قَرَأَ يس في ليلةٍ أصبَحَ مغفورًا له، ومن قرأَ حم التي يُذكرُ فيها الدُّخَانُ أَصَبحَ مغفورًا له»، قال ابن كثير : «إسناده جيد»، كذا قال، ولكنَّه إسناد ضعيف.
وفي "معجم الطبراني "الصغير" ( ص ١٧٦) من طريق الفضل بن عيسى الرقاشي، عن الحسن قال : خَطَبَنا أبو هريرة على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول: ليعتذرنَّ الله تعالى يوم القيامةِ إلى آدم ثلاثَ معاذير ...» الحديث، قال الطبراني بعد روايته وهذا الحديث يؤيد قول من قال: أنَّ الحسن قد سمع من أبي
هريرة بالمدينة، وقد رأى الحسن عثمان بن عفان يخطب على المنبر » . اهـ أي مع أنَّ عثمان أقدم موتا من أبي هريرة، وفي "سنن النسائي" بإسناد
٢٣٤
الحديث الشريف
صحيح، عن أيوب، عن الحسن، عن أبي هريرة في المختلعات، قال الحسن: «لم أسمع من أبي هريرة غير هذ الحديث، قال الحافظ ابن حجر: «وهو يؤيد أنَّه سمع من أبي هريرة في الجملة». وقال أحمد: حدثنا هشيم عن عبادِ بن راشد، عن سعيد بن أبي خيرة: حدثنا الحسن منذ أربعين أو خمسين سنة، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: يأتي على النَّاسِ زمان يأكلون فيه الربا» قيل له: الناسُ
كلّهم؟ قال: «من لم يأكله ناله من غُبارِه» وكذا رواه أبو داود. وفي الباب غير هذا مما سأجمعه في جزء خاص وأُبين أَنَّ أَغَلَبَ من نفى
سماعه نفاه تقليدًا من غير تمحيص.
30
30
المراد بالذنوبِ في هذا الحديث ونحوه الصغائر، إذ هي التي تغفرُ ببعض الطاعاتِ، أما الكبائر فلا يمحوها إلا الحد أو التَّوبة أو الحج المبرور. من رواة الحديث أنس بن مالك، وهو حديث طويل اقتصر المؤلّف
35
35
38
38
منه على ما يناسب موضوع الكتابِ، وفي سنده كثير بن مروان؛ ضعيف. في بعض النسخ قتادة وفي بعضها أبي قتادة وهو الصحيح، كذلك رواه ابن ماجه من طريق عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه، وكذلك رواه ابن حِبَّان في
"صحيحه".
تكرير «الأجود للتأكيد وتقوية المعنى وتثبيته في ذهن السامعين، كما يقال : فلان ثقة ثقة، ومن أسمائه تعالى: «الجواد» بتخفيف الواو، وتشديدها
لحن
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
42
۲۳۵
حمر النعم من ألوانِ الإبل المحمودة، وهي من نفائس أموال العرب، وهذا الحديث خاطب به النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عليا عليه السَّلام حينَ
أعطاه الراية ووجهه ليفتح خيبر.
44
44
انضَّرَ الله) : أي حسن وبهج من النضرة وهي الحسن والبهجة، ولهذا
قال بعض العلماء:
أهل الحديث طويلة أعمارهم ووجوههم بدعا النبي مُنضَّرَة وقال ابن عيينة: «ما من أحدٍ يطلب الحديث إلا وفي وجهه نضرةٌ لهذا الحديث». وقال القاضي أبو الطيب الطبري: رأيتُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في المنام فقلتُ: يا رسول الله أنتَ قلت: «نَضَّرَ الله امرأ»، وتلوتُ عليه الحديث ووجهه يتهلل فقال لي: «نعَمْ؛ أنا قُلْتُه». وهذا الحديث بلغ حد
التواتر.
45
45
قوله: «ثلاث» أي خصال ثلاث لا يَغُلّ» أي لا يخون أولا يحقد عليهنَّ» أي حال كونه منطويًا عليهن «قلب مسلم»، والمعنى أنَّ المسلم ما دام متصفّا بهذه الخصال فلا يدخل في قلبه خيانةٌ ولا حقد، فـ فينبغي التخلق بهذه
الخصال والتمسك بها .
47
47
51
51
: قوله: «بوائقه» أي غوائله وشروره، واحدها: بائقة.
معنى الحديث أنَّ المقدم على عمل كالصَّلاة مثلا يكون عنده نشاط وهمة، ثم تلي «الشرة» - أي: النَّشاط - : فترة، فمن انتهى في فترته إلى ما ورد في السنة بأن لم يتجاوزها ولم يضيعها فقد اهتدى، ومن انتهى في فترته إلى بدعة
٢٣٦
الحديث الشريف
ابتدعها هو أو غيره يرى أنّها تعوّضه عما فاته من النَّشاطِ والهمة فقد هلك. حسن الترمذي الحديث مع ضعفٍ كثير بن عبد الله، لكن للحديث
52 52
شواهد.
3
56
أبواب الطهارة
هذا الحديث رواه مسلم في كتاب الصلاة، وأوله: عن عمر بن عنبسة السلمي، قال: كنتُ وأنا في الجاهلية أظنُّ أنَّ الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعتُ برجل في مكة يخبر أخبارًا، فقعدتُ
على راحلتي، فقدمت عليه فإذا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم. فذكر الحديث في إسلامه، وسؤاله عن الصَّلاة وغيرها، إلى أن قال: فقلت: يا نبي الله، فالوضوء؟ فقال: «ما منكم رجلٌ يقربُ وضُوءَه فيُمضمِضُ ويسْتَنشِقُ فيسْتَنْثرُ إِلا خَرَّتْ خطاياهُ مِنْ فِيهِ وخَيَاشِيمُه، ثمَّ إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرَّتْ خَطايا وجهه مِنْ أطرافِ لحيته مع الماء، ثمَّ يغسل يديه إلى المرفقينِ إِلَّا خرَّتْ خطايا يدَيهِ مِنْ أنامله الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرَّتْ خطايا رأسه من أطرافِ شَعرِه مع الماء، ثُمَّ يَغْسِلُ رجليه إلى الكعبين إلا خرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ من أنامله مع الماء، فإنْ هوَ قامَ وصَلَّى...»
الحديث.
وهو يفيد أنَّ الوضوء للصَّلاة كان واجبًا في أول الإسلام، لأنَّ عمرًا أسلم قديما بعد أبي بكر وبلال رضي الله عنهم، ولذلك كان يقول: «أنا رابع الإسلام»، وفي رواية: ربع الإسلام»، ثمَّ الخطايا المكفرة هنا هي الصغائر كما
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
نبهنا عليه فيما سبق.
57
۲۳۷
وللطبراني في "الأوسط" بإسناد صحيح عن أبي أمامة أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا تمضمضَضَ أَحدُكُمْ حُطَّ ما أَصابَ بفيه، وإذا غسل وجهَهُ حُطَّ ما أصابَ بوجهه، وإذا غسل يديه حطّ ما أصابَ
بيديه، وإذا مسحَ برأسه تناثرت خطاياه من أصولِ الشَّعر، وإذا غسل قدميه حُطَّ ما أصابَ برجليه».
6
ورد في بعض الأعمال أنها تكفّر ما تقدم وما تأخر من الذنوب، وهي
مجموعة في مؤلفات خاصة، منها كتاب : بشارة المحبوب بتكفير الذنوب" للأذرعي، وقد طبع مع تعليقاتي عليه.
قوله: «فمن استطاع منكم أنْ يطيل غُرَّتَه فليفعل». أي فليطل الغرَّةَ والتحجيل، ففيه اكتفاء مثل قوله تعالى: سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: ١]، أي والبرد، وقد جاء في رواية لمسلم: «فليُطل غرَّتَه وتحجيله»، وإطالة التحجيل أولها بعض المالكية بإدامة الوضوء، لكن حمله أبو هريرة على غسل اليدين إلى المنكبين والرجلين إلى الركبتين وصرَّحَ برفعه إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم، وكذلك كان يتوضأ ابنُ عمر ، واستحبه جماعة من السلف وأكثر الشافعية والحنفية.
15
67
ذكر المؤلفُ أَنَّ الحديث رواه أحمد عن ابن عمر. قلتُ: ورواه الطبراني أيضًا في "الأوسط"، وسندهما حسن في المتابعات، أما حديث ابن عباس فإسناده ضعيف، ورواه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي بكر الصديق رضى الله
۲۳۸
عنه بلفظ حديث عائشة وإسناده جيد إلا أنَّ فيه إرسالا.
16
68
الحديث الشريف
تفرد به ابن ماجه و اسناده ضعيفٌ قوله: «أحْفِي مقادمَ فَمِي» أحفي أي: أذهب، من الإحفاء وهو الاستئصال، ومقادم الفم هي اللثاتُ، جمع لثة، ما حول مقدم الأسنان من اللحم والمعنى خشيت أن أذهبها بكثرة السواك لإكثار جبريل الوَصِيَّة به.
18
70
يفيدُ هذا الحديثُ أنَّ الأمر بالشيء يقتضي وجوبه شرعًا، لأن ندب السواك بالحضّ عليه ،ثابت، وإنَّما امتنع الأمر به خوف المشقة، ولا مشقة إلا في
الوجوب والإلزام.
23
قيل في معنى ولن تحصُوا : لن تطيقُوا الاستقامة على حقيقتها، فهي
مثل قوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: ١٦]، أي: اسقيمُوا قدر
استطاعتكم.
24
76
و تحفظوا منَ الأرضِ أي لا تعملوا عليها مَعْصيةٌ لأنها أنكم، والإنسانُ
يستحيي من أمه، ولأنها يوم القيامةِ تخبر بجميع ما يقع عليها من المعاصي، وربيعة ابن عمر و الجرشي جاء ما يفيد صحبته في أحاديث، بعضُها صحيح.
78
أما حديث: «الوضُوءُ على الوضُوءِ نور على نور فلا أصل له كما قاله
المنذري والعراقي، ونَقَلَ السَّخاوي عن شيخه العسقلاني أنه قال أنه حديث
ضعیف، رواه رزين في "مسنده".
27
رواه الترمذي أيضًا في مناقب عمر رضي الله عنه، وفيه أنَّ النبيَّ صلَّى الله
عليه وآله وسلم، رأى قصر عمر في الجنة، «خَشْخَشَتَكَ» أي حركة مشيك،
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح "
۲۳۹
وقال الحافظ في "الفتح": ومشي بلال بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من عادته في اليقظة، فاتفق مثله في المنام، ولا يلزم من ذلك دخول بلال الجنة قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، لأنَّه في مقام التَّابِعِ، وكأنه أشار صلى الله عليه وآله وسلَّم إلى بقاء بلال على ما كان عليه في حال حياته واستمراره على منزلته، وفيه منقبةٌ عظيمة لبلال».اهـ
وحينئذٍ فالتَّعبيرُ بالسَّبقِ مجاز، وكأنَّ المرادَ: «بم أدركت المشي بين يدي في الجنة كحالك في الدُّنيا؟ ويؤيد هذا حديث أبي هريرة الآتي ذكره: «فإنِّي سَمِعْتُ
دف نعليك بين يدي في الجنة».
31
83
واستدل بهذا الحديث على جواز صلاةِ النَّفل في الأوقات المكروهة
تمسكا بعموم قوله: «لم أتطهَّرْ طهورًا في ساعة من ليل أو نهارٍ إلا صلَّيتُ بذلك الطهور ما كتب لي»، وأجيب بأنَّ إخراج الأوقات المكروهة ملاحظ في الكلام، وإن لم يصرح به اكتفاء بالقرينة، لأنَّ الكلام في أرجى عمل من حيثُ الإثابة عليه، وصلاة النفل في الأوقات المنهي عنها ليس فيها ثواب.
٢٤٠
أبواب الصلاة
الحديث الشريف
نَقَل المؤلفُ . عائشة
عن
رضي
الله عنها قالت: أرى هذه الآية نزلت في
المؤذنين. قلتُ: وكذلك قال ابنُ عمر رضي الله عنهما، وعكرمة، ولعلهم يقصدون بنزولها في المؤذنين أنها تشملهم بعمومها، بدليل قول عائشة في رواية عنها: «ولهم هذه الآية... » ثم تلتها ، وهذا هو الصحيح لأنَّ الآية نزلت بمكة والأذانُ شُرعَ بالمدينة كما هو مَعلومٌ.
13
99
و هكذا وقع في أصول هذا الكتاب موقوفا على جابر، ولكنه في الواقع مرفوع إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، كذلك رواه الطبراني في "الأوسط"، وكذلك هو في "الترغيب" للمنذري و «مجمع الزوائد للهيثمي 104 ومن أمان الله لهم ألا يُغار عليهم ولا يُغزوا، فإِنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه
18
وآله وسلم كان إذا أراد غزو قوم فسمع الأذان أمسك عن غزوهم.
19
106
على الفطرة» أي التي فطر الله عليها خلقه، وهي تعظيم الله
والاعتراف بإفضاله
20
107
الحديث.
24
110
يعْجَبُ) ربُّك أي يرضى عنه، بدليل قوله: «قد غفرت لعبدي»
هذا الحديث صححه الحاكم وهو يفيدُ النَّهي عن اتخاذ الأجر على الأذان، وقد قال بكراهة ذلك جماعةٌ من السَّلفِ، قال ابن مسعود: «أربع لا
يؤخذ عليهن أجر : الأذان، وقراءة القرآن، والمقاسم، والقضاء». وقال رجل لابن عمر: إني لأحبُّك في الله . فقال له ابنُ عمرَ : إني لأبعْضُك
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٢٤١
في الله . فقال الرجلُ : سبحان الله !! أحبك في الله وتُبغضني في الله ؟! قال: نعم؛ لأنك تسأل على أذانك أجرًا.
وذهب الهادي والقاسم والناصر وأبو حنيفة إلى تحريم الأجرة على الأذانِ شرطًا، بأن يشترط المؤذنُ الأجر على الأذانِ، وقال مالك: لا بأس بأخذ الأجر على الأذان، وقال صاحب البحر الزخار : الأقرب جواز الأجرة على التأذين في مكان مخصوص إذ ليست على الأذان حينئذ، بل على ملازمة المكان كأجرة الرصد ونحوها. وحجة من أجاز الأجرة على الأذان حديث أبي محذورة أنه قال: فألقى عليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم الأذان، فأذنتُ ثمَّ أعطاني حين قضيت
التأذين صُرَّة فيها شيء من فضة. رواه النسائي وصححه ابن حِبَّان. وأجيب بأنَّ حديث عثمان بن أبي العاص متأخر عن هذا الحديث لتأخر إسلام عثمان، وبأن حديث أبي محذورة يفيد جواز الأجرة من غير اشتراط،
وتبقى صورة الاشتراط على المنع، ولبسط المسألة موضع غير هذا. وعلى كل حال فالأحاديث الواردة في فضل المؤذنين خاصة بالمحتسبين
ولا تشمل الذين يأخذون على آذانهم أجرًا.
-
27
113
«أذانُ هذا الحبشي» هو بلال رضي الله عنه، وهذا يردُّ قول من قال:
إنه نوبي، ومما شاع بين النَّاس قولهم: سين بلال عند الله شين»، وليس
بحديث.
30
117
ت في هامش نسختنا ما نصه: «قوله مقاما محمودا» هو في كتب
الأحاديث الصحيحة منكر، قال الإمام النووي رحمه الله: «قوله: «وابعثه المقام
٢٤٢
الحديث الشريف
المحمود الذي وعدته» هو في "التنبيه" لأبي إسحاق رحمه الله، وفي كتب الفقه معرف بالألف واللام، وهو من حيثُ الإعراب والمعنى صحيح، ولكنَّ الصواب: «مقاما محمودًا» هكذا رواية البخاري في "صحيحه"، وكذلك هو في سائر كتب الحديثِ، والمعتمد ما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، منكَرًا تأدبا مع القرآن ومحافظة على حكاية لفظه في قوله: عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا
من
محمودا [الإسراء: ٧٩]، فعلى هذا يكون قوله: «الذي وعَدْتَه» بدلا "مقاما" أو منصوبا بفعل محذوف تقديره : أعني الذي وعدته، أو مرفوعا خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو الذي وعدته» . اهـ
وثبت في رواية النسائي وابن خزيمة وابن حبان والطحاوي والطبراني في "الدعاء" والبيهقي: «المقام المحمود» بالتّعريف، ولكنَّ التنكير أفخم وأجزل كما قال الطيبي. نعم؛ لم يثبت في شيء من طرق الحديث زيادة: «والدرجة الرفيعة»، وإنما ذكرها بعض الفقهاء بغير إسناد، فينبغي تركها والاقتصار على
الوارد.
50
136
إسناد هذا الحديث جيد، وإن أعله البخاري في "التاريخ الكبير" بالاضطراب فإنه غير قادح، وروى الطبراني بإسناد حسن عن عمرو بن عبسة قال: أتيتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فقلت: يا رسول الله من تبعك على هذا الأمر؟ قال: «حرّ وعبد يعني أبا بكر وبلالا رضي الله عنهما، قلت: يا
.
رسول الله ما الإسلام؟ قال: «طيب الكلام وإطعامُ الطَّعامِ» قلت: يا رسول الله فما الإيمان؟ قال: «الصَّبرُ والسَّماحة»، قلت: فأي الإسلام أفضل؟ قال: «من
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح ".
٢٤٣
سلم المسلمون من لسانه ويده قلت: فأي الإيمان أفضل؟ قال: «خلق حسن» قلت: أيُّ الصَّلاة أفضل ؟ قال: «طولُ القُنوتِ» قلت: فأي الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر السُّوءَ»، قلت: فأيُّ الجهاد أفضل؟ قال: «مَنْ عُقرَ جَوَادُه وهريق دمه :
والمعتمدُ عند المالكية أن طول القيام أفضل؛ لهذا الحديث وما في معناه، ولما صح أنه صلى الله عليه وآله وسلّم قام حتى تورمت قدماه، وبعضهم فضل
كثرة السجودِ والركوع على طول القيام فقال فيه بعض الأدباء: كأنَّ الدهر في خفض الأعال وفي رفع الأسافلة اللام فقیه صح في فتواه قول بتفضيل السجود على القيام
وما ذكره المؤلف من الجمع بين الأحاديثِ حسن جدا.
55
142
في إسناده علي بن زيد بن جدعان وفيه كلام، وحديثه حسن والاستدلال بالآية، لأنها تشمل بعمومها الصَّلوات الخمس، وقد قيل في: طر في النَّهَارِ ﴾ [هود: ١١٤] أنَّها الصبحُ والمغرب، وقيل: الصبحُ والعصر وقيل: الصبحُ والظهر والعصر ، وقيل في وَزُلْفَا مِنَ الَّيْلِ ﴾ [هود: ١١٤] أَنَّهَا صلاة المغرب والعشاء.
وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود: أنَّ رجلا أصابَ من امرأة قبلة، فأتى النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فأخبره، فأنزل الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَوَةَ طَرَفَ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: ١١٤] فقال الرجل: ألي هذا؟ قال «الجميع أمتي كلهم»، وسيذكره المؤلفُ.
56
٢٤٤
143
الحديث الشريف
- قال الحافظ المنذري : «في إسناده أشعتُ بن أشعثَ السَّعداني، ولم أجد من ترجمه . اهـ، وكذا قال الحافظ الهيثمي.
قلتُ: ذكره الحافظ في "اللسان" باسم أشعث بن أبي أشعثَ السَّعداني من أهل البصرة، وقال: قال ابن حِبَّان في "الثقات": يُغْرِبُ، وقال البَزَّارُ : ليس به بأس . اهـ، فهذا الحديث حسن، لا سيما وله طريق آخر عن سلمان بلفظ: «إنَّ العبد المؤمن إذا قامَ إلى الصَّلاةِ وضعت ذنوبه على رأسه فتفرق عنه كما تفرقُ
عروقُ الشَّجرةِ يمينا وشمالا». رواه الطبراني في "الكبير".
57
144
قوله: «كان رجلان أخوان» كذا بالأصل، ورفع خبر كان لغةٌ جاءت
في قول الشاعر العربي إذا مِن كانَ الناسُ صِنْفَانِ شامت وآخرُ مُثْنِ بالذي كنتُ أصْنَعُ
58
145 رواه ابن ماجه في كتاب تعبير الرؤيا من "سننه"، وإسناده صحيح إلا أن فيه إرسالا، لأنَّه رواه من طريق أبي سلمة بن عبدالرحمن عن طلحة، ولم يسمع . منه، وإسناد أحمد سالم من الإرسال، لأنَّه من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة، وقوله: «فلما بينهما» اللام للابتداء، و«ما» موصولة، أي: فللذي بينهما من التفاوت في الدرجات أبعد مما بين السَّماء والأرض، ويؤخذ منه فضل طول
العمر في الأعمال الصالحة.
60
147
63
150
- إسناده حسن، والمعتمل مكان العمل.
رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" بإسناد حسن، ورواه في
"الكبير" موقوفا على ابن مسعود بإسناد صحيح، قال المنذري: «والموقوف
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
أشبه».
69
156
٢٤٥
في "صحيح مسلم" عن أبي أمامة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: إني أصبتُ حدًّا فأقِمه عليَّ، فسكت عنه ثلاثا، فأقيمت الصلاة فدعا الرجل فقال: أرأيتَ حين خرجت من بيتك، ألستَ قد توضّأتَ فأحسنت الوضوء؟» قال : بلى ؛ قال : ثمَّ َشهِدْتَ الصلاة معنا» قال نعم؛ قال: فإنَّ الله قد غفر لك حدَّكَ» أو قال: «ذنبَكَ».
وقد قيل في معنى الحديث غير ما ذكره المؤلف: إن الحد لا يجب إلا بعد تعيينه والإصرار عليه، وقيل إن ذلك خاص بالرجل المذكور، وقيل أ أنَّ التَّوبة تسقط الحد، والرجل جاءَ تائبا، وقيل: لعل الرجل ظنَّ أن كل معصية توجب
الحد، وهذا هو الأقرب.
70
20 هذا الحديث صريح في أنَّ الصَّلاةَ تكفّر الصَّغائر.
157
75
162
قوله: زهير بن عمارة كذا بالأصول، والصَّوابُ: أبو زهيرة عمارة بن
رؤيبة وهو الثقفي الكوفي.
77
164
: قوله معاوية بن الحكم كذا بالأصول، ولعل المؤلف انتقل ذهنه إلى
حديث آخر. والصَّوابُ : أبو بصرة الغفاري، كذلك رواه مسلم في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، ورواه النسائي أيضًا قوله: «كان له أجره مرَّتين» أي أجر الصلاة نفسها وأجر المحافظة عليها، وهذا مما يؤيد أن العصر هي الصلاة الوسطى، وهو الصحيح.
78
165
قال بعض العلماء: «إنَّما كان مع هؤلاء يوم القيامة، لأنه إن اشتغل عن
٢٤٦
الحديث الشريف
الصلاة بماله أشبه قارونَ فحُشر معه، وإن اشتغل عنها بملكه أشبة فرعونَ فحشر . معه، وإن اشتغل عنها بوزاراته أشبه هامان فحُشر معه، وإن اشتغل
عنها بتجارته أشبه أبي بن خلف تاجر كفار قريش فحُشر معه» . اهـ وأشار الشَّارعُ بهذا إلى أنَّه ليس شيء من أمور الدنيا - وإن عظم- بعذر
يبيح التهاون بالصلاة.
وبه
81
168
: حَسَّنَ المؤلفُ هذا الحديث مع أنَّه من رواية عبدالله بن عمر العمري، ، أعله الترمذي ، لكن قال المنذري : «هو صدوق حسن الحديث فيه لين»، وعلى هذا اعتمد المؤلفُ. وفي هذا الحديثِ اضطراب أشار إليه الترمذي، وليس هذا موضع بيانه، وأم فروة راوية الحديثِ جزمَ المنذري تبعًا لابن عبدالبر بأنها أختُ أبي بكر الصديق لأبيه، وقال: من قال فيها: أم فروة الأنصارية فقد وهم»، وربَّحَ
الحافظ أنها الأنصارية.
83
170
84
171
- لفظ الحديث عند الترمذي: والآخر عفو الله» وإسناده ضعيف جدا. هذا الحديث رواه عبادة ردًّا على من قال أن الوتر واجب، فعن
عبدالله الصنابحي قال: زعم أبو محمد أنَّ الوتر واجب، فقال عبادة: كذب أبو محمد، أشهد أني سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول... وذكر
الحديث.
وأبو محمد أنصاري صحابي، ومعنى كذب أخطأ، ومنه الحديث: «صدق الله وكذب بطنُ أخيك»، قاله الخطابي.
89
176
و روى أحمد والطبراني نحوه من حديث عبدالله بن أبي أوفى بإسناد
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٢٤٧
جيد، وروى أحمد والبزَّارُ والطَّبراني عن عبد الله بن عمرو أنَّ رجلًا قال ذاتَ يوم ودخل في الصَّلاة: الحمدُ لله ملء السَّماءِ، وسبَّحَ ودعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «من قائلُهُنَّ؟» فقال: أنا، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «لقد رأيتُ الملائكة تلقى به بعضُهم بعضًا» وإسنادُ الطبراني جيد.
92
178
في هذا الحديث: «بسبع وعشرين درجة» وفي الحديث بعده: «خمسا
وعشرين درجةً» وليس بينهما تنافٍ كما قد يتوهم. وذلك أنَّ الأسباب التي تقتضي تضعيف صلاة الجماعة على صلاة الفذ:
خمسا وعشرين في الصَّلاة السرية، وسبعا وعشرين في الصَّلاة الجهرية.
وإليك بيان عددها :
الأول: إجابة المؤذنِ بنية الصلاة في الجماعة.
الثاني: التبكير إليها في أول الوقت.
الثالث: المشي إلى المسجد بالسكينة.
الرابع: دخول المسجد داعيًا.
الخامس : صلاة التحية عند دخوله.
السادس: انتظار الجماعة.
السابع: صلاة الملائكة عليه واستغفار هم له.
الثامن: شهادتهم له.
التاسع: إجابة الإقامة.
العاشر: السَّلامةُ من الشَّيطانِ حين يفر من الإقامة.
الحادي عشر : الوقوفُ منتظرًا إحرام الإمام أو الدخول معه في أي هيئة
وجده عليها.
الثاني عشر : تكبيرة الإحرام كذلك.
الثالث عشر: تسوية الصفوف وسدُّ فُرجَها.
الرابع عشر: جواب الإمام عند قوله : سمع الله لمن حمده.
الخامس عشر : الأمن من السهو غالبا، وتنبيه الإمام إذا سَهَا بالتسبيح أو
الفتح عليه.
السادس عشر : حصول الخشوع والسلامة عما يلهي غالبًا.
السابع عشر : تحسين الهيئة غالبًا.
الثامن عشر : احتفافُ الملائكة به.
التاسع عشر : التدرُّبُ على تجويد القراءة، وتعلم الأركان والسُّنن.
العشرون: إظهار شعار الإسلام.
الحادي والعشرون: إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة، والتعاون على
الطاعة ونشاط المتكاسل
يصلي.
الثاني والعشرون: السَّلامة من صفة النّفاق، ومن إساءة غيره الظن بأنه لا
الثالث والعشرون: ردُّ السَّلامِ على الإمام.
الرابع والعشرون: الانتفاع باجتماعهم على الذكر والدعاء، وعود بركة
الكامل على الناقص.
الخامس والعشرون: قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات.
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح .
٢٤٩
فهذه الخصال ورد في كل منها أمر وترغيب يخصه، وهي موجودة في صلاة الجماعة السرية كالظهر وتزيد صلاة الجماعة الجهرية كالصبح بخصلتين وهما:
- الإنصات عند قراءة الإمام والاستماع لها.
- والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة .
فتبين بهذا أنَّ رواية خمس وعشرين محمولة على صلاة الجماعة السرية، ورواية: «سبع و عشرين محمولةٌ على صلاة الجماعة الجهرية، وهذا ملخص ما ارتضاه الحافظ ابن حجر العسقلاني رضي الله عنه.
أما رواية: «بضع وعشرين فهي صادقة بالخمس وبالشبع، وهي مع ذلك
من تصرف بعد الرواة حيثُ نسي العدد فعبر بالبضع.
101
187
قوله عن ثابت بن أشْيَم، كذا بالأصول، والصواب: قباث بقاف مفتوحة، وقيل: مضمومة، وأشيَم بوزن أحمر ، وهذا الحديث أخرجه البخاري في "التاريخ" من طريق عبدالرحمن بن زياد عن قباث، و«تترى» يعني: متفرقة، واحدًا بعد آخر، ومنه قوله تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتَرَا ﴾ [المؤمنون:
٤٤] أي رسولا بعد رسول.
103
189
هذا الحديث دليل قوي لمن قال بوجوب صلاة الجماعة لأنَّ التهديد
بالتحريق المؤدي إلى القتل لا يكون إلا على ترك واجب، وإلى القول بأنها فرض عين، ذهب عطاء والأوزاعي وأحمد والبخاري وجماعة من محدثي الشافعية كأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان، وأجاب الجمهورُ الذين قالوا بسنّية صلاة الجماعةِ، عن هذا الحديثِ بعشرة أجوبة لا تخلو عن نظر،
٢٥٠
للصَّلاة معه
الحديث الشريف
سنة
والذي يظهرُ لي ما ذكره الشَّوكاني وهو أنَّ هذا الحديث يدل على وجوبِ حضور جماعة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في مسجده لمن سمع النداء، لأنَّ معه في مسجدِه ميزةٌ خاصة، أمَّا مطلق الجماعةِ مع غيره فهي. مؤكدة، لحديثي رقم ۹۲ - ۹۳ ولحديث رقم ۱۰۱ فإن هذه الأحاديث وما في معناها تفيد مشاركة صلاة الفذ للجماعة في الفضل مع زيادة الجماعة عليها ببضع وعشرين درجة، ولو كانت الجماعة واجبة لكانت صلاة الفذ معصية، لا
فضل فيها بل يكون فيها حينئذ إثم كما هو ظاهر.
104
190
قوله: عن رجل من النَّخع لم يسمه، كذا بالأصول، والواقع أنَّ الطبراني سمَّى الرجل : جابرا نعم؛ هو مجهول لم يعرف حاله، فالإسناد
ضعيف لكن معنى الحديث لوروده مفرقا في أحاديث صحيحة.
106
192
قوله من طريق القاسم هو ابن عبدالرحمن أبو عبدالرحمن الشامي الدمشقي، مختلف فيه، و«الأبرار»: هم الصالحون، و«وفد الرحمن»: هم الذين يحشرون ركبانًا على أعمالهم أو على خيل أو على النجائب، أو يحشر كل منهم على ما كان يحب من أنواع المركوبات في الدنيا، ويكون الركوب من القبر إلى المحشر، ثم من المحشر إلى الجنة.
108
194
هذا الحديث رواه ابن ماجه في أبواب التجارات "سننه"، من والسُّوقُ يكثر فيها الأيمانُ الكاذبة وغشُ الثَّمن أو المثمَّنِ، والمنازعة بين البائع
والمشتري وهذا كله من عمل الشيطان.
أبو بكر بن سلميان بن أبي حثمة القرشي العدوي، كان من علماء قريش،
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٢٥١
ذكره ابن حبان في "الثقات" وأبوه سليمان كان من فضلاء المسلمين وصالحيهم، استعمله عمرُ رضي الله عنه على السوق وجمع الناس عليه في قيام رمضان، ولد على عهدِ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم ولم يرو عنه، وأبوه أبو حثمة واسمه عبد الله من مُسلمة الفتح، وهذا الأثر رواه عبدالرزاق في المصنف" بنحوه، ولا شكّ أنَّ صلاة الصبح في جماعة أفضل من قيام الليل
ضرورة أنَّ الفرضَ أفضلُ من النفل
112
198
قوله : وثقه ابن حِبَّان وحده، أي حيث ذكره في "الثقات"، وقال مع ذلك: «يخطئ ويهم»، وضعفه أبو زرعة، وأبو حاتم، والدار قطني، وابنُ عدي، والعقيلي؛ فالحديث ضعيف.
وفي الباب حديث عقبة بن عامر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من أم قومًا فإنْ أتمَّ فلهُ السَّمامُ وهُمْ وَإِنْ لم يتمَّ فَلَهُم السَّمامُ وعليهِ الإثم. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبراني، وصححه الحاكم وابن خزيمة وابن حِبَّان، ويؤخذ منه أنَّ الإمام لو أخل بشرط من شروط الصلاة كالطهارة فصلاة المأمومين صحيحة .
113
199
قوله: «غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه يعني الصغائر كما تقدم غير مرة،
وجاء في "أمالي الجرجاني" زيادة: «وما تأخَّر» وهي زيادة شاذة ضعيفة لا
يعتمد عليها.
واستدل بهذا الحديث على أنَّ الملائكة أفضل من البشر، لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم جعل موافقة المأمومين للملائكة موجبة للمغفرة، وهذا هو
٢٥٢
الحديث الشريف
المذهبُ الصَّواب، وقد بينا دليله فيما كتبناه على كتاب: "الحبائك في أخبار
الملائك" للحافظ السيوطي.
114
200
ذكر المؤلفُ بعض الحديث ونذكر بقيته للفائدة، قال أبو موسى: إِنَّ
رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم خَطَبَنَا، فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا فقال: «إذا صلَّيتُم فأقيموا صفوفكم ثمَّ ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا، وإذا قال: غيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: ٧]، فقولوا: آمين؛ يحبكم الله، فإذا كبر وركع فكبروا واركَعُوا، فإنَّ الإمامَ يركَعُ قبلكُم ويرفع قبلَكُم». قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «فتلك بتلك، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا اللهم ربنا لك الحمد، يـ ، يسمع الله لكُم، فإنَّ الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلَّم: سمع الله لمن حمده، وإذا كبر وسجد فكبّروا واسجدوا، فإنَّ الإمام يسجد قبلَكُم ويرفعُ قبلَكُم». فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «فتلكَ بتلك، وإذا كانَ عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحياتُ الطيبات الصلواتُ الله ، السَّلامُ عليكَ أَيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته، السَّلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» وهكذا رواه أبو داود والنسائي.
ويؤخذ منه أمور:
الأول: الحضُّ على قول: «اللهم ربَّنا لك الحمد»، وأنَّ ثواب قائله سماع الله له، أي إقباله عليه برحمته، وكان ينبغي للمؤلف أن يترجم عليه: «ثواب قول:
اللهم ربنا لك الحمد» لكنه سها عن ذلك.
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٢٥٣
وفي "صحيح البخاري: باب فضلِ : اللهم ربنا لك الحمد»، ثم روى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا اللهم ربنا لك الحمد، فإنَّه من وافق قوله قول الملائكةِ غُفر له ما تقدَّم من ذنبه». الثاني: أنَّ المأموم يقول: «اللهم ربنا ولك الحمد»، ولا يقول: «سمع ا
لمن حمده».
الله
الثالث: أنَّ ما ثبت بالسنة ينسب إلى وحي الله وتنزيله، لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم نسب جملة: «سمع الله لمن حمده» إلى قول الله تعالى، وهي إنَّما ثبتت بالسنة، وقوله: «فتلك بتلك» يعني أنَّ اللحظة التي سبقكم بها الإمام في تقدمه إلى الركوع، تنجبر لكم بتأخركم في الركوع بعد رفعه لحظة، فتلك اللحظة بتلك اللحظة، وصار قدرُ ركوعِكم كقدر ركوعه، وكذلك في
السجود.
115
201
قوله: «في إسنادِه ليث بن أبي سليم، وهو مختلف فيه، رُمي بالغفلة وكان مدلّسًا ولم يصرح في هذا الحديث بالتحديث بل عنعنه.
117
203
قوله : وتردَّد في ثبوته أي حيثُ قال: «إن ثبت الخبر» وذلك أنَّه رواه من طريق زربي بن عبد الله مولى آل المهلب، عن أنس.
وزربي - بفتح الزاي وسكون الراء وياء مكسورة مشددة ضعيف له أحاديث مناكير عن أنس وغيره، ولم يرو له ابن خزيمة إلا هذا الحديث، وهو ليس من شرط الصحيح.
٢٥٤
118
204
الحديث الشريف
اللفظ الأول للحديثِ، لفظ رواية أحمد، واللفظ الثاني لفظ رواية ابن
ماجه وابن خزيمة. ومعنى ضلال اليهود عن الجمعةِ أَنَّ الله فرضَ عليهم يوما يعظمونه بطاعة الله وعبادته، فاختاروا يوم السبت، وزعموا - لعنهم الله - أنَّ الله استراح فيه من خلق السمواتِ والأرض، وكذلك النصارى اختاروا يوم الأحد، فأدخر الله يومَ الجمعةِ لنا فضلا منه ورحمةً، وكان من توفيق الله في اختياره ما صَحَ عن محمد بن سيرين، قال: جمَّعَ أهل المدينة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، وقبل أن تنزل الجمعة؛ قالت الأنصار: لليهود يوم يجمعون فيه كل أسبوع، وللنصارى مثل ذلك، فهلم فلنجعل يوما نجمع فيه
فنذكر الله تعالى ونشكره، فجلعوه يومَ العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة،
فصلى . ، بهم ركعتين ،وذكرهم فسمَّوا الجمعة حين اجتمعوا إليه، فذبَحَ لهم شاةً فتغدوا وتعشوا منها، فأنزل الله تعالى في ذلك بعد: يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا
نُودِيَ لِلصَّلَوَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة: ٩] الآية.
ومعنى ضلالهم عن القبلة أنَّ الكعبة قبلة الأنبياء، وكان موسى عليه السلام يُصلِّي إلى الصخرة نحو الكعبة، فظنَّ اليهودُ أنَّه يقصد الصخرة بالاستقبال، يدل على ذلك ما رواه الطبري في "تفسيره" عن الربيع قال: إنَّ يهوديًا خاصم أبا العالية فقال: إنَّ موسى عليه السلام كان يصلي إلى صخرة بيت المقدس، فقال أبو العالية: كان يصلّي عند الصخرة إلى البيت الحرام، قال اليهودي: فبيني وبينك مسجد صالح عليه السلام فإنَّه نحته من الجبل، قال أبو العالية: قد صلَّيتُ فيه، وقبلته إلى البيت الحرام، فلما صلى النبي عليه السلام
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٢٥٥
بالمدينة إلى بيت المقدس بوحي أو اجتهاد ستة عشر شهرا تأليفا لليهود، فرحوا بذلك وظنُّوا أنه تبعَهُم، فلما أيسَ منهم حنَّ إلى قبلة أبيه إبراهيم، فردَّه الله إليها فتكلموا في ذلك حقدًا وحسدا ، ورد الله عليهم بقوله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ
مِنَ النَّاسِ مَا وَلَهُمْ عَن قِبْلَيْهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ [البقرة: ١٤٢] الآيات.
119
205
صلاة الله على عباده تختلف باختلافِ مقاماتهم، فصلاته على نبيه تشريف له وتكريمٌ ورفعه ،قدر، وصلاته على أهل الصف الأول مغفرة لذنوبهم وإجزال لثوابهم، وصلاته على عموم المؤمنين لطف وإدامة بهم هدايتهم، أمَّا صلاة الملائكة فدعاء واستغفار بالنسبة لعموم المؤمنين وبالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم دعاء بزيادة تشريفه.
123
209
«الاستهام»: الاقتراع، وكذا المساهمة، ومنه قوله تعالى: فَسَاهَمَ فَكَانَ
مِنَ الْمُدْحَضِينَ [الصافات: ١٤١]. وروى سعيد بن منصور والبيهقي، عن عبد الله بن شبرمة قال : تَشَاح الناسُ في الأذانِ بالقادسية فكان بالعراق وكانت به وقعة للمسلمين مع الفرس فاختصموا إلى سعد بن أبي وقاص فأقرع بينهم. لا بأس بحضور النساءِ الصَّلاة في المساجد، بشرط ألا يتزيَّنَّ ولا يتعطرن وأن يكنَّ في مؤخّرةِ المسجد، كما كان الحال في المسجد النبوي وكان لهن باب خاص بهن يعرفُ إلى اليوم بباب النساء، ثم مع توفّر هذه الشروط
124
210
فصلاة المرأة في بيتها أزكى وأطهر وأفضل كما سيأتي بحول الله.
128
214
ذرَّتْ) بالذال المعجمة وتشديد الراء أي فرقت عليه، شبه البر بطيب تذره الملائكة على من يصل الصفّ.
٢٥٦
132
218
الحديث الشريف
هذا الحديث وإن صححه الحاكم فيه انقطاع، وإنما كانت الخطوة الثانية مبغضة لتقديم الشمال على اليمين في القيام، والمطلوب تقديم اليمين في كل حال إلا فيما ورد تقديم الشمال فيه كدخول الخلاء والخروج من المسجد،
وخلع النعل.
134
219
قوله: «وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في هذا» كذا بالأصول وهو سهو، والرّواية: خير من مائة صلاةٍ في هذا»، وعند البزار : صلاة في مسجدي هذا أفضلُ من ألفِ صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام،
وصلاة في المسجد الحرام فإنَّه يزيد عليه مائة».
والمقصود أن المسجد الحرام يزيد على المسجد النبوي بمائة فقط، ويزيدُ
على سائر المساجد بمائة ألف.
140
225
هذا حديث ضعيفٌ، والمسجد الذي يجمع فيه: أي تقام فيه الجمعة، ومسجد القبائل مسجد القرى الصغير التي لا تقام فيها الجمعة. 142 أسيد بن ظهير له ولأبيه ،صحبة، قال الترمذي: الم يصح عنه غير هذا
228
الحديث».
روی عمر بن شبة في "أخبار المدينة" بإسناد صحيح عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت: سمعت أبي يقول: «لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحبُّ
إلى من أن آتي بيت المقدس مرتين لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل». وهذا شاهد لقول محمد بن مسلمة المالكي: «إِنَّ إتيان مسجد قباء يلزمُ بالنذرِ». والجمهور قالوا: لا يلزم.
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح .
٢٥٧
وفي مسجدِ قباء نزل قوله تعالى: لَمَسْجِدُ أُسَسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلَ يَوْمٍ أَحَقُّ
يقتضي
155
أَن تَقُومَ فِيهِ ﴾ [التوبة: ۱۰۸] الآية، فهذا المسجد هو مسجد قباء. تقدم هذا الحديث في أبواب العلم، وقوله: «إنَّ مما يلحق المؤمن» أنَّ خصالا غير هذه تلحق المؤمن أيضًا، وقد تتبَّعها الحافظ السيوطي من الأحاديث فبلغت إحدى عشرة خصلة نظمها في قوله: إذا مات ابن آدم ليس يجري عليــه مـــن فعال غـيـر عشـــر عُلُومٌ بنها ودعاءُ نَجْل وغَرْسُ النَّخْلِ والصدقات تجري وِراثَةُ مُصْحَفِ ورِباطُ ثَغْرٍ وحَفْرُ البشر أو إجــراءُ نهر وبيت للغريب بنـــاه يـــاوِي إليه أو بنـــاء تـل ذِكرِ وتعليم القرآن كريم فخذها من أحاديث بحصر ويلتحق بها ما في معناها مما فيه مصلحة عامة كبناء مستشفى ونحوه.
157
243
كبدٌ حَرَّى أي تجري فيها الحياة وسواء أكان صاحبها إنسانًا أم حيوانا. قوله: «كمفْحَصِ قطاة» قيل: هو للمبالغة، والمراد: الحضُّ على بناء المسجد صغيرًا كان أو كبيرًا، كما في الحديثِ بعده، وقيل: هو على حقيقته، وذلك بأن يزيد في المسجدِ زيادةً يحتاج إليها تكون بهذا المقدار، أو يشترك جماعة في بناء مسجد فتقع حصَّةُ كلّ واحدٍ منهم ذلك القدر، قاله الحافظ ابنُ
حجر في "فتح الباري".
159
245
هذا الحديث ضعفه الترمذي لأنَّ فيه انقاطعًا وراويا مختلفًا فيه، وقد
عد الرافعي نسيان القرآن بعد حفظه من الكبائر، وتبعه ابن حجر الهيثمي في
٢٥٨
الحديث الشريف
"الزواجر"، تمسكًا بهذا الحديثِ وما في معناه لكن سفيان بن عيينة كان يذهب إلى أنَّ المراد بالنسيان التركُ، واحتج بأن النسيان في لسان العرب: الترك، قال الله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكَرُوايه } [الأنعام: ٤٤] أي تركوا، وقال تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَتْهُمْ أَنفُسَهُمْ ﴾ [الحشر: ١٩] أي تركوا طاعة الله فترك رحمتهم، قال سفيان: وليس من اشتهر بحفظ شيء من القرآن وتفلت منه بناس إذا كان يحل حلاله ويحرم حرامه». اهـ
وكذا حمل النسيان على ترك العمل أيضًا الحافظ أبو شامة، قال: «وللقرآنِ يوم القيامة حالتان؛ إحداهما الشَّفاعة لمن قرأه ولم ينس العمل به، والثانية: الشكاية على من نسيه، أي: تركه تهاونا به ولم يعمل بما فيه». قال: «ولا يبعد أن يكون من تهاون به حتَّى نسي تلاوته كذلك». اهـ
وناقش كلامه ابنُ حجرٍ الهيثمي في "الزَّواجر" كما ناقش القرطبي في كتاب " التذكار" كلام سفيان بن عيينة.
162
248
أم محجن هذه كنيتها، واسمها خرقاء، كذلك جاء من رواية حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس عند ابن منده.
255
169 لفظ الحديث: «كلّ سُلامَى من النَّاسِ عليه صدقة، كلَّ يومٍ تطلع فيه الشَّمسُ تعدل بين اثنين ،صدقةٌ، وتعينُ الرَّجلَ في دابَّتِه فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خُطوة تمشيها إلى الصَّلاةِ صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة وهو الحديث السادس والعشرون في
" الأربعين النووية" . سُلَامَى بضم السِّينِ وفتح اللام والميمِ، عِظامُ المفاصل.
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٢٥٩
والمعنى أنَّ تركيب هذه العظام وسلامتها نعمة من نعم الله تعالى ينبغي
للعبد أن يشكرها بالصدقة عنها كل يوم.
وليست الصدقة محصورة في دفع المال، بل تشمل كل فعل خير من عدل بين متخاصمين أو مساعدة مسلمٍ في بعض حاجاته كركوب دابة مثلا أو كلمة طيبة يقولها لأخيه المسلم، أو ذهاب إلى المسجدِ للصلاة، أو إزالة أذى كشوك مثلا عن طريق المسلمين، ومن الصَّدقة أيضًا الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر.
171
257 تقدم هذا الحديث وهو رقم ١١٠.
173
260
صحح المؤلِّفُ إسناده، مع أنَّه من رواية سماك عن عكرمة، وقد قال يعقوب بن شيبة : رواية سماك عن عكرمة خاصة مضطربة، وروايته عن غيره صالحة». لكن رواه الطبراني من طريق سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس.
وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قريب من المسجد فنزلت: إِنَّا نَحْنُ نُحْي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَ أَثَرَهُمْ ﴾ [يس: ۱۲]. فقال لهم النبي صلى الله عليه
وآله وسلَّم: «إِنَّ آثَارَكُم تُكتَبُ». فلم ينتقلوا. قال الترمذي: حسن غريبٌ». وكان الأولى للمؤلف أن يذكر هذا
الحديث، لكنه سها عنه.
180 179
267 266
تقدم هذان الحديثان، وهما رقم ١١ - ١٣ من أبواب الطهارة.
٢٦٠
183
269
الحديث الشريف
المسجد بيت الله وزائره يكرمه الله بغفران ذنوبه وتقوية إيمانه. قوله: «وقد رُوي موقوفا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم». قلتُ: رواه البيهقي بإسناد صحيح.
184
270
ضامن على «الله» أي واجبٌ على الله أن يحفظه ويرعاه، وهو وجوب
إفضال من جهة وعدِه الذي لا يُخلفُ، لا من جهة أنه يجب لأحد عليه شيء، تعالى عن ذلك علوا كبيرًا.
وإنما كان هؤلاءِ الثَّلاثة ضامنين على الله لأنَّ المجاهد قصد نصرة الإسلام وإعلاء الدين، والذاهب إلى المسجد قصد مغفرة الله ورضوانه، والداخل إلى
بيته قصد إيناس أهله والنظر في مصالحهم.
191
277
«سبعة يظلهم الله في ظله يعني ظل عرشه، كذلك جاء مصرحا به في
حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن، وذكر الرجل وصف طردي إذ المرأة مثله إلا في قوله: «إمام عادل» فإنَّ المرأة لا تتولى الإمامة وإلا في قوله: ورجل قلبه معلق بالمساجد» فإنَّ صلاة المرأة في بيتها أفضل كما سبق، وقوله: «ورجل دعته امرأةٌ ذاتُ منصب وجمال» أي دعته إلى الفاحشة كما هو ظاهر اللفظ، وهو الموافق لقوله تعالى يمدح يوسف عليه السَّلام: وَرَوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ، وَغَلَقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ﴾ [يوسف: ٢٣] و به جزم القرطبي في "شرح مسلم".
وقيل: دعته إلى التزوج بها مخافة أن يُفتن بها عن العبادة أو ألا يقوم بحقها، وهذا وجه بعيد، ويتصور في المرأة أيضًا أن يدعوها رجل ذو منصب
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح .
٢٦١
أو مال فتمتنع منه، وتقول : إني أخافُ الله، وقد حصل ذلك في قصة الكفل من
بني إسرائيل كما في "سنن الترمذي".
ولا مفهوم لهذا العدد المذكور هنا، فقد وردت أحاديث في خصال توجب
"
الظلال منها ما جاء في صحيح مسلم عن أبي اليسر مرفوعا: «من أنظر مُعْسِرًا أو وضَعَ عنه أظلَّه الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله».
وروى البيهقي من حديث عمر رضى الله عنه مرفوعا: «من أظلَّ رأسَ غاز أظله الله يوم القيامةِ» الحديث، صححه ابن حبان.
وروى أحمد والحاكم والبيهقي من حديث سهل بن حنيف: «مَنْ أعانَ مجاهدا في سبيل الله، أو غارما في عشيرته، أو مكاتبًا في رقبته أظلَّه الله في ظله يومَ لا ظل إلا ظله» إسناده حسن. وروى الأصبهاني في "التَّرغيب" من حديث أنس : «التَّاجرُ الصَّدوق تحت ظل العرش يوم القيامةِ»، ورواه البغوي في "شرح السُّنة" . من حديث سلمان
أيضًا.
وللطبراني بإسنادٍ ضعيف من حديث أبي هريرة: «أوْحَى الله إلى إبراهيم عليه السلام: يا خليلي حسنْ خُلقَكَ ولو معَ الكفَّارِ تدخل مداخِلَ الأبرار، وإِنَّ كلمتي سبقت لمن حَسُنَ خُلقه، أنْ أظله تحت عرشي وأن أسقيه من حظيرة قدسي وأنْ أدنيه من جواري».
وروى الطبراني عن أبي اليسر قال أشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسمعته يقول: «إنَّ أولَ النَّاسِ يستظل في ظل الله يومَ القيامةِ لَرجلٌ أنظر معسرًا حتى يجد، أو تصدق عليه بما يطلبه، يقول: مالي عليك صدقة،
٢٦٢
الحديث الشريف
ابتغاء وجه الله ويخرقُ صحيفته». قال الحافظ الهيثمي: «إسناده حسن». قلت: الصدقة على المعسر : ترك الدين له، والوضع عنه: ترك بعض الدين،
كأن يكون لك على شخص عشرة فتضع عنه أربعة وتأخذ ستة. ولأبي نعيم حديث أبي هريرة: «سبعة في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله» فذكرها نحو ما في المتن إلا أنه لم يذكر : وشاب نشأ في عبادة الله»، وذكر بدله: ورجل كان في سرية مع قوم فلقوا العدو فانكشفُوا، فحمى آثارهم حتى نَجَا ونجَوْا، أو استشهد». قال الحافظ : «حسن غريب جدا».
قلت: ورواه ابن زنجويه في "الترغيب" من طريق الحسن مرسلا . وروى البيهقي في "الأسماء والصفات" من حديث أبي هريرة أيضًا: سبعة يظلهم الله تعالى تحت عرشه يوم لا ظل إلا ظله: رجلٌ قلبه معلق بالمساجد، ورجل دعته امرأةٌ ذاتُ . منصب، فقال: إني أخافُ الله عزَّ وجلَّ، ورجلان تحابا في الله، ورجلٌ غضَّ عينيه عن محارم الله تعالى، وعين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله».
قال المناوي: «إسناده حسن، وليس كذلك؛ بل فيه جعفر بن محمد بن
الليث، هو الزيادي، قال الدارقطني: ضعيف».
ولأبي الشيخ في "الثواب" من حديث جابر مرفوعا: «ثلاث من كُنَّ فيه أظله الله عزّ وجلَّ تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: الوضوء في المكاره،
والمشي إلى المساجد في الظلم وإطعام الجائع».
قال الحافظ : «غريب وفيه ضعف». وللطبراني بإسناد ضعيف من حديث جابر: «أظلَّ الله في ظله يوم القيامة
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٢٦٣
من أنظر معسرًا أو أعانَ أخرق والأخرقُ من لا صنعة له، ولا يقدر أن يتعلم
صنعة.
وللطبراني بإسناد ضعيف من حديث جابر : ومنْ كَفَلَ يتيما أو أرملة أظلَّه الله
في ظله يوم القيامة».
ولأحمد عن عائشة: «أتدرُونَ من السَّابِقُ إلى ظلَّ الله يوم القيامة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «الذين إذا أعطوا الحق قبلُوه، وإذا سُئِلُوهُ بذَلُوهُ وحكموا
للناس كحكمهم لأنفسهم. قال الحافظ: «غريب، وفيه ابن لهيعة».
وللطبراني من حديث أبي أمامة: «ثلاثةٌ في ظل الله عزّ وجلَّ، يوم لا ظل إلا ظله: رجلٌ حيث توجه علِمَ أَنَّ الله معه، ورجلٌ دعته امرأة إلى نفسها فتركها
من خشية الله تعالى، ورجلٌ أحبَّ رجلًا لجلال الله تعالى». إسناده ضعيف. ولأبي الشيخ والأصبهاني، والديلمي بإسناد فيه ضعف واضطراب من حديث أنس: «ثلاثةٌ في ظلّ العرش يومَ القيامةِ يوم لا ظل إلا ظله: واصِلُ الرحم، وامرأة مات زوجها وترك أيتاما صغارًا فقالت: لا أتزوَّجُ حَتَّى يموتُوا أو يغنيهم الله تعالى، وعبد صنعَ طعامًا فأطابَ صُنعه، وأحسنَ نفقته فدَعَا عليه الفقير والمسكين فأطعمهم لوجه الله».
وللأصبهاني في "الترغيب" بإسناد ضعيف من حديث ابن عمر : «ثلاثة يتحدثون في ظلّ العرش آمنين والناسُ في الحساب: رجل لم تأخذه في الله لومة لائم، ورجلٌ لم يمد يديه إلى ما لا يحل له، ورجلٌ لم ينظر إلى ما حُرِّم عليه». وبقيت خصال أخرى جمعها الحافظ في تأليف سماه: "معرفة الخصال
الموصلة إلى الظلال"، ولتلميذه الحافظ السَّخاوي تأليف في ذلك أيضًا، الخصه
٢٦٤
الحديث الشريف
العلامة المحدثُ الشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني ثم نظمها في قصيدة
ذكرها في "شرح الموطأ".
.
وللحافظ السيوطي كتاب "تمهيد الفرش في الخصال المؤدية لظل العرش"، أوصلها إلى سبعين خصلة، ولخصه في رسالة سماها "بزوغ الهلال في الخصال الموجبة للظلال"، واعترضَه السَّخاوي بأنه أدرج في كتابه ما لا تصريح فيه بالمرادِ منه في أحاديثه وأطال في بيان ذلك بما يعلم من مراجعته. يؤخذ منه أن الشهادة لعمار المسجد بالإيمان صحيحة، وقوله تعالى:
193
279
وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا الله ﴾ [التوبة: ۱۸] أي لم يخش الأصنام التي تعبد من دون الله، والتي كان المشركون يخشونها ويرجون خيرها وهي لا تضر ولا تنفع، ولم يذكر الإيمان بالرسول في الآية اكتفاء بذكر إقامِ الصَّلاة وإيتاء الزكاة لأنهما لا يصحان إلا مع الإيمان بالرسول، ولا يعرفان إلا عن طريقه، والإيمان باليوم الآخر لا يعرفُ إلا عن طريق الرسول أيضًا.
196
282
تبشبش» أي فَرِحَ كما يفرحُ أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم وفي رواية لابن خُزيمة: «ما من رجلٍ كانَ توطّن المسجد فشغلَه أمرٌ أو علَّةٌ ثم عاد إلى ما كان إلا تَبشَّبَشَ الله إليه كما يتبشبشُ أهل الغائبِ بغائبِهم إذا أقدم».
والمراد إقبال الله عليه برحمته وكرامته.
197
283
العلاء بن زياد لم يسمع من معاذ، ورواه أحمد أيضًا من طريق العلاء بن
زياد عن رجل حدثه يثق به، عن معاذ به.
وللطبراني والسجزي في "الإبانة" من حديثه أيضًا: «الشَّيطانُ ذئب
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٢٦٥
الإنسان كذئب الغنم، يأخذ الشَّاةَ والشَّادَةَ القاصية والناحية، فعليكم بالجماعة،
والألفة، والعامة، والمساجد. وإياكم والشعابَ».
الشعاب جمع شعب بكسر :أوله الطريق في الجبل، وهو لصعوبته لا يسلكه إلا الفردُ بعد الفردِ وسالكه يكون معرضًا لأخطار مهلكة، بخلافِ سالك الطريق العام الواضح، لا خطر عليه. كذلك المنفرد عن جماعة المسلمين في بعض العقائد أو العبادات يختطفه الشَّيطان فيضله ويهلكه وهذا الحديث من أدلة الأصوليين على وجب اتباع الإجماع.
ثواب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة
نزع المؤلف بقوله تعالى: يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: ۲۰۰] فالمرابطة في الآية - على هذا هي انتظار الصلاة في المسجد، وكذلك قال ابن عباس وأبو هريرة وسهل بن حنيف ومحمد بن كعب القرظي وغيرُهم. وستأتي أحاديث في هذا الباب بهذا المعنى وتقدم في المتن حديث: «فذلكم الرباط، فذلكم الرِّباطُ، فذلكم الرباط» وهو رقم (۱۸۰) من أبوابِ الصَّلاة. وقيل: المراد مرابطة الغزو، وحفظ ثغور الإسلام، وقد ورد في ذلك أحاديثُ كثيرة سيأتي بعضها في أبواب الجهاد إن شاء الله تعالى. ويلاحظ أنَّ الأحاديث الواردة في فضل الرباط في الجهاد -مع
كثرتها - لم تشر إلى هذه الآية كما أشارت إليها أحاديثُ انتظار الصلاة.
204
290
إذا قال الصحابي نزلت الآية في كذا، فهو من قبيل المرفوع، نص
عليه الحاكم. وقوله: داود بن أبي صالح كذا بالأصول؟ والصَّوابُ: داود بن
٢٦٦
الحديث الشريف
صالح، وهو ابن دينار، التمار المدني، مولى الأنصار. ذكره ابن حبان في "الثقات". والرواي عنه هنا مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير، ضُعَفَ على عبادته وصلاحه. فقول الحاكم: صحيح الإسنادِ» فيه شيء. لكن رواه ابن مردويه من طريق علي بن يزيد الكوفي، عن ابن أبي كريمة، عن محمد بن يزيد، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به.
208
294
: «العَتَمَة : هي
العشاء، وجاء عن أنس أيضًا قال: فينا نزلت - معاشر
الأنصار - : نَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: ١٦] الآية، كنَّا نُصلّي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلّي العشاء مع النبي صلى الله عليه وآله
وسلم.
وحيثُ صح أنَّ الآية نزلت في انتظارِ صلاة العشاء فهي تشمل - بفحوى الخطاب - قيام الليل، ولذلك استدل بها النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على صلاة الليل في حديث معاذ الآتي، وفيه: ثم قال: «ألا أدلَّكَ عَلى أبواب الخير؟ الصومُ جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل» ثم قرأ: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: ١٦] - حتى بلغ - : يَعْمَلُونَ }
[السجدة: ١٧].
296
210 وعقبَ مَن َعقَبَ التَّعقيب في المسجد: انتظار الصلاة بعد الصلاة حفزه النفسُ أي أعجله النفَسُ ،لإسراعه وهذا المعنى بقي بياضًا في أصل المؤلف، وفي الحديث دليل على أن الرَّكبة ليست بعورة، وإسناد الحديث صحيح، إلا أنَّ المنذري قال: «أبو أيوب المراغي العتكيُّ ثقة، ما أراه سمع
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح ".
٢٦٧
عبدالله». فأعله بالإرسال ، ولكن ذكر الحافظ في "تهذيب التهذيب" روايته عن
عبدالله بن عمرو، ولم يشر إلى عدم سماعه منه، ثم إِنَّ أبا أيوب ثقةٌ لم يُعرف عنه تدليس، وقد روى عن عبد الله بن عمرو بلفظ «عن» فروايته محمولةٌ على
الاتصال، حسبما تقرر
211
297
الكشح : ما بين الخاصرة إلى الضّلع الخلف. ومعنى الحديث: أنَّ منتظر الصلاة له من الثوابِ كثواب فارس اشتد به فرسه في ميدان القتال، على كشحه أي حال كون الفارس باديَ الكشح، ليس عليه درع ونحوه مما يقيه بأس القتال، ويحميه وقعَ السيوف وضرب النبال. وهذا أقوى في الفروسية
وأكثر في نيل الثواب.
213
299
زبان بن فائد الحمراوي المصري، فاضل عابد شديد الخوف من الله، قال الليث بن سعد : «لو أراد زبان أن يزيد في العبادة مقدار خردلة ما وجد لها موضعا». وذلك لكثرة عبادته، ولكنه مع هذا ضعيف في الحديث، وروايته عن سهل بن معاذ مطعون فيها بخصوصها، قال ابن حِبَّان: «له نسخة عن سهل بن معاذ كأنها موضوعةٌ». ومعاذ المذكور هنا هو ابن أنس الجهني، حليف الأنصار، معدود من أهل مصر. وليس هو معاذ بن جبل كما يتوهم من لا
معرفة له بهذا الشأن.
218
304
تُمكِنَه الصَّلاةُ» أي يجوز له فعلها، وذلك بعد طلوع الشمس
وارتفاعها قيد رمح .
220
305
أحال بذكر هذا الحديث على صلاة الضُّحَى، ونسي أن يذكره هناك،
٢٦٨
الحديث الشريف
وذكر بدله حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، ولفظ حديث أبي هريرة نحو حديث عمر رضي الله عنه، وذكر البزار فيه أنَّ القائل: «ما رأينا أسرع رجعةً إلخ ، أبو بكر الصديق رضي الله عنه. وقال في آخره: فقال النبي صلى الله
... .
عليه وآله وسلّم: «يا أبا بكر ألا أدلك على ما هوَ أسرع إيابًا وأفضل مغنها؟ من
صلَّى الغداة في جماعة، ثم ذكر الله حتَّى تطلع الشَّمسُ».
222
307
هذا الحديث رواه أبو داود في كتاب العلم من "سننه"، في باب
القصص، وفي إسناده موسى بن خلف العمي البصري، استشهد به البخاري، وأثنى عليه غير واحد، وتكلم فيه ابن حِبَّان. ورواه أبو يعلى، ولفظه: «لأن أقعد مع قوم يذكرونَ الله من بعدِ صلاةِ الفجرِ إلى أن تطلعَ الشَّمسُ أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربعةً من ولد إسماعيل ديةً كل رجل منهم إثنا عشر ألفًا، ولأنْ أقعد مع قوم يذكرون الله من بعد صلاة العصر إلى أن تغربَ الشَّمسُ أحبُّ إليَّ
من أنْ أعتق أربعةً من ولد إسماعيل، ديةٌ كلَّ رجلٍ منهم إثنا عشر ألفًا». رجاله ثقات غير محتسب بن عبدالرحمن أبي عائذ، وثقه ابن حبان، وقال ابن عدي: «له أحاديثُ عن ثابت عن أنس غير محفوظة». وقد حمل أبو داود الذكر في الحديث على العلم ومدارسته، حيث رواه في كتاب العلم كما تقدم، ولا مانع من حمله أيضًا على الذكر المعهود بالهيللة والتحميد والتسبيح ونحو ذلك، بل هو الأقربُ. ويؤخذ من الحديث أيضًا جواز استرقاق العرب، وفي ذلك بحث ليس هذا محل بسطه.
232
317
عمارة مختلف في صحبته، ولم يرو إلا هذا الحديث، وروى عنه عن
رجل من الأنصار عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم، ورجَحَ هذه الرواية ابن
تعليقات على كتاب "المتجر" "الرابح
٢٦٩
عساكر، ويقال فيه: عمار، وهو معدود في أهل مصر، تُوفي سنة ٥٠هـ والمراد
بالمسلحة في الحديث: الملائكة.
أبواب صلاة التَّطوع
عطاء،
7
عن عبدالله
روينا في جزء أبي بكر محمد بن الفرج الأزرق قال: حدثنا جريج، عن بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: قُولُوا خيرًا، قُولُوا: سبحانَ الله وبحمده فبالواحدة عشرة، وبالعشرة مائة وبالمائة ألف، ومن زاد زاده الله عزَّ وجلَّ، ومن استغفر غفر الله له، ومن حالت شفاعته دون حد من حدودِ الله فقد ضادَّ الله في ملكه، ومن باهته مؤمنًا أو مؤمنةً حبس في ردْعَةِ الخبالِ حتَّى يخرجَ مما قال، ومن مات وعليه دين أخذَ من حسناته، ليسَ ثَمَّ دينار ولا درهم، حافظوا على ركعتي الفجر، فإنَّ فيهما
الرغائب». مات محمّد بن الفرج الأزرق البغدادي سنة ٢٨٢هـ. ولعل هذه الأحاديث مستند المالكية في تسمية ركعتي الفجر: «رغيبة». : يتفيَّاً ظلاله يميل ذات اليمين وذات الشمال، قال مجاهد وقتاده والضحاك وغيرهم: إذا زالت الشَّمسُ سَجَدَ كل شيء الله عزّ وجل.
11
328
د خرونَ [النحل: ٤٨]. صاغرون خاضعون.
14
331
1 قابوس بن أبي ظبيان بفتح أوله وسكون ثانيه، حصين بن جندب الجنبي، بفتح أوله وسكون ثانيه الكوفي. ثقة، تحامل عليه بعضُهم، ورد شهادته ابن أبي ليلى لتفضيله عليا على عثمان رضي الله عنهما، وما في ذلك - لو أنصفُوا - ما يشينه.
۲۷۰
19
الحديث الشريف
336 عمر بن عبد الله بن أبي خثعم، ضعيف. ولذا قال الترمذي عن هذا الحديث: «غريب»، يعني أنه ضعيفٌ، وهذه عادته إذا أطلق هذا اللفظ و وأما إذا قال: «حسن غريب»، أو «صحيح غريب» فيقصد التفرد الذي يجامع
الصحة والحسن.
20
337
وحده،
أورد ابن منده هذا الحديث من طريق صالح بن قطن أيضًا، وقال: «غریب، تفرد به «صالح»، وأورده ابن الجوزي في "العلل"، وقال: «في إسناده
مجاهيل».
28
345
مشهودة محضورة تشهدها الملائكة وتحضرها. وهؤلاء الملائكة
الذي يتعاقبون فينا بالليل والنهار.
29
346
ة وصامَ ثلاثة أيامٍ من كلِّ شَهرٍ» هي اليوم الثالث عشر وتالياه، وفي هذا الحديث نكارة، كما قال الحافظ المنذري.
41
358
كلّ شيءٍ خُلقَ مِنَ الماءِ إِنْ حُمل شيء على الإنسان والحيوان، فالمراد
بالماء: المني، وهو كقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وصهرا ﴾ [الفرقان: ٥٤]. وإن حُمِلَ على النبات معهما أيضًا فالمراد الماء المعهود، لأن به حياة الحيوان والنبات، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ
حي ﴾ [الأنبياء: ٣٠].
56
373
تدارَكتْ حوله الحُورُ العِينُ تلاحق بعضُهنَّ ببعض، فلحق آخرُهُنَّ بأولهنَّ؛ إعجابًا بعبادته، واستبشارًا بكونهنَّ من أزواجه في الجنة.
59
ة تقدم هذا الحديث في أبواب العلم، وهو رقم (۸) وتكلمنا عليه
376 .
تعليقات على كتاب المتجر الرابع
هناك.
62
۲۷۱
ومن قرأ مائة آية كتب له قنوت ليلة» أي كُتِبَ له قيام ليلة. ومن قرأ مائتي آيةٍ كُتب من القانتين أي كتب من جملة القائمين بالليل،
والموصوفين بذلك على الدوام.
وهذا أرقى من قيام ليلةٍ وأرقى من القَانتِ العَابدِ؛ لا لأن العبادة صارت وصفا له. وأرقى منه الحافظ ، لأنَّ القرآن أفضل الذكر، والعابد قد يكون غير
حافظ له.
وأرقى منه الخاشع ؛ أي الخاضع الله بحاله وقاله، لأنَّ الحافظ قد يدخله زهو بحفظه. وأرقى من الجميع المخبتُ، المطمئن بقضاء الله المستسلم لمراده، الوجل من هيبته وجلاله. وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ والصَّبِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَوَةِ وَمَا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [الحج: ٣٤ -
.[٣٥
تنبيه من (سورة تبارك) إلى آخر القرآن ألف آية. : هذا الحديث يخالفُ الذي قبله في تحديد القنطار، فإن ذهبنا إلى
64
381
الترجيح، فهذا صحيح وذاك ضعيف. وإن ذهبنا إلى الجمع فيمكن أن يحمل على اختلافِ معنى القنطار عند العرب، فخوطب كل قوم بما عندهم، أو يحمل حديث أبي أمامة على المعنى اللغوي، وحديث أبي هريرة على القنطار في عرف الشرع، أي القنطار الذي اعتبره الشَّرعُ مقياسًا للثواب، اثنتا عشرة ألفِ أوقية، ولا يخفى أنَّ المعنى الشَّرعيّ طارئ على المعنى اللغوي وآتٍ بعده، والأمر هنا
۲۷۲
الحديث الشريف
كذلك، فإن أبا هريرة أسلم بعد أبي أمامة وحديثه يناسب الكرم الإلهي في
إجزال النواب.
65
372
حتّى تنفطر قدماه تشقق ويخرج منها الدم. «وقد غُفر لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر هذا على وفاق قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَالَكَ فَتَعَامُبِينًا لِيَغْفِرَ
-
لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَرَ [الفتح: ۱ - ۲]، وهو مؤول قطعا؛ لعصمة الأنبياء عليهم السّلام. وتأويله بحمل المغفرة على العصمة، إذ المغفرة معناها الستر، وهو يتفق مع معنى العصمة الذي هو الحيلولة بين النبي وبين الذنب، فعبر في الآية بالمغفرة عن العصمة لأنَّ المقام مقام امتنان، والمراد إظهار عصمته للناس ظهورًا لا خفاء فيه، ولذلك دخل مكة عام الفتح مطأطنا رأسه متواضعا، لم يأخذه بطر النصر ولا استهوته عزة الظفر، وقال لأعدائه: «اذهبوا
فأنتم الطلقاء.
67
384
هذا الحديث ضعيفٌ كما أفاده صنيع المؤلف، وبَالَغَ ابن الجوزي فأورده في "الموضوعات" وأعله بيوسف بن محمد بن المنكدر، متروك، لكنه لم يصل حديثه إلى حد الوضع فقد أثنى عليه أبو زرعة، وابن عدي وغيرهما. وقد روى العقيلي هذا الحديث موقوفًا على محمد بن المنكدر والد يوسف المذكور، بإسناد ضعيف أيضًا.
وروى العقيلي عن ربيعة بن يزيد قال: قالت أم سليمان بن داود عليهما السلام لسليمان: إياك وكثرة النَّومِ، فإنه يقعدك حين يحتاج الناس إلى أعمالهم». وقد يكون الأصل في الحديث المذكور أنَّه موقوف، رفعه يوسف غلطا
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح .
۲۷۳
لغفلته، وإنما كانت كثرة النوم بالليل تدعُ الرَّجل فقيرًا يوم القيامة لأنَّه بالنَّهارِ لا يتفرغ للعبادة، لاشتغاله بأمور ،معاشه، فإذا لم يعمل المعاده بشيء من قيام
الليل يبقى فقيرا يوم القيامة، والله أعلم.
69
386
- الشَّكُ ، في تعيين الصحابي، أو إبهامه وعدم تعيينه باسمه الخاص، لا يؤثر في صحة الحديث، لأنَّ الصَّحابة عدول، بخلاف ما لو حصل ذلك في راوِ من غير الصحابة، تابعي فمن دونه، فإنَّه يضعف الحديث وينزله عن درجة
الصحة.
75
تقدَّمَ هذا الحديث والحديث الذي بعده أيضًا والمغفرة فيهما للصَّغائر
كما نبهنا عليه.
82
399
: «لا يحافظ على صلاةِ الضُّحَى إلا أوَّابٌ». الأوابُ في الأصل: التائب من الذَّنب، الرَّجاع من المعصية إلى الطاعة. ثمَّ أُطلق على مصلّي الضُّحى أو المصلي بين العشاءين، أو الطائع لأنَّه يرجع إلى الصَّلاةِ أو إلى الطاعة مرة بعد أخرى. قوله: ولم يتابع عبدالله بن زرارة كذلك جاء عند ابن خزيمة. وإسماعيل هذا وثقه ابن حِبَّان، وقال الأزدي : منكر الحديث، وهذا الحديث رواه الدراوردي عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة مرسلًا، ورواه حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة موقوفا عليه غير مرفوع، فتبين أنَّ إسماعيل لم يتابع على وصله.
84
410 نعيم بن همار الغطفاني، صحابي معدود في أهل الشام، اختلف في اسم أبيه، فقيل: همار ، وقيل : هبارٌ ، وقيل : همام، وقيل: هدار، وقيل: خمار،
٢٧٤
الحديث الشريف
وقيل: حمار، باسم الحيوان المعروف واختلف في هذا الحديث اختلافا كثيرًا، وقد جمع الحافظ المنذري طرقه في جزء مفرد. وقيل: لم يرو عن نعيم إلا هذا
407 406
الحديث، وليس كذلك، فقد رويت عنه أحاديث أخرى لكنها قليلة. 89 90 حديث صلاة التسبيح ورد من حديث ابن عباس، وأخيه الفضل، وأبيهما العباس وعبدالله بن عمرو، وأبي رافع، وعلي عليه السلام وأخيه جعفر، وابنه عبدالله بن جعفر، وأم سلمة، وأنس، وأبي كبشة الأنماري، ومن مرسل إسماعيل بن رافع. وللخطيب الحافظ كتاب "صلاة التسبيح " جمع فيه طرق الأحاديثِ.
واختلف العلماء في هذه الصَّلاة من الصَّحة إلى الوضع، فأورد ابن الجوزي حديثها في الموضوعات"، ووافقه ابن تيمية، ورد الحفاظ كلام ابنِ الجوزي، وقالوا: أساءَ بذكر الحديثِ في الموضوعات"، ورأى النووي أنَّ الحديث ضعيف.
وقال جماعة : إنَّه حديث صحيح، منهم ابن منده، وأبو موسى المديني وأفردا لتصحيحه جزءًا خاصا، وأبو سعيد السَّمعاني، وأبو الحسن بن المفضل، وتلميذه المنذري، وأبو محمد عبدالرحيم المصري، وابن الصلاح، والعلائي، والتقي السبكي، وابنه التَّاج، والبلقيني، والزركشي، والحافظ في "أمالي
الأذكار" وفي الخصال المكفرة" ، وقد ألفها بعد "التلخيص الحبير". وقال الترمذي : قد رأى ابنُ المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح وذكروا الفضل فيها».
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٢٧٥
وثبت عن أبي الجوزاء -وهو من ثقاتِ التّابعين - أنَّه كان إذا أذن الظهر يأتي المسجد فيقول للمؤذن: لا تعجلني عن ركعاتي، فيصليهما بين الآذان والإقامة. ورواه الدراقطني وغيره بإسناد ثابت.
وقال التَّاجُ السُّبكي في " الترشيح لصَّلاة التسبيح": «وأما من يسمع عظيم النواب الوارد فيها ثمَّ يتغافل عنها فما هو إلا متهاون في الدين، غير مكترث بأعمال الصالحين، لا ينبغي أن يعد من أهل العزم في شيء، نسأل الله
السلامة» . اهـ
وقوله: «ألا أفعلُ لكَ عشرَ خِصال» هذه الخصال في الأقسام المبنية بعد بقوله: «غفر الله لك ذنبك قديمه وحديثه .... إلخ، والكلام على تقدير مضاف أي ألا أفعل لك مكفّر عشر خصال: إذا أنتَ فعلت ذلك» المكفر، وهو الصَّلاة المذكورة «غفر الله ذنبكَ كلَّه...» إلخ، وقوله: «عشر خصال» أي مكفر عشر خصال «أن تصلي.... إلخ، وفي صلاة التسبيح مباحث تراجع في كتب
المكفرات للذنوب.
91
408
قال ابن ماجه عقب روايته: «قال أبو إسحاق: هذا حديث صحيح»،
وصححه الطبراني في معجمه الصَّغير"، والبيهقي في "دلائل النبوة" وغيرهم. وهو أصح حديث في صلاة الحاجة ودعائها.
وقال الحافظ أحمد بن أبي خيثمة في "تاريخه " : حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا حماد بن سلمة، أنا أبو جعفر الخطمي، عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف: أنَّ رجلا أعمى أتى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم، فقال إني أصبتُ
٢٧٦
الحديث الشريف
في بصري فادع الله لي. قال: «أذهب فتوضأ وصل ركعتين ثم قل: اللهمَّ إِنِّي أسألك وأتوجه إليك بنبيّي محمد نبي الرحمةِ ، يا محمد إني استشفعُ بكَ عَلَى رَبِّي في ردّ بصري، اللهم فشفعني في نفسي وشفّع نبي في ردّ بصَرِي. وإن كانت حاجةٌ فافعل مثل ذلك». فردَّ الله بصره. هذا إسناد صحيح.
93
410
قوله: «قال حميد بن حرب» كذا بالأصل والصواب أحمد بن حرب،
قوله: «تفرد به عامر بن خداش وهو ثقة مأمون»، وهذا كلام الحاكم، وعامر هذا نيسابوري فقيه عابد، توفّي سنة ٢٠٥ هـ. ذكره ابن حبان في " الثقات"، لكن ذكر المنذري عن شيخه ابن المفضل قال: «صاحب مناكير». وقال الذهبي في "الميزان": «له ما ينكر، وحديثه مقارب». قلتُ: شيخه في هذا الحديثِ عمرُ ابن هارون، وهو متهم.
1
أبواب الجمعة
قوله: «أعِدْ غُسْلًا آخَرَ»، أمره بإعادة الغسل لتحصيل فضلِ ثواب غسل الجمعة، لأنَّ غسل الجنابة لا يحصله، خلافًا لمن رأى ذلك. «كانَ في طهارة إلى الجمعةِ الأخْرَى». المرادُ الطَّهارة من الذَّنوب الصَّغائر، فهي
معنوية، وهذا دليل على أنَّ غسل الجنابة لا يكفي غسل الجمعة.
3
413
طهارة
قوله: «الحديث»، بقيته: «فإذا أخذ في المشي كان له بكل خطوة عمل عشرين سنةً، فإذا انصرفَ منَ الصَّلاة أجيز بعمل مائتي سنة». وإسناده
ضعيف.
7
417
«حضَرهَا يلغو» أي يتكلم ، أو يقلب الحصى، أو يعبث بشيء في يده،
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح .
۲۷۷
فإذا وقع شيء من هذا في حال الخطبة كان لغوا مبطلا لفضل الجمعة. حضرها بدعاء وفي رواية: «يدعُو أي في حال الخطبة أيضًا. فهو لغو كسابقه، غير أنه لما كان لغوا بالدُّعاء كان صاحبه بين يأس ورجاء. «حضَرَها بإنصات وسكوت» الحديث. هذا هو الذي يحصل فضل الجمعة لأنَّه التّزم
حقوقها وراعى آدابها.
8
418
قال ابن خزيمة بعد روايته: «إن صح الخبر». قلت: هو حديث منكر لا أبعد أن يكون موضوعًا رغم حسن إسناده.
10
410
ة وفيه أُهبط آدم» وهبوطه كان سبب وجودِ ذريته، وفيها الأنبياء والصالحون والشَّهداء والصديقون وهذه فضيلة. «وفيه تَوفَّى الله آدم» ووفاته سبب لنيل ما أعد الله له من الكرامة، وهذه فضيلةٌ ثانية. «وفيه تقومُ السَّاعةُ» وقيامها سبب تعجيل جزاء الصَّالحين وهذه فضيلة أخرى. وبهذا يتبين كون
هذه الخلال فضائل.
17
427
فلا يفرِّقُ بين اثنين أي لا يفرّق بين اثنين بتخطيه في المسجد، فهو
كناية عن ترك التخطي. غفر الله له ما بين الجمعةِ الأخْرَى» أي التي قبلها،
كذلك جاء مبينا في رواية أخرى.
26
435
في سند الحديثِ انقطاع، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وهذا الحديث مرفوع حكما ؛ لأنَّه مما لا مجال للاجتهاد فيه.
28
437
ويستدرك عليه حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلَّم: «من قرأ سورةَ الكهفِ في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه
۲۷۸
الحديث الشريف
إلى عنان السماء يضيء له يومَ القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين». رواه ابن منده
في "تفسيره".
وروى الضياء في "المختارة" من طريق عبدالله بن مصعب عن منظور بن زيد بن خالد الجهني، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي مرفوعا: «من قرأ سورة الكهفِ يومَ الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة، وإن خرج الدَّجالُ عُصِمَ مِنْه».
وسيأتي فضل الصَّلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يوم الجمعة في
أبواب الأذكار.
أبواب الجنائز
والآيةُ التي أوردها المؤلفُ تحضُّ على العمل الصالح، لأنَّه إذا كان الموت محكوما به على كل مخلوق، وكان يوم القيامة يوم توفية أجور العاملين، كان لا بد من الإكثار من صالح العمل، ليزحزح عامله عن النار، وذلك غاية المنى
ونهاية النجاح.
9
449
في هذا الحديث دليل على أن الاستثبات في الشيء والتأكد منه
مطلوب، وأنَّه لا يقتضي تكذيبًا أو طعناً في الناقل، فابن عمر استثبت في خبر أبي هريرة تأكدا لا تكذيبًا، فصدقت عائشة أبا هريرة، وبهذا ونحوه يرد قول بعض جهلة المبتدعة في محاولة تكذيب أبي هريرة بالصاق أحاديث باطلة به، جاءت من طريقه لكنها لم تصح عنه، وصح في "المستدرك" وغيره أن أبا هريرة كان يقومُ يومَ الجمعة بجانب المنبر النبوي فيحدثُ الناس إلى قرب خروج
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح.
الإمام، وهذا المسجد النبوي ممتلئ بالصحابة، فلم يكذبه أحدٌ .
راجعه.
22
462
۲۷۹
منهم، ولا
: هذا الحديثُ أورده ابن الجوزي في "الموضوعات"، وتعقبه السيوطي
بما ذكره من المتابعات، فهي - وإن كانت ضعيفة- تقويه وترفعه إلى درجة الضعيف.
قلت: ومن طرقه التي لم يذكرها السُّيوطي ولا ابنُ عراق في "تنزيه الشريعة"، ما رواه أبو موسى المديني في "نزهة الحفاظ" من طريق أحمد بن الفرج الحمصي: حدثنا عبدالرحمن بن مالك بن مغول: ثنا سعيد الجريري، عن نضرة، عن أبي سعيد الخدري، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «من عزَّى مُصابًا كان له مثل أجره». إسناده ضعيف.
23
463
هذا شاهد للحديث ،قبله، وإسناده على شرط مسلم غير قيس أبي عمارة الفارسي مولى الأنصار. ذكره ابن حِبَّان في "الثقات"، وقال البخاري : فيه نظر»، وذكره العقيلي في "الضعفاء" وأورد له له حديثين هذا أحدهما، وقال: «لا يتابع عليها». وقال الذهبي في "الكاشف": «ثقة». وصرح النووي في "الأذكار" بأنَّ هذا الإسناد حسنٌ مِنْ حُلَلِ الكرامَةِ» أي الحلل الدالة على
الكرامة.
24
464
: وهذا أيضًا شاهدٌ للحديث السابق. وقوله: «عن أبي بردة» كذا بالأصول وكذا هو في "الترغيب والترهيب". والصَّوابُ: عن أبي بَرْزَة، بفتح الباء والزاي بينهما راء ساكنة، واسمه عبيد بن نضلة، صحابي هو وأبوه.
۲۸۰
الحديث الشريف
«تكلى» هي المرأة تفقد ولدها.
ويؤخذ منه جواز تعزية المرأة لكن ذلك بشرط أن تؤمن الفتنة، كأن يعزّيها من وراء حجاب، أو تكون متجالةً لا أربَ فيها للرجال أو نحو ذلك، فإن لم تؤمن الفتنة حرمت التعزية جزمًا.
25
465
لفظ الحديث : من حَفَر قبرًا بنَى الله له بيتا في الجنَّة، ومن غسل مينا
خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ومن كفَّنَ مينا كساه الله منْ حُلل الجنةِ، ومنْ عزَّى حَزِينًا... إلخ ما في المتن وبعده: «ومنِ اتَّبَعَ جنازةٌ حَتَّى يُقضَى دفنُها كتب له ثلاثة قراريط، القيراط منها أعظم من جبل أحد، ومن كفل يتيما أو
أرملة أظلَّه الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وأدخله الجنة» وسيأتي.
34
474
: أربعين مرة) هذا لفظ رواية الحاكم، كما قال المؤلف، ومعناه أن الله يغفر له أربعين مرة، يذنب في كل مرة فيها، وذلك لأنه حين ستر على الميت
جازاه الله فستر عليه أربعين مرة كل مرة بذنب.
ورواية الطبراني: «غفر الله أربعين كبيرة» وهي تبين أنَّ الذنوبَ في المرات
الأربعين كبائر، وفضل الله واسع.
38
478
أورد ابن الجوزي في "الموضوعات" هذا الحديث من طريق آخر،
وتعقبه السيوطي بما يُعلم من مراجعته في "التعقيبات"، وفي "اللآلي" وهو موجود في بعض نسخ الموضوعات" لا في جميعها. وقال الحافظ البوصيري في "زوائد ابن ماجه" في الكلام على هذا الحديث: «هذا إسناد فيه الهذيل بن الحكم، قال فيه البخاري: منكر الحديثِ وقال ابن عدي: «لا يقيم الحديث»
تعليقات على كتاب المتجر الرابح
۲۸۱
وقال ابن حبان: منكر الحديثِ جدًّا» وقال ابن معين: «هذا حديث منكر ليس
بشيء وقد كتبت عن الهذيل ولم يكن به بأس» . اهـ
وقال الحافظ ابن حجر: إسناد ابن ماجه ضعيف لأنَّ الهذيل منكر
الحديث».
39
479 قوله : ذكره ابن حِبَّان في "الثقات"، وقال أبو زرعة : «كوفي ثقة»، وقال الدارقطني : يعتبر به، وابنه هارون مختلف فيه، والأكثر على توثيقه، والحديث - بعد هذا ضعيف.
42
482
وَخْزُ أعدائِكُم مِنَ الجنّ» الوخز الطعن غير النافذ، ووخز الجنّ يقع في الباطن ثم يؤثر في الظاهر بما يسمى طاعونًا، والأطباء حين تكلموا على الطاعون لم يتعرضوا للوخز المذكور، لأنه أمر غيبي لا يدرك بالعقل، ولأن علم الطب لا يثبت الجنّ ولا يعترفُ بما ينشأ عنهم من مرض الصرع أو الطاعون مثلا. ولكنا نؤمن بما ثبت في الكتاب أو السنة الصحيحة. وليس في
إثبات صرع الجن أو وخزه ما يحيله العقل أو ينافيه العلم الصحيح. نبيه: الأحاديث الواردة في فضل بعض الأمراض مثل الحمى أو الطاعون أو فقد البصر، قصد بها تسلية المصاب بها والتسرية عنه بما أعد الله له من الثواب أو بما كفر عنه من الخطايا والذنوب، فهي تعالج نفسية المريض وتقوي روحه، لكنها لا تفيد أبدًا بحال الترغيب في المرض أو الاستسلام له، ومن فهم
ذلك فهو إما مخطئ في فهمه أو ملحد يريد عيب الإسلام وشينه.
والدليل على ما نقول أمور:
۲۸۲
الحديث الشريف
الأول: ما ثبت بالتواتر المفيد للقطع أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان يسأل الله العافية ويأمر أصحابه بسؤالها، وصح عن ابن عباس أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال لأبيه : يا عباس عم النبي، أكثر منَ الدُّعاء بالعافية». والثاني: ما رواه الترمذي وصححه الحاكم عن ابن عمر، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «ما سُئل الله شيئًا أحبّ إليه من العافية». فأخبر أنَّ الله تعالى يحب سؤال العافية. الثالث: ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: «المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف الحديث، فأفاد بعمومه تفضيل المؤمن الصحيح على المؤمن المريض.
الرابع: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أمر بالتداوي، حيث قال: تداووا عباد الله فإنَّ الله لم يضع داءً إلا وضعَ له دواء، غير داءٍ واحدٍ؛ الهَرَمُ». !
رواه الأربعة، وصححه ابن حِبَّان والحاكم من حديث أسامة بن شريك. الخامس: ما ثبت بالتواتر القطعي - في كتب السنة والسيرة- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم كان يعالج نفسه تارة بالعلاج الروحي كالرقى والمعوذات، وتارة بالعلاج المادي كالحجامة وبعض النباتات، وكان يصف العلاج للصحابة أيضًا، ويرشدهم إلى فوائدِ بعض الأدوية كالقسط الهندي والحبة السوداء و العسل. وألف في ذلك كتب خاصة مثل كتاب: "الطب النبوي" لابن السُّنّي، ولأبي نُعيم الأصبهاني، وللذهبي، ولابن القيم -وهو مجرد من كتابه "زاد المعاد" وللسيوطي.
السادس: ما جاء في "سنن الترمذي" بإسناد حسن عن معاذ: أنَّ النبيَّ
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۲۸۳
صلى الله عليه وآله وسلَّم سمعَ رجلًا وهو يقول: اللهم إني أسألك الصبر، فقال: «سألت الله البلاء فسله العافية». كره النبي صلى الله عليه وآله وسلم
الدعاء بالصَّبرِ، لتضمنه الدعاء بالمرض، وأمر بالدعاء بالعافية بدله. السابع: ما ثبت في صحيح مسلم" عن أنس: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم عاد رجلًا من المسلمين قد خفَتَ - ضعف فصار مثل الفرح، فقال له : هل كنتُ تدعو بشيءٍ ؟ أو تسأله إياه؟ قال: نعم؛ كنتُ أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: سبحان الله لا تطيقه أو لا تستطيعه، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار فدعا الله له فشفاه. وهذا الحديث يفيد أن الحسنة المطلوبة في الدنيا هي العافية. الـ
وورد عند الطبراني وغيره، عن بريدة: أن النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم رأى إنسانا به بلاء فقال: لعلّكَ سألتَ ربَّكَ يُعجل إليك البلاء؟» قال: نعم. قال: «فهلا سألتَ ربَّكَ العافية ؟ وقلت: رَبَّنَاءَ ابْنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: ٢٠١]». نعى صلى الله عليه وآله
وسلَّم على الرجل دعاءه بتعجيل البلاء، وحضّه على سؤال العافية. الثامن: ما ورد عند الطبراني أيضًا عن أبي الدرداء قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم العافية وما أعد الله لصاحبها من جزيل الثوابِ إذا هو شكر، وذكر البلاء وما أعدَّ الله لصاحبه من جزيل الثواب إذا هو صبر، فقال أبو الدرداء: يا رسول الله لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر،
٢٨٤
الحديث الشريف
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «ورسول الله يحبُّ معك العافية».
والنبي صلى الل الله عليه وآله وسلَّم لا يحبُّ إلا أكمل الحالات وأفضلها. التاسع: ما ثبت في فضل المدينة المنورة أن لا يدخلها الطاعون كما لا يدخلها الدجال، فالطاعون رغم ما ورد في فضله لمن ابتلي به- لا يدخل المدينة لأنه مكروه غير محمود، نسأل الله أن يعافينا منه ومن جميع
والأدواء.
46
485
الآفات
سمع
خالد بن عُرفطة، وسليمان بن صُرَد، صحابيان. وكلاهما الحديث، وأحدهما ذكَّر صاحبه به فذكره قوله: «إلا أنه قال لخالد بن عرفطة ولم يذكر خالد بن سليمان» كذا بالأصول، وهو خطأ. والصَّوابُ: «ولم يذكر خالد السليمان» والمعنى أن رواية ابن حِبَّان عينت سليمان بن صُرَدٍ بأنه القائل لخالد، ولم تقل: «أو خالد السليمان» على الشك كما في رواية الترمذي، وإن وقعت أيضًا في الأصول خطأ: «أو خالد بن سليمان». وأصلحناه إلى ما يراه
القارئ.
والحديث يدل على عذاب القبر وهو ثابت بالسنة المتواتر القطعية، وأجمع أهل السنة على ذكره في معتقداتهم، وأنكره المعتزلة كما أنكروا كثيرًا من السمعيات الجهلهم بالسُّنة، ولتحكيمهم العقل فيها طريقه النقل، على أنَّ العقل
يجيز ما أنكروه ولا يحيله.
47
486
قوله: «قال ابنُ مقسم : أشهد على أبيك - يعني أبا صالح- أنه قال:
والغريق شهيدٌ». إلى هنا رواية مسلم، وابن مقسم قال هذا يخاطب به سهيل
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٢٨٥
ابن أبي صالح قوله: وفي رواية: «الشُّهداء خمسة» الحديث، هذه رواية الشيخين. ومن مات في سبيل الله فهو شهيد أي مات بأي صفة غير القتل،
وكأن كان في طريقه إلى الجهاد فيات حتف أنفه، فهو شهيد.
54
493
- ذكر المؤلف ستّ عشرة خصلة أصحابها شهداء، وهم: الغريب،
والنفساء تموت بجُمع، والمتردي في سبيل الله، والغريق، والحريق، والمطعون، والمبطون، وصاحب السُّل، وصاحب الهدم، وصاحب ذات الجنب، والميت في
سبيل الله، والمقتول دون ماله أو دون دمه، أو دون أهله، أو دون دينه، والصابر في الطاعون الذي لم يفرّ منه.
وذكر في الغريب حديثين ضعيفين وفاته أن يذكر حديث ابن عمر:
موتُ الغريب شهادة». رواه الدارقطني وصححه.
وفي "سنن أبي داود" و"مستدرك الحاكم" من حديث أبي مالك الأشعري: «من فصَلَ - خرج- في سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد، أو وقصه صرعه- فرسه أو بعيره، أو لدغته هامة، أو مات على فراشه، أو بأي حتف
شاء الله فإنَّه شهيد، وإنَّ له الجنة) وإسناده ضعيف. وللطبراني بإسناد رجاله ثقات من حديث عقبة بن عامر: «منْ صُرِعَ عن
دابته فهو شهيد».
وفي "صحيح بن حبان من حديث أبي هريرة: «من مات مرابطا مات
شهيدا وفي حديث صحيح
.
كما قاله النووي-: «من قتل دونَ سيفه فهوَ
شهيد» والمراد به ألا يسلم سلاحه، كما لا يسلم ماله أو نفسه.
٢٨٦
الحديث الشريف
ولأبي داود من حديث أم حرام: المائد في البحر -يعني في الجهاد- الذي
يُصِيبُه القى له أجر شهيد، والغرِقُ له أجر شهيدين». في إسناده ضعف. ولأحمد بإسناد رجاله ثقات عن راشد بن حبيش: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم دخل على عُبادة يعوده، فقال: «أتعْلَمُونَ الشَّهِيدَ فِي أُمَّتى؟» فقال عبادة: يا رسول الله الصابر المحتسب. فقال: «إنَّ شهداءَ أُمَّتِى إِذًا لقليل، القتل في سبيل الله شهادة، والطاعون شهادة وذكر الغرق، والبطن، والنفساء، والحرق، والسل، وزاد وسادنُ بيت المقدس».
وللطبراني من حديث ابن عباس: المرءُ يموتُ على فراشه في سبيل الله فهو شهيد». وقال ذلك أيضًا في المبطون، واللديغ، والغريق، والشريق -الذي يشرقُ بالماء فيموتُ - والذي يفترسه السَّبُعُ، والخار عن دابته، وصاحب الهدم،
وذات الجنب. وللطبراني بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال: «من تردى من رءوس الجبال وتأكله السباعُ ويغرق في البحارِ لشهيد عند الله». وله حكم الرفع. وفي "صحيح مسلم من حديث أنس: من طلبَ الشَّهادة صادقًا أَعْطِيَها ولو لم يصبها». والخار عن دابته هو الذي يسقط من فوقها فيموت، أما من وقصته دابته فهو الذي تصرعه الدابة وتتسبب في قتله بفعلها. فجملة خصال الشهداء ست وعشرون . والمراد بكون أصحاب هذه الخصال شهداء: أنهم يعطون في الآخرة ثواب الشهداء، فهم شهداء الآخرة . أما المقتول في حرب ضد الكفار فهو شهيد الدنيا والآخرة، لا يُغسل ولا يصلى عليه، ويدفن في ثيابه، ويمتاز
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
بفضائل تأتي في باب الجهادِ إن شاء الله تعالى.
55
494
۲۸۷
إلا تحلةَ القسم» أي إلا بمقدار ما يحل به القسم، والمراد به قوله تعالى: وَإِن مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَنْمَا مَقْضِينًا ﴾ [مريم: ۷۱]، أي قسما واجبا. كذا قال ابن مسعود ومجاهد وقتادة وغيرهم. واختلف في الورود، فقيل: الدخول، يدخلونها جميعًا فتكون على المؤمنين بردا وسلاما هكذا جاء عن جابر مرفوعًا، رواه أحمد والنسائي والحاكم. وراه الترمذي عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعًا.
وقيل: المراد بالورود المرور عليها. قاله أبو هريرة وقتادة، وهو قول لابن مسعود أيضًا. وقال الحافظ ولا تنافي بين القولين، لأنَّ من عَبَّرَ بالدخول تجوز به عن المرور، ووجهه أن المارّ عليها فوق الصراط في معنى من دخلها،
لكن تختلف أحوال المارة باختلاف أعمالهم . اهـ
72
510
«البراغم ربَّه» أي يحاجه ويجادله، والمراد أنه يبالغ في الشفاعة في أبويه
حتى يُقبل، والسَّرَرُ ما تقطعه القابلة.
۲۸۸
الحديث الشريف
أبواب الصدقات
وذكر قوله تعالى: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَوةُ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَونَ ﴾ [النساء: ١٦٢] الآية، اختلف في نصب المقيمين على أقوال؛ أصحها: أنَّه منصوب على المدح، أي وأعني المقيمين الصَّلاة، وهذا دليل على عظم قدر الصَّلاة، قال سيبويه في "الكتاب": هذا باب ما ينتصب على التعظيم، ومن ذلك: والمقيمين الصَّلاة، قال النَّحاسُ : وهذا أصحُ ما قيل في «المقيمين». وهو قول الخليل أيضًا. ورجحه صاحب " الكشاف"، وأبو حيان في "البحر" وضعف ما سواه. والنصب على التعظيم باب واسع، افتنَّ فيه العرب، وكثر في أشعارهم بشكل يلفت النظر، فتخريج الآية عليه متعين؛ لسلامته من التكلف، وقياسيته، وشيوع استعماله.
4
516
للحديث بقية وهي : فقال: يا رسول الله أقلل لي، فقال: وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ، وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِرْ تَبْذِيرًا ﴾ [الإسراء: ٢٦] فقال: يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله ؟ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «نعَمْ؛ إِذا أَدَّيْتَها إِلى رَسُولي فقد برئت منها، ولك أجرُهَا، وإثمُها على منْ بدَّها».
9
521 إصْرُهُ عليهِ وزره عليه، فالمتصدقون بما يكسبونه من الربا أو اليانصيب آثمون بنص الحديث.
10
522
الحسن هو البصري، وللحديث طريق عن ابن مسعود، رواه الطبراني
وأبو نعيم والخطيب بإسناد ضعيف، ولأبي الشيخ في كتاب "الثواب"
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح .
والطبراني عن أبي أمامة مرفوعا: «داووا مرضاكم بالصدقة».
۲۸۹
وللديلمي من حديث ابن عمر نحوه، وزاد: «فإنَّها تدفع عنكم الأمراض
والأعراض وللحديث طرق غير هذه تفيد ثبوته وصحته، وصح أيضًا
بالتجربة كما سيأتي في ثواب الصدقة بالماء.
11
523
:
إسناده ضعيف، فكان حق المؤلف أن يزيد: «بإسناده»، حسب اصطلاحه، لكنه سها عن ذلك والأمر سهل. ومعنى الحديث صحيح، فإنَّ إسلام المرء لا يتم إلا بالزَّكاة، لأنّها أحد أركان الإسلام، وقرينة الصلاة في القرآن.
ثواب الصدقة وفضلها
وذكر قوله تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَنْقَى اللَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى الليل: ۱۷ - ﴾ ١٨] الآية نزلت في أبي بكر رضى الله عنه ، كما جاءَ في الآثار، وقد وقع نزاع في هذه الآية بين الأمير خاير بك الذي استدل بها على أفضلية أبي بكر، ونازعه الأمير أزدمر حاجب الحجاب، بأنَّ الأتقى عام في أبي بكر وغيره، وكتب شمس الدين الجوجري بأن الآية وإن نزلت في أبي بكر تعم غيره، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فكتب السيوطي رسالة سماها: "الحبل الوثيق في نُصرة الصِّدِّيق" شنّع فيها على الجوجري وهي من رسائل كتاب
"الحاوي".
23
535
الثلاث
«ثلاث أُقسِمُ عليهِنَّ» تأكيدا لها، وتثبيتا لتحقق وقوعها، وهذه
ما نقص هي:
مال من صدقة» إلى «فتح الله عليه بابَ فقر».
۲۹۰
الحديث الشريف
وأحدثكم حديثا فاحفظوه» هو قوله: «إنَّما الدنيا لأربعة نفر» إلخ.
25
536
بقية الحديث: واعلَمُوا أَنَّ الله افترضَ عليكم الجمعة في مقامي هذا،
في يومي هذا، في شهري هذا، ومن عامي هذا إلى يوم القيامة. فمن تركها في حياتي أو بعدي، وله إمام، عادل أو جائز، استخفافًا بها وجحُودًا بها؛ فلا جمع الله شمله، ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له، ولا زكاة له، ألا ولا حج له، وألا
ولا صوْمَ له، ألا ولا بركة له، حتّى يتوبَ، فَمَنْ تَابَ تَابَ الله عليهِ». تكلمت على هذا الحديث في "سمير الصالحين" فليرجع إليه.
26
537 29
. نسي المؤلف عزّوه، وقد رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان، وصححه الحاكم على شرط مسلم والحديث الذي قبله (۲۸) رواه ابن خزيمة فقط،
وحصل للمؤلف سهو في عزوه
33
545
: قال رجلٌ كان من بني إسرائيل، كما جاء في رواية أحمد. «اللهم لك
الحمد على سارق تسليم لمراد الله، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إذا رأى ما لا يعجبه، قال: «اللهم لك الحمد على كل حال». «فأتي فقيل له». عند الطبراني في "مسند الشاميين" باسناد صحيح - في هذا الحديث: «فأتي في
منامه فقيل له» إلخ.
44
556 كثير بن عبد الله شديد الضعف عند الجمهور لكن حسن له الترمذي، وصحح له ابن خزيمة.
45
557
«باكروا» أي أخرجوا الصدقة في البكور وهو الصباح، والمراد
التعجيل بها في أول النهار، لترد البلاء النازل، والحارث بن عمير هو البصري
تعليقات على كتاب "المتجر" الرابح
۲۹۱
نزيل مكة، وثقه ابن معين وغيره، لكن قال الحاكم: «يروي عن جعفر الصادق
وحميد موضوعات».
47
559
اقتصر المؤلّف على المقصود من الحديث ونحن نذكره بتمامه إتماما للفائدة: عن الحارث الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلماتٍ أنْ يعمل بهنَّ ويأمر بني إسرائيلَ أنْ يعملُوا بها، وأنه كاد أن يبطئ بها، قال عيسى : إِنَّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وأمر بني إسرائيل أن يعمَلُوا بها، فإما أن تأمرهم، وإِمَّا أَنْ آمَرَهُم. فقال يحيى: أخشَى إن سبقتني بها أنْ يخسف الله بي أو أعذَّبَ. فجمع الناس في بيت المقدس فامتلأ، وقعدوا على الشِّرَفِ. فقال : إِنَّ الله أمرني بخمس كلماتٍ أن أعمل بهنَّ، وآمركم أن تعملوا بهنَّ أولاهنَّ أن تعبدوا الله لا تشرِكُوا به شيئًا، وإنَّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بذهب أو وَرِقٍ، فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأد إليَّ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فإنكم يرضَى أنْ يكونَ عبده كذلك ؟ وإنَّ الله أمركم بالصَّلاةِ، فإذا صليتُم فلا تلتفتوا، فإنَّ الله ينصبُ وجهَه لوجه عبده في صلاته مالم يلتفتْ وأمركم بالصيام وإنَّ مثل ذلك كمثل رجلٍ في عِصابة معه . صُرَّةٌ فيها مِسك، فكلُّهم يعجبه ريحها، وإنَّ ريحَ الصَّائم أطيب عند الله من ريح المسك». وذكر الصدقة كما هنا ثم قال: وأمركم أن تذكروا الله فإنَّ مثل ذلك كمثل رجلٍ خرجَ العدو في أثره سراعًا حتَّى إذا أتى على حصن حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نفسَه مِنْهُم، كذلك العبد لا يحرز نفسَه مِنَ الشَّيْطانِ إلا بذكرِ الله».
۲۹۲
الحديث الشريف
قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهنَّ: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإنَّه من فارق الجماعة قيد شبرٍ فقد خَلَعَ رِبْقةَ الإسلام من عُنقه، إلا أن يراجع، ومن ادعى دَعْوى الجاهلية فإنَّه من جُنَّاءِ جَهنَّم»، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ فقال: «وإن صلَّى
وصام، فادعُوا بدعوى الله التي سماكم : المسلمين، المؤمنين، عباد الله».
50
562
-
النووية".
هذا طرف من الحديث رقم (٦) وهو من أحاديث "الأربعين
ثواب المقل
وذكر قوله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: ٩] الآية. سبب نزولها: ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة، قال: أتى رجل رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله أصابني الجهد، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «ألا رجلٌ يُضَيفُه هذه الليلةَ يرحمه الله». فقام رجل من الأنصارِ فقال: أنا يا رسول الله فذهب إلى أهله فقال لامرأته: ضيفُ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم لا تدَّخِريه شيئًا. قالت: والله ما عندي إلا قوتُ الصبية. قال: فإذا أراد الصَّبية العشاء فنوميهم وتعالي، فأطفئي السراج ونطوي بطوننا
الليلة. ففعلت.
ثم غدا الرجل على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم. فقال: «لقد عجِبَ الله عزّ وجلَّ، أو ضحِكَ من فلان وفلانة». فأنزل الله عزّ وجلَّ:
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۲۹۳
ويُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: ٩] والرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم هو أبو هريرة نفسه، كما جاء مصرحًا به عند الطبراني، والأنصاري الذي ضيفه هو أبو طلحة، والعجب من الله والضحك معناهما الرضا.
ثواب صدقة السر
وذكر قوله تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سرا وعلانية ﴾ [البقرة: ٢٧٤] الآية. وقال : قيل: نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال عبدالرزاق: حدثنا عبدالوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس قال في قوله تعالى: لا الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرا وعلانية [البقرة: ٢٧٤] : نزلت في علي بن أبي طالب، كان عنده أربعةُ دراهم فانفق بالليل واحدًا، وبالنَّهار واحدًا، وفي السر واحدا، وفي العلانية واحدا. ورواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس به. وقال ابن أبي حاتم ثنا أبو سعيد الأشج: ثنا يحيى بن يمان، عن عبدالوهاب بن مجاهد، عن أبيه قال: كان لعلي رضي الله عنه أربعة دراهم، فأنفق درهما بالليل، ودرهما بالنَّهار ، ودرهما سرا، ودرهما علانية. فأنزل الله:
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرا وعلانية ﴾ [البقرة: ٢٧٤]
وهذا قول الكلبي أيضًا.
68 579
في سنده را و ضعيف، ورفعه منكر.
69
٢٩٤
580
الحديث الشريف
في سندِ هذا الحديث إرسال لأنَّ أبا سلمة لم يسمع من أبيه عبدالرحمن
ابن عوف.
71
582 74
585
العرَضُ ما يُقتنى من مال وثياب وعقار.
ذكر الخلاف في اليد العليا، هل هي المتعففة أو المنفقة؟ قلتُ: الراجح من حيث الرواية المنفقة بالقاف. أطبق عليها معظم الرواة، وتوجيهها من المعنى جهة صحيح لا غبار عليه، وأمَّا المتعففة - بالعين المهملة - فلم يقلها إلا راويان أو ثلاثة، وجزم الحافظ بأنَّ من رواها كذلك عن نافع فقد صحف. وخيرُ الصَّدقةِ ما كانَ عن ظهرِ غِنَى قال الخطابي: لفظ الظهر يرد في مثل هذا إشباعا للكلام، والمعنى: أفضلُ الصَّدقة ما أخرجه الإنسانُ من ماله، بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية، ولذلك قال بعده: وابدأ بمن تعول».اهـ
75
586
.
فلفظ الظهر زائد، وعن السلبية. والمعنى خير الصدقة ما كان سببها غنى في المتصدق، والمراد بالغنى ما يسد الضرورة، كدفع الجوع المهلك، وستر العورة الواجب سترها، وما زاد على ذلك يندب التصدق به، لما سبق في فضل الإيثار وجهد المقل، أمَّا الإيثار بما يسد الضرورة فهو حرام لا يجوز.
84
595
90
601
: هذا هو الحديث الثالث والعشرون من "الأربعين الغمارية".
زَرِّيٌّ بن عبد الله البصري الأزدي ، أبو يحيى، مولى هشام بن حسان،
وإمام مسجده، ضعيف.
93
604
في رواية لأحمد: جاء إعرابي فقال : يا رسول الله علمني عملا يدخلني
الجنة؟ قال: «لئن كنتَ أقصرتَ الخطبة لقد أعرضت المسألة. أعتقِ النَّسمة
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٢٩٥
وفُكَ الرقبة». فقال يا رسول الله أو ليستا بواحدة؟ قال: «لا؛ إِنَّ عتقَ النَّسَمَةِ
أن تفرد بعثقِها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها» الحديث.
98
609
قوله : وعند الترمذي صدره. وهو من أوله إلى قوله: «وإحسان المملوكِ»، وقال: حديث غريب يعني أنه ضعيف.
108
619
: «أو هُما أعملتاك؟» أي بعثتاك وحملتاكَ على الإتيان والسؤال. وهما
خصلتا القرب من الجنة والبعد عن النار.
113
624 تقدم هذا الحديث في أبواب العلم.
115
626
في إسناده انقطاع كما قال المؤلف، وبيان ذلك: أنَّ أبا دواد وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم رووه من طريق سعيد بن المسيب، عن سعد بن عبادة. وسعيد ولد سنة وفاة سعد، وقيل: بل بعد وفاته بسنة. فلم يدركه. ورواه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق الحسن البصري، عن سعد. والحسن ولد بعد وفاة سعيد بست سنين أو . ورواه أبو دواد وغيره من سبع.
طريق أبي إسحاق السبيعي، عن رجل، عن سعد.
116
627
هذا الحديث رواه البخاري في "التاريخ" وابن خزيمة في
"صحيحه". هكذا عزاه المنذري، والمؤلف عزاه لابن حِبَّان، ولعله سبق قلم. وذكر ما رواه علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك. أخرجه البيهقي، وقال: «وفي هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبدالله فإنه قرح وجهه، وعالجه بأنواع المعالجة، فلم يذهب، وبقي فيه قريبا من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة، فدعا له وأكثر
٢٩٦
الحديث الشريف
الناس التأمين. فلما كان من يوم الجمعة الأخرى ألقت امرأة في المجلس رقعة بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبدالله تلك الليلة، فرأت في منامها النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كأنه يقول لها: «قولي لأبي عبد الله : يُوسع الماء على المسلمين». فأمر بسقاية بنيت على باب داره وحين فرغوا من بنائها أمر بصب الماء فيها، وطرح الجمد في الماء، وأخذ الناسُ في الشرب، فما مر عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء، وزالت تلك القروح، وعاد وجهه إلى أحسن ما كان، وعاش بعد ذلك سنين.
120
631
أو أكثر.
129
640
العافية»: كل طالب رزق من إنسان، أو بهيمة، أو طائر. واحدا كان
«سحاء» أي دائمة الصَّبِّ، الليلَ والنَّهارَ» منصوبان على الظرفية، أي دائمة الصّبّ في الليل والنهار. قال الطيبي : هذا الكلام - يعني يد الله ملأى . إلخ - إذا أخذ بجملته من غير نظر إلى مفرداته، أبان زيادة الغنى، وكمال السَّعة، والنهاية في الجود، والبسط في العطاء.
130
641
قال الخطابي وغيره في هذا الحديث : هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم للمتصدق والبخيل، فشبهها برجلين أراد كل واحد منهما أن يلبس درعا يستتر به من سلاح عدوه، فصبّها على رأسه ليلبسها، والدروع أول ما تقع على الصدر والثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كميها فجعل المنفق كمن لبس درعا سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه، وهو معنى قوله: «حتى تعفو أثره أي تستر جميع بدنه. وجعل البخيل كمثل رجل غلت
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۲۹۷
يداه إلى عنقه كلما أراد لبسها اجتمعت في عنقه فلزمت تُرقُوتَه. والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة انفسح لها صدره وطابت نفسه، فتوسعت في الانفاق، والبخيل إذا هم بالصدقة شحت نفسه فضاق صدره وانقبضت يداه، وَمَن
يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَبِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: ٩].
134
644 141
652
تقدم
هذ الحديث في أبواب العلم، وتكلمت عليه هناك.
هذا من أحاديث الأربعين النووية، والله في عون العبد ما كانَ
العبد في عون أخيه هذه أخيه هذه هي الرواية المعروفة، وقرأته في "كتاب الأربعين" لعبد الغافر الفارسي بلفظ : والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه».
وأظنُّه من تصرف بعض الرواة.
144
655
الورثة به.
155
666
ويخرقُ صحيفته أي يمزّق وثيقة الدين التي عليه، حتى لا يطالبه
بقية الحديث: «فقلتُ: يا جبريلُ ما بال القرضِ أَفضلُ منَ الصَّدقةِ؟
قال: لأنَّ السائل يسأل ،وعنده والمستقرِضُ لا يستقرِضُ إلا من حاجة». وقال سراج البلقيني: «هذا الحديث دال على أنَّ درهم القرض بدرهمي صدقة، لكن الصدقة لم يعد لها شيء، والقرض عاد له منه درهم، فسقط مقابله
وبقي ثمانية عشر».
3 دخل رجل الجنة» أي كان رجل يقرض الناس، فمات ودخل الجنة،
56
667
فرأى على بابها ما ذكر.
167
678
قوله: رواه البخاري معلقا مجزوما». قلت: قال البخاري في باب
۲۹۸
الحديث الشريف
التجارة في البحر: قال الليثُ: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبدالرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أَنَّه ذَكَرَ رجلًا من بني اسرائيل خرج في البحر فقضى حاجته. وساق الحديث. حدثني عبد الله بن صالح، حدثنا الليث به. فقد وصله كما ترى. وذكره في باب الكفالة تاما معلقًا. وقال الحافظ : وقع هنا في نسخة الصغاني: حدثنا عبدالله بن صالح: حدثني الليث. وتقدم في باب التجارة في البحر أنَّ أبا ذر وأبا الوقت وَصَلَاه في آخره». وللحديث طرق. وتكلمت عليه في كتاب
"الحجج البينات في إثبات الكرامات".
10
688 11
689
أبواب الصوم
تقدَّمَ هذا الحديث في أبواب الصدقات.
يقولُ الصِيامُ : أي ربِّ...» إلخ، ويقول القرآنُ: منعته النوم...» إلخ، ههنا نكتة لطيفة يجب التنبه لها، وهو أنَّ الصيام لكونه حدثًا مخلوقا لله تعالى يقول في شفاعتِه أي ربِّ أَمَّا القرآنُ فلا يقول: أي ربِّ، لأنَّه ليس بمخلوق، بل هو كلام الله وصفةٌ من صفاته جل علاه.
13
691
كبُعْدِ غُراب طارَ وهو فرخ حتَّى مَاتَ هَرِمًا» وذلك لأنَّ الغراب
معروف بطول العمر الكثير.
26
706
قال البيهقي: وقد رُوِّينا في الأحاديث المشهورة ما يدل لهذا أو لبعض معناه». قلت: يريد البيهقي أنَّ الأحاديث وردت بتفتيح أبواب السماء في رمضان وتضعيف ثواب العبادة فيه على غيره، أما هذا الحديث بهذا اللفظ
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
فهو منكر ليس في الأحاديث ما يشهد له.
30
710
۲۹۹
: هذا الحديث رواه حميد بن زنجويه في كتاب "الترغيب" له، قال:
حدثنا أبو أيوب الدمشقي، قال: ثنا ناشب بن عمرو الشَّيباني، وكان ثقة صائما قائما: ثنا مقاتل بن حيان عن ربعي، عن ابن مسعود به. ومن هذا الطريق رواه البيهقي في "الشعب". وناشب وُثّق في هذا الإسناد، لكن قال فيه البخاري: منكر الحديثِ»، وقال فيه الدارقطني: ضعيف»، وقال الحافظ ابن حجر: في هذا الحديث زيادات منكرة».
قلت:
يعني زيادة الإعتاق وكل ليلة وفي آخرِ الشهر ضعف ما سبق في الشهر كله. والمؤلف تبع شيخه المنذري فإنه قال: «هذا حديث حسن لا بأس به في المتابعات. في إسناده ناشبُ بن عمرو الشيباني، وثق وتكلم فيه
الدارقطني» . اهـ
37 في هذا الحديث نكارة ظاهرة.
715
40
718
قوله: «لم يتفرد قتيبة بن سعيد بهذه الزيادة... إلخ ، ،
قلت: متابعة حامد بن يحيى البلخي رواها قاسم بن أصبغ في "مصنفه". ومتابعة الحسين بن الحسن المروزي أخرجها هو نفسه في كتاب" الصيام" له. ومتابعة يوسف بن يعقوب النجاحي أخرجها هو نفسه في "فوائده". وتابعه أيضًا عن سفيان بن عيينة: هشام بن عمار في "فوائده"، وهو من رجال الصحيح، ولهذه الزيادة طرق أخرى ايضًا. واستشكلت هذه الزيادة من حيثُ إنَّ المتأخر من الذنوبِ لم يأتِ، فكيف
۳۰
الحديث الشريف
يغفر ؟ وأجيب بأن هذا كناية عن الحفظ من المعاصي، فلا تقع منه معصية، أو
أنَّ المعاصي تقع مغفورة.
51
729
المراد تعجيل الفطر بعد تحقق غروب الشمس ولا ينتظر اشتباك النجوم لتحقق إباحةِ الفطر، فإن هذا من التنطع المنهي عنه، على أنه بتحقق الغروب يصير الصائم مفطرًا شرعًا ولا يبقى لإمساكه عن الطعام معنى. وقد سُئل السبكي عن صائم حلف بالطلاق لا يفطر على حار ولا بارد فكيف يفعل؟ فأجاب بأنه بمجرد الغروب يصيرُ مفطرًا، وتبرُّ يمينه، للحديثِ: «إذا
أدبَرَ النَّهارُ مِنْ ههنا وأقبل الليل من ههنا فقد أفطرَ الصَّائم».
69
747 كصيام الدهر» أي السنة، كما سيأتي في الحديث بعده.
79
757
في إسناد هذا الحديث الهيثم بن حبيب؛ ذكره ابن حبان في "الثقات" لكن اتهمه الذهبي بحديث في المهدي، والمؤلف تبع شيخه، فإنه بعد أن عزاه للطبراني في "الصغير" قال: وهو غريب، وإسناده لا بأس به. والهيثم بن حبيب وثقه ابن حِبَّان، لكنَّه استغربه كما ترى، ووجه غرابته أنه ثبت أن أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم، فكيف يكون صون يوم منه بثلاثين يوما ولم يثبت هذا الرمضان؟! 79 راجع رسالتنا "حسن" البيان في ليلة النصف من شعبان" فقد
91
استوعبت ما ورد في هذا الباب، مع نقدِ الأحاديث، وقد طبعت مرتين. قتادة بن ملحان القيسي، قال البخاري وابن حبان: «له صحبة، يعد
92
770
في البصريين». أخرج ابن شاهين من طريق سليمان التيمي، عن حيان بن
تعليقات على كتاب "المتجر "الرابح
۳۰۱
عمير، قال: مَسَحَ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وجه قتادة بن ملحان ثمَّ كَبَّرَ
قبلي منه كل شيء غير وجهه. قال: فحضرته عند الوفاة، فمرَّتِ امرأة، فرأيتها
في وجهه كما أراها في المرآة.
96
صيامُ الدَّهرِ وإفطَارِهِ» يعني أنَّ صائمَ ثلاثةِ أيامٍ يُعطى ثوابَ صيام الشهر كله فهو صائم من حيثُ الثواب، مفطر في الواقع. وقد بين ذلك حديث
أبي ذر بعده.
98
وصامَ داود نصفَ الدَّهرِ» أي من حيث كان يصوم يوما ويفطر يوما
كما يأتي بعد، بحول الله تعالى.
99
777
: وددتُ أنَّه لم يطعم الدَّهر» ودَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم لصائم الدهر ألا يذوق الطعام فيحس بألم الجوع، ويضعفُ عن العمل فيشعر بخطأه في صيام الدهر الذي هو مكروه. «قالوا فثلثيه؟» أي فصيام ثلثية قال: «أكثر». وقال في النصف كذلك، والمراد بأكثر : كثير ، أي كثير على الرجل صيام ثلثي
الدهر أو نصفه.
107
785 صم رمضان والذي يليه» أي ستة أيام من شوال.
111
789
في الأصول: من صامَ الأربعاء والخميس والجمعة» لكن الحديث عند أبي يعلى ليس فيه والجمعة» فلعل المؤلف وَهِمَ.
114
792
مما يلتحق بالموضوع، ما رواه أحمد عن عكرمة بن خالد، قال: حدثني
أبي أنه سمع مِن فَلْقِ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «من صام رمضان وشوال والأربعاء والخميس دخل الجنة». في إسناده راو لميسم.
۳۰۲
الحديث الشريف
وما رواه الطبراني في "الأوسط"، بإسناد ضعيف، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «من صام ثلاثة أيام من شهرٍ حرام: الخميس والجمعة والسَّبتَ كُتبَ له عبادة ستين سنةً» وفي رواية: «عبادة
سنتين .
وما رواه أبو نعيم في "الحلية" بإسنادٍ لا بأس به، عن البراء بن عازب، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: (من صام يوما لم يخرقه كُتبَ له عشر
حسنات .
أبواب الحج
الحج المبرور هو الذي لا لغو فيه ولا رفت ولا فسوق ولا جدال،
وعلامته أن يرجع صاحبه أحسن مما كان في خلقه ودينه.
9
801
قيل : وما بره؟ قال: «إطعامُ الطَّعامِ وطيب الكلام». وهذا بيان لأثر الحج المبرور، وعلامة من علاماته، وحاصلها أن يكون صاحب الحج المبرور
سخيًّا حلو اللسان.
20
812
هذا الحديث رواه الحاكم، من طريق عيسى بن سوادة، قال فيه البخاري وأبو حاتم منكر الحديثِ، وكذبه ابن معين، وقال أبو حاتم: روى عن إسماعيل بن أبي خالد عن زاذان عن ابن عباس حديثاً منكرًا». يعني
هذا الحديث.
38
830
في "صحيح البخاري: باب أجرِ العُمرة على قدر النَّصَبِ. ثمَّ روى الله عنها قالت: يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر
عن عائشة رضي ا
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۳۰۳
بنسك؟ فقال: «انتظري فإذا طهرت فاخْرُجِي إلى التنعيمِ فَأَهِلَّلي ثُمَّ ائْتِيَنا بمكانِ
كذا، ولكنها على قدر نفقتِكِ أو نَصَبِكَ». رواه مسلم وأحمد أيضًا.
48
840 52
844
57
849
59
851
و تقدَّم هذا الحديث، وهو ضعيفٌ.
و هذا من الخصال المكفّرة لما تقدَّم وما تأخر من الذنوب، وهي مفردة
بالتأليف، وانظر ما كتبناه في تعليقاتنا على بشارة المحبوب بتكفير الذنوب. المنكدر بن عبد الله بن الهدير التّيميُّ، ذكره الطبراني وغيره في الصحابة وأخرجوا له هذا الحديث، لكن قال ابن عبد البر: «حدیثه مرسل عندهم، ولا يثبت له صحبة ولكنه ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله سلم». اهـ ة (فاوضه» أي قابله بوجهه. فإنَّما يفاوض يدَ الرَّحمن» كناية عن القبول والرّضا. ومن طاف فتكلَّم بكلام الدنيا «وهو في تلك الحال» من الطَّواف خاص في الرَّحمةِ برجليهِ فقط، ولم تشمل الرحمة سائر جسمه كخائض الماء برجليه وسائر جسمِه خارج الماء. وذلك لأنَّ الكلام الأجنبي في الطواف يحرمه من أن تغمره الرحمةُ وتعم جسده، أما من شغل طوافه بالذكرِ فهو بالرحمة مغمور.
وهذا الحديث ضعيفٌ؛ إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن الحجازيين، وشيخه حميد مكي ضعيف أيضًا. لكن قال المنذري: «حسنه بعض
مشايخنا».
61
853
و هذا الحديث في سنده أبو عقال - واسمه هلال بن زيد- ضعفه البخاري وأبو حاتم والنسائي وابن عدي وابن حبان، وزاد: «يروي عن أنس
٣٠٤
الحديث الشريف
أشياء موضوعةً ما حدَّثَ بها أنس قط».
وتلميذه داود بن عجلان ضعفه ابن معين وأبو داود والحاكم. وقال
النقاش: روى عن أبي عقال أحاديث موضوعةً».
68
760
هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب العيدين تحت ترجمة: باب فضل العمل في أيام التشريق، واختصت عشر ذي الحجة بهذا الفضل لأنها جمعت أمهات العبادة الصلاة والصيام والصدقة والحج، وعلى هذا يختص
الفضل المذكور في هذا الباب بالحاج، ويحتمل أن يعم المقيم.
69
861
التراب.
81
873
إلا عَفِيرًا يُعفِّرُ وجهَهُ في التُّرابِ» أي إلا شهيدا قتل وتعفر وجهه في
هذا الحديث والذي بعده يفيدان مغفرة ذنوب الحاج كلها حتى الكبائر والمظالم، أي الحقوق التي عليه للناس، وهي التَّبعات. وللحافظ ابن حجر في تصحيح هذا الحديث وتأييد معناه رسالة سماها: "قوة الحجاج في
.
عموم المغفرة للحجاج " كتبت لها مقدمة وعلقت عليها بكلمات وجيزه. هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم من طريق أبي المثنى
92
885
سليمان بن يزيد، عن هشان بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. وأبو المثنى ضعيف. وحديث علي الآتي بعده حسنه بعض شيوخ ا الحافظ المنذري، ولهذا قال المؤلف عنه كما سيأتي: إسناده لا بأس به، أصلح من إسناد حديث عائشة» يعني هذا. قلت: وفي معناه ما رواه الطبراني بإسناد ضعيف عن عمران بن حصين
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۳۰۵
رضی الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «يا فاطمةُ قُومِي فاشْهَدِي أَضْحِينَكِ فإنَّه يُغفرُ لكِ بكلِّ قطرة من دمها كل ذنب عملتيه، قولي:
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (3) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ ﴾ [الأنعام: ١٦٢ - ١٦٣]. قال عمران: يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة؟ فأهل ذلك أنتم أو للمسلمين عامة؟ قال: «بل
للمسلمين عامة».
95
887
كذاب.
98
890
99
891
ة في إسنادِ هذا الحديث راو متروك، والحديث الذي بعده في سنده راو
عائذ الله المجاشعي متروك، وشيخه نفيع كذاب.
محمد بن
ب الجارودي صدوق، لكنَّ الرَّاوي عنه محمد بن هشام
حبيب
مجهول، ثم أنَّ الجارودي تفرد عن ابن عيينة بوصله ورفعه، وأصحاب سفيان رووه عنه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مرسلًا، وبعضهم وقفه على مجاهد لكن الموقوف له حكم المرفوع وفي صحيح مسلم" من حديث أبي ذر رضي الله عنه «إنَّها طعام طعم». ورواه البزار بلفظ: «زَمَرْمُ طَعَامُ طُعم وشفاء سقم ورجال إسناده رجال الصحيح، وللطبراني في "الكبير" بإسناد رجاله ثقات عن أبي الطفيل - صحابي صغير - قال: سمعتُ ابن عباس يقول : كنا نسميها شباعة -يعني زمزم - وكنا نجدها نعم العون على العيال. وللفاكهي بإسناد حسن كما قال الحافظ - عن عباد بن عبدالله بن الزبير
٣٠٦
الحديث الشريف
قال: لما حج معاوية فحججنا معه، فلما طاف بالبيت صلى عند المقام ركعتين، ثم مرَّ بزمزم وهو خارج إلى الصَّفا فقال: انزع لي منها دلوا يا غلام، فقام فنزع له منها دلوا فأتي به فشربَ وصبَّ على وجهه ورأسه وهو يقول: زمزم شفاء وهي لما شُربَ له.
-
قال السيوطي في "حاشية ابن ماجه": «وهذا الحديث -يعني: ماء زمزم لما شُربَ له مشهور على الألسنة كثيرًا، واختلف الحفاظ فيه، فمنهم من صححه، ومنهم من حسنه، ومنهم من ضعفه، والمعتمد الأول، وجار من قال حديث الباذنجان لما أكل له أصح منه ، فإنَّ حديث الباذنجان موضوع
أنَّ.
كذب . اهـ
قلت : ممن صحح الحديث: سفيان بن عيينة، والمنذري، وللمؤلف جزء في تصحيحه، وقال الحافظ: «إنه باجتماع طرقه يصلح للاحتجاج به»، وألف فيه جزءًا أيضًا. وضعفه النووي.
ولشيخنا المرحوم أبي عبدالله بن إدريس القادري رسالة "إزالة الدهش والوله عن صحة حديث ماء زمزم لما شرب له" وهي مطبوعة. وقال الحافظ السَّخاويُّ: «وقد جربه جماعة من الكبار فذكروا أنه صح». تنبيه: قال العلامة ابن غازي : حدثني شيخنا أبو عبدالله القوري - بفتح القاف وسكون الواو - عن شيخه أبي عبدالله ابن عبدالعزيز أنه قال: سمعت العالم المحدّثَ الحافظ البلالي بمصر يقول: حديث: «الباذنجان لما أكِلَ لَه» أمثل إسنادًا من حديثِ: «ماءُ زمزم لما شُربَ لَه»، قال شيخنا القوري: وهذا عكس
المعروف» . اهـ
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۳۰۷
قال العلامة الشيخ أحمد بابا التنبكتي: «ولعل النقل انقلب على ناقله سهوا، وإلا فالذي نقل عن البلالي المذكور في "مختصر الإحياء" خلافه، بل صَرَّحَ بأن حديث الباذنجان موضوع، وضعه الزنادقة، وأنَّ حديثَ ماء زمزم صحيح، وقد استوفيتُ كلامه وكلامَ غيره في تقييدي على المختصر في كتاب
الحج» . اهـ
راجع ترجمة أبي عبدالله محمد بن قاسم القوري من "نيل الابتهاج بتطريز
الديباج".
102
894 103
895
طعامُ طُعم» أي طعام يشبع من أكله.
«المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون أي خير للذين يخرجون من المدينة
الله طلبا الرخاء العيش. فقد روى أحمد والبزار بإسناد صحيح عن جابر رضي ا عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ليأتين على أهل المدينة زمان ينطلق الناسُ منها إلى الأرياف يلتمسون الرَّاءَ فيجدون رخاء، ثمَّ يأتون
فيتحملون بأهليهم إلى الرَّخاءِ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمُونَ».
106
898
قوله: «سمعته يزعم أي: يقول هذا معناه في اللغة، وقد يستعمل
الزعم في الكذب بقرينة، نحو قوله تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ﴾ [التغابن: ٧]. هذا الحديث رواه النسائي من طريق عقيل، عن الزهري، عن
111
903
عبیدالله ابن عبدالله بن عتبة، عن صميتة - وكانت في حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من
استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت، فإنَّه من يموتُ بها أشفعُ له يوم القيامةِ
۳۰۸
الحديث الشريف
وأشهد له»، وسها المؤلف كشيخه - عن عزوه إلى النسائي.
113
905
قوله: «عن امرأة يتيمة... إلخ، هي الصميتة المتقدمة، والحديث واحد غير أن هذا الطريق من رواية صفية بنت أبي عبيد عنها، والطريق السابق من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها، وجاء طريق ثالث من رواية عبیدالله بن عبدالله بن عمر عنها، وظنَّ المؤلفُ كشيخه - أنَّ هذا غير تلك،
-
وهي واحدةٌ، قيل فيها: ليثية، وقيل: من ثقيف، وقيل: دارِيَّةٌ، أي من بني
عبدالدار.
118
910
هذا الحديث - وهو صحيح - يقتضي السفر إلى المدينة المنورة للسلام عليه صلى الله عليه وآله وسلَّم، ليحظى المسلّم عليه برد السلام، وقد ثبت أن موتى المؤمنين يردون على من سلَّم عليهم، فما ظنك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! ومما يدل على استحباب السفر للزيارة النبوية، ما رواه الحاكم - وصححه وسلَّمه الذهبي - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «اليهْبِطَنَّ ابنُ مريمَ حكما عادلا وإمامًا مُقْسِطًا وليسلكن فجا حاجًا أو معتمرًا وليأتين قبري حتَّى يسلم على ولأردن عليهِ». فالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم يخبر أن عيسى عليه السلام يأتي من الحج أو العمرة إلى القبر الشريف ليسلم عليه، وهذا هو السفر للزيارة النبوية. وعيسى مع كونه روح الله عليه السلام، ينزل عاملا بالشّريعة الإسلامية، داعيا إليها كما تواترت الأحاديث بذلك في الصحيحين وغيرهما.
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
أبواب الجهاد
۳۰۹
121
913
بقية الحديث عند أبي دواد : ومن جُرحَ جرحًا في سبيل الله، أو نُكبَ
نكبة فإنها تجيء يوم القيامةِ كأغزَرِ ما كانتْ، لونها لون الزعفران، وريحها ريحُ المسك، ومن خرج به خُراج في سبيل الله فإنَّ عليه طابع الشُّهداء».
122
914
ت هذا الحديث رواه ابن مردويه أيضًا، ولفظه عنده وعند ابن حِبَّان في
"صحيحه": لما نزلت هذه الآية : مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة: ٢٦١] قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «ربِّ زِدْ أُمَّتِي» قال: فأنزل الله مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾ [البقرة: ٢٤٥] قال: «رب زد امتي» قال:
فأنزل الله: إِنَّمَا يُوفَى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: ١٠].
125
917
هذا الحديث في سنن ابن ماجه من رواية هؤلاء الستة، وأبي هريرة وعبدالله بن عمر، ورواه ابن أبي حاتم في "التفسير" من طريق الحسن عن
عمران فقط.
126
918
وامرأته
مما يلتحق بهذا الباب ما رواه أحمد وأبو يعلى والبزار عن عياض بن غطيف قال: دخلنا على أبي عبيدة نعوده من شكوى أصابته . بجنبه نحيفة قاعدة عند رأسه، قلت كيف بات أبو عبيدة؟ قالت والله لقد بات بأجر تعني اشتداد الألم عليه فقال أبو عبيدة هو ابن الجراح: ما بت بأجر، وكان مقبلا بوجهه على الحائط، فأقبل على القوم وقال: ألا تسألوني عما قلتُ؟ قالوا: ما أعجبنا ما قلت فنسألك عنه ، قال سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول: من أنفقَ نفقةً فاضلة في سبيل الله فبسبعمائة، ومن أنفق على
۳۱۰
الحديث الشريف
نفسه وأهله أو عاد مريضًا أو مازَ أذي - أزاله - فالحسنة بعشر أمثالها، والصومُ جنَّةٌ ما لم يخرقها، ومن ابتلاه الله في جسده فهو حِطَّةٌ». أي أنَّ المرضَ يكفر الذنوب ولا يوجب الأجر، قال الحافظ الهيثمي: «فيه بشار بن أبي سيف، ولم أر من وثقه ولا جرحه، وبقية رجاله ثقات». اهـ
قلت: ذكره ابن حِبَّان في "النّقات"، وللهيثمي ترتيب كتاب "الثقات" يظهر أنه حصل له سهو، والأمر سهل. وروى النسائي بعضه في الصوم من
طريق آخر عن أبي عبيدة بن الجراج موقوفا عليه.
وروى البزار بإسنادٍ فيه ضعفٌ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: النفقة في سبيل الله تضعف بسبعمائة ضعف.
128
920
تحسين المؤلف لإسناد هذا الحديثِ ترجيح منه لتحسين حديث
عبدالله بن محمد بن عقيل الموجود في إسناد أحمد، وهو الراجح في نقدي أيضًا. : حتّى يستقل أي يقدر على الغزو بحيث لا يبقى محتاجا إلى شيء من
129 =
921
أسبابه وآلاته.
130
922
قوله: «بعثَ إلى بني لحيان»، أي بعث بعثا من الصحابة يغزو بني لحيان، لأنهم كانوا كفارًا «ليخْرُج من كل رجلين رجل» هذا خطاب لبعث الصحابة أي ليخرج من كل قبيلة نصفُ عددِها ويذهبون لقتال بني لحيان. وفي رواية لمسلم أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم بعث بعثا إلى بني الحيان من هذيل فقال: «ليبعثنَّ من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما» وهذا واضح. فله مثل أجره وفي صحيح مسلم" و "سنن أبي داود": «كان له مثل نصف
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح .
أجر الخارج».
132
924
.
۳۱۱
فأكنفه على رحْلِه أي أقوم على رحله بالرعاية حارسًا متاعه إذا
ذهب للجهاد، يقال: «كنفته إذا قمت بأمره، وجعلته في كنفك. وفي نسخة «فأكفيه على رحله من الكفاية، أي أحرس متاعه إذا غدا أو راح إلى الجهاد، والكفاة الخدم الذي يقومون بالخدمة، جمع كاف.
135
927
لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وسبيل الله هو الدين لا غير، فالجهاد في سبيل الوطنية ليس بجهاد.
141
33 عمرو بن قيس الكندي، حمصي تابعي، ليس بصحابي. وقد حصل للمؤلف سهو، وأصل الحديثِ عند الطبرني في "الأوسط" من طريق صدقة بن موسى الدقيقي، عن عمرو بن قيس الكندي قال : كنا مع أبي الدرداء منصر فين من الصائفة، فقال: أيُّها الناس اجتمعوا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يقول ... وذكر الحديث. والصائفة:
هي غزوة الصائفة، وهي غزوة الروم، سميت بذلك
كانوا يغزونهم في الصيف خوفًا من البرد والثلج في الشتاء.
152
944
لأنهم
والذي يسْدَرُ في البحر»، السَّدَر بفتحتين- دوار في الرأس من
ركوب البحر.
بفتح
157
949 161
953
ة وما بينَ (الموجَتَين» أي وقاطع ما بين الموجتين.
: ( وأمِنَ الفْتَانَ)) بضم الـ
الفاء وفي رواية الأكثر ؛ جمع فاتن. ورواه بعضهم
ح الفاء، والمراد على الروايتين ما جاء في رواية أبي داود: «وأمِنَ فَتَّانَي القبر»
۳۱۲
أي ملكي السؤال، وهما منكر ونكير عليهما السلام.
176
986
الحديث الشريف
وحُرمتِ النارُ على عين ثالثة لم يسمعها محمد بن سمير
هي
عين غضَّتُ عن محارم الله، ففي معجم الطبراني الكبير" عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ثلاثة لا ترى أعينهم النَّارَ : عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين
182
974
كفَّتْ عن محارِمِ الله». وقوله : رواه ليث بن أبي سليم عن طاوس عنها». قلت: أخرجه الطبراني من طريق عبدالواحد بن زياد عن ليث به. وفي "مسند الشاميين" للطبراني من طريق النعمان بن المنذر عن مكحول، عن أم مالك قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم من أعظمُ الناسِ أجرًا؟ قال: «رجل آخذ برأس فرسه يأتي العدو ويخيفهم ويخيفُونَه».
وروى البيهقي عن أم مبشِّر تبلغ به النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: خير الناس منزلةٌ رجلٌ على متنِ فرس يخيفُ العدو ويخيفُونَه». وأم مبشر
أنصارية صحابية.
184
976
هذا الحديث رواه البخاري في باب شرب الناس وسقي الدواب
والأنهار، أواخر كتاب المزارعةِ، وفي باب عقب باب علاماتِ النبوة في
الإسلام، آخر أحاديث الأنبياء، ورواه في كتاب الجهاد مختصرًا.
ورواه مسلم في أوائل كتاب الزكاة: «ثمّ لم ينسَ حقَّ الله في ظُهورِهَا ولا رقابها». المراد بالحقِّ : الخروج عليها إذا وقع النفير لقتال العدو إذا تعين ذلك
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۳۱۳
عليه، وحمل المنقطعين عليها إذا احتاجوا لذلك، وهذا واجب عليه إذا تعين
ذلك، كما يتعين عليه أن يطعمهم عند الضرورة.
فإن قيل : هذا هو الحقُّ الذي في ظهورها وبقي الحق الذي في رقابها. قيل: قد رُوي: «لا ينسَ حقَّ الله فيها ولا فرق بين أن يقول: «حق الله فيها»، أو «في ظهورها ورقابها»، فإن المعنى يرجع إلى شيء واحد، لأنَّ الحق يتعلق بجملتها. وقد قال جماعة من العلماء أن الحقَّ هنا حسنُ ملكها وتعهد شبعها والإحسان إليها وركوبها غير مشقوق عليها، كما جاء في الحديث: «لا تَتَّخِذُوا ظهور الدواب كرَاسِيَّ» وإنما خص رقابها بالذكر لأن الرقاب والأعناق تستعارُ كثيرًا في مواضع الحقوق اللازمة والفروض الواجبة، ومنه قوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَة [النساء: ۹۲] وكثر عندهم استعمال ذلك واستعارته حتى جعلوه في الرباع والأموال، ألا ترى قول كثير :
غَمْرُ الرِّداءِ إِذا تَبَسَّمَ ضَاحِكًا غَلِقَتْ لضَحْكَتِهِ رِقَابُ المال قاله القرطبي في "التفسير". وقال المؤلف في كتاب "فضل الخيل": «ليس فيه دليل على وجوب الزكاة في الخيل لوجهين: أحدهما: أنه عليه الصلاة والسلام لما ذكر الإبل السائمة، وقال: «فيها حق سئل عن ذلك الحق ما هو فقال: «إطراقُ فحلها، وإعارة دلوها، ومنحَةُ لبنها أو سمنها، و حلبها على الماء، وحمل عليها في سبيل الله» فلما كانت الإبل
فيها حق سوى الزكاة احتمل أن يكون في الخيل أيضًا حق سوى الزَّكاة. وقد روى الترمذي وابن ماجه في الزكاة من حديث فاطمة بن قيس قالت:
٣١٤
الحديث الشريف
قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّ في المالِ حقًّا سِوَى الزَّكاة» وتلا هذه الآية: لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللهِ ﴾ [البقرة: ۱۷۷] الآية. فيجوز أن يحمل الحق في رقابها وظهورها على هذا. والوجه الثاني: أن يُحمل الحقُّ على التأكيد لا على الوجوب كقوله صلى الله عليه وآله وسلَّم في حديث معاذ: «وحقُ العبادِ على الله عزَّ وجلَّ ألا يعذبهم إذا فعلوا ذلك فهذا محمل قوله عليه السَّلام: «ثم لم ينسَ حقَّ الله في رقابها»
وتأويله». اهـ
وقال العلامة محمد البخشي في كتاب "رشحات المدادِ فيهما يتعلق بالصافنات الجياد": "وأجابوا أي الجمهورُ النافون لزكاة الخيل- عن الحديث بأن الحقِّ المذكور فيه غير الزكاة، بدليل أنه قرنه مع ما يتعيَّنُ حمله على ذلك بقوله: «ثم لم ينسَ حقَّ الله في رقابها ولا ظُهُورِها» - حيث ذَكَرَ الظهور التي لا زكاة فيها بالإجماع وفي رواية لمسلم: «ولم ينسَ حقَّ ظُهُورِها ولا بطونها، في عُسْرِها ويُسْرِها ولم يذكر الرّقابَ، وحق الله في الظهور إنَّما هو حمل المنقطعين من الغزاة وغيرهم، ومواساة الفقراء العاجزين بإعارتها ونحو ذلك، وذكر نحو ما سبق في كلام المؤلف، ثمَّ قال: «وبأنَّ الحق المذكور في الحديث مجمل، والأحاديث الواردة في رفعها أي الزكاة مفسرة، تقضي عليه،
فرجحت . اهـ
193
985
و منبله) قال البغوي: «هو الذي يناول الرامي النَّبل، وهو يكون على
وجهين أحدهما: يقوم بجنب الرَّامي أو خلفه يناوله النبل واحدًا بعد واحد
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۳۱۵
حتى يرمي، والآخر أن يرد عليه النَّبل المرمى به، ويُروى: «والممد به» وأي
الأمرين فعل فهو ممد به . اهـ
وقال المنذري : ويحتمل أن يكون المراد بقوله: «ومنبله» أي الذي يعطيه للمجاهد، ويجهزه به من ماله إمدادًا له وتقوية، ورواية البيهقي تدل على
هذا» . اهـ
195
987
قال ابن حِبَّان: حدثنا الحسن بن سفيان: ثنا أبوبكر بن أبي شيبة: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السمط أنَّه قال لكعب بن مرة : حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واحذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول...، وذكر الحديث .
ورواه أحمد، عن أبي معاوية به والنحام» هو الكثير النحم أي التنحنح - «أما إنَّها ليست بعتبة أمِّكَ»، قال هذا على سبيل المباسطة والإيناس،
كما قال لأبي هريرة: تربتْ يمينُكَ» ولمعاذ: «ثَكلتك أمك».
196
988
وقع للمؤلف - كشيخه - في هذا المحل سهو، حيث عزيا الحديث
هذا لمعدان بن أبي طلحة، ظناه صحابيا، والواقع أنه تابعي، وهو يروي. الحديث عن عمر بن عنبسة السلمي، وهو صاحبي قديم الإسلام، قال أبو داود في باب أي الرّقاب أفضل؟، من كتاب العتق: حدثنا محمد بن المثنى: ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي، عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن أبي نجيح السلمي قال: حاصرنا مع رسول الله صلى
٣١٦
الحديث الشريف
الله عليه وآله وسلَّم بقصر الطائف فسمعته يقول: «مَنْ بَلَغَ بسهم...»
الحديث.
197
989
هذا هو الحديث السابق بعينه، واختصره النَّسَائي، وجعله المؤلفُ حديثين لظنه كما سبق أن معدان صحابي.
198
990
هذا لفظ الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح»، «فهوَ له عِدْلُ
محرَّرَةٍ أي عدل رقبة محررة، يعني معتقةٍ. ورواه ابن ماجه من طريق القاسم ابن عبدالرحمن، عن عمر بن عبسة بلفظ: منْ رَمَى العدوَّ بِسَهُم فَبَلَغَ سَهْمُه العدو أصابَ أو أخطأ فعِدْلُ رقبته وسيأتي في المتن.
203
995
قوله: «رأيت أبا عمرو الأنصاري»، عند الطبراني زيادة: «يوم صفين» ولا أدري لما حذفها المؤلف والمعنى: أنَّ أبا عمرو الأنصاري رضي الله عنه كان يوم صفين في جيش علي عليه السلام ضد معاوية وجيشه، وكان يعتبر
قتالهم جهادًا في سبيل الله .
204
996
كان هذا يوم قريظة، فقد روى الحسن بن سفيان في "سنده"، من طريق يحيى بن عتبة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يوم قريظة: «مَنْ أَدخَلَ الحصنَ سَهْما وجبَتْ له الجنَّةٌ»، فأدخلتُ ثلاثة أسهم. ذهب جماعة من العلماء إلى أنَّ هذه الأحاديث المذكورة في هذا الباب
205
997
وردت في فضل الصوم في الجهاد، وهذا رأي المؤلف. وذهب آخرون إلى أنَّ
كل صوم في سبيل الله إذا كان خالصا لوجه الله تعالى.
209
1001 قوله: ورواه الترمذي من طريق الوليد بن جميل، عن القاسم،
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۳۱۷
عنه، أي عن أبي الدرداء، وهذا هو الظاهر، وهو غلط. والصَّوابُ: عن أبي
أمامة، كذلك رواه الترمذي.
210
1002 213
1005 222
1014
- زَيَّان وسهل، ضُعفا.
. هذا من أحاديث الإسراء، وإسناده حسن.
هذا الحديث قاله النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: لمعاذ رضي الله عنه
عن
في مسيرهم إلى غزوة تبوك، وشهر لم يسمع من معاذ. ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من طريق عاصم عن أبي وائل عن معاذ، ولم يسمع منه أيضًا. ورواه أحمد من طريق عروة بن النزال، وميمون بن أبي شبيب كلاهما . معاذ، ولم يسمعا منه أيضًا. ورواه أحمد أيضًا من طريق ،شهر عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ، وهذا طريق متصل، والحديث في " الأربعين النووية" بنحو هذا اللفظ. عمير بن الحمام أنصاري سلمي، وذكر ابن إسحاق أن عميرًا قذف التّمر من يده وأخذ سيف فقاتل - حتى قتل - وهو يقول:
233
1025
ركضـــــا إلى الله بـــــــر زادِ إلا التقــــى وعـمـــــل المـــــاد
236
1028
والصبر في الله على الجهاد
فُوَاقَ ناقَةٍ» وهو قدرُ ما بينَ الحلبتين، لأنَّ الناقة تحلب ثم تترك
سويعة ترضع الفصيل لتدرّ ، ثمَّ تُحلب، وفُواق منصوب على الظرفية بتقدير مضاف، أي: وقت فواق.
۳۱۸
الحديث الشريف
ثواب قيام الرجل في الصف
وذكر قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بنين مرصوص [الصف: ٤]. واستدل بعضُهم بهذه الآية، على أنَّ قتال الراجل أفضل من قتال الفارس لأنَّ الفرسان لا يصطفون بهذه الصفة. وروى ابن جرير عن أبي بحرية قال: كانوا يكرهون القتال على الخيل، ويستحبون القتال على الأرض لقول الله عزّ وجلَّ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفَا كَأَنَّهُم بنين مَرْصُوصٌ وقال المهدوي: وذلك غير مستقيم، لما جاءَ في فضل الفارس في الأجر والغنيمة، ولا يخرجُ الفرسان من معنى الآية، لأنَّ معناها الثبات». وقيل - كما في "الكشاف" -: «يجوز أن يريد استواء نياتهم في
الثباتِ حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص. وهذا الحديث أيضًا رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، والبزار
237
1029
ولفظه: «لمقامُ أحدِكُم في الصَّفْ ساعةً ... » الحديث، وفي إسناده عبدالله بن صالح، كاتب الليث، وثقة جماعةٌ ، وقال عبدالملك بن شعيب بن الليث: «ثقةٌ مأمون»، وقد سَمِعَ من جدي حديثه وكان أبي يحضّه على التحديثِ، وكان يحدث بحضرة أبي، وقال ابن معين: «هما ثبتان، ثبتُ حفظ وثبتُ كتاب، وأبو صالح كاتب الليثِ ثبت كتاب»، وخرَّجَ له البخاري في كتاب البيوع من "صحيحه" حديث الرَّجل من بني إسرائيل الذي استسلف ألف دينار، وخرج له حديثًا آخر في كتاب الأحكام رواية أبي ذر الهروي، وعلق جملة أحاديث عن الليث بصيغة الجزم، لا توجد إلا من طريق كاتبه أبي صالح،
تعليقات على كتاب "المتجر" "الرابح
فلهذا كله صحح الحاكم حديث الترجمة على شرط البخاري. ا
238
1030
۳۱۹
هذا الحديث رواه أيضًا أحمد والطبراني بنحوه من حديث أبي أمامة
وفيه: فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إني لم أبعَثْ باليهودية ولا بالنَّصرانية، ولكن بُعِثْتُ بالحنيفية السَّمْحة، والذي نفس محمد بيدِه لَعَدُوةٌ أو روحة في سبيل الله خير من الدُّنيا وما فيها، ولقام أحدِكم في الصَّفِّ خيرٌ منَ صَلاتِه ستين سنةً». قوله: (وقيل: هو ما بينَ الشخَبينِ»، الشخب: هو ما يخرحُ
من تحت يد الحالب عند كل غمزة أو عصرة لضرع الشَّاة أو الناقة. بما يلتحق بأحاديث الباب ما رواه أحمد وابن ماجه بإسناد ضعيف
239
1031
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ثلاثة يضحك الله إليهم: الرَّجلُ يقومُ من الليلِ، والقومُ إِذا صَفُّوا
للصَّلاةِ، والقومُ إِذا صفُوا للقتالِ».
241
1033
وأما الأثرانِ فأثر في سبيل «الله» الأثر ما بقي من الشيء دالّا عليه، نحو
ما يبقي من أثر الجراحات على بدن المجاهد، وأثر في فريضة من فرائض الله»
كبقاء بلل من الوضوء، وخلوفُ فم الصائم في رمضان، ونحو ذلك.
246
1038
لا يجتَمِعانِ في النَّارِ اجتماعًا يضر أحدهما الآخَرَ أي لا يجتمعان في
النَّارِ في مكان واحد منها، بحيث يضرُّ أحدهما الآخر بصراخه ورائحته الخبيثة المنكرة، نسأل الله العافية. وتكون هذه الحالة مخصوصة من حديث أبي سعيد الخدري رضي ا الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يُخرجُ الله ناسا من المؤمِنينَ من النَّارِ بعدما يأخذ نقمته منهم»، وقال: «لما
۳۲۰
الحديث الشريف
أدخَلَهُم الله النَّارَ مع المشركين؟ قال لهم المشركون: تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا، فما بالكم معنا في النَّارِ ؟ فإذا سمعَ الله ذلك . ، منهم أَذِنَ في الشَّفاعة لهم، فتشفَعُ لهم الملائكة والنَّبيُّون، ويشفَعُ المؤمنون حتَّى يخرجُوا بِإِذنِ الله، فإذا رأَى المشركون ذلك قالوا: ياليتنا كنا مثلهم فتدركنا الشَّفاعةُ فَنُخرج معَهُم» قال: فذلك قول الله: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ﴾ [الحجر: ٢] فيُسمَّوْنَ الجَهَنَّميينَ من أجلِ سوادِ وجوهِهِم ، فيقولون: ربَّنَا أَذْهِبْ عنا هذا الاسم، فيأمرُهُم فيغتسلون في نهر الجنةِ، فيذهب ذلك الاسم عنهم»، رواه إسحاق بن راهويه، والطبراني وغيرهما، وورد نحوه من حديث أنس وعلي وأبي موسى وغيرهم. فهذا عام في عصاة المؤمنين إلا المجاهد الذي قتل كافرًا ثمَّ عَمِلَ معاصي اقتضت دخوله النار، فإنه لا يجتمع مع الكافر الذي قتله ولا يراه، والسر في ذلك أنَّ المجاهد حين قتل الكافر عُجّل به إلى النَّار، فإذا رآه في العَذاب معه شفى غيظه فلم يمكنه الله من ذلك.
247
1039
روى البخاري هذا الحديث مختصرًا كما هنا في كتاب الجهاد من صحيحه"، ورواه تاما في كتاب الجنائز، وفي كتاب التعبير، وهو حديث طويل في رؤيا رآها النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم، وفيها عذاب أنواع من العصاة، وثواب بعض الطَّائعين ، ورأى منزله عليه الصلاة والسلام في الجنة. رأيتُ الليلةَ رجُلينَ (أتياني هما جبرائيل وميكائيل عليهما السَّلامُ، ثَبَتَ ذلك في رواية البخاري في كتاب الجنائز، فصَعِدا بي الشَّجرة فأدخلاني دارًا هي
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
250
۳۲۱
أحسنُ وأفضل» أي من دار أخرى رآها قبل هذه وهي دار عامة المؤمنين. 1042 وروى الطبراني والحاكم عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: منْ لقى العدو فصبر حتى يُقتل أو
يغلب لم يُفتَنْ في قبره .
والشهيد أحد الذين لا يفتنون في قبورهم.
الثاني: من مات مرابطا، وتقدَّم حديثه في ثوب الرباط، وفيه أحاديث كثيرة سوى ما تقدم.
الثالث: من مات باستطلاقِ بطنه، وتقدم حديثه في أبواب الجنائز. الرابع: من يقرأ سورة تبارك الملك) كل ليلة، وسيأتي حديثها في أبواب
القرآن.
الخامس من يموتُ ليلة الجمعة أو يومها ، روى أحمد والترمذي وغيرهما عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ما من مسلم يموتُ يوم الجمعة أو ليلةَ الجمعةِ إلا وقَاهُ الله فتنة القبر»، ولأبي يعلى من ا حديث أنس نحوه.
فهذا أصح ما ورد فيمن يوقى فتنة القبر، وما عداه ليس بصحيح. وألحق القرطبي بمن لا يفتن في قبره الصدِّيق، وقال: «لأنه أجل قدرًا وأعظم خطرًا فهو أحرى ألا يُفتن، لأنَّه المقدَّم ذكره في التنزيل»، وجَزَمَ الحافظ ابن حجر في كتاب بذل الماعون" بأنَّ الميت بالطاعون لا يفتن، لأنه نظير المقتول في المعركة، وبأنَّ الصَّابر في الطاعون محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما
۳۲۲
الحديث الشريف
كُتِبَ له، إذا مات فيه بغير الطاعون لا يُفتن أيضًا، لأنَّه نظير المرابط. وأما مارواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة: «من مات مريضًا مات شهيدًا ووُقيَ فتنة القبر، وغُديَ ورِيحَ عليه برِزقِهِ مِنَ الجنَّة»، فقد أورده ابن الجوزي في "الموضوعات"، وأعلَّه بإبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، كذاب. ثمَّ
هو مصحف، قال أحمد بن حنبل: «إنما هو : من مات مرابطا».
252
1044
255
1047
معنى الحديث أنَّ الشهيد يهون عليه الموت، فلا يجد ألما للقتل.
استشكل بعضُ شراح البخاري صدور هذا التمني من النَّبيِّ صلَّى الله
عليه وآله وسلّم مع علمه بأنه لا يقتل، لقوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٦٧]، وأجَابَ ابن التين: بأنَّ ذلك لعله كان قبل نزول الآية، وتُعقب بأن نزولها كان في أوائل ما قدم المدينة، وهذا الحديث سمعه أبو هريرة من النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وهو إِنَّما أسلَمَ في غزوة خيبر. والصواب: أنَّه لا إشكال أصلا لأنَّ التَّمني في اللغة العربية هو طلب ما لا
يمكن وقوعه، كقول الشاعر العربي:
ألا ليتَ الشَّباب يعود يوما
وعود الشبابِ محال لا يمكنُ ،وقوعه، ومنه قوله عليه السلام في قصة موسى والخضر عليهما السَّلام : ودِدْتُ لو أنَّ موسَى صبر...» الحديث، وصبر موسى محال، لأنَّ قصته انتهت ومضى زمنها بآلاف السنين. وحديث الترجمة من هذا القبيل، حيث تمنى النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم لو أمكن أن يقتل
عدة مرات في الغزو ليبين فضل الجهاد وما للشهيد فيه عند الله تعالى.
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۳۲۳
لطيفة: أخبرني العالم الفاضل الشَّيخُ حمدي أصلان جافا الأرناؤدي الألباني، وهو ممن حَضَرَ عليَّ في علوم التوحيد والأصول والمنطق، أنه رأى لبعض المستشرقين الألمان أنه استدل على صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم بالآية المذكورة، وبين المستشرق استدلاله بقوله: لو لم يكن صادقا لما أشاع هذه الآية، ولما قال لمن كانوا يحرسونه ويحرصون على حراسته: «اذهبوا فقد عصَمَني الله تعالى».
256
1048
: يؤخذ من هذا الحديث أن السُّنةَ ينزل بها الوحي كالقرآن، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى بيان وإنَّما نَبَّهتُ عليه للفتِ النظر إلى ما دَأَبَ عليه مبتدعة العصر في الأزهر وغيره من محاربةِ السُّنةِ النَّبوية بأساليب خبيثة، وفي بعضها مساس بمقام النبي عليه السلام، وتلك خطة سوء تؤذن بانسلاخهم عن
الإسلام.
258
1050
قوله: «رجل مقنّع بالحديد» أي متغط بالسلاح، وقيل: لابس
البيضة - أي الخوذة لأنَّ الرأسَ موضعُ القناع، وفي الحديث دليل على أنَّ عمل الطاعة لا ينفع إلا بعد الإيمان، فلا يقبل طاعةً من كافر أصلا قال تعالى:
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَا مَّنثُورًا ﴾ [الفرقان: ۲۳].
نعم؛ يُثاب الكافر في الدنيا على عمل الخير ببسط الرزق أو صحة الجسم
أو نحو ذلك، لكن لا نصيب له في ثواب الآخرة. ومن الجهل القبيح ترحم بعض العوام على موتى الكفار، واعتقادهم أنهم سيدخلون الجنة بعد العذاب، مثل عصاة المؤمنين.
٣٢٤
الحديث الشريف
تنبيه: الرجل المقنَّع هو عمرو بن ثابت بن وقش الأنصاري، كان يأبى الإسلام، لأجل ربّ كان له في الجاهلية، فلما كان يوم أحد أتى النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مقنعا بالحديد فأسلم وقاتل حتى قتل، وصح عن أبي هريرة أنه كان يقول: أخبروني عن رجل دخل الجنة لم يصل صلاة؟ ثم يقول: هو
عمرو بن ثابت.
259
1051
شداد بن الهادي الليثي، صحابي، كان سلفا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولأبي بكر رضي الله عنه ، لأنَّه كان متزوجا بسلمى بنت عميس، أخت ميمونة أم المؤمنين لأمها، وأخت أسماء بنت عميس زوج الصديق. قوله: وكان يرعى ظهرهم، أي إبلهم ، يقال للإبل: ظهر، ويجمع على ظهران بضم
أوله.
260
1052
: قوله : فما عَرَفَه أحدٌ إلا أخته هي الربيع - بضم الراء وكسر الياء المثناة المشددة - بنت النضير وهي صحابية فاضلة.
263
1055
قوله : « فقيل ابنة عمرو، أو أخت عمرو»، وقع في رواية مسلم، عن جابر وجعلت فاطمة بنت عمرو عمتي تبكيه، ووقع نحو هذا في رواية
للبخاري في كتاب الجنائز.
264
1056
265
1057
: «كفاحا» أي: مواجهة.
: قوله: «إنَّ أم الربيع بنت البراء»، وهذا وهم، والصَّوابُ: الرَّبيع
بنت النضر، عمةُ البراء بن مالك أخي أنس بن مالك، وهي أم حارثة بن
سراقة.
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح .
٣٢٥
قوله: «وكان قتل يومَ بدرٍ»، زاد في رواية البخاري: «أصابه سهُمْ غَرْبٌ»، أي لا يُعرفُ راميه، وقوله : وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء»، استدل بعض شراح البُخاري بهذا على جواز النوح على الميت، ولكن هذا كان
في غزوة بدر، ثمَّ حرمت النياحة بعد ذلك في غزوة أحد، فهي حرام.
269
1061
: «لما أُصيبَ إخوانكم جَعَلَ الله أرواحهم في جوف طيرٍ خُضر ... الحديث، وروى أحمد، عن الشَّافعيّ، عن مالك في "الموطأ"، عن الزهري، عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه : أنَّه كان يحدثُ أَنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «إنَّما نَسَمةُ المؤمن طيرٌ يعلق في شجر الجنة» فقيل: المراد بالمؤمن هنا الشهيد من باب إطلاق العام وإرادة الخاص، بدليل الحديث قبل هذا وهو رقم (٢٦٨) وهو الظاهر. وقيل: بل هو على عمومه، وبين الحديثين فرق، من جهة أنَّ روح المؤمن طير يطير بنفسه، وروح الشهيد في جوف طير يطير بها فهي راكبة محمولة، ومن جهة أنَّ روحَ المؤمن يقتصر على العلوق من
شجر الجنة، ويزيد روح الشهيد بأنه يأوي إلى قناديل في ظل العرش.
272
1064
على بار «نهر أي شاطئ نهر والشهداء أنواع، منهم: من تكون أرواحهم في حواصل طير خضير كما سبق، ومنهم من يكون على نهر بباب الجنة
كما في الحديث.
274
1066
: «إِنَّ الشَّهِيدِ عند الله سبعَ خِصال لكنها في العددِ ثمانية، والمراد سبع خاصة بالشهيد، أمَّا الخصلة الثامنة وهي: ويرى مقعده من الجنة» فهي عامة في كل مؤمن، ولذلك لم تُعدّ، ويحتمل أن يجعل الأمن من الفزع الأكبر،
٣٢٦
الحديث الشريف
والإجارة من عذاب القبر واحدة.
275
1067
للشهيد عند الله ست خصال وهي في العدد سبع، فيقال: فيها ما سبق في الحديث قبله، والحديث بهذا اللفظ رواية الترمذي، وقال: «حديث صحيح غريب. أما ابن ماجه فلم يذكر قوله: «ويُوضَعُ على رأسه تاجُ الوَقارِ»، وذكر بدله قوله ويُحلَّى حُلَّةَ الإيمان»، ثمَّ إن هذا الحديث سابق في الورود على
الحديث المذكور قبله في الترتيب هنا.
278
1070
279
هذا الحديث - مع ضعفه - غريب منكر .
1071 يزيد بن شجرة بن أبي شجرة الرهاوي الشامي، مختلف في صحبته، ولم تثبت، وهذا الحديث حصل فيه اضطراب، فوَرَدَ موقوفا كما هنا، وكذلك رواه عبدالله بن المبارك في الزهد عن زائدة، عن منصور، عن مجاهد به ورواه ابن منده من طريق الأعمش، عن مجاهد
ورواه البيهقي من طريق شعبة قال : كتَبَ إليَّ منصور وقرأته عليه، عن مجاهد، عن يزيد بن شجرة، وكان من الرُّها وكان معاوية يستعمله على
الجيوش، خطبنا يوما. وذكر الحديث كما هنا.
ورواه البغوي من طريق حصين، عن مجاهد، عن يزيد موقوفا أيضًا. وقال أبوبكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن
مجاهد، عن يزيد بن شجرة به. فذكره مرفوعاً مختصرًا.
وكذلك رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق" من طريق علي بن حرب، عن محمد بن فضیل به ورواه في الغيلانيات من طريق شعبة، عن الأعمش،
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۳۲۷
عن مجاهد، عن يزيد بن شجرة به مرفوعًا. وفي سنده الكديمي، واه. ورواه البغوي من طريق خالد الواسطي، عن يزيد مرفوعا أيضًا. وكذلك
رواه أبو نعيم من طريق مسعود بن سعد، عن يزيد به. وروى البغوي وابن أبي عاصم، وابن منده من طريق العباس بن الفضل بن
عمرو
. الأنصاري، عن القاسم بن عبدالرحمن الأنصاري، عن الزهري، عن
-
يزيد بن شجرة، عن جدار- بكسر الجيم وتخفيف الدال قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، فلقينا عدونا، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أَيُّها الناسُ قد أصبحتُم وعليكم منَ اللهِ نِعم فيما بينَ خضراء وصفراءَ وحمراء، وفي البيوتِ ما فيها» فذكر حديث الترجمة. العباس بن الفضل ضعيف جدًّا، ونقل ابن الجوزي عن النسائي قال: «هذا حديث باطل»، وقال الدراقطني في "العلل": «ليس بالمحفوظ والصواب قول منصور والأعمش . اهـ يعني بالوقف كما سبق. وكذا قال البغوي: «الموقوفُ هو الصَّوابُ». اهـ، والموقوفُ في مثل هذا له حكم المرفوع. قوله: ترى من بني أخضر ... إلخ، يشير إلى اختلاف ألوان الفواكه والزهور وغيرهما، وقوله في الرّحال ما فيها الرّحال: هي المنازل والبيوت يشير بذلك إلى ما في البيوت من مفروشات ومأكولات وأنواع الرفاهية
المستجلبة للراحة.
282
1074
هذا الحديث رواه أيضًا ابنُ شاهين في "الصحابة" بإسناد ضعيف
من طريق الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر به نحوه، وكان ذلك في غزوة
۳۲۸
الحديث الشريف
أحد، وهو جعال الحبشي نصَّ عليه الصَّفار في كتاب "الأنساب". لفظ الحديث: «أفضل الجهادِ عندَ الله يوم القيامةِ الذين يلقون في
285
1075
الصف الأوَّلِ، فلا يلفتُونَ وجوهَهم حتَّى يُقتلوا، أولئكَ يتلبَّطونَ فِي الغُرفِ من الجنة، يضحك إليهم ربُّكَ، وإذا ضَحِكَ إلى قوم فلا حِساب عليهم. وإسناده
حسن يتلبطون يضطجعون.
٣٢ وهم .
أبواب قراءة القرآن
وذكر قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ الَّذِينَ أَصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [فاطر: الأمة المحمدية، ثمَّ قسمهُم ثلاثةُ أقسامٍ: فَمِنْهُمْ ظَالِمُ لِنَفْسِهِ [فاطر: ٣٢] وهو المفرِّطُ في فعل بعض الواجبات، المرتكب لبعض الموبقات وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ﴾ [فاطر: ۳۲]، وهو المؤدي للواجبات التارك للمحرمات، لكن لا يفعل السنن والمستحبات، وقد يرتكب المكروهاتِ، وَمِنْهُمْ سَابِقُ
بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [فاطر: ۳۲] وهو الذي يفعل السنن والمستحبات، ويترك المكروهات وبعض المباحات.
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال - في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمُ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقُ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [فاطر: ۳۲] فأمَّا السَّابق بالخيرات فيدخلها بغير حساب، وأما المقتصد فيحاسب حسابًا يسيرًا، وأمَّا الظالم لنفسه فيصيبه في ذلك المكان
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح .
۳۲۹
من الهم والحزن، وذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ
[فاطر: ٣٤] وله طرق تقويه وترفعه إلى رتبة الصحيح.
وحديث: «سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له». رواه البيهقي في "الشعب" من حديث عمر رضي الله عنه بإسناد منقطع، ووصله ابن مردويه من طريق آخر ،ضعيف، ورواه سعيد بن منصور عن عمر موقوفا عليه،
وفي إسناده را و مبهم. فهو ضعيف مرفوعًا وموقوفًا.
1
1077
هذا الحديث رواه مسلم في كتاب الصلاة، وسيذكر المؤلِّفُ بقيتَه في ثواب قراءة (سورة البقرة) و (آل عمران).
4
1080
الحديث بهذا اللفظ رواية الترمذي، ولفظ رواية ابن ماجه: «من قرأ القرآن وحفظه أدخله الله الجنة...» الحديث. والمراد بحفظه مراعاة العمل به
كما أفصحت به رواية الترمذي.
8
1084
- وهذا الحديث - وإن صححه الحاكم - ضعيف. هذا القول قاله أيضًا عكرمة تلميذ ابن عبّاس، واختاره ابن جرير وفيه
بحث.
10
1086 قوله: «قال أبو سليمان الخطابي : جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على الجنة. قلت: روى ابن مردويه والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها
.
قدر درج مرفوعا: «عدد درج الجنةِ آي القرآنِ، فمن دخل الجنة من أهل القرآن فليس فوقه درجة»، وذكره مكي موقوفا عليها غير مرفوع.
وروى ابن شاهين عن ابن عباس مرفوعا: «درج الجنة على قدرِ آي القرآنِ
۳۳۰
الحديث الشريف
لكل آية درجة فتلك سِتَّةُ آلاف ومائتا آية وست عشرة آية، بين كل درجتين كما بين السَّماءِ والأرضِ، فينتهي به إلى أعلَى قُبَّةٍ في عليين، لها سبعون ألف ركن، وهي من ياقوتة تضيء مسيرة أيام وليال. ورواه بن شاهين وأبو حفص الميانشي من طريق آخر وزاد وتصب عليهِ حُلَّةُ الكرامة فلولا أَنَّه ينظرُ بنورِ الله لأذهب تلألوها بنظره». قلت: هذه أحاديث ضعيفة لا تصح، ولم يصح في عدد آي القرآن حديث.
13
1090
: قوله : رواه الطبراني بإسنادٍ لا بأس به». قلتُ: رواه في "الأوسط" و"الصغير" وفي سنده عبد الصمد بن عبد العزيز المقري، وثقه ابن حِبَّان. قوله: «وفي رواية له»، قلتُ: في سندِ هذه الرواية بحر بن كنيز السَّقاء جد
عمرو بن علي الفلاس، ضعيف. وهي مجبورة بالرواية التي قبلها. والحديث في "مسند" "أحمد" و "سنن الترمذي" من طريق آخر بغير هذا السياق ولفظه: «ثلاثة على كثبان المسكِ يوم القيامةِ يغبطهم الأولونَ والآخرون، عبد أدى حق الله، وحق مواليه، ورجلٌ أَمَّ قوامًا وهُمْ به راضُونَ، ورجلٌ ينادِي بالصَّلواتِ الخمس في كلَّ يوم وليلة»، وليس فيه شاهد لموضوع الباب، فلذا لم يذكره المؤلف.
قوله: «الحديث بقيته: ورجلٌ نادَى في كل يوم وليلة خمس صلوات يطلب وجه الله وما عنده، ومملوك لم يمنعه رقُ الدنيا من طاعةِ ربَّه». 1091 بشيء أفضل مما خَرجَ منه يعني نزل من قبله تعالى، فعبر بالخروج
14
عن النزول على سبيل الكناية.
تعليقات على كتاب "المتجر" "الرابح
15
1092
۳۳۱
: «ما أَذِنَ الله لعبد من الإذن في فعل الشيء رضا به. والمعنى أن العبد
إذا قام يصلي ركعتين كان مأذونا فيهما من الله تعالى إذنًا خاصا غير الإذن العام
بفعل الطاعات، وفي هذا تنبيه على عظم قدر الصَّلاة.
وإِنَّ البر ليُذَرُّ على رأس «العبد» شبه نزول البر على العبد بمسك يدرُّ على
الرأس، لأنَّ المسك طيب حسي، والبرطيب معنوي.
17
1094
الحديبية مع
قوله «فخشيت أن تطأ يحيى»، هو ابنه، ذكر ابنُ القداح أنَّه شَهِدَ أبيه أسيد، وقال ابنُ عبد البر : كان في سن من يحفظ، ولا أعلم له
رواية، وبه كان يكنى أبوه» . اهـ
19
1096
20
1097
هذا من أحاديث " الأربعين النووية".
قوله: رواه الحاكم ... إلخ. والصواب أنه موقوف، كما بينته في
كتاب "فضائل القرآن" (ص ۸، ۹/ ج ۱).
21
1098
: عباد بن ميسرة المنقري البصري المعلم، اختلف في توثيقه، وضعفه خفيف، والحسن لم يسمع من أبي هريرة عند الجمهور، لكني قدمت ما يد ما يدل
على سماعه.
23
1100
- هذا الحديث رواه أيضًا البزار وابن شاهين وابنُ الأنباري في
"الوقف والابتداء" نحوه، وله طرق.
26
1103 وينتعْتَعُ فيه أي يتردَّد فيه لقلة حفظه، «له أجران» أجر لقراءته
وأجر لتعبه ومشقته.
29
1106
- هذه الرؤيا أسندها ابن الجوزي في "مناقب الإمام أحمد" من طريق
۳۳۲
ابنه عبدالله عنه.
33
1109
الحديث الشريف
: قوله: فذكر الحديث»، قلت: بقيته: فقال: «يا أبي» وهو يصلي، فالتفت أبي فلم يجبه، وصلَّى أبي فخفف، ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليك السَّلام، ما منَعَكَ يا أُيُّ أن تجيبَني إِذ دعوتُكَ؟» فقال يا رسول الله إنّي كنتُ في الصَّلاة، فقال: «فلم تجد فيما أُوحِيَ الله إليَّ أَنْ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: ٢٤] فقال: بلى؛ ولا أعود إن شاء الله، قال: أتحب أن أعلمك سورة ...»
الحديث. يؤخذ منه ومن الذي قبله أن إجابته عليه الصلاة والسلام واجبة، ولو كان
الإنسان في الصلاة، وهذا من خصائصه كما صرح به في كتب الفقه. ويؤخذ من الحديثين أيضًا جواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وهو قول إسحاق بن راهويه والحليمي وابن العربي وابن حصار وغيرهم من العلماء والمتكلمين. وذهب أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني وأبو حاتم ابن حبان صاحب "الصحيح" وجماعةٌ من الفقهاء إلى منع التفاضل، وروي معناه عن مالك. قال يحيى بن يحيى تلميذُ مالك: تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ، ولذلك كره مالك أن تعادَ سورة - يعني في الصلاة أو تردد دون غيرها، واحتجوا بأنَّ الأفضل يشعر بنقص المفضول، وكلام الله لا نقص فيه».
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح.
۳۳۳
والجواب: أنَّ التفضيل من حيثُ المعنى لا من حيث الصفة، ومما لا شك فيه أنَّ المعاني تتفاوتُ وتتفاضل، فمعاني (سورة الإخلاص) أفضل من معاني (سورة تبت يدا أبي لهب، ومعاني وَإِلَهُكُمْ إِلَهُ وَاحِدٌ ﴾ [البقرة: ١٦٣] أفضل من معاني ثَمَنِيَةَ أَزْوَجٌ مِن الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ﴾ [الأنعام: ١٤٣]، وعلى هذا الأساس جاءتِ الأحاديث الصحيحة بتفضيل (آية الكرسي)، و(قل يا أيها الكافرون)، و(المعوذتين) ونحوها، مع أنَّ الكل كلام الله
تعالى.
42
1119
قوله: فذكر الحديث»، قلتُ: بقيته: «فَشَكَا ذلك إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال: «اذْهَبْ فإذا رأيتها فقل: أجيبي رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم»، قال: فأخذها فحلفت ألا تعود فأرسلها فجاءَ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال: «ما فعَلَ أسيرك؟» قال: حلفت ألا تعود، قال: «كذبت وهي معاودة للكذب». قال: فأخذها مرة أخرى فحلفت ألا تعود فأرسلها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «ما فعل أسيرك؟» فقال: حلفت ألا تعود، فقال: «كذبتْ وهي معاودة للكذب». فأخذها فقال: ما أنا بتاركك.
48
1125
:قوله رواه أيضًا بنحوه من حديث النواس بن سمعان، قلت: لفظ روايته: «يُؤتى بالقرآنِ يومَ القيامةِ وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقدمه (سورة البقرة) و(آل عمران)»، وضَرَبَ لهما رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتُهنَّ بعد، قال: «كأنها غمامتان أو ظُلَتانِ سود أو
٣٣٤
الحديث الشريف
أن بينهما شَرْقٌ أو كأَنَّها فِرقانِ من طيرٍ صَواف يُحَاجَانِ عن صاحبها».
50
1126
منْ حفِظَ عشرَ آياتٍ مِنْ أَوَّلِ (سورة الكهف) عُصِمَ مِنَ الدَّجالِ». لأن فيها الإشارة إلى أصحاب الكهف الذين هربوا بدينهم حتى لا يرغموا على الشرك بالله تعالى، فإذا قرأها مسلم قوي إيمانه، واستطاع مقاومة الدَّجال فيعصم من فتنته، كما عُصِم أهل الكهف من فتنة ملكهم الذي كان يريد إرغامهم على الكفر، وأيضًا فإنَّ قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لما [الكهف: ٧] الآية، يفيد لمن تدبَّره أنَّ ما أوتيه الدجال من بسطة العيش وتمكن في وسائل الحياة والترف ما هو إلا من زينة الأرض التي جعلها الله، وأن إذهاب ذلك هيّن عليه، فيقوى إيمانه ويظهرُ له زيفُ ما يدعيه الدجال فلا
ينخدع به . وأما على رواية: «منْ قرأَ عشْرَ آياتٍ منْ آخر سورة الكهف» فلأنها مفتتحة بقوله تعالى: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِى مِن دُونِ أَوْلِيَاءَ ﴾ [الكهف: ١٠٢] وهذا إنذار وتهديد لمن اتخذ إلها مع الله من عباده، وما الدجال إلا عبد حقير يهودي ذليل يحمل طابع ضعفه وذله، فيربأ بعقله أن يسلم قياده لمثل هذا المخلوق المهين، ثمَّ إذا تلا ختامها فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَلِحَا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: ۱۱۰] تأكَّد له زوال الدجال وهلاك سلطانه، وأن مرجع الجميع إلى الله تعالى فيزداد إيمانه ثباتا ويقينه رسوخا، وليس بين الروايتين تناقض، بل كلاهما صحيح، وينبغي قراءة العشر من أول السورة
ومن آخرها.
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح .
52
1128
٣٣٥
البقرة سَنَامُ القرآنِ وذرْوَتُهُ» أي أعلاه، وعطف ذروة على سنام
عطف مرادف للتأكيد، وإنّما كانت كذلك لكثرة أحكامها ومواعظها بحيث لا تلحقها في ذلك سورة غيرها. قال ابن العربي: «سمعتُ بعض أشياخي يقول: فيها ألفُ أمر، وألفُ نهي، وألفُ حكم، وألف خير». وكان خالد بن معدان يسميها فُسطاط القرآن.
وروى الخطيب في كتاب " الرُّواة عن مالك" من طريق مرداس بن محمد بن بلال الأشعري: ثنا مالك، عن نافع عن ابن عمر قال: تعلم عمر البقرة في
كذلك یس
اثنتي عشرة سنة، فلما ختمها نحرَ جَزورًا. وفي "الموطأ" لمالك: أنه بلغه أن عبدالله بن عمر مكث على (سورة البقرة) ثمان سنين يتعلمها. ويس قلبُ القرآن قلب الشيء لبه وخالصه وإنَّها كانت : لأنها تشتمل على أصول الاعتقاد وهي توحيد الله والبعثُ والقيامة، . التدليل والتعليل بحيثُ لم تكن سورة غيرها مثلها في ذلك، ولهذا شرعت
مع
قراءتها على المحتضر لأنّها تذكره بالبعث وتشوقه إلى الجنة فيسهل عليه الموتُ طلبا لما عند الله وطمعا في رحمته.
قوله: «وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم قوله: يس قلب القرآن.... إلخ. قلت: كذا قال تبعا لشيخه، والذي رواه أبو داود والنسائي
وابن ماجه حديث: «اقرأوها على موتاكم». يعني (يس).
60
1136
تزوج تزوّج أي وعلّم المرأةَ ما معك من القرآن، فهو مهرها،
وهذا كما ثبت في الصحيحين في حديث الواهبة، وقول النبي صلى الله عليه
٣٣٦
الحديث الشريف
من
وآله وسلّم لمن طلب زواجها وليس عنده شيء: «قد زوجتكَها بما معَكَ . القُرآن». ويؤخذ منه جواز جعل المنفعة مهرًا، ولو كانت تعليم القرآن، وبه
قال الشافعي واسحاق بن راهويه والحسن بن صالح، وفي المسألة خلاف ليس هذا موضع بسطه.
تنبيه: سلمة بن وردان، ضعيف، قال أبو حاتم: «ليس بقوي، عامة ما عنده عن أنس منكر ، وقال ابن معين حديثه ليس بذاك»، ولذا قال الحافظ في "الفتح": «هذا حديث ضعيفٌ لضعفِ سلمة، وإن حسنه الترمذي، فلعله تساهل فيه لكونه من فضائل الأعمال.
61
1137
هذا الحديث ضعيف كما قال الترمذي، وإن صححه الحاكم، لأنَّ في سنده يمان بن المغيرة العنزي؛ ضعيفٌ.
62
1138
: «إنَّ الله عزّ وجلَّ جزأ القرآنَ ثلاثةَ أجزاءٍ يعني أ أنَّ الله تعالى جزاً
معاني القرآن إلى ثلاثة أجزاء: أحكام وأخبار وتوحيد، و(قل هو الله أحد) تشتمل على التوحيد، فهي ثلث القرآن.
قال بعض العلماء: تضمَّنت سورة (قل هو الله أحد) توجية الاعتقاد، وصدق المعرفة، وما يجب إثباته الله من الأحدية المنافية لمطلق الشركة، والصمدية المثبته له جميع صفاتِ الكمال الذي لا يلحقه نقص، ونفي الولد والوالد المقرر لكمال الغنى، ونفي الكفء المتضمن لنفي الشَّبيه والنظير، وهذه مجامع التوحيد الاعتقادي، ولذلك عادلت ثلث القرآن.
تنبيه: فات المؤلف أن يذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۳۳۷
قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم لأصحابه: «أيعْجِزُ أحدُكُم أنْ يقرأ ثلث
القرآن في ليلة؟» فشق ذلك عليهم، وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟
فقال: «الله الواحد الصَّمَدُ ثلث القرآنِ» رواه البخاري.
وروى أحمد والنسائي من حديث أبي مسعود الأنصاري مثله.
66
1142
قوله فيختم بقل هو الله أحد»، أنه بعد قراءة (الفاتحة)
يعني
والسورة، يقرأ ( سورة الإخلاص) ثم يركع، وفيه دليل على الجمع بين سورتين
غير الفاتحة في ركعة.
67
1143
- قوله: (وفي رواية للبخاري من حديث أنس». قلت: في "صحيح
البخاري" في باب الجمع بين السورتين في ركعة: وقال عبيد الله بن عمر، عن ثابت، عن أنس: كان رجلٌ من الأنصارِ يؤمهم في مسجد قباء، فكان كلما أحد، حتى
افتتح سورةً يقرأ بها لهم في الصَّلاة، مما يقرأ به، افتتح بقل هو الله أحد . يفرغ منها، ثم يقرأ بسورةٍ أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه، وقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة، ثمَّ لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بالأخرى، فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعَها وتقرأ بأخرى، فقال ما أنا بتاركها، إن أحببتُم أن أؤمكم بذلك ،فعلتُ، وإن كرهتم تركتكم. وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أخبروه الخبر، فقال: «يا فلانُ ما يمنَعُكَ أن تفعل ما يأمر به أصحابُكَ؟ وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟» فقال: إني أحبها، فقال: «حبك إياها أدخلك الجنة».
۳۳۸
الحديث الشريف
هكذا رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم، ووصله الترمذي والبزار والبيهقي، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب»، وظاهر صنيع المؤلف - كشيخه - أن هذا الحديث وحديث عائشة واحد، والواقع أنها حديثان، ولكل
منهما سبب خاص به، والدليل على ذلك أمور:
الأول: أنَّ الإمام في حديث عائشة كان أمير سرية، أما الإمام في حديث
أنس فكان راتبا مقيما بقباء.
الثاني: أنَّ أمير السرية كان يختم بقل هو الله أحد، وإمام قباء كان يبدأ بها . الثالث: أنَّ أمير السرية لم يراجعه أصحابه في قراءتها، وإمام قباء راجعه
أصحابه في شأنها، حتى عرض عليهم بأن لا يؤمهم.
الرابع: أنَّ أمير السَّرية أمر النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أصحابه أن يسألوه: لم يقرأها؟ وإمامُ قباء سأله النبيُّ صلى الله عليه ويله وسلم بنفسه
مباشرة.
الخامس: أنَّ أمير السرية أجاب بأنها صفة الرحمن فبشره بواسطة أصحابه
بأن الله يحبه، وإمام قباء أجاب بأنه يحبها فبشره بالجنة.
قال ناصر الدين ابن المنير: «في هذا الحديث دليل على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه، والاستكثار منه، ولا يعد ذلك هجرانًا لغيره».
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
أبواب الذكر
۳۳۹
1
1149
سَبَقَ «المفرِّدُونَ» بكسر الراء المشددة وهم في الأصل الذين هلك
أقرانهم، وانفردوا عنهم، والمراد بهم في الحديث: المنقطعون لذكر الله تعالى. الذاكرون الله كثيرًا» في "صحيح مسلم" زيادة: «والذاكرات» وهو على
وفق الآية الكريمة.
2
1150
اختصر المؤلفُ الحديث ولفظه: «وإنَّه كاد أن يبطيء بها، قال عيسى: إنَّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمرَ بني إسرائيلَ أنْ يعملُوا بها، فإما أن تأمرهم وإما أنْ ،آمرهم فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أنْ يُخسف بي أو أعذَّبَ، فَجَمَعَ الناسَ في بيت المقدس، فامتلأ وقعدوا على الشرف، فقال: إنَّ الله أمرني بخمس كلماتٍ أن أعمل بهنَّ وآمركم أن تعملوا بهنَّ، أولاهنَّ : أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئًا، وإنَّ مثل من أشرك بالله مثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو وَرِقٍ، فقال: هذه داري وهذا عملي، فاعمل وأد إليَّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيده، فأيكُم يرضَى أَنْ يكون عبده كذلك؟ وأنَّ الله أمركم بالصَّلاةِ، فإذا صلَّيتُم فلا تلتفتوا، فَإِنَّ الله ينصب وجهَه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفتْ. وأمركم بالصِّيامِ، فإنَّ مثل ذلك كمثل رجل في عِصابة معه . صُرَّةٌ فيها مسك، فكلهم يعجبه ريحها وإنَّ ريح الصائم عند الله أطيب من ريح المسْكِ، وأمرَكُم بالصَّدقةِ فَإِنَّ مثل ذلك كمثل رجل أسرَهُ العدو فأوثَقوا يدَه إلى عنقه وقدَّموه ليضربوا عنقه، قال: أنا أفدي نفسي منكم بالقليل والكثير، فقَدَى نفسه منهم».
٣٤٠
الحديث الشريف
وذكر الأمر بالذكر كما ذكره المؤلفُ، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهنَّ: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة فإنَّه من فارق الجماعة قيدَ شِيرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإسلامِ من
عُنقه، إلا أن يراجع، ومن ادعى دعوى الجاهلية فإِنَّه من جنَّاءِ جهنَّم». فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ فقال: «وإن صلى وصام،
5
فادْعُوا بدَعْوى الله التي سماكم: المسلمين، المؤمنين، عباد الله». 1153 وإن ذكرني في ملإ ذكرتُه في ملإ خير منهم»، يؤخذ منه جواز الذكر في جماعة جهرًا، وللحافظ السيوطي رسالة "نتيجة الفكر في الجهر بالذكر". ويؤخذ منه أيضًا تفضيل الملائكة على خواص البشر، وهو الحق الذي يجب اعتقاده، وقد بينتُ ذلك بأدلته في تعليقاتي على كتاب "الحبائك في أخبار الملائك" للحافظ السيوطي.
9
1157
: هذا الحديث ليس على إطلاقه، بل هو محمول على طائفة لم يقدروا على الجهاد لعذر مادي أو بدني مع رغبتهم فيه، وحرصهم عليه، فجعل الله لهم في الذكر هذا الفضل العظيم لعلمه بصدق نياتهم، أما الجهاد لمن قدر عليه أو
تعين في حقه فهو في الذروة من الفضل، لا يلحقه ذكر ولا حج ولا غيرهما. : «صقالة» بالصَّاد والسِّين؛ أي جلاء ، يقال : صَقَلَ السَّيف إذا جلاه،
12
1160
والمعنى أن القلوب تصدأ بالغفلاتِ والشَّهوات، وجلاؤُها ذكر الله تعالى. قوله: «سعيد بن سنان»، قيل فيه: ذلك، وقيل فيه، وهو أصح: سعد بن سنان، ويقال: سنان بن سعد . الكندي المصري، قال ابن حِبَّان في "الثقات":
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٣٤١
حدث عنه المصريون، وأرجو أن يكون الصحيح سنان بن سعد». وكذا
صححه البخاريُّ ، وابن يونس في تاريخ" "مصر"، قال ابن سعد والنسائي:
منكر الحديث»، وقال ابن معين: «ثقة».
17
1165 18
1166
- هذا هو الحديث التاسع من " الأربعين العُمارية في شكر النعم". ورواه مسلم بلفظ: «مثلُ البيت الذي يُذكَرُ فيه الله، والذي لا يُذكَرُ
فيه، مثل الحي والميت».
31
1179
قوله «ميمون المرائي، كذا بالأصل، والصواب حذف الألف التي بعد الراء المفتوحة، وهو ميمون بن موسى البصري المرئي، نسبة إلى امرئ القيس، بطن من مضر، صاحب الحسن البصري، قال أحمد: «ما أرى به بأسا، كان يدلس»، وقال الفلاس: «صدوق، ولكنه يدلُّسُ».
وكذا وصفه بالتدليس النَّسَائِيُّ والسَّاجِيُّ، والدارقطني، وذكره ابن حِبَّان في "الثقات" وفي "الضعفاء"، وقال: منكر الحديث»، وقال أبو داود: «ليس
به بأس»، وقال أبو أحمد الحاكم: «ليس بالقوي».
34
1182
- أشار المؤلفُ إلى ضعف هذا الحديثِ، وذلك أنَّ في إسناده زائدة بن
أبي الرقاد، عن زياد بن عبدالله النميري، وهما ضعيفان. لكن قال الحافظ الهيثمي : كلاهما وثق على ضعفه، فعاد هذا الحديث
إسناده حسن.
قلت: يؤخذ من هذا أنه إذا قال في الإسناد: رجاله وتقوا، أو موثقون، فهو في نظره حسن، وعلى هذا دَرَجَ المناوي في "شرح الجامع الصغير"، فإنَّه كثيرًا
٣٤٢
الحديث الشريف
ما يقول في الحديث: «إسناده حسن»، معتمدًا على قول الهيثمي: «رجاله وتقوا
أو موثقون».
35
1183
في إسناد هذا الحديث عمر بن عبد الله مولى غفرة، وليس من شرط الصحيح، ولكن الحديث حسن كما قال المنذري .
39
1187
ا فينتقُونَ أطايب الكلام» أي يتنقلون بين أنواع الذكر من هيللة إلى تسبيح إلى تحميد إلى مدارسة للقرآن وتفهم معانيه قوله: «وإسناده حسن إن شاء الله، وقال الحافظ الهيثمي : رجاله موثقون». وهذا يؤيد ما قدمناه أنه إذا أطلق هذه العبارة أراد بها حسن الإسناد في نقده.
41
1189
- أوَّلُ منكَ برفع أول صفةٌ لـ «أحد» أو بدل منه، وبالنَّصب مفعول
منه
ثان لـ «ظننت»، أو حال من «أحد»، وإن كان نكرة، والمسوغ لمجيء الحال من
وقوعه في سياق النفي، و «أوَّل» في الحالين غير منوَّن، لمنعه من الصرف. وفي الحديث فضيلة ظاهرة لأبي هريرة رضي الله عنه، وفضل الحرص على تحصيل العلم. أسعد الناس بشفاعتي قال الحافظ ابن حجر: «معنى أسعد: الفعل، لا أفعل التفضيل، أي سعيد الناس، ويحتمل أن يكون أفعل التفضيل على بابه، وأنَّ كلَّ أحدٍ يحصل له سعد بشفاعته، لكنَّ المؤمن المخلص أكثر سعادة بها، فإنه صلَّى الله عليه وآله وسلّم يشفعُ في الخلق لإراحتهم من هول
الموقف، ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب، كما صح في حق أبي طالب، ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار بعد أن دخلوها، وفي بعضهم بعدم دخولها بعد أن استوجبوا دخولها، وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب، وفي
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٣٤٣
بعضهم برفع الدرجاتِ فيها، فظهر الاشتراك في السَّعادة بالشفاعة، وأن
أسعدهم بها المؤمنُ المخلص » . اهـ
42
1190 في إسناد هذا الحديث درّاج أبو السمح، وليس من شرط الصحيح.
45
1193
: ما اجتنبت الكبائر» هذا شرط في إفضاء كلمة التوحيد إلى العرش، وحديث: من قال لا إله إلا الله، ومدَّ بها صوته، هدمت له أربعة الآف ذنب من الكبائر»، موضوع مكذوب.
49
1197 مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله» أي وأنَّ محمدا رسول الله،
فصَارَ أحد جزأي الشَّهادة اسمها لها بمجموعيها.
منكر.
50
1198
52
1200
54
1202
في إسناده عبدالله بن إبراهيم بن أبي عمرو، ضعيف جدا، والمتن
في متن هذا الحديث نكارة، قاله المنذري
قوله: فذكر الحديث بتمامه»، قلت بقيته: وبقول سبحان الله
العظيم وبحمده، فإنَّها عبادة الخلق وبها أرزاقهم، وأنهاك عن اثنتينِ الشِّركِ والكبر فإنهما يحجبانِ عن الله فقيل: يارسول الله أمِنَ الكبر أن يتخذَ الرَّجلُ الطعام فيكون عليه الجماعةُ ؟ أو يلبس النظيف؟ قال «ليس» يعني بالكبر «إِنَّما الكبرُ أنْ تُسَفّه الحقِّ وَتَعْمِصَ النَّاسَ».
قوله: «ورواه الحاكم بنحوه» إلخ. قلت: هذه أيضًا رواية أحمد من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص قال : كُنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتى أعرابي عليه جبة طيالسة مكفوفة بديباج فقال: إنَّ صاحبكم هذا - يريد
٣٤٤
الحديث الشريف
النبي صلى الله عليه وآله وسلم - يريد أن يضع كل فارس، ويرفع كل راع ابن راع، فأَخَذَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمجامعِ جُبَّته وقال: «ألا أرى عليك لباس من لا يعقِلُ»، ثمَّ رَجَعَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجلس فقال: إنَّ نوحًا عليه السلام لما حضَرته الوفاة دعا ابنيه فقال: إني قاصر عليكما الوصية، آمركما باثنتين وأنها كما عن اثنتين، أنها كما عن الشرك والكبر، وأمركما بلا إله إلا الله ...» الحديث. قال عبدالله: قلتُ: يارسول الله ، هذا الشرك قد عرفناه، فما الكبر؟ الكبر أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان؟ لهما شراكان حسنان؟ قال: «لا» قلت: هو أن يكون لأحدنا حلَّةٌ يلبسها ؟ قال : ((لا قلت هو أن يكون لأحدنا دابة يركبها؟ قال: «لا» قلت: فهو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: «لا» قيل:
يارسول الله فما الكبر ؟ قال : «سفة الحقِّ وغَمْصُ الناس»، إسناده جيد. وإِنَّما ذَكَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وصية نوح عليه السلام بعد قول الأعرابي ما قال مما يدلُّ على احتقاره للناس وغمصهم، فكانت مناسبتها واضحة.
58
1206
: قوله: «بالگدِيدِ، أو بقدِيد». الأول: ماء بين الحرمين الشريفين، والثاني: موضع بينهما. وللحديث بقية وهي: «وقد وعدني ربي عزَّ وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عذابَ، وإِنِّي لأرجو أن لا يدخلوها حتّى تبوَّءُوا أنتُم ومن صلح من آباءكم وأزواجِكُم وذرارِيكُم مساكن في الجنَّة». قال الحافظ الهيثمي : رجاله موثقون»، قلت: يعني أن إسناده حسن كما قال المؤلف.
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
59
1207
يؤخذ من
٣٤٥
، هذا الحديث أن الميزان يوم القيامة حقيقي، له كفَّتَان
كسائر الموازين المعهودة، وبذلك صرّحت الأحاديث الكثيرة البالغة حد التواتر، وأفاده ظاهرُ القرآن أيضًا، وذكره أهل السنة في معتقداتهم، فلا عبرة بالمعتزلة، ولا بالمبتدعة أعداء السُّنة في هذا العصر حيث أنكروا الميزان وزعموا
أنه كناية عن العدل.
61
1209 قوله: رواه الطبراني بإسناد حسنٍ». قلت: كذا قال، ولكن في إسناده سليم - بضم السين - ابن عثمان الفوزي الحمصي، أبو عثمان. ضعفه أبو زرعة، وقال في أحاديث رواها: «هذه الأحاديث مسوّاة موضوعة»، وقال أبو حاتم: «عنده عجائب، وهو مجهول».
وذكره ابن حِبَّان في "النقات"، وقال: روى عنه سليمان بن سلمة الخبائري الأعاجيب الكثيرة ولستُ أعرفه بعدالة ولا جرح»، وقال محمد بن عوف: «كان شيخًا صالحا»، وقال الحسن بن سفيان في "مسنده": حدثنا إسحاق بن إبراهيم الزبيدي الحمصي : ثنا سليم بن عثمان، وكان ثقة: سمعت محمد بن زياد يقول. فذكر حديثًا في قراءة سورة الإخلاص)، في ركعتي الفجر. قال الحافظ : وهو غريب من هذا الوجه - يعني من حديث أبي أمامة - مشهور من حديث أبي هريرة وغيره». اهـ
62
1210
عمرو بن شعیب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص فجده هنا
هو عبد الله بن عمرو.
64
1212
هذا الحديث رواه الترمذي في كتاب البر من "جامعه"، ولم يذكر فيه
٣٤٦
الحديث الشريف
الهيللة، وقال: حديث حسن صحيح غريب»، وقال الترمذي أيضًا: «ومعنى قوله: «مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ ورِق إنما يعني به قرض الدراهم، وقوله: «أو هَدَى زُقَاقًا إِنَّما يعني به هداية الطريق وهو إرشاد السبيل».اهـ
وفي "صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «أربعون خصلة أعلاهنَّ منيحة العنْزِ، ما من عامل يعمل بخَصْلةٍ منها رجاءَ ثوابها وتصديق موعُودِها إلا أدخله الله بها الجنة»، قوله: وتقدم في «القرض كذا بالأصول، وهو سهو، فلم يتقدم له باب
القرض ولا ذكر له - أي للقرض - فيما يأتي من أبواب الكتاب.
67
1215
قوله: (وفي سنده جابر الجعفي، مختلف فيه». قلت: له طريق آخر، أخرجه ابن منده في "الصَّحابة" من طريق عبدالرحمن بن محمد العرزمي، عن أبيه، عن ابن أبي المجالد - واسمه عبدالله - عن زيد بن وهب، عن أبي المنذر
68
الجهني به . 1216 في سنده راو متروك، فضعفه شديد.
70
1218
: «سبحان الله» أي أنزه الله تنزيها عن كل نقص، كالشريك والولد
والوالد ومشابهة المحدثات، وبحَمْدِه» معنى الحمد: إثبات الكمال الله تعالى، أي: وبكماله نزهته، لأنَّ الكمال الواجب له تعالى يستلزم تنزيهه عن النقائص فاشتملت هاتان الكلمتان على خلاصة التوحيد تنزيه الله عن النقائص،
وإفراده بالكمال، وهذا أحبُّ الكلام إلى الله تعالى.
75
1223
أبو طلحة: هو الأنصاري زوج أم سليم، روى أبو يعلى بإسناد
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٣٤٧
صحيح عن أنس قال: مات أبو طلحة غازيًا في البحر فما وجدوا جزيرة
يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام، ولم يتغير.
76
1223
79
- أيوب بن عتبة اليماني، أبو يحيى، قاضي اليمامة، ضعيف. 1226 رجال إسناده ثقات إلا يحيى بن عمرو بن مالك النكري، ضعيف. وقال الدارقطني: «صويلح، يعتبر به».
80
1227 85
1232
. هذا من أحاديث " الأربعين النووية"، وتقدم.
- رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" بزيادة: «ولا حول ولا قوَّةَ
إلا بالله» وإسناده ضعيف.
96
1243
: هذا هو الحديث الخامس والعشرون من "الأربعين النووية" وروي
معناه عن أبي ذرّ من طرق كثيرة، ومن طرقه عند الإمام أحمد عن أبي ذرّ قال : قلت: يارسول الله ذهب الأغنياء بالأجر يتصدقون ولا نتصدق. قال: «وأنتَ فيك صدقة: رفعُكَ العظمَ عن الطريق صدقة، وهدايتكَ الطَّريق صدقة، وعونك الضعيف بفضل قوتك صدقة، وبيانُكَ عَنِ الأَرْثَمِ صدقةٌ، ومباضَعَتُكَ أمرأتك صدقة» قلتُ: يارسول الله نأتي شهوتنا ونؤجَرُ؟ قال: «أرأيتَ لو
جعلت ذلك في حرام أكنتَ تأثمُ؟» قلت: نعم؛ قال: «أفتحتسبونَ بالشَّرِّ ولا تحتسبون بالخير ؟!».
وفي رواية أخرى عند الإمام أحمد أيضًا قال: «إنَّ من أبواب الصدقة التكبير، وسبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله وأستغفر الله، وتأمرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتعزلُ الشَّوكةَ عن الطريق، والعظم والحجر،
٣٤٨
الحديث الشريف
وتهدي الأعمى، وتُسْمِعُ الأَصَمَّ والأبكَم حتى يفقه، وتدلُّ المستدل على حاجةٍ له قد علمت مكانها، وتسعى بشدَّةِ ساقَيْكَ إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدَّةِ
ذراعيك مع الضعيف، كلُّ ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك، ولك في
جماع زوجتك أجر قلت كيف يكون لي أجرٌ في شهوتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أرأيتَ» لو كانَ لكَ ولدٌ فأدرك ورجوت خيره فمات أكنتَ تحتسب به؟ قلت نعم؛ قال: فأنتَ خلفته؟» قلت : بل الله خلقه. قال: «أفأنت هديته؟ قلتُ : بل الله هداه. قال: «أفأنتَ كنتَ ترْزُقُه؟» قلت: بل الله كان يرزقه. قال: «كذلك فضعه - أي المني - في حلالِه وجنبه حرامه فإنْ شاء الله أحياه وإن شاء أماته ولك أجر».
ولا يخفى ما في إيراد هذين الطريقين من الفائدة.
وفي قوله عليه السلام: «أرأيتُم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر.... إلخ دليل للأصوليين في قولهم بقياس العكس، وعرَّفوه بأنه: «إثبات عكس حكم ء لمثله، لتعاكسهما في العلة». فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أثبت الأجر في وضع الشهوة في الحلال وهو عكس الحكم الذي هو ثبوت الوزّرِ على وضع الشهوة في الحرام، وعلتهما متعاكسة لأنَّ علة ثبوت الوزر: الوضع في حرام،
شيء.
وعلة ثبوت الأجر: الوضع في حلال.
97
1244
: أبو سلمى، اسمه: حُرَيتُ بالتَّصغير. «بخ بخ» كلمة تقال عند مدح
الشيء والرّضا به، وتكرر للمبالغة.
98
1245
قوله: «ثم تلا قوله تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّلِحُ
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٣٤٩
يرفعه [فاطر: ۱۰]، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: الكلم الطيب ذكر الله تعالى يصعد به إلى الله عزَّ وجلَّ، والعمل الصالح أداء الفريضة، فمن ذكر الله تعالى في أداء عمله ذكر الله تعالى يصعد به إلى الله عزّوجل، ومن ذكر الله تعالى ولم يؤد فرائضَه رُدَّ كلامه على عمله فكان أولى به». وقال مجاهد : العمل الصالح يرفعه الكلام الطيب». وهو بمعنى كلام ابن عباس. وهكذا قال عكرمة والنَّخعي والضحاك والسَّدي وغيرهم. وقال أياس بن معاوية القاضي: لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام»، وقال الحسن وقتادة : «لا يقبل قول إلا بعمل».
100
1247
: قوله: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "الذكر" عن سلمة بن وردان عنه»، قال المنذري: «وهو إسناد متصل حسن»، قلت: وإن كان سلمة ضعيفًا
فقد حسن له الترمذي .
102
1249
أم هانئ هي بنت أبي طالب أخت علي رضي الله عنهما، اسمها فاختة وهو الأشهر، وقيل: فاطمه، وقيل: هند، وورد أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم خطبها فقالت: يارسول الله، لأنتَ أحبُّ إلي من سمعي وبصري، وحق الزوج عظيم، وأنا أخشى أن أضيعَ حقَّ الزوج، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خير نساء ركبْنَ الإبل نساءُ قريش أحناه على ولد في صِغَرِه...» الحديث. وسمعتُ أزهريًا يعدها في أمهات المؤمنين، فنبهته إلى غلطه، لأنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يتزوجها قط.
103
1250 وقال ابن جرير : وجدتُ في كتابي، عن الحسن بن الصباح البزار،
۳۵۰
الحديث الشريف
عن أبي نصر التّمار، عن عبد العزيز بن مسلم، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبرُ، هُنَّ الباقيات الصالحات». إسناده ضعيف. وجاء من غير واحد من السلف تفسير الباقيات الصالحات بالخمس الكلمات، كما جاء في حديث الترجمة، منهم: عثمان بن الله عنه عند الإمام أحمد في "المسند" ، وابن عمر رضي الله عنهما
عفان رضي رواه ابن جريج، عن عبدالله بن عثمان بن خُثيم، عن نافع، عن عبدالله بن سَرْجِسَ : أَنَّه أخبره أنَّه سأل ابن عمر عن الباقيات الصالحات ؟ قال: لا إله إلا الله والله أكبر، وسبحانَ الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. وسعيد بن المسيب، رواه مالك.
تنبيه حديث أبي سعيد الخدري في سنده دراج أبو السمح وفيه كلام؛ لكن وثقه ابن معين، وصحَّحَ له الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وللحديث مع هذا شواهد فهو صحيح، وإن كان الحافظ الهيثمي اقتصر على
تحسينه.
104
1251
قوله : ورجاله ثقات إلا عمر بن راشد اليامي، وقد ونق». قلت:
وثقه العجلي حيث قال: لا بأس به، وقال المنذري: «ولا بأس بهذا الإسناد
في المتابعات».
105
1252
حاتم بن أبي صغيرة، قال أحمد: «ثقة ثقة»، قلت: واحتج به
أصحاب الكتب السِّتَّةِ .
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
107
1254
مختصرا
108
1255
٣٥١
: لهذا الحديث طريق آخر ذكرناه فيما تقدم، حيث أورده المؤلف
سلمى هذه خادمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، روى الترمذي عنها قالت: ما كان يكون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرحة إلا أمرني
أن أضع عليها الحناء.
110
1257
هذا الحديث والذي بعده يفيدان أنَّ الذكر بلفظ يفيد عددًا كثيرًا أو مقدارًا كبيرًا يكون أجره مساويا لأجر تكريره وقد سئل سلطان العلماء عز الدين ابن عبدالسلام عمن يأتي في التسبيح
بلفظ يفيد عددًا كثيرا كقوله سبحان الله عدد خلقه، أو عدد هذا الحصى، وهو ألف، هل يستوي أجره في ذلك وأجر من كرر التسبيح قدر ذلك العدد؟ فأجاب: «قد يكون بعض الأذكار أفضل من بعض لعمومها وشمولها الأوصاف السلبية والذاتية والفعلية، فتكون السلبية من
واشتمالها على جميع هذا النوع أفضل من الكثير من غيره، كما جاء في قوله صلى الله عليه وآله
وسلم سبحان الله عدد خلقه» . اهـ
وهذا يقتضي
أنه إذا اتحدَ النَّوعُ فأجرُ التكرار أفضل، لئلا يلزم مساواة
العمل القليل للعمل الأكثر مع التساوي في سائر الأوصاف .
وسئل الإمام أحمد بن عبدالعزيز النويري: هل الأفضل الإتيان بسبحان الله
عشر مرات؟ أو بقوله: سبحان الله عدد خلقه مرة؟ فأجاب: الظاهر أن قوله: سبحان الله عدد خلقه مرة أفضل، واستدل بحديث جويرية وغيره.
٣٥٢
الحديث الشريف
ثم قال: «وقد يكون العمل القليل أفضل من العمل الكثير، كقصر الصلاة في السفر أفضل من الإتمام، لكن لو نذر أن يقول: سبحان الله عشر مرات فإنَّه لا يخرج عن عهدة النذر بقوله: سبحان الله عدد خلقه، لأنَّ العدد في النَّذر مقصود وقد صرَّحَ إمام الحرمين أنه لو نذر أن يصلّي ألف صلاةٍ لا يخرج عن عهدة نذره بصلاة واحدة في الحرم المكي وإن كانت تعدلها من حيثُ الثَّواب، ومثله ما في معناه من الأخبار كخبر «سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآنِ» فلا يخرج من عهدة نذره بقراءتها مرة» . اهـ
وينساق الكلام إلى الصلاة على النبي عليه السلام بلفظ يفيد عددًا كثيرًا هل يساوي أجره أجر تكرير ذلك العدد؟ روى ابن بشكوال الحافظ في كتاب "القربة إلى رب العلمين بالصلاة على سيد المرسلين" بإسناده إلى أبي المطرف عبدالرحمن بن عيسى قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من صلى على في يومٍ خمسين مرةً صافحته يوم القيامة»، وذكر أبو الفرج عبدوس أنه سأل أبا المطرف عن كيفية ذلك؟ فقال: «إن قال: اللهم صل على محمد خمسين مرة أجزأه إن شاء الله تعالى، وإن كرر ذلك فهو أحسن» . اهـ
وتوقف الإمام ابن عرفة في حصول الثَّوابِ بعدد ما ذكر وقال: إنه يحصل له ثواب أكثر ممن صلى مرة لا ثواب ذلك العدد. قال: ويشهد لما ذكر حديث: منْ قالَ سبحان الله عدد خلقه»، من حيثُ إِنَّ للتسبيح بهذا اللفظ مزيةً، وإلا لم تكن له فائدة، وقد يشهد لإثباتِه بقدر ذلك العددِ من طلق ثلاثا فإنَّه يلزمه الأعداد الثلاثة، نَقَلَه تلميذه العلامة الأُيُّ في "شرح مسلم"، قال ابن علان
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٣٥٣
الصديقي في "الفتوحات الربانية: وأنت خبير بأن خبر جويرية شاهد بإثباته بقدر ذلك».
تنبيه: لفظ «عدد خلقه منصوب على الظرفية، وكذا ما بعده، نص عليه الحافظ السيوطي في حاشية سنن أبي داود"، وألف فيه رسالة "رفع السِّنَةِ في
نَصبِ الزَّنة" وهي من رسائل "الحاوي للفتاوي".
111
1258 114
1261
- جويرية هي بنت الحارث، أم المؤمنين رضي الله عنها.
للحديث طريق آخر أخرجه الطبراني في "الأوسط" وأبو الشيخ بن
حيان في "ثواب الأعمال" ولفظه: «نَزَلَ جبريل عليه السَّلامُ فقال: يا محمد إنَّ سَرَّكَ أنْ تعبد الله ليلة حقّ عبادتِه فقُل: اللهم لك الحمد حمدا خالدًا مع خلودِك ولك الحمد حمدا دائما لا منتهى له دونَ مشيئَتِكَ، وعند كلَّ طَرْفَةِ عينٍ أو تنفس
نفس». وفي إسناده علي بن الصلت العامري؛ مجهول.
119
1266
قيس بن سعد بن عبادة خَدَمَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين وفي "صحيح البخاري عن أنس قال: كان قيس بن سعد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير، وكان سخيا شجاعًا، شريف قومه وأحد دهاة العرب، شَهَدَ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم المشاهد، ثم كان مع عليّ رضي الله عنهما، وشهد معه مشاهده فاحتال عليه معاوية فلم ينخدع له، ثمَّ كان مع الحسن بن علي رضي الله عنهما حتى تنازل
لمعاوية فرجع إلى المدينة.
122
1269 في إسناد الحديث بشر بن رافع أبو الأسباط وليس من شرط الصحيح.
٣٥٤
123
1270 125
1272
في إسناد الحديث خالد بن نجيح، وهو كذاب.
الحديث الشريف
: الحديث باللفظ الذي أورده المؤلفُ رواه ابن أبي الدنيا في كتاب " الذكر "، أما الطبراني فلم يذكر في روايته: «ما شاء الله».
127
1274
: هذا الحديث ضعيفٌ في إسناده محمد بن عبدالرحمن بن البيلماني عن أبيه، وهما ضعيفان فكان على المؤلف أن يشير إلى ضعفه حسب اصطلاحه، ولعله سها.
129
1276 قوله : من طريق خالد بن طهمان عن معقل بن يسار كذا بالأصول. والصواب من طريق خالد بن طهمان حدثني نافع، عن معقل بن يسار ولعله
سقط من النساخ، وخالد ضعيف وثق، وحسن له الترمذي.
132
1279
: هذا الحديث عام في كل خير من ذكر أو صلاة أو صدقة، وليس خاصا بالذكر كما يقتضيه صنيع المؤلف.
133
1280
وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث بريدة رضي الله
عنه. وأنا على عهدك هو الإقرارُ بالتَّوحيد المأخوذ على المكلفين جميعا في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّنَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ برتكم قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: ۱۷۲]، أو هو الأمانة المذكورة في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا
الإنسَنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: ۷۲] الآية.
والأمانة: هي التكاليف التي عهد الله بها إلى المكلف، وحمله مسؤلية القيام
بها ووعده عليها الجنة إن أداها كما أمر بها، ولذا قال: «ووَعْدِك» أي وأنا في
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٣٥٥
انتظار وعدك الذي وعدت به وهو دخول الجنة في الآخرة وهذا كقوله تعالى يحكي دعاء المؤمنين : رَبَّنَا وَءَائِنَا مَا وَعَدَ تَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْرِنَا يَوْمَ الْقِيَمَةِ إِنَّكَ لَا تُخلِفُ الميعاد ﴾ [آل عمران: ١٩٤] و «ما استطعتُ» راجع للعهد، أي أنا مقيم على تنفيذ عهدك بقدر استطاعتي لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: ٢٨٦]، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: ١٦].
136
1283
قوله : «أما إنَّ الحديثَ كما حدثتك...» إلخ، يُشير بهذا إلى أن الحديث صادق لا شك فيه، فإذا تخلف في صورة أو صور فليس ذلك لخلل في الحديث، ولكن لخلل في الشَّخص إما لأنه نسي أن يقوله كما هنا، أو لضعفِ
إيمانه وقلة يقينه، أو لعدم صدق توجهه، أو لغير ذلك من أوجه الخلل.
إلخ.
139
1286
142
1289
إن يعمل في يومه مثل ذلك إن نافية أي: «ما يعمل في يومه...»
أبو عياش هو الزُرْقيُّ - بضم الزاي وسكون الراء- الأنصاري، اسمه زيد بن الصامت وقيل غير ذلك.
قوله: «قال حماد) هو ابن سلمة بن دينار البصري أبو سلمة، قال شهاب ابن المعمر البلخي: كان يعد من الأبدال، وعلامة الأبدال أن لا يولد لهم،
144
1291
تزوج سبعين امرأة فلم يُولد له، وكان في العبادة منقطع النظير مجاب الدعوة. : هذا الحديث رواه البزار والبغوي والطبراني من طريق أبان بن أبي عياش -متروك - عن الحكم بن حيان المحاربي، عن أبان المحاربي - وكان من الوفد الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من عبد القيس-
٣٥٦
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال... فذكر الحديث .
الحديث الشريف
إلا أنه وقع عند الطبراني من هذا الطريق، عن الحكم بن حيان المحاربي -
أنَّ
وكان من الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما من عبد مسلم يقولُ إذا أصبَحَ: الحمد لله ربي لا أشرك به شيئًا وأشهد أن لا إله إلا الله. إلا ظلَّ يُغفرُ له ذنوبه
حتَّى يُمسي وإنْ قالها إذا أمسى بات يغفر له ذنوبه حتَّى يُصْبِحَ».
والحكم بن حيان ذُكرت له وفادة مع أخيه عبدالرحمن، لكن لم تذكر له رواية، والحديث على كلا الروايتين ضعيفٌ. ورواه ابن السني من طريق أبان أيضا، عن عمرو بن الحكم عن عمرو بن معدي كرب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من قال حين يصبحُ : الحمد الله ربي لا أشرك به شيئًا أشهد أن لا إله إلا الله . ظل مغفورا له، ومن قالها حينَ يُمسي بات مغفورًا
له».
145
1293
: صادقًا كانَ أو كاذبًا في سنن أبي داود": «صادقا كانَ بها أو
كاذبًا» بزيادة: «بها» وهو الصَّوابُ، والمعنى: صادقًا كان بها بأن قالها متصفا بمدلول التوكل على الحقيقة، أو كاذبًا بأن قالها غير مخلص في التوكل بل واقف مع الأسباب. قوله ورفعه غيره». قلت: كذلك رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" ولفظه: من قال حين يصبحُ وحينَ يُمْسِي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكَّلْتُ وهو ربُّ العرش العظيم، سبع مرات. كفاه الله عزَّ و جلَّ همه من أمرِ الدُّنيا والآخرة». والموقوف في هذا الباب له حكم المرفوع، لأنه لا مجال
تعليقات على كتاب "المتجر "الرابح
٣٥٧
للرأي فيه، على أنَّ رواية ابنِ السُّني تبين أنَّ أبا الدرداء سمعه من النبي صلى الله
عليه وآله وسلم . تنبيه: هذا الحديث غير موجود في سنن أبي داود" رواية اللؤلؤي وهي
المشهورة، وإنما يوجد في رواية أبي بكر بن داسة.
147
1294
المنيذر الثمالي، ويقال: الأسلمي، تُوفّي بطرابلس وله فيها قبر يزار ليس له إلا هذا الحديث رواه رِشَدينُ بن سعد، عن حيي بن عبدالله، عن أبي
عبد الرحمن الحبلي، عن المنيذر . أخرجه الطبراني في "الكبير".
وقال المؤلف : إسناده حسن»، وكذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"،
وليس كذلك، إذ رشدين بن سعد ضعيف.
148
1295
أن
قوله: «ورواه أحمد عن أبي سلام سابق بن ناجية قلتُ: بناءً على أ سابقا خادم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وأبا سلام كنيته وقيل: غير ذلك. والمحفوظ : عن سابق بن ناجية، عن أبي سلام ممطور الحبشي، عن رجل خدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم. هذا هو المحفوظ، وأبو سلام تابعي معروف .
152
1299
153
1300
: الحسنُ هو البصري، وهو المراد عند الإطلاق.
قوله: حديث غريب وفيه نكارة». قلت: لا يبعد أن يكون
موضوعا ولا يجوز العمل به.
158
1305
فيهنَّ آيَةٌ خيرٌ منْ ألفِ آية وهي قوله تعالى: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ
وَالظَّهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: ٣]. قوله: «والحواريين» هي (سورة
الصف).
159
٣٥٨
1306
الحديث الشريف
هذا الحديث رواه أيضًا ابن أبي شيبة من طريق أبي مالك الأشجعي، . عن عبدالرحمن بن نوفل، عن أبيه به ، وأعل الحافظ ابنُ عبدالبر حديث الترجمة بالاضطراب، وبأنَّ إسناده لا يثبت، يعني حيثُ رُوي مرسلًا، قال الحافظ ابن حجر: وليس كما قال بل الرواية التي فيها عن أبيه أرجح وهي الموصولة ورواته ثقات فلا يضره مخالفة من أرسله، وشرط الاضطراب أن تتساوى
الوجوه في الاختلاف وأما إذا تفاوتت فالحكم للراجح بلا خلاف». اهـ
167
1314
رمل عالج: رمل عالج بالإضافة؛ جبال متواصلة يتصل أعلاها بالدهناء - والدهناء بقرب اليمامة - وأسفلها بنجد ويتسع اتساعا كثيرًا
حتى قال البكري: رمل عالج يحيط بأكثر أرض العرب». والذنوب التي تغفر
مع هذه الكثرة هي الصغائر كما سبق التنبيه عليه.
170
1317
هذا الحديث رواه الطبراني عن شيخه المقدام بن داود الرعيني؛
ضعفه غير واحد، وكان فقيها مفتيًا على مذهب مالك وهو مصري، لكن قال الهيثمي في "مجمع الزوائد: قال ابنُ دقيق العيد: «قد وثق» فعلى هذا يكون الحديث حسنا» . اهـ قلت: كذا قال.
173
1320
قوله: «وإسناده إلى الرَّجلِ المُبْهَم جيد» قلت: فيكون الإسناد
ضعيفًا، لأنَّ الحكم في الإسنادِ للأقل على الأكثر والأنقص على الأقوى، مالم يات طريق آخر يجبرُ ما في هذا الإسناد.
174
1321
قوله: «وإسناده حسن إن شاءَ الله قلت: قد حسنه الحافظ أبو
الحسن علي بن المفضل المقدسي المالكي، نقله عنه تلميذه الحافظ المنذري،
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
٣٥٩
وحسنه أيضًا الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء" والحافظ ابن حجر في "أمالي الأذكار" تعليقا على قول النووي: «إنَّه ضعيف»، وبين حسنه بما ذكر له من الشواهد، وقد تكلمتُ عليه بتفصيل في كتاب "الرد المحكم المتين".
175
1322
: قوله: «أقط»، أي لم يبلغك إلا ما ذكرت من الحديث؟ فلما أجابه
بنعم؛ أخبره ببقية الحديث.
177
1324
وللمؤلف في تصحيح هذا الحديثِ جزء خاص رد به علی ابن الجوزي الذي أورَدَ الحديث في "الموضوعات" وأعله بمحمد بن حمير، قال في ذلك الجزء: محمد بن حمير القضاعي السليحي - بكسر اللام - الحِمْصِيُّ كنيته
بن
زیاد
أبو عبدالحميد، احتج به البخاري في "صحيحه"، وكذلك محمد الألماني. أبو سفيان الحمصي احتج به البخاري أيضًا. وقد تابع أبا أمامة علي بن أبي طالب وعبدالله بن عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وجابر وأنس، فرووه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، ثمَّ
أورد طرقها ثم قال: «وإذا انضمت الأحاديثُ بعضُها إلى بعض
قوة» . اهـ
أخذت
وقال الحافظ ابن حجر في "تخريج أحاديث المشكاة": «غَفَلَ ابن الجوزي
فأورد هذا الحديث في "الموضوعات" وهو من أسمج ما وقع له». اهـ وقال السيفُ بنُ أبي المجد الحافظ: «صنف ابن الجوزي كتاب "الموضوعات" فأصاب في ذكره أحاديث مخالفة للعقل والنقل، ومما لم يصب فيه إطلاقه الوضعَ على أحاديث بكلام بعض الناس في أحد رواتها كقوله:
٣٦٠
الحديث الشريف
فلان ضعيف أو ليس بالقوي أو لين، وليس ذلك الحديث مما يشهد القلب ببطلانه، ولا فيه مخالفةٌ ولا معارضة لكتاب ولا سنة ولا إجماع، ولا حجة بأنَّه موضوع سوى كلام ذلك الرجل في رواته، وهذا عدوان ومجازفة، فمن ذلك حديث أبي أمامة في قراءة آية الكرسي بعد الصَّلاة لقول يعقوب بن سفيان في راويه محمد بن حمير ليس بالقوي ومحمد هذا روى له البخاري في "صحيحه" ووثقه أحمد وابن معين». اهـ
والمقصود أنَّ الحديث صحيح صححه ابن حبان والحاكم والضياء
المقدسي صاحب "المختارة".
181
1328
: «وأيكُمْ يعمل في يوم وليلة ألفين وخمسمائة سيئة» يعني الصغائر كما تقدم غير مرة، وإن لم يكن للإنسان سيئات رفعت له درجات.
182
1329
قوله : عن أبي الزاهرية كذا بالأصول، والصواب: أبي الزهراء، إذ هو المجهول، أما أبو الزاهرية - واسمه حدير بن كريب الحمصي - فتابعي ثقة
معروف.
183
1330 وقع الحديث هكذا في الأصول وبقيته: «فقد اكتالَ بالجَرِيبِ الأوْفَى منَ الأجْرِ» وفي إسناده عبد المنعم بن بشير الأنصاري المصري كذاب.
189
1336
194
1341
- إسناد هذا الحديث منقطع، وفي متنه نكارة.
هذا
هو
الحديث الحادي عشر من "الأربعين الغمارية" وقول
في إسناد هذا الحديث عبدالرحيم، أبو مرحوم، عن سهل بن معاذ
الحاكم: رواته لا أعلم فيهم مجروحًا فيه شيء، بل فيهم راو ضعيفٌ.
195
تعليقات على كتاب "المتجر" الرابح .
وهما ضعيفان، وإن حسن لهما الترمذي وصحح لهما الحاكم.
196
1343
٣٦١
قوله: ورواه البيهقي وغيره.... إلخ قلتُ: كذلك رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "الشكر" والحافظ عبدالعزيز بن الأخضر، في الأول من "الفوائد الحسان" وهو الحديث الثالث والعشرون من "الأربعين الغمارية".
200
1347
صحابي.
202
1349
عن أبي المليح، عن أبيه،
أسامة
هو بن عمير بن عامر الهذلي،
عبدالله بن بسر، صحابي . قوله: «فحضرني من أهل الأرض" يعني
الجن. قوله: «فقال بعضهم لبعض: احرُسُوه .... إلخ، أي أنَّ الجنَّ الذين كانوا يريدون إيذاءه اضطروا إلى حراسته ببركة تلاوته الآية المذكورة، وهذا ليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، لكنه في حكم المرفوع، لأنَّه ليس
للرأي فيه مجال.
203
1350
: الحمدُ لله الذي عافاني لكنَّ لا يُسمعه للمبتلى، لأنَّ في إسماعه إياه إيذاء له إلا إذا كان المرضُ ناشئًا عن فعل المبتلى، كتعاطيه المسكرات أو المخدرات، فينبغي إسماعه الدعاء زجرا وتقريعًا.
ثواب الدعاء
وذكر قوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا ﴾ [الأعراف: ٥٥] أي خضوعًا واستكانة وَخُفْيَةً [الأعراف: ٥٥] أي سرًّا لبعده عن الرياء، وبذلك أثنى الله على زكريا عليه السلام في قوله تعالى: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيَّا } [مريم: ٣] وفي الصحيح عن أبي موسى قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في
٣٦٢
الحديث الشريف
سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أيها الناسُ اربَعُوا على أنفسكم، إنَّكم لستُم تدعُون أصما ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبًا وهو معَكُمْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: ٥٥] أي في
الدعاء.
والاعتداء في الدُّعاء أنواع منه الجهر الكثير والصياح البالغ، كما يحصل من المصلين عقب قول المبلغ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: ٦٠]. ومن الاعتداء: أن يدعو الإنسان بأن تكونَ له منزلة نبي في الجنة أو في الدنيا أو الدعاء بمحال، كأن يدعو بالمغفرة لكافر أو بالمغفرة لجميع الأمة، مع أنه لابد من عذاب طائفة منها .
ومن الاعتداء: التَّقعُر في الدعاء بألفاظ وسجعات، كما ورد عن عبدالله بن مغفل : أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها. فقال: أي بني سل الله الجنة وعُد به من النار، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «سيكونُ قومُ يَعتَدُون في الدُّعاءِ». رواه ابن ماجه، ومن الاعتداء: الدعاء باشم أو بقطيعة رحم والاعتداء في الدعاء يوجب الإثم ويمنع القبول والإجابة.
فائدة: قال ابن عطاء: «إنَّ للدعاء أركانًا وأجنحة وأسبابًا وأوقاتا، فإن وافق أركانه قوي، وإن وافق أجنحته طارَ في السَّماء، وإن وافق مواقيته فاز، وإن وافق أسبابه أنجح فأركانه حضورُ القلب والرأفة والاستكانة والخشوع، وأجنحته الصدق، ومواقيته الأَسْحَارُ ، وأسبابه الصَّلاةُ على محمَّدٍ صَلَّى الله عليه
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح .
٣٦٣
وآله وسلم. وقيل لإبراهيم بن أدهم ما بالنا ندعو فلا يُستَجَابُ لنا؟ قال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتُم الرسول فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتُم نِعَمَ الله فلم تؤدُّوا شكرها، وعرفتُم الجنةَ فلم تطلبوها، وعرفتمُ النَّارَ فلم تهربوا منها، وعرفتُم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتُم الموتَ فلم تستعدُّوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتُم عيوبكم واشتغلتُم بعيوب الناس».
213
1360
- هذا من أحاديث " الأربعين النووية" وسيذكره المؤلف تاما في ثواب
الاستغفار .
221
1368 223
1370
هذا من أحاديث الأربعين الصديقية".
- قيل في معنى الحديث : إِنَّ الدُّعاء والبر سببانِ مقدران أيضًا لرد
القدر ولزيادة العمر. وقيل: إنَّ دوام الدعاء يطيب ورود القضاء، فكأنه رده، والبر يطيب عيشه فكأنما زيد في عمره.
225
1372
: «إنَّ الدعاء ينفعُ مما نزل بأن يطيبه ويهونه كما تقدم ومما لم ينزل»
بأن يردّه إذا كان مقدرَ الردّ ، وهذا الحديث ضعيف كما قال الترمذي، وقول الحاكم: صحيح الإسنادِ» ليس كذلك. نعم؛ يصحح باعتبار ماله من الطرق. يؤخذ من الحديث مشروعية رفع اليدين في الدعاء، وحياء الله كناية عن
226
1373
عدم رده دعاء من دعاه، كفعل المستحبي إذا سُئل فإِنَّ حياءه يمنعه من رد السائل.
232
1379
هذا من أحاديث "الأربعين النووية" وهو حديث عظيم وقد شرحه
ابن تيمية في رسالة خاصة.
233
٣٦٤
1380
الحديث الشريف
هذا الحديث والأحاديث بعده تقتضي استحباب افتتاح الدعاء بهذه الأذكار وما في معناها مما يشمل على حسن الثناء على الله تعالى، ليكون الدعاء أولى بالإجابة، وينبغي أيضًا استفتاحه بالصَّلاةِ على النبي صلى الله عليه وآله
وسلم كما يأتي.
237
1384
: يؤخذ من الحديثِ جواز تأليف الإنسان دعاء أو ذكرًا يدعو به،
وأصرح منه في ذلك مارواه الطبراني بإسناد جيد عن أنس أيضًا قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأعرابي - وهو يدعو في صلاته - ويقول: يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث، ولا يخشى الدوائر ، يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار، لا توراي منه سماء سماء، ولا أرض أرضًا، ولا بحر ما في قعره، ولا جبل ما في وعره، اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتيمه، وخير أيامي يوم ألقاك فيه. فوكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأعرابي رجلًا فقال: «إذا صلَّى فائتني به فلما صلَّى أتاه وقد كان أهدي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذهب من بعض المعادن، فلما أتاه الأعرابي وهب له الذهب وقال: «ممن أنتَ يا أعرابي؟ قال: من بني عامر بن صعصعة يارسول الله. قال: «هل تَدْرِي لم وهبتُ لكَ الذَّهب؟ قال: للرَّحم بيننا وبينك يارسول الله. قال: «إنَّ للرَّحِمِ
حقا، ولكن وهبتُ لكَ الذَّهَبَ بِحُسْنِ ثنائِكَ على الله عزَّ وجلَّ».
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
240
1387
٣٦٥
قوله: من طريق عبدالرحمن بن زياد بن أنعم» قلت: هو الإفريقي
قاضي إفريقية وأول مولود بها بعد فتحها بالإسلام، كان عدلا في قضائه صلبًا في الحق، وثقه جماعةٌ وضعفه آخرون، وقال أبو الحسن ابن القطان: كان من أهل العلم والزهد بلا خلاف بين الناس. ومن الناس من يوثقه ويربأ به عن حضيض رد الرواية، والحق فيه أنه ضعيفٌ لكثرة روايته المنكرات وهو أمر
يعتري الصالحين.
244
1391
: فذلكَ الرَّانُ» كذا جاء في الرّواية وهو من تصرف بعض الرواة وإنما هو: «الرين) يقال: ران يرين رينا وريونًا، أيضًا والرين الطَّبَعُ والدَّنسُ، قال أبو عبيدة في قوله تعالى: كَابَ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطفين: ١٤] أي غلب، وقال الحسن في الآية أيضًا: هو الذنب على الذنب حتى يسود
القلب.
247
: في إسناد هذا الحديث درّاج أبو السمح، ليس من شروط الصحيح،
لكن صحح له الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
248
1395
(لو لم تُذنِبُوا بأنْ خُلقتُم معصومين كالأنبياء والملائكةِ الذَهَبَ الله
بكُمْ لأن وجودكم حينئذ يخالف الحكمة الإلهية، وذلك أنَّ الله تعالى اقتضت حكمته إيجادنا مجبولين على الميل إلى الشهوات مسرعين إلى الوقوع في المخالفات لنلجأ إليه في محو أوزارنا، ونتضرع إليه في غفران ذنوبنا، وبذلك تتحقق عبوديتنا لعلي ،جنابه، ويثبتُ خضوعنا وقوفا ببابه، فيتجلى علينا بصفات العفو والغفران والرحمة والستر والكرم، والحلم التي دلت عليها
٣٦٦
الحديث الشريف
أسماؤه: العفو الغفور الرحيم السير الكريم الحليم. وأيضًا فإنَّ الله لما خلق الملائكة والأنبياء معصومين مطهرين وجعلهم مظهر الإكرام والإنعام ومجلى صفاته الدالة على الجلال والجمال، وخلق الشياطين خُبثاء بالطبع لا يتأتى منهم استغفار يتجلى عليهم بصفاتِ انتقامه وغضبه وشديد عقابه ليس لهم في غير هذه الصفات نصيبٌ، خَلَقَ الثقلين عالما بين العالمين وبرزحًا جامعًا بين المقامين كفر وإيمان ومعصية واستغفار وإلى هؤلاء توجه قوله تعالى: نَى عِبَادِى أَنِي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ [الحجر: ٤٩ - ٥٠] وقوله جل شأنه: يَعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: ٥٣] فاستوفت الأسماء مقتضياتها وتمت الحكمة الإلهية حسبما سبق به العلم القديم.
ولجاء بقومٍ يُذنِبُونَ» بحكم الجبلة وميل النفس وإغواء الشيطان، ثمَّ يدركهم التوفيق «فَيسْتغفرون الله تائبين ضارعين إليه معترفين بأنَّه لا ربَّ سواه، يغفر ذنوبهم ويجبر كسر قلوبهم فيغفر لهم» لأنَّه يحبُّ أن يرى عبده واقفا ببابه حاطاً حوائجه كلها برحابه ، فالحديث مسوق لبيان فضل الاستغفار والحضّ عليه وذُكرتِ الذنوبُ على أنّها وسيلة إليه حسب ما تعُوهِد : أن لا استغفار إلا عن ذنب، وليس فيه تشجيع على المعاصي كما فهم بعض الناس خطأ، لأنَّ الإخبار بقبول الاستغفار من العموم لا يستلزم قبول الاستغفار من الواحد إذا أذنب، فمن الغيّ والضلال الإقدام على مواقعة المعصية تعللا
تعليقات على كتاب المتجر" الرابح
باستغفار لا يدري قبوله واتكالا إلى توبة مجهولة المآل .
252
1399
٣٦٧
قوله: وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدقته هذا من علي رضي الله عنه زيادة في التوثيق بالخبر ومبالغة في الاطمئنان إليه، وإن كان خبر الواحد مقبول من غير يمين، ويؤخذ منه شده
احتياط الصَّحابة في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم.
253
1400
: قوله: «رواتُه مدنيون لا يعرفُ واحد منهم بجرح». قلتُ: كذا قال، لكن قال ابن سعد عن محمد بن جابر في روايته ضعف، وليس يحتج به .
255
1402 راوي الحديث زيد بن بولي النوبي، مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصابه النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بني ثعلبة فأعتقه، ولم يرو عنه إلا هذا الحديثَ، وقد ضعفه الترمذي كما نقل عنه المؤلف، لكن ذكر الحافظ المنذري أنَّ إسناده جيد متصل.
ورواه أبو داود والترمذي من حديث ابن مسعود وصححه الحاكم على شرط الشيخين إلا أنه قال: يقولها ثلاثا وكذا هو عند الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري .
ثواب الصلاة على أشرف الخلق
وذكر قوله تعالى : الله إِنَّ اللَّهَ وَمَلَيْكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: ٥٦] قال البخاري في "صحيحه": قال أبو العالية: صلاة الله ثناؤُه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء. وقال ابن
عباس: يصلون يبركون، يعني يدعون بالبركة.
٣٦٨
الحديث الشريف
وقال ابن كثير: «المقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأنَّ الملائكة تصلي عليه، ثمَّ أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصَّلاةِ والتسليم عليه
ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعًا». اهـ
تنبيه: حصل السؤال كثيرًا عن السر في تخصيص السلام بالمؤمنين؟ والجواب: أنَّ الآية لما ذكرت عقب ذكر ما يؤذي النبي عليه الصلاة والسلام - والأذية إنما تكون من البشر - ناسب التخصيص بهم، والتأكيد بالمصدر لأنَّ في
السلام سلامة من الآفات والأذية.
257
1404
- هذا الحديث أصل في مشروعية سجدة الشكر لنعمة تتجدد أو نقمةٌ تندفع قوله: «فدخل حائطا من حيطانِ الأشراف» الحائط: البستان، والأشراف» كذا هو بالأصل. والصَّوابُ : الأسوافُ، وهو اسم لحرم المدينة الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والمعنى: أن البستان كان
داخل منطقة الحرم المدني.
269
1416
هذه الأحاديث التّسعةُ من رقم (٢٦١) إلى هذا الحديثِ، تفيد حياة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قبره، وأن جسده الشريف لا يبلى، والإجماع على هذا نقله ابن حزم في "المحلى" ، والسَّخاوي في "القول البديع". وقد أخبر الله عن الشَّهداء أنّهم أحياء عند ربهم يرزقون، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى بذلك وأحقُّ، بل صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ الله . ، جمع لنبيه النبوة والشهادة. وذلك لقوله عليه الصَّلاة والسلام في مرضه الذي
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
توفي فيه -: «ما زالت أكلةُ خَيْبَرَ تعاودُني حتَّى كَانَ هذا أوان انقطعَ أَبْهَرِي».
270
1417
٣٦٩
هذا الحديث موقوف له حكم المرفوع، لأنه لا مجال فيه للاجتهاد
ولا للإسرائيليات فيه دخل.
272
1419
قوله: «وإسناده حسن بما تقدم». قلتُ: لأنَّ في إسناده عاصم بن عبيدالله، قال فيه البخاري: منكر الحديثِ». لكنه يحسنُ بشواهده السابقة،
فهو من قسم الحسن لغيره.
274
1421
هذا الحديث رواه الطبراني من طريق رشدين، عن قرة، عن ابنِ
شهاب، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أبيه، عن حبان بن منقذ به وحسنه
المؤلف وكذلك الحافظ المنذري، والحافظ الهيثمي. لكن رشدين ضعيف،
ولعلهم حسنوه باعتبار حديث أبي الآتي بعده شاهدا له.
276
1423
هذا الحديث رواه ابن حِبَّان في "صحيحه" من طريق دراج أبي
السمح، عن أبي الهيثم. وهذا الطريق يحتج به ابن خزيمة وابن حبان والحاكم
وغيرهم.
277
1424
قوله: «وهو بمجموع طرقه حديث حسن» هكذا قال؛ لكن قال
المنذري وقد عزاه للبزار والطبراني في "الكبير" و"الأوسط": "وبعض أسانيدهم حسن» . وقال الهيثمي: «وأسانيدهم حسنة».
278
1426
- وأتعب كاتبًا ألفَ صباح كناية عن كثرة ما يكتب له من الثّوابِ، وفي سند الحديث هاني بن المتوكل، وهو ضعيف.
279
1427
هذا الحديث أخرجه أيضًا الحسنُ بن سفيان في "مسنده"، وابن
۳۷۰
الحديث الشريف
حِبَّان في " الضعفاء" وهو ضعيف جدا. وحكى التاج أبو حفص عمر بن علي الفاكهاني المالكي في كتاب "الفجر" المنير في الصلاة على البشير النذير" عن بعض الفقراء المباركين أنَّه أخبره قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فيما يرى النائم، فقلت: يارسول الله أنت قلت: «ما من متحابين في الله يلتقيانِ فيُصافح أحدُهُما صَاحِبَه؟» فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «إلا لم يفترقا
حتّى تغفر ذنوبهما ما تقدَّم منها وما تأخَّر، والدعاء بين صلاتين عليَّ لا يردُّ»،
281
1428
وهذه المرائي لا يثبتُ بها حكم وإنما تذكر على سبيل الاستئناس والبشارة. قوله: «وقد روي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم»، قلت: رواه البيهقي في "الشُّعب" وأبو القاسم التيمي من طريق الحارث الأعور، عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما من دعاء إلا بينه وبين الله حجاب حتَّى يُصلي على محمد وعلى آل محمد، فإذا فعلَ ذلكَ انخَرَقَ الحجاب ودخل الدعاء، وإذا لم يفعلْ رَجَعَ الدُّعاءُ». وهو حديث ضعيفٌ، والموقوفُ أشبه كما قال المؤلفُ. وإن كان للموقوف حكم المرفوع في هذا لأنه لا مجال للرأي فيه، وفي الباب عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إذا أراد أحدكم أن يسأل فليبدأ بالمدحةِ والثناء على الله بما هو أ ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ليسأل بعد، فإنه أجدر أن ينجح». رواه الطبراني بإسناد صحيح. وعنه أيضًا قال: يتشهد الرجل في الصلاة، ثم يصلي على النبي صلى الله
أهله،
عليه وآله وسلم ثم يدعو لنفسه بعد ، رواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة
والحاكم بإسناد صحيح.
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
بـ
۳۷۱
وعن فضالة بن عبيد قال بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعد إذ
دخل رجل فصلى فقال : اللهم اغفر لي وارحمني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَجِلتَ أَيُّها المصلّي، إذا صَلَّيْتَ فقعدتَ فاحْمدِ الله بما هو أ أهله، وصل على ثمَّ ادعُه». قال: ثم صلى رجل آخر فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقال له النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «أيها المصلي ادعُ تجب». رواه النسائي والترمذي وحسنه وصححه الحاكم. ولعل الرجل الذي استعمل أدب الدعاء هو ابن مسعود رضي الله عنه، وذلك لما رواه الترمذي عنه قال: كنتُ أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما جلست بدأتُ بالثناء على الله تعالى ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعوتُ لنفسي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «سَلْ تُعْطَهُ سَلْ تُعْطَهُ»، إسناده صحيح. (خاتمة): أفضل صيغ الذكر : «لا إله إلا الله»، لأنها مع كونها آية من القرآن - تشتمل على إفراد الله بالألوهية ونفيها عمن سواه ولذا جعلها الشارع علامة على الإسلام، ولم يقبل من المشركين وغيرهم الدخول في الدين إلا بالنطق بها «أمرتُ أن أقاتل الناسَ حتَّى يقولُوا : لا إله إلا الله» وزيادة: «وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد ... إلخ، تصريح بمضمون معناها، وتفصيل
لمجمله. ثم ما كان في معناها في اشتماله على نفي وإثبات مثل: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني إلخ، ومثل: لا حول ولا قوة إلا بالله» ولذا سمى الشارع الصيغة الأولى: «سيد الاستغفار والثانية: «كنزا منْ كنوز الجنة» ثمَّ
۳۷۲
الحديث الشريف
التكبير لدلالته على عظمة الله وجلاله، ولذا جعله الشارع في الأذان بجانب الهيللة، ثم التحميد لدلالته على ثبوت الكمال الله تعالى، ثم التسبيح لدلالته على تنزيه الله عن النقائص، ثمَّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتعلقها بأشرف مخلوق، ولأنَّ الله تعالى شارك فيها عباده تكريما لرسوله وتنويها بمنزلته، ثم مطلق الاستغفار لأنَّه يتعلق بتطهير العبد من ذنوبه، والله أعلم. أبواب البر والصلة
1
1429
2
1430
7 بقية الحديثِ : قلتُ: ثم أي ؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». : هذا الحديث بتمامه مع شرحه وبيان ما فيه من الفوائد في كتابي:
" الحجج البينات" وكتابي: "سمير الصالحين".
6
1424 فأَبْلِ الله في برها» أي أبلغ العذر إلى الله في برها، والمعنى: أحسن
فيما بينك وبين الله ببرك إياها.
7
1435
جاهمة بن العباس بن مرداس، السلمي، صحابي شهد الخندق،
وحديثه هذا وقعَ في سنده اختلاف كبير، سنشير إليه بعد بحول الله تعالى. قوله: «والطبراني بإسناد صحيح» إلا أنه قال: عن جاهمة، يعني فجعله من مسند جاهمة، والرّوايةُ السَّابقة جعلته من مسند ابنه معاوية، وهذا من
الاختلاف الذي أشرنا إليه.
8
1436
- هما جنتكَ» إن أطعتهما وبررتهما دخلت الجنة ونارُكَ» إن عصيتهما
وعققتهما دخلت النَّارَ.
9
1437
: هذا من طريق حديثِ جاهمةَ السَّابق وقد وقع فيه وهم ننبه عليه،
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۳۷۳
ذلك أن الحديث رواه البغوي وابن أبي خيثمة والطبراني من طريق سفيان بن
حبيب، عن ابن جريج، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن معاوية بن جاهمة السلمي، عن أبيه قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم استشيره في الجهاد... فذكر الحديث كما تقدم.
قال البغوي : جوده سفيان بن حبيب، لكن أسقط من السند طلحة».اهـ وهكذا رواه يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج، ورواه البغوي، عن شريح بن يونس، عن يحيى بن سعيد الأموي، عن ابن جريج، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، عن معاويةَ بنِ جاهمة قال: أتيت النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم... إلخ.
ورواه ابن ماجه من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن معاوية بن جاهمة به. ورواه أحمد والنسائي وابن ماجه والبغوي من طريق حجاج بنِ :
محمد،
عن ابن جريج عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أبيه، عن معاوية بن جاهمة أن جاهمة أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فذكر
الحديث.
ورواه ابن شاهين من طريق أبي عاصم، عن ابن جريج به.
ورواه ابن شاهين أيضًا من طريق إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق،
عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن، عن أبيه ، عن معاوية بن جاهمة به. وكذا رواه محمد بن سلمة الخزاعي ، عن ابن إسحاق وهو المشهور عنه. ورواه ابن منده من طريق ابن لهيعة، عن يونس بن يزيد، عن ابن إسحاق،
٣٧٤
الحديث الشريف
عن محمد بن طلحة، عن أبيه، عن معاوية بن جهم الأسلمي، عن جهم به. قال
الحافظ : صحف ابن لهيعة اسمه ونسبته وإنما هو جاهمة السلمي». اهـ ورواه ابن أبي شيبة والطبراني من طريق ابن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن معاوية بن جاهمة به.
وهو غلط نشأ .
ورواه أبو نعيم من طريق علي بن مُسْهِر ، عن ابن إسحاق. قال الحافظ: ا عن تصحيف وقلب، والصَّوابُ: عن محمد بن طلحة، عن معاوية بن جاهمة، عن أبيه ؛ فصحفت عن فصارت «ابن»، وقدم قوله: عن أبيه فخرج منه أنَّ لطلحة صحبة وليس كذلك، بل ليس بينه وبين معاوية بن
جاهمة نسب . اهـ
وهذا هو الحديث المذكور هنا كما ذكر في "الترغيب" وفي "مجمع الزوائد" أيضًا، وهو مبني على تصحيف كما تبين من كلام الحافظ، وأصح طرقه كما قال البيهقي: طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج.
تنبيه: أخرج الطبراني من طريق سليمان بن حرب، عن محمد بن طلحة بن مصرف، عن معاوية بن درهم: بن درهم: أنَّ درهما جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: جئتك استشيرك في الغزو... الحديث. وهذه قصة جاهمة بعينها فإن لم يكن تصحيفُ جاهمة بدرهم فهي قصةٌ أخرى وقعت لشخص آخر كما قال الحافظ.
10
1438 الوالد أي الشخص الوالد أبا كان أو أما «أوسط أبواب الجنة» أي سبب لدخول الولد من أحسن أبواب الجنة قوله: «فأضع ذلك الباب أو
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۳۷۵
احفظه ليس المراد التخيير، بل المراد الحثّ على حفظه مثل الحديث السابق فليقل عبد عند ذلك أو ليُكثر» فإنَّ المراد به الحث على الإكثار من الصَّلاةِ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذه الجملة - أعني: فأضع... إلخ - ليست من الحديث بل هي مدرجة من الرواي كما في رواية الطبراني.
12
1440
14
1442
: هذا من أحاديث " الأربعين الصديقية".
قوله: وهو في الصحيح دون ذكر البر فيه». قلت: لفظ الحديث في الصحيحين: «من أحبَّ أنْ يُبسَطَ له في رزقه ويُنْسَأ له في أثرِه فَليَصِلْ رَحِمَهُ»
وسيأتي قريبًا.
15
1443
الصحيح.
16
1444
- في سنده زبان بن فائد عن سهل بن معاذ. وليسا من شرط
سوید ضعيفٌ، وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «بروا آباءكم تبركم أبناؤُكُم، وعفوا
تعِفَّ نساؤكم»، رواه الطبراني في "الأوسط" وإسناده لا بأس به.
عائشة . وعن
رضي الله عنها مرفوعا: «عِفُوا تعِفَّ نساؤكم وبرُوا آبَاءَكُم
تبركم أبناؤكم، ومن اعتذرَ إلى أخيه المسلم من شيء بلغه عنه فلم يقبل عذره لم يرِدْ على الحوض»، رواه الطبراني في "الأوسط" أيضًا، وفي سنده خالد بن يزيد
العمري المكي مولى لآل عمر، كذَّبه أبو حاتم .
تنبيه: قولهم : «من زنى زُني به ولو بحيطان داره» ليس بحديث.
17
1445
: «رَغِمَ أنفُه» أي لصق بالرَّغامِ وهو التراب، وهذا دعاء على العاق
٣٧٦
بالخيبة والحرمان.
18
1446
- مالك بن
الحديث الشريف
بن عمرو القشيري، ويقال العقيلي، أو الكلابي أو الأنصاري،
وقيل عمرو بن مالك، وقيل: أبي بن مالك القشيري ورجحه البخاري والبغوي، وكذلك جاء في "مغازي ابن اسحاق" في الكلام على غنائم حنين. سقطت من الحديث جملة بعد قوله: «ثم صلةُ الرَّحِمِ» وهي: قلت:
20
1448
يا رسول الله ثم مه ؟ قال : «ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
23
1451
ورد في حديث بيان زيادة الأجل وكيفيتها، وهو ما رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" بإسناد ضعيف عن أبي الدرداء قال: ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم الأرحام، فقلنا: من وصل رحمه أنسئ في أجله، قال: «إنه ليس بزيادة في عمره، قال الله: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةٌ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: ٣٤] ولكنَّه الرجلُ تكون له الذُريَّةُ الصَّالحة، فيدعون له من بعده فيبلغه ذلك، فذلك الذي يُنسأ في أجلِه».
وقال بمقتضى هذا الحديث جماعةٌ، وقال الجمهور: زيادة العمر كناية عن البركة في العمر، بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بالأعمال النافعة التي لا تتيسر في العادة إلا مع العمر الطويل، وصححه النووي وغيره. وقيل: الزيادة على حقيقتها بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالشخص، كأن يقال له: عمر فلان مائة إن وصل رحمه وستون إن لم يصلها، وبالنسبة إلى علم الله لا زيادة ولا نقص، لأنه لا يقعُ من العبد إلا ما علمه تعالى، وهذا يسمى القضاء المبرم، والأول يسمى القضاء المعلق.
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح .
29
۳۷۷
1457 رواية الترمذي فيها انقطاع ، لأنها من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن
عن أبيه ولم يسمع منه . ورواية أبي داود وابن حِبَّان من طريق مَعْمَر ، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن رداد الليثي، عن عبدالرحمن بن عوف، وأشار إليها الترمذي. وحكى عن البخاري أنه قال : حديث مَعْمَر خطأ، لكن تابعه شعيب بن أبي حمزة، ومحمد بن أبي عتيق عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي الرداد الليثي، وتابع أبا الرداد عبدالله بن قارظ عن عبد الرحمن بن عوف، رواه أبو يعلى بإسناد صحيح. عبید الله بن زَحْرٍ الإفريقي، مختلف فيه، وثقه البخاري وأحمد بن صالح المصري، وأبو زرعة وغيرهم، وضعفه أحمد وابن معين وابن المديني وغيرهم، ولينه الحاكم والخطيب، واللين الضعف الخفيفُ، وهو معنى قول الحافظ : هو في الأصل صدوق يخطئ، وروايته عن أبي أمامة مرسلة، لكن هذا
41
1469
الحديث حسن لأن حديث زينب الثقفية شاهد له.
43
1417
هذا الحديث تقدم قريبًا برقم (٣٤) وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي
معيط، قتل أبوها يوم بدر كافرًا، أسلمت قديما وهاجرت إلى المدينة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم هربًا بدينها، قال ابن سعد: هي أول من هاجر إلى
المدينة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، ولا نعلم قرشيةٌ خرجت من
بين أبويها مسلمة مهاجرة إلى الله ورسوله إلا أم كلثوم رضى الله عنها.
48
1476
لعل الحاكم اعتمد في تصحيحه على توثيق ابن معين لعبد الحميد بن
الحسن الهلالي، لكن ضعفه علي بن المديني وأبو زرعة، والدارقطني الذي
۳۷۸
أخرج الحديث أيضًا.
49
1477
الحديث الشريف
اعتقد الصحابةُ أنَّ ما كان في سبيل الله، لا يعدو العبادة ولا يتجاوزها، فأفهمهم النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنَّ سعي الرجل على أولاده أو على أبويه أو على نفسه بقصد الاستغناء عن السؤال كل ذلك طاعة
50
1478
في سبيل الله يثاب عليه ثواب الصدقة إذا حسنت نيته وصدق في عمله. : هذا طرف من حديث سعد في قصة مرضه بمكة عام حجة الوداع وعيادة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم له، وقد أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، وكتاب الوصايا، وكتاب الطب وغيرها من "صحيحه"، ومسلم وأبو
داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم في الوصايا.
54
1482
: قال الحافظ علي بن عبدالعزيز البغوي في "مسنده": أنا القعنبي: نا
حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب بن عمرو عن الزبرقان بن عبدالله، عن أبيه، عن عمرو بن أمية قال : مرَّ عثمان أو عبد الرحمن بن عوف بمَرْطٍ فاستغلاه فاشتراه عمر و بن أمية الضمرِيُّ فقال له عثمان أو عبد الرحمن: ما فعل المرط؟ به على سُخَيلةَ بنتِ عبيدةَ، فقال: أوكلما فعلت إلى أهلك صدقة ؟ فقال عمرو : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك، فذُكِرَ ما قال عمرو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «صَدَقَ».
قال:
تصدقت
رجاله ثقات. قلت: حصل هذا في عهد النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم. وحصل مثل هذه الحادثة لعمرو أيضًا بعد العهد النبوي، فروى البزار بإسناد ضعيف عن عمرو بن أمية أن عمر رضى الله عنه أتى عليه في الشوق :
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۳۷۹
وهو يسومُ بمَرْطٍ، فقال: ما هذا يا عمرو ؟ قال : مرط اشتريته فأتصدق به، فقال له عمر: فأنت إذا. ثم أتى عليه فقال : يا عمرو ما صنع المريط؟ قال: تصدقتُ به، قال: على من ؟ قال على رفيقة مرية - يعني امرأته غير سخيلة السابقة - قال: أليس زعمت أنك تصدقت به؟ قال: بلى ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ما أعطيتُمُوهُنَّ من شيء فهو لكم صدقة». فقال عمر : يا عمرو لا تكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. قال فوالله لا أفارقك حتَّى نأتي أم المؤمنين عائشة قال: يا عمرو لا تكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم. فاستأذنوا على عائشة رضي الله عنها، فقال عمرو: أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَا أعطيتُمُوهُنَّ فَهُوَ لكُمْ صدقةٌ؟ قالت اللهُمَّ نعم؛ اللهم نعم. فقال عمر: أين
كنتُ عن هذا؟ ألهاني الصَّفقُ بالأسواق.
59
1487
لفظ رواية ابن حبان في "صحيحه": «مَنْ عَالَ بِنتَينِ أو ثلاثا أو أُختَين أو ثلاثاً حتّى يبن أو يموتُ عنهنَّ كنتُ أنا وهو في الجنة كهاتين». وأشار
بأصبعيه السبابة والتي تليها، ومعنى «يين» ينفصلنَ عنه بزواج مثلا.
60
1488
وبنتان.
67
1495
قوله: «فقالت امرأةٌ: وبنتانِ» هذا يسمى العطف التلقيني، أي قُل:
«الأَرْمَلَةُ) المرأة التي مات زوجها وكانت فقيرة، فإن كانت غنيةً فلا
يقال لها أرملة.
۳۸۰
الحديث الشريف
ثواب كفالة اليتيم
وذكر قوله تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُه [الإنسان: ۸]. أي الله، ف «على» للتعليل، أو على حبّ الطعام فـ على بمعنى «مع»، ويذكر بعض المفسرين في سبب نزول هذه الآية قصةً مكذوبةً وضعها القُصَّاص تشتمل على شعر ركيك سخيف لا يناسب فصاحة علي وفاطمة عليهما السلام، وقد رأيت بعض الأدعياء المعاصرين كتب يؤيد تلك القصة بكلام سخيف يناسب عقله
وتفكيره.
71
1499
1 تقدم هذا الحديث برقم (۱۸) وأشرنا إلى الخلاف في اسم الصحابي،
ونشير هنا إلى بعض طرق الحديث.
قال البغوي: حدثنا جدي: حدثنا أبو النضر : حدثنا شعبة، عن علي بن زيد عن زرارة بن أوفى، عن رجل من قومه يقال له: مالك، أو أبو مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «منْ ضَمَّ يتيما بينَ مسلمين إلى طَعَامِهِ وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة» الحديث.
حدثنا أبو خيثمة: حدثنا هشيم فذكره. غير أنه قال: مالك بن الحارث. ورواه الثوري وهشيم ، عن علي بن زيد، عن زرارة بن أوفى، عن مالك القشيري، وقال أبو داود الطيالسي في " مسنده " : حدثنا شعبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من أدرك والديه أو أحدَهُما ثمَّ دخلَ النَّارَ فأبعدَهُ الله». تابعه علي بن الجعد وغُنْدَرُ وعاصم بن علي وعمرو بن مرزوق وآدمُ بن أبي أياس وبهز بن أسد عن شعبة،
تعليقات على كتاب "المتجر الرابح
۳۸۱
وله طرق غير . هذه، أصحها رواية شعبة، عن قتادة، عن زُرراة، عن أبي بن
مالك. وفي "الأخبار" "المنثورة" لأبي دريد: «فقال: أبي بن مالك بن
معاوية
القشيري، وهو أخو نهيك بن مالك الشاعر المشهور .... فذكر قصة. «البتةَ» أي قطعًا إلا أنْ يعمل ذنبًا لا يُغْفَرُ» هو الكفر، أو قتل مسلمٍ
بغير .
72
1500
73
1501
: ((أَخَوَانِ) كذا بالأصول، والصواب أخوين» وكذلك هو في السنن، وفي إسناد الحديث حماد بن عبدالرحمن الكلبي، ضعيف، عن إسماعيل بن إبراهيم
الأنصاري مجهول.
75
1503
في صحيح مسلم " عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «آتى بابَ الجنةِ فأستفتحُ، فيقولُ الخازن: من أنتَ؟ فأقول: محمد، فيقولُ: بِكَ أَمِرتُ ألا أفتح لأحدٍ قَبلَكَ».
79
1507
83
1511
إسناد هذا الحديث ضعيف.
قد يظهر الملك للرجل الصالح ويبشره بخير كما في هذا الحديث،
وكما في قصة مريم عليها السلام، حيث ظهر لها جبريل عليه السلام وبشرها. أو يسمع كلامه ولا يراه كما صح عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أنه كان يسمع تسليم الملائكة عليه.
وكل ذلك لا يقتضي ثبوت النبوة لمن كلمته الملائكة أو سلمت عليه، لأنَّ النبوة لا تثبت إلا بتحقق شرطين:
أحدهما: أن يقطعَ الإنسان بأن الذي يكلّمُه ملك، بحيث لا يشك فيه كما
۳۸۲
الحديث الشريف
لا يشك في وجودِ نفسه، والصالح ربما لا يعرفُ أن الذي كلمه ملك، وإن عرفه فلا يجزم به، بل يجوز عنده أن يكون جنيًّا صالحا أو شيطانا أراد إغواءه
وتضليله.
ثانيهما: أن يكون ما يلقيه الملك إلى الإنسانِ تشريعا خاصا يعمل به في نفسه، أو عاما يأمره بتبليغه إلى غيره، أما ما يكلم به الملك الرجل الصالح أو
المرأة الصالحة فلا يتجاوز البشارة فقط.
84
1512
86
1514
زارَ في أي زار أخاهُ حَبًّا فيَّ، لا لغرض آخر .
قوله: «في حديث». قلت: بقيته «ألا أخبركم بنسائكم في الجنَّةِ؟» قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «كل ودودٍ ولودٍ إِذا غَضِبَتْ أو أسيء إليها أو غَضِبَ زوجها قالت: هذهِ يدي في يدِكَ لا أكتحل بغمض حتّى ترضى»، وفي إسناده إبراهيم بن زياد القرشي، قال المنذري: «لم أقف فيه على جرح ولا
تعديل».
قلت: قال البخاري فيه: «لا يصح حديثه»، وقال العقيلي: «يحدثُ عن الزهري، وعن هشام بن عروة، فيحيل حديث الزهري على هشام، وحديث
هشام على الزهري، ويأتي أيضًا عنهما بما لا يحفظ» . اهـ
وللحديث طريقان عن كعب بن عُجرة عند الطبراني بإسناد فيه متروك،
وعن ابن عباس عند الطبراني أيضًا بإسناد فيه كذاب.
87
1515
- قوله: «أسندوه إليه، أي رجعوا إليه فيه، وصدروا عنه أي إذا قال
شيئًا وقفوا عند رأيه ولم يتجاوزوه، ذلك لأن معاذاً جبل علم رضي الله عنه،
تعليقات على كتاب "المتجر" الرابح
۳۸۳
بنص قوله عليه الصلاة السلام: «أعلمُ أمّتى بالحلال والحرامِ معاذ بن جبل» قوله: «قد سبقني بالتهجير» أي التكبير إلى الصَّلاة وللمتجَالِسِين في أي يتجالسون في محبتي بذكري وللمتزاوِرين في أي يزور بعضُهم بعضًا لأجلي لا لغرض آخر. زاد الطبراني: «والمتصَادِقين في» أي تكون بينهم صداقة لأجلي «وللمتباذلين في أي يبذل كل واحدٍ منهم لصاحبه نفسه وماله في مهماته في جميع حالاته في الله ، وهذا الحديث صححه الحاكم على شرط الشيخين، وفيه ثبوت لقاء أبي إدريس المعاذ خلافًا لمن نفاه.
88
1516
في "صحيح ابن حِبَّان" عن أبي مسلم الخولاني قال: قلتُ لمعاذ: والله أني لأحبُّك لغير دنيا أرجو أن أصيبها منك ولا قرابة بيني وبينك. قال: فلأي شئ؟ قلتُ : الله ، قال : فجذب حبوتي ثم قال: أبشر إن كنت صادقا، فإني سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول: «المتحابُّونَ في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله يغبطهم بمكانهم النبيُّون والشُّهداء». قال: ولقيت عبادة بن الصامت فحدثته بحديثِ معاذ، فقال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم يقول عن ربه تبارك وتعالى: «حقتْ محبتي على المتحابين في، وحقت محبتي على المتناصِحِينَ في، وحقَّتْ محبَّتي على المتباذلين في، هُمْ على منابر مِنْ نُورٍ، يَعْبِطهم النبيُّون والشُّهداء والصدِّيقُون».
96
1525 في هذا الحديث دليل على أنَّ العمل المتعدي نفعه إلى الغير أفضل
من العمل الذي يكون نفعه قاصرًا على فاعله.
ه - تخريج أحاديثِ كتاب "اللمع في أصول الفقه"
لأبي إسحاق الشيرازي (ت ٤٧٦)
تخريج أحاديث اللمع .
۳۸۷
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي مَنَّ علينا بالوصول إلى معرفة الأصول، وهدانا بصحيح المعقول إلى فهم غميض المنقول، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد سيد كل نبي ورسول، وعلى آله وأزواجه وذريَّته ما هبَّت الصَّبا والشَّمول .
أما بعد: فهذا كتاب خرَّجت فيه ما وقع من الأحاديث والآثار، في كتاب "اللمع" للإمام المحقق المتقن الورع الزَّاهد العابد، إمام الشافعية بلا منازع، أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي صاحب "المهذب" و"التبصرة" وغيرهما من الكتب التي سارت بذكرها الركبان، تُوفي سنة ست وسبعين وأربعمائة رحمه الله تعالى ورضي عنه، وجمعني وإياه في دار كرامته
آمين.
وسلكت في التخريج سبيلا وسطا بين الاختصار والإطناب، فجاء - بحمد الله - عقدًا يُحلّى به جيد الكتاب، جعله الله خالصا لوجهه الكريم، إنَّه هو السميع العليم.
۱ - حديث: «لولا أَنْ أُشَقَّ على أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسَّواكِ عند كلَّ صَلَاةِ».
متفق عليه من حديث أبي هريرة، وهذا لفظ مسلم.
ولفظ البخاري: مع كلّ صلاة»، ورواه أحمد وأبو يعلى من حديث أم حبيبة بإسناد رجاله ثقات، وعزاه الحافظ لابن أبي خيثمة في "التاريخ"، وقال: «إسناده حسن». وله طرقٌ عن عائشة وزينب وعلي والعباس وابن عمر وابن
عباس ورجل من الصحابة وغيرهم.
۳۸۸
الحديث الشريف
۲- حديث: «حُكْمِي على الواحِدِ حُكْمِي على الجماعة». هكذا أورده المصنف رحمه الله تعالى ولا أصل له بهذا اللفظ، كما قال جماعة من الحفاظ، منهم الزِّيُّ والذهبي والعراقي والسخاوي، نعم ورد ما قد يؤدي معناه، فروى النسائي من طريق مالك، والترمذي من طريق سفيان، كلاهما عن محمد بن المُنكَدِر : سمعت أميمة بنت رقيقة تقول: بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في نسوة فقال لنا: «فيها اسْتَطَعْتُنَّ وأَطَعْتُنَّ؟» قلت: الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا . فقلت: يا رسول الله بايعنا، قال سفيان يعني صافحنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّما قولي لمائة امرأةٍ
تقولي لامرأةٍ واحدةٍ لفظ الترمذي، وقال: «حسن صحيح. ولفظ النسائي: «ما قولي لامرأةٍ واحدةٍ إلا كقولي لمائة امرأة». وكذا رواه
ابن حبان في "صحيحه" والدارقطني في "الإلزامات".
قوله : ( أنَّ ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما احتج على عثمان رضي الله عنه في
حجب الأم بالأخوين ... إلخ).
ابن جرير والحاكم والبيهقي من طريق شعبة مولى ابن عباس عنه: أنَّه دخل على عثمان فقال : لمصارَ الأَخَوانِ يَرُدَّانِ الأُمَّ إِلى السُّدسِ؟ وإِنَّما قال الله: فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ ﴾ [النساء: (۱۱] ، والأَخَوَانِ في لسان قومك وكلام قومك ليسا بإخوة ؟ فقال عثمان: لا أستطيع تغيير ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به النَّاس. صححه الحاكم وليس بذلك، فإنَّ شعبة تكلم فيه الإمام مالك، وضعفه النسائي والله أعلم.
تخريج أحاديث اللمع
۳۸۹
- حديث: جمع النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بين الصلاتين في السَّفَر».
أحمد عن عبد الله بن عمر بهذا، وفي سنده الحجاج بن أرطأة.
وللبزار عن أبي هريرة نحوه بلفظ : كان يجمع بين الصلاتين .... إلخ. وإسناده ضعيف.
ولأبي يعلى عن ابن مسعود مثله ورجاله رجال "الصحيح" كما قال الحافظ الهيثمي، وأحاديث الجمع في "الصحيحين" وغيرهما، وإنما لم أذكرها؛ لأنها بمعنى ما ذكره المؤلّف لا بلفظه، وشرطي في هذا التخريج أن أحافظ على اللفظ الذي يذكره المؤلف ما وجدتُ إلى ذلك سبيلا.
-0
سمع
عليا
حديث: «قضى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بالشُّفْعَةِ للجارِ». الطحاوي من طريق الثوري، عن منصور، عن الحكم، عمَّن وعبدالله يقولون: قضى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بالجوار». وأخرج أيضًا من طريق الثوري ، عن أبي حَيَّان، عن أبيه، عن عمرو بن حريث مثله. هذا غاية ما في الباب. وأمَّا اللفظ الذي ذكره المؤلف رحمه الله تعالى فليس بوارد.
٦- حديث: «قضى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بالكفَّارة في الإفطار». قلت: هو بهذا اللفظ ليس بواردٍ كالذي قبله، لكن سيأتي إن شاء الله تعالى
حديث الأعرابي الذي جامع في نهار رمضان، وهو بمعناه في الجملة. - حديث: «لا صَلاةَ لجار المسجدِ إِلَّا في المسجدِ». الدارقطني والحاكم والديلمي من حديث أبي هريرة بهذا، وإسناده ضعيف، وله طرق عن علي
.۳۹۰
الحديث الشريف
وجابر وعائشة رضي الله عنهم، وليس له إسناد ثابت كما قال الحافظ في "التلخيص"، وإنَّما صح من قول علي عليه السّلام، كما قال الحافظ أبو محمد بن
حزم رحمه الله تعالى.
- حديث: «لا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلي».
أحمد والأربعة إلَّا النَّسائي وابن حِبَّان والحاكم من حديث أبي موسى، واختلف في وصله وإرساله، ورجّح الترمذي الموصول، وصححه الحاكم، وأسند عن علي بن المديني أنه صححه أيضًا، وله طرق جمعها الحافظ الدمياطي
في جزء. وفي الباب حديث عائشة: «أيما امرأةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بغير إذن وَلِيّها فنكاحها باطل .... الحديث. حسنه الترمذي، وصححه الحاكم وأقره الذهبي. ۹ - حديث: «لا أُحِلُّ المسجد لجنب ولا لحائِضِ».
أبو داود من طريق أفلت بن خليفة، عن جسرة بنت دجاجة، قالت: سمعت عائشة تقول: جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: «وجّهوا هذه البيوت عن المسجدِ» ثم دخل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ولم يصنع القوم شيئًا، رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم بعد، فقال: «وجّهوا هذه البيوت عن المسجد، فإنّي لا أُحلُّ المسجد لحائض ولا جنب». وروى ابن ماجه من طريق أبي الخطاب المتجري، عن تحدوج، عن جَسْرَةَ، عن أُم سلمة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته: «إنَّ المسجد لا يحلُّ
تخريج أحاديث اللمع
۳۹۱
لجُنُبِ ولا لحائض، وكلا الإسنادين ضعيفان، والثاني أشد ضعفًا، ورأيت الحافظ نقل في "التلخيص" عن ابن خزيمة أنَّه صحح الأول، وعن ابن القطان أنَّه حسنه، وكذا حسنه الحافظ ابن سيد الناس والله أعلم.
يبرا
۱۰- حديث: «رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثة».
أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثة عن النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وعن المُبْتَلَى حَتَّى وعن الصبي حتَّى يَكْبُرَ» إسناده صحيحٌ، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم من طرق عن علي عليه السلام مرفوعا وموقوفا، وفي بعضها قصَّةٌ لعلي مع عـ عمر رضي الله عنهما، ورواه الحاكم من حديث أبي قتادة بإسناد ضعيف، ورواه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" من حديث أنس. ۱۱ - حديث: «يُجْزِئُكَ ولا يُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَكَ». الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي، عن البراء قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يوم النَّحْرِ بعد الصَّلاة فقال: «مَن صَلَّى صَلَاتَنَا، ونَسَكَ نُسُكَنَا، فقد أصابَ النُّسُكَ، وَمَن نَسَكَ قبلَ الصَّلَاةِ، فَتِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله، والله لقد نَسَكْتُ قبل أن أخرج إلى الصَّلاة، وعرفتُ أنَّ اليومَ يومَ أكل وشرب فتعجَّلتُ، فأكلتُ وأطعمتُ أهلي وجيراني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «تلك شاة لخم» فقال: إن عندي عَنَاقَ جَذَعَةٍ، وهي خيرٌ مِن شَاتَي لَحْمٍ، فهل تُجزى عنِّي؟ قال: «نعم، ولن تُجزئ عن أَحِدٍ بعدك».
.
.۳۹۲
الحديث الشريف
۱۲- حديث: «لا يَرِثُ القَاتِلُ».
الترمذي والنسائي في "الكبرى" وابن ماجه، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «القاتِلُ لا يَرِثُ». وفي إسناده إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة، وهو متروك.
وللدارقطني من حديث عمر رضي الله عنه: «ليس للقاتل ميراث». وإسناده ضعيف منقطع، له طرق عن ابن عباس، وعبدالله بن عمرو، وعمر بن شيبة ابن أبي كثير الأشجعي، وعدي الجذامي، بأسانيد ضعيفة.
۱۳ - حديث: «هلا أَخَذْتُمْ إِهابَهَا فَدَبَعْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ».
رواه أحمد وأبو داود ومسلم والترمذي عن ابن عباس قال: تُصُدِّقَ على مولاة الميمونة بشاةٍ ،فماتت فمرَّ بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: هلًا أَخَذْتُمْ إِهابَهَا فَدَبَعْتُمُوهُ فانْتَفَعْتُم به؟» فقالوا: إِنَّهَا مَيْنَةٌ، فقال: «إِنَّما حُرِّمَ أكلها» رواه البخاري أيضًا غير أنَّه لم يذكر «فَدَبَعْتُمُوهُ».
١٤- حديث: «لا تَنْتَفِعُوا مِن الميتة بشيء».
البخاري في "التاريخ " ، عن عبد الله بن عُكيم، قال: حدثنا مشيخة لنا من جهينة أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كتب إليهم: «أَنْ لا تَنْتَفِعُوا مِن المَيْتَةِ بشيء». ولأحمد والأربعة عنه قال: كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل وفاته بشهرٍ: أَنْ لا تَنْتَفِعُوا مِن المَيْتَةِ بإهاب ولا عَصَبِ». وهذا الحديث مضطرب المتن، منقطع الإسناد، وقد كان أحمد بن حنبل يقول به، ثُمَّ لما وقف على ما فيه من الاضطراب تركه، كما حكاه عنه الترمذي في أبواب اللباس من "سننه" ".
تخريج أحاديث اللمع .
۳۹۳
على أنه لو صح لما كان فيه معارضة لأحاديث الدبع؛ لأنَّ الإهاب لا يطلق إلا على الجلد قبل دبغه، ومعلوم أنَّ الجلد لا يُنتفع به إلَّا بعد دبغه، والله أعلم. ١٥- حديث: «خير الشُّهُودِ مَن شَهِدَ قبل أَنْ يُسْتَشْهَدَ».
مالك وأحمد ومسلم والأربعة، عن زيد بن خالد الجهني، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَلَا أُخْبِركُمُ بخير الشُّهَدَاءِ؟ الذي يَأْتِي بِشَهَادِتِهِ قبل أن يُسْأَلها». وفي لفظ ابن ماجه: «خير الشُّهُودِ مَن أَدَّى شَهَادَتَهُ قبل أَنْ
يُسْأَلها». ١٦ - حديث: «شرُّ الشُّهُودِ مَن شَهِدَ قبلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ».
أحمد ومسلم عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «خيرُ أُمَّتِي القَرْنُ الذي بُعِثْتُ فيه، ثُمَّ الذين يَلُونَهُمْ - والله أعلم أذكر الثالث أم لا - قال: ثُمَّ يَخْلُفُ أقوامٌ يَشْهَدُونَ قبل أنْ يُسْتَشْهَدُوا». ولابن أبي شيبة، عن عمرو بن شرحبيل مرسلًا: «خيرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الذين يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَحِيء أقوام يَعْطُونَ الشَّهادَةَ قبل أنْ يُسْأَلُوها»، وفي الباب حديث عمران بن حصين عند الشيخين.
۱۷- حديث: «أَيُّها إِهابٍ دُبغَ فقد طَهُرَ». أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث ابن عباس بهذا، قال الترمذي: حسن صحيح». ورواه الدارقطني من حديث ابن عمر، وقال: «إسناده حسن». وقال الحافظ : إسناده على شرط الصحة، وأصل الحديث في "صحيح"
مسلم بلفظ : «إذا دُبغَ الإهَابُ فقد طَهُرَ » .
٣٩٤
الحديث الشريف
۱۸ - حديث: «فيما سَقَت السَّماء العشر».
عبدالله ابن الإمام أحمد في زوائد" مسند أبيه"، من حديث علي عليه السلام بهذا، وإسناده ضعيفٌ، وفي الباب حديث جابر: «فيما سَقَتِ السَّماءُ والأنهار والعيونُ العُشْرُ» خرَّجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن خزيمة والنسائي، وحديث ابن عمر نحوه، رواه البخاري والأربعة.
۱۹- حديث: «ليس فيما دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ».
مسلم عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «ليس فيهما دُونَ خَمْسٍ أَوَاقٍ مِن الوَرِقِ صَدَقَةٌ، وليس فيها دون خَمْسِ ذَوْدٍ مِن الإِبلِ صَدَقَةٌ، وليس فيما دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ».
ولأحمد ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري: «ليس فيما دُونَ خمسة أوساقٍ مِن تَمرٍ ولا حَبِّ صَدَقَةٌ».
٢٠ - حديث: «النهي عن الصَّلاة عند طلوع الشمس».
أحمد ومسلم والأربعة، عن عقبة بن عامر قال: «ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن نُصَلِّي فيهنَّ أو أن نقبر فيهنَّ موتانا: حين تطلع الشَّمس بازِغَةٌ حتّى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تَضَيَّفُ الغُروبِ حتَّى تَغْرُبَ». وفي الباب عن عمرو بن عَبَسَةَ عند أحمد ومسلم وأبي داود.
۲۱ - حديث: «مَن نام عن صلاةٍ أو نَسِيها فليصلها إذ ذَكَرها». مسلم عن أنس بن مالك قال: قال نبي الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَن نسي صلاة أو نام عنها، فكفَّارتُهُ أَنْ يُصَلِّيها إِذا ذَكَرَها».
٣٩٥
تخريج أحاديث اللمع . وفي الباب حديث أبي قتادة : ليس في النوم تفريط، إنَّما التفريط في اليقظة، فإذا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلاةً، أو نامَ عنها، فليصلها إذا ذكرها». رواه أبو داود
والترمذي وصححه، والنسائي، وقال الحافظ : «إسناده على شرط مسلم». ۲۲- قوله: روي عن عثمان وعلي رضي الله عنهما في الجمع بين الأختين بملك اليمين... إلخ».
قلت: أما على عليه السَّلام فأخرج ابن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن أبي عون الثقفي، عن أبي صالح الحفني قال: قال علي للناس: سلوني. فقال ابن الكوا: حَدَّثنا يا أمير المؤمنين عن الأختين المملوكتين، وعن ابنة الأخ من الرضاعة فقال : أمَّا الأختين المملوكتان، فإنَّما أحلتهما آية وحرمتهما أخرى، وإنّي لا أحله ولا أُحرمه، ولا آمر به ولا أنهى عنه، ولا أفعله أنا، ولا أحد من أهل بيتي. أما ابنة الأخ من الرضاعة، فإنّي ذكرتُ ابنة حمزة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «إنَّها ابنة أخي مِن الرَّضَاعَةِ». ورواه البزار في "مسنده" قال: ثنا محمد بن معمر: ثنا وهب بن جرير أنا شعبة به ورواه أبو يعلى في " مسنده " قال: أخبرنا علي بن الجعد: ثنا شعبة به.
وأما عثمان رضي الله عنه فروى الشَّافعي في "مسنده"، وابن أبي شيبة في "المصنف" من طريق مالك في "الموطأ" عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب : أنّ رجلا سأل عثمان عن الأختين مِن مِلْكِ اليمين هل يجمع بينهما؟ فقال عثمان: أحلتها آية وحرمتها ،آيةٌ، فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك. قال: فخرج من
عنده فلقي رجلًا من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فسأله :
عن
٣٩٦
الحديث الشريف
ذلك؟ فقال: لو كان لي من الأمر شيء، ثُمَّ وجدتُ أحدًا فعل ذلك لجعلته نكالا. قال الزهري : أراه علي بن أبي طالب عليه السلام. قال ابن عبدالبر في "الاستذكار " : إنَّما كنى قبيصة بن ذؤيب عن علي، لصحبته عبدالملك بن مروان.
وهذا يناقض ما تقدَّم عنه، ولعله تغير اجتهاده في ذلك كما حصل له في أم الولد، فإنَّه رأى في خلافة عمر ألا تباع، وأشار على عمر بذلك، ثُمَّ لما ولي الخلافة رأى أن تُباع، ومثل ذلك يحصل كثيرا له ولغيره.
(فائدة): ذكر الباجي في " المنتقى": أنَّ السائل لعثمان رضي الله عنه هو قياذ
الأسلمي.
۲۳- حديث: «إقراره صلَّى الله عليه وآله وسلم قيسًا على صلاة ركعتي
الفجر بعد الصبح».
الترمذي من طريق سعد بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن جده قيس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فأُقيمت الصَّلاة، فصليت معه الصبح، ثُمَّ انصرف النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فوجدني أصلي، فقال: مَهْلًا يا قيسُ، أَصَلاتان مَعا؟ قلت يا رسول الله إني لم أكن ركعت رَكْعَتَي الفجر. قال: «فلا إذن». قال الترمذي: حديث محمد بن إبراهيم لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث سعد بن سعيد. وقال سفيان بن عيينة: سمع عطاء بن أبي رباح من سعد هذا الحديث، وإنما يروي هذا الحديث مرسلا، وسعد هو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري، وقيس جده ، ويقال : قيس بن عمرو، ويقال: قيس بن قهد، وإسناد هذا الحديث ليس بمتصل، محمد بن إبراهيم التيمي لم يسمع من
2
تخريج أحاديث اللمع .
قيس.
۳۹۷
وروى بعضهم هذا الحديث عن سعد، عن محمد بن إبراهيم: «أنَّ النبيَّ
صلَّى الله عليه وآله وسلم خرج فرأى قيسا» هذا كلام الترمذي.
وروى أبو داود من طريق سعد بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن قيس ابن عمرو قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم رجلًا يُصلِّي بعد صلاة الصبح ركعتين، فقال: «صلاةُ الصُّبح ركعتان» فقال الرجل: إنّي لم أكن صلَّيتُ الركعتين اللتين قبلهما، فصليتهما الآن فسكت رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلّم. ثُمَّ أسند أبو داود عن ابن عيينة كلامه المتقدّم، ثُمَّ قال: روى عبد ربه ويحيى ابنا سعيد هذا الحديث مرسلًا: أن جدهم - زيدًا - صلّى مع النبي صلى الله عليه
وآله وسلم بهذه القصة». اهـ
فتلخص من هذا أنَّ الحديث ضعيف.
٢٤- حديث: «النَّهي عن الصلاة بعد الصبح».
متفق عليه من حديث عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما، بلفظ: «نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم عن الصَّلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد
العصر حتى تغربَ الشَّمسُ».
وللشيخين من حديث أبي سعيد: الا صلاة بعد صلاةِ العَصْرِ حتّى تغرب الشَّمس، ولا صلاة بعد صلاةِ الفجرِ حتّى تطلع الشَّمسُ».
٢٥ - قوله: روي عن عمر رضي الله عنه أنه حمل قوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «الذَّهَبُ بالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هاءَ وهاء» على القبض في المجلس).
۳۹۸
الحديث الشريف
الشيخان عن مالك بن أوس بن الحَدَثان قال: أقبلتُ أقول: مَن يصطرف الدراهم ؟ فقال طلحة بن عبيد الله - وهو عند عمر بن الخطاب أرنا ذهبك ثُمَّ ائتنا إذا جاء خادمنا نعطك ورِقَكَ، فقال عمر: كلَّا والله، لتُعْطِينَّه وَرِقَهُ أو لترُدَّنَّ إليه ذَهَبَهُ، فإنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «الوَرِقُ بالذَّهَبِ ربًا إِلَّا هاءَ وهاءَ، والبر بالبر ربًا إِلَّا هاءَ وهاءَ، والشعير بالشعير ربّا إِلَّا هَاءَ وهاءَ، والتمر بالتمر ربًا إِلَّا هاءَ وهاءَ». وهذا لفظ مسلم وكذا رواه الترمذي وقال:
«حسن صحيح». ٢٦- حديث: «بئر بضاعَةَ».
أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال: قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعَةَ، وهي بئر يُلقَى فيها الحيض، ولحوم الكلاب، والنَّتْنُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّ الماءَ طَهُورٌ لا
يُنَجِّسُهُ شيء». وفي لفظ لأحمد وأبي داود: يُستقَى لك من بئر بضاعَةَ، وهي بئر تُطَرَحُ فيها محايض النِّساءِ، ولحمُ الكلابِ، وعُذَرُ النَّاس ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّ الماءَ طَهُورٌ ... » الحديث. حسنه الترمذي وصححه أحمد وابن معين والحاكم وابن حزم وغيرهم.
۲۷ - قوله: (حُكي عن ابن عباس رضي الله عنهما جواز تأخير الاستثناء). قلت: أخرج سعيد بن منصور في "سننه" والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" من طريق الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس: أنه كان يرى
الاستثناء ولو بعد سنة، ثمَّ قرأ: وَلَا نَقُولَنَّ لِشَاء إِنِّي فَاعِلُ ذَلِكَ غَدًا )
تخريج أحاديث اللمع .
۳۹۹۰
إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ وَاذْكُر رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف: ٢٣ – ٢٤] يقول: إذا ذكرت، وكذا رواه ابن جرير، غير أنه قال: «ولو إلى سنة» ورجال الإسناد ثقات، لكن له علة، وهي أنَّ الأعمش لم يسمع الأثر من مجاهد.
قال ابن جرير والطبراني: قيل للأعمش : سمعت هذا من مجاهد؟ فقال: حدثني به ليث بن أبي سليم، عن مجاهد.
قلت: والسائل للأعمش هو عيسى بن يونس كما قال أبو موسى المديني، وليث معروف الحال.
(تنبيه): ورد عن ابن عباس ما يعارض ما تقدم، وهو ما رواه الطبراني من طريق عبدالعزيز بن حصين، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُر رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } قال: إذا نسيت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت، وقال: هي لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم خاصَّةً، وليس لأحدٍ منا أن يستثني إلا في صلة من يمينه، وعبدالعزيز ضعيف.
۲۸- حديث: «في سَائِمَةِ الغَنَمِ زكاة».
قلت: هو بهذا اللفظ ليس بوارد، كما نبه عليه الحفاظ.
وفي معناه ما رواه البخاري وابن ماجه من طريق محمد بن عبدالله بن المثنى، عن أبيه، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، أنَّ أنسا حدَّثه: أنَّ أبا بكرٍ رضي الله
عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: «بسم الله الرحمن الرحيم فريضةُ الصَّدَقةِ التي فرضها رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين...»، وذكر كتابًا طويلا في صدقة الماشية، فيه: «وفي صَدَقَةِ الغَنَمِ في سائِمَتِها إذا كانت أربعين، إلى عشرين ومائة شاة». لفظ البخاري، وعبدالله بن
٤٠
الحديث الشريف
جده: أنَّ
المثنى اضطرب فيه قول ابن معين، فقال مرة: «صالح»، ومرة: «ليس بشيء». وقال النسائيُّ : ليس بالقوي». وقال العقيلي: «لا يتابع في أكثر حديثه». اهـ لكن تابعه على حديثه هذا حماد بن سلمة فرواه عن ثمامة، أخرج هذه المتابعة أحمد عن أبي كامل، وإسحاق بن راهويه في " "مسنده" . عن النضر بن شميل، والنسائي من طريق شريح بن النعمان، وأبو داود والحاكم من طريق موسى بن إسماعيل أربعتهم قالوا: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثمامة به. قال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه هكذا، إنَّما انفرد بإخراجه البخاري من وجه آخر عن ثمامة، وحديث حماد أصح وأشفى وأتم من حديث ابن المثنى». اهـ وأقره الحافظ الذهبي. وفي الباب حديث أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن - النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات وذكر حديثا طويلًا فيه وفي كلّ أربعين شاة سائمة إلى أن تبلغ عشرين ومائة شاة». رواه النسائي وابن حِبَّان والحاكم والبيهقي وصححه من عدا الأول، ونقل الأخير عن أحمد أنّه قال: أرجو أن يكون صحيحا. وضعفه أبو داود وغيره والله أعلم. ۲۹- قوله: (إنَّ الصَّحابة اختلفت في إيجابِ الغُسْلِ مِن الجماع من غير إنزال، فقال بعضهم: لا يجبُ واحْتَجوا بدليل الخطاب في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الماء من الماء»). قلت: أما الحديث ففي "صحيح " مسلم من حديث أبي سعيد ! بلفظ : «إنَّ الماءَ مِن الماء» وفي سياقه قصَّةٌ.
الخدري
تخريج أحاديث اللمع .
٤٠١
ورواه أحمد من حديث عتبان بن مالك باللفظ الذي ذكره المؤلّف،
وإسناده حسن.
وأما اختلاف الصحابة، ففي صحيح مسلم" عن أبي موسى قال: اختلف رَهْطُ مِن المهاجرين والأنصار، فقال: الأنصاريون لا يجب الماء إلَّا من الدفق، أو من الماء. وقال المهاجرون بل إذا خالط وجب الغسل. فقال أبو موسى: أنا أشفيكم من ذلك. قال: فقمت فاستأذنت على عائشة، فأُذِنَ لي، فقلت: يا أماه أو يا أُم المؤمنين إنِّي أريد أن أسألك عن شيء وإنِّي أستحييك. فقالت: لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلاً عنه أمك التي ولدتك، فإنّي أنا أمك. قلت: فما يوجب الغسل ؟ قالت على الخبير سقطت، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إذا جَلَسَ بين شُعَبِها الأربع، ومَسَّ الختان الختان،
فقد وَجَبَ الغُسْلُ».
۳۰- حديث: «إنما الأعمال بالنيَّاتِ».
رواه أحمد والستة من حديث عمر رضي الله عنه.
۳۱- حديث: «إنَّما الولاء لمن أعتق». متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، وهو طرف من حديث
طويل.
۳۲- حديث: «لا تبع ما ليس عندك».
أحمد والأربعة وابن حِبَّان في "صحيحه" من طريق يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام قال: سألت رسوله الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يأتيني الرجل فيسألني من البيع ما ليس عندي، أبتاع له من السوق، ثُمَّ أبيعه.
.٤٠٢
الحديث الشريف
قال: «لا تبع ما ليس عندك». قال الترمذي: «حديث حسن». وفي الباب حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يَحِلُّ سَلَفٌ وبَيْعٌ، ولا شرطان في بيعٍ، ولا رِبْحُ
ما لم يُضْمَنْ، ولا بَيْعُ ما ليس عندك». رواه الأربعة وقال الترمذي: «حسن صحيح.
۳۳- حديث: «في كل خمس شاةٌ، في أربع وعشرين من الإبل فما دونها
الغنم.
،
قلت: هذا طَرَفٌ من الكتاب الذي كتبه أبو بكر رضي الله عنه لأنس لما وجهه إلى البحرين، ولفظه: «فيها دون خمس وعشرين من الإبل الغنم، في كل
خمس ذَوْدٍ شاةٌ، فإذا بَلَغَتْ خمسا وعشرين ففيها ابنة تخاض .... الحديث. وتقدم تخريجه، وهذا اللفظ هنا لأحمد وأبي داود والنسائي والبخاري والدارقطني. ٣٤ - حديث: «أُمِرْتُ أنْ أقاتلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إله إلا الله....
الحديث.
متفق عليه من حديث أبي هريرة وابن عمر، وله طرق متعددة تواتر بمجموعها، وقد ذكرت جملة منها في تخريج أحاديث "المنهاج " للبيضاوي. ٣٥- حديث: «رفع عن أُمتي الخطأُ والنَّسْيانُ».
قال أبو القاسم الفضل ابن جعفر التميمي المعروف بأبي عاصم في "فوائده": ثنا الحسين بن محمد ثنا محمد بن مُصفّى: ثنا الوليد بن مسلم: ثنا الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: رَفَعَ اللهُ عن أُمتي الخطأ والنِّسْيانَ ومَا اسْتُكْرِهُوا عليه». رجاله ثقات
تخريج أحاديث اللمع .
٤٠٣
غير أن فيه انقطاعا؛ لأن بشر بن بكر رواه عن الأوزاعي، فأدخل عبيد بن عمير
بين عطاء وابن عباس. كذلك خرجه الطبراني والدارقطني والحاكم بلفظ: «تجاوز» بدل «رفع»
وقال الطبراني والبيهقي: جوده بشر بن بكر.
وفي الباب حديث أبي ذر: «إِنَّ اللهَ تجاوَزَ عن أُمَّتِي الخطأ والنِّسيان وما اسْتَكْرِهُوا عليه» رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف.
وحديث أبي بكرة: رَفَعَ الله عن هذه الأمة ثلاثا: الخطأ والنَّسْيان والأمر يُكْرَهُونَ عليه». رواه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان"، وابن عدي في "الكامل" بإسناد ضعيف أيضًا.
وحديث أبي الدرداء نحوه، وحديث ثوبان كذلك رواهما الطبراني، وفي كلا إسناديهما ضعف، كما قال الحافظ وغيره، فلا تغتر بتحسين المناوي لحديث
ثوبان.
٣٦ - حديث: «في الرقة رُبْعُ العُشْرِ».
هو طَرَفُ مِن كتاب أبي بكر رضي الله عنه وتقدم تخريجه.
۳۷ حدیث: الشهر هكذا هكذا».
الحديث متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
۳۸- قوله : (بين - يعني النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- فرائضَ الزَّكاة وغيرها من الأحكام في كتب كتبها).
قلت: كُتُبُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيان الأحكام كثيرةٌ أُفردت بالتأليف، وتقدَّم منها في هذا التخريج كتاب أبي بكر رضي الله عنه، وكتاب
٤٠٤
عمرو بن حزم.
الحديث الشريف
۳۹- قوله : (نص - يعني النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم- على أربعة أعيانٍ
في الربا).
مسلم عن أبي هريرة عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «التَّمْرُ بالتمر، والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أرْبَى إِلَّا ما اختلف ألوانه». ولأحمد والبخاري من حديث أبي سعيد نحوه. ولأحمد ومسلم من حديث عبادة بن الصامت: «الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفِضَّةُ بالفضة، والبر بالبر والشعير بالشعير، والتّمرُ بالتَّمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اخْتَلَفَتْ هذه الأصنافُ فبيعُوا كيف شئتم إذا كان يدا
بيد».
ولأبي داود والنسائي وابن ماجه ،نحوه وفي آخره من كلام عبادة: «وأمرنا أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا». ٤٠ - قوله: (كآية: الشَّيخ والشَّيخة إذا زَنَيَا فَارْمُجُمُوهما البَتَّةَ، فهذا نُسِخَ رَسْمُهُ وحُكْمُهُ باقٍ).
البيهقي عن ابن عباس: أنَّ عمر رضي الله عنه قال في خطبته: إِنَّ الله بعث محمدا نبيا وأنزل عليه كتابًا، وكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فتلوناها ووعيناها الشيخ والشيخة إذا زَنَيا فارْجُموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم..» الحديث. وفي آخره: ولولا أنّي أخشى أن يقول النَّاس زاد في كتاب الله لأثبته على
حاشية المصحف.
تخريج أحاديث اللمع .
٤٠٥٠
وللترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه، قال: إِنَّ اللهَ بَعَثَ محمَّدًا بالحقِّ وأنزل عليه الكتاب، وكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فرَجَمَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ورَجَمنا بعده، وإِنِّي خائف أن يطول بالنَّاس زمان فيقول قائل: لا نجد الرَّجْمَ في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة
أنزلها الله». قال الترمذي: «حديث صحيح».
قلت: وأصله في "الصحيحين". ولأحمد والنسائي والحاكم عن زرّ قال: «قال لي أبي رضي الله عنه: كم تعدون سورة الأحزاب؟ قال: قلت ثلاثا وسبعين آية، قال: لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها الشيخ والشيخة إذا زَنَيَا.... إلخ. قال الحاكم: «صحيح الإسناد». وأقره الذهبي.
قلت: بينت في غير هذا الموضع أنَّ نسخ لفظ آية لا يجوز عقلا، وأنَّ الأحاديث الواردة بذلك آحاد لا تُثبت قرآنية ما ادعِي أَنَّه قرآنًا، وإِنَّما يعمل بها على أنها أحاديث فقط. ٤١ - قوله : ( كالعِدَّةِ كانت حَوْلًا ثُمَّ نُسِخَتْ بأربعة أشهرٍ وعشرا).
أبو داود والنسائي بإسنادٍ فيه ضعفٌ، عن ابن عباس: «في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِم ﴾ [البقرة: ٢٤٠] الآية»، قال: نُسِخَ ذلك بآية الميراث بما فرض لهنَّ الربع والثمن، ونسخ أجل
الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا.
ورواه النسائي في قول عكرمة، وفي إسناده ضعف أيضا.
وللبخاري عن ابن الزبير: قال: قلت: لعثمان رضي الله عنه: وَالَّذِينَ
٤٠٦
الحديث الشريف
يتوفون مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا قد نَسَخَتْها الآية الأخري فلم تكتبها؟ أو
تَدَعُها؟ قال: يا ابن أخي لا أُغير شيئًا من مكانه.
٤٢ - قوله: كتَحريمِ الرَّضاعِ كان بعشرِ رَضَعَاتٍ وكان مما يُتلَى، فَنُسِخَ الرَّسْمُ والحكم جميعًا). مالك والدارمي ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيهما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثمَّ نُسخ
بخمس معلومات، فتوفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وهنَّ فيما يُقرأ من القرآن»، ومعنى كلامها أنَّ النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله، وكان نسخ لفظه قبيل موت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بيسير، فكان بعض الناس يجعل
الخمس رضعات قرآنا لعدم اطلاعه على نسخ لفظها لقرب عهده. وقد أخرج ابن ماجه عن عائشة أيضًا قالت: «وكان فيما أُنزل من القرآنِ ثُمَّ سقط : لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس معلومات».
٤٣ - حديث: «الشَّيْبُ بالشَّيِّبِ جَلْدُ مائة والرَّجْمُ». أحمد ومسلم والأربعة إلَّا النَّسائي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ ونَفْي سَنَةٍ، والنَّيْبُ بِالتَّيْبِ جَلْدُ مائةِ والرَّجْمُ».
٤٤ - قوله: (وروي أنه - يعني صلى الله عليه وآله وسلَّم- رجم ماعِزًا ولم
يجلده).
قلت: هنا المعنى متواتر عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم رواه الستة من حديث أبي هريرة.
تخريج أحاديث اللمع
٤٠٧٠
وروه أيضًا - إلَّا ابن ماجه - من حديث جابر وابن عباس.
ورواه مسلم من حديث جابر بن سمرة وأبي سعيد وبريدة، انظر بقية طرقه في "الأزهار المتناثرة" للسيوطي.
وفي "صحيح مسلم" عن بُرَيْدَةَ حديث رجم الغامدية، ولم يذكر فيه جلد». وفيه عن عمران بن حصين نحو ذلك في امرأة من جهينة وفي "الصحيحين" أحاديث نحو ذلك.
٤٥ - حديث: كنتُ مَهَيْتُكُمْ عن زيارَةِ القُبُورِ فَزُورُوها».
ابن ماجه من حديث ابن مسعود بهذا ، غير أنَّه قال: «فَزُورُوا القُبُورَ فَإِنَّهَا تُزَمِّدُ في الدُّنيا وتُذَكَّرُ الآخِرَةَ». وإسناده صحيح. ولأحمد بإسنادٍ رجاله رجال "الصحيح" من حديث أبي سعيد الخدري:
إنِّي نَهَيْتُكُمْ عن زِيارَةِ القُبُورِ فَزُورُوها فَإِنَّ فِيهَا عِبْرَةً».
والمسلم من حديث بُريدة: «نَهَيْتُكُمْ عن زيارَةِ القُبُورِ فَزُورُوها». ورواه الترمذي بلفظ : «قد كنتُ نَهَيْتُكُمْ عن زيارَةِ القُبُورِ فقد أُذِنَ مُحَمَّدٍ في زيارةِ قَبْرِ أُمِّهِ، فَزُورُوها فَإِنَّهَا تُذَكَّرُ الآخِرَةَ». ثم قال: «حسن صحيح». ٤٦ - حديث طَلق بن عليّ : أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم سُئل عن مس الذكر وهو يبني مسجد المدينة، فلم يُوجب منه الوضوء. أحمد والأربعة والدارقطني من طريق قيس بن طلق، عن أبيه، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: أنَّه سُئل عن الرجل يَمُسُّ ذكره أعليه وضوء؟ فقال: «إنَّما هو بضعةٌ
منك».
رواه ابن حبان والحازمي وذكر حكاية بناء مسجد المدينة، وصححه ابن
.٤٠٨
الحديث الشريف
جبان. وقال الترمذي: هو أحسن شيء روي في هذا الباب. وصححه عمرو بن علي الفلاس. وقال الطحاوي: إسناده مستقيم غير مضطرب.
وضعفه الشَّافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي ثم على فرض صحته كما قال الأوَّلون، فهو منسوخ بحديث بسرة وغيره كما قال ابن حبان والطبراني وابن العربي والحازمي وجماعة.
٤٧ - حديث أبي هريرة في إيجاب الوضوء من مس الذكر.
أحمد والشافعي والطبراني وابن حِبَّان واللفظ له والدارقطني والحاكم من طريق يزيد النوفلي. زاد الشافعي وابن حِبَّان ونافع بن أبي نعيم، كلاهما عن المقبري، عن أبي هريرة مرفوعا: «إذَا أفْضَى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حائل، فليتوضأ». قال ابن حِبَّان عقب تخريجه واحتجاجنا في هذا بنافع دون يزيد بن عبدالملك.
قلت: لأنه ضعيف. وقال في موضع آخر من "صحيحه": «هذا حديث صحیح سنده، عدول نَقَلَته». اهـ
وفي الباب عن جابر، وعبدالله بن عمرو وزيد بن خالد، وسعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن عمر، وطلق بن علي، والنعمان بن بشير، وأُبي بن كعب، ومعاوية بن حيدة ،وقبيصة وعائشة وأم حبيبة، وأم سلمة، وأنس وأروى بنت أنيس وبسرة بنت صفوان وغيرهم. انظر "التلخيص الحبير". ٤٨ - قوله : (إِنَّ القبلةَ حُوّلت إلى الكعبة وأهل قباء يُصلُّون إلى بيت المقدس، فأُخْبِروا بذلك وهم في الصَّلاة فاستداروا ولم يُؤْمَروا بالإعادة) الشيخان، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «بينما النَّاس في صلاة الصبح في
تخريج أحاديث اللمع .
٤٠٩٠
قباء، إذ جاءهم رجلٌ فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أُنزل عليه الليلة قرآن، وأمره أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها، ووجوه النَّاس إلى الشّام، فاستداروا موجهين إلى الكعبة».
(تنبيه): وقع مثل ذلك لبني سلمة أيضًا، فروى أحمد ومسلم وأبو داود عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يُصلّي نحو بيت المقدس، فنزلت: قَد نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء ﴾ [البقرة: ١٤٤] الآية، فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة فنادى: ألا إِنَّ القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة». ٤٩ - قوله: (ولأنَّ الصَّحابة كانوا يرجعون فيها أُشكل عليهم إلى أفعاله
فيقتدون به.
سبق أنَّ الصَّحابة اختلفوا في الذي يجامع ولا يُنزل، هل عليه غسل؟ وأنهم رجعوا إلى عائشة، فأفتت بوجوب الغسل. وروى الشافعي في "الأم" عن القاسم، عن عائشة قالت: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، قالت: فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فاغتسلنا». ٥٠ - حديث: «النَّهي عن الصَّلاة بعد العصر». تقدَّم في حديث النهي عن الصَّلاة بعد الصبح. ٥١ - حديث: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بعد العصر صلاةً
لها سبب».
الشيخان عن أم سلمة أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم صلَّى في بيتها ركعتين بعد صلاة العصر، فأرسلت إليه الجارية تقول له: يا رسول الله !
21.
الحديث الشريف
سملة سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين، وأراك تصليها؟! فقال: «أتاني ناس من بني عبد القيس، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان». وللنسائي بإسناد صحيح عن أم سلمة قالت: «شغل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عن الركعتين قبل العصر فصلاهما بعد العصر».
وفي "صحيح " مسلم عن عائشة نحو ذلك.
٥٢ - حديث: «النهي عن القودِ في الطرف قبل الاندمال». أبو بكر وعثمان ابن أبي شيبة، عن ابن علية عن أيوب، عن عمرو بن دينار، عن جابر: «أنَّ رجلا جرح فـ فأراد أن يستقيد، فنهى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح». هكذا رواه الدارقطني وقال: أخطأ فيه ابنا أبي شيبة، وخالفهما أحمد بن حنبل، وغيره، فرووه عن ابن علية، عن أيوب، عن عمرو مرسلا . وكذلك قال أصحاب عمرو بن دينار عنه، وهو المحفوظ يعني: المرسل.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده أنَّ رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته، فجاء إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال: أقدني، فقال: «حتى تبرأ»، ثم جاء إليه فقال: أقدني فأقاده. ثمَّ جاء إليه فقال: يا رسول الله ! عرجت، قال: «قد نهيتك فعصيتني، فأبعدك الله وبطل عرجك»، ثم نهى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه. خرجه أحمد والدارقطني، وقال الحافظ: أعل بالإرسال.
ه - حديث: «أَنَّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم سمع رجلًا يقول: الرجل يجد مع امرأته رجلًا.... الحديث.
تخريج أحاديث اللمع .
٤١١
أحمد ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: كنا جلوسا عشية الجمعة في المسجد، فقال رجل من الأنصار أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلًا إن قتله قتلتموه، وإن تكلّم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ، والله لئن أصبحت صحيحًا لأسألنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: فسأله فقال: يا رسول الله إنَّ أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلًا إن قتله قتلتموه، وإن تكلم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ، اللهم احكم. قال: فنزلت آية اللعان فكان ذلك الرجل أول من ابتلي به.
٥٤ - حديث: «أنَّ معاذا كان يُصلّي العشاء مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يأتي قومه في بني سلمة، فيصلي بهم، هي له تطوع ولهم فريضة
العشاء». متفق عليه عن جابر غير قوله: «وهي له تطوع ... إلخ».
فرواه الإمام الشافعي، والدارقطني بإسناد صحيح كما قال الحافظ، وردَّ الطحاوي حيث زعم أنه مدرج في كلام جابر، انظر "الفتح". ٥٥ - حديث: «كنَّا نُجامِعُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ونكسل ولا نغتسل».
البزار والطبراني في "الكبير" عن عبيد بن رفاعة، عن أبيه قال: كنا نفعله على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم فإذا لم ننزل لم نغتسل. ورجال
إسناده رجال الصحيح غير ابن إسحاق وهو وإن كان ثقة، مدلس. ٥٦ - قوله: «ولهذا قال علي رضي الله عنه حين روي له ذلك: أو علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».
أحمد والطبراني عن رفاعة بن رافع، وكان عَقبِيًّا بدريا رضي الله عنه، قال:
.٤١٢
الحديث الشريف
كنت عند عمر رضي الله عنه فقيل له: إنَّ زيد بن ثابت رضي الله عنه يفتي النَّاس في المسجد برأيه في الذي يجامع ولا ينزل، قال: اعجل عليَّ به. فأتي به، فقال: يا عدو نفسه ! أولقد بلغتَ أنْ تُفتي النَّاس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم برأيك؟ قال: ما فلعتُ، ولكن حدثني عمومتي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، قال: أيُّ عُمُومَتِك؟ قال: أبي بن كعب وأبو أيوب ورفاعة بن رافع. فالتفت عمر إليَّ فقال: ما يقول هذا الغلام؟ فقلت: كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: سألتم عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم؟ قلت: كنا نفعله على عهده قال: فجمع النَّاس، واتفق النَّاس على أن الماء لا يكون إلا من الماء، إلَّا علي بن أبي طالب، ومعاذا رضي الله عنهما فقالا: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل قال: فقال علي: يا أمير المؤمنين إنَّ أعلم الناس بهذا أزواج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فأرسل إلى حفصة رضي الله عنهما، فقالت: لا علم لي فأرسل إلى عائشة رضي ا رضي الله عنهما قالت: إذا جاء الختان الختان وجب الغسل، قال: فتحطَّم عمر رضي ا رضي الله عنه يعني تغيظ - ثمَّ قال: لا يبلغني أنَّ أحدًا فعله إلَّا أنهكته عقوبة». الحديث ورجال
أحمد رجال الصحيح، غير ابن إسحاق وتقدم أنَّه ثقة مدلّس.
٥٧ - حديث: «الأعرابي الذي سأل عن الجماع في رمضان». أحمد والشَّيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال: هلكت يا رسول الله قال: «وما أهْلَكَكَ؟» قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: «اعتق رقبة». قال: لا أجدها. قال: «صم شهرين متتابعين». قال: لا أطيق. قال: «أَطْعِم ستين مسكينًا» قال: لا. قال: ثمَّ
تخريج أحاديث اللمع .
٤١٣
جلس فأتى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بعرق فيه تمر، قال: «تصدق بهذا». قال: على أفقر منا فما بين لابتيها أحوج إليه منا. فضحك النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: «اذهب فأطعمه أهلك».
٥٨ - قوله: (رجع عمر رضي الله عنه إلى حديث حمل بن مالك في دية
الجنين). أبو داود والنسائي من طريق سفيان ، عن عمرو، عن طاوس، قال: «قام عمر رضي الله عنه على المنبر يسأل عن قضية النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في ذلك، فقام حمل بن مالك بن النابغة، فقال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم في جنينها بغُرَّةِ عبد أو أمةٍ، فقال عمر : الله أكبر لو لم أسمع بهذا لقضينا بغير
هذا».
ورواه الشافعي في "الرسالة" من طريق سفيان عن عمرو بن دينار، وابن طاوس عن طاوس: «أنَّ عمر قال : أذكر الله امرأ سمع من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في الجنين شيئًا، فقام حمل بن مالك ...» وذكر ما تقدم، غير أنه قال: فألقت جنينًا ميتا». ولم يقل: «فقتلتها» وفيه انقطاع بين طاوس وعمر، وأصل القصة في "الصحيحين".
٥٩ - قوله: ( ورجع عثمان رضي الله عنه في السكنى إلى حديث فريعة بنت
مالك).
أخرج مالك والشافعي وأحمد والأربعة وابن حبان والحاكم والطبراني من
طريق سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب: أنَّ
٤١٤
الحديث الشريف
الفريعة أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، وأنَّ زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم، فقتلوه... الحديث. وفيه: فقال لها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت: فلما كان عثمان رضي الله عنه أرسل إلى فسألني عن ذلك، فأخبرته فاتبعه وقضى به. قال الترمذي حسن صحيح، وصححه الحاكم وأقره الذهبي، وأعله ابن حزم، وتبعه عبدالحق بجهالة حال زينب، وبأنَّ سعد بن إسحاق غير مشهور العدالة، وتعقبها ابن القطان بأنَّ سعدًا وثقه النسائي وابن حِبَّان، وزينب وثقها الترمذي. اهـ ٦٠ - قوله: (وقال علي رضي الله عنه: إذا حدثني أحد عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم أحلفته فإذا حَلف لي صدقته، إلَّا أبا بكر رضي ا وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر). أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في "الصحيح" عن علي عليه السَّلام قال: كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حديثًا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني وإذا حدَّثني أحد من أصحابه استحلفته فإذا حلف لي صدقته، وأنه حدثني أبو بكر رضي الله عنه، وصدق أبو بكر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ما من عبد يذنب ذنبًا فيحسنُ الطَّهور ، ثمَّ يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله، إلَّا
الله عنه
غفر له ثم قرأ هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ﴾ [آل عمران: ١٣٥] إلى آخر الآية.
تخريج أحاديث اللمع .
٤١٥
٦١ - قوله: (ورجع ابن عمر رضي الله عنهما إلى خبر رافع بن خدیج رضي الله
عنه في المخابرة ) . الشافعي عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار ، سمع ابن عمر يقول : كُنَّا نُخابر ولا نرى بذلك بأسًا، حتى زعم رافع بن خديج أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها، فتركناها من أجل قول رافع». ورواه مسلم بمعناه عن أبي بكر بن شيبة وغيره عن ابن عيينة .
٦٢ - قوله: ( ورجعت الصَّحابة إلى حديث عائشة رضي الله عنها في التقاء الختانين). قلت. تقدم قبل.
٦٣ - قوله: (وذكروا ذلك فى خبر التفليس والقرعة والمضراة). أما خبر التفليس فرواه أحمد والستة، عن أبي هريرة قال، قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «من أدرك ماله بعينه عند رجل أفلس -أو إنسان قد أفلس- فهو أحق به من غيره». ولأحمد وأبي داود بإسنادٍ حسن من طريق الحسن، عن سمرة مرفوعا: «من وجد متاعه عند مُفْلِس بعينه فهو أحق به».
وأما خبر القرعة فرواه البخاري عن أبي هريرة قال: «عرض النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على قوم اليمين فأسرعوا، فأمروا أن يُسهم بينهم في اليمين
أيهم يحلف». ولأبي داود والنسائي من حديثه أنَّ رجلين اختصما إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم في متاع ليس لواحدٍ منها بينة، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم: «استهما على اليمين ما كان أحبَّا ذلك أو كرِهَا».
٤١٦
الحديث الشريف
ولأحمد وأبي داود من حديثه أيضًا : إذا كره الاثنان اليمين، أو استحباها
فليستهما عليها».
وقد وردت القرعة في مسائل غير اليمين ذكرها البخاري بباب القرعة من كتاب الشهادات.
وأما خبر المصراة فرواه أحمد والشَّيخان عن أبي هريرة أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «لا تُصِرُّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها ،أمسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطها ردَّها وصاعًا من تمر». وله في "الصحيحين" ألفاظ.
٦٤ - قوله : ( رد علي كرم الله وجهَة شهادة أبي سنان الأشجعي وقال: بوّال على عقبيه).
البيهقي من طريق سعيد بن منصور نا هشيم: أنا أبو إسحاق الكوفي عن مزيدة بن جابر، أنَّ عليا عليه السَّلام قال: « لا نقبل قول أعرابي من أشجع على کتاب الله».
وعزاه في "الروض النضير" للقاضي زيد بلفظ: «لا نقبل حديث أعرابي بوال على عقبيه، فيما يخالف كتاب الله وسنة رسوله». وحديث أبي سنان الذي رده علي عليه السلام هو مارواه أحمد والأربعة، عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه : أنَّه سُئل عن رجل تزوج امرأة، ولم يفرض لها صداقا، ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود لها مثل صداق نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة ولها الميراث، فقال: معقل بن سنان الأشجعي، فقال: قضى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في بروع بنت واشق امرأة منا مثل ما
تخريج أحاديث اللمع
٤١٧
قضيت، ففرح بها ابن مسعود رضي الله عنه. صححه الترمذي وابن حزم، وجماعة. وذلك الكلام لا يصح عن علي عليه السَّلام؛ لأنَّ في الإسناد إليه أبا إسحاق الكوفي وهو متفق على ضعفه.
٦٥ - قوله: (أما أبو بكرة ومن جلد معه في القذف) إلخ، علقه البخاري في "الصحيح" فقال: وجلد عمر أبا بكرة وشبل بن معبد ونافعا بقذف المغيرة، ثم استتابهم، قال: من تاب قبلت شهادته.
ووصله الشَّافعي في "الأم" قال: أخبرنا سفيان: سمعت الزهري يقول: زعم أهل العراق أنَّ شهادة المحدود لا تجوز، فأشهد لأخبرني فلان أنَّ عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة: تُب وأقبل شهادتك. قال سفيان: سمى الزهري من
أخبره، فحفظته ثمَّ نسيته، فقال لي عمر بن قيس: هو ابن المسيب. قال الحافظ : ورواه ابن جرير من وجه آخر عن سفيان فسماه ابن المسيب،
قال : وكذلك رويناه بعلو من طريق الزعفراني، عن سفيان اهـ.
ورواه ابن جرير في "التفسير" من طريق ابن إسحاق عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن أنَّ عمر رضي الله عنه ضرب أبا بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحرث بن كلدة الحد، وقال لهم من أكذب نفسه قبلت شهادته فيما يستقبل، ومن لم يفعل لم أجز شهادته فأكذب شبل نفسه ونافع، وأبى أبو بكرة
أن يفعل. وروى عمر بن شبة في أخبار "البصرة من طريق سليمان بن كثير، عن الزهري عن سعيد بن المسيب: «أن عمر حين شهد أبو بكرة ونافع وشبل على
المغيرة وشهد زياد على خلاف شهادتهم، جلدهم عمر واستتابهم، وقال: من
.٤١٨
الحديث الشريف
رجع منكم عن شهادته قبلت شهادته فأبى أبو بكرة أن يرجع». وروى الطَّحاوي من طريق محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن
ميسرة، عن سعيد بن المسيب قال: شهد على المغيرة أربعة، فنكل زياد بن أبي سفيان فجلد عمر الثلاثة واستتابهم، فتاب الاثنان، وأبى أبو بكرة أن يتوب، فكان يقبل شهادتهما حين تابا، وكان أبو بكرة لا يقبل شهادته؛ لأنَّه أبى أن يتوب، وكان مثل التصوم في العبادة».
وروى الطحاوي والطبراني والبهيقي من طريق عبدالكريم بن رشيد، عن أبي عثمان النهدي قال: جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه فشهد على المغيرة بن شعبة فتغيَّر لون عمر، ثمَّ جاء آخر فشهد فتغيَّر لون عمر، ثمَّ جاء آخر فشهد، فتغيَّر لون عمر حتى عرفنا ذلك فيه، وأنكر لذلك وجاءه آخر يحرك بيديه فقال: ما عندك يا سلح العقاب - وصاح أبو عثمان صيحةً تُشَبَّه بها صيحة عمر حتى كربتُ أن يغشى علي قال: رأيت أمرًا ،قبيحًا، قال: الحمد لله الذي لم يُشمت الشيطان بأمة محمد، فأمر بأولئك النفر فجُلدوا». قال الحافظ : إسناده صحيح
والقصة بطولها في "مستدرك " الحاكم من طريق عبد العزيز بن أبي بكرة. ٦٦ - قوله: (قال الشعبي: حدثني الحارث الأعور، وكان والله كذَّابًا). قلت: قال مسلم في مقدمة "صحيحه" : ثنا قتيبة : ثنا جرير عن مغيرة، عن الشعبي: «حدثني الحارث الأعور وكان كذابًا».
٦٧ - حديث: «نصر الله امراً سمع مقالتي فوعاها... الحديث». أحمد والترمذي وابن حِبَّان عن ابن مسعود، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «نضَّر الله امراً سمع مِنَّا شيئًا فبلغه كما سمعه، ، فُربَّ
تخريج أحاديث اللمع .
٤١٩
مبلغ أوعى من سامع قال الترمذي: حسن صحيح. وللشافعي في "الرسالة" بإسناد صحيح من حديث: «نظر الله عبدا . سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فرُبَّ حامل فقه غير فقيه، وربَّ حامل فقه إلى من هو ا أفقه
الحديث».
منه ...
وفي الباب عن جابر، وأبي سعيد، وأبي الدرداء، ومعاذ، وسعد، وأنس، وجبير بن مطعم، والنعمان بن بشير، وأبي قرصافة، وعبيد بن عمير، عن أبيه عن جده وزيد بن ثابت ،وغيرهم، وهو حديث متواتر كما قال الحفاظ. ٦٨ - حديث: «إذا أصبت المعنى فلا بأس».
الطبراني في "الكبير" وابن منده في "معرفة الصحابة" من طريق يعقوب بن عبدالله بن سليمان بن أكيمة الليثي عن أبيه، عن جده قال: قلنا يا رسول الله إنَّا نسمع منك الحديث فلا نقدر أن نؤديه كما سمعنا فقال: «إذا لم تُحلوا حرامًا ولم
تحرموا حلالا، وأصبتم المعنى فلا بأس».
يعقوب وأبوه قال الحافظ الهيثمي: لم أر من ذكرهما.
وقال الحافظ السخاوي في "فتح المغيث": هذا حديث مضطرب لا يصح. قال: وأورده الجوزقاني وابن الجوزي في "الموضوعات" وفي ذلك نظر اهـ. أي لأنَّ اضطرابه وجهالة راويه لا يقتضيان أن يكون موضوعًا.
٦٩ - قوله: ( ولهذا قدَّم ابن عمر روايته في الأفراد على رواية أنس فقال: إنَّ أنسا كان صغيرًا يتولَّجُ على النِّساء وهن متكشّفات وأنا آخذ بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يسيل على لعابها ) . اهـ
البيهقي عن زيد بن أسلم: أنَّ رجلا أتى ابن عمر فقال: بم أهل رسول الله
٤٢٠
الحديث الشريف
صلى الله عليه وآله وسلَّم؟ قال: بالحج، ثم أتاه من العام المقبل فسأله، فقال: ألم تأتيني عام أول ؟ قال : بلى، ولكن أنسًا يزعم أنَّه قَرَن قال ابن عمر ! عمر: إِنَّ أنسا
كان يدخل على النِّساء، ... إلخ ما تقدَّم». قال النووي: إسناده صحيح. ۷۰- قوله: (قال ابن عباس رضي الله عنهما: كُنَّا نأخذ من أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بالأحدث فالأحدث).
في معناه ما رواه أبو داود والنسائي عن جابر قال: «كان آخر الأمرين من
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترك الوضوء مما مست النَّار». وروى الطبراني عن محمد بن مسلمة : أنَّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم
أكل آخر أمريه لحما، ثمَّ صلَّى ولم يتوضأ».
وروى ابن حِبَّان عن الزهري قال: سألت عروة في الذي يجامع ولا ينزل، فقال: على النَّاس أن يأخذوا بالآخر فالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حدثتني عائشة أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك ولا يغتسل وذلك قبل فتح مكة ، ثم اغتسل بعد ذلك وأمر الناس بالغُسل». ۷۱ - حديث: «لا تجتمع أمتي على الخطأ». لا أعرفه بهذا اللفظ.
۷۲ - حديث: «لا تجتمع أمتي على الضلالة». هذا هو اللفظ المعروف وله طرق متعدّدة، ففي "سنن ابن ماجه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ أُمَّتي لا تجتمع على ضلالةٍ فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم فيه». أبو خلف الأعمى وهو
ضعيف.
وللترمذي والحاكم من حديث ابن عباس: «لا يجمع الله أُمتي - أو قال
تخريج أحاديث اللمع .
وفي
٤٢١
هذه الأمة - على الضَّلالة أبدا، ويد الله على الجماعة». إسناده حسن إن شاء الله "المسند" من حديث أبي بصرة الغفاري: «سألت ربي عزَّ وجلَّ أربعًا فأعطاني ثلاثا، ومنعني واحدة سألت الله أن لا يجمع أُمتي على ضلالة فأعطانيها ... الحديث» وفيه راو مبهم.
وروى الطبري في تفسيره" عن يعقوب بن إبراهيم، عن ابن عليَّة، عن يونس، عن الحسن مرفوعا: سألت ربي أربعًا فأعطيت ثلاثا ومنعت واحدة،
سألته أن لا يُسلّط على أُمتي عدوا من غيرهم يستبيح بيضتهم، ولا يُسلّط عليهم جوعًا، ولا يجمعهم على ضلالة فأعطيتهن ... الحديث».
۷۳- حديث: «من فارق الجماعة ولو قيد شبر ... الحديث». أحمد عن طريق أبي بكر بن عيّاش وزهير، عن مطرف بن طريف، عن أبي الجهم، عن خالد بن وهبان، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من فارق الجماعة شبرا خلع ربقة الإسلام من عنقه» ورواه الحاكم من طريق عمر بن عون عن خالد بن عبدالله ، عن مطرف ثم قال: تابعه جرير بن عبد الحميد الضبي عن مطرف عن خالد عن أبي ذرٍ.
وروى أبو داود الطيالسي والترمذي والحاكم عن الحرث الأشعري قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «آمركم بخمس كلمات أمرني الله بهنَّ الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله، فمن خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من رأسه إلا أن يرجع» صححه الترمذي والحاكم. ٧٤- قوله: (ونهى عن الشذوذ وقال: «من شدَّ شَدَّ فِي النَّارِ»).
أحمد من طريق العلاء بن زياد عن رجل حدَّثه يثق به، عن معاذ قال: قال
٤٢٢
الحديث الشريف
نبي الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّ الشَّيطان ذئبُ الإنسانِ كذئب الغنم يأخذُ الشاة القاصية ،والناحية، فإيَّاكم والشعاب، وعليكم بالجماعة والعامة
والمسجد».
وقال أحمد: ثنا إسحاق بن سليمان الرازي: سمعت زكريا بن سلام: يحدث عن أبيه عن رجل، قال: انتهيت إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: أيُّها النَّاس عليكم بالجماعة وإيَّاكم والفُرقةَ، عليكم بالجماعة وإيَّاكم والفرقة، عليكم بالجماعة وإيَّاكم والفرقة». وللترمذي والحاكم من حديث ابن عمر: «إِنَّ الله لا يجمع أُمتي على ضلالةٍ ويد الله على الجماعة، ومن شدَّ شدَّ إلى النَّار» إسناده ضعيف. ورواه الحاكم من أوجه ولفظه في أحدها: «لا يجمع الله هذه الأمة على الضلالة أبدًا ويد الله على الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإِنَّه من شدَّ شَدَّ فِي النَّارِ».
٧٥ - حديث: «أنه صلى الله عليه وآله وسلَّم نزل منزلا، فقيل له: إنَّه ليس برأي فتركه». قلت: في "سيرة" ابن إسحاق في سياق غزوة بدر الكبرى: «أَنَّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم خرج يبادر قريشًا إلى الماء، حتى جاء أدنى ماء من بدر فنزل به». قال ابن إسحاق: فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا : أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا أن نتأخر عنه، أم هو الرَّأي والحرب والمكيدة؟ قال: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة»، قال: يا رسول الله إنَّ هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثمّ نغور ما وراء من القلب ثمَّ نبني
تخريج أحاديث اللمع .
٤٢٣
عليه حوضا، فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «لقد أشرت بالرأي فنهض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من النَّاس، فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم... الحديث.
وقال الحافظ في "الإصابة": روى محمد بن إسحاق في "السيرة" قال: حدثني يزيد بن رومان عن عروة، وغير واحد في قصة بدر فذكر قول الحباب: يا رسول الله هذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه أم هو الرأي والحرب؟ فقال: بل هو الرأي والحرب» فقال الحباب: كلا ليس هذا بمنزل. فقبل منه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم .اهـ. وذكر أثرًا آخر عن الحباب نفسه فليراجع. ٧٦ - حديث: «لا يخلو عصر من قائم الله بحجة».
لا أصل له. وفي معناه ما رواه أبو داود والطبراني في "الأوسط" والحاكم في "المستدرك" من حديث أبي هريرة: «إنَّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل
مائة سنة من يجدد لها دينها». صححه الحاكم وأقره الذهبي. ۷۷ - قوله: (كخلاف) الصَّحابة لأبي بكر رضي الله عنه في قتال مانعي
عمر
رضي
الله عنه
الزَّكاة وإجماعهم بعد ذلك). أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم. وعن أبي هريرة قال: «لما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وكان أبو بكر رضي الله عنه، وكفر من كفر من العرب، فقال . فكيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم منّي ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله». فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصَّلاة والزَّكاة،
٤٢٤
الحديث الشريف
فإنَّ الزَّكاة حق المال، والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم لقاتلتهم على منعها. قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما هو إلَّا أن شرح الله له صدر أبي بكر رضي الله عنه ، فـ الله عنه، فعرفت أنه الحق».
وروى أبو يعلى من طريق مجالد، عن الشعبي قال: «لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وارتد من ارتد من العرب، قال قوم: نُصلّي ولا نؤتي الزَّكاة فقال الناس لأبي بكر رضي الله عنه: اقبل منهم. قال: لو منعوني عناقا لقاتلتهم، فبعث خالد بن الوليد» وذكر بقية القصة.
۷۸ - قوله: (وفي قول ابن عباس فيمن نذر ذبح ابنه).
قلت: عن ابن عباس في هذه المسألة روايات:
إحداها: روى ابن أبي شيبة عن عبدالرحيم، عن داود بن أبي هند، عن عامر قال: سأل رجل ابن عباس عن رجل نذر أن ينحر ابنه قال: «ينحر مائة من الإبل كما فدى عبد المطلب ابنه .
ثانيتها: قال ابن أبي شيبة عباد عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس: في الرجل يقول: هو ينحر ابنه قال : كبش كما فدى إبراهيم إسحاق». وبه قال عكرمة أيضًا. ثالثتها قال ابن أبي شيبة عبد الرحيم عن يحيى بن سعيد، عن القاسم قال: «كنت عند ابن عبّاس فجاءته امرأة فقالت: إنّي نذرت أن أنحر ابني، فقال ابن عباس : لا تنحري ابنك وكفّري عن يمينك، قال: فقال رجل عند ابن عباس: إنَّه لا وفاء لنذر في معصية، فقال: ابن عباس: أليس الله قد قال في الظهار: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ﴾ [المجادلة: ٢]، ثم قال: فيه من
تخريج أحاديث اللمع .
الكفارة ما سمعت».
٤٢٥٠
رابعتها: قال ابن أبي شيبة غندر عن شعبة، عن الحكم، عن ابن عباس في
الرجل يقول: هو ينحر ابنه قال: «يهدي ديته أو كبسا».
(تنبيه): قوله في الرّواية الثانية: «كما فدى إبراهيم إسحاق» يفيد أنَّ الذبيح إسحاق عليه السَّلام، وهو قول ضعيف أو باطل، لم يثبت في حديث صحيح يعول عليه، وإنّما هو من الإسرائيليات التي انخدع بها بعض العلماء من السلف والخلف، والصحيح الذي لا يجوز العدول عنه: أنَّ الذبيح إسماعيل عليه السلام، وهو الصَّحيح المشهور عن ابن عباس وغيره، ويؤيده الدليل النقلي والعقلي، كما يعلم من "زاد المعاد" لابن القيم، و"تاريخ" ابن كثير، وغيرهما ولأبي بكر بن العربي في هذا رسالة سماها "تبيين الصحيح في تعيين الذبيح"، وللحافظ السُّيوطي رسالة القول الفصيح في تعيين الذبيح"، لكنَّه توقف في الترجيح، ولا معنى للتوقف؛ لأنَّ الذبيح بيقين إسماعيل عليه الصَّلاة والسلام. ۷۹- قوله : ( وفي قول عائشة رضي الله عنها في قصة زيد بن أرقم). عبدالرزاق في "مصنفه": أخبرنا معمر والثوري عن أبي إسحاق السبيعي، عن امرأته، أنها دخلت على عائشة في نسوة، فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين كانت لي جارية، فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة إلى العطاء، ثم ابتعتها منه بستمائة، فنقدتُه الستمائة وكتبت عليه ثمانمائة، فقالت عائشة: بئس ما اشتريت، وبئس ما اشترى زيد بن أرقم، إنَّه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم إلا أن يتوب، فقالت المرأة لعائشة: أرأيت إن أخذت
٠٤٢٦
الحديث الشريف
مالي ورددت عليه الفضل ؟ قالت فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَف [البقرة: ٢٧٥].
ورواه الدارقطني والبيهقي في "سننهما" عن يونس بن أبي إسحاق، عن أمه العالية قالت: كنت قاعدة عند عائشة فأتتها أم محبة فقالت: إنّي بعت زيد بن أرقم جارية إلى عطاء فذكر نحوه.
ورواه أحمد ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وأم ولد زيد بن أرقم، فقالت: أم ولد زيد
لعائشة : إني بعت من زيد غلامًا بثمانمائة درهم نسيئة وذكر الخبر نحوه. قال الدارقطني : العالية وأم محبة مجهولتان لا يحتج بهما، وهذا الحديث لا
يثبت عن عائشة قاله الإمام الشافعي اهـ. وقال ابن عبدالبر في "الاستذكار": «هذا الخبر لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولا هو مما يحتج به عندهم فامرأة أبي إسحاق وامرأة أبي السفر، وأم ولد زيد ابن أرقم كلهنَّ غير معروفات بحمل العلم، وفي مثل هؤلاء روى شعبة، عن أبي هاشم أنه قال: كانوا يكرهون الرواية عن النساء إلا عن أزواج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، والحديث منكر اللفظ لا أصل له؛ لأنَّ الأعمال الصالحة لا يحبطها الاجتهاد، وإنّما يحبطها الارتداد، ومحال أن تلزم عائشة زيدا التوبة برأيها وتكفّره باجتهادها، هذا ما لا ينبغي أن يظن بها ولا يقبل
عليها». اهـ
وكذا أبطله ابن حزم بنحو من هذا وأجاد، انظر "المحلى" (ج۹، ص: ٤٩ (٥٠)، فالخبر باطل بلا شك وإن صححه ابن الجوزي وبعض الحنفية غافلين
تخريج أحاديث اللمع .
٤٢٧
عن نكارة معناه، وضعفه أيضًا الحافظ الشهيلي في "الروض الأنف" (ج)
ص: ٢٥٨).
۸۰ - حديث: «عليكم بالسواد الأعظم».
ابن ماجه عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يقول: «إنَّ أُمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم». وإسناده ضعيف.
۸۱- حديث: «عليكم بسُنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي». أحمد والأربعة إلَّا النَّسائي وابن حِبَّان والحاكم عن العرباض بن سارية
قال: وعظنا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إنَّ هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإنْ أُمر عليكم عبد حبشي، فإنَّه من يَعِشُ منكم فسيرى اختلافا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين». زاد الحاكم في رواية: من بعدي . عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور، فإنَّ كل محدثة بدعة، وفي كل بدعة
ضلالة». قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. ۸۲- حديث: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم». ابن عبدالبر في كتاب "العلم" عن جابر، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بهذا، وضعف
إسناده وله طرق كلها ضعيفة.
۸۳ - حديث: «اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر.
أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حِبَّان والحاكم من طريق عبدالملك بن
.٤٢٨
الحديث الشريف
عمير، عن ربعي عن حذيفة، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم بهذا، وقال
الترمذي: حديث حسن.
وقال البزار وابن حزم: لا يصح لجهالة وانقطاع فيه، وتعقبهما الحافظ في " التلخيص الحبير".
وروى الطبراني من حديث أبي الدرداء مثله، وإسناده ضعيف. ٨٤ - قوله: رُوي أنَّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله عزَّ وجلَّ، ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن لم يجد جمع رؤساء النَّاس واستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على شيء
قضی به) . اهـ
قلت: رجوع الصَّحابة في الأحكام إلى الكتاب والسُّنَّة لا يحتاج إلى إسناد؛ لأنَّه معلوم من حالهم ضرورة، واستشارة بعضهم بعضًا في الرَّأي مشهور منتشر، من ذلك ما رواه البيهقي في "الشعب" و"السنن" عن محمد بن المنكدر: «أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر رضي الله عنه أنه وجد رجلا في بعض نواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة فجمع أبو بكر الصَّحابة، فسألهم فكان من أشدهم في ذلك قولا علي، قال: هذا ذنب لم يعص به إلَّا أمة واحدة، صنع الله بها ما قد علمتم، نرى أن تحرقه بالنار، فاجتمع رأي الصَّحابة على ذلك، فأمر به أبو بكر أن يحرق بالنار». قال الحافظ المنذري في «الترغيب»: سنده جيد. ومن ذلك ما رواه مالك وأحمد وأصحاب السنن عن قبيصة بن ذؤيب، قال: «جاءت الجدة إلى أبي بكر رضي الله عنه تسأله ميراثها، فقال مالك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سُنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم
تخريج أحاديث اللمع
٤٢٩٠
شيئًا، فارجعي حتى أسأل النَّاس، فسأل النَّاس، فقال المغيرة: شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أعطاها السُّدس. فقال: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه قال الحافظ : وإسناده صحيح إلَّا أنَّ صورته مرسل، فإن قبيصة لا يصح له سماع من
الصديق ولا يمكن شهود القصة، قاله ابن عبدالبر بمعناه. اهـ
٨٥ - قوله: ( وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في الكتاب الذي اتفق الناس على صحته: الفهم الفهم فيما أدى إليك مما
ليس في قرآن ولا سنة، ثم قس الأمور عند ذلك) . اهـ
الدارقطني في "سننه" من طريق عبيد الله بن أبي حميد، عن أبي المليح الهذلي
قال: «كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد، فإنَّ القضاء فريضة محكَمَةٌ وسنةٌ متبعة، فافهم إذا أدلي إليك وذكر الكتاب إلى أ أن قال
الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة، اعرف الأشباه والأمثال، ثمّ قس الأمور عند ذلك، فاعمد إلى أحبها إلى الله، وأشبهها بالحق فيما ترى» وذكر بقيَّته وعبيد الله بن أبي حميد ضعيف متروك، لكن ورد من طرق تدلُّ على أنَّ له أصلا، لا سيما وفي بعض طرقه عند الدارقطني، أنَّ سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أخرج الكتاب وقال: هذا كتاب ،عمر، ثم قرأ على سفيان بن عيينة، وقد تلقاه النَّاس بالقبول، وجعلوه أصلا في باب القضاء فأغنى ذلك أيها غناء.
٨٦- قوله: (وقال لعثمان رضي الله عنه: إني رأيت في الجد رأيا فاتبعوني) إلخ. عبدالرزاق والدارمي والحاكم والبيهقي من طريق مروان بن الحكم: «أنّ
الحديث الشريف
عمر رضي الله عنه لما طعن استشارهم في الجد فقال: إنّي كنت رأيت في الجد رأيا، فإن رأيتم أن تتبعوه فاتبعوه، فقال عثمان رضي الله عنه: إن نتبع رأيك فإنَّه رشد، وإن نتبع رأي الشَّيخ قبلك فلنعم ذو الرأي كان». صححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
رضي
۸۷- قوله: (وقال علي كرم الله وجهه كان رأيي ورأي أمير المؤمنين عمر الله عنه أن لا تباع أمهات الأولاد ورأيي الآن أن يبعن، فقال له عبيدة السلماني: رأي ذوي عدلٍ أحبُّ إلينا من رأيك وحدك، وفي بعض الروايات: من رأي عدلٍ واحد) . اهـ روی عبدالرزاق عن معمر ، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: سمعت عليا كرم الله وجهه يقول: اجتمع رأيي ورأي عمر رضي الله عنه في أمهات الأولاد أن لا يبعن، ثم رأيت بعد أن يبعن، قال عبيدة: فقلت له: رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إليَّ من رأيك وحدك في الفرقة، قال: فضحك علي». وهذا إسناد في غاية الصحة.
وروى عبدالرزاق بإسناد صحيح أنَّ عليا رضي الله عنه رجع عن رأيه هذا إلى رأيه الأول.
۸۸- حديث: «إنَّما نهيتكم لأجل الدافة». أحمد ومسلم عن عائشة قالت دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقال: «ادخروا ثلاثا، ثمَّ تصدقوا بما بقي»، فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله إِنَّ النَّاس يتخذون الأسقية من ضحاياهم، ويجملون منها الودك ، فقال : وما ذاك؟» قالوا: نهيت أن تؤكل
تخريج أحاديث اللمع .
٤٣١
لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فقال: «إنَّما نهيتكم من أجل الدافة، فكلوا وادخروا».
۸۹ - حديث: النهي عن التضحية بالعوارء
مالك وأحمد وأصحاب السنن الأربعة من طريق عبيد بن فيروز قال: سألت البراء بن عازب عما نهى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم عنه من الأضاحي ؟ فقال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه وأناملي أقصر من أنامله فقال: «أربعٌ لا تجوز في الضحايا: العوراء البين عورها، والمريضةُ البين مرضُها، والعرجاء البين ظَلَعُها، والكسير التي لا تنقى» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
٩٠ - حديث: «النهي عن البول في الماء الراكد الدائم».
مسلم في "صحيحه" عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: أنه نهى أن يبال في الماء الراكد».
وفي "صحيح " مسلم والسنن الأربعة عن أبي هريرة مرفوعا: «لا تبل في الماء الدائم الذي لا يجري ثم تغتسل منه».
۹۱ - حديث: «الأمر بإراقة السمن إذا وقعت فيه الفأرة».
البخاري عن ابن عباس، عن ميمونة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن فأرةٍ سقطت في سمن؟ فقال: «ألقوها وما حولها، وكلوا
سمنكم». وفي رواية له: «خذوها وما حولها فاطرحوه». وروى عبدالرزاق ومن طريقه أبو داود وغيره، عن معمر، عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الفأرة تقع في السَّمن؟ فقال: «فإذا كان جامدًا فألقوها وما حولها،
. ٤٣٢
الحديث الشريف
وإن كان مائعا فلا تقربوه.
۹۲ - حديث: «لا تبيعوا الطعام بالطَّعام إلا مثلا بمثل».
مسلم عن معمر ابن عبدالله قال: كنت أسمع النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله
وسلم يقول: «الطَّعام بالطَّعام مثلًا بمثل».
۹۳ - حديث: «أنَّ بريرة أعتقت فكان زوجها عبدا، فخيَّرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».
أما تخير بريرة ففي الصحيحين" عن عائشة قالت: كان في بريرة ثلاث سنن، أراد أهلها أن يبيعوها ويشترطوا ولاءها، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: «اشتريها وأعتقيها، فإنَّ الولاء لمن أعتق»، وعتقت فخيَّرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم من زوجها، فاختارت نفسها وكان الناس يتصدقون عليها فتهدي لنا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «هو عليها صدقة ولنا هدية».
وأما أنَّ زوجها كان عبدًا، ففي ذلك خلاف لاختلاف الروايات، ففي بعضها أنه كان عبدًا، وفي بعضها كان حرا، والروايات بأنه كان عبدا أصح وأكثر، وهي عن ابن عباس، وعائشة في "صحيح" مسلم، وعن ابن عمر في "سنن الدارقطني، والبيهقي بإسنادٍ فيه ضعف، وعن صفية بنت أبي عبيد في "سنن" البيهقي بإسناد صحيح.
٩٤ - حديث: أنَّ النبيَّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم قال لمعاذ: «بم تحكم؟» قال: بكتاب الله. قال: «فإن لم تجد؟» قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي. أحمد وأبو داود والترمذي
٤٣٣
تخريج أحاديث اللمع . والدارمي والطبراني من طريق الحرث بن عمرو، عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ، عن معاذ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بعثه إلى اليمن قال: «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال: أقضي بكتاب الله. قال: «فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله. قال: «فإن لم تجد في سُنَّة رسول الله ولا في كتاب الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله
صدره وقال: «الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله». قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه، وليس إسناده – عندي- بمتصل اهـ. فهو ضعيف.
وله طريق آخر ضعيف أيضًا، لكن اشتهاره بين الناس وتلقيهم له بالقبول
مما يقوي أمره. ٩٥ - حديث: «إنما نهيتكم لأجل الدافة». تقدم قريبا.
٩٦ - حديث: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر».
البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن سهل بن سعد الساعدي: أنَّ رجلًا اطلع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم من حُجرٍ في حجرة النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم ومع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم مدارة يحك بها رأسه، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لو علمت أنك تنظر لطعنتُ بها
في عينك، إنَّما جُعِلَ الاستئذانُ من أجلِ البَصَر».
۹۷ - حديث: «أينقص الرطب إذا يبس".
مالك في "الموطأ" عن عبدالله ابن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن زيد بن
.
عياش، عن سعد بن أبي وقاص أنَّه سُئل عن البيضاء بالسلت، فقال له سعد:
٤٣٤
الحديث الشريف
أيهما أفضل؟ قال: البيضاء قال: فنهاه عن ذلك، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يُسأل عن شراء التّمر بالرطب، فقال عليه السَّلام:
«أينقص إذا يبس؟ قال: نعم، فنهاه عن ذلك.
ومن طريق مالك رواه الأربعة، وقال الترمذي: حسن صحيح. وكذلك رواه ابن حِبَّان والحاكم ولفظهما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: «أينقص الرطب إذا جف؟» قالوا: نعم، قال: «فلا إذن قال الحاكم: هذا حديث صحيح، لإجماع أئمة النقل على إمامة مالك بن أنس، وأنَّه محكم لكل ما يرويه من الحديث، إذ لم يوجد في رواياته إلَّا الصَّحيح، خصوصا في حديث أهل المدينة ... والشيخان لم يخرجاه لما خشيا من جهالة زيد أبي عياش) ، وهو ابن عياش، وقد تابع مالكا في روايته عن عبد الله بن يزيد إسماعيل بن أمية، ويحيى بن أبي كثير، ثم أخرج حديثهما اهـ. وهو كما قال، ولم يصب من ادعى جهالة زيد بن عياش، بل هو معروف كما بينه الخطابي في "معالم السنن"، والمنذري في "مختصر سنن أبي داود"، وتراجع ترجمته في "تهذيب التهذيب".
۹۸ - حديث: «إنه دمُ عِرْقٍ، يعني: الاستحاضة». ا
متفق عليه من حديث عائشة : أنَّ فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض، فسألت النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال: «إنَّما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبَلَتِ الحيضةُ فدعي الصَّلاةَ وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي»، هذا لفظ البخاري. وفي "صحيح" مسلم مثله عن عائشة في قصَّة استحاضة أم حبيبة بنت
جحش ختنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم.
تخريج أحاديث اللمع .
٤٣٥
٩٩ - حديث: «إنَّها من الطُّوافين عليكم والطوافات». مالك والشافعي وأحمد والأربعة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت
تحت ابن أبي قتادة - أنَّ أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءا، فجاءت هرة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت قالت كبشة: فرآني أنظر، فقال: أتعجبين با ابنة أخي ؟ فقلت: نعم، فقال: إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «إنَّها ليست بنجس، إنَّها من الطوافين عليكم والطوافات». قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه البخاري وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني. ۱۰۰ - حديث: «الهرَّةُ سَبع».
أحمد وابن أبي شيبة والدارقطني عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يأتي دار قوم من الأنصار، ودونهم دار، فشق ذلك عليهم، فقالوا: يا رسول الله تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا؟ فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: لأن في داركم كلبًا» قالوا: فإنَّ في دارهم سنورًا، فقال عليه الصلاة والسَّلام: «السنورُ سبع»، وفي لفظ : «الهر سبع». وإسناده ضعيف. تنبيه: أشار المصنف إلى هذه القصَّة، وذكر أنَّ في بعض الروايات أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلَّم أجاب بقوله: «الهرة ليست بنجسة» . اهـ
وهذه الرواية غير موجودة والله أعلم.
۱۰۱ - حديث: من باع نخلا بعد أن يؤبر، فثمرتها للبائع إلَّا أن يشترطها
المبتاع».
متفق عليه من حديث ابن عمر بلفظ : من ابتاع نخلًا بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها، إلا أن يشترط المبتاع».
. ٤٣٦
الحديث الشريف
۱۰۲ - حديث: «لا تبيعوا الطعام بالطَّعام إلا مثلا بمثل». تقدم. ۱۰۳ - حدیث النهي عن التضحية بالعوراء». تقدم.
١٠٤ - حديث: «لا يقضي القاضي وهو غضبان». متفق عليه من حديث أبي بكرة بمعناه، وهو في "سنن" النسائي، وابن ماجه بلفظ : «لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان».
١٠٥ - حديث: سئل عن الفأرة تقع في السمن فقال: «إنْ كان جامدا
فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فأريقوه». تقدم.
١٠٦ - حديث: «سها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسجد». أبو داود والترمذي والحاكم عن عمران بن حصين: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد ثمَّ سلم. قال
الترمذي: حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ۱۰۷ - حديث: أنَّ أعرابيا جامع في رمضان فأوجب عليه عتق رقبة. متفق عليه من حديث أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال: هلكت يا رسول الله، قال: «وما أهلكك؟» قال: وقعت على امرأتي في رمضان قال: «أعتق رقبةً»، قال: لا أجدها، قال: «صم شهرين متتابعين»، قال: لا أطيق، قال: «أطعم ستين مسكينًا» قال: لا، قال: ثم جلس فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم بعرق فيه تمر، قال: «تصدق بهذا»، قال: على أفقر منا، فما بين لابتيها أحوج إليه منا، فضحك النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله
وسلَّم حتى بدت نواجذه، وقال: «اذهب فأطعمه أهلك». وقد تقدم. ۱۰۸ - قوله : (كما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال في قسمة السواد:
تخريج أحاديث اللمع .
٤٣٧
لو قسمت بينكم لصارت دولة بين أغنيائكم ولم يخالفوه» اهـ). هذا اللفظ لم يرد عن عمر ويكفي عنه قول الله تعالى: كَى لَا يَكُونَ دُولَةٌ بَيْنَ
الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ ﴾ [الحشر: ٧] فإنَّه بعمومه يشمل أرض السواد. نعم صح عن عمر أنّه قال في أرض السواد، لما طلبه بلال بقسمها: «لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها كما قسم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم خيبر». وقال هذا بإشارة علي ثم معاذ.
۱۰۹ - قوله: (وكما قال علي كرم الله وجهه في شارب الخمر: إنَّه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى فأرى أن يحد حد المفتري، فلم يخالفه أحد في هذا التعليل . اهـ مالك عن ثور بن زيد الديلي: أن عمر رضي ا
عمر رضي الله عنه
استشار في جلد شارب الخمر ، فقال علي كرَّم الله وجهه: أرى أن يجلد ثمانين؛ لأنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى وحد المفتري ثمانون
فجلد عمر ثمانين. وهكذا رواه الشّافعي عن مالك وإسناده منقطع، لكن وصله النسائي في "الكبرى"، والحاكم في "المستدرك" من طريق ثور، عن عكرمة، عن ابن
عباس
ورواه عبدالرزاق عن معمر ، عن أيوب، عن عكرمة ولم يذكر ابن عباس، قال الحافظ في "التلخيص ": «وفي صحته نظر». ثم بينه بوجهين يراجعان فيه. ۱۱۰ - حديث: «الطلاق بالرجال والعدة بالنساء».
قلت: ورد هذا عن ابن عباس موقوفًا عليه. رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، ورواه الدارقطني عن ابن مسعود موقوفًا عليه، ورواه عبدالرزاق في
. ٤٣٨
الحديث الشريف
"المصنف" عن عثمان وزيد ابن ثابت موقوفا ، كما رواه عن ابن عباس أيضًا، قال ابن الجوزي في "التحقيق": وقد رواه بعضهم عن ابن عباس عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، وإنَّما هذا من كلام ابن عباس اهـ. ذكره في "نصب
الراية".
۱۱۱ - قوله: (ولكن استحسانه للخبر يعني الخيار في البيع). قلت: الخيار بأنواعه ثابت في عدة أحاديث، ففي "الصحيحين" عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «البيعان كلُّ واحدٍ منهما بالخيار
على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار وله ألفاظ في الصحيحين" والسنن. وفي "الصحيحين عن أبي هريرة موفوعا : «لا تُصِرُّوا الإبل والغنم للبيع فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين من بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها وإن سخِطَها ردَّها وصاعًا من تمرٍ» وفي رواية لمسلم: «من اشترى مصراةً فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإنْ ردَّها ردَّ معها صاعًا من تمر، لا سمراء» وهي في البخاري معلقة.
وفي "المستدرك " للحاكم عن ابن عمر قال: «كان حبّان بن منقذ رجلًا ضعيفًا، وكان قد سفع في رأسه مأمومة، فجعل له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الخيار ثلاثة أيام فيما اشتراه... الحديث».
ورواه الحميدي عن ابن عمر لكن ذكر أنَّ القصة وقعت المنقذ بن عمرو، وكذلك رواه البخاري في "التاريخ الأوسط"، وابن ماجه ، والدارقطني في سننهما من طريق محمد بن يحيى بن حبّان، قال: «هو جدي منقذ بن عمرو وكان رجلًا قد أصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه وكان لا يدع - على ذلك -
تخريج أحاديث اللمع .
٤٣٩
التجارة، فكان لا يزال يُغْبَنُ فأتى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له، فقال: «إذا أنت بايعت فقل: لا خلابة، ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال، إن رضيت فأمسك وإن سخطتَ فاردُدْها على صاحبها». والصحيح كما قال النووي أنَّ القصة المنقذ والد حبَّان.
وفي الخيار أحاديث غير ما ذكرت، والله أعلم.
۱۱۲ - حدیث: بعثت بالحنيفية السهلة ولم أبعث بالرهبانية المبتدعة». الخطيب في "التاريخ" بإسناد ضعيف، عن جابر، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أنه قال: بعثتُ بالحنيفية السمحة - أو السهلة- ومن خالف سنتي
فليس مني.
وللطبراني عن سهل بن حنيف أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال: «لا تُشدّدوا على أنفسكم فإنَّما أهلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصَّوامع والديارات». وفي سنده عبدالله بن صالح كاتب الليث. وروى أحمد والبخاري في "الأدب المفرد" ، وغيرهما بإسناد حسن عن ابن عباس عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «أحب الأديان إلى الله الحنيفية
السمحة».
وروى الطبراني بإسناد ضعيف عن ابن عباس قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «إنَّ الله قد أعطى كلَّ ذي حق حقه، ألا إِنَّ الله قد فرض فرائض، وسن سننا، وحدَّ حدودًا، وأحل حلالا، وحرم حراما، وشرع الدين فجعله سهلًا سمحا ولم يجعله ضيقًا... الحديث». وفي الباب أحاديث كثيرة.
٤٤٠
الحديث الشريف
۱۱۳ - حديث: «إذا اجتهد الحاكم فأصابَ فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد».
متفق عليه من حديث عمرو بن العاص، بلفظ: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد». وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة مثله. ١١٤ - قوله: (ولأنَّ الصَّحابة أجمعت على تسويغ الحكم بكل واحد من
الأقاويل المختلف فيها وإقرار المخالفين على ما ذهبوا إليه). اهـ
قلت: هذا إجماع عملي مأخوذ من وقائع كثيرة يعسر تتبعها، وقد تقدم: أنَّ عمر رضي الله عنه لما طعن استشارهم في الجد، وقال: «إني كنت رأيت فيه رأيا، فإن رأيتم أن تتبعوه، وأنَّ عثمان رضي الله عنه قال له: إن نتبع رأيك فإنَّه رشد، وإن نتبع رأي الشَّيخ قبلك يعني أبا بكر رضي الله عنه - فلنعم ذو الرأي كان». فهذا يدلُّ على أنَّ الرَّأي الذي قضى به عمر في الجد غير رأي أبي بكر، وأنه أشار على الصَّحابة باتباعه من غير إلزام، فأجابه عثمان وهم حاضرون بأنَّ لهم أن يختاروا أي الرأيين شاؤوا، والآثار في هذا كثيرة جدًّا. ١١٥ - قوله: (وهذا كما فعل عمر رضي الله عنه في الشورى، فإنَّه قال: الخليفة بعدي أحد هؤلاء الستة). اهـ
.
ابن سعد عن عمر بن ميمون قال: قالوا لعمر حين حضره الموت: استخلف، فقال: لا أجد أحدًا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وهو عنهم راض، فأيهم استخلف فهو الخليفة من بعدي، فسمى عليَّا ،وعثمان وطلحة والزبير، وعبدالرحمن،
٤٤١
تخريج أحاديث اللمع . وسعدا» وروى أيضًا عن أنس بن مالك قال : أرسل عمر بن الخطاب إلى أبي طلحة قبل أن يموت بساعة فقال : يا أبا طلحة كن في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء الستة أصحاب الشورى، فلا تتركهم المضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم، اللهم أنت خليفتي عليهم». ولهذا الأثر عن عمر طرق. ١١٦ - قوله: (لما روي عن عليّ كرَّم الله وجهه أنه قال: كان رأيي ورأي أمير المؤمنين عمر أن لا تباع أمهات الأولاد ورأيي الآن أن يبعن . اهـ : . تقدم
تخريجه.
۱۱۷- قوله: (كما رويناه في قصة عمر رضي الله عنه في أمر الشورى). قلت: تقدم تقريبا. ۱۱۸ - حديث: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أمر سعدًا أن يحكم في بني قريظة، فاجتهد بحضرته أحمد والشيخان عن أبي سعيد الخدري أنَّ أهل قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه على حمار، فلما دنا قريباً من المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: قوموا إلى سيدكم» أو «خيركم». فقعد عند النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال: إنَّ هؤلاء نزلوا على حكمك، قال: فإنّي أحكم أن تقتل مقاتلهم وتسبي ذراريهم. فقال: «لقد حكمت بما حكم به الملك. وفي رواية «قضيت بحكم الله
عزّ وجلَّ». والقصة مبسوطة في كتب الحديث والسير بما فيه كفاية وغناء. وهذا آخر تخريج "اللمع"، وقد راعيت فيه الإفادة مع الاختصار، وعنيت بالمحافظة على اللفظ الذي يذكره المؤلف، حتى أني توقفت في بعض الآثار
٤٤٢
الحديث الشريف
اللفظ
المعروفة في كتب السُّنَّة المتداولة، فتركتها على بياض، حتى أعثر على الذي ذكره إن أمكن؛ لأنَّ استشهاد المؤلّف يتوقف على ذلك اللفظ. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة
والسَّلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبعه ووالاه.
٦ - الابتهاج
بتخريج أحاديث المنهاج
تخريج لأحاديث كتاب "منهاج الوصول إلى علم الأصول" للقاضي ناصر الدين البيضاوي (ت ٧٨٥)
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج
٤٤٥
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الهادي إلى الرُّشدِ مِن الضَّلالة، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا
محمد المخصوص بعموم الرّسالة، وعلى آله الناسخين بأنوار علومهم .
الجهالة.
ظلمات
أما بعد: فهذا كتاب خرَّجتُ فيه الأحاديث التي ذكرها القاضي ناصر الدين البيضاوي رحمه الله تعالى في كتابه منهاج الوصول إلى علم الأصول". وسميته "الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج"، والله المسئول أن يجعله خالصا لوجهه وأن ينفعنا بما علمنا، ويُعلّمنا ما ينفعنا ويزيدنا علما، والحمد لله
على كل حال.
٤٤٦
الحديث الشريف
الباب الأول في الحكم
۱ - قوله: «كبيع الملاقيح». ذكره مثالا لما لم يشرع بأصله ووصفه.
وسيأتي الكلام عليه في الكتاب الأول إن شاء الله تعالى. ۲- قوله: «كالتهجد». مثل به للواجب على واحد معين وهو النبي صلى الله
عليه وآله وسلّم.
أخرج الطبراني في "الأوسط" والبيهقي من طريق موسى بن عبدالرحمن الصنعاني، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ثلاثٌ هنَّ علي فريضة وهي لكم سنة: الوتر،
والسواك، وقيام الليل». قال الطبراني: «تفرد به موسى».
قلت: وهو كذاب كما في كتب الرجال، فهذا الحديث واه لا يصلح
للاحتجاج. وقال أبو جعفر محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي الملقب بلوين في "جزئه": حدثنا شريك، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس رفعه قال: كُتِبَ على النحر ولم يُكتب عليكم، وأُمِرْتُ بصلاة الضحى ولم تُؤمروا بها». - حديث: «إنما الأعمال بالنيَّاتِ».
أحمد، والستة، والدارقطني، والبيهقي، وابن حِبَّان، عن عمر رضي الله عنه. وتمامه: «وإنما لامرئ ما نَوَى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه». ورواه أبو يعلى القزويني، وأبو نعيم، وابن عساكر، والدارقطني في "غرائب مالك".
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج -
٤٤٧
والخطابي من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن مالك، عن
زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري به.
قال أبو يعلى: «غير محفوظ عن زيد بن أسلم من وجه».
وقال الدارقطني : تفرد به عبد المجيد عن مالك».
ورواه محمد بن علي بن ياسر الجياني، في الأربعين العلوية" قال : ثنا السيد أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب قال: حدثني والدي علي بن أبي طالب
بن
قال: حدثني والدي أبو طالب بن عبيد الله قال: حدثني والدي عبيد ) الله محمد قال: حدثني محمد بن عبيد الله قال : حدثني والدي عبيد الله بن علي قال: حدثني والدي علي بن الحسن قال : حدثني والدي الحسن بن الحسين قال: حدثني والدي الحسين بن جعفر، أول من دخل بلخ من هذه الطائفة، قال: حدثني والدي جعفر بن عبيد الله قال: حدثني والدي عبيد الله قال: حدثني والدي الحسين الأصغر قال: حدثني والدي علي زين العابدين قال: حدثني والدي الحسين: قال حدثني والدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الأعمال بالنية».
وفي هذا الإسناد من لا يُعرف كما قال الحافظ العراقي.
ورواه ابن عساكر في "التاريخ" من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أنس به. وقال: غريب جدا والمحفوظ حديث
عمر».
ورواه الحافظ رشيد الدين العطار في معجمه" عن أبي هريرة، وإسناده
ضعيف.
٤٤٨
الحديث الشريف
وفي الباب عن: سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وأبي مسعود، وأبي ذر، وعبادة بن الصامت، وابن عمر، وابن عبّاس، وعقبة بن عامر، وجابر، وأنس، وأبي الدرداء، وسهل بن سعد، والنواس بن سمعان، وأبي موسى الأشعري، وصهيب بن سنان، وأبي هريرة، وأبي أمامة، وزيد بن ثابت، ورافع بن خدیج وصفوان بن أمية، وغزية بن الحارث، والحارث بن غزية، وعائشة، وأم سلمة، وأم حبيبة، وصفية بنت حيي، وجابر بن عتيك، وأبي بن كعب، ومعن بن يزيد، والزبير بن العوام، وأبي كبشة الأنماري ويعلى بن أمية، وميمونة، و جابان الكردي وعبد الله بن عمرو، والقاسم بن محمد.
۱- فحدیث سعد: رواه أحمد والستة، وفيه: «إنك يا سعد لن تُنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرْتَ عليها حتّى اللُّقْمَةَ تجعلها في في امرأتِكَ»، قال: قلت: يا رسول الله أخلف بعد أصحابي ؟! قال: «إنك لن تتخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازْدَدْتَ به درجةً ورفعة». الحديث.
۲- وحديث ابن مسعود رواه أحمد والحكيم الترمذي، بلفظ: «إن أكثر
شهداء أمتي لأصحابُ الفُرش ورُبَّ قتيل بين الصفين الله أعلم بنِيَّتِهِ». وأخرج الطبراني بسند رجاله ثقات وابن منده، وأبو نعيم، عنه قال: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها «أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر فتزوجها فكنا نسميه: «مهاجر أم قيس. قال ابن مسعود: من هاجر لشيء فهو له».
وقال سعيد بن منصور: أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبدالله - هو ابن مسعود - قال : من هاجر يبتغي شيئًا فإنما له ذلك، هاجر رجل
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج .
ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال لها: «مهاجر أم قيس».
قال الحافظ في "الفتح": «لم نقف على تسميته».
٤٤٩
وقال الحافظ السيوطي: لم أقف على اسم مهاجر أم قيس في شيء من
الكتب المصنفة في الصحابة».
وحديث أبي مسعود: رواه البخاري بلفظ : «إذا أنفق الرجلُ على أهلِهِ
يحتسبها فهو له صدقة».
- وحديث أبي ذر رواه الديلمي في مسند الفردوس" بلفظ : «لا أجر
إلا عن حشبة ولا عمل إلا بنية». وفي إسناده ضعف.
ه وحديث عبادة بن الصامت رواه أحمد، والدارمي، النسائي والطبراني، والحاكم والبيهقي والروياني والضياء المقدسي، وابن حبان،
بلفظ: «من غزا وهو لا ينوي إلا عقالًا فله ما نوى». إسناده صحيح. ٦- وحديث ابن عمر : رواه الديلمي في مسند الفردوس" بلفظ: «لو أن
رجلًا صام نهارَه وقام ليله بعثه الله على نيته إما إلى الجنَّةِ وإما إلى النارِ». وللطبراني عنه: ما أصابَ اللهُ أهل قريةٍ بعذاب إلا عمهم ثم يبعثون على
نياتهم.
وحديث ابن عباس : رواه الشيخان بلفظ: «لا هجرة بعد الفتح ولكن
جهاد ونيَّة».
وحديث عقبة بن عامر رواه أحمد وأصحاب السنن، بلفظ : «إن الله يُدْخِلُ بالسَّهْمِ الواحدِ الجنَّةَ ثلاثة: صانعه يحتسب في صنعته الخير... الحديث.
٤٥٠
الحديث الشريف
۹- وحديث جابر : رواه الترمذي وابن ماجه بلفظ: «يحشر الناس على
نياتهم.
١ - وحديث أنس: رواه البيهقي في "سننه" من طريق عبد ) من طريق عبد الله بن المثنى قال: حدثني بعض أهل بيتي، عن أنس أن رجلا من الأنصار من بني عمرو بن عوف قال: يا رسول الله، إنك رغبتنا في السواك فهل دون ذلك من شيء؟ قال: إصبعك سواكُكَ عند وضوئك تُمرُّ بها على أسنانك، إِنَّهُ لا عمل لمن لا نيَّة له، ولا أجر لمن لا حِسْبة لَهُ».
۱۱ - وحديث أبي الدرداء رواه النسائي وابن ماجه، عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ أتى فراشه وهو ينوي أن يقومَ يُصلِّي من الليل فغلبته عينه حتَّى أصبحَ كُتِبَ له ما نَوَى وكان نومه صدقة عليه من ربه». إسناده جيد، كما قال الحافظ المنذري.
ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي الدرداء أو أبي ذر على
الشك، ورواه النسائي من طريق أخرى عنهما موقوفاً.
۱۲- وحديث سهل بن سعد: رواه الطبراني في "الكبير" بلفظ: «نية المؤمن خير من عمله وعمل المنافق خير من نيَّتِهِ، وكلُّ يعمل على نيته فإذا عمل المؤمن عملا نار في قلبه نور». ورجاله موثقون إلا حاتم بن عبادة بن دينار فقال الحافظ الهيثمي: «لم أر
من ذكر له ترجمة». ورواه الخطيب في "التاريخ"، والضياء في "المختارة". ۱۳ - وحديث النواس بن سمعان رواه الطبراني في "الكبير" والعسكري
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج
في "الأمثال" بلفظ: «نية المؤمن خيرٌ من عملِهِ ونيَّةُ الفاجرِ شرٌّ من عملِهِ».
٤٥١
قال الحافظ العراقي عن هذا الحديث والذي قبله أنها ضعيفان. ١٤ - وحديث أبي موسى: رواه أحمد والستة بلفظ: «مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».
ولا بن منصور الديلمي في "مسند الفردوس" من حديثه: «نية المؤمن خير من عمله وإن الله عزّ وجلَّ لَيُعطي العبد على نيته ما لا يعطيه على عمله؛ وذلك أن النية لا رياء فيها والعمل يخالطه الرياء». وإسناده ضعيف.
١٥ - وحديث صهيب : رواه الطبراني في "الكبير" بلفظ: «أيها رجل تزوج امرأة فنوى أن لا يُعطيها من صداقها شيئًا مات يوم يموتُ وهو زان، وأيما رجل اشترى من رجلٍ بَيْعًا فنوى أن لا يعطيه من ثمنه شيئًا مات يوم يموت وهو خائن، والخائن في النَّارِ».
وروى أحمد، وابن عساكر، وابن النجار، والرافعي، نحوه إلا أنهم قالوا: «وأيها رجل أدانَ دَينا». وفي مسند أحمد" راو لميسم، ورواه ابن ماجه مقتصرا
على قصة الدين دون ذكر الصداق، وفي مسنده اضطراب
١٦ - وحديث أبي هريرة: رواه أحمد بإسناد صحيح بلفظ: «يُبْعَثُ الناسُ على نياتهم. ورواه ابن ماجه بإسناد حسنه الحافظ المنذري وزاد في أوله:
«إنَّم».
۱۷- وحديث أبي أمامة رواه الطبراني والحاكم، بلفظ: «من ادان دينًا وهو ينوي أن يؤديه أداه الله عنه يوم القيامة، ومن اذان دينا وهو ينوي أن لا
٤٥٢
الحديث الشريف
يؤديه فمات، قال الله عزّ وجلَّ: ظننت أن لا آخذ لعبدي بحقه» الحديث. ۱۸، ۱۹- وحدیث زید بن ثابت ورافع بن خديج: رواه أحمد في "مسنده"، في قصة الحديث أبي سعيد بحديث: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وقول مروان له كذبت وعنده زيد بن ثابت ورافع بن خديج معه على السرير، وأن أبا سعيد قال : لو شاء هذان الحدثاك. فقالا: صدق. ۲۰ - وحديث صفوان بن أمية رواه أحمد والنسائي بلفظ حديث ابن
عباس المتقدم.
۲۱ - وحديث غزية بن الحارث : رواه البخاري، والبغوي وابن السكن وابن منده، من طريق الليث، عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال، عن يزيد بن عبد الله بن خصيفة، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن غزية بن الحارث: أنه أخبره أن شبانًا من قريش عام الفتح أو بعده أرادوا أن يهاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقال: «لا هجرة بعد الفتح وإنما هو الجهاد
والنية».
قال ابن منده تابعه يعني . خالدًا - عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي
هلال».
قال الحافظ : حديث عمر و عند ابن السكن وابن يونس من طريق. وابن وهب عنه لكن عند ابن يونس: عبد الرحمن بن رافع» والأصح: «عبد الله كما عند ابن السكن وغيره. ۲۲ - وحديث الحارث بن غزية: رواه الطبراني، وأبو نعيم، وابن منده في
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج
٤٥٣
"الصحابة"، والبارودي، وابن السكن، والبغوي، وابن قانع، والحسن بن سفيان في " مسنده " ، من طريق إسحق بن عبد الله بن أبي فروة، عن عبد الله بن رافع، عن الحارث بن غزية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول: «لا هجرة بعد الفتح ولكن إنما هو الإيمان والنية والجهاد ومتعة حرام». وإسحق متروك كما قال الذهبي وغيره.
٢٣ - وحديث عائشة : رواه الشيخان وأحمد وابن ماجة في قصة الجيش
الذي يخسف به وفيه: «يُخسف بأولهم، وآخرهم ثمَّ يُبعثونَ على نِيَّاتِهِم». وللبيهقي من حديثها: إن الله تعالى إذا أنزل سطواته على أهل نقمته فوافت آجال قوم صالحين فأهلكوا بهلاكهم ثم يبعثون على نياتهم وأعمالهم». ٢٤- وحديث أم سلمة رواه مسلم وأبوداود، في قصة الجيش أيضًا بلفظ حديث عائشة، ورواه ابن أبي شيبة والطبراني والحاكم والترمذي وابن
ماجه.
٢٥ - وحديث أم حبيبة : رواه الطبراني في "الأوسط"، في قصة الجيش أيضا وفيه: «ثُمَّ يبعثُ كلُّ امرئٍ على نيَّتِهِ».
٢٦ - وحديث صفية : رواه أحمد وابن أبي شيبة، وأبوداود، والترمذي، وابن ماجة، والطبراني في "الكبير"، في قصة الجيش أيضًا وفيه: «يَبعثهم الله على ما في نفوسهم.
۲۷ - وحديث جابر بن عتيك رواه مالك، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان والحاكم والبيهقي، وأبو نعيم، والبغوي، عنه: أن
٤٥٤
الحديث الشريف
عبد الله بن ثابت تجهز للغزو فمات قبل خروجه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوقَعَ أَجْرَهُ على قدرِ نيَّتِهِ».
۲۸ - وحديث أي: رواه ابن ماجه بلفظ : «إِنَّ لَكَ ما احْتَسَبْتَ». وللطبراني في "مسند الشاميين" في حديثه قال: استعنت رجلًا يغزو معي فقال: لا، حتى تجعل لي جعلا فجعلت له، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه
وآله وسلم فقال: «ليس له من دنياه وآخرته إلا ما جعَلْتَ له».
۲۹ - وحديث معن بن يزيد رواه أحمد والبخاري عنه قال : كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها فقال: والله ما إياك أردت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن». ٣٠ وحديث الزبير : رواه الحسن بن سفيان، وأبو منصور الديلمي في مسنديهما من طريق هشام بن عروه بن الزبير عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تركنا في المدينة أقواما لا نقطع واديًا ولا نصعد صعودًا ولا نهبط هبوطًا إلا كانوا معنا» قالوا: كيف يكونون معنا ولم يشهدوا؟ قال: «نياتهم».
٣١ - وحديث أبي كبشة رواه أحمد والترمذي بلفظ: «وإنما الدنيا لأربعة؛ عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقى فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلَمُ الله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادقُ النيَّةِ يقولُ: لو أنَّ لي مالا
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج
لعملتُ بعمل فلانٍ. فهو بنيَّته فأجرهما سواء.
٤٥٥
وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما يخبط في ماله بغير علم ولا يتقي فيه ربا
ولا يصل فيه رحما ولا يعلم الله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل.
وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أنَّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان. فهو بنيته فوزُرُهما سواء». قال الترمذي: «حسن صحيح».
عنه،
ورواه ابن ماجه بإسناد جيد، وهناد، والطبراني.
۳۲- وحديث يعلى بن أمية: رواه أبو داود بإسناد جَوَّدَه الحافظ العراقي ، أنه استأجر أجيرًا للغزو وسمَّى ثلاثة دنانير، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سَمَّى».
ورواه الحاكم والبيهقي بلفظ : «أعطها إياه فإِنَّها حظه من غَزَاتِهِ». ٣٣- وحديث ميمونة رواه ابن ماجه والطبراني بلفظ : «من ادان دينا
ينوي قضاءه كان معه عون من الله على ذلك». لفظ ابن ماجه. ولفظ الطبراني: «أداه الله عنه يوم القيامة».
٣٤- وحديث جابان الكردي: رواه ابن منده من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم، عن أبي خالد سمعت ميمون بن جابان الكردي عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم غير مرة حتى بلغ عشرا، يقول: «من تزوج
امرأة وهو ينوي أن لا يعطيها الصداق لقي الله وهو زان».
قال الحافظ : «كذا قال عن أبيه إن كان محفوظاً».
٣٥- وحديث عبدالله بن عمرو بن العاص رواه أبو داود والحاكم بلفظ :
٤٥٦
الحديث الشريف
يا عبد الله بن عمرو إن قاتلتَ صابرًا مُحتسبًا بعثك الله صابرًا محتسبا، وإن قاتلتَ مُرائيًا مُكاثرًا بعثَكَ الله مُرائيًا مُكاثرًا، يا عبد الله بن عمرو، على أي حالة قاتلت أو قتلت بعثك الله على تلك الحال».
٣٦- ومرسل القاسم بن محمد: رواه ابن المبارك بلفظ: «لا أجر لمن لا
حسبة له».
(تنبيه): ذكر أبو القاسم بن منده في كتاب "المستخرج" الصحابة الذين رووا أحاديث النية فبلغت عدتهم سبعة عشر، وعد فيهم ممن لم أذكره : معاوية، وعتبة بن الندر، وعتبة بن مسلم، وعتبة بن عبد السلمي، وهلال بن سويد. ولم أجد أحاديث هؤلاء، والأخيران منهم ليسا بصحابيين كما نبه عليه
الحافظ العراقي.
الكتاب الأول: في الكتاب
- قال: مثل قوله عليه الصلاة والسلام : " والله لأغزوَنَّ قريشًا " ثلاثا». أبو يعلى في "مسنده"، وابن حِبَّان في "صحيحه"، من طريق شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: : والله لأغزُوَنَّ قريشًا، والله لأغزوَنَّ قُريشًا، والله لأغزُوَنَّ قريشًا». ثم سكت
ساعة، ثم قال: «إنْ شَاء الله». وأخرجاه أيضًا من طريق مِسْعَر بن كدام عن سماك، عن عكرمة، عن ابن
عباس به .
ورواه ابن عدي في "الكامل" من طريق عبد الواحد بن صفوان، عن
عكرمة، عن ابن عباس.
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج
٤٥٧
وكذا رواه ابن القطان وقال: «عبد الواحد ليس حديثه بشيء». ورواه أيضًا من طريق الحسن بن قتيبة، عن مسعر عن سماك به، وقال: حدیث غریب».
ورواه الخطيب في "التاريخ " من طريق الحسن بن قتيبة: حدثنا مسعر، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلّم: «والله لأغزون قريشًا». ثلاثا، ثم سكت ساعة ثم قال: «إن شاء الله». قال الخطيب: هكذا رواه الحسن بن قتيبة عن مسعر، وخالفه ابن عيينة فراوه عن مسعر، عن سماك، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، لم يذكر فيه ابن عباس. وقد رواه سفيان الثوري وشريك بن عبد الله ، عن سماك، عن عكرمة، عن
ابن عباس.
ورواه أبو داود من طريق شريك، عن سماك، عن عكرمة به مرسلًا. ورواه أبو مسعود الرازي من طريق مسعر، عن سماك، عن عكرمة كذلك. ورواه البيهقي موصولا ومرسلًا.
قال أبو حاتم الرازي في "العلل": الأشبه إرساله»، وكذا قال ابن دارة. وقال ابن حبان في "الضعفاء": رواه مسعر، وشريك، عن سماك، أسنداه مرة
وأرسلاه أخرى». قال عبد الحق وابن القطان: «الصحيح مرسل».
ه - حديث إنكاره عليه وآله الصلاة والسلام قول الخطيب: «ومَنْ
عَصَاهُما».
مسلم، وأبو داود والنسائي، عن عدي بن حاتم أن رجلا خطب عند
٤٥٨
الحديث الشريف
النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد. ومن يعصهما فقد غوى. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله».
ورواه الحاكم من طريق غير طريق مسلم وصححه على شرط الشيخين. والخطيب هو ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري كما ورد في رواية أبي نعيم في
"المعرفة".
- حديث: «في سائمة الغنم الزكاة».
ورد معناه من حديث أبي بكر رضي الله عنه وعمرو بن حزم.
۱ - فحديث أبي بكر رضي الله عنه : رواه البخاري، وابن ماجه، من طريق محمد بن عبد الله بن المثنى، عن أبيه، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس: أن أنسا حدثه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم على المسلمين».
وذكر كتابا طويلًا في صدقة الماشية وفيه: وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا
كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة». لفظ البخاري.
وعبد الله بن المثنى اختلف فيه قول ابن معين فقال مرة: «صالح»، ومرة: «ليس بشيء». وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال العقيلي: «لا يتابع في أكثر حديثه. انتهى.
لكن تابعه على حديثه هذا حماد بن سلمة فرواه عن ثمامة، أخرج هذه
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج .
٤٥٩
المتابعة أحمد عن أبي كامل وإسحق بن راهويه في "مسنده" عن النضر بن شميل. والنسائي من طريق شريح بن النعمان وأبو داود والحاكم من طريق
موسى بن إسماعيل كلهم قالوا حدثنا حماد بن سلمة عن ثمامة به. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا، إنما تفرد بإخراجه البخاري من وجه آخر عن ثمامة بن عبد الله. وحديث حماد بن سلمة
أصح وأشفى وأتم من حديث ابن المثنى». هذا كلامه. وأقره الذهبي. ثم خرجه - أعني الحاكم من طريق إسحق بن راهويه، عن النضر، عن
حماد به.
۲ - وحديث ابن عمر رواه أحمد وأبو داود والترمذي، والحاكم من طريق سفيان بن حسين، عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض فقرنه بسيفه، فعمل به أبو بكر رضي الله عنه حتى ،قبض، ثم عمل به عمر رضي الله عنه حتى قبض، فكان فيه...»، وذكر حديثاً طويلًا في صدقة الماشية وفيه: «وفي الغنم: في كل أربعين شاة شاة» هكذا عند هؤلاء بدون ذكر لفظ سائمة. ثم أخرجه أبو داود من طريق ابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال : هذه نسخة كتاب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم الذي كتبه في الصدقة وهي عند آل عمر بن الخطاب أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها.
فذكر الحديث وفيه: «وفي سائمةِ الغنم في كل أربعين شاة شاة». وهذه
٤٦٠
الحديث الشريف
الرواية مرسلة كما قال الحافظ المنذري.
وحديث عمرو بن حزم رواه النسائي وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، من طريق الحكم بن موسى القنطري: ثنا يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه كتب إلى أهل اليمن كتابًا فيه الفرائض والسنن والديات.
وذكر حديثًا طويلا وفيه وفي كل أربعين شاة سائمة شاة إلى أن تبلغ
عشرين ومائة». صححه الحاكم وابن حبان، والبيهقي.
ونقل عن أحمد أنه قال: «أرجو أن يكون صحيحا».
قلت: خالف هؤلاء جماعة من الحفاظ فحكموا بضعفه، منهم أبو محمد بن حزم في "المحلى" فقد رواه فيه من طريق الحكم بن موسى: ثنا يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود: ثنا الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده. وقال: هذه صحيفة منقطعة لا تقوم بها حجة، وسليمان بن داود الذي رواها متفق على تركه ولا يحتج به .
ورواه من طريق آخر حدثنا همام قال : ثنا عباس بن أصبغ: ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن: ثنا أبو عبد الله الكابلي ببغداد: ثنا إسماعيل بن أبي أويس: حدثني أبي، عن عبد الله ومحمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيهما، عن . جدهما، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كتب هذا
الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره على اليمن. الحديث.
ثم قال: «أبو أويس ضعيف وهي منقطعة مع ذلك وبينوا سببه بما يطول
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج .
جلبه».
٤٦١
(تنبيه) قال الحافظ ابن الصلاح أحسب أن قول الفقهاء والأصوليين: في
سائمة الغنم الزكاة. اختصار منهم للحديث . اهـ
۷- حديث: «مطلُ الغَنِي ظلم».
البخاري، ومسلم، والأربعة من حديث أبي هريرة، وتمامه: «وإذا أتبع أحدكم على مَلي فليتبع». قوله: «أُتبع» بضم الهمزة وتكون المثناة الفوقية. قال الخطابي: وأهل الحديث يقولون اتبع بتشديدها وهو خطأ». ومعناه «أحيل» كما في رواية البيهقى: «وإذا أُحيل أحدُكم على مَلِي فَليَحْتَلْ». ۸- حديث: «كُل مما يليك».
مالك في "الموطأ"، والشيخان عن عمر بن أبي سلمة قال: كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، وكانت يدي تطيش في الصحفة. فقال
لي: «يا غلام، سم الله وكُلْ بيمينك وكُل مما يليك». لفظ مسلم. وفي رواية له أيضًا عنه قال: أكلتُ يومًا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجعلت أحذ من لحم حول الصحفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «كل مما يليك».
(تنبيه) نسب الغزالي في "المستصفى" هذه القصة لابن عباس، وكذا
البدخشي في شرح المتن وهو غلط.
- حديث: «إذا لم تَسْتَحِ فاصنع ما شئتَ».
أحمد، والبخاري، وأبو داود وابن ماجه من طريق ربعي بن حِرَاش، عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «إن مما أدركَ
٤٦٢
الحديث الشريف
الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت». ورواه أحمد من حديث حذيفة وهو شاذ، والمحفوظ الأول. لكن قال الحافظ يحتمل أن يكون ربعي سمعه من حذيفة أيضا». ومالك في "الموطأ"، عن عبد الكريم بن أبي المخارق.
۱۰ - حديث: «لا تُنكِحُ المرأة المرأة».
الدارقطني في "سننه" من طريق مسلم بن أبي مسلم الجرمي: نا مخلد بن الحسين، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم. فذكره وزاد: «ولا تُنكح المرأة نفسها إن التي تُنكِحُ نفسها هي
البغي. ومسلم قال فيه ابن الجوزي: لا يعرف، وقال ابن أبي حاتم: «هو من الثقات». نعم قال ابن معين: رواه ابن نصر، عن بشر بن بكر، عن الأوزاعي عن ابن سيرين، عن أبي هريرة موقوفا، وهو أشبه.
الحسن
ورواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي، من طريق جميل بن العتكي نا محمد بن مروان العقيلي نا هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة به. إلا أنه قال : تزوج بدل تنكح»، ورجاله ثقات، إلا جميلا وهو العتكي فقال فيه عبدان: فاسق يكذب في كلامه.
لكن قال ابن عدي: لا بأس به، ولا أعلم له حديثا منكرًا، ولم أسمع أحدًا تكلم فيه غير عبدان.
وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: «مسلمة الأندلسي ثقة». ورواه الدارقطني والبيهقي، من طريق عبد السلام بن حرب، عن هشام
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج .
٤٦٣
عن ابن سيرين، عن أبي هريرة به إلا أنه جعل جملة: «إن التي تنكح. .. إلخ». موقوفة على أبي هريرة وهو الصواب.
۱۱ - حديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم احتج لذم أبي سعيد الخدري. كذا قال المؤلف تبعا "اللمستصفى" و"المحصول"، وإنما هو أبو سعيد بن المعلى، واسمه الحارث بن أوس بن المعلى قال: كنت أصلي، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم أجبه حتى صليت، قال: فأتيته فقال: «ما منعك أن تأتني؟ قال: قلت: يارسول الله إني كنت أصلي قال: «ألم يقل الله تعالى: يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: ٢٤] رواه أحمد والبخاري من طريق خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المعلى به.
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من طريق شعبة عن خبيب. (تنبيه) ذكر الشيخ أبو إسحق الشيرازي في "المهذب" أن صاحب القصة أبي بن كعب ووهمه القلعي قال الزركشي: «وليس كذلك، فقد رواه النسائي».اهـ قلت: رواه من طريق روح بن القاسم، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن
أبيه، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على أُبَي
وهو يصلي. فذكر مثل حديث ابن المعلى. وأخرجه أحمد من طريق العلاء نفسه والترمذي من طريق قتيبة عن
الدار وردي، عن العلاء به وقال: حسن صحيح. وابن خزيمة من طريق
حفص بن ميسرة عنه. والحاكم من طريق الأعرج عن أبي هريرة.
٤٦٤
الحديث الشريف
١٢ - أثر تمسك الصديق رضي الله عنه على التكرار بقوله تعالى: وَءَاتُوا الزكوة ﴾ [البقرة: ٤٣] .
أحمد، والشيخان، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان، والبيهقي، عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان أبو بكر رضي الله عنه، وكفر من كفر من العرب فقال عمر رضي الله عنه: فكيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عَصَم مني ماله ونفسَه إِلَّا بحقه وحسابه على الله»؟ فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال. والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لقاتلتهم على منعها، قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا
أن شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق.
۱۳ - قول المؤلف: «لعله عليه الصلاة والسلام بين تكراره». قلت: ورد التكرار في حديث رواه أبو داود في "سننه"، بإسناد منقطع عن عبد الله بن معاوية الغاضري رفعه: ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان من عبد الله وحده، وعلم أن لا إله إلا الله ، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام» الحديث.
ووصله الطبراني في "المعجم الصغير" فقال: ثنا علي بن الحسن بن معروف الحمصي: ثنا أبو تقي عبد الحميد بن إبراهيم: ثنا عبد الله بن سالم بن محمد بن الوليد الزبيدي: ثنا يحيى بن جابر الطائي أن عبد الرحمن بن أبي جبير بن نفير
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج .
٤٦٥
حدثه أن أباه حدثه أن عبد الله بن معاوية الغاضري حدثهم أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال: فذكره.
وكذا وصلة البغوي في معجم الصحابة، من طريق عبد الله بن سلم
الزبيدي، عن يحيى بن جابربه.
وقول الطبراني: عبد الرحمن بن أبي جبير كذا في نسختنا من "المعجم" والصواب: ابن جبير».
ومما يدل على التكرار ما رواه أبو نعيم في "الحلية": قال : ثنا محمد بن محمد نا محمد بن أحمد: ثنا محمد بن أسلم نا إبراهيم بن سليمان: نا عبد الحكم، عن أنس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «لا يقبل الله صلاة رجل لا يؤدي
الزكاة حتى يجمعهما فإن الله تعالى قد جمعها فلا تفرقوا بينهما.
١٤ - حديث النهي عن بيع الملاقيح.
إسحق بن راهويه، والبزار من طريق صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عن بيع الملاقيح والمضامين. صالح ضعيف. ورواه مالك في "الموطأ" عن الزهري، عن سعيد مرسلًا قال الدارقطني :
تابعه معمر، ووصله عمر بن قيس عن الزهري والصحيح قول مالك». وفي الباب عن عمران بن حصين عند ابن أبي عاصم. وعن ابن عباس عند الطبراني في "الكبير" والبزار في "المسند"، وعن ابن عمر عند عبدالرزاق بإسناد قوي. ١٥ - قوله : وأيضًا استدلال الصحابة رضي الله عنهم بعموم ذلك في مثل:
٤٦٦
الحديث الشريف
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ﴾ [النور: ٢] يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾ [النساء: ١١]. أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله»، «الأئمة من قريش»،
نحن معاشر الأنبياء لا نورث شائعًا من غير نكير.
قلت: المستدل بعموم الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي علي عليه السلام.
أخرج عبد الرزاق، وأحمد، والنسائي، والطحاوي، والحاكم، وأبو نعيم في "الحلية"، وابن منده في غرائب شعبة ، والدورقي، من طريق الشعبي أن عليا عليه صلوات الله جلد شراحة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة وقال:
أجلدها بكتاب الله وأرجمها بسنة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم. وأخرج عبد الرزاق، والبيهقي، عن الشعبي أيضًا أن عليا كرم الله وجهه ورضي عنه أتي بامرأة من همذان ثيب حبلى يقال لها شراحة، قد زنت، فقال لها علي رضي الله عنه: لعل الرجل استكرهك؟ قالت: لا. قال: فلعل الرجل قد وقع عليك وأنت راقدة؟ قالت: لا. قال: فلعل لك زوجا من عدونا هؤلاء وأنت تكتمينه؟ قالت لا فحبسها حتى إذا وضعت جلدها يوما الخميس إلخ. وأصل القصة في "صحيح البخاري".
١٦ - والمستدل بعموم آية الفرائض فاطمة الزهراء عليها صلوات الله. حيث طلبت أبا بكر رضي الله عنه أن يدفع لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة. كما رواه الشيخان من حديث عائشة. والترمذي في "الشمائل" من طرق عنها، وعن عمر رضي الله عنه،
وأبي هريرة. ۱۷ - وحديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله».
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج .
٤٦٧
زاد في كثير من طرقه: فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».
ورد من حديث أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وابن عمر، وجابر، وأبي هريرة، وأنس، وجرير البجلي، وسهل بن سعد، وابن عباس، وأبي بكرة، وأبي مالك الأشجعي، وعياض الأنصاري، والنعمان بن بشير، وسمرة بن جندب، ومعاذ، وأوس بن أوس، ورجل من بلقين.
۱ - فحديث أبي بكر رضي الله عنه : رواه البزار، والحاكم، من طريق أنس عنه. قال البزار: «لا أعلمه يروى عن أنس عن أبي بكر إلا من هذا الوجه وأحسب أن عمران أخطأ في إسناده».
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" وهو المستدل به كما تقدم قبل
بحديثين.
۲ - وحدیث جابر: رواه مسلم
وحديث أبي هريرة: رواه الستة.
٤- وحديث ابن عمر رواه الشيخان
ه وحديث أنس رواه أحمد والبخاري وأبو داود، والترمذي، وابن
حبان، والدارقطني . قال الترمذي: حسن صحيح غريب. ٦- وحديث جرير : رواه الطبراني، وفي سنده إبراهيم بن عيينة، ضعفه
الأكثرون. وقال ابن معين: صدوق».
وحديث سهل بن سعد: رواه الطبراني، وفي سنده مصعب بن ثابت،
قال النسائي: «ليس بالقوي، لكن لم يترك»، وقال أبو حاتم: صدوق لكنه
٤٦٨
الحديث الشريف
يغلط»، ووثقه ابن حبان.
- وحديث ابن عباس: رواه الطبراني بإسناد رجاله موثقون إلَّا إسحاق بن يزيد الخطابي، فقال الحافظ نور الدين: «لم أعرفه».
٩- وحديث أبي بكرة: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وفي سنده
عبد الله بن عيسى الخزاز، قال الحافظ الهيثمي: «ضعيف لا يحتج به». ١٠ - وحديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه: رواه الطبراني في "الكبير"
و"الأوسط"، قال الحافظ الهيثمي: «رجاله موثقون». ۱۱ - وحديث عياض الأنصاري: رواه البزار، ولفظه: «لا إله إلا الله كلمةٌ على الله كريمةٌ لها عند الله مكان وهي كلمةٌ من قالها صادقًا أدخله الله بها الجنةَ
ومن قالها كاذبًا حقنت دمه وأحرزت ماله ولقي الله غدًا فحاسبه». قال الحافظ الهيثمي: «رجاله موثقون إن كان تابعيه عبد الرحمن بن عبد الله بن
مسعود .
۱۲ - وحديث النعمان بن بشير : رواه البزار ، وقال الحافظ الهيثمي: «رجاله رجال الصحيح. ۱۳ - وحديث سمرة: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفي سنده مبارك بن فضالة، مختلف في الاحتجاج به.
١٤ - وحديث معاذ : رواه ابن ماجة في "سننه"، قال الحافظ البوصيري في "الزوائد": «إسناده حسن».
قلت: فيه شهر بن حوشب، وقد اختلف في الاحتجاج به.
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج .
١٥ - وحديث أوس بن أوس رواه ابن أبي شيبة في "المصنف". ١٦ - وحديث رجل من بلقين: رواه البغوي في "معجم الصحابة". ۱۸ - حديث: «الأئمة من قريش».
٤٦٩
أحمد، والنسائي، عن أنس، ورواه الطبراني في "الدعاء"، والبزار، والبيهقي من طرق عنه أيضًا.
ورواه الطبراني والحاكم والبيهقي من حديث علي عليه صلوات الله. واختلف في رفعه ووقفه على علي، ونقل الحافظ عن الدارقطني أنه رجح في "العلل" الموقوفة. ورواه أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة، وعنه أبو بكر بن أبي عاصم، من حديث
أبي برزة، وإسناد الأخيرين حسن كما قال الحافظ.
وفي الباب عن أبي هريرة بلفظ : «الناسُ تبع لقريش» متفق عليه.
وعن جابر المسلم مثله. وعن ابن عمر: بلفظ: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» رواه أحمد والشيخان
وعن معاوية بلفظ : «إنَّ هذا الأمر في قريش». رواه البخاري.
وعن عمرو بن العاص : بلفظ : قريش ولاة الناس في الخير والشر إلى يومِ القيامة». رواه الترمذي والنسائي. قال الترمذي: حسن صحيح غريب». وعن كعب بن عجرة بلفظ : «الأمراء من قريش من ناوأهم تحات تحات الورق». رواه الحاكم في الكني.
٤٧٠
الحديث الشريف
والمستدل به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
فأما استدلال أبو بكر: فرواه البخاري عن عمر في حديث طويل ذكر فيه قصة سقيفة بني ساعدة، وقول الأنصار منا أمير ومنكم أمير. وقال فيه عن أبي بكر ولن يعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبًا ودارًا. ورواه من حديث عائشة مختصرًا.
ورواه أحمد من حديث حميد بن عبد الرحمن عن أبي بكر نفسه.
ورواه ابن إسحق والبيهقي من طريقه بلفظ : وإن هذا الأمر في قريش ما طاعوا الله واستقاموا». قد بلغكم ذلك أو سمعتموه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
وأما استدلال عمر فكان في خطبته يوم السقيفة أيضا بعدما خطب أبوبكر ولفظه نشدتكم الله يا معشر الأنصار أم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أم من سمعه منكم وهو يقول: «الولاة من قريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره» ؟ فقال من قال من الأنصار: بل ذكرنا. رواه ابن إسحق، والبيهقي من طريقه.
۱۹ - وحديث: «نحن معاشر الأنبياء لا نُورَث».
رواه النسائي في "سننه" الكبرى": أنا محمد بن منصور المكي، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: قال عمر لعبد الرحمن وسعد وعثمان وطلحة والزبير : أنشدكم بالله الذي قامت له السموات والأرض سمعتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّا معشر
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج
٤٧١
الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة». قالوا: اللهم نعم. وقال النسائي في كتاب "الكنى": أخبرني إسحق بن موسى: ثنا تليد بن سليمان أبو إدريس، عن عبد الملك بن عمير، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة».
قال: «وتلید بن سليمان كوفي ليس بالقوي.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا أنه قال: «إنا» بدل «نحن» وإسناده على شرط مسلم كما قال الحافظ.
ورواه الطبراني في "الأوسط"، ورواه الحميدي في "مسنده" : نا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة به. وزاد: «ما تركنا فهو صدق». قلت: هذا الإسناد على شرط الشيخين.
وفي الباب عن أبي بكر رضي الله عنه، وعمر، وعثمان، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، والعباس، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وطلحة، وأبي هريرة، وعائشة، وحذيفة.
١ - فحديث أبي بكر رضي الله عنه : متفق عليه من طريق عروة عن عائشة : أن فاطمة أرسلت إليه تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك ومما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة». ولأحمد من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة: أن فاطمة قالت لأبي
٤٧٢
الحديث الشريف
بكر: «مالنا لا نرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟». فقال: سمعته يقول: أن النبي لا يورث».
وذكر الدارقطني في "العلل" حديث الكلبي، عن أبي صالح، عن أم هاني، عن فاطمة أنها دخلت على أبي بكر فقالت: «من يرثك إذا مت؟» قال: ولدي وأهلي. قالت: فما لنا لا نرث النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم؟!» قال: سمعته يقول: «إنَّ الأنبياء لا يورثون ما تركوه فهو صدقة».
(۸-۲) وحديث ،عمر وعثمان وعلي والعباس، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وسعد بن أبي وقاص متفق عليه في قصة اختصام علي والعباس إلى عمر فيما أفاء الله على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مال بني النضير، وإن عمر قال لعثمان وابن عوف والزبير وسعد: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة»؟ قالوا: نعم. ثم أقبل على علي والعباس فقال: أنشدكما أتعلمان أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قد قال ذلك؟
قالا : نعم. ورواه النسائي وزاد فيهم طلحة.
وحديث أبي هريرة رواه مسلم بلفظ حدیث عمر.
۱۰ - وحديث عائشة في الصحيحين باللفظ السابق.
۱۱- وحديث حذيفة: رواه أبو موسى المديني في "براءة الصديق" من طریق فضيل بن سليمان، عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي عنه. قال الحافظ: «هذا إسناد حسن».
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج
قلت: ورواه الطبراني أيضًا في "الكبير".
٤٧٣
۱۲ - وحديث ابن عباس : رواه الطبراني في "الكبير" والمستدل به أبو بكر
وعمر وعائشة رضي الله عنهم، وقد قدمنا ذلك.
۲۰ - حديث: «إذا بلغ الماء قُلتَينِ».
الشافعي وأبو داود والنسائي، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، من حدیث عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب فقال: «إذا كان الماء قُلَّتين لم
يَحْملِ الخَبثَ». لفظ أبي داود.
ولفظ الحاكم: «لم ينجسه شيء».
قال ابن معين: «إسناده جيد»، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين وقد احتجا بجميع رواته». وقال ابن منده: إسناده على شرط مسلم، وقال
عبد الحق في "الأحكام": «حديث صحيح».
۲۱ - حديث: «الاثنان فما فوقها جماعة».
ورد من حديث أبي موسى الأشعري ،وأنس، وعبد الله بن عمرو،
والحكم بن عمير، وأبي هريرة، وأبي أمامة.
فحديث أبي موسى رواه ابن ماجه والدارقطني، والحاكم، من طريق الربيع بن بدر بن عمرو بن جراد، عن أبيه، عن جده عمرو، عن أبي موسى
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فذكره.
والربيع قال الحافظ البوصيري وابن حجر: ضعيف». وأبوه قال الحافظ :
٤٧٤
الحديث الشريف
مجهول».
وحديث أنس: رواه البيهقي وقال: «هو أضعف من حديث أبي موسى». وحديث عبد الله بن عمرو رواه الدارقطني في "السنن"، وفي إسناده عثمان الوابصي قال الحافظ : «متروك».
وحديث الحكم بن عمير : رواه ابن أبي خيثمة، وابن عدي، وابن سعد، والبغوي في " المعجم". قال الحافظ : «إسناده واه».
وحديث أبي هريرة: رواه ابن المغلس في "الموضح"، وفي إسناده علي بن
يونس، عن إبراهيم بن عبد الرزاق، وهما مجهولان كما قال الحافظ. وحديث أبي أمامة رواه الطبراني في "الأوسط"، وفي مسنده مسلمة بن علي
قال الحافظ نور الدين الهيثمي: «ضعيف».
٢٢ - وقول البيضاوي: فقيل أراد به جواز السفر». يرده أمران: الأول: ما ورد في بعض طرق الحديث مما يفيد أن المراد جماعة الصلاة، وذلك ما أخرجه أحمد من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم رأى رجلًا يصلي فقال: «ألا رجلٌ يتصدَّقُ على هذا فيصلي معه». فقام رجل يصلي معه
فقال: «هذان جماعة».
قال الحافظ: «هذا عندي أمثل طرق هذا الحديث لشهرة رجاله وإن كان
ضعيفا» . اهـ
ورواه الطبراني، وابن عدي عن أبي أمامة من وجه آخر ضعيف أيضًا. ورواه أحمد، عن الوليد بن أبي مالك، وهو منقطع لأن الوليد ليس
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج .
بصحابي كما قال الهيثمي.
٤٧٥
وقد بوب البخاري في أبواب صلاة الجماعة بحديث الترجمة فقال: «باب
اثنان فما فوقها جماعة. وكذا فعل ابن ماجه والدارقطني وغيرهما. الثاني: ما ورد في بعض الأحاديث مما يفيد النهي عن سفر الإثنين إذا لم يكن معهما ثالث.
وذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي، والحاكم، بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو : أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «الراكب
شيطان والراكبانِ شيطانان والثلاثةُ ركْبٌ».
٢٣ - قول البيضاوي: «وعن ابن عباس خلافه».
يعني أن ابن عباس أجاز انفصال الاستثناء عن اليمين، لكن اختلفت الرواية عنه في ذلك، فقيل: أجازه إلى شهر، وقيل: إلى سنة، وقيل: إلى الأبد. كذا في "شرح الإسنوي" و"جمع الجوامع". قلت: لم أقف على الرواية الأولى والثالثة، وأما الثانية فرواها سعيد بن منصور، وابن جرير في "التفسير" ، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، من طريق الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس : أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة، ثم قرأ: وَلَا نَقُولَنَّ لِشَاء إِنِّي فَاعِلُ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف: ٢٣ - ٢٤] يقول: إذا ذكرت. لفظ من عدا ابن جرير ولفظه: «ولو إلى سنة».
ورجال الثلاثة ثقات إلا أن أبا موسى المديني أعله فقال: «هذا حديث غير
٤٧٦
الحديث الشريف
ثابت، ولا متصل فإن الأعمش قد سمع من مجاهد ولم يسمع هذا منه، ولما رواه عيسى بن يونس عن الأعمش قال: سألته أسمعته من مجاهد؟ قال: لا». كذا نقل الزركشي عنه وأقره.
قلت: إنما يتم هذا القدح لو لم يصرح الأعمش بمن حدثه، وقد صرح به قال ابن جرير والطبراني: قيل للأعمش سمعت هذا من مجاهد؟ فقال: حدثني به ليث بن أبي سليم عن مجاهد.
قلت: بان من هذا أن الحديث متصل وأنه حسن لأن لينا حسن الحديث. (تنبيه): ورد عن ابن عبّاس ما يعارض ما تقدم، وهو ما رواه الطبراني من طريق عبد العزيز بن حصين، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ [الكهف: ٢٤]، قال: «إذا نسيت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت». وقال: «هي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة وليس لأحد منا أن يستثني إلا في صلة من يمينه». وعبد العزيز
ضعيف كما قال الحافظ الهيثمي.
٢٤- حديث: «لا صلاة إلا بطهور.
الطبراني في "الأوسط"، من طريق عيسى بن سبرة، عن أبيه، عن جده قال: صعد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيُّها الناسُ لا صلاة إلَّا بوضوء، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»
الحديث. وعيسى وأبوه قال الحافظ الهيثمي: «لم أر من ذكر أحدا منهما».
وفي الباب عن أبي بكر رضي الله عنه: بلفظ: «لا يقبل الله صلاةٌ بغير طهورٍ ولا صدقةً من خُلول». رواه أبو عوانة.
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج .
٤٧٧
وعن عمر بلفظ أبي بكر رضي الله عنهما، رواه ابن أبي شيبة في
" المصنف".
وعن الحسن بن علي عليهما صلوات الله باللفظ السابق رواه الخطيب في " المتفق والمفترق".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ أبي بكر رضي الله عنه، رواه مسلم. ورواه الترمذي وابن ماجه بلفظ : «لا تُقبل صلاة إلا بطهور».
قال الترمذي: «هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب». وعن الزبير بن العوام بلفظ الترمذي رواه الطبراني في "الأوسط"، قال الحافظ الهيثمي : فيه وهب بن حفص الحراني، قيل فيه: كذاب». وعن أسامة بن عمير الهذلي : بلفظ : «لا يقبلُ الله صلاةٌ إلا بطهورٍ ولا يقبل صدقةً من غلول». رواه ابن ماجه.
ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان، ولكن قالوا: بغير
طهور.
وعن أنس: بلفظ أبي بكر رضي الله عنه ، رواه أبو يعلى، وابن ماجه من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن سنان، عن أنس.
ويزيد، قال الحافظ البوصيري: «مجهول»، وقال الحافظ الهيثمي: «لم أر من
ذكره، وشيخه ضعيف كما قال الحافظ البوصيري.
وعن ابن مسعود: بلفظ أبي بكر رضي الله عنه، رواه الطبراني في "الكبير"
قال الحافظ الهيثمي: «فيه عباد بن أحمد العزرمي وهو متروك».
وعن عمران بن حصين بلفظ أبي بكر رضي الله عنه، رواه الطبراني في
٤٧٨
الحديث الشريف
"الكبير"، قال الحافظ الهيثمي: «رجاله رجال الصحيح». وعن طلحة بن عبيد الله قال أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز : حدثني عبد الله بن أحمد الدورقي: ثنا يونس بن موسى: ثنا الحسن بن حماد أبو محمد الكريزي ثنا عبد الله بن محمد العدوي قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يقول على منبره: «ألا أيها الناس لا يقبلُ الله صلاةَ إمام حَكَمَ بغير ما أنزلَ اللهُ تعالى، ولا يقبلُ الله صلاةً بغير طهور ولا صدقةً من غُلول».
وعن أبي بكرة بلفظ أبي بكر رضي الله عنه، رواه ابن ماجه، وفي سنده
الخليل بن زكرياء، قال الحافظ البوصيري: «ضعيف».
وعن أبي سعيد الخدري بلفظ : «لا صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول». رواه الطبراني في "الأوسط"، والبزار ، قال الحافظ الهيثمي: «فيه عبيد الله بن يزيد القردواني، لم يرو عنه غير ابنه محمد». وقال تلميذه الحافظ: «مجهول» والقُرْدُواني بضم القاف والدال بينهما راء ساكنة.
وعن أبي هريرة بلفظ : « لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول». رواه البزار، قال الحافظ الهيثمي : «فيه كثير بن زيد الأسلمي، وثقه ابن حبان، وابن معين في رواية، وقال أبو زرعة: صدوق فيه لين، وضعفه النسائي، وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي : ثقة» . اهـ
وعن الحسن وأبي قلابة مرسلًا: بلفظ أبي بكر السابق، رواه الحارث بن أبي
أسامة في "مسنده".
٢٥- حديث: «القاتل لا يرث».
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج .
٤٧٩
الترمذي، والنسائي في "الكبرى" ، وابن ماجه من طريق إسحق بن عبدالله بن
أبي فروة، عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم به.
قال الترمذي: «هذا حديث لا يصح، لا يعرف إلا من هذا الوجه، وإسحق بن عبد الله تركه بعض أهل العلم منهم أحمد بن حنبل، وكذا قال النسائي: إن إسحق متروك».
وفي الباب عن عمر رضي الله عنه: بلفظ: «ليس للقاتل ميراث». رواه الدارقطني في "السنن"، من طريق محمد بن سليمان بن أبي داود: نا عبد الله بن
جعفر، عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، عن عمر.
ومحمد بن سليمان، قال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث». وسعيد بن المسيب لم يسمع من عمر كما قال ابن القطان.
ورواه الدارقطني أيضًا من طريق أبي حمة نا أبو قرة، عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ليس لقاتل شيء».
وأبو حمة، قال ابن القطان: لا أعرف حاله ولم أر من ذكره إلا ابن الجارود في كتاب "الكنى" ولم يذكر حالا».
ورواه مالك، والشافعي، وعبد الرزاق، والنسائي، كلهم من طريق عمرو بن
شعيب، عن عمر، في قصة بلفظ الدارقطني الأول، وهو منقطع لأن عمرا لم
يدرك عمر.
وعن عبد الله بن عمرو: بلفظ: «لا يَرِثُ القاتل شيئًا».
٤٨٠
الحديث الشريف
رواه النسائي والدارقطني من طريق إسماعيل بن عياش، عن ابن جريج ويحيى بن سعيد - زاد الدارقطني والمثنى بن الصباح- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو.
قال النسائي: حديث ابن عياش هذا خطأ». وقال ابن القطان: رواية
ابن عیاش من غير الشاميين ضعيفة عند البخاري وغيره. قلت: قد تابعه محمد بن راشد فرواه عن سليمان بن موسى عن عمرو بالسند المذكور.
وعن ابن عباس: باللفظ السابق، رواه الدارقطني بإسناد ضعيف. وقال عبد الرزاق نا معمر عن رجل عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «من قتل قتيلًا فإنه لا يرثه وإن لم يكن له وارث غيره». ثم قال عبد الرزاق: «والرجل هو عمرو بن برق». قال الحافظ: «وهو ضعيف».
وعن عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي في قصة قتله لامرأته خطأ، وأن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال له: «أعقلها ولا ترثها». رواه الطبراني.
وعن عدي الجذامي: نحوه رواه الخطابي.
(تنبيه): صنيع المصنف في الاستدلال بحديث الترجمة يقتضي أنه متواتر، وليس كذلك، فإنه كما ترى لم تسلم طرقه من ضعف وانقطاع وإن كان يتقوى
بمجموعها لكن لا يبلغ إلى درجة الصحة فضلا عن التواتر، والله أعلم. ٢٦ - وقول البيضاوي: «وبرجمه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم للمُحْصَن».
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج
٤٨١
يقتضي أيضًا أن الرجم متواتر، وهو صحيح، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم رجم ماعز بن مالك الأسلمي من حديث أبي بكر رضي عنه، وأبي هريرة، وجابر، وابن عبّاس، وجابر بن سمرة، وأبي سعيد الخدري، وبريدة، وأبي ذر، وأبي برزة ، ورجل من الصحابة، ونصر بن دهر، واللجلاج، ونعيم بن هزال عن أبيه، ومن مرسل ابن المسيب، وعطاء بن يسار، وأبي أمامة بن
سهل بن حنيف، والشعبي.
١ - فحديث أبي بكر رضي الله عنه رواه أحمد.
٢ - وحديث أبي هريرة: رواه الستة.
٤،٣ - وحديث جابر، وابن عباس: رواه الستة إلا ابن ماجه. ٦،٥ - وحديث جابر بن سمرة، وأبي سعيد: رواه مسلم، وأبو داود،
والنسائي.
وحديث بريدة: رواه مسلم.
- وحديث أبي ذر : رواه أحمد.
۹ - وحديث أبي برزة: رواه ابن أبي شيبة في "المصنف".
٦ - وحديث الرجل من الصحابة: رواه النسائي. وحدیث نصر بن دهر : رواه ابن أبي شيبة، والنسائي، بإسناد جيد.
وحديث اللجلاج: رواه أبو داود، والنسائي.
٩ - وحديث نعيم عن أبيه: رواه أبو داود، والنسائي، والحاكم. ۱۰ - ومرسل ابن المسيب: رواه النسائي.
٤٨٢
الحديث الشريف
۱۱ - ومرسل عطاء بن يسار: رواه ابن أبي شيبة. ١٢ - ومرسل أبي أمامة رواه أبو مرة في "سننه".
۱۳ - ومرسل الشعبي: رواه ابن أبي شيبة.
وفي "صحيح مسلم من حديث بريدة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
الغامدية لما اعترفت عنده بالزنا.
وفيه أيضًا من حديث عمران بن حصين مثل ذلك في امرأة من جهينة. وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم
رجم يهوديين زنيا.
زاد أبو داود، والحاكم، والبيهقي: «وكانا قد احصنا».
وفيهما أيضًا من حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد، أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في زنا ابن أحدهما بامرأة الآخر، الحديث
بطوله.
وفيه من قول النبي صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «وعلى ابنك جلد ماية وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها». فغدا عليها فاعترفت فرجمها.
۲۷- حديث: «إذا رُوي عني حديث فاعرِضُوه على كتاب الله، فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فردوه».
ورد من طرق ضعيفة عن علي ، وابن عمر، وثوبان، وأبي هريرة.
۱- فحديث علي كرم الله وجهه رواه الدارقطني، من طريق جبارة بن
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج
٤٨٣
المغلس، عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود، عن زر، عن علي صلوات الله عليه مرفوعا: «إنّها ستكون بعدي رواة يروون عنِّي الحديث فاعرِضُوا حديثهم على القرآن فما وافق القرآن فخذُوا به وما لم يوافق القرآن فلا
تأخذوا به».
ثم قال الدارقطني : هذا وهم والصواب عن عاصم، عن زيد بن علي
مرسلا».
قلت: وجبارة ضعيف مضطرب الحديث كما قال البخاري، بل رماه ابن معين بالكذب.
۲- وحديث ابن عمر رواه الطبراني في "الكبير" من طريق الوضين، عن سالم بن عبدالله بن عمر ، عن أبيه رفعه : سُئِلت اليهود عن موسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتَّى كَفَروا، وإنه ستفْشُو عني أحاديثُ، فما أتاكم من حديثي فاقرؤا كتاب الله واعتبروا، فما وافق كتاب الله فأنا قلته وما لم يوافق كتاب الله فلم أقله».
قال الحافظ نور الدين الهيثمي : فيه أبو حاضر عبدالملك بن عبدربه، وهو
منكر الحديث».
وحديث ثوبان رواه الطبراني من طريق يزيد بن ربيعة، عن أبي الأشعث، عن ثوبان مرفوعا: «ألا إنَّ رحى الإسلام دائرة قالوا: فكيف نصنع يا رسول الله؟ قال: «اعرِضُوا حديثي على الكتاب فما وافقه فهو منّي وأنا قلته». ويزيد، قال البخاري: منكر الحديث». وقال النسائي: «متروك». وكذا
٤٨٤
الحديث الشريف
قال الحافظان الناقدان شمس الدين الذهبي ونور الدين الهيثمي، وأعله ابن الجوزي في "الموضوعات" بأن أبا الأشعث لا يروي عن ثوبان، واعتراض
الحافظ السيوطي عليه غير سديد.
- وحديث أبي هريرة: رواه الهروي في ذم الكلام"، من طريق صالح بن موسى، عن عبدالعزيز بن رفيع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رفعه: «إنَّه ستأتيكم عني أحاديث مُختلفة، فما جاءكم موافقا لكتاب الله وسنّتي فهو مِنِّي، وما جاءكم مخالفًا لكتاب الله وسنّتي فليس مِنّي». وصالح هو الطلحي، قال النسائي: «متروك». وللبيهقي في كتاب "المعرفة" من حديث أبي جعفر رفعه: «ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فأنا قلته وما خالفه فلم أ قلت: أبو جعفر إذا كان هو الأنصاري الذي ولد في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم على ما يفهم من رواية جاءت عنه كما ذكر الحافظ، فالحديث مرسل، وإن كان غيره فهو مجهول، والراوي له عن أبي جعفر خالد بن أبي كريمة وهو ضعيف كما قال ابن معين.
أقله».
وقد نص جماعة من الأئمة على أن هذا الحديث لا يصح، في مقدمتهم الإمام الشافعي رضي الله عنه، فإنه قال كما حكاه عنه البيهقي في "المعرفة": «ما روى هذا الحديث أحد يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير». وقال الحافظ ابن عبد البر في كتاب "العلم": «هذه الألفاظ لا تصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه». ونقل عن عبدالرحمن بن مهدي أنه قال: «الزنادقة والخوارج وضعوا
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج .
حديث: ما أتاكم عنّي فاعرضوه على كتاب الله» . اهـ
٤٨٥
وقال البيهقي في "المدخل": «هذا حديث باطل لا يصح وهو ينعكس على نفسه بالبطلان فليس في القرآن دلالة على عرض الحديث على القرآن. وقال الخطابي: هو حديث باطل لا أصل له وروي عن يحيى بن معين أنه قال: فهذا حديث وضعه الزنادقة» . اهـ
وقال الحافظ : «له طرق لا تخلو من مقال».
وعارضه بعضهم فقال: عرضنا هذا الحديث على كتاب الله فخالفه، لأنا وجدنا كتاب الله يقول: وَمَا الكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [الحشر: ]، ووجدنا فيه: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران:
۳۱] ، ووجدنا فيه : مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: ٨٠]». ۲۸- حديث: «خلق الله الماءَ طهورًا لا ينجسه شيءٌ إلا ما غير طعمه أو
لونه أو ريحه». لا أصل له بهذا اللفظ، لكن في معناه أحاديث.
ففي معنى صدره ما رواه الشافعي وأحمد، والأربعة، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، عن أبي سعيد الخدري قال : قيل يا رسول الله، أتتوضأ من بير بضاعة وهي بير يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إنَّ الماءَ طهورٌ لا ينجسه شيء». لفظ الترمذي، وقال:
«حسن». وصححه أحمد، وابن معين، وابن حزم.
وما رواه ابن ماجه من طريق شريك، عن طريق ابن شهاب قال: سمعت أبا نضرة يحدث عن جابر قال: انتهينا إلى غدير فإذا فيه جيفة حمار قال: فكففنا
الحديث الشريف
عنه، حتى انتهى إلينا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فقال: «إن الماء لا
ينجسه شيء». فاستقينا واروينا وحملنا.
وطريف، قال ابن عبد البر: «أجمعوا على ضعفه».
وما رواه أحمد بإسناد رجاله ثقات، عن ابن عباس: أن امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم اغتسلت من جنابة فتوضأ النبي صلى الله عليه
وآله وسلّم بفضله، فذكرت ذلك له فقال: «إنَّ الماء لا ينجسه شيء». وله عند البزار نحوه إلا أنه ذكر «الوضوء بدل «الجنابة». قال الحافظ الهيثمي: «رجاله ثقات».
وما رواه الدار قطني قال : ثنا محمد بن سليمان الحراني أبو سليمان: نا علي بن أحمد الجرجاني: نا محمد بن موسى الحرثي نا فضيل بن سليمان النميري، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الماء لا ينجسه شيء .
وما رواه أبو يعلى، والبزار والطبراني في "الأوسط" بإسناد رجاله ثقات كما قال الحافظ الهيثمي، عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الماء لا ينجسه شيء». وما رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد رجاله موثقون كما قال الحافظ : الدين، عن ميمونة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الماء لا
ينجسه شيء».
وما رواه أحمد بإسناد صحيح كما قال الحافظ الهيثمي وتلميذه الحافظ، عن معاذة قالت: سألت عائشة عن الغسل من الجنابة فقالت: «إن الماء لا ينجسه
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج .
شيء".
٤٨٧
وما رواه ابن أبي شيبة قال : ثنا ابن علية، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب سألناه عن الغدران والحياض تلغ فيها الكلاب فقال: «أنزل الماء طهورًا لا ينجسه شيء».
ورواه الدارقطني : ثنا جعفر بن محمد بن أحمد الواسطي: نا موسى بن إسحق : نا أبو بكر - يعني ابن أبي شيبة - به .
وفي معنى الاستثناء ما رواه الدارقطني من طريق رشدين بن سعد: نا معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «الماء طهور إلا ما غَلَبَ على ريحه أو على طعمه». ورشدين متروك على صلاحه.
وما رواه ابن ماجه، والطبراني، والدارقطني من طريق رشدين بن سعد، عن معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه
وطعمه ولونه». وهو ضعيف أيضا لضعف رشدين.
ورواه البيهقي من طريق عطية بن بقية، عن أبيه، عن ثور، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة بلفظ: إن الماء طهور إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه
بنجاسة تحدث فيه».
وهذا الطريق - وإن كان ضعيفا يرد قول الدارقطني: «لم يرفع الحديث
غیر رشدين. ورواه الطحاوي، والدارقطني من طريق راشد بن سعد مرسلا بلفظ:
٤٨٨
الحديث الشريف
الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه». زاد الطحاوي: «أو
لونه». وصحح أبو حاتم إرساله.
وقال الشافعي: يروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من وجه لا يثبت أهل الحديث إرساله». وقال في "العلل": «لا يثبت». وقال
النووي: اتفق المحدثون على تضعيفه».
۲۹ - حديث: «إذا بلغ الماء قلتين». تقدم.
٣٠ - حديث: «حُكْمي على الواحدِ حُكْمي على الجماعة».
قال المزي، والذهبي، والعراقي، والسخاوي: «لا أصل له».
لكن في معناه ما رواه النسائي من طريق مالك، والترمذي، من طريق سفيان، عن محمد بن المنكدر : سمعت أميمة بنت رقيقة تقول: بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في نسوة فقال لنا: «فيما استطعتُنَّ وأطقتُنَّ». قلت: الله ورسوله أرحم منا بأنفسنا، فقلت: يا رسول الله بايعنا. قال سفيان -يعني صافحنا-: فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: «إنَّما قَوْلي لمائةِ امرأةٍ كَقَوْلي لامرأةٍ واحدة». لفظ الترمذي. وقال: حسن صحيح.
ولفظ النسائي: «ما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة». وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"، وكذا الدارقطني وألزم الشيخين
إخراجه.
۳۱- قول البيضاوي: كحديث أبي هريرة رضي الله عنه وعمله في الولوغ». قلت: حديثه في الولوغ متفق عليه من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عنه بلفظ: «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات».
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج .
٤٨٩
قال الحافظ : «هذا هو المشهور عن مالك، وروي عنه: «إذا ولغ» وهذا هو
لفظ أصحاب أبي الزناد أو أكثرهم عنه، وهو المحفوظ. وكذا رواه عامة أصحاب أبي هريرة عنه» . اهـ
ولمسلم من طريق هشام عن ابن سيرين عنه بلفظ: «إذا ولغ الكلب في
إناء أحدكم غسل سبعا أولاهن بالتراب».
ورواه الترمذي، من طريق ابن سيرين أيضا، فقال: «أُولاهن أو أُخراهن»
وقال: حسن صحيح.
ورواه البزار فقال: «أحسبه قال: إحداهن بالتراب».
قال الحافظ الهيثمي : رجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار. ورواه أبو داود، من طريق أبان عن قتادة، عن ابن سيرين بلفظ : «السابعة
بالتراب وكذا رواه الدارقطني وقال: «صحيح».
ثم رواه من طريق معاذ، عن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن خلاس، عن
أبي رافع عن أبي هريرة بلفظ : «أولاهن بالتراب» وقال: «صحيح». لكن رواه البيهقي من هذا الطريق وقال: إن كان معاذ حفظه فهو حسن قال الحافظ: «فأشار إلى تعليله وعمله فيه». رواه الدارقطني من طريق عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء عنه: أنه كان إذا ولغ الكلب في الإناء أهرقه وغسله ثلاث مرات. وكذا رواه ابن عدي. قال البيهقي في "المعرفة": «عبد الملك لا يحتج به إذا انفرد، فكيف إذا خالف، وقد تفرد بهذا من بين أصحاب عطاء، ولمخالفته أهل الحفظ والثقة في بعض روایاته تركه شعبة بن الحجاج، ولم يحتج به البخاري في "الصحيح"».
٤٩٠
الحديث الشريف
قال: وروينا عن حماد بن زيد ومعتمر بن سليمان، عن أيوب، عن ابن
سيرين، عن أبي هريرة من قوله نحو روايته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . اهـ قلت: رواية حماد بن زيد أخرجها الدارقطني قال : ثنا المحاملي: نا حجاج بن الشاعر: نا عارم نا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة: في الكلب يلغ في الإناء، قال: «يهراق ويغسل سبع مرات.
قال الدارقطني: صحيح موقوف.
۳۲- حديث: «أيما إهابٍ دُبغَ فقد طَهُرَ».
مالك والشافعي، وإسحق بن راهويه والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن حِبَّان، والبزار، من طريق عبد الرحمن بن وَعلَة، عن ابن عباس
بهذا. قال الترمذي: حسن صحيح.
ورواه مسلم، والدارقطني من هذا الوجه بلفظ: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر». ورواه الدارقطني من حديث ابن عمر بلفظ الترجمة وقال: «إسناده حسن». وقال الحافظ: «إسناده على شرط «الصحة»، وللخطيب في "تلخيص المتشابه" عن جابر نحوه.
۳۳- قول البيضاوي: مع قوله في شاة ميمونة «دباغها طهورها».
هذا الحديث بهذا السياق لا يوجد ، بل هو ملفق من حديثين.
ففي "صحيح مسلم من حديث ابن عبّاس قال: تُصدق على مولاة الميمونة بشاة فماتت فمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «هلا
الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج .
٤٩١
أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتُم به؟ فقالوا: إنها ميتة. فقال: «إنما حُرّم أكلها». وكذا رواه أحمد وأبو داود والترمذي. ورواه البخاري إلا أنه لم يقل:
«فدبغتموه».
وفي لفظ لأحمد: إن